You are on page 1of 201

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫وقوله تعالى لبليس ‪ } :‬قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي‬
‫أستكبرت أم كنت من العالين { ) ص ‪ ( 75 :‬وآيات كثيرة أخرى وكذلك جاء‬
‫في الصحيحين عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال جاء حبر من‬
‫الحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬يا محمد إنا نجد أن الله‬
‫يجعل السموات على إصبع والماء والثرى على إصبع والشجر على إصبع‬
‫والماء والثرى على إصبع وسائر الخلئق على إصبع فيقول أنا الملك ‪ :‬فضحك‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا ً لقول الحبر ثم‬
‫قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم } وما قدروا الله حق قدره والرض‬
‫جميعا ً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه { ) اللؤلؤ والمرجان‬
‫رقم ‪. ( 1774‬‬
‫وأحاديث كثيرة ل تحصى كثرة تثبت صفة اليد لله سبحانه وتعالى في كل‬
‫دواوين السلم في الصحيحين والسنن والمسانيد ‪. .‬‬
‫ول شك أن جاهل هذه الصفة جاهل‪ ،‬وجاحدها كافر‪ ،‬واليمان بها واجب على‬
‫نحو اليمان بصفات الله كلها دون تشبيه أو تحريف كما قال المام مالك في‬
‫كلمته المشهورة عندما سأله سائل } الرحمن على العرش استوى { كيف‬
‫استوى ؟ فقال الستواء معلوم‪ ،‬واليمان به واجب والسؤال عنه بدعة !‬
‫ويعني بالسؤال عنه أي الكيفية ل يعلمه إل الله سبحانه وتعالى وأما الستواء‬
‫فقد مدح الله به نفسه في سبع آيات من القرآن فإثبات ذلك والعلم به‬
‫واجب وإنكار هذا كفر ولكن كيفية الستواء ل يعلمها إل الله سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫وكذلك اليد ل يعلم ذلك إل الله كما قال عنه نفسه جل وعل } ول يحيطون به‬
‫علما ً { وأما اليمان بما وصف الله نفسه فواجب على كل مسلم ‪.‬‬
‫القرآن كله بيان لصفة الله‬
‫وأما قول القائل في درسه إن القرآن لم يتعرض إل قليل ً لصفة الله فجهل‬
‫عظيم لن القرآن كله بيان لصفة الله عز وجل فهو إما إخبار عن ذات الله‬
‫وصفاته‪ ،‬أو عما صنعه بأوليائه من الرسل والمؤمنين‪ ،‬وهذا بيان أفعاله‬
‫وإكرامه وإحسانه‪ ،‬أو عما أحله بأعدائه وهذا من صفاته‪ ،‬فالقرآن من أول‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم إلى } من الجنة والناس { كله بيان لصفات الله‬
‫سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫ً‬
‫الكلم في الصول أشد خطرا من الكلم في الفروع ‪:‬‬
‫وبعد فإذا كان صاحب الكلمة المشار إليها آنفا ً يتورع أن يفتي في الفروع أو‬
‫يجتهد فيها‪ ،‬ويرى عليه لزاما ً إتباع مجتهد أو تقليد عالم فقد كان الولى به أن‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يصنع ذلك في أصول الدين ومسائل اليمان لن أصول الدين ومسائل اليمان‬
‫أشد خطرا ً فهي التي ينبني عليها الكفر واليمان فما سند القائل من أن‬
‫توحيد السماء والصفات ليس مهمًا‪ ،‬ولم يتكلم من السلف الصالح في‬
‫القرون الثلثة الولى ؟ !‬
‫فمن قال بهذا من العلماء المجتهدين الذين يقلدهم ؟ والعجيب جدا ً أنه ل‬
‫يرضى لدينه في المور الفقهية إل رجل ً كابن باز ولكنه يطلب من الناس أن‬
‫يسألوا آباءهم في المور العتقادية فيقول ‪ :‬سلوا آباءكم هل يؤمنون بأن لله‬
‫يدا ً أم ل ؟ ! سبحان الله ومتى كانت المهات الجاهلت والباء مصدرا ً‬
‫للتشريع في العقائد وأصول الدين ؟ !‬
‫بدأ السلم وسيعود قريبا ً‬
‫وبعد فمن غربة الدين أن يتكلم به كل متكلم وأن يفتي فيه كل جاهل وأن‬
‫يعلو منابره من يطعن فيه ويهدم أصوله وفروعه‪ ،‬وأن يبقى الدين الحقيقي‬
‫غريبا ً طريدا ً فالله المستعان ول حول ول قوة إل بالله ‪.‬‬
‫الفصل الثاني من أصول الضلل ‪ :‬اتباع التأويل الفاسد والجتهاد المرجوح‬
‫زعم الذي أنكر توحيد السماء والصفات أو جهله أن هذا النوع لو كان هاما ً‬
‫ويتوقف عليه كفر وإيمان لما جهله وضل عنه أناس فاضلون وعلماء أجلء‬
‫شهد لهم المسلمون بالخير والفضل ‪ . .‬والذي قاله هذا أصل عظيم من‬
‫أصول الضلل والباطل‪ ،‬وذلك أن الحق هو ما قرره الله ورسوله‪ ،‬وكل ما‬
‫خالف الحق فباطل لقوله تعالى ‪ } :‬فماذا بعد الحق إل الضلل فأنى‬
‫تصرفون { فإذا شهدنا وعلمنا أن عقيدة ما‪ ،‬أو قول ً ما هو الحق وأن هذا ما‬
‫قرره الله ورسوله وجب علينا أن نشهد بما شهد به الله ورسوله‪ ،‬ولو خالف‬
‫ذلك من خالف‪ ،‬وذلك أن ل أحد معصوم عن الخطأ بعد الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬والعالم المجتهد معذور فيما خالف فيه الحق سواء كان متأول ً أو‬
‫مجتهدا ً أو ناسيًا‪ ،‬أو جاهل ً بدليل ما أو حكم ما ‪ .‬ول يجوز لمسلم استبان له‬
‫الحق أن يتركه لقول قائل كائنا ً من كان هذا القائل ولو فعل لكان ضال ً‬
‫معرضا ً عن كلم الله وكلم رسوله ‪.‬‬
‫المتأول المجتهد معذور‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ولكن المسلمين مجمعون على أن المتأول المجتهد معذور في اجتهاده‬


‫وتأويله ما دام أنه مريد للحق ساع إليه وسواء كان اجتهاده وتأوله في أمور‬
‫العتقاد أو أمور العمل ‪ .‬ولو أن كل مسلم طلب منه أن يفهم الحق على‬
‫حقيقته‪ ،‬وأن يعلم حكم الله في كل مسألة لكان هذا تكليفا ً بما ل يطاق‪،‬‬
‫والحال أن الله سبحانه وتعالى ل يكلف نفسا ً إل وسعها ‪ .‬فإذا كان العالم‬
‫مريدا ً للحق ساعيا ً إليه وأخطأ بتأويل أو اجتهاد فإنه معذور عند الله سبحانه‬
‫وتعالى وهذا ما أجمعت المة عليه عمل ً بقوله صلى الله عليه وسلم ] إذا‬
‫اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر‪ ،‬وإذا اجتهد فأصاب فله أجران [ ) رواه البخاري‬
‫ومسلم ( ‪ .‬ولقوله تعالى ‪ } :‬وما كان الله ليضل قوما ً بعد إذ هداهم حتى‬
‫يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم { ولقوله تعالى ‪ } :‬وليس عليكم‬
‫جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم { ‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية رحمه الله ) الفتاوى ص ‪ 282‬ج ‪ " : ( 3‬ول يجوز تكفير‬
‫المسلم بذنب فعله‪ ،‬ول بخطأ أخطأ فيه كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة‬
‫فإن الله تعالى قال ‪ } :‬آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫آمن بالله وملئكته وكتبه ورسله‪ ،‬ل نفرق بين أحد من رسله وقالوا ‪ :‬سمعنا‬
‫وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير { وقد ثبت في الصحيح أن الله تعالى‬
‫أجاب هذا الدعاء وغفر للمؤمنين خطأهم " ‪.‬‬
‫واستطرد رحمه الله قائل ً ‪:‬‬
‫" والخوارج المارقون الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم قاتلهم‬
‫أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أحد الخلفاء الراشدين واتفق على قتالهم‬
‫أئمة الدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم‪ ،‬ولم يكفرهم علي بن أبي‬
‫طالب وسعد بن أبي وقاص وغيرهما من الصحابة بل جعلوهم مسلمين مع‬
‫قتالهم‪ ،‬ولم يقاتلهم حتى سفكوا الدم الحرام‪ ،‬وأغاروا على أموال المسلمين‪،‬‬
‫فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم ل لنهم كفار‪ ،‬ولهذا لم يسب حريمهم‪ ،‬ولم يغنم‬
‫أموالهم وإذا كان هؤلء الذين قد ثبت ضللهم بالنص والجماع لم يكفروا مع‬
‫أمر الله ورسولهم صلى الله عليه وسلم بقتالهم‪ ،‬فكيف بالطوائف المختلفة‬
‫الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم ؟ فل يحل‬
‫لحد من هذه الطوائف أن تكفر الخرى ول تستحل دمها ومالها‪ ،‬وإذا كانت‬
‫فيها بدعة محققة " ‪.‬‬
‫وقال أيضا ً رحمه الله ‪:‬‬
‫" وإذا كان المسلم متأول ً في القتال أو التفكير لم يكفر بذلك كما قال عمر‬
‫بن الخطاب لحاطب بن أبي بلتعة ‪ :‬يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا‬
‫المنافق ‪ .‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ] إنه قد شهد بدرًا‪ ،‬وما يدريك أن‬
‫الله قد اطلع على أهل بدر فقال ‪ :‬اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم [ ‪ .‬وهذا‬
‫في الصحيحين وفيهما أيضا ً من حديث الفك ‪ :‬أن أسيد بن الحضير قال لسعد‬
‫بن عبادة ‪ :‬إنك منافق تجادل عن المنافقين ‪ .‬واختصم الفريقان فأصلح النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بينهم‪ ،‬فهؤلء البدريون فيهم من قال لخر منهم إنك‬
‫منافق‪ ،‬ولم يكفر النبي صلى الله عليه وسلم ل هذا ول ذاك‪ ،‬بل شهد للجميع‬
‫بالجنة ‪ .‬وكذلك ثبت في الصحيحين عن أسامة بن زيد أنه قتل رجل ً بعدما‬
‫قال ل إله إل الله‪ ،‬وعظم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لما أخبره وقال يا‬
‫أسامة‪ ،‬أقتلته بعد أن قال ‪ :‬ل إله إل الله ؟ وكرر ذلك عليه حتى قال أسامة ‪:‬‬
‫تمنيت أني لم أكن أسلمت إل يومئذ‪ ،‬ومع هذا لم يوجب عليه قودًا‪ ،‬ول دية‪،‬‬
‫ول كفارة‪ ،‬لنه كان متأول ً ظن جواز قتل ذلك القائل لظنه أنه قالها تعوذا ً ‪.‬‬
‫فهكذا السلف قاتل بعضهم بعضا ً من أهل الجمل وصفين ونحوهم‪ ،‬وكلهم‬
‫مسلمون مؤمنون كما قال تعالى ‪ } :‬وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا‬
‫فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء‬
‫إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب‬
‫المقسطين { فقد بين الله تعالى أنهم مع اقتتالهم‪ ،‬وبغي بعضهم على بعض‬
‫إخوة مؤمنون‪ ،‬أمر بالصلح بينهم بالعدل‪ ،‬ولهذا كان السلف مع القتتال‬
‫يوالي بعضهم بعضا ً موالة الدين ل يعادون كمعاداة الكفار‪ ،‬فيقبل بعضهم‬
‫شهادة بعض‪ ،‬ويأخذ بعضهم العلم عن بعض‪ ،‬ويتوارثون ويتناكحون‪ ،‬ويتعاملون‬
‫بمعاملة المسلمين بعضهم مع بعض مع ما كان بينهم من القتال والتلعن‬
‫وغير ذلك " ‪ .‬انتهى عنه بلفظه ‪.‬‬
‫ل يجوز اتباع أخطاء العلماء‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومع أن المجتهد معذور ومأجور‪ ،‬والمتأول كذلك معذور فإنه ل يجوز لنا اتباع‬
‫ما علمنا أنه خطأ أو مخالف للكتاب والسنة ولذلك قال المام الشافعي "‬
‫أجمع المسلمون أنه ل يجوز لمسلم استبانت له سنة رسول الله أن يتركها‬
‫لقول قائل كائنا ً من كان " فكيف إذا استبان لنا عقيدة رأي بعض العلماء‬
‫خلفها وعلمنا نحن ثبوتها بالقرآن والسنة ؟ ! ولذلك فنحن نقول لمن يريد أن‬
‫يميع حقائق الدين اتباعا ً في زعمه لبعض التأويلت والفتاوى أما أن تعتقد أن‬
‫هذه التأويلت هي الحق فيجب عليك عند ذلك اتباعها‪ ،‬وأما أن تعتقد أنها‬
‫باطل فيجب عليك اجتنابها ‪ .‬وأما صاحب التأويل فهو معذور عند الله إن كان‬
‫من علماء المسلمين وممن يريد الحق ويسعى إليه ‪ .‬وأما نحن فل نكون‬
‫معذورين إذا استبان لنا الحق فتركناه اتباعا ً لفلن أو فلن ‪.‬‬
‫القول بجواز اتباع أخطاء العلماء من أكبر أصول الضلل‬
‫وختاما ً ل شك أن إجازة اتباع ما ثبت أنه خطأ من أقوال العلماء والفقهاء من‬
‫أكبر أصول الضلل‪ ،‬ولو جاز لنا أن نتبع ذلك لبدلنا العقائد والشرائع جميعًا‪،‬‬
‫فقد أفتى بسقوط الصلة عن الجنب الذي لم يجد ماء‪ ،‬وبجواز نكاح المتعة‪،‬‬
‫وبأن معراج الرسول وإسراءه كان منامًا‪ ،‬وبانعقاد الحلف والتوسل بالنبي‬
‫وبجواز نكاح أم المزني بها‪ ،‬وبجواز شرب الخمر من غير العنب‪ ،‬وأولت كثير‬
‫من صفات الله وأسمائه ‪ . .‬وكل هذا ثابت عن علماء فضلء وصحابة أجلء‬
‫فكيف بمن دونهم في العلم والفضل ولو جاز لنا أن نفتي بكل ما قيل لتبدل‬
‫الدين كله عقيدة وشريعة ‪.‬‬
‫الفصل الثالث آثار اليمان بصفات الله تعالى في قلب المؤمن‬
‫أمرنا الله عز وجل وعل باليمان به سبحانه‪ ،‬كما أمرنا كذلك باليمان بملئكته‬
‫وكتبه ورسله واليوم الخر‪ ،‬وقضائه وقدره‪ ،‬ول شك أن اليمان بالله هو ركن‬
‫اليمان العظم بل سائر أركان اليمان راجعه إلى اليمان به جل وعل ‪.‬‬
‫ولما كنا لم نر الله سبحانه ول نراه في الدنيا كما قال صلى الله عليه وسلم‬
‫] واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا [ ‪ .‬رواه البخاري ‪ . .‬فإن الله‬
‫سبحانه وتعالى وصف لنا نفسه وأخبرنا عن ذاته العلية لنصدق بذلك أول‪ً،‬‬
‫ونشهد له سبحانه بما شهد لنفسه‪ ،‬وليكون لتصديقنا بما وصف به نفسه أثر‬
‫في قلوبنا وذلك هو اليمان ‪ .‬فعندما يخبرنا سبحانه أنه الله الواحد الذي لم‬
‫يلد ولم يولد ولم يكن له كفوءا ً أحد يستلزم هذا منا أن ندعوه وحده‪ ،‬ونعبده‬
‫وحده‪ ،‬ونجعله وحده غايتنا وقبلتنا ول نشرك معه غيره‪ ،‬ول ندعي أن سواه‬
‫مشابه له لن كل شيء غيره متولد حادث يوجد ما يشابهه ويماثله‪ ،‬وهكذا إذا‬
‫أخبرنا سبحانه أنه الرحمن الرحيم سكب هذا في قلوبنا من محبته والطمع‬
‫في مغفرته ورضوانه ما يستعد كل قلب مؤمن لستقبال ذلك ‪ .‬وكذلك إذا‬
‫أخبرنا سبحانه وتعالى عن ذاته العليا أنه جبار ذو انتقام شديد العقاب فإن‬
‫هذا يورث في قلب المؤمن خوفا ً منه وتعظيما ً له‪ ،‬ومراعاة لحدوده وأوامره‪،‬‬
‫وهكذا يصبح لكل اسم من أسماء الله تعالى وصفة من صفاته جل وعل أثرها‬
‫في قلب العباد المؤمنين ‪.‬‬
‫لكل صفة من صفات الله أثر في قلب المؤمن‬
‫وقد يظن بعض الجاهلين أن هناك صفات مما وصف الله بها نفسه‪ ،‬أو وصفه‬
‫بها رسوله ل أثر لها في اليمان ول أهمية لذكرها أو استحضارها في القلب‬
‫وسواء على المؤمن عرفها أم لم يعرفها‪ ،‬أنكرها أو أثبتها‪ ،‬وهذا قد يكون‬
‫مرده الزندقة واتباع ما تقاولت به ن تسموا بالفلسفة الذين وصفوا الله‬
‫تعالى بصفات من عند أنفسهم وأنكروا وجحدوا ما وصف الله به نفسه وصفه‬
‫به رسوله ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ول شك أنه ليست هناك صفة لله في القرآن أو في السنة إل وقد ساقها الله‬
‫لحكمة ومنفعة وغاية ولول ذلك لما ساقها ولما ذكرها لن كلم الله وكلم‬
‫رسوله ينزه عن العبث واللغو والحشو ‪ .‬ومن ظن أن الله يحشو كلمه بما ل‬
‫فائدة في ذكره أو ل غاية من ورائه أو ل أهمية له فقد اتهم الله بالنقص‬
‫واللغو وهذا يصدق في كل ما نكلم الله به في أي موضوع ‪ .‬فكيف إذا تكلم‬
‫الله بكلم يعظم فيه نفسه‪ ،‬ويعرف فيه خلقه بذاته العلية وصفاته السنية ‪ .‬ل‬
‫شك أن الله فيما يصف فيه نفسه إنما يرشدنا إلى أعظم باب من أبواب‬
‫اليمان وهو اليمان به سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫ولننظر إلى بعض الصفات التي قد يظن بعض الجهلة والجاحدين أنه ل أهمية‬
‫لها أو ل يضر جهلها كما ل ينفع العلم بها ‪:‬‬
‫أ‪ -‬ل تأخذه سنة ول نوم ‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وصف الله نفسه في أعظم آية من القرآن كما جاء في حديث الصحيحين أنه‬
‫ل تأخذه سنة ول نوم فقال سبحانه } الله ل إله إل هو الحي القيوم ل تأخذه‬
‫سنة ول نوم { ول شك أن نفي الله عن نفسه للنوم وللقل منه وهو السنة‬
‫دليل على قيوميته وكمال حياته‪ ،‬وعدم تطرق النقص والغفلة إليه كما قال‬
‫تعالى أيضا ً } ل يضل ربي ول ينسى { وقال رسوله صلى الله عليه وسلم ‪] :‬‬
‫إن الله ل ينام ول ينبغي له أن ينام يخفض القسط وبرفعه ‪ [ . .‬الحديث ‪ .‬ولو‬
‫قال قائل ما فائدة ذكر هذا في اليات والحاديث لقلنا أنه لبيان قيومية الله‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬وكمال حياته وعدم تطرق الخلل والنسيان والغفلة لذاته‪،‬‬
‫واليمان بذلك له أثره ول شك في قلب المؤمن الذي ما أن يشهد لله بذلك‬
‫حتى يعظم شأنه الله‪ ،‬ويعلم أنه مطلع على خفياته‪ ،‬سميع له في أي ساعة‬
‫دعاه من ليل أو نهار‪ ،‬وأنه ل يغيب عنه سبحانه عمل عامل من خير وشر ‪. .‬‬
‫وهكذا ‪.‬‬
‫ب‪ -‬يد الله ‪:‬‬
‫ً‬
‫ومن الصفات التي جحدتها قلوب النفاة‪ ،‬وأنكرها الزنادقة قديما‪ ،‬وصف الله‬
‫نفسه سبحانه بأن له يدين وهذا ما قد مدح الله به نفسه في آيات كثيرة من‬
‫كتابه وقد مدحه به النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة فمن اليات‬
‫قوله تعالى ‪ } :‬تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير { وقوله‬
‫تعالى ‪ } :‬وما قدروا الله حق قدره والرض جميعا ً قبضته يوم القيامة‬
‫والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون { وقوله تعالى‬
‫مادحا ً نفسه مبينا ً فضله وتفضله على بني آدم إذ خلقه بيديه قال تعالى‬
‫لبليس } ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي { وكذلك لما اتهم اليهود الله‬
‫سبحانه وتعالى بأنه بخيل وأنه ل ينفق فقالوا } يد الله مغلولة { رد الله‬
‫سبحانه وتعالى عليهم قائل ً ‪ } :‬بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء { ‪.‬‬
‫وقد جاءت الحاديث الكثيرة التي تمدح الله بهذه الصفة وتبين كثرة عطاء‬
‫الله وقدرته وعظمته من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث‬
‫الذي يرويه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ] :‬قال الله عز وجل ‪ :‬أنفق أنفق عليك [ ‪ ،‬وقال صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ] :‬يد الله ملى ل تغيضها نفقة‪ ،‬سحاء الليل والنهار [ وقال صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ] :‬أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والرض فإنها لم تغض ما‬
‫في يده وكان عرشه على الماء‪ ،‬وبيده الميزان يخفض ويرفع [ ) متفق‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليه ( ‪.‬‬
‫وكل هذا بيان لعظيم عطاء الله وسعة فضله وأن يده الكريمة جل وعل دائمة‬
‫العطاء والنفاق‪ ،‬ويشبه هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم أيضا ً ‪ ] :‬ما‬
‫تصدق أحد بصدقة من طيب‪ ،‬ول يقبل الله إل الطيب إل أخذها الرحمن بيمينه‬
‫وإن كانت ثمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي‬
‫أحدكم فلوه أو فصيله [ ) مسلم ( ‪.‬‬
‫وفي هذا الحديث إثبات الكف‪ ،‬وبيان عظيم فضل الله سبحانه وتعالى‬
‫وإحسانه وأنه يتقبل من العباد صدقاتهم وينميها لهم ويحاسبهم على النماء‬
‫وينميها ول شك أن هذا له تأثيره في قلب المؤمن من محبة الله ورضوانه ‪.‬‬
‫وفي مجال قوة الله سبحانه وتعالى وجبروته وبطشه يقول صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ] :‬إن الله يقبض يوم القيامة الرض وتكون السموات بيمينه ثم‬
‫يقول ‪ :‬أنا الملك [ ) رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما ( ‪ ،‬وفي‬
‫رواية أخرى ] فيجعلهما في كفة ثم يرمي بهما كما يرمي الغلم بالكرة [ ‪.‬‬
‫وفي هذا بيان لعظمة الله وكمال قدرته وأن السموات والرض يوم القيامة‬
‫تكون بيمينه ‪.‬‬
‫ً‬
‫وكذلك جاء في حديث عبدالله بن مسعود عن البخاري ومسلم أن يهوديا جاء‬
‫إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬يا محمد إن الله يمسك السموات‬
‫على إصبع‪ ،‬والرض على إصبع‪ ،‬والجبال على إصبع‪ ،‬والشجر على إصبع‪،‬‬
‫والخلئق على إصبع ثم يقول أنا الملك ‪ .‬فضحك رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم حتى بدت نواجذه ‪ .‬ثم قرأ ‪ } :‬وما قدروا الله حق قدره والرض جميعا ً‬
‫قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما‬
‫يشركون { ‪.‬‬
‫ول شك أن أثر اليمان بهذه الصفة في قلب المؤمن عظيم لنها تورث القلب‬
‫المهابة لله والخوف منه وتعظيم أمره وشأنه‪ ،‬وأنه الملك الذي قهر الملوك‪،‬‬
‫وأنه ل مفر من قبضته‪ ،‬ول ملجأ منه إل إليه ‪.‬‬
‫أين دعاة الحاكمية من هذه الصفات ؟‬
‫ولو أن دعاة الحاكمية الذين ل يرون غيرها من صفة الله عقلوا هذه الصفات‬
‫ونشروها في المة لكان أعظم معين لهم على تذكير الناس بربهم ودفع‬
‫الناس إلى امتثال أوامره واجتناب نواهيه واستصغار شأن الجبابرة من ملوك‬
‫الرض الذين يشرعون لنفسهم ولشعوبهم ما لم يشرعه الله ! ولستطاعوا‬
‫تنفير الناس عن التحاكم إلى الطواغيت بل التحاكم إلى الملك الجبار الذي‬
‫تتضاءل في يده السموات والرض ‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ولكن للسف يقوم أحدهم خطيبا ً فيقول ‪ " :‬أنا ل أعلم كيف أوحد أن لله يدًا‪،‬‬
‫ل أعلم‪ ،‬ل أعلم كيف تتم هذه المسألة ؟ كيف أبني عمل ً على هذه القضية "‬
‫أ ‪ .‬هـ ‪ .‬ونحن نقول ‪ :‬وإذا لم تعلم يكون ماذا ؟ ! وإذا جهلت ؟ ! فما ضر‬
‫المسلمين جهلك ؟ ! وصغار طلبة العلم يعلمون ذلك‪ ،‬وقد شهد الله لنفسه‬
‫وشهد رسول لنفسه وعظموا الله بما عظم به نفسه‪ ،‬ولن يضير المسلمين‬
‫أن يخرج بينهم بين الحين والحين من يجهل صفة الله أو يجحدها أو يشكك‬
‫فيها وستبقى طائفة على الحق منصورة ل يضرهم من خالفهم ول من خذلهم‬
‫حتى يقاتل آخرهم الدجال والحمدلله رب العالمين ‪.‬‬
‫الفصل الرابع منهج القرآن في تثبيت دعائم اليمان‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫* زعم المبطلون أن العناية بتثبيت أركان العقيدة‪ ،‬والدفاع عن حوزتها‪ ،‬ودفع‬


‫شبهات الضالين والمنحرفين حولها ‪ .‬زعموا أن هذا مشغلة للمسلمين‬
‫وانحراف عن السبيل‪ ،‬وغلو مذموم‪ ،‬ولم يكتفوا بذلك بل تطاولوا على كتب‬
‫علماء السنة فعرضوا بكتاب العقيدة الطحاوية‪ ،‬وبكتاب العقيدة الواسطية‬
‫وجعلوا النشغال بهذه الكتب وأمثالها مفسدة وضلل ً وتشددا ً وتنطعا ً والحال‬
‫أنها كتب عصم الله بها أجيال المسلمين المهتدية على مدى القرون السالفة‬
‫من الشرك والوثنيات التي حدثت بعد عصر النبوة ولبست لباس السلم ‪.‬‬
‫وإمعانا ً من هؤلء المبطلين في الكيد والتضليل زعموا أن طريقة القرآن‬
‫ليست كذلك موهمين الناس أن القرآن لم يتعرض لبيان العقيدة ومناقشة‬
‫المبطلين والرد على الشبهات‪ ،‬ولما كان عامة الذين يرددون مثل هذه‬
‫القوال ممن ل فقه لهم بقرآن ول سنة‪ ،‬ول بسيرة الصحابة والسلف الذين‬
‫عاشوا عمرهم مدافعين عن عقيدة السلم من انتحال المبطلين‪ ،‬وتأويل‬
‫المفسدين ولذلك أحببت هنا أن أبين جانبا ً من منهج القرآن في الرد على‬
‫شبهات المعاندين وتثبيت دعائم اليمان لدى المؤمنين ‪.‬‬
‫أول ً ‪ :‬القرآن وثيقة عقائدية ‪:‬‬
‫أعلم أخي أن القرآن يكاد يكون بكامله وثيقة عقائدية لم يترك أهل ملة ودين‬
‫ممن عاصر نزوله إل وناقشهم في معتقدهم‪ ،‬وأجاب على تساؤلتهم‪ ،‬وفند‬
‫أقوالهم وقد كان منهج القرآن في تثبيت عقيدة السلم على شعبتين ‪.‬‬
‫الولى‪ ،‬الخبار المجرد عن الله وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر‪ ،‬كقوله‬
‫تعالى عن نفسه ‪ } :‬الله ل إله إل هو الحق القيوم ل تأخذه سنة ول نوم له ما‬
‫في السموات وما في الرض من ذا الذي يشفع عنده إل بإذنه يعلم ما بين‬
‫أيديهم وما خلفهم ول يحيطون بشيء من علمه إل بما شاء وسع كرسيه‬
‫السموات والرض ول يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم { ‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪ } :‬هو الله الذي ل إله إل هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن‬
‫الرحيم ‪ .‬هو الله الذي ل إله إل هو الملك القدوس السلم المؤمن المهيمن‬
‫العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون { وقوله تعالى ‪ } :‬قل هو‬
‫الله أحد‪ ،‬الله الصمد‪ ،‬لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا ً أحد { ‪.‬‬
‫وكذلك قوله عن الملئكة ‪ } :‬الحمد لله فاطر السماوات والرض جاعل‬
‫الملئكة رسل ً أولي أجنحة مثنى وثلث ورباع { ‪ . .‬الية ‪ .‬وكذلك وصفه‬
‫وإخباره عن رسله وكذلك عن يوم القيامة وما يكون فيه ‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫وأما الطريق الخر الذي سلكه القرآن في تثبيت دعائم العقيدة فهو هذه‬
‫الردود الكثيرة على شبهات الضالين فقد ناقش القرآن الكفار من مشركي‬
‫العرب في عقائدهم ورد على شبهاتهم‪ ،‬وكذلك ناقش النصارى واليهود‪،‬‬
‫والملحدة‪ ،‬في عقائدهم ورد عليهم وأبطل دعاويهم وادعاءاتهم سواء فيما‬
‫يختص بصفات الله سبحانه وتعالى أو ما يختص بملئكته‪ ،‬أو رسله أو قضائه‬
‫وقدره‪ ،‬فلما نسب مشركو العرب الولد لله فقالوا الملئكة بنات الله وكذلك‬
‫فعل النصارى في عيسى‪ ،‬وفعل اليهود في عزير قال تعالى ردا ً عليهم ‪:‬‬
‫} وقالوا اتخذ الله ولدا ً سبحانه بل عباد مكرمون ل يسبقونه بالقول وهم‬
‫بأمره يعملون { ‪ . .‬اليات ‪ .‬وزعم الكفار أن الله عاجز عن إحيائهم بعد‬
‫الموت فقال تعالى ‪ } :‬وضرب لنا مثل ً ونسي خلقه وقال من يحيي العظام‬
‫وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم { ‪ . .‬الية ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واتهم اليهود الله بالبخل فقالوا ‪ } :‬يد الله مغلولة { فقال تعالى ردا ً عليهم ‪:‬‬
‫} غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان { وقالوا أيضا ً نحن أبناء‬
‫الله وأحباؤه فل يعذبنا فقال تعالى ‪ } :‬بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن‬
‫يشاء ويعذب من يشاء { ‪ .‬ولما زعم كفار العرب الشفاعة للملئكة والصنام‬
‫قال تعالى ‪ } :‬ول يشفعون إل لمن ارتضى { وقال تعالى ‪ } :‬من ذا الذي‬
‫يشفع عنده إل بإذنه { ولما احتجوا بالقدر علم رسوله محمدا ً صلى الله عليه‬
‫وسلم طريقة الرد عليهم فقال تعالى ‪ } :‬سيقول الذين اشركوا لو شاء الله‬
‫ما اشركنا ول اباؤنا ول حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى‬
‫ذاقوا باسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ان تتبعون ال الظن وان انتم‬
‫ال تخرصون قل فلله الحجة البالغة { ‪ . .‬الية ‪ .‬ولو قرأنا القرآن متدبرين‬
‫لوجدنا في سورة البقرة وحدها مائة وستين آية في الرد على شبهات اليهود‬
‫العقائدية ‪ .‬وفي آل عمران جاءت معظم السورة في الرد على شبهات‬
‫النصارى‪ ،‬والمشركين ‪ .‬وفي النساء والمائدة مع أنهما من سور الحكام إل‬
‫أنهما مليئتان بالرد على اليهود والنصارى‪ ،‬وعامة شبهاتهم في العقيدة وفيها‬
‫كذلك الرد على المنافقين الذين ظنوا جواز اتباع السلم في العبادات‪،‬‬
‫والتحاكم إلى غيره في المعاملت فبين تعالى كفر من زعم ذلك وحكم بأنه ل‬
‫إيمان إل بإخلص الطاعة لله ووجوب التحاكم في كل شجار إلى حكمه وحكم‬
‫رسوله كما قال تعالى ‪ } :‬فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم‬
‫ثم ل يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما{ ‪.‬‬
‫والمهم من كل ذلك هو ذكر إشارات وتنبيهات فقط أن القرآن وثيقة عقائدية‬
‫إيمانية‪ ،‬وقد ذكر بعض العلماء أن آيات الحكام العملية مائتا آية فقط‪ ،‬وباقي‬
‫القرآن الذي يربو على ستة آلف آية كلها في مناقشات عقائدية ‪.‬‬
‫ول شك أن القرآن ناقش العقائد الموجودة في وقته وما سيزعمه الناس بعد‬
‫وقت نزوله‪ ،‬ورد على كل العقائد الباطلة المعاصرة لوقت النزول‪ ،‬وهكذا‬
‫أيضا ً جادل رسول الله المشركين واليهود والنصارى‪ ،‬والسنة مليئة بمناقشات‬
‫الرسول وجداله لليهود والمشركين والنصارى ‪.‬‬
‫جهاد السلف في مجال العقيدة‬
‫وهكذا أيضا ً فعل سلف المة الصالحون فعندما خرجوا من هذه الجزيرة‬
‫اصطدموا بطوائف وملل كثيرة كالمجوس والزنادقة والفلسفة الملحدين أو‬
‫ما يسمونهم باللهيين‪ ،‬ويخطيء من يظن أن السيف السلمي هو الذي‬
‫حسم المعركة وحده مع كل أولئك وأن انتصار المسلمين بالسيف قضى على‬
‫تلك العقائد بل كانت هناك معارك مصاحبة ومتوازية مع معركة السيف وهي‬
‫معركة القلم والعلم والقرآن والعقيدة انتصر فيها علماء المسلمين على دعاة‬
‫الوثنية والمجوسية‪ ،‬والزندقة واللحاد‪ ،‬ألفت الكتب الكثيرة في الرد على كل‬
‫انحراف ينشأ في المسلمين تأثرا ً بهذه الملل الكافرة‪ ،‬أو على هذه الملل‬
‫بذاتها ‪.‬‬
‫مذاهب الكفر والزندقة المعاصرة‬

‫)‪(8 /‬‬

‫ويخطيء من يظن أيضا ً أن عقائد الزنادقة‪ ،‬والمجوس والوثنية وسفسطة‬


‫الفلسفة قد اختفت من بين المسلمين اليوم ول حاجة إلى الدراسة والرد‬
‫على مثل هذه العقائد ‪ .‬فما المغالة في الولياء والصالحين والطواف‬
‫بقبورهم والتوسل والستشفاع بهم إل عقائد الوثنية تأثر بها عوام المسلمين‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وجهالهم بل وبالتالي طائفة من علمائهم والمقدمين المشهورين فيهم وما‬


‫عبادة الحكام والتحاكم إلى الطواغيت وتقديس الملوك إل وثنية جديدة‬
‫وشركا ً جديدا ً قديمًا‪ ،‬يسير فيه عامة المسلمين اليوم بجهل منهم أو عناد‪ ،‬وما‬
‫صرف صفات الله عن معانيها الحقيقية ونفي ما وصف الله به نفسه من اليد‬
‫والوجه والحب والبغض‪ ،‬والساق والقدم‪ ،‬والمجيء والستواء والضحك‬
‫والكلم بصوت يسمعه القريب والبعيد ما نفي ذلك إل زندقة قديمة انتشرت‬
‫قديما ً وحار بها علماء السنة وكفروا أهلها وقتلوهم شر قتلة وما زال أتباعها‬
‫إلى اليوم يملون دور العلم ويفرضون عقيدتهم الباطلة على أجيال‬
‫المسلمين‪ ،‬ويكفرون من ل يعتقد عقيدتهم‪ ،‬ويرمون بالتشدد والفراط من‬
‫يثبت لله ما أثبت الله لنفسه‪ ،‬ومن ينفي عن الله ما نفاه سبحانه عن نفسه‪،‬‬
‫وما وحدة الوجود التي يؤمن بها عامة رجال التصوف الذين ما زالوا يملون‬
‫العالم السلمي إل عقائد الهندوس والمجوس‪ ،‬بل إن الفتن العقائدية اليوم‬
‫هي أبلغ ما يجابه المسلمين من مشاكل فكم من كفر اليوم يلبس لباس‬
‫السلم‪ ،‬ويريد فرض نفسه على ديار المسلمين فما القول بالعصمة‬
‫والرجعة‪ ،‬وكفر الصحابة وتبديل القرآن‪ ،‬وفشل الرسول في إبلغ رسالة‬
‫السلم إل هدم جديد للدين يلبس لباس السلم ‪ .‬وما التفريق بين بعض‬
‫الدين وبعض وجعل الدين هو العبادة فقط وفصل شؤون القتصاد والسياسة‬
‫والجتماع إل هدم للدين وإلغاء لدوره الحقيقي من الحياة وما الخرافات‬
‫والخزعبلت التي تسود عقائد المسلمين إل جاهليات قديمة تلبس لباسا ً‬
‫عصريا ً وكل هذا وهذا يحتاج إلى دفاع واللسان آلته وميدانه وما يريد‬
‫المبطلون اليوم إل تخريج قطعان من المسلمين ل يدرون إلى أين يساقون‬
‫وأي عقيدة يعتقدون وبأي زنديق أو مشرك يأتمون ويقتدون ‪.‬‬
‫ً‬
‫ونحن بحمدالله في مجال الدعوة نقول كما قال الله ل يكلف الله نفسا إل‬
‫وسعها‪ ،‬فنوجب على العالم ما ل يجب على طالب العلم المبتدئ‪ ،‬ونوجب‬
‫على طالب العلم ما ل يجب على المي العامي‪ ،‬وكل عليه أن يدعو بما‬
‫يسره الله له ‪ .‬وكذلك ل نقول ل يكون مسلما ً إل من قرأ كتب السلف في‬
‫الردود على أهل الزندقة والباطل بل نقول‪ ،‬ل يكون مسلما ً على الحقيقة إل‬
‫من آمن بما أخبر الله عن نفسه دون تحريف أو تشبيه أو تعطيل‪ ،‬ومن كانت‬
‫عنده شبهة وجب عليه معرفة الحق فيها‪ ،‬ووجب علينا تعليمه حتى يفارق‬
‫الكفر أو الشرك أو الزندقة‪ ،‬ومنهجنا هو بناء المسلم العقائدي الذي يدافع ما‬
‫استطاع عن عقيدة التوحيد‪ ،‬ويقف صامدا ً ضد عقائد الوثنية والكفر ‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫الرد على من أنكر حجية السنة‬


‫مدخل ‪:‬‬
‫السنة شقيقة القرآن ومثيلته في الحجية والعتبار ‪ ،‬فهما مصدر الدين‬
‫وكلهما وحي من الله بأدلة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة ‪ .‬ومنها ما‬
‫جاء مؤكد لحكام القرآن ومنها ما هو مبين للقرآن ‪ :‬تفصيل لمجمله وتوضيحا‬
‫لمشكله وتخصيصا لعامه وتقيدا لمطلقه وتبينا لمبهمه وردا لمتشابهه إلى‬
‫محكمه ‪ ،‬ومنها ما جاء بتشريعات مستقلة عنه ‪ .‬وهي حجة شرعية يستوي‬
‫في ذلك المتواتر منها والحاد حيث العتبار بثقة النقلة وليس بعددهم‬
‫وحجيتها من أصول الدين وهي مرتبطة باليمان برسالة محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم ومنكرها خارج من الملة ‪.‬وحاول أعداء السلم أن يشككوا في هذا‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ليفتنوا المسلمين فرد الله كيدهم ‪ .‬ومع تفشي الجهل في عصرنا الحالي‬
‫وجب بيان هذه الحقيقة ‪.‬‬
‫معنى حجية السنة وبيان مكانتها في السلم ومنزلتها من القرآن الكريم‬
‫‪ .1‬معنى حجية السنة ‪:‬‬
‫لغة البرهان واصطلحا أن السنة دليل شرعي يدل على حكم الله تعالى وأن‬
‫الله قد تعبدنا باتباع ما أمرت به واجتناب ما نهت عنه فهي مصدر للدين‬
‫أساسي والشطر الثاني له فيجب اعتقاد مضمونها والعمل بمقتضاها في‬
‫جميع جوانب حياة الناس ومعادهم ‪.‬‬
‫‪ .2‬مكانة السنة في السلم ‪:‬‬
‫أصل الدين ومصدره الوحي وله قسمين متكاملين ل غنى لحدهما عن الخر‬
‫وهما‪ :‬القرآن والسنة ‪ .‬فالسنة مثل القرآن في الحجية وشطر الدين وأحد‬
‫الصلين ومصدر السلم مع القرآن وبدونها يتعذر فهم القرآن وعبادة الله‬
‫حيث يستمد منها العقيدة الصحيحة وأحكام العبادات والمعاملت والخلق‬
‫والداب والفضائل والقوانين السياسية الداخلية للدولة المسلمة وعلقاتها‬
‫الدولية ونظم الحياة الجتماعية والقتصادية والثقافية والتربوية والفكرية‬
‫وسلوكها في الحرب والسلم حيث هي منهج للحياة كامل ‪ .‬وهذا هو مكان‬
‫السنة كما فهمها السلف وطبقوها فنالوا خيري الدنيا والخرة ‪.‬‬
‫‪ .3‬منزلة السنة من القرآن ‪:‬‬
‫نص المام الشافعي ووافقه جمهور العلماء على ثلثة أقسام للسنة من حيث‬
‫دللتها على العقائد والحكام الواردة في القرآن الكريم وهي‪:‬‬
‫أول‪ :‬السنة المؤكدة ‪:‬حيث تدل على الحكم الشرعي كما يدل عليه القرآن‬
‫وموافقة له في الجمال والختصار والشرح للتأكيد مثل قوله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ) :‬ل يحل مال امرئ مسلم إل بطيب من نفسه ( ‪1‬يوافق قوله تعالى‬
‫) ول تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( ‪.1‬‬
‫ثانيا ‪:‬السنة المبينة ‪ :‬التي توضح مراد الله في القرآن وهو أغلب السنة وله‬
‫أربعة أنواع ‪:‬‬
‫‪.1‬تفصيل المجمل مثل نصاب الزكاة ‪.‬‬
‫‪.2‬توضيح المشكل مثل بيان المراد من الخيط البيض والسود في وقت‬
‫المساك ‪.‬‬
‫‪.3‬تقييد المطلق مثل بيان قطع اليد اليمنى للسارق ‪.‬‬
‫‪.4‬تخصيص العام مثل تخصيص ميراث الولد لغير القاتل ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪:‬السنة المستقلة بالتشريع ‪:‬مثل بيان ميراث الجدة وتحريم الذهب‬
‫والحرير للرجال ‪.‬‬
‫استقلل السنة بالتشريع‬
‫أ‪.‬معنى استقلل السنة بالتشريع ‪:‬‬
‫يعني أنها جاءت بمعتقدات وأحكام لم ينص عليها القرآن وأنها حجة في‬
‫إضافة تشريعات حيث أن الكل وحي من الله تعالى ‪.‬‬
‫ب‪.‬أقوال العلماء في استقلل السنة بالتشريع ‪:‬‬
‫اجمع العلماء قديما وحديثا على أن السنة تأتي بأحكام لم يثبتها القرآن ولم‬
‫ينفها وأنها حجة شرعية فيها ملزمة لها‬
‫أدلة استقلل السنة بالتشريع ‪:‬‬
‫‪.1‬دل القرآن الكريم والسنة والجماع على أن السنة وحي من الله ‪.‬‬
‫‪.2‬إن نصوص القرآن الدالة على وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫لم تفرق بين السنة المؤكدة والمبينة والمستقلة بالتشريع ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪.3‬إن نصوص القرآن دلت على وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫على سبيل الستقلل مثل قوله تعالى ) يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله‬
‫وأطيعوا الرسول وأولى المر منكم ‪.2 (..‬‬
‫‪.4‬إن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم بدللة المعجزة عن الخطأ في‬
‫التبليغ عن ربه بوحي متلو أو غير متلو مبين أو مؤكد أو مستقل ‪.‬‬
‫‪.5‬إن القول بعدم استقلل السنة بالتشريع يقتضي القول بعدم تبيينها لما في‬
‫القرآن لن في التبيين نوع استقلل في تفاصيل الحكم المبين كتفاصيل‬
‫الصلة مثل ‪.‬‬
‫قال المام الشافعي ‪ ) :‬وما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ليس‬
‫لله فيه حكم )أي في القرآن( فبحكم الله سنه‪ ،‬وكذلك أخبرنا الله في قوله ‪:‬‬
‫) وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله ( ‪.3‬‬
‫أدلة حجية السنة‬
‫إن السنة المطهرة حجة شرعية تعبدنا باعتقاد مضمونها والعمل بمقتضاها‬
‫وهي شقيقة القرآن ومثيلته في الحجية والعتبار حيث هما جميعا من عند‬
‫الله تعالى والدلة على ذلك من القرآن والسنة والجماع والعصمة وتعذر‬
‫العمل بالقرآن وحده ‪:‬‬
‫الدلة من القرآن ‪:‬‬
‫‪.1‬اليات الدالة على وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته‬
‫والتحذير من مخالفته ‪:‬‬
‫‪ ) -‬وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على‬
‫رسولنا البلغ المبين ( ‪.4‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ ) -‬يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي المر منكم فإن‬
‫تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الخر‬
‫( ‪.5‬‬
‫‪ ) -‬يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ‪.6 (..‬‬
‫‪ ) -‬وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ( ‪.7‬‬
‫‪ ) -‬فليحذر الذين يخالفون عن أره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ( ‪.8‬‬
‫‪.2‬اليات الدالة على وجوب اليمان به أي الذعان والتصديق والتسليم له‬
‫واتباعه وقبول شريعته حكمه وقضائه ‪:‬‬
‫‪ ) -‬فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل يجدوا في‬
‫أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ( ‪.9‬‬
‫‪ ) -‬إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم‬
‫يذهبوا حتى يستأذنوه(‪.10‬‬
‫‪.3‬اليات الدالة على أ ن الرسول صلى الله عليه وسلم مبين للكتاب وشارح‬
‫له شرح معتبر عند الله تعالى ومطابق لما شرعه لعباده وأنه صلى الله عليه‬
‫وسلم معلم لمته لمرين الكتاب والحكمة )وهي السنة( ‪:‬‬
‫‪) -‬وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك لما لم تكن كعلم وكان فضل‬
‫الله عليك عظيما ( ‪11‬فالحكمة أي السنة ‪.‬‬
‫‪) -‬لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسول منهم يتلوا عليهم آياته‬
‫ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلل مبين (‬
‫‪12‬فرأى الشافعي وغيره أن الحكمة السنة‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪.4‬اليات الدالة على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع ما‬
‫يصدر عته وأن ذلك من ثمرات محبة العبد لربه‪:‬‬
‫‪ ) -‬قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله‬
‫غفور رحيم ( ‪.13‬‬
‫‪ ) -‬لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم‬
‫الخر وذكر الله كثيرا (‪ 14‬قال الترمذي ‪ :‬السوة الحسنة في الرسول‬
‫القتداء به والتباع لسنته وترك مخالفته في قول أو فعل ‪.‬‬
‫‪.5‬اليات الدالة على أن الله أمره بتبليغ رسالته قرآنا وسنة وأنه عصمه من‬
‫التبديل والتحريف يفيد التمسك بالسنة ‪:‬‬
‫‪) -‬ثم جعلناك على شريعة من المر فاتبعها ول تتبع أهواء الذين ل يعلمون (‬
‫‪.15‬‬
‫‪ ) -‬يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته‬
‫والله يعصمك من الناس (‪.16‬‬
‫‪ ) -‬اتبع ما يوحى إليك من ربك ل إله إل هو وأعرض عن المشركين (‪. 17‬‬
‫الدلة من السنة ‪:‬‬
‫تعددت الحاديث الدالة على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫وتنوعت فيمكن تقسيمها موضوعيا إلى ‪:‬‬
‫‪.1‬الحاديث الدالة على أن السنة تماثل القرآن في الحجية وأنه ل يمكن‬
‫معرفة الشرع من القرآن وحده ‪:‬‬
‫‪ -‬قوله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬أل إني أوتيت الكتاب ومثله معه ‪ ،‬أل يوشك‬
‫رجل شبعان على أركته يقول ‪ :‬عليكم بهذا القرآن ‪ ،‬فما وجدتم فيه من حلل‬
‫فأحلوه ‪ ،‬وما وجدتم فيهمن حرام فحرموه ‪ ،‬وإن ما حرم رسول الله كما‬
‫حرم الله ( ‪.2‬‬
‫‪ -‬قوله صلى الله عليه وسلم‪ ) :‬يا أيها الناس إني ما آمركم إل ما أمركم به‬
‫الله‪ ،‬ول أنهاكم إل عما نهاكم الله عنه ‪.3 (..‬‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم) من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى‬
‫الله ( ‪.4‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -‬قوله صلى الله عليه وسلم‪ ) :‬إن الدين بدأ غريبا ويرجع غريبا فطوبى‬
‫للغرباء الذين يصلحون ما أفسده الناس من بعدي من سنتي ( ‪.5‬‬
‫‪.2‬الحاديث التي يأمر فيها النبي صلى الله عليه وسلم بالتمسك بسنته ويحذر‬
‫من اتباع الهوى والستقلل بالرأي ‪:‬‬
‫‪ -‬قوله صلى الله عليه وسلم‪ ) :‬دعوني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم‬
‫سؤالهم واختلفهم على أنبيائهم‪ ،‬فإذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه وإذا أمرتكم‬
‫بشئ فأتوا منه ما استطعتم ( ‪.6‬‬
‫‪ -‬عن عائشة ‪ t‬قالت ‪ ) :‬صنع رسول الله )ص( شيئا ترخص فيه فتنزه عنه‬
‫قوم‪ ،‬فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال‪:‬‬
‫) ما بال قوم يتنزهون عن الشئ أصنعه فوالله إني لعلمهم بالله وأشدهم له‬
‫خشية (‪. 7‬‬
‫‪ -‬عن العرباض بن سارية ‪ t‬قال ‪ ) :‬صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ذات يوم ثم أقبل علينا بوجهه‪ ،‬فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون‬
‫ووجلت منها القلوب فقال رجل ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬كأن هذه موعظة مودع ‪،‬‬
‫فماذا تعهد إلينا ؟ فقال ‪ :‬أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كن عبدا ً‬
‫حبشيا ً ‪ ،‬فإنه من يعش بعدكم سيرى اختلفا ً كثيرًا‪ .‬فعليكم بسنتي وسنة‬
‫الخلفاء الراشدين المهديين‪ :‬تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ‪ .‬وإياكم‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومحدثات المور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضللة وكل ضللة في النار (‬
‫‪.8‬‬
‫‪.3‬الحاديث التي فيها المر بسماع السنة وتبليغها ونشرها بين لناس مما يدل‬
‫على حجيتها‪:‬‬
‫‪ -‬قوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع‪ ) :‬أل فليبلغ الشاهد الغائب ( ‪.9‬‬
‫‪ -‬قوله صلى الله عليه وسلم‪ ) :‬نضر الله عبدا ً سمع مقالتي فحفظها ووعاها‬
‫وأداه ‪ ،‬فرب حامل فقه غير فقيه ‪ ،‬ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه (‬
‫‪.10‬‬
‫‪ -‬قوله صلى الله عليه وسلم‪ ) :‬اللهم ارحم خلفائي ‪ ،‬قلنا يا رسول الله ومن‬
‫خلفاؤك ؟ قال ‪ :‬الذين يأتون من بعدي يروون أحاديثي‪ ،‬ويعلمونها الناس(‪.11‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -‬قوله صلى الله عليه وسلم‪ ) :‬بلغوا عني ولو آية وحدثوا عني ول تكذبوا‬
‫ي متعمدا ً فليتبوأ مقعده من النار ( ‪.12‬‬‫فمن كذب عل ّ‬
‫دليل الجماع ‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فقد أجمع المسلمون سلفا وخلفا على أن السنة الثابتة عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم حجة شرعية كما نقل عن كثير من العلماء مثل الشافعي وابن‬
‫عبد البر وابن حزم وابن تيميه وابن القيم مثل قول ابن حزم ‪ :‬ولو أن امرأ‬
‫قال ‪ :‬ل نأخذ إل ما وجدنا في القرآن لكان كافر بإجماع المة وتواتر عن‬
‫الئمة الربعة نحو هذه العبارة ) إذا صح الحديث فهو مذهبي‪ ،‬واضربوا بقولي‬
‫عرض الحائط ( وقول الشوكاني ‪ ) :‬إن ثبوت حجية السنة المطهرة‬
‫واستقللها بالتشريع ضرورة دينية‪ ،‬ول يخالف في ذلك إل من ل حظ له في‬
‫دين السلم (‪.‬‬
‫عصمة النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫دل الشرع وانعقد الجماع على أن النبي صلى الله عليه وسلم وسائر النبياء‬
‫معصومون من جميع ما يخل بتبليغ الرسالة من الخطأ والنسيان والكتمان‬
‫والتقصير والكذب وتسلط الشيطان والهواء والشك ومن أدلته ‪:‬‬
‫‪.1‬دللة المعجزة ‪ :‬وهي القرآن الذي تحدى به فصحاء العرب يدل على أنه‬
‫معصوم في جميع ما يبلغ عنه ‪.‬‬
‫‪.2‬أن الله قد شهد له بالبلغ والصدق وأنه متمسك بما أوحي إليه )وإنك‬
‫لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله( وقال ‪ ) :‬والنجم إذا هوى * ما ضل‬
‫صاحبكم *وما غوى وما ينطق عن الهوى * إن هو إل وحي يوحى (‪.18‬‬
‫‪.3‬أخبر القرآن أنه ل يزيد ول ينقص في الشرع ) ولو تقول علينا بعض‬
‫القاويل لخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين ( ‪.19‬‬
‫‪.4‬قوله تعالى ‪ ) :‬يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما‬
‫بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ( ‪.20‬‬
‫‪.5‬إن الله قد حمى رسوله من إضلل أعداء السلم له ) ولول فضل الله‬
‫عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إل أنفسهم وما‬
‫يضرونك من شئ (‪ 21‬فل يستطيعون التأثير عليه ‪.‬‬
‫‪.6‬إنه صلى الله عليه وسلم معصوم من كيد الشيطان ووسوسته وإغوائه‪،‬‬
‫فقال صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬إن لكل منكم قرينا ً ‪ .‬فقالت عائشة ‪ :‬حتى‬
‫أنت يا رسول الله ‪ ،‬قال‪ :‬حتى أنا ولكن الله أعانني عليه فأسلم (‪. 13‬‬
‫‪.7‬شهد الله له في آخر زمنه بإكمال الرسالة ) اليوم أكملت لكم دينكم‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم دينا ً ( ‪.22‬‬


‫‪ -‬تعذر العمل بالقرآن وحده ‪:‬‬
‫كبيان كيفية الصلة وعدد ركعاتها وأوقاتها وبيان نصاب والزكاة في قوله‬
‫تعالى ) وأقيموا الصلة وآتوا الزكاة (‪ 23‬وبيان ما المراد بالحج والعمرة‬
‫وشروطهما في قوله تعالى ) وأتموا الحج والعمرة لله ‪24 (..‬وبيان ما هي‬
‫السرقة الموجبة للقطع وما نصابها وما هو موضع القطع في قوله تعالى‬
‫) والساق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاًء بما كسبا نكال ً من الله ‪.24 (..‬‬
‫هل اختلف المتقدمون في حجية السنة‬
‫إن حجية السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم مما علم من الدين‬
‫بالضرورة لتظاهر لدلة على ذلك وهو مرتبطة بأصول العقيدة وهي الترجمة‬
‫الحقيقية لليمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يقع في ذلك نزاع‬
‫بين المسلمين ممن يعتد بهم في هذا فكانت من المسلمات الساسية‬
‫والبديهية ولذا لم يتناولها المصنفون بالبيان ‪ .‬جاء في كتاب مسلم الثبوت‬
‫وشرحه فواتح الرحموت ) إن حجية الكتاب والسنة والقياس من علم‬
‫الكلم ‪ ،‬لكن تعرض الصولي لحجية الجماع والقياس ‪ ،‬لنهما كثر فيهما‬
‫الشغب من الحمقى من الخوارج والروافض ‪ ،‬خذلهم الله تعالى‪ ،‬وأما حجية‬
‫الكتاب والسنة فمتفق عيها عند المة ممن يدعي التدين كافة‪ ،‬فل حاجة إلى‬
‫الذكر (‬
‫‪---------------‬‬
‫ملخص من كتاب حجية السنة للدكتور حسين الشواط‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الرد علي الفرقان الحق د ‪ /‬ابراهيم عوض‪.‬‬


‫كلمة سريعة‬
‫مى بـ " الفرقان الحق " ‪ ،‬وهو‬ ‫فى الصفحات التالية دراسة وتفنيد لما ُيس ّ‬
‫قْتها ‪ ،‬فى الفترة الخيرة‬ ‫ف َ‬‫ور تتجاوز الخمسين ‪ ،‬ل ّ‬ ‫س َ‬
‫عبارة عن مجموعة من ال ّ‬
‫ض الجهات التبشيرية المتعاونة مع الصهيونية‬ ‫على غرار القرآن الكريم ‪ ،‬بع ُ‬
‫ل مع اليام فى نفوس المسلمين‬ ‫العالمية بتخطيط أمريكى ؛ بغية أن تح ّ‬
‫محل القرآن المجيد‪.‬‬
‫حش على سيد النبياء والمرسلين ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫م كله إقذاع وف ْ‬ ‫ور هجو ٌ‬ ‫س َ‬
‫وفى هذه ال ّ‬
‫ه لكل‬ ‫ٌ‬ ‫وتسفي‬ ‫‪،‬‬ ‫والسلم‬ ‫الصلة‬ ‫عليه‬ ‫له‬ ‫والنفاق‬ ‫والضلل‬ ‫بالكفر‬ ‫م بذىء‬ ‫واتها ٌ‬
‫ُ‬
‫ج وجهادٍ‬ ‫خَروِىّ وصلةٍ وصيام ٍ وح ّ‬ ‫شىء جاء به السلم من توحيدٍ ونعيم ٍ أ ْ‬
‫ن‬
‫ى شيطا ٍ‬ ‫ت أسريةٍ … ‪ ،‬واّدعاٌء بأن كتاب الله إنما هو وح ُ‬ ‫وطهارةٍ وتشريعا ٍ‬
‫ف خفى لليهود …‬ ‫ة من ط َْر ٍ‬ ‫إلى شيطان ‪ ،‬وتمجيد ٌ للتثليث النصرانى ومداعب ٌ‬
‫ضا‬
‫ضها عر ً‬ ‫دم بع ُ‬ ‫وقد نّبه عدد من الصحف العربية مؤخرا لهذا الكتاب ‪ ،‬وق ّ‬
‫سريعا له أبرز فيه الغايات التى يهدف ملفقوه إليها‪ .‬لكن لم يصل إلى علمى‬
‫ور التى يقدمها ملفقوها‬ ‫س َ‬‫ة هذه ال ّ‬ ‫ة تحليلي ً‬ ‫دا قد حاول أن يدرس دراس ً‬ ‫أن أح ً‬
‫فزنى للقيام بهذه المهمة تبصرةً‬ ‫ح َ‬
‫إلى القراء بوصفها وحيا إلهيا ‪ ،‬وهذا ما َ‬
‫ب‬‫خطط لها وتأهّ ٍ‬ ‫ّ‬ ‫للمة بالخطار التى تتهدد عقيدتها كى تكون على حذرٍ مما ي ُ َ‬
‫ظ لما يمكن أن تتمخض عنه اليام من مصائب ومؤامرات ‪.‬‬ ‫يق ٍ‬
‫وقد استبان لى بعد الدراسة التى قمت بها لتلك النصوص أن أصحابها لم‬
‫يكونوا بالذكاء الذى تتطلبه مثل هذه المؤامرة ‪ ،‬إذ إن الثقوب فيها كثيرة‬
‫وشنيعة ‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهذا من شأنه أن يؤكد لنا أن العداء ‪ ،‬رغم تفوقهم العلمى والقتصادى‬


‫والعسكرى ‪ ،‬ليسوا معصومين بل كثيرا ما يقعون فى الخطاء المضحكة ‪،‬‬
‫ولها‬‫وأننا نستطيع أن نضع أيدينا على جوانب ضعفهم وأن نستفيد منها ونح ّ‬
‫ت مّنا العزيمة وتسّلحنا بالخلص والدأب والصبر‬ ‫ح ْ‬ ‫إلى نقاط قوة لنا لو ص ّ‬
‫واليمان بالله والثقة بأنفسنا والغيرة على حاضر أمتنا ومستقبلها…‬
‫كما يؤكد أيضا أن دين الله ل يمكن أن يغلبه غالب مهما تآمر المتآمرون‬
‫ططوا ومهما رصدوا المكانات والجهود ‪ .‬بيد أن هذا ل يعنى أن نغطّ‬ ‫ومهما خ ّ‬
‫مُنوط بنا ‪ ،‬وإل وَك ََلنا الله للذلة‬ ‫كل عن أداء الواجب ال َ‬ ‫فى نوم عميق ون َن ْ ِ‬
‫ر‬
‫ما غيرنا للتشرف بحفظ دينه والعمل بما فيه من خي ٍ‬ ‫والمهانة واستبدل بنا قو ً‬
‫ل بإبلغ من يحرص عليه إلى قمم الذ َّرى العوالى فى القوة والتحضر !‬ ‫كفي ٍ‬
‫فضيحة العصر ‪ -‬قرآن أمريكى ملفق‬
‫خرة عن ظهور كتاب بعنوان " الفرقان‬ ‫ُ‬
‫قرأت فى بعض الصحف العربية بأ َ‬
‫عه‬‫ل عليه السلم وأتبا َ‬ ‫ب الرسو َ‬ ‫ن هجوما شرسا‪ ،‬ويس ّ‬ ‫الحق " يهاجم القرآ َ‬
‫علج من هؤلء‬ ‫ْ‬ ‫ة أىّ ِ‬ ‫أجمعين ‪ ،‬وعلى رأسهم الصحابة الكرام ‪ ،‬مع أن رقب َ‬
‫فر مما يطّيره المقص من أظافر‬ ‫ة ظُ ْ‬ ‫الذين لفقوا الكتاب ل تساوى ُقلم َ‬
‫أرجلهم ‪ .‬وجاء فى بعض ما قرأناه من مقالت عن هذا الموضوع أن جهات‬
‫تبشيرية وصهيونية محترقة تشرف عليها بعض الدوائر المريكية وراء هذا‬
‫العمل الذى يجسد التعاون الوثيق بين هاتين الجهتين الحاقدتين على سيد‬
‫شع العقائد الوثنية‬ ‫ق َ‬
‫النبياء عليه السلم والتوحيد النقى الذى جاء به ف َ‬
‫للهمجيين المغرمين بدماء البشر وتقريبها لربابهم المتوحشين ‪ ،‬وكذلك‬
‫ت لبنى إسرائيل ول تزال أن الله ليس‬ ‫جهّيات القبلية اليهودية التى سوّل َ ْ‬ ‫العُن ْ ُ‬
‫صا بهم دون سائر البشر ‪.‬‬ ‫إل رّبا خا ّ‬
‫ت أسأل هنا وههنا عن السبيل إلى‬ ‫وكد َي ْد َِنى فى مثل هذه الحوال أخذ ُ‬
‫الحصول على نسخة من ذلك الكتاب كى أفهم الموضوع من مصدره الصلى‬
‫ت ( حيث وجدته فى‬ ‫مشباك ) الن ّ ْ‬ ‫‪ ،‬حتى ألهمنى الله أن أبحث عنه فى ال ِ‬
‫موقع تابع لمركز تبشيرى اسمه ‪:‬‬
‫" ‪" American Center of Divine Love‬‬
‫ى‬
‫قلت لنفسى ‪ :‬أقرأ كى ألم بالموضوع ‪ ،‬قبل أن أكتب عنه حسبما اقترح عل ّ‬
‫سن ممن يعرفون اهتماماتى بدراسة مثل هذه‬ ‫بعض من ُيوُلوننى ظنهم ال َ‬
‫ح َ‬
‫الكتب والنشرات ‪ ،‬وقرأت فألفيت أصحاب الموقع يعرضونه على أنه وحى‬
‫سماوى ‪.‬‬
‫ى إلى من ؟ ل أحد يعرف !‬ ‫ح َُ‬ ‫ُأو ِ‬
‫حى ؟ ل أحد يعرف !‬ ‫متى أو ِ‬
‫حى ؟ ل أحد يعرف !‬ ‫ُ‬
‫فى أية ظروف أو ِ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫كما وجدته يفيض بالبذاءات فى حق رسولنا الطاهر النبيل الذى لم تنجب‬


‫الرض نظيره فى العبقرية والحنان والرحمة والفهم للطبيعة البشرية والحنو‬
‫على ضعفها والرقة للمستضعفين والمكسورين والمحتاجين والتحمس لبناء‬
‫حياة إنسانية مجيدة يسودها العمل والنتاج والبتكار والعدل والمساواة دون‬
‫تشنجات صبيانية عاجزة أو تهويمات خيالية فارغة أو أحقاد مريضة أو‬
‫ادعاءات فارغة ‪ .‬باختصار ‪ :‬حياة إنسانية تنهض على دعامتين من المثالية‬
‫والواقعية على نحو لم تعرف البشرية ولن تعرف له مثيل ! فمحمد صلى الله‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ض ّ‬
‫ل‬ ‫م ِ‬ ‫عليه سلم ‪ ،‬فى هذا الوحى الشيطانى البذىء ‪ ،‬كافر ومنافق وضال ُ‬
‫ل زان ‪ ،‬ومصيره جهنم هو ومن آمن به ‪،‬‬ ‫يفتري الكذب على الله وسارقٌ قات ٌ‬
‫ة مثله ‪ ،‬وصلتهم‬ ‫ص قَت َل َ ٌ‬‫فَرة ٌ منافقون ضالون لصو ٌ‬ ‫وبئس المصير ! وأتباعه ك َ َ‬
‫وصيامهم نفاق ما بعده نفاق ‪ ،‬وحجهم وثنية ‪ ،‬وجنتهم جنة الزنى والخنا‬
‫والفجور ‪ ،‬والوحى القرآنى ليس وحيا إلهيا ‪ ،‬بل هو وحى تنّزلت به الشياطين‬
‫الكاذبون على شيطان كاذب مثلهم !‬
‫ولم يكد الذين وضعوا هذا الكتاب السفيه ونسبوه تدليسا وافتراء إلى الله‬
‫يتركون شيئا فى السلم إل خصصوا للهجوم الحاقد البذىء السفيه عليه‬
‫سورة أو أكثر أرادوا أن يحاكوا بها السور القرآنية ‪ ،‬وهيهات ‪ ،‬رغم أن كل‬
‫شىء فى ذلك الكتاب تقريبا مسروق من القرآن الكريم بطريقة القص‬
‫واللزق كما سنوضح لحقا ‪ ،‬فضل عن أن مصطلح " السورة " نفسه مسروق‬
‫من كتابنا المجيد ‪.‬‬
‫فقيه‬ ‫والنطباع الذى يخرج به على الفور من يقرأ هذا الكتاب هو أن مل ّ‬
‫مجرمون عَُتاة فى السفالة وقلة الدب وأنهم تربية شوارع ‪ ،‬ول يمكن أن‬
‫يكون كلمهم هذا وحيا إلهيا بحال ؛ لن اللوهية ل يمكن أن تنحدر إلى لغة‬
‫صَياعة التى ل يحسنها إل أرباب السجون المارقون وعصابات الحوارى‬ ‫ال ّ‬
‫والمآبين ‪.‬‬
‫وقبل أن نمضى أبعد من ذلك يحسن أن نعرض على القارئ عينة من هذا‬
‫الوحى المراحيضى كى يستطيع أن يتابعنا فيما يلى عن بينة ‪.‬‬
‫عينة من هذا الوحى المراحيضى‬
‫وها " سورة النبياء " ‪ " :‬باسم الب الكلمة‬ ‫م ْ‬
‫تقول مثل السطور التى س ّ‬
‫الروح الله الواحد الوحد * يا أيها الذين كفروا من عبادنا الضالين إنكم‬
‫وا ما كان شعرا ول نثرا ول قول سديدا ) المقصود بذلك هو‬ ‫لتقولون قول ل َغْ ً‬
‫غب التابعين ترغيبا ويهدد‬ ‫ن هو إل لغوٌ مرد ّد ٌ ترديدا * ير ّ‬ ‫القرآن ( * إ ْ‬
‫ن وقعا فى نفوس عبادنا الضالين واستمرأه‬ ‫س َ‬
‫ح ُ‬ ‫المعرضين تهديدا * َ‬
‫م فى دسم ٍ ولكن أكثرهم ل يشعرون فل ي َب ُْغون عنه محيدا *‬ ‫الجاهلون * س ّ‬
‫وحذرنا عبادنا المؤمنين من الرسل الفاكين ) يقصدون سيد الرسل‬
‫ب أو من‬ ‫ك العن ُ‬ ‫جَنى من الشو ِ‬ ‫والنبيين ( فمن ثمارهم ي ُعَْرفون ‪ .‬فهل ي ُ ْ‬
‫َ‬
‫ك التين * أقوال يرتعد منها عبادنا المؤمنون هَلًعا من التقتيل ونفوًرا من‬ ‫اَلح َ‬
‫س ِ‬
‫فا من جنة الزنى والفجور * فإذا سمعوها اقشعرت أبدانهم فََرًقا‬ ‫َ‬
‫الغزو وأن َ ً‬
‫ة من كرر الصلة لغوا‬ ‫خ َ‬
‫ل الجن َ‬ ‫واستعاذوا بنا من الشيطان الرجيم * وما د َ َ‬
‫وأما الذين عملوا بمشيئتنا فأولئك هم عباده المفلحون لهم مقام فى‬
‫الملكوت ول خوف عليهم ول هم يحزنون * إن الظن ل يغنى من الحق شيئا‪.‬‬
‫رع‬‫ش ِ‬ ‫قى أخاه المؤمن بغصن الزيتون كمن ي ُ ْ‬ ‫وما السلم كالقتال وليس من ي َل ْ َ‬
‫عليه سيفا فيقتله ذلك أنه من الكافرين * ونسختم بل َْغوكم قول التوراة‬
‫والنجيل الحق فألبستم الحق باطل وافتريتم أقوال ما أنزلنا بها من سلطان *‬
‫وانتحل الوسواس الخناس اسمنا ووسوس فى صدور أوليائه بما ألقى فى‬
‫مَرهم‬ ‫َ‬
‫دقوه فكان بعضهم لبعض ظهيرا * وأ َ‬ ‫ُروعهم من بهت وكفر وهم مص ّ‬
‫ول إفكا وحلله‬ ‫ً‬ ‫بالمعروف مكًرا منه ونهاهم عن الفحشاء والمنكر والب َْغى قَ ْ‬
‫َ‬
‫لهم تحليل فكان فعل مفعول * وأغوى الجاهلين من عبادنا فات َّبعوه وأَبى‬
‫دق عليهم إبليس ظّنه إذ اتبعوه وأما‬ ‫فورا * وقد ص ّ‬ ‫الجاهلون إل ضلل وك ُ ُ‬
‫دد لهم‬ ‫المؤمنون من عبادنا فما كان له عليهم من سلطان فما أغواهم ول ب ّ‬
‫شمل فهم بما أنزلنا موقنون وبحبلنا معتصمون * وما بشرنا بنى إسرائيل‬
‫برسول يأتى من بعد كلمتنا وما عساه أن يقول بعد أن قلنا كلمة الحق‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سخا ول‬‫وأنزلنا سنة الكمال وبشرنا الناس كافة بدين الحق ولن يجدوا له ن َ ْ‬
‫ذبوا وما أرسلنا من رسول إل‬ ‫تبديل إلى يوم ي ُب َْعثون * ولو بشرناهم لما ك ّ‬
‫شر بنى إسرائيل برسول ليس منهم وما لسانه بلسانهم‬ ‫بلسان قومه‪ .‬فأ َّنى نب ّ‬
‫فينا على آثارهم بكلمتنا بالحق المبين‬ ‫وعندهم موسى والنبياء والمرسلون وق ّ‬
‫* وحذ ّْرنا عبادنا المؤمنين من رسول أفاك تبّينوه من ثمار أفعاله وأقواله‬
‫وكشفوا إفكه وسحره المبين فهو شيطان رجيم لقوم كافرين " ‪.‬‬
‫هذا هو الكلم الذى تفتقت عنه أذهان بل أستاه هؤلء المآبين ‪ ،‬وزعموا كفرا‬
‫أنه وحى من لدن رب العالمين !‬

‫)‪(2 /‬‬

‫على أن لى كلمة فى هذا المقام ل أحب أن تفوتنى ‪ ،‬أل وهى أن بعض‬


‫المنتسبين إلى السلم يتساءلون فى براءة زائفة ‪ :‬لماذا يصف المسلمون‬
‫غير المسلمين بأنهم كافرون ؟ أل ي ُعَد ّ ذلك نفيا للخر وعدوانا عليه وإهانة‬
‫له ؟‬
‫ف يا أخى الرقة والبراءة ورهافة الشعور التى ل تظهر إل حين يحاول‬ ‫ش ْ‬
‫جه لهم ولكتابهم‬ ‫المسلمون أن يدافعوا بعض دفاع عن دينهم ضد بعض ما يو ّ‬
‫ورسولهم من سباب وشتائم !‬
‫وواقع المر أن ذلك ليس نفيا للخر ول عدوانا عليه ول إهانة له بحال من‬
‫الحوال ‪ ،‬فكل أهل دين يعتقدون أنهم على حق ‪ ،‬وبطبيعة الحال فمن ل‬
‫مى عندهم كافرا دون أن يكون فى هذا افتئات على أحد‪.‬‬ ‫يؤمن بدينهم يس ّ‬
‫ذلك أن هذه هى مصطلحات أصحاب الديان ‪ :‬مؤمن وكافر ومنافق ‪ ...‬إلخ ‪،‬‬
‫بالضبط مثلما كان الشيوعيون يقولون ‪ :‬تقدمى ورجعى ‪ ،‬وطليعى شريف‬
‫ورأسمالى متعفن ‪ ،‬ومثلما يقول الحداثيون الن ‪ :‬التنويرية والظلمية ‪،‬‬
‫جّرا ‪ .‬وهاهم أولء مزّيفو هذه‬ ‫م َ‬‫والفكر المتحضر والفكر المتخلف ‪ ...‬وهَل ُ ّ‬
‫خافات يقولون عن نبينا عليه أفضل الصلوات وأزكى‬ ‫س َ‬ ‫خامات وال ّ‬ ‫س َ‬‫ال ّ‬
‫التسليمات ‪ :‬أفاك وضال وكافر وكذاب وغير ذلك من الشتائم التى وردت‬
‫فى النص الذى بين أيدينا وفى غيره من النصوص المشابهة الخرى ‪ ،‬وما‬
‫ضه لهو أشنع‬ ‫خفى مما ل يجرؤون على ترديده على المل ويصلنا رغم ذلك بع ُ‬
‫وأبشع !‬
‫ن لكم الشياطين المنتشرون كالوباء بين‬ ‫فيا أيها المؤمنون ل يوسوس ّ‬
‫حنكم ‪،‬‬ ‫س‬
‫ِ َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ح‬ ‫س‬
‫ِ َ ٌ‬ ‫ولهم‬ ‫‪،‬‬ ‫أسمائكم‬ ‫مثل‬ ‫أظهركم ممن يحملون أسماء‬
‫ب فى هوّياتهم الرسمية أنهم مسلمون مثلكم ‪ ،‬بأضاليلهم التى‬ ‫ومكتو ٌ‬
‫دى نبيكم‬ ‫رفوكم عن دينكم ويخوفوكم من التمسك بهَ ْ‬ ‫ح ِ‬‫يجهدون بها أن ي َ ْ‬
‫بشبهة أنه ل ينبغى فى هذا العصر التنويرى الذى يأخذ على عاتقه الدعوة إلى‬
‫احترام حقوق الخر أن نسمى هذا الخر كافرا ! ذلك أنهم يسموننا كفرة ‪،‬‬
‫دلهم قلوبا غيرها‪.‬‬ ‫ووا عن هذا أبدا حتى لو مّزق الله قلوبهم تمزيقا وب ّ‬ ‫ولن ي َْرعَ ُ‬
‫إننا ل نحجر على أحد أن يعتقد فينا ما يشاء ‪ ،‬فهذا حقه ‪ ،‬وليس من حقنا ول‬
‫رهه‬‫من حق غيرنا أن نتدخل فيما بين المرء وضميره أو نعتدى عليه أو ن ُك ْ ِ‬
‫على ما ل يحب من عقيدة أو رأى ‪ ،‬لكننا أيضا ل نريد من أحد أن يحجر علينا‬
‫جه إلى رسولنا العظيم ‪ ،‬وأن نبين وجه‬ ‫فى الرد على التهم والشتائم التى تو ّ‬
‫الوقاحة والبذاءة والبطلن والزيف فيها ‪.‬‬
‫سر على الفهم ؟‬ ‫ترى هل فى هذا الكلم صعوبة ت َعْ ُ‬
‫هم أحرار‪ ،‬ونحن أحرار ‪ ،‬وللناس آذان تسمع ‪ ،‬وأذهان تفكر ‪ ،‬وعقول تمّيز‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتحكم ‪ ،‬ولهم وحدهم الحق فى اتباع هذا أو ذاك مما نقوله نحن أو يقوله‬
‫الخرون‬
‫الضلل المبين‬
‫ص‬‫َ ّ‬ ‫غ‬‫وي‬ ‫عليه‬ ‫يقوم‬ ‫ما‬ ‫ونبين‬ ‫الشيطانى‬ ‫الوحى‬ ‫هذا‬ ‫تحليل‬ ‫فى‬ ‫ندخل‬ ‫وقبل أن‬
‫به من تفاهة وقلة عقل وتناقض وتكذيب للكتاب المقدس نفسه الذى زّيف‬
‫الشياطين هذا الوحى لتعضيده وإقناع المسلمين بصحته وبطلن الكتاب الذى‬
‫نزل به الروح المين من عند رب العالمين على سيد النبياء والمرسلين ‪،‬‬
‫والذى ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه دهر الداهرين ‪ ،‬قبل هذا نرى‬
‫أنه ل بد من إعطاء القراء الكرام فكرة عن ذلك الوحى المسمى زورا وزيفا‬
‫ضه‬‫ق ّ‬
‫بـ " الفرقان الحق " ‪ ،‬وما هو فى الواقع سوى " الضلل المبين " ب َ‬
‫ضيضه !‬‫وق َ ِ‬
‫إن هذا " الضلل المبين " ) وسيكون هذا هو اسمه هنا من الن فصاعدا (‬
‫يشتمل ‪ ،‬حسبما هو موجود فى الموقع المشار إليه آنفا ‪ ،‬على نحو خمسة‬
‫سوَرة " تقليدا مفضوحا للقرآن ‪ ،‬وكل‬ ‫صا ي ُط َْلق على الواحد منها " ُ‬
‫وأربعين ن ّ‬
‫ور يتكون من عدد من اليات يتفاوت ما بين عدد أصابع اليد‬ ‫س َ‬‫من هذه ال ّ‬
‫الواحدة أو أصابع اليدين والقدمين ل يزيد عن ذلك ‪.‬‬
‫ور غير متسلسل دائما حتى إن أول‬ ‫س َ‬
‫إل أننى قد لحظت أن ترقيم هذه ال ّ‬
‫سورة ‪ ،‬وهى " سورة المحبة " ‪ ،‬قد أخذت الرقم ) ‪ ، ( 2‬كما أن ترقيم‬
‫السورة الخيرة ‪ ،‬واسمها " سورة البهتان " ‪ ،‬هو ) ‪ ، ( 59‬ومعنى ذلك أن‬
‫هناك فجوة فى بعض الحيان بين السورة والتى تليها ‪ ،‬فهل ينبغى أن نفهم‬
‫ور ؟ وأين‬ ‫س َ‬‫سوًَرا ناقصة ؟ لكن لماذا ؟ وما هى هذه ال ّ‬ ‫من هذا أن هناك ُ‬
‫ذهبت ؟ ل أدرى ‪.‬‬
‫ُ‬
‫ت من‬ ‫خذ َ ْ‬
‫كذلك يلحظ أن أسماء طائفة من سور " الضلل المبين " قد أ ِ‬
‫أسماء سور القرآن الكريم ‪ ،‬مثل " النور والنساء والمنافقين والطلق " ‪ .‬أى‬
‫طوا فقط على نصوص آيات‬ ‫س ُ‬‫أن من اْفتَرْوا هذا " الضلل المبين " لم ي َ ْ‬
‫وا على أسماء بعض سوره‬ ‫َ‬
‫سط ْ‬ ‫القرآن ليصنعوا منها هذا الترقيع الرقيع بل َ‬
‫الكريمة ‪ ،‬وإن كانوا قد نقلوها من محلها الطاهر الشريف إلى ذلك الكنيف !‬

‫)‪(3 /‬‬

‫أما السماء الخرى التى لم يأخذوها من أسماء سور القرآن الكريم فمنها "‬
‫الساطير والغرانيق والجنة والمحّرضين والكبائر والّرعاة والشهادة والنجيل‬
‫"‪ ،‬وإن كانت كلها رغم ذلك فى الهجوم على القرآن ‪ :‬ففى " سورة‬
‫الساطير " مثل يزعمون أن القرآن ما هو إل أساطير الولين كما كان وثنيو‬
‫ذبوا أنفسهم بأنفسهم ويؤمنوا به ‪ ،‬وفى " سورة‬ ‫العرب يقولون قبل أن يك ّ‬
‫دعون أنه كان فى القرآن آيتان تمجدان الغرانيق ‪ ،‬أى اللت‬ ‫الغرانيق " ي ّ‬
‫ذفتا فيما بعد‪.‬‬
‫ح ِ‬
‫مَناة ‪ ،‬ثم ُ‬
‫والعُّزى و َ‬
‫أما "سورة الرعاة " فهى هجاء للصحابة والعرب الوائل الذين حملوا السلم‬
‫طاة أن ينالوا منهم بالقول‬ ‫س َ‬‫إلى العالمين ‪ ،‬والذين يحاول أولئك اللصوص ال ّ‬
‫بأنهم لم يكونوا متحضرين ول أغنياء بل كانوا مجرد رعاة ‪ ،‬وكأن التلميذ‬
‫الذين كانوا يلتفون حول المسيح كانوا من أصحاب القصور ومن خريجى‬
‫مى‬ ‫الجامعات ‪ ،‬ولم يكونوا من صيادى السمك والعُْرج والب ُْرص والعُ ْ‬
‫شارين والخطاة على حسب ما جاء فى‬ ‫والمخّلعين والممسوسين والع ّ‬
‫الناجيل نفسها ! إننا بطبيعة الحال ل نبغى أن ننال من الفقراء والمساكين‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والمسحوقين ‪ ،‬فنحن لسنا من أغنياء القوم ول من السادة ‪ ،‬لكننا أردنا فقط‬


