Professional Documents
Culture Documents
وبعد :فإين أحييكم أيها اإلخوة وأيها األبناء بتحية اإلسالم فأقول:
السالم عليكم ورمحة اهلل وبراكته ،ثم إين أشكر اهلل عز وجل ىلع ما من به
من هذا اللقاء ،وأسأهل سبحانه أن جيعله لقاء مباراك ومفيدا نلا مجيعا
وموصال ملا يرضيه ويقرب إيله ،قاضيا ىلع كثري من أسباب الفساد وابلالء،
وعونا ىلع ظهور احلق ودرء ابلاطل .ثم إين أشكر القائمني ىلع هذا املرشوع
ىلع دعوتهم يل للتحدث إيلكم واإلجابة عن أسئلتكم ،وأسأهل سبحانه
أن جيزيهم ىلع عملهم خريا ،وأن جيعلنا وإياهم من اهلداة املهتدين ،وأن
يوفقنا مجيعا ملا فيه إظهار احلق وإدحاض ابلاطل ،وإجابة السائلني بما يوافق
الصواب للحق اذلي يريض املوىل عز وجل.
والعنوان كما سمعتم (أهمية العلم يف حماربة األفاكر اهلدامة) ،هذا هو
عنوان لكميت اليت ألقيها بني أيدي إخواين وأبنايئ ،وال ريب أن العلم هو
مفتاح لك خري ،وهو الوسيلة إىل أداء ما أوجب اهلل وترك ما حرم اهلل ،فإن
العمل نتيجة العلم ملن وفقه اهلل ،وهو مما يؤكد العزم ىلع لك خري ،فال إيمان
3
أهمية العلم يف حماربة األفاكر اهلدامة
وال عم ل وال كفاح وال جهاد إال بالعلم ،فاألقوال واألعمال اليت بغري علم
ال قيمة هلا وال نفع فيها ،بل تكون هلا عواقب وخيمة ،وقد جتر إىل فساد
كبري.
وإنما يعبد اهلل ويؤدي حقه وينرش دينه وحتارب األفاكر اهلدامة
وادلعوات املضللة واألنشطة املنحرفة بالعلم انلافع ،املتلىق عن كتاب اهلل
عز وجل وسنة رسوهل ﷺ ،وهكذا إنما تؤدى الفرائض بالعلم ،ويتيق اهلل
بالعلم ،وبه تكشف احلقائق املوجودة يف كتاب اهلل عز وجل وسنة رسوهل
َُْ َ َ
حممد -عليه الصالة والسالم ،قال جل وعال يف كتابه العزيزَ ﴿ :وال يأتونك
ً ْ َ َ ْ َ ِّ َ َ ْ َ َ َ ْ ََ
جئناك بِاْلق وأحسن تف ِسريا﴾ [الفرقان ]33:فجميع ما يقدمه أهل بِمث ٍل إِال ِ
ابلاطل وما يلبسون به يف دعواتهم املضللة ويف توجيهاتهم لغريهم بأنواع
ابلاطل ،ويف تشبيههم غريهم فيما جاء عن اهلل عز وجل وعن رسول اهلل
ﷺ ،لكه يندحض ويكشف بما جاء عن اهلل ورسوهل بعبارة أوضح ،وبيان
أكمل ،وحبجة قيمة تمأل القلوب وتؤيد احلق ،وما ذاك إال ألن العلم املأخوذ
من الكتاب العزيز والسنة املطهرة علم صدر عن حكيم عليم ،يعلم أحوال
العباد ويعلم مشالكتهم ويعلم ما يف نفوسهم من أفاكر خبيثة أو سليمة،
ويعلم بما يأيت به أهل ابلاطل فيما يأيت من الزمان ،لك ذلك يعلمه سبحانه،
وقد أنزل كتابه إليضاح احلق وكشف ابلاطل ،وإقامة احلجج ىلع ما دعت
إيله رسله -عليهم الصالة والسالم ،وقد أرسل رسوهل حممدا ﷺ باهلدى
4
أهمية العلم يف حماربة األفاكر اهلدامة
ودين احلق ،وأنزل كتابه الكريم تبيانا للك يشء وهدى ورمحة وبرشى
للمسلمني.
