You are on page 1of 18

‫وجوب تحكيم شرع هللا‬

‫ونبذ ما خالفه‬

‫لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز‬


‫‪ -‬رحمه هللا –‬
‫وجوب تحكيم شرع هللا ونبذ ما خالفه‬

‫[المقدمة]‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال‬


‫شريك له‪ ،‬إله األولين واآلخرين‪ ،‬ورب الناس أجمعين‪ ،‬مالك‬
‫الملك‪ ،‬الواحد األحد الفرد الصمد‪ ،‬الذي لم يلد ولم يولد ولم‬
‫يكن له كف ًوا أحد‪ ،‬وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله‪ ،‬صلوات‬
‫هللا وسالمه عليه‪ ،‬بلغ الرسالة وأ ّدى األمانة وجاهد في هللا‬
‫حق جهاده‪ ،‬وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها‪،‬‬
‫ال يزيغ عنها إال هالك‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فهذه رسالة موجزة ونصيحة الزمة في وجوب التحاكم‬
‫إلى شرع هللا‪ ،‬والتحذير من التحاكم إلى غيره‪ ،‬كتبتها لما‬
‫رأيت وقوع بعض الناس في هذا الزمان في تحكيم غير‬
‫شرع هللا‪ ،‬والتحاكم إلى غير كتاب هللا وسنة رسوله‪ ،‬من‬
‫العرافين والكهان وكبار عشائر البادية‪ ،‬ورجال القانون‬
‫الوضعي وأشباههم‪ ،‬جهاًل من بعضهم لحكم عملهم ذلك‪،‬‬
‫ومعاندة ومحادة هلل ورسوله من آخرين‪ ،‬وأرجو أن تكون‬
‫نصيحتي هذه معلمة للجاهلين‪ X،‬ومذكرة للغافلين‪ ،‬وسببًا في‬
‫استقامة عباد هللا على صراطه المستقيم‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫الذ ْك َرى تَ ْنفَ ُع ا ْل ُمْؤ ِمنِينَ ﴾ [الذاريات‪ ،]55 :‬وقال‬ ‫﴿ َو َذ ِّك ْر فَِإنَّ ِّ‬
‫س َواَل‬ ‫ق الَّ ِذينَ ُأوتُوا ا ْل ِكت َ‬
‫َاب لَتُبَيِّنُنَّهُ‪ A‬لِلنَّا ِ‬ ‫﴿وِإ ْذ َأ َخ َذ هَّللا ُ ِميثَا َ‬
‫سبحانه‪َ :‬‬
‫تَ ْكتُ ُمونَهُ﴾‪[ A‬آل عمران‪ ،]187 :‬وهللا المسئول سبحانه أن ينفع‬
‫‪3‬‬
‫وجوب تحكيم شرع هللا ونبذ ما خالفه‬
‫بها‪ ،‬ويوفق المسلمين عمو ًما اللتزام شريعته‪ ،‬وتحكيم كتابه‬
‫واتباع سنة نبيه محمد صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫وجوب تحكيم شرع هللا ونبذ ما خالفه‬