‫أن ننبه هؤلء المأفونين إلى مدى السخف والسفالة التى ينساقون إليها فى‬
‫العدوان على ديننا ورسولنا وصحابته الكرام ‪ .‬وبالمناسبة فلم يكن الصحابة‬
‫جميعا من الرعاة ‪ ،‬بل كان فيهم التجار والزراع والصناع والعلماء والقادة‬
‫العسكريون ‪ ،‬وكان منهم الفراد العاديون والرؤساء ‪ ،‬وكان منهم العرب وغير‬
‫العرب ‪ ،‬كما كان فيهم كثير ممن كانوا هودا أو نصارى ثم أسلموا‪ ...‬وهكذا‬
‫ور الشيطانية المفتراة كذًبا‬ ‫س َ‬ ‫يستمر هؤلء الفاكون المجرمون إلى آخر ال ّ‬
‫على الله ‪.‬‬
‫ى هو المشاكل الغبية غباء‬ ‫وأول ما ينبغى التصدى له فى هذا الوحى البليس ّ‬
‫مزّيفيه التى ل يمكن العثور على مخرج من أىّ منها ‪ ،‬بل كلما حاول‬
‫مخترعوه التخلص من بعض ما جّرْتهم إليه وجدوا أنفسهم يزدادون تورطا ‪،‬‬
‫شأن البقرة الغبية التى تحاول النعتاق من الحبل الملتف حول رقبتها ‪ ،‬لكنها‬
‫بدل من ذلك تدور فى التجاه المعاكس فتجده قد ازداد التفافا حتى خنقها‬
‫وأودى بحياتها‪.‬‬
‫فكيف كان ذلك ؟‬
‫ى بعد المسيح لنهم ي ََرْون أنه قد‬ ‫المعروف أول أن النصارى ل يؤمنون بنب ّ‬
‫م عن‬‫أنهى فصول المأساة البشرية بموته على الصليب وتكفيره من ث َّ‬
‫الخطيئة البشرية الولى ‪ ،‬وأنه لم يعد هناك مجال لى شىء إل لمجيئه فى‬
‫آخر الزمان ‪ ،‬هذا المجىء الذى سيكون بداية للفي ّةٍ سعيدةٍ يعيش فيها الناس‬
‫فى هناءة وسلم ‪ ،‬فل خصومات ول عداوات حتى ول بين الحيوانات‬
‫العجماوات ‪ ،‬حتى إن الذئب والحمل ‪ ،‬كما يقال ‪ ،‬سوف تقوم بينهما صداقة‬
‫ومودة فيلعبان معا ويأكلن معا فى غاية النسجام والتفاهم ! أما اليهود فهم‬
‫أصل فى انتظار المسيح الول ل يزالون لنهم ل يؤمنون بأن عيسى بن مريم‬
‫هو المسيح الذى أتى ذكره فى كتبهم ‪ .‬وهذا الكتاب الذى نحن بصدده ليس‬
‫هو الكتاب الذى ينتظره اليهود مع مسيحهم المنتظر ‪ ،‬فهم يريدون مسيحا‬
‫من بيت داود يعيد إليهم مجدهم ويبنى لهم مملكتهم ‪ ،‬أما كتاب " الضلل‬
‫المبين " فل يؤدى إلى هذه الغاية على الطلق ول نعرف له صاحبا ‪ ،‬فهو‬
‫قّر به وتنسبه إلى نفسها ‪.‬‬ ‫فاح الذى ل تجرؤ أمه العاهرة أن ت ُ ِ‬
‫س َ‬‫كطفل ال ّ‬
‫كذلك ل يخفى على القارئ أن غرض كل من الفريقين اللذين اشتركا فى‬
‫تزييف هذا " البهتان الباطل " يتناقض مع غرض الفريق الخر ‪ .‬وهكذا يأبى‬
‫ى العظيم إل أن يوقعهم فى شر أعمالهم ‪.‬‬ ‫الله العل ّ‬
‫وهذه أولى بركات محمد ودين محمد!‬
‫ذبون أنفسهم بأنفسهم إذ‬ ‫وعلى كل حال فها هم أولء المؤلفون الغبياء يك ّ‬
‫موه بـ " سورة النبياء "‬ ‫س ُ‬‫يعلنون بملء أفواههم فى القىء المنتن الذى وَ َ‬
‫شْرنا‬ ‫) ومن أفواههم النجسة ندينهم ( قائلين على لسان رب العزة إننا "ما ب ّ‬
‫بنى إسرائيل برسول يأتى من بعد كلمتنا وما عساه أن يقول بعد أن قلنا‬
‫كلمة الحق من بعدى وأنزلنا سنة الكمال وبشرنا الناس كافة بدين الحق ولن‬
‫سخا ول تبديل إلى يوم ي ُب َْعثون " ‪ .‬إذن فليس هناك نبى يمكن أن‬ ‫يجدوا له ن َ ْ‬
‫يجىء بعد عيسى عندهم ‪ ،‬وإل للزمهم أن يؤمنوا بمحمد ‪ ،‬الذى زعموا أنه لم‬
‫تأت به أية بشارة ل فى التوراة ول فى النجيل ‪.‬‬
‫ليس هذا فحسب ‪ ،‬بل إن كلمة " الفرقان" نفسها مسروقة من القرآن ‪ ،‬لن‬
‫كتابهم المقدس بعهديه العتيق والجديد لم ترد فيه هذه الكلمة ‪ ،‬وإل لذكرها "‬
‫فهرس الموضوعات الكتابية " ‪ .‬فكيف إذن يزعمون أن الله قد أنزل هذا‬
‫الوحى مع أنه لم يأت به نبى ‪ ،‬إذ الوحى ل ينزل هكذا من السماء على غير‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سّنة أنبياء آخر زمن من صنف أولئك الساقفة الذين‬ ‫أحد ‪ ،‬اللهم إل على ُ‬
‫ّ‬
‫سمهم من اللوط ِّيين !‬
‫شرعت أمريكا أم التقاليع والغرائب تر ّ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫سّنة أنبياء آخر زمن هؤلء ؟ هى سّنة المومس التى تحمل‬ ‫لكن ما هى ُ‬
‫طلع الناس‬ ‫سفاحا ) والمومس ل تحمل بالطبع إل سفاحا ( ‪ ،‬ول تريد أن ي ّ‬
‫ل موعد الوضع تراها تلف‬ ‫على ورطتها وخزيها ‪ ،‬فعندما ي َِئين الوان ويح ّ‬
‫الطفل المسكين الذى ل ذنب له فيما اقترفته يدها الثيمة فى خرقة وتأتى به‬
‫فى ظلم الليل الدامس إلى باب معبد من المعابد فتتركه هناك أو تلقيه قرب‬
‫أحد صناديق القمامة ‪ ،‬ثم تنصرف وترقب الموقف من بعيد دون أن يعرف‬
‫شْغل مومسات كما أقول فى بعض كتبى‬ ‫أحد أنها هى صاحبة هذا العار ! إنه ُ‬
‫التى أرد فيها على أمثال هؤلء الن ُّغول ! إن النبياء كانوا دائما ما يأتون فى‬
‫ضحوة النهار ول يستترون هكذا فى ألفاف الظلمات المتراكبة المتكاثفة‬
‫دون للفريسة المسكينة فى‬ ‫المريبة شأن محترفى اللصوص والقتلة الذين ي َل ْب ِ ُ‬
‫حقل من حقول القصب أو الذرة حتى يأخذوها غيلة وغدرا ‪ ،‬ثم بعد أن‬
‫يرتكبوا جريمتهم الوحشية الخسيسة يعودون لبيوتهم فيمارسون حياتهم ل‬
‫ت‬
‫س ْ‬‫سو ّ َ‬
‫ة من خوالج الندم ‪ ،‬إذ قد ماتت قلوبهم و َ‬ ‫قل ضمائَرهم أي ّ ٌ‬ ‫ت ُث ْ ِ‬
‫ضمائرهم‪.‬‬
‫ثم إن الوحى الذى ينزل على النبياء ل ينزل دفعة واحدة هكذا بل يتتابع‬
‫مصاحبا للحوادث والمناسبات التى تجد ّ ‪ ،‬مما يجعله تجسيدا للتجارب التى‬
‫ف فى‬‫خاضها النبى مع قومه ‪ ،‬أما هذا " الضلل " فقد صيغ مرة واحدة ثم ل ُ ّ‬
‫ُ‬
‫ى به عند صندوق قمامة فى سكون الليل البهيم مع‬ ‫ق َ‬‫خرقة قذرة نجسة وأل ْ ِ‬
‫جل السابلة ‪.‬‬ ‫انقطاع رِ ْ‬
‫جس مخالف فى الواقع لطريقة أهل الكتاب فى تسمية كثير‬ ‫ثم إن ذلك الّر ْ‬
‫فر يشوع ‪ ،‬وهذا نشيد‬ ‫س ْ‬
‫من أسفارهم باسم النبياء الذين ت ُعَْزى إليهم ‪ :‬فهذا ِ‬
‫شْعيا ‪ ،‬وهذا إنجيل متى ‪ ،‬وهذه رسالة‬ ‫الناشيد لسليمان ‪ ،‬وهذه نبوة أ َ َ‬
‫القديس يعقوب ‪ ،‬وهذه رؤيا القديس يوحنا‪ ...‬وهكذا‪ .‬وعلى ذلك فإننا نتساءل‬
‫‪ :‬أين النبى الذى أتى بهذا الضلل ؟ ما اسمه يا ترى ؟ من أى بلد جاء؟ إلى‬
‫أى أسرة ينتمى ؟ ما صنعته ؟ ما سيرته ؟ ما أوصافه ؟ ما أخلقه ؟ ما رأى‬
‫الناس فيه ؟ ما الذى دار بينه وبين قومه من أخذ ورد ؟ ماذا كانت استجابتهم‬
‫لما أتاهم به أول ثم آخرا ؟ ‪...‬‬
‫ترى أية نبوة هذه يا إلهى ؟‬
‫إن القوم ل يحسنون التدليس ‪ ،‬وهم برغم ذلك يتصد ّْون لحرب القرآن ظاّنين‬
‫أنهم قادرون على محوه من النفوس والصحائف على السواء !‬
‫يا لهم من مجانين مسعورين !‬
‫كه أذكر أن بعض إخواننا الساخرين أجاب على سؤالى الخاص بشخصية‬ ‫وللتف ّ‬
‫ن ذلك النبى ؟ قلت ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫م ْ‬
‫هذا النبى المزعوم قائل ‪ :‬أتريد أن تعرف َ‬
‫ولم ل يكون هو البن الثانى لله ؟ قلت ‪ :‬لقد قالوا إنه ليس له إل ابن وحيد‬
‫ق‬
‫مات على الصليب ‪ .‬قال ‪ :‬هذا كان من ألفى سنة ‪ .‬أتظن ذلك الله لم تشت ْ‬
‫نفسه للذرية مرة ثانية طوال هذه المدة فأراد أن ينجب ابنا آخر ؟ أم تراه ‪،‬‬
‫دد النسل ‪ ،‬واتخذ الحتياطات اللزمة لعدم النجاب ‪ ،‬لم‬ ‫حتى لو كان قد ح ّ‬
‫يحدث أن اخترق طفل جديد هذا الحظر وأفسد تلك الحتياطات كما يحدث‬
‫لكثير منا فى مثل هذه الظروف ؟ قلت ‪ :‬وهل يصح أن تقيس اللهة على‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أوضاع البشر ؟ قال ‪ :‬لست أنا الذى قاسهم ‪ ،‬بل إلههم هو الذى فعل ذلك ‪.‬‬
‫أليس هو الذى أنجب مثلما ننجب ؟ فما الذى يمنع أن يكون له ولد ثان وثالث‬
‫ت التى ل‬‫س ّ‬
‫ورابع ‪ ...‬إلى ما شاء الله ؟ إلى جانب بعض البنات أيضا إرضاًء لل ّ‬
‫بد أن تتطلع إلى أن يكون لها بنت أو أكثر كى يساعدنها فى أعمال‬
‫المنزل ‪ ...‬ومضى الصديق الساخر كلما حاولت أن أغلق عليه السبيل فتح‬
‫بدل الباب أبوابا‪ ،‬حتى وجدت أنه ل بد من غلق هذا الحوار الذى ل يؤِذن‬
‫بنهاية ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫سل‬ ‫ُ‬
‫ثم إن أولئك الن ُّغول يرددون ما جاء فى كتابنا العزيز من أنه ما من نبى أْر ِ‬
‫إل بلسان قومه ‪ ،‬فما معنى نزول هذا " الضلل المبين " بالعربية ‪ ،‬بل‬
‫بالعربية المسجوعة ؟ معناه أنه نزل للعرب ‪ ،‬لنهم هم الذين يتكلمون‬
‫العربية ‪ .‬أليس هذا هو ما تقتضيه العبارة التى قالها النغول والتى سرقوها‬
‫بنصها من القرآن المجيد ووضعوها فى هذا الموضع الدنس ؟ ب َي ْد َ أننا قد‬
‫سمعناهم يقولون بلسانهم ) الذى ستقطعه زبانية الجحيم يوم القيامة إن‬
‫ه‬
‫سا لفوا ٍ‬ ‫ما نج ً‬ ‫شاء الله ثم تشويه أمام أعينهم وتحشره فى حلوقهم طعا ً‬
‫نجسة ( إن النبوة ل تكون إل فى بنى إسرائيل ‪ ،‬فليس للعرب فيها إذن أى‬
‫مة ‪ ،‬وابن‬ ‫َ‬
‫نصيب ) حقدا منهم على إسماعيل وأمه هاجر ‪ ،‬التى يقولون إنها أ َ‬
‫مة ل نصيب له عندهم فى البركة النبوية (‪ .‬وبطبيعة الحال فالعرب ل‬ ‫ال َ‬
‫ى من بنى إسرائيل ‪ ،‬إذ إن بنى إسرائيل هم ذرية‬ ‫يمكن أن يكونوا قوم نب ّ‬
‫يعقوب ‪ ،‬أما العرب فهم ذرية إسماعيل كما هو معروف ‪ .‬وهذا إن غضضنا‬
‫الطرف عن تأكيدهم أن باب النبوة مغلق إلى ما قبل يوم القيامة حسب‬
‫اعتقاد النصارى‪ ، ،‬وإلى مجىء مسيح اليهود حسب اعتقاد بنى إسرائيل ‪ ،‬وهو‬
‫فى الواقع ما ل يمكن غض الطرف عنه أبدا ‪ ،‬لكنها طبيعة الجدل المفحم‬
‫التى أتبعها عادة مع هؤلء المتاعيس حتى أبين للقارئ الكريم كيف أن‬
‫دوا ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضرَِبت عليهم أّنى اتجهوا وأّنى ارت ّ‬ ‫السداد قد ُ‬
‫وهذه ثانية بركات محمد ودين محمد !‬
‫وثالثة هذه البركات المحمدية أن هؤلء البالسة الغبياء ) وهذه أول مرة‬
‫يقابل الواحد فى حياته أبالسة أغبياء ! لكن ما العمل ‪ ،‬وكل من يقصد دين‬
‫فِلح أبدا حتى لو كان أبا البالسة جميعا ؟ ( ‪ ،‬هؤلء‬ ‫شّر فإنه ل ي ُ ْ‬‫محمد ب ِ َ‬
‫رهم كله‬ ‫ِ‬ ‫أم‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫غراب‬ ‫غريبة‬ ‫مفارقة‬ ‫فى‬ ‫القرآن‬ ‫آيات‬ ‫على‬ ‫طون‬‫ُ‬ ‫س‬
‫الغبياء ي َ ْ‬
‫وشذوذه ‪ ،‬إذ يتهمونه بأنه وسوسة شيطان إلى شيطان ‪ .‬فإذا كان المر كما‬
‫يقولون فكيف لم يجدوا فى الرض العريضة كلها ) ول أقول ‪ :‬فى السماء ‪،‬‬
‫لن مثل هذا الجرام ل يمكن أن تصله بالسماء أية آصرة ( إل هذا الوحى‬
‫المحمدى الذى يزعمون أنه وحى شيطانى كى يتخذوه وحيا لهم ؟‬
‫ن هنا ؟‬‫ن الشيطا ُ‬ ‫م ِ‬‫بالله عليكم أيها القراء َ‬
‫إن المؤمن لينفر من الشيطان ومن كل ما له صلة بالشيطان ول يفكر مجرد‬
‫تفكير فى القتراب منه أو المرور من الطريق الذى يمكن أن يلقاه فيه ‪.‬‬
‫دعوه‬ ‫لكن هؤلء البالسة الغبياء لم يجدوا إل الوحى القرآنى ليسرقوه وي ّ‬
‫زل عليهم من السماء ‪ ،‬مع أن السماء ل يمكن أن‬ ‫ُ‬
‫لنفسهم زاعمين أنه أن ْ ِ‬
‫ترضى هذا العمل الخسيس ‪ .‬والغريب أن عملهم هذا يزعق بعلوّ حسه‬
‫شاهدا عليهم بالسرقة والسطو ‪ ،‬ولكن متى كان لدى هؤلء المجرمين حياء‬
‫أو خشية من التى يتحلى بها الدميون حتى ننتظر منهم أن يستحوا أو يختشوا‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جِبل منها أمثالهم سارقو فلسطين والعراق‬ ‫؟ إنهم من نفس الطينة التى ُ‬
‫وأفغانستان فى عز الظهر الحمر ‪ ،‬الذين يزعمون مع ذلك أننا نحن الذين‬
‫نريد أن نقتلهم وندمر حضارتهم ! والمصيبة أنهم بعد ذلك كله يقولون إن هذا‬
‫فج ‪ ،‬وأدنى‬ ‫" الضلل المبين " هو من عند الله ‪ ،‬أى أن ربهم لص وكذاب متن ّ‬
‫من الشيطان قدرة على صياغة الكلم والمعانى ‪ ،‬ولذلك يسطو على ما كان‬
‫دعيه لنفسه ‪ .‬ثم إنه‬ ‫هذا الشيطان قد أوحاه ‪ ،‬حسب زعمهم ‪ ،‬إلى محمد ثم ي ّ‬
‫قيه رغم هذا كله فى قعر الجحيم يوم القيامة لقاء ما استعان به ‪ ،‬وذلك‬ ‫مل ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫على طريقة المريكان ‪ ،‬إذ يظلون يعصرون الحاكم من حكام العالم الثالث‬
‫حتى يستنزفوه لخر قطرة فيه ثم ينقلبون عليه آخر المر ويجزونه جزاء‬
‫مار !‬
‫سن ِ ّ‬ ‫ِ‬
‫وهذا دليل آخر على أن مزيفى هذا " الضلل " إنما هم المريكان ! إنها نفس‬
‫ست َغَْرب !‬
‫م ْ‬
‫الخلق المنحطة ‪ ،‬وإن كان الشىء من معدنه غير ُ‬
‫ولكن ما مغزى عمل هؤلء الشياطين ؟‬
‫قض على أنهم ي ََرْون فى أعماق قلوبهم أن أسلوب القرآن‬ ‫إنه دليل ل ي ُن ْ َ‬
‫معجز ‪ ،‬وإن أنكروا هذا بألسنتهم النجسة ‪ ،‬ولذلك استعانوا به رغم اتهامهم‬
‫للقرآن كله بأنه من وسوسة الشيطان ! وهنا أيضا لن أفعل شيئا آخر غير‬
‫القتباس من كلمهم ‪ ،‬إذ نجدهم فى الفقرة الولى من " سورة السلم "‬
‫دعون لبهتانهم هذا أنه وحى معجز ‪ .‬إذن فالقرآن معجز فى رأيهم رغم كل‬ ‫ي ّ‬
‫الكذب الذى اقترفوه ضد كتاب الله فى نصوصهم المسروقة كلها تقريبا‬
‫ى بّين العجاز‬ ‫ن عرب ّ‬ ‫قا بلسا ٍ‬‫منه ‪ ،‬وهذا نص ما قالوه ‪ " :‬إنا أنزلناه فرقاًنا ح ّ‬
‫لتتبينوا الضلل من الهدى وتعلموا سوء ما كنتم تفعلون " ‪.‬‬
‫ترى ما رأى القارئ الكريم فى ألعيب هؤلء النغول الخائبة ؟‬

‫)‪(6 /‬‬

‫إن المسلمين يقولون ‪ ،‬حسبما يقرأون فى كتاب ربهم وحسبما أكده العلماء‬
‫الثبات منا ومنهم ‪ ،‬إن أهل الكتاب أساتذة فى العبث بالوحى اللهى الذى‬
‫نزل على رسلهم وتحريفه عن مواضعه ‪ ،‬لكنهم دائما ما يتهموننا بأننا نردد‬
‫كلما غير صحيح ‪ .‬فهل ‪ ،‬بعد أن بي ّّنا ما صنعوه فى هذا " الضلل المبين " ‪،‬‬
‫يمكن لحد أن يتمارى فيما يتهمهم به القرآن والمسلمون ؟ هل يحتاج بعد‬
‫اليوم أحد إلى برهان آخر على ذلك العبث والتزييف والتدليس والنتحال ؟‬
‫ور ‪ ،‬سورة ً بعنوان "‬ ‫س َ‬‫والغريب بعد هذا كله أنهم قد زّيفوا ‪ ،‬فيما زيفوا من ُ‬
‫الساطير " تقول أول آية منها للمسلمين ‪ " :‬يا أهل التحريف من عبادنا‬
‫الضالين " ! ل بل إنهم يتهمون الرسول بأنه قد حّرف النجيل نفسه ! إى‬
‫والله ‪ ،‬النجيل نفسه دون أدنى مبالغة ! وهذا ما قالوه فى الفقرة الولى من‬
‫"سورة اليمان " بالحرف الواحد ‪ " :‬وحّرفُْتم آيات النجيل الحق وكتمتم‬
‫وج وأوهمتم أتباعكم أنكم على صراط مستقيم " ‪.‬‬ ‫ع َ‬
‫كلمتنا واتبعتم صراطا ذا ِ‬
‫ول أدرى بالضبط ما الذى جرى لعقول القوم فأقدموا على هذه الهلوس‬
‫خب ْطَ‬
‫التى ليس لها من حل إل أخذ صاحبها على الفور لمستشفى المجانين َ‬
‫ت" ! الحقّ أن هؤلء الناس‬ ‫ل َْزق ! وصدق المثل القائل ‪" :‬رمْتنى بدائها وانسل ّ ِ‬
‫مى فى اللغات بـ "‬ ‫) هذا إذا تجاوزنا وألحقناهم بالبشر ( ل يعرفون ما يس ّ‬
‫الحياء " !‬
‫على أن سرقتهم لكلمات القرآن وعباراته وتركيباته وصوره وفواصله ل تجعل‬
‫مع ذلك من " بهتانهم " كلما معجزا ‪ .‬لماذا ؟ لنهم يفعلون ما يفعله الخياط‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مْزعة ثم‬ ‫حَلل والملبس فيقتطع من كل منها ِ‬ ‫الغبى الذى يأتى إلى أفخم ال ُ‬
‫مَزع بعضها مع بعض ‪ .‬وبطبيعة الحال لن ينتج عن ذلك إل‬ ‫يشبك هذه ال ِ‬
‫مرّقعة كمرّقعات الدراويش تبعث على السخرية أو على الرثاء أو عليهما معا‬
‫!‬
‫ذلك أن هؤلء الوغاد لم ينجحوا قط فى أن يضعوا ما يسرقونه من نصوص‬
‫القرآن فى مواضعها وسياقاتها ‪ ،‬بل يضعونها فى إطار يختلف عن إطارها‬
‫قَلت منه ‪.‬‬ ‫الذى ن ُ ِ‬
‫و‬
‫علوة على أن أولئك اللصوص ل يحسنون عملية لزق النصوص المسط ّ‬
‫عليها ‪ ،‬إذ كثيرا ما تأتى متنافرة ل انسجام بينها ‪.‬‬
‫فضل عن أن الفواصل ) أى نهايات اليات ( ‪ ،‬التى يسرقونها هى أيضا من‬
‫القرآن ‪ ،‬لم يتصادف أن جاءت ولو مرة واحدة كما ينبغى أن تأتى الفاصلة‬
‫ة فى موسيقيتها ومعناها ‪ ،‬بل يشعر القارئ‬ ‫الجيدة قاّرة ً فى مكانها حاسم ً‬
‫أنهم قد اجتلبوها اجتلبا ‪ ،‬ل لشىء غير أن ي ُن ُْهوا الية بسجعة والسلم ‪.‬‬
‫كذلك فإنهم إذا أضافوا شيئا من عندهم كما يقع أحيانا لم يجيئوا إل بكلم‬
‫ركيك ثقيل الظل وخيم النفاس !‬
‫والسورة التى أوردُتها فيما مضى من صفحات تشهد على ما أقول ‪.‬‬
‫زد على ذلك ما تقوم عليه المسألة كلها من سماجة ليس لها من مثيل ‪ ،‬إذ‬
‫ورا وفواصل وينتحلونه‬ ‫ص َ‬
‫هم يسطون على القرآن ألفاظا وعبارات وتراكيب و ُ‬
‫مْزِرين عليه زاعمين أنه من وسوسة‬ ‫لنفسهم ثم يستديرون له بعد ذلك كله ُ‬
‫ن ‪ ،‬يجرى على أسلوب " حسنة وأنا سيدك ! " ‪.‬‬ ‫الشيطان ! فالمر ‪ ،‬كما ت ََروْ َ‬
‫صة دنيئة حقيرة قبيحة سليطة اللسان تسرق من سيدتها‬ ‫إنهم أشبه بخادمة ل ِ ّ‬
‫بعض ملبسها التى ل تستطيع مع هذا أن ترتديها على ما يقتضيه الذوق‬
‫الراقى أو حتى الذوق السليم ثم تفتعل مشكلة وتترك العمل عندها ‪ ،‬لتأتى‬
‫بعد ذلك إلى هذه السيدة نفسها وقد ارتدت ما سرقته منها من ملبس‬
‫فتختال بها أمام عينيها ب ُْغية إغاظتها غير واعية بما تثيره فى نفوس الناس‬
‫المحترمين أهل الذوق الراقى الكريم من تهكم بغبائها وجلفتها ودناءتها فى‬
‫التصرف واللبس والكلم ‪ ،‬وأنها مهما فعلت واستعرضت وحاولت أن تغيظ‬
‫سيدتها ليست فى نهاية المطاف غير خادمة لصة حقيرة قبيحة سليطة‬
‫ج متخلف !‬ ‫ق فِ ّ‬
‫اللسان ذات ذو ٍ‬
‫ترى هل يفيق هؤلء اللصوص السفلة إلى مدى الفظاعة التى ارتكسوا فيها‬
‫وا بعد ذلك للمسلمين يشمخون عليهم بفعلتهم‬ ‫حين سرقوا القرآن وانثن َ ْ‬
‫الشيطانية ؟‬
‫أما أنا فمن معرفتى بهم وبطبائعهم وأساليبهم الساقطة ل أعّلق عليهم أمل‬
‫وخا‬‫خ ْ‬‫مر تفاحا و َ‬ ‫ول أتوقع منهم خيرا ‪ ،‬إذ العاقل ل ينتظر من المرحاض أن ي ُث ْ ِ‬
‫حانا !‬ ‫سا وَري ْ َ‬ ‫هر ورًدا وآ ً‬ ‫أو أن ي ُْز ِ‬
‫على أن المسألة لم تنته فصول بعد ‪ ،‬بل ما زال فى جراب الحاوى مفاجآت‬
‫مضحكة ‪ ...‬مضحكة من الغم ل من السعادة !‬
‫ور " ضللهم المبين "‪.‬‬ ‫س َ‬
‫وا ن ََر مثل كيف يبدأ اللصوص السارقون معظم ُ‬ ‫تعال َ ْ‬
‫)‪(7 /‬‬
‫هل رأيتم أحدا قَ ّ‬
‫ط يبدأ كلما جديدا له بواو العطف ؟ إن هذه الواو إنما تعنى‬
‫ى هو امتداد لفظى ومعنوى له ‪ ،‬وهو ما‬‫أن هناك كلما سابقا وأن الكلم الحال ّ‬
‫ل وجود له هنا لن هذه هى بداية السورة ‪ .‬وهل قبل البداية شىء؟ وعلى‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رغم وضوح المسألة بل نصاعتها فإن هؤلء اللصوص ل يراعون هذه البديهية‬
‫فى عالم النحو والكتابة والساليب ‪ ،‬فتجدهم يقولون مثل فى مطلع " سورة‬
‫الطهر " ‪ " :‬باسم الب الكلمة الروح الله الواحد الوحد * ودعانا الشيطان )‬
‫حى غّيبها بأسماء حسنى مكًرا منه‬ ‫يقصدون الرسول عليه السلم ( بأسماٍء قُب ْ َ‬
‫‪ ...‬إلخ " ‪ ،‬وفى مطلع " سورة الرعاة " نقرأ ‪ " :‬باسم الب الكلمة الروح‬
‫مَثل راع أورد رعيته وِْردا طهورا‬ ‫ل الرسول الصالح ك َ‬ ‫مث َ ُ‬
‫الله الواحد الوحد * و َ‬
‫‪ ، " ...‬وفى" سورة المحّرضين " نطالع ‪ " :‬باسم الب الكلمة الروح الله‬
‫صيناهم بالرحمة والمحبة‬ ‫الواحد الوحد * ون َهَْينا عبادنا عن القتل وو ّ‬
‫ور " اليمان والحق‬ ‫س َ‬‫والسلم ‪ . " ...‬وعلى نفس الشاكلة تجرى بدايات ُ‬
‫مّيين‬
‫والطهر والزنى والمائدة والمعجزات والضالين والصيام والماكرين وال ّ‬
‫والصلة والملوك والهدى " وغيرها ‪.‬‬
‫ترى علم يدل هذا ؟‬
‫ى‬
‫ى والتقن ّ‬ ‫إنه يدل على أن المريكان والصهاينة رغم كل تقدمهم العلم ّ‬
‫ى ل يستطيعون أن يحبكوا تآمرهم على‬ ‫ى والتخطيط ّ‬ ‫والعسكرىّ والسياس ّ‬
‫ى المثالُ‬ ‫ضَرب بهوان أتباعه وتخلفهم فى العصر الحال ّ‬ ‫القرآن الكريم الذى ي ُ ْ‬
‫م والمواعظ ‪.‬‬ ‫والحك ُ‬
‫فعلم يدل هذا مرة أخرى يا ترى ؟‬
‫يدل على أنهم فى حربهم للقرآن إنما يحاربون الله ‪ ،‬والله غالب على أمره ‪.‬‬
‫ولو كانت حربهم للقرآن حربا لنا نحن العرب والمسلمين لكان القرآن الن‬
‫فوا يوما‬ ‫فى خبر " كان " بعد كل تلك الحروب والمعارك الطاحنة التى لم يك ّ‬
‫عن شنها عليه طوال الربعة عشر قرنا الماضية وجّندوا لها أعتى العقول‬
‫عندهم من مبشرين ومستشرقين وسياسيين وعسكريين وكل ما يمكن أن‬
‫يخطر أو ل يخطر على بالك من صنوف العلماء والمتنفذين لديهم ‪ .‬لكن هاهو‬
‫ذا واحد مثلى ل فى العير ول فى النفير وليس بين يديه ول واحد على اللف‬
‫ق من الكتب والمراجع والمعاجم والموسوعات‬ ‫مما يتصرف فيه أى مستشر ٍ‬
‫والدوريات والمعاونين ‪ ،‬هاهو ذا واحد مثلى منقطع عن بلده ومكتبته الخاصة‬
‫التى كان من الممكن أن تمده على القل بالساسيات التى يحتاجها ك "‬
‫فهرس الموضوعات الكتابية " أو " دائرة المعارف الكتابية " أو حتى "‬
‫الكتاب المقدس " نفسه الذى استغرق المر منى وقتا طويل واتصالت‬
‫متعددة كى أحصل على نسخة منه ‪ ،‬أما " فهرس الموضوعات الكتابية " فقد‬
‫ض من أعرف فى أرض الكنانة من خلل‬ ‫ت بموافاتى بما أحتاجه منه بع َ‬ ‫ف ُ‬‫ك َل ّ ْ‬
‫شباك ‪ ،‬الذى ل أعرف منه أكثر مما يعرف الجاهل‬ ‫م ْ‬
‫نظام الرسائل الفورية بال ِ‬
‫بالسباحة عندما يقعد على الشط مكتفيا بغمس قدمه فى الماء ثم يقول إنه‬
‫قد نزل البحر وعام فيه مع العائمين ! أقول ‪ :‬ها هو ذا واحد مثلى فى هذه‬
‫الظروف الشحيحة وبهذه المكانات الشديدة الضآلة يكّر على هذا " الضلل "‬
‫في ُظ ِْهر عوراته وسوآته بكل بساطة وسهولة ‪.‬‬
‫والسبب ؟‬
‫السبب هو أننى حين أفعل ذلك إنما أدافع عن القرآن ‪ ،‬أى عن قضية موّفقة‬
‫ت إليه أن يسّهل‬ ‫ب القرآن الذى ابتهل ُ‬ ‫مباركة يسندنى فيها ويقينى من الِعثار ر ّ‬
‫مهمتى فاستجاب بكرم منه وفضل ‪ ،‬وهو سبحانه أهل الكرم والبر والتوفيق ‪.‬‬
‫شرهم بخذلن من‬ ‫حذ َْوهم فنب ّ‬‫فهم وحذا َ‬ ‫فل ّ‬ ‫أما المريكان والصهاينة ومن ل َ ّ‬
‫َ‬
‫دوا عن سبيل الله ‪،‬‬ ‫مواَلهم لي ُ‬
‫ص ّ‬ ‫فقون أ ْ‬ ‫الله مبين ‪ " :‬إن الذين كفروا ي ُن ْ ِ‬
‫م‬‫جهَن ّ َ‬ ‫َ‬
‫ن عليهم حسرة ً ثم ي ُغْلبون ‪ .‬والذين كفروا إلى َ‬ ‫فسينفقونها ثم تكو ُ‬
‫ض‬
‫ٍ‬ ‫بع‬ ‫على‬ ‫ضه‬ ‫َ‬ ‫بع‬ ‫ث‬
‫َ‬ ‫الخبي‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ويجع‬ ‫يب‬ ‫ّ‬ ‫الط‬ ‫من‬ ‫ث‬‫َ‬ ‫الخبي‬ ‫ه‬
‫ميز الل ُ‬
‫شرون * لي َ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫يُ ْ‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م ‪ .‬أولئك هم الخاسرون " ‪ .‬صدق الله العظيم‬ ‫مه جميعا فيجعَله فى َ‬


‫جهَن ّ َ‬ ‫في َْرك ُ َ‬
‫!‬
‫إن الله الذى ل يعرف كيف يصوغ الكلم ول يدرى أهو فى أوله أم فى‬
‫خَرف ! نعوذ بالله من‬‫ن أو قد أصابه ال َ‬ ‫ه سكرا ُ‬ ‫وسطه أم فى آخره لهو إل ٌ‬
‫خَرف !‬ ‫الخرف وآلهة ال َ‬
‫لقد كنا نسمع بإله الحرب وبإله الفنون وبإله الحب مثل ‪ ،‬لكن هذه أول مرة‬
‫ش ي ََر!‬ ‫خَرف ! ومن ي َعِ ْ‬ ‫نعرف أن هناك إلها لل َ‬
‫إن مثل هذا الله لو كان يعيش بين قبائل أفريقيا المتوحشة قديما لقتلوه‬
‫م عجوز ل ينضج‬ ‫لنتهاء عمره الفتراضى ‪ ،‬وربما أكلوا لحمه أيضا رغم أنه لح ٌ‬
‫جالى ‪ ،‬لكن المريكان والصهاينة ل‬ ‫بسرعة وليس له حلوة مذاق اللحم العَ ّ‬
‫قون على هذا الله المضطرب‬ ‫يتنبهون لهذا المر على وضوحه البالغ في ُب ْ ُ‬
‫الذاكرة والعقل الذى يوقعهم فى مآزق محرجة ليس لها من مخرج !‬
‫ألم أقل لكم إن من يتصدى للقرآن فإن مصيره إلى البوار ‪ ،‬وبئس القرار ؟‬
‫على أن خيبة هذا الله ل تقف عند هذا الحد ‪ ،‬بل تتعداه إلى الوقوع فى‬
‫الخطاء اللغوية المزرية !‬
‫ش‬
‫م ْ‬ ‫قد يجيبنى بعضهم ‪ :‬وماذا تريد من إله أمريكانى خواجة من أصحاب ‪ُ " :‬‬
‫مُتو يا خبيبى " ؟‬ ‫خ ْ‬
‫فِ ِ‬

‫)‪(8 /‬‬

‫لكننى أستطيع أن أرد عليهم بأن هذا الله الخواجة ل بد أنه استعان ببعض‬
‫العرب فى اختراع هذا الوحى الدنس ‪ ،‬وإل فهذا دليل آخر على أنه ‪ ،‬رغم كل‬
‫علمه وقوته وتقدمه ‪ ،‬تفوته أشياء مما تفوت عباد الله اللأمريكيين ‪ ،‬كما‬
‫حدث فى حكاية البلح الصفر الذى كان ل يزال على شماريخ النخل فى عز‬
‫الخريف فى صور القبض على صدام حسين الشهيرة ‪ .‬وأما إن كان قد‬
‫استعان ببعض العرب ‪ ،‬وهو ما أنا موقن منه إيقانا ‪ ،‬فمعناه أن بركة القرآن‬
‫ُ‬
‫قد آتت أك َُلها وسطعت ) كما يسطع العبيُر وضياُء الشمس جميعا ( نتائ ُ‬
‫جها‬
‫ة الطاهرةُ فأفشلت هذا التآمر الخسيس ‪ ،‬وانقلب السحر على الساحر‬ ‫الطيب ُ‬
‫الخائب الموكوس ‪ ،‬رغم كل ما معه من خبث وسلح وفلوس !‬
‫ط الجرادل‬ ‫وبعد ‪ ،‬فهذه عينة من الخطاء اللغوية التى سقط فيها سقو َ‬
‫متوا الدنيا فينا‬‫ه الخواجة وأذياُله من بنى جلدتنا الذين أخجلونا وش ّ‬ ‫صاحُبنا الل ُ‬
‫بجهلهم بلغة القرآن المجيد الجديرة بالحب بل بالعشق بل بالوََله حتى ممن‬
‫دى‬ ‫ُ‬ ‫يكره كتاَبها العزيَز والرسو َ‬
‫زل عليه هذا الكتاب ضياًء وه ً‬ ‫ل الذى أن ْ ِ‬
‫للعالمين ‪:‬‬
‫ح والهجُر‬ ‫م والنكا ُ‬ ‫ض والغائ ُ‬
‫ط والتيم ُ‬ ‫ث والمحي ُ‬ ‫س والطم ُ‬ ‫" وما كان النج ُ‬
‫س لفظها الشيطان بلسانكم " ) الطهر‪، 6 /‬‬ ‫ة رِك ْ ٍ‬ ‫ب والطلقُ إل كوم ُ‬ ‫والضر ُ‬
‫ة ركس " بفتح التاء لنها خبر " كان" (‪.‬‬ ‫وصوابها ‪ " :‬كوم َ‬
‫س " ) الصلة ‪ ، 3 /‬بفتح سين " الناس " رغم أنها فاع ٌ‬
‫ل‬ ‫شَهدهم النا َ‬ ‫و" كى ي َ ْ‬
‫قه الرفعُ بالضمة (‪.‬‬ ‫ح ّ‬
‫و" ذلكم هم المنافقون " ) نفس السورة والفقرة ‪ ،‬وهى غلطة ل يمكن أن‬
‫خّبة إينى " ‪ ،‬أما‬ ‫يقع فيها إل إله أمريكانى من الذين يقولون ‪ " :‬يا خبيبى ! يا َ‬
‫لو كان رب العالمين هو الذى أنزل هذا الكتاب لقال ‪ " :‬أولئك ‪ /‬أولئكم هم‬
‫المنافقون " ‪ ،‬إذ إن الكاف التى فى آخر اسم الشارة ل علقة لها بالمشار‬
‫إليه ‪ ،‬الذى هو هنا " الكافرون " ‪ ،‬بل تتغير حسب طبيعة من نخاطبه ‪ :‬إفرادا‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتثنية وجمعا وتذكيرا وتأنيثا‪ ،‬أما الذى يتغير حسب تغير المشار إليه فهو اسم‬
‫الشارة نفسه ‪ .‬ومادام " المنافقون " جمعا فينبغى استخدام " أولئك " لهم ‪.‬‬
‫َ‬
‫ش أم ن ُِعيد الكلم من البداية ؟ ول بأس عندنا من العادة ‪،‬‬ ‫ترى أفَِهم الوبا ُ‬
‫ففى التكرار للحمير إفادة ! (‬
‫جا فردا " ) الزواج ‪ ، 3 /‬وهو كلم ركيك‬ ‫و" خلقناكم ذكرا وأنثى يتحدان زو ً‬
‫من كلم الخواجات (‪.‬‬
‫و" النتقام " ) الخاء ‪ ، 11 /‬بهمزة تحت اللف ‪ ،‬وهو خطأ شنيع صحته "‬
‫طق ( ‪.‬‬ ‫فظ بالهمزة لنها همزة وصل ل ت ُن ْ َ‬ ‫النتقام " دون التل ّ‬
‫م‬
‫صيناكم بأل ت َدُِنوا " ) الماكرين ‪ ، 6 /‬يقصد " بأل تدينوا " ‪ ،‬وهذا أيضا كل ٌ‬ ‫و" و ّ‬
‫خواجاتى ( ‪.‬‬
‫مد ِْقع أستغرب كيف يقع فيه‬ ‫ل ُ‬‫و" سلبتم أقواِتهم " ) الماكرين ‪ ، 7 /‬وهو جه ٌ‬
‫شّريرِّيتهم ‪ ،‬ل يخطئون مثل هذه الخطاء البدائية‬ ‫شيطان ‪ ،‬والشياطين ‪ ،‬رغم ِ‬
‫‪ .‬لكن يبدو أنه من أولئك الشياطين الفاشلين الذين منهم أحمد الشلبى‬
‫موّرط أمريكا فى العراق ‪ .‬على كل حال فالصواب هو فتح تاء " أقواَتهم "‬
‫لنها ليست جمع مؤنث سالما كما يظن الغبياء ‪ ،‬بل جمع تكسير ‪ ،‬فلذلك‬
‫صب بالفتحة ل بالكسرة (‪.‬‬ ‫ت ُن ْ َ‬
‫و" بإسمنا " ) الماكرين ‪ ، 15 /‬وهى مثل الهمزة فى " النتقام " ل ينبغى أن‬
‫فظ (‪.‬‬ ‫ت ُل ْ َ‬
‫وا‬
‫و" َزُنوا " ) الماكرين ‪ ، 17 /‬من " الزنى " ‪ ،‬وهو خطأ ل يليق ‪ ،‬صوابه " َزن َ ْ‬
‫"(‬
‫و"حضيرة " ) مرتين ‪ :‬الرعاة ‪ ، 13 /‬والمحّرضين ‪ ، 10 /‬والصواب ‪ ،‬كما ل‬
‫يخفى إل على جاهل قد طمس الله على عينه وجعل على عقله غشاوة ‪ ،‬هو‬
‫ضع فيه أمام مذ ْوَد ٍ مملوٍء تبًنا‬ ‫"حظيرة " ‪ ،‬وهو المكان الذى ينبغى أن يو َ‬
‫م الذين يحاولون بغبائهم أن يطفئوا نور الله بأفواههم‬ ‫ما هؤلء الط َّغا ُ‬ ‫وبرسي ً‬
‫الن ّت َِنة ( ‪.‬‬
‫ن " ) النسخ ‪ ، 10 /‬بفتح نون " يكون " من غير أى‬ ‫و" نقول له ‪ :‬كن ‪ ،‬فيكو َ‬
‫مها لن الفعل المضارع لم يسبقه ناصب من أى نوع ( ‪.‬‬ ‫داع ‪ ،‬والواجب ض ّ‬
‫و" أشرك بنا من يشاركنا ِولِئنا لعبادنا " )المشركين ‪ ، 12 /‬بكسر همزة "‬
‫ولء " ‪ ،‬وحقها الفتح لن الكلمة مفعول ثان للفعل " يشاركنا "‪ .‬وهى ‪ ،‬كما‬
‫يرى القارئ ‪ ،‬غلطة ل يقع فيها إل جاهل له فى الجهل تاريخ عريق مؤّثل ( ‪.‬‬
‫صف المؤمن بأنه‬ ‫و" مؤمنين منافقين " ) الكبائر ‪ ، 9 /‬ول أدرى كيف ُيو َ‬
‫منافق ‪ ،‬اللهم إل إذا جاز لنا أن نقول ‪ :‬فلن قصير طويل ‪ ،‬وطيب شرير ‪،‬‬
‫ج علينا بأن قائل هذا هو الله ‪ ،‬الذى ل ت َُرد له‬ ‫وذكى غبى ‪ ...‬إلخ ‪ ،‬أو إل إذا احت ُ ّ‬
‫س أن إرادة‬ ‫ل ال ّ‬
‫شك ِ َ‬ ‫سأل عما يفعل ‪ .‬لكن فات ذلك المجاد َ‬ ‫مشيئة ‪ ،‬فهو ل ي ُ ْ‬
‫الله تعالى ل تتعلق بالمستحيلت وأنها فوق السخافات والسفسطات ‪ .‬أما إذا‬
‫قيل إنه إله أمريكى يحق له أن يفعل أى شىء دون أدنى حرج ‪ ،‬فإننا نبادر‬
‫بالموافقة ما دام فاعل هذا من ذلك الصنف من الناس الذين وصف رسولنا‬
‫الكريم واحدا منهم قديما بـ " الحمق المطاع " ( ‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫و" وزعمتم أنكم آمنتم بالكتاب وبأهل الكتاب الذين هادوا والنصارى "‬
‫طبون هنا هم المسلمون ‪ .‬وفى الكلم ركاكة ل يمكن‬ ‫) الكبائر ‪ ، 9 /‬والمخا َ‬
‫بلعها ول هضمها‪ ،‬علوة على أن المسلمين ل يقولون أبدا إنهم آمنوا باليهود‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والنصارى ‪ ،‬إذ ليس اليهود والنصارى كتابا سماويا ول نبيا من النبياء حتى‬
‫يكونوا موضوعا لليمان ‪ ،‬فضل عن أننا ‪ ،‬على العكس من ذلك ‪ ،‬نؤمن بأنهم‬
‫حّرفوا كتبهم وعبثوا بها وأنهم ما زالوا مقيمين على العبث والتحريف حتى‬
‫عمهم أنه كتاب من عند رب‬ ‫هذه اللحظة باختراعهم هذا " الضلل المبين " وَز ْ‬
‫ُ‬
‫العالمين ‪ ،‬ناسين أن الكتب السماوية ل تنزل على أهل الب َْنة اللوطيين ‪ ،‬حتى‬
‫سين ( ‪.‬‬ ‫سي ِ‬ ‫ة وق ِ ّ‬ ‫سمهم أساقف ً‬ ‫لو رأت أمريكا أن تر ّ‬
‫جت للكافرين " ) البهتان ‪، 9 /‬‬ ‫ُ‬
‫خرِ َ‬ ‫شْرعة أ ْ‬ ‫ن هو ) أى القرآن ( إل خير ِ‬ ‫و" إ ْ‬
‫ج ل رأس له ول ذ ََنب ‪ ،‬ول يمكن أن يدور إل فى‬ ‫دي ٌ‬
‫خ ِ‬‫ى َ‬ ‫ى حلمنتيش ّ‬ ‫وهو وح ٌ‬
‫ست أحد الممرورين المضطربين ‪ .‬ل شفاه الله من دائه بل أخزاه وجعله‬ ‫ا ْ‬
‫عبرة لغيره من الكافرين المخبولين ! آمين يا رب العالمين ‪ .‬ومن الواضح أن‬
‫رجت للكافرين " (‪.‬‬ ‫الجهلء يريدون أن يقولوا إنه " شّر شرعةٍ أ ُ ْ‬
‫خ ِ‬
‫وكما ثبت أن الله الذى أوحى بهذا " الضلل المبين " هو إله جاهل باللغة‬
‫فق بها كتابه ‪ ،‬فسأثبت للقراء الن أنه إله جاهل أيضا بالكتب التى‬ ‫التى ل ّ‬
‫ساء‬ ‫يقول إنه أوحى بها قبل هذا ‪ ،‬وأنه إله ل منطق عنده ول عقل ‪ ،‬وأنه ن ّ‬
‫كذلك ‪ ،‬إذ ل يستطيع أن يتذكر ما جاء فى القرآن الكريم فينقل اليات التى‬
‫فيه خطأ ً ‪ ،‬مع أنه ‪ ،‬كما قيل لى ‪ ،‬كان يفتح المصحف وهو يفعل ذلك ‪ .‬فهل‬
‫نقول إنه ل يعرف الكتابة والقراءة جيدا ؟ أم هل نقول إنه يستعين بمن‬
‫يقرأون له ‪ ،‬لكنهم للسف يستغلون جهله وأميته فيخدعونه ول يعطونه‬
‫المعلومات الصحيحة التى يطلبها منهم ؟‬
‫مى بـ " سورة الحق " ‪ ،‬والحق‬ ‫يقول بعد البسملة التثليثية فى أول ما يس ّ‬
‫قا للحق‬ ‫منها ومن مزيفيها براء ‪ " :‬وأنزلنا الفرقان الحق نوًرا على نور مح ّ‬
‫ومبطل للباطل وإن كره المبطلون * ففضح مكر الشيطان الرجيم ولو تنّزل‬
‫ك رحيم " ‪ .‬بالله هل هذا إله يدرى ما يقول ؟ ما معنى أنه سيفضح‬ ‫مل َ ٍ‬
‫بوحى َ‬
‫مكر الشيطان الرجيم حتى لو جاء به ملك رحيم ؟ ت َُرى كيف يمكن أن يأتى‬
‫بالوحى الشيطانى ملك رحيم ؟ هل الملئكة تتصرف من تلقاء نفسها ؟ بل‬
‫هل يمكن أن يقع منها أى عصيان لوامر الله ؟‬
‫فا قوُلهم فى الفقرة الثانية من " سورة الطهر " ‪" :‬‬ ‫ة وسخ ً‬ ‫ل ذلك رقاع ً‬ ‫ومث ُ‬
‫ّ‬
‫ولو كنتم أنبياَء وأوتيُتم الحكمة واطلعتم على الغيب وأتيتم بالمعجزات دون‬ ‫ُ‬
‫محبة فل حول لكم ول مّنة وإنما أنتم مفترون "‪ .‬كيف بالله يمكن أن يكون‬
‫دا بالحكمة وعلم الغيب والمعجزات جميعا ثم يرفض الله‬ ‫ن ما نبّيا مؤي ّ ً‬ ‫إنسا ٌ‬
‫تعالى أن يعترف به نبيا ؟ فمن الذى أرسله إذن وجعله نبيا وأيده بكل هذه‬
‫المواهب العجازية ؟ إن القوم إنما يصدرون هنا عن الفكر الوثنى ‪ ،‬إذ‬
‫يتصورون أن هناك إلها آخر يمكن أن يرسل نبيا من لدنه على غير هوى الله‬
‫فيرفض الله من ثم أن يعترف بنبوته ‪.‬‬
‫ّ‬
‫وفى أول " سورة العطاء " نطالع التى ‪ " :‬يا أيها الذين ضلوا من عبادنا ‪،‬‬
‫لقد قيل لكم ‪ :‬النفس بالنفس والعين بالعين والسن بالسن ‪ ، " ...‬ليعود الله‬
‫الغافل فى الفقرة السادسة فيقول بخصوص هذه الية نفسها ‪ " :‬ورحتم‬
‫ضّلون المهتدين وتفترون علينا الكذب إنه ل يفلح المفترون "‪ .‬والن أيدرى‬ ‫تُ ِ‬
‫القارئ الكريم من أين أتى القرآن بعبارة " النفس بالنفس ‪ ...‬إلخ " ؟ إنها‬
‫من التوراة ‪ ،‬ونص القرآن هو ‪ " :‬وكتبنا عليهم فيها ) أى على بنى إسرائيل‬
‫ن‬‫ف ‪ ،‬والذ َ‬ ‫ف بالن ِ‬‫ن بالعِين ‪ ،‬والن َ‬ ‫س ‪ ،‬والعي َ‬ ‫س بالنف ِ‬‫فى التوراة ( أن النف َ‬
‫ن ‪ ) " ...‬المائدة ‪ ، ( 45 /‬ول أحد فى اليهودية أو‬ ‫ن بالس ّ‬ ‫ن ‪ ،‬والس ّ‬ ‫بالذ ِ‬
‫النصرانية إل ويؤمن بأن التوراة هى من عند الله ‪ .‬والقرآن لم يقل شيئا آخر‬
‫غير هذا ‪ ،‬فما معنى كل ذلك ؟ معناه ببساطة أن الله الذى أوحى هذا الكتاب‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسمى بـ " الضلل المبين " هو إله ل عقل لديه ول ذاكرة ! وقد بلغ به‬
‫ن وصف هذا التشريع بأنه " حكم الجاهلية " ‪ ،‬فضل‬ ‫َ‬
‫فقدان العقل والذاكرة أ ْ‬
‫ى‬
‫س َ‬
‫عن أنه لم يحسن نقل الية كالعادة كما ل بد أن القراء قد لحظوا ‪ ،‬إذ ن َ ِ‬
‫ُ‬ ‫ف بالنف ‪ ،‬وال ُذ ُ َ‬
‫ن بالعين ‪ ،‬وال َن ْ َ‬
‫ن"‪،‬‬ ‫ن بالذ ُ ِ‬ ‫ثلث جمل كاملة هى ‪ " :‬والعَي ْ َ‬
‫وهكذا ينبغى أن يكون الله والوحى اللهى ‪ ،‬وإل فل ‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫ه شريعته التى أنزلها فى كتاب له أرسل به‬ ‫وروا ! تصوروا أن يعيب إل ٌ‬ ‫تص ّ‬
‫رسول من رسله أولى العزم هو موسى عليه السلم بأنها " حكم الجاهلية‬
‫رم الفاقد‬ ‫مى ‪ " :‬سورة الحكم " ‪ ،‬ونص كلم هذا الهَ ِ‬ ‫" ؟ جاء ذلك فيما يس ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫حك َ‬ ‫الذاكرة كما جاء فى الفقرة العاشرة من السورة المذكورة هو ‪ " :‬أفَ ُ‬
‫ن هو إل‬ ‫الجاهلية تبتغون بأن النفس بالنفس والعين بالعين والسن بالسن إ ْ‬
‫شْرعة الغابرين " ‪ .‬ثم يمضى الله المسكين فى‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬‫سّنة الولين وقد َ‬ ‫ُ‬
‫تخبطاته بصورة تدعو إلى الرثاء قائل فى الفقرة التى تلى ذلك مباشرة ‪" :‬‬
‫دقوا به فهو كفارة لكم إن كنتم مؤمنين " ‪ ،‬جاهل فى غمرة‬ ‫ص ّ‬
‫فل تنتقموا وت َ َ‬
‫خَرفه أن هذا هو ما يقوله القرآن الكريم فى آية سورة " المائدة "‬ ‫نسيانه و َ‬
‫التى سبق الستشهاد بها قبل قليل ‪ ،‬مع فارق مهم هو أن القرآن ل يوجب‬
‫هذا كما يريد منا مزيفو كتاب " الضلل " بل يكتفى بالحث عليه لمن أراد أن‬
‫يحرز أجرا عند الله ينفعه يوم القيامة ‪ ،‬وهو ما يتمشى مع أوضاع المجتمعات‬
‫ى أمرها دون محاكم وعقوبات ‪ ،‬وإل لفسد‬ ‫ض َ‬‫م ِ‬
‫البشرية التى ل تستطيع أن ت ُ ْ‬
‫المر وعاث المجرمون من أمثال هؤلء الملفقين بغيا ونهبا وتقتيل ‪ ،‬إذ ما‬
‫الذى يردع المجرم عن عدوانه وغَّيه لو أ ُل ْغَِيت العقوبات ؟ إن هذا ما يتمناه‬
‫كل مجرم له فى الجرام تاريخ عريق ‪ .‬أما المبالغة فى المر بالتسامح‬
‫ور أن البشر قادرون عليه فى كل الحوال فهو نفاق‬ ‫والتظاهر به وتص ّ‬
‫رخيص ‪ .‬وليست العبرة بمثل هذه المبالغة ‪ ،‬بل العبرة أن يكون هناك تشريع‬
‫يحقق العدل ويأخذ لكل ذى حق حقه مع دعوة الناس إلى الصفح ما أمكن ‪،‬‬
‫وهو ما فعله القرآن ‪ .‬أما الكلم الساذج عن إدارة الخد اليسر لمن يصفعك‬
‫على خدك اليمن فهو سذاجة بل بلهة بل تنطع ‪ .‬وأتحداكم أن تأتوا لى بمن‬
‫يدعو إلى هذا لصفعه وأرى ماذا سيفعل ! إنه ما من دولة نصرانية تخلو من‬
‫المحاكم والعقوبات والسجون ‪ ...‬إلخ مما هو موجود فى كل البلد ! بل إن‬
‫الله نفسه يعاقب الشرار فى الدنيا والخرة ‪.‬‬
‫وعلى اعتقادكم فإنه سبحانه لم يسامح البشَر إل بعد أن عاقب ابنه عقابا لم‬
‫نسمع أن أبا طبيعيا عاقبه ابنه ‪ ،‬بله أن يكون هذا البن ابًنا بريًئا باّرا لم‬
‫يرتكب ذنبا فى حق أحد ! ترى لماذا لم يجر الله على سنة التسامح التى‬
‫تدعون إليها وتظنون أنكم تتفوقون بها علينا ‪ ،‬مع أننا‪ ،‬مهما صدقنا ادعاءاتكم‬
‫فينا‪ ،‬لم نقترف عشر معشار ما اقترفتموه فى حقنا وفى حق الخرين من‬
‫جرائم وفظاعات وحشية ؟ فلماذا التساخف إذن لمكايدة المسلمين ؟‬
‫طع للمباهاة والسلم ‪ ،‬فإنى على استعداد لعظة‬ ‫أما إذا كان المر مجرد تن ّ‬
‫الوباش بأل يكتفوا بإدارة الخد اليسر لمن يصفعهم على اليمن بل ل بد من‬
‫طس ثم إدارة‬ ‫وا عليه ما لذ وطاب من الضرب والل ّ ْ‬ ‫ق ْ‬‫إدارة القفا أيضا ليتل ّ‬
‫ة من اللكمات المنتقاة‬ ‫الرداف كذلك للستمتاع ببعض الركلت ‪ ،‬مع كم لكم ً‬
‫صق الذى يعجبك كى يكون أجرهم عند الله عظيما فى‬ ‫ة من الب َ ْ‬ ‫ق ً‬‫ص َ‬
‫وكم ب َ ْ‬
‫ّ‬
‫ملكوت السماوات ! وسلم لى على التسامح ‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دعون‬ ‫ون ما ت ّ‬ ‫س ْ‬
‫لو أنكم كنتم صادقين فى هذه المثالية المتنطعة ‪ ،‬فلماذا ل تن َ‬
‫أننا آذيناكم به ول تزالون حتى الن تتخذونه ذريعة لسحقنا وسحق أية محاولة‬
‫منا للنهوض من تخلفنا ؟‬
‫هذا ‪ ،‬ولم ندخل بعد فى حكاية " من أخذ منك رداءك فأعطه أيضا إزارك " ‪،‬‬
‫وامش بعد ذلك " بلبوصا " تستعرض على الناس فى الشوارع والمجامع‬
‫سوأتك وأعضاءك التناسلية والخراجية ‪ ،‬ثم تعال فقابلنى يوم القيامة !‬
‫خُبر‬
‫خب ُْركم ون َ ْ‬
‫لقد كان من الممكن أن يجوز علينا هذا الكلم لو أننا لم ن َ ْ‬
‫ما ‪ ،‬وقد عرفناكم وكان ماضيكم معنا على مدى قرون‬ ‫سلوككم وأخلقكم ! أ ّ‬
‫طرانا ‪ ،‬فكيف يدور فى وهمكم أننا يمكن أن نصدق حرفا مما تقولون‬ ‫زفًتا وقَ ِ‬
‫؟‬
‫ص سورة " المائدة " الذى سلف الحديث عنه قبل‬ ‫وعلى كل حال فهذا هو ن َ ّ‬
‫فارة له "‪ .‬أستغفر الله العظيم ! رضينا بالله‬ ‫قليل ‪ " :‬فمن تصد ّقَ به فهو ك ّ‬
‫ن يخالف دين‬ ‫ْ‬
‫رّبا‪ ،‬وبالسل م ديًنا ‪ ،‬وبمحمد نبّيا ورسول ‪ ،‬وتبّرأنا من كل دي ٍ‬
‫السلم !‬
‫ص أيضا ‪ .‬ذلك أنه يزعم أنه قد‬ ‫جا ٌ‬ ‫هه ّ‬ ‫ليس ذلك فقط ‪ ،‬فالواقع أن هذا الله إل ٌ‬
‫أّيد هذا " الضلل المبين " بالمعجزات حسبما جاء فى الفقرتين الرابعة‬
‫والخامسة من " سورة المعجزات " ‪ .‬فأين تلك المعجزات يا ترى ؟ أفتونى‬
‫ى صاحب هذا الكتاب لم يجرؤ‬ ‫لل ّ‬
‫ض ِ‬‫بعلم أيها العقلء ! إن النبى الكذاب ال ّ‬
‫على الظهور للناس الذين يزعم أنه ُأرسل إليهم ‪ ،‬فكيف يمكن أن يكون قد‬
‫أتى بمعجزات أراناها فصد ّْقنا به وبها ‪ ،‬ونحن لم نتشرف أصل بطلعته‬
‫الغبية ؟ إنه يعرف تمام المعرفة أنه لو فقد عقله وأرانا خلقته فليس له عندنا‬
‫إل البراطيش ننهال بها على وجهه السمج حتى تتورم خدود العِْلج الزنيم فى‬
‫ى فى جامع !‬ ‫قة لم يأكل مثَلها حماٌر فى َ ْ‬ ‫عَل ْ َ‬
‫مطلع أو حرام ّ‬
‫)‪(11 /‬‬

‫وفى تلك السورة نفسها نقرأ هذا الكلم العجيب الذى ل يمكن أن يصدر عن‬
‫قل من ثم أن‬ ‫ى ‪ ،‬بله رب العالمين الذى خلق العقل والبيان ‪ ،‬فل ي ُعْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫أ ّ‬
‫فَهاهة واللمنطق ‪ ،‬إذ جاء فى‬ ‫ى وال َ‬ ‫دى لهذا الد ّْرك السفل من العِ ّ‬‫ي َت َد َهْ َ‬
‫مي ًْنا بـ "‬
‫فا ل " الضلل المبين " الذى يسمونه كذًبا و َ‬ ‫الفقرة الثامنة منها وص ً‬
‫دى وبيان للناس كافة وتذكرة‬ ‫ص َ‬
‫جع ال ّ‬ ‫صْنو النجيل وَر ْ‬
‫الفرقان الحق " ‪ِ " :‬‬
‫للكافرين ونور ورحمة وبشير ونذير وهدى للضالين لعلهم يتذكرون ويهتدون‬
‫"‪ .‬ترى كيف يكون بشيرا للضالين ؟ إن البشارة إنما تكون للمهتدين ل‬
‫ن " وقد‬ ‫ل " المنطقُ والبيا ُ‬ ‫للضالين ‪ .‬لكن من أين يأتى لمخترع هذا " الضل ِ‬
‫طمس الله على بصيرة المزّيف الدجال ؟‬
‫ثم إنه ‪ ،‬بسلمته ‪ ،‬قد حسم المر بالنسبة لنا نحن المسلمين ورمانا ‪ ،‬فى‬
‫قر ‪ ،‬إذ قال ‪ " :‬وأوردكم جهنم‬ ‫س َ‬ ‫الفقرة الثالثة من " سورة المنافقين " ‪ ،‬فى َ‬
‫ن منكم إل واردها وكان عليه أمرا مقضيا " ‪ ،‬كما أنه يقول فى‬ ‫جميعا وإ ْ‬
‫الفقرة السادسة منها عنا ‪ " :‬وطبع الشيطان على قلوبكم وسمعكم‬
‫م أنكم فى الخرة أنتم الخاسرون " ‪.‬‬ ‫جَر َ‬‫وأبصاركم فأنتم قوم ل تفقهون ‪ .‬ل َ‬
‫فكيف يجىء بعد ذلك ويتكلم عن الهداية ؟ والعجيب أنه رغم هذا يعود فى‬
‫قى بينهم العداوة والبغضاء‬ ‫هذه السورة ذاتها فى الفقرة الثامنة قائل ‪ " :‬ي ُل ْ ِ‬
‫ون فى الرض فساًدا‬ ‫إلى يوم يهتدون كلما أوقدوا نار الكفر أطفأناها ويسعَ ْ‬
‫ل للمفسدين " ‪ ،‬مشيرا إلى أنه سوف يأتى علينا يوم نهتدى فيه ‪ ،‬أى‬ ‫فوَي ْ ٌ‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نتخلى عن توحيدنا لصالح التثليث الوثنى الذى نفض معظم الناس عندهم فى‬
‫الغرب أيديهم منه ‪ .‬فكيف يريد هؤلء المجانين منا أن نأكل ما رماه الغربيون‬
‫فى صندوق القمامة منذ قرون ؟ إن المجرمين يتخبطون فى المصيدة التى‬
‫ساقهم بغضهم وكيدهم لمحمد إليها غير مستطيعين التخلص من ورطتهم ‪.‬‬
‫وا ننظر أيضا فى هذا الضطراب العقلى الذى تعكسه الفقرة حيث نقرأ‬ ‫وتعال َ ْ‬
‫أننا نحن المسلمين كلما أوقدنا نار الكفر أطفأها الله سبحانه ‪ .‬فها نحن‬
‫أولء ‪ ،‬من وجهة نظر هذا الله المخبول ‪ ،‬نشعل نار الكفر منذ أربعة عشر‬
‫م يطفئها ؟ أم سيقال إن عمال المطافئ الذين يشتغلون عنده‬ ‫م لَ ْ‬
‫قرنا ‪ ،‬فل ِ َ‬
‫ة من يومها‬ ‫كانوا مضربين طوال هاتيك القرون عن العمل أو إن أمريكا ضارب ٌ‬
‫على مملكته حصارا اقتصاديا يشمل قطع الغيار الخاصة بعربات المطافئ ‪،‬‬
‫ريم كقطعة الخردة ؟‬ ‫فلذلك ل يستطيع تشغيلها بل تقف فى مكانها ل ت َ ِ‬
‫ثم إنه فى الية الثالثة عشرة من نفس السورة يعود فيقول ‪ " :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا من عبادنا ) المقصود هنا النصارى ‪ ،‬وربما اليهود أيضا ( إذا ُرِفع لنا دعاء‬
‫فإنه يستجاب لكم فيهم ول يستجاب لهم فيكم فأنتم المقسطون وهم‬
‫خوَْتة ووجع‬‫المبطلون " ‪ .‬وإننا لنسأل هؤلء الوغاد ‪ :‬لماذا ‪ ،‬بدل من هذه ال َ‬
‫عون أنتم وبقية‬ ‫الدماغ وتزييف الكتب الذى تشغلون أنفسكم به ‪ ،‬ل ت َد ْ ُ‬
‫المغفلين أمثالكم لنا بالهداية وتفضونها سيرة وتنصرفون إلى ما يصلح حالكم‬
‫‪ ،‬ل أصلح الله لكم حال ما دمتم تصرون على الكفر والتآمر على عباد الله‬
‫الموحدين تريدون أن ترجعوهم كفارا بعد أن أنعم الله عليهم بدين التوحيد؟‬
‫ألستم تقولون إن الله أوحى لكم هذا الهباب الذى تسمونه " الفرقان الحق "‬
‫وأكد لكم فيه أن دعاءكم فينا مستجاب ؟ ألستم تريدون لنا أن نؤمن بتثليثكم‬
‫؟ بسيطة ! إن المر ل يحتاج لكثر من دعوة ) أو دعوتين إذا لزم المر وكان‬
‫إلهكم نائما نومة القيلولة مثل أو كان مشغول بملعبة ابنه أو مداعبة زوجته‬
‫م إلى مزيد من التنبيه ( ‪ ،‬وبعدها تجدوننا قد دخلنا فى دينكم‬ ‫ويحتاج من ث َ ّ‬
‫وأصبحنا وثنيين مثلكم ‪ ،‬ويرتاح بالكم وتريحوننا من هذه الشتائم التى ل تأتى‬
‫وا أن تعطونى الحلوة‬ ‫س ْ‬‫معنا بنتيجة ؟ صحيح ‪ :‬لم ل تفعلون ذلك ؟ ولكن ل تن َ‬
‫إن وفقكم الله ‪ ،‬ولن يوفقكم أبدا ل فى الدنيا ول فى الخرة بمشيئته تعالى‬
‫وحوله وقوته !‬
‫ضل ل يستطيع تذكر اليات القرآنية على وجهها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫كذلك فهذا الله الضال الم ِ‬
‫الصحيح فتراه يخطئ فى الستشهاد بها فى معظم الحيان رغم حرصه على‬
‫ى تنصيص جريا على أسلوب الباحثين حين يريدون أن‬ ‫وضعها بين علمت َ ْ‬
‫يؤكدوا أنهم قد نقلوا النص حرفيا‪ :‬خذ مثل قوله فى الستشهاد ‪ ،‬فى الفقرة‬
‫الحادية عشرة من " سورة القتل " عندهم ‪ ،‬بالية السابعة عشرة من سورة‬
‫م تقتلوهم ولكن الله قتلهم "‪ ،‬مع أن بدايتها فى القرآن‬ ‫" النفال " ‪ " :‬ول َ ْ‬
‫الكريم بالفاء ل بالواو ‪.‬‬
‫مد " القرآنية على‬ ‫ص َ‬
‫كما أنه فى أول " سورة الضالين " يستشهد بسورة " ال ّ‬
‫غير ما جاءت عليه فى القرآن ‪ ،‬إذ يقول بعد البسملة الوثنية ‪ " :‬وألبس‬
‫ب الحق وأضفى على الظلم جلباب العدل وقال لوليائه ‪:‬‬ ‫ل ثو َ‬ ‫ن الباط َ‬ ‫الشيطا ُ‬
‫وا أحد " ‪ .‬وليس هذا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ف ً‬‫أنا ربكم الحد لم أِلد ولم أولد ولم يكن لى بينكم ك ُ‬
‫زلت على خير البرية ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ص سورة "الصمد" كما نعرفها فى القرآن منذ أن ْ ِ‬ ‫نَ ّ‬

‫)‪(12 /‬‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثم ما الذى يغيظ أى إله فى قولنا عنه إنه واحد أحد لم يلد ولم يولد ولم يكن‬
‫له كفوا أحد ‪ ،‬اللهم إل إذا كان إلها أحمق ؟ فلنتركه لحماقته يهنأ بها كما يحلو‬
‫له هو ومن يرافئونه على هذا الجنون !‬
‫أما فيما يسمى ‪ " :‬سورة الطاغوت " فإنه ‪ ،‬عند مهاجمته لشريعة الجهاد‬
‫التى يتهمها زورا بالعدوانية والظلم وتقتيل البرياء ‪ ،‬ينقل على نحو محرف ما‬
‫جاء فى سورة " التوبة " من أن " الله اشترى من المؤمنين أنفسهم‬
‫دا عليه‬ ‫قَتلون وع ً‬ ‫قُتلون وي ُ ْ‬ ‫وأموالهم بأن لهم الجنة يقاِتلون فى سبيل الله في َ ْ‬
‫قا فى التوراة والنجيل والقرآن " ‪ ،‬إذ يقول ‪ " :‬وافتَرْوا على لساننا‬ ‫ح ّ‬
‫الكذب ‪ :‬بأنا اشترينا من المؤمنين أنفسهم بأن لهم الجنة يقاتلون فى سبيلنا‬
‫وعدا علينا حقا فى النجيل ‪ .‬أل إن المفترين كاذبون ‪ . " ...‬وواضح أن‬
‫دا حتى ل‬ ‫م ً‬
‫الفاكين قد أسقطوا عدة كلمات من الية القرآنية الكريمة ع ْ‬
‫طروا إلى القرار بأن فى التوراة أمرا ‪ ،‬ل بالقتال دفاعا عن النفس‬ ‫ض ّ‬ ‫يُ ْ‬
‫والعِْرض فقط كما فى السلم ‪ ،‬بل بالقتل بدافع الكراهية للمم الخرى‬
‫وإبادتها لمجرد البادة ‪ .‬وهو ما يعضد قول من قال إن هذا " الضلل المبين "‬
‫هو ثمرة التعاون الثيم بين الصهيونية والصليبية ‪ ،‬فلذلك يعملون على إظهار‬
‫اليهود فى صورة المسالم البرىء‪ .‬والنص الصحيح لية سورة التوبة هو ‪" :‬‬
‫قا فى التوراة والنجيل والقرآن " ‪ .‬ولم يقتصر المر فى السورة‬ ‫ح ّ‬‫دا عليه َ‬ ‫وَعْ ً‬
‫على هذا الخطإ ‪ ،‬بل هناك خطأ آخر فى الفقرة العاشرة حيث أوردوا فى‬
‫وحيهم الشيطانى الية السابعة عشرة من سورة " النفال " التى تبدأ بقوله‬
‫م تقتلوهم ‪ ،‬ولكن الله قتلهم " على النحو التالى ‪ " :‬وما‬ ‫تعالى ‪ " :‬فل َ ْ‬
‫قتلتموهم ولكن الله قتلهم " ‪.‬‬
‫كذلك نجد فى "سورة النسخ " خطأ آخر من ذات النوع ‪ ،‬إذ يقول إلههم‬
‫ل افتراه ) أى‬ ‫المسطول فى الفقرة الثانية عشرة ‪ " :‬وإذا قيل ‪ " :‬هو قو ٌ‬
‫سوَرٍ مثله مفتريات إن كنتم صادقين "‪.‬‬ ‫الرسول ( " قلتم ‪ " :‬فَأ ُْتوا بعَ ْ‬
‫شرِ ُ‬
‫وتعليقا على هذا نقول ‪ :‬أّول ليس فى القرآن عبارة " هو قول افتراه "‪.‬‬
‫ة واحدةً‬ ‫ثانيا ‪ :‬لم يتخذ رد ّ القرآن على دعوى الكفار بافتراء النبى للقرآن صيغ ً‬
‫فى كل مرة ‪ ،‬بل كان يختلف من موضع إلى آخر ‪ .‬ثالثا‪ :‬العبارة التى أوردها‬
‫هذا الله المائق المأفون لم ترد فى القرآن على هذا النحو ‪ ،‬بل نصها فى‬
‫الية الثالثة عشرة من سورة " هود " هو ‪ " :‬فأتوا بعشر سور مثله مفتريات‬
‫وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين " ‪.‬‬
‫وفى " سورة الوعيد " نقرأ فى الفقرة الولى قولهم ‪ " :‬يا أيها الذين ضّلوا‬
‫من عبادنا ) والمقصود نحن المسلمين ورسولنا ( ‪ :‬لقد توعدتم عبادنا‬
‫منوا بما نّزْلنا‬ ‫ُ‬
‫المؤمنين بلساننا افتراًء فقلتم ‪ " :‬يا أيها الذين أوُتوا الكتاب آ ِ‬
‫دقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنرّدها على أدبارها ونلعنهم كما‬ ‫مص ّ‬
‫لعّنا أصحاب السبت لعًْنا " ‪ ،‬مع أن النص القرآنى يقول ‪ " :‬أو نلعنهم " ) بـ "‬ ‫َ‬
‫أو " ل بالواو ( ‪ ،‬كما أنه يخلو من المفعول المطلق ‪ " :‬ل َعًْنا "‪ .‬وفوق ذلك‬
‫فإن هذه الية موجهة إلى اليهود ‪ ،‬فما معنى تسميتهم فى " الضلل المبين "‬
‫فًرا ل كفر بعده ول‬ ‫فَرةً ك ُ ْ‬
‫بـ " عبادنا المؤمنين " ‪ ،‬والنصارى يعدون اليهود ك َ َ‬
‫قبله ؟ أترك المخابيل مع هذه المسألة وحدها يحاولون أن يجدوا لها حل ‪،‬‬
‫ذبين بالمسيح وبالناجيل ‪.‬‬ ‫وهيهات ! وإل لكانوا مك ّ‬
‫ولعل القارئ لم ينس أيضا ما نب ّْهنا إليه قبل قليل من إسقاط هذا الله‬
‫رف للجمل الثلث من آية سورة " المائدة " التى تتحدث عن القصاص‬ ‫خ ِ‬‫ال َ‬
‫فى التوراة ‪ .‬ونكتفى بهذه المثلة ‪ ،‬ومن ي ُرِد ْ غيرها فليرجع بنفسه إلى هذه‬
‫النصوص الكفرية المتهافتة السخيفة ! ومرة أخرى أرى أن هذا السقاط‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لبعض كلمات الية القرآنية هو تعضيد لمن يقولون عن تزييف هذا " الضلل‬
‫المبين " إنه نتيجة الجهود والمؤامرات المشتركة من جانب اليهود والنصارى‬
‫فى أمريكا مع الستعانة بطائفة من العرب الرجاس النجاس !‬
‫والطريف المضحك أن كتاب " الضلل المبين " يدور كله من أوله لخره على‬
‫المسلمين ونبيهم والكتاب الذى أنزله الله عليه ‪ :‬ل يشتم غيرهم ‪ ،‬ول يحاول‬
‫خِتل أحدا عن دينه سواهم ‪ ،‬ول يترك شيئا أىّ شىء فى دينهم دون أن‬ ‫أن ي َ ْ‬
‫فهه وي ُْزرِىَ به مناديا إياهم فى مفتتح كل سورة تقريبا من سور "ضللهم‬ ‫يس ّ‬
‫المبين" بـ " يا أهل الجهل " أو " يا أهل الظلم من عبادنا " أو " يا أيها الذين‬
‫ضّلوا من عبادنا " أو " يا أيها الذين أشركوا من عبادنا الضالين " أو " يا أيها‬
‫الذين كفروا من عبادنا الضالين " أو " يا أيها المنافقون من عبادنا الضالين "‬
‫أو " يا أيها المفترون من عبادنا الضالين " أو " يا أهل التحريف من عبادنا‬
‫شغََلة إل‬ ‫شغَْلة ول َ‬
‫م ْ‬ ‫الضالين "‪ ،‬وكأن الله سبحانه وتعالى لم تعد له ُ‬
‫المسلمون ‪.‬‬
‫ولكن لم يا ترى ؟‬

‫)‪(13 /‬‬

‫حدونه ول ينسبون له ولدا ‪ ،‬سبحانه ! ولنهم‬ ‫السبب هو أن المسلمين يو ّ‬


‫يصّلون له وحده ل يشركون فى عبادتهم له أحدا من خلقه ‪ .‬باختصار ‪ :‬لنهم‬
‫سّنة الوثنيين فى أىّ من عقائدهم أو عباداتهم أو تشريعاتهم ‪ .‬فهذا‬ ‫ل يتبعون ُ‬
‫التوحيد النقى المطلق هو الذى يغيظ ‪ ...‬يغيظ من ؟ ل ‪ ،‬ل يمكن أن يغيظ‬
‫فل كهؤلء‬ ‫ه سبحانه وتعالى بل إلها أحمق مغ ّ‬ ‫ن الناصعُ الصافى الل َ‬ ‫هذا اليما ُ‬
‫طنة وقلوبهم السوداء‬ ‫خة العَ ِ‬ ‫الذين يعبدونه وهم يحسبون ‪ ،‬بعقولهم الّزن ِ َ‬
‫سنون صنعا!‬ ‫ح ِ‬
‫فنة ‪ ،‬أنهم ي ُ ْ‬ ‫العَ ِ‬
‫صره‬ ‫ضره وي ُب َ ّ‬ ‫ح ّ‬‫فّهمه ويرشده وي ُ َ‬ ‫ف ينبغى أن ي ُعَْهد به إلى من ي ُ َ‬ ‫ه متخل ٌ‬ ‫هذا إل ٌ‬
‫ح فى حقه ‪ ،‬بالضبط كما يفعلون بأولياء العهد‬ ‫ح وما ل يص ّ‬ ‫بمصلحته وما يص ّ‬
‫ّ‬
‫ضرون لهم فى صغرهم أساتذة يعلمونهم فنون‬ ‫ح ِ‬‫فى الد َّول الملكية ‪ ،‬إذ ي ُ ْ‬
‫البروتوكول ‪ ،‬حتى إذا جاء عليهم الد ّْور ليحكموا البلد كانوا جاهزين لتولى‬
‫ُ‬
‫سرهم ‪ .‬ولكن يبدو أن هذا الله‬ ‫مْلك ولم يكونوا عارا على بلدهم وأ َ‬ ‫أمور ال ُ‬
‫ّ‬
‫لم يجد فى صباه من يأخذ بيده ويعلمه مقتضيات اللوهية على وجهها‬
‫ردوه باللوهية‬ ‫ف ِ‬‫ضل أن يشرك به عباُده على أن ي ُ ْ‬ ‫الصحيح ‪ ،‬فلذلك نراه يف ّ‬
‫صوه بالعبادة والدعاء والتمجيد !‬ ‫ويخ ّ‬
‫إن هؤلء الغبياء ما زالوا سادرين فى أوهامهم التى كانت تجوز على‬
‫المتخلفين فى العصور الوسطى والتى تخلصت منها أوربا عندما أّذن فيها‬
‫المؤذن ببزوغ فجر النهضة ‪ ،‬ناسين أننا الن فى القرن الواحد والعشرين !‬
‫ح النوم يا أيها المتخلفون !‬ ‫ص ّ‬
‫حبها واتساعها من يحتاج إلى‬ ‫أو لم تجدوا فى طول الرض وعرضها على ُر ْ‬
‫الهداية إل المسلمين ؟ أولم يأتكم نبأ عُّباد البقر أو عُّباد النار أو عُّباد‬
‫َ‬
‫سيتم ما كنتم تقولونه فى اليهود الذين‬ ‫الشيطان أو الشيوعيين مثل ؟ أوَقَد ْ ن َ ِ‬
‫تتهمونهم بقتل ربكم ؟ أل يحتاج أىّ من هؤلء أن ُتوُلوه شيئا من هذا الحنان‬
‫الزائف الذى تغدقونه علينا بالكراه والذى تسمونه ‪ " :‬المحبة " ؟‬
‫مي ًْنا ‪ ،‬أليس‬ ‫فلنفترض أننا نحن المسلمين ضالون فعل كما تزعمون كذًبا و َ‬
‫ضللنا هذا أنظف من ضلل هؤلء الذين ذكرُتهم آنفا؟ إننا على القل نعبد الله‬
‫حده ول نشرك به شيئا ‪ ،‬فضل عن أننا لم نقتل المسيح ولم نطعن أمه‬ ‫ونو ّ‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عْرضها مما سنتناوله بالتفصيل فيما بعد ‪ ،‬بل نؤمن به نبّيا من أنبياء الله‬ ‫فى ِ‬
‫ونحترمه ونكّرم أمه تكريما ل يكّرمها إياه أحد من العالمين ‪ .‬فنحن إذن ‪،‬‬
‫على أسوإ الفروض ‪ ،‬أفضل من غيرنا‪ ،‬فلماذا كل هذه البذاءة والسفالة‬
‫والوقاحة مع رسولنا ومعنا دون الناس أجمعين ؟ ثم تقولون لنا بعد ذلك إن‬
‫دينكم هو دين المحبة !‬
‫ول لكم التطاول علينا واتهامنا مع ذلك كله بأننا نحن‬ ‫أية محبة تلك التى تس ّ‬
‫المعتدون القاتلون اللصوص السارقون ‪ ،‬فى الوقت الذى تهجمون فيه على‬
‫بلدنا وتدمرونها تدميرا ‪ ،‬وتقّتلون رجالنا ونساءنا وأطفالنا ‪ ،‬وتسرقون‬
‫ذبوننا وتهينوننا وتنتهكون أعراض نسائنا ‪،‬‬ ‫بترولنا ‪ ،‬وتحتلون بلدنا ‪ ،‬وتع ّ‬
‫وتضربوننا بالقنابل والصواريخ والطائرات والدبابات والبوارج ‪ ...‬إلخ ؟ إن‬
‫جنودكم اللوطيين ومجّنداتكم السحاقيات يعتدون على إخواننا وأخواتنا فى‬
‫السجون والمعتقلت فى أرض الرافدين ) وهذا مجرد مثال ( بكسر‬
‫صَباّرة الشتاء مع غمر الزنازين بالماء الوسخ‬ ‫عظامهم ‪ ،‬وإبقائهم عرايا فى َ‬
‫حتى ل يستطيع المساكين النوم ‪ ،‬وتسليط الكلب المتوحشة عليهم تنهش‬
‫صاهم وغراميلهم فينزفون حتى الموت ‪ ،‬فضل عن إكراههم للب أن‬ ‫خ َ‬
‫ُ‬
‫يمارس اللواط مع ابنه والعكس بالعكس ‪ ،‬واغتصاب النساء والفتيات‬
‫العفيفات اللتى يفضلن الموت بعد خروجهن من المعتقل على الحياة مع هذا‬
‫العار ‪ ،‬طالبين منهم ومنهن أن يشتموا الله ورسوله ويرددوا أنهم يؤمنون‬
‫بالصليب وبيسوع ابن الله ‪ ،‬قائلين إنهم جاؤوا إليهم يحملون رسالة المحبة ‪،‬‬
‫وهم لم يحملوا إل رسالة اللواط والسحاق والتعذيب والتقتيل والتدمير‬
‫فى من‬ ‫ضا وأحجاًرا ل ي ُعْ ِ‬
‫البربرى الذى ل يترك شيئا يمّر عليه إل جعله أنقا ً‬
‫ذلك مدرسة ول مصنعا ول متحفا ول بيتا ول مسجدا ؟ أية محبة جئتمونا بها‬
‫أيها الوحوش ؟ لعنة الله عليكم وعلى ما جئتمونا به ! اغربوا عن وجوهنا ‪ ،‬ل‬
‫نريد أن نراكم !‬
‫وع لكم أننا يمكن أن نترك توحيدنا الطاهر العظيم‬ ‫أىّ جنون ذلك الذى ط ّ‬
‫وندخل معكم فى تثليثكم وتصليبكم ؟ فلتحتفظوا بهذه المحبة لنفسكم بدل‬
‫من اللهاث وراء إضلل من هداهم الله وعافاهم من هذا الرجس وذلك‬
‫البلء ‪ ،‬والعياذ بالله !‬
‫لماذا ل توجهون دعوتكم هذه إلى من تركوا منكم دينهم واتخذوا اللحاد دينا‬
‫بديل ‪ ،‬وهم الغلبية الساحقة فيكم ؟‬
‫ش‪،‬‬‫أنتم تقولون فى " ضللكم المبين " إننا ذاهبون إلى الجحيم ! ما ٍ‬
‫فلتريحوا إذن أنفسكم ولتوفروا جهودكم وأموالكم وأوقاتكم ‪ ،‬ولتنصرفوا عنا‬
‫ما دام المل فينا مقطوعا‪ .‬أليس هذا ما يقول به العقل يا من عدمتم‬
‫العقل ؟‬
‫والن إلى بعض ما يقوله هؤلء الوساخ فينا وفى رسولنا وديننا عقيدةً وعبادةً‬
‫وتشريًعا‬

‫)‪(14 /‬‬

‫" يا أيها المنافقون من عبادنا الضالين ‪ :‬أ َّنى تشهدون بما لم تشهدوا وترددون‬
‫كرا * وبّلغتم الناس ما ليس لكم‬
‫ما ل تفقهون ‪ .‬لقد شهدتم إفكا وقلتم ب َهًْتا ون ُ ْ‬
‫به علم ‪ .‬وأنفذتم جاهليتكم على الراسخين فى العلم والدين القويم فأثقلتم‬
‫شّبه لكم الحق فما فهمتم للتجسد معنى وما فهمتم للبنوة‬ ‫كواهلهم وزرا * و ُ‬
‫ّ‬
‫مغزى وما أدركتم للفداء مرمى وما علمتم من أمور الروح أمرا * وعلم‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ى كافر فزادهم جهل وكفرا * وأخرجهم من النور إلى الظلمات‬ ‫م ّ‬


‫الميين أ ّ‬
‫وأضلهم قسرا " ) الشهادة‪.( 6 -1 /‬‬
‫قيمون الصلة فى زوايا الشوارع والمساجد رياًء كى يشهدهم‬ ‫" إن الذين ي ُ ِ‬
‫صّلون * فمن نوى أن يصلى‬ ‫ُ َ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫الحقيقة‬ ‫فى‬ ‫وهم‬ ‫المنافقون‬ ‫هم‬ ‫الناس ذلكم‬
‫ة نجزيه علنية بعين العالمين * تكررون‬ ‫ل خفي ً‬ ‫فليدخل داره وليغلق بابه ويص ّ‬
‫ؤلكم‬ ‫س ْ‬ ‫جابون * إننا نعلم ُ‬ ‫ست َ َ‬‫دة أوثان تظنون أنكم بالتكرار ت ُ ْ‬ ‫الكلم لغوا كعَب َ َ‬
‫فَتح أبواب الجنة‬ ‫سألون * وترددون الدعاء طمًعا بدخول الجنة فلن ت ُ ْ‬ ‫قبلما ت َ ْ‬
‫للمنافقين ‪ .‬أما الذين يعملون بمشيئتنا فهم الذين يدخلون " ) الصلة ‪7 – 3 /‬‬
‫(‪.‬‬
‫" يا أيها المنافقون من عبادنا ‪ :‬إن صيامكم غير مقبول لدينا وغير ممنون *‬
‫وما أكثر منكم مفاطر‬ ‫ص ّ‬‫ل معلوم * تتخمون ُ‬ ‫ج ٍ‬ ‫فما كان الصوم تضوًّرا ل َ‬
‫متم من‬ ‫وكالنعام ت َط َْعمون * ترهقون أجسادكم ونفوسكم نهما فكأنكم ما طعِ ْ‬
‫َ‬
‫ضَعتكم‬ ‫قبل ولن تكونوا من بعد طاعمين * وتأكلون السنة فى شهرٍ جشعا ل َ‬
‫ّ‬
‫وركم فخيٌر لكم أل تصوموا فإنه ل أجر للضعاء والمتضورين * وتكلحون‬ ‫وتض ّ‬
‫ْ‬
‫وجوهكم وتصّعرون خدودكم للناس لت َظَهروا صائمين إنما يفعل ذلك القوم‬
‫المنافقون " ) الصيام ‪. ( 8 - 3 /‬‬
‫" يا أهل العدوان من عبادنا الضالين ‪ :‬تسفكون دماء البهائم أضحيات تبتغون‬
‫مغفرة ورحمة من لد ُّنا عما اقترفت أيديكم من قتل وزنى وإثم وعدوان *‬
‫ب طهيٌر يتفجر رحمة ومحبة وسلما لعبادنا ورفقا‬ ‫إنما أضحية الحق قل ٌ‬
‫مها ول دماؤها ولكن ينالنا تقوى المتقين " ) الضحى‪/‬‬ ‫بالبهائم فلن ينالنا لحو ُ‬
‫‪.(8–7‬‬
‫ب بالسلم‬ ‫شت ََرُوا الحر َ‬ ‫ق فا ْ‬ ‫ك سحي ٍ‬ ‫" وهبط الذين اتبعوا الطاغوت إلى در ٍ‬
‫ب بالحسان والزنى بالعفة والكفَر باليمان فخسرت تجارتهم وكسبوا‬ ‫والسل َ‬
‫عذابا وبيل * واقترفوا الفحشاء والمنكر والبغى سعًيا وراء جنة الزنى‬
‫سا‬‫جّنة الكافرين وت َعْ ً‬ ‫دا ل َ‬ ‫كا من الشيطان ‪ ،‬أل ب ُعْ ً‬ ‫غروًرا وثواًبا إف ً‬ ‫دا َ‬ ‫عدونها وَعْ ً‬ ‫يو َ‬
‫عدون * وافتَرْوا على لساننا الكذب ‪ " :‬بأنا اشترينا من المؤمنين‬ ‫لمن بها ُيو َ‬
‫قا فى النجيل " ‪ .‬أل‬ ‫ح ّ‬ ‫دا علينا َ‬ ‫أنفسهم بأن لهم الجنة يقاتلون فى سبيلنا وع ً‬
‫إن المفترين كاذبون ‪ .‬فإنا ل نشترى نفوس المجرمين إنما اشتراها الشيطان‬
‫اللعين * وأشركونا فى عصبة تقتل وتسلب عبادنا وفرضوا لنا فى خمس ما‬
‫يغنم الغزاة المجرمون * وبّرأهم المنافقون فقالوا ‪ " :‬وما قتلتموهم ولكن‬
‫الله قتلهم "‪ .‬أل إنا ل نقتل عيالنا لنغنم مع القتلة والمعتدين " ) الطاغوت ‪6 /‬‬
‫–‪.(1‬‬
‫" يا أيها الذين كفروا من عبادنا الضالين ‪ :‬لقد جعلتم من جناتنا مواخر للزناة‬
‫سكاَرى والمجرمين "‬ ‫جس للزانيات ون ُُزل دعارة لل ّ‬ ‫ومغاور للقتلة ومخادع رِ ْ‬
‫) الكبائر ‪ ... ( 1 /‬إلخ ‪.‬‬
‫مَثل‬ ‫َ‬
‫مَثلهم حين يتظاهرون بالعيب على دين رب العالمين ك َ‬ ‫ومن الواضح أن َ‬
‫ه‬
‫ة فى تبا ٍ‬ ‫المومس التى ل يعجبها عفة الحرائر الشريفات فتذهب تعيبهن قائل ً‬
‫ب داعرٍ إنها عشيقة لفلن وفلن من أكابر القوم وليست زوجة‬ ‫وتشامٍخ كاذ ٍ‬
‫لرجل ل هو صاحب شهرة ول ذو منصب كبير من السفلة المجرمين !‬
‫ماذا فى إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة والصلة والصيام ؟‬
‫فَرة المارقون ؟ أل‬ ‫وماذا فى الصلة فى المساجد بحيث ي ُْزِرى عليها الك َ َ‬
‫يصلون فى الكنائس ؟ أكل من صلى منهم يذهب إلى مخدعه فيصّلى؟ إن‬
‫الصلة فى السلم تجوز فى أى مكان ‪ :‬فى الشارع ‪ ،‬وفى الحقل ‪ ،‬وفى‬
‫ضر‪ ...‬ذلك أن الله‬ ‫ح َ‬ ‫فر ‪ ،‬وفى ال َ‬ ‫س َ‬ ‫المصنع ‪ ،‬وفى ميدان القتال ‪ ،‬وفى ال ّ‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سبحانه فى كل مكان ‪ ،‬ول بد من عبادته فى كل حين ‪ ،‬وإل فلو انتظر‬


‫سر داره ويدخل مخدعه فلن يصلى ركعة واحدة إن‬ ‫النسان حتى يعود إلى ك ِ ْ‬
‫شاء الله ‪ ،‬وهذا ما حدث فى بلدكم ‪ ،‬حيث ل تذكرون الله إل كل أسبوٍع مرة‬
‫‪ .‬وهذا بالنسبة للعجائز وأمثالهم ‪ ،‬أما الشبان والشابات فإنهم لم يعودوا‬
‫ت قلوبهم ‪ ،‬فبئس القتراح اللعين‬ ‫س ْ‬
‫ق َ‬
‫يعبدون الله ول مرة كل مائة عام ‪ ،‬ف َ‬
‫من القوم الملعين ! والعبرة فى كل حال بإخلص النية وتطهير القلب من‬
‫الرياء ‪ ،‬أما اتهام الخرين بالنفاق زورا وبهتانا عاطل مع باطل ‪ ،‬واحتقار عبادة‬
‫طس والشمئزاز منها ‪ ،‬فهو بعينه الك ِْبر وجمود القلب‬ ‫الموحدين وإظهار التن ّ‬
‫َ‬
‫ض‬
‫ص الكلمات وقوار َ‬ ‫ح عليه السلم اليهود َ بسببه قوار َ‬ ‫صَلى المسي ُ‬
‫الذى أ ْ‬
‫اللعنات !‬
‫ثم ماذا فى الصيام ؟ أليس فى دينكم صيام أيضا ؟‬

‫)‪(15 /‬‬

‫وماذا فى الضاحى ؟ إنكم ت ُظ ِْهرون الشفقة عليها ‪ ،‬فهل نفهم من هذا أنكم‬
‫ممون بها ؟ وهل يكره الله من عباده أن ي ُط ِْعموا‬ ‫ل تذبحون الحيوانات ول تتس ّ‬
‫دعون‬ ‫من أضاحيهم الفقراء والمساكين ؟ فأين المحبة والرحمة التى تص ّ‬
‫رؤوسنا بها ليل نهار ؟ أم إن اللحم ل يصلح إل إذا كان من جسد المسيح‬
‫تأكلونه كما يفعل الوثنيون ؟ كيف يا إلهى يأكل النسان جسد ربه ويشرب‬
‫مونه " الخروف " كما أفهمكم يوحنا فى‬ ‫دمه ؟ ومن غبائكم وجهلكم تس ّ‬
‫مل " ‪، 29 / 1 /‬‬ ‫ح َ‬
‫هلويسه ) رؤيا ‪ 6 / 5 /‬فصاعدا ‪ .‬وفى إنجيل يوحنا أنه " َ‬
‫مى رّبها خروفا ‪.‬‬ ‫‪ ، ( 36‬فيا لكم من خرفان غبية بليدة تس ّ‬
‫يا أكلة الخنزير الذى حّرمته السماء وحّلله لكم ‪ ،‬تقّرًبا إلى الوثنيين ‪ ،‬بولس‬
‫سى‪ 2 /‬كله ( ‪،‬‬ ‫اللعين ) كورنتوس ‪ ، 29 – 19 / 9 ، 13 –12 / 6 / 1‬وكول ُ ّ‬
‫س ذو العقل الثخين ) أعمال الرسل ‪ ،16 – 9 /‬و‬ ‫ومّهد له الطريقَ قبل بطر ُ‬
‫‪ ، ( 10 – 2 /11‬والذى يجعلكم تبغضوننا وتحقدون علينا إلى يوم الدين ! إننا‬
‫حين نذبح الضاحى إنما نذبحها لي َط َْعم معنا منها المحتاجون والجائعون ‪ ،‬ل‬
‫ليتمتع برائحتها الله رب العالمين ‪ ،‬وكأنه إله من آلهة الوثنيين حسبما‬
‫صورتموه فى " الكتاب المقدس " لديكم ‪ ،‬ولذلك ت ُت َْرك فل يأكل منها أحد‪.‬‬
‫ن يناله‬‫مها ول دماؤها ‪ ،‬ولك ْ‬ ‫ه لحو ُ‬
‫وهذا معنى قوله تعالى ‪ " :‬لن ينال الل َ‬
‫التقوى منكم " ) الحج ‪ ، ( 37 /‬الذى سرقتموه كعادتكم ونقلتموه إلى "‬
‫ضللكم المبين " ‪ ،‬دون فهم كالحمار الذى يجلس إلى مكتب ويمسك كتابا‬
‫بحوافره يظن أنه بذلك سيكون من الدميين الذين يفهمون ‪ ،‬ثم جئتم‬
‫حُرون ‪ .‬وهذه أول مرة أسمع بإله يضيق صدره‬ ‫شَغبون به علينا فى عناد ٍ َ‬ ‫تَ ْ‬
‫جِعل ؟ هذا‬ ‫جب ِل ّةٍ ُ‬‫بإطعام الفقراء والمساكين ‪ .‬أىّ إله هذا يا ترى ؟ ومن أية ِ‬
‫س غليظ القلب والوجدان ‪ ،‬نعوذ بالله منه وممن صنعوه وعبدوه !‬ ‫ه قا ٍ‬‫إل ٌ‬
‫على أن ثمة شيئا خطيرا فات هؤلء الوغاد ‪ ،‬أل وهو أن السلم هو الدين‬
‫الوحيد الذى يشهد كتابه لمريم عليها السلم بالعفة ‪ ،‬فهل من العقل أن يأتى‬
‫إنسان إلى الشاهد الوحيد الذى يملكه فيسّبه ويتطاول ويتسافه عليه ويك ّ‬
‫ذبه‬
‫ده الكاذيب ؟ إن ذلك لهو الحماقة بل هو الجنون بعينه ‪ ،‬فضل عما‬ ‫ويفترى ض ّ‬
‫فيه من قلة أدب ووغادة !‬
‫ومعروف ما يقوله ‪ ،‬عن عيسى وأمه ‪ ،‬اليهود الذين يضع الوغاد الن أيديهم‬
‫فاح ‪ ،‬وكانوا يعّرضون به‬ ‫فى أيديهم ليكونوا علينا إ ِل ًْبا واحدا ‪ .‬إنه عندهم ابن ِ‬
‫س َ‬
‫قائلين فى وجهه ‪ " :‬لسنا مولودين من زًِنى " ) يوحنا ‪.( 42 / 8 /‬‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبطبيعة الحال ل يمكن إبطال هذه التهمة بأدلة قانونية ‪ ،‬إذ المعروف أن‬
‫المرأة ل تحمل ول تلد إل إذا اتصلت برجل ‪ :‬عن طريق الزواج أو من خلل‬
‫علقة غير شرعية ‪ .‬ولم تكن مريم قد تزوجت بعد ‪ ،‬فلم يبق أمام الناس إل‬
‫ن ‪ ،‬وأين هذا الدليل‬ ‫الباب الثانى ‪ ،‬اللهم إل إذا ثبت بدليل غير عادى أنها لم ت َْز ِ‬
‫إل فى القرآن الكريم ‪ ،‬الذى يتطاول عليه ب َغًْيا وعَد ًْوا أغبى من عرفت الرض‬
‫من المخلوقات ؟ لقد ذكر المولى فى كتابه أن جبريل عليه السلم قد أتاها‬
‫ل وهو‬‫رسول من الله ونفخ فى جيبها فحملت بعيسى ‪ .‬لكن أحدا لم ي ََر جبري َ‬
‫يفعل ذلك ‪ ،‬فلم يبق إذن إل تبرئة القرآن الكريم لها ‪ ،‬فضل عما حكاه عن‬
‫كلم عيسى فى المهد دليل على عفتها ! والغريب أن هذا الدليل الذى يقول‬
‫به القرآن لتبرئة مريم غير موجود فى الناجيل الموجودة فى أيدى النصارى !‬
‫فما معنى هذا ؟ معناه أن هؤلء الحمقى المغفلين يتركون الدنيا كلها‬
‫ويتفرغون للتطاول والتباُذؤ والتساُفه وإقلل الدب والحياء على المسلمين ‪،‬‬
‫الذين يمثلون المخرج الوحيد لهؤلء البهائم من ورطتهم ! وهذا دليل على‬
‫الخبال الذى هم فيه ‪ ،‬وهو أمر طبيعى جدا ‪ ،‬إذ ما الذى ننتظره لمثل هؤلء‬
‫الباليس ؟ أننتظر أن يوفقهم الله جزاء كفرهم وبغيهم على رسوله والكتاب‬
‫دى للقلوب ؟‬‫الذى أنزله عليه نوًرا للعيون وهُ ً‬