وإنما يعمل أهل ابلاطل وينشطون عند اختفاء العلم وظهور اجلهل،
وخلو امليدان ممن يقول :قال اهلل وقال الرسول ،فعند ذلك يستأسدون ضد
غريهم وينشطون يف باطلهم ،لعدم وجود من خيشونهم من أهل احلق
واإليمان وأهل ابلصرية ،وقد ذكر اهلل عز وجل يف كتابه لك يشء إمجاال يف
َ ْ َ َْ َ ْ َ َ
مواضع ،وتفصيال يف مواضع أخرى ،قال عز وجلَ ﴿ :ون َّزْلَا عليك الكِتاب
ْ َ ً ُ ِّ
ُِك َ ْ
َش ٍء﴾ [انلحل ]95:وهذا الكم احلكيم العليم اذلي ال أصدق منه ت ِبيانا ل
يال [النساء ]211:وأوضح سبحانه يف قوهلَ ﴿ :ونَ َّز ْْلاَ ا ََ ْ َ ْ َ ُ َ ه
اَّلل ِق
ومن أصدق ِمن ِ
ْ َ
َش ٍء َو ُه ًدى َو َر ْمحَ ًة َوب ُ ْ َ
رشى ل ِل ُم ْسلم َ ِّ ُ َ َْ َ ْ َ َ
اب ت ِبْ َيانًا ل ُِك ْ
ي﴾ [انلحل]95: ِِ عليك الكِت
أنه مع كونه تبيانا للك يشء فيه هدى ورمحة وبرشى .فهو بيان للحق
وإيضاح لسبله ومناهجه ودعوة إيله بأوضح عبارة وأبني إشارة ،ومع ذلك
فهو هدى للعاملني يف لك ما حيتاجون إيله يف ذكر ربهم واتلوجه إىل ما
يرضيه ،وابلعد عن مساخطه ،ويبني هلم طريق انلجاح وسبيل السعادة مع
كونه رمحة يف بيانه وإرشاده ،وهدى وإحسانا وبرشى ،وتطمينا للقلوب بما
يوضح من احلقائق ويرشد إيله من ابلصائر ،اليت ختضع هلا القلوب وتطمنئ
َ
إيلها انلفوس ،وتنرشح هلا الصدور بوضوحها وظهورها ،يقول سبحانه﴿ :يا
ٌَْ ًُ ُّ ُ َ ُّ َ َّ ُ َ ْ َ َ ْ ُ ْ َ ْ َ ٌ ْ َ ِّ ُ ْ َ َ ٌ َ
ور َوهدى َو َرمحة
ِ د الص يف ِ ا ِم أيها اْلاس قد جاءتكم موعِظة مِن ربكم و ِشفاء ل
َّ َ ُ َ َ َُ َّ َ َ ُّ َ ل ِلْ ُم ْؤمن َ
ِين آمنوا أطِيعوا اَّلل ي﴾ [يونس ]95:ويقول سبحانه﴿ :يا أيها اَّل ِِ
9
أهمية العلم يف حماربة األفاكر اهلدامة
َ ْ َ ُ ُّ ُ َ َّ َ َّ ُ َْْ ْ ُ ْ َ ْ ََ َ
از ْع ُت ْ َ َ ُ َّ ُ َ َ ُ
ول
ِ س الرو ِ اَّلل َلِ إ وه در ف ء
ٍ َش يفِ م ن ت نِ إ ف م ك ِن
م رِ ماأل ول
وأطِيعوا الرسول و ِ
أ
ْ َ
َ َ َ ٌْ ْ َ َ ً ْ ْ ْ ُ ْ ُ ُ ْ ُ َ َّ
ري َوأحس ُن تأ ِويال﴾ [النساء]95: إِن كنت ْم تؤمِنون بِاَّللِ َواْلَ ْو ِم اْلخ ِِر ذل ِك خ
ْ َ ْ َ ُ ْ ُ ُ َ َّ َ ُ َّ ُ ِّ َ ْ ََْ ُ
َش ٍء فحكمه إَِل اَّللِ ذل ِك ُم اَّلل َرِّب ويقول سبحانهَ ﴿ :وما اختلفت ْم فِي ِه مِن
َ ُ َ َ ْ َ َّ ْ
علي ِه ت َوّك ُ ُت َولِْلْ ِه أي ِي ُ ﴾ [الشورى ]21:ولوال أن كتابه عز وجل وسنة نبيه
ﷺ فيهما اهلداية والكفاية ملا رد انلاس إيلهما ،ولاكن رده إيلهما غري مفيد،
تعاىل اهلل عن ذلك علوا كبريا ،وإنما رد انلاس إيلهما عند اتلنازع واخلالف
ملا فيهما من اهلداية ،وابليان الواضح ،وحل املشالكت والقضاء ىلع ابلاطل،
ْ ُ ْ ُ ُ ْ ُ َ َّ ْ
ثم ذكر أن هذا رشط لإليمان فقال سبحانه﴿ :إِن كنت ْم تؤمِنون بِاَّللِ َواْلَ ْو ِم
ْ
اْلخ ِِر﴾ ثم ذكر أنه خري للعباد يف العاجل واآلجل ،وأحسن اعقبة ،يعين أن
ردهم ما يتنازعون فيه إىل اهلل والرسول خري هلم يف ادلنيا واآلخرة وأحسن
هلم يف العاقبة.
ومن هذا يعلم أن يف كتاب اهلل العزيز وسنة رسوهل األمني حال جلميع
املشالكت ،وبيانا للك ما حيتاجه انلاس يف دينهم ،ويف القضاء ىلع
خصوماتهم ،كما أن يف ذلك انلرص لدلايع إىل احلق والقضاء ىلع خصمه
ْ َ َ ْ َ ِّ َ َُْ َ َ َ َ
اْلق باحلجة الواضحة ،وهلذا يقول سبحانه﴿ :وال يأتونك بِم ٍ ِ ِ
جئناك ِب الإ لث
س ً ََ ْ َ َ َ ْ
ريا﴾ [الفرقان ]33:واملثل يعم لك ما يقدمون من شبهة يزعمونها وأحسن ت ِ
ف
حجة ،ومن مذهب يدعونه صحيحا ،ومن دعوة يزعمون أنها مفيدة ،لك
ذلك يكشفه هذا الكتاب وما جاءت به سنة رسوهل -عليه الصالة
والسالم.
6
أهمية العلم يف حماربة األفاكر اهلدامة
ولقد كرث اخلطباء واملتلكمون يف اإلذااعت ويف اتللفاز ،ويف لك جمال يف
الصحافة واملجتمعات ،ويف لك نافذة ،لك يدعو إىل حنلته وينادي إىل فكرته
ويمين غريه ويدعوة إىل ابلاطل ،وال خمرج من هذه املحن وال طريق
للتخلص منها والقضاء عليها إال بعرضها ىلع هذا املزيان العظيم الكتاب
والسنة ،فيف عرضها ىلع هذا املزيان العظيم تمحيصها وبيان حقها من
باطلها ،ورشدها من غيها ،وهداها من ضالهلا ،وبذلك ينترص احلق وأهله،
ويندحر ابلاطل وأهله ،فإذا تقدم داعة الشيوعية واالشرتاكية املنكرون
لوجود اهلل والقائلون( :ال هلإ واْلياة مادة) املكذبون باحلق واملنكرون
لكتاب اهلل وما ورد فيه من األدلة انلقلية والعقلية ىلع وجود ابلاري
وقدرته العظيمة وعلمه الشامل ،فارجعوا إىل كتاب اهلل واقرؤا من آياته ما
يرشد إىل دالئل وجوده سبحانه ،وأنه الصانع احلكيم هلذه األشياء واملوجد هلا
واخلالق هلا سبحانه.