‫[التحاكم إلى هللا من مقتضى‬


‫شهادة أن ال إله إال هللا أن محمدا عبده ورسوله]‬

‫"فصل"‪ X‬لقد خلق هللا الجن واإلنس لعبادته قال هللا‬


‫س ِإاَّل لِيَ ْعبُدُو ِن﴾ [الذاريات‪،]56 :‬‬ ‫﴿و َما َخلَ ْقتُ ا ْل ِجنَّ َواِإْل ْن َ‬
‫سبحانه‪َ :‬‬
‫سانًا﴾‬‫ضى َربُّكَ َأاَّل تَ ْعبُدُوا ِإاَّل ِإيَّاهُ َوبِا ْل َوالِ َد ْي ِن ِإ ْح َ‬
‫﴿وقَ َ‬
‫وقال‪َ :‬‬
‫ش ِر ُكوا بِ ِه َ‬
‫ش ْيًئا‬ ‫﴿وا ْعبُدُوا هَّللا َ َواَل تُ ْ‬ ‫[اإلسراء‪ ،]23 :‬وقال َ‬
‫َوبِا ْل َوالِ َد ْي ِن ِإ ْح َسانًا﴾ [النساء‪.]36 :‬‬
‫وعن معاذ بن جبل رضي هللا عنه أنه قال‪« :‬كنت رديف‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم على حمار‪ ،‬فقال‪ :‬يا معاذ أتدري‬
‫ما حق هللا على العباد؟ وما حق العباد على هللا؟ قلت‪ :‬هللا‬
‫ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪ :‬حق هللا على العباد أن يعبدوه وال‬
‫يشركوا به شيًئا‪ ،‬وحق العباد على هللا أن ال يعذب من ال‬
‫يشرك به شيًئا‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول هللا أفال أبشر الناس؟ قال‬
‫ال تبشرهم فيتكلوا» رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وقد فسَّر العلماء رحمهم هللا العبادة بمعان متقاربة من‬
‫أجمعها ما ذكره شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا إذ يقول‪:‬‬
‫"العبادة‪ :‬اسم جامع لكل ما يحبه هللا ويرضاه من األقوال‬
‫واألعمال الظاهرة والباطنة"‪.‬‬
‫وهذا يدل على أن العبادة تقتضي‪ :‬االنقياد التام هلل تعالى‪،‬‬
‫أمرًا ونهيًا واعتقادًا وقواًل وعماًل ‪ ،‬وأن تكون حياة المرء‬
‫قائمة على شريعة هللا‪ ،‬يحل ما أحل هللا ويحرم ما حرم هللا‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫وجوب تحكيم شرع هللا ونبذ ما خالفه‬
‫ويخضع في سلوكه وأعماله وتصرفاته كلها لشرع هللا‪،‬‬
‫متجرِّ دًا من حظوظ نفسه ونوازع هواه‪ ،‬ليستوي في هذا‬
‫الفرد والجماعة‪ ،‬والرجل والمرأة‪ ،‬فال يكون عابدًا هلل من‬
‫خضع لربه في بعض جوانب حياته‪ ،‬وخضع للمخلوقين في‬
‫جوانب أخرى‪ ،‬وهذا المعنى يؤكده قول هللا تعالى‪﴿ :‬فَاَل َو َربِّ َك‬
‫س ِه ْم‬ ‫اَل يُْؤ ِمنُونَ َحتَّى يُ َح ِّك ُموكَ فِي َما ش ََج َر بَ ْينَ ُه ْم ثُ َّم اَل يَ ِجدُوا فِي َأ ْنفُ ِ‬
‫ضيْتَ َويُ َسلِّ ُموا تَ ْسلِي ًما﴾ [النساء‪ ،]65 :‬وقوله سبحانه‬ ‫َح َر ًجا ِم َّما قَ َ‬
‫وتعالى‪َ﴿ :‬أفَ ُح ْك َم ا ْل َجا ِهلِيَّ ِة يَ ْب ُغونَ َو َمنْ َأ ْح َ‬
‫سنُ ِمنَ هَّللا ِ ُح ْك ًما لِقَ ْو ٍم‬
‫يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة‪ ،]50 :‬وما روي أن رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم قال‪« :‬ال يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما‬
‫جئت به»‪ ،‬فال يتم إيمان العبد إال إذا آمن باهلل ورضي حكمه‬
‫في القليل والكثير‪ ،‬وتحاكم إلى شريعته وحدها في كل شأن‬
‫من شئونه‪ ،‬في األنفس واألموال واألعراض‪ ،‬وإال كان عابدًا‬
‫سواًل َأ ِن اُ ْعبُدُوا‬ ‫لغيره‪ ،‬كما قال تعالى‪َ ﴿ :‬ولَقَ ْد بَ َع ْثنَا فِي ُك ِّل ُأ َّم ٍة َر ُ‬
‫اجتَنِبُوا الطَّا ُغوتَ ﴾ [النحل‪ ،]36 :‬فمن خضع هلل سبحانه‬ ‫هَّللا َ َو ْ‬
‫وأطاعه وتحاكم إلى وحيه‪ ،‬فهو العابد له‪ ،‬ومن خضع لغيره‪،‬‬
‫وتحاكم إلى غير شرعه‪ ،‬فقد عبد الطاغوت‪ ،‬وانقاد له‪ ،‬كما‬
‫قال تعالى‪َ﴿ :‬ألَ ْم تَ َر ِإلَى الَّ ِذينَ يَ ْز ُع ُمونَ َأنَّ ُه ْم آ َمنُوا بِ َما ُأ ْن ِز َل ِإلَ ْيكَ‬
‫ت َوقَ ْد ُأ ِم ُروا َأنْ‬
‫َو َما ُأ ْن ِز َل ِمنْ قَ ْبلِ َك يُ ِريدُونَ َأنْ يَت ََحا َك ُموا ِإلَى الطَّا ُغو ِ‬
‫ضاَل اًل بَ ِعيدًا﴾ [النساء‪.]60 :‬‬ ‫ضلَّ ُه ْم َ‬ ‫ش ْيطَانُ َأنْ يُ ِ‬
‫يَ ْكفُ ُروا بِ ِه َويُ ِري ُد ال َّ‬
‫والعبودية هلل وحده والبراءة من عبادة الطاغوت والتحاكم‬
‫إليه‪ ،‬من مقتضى شهادة أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪،‬‬
‫وأن محمدًا عبده ورسوله‪ ،‬فاهلل سبحانه هو رب الناس‪،‬‬

