You are on page 1of 9

‫فتوى فضيلة الشيخ حممد احلسن الددو يف الرتحم على الكفار‬

‫السؤال‪ :‬فضيلة الشيخ‪ ،‬أحسن اهلل إليكم‪ ..‬ثار نزاع حول حكم الرتحم على‬
‫الموتى من غير المسلمين‪ ،‬خاصة من كان لهم مساهمات يف نصرة بعض القضايا‬
‫اإلسالمية‪ ،‬فأفيدونا مأجورين‪.‬‬
‫الجواب‪ :‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على نبينا محمد‪،‬‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فهذه األمور محسومة شر ًعا‪ ،‬وفيها نصوص صحيحة صريحة‪ ،‬ولم يختلف‬
‫فيها المسلمون يف أي عصر من العصور‪ ،‬فاإلجماع منعقد فيها؛ فلذلك من‬
‫المعلوم بالضرورة يف الشرع أن اليهود والنصارى وأهل الملل األخرى كلهم‬
‫كفار‪ ،‬وأن اهلل حرم على من مات منهم الجنة‪ ،‬وحرم عليهم المغفرة‪.‬‬
‫والقرآن صريح يف ذلك‪ ،‬فاهلل تعالى يقول‪{ :‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ} [المائدة‪.]5:‬‬
‫ويقول‪{ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ} [النساء‪.]48:‬‬
‫ويقول‪{ :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ} [النساء‪.]116:‬‬
‫ويقول‪{ :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ} [التوبة‪.]31:‬‬

‫‪1‬‬
‫وكالم عيسى ابن مريم يف نذارهتم صريح يف القرآن‪ ،‬واضح تمام الوضوح‪ ،‬ال‬
‫يحتمل أي وجه آخر‪ ،‬فإن اهلل تعالى يقول‪{ :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ}‬
‫[المائدة‪.]72:‬‬
‫ويقول سبحانه‪{ :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ} [آل عمران‪.]85:‬‬
‫ومن المعلوم كذلك بطالن أعمال الكفار الذين ماتوا على الكفر جمي ًعا‪ ،‬قال‬
‫اهلل تعالى‪{ :‬ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ} [النور‪ ،]39:‬وقال‬
‫سبحانه‪{ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ} [الفرقان‪.]23:‬‬
‫فالجنة ال يدخلها إال من شهد أال إله إال اهلل وأن محمدً ا رسول اهلل‪ ،‬بعد بعثة‬
‫محمد ﷺ فمنذ بعث اهلل محمدً ا ﷺ بالهدى ودين الحق نسخت رسالته كل ما‬
‫سبق‪ ،‬وأصبح هذا الدين هو المقبول وحده عند اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وال يقبل اهلل‬
‫من أحد دينًا سواه‪.‬‬
‫فمن مات بعد بعثة محمد ﷺ‪ ،‬وبعد بلوغ رسالته ودعوته إليه ولم يصدقه ولم‬
‫يؤمن به فهو صائر إلى النار قط ًعا‪ ،‬ال ريب يف ذلك وال شك‪ ،‬وال يحل لمسلم أن‬
‫يشك يف ذلك‪ ،‬وال أن يرتاب‪ ،‬وال أن يفوض يف هذا‪ ،‬وال أن يرتدد فيه أبدً ا‪،‬‬
‫فالنصوص صحيحة صريحة فيه‪ ،‬وآيات القرآن فيه متواترة واضحة المعنى ال‬
‫إشكال فيها‪ ،‬وهي من المحكمات‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫أما ما يتعلق بخطاب عيسى عليه السالم لربه تعالى فال بد أن نفرق بين خطابه‬
‫واضحا لهم‪ ،‬فإنه قال‪:‬‬
‫ً‬ ‫لبني إسرائيل وخطابه هلل‪ ،‬فخطابه لبني إسرائيل كان بينًا‬
‫{ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ} [المائدة‪ ،]72:‬وأما خطابه هلل فإنه قال‪:‬‬
‫{ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ} [المائدة‪.]118-117:‬‬
‫فإنما تفهم هذه اآلية بحملها على المحكم‪ ،‬فكل ما فيه احتماالت يف اللفظ‬
‫إنما يحمل على المحكم البين الذي ال إشكال فيه‪ ،‬والنصوص متواترة متكاثرة‬
‫بينة يف هذا ‪ ،‬والتشبث بفهم جواز المعفرة للكفار من هذه اآلية هو من اتباع‬
‫المتشابه‪ ،‬وقد قال اهلل تعالى‪{ :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ} [آل‬
‫عمران‪.]7:‬‬
‫فلذلك يحمل قوله‪{ :‬ﯴ ﯵ ﯶ} على أنه من داللة االقتضاء‪ ،‬وهي داللة‬
‫معروفة عند األصوليين‪ ،‬وهي داللة الكالم على محذوف‪ ،‬ال يتم الكالم إال به‪،‬‬
‫فيكون معنى الكالم إن هتدهم فتغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم‪ ،‬فال يمكن أن‬
‫يغفر اهلل لمن مات على الكفر‪ ،‬فقد صرح بأنه ال يفعل ذلك‪ ،‬وأن هذه السنة من‬
‫سنن اهلل تعالى التي ال معقب لها‪.‬‬
‫وأما االستغفار للكفار والرتحم عليهم وقد ماتوا على الكفر فذلك من‬
‫المعلوم من الدين بالضرورة كذلك أنه حرام‪ ،‬وأنه ال يفعله المسلمون؛ ألن اهلل‬