5
أهمية العلم يف حماربة األفاكر اهلدامة
وقد أرشد سبحانه يف كتابه الكريم إىل ذلك ،وبني أنه رب العاملني ،وأنه
اخلالق العليم ،وأنه خالق لك يشء ،وأنه ينرص احلق ،ويقيم األدلة ىلع ذلك
يف مواضع كثرية من كتابه؛ يلعتمد عليها طالب احلق ،يقول سبحانه:
الر ْمحَ ُن َّ
الرح ُ
ِيم﴾ [ابلقرة ]263:ثم يقول إال ُه َو َّ ك ْم إ ََلٌ َواح ٌِد ال إ ََل َ َ َُ ُ
﴿ولِله
ِ ِ ِ
ْ َ َّ َ َّ ْ ْ َ ْ َّ َ َ ْ َ َّ
ار
الف اللي ِل واْله ِ ات َواألر ِض َواختِ ِ سبحانه بعدها﴿ :إِن ِيف خل ِق السماو ِ
ْ َ َّ َ َ َ َ ْ َ َّ ُ ْ ْ َ ََْ ُ َّ َ ْ ُْ ْ
ك ال ِِت َت ِري ِيف اْلَح ِر بِما ينفع اْلَّاس َوما أن َزل اَّلل م َِن السماءِ مِن ما ٍء َوالفل ِ
ِّ َ ِ َ َّ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َّ َ ْ ُ ِّ َ َّ َ َ ْ ََ ْ َ
اب يف الرياح والسح ِ ْص ِ فأحيا ب ِ ِه األرض بعد موت ِها وبث فِيها مِن ُك داب ٍة وت ِ
َ َْ ُ َ ْ ُ َ َّ َ ْ َ َّ َ َ ْ َ ْ َ َ
ات ل ِق ْومٍ يع ِقلون﴾ [ابلقرة ]264:ويقول تبارك المسخ ِر بي السماءِ واألر ِض ْلي ٍ
َ َ َ ُ ْ َ َّ َ ْ َ ْ ُ َّ ُ َّ ُُْ ُ َ َ ُّ َ
ِين مِن قبلِك ْم اَّلي خلقكم واَّل وتعاىل﴿ :يا أيها اْلَّاس اعبدوا َربك ُم ِ
َ َ َ َ ُ ُ ْ َ ْ َ َ ً َ َّ َ َ َ ً َ ْ َ َّ َ َ َّ ُ َ َّ ُ َ
اء َوأن َزل م َِن لعلك ْم تتقون اَّلِي جعل لكم األرض ف ِراشا والسماء بِن
ادا َو َأ ْي ُتمْ ْ ً َ ُ ْ َ َ ْ َ ُ َّ َ ْ َ ً َ َ َّ َ َّ َ َ ً َ َ ْ َ َ
ات ِرزقا لكم فال َتعلوا َِّللِ أند السماءِ ماء فأخرج ب ِ ِه مِن اثلمر ِ
ُ َ َ َ ُ َّ ََ َّ َ َ ُ ُ ُ َّ ُ َّ َْ َُ َ
تعلمون﴾ [ابلقرة ]11-12:ويقول﴿ :إِيما إِلهكم اَّلل اَّلِي ال إَِل إِال هو و ِسع ُك
َّ ُّ َ َ َ ْ ُ ُ َ َ ًْ َ ْ
َش ٍء عِلما﴾ [طه ]55:ويقول سبحانهَ ﴿ :وقَض َربك أال تعبدوا إِال إِياهُ﴾
ي﴾ [الفاحتة ]9:إىل آيات كثرية اك ن َ ْس َتع ُ
َّ َ َ ْ ُ ُ َ َّ َ
[اإلرساء ]13:ويقول﴿ :إِياك يعبد ولِي
ِ
يرشد بها سبحانه أنه رب العباد ،وأنه رب العاملني ،وأن الرسل جاءت بهذا،
َّ َ ْ َ ُ ُ ِّ ُ َّ ُ ً َ ُ ْ ُ ُ ََ ْ َََْ
كما قال جل وعالَ ﴿ :ولقد بعثنا ِيف ُك أم ٍة َرسوال أ ِن اعبدوا اَّلل َواجتنِبواا
َ َ َْ َ َْ ْ َْ َ ْ َ ُ َّ ُ َ
ول إِالالطاغوت﴾ [انلحل ]36 :ويقول تعاىل﴿ :وما أرسلنا مِن قبلِك ِمن ر ٍ
س
َ َ ََ َ ْ ُ ُ وِح إ َ ْْله َأنَّ ُه ال إ ََلَُ
ون﴾ [األنبياء ]19 :ويقول سبحانه﴿ :ذل ِك ِ د ب اع ف ا ن أ الا إ
ِ ِ ن ِ ِ ِ
ُ ُ َ ْ َ ُ َ َ َّ َّ َ ُ َ ْ َ ْ َ َ َّ َّ َ ُ َ ْ َ ُّ َ َ َّ َ َ ْ ُ َ ْ ُ
ُّ
بِأن اَّلل هو اْلق وأن ما يدعون مِن دون ِ ِه هو اْلاطِل وأن اَّلل هو الع ِِل الكبِري﴾
9
أهمية العلم يف حماربة األفاكر اهلدامة
ثم يبني األدلة يف مواضع كثرية ،عندما يتأملها املؤمن يعرف أن ادليلل
انلقيل مؤيد بادليلل العقيل املشاهد املحسوس ،وهلذا ذكر سبحانه بعد قوهل:
َ َ َ ُ ْ َ َّ َ ْ َّ َّ ُ ُ ُُْ َ َ ُّ َ
﴿يا أيها اْلَّاس اعبدوا َربك ُم اْلجة لَع ذلك فقال :اَّلِي خلقكم واَّل
ِين مِن
َ ْ ُ َ َ َّ ُ َ َّ ُ َ
قبلِك ْم لعلك ْم تتقون﴾ [ابلقرة ]12:واملعىن أن هذا اخلالق نلا هو املستحق
أن نعبده لكونه خلقنا ،وألنه يرىع مصالح العباد ،وهذا أمر معلوم بالفطر