‫‪6‬‬
‫وجوب تحكيم شرع هللا ونبذ ما خالفه‬
‫وإلههم‪ ،‬وهو الذي خلقهم وهو الذي يأمرهم وينهاهم‪،‬‬
‫ويحييهم ويميتهم‪ ،‬ويحاسبهم ويجازيهم‪ ،‬وهو المستحق‬
‫ق َواَأْل ْم ُر﴾‬ ‫للعبادة دون كل ما سواه قال تعالى‪َ﴿ :‬أاَل لَهُ ا ْل َخ ْل ُ‬
‫[األعراف‪ ،]54 :‬فكما أنه الخالق وحده‪ ،‬فهو اآلمر سبحانه‪،‬‬
‫والواجب طاعة أمره‪.‬‬
‫وقد حكى هللا عن اليهود والنصارى أنهم اتخذوا أحبارهم‬
‫ورهبانهم أربابًا من دون هللا‪ ،‬لما أطاعوهم في تحليل الحرام‬
‫وتحريم الحالل‪ ،‬قال هللا تعالى‪﴿ :‬اتَّ َخ ُذوا َأ ْحبَا َر ُه ْم َو ُر ْهبَانَ ُه ْم‬
‫يح ابْنَ َم ْريَ َم َو َما ُأ ِم ُروا ِإاَّل لِيَ ْعبُدُوا ِإلَ ًها‬
‫س َ‬ ‫َأ ْربَابًا ِمنْ د ِ‬
‫ُون هَّللا ِ َوا ْل َم ِ‬
‫س ْب َحانَهُ َع َّما يُ ْش ِر ُكونَ ﴾ [التوبة‪.]31 :‬‬ ‫َوا ِحدًا اَل ِإلَهَ ِإاَّل ه َُو ُ‬
‫وقد روي عن عدي بن حاتم رضي هللا عنه أنه ظن أن‬
‫عبادة األحبار والرهبان إنما تكون في الذبح لهم‪ ،‬والنذر لهم‪،‬‬
‫والسجود والركوع لهم فقط ونحو ذلك‪ ،‬وذلك عندما «قدم‬
‫على النبي صلى هللا عليه وسلم مسل ًما وسمعه يقرأ هذه اآلية‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬إنّا لسنا نعبدهم‪ ،‬يريد بذلك النصارى‬
‫حيث كان نصرانيًّا قبل إسالمه‪ ،‬قال صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫أليس يُحرّمون ما أحل هللا فتحرّمونه ويُحلّون ما حرّم‬
‫فتحلونه؟ قال بلى‪ ،‬قال‪ :‬فتلك عبادتهم» رواه أحمد والترمذي‬
‫وحسنه‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫وجوب تحكيم شرع هللا ونبذ ما خالفه‬

‫[التحاكم إلى الطواغيت والرؤساء والعرافين ونحوهم‬


‫ينافي اإليمان]‬

‫قال الحافظ ابن كثير في تفسيره‪( :‬ولهذا قال تعالى‪َ ﴿ :‬و َما‬
‫ُأ ِم ُروا ِإاَّل لِيَ ْعبُدُوا ِإلَ ًها َوا ِحدًا﴾ [التوبة‪ ،]31 :‬أي الذي إذا حرَّم‬
‫الشيء فهو الحرام‪ ،‬وما حلّله فهو الحالل‪ X،‬وما َش َرعه اتُّبع‪،‬‬
‫س ْب َحانَهُ َع َّما يُ ْش ِر ُكونَ ﴾ أي تعالى‬ ‫وما حكم به نَفَذ‪﴿ ،‬اَل ِإلَهَ ِإاَّل ُه َو ُ‬
‫وتقدس وتنزه عن الشركاء والنظراء واألعوان واألضداد‬
‫واألوالد‪ ،‬ال إله إال هو وال رب سواه) اهـ [تفسير ابن كثير‬
‫ج‪ 2‬ص ‪.]349‬‬
‫"فصل"‪ X‬إذا ُعلم أن التحاكم إلى شرع هللا من مقتضى‬
‫شهادة أن ال إله إال هللا‪ ،‬وأن محمدًا عبده ورسوله‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫التحاكم إلى الطواغيت والرؤساء والعرافين ونحوهم ينافي‬
‫اإليمان باهلل عز وجل‪ ،‬وهو كفر وظلم وفسق‪ ،‬يقول هللا‬
‫تعالى‪َ ﴿ :‬و َمنْ لَ ْم يَ ْح ُك ْم بِ َما َأ ْن َز َل هَّللا ُ فَُأولَِئ َك ُه ُم ا ْل َكافِ ُرونَ ﴾ [المائدة‪:‬‬
‫‪ ،]44‬ويقول‪َ ﴿ :‬و َكتَ ْبنَا َعلَ ْي ِه ْم فِي َها َأنَّ النَّ ْف َ‬
‫س بِالنَّ ْف ِ‬
‫س َوا ْل َعيْنَ بِا ْل َع ْي ِن‬
‫اص فَ َمنْ‬
‫ص ٌ‬ ‫وح قِ َ‬ ‫سنِّ َوا ْل ُج ُر َ‬ ‫سنَّ بِال ِّ‬ ‫ف َواُأْل ُذنَ بِاُأْل ُذ ِن َوال ِّ‬‫َواَأْل ْنفَ بِاَأْل ْن ِ‬
‫ق بِ ِه فَ ُه َو َكفَّا َرةٌ لَهُ َو َمنْ لَ ْم يَ ْح ُك ْم بِ َما َأ ْنزَ َل هَّللا ُ فَُأولَِئ َك ُه ُم‬
‫َص َّد َ‬
‫ت َ‬
‫يل بِ َما َأ ْنزَ َل‬
‫الظَّالِ ُمونَ ﴾ [المائدة‪ ،]45 :‬ويقول‪َ ﴿ :‬و ْليَ ْح ُك ْم َأ ْه ُل اِإْل ْن ِج ِ‬
‫هَّللا ُ فِي ِه َو َمنْ لَ ْم يَ ْح ُك ْم بِ َما َأ ْن َز َل هَّللا ُ فَُأولَِئ َك ُه ُم ا ْلفَا ِسقُونَ ﴾ [المائدة‪:‬‬
‫‪.]47‬‬