‫‪3‬‬
‫قال‪{ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ} [التوبة‪.]113:‬‬
‫وبين اهلل أن الكفار ال تنفعهم شفاعة الشافعين‪ ،‬فقال‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ} [المدثر‪ ،]48:‬وبين أن المالئكة ال يشفعون إال لمن ارتضى‪ ،‬فقال‪{ :‬ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ} [األنبياء‪ ،]28:‬وال معنى‬
‫للشفاعة يف الكافر الذي مات على الكفر والشرك‪ ،‬فإن اهلل تعالى ال يمكن أن يقبل‬
‫فيه شفاعة الشافعين‪.‬‬
‫واهلل تعالى حذر رسوله من االستغفار للمنافقين الذين يقولون يف الظاهر‬
‫أشهد أال إله إال اهلل وأن محمدً ا رسول اهلل‪ ،‬ويقمون الصالة ويؤتون الزكاة يف‬
‫الظاهر‪ ،‬ولكن اهلل علم وأطلع رسوله ﷺ على ذلك‪ ،‬فقال‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ} [التوبة‪ ،]80:‬فال يحل للمسلمين‬
‫االستغفار للكفار مطل ًقا‪.‬‬
‫واهلل استثنى ذلك من االقتداء بإبراهيم‪ ،‬فقال‪{ :‬ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ} [الممتحنة‪،]4:‬‬
‫فنحن مأمورون باالقتداء بإبراهيم واتباع ملته‪ ،‬إال يف أمر واحد‪ ،‬وهو قوله ألبيه‪:‬‬
‫{ﯨ ﯩ}‪.‬‬
‫وال فرق بين الرتحم واالستغفار‪ ،‬فاهلل سبحانه وتعالى خلق الرحمة يوم‬
‫خلقها مائة رحمة‪ ،‬فادخر عنده تسعة وتسعين رحمة لعباده المؤمنين يف الجنة‪،‬‬
‫وأنزل رحمة واحدة يف الدنيا فيها يرتاحم الخالئق فيما بينهم‪ ،‬حتى ترفع الدابة‬
‫حافرها عن ولدها‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫وهذه الرحمة الدنيوية ينال اإلنسان حظه منها ما دام ح ًيا‪ ،‬فإذا مات فحينئذ‬
‫كافرا انتهى نصيبه من‬
‫إذا كان مؤمنًا يصير إلى الرحمات األخرى‪ ،‬وإذا كان ً‬
‫الرحمة هنائ ًيا‪.‬‬
‫وال يمكن أن ينال شي ًئا من رحمة اهلل‪ ،‬بل أولئك {ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ} [آل‬
‫عمران‪.]77:‬‬
‫ونعم هذه الرحمة الدنيوية وسعت كل شيء‪ ،‬لكن يف الحياة الدنيا‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪{ :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ} [القصص‪ ،]73:‬والمطر من رحمته كما قال‪{ :‬ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ} [الروم‪ ،]50:‬واألرزاق كلها من رحمته‬
‫الدنيوية التي وسعت كل شيء‪.‬‬
‫أما الرحمة األخروية فال تسع المشركين وال الكفار‪ ،‬وال من مات مكذ ًبا‬
‫بمحمد ﷺ‪ ،‬فإن اهلل قال لموسى عليه السالم‪{ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ‬
‫ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ‬
‫ﭵﭶﭷﭸﭹ ﭺﭻ ﭼﭽﭾ ﭿ‬
‫ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ}‬
‫[األعراف‪.]157-156:‬‬