السليمة والعقول الصحيحة ،فهم لم خيلقوا أنفسهم فقد خلقهم بارؤهم،
َ ََ َ ُ َّ
اَّلي جعل لك ُم فاهلل هو اخلالق باألدلة انلقليه والعقلية ،ثم قال سبحانهِ ﴿ :
ًْ َ َّ َ َ ْ َ ْ َ َ ً َ َّ َ َ َ ً َ َ ْ َ َ َ َّ َ َ ً َ َ ْ َ َ
ات ِرزقا
اء فأخرج ب ِ ِه مِن اثلمر ِ األرض ف ِراشا والسماء بِناء وأنزل مِن السماءِ م
َ ُ َ َ َ ُ َّ َ ْ َ ً َ ْ ُ َ ْ َ َ
لك ْم فال َتْعلوا َِّللِ أندادا َوأيت ْم تعل ُمون﴾ [ابلقرة ]11:بني سبحانه وتعاىل
كيف تدرك هذه األشياء املشاهدة املخلوقة اليت يدركها العقل ويدركها لك
إنسان ،فجعل األرض فراشا نلا ننام عليها ،ونسري عليها ،ونرىع املوايش
عليها ،وحنمل عليها ،نزرع عليها األشجار ،ونأخذ منها املعادن إىل غري
ذلك ،ثم أنزل من السماء ماء من السحاب ،أنزل املطر فأخرج به اثلمرات
نلا.
من اذلي أنزل املطر؟ من اذلي أخرج هذه اثلمار اليت يأكلها انلاس
وادلواب مما زرعوا ومن غري ما زرعوا؟ لكها من آيات اهلل العظيمة ادلالة ىلع
5
أهمية العلم يف حماربة األفاكر اهلدامة
قدرته العظيمة وأنه رب العاملني .أرض مستقرة أرساها ربنا باجلبال اليت
جعلها أوتادا هلا ،وجعلها ممهدة ساكنة نعيش عليها ،ونطمنئ حنن ودوابنا
وسياراتنا فوقها ،وتطري يف فضائها طائراتنا ،ونتمتع جبميع ما خلق فيها،
والسماء كذلك خلقها فوقنا ،وزينها بالكواكب السيارات واثلوابت ،وجعل
فيها الشمس والقمر يلعلم العباد قدرة اخلالق العظيم ،والعيل الكبري اذلي
ال رشيك هل يف ذلك سبحانه وتعاىل.
ثم هذه املزرواعت الكثرية ،واثلمار املنوعة اليت فيها املنافع الكثرية،
واملصالح العظيمة ،مع اختالف أشاكهلا وألوانها ،وأحجامها وطعومها،
ومنافعها إىل غري ذلك ،هنا تظهر قدرة اهلل سبحانه واستحقاقه للعبادة ،كما
َ ْ َّ ك ْم إ ََلٌ َواح ٌِد ال إ ََلَ إال ُه َو َّ
الر ْمحَ ُن َّ َ َُ ُ
الرحِي ُم إِن ِيف خل ِق ِ ِ ِ قال عز وجل﴿ :ولِله
ْ َ ََْ ُ ْ ْ َ َّ ْ ُ ْ َّ ْ َ َّ َ َ ْ اوات َو ْاألَ ْ
َّ َ َ
ك ال ِِت َت ِري ِيف اْلَح ِر بِما ينفع ار َوالفل ِ ِ ه اْلو ل
ِ ي الل الفِ ِ ت اخ و ضِ ر السم ِ
ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ َّ َ ْ َ ََ ْ َ َّ َ َ َ َ ْ َ َّ ُ
اْلَّاس َوما أن َزل اَّلل م َِن السما ِء مِن ما ٍء فأحيا ب ِ ِه األ ْرض بعد م ْوت ِها َوبث فِيها
الس َماءِ َو ْاألَ ْرض َْليَات ل َِقوْ
ْ ُ َ َّ َ ْ َ َّ
اب المسخ ِر بي
ِّ َ ِ َ َّ َ ْ ُ ِّ َ َّ َ َ ْ
ٍ مٍ ِ اح والسح ِ يف الري ْص ِ مِن ُك داب ٍة وت ِ
َْ ُ َ
يع ِقلون﴾ [ابلقرة ]264 ،263:فهو سبحانه يبني نلا يف هذه اآليات اليت
هْ ْ َْْ نشاهدها ونراها وحنس بها :إ هن يف َخلْق ه
الس َم َ
ات َواألر ِض َواخ ِت ِ
الف اللي ِل ِ او ِ ِ ِ
ار هذه السموات مع اتساعها وارتفاعها وما فيها من عجائب وغرائب، َ هَ
وانله ِ
وهذه األرض مع سعتها وانبساطها وما فيها من أنهار وجبال وغري ذلك ،ثم
اختالف الليل وانلهار وما أنزل من السماء من ماء وما أخرج من ابلحر
من أشياء تنفع انلاس ،وما حيمله ماؤها من ابلواخر اليت أمسكها ىلع ظهر
21
أهمية العلم يف حماربة األفاكر اهلدامة
هذا املاء حتمل حاجات انلاس ،وحتملهم أيضا من بالد إىل بالد .ثم أنزل من
السماء ماء فأحيا به األرض بعد موتها ،وبث فيها من لك دابة وترصيف
الرياح والسحاب املسخر بني السماء واألرض.