‫‪8‬‬
‫وجوب تحكيم شرع هللا ونبذ ما خالفه‬
‫وبيّن تعالى أن الحكم بغير ما أنزل هللا حكم الجاهلين‪،‬‬
‫وأن اإلعراض عن حكم هللا تعالى سبب لحلول عقابه‪ ،‬وبأسه‬
‫الذي ال يرد عن القوم الظالمين‪ ،‬يقول سبحانه‪َ ﴿ :‬وَأ ِن ْ‬
‫اح ُك ْم‬
‫اح َذ ْر ُه ْم َأنْ يَ ْفتِنُو َك عَنْ بَ ْع ِ‬
‫ض‬ ‫بَ ْينَ ُه ْم بِ َما َأ ْنزَ َل هَّللا ُ َواَل تَتَّبِ ْع َأ ْه َوا َء ُه ْم َو ْ‬
‫ض‬
‫صيبَ ُه ْم بِبَ ْع ِ‬ ‫َما َأ ْن َز َل هَّللا ُ ِإلَ ْيكَ فَِإنْ ت ََولَّ ْوا فَا ْعلَ ْم َأنَّ َما يُ ِري ُد هَّللا ُ َأنْ يُ ِ‬
‫اسقُونَ * َأفَ ُح ْك َم ا ْل َجا ِهلِيَّ ِة يَ ْب ُغونَ‬ ‫س لَفَ ِ‬ ‫ُذنُوبِ ِه ْم َوِإنَّ َكثِي ًرا ِمنَ النَّا ِ‬
‫َو َمنْ َأ ْح َسنُ ِمنَ هَّللا ِ ُح ْك ًما لِقَ ْو ٍم يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة‪،]50 - 49 :‬‬
‫أن األم َر بالتحاكم‬ ‫وإن القارئ لهذه اآلية والمتدبر لها يَتبيَّن له َّ‬
‫إلى ما أنزل هللا ُأ ِّكد بمؤكدا ٍ‬
‫ت ثمانية‪:‬‬
‫اح ُك ْم بَ ْينَ ُه ْم بِ َما َأ ْن َز َل‬
‫األول‪ :‬األمر به في قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وَأ ِن ْ‬
‫هَّللا ُ﴾ [المائدة‪.]49 :‬‬
‫الثاني‪ :‬أن ال تكون أهواء الناس ورغباتهم مانعة من‬
‫﴿واَل تَتَّبِ ْع‬‫الحكم به بأي حال من األحوال وذلك في قوله‪َ :‬‬
‫َأه َْوا َء ُه ْم﴾ [المائدة‪.]49 :‬‬
‫الثالث‪ :‬التحذير من عدم تحكيم شرع هللا في القليل‬
‫اح َذ ْر ُه ْم َأنْ‬
‫والكثير‪ ،‬والصغير والكبير‪ ،‬بقوله سبحانه‪َ ﴿ :‬و ْ‬
‫ض َما َأ ْنزَ َل هَّللا ُ ِإلَ ْي َك﴾ [المائدة‪.]49 :‬‬
‫يَ ْفتِنُو َك عَنْ بَ ْع ِ‬
‫الرابع‪ :‬أن التولِّي عن حكم هللا وعدم قبول شيء منه ذنب‬
‫عظيم موجب للعقاب‪ X‬األليم‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬فَِإنْ ت ََولَّ ْوا فَا ْعلَ ْم َأنَّ َما‬
‫ض ُذنُوبِ ِه ْم﴾ [المائدة‪.]49 :‬‬ ‫صيبَ ُه ْم بِبَ ْع ِ‬ ‫يُ ِري ُد هَّللا ُ َأنْ يُ ِ‬
‫الخامس‪ :‬التحذير من االغترار بكثرة المعرضين عن‬
‫حكم هللا‪ ،‬فإن الشكور من عباد هللا قليل‪ ،‬يقول تعالى‪َ :‬‬
‫﴿وِإنَّ‬
‫اسقُونَ ﴾ [المائدة‪.]49 :‬‬ ‫س لَفَ ِ‬
‫َكثِي ًرا ِمنَ النَّا ِ‬