‫)‪(16 /‬‬

‫ولم يكن اليهود هم الوحيدين الذين ينسبون عيسى عليه السلم إلى أب من‬
‫البشر ‪ ،‬بل كان الناس جميعا يقولون إن أباه هو يوسف النجار‪ .‬ل أقول ذلك‬
‫ذبوننا عنادا‬‫من عندى ‪ ،‬بل تذكره أناجيلهم التى نقول نحن إنها محرفة فيك ّ‬
‫وسفاهة ! لقد كتب يوحنا فى إنجيله ) ‪ ( 5 / 1‬أن الناس كانت تسميه " ابن‬
‫يوسف " ‪ ،‬وهو نفس ما قاله متى ) ‪ ( 55 / 1‬ولوقا ) ‪ ، 23 / 3‬و ‪، ( 22 / 4‬‬
‫وكان عيسى عليه السلم يسمع ذلك منهم فل ينكره عليهم ‪ .‬بل إن لوقا‬
‫نفسه ) ‪ ( 42 ، 41 ، 33 ، 27 / 2‬قال عن مريم ويوسف بعظمة لسانه‬
‫مراًرا إنهما " أبواه " أو " أبوه وأمه "‪ .‬كذلك قالت مريم لبنها عن يوسف‬
‫هذا إنه أبوه ) لوقا ‪ .( 48 / 2 /‬ليس ذلك فحسب ‪ ،‬بل إن الفقرات الست‬
‫عشرة الولى من أول فصل من أول إنجيل من الناجيل المعتبرة عندهم ‪،‬‬
‫وهو إنجيل متى ‪ ،‬تسرد سلسلة نسب المسيح بادئة بآدم إلى أن تصل إلى‬
‫يوسف النجار ) " رجل مريم " كما سماه مؤلف هذا النجيل ( ثم تتوقف‬
‫ت‪،‬‬‫عنده ‪ .‬فما معنى هذا للمرة الثانية أو الثالثة أو الرابعة ‪...‬؟ لقد توقع ُ‬
‫عندما قرأت النجيل لول مرة فى حياتى ‪ ،‬أن تنتهى السلسلة بمريم على‬
‫أساس أن عيسى ليس له أب من البشر ‪ ،‬إل أن النجيل خّيب ظنى تخييبا‬
‫ن من طمس الله على بصيرته ل يفلح أبدا ‪ .‬ثم إنهم بعد‬ ‫شديدا ‪ ،‬فعرفت أ ّ‬
‫ساُفه على رب‬ ‫ذلك ‪ ،‬ويا للغرابة ‪ ،‬يجدون فى أنفسهم الن ِّتنة الجرأة َ على الت ّ َ‬
‫ف ملفقة زاعمين أنها وحى من لدن‬ ‫العالمين وإيذاء رسوله الكريم فى صحائ َ‬
‫رب العالمين ‪ ،‬وكأن الله سبحانه وتعالى لم يجد فى كونه الواسع العريض‬
‫غير المآبين الموكوسين ليتخذ منهم أنبياءه وينّزل عليهم وحيه الشريف !‬
‫صّرون على أنه عليه‬ ‫لكن خيبة هؤلء السفهاء ل تنتهى عند هذا الحد ‪ ،‬إذ هم ي ُ ِ‬
‫فروننا نحن‬ ‫صْلب ‪ ،‬بل يك ّ‬ ‫طئون القرآن لنفيه واقعة ال ّ‬‫صِلب ‪ ،‬ويخ ّ‬
‫السلم قد ُ‬
‫ورسولنا لهذا السبب ‪ ،‬مع أنهم لو عقلوا لقبلوا أيديهم ظهًرا لبطن ‪ ،‬ثم عادوا‬
‫فقبلوها بطًنا لظهر ‪ ...‬وهكذا دواليك إلى ما ل نهاية ‪ .‬لماذا ؟ لن العهد‬
‫العتيق الذى ل يصح لهم إيمان إل به يؤكد أن من عُّلق على خشبة فهو‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ص ما جاء فى "‬ ‫ملعون من الله ) تثنية الشتراع ‪ ، ( 22 / 21 /‬وعيسى ‪ ،‬بن َ ّ‬


‫صِلب ‪.‬‬ ‫أعمال الرسل " ‪ ،‬قد عُّلق على خشبة ) ‪ ، 30 / 5‬و ‪ ، ( 39 / 10‬أى ُ‬
‫ولقد شعر اللعين بولس بالوكسة التى وقع فيها محّرفو الناجيل ومزّيفوها‬
‫حين قالوا بصلبه عليه السلم فأقّر ‪ ،‬فى رسالته إلى أهل غلطية ) ‪/ 3‬‬
‫‪ ، ( 13‬باللعنة التى وقعت على رأس المسيح بتعليقه على الخشبة ‪ ،‬ب َي ْد َ أنه‬
‫مل ذلك النبى الكريم لّلعنة إنما‬ ‫عًيا أن تح ّ‬‫ى الكلم عن معناه مد ّ ِ‬ ‫سارع إلى ل ّ‬
‫كان من أجل البشر‪ .‬وبطبيعة الحال هو لم يقل عنه إنه نبى بل إله ! إذن‬
‫فهم أنفسهم يقرون بأن إلههم ملعون ‪ ،‬وهذا يكفينا ‪ ،‬ول يهم بعد ذلك أن‬
‫نعرف السبب الذى صار ملعونا لجله ‪ ،‬فهو ل يقدم فى المر ول يؤخر!‬
‫أليس من العار أن يعتقد إنسان أن الرب الذى يؤمن به ويعبده ويبتهل إليه‬
‫ويطلب منه البركة والخير هو نفسه ملعون ؟ فكيف يطلب منه إذن ما ل‬
‫يملكه بل ما يحتاج من غيره أن يوّفره له ؟‬
‫على رأى المثل ‪ :‬جئتك يا عبد المعين ت ُِعيننى ‪ ،‬فإذا بك يا عبد المعين ت َُعان !‬
‫والله إنها لمهزلة !‬
‫إنها أول مرة يسمع الواحد فيها بإله ملعون ! ولكن لم ل ‪ ،‬وقد جعلوه‬
‫ُ‬
‫خروفا ‪ ،‬كما روَْوا فى أناجيلهم المزّيفة أنه قد مات على الصليب بعد أن أهين‬
‫مَرت‬ ‫س ّ‬
‫خر منه و ُ‬ ‫س ِ‬‫ضع الشوك على رأسه و ُ‬ ‫صق عليه ووُ ِ‬ ‫شِتم وب ُ ِ‬ ‫رب و ُ‬ ‫ض ِ‬
‫و ُ‬
‫يداه ورجله فى الخشب وط ُِعن فى خاصرته بالرمح وجعلوا من ل يشترى‬
‫يتفّرج ‪ ،‬وهو فى حال من العجز تامة ل يستطيع أن يصنع هو ول أبوه شيئا‬
‫ذبه والصرخات التى كان يرسلها فى الفضاء فى‬ ‫رغم اللم التى كانت تع ّ‬
‫مسامع ذلك الب القاسى الغبى ؟‬
‫م فل لعنة ول‬ ‫صلب أصل من جذوره ‪ ،‬ومن ث َ ّ‬ ‫ْ‬ ‫أما نحن المسلمين فإننا نرفض ال ّ‬
‫يحزنون !‬
‫ّ‬
‫وبهذا يتبين للقراء البؤس العقلى الضارب بأطنابه على أولئك الطَغام الذين‬
‫ل خلق الله ! أترى أحدا قد سمع بمثل‬ ‫وا لهدايتنا ‪ ،‬وهم أض ّ‬ ‫َ‬
‫يزعمون أنهم أت َ ْ‬
‫هذا البؤس من قبل ؟ ألم أقل إن من يغضب الله عليه ل يفلح أبدا ؟‬
‫ى الذى يسد ّ السبيل على هؤلء الغبياء نمضى ‪ ،‬فماذا نجد‬ ‫س ّ‬ ‫حي ْ ِ‬ ‫مى ال َ‬ ‫ومع العَ َ‬
‫؟‬
‫لقد وردت ‪ ،‬فى الفقرة الحادية عشرة من " سورة الزنى " فى " ضللهم‬
‫م‬
‫المبين " ‪ ،‬الكلمة التالية ‪ " :‬ووصينا عبادنا أل يحلفوا باسمنا أبدا وجوابهم َ َ ْ‬
‫ع‬ ‫ن‬
‫أ َوْ ل ‪ .‬فقلتم بأن من كان حالفا فليحلف باسم الله أو يصمت ‪ .‬وهذا قول‬
‫الكفرة المارقين " ‪.‬‬
‫وأول شىء نحب أن نقوله هو ‪ :‬ما علقة الحلف بالله بالكفر ؟ وإذا لم نحلف‬
‫ُ‬
‫مِئن الخرين فبأى شىء نحلف ؟ أنحلف‬ ‫بالله إذا أردنا أو أِريد َ منا أن ن ُط َ ْ‬
‫حِلف ؟‬ ‫حِلف ‪ ،‬الذى يأكل وي َ ْ‬ ‫س ْ‬‫بسيدى ِ‬
‫أنا ل أضحك ‪ ،‬ولكنى أحاول تجنب انفقاع مرارتى !‬

‫)‪(17 /‬‬

‫م من الذى يقصده الوباش بالكفرة المارقين ! إنه نبينا وسيدنا‬


‫وطبعا مفهو ٌ‬
‫وسيدهم محمد صلى الله عليه وسلم ‪ .‬نعم سيدهم وتاج رؤوسهم ‪ ،‬وإن كانوا‬
‫ل يستحقون شرف سيادته عليهم ‪.‬‬
‫حِلف موجود فى كل المجتمعات والعصور والديانات بما فيها شريعة‬ ‫إن ال َ‬
‫موسى التى أكد المسيح ‪ ،‬حسبما تروى عنه الناجيل ‪ ،‬أنه ما جاء لينقض‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ظم عملية الحلف بتشريعات خاصة به جوازا‬ ‫ممها والتى تن ّ‬ ‫أحكامها بل ليت ّ‬
‫ووجوبا وحرمة ) تكوين ‪ ، 3 / 25 /‬وخروج ‪ ،1 / 22 /‬وعدد ‪.( 2 / 30 /‬‬
‫فمن أين جاءت المشكلة إذن ؟‬
‫إن المسيح فى نفس العبارة التى يؤكد فيها أنه ما جاء لينقض الناموس ) أى‬
‫ممه يسارع فى التو واللحظة بنقض كل ما أكده فى‬ ‫شريعة موسى ( بل ليت ّ‬
‫هذا الصدد قائل إنه إذا كان قد قيل للقدماء كذا فإنه هو يغّيره إلى كذا ‪ .‬وكان‬
‫ص ما قاله فى هذا الصدد ‪ " :‬قد‬ ‫م ‪ ،‬وهذا ن َ ّ‬ ‫س ُ‬‫ق َ‬ ‫مه ال َ‬‫حك ْ َ‬
‫من بين ما غَي َّر ُ‬
‫ف للرب بأقسامك ‪ ،‬أما أنا‬ ‫َ‬
‫سمعتم أيضا أنه قيل للولين ‪ :‬ل تحنث بل أوْ ِ‬
‫فأقول لكم ‪ :‬ل تحلفوا البتة ‪ :‬ل بالسماء لنها عرش الله ‪ ،‬ول بالرض فإنها‬
‫موطئ قدميه ‪ ،‬ول بأورشليم لنها مدينة الملك العظم ‪ ،‬ول تحلف برأسك‬
‫لنك ل تقدر أن تجعل شعرة منه بيضاء أو سوداء ‪ .‬ولكن ليكن كلمكم ‪" :‬‬
‫م ‪ ،‬ول ل " ‪ ،‬وما زاد على ذلك فهو من الشرير " ) متى ‪– 33 / 5 /‬‬ ‫م ن َعَ ْ‬
‫ن َعَ ْ‬
‫‪ .( 37‬وجاء فى "رسالة يعقوب " ) ‪ " : (12 / 5‬يا إخوتى ‪ ،‬ل تحلفوا ل‬
‫سم ٍ آخر‪ ،‬ولكن ليكن كلمكم نعم نعم ‪ ،‬ول ل ‪ ،‬لئل‬ ‫ق َ‬‫بالسماء ول بالرض ول ب َ‬
‫تقعوا فى الدينونة "‪ .‬وهذا كل ما هنالك ‪ .‬فهل فى هذا الكلم ما يفهم منه أن‬
‫القسم كفر؟ بطبيعة الحال ل يوجد شىء من هذا ل من قريب ول من بعيد‪.‬‬
‫سم حسبما روى لنا‬ ‫ق َ‬
‫هذه واحدة ‪ ،‬والثانية هى أن الله نفسه قد صدر عنه ال َ‬
‫العهد الجديد نفسه ‪ ،‬فما القول إذن ؟‬
‫م الذى‬ ‫س َ‬
‫ق َ‬‫جاء على سبيل المثال فى " لوقا " ) ‪ ... " : ( 74 - 73 / 1‬ال َ‬
‫جوَ من أيدى أعدائنا ‪. " ...‬‬ ‫حلف ) الله ( لبينا إبراهيم أن ي ُن ِْعم علينا * بأن ن َن ْ ُ‬
‫ويقول كاتب " أعمال الرسل " ) ‪ " : ( 31 / 2‬كان ) داود ( نبيا وعلم أن الله‬
‫ن أن واحدا من نسل صلبه يجلس على عرشه ‪." ...‬‬ ‫أقسم له بيمي ٍ‬
‫بل إننا نقرأ فى " رسالة القديس بولس إلى العبرانيين " ) ‪: ( 17 – 13 / 6‬‬
‫سم بما هو أعظم منه ‪،‬‬ ‫ق ِ‬ ‫" لن الله عند وعده لبراهيم ‪ ،‬إذ لم يمكن أن ي ُ ْ‬
‫سمون بما هو أعظم منهم وتنقضى كل‬ ‫ق ِ‬‫أقسم بنفسه * ‪ * ...‬وإنما الناس ي ُ ْ‬
‫ما شاء الله أن يزيد وََرَثة الموعد‬ ‫سم للتثبيت * فلذلك ل ّ‬ ‫ق َ‬ ‫مشاجرة بينهم بال َ‬
‫ول عزمه أقسم بنفسه " ‪.‬‬ ‫بيانا لعدم تح ّ‬
‫وهذا ما قلناه قبل قليل ‪ ،‬فلماذا إذن التنطع الكاذب وقلة الدب والسفاهة مع‬
‫سيد النبياء صلى الله عليه وسلم ؟‬
‫كذلك فالملك ‪ ،‬بنص كلم يوحنا فى " رؤياه " ) ‪ ، ( 6 / 1‬يقسم بالله " الحى‬
‫إلى دهر الدهور خالق السماء وما فيها والرض وما فيها والبحر وما فيه " ‪.‬‬
‫ليس ذلك فقط ‪ ،‬بل هذا هو بطرس ‪ ،‬خليفة السيد المسيح كما يقولون وأكبر‬
‫حوارييه ومؤسس كنيسة روما ‪ ،‬يحلف كذبا ‪ ،‬فى آخر حياة سيده أمام الجمع‬
‫الذى جاء للقبض عليه ‪ ،‬ثلث مرات متتالية إنه ل يعرفه ول علقة له به قائل ‪:‬‬
‫" إنى ل أعرف الرجل ! " ‪ ،‬رغم أن المسيح كان قد نّبهه إلى أنه سينكره فى‬
‫تلك الليلة ثلًثا قبل أن يصيح الديك ‪ ،‬ومع ذلك وقع كالجردل فى الثم الذى‬
‫ر‬
‫نّبهه إليه نبّيه ! ) متى ‪ ، 73 – 72 / 26 /‬ومرقس ‪ ( 71 / 14 /‬مستحقا بأث ٍ‬
‫سم السيد المسيح له قبل بأنه " شيطان " وأنه ل يفطن إل لما‬ ‫ى وَ ْ‬‫رجع ّ‬
‫للناس ول يفطن لما لله ) مرقس ‪. ( 32 / 8 /‬‬
‫فماذا يقول الوغاد فى هذه أيضا ؟‬
‫ثم إننا نسألهم ‪ :‬أل تحلفون كلكم فى حياتكم اليومية وفى المحاكم وعند‬
‫سم‬‫ق ِ‬ ‫كم بلدهم ‪ ...‬إلخ ؟ أل ي ُ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫كام ُ‬ ‫ممارسة الطباء منكم الطب وت َوَّلى الح ّ‬
‫النصارى فى كل لحظة أمامنا بـ " المسيح الحى " و" العذراء " و" النجيل‬
‫"؟‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سم كما يوحى كلم هؤلء المآبين فى "‬ ‫ق َ‬‫جع السلم على ال َ‬ ‫وبعد ‪ ،‬فهل يش ّ‬
‫ضللهم المبين " ؟ كل على الطلق ‪ ،‬ففى القرآن نقرأ قوله تعالى ‪ " :‬ول‬
‫ة ليمانكم " ) البقرة ‪ " ، ( 225 /‬واحفظوا أيمانكم "‬ ‫ض ً‬‫تجعلوا الله عُْر َ‬
‫مِهين " ) القلم ‪ ، ( 10 /‬وفى الحديث‬ ‫َ‬ ‫لف‬ ‫ّ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ك‬ ‫ع‬ ‫ط‬
‫ُ ِ ْ‬ ‫ت‬ ‫ول‬ ‫"‬ ‫‪،‬‬ ‫) المائدة ‪( 89 /‬‬
‫ة للبركة ‪.‬‬
‫ق ٌ‬
‫ح َ‬
‫م َ‬
‫ة للسلعة ‪ ،‬فهو م ْ‬ ‫ق ً‬‫ف َ‬
‫من ْ َ‬
‫حِلف إذا كان َ‬ ‫مثل أن ال َ‬
‫إذن فما قاله هؤلء الفجرة التافهون المتنطعون ل يعدو أن يكون زوبعة فى‬
‫فنجان !‬

‫)‪(18 /‬‬

‫جرة فى سورتهم‬ ‫ف َ‬
‫أما ن َْهى الرسول عليه السلم الذى ذكره الوغاد ال َ‬
‫حِلف أن‬ ‫َ‬
‫مره عليه السلم لمن يريد ال َ‬ ‫حِلف بالباء وأ ْ‬
‫المفتراة المزّيفة عن ال َ‬
‫ْ‬
‫يحلف بالله بدل من ذلك أو فليصمت ‪ ،‬فمعناه بكل وضوح لمن يريد أن‬
‫شَغب على سيد المرسلين هو محاربة العصبية‬ ‫يعرف الحقيقة ل مجرد ال ّ‬
‫ّ‬
‫القبلية التى كانت متفشية بين العرب أوانذاك وما يرتبط بها من التعظم‬
‫بالباء والحساب والنساب ‪ ،‬فأراد الرسول الكريم أن يبين لهم أن البشر‬
‫جميعا هم خلق الله وعياله وأنه ل فضل لحد على أحد بنسب أو حسب ‪ ،‬وأن‬
‫جه المؤمن ينبغى أن يكون لله وحده بوصفه عبدا له ينبغى أن يكون دائما‬ ‫تو ّ‬
‫على ذك ْرٍ منه ‪ .‬وهذا هو المعنى الذى أراده الرسول عليه السلم ‪ ،‬وهو معنى‬
‫إنسانى عظيم لمن لم يطمس الله على بصيرته ويريد أن يفهم ‪.‬‬
‫حِلف ‪،‬‬ ‫وبداية الحديث وختامه يدلن على أنه صلى الله عليه وسلم ل يحّبذ ال َ‬
‫وهذا واضح من استخدام جملة الشرط ‪ ،‬التى تعنى أنه إذا كان ل بد من‬
‫حِلف فليكن باسم الله ل بأسماء الباء التى من شأنها إحياء النوازع‬ ‫ال َ‬
‫والنعرات الجاهلية ل أن الحلف فى ذاته مرغوب!‬
‫ولنفترض أن المسيح قد نسخ حكم التوراة فى اليمان ‪ ،‬فلم ل يكون من حق‬
‫سيدنا رسول الله أن ينسخ بدوره ما قاله المسيح ؟‬
‫ح ما ترويه عنه الناجيل فى هذا‬ ‫وأغلب الظن أن عيسى عليه السلم ‪ ،‬إن ص ّ‬
‫حِلف لكل حقوق الناس بالباطل ‪،‬‬ ‫الصدد ‪ ،‬قد لحظ كثرة لجوء اليهود إلى ال َ‬
‫فأراد أن يضع حدا لهذه الظاهرة ‪ ،‬وإن كان فى عبارته ‪ ،‬كما هى العادة فى‬
‫الكلم المنسوب إليه فى الناجيل ‪ ،‬مغالةٌ أراد أن يوازن بها مغالة اليهود فى‬
‫المسارعة إلى استغلل اسم الله فى خداع الخرين !‬
‫فكل النبيين الكريمين أراد أن يعالج ظاهرة نفسية وخلقية ذميمة رآها‬
‫منتشرة بين معاصريه ‪.‬‬
‫وبالمناسبة فإنهم يعيبون محمدا عليه الصلة والسلم بأنه أتى بالنسخ‬
‫فرونه من أجل ذلك ) سورة الرعاة ‪ ، ( 10 – 8 /‬مع أن المسيح ‪ ،‬حسبما‬ ‫ويك ّ‬
‫ورد فى الناجيل كما رأينا ‪ ،‬هو الذى ابتكره رغم أنه أنكر أن يكون قد أتى‬
‫ل الناموس ! وهكذا نرى أنه ما من شىء يقوله هؤلء‬ ‫ح ّ‬‫لينقض الشريعة أو ي َ ُ‬
‫الغبياء زوًرا وبهتاًنا إل فضحهم الله فيه ! وبالمناسبة فعلماء السلم ل‬
‫يقولون كلهم بوقوع النسخ فى القرآن ‪.‬‬
‫سم ‪،‬‬
‫ق َ‬ ‫ى جانبا من جوانب العبقرية السلمية فى مجال ال َ‬ ‫ّ‬
‫وأخيرا نود أن نجل َ‬
‫فعلى عادة السلم نراه ينتهز هذه السانحة لستخلص كل ما يمكن‬
‫سم ثم يحنث بيمينه ‪،‬‬ ‫ق ِ‬
‫استخلصه منها من فوائد ‪ ،‬إذ يفرض كفارة على من ي ُ ْ‬
‫جب عليه عتق أحد الرقاء أو إطعام عشرة مساكين أو كساءهم ‪...‬‬ ‫إذ ُيو ِ‬
‫جّرا ‪ ،‬نافعا بذلك المجتمعَ ومساكيَنه وفقراءه بأيسر سبيل ‪ .‬فانظر إلى‬ ‫م َ‬ ‫وهَل ُ ّ‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذه العبقرية الخلقة التى تنجز أضخم النجازات بأقل المكانات ‪ ،‬بدل من‬
‫التوقف عند لطم الخدود وشق الجيوب على قلة المكانات وعدم الفرص كما‬
‫يفعل كثير من العرب والمسلمين اليوم حتى فى ميدان الكرة كما هو‬
‫معلوم ‪ .‬والنتيجة هى هذا التخلف الشامل الذى نعانى منه على كل‬
‫المستويات وفى كل المجالت !‬
‫سم ‪ ،‬ثم ننتقل إلى تعدد الزوجات ‪ ،‬الذى يعده أهل اللواط‬ ‫ق َ‬‫فهذا عن ال َ‬
‫دون من يأخذ معها‬ ‫والسحاق زًِنى وإشراكا بالله ‪ ،‬فكأنهم يؤلهون المرأة ويع ّ‬
‫زوجة أخرى مشركا ‪ .‬ولو أنهم قالوا إن الفضل القتصار على زوجة واحدة‬
‫ما لم تكن هناك ضرورة لما وجدوا من يخالفهم ‪ ،‬وهذا هو موقف السلم ‪،‬‬
‫مط ْب ِقٌ ليس‬
‫ن ُ‬
‫جنو ٌ‬ ‫ك فَ ُ‬‫شْر ٌ‬ ‫أما الزعم بأن الزواج بأكثر من واحدة هو زنى و ِ‬
‫لصاحبه موضع إل فى مستشفيات الصحة العقلية والنفسية !‬
‫رفونهم بالفحشاء ؟ أل‬ ‫ق ِ‬‫فرون أنبياءهم وي َ ْ‬‫أل يدرك هؤلء الغبياء أنهم بهذا يك ّ‬
‫يعرف هؤلء المخابيل أن إبراهيم وموسى وسليمان وداود وغيرهم من أنبياء‬
‫العهد القديم كانوا من أهل التعديد ‪ ،‬بل كان فى حريم بعضهم عشرات‬
‫النساء ؟‬
‫وثون عيسى نفسه ‪ ،‬الذى ينتمى إلى داود‬ ‫أل يعى هؤلء المناكيد أنهم بهذا يل ّ‬
‫وسليمان ‪ ،‬وكانا من أهل التعديد كما ذكرنا ؟‬
‫مَتى كان عند أولئك البلهاء عقل يمّيزون به ؟‬ ‫ن َ‬
‫لك ْ‬
‫)‪(19 /‬‬

‫أل يذكر كتابهم المقدس " فوق البيعة " أن داود قد رأى زوجة قائده‬
‫العسكرى أورّيا وهى تستحم عارية فى فناء بيتها المجاور لقصره حين صعد‬
‫ذات يوم إلى سطح هذا القصر ) ول أدرى لماذا ‪ ،‬إل أن يكون من أولئك‬
‫العََهرة العرابيد الذين يتجسسون على نساء الجيران ‪ ،‬وبالذات اللتى ليس‬
‫ضط ََرْرن إلى الستحمام عاريات فى فناء البيت " على‬ ‫مامات في ُ ْ‬
‫فى بيوتهن ح ّ‬
‫عينك يا تاجر " ‪ ،‬وكأننا فى فلم من أفلم البورنو والستربتيز ! ومن يدرى ؟‬
‫فربما كان معه منظار مقّرب حتى تتم المتعة على أصولها ! ( ‪ .‬المهم أنها‬
‫وقعت فى عينه وقلبه كما ل أحتاج أن أقول ‪ ،‬فأرسل فأحضرها وزنى بها‬
‫) بارك الله فيه ! ( ‪ ،‬ثم لم يكتف بهذا العمل الجرامى الذى يليق تماما بجد ّ‬
‫الرب الذى يعبده هؤلء المتاعيس المناحيس ‪ ،‬بل كلف رجاله فى ميدان‬
‫س مع العدو‬ ‫المعركة أن يخّلصوه من الزوج المسكين بوضعه على خط الّتما ّ‬
‫فى قلب المعمعة ‪ ،‬ونجحت مؤامرته الخسيسة وقََتل العدوّ أورّيا ‪ ،‬فألحق‬
‫داود زوجته بحريمه بعد أن تزوجها وبعد أن مرت أيام المناحة والحداد طبعا )‬
‫سفر الملوك الثانى ‪ 16 /‬كله ( ‪ .‬انظروا إلى حرصه الجميل على التقاليد!‬
‫والله فيه الخير ! و" ب َْتشا ََبع " هذه بالمناسبة هى أم سليمان النبى الملك !‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م بهذا النسب الملكى النبوى اللهى الشريف ! أى أن نسب‬ ‫م وأك ْرِ ْ‬
‫أن ْعِ ْ‬
‫حش والجرام ‪ .‬أما‬ ‫ف ْ‬
‫ب عريقٌ فى ال ُ‬
‫المسيح ‪ ،‬حسبما يقول كتابهم ‪ ،‬هو نس ٌ‬
‫نحن فننّزهه عن ذلك تمام التنزيه لن أنبياء الله ل يكونون إل من ذؤابات‬
‫قومهم شرًفا وفضل ونبل ‪ .‬ولعل هذا هو السبب فى أن السيد المسيح ‪ ،‬كما‬
‫جاء فى " متى " ) ‪ ، ( 45 / 22‬قد نفى أن يكون من ذرية داود ! والله معه‬
‫دق‬ ‫حق ‪ ،‬فإن مثل هذا النسب ل يشّرف أحدا ‪ ،‬وإن كنا نحن المسلمين ل نص ّ‬
‫جرة‬‫ف َ‬
‫سقة ال َ‬
‫ف َ‬
‫حرفا من هذه الحكايات وأمثالها مما سطرته أيدى اليهود ال َ‬
‫لتشويه كل قيمة نبيلة وشريفة فى الحياة ! ثم هم بعد هذا يتهموننا نحن‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالكفر والشرك والضلل ! عجبى ! لو كنت من أصحاب الصوات الجميلة‬


‫وال وقلت ‪ " :‬خسيس قال للصيل ‪ ، " !... :‬لكنى للسف لست‬ ‫ت بالم ّ‬
‫قعْ ُ‬‫ف َ‬
‫ل َ‬
‫سن الصوت ‪.‬‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ة كتابهم المقدس إلى‬ ‫ُ‬ ‫نسب‬ ‫الزوجات‬ ‫تعدد‬ ‫بقضية‬ ‫صلة‬ ‫لها‬ ‫التى‬ ‫المهازل‬ ‫ومن‬
‫الله أولدا من أمهات شتى ‪ ،‬فضل بطبيعة الحال عن آدم ‪ ،‬الذى لم تكن له‬
‫أم ‪ .‬ومن هذا الوادى تسمية العهد العتيق للرجال فى بدء الخليقة بـ " ب َِنى‬
‫الله " فى مقابل تسمية النساء بـ " بنات الناس " ) تكوين ‪ ، ( 2 / 6 /‬وقول‬
‫الله لبنى إسرائيل ‪ " :‬أنتم بنو الرب إلهكم " ) تثنية الشتراع ‪،( 1 / 14 /‬‬
‫وقوله سبحانه لداود ‪ " :‬أنت ابنى ‪ .‬أنا اليوم ولدتك " ) مزامير ‪. ( 7 / 1 /‬‬
‫كره ) مزامير ‪ ، ( 27 / 88 /‬ليعود بعد ذلك‬ ‫ليس هذا فقط ‪ ،‬بل يجعله ب ِ ْ‬
‫فيقول إن إبراهيم هو بكره ) إرميا ‪ ، ( 9 / 31 /‬ناسيا أنه قد جعل البكورية‬
‫فى موضع سابق على هذين الموضعين لسرائيل ) خروج ‪ !( 2 / 4 /‬يا له من‬
‫خَراش الذى تكاثرت الظباء عليه فلم يعد يدرى من‬ ‫إله مسكين ! إنه يذ ّ‬
‫كرنا ب َ‬
‫ن‬
‫م ِ‬
‫كثرتها ماذا يصيد منها وماذا يدع ‪ .‬لقد كثر أبناء الله حتى لم يعد يتذكر َ‬
‫كر منهم ومن ليس كذلك ! معذور يا ناس ! كان " الله " فى عونه ! فإذا‬ ‫الب ِ ْ‬
‫كان الله ‪ ،‬كما يقول كتابهم ‪ ،‬له كل هؤلء الولد الذين جاء بهم من أمهات‬
‫ددين مثل من ذكرنا من النبياء‬ ‫شتى ‪ ،‬فمعنى هذا أنه هو أيضا كان من المع ّ‬
‫السابقين فكيف يجرؤون إذن أن يرموا المسلمين ورسولهم وحدهم بالكفر‬
‫والزنى لنفس السبب ؟‬
‫دكم على سيد النبياء والمرسلين ودينه النقى البرىء‬ ‫أإلى هذا الحد ينّغص حق ُ‬
‫من الشرك والوثنيات حياَتكم ويخرجكم عن طوركم فل تستطيعون تفكيرا‬
‫ذؤون متصورين أنكم‬ ‫ذون وت َب ْ ُ‬‫ول تحسنون تعبيرا ‪ ،‬بل يأخذكم الب ِْرسام فت َهْ ُ‬
‫تقدرون على تلطيخ صورته ؟‬
‫هيهات ثم هيهات ثم هيهات ‪ ...‬إلى آخر الهياهيت التى فى الدنيا جميعا !‬
‫ثم إنكم بعد ذلك لصائرون إلى المكان الذى يليق بأمثالكم ‪ ،‬وأنتم تعرفونه‬
‫قر !‬ ‫س َ‬
‫سِلين فى قاع َ‬ ‫جيدا ‪ .‬أل وهو مراحيض الغِ ْ‬

‫)‪(20 /‬‬

‫لقد كان التعدد هو شريعة النبياء إلى أن حّرف أهل التثليث دينهم وابتدعوا‬
‫أناجيل ما أنزل الله بها من سلطان ونسبوا للسيد المسيح ‪ ،‬عليه وعلى‬
‫رسولنا أفضل الصلة السلم ‪ ،‬أقوال وتشريعات ينقض هو فى بعضها أحكام‬
‫سرون هم بعضها الخر بما ينقض التوراة ‪ ،‬ثم جاء بولس الكذاب‬ ‫التوراة ويف ّ‬
‫ب حالها ‪ .‬لقد ابتدأ حياته فى النصرانية بكذبة‬ ‫قل َ َ‬
‫ش ْ‬ ‫ل النصرانية و َ‬ ‫ج َ‬‫اللعين فب َْر َ‬
‫بائسة مثله وابتلعها القوم بما يدل على خلوّ رؤوسهم من العقل ‪ ،‬وإل فهل‬
‫كة من هذا العقل أنه ‪ ،‬عندما شاهد نورا فى‬ ‫س َ‬ ‫م ْ‬‫دق أى شخص عنده ُ‬ ‫يص ّ‬
‫السماء قبل تحوله إلى النصرانية مباشرة وسمع صوتا يسأله لماذا يضطهده ‪،‬‬
‫كان سؤاله لهذا الصوت ‪ :‬من أنت يا رب ؟ ) أعمال الرسل ‪ ، 5 – 3 / 9 /‬و‬
‫سَأل ؟ إن‬‫عل ْم ٍ يا إلهى ؟ أهذا سؤال ي ُ ْ‬
‫حل ْم ٍ أم فى ِ‬ ‫‪ . (15 - 14 / 26‬أأنا فى ُ‬
‫هذا الكذاب قد أجاب فى السؤال على السؤال ‪ ،‬وإذن فما معنى السؤال ؟‬
‫لكننا ل ينبغى أن نطرح مثل هذا السؤال ‪ ،‬لن الباعد ل يدركون معنى لمثل‬
‫هذا الجواب أو ذاك السؤال ‪ ،‬وإل لكانوا قد تركوا النصرانية كلها بسبب‬
‫بولس وما افتراه من جواب فى هيئة سؤال ! حلوة " من أنت يا رب ؟ "‬
‫شى ‪ ،‬بل شربات الفسيخ !‬ ‫مها مثل الشربات ‪ :‬شربات الط ّْر ِ‬ ‫هذه ! د ّ‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لقد كان جواز تعدد الزوجات هو تشريع النبياء كما قلنا ‪ ،‬لكن مؤلف إنجيل‬
‫متى عزا لعيسى كلما فهم منه القوم أنه يحرم التعدد ‪ ،‬مع أن الكلم لم يكن‬
‫فى التعدد قط ‪ ،‬بل فى الطلق ! يقول متى ) ‪ " : ( 12 – 3 / 19‬ودنا إليه‬
‫عّلة‬‫ل للنسان أن يطّلق زوجته لجل كل ِ‬ ‫سّيون ليجربوه قائلين ‪ :‬هل يح ّ‬ ‫فّري ِ‬‫ال َ‬
‫؟ * فأجابهم قائل ‪ :‬أما قرأتم أن الذى خلق النسان فى البدء ذكًرا وأنثى‬
‫خلقهم وقال ‪ * :‬لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلزم امرأته فيصيران كلهما‬
‫جسدا واحدا ؟ * فليسا هما اثنين بعد ‪ ،‬ولكنهما جسد ٌ واحد ‪ .‬وما جمعه الله‬
‫ب طلق‬ ‫طى كتا َ‬ ‫فل يفّرقه إنسان * فقالوا له ‪ :‬فلماذا أوصى موسى أن ت ُعْ َ‬
‫خّلى ؟ * فقال لهم ‪ :‬إن موسى لجل قساوة قلوبكم أِذن لكم أن تطّلقوا‬ ‫وت ُ َ‬
‫ّ‬
‫نساءكم ‪ ،‬ولم يكن من البدء هكذا * وأنا أقول لكم ‪ :‬من طلق امرأته إل لعلة‬
‫زنى وأخذ أخرى فقد زنى * فقال له تلميذه ‪ :‬إن كان هكذا حال الرجل مع‬
‫امرأته فأجدُر له أل يتزوج * فقال لهم ‪ :‬ما كل أحد يحتمل هذا الكلم إل‬
‫هب لهم * لن من الخصيان من وُِلدوا كذلك من بطون أمهاتهم ‪،‬‬ ‫الذين وُ ِ‬
‫وا أنفسهم من أجل ملكوت‬ ‫ص ْ‬‫خ َ‬
‫ومنهم من خصاهم الناس ‪ ،‬ومنهم من َ‬
‫السماوات ‪ .‬فمن استطاع أن يحتمل فْليحتمل " ‪ .‬هذا هو نص الكلم الذى‬
‫ذكروا أن عيسى عليه السلم قد قاله فى تعدد الزوجات وفهموا منه أنه‬
‫يحّرم هذا النظام الذى أقره النبياء جميعا ‪.‬‬
‫دقنا أنه هو قائل هذا النص ( لم‬ ‫ومن الواضح أن عيسى عليه السلم ) إن ص ّ‬
‫يتطرق لموضوع التعدد من قريب أو بعيد ‪ ،‬إذ كان الكلم كله عن الطلق ‪.‬‬
‫وإذا كان قد عّرج على سبيل الستطراد إلى موضوع الضراب عن الزواج ‪،‬‬
‫فهذا أيضا ل علقة له بالتعدد من قريب أو بعيد ‪.‬‬
‫أما قوله ‪ " :‬ذكًرا وأنثى خلقهم " فل أدرى كيف يمكن أن يؤدى إلى إلغاء‬
‫ة باسمه ل‬ ‫ل زوج ً‬ ‫التعديد ‪ ،‬إل إذا كان الله سبحانه وتعالى قد خلق لكل رج ٍ‬
‫يتزوجها إل هو ‪ ،‬ول تموت قبله أو يموت هو قبلها ‪ ،‬وإل إذا كان عدد الرجال‬
‫فى كل المجتمعات مساويا تماما لعدد النساء فى كل العصور ‪ ،‬وهذا عكس‬
‫المشاهد للسف فى هذه الدنيا الغريبة التى يريد بعض المتهوسين أن‬
‫يصّبوها فى قوالب من حديد كما كان يفعل أهل الصين مع أقدام بناتهم‬
‫مة ‪ ،‬إذ إن النسبة‬ ‫س َ‬
‫م َ‬
‫س ْ‬
‫م َ‬‫ة ُ‬‫الصغيرات قديما حتى ل تكبر بل تظل دقيق ً‬
‫المئوية لعدد من فى سن الزواج فى المجتمعات كلها تميل دائما لصالح‬
‫المرأة كما تقول الحصاءات السكانية ‪ .‬ول ننس بالذات الحروب ‪ ،‬التى يروح‬
‫فيها من أرواح الرجال أكثر مما يذهب من أرواح النساء ‪.‬‬

‫)‪(21 /‬‬

‫سا على عقب ‪ ،‬فقال فى‬ ‫ثم جاء بولس ‪ ،‬الذى قلب كيان النصرانية رأ ً‬
‫رسالته الولى إلى أهل كورِن ُْتس ) ‪ " : ( 2 – 1 / 7‬أما من جهة ما كتبتم به‬
‫س امرأة * ولكن لسبب الزنى فلتكن لكل واحدٍ‬ ‫م ّ‬‫ن للرجل أل ي َ َ‬‫س ٌ‬
‫ى فح َ‬
‫إل ّ‬
‫خَر له أن هذا‬‫ثآ َ‬
‫م من حدي ٍ‬‫امرأته ‪ ،‬وليكن لكل واحدةٍ رجلها "‪ ،‬وإن فُهِ َ‬
‫ص بالشمامسة ) تيموتاوس ‪ .( 12 / 1 /‬وهذا كلم يدل‬ ‫الحظر إنما هو خا ّ‬
‫أقوى دللة على أن هذا الرجل لم يكن يتمتع بأى فهم للطبيعة البشرية ‪:‬‬
‫فالنسان ل يتزوج فقط من أجل أل يقع فى الزنى ‪ ،‬بل لن الحياة ل يمكن‬
‫أن تستمر إل عن طريق لقاء الذكر والنثى ‪ ،‬كما أن الحب وممارسة الجنس‬
‫ة ينبغى على‬ ‫ة من أحلى متع الحياة النسانية وأعمقها ‪ ،‬متع ً‬ ‫يشكلن متع ً‬
‫المؤمن أن يشكر المولى عليها ل أن ينظر إليها على أنها بلوى أقصى ما‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يمكنه تجاهها هو الصبر عليها فى مضض وتأفف ‪ .‬ولو أن نصائح بولس الغبية‬
‫خذ بها لكان فيها نهاية الحياة ! إن هذه النصائح المجنونة إنما تنبع‬ ‫هذه قد أ ُ ِ‬
‫فى الحقيقة من النظرة الدونّية التى تنظر بها النصرانية ورجال الكنيسة إلى‬
‫المرأة والجسد النسانى ‪ ،‬وهذه النظرة قد ورثتها الكنيسة من العهد العتيق‬
‫وما يقوله عن قصة الخلق وخروج آدم من الجنة بسبب إغراء حواء له‬
‫م ابتلء‬ ‫بعصيان النهى اللهى عن الكل من الشجرة واستحقاق المرأة من ث َ ّ‬
‫الله لها بعبء الحمل والولدة وإيقاع العداوة بينها وبين الرجل ) تكوين ‪/ 3 /‬‬
‫جذ ْرِّيا ‪ ،‬إذ عندنا‬ ‫‪ ، ( 24 – 6‬وهو ما يختلف فيه السلم عن النصرانية اختلًفا ِ‬
‫أن الذنب الذى أخرج أبوينا من الجنة هو ذنبهما جميعا ل ذنب حواء فقط ‪،‬‬
‫كما أن العلقة بين الرجل والمرأة هى علقة السكن والمودة والرحمة كما‬
‫يقول القرآن المجيد ) الروم ‪ ( 21 /‬ل علقة العداوة والبغضاء‪ .‬ولقد كانت‬
‫النتيجة ‪ ،‬وهنا وجه المفارقة ‪ ،‬هو هذا السعار الجنسى الذى اشتهرت به أمم‬
‫الغرب بعد أن لم تعد تطيق قيود النصرانية التى تعمل على وَْأد التطلعات‬
‫والغرائز البشرية ‪ .‬ذلك أن غرائز البشر وتطلعاتهم ل يمكن تجاهلها‪ ،‬فضل‬
‫عن قهرها أو إلغائها كما يحاول الغبياء ‪ .‬لكن من الممكن ‪ ،‬ومن المطلوب‬
‫أيضا ‪ ،‬ترويضها والسمو بها إلى أقصى قدر ممكن ‪ ،‬وهذا ما يفعله السلم ‪.‬‬
‫ولقد كان رجال الدين النصارى على رأس المنفلتين من هذه القيود الخانقة ‪،‬‬
‫وفضائحهم معروفة للقاصى والدانى فى كل العصور ‪ .‬وهذا أحد السباب‬
‫التى جعلت الوربيين يكرهونهم ويَرْون فيهم مثال للنفاق البغيض ! وما‬
‫فضائح باباوات روما فى العصور الوسطى واصطحاب بعضهم لعشيقاتهم‬
‫معهم فى جولتهم فى أرجاء أوربا لمباركة جموع المؤمنين ‪ ،‬ول الصلت‬
‫الجنسية الحرام التى كانت بين بعض آخر منهم وبين أخواتهم بمجهولةٍ لمن‬
‫عنده أدنى فكرة عن أحوال رجال الدين هناك قبل عصر النهضة الذى تخلص‬
‫معْن َِتة ‪.‬‬
‫فيه الوربيون من قيود النصرانية ال ُ‬
‫وحتى فى موضوع الطلق ل يعدو الكلم أن يكون عبارات شاعرية ساذجة ل‬
‫دللة لها على شىء فى الواقع والحقيقة ‪ ،‬إذ ما معنى أن ما جمعه الله ل‬
‫يفّرقه إنسان ؟ إن الزواج إنما هو اختيار إنسانى قام أيضا بتوثيقه كائن‬
‫رد‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫إنسانى ‪ ،‬فشأنه إذن كشأن أى شىء آخر من شؤون الحياة ‪ ،‬فلماذا أف ِ‬
‫وحده بهذا الوضع دون سائر المور النسانية ؟ أما إن قيل إن الله هو فى‬
‫حة فى هذا ‪ ،‬لكننا ضد إفراد‬ ‫م َ‬
‫شا ّ‬ ‫الحقيقة خالق كل شىء ‪ ،‬فإن الرد هو أنه ل ُ‬
‫الزواج بذلك الحكم ‪ ،‬ونرى أن هذا الوضع ينطبق أيضا على عملية الطلق‬
‫مَثله مَثل أى شىء آخر ‪ .‬ثم ما الحكمة فى أن ي ُعِْنت الله سبحانه وتعالى‬ ‫َ‬
‫عباَده فل يرضى أن يرحمهم من قيود الزواج إذا ثبت أنه ل أمل فى أن يجلب‬
‫لطرفيه السعادة ؟‬
‫ن تضرب بهذه الحكام عُْرض‬ ‫إن كثيرا من البلد النصرانية قد انتهت إلى أ ْ‬
‫الحائط ‪ ،‬إذ وجدت أنها ل تؤدى إل إلى التعاسة والشقاء ‪ .‬وفى بعض البلد‬
‫ة والدخول‬ ‫دم الزوج أو الزوجة فى حالت كثيرة إلى ترك النصرانية جمل ً‬ ‫ق ِ‬
‫يُ ْ‬
‫فى السلم ‪ ،‬الذى يجدانه أوفق للطبيعة النسانية ‪ .‬فإلى متى هذا الخنوع‬
‫لبعض اللفاظ الشاعرية التى قد تدغدغ العواطف فى مجال التفاخر الكاذب‬
‫ن ما ‪ ،‬لكنها ل تجلب للمتمسكين بها إل العََنت والحباط ؟‬ ‫بمثالية أخلق دي ٍ‬
‫ن‬ ‫ّ‬
‫إن كثيرا من الزواج فى المجتمعات النصرانية هم فى الواقع مطلقون ‪ ،‬لك ْ‬
‫طلًقا غير رسمى ‪ ،‬وهم يسمونه ‪ " :‬انفصال " ‪ .‬وفى هذه الثناء التى قد‬
‫تطول سنين ‪ ،‬كثيرا ما يصعب على الزوج والزوجة ‪ ،‬تحت ضغط الغرائز ‪ ،‬أن‬
‫م‬‫حّتا َ‬ ‫يمتنعا عن ممارسة الجنس فى الحرام ‪ ،‬فلماذا كل هذا العنات ؟ و َ‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يستمر هذا العناد والنفاق ؟‬


‫إن الطلق شديد البغض إلى الله كما قال صادقا سيدنا رسول الله ‪ ،‬لكن‬
‫الظروف قد تضطر الواحد منا إلى فعل ما هو بغيض تجنبا لما هو أفدح‬
‫وأنكى ‪ .‬ومن هنا كان الطلق عندنا حلل رغم كونه بغيضا ‪ ،‬أى أن المسلم ل‬
‫دت فى وجهه جميع السبل الخرى حسبما يعرف كل من‬ ‫س ّ‬‫دم عليه إل إذا ُ‬
‫ق ِ‬
‫يُ ْ‬
‫له أدنى إلمام بالشريعة السلمية ‪.‬‬

‫)‪(22 /‬‬

‫ب مع سيدنا رسول الله ‪ ،‬إذ يتهمونه بالكفر والقتل‬ ‫كذلك يسىء الوغاد ُ الد َ‬
‫وسفك الدماء والمجىء بدين يقوم على إكراه الناس على اعتناقه برهبة‬
‫السيف وتهديم بيوت عبادتهم ‪ .‬افتَرْوا ذلك عليه فى أكثر من سورة من‬
‫سورهم المزيفة الكاذبة التى أوحى بها الشيطان إليهم فى أدبارهم ك "‬
‫سورة القتل " و" سورة الماكرين " و" سورة الطاغوت " و" سورة‬
‫المحّرضين " و" سورة الملوك " ‪ ،‬زاعمين أن دينهم يقوم على المحبة‬
‫والسلم !‬
‫ل شىء ل بد أن نلفت البصار إلى أن المسيح لم يمض عليه فى‬ ‫لك ّ‬ ‫وأ َوّ َ‬
‫النبوة أكثر من ثلث سنوات ليس إل ‪ ،‬ومن ثم ل يمكن التحجج بأنه لم يشرع‬
‫لتباعه قتال من يعتدون عليهم ‪ .‬كما أنه لم يكن يعيش فى دولة مستقلة ‪،‬‬
‫فضل عن أن يكون هو الحاكم فيها مثلما هو الحال مع الرسول محمد عليه‬
‫السلم ‪ ،‬وإذن فقياس الوضعين أحدهما على الخر خطأ أبلق وأبله معا‪ .‬وهذا‬
‫ل التى بين أيدينا ‪،‬‬ ‫ة حياته الناجي ُ‬
‫لو أن السيد المسيح ‪ ،‬حسبما تحكى قص َ‬
‫كان فعل وديعا متسامحا دائما مثلما يحب النصارى أن يعتقدوا ويعتقد‬
‫الخرون معهم ‪ .‬فما أكثر الشتائم واللعنات التى كان يرمى بها فى وجوه‬
‫مَرائى " )‬ ‫اليهود بل فى وجوه تلميذه أيضا ‪ ،‬من مثل قوله لحد اليهود ‪ " :‬يا ُ‬
‫متى ‪ ، ( 5 / 7 /‬وقوله لتلميذه ينصحهم أل يهتموا بمن ل يستطيعون فهم‬
‫دعوته ‪ " :‬ل تعطوا القدس للكلب ‪ ،‬ول تلقوا جواهركم قدام الخنازير لئل‬
‫فّريسّيين‬ ‫تدوسها بأرجلها وترجع فتمّزقكم " ) متى ‪ ، ( 6 / 7 /‬وقوله لبعض ال َ‬
‫‪ " :‬يا أولد الفاعى " ) متى ‪ ، ( 3 / 12 /‬وقوله لهل كورزين وصيدا ‪" :‬‬
‫الويل لك يا كورزين ! الويل لك يا بيت صيدا ! " ) متى ‪ ، 21 / 11/‬ولوقا ‪/‬‬
‫‪ ، ( 13 / 10‬وقوله لمن طلبوا منه آية ‪ " :‬إن الجيل الشّرير الفاسق يطلب‬
‫آية " ) متى ‪ ، 38 / 12 /‬و ‪ ، ( 4 / 16‬وقوله عن غير السرائيليين ممن‬
‫خذ خبز البنين‬ ‫يريدون أن يستمعوا لدعوته ليهتدوا بها ‪ " :‬ليس حسنا أن يؤ َ‬
‫قى للكلب " ) متى‪ ، ( 26 / 15 /‬وقوله لبطرس أقرب تلميذه إليه‬ ‫وي ُل ْ َ‬
‫حسبما أشرنا من قبل ‪ " :‬اذهب خلفى يا شيطان " ) متى ‪، 23 / 16 /‬‬
‫ومرقس ‪ ، ( 33 / 8 /‬وقوله لحوارييه ‪ " :‬أحتى الن ل تفهمون ول تعقلون ؟‬
‫حّتى الن قلوبكم عمياء ؟ * لكم أعين ‪ ،‬أفل تبصرون ؟ ولكم آذان ‪ ،‬أفل‬ ‫َ‬
‫أوَ َ‬
‫سّيين ‪" :‬‬ ‫فّري ِ‬
‫تسمعون ول تذكرون ؟ " ) مرقس‪ ، ( 17 / 8 /‬وقوله لبعض ال َ‬
‫أيها الجهال ‪ ...‬ويل لكم أيها الفريسيون " ) لوقا ‪ ، ( 50 – 39 / 11 /‬وقوله‬
‫ى آخر ‪ " :‬هذا الثعلب " ) لوقا‪ .( 32 / 13 /‬ول ينبغى فى هذا‬ ‫عن فَّري ِ‬
‫س ّ‬
‫السياق أن نهمل ما صنعه مع الباعة فى الهيكل حين قلب لهم موائدهم‬
‫وكراسّيهم وسّبهم وساقهم أمامه حتى أخرجهم من المعبد ) مرقس‪/ 12 /‬‬
‫قى على الرض‬ ‫‪ ، ( 17 – 15‬وكذلك قوله لحوارييه ‪ " :‬أتظنون أنى جئت ل ُل ْ ِ‬
‫ت لفّرق النسان عن أبيه ‪،‬‬ ‫ن سيفا * أتي ُ‬
‫َسلما؟ لم آت للقى سلما لك ْ‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والبنة عن أمها ‪ ،‬والك َّنة عن حماتها " ) متى ‪ ، ( 35 – 34 / 10 /‬وقوله أيضا‬


‫فى نفس المعنى ‪ " :‬إنى جئت للقى على الرض نارا ‪ ،‬وما أريد إل‬
‫اضطرامها " ) لوقا ‪. ( 44 / 12 /‬‬
‫من هذا يتبين أن الصورة الوديعة تمام الوداعة التى يرسمها النصارى للسيد‬
‫المسيح ليست حقيقية ‪ ،‬بل هى من مبالغاتهم التى اشتهروا بها ‪.‬‬
‫ى كريم ل يكمل إيماننا‬ ‫ولست أقول هذا َ ّ‬
‫حطا من شأنه عليه السلم ‪ ،‬فهو نب ّ‬
‫نحن المسلمين إل به ‪ ،‬لكنى أريد أن أقول إن الطبيعة النسانية ل يمكن أن‬
‫تتحمل السماحة والصبر إلى أبد البدين ‪ ،‬ول بد أن تأتى على أحلم الحلماء‬
‫أوقات يضيق منه الصدر ويثور على المجرمين ‪ ،‬وربما غير المجرمين أيضا‪،‬‬
‫مع أن المسيح عليه السلم لم ينفق فى الدعوة ومخالطة الناس فى ميدانها‬
‫ت ثلثا ل غير ‪.‬‬ ‫إل سنوا ٍ‬
‫سَيره التى ألفوها وأطلقوا عليها ‪ " :‬الناجيل " ‪ ،‬قد نسبوا إليه‬ ‫بل إنهم ‪ ،‬فى ِ‬
‫ل ما توصف به أنها تصرفات جافية تفتقر إلى اللياقة‬ ‫بعض التصرفات التى أق ّ‬
‫تجاه أمه عليها السلم ‪ :‬من ذلك أنه ‪ ،‬بينما كان يعظ فى أحد البيوت ذات‬
‫خِبر أن أمه وإخوته بالخارج يريدون أن ي ََرْوه ول يستطيعون أن يصلوا‬ ‫يوم ‪ ،‬أ ُ ْ‬
‫إليه من الزحام ‪ ،‬فما كان منه إل أن أجابهم قائل ‪ " :‬إن أمى وإخوتى هم‬
‫الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها " ) لوقا ‪ ، ( 20 – 19 / 8 /‬وحين‬
‫طوَبى للبطن الذى حملك وللثديين اللذين رضعتهما "‬ ‫ن" ُ‬ ‫دعت له امرأة بأ ْ‬
‫رد ّ فى جفاء ‪ " :‬بل طوبى لمن يسمع كلمة الله ويعمل بها " ) لوقا ‪/ 11 /‬‬
‫‪ . ( 28 – 27‬وليس لهذا من معنى ‪ ،‬فضل عن الخشونة التى ل يصح سلوكها‬
‫ملْتنا ورب ّْتنا ‪ ،‬إل أنها لم تكن هى ول إخوته ممن يسمعون كلمة‬ ‫ح َ‬
‫تجاه من َ‬
‫الله ويعملون بها ! وفى مناسبة أخرى كان هو وأمه فى عرس فى قانا‬
‫الجليل ‪ ،‬وفرغت الخمر فنبهته إلى ذلك ‪ ،‬فأجابها فى غلظة ‪ " :‬ما لى ولك يا‬
‫امرأة ؟ " ) يوحنا ‪.( 3 -1 / 2 /‬‬

‫)‪(23 /‬‬

‫دق بشىء من ذلك ‪ ،‬فقرآننا يؤكد أنه عليه السلم‬ ‫إننا بطبيعة الحال ل نص ّ‬
‫كان ب َّرا بوالدته غاية الب ِّر ) مريم ‪ ، ( 32 /‬فكأن مؤلفى الناجيل قد تعمدوا‬
‫أن يشوهوا سيرته وصورته !‬
‫على أن المسألة ل تنتهى هنا وحسب ‪ ،‬بل إنهم ليصورونه ‪ ،‬عقب مقتل النبى‬
‫مد هو على‬ ‫يحيى ) الذى كان أبوه زكريا يكفل مريم عليها السلم ‪ ،‬والذى تع ّ‬
‫يديه فى نهر الردن ( ‪ ،‬كما لو كان بل قلب أو مشاعر ‪ ،‬إذ نراه بعد علمه‬
‫قْتلة المأساوية المعروفة يأخذ أتباعه ويمضى‬ ‫بمقتل هذا النبى الكريم تلك ال ِ‬
‫بهم خارج المدينة ليمارسوا حياتهم ويأكلوا كما كانوا يفعلون من قبل ‪ ،‬وكأن‬
‫شيئا لم يقع ) متى‪ 12 / 14 /‬وما بعدها ‪ ،‬ومرقس ‪ 28 / 6 /‬وما بعدها ( ‪،‬‬
‫وهو ما يدل على تحجر الحساس ‪ ،‬أستغفر الله !‬
‫كذلك كان سائرا ذات مرة فى الطريق فجاع ‪ ،‬ورأى شجرة تين هناك ‪ ،‬فدنا‬
‫إليها لعله يجد فيها تينا يأكله ‪ ،‬فلما لم يجد فيها ثمرا دعا عليها أل تثمر إلى‬
‫البد فل يأكل أحد منها شيئا ‪ ،‬فيبست التينة لوقتها ‪ ،‬وكان هذا فى رأيه برهانا‬
‫على قوة اليمان ) متى ‪ 19 / 21 /‬وما بعدها ‪ ،‬ومرقس ‪ 12 / 11 /‬وما‬
‫بعدها ( ‪ .‬وإن النسان ليتساءل ‪ :‬كيف يمكن أن ي ُعَد ّ هذا برهانا على قوة‬
‫اليمان ؟ وما ذنب التينة يا ترى ؟ وما الفائدة التى تعود على الناس أو الحياة‬
‫ة‬
‫من اليبوسة التى أصابتها ؟ ألم يكن هناك برهان آخر أكثر نفًعا ومعقولي ً‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يمكن أن يقوم به السيد المسيح الذى يضرب النصارى به المثال فى الحلم‬


‫والوداعة ؟‬
‫ثم إن هذا التصرف من السيد المسيح يناقض ما أراده من المثل الذى ضربه‬
‫فى موقف آخر عن التينة ‪ ،‬وخلصته أن رجل كانت له شجرة تين مغروسة‬
‫فى ك َْرمه ظلت ل تثمر ثلث سنين ‪ ،‬فطلب من الك َّرام أن يقلعها ليستفيد‬
‫من مساحة الرض التى تشغلها ‪ ،‬لكن الكّرام استسمحه أن يتركها هذه‬
‫السنة أيضا على أن يقطعها العام القادم إذا لم تثمر ‪ ،‬فأجابه صاحب الرض‬
‫إلى ط ِْلبته ) لوقا ‪ .( 9 – 6 / 13 /‬ومغزى المثل أن الله يعطى الفرصة‬
‫للعاصين مرة واثنتين وثلثا قبل أن يأخذهم بذنوبهم ‪ .‬فلماذا لم يطبق‬
‫المسيح عليه السلم هذا المبدأ مع التينة ‪ ،‬التى ليس لها مع ذلك عقل‬
‫النسان ول إرادته ؟‬
‫خلصة القول إننا لو قارّناه برسولنا الكريم ‪ ،‬عليه وعلى ابن مريم السلم ‪،‬‬
‫لوجدنا أن النبى محمدا كان أحلم وأطول بال وأوسع صدرا ‪ ،‬وظل هكذا ‪ ،‬ل‬
‫ثلث سنوات فقط مثله ‪ ،‬بل ثلثة وعشرين عاما !‬
‫أما فى المدينة فقد كانت هناك دولة ‪ ،‬ومن ثم كان ل بد أن تجد نفسها‬
‫ة فى حروب عاجل أو آجل شأن ما يحدث للدول فى كل مكان وزمان‬ ‫منغمس ً‬
‫ما دمنا نعيش فى دنيا البشر ل فى دنيا الملئكة ‪.‬‬
‫ول له الخر " فهذا كلم ل‬ ‫ح ّ‬‫أما حكاية " من لطمك على خدك اليمن ف َ‬
‫يسمن ول يغنى من جوع ‪ ،‬ول يترتب عليه إل خراب المجتمعات والدول ‪،‬‬
‫وفوز الذئاب والكلب من البشر بكل شىء ‪ ،‬وذهاب الناس الطيبين فى‬
‫ستين داهية غير مأسوف عليهم من أحد !‬
‫ثم أين هذا الصنف البله من الناس الذى تضربه على خده اليمن فيدير لك‬
‫ن عليه بما لذ ّ وطاب من الصفع والهانة كيل يشكو أحد الخدين‬ ‫ح ّ‬ ‫اليسر لت َ ِ‬
‫َ‬
‫من التفرقة بينه وبين أخيه ؟ أُروِنى نصرانيا واحدا يفعل ذلك ! هذه تشنجات‬
‫لفظية ل أكثر !‬
‫صلب ‪ ،‬الذى يزعمون أنه عليه‬ ‫ْ‬ ‫بل إن المسيح نفسه لم يفعل هذا ! حتى ال ّ‬
‫وف فيه‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫خطاة ‪ ،‬ظل يس ّ‬ ‫سل إلى الرض ليتحمله فداًء للبشر ال ُ‬ ‫السلم إنما أْر ِ‬
‫ويحاول تجنبه ما أمكن ‪ ،‬وعندما وقع أخيرا فى أيدى الجنود وأخذوا يعتدون‬
‫عليه بالشتم والضرب كان يعترض على ما يوجهونه إليه من أذى ‪ .‬بل إنه ‪،‬‬
‫وهو فوق الصليب ‪ ،‬أخذ يجأر إلى ربه كى يزيح عنه تلك الكأس المرة ‪ .‬وهذا‬
‫جله مؤلفو الناجيل أنفسهم !‬ ‫كله قد س ّ‬
‫وعلى كل حال فإن المقارنة بينه وبين الرسول ل تصح إل على مستوى‬
‫كم فل ‪ ،‬لن عيسى عليه‬ ‫ح ْ‬
‫الحياة الفردية الشخصية ‪ ،‬أما على مستوى ال ُ‬
‫ضحت ‪ ،‬لم يعش بعد النبوة أكثر من ثلثة أعوام ‪،‬‬ ‫السلم ‪ ،‬كما سبق أن و ّ‬
‫ل أى منصب إدارى ‪ ،‬فضل عن أن يكون حاكما يرأس دولة ويدّبر‬ ‫ولم يتو ّ‬
‫شؤونها ويمارس الحرب والسياسة ويشّرع للناس ويقضى بينهم كرسولنا‬
‫الكريم ‪.‬‬
‫ترى هل يمكن أن تقوم دولة دون محاكم وقضاة وسجون ؟‬

‫)‪(24 /‬‬

‫وبالمناسبة فقد أخطأ الغبياء هنا غلطة سخيفة سخافة عقولهم ‪ ،‬إذ ظنوا أن‬
‫قوله تعالى لرسوله الكريم ‪ " :‬فإن تنازعتم فى شىء فُرّدوه إلى الله‬
‫والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الخر " ) النساء ‪ ( 59 /‬يتناقض مع‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قوله جل شأنه ‪ " :‬أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون " ) الزمر‪/‬‬
‫‪ ، ( 39‬إذ يتساءلون ‪ :‬كيف يأمر الله رسوله فى موضع بالحكم بين الناس ‪،‬‬
‫ثم يقول فى موضع آخر إن الله هو الذى يحكم بين العباد ؟ ومن هنا اتهموا‬
‫الرسول بأنه قد نسخ بالية الثانية ما سبق أن قاله فى الية الولى ‪ ،‬وسخروا‬
‫منه وتطاولوا عليه ) سورة المشركين‪ .( 6 – 5 /‬وفات هؤلء الغبياء أن‬
‫الحكم فى آية " النساء " هو الحكم فى خصومات الدنيا ‪ ،‬وهو من مهمة‬
‫النبى عليه السلم ‪ ،‬بخلف الحكم فى آية " الزمر " ‪ ،‬التى تتحدث عن‬
‫الحساب الخروى ‪ ،‬وهو من اختصاص الله ل يشاركه فيه أحد ‪ .‬فهذان‬
‫موضوعان مختلفان تماما كما يرى القراء ‪ ،‬بيد أن البهائم ل يفهمون !‬
‫كلم السخفاء إذن فى تفضيل المسيح على النبى العربى هو كلم تافه ل‬
‫قيمة له عند كل من له أدنى فهم للحياة والتاريخ والطبيعة البشرية‬
‫والمجتمعات النسانية !‬
‫وا بنا إلى واقع الحياة ‪ ،‬فماذا نجد؟‬ ‫ثم تعال َ ْ‬
‫لننظْر إلى الحروب التى خاضها النصارى وتلك التى خاضها المسلمون‬
‫ونقارن بينهما ‪.‬‬
‫وأول ما يلفت النظر بطبيعة الحال أن النصارى قد خاضوا الحروب وقاتلوا‬
‫وقََتلوا ولم يديروا خدهم ل اليمين ول الشمال لحد ‪ ،‬اللهم إل ك ِب ًْرا وب َط ًَرا‬
‫وتجّبرا ‪ .‬ومع هذا فإنهم ما زالوا سادرين فى سخفهم ورقاعتهم وسماجتهم‬
‫ومحاضرتهم لنا عن التسامح والمسكنة والتواضع وإدارة خدك اليسر لمن‬
‫يصفعك على أخيه اليمن وترك إزارك له أيضا إذا أخذ منك رداءك ‪ .‬لقد‬
‫أبادوا أمما من على وجه الرض فلم تبق لها من باقية ‪ :‬حدث هذا فى أمريكا‬
‫على يد الوربيين الذين هاجروا إليها فى مطالع العصور الحديثة وظلوا‬
‫يشنون الغارات على الهنود الحمر أصحاب البلد وينشرون بينهم الوبئة التى‬
‫وهم عن بكرة أبيهم تقريبا ‪ ،‬وذلك بمباركة‬ ‫لم يكن لهم بها عهد حتى أفن َ ْ‬
‫القساوسة الناطقين باسم المسيح وحاملى رسالة التواضع والمحبة‬
‫والتسامح وإدارة الخد اليسر ‪ ،‬والتنازل عن الرداء والزار معا وسير صاحبهما‬
‫عارًيا حافًيا كما ولدته أمه !‬
‫وحدث هذا أيضا فى أستراليا نحو ذلك الوقت !‬
‫ولقد ناب المسلمين والعرب من هذه المحبة جانب ‪ ،‬إذ بعد أن انتصر‬
‫فرديناند وإيزابل على بنى الحمر فى شبه جزيرة أيبريا وأصبحت الندلس‬
‫قوا فى بلدهم‬ ‫نصرانية ‪ ،‬رأينا هذين الملكين ينقلبان على المسلمين الذين ب َ ُ‬
‫خنان فيهم تقتيل وتنصيرا ‪،‬‬ ‫لم يغادروها مع من غادرها‪ ،‬فيغدران بهم وي ُث ْ ِ‬
‫ض الجدار بالمعاهدات التى تكفل للمسلمين المان والحرية‬ ‫ن عُْر َ‬ ‫ضارب َي ْ ِ‬
‫س ‪ ،‬حتى لم يعد هناك بعد فترة وجيزة‬ ‫م ّ‬‫الدينية والحتفاظ بممتلكاتهم ل ت ُ َ‬
‫حد الله ‪ .‬والبركة فى محاكم التفتيش التى أقامها‬ ‫فى تلك البلد مخلوق يو ّ‬
‫خلفاء السيد المسيح ناشرو دعوة التسامح والتواضع والمحبة على الورق‬
‫وفى عالم الدعاية الكاذبة الفاجرة ل غير ‪ ،‬أما فى دنيا الواقع فإنها ل تسمن‬
‫ول تغنى عند اللزوم من جوع أو قتل أو حرق أو سلخ أو تكسير للعظام أو‬
‫مل للعيون أو تغريق فى البحر أو مصادرة للملك أو ‪ ...‬أو ‪ ...‬أو ‪! ...‬‬ ‫س ْ‬
‫َ‬
‫فانظر إلى ما فعله المسلمون حين فتحوا تلك البلد تدرك الفرق بين النفاق‬
‫النصرانى المتشدق زورا وبهتانا بالمبادئ الخلقية الورقية التى لم تعرف‬
‫السبيل يوما إلى التطبيق على الرض ‪ ،‬وبين المثالية السلمية الواقعية التى‬
‫ل تعرف هذه الشقشقات اللفظية ‪ ،‬لكنها ل تنزل أبدا إلى هذا الدْرك السفل‬
‫من القسوة والتوحش مهما خالفت عن أمر دينها ولم تلتزم به كما يحدث فى‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دنيا البشر أحيانا !‬


‫إن المسلمين مت َّهمون دائما بأنهم نشروا دينهم بالسيف ‪ ،‬مع أنه لم يثبت قط‬
‫أنهم أكرهوا شعبا على ترك دينه كما فعل النصارى فى كثير من الدول التى‬
‫احتلوها مما ذكرنا منه أمثلة ثلثة ليس إل ‪.‬‬

‫)‪(25 /‬‬

‫ف النصارى أبدا عن الكلم فى الجزية وقسوة الجزية حتى ليخّيل لمن‬ ‫ول يك ّ‬
‫ل يعرف المر أن المسلمين كانوا يصادرون أموال المم التى يفتحون بلدها‬
‫مصادرة ‪ ،‬مع أن المبلغ الخاص بالجزية لم يكن يزيد على بضعة دنانير فى‬
‫العام عن الشخص الواحد ‪ ،‬فضل عن أنه لم تكن هناك جزية على الطفال‬
‫ون من دفع‬ ‫ف ْ‬‫والنساء والشيوخ والرهبان ‪ .‬وفى المقابل كان غير المسلمين ي ُعْ َ‬
‫ون من الشتراك فى الحرب ‪.‬‬ ‫ف ْ‬
‫الزكاة على عكس المسلم ‪ ،‬كما كانوا ي ُعْ َ‬
‫وبهذا يكون المسلمون قد سبقوا كالعادة ‪ ،‬ودون شقشقة لفظية أيضا ‪ ،‬إلى‬
‫مبدإ العفاء من الحرب على أساس مما نسميه الن ‪ " :‬تحّرج الضمير " ‪ ،‬إذ‬
‫ما كان أهل البلد المفتوحة غير مسلمين كانت الحرب تمّثل لهم عبًئا نفسّيا‬ ‫ل ّ‬
‫وأخلقيا أراد السلم أن يزيحه عن كاهلهم بطريقة واقعية سمحة ‪ .‬وفضل‬
‫عن هذا فإن المسلمين ‪ ،‬فى الحالت التى لم يستطيعوا فيها أن يحموا أهل‬
‫الذمة ‪ ،‬كانوا يردون إليهم ما أخذوه منهم من جزية ‪ ،‬إذ كانوا ينظرون إليها‬
‫على أنها ضريبة يدفعها أهل الذمة لقاء قيامهم بالدفاع عنهم ‪.‬‬
‫دئ الشياطين مزيفو " الضلل المبين " وي ُِعيدون فى مسألة‬ ‫ومع ذلك كله ي ُب ْ ِ‬
‫دعين بالباطل أن المسلمين كانوا يقتلون أهل البلد التى‬ ‫الحروب السلمية م ّ‬
‫مل الذين كفروا على عبادنا بالسيف‬ ‫ح َ‬‫يفتحونها إل إذا دفعوا الجزية ‪ " :‬و َ‬
‫مك َْر ً‬
‫ها‬ ‫ف السيف والّرَدى فآمن بالطاغوت ُ‬ ‫فمنهم من استسلم للكفر خو َ‬
‫ل سبيل * ومنهم من اشترى دين الحق بالجزية عن يد ٍ صاغًرا ذليل‬ ‫سِلم وض ّ‬ ‫ف َ‬
‫* ‪ * ...‬وزعمتم بأننا قلنا ‪ :‬قاتلوا الذين ل يدينون دين الحق من الذين أوتوا‬
‫صْغرا " ) سورة الجزية ‪5 /‬‬ ‫الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون ُ‬
‫– ‪. ( 12 ، 6‬‬
‫والملحظ أن الشياطين يخلطون عن عمد بين القتال والقتل ‪ ،‬فالية تقول ‪:‬‬
‫" قاتلوا " ل " اقتلوا " ‪ ،‬والفرق واضح ل يحتاج إلى تدخل من جانبى ‪.‬‬
‫ومعنى الية أنه ينبغى على المسلمين أن يهبوا لمقاتلة الروم ‪ ،‬الذين شرعوا‬
‫فى ذلك الحين يتدخلون فى شؤون الدولة السلمية الوليدة متصورين أنها‬
‫لقمة سائغة سهلة الهضم لن تأخذ فى أيديهم وقتا ‪ ،‬فكان ل بد من قطع هذه‬
‫اليد النجسة ‪ ،‬وإل ضاع كل شىء ‪ .‬كما كان ل بد أيضا من أخذ الجزية منهم‬
‫عن يد ٍ وهم صاغرون جزاًء وفاقا على بغيهم واستهانتهم بالمسلمين‬
‫فُرط منهم فى حقهم أى ذنب !‬ ‫وتخطيطهم لجتياح دولتهم دون أن ي َ ْ‬
‫وعلى أية حال فإن النصارى مأمورون بحكم دينهم أن يدفعوا " الجزية "‬
‫) هكذا بالنص ( لية حكومة يعيشون فى ظلها وأن يعطوا ما لقيصر لقيصر ‪،‬‬
‫وما لله لله ‪ ،‬حسبما قال لهم المسيح حرفيا ) متى ‪ ، 21 – 17 / 22 /‬و ‪/ 12‬‬
‫‪ ، 25 – 24‬ومرقس ‪. ( 17 – 14 / 12 /‬‬
‫كما أن بولس ‪ ،‬الذى يخالف فى غير قليل من أحكامه ما قاله نبّيه ‪ ،‬قد كرر‬
‫هنا نفس ما قاله السيد المسيح فأمرهم بالخضوع لية حكومة تبسط‬
‫سلطانها عليهم وأل يحاولوا إثارة الفتن ‪ ،‬لن تسلط هذه الحكومات عليهم‬
‫در من الله كما قال لهم ‪ ،‬ومن ثم ل ينبغى التمرد على سلطانها ‪،‬‬ ‫ق َ‬
‫إنما هو ب َ‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل نفس للسلطين‬ ‫ضع ْ ك ّ‬


‫خ َ‬ ‫بل عليهم دفع الجزية والجبايات دون أى تذمر ‪ " :‬ل ِت َ ْ‬
‫العالية ‪ ،‬فإنه ل سلطان إل من الله ‪ ،‬والسلطين الكائنة إنما رّتبها الله * فمن‬
‫يقاوم السلطان فإنما يعاند ترتيب الله ‪ ،‬والمعاندون يجلبون دينونة على‬
‫أنفسهم * لن خوف الرؤساء ليس على العمل الصالح بل على الشرير ‪.‬‬
‫أفتبتغى أل تخاف من السلطان ؟ افعل الخير فتكون لديه ممدوحا * لنه‬
‫ف فإنه لم يتقلد السيف عبثا‬ ‫خ ْ‬ ‫ت الشر فَ َ‬
‫م الله لك للخير ‪ .‬فأما إن فعل َ‬ ‫خاد ُ‬
‫فذ الغضب على من يفعل الشر * فلذلك‬ ‫م الذى ي ُن ْ ِ‬
‫م الله المنتق ُ‬ ‫لنه خاد ُ‬
‫يلزمكم الخضوع له ل من أجل الغضب فقط بل من أجل الضمير أيضا *‬
‫دام الله المواظبون على ذلك‬ ‫فإنكم لجل هذا ُتوُفون الجزية أيضا ‪ ،‬إذ هم ُ‬
‫خ ّ‬
‫ل حقه ‪ :‬الجزية لمن يريد الجزية ‪ ،‬والجباية لمن يريد الجباية ‪،‬‬ ‫بعينه * أّدوا لك ّ‬
‫والمهابة لمن له المهابة ‪ ،‬والكرامة لمن له الكرامة " ) رسالة القديس‬
‫بولس إلى أهل رومية ‪. ( 7 – 1 / 13 /‬‬
‫وهذا الكلم خاص بخضوع النصارى للحكومات الوثنية ‪ ،‬فما بالنا بالحكومات‬
‫حدة التى لم يسمع أحد أنها فعلت بالنصارى ول واحدا‬ ‫المسلمة المؤمنة المو ّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫على اللف مما كانت تلك الحكومات تفعله بهم ؟ أكل هذه الضجة لبغضكم‬
‫ب‬ ‫القّتال لدين محمد بسبب فضحه لوثنياتكم وتثليثكم وبسبب ك َ ْ‬
‫سبه القلو َ‬
‫ة لنور التوحيد واستقامة العقل والضمير ؟‬ ‫المتعطش َ‬
‫سه ‪ :‬ولكن لماذا كان حكم النصارى بهذه القسوة مع‬ ‫وربما يسأل أحد ٌ نف َ‬
‫غيرهم رغم الكلم المعسول عن المحبة والتسامح وما إلى ذلك ؟‬

‫)‪(26 /‬‬

‫والجواب أّول هو أن هذا الكلم المعسول إنما يخص العلقات الفردية ل‬


‫الدولية ‪ ،‬فالنصرانية لم يكن لها أية سلطة على عهد السيد المسيح ‪ ،‬الذى‬
‫كمون على يد أعدائهم‬ ‫رأيناه هو وحوارييه ‪ ،‬على العكس من ذلك ‪ ،‬يحا َ‬
‫وبمقتضى قوانين هؤلء العداء ‪ .‬وحتى على المستوى الفردى قد وجدنا أن‬
‫كل عيشا ‪.‬‬ ‫مثل هذه المبادئ ل تؤ ّ‬
‫وإلى جانب هذا فالنصرانية ديانة ل تقوم على العقل ‪ ،‬بل تطلب من الشخص‬
‫أن يؤمن دون مناقشة أو تفكير ‪ .‬وهذا أمر طبيعى لنها مؤسسة على التفكير‬
‫الخرافى ‪ ،‬إذا صح وصف الخرافات بأنها تفكير ‪ ،‬وعلى ذلك فإنها فى الواقع‬
‫دعيه ‪ .‬ومعروف أنه كلما بالغ الشخص فى‬ ‫تفتقر إلى هذا التسامح الذى ت ّ‬
‫الحديث عن مزاياه وأزعج الخرين بها بداٍع وبدون داٍع كان ذلك دليل على‬
‫م فإنها حين وجدت نفسها ذات سيادة ودولة ورأت‬ ‫كذبه ‪ .‬فهذا هذا ! ومن ث َ ّ‬
‫أنها ل تملك أية تشريعات تتعلق بالحكم والعلقات الدولية انكفأت إلى العهد‬
‫العتيق تستلهمه المشورة فلم تجد إل الحروب والتشريعات اليهودية التى‬
‫تتسم بالقسوة الوحشية المفرطة فى معاملة العداء فى الحرب وبعد‬
‫الحرب على السواء دون التقيد بأية التزامات أخلقية أو إنسانية ‪ .‬ولسوف‬
‫أقتصر هنا على نص واحد من النصوص التى وردت فى العهد العتيق خاصة‬
‫ت إلى مدينة لتقاتلها‬ ‫م َ‬
‫بالحرب ‪ .‬جاء فى " سفر تثنية الشتراع " ‪ " :‬وإذا تقد ّ ْ‬
‫عها أول إلى السلم * فإذا أجابتك إلى السلم وفتحت لك فجميع الشعب‬ ‫فاد ْ ُ‬
‫الذين فيها يكونون لك تحت الجزية ويتعبدون لك * وإن لم تسالمك بل‬
‫صْرَتها * وأسلمها الرب إلهك إلى يدك فاضرب كل ذ َك َرٍ بحد ّ‬ ‫حاربتك فحا َ‬
‫السيف * وأما النساء والطفال وذوات الربع وجميع ما فى المدينة من غنيمة‬
‫ة أعدائك التى أعطاكها الرب إلهك * هكذا تصنع‬ ‫ل غنيم َ‬ ‫فاغتنمها لنفسك ‪ ،‬وك ُ ْ‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بجميع المدن البعيدة منك جدا التى ليست من مدن أولئك المم هنا * وأما‬
‫ق منها نسمة *‬ ‫مدن أولئك المم التى يعطيها لك الرب إلهك ميراًثا فل تست َب ْ ِ‬ ‫َ‬
‫سْلهم إبسال ‪. ( 17 – 10 / 20 ) " ...‬‬ ‫بل أب ْ ِ‬
‫هذا مثال من التشريعات التى وجدها النصارى تحت أيديهم فطبقوها بمنتهى‬
‫الدقة والخلص ) والمحبة والتسامح والتواضع أيضا من فضلك ! ( متى‬
‫واتتهم الظروف كما حدث فى أمريكا وأستراليا مثل ‪ ،‬وكما حدث فى‬
‫كلوا بالمسلمين تنكيل رهيبا ‪ ،‬وكما‬ ‫الندلس عندما سقطت فى أيديهم فن ّ‬
‫وها‬ ‫َ‬
‫حدث كذلك فى فلسطين ‪ ،‬التى امتلخوها من العرب والمسلمين وأعط ْ‬
‫لليهود‪ .‬وكد َي ْد َِنهم عملوا على أن يصبغوا هذه الجريمة بصبغة إنسانية فزعموا‬
‫وضوا اليهود َ عما ذاقوه من ويلت ‪ .‬على يد من ؟‬ ‫أنهم إنما يريدون أن يع ّ‬
‫على يد النصارى أنفسهم ‪ ،‬وليس على أيدى العرب والفلسطينيين ! لكن‬
‫متى كان الجرام والتوحش يبالى بمنطق أو عدل أو أخلق ؟‬
‫ن إل للدفاع عن النفس كما هو معلوم ‪ ،‬وليس‬ ‫ش ّ‬ ‫أما الحرب فى السلم فل ت ُ َ‬
‫بحجة أن الله قد أعطانا بلد الخرين والسلم ‪ ،‬استلطافا منه لنا !‬
‫أما عند هزيمة العدو فإننا نأسره ول نقتله ‪ ،‬ثم بعد انتهاء العمال القتالية‬
‫فإما أطلقنا سراح السرى دون مقابل ‪ ،‬وإما أخذنا منهم الفدية لقاء تركهم‬
‫يعودون لذويهم ‪ .‬أما المحو والستئصال الذى يأمر رب اليهود شعبه به فل‬
‫مجال له فى السلم !‬
‫ومع ذلك كله يظل هؤلء المناكيد يرددون أكاذيبهم عنا وعن قسوتنا وإكراهنا‬
‫غيرنا على الدخول فى ديننا ‪ ...‬إلى آخر تلك المفتريات اللعينة ‪.‬‬
‫ولكن ما وجه الغرابة فى هذا ‪ ،‬وقد اجترأوا على الله نفسه فصنعوا كلما‬
‫وا أنه‬ ‫سمجا كله كفر وقلة أدب وسفاهة وتطاول على رسول الله ‪ ،‬ثم اد ّعَ ْ‬
‫من عند رب العالمين ؟ هل من يفعل ذلك يمكن أن يطمئن له عاقل ذو‬
‫ضمير ؟ هل من يفعل ذلك يمكن أن يكون فى قلبه مثقال حبة خردل من‬
‫إيمان ؟‬
‫وفى النهاية أرجو أن يكون القارئ قد تنبه لحكاية" الجزية " فى النصوص‬
‫السابقة المأخوذة من الكتاب المقدس بعهديه العتيق والجديد جميعا ‪ ،‬فإنها‬
‫ذب الوغاد المجرمين مخترعى الوحى المزيف وناسبيه لرب العالمين كفًرا‬ ‫تك ّ‬
‫منهم وإلحادا ‪ ،‬إذ يزعمون أن الرسول هو الذى اخترع " الجزية " من عنده‬
‫وأنها لم تنزل من السماء!‬
‫دئ الوغاد المجرمون وي ُِعيدون فى الزعم بأن السلم انتشر بالسيف‬ ‫وكما ي ُب ْ ِ‬
‫رغم أنهم هم الذين نشروا دينهم بالسيف والكذب والخداع واستغلل‬
‫دئون وي ُِعيدون فى‬ ‫السذاجة عند الشعوب البدائية ‪ ...‬إلخ ‪ ،‬فكذلك نراهم ي ُب ْ ِ‬
‫دعين أنها جنة مادية‬ ‫الزراء على الجنة ونعيمها كما صورها القرآن الكريم ‪ ،‬م ّ‬
‫شهوانية ل تليق بالناس المتحضرين أمثالهم من أصحاب الروحانيات والخلق‬
‫السامى الكريم !‬
‫ب عجيب ! أية روحانيات يتحدثون عنها ‪ ،‬وقد‬ ‫ب أمر هؤلء الوغاد عجي ٌ‬ ‫عجي ٌ‬
‫سد وأكل وشرب وتجرع‬ ‫نزلوا بربهم من عليائه إلى دنيا البشر المادية فتج ّ‬
‫ُ‬
‫وط وتألم وحزن ولِعن‬ ‫الخمر وصنعها آية لضيوف حفل قانا الجليل وتبول وتغ ّ‬
‫صِلب ‪ ،‬ثم مات أيضا " فوق البيعة " كيل يكون‬ ‫ُ‬ ‫و ُ‬
‫كم و ُ‬ ‫حو ِ‬‫هين و ُ‬
‫رب وأ ِ‬
‫ض ِ‬
‫شِتم و ُ‬
‫أحد ٌ أحسن من أحد ؟‬

‫)‪(27 /‬‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سدتم الله تواتيكم نفوسكم على التظاهر بالشمئزاز من جنة‬ ‫َ‬