هذه اآليات العظيمة ملن تدبرها ترشده إىل وجود بارئها وخالقها اذلي
خلقه وأوجده من العدم ،وأنه رب العاملني سبحانه وتعاىل ،وأن هذه
ْ َ َ ْ َُ َ
املخلوقات ال قوام هلا إال به سبحانه ،كما قال عز وجلَ ﴿ :ومِن آيات ِ ِه أن تقوم
َّ َ ُ ْ َ ُ َ ْ
اء َواأل ْرض بِأم ِره ِ﴾ [الروم ]19:فهذه اآليات اليت نشاهدها وادلالئل اليت السم
نقرؤها ونعلمها إنما ينتفع بها ذوو العقول السليمة وابلصائر املستقيمة،
َ َْ ُ َ َ َ
ات ل ِق ْومٍ يع ِقلون﴾.
وهلذا قال سبحانه يف آخر اآليةْ﴿ :لي ٍ
والرسل -عليهم الصالة والسالم -هم أصدق انلاس ،وقد أقاموا األدلة
واملعجزات ىلع صدقهم ،وقد أخربونا بهذا ،وأن هذا صنع اهلل ،وأنه ربنا
وخا لقنا ،وأنه الرمحن ،وأنه الرحيم ،وأنه السالم ،وأنه القدوس ،إىل غري ذلك
من أسمائه احلسىن سبحانه وتعاىل ،كما أخرب جل وعال يف كتابه العظيم أنه
احلكيم العليم القادر ىلع لك يشء جل وعال ،ويف هذا أبلغ رد ىلع داعة
الشيوعية وادلهرية واالشرتاكية وغريهم ممن أنكروا وجود اهلل ،فهل هذه
املخلوقات وهل هذه املوجودات ختلق نفسها وتنشئ نفسها؟ هل يقول هذا
اعقل؟ بل كوب املاء لو قلت لعاقل إنه خلق نفسه لقال إنك جمنون ،وهكذا
كوب الشاي وكوب القهوة وامللعقة والعصا ،لكها معروف من صنعها فكيف
بهذا العالم العظيم اذلي أنشأه اخلالق سبحانه من العدم ،وجعل فيه من
22
أهمية العلم يف حماربة األفاكر اهلدامة
اآليات واملنافع ما ال حيىص ،فهو املبدع ،سبحانه وتعاىل عما يقول الظاملون
علوا كبريا.
ثم هذا اخلالق قد بني أسماء تليق بذاته ،وبينت الرسل صفاته وأسماءه،
ودلوا عليه وأرشدوا إيله ،وقامت ادلالئل ىلع صدقهم ،وىلع رأسهم نبينا
حممد -عليه الصالة والسالم ،أصدق األنبياء وأفضلهم ،قد بعثه اهلل
بكتابه العظيم ،والرسالة العامة اليت أوضح بها لك يشء ،ثم يأيت داعة
املاسونية اذلين يريدون أن يردوا انلاس إىل األحوال ابلهيمية واملساواة يف لك
يشء ،وحياربوا ماكرم األخالق وحماسن األعمال؛ يلجعلوهم اكبلهائم ،ال
يمزيون حقا من باطل ،وال خريا من رش ،وهذا لكه خالف ما دعت إيله
الرسل -عليهم الصالة والسالم ،وخالف ما دل عليه القرآن الكريم
املعجز ،وهو أيضا خالف ما دلت عليه العقول الصحيحة والفطر السليمة
اليت فطر اهلل العباد عليها ،فإن اهلل سبحانه فطر انلاس ىلع االعرتاف
بماكرم األخالق وحماسن األعمال والعدل واحلق ،وكراهة الظلم والعدوان
واألذى .لقد فطر اهلل العباد ىلع تميزي األب من االبن ،واألخ من األخت،
والزوجة من الزوج ،حىت ابلهائم مزيوا هذا عن هذا.
اخلبائث ،وما أوىص به سبحانه وتعاىل عباده من اتلمسك بما جاءت به
الرسل ،ونبذ ما خالفه .ولقد أوضح سبحانه يف الكتب املزنلة من السماء
تفصيل احلالل من احلرام ،واهلدى من الضالل ،واملعروف من املنكر،
واخلري من الرش.
وأما من داع إىل أفاكر أخرى كدعوة القاديانية وأشباههم ،ممن داع إىل
اتباع نيب جديد ،أو رسول جديد ،فدعواه باطلة وأفاكره مضللة زائفة؛ ألن
23
أهمية العلم يف حماربة األفاكر اهلدامة
ه
اهلل عز وجل بني يف كتابه املبني أن حممدا -عليه الصالة والسالم -خاتم
انلبيني ،وقد جاء ذلك يف األحاديث املتواترة عن رسول اهلل ﷺ ،وبرشت به
ْ َ ُ ْ ََ ْ َ ُ َ َ َ َ ُ َ َّ ٌ َ َ َ َ
كن رسولانلبوات السابقة ،قال تعاىل﴿ :ما َكن حممد أبا أح ٍد مِن رِجال ِكم ول ِ
َّ َ َ َ
ات َم اْلَّب ِّي َ
ي﴾ [األحزاب ]41:ولكن هناك أشباه األنعام ،تلتبس ِ اَّللِ وخ
عليهم لك دعوى ،وخيىف عليهم لك يشء ،وال يمزيون بني حق وباطل ،وال
يفرقون بني هدى وضالل.