‫‪9‬‬
‫وجوب تحكيم شرع هللا ونبذ ما خالفه‬
‫السادس‪ :‬وصف الحكم بغير ما أنزل هللا بأنه حكم‬
‫الجاهلية‪ ،‬يقول سبحانه‪َ﴿ :‬أفَ ُح ْك َم ا ْل َجا ِهلِيَّ ِة يَ ْب ُغونَ ﴾ [المائدة‪.]50 :‬‬
‫السابع‪ :‬تقرير المعنى العظيم بأن حكم هللا أحسن األحكام‬
‫وأعدلها‪ ،‬يقول عز وجل‪َ ﴿ :‬و َمنْ َأ ْح َسنُ ِمنَ هَّللا ِ ُح ْك ًما﴾ [المائدة‪:‬‬
‫‪.]50‬‬
‫الثامن‪ :‬أن مقتضى اليقين هو العلم بأن حكم هللا هو خير‬
‫األحكام وأكملها وأتمها وأعدلها‪ ،‬وأن الواجب االنقياد له‪ ،‬مع‬
‫سنُ ِمنَ هَّللا ِ ُح ْك ًما لِقَ ْو ٍم‬ ‫الرضا والتسليم‪ ،‬يقول سبحانه‪َ ﴿ :‬و َمنْ َأ ْح َ‬
‫يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة‪.]50 :‬‬
‫وهذه المعاني موجودة في آيات كثيرة في القرآن‪ ،‬وتدل‬
‫عليها أقوال الرسول صلى هللا عليه وسلم وأفعاله‪ ،‬فمن ذلك‬
‫صيبَ ُه ْم فِ ْتنَةٌ‬ ‫قوله سبحانه‪﴿ :‬فَ ْليَ ْح َذ ِر الَّ ِذينَ يُ َخالِفُونَ عَنْ َأ ْم ِر ِه َأنْ تُ ِ‬
‫اب َألِي ٌم﴾ [النور‪ ،]63 :‬وقوله‪﴿ :‬فَاَل َو َربِّكَ اَل‬ ‫َأ ْو يُ ِ‬
‫صيبَ ُه ْم َع َذ ٌ‬
‫يُْؤ ِمنُونَ َحتَّى يُ َح ِّك ُمو َك فِي َما ش ََج َر بَ ْينَ ُه ْم﴾ [النساء‪ ]65 :‬اآلية‪،‬‬
‫وقوله‪﴿ :‬اتَّبِ ُعوا َما ُأ ْن ِز َل ِإلَ ْي ُك ْم ِمنْ َربِّ ُك ْم﴾ [األعراف‪ ،]3 :‬وقوله‪:‬‬
‫سولُهُ َأ ْم ًرا َأنْ يَ ُكونَ‬ ‫﴿ َو َما َكانَ لِ ُمْؤ ِم ٍن َواَل ُمْؤ ِمنَ ٍ‪A‬ة ِإ َذا قَ َ‬
‫ضى هَّللا ُ َو َر ُ‬
‫لَ ُه ُم ا ْل ِخيَ َرةُ ِمنْ َأ ْم ِر ِه ْم﴾ [األحزاب‪.]36 :‬‬
‫وروي عن الرسول صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪« :‬ال‬
‫يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به» قال النووي‪:‬‬
‫حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح‪.‬‬
‫وروي أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال لعدي بن حاتم‪:‬‬
‫«أليسوا يُحلّون ما ح ّرم هللا فتحلونه ويحرمون ما أحل هللا‬
‫فتحرمونه؟ قال بلى قال فتلك عبادتهم»‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫وجوب تحكيم شرع هللا ونبذ ما خالفه‬
‫وقال ابن عباس رضي هللا عنه لبعض من جادله في‬
‫بعض المسائل‪( :‬يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء‪،‬‬
‫أقول‪ :‬قال رسول هللا‪ ،‬وتقولون‪ :‬قال أبو بكر وعمر)‪ ،‬ومعنى‬
‫هذا‪ :‬أن العبد يجب عليه االنقياد التام لقول هللا تعالى‪ ،‬وقول‬
‫رسوله‪ ،‬وتقديمهما على قول كل أحد‪ ،‬وهذا أمر معلوم من‬
‫الدين بالضرورة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وجوب تحكيم شرع هللا ونبذ ما خالفه‬