‫أوَب َْعد أن ج ّ‬
‫المسلمين قائلين إنها جنة مادية ؟‬
‫وماذا فى الجنة المادية ؟ أل تحبون الكل ؟ أل تحبون الشرب ؟ أل تحبون‬
‫الجنس ؟ أل تحبون التمتع بالظلل والجمال والهدوء ؟ أل تحبون أن تستمعوا‬
‫إلى الصوات العذبة الجميلة ؟ أل تحبون راحة البال وسكينة النفس بعد كل‬
‫هذا القلق الذى اصطليناه فى الدنيا ؟ إن من يقول ‪ " :‬ل " لى من هذه‬
‫َ‬
‫شٌر عريقٌ فى النفاق والدجل ! فما الحال إذا‬ ‫بأ ِ‬ ‫ن كذا ٌ‬‫السئلة لهو ث ُعْل َُبا ٌ‬
‫عرفنا أن هذه المتع الفردوسية ستكون متعا صافية مبّرأة من كل ما كان‬
‫ظة وغثيان أو قلق وآلم‬ ‫يتلّبس بها على الرض من نقصان ونفاد وملل أو ك ِ ّ‬
‫وأوجاع وإفرازات وعلل وتعب وكدح وصراع وخوف ‪ ،‬وكذلك من كل ما كان‬
‫يعقبها من إخراج وتجشؤ وفتور وإرهاق ونوم ومرض ‪ ...‬إلخ ؟‬
‫ض غَي َْر الرض‬ ‫دل الر ُ‬ ‫لقد ذكر القرآن المجيد أنه فى العالم الخر سوف " ت ُب َ ّ‬
‫ب ‪ ،‬وما‬ ‫ص ٌ‬ ‫سهم فيها ن َ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ت " ) إبراهيم ‪ ، ( 48 /‬وأن أهل الجنة " ل ي َ َ‬ ‫والسماوا ُ‬
‫ون " خالدين فيها ل ي َب ُْغون‬ ‫ق ْ‬
‫خَرجين " )الحجر‪ ، (48 /‬وأنهم سي َب ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫هم منها ب ُ‬
‫ول " ) الكهف ‪ ، ( 108 /‬وزاد الرسول الكريم فى أحاديثه المر بيانا‬ ‫ح َ‬‫عنها ِ‬
‫در عضوىّ أو‬ ‫درها مك ّ‬ ‫فأوضح أن هذه المتع ستكون متعا خالصة تماما ل يك ّ‬
‫ى ‪ .‬فما وجه التنطع والشمئزاز الكاذب إذن ؟‬ ‫نفس ّ‬
‫ت أن الذين ي ُْزُرون على جنة القرآن هم من أشد الناس طلبا للدنيا‬ ‫لقد لحظ ُ‬
‫وتطلعا إليها وانخراطا فيها وسعارا محموما خلف لذائذها ‪ ،‬ومنهم هؤلء‬
‫قة العَهََرة الذين كانوا ول يزالون يمثلون طلئع الستعمار‬ ‫س َ‬
‫ف َ‬ ‫المبشرون ال َ‬
‫والحتلل الغربى لبلدنا وبلد كل الشعوب المستضعفة ‪ ،‬ذلك الستعمار الذى‬
‫يريد أن يستمتع بطيبات الحياة دوننا ويترك لنا الجوع والفقر والجهل‬
‫والمرض والقذارة والذلة والتخلف والشقاء ! أليس مضحكا أن يأتى هؤلء‬
‫سِعروا‬ ‫بالذات لي ُظ ِْهروا النفور من تلك اللذائذ ؟ فمن هم إذن يا ت َُرى الذين ُ‬
‫شا وأدبا مكتوبا‬ ‫مِعي ً‬‫بحب الجنس على النحو الذى نعرفه فى بلد الغرب واقًعا َ‬
‫ت عاهرة ؟‬ ‫ت مصوَّرةً وأفلما عارية ومسرحيا ٍ‬ ‫ولوحا ٍ‬
‫أفإن جاء الرسول الكريم وقال لنا إنكم ستستمتعون بهذه الطيبات فى الجنة‬
‫ة‬‫فها هنا على الرض من أكدار وشوائب ‪ ،‬ومصحوب ً‬ ‫فاةً مما يح ّ‬ ‫ن مص ّ‬ ‫‪ ،‬لك ْ‬
‫بالمحبة بين أهل الجنة ومشاهدتهم لوجه ربهم العظيم ذى الجلل والكرام‬
‫وتمتعهم بالرضا اللهى السامى عنهم وانتشائهم بالتسبيحات الملئكية حولهم‬
‫ّ‬ ‫ع ْ‬ ‫‪ ،‬ن َل ْ ِ‬
‫دى التأفف والتنطس ؟ إن هذا ‪َ ،‬واي ْم ِ‬ ‫طفنا ونشمخ بأنوفنا ون ُب ْ ِ‬ ‫وى عنه ِ‬
‫الحق ‪ ،‬ل َِنفاقٌ أثيم !‬
‫سنسمع المنافقين المنغمسين فى شهوات الجسد يتحدثون بتأفف عن هذه‬
‫اللذائذ التى ل تليق فى نظرهم ببنى النسان ‪ ،‬وهم الذين يمارسون الّلواط‬
‫سحاق مما ينزل بهذا الجسد وصاحبه أسفل سافلين ‪.‬‬ ‫وال ّ‬
‫وعلى أية حال ما وجه النفور من الجسد وإشباع غرائزه فى اعتدال ؟ أليس‬
‫هذا الجسد هو أحد الوجهين اللذين تتكون منهما الشخصية النسانية ؟ فما‬
‫الذى يمكن أن يكون فى ذلك من عيب ؟ ترى أمن الممكن أن تقوم الحياة‬
‫البشرية بعيدا عن الجسد؟ كنت أستطيع أن أفهم وجه العتراض لو كنا نقول‬
‫ى‬ ‫ْ‬
‫إن المتع الجسدية هى وحدها المتع التى نريدها ‪ ،‬لن هذا من شأنه أن ي ُلغِ َ‬
‫الجانب الروحى من النسان أو على القل يتجاهله بما يسىء إلى هذا‬
‫وغ للعتراض‬ ‫ما ‪ ،‬ونحن ل نقول بهذا ‪ ،‬فلست أجد أىّ مس ّ‬ ‫النسان نفسه ‪ .‬أ ّ‬
‫حان‬ ‫إل العناد الحمق والنفاق البغيض ! وعلى كل حال فالقرآن والحاديث يل ّ‬
‫ة على أن أطايب النعيم هى مما لم تره عين أو تسمع به أذن أو خطر‬ ‫صراح ً‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على قلب بشر ‪ .‬ثم يستوى بعد ذلك أن تكون هذه المتع الفردوسية متعا‬
‫جسدية روحية معا أو روحية خالصة الروحانية ‪ .‬ونصوص القرآن والسنة‬
‫تحتمل هذا وذاك لمن يريد ‪ ،‬وإن كان العبد الفقير يرى أنها ستجمع بين‬
‫ن‬
‫ْ‬ ‫لك‬ ‫الحسنيين بالمعنى الذى شرحُته ‪ ،‬أى أنها ستكون متعا جسدية روحية ‪،‬‬
‫على نحو غير الذى نعرفه فى هذه الدنيا ‪ .‬المهم أنها ستكون متعا خالصة‬
‫والسلم !‬
‫سب للسيد المسيح‬ ‫لقد استند الثعالب المنافقون فى إنكارهم هذا إلى ما ن ُ ِ‬
‫من رده على اليهود الذين أرادوا أن يضّيعوا وقته فى السئلة السخيفة فقال‬
‫لهم إن الناس " فى القيامة ل يزّوجون ول يتزوجون " ) متى ‪– 23 / 22 /‬‬
‫‪ ، ( 30‬إذ كان سؤالهم عن امرأة مات عنها زوجها فتزوجها من بعده إخوته‬
‫ة فى‬‫ن من هؤلء السبعة ستكون زوج ً‬ ‫م ْ‬
‫الستة واحدا بعد موت الخر ‪ ،‬فل ِ َ‬
‫القيامة ؟‬

‫)‪(28 /‬‬

‫ى بّين ‪ ،‬سؤال سمج سخيف ل يمكن أن يقع إل فى‬ ‫والسؤال ‪ ،‬كما هو جل ّ‬


‫خيالت المهاويس ول يراد به إل التعنت والرغبة فى أن يمسكوا شيئا يتعللون‬
‫به للتشكيك فى القيامة التى لم يكونوا ‪ ،‬كما جاء فى القصة ‪ ،‬يؤمنون بها‬
‫دوقِّيين المنكرين للبعث ‪ .‬وهو أسلوب يبرع فيه أحلس‬ ‫ص ُ‬
‫لنهم من طائفة ال ّ‬
‫المجالس والمجامع الذين يعشقون الظهور والرواج عند العامة ‪ ،‬فأراد‬
‫المسيح أن يقطع عليهم الطريق ول يعطيهم الفرصة للمضى مع هذا الجدال‬
‫العقيم ! وبطبيعة الحال لن يكون هناك زواج ول تزويج ‪ ،‬فنحن لسنا فى الدنيا‬
‫جل مدنى وشهادات رسمية وما إلى‬ ‫‪ ،‬ومن ثم لن نحتاج إلى مأذون أو مس ّ‬
‫ذلك مما هو معروف هنا فى هذه الحياة الرضية ‪ .‬وهذا مثل قولنا مثل إنه لن‬
‫تكون هناك مطاعم ول مطابخ فى الخرة ‪ .‬فهذا شىء ‪ ،‬والخروج من ذلك‬
‫القول بأنه لن يكون هناك طعام وشراب شىء آخر ‪ .‬وعلى نفس القاعدة‬
‫ج يوم القيامة ل يعنى أنه لن‬ ‫ج أو تزوي ٌ‬
‫فإن قول المسيح إنه لن يكون زوا ٌ‬
‫صله النسان من التصال بالجنس الخر ‪ ،‬فهذه المتع‬ ‫يكون هناك متع مما يح ّ‬
‫قد تتم من خلل الزواج ‪ ،‬وقد تتم دون زواج ‪ .‬ومتع الجنة ‪ ،‬كما أشرنا آنفا ‪،‬‬
‫لن يكون فيها شىء من وجع الدماغ الذى شبعنا منه فى الدنيا ‪ ،‬ومن ثم فل‬
‫طبة ول مهر ول زواج بما يعنيه كل هذا من استعدادات وتكاليف ‪ ،‬فضل عن‬ ‫خ ْ‬ ‫ِ‬
‫أن تكون هناك صراعات بين عدة رجال مثل على الفوز بامرأة جميلة كل‬
‫منهم واقع فى غرامها ول يهنأ له عيش إل بالزواج منها ‪ ،‬أو بين عدة نساء‬
‫على الفوز برجل غنى وسيم كلهن مدّلهات فى هواه فل تروق لهن الدنيا إل‬
‫بالقتران به ‪.‬‬
‫ومما يؤيد كلمى أن المسيح نفسه فى الفقرات التى سبقت جوابه على‬
‫سؤال اليهود ‪ ،‬حين أراد أن يوضح ملكوت السماوات ‪ ،‬وهو ما يقابل الجنة‬
‫َ‬
‫م فيه‬‫س أقامه أحد الملوك لبنه أوْل َ َ‬
‫عندنا ‪ ،‬ضرب لمستمعيه مثل من عُْر ٍ‬
‫وون‬ ‫منات ‪ ،‬وحضرها المدع ّ‬ ‫ت فيها الذبائح والمس ّ‬ ‫ة " على كيفك " قُد ّ َ‬
‫م ْ‬ ‫وليم ً‬
‫وقد لبسوا الحلل التى تليق بهذه المناسبة السعيدة ‪ .‬فعلم يدل هذا ؟ وهل‬
‫يختلف يا ترى عما نقوله نحن عن الجنة ؟‬
‫َ‬
‫م يقل المسيح ) مرقس ‪ ، 25 / 14 /‬ولوقا ‪ (18 / 22 /‬إنه سيشرب‬ ‫أوَل َ ْ‬
‫عصير الكرمة فى ملكوت الله جديدا ‪ ،‬أى على نحو آخر غير ما كان عليه فى‬
‫الدنيا ‪ ،‬وهو ما يقوله السلم ؟‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أولم يقل لتلميذه إنهم سيأكلون ويشربون معه على مائدته فى الملكوت‬
‫) لوقا ‪ ( 30 – 29 / 22 /‬؟ فما الفرق بين الشراب والطعام وبين الجنس ؟‬
‫أليست كلها متعا من متع هذه الدنيا التى تتأففون منها نفاقا ورياء ‪ ،‬وأنتم‬
‫غارقون فيها ‪ ،‬ل إلى أذقانكم فقط كما يقول التعبير المشهور ‪ ،‬بل إلى‬
‫شة رؤوسكم ؟‬ ‫شو َ‬ ‫ُ‬
‫ل النبى يحيى ‪،‬‬ ‫مث َُله فى هذا َ‬
‫مث َ ُ‬ ‫ثم إننا ل ينبغى أن ننسى أن السيد المسيح ‪َ ،‬‬
‫كان عزوفا عن النساء لسباب خاصة به قد يمكن أن نجد لها إيماء فى كلمه‬
‫سهم أو كانوا‬ ‫وا هم أنف َ‬ ‫ص ْ‬
‫خ َ‬ ‫عليه السلم عن أولئك الذين خصاهم الناس أو َ‬
‫مّر بنا من قبل ‪.‬‬‫ة مما َ‬ ‫خل ْ َ‬
‫ق ً‬ ‫صّيين ِ‬ ‫خ ِ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ثم أين كان آدم وحواء فى بدء أمرهما ؟ ألم يكونا فى الجنة ؟ فماذا كانا‬
‫يفعلن هناك ؟ يقول كتابكم المقدس إن هذه الجنة كان فيها أشجار حسنة‬
‫المنظر طيبة المأكل ‪ ،‬وإن الرجل يترك أباه وأمه ويلزم امرأته فيصيران‬
‫جسدا واحدا ‪ ،‬وإن آدم وزوجه كانا عريانين ل يشعران بخجل ‪ ،‬وإن الله قد‬
‫ضمن لهما الخلود فيها‪ ...‬إلخ ) تكوين ‪ . ( 24 ، 9 – 8 / 2 /‬فما معنى كل هذا‬
‫؟ وماذا كان أبوانا الّولن يعملن فى الجنة ؟ أكانا يكتفيان بتمضية وقتهما‬
‫فى التأملت الروحانية واضعَْين أيديهما على خدودهما ليل ونهارا ؟‬
‫كذلك يتحدث بولس فى رسالته الولى لهل كورنتس ) ‪ 35 / 15‬فصاعدا (‬
‫عن " الجساد الخروية " التى ل تعرف الفساد ول التحلل والتى يسميها أيضا‬
‫بـ " الجساد السماوية " و" الجساد الروحانية " ‪.‬‬
‫ل لكثير من متع‬ ‫ص ٌ‬
‫ف مف ّ‬
‫ص ٌ‬ ‫مى بـ " رؤيا القديس يوحنا " وَ ْ‬ ‫فر المس ّ‬ ‫س ْ‬
‫وفى ال ّ‬
‫الفردوس وعذابات الجحيم ‪ ،‬وكلها مادية كالمتع والعذابات التى نعرفها فى‬
‫دنيانا هذه ‪ ،‬مع التنبيه بين الحين والحين إلى أن كل شىء من هذه الشياء‬
‫سيكون جديدا ول يجرى عليه ما كان يجرى على نظيره فى الرض من فساد‬
‫ونقصان ‪ ،‬وهو ما ل يختلف عما قلناه ‪ ،‬فلم التعنت إذن ومهاجمة السلم‬
‫نفاقا وحقدا ؟‬
‫وها ‪ " :‬سورة الغرانيق‬‫م ْ‬‫سورة افتَرْوها وس ّ‬

‫)‪(29 /‬‬

‫صل الن إلى آخر قضية أنوى أن أتناولها فى هذه الدراسة ‪ ،‬وهى التهمة‬ ‫َ‬
‫وأ ِ‬
‫صصوا لها سورة افتَرْوها‬ ‫التى وجهها هؤلء المآفين إلى القرآن الكريم وخ ّ‬
‫وها ‪ " :‬سورة الغرانيق " ‪ ،‬إشارة ً إلى ما يقال من أن سورة " النجم "‬ ‫م ْ‬
‫وس ّ‬
‫كانت تحتوى فى البداية على آيتين تمدحان الصنام الثلثة ‪ " :‬اللت والعُّزى‬
‫ذفتا منها فيما بعد ‪ .‬يريدون القول بأن محمدا ‪ ،‬عليه الصلة‬ ‫ح ِ‬‫مَناة " ‪ ،‬ثم ُ‬‫و َ‬
‫والسلم ‪ ،‬كان يتمنى أن يصالح القرشيين حتى يكسبهم إلى صفه بدل من‬
‫استمرارهم فى عداوتهم لدعوته وإيذائهم له ولتباعه ‪ ،‬ومن ثم أقدم على‬
‫ت‬
‫تضمين سورة " النجم " ت َي ِْنك اليتين عقب قوله تعالى ‪ " :‬أفرأيتم الل َ‬
‫ة الخرى ؟ " ) النجم ‪ ( 20 – 19/‬على النحو التالى ‪" :‬‬ ‫والعُّزى * ومناة َ الثالث َ‬
‫جى "‪ .‬والمقصود من وراء ذلك كله‬ ‫َ‬
‫ن الغرانيق الُعل * وإن شفاعتهن لت ُْرت َ َ‬ ‫إنه ّ‬
‫هو الساءة للرسول الكريم بالقول بأنه لم يكن مخلصا فى دعوته ‪ ،‬بل لم‬
‫يكن نبيا بالمرة ‪ ،‬وإل لما أقدم على إضافة هاتين اليتين من عند نفسه ‪.‬‬
‫وهم بهذا يظنون أن محمدا يشبه بولس ‪ ،‬الذى كان يفتخر بأنه يتلون حسب‬
‫الظروف من أجل إدخال الناس إلى النصرانية بكل سبيل والذى أقدم على‬
‫ة‬
‫ل الخنزير حين رأى أن هذه الحكام تقوم عقب ً‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫إلغاء السبت والختان وأ َ‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سوا أن محمدا نبى من عند رب‬ ‫كأداَء فى طريق الدخول إلى المسيحية ! ون َ ُ‬
‫العالمين ‪ ،‬على عكس بولس ‪ ،‬الذى ما إن دخل المسيحية بكذبته تلك‬
‫الكبيرة التى ل تدخل العقل ول تجوز إل على الب ُْله والمعاتيه حتى انطلق‬
‫سا على عقب !‬ ‫كالثور الهائج يقلب كل شىء فيها تقريبا رأ ً‬
‫وعلى أية حال فهذه بعض من آيات السورة الشيطانية المذكورة ‪ " :‬باسم‬
‫الب الكلمة الروح الله الواحد الوحد * يا أيها الذين كفروا من عبادنا ‪ :‬لقد‬
‫حى *‬ ‫ى إف ٌ‬
‫ك ُيو َ‬ ‫وى * وما نطق عن الهوى إن هو إل وح ٌ‬ ‫ل رائدكم وقد غَ َ‬ ‫ض ّ‬
‫وى * فرأى من مكائد الشيطان الكبرى وهو بالدرك الدنى *‬ ‫ق َ‬‫عّلمه مريد ال ُ‬
‫ورّدد الكفر جهرا وتل ‪ :‬أفرأيتم اللت والعزى ومناة الثالثة الخرى ‪ .‬إن‬
‫جى * كلما مسه طائف من الشيطان زجر صاحبه فأخفى ما‬ ‫شفاعتهن ل َت ُْرت َ َ‬
‫ما ينَزغَّنه من الشيطان ن َْزغ ٌ استعاذ بنا على مسمٍع جهرا * ‪* ...‬‬ ‫أبدى * وإ ّ‬
‫ى إليه إل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ح َ‬
‫ى "‪ .‬وما أو ِ‬‫ى إ ِل ّ‬
‫ح َ‬
‫م ممن افترى علينا كذبا ثم قال ‪ " :‬أو ِ‬ ‫ومن أظل ُ‬
‫ن افتراًء ومكرا " )‪. (15 ، 7 - 1‬‬ ‫ت به الشياطي ُ‬ ‫ما تنّزل َ ْ‬
‫وهذه الفرية هى مما يحلو للمستشرقين والمبشرين أن يرددوها للمكايدة‬
‫وإثارة البلبلة ‪ ،‬مع أن أقل نظرة فى سورة " النجم " أو فى سيرة حياته‬
‫صلى الله عليه وسلم كافية للقطع بأن تلك القصة ل يمكن أن تكون قد‬
‫حدثت على هذا النحو الذى اخترعه بعض الزنادقة قديما وأخذ أعداء السلم‬
‫يرددونها شأن الكلب الذى وجد عظمة فعض عليها بالنواجذ وأخذ ينبح كل من‬
‫يقترب منه ! بل إن بلشير فى ترجمته الفرنسية للقرآن الكريم قد أقدم‬
‫على شىء بلغ الغاية فى الشذوذ والخيانة العلمية ‪ ،‬أل وهو إثبات هاتين‬
‫عات َْين فى نص ترجمته لسورة " النجم " بزعمهما آيتين قرآنيتين‬ ‫اليتين المد ّ َ‬
‫كانتا موجودتين فيها يوما ‪.‬‬
‫وقد تناول عدد من علماء المسلمين قديما وحديثا الروايات التى تتعلق بهاتين‬
‫اليتين المزعومتين وبينوا أنها ل تتمتع بأية مصداقية ‪ .‬والحقيقة إن النظر فى‬
‫سورة " النجم " ليؤكد هذا الحكم الذى توصل إليه أولئك العلماء ‪ ،‬فهذه‬
‫السورة من أولها إلى آخرها عبارة عن حملة مدمدمة على المشركين وما‬
‫قل إمكان احتوائها على هاتين اليتين‬ ‫يعبدون من أصنام بحيث ل ي ُعْ َ‬
‫المزعومتين ‪ ،‬وإل فكيف يمكن أن يتجاور فيها الذم العنيف للوثان والمدح‬
‫ور أن ينهال شخص بالسب والهانة على‬ ‫الشديد لها ؟ ترى هل يمكن مثل تص ّ‬
‫رأس إنسان ما ‪ ،‬ثم إذا به فى غمرة انصبابه بصواعقه المحرقة عليه ينخرط‬
‫فجأة فى فاصل من التقريظ ‪ ،‬ليعود كرة أخرى فى الحال للسب والهانة ؟‬
‫هل يعقل أن تبلع العرب مثل هاتين اليتين اللتين تمدحان آلهتهم ‪ ،‬وهم‬
‫ة‬
‫كر وله النثى ؟ * تلك إذن قسم ٌ‬ ‫يسمعون عقب ذلك قوله تعالى ‪ " :‬ألكم الذ ّ َ‬
‫ضيَزى * إن هى إل أسماٌء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من‬ ‫ِ‬
‫وى النفس ‪ .‬ولقد جاءهم من ربهم‬ ‫سلطان ‪ .‬إن تّتبعون إل الظن وما ت َهْ َ‬
‫الهدى " ؟ إن هذا أمر ل يمكن تصوره !‬
‫كما أن وقائع حياته صلى الله عليه وسلم تجعلنا نستبعد تمام الستبعاد أن‬
‫تكون عزيمته قد ضعفت يوما ‪ ،‬فقد كان مثال الصبر واليمان بنصرة ربه له‬
‫ولدعوته ‪ .‬ومواقفه من الكفار طوال ثلثة وعشرين عاما وعدم استجابته فى‬
‫مكة لوساطة عمه بينه وبينهم رغم ما كان يشعر به من حب واحترام عميق‬
‫نحوه ‪ ،‬وكذلك رفضه لما عرضوه عليه من المال والرئاسة ‪ ،‬هى أقوى برهان‬
‫على أنه ليس ذلك الشخص الذى يمكن أن يقع فى مثل هذا الضعف‬
‫والتخاذل !‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(30 /‬‬

‫ة جديدة ً للتحقق من أمر هاتين اليتين هى الطريقة‬ ‫هذا ‪ ،‬وقد أضفت طريق ً‬
‫السلوبية ‪ ،‬إذ نظرت فى اليتين المذكورتين لرى مدى مشابهتهما لسائر‬
‫آيات القرآن فوجدت أنهما ل تمتان إليها بصلةٍ البتة ‪.‬‬
‫كيف ذلك ؟‬
‫إن اليتين المزعومتين تجعلن الصنام الثلثة مناطا للشفاعة يوم القيامة‬
‫دون تعليقها على إذن الله ‪ ،‬وهو ما لم يسنده القرآن فى أى موضع منه إلى‬
‫أى كائن مهما تكن منزلته عنده سبحانه ‪ .‬ولن نذهب بعيدا للستشهاد على ما‬
‫ن‬‫م ْ‬
‫نقول ‪ ،‬فبعد هاتين اليتين بخمس آيات فقط نقرأ قوله تعالى ‪ " :‬وكم ِ‬
‫ك فى السماوات ل ت ُغِْنى شفاعُتهم شيئا إل من بعد أن يأذن الله لمن يشاء‬ ‫مل َ ٍ‬
‫َ‬
‫ضى " ‪ .‬فكيف يقال هذا عن الملئكة فى ذات الوقت الذى تؤكد إحدى‬ ‫وَْ َ‬ ‫ر‬ ‫ي‬
‫اليتين المزعومتين أن شفاعة الصنام الثلثة جديرة بالرجاء من غير تعليق‬
‫لها على إذن الله ؟‬
‫جى " ‪ ،‬وهى أيضا‬ ‫ثم إنه قد ورد فى الية الثانية من آيتى الغرانيق كلمة " ت ُْرت َ َ‬
‫غريبة على السلوب القرآنى ‪ ،‬إذ ليس فى القرآن المجيد أى فعل من مادة‬
‫" ر ج و " على صيغة " افتعل " ‪ .‬أما ما جاء فى إحدى الروايات من أن نص‬
‫ضى " ‪ ،‬فالرد عليه هو أن هذه الكلمة ‪ ،‬وإن‬ ‫ن شفاعتهن ل َت ُْرت َ َ‬ ‫الية هو ‪ " :‬وإ ّ‬
‫وردت فى القرآن ثلث مرات ‪ ،‬لم تقع فى أى منها على " الشفاعة " ‪ ،‬وإنما‬
‫دم مع الشفاعة عادة ً الفعال التالية ‪ " :‬تنفع ‪ ،‬تغنى ‪ ،‬يملك " ‪.‬‬ ‫خ َ‬‫ست َ ْ‬‫تُ ْ‬
‫ة اليات التى تتحدث عن اللت والعُّزى ومناة بقوله‬ ‫كذلك فقد بدأت مجموع ُ‬
‫عَّز شأُنه ‪ " :‬أ)ف(رأيتم ‪...‬؟ " ‪ ،‬وهذا التركيب قد تكرر فى القرآن إحدى‬
‫مل فى أى منها فى ملينة‬ ‫ست َعْ َ‬
‫وعشرين مرة كلها فى خطاب الكفار ‪ ،‬ولم ي ُ ْ‬
‫أو تلطف ‪ ،‬بل ورد فيها جميعا فى مواقف الخصومة والتهكم وما إلى ذلك‬
‫بسبيل كما فى الشواهد التالية ‪ " :‬قل ‪ :‬أرأيتم إن أتاكم عذاُبه ب ََياًتا أو نهارا‬
‫ماذا يستعجل منه المجرمون ؟ " )يونس ‪ " ، (50 /‬قل ‪ :‬أرأيتم ما أنزل الله‬
‫ن لكم أم على الله‬ ‫لكم من رزق فجعلتم منه حلل وحراما ‪ ،‬قل ‪ :‬آلل َ‬
‫ه أذِ َ‬‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫تفترون ؟ " ) يونس ‪ " ، (59 /‬قل ‪ :‬أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به‬
‫مث ِْله فآمن واستكبرتم ؟ إن الله ل يهدى‬ ‫شِهد شاهد ٌ من بنى إسرائيل على ِ‬ ‫و َ‬
‫القوم الظالمين " )الحقاف ‪ " ، (10 /‬أفرأيتم الماء الذى تشربون ؟ * أأنتم‬
‫جا ‪ ،‬فلول‬ ‫ُ‬
‫جا ً‬
‫زلون ؟ * لو نشاء جعلناه أ َ‬ ‫من ْ ِ‬‫مْزن أم نحن ال ُ‬ ‫أنزلتموه من ال ُ‬
‫تشكرون " ) الواقعة ‪ . ( 70 – 68 /‬فكيف يمكن إذن أن يجىء هذا التركيب‬
‫فى سورة " النجم " بالذات فى سياق ملطفة الكفار ومراضاتهم بمدح‬
‫آلهتهم ؟‬
‫وفوق هذا لم يحدث أن أضيفت كلمة " شفاعة " فى القرآن الكريم ) فى‬ ‫ُ‬
‫حال مجيئها مضافة ( إل إلى الضمير " هم " على خلف ما أتت عليه فى‬
‫ن"‬ ‫آيتى الغرانيق من إضافتها إلى الضمير "ه ّ‬
‫ن‬
‫ّ‬ ‫إ‬ ‫"‬ ‫من‬ ‫يتكون‬ ‫المزعومتين‬ ‫اليتين‬ ‫وفضل عن ذلك فتركيب الية الولى من‬
‫كدة كما نعرف ( ‪ +‬ضمير ) اسمها ( ‪ +‬اسم معّرف باللف واللم )‬ ‫) وهى مؤ ّ‬
‫مل ل " ذات عاقلة " فى أى من المواضع‬ ‫ست َعْ َ‬‫خبرها ( " ‪ ،‬وهذا التركيب لم ي ُ ْ‬
‫التى ورد فيها فى القرآن الكريم ) وهى تبلغ العشرات ( إل مع زيادة التأكيد‬
‫ن " بضميرٍ مثله كما فى المثلة التالية ‪ " :‬أل إنهم هم المفسدون ‪/‬‬ ‫لسم " إ ّ‬
‫أل إنهم هم السفهاء ‪ /‬إنه هو التواب الرحيم ‪ /‬إنك أنت السميع العليم ‪ /‬إنك‬
‫أنت التواب الرحيم ‪ /‬إنه هو السميع العليم ‪ /‬إنه هو العليم الحكيم ‪ /‬إنه هو‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الغفور الرحيم ‪ /‬إنى أنا النذير المبين ‪ /‬إنه هو السميع البصير ‪ /‬إننى أنا الله ‪/‬‬
‫إنك أنت العلى ‪ /‬إنا لنحن الغالبون ‪ /‬إنه هو العزيز الحكيم ‪ /‬وإنا لنحن‬
‫الصاّفون ‪ /‬وإنا لنحن المسّبحون ‪ /‬إنهم لهم المنصورون ‪ /‬إنك أنت الوهاب ‪/‬‬
‫إنه هو السميع البصير ‪ /‬إنه هو العزيز الرحيم ‪ /‬إنك أنت العزيز الكريم ‪ /‬إنه‬
‫هو الحكيم العليم ‪ /‬إنه هو الب َّر الرحيم ‪ /‬أل إنهم هم الكاذبون ‪ /‬فإن الله هو‬
‫الغنى الحميد " ‪ .‬أما فى المرة الوحيدة التى ورد التركيب المذكور دون زيادة‬
‫ن " بضميرٍ مثله ) وذلك فى قوله تعالى ‪ " :‬إنه الحق من‬ ‫التأكيد لسم " إ ّ‬
‫ربك " ‪ /‬هود ‪ ( 17 /‬فلم يكن الضمير عائدا على ذات عاقلة ‪ ،‬إذ الكلم فيها‬
‫عن القرآن ‪ .‬ولو كان الرسول يريد التقرب إلى المشركين بمدح آلهتهم لكان‬
‫قد زاد تأكيد الضمير العائد عليها بضميرٍ مثله على عادة القرآن الكريم‬
‫ة " ما داموا يعتقدون أنها آلهة ‪ .‬وعلى ذلك فإن التركيب‬ ‫ت عاقل ً‬‫بوصفها " ذوا ٍ‬
‫ُ‬
‫ى الغرانيق هو أيضا تركيب غريب على أسلوب القرآن الكريم ‪.‬‬ ‫فى أوَلى آي َت َ ِ‬
‫مما سبق يتأكد لنا على نحوٍ قاطٍع أن اليتين المذكورتين ليستا من القرآن ‪،‬‬
‫وليس القرآن منهما ‪ ،‬فى قليل أو كثير ‪ .‬بل إنى لستبعد أن تكون كلمة "‬
‫الغرانيق " قد وردت فى أى من الحاديث التى قالها النبى عليه الصلة‬
‫والسلم ‪.‬‬
‫وينبغى أن نضيف إلى ما مّر أن ك ُُتب الصحاح لم يرد فيها أى ذكر لهذه‬
‫الرواية ‪ ،‬ومثلها فى ذلك ما كتبه ابن هشام وأمثاله فى السيرة النبوية ‪.‬‬

‫)‪(31 /‬‬

‫ولقد قرأت فى كتاب " الصنام " لبن الكلبى ) تحقيق أحمد زكى ‪ /‬الدار‬
‫القومية للطباعة والنشر ‪ ( 19 /‬أن المشركين كانوا يرددون هاتين العبارتين‬
‫فى الجاهلية تعظيما للصنام الثلثة ‪ ،‬ومن ثم فإنى ل أستطيع إل أن أتفق مع‬
‫ما طرحه سيد أمير على من تفسير لما يمكن أن يكون قد حدث ‪ ،‬بناًء على‬
‫ما ورد من روايات فى هذا الموضوع ‪ ،‬إذ يرى أن النبى ‪ ،‬عندما كان يقرأ‬
‫سورة " النجم " وبلغ اليات التى تهاجم الصنام الثلثة ‪ ،‬توّقع بع ُ‬
‫ض‬
‫المشركين ما سيأتى فسارع إلى ترديد هاتين العبارتين فى محاولة لصرف‬
‫مسار الحديث إلى المدح بدل من الذم والتوبيخ )‪Ameer Ali, The Spirit of‬‬
‫‪ .( Islam, Chatto and Windus, London, 1978, P.134‬وقد كان الكفار فى كثير‬
‫وا كى يصرفوا الحاضرين عما‬ ‫طا ول َغْ ً‬ ‫من الحيان إذا سمعوا القرآن أحدثوا ل َغْ ً‬
‫ت ‪ ، ( 26 /‬فهذا الذى يقوله الكاتب الهندى هو من‬ ‫صل َ ْ‬
‫تقوله آياته الكريمة ) فُ ّ‬
‫ذلك الباب ‪.‬‬
‫ولتقريب المر أمّثل لهذه الطريقة بواقعة كنت من شهودها ‪ ،‬إذ كان رئيس‬
‫ومرؤوسه يتعاتبان منذ أعوام فى حضورى أنا وبعض الزملء ‪ ،‬وكان الرئيس‬
‫يتهم المرؤوس المسكين بأنه يكرهه ‪ ،‬والخر يحاول أن يبرئ نفسه عبثا لنه‬
‫كان معروفا عنه خوضه فى سيرة رئيسه فى كل مكان ‪ .‬وفى نوبة يأس‬
‫أسرع قائل وهو يؤكد كلمه بكل ما لديه من قوة ‪ " :‬إن ما بينى وبينك‬
‫عميق ! " ‪ ،‬فما كان من زميل معروف بحضور بديهته وسرعة ردوده التى‬
‫ول مجرى الحديث من وجهته إلى وجهة أخرى معاكسة إل أن تدخل قائل‬ ‫تح ّ‬
‫فى سرعة عجيبة كأنه يكمل كلما ناقصا ‪ " :‬فعل ! عميقٌ ل ي ُعَْبر "‪ .‬وهنا‬
‫ة أحسن تلخيص للموقف ولمشاعر‬ ‫خص ً‬ ‫دها مل ّ‬ ‫أمسك الرئيس بهذه العبارة وع ّ‬
‫سب إليه !‬ ‫مرؤوسه المزنوق الذى يحاول التنصل مما ي ُن ْ َ‬
‫ومن ذلك أيضا ما كان بعض أصدقائنا المدرسين يعابث به تلميذاته إذا رآهن‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قد أسرفن فى التحمس لقاسم أمين وإبراز أهمية الدور التى تؤديه المرأة‬
‫فى الحياة ‪ ،‬إذ كان ‪ ،‬كلما رّددن أمامه العبارة المشهورة فى هذا السياق من‬
‫أن " وراء كل عظيم امرأة " ‪ ،‬يجيبهن مرة ‪ " :‬طبعا وراءه ل أمامه ‪ ،‬فهو‬
‫صاحب الصدارة والتفوق ‪ ،‬أما هى فتابعة له "‪ ،‬ومرة ‪ " :‬فعل وراءه ‪،‬‬
‫ودة عيشته " ‪ ...‬وهكذا ‪.‬‬‫والزمان طويل " ‪ ،‬ومرة ‪ " :‬وراءه مس ّ‬
‫ورغم أننا قد فّندنا هذا السخف الساخف فإّنا لنستغرب ذلك الضجيج الذى‬
‫دثه هؤلء الوباش حول رسولنا الكريم بسببه ‪ .‬ذلك أنهم يقولون إنه ما‬ ‫ح ِ‬‫يُ ْ‬
‫من نبى من أنبياء الكتاب المقدس إل قد ارتكب خطيئة أو أكثر من العيار‬
‫الثقيل حسبما جاء فى هذا الكتاب ذاته ‪ :‬فإبراهيم تخلى عن زوجته لفرعون‬
‫دعيا أنها أخته وتركها له يفعل بها ما يشاء خوًفا على حياته ‪ ،‬وكان من‬ ‫م ّ‬
‫الممكن أن ينال الملك ما يشتهى منها لول أن الله قد ضربه هو وأهله‬
‫ت عظيمة كما يقول مؤلف " سفر التكوين " ) ‪، ( 20 – 11 / 12‬‬ ‫ضربا ٍ‬
‫فعرف أن سارة ليست أختا لبراهيم بل هى زوجته ‪ .‬وموسى يقدم على قتل‬
‫سة حقيرة وجبن واضح ‪ .‬وهارون يصنع العجل لبنى‬ ‫المصرى بدم بارد وخ ّ‬
‫إسرائيل ليعبدوه ويرقصوا وهم يطوفون به عراة ً أثناء غياب موسى فى‬
‫الطور عند لقائه بربه ‪ .‬وداود يزنى بامرأة قائده ثم يدبر مؤامرة إجرامية‬
‫خسيسة لقتله والتخلص منه ليفوز بالزوجة ‪ ،‬وكان له ما أراد ‪ .‬وسليمان‬
‫ينظم نشيدا كله عهر وإغراء بالفاحشة ‪ ،‬كما ينزل على رغبات زوجاته‬
‫الوثنيات فيصنع لهن أصناما يعبدنها فى بيته إرضاًء لهن ‪ ...‬إلخ ‪ .‬وهؤلء‬
‫المتنطعون يقولون إن وقوع النبياء فى الخطايا أمر طبيعى لنهم بشر ‪ .‬فإذا‬
‫كان المر كذلك فلماذا ‪ ،‬يا أيها المتنطعون ‪ ،‬ل تنظرون بنفس العين إلى‬
‫غلطة الغرانيق بافتراض أنها وقعت بالفعل ‪ ،‬وبخاصة أنها ل ترقى أبدا إلى ما‬
‫ذفت‬ ‫فََرط من أىّ من أنبياء كتابكم حسبما تقولون أنتم أنفسكم ‪ ،‬فقد ُ‬
‫ح ِ‬
‫جل فى القرآن قط ؟‬ ‫س ّ‬‫اليتان المذكورتان فى الحال ولم ت ُ َ‬
‫مرة أخرى أكرر أن هذه الرواية هى رواية مكذوبة ل تثبت على محك النقد‬
‫العلمى ‪ :‬سواء من ناحية السند أو من ناحية المتن والسلوب كما رأينا ‪،‬‬
‫لكنى أحاول أن أبين للقارئ الفاضل مدى التواء هؤلء المخابيل وخبث‬
‫ف هؤلء المخابيل أمام صورتهم فى‬ ‫نفوسهم وكيلهم بمكيالين ‪ ،‬وأن ُأوقِ َ‬
‫المرآة لي ََرْوا قبحها ودمامة ملمحها الشيطانية !‬

‫)‪(32 /‬‬

‫وهنا أحب أن أشير إلى مفارقة غاية فى العجب والغرابة والشذوذ ‪ ،‬فانطلقا‬
‫من المفهوم الطاهر للنبوة فى ديننا واليمان بأن النبياء ل يمكن أن يقترفوا‬
‫مثل هذه الجرائم التى ل تقع إل من عتاة المجرمين نقوم نحن المسلمين‬
‫بالدفاع عن أنبياء الكتاب المقدس ضد التهم التى يلصقها هذا الكتاب‬
‫كدين أن‬‫المحّرف بهم ‪ ،‬لكن النصارى يردون على هذا الدفاع بالتخطئة مؤ ّ‬
‫سب إليهم ‪ .‬ومع ذلك فإنهم عند‬ ‫هؤلء النبياء قد ارتكبوا فعل الخطايا التى ت ُن ْ َ‬
‫تناولهم للشبهات الباطلة التى يتعلقون بها للنيل من أخلق الرسول العظم‬
‫دون أى تسامح أو تساهل مع‬ ‫نراهم وقد أخذتهم الحمّية للخلق الكريمة فل ي ُب ْ ُ‬
‫هذه التهم الكاذبة !‬
‫أليست هذه مفارقة تحتاج إلى دراسة تحليلية لذلك اللتواء النفسى ؟‬
‫ويمكن القارئ أن يرجع مثل إلى موقع " النور " النصرانى ‪ ،‬ولسوف يجد‬
‫مقال بعنوان " عصمة الوحى وخطايا النبياء " يتحدث فيه صاحبه عن الخطايا‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التى اجترحها كل من آدم ونوح وإبراهيم وإسحاق ويعقوب ولوط وإخوة‬


‫يوسف وداود وسليمان وغيرهم مما أشرنا لبعضه آنفا ‪ ،‬مع تسويغ هذه‬
‫الخطايا بشبهة أنهم بشر ‪ ،‬لكنه عندما يتناول ما يظنه أخطاًء لسيد النبياء‬
‫والمرسلين يحاسبه حسابا عسيرا ‪ ،‬ول يرضى أبدا بغض البصر أو التسامح‬
‫تحت أى بند من البنود !‬
‫إننى حين أدافع عن سيد النبيين والمرسلين ل أفعل ذلك لمجرد انتمائى لدينه‬
‫‪ ،‬بل أفعله إيمانا منى بعظمته وعبقريته وشموخ شخصيته ‪ :‬فقد أتى بمبادئ‬
‫ل ترقى إليها أية مبادئ فى أى دين أو فلسفة أو مذهب من مذاهب السياسة‬
‫والتربية والخلق ‪.‬‬
‫ثم إنه قد وضع تلك المبادئ موضع التطبيق ‪ ،‬وكان توفيقه فى هذا المجال‬
‫مذهل ‪ ،‬ولم يقتصر المر معه على مجرد الدعوة لها كما هو الحال مع عيسى‬
‫عليه السلم ‪ ،‬الذى لم يأت ‪ ،‬حسب ما هو مسطور فى سيرته ‪ ،‬إل ببعض‬
‫كل عيشا ! والواقع أنه لو‬ ‫المواعظ والنصائح المغرقة فى الخيال مما ل يؤ ّ‬
‫جد ّ ما دعا إليه السيد المسيح حسبما جاء فى الناجيل‬ ‫أخذت البشرية مأخذ ال ِ‬
‫دم ول تمّتع بأى من خيرات الحياة ‪ ،‬فكل الكلم‬ ‫لما كانت هناك حضارة ول تق ّ‬
‫المنسوب له عليه السلم تنفير من الغنى والقوة والدفاع عن النفس وتبغيض‬
‫فى الدنيا وطيباتها ‪ ،‬وهو يقول بصراحة ل تحتمل أى تأويل إن مملكته ليست‬
‫من هذا العالم ‪ .‬كما ينظر إلى الغرائز البشرية نظرة التوجس بل الكراهية ‪،‬‬
‫مع أن هذه الغرائز هى وقود سفينة الحياة ‪ ،‬ولول هى لما رامت هذه السفينة‬
‫موضَعها إلى البد! كذلك لم يترك المسيح أية تشريعات تقريبا ‪ ،‬وبالذات فى‬
‫مجال السياسة والحكم وتنظيم المجتمع ‪ .‬ومن ثم فإننا إذا أردنا أن نقيم‬
‫دولة على المبادئ التى خّلفها لم نجد ما يمكن أن يساعد فى هذا المجال !‬
‫ولكن ل ينبغى فى ذات الوقت أن ننسى أنه عليه السلم لم ي ُك َْتب له أن‬
‫يعيش بعد اختياره نبّيا إل لسنوات ثلث ‪ ،‬وهى فترة غير كافية لنجاز أى‬
‫مشروع على الطلق ! ومن هنا كان من الظلم البين له مقارنة عمله بما‬
‫أنجزه الرسول العظم رغم احترامنا له وحبنا إياه وإيماننا بنبوته ‪.‬‬
‫لكن صورة المسيح التى تعرضها علينا الناجيل هى للسف صورة ظالمة ‪ ،‬إذ‬
‫ل له إل إبراُء المرضى‬ ‫م َ‬ ‫تظهره عصبّيا جافى الطبع ل يستقر فى مكان ‪ ،‬ول عَ َ‬
‫ن اليهود وسّبهم‬ ‫َ‬
‫الذين يلهثون خلفه هنا وههنا فى فوضى مزعجة ‪ ،‬وإل لعْ ُ‬
‫ومخالفتهم فى كل ما يتمسكون به من تشريعات ‪ ،‬مع الزعم فى ذات الوقت‬
‫بأنه ما جاء لينقض الناموس الذى أتى به موسى عليه السلم ‪ ،‬ثم ل شىء‬
‫وراء ذلك !‬
‫طبعا سيقول النصارى إنه قد أتى إلى العالم ليفتدى البشرية من خطيئتها‬
‫ذج ل يمكن أن يأخذ هذه المزاعم المصنوعة‬ ‫الولى ‪ ،‬لكن أحدا من غير الس ّ‬
‫جد ّ !‬
‫على غرار وثنيات القدماء وخرافاتهم مأخذ ال ِ‬
‫ن وما يؤمن ! ونحن ل نتدخل فى عقائد غيرنا ‪ ،‬بيد أننا‬ ‫ومع ذلك فك ّ‬
‫ل إنسا ٍ‬
‫س سيدنا رسول الله بسوء !‬ ‫م ّ‬ ‫فى الوقت ذاته ل يمكن أن نتسامح مع من ي َ َ‬
‫أنتم أحرار فى كفركم به يا من ل تؤمنون برسالته ‪ ،‬فهذا اختياركم ‪ ،‬ونحن ل‬
‫نصادر حق أى إنسان فى الختيار ‪ .‬لكن هذا شىء ‪ ،‬والتطاول على شخص‬
‫الرسول الكرم والقرآن الذى جاء به شىء آخر مختلف تماما ‪.‬‬
‫وأرجو أن تكون الرسالة قد وصلت !‬

‫)‪(33 /‬‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرسول صلى الله عليه وسلم هو القدوة‬


‫أول ‪ :‬أهمية الموضوع ‪:‬‬
‫وتتضح أهمية موضوع الرسول – صلى الله عليه وسلم‪ -‬القدوة في النقاط‬
‫التية ‪:‬‬
‫‪ -1‬إن الناظر في الوساط التربوية اليوم ليلحظ قلة القدوة الصالحة المؤثرة‬
‫في المجتمعات السلمية‪ ،‬رغم كثرة أهل العلم والتقوى والصلح ‪.‬‬
‫‪ -2‬إن المتأمل في خضم الحياة المعاصرة يجد المور قد اختلطت‪ ،‬والشرور‬
‫قد سادت‪ ،‬وأصبح النشء والشباب ُيرددون ‪) :‬نحن ل نجد القدوة الصالحة‪..‬‬
‫فلماذا؟( ‪.‬‬
‫‪ -3‬إن كثيرا من الناس اليوم بدل ً من أن يتخذوا سيرة نبيهم وقدوتهم محمد –‬ ‫ً‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،-‬تراهم قد انشغلوا بالمشاهير من الممثلين أو‬
‫اللعبين‪ ،‬وما تراهم إل استبدلوا‬
‫الذي هو أدنى بالذي هو خير ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬وجوب القتداء بالرسول – صلى الله عليه وسلم‪:-‬‬
‫يجب على كل مسلم ومسلمة القتداء والتأسي برسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو ِ‬ ‫م ِفي َر ُ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬
‫كا َ‬‫قد ْ َ‬ ‫وسلم ‪ ;-‬فالقتداء أساس الهتداء‪ ،‬قال تعالى ‪" :‬ل َ َ‬
‫ه ك َِثيرًا" ]الحزاب‪[21:‬‬ ‫ُ‬
‫خَر وَذ َك ََر الل ّ َ‬‫م اْل ِ‬ ‫ه َوال ْي َوْ َ‬ ‫جو الل ّ َ‬‫ن ي َْر ُ‬‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة لِ َ‬‫سن َ ٌ‬‫ح َ‬ ‫سوَة ٌ َ‬ ‫أ ْ‬
‫قال ابن كثير ‪" :‬هذه الية أصل كبير في التأسي برسول الله – صلى الله‬
‫س بالتأسي بالنبي –‬ ‫ُ‬
‫مَر النا ُ‬ ‫عليه وسلم ‪ -‬في أقواله وأفعاله وأحواله‪ ،‬ولهذا أ ِ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يوم الحزاب في صبره ومصابرته ومرابطته‬
‫ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه –عز وجل‪.(1) "-‬‬
‫وله‬ ‫فمنهج السلم يحتاج إلى بشر يحمله ويترجمه بسلوكه وتصرفاته‪ ،‬فيح ّ‬
‫إلى واقع عملي محسوس وملموس‪ ،‬ولذلك بعثه – صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫بعد أن وضع في شخصيته الصورة الكاملة للمنهج‪ -‬ليترجم هذا المنهج ويكون‬
‫خير قدوة للبشرية جمعاء ‪.‬‬
‫لقد كان الصالحون إذا ذكر اسم نبينا محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ;-‬يبكون‬
‫ه‪ ،‬وكيف ل يبكون؟ وقد بكى جذع النخلة شوقا وحنينا‬ ‫شوقا وإجلل ومحبة ل َ ُ‬
‫ن إذا‬ ‫ول النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ;-‬عنه إلى المنبر‪ ،‬وكان الحس ُ‬ ‫لما تح ّ‬
‫ن الجذع وبكاءه‪ ،‬يقول ‪" :‬يا معشر المسلمين‪ ،‬الخشبة تحن‬ ‫حني َ‬ ‫ذ َك ََر حديث َ‬
‫إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم‪ -‬شوقا إلى لقائه؛ فأنتم أحق أن‬
‫تشتاقوا إليه" )‪.(2‬‬
‫يقول ابن تيمية ‪-‬رحمه الله‪" : -‬وإنما ينفع العبد الحب لله لما يحبه الله من‬
‫خلقه كالنبياء والصالحين؛ لكون حبهم يقرب إلى الله ومحبته‪ ،‬وهؤلء هم‬
‫الذين يستحقون محبة الله لهم" )‪.(3‬‬
‫ول بد من تحقيق المحبة الحقيقية لنبينا محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪;-‬‬
‫وتقديم محبته وأقواله وأوامره على من سواه )ثلث من كن فيه وجد بهن‬
‫ب إليه مما سواهما‪ (..‬الحديث )‪.(4‬‬ ‫حلوة اليمان ‪ :‬أن يكون الله ورسول ُ َ‬
‫ح ّ‬ ‫هأ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫إن واجبنا القتداء بسيرة النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ;-‬وجعلها المثل‬
‫العلى للنسان الكامل في جميع جوانب الحياة‪ ،‬واتباع النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫ه‪ ،‬وفي‬ ‫عليه وسلم ‪ ;-‬دليل على محبة العبد ربه‪ ،‬وسينال محبة الله تعالى ل َ ُ‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫حب ِب ْك ُ ُ‬
‫ه َفات ّب ُِعوِني ي ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬‫ل إِ ْ‬ ‫هذا يقول الله –عز وجل‪ " -‬قُ ْ‬
‫م" ]آل عمران‪ .[31:‬فسيرة الرسول –‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬‫م َوالل ّ ُ‬‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬
‫وَي َغْ ِ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬كانت سيرة حية أمام أصحابه في حياته وأمام أتباعه‬
‫بعد وفاته‪ ،‬وكانت نموذجا ً بشريا ً متكامل ً في جميع المراحل وفي جميع‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جوانب الحياة العملية‪ ،‬ونموذجا ً عمليا ً في صياغة السلم إلى واقع مشاهدٍ‬
‫ه محمدا ً – صلى الله عليه وسلم‪،-‬‬ ‫ف من خلل أقوال ِهِ وأفعال ِهِ فيتبع رسول َ ُ‬ ‫يعر ُ‬
‫عه دليل على صدق محبته‪-‬سبحانه‪.-‬‬ ‫ويجعل ات َّبا َ‬
‫كما أن محبة الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أصل من أصول اليمان الذي‬
‫ل يتم إل به‪ ،‬عن عمر –رضي الله عنه‪ -‬قال رسول الله – صلى الله عليه‬
‫ب إليه من والده‬ ‫دكم حتى أكون أح ّ‬ ‫وسلم‪)) : -‬والذي نفسي بيده ل يؤمن أح ُ‬
‫وولده والناس أجمعين(( )‪.(5‬‬
‫ولقد كان الصحابة جميعا‪-‬رضي الله عنهم‪ -‬يحبون النبي – صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬حبا صادقا حملهم على التأسي به والقتداء واتباع أمره واجتناب نهيه؛‬
‫سو َ‬
‫ل‬ ‫ه َوالّر ُ‬ ‫ن ي ُط ِِع الل ّ َ‬‫م ْ‬‫رغبة في صحبته ومرافقته في الجنة‪ ،‬قال تعالى ‪" :‬وَ َ‬
‫ك مع ال ّذي َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬
‫داِء َوال ّ‬ ‫شهَ َ‬‫ن َوال ّ‬ ‫قي َ‬‫دي ِ‬
‫ص ّ‬
‫ن َوال ّ‬
‫ن الن ّب ِّيي َ‬
‫م َ‬‫م ِ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ْ‬
‫م الل ّ ُ‬ ‫فَأول َئ ِ َ َ َ ِ َ‬
‫ن أن ْعَ َ‬
‫ك َرِفيقًا" ]النساء‪ [69:‬وفي الحديث "المرء مع من أحب" )‪.(6‬‬ ‫ن ُأول َئ ِ َ‬
‫س َ‬‫ح ُ‬
‫وَ َ‬
‫وجاء في حديث أنس –رضي الله عنه‪ ;-‬بلفظ قال‪":‬شهدت يوم دخل النبي –‬
‫ن ول أضوأ َ منه" )‪ ،(7‬وفي‬ ‫َ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬المدينة فلم أَر يوما ً أحس َ‬
‫ة فما رأيت يوما ً َقط كان أحسن ول أضوأ َ‬ ‫ل المدين َ‬ ‫م دخ َ‬
‫َ‬ ‫رواية ‪":‬فشهدُته يو َ‬
‫م‬‫ح ول أظل َ‬ ‫ً‬
‫من يوم دخل علينا فيه‪ ،‬وشهدته يوم مات فما رأيت يوما كان أقب َ‬
‫من يوم مات فيه –صلى الله عليه وسلم‪.(8) "-‬‬
‫ثالثا ‪ :‬أمور مهمة في القتداء بالنبي – صلى الله عليه وسلم‪: -‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -‬ومن الجوانب المهمة في القتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ أن سيرته ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬في إيمانه وعبادته وخلقه وتعامله مع غيره‪ ،‬وفي‬
‫جميع أحواله كانت سيرة مثالية في الواقع‪ ،‬ومؤثرة في النفوس؛ فقد‬
‫اجتمعت فيها صفات الكمال وإيحاءات التأثير البشري‪ ،‬واقترن فيها القول‬
‫بالعمل؛ ول ريب أن اليحاء العملي أقوى تأثيرا ً في النفوس من القتصار‬
‫س‬
‫على اليحاء النظري؛ لهذه العلة أرسل الله تعالى الرسل ليخالطهم النا ُ‬
‫ل – صلى الله عليه وسلم‪ -‬ليكون‬ ‫ويقتدوا بهداهم‪ ،‬وأرسل الله سبحانه الرسو َ‬
‫للناس أسوة حسنة يقتدون به‪ ،‬ويتأسون بسيرته‪ ،‬قال المولى – عز وجل‪" -‬‬
‫م اْل ِ‬ ‫ُ‬
‫خَر‬ ‫ه َوال ْي َوْ َ‬
‫جو الل ّ َ‬‫ن ي َْر ُ‬
‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫سن َ ٌ‬
‫ح َ‬
‫سوَة ٌ َ‬‫ل الل ّهِ أ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫م ِفي َر ُ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬
‫كا َ‬ ‫لَ َ‬
‫ه ك َِثيرًا" ]الحزاب‪ ،[21:‬وقد أمرهم ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بالتأسي‬ ‫وَذ َك ََر الل ّ َ‬
‫به فقال ‪":‬صلوا كما رأيتموني أصلي" )‪ ،(9‬وقال – صلى الله عليه‬
‫كم" )‪.(10‬‬ ‫سك َ ُ‬‫ذوا منا ِ‬ ‫خ ُ‬
‫وسلم‪": -‬لتأ ُ‬
‫وقال بعضهم في القتداء بالنبي – صلى الله عليه وسلم‪ -‬والتأسي به ‪ :‬إذا‬
‫ك حاديا‬ ‫ب ِذكرا َ‬ ‫طي ُ‬ ‫منا *** كفى بالمطايا ِ‬ ‫ما ُ‬‫نحن أدلجنا وأنت إ َ‬
‫هاديا )‪(11‬‬ ‫ك َ‬ ‫جهِ َ‬ ‫فاَنا ُنوُر وَ ْ‬‫د*** دليل ك َ‬ ‫وإن نحن أضل َل َْنا الطريقَ ولم نج ْ‬
‫ومن المور التي يجدر التنبيه عليها أيضا في القتداء بالنبي – صلى الله عليه‬
‫وسلم والتأسي به‪:‬‬
‫‪ -‬العمل بسنته باطنا وظاهرا‪ :‬مثل سنن العتقاد ومجانبة البدعة وأهلها‪.‬‬
‫والسنن المؤكدة ‪ :‬مثل سنن الكل واللباس والوتر وركعتي الضحى‪ ،‬وسنن‬
‫المناسك في الحج والعمرة ‪..‬‬
‫‪ -‬تطبيق السنن المكانية ‪ :‬الذهاب إلى مدينة رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،-‬والصلة في مسجده‪ ،‬والصلة في مسجد قباء‪ ،‬والصلة في الروضة‬
‫الشريفة‪ ،‬وهي من رياض الجنة التي ينبغي التنعم فيها والعتناء بها‪ ،‬قال –‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صلى الله عليه وسلم‪)) : -‬ما بين بيتى ومنبري روضة من رياض الجنة‪،‬‬
‫ومنبري على حوضي(( )‪.(12‬‬
‫‪ -‬الكثار من الصلة عليه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ;-‬كما في قوله ‪)) :‬من‬
‫صلى علي صلة صلى الله عليه بها عشرا(( )‪.(13‬‬
‫رابعا ‪ :‬حاجة المة إلى القدوات دوما بعد الرسول – صلى الله عليه وسلم‪:-‬‬
‫إن القتداء بالرسول – صلى الله عليه وسلم‪ -‬في الدعوة إلى الله تعالى‬
‫ليس بالموضوع الهين‪ ،‬فإنه أمر جلل‪ ،‬والمة السلمية اليوم‪ ،‬وهي تشهد‬
‫صحوة وتوبة وأوبة إلى الله تعالى‪ ،‬وتشهد ‪-‬في الوقت نفسه‪ -‬مناهج وطرقا ً‬
‫مختلفة في الدعوة إلى الله‪ ..‬هي أحوج ما تكون إلى معرفة منهج النبي‬
‫م‪ ،‬ومنهج النبياء الكرام في الدعوة إلى الله؛ فليس‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫َ‬
‫صّلى الل ُ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫النبي‬ ‫منهج‬ ‫إل‬ ‫والعمل‬ ‫والعلم‬ ‫الدعوة‬ ‫في‬ ‫به‬ ‫يقتدى‬ ‫منهج‬ ‫هناك‬
‫م‪ ،‬ومن تبعه من الصحابة الكرام والسلف الصالح ‪.‬‬ ‫سل ّ َ‬‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫فمنذ عهد الصحابة –رضوان الله عنهم‪ -‬ومن تبعهم من الصالحين والعلماء‬
‫والدعاة وأهل الفضل والتقى على مر العصور خلفوا سيرة الرسول – صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬في عطائها وإيحائها وتأثيرها؛ لنهم ورثة النبياء‪ ،‬يقتدي بهم‬
‫الناس في اتباع هدي الرسول – صلى الله عليه وسلم‪ -‬والعمل بسنته‪،‬‬
‫وبقيت سيرهم بعد وفاتهم نبراسا ً يضيء طريق محبيهم إلى الخير‪ ،‬ويرغبهم‬
‫في السير على منهج الحق والهدى ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من اختفاء تلكم الشخصيات عن العيون إل أن سيرها العطرة‬
‫المدونة ل تزال بقراءتها تفوح مسكا ً وطيبًا‪ ،‬وتؤثر في صياغة النفوس‬
‫واستقامتها على الهدى والصلح‪ ،‬قال بشر بن الحارث ‪" :‬بحسبك أقوام تحي‬
‫القلوب بذكرهم‪ ،‬وبحسبك أقوام تموت القلوب بذكرهم"‪.‬‬
‫ذلك أن القدوة ل تزال مؤثرة وستبقى مؤثرة في النفس النسانية‪ ،‬وهي من‬
‫أقوى الوسائل التربوية تأثيرا ً في النفس النسانية‪ ،‬لشغفها بالعجاب بمن هو‬
‫ل‪ ،‬ومهيأة للتأثر بشخصيته ومحاولة محاكاته‪ ،‬ول شك أن‬ ‫أعلى منها كما ً‬
‫الدعوة بالقدوة أنجح أسلوب لبث القيم والمبادئ التي يعتنقها الداعية‪.‬‬
‫وفي التأكيد على أهمية القدوة الحسنة في الداعية أو الستاذ وأثر ذلك في‬
‫تلميذه‪ ،‬نقل الذهبي ‪" :‬كان يجتمع في مجلس أحمد ُزهاء خمسة آلف أو‬
‫ن الدب‬ ‫س َ‬ ‫يزيدون‪ ،‬نحو خمس مئة يكتبون‪ ،‬والباقون يتعّلمون منه ُ‬
‫ح ْ‬
‫سمت" )‪.(14‬‬ ‫وال ّ‬
‫وقبل أن نختم موضوعنا يجدر بنا أن نطرح تساؤل مهما كثيرا ما يرد ‪ :‬ما‬
‫السبب في قلة القدوة المؤثرة إيجابيا ً في الوسط التربوي ؟‬
‫وتكون الجابة على هذا السؤال بالمور التالية )‪:(15‬‬
‫‪ -1‬عدم توافر جميع الصفات التالية في كثير من الشخاص الذين هم محل‬
‫للقتداء‪:‬‬
‫أ‪ -‬الستعداد الذاتي المتمثل في طهارة القلب وسلمة العقل واستقامة‬
‫الجوارح‪.‬‬
‫ب‪ -‬التكامل في الشخصية أو في جانب منها بحيث يكون الشخص محل ً‬
‫دين وحسن الخلق ‪.‬‬ ‫للعجاب وتقدير الخرين ورضاهم‪ ،‬مع سلمة في ال ّ‬
‫ت‪ -‬حب الخير للخرين والشفقة عليهم والحرص على بذل المعروف وفعله‬
‫والدعوة إليه‪ ،‬فمن كان على هذه الصفة أحبه الناس وقدروه وتأسوا به‪ ،‬ومن‬
‫فقد هذه الصفة لم يلتفتوا إليه‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -2‬عدم تسديد النقص أو القصور الذي قد يعتري من هم محل للقتداء‬


‫كالباء والمعلمين وأهل العلم في صفة من تلك الصفات مما يصرف الناس‬
‫عن التأسي بهم‪ ،‬وهذا يرجع إلى عدم إدراك هؤلء للواجب‪ ،‬أو عدم تصورهم‬
‫لثر القدوة في التربية والصلح‪ ،‬أو لضعف شخصي ناتج عن استجابة لضغط‬
‫المجتمع ‪ ،‬أو لسلبية عندهم نحو المشاركة في تربية الناشئة وإصلح أفراد‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫‪ -3‬مزاحمة القدوات المزيفة المصطنعة للتلبيس على الناس وإضللهم عن‬
‫الهدى وتزيين السوء في أعينهم‪ ،‬وصرفهم عن أهل الخير وخاصة الله‪ ،‬فقد‬
‫أسهم العلم المنحرف والمشوب في صناعة قدوات فاسدة أو تافهة‪،‬‬
‫وسلط عليها الضواء ومنحها من اللقاب والصفات والمكانة الجتماعية ما‬
‫جعلها تستهوي البسطاء من الناس أو ضعاف النفوس والذين في قلوبهم‬
‫مرض‪ ،‬وتوحي بزخرف القول الذي يزين لهؤلء تقليدهم ومحاكاتهم‪.‬‬
‫‪" -4‬العناصر الخيرة قليلة في سائر المجتمعات‪ ،‬فما يكاد العامة يرون‬
‫نموذجا جيدا ً حتى يسارعوا إلى اللتفاف حوله والتعلق به" )‪.(16‬‬
‫ومن هنا تأتي الحاجة ملحة لن نعيد إلى الناس بيان حياة الرسول – صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬القدوة والسوة الحسنة للناس جميعا‪ ،‬ونعنى بتربية البناء‬
‫والشباب‪ ،‬وإعطائهم الصورة الصحيحة للقدوة الصالحة‪ ،‬وإبرازهم الشخصية‬
‫المستحقة للتباع والحتذاء‪.‬‬
‫ونختم موضوعنا؛ في الرسول – صلى الله عليه وسلم‪ -‬القدوة‪ ،‬بأن المسلم‬
‫جَراها وَفْقَ ما أمر الله‬ ‫َ‬
‫إذا راقب الله تعالى في عباداته ومعاملته ودعوته وأ ْ‬
‫عز وجل; وما أمر رسوله – صلى الله عليه وسلم‪ -‬كان مقتديا برسول الله –‬
‫صلى الله عليه وسلم‪. -‬‬
‫ل على محمد وأزواجه وذريته‪ ،‬كما صليت على آل إبراهيم‪ ،‬وبارك‬ ‫اللهم ص ّ‬
‫على محمد وأزواجه وذريته‪ ،‬كما باركت على آل إبراهيم‪ ،‬إنك حميد مجيد‪.‬‬
‫==============‬
‫الرسول القدوة )‪(2‬‬
‫ذكرنا فى العدد الماضي أن القتداء برسول الله ص فريضة شرعية‪،‬‬
‫وضرورة حياتية‪ ،‬مشددين القول على أن الناس جميعا ً في حاجة ماسة اليوم‬
‫إلى القتداء بمحمد ص لتحقيق النجاح المطلق في الحياة‪ ،‬والسعادة في‬
‫الدنيا والخرة‪ .‬وتطرقنا إلى أبرز معوقات هذا القتداء‪ ،‬مطالبين بالتمييز بين‬
‫مجموعة من الصفات المهمة التي يجب أن يقتدي فيها الدعاة برسول الله‬
‫ما والقادة‬‫ص‪ ،‬وهو ما ُيعرف ب"القدوة الخاصة" التى يجب على الدعاة عمو ً‬
‫صا النتباه لها والحرص عليها‪ ،‬ومن هذه الصفات شدة سماعه ص‬ ‫خصو ً‬
‫لصحابه والقبال على حديثهم بالهتمام والتصديق‪ ،‬وإشعار كل فرد منهم‬
‫بأهميته وأهمية ما أتى به من خبر أو اجتهاد أو رأي أو مشورة أو سؤال‪،‬‬
‫والرحمة والشفقة وجميل حسن المصاحبة‪ ،‬وإظهار الحب لجميع التباع‬
‫والشعور العاطفي الفياض بهم‪ ،‬إضافة إلى تيسيره ص على أصحابه وأتباعه‬
‫وأمته‪ ،‬وهذا من باب الحب والشفقة والرحمة‪ ،‬ومشاركته لهم فى الجهد‬
‫والمشقة‪ ،‬علوة على حفاظه ص دائما ً على الشورى وحرصه عليها‪ .‬واليوم‬
‫نكمل ذكر تلك الصفات‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ 6‬سياسة التفويض‪ :‬هو أن يكلف القائد شخصا أو فردا ينوب عنه في أداء‬
‫بعض العمال‪ ،‬وهذه السياسة تنبع أساسا ً من يقين القائد بعدم قدرته على‬
‫أداء كل العمال بمفرده لكنه يعمل من خلل فريق عمل متكامل‪ ،‬ولقد كان‬
‫رسول الله ص يولي أصحابه أو يفوضهم للقيام بكثير من العمال‪ ،‬فأرسل‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الطفيل بن عمرو الدوسي إلى قومه يدعوهم إلى السلم بعدما أسلم؛‬
‫وأرسل مصعب بن عمير سفيرا ً إلى أهل المدينة يعلمهم الدين ويدعو القوم‬
‫إلى السلم‪ ،‬وكان يعقد السرايا للصحابة‪ ،‬وأمر حذيفة يوم الحزاب أن يأتيه‬
‫بخبر القوم‪ ،‬وقام حذيفة بدور المخابرات العسكرية السلمية‪ ،‬وهذا غير‬
‫صنيعه ص يوم بدر عندما خرج بنفسه مع أبي بكر يستكشف‪ ،‬كأنه يومها كان‬
‫يعلم الناس‪ ،‬وولى على الجيش يوم مؤتة‪ ،‬وكان جيشا ً عظيما ً قوامه ثلثة‬
‫آلف مسلم وهو أكبر جيش من حيث العدد يتحرك من المدينة وقتها ورتب‬
‫على القيادة زيد بن حارثة ثم جعفر بن أبي طالب ثم عبد الله بن رواحة‪،‬‬
‫مر أبا بكر على‬ ‫وفوض عثمان بن عفان بمفاوضة قريش يوم الحديبية‪ ،‬وأ ّ‬
‫الحج عام الوفود‪ ،‬واستعمل أسامة بن زيد على جيش يضم كبار الصحابة‪.‬‬
‫وإذا كان التفويض هو أمر طبيعي تحتاج إليه أي قيادة فإنه ينبني على أسس‬
‫منها‪ :‬الثقة في الجنود‪ ،‬العلم بمدى كفاءة هؤلء الجنود‪ ،‬التوظيف الجيد لهذه‬
‫الكفاءات بما يتناسب مع المهمة التي يقومون بها‪ ،‬إعطاء مساحة من الحرية‬
‫للقائم بالعمال لنجاز مهمته دون الحاجة إلى الرجوع إلى القيادة المركزية‬
‫في كل كبيرة وصغيرة‪ ،‬وتحمل أخطاء الولة أو المكلفين بالعمال والصبر‬
‫عليهم‪ ،‬مثلما حدث في سرية نخلة عندما قاتل عبد الله بن جحش السدي‬
‫وأصحابه عيرا ً لقريش في آخر يوم من رجب وهو من الشهر الحرم‪ ،‬فعاتبهم‬
‫ص على ذلك وأطلق سراح السيرين وأدى دية المقتول إلى أوليائه‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وعندما بعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة بعد فتح مكة فأسرهم وعرضهم‬
‫على السيف وهم يقولون‪ :‬صبأنا‪ ،‬صبأنا يريدون أسلمنا‪ ،‬ولكنهم لم يحسنوا‬
‫النطق بها‪ ،‬ولما علم رسول الله ص بالخبر رفع يديه إلى السماء وقال‪ :‬اللهم‬
‫إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ثلث مرات‪ ،‬لكنه استعمل خالدا ً بعد‬
‫مره على سرية بعد غزوة تبوك‪ ،‬وأرسله إلى‬ ‫ذلك على سرية ليهدم العزى‪ ،‬وأ ّ‬
‫دومة الجندل فأسر أكيدر وجاء به إلى النبي‪ ،‬وهذا الصبر ل يعني عدم‬
‫محاسبة الولة أو توجيههم إذا وقعوا في خطأ‪ ،‬ومحاكمتهم لتبرير موقفهم إذا‬
‫اتهمهم الناس‪ ،‬ومن هذا سؤاله لعمرو بن العاص عندما منع جيشه في إحدى‬
‫السرايا أن يوقدوا نارا ً للتدفئة‪ ،‬ولومه لسامة بن زيد لما قتل مرداس بن‬
‫نهيك بعد أن قال ل إله إل الله في سرية غالب بن عبد الله الليثي‪ ،‬فقال له‬
‫النبي‪ :‬هل شققت عن قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب؟‬
‫كما أن الحكمة في التفويض تتجلى في عملية الختيار المناسب للولة وتعدد‬
‫المقاييس في ذلك ورجحان عنصر الكفاءة دائما ً على عنصر الثقة والقرب‬
‫من رسول الله فولى خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وهما حديثا إسلم‬
‫على من هم أسبق منهما‪ ،‬وولى أسامة بن زيد وهو حدث على من هم أسن‬
‫منه ويقول‪ :‬إنه لخليق بالمارة كما كان أبوه خليقا ً بها من قبل‪ ،‬ويطلب منه‬
‫أبو ذر أن يستعمله فيقول له‪ :‬إنك ضعيف‪ ،‬وإننا ل نعطي هذا المر لمن‬
‫يطلبه‪ ،‬وفيها إشارة إلى أن القوة والقدرة على القيام بالتكاليف أساس‬
‫التكليف‪ ،‬قال تعالى إن خير من استأجرت القوي المين )‪) (26‬القصص(‪.‬‬
‫والحرص على عدم حب الزعامة وطلب المارة‪ ،‬وسياسة التفويض هي‬
‫سياسة إفراز القادة الجدد وتدريبهم والثقة بهم وتحميلهم المسؤولية‬
‫وإكسابهم الخبرة وتعويدهم على مواجهة الظروف واتخاذ القرارات‪ ،‬وهي‬
‫سياسة تدل على عدم تمسك القائد العام تمسكا ً أبديا ً بالقيادة‪ ،‬وعدم شعوره‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بأنه وحده الزعيم الملهم القادر على حل جميع المشكلت‪ ،‬لكنه قائد تتجلى‬
‫قدرته الحقيقية في صنع القيادات وثقلها وإحللها في العمل تدريجيا ً لمواجهة‬
‫العباء والمسؤوليات‪.‬‬
‫‪ 7‬الصدارة تبحث عنه وهو ل يبحث عن الصدارة‪:‬‬
‫كان ص ل يوطن الماكن ل يميز لنفسه مكانا ً إذا انتهى إلى القوم جلس حيث‬
‫انتهى المجلس‪ ،‬ويأمر بذلك ويعطي كل جلسائه نصيبه حتى ل يحسب جليسه‬
‫أن أحدا ً أكرم عليه منه‪ ،‬من جالسه أو قاومه لحاجته صابره حتى يكون هو‬
‫المنصرف عنه‪ ...‬إذا سكت تكلم جلساؤه ل يتنازعون عنده الحديث‪ ،‬من تكلم‬
‫عنده أنصتوا له حتى يفرغ حديثهم حديث أولهم‪ ،‬يضحك مما يضحكون منه‬
‫ويعجب مما يعجبون منه‪ ،‬ويصبر على الغريب‪..‬وعلى الجفوة في المنطق‪ ،‬ول‬
‫يطلب الثناء إل من مكافئ‪ ،‬كان أشد الناس تواضعا ً وأبعدهم عن الكبر‪ ،‬يمنع‬
‫عن القيام له كما يقومون للملوك‪ ،‬وكان يعود المساكين ويجالس الفقراء‪،‬‬
‫ويجيب دعوة العبد‪ ،‬ويجلس في أصحابه كأحدهم‪ ،‬وكان ل يدع أحدا يمشي‬
‫خلفه‪ ،‬ول يترفع على عبيده وإمائه في مأكل ول ملبس‪ ،‬ويخدم من خدمه‪...‬‬
‫ي ذبحها وقال آخر‪:‬‬ ‫وكان في بعض أسفاره فأمر بإصلح شاة‪ ،‬فقال رجل‪ :‬عل ّ‬
‫ي جمع الحطب‪ ،‬فقالوا‬ ‫ي طبخها‪ ،‬وقال ص‪ :‬وعل ّ‬ ‫ي سلخها‪ ،‬وقال آخر‪ :‬عل ّ‬
‫عل ّ‬
‫نحن نكفيك‪ ،‬فقال‪ :‬قد علمت أنكم تكفوني‪ ،‬ولكني أكره أن أتميز عليكم‪،‬‬
‫فإن الله يكره عبده أن يراه متميزا ً بين أصحابه‪ ،‬وقام وجمع الحطب‪.‬‬
‫فأين أخلقه بأبي هو وأمي ودنياي كلها ممن يحبون تصدر المجالس والترفع‬
‫على القوم‪ ،‬إذا مشوا وسع لهم غيرهم في الطرقات وتبعهم التباع‪ ،‬وإذا‬
‫جلسوا ففي الصدارة‪ ،‬وإذا حدثوا ارتقوا الوسائد العالية بينما العامة على‬
‫الرض‪ ،‬ولو كان بهم مرض يعجزهم عن الجلوس على الرض مع أتباعهم‪ ،‬لم‬
‫يستأذنوا في ذلك ولم يعتذروا عنه‪ ،‬كأنهم يرونه حقا ً مطلقا ً لهم أن يتميزوا‬
‫عن العامة بما فتح الله عليهم من علم‪ ،‬أو وهبهم من حسن حديث‪ ،‬أو كلفهم‬
‫من مسؤولية‪.‬‬
‫‪ 8‬البساطة والتواضع والحضور الدائم في وسط التباع‪:‬‬
‫تأخذ المة بيديه ص في طرقات المدينة ليقضي لها حاجتها‪ ،‬قالت عائشة‬
‫رضي الله عنها‪ :‬كان يخصف نعله ويخيط ثوبه‪ ،‬ويعمل بيده كما يعمل أحدكم‬
‫في بيته‪ ،‬وكان بشرا ً من البشر يفلي ثوبه‪ ،‬ويحلب شاته‪ ،‬ويخدم نفسه‪ ،‬لم‬
‫يقل لخادمه أف قط‪ ،‬ولم يعاتبه على فعل شيء أو تركه‪ ،‬وكان يحب‬
‫المساكين ويجالسهم ويشهد جنائزهم ول يحقر فقيرا ً لفقره‪ ،‬سهل الدخول‬
‫عليه ص بغير حرس ول حاجب‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫تدخل عليه وافدة النساء فتقول‪ :‬ذهب الرجال بالجر‪ ،‬وتدخل عليه خولة بنت‬
‫ثعلبة فتشتكي له من ظهار زوجها لها‪ ،‬ويدخل عليه بلل ليؤذنه بالصلة‪،‬‬
‫تشعر من كل سطر من سطور سيرته ص أنه بينهم‪ ،‬يناديه أصحابه من وراء‬
‫الحجرات عند حاجتهم إليه‪ ،‬حتى يضع له الله سبحانه وتعالى الحدود من فوق‬
‫سبع سماوات لحيائه ص من أصحابه‪ ،‬كان يعطيهم من نفسه كل شيء‬
‫فينزل قول الله تعالى إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم ل يعقلون‬
‫)‪) (4‬الحجرات(‪ ،‬يا أيها الذين آمنوا ل تدخلوا بيوت النبي إل أن يؤذن لكم‬
‫إلى" طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا‬
‫ول مستئنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله ل‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم‬


‫أطهر لقلوبكم وقلوبهن )الحزاب ‪.(53:‬‬
‫‪ 9‬إذا أراد شيئا ً أو أحبه أستأذن فيه ولم يجعله شرعا أو يصدر به قانونا أو‬
‫ً‬
‫لئحة تفصيلية‪:‬‬
‫ُأسر زوج ابنته زينب رضي الله عنها يوم بدر‪ ،‬فأرسلت في فدائه بقلدة لها‬
‫كانت عند خديجة أدخلتها بها على أبي العاص‪ ،‬فلما رآها رسول الله ص رق‬
‫لها رقة شديدة واستأذن أصحابه في إطلق أبي العاص ففعلوه‪ ،‬في مرض‬
‫موته ص وسلم شعرت نساؤه برغبته أن يمّرض في بيت عائشة رضي الله‬
‫ن له في ذلك فخرج إلى‬ ‫عنها‪ ،‬لما يعلمن من محبته لها وارتياحه إليها‪ ،‬فأذ ّ‬
‫بيتها من عند ميمونة يتوكأ على الفضل بن العباس وعلي بن أبي طالب‬
‫رضي الله عنهما‪.‬‬
‫قد تقدم استئذانه من القوم لما أراد إرجاع السبي إلى هوازن‪ .‬عن سهل بن‬
‫سعد رضي الله عنه أن رسول الله ص ُأتي بشراب فشرب منه وعن يمينه‬
‫غلم‪ ،‬وعن يساره أشياخ فقال للغلم‪ :‬أتأذن لي أن أعطي هؤلء؟‪ ،‬فقال‬
‫الغلم‪ :‬ل والله ل أوثر بنصيبي منك أحدًا‪ ،‬فتله )وضعه( رسول الله في يده‪.‬‬
‫وفي سنة ست من الهجرة خرج أبو العاص في تجارة إلى الشام‪ ،‬وفي‬
‫طريق عودته بعث الرسول زيد بن حارثة في سرية فاعترضوا عيره‬
‫واستاقوها وأسروه‪ ،‬فبعث أبو العاص إلى زينب يستجير بها فأجارته وقبل‬
‫الرسول وقال للمسلمين‪ :‬إنكم قد عرفتم مكان هذا الرجل منا‪ ،‬فإن تردوا‬
‫عليه ماله فإنا نحب ذلك وإل فماله فيء لكم‪ .‬فردوا عليه ماله‪ ،‬ل محاباة ول‬
‫استثناءات‪ ،‬ول قوانين يتم تفصيلها وفق الظروف وعلى حسب الهواء‪ ،‬وهذه‬
‫هي المساواة الحقيقية التي يريدها السلم أن تتمثل في دعاته‪ ،‬وما أعظم‬
‫الدعاة حينما يتمسكون بها‪ ،‬إنهم يزدادون عظمة من حيث يحسبون أنهم‬
‫يزدادون تواضعا ً ومساواة مع الجنود والتباع‪ ،‬وليس سر عظمتهم ينبع من‬
‫تميزهم وعلوهم ولكن سر العظمة ينبع من قربهم حينئذ من خلق رسول‬
‫الله‪.‬‬
‫الرسول القدوة )‪(3‬‬
‫ذكرنا في العدد الماضي أن الرسول ص قد اتبع سياسة التفويض لصحابه‪،‬‬
‫ودربهم على أسلوب فريق العمل المتكامل ‪ ،‬كما كانت الصدارة تبحث عنه‪،‬‬
‫ول يبحث عنها‪ ،‬وإذا أراد شيئا ً أو أحبه أستأذن فيه‪ ،‬ولم يجعله شرعًا‪.‬‬
‫واليوم نكمل ذكر الصفات التي يجب أن يقتدي فيها الناس عامة‪ ،‬والدعاة‬
‫خاصة؛ برسول الله ص‪:‬‬
‫‪ 10‬الموازنة بين الدعوة وأعباء القيادة وحقوق الهل والزوجات‪:‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله‪ :‬أكمل المؤمنين إيمانا‬
‫أحسنهم خلقا ً وخياركم لنسائهم‪ .‬وقال ص‪ :‬ولقد أطاف بآل بيت محمد نساء‬
‫كثير يشكون أزواجهن‪ ،‬ليس أولئك بخياركم‪ ،‬ويقول‪ :‬خيركم خيركم لهله وأنا‬
‫خيركم لهلي‪ ،‬ويقول‪ :‬استوصوا بالنساء خيرا‪ ..‬وقالت عنه عائشة‪ :‬كان‬
‫رسول الله ألين الناس‪ ،‬ضاحكا ً باسمًا‪ ..‬وُأثر عنه ص قوله‪ :‬خدمتك زوجتك‬
‫صدقة‪ ،‬وتقول السيدة عائشة‪ :‬كان في مهنة أهله فإذا حضرت الصلة خرج‬
‫إلى الصلة‪.‬‬
‫والمواقف والحاديث في ذلك أكثر من أن تحصى لكننا نكتفي منها بالقليل‬
‫مثل‪ :‬قسمه لزوجاته وخروجهن معه في الغزوات والسفار‪ ،‬وفي غزوة تبوك‬
‫خلف علي بن أبي طالب على أهله وأمره بالقامة فيهم‪ ،‬وغمص عليه‬
‫المنافقون‪ ،‬فخرج فلحق بالنبي فرده إلى المدينة وقال له‪ :‬أل ترضى أن‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تكون مني بمنزلة هارون من موسى‪ ،‬إل أنه ل نبي بعدي‪ ..‬وفاؤه لخديجة‬
‫وإكرامه صديقاتها‪ ،‬حلمه على عائشة لما غارت فكسرت الناء وهو يقول‪:‬‬
‫غارت أمكم‪ ..‬غارت أمكم‪ ،‬وفي أبوته وحنانه وحبه لولده وأحفاده ورفقه‬
‫بهم؛ رقته لزينب لما أرسلت القلدة ولما شفعت لزوجها‪ ،‬وكان يرق لفاطمة‬
‫ويكنيها بأم أبيها‪ ،‬واستشعر يوما ً خلفا ً بينها وبين علي‪ ،‬فذهب يداعب عليا ً‬
‫وهو نائم في التراب فقال له‪ :‬قم يا أبا تراب‪ ،‬وخّلف عثمان بن عفان رضي‬
‫الله عنه عن بدر لمرض ابنته رقية التي ماتت فيه‪ ،‬ولما مات ابنه إبراهيم‬
‫بكى عليه وقال‪ :‬إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن‪ ،‬ول نقول إل ما يرضي‬
‫الرب‪ ،‬وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون‪ ،‬ولما كسفت الشمس في اليوم‬
‫نفسه فظن الناس أنها كسفت حزنا ً لموت إبراهيم‪ ،‬فقال ص‪ :‬إن الشمس‬
‫والقمر آيتان من آيات الله ل تكسفان لموت أحد ول لحياته‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫فأين هذا الرفق وتلك الرقة مما يقع في كثير من بيوتنا؟ إن الذين يحاولون‬
‫طمس المشاعر البوية النبيلة بحجة التفرغ للعمل الدعوي‪ ،‬إما أنهم يخالفون‬
‫حرمت الرحمة فل‬ ‫ما تقدم من منهج رسول الله ص‪ ،‬وإما أن قلوبهم ُ‬
‫يصبحون نماذج في ذلك‪ .‬جاء أعرابي إلى رسول الله فرآه يقبل الحسن أو‬
‫الحسين‪ ،‬فقال‪ :‬أتقبلون الصبيان؟ فما نقبلهم‪ ،‬فقال النبي‪ :‬أو أملك أن نزع‬
‫الله من قلبك الرحمة؟!‬
‫وقّبل النبي الحسن بن علي وعنده القرع ابن حابس التميمي فقال القرع‪:‬‬
‫إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدًا‪ ،‬فقال النبي‪ :‬من ل يرحم ل‬
‫ُيرحم‪ ،‬وكان ص يدلع لسانه للحسن فيرى الصبي حمرة لسانه فيهبس‬
‫)يسرع( إليه‪ ،‬وكان إذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره‪ ،‬فإذا أرادوا‬
‫أن يمنعوهما‪ ،‬أشار إليهم أن دعوهما‪ ،‬وذلك في المسجد‪ ،‬فلما قضى الصلة‬
‫وضعهما في حجره‪ ،‬وقال‪" :‬من أحبني فليحب هذين"‪.‬‬
‫‪ 11‬اللجوء المطلق إلى الله والتقشف والزهد والورع‪:‬‬
‫كان رسول الله ص أعبد الخلق لله وأزهدهم لله وأخشاهم وأتقاهم لله؛ يقوم‬
‫الليل حتى تتورم قدماه‪ ،‬وُيسأل عن ذلك فيقول‪ :‬أفل أكون عبدا ً شكورًا؟‪.‬‬
‫يصلي السنن الراتبة والنفل المطلق ويأمر بصلة الضحى‪ ،‬ويصبح ويمسي‬
‫على ذكر‪ ،‬لسانه رطب بذكر الله‪ ،‬يصوم نصف العام‪ ،‬يلجأ إلى الله تعالى‬
‫بالدعاء ويلح عليه حتى يسقط رداؤه ويشفق عليه أبو بكر رضي الله عنه يوم‬
‫بدر‪ ،‬ويقنت على قتلة أصحابه في بئر معونة شهرا ً يدعو عليهم في الصلة‪،‬‬
‫ويستغفر الله في يومه وليلته مائة مرة أو أكثر من سبعين مرة‪.‬‬
‫قال ابن مسعود رضي الله عنه‪ :‬دخلت على رسول الله ص وقد نام على‬
‫حصير وقد أثر على جنبه فقلت‪ :‬يا رسول الله‪ :‬لو اتخذنا لك وطاًء تجعله‬
‫بينك وبين الحصير يقيك منه؟‪ ،‬فقال‪ :‬مالي وللدنيا؟! ما أنا والدنيا إل كراكب‬
‫استظل تحت شجرة ثم راح وتركها‪.‬‬
‫وعن أبي أمامة النصاري قال‪ :‬ذكروا عند النبي ص الدنيا‪ ،‬فقال‪ :‬أل‬
‫تسمعون؟ أل تسمعون !‪ ..‬إن البذاذة من اليمان‪ ،‬إن البذاذة من اليمان‪.‬‬
‫وفي زهده قال ابن عباس‪ :‬دخل رسول الله ص يوم فتح مكة على أم هانئ‬
‫وكان جائعا ً فقال لها‪ :‬أعندك طعام آكله؟ فقالت إن عندي لكسرا ً يابسة وإني‬
‫لستحي أن أقدمها إليك‪ ،‬فقال هلميها‪ ،‬فكسرها في ماء وجاءته بملح‪ ،‬فقال‬
‫ما من إدام؟ فقالت ما عندي إل شيء من خل‪ ،‬فقال‪ :‬هلميه‪ ،‬فلما جاءت به‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صبه على طعامه فأكل منه‪ ،‬ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال‪ :‬نعم الدام الخل‬
‫يا أم هانئ‪ ،‬ل يفقر بيت فيه خل‪ ،‬قال أنس‪ :‬ما أعلم النبي ص رأى رغيفا ً‬
‫مرققًا‪ ،‬ول رأى شاة سميطا ً بعينه قط‪ ،‬وقالت عائشة‪ :‬إنا كنا لننظر إلى‬
‫الهلل ثلثة أهلة في شهرين‪ ،‬وما ُأوقدت في أبيات رسول الله ص نار‪ ،‬فقال‬
‫لها عروة‪ :‬ما كان يعيشكم؟‪ ،‬قالت‪ :‬السودان‪ ،‬التمر والماء‪.‬‬
‫هكذا كانت حياة حبيبنا المصطفى ص‪ .‬فضل عن أنها كانت جهادا ً مستمرا ً‬
‫فهي المنتهى في شظف العيش‪ ،‬وقلة اللين‪ ،‬والزهد في الدنيا‪ ،‬مع أن الله‬
‫سبحانه وتعالى قادر على أن يفجر له نهرا ً من أسفل بيته‪ ،‬لكن هكذا كان‬
‫قلب إمام الدعاة معلقا ً بما عند الله‪.‬‬
‫‪ 12‬السماحة والعفو وإيثار مصلحة الدعوة وهداية المدعوين على حظ‬
‫النفس‪:‬‬
‫قال تعالى‪ :‬وما أرسلناك إل رحمة للعالمين )‪) (107‬النبياء( وفي الحديث‪:‬‬
‫"‪ ...‬فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال‪ :‬إن الله قد سمع قول قومك لك‪،‬‬
‫وما ردوا عليك‪ ،‬وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم‪،‬‬
‫فناداني ملك الجبال‪ ،‬فسلم علي‪ ،‬ثم قال يا محمد‪ :‬ذلك فما شئت‪ ،‬إن شئت‬
‫أن أطبق عليهم الخشبين أي لفعلت والخشبان جبلن بمكة‪ :‬أبو قبيس‬
‫والذي يقابله وهو قيقعان قال النبي ‪ :‬بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من‬
‫أصلبهم من يعبد الله عز وجل وحده ل يشرك به شيئًا"‪.‬‬
‫وما زالت قولته عند فتح مكة مدوية في أفق الزمن‪" :‬اذهبوا فأنتم الطلقاء"‪.‬‬
‫وللدعاة أن يتوقفوا طويل ً أمام هذا الخلق الرفيع من رسول الله ص‪ ،‬فليست‬
‫دعوتنا إلى الناس بالقهر والقسر‪ ،‬ولم يبعثنا الله تعالى معسرين ولكن بعثنا‬
‫مبشرين وميسرين‪ ،‬وعندما ُتغلق القلوب في وجه الدعاة‪ ،‬وُتصم الذان عن‬
‫سماع أصواتهم‪ ،‬هل علينا أن نعلن الحرب الشعواء لقتل الناس؟ أم نقابلهم‬
‫بطول المل في هداية الذرية‪ ،‬وحب الخير حتى للمجرمين الذين أساءوا‬
‫وأهانوا وواجهوا النبي بالذى‪ ،‬فاستحقوا أن يطبق عليهم الله تعالى‬
‫الخشبين؟‬
‫على الدعاة الذين يريدون أن ينطلقوا في الرض‪ ،‬يدعون إلى دين الله تعالى‬
‫كنه رسالته ‪،‬‬ ‫وسنة رسوله ص إذن أن يلينوا للناس‪ ،‬ويعفوا عنهم‪ ،‬ويدركوا ُ‬
‫فما هي إل رحمة للعالمين‪ ،،‬أم أننا قساة ل دعاة‪ ،‬وغلة ل هداة‪ ،‬ومنفرون ل‬
‫مبشرون‪ ،‬ومعسرون ل ميسرون؟!‬
‫‪ 13‬الواقعية والمرحلية واتباع التدرج‪:‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫كان رسول الله ص على الحق منذ أول يوم في دعوته‪ ،‬ودينه الذي نزل عليه‬
‫منذ كلفه الله تعالى بالنبوة في غار حراء هو الدين‪ ،‬والسلم هو السلم لما‬
‫بدأ الرسول ص دعوته سرًا‪ ،‬وكان هو السلم نفسه لما بدأ بالجهر بالدعوة‬
‫مع سرية التنظيم‪ ،‬وكان هو السلم نفسه لما ُأعلنت المرحلة الجهرية الثانية‬
‫بإسلم الحمزة وعمر بن الخطاب‪ ،‬وكذلك كان السلم يوم كانت المرأة‬
‫)السيدة سمية رضي الله عنها( ُتعذب‪ ،‬ول يزيد الرسول ص على أن يقول‪:‬‬
‫صبرا آل ياسر‪ ..‬إن موعدكم الجنة‪ ،‬وكان هو السلم لما قال الرسول لخباب‬
‫بن الرت‪ :‬ولكنكم قوم تستعجلون‪ ،‬وهو السلم نفسه الذي خرج أهله‬
‫مستضعفين يبحثون عن أرض جديدة لدعوتهم‪ ،‬ثم يهاجر النبي وُيعز الله‬
‫الدين وتقوم دولة السلم في الرض وينطلق المسلمون مجاهدين‪ ،‬حتى‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يقتل المسلم اليهودي لكشفه عورة المرأة المسلمة‪ ،‬وكانت من قبل تنتهك‬
‫حرمة المسلمة في مكة‪ ،‬فُتعذب سمية وتقتل‪ ،‬وُتلطم أسماء على وجهها‪،‬‬
‫والمسلمون صابرون‪.‬‬
‫بل كان المسلمون يطوفون بالكعبة وحولها الصنام‪ ،‬وبجوارها صاحبات‬
‫الرايات الحمر‪ ،‬حتى عاد السلم ليفتح مكة ويهدم الوثان‪ ،‬وينتشر في‬
‫الجزيرة كلها؛ ثم يقرر النبي ص‪" :‬اليوم نغزوهم ول يغزوننا‪ ..‬نحن نسير‬
‫إليهم‪ ..‬ل يجتمع في جزيرة العرب دينان"‪ ،‬فلول المرحلية الواقعية التي‬
‫انتهجها رسول الله ص‪ ،‬ولول تدرجه في بناء الدولة على أسس سليمة‪ ،‬ما‬
‫قامت للسلم قائمة‪ ،‬ومن ينظر إلى الحديث‪ :‬نغزوهم ول يغزوننا‪ ،‬يراه فيه‬
‫ص يقرر واقعًا‪ ،‬ويعلمنا كيف نفهم فقه الواقع‪ ،‬فنأخذ القدوة في وقت العزة‪:‬‬
‫شجاعة وجهادا ً وإقبا ً‬
‫ل‪.‬‬
‫والقدوة في وقت الستضعاف حكمة وقدرة فائقة على ضبط النفس‪ ،‬وصبر‬
‫على الذى‪ ،‬والذين يتعجلون الطريق فيريدون أن يقتدوا برسول الله الفاتح‬
‫المنتصر قبل أن يقتدوا به في ليل المحنة الطويل وهو يعاني في الحصار‬
‫القتصادي‪ ،‬وأصناف الذى‪ ،‬فُتكسر رباعيته‪ ،‬وُتشج رأسه‪ ،‬وُيرمى بالحجر‪،‬‬
‫وُيوصف بالجنون‪ ،‬وُيضرب أتباعه بالسياط‪ ،‬وهو صابر محتسب‪ ،‬فإما أنهم‬
‫حالمون أو واهمون‪ ،‬والذين يسقطون مواقفه في وضع العزة والتمكين على‬
‫ظرف الستضعاف الذي تعيشه المة فإنهم بذلك ينكرون المرحلية ويتغافلون‬
‫عن الواقع‪ ،‬ويعرضون الدين لمواجهة قاسية‪ ،‬والذين يسقطون مواقفه ص‬
‫في زمن المحنة على مواقف تكون فيها المة عزيزة قادرة على الدفع‬
‫والمواجهة‪ ،‬يجردون الدين من قوته والجهاد السلمي من مضمونه‪.‬‬
‫يقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي‪" :‬إن الشريعة تعبدتنا بالوسائل‬
‫كما تعبدتنا بالغايات‪ ،‬فليس لك أن تسلك إلى الغاية التي شرعها الله لك إل‬
‫ن‬
‫الطريق التي جعلها الله وسيلة إليها‪ ،‬وللحكمة والسياسة الشرعية معا ٍ‬
‫معتبرة‪ ،‬ولكن في حدود هذه الوسائل المشروعة فقط‪ ...‬ومن الخطأ أن‬
‫شرع من أجل تسهيل العمل الدعوي‪،‬‬ ‫تحسب مبدأ الحكمة في الدعوة إنما ُ‬
‫أو من أجل تفادي المآسي‪ ،‬بل السر إنما هو سلوك أقرب الوسائل إلى‬
‫عقول الناس وأفكارهم‪ ،‬ومعنى هذا أنه إذا اختلفت الحوال وقامت عثرات‬
‫الصد والعناد دون سبيل الدعوة‪ ،‬فإن الحكمة حينئذ إنما هي إعداد العدة‬
‫للجهاد والتضحية بالنفس والمال‪ ،‬إذ الحكمة هي أن تضع الشيء في مكانه"‪.‬‬
‫=============== ‪...‬‬
‫الرسول القدوة‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‬
‫الحمدلله والصلة والسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين‬
‫في ظل المتغيرات التي تواجه المسلم المعاصر تصبح العودة إلى القدوة‬
‫النبوية ضرورة ولزم لعادة صياغة حياة المسلم المعاصر في علقاته‬
‫الخاصة وفي تعاملته وتفاعله مع كل مجريات العصر ‪..‬النبي المي المين‬
‫محمد بن عبد الله صلى الله عليه قدوة المسلمين وسيد ولد آدم حمل إلى‬
‫العالم رسالة خالدة اصطفاه الله تعالى لها فكان الصطفاء دليل السمو الذي‬
‫حمله نبينا الكريم ‪،‬مثل قبل البعثة نموذج الطهر والنقاء في التعامل مع‬
‫الخرين وبعد نزول الرسالة ظل ورغم احتياجات بناء الدولة السلمية وعظم‬
‫مسؤولية القيادة متوددا ً للفقراء رحيما ً بقلوب اليتام والضعفاء يقربهم إليه‬
‫ويشاركهم تقلبات حياتهم ‪..‬فماهي ابرز ملمح سيرته العطرة مع أهل بيته‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومع الناس كبيرهم وصغيرهم غنيهم وفقيرهم؟ وكيف ربا بالقرآن الكريم جيل‬
‫الصحابة فأخرج من أودية الجاهلية المقفرة مشاعل نور وحضارة قيم غيرت‬
‫وجه التاريخ ؟ كيف تمثل القرآن خلقا يمشي به في الرض ؟ ماهو حاله في‬
‫استقبال شهر رمضان المبارك ؟ما العمال التي يحرص على أدائها ؟و‬
‫الوسائل التي استخدمها لرشاد المسلمين لغتنام فرصة هذا الشهر العظيم‬
‫وتتبع مواطن الجر العظيم فيه؟‬
‫وفي إطار آخر ماموقف المسلمين من الحملت المشبوهة عبر وسائل‬
‫العلم الغربية والنترنت خاصة والتي قذفت من اتجاهات حاقدة تتهم رسول‬
‫الرحمة والسلم محمد صلى الله عليه وسلم بالعنف والرهاب وتحاول‬
‫تشويه سمعة السلم عبر اتهام رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم‪ ..‬ماهي‬
‫أهدافها ؟وهل واجهها المسلمون كما ينبغي؟‬