كيف حيدث مثل هذا؟! وكيف يشتبه ىلع من هم من بين آدم؟ اذلين هم
من أصحاب العقول ،واذلين يقرءون ويكتبون ،وبطالنه من أوضح األشياء
وأظهرها؟! ولكن اهلل عز وجل يري عباده من العجائب والعرب ما فيه عظة
َ َ ْ َ ْ َْ َ ُ َ َ ْ َ ْ
كن تعَم وذكرى للك ذي لب ،قال سبحانه وتعاىل﴿ :ال تعَم األبصار ول ِ
ُّ ْ ُ ُ ُ َّ
وب ال ِِت ِيف الص ُدورِ﴾ [احلج ]46:وهكذا ابلهائية وابلابية وأشباههم ،ممن القل
ادعوا داعوي باطلة ،وضلوا يف هذا السبيل ،ولبسوا ىلع أشباه األنعام من
البرش ما يدعون إيله من باطلهم ،فزعم كبريهم أنه نيب ،ثم ادىع أنه رب
العاملني .ومع ظهور باطلهم ،جند هلم أتبااع وداعة وأندية تروج باطلهم
24
أهمية العلم يف حماربة األفاكر اهلدامة
وتدعو إيله ،وربما اكن الكثري منهم يعرف احلق ويعلم أنه مبطل يف دعواه،
ولكنه يتظاهر بتأييد ابلاطل؛ ملا هل من غرض يف ذلك يف هذه احلياة ادلنيا،
فتابعهم يف طريق ابلاطل ،وهم أشبه باألنعام ،بل هم أضل منها ،كما قال اهلل
َ ْ َْ َ َْ ُ َ ْ َ ْ َ ُ َ َّ َ ْ َ َ ُ َ ْ ُ َ َ َ ْ ُ َ ْ ُ
ام بل ه ْم َثه ْم يس َمعون أ ْو يع ِقلون إِن ه ْم إِال َكأليع ِ عز وجل﴿ :أم َتس أن أك
ْ َ َ ُّ َ ً
ِل َه َّن َم َكث ِ ً
ريا م َِن يال﴾ [الفرقان ]44:وقال سبحانه وتعاىلَ ﴿ :ولَ َق ْد َذ َرأنَا ِ َ
أضل سبِ
ُْ ُ َ َ َُ َ ٌ َ
ون ب َها َول َ ُه ْم أ ْع ُ ٌََْ ُ َ ْ ِّ َ ْ ْ َ ُ ْ ُ ُ ٌ
ْصون بِها َوله ْم آذان ال ِ ب ي ال ي ِ ه ق في ال وب اإلن ِس لهم قل
اِلن و ِ
ِ
َ ُ َ ْ َ ُ َ ُ ُّ َ
َ َ ُ َ ْ ْ َ ْ َ َ َ ُ َْ َ ُ َ َ
يسمعون بِها أوَل ِك َكأليع ِام بل ه ْم أضل أوَل ِك ه ُم الغاف ِلون﴾ [األعراف]255:
29
أهمية العلم يف حماربة األفاكر اهلدامة
ولك حنلة ولك دعوة باطلة جتد هلا أتبااع وأنصارا بغري قلوب وال هدى،
أما طريق السلف الصالح ،فهو أوضح من الشمس يف رابعة انلهار؛ ملا قام
عليه من الرباهني الساطعة واحلجج انلرية واألدلة القاطعة للك من عنده
أدىن بصرية ورغبة يف طلب احلق ،وقد بني اهلل يف كتابه الكريم وسنة رسوهل
األمني أن اخلري والفالح يكونان يف اتلمسك بكتاب اهلل العظيم ،وسنة
املصطىف -عليه الصالة والسالم ،وما اكن عليه سلف األمة من الصحابة
رضوان اهلل عليهم ،وأتباعهم بإحسان ،فريد داعة احلق ىلع هؤالء املنحرفني
بما علموا من كتاب اهلل وسنة رسوهل -عليه الصالة والسالم ،وبما علموا
بعقوهلم الصحيحة وبصائرهم انلافذة وفطرهم السليمة ىلع هدى ما علموه
من كتاب اهلل وسنة رسوهل ،وما علموه من خملوقات اهلل عز وجل من
ادلاللة ىلع قدرته وعظمته واستحقاقه للعبادة ،وصدق رسله -عليهم
الصالة والسالم ،وأن ما أتوا به هو احلق ،وهو ما دل عليه كتاب اهلل وسنة
رسوهل ﷺ من بيان احلالل واحلرام ،واهلدى والضالل ،وما رشع اهلل لعباده،
وما نىه عنه ،وما أخرب به من اجلنة وانلار ،إىل غري ذلك.
وهم مجيعا حجتهم داحضة وباطلهم واضح ،فإن األدلة ادلالة ىلع بعث
املوىت ووقوفهم أمام رب العاملني ،كثرية ال حتىص ،وأن لك ما خلقه اهلل يف
26
أهمية العلم يف حماربة األفاكر اهلدامة
هذه ادلنيا شاهد ىلع قدرته سبحانه ووجوب االعرتاف بألوهيته وحده،
فاألرض امليتة يزنل اهلل عليها املطر فيخرج منها انلبات بعد موتها ،وخيرج
منها جل وعال ما شاء من اثلمار.