‫[التحاكم بين العباد بشرعه ووحيه ألنه سبحانه المنزه‬


‫عما يصيب البشر وهو العليم بأحوال عباده وما يصلحهم]‬

‫"فصل"‪ X‬وإذا كان من مقتضى رحمته وحكمته سبحانه‬


‫وتعالى أن يكون التحاكم بين العباد بشرعه ووحيه؛ ألنه‬
‫سبحانه المنزه عما يصيب البشر من الضعف‪ X،‬والهوى‬
‫والعجز والجهل‪ ،‬فهو سبحانه الحكيم العليم اللطيف الخبير‪،‬‬
‫يعلم أحوال عباده وما يصلحهم‪ ،‬وما يصلح لهم في حاضرهم‬
‫ومستقبلهم‪ ،‬ومن تمام رحمته أن تولى الفصل بينهم في‬
‫المنازعات والخصومات وشئون الحياة ليتحقق لهم العدل‬
‫والخير والسعادة‪ ،‬بل والرضا واالطمئنان النفسي‪ ،‬والراحة‬
‫القلبية؛ ذلك أن العبد إذا علم أن الحكم الصادر في قضية‬
‫يخاصم فيها هو حكم هللا الخالق‪ X‬العليم الخبير‪ ،‬قَبِل ورضي‬
‫وسلَّم‪ ،‬وحتى ولو كان الحكم خالف ما يهوى ويريد‪ ،‬بخالف‬
‫بشر مثلِه‪ ،‬لهم أهواؤهم‬ ‫س ٍ‬ ‫ما إذا َعلِم أن الحك َم صاد ٌر من أنا ٍ‬
‫وشهواتهم‪ ،‬فإنه ال يرضى ويستمر في المطالبة والمخاصمة؛‬
‫ولذلك ال ينقطع النزاع‪ ،‬ويدوم الخالف‪.‬‬
‫وإن هللا سبحانه وتعالى إذ يوجب على العباد التحاكم إلى‬
‫وحيه‪ ،‬رحمة بهم وإحسانًا إليهم‪ ،‬فإنه سبحانه بيّن الطريق‬
‫العام لذلك َأتَ َّم بيان وأوضحه بقوله سبحانه‪ِ﴿ :‬إنَّ هَّللا َ يَْأ ُم ُر ُك ْم َأنْ‬
‫س َأنْ ت َْح ُك ُموا بِا ْل َع ْد ِل‬ ‫ت ِإلَى َأ ْهلِ َها َوِإ َذا َح َك ْمتُ ْم بَيْنَ النَّا ِ‬‫تَُؤ دُّوا اَأْل َمانَا ِ‬
‫صي ًرا * يَا َأيُّ َها الَّ ِذينَ‬
‫س ِمي ًعا بَ ِ‬ ‫ِإنَّ هَّللا َ نِ ِع َّما يَ ِعظُ ُك ْم بِ ِه ِإنَّ هَّللا َ َكانَ َ‬

‫‪12‬‬
‫وجوب تحكيم شرع هللا ونبذ ما خالفه‬
‫سو َل َوُأولِي اَأْل ْم ِر ِم ْن ُك ْم فَِإنْ تَنَا َز ْعتُ ْم‬ ‫آ َمنُوا َأ ِطي ُعوا هَّللا َ َوَأ ِطي ُعوا ال َّر ُ‬
‫سو ِل ِإنْ ُك ْنتُ ْم تُْؤ ِمنُونَ بِاهَّلل ِ َوا ْليَ ْو ِم‬‫فِي ش َْي ٍء فَ ُردُّوهُ ِإلَى هَّللا ِ َوال َّر ُ‬
‫اآْل ِخ ِر َذلِ َك َخ ْي ٌر َوَأ ْح َسنُ تَْأ ِوياًل ﴾ [النساء‪ ،]59 - 58 :‬واآلية وإن‬
‫كان فيها التوجيه العام للحاكم والمحكوم والراعي والرعية‪،‬‬
‫فإن فيها مع ذلك توجيهَ القضاة إلى الحكم بالعدل‪ ،‬فقد َأم َرهم‬
‫بأن يحكموا بالعدل‪ ،‬وأم َر المؤمنين أن يَقبَلوا ذلك الحكم الذي‬
‫هو مقتضى ما َش َرعه هللا سبحانه‪ ،‬وأنزله على رسوله‪ْ ،‬‬
‫وأن‬
‫األمر إلى هللا ورسوله في حال التنازع واالختالف‪.‬‬ ‫َ‬ ‫يَ ُر ُّدوا‬