‫‪5‬‬
‫هذا شرط صريح يف القرآن ال يقبل التأويل وال الريب وال الشك‪{ ،‬ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘﭙ} [سورة البقرة‪ ،]2:‬وعلى هذا فال يحل الرتحم وال االستغفار‬
‫لمن مات على الكفر‪ ،‬من أي ملة كان‪ ،‬سواء كان والد اإلنسان أو أمه أو غير ذلك‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬إن حكم كفار أهل الكتاب يف ذلك يختلف عن غيرهم؛ ألن اهلل‬
‫تعالى أباح زواج الكتابيات‪ ،‬فتكون منهم أم المسلم‪ ،‬وقد أمر اهلل الولد بالدعاء‬
‫لوالديه بالرحمة‪ ،‬فقال‪{ :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞ} [اإلسراء‪.]24:‬‬
‫قلنا‪ :‬إن إباحة اهلل الزواج من الكتابيات ليس رف ًعا لشأهنن‪ ،‬بل هو رفع لشأن‬
‫المسلمين؛ ألن اهلل تعالى وسع للمسلمين وأحل لهم ما كان حرا ًما على غيرهم‪،‬‬
‫ويف حديث أبي بكر ◙‪ :‬كان أهل الكتاب يزعمون أن لهم شفوفًا على‬
‫المشركين حتى أنزلت سورة البينة‪ ،‬فأنزل اهلل فيها‪{ :‬ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ} [البينة‪ ،]6:‬فقال أبو بكر‬
‫◙‪« :‬استوت أكتافهم ورب الكعبة»‪.‬‬
‫وإن كان محسنًا يف جوانب أخرى فإنما يذكر إحسانه يف الجوانب التي أحسن‬
‫فيها فقط‪ ،‬كرثاء حسان بن ثابت للمطعم بن عدي بن الخيار‪ ،‬وقد مات على‬
‫الشرك‪ ،‬لكنه أحسن إلى النبي ﷺ وهو مشرك؛ حمية لقرابته‪ ،‬ولذلك حسان بن‬
‫ثابت قال‪:‬‬
‫مطعما‬
‫ً‬ ‫من الناس أبقى مجده الدهر‬ ‫ولو أن مجددً ا خلدد الددهر واحددً ا‬
‫والنبي صلى اهلل عليه وسلم ذكر يوم بدر أنه لو كان المطعم بن عدي ح ًّيا‬
‫فكلمه يف هؤالء النتنى ألطلقهم له‪ ،‬أي‪ :‬يف األسرى‪ ،‬وهذا يدل على االعرتاف‬
‫كافرا‪ ،‬فتعرتف له بالجميل‬
‫بالجميل لمن أحسن إليك‪ ،‬حتى لو كان مشركًا أو ً‬