‫)‪(7 /‬‬

‫كيف نربي في أبنائنا حب الرسول صلى الله عليه وسلم وحب القتداء به؟‬
‫هل يمكن للمسلم المعاصر أن يستفيد من سيرته اليمانية في مناجاته لربه‬
‫وكمال عبوديته وخضوعه له وفي تأديته لواجباته السرية والتزاماته مع أقاربه‬
‫وأصحابه ومواقفه التاريخية في الحرب والسلم وفي تطبيقاته للحكام‬
‫الشرعية وفي تعامله مع الخر الكافر والمنافق ‪.‬‬
‫خزائن تنعم بكنوز من الفوائد والدرر النبوية التي يمكن لكل مسلم على‬
‫اختلف تخصصه ومجال عمله واهتماماته وظرفه الزماني والمكاني أن‬
‫يطبقها لينعم بحياته ويسعد في آخرته‬
‫فاحملوا أقلمكم المسلمة لتنهل من معينه المضيء واقطفوا لنا من بستان‬
‫قصصه بعضا ً من تلك الثمار اليانعة لنكتبها أول ً ثم لنتمثلها سلوكا ً في حياتنا‬
‫ثانيا ً‬
‫أبدأ أنا بإذنه تعالى وتذكروا أن كل ما ستكتبونه أو أكتبه أنا فهو حبا لرسول‬
‫الله ولنصرته‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم اسم على مسمى ‪ .‬علم على رمز ‪ .‬ووصف‬
‫على إمام ‪ .‬جمع المحامد ‪ .‬وحاز المكارم ‪ .‬واستولى على القيم ‪ .‬وتفرد‬
‫بالمثل ‪ .‬وتميز بالريادة ‪ .‬محمود عند الله لنه رسوله المعصوم ‪ .‬ونبيه الخاتم‬
‫‪ .‬وعبده الصالح ‪ .‬وصفوته‬
‫من خلقه ‪ .‬وخليله من اهل الرض ‪ .‬ومحمود عند الناس لنه قريب من‬
‫القلوب ‪ ,‬حبيب الى النفوس ‪ .‬رحمة مهداة ‪ ,‬ونعمة‬
‫مسداة ‪ ,‬مبارك اينما كان ‪ ,‬محفوف بالعناية اينما وجد ‪ .‬محاط بالتقدير اينما‬
‫حل وارتحل ‪ .‬حمدت طبائعه لنها هذبت‬
‫بالوحي ‪ .‬وشرفت طباعه لنها صقلت بالنبوة ‪ .‬فالله محمود ورسوله محمد ‪.‬‬
‫وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد‬
‫اسمه احمد ‪ .‬بشر بذلك عيسى قومه ‪ .‬واسمه العاقب والحاشر والماحي ‪.‬‬
‫وهو خاتم الرسل وخيرة النبياء ‪ .‬وخطيبهم إذا وفدوا ‪ .‬وإمامهم إذا وردوا ‪.‬‬
‫صاحب الحوض المورود ‪ .‬واللواء المعقود ‪ .‬والمقام المحمود ‪ .‬صاحب الغرة‬
‫والتحجيل ‪ ,‬المذكور في التوراة والنجيل ‪.‬‬
‫المؤيد بجبريل ‪ ,‬حامل لواء العز في بني لؤي ‪ .‬وصاحب الطود المنيف في‬
‫بني عبد مناف بن قصي ‪ .‬اشرف من ذكر في الفؤاد ‪ .‬وصفوة الحواضر‬
‫والبوادي ‪ .‬واجل مصلح وهادي ‪ .‬جليل القدر ‪ .‬مشروح الصدر ‪ .‬مرفوع‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذكر ‪ .‬رشيد المر ‪ .‬القائم بالشكر ‪.‬‬


‫المحفوظ بالنصر ‪ .‬البريء من الوزر ‪ .‬المبارك في كل عصر ‪.‬‬
‫المعروف في كل مصر ‪ .‬في همة الدهر ‪ .‬وجود البحر ‪ .‬وسخاء القطر ‪.‬‬
‫صلوات الله وسلمه عليه وآله وصحبه ‪.‬ما نجم بدا ‪ .‬وطائر شدا ‪.‬ونسيم‬
‫غدا ‪.‬ومسافر حدا ‪.‬‬
‫َ‬
‫ص‬
‫ري ٌ‬‫ح ِ‬‫م َ‬ ‫زيٌز عَل َي ْهِ َ‬
‫ما عَن ِت ّ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م عَ ِ‬ ‫ف ِ‬‫ن أن ْ ُ‬
‫م ْ‬‫ل ِ‬‫سو ٌ‬‫م َر ُ‬‫جاَءك ُ ْ‬ ‫يقول الله تعالى‪ ":‬ل َ َ‬
‫قد ْ َ‬
‫سوَرةُ الت ّوْب ِةِ ‪.. [ 128 :‬‬ ‫م{] ُ‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف َر ِ‬‫ن َرُءو ٌ‬ ‫مِني َ‬ ‫م ِبال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫إن المتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ليجد أنها حوت جميع‬
‫مكارم الخلق التي تواطئ عليها فضلء ونجباء‬
‫البشر ونبلؤهم ‪ ،‬حتى إنها لتجيب على كل ما يختلج في الفؤاد من أسئلة قد‬
‫تبدو محيرة لمن لم يذق طعم اليمان بالله‬
‫تعالى من الذين كفروا ‪ ،‬والغريب في المر أن بعض بني قومنا من‬
‫المسلمين هداهم الله ل يحفلون بهذه الميزة العظيمة‬
‫التي ميزنا الله بها وهي كون النبي صلى الله عليه وسلم قدوة وأسوة حسنة‬
‫رغم أنها تمثل الرادع الفعلي عن ارتكاب‬
‫ما يخل بخلق المسلم ‪ ،‬وهي المحرك الساس إلى الرتقاء بالذات إلي‬
‫معالي المور وقممها السامقات ‪.‬‬
‫ن يمشي على الرض وكان خلقه‬ ‫إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قرآ ٌ‬
‫القرآن ‪ ،‬ولذلك تجد كثيرا ً من عامة المسلمين اليوم إذا سألتهم ولو كان ذلك‬
‫بطريقة عشوائية عن ‪ :‬من هو قدوتك أو مثلك العلى ؟!‬
‫لسمعت الجابة ‪ _:‬النبي صلى الله عليه سلم ! ‪.‬‬
‫وبقي أن نعلم أن القدوات ثلثة ‪ ..‬القدوة المطلقة وهو الحبيب المصطفى‬
‫صلى الله عليه وسلم والقدوة الثانية ‪ :‬من مات على السلم الصحيح من‬
‫سلف المة المخلصين ومن كانت سيرته نبراسا ً لمن بعده كالصحابة الكرام‬
‫والتابعين لهم بإحسان ‪ ..‬وعلماء المة الربعة فمن بعدهم وشمسهم الوهاجة‬
‫شيخ السلم بن تيميه ‪ ..‬إلى آخر عالم ٍ مات منهم ‪ ..‬بالشرط المتقدم ‪.‬‬
‫القدوة الثالثة ‪ :‬من يصلح القتداء به في هذا الزمان من الخيار ‪ ،‬على أن‬
‫الحي ل تؤمن عليه الفتنة ‪.‬‬
‫سؤال مهم لماذا نتدارس السيرة النبوية ؟؟‬
‫_____________‬
‫إن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مخزون لمثلة شتى‬
‫لمختلف حالت النفس البشرية فهي ثمثل انموذجا بشريا‬
‫نحتذيه و نترسم خطاه ‪ ..‬ففي سيرته مواقف يحتاجها كل‬
‫مؤمن‬
‫يحتاجها الداعية في دعوته‬
‫يحتاجها العالم و هو يذكر القلوب بالله‬
‫يحتاجها المربي و هو يربي الجيال على طاعة الله‬
‫يحتاجها الزوج ‪ .....‬يحتاجها الب ‪......‬‬
‫قال تعالى " لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة "‬
‫كيف يكون النبي اسوة حسنة لنا ان لم نعرف ماذا فعل في‬
‫بيته و كيف عامل زوجته و كيف عامل اصحابه‬
‫كذلك السنة تأتي بالدرجة الثانية من مصادر التشريع بعد‬
‫القران و السنة النبوية تعتبر الجانب التفصيلي من السلم‬
‫و ليس المقصود السنة بمفهومها الفقهي فقط بل المقصود‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫طريقة النبي في الحياة كلها ‪ ..‬فقد شهد الله من فوق سبع‬


‫سموات انه جعله على صراط مستقيم صراط الله الذي له ما‬
‫في السموات و الرض و الى الله تصير المو‬
‫ولله در الشيخ الدكتور عائض القرني على روعة وصفة لقدوتنا محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬في رائعته ‪ :‬تاج المدائح ‪:‬‬
‫مدادها من معاني نون والقلم ‍‬ ‫َ‬
‫مم ِ **** ُ‬
‫أنصت لميميةٍ جاءتك من أ َ‬
‫ل العمم ِ ‍‬ ‫ب في محبتكم***** فيضا ً تدفق مثل الهاط ِ‬ ‫ةص ّ‬ ‫سالت قريح ُ‬
‫كالسيل كالليل كالفجر اللحوح غدا * يطوي الروابي ول يلوي على الكم ‍‬
‫أجش كالرعد في ليل السعود ول *** يشابه الرعد في بطش وفي غشم ‍‬
‫كدمع عيني إذا ما عشت ذكركم *** أو خفق قلب بنار الشوق مضطرم ‍‬
‫يزري بنابغة النعمان رونقها ***** ومن زهير ؟ وماذا قال في هَرِم ِ ‍‬
‫ن صفحا ً ومادحه ***** وتّبعا ً وبني شداد في إرم ‍‬ ‫دع سيف ذي يز ٍ‬
‫صيد أو ذي هالة وكمي ‍‬ ‫ول تعرج على كسرى ودولته ***** وكل أ ْ‬
‫وانسخ مدائح أرباب المديح كما ***** كانت شريعته نسخا لدينهم ‍‬
‫صع بها هامة التأريخ رائعة ***** كالتاج في مفرق بالمجد مرتسم ‍‬ ‫ر ّ‬
‫فالهجر والوصل والدنيا وما حملت **** وحب مجنون ليلى ضلة لعمي ‍‬
‫دع المغاني وأطلل الحبيب ول***** تلمح بعينك برقا لح في أضم ‍‬
‫وأنس الخمائل والفنان مائلة ***** وخيمة وشويهات بذي سلم ‍‬
‫هنا ضياء هنا ري هنا أمل ***** هنا رواء هنا الرضوان فاستلم ‍‬
‫لو زينت لمرء القيس انزوى خجل ***** ولو رآها لبيد الشعر لم يقم ‍‬
‫ميمية لو فتى بوصير أبصرها ***** لعوذوه برب الحل والحرم ‍‬
‫سل شعر شوقي أيروي مثل قافيتي *** أو أحمد بن حسين في بني حكم ‍‬
‫ما زار سوق عكاظ مثل طلعتها***** هامت قلوب بها من روعة النغم ‍‬
‫أثني على من ؟ أتدري من أبجله ؟ ***** أما علمت بمن أهديته كلمي ‍‬
‫في أشجع الناس قلبا غير منتقم ***** وأصدق الخلق طّرا غير متهم ‍‬
‫أبهى من البدر في ليل التمام وقل * أسخى من البحر بل أرسى من العلم ‍‬
‫أصفى من الشمس في نطق وموعظة ** *أمضى من السيف في حكم وفي‬
‫حكم ‍‬
‫أغر تشرق من عينيه ملحمة ***** من الضياء لتجلو الظلم والظلم ‍‬
‫في همة عصفت كالدهر واتقدت *** كم مزقت من أبي جهل ومن صنم ‍‬
‫أتى اليتيم أبو اليتام في قدر ***** أنهى لمته ما كان من يتم ‍‬
‫محرر العقل باني المجد باعثنا ***** من رقدة في دثار الشرك واللمم ‍‬
‫بنور هديك كحلنا محاجرنا ***** لما كتبنا حروفا صغتها بدم ‍‬
‫من نحن قبلك إل نقطة غرقت **** في اليم بل دمعة خرساء في القدم ‍‬
‫حَرقي ***** إذا ذكرُتك أو أرتاع ُ من ندمي ‍‬ ‫أكاد أقتلع الهات من ُ‬
‫لما مدحتك خلت النجم يحملني ***** وخاطري بالسنا كالجيش محتدم ‍‬
‫ت بالله أن يشدو بقافية ***** من القريض كوجه الصبح مبتسم ‍‬ ‫أقسم ُ‬
‫صه شكسبير من التهريج أسعدنا **** عن كل إلياذة ما جاء في الحكم ‍‬
‫الفرس والروم واليونان إن ذكروا ***** فعند ذكراه أسمال على قزم ‍‬
‫هم نمقوا لوحة للرق هائمة ***** وأنت لوحك محفوظ من التهم ‍‬
‫أهديتنا منبر الدنيا وغار حرا ***** وليلة القدر والسراء للقمم ‍‬
‫والحوض والكوثر الرقراق جئت به*** أنت المزمل في ثوب الهدى فقم ‍‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الكون يسأل والفلك ذاهلة ***** والجن والنس بين اللء والنعم ‍‬
‫ل والجو مبتهج ***** والبدر ينشق واليام في حلم ‍‬ ‫والدهر محتف ٌ‬
‫سرب الشياطين لما جئتنا احترقت **** ونار فارس تخبو منك في ندم ‍‬
‫فد َ الظلم والوثان قد سقطت ***** وماء ساوة لما جئت كالحمم ‍‬ ‫ص ّ‬
‫و ُ‬
‫قحطان عدنان حازوا منك عزتهم ***** بك التشرف للتأريخ ل بهم ‍‬
‫عقود نصرك في بدر وفي أحد ***** وعدل فيك ل في هيئة المم ‍‬
‫شادوا بعلمك حمراء وقرطبة ***** لنهرك العذب هب الجيل وهو ظمي ‍‬
‫ومن عمامتك البيضاء قد لبست ***** دمشق تاج سناها غير منثلم ‍‬
‫رداء بغداد من برديك تنسجه ***** أيدي رشيد ومأمون ومعتصم ‍‬
‫وسدرة المنتهى أولتك بهجتها ***** على بساط من التبجيل محترم ‍‬
‫دارست جبريل آيات الكتاب فلم***** ينس المعلم أو يسهو ولم يهم ‍‬
‫خط به ***** وثيقة العهد يا من بر في القسم ‍‬ ‫اقرأ ودفترك اليام ُ‬
‫قربت للعالم العلوي أنفسنا ***** مسكتنا متن حبل غير منصرم ‍‬
‫نصرت بالرعب شهرا قبل موقعة *** كأن خصمك قبل الحرب في صمم ‍‬
‫إذا رأوا طفل في الجو أذهلهم ***** ظنوك بين بنود الجيش والحشم ‍‬
‫بك استفقنا على صبح يؤرقه ***** بلل بالنغمة الحّرى على الطم ‍‬
‫إن كان أحببت بعد الله مثلك في **** بدو وحضر ومن عرب ومن عجم ‍‬
‫فل اشتفى ناظري من منظر حسن *****ول تفوه بالقول السديد فمي‬
‫‪ #‬يوم مع حبيبك صلى الله عليه وسلم‪#‬‬
‫*هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع أزواجه‪:‬‬
‫الحمد لله وكفى ؛والصلة والسلم على النبي المصطفى ؛وعلى آله وصبحه‬
‫أجمعين ‪..‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أخا ً ناصحا‪,‬وأبا مشفقا‪ ,‬وزوجا ً‬
‫حانيا‪,‬ومعلما ً ومربيا‪,,,‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫ومع هذا كله قائدا للبشرية أجمع‪,‬ومدبرا ً للمة وسائسًالها‪,‬وقد جمع صلى الله‬
‫عليه وسلم جوانب العظمة في شخصيته ‪,‬ولم يغلب جانبا على آخر‪ ,‬فلقد‬
‫كان عظيما في نفسه ‪,‬عظيما في بيته ‪,‬عظيما في أصحابه‪...‬‬
‫ولقد ملئت كتب السيرة بأخلقه وآدآبه‪ ,‬حتى كان صلى الله عليه وسلم‬
‫نموذجا يحتذيه المسلمون عبر تعاقب الجيال والقرون ‪,‬وذلك لماحباه الله‬
‫من كريم الصفات وعظيم الخلق ‪,‬ومن ضمن هذه الحوال ما كان عليه‬
‫النبي عليه الصلة والسلم من معاملته لزواجه وأهل بيته ‪....‬‬
‫إن المتأمل لتلك الحوال ليقف أمامها موقف العجاب والجلل والتقدير‬
‫لذلكم النبي الكريم عليه من ربه أفضل الصلة وأتم التسليم ‪,‬فهو الذي حقق‬
‫تلك الشخصية الفذة بينما كان يجمع بين تسع من الزوجات في آن واحد‪,‬‬
‫ولعلنا نتذكر المثل الدارج الذي يفيدبأن العظيم ليكون في بيته عظيما ؛‬
‫فكيف استطاع عليه الصلة والسلم أن يظل عظيما في كل هذه البيوت‪,‬‬
‫وأن تظل زوجاته من بعده مقدرات لعظمته مع اختلف طبائعهن ‪ ,‬ومع أن‬
‫بعضهن عشن بعده نحو خمسين عاما‪...‬‬
‫فسيرته إنما هي أوثق السير ‪,‬مأمونة من الكذب والتمويه على امتداد التاريخ‬
‫‪..‬‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫*أهمية الموضوع‪:‬‬
‫‪_1‬إبراز عظمة شخصية النبي صلى الله عليه وسلم في بيته والذب عن‬
‫عرضه‪..‬‬
‫‪_2‬حاجة المجتمع لقدوة عليا في التعامل السري ‪..‬‬
‫‪_3‬تنبيه الزواج الى آداب التعامل مع بعضهم البعض وبيان‬
‫حقوق كل منهما على الخر‪[color/]..‬‬
‫هذه الوسيلة خاصة بالطفال ليشتركوا معنا في نصرة خير النام صلى الله‬
‫عليه وسلم‬
‫وإليكم صورة أخرى هي مفاجأة وإن شاء الله ستنال إستحسانكم‬
‫ولكن ل تنسوا صاحبة الصورة من دعاء في ظهر الغيب‬
‫بأن يصلح الله حالها ويجعلها من الصالحين‬
‫إنه سميع مجيب ‪.‬‬
‫كيف يحب أبناءنا الرسول صلى الله عليه وسلم؟‪1‬‬
‫قبل الجابه إسأل نفسك هل أنت تحب الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ لقد‬
‫أجري استبيان في جامعة الملك سعود بالرياض حول المثل العلى والقدوه‬
‫عند الطلب فكانت الجابه الرياضيون ولم تستحضر شخصية الرسول حتى‬
‫عند من أجاب أن قدوته رمزا دينيا ووجدوا أنه من السباب ضعف اقتداء‬
‫الوالدين أساسا بشخصية نبي الهدى فابدأ بنفسك أول وهذه نصف الجابه‬
‫عن السؤال‬
‫كيف يحب أبناءنا الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ‪2‬‬
‫‪1‬ـ تعريف البناء بسيرته العطره والتعليق على المواقف الهامه مبرزا جوانب‬
‫شخصيته عليه الصلة والسلم‬
‫‪2‬ـ تشجيع البناء على حفظ بعض الحاديث القصيره المتضمنه للخلق‬
‫والداب مع المكافاءه في بعض الحيان بالهدايا والنقود‬
‫‪3‬ـ قص الروايات التي تبين حب الرسول صلى الله عليه وسلم للطفال‬
‫وكيف كان يعاملهم‬
‫‪4‬ـحثهم على الصلة عليه عند ذكره‬
‫‪5‬ـ طاعته في كل جوانب الحياة وتعظيم السنه في نفوسهم‬
‫المرجع مسؤلية الب المسلم لعدنان باحارث‬
‫إن التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم عبادة عظيمه تفتح لصاحبها أبوابا من‬
‫الخير والعمل الصالح الذي ليكلفه عنتا‬
‫أو مشقه إذ حملت لنا دواوين السنه رصيدا من أخباره وأحواله‬
‫والتأسي به صلى الله عليه وسلم تولد محبته التي هي من أعظم أبواب‬
‫اليمان بل من شروطه قال صلى الله عليه وسلم‬
‫) ليؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين(‬
‫الرسول القدوة__‬
‫ماذا يعني القتداء بالرسول )صلى الله عليه وسلم(؟؟؟؟؟؟‬
‫قال تعالى‪):‬لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة (وقال‪:‬‬
‫)إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله (‬
‫‪.................‬‬
‫للقدوة والسوة العملية في المبادئ والقيم دور أساس وفّعال ‪ ،‬فالقدوة‬
‫تمنح الفكر قيمة عملية ‪ ،‬وتمنح رجالتها المصداقية والوثاقة ‪ . .‬وتمثل القدوة‬
‫العملية الصيغة الحية للفكر والمبادئ ‪. .‬‬
‫‪................................‬‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫و ينبغي أن نجيب على السؤال الذي يثيره خصوم اليمان ‪ ،‬وهو ‪ :‬ما معنى‬
‫أن يقتدي إنسان بانسان فيقلده ويتبعه خطوة بخطوة ‪ . .‬أليس في ذلك‬
‫مصادرة لرادة المقتدي ‪ ،‬وتغييب لعقله واختياره ‪ . .‬أليس هناك تطورات‬
‫زمنية وظروف مستجدة تختلف عن تلك التي عاشها الرسول )صلى الله‬
‫عليه وسلم( ؟‬
‫‪...........................‬‬
‫وللجابة على هذه الثارات الصادرة عن فهم سّيئ لمعنى القدوة والقتداء‬
‫بالرسول )صلى الله عليه وسلم( ينبغي النطلق من اليمان بالله تعالى‬
‫ن الله سبحانه أعلم حيث يضع رسالته ‪ ،‬فهو الذي اصطفاه‬ ‫والنبوة أوّل ً ‪ ،‬وأ ّ‬
‫واختاره لحمل الرسالة والدعوة إليها ‪ . .‬وتلك المهمة تقتضي أن يكون النبي‬
‫)صلى الله عليه وسلم( معصوما من ارتكاب المعصية ‪ ،‬أي معصوما ً من فعل‬
‫القبائح والسيئات التي دعا الناس إلى تركها ‪ ،‬وعامل ً بما أمر الناس العمل به‬
‫‪..‬‬
‫وثانيا دراسة السيرة العملية والقولية للرسول )صلى الله عليه وسلم( على‬ ‫ً‬
‫ضوء التحليل العلمي والنفسي لنكتشف الستقامة والكمال البشري في‬
‫سلوكه فنفهم لماذا القدوة ‪.‬‬
‫والعصمة ‪ :‬هي صفة نفسية وعقلية تعني حصول درجة الكمال النساني عند‬
‫المعصوم‬
‫‪......................................‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫‪ .‬فالنسان بانسانيته التي فطره الله عليها له ماهية ممثلة لنوعه ‪ ،‬كما لي‬
‫عليا ممثلة لنوعه ‪ . .‬فالماء له ماهية‬
‫شيء مادي أو حيواني أو نباتي صورة ُ‬
‫ممثلة لنوعه ‪ ،‬والهواء له ماهية ممثلة لنوعه ‪ ،‬والحيوان له بحيوانيته ماهية‬
‫ممثلة لنوعه ‪ ،‬والنبات بنباتيته له ماهية ممثلة لنوعه ‪ . .‬فالنسان كما هو‬
‫واضح ومفطور له هوية إنسانية صورتها الحقة في السلوك هي الكمال ‪،‬‬
‫كالصدق والعدل والرحمة ‪ ،‬واستخدام الغريزة بما وضعت له تكوينيا ً ‪.‬‬
‫وتحقيقها يتأتى باختيار النسان بما لديه من ملكات نفسية وعقلية وإرادة‬
‫وتوازن في بناء الشخصية ‪.‬‬
‫والمعصوم بلطف من الله ‪ ،‬وبفعله الختياري يحقق العصمة ‪ ،‬يصنع من ذاته‬
‫النسان الكامل ‪ ،‬أو كما يقول أهل الفلسفة والعرفان يحقق الدمية الكاملة ‪.‬‬
‫ولكي تتحقق العصمة السلوكية من الناحية النظرية لدى النسان فإّنه يحتاج‬
‫إلى توفر شيئين هما ‪:‬‬
‫سن من القبيح ‪،‬‬ ‫أوّل ً ‪ :‬العلم والمعرفة التامة بكل مفردة سلوكية ليعرف الح َ‬
‫والحق من الباطل ‪ ،‬والضار من النافع ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬تطابق الرادة مع الحقيقة العلمية تلك بصورة دائمة ‪ ،‬وتحقيق ذلك من‬
‫سره الله بلطفه لنبيائه ‪ ،‬ليكونوا الممثلين للنوع النساني‬ ‫الناحية العملية قد ي ّ‬
‫ولصورة النسان المطلوب تحقيقها ‪ ،‬وجاءت الشرائع بمنهاج سلوكي لتكون‬
‫دليل ً للنسان لبناء ذاته ‪ ،‬كما تكون الخارطة دليل ً لبناء الجهاز اللي ‪ ،‬وادارة‬
‫عمله وصيانته ‪ ،‬أو كما يهتدي الطيار والبحار بالخارطة في مساره ‪ ،‬فل يضل‬
‫الطريق‬
‫ن النحرافات السلوكية مثل الكذب والسرقة‬ ‫وتفيد الدراسات النفسية ا ّ‬
‫وجريمة القتل والحقد والنانية واللجوء إلى الخمور أو الزنا واللواط أو ظلم‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخرين ‪ ،‬وارتكاب السلوك العدواني ‪ ،‬إّنما سببه الجهل والتربية السيئة ‪،‬‬
‫والتكوين النفسي والجسدي غير المتوازن ‪ ،‬ل سيما أنشطة الغدد الصماء‬
‫والجهاز العصبي ومناطق المخ ‪ ،‬وضعف الرادة ‪ ،‬لذا فتح الله سبحانه باب‬
‫التوبة والعفو والرحمة ‪ ،‬ليكون أمام النسان متسع لتلفي ما صدر عنه من‬
‫سوء بسبب تلك المؤثرات ‪. .‬‬
‫والمعصوم ‪ :‬قد سلمت فطرته التكوينية من تلك المؤثرات ‪ ،‬وهو بعلمه‬
‫واختياره النقي صار معصوما ً ‪ ،‬أي يسير في سلوكه وفق نقاء الفطرة من‬
‫غير تلويث ‪ ،‬وبذا فهو يمثل الهوية النسانية )الدمية( بصيغتها التكاملية ‪،‬‬
‫وسلوكه يمثل السلوك الصحي السوي ‪ ،‬الخالي من العقد والمراض النفسية‬
‫‪ ،‬والجهل والخطأ ‪ . .‬فهو يشخص بسلوكه قانونية السلوك النساني السليم ‪،‬‬
‫لذا فالقتداء به هو عمل بالسلوك النساني السوي ‪ ،‬وممارسة عملية لبناء‬
‫الذات النسانية السوّية ‪. .‬‬
‫ً‬
‫وبذا يكون السلوك النبوي مقياسا للسلوك ‪ ،‬فهو مصحح للسلوك والمحتوى‬
‫الذاتي للنسان ‪ ،‬وعاصم له من النحراف ‪ ،‬فهو بيان عملي للمنهج والسلوك‬
‫السوي علميا ً في الحياة ‪.‬‬
‫لذا فاتباعه إذا ً ليس تقليدا ً أعمى يمارسه إنسان لنسان ‪ ،‬ول مصادرة للذات‬
‫النسانية ‪ ،‬ول إسقاطا ً لهوية النسان المقتدي ‪ ،‬كما يدعي خصوم اليمان ‪،‬‬
‫بل هو عمل بالسلوك السوي المستقيم ‪.‬‬
‫ن السيرة النبوية تشكل مقياسا ً وتفسيرا ً إسلميا ً للقيم والمبادئ والمعتقد‬ ‫إ ّ‬
‫السلمي بشكله النقي الصيل ‪ . .‬بعيدا ً عن عبث العابثين وتفسيرات‬
‫الفلسفة والرأي والتأويل الخاطئ للنصوص ‪ . .‬فالسيرة صورة تنفيذية‬
‫سد بشكله‬ ‫سرة للنص اللفظي ‪ ،‬أو صانعة لمفهوم وتشريع اسلمي مج ّ‬ ‫مف ّ‬
‫المادي المشرق المحسوس ‪ ،‬كما أن مسألة إثبات ما صدر عن الرسول‬
‫)صلى الله عليه وسلم( نجدها في مجال السيرة العملية أفضل منها في‬
‫السّنة اللفظية ‪ ،‬فالمكذوب في مدونات السيرة العملية ورواياتها أقل بكثير‬
‫منه في السّنة اللفظية والقولية ‪. .‬‬
‫إن مجتمعنا المعاصر أحوج ما يكون إلى القتداء بسيرة الرسول )صلى الله‬
‫عليه وسلم( العملية ‪ ،‬وإن إحياء السيرة والسّنة النبوية مسألة أساسية‬
‫وحضارية ‪ . .‬إّننا بحاجة إلى تأسيس المشاريع والمؤسسات العصرية لحياء‬
‫السّنة ‪ . .‬فقد كان في كل سلوك سلكه الرسول )صلى الله عليه وسلم(‬
‫مؤسسة خير وإصلح وتطوير للمجتمع وبناء أخلقي وحضاري للنسان ‪. .‬‬
‫فكم دافع الرسول )صلى الله عليه وسلم( بمواقفه العملية عن المظلوم‬
‫م باليتام ‪ ،‬وكم قضى حوائج المحتاجين ‪ ،‬وأغاث‬ ‫قه ‪ ،‬وكم اهت ّ‬ ‫ضّيع ح ّ‬
‫ومن ُ‬
‫الملهوفين ‪ ،‬وكم صدر عنه ما يؤكد عنايته بالحيوان ‪ . .‬وكم كان له من‬
‫مواقف لحل المشاكل والصلح ‪ ،‬وكم كان من وقته وجهده للعبادة والدعوة‬
‫إلى السلم ‪. .‬‬
‫إن تأسيس المؤسسات ومشاريع البّر التي تقوم بكل تلك النشطة ‪ ،‬ونشر‬
‫تراث السيرة ‪ ،‬والتثقيف عليه ‪ ،‬والحث على العمل به في حياتنا العملية ‪ ،‬هو‬
‫بناء لوجودنا الحضاري في مجال السرة والمجتمع والدولة ‪ ،‬وفي التعامل مع‬
‫ذوي القربى والجار والخصم والصديق ‪ ،‬في الفراح والحزان ‪ ،‬وهي أساس‬
‫لتصحيح التقاليد الجتماعية الخاطئة ‪. .‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن الدعوة إلى القتداء بالرسول )صلى الله عليه وآله وسلم( وتعميق‬‫إ ّ‬
‫البحوث والدراسات التحليلية للسيرة هي دعوة لتطوير المجتمع ‪ ،‬والتسامي‬
‫به نحو إنسانية النسان وآدميته‬

‫)‪(12 /‬‬

‫الرسول – صلى الله عليه وسلم‪ -‬القدوة‬


‫د‪ .‬عبد اللطيف بن إبراهيم الحسين ‪15/10/1426‬‬
‫‪17/11/2005‬‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على أشرف النبياء والمرسلين‬
‫نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬أما بعد ‪:‬‬
‫فنحن ننتمي إلى السلم‪ ،‬وهذا النتماء هو الذي شرفنا الله ‪ -‬تبارك وتعالى‪-‬‬
‫به وسمانا به ‪ .‬ورسولنا ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬هو إمام الدعاة‪ ،‬وهو‬
‫القدوة والسوة والداعية المعلم الذي أمر الله تبارك وتعالى باقتفاء نهجه‪،‬‬
‫وأن نقتدي به في عبادتنا ودعوتنا وخلقنا ومعاملتنا وجميع أمور حياتنا‪ ،‬قال‬
‫َ‬ ‫سِبيِلي أ َد ْ ُ‬
‫ن‬
‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬‫ن ات ّب َعَِني وَ ُ‬ ‫م ِ‬‫صيَرةٍ أَنا وَ َ‬ ‫عو إ َِلى الل ّهِ عََلى ب َ ِ‬ ‫ل هَذِهِ َ‬ ‫تعالى‪" :‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫م ِفي‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬‫كا َ‬‫قد ْ َ‬ ‫ن" ]يوسف‪ ،[108:‬وقال تعالى‪" :‬ل َ َ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬‫ما أَنا ِ‬ ‫الل ّهِ وَ َ‬
‫ه ك َِثيرًا"‬ ‫ُ‬
‫خَر وَذ َك ََر الل ّ َ‬ ‫م اْل ِ‬ ‫ه َوال ْي َوْ َ‬‫جو الل ّ َ‬‫ن ي َْر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة لِ َ‬ ‫سن َ ٌ‬
‫ح َ‬ ‫سوَة ٌ َ‬ ‫ل الل ّهِ أ ْ‬ ‫سو ِ‬‫َر ُ‬
‫]الحزاب‪[21:‬‬
‫أول ‪ :‬أهمية الموضوع ‪:‬‬
‫وتتضح أهمية موضوع الرسول – صلى الله عليه وسلم‪ -‬القدوة في النقاط‬
‫التية ‪:‬‬
‫‪ -1‬إن الناظر في الوساط التربوية اليوم ليلحظ قلة القدوة الصالحة المؤثرة‬
‫في المجتمعات السلمية‪ ،‬رغم كثرة أهل العلم والتقوى والصلح ‪.‬‬
‫‪ -2‬إن المتأمل في خضم الحياة المعاصرة يجد المور قد اختلطت‪ ،‬والشرور‬
‫قد سادت‪ ،‬وأصبح النشء والشباب ُيرددون ‪) :‬نحن ل نجد القدوة الصالحة‪..‬‬
‫فلماذا؟( ‪.‬‬
‫‪ -3‬إن كثيرا من الناس اليوم بدل من أن يتخذوا سيرة نبيهم وقدوتهم محمد –‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،-‬تراهم قد انشغلوا بالمشاهير من الممثلين أو‬
‫اللعبين‪ ،‬وما تراهم إل استبدلوا‬
‫الذي هو أدنى بالذي هو خير ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬وجوب القتداء بالرسول – صلى الله عليه وسلم‪:-‬‬
‫يجب على كل مسلم ومسلمة القتداء والتأسي برسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو ِ‬ ‫م ِفي َر ُ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬‫كا َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫وسلم ‪ ;-‬فالقتداء أساس الهتداء‪ ،‬قال تعالى ‪" :‬ل َ َ‬
‫ه ك َِثيرًا" ]الحزاب‪[21:‬‬ ‫ُ‬
‫خَر وَذ َك ََر الل ّ َ‬ ‫م اْل ِ‬‫ه َوال ْي َوْ َ‬ ‫جو الل ّ َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ة لِ َ‬ ‫سن َ ٌ‬
‫ح َ‬‫سوَة ٌ َ‬‫أ ْ‬
‫قال ابن كثير ‪" :‬هذه الية أصل كبير في التأسي برسول الله – صلى الله‬
‫س بالتأسي بالنبي –‬ ‫ُ‬
‫مَر النا ُ‬ ‫عليه وسلم ‪ -‬في أقواله وأفعاله وأحواله‪ ،‬ولهذا أ ِ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يوم الحزاب في صبره ومصابرته ومرابطته‬
‫ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه –عز وجل‪.(1) "-‬‬
‫وله‬ ‫فمنهج السلم يحتاج إلى بشر يحمله ويترجمه بسلوكه وتصرفاته‪ ،‬فيح ّ‬
‫إلى واقع عملي محسوس وملموس‪ ،‬ولذلك بعثه – صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫بعد أن وضع في شخصيته الصورة الكاملة للمنهج‪ -‬ليترجم هذا المنهج ويكون‬
‫خير قدوة للبشرية جمعاء ‪.‬‬
‫لقد كان الصالحون إذا ذكر اسم نبينا محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ;-‬يبكون‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ه‪ ،‬وكيف ل يبكون؟ وقد بكى جذع النخلة شوقا وحنينا‬ ‫شوقا وإجلل ومحبة ل َ ُ‬
‫ن إذا‬ ‫ول النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ;-‬عنه إلى المنبر‪ ،‬وكان الحس ُ‬ ‫لما تح ّ‬
‫ن الجذع وبكاءه‪ ،‬يقول ‪" :‬يا معشر المسلمين‪ ،‬الخشبة تحن‬ ‫حني َ‬ ‫ذ َك ََر حديث َ‬
‫إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم‪ -‬شوقا إلى لقائه؛ فأنتم أحق أن‬
‫تشتاقوا إليه" )‪.(2‬‬
‫يقول ابن تيمية ‪-‬رحمه الله‪" : -‬وإنما ينفع العبد الحب لله لما يحبه الله من‬
‫خلقه كالنبياء والصالحين؛ لكون حبهم يقرب إلى الله ومحبته‪ ،‬وهؤلء هم‬
‫الذين يستحقون محبة الله لهم" )‪.(3‬‬
‫ول بد من تحقيق المحبة الحقيقية لنبينا محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪;-‬‬
‫وتقديم محبته وأقواله وأوامره على من سواه )ثلث من كن فيه وجد بهن‬
‫ب إليه مما سواهما‪ (..‬الحديث )‪.(4‬‬ ‫حلوة اليمان ‪ :‬أن يكون الله ورسول ُ َ‬
‫ح ّ‬ ‫هأ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫إن واجبنا القتداء بسيرة النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ;-‬وجعلها المثل‬
‫العلى للنسان الكامل في جميع جوانب الحياة‪ ،‬واتباع النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫ه‪ ،‬وفي‬ ‫عليه وسلم ‪ ;-‬دليل على محبة العبد ربه‪ ،‬وسينال محبة الله تعالى ل َ ُ‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫حب ِب ْك ُ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َفات ّب ُِعوِني ي ُ ْ‬ ‫حّبو َ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬‫ل إِ ْ‬‫هذا يقول الله –عز وجل‪ " -‬قُ ْ‬
‫م" ]آل عمران‪ .[31:‬فسيرة الرسول –‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر َر ِ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬
‫ه غَ ُ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬
‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬ ‫وَي َغْ ِ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬كانت سيرة حية أمام أصحابه في حياته وأمام أتباعه‬
‫بعد وفاته‪ ،‬وكانت نموذجا ً بشريا ً متكامل ً في جميع المراحل وفي جميع‬
‫جوانب الحياة العملية‪ ،‬ونموذجا ً عمليا ً في صياغة السلم إلى واقع مشاهدٍ‬
‫ه محمدا ً – صلى الله عليه وسلم‪،-‬‬ ‫ف من خلل أقوال ِهِ وأفعال ِهِ فيتبع رسول َ ُ‬ ‫يعر ُ‬
‫عه دليل على صدق محبته‪-‬سبحانه‪.-‬‬ ‫ويجعل ات َّبا َ‬
‫كما أن محبة الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أصل من أصول اليمان الذي‬
‫ل يتم إل به‪ ،‬عن عمر –رضي الله عنه‪ -‬قال رسول الله – صلى الله عليه‬
‫ب إليه من والده‬ ‫دكم حتى أكون أح ّ‬ ‫وسلم‪)) : -‬والذي نفسي بيده ل يؤمن أح ُ‬
‫وولده والناس أجمعين(( )‪.(5‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ولقد كان الصحابة جميعا‪-‬رضي الله عنهم‪ -‬يحبون النبي – صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬حبا صادقا حملهم على التأسي به والقتداء واتباع أمره واجتناب نهيه؛‬
‫سو َ‬
‫ل‬ ‫ه َوالّر ُ‬ ‫ن ي ُط ِِع الل ّ َ‬‫م ْ‬
‫رغبة في صحبته ومرافقته في الجنة‪ ،‬قال تعالى ‪" :‬وَ َ‬
‫ك مع ال ّذي َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫حي‬
‫َ ّ ِ ِ َ‬‫ل‬ ‫صا‬ ‫وال‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫دا‬
‫َ َ‬ ‫ه‬‫ش‬‫ّ‬ ‫وال‬
‫قي َ َ‬
‫ن‬ ‫دي ِ‬
‫ص ّ‬
‫ن َوال ّ‬
‫ن الن ّب ِّيي َ‬
‫م َ‬‫م ِ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ْ‬
‫م الل ّ ُ‬ ‫فَأول َئ ِ َ َ َ ِ َ‬
‫ن أن ْعَ َ‬
‫ك َرِفيقًا" ]النساء‪ [69:‬وفي الحديث "المرء مع من أحب" )‪.(6‬‬ ‫ن ُأول َئ ِ َ‬
‫س َ‬
‫ح ُ‬
‫وَ َ‬
‫وجاء في حديث أنس –رضي الله عنه‪ ;-‬بلفظ قال‪":‬شهدت يوم دخل النبي –‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ول أضوأ منه" )‪ ،(7‬وفي‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬المدينة فلم أَر يوما ً أحس َ‬
‫ة فما رأيت يوما ً َقط كان أحسن ول أضوأ َ‬ ‫ل المدين َ‬ ‫م دخ َ‬
‫َ‬ ‫رواية ‪":‬فشهدُته يو َ‬
‫م‬‫ح ول أظل َ‬ ‫ً‬
‫من يوم دخل علينا فيه‪ ،‬وشهدته يوم مات فما رأيت يوما كان أقب َ‬
‫من يوم مات فيه –صلى الله عليه وسلم‪.(8) "-‬‬
‫ثالثا ‪ :‬أمور مهمة في القتداء بالنبي – صلى الله عليه وسلم‪: -‬‬
‫‪ -‬ومن الجوانب المهمة في القتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ أن سيرته ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬في إيمانه وعبادته وخلقه وتعامله مع غيره‪ ،‬وفي‬
‫جميع أحواله كانت سيرة مثالية في الواقع‪ ،‬ومؤثرة في النفوس؛ فقد‬
‫اجتمعت فيها صفات الكمال وإيحاءات التأثير البشري‪ ،‬واقترن فيها القول‬
‫بالعمل؛ ول ريب أن اليحاء العملي أقوى تأثيرا ً في النفوس من القتصار‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫س‬
‫على اليحاء النظري؛ لهذه العلة أرسل الله تعالى الرسل ليخالطهم النا ُ‬
‫ل – صلى الله عليه وسلم‪ -‬ليكون‬ ‫ويقتدوا بهداهم‪ ،‬وأرسل الله سبحانه الرسو َ‬
‫للناس أسوة حسنة يقتدون به‪ ،‬ويتأسون بسيرته‪ ،‬قال المولى – عز وجل‪" -‬‬
‫م اْل ِ‬ ‫ُ‬
‫خَر‬ ‫ه َوال ْي َوْ َ‬
‫جو الل ّ َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة لِ َ‬
‫سن َ ٌ‬
‫ح َ‬
‫سوَة ٌ َ‬‫ل الل ّهِ أ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫م ِفي َر ُ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬
‫كا َ‬ ‫لَ َ‬
‫ه ك َِثيرًا" ]الحزاب‪ ،[21:‬وقد أمرهم ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بالتأسي‬ ‫وَذ َك ََر الل ّ َ‬
‫به فقال ‪":‬صلوا كما رأيتموني أصلي" )‪ ،(9‬وقال – صلى الله عليه‬
‫كم" )‪.(10‬‬ ‫سك َ ُ‬ ‫ذوا منا ِ‬ ‫خ ُ‬‫وسلم‪": -‬لتأ ُ‬
‫وقال بعضهم في القتداء بالنبي – صلى الله عليه وسلم‪ -‬والتأسي به ‪:‬‬
‫ك حاديا‬ ‫ب ِذكرا َ‬ ‫طي ُ‬ ‫منا *** كفى بالمطايا ِ‬ ‫ما ُ‬ ‫إذا نحن أدلجنا وأنت إ َ‬
‫هاديا )‪(11‬‬ ‫ك َ‬ ‫جهِ َ‬‫فاَنا ُنوُر وَ ْ‬‫د*** دليل ك َ‬ ‫وإن نحن أضل َل َْنا الطريقَ ولم نج ْ‬
‫ومن المور التي يجدر التنبيه عليها أيضا في القتداء بالنبي – صلى الله عليه‬
‫وسلم والتأسي به‪:‬‬
‫‪ -‬العمل بسنته باطنا وظاهرا‪ :‬مثل سنن العتقاد ومجانبة البدعة وأهلها‪.‬‬
‫والسنن المؤكدة ‪ :‬مثل سنن الكل واللباس والوتر وركعتي الضحى‪ ،‬وسنن‬
‫المناسك في الحج والعمرة ‪..‬‬
‫‪ -‬تطبيق السنن المكانية ‪ :‬الذهاب إلى مدينة رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،-‬والصلة في مسجده‪ ،‬والصلة في مسجد قباء‪ ،‬والصلة في الروضة‬
‫الشريفة‪ ،‬وهي من رياض الجنة التي ينبغي التنعم فيها والعتناء بها‪ ،‬قال –‬
‫صلى الله عليه وسلم‪)) : -‬ما بين بيتى ومنبري روضة من رياض الجنة‪،‬‬
‫ومنبري على حوضي(( )‪.(12‬‬
‫‪ -‬الكثار من الصلة عليه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ;-‬كما في قوله ‪)) :‬من‬
‫صلى علي صلة صلى الله عليه بها عشرا(( )‪.(13‬‬
‫رابعا ‪ :‬حاجة المة إلى القدوات دوما بعد الرسول – صلى الله عليه وسلم‪: -‬‬
‫إن القتداء بالرسول – صلى الله عليه وسلم‪ -‬في الدعوة إلى الله تعالى‬
‫ليس بالموضوع الهين‪ ،‬فإنه أمر جلل‪ ،‬والمة السلمية اليوم‪ ،‬وهي تشهد‬
‫صحوة وتوبة وأوبة إلى الله تعالى‪ ،‬وتشهد ‪-‬في الوقت نفسه‪ -‬مناهج وطرقا ً‬
‫مختلفة في الدعوة إلى الله‪ ..‬هي أحوج ما تكون إلى معرفة منهج النبي‬
‫م‪ ،‬ومنهج النبياء الكرام في الدعوة إلى الله؛ فليس‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫هناك منهج يقتدى به في الدعوة والعلم والعمل إل منهج النبي َ‬
‫م‪ ،‬ومن تبعه من الصحابة الكرام والسلف الصالح ‪.‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫فمنذ عهد الصحابة –رضوان الله عنهم‪ -‬ومن تبعهم من الصالحين والعلماء‬
‫والدعاة وأهل الفضل والتقى على مر العصور خلفوا سيرة الرسول – صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬في عطائها وإيحائها وتأثيرها؛ لنهم ورثة النبياء‪ ،‬يقتدي بهم‬
‫الناس في اتباع هدي الرسول – صلى الله عليه وسلم‪ -‬والعمل بسنته‪،‬‬
‫وبقيت سيرهم بعد وفاتهم نبراسا ً يضيء طريق محبيهم إلى الخير‪ ،‬ويرغبهم‬
‫في السير على منهج الحق والهدى ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من اختفاء تلكم الشخصيات عن العيون إل أن سيرها العطرة‬
‫المدونة ل تزال بقراءتها تفوح مسكا ً وطيبًا‪ ،‬وتؤثر في صياغة النفوس‬
‫واستقامتها على الهدى والصلح‪ ،‬قال بشر بن الحارث ‪" :‬بحسبك أقوام تحي‬
‫القلوب بذكرهم‪ ،‬وبحسبك أقوام تموت القلوب بذكرهم" ‪.‬‬
‫ذلك أن القدوة ل تزال مؤثرة وستبقى مؤثرة في النفس النسانية‪ ،‬وهي من‬
‫أقوى الوسائل التربوية تأثيرا ً في النفس النسانية‪ ،‬لشغفها بالعجاب بمن هو‬
‫ل‪ ،‬ومهيأة للتأثر بشخصيته ومحاولة محاكاته‪ ،‬ول شك أن‬ ‫أعلى منها كما ً‬
‫الدعوة بالقدوة أنجح أسلوب لبث القيم والمبادئ التي يعتنقها الداعية‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وفي التأكيد على أهمية القدوة الحسنة في الداعية أو الستاذ وأثر ذلك في‬
‫تلميذه‪ ،‬نقل الذهبي ‪" :‬كان يجتمع في مجلس أحمد ُزهاء خمسة آلف أو‬
‫ن الدب‬ ‫س َ‬ ‫يزيدون‪ ،‬نحو خمس مئة يكتبون‪ ،‬والباقون يتعّلمون منه ُ‬
‫ح ْ‬
‫سمت" )‪.(14‬‬ ‫وال ّ‬
‫وقبل أن نختم موضوعنا يجدر بنا أن نطرح تساؤل مهما كثيرا ما يرد ‪ :‬ما‬
‫السبب في قلة القدوة المؤثرة إيجابيا ً في الوسط التربوي ؟‬
‫وتكون الجابة على هذا السؤال بالمور التالية )‪:(15‬‬
‫‪ -1‬عدم توافر جميع الصفات التالية في كثير من الشخاص الذين هم محل‬
‫للقتداء ‪:‬‬
‫أ‪ -‬الستعداد الذاتي المتمثل في طهارة القلب وسلمة العقل واستقامة‬
‫الجوارح ‪.‬‬
‫ب‪ -‬التكامل في الشخصية أو في جانب منها بحيث يكون الشخص محل ً‬
‫دين وحسن الخلق ‪.‬‬ ‫للعجاب وتقدير الخرين ورضاهم‪ ،‬مع سلمة في ال ّ‬
‫ت‪ -‬حب الخير للخرين والشفقة عليهم والحرص على بذل المعروف وفعله‬
‫والدعوة إليه‪ ،‬فمن كان على هذه الصفة أحبه الناس وقدروه وتأسوا به‪ ،‬ومن‬
‫فقد هذه الصفة لم يلتفتوا إليه ‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم تسديد النقص أو القصور الذي قد يعتري من هم محل للقتداء‬
‫كالباء والمعلمين وأهل العلم في صفة من تلك الصفات مما يصرف الناس‬
‫عن التأسي بهم‪ ،‬وهذا يرجع إلى عدم إدراك هؤلء للواجب‪ ،‬أو عدم تصورهم‬
‫لثر القدوة في التربية والصلح‪ ،‬أو لضعف شخصي ناتج عن استجابة لضغط‬
‫المجتمع ‪ ،‬أو لسلبية عندهم نحو المشاركة في تربية الناشئة وإصلح أفراد‬
‫المجتمع ‪.‬‬
‫‪ -3‬مزاحمة القدوات المزيفة المصطنعة للتلبيس على الناس وإضللهم عن‬
‫الهدى وتزيين السوء في أعينهم‪ ،‬وصرفهم عن أهل الخير وخاصة الله‪ ،‬فقد‬
‫أسهم العلم المنحرف والمشوب في صناعة قدوات فاسدة أو تافهة‪،‬‬
‫وسلط عليها الضواء ومنحها من اللقاب والصفات والمكانة الجتماعية ما‬
‫جعلها تستهوي البسطاء من الناس أو ضعاف النفوس والذين في قلوبهم‬
‫مرض‪ ،‬وتوحي بزخرف القول الذي يزين لهؤلء تقليدهم ومحاكاتهم ‪.‬‬
‫‪" -4‬العناصر الخيرة قليلة في سائر المجتمعات‪ ،‬فما يكاد العامة يرون‬
‫نموذجا جيدا ً حتى يسارعوا إلى اللتفاف حوله والتعلق به" )‪.(16‬‬
‫ومن هنا تأتي الحاجة ملحة لن نعيد إلى الناس بيان حياة الرسول – صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬القدوة والسوة الحسنة للناس جميعا‪ ،‬ونعنى بتربية البناء‬
‫والشباب‪ ،‬وإعطائهم الصورة الصحيحة للقدوة الصالحة‪ ،‬وإبرازهم الشخصية‬
‫المستحقة للتباع والحتذاء ‪.‬‬
‫ونختم موضوعنا؛ في الرسول – صلى الله عليه وسلم‪ -‬القدوة‪ ،‬بأن المسلم‬
‫جَراها وَفْقَ ما أمر الله‬ ‫َ‬
‫إذا راقب الله تعالى في عباداته ومعاملته ودعوته وأ ْ‬
‫عز وجل; وما أمر رسوله – صلى الله عليه وسلم‪ -‬كان مقتديا برسول الله –‬
‫صلى الله عليه وسلم‪. -‬‬
‫ل على محمد وأزواجه وذريته‪ ،‬كما صليت على آل إبراهيم‪ ،‬وبارك‬ ‫اللهم ص ّ‬
‫على محمد وأزواجه وذريته‪ ،‬كما باركت على آل إبراهيم‪ ،‬إنك حميد مجيد ‪.‬‬
‫)‪ (1‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬تحقيق ‪ :‬سامي السلمة )‪.(6/391‬‬
‫)‪ (2‬سير أعلم النبلء )‪ ،(4/570‬وفتح الباري )‪.(6/602‬‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (3‬مجموع الفتاوى )‪.(10/610‬‬


‫)‪ (4‬البخاري ح ‪ ،16‬ومسلم ح ‪.3‬‬
‫)‪ (5‬البخاري ج ‪ 14‬و ‪ ، 15‬ومسلم ‪ 69‬و ‪.70‬‬
‫)‪ (6‬رواه البخاري )‪.(6168‬‬
‫)‪ (7‬رواه الحاكم في كتاب الهجرة‪ ،‬رقم )‪ ،(4338‬وقال‪ :‬حديث صحيح على‬
‫شرط مسلم ‪ ،‬ولم يخرجه‪.‬‬
‫)‪ (8‬رواه أحمد )‪.(3/287‬‬
‫)‪ (9‬البخاري )‪ ، (631‬ومسلم )‪.(674‬‬
‫)‪ (10‬مسلم )‪.(1297‬‬
‫)‪ (11‬الفوائد لبن القيم ‪) ،‬ص‪.(56:‬‬
‫)‪ (12‬البخاري ح )‪ ،(1196‬ومسلم ح )‪.(1391‬‬
‫)‪ (13‬مسلم ح )‪.(284‬‬
‫)‪ (14‬سير أعلم النبلء )‪.(11/316‬‬
‫)‪ (15‬النقاط ‪ 3-1‬يراجع ‪ :‬إجابة سؤال )قلة القدوة المؤثرة(‪ ،‬فضيلة شيخنا‬
‫الدكتور أحمد بن عبد العزيز الحليبي ‪ ،‬موقع السلم اليوم – على النترنت ‪،‬‬
‫تاريخ ‪17/6/1423‬هـ‬
‫)‪ (16‬الدعوة السلمية لمحمد يوسف‪ ،‬ص‪.73 :‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الرسوم المتحركة وأثرها على تنشئة الطفال‬


‫نزار محمد عثمان*‬
‫مدخل‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يلعب العلم في عصرنا دورا هاما في صياغة الفراد والمجتمعات‪ ،‬ذلك أنه‬
‫جع أمامها دور السرة وتقلص دونها دور‬ ‫أصبح أداة التوجيه الولى التي ت ََرا َ‬
‫المدرسة‪ ،‬فأصبحت السرة والمدرسة في قبضة العلم‪ ،‬يتحكم فيها‪..‬توجيها ً‬
‫للدوار‪ ..‬ورسما ً للمسار‪ ...‬ولما كان التلفاز يقدم المادة المرئية والمسموعة‬
‫والمقروءة معًا‪ ..‬كان أكثر وسائل العلم نفيرًا‪ ،‬و أعظمها تأثيرًا‪ ،‬ولما كانت‬
‫الطفولة ناشدة للهو والترفيه‪ ،‬قابلة للنقياد والتوجيه‪ ،‬وجدت في التلفاز بديل ً‬
‫ُ‬
‫ب مشغول)‪ ،(1‬فأصبحت "مشاهدة التلفزيون ثاني‬ ‫مؤنسا ً عن أ ّ‬
‫م تخلت أو أ ٍ‬
‫أهم النشاطات في حياة الطفل بعد النوم")‪ ،(2‬بل أثبتت إحدى الدراسات أن‬
‫نسبة ‪ %30‬من أطفال أحد أكبر المدن السلمية من حيث عدد السكان)‬
‫‪(3‬يقضون أمام شاشات التلفزيون وقتا ً أطول مما يقضونه في مدارسهم‪:‬‬
‫"عندما يكمل الطفل دراسته الثانوية يكون قد قضى ‪ 22‬ألف ساعة من وقته‬
‫أمام شاشة التلفزيون و ‪ 11‬ألف ساعة فقط في غرف الدراسة")‪ ،(4‬كما‬
‫بينت الدراسة أن الرسوم المتحركة تمثل نسبة ‪ %88‬مما يشاهده الطفال)‬
‫‪.(5‬‬
‫إن أهمية دراسة أثر الرسوم المتحركة على الطفال ل تأتي فقط من كونها‬
‫تشكل النسبة العلى لما يشاهدونه‪ ،‬بل تأتي كذلك من أن قطاعا ً كبيرا ً ـ من‬
‫الباء الملتزمين والمهات الصالحات ـ ل ينتبه لخطورة أثرها على الطفال‪،‬‬
‫عري الفضائيات وتفسخها‬ ‫فيلجأ إلى شغل أوقات الصغار بها هربا ً من ُ‬
‫ن حصين‪ ..‬يجد فيه المن على أبنائه‪ ،‬وتأتي كذلك‬ ‫ً‬
‫والتماسا لملذ أمين و حص ٍ‬
‫من سرعة تفاعل الطفال مع مادتها وشدة حرصهم على متابعتها‪ ..‬وزيادة‬
‫ولعهم بتقليد أبطالها‪" ،‬إن أشرطة الطفال وخاصة الرسوم المتحركة تعمل‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عملها في تلقين الطفل أكبر ما يمكن من معلومات‪ ،‬وأشرطة الفيديو‬


‫ً‬
‫والتسجيلت تنفذ محتوياتها إلى سمع الطفل وفؤاده وتنقش فيه نقشا)‪،(6‬‬
‫والطفل يأخذ ويتعلم ويتفاعل بسرعة مذهلة‪" ،‬إن حصيلة ما يتلقفه الطفل‬
‫من معلومات ما بين ازدياده ـ أي بعد الفطام ـ إلى سن البلوغ )الرابعة‬
‫عشرة( تفوق كل ما يتلقاه بعد ذلك من علم ومعرفة بقية عمره مهما امتد‬
‫عشرات السنين")‪ ،(7‬إذا وضعنا هذا في الحسبان‪ ،‬فل عجب أن يعتبر كثيٌر‬
‫من علماء الجتماع تجارب الطفولة محددا ً أساسيا ً من محددات السلوك‬
‫البشري‪.‬‬
‫ل‪ :‬إيجابيات مشاهدة الرسوم المتحركة‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫إن مشاهدة الرسوم المتحركة تفيد الطفل في جوانب عديدة‪ ،‬أهمها أنها‪:‬‬
‫]‪ [1‬تنمي خيال الطفل‪ ،‬وتغذي قدراته)‪ ،(8‬إذ تنتقل به إلى عوالم جديدةلم‬
‫تكن لتخطر له ببال‪ ،‬وتجعله يتسلق الجبال ويصعد الفضاء ويقتحم الحراش‬
‫ويسامر الوحوش‪ ،‬كما تعرفه بأساليب مبتكرة متعددة في التفكير والسلوك‪.‬‬
‫]‪ [2‬تزود الطفل بمعلومات ثقافية منتقاة وتسارع بالعملية التعليمية)‪:(9‬‬
‫فبعض أفلم الرسوم المتحركة تسلط الضوء على بيئات جغرافية معينة‪،‬‬
‫المر الذي يعطي الطفل معرفة طيبة‪ ..‬ومعلومات وافية‪ ،‬والبعض الخر‬
‫يسلط الضوء على قضايا علمية معقدة ـ كعمل أجهزة جسم النسان‬
‫ل جذاب‪ ،‬المر الذي يكسب الطفل معارف متقدمة‬ ‫المختلفة ـ بأسلوب سه ٍ‬
‫في مرحلة مبكرة‪.‬‬
‫]‪ [3‬تقدم للطفل لغة عربية فصيحة ـ غالبا ً ـ‪ ،‬ل يجدها في محيطه السري‪،‬‬
‫مما ييسر له تصحيح النطق وتقويم اللسان وتجويد اللغة‪ ،‬وبما أن اللغة هي‬
‫الداة الولى للنمو المعرفي فيمكن القول بأن الرسوم المتحركة ـ من هذا‬
‫الجانب ـ تسهم إسهاما ً مقدرا ً غير مباشر في نمو الطفل المعرفي‪.‬‬
‫تلبي بعض احتياجات الطفل النفسية و تشبع ـ له ـ غرائز عديدة مثل غريزة‬
‫حب الستطلع؛ فتجعله يستكشف في كل يوم جديدًا‪ ،‬وغريزة المنافسة‬
‫والمسابقة فتجعله يطمح للنجاح و يسعى للفوز‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬سلبيات مشاهدة الرسوم المتحركة‪:‬‬
‫لمشاهدة الرسوم المتحركة سلبيات عديدة أهمها‪:‬‬
‫]‪ [1‬سلبيات التلفاز‪ :‬بما أن التلفاز هو وسيلة عرض الرسوم المتحركة؛ فمن‬
‫الطبيعي أن تشارك الرسوم المتحركة التلفاز سلبياته والتي من أهمها‪:‬‬
‫)‪ (1‬التلقي ل المشاركة‪ :‬ذلك أن التلفاز يجعل الطفل "يفضل مشاهدة‬
‫الحداث والعمال على المشاركة فيها")‪ (10‬ـ خلفا ً للكمبيوتر الذي يجعل‬
‫الطفل يفضل صناعة الحداث ل المشاركة فيها فقط ـ ولعل هذا الثر‬
‫السالب لجهاز التلفاز هو الذي يفسر لنا لماذا قنع الكثيرون ـ في أمتنا‬
‫السلمية ـ بالمشاهدة دون المشاركة‪.‬‬
‫)‪ (2‬إعاقة النمو المعرفي الطبيعي)‪ :(11‬ذلك أن المعرفة الطبيعية هي أن‬
‫يتحرك طالب المعرفة مستخدما ً حواسه كلها أو جلها‪ ،‬ويختار ويبحث ويجرب‬
‫ويتعلم )قل سيروا في الرض فانظروا‪ ،( ..‬لكن التلفاز ـ في غالبه ـ يقدم‬
‫المعرفة دون اختيار ول حركة‪ ،‬كما أنه يكتفي من حواس الطفل بالسمع‬
‫والرؤية‪ ،‬ول يعمل على شحذ هذه الحواس وترقيتها عند الطفل‪ ،‬فل يعلمه‬
‫كيف ينتقل من السماع المباشر للسماع الفّعال‪ ،‬من الكلمات والعبارات إلى‬
‫اليماءات والحركات‪ ،‬ثم إلى الحاسيس والخلجات‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (3‬الضرار بالصحة‪ :‬فمن المعلوم أن الجلوس لفترات طويلة واستدامة‬


‫النظر لشاشة التلفاز لها أضرارها على جهاز الدوران والعينين‪.‬‬
‫ً‬
‫)‪ (4‬تقليص درجة التفاعل بين أفراد السرة‪" :‬إن أفراد السرة كثيرا ما‬
‫ينغمسون في برامج التلفزيون المخصصة للتسلية لدرجة أنهم يتوقفون حتى‬
‫عن التخاطب معًا")‪.(12‬‬
‫]‪ [2‬تقديم مفاهيم عقدية وفكرية مخالفة للسلم‪ :‬إن كون الرسوم المتحركة‬
‫موجهة للطفال لم يمنع دعاة الباطل أن يستخدموها في بث أفكارهم‪،‬‬
‫وللتدليل على ذلك نذكر مثال الرسوم المتحركة الشهيرة التي تحمل اسم‬
‫"آل سيمسونز ‪ The Simpsons‬لصاحبها مات قرونينق ‪ ،Matt Groening‬الذي‬
‫صّرح أنه يريد أن ينقل أفكاره عبر أعماله بطريقة تجعل الناس يتقبلونها‪،‬‬
‫وشرع في بث مفاهيم خطيرة كثيرة في هذه الرسوم المتحركة منها‪ :‬رفض‬
‫الخضوع لسلطة )الوالدين أو الحكومة(‪ ،‬الخلق السيئة والعصيان هما‬
‫الطريق للحصول على مركز مرموق‪ ،‬أما الجهل فجميل والمعرفة ليست‬
‫كذلك‪ ،‬بيد أن أخطر ما قدمه هو تلك الحلقة التي ظهر فيها الب في العائلة‬
‫‪ Homer Simpson‬وقد أخذته مجموعة تسمي نفسها )قاطعي الحجار(!!‬
‫عندما انضم لهم الب‪ ،‬وجد أحد العضاء علمة في الب رافقته منذ ميلده‪،‬‬
‫هذه العلمة جعلت المجموعة تقدسه و تعلن أنه الفرد المختار‪ ،‬ولجل ما‬
‫امتلكه من قوة ومجد‪ ،‬بدأ ‪ Homer Simpson‬يظن نفسه أنه الرب حتى قال‪:‬‬
‫"من يتساءل أن هناك ربًا‪ ،‬الن أنا أدرك أن هناك ربًا‪ ،‬وأنه أنا"‪ ،‬ربما يقول‬
‫البعض أن هذه مجرد رسوم متحركة للطفال‪ ..‬تسلية غير مؤذية‪ ،‬لكن تأثيرها‬
‫على المستمعين كبير مما يجعلها حملة إعلمية ناجحة‪..‬تلقن السامعين أمورا ً‬
‫دون شعورهم‪..‬وهذا ما أقره صانع هذه الرسوم المتحركة")‪.(13‬‬
‫كذلك تعمد بعض الرسوم المتحركة إلى السخرية من العرب والمسلمين‪،‬‬
‫ومثال ذلك بعض حلقات برنامج الرسوم المتحركة المعروف باسم سكوبي‬
‫ذين‬‫دو "‪ " Scobby Doo‬والمملوك لـ ‪ William Hanna‬و ‪ Joseph Barbera‬ال َ‬
‫طّبقت شهرتهما الفاق بعد نجاح رسومهما المتحركة "توم أند جيري"‪ ،‬في‬
‫إحدى الحلقات "يفاخر ساحر عربي مسلم عندما يرى اسكوبي بقوله‪" :‬هذا‬
‫ص أمارس سحري السود عليه"‪ ،‬ويبدي الساحر‬ ‫ما كنت أنتظره تمامًا‪ ،‬شخ ٌ‬
‫المسلم رغبته في تحويل سكوبي إلى قرد‪ ،‬لكن السحر ينقلب على الساحر‬
‫ويتحول الساحر نفسه إلى قرد‪ ،‬ويضحك سكوبي وهو يتحدث مع نفسه قائل‪ً:‬‬
‫"ل بد أن ذلك الساحر المشوش ندم على تصرفاته العابثة معنا"‪ ،‬ومرة أخرى‬
‫في حلقة سكوبي دو تقوم مومياء مصرية بمطاردة سكوبي ورفاقه‪ .‬ويرتابون‬
‫في أن المومياء نفسها حولت صديقهم الدكتور نسيب ـ العربي المسلم ـ إلى‬
‫حجر‪ ،‬وفي النهاية يستميل سكوبي المومياء ويلقي بها في إحدى شباك كرة‬
‫السلة‪ ،‬ولكن عندما يكشف النقاب عن المومياء يجد أنها ـ لدهشة سكوبي ـ‬
‫لم تكن مومياء بل الدكتور نسيب نفسه الذي أراد سرقة قطعة عملة ثمينة‬
‫من سكوبي متنكرا ً في زي مومياء‪ ،‬أي أن سكوبي يريد إنقاذ مسلم يود‬
‫سرقته‪ ،‬لقد بلغ المسلم هذا الحد من الرداءة ")‪.(14‬‬
‫]‪ [3‬العنف والجريمة‪ :‬إن من أكثر الموضوعات تناول ً في الرسوم المتحركة‬
‫الموضوعات المتعلقة بالعنف والجريمة‪ ،‬ذلك أنها توفر عنصرى الثارة‬
‫والتشويق الذ َْين يضمنا نجاح الرسوم المتحركة في سوق التوزيع‪ ،‬ومن ثم‬
‫يرفع أرباح القائمين عليها‪ ،‬غير أن مشاهد العنف والجريمة ل تشد الطفال‬
‫فحسب‪ ،‬بل ترّوعهم‪" ،‬إل أنهم يعتادون عليها تدريجيًا‪ ،‬ومن ثم يأخذون في‬
‫الستمتاع بها و تقليدها‪ ،‬ويؤثر ذلك على نفسياتهم واتجاهاتهم التي تبدأ في‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الظهور بوضوح في سلوكهم حتى في سن الطفولة‪ ،‬المر الذي يزداد‬


‫استحواذا ً عليهم عندما يصبح لهم نفوذ في السرة والمجتمع")‪ ،(15‬وقد‬
‫أكدت دراسات عديدة أن هناك ارتباطا ً "بين العنف التلفزيوني والسلوك‬
‫العدواني‪ ،‬ومن اللفت للنظر اتفاق ثلثة أساليب بحثية هي ‪ :‬الدراسة‬
‫المختبرية‪ ،‬والتجارب الميدانية‪ ،‬والدراسة الطبيعية على ذات النتيجة العامة‪،‬‬
‫وهي الربط بين العدوان ومشاهدة التلفزيون حيث يتأثر الجنسان بطرق‬
‫متشابهة")‪ ،(16‬وقد عانت المجتمعات الغربية من تفشي ظاهر العنف‪،‬‬
‫ونقلت وسائل العلم ـ ول تزال تنقل ـ أخبار حوادث إطلق النار في‬
‫المدارس‪ ،‬والسبب ـ كما أخبر مراهق روماني اختطف طفل عمرة ‪ 11‬عاما ً‬
‫وضربه حتى الموت ـ هو مشاهدة شيء مشابه على شاشة التلفزيون )‪.(17‬‬
‫]‪ [4‬إشباع الشعور الباطن للطفل بمفاهيم الثقافة الغربية‪ :‬إن الطفل عندما‬
‫يشاهد الرسوم المتحركة التي هي ـ في غالبها ـ من إنتاج الحضارة الغربية‪ ،‬ل‬
‫يشاهد عرضا ً مسليا ً يضحكه ويفرحه فحسب‪ ،‬بل يشاهد عرضا ً ينقل له نسقا ً‬
‫ثقافيا ً متكامل ً يشتمل على‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫)‪ (1‬أفكار الغرب‪ :‬إن الرسوم المتحركة المنتجة في الغرب مهما بدت بريئة‬
‫ول تخالف السلم‪ ،‬إل أنها ل تخلو من تحيز للثقافة الغربية‪ ،‬هذا التحيز يكون‬
‫أحيانا ً خفيا ً ل ينتبه إليه إل المتوسمون‪ ،‬يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري‪:‬‬
‫"فقصص توم وجيري تبدو بريئة ولكنها تحوي دائما ً صراعا ً بين الذكاء والغباء‪،‬‬
‫أما الخير والشر فل مكان لهما وهذا انعكاس لمنظومة قيمية كامنة وراء‬
‫المنتج‪ ،‬وكل المنتجات الحضارية تجسد التحيز")‪ ،(18‬و الرسوم المتحركة‬
‫في أكثر الحيان تروج للعبثية وغياب الهدف من وراء الحركة و السلوك‪،‬‬
‫والسعي للوصول للنصر والغلبة ـ في حمي السباق والمنافسة ـ بكل طريق‪،‬‬
‫فـ)الغاية تبرر الوسيلة(‪ ،‬كما تعمل على تحريف القدوة وذلك بإحلل البطال‬
‫السطوريين محل القدوة بدل ً من الئمة المصلحين والقادة الفاتحين‪ ،‬فتجد‬
‫الطفال يقلدون الرجل الخارق ‪ ، Super man‬والرجل الوطواط ‪، Bat man‬‬
‫والرجل العنكبوت ‪ ، Spider man‬ونحو ذلك من الشخصيات الوهمية التي ل‬
‫وجود لها‪ ،‬فتضيع القدوة في خضم القوة الخيالية المجردة من بعد ٍ إيماني‪.‬‬
‫)‪ (2‬روح التربية الغربية‪ :‬إننا إن تجاوزنا عن ترويج الرسوم المتحركة للفكار‬
‫الغربية‪ ،‬فل مجال للتجاوز عن نقلها لروح التربية الغربية‪ ،‬يقول الدكتور وهبة‬
‫الزحيلي‪" :‬أما برامج الصغار وبعض برامج الكبار فإنها تبث روح التربية‬
‫الغربية‪ ،‬وتروج التقاليد الغربية‪ ،‬وترغب بالحفلت والندية الغربية")‪ ،(19‬ذلك‬
‫أنها ل تكتفي بنقلها للمتعة والضحكة والثارة بل تنقل عادات اللباس من‬
‫ألوان وطريقة تفصيل وعري وتبرج‪ ،‬وعادات الزينة من قصة شعر وربطة‬
‫عنق‪ ،‬ومساحيق تجميل‪ ،‬وعادات المعيشة من ديكور وزخرفة‪ ،‬وطريقة أكل‬
‫وشرب‪ ،‬وثمل ونوم وحديث وتسوق ونزهة‪ ،‬وعادات التعامل من عبارات‬
‫مجاملة واختلط‪ ،‬وعناق وقبلت‪ ،‬ومخاصمة وسباب وشتائم‪ ،‬ونحو ذلك من‬
‫بقية مفردات النسق الثقافي الغربي‪.‬‬
‫هذا النسق الثقافي المغاير يتكرر أمام الطفل كل يوم فيألفه و يتأثر به‪،‬‬
‫ويطبقه في دائرته الخاصة‪ ،‬حتى إذا ما تكاملت شخصيته لم يجد منه فكاكا ً‬
‫ل!! ـ كيف ل؟ وقد عرفه قبل أن يعرف‬ ‫فصار نهجا ً معلنا ً ورأيا ً أصيل ً ل دخي ً‬
‫الهوى فصادف قلبا ً خاليا ً فتمكنا ـ فل يجد حرجا ً في الدفاع عنه والدعوة إليه‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بل والتضحية من أجله‪.‬‬


‫ثالثًا‪ :‬المخرج والعلج‪:‬‬
‫لتلفي سلبيات مشاهدة الرسوم المتحركة يجب الهتمام بالتي‪:‬‬
‫]‪ [1‬تعميق التربية السلمية في نفوس الطفال‪ :‬فالحق أبلج والباطل لجلج‪..‬‬
‫ومتى وجد الطفل الفكرة الصحيحة‪ ..‬وقعت في نفسه موقعا ً طيبًا‪ ..‬ذلك أنه‬
‫ُولد على الفطرة‪ ،‬والسلم هو دين الفطرة‪ ..‬والفكار المنحرفة ل تسود إل‬
‫في غياب الفكرة الصحيحة‪" ..‬فإذا جرى تقديم منظور إسلمي عن طريق‬
‫تثقيف الطفال وتعليمهم عن القيم السلمية ودستور الحياة السلمي‪ ،‬فإنهم‬
‫سيكتسبون موقفا ً مبنيا ً على تقييم ٍ ناقد لوسائل العلم من وجهة نظر‬
‫إسلمية‪ ،‬ويمكن تقديم هذا النوع من التربية ذات التوجه السلمي في‬
‫السرة والمدرسة وكذلك في المرافق الموجودة في المجتمع")‪" .(20‬وإذا‬
‫قدم الباء للطفال نموذج دور لسلوك إسلمي منضبط‪ ،‬وأوضحوا للطفال‬
‫أن الجرائم والعنف والحياة المنحلة أمور غير مرغوب فيها‪ ،‬فإن الطفال‬
‫يكبرون وهم يحملون مواقف إيجابية‪ ،‬ويتحلون بنفسية تحميهم من الثار‬
‫السالبة لوسائل العلم‪ ،‬إن أفضل السبل لبطال تأثير التلفزيون هو قيام‬
‫الباء والمعلمين بتثقيف الطفال وتهذيبهم")‪" ،(21‬إن السرة والمجتمع‬
‫يمكن أن يسهما في صياغة قالب لموقف عقلي إيجابي وظاهرة نفسية بناءة‬
‫في الطفال‪ ،‬ولهذا الدور أبعاد متعددة هي‪:‬‬
‫ل‪ :‬البعد السري‪ :‬على الباء وأفراد السرة إعلم الطفال عن القيم‬ ‫أو ً‬
‫السلمية بأسلوب يستطيع الطفال إدراكه‪ ،‬كما يجب إبراز النماذج السلمية‬
‫للدوار في وقت مناسب بأسلوب لئق‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬يجب أن تتخذ ترتيبات من كتب جرى تأليفها من منظور إسلمي‪ ،‬وإذا‬
‫لم يتم ذلك في المدارس‪ ،‬كما هو الحال في المجتمعات غير السلمية‪،‬‬
‫فبالمكان تنظيم حصص لدروس إسلمية في عطلة نهاية السبوع‪ ،‬أو ربما‬
‫يمكن تنظيم دروس خاصة في البيت بطريقة ناجعة‪ ،‬ويقتضي دعم التلقين‬
‫الشفوي الذي يمارسه الباء وأفراد السرة بمواد للمطالعة عندما يبلغ‬
‫الطفال هذا السن‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬إن ممارسة المعايير المزدوجة أمر بالغ الضرر ومن ثم يجب تفاديه إذ‬
‫سيعمد الطفال بطبيعة الحال إلى تقليد الباء‪ ،‬ومن ثم فإن تعليم الطفال‬
‫المور التي ل يمارسها الباء لن يعود بأية فائدة‪ ،‬وعلى الباء أن يقدموا‬
‫أنفسهم كنماذج أدوار قابلة للتكّيف")‪.(22‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫]‪ [2‬تقليل مدة مشاهدة الطفال للرسوم المتحركة‪ :‬إن مشاهدة الطفال‬
‫للرسوم المتحركة ـ وللتلفاز عموما ً ـ ينبغي أن ل يتجاوز متوسطها ‪ 3‬ساعات‬
‫أسبوعيًا‪ ،‬هذه الفترة المتوسطة تعلم الطفل كيف يختار بين البدائل‬
‫الموجودة‪ ،‬وتعلمه التزان والتخطيط وكيفية الستفادة من الوقات‪ .‬كما أنها‬
‫ـ إذا ُأحسن الختيار ـ تدفع عنه سلبيات التلفاز والرسوم المتحركة المذكورة‬
‫آنفًا‪.‬‬
‫]‪ [3‬إيجاد البدائل التي تعمق الثقافة السلمية‪ :‬وذلك بدعم شركات إنتاج‬
‫الرسوم المتحركة التي تخدم الثقافة السلمية وتراعي مقومات تربيتها‪ ،‬ول‬
‫تصادم غزائز الطفل بل توجهها وجهتها الصحيحة‪:‬‬
‫فغريزة الخوف يمكن أن توجه إلى خشية الله وتقواه ومراقبته‪ ،‬والحذر من‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ارتكاب الجريمة‪ ،‬والحياء من القدام على المنكرات‪ ،‬وغريزة حب الستطلع‬


‫يمكن أن توجه إلى الوقوف على آثار قدرة الله في السموات والرض‬
‫والفاق‪ ،‬وإلى حكمة الله وتقديره لمر المخلوقات والكائنات‪ ،‬وغريزة‬
‫المنافسة‪ :‬يمكن أن توجه للمسارعة في الفضائل‪ ،‬والمسابقة في تحصيل‬
‫العلم والمعارف‪ ،‬وشغل الفراغ بالنافع‪.‬‬
‫وعواطف الطفل يمكن أن توجه نحو حب النتماء للحضارة السلمية بكل‬
‫خصائصها الدينية وقيمها الخلقية ومكوناتها اللغوية والتاريخية‪ .‬وبغض الكفر‬
‫واللحاد‪.‬‬
‫جه للتأسي بالرسول صلى‬ ‫وغريزة التقليد والبحث عن القدوة يمكن أن تو ّ‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬وصحابته الكرام‪ ،‬والئمة المصلحين‪ ،‬والقادة الفاتحين على‬
‫مر العصور‪ ...‬وهكذا كل الغرائز توجه إلى وجهتها الصحيحة‪ ..‬تحقيقا ً لليمان‪..‬‬
‫واتساقا ً مع الفطرة‪.‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫إن تأثير الرسوم المتحركة على الطفال كبير خطير‪ ،‬ذلك أن لها إيجابيات‬
‫وسلبيات‪ ،‬تعمل كل واحدة منهن عملها في الطفل‪ ،‬غير أن المسجد والسرة‬
‫والمدرسة إن ُأحسن استغللهم‪ ..‬و تكاملت أدوارهم‪ ..‬يمكن أن يلعبوا دورا ً‬
‫رائدا ً في التقليل من خطرها‪ ..‬والتبصير بأوجه ترشيد استخدامها‪ ..‬لتكون‬
‫عنصر نماء‪ ،‬و سلح بناء‪ ..‬وسلم ارتقاء إلى كل ما يحبه الله و يرضاه من‬
‫سبق وريادة‪ ..‬وإدارة وقيادة‪ ..‬ومنعة وسيادة‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫)‪ (1‬يقول أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدة المعلم الشهيرة‪:‬‬
‫ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخّلفاه ذليل‬
‫إن اليتيم هو الذي تلقى له أما ً تخلت أو أبا ً مشغول‬
‫)‪ (2‬وسائل العلم والطفال وجهه نظر إسلمية‪ ،‬د‪ .‬أبو الحسن صادق‪ ،‬ص‬
‫‪.1‬‬
‫)‪ (3‬هي مدينة كراتشي الباكستانية‪.‬‬
‫)‪ (4‬المرجع السابق‪ ،‬نقل ً عن ‪Jack G. Shaheen, The Arab TV , University of‬‬
‫‪Popular Press, Ohio, 1984, P21‬‬
‫)‪ (5‬وسائل العلم والطفال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫)‪ (6‬في أية مرحلة تبدأ التربية‪ ،‬الستاذ عبد الهادي أبو طالب‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫)‪ (7‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫)‪ (8‬قضايا الطفل في المجتمعات المعاصرة‪ ،‬د‪ .‬محمد فاروق النبهان‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫)‪ (9‬وسائل العلم والطفال‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫)‪ (10‬نظرة إسلمية حول تربية الطفل وحمايته في القرن الواحد والعشرين‪،‬‬
‫د‪ .‬علي أوزاك‪ ،‬ود‪ .‬محمد فاروق بيراقدار‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫)‪ (11‬وسائل العلم والطفال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.3‬‬
‫)‪ (12‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.3‬‬
‫)‪ How the world has been controlled (13‬مقال مترجم عن النجليزية‪.‬‬
‫)‪ (14‬وسائل العلم والطفال مرجع سابق‪ ،‬نقل ً عن ‪Jack G Shaheen, The‬‬
‫‪.Arab TV, Bowling Green State Popular Press, Ohio, 1984, P 25‬‬
‫)‪ (15‬وسائل العلم والطفال رؤية اسلمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.5‬‬
‫)‪ (16‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫)‪ (17‬انظر صحيفة ‪ Malay Mail‬عدد ‪ 27‬مايو عام ‪1997‬م‪.‬‬
‫)‪ (18‬مجلة السلم وفلسطين‪ ،‬العدد ‪ ،55‬حوار مع الدكتور عبد الوهاب‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسيري‪ ،‬حاوره ممدوح الشيخ‪.‬‬


‫)‪ (19‬قضية الحداث‪ ،‬د‪ .‬وهبة الزحيلي‪ ،‬ص ‪.6‬‬
‫)‪ (20‬وسائل العلم والطفال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫)‪ (21‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫)‪ (22‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.26‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫الرشوة لتحصيل وظيفة‬


‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪ ...‬الفهرسة‪ /‬المعاملت‪/‬الرشوة والغش والتدليس‬
‫التاريخ ‪22/5/1424 ...‬هـ‬
‫السؤال‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‪.‬‬
‫شيخي الفاضل لقد اضطرتني الحياة والبطالة المقنعة والمنتشرة في بلدنا‬
‫بشكل مهول إلى أن أطلب من شخص يعمل في إدارة أن يبحث لي عن‬
‫عمل طيب‪ ،‬وفعل ً قام بذلك‪ ،‬وأخبرني أن امتحانا ً سيجرى في تاريخ محدد‪،‬‬
‫وأخبرني أنني إن أردت أحد المناصب المتوفرة فيجب أن أدفع نقودًا‪ .‬وهذا‬
‫المتحان يصدر كل سنة‪ ،‬وقد اشتهر بأنه من يريد منصبا ً فيه عليه أن يدفع أو‬
‫يدافع عنه شخص مسؤول ‪ .‬وحتى وإن فرضنا أن المرشح نجح فيه بدون‬
‫وساطة وبمجهوده وهذا نادر جدًا‪ .‬فإنه في الختبارات البدنية الخرى التي‬
‫تستمر أربعة أشهر يقومون بطرده‪ ،‬ويباع مكانه لشخص آخر بدعوى عدم‬
‫كفاءة المرشح‪ .‬ول يفلت من ذلك إل من رحم الله‪ ،...‬وأغلب المرشحين‬
‫الذين يذهبون لجتياز المتحان الكتابي متأكدون تماما ً أنهم إن لم يدفعوا مال ً‬
‫فلن ينجحوا أبدا ً إل إذا حدثت المعجزة‪ .‬وهم أيضا ً مستعدون تحت وطأة‬
‫القهر أن يدفعوا ويخافون أن يتعرضوا للنصب‪ .‬لذلك اضطررت أنا أن أدفع‬
‫مال ً مقابل هذا العمل‪ ،‬وقلبي وعقلي يرفضان ذلك‪ ،‬ولكن ما العمل؟ المجتمع‬
‫عندنا ل يرحم‪ ،‬وينظرون إلى العاطل عن العمل ولو كان يحمل شهادات عليا‬
‫مثله مثل المتسكعين‪ ،‬وأحيطك علما ً أن جميع الشروط المطلوبة في هذا‬
‫عمر‪ ،‬حيث يطلبون أن يكون عمر‬ ‫ي من شهادات و ُ‬ ‫المنصب متوفرة ف ّ‬
‫المرشح ل يتجاوز الخامسة والعشرين‪ .‬وعمري أنا أربعة وعشرون عاما ً‬
‫ونصف بما يعني أنه إن فاتتني هذه الفرصة هذا العام فلن تكون هناك فرصة‬
‫أخرى لي في العام المقبل‪ ،‬حيث سيكون عمري خمسة وعشرين عاما ً‬
‫ونصف‪ -...‬وأريد أن أعلم إن حصلت على هذا العمل الطيب‪ ،‬هل الرزق الذي‬
‫يأتي من ورائه وجهدي حلل أم حرام علي؟ وهل أكون أنا من ظلم‬
‫المرشحين الخرين؟ أم المسؤولون الذين طلبوا مني المال‪ .‬وما موقفي من‬
‫قول الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪":-‬من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه‬
‫فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة"‪ -.‬وما موقفي من قوله ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :-‬الراشي و المرتشي والرائش في النار"‪ -.‬وقوله ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪":-‬إن رجال يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم‬
‫القيامة" وتجدر الشارة إلى أن المناصب المتحدث عنها هنا مناصب الوظيفة‬
‫العمومية‪ .‬وأطلب منك شيخي الفاضل أن تتأنى في دراسة مشكلتي هذه‪،‬‬
‫والتي هي مشكلة اللف في بلدنا‪ ،‬وإن لم نقل المليين‪ .‬ونحن نعلم أن‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ظاهر النصوص الشرعية يقر بحرمة الرشوة‪ .‬لكن ما العمل وواقعنا يفرضها‬
‫بشدة بسبب قلة فرص الشغل؟ والتي ربما كما تعلم سيدي دفعت بالكثيرين‬
‫في بلدنا إلى الهجرة والموت في البحر باتجاه إسبانيا‪ .‬وفي انتظار ردكم‬
‫الذي أطلب من الله ‪-‬عز وجل‪ -‬أن يأتي سريعًا‪.‬‬
‫الجواب‬
‫حرم الله الرشوة التي بسببها يمنع صاحب الحق من حقه‪ ،‬وسماها الله في‬
‫ب‬ ‫ن ل ِل ْك َذِ ِ‬
‫عو َ‬
‫ْ‬
‫ما ُ‬‫س ّ‬‫ل‪ ،‬فقال –تعالى‪ -‬عن اليهود‪َ ":‬‬ ‫محكم التنزيل سحتا ً وباط ً‬
‫َ‬ ‫أَ ّ‬
‫م‬‫وال َك ُ ْ‬ ‫ت" ]المائدة‪ :‬من الية ‪ ،[42‬وقال –تعالى‪َ":-‬ول ت َأك ُُلوا أ ْ‬
‫م َ‬ ‫ح ِ‬ ‫س ْ‬
‫ن ِلل ّ‬ ‫كاُلو َ‬
‫ْ‬
‫كام ل ِتأك ُُلوا فَريقا ً م َ‬
‫س ِبال ِث ْم ِ‬ ‫ل الّنا ِ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬
‫نأ ْ‬‫ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ح ّ ِ َ‬ ‫ل وَت ُد ُْلوا ب َِها إ َِلى ال ْ ُ‬‫م ِبال َْباط ِ ِ‬‫ب َي ْن َك ُ ْ‬
‫ن" ]البقرة‪ ،[188:‬ولعن رسول الله – صلى الله عليه وسلم‪-‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مو َ‬ ‫م ت َعْل ُ‬ ‫وَأن ْت ُ ْ‬
‫دافع الرشوة والمدفوعة إليه والواسطة بينهما‪ .‬انظر ما رواه المام أحمد )‬
‫‪ (2399‬من حديث ثوبان –رضي الله عنه‪ -‬والمجتمع الذي تنتشر فيه الرشوة‬
‫تعم فيه الفوضى والبطالة والمحسوبية‪ ،‬وتعدم أو تندر فيه المانة ويفشو فيه‬
‫الكذب والخيانة‪ ،‬ول حول ول قوة إل بالله‪ ،‬وواجب الحاكم )ولي المر( أن‬
‫يمنع هذا المنكر‪ ،‬ويعاقب المتعاطين له‪ ،‬والمتعاملين فيه‪ ،‬ويقوم بتأمين‬
‫فرص العمل‪ ،‬والعيش المريح لفراد الرعية‪ ،‬كل ولي أمر للمسلمين ل يفعل‬
‫هذا فهو خائن للمانة ورعيته التي استرعاه الله إياها وسيسأله الله عنها يوم‬
‫القيامة‪.‬‬
‫وما دامت شروط الوظيفة متوفرة فيك وحال المجتمع كما ذكرته في سؤالك‬
‫ولو فاتت عليك هذه فلن يسمح لك النظام بالتقديم للوظيفة مرة أخرى‪ ،‬فإذا‬
‫كان المر كما ذكرت فما فعلته جائز‪ ،‬بشرط أنك بذلت السبب في طلب‬
‫العمل داخل الوظيفة الحكومية وخارجها من الشركات والعمال الخاصة ولم‬
‫تجد‪ ،‬فل شيء عليك إن شاء الله‪ ،‬ووجه ذلك أن الوظيفة حق عام لمن‬
‫توفرت فيه شروطها وأنت واحد منهم – والوظيفة المعينة التي تقدمت لها‬
‫لم تثبت لحد بعينه فحرم منها بسببك ومن أجلك‪ ،‬ولو كان هذا لكان الفعل‬
‫حراما ً ل يجوز بحال‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫والحاديث التي ذكرتها ل تنطبق عليك إن شاء الله‪ ،‬وقد رخص السلف بدفع‬
‫الرشوة إلى الظالم ليرد الحق إلى صاحبه‪ ،‬وأنت صاحب حق مشاع بينك‬
‫وبين غيرك قد منعت منه‪ ،‬فقد روى سفيان بن عمرو عن أبي الشعثاء قال‪:‬‬
‫لم نجد زمن زياد أحد أمراء بني أمية – شيئا ً أنفع لنا من الرشا(‪ ،‬وروي عن‬
‫عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أنه كان في الحبشة فرشا بدينارين‬
‫خلي سبيله‪ ،‬وقال‪ :‬إن الثم عن القابض دون الدافع‪ ،‬وإذا كانت الرشوة‬ ‫حتى ُ‬
‫المحرمة هي ما يعطى لبطال حق أو إحقاق باطل فإن أعطي ليتوصل به‬
‫النسان إلى حق أو ليدفع به عن نفسه ظلما ً فل بأس به‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الرضى في الجنة‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه والتابعين ‪:‬‬
‫استوقفني وأنا أعد إحدى الخطب عن الجنة والتي أسميتها دار النعيم المقيم‬
‫استوقفني كثرة الحديث عن الرضى مما جعلني أقول لبد أن يفرد للرضى‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في الجنة حديث خاص ‪.‬‬


‫ماذا أقول عن دار وعد بالرضى فيها قبل دخولها ؟ ومن استمع إلى تلك‬
‫هاتين اليتين أوضحتا له الكثير والكثير عن الرضى في الجنة ‪ ،‬ولكن لنستمع‬
‫إلى تلك اليتين ونحن مستحضرون أننا مازلنا في الدنيا أعوذ بالله من‬
‫الشيطان الرجيم ‪ " :‬والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم‬
‫الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين * ليدخلنهم مدخل يرضونه وإن‬
‫الله لعليم حليم " الحج ‪. 59 ، 58‬‬
‫فبالله عليك أخي أما تشعر بالرضى ؟‬
‫يا سبحان الكريم الوهاب رضى الجنة يصلك وأنت في الدنيا ! ‪ ،‬وما خفي كان‬
‫أعظم ‪.‬‬
‫أنه رضى الله الذي وعد أهل اليمان بالرضى ‪.‬‬
‫لكن يا ُترى أين وعدهم ؟‬
‫وعدهم وهم في الدنيا فأخبر جل وعل عن النار وأنها تلظى ولكن يا أهل‬
‫اليمان أبشروا إنكم بفضل الله سوف تجنبوا تلك النار ‪ ،‬وليس فقط بل‬
‫ولسوف تحظون بالرضى ‪.‬‬
‫قال تعالى " فأنذرتكم نارا تلظى * ل يصلها إل الشقى * الذي كذب وتولى‬
‫* وسيجنبها التقى * الذي يؤتي ماله يتزكى * وما لحد عنده من نعمة تجزى‬
‫* إل ابتغاء وجه ربه العلى * ولسوف يرضى " ‪.‬‬
‫إنه الرضى وعدنا ربنا به ونحن في الدنيا ‪ ،‬فكيف إذا صرنا إليه ؟ ما ظنك‬
‫به ؟‬
‫أرجوك ل تطلق لخيالك النطلقة في تلك الرضى فإنه أكبر بكثير مما يدور‬
‫بالخيل ‪ ،‬وكيف ل وفي الجنة ما ل عين رأت ول أذن سمعت ول خطر على‬
‫قلب بشر ‪ ،‬فكل ما خطر على قلبك من الرضى فقل له بل أكبر من ذلك‬
‫عند ربي ‪.‬‬
‫حتى إذا حقت الحاقة ووقعت الواقعة وقام الناس حفاة عراة غرل ووقفوا ما‬
‫شاء الله أن يقفوا‬
‫وطارت الصحف في اليدي منشرة ‪ ....‬فيها السرائر والخبار تطلع‬
‫" فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه * إني ظننت أني ملق‬
‫حسابيه * فهو في عيشة راضية * في جنة عالية * قطوفها دانية " ‪.‬‬
‫نعم والله يبشر بعيشة راضية وهو في أرض المحشر ‪ ،‬وما ذاك إل لما قدم‬
‫في الدنيا " وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية " ‪.‬‬
‫فيرضى عما قدم من عمل بعد أن أخذ كتابه باليمين وبشر بعيشة راضية ‪.‬‬
‫حتى إذا تقدم إمام النبياء والمرسلين وخير ولد آدم أجمعين وأهل الجنة‬
‫خلفه في موكب مهيب فإذ برسول الله صلى الله عليه وسلم يقرع باب‬
‫الجنة فل تعجب أخي إن علمت أن الذي يجيب قرع الباب هو خازن الجنة‬
‫رضوان ‪.‬‬
‫الله أكبر دار الرضى أشتق أسم خازنها من الرضى فأصبح اسمه رضوان ‪.‬‬
‫إي وربي رضوان خازن الجنة من على باب الجنة تراه وتسمع صوته فلكأنها‬
‫بشرى بما في الجنة من رضى ‪.‬‬
‫حتى إذا تدفق الجموع إلى دار النعيم المقيم حتى يزدحم بهم باب عرضه‬
‫مسيرة أربعين سنة وتلقتهم الملئكة بالتهنئة وبالتحية ونزلوا منازلهم‬
‫وقصورهم كل منهم أعرف بمنزلة في الجنة أكثر من معرفته لمنزله في‬
‫الدنيا تلقتهم الحور العين الخيرات الحسان يغنين بأحسن الصوات نحن‬
‫الراضيات فل نسخط‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما ظن سامعه بصوت أطيب ‪ ....‬الصوات من حور الجنان حسان‬


‫نحن النواعم والخوالد خيرا ‪ ....‬ت كاملت الحسن والحسان‬
‫لسنا نموت ول نخاف وما لنا ‪ ....‬سخط ول ضغن من الضغان‬
‫طوبى لمن كن له وكذاك طو ‪ ....‬بى للذي هو حظنا لفظان‬
‫فبالله عليك يا أخي أي نعيم هذا الذي فيه الحورية راضية ؟ وما ظنك بسيدها‬
‫أل يكون راضيا ؟‬
‫‪ ،‬وبينا هم في هذا الرضى إذ أتاهم ما هو أكبر ‪.‬‬
‫فإن سألت أكبر من أي شيء ؟ فالجواب أكبر من كل شيء " ورضوان من‬
‫الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم " ‪.‬‬
‫في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال ‪ :‬إن الله يقول لهل الجنة ‪ :‬يا أهل الجنة ‪،‬‬
‫فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك ‪ ،‬فيقول هل رضيتم ؟‬
‫يا لنعمة الله ! في كل هذا النعيم ورب الكون ومالك الملك يناديهم هل‬
‫رضيتم ؟‬
‫فيقولون وما لنا ل نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ؟ ‪،‬‬
‫فيقول أل أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون يا رب وأي شيء أفضل من‬
‫ذلك ؟ ‪ ،‬فيقول أحل عليكم رضواني فل أسخط عليكم أبدا ‪.‬‬
‫فاللهم إنا نسألك أن ترضينا وأن ترضى عنا ‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫كتبها من يرجو عفو ربه ‪/‬‬
‫أيمن سامي‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الرغبة في الستمرار‬
‫عزيزي القارئ‪:‬‬
‫مفكرة السلم ‪ :‬هل توافق معي على أننا بدون دوافع ل يكون عندنا رغبة‬
‫في عمل أي شيء ؟‬
‫وهل توافق معي أن الزواج علقة صداقة وثقة واحترام وحب بين الزوجين ؟‬
‫إذا كانت الجابة بنعم فانظر إلى السطر التالي‪.‬‬
‫لكي نبني جدار الثقة ونتخلص من آثار مشكلة الخيانة الزوجية على الزوجين‬
‫التحلي بالتي‪:‬‬
‫]‪ [1‬المرونة‪:‬‬
‫يقول د‪ /‬إبراهيم الفقي‪] :‬المرونة قوة[‪.‬‬
‫والمرونة‪] :‬هي التحكم[ فالشخص الكثر مرونة في أسلوبه يكون تحكمه في‬
‫الشياء أكثر‪.‬‬
‫وتأمل معي هذين المشهدين‪:‬‬
‫الول‪ :‬ذبابة تحاول الخروج من نافذة مغلقة وظلت تحوم وتدور من اليمين‬
‫إلى اليسار ومن أعلى إلى أسفل إلى أن انتهت طاقتها وماتت‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أحد صيادي السمك كان يصطاد وكلما تخرج له سمكة صغيرة احتفظ‬
‫بها ‪ ،‬وإذا خرجت له سمكة كبيرة كان يلقيها في البحر مرة أخرى ‪ ،‬فسأله‬
‫دا ولكني‬‫أحد الجلوس ما السبب وراء هذا التصرف ؟ فقال‪ :‬أنا حزين ج ً‬
‫دا ل يتسع إل‬‫مضطر إلى ذلك حيث أن القدر الذي أطهي فيه السمك صغير ج ً‬
‫للسمك الصغير‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ونرجع مرة أخرى للذبابة فقد كانت تصر على الخروج من النافذة ولم يكن‬
‫صرت على طريقة واحدة ‪،‬‬ ‫لديها المرونة الكافية لتبحث عن مخرج آخر ‪ ،‬وأ ّ‬
‫وكان بالقرب منها باب مفتوح كبير كان في استطاعتها أن تخرج منه لو أنها‬
‫حاولت وغيرت طريقها‪.‬‬
‫أما الصياد فلو كان لديه مرونة كافية لكان راجع قدراته وإمكانياته وفكرن‬
‫ولوجد حل ً لتلك المشكلة ولما فقد كل هذا السمك الكبير‪.‬‬
‫والكثير من الناس كذلك يكرر نفس الفعل ويتوقع نتائج مختلفة‪.‬‬
‫وفي كتابه ]عظمة الذات[ قال تشارلز جينيس‪:‬‬
‫]] تكرار نفس المحاولت التي ل تؤدي إلى النجاح لن يغير من النتيجة مهما‬
‫تعددت هذه المحاولت [[ ‪ ,‬أي تكرار نفس العمل يؤدي إلى نفس النتائج‪.‬‬
‫دا لقلمة نفسك‬ ‫ضا عزيزي القارئ تحتاج إلى أن تكون مرًنا ومستع ً‬ ‫أنت أي ً‬
‫وتغيير خطة حياتك؛ لنك سوف تواجه تحديات كبيرة في الحياة فمن الممكن‬
‫أن تفقد عملك مثل ً أو تنفصل عن شريك حياتك ‪ ،‬أو ُتشرخ العلقة بينك وبين‬
‫شريكك كما في حالة الخيانة الزوجية فعليك بتحصين نفسك بالمرونة الكافية‬
‫لعمل كل التغيرات اللزمة حتى تقف على قدميك مرة أخرى وتسير في‬
‫الطريق السليم‪.‬‬
‫وقد تسأل كيف تتم الموازنة بين التفكير اليجابي والمرونة وتوقع الفشل ؟‬
‫هذا ما نسميه ]الفكر الستراتيجي[‪.‬‬
‫فلو أنك قلت لنفسك أن تفكر بطريقة إيجابية وسيكون كل شيء على ما‬
‫يرام فإنك ستنهار من أول تحد ٍ يقابلك في حياتك؛ لنك لم تقم بتحصين‬
‫نفسك ضد العقبات التي من الممكن أن تقابلها ‪ ،‬فلبد أن تتعلم وتكون‬
‫دا لتعديل خطتك وتغيير مسارك ‪ ,‬فالمرونة والتأقلم يقربونك أكثر من‬ ‫مستع ً‬
‫تحقيق أهدافك‪.‬‬
‫كيف نصل لدرجة مرونة كافية في الحياة الزوجية ؟‬
‫‪1‬ـ توقع أحسن شيء يمكن أن يحدث وأسوأ شيء يمكن أن يحدث‪.‬‬
‫‪2‬ـ توقع العقبات التي من الممكن أن تواجهك في علقتك الزوجية وفكر في‬
‫الحلول لها‪.‬‬
‫ما متفتح لفكار جديدة ‪ ،‬وهذا هو التفكير البداعي وهو من‬ ‫‪3‬ـ اجعل ذهنك دائ ً‬
‫المهارات الحياتية التي درسناها في مجال علم النفس ‪ ،‬وهو أنه عند وقوع‬
‫مشكلة معينة أو خلف يفكر الشخص في حل سريع لهذا الموقع ول يضع‬
‫]العقدة في المنشار[ كما يقول المثل‪.‬‬
‫دا لي تغيير وقم بتحصين نفسك بالمرونة‬ ‫‪4‬ـ ابدأ من اليوم وكن مستع ً‬
‫ستشعر بالتغيير في حياتك وستصل إلى قمة النجاح والسعادة في الحياة‬
‫الزوجية‪.‬‬
‫]‪ [2‬الرغبة في الستمرار‪:‬‬
‫هل توافق معي على أننا بدون دوافع ل يكون عندنا رغبة في عمل أي‬
‫شيء ؟‬
‫فعندما يكون لديك دوافع وبواعث نفسية يكون عندك حماسة أكثر وطاقة‬
‫أكبر ‪ ،‬بعكس ما إذا كانت عزيمتك هابطة فل يكون عندك طاقة ‪ ،‬ويتجه تركيز‬
‫اهتمامك نحو السلبيات فقط فإذا توفر لدى الزوجين الرغبة الشديدة‬
‫والمشتعلة لستمرار حياتهما الزوجية فستستمر الحياة وستنجح بهذه الدوافع‬
‫القوية فالرغبة في استمرار الحياة الزوجية هي أول قاعدة لنجاح العلقة‬
‫الزوجية إذن سر نجاح الحياة الزوجية هو الرغبة المشتعلة في استمرارها‬
‫وإنجاحها‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [3‬التوقع اليجابي‪:‬‬


‫إذا لم تتوقع النجاح في علقتك الزوجية فستفشل ‪ ،‬فإن كل الناجحين في‬
‫ما يجمعهم شيء واحد وهو ترقب النجاح أكثر من أي شيء آخر‬ ‫الحياة عمو ً‬
‫فالتوقع مثل السيارة بالضبط التي تأخذك إلى المكان الذي تريد الذهاب إليه‪.‬‬
‫وكما قال الحكيم كونفيشيس‪] :‬ما أنت عليه اليوم هو نتيجة كل أفكارك[‪.‬‬
‫وإليك عزيزي القارئ هذا القانون العجيب وهو ]قانون النجذاب[ وهذا‬
‫القانون يقول‪:‬‬
‫]كل ما تتوقعه بثقة تامة سيحدث في حياتك فع ً‬
‫ل[‪.‬‬
‫]إن العقل كالمغناطيس يجذب إليه الناس والمواقف والظروف لحالت أفكار‬
‫متشابهة[‬
‫ما معنى ذلك ؟‬
‫أي عندما نفكر بطريقة إيجابية نجذب إلينا المواقف اليجابية‪.‬‬
‫وعندما نفكر بطريقة سلبية فإننا نجذب إلينا المواقف السلبية‪.‬‬
‫فانتبه عزيزي القارئ كيف تفكر في الشريك الخر؛ لنه سيفكر فيك بنفس‬
‫الطريقة وتجذب إليه أفكارك من نفس نوع الفكار التي لديك‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ظا سيًئا‪ ,‬وهناك حكمة تقول‪:‬‬ ‫واعلم أن التوقعات السلبية ينتج عنها ح ً‬
‫]نحن نتسبب في تكوين وتراكم حاجز التربة ثم نشكو من عدم القدرة على‬
‫الرؤية[‬
‫كيف أصل إلى توقعات إيجابية وأتخلص من الشك في الشريك الخر ؟‬
‫‪ -1‬عندما تقول الزوجة لنفسها أشياء سلبية تنتبه فوًرا وتأمر العقل الباطن‬
‫باللغاء بقولها ]الغي[‪.‬‬
‫‪ -2‬عليها بتغيير السلبيات إلى إيجابيات ‪ ،‬فإذا قالت لنفسها‪] :‬أنا ل أستطيع أن‬
‫أثق في الشريك الخر ثانية‪ ،‬ولن تنجح العلقة بيننا[ عليها بتبديل هذه‬
‫الرسالة إلى‪] :‬أستطيع أن أثق في الشريك الخر وستنجح العلقة بيننا[‪.‬‬
‫‪ -3‬احذري الرسائل السلبية التي يتلقاها عقلك الباطل من صديقاتك وأفراد‬
‫عائلتك والمحيطين بك ‪ ،‬ول تسمحي لي شخص أن يبرمج لك عقلك‬
‫بتوقعات سلبية‪.‬‬
‫‪ -4‬ابدأي يومك بتوقعات إيجابية وقولي لنفسك‪] :‬أتوقع أن يكون اليوم ممتاًزا‬
‫وبداية جديدة للعلقة بيني وبين زوجي إن شاء الله[‪.‬‬
‫‪ -5‬توقعي الخير من نفسك ‪ ،‬ومن أفراد عائلتك ‪ ،‬ومن الشريك الخر وإن‬
‫كانت هناك عقبات‪.‬‬
‫ما متفاءلة وترنمي حديث‬ ‫ابتداًء من اليوم ارتفعي بتوقعاتك‪ ،‬وكوني دائ ً‬
‫رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم المبشر بالخير‪]] :‬تفاءلوا بالخير‬
‫تجدوه[[‪.‬‬
‫وإلى اللقاء لنكمل هذه النقاط الخمسة فتابعي معي‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الرغبة في الصدارة‬
‫رؤية دعوية حول حقيقتها ومظاهرها وآثارها‬
‫عبد الحكيم بن محمد بلل‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وده الناس‬ ‫ل غرابة في حرص أهل الدنيا على المارة والوليات؛ فذلك أمر تع ّ‬
‫منهم‪ ،‬حتى أفضى المر إلى نزاعات وخلفات ومفاسد وفتن كثيرة‪ ،‬وأدى‬
‫كثير منها إلى سقوط بعض الدول‪ ،‬كسقوط الندلس وغيرها‪.‬‬
‫لكن الغريب أن يتسلل هذا الداء إلى داخل التجمعات الدعوية‪ ،‬ويسيطر على‬
‫م الواحد منهم أن‬ ‫بعض النفوس المريضة‪ ،‬شعرت أم لم تشعر‪ ،‬حتى يصير ه ّ‬
‫يسود على بضعة أفراد‪ ،‬دون التفكير بتوابع ذلك وخطورته‪ ،‬وأنها أمانة‪ ،‬ويوم‬
‫القيامة خزي وندامة)‪.(1‬‬
‫التطلع للمارة في ضوء النصوص الشرعية‪:‬‬
‫إن الحرص على المارة يفسد دين المرء الحريص عليها‪ ،‬ويضيع نصيبه في‬
‫الخرة‪ ،‬ويجعله شخصا ً غير صالح لهذا المنصب‪ ،‬وتوضيح ذلك كما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬تحذير النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬من عواقب التطلع إلى المارة‪ :‬قال‬ ‫أو ً‬
‫ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪) :‬ما ذئبان جائعان أرسل في غنم بأفسد لها من حرص‬
‫المرء على الشرف والمال لدينه()‪.(2‬‬
‫فبين أن الفساد الحاصل للعبد من جراء حرصه على المال والشرف‪ :‬أشد‬
‫ل‪ ،‬وُأرسل فيها ذئبان‬ ‫من الفساد الحاصل للغنم التي غاب عنها رعاتها لي ً‬
‫جائعان يفترسان ويأكلن‪ ،‬وإذا كان ل ينجو من الغنم إل القليل منها؛ فإن‬
‫الحريص على المال والشرف ل يكاد يسلم له دينه‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬بيان طرق الناس في طلب الجاه ‪:‬‬
‫للناس في طلب الجاه طريقان ‪:‬‬
‫الطريق الول‪ :‬طلبه بالولية والسلطان وبذل المال‪ ،‬وهو خطير جدًا‪ ،‬وفي‬
‫الغالب يمنع خير الخرة وشرفها؛ فإن الله جعل الخرة لعباده المتواضعين‪،‬‬
‫سادا ً‬ ‫َ‬ ‫دو َ ُ ً‬ ‫جعَل َُها ل ِل ّ ِ‬ ‫فقال‪? :‬ت ِل ْ َ‬
‫ض َول فَ َ‬‫ن عُلوا ِفي الْر ِ‬ ‫ري ُ‬
‫ن ل يُ ِ‬‫ذي َ‬ ‫خَرةُ ن َ ْ‬
‫داُر ال ِ‬‫ك ال ّ‬
‫ن? ]القصص‪ [83 :‬فنفى عنهم مجرد الرادة‪ ،‬فضل ً عن العمل‬ ‫قي َ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫َوال َْعاقِب َ ُ‬
‫والسعي والحرص لجلها‪ ،‬فإن إرادتهم مصروفة إلى الله ـ عز وجل ـ‪،‬‬
‫وقصدهم الدار الخرة‪ ،‬وحالهم التواضع مع الله ـ تعالى ـ والنقياد للحق‬
‫والعمل الصالح‪ ،‬وهم الذين لهم الفلح والفوز‪ .‬ودلت الية على أن الذين‬
‫يريدون العلو في الرض والفساد ليس لهم في الخرة حظ ول نصيب)‪.(3‬‬
‫الطريق الثاني‪ :‬طلب الجاه بالمور الدينية‪ ،‬وهذا أفحش وأخطر؛ لنه طلب‬
‫للدنيا بالدين‪ ،‬وتوصل إلى أغراض دنيوية بوسائل جعلها الله ـ تعالى ـ طرقا ً‬
‫للقرب منه ورفعة الدرجات‪ ،‬وهذا هو المقصود بحديثنا هنا‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬النهي عن سؤال المارة ‪:‬‬
‫ذر من ذلك‪ ،‬وتبين‬ ‫وقد وردت نصوص تنهى عن سؤال المارة وتمنيها‪ ،‬وتح ّ‬
‫عاقبته‪ ،‬وتنهى عن تولية من سألها أو حرص عليها‪ .‬وهي وإن كان يتبادر إلى‬
‫الذهن أنها واردة في المارة الدنيوية ـ إمارة السلطان والوالي ـ إل أن دللتها‬
‫أشمل من ذلك وأوسع‪ ،‬فهي تتناول ما نحن بصدد الحديث عنه‪ .‬ومن تلك‬
‫الحاديث‪:‬‬
‫أ ‪ -‬قول النبي صلى الله عليه وسلم‪) :‬يا عبد الرحمن بن سمرة‪ :‬ل تسأل‬
‫المارة؛ فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها‪ ،‬وإن أعطيتها عن غير‬
‫ن(‪ ،‬والنهي عن التمني أبلغ من‬ ‫ُ‬
‫مسألة أعنت عليها()‪ (4‬وفي رواية‪) :‬ل يتمّني ّ‬
‫النهي عن الطلب)‪.(5‬‬
‫ب ‪ -‬وقوله صلى الله عليه وسلم‪) :‬إنكم ستحرصون على المارة‪ ،‬وستكون‬
‫ندامة يوم القيامة‪ ،‬فنعم المرضعة‪ ،‬وبئست الفاطمة()‪ (6‬فهي محبوبة للنفس‬
‫في الدنيا‪ ،‬ولكنها )بئست الفاطمة( بعد الموت؛ حين يصير صاحبها للحساب‬
‫والعقاب‪ .‬وفي رواية أخرى‪) :‬أولها ملمة‪ ،‬وثانيها ندامة‪ ،‬وثالثها عذاب يوم‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القيامة‪ ،‬إل من عدل()‪.(7‬‬


‫ّ‬
‫ج ‪ -‬وقال‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬للرجلين اللذين سأله المارة‪) :‬إنا ل نولي‬
‫ن سأله‪ ،‬ول من حرص عليه()‪.(8‬‬ ‫م ْ‬
‫هذا َ‬
‫والسبب في عدم توليته المارة لمن سألها أنه غير صالح ول مؤهل لهذا‬
‫المر؛ لن سؤاله له وحرصه عليه ينبئ عن محذورين عظيمين‪:‬‬
‫الول‪ :‬الحرص على الدنيا وإرادة العلو‪ ،‬وقد تبّين ما فيه‪.‬‬
‫عجبا ً بقدراتها وغرورا ً‬
‫الثاني‪ :‬أن في سؤاله نوع اتكال على نفسه‪ ،‬و ُ‬
‫بإمكاناتها‪ ،‬وانقطاعا ً عن الستعانة بالله ـ عز وجل ـ التي ل غنى لعبد عنها‬
‫طرفة عين‪ ،‬ول توفيق له إل بمعونته ـ سبحانه وتعالى ـ )‪.(9‬‬
‫فما أشبه حرص الداعية على رئاسة مركز إسلمي‪ ،‬أو إدارة مكتب دعوي‪ ،‬أو‬
‫ترؤس لجنة‪ ،‬أو هيئة‪ ،‬أو مجموعة‪ ...‬ما أشبه كل ذلك بما نهى عنه ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،-‬نسأل الله السلمة من الفتنة‪.‬‬
‫داد بن أوس ـ رضي الله عنه ـ لها بالشهوة الخفية حين‬ ‫وما أحسن وصف ش ّ‬
‫قال محذرًا‪) :‬يا بقايا العرب‪ ...‬يا بقايا العرب‪ ...‬إن أخوف ما أخاف عليكم‬
‫الرياء‪ ،‬والشهوة الخفية(‪ ،‬قيل لبي داود السجستاني‪ :‬ما الشهوة الخفية؟‬
‫قال )حب الرئاسة()‪ .(10‬وصدق والله؛ فإنها مهلكة كالرياء‪ .‬وعلى كثرة ما‬
‫ورد من التحذير من حب المال؛ فإنها أشد إهلكا ً منه‪ ،‬والزهد فيها أصعب؛‬
‫لن المال يبذل في حب الرئاسة والشرف‪.‬‬
‫مظاهر الحرص على المارة والظهور)‪:(11‬‬
‫‪ -1‬العجب بالنفس‪ ،‬وكثرة مدحها‪ ،‬والحرص على وصفها باللقاب المفخمة‬
‫كالشيخ‪ ،‬والستاذ‪ ،‬والداعية‪ ،‬وطالب العلم‪ ،‬ونحوها‪ ،‬وإظهار محاسنها من علم‬
‫خُلق وغيره‪.‬‬
‫و ُ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -2‬بيان عيوب الخرين ـ وخاصة القران ـ والغيرة منهم عند مدحهم ومحاولة‬
‫التقليل من شأنهم‪.‬‬
‫‪ -3‬الشكوى من عدم نيله لمنصب ما‪ ،‬وكثرة سؤاله عن السس والمعايير‬
‫لتقّلد بعض المناصب‪.‬‬
‫در وبروز؛ كالمامة والخطابة‬ ‫‪ -4‬الحرص على تقّلد المور التي فيها تص ّ‬
‫والتدريس والتأليف والقضاء‪ .‬وهي من فروض الكفاية‪ ،‬ل بد لها ممن يقوم‬
‫بها‪ ،‬مع مراعاة أحوال القلب‪ ،‬والتجرد من حظوظ النفس؛ كما هو حال‬
‫السلف‪.‬‬
‫‪ -5‬عدم المشاركة بجدية عندما يكون مرؤوسًا‪ ،‬والتهرب من التكاليف التي ل‬
‫بروز له فيها‪.‬‬
‫‪ -6‬كثرة النقد بسبب وبغير سبب‪ ،‬ومحاولة التقليل من أهمية المبادرات‬
‫والمشاريع الصادرة من غيره والعمل على إخفاقها‪.‬‬
‫‪ -7‬الصرار على رأيه‪ ،‬وعدم التنازل عنه‪ ،‬وإن ظهرت له أدلة بطلنه‪.‬‬
‫‪ -8‬القرب من السلطين والولة ومن بيده القرار في تقليد المناصب‪ ،‬وكثرة‬
‫الدخول عليهم‪.‬‬
‫وهذا باب واسع يدخل منه علماء الدنيا لنيل الشرف والجاه‪ ،‬وهو مظنة قوية‬
‫للفتنة في الدين‪ ،‬كما في الحديث‪) :‬من أتى أبواب السلطان افتتن()‪.(12‬‬
‫‪ -9‬الجرأة على الفتوى‪ ،‬والحرص عليها‪ ،‬والمسارعة إليها‪ ،‬والكثار منها‪.‬‬
‫وقد كان السلف يتدافعونها كثيرًا؛ ومن ذلك ما قاله عبد الرحمن بن أبي‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ليلى‪) :‬أدركت عشرين ومئة من أصحاب رسول الله‪-‬صلى الله عليه وسلم‪،-‬‬
‫ت إل ود ّ أن أخاه‬ ‫دث إل ود ّ أن أخاه كفاه الحديث‪ ،‬ول مف ٍ‬ ‫فما كان منهم مح ّ‬
‫كفاه الفتيا()‪.(13‬‬
‫ل‪ :‬مفاسد التطلع إليها والرغبة فيها‪:‬‬ ‫آثار ومفاسد التطلع للمارة‪ :‬أو ً‬
‫‪ -1‬فساد النية‪ ،‬وضياع الخلص‪ ،‬أو ضعفه‪ ،‬ودنو الهمة‪ ،‬والغفلة عن الله ـ‬
‫تعالى ـ‪ ،‬وعن الستعانة به‪.(14).‬‬
‫م عن المهمة الساس‪ ،‬والغاية الكبرى من حياة العبد‪ ،‬وهو‬ ‫‪ -2‬انصراف اله ّ‬
‫تحقيق العبودية لله ـ عز وجل ـ‪ .‬والشتغال عن النافع الذي أمر النبي‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬بالحرص عليه فقال‪) :‬احرص على ما ينفعك()‪ (15‬وصرف‬
‫الوقت والجهد والفكر فيما هو غني عن الشتغال به‪ ،‬من مراعاة الخلق‪،‬‬
‫ومراءاتهم‪ ،‬والحرص على مدحهم‪ ،‬والفرار من مذمتهم‪ ،‬وهذه بذور النفاق‪،‬‬
‫وأصل الفساد‪.‬‬
‫‪ -3‬المداهنة في دين الله ـ تبارك وتعالى ـ‪ ،‬بالسكوت عما يجب قوله والقيام‬
‫به من الحق‪ ،‬وربما بقول الباطل من تحليل حرام‪ ،‬أو تحريم حلل‪ ،‬أو قول‬
‫على الله بل علم‪.‬‬
‫‪ -4‬اتباع الهوى‪ ،‬وارتكاب المحارم من الحسد والظلم والبغي والعدوان ونحوه‬
‫مما يوقع فيه هذا الحرص ـ ويستلزمه أحيانا ً ـ قال الفضيل بن عياض‪) :‬ما من‬
‫أحد أحب الرئاسة إل حسد وبغى‪ ،‬وتتبع عيوب الناس‪ ،‬وكره أن ُيذكر أحد‬
‫بخير()‪.(16‬‬
‫وف لها)‪:(17‬‬ ‫ثانيًا‪ :‬مفاسد الحصول عليها للراغب فيها المتش ّ‬
‫ُ‬
‫‪ -1‬الحرمان من توفيق الله وعونه وتسديده؛ )فإنك إن أعطيتها عن مسألة‬
‫وكلت إليها(‪.‬‬
‫‪ -2‬تعريض النفس للفتنة في الدين‪ ،‬والتي يترتب عليها غضب الله ـ تعالى ـ‬
‫إذ ربما ي َْنسى مراقبة الله‪ ،‬وتبعات المر‪ ،‬ويغفل عن الحساب‪ ،‬فقد يظلم‬
‫ويبغي؛ وُيشعُِر بذلك كله وصف النبي‪ :‬بأنها أمانة وملمة وندامة‪.‬‬
‫‪ -3‬تضاعف الوزار وكثرة الثقال؛ حيث قد يفتن؛ فيكون سببا ً للصد عن‬
‫سبيل الله ـ تعالى ـ وأشد ما يكون ذلك حين يكون منتسبا ً لهل العلم‬
‫َ‬ ‫مل َ ً‬ ‫َ‬
‫ن أوَْزاِر‬‫م ْ‬
‫مةِ وَ ِ‬
‫قَيا َ‬‫م ال ِ‬‫ة ي َوْ َ‬ ‫كا ِ‬ ‫مُلوا أوَْزاَرهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ح ِ‬‫والصلح‪ ،‬قال ـ عز وجل ـ‪? :‬ل ِي َ ْ‬
‫َ‬
‫ن? ]النحل‪.[25 :‬‬ ‫ما ي َزُِرو َ‬
‫ساَء َ‬ ‫عل ْم ٍ أل َ‬
‫ضّلون َُهم ب ِغَي ْرِ ِ‬
‫ن يُ ِ‬ ‫ال َ ِ‬
‫ذي َ‬
‫‪ -4‬توقع سوء العاقبة في الدنيا‪ ،‬وحصول بلء ل يؤجر عليه‪ ،‬قال الذهبي‪:‬‬
‫)فكم من رجل نطق بالحق وأمر بالمعروف‪ ،‬فيسلط الله عليه من يؤذيه‬
‫لسوء قصده‪ ،‬وحبه للرئاسة الدينية()‪.(18‬‬
‫‪ -5‬التبعة والمسؤولية الشديدة يوم القيامة‪ ،‬قال‪) :‬ما من أمير إل يؤتى به‬
‫يوم القيامة مغلول ً ل يفكه إل العدل‪ ،‬أو يوبقه الجور()‪.(19‬‬
‫ثالثًا‪ :‬آثاره على صعيد الجماعة والمجتمع‪:‬‬
‫ل منهما مؤثر في الخر متأثر به‪ ،‬فإذا ما وقع الفراد في‬ ‫الفرد والجماعة ك ٌ‬
‫مزلق كهذا‪ ،‬فإن الداء عن الجماعة ليس ببعيد؛ إذ سرعان ما تفسد الخوة‪،‬‬
‫وَتحل الخلفات‪ ،‬ويسهل اختراق الصف السلمي‪ ،‬وتحصل الشماتة به‬
‫وبأهله‪.‬‬
‫وما أبعد هؤلء عن تنّزل النصر‪ ،‬وحصول التمكين‪ ،‬مع هذا العوجاج‬
‫والنحراف‪ .‬بئست الدعوة حينما تكون مغنما ً وجاهًا‪ ،‬ينتفع فيها المرء ويتبختر‪،‬‬
‫وبئس الداعية حينما يسعى لهثا ً وراء زخارف الدنيا ومتاعها الفاني؛ فإن حب‬
‫الظهور والبروز بداية النحراف والسقوط والخفاق‪.‬‬
‫وإذا كان الله ـ عز وجل ـ يعطي الكافر والمؤمن من الدنيا لهوانها عنده‪،‬‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولكنه ـ سبحانه ـ أغير من أن يتم أمره بالتمكين لهذا الدين في الرض على‬
‫يد أناس عندهم شوب في الخلص‪ ،‬ويحبون الرئاسة والستعلء في الرض؛‬
‫فكيف إذا كانوا يتخذون الدين مطية للدنيا‪ ،‬يبيعون دينهم بعرض قليل؟!)‪.(20‬‬
‫أسباب الرغبة في الزعامة والتطلع للصدارة‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ُيبتلى بهذه الشهوة العلماء والعباد والدعاة والمجاهدون ونحوهم؛ وذلك أنهم‬
‫منعوا أنفسهم من المعاصي والشهوات‪ ،‬حتى لم يعد لهم فيها مطمع‪ ،‬ولكن‬
‫نفوس بعضهم تبحث عن بديل ومكافأة لشدة المجاهدة‪ ،‬فتجده في التظاهر‬
‫بالصلح والعلم والدعوة‪ ...‬ولذة القبول عند الخلق‪ ،‬وتوقيرهم له واحترامهم‬
‫وطاعتهم‪ ،‬فيهون عليها ترك المعاصي؛ لنها وجدت لذة أعظم منها‪ ،‬وهذه‬
‫مكيدة عظيمة؛ فقد يظن العبد نفسه مخلصًا‪ ،‬وهو في عداد المنافقين)‪ (21‬ـ‬
‫والعياذ بالله ـ ولكن يا ترى ما أسباب هذا المر في الحقيقة؟ )‪.(22‬‬
‫‪ -1‬ضعف اليمان والرغبة فيما عند الله‪ ،‬الذي بسببه يركن هؤلء إلى الدنيا‪،‬‬
‫ويؤثرونها على الخرة‪ ،‬وأشد من هذا‪ :‬فساد النّية‪ ،‬واتخاذ سبيل العلم‬
‫سلما ً لنيل الغراض الشخصية‪ ،‬وما لهذا في الخرة من نصيب‪،‬‬ ‫والدعوة ُ‬
‫ل حظه من الدنيا!!‬ ‫فل ْي َن َ ْ‬
‫‪ -2‬وهناك أخطاء تربوية تسهم في إشعال فتيل حب الزعامة‪ ،‬منها‪ :‬الكثار‬
‫من مدحه والثناء عليه‪ ،‬أو عدم الكشف عن الطاقات الكامنة في المتربي‬
‫لتوظيفها فيما يناسبها‪ ،‬مما يجعله يسعى لتوظيفها في هلكه‪ ،‬ومنها‪ :‬الغفلة‬
‫عن بذور هذا المرض الولية التي قد تبدو في سن مبكرة من المراحل‬
‫التربوية‪ ،‬فتحتاج إلى تهذيب وترشيد ومتابعة؛ لئل تجمح بصاحبها‪.‬‬
‫‪ -3‬التوهم بخدمة الدعوة من خلل المنصب‪ ،‬والظن ـ أحيانا ً ـ بأن الصلح ل‬
‫يكون إل من مصدر القوة‪ ،‬وسبب هذا‪ :‬عدم وضوح المنهج النبوي في‬
‫الدعوة‪.‬‬
‫‪ -4‬طبيعة الشخص نفسه‪ ،‬فقد يكون فيها من الثغرات ما يسبب مثل هذا‪،‬‬
‫كالغيرة من أقرانه الذين نالوا ما يتمناه هو‪ ،‬أو غروره بسبب تفوقه على‬
‫غيره‪ ،‬أو بروزه في الدعوة أو النسب‪ ،‬أو توليه بعض المسؤوليات والمهام‪.‬‬
‫ة‬
‫ل‪ ،‬ومسؤولي ً‬ ‫‪ -5‬الظن بأن المنصب تشريف‪ ،‬والغفلة عن كونه تكليفا ً ثقي ً‬
‫ل‪ ،‬وهذا يتطلب من صاحبه التضحية بوقته وماله ونفسه‬ ‫ضخمة‪ ،‬وعبئا ً ثقي ً‬
‫وراحته لمصلحة الخرين‪ ،‬وأن التقصير فيه خيانة للمانة وتضييع للواجب‪.‬‬
‫علج الفة وحلول المشكلة‪:‬‬
‫بعد تدبر السباب يظهر أن العلج يتطلب خطوات أهمها)‪: (23‬‬
‫‪ -1‬تكثيف التربية اليمانية؛ القائمة على الخلص والتجرد لله ـ تبارك وتعالى‬
‫ـ‪ ،‬والعمل للخرة‪ ،‬والزهد في الدنيا‪.‬‬
‫‪ -2‬التربية على الطاعة وهضم النفس منذ الصغر‪ ،‬والرضا بالموقع الذي‬
‫ور النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬ ‫يعمل فيه‪ ،‬وأداء واجبه أيا ً كان نوعه‪ ،‬كما ص ّ‬
‫ث‬‫تلك الحال في قوله‪) :‬طوبى لعبد آخذٍ بعنان فرسه في سبيل الله‪ ،‬أشع ٍ‬
‫رأسه‪ ،‬مغبرةٍ قدماه‪ ،‬إن كان في الحراسة كان في الحراسة‪ ،‬وإن كان في‬
‫فع()‪.(24‬‬ ‫الساقة كان في الساقة‪ ،‬إن استأذن لم يؤذن له‪ ،‬وإن شفع لم ي ُ َ‬
‫ش ّ‬
‫‪ -3‬التزام الضوابط الشرعية في المدح‪ ،‬وتجنب مدح أحد القران أمام قرينه‬
‫مطلقًا‪.‬‬
‫‪ - 4‬توضيح السس الشرعية لختيار المير‪ ،‬وأنه ل يجوز طلب المارة‪ ،‬ول‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لها‪ ،‬وإن وُّليها لم ي َُعن عليها‪.‬‬


‫الحرص عليها‪ ،‬وأن من طلبها ل ي ُوَ ّ‬
‫‪ -5‬المصارحة والمكاشفة لمن تبدو عليه علمات الحرص‪ ،‬مع إحسان الظن‬
‫م النصيحة الفردية‪ ،‬فقد‬ ‫به‪ ،‬فقد يكون متميزا ً أو لديه مهارات فطرية‪ ،‬ومن ث َ ّ‬
‫نصح النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أبا ذر ـ رضي الله عنه ـ في هذا المر‬
‫خاصة)‪.(25‬‬
‫‪ -6‬تبيان الثار المفسدة لنفس العالم والداعية من جّراء حرصه عليها)‪.(26‬‬
‫‪ -7‬توضيح تبعاتها في الدنيا والخرة‪ .‬ومما ورد في ذلك‪ :‬قوله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪) :‬ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه لم يجد رائحة‬
‫الجنة()‪ .(27‬وقوله صلى الله عليه وسلم‪) :‬ما من أمير عشيرة إل يؤتى به‬
‫ل‪ ،‬ل يفكه إل العدل‪ ،‬أو يوبقه الجور()‪.(28‬‬ ‫يوم القيامة مغلو ً‬
‫‪ -8‬العتبار بحال السلف الصالح في تواضعهم لله ـ تعالى ـ‪ ،‬وكراهيتهم‬
‫در‪ ،‬وكل ما يؤدي إليها‪ ،‬ومحاولة عزل أنفسهم من بعض‬ ‫الشهرة والتص ّ‬
‫المواقع كما حصل من أبي بكر‪ ،‬وعبد الرحمن بن عوف‪ ،‬والحسن‪ ،‬وعمر بن‬
‫عبد العزيز ـ رضي الله عنهم ـ‪ ،‬والمثلة كثيرة‪ ...‬تركوها لله‪ ،‬لنشغالهم‬
‫وضهم‬ ‫فل الله لهم بخير الدارين‪ ،‬فع ّ‬ ‫مهم وقصدهم‪ ،‬فتك ّ‬ ‫حد ه ّ‬ ‫بمرضاته‪ ،‬وتو ّ‬
‫ملوا‬‫ُ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬
‫نآ َ‬
‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫ن ال ِ‬
‫الله بشرف التقوى‪ ،‬وهيبة الخلق‪ ،‬قال ـ عز وجل ـ‪? :‬إ ّ‬
‫ن ودًا? ]مريم‪ ،[96 :‬وقال‪) :‬وما تواضع أحد لله‬ ‫م ُ‬
‫ح َ‬ ‫ل ل َهُ ُ‬
‫م الّر ْ‬ ‫جعَ ُ‬‫سي َ ْ‬
‫ت َ‬‫حا ِ‬
‫صال ِ َ‬
‫ال ّ‬
‫إلرفعه()‪ .(29‬وقال‪) :‬إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي()‪.(30‬‬
‫ول يمكن بحال تحصيل هذه المنزلة لمن كان في قلبه حب المكانة في قلوب‬
‫الخلق في الدنيا؛ لن هذا من أعظم الصوارف عن الله ـ تعالى ـ‪ .‬كتب وهب‬
‫بن منبه إلى مكحول‪) :‬أما بعد‪ :‬فإنك أصبت بظاهر علمك عند الناس شرفا ً‬
‫ومنزلة‪ ،‬فاطلب بباطن علمك عند الله منزلة وزلفى‪ ،‬واعلم أن إحدى‬
‫المنزلتين تمنع من الخرى(‪ .‬والمراد بالعلم الباطن‪ :‬المودع في القلوب من‬
‫معرفة الله وخشيته ومحبته ومراقبته‪ ،‬والتوكل عليه والرضى بقضائه والقبال‬
‫عليه دون سواه‪ ...‬فمن أغل نفسه بالمحافظة على ما حصل له من منزلة‬
‫عند الخلق كان ذلك حظه من الدنيا‪ ،‬وانقطع به عن الله)‪.(31‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫التوازن بين كراهية الصدارة والشهرة‪ ،‬وبين وجوب قيادة الناس‪:‬‬


‫ل ينبغي أن يفهم من هذا الموضوع إرادة قتل الطموح‪ ،‬وتفضيل دنو الهمة‬
‫والقعود والخمول والعجز والكسل والتهرب من المسؤولية‪ ،‬وترك العمل‪،‬‬
‫والتخاذل عن الواجبات‪ ،‬وفروض الكفايات ـ خاصة إذا تعينت على الكفاء ـ‪،‬‬
‫وترك اغتنام الفرص النافعة في الدعوة إلى الله ـ عز وجل ـ‪.‬‬
‫وقد جعل ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ الفرق بين المرين كالفرق بين‬
‫تعظيم أمر الله وتعظيم النفس‪ .‬فالناصح لله المعظم لله يحب نصرة دينه‪،‬‬
‫فل يضره تمنيه أن يكون ذلك بسببه وأن يكون قدوة في الخير‪ .‬أما طالب‬
‫الرياسة فهو ساٍع في حظوظ دنياه‪ ،‬ولذا ترتب على قصده مفاسد ل حصر‬
‫لها)‪.(32‬‬
‫والمقصود أن الداعية المخلص يكره التصدر والمارة والشهرة بطبعه؛‬
‫لخلصه وبعده عن الرياء‪ ،‬ولكنه في نفس الوقت هو صاحب المبادرة‬
‫الخيرة‪ ،‬وهو فارس الميدان إذا تعين عليه التصدر؛ وقد حكى الله من دعاء‬
‫مامًا? ]الفرقان‪ [74 :‬أي‪ :‬أئمة هدى‬‫نإ َ‬
‫قي َ‬ ‫جعَل َْنا ل ِل ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫المؤمنين قولهم‪َ? :‬وا ْ‬
‫يقتدى بأفعالهم‪،‬وهذا لشدة محبتهم لله‪ ،‬وتعظيمهم لمره‪ ،‬ونصحهم له‪،‬‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ليكون الدين كله لله‪ ،‬وليكون العباد ممتثلين لمره‪.‬‬


‫َ‬
‫جعَلِني عَلى‬ ‫ْ‬ ‫وقال ـ سبحانه وتعالى ـ قاصا ً كلم يوسف ـ عليه السلم‪? :‬قال ا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م? ]يوسف‪ ،[55 :‬وليس ذلك حرصا ً منه على‬ ‫في ٌ‬ ‫َ‬
‫ظ عَِلي ٌ‬ ‫ح ِ‬
‫ض إّني َ‬‫ن الْر ِ‬ ‫خَزائ ِ ِ‬ ‫َ‬
‫الولية‪ ،‬وإنما هو رغبة في النفع العام‪ ،‬وقد عرف من نفسه الكفاية والمانة‬
‫والحفظ ما لم يكونوا يعرفونه‪ ،‬فقصده إصلح أموال الناس‪ ،‬وهو جزء من‬
‫رسالة الداعية إلى الله‪ ،‬الذي يكون همه الول فعل الخير طلبا ً لمرضاة الله ـ‬
‫تعالى ـ‪ ،‬وليس قصده إرواء غليله‪ ،‬وإرضاء شهوته في الزعامة؛ فالضابط فيها‬
‫هي النية والموازنة بين المصالح والمفاسد العامة‪.‬‬
‫فبالجملة‪ :‬هاتان اليتان توضحان أن المسلم هو الرائد والدليل‪ ،‬بل قد ينبغي‬
‫له طلب هذه الوظيفة الشريفة‪ ،‬بل قد تتعين عليه للمصلحة‪ .‬والدلة والقوال‬
‫در لرجاع قومه إلى الحق‪ ،‬حتى لو اشتهر‬ ‫المحذرة ل تنطبق على داعية تص ّ‬
‫وعرف فل بأس)‪ .(33‬ويجب التنبيه إلى أن هذا المر مزلق؛ للتباس النية فيه‬
‫كثيرًا‪ ،‬وصعوبة تمحيص القصد‪ ،‬وذلك علمه إلى الله الذي يعلم خائنة العين‬
‫ف ِبال ْعَِباِد? ] آل عمران‪:‬‬ ‫ه َرُءو ٌ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬
‫س ُ‬‫ف َ‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫حذ ُّرك ُ ُ‬
‫وما تخفي الصدور‪? :‬وَي ُ َ‬
‫‪[30‬‬
‫الكشف عن القدرات‪ :‬كون بعض الدعاة ل يصلح للمارة ل يعني إخفاقه‬
‫وضعفه في كل شيء‪ ،‬بل إن غاية المر أنه لم يؤت قدرة في هذا الجانب‪،‬‬
‫وقد يكون لديه من القدرات والمكانات في العلم والعمل ما يفوق ما عند‬
‫ل‪ ،‬وهذه سنة الله ـ تعالى ـ في توزيع القدرات‪،‬‬ ‫غيره ممن ُأهل للمارة مث ً‬
‫خلئ ِ َ َ‬
‫ض‬
‫ف الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫جعَل َك ُ ْ‬
‫ذي َ‬ ‫ليحصل التكامل والتوازن‪ ،‬قال ـ تعالى ـ‪? :‬وَهُوَ ال َ ِ‬
‫ب‬
‫قا ِ‬ ‫ريعُ العِ َ‬‫س ِ‬
‫ك َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫مإ ّ‬ ‫ما آَتاك ُ ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ت ل ّي َب ْل ُوَك ُ ْ‬
‫جا ٍ‬ ‫ض د ََر َ‬‫م فَوْقَ ب َعْ ٍ‬‫ضك ُ ْ‬
‫وََرفَعَ ب َعْ َ‬
‫م? ]النعام‪ [165 :‬فعلى العبد أن يفتش في نفسه عما هو‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ه ل َغَ ُ‬‫َوإن ّ ُ‬
‫أهل له‪ ،‬ليقوم بحق الله ـ تعالى ـ فيه‪.‬‬
‫وهكذا كانت نصيحة النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬لبي ذر حين قال له‪) :‬يا أبا‬
‫ن على اثنين‪ ،‬ول‬ ‫ذر‪ ،‬إني أراك ضعيفًا‪ ،‬وإني أحب لك ما أحب لنفسي‪ ،‬ل تأمر ّ‬
‫ن مال يتيم()‪ .(34‬ول يقدح هذا في شيء من منزلة أبي ذر ـ رضي الله‬ ‫َتول ّي َ ّ‬
‫عنه ـ وجللته وقدره‪.‬‬
‫الهوامش ‪:‬‬
‫)‪ (1‬انظر‪ :‬مجلة البيان‪ ،‬ع ‪ ،90‬ص ‪.111‬‬
‫)‪ (2‬رواه أحمد‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ ،460 ،456‬وانظر‪ :‬صحيح الجامع‪ ،‬ح‪،5620/‬‬
‫وانظر‪ :‬رسالة بعنوان‪) :‬شرح حديث‪) :‬ما ذئبان جائعان? لبن رجب ـ رحمه‬
‫الله تعالى ـ‪ ،‬فقد أخذت منه كثيرا ً في هذا الموضوع‪ ،‬وقد ل أشير إليه في‬
‫بعض المواضع تحاشيا ً لثقال الهوامش‪.‬‬
‫)‪ (3‬انظر‪ :‬تفسير السعدي‪ ،‬ص ‪ (4) .575‬رواه البخاري‪ ،‬ح‪.7146/‬‬
‫)‪ (5‬انظر‪ :‬الفتح‪ ،‬ج ‪ ،13‬ص ‪ (6) .133‬رواه البخاري‪ ،‬ح‪.7148/‬‬
‫)‪ (7‬وسندها صحيح‪ .‬انظر‪ :‬الفتح‪ ،‬ج ‪ ،13‬ص ‪ (8) .134‬رواه البخاري‪ ،‬ح‪/‬‬
‫‪.7149‬‬
‫)‪ (9‬انظر‪ :‬شرح جوامع الخبار‪ ،‬للسعدي‪ ،‬ص ‪ .105‬ضمن المجموعة الكاملة‪.‬‬
‫)‪ (10‬شرح حديث أبي ذر‪ ،‬ص ‪ ،25‬وجامع الرسائل‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،233‬كلهما‬
‫لبن تيمية‪.‬‬
‫)‪ (11‬انظر‪ :‬شرح حديث )ما ذئبان جائعان( لبن رجب‪ ،‬وانظر مشكلت‬
‫وحلول في حقل الدعوة السلمية للبللي‪ ،‬ص ‪.143 ،85‬‬
‫)‪ (12‬رواه أحمد‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،440 ،371‬وانظر‪ :‬صحيح الجامع‪ ،‬ح‪.6124/‬‬
‫)‪ (13‬جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬لبن عبد البر‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.1120‬‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (14‬خواطر في الدعوة‪ ،‬محمد العبدة‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ (15) .23‬رواه مسلم‪ ،‬ح‪/‬‬
‫‪.2664‬‬
‫)‪ (16‬جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.571‬‬
‫)‪ (17‬انظر‪ :‬آفات على الطريق‪ ،‬السيد محمد نوح‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،67‬وأخذت منه‬
‫في مواضع أخرى من هذا الموضوع‪.‬‬
‫)‪ (18‬السير‪ ،‬ج ‪ ،18‬ص ‪.192 ،191‬‬
‫)‪ (19‬رواه أحمد‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،231‬وانظر‪ :‬صحيح الجامع‪ ،‬ح‪.5695/‬‬
‫)‪ (20‬انظر‪ :‬خواطر في الدعوة‪ ،‬محمد العبدة‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.23‬‬
‫)‪ (21‬انظر مختصر منهاج القاصدين‪ ،‬ص ‪ .267‬وانظر سير أعلم النبلء‪ ،‬ج‬
‫‪ ،18‬ص ‪.191،192‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫)‪ (22‬انظر‪ :‬مشكلت وحلول‪ ،‬للبللي‪ ،‬ص ‪.143 ،85‬‬


‫)‪ (23‬انظر آفات على الطريق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،72‬ومشكلت وحلول‪ ،‬ص ‪،86‬‬
‫‪.144‬‬
‫)‪ (24‬رواه البخاري‪ ،‬ح‪ (25) .2887/‬رواه مسلم‪ ،‬ح‪.1826/‬‬
‫)‪ (26‬انظر كلما ً نفيسا ً حول هذا للجري في‪ :‬أخلق العلماء‪ ،‬ص ‪،121 ،100‬‬
‫‪.122‬‬
‫)‪ (27‬رواه البخاري‪ ،‬ح‪.7150/‬‬
‫)‪ (28‬رواه أحمد‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،231‬وانظر‪ :‬صحيح الجامع‪ ،‬ح‪.5695/‬‬
‫)‪ (29‬رواه مسلم‪ ،‬ح‪ (30) .2588/‬رواه مسلم‪ ،‬ح‪.2965/‬‬
‫)‪ (31‬انظر‪ :‬شرح حديث )ما ذئبان جائعان‪ ،(...‬ص ‪ (32) .65‬انظر‪ :‬الروح‪،‬‬
‫ص ‪ 560‬ـ ‪.562‬‬
‫)‪ (33‬انظر‪ :‬التنازع والتوازن في حياة المسلم‪ ،‬محمد بن حسن بن عقيل بن‬
‫موسى‪ ،‬ص ‪.61 ،55‬‬
‫)‪ (34‬رواه مسلم‪ ،‬ح‪.1826/‬‬
‫المصدر مجلة البيان>‪<FONT/‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫الرفق‬
‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور‬
‫أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده الله فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي‬
‫له ‪.‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِل ّ وَأنُتم‬ ‫موت ُ ّ‬ ‫قات ِهِ وَل َ ت َ ُ‬ ‫حق ّ ت ُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا ْ الل ّ َ‬ ‫مُنوا ْ ات ّ ُ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ورسوله ‪َ ? .‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫كم‬‫ق ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫قوا ْ َرب ّك ُ ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫ن ? ] آل عمران ‪َ ? [. 102 :‬يا أي َّها الّنا ُ‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫هّ‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬‫وا‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ء‬‫سا‬
‫َ َ‬‫ِ‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ثير‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫جا‬
‫َ‬ ‫ر‬
‫ُ َ ِ‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ث‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫ها‬
‫ْ َ َ‬ ‫ج‬‫َ‬ ‫و‬ ‫ز‬
‫َ‬ ‫ها‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫وا‬ ‫س‬
‫ٍ َ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫من‬ ‫ّ‬
‫م َرِقيًبا ? ] النساء ‪ [1 :‬والصلة‬ ‫ن عَل َي ْك ُْ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل َّ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫ن ب ِهِ َوال َْر َ‬ ‫ساءُلو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬
‫والسلم على سيدنا محمد أشرف النبياء والمرسلين ‪ ،‬الذي بلغ الرسالة‪،‬‬
‫وأدى المانة‪ ،‬ونصح المة‪ ،‬فجزاه الله خير ما جازى نبيا ً عن أمته ‪ .‬وبعد ‪:‬‬
‫فإن الله تعالى يقول‪?:‬يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلة إن الله مع‬
‫الصابرين? ] البقرة ‪[153:‬‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪" :-‬ما أعطي أحد عطاء خيرا ً له وأوسع من‬
‫الصبر" ‪.‬‬
‫إن من خلق الصبر وفروعه الرفق في المور‪ ،‬والرفق في معاملة الناس‪،‬‬
‫وترك العنف والقسوة وهذا مظهر من مظاهر خلق الصبر‪ .‬وكما أوصانا‬
‫السلم بالصبر فقد أوصانا كذلك بالرفق وحثنا عليه‪ ،‬واعتبر المحروم منه‬
‫محروما من الخير كله‪.‬‬
‫جل يقول قبل أن يعلم‪،‬‬ ‫والرفق في المور ‪ ،‬ترك العجلة والخفة فيها‪ ،‬إن العَ ِ‬
‫ويجيب قبل أن يفهم‪ ،‬ويثني ويمدح قبل أن يجرب‪ ،‬ويندم بعدما يحمد ويمدح‪،‬‬
‫ويعزم قبل أن يفكر‪ ،‬والعجل تصحبه الندامة أو تعتزله السلمة ‪ ،‬وكانت‬
‫العرب تكني عن العجلة "بأم الندامات" ‪.‬‬
‫إن العنف في معاملة الناس يورث العداوات والحقاد ويدفع إلى الرغبة في‬
‫النتقام‪ ،‬متى سنحت الفرصة لتنفيذه ‪ ،‬أما الرفق في معاملة الناس فهو‬
‫يؤلف بين القلوب‪ ،‬ويمتلك مودتها‪ ،‬من أجل ذلك أمر الرسول ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪-‬أمته بالرفق‪ ،‬وحذرها من العنف ‪ ،‬وخص المسئولين من الرعاة‬
‫بحديث خاص حيث حذرهم من العنف برعاياهم والتشديد عليهم فقد جاء في‬
‫الصحيحين وغيرهما أحاديث كثيرة في بيان الرفق والتخلق به والنهي عن‬
‫العنف وممارسته ‪ ،‬ففي الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها‬
‫أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬قال‪" :‬إن الله رفيق يحب الرفق في‬
‫المر كله"‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬قال‪" :‬إن الله‬
‫تعالى رفيق يحب الرفق‪ ،‬ويعطي على الرفق ما ل يعطي على العنف‪ ،‬وما ل‬
‫يعطي على سواه"‪.‬‬
‫وفي مسلم أيضا ً أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬قال لعائشة‪" :‬عليك‬
‫بالرفق‪ ،‬وإياك والعنف‪ ،‬فإن الرفق ل يكون في شيء إل زانه ‪ ،‬ول ينزع من‬
‫شيء إل شانه"‪.‬‬
‫وعن جرير بن عبد الله البجلي ‪ ،‬أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬قال‪" :‬من‬
‫يحرم الرفق يحرم الخير كله"‪.‬‬
‫خرقُ في قوم‬ ‫وفي بعض الثار ‪ ،‬ما كان الرفق في قوم إل نفعهم ‪ ،‬ول كان ال ُ‬
‫إل ضرهم‪ .‬وقال بعض التابعين كنت أسمع عجائز المدينة يقلن إن الرفق في‬
‫المعيشة خير من بعض التجارة‪ .‬وجاء عن عروة بن الزبير أنه قال بلغني أنه‬
‫مكتوب في التوراة أل أن الرفق رأس الحكمة‪ .‬والرفق زيادة بركة‪ .‬فمن‬
‫أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من خير الدنيا والخرة‪ ،‬ومن حرم‬
‫حظه من الرفق فقد حرم حظه من خير الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ً‬
‫وجاء عن أنس بن مالك ‪ t‬أنه قال‪) :‬إذا أراد الله بأهل بيت خيرا نفعهم في‬
‫الدين‪ ،‬ووقر صغيرهم كبيرهم ورزقهم الرفق في معيشتهم‪ ،‬والقصد في‬
‫نفقاتهم‪ ،‬وبصرهم عيوبهم‪ ،‬فيتوبوا منها‪ ،‬وإذا أراد بهم غير ذلك تركهم هم ً‬
‫ل(‪.‬‬
‫إن الرفق من الخلق الهامة والضرورية التي نحتاج إليها في حياتنا لن‬
‫الرفق في المور يصلحها ويعطي أفضل النتائج وأحسن الثمرات‪.‬‬
‫فالمدرس الرفيق بطلبه الحريص على نفعهم وتعليمهم يكسب ودهم‬
‫واحترامهم ويفلح في تربيتهم وإفادتهم‪ ،‬وذلك بخلف المدرس العنيف‬
‫الغليظ‪.‬‬
‫ورب السرة الرفيق في توجيهه وتعامله مع أهله وأولده يسود جو السرة‬
‫الحب والحترام والسكينة والهدوء والتعاون على الخير ‪ ،‬فتنمو في هذه‬
‫الجواء الفضائل والمكارم وتختفي النقائص والجرائم‪ .‬بخلف رب السرة‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الغليظ العنيف‪ ،‬الذي يمل بيته بالكراهية والحقد ويسودها جو من القلق‬


‫والتوتر واللم‪.‬‬
‫ومدير الشركة أو المصنع الذي يتعامل مع العاملين بالرفق والحب والحترام‬
‫يبادلوه حبا ً بحب واحتراما ً باحترام ‪ ،‬فتنجح العمال ويتضاعف النتاج ويحافظ‬
‫الجميع على ممتلكات الشركة أو المصنع من التلف والخراب كما يحافظون‬
‫على مقتنياتهم الخاصة نتيجة للرفق والحب الذي يلمسونه ويعيشونه‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫والدعاة والمصلحون الذين يتحلون بهذا الخلق فإنهم ينجحون في دعوتهم‬


‫ويصلون إلى قلوب ونفوس ما كان لهم أن يصلوا إليها لول الرفق والحلم‬
‫والناة‪ ،‬إن مجتمعات كثيرة تفتح قلوبها وبلدها لمن يأتيهم عبر هذا الطريق ‪،‬‬
‫طريق الرفق والناة ويغرس فيها من المبادئ والتعاليم ما يريد حتى ولو‬
‫كانت تلك المبادئ ضالة مضلة ‪ ..‬ويكفي أن نعلم كيف استطاع المنصرون أن‬
‫يؤثروا على مجتمعات وثنية بدائية بهذا السلوب حين عجزت الجنرالت أن‬
‫تصل إليها بقواتها وجيوشها وطائراتها ودباباتها‪.‬‬
‫أليس من الواجب علينا نحن المسلمين أن نتخلق بهذه الخلق وأن نحمل‬
‫السلم للعالمين لننير لهم دروبهم ونغرس فيهم اليمان بربهم وخالقهم‬
‫ونوصل لهم السلم ‪ ،‬إن المور الكبيرة ل يمكن تحقيقها إل بالرفق والصبر‬
‫ونستطيع أن ندرك بالرفق مال ندركه بالعنف ‪ ..‬ألم تر أن الماء على لينه‬
‫ورقته يقطع الحجر على شدته وقسوته‪.‬‬
‫الرفق يمن والناة سعادة فاستأن في رفق تلق نجاحا‬
‫إننا نستطيع أيها الخوة أن نصنع الشيء الكثير لديننا ودنيانا ولمتنا متى ما‬
‫كانت لنا همة وتحلينا بالصبر والرفق والتؤدة ولقد أحسن من قال‪:‬‬
‫قد يدرك المتأني بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل‬
‫والحاكم العادل الرفيق بأمته ورعيته وبلده يحبه شعبه ويتجاوب معه ويسمع‬
‫له ويطيع ويتعاونون على تشييد الحضارات والمدنية ‪ ،‬وينتشر المن ويعم‬
‫الرخاء أرجاء البلد‪, .‬وإن من الواجب على الولة والحكام والرؤساء والزعماء‬
‫أن يرفقوا بشعوبهم ورعاياهم‪ ،‬ول يشقوا عليهم‪ ،‬فالرفق بهم كلمة رفيعة في‬
‫السياسة والتدبير‪ ،‬والعنف معهم يورث الكراهية والتذمر والضجر والخروج‬
‫عن الطاعة‪ ،‬وفساد أمر الجماعة‪ ،‬ولذلك فقد دعا الرسول الكريم الرفيق‬
‫بأمته ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬على الحكام الظلمة الذين يرهقون المة‬
‫ويشقون عليها فقال‪" :‬اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا ً فشق عليهم‬
‫فاشقق عليه‪ ،‬ومن ولي من أمر أمتي شيئا ُ فرفق بهم فارفق به"‪ .‬ودعاء‬
‫الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬مستجاب‪.‬‬
‫وفي الصحيحين أن عائذ بن عمرو دخل على عبد الله بن زياد فقال‪ :‬أي بني‪،‬‬
‫إني سمعت رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬يقول‪" :‬إن شر الرعاء‬
‫الحطمة"( ‪ ،‬فإياك أن تكون منهم‪.‬‬
‫فأبان الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ،-‬أن الرعاة من الولة والحكام هم‬
‫الذين يشتدون على المة ول يرفقون بها‪ ،‬بل يمارسون معها الظلم والعسف‬
‫والعنف‪ ،‬ويسنون لها من النظمة والقوانين ما يشق عليها في دينها ودنياها‪.‬‬
‫إن شر الرعاة من الناس على الناس هو الحطمة الذي ل رفق عنده ‪ ،‬ول‬
‫رحمة في قلبه تلّين سياسته وقيادته‪ ،‬فهو يقسو ويشتد على رعيته‪،‬‬
‫ويوسعهم عسفا ً وتحطيما ً ‪ ،‬ويدفعهم دائما ً إلى المآزق والمحرجات‪ ،‬ول‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يعاملهم بالرفق والحكمة في الدارة والسياسة‪ ،‬ول يجتهد في سبيل رعايتهم‬


‫وخدمة مصالحهم وينصح لهم ‪ ،‬هذا الصنف من الحكام والولة محرومون من‬
‫رحمة الله وجنته كما جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪-‬قال‪" :‬ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم ل يجهد لهم وينصح‬
‫لهم إل لم يدخل معهم الجنة " ‪.‬‬
‫الخطبة الثانية‬
‫إن الجهالة الجهلء والضللة العمياء والحماقة الخرقاء تسمية المور بغير‬
‫أسمائها وتفسير الحداث على غير حقيقتها ومصادرة الحقائق وطمس‬
‫معالمها‪ ،‬وإسناد الشياء لغير أصحابها وذويها‪ .‬هذا ما لمسته وأنا أتابع وسائل‬
‫العلم وهي تحتفي بالسابع من يوليو يوم النتصار ‪ ..‬إنها لم تذكر أسباب‬
‫النتصار العظيم بل هي تغش المة وتدلس عليها وتسمعها ما تكره‪.‬‬
‫أيها المؤمنون إن واجبنا أن نتذكر جيدا ً بأن الظلم والطغيان ومحاربة الدين‬
‫والتمرد على أحكام الله هو السبب الهام في سقوط الدول وانهيارها‪ ،‬وهو‬
‫السبب الرئيس في هزيمتها واندثارها‪ ،‬وتحطيم الحضارات وزوالها وهي نتيجة‬
‫ظلم النسان وتكبره وطغيانه‪ .‬استمعوا إلى قول الله عز وجل وهو ينبهنا‬
‫ن‬‫ة إِ ّ‬‫م ٌ‬ ‫ي َ‬
‫ظال ِ َ‬ ‫قَرى وَهِ َ‬ ‫خذ َ ال ْ ُ‬‫ك إ َِذا أ َ َ‬ ‫ك أَ ْ‬
‫خذ ُ َرب ّ َ‬ ‫ويرشدنا إلى هذه الحقيقة‪ ? :‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫أَ ْ‬
‫قَرى أهْل َك َْناهُ ْ‬
‫م‬ ‫ك ال ْ ُ‬
‫ديد ٌ ? ] هود‪ .[102 :‬ويقول جل وعل‪ ? :‬وَت ِل ْ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫م َ‬ ‫خذ َه ُ أِلي ٌ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دا? ] الكهف ‪ . [ 56 :‬ويقول‪ ? :‬وَك َأي ّ ْ‬ ‫ع ً‬‫مو ْ ِ‬‫م َ‬ ‫مهْل ِك ِهِ ْ‬‫جعَل َْنا ل ِ َ‬ ‫موا وَ َ‬ ‫ما ظ َل َ ُ‬‫لَ ّ‬
‫ذاًبا ن ُك ًْرا)‬ ‫َ‬
‫ها عَ َ‬ ‫دا وَعَذ ّب َْنا َ‬ ‫دي ً‬‫ش ِ‬ ‫ساًبا َ‬ ‫ح َ‬ ‫ها ِ‬ ‫سب َْنا َ‬
‫حا َ‬ ‫سل ِهِ فَ َ‬ ‫مرِ َرب َّها وَُر ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ت عَ ْ‬ ‫قَْري َةٍ عَت َ ْ‬
‫َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫َ‬
‫سًرا ? ] الطلق‪.[9-8 :‬‬ ‫خ ْ‬ ‫ها ُ‬ ‫مرِ َ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫عاقِب َ ُ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫مرِ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ت وََبا َ‬ ‫ذاقَ ْ‬ ‫‪(8‬فَ َ‬
‫إننا جميعا نعلم حقيقة الوضع في المناطق التي كانت تقع تحت الحكم‬ ‫ً‬
‫البلشفي الشيوعي ‪ ،‬عايشناه ولمسناه منذ بدايته وحتى نهايته‪ ،‬فواجبنا أن‬
‫نأخذ العبرة ونستفيد منها فل نقع فيها أو نكررها بصورة أخرى‪ ،‬ونسير في‬
‫الطريق ذاته طريق الفساد والظلم والطغيان فإن العاقبة والنتيجة‬
‫د? ]هود ‪.[83 :‬‬ ‫ن ب ِب َِعي ٍ‬ ‫مي َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ما هِ َ‬ ‫واحدة ? ‪ ..‬وَ َ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫هذه حقيقة لبد من إدراكها ووعيها جيدًا‪ .‬والحقيقة الخرى التي لبد أن‬
‫نتذكرها هي أن النصر ما هو إل من عند الله ويكذب ويفتري من يقول غير‬
‫ذلك ‪ ،‬وإل فما الذي جمع المة على اختلف قبائلها ومشاربها وتنظيماتها‬
‫وأحزابها ‪ ،‬إنه الله وحده حينما أراد أن ينتقم من أعدائه‪ ،‬ويكذب ويفتري من‬
‫يقول غير ذلك‪ ،‬ثم إن الذين كانوا سببا للنصر ليسوا سوى ـ أولئك ـ الذين‬
‫تواروا عن النظار وأسدل الستار عليهم وهم المؤمنون الصادقون والمؤمنات‬
‫الصادقات‪ ،‬بدعواتهم وصلواتهم وبذلهم لرواحهم وأموالهم‪ ،‬فلماذا ل يذكر‬
‫هؤلء ويظهر على المسرح غيرهم ‪ ،‬لعل النظام العالمي الجديد له رغبة‬
‫قة ويظهر القزام‪.‬‬‫ملحة في ذلك ‪ ،‬يخفي العمال َ‬
‫ثم ماذا تعني هذه الحتفالت وما قيمتها إذا لم نأخذ الدروس والعبر من‬
‫الماضي ونستفيد لحاضرنا ومستقبلنا‪ ،‬نصحح أوضاعنا ونصلح أحوالنا ‪ ،‬نقيم‬
‫العدل ونزيل الظلم ونبني جميعا ً قيم الرحمة والخير في هذه البلد‪ .‬نرجو أن‬
‫يكون ذلك في حس ووجدان الذين يسوسون ويحكمون‪.‬‬
‫هناك أمر آخر لبد من ذكره بسبب الجرعة الثالثة وما وراءها ‪ ،‬إنني ألحظ‬
‫أن الناس وهم يطحنون بالغلء وارتفاع السعار مع البطالة وقلة الدخل‬
‫سيتحولون إلى متسولين محترفين‪ ،‬أو إلى عصابات و مافيات للسطو‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والنهب واحتراف السرقات والجرام وترويج المخدرات‪ ،‬والفساد في‬


‫الرض ‪ ..‬أقول بل وأحذر بأن هذا سيحصل وستزداد نسبة الجريمة في‬
‫المجتمع ‪ ..‬ول سيما مع ضعف اليمان وقلة التوجيه بل وانعدامه من وسائل‬
‫العلم المرئي والمسموع الذي يغري بالجرائم ويدعوا إلى الفاحشة ويجفف‬
‫منابع الخير من النفوس ويطمس البصيرة والبصر بكل فج سامج رخيص‪ ،‬لقد‬
‫تحول التلفزيون بقنواته إلى وسيلة هدم وتخريب وجاوز حدوده ‪ ..‬ل يوجد في‬
‫برامجنا سوى الغث الرديء ‪ ..‬أين العقلء في هذه المة أين المثقفون وأين‬
‫العلماء والمفكرون هل أجدبت البلد‪ ،‬وهل أفقرت من الخير ‪ ..‬فل مكان فيها‬
‫إل للممثلين والفنانين من الذكور والناث‪ .‬إن هذا منكر على المة بكل فئاتها‬
‫أن تنكر هذا المنكر وتطالب المسئولين بوقف هذا الوباء المدمر ‪ ،‬وعلى‬
‫المة ول سيما رواد المساجد وعمارها أن يتجهوا إلى الله يدعوه مخلصين له‬
‫في أن يزيل عنا هذا الدمار الذي يحطم النفوس والخلق والقيم ويغرس‬
‫مكانها قيم الجاهلية والعلمانية والباحية ‪ ..‬وأن يزيل القوى الخفية التي تسّير‬
‫وتروج لذلك ‪ .‬تكلموا بألسنتكم و أنكروا بقلوبكم وارفعوا أصواتكم بالنكار‬
‫لعلكم ترحمون ‪.‬‬
‫أخرجه البخاري في صحيحه باب الستعفاف عن المسألة ج ‪ 2‬ص ‪ 534‬رقم‬
‫الحديث‪ 1400 :‬ومسلم في صحيحه ج ‪ 2‬باب فضل التعفف والصبر رقم‬
‫الحديث‪1053 :‬‬
‫عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ ):‬إن الله رفيق يحب الرفق‬
‫في المر كله( رواه مسلم‬
‫عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪):‬إن الله رفيق يحب‬
‫الرفق ويعطي عليه ما ل يعطي على العنف (أخرجه البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫رواه مسلم في صحيحه باب فضل الرفق ج ‪ 4‬ص ‪ 2003‬رقم الحديث‪:‬‬
‫‪2594‬‬
‫أخرجه مسلم ‪ .‬دون ذكره لفظ )كله( وهو بهذا اللفظ في صحيح سنن ابن‬
‫ماجة ج ‪ 1‬باب الدب والستئذان ص ‪ 299‬رقم الحديث‪2973 :‬‬
‫حديث ضعيف ‪ .‬ضعفه اللباني في السلسلة الضعيفة ج ‪ 2‬ص ‪ 251‬رقم‬
‫الحديث‪860 :‬‬
‫أخرجه مسلم باب فضيلة المام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق‬
‫بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم ج ‪ 3‬ص ‪ 1458‬رقم الحديث‪:‬‬
‫‪1828‬‬
‫الرعاء ‪ :‬جمع راعي ‪ ،‬والحطمة ‪ :‬هو الذي يشتد على إبله أو بقره أو غنمه‬
‫فيسوقها سوقا ً عنيفا ً بغير رحمة ول حكمة‪ ،‬فيحطم بعضها ببعض ويدوس‬
‫بعضها بعضا ً فيهلكها ويقضي عليها‪.‬‬
‫أخرجه مسلم باب فضيلة المام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق‬
‫بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم ج ‪ 3‬ص ‪ 1461‬رقم الحديث‪:‬‬
‫‪1830‬‬
‫أخرجه مسلم باب استحقاق الوالي الغاش لرعيته النار ج ‪ 1‬ص ‪ 126‬رقم‬
‫الحديث‪124 :‬‬
‫الجرعة الثالثة ‪ /‬يشير الخطيب إلى ‪:‬‬
‫برامج اقتصادية تتبناها الحكومة اليمنية بالتعاون مع البنك الدولي وتقضي تلك‬
‫البرامج برفع السعار في المشتقات النفطية‪ ,‬ورفع الدعم المقدم من قبل‬
‫الحكومة عن السلع الساسية ‪ .‬مما سبب في غلء السعار وتدهور العملة‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الرقص فوق سفينة تغرق ‪...‬‬


‫‪...‬‬
‫خالد سعد النجار ‪...‬‬
‫>‪... TD/‬‬
‫كثرت في الونة الخيرة صيحات الدعاة المخلصين والخبراء المتخصصين عن‬
‫مواجه المنطقة العربية السلمية )الشرق الوسط( في القرن المقبل عدة‬
‫أزمات تضاف إلى رصيد الزمات التي تعانى منها في الوقت الحاضر ولكن‬
‫تلك الزمات المقبلة المتوقعة ذات طبيعة خاصة فهي من الخطورة الشديدة‬
‫بما يجعلها قاصمة الظهر الحقيقية التي يمكن أن تؤدى إلى انهيار الكيان‬
‫العربي السلمي في المنطقة بأسرها ووقتها لن تنفع الشعارات ول الهتافات‬
‫ول المؤتمرات التي تتمخض عن استنكارات وتوصيات ‪.‬‬
‫ول سبيل للخروج من تلك الزمات المتوقعة إل بالستعانة بالله تعالى ثم‬
‫بالدراسات الواعية من الخبراء والمتخصصين ليجاد الحلول المناسبة التي‬
‫يعقبها البدء في التنفيذ الجاد وأن نعد لكل أمر عدته قبل أن نكون ل في‬
‫العير ول في النفير ‪.‬‬
‫أزمة المياه في الوطن العربي ‪-:‬‬
‫تعانى أغلب مناطق الوطن العربي من ظاهرة ندرة المياه لوقوعها جغرافيا‬
‫في المنطقة الجافة وشبه الجافة من الكرة الرضية ومع زيادة نمو السكان‬
‫في الوطن العربي فإن مشكلة الندرة تتفاقم كنتيجة منطقية لتزايد الطلب‬
‫على المياه لتلبية الحتياجات المنزلية والصناعية والزراعية كما ل تقتصر‬
‫المشكلة على مسألة ندرة المياه بل تتعدى إلى نوعية المياه التي تتدنى‬
‫وتتحول إلى مياه غير صالحه للستهلك الدمي لسباب متعددة ‪.‬‬
‫وتكاد المشكلة تشمل جميع مصادر المياه في الوطن العربي فالنهار العربية‬
‫الكبرى مثل النيل والفرات تنبع من دول غير عربية وتجرى وتصب في بلدان‬
‫عربية مما يجعل لدول المنبع ميزة جيوبوليتيكية استراتيجية في مواجهه‬
‫البلدان العربية كما ل تتوفر على المستوى الدولي قوانين كافيه لتقاسم‬
‫الموارد المائية المشتركة وإن وجدت أعراف وتقاليد غير ملزمة لقتسام‬
‫المياه وتبقى التفاقيات بين الدول المشتركة في مصدر مائي معين هي‬
‫أعلى مراتب اللتزام المعترف به دوليا لتقاسم الموارد المائية ‪ ،‬ويتطلب‬
‫الستغلل المثل للمياه الجوفية ومياه المطار استثمارات ضخمة لقامة‬
‫التجهيزات والمشروعات اللزمة لهذا الستغلل ‪،‬كما أن مشروعات تحلية‬
‫المياه تحتاج بالضافة إلى الستثمارات الضخمة تكنولوجيا متقدمة ‪.‬‬
‫وقد جاء في تقويم أجرته مجله ]ايكونوميست[ البريطانية في أوائل عام‬
‫‪ 1996‬ما نصه ] إن الماء في الشرق الوسط شحيح بدرجة ليس لها مثيل‬
‫في أي مكان آخر في العالم وأنه يزداد نقصانا [ ‪.‬‬
‫وفي عام ‪ 1989‬خلص مؤتمر ] الموارد المائية للدول العربية وأهميتها‬
‫الستراتيجية [ الذي عقد في عمان بدعوة من الجامعة الردنية إلى أن أهم‬
‫خصائص موارد المياه العربية هو قلتها بحيث أنها ل تكفي لتغطيه الحتياجات‬
‫الحياتية واحتياجات التنمية التي يطمح إليها العرب في العقود المقبلة وخلص‬
‫المؤتمر إلى أن المن المائي العربي هو بأهمية المن السياسي العربي ‪.‬‬
‫وفي تقرير لمركز الدراسات الستراتيجية في واشنطن أكد أن المياه وليس‬
‫النفط ستكون قضية المصادر الطبيعية المسيطرة فالنزاع على مصادر المياه‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المحدودة والمهددة يمكن أن يؤثر في الروابط بين دول المنطقة وربما يؤدى‬
‫إلى جيشان لم يعرف له مثيل من قبل ‪.‬‬
‫لذلك أصبح الماء قضيه ملحه تحمل في طياتها إمكانية زعزعه استقرار‬
‫النظام حيثما تطل بأنيابها ونشوء نزاع بين الدول المتجاورة وقد نقل عن‬
‫العاهل الردني السابق الملك حسين قوله ] إنه لن يدخل حربا ً مع إسرائيل‬
‫مرة أخرى إل بسبب الماء [‬
‫وبالرجوع بأحداث التاريخ إلى الوراء قليل ً نلحظ وجود بعض التوترات بسبب‬
‫قضية المياه مما يؤكد أن أزمة المياه المتوقعة ليست من نسج الخيال أو‬
‫حاله من التشاؤم تنتاب البعض منا بل إن لها إرهاصات ومقدمات تنذر‬
‫بإمكانية انفجارها في أي وقت ‪.‬‬
‫ففي ‪ 26/2/1956‬أعلنت إثيوبيا في جريدتها الرسمية ] إثيوبيان هيرالد [ أنها‬
‫سوف تحتفظ لستعمالها الخاص مستقبل بموارد النيل وتصرفاته في القليم‬
‫الثيوبي ‪ -‬أي حوالي ‪ %86‬من إيراد النهر بأكمله ‪ -‬وقد وزعت مذكرة رسمية‬
‫على جميع البعثات الدبلوماسية في القاهرة تضمنت احتفاظها بحقها في‬
‫استعمال موارد المياه النيلية لصالح شعب إثيوبيا ‪ .‬وقد عادت تلك‬
‫التصريحات في الظهور سنة ‪ 1980‬حيث أشار ممثل إثيوبيا في قمة لجوس‬
‫أنه ] ل توجد اتفاقيات دوليه حتى الن بشأن توزيع حصص مياه النيل [ ‪.‬‬
‫وقد وضعت إثيوبيا عام ‪ 1981‬قائمة بأربعين مشروعا ً للري يقع بعضها على‬
‫حوض النيل الزرق وحوض السوباط أمام مؤتمر المم المتحدة للبلدان القل‬
‫نموا ً وأعلنت أنه في حالة عدم توافر اتفاق مع جيرانها في حوض النيل فإنها‬
‫سوف تحتفظ بحقها في تنفيذ مشروعاتها من جانب واحد ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وفي حديث للدكتور )زويدى أباتى( المدير العام لتنمية الودية الثيوبية دعا‬
‫إلى توزيع مياه نهر النيل بالتساوي بين الدول التسع المشاركة في حوض نهر‬
‫النيل وأنه إذا أرادت دوله الستئثار بنصيب أكبر فإنها يجب أن تدفع تعويضات‬
‫مناسبة لدول الحوض الخرى والتي ستتأثر الكميه التي ستحصل عليها من‬
‫جراء ذلك كما طالب بتوقيع اتفاقيات جديدة بين دول الحوض تقوم على‬
‫أساس المساواة والعدالة في التوزيع ‪.‬‬
‫أما في حوض نهر دجله والفرات فالزمة ليست بأقل شأنا من أختها في‬
‫حوض النيل ففي عام ‪ 1981‬بدأت تركيا مشروعها الكبير ] مشروع جنوب‬
‫شرقي الناضول الكبير [ ‪ GAP‬وهو يضم ‪ 13‬مشروعا ً لغراض الري وتوليد‬
‫الطاقة الكهربائية وكان بناء سد أتاتورك ‪ -‬خامس أكبر سد في العالم ‪ -‬على‬
‫نهر الفرات من أهم المشاريع التي أظهرت حقيقية أزمة المياه في حوض‬
‫النهر حيث أقدمت تركيا في ‪ 13/1/1990‬على منع مياه نهر الفرات وحبسها‬
‫عن العراق وسوريا بغرض تخزين تلك المياه خلف السد وذلك لمدة شهر‬
‫حتى ‪ 13/2/1990‬وكان قول الممثل التركي ] ل أحد يقيم سدا ً مائيا‬
‫ليستخدمه كمتحف للجميع [ ومضت تركيا في تنفيذ خطتها دون اللتفات‬
‫للحتجاجات السورية والعراقية من جراء ذلك العمل ‪.‬‬
‫ويعتقد كثير من المحللين أن وجود شواهد بترولية في سوريا أدى إلى وجود‬
‫نية تركية قوية لمقايضه البترول بالمياه حيث يقول سليمان ديميريل في‬
‫افتتاح سد أتاتورك في يوليو ‪ ] 1992‬إن منابع المياه ملك لتركيا كما أن‬
‫النفط ملك للعرب وبما أننا ل نقول للعرب أن لنا الحق في نصف نفطكم فل‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يجوز لهم أن يطالبوا بما هو لنا[ ‪.‬‬