فاذلي أخرج هذا انلبات وأنعم علينا بهذه اثلمار هو اهلل سبحانه
وتعاىل ،اذلي أنزل هذا املطر وأحيا به األرض امليتة اليت أخرجت انلبات
واثلمار ،هو اذلي سيحيي املوىت ويبعثهم من قبورهم ،ويقف لك واحد أمامه
عز وجل للحساب ىلع ما عمل ،وما اكتسبت يداه يف هذه ادلنيا.
وهكذا اإلنسان :خلق اهلل أبانا آدم من تراب ،ثم جاءت منه اذلرية،
خلقهم سبحانه من ماء مهني ،ثم حتولوا إىل علقة ،ثم إىل مضغة ،ثم إىل
إنسان سوي هل سمع وبرص وعقل وإدراك وجوارح ،ثم يتدرج ويكرب حىت
يصري إنسانا عظيما ،فيأخذ ويعطي ويفكر ويتعلم وينتج.
وأن هذه اآليات العظيمة لكها تدل ىلع قدرة اهلل عز وجل ،وتدل ىلع
صدق الرسل وإخبارهم بأن هناك -أي يف اآلخرة -جمتمعا دليه سبحانه ،يؤيد
فيه احلق ،وجيزي أهله بأحسن اجلزاء ،ويدخلهم اجلنة ،ويقيهم عذاب انلار،
ويذل أعداءه ،وخيدلهم يف انلار أبد اآلباد .ثم إن لك اعقل يف هذه ادلار
يشاهد من يظلم ،ومن تؤخذ حقوقه ،ومن يعتدى عليه يف ماهل وبدنه وغري
ذلك ،ثم يموت الظالم ولم يرد احلقوق ،ولم ينصف املظلوم ،فهل يضيع ذلك
احلق ىلع املظلومني املساكني املستضعفني؟!
25
أهمية العلم يف حماربة األفاكر اهلدامة
الك ..فإن اخلالق العظيم احلكيم العليم حدد لإلنصاف موعدا ،ذلك
املوعد هو يوم القيامة ،ينصف فيه املظلوم اذلي لم يعط حقه يف ادلنيا اكمال
من الظالم ،فينتقم منه ويعاقبه بما يستحق .إن هذه ادلار ليست دار جزاء،
ولكنها دار امتحان وابتالء ،وعمل ورسور وأحزان ،وقد ينصف فيها
املظلوم فيأخذ حقه فيها ،وقد يؤجل أمره إىل يوم القيامة حلكمة عظيمة،
َ َ ْ َ َ َّ َّ َ
َب اَّلل فينتقم اهلل من هؤالء الظاملني ،كما قال سبحانه وتعاىل﴿ :وال َتس
َ
ون إ َّي َما يُ َؤ ِّخ ُر ُه ْم ِْلَ ْومٍ ت َ ْش َخ ُص فِي ِه ْاألبْ َص ُ
َّ ُ َ َ ً َ َّ َ ْ َ ُ
ار﴾ ِ َغف ِال عما يعمل الظال ِم
[إبراهيم]41:
ومع ذلك فالفطر السليمة والعقول الصحيحة تشهد بذلك ،وإننا نشاهد
ظاملني ومظلومني لم يقتص من الظاملني للمظلومني ،ولم تؤخذ منهم
احلقوق ،فال بد هلم من يوم حياسبون فيه ،وجيازى فيه لك إنسان ىلع ما قدم.
إننا جند مؤمنني صاحلني موفقني جمتهدين يف سبيل اخلري ،لم ينالوا ما
ناهل غريهم من أوئلك اذلين تعدوا حدود اهلل ،وظلموا عباد اهلل ،وهم مع
هذا دليهم األموال العظيمة ،والقصور الشاهقة ،واخلدم واملتاع .ومجع غفري
من األخيار املتقني حمرومون لم ينالوا من هذا شيئا ،فالبد من موعد والبد
من لقاء مع ربهم ،يعطون فيه من املنازل العايلة واألجر العظيم ،ويتكرم
عليهم سبحانه بأنواع الفضل ،جزاء صربهم وأعماهلم الصاحلة ،فينالون
اثلواب الكبري ،واملنازل العايلة ،واخلري اجلزيل ،واإلحسان العظيم ،والقصور
واجلواري ،واخلريات اليت ال حتىص ىلع ما فعلوا من خري ،وىلع ما قدموا من
عمل صالح ،وجيازي سبحانه هؤالء الظاملني املفرطني املعرضني ،اذلين
ركنوا إىل ادلنيا ،وغرتهم شهواتها وانساقوا وراء مفاتنها ،بما يستحقون من
العذاب وانلاكل وسوء املصري ،وما ذلك إال تلفريطهم وإعراضهم عن اهلل،
وتعديهم حدوده ،ومقابلتهم نعمه بالكفران ،وظلمهم عباده ،وإدبارهم عن
طاعته.
فهؤالء جيازيهم اهلل عز وجل بما يستحقون .وهذه األمور العظيمة إذا
تأملها صاحب العقل الصحيح والفطرة السليمة ،عرف أن املعاد حق ،وعلم
أن ما يدعيه امللحدون والشيوعيون والوثنيون وغريهم ممن ينكرون اآلخرة
25
أهمية العلم يف حماربة األفاكر اهلدامة
واجلدير بطالب العلم أينما اكن ،أن يقبل ىلع كتاب اهلل ،وأن جيعل
تدبره وتعقله ،من أكرب همه ومن أعظم شواغله ،وأن تكون هل العناية
الاكملة بقراءته وتدبر ما فيه من املعاين العظيمة والرباهني الساطعة ىلع
صحة ما جاء به الرسل ،وىلع صدق ما دل عليه الكتاب ،وىلع بطالن ما
يقول به أهل السوء ،أينما اكنوا ،وكيفما اكنوا.