‫‪6‬‬
‫الذي فعل‪ ،‬وتثني عليه بما فيه من الصفات الحميدة‪ ،‬كثناء عمرو بن العاص‬
‫◙ على الروم بالصفات الخمس‪ ،‬التي يف صحيح مسلم‪ ،‬بعد أن ذكر النبي‬
‫ﷺ أنه ال تقوم الساعة إال وهم أكثر الناس‪.‬‬
‫أما لفظ الشهيد فهو وسام شرعي عال‪ ،‬ولقب من ألقاب التشريف‪ ،‬ال يطلق‬
‫إال على من يستحقه‪ ،‬فالكفار ال عالقة لهم هبذه األلقاب المشرفة شر ًعا؛ ألهنا‬
‫منازل من منازل الجنة‪ ،‬فال يمكن أن يوصف كافر بأنه نبي أو أنه صديق أو أنه‬
‫شهيد‪.‬‬
‫فال يمكن أن تميع هذه األوصاف بأن يقال‪ :‬شهيد الكرة‪ ،‬أو شهيد بمعنى‬
‫مثال‪ :‬فالن الصحابي‬
‫شهد المعركة‪ ،‬أو شهيد قتله العدو‪ ،‬فال يجوز أن نقول ً‬
‫الجليل؛ ألنه صحب الرئيس الفالين أو الزعيم الفالين‪ ،‬فالصحابي الجليل هو من‬
‫صحب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ومات على دينه‪.‬‬
‫والشهيد هو من وصل إلى مقام الشهادة يف سبيل اهلل‪ ،‬وهي مقام رفيع‪ ،‬من‬
‫أعلى مقامات أهل اإليمان‪ ،‬وشرطها اإليمان‪ ،‬فمن لم يكن من أهل اإليمان ال‬
‫تسلط له على مقامات أهل اإليمان بحال من األحوال‪.‬‬
‫وال يمكن إطالق ذلك بقصد تأويل أو بنية معينة؛ ألن ذلك من تمييع‬
‫النصوص وتمييع المصطلحات الشرعية‪ ،‬فهذه المقامات ‪-‬مقام النبوة ومقام‬
‫الصحبة ومقام الخلة ومقام الصديقية ومقام الشهادة ومقام الوالية‪ -‬هي مقامات‬
‫أصال‪ ،‬بل‬
‫من مقامات اإليمان‪ ،‬وال يمكن أن تتحقق لمن ليس من أهل اإليمان ً‬
‫إن من سوء األدب ومن اإلسراف العظيم أن يوصف هبا المسلم الذي هو من أهل‬
‫اإليمان إذا لم يرد نص بذلك‪ ،‬أو تقم حجة عليه‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ظلما عدوانًا أو كان مجاهدً ا يف سبيل اهلل‬
‫فإذا أطلقتها على مسلم قتله العدو ً‬
‫فاستشهد يف معركة‪ -‬فتقول‪ :‬الشهيد إن شاء اهلل تعالى فالن؛ ألنك ال تجزم ألحد‬
‫بعد النبي ﷺ بجنة أو نار‪ ،‬إال من ورد الوحي بالشهادة له بذلك‪ ،‬والشهيد مجزوم‬
‫له بالجنة‪ ،‬فال يجزم ألحد ممن مات على اإليمان بالجنة إال من ورد النص بذلك‬
‫مثال‪ ،‬والعشرة المبشرين بالجنة‪ ،‬أما من‬
‫فيه‪ ،‬كأهل بدر وأهل بيعة الرضوان ً‬
‫سواهم فنرجو ونخاف‪ ..‬نرجو له أثر إيمانه‪ ،‬ونعلم أن {ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ} [يونس‪ ،]44:‬ونخاف عليه عدم القبول وسيئاته‪.‬‬
‫واضحا بينًا‪ ،‬ال ريب فيه وال إشكال‪ ،‬أما ما يتعلق بالتعامل‬
‫ً‬ ‫فهذا ال بد أن يكون‬
‫مع الناس‪ ،‬وقول الكالم اللين لهم‪ ،‬والتعاطف مع المبتلين منهم‪ ،‬وباألخص من‬
‫وقف معنا وناصر قضيتنا‪ -‬فهذا سياسة وأمر آخر يختلف عن هذا‪ ،‬ولكن ال‬
‫يحملنا على الكذب على اهلل‪ ،‬وال على تمييع مصطلحات الشرع ونصوصه‪.‬‬
‫فنثني عليهم بما قدموا‪ ،‬نثني على شجاعتهم‪ ،‬أو على كرمهم‪ ،‬أو على‬
‫وطنيتهم‪ ،‬أو على مقاومتهم‪ ،‬أو على قولهم للحق‪ ،‬أو صدعهم به‪ ،‬أو وقوفهم مع‬
‫الحق‪ ،‬كما نثني هبذه الصفات الحميدة على عدد من أهل الجاهلية اتصفوا‬
‫بالشجاعة والكرم‪.‬‬
‫نثني بالكرم على حاتم بن عبد اهلل الطائي‪ ،‬وقد مات يف الجاهلية‪ ،‬ونثني‬
‫بالشجاعة على عنرتة بن عمرو بن شداد العبسي‪ ،‬ونثني بالمروءة على هرم بن‬
‫سنان المري‪ ،‬وغير ذلك من الثناء عليهم بما فعلوا‪ ،‬وهم كفار‪ ،‬كما نعلم جمي ًعا‪.‬‬
‫ولكن ال يحملنا كفرهم على عدم العدل يف خطاهبم وإنصافهم‪ ،‬فاهلل سبحانه‬
‫وتعالى يقول‪{ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ‬

‫‪8‬‬
‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ } [البقرة‪،]83:‬‬
‫ويقول‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ } [األنعام‪ ،]152:‬ويقول‪:‬‬
‫{ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ ﮑ } [اإلسراء‪ ،]53:‬وذلك مقتض للعدل واإلنصاف وعدم التجاوز‪.‬‬
‫ولهذا قال اهلل تعالى‪{ :‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫﯬ} [سورة المائدة‪ ،]2:‬وقال‪{ :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦ} [سورة المائدة‪.]8:‬‬
‫نسأل اهلل سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم‪ ،‬وأن يتقبل منا ومنكم صالح‬
‫العمل‪ ،‬وأن يلهمنا وإياكم السداد والرشاد‪ ،‬وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد‬
‫وعلى آله وأصحابه أجمعين‪.‬‬

‫‪9‬‬

You might also like