‫ً‬
‫وأما في الراضي المحتلة فالمر أكثر توترا وصعوبة حيث كان تأمين مصادر‬
‫وفيرة من المياه للدولة الصهيونية أحد أهم أهداف الحركة الصهيونية على‬
‫حساب العرب ‪.‬‬
‫ويلخص د‪ /‬سامر مخيمر وهو أحد المتخصصين العرب في جانب المياه ‪-‬‬
‫خطه إسرائيل المائية وترتيباتها للستحواذ على مياه نهر الردن بقوله )‪:(1‬‬
‫يمكن تقسيم ترتيبات إسرائيل المائية إلى ثلث مراحل ‪-:‬‬
‫المرحلة الولى وتمتد في الفترة من ‪ 1958 - 1948‬حيث شرعت إسرائيل‬
‫في أعمال خطه زراعية ‪ /‬مائية تركز على ثلثة أهداف ‪:‬‬
‫أ‪ -‬إمكانية استيعاب المهاجرين الجدد‪ .‬ب‪ -‬إقامة المستوطنات الزراعية ‪.‬‬
‫جـ‪ -‬إنتاج الغذاء ‪.‬‬
‫وتطلب تحقيق هذه الهداف تنفيذ مشروعات مائية تتمثل في ‪-:‬‬
‫‪ -1‬إنشاء شبكات مياه في مختلف المناطق لحصر الموارد الجوفية ‪.‬‬
‫‪ -2‬إقامة جملة من خطوط النابيب المحلية تمتد من الشمال إلى الجنوب ‪.‬‬
‫‪ -3‬إنشاء قناة لسحب المياه من نهر الردن باتجاه الصحراء الفلسطينية ‪.‬‬
‫وقد بدأت إسرائيل بين عامي ‪ 1953 - 1948‬بحفر عدة آلف من البار‬
‫لتزويد المستوطنات بالمياه لدرجة استنزفت الطبقة المائية الجوفية للشريط‬
‫الساحلي ثم شرعت بعد ذلك في تنفيذ ما عرف بـ ] خطتي السنوات السبع‬
‫والسنوات العشر [ وبدأ تنفيذ الولى فعل ً عام ‪ 1953‬ثم عدلت إلى الخطة‬
‫الثانية عام ‪. 1956‬‬
‫وتضمنت الخطتان استيلء إسرائيل على ‪ %50‬من مياه نهر الردن مع العلم‬
‫أن كمية المياه التي تنبع من الراضي التي تحتلها ل تتجاوز ‪ %23‬من‬
‫المجموع الكلى لكميات المياه التي يحتويها نهر الردن وروافده ‪ .‬ويتوازى مع‬
‫المشروع السابق مشروع ] العوجا‪ -‬النقب [ الذي تم إقراره عام ‪، 1954‬‬
‫والذي يشكل حلقة متكاملة مع قناة نقل مياه الردن وهو يتألف من خطين‬
‫شرقي وقد نفذ عام ‪ 1955‬وغربي ونفذ عام ‪ 1960‬ويهدف إلى تأمين نقل‬
‫المياه الواردة من مشروع تحويل نهر الردن والضخ من بحيرة طبرية إلى‬
‫أرض النقب ‪.‬‬
‫المرحلة الثانية ‪ :‬وتمتد منذ ‪ 1968 - 1958‬وقد نفذت إسرائيل خلل هذه‬
‫الفترة أضخم وأكبر مشروعاتها المائية مشروع ] طبريا – النقب [ ) الناقل‬
‫القطري ( لنقل ‪ 300‬مليون متر مكعب من المياه سنويا إلى النقب الشمالي‬
‫وإلى الجنوب ‪.‬‬
‫المرحلة الثالثة ‪ :‬وتمتد منذ ‪ - 1968‬حتى الن مرحله النتاج والتكنولوجيا‬
‫الزراعية ولم تواكب هذه المرحلة مشروعات مائية كبرى ‪.‬‬
‫وتشير البيانات إلى أن استهلك السرائيلين في الضفة الغربية يمثل ‪%87.5‬‬
‫من مياهها بينما ل يتجاوز نصيب العرب ‪ %12.5‬مما يعنى أن معدل استهلك‬
‫الفرد السرائيلي يبلغ ستة أضعاف المواطن العربي الفلسطيني كما يدفع‬
‫الفلسطينيون في الضفة الغربية ستة أضعاف ما يدفعه المستوطن اليهودي‬
‫في مقابل النتفاع بالمياه حيث يبلغ سعر المتر المكعب من المياه‬
‫للفلسطينيين في الضفة الغربية ‪ 1.3‬دولر أما سعر الكميه ذاتها للمستوطن‬
‫فيبلغ ‪ ,6‬دولر فقط ‪.‬‬
‫أزمة الغذاء في الوطن العربي ‪-:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مما لشك فيه أن العالم في الفترات الخيرة شهد نموا ً كبيرا ً في إنتاج الغذاء‬
‫والمحاصيل الزراعية إل أن هناك بعض الحقائق ل يمكن تغافلها عند الحديث‬
‫عن تلك النهضة ‪ ،‬من أهم هذه الحقائق أن هذا النمو في إنتاج الغذاء جاء من‬
‫خلل الرتقاء بإنتاجيه الرض وليس من خلل زيادة المساحة المنزرعة أي‬
‫من خلل استخدام تكنولوجيات ومدخلت إنتاج أفضل ‪ .‬وهذا النمو في النتاج‬
‫رافقه نموا ً مماثل ً تقريبا ً في عدد السكان ومن ثم ظهر التحسين في مستوى‬
‫ما يخص الفرد الواحد محدود للغاية ‪.‬‬
‫كما أنه في نطاق محدودية الموارد الطبيعية اللزمة للزراعة ] الرض‬
‫والماء [ وصعوبة زيادتها واستمرار الزيادة السكانية سوف يتركز اعتماد‬
‫العالم مستقبل على التكنولوجيا للوفاء باحتياجات السكان الجدد ولتحسين‬
‫مستوى ما يخص الفرد بوجه عام ‪.‬‬
‫وهذه الحقائق تشمل بالطبع العالم العربي فبالرغم من الزيادة المتواضعة‬
‫في إنتاج الغذاء في الفترات الخيرة إل أن الزيادة السكانية قد التهمت كل‬
‫هذه الزيادات وظل مستوى ما يخص الفرد العربي من الغذاء أقل كثيرا ً عن‬
‫المتوسطات العالمية والتي ل يمكن بأي حال قبول أقل منها ‪.‬‬
‫فبالنسبة للقمح كان متوسط ما يخص الفرد العربي ‪77‬كجم بينما المتوسط‬
‫العالمي ‪ 101‬كجم والسكر ‪9.7‬كجم والمتوسط العالمي ‪19.9‬كجم وفي‬
‫جانب اللحوم ‪16.4‬كجم والمتوسط العالمي ‪33.4‬كجم والسماك ‪ 7‬كجم‬
‫والمتوسط العالمي ‪18.3‬كجم واللبان ‪53‬كجم أما المتوسط العالمي‬
‫‪95‬كجم ‪.‬‬
‫ومن ثم لجأت القطار العربية قاطبة إلى الستيراد لسد الفجوة الغذائية‬
‫الناتجة من زيادة الطلب على الغذاء وضعف النتاج المحلى ‪.‬‬
‫وتواجه الزراعة العربية العديد من المخاطر من أهمها‬
‫‪ -1‬تناقص قاعدة الموارد الطبيعية ] الرض الزراعية والماء[‬
‫فلقد تناقص متوسط ما يخص الفرد العربي من المساحة المنزرعة بدرجة‬
‫كبيرة بسبب الزيادة السكانية والتوسع العمراني مع قله معدلت استصلح‬
‫أراضى جديدة ‪ .‬ففي مصر على سبيل المثال ‪ :‬أدى تحويل جانب من‬
‫الراضي الزراعية لستخدامات أخرى غير زراعية إلى تناقص ما يخص الفرد‬
‫الواحد من الراضي الزراعية من نحو ‪2038‬م ‪ 2‬عام ‪ 1907‬إلى ‪1020‬م ‪2‬‬
‫عام ‪ 1957‬أي إلى نحو النصف خلل خمسين عام ثم إلى ‪522‬م ‪ 2‬عام‬
‫‪ 1985‬أي النصف مرة أخرى خلل ‪28‬عام فقط ثم إلى ‪471‬م ‪ 2‬عام‬
‫‪1992‬م ومن حيث النوعية والخصوبة فل شك أن الرض تتعرض لكثير من‬
‫المصادر المسئولة عن تدهور الخصوبة لعل أهمها عوامل التعرية والتدهور‬
‫الكيماوي ‪.‬‬
‫‪ -2‬اتفاقيه الجات ‪GATT‬‬
‫إن كلمه الجات هي الحروف الولى بالنجليزية لتعبير ] التفاقيات العامة‬
‫على الرسوم الجمركية والتجارة [ ‪General Agreement on traiffs and trade‬‬
‫وهى تعود في تاريخها إلى عام ‪ 1947‬عندما اجتمعت ‪ 23‬دوله صناعية في‬
‫جينيف للنظر في تحرير التجارة وفتح البواب بين هذه الدول وإلغاء الحواجز‬
‫فيما بينها وتم التوصل إلى اتفاقيه وقعت في المغرب عام ‪ 1994‬وبلغ عدد‬
‫الدول الموقعة ‪117‬‬
‫وتنص بنود التفاقية بالنسبة للزراعة على تخفيض الدعم الداخلي للنتاج‬
‫الزراعي في الدول المتقدمة بنسبه ‪ %20‬خلل ‪ 6‬سنوات وفي الدول النامية‬
‫بنسبه ‪ %13.3‬خلل مدة ‪ 10‬سنوات وإلغاء دعم التصدير ‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والمتوقع أن ترتفع أسعار الصادرات من الدول الزراعية المتقدمة وهذا‬


‫سوف يؤدى بدورة إلى زيادة تكلفه استيراد الغذاء بالدول السلمية النامية ‪.‬‬
‫كما أن التخوف قائم من ضعف استفادة الدول السلمية النامية من إزالة‬
‫الحواجز مع لجوء الدول المتقدمة إلى التشديد في مراقبة الجودة‬
‫واللتزامات بالمواصفات القياسية والحجر الزراعي وهى شروط ل تقدر‬
‫عليها الدول النامية ‪.‬‬
‫ولقد صدق حقا ً من قال ] إن اتفاقيه الجات منتدى الغنياء [ حيث أن‬
‫المستفيد الكبر هي الدول الصناعية والزراعية المتقدمة ‪ ،‬فلقد نشرت‬
‫منظمة التعاون القتصادي والتنمية التابعة للمم المتحدة إحصائية توضح‬
‫أرباح الدول الغنية من الجات وورد بها ما يلي ‪:‬‬
‫أرباح المجموعة الوربية ‪ 61‬مليار دولر سنويا ً ‪.‬‬
‫الوليات المتحدة ‪ 36‬مليار دولر سنويا ً ‪.‬‬
‫اليابان ‪ 27‬مليار دولر سنويا ً ‪.‬‬
‫الصين ‪ 37‬مليار دولر سنويا ً ‪.‬‬
‫وبصفة عامة يقدر إجمالي مكاسب الدول الغنية بين ‪ 300-200‬مليار دولر‬
‫سنويا اعتبارا ً من سنة ‪2002‬م ‪.‬‬
‫وتشير دراسة للمنظمة العربية للتنمية الزراعية إلى أن ‪:‬‬
‫تحرير التجارة العالمية في السلع الزراعية سوف يسبب ارتفاع أسعار‬
‫الحبوب الغذائية وكذلك انخفاض النتاج الحيواني في دول المجموعة الوربية‬
‫بسبب إنقاص أو تخفيض الدعم وبالتالي يتوقع ارتفاع السعار العالمية للحوم‬
‫واللبان ‪ ..‬وتقدر خسائر الدول العربية نتيجة لذلك بنحو ‪ 664‬مليون دولر‬
‫) زيادة في قيمة الواردات للدول العربية ( وكذلك تقدر الخسارة في صورة‬
‫نقص الرفاهية الجتماعية للدول العربية بمقدار ‪ 887‬مليون دولر[ ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫إل أنه للمانة لبد أن نذكر أن هناك فريق من الخبراء يرون بعض الجوانب‬
‫المشرقة لهذه التفاقية والتي تتمثل في تشجيع الستثمار في الدول النامية‬
‫وزيادة الحافز الذي يحتم عليها الرتقاء بالنتاجية لمواجه هذا الرتفاع في‬
‫السعار ‪.‬‬
‫‪ -3‬ضعف مجال البحوث الزراعية ‪-:‬‬
‫فالبحوث الزراعية هي المل الوحيد أمام الزراعة العربية للرتقاء بإنتاجية‬
‫الرض الزراعية عن طريق تطوير نوع السللت المستخدمة والتي تتميز‬
‫بإنتاجيه عالية أو تحمل أكبر لظروف البيئة أو غيرها من الصفات المرغوبة‬
‫والتي يطلق عليها عمليه التوسع الرأسي في الزراعة خاصة وأن التوسع في‬
‫مساحة الرض المنزرعة أصبح أمل فرصته ضعيفة في كثير من البلدان‬
‫العربية ‪.‬‬
‫ومجال البحوث الزراعية يعانى في معظم البلدان العربية من العديد من‬
‫الصعوبات التي تحد من قدرتها على تحقيق تلك المال المعلقة عليها ومن‬
‫أهم هذه الصعوبات ضعف التمويل وعجز العديد منها على مواجهه مشاكل‬
‫التنمية دون عون خارجي والفتقار إلى إسلوب سليم لدارة الموارد البشرية‬
‫والمادية المتاحة ونقص الكوادر البشرية المدربة ويكفي أن نعلم أن عدد‬
‫الباحثين في مجال البحوث الزراعية في الوطن العربي )‪ 19‬دوله( هو ‪6534‬‬
‫وفي الدول المتقدمة )‪ 22‬دوله( هو ‪ 56376‬وجمله النفاق على البحوث‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الزراعية في الوطن العربي هو ‪ 230‬مليون دولر وفي الدول المتقدمة هو‬


‫‪ 85400‬مليون دولر ‪.‬‬
‫ويلخص د‪ /‬محمد السيد عبد السلم ‪ -‬وهو من كبار المتخصصين في مجال‬
‫الزراعة ‪ -‬الوضع الحالي في كلمات رائعة رشيقة حيث يقول )‪:(2‬‬
‫] والن كل هذه الظروف آخذه في التغيير ‪ ،‬فالموارد الطبيعية الزراعية‬
‫المطلوبة للمزيد من الستثمار لم تعد متاحة بل إن المستثمر منها بالنسبة‬
‫للفرد آخذ في التآكل نتيجة لستمرار الزيادة السكانية ‪ ،‬والقلق على حالة‬
‫البيئة آخذ في التصاعد ‪ ،‬وفي فرض محددات جديدة على التنمية الزراعية‬
‫ومستقبل إمدادات الغذاء على الصعيد العالمي وفي العالم النامي بوجه‬
‫خاص ل يدعو إلى الطمئنان ‪ ،‬واستعداد الشمال لمساعدة الجنوب آخذ في‬
‫التراجع على المستوى الثنائي وعلى مستوى المنظمات الدولية ‪،‬‬
‫والتكنولوجيا الحيوية الحديثة التي تبنى عليها المال في مستقبل التنمية‬
‫الزراعية ليست متاحة مجانا بل محمية وينبغي على من يحتاج إليها أن يدفع‬
‫الثمن ‪ ،‬ونظم وإجراءات الحماية سوف تتلشى في ضوء اتفاقية منظمة‬
‫التجارة العالمية وسوف تتصاعد المنافسة بين الدول والتكتلت القتصادية‬
‫وسوف تكون قدرات العلم والتكنولوجيا السلح الفاعل في هذه المنافسة‬
‫وسوف تكون المغانم للقوياء الذين يملكون سلح العلم والمغارم لولئك‬
‫الذين يفرطون في الستحواذ على هذا السلح إنه نظام جديد عاصف وغالبا ً‬
‫ل يعرف التسامح تجاه العاجزين يحتم على الدول العربية أن تتحسب له‬
‫كثيرا لتواجه سلبياته وتستفيد من إمكانياته ول تكون إحدى ضحاياه [‬
‫أزمة البطالة في الوطن العربي ‪-:‬‬
‫جاءت ثورة النفط عام ‪1973‬م لترسم معالم جديدة للمنطقة العربية‬
‫بالنسبة للوضاع القتصادية ففي الدول العربية النفطية زادت الدخول وارتفع‬
‫فيها متوسط دخل الفرد بما يقارب دخله في الدول الصناعية المتقدمة‬
‫وتميزت تلك الفترة بزيادة معدلت الستثمار ووضعت برامج وخطط طموحه‬
‫لبناء شبكه البنية الساسية والتوسع في بناء المدن والمناطق العمرانية‬
‫الجديدة وكان قلة عدد السكان في تلك البلد سبب هام في زيادة احتياج تلك‬
‫الدول للعمالة الخارجية لتحقيق تلك الثورة الهائلة في التنمية فرحبت‬
‫بالعمالة العربية وغير العربية التي راحت تتدفق إلى هذه البلد بشكل سريع ‪،‬‬
‫وفي ظل هذا الرواج القتصادي اقترب معدل البطالة في تلك الدول إلى‬
‫الصفر تقريبا ً ‪.‬‬
‫وأما في الدول العربية الغير نفطية فمعظمها عند مشارف السبعينات كان‬
‫قد وصل إلى حالة من النهاك القتصادي الذي سرعان ما أثر في أحوال‬
‫العمالة وظروف التشغيل إل أنه بالرغم من ضغوط وصعوبات تلك المرحلة‬
‫فإن ثمة عوامل مختلفة توافرت وخففت من صعوبة الموقف وظهور البطالة‬
‫كأزمة تهدد العديد من اليدي العاملة فكان من هذه الظروف ‪.‬‬
‫‪ -1‬خروج أعداد كبيرة من فائض العمالة إلى الخارج خاصة للبلد العربية‬
‫النفطية التي رحبت بتلك العمالة كما ذكرنا ‪.‬‬
‫‪ -2‬زيادة حجم المعونات القتصادية التي قدمتها البلد العربية النفطية في‬
‫تلك الفترة ‪.‬‬
‫‪ -3‬الموارد الضخمة التي حصلت عليها هذه البلد في شكل قروض خارجية‬
‫من أسواق النقد والمال العالمية حيث كان القتراض سهل وميسرا ً في تلك‬
‫الفترة وإن كان بتكلفة مرتفعة مؤجله ‪.‬‬
‫‪ -4‬استمرار التزام كثير من حكومات تلك الدول بتعيين الخريجين من حمله‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المؤهلت كسبا ً لتأييد الطبقة الوسطي والحد من المشكلت الجتماعية‬


‫والسياسية نتيجة تفاقم البطالة ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ومع بداية الثمانينات ومروا ً بالتسعينات بدأت الوضاع تأخذ في التغيير‬


‫وأخذت مشكلة البطالة في النفجار المدوي حيث مالت أسعار النفط عالميا ً‬
‫للتدهور بشكل حاد مما أثر بشكل مباشر على الدول العربية قاطبة ففي‬
‫البلد العربية النفطية انخفضت أحجام دخولها القومية وتبعه انخفاض معدلت‬
‫نمو النفاق الحكومي الستثماري وبالذات في مجال البنية الساسية التي‬
‫كانت قد قاربت على الستكمال مما حدى بتلك الدول تطبيق سياسات‬
‫انكماشية ‪ ،‬وكان من ضمنها وقف التعيينات في الجهزة الحكومية والحد من‬
‫استقبال العمالة الوافدة ‪.‬‬
‫أما في البلد العربية الغير نفطية فقد كان لنخفاض أسعار النفط آثار سلبية‬
‫شديدة من أهمها انخفاض الدخل القومي حيث كان النفط مصدرا ً من مصادر‬
‫هذا الدخل في بعض هذه البلد مثل مصر وسوريا كما انخفضت المساعدات‬
‫العربية من الدول العربية النفطية وكذلك عادت العمالة إلى أوطانها مما أدى‬
‫إلى ارتفاع نسبة البطالة وفقدت هذه الدول موردا هاما من موارد الدخل‬
‫القومي المتمثل في التحويلت النقدية التي كان يرسلها العمال بالخارج ‪،‬‬
‫وصاحب ذلك تفاقم أزمة المديونية الخارجية لهذه البلد التي نجمت عن‬
‫الفراط في الستدانة الخارجية أدى إلى ارتفاع معدل خدمة الدين ‪.‬‬
‫كل هذه الضغوط قادت تلك الدول إلى إتباع سياسات اقتصادية صارمة كان‬
‫لها دورا كبيرا في زيادة معدلت البطالة حيث تخلت كثير من هذه الدول عن‬
‫تعيين الخريجين وتقلص دور الحكومة في النشاط القتصادي مما أدى إلى‬
‫خفض الطاقة النتاجية التي تستوعب اليدي العاملة العاطلة وأضحت البطالة‬
‫كارثة تهدد الوطن العربي ‪.‬‬
‫ومع قله البيانات والحصائيات عن حجم البطالة في الوطن العربي نستطيع‬
‫أن نتلمس حجم المشكلة من التقارير المتاحة ‪ .‬ففي التقرير القتصادي‬
‫العربي الموحد لعام ‪1994‬م كان قد قدر معدل البطالة في القتصاديات‬
‫العربية بحوالي ‪ %10‬من قوة العمل العربية التي بلغت عام ‪ 1993‬حوالي‬
‫‪ 67.5‬مليون عامل مما يعنى أن عدد المتعطلين يصل إلى حوالي ‪ 6.8‬مليون‬
‫عاطل أما منظمه العمل العربية فقد قدرت معدل البطالة على مستوى‬
‫جميع البلد العربية بقرابة ‪ %15.5‬من قوة العمل العربية وهو مما يعنى‬
‫وجود ما يزيد على عشرة مليين عامل عربي عاطل ‪.‬‬
‫بعد هذا العرض السريع لطبيعة الزمات التي تواجه المنطقة العربية ل يسعنا‬
‫إل أن نقول إن المر يتطلب جهودا ً كبيرة تشمل كل قطاعات الوطن العربي‬
‫لمواجهه تلك الزمات ولكن الملحظ حتى الن أن الجهود المبذولة متواضعة‬
‫إلى حد كبير بالنسبة لحجم المشكلت ‪ ،‬فالحل يبدأ من العلم العربي‬
‫المسئول عن عرض القضية أمام الرأي العام وشحذ همم الشعوب لتحمل‬
‫المسئولية وعقد الندوات واللقاءات مع الباحثين والعلماء المتخصصين ليجاد‬
‫تصور عام لحل مثل هذه المشكلت وتقديم العلماء والخبراء على أنهم هم‬
‫قدوة المجتمع ومثال كفاح مشرف لكل من أراد الرقى والنهضة فكم في‬
‫حياه هؤلء الشرفاء من كفاح ومثابرة وإخلص نحن أحوج أن نعرفه كي‬
‫نحتذي به في حياتنا ‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولكن مع السف وجدنا قطاع عريض من العلم العربي بكافة أجهزته يلهث‬
‫وراء نجوم الرياضة والفن ويكرس جهده ووقته لعرض صور من حياتهم‬
‫الخاصة وأعمالهم الفنية وفي جميع المناسبات والعياد القومية يحشد‬
‫للمواطن العربي كم هائل من هؤلء النجوم لُيسألوا عن آمالهم وطموحاتهم‬
‫والكلت التي يفضلونها واللوان المحببة لديهم ومعاناتهم في تصوير آخر‬
‫عمل فني أو آخر مباراة شاركوا فيها ‪.‬‬
‫وأضحى المر عاديا أن تفتح جريدة لتقرأ خبر عن تهرب أحد هؤلء النجوم‬
‫من عدة مليين من الضرائب أو تقرأ عن أرباح نجم من آخر شريط كاسيت‬
‫له بما يوازى ميزانيه وزارة مرموقة ‪.‬‬
‫كل هذه الشهرة والثروة دفعت بالكثير من شبابنا العربي العاطل للزحام‬
‫على أبواب النوادي وصناع نجوم الفن لعلهم يجدون فيهم موهبة تقودهم‬
‫للنجومية وطريق الشهرة والثروة السهلة السريعة وأصبح في كل حين يخرج‬
‫عليك نجم فني أو رياضي جديد حتى فاق عددهم الحصر ‪.‬‬
‫والسؤال الذي يطرح نفسه الن هل نحن حقا ً وفي ظل الوضع الراهن بحاجة‬
‫إلى كل هذا الحشد من النجوم من الرياضيين والفنانين الذين يقدمون لنا كل‬
‫هذا الكم الهائل من المباريات والمسلسلت والفلم والغاني أم أننا نرقص‬
‫فوق سفينة تغرق ؟!‬
‫‪--------------------‬‬
‫الهوامش والمصادر ‪:‬‬
‫)‪ (1‬أزمة المياه في المنطقة العربية ‪ /‬د‪ .‬سامر مخيمر ‪ ،‬خالد حجازي‬
‫سلسلة عالم المعرفة الكويتية عدد ‪209‬‬
‫)‪ (2‬المن الغذائي للوطن العربي ‪ /‬د‪ .‬محمد السيد عبد السلم ‪ .‬سلسلة‬
‫عالم المعرفة الكويتية عدد ‪230‬‬
‫‪ -‬القتصاد السياسي للبطالة ‪ /‬د‪ .‬رمزي زكى سلسلة عالم المعرفة الكويتية‬
‫عدد ‪226‬‬
‫‪ -‬النظام القتصادي العالمي واتفاقيه الجات د‪ .‬حسين شحاتة‬
‫‪...‬‬
‫وماذا بعد الخبار ـ رؤية في المسيرة إلى نهضة المة ـ‬
‫خباب بن مروان الحمد‬
‫>‪TD/‬‬
‫الحمد لله ‪ ،‬والصلة والسلم على رسول الله ‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن توله‬
‫وبعد‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫من يتابع وسائل العلم وما تعرضه من أخبار فسيجدها في الغلب تتحدث‬
‫عن مشاكل المسلمين وقضاياهم المتأزمة؛ فالمسلمون يعيشون في زمن‬
‫تكالبت فيه الحداث ‪ ،‬وتتابعت عليهم المخاطر‪ ،‬وأصبحوا كل يوم يترقبوا حدثا ً‬
‫جديدًا‪،‬أو نازلة خطيرة‪ ،‬والعالم السلمي ـ وبالذات ـ يعيش بعد ضربات‬
‫الحادي عشر من سبتمبر في دوامة أخبار‪ ،‬وتلحق أحداث بشكل مذهل‪.‬‬
‫في قلب هذه الزمات تذكرت كلم القائد الشيوعي الملحد ] لينين[ حين‬
‫م تمر سنين تحصل فيها‬‫قال‪ :‬عقود تمر على المة ل يحصل فيها شيء ث ّ‬
‫عقود‪ ،‬وصدق وهو كذوب فقد صرنا نعاصر سنوات حصلت فيها حوادث أكثر‬
‫من عشرات السنين‪ ،‬وكان للمسلمين فيها الحظ الوفر من المآسي الفظيعة‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ،‬والوضاع المؤلمة‪.‬‬
‫وهكذا تمضي العقود بأيامها ‪ ،‬وتدور اليام دورتها وتبقى المصائب تتوالى‬
‫وتترى على المسلمين ‪ ،‬وكان من آخرها حوادث القتل الصهيوني‬
‫للفلسطينيين وبالخص قتل قائدين من قادتهم العظام باغتيال الشيخ الوقور‪/‬‬
‫م ذلك القصف‬ ‫أحمد ياسين ‪ ،‬والقائد الدكتور‪ /‬عبدالعزيز الرنتيسي ‪ ،‬ث ّ‬
‫الجرامي على رفح وغزة و البادات الجماعية التي قتل فيها من ل حول له‬
‫جة العراق من تدمير وتخريب‬ ‫ما حصل في فَّلو َ‬ ‫ول قوة‪ .....‬ول نغفل ع ّ‬
‫وفضائح المريكان في سجن أبي غريب وغيره ‪ ،‬ومقتل المئات من أبناء‬
‫المسلمين في نيجيريا وتايلند على يد النصارى والوثنيين ‪ ،‬وغيرها من‬
‫المآسي المبكية‪.....‬‬
‫في ذلك كله يجد المراقب لموقف المسلمين حيال تلك الحداث كما هو‬
‫المعهود من المظاهرات والحتجاجات التي تشجب الصلف الصليبي‪/‬‬
‫مامات الدماء التي تجري هنا‬ ‫الصهيوني ‪ ،‬والهتافات الجماهيرية المستنكرة لح ّ‬
‫وهناك في أقاليم المسلمين‪.‬‬
‫وبعد أن فرغت تلك الشحنات المكبوتة ‪ ،‬وأحرق المتظاهرون العلم‬
‫المريكية والسرائيلية‪ ،‬ومع مرور ثلثة أيام تنطفئ القضية التي ث ِي َْر لجلها‬
‫من عقول الكثير من المسلمين ‪ ،‬وتتلشى جذوة الحماس التي اشتعلت قليل ً‬
‫في ضميرهم ‪ ،‬وت ُت ََناسى تلك الفواجع ‪ ،‬إل إذا كانت حديث مجالس ي ُت َذ َك ُّر بها‬
‫ظلم قوم بغوا على آخرين‪ ،‬ويظن الكثير منهم أّنه بذلك ينتهي دورهم ‪،‬‬
‫وتنقضي المسؤولية المناطة بهم‪.‬‬
‫تساؤل مثير يفرض نفسه ‪:‬‬
‫حين تسأل الكثير من أبناء المسلمين لم جلبت الفضائيات لبيتك؟‬
‫يجيبنوك‪ :‬لجل مشاهدة الخبار ومعرفة أحوال الشعوب السلمية ‪ ،‬و‪....‬الخ‪.‬‬
‫ومع أني أعتقد حرمة هذه الفضائيات التي ل يرتاب عاقل أنها جلبت الشر‬
‫والفساد للبيوت والعقول وكان خيرها فيه كملعقة عسل في إناء سم‪.‬‬
‫ن بعض من كان قصده بجلب الفضائيات لبيته ؛التذرع بحجة‬ ‫إل أني أعلم أ ّ‬
‫ن ذلك نابع من‬ ‫مة السلمية ‪ ،‬ول شك أ ّ‬ ‫مطالعة الخبار ومعرفة أحوال ال ّ‬
‫حمل هم‪ ،‬وشعور طيب تجاه الخرين من إخوانه المسلمين‪ ...‬ولكن ـ‬
‫وياللسف ـ فالكثير ممن أدخل تلك الفضائيات إلى بيته أو مكتبه ‪ ،‬لم يكن‬
‫حاله إل شهوة السماع للخبار‪ ،‬ومحبة الطلع على التحليلت السياسية ‪ ،‬وقد‬
‫يأخذ ذلك من وقته ساعات كثيرة‪ ،‬يكون أكثر تلك التحليلت تخمينات‬
‫وظنونا ‪ ،‬فيها الصواب والخطأ‪ ،‬فيضيع المشاهد لهذه القنوات بعد سماع تلك‬
‫الخبار ما بين تلك التحليلت السياسية والتحقيقات الصحفية‪.‬‬
‫ودعنا ـ أيها الصاحب ـ نتصارح ‪ ،‬فبعد أن نرى تلك الخبار ‪ ،‬ومجازر‬
‫المسلمين‪ ،‬والذّلة والمهانة التي أصابتنا‪ ...‬بعد هذا كله‪...‬‬
‫هل حّرك ذلك في قلوبنا شيئًا؟‬
‫هل نصرناهم بشيء من أنواع النصرة؟‬
‫هل سألنا أنفسنا جادين ‪ :‬كيف نخرج من تلك الزمات والتيه الذي نعيشه من‬
‫عشرات السنين؟!!‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫م من تأثر مّنا بتلك الخبار‪،‬هل فكر تفكيرا جادا بالتأثير على من يلتقي به‬ ‫ث ّ‬
‫من المسلمين وقيادتهم لعِّز السلم والمسلمين؟‬
‫ن هذه السئلة لم يستشعرها ـ والله ـ إل القليل‪ ،‬فقد كان موقف الغلبية‬ ‫إ ّ‬
‫ممن يتابعون الخبار‪ ،‬هوالصمت العجيب وعدم العمل لنصرة أولئك‬
‫المستضعفين ‪ ،‬وقد نجد الفرد منهم يشاهد ذلك لجل أن يتكلم في‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المجالس‪ ،‬ويناقش ويحلل ويختلف مع إخوانه وخّلنه ‪ ،‬وكأّنه في اتجاه‬


‫معاكس‪ ،‬فيرفع صوته ‪ ،‬ويرغي ويزبد‪ ،‬ولم يتقن إل فن الصراخ ‪،‬أو يكون‬
‫موقف كثير ممن يتابع الخبار إلقاءهم باللئمة على الخرين دون أن يراجعوا‬
‫أنفسهم مراجعة صادقة ‪ ،‬ويروا ماذا فعلوا من التقصير في حق الله من‬
‫الذنوب والمعاصي ‪ ،‬وما فعلوه في حق إخوانهم من التقصير في حقوقهم ‪،‬‬
‫وعدم بذل الجهود المستطاعة لنصرتهم ‪ ،‬أو أن يكون موقف بعضنا البكاء‬
‫ن لسان حال الكثير منا ‪/‬السيل الهادر ل تسده‬ ‫والتأوهات ودعاوى العجز‪ ،‬وكأ ّ‬
‫عباءتك‪.‬‬
‫بل رأيت ـ والله ـ من ينظر لتلك المجازر‪ ،‬وهو يأكل ويشرب!! ويضحك‬
‫ويمزح‪ ،‬ولم تؤثر تلك المرائي في نفسه شيئًا‪ ،‬والله المستعان ‪...‬‬
‫حقا ً ـ وربي ـ إنها لمأساة حين نصاب نحن المسلمين بتبلد إحساس عجيب ‪،‬‬
‫م إذا أطفأنا‬ ‫وشعور تجاه أوضاع إخواننا غريب‪ ،‬وقد نرى تلك المجازر ث ّ‬
‫التلفاز‪ ،‬وارتحنا دقائق ‪ ،‬تابع البعض منا بعد ذلك الفلم الخليعة ‪،‬‬
‫ن شيئا ً لم يكن!!‪.‬‬ ‫والمسلسلت الهابطة‪ ،‬وكأ ّ‬

‫)‪(6 /‬‬
‫ل‪ ،‬واستشعارا ً‬ ‫وكان من الواجب أن يكون المتابعون للخبار أكثر الناس عم ً‬
‫للمسؤولية وأن تغرس في نفوسهم باعث عمل‪ ،‬ووقود همة‪ ،‬وعزمة إرادة‬
‫لتغيير الواقع المرير‪.‬‬
‫ترى‪ ..‬أل تستدعي تلك ]المواقف الّرّدية الضعيفة[ من المسلمين تجاه‬
‫أعدائهم‪ ،‬وقفة مراجعة ‪ ،‬وبحث عن الشكاليات التي يقع فيها المسلمون‪،‬‬
‫ووصف الدواء العاجل لدفع العدو الصائل الذي أفسد الدين والدنيا معًا؟!!‬
‫في هذه المقالة المتواضعة ‪ ،‬سأتحدث عن بعض الزمات والشكاليات التي‬
‫يقع فيها المسلمون بعد سماعهم للخبار‪ ،‬ونقاط الضعف التي حّلت في‬
‫سويداء قلوبنا‪ ،‬وسرنا على خطاها غير مستشعرين خطأ المسيرة ‪ ،‬واعوجاج‬
‫طرق التفكير‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫]‪ [1‬تغليب جانب العاطفة والرتجالية في العمال ‪ ،‬والعفوية في مواجهة‬
‫الحداث ‪ ،‬وليتها أعمال بطولية تثخن في العداء بضوابطها الشرعية ‪ ،‬وإنما‬
‫هي هتافات وشعارات غلبت على العقل والتفكير المثمر العملي‪ .‬وهكذا نحن‬
‫المسلمين ما أن نصاب بمدلهمة من المدلهمات‪،‬إل وانتفضنا انتفاضة المغمى‬
‫م سكّنا وخمدنا غافلين عن أسباب تلك المصائب التي عصفت بنا ‪،‬‬ ‫عليه‪ ،‬ث ّ‬
‫ومتناسين للحلول العملية التي نقاوم بها تلك المخاطر بناًء على الوامر‬
‫الشرعية ‪ ،‬والهتداء بسنة خير البرية ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫خص هذا المرض من علماء المسلمين الشيخ الراحل‪ /‬مصطفى‬ ‫وممن ش ّ‬
‫ن المسلمين ينتفضون انتفاضة وقتية‬ ‫السباعي ـ يرحمه الله ـ حيث ذكر أ ّ‬
‫ن المر لم يكن‪ ،‬ويالله ما أجمل كلماته‬ ‫لمصيبة حّلت بهم ثم يخمدون وكأ ّ‬
‫مة حيث كتب‪:‬‬ ‫القلئل التي نطق بها مبينا ً هذا المرض الذي د ّ‬
‫ب في هذه ال ّ‬
‫ج المسلمون اليوم أكثر من ثلثة أيام [ هكذا‬ ‫] لو هدمت الكعبة لما ض ّ‬
‫علمتني الحياة ]صـ ‪[91‬‬
‫وصدق رحمه الله ‪ ،‬فما أشبه الليلة بالبارحة!!‬
‫ً‬
‫]‪ [2‬طيبة القلب الزائدة‪ ،‬وإحسان الظن بالعدو ولو قليل‪ ،‬وتصديق بعض‬
‫ن أمريكا‬ ‫نأ ّ‬
‫شعاراتهم ‪ ،‬وهذا شيء ل أبالغ فيه‪ ،‬فكثير من المسلمين كان يظ ّ‬
‫م الوحشّية ‪ ،‬والهانات النفسية باعتبار أنها‬ ‫أعقل من أن تفعل بهم تلك الجرائ َ‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫راعية لمجلس المن ‪ ،‬وقوات حفظ السلم ‪ ،‬وأنها ترفع شعارات العدالة‬
‫والحرية والديموقراطية ]الزائفة[!!‬
‫ً‬
‫ن قاتله سيرحمه ولو قليل‪ ،‬ويعطيه فرصة شرب الماء‬ ‫ن الكثير منا أ ّ‬
‫ولذا ظ ّ‬
‫قبل الجهاز عليه ‪ ،‬وهذا ما حدث بالضبط بعد أن قتل الشيخ ‪ /‬أحمد ياسين ـ‬
‫ن اليهود قد يصمتون قليل ً‬ ‫ن الكثير من المسلمين أ ّ‬ ‫رحمه الله ـ فقد ظ ّ‬
‫ويرفقون بالمساكين الفلسطينيين ليلملموا جراحهم ‪ ،‬ولتجف مآقيهم من‬
‫البكاء‪ ،‬ومع ذلك فإن اليهود كانوا أمكر وأخبث فقد عاجلوا المجاهدين في‬
‫فلسطين بضربة نوعية أخرى‪ ،‬فقتلوا الدكتور المجاهد‪ /‬عبد العزيز الرنتيسي‬
‫م أعقبوها بمجازر القصف والتنكيل‬ ‫ـ تقبله الله في الشهداء ـ غيلة ومكرًا‪ ،‬ث ّ‬
‫بإخواننا في غزة وجباليا وغيرها من المدن الفلسطينية البية‪.‬‬
‫ن بالخر!!] الكافر[ أو‬ ‫وهكذا أعداء الدين ‪ ،‬فهل بقي لنا مجال أن نحسن الظ ّ‬
‫أن نرفع له لفتات السلم ‪ ،‬ليقابلنا بالود والوئام‪.‬‬
‫إنهم المفسدون في الرض ولن يتوقع منهم إل كل خبث وسوء وإجرام‪.‬‬
‫هل لمحتم طيبة من حية أو لمستم رقة من عقرب؟!!‬
‫ن إّل ً ول ذمة وأولئك هم المعتدون [ التوبة]‬ ‫وصدق الله ] ل يرقبون في مؤم ٍ‬
‫‪[10‬‬
‫]‪ [3‬غلبة الكلم والحديث وقلة العمل ‪ ،‬وأكثر حديثنا كما ذكر أحد المفكرين‬
‫أننا نتحدث عما ل نريد ول نتحدث عما نريد ‪ ،‬فكلمنا كثير في سب المحتل‬
‫ن القليل منا من‬ ‫المريكي ـ الوربي ـ السرائيلي ‪ ،‬والنظمة العميلة ‪ ،‬ولك ّ‬
‫يتحدث عن واجبنا تجاه الحداث‪ ،‬وهو ـ و للسف ـ أمر نادر في برمجة‬
‫تفكيرنا ‪ ،‬ولو طلب من هؤلء القوم الذين يغلبون الكلم على العمل ‪ ،‬لو‬
‫طلب منهم القليل لنصرة هذا الدين لوجدت التلكؤ‪ ،‬والتراجع والتقهقر‪،‬‬
‫والحوقلة والسترجاع‪ ،‬والتفنن في التهرب من المسؤولية والعمل‪.‬‬
‫فما أشبههم بقصة الرجل العربي الذي كان معه بعض البل فجاءه اللصوص‬
‫وسرقوها منه فلم يقاومهم بشيء‪ ،‬فلما ذهبوا وساروا بإبله ‪ ،‬شتم اللصوص ‪،‬‬
‫ولعنهم‪.‬‬
‫فسأله أهله عندما رجع إليهم بدون البل ‪ :‬ماذا فعلت؟‬
‫فقال‪ ] :‬أوسعتهم شتما ً وساروا بالبل [!!‬
‫فإذا كان كثير من المسلمين أهل كلم وشجب واستنكار‪ ،‬وأّنهم قوم ينفعلون‬
‫ن معظم أفعالهم ]ردود أفعال[ ل‬ ‫طون‪ ،‬وأ ّ‬ ‫ول يفعلون ‪ ،‬ويشجبون ول يخط ّ ُ‬
‫مواجهة ونزال فل غرابة أن ينشد اليهود والنصارى ساخرين من المسلمين‬
‫كما قال حافظ إبراهيم على ألسنتهم مستخفين بالمسلمين‪:‬‬
‫قد ملنا البر من أشلئهم فدعوهم يملؤوا الدنيا كلما‬
‫وكل هذا والمسلمون يتفرجون ويتلقون الصفعات المتواليات‪ ،‬وهم يستمعون‬
‫أو يشاهدون الخبار عبر الفضائيات وشبكات النترنت‪ ،‬وليس لهم من ذلك إل‬
‫قعقعات العبارات وفقاعات الكلمات بل عمل وإرادة لتغيير الواقع المرير‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫مة السلمية المريضة ‪ ،‬ينبغي أن‬ ‫ن هذه المأساة التي يعيشها أبناء ال ّ‬ ‫لش ّ‬
‫كأ ّ‬
‫تستدعي أهل العزائم لحياء قلوب هذا الجيل المسلم ‪ ،‬وإمداده بالشريان‬
‫الحيوي ‪ ،‬والذي يستقي منه معالم العزة ‪ ،‬وأنوار الرسالة ‪ ،‬حّتى يتخطى تلك‬
‫العمال العفوية والتي ل ترعب كافرا ً ول تنصر دينا ً ‪ ،‬وذلك خير من أن نبقى‬
‫نتحدث عن الزمات التي تعترضنا في مواجهة الحداث‪ ،‬أو أخطائنا في‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫طريقة تعاملنا مع تلك الخبار؟!‬


‫إننا بحاجة ـ وخاصة دعاة الصلح ‪ ،‬وعلماء المة وقادتها الربانيين ـ بعد أن‬
‫متنا بحاجة إلى‬ ‫خص تلك الدواء التي تجثم علينا ؛ أن نصف لها الدواء ‪ ،‬فأ ّ‬ ‫نُ َ‬
‫ش ّ‬
‫ذلك الطبيب النطاسي ومبضع الجراح المين ‪ ،‬والذي يبحث في جذور‬
‫المرض وتشعباته ‪ ،‬ويرفع أوهاق الخطر عن جسد هذه المة الجريحة بكل‬
‫ثقة وإتقان ‪ ،‬وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم‪:‬ـ ] ما أنزل الله من داء‬
‫إل وأنزل له شفاء [ أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬في‬
‫كتاب الطب ‪ ،‬باب ما أنزل الله داًء إّل أنزل له شفاء برقم]‪.[5678‬‬
‫ولهذا يتوجب على من يريد الرفعة لهذه المة ‪ ،‬أن يبحث في الوسائل‬
‫المعينة على عّزها ‪ ،‬والحلول المثمرة لنهضتها ‪ ،‬بعد أن تراكمت عليها‬
‫تراكمات الذلة ‪ ،‬وعل عليها أهل الكفر والخيانة ‪ ،‬وأن يفكر التفكير الجاد‬
‫ن هذه صفة الرجل‬ ‫لتوظيف مشاكل المة بما يخدم مصلحتها ‪ ،‬ولعمري فإ ّ‬
‫العبقري اللمع الذي ينطلق من دينه العظيم‪ ،‬وفكرته الصلحية ورؤاه‬
‫التنموّية للرقي بهذه المة إلى العلياء وقد قيل‪ :‬رحلة العظيم تبدأ بفكرة‪.‬‬
‫طابي ـ رحمه الله ـ حين قال‪ ] :‬من صدقت حاجته إلى‬ ‫خ ّ‬‫مد ال َ‬ ‫ح ْ‬
‫وصدق المام َ‬
‫شيء كثرت مسألته عنه‪ ،‬ودام طلبه له حتى يدركه ويحكمه[ معالم السنن‬
‫طابي]‪[4/832‬‬ ‫للخ ّ‬
‫ومن هذا المنطلق فإنني سأركز في هذه السطر على جواب سؤال أرى أنه‬
‫من الهمية بمكان وهو‪:‬‬
‫ن المسلمين منذ سبعين سنة وهم يعيشون في انحدار تلو انحدار ‪ ،‬ونكسات‬ ‫أ ّ‬
‫دم الدماء والموال وكل ما يستطيع لنصرة‬ ‫ن البعض ق ّ‬ ‫يتلوها نكبات ‪ ،‬مع أ ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫هذه المة ‪ ،‬والوضع لم يزدد إل سوءا ‪ ،‬فالتغول العسكري الغربي يمضي‬
‫قاه الكثير من أبناء جلدتنا بالتبعّية‬ ‫داخل بلد السلم‪ ،‬والنموذج الغربي تل ّ‬
‫المقيتة ‪ ،‬والتقليد البله‪ ،‬فكيف السبيل المثل لستعادة القوة‪ ،‬وانفكاك‬
‫الزمة ‪ ،‬واسترداد المجد؟؟‬
‫ل ـ أن تكون معينة على‬ ‫ن هناك أمورا أسأل الله ـ عّز وج ّ‬ ‫وجوابا ً على ذلك فإ ّ‬
‫حة ‪ ،‬ويبقى‬ ‫تحقيق ذلك ‪ ،‬ول أّدعي فيها الكمال‪ ،‬ولكن لعّلها تكون مقاربة للص ّ‬
‫النقص لزم فيها‪:‬‬
‫معالم على طريق النصر‪ ،‬وإضاءات للسائرين في قافلة العز‪:‬‬
‫]‪ [1‬ففروا إلى الله‪:‬‬
‫ن من أولى الولويات‬ ‫هذا نداء قرآني جليل ‪ ،‬ينبغي تأمله بعمق وشمولية ‪ ،‬فإ ّ‬
‫في ذلك‪:‬‬
‫أـ إفراد الله بالعبودية الكاملة ‪ ،‬وعدم الستعانة والستغاثة إل به ‪ ،‬فتقوية‬
‫ركائز اليمان في قلوبنا سبب معين لنصرتنا على أعدائنا‪ ،‬وقد اشترط الله‬
‫ن الله من‬ ‫على من يريد أن ينصره ؛ بأن ينصر الله ـ عز وجل ـ] ولينصر ّ‬
‫ينصره[ الحج]‪.[40‬‬
‫والمتأمل لحال الكثير من المسلمين يجد العجب العجاب في التفريط بهذا‬
‫الشأن فكم هم القوم الذين ل يفردون الله بالعبادة والتوحيد وينزلقون في‬
‫براثن الشرك ؟‬
‫وكم هم القوم الذين يشركون حاكمية الله بحاكمية غيره من الطواغيت‬
‫والنداد والقوانين الوضعية والمحاكم القانونية الكفرية والتي ل تحكم بما‬
‫أنزل الله ؟‬
‫وكم هم القوم الذين يتعبدون الله بالبدع والضللت ويلزمون الناس باتباعهم‬
‫بتلك الخرافات؟‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكم هم القوم الذين يوالون أعداء الله ويعادون أولياء الله بأساليب الذى‬
‫والتبكيت؟‬
‫ن تقصير الكثير من المنتسبين إلى السلم بتلك القضايا المصيرية أمر‬ ‫إ ّ‬
‫واضح ‪ ،‬فمتى يترك هؤلء ذلك الخطل والخلل؟!‬
‫ما رأى تكالب الجيش التتري المغولي على بلد‬ ‫ن المام ابن تيمية ل ّ‬
‫ولهذا فإ ّ‬
‫السلم وتقتيله للمسلمين وكثرة الهزائم المتتابعة عليهم ‪ ،‬نظر هذا المام‬
‫ن من أهمها إصلح عقائد‬ ‫بعين البصر والبصيرة أسباب تلك الهزائم فوجد أ ّ‬
‫دث ـ رحمه الله ـ كيف‬ ‫من تلوث ممن ينتسب للسلم بدرن الشرك ‪ ،‬وقد ح ّ‬
‫أّنه لما هاجم التتار بلد الشام خرج أهل الشام يستغيثون بالموتى عند القبور‬
‫ضّرهم ‪ ،‬وقال بعض شعرائهم‪:‬‬ ‫التي يرجون عندها كشف ُ‬
‫ياخائفين من التتر لوذوا بقبر أبي عمر‬
‫لوذوا بقبر أبي عمر ينجيكموا من الخطر‬
‫فصار ابن تيمية يأمر الناس بإفراد الدعاء لله وإخلص العبادة له ‪ ،‬قال ـ‬
‫رحمه الله ‪] :‬فلما أصلح الناس أمورهم وصدقوا في الستغاثة بربهم نصرهم‬
‫على عدوهم نصرا ً عزيزًا[ الستغاثة ]‪2/276‬ـ ‪[277‬‬
‫ب ـ العتصام بكتاب الله تعالى وسّنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنه‬
‫الركن إن خانتك أركان‪ ،‬وتقديم أوامرهما ونواهيهما على أي شيء عارضهما‬
‫أو صرف النظر عنهما‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫ص وآثام‪ ،‬وحب للفواحش والمنكرات‪ ،‬فإذا أردنا‬ ‫ج ـ تغيير ما بالنفس من معا ٍ‬


‫أن ينصرنا الله فلنغير من أنفسنا وهذه قاعدة ربانية ذكرها الله في كتابه‬
‫ن الله ل يغير ما بقوم حّتى يغيروا ما بأنفسهم[ الرعد]‪ ،[11‬وعن‬ ‫بقوله‪ ] :‬إ ّ‬
‫عبدالله بن عمرـ رضي الله عنه ـ قال‪:‬ـ كنت عاشر عشرة من المهاجرين‪،‬‬
‫عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأقبل علينا بوجهه‪ ،‬وقال‪ ] :‬يامعشر‬
‫ن ‪ :‬لم تظهر‬ ‫ن وأعوذ بالله أن تدركوه ّ‬
‫المهاجرين‪ -:‬خمس خصال إذا ابتليتم به ّ‬
‫الفاحشة في قوم حّتى يعلنوا بها إل فشا فيهم الطاعون والوجاع التي لم‬
‫تكن مضت في أسلفهم الذين مضوا‪ ،‬ولم ينقصوا المكيال والميزان إل‬
‫دة المؤنة ‪ ،‬وجور السلطان‪ ،‬ول منع قوم الزكاة إل‬ ‫ابتلهم الله بالسنين ‪ ،‬وش ّ‬
‫منعوا القطر من السماء ولول البهائم لم يمطروا‪ ،‬ول خفر قوم العهد إل‬
‫سّلط عليهم العدو فأخذ بعض ما في أيديهم ‪ ،‬ومالم تعمل أئمتهم بما أنزل‬
‫الله في كتابه إل جعل بأسهم بينهم[ أخرجه الحاكم والبيهقي بسندٍ صحيح‪،‬‬
‫ورواه ابن ماجه في سننه وقال محققه في الزوائد ‪ :‬هذا حديث صالح للعمل‬
‫به ‪ /‬انظر السنن ابن ماجه ]‪ ،[2/1333‬وصححه اللباني في السلسلة‬
‫الصحيحة ‪ ،‬برقم]‪[106‬‬
‫ّ‬
‫فهذه حقيقة ثابتة ‪ ،‬إذا نحن عصينا الله ‪ ،‬وخالفنا أمره سلط علينا العداء‬
‫والوباء والضّراء ] فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم‬
‫عذاب أليم[ النور]‪[63‬‬
‫ن ما أصابنا الله به من هذه الهزائم وهذا الذل من المم‬ ‫لهذا ينبغي أن نعلم أ ّ‬
‫الكافرة ؛ أّنه مرتبط بضعف تعلقنا بالله وكثرة معاصينا وذنوبنا تجاهه ـ عّز‬
‫ل ـ فنحن لسنا أفضل من المم السابقة حين أنزل الله عليهم العذاب‬ ‫وج ّ‬
‫ل كانوا‬‫بسبب ذنوبهم ‪ ،‬قال تعالى ] فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وك ُ‬
‫ظالمين[النفال]‪[54‬‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فما يصيبنا الن من المصائب والمدلهمات جزء ل يتجزأ من عقوبة الله لنا‬
‫قه‪ ،‬وليس بيننا وبين الله حسب ول نسب ] وما أصابكم من‬ ‫لتقصيرنا في ح ّ‬
‫مصيبة فبما كسبت أيديكم[ الشورى]‪ [30‬فل يحقّ لنا بعد ذلك أن نتساءل لم‬
‫ل ينزل الله النصر علينا؟ ونحن مفرطين بأوامره ونواهيه ‪ ،‬وإذا كان سبحانه‬
‫لم ينزل نصره على العصبة المؤمنة من الصحابة لخطإ ٍ ارتكبه بعضهم فلم‬
‫لـ‬‫ينالوا جميعا ذلك النصر‪ ،‬وحين تساءلوا عن سبب ذلك‪ ،‬عزاه الله ـ عّز وج ّ‬
‫لنفسهم قائل ً ‪] :‬أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أّنى هذا قل هو‬
‫من عند أنفسكم[آل عمران]‪[165‬‬
‫ن‬
‫طت بنا سبل التضليل أو ذقنا الهوان ‪،‬وشاهد ذلك‪ :‬أ ّ‬ ‫لو عرفنا الله ما ش ّ‬
‫على المسلمين جميعا ً التوبة إلى الله توبة نصوحا ً حتى يرفع الله عّنا هذا‬
‫البلء ‪ ،‬وقد أثر عن العباس بن عبد المطلب ]ما نزل بلء إل بذنب وما رفع إل‬
‫بتوبة[ ورحم الله أبا الدرداء حيث كان يقول للغزاة‪ ] :‬أّيها الناس‪ /‬عمل صالح‬
‫قبل الغزو ‪ ،‬فإّنما تقاتلون بأعمالكم[ أخرجه ابن المبارك في كتاب الجهاد صـ‬
‫وب له البخاري في كتاب الجهاد من صحيحه فقال‪] :‬باب‪:‬‬ ‫‪ 61‬رقم]‪ [5‬وب ّ‬
‫عمل صالح قبل القتال [ ]‪ [6/24‬ولله دّر الفضيل بن عياض حين قال‬
‫للمجاهدين عندما أرادوا الخروج لقتال عدوهم]عليكم بالتوبة فإنها ترد عنكم‬
‫ما ترده السيوف[‪.‬‬
‫ل ‪ ،‬فنحن عبيد لله ‪،‬‬ ‫ج ٍ‬‫د ـ صدق اللجوء والتضرع إلى الله ‪ ،‬ودعاء الله بقلب وَ ِ‬
‫وهو ـ سبحانه ـ يحب أن يسمع دعاء عبيده في كشف الضر عنهم وهم‬
‫ما إذا رأى عبيده قد استغنوا عنه ونسوه فإنه‬ ‫منطرحين بين يديه ‪ ،‬أ ّ‬
‫سيء ]نسوا الله فنسيهم[ التوبة]‪ ،[67‬وقد‬ ‫سينساهم مقابلة لهم بعملهم ال ّ‬
‫أخبر سبحانه عن قوم لما أنزل عليهم بأسه استغنوا عن دعاءه والفتقار بين‬
‫يديه فلم ينقذهم من تلك النازلة‪ ،‬بسبب كبرهم وقسوة قلوبهم‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫]فلول إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزّين لهم الشيطان ما‬
‫كانوا يعملون[ النعام]‪ [43‬وقال تعالى‪] :‬ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من‬
‫جوا في طغيانهم يعمهون * ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم‬ ‫ضر لل ّ‬
‫وما يتضرعون[ المؤمنون]‪[75‬‬
‫ومن ذلك كثرة الستغفار فإّنه من أعظم أسباب القوة قال تعالى على لسان‬
‫م توبوا إليه يرسل‬ ‫نبي الله هود ـ عليه السلم ] و يا قوم استغفروا ربكم ث ّ‬
‫وة إلى قوتكم [ هود]‪ [52‬وقال تعالى‪ ] :‬وأن‬ ‫السماء عليكم مدرارا ً ويزدكم ق ّ‬
‫م توبوا إليه يمتعكم متاعا ً حسنا ً إلى أجل مسمى ويؤت ك ّ‬
‫ل‬ ‫استغفروا ربكم ث ّ‬
‫ذي فضل فضله[هود]‪[3‬‬
‫وبهذا الفرار الصادق إلى الله يتميز المسلم الحق عن غيره من أصحاب‬
‫الرايات الجاهلية بقوة العقيدة ‪ ،‬والتمسك بها ‪ ،‬والذود عن حياضها‪ ،‬فل رفعة‬
‫ـ والله ـ لهل السلم ؛ إّل بمفاصلتهم للكافرين‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫ومن أجل ذلك فهم أعرف الناس بسبل المجرمين ‪ ،‬والذين يريدون أن‬
‫يحرفوا جهادهم وكفاحهم لجل العرى القومية ‪ ،‬أو الوطنية ‪ ،‬وعندئذ ٍ فأي‬
‫فرق بين من يدعي السلم وبين من يقاتلهم لجل تلك الرايات العمياء‬
‫الشوهاء ‪ ،‬فمزيدا ً من الفطنة يا ـ رجل السلم ـ فإياك والمداهنة أو الملينة‬
‫أو المسايرة لذوي التوجهات الخاوية ‪ ،‬فلن تكسب دينا ً ول دنيا‪.‬‬
‫واقتد برسولك محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ]فلقد كان كبار المشركين‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يعرضون على رسول الله ـ صّلى الله عليه وسلم ـ المال والحكم والمتاع في‬
‫مقابل شيء واحد ‪ ،‬أن يدع معركة العقيدة وأن يدهن في هذا المر !‬
‫ولو أجابهم ـ حاشاه ـ إلى شيء مما أرادوا ما بقيت بينهم وبينه معركة على‬
‫الطلق!‬
‫إنها قضية عقيدة ومعركة عقيدة ‪ ...‬وهذا ما يجب أن يستيقنه المؤمنون‬
‫حيثما واجهوا عدوا ً لهم ‪ ،‬فإنه ل يعاديهم لشيء إل لهذه العقيدة ] إل أن‬
‫يؤمنوا بالله العزيز الحميد[ البروج]‪ [8‬ويخلصوا له وحده الطاعة والخضوع!‬
‫وقد يحاول أعداء المؤمنين أن يرفعوا للمعركة راية غير راية العقيدة‪ ،‬راية‬
‫اقتصادية أو سياسية أوعنصرية‪ ،‬كي يموهوا على المؤمنين حقيقة المعركة‪،‬‬
‫ويطفئوا في أرواحهم شعلة العقيدة؛ فمن واجب المؤمنين أّل يخدعوا‪،‬ومن‬
‫مب َّيت ‪ ،‬وأن الذي يغير راية المعركة‬ ‫ن هذا تمويه لغرض ُ‬‫واجبهم أن يدركوا أ ّ‬
‫إنما يريد أن يخدعهم عن سلح النصر الحقيقي فيها[ مقطع من كلم الستاذ‬
‫سيد قطب‪،‬في كتابه]معالم على الطريق[ صـ ‪ 201‬ـ ‪202‬‬
‫ل العيب أن يكون الكفار أشد تمسكا ً بدينهم وعقيدتهم من‬ ‫وعيب ـ وربي ـ ك ّ‬
‫ن الله ـ‬ ‫سّير حروبهم ومعاركهم نصرة لعقيدتهم وقيمهم ‪ ،‬مع أ ّ‬ ‫المسلمين ‪ ،‬وت ُ َ‬
‫ض عليه بالنواجذ ومن‬ ‫سبحانه ـ أمر المسلمين بالستمساك بهذا الدين والع ّ‬
‫ذلك قوله تعالى ‪] :‬فاستمسك بالذي أوحي إليك إّنه لعلى هدى مستقيم *‬
‫وإّنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون[ الزخرف]‪ 43‬ـ ‪[44‬‬
‫عم حجتي هذه بشاهد قوي يوضح هذه الحقيقة التي غابت عن‬ ‫ولعّلي أ ُد َ ّ‬
‫أذهان المسلمين ردحا ً من الزمن ‪ ،‬وفترة من الدهر‪ /‬مختارا ً امبراطورية‬
‫جل الله زوالها‪ ،‬وكفى المسلمين شّرها ـ فقد‬ ‫الشر والفساد ]أمريكا[ ـ ع ّ‬
‫صدرـ بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ـ كتاب بعنوان]الدين في القرار‬
‫المريكي[ بتأليف‪ /‬محمد السماك‪ ،‬يوضح فيه اليدلوجية العقدية التي ينطلق‬
‫ن مبنى قراراتهم على النبوءات‬ ‫منها المريكيون في قتالهم للمسلمين ‪ ،‬وأ ّ‬
‫ً‬
‫التوراتية عبر تولي رؤسائهم أنصبة الحكم وتقاليده مرورا بـ ] ليندون‬
‫جونسون ـ وجيمي كارترـ ورونالد ريجان ـ وجورج بوش البن[ فمث ً‬
‫ل‪:‬‬
‫ـ الرئيس ليندون جونسون قال في عام ‪1968‬م‪ ،‬في خطاب ألقاه في‬
‫ن لكثركم ‪،‬‬ ‫العاشر من أيلول ـ سبتمبر ‪ ،‬أمام منظمة يهودية أمريكية }} إ ّ‬
‫إن لم يكن لجميعكم‪ ،‬روابط عميقة مع أرض ومع شعب إسرائيل ‪ ،‬كما هو‬
‫ن القصص‬ ‫ن إيماني المسيحي انطلق من إيمانكم‪.‬إ ّ‬ ‫ي ‪ ،‬ذلك ل ّ‬ ‫المر بالنسبة إل ّ‬
‫ن الكفاح الشجاع الذي قام به‬ ‫التوراتية محبوكة مع ذكريات طفولتي ‪ ،‬كما أ ّ‬
‫اليهود المعاصرون من أجل التحرر من البادة منغمس في نفوسنا{{صـ ‪41‬‬
‫‪ -‬الرئيس ريجان حيث يقول في مقابلة صحفية نشرت له في جريدة‬
‫الواشنطن بوست‪:‬ـ}} إنني أعود إلى النبوءات القديمة المذكورة في العهد‬
‫القديم‪ ،‬وإلى المؤشرات حول هرمجيدون‪،‬فأتساءل بيني وبين نفسي ما إذا‬
‫كّنا الجيل الذي سيرى تحقق ذلك‪ .‬ل أعرف إذا كنت لحظت معي أي ّا ً من هذه‬
‫دقني إّنها ـ أي النبوءات ـ تصف بالتأكيد ما نمّر به‬ ‫النبوءات مؤخرًا‪ ،‬ولكن ص ّ‬
‫الن{{صـ ‪43‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬الرئيس رونالد ريجان وافق عام ‪1986‬م على قصف ليبيا باعتبارها عدوا لله‬
‫صـ ‪43‬‬
‫‪ -‬الرئيس جورج بوش البن وهو رأس الشر والرهاب قد تربى تربية ملتزمة‬
‫مع عقيدة الحركة الصهيونية المسيحية ‪ ،‬ففي مناسبة أداء صلة الفصح يوم‬
‫الجمعة ‪/18‬نيسان ـأبريل ‪2003‬م‪ ،‬والتي ترأسها القس فرانكلين جراهام‪،‬‬
‫ض الله فاه‪ -‬في معرض إشادته بالقس جراهام‪:‬ـ}} لقد غرس‬ ‫قال بوش‪ -‬ف ّ‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في قلبي بذور اليمان فتوقفت عن تعاطي المسكرات واعتنقت المسيح{{‬


‫ن‬
‫ن هذا القس الخبيث قال في نفس هذه المناسبة }}إ ّ‬ ‫ومن المعلوم أ ّ‬
‫الفرق بين السلم والمسيحية هو كالفرق بين الظلم والنور{{صـ ‪ 59‬وقال‬
‫ن بوش‬ ‫كذلك عن السلم }} إنه دين شيطاني وشرير{{صـ ‪ 61‬وكذلك فإ ّ‬
‫يجتمع صباح كل يوم ‪ ،‬قبل بدء عمله في البيت البيض مع كبار موظفيه‬
‫دمها أحد القساوسة ‪ ،‬تعقبها صلة‬‫ومستشاريه للستماع إلى موعظة دينية يق ّ‬
‫م يتوجه الجميع إلى مكاتبهم‪ /‬صـ ‪61‬‬ ‫ودعاء ‪ ..‬ث ّ‬
‫ن سياسة الرئيس بوش تنطلق من إيمانه‬ ‫ولهذا كّله يقول إيكشتاين‪ }}:‬إ ّ‬
‫العميق بمسيحيته ‪ ،‬ومن تمييزه بين الشّر والخير ‪ ،‬وتصميمه على وجوب‬
‫ن مواقفه تعّبر عن قناعات‬
‫شر ومحاربته‪...‬وبالتالي فإ ّ‬‫الوقوف في وجه ال ّ‬
‫شخصية وليست مناورة سياسية{{ا‪.‬هـ‬

‫)‪(10 /‬‬

‫ن قرارات هذه الدارة مبنية على قيمها العقدية‪ ،‬ونظمها‬ ‫مما سبق يتبين أ ّ‬
‫الفكرية ‪ ،‬فجدير بأبناء المسلمين أن يكونوا أشد ّ قناعة بدينهم وعقيدتهم من‬
‫هذه الطغمة الكافرة ‪ ،‬وأن يشتد فرارهم إلى الله وإقبالهم عليه أكثر مما‬
‫مضى‪ ،‬فنصر الله ل يتنّزل إل على أهل اليمان ]إن تنصروا الله ينصركم‬
‫ويثبت أقدامكم[ محمد]‪ [7‬وإنزاله البركات ل يكون إّل لهل اليمان والتقى‪:‬‬
‫ن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والرض‬ ‫]ولو أ ّ‬
‫ذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون[ العراف]‪[96‬‬ ‫ولكن ك ّ‬
‫دوا لهم ما استطعتم من قوة[‬ ‫]‪ ] [2‬وأع ّ‬
‫ن البعض‬ ‫يعجبني كلم ذكره الستاذ‪ /‬سيد قطب ـ رحمه الله ـ حيث قال‪ ] :‬إ ّ‬
‫ينتظر من هذا الدين مادام منّزل ً من عند الله أن يعمل في حياة البشر‬
‫بطريقة سحرية خارقة غامضة السباب ودون أي اعتبار لطبيعة البشر‬
‫ولطاقاتهم الفطرية[ هذا الدين صـ ‪.3‬‬
‫ن الله ناصرهم لنهم مسلمين‬ ‫ن كثيرا ً من المسلمين يظنون أ ّ‬ ‫وصدق ؛ فإ ّ‬
‫ن عليهم صناعة أسباب العزة‪ ،‬والخذ بعوامل‬ ‫فحسب ‪ ،‬ول يخطر ببالهم أ ّ‬
‫ما إذا تقوقع‬‫كن المسلمين من النتصار على أعدائهم ‪ ،‬أ ّ‬ ‫القوة ‪ ،‬واّلتي تم ّ‬
‫المسلمون على أنفسهم ولم يستفيدوا من خبرة أعدائهم في تقوية أنفسهم‬
‫‘ فإّنهم لن يستطيعوا أن يرعبوا أعدائهم لنهم علموا منهم الضعف في‬
‫المواجهة‪.‬‬
‫ث محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ على إعداد القوة فعن عقبة بن‬ ‫ولهذا ح ّ‬
‫عامر ـ رضي الله عنه ـ قال ‪ :‬قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين‬
‫وة ومن رباط الخيل[‬ ‫دوا لهم ما استطعتم من ق ّ‬ ‫قرأ قول الله تعالى ‪ ] :‬وأع ّ‬
‫ن القوة الرمي ‪ ،‬أل إن القوة الرمي ‪ ،‬أل إن القوة‬ ‫قال ـ عليه السلم ـ ] أل إ ّ‬
‫الرمي[ أخرجه مسلم‪ ،‬برقم]‪ [1917‬في كتاب المارة ـ باب فضل الرمي‬
‫ن ]المؤمن‬ ‫والحث عليه ـ ]‪ [3/1522‬وبّين الّنبي‪ -‬صلى الله عليه وسّلم‪ -‬أ ّ‬
‫ب إلى الله من المؤمن الضعيف[أخرجه المام مسلم في‬ ‫القوي خير وأح ّ‬
‫صحيحه من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ باب في المر بالقوة وترك‬
‫العجز والستعانة بالله برقم]‪[2664‬‬
‫وطّيب الله ثرى الشيخ أبي الحسن الندوي حين قال ] وبالستعداد الروحي ‪،‬‬
‫والستعداد الصناعي الحربي‪ ،‬والستقلل التعليمي ينهض العالم السلمي‪،‬‬
‫ويؤدي رسالته وينقذ العالم من النهيار الذي يهدده‪ .‬فليست القيادة بالهزل ‪،‬‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إنما هي جد الجد‪ ،‬فتحتاج إلى جد واجتهاد‪ ،‬وكفاح وجهاد‪ ،‬واستعداد أي‬


‫استعداد ‪ :‬كل امرئ يجري إلى يوم الهياج بما استعدا[ ماذا خسر العالم‬
‫بانحطاط المسلمين صـ ‪206‬‬
‫ن‬‫ّ‬ ‫فإ‬ ‫للعجز‪،‬‬ ‫سقط‬ ‫لو‬ ‫الجهاد‬ ‫أن‬ ‫الله‪-‬‬ ‫رحمه‬ ‫تيمية‪-‬‬ ‫وقد ذكر شيخ السلم ابن‬
‫م الواجب به فهو واجب‪ /‬انظر‬ ‫المسلم ل يعذر بعدم الستعداد له‪ ،‬ومال يت ّ‬
‫فتاوى ابن تيمية ]‪[28/259‬‬
‫والمطالع لحوال المسلمين اليوم يجد أنهم في ذيل المم في هذا المر‪،‬‬
‫حتى وصل الحال ببعض ضيقي الفق ‪ ،‬بصد شباب السلم عن تعلم العلوم‬
‫ن الشاب المستقيم ليس له‬ ‫التقنية ‪ ،‬والدخول في الجامعات لدراستها ‪ ،‬وكأ ّ‬
‫ن هذا فصام نكد بين العلوم‬ ‫إل ّ كلية الشريعة ‪ ،‬أواللغة العربية ‪ ،‬والحقيقة أ ّ‬
‫ن دين السلم دعا إلى الخذ بأسباب‬ ‫الشرعية والعلوم التقنية الطبيعية ‪ ،‬فإ ّ‬
‫القوة التي ترعب الكفار ‪ ،‬وترهبهم ول إرهاب لهم في عصرنا الحاضر بعد‬
‫وة اليمان إل بالتعلم على تصنيع السلحة المواكبة لعصرنا والمثخنة‬ ‫ق ّ‬
‫لعدائنا‪ ،‬فمتى ينتبه دعاة السلم لحث طلئع البعث السلمي على النتباه‬
‫لهذا المر وأخذه بعين الرعاية‪.‬‬
‫ولنستفد من تجربة اليابان فحين رأوا أنهم قد هزموا هزيمة نكراء على يد‬
‫ن من أسباب ذلك‪ :‬عدم قدرتهم على مواجهة المريكان‬ ‫المريكان ‪ ،‬علموا أ ّ‬
‫بالسلح ‪ ،‬لنهم متخلفون في هذا الميدان ‪ ،‬وقد سبقهم المريكان في ذلك‬
‫بعدة أشواط ‪ ،‬فما كان من اليابانيين إل أن أرسلوا البعثات للتعلم في بلد‬
‫الغرب والنهل من علومهم الطبيعية ‪ ،‬حتى يرجعوا إلى اليابان وينقلوا على‬
‫أرضها تلك التجارب الغربية الطبيعية فتنهض دولتهم ‪ ،‬وحين بعثت أول بعثة‬
‫يابانية إلى دول الغرب رجعوا إلى بلدهم متحللين من مبادئهم‪ ،‬ذائبين في‬
‫الشخصية الغربية‪ ،‬فما كان من اليابانيين إل أن أحرقوهم جميعا ً على مرأى‬
‫من الناس ليروا عاقبة من تنكر لمته ووطنه ولم يرعى المسؤولية التي‬
‫أنيطت به‪ ،‬وبعد ذلك أرسل اليابانيون بعثة أخرى وأرسلوا معها مراقبًا‪،‬‬
‫يتابعهم أول ً فأول من ناحية ثباتهم على عقيدتهم ومثلهم الوثنية ‪ ،‬وانهماكهم‬
‫في استقطاب الفكار والمعلومات الغربية التكنولوجية وتطبيقها في أرض‬
‫الواقع حتى يرجعوا لليابان ويفيدوا دولتهم الناشئة ‪ ،‬وتمض اليام وتكون‬
‫اليابان بعد سبعين سنة من أكبر منافسي أمريكا وأوربا في مجال التصنيع‬
‫التقني والذي منه تصنيع السلحة الثقيلة ‪ ،‬فهَّل يستفيد المسلمون من تجارب‬
‫غيرهم ‪،‬؟! عسى أن يكون قريبًا‪..‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫ن الكفار ضيعوا أسباب نصرة‬ ‫ولنعقد مقارنة بسيطة ‪ ،‬فمن المعلوم قطعيا ً أ ّ‬
‫الله المعنوية ‪ ،‬وهي اليمان بالله واليمان برسوله محمد ـ صلى الله عليه‬
‫وسّلم ـ ولكنهم أبدعوا وبرعوا في صناعة الصواريخ والمتفجرات وأسباب‬
‫النصرة المادية‪.‬‬
‫دمت قبل قليل أن المسلمين ـ إل من رحم الله ـ نسوا الله‬ ‫ونعلم كما ق ّ‬
‫فأنساهم أنفسهم‪ ،‬وابتعد كثير منهم عن طاعة الله ورسوله‪ ،‬وأسباب النصرة‬
‫فل الله لمن طبقها من المسلمين بالصرة والتأييد‪ ،‬ولو كانت‬ ‫المعنوية التي تك ّ‬
‫قوتهم العسكرية‪ ،‬وأسبابهم المادية أضعف من الكفار‪.‬‬
‫ن المسلمين ضّيعوا أسباب النصرة المادية فأين هي القنابل الذرية ‪،‬‬ ‫وأيضا ً فإ ّ‬
‫والمتفجرات النووية‪ ،‬وأين السلحة والعتاد ‪ ،‬فلم يسمع لها صفيرا ً ول همسًا‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن المنطق العقلي السليم يحكم بالنتصار لمن كانت عنده القوة‬ ‫وعليه فإ ّ‬
‫ً‬
‫والسباب المادية ولو كان مضيعا للسباب المعنوية على الذي ضّيع السباب‬
‫المادية والمعنوية التي تحقق النصر والتمكين‪.‬‬
‫ولذلك انتصر الكفار على المسلمين الذين ضيعوا أوامر الله فنساهم سبحانه‬
‫طاب‪ -‬رضي الله عنه لقائده‪] -‬إّنما ننتصر‬ ‫وضّيعهم ‪ ،‬لذا قال عمر بن الخ ّ‬
‫بمعصية عدونا لله وطاعتنا له فإذا استوينا في المعصية كانت لهم الفضل‬
‫علينا في القوة[ فمتى يستقيم الظل والعود أعوج؟!!‬
‫م لنا الستعداد وعندهم الن صواريخ عابرة‬ ‫وقد يتساءل البعض كيف يت ّ‬
‫القارات ‪ ،‬والسلحة الذكية‪ ،‬والقنابل النووية والكيماوية والجرثومية والذرّية ‪،‬‬
‫فنحن كما قال الشاعر عن الكفار‪:‬‬
‫استيقظوا بالجد يوم نمنا *** وبلغوا الفضاء يوم قمنا‬
‫ل ـ لم يطلب من عباده المؤمنين مكافئة أعدائهم‬ ‫والجواب‪ :‬أن الله ـ عّز وج ّ‬
‫الكافرين بالعتاد والسلح ‪ ،‬بل طلب منهم إعداد القوة بشرط أن تكون هذه‬
‫القوة مرهبة للكفار ومثخنة لهم‪ ،‬ومع اليمان والصدق والصبر ومعّية الله‬
‫لعباده المجاهدين يتنزل النصر عليهم بالمدد اللهي ‪ ،‬و من حيث ل يعلمون‪.‬‬
‫وما حوادث المجاهدين الفغان وإسقاطهم للدب الروسي الحمر وقد كان‬
‫أقوى قوة أرضية تحكم العالم ما كان ذلك إل دليل ً على أنه ل يشترط في‬
‫قتال الكفار مكافئتهم بالعدة والعتاد ‪ ،‬ول ننسى قصة أبطال الفّلوجة الذين‬
‫ن‬
‫قاوضوا العتاد المريكي وأرغموهم على النسحاب من هذه المدينة مع أ ّ‬
‫شر معشار قوة جيش التحالف‬ ‫وتهم الماّدية ع ْ‬ ‫المجاهدين هناك لم تبلغ ق ّ‬
‫الصليبي ‪ ،‬وهذا أمر معلوم‪.‬‬
‫ن العدة والعتاد ولو كان قليل ً إذا اصطحب مع اليمان الحق ‪ ،‬والرادة‬ ‫إ ّ‬
‫وة ‪ ،‬وقد قال الله ]إن يكن منكم مائة صابرة‬ ‫الصادقة فإّنه ل تقف أمامه أيّ ق ّ‬
‫يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين[‬
‫النفال]‪[66‬‬
‫وحين يتجذر مثل هذا في قلوب الصادقين ‪ ،‬فإّنهم خلل مناوراتهم الحربية ‪،‬‬
‫ن يفجروا من‬ ‫وتطلعاتهم المستقبلية لتحرير الراضي المنكوبة ‪ ،‬سيحاولوا أ ْ‬
‫الحجر نارًا‪ ،‬ولو كانت أساليب بدائية ‪ ،‬فإّنه كما قيل‪ :‬الحاجة أم الختراع ‪،‬‬
‫ومع مرور الزمن تتطور تلك التقنيات البدائية ‪ ،‬وتنمو الفكار التصنيعية‬
‫للسلحة والصواريخ ‪ ،‬وما مقاومة إخواننا في فلسطين البّية عّنا ببعيد فقد‬
‫م بالمقلع وقنابل المولوتوف ‪،‬إلى‬ ‫بدأوا بقتالهم لليهود بالحجر والسكين ‪ ،‬ث ّ‬
‫العمليات الستشهادية‪،‬إلى حوادث تلغيم الراضي التي سيمر عليها اليهود‬
‫سام]‪[1‬‬ ‫ماة بصواريخ ق ّ‬ ‫بسّياراتهم ودّباباتهم‪،‬إلى صواريخهم المباركة المس ّ‬
‫ً‬
‫سام]‪ ،[2‬وصاروخ البتار والذي صّنع ليكون مضادا للدبابات ‪ ،‬زادهم الله‬ ‫وق ّ‬
‫قوة ومددا‪ً.‬‬
‫ن‬
‫وصدق المولى ـ عّز وجل ـ إذ قال‪] :‬والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإ ّ‬
‫الله لمع المحسنين[العنكبوت]‪[69‬‬
‫ل أعمالهم *‬ ‫وفي قراءة سبعّية ]والذين قاتلوا في سبيل الله فلن يض ّ‬
‫سيهديهم ويصلح بالهم * ويدخلهم الجّنة عّرفها لهم[ محمد]‪4‬ـ ‪5‬ـ ‪[6‬‬
‫ن المأساة الحقيقية في أنفسنا فكثير من ّا َ لم تتعمق لديه تلك المبادئ ‪ ،‬أو‬ ‫إّل أ ّ‬
‫تجده يعلم ذلك ولكّنه يتضاءل عند تلك المعاني الرفيعة‪ ،‬ول يحاول أن‬
‫يستعلي بنفسه عن دونية الرض ويحلق في سماء العّز والعزم‪.‬‬
‫يقول بن جوريون في عام ‪1949‬م] كل ما يحيء به العلم الحديث ل يكفي‬
‫وحده لكسب الحرب‪ .‬ولن تكون الكلمة الخيرة ‪ ،‬للدّبابة ولللمدفع ول‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خر هذه الوسائل لرادته[‬ ‫للطائرة المقاتلة‪ .‬إّنما تكون للنسان الذي ُيس ّ‬
‫بواسطة ]درس الّنكبة الّثانية‪ ...‬لماذا انهزمنا‪ ...‬وكيف ننتصر[ للدكتور‪ /‬يوسف‬
‫القرضاوي صـ ‪. 68‬‬
‫وصدق عباس العقاد بقوله‪ ] :‬كثيرا ً ما يكون الباطل أهل ً للهزيمة ولكنه ل يجد‬
‫من هو أهل ً للنتصار عليه[ الفصول صـ ‪239‬بواسطة في البناء الدعوي للشيخ‬
‫‪ /‬أحمد الصويان صـ ‪.36‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫أخيرًا‪ ،‬ل يريد الكفار إل غفلتنا عن هذه السباب الماد ّّية ليحكموا الطوق علينا‬
‫بقوة ‪ ،‬ويستولوا على كامل أقطارنا السلمية ‪ ،‬وقد بّين الله ـ سبحانه ـ ذلك‬
‫بأحسن بيان فقال‪ ] :‬ود ّ الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم‬
‫فيميلون عليكم ميلة واحدة[ النساء]‪ [102‬فمتى يستفيق عقلء القوم ؟!‬
‫ما كنتم تعملون[‬ ‫نع ّ‬ ‫]‪ ][3‬ولتسأل ّ‬
‫ن مما ينبغي على المتطلع لنصرة هذا الدين أن يستشعر المسؤولية الفردية‬ ‫إ ّ‬
‫التي كلفه الله بها ‪ ،‬فإّنه محاسب على كل تقصير اقترفه في حق نفسه‬ ‫ّ‬
‫وأمته‪.‬‬
‫ن كل منهم يلقي اللئمة على الخر ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والمصيبة التي حلت بالمسلمين أ ّ‬
‫ن‬
‫ّ‬ ‫ويظ‬ ‫منه‬ ‫بشيء‬ ‫طولب‬ ‫إذا‬ ‫العمل‬ ‫واقع‬ ‫ويحاول الكثير منهم أن يختفي من‬
‫ن إن لم‬ ‫أنه لم يره أحد ‪ ،‬ولم ينتبه له المسلمين‪ ،‬كالنعامة تغطي وجهها تظ ّ‬
‫ن أحدا ً ل يراها‪ ،‬والغريب أننا نطالب غيرنا من كبيرنا إلى من هو‬ ‫تر أحدا ً فإ ّ‬
‫أدنى منه بأمور عظائم‪ ...‬ونحن المطالبين بذلك نكون من أوائل القاعدين ‪.‬‬
‫فلماذا ل نستشعر بعد ذلك روح المسؤولية ونعلم أننا جميعا ً محاسب لدى‬
‫ص أناسا ً بعينهم وإن كان يشتد وجوبها على‬ ‫الله ـ سبحانه ـ فالمسؤولية ل تخ ّ‬
‫م جميع أطياف المجتمع‬ ‫قهم جرم التهاون بها‪،‬إل أّنها تع ّ‬ ‫آخرين ويعظم في ح ّ‬
‫وأشكاله فالله ـ عز وجل ـ يقول‪ ] :‬فوربك لنسألنهم أجمعين[ الحجر]‪[92‬‬
‫ن عما كنتم تعملون [ النحل ]‪ ، [93‬ويقول‪ ] :‬يوم تأتي كل‬ ‫ويقول ]ولتسأل ّ‬
‫ً‬
‫نفس تجادل عن نفسها[ النحل ]‪ [111‬ولهذا أمر ـ سبحانه ـ محمدا ـ صلى‬
‫ن المسلم مكلف بذلك ولو ترك معظم‬ ‫الله عليه وسلم ـ بالقتال مبينا ً له أ ّ‬
‫المسلمين هذه الفريضة قائل ً ‪:‬‬
‫]فقاتل في سبيل الله ل تكلف إّل نفسك وحرض المؤمنين[الّنساء]‪[84‬‬
‫م السلم بصدق وجد‪ ،‬ويعيش ذلك‬ ‫تلك هي صفة الطموح‪ ،‬والذي يحمل ه ّ‬
‫الهم بين قلبه وأضلعه ‪ ،‬ويستشعر روح المسؤولية ‪ ،‬ويقلل من الكلم‬
‫والتلوم ‪ ،‬ويسعى للعمل فالرجل وإن كان صامتا ً فإن عقله يفكر في‬
‫السباب المعينة على نصرة السلم ‪ ،‬وطرائق الرقي بهذه المة إلى القمة‬
‫م صنع ذلك في أرض الواقع ‪ ،‬وإشعال‬ ‫السامقة‪ ،‬والريادة الكبرى ‪ ،‬ومن ث ّ‬
‫لهيب المعركة‪.‬‬
‫لهذا كان من اللزم أن توظف جميع طاقات المسلمين متحركة داخل دائرة‬
‫العمل السلمي وأن ل يستثنى منها أحدا ً وكل يعمل بأقصى جهده ‪ ،‬وأعظم‬
‫استطاعته‪ ،‬فهذا خير لنا من أن نبقى متفرجين على مآسينا بل عمل ول‬
‫ترتيب وهو بعينه الذي يفرح أعداء الدين‪.‬‬
‫وقد عّبر عن هذا أحد مشاهير الفلسفة ]ايدموند بورك‪1729/‬ـ ‪[1797‬‬
‫بقوله‪:‬‬
‫ن كل ما تحتاج إليه قوى الشر لكي تنتصر هو أن يظل أنصار الخير‬ ‫]إ ّ‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مكتوفي اليدي ‪ ،‬دون القيام بعمل ما [اليهود وراء كل جريمة صـ ‪7‬‬


‫وإذا كنا بهذه الطريقة فسيتفرد أهل العلمنة والنفاق بصناعة القرار‪ ،‬ويعيث‬
‫أهل الفساد في ديارنا بالشر والزندقة !‬
‫وجدير إذا الليوث توارت أن يلي ساحها جموع الثعالب‬
‫لكن إذا استشعرنا جميعا ً المسؤولية وانخرطنا في عمل جاد يقاوم تحركات‬
‫الكفار‪ ،‬وبذلنا جهدنا في ذلك ‪ ،‬وركبنا الصعب والذلول ‪ ،‬وعلم الله منا صدق‬
‫صْرَنا الله عز وجل ولم ننصر أهوائنا وما تمليه علينا رغباتنا ‪،‬‬ ‫النية وصلحها‪ ،‬ون َ َ‬
‫فإنه ـ سبحانه ـ سيمن علينا بالنصر العظيم والفتح المبين ‪.‬‬
‫وإذا كانت هناك بقية باقية استعصت علينا لن قدراتنا لتسمح بمقاومتها‪ ،‬فإنه‬
‫سبحانه سيتولى ذلك‪،‬لنه علم منا جميعا ً أننا بذلنا الجهد في اقتلع أطناب‬
‫الفساد ‪ ،‬وقد أخبر عن نفسه المقدسة حين رأى جنده في عهد الرسول ـ‬
‫دة غزوات وقد بذلوا الغالي والنفيس لقتال‬ ‫صلى الله عليه وسلم ـ في ع ّ‬
‫أعداء الله ‪ ،‬وبقيت هناك بعض المور التي استعصت عليهم ‪ ،‬ولم يكن‬
‫بمقدورهم التمكن منها‪ ،‬فإنه سبحانه تولى ذلك وأنزل الفتح المبين‪ ،‬قال‬
‫ل شيء‬ ‫تعالى ] وأخرى لم تقدروا عليه قد أحاط الله بها وكان الله على ك ّ‬
‫قديرًا[ الفتح]‪ [21‬ومن تأمل قصة أصحاب الغار وكيف أنهم لما انطبقت‬
‫عليهم الصخرة وكانوا من أعظم الناس إيمانا وحاولوا إزاحتها عن الباب‬
‫م دعا كل منهم رّبه وانطرح بين يديه صادقا ً ورفع أك ّ‬
‫ف‬ ‫ليخرجوا فلم يقدروا ث ّ‬
‫الضراعة إلى الملك الرحيم العليم القادر وتوسل كل منهم إلى الله بأحسن‬
‫عمل صالح فعله في حياته كلها‪ ،‬وبعد أن استنفذوا جهدهم وطاقتهم في‬
‫طلب إزاحة هذه الصخرة ولم يركن كل منهم ويطلب من الخر أن يعمل وهو‬
‫ينظر بل تحركوا جميعا ً للعمل والدعاء ‪ ،‬وحين رأى الله ـ سبحانه ـ تلك‬
‫العزائم الصادقة ؛ أمر تلك الصخرة أن تنزاح ليخرج عباده المؤمنين إلى‬
‫أرض الله الفسيحة‪.‬‬
‫ً‬
‫لجل ذلك ؛ فينبغي أن نكون جميعا مفكرين في نصرة هذه المة ‪،‬‬
‫م العزم‬ ‫ومحاسبين لنفسنا على تقصيرها في حقّ الله وحق أمتهم ومن ث ّ‬
‫على التغيير‪ ،‬وتطبيق ذلك عملي ًّا‪.‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫وما لم يفكر أبناء المة السلمية وفرسانها الجادين باستعادة مجدهم‬