ومن تدبر القرآن طابلا للهدى أعزه اهلل وبرصه وبلغه مناه ،كما قال
َ ََُْ َّ َّ َ َ ْ ُ َ َ ْ
سبحانه وتعاىل﴿ :إِن هذا الق ْرآن يهدِي ل ِل ِِت ِِه أقوم﴾ [اإلرساء ]5:وقال عز
ُ ْ ُ َ َّ َ َ
آم ُنوا ُه ًدى َو ِش َف ٌ
اء﴾ [فصلت.]44: وجل﴿ :قل هو ل َِّلِين
11
أهمية العلم يف حماربة األفاكر اهلدامة
ومن تأمل أحوال أهل العلم املوفقني اذلين نبغوا يف هذه األمة ،وتدبروا
كتاب ربهم وسنة نبيهم ﷺ ،وعلموا يف ذلك ما يعينهم ىلع فهم كتاب اهلل
وىلع فهم سنة رسول اهلل ﷺ فهما صحيحا من الصحابة -ريض اهلل عنهم
وأرضاهم ،واتلابعني هلم بإحسان من أئمة اإلسالم ،فيما كتبوا وما نقل
عنهم ،ومن سار ىلع نهجهم من أهل الصدق والوفاء وابلصرية كأيب العباس
بن تيمية -رمحه اهلل -وتلميذيه :العالمة ابن القيم واحلافظ ابن كثري،
وغريهم ممن برزوا يف هذا امليدان من أئمة هذا الشأن .نعم من تأمل أحواهلم،
وفتح اهلل عليه بفهم ما قالوا وما كتبوا رأى العجب العجاب ،والعرب
ابلاهرة ،والعلوم الصحيحة ،والقلوب انلرية ،والرباهني الساطعة ،اليت ترشد
من تمسك بها إىل طريق السعادة وسبيل االستقامة.
11
أهمية العلم يف حماربة األفاكر اهلدامة
األئمة املربزين الشيخ اإلمام حممد بن عبدالوهاب رمحه اهلل ،وأنصاره يف
القرن اثلاين عرش وما بعده ،قد برزوا يف هذا امليدان ،وكتبوا الكتابات
العظيمة انلاجحة ،وأرسلوا الرسائل إىل انلاس وردوا ىلع اخلصوم ،وأوضحوا
احلق يف رسائلهم ومؤلفاتهم ،بأدلة من الكتاب والسنة ،وقد مجع من ذلك
العالمة الشيخ عبدالرمحن بن قاسم رمحه اهلل مجلة كثرية يف كتابه املسىم:
(ادلرر السنية يف األجوبة اْلجدية).
واألدلة اليت كتبها الشيخ حممد بن عبد الوهاب رمحه اهلل وتالميذه من
تأملها وتبرص فيها رأى فيها احلق املبني ،واحلجج ابلاهرة ،والرباهني
الساطعة اليت -توضح بطالن أقوال اخلصوم ،وشبهاتهم ،وتبني احلق بأدتله
الواضحة.
وهم رمحة اهلل عليهم مع تأخر زمانهم -قد وفقوا يف إظهار احلق وبيان
أدتله ،وأوضحوا ما يتعلق بدعوة اتلوحيد ،والرد ىلع داعة الوثنية ،وعباد
القبور ،وبرزوا يف هذا السبيل ،واكنوا ىلع انلهج املستقيم ،نهج السلف
الصالح ،واستعانوا يف هذا ابلاب باألدلة الواضحة اليت جاءت يف الكتاب
والسنة انلبوية ،وعنوا بكتب احلديث ،وكتب اتلفسري ،وبرزوا يف هذا
امليدان حىت أظهر اهلل بهم احلق ،وأذل بهم ابلاطل ،وأقام بهم احلجة ىلع
غريهم ،ونرش بهم راية اإلسالم ،وقامت راية اجلهاد ،وأجرى اهلل ىلع أيديهم
من نعمه وخريه اجلزيل ما ال حيىص ،وأصبح أهل احلق يف سائر األمصار
اذلين عرفوا كتبهم ،وصحة دعوتهم ،وسالمة منهجهم ،ينرشون دعوتهم،
13
أهمية العلم يف حماربة األفاكر اهلدامة
ويستعينون بما ألفوا يف هذا الشأن ىلع خصوم اإلسالم وأعداء اإلسالم يف
لك ماكن ،من أهل الرشك وابلدع واخلرافات.
وأسأل اهلل عز وجل أن يوفقنا مجيعا ملا يرضيه ،وأن يصلح قلوبنا
وأعمانلا ،وأن جيعلنا هداة مهتدين ،وصاحلني مصلحني ،وأن يمنحنا الفقه
يف دينه ،كما أسأهل عز وجل أن ينرص دينه ويعيل لكمته ،ويصلح أحوال
املسلمني يف لك ماكن ،وأن يويل عليهم خيارهم ،وأن يصلح قادة املسلمني،
وجيعلهم هداة مهتدين ،وأن يوفقهم تلحكيم الرشيعة واتلحاكم إيلها ،وأن
يوفق والة أمرنا للك خري ،وينرص بهم احلق ،إنه جل وعال جواد كريم ،وصىل
اهلل وسلم ىلع نبينا حممد وىلع آهل وصحبه.
14