‫‪13‬‬
‫وجوب تحكيم شرع هللا ونبذ ما خالفه‬

‫[خاتمة]‬

‫شرع‬
‫ِ‬ ‫أن تحكي َم‬‫"خاتمة" ومما تقدم يَتَبيَّن لك أيها المسلم َّ‬
‫هللا والتحاك َم إليه مما أوجبه هللاُ ورسولُه‪ ،‬وأنه مقتضى‬
‫العبودية هلل والشهادة بالرسالة لنبيه محمد صلى هللا عليه‬
‫وأن اإلعراض عن ذلك أو شيًئا منه موجب لعذاب هللا‬ ‫وسلم‪ّ ،‬‬
‫وعقابه‪ ،‬وهذا األمر سواء بالنسبة لما تعامل به الدولة‬
‫رعيتها‪ ،‬أو ما ينبغي أن تدين به جماعة المسلمين في كل‬
‫مكان وزمان‪ ،‬وفي حال االختالف والتنازع الخاص والعام‪،‬‬
‫سواء كان بين دولة وأخرى‪ ،‬أو بين جماعة وجماعة‪ ،‬أو بين‬
‫مسلم وآخر‪ ،‬الحكم في ذلك كله سواء‪ ،‬فاهلل سبحانه له الخلق‬
‫واألمر‪ ،‬وهو أحكم الحاكمين‪ ،‬وال إيمان لمن اعتقد أن أحكام‬
‫الناس وآراءهم خير من حكم هللا ورسوله‪ ،‬أو تماثله‬
‫وتشابهه‪ ،‬أو أجاز أن يحل محلَّها األحكا ُم الوضعيةُ واألنظمةُ‬
‫البشرية‪ ،‬وإن كان معتقدًا بأن أحكام هللا خير وأكمل وأعدل‪...‬‬
‫فالواجب‪ X‬على عامة المسلمين وأمرائهم وحكامهم‪ ،‬وأهل‬
‫الحل والعقد فيهم‪ :‬أن يَتَّقوا هللاَ عز وجل ويح ِّكموا شريعتَه في‬
‫بلدانهم وسائر شئونهم‪ ،‬وأن يَقُوا أنف َسهم و َمن تحت واليتهم‬
‫عذاب هللا في الدنيا واآلخرة‪ ،‬وأن يعتبروا بما ح َّل في البلدان‬
‫التي أعرضت عن حكم هللا‪ ،‬وسارت في ركاب َمن قَلَّد‬
‫الغربيين‪ ،‬واتبع طريقتَهم‪ ،‬من االختالف والتفرُّ ق وضروب‬
‫الفتن‪ ،‬وقلة الخيرات‪ ،‬وكون بعضهم يقتل بعضًا‪ ،‬وال يزال‬
‫‪14‬‬
‫وجوب تحكيم شرع هللا ونبذ ما خالفه‬
‫األم ُر عندهم في شدة‪ ،‬ولن تصلح أحوالهم ويرفع تسلّط‬
‫األعداء عليهم سياسيًّا وفكريًّا إال إذا عادوا إلى هللا سبحانه‪،‬‬
‫وسلكوا سبيله المستقيم الذي رضيه لعباده‪ ،‬وأمرهم به‬
‫ووعدهم به جنات النعيم‪ ،‬وصدق سبحانه إذ يقول‪َ ﴿ :‬و َمنْ‬
‫ش ُرهُ يَ ْو َم ا ْلقِيَا َم ِة َأ ْع َمى‬ ‫شةً َ‬
‫ض ْن ًكا َونَ ْح ُ‬ ‫ض عَنْ ِذ ْك ِري فَِإنَّ لَهُ َم ِعي َ‬ ‫َأ ْع َر َ‬
‫صي ًرا * قَا َل َك َذلِ َك َأتَ ْتكَ‬ ‫* قَا َل َر ِّب لِ َم َحش َْرتَنِي َأ ْع َمى َوقَ ْد ُك ْنتُ بَ ِ‬
‫آيَاتُنَا فَنَ ِسيتَ َها َو َك َذلِ َك ا ْليَ ْو َم تُ ْن َسى﴾ [طه‪ ،]126 - 124 :‬وال‬
‫أعظم من الضنك الذي عاقب هللا به من عصاه‪ ،‬ولم يستجب‬
‫ألوامره‪ ،‬فاستبدل أحكام المخلوق الضعيف‪ ،‬بأحكام هللا رب‬
‫العالمين‪ ،‬وما أسفه رأي من لديه كالم هللا تعالى لينطق بالحق‬
‫ويفصل في األمور ويبين الطريق ويهدي الضال‪ X،‬ثم ينبذه‬
‫ليأخذ بداًل منه أقوال رجل من الناس‪ ،‬أو نظام دولة من‬
‫الدول‪ ،‬ألم يعلم هؤالء أنهم خسروا الدنيا واآلخرة فلم‬
‫يحصلوا الفالح والسعادة في الدنيا‪ ،‬ولم يسلموا من عقاب هللا‬
‫وعذابه يوم القيامة؟!‬
‫أسأل هللا أن يجعل كلمتي هذه مذكرة للقوم‪ ،‬ومنبهة لهم‬
‫للتفكر في أحوالهم‪ ،‬والنظر فيما فعلوه بأنفسهم وشعوبهم‪،‬‬
‫فيعودوا إلى رشدهم‪ ،‬ويلزموا كتاب هللا وسنة رسوله صلى‬
‫هللا عليه وسلم؛ ليكونوا من أمة محمد صلى هللا عليه وسلم‬
‫حقًّا‪ ،‬وليرفع ذكرهم بين شعوب األرض‪ ،‬كما ارتفع به ذكر‬
‫السلف الصالح‪ ،‬والقرون المفضلة من هذه األمة‪ ،‬حتى ملكوا‬
‫األرض وسادوا الدنيا‪ ،‬ودانت لهم العباد‪ ،‬كل ذلك بنصر هللا‬
‫الذي ينصر عباده المؤمنين الذين استجابوا له ولرسوله‪ ،‬أال‬

‫‪15‬‬
‫وجوب تحكيم شرع هللا ونبذ ما خالفه‬
‫ي جُرْ ٍم ارتكبوا‪ ،‬وما جروه‬ ‫نز أضاعوا وأ َّ‬‫ي َك ٍ‬ ‫ليتهم يعلمون أ َّ‬
‫على أممهم من البالء والمصائب قال هللا تعالى‪َ :‬‬
‫﴿وِإنَّهُ لَ ِذ ْك ٌر لَكَ‬
‫َولِقَ ْو ِمكَ َو َس ْوفَ تُ ْسَألُونَ ﴾ [الزخرف‪.]44 :‬‬
‫وجاء في الحديث عنه صلى هللا عليه وسلم ما معناه‪« :‬أن‬
‫القرآن يرفع من الصدور والمصاحف‪ X‬في آخر الزمان‪»،‬‬
‫حين يزهد فيه أهله‪ ،‬ويعرضون عنه تالوة وتحكي ًما‪.‬‬
‫الحذر أن يُصاب المسلمون بهذه المصيبة‪ ،‬أو‬ ‫َ‬ ‫فالحذر‬
‫َ‬
‫تصاب بها أجيالهم المقبلة؛ بسبب صنيعهم‪ ،‬فإنَّا هلل وإنا إليه‬
‫راجعون‪.‬‬
‫ضا إلى أقوام من المسلمين يعيشون‬ ‫وأوجه نصيحتي أي ً‬
‫بينهم‪ ،‬وقد علموا الدين‪ ،‬وشرع رب العالمين‪ ،‬ومع ذلك ال‬
‫زالوا يتحاكمون عند النزاع إلى رجال يَحْ ُكمون بينهم بعادات‬
‫صلون بينهم بعبارات وسجعات‪ ،‬مشابهين في‬ ‫وأعراف‪ ،‬ويَ ْف ِ‬
‫ذلك صنيع أهل الجاهلية األولى‪.‬‬
‫وأرجو ممن بلغته موعظتي هذه أن يتوب إلى هللا‪ ،‬وأن‬
‫يكف عن تلك األفعال المحرمة‪ ،‬ويستغفر هللا ويندم على ما‬ ‫َّ‬
‫فات‪ ،‬وأن يتواصى مع إخوانه و َمن حوله على إبطا ِل ك ِّل‬
‫فإن التوبة تجُبُّ ما‬ ‫ف مخالف لشرع هللا‪َّ ،‬‬ ‫عاد ٍة جاهلية‪ ،‬أو عُرْ ٍ‬
‫قبلها‪ ،‬والتائب من الذنب كمن ال ذنب له‪ ،‬وعلى والة أمور‬
‫أولئك الناس وأمثالهم أن يحرصوا على تذكيرهم وموعظتهم‬
‫بالحق‪ ،‬وبيانه لهم‪ ،‬وإيجاد الحكام الصالحين بينهم‪ ،‬ليحصل‬
‫الخير بإذن هللا ويكفُّوا عبا َد هللا عن محا ّدته‪ ،‬وارتكاب‬
‫معاصيه‪ ،‬فما أحوج المسلمين اليوم إلى رحمة ربهم‪ ،‬التي‬
‫‪16‬‬
‫وجوب تحكيم شرع هللا ونبذ ما خالفه‬
‫يُغيِّر هللا بها حالهم‪ X،‬ويرفعهم من حياة الذل والهوان إلى حياة‬
‫العز والشرف‪.‬‬
‫قلوب‬
‫َ‬ ‫وأسأل هللا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يفتح‬
‫واإلقبال عليه سبحانه‪ ،‬والعم ِل بشر ِعه‬ ‫ِ‬ ‫المسلمين لتَفَهُّم كال ِمه‪،‬‬
‫وااللتزام بحكمه‪ ،‬عماًل بقوله عز‬ ‫ِ‬ ‫واإلعراض عما يخالفه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َأ‬ ‫َأ‬
‫وجل ﴿ِإ ِن ا ْل ُح ْك ُم ِإاَّل هَّلِل ِ َم َر اَّل تَ ْعبُدُوا ِإاَّل ِإيَّاهُ َذلِ َك الدِّينُ ا ْلقَيِّ ُم َولَ ِكنَّ‬
‫س اَل يَ ْعلَ ُمونَ ﴾ [يوسف‪.]40 :‬‬ ‫َأ ْكثَ َر النَّا ِ‬
‫وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫وجوب تحكيم شرع هللا ونبذ ما خالفه‬

‫محتويات الكتاب‬

‫[المقدمة]‪3............................................................‬‬
‫[التحاكم إلى هللا من مقتضى شهادة أن ال إله إال هللا أن محمدا‬
‫عبده ورسوله]‪5......................................................‬‬
‫[التحاكم إلى الطواغيت والرؤساء والعرافين ونحوهم ينافي‬
‫اإليمان]‪9..............................................................‬‬
‫[التحاكم بين العباد بشرعه ووحيه ألنه سبحانه المنزه عما‬
‫يصيب البشر وهو العليم بأحوال عباده وما يصلحهم]‪14.....‬‬
‫[خاتمة]‪16............................................................‬‬
‫محتويات الكتاب‪20..................................................‬‬

‫‪18‬‬

You might also like