‫وتاريخهم العريق فلن يفكر بذلك أحد غيرهم ‪ ،‬بل سيخطط أعداء هذه المة‬
‫لتحطيم السلم وإبادة أهله وقد فعلوا‪ ،‬فالتأوه والحزن ل يصنع شيئًا‪ ،‬ول يغير‬
‫واقعا ً ‪ ،‬ولله دّر إبراهيم طوقان حين قال‪:‬‬
‫أفنيت يا مسكين عمرك بالتأوه والحزن‬
‫وقعدت مكتوف اليدين تقول حاربني الزمن‬
‫مالم يقم بالعبء أنت فمن يقوم به إذن‬
‫كم قلت أمراض البلد وأنت من أمراضها‬
‫والشؤم علتها فهل فتشت عن أعراضها‬
‫كتاب الهمة العالية للشيخ‪ /‬محمد الحمد ص ‪50‬‬
‫والغريب أننا مع كثرتنا وافتخارنا بأننا أمة المليار ونصف ‪ ،‬لم نستطع وإلى‬
‫الن أن نردع العدو‪ ،‬وأن نكسر شوكته‪ ،‬وأن ننطلق في الفاق لنشر دعوة‬
‫الله في أرجاء العالم‪.‬‬
‫إنها الغثائية التي أخبر عنها النبي محمد‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فانطبقت‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫علينا حين رضينا بالدون وأحببنا الدنيا ‪ ،‬وصرنا نرضى بالحياة أي حياة ‪ ،‬ولو‬
‫كانت حياة هزيمة ووهن ‪ ،‬وأصبحت كثرتنا ل تصنع شيئا ً فصرنا كما قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫يثقلون الرض من كثرتهم ثم ل يغنون في أمر جلل‬
‫وقد عّبر عن ذلك الدكتور ‪ /‬عبد الودود شلبي حيث قال‪] :‬لقد سقط‬
‫]]المجدار[[‪ ،‬ومشت سكة الجنبي في حقل السلم‪ ،‬وتداعت المم على‬
‫المسلمين‪ ،‬كما تنبأ النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بأكثر من ألف‬
‫وأربعمائة عام[ أفيقوا قبل أن تدفعوا الجزية للستاذ‪ /‬عبدالودود شلبي صـ‬
‫‪.29‬‬
‫ول ريب فإنها معادلة صائبة حين نقول‪ :‬غثائية جماعية = تداعي المم‪.‬‬
‫]‪] [4‬ول تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا[‪:‬‬
‫ن من أخطر ما أصيب به المسلمون في كثير من أعمالهم أن صار معظمها‬ ‫إ ّ‬
‫] ردود أفعال[ ما أن تشتعل في قلوبنا إل وانقطعت من جديد ‪ ،‬لننا غالبا ً‬
‫نتحرك بل هدف ول تخطيط ‪ ،‬فالحداث تسيرنا وتفرض نفسها علينا وكثير مّنا‬
‫فَها حسب خطة عمل ‪ ،‬أو يوظفها لصالحنا‪.‬‬ ‫ل ي ُك َي ّ ُ‬
‫ن هذا خلف العمل‬ ‫كأ ّ‬‫لذا أضحت أفعالنا وقتية ‪ ،‬وتحركاتنا آنية ‪ ،‬ول ش ّ‬
‫المتكامل ‪ ،‬وقد كان كثير من علماء الدارة يوصون بكلمة قصيرة لكن معناها‬
‫عميق وهي ]ابدأ والنهاية في ذهنك[‪.‬‬
‫إن النجاح الحقيقي أن يعرف النسان هدفه في الحياة ‪ ،‬وهدفه من العمل‬
‫الذي يريد تحقيقه ‪ ،‬ثم يسعى لذلك مرتبا ً لكل مرحلة منهجية يسير عليها‪،‬‬
‫ومعالم يستنير بها ‪ ،‬فل يكن حاله كحال الكثير يعمل متحمسا ً في البداية ثم‬
‫ينقطع في آخر الشوط فلم يفلح ولم يصلح وقد نهى الله عن ذلك بقوله‪] :‬ول‬
‫م‬
‫تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا[ النحل]‪ [92‬لذا كان من أه ّ‬
‫صانا بها علماؤنا أن يكون للنسان في ما يريد فعله عزمة‬ ‫المور التي و ّ‬
‫ن لتستمر‬ ‫ن شرارة توقد البداية ‪ ،‬وعزم ثا ٍ‬ ‫بداية ‪ ،‬وعزمة نهاية ‪ ،‬فتكو ُ‬
‫للنهاية ‪ ،‬قال المام ابن رجب ـ رحمه الله ـ في شرحه لحديث شداد بن‬
‫أوس ـ رضي الله عنه العزم نوعان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬عزم المريد على الدخول في الطريق‪ ،‬وهو من البدايات‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬العزم على الستمرار على الطاعات بعد الدخول فيها ‪ ،‬وعلى‬
‫النتقال من حال كامل ‪ ،‬إلى حال أكمل منه ‪ ،‬وهو من النهايات‪ ...‬وعون الله‬
‫مم على إرادة الخير أعانه الله وثّبته‪،‬‬ ‫على قدر قوة عزيمته وضعفها ‪ ،‬فمن ص ّ‬
‫كما قيل‪:‬‬
‫على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم‬
‫حلواني ج ‪ /1‬صـ‬ ‫مجموع رسائل الحافظ ابن رجب الحنبلي بتحقيق‪ /‬طلعت ال ُ‬
‫‪344‬‬
‫ل ول يم ّ‬
‫ل‬ ‫ن على مريد التمكين لهذا الدين أن يواصل سيره فل يك ّ‬ ‫ومن هنا فإ ّ‬
‫مة انكبابا ينحني له الظهر ولو كانت‬ ‫ً‬ ‫‪ ،‬وينكب لمشروعه الّنصروي لهذه ال ّ‬
‫بدايته مضنية‪ ،‬ول ضير فقد نقل المام الشوكاني‪ -‬رحمه الله‪ -‬في أدب‬
‫الطلب عن أفلطون كلمة رائعة سبقها بقوله‪] :‬وما أحسن ما حكاه بعض‬
‫أهل العلم عن أفلطون فإنه قال‪:‬الفضائل مّرة الوائل حلوة‬
‫العواقب‪،‬والرذائل حلوة الوائل مّرة العواقب[أدب الطلب ومنتهى الرب‪ /‬صـ‬
‫‪186‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫ن العمل الصلحي العظيم سيكون شاقا في بدايته‬ ‫فلنأخذها قاعدة وأصل بأ ّ‬
‫مة تتوقد ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وه‬ ‫تضيء‬ ‫نفس‬ ‫؛‬ ‫لذلك‬ ‫ّ‬ ‫د‬ ‫ولب‬ ‫مورقة‬ ‫ن ثمرته ستكون يانعة‬ ‫إّل أ ّ‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وليكن لسان الحال كما قيل‪:‬‬


‫ي إدراك النجاح‬
‫ي أن أسعى وليس عل ّ‬ ‫ن عل ّ‬‫إ ّ‬
‫]‪] [5‬يا أّيها الذين آمنوا لم تقولون مال تفعلون[ ‪:‬‬
‫كثير من المسلمين ـ وفي تقديري ـ ل ينقصهم الوعي بقدر ما تنقصهم‬
‫امتلك الرادة ‪ ،‬والعزيمة والصرار في تحويل المكتوب في القرطاس إلى‬
‫واقع حي ‪ ،‬ومن هذا المنطلق فإننا نحتاج إلى أن نفعل ما نقول وما نكتب‪،‬‬
‫فما احترق لسان بقوله نار ‪ ،‬وما اغتنى إنسان بقوله ألف دينار ‪ ،‬والحلول‬
‫التي كتبها كثير منا في الصلح ‪ ،‬ومواجهة العداء صحيحة‪ ،‬لكّنها عمليا ً ليست‬
‫ملموسة في أرض الواقع ؛ ولضرب مث ً‬
‫ل‪:‬‬
‫أ ـ فكثير من الكتاب والعلماء والمثقفين ذكروا أن من أسباب هزائمنا‬
‫المتوالية‪ ،‬انعدام الهدف ‪ ،‬وعدم وجود خطة استراتيجية لمقاومة الطغاة‬
‫المعتدين ‪ ،‬فهل بدئ بترتيب شيء من هذا الكلم؟‬

‫)‪(14 /‬‬

‫ب ـ وكثير من العلماء والمفكرين يذكر أن من أسباب هزائمنا عدم العتصام‬


‫بالكتاب والسنة ‪ ،‬ثم نجد البعض منهم مفرط بهذا المر‪ ،‬فينشغل بالبدع‬
‫والخرافات ‪ ،‬وتقديم العقليات ‪ ،‬والمصالح الموهومة على النصوص الشرعية‪.‬‬
‫ن من أعظم‬ ‫ج ـ وكثير ممن يحترق لمته من أهل الدين والصلح يقول‪ :‬إ ّ‬
‫أسباب انتصارنا]وحدة الصف‪ ،‬وجمع الكلمة ‪ ،‬ورأب الصدع ‪ ،‬واتفاق‬
‫المسلمين[ ومع ذلك تجده في مواطن عدة يكون مفتاحا ً للتفرق المذموم‪،‬‬
‫ومضياعا ً لسنة الجتماع‪ ،‬ومفرطا ً بأدنى الحقوق مثل حقوق المسلم على‬
‫أخيه المسلم‪ ،‬مشهرا ً بعيوب من قام بنصرة دين الله ‪ ،‬ومجرما ً لهم لختلف‬
‫وجهة نظره مع وجهة نظرهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وهذه نماذج توضح أننا نمتلك رصيدا طيبا من الوعي ‪ ،‬إل أنه يغاير ذلك‬
‫تطبيق ما وعيناه في أرض الواقع‪.‬‬
‫ً‬
‫ذر الله منه ومقت فاعليه قائل في‬ ‫ن داء الكلم بل عمل وتطبيق ‪ ،‬أمر قد ْ ح ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ً‬
‫محكم التنزيل ] يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما ل تفعلون * كبر مقتا عند‬
‫الله أن تقولوا مال تفعلون[الصف]‪ [2‬ولهذا فل يستغرب أن تجد من يكثر‬
‫الكلم أو النقد الثم والجدل المذموم أن ل يحسن إل ذلك‪ ،‬فل يكون إل ثرثارا ً‬
‫مهذارا ً وليس لديه تجاه تلك النوازل إل توسيع دوائر الفرقة ‪ ،‬والقدح في‬
‫أولياء الله المؤمنين والمدافعين عن حياض المة وكرامتها فهو كما قيل ‪:‬‬
‫جعجعة ل نرى لها طعن إل إثارة الفتن‪ ،‬وصدق معروف الكرخي حين قال‪:‬‬
‫] إذا أراد الله بعبد خيرا ً فتح له باب العمل ‪ ،‬وأغلق عنه باب الجدل‪ ،‬وإذا أراد‬
‫الله بعبد شرا ً أغلق عنه باب العمل وفتح له باب الجدل[ رواه أبون ُعَْيم في‬
‫مّلوا العبادة ووجدوا الكلم‬ ‫ن هؤلء َ‬‫حلية الولياء]‪ ، [8/361‬وقال الحسن] إ ّ‬
‫ن المؤمن يقول قليل ً‬ ‫ل ورعهم فتحدثوا[ وقال الوزاعي‪ ] :‬إ ّ‬ ‫أسهل عليهم وق ّ‬
‫ل[ كيف أخدم السلم‬ ‫ً‬
‫ن المنافق يتكلم كثيرا ويعمل قلي ً‬ ‫ويعمل كثيرا ً وإ ّ‬
‫للقاسم صـ ‪28‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فان‪ -‬رضي الله عنه‪ -‬موصيا قوما لقيهم ]أنتم‬ ‫وما أحسن ما قاله عثمان بن ع ّ‬
‫وال[ تثبيت أفئدة المؤمنين بذكر‬ ‫إلى إمام فّعال؛أحوج منكم إلى إمام ق ّ‬
‫فاني صـ ‪515‬‬ ‫شرات النصر والتمكين‪ /‬لسّيد ع ّ‬ ‫مب ّ‬
‫ن الكلم فحسب مع الجدل الذي ل فائدة فيه‪ ،‬ليس‬ ‫ن من يتقن ف ّ‬ ‫فبان الن أ ّ‬
‫ذلك من سيما أهل الصلح وَُرّواد التغيير‪ ،‬وإنما هو سيما أهل الكسل‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والثرثرة ] رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم ل يفقهون[‬
‫التوبة]‪[87‬‬
‫ّ‬
‫ب الذات والنانية التي سيطرت على‬ ‫والسبب في ذلك ضعف الرادة ‪ ،‬وح ّ‬
‫ن منهجه هو الصواب ‪ ،‬وماعداه يضرب به عرض‬ ‫دعي أ ّ‬ ‫توجهاتنا ‪ ،‬فصار ك ٌ‬
‫لي ّ‬
‫الحائط ول يبالي‪.‬‬
‫ور حالتنا هذه الشاعر بقوله‪:‬‬ ‫وقد ص ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ل يقول أنا الذي‪.....‬فإذا الذي ليس الذي‪.....‬يا ويل من لم يعدل‬ ‫ّ‬ ‫ك ّ‬
‫دة مشاريع على الرفوف ولم تنشر في أرض الواقع بسبب‬ ‫وقد نامت ع ّ‬
‫ب التصدر والحديث ‪ ،‬وعشق الرياسة!! فمتى ينتبه دعاة السلم‬ ‫النانّية وح ّ‬
‫لهذا الخلل‪ ،‬ويحاولوا إصلحه؟‬
‫ً‬
‫من يمشي سويا على صراط‬ ‫]‪] [6‬أفمن يمشي مكبا ً على وجهه أهدى أ ّ‬
‫مستقيم[‪:‬‬
‫من أكبر أسباب هزائمنا انعدام المنهج التخطيطي لدى الكثير من الكوادر‬
‫القيادية المسلمة ‪ ،‬ومن يقارن حالنا بحال أعدائنا يجد الفرق الهائل والبون‬
‫الشاسع بيننا وبينهم من ناحية الخطة والتنظيم الحركي والعسكري ‪ ،‬ولذا‬
‫انتصر كثير منهم علينا لننا في الحقيقة واجهناهم بل خطة ول تنظيم‪ ،‬وصدق‬
‫من قال‪:‬‬
‫درجنا على فوضى أضاعت جهودنا وغالوا بترتيب الجهود وأقدموا‬
‫ظم‬‫وقد يرجع الحقّ المشوش خائبا ً وينتصر البطلن وهو من ّ‬
‫فمن اللزم علينا في فترتنا الراهنة أن يعد الكثير مّنا خطة استراتيجية‬
‫م ذلك إل بالتأني والدراسة العميقة‬ ‫لمقاومة الحتلل الصهيو‪ /‬صليبي ‪،‬ول يت ّ‬
‫وقوة التخطيط‪ ،‬وذكاء الترتيب ‪ ،‬وهندسة الفكار‪ ،‬وبعد النظرة ‪ ،‬وشمول‬
‫الفكرة‪ ،‬وأن ل نهتم بالسرعة في العمل بقدر ما يهمنا قوة إيماننا وفكرتنا و‬
‫التخطيط لعمالنا ومحاولة تفقيطها وتقسيمها على دوائر العمل والتحضير ‪،‬‬
‫فكثير منا نحن السلميين ‪ ،‬ل ينقصه الزكاء ـ إن شاء الله ـ مع أهمية‬
‫تعاهده ‪ ،‬بقدر ما ينقصنا الذكاء في العمل ‪ ،‬والبراعة في التخطيط ؛ حتى‬
‫ننجح في عملية المقاومة‪.‬‬
‫لكن يحتاج ذلك مّنا إلى سرعة في تفعيله ‪ ،‬ومبادرة حكيمة في رسمه ‪،‬‬
‫فالوقات تمضي ‪ ،‬وهاهو ابن الجوزي يوصينا قائل ً ] واعلم أّنك في ميدان‬
‫سباق‪ ،‬والوقات تنتهب‪.‬ول تخلد إلى كسل ‪ ،‬فما فات مافات إل بالكسل‪ ،‬ول‬
‫مة لتغلي في القلوب غليان ما في‬ ‫ن اله ّ‬
‫نال من نال إل بالجد والعزم‪ ،‬وإ ّ‬
‫القدور[ صيد الخاطر‪/‬صـ ‪286‬‬
‫وأختم هذه الفقرة بكلم بديع ذكره الستاذ المفكر‪ /‬وحيد الدين خان في‬
‫مة بفيضانات‬ ‫ل‪] :‬إّنه من الممكن أن تبني مستقبل ً خياليا ً لل ّ‬ ‫خواطره قائ ً‬
‫الشعارات والخطب والقصائد الحماسية ‪ ،‬ولكن ل يمكن تعمير مستقبل‬
‫مة بدون جهد مخطط طويل الجل‪.‬‬ ‫مة بدون جهد حقيقي لل ّ‬ ‫حقيقي لل ّ‬

‫)‪(15 /‬‬

‫مة كزرع البلوط ‪ ،‬حيث يجب عليك أن تنتظر قرنا ً كامل ً بعد زرع‬
‫ن تعمير ال ّ‬
‫إ ّ‬
‫بذرة البلوط حّتى تصبح شجرة مكتملة عملقة‪.‬‬
‫وإذا كّنا نريد أن تصبح أمتنا قوية راسخة فلبد أن نخلق في أنفسنا عزيمة‬
‫الجهد المخطط الطويل المد‪.‬‬
‫ما الذين يريدون أن يصلوا إلى الهدف النهائي بمجرد بدء الهدف‪ ،‬فيجب أن‬ ‫أ ّ‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن جهدهم هذا ليس سوى وثبة نهايتها الموت والفناء‪ ،‬ول شيء غير‬ ‫يعرفوا أ ّ‬
‫ذلك[ خواطر وعبر‪ /‬صـ ‪7‬‬
‫]‪] [7‬وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقّ عليها القول‬
‫مرناها تدميرا[‪:‬‬ ‫فد ّ‬
‫م لوازم الجماعة المسلمة التي تريد أن تحقق النصر لمتها وتكون‬ ‫ن من أه ّ‬ ‫إ ّ‬
‫مة أخرجت للناس أن تبتعد كل البعد عن دواعي الترف‪ ،‬والحياة‬ ‫خير أ ّ‬
‫صى بذلك الخليفة الراشد‪ :‬عمر بن‬ ‫المخملية ‪ ،‬والركون إلى الرفاهية ‪ ،‬وقد ْ و ّ‬
‫ماله العرب وهم في بلد العجم‪ ] :‬إياكم‬ ‫الخطاب‪-‬رضي الله عنه‪ -‬بعض ع ّ‬
‫مام العرب‪ ،‬وتمعددوا ‪،‬‬ ‫والتنعم وزي العجم‪ ،‬وعليكم بالشمس فإنها ح ّ‬
‫واخشوشنوا ‪ ،‬واخشوشبوا‪،‬واخلولقوا[ انظر‪/‬اقتضاء الصراط المستقيم‪/‬لبن‬
‫تيمية ـ رحمه الله ـ‬
‫ما تربى الرعيل الول وجيل الصحابة الفضل على حياة الخشونة ‪،‬‬ ‫ولهذا ل ّ‬
‫صروا المصار ‪ ،‬لنهم لم‬ ‫ُ‬
‫والنقشاع من حياة الثرة والب َّهة فتحوا البلدان وم ّ‬
‫يتعلقوا بزخرف الدنيا الفاني‪ ،‬ول نعيمها الزائل ‪ ،‬فلله دّرهم‪.‬‬
‫قال أبو أمامة‪ -‬رضي الله عنه‪ ] -‬لقد فتح الفتوح قوم ما كانت حلية سيوفهم‬
‫الذهب ول الفضة إّنما كانت حليتهم القلبي ‪ ،‬والنك ‪ ،‬والحديد[ أخرجه‬
‫البخاري برقم ] ‪[2909‬‬
‫ليس المروءة أن تعيش من َّعما ً وتظل معتكفا ً على القداح‬
‫ماللرجال وللتنعم إنما خلقوا ليوم كريهة وكفاح‬
‫ن أخطر داء‬ ‫قال الشيخ المجاهد عبدالله عّزام ـ رحمه الله ـ ] لقد رأيت أ ّ‬
‫يودي بحياة المم هو داء الترف الذي يقتل النخوة‪ ..‬ويقضي على الرجولة‪..‬‬
‫ويخمد الغيرة ‪ ..‬ويكبت المروءة[انظرـ عبدالله عّزام‪ /‬لمحمد العامر‪ /‬ص‬
‫‪.119‬‬
‫ويكفي أن بطر العيش من أسباب هلك المم ‪ ،‬قال تعالى ‪ ] :‬وكم أهلكنا من‬
‫قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إل قليل ً [‬
‫القصص]‪[58‬‬
‫فمن الهمية بمكان أنت يعي جيل النصر المنشود هذا المر كامل الوعي ‪،‬‬
‫ذر منه أهل العلم والجهاد ‪ ،‬وعلموا أّنه من أكبر‬ ‫وأن يحذر منه ‪ ،‬فكم ح ّ‬
‫مة ‪ ،‬مثقل للعزيمة ‪ ،‬فكيف يكون‬ ‫العوائق عن المطالب العلى ‪ ،‬وأّنه مفّتر لله ّ‬
‫جي القصور‬ ‫ي‬ ‫ر‬‫خ‬
‫ِ ّ ْ ِ‬ ‫ب‬ ‫والدول‬ ‫ي به ناصرا ً لدينه ‪ ،‬وهل تسترد المجاد‬ ‫من ب ُل ِ َ‬
‫والفنادق‪ ،‬أم بخّريجي المعارك والخنادق؟! ولذلك نصر الله رسوله ‪ ،‬وأنجز‬
‫وعده حين ذاق مرارة الجوع ‪ ،‬وقد أخبر ـ صّلى الله عليه وسّلم ـ عن نفسه‬
‫بشيء من تلك المعيشة فقال‪] :‬لقد أخفت في الله وما يخاف أحد ‪ ،‬ولقد‬
‫ي ثلثون ـ من بين يوم وليلة ـ‬ ‫أوذيت في اّلله وما أوذي أحد ‪ ،‬ولقد أتت عل ّ‬
‫وما لي طعام يأكله ذو كبد إّل شيء يواريه إبط بلل[ أخرجه أحمد ‪،3/120‬‬
‫والترمذي برقم ‪ ،2472‬وابن ماجه برقم ‪ ،151‬وابن حّبان ‪ /14‬برقم ‪،6560‬‬
‫وهو حديث صحيح‪.‬‬
‫]‪] [8‬ول تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم[ ‪:‬‬
‫فا ً واحدا ً‬‫ن مسلما ً يختلف معي في أهمية أن يكون المسلمون ص ّ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ل أظ ّ‬
‫قبالة أعدائهم ‪ ،‬غير مختلفي القلوب والمنهج ‪ ،‬فوحدة الصف ‪ ،‬وجمع‬
‫م المور المعينة على نصر الله ‪ ،‬وقد جاء في صفة الزمرة‬ ‫الكلمة ‪ ،‬من أه ّ‬
‫الولى التي تدخل الجّنة أنهم ]ل اختلف بينهم ول تباغض ‪ ،‬قلوبهم قلب واحد‬
‫[ أخرجه البخاري]‪[4/143‬‬
‫ن المة المختلفة‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫أوضحا‬ ‫البشري‬ ‫القانون‬ ‫لهذا فل المنهج اللهي ول‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والمتناحرة والضعيفة من الداخل تستطيع أن تتغلب على الخطر الذي‬


‫ن ذلك أمر مستحيل و] في المنطق الرياضي تنابز‬ ‫يداهمها من الخارج ‪ ،‬فإ ّ‬
‫ً‬
‫صلة فيها صفرا}‪ ،‬فكذلك في المنطق السلمي‬ ‫القوى اليجابية تكون المح ّ‬
‫صلة فيها صفرا ً ]ول تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم[ النفال]‪[46‬‬ ‫تكون المح ّ‬
‫مابين القوسين مقطع من كلم الدكتور منير الغضبان في مجّلة البيان عدد]‬
‫‪ [201‬صـ ‪55‬‬
‫ومما يحزن له المسلم في هذا العصر حين يرى ذلك التفرق والختلف‬
‫ل حركة‬‫المذموم بين كثير من فئات الحركات السلمية ‪ ،‬وتشكيك ك ّ‬
‫ل حركة على أتباعها نوعا ً من الوصاية الفكرية ‪ ،‬فل‬ ‫بالخرى‪ ،‬وفرض ك ّ‬
‫ً‬
‫تجدهم يقرؤون إل لمنظري الحركة ‪ ،‬وعلمائها ‪ ،‬ولو علموا أن أحدا من‬
‫ّ‬
‫أتباعهم يقرأ لغيرهم لشّنوا عليهم حملة عارمة ل هوادة فيها‪ ،‬وذنبه لنه اطلع‬
‫على غير كتب حركته فقط ‪ ،‬وقد يكون هذا الشخص غير موافق على ما‬
‫ه يريد أن يقرأ للخرين ويعرف توجهاتهم ‪ ،‬ومنطلقات‬ ‫ط ُرِ َ‬
‫ح فيها ولكن ّ َ‬
‫أفكارهم ‪ ،‬فالله المستعان!‬
‫خصا اختلف كثير من أتباع الجماعات‬ ‫ً‬ ‫وقد صدق أحد الشعراء حين قال مش ّ‬
‫السلمية ‪ ،‬وتفرقهم وتعصبهم‪:‬‬
‫وما شكواي أو شكواك إل لفوضى في المجامع وانقسام‬
‫ترى كل ً له أمل وسعي وما لثنين حولك من وئام‬
‫ن الجميع بل إمام‬‫لكل جماعة فينا إمام ولك ّ‬
‫)‪(16 /‬‬

‫ب في أمتنا ‪ ،‬ويفرق بين صفوفها‬ ‫وبعد أن رأى الكفار هذا التفرق الذي يد ّ‬
‫استولوا على كثير من أقطارها لنعدام الوحدة السلمية ‪ ،‬وهذا ديدنهم في‬
‫كل حين ‪ ،‬حين يروا أهل السلم قد اختلفوا وتشرذموا فرقا ً وأحزابا ً كل‬
‫حزب بما لديهم فرحون ‪ ،‬فإنهم سيلتهمون بلد السلم ‪ ،‬وقد نبه إلى هذا‬
‫الملمح المام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ بقوله‪ ] :‬وبلد الشرق من أسباب‬
‫تسليط الله التتر عليها كثرة التفرق والفتن بينهم في المذاهب وغيرها‪ ،‬حّتى‬
‫صب لمذهبه على مذهب أبي حنيفة حتى‬ ‫تجد المنتسب إلى الشافعي يتع ّ‬
‫صب لمذهبه على مذهب هذا أو‬ ‫يخرج عن الدين ‪ ،‬والمنتسب إلى أحمد يتع ّ‬
‫ل هذا من التفرق والختلف الذي نهى الله ورسوله عنه[ ا ‪ .‬هـ‬ ‫هذا ‪ ،‬وك ّ‬
‫مجموع الفتاوى]‪[22/254‬‬
‫فمن الفطنة إذا ً أن نردم الشقاقات بين أنفسنا وأن نتلقى لقاًء إيمانيا ً أخويا ً ‪،‬‬
‫ت على أعدائنا فرصة الفرحة بوقوع الخلفات بين السلميين أو‬ ‫فو ّ َ‬‫ول ِن ُ ّ‬
‫تثميرها واستغللها لصالحهم‪.‬‬
‫ً‬
‫لكن ل يمنع ذلك الختلف في وجهات النظر ‪ ،‬ول يمنع إذا وقع أحدا من أهل‬
‫العلم بخطإ ٍ أن يبين خطئه ‪ ،‬ففرق بين تبيين الخطأ للناس مع وجود الرابطة‬
‫الخوية التي تجمع بين الراد والمردود عليه ‪ ،‬وبين من إذا أخطأ أحد العلماء‬
‫أو المجاهدين أو الدعاة أن يكون ذلك بداية للنشطار والتطاحن الفكري‪،‬‬
‫والذي يكون أكثره ليس لله بل لحظوظ النفس ورغباتها‪ ،‬أو للحزبية المقيتة‬
‫ب إليها‪.‬‬‫س ِ‬‫من ْت ّ َ‬
‫ال ُ‬
‫ومن جميل كلم شيخ السلم ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في هذا المقام‪] :‬وقد‬
‫كان العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إذا تنازعوا في المر اّتبعوا‬
‫أمر الله ـ تعالى ـ في قوله‪] :‬فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الخر ذلك خير وأحسن تأويل[ النساء]‬
‫‪ [59‬وكانوا يتناظرون في المسألة مناظرة مشاورة ومناصحة ‪ ،‬وربما اختلف‬
‫قولهم في المسألة العلمية والعملية ‪ ،‬مع بقاء اللفة والعصمة ‪ ،‬وأخوة‬
‫الدين ‪.‬‬
‫نعم من خالف الكتاب المستبين ‪ ،‬والسّنة المستفيضة ‪،‬أو ما أجمع عليه‬
‫مة خلفا ً ل يعذر فيه ‪ ،‬فهذا يعامل بما يعامل به أهل البدع[ مجموع‬ ‫سلف ال ّ‬
‫الفتاوى لبن تيمية]‪[24/172‬‬
‫ومن أكبر ما يجمع الناس‪ ،‬ويوحد صفوفهم‪ ،‬بعد اليمان بالله ـ تعالى ـ‬
‫وإخلص العبودية له‪،‬هو الجهاد في سبيل الله ‪ ،‬فإنه المصدر الرئيس للرابطة‬
‫اليمانية والوحدة السلمية ‪ ،‬وتركه والتخلف عنه ينسحب أثره على القاعدين‬
‫بالسلبية القاتلة فيكثر جدلهم وتفرقهم وتكثر الكتل الحزبية والتجمعات‬
‫المتفرقة‪ ،‬بسبب القعود عن تلك الفريضة العظيمة‪.‬‬
‫قال العّلمة الشيخ ابن تيمية‪ -‬طّيب الله ثراه ]فإذا ترك الناس الجهاد في‬
‫سبيل الله فقد يبتليهم بأن يوقع بينهم العداوة حتى تقع بينهم الفتنة كما هو‬
‫ن الناس إذا اشتغلوا بالجهاد في سبيل الله جمع الله قلوبهم وأّلف‬ ‫الواقع؛ فإ ّ‬
‫بينهم ‪ ،‬وجعل بأسهم على عدو الله وعدوهم ‪ ،‬وإذا لم ينفروا في سبيل الله‬
‫ذبهم الله بأن يلبسهم شيعًا‪ ،‬ويذيق بعضهم بأس بعض[ مجموع الفتاوى]‬ ‫ع ّ‬
‫‪15/44‬ـ ‪[45‬‬
‫وصدق ـ رحمه الله ـ فالواقع خير شاهد على ذلك ‍؛ ورحم الله من قال‪:‬‬
‫فا ً ل يرّقع بالكسالى‬
‫وكونوا حائطا ً ل صدع فيه وص ّ‬
‫ن العاقبة للمتقين[‪:‬‬ ‫]‪] [9‬فاصبر إ ّ‬
‫مة الخّيرة ينبغي عليه أن يعلم إّنه إذا عمل لعلء كلمة‬ ‫المتطلب لعّزة هذه ال ّ‬
‫ن طريق النصر والتمكين مملوء بالشواك‪ ،‬ومتشعب‬ ‫الله ‪ ،‬ونصرة دينه بأ ّ‬
‫الودية ‪ ،‬ويحتاج لصبر جميل وطويل‪ ،‬فعلى الساعي لذلك أن ل يفرق من‬
‫ن هؤلء قد قطعوا على أنفسه‬ ‫كلم المنهزمين والمخذلين والمرجفين ‪ ،‬فإ ّ‬
‫عهدا ً للتصدي لهل اليمان ‪ ،‬ونذروا أنفسهم لمثل هذه الهمم الدنية ‪ ،‬فل‬
‫على من نذر نفسه للهمم العلية أن يستمع لحال هؤلء المتحذلقين‬
‫المتفيهقين‪ ،‬وليأخذ بقول الله ] ول يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون[‬
‫الحجر]‪[65‬‬
‫وما أجمل قول القائل‪:‬‬
‫لبد للسؤدد من أرماح‬
‫ومن عديد يّتقي بالراح‬
‫ومن سفيه دائم النباح‬
‫فالفطن هو من يعرض عن هؤلء ‪ ،‬لّنهم يتمنون أن يلقي بطرفه إليهم ‪،‬‬
‫ويساجلهم ويعارضهم‪ ،‬وقد نّبه الله نبيه محمدا ً ـ صلى الله عليه وسّلم ـ فقال‬
‫له‪ ] :‬فذرهم وما يفترون[ النعام]‪[112‬‬
‫ً‬
‫ول يخش المرء على نفسه منهم‪ ،‬فمن كان مؤمنا بالله ‪ ،‬فإّنه مؤمن بقوله‬
‫ل ـ هو الذي‬ ‫ن الله يدافع عن الذين آمنوا[ الحج]‪ [38‬فالله ـ عّز وج ّ‬ ‫تعالى‪] :‬إ ّ‬
‫بيده المر والحكم‪ ،‬وهو الناصر لعباده ‪ ،‬ومبطل لكيد الكفرة والمجرمين ‪،‬‬
‫ومن أروع ما كتب في ذلك ؛ ما رقمه المام الشوكاني ـ رحمه الله ـ بقوله‪:‬‬
‫قا ً فهو مركوس ‪ ،‬من غير فرق بين‬ ‫]ومن رام أن ينصر باطل ً ‪ ،‬أو يدفع ح ّ‬
‫رئيس ومرؤوس ]وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل[ وعند عزائم الشيطان‬
‫يندفع كيد الرحمن[ أدب الطلب ومنتهى الرب‪ /‬صـ ‪250‬‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫ولعمر الله لن يجد العبد طعم النصر إل إذا أصابته مطارق البتلء و تجرع‬
‫ن دين الله ل يقوم إل على أكتاف أولي الصبر‬ ‫مرارة الذى فصبر وصابر‪ ،‬فإ ّ‬
‫ن العاقبة للمتقين‪.‬‬ ‫والعزمات ‪ ،‬وحتما ً فإ ّ‬
‫قال المام‪ :‬ابن تيمية‪] :‬وكثير من الناس إذا رأى المنكر أو تغير كثير من‬
‫ل وناح كما ينوح أهل المصائب‪ ،‬وهو منهي عن هذا ‪،‬‬ ‫أحوال السلم جزع وك ّ‬
‫بل هو مأمور بالصبر والتوكل والثبات على دين السلم ‪ ،‬وأن يؤمن بالله مع‬
‫الذين اتقوا والذين هم محسنون ‪ ،‬وأن العاقبة للتقوى ‪ ،‬وأن مايصيبه فهو‬
‫بذنوبه فليصبر‪ ،‬إن وعد الله حق‪ ،‬و ليستغفر بحمد ربه بالعشي والبكار[‬
‫مجموع الفتاوى]‪[18/295‬‬
‫فعلى أبناء الجيل المسلم أن يتواصوا بالصبر والمصابرة والمرابطة ‪ ،‬وأن ل‬
‫يزحزحهم عن هدفهم بهرج المفارق‪ ،‬ول قلة المرافق‪ ،‬وأن يحذروا كل الحذر‬
‫من التعجل في طلب النصر ‪ ،‬والتسرع في قطف الثمرة فليس بشرط أن‬
‫نرى النصر بأعيننا ولكن لنغرس في نفوسنا العمل لنيله وطلبه ‪ ،‬وقد قال‬
‫الله لرسوله‪-‬عليه الصلة والسلم‪ ] -‬وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو‬
‫نتوفينك[ الرعد]‪ [40‬فالنصر ل يأتي مباشرة إل إذا سبقته عدة مراحل كانت‬
‫معينة على تحصيله ‪ ،‬وبمجموع هذه المراحل تتكون عندنا محصلة النصر‪.‬‬
‫لكن علينا أن نربي أبناءنا وأحفادنا لهذا المر‪ ،‬ليواصلوا المسار بعدنا‪،‬فما نحن‬
‫إل معالم يهدي أولها لخرها‪:‬‬
‫قد هدانا السبيل من سبقونا وعلينا هداية التينا‬
‫فالمتوجب أن ل نستبق الخطى والمراحل‪ ،‬وأن نفقه لكل مرحلة فقهها‬
‫الواقعي وخطتها المنهجية ‪ ،‬وأن نعي واجب الوقت المخصص لها ‪ ،‬وقد قال‬
‫الله تعالى‪ ] :‬وأتوا البيوت من أبوابها[البقرة]‪ [189‬فإذا كان ـ سبحانه ـ قد‬
‫أمرنا إذا دخلنا البيوت أن نأتيها من أبوابها المعروفة فل نتسلقها ول‬
‫نتسورها‪.......‬فهكذا أمور الحياة جميعًا‪ ،‬وخاصة الوسائل المعينة للرتقاء بهذه‬
‫المة وسيادتها‪ ،‬فإنها ل تأتي خبط عشواء‪ ،‬وإنما بقوة إيمان‪ ،‬وحسن تدبير ‪،‬‬
‫وقوة سياسة‪.‬‬
‫ي مسدد إذا هو لم يؤنس برأي مسدد‬ ‫م ٌ‬‫فليس يزيح الكفر ر ْ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -‬إنها‪ -‬يا صاحبي‪ -‬أمور ل تحتمل التأخير فكفانا والله تأخرا وتسويفا عن فعل‬
‫الصالحات ‪ ،‬والمهم أن نعمل لخدمة هذا الدين ونصرته ‪ ،‬ول ضير أن يكون‬
‫عملنا في بدايته بطيئا ً فنحن نريد بطئا ً ولكن أكيد المفعول ‪.‬‬
‫]‪] [10‬ول تيأسوا من روح الله إّنه ل ييأس من روح الله إل القوم‬
‫الخاسرون[‪:‬‬
‫ن اليأس من صفة المستعجلين في طلب‬ ‫وعلينا كذلك أل نقنط ول نيأس فإ ّ‬
‫ّ‬
‫النصر‪ ،‬وأعظم من ذلك أنه من صفات الكفار كما قال ـ جل جلله ـ ]إنه ل‬
‫ييأس من روح الله إل القوم الكافرون[ يوسف]‪[87‬‬
‫و نصر الله لبد أن يأتي وليس على الله بصعب أن ينزل الظفر والفوز على‬
‫المسلمين ‪ ،‬ولكن لله حكم من تأخير النصر‪ ،‬ومن أعظمها أن يريد أن يبتلي‬
‫ن نصر‬ ‫عباده ليرى قوة إيمانهم ‪ ،‬وشدة ثباتهم على ذلك فإذا حصل هذا فإ ّ‬
‫الله آت ] ولويشاء الله لنتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض[ محمد]‪[4‬‬
‫ويرحم الله ابن القيم حين قال‪:‬‬
‫والله ناصر دينه وكتابه ورسوله في سائر الزمان‬
‫لكن بمحنة دينه من دينه ذا حكمه مذ كانت الفئتان‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والمهم أن ل نيأس ‪ ،‬فاليأس ل يصنع شيئا ً ‪ ،‬وهو من صفات العاجزين‬


‫البائسين ‪ ،‬وكيف نريد من نفس يائسة قانطة أن تنصر دين الله وهي منهزمة‬
‫في داخلها‪ ،‬ومتحطمة بإرادتها‪ ،‬فلن يكون النصر حينئذ ‪ ،‬فلنرمي بأغلل‬
‫ن مع العسر يسرًا[‬ ‫ن مع العسر يسرًا* إ ّ‬‫اليأس من فوق قلوبنا ولنقرأ ]فإ ّ‬
‫الشرح]‪[5‬‬
‫ن الفجر لح‬ ‫والليل إن تشتد ظلمته فإ ّ‬
‫إن كان ليلك أسودا ً فالليل في عيني صباح‬
‫لو كان فجرك غائبا ً فالفجر في الفاق لح‬
‫تلك عشرة كاملة أرى إن تحققت في واقع المسلمين بصدق وعزم‪ ،‬فإّنهم‬
‫سيجنون بعدها العّز والفلح والسؤدد ‪ ،‬في دينهم ودنياهم ـ بعون الله ـ‬
‫ن همته ل‬ ‫وأما من كان ضعيف الهمة ‪ ،‬ساقط العزيمة‪ ،‬ولم يهتم إل بدنياه فإ ّ‬
‫تدله إل على أراذل المور ‪ ،‬وضعيف التجارب ‪ ،‬ولسانه‪:‬‬
‫دع المقادير تجري في أعّنتها ول تبيتن إل خالي البال‬
‫ن الذي‬ ‫ويعجبني كلم ذكره الستاذ‪ :‬سيد قطب‪ -‬رحمه الله‪ -‬حين قال‪] :‬إ ّ‬
‫يعيش لنفسه قد يعيش مستريحا‪ ،‬ولكنه يعيش صغيرا ً ويموت صغيرا‪ ،‬فأما‬
‫ً‬
‫الكبير الذي يحمل هذا العبء الكبير‪...‬فماله والنوم؟ وماله والراحة؟ وماله‬
‫والفراش الدافئ ‪ ،‬والعيش الهادئ والمنام المريح؟![‬
‫دره ‪ ،‬فقال‬ ‫ولقد عرف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حقيقة المر وق ّ‬
‫لخديجة ـ رضي الله عنها ـ وهي تدعوه أن يطمئن وينام‪] :‬مضى عهد النوم يا‬
‫خديجة[ أجل مضى عهد النوم ‪ ،‬وما عاد منذ اليوم إل السهر والتعب والجهاد‬
‫الطويل الشاق![ في ظلل القرآن]‪.[6/3744‬‬
‫وهكذا والله نريدها من كل رجل مسلم أن يقول ] لقد مضى عهد النوم وبدأ‬
‫عهد العمل الشاق لنصرة هذا الدين[‬

‫)‪(18 /‬‬

‫ما كثر المدعون للمحبة طولبوا‬ ‫وقد أحسن المام ابن القيم حين قال‪ ] :‬ل ّ‬
‫ي‬
‫حة الدعوى ‪ ،‬فلو يعطى الناس بدعواهم لدعى الخل ّ‬ ‫بالقامة البينة على ص ّ‬
‫دعون في الشهود ‪ ،‬فقيل ‪ :‬ل تقبل هذه الدعوى إل‬ ‫حرقة الشجي ‪ ،‬فتنوع الم ّ‬
‫ببينة ] قل إن كنتم تحّبون الله فاتبعوني يحببكم الله [ آل عمران]‪ [31‬فتأخر‬
‫الخلق كّلهم ‪ ،‬وثبت أتباع الحبيب في أفعاله وأخلقه‪ ،‬فطولبوا بعدالة البّينة‬
‫بتزكية ] يجاهدون في سبيل الله ول يخافون لومة لئم[ المائدة]‪ [[54‬ا‪.‬هـ‬
‫مدارج السالكين]‪ [3/9‬ط‪ /‬الفقي‬
‫ن الله سيستبدل بنا‬ ‫وإذا تولينا عن نصرة ركائب اليمان وفرسان التجديد‪ ،‬فإ ّ‬
‫أمة غيرنا تكون هي المهيئة لذلك النصر وتذوق طعم العزة ومجد الفتوحات‬
‫م ل يكونوا أمثالكم[ محمد ]‪[38‬‬ ‫]وإن تتولوا يستبدل قوما ً غيركم ث ّ‬
‫والله ـ سبحانه ـ يوضحها ـ حقيقة ناصعة حيث يقول ]ياأيها الذين آمنوا من‬
‫م ذكر أوصافهم ] يحبهم‬ ‫يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم[ ث ّ‬
‫ويحبونه [ ]أذلة على المؤمنين[ ]أعزة على الكافرين[ ]يجاهدون في سبيل‬
‫م بين ـ عّز وجل ـ أنه ]ذلك فضل الله يؤتيه‬ ‫الله [ ] ول يخافون لومة لئم [ ث ّ‬
‫من يشاء والله ذو الفضل العظيم[المائدة]‪[54‬‬
‫أي ورب إنها سّنة في الرض كونية ل تتبدل ول تتغير‪ ،‬وقد قيل‪:‬‬
‫لئن لم يكن في الرض أوس وخزرج فلله أوس قادمون وخزرج‬
‫لكن علينا أن ل نمني أنفسنا بالنصر والتغني بأمجاده ‪ ،‬قبل أن يأتينا وأن‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مة علّية‪ ،‬وعزمة عمرية ‪ ،‬لنشر دين الله‬ ‫ننطلق في هذا الوجود بكل ه ّ‬
‫والتصدي للمردة المحتلين وليكون عملنا أكثر من كلمنا وشكاوينا ‪ ،‬فوالله‬
‫إننا في هذه اليام نتوق إلى ألسن بكم وأيد وضاح ‪ ،‬ونحن في وقت معامع‬
‫وصولت ‪ ،‬وقعقعات وجولت ‪ ،‬ولسنا في وقت الهات والحسرات ‪ ،‬فلنخرج‬
‫من عزلتنا وانكفاءنا على أنفسنا إلى مواطن العز والباء ‪ ،‬ومصانع الرجال‪،‬‬
‫فالعزلة في وقتنا هذا ما هي إل عمل البطالين أو الجبناء ‪ ،‬وقد قيل ‪ :‬إيقاد‬
‫شمعة خير من لعن الظلم‪.‬‬
‫وقد روى التابعي الفقيه الشعبي أن رجال ً خرجوا من الكوفة ونزلوا قريبا ً‬
‫يتعبدون ‪ ،‬فبلغ ذلك عبدالله بن مسعود ‪ ،‬فأتاهم ففرحوا بمجيئه إليهم ‪ ،‬فقال‬
‫لهم ]ماحملكم على ما صنعتم ؟ قالوا‪] :‬أحببنا أن نخرج من غمار الناس نتعبد‬
‫ن الناس فعلوا مثل ما فعلتم فمن كان سيقاتل العدو؟‬ ‫‪ ،‬فقال عبدالله‪ :‬لو أ ّ‬
‫وما أنا ببارح حتى ترجعوا[ الزهد لبن المبارك‪ /‬صـ ‪390‬‬
‫ن الناس انكفؤوا على‬ ‫فرحم الله الفقيه ابن مسعود‪ ،‬ونحن نقول ‪ :‬لو أ ّ‬
‫عزلتهم‪،‬أو مشاريعهم الخاصة من زواج ووظيفة وعبادة‪ ،‬فمن سيقاتل العدو‬
‫ن عندهم الشيء الكبير من المخططات‬ ‫وينازل الطغاة المعتدين ‪ ،‬وخاصة أ ّ‬
‫الخبيثة؛ للستيلء على أكبر قدر يمكن على المنطقة السلمية ‪،‬فإن علموا‬
‫مّنا ضعفا ً وتقوقعا ً على أنفسنا فّإن العدو لن يرحمنا بل سيلتهمنا لقمة سائغة‬
‫ولت حين مناص‪.‬‬
‫آن الوان لن نخاطر بالدم من لم يخاطر بالدما لم يسلم‬
‫فمزيدا ً من التفكير الجاد العملي العميق‪ ،‬وإجالة النظر في كتب التاريخ ‪،‬‬
‫والستفادة من تجارب الماضين واللحقين‪ ،‬وقد قيل رحلة العظيم تبدأ بفكرة‬
‫‪ ،‬ونحن في وقت صعب ‪ ،‬ومنحنى خطير ‪ ،‬وأمة السلم تلتهب حريقًا‪،‬‬
‫وتضطرم نارًا‪ ،‬فإن كنا من أبناءها الصادقين فلنبذل لها الكثير‪ ،‬ولنجاهد بأيدينا‬
‫وأموالنا وألسنتنا وتفكيرنا وبكل شيء نقدر عليه ‪ ،‬فإّنه‪:‬‬
‫ذروة الدين جهاد في الصميم فلنجاهد أو لتلفظنا الحياة‬
‫ورحم الله ابن القيم حين كتب‪ ] :‬وجزى الله من أعان على السلم ولو‬
‫بشطر كلمة خيرًا[أعلم الموقعين]‪4/216‬ـ ‪ [217‬فأدرك يا ابن السلم‬
‫أمتك ‪ ،‬وأسرج حصانك ‪ ،‬وشد السير‪ ،‬وصح في الفاق صيحة ذلك الداعية‬
‫ن العالم السلمي يحترق فمن استطاع أن‬ ‫سري] إ ّ‬ ‫العراقي أل أّيها الجيل ال ّ‬
‫يطفئ الحريق ولو بدلو من الماء فليفعل[ فياأهل السّنة لّبوا لبيك اللهم‬
‫لبيك‪.‬‬
‫وأخيرا ً‬
‫] يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا ً لعلكم تفلحون*‬
‫ن الله مع‬ ‫وأطيعوا الله ورسوله ول تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إ ّ‬
‫الصابرين[ النفال]‪[46‬‬
‫وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ‪،،،،‬‬
‫والحمد لله رب العالمين‬

‫)‪(19 /‬‬

‫الرقص فوق سفينة تغرق‬


‫خالد سعد النجار‬
‫كثرت في الونة الخيرة صيحات الدعاة المخلصين والخبراء المتخصصين عن‬
‫مواجه المنطقة العربية السلمية )الشرق الوسط( في القرن المقبل عدة‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أزمات تضاف إلى رصيد الزمات التي تعانى منها في الوقت الحاضر ولكن‬
‫تلك الزمات المقبلة المتوقعة ذات طبيعة خاصة فهي من الخطورة الشديدة‬
‫بما يجعلها قاصمة الظهر الحقيقية التي يمكن أن تؤدى إلى انهيار الكيان‬
‫العربي السلمي في المنطقة بأسرها ووقتها لن تنفع الشعارات ول الهتافات‬
‫ول المؤتمرات التي تتمخض عن استنكارات وتوصيات ‪.‬‬
‫ول سبيل للخروج من تلك الزمات المتوقعة إل بالستعانة بالله تعالى ثم‬
‫بالدراسات الواعية من الخبراء والمتخصصين ليجاد الحلول المناسبة التي‬
‫يعقبها البدء في التنفيذ الجاد وأن نعد لكل أمر عدته قبل أن نكون ل في‬
‫العير ول في النفير ‪.‬‬
‫أزمة المياه في الوطن العربي ‪-:‬‬
‫تعانى أغلب مناطق الوطن العربي من ظاهرة ندرة المياه لوقوعها جغرافيا‬
‫في المنطقة الجافة وشبه الجافة من الكرة الرضية ومع زيادة نمو السكان‬
‫في الوطن العربي فإن مشكلة الندرة تتفاقم كنتيجة منطقية لتزايد الطلب‬
‫على المياه لتلبية الحتياجات المنزلية والصناعية والزراعية كما ل تقتصر‬
‫المشكلة على مسألة ندرة المياه بل تتعدى إلى نوعية المياه التي تتدنى‬
‫وتتحول إلى مياه غير صالحه للستهلك الدمي لسباب متعددة ‪.‬‬
‫وتكاد المشكلة تشمل جميع مصادر المياه في الوطن العربي فالنهار العربية‬
‫الكبرى مثل النيل والفرات تنبع من دول غير عربية وتجرى وتصب في بلدان‬
‫عربية مما يجعل لدول المنبع ميزة جيوبوليتيكية استراتيجية في مواجهه‬
‫البلدان العربية كما ل تتوفر على المستوى الدولي قوانين كافيه لتقاسم‬
‫الموارد المائية المشتركة وإن وجدت أعراف وتقاليد غير ملزمة لقتسام‬
‫المياه وتبقى التفاقيات بين الدول المشتركة في مصدر مائي معين هي‬
‫أعلى مراتب اللتزام المعترف به دوليا لتقاسم الموارد المائية ‪ ،‬ويتطلب‬
‫الستغلل المثل للمياه الجوفية ومياه المطار استثمارات ضخمة لقامة‬
‫التجهيزات والمشروعات اللزمة لهذا الستغلل ‪،‬كما أن مشروعات تحلية‬
‫المياه تحتاج بالضافة إلى الستثمارات الضخمة تكنولوجيا متقدمة ‪.‬‬
‫وقد جاء في تقويم أجرته مجله ]ايكونوميست[ البريطانية في أوائل عام‬
‫‪ 1996‬ما نصه ] إن الماء في الشرق الوسط شحيح بدرجة ليس لها مثيل‬
‫في أي مكان آخر في العالم وأنه يزداد نقصانا [ ‪.‬‬
‫وفي عام ‪ 1989‬خلص مؤتمر ] الموارد المائية للدول العربية وأهميتها‬
‫الستراتيجية [ الذي عقد في عمان بدعوة من الجامعة الردنية إلى أن أهم‬
‫خصائص موارد المياه العربية هو قلتها بحيث أنها ل تكفي لتغطيه الحتياجات‬
‫الحياتية واحتياجات التنمية التي يطمح إليها العرب في العقود المقبلة وخلص‬
‫المؤتمر إلى أن المن المائي العربي هو بأهمية المن السياسي العربي ‪.‬‬
‫وفي تقرير لمركز الدراسات الستراتيجية في واشنطن أكد أن المياه وليس‬
‫النفط ستكون قضية المصادر الطبيعية المسيطرة فالنزاع على مصادر المياه‬
‫المحدودة والمهددة يمكن أن يؤثر في الروابط بين دول المنطقة وربما يؤدى‬
‫إلى جيشان لم يعرف له مثيل من قبل ‪.‬‬
‫لذلك أصبح الماء قضيه ملحه تحمل في طياتها إمكانية زعزعه استقرار‬
‫النظام حيثما تطل بأنيابها ونشوء نزاع بين الدول المتجاورة وقد نقل عن‬
‫العاهل الردني السابق الملك حسين قوله ] إنه لن يدخل حربا ً مع إسرائيل‬
‫مرة أخرى إل بسبب الماء [‬
‫ً‬
‫وبالرجوع بأحداث التاريخ إلى الوراء قليل نلحظ وجود بعض التوترات بسبب‬
‫قضية المياه مما يؤكد أن أزمة المياه المتوقعة ليست من نسج الخيال أو‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حاله من التشاؤم تنتاب البعض منا بل إن لها إرهاصات ومقدمات تنذر‬


‫بإمكانية انفجارها في أي وقت ‪.‬‬
‫ففي ‪ 26/2/1956‬أعلنت إثيوبيا في جريدتها الرسمية ] إثيوبيان هيرالد [ أنها‬
‫سوف تحتفظ لستعمالها الخاص مستقبل بموارد النيل وتصرفاته في القليم‬
‫الثيوبي ‪ -‬أي حوالي ‪ %86‬من إيراد النهر بأكمله ‪ -‬وقد وزعت مذكرة رسمية‬
‫على جميع البعثات الدبلوماسية في القاهرة تضمنت احتفاظها بحقها في‬
‫استعمال موارد المياه النيلية لصالح شعب إثيوبيا ‪ .‬وقد عادت تلك‬
‫التصريحات في الظهور سنة ‪ 1980‬حيث أشار ممثل إثيوبيا في قمة لجوس‬
‫أنه ] ل توجد اتفاقيات دوليه حتى الن بشأن توزيع حصص مياه النيل [ ‪.‬‬
‫وقد وضعت إثيوبيا عام ‪ 1981‬قائمة بأربعين مشروعا ً للري يقع بعضها على‬
‫حوض النيل الزرق وحوض السوباط أمام مؤتمر المم المتحدة للبلدان القل‬
‫نموا ً وأعلنت أنه في حالة عدم توافر اتفاق مع جيرانها في حوض النيل فإنها‬
‫سوف تحتفظ بحقها في تنفيذ مشروعاتها من جانب واحد ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وفي حديث للدكتور )زويدى أباتى( المدير العام لتنمية الودية الثيوبية دعا‬
‫إلى توزيع مياه نهر النيل بالتساوي بين الدول التسع المشاركة في حوض نهر‬
‫النيل وأنه إذا أرادت دوله الستئثار بنصيب أكبر فإنها يجب أن تدفع تعويضات‬
‫مناسبة لدول الحوض الخرى والتي ستتأثر الكميه التي ستحصل عليها من‬
‫جراء ذلك كما طالب بتوقيع اتفاقيات جديدة بين دول الحوض تقوم على‬
‫أساس المساواة والعدالة في التوزيع ‪.‬‬
‫أما في حوض نهر دجله والفرات فالزمة ليست بأقل شأنا من أختها في‬
‫حوض النيل ففي عام ‪ 1981‬بدأت تركيا مشروعها الكبير ] مشروع جنوب‬
‫شرقي الناضول الكبير [ ‪ GAP‬وهو يضم ‪ 13‬مشروعا ً لغراض الري وتوليد‬
‫الطاقة الكهربائية وكان بناء سد أتاتورك ‪ -‬خامس أكبر سد في العالم ‪ -‬على‬
‫نهر الفرات من أهم المشاريع التي أظهرت حقيقية أزمة المياه في حوض‬
‫النهر حيث أقدمت تركيا في ‪ 13/1/1990‬على منع مياه نهر الفرات وحبسها‬
‫عن العراق وسوريا بغرض تخزين تلك المياه خلف السد وذلك لمدة شهر‬
‫حتى ‪ 13/2/1990‬وكان قول الممثل التركي ] ل أحد يقيم سدا ً مائيا‬
‫ليستخدمه كمتحف للجميع [ ومضت تركيا في تنفيذ خطتها دون اللتفات‬
‫للحتجاجات السورية والعراقية من جراء ذلك العمل ‪.‬‬
‫ويعتقد كثير من المحللين أن وجود شواهد بترولية في سوريا أدى إلى وجود‬
‫نية تركية قوية لمقايضه البترول بالمياه حيث يقول سليمان ديميريل في‬
‫افتتاح سد أتاتورك في يوليو ‪ ] 1992‬إن منابع المياه ملك لتركيا كما أن‬
‫النفط ملك للعرب وبما أننا ل نقول للعرب أن لنا الحق في نصف نفطكم فل‬
‫يجوز لهم أن يطالبوا بما هو لنا[ ‪.‬‬
‫ً‬
‫وأما في الراضي المحتلة فالمر أكثر توترا وصعوبة حيث كان تأمين مصادر‬
‫وفيرة من المياه للدولة الصهيونية أحد أهم أهداف الحركة الصهيونية على‬
‫حساب العرب ‪.‬‬
‫ويلخص د‪ /‬سامر مخيمر وهو أحد المتخصصين العرب في جانب المياه ‪-‬‬
‫خطه إسرائيل المائية وترتيباتها للستحواذ على مياه نهر الردن بقوله )‪:(1‬‬
‫يمكن تقسيم ترتيبات إسرائيل المائية إلى ثلث مراحل ‪-:‬‬
‫المرحلة الولى وتمتد في الفترة من ‪ 1958 - 1948‬حيث شرعت إسرائيل‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في أعمال خطه زراعية ‪ /‬مائية تركز على ثلثة أهداف ‪:‬‬
‫أ‪ -‬إمكانية استيعاب المهاجرين الجدد‪ .‬ب‪ -‬إقامة المستوطنات الزراعية ‪.‬‬
‫جـ‪ -‬إنتاج الغذاء ‪.‬‬
‫وتطلب تحقيق هذه الهداف تنفيذ مشروعات مائية تتمثل في ‪-:‬‬
‫‪ -1‬إنشاء شبكات مياه في مختلف المناطق لحصر الموارد الجوفية ‪.‬‬
‫‪ -2‬إقامة جملة من خطوط النابيب المحلية تمتد من الشمال إلى الجنوب ‪.‬‬
‫‪ -3‬إنشاء قناة لسحب المياه من نهر الردن باتجاه الصحراء الفلسطينية ‪.‬‬
‫وقد بدأت إسرائيل بين عامي ‪ 1953 - 1948‬بحفر عدة آلف من البار‬
‫لتزويد المستوطنات بالمياه لدرجة استنزفت الطبقة المائية الجوفية للشريط‬
‫الساحلي ثم شرعت بعد ذلك في تنفيذ ما عرف بـ ] خطتي السنوات السبع‬
‫والسنوات العشر [ وبدأ تنفيذ الولى فعل ً عام ‪ 1953‬ثم عدلت إلى الخطة‬
‫الثانية عام ‪. 1956‬‬
‫وتضمنت الخطتان استيلء إسرائيل على ‪ %50‬من مياه نهر الردن مع العلم‬
‫أن كمية المياه التي تنبع من الراضي التي تحتلها ل تتجاوز ‪ %23‬من‬
‫المجموع الكلى لكميات المياه التي يحتويها نهر الردن وروافده ‪ .‬ويتوازى مع‬
‫المشروع السابق مشروع ] العوجا‪ -‬النقب [ الذي تم إقراره عام ‪، 1954‬‬
‫والذي يشكل حلقة متكاملة مع قناة نقل مياه الردن وهو يتألف من خطين‬
‫شرقي وقد نفذ عام ‪ 1955‬وغربي ونفذ عام ‪ 1960‬ويهدف إلى تأمين نقل‬
‫المياه الواردة من مشروع تحويل نهر الردن والضخ من بحيرة طبرية إلى‬
‫أرض النقب ‪.‬‬
‫المرحلة الثانية ‪ :‬وتمتد منذ ‪ 1968 - 1958‬وقد نفذت إسرائيل خلل هذه‬
‫الفترة أضخم وأكبر مشروعاتها المائية مشروع ] طبريا – النقب [ ) الناقل‬
‫القطري ( لنقل ‪ 300‬مليون متر مكعب من المياه سنويا إلى النقب الشمالي‬
‫وإلى الجنوب ‪.‬‬
‫المرحلة الثالثة ‪ :‬وتمتد منذ ‪ - 1968‬حتى الن مرحله النتاج والتكنولوجيا‬
‫الزراعية ولم تواكب هذه المرحلة مشروعات مائية كبرى ‪.‬‬
‫وتشير البيانات إلى أن استهلك السرائيلين في الضفة الغربية يمثل ‪%87.5‬‬
‫من مياهها بينما ل يتجاوز نصيب العرب ‪ %12.5‬مما يعنى أن معدل استهلك‬
‫الفرد السرائيلي يبلغ ستة أضعاف المواطن العربي الفلسطيني كما يدفع‬
‫الفلسطينيون في الضفة الغربية ستة أضعاف ما يدفعه المستوطن اليهودي‬
‫في مقابل النتفاع بالمياه حيث يبلغ سعر المتر المكعب من المياه‬
‫للفلسطينيين في الضفة الغربية ‪ 1.3‬دولر أما سعر الكميه ذاتها للمستوطن‬
‫فيبلغ ‪ ,6‬دولر فقط ‪.‬‬
‫أزمة الغذاء في الوطن العربي ‪-:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫مما لشك فيه أن العالم في الفترات الخيرة شهد نموا ً كبيرا ً في إنتاج الغذاء‬
‫والمحاصيل الزراعية إل أن هناك بعض الحقائق ل يمكن تغافلها عند الحديث‬
‫عن تلك النهضة ‪ ،‬من أهم هذه الحقائق أن هذا النمو في إنتاج الغذاء جاء من‬
‫خلل الرتقاء بإنتاجيه الرض وليس من خلل زيادة المساحة المنزرعة أي‬
‫من خلل استخدام تكنولوجيات ومدخلت إنتاج أفضل ‪ .‬وهذا النمو في النتاج‬
‫رافقه نموا ً مماثل ً تقريبا ً في عدد السكان ومن ثم ظهر التحسين في مستوى‬
‫ما يخص الفرد الواحد محدود للغاية ‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كما أنه في نطاق محدودية الموارد الطبيعية اللزمة للزراعة ] الرض‬


‫والماء [ وصعوبة زيادتها واستمرار الزيادة السكانية سوف يتركز اعتماد‬
‫العالم مستقبل على التكنولوجيا للوفاء باحتياجات السكان الجدد ولتحسين‬
‫مستوى ما يخص الفرد بوجه عام ‪.‬‬
‫وهذه الحقائق تشمل بالطبع العالم العربي فبالرغم من الزيادة المتواضعة‬
‫في إنتاج الغذاء في الفترات الخيرة إل أن الزيادة السكانية قد التهمت كل‬
‫هذه الزيادات وظل مستوى ما يخص الفرد العربي من الغذاء أقل كثيرا ً عن‬
‫المتوسطات العالمية والتي ل يمكن بأي حال قبول أقل منها ‪.‬‬
‫فبالنسبة للقمح كان متوسط ما يخص الفرد العربي ‪77‬كجم بينما المتوسط‬
‫العالمي ‪ 101‬كجم والسكر ‪9.7‬كجم والمتوسط العالمي ‪19.9‬كجم وفي‬
‫جانب اللحوم ‪16.4‬كجم والمتوسط العالمي ‪33.4‬كجم والسماك ‪ 7‬كجم‬
‫والمتوسط العالمي ‪18.3‬كجم واللبان ‪53‬كجم أما المتوسط العالمي‬
‫‪95‬كجم ‪.‬‬
‫ومن ثم لجأت القطار العربية قاطبة إلى الستيراد لسد الفجوة الغذائية‬
‫الناتجة من زيادة الطلب على الغذاء وضعف النتاج المحلى ‪.‬‬
‫وتواجه الزراعة العربية العديد من المخاطر من أهمها‬
‫‪ -1‬تناقص قاعدة الموارد الطبيعية ] الرض الزراعية والماء[‬
‫فلقد تناقص متوسط ما يخص الفرد العربي من المساحة المنزرعة بدرجة‬
‫كبيرة بسبب الزيادة السكانية والتوسع العمراني مع قله معدلت استصلح‬
‫أراضى جديدة ‪ .‬ففي مصر على سبيل المثال ‪ :‬أدى تحويل جانب من‬
‫الراضي الزراعية لستخدامات أخرى غير زراعية إلى تناقص ما يخص الفرد‬
‫الواحد من الراضي الزراعية من نحو ‪2038‬م ‪ 2‬عام ‪ 1907‬إلى ‪1020‬م ‪2‬‬
‫عام ‪ 1957‬أي إلى نحو النصف خلل خمسين عام ثم إلى ‪522‬م ‪ 2‬عام‬
‫‪ 1985‬أي النصف مرة أخرى خلل ‪28‬عام فقط ثم إلى ‪471‬م ‪ 2‬عام‬
‫‪1992‬م ومن حيث النوعية والخصوبة فل شك أن الرض تتعرض لكثير من‬
‫المصادر المسئولة عن تدهور الخصوبة لعل أهمها عوامل التعرية والتدهور‬
‫الكيماوي ‪.‬‬
‫‪ -2‬اتفاقيه الجات ‪GATT‬‬
‫إن كلمه الجات هي الحروف الولى بالنجليزية لتعبير ] التفاقيات العامة‬
‫على الرسوم الجمركية والتجارة [ ‪General Agreement on traiffs and trade‬‬
‫وهى تعود في تاريخها إلى عام ‪ 1947‬عندما اجتمعت ‪ 23‬دوله صناعية في‬
‫جينيف للنظر في تحرير التجارة وفتح البواب بين هذه الدول وإلغاء الحواجز‬
‫فيما بينها وتم التوصل إلى اتفاقيه وقعت في المغرب عام ‪ 1994‬وبلغ عدد‬
‫الدول الموقعة ‪117‬‬
‫وتنص بنود التفاقية بالنسبة للزراعة على تخفيض الدعم الداخلي للنتاج‬
‫الزراعي في الدول المتقدمة بنسبه ‪ %20‬خلل ‪ 6‬سنوات وفي الدول النامية‬
‫بنسبه ‪ %13.3‬خلل مدة ‪ 10‬سنوات وإلغاء دعم التصدير ‪.‬‬
‫والمتوقع أن ترتفع أسعار الصادرات من الدول الزراعية المتقدمة وهذا‬
‫سوف يؤدى بدورة إلى زيادة تكلفه استيراد الغذاء بالدول السلمية النامية ‪.‬‬
‫كما أن التخوف قائم من ضعف استفادة الدول السلمية النامية من إزالة‬
‫الحواجز مع لجوء الدول المتقدمة إلى التشديد في مراقبة الجودة‬
‫واللتزامات بالمواصفات القياسية والحجر الزراعي وهى شروط ل تقدر‬
‫عليها الدول النامية ‪.‬‬
‫ولقد صدق حقا ً من قال ] إن اتفاقيه الجات منتدى الغنياء [ حيث أن‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المستفيد الكبر هي الدول الصناعية والزراعية المتقدمة ‪ ،‬فلقد نشرت‬


‫منظمة التعاون القتصادي والتنمية التابعة للمم المتحدة إحصائية توضح‬
‫أرباح الدول الغنية من الجات وورد بها ما يلي ‪:‬‬
‫أرباح المجموعة الوربية ‪ 61‬مليار دولر سنويا ً ‪.‬‬
‫الوليات المتحدة ‪ 36‬مليار دولر سنويا ً ‪.‬‬
‫اليابان ‪ 27‬مليار دولر سنويا ً ‪.‬‬
‫الصين ‪ 37‬مليار دولر سنويا ً ‪.‬‬
‫وبصفة عامة يقدر إجمالي مكاسب الدول الغنية بين ‪ 300-200‬مليار دولر‬
‫سنويا اعتبارا ً من سنة ‪2002‬م ‪.‬‬
‫وتشير دراسة للمنظمة العربية للتنمية الزراعية إلى أن ‪:‬‬
‫تحرير التجارة العالمية في السلع الزراعية سوف يسبب ارتفاع أسعار‬
‫الحبوب الغذائية وكذلك انخفاض النتاج الحيواني في دول المجموعة الوربية‬
‫بسبب إنقاص أو تخفيض الدعم وبالتالي يتوقع ارتفاع السعار العالمية للحوم‬
‫واللبان ‪ ..‬وتقدر خسائر الدول العربية نتيجة لذلك بنحو ‪ 664‬مليون دولر‬
‫) زيادة في قيمة الواردات للدول العربية ( وكذلك تقدر الخسارة في صورة‬
‫نقص الرفاهية الجتماعية للدول العربية بمقدار ‪ 887‬مليون دولر[ ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫إل أنه للمانة لبد أن نذكر أن هناك فريق من الخبراء يرون بعض الجوانب‬
‫المشرقة لهذه التفاقية والتي تتمثل في تشجيع الستثمار في الدول النامية‬
‫وزيادة الحافز الذي يحتم عليها الرتقاء بالنتاجية لمواجه هذا الرتفاع في‬
‫السعار ‪.‬‬
‫‪ -3‬ضعف مجال البحوث الزراعية ‪-:‬‬
‫فالبحوث الزراعية هي المل الوحيد أمام الزراعة العربية للرتقاء بإنتاجية‬
‫الرض الزراعية عن طريق تطوير نوع السللت المستخدمة والتي تتميز‬
‫بإنتاجيه عالية أو تحمل أكبر لظروف البيئة أو غيرها من الصفات المرغوبة‬
‫والتي يطلق عليها عمليه التوسع الرأسي في الزراعة خاصة وأن التوسع في‬
‫مساحة الرض المنزرعة أصبح أمل فرصته ضعيفة في كثير من البلدان‬
‫العربية ‪.‬‬
‫ومجال البحوث الزراعية يعانى في معظم البلدان العربية من العديد من‬
‫الصعوبات التي تحد من قدرتها على تحقيق تلك المال المعلقة عليها ومن‬
‫أهم هذه الصعوبات ضعف التمويل وعجز العديد منها على مواجهه مشاكل‬
‫التنمية دون عون خارجي والفتقار إلى إسلوب سليم لدارة الموارد البشرية‬
‫والمادية المتاحة ونقص الكوادر البشرية المدربة ويكفي أن نعلم أن عدد‬
‫الباحثين في مجال البحوث الزراعية في الوطن العربي )‪ 19‬دوله( هو ‪6534‬‬
‫وفي الدول المتقدمة )‪ 22‬دوله( هو ‪ 56376‬وجمله النفاق على البحوث‬
‫الزراعية في الوطن العربي هو ‪ 230‬مليون دولر وفي الدول المتقدمة هو‬
‫‪ 85400‬مليون دولر ‪.‬‬
‫ويلخص د‪ /‬محمد السيد عبد السلم ‪ -‬وهو من كبار المتخصصين في مجال‬
‫الزراعة ‪ -‬الوضع الحالي في كلمات رائعة رشيقة حيث يقول )‪:(2‬‬
‫] والن كل هذه الظروف آخذه في التغيير ‪ ،‬فالموارد الطبيعية الزراعية‬
‫المطلوبة للمزيد من الستثمار لم تعد متاحة بل إن المستثمر منها بالنسبة‬
‫للفرد آخذ في التآكل نتيجة لستمرار الزيادة السكانية ‪ ،‬والقلق على حالة‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البيئة آخذ في التصاعد ‪ ،‬وفي فرض محددات جديدة على التنمية الزراعية‬
‫ومستقبل إمدادات الغذاء على الصعيد العالمي وفي العالم النامي بوجه‬
‫خاص ل يدعو إلى الطمئنان ‪ ،‬واستعداد الشمال لمساعدة الجنوب آخذ في‬
‫التراجع على المستوى الثنائي وعلى مستوى المنظمات الدولية ‪،‬‬
‫والتكنولوجيا الحيوية الحديثة التي تبنى عليها المال في مستقبل التنمية‬
‫الزراعية ليست متاحة مجانا بل محمية وينبغي على من يحتاج إليها أن يدفع‬
‫الثمن ‪ ،‬ونظم وإجراءات الحماية سوف تتلشى في ضوء اتفاقية منظمة‬
‫التجارة العالمية وسوف تتصاعد المنافسة بين الدول والتكتلت القتصادية‬
‫وسوف تكون قدرات العلم والتكنولوجيا السلح الفاعل في هذه المنافسة‬
‫وسوف تكون المغانم للقوياء الذين يملكون سلح العلم والمغارم لولئك‬
‫الذين يفرطون في الستحواذ على هذا السلح إنه نظام جديد عاصف وغالبا ً‬
‫ل يعرف التسامح تجاه العاجزين يحتم على الدول العربية أن تتحسب له‬
‫كثيرا لتواجه سلبياته وتستفيد من إمكانياته ول تكون إحدى ضحاياه [‬
‫أزمة البطالة في الوطن العربي ‪-:‬‬
‫جاءت ثورة النفط عام ‪1973‬م لترسم معالم جديدة للمنطقة العربية‬
‫بالنسبة للوضاع القتصادية ففي الدول العربية النفطية زادت الدخول وارتفع‬
‫فيها متوسط دخل الفرد بما يقارب دخله في الدول الصناعية المتقدمة‬
‫وتميزت تلك الفترة بزيادة معدلت الستثمار ووضعت برامج وخطط طموحه‬
‫لبناء شبكه البنية الساسية والتوسع في بناء المدن والمناطق العمرانية‬
‫الجديدة وكان قلة عدد السكان في تلك البلد سبب هام في زيادة احتياج تلك‬
‫الدول للعمالة الخارجية لتحقيق تلك الثورة الهائلة في التنمية فرحبت‬
‫بالعمالة العربية وغير العربية التي راحت تتدفق إلى هذه البلد بشكل سريع ‪،‬‬
‫وفي ظل هذا الرواج القتصادي اقترب معدل البطالة في تلك الدول إلى‬
‫الصفر تقريبا ً ‪.‬‬
‫وأما في الدول العربية الغير نفطية فمعظمها عند مشارف السبعينات كان‬
‫قد وصل إلى حالة من النهاك القتصادي الذي سرعان ما أثر في أحوال‬
‫العمالة وظروف التشغيل إل أنه بالرغم من ضغوط وصعوبات تلك المرحلة‬
‫فإن ثمة عوامل مختلفة توافرت وخففت من صعوبة الموقف وظهور البطالة‬
‫كأزمة تهدد العديد من اليدي العاملة فكان من هذه الظروف ‪.‬‬
‫‪ -1‬خروج أعداد كبيرة من فائض العمالة إلى الخارج خاصة للبلد العربية‬
‫النفطية التي رحبت بتلك العمالة كما ذكرنا ‪.‬‬
‫‪ -2‬زيادة حجم المعونات القتصادية التي قدمتها البلد العربية النفطية في‬
‫تلك الفترة ‪.‬‬
‫‪ -3‬الموارد الضخمة التي حصلت عليها هذه البلد في شكل قروض خارجية‬
‫من أسواق النقد والمال العالمية حيث كان القتراض سهل وميسرا ً في تلك‬
‫الفترة وإن كان بتكلفة مرتفعة مؤجله ‪.‬‬
‫‪ -4‬استمرار التزام كثير من حكومات تلك الدول بتعيين الخريجين من حمله‬
‫المؤهلت كسبا ً لتأييد الطبقة الوسطي والحد من المشكلت الجتماعية‬
‫والسياسية نتيجة تفاقم البطالة ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ومع بداية الثمانينات ومروا ً بالتسعينات بدأت الوضاع تأخذ في التغيير‬


‫وأخذت مشكلة البطالة في النفجار المدوي حيث مالت أسعار النفط عالميا ً‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للتدهور بشكل حاد مما أثر بشكل مباشر على الدول العربية قاطبة ففي‬
‫البلد العربية النفطية انخفضت أحجام دخولها القومية وتبعه انخفاض معدلت‬
‫نمو النفاق الحكومي الستثماري وبالذات في مجال البنية الساسية التي‬
‫كانت قد قاربت على الستكمال مما حدى بتلك الدول تطبيق سياسات‬
‫انكماشية ‪ ،‬وكان من ضمنها وقف التعيينات في الجهزة الحكومية والحد من‬
‫استقبال العمالة الوافدة ‪.‬‬
‫أما في البلد العربية الغير نفطية فقد كان لنخفاض أسعار النفط آثار سلبية‬
‫شديدة من أهمها انخفاض الدخل القومي حيث كان النفط مصدرا ً من مصادر‬
‫هذا الدخل في بعض هذه البلد مثل مصر وسوريا كما انخفضت المساعدات‬
‫العربية من الدول العربية النفطية وكذلك عادت العمالة إلى أوطانها مما أدى‬
‫إلى ارتفاع نسبة البطالة وفقدت هذه الدول موردا هاما من موارد الدخل‬
‫القومي المتمثل في التحويلت النقدية التي كان يرسلها العمال بالخارج ‪،‬‬
‫وصاحب ذلك تفاقم أزمة المديونية الخارجية لهذه البلد التي نجمت عن‬
‫الفراط في الستدانة الخارجية أدى إلى ارتفاع معدل خدمة الدين ‪.‬‬
‫كل هذه الضغوط قادت تلك الدول إلى إتباع سياسات اقتصادية صارمة كان‬
‫لها دورا كبيرا في زيادة معدلت البطالة حيث تخلت كثير من هذه الدول عن‬
‫تعيين الخريجين وتقلص دور الحكومة في النشاط القتصادي مما أدى إلى‬
‫خفض الطاقة النتاجية التي تستوعب اليدي العاملة العاطلة وأضحت البطالة‬
‫كارثة تهدد الوطن العربي ‪.‬‬
‫ومع قله البيانات والحصائيات عن حجم البطالة في الوطن العربي نستطيع‬
‫أن نتلمس حجم المشكلة من التقارير المتاحة ‪ .‬ففي التقرير القتصادي‬
‫العربي الموحد لعام ‪1994‬م كان قد قدر معدل البطالة في القتصاديات‬
‫العربية بحوالي ‪ %10‬من قوة العمل العربية التي بلغت عام ‪ 1993‬حوالي‬
‫‪ 67.5‬مليون عامل مما يعنى أن عدد المتعطلين يصل إلى حوالي ‪ 6.8‬مليون‬
‫عاطل أما منظمه العمل العربية فقد قدرت معدل البطالة على مستوى‬
‫جميع البلد العربية بقرابة ‪ %15.5‬من قوة العمل العربية وهو مما يعنى‬
‫وجود ما يزيد على عشرة مليين عامل عربي عاطل ‪.‬‬
‫بعد هذا العرض السريع لطبيعة الزمات التي تواجه المنطقة العربية ل يسعنا‬
‫إل أن نقول إن المر يتطلب جهودا ً كبيرة تشمل كل قطاعات الوطن العربي‬
‫لمواجهه تلك الزمات ولكن الملحظ حتى الن أن الجهود المبذولة متواضعة‬
‫إلى حد كبير بالنسبة لحجم المشكلت ‪ ،‬فالحل يبدأ من العلم العربي‬
‫المسئول عن عرض القضية أمام الرأي العام وشحذ همم الشعوب لتحمل‬
‫المسئولية وعقد الندوات واللقاءات مع الباحثين والعلماء المتخصصين ليجاد‬
‫تصور عام لحل مثل هذه المشكلت وتقديم العلماء والخبراء على أنهم هم‬
‫قدوة المجتمع ومثال كفاح مشرف لكل من أراد الرقى والنهضة فكم في‬
‫حياه هؤلء الشرفاء من كفاح ومثابرة وإخلص نحن أحوج أن نعرفه كي‬
‫نحتذي به في حياتنا ‪.‬‬
‫ولكن مع السف وجدنا قطاع عريض من العلم العربي بكافة أجهزته يلهث‬
‫وراء نجوم الرياضة والفن ويكرس جهده ووقته لعرض صور من حياتهم‬
‫الخاصة وأعمالهم الفنية وفي جميع المناسبات والعياد القومية يحشد‬
‫للمواطن العربي كم هائل من هؤلء النجوم لُيسألوا عن آمالهم وطموحاتهم‬
‫والكلت التي يفضلونها واللوان المحببة لديهم ومعاناتهم في تصوير آخر‬
‫عمل فني أو آخر مباراة شاركوا فيها ‪.‬‬
‫وأضحى المر عاديا أن تفتح جريدة لتقرأ خبر عن تهرب أحد هؤلء النجوم‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من عدة مليين من الضرائب أو تقرأ عن أرباح نجم من آخر شريط كاسيت‬
‫له بما يوازى ميزانيه وزارة مرموقة ‪.‬‬
‫كل هذه الشهرة والثروة دفعت بالكثير من شبابنا العربي العاطل للزحام‬
‫على أبواب النوادي وصناع نجوم الفن لعلهم يجدون فيهم موهبة تقودهم‬
‫للنجومية وطريق الشهرة والثروة السهلة السريعة وأصبح في كل حين يخرج‬
‫عليك نجم فني أو رياضي جديد حتى فاق عددهم الحصر ‪.‬‬
‫والسؤال الذي يطرح نفسه الن هل نحن حقا ً وفي ظل الوضع الراهن بحاجة‬
‫إلى كل هذا الحشد من النجوم من الرياضيين والفنانين الذين يقدمون لنا كل‬
‫هذا الكم الهائل من المباريات والمسلسلت والفلم والغاني أم أننا نرقص‬
‫فوق سفينة تغرق ؟!‬
‫‪--------------------‬‬
‫الهوامش والمصادر ‪:‬‬
‫)‪ (1‬أزمة المياه في المنطقة العربية ‪ /‬د‪ .‬سامر مخيمر ‪ ،‬خالد حجازي‬
‫سلسلة عالم المعرفة الكويتية عدد ‪209‬‬
‫)‪ (2‬المن الغذائي للوطن العربي ‪ /‬د‪ .‬محمد السيد عبد السلم ‪ .‬سلسلة‬
‫عالم المعرفة الكويتية عدد ‪230‬‬
‫‪ -‬القتصاد السياسي للبطالة ‪ /‬د‪ .‬رمزي زكى سلسلة عالم المعرفة الكويتية‬
‫عدد ‪226‬‬
‫‪ -‬النظام القتصادي العالمي واتفاقيه الجات د‪ .‬حسين شحاتة‬

‫)‪(5 /‬‬

‫الرقي النساني في الخطاب النبوي‬


‫جمال المعاند ‪-‬إسبانيا‬
‫‪ -‬الخطاب النبوي كثير العيون ‪ ،‬سلس المتون ‪ ،‬ألفاظه نور ل يزيدها تقادم‬
‫العهد إل تألقا ‪ ،‬ومعانيه جني ينثر كما تنثر أزهار الربيع ‪ ،‬والحديث عن جوامع‬
‫كلمه صلى الله عليه وسلم يحتاج لمطولت كي تفي أبعاض معانيه ‪.‬‬
‫‪ -‬وفي جهد مقل لمحاولة جمع باقة من أزاهير خميلة النبوة لتفوح في أجواء‬
‫حياتنا عطرا وشذى نبويا تتنسمه أرواحنا التواقة إليه ‪ ،‬ولتزين أماكن في‬
‫العقول والقلوب ‪ ،‬في وقت فتن فيه بعض أبناء جلدتنا بمدنية طغت على‬
‫كثير من العقول والقلوب في العالم ‪ ،‬واقتحمت قلع المبادئ والمثل عن‬
‫طريق هؤلء المفتونين ‪ ،‬وما ذاك إل ضعف في دينهم وغشاوة على أعينهم ‪،‬‬
‫وأحد مظاهر الوهن في الطرح السلمي ‪.‬‬
‫‪ -‬ومع تطور البشرية في العلوم التقنية ‪ ،‬وتراكم الخبرات النسانية ومنها‬
‫العلقات النسانية فقد قننت بعض التشريعات لتصبح أعرافا دولية ‪ ،‬وهي‬
‫عند جل المثقفين على تباين اثنياتهم واختلف مشاربهم تعتبر بدهية في‬
‫رأيهم ‪.‬‬
‫‪ -‬ومما جاء به صلى الله عليه وسلم ونطق به لسانه في ) العبودية لله (‬
‫ليكون النسان حرا مما عداه ‪.‬‬
‫‪ -‬إن النفس البشرية هي نقطة ارتكاز ومركز الوجود النساني ‪ ،‬وقلما إنسان‬
‫اختارت له القدار أن يصل إلى قمة أو أن يرتقي لعلي إل وداخل نفسه شيء‬
‫من الزهو قد يصل به إلى حد الكبر وعتبة العجب – والنفس بطبيعتها تواقة‬
‫لذلك – إل محمدا صلى الله عليه وسلم وإخوانه الذين اصطفاهم الله من‬
‫النبياء والمرسلين ‪ ،‬ومن استطاع إلزام نفسه السير على هدية ‪ .‬قال عليه‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصلة والسلم‪ ":‬إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد ")‬
‫‪ (1‬مخاطبا بذلك أصحابه رضوان الله عليهم ‪.‬‬
‫‪ -‬والعبودية في شرعة المصطفى شرف ‪ ،‬ومقام مستقر ل حال مؤقت يمليه‬
‫موقف عاطفي ‪ ،‬وهذا ما حدا بالشاعر المسلم ليفخر بهذه العبودية قائل ‪:‬‬
‫مما زادني شرفا وتيها وكدته بأخمصي أطأ الثريا‬
‫وقوعي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا‬
‫‪ -‬والعبودية بمضمونها الشامل ‪ ،‬وعلى رأس هذا المضمون العبودية لله‬
‫سبحانه التي ل تقبل التكبر ول إسفاف التعجرف ‪.‬‬
‫‪ -‬وشاخصة نبوية أخرى في طريق العبودية والتكبر على من يخرج عليها قوله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬يحشر المتكبرون يوم القيامة في صور الذر‬
‫يغشاهم الذل من كل مكان " )‪. (2‬‬
‫‪ -‬ومما جاء به صلى الله عليه وسلم ونطق به لسانه في )الخوة النسانية(‬
‫قوله‪:‬‬
‫" اللهم إني أشهد أنك أنت الله ل إله إل أنت وأن العباد كلهم إخوة " )‪(3‬‬
‫وقوله " النسان أخو ا؟لنسان أحب أم كره " )‪.(4‬‬
‫‪ -‬إنها إنسانية وواقعية ل تحارب التمييز الجتماعي وحسب ‪ ،‬بل تستأصله من‬
‫جذوره في النفس البشرية يتمثل فيها التواضع وخفض الجناح والرحمة‬
‫والعفو والخوة بين بني البشر ‪.‬‬
‫‪ -‬فل تمايز البتة إل في واحدة هي ) التقوى ( ‪ .‬ففي حجة الوداع وآخر عهد‬
‫الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وقف ليعلن للناس عودة النفس‬
‫البشرية إلى الفطرة بعد أن اغتالتها وساوس الشياطين ‪ ،‬وارتضت بها‬
‫النفس المارة بالسوء ‪ ،‬وأعطتها الجاهلية أقدام رسوخ قال صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ " :‬إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لدم وآدم من تراب ‪ .‬إن‬
‫أكرمكم عند الله أتقاكم ‪ .‬ليس لعربي على عجمي ول لعجمي على عربي ول‬
‫لحمر على أبيض ول لبيض على أحمر فضل إل بالتقوى ‪ ،‬أل اللهم فاشهد أل‬
‫فليبلغ الشاهد منكم الغائب " )‪. (5‬‬
‫‪ -‬لم تدرك البشرية هذه المعاني والمبادئ إل بعد ما يزيد على أربعة عشر‬
‫قرنا من تاريخ صدورها عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ‪ .‬وأعلنتها‬
‫تحت عنوان حقوق النسان بوثيقة صادرة عن المم المتحدة عام ‪1948‬م ‪،‬‬
‫ومن الغريب أن البشرية ما زالت تعاني من عدم تطبيق بنود هذه الوثيقة إل‬
‫في حيز ضيق جدا ‪.‬‬
‫‪ -‬ومما جاء به ونطق به لسانه في جانب ) الرحمة النسانية ( قوله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ " :‬الراحمون يرحمهم الله ‪ ،‬ارحموا من في الرض يرحمكم من‬
‫في السماء " )‪ (6‬وقوله " من ل يرحم الناس ل يرحمه الله ‪ ،‬ول تنزع‬
‫الرحمة إل من شقي " )‪ (7‬وقوله " خاب عبد وخسر لم يجعل الله تعالى في‬
‫قلبه رحمة للبشر")‪. (8‬‬
‫‪ -‬إنها نفس الرسول محمد صلى عليه وسلم التي فاضت بهذه المعاني‬
‫إشفاقا ورحمة ‪ ،‬وهي سمة يعدها علماء النفس من صفات الشخصية‬
‫السليمة المتوازنة ‪ ،‬وعلمة تمدن إنساني وحضارة إنسانية‪.‬‬
‫‪ -‬وكلمة المسلمين الواردة في كلم الرسول صلى الله عليه وسلم تعني‬
‫جميع بني آدم ولم تخصص المسلمين من دون الخلق تنبئ عن عظمة‬
‫وإنسانية رسول النسانية ‪.‬‬
‫‪ -‬وقد رسم لنا أمير الشعراء أحمد شوقي صورة ذلك بقوله ‪:‬‬
‫فإذا رحمت فأنت أم أو أب وهذان في الدنيا هم الرحماء‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وينداح عطفه ورأفته ورحمته صلى الله عليه وسلم إلى حد لم تصل إليه‬
‫البشرية لحد الن ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -‬فقصته مع أهل الطائف – إبان العهد المكي – مشهورة ‪ ،‬حيث صد ورد‬


‫وأوذي حتى أدميت قدماه من الحجارة التي ألقيت عليه ‪ ،‬وطلب منه – حينئذ‬
‫–الملك أن يطبق عليهم الخشبين ) الجبلين( ورفض ذلك وقال ‪ ":‬عسى الله‬
‫أن خرج من أصلبهم من يوحد الله " ‪.‬‬
‫‪ -‬ومما جاء به صلى الله عليه وسلم " النساء شقائق الرجال " )‪ (9‬وبهذا‬
‫القول أنصف السلم المرأة وحقق لها المثلية مع الرجل وجعلها نصف‬
‫المجتمع من حيث الهمية والمهمة الملقى على عاتقها في سلمة المجتمع‬
‫وصحته وحفظ كيانه وتقدمه ‪ .‬واليوم تفخر البشرية بأنها أعلنت في عام‬
‫سبعة وخمسين وتسعمائة وألف وثيقة القضاء على التمييز ضد المرأة ‪ ،‬ولو‬
‫تتبع منصف مسيرة حقوق المرأة عبر التاريخ لوجد أن عتبة العتراف بها‬
‫كإنسان جاء على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪ -‬وشرع محمد عليه السلم هو أول شرع أعطى المرأة نصيبا من الميراث‬
‫وما يثيره بعض المشككين حول إعطائها نصف الرجل فهي حالة من ست‬
‫حالت ‪ ،‬أما شهادة المرأة نصف شهادة الرجل فقد أجمع العلماء أنها في‬
‫الشؤون المالية ‪ ،‬وتغافل المشككون أن ثمة حالت في الشهادة ل تقبل فيها‬
‫إل شهادة المرأة كرضاع فتكفي فيه شهادة امرأة واحدة ‪.‬‬
‫‪ -‬والنزاعات أمور يفرضها الواقع للكائنات الحية جميعا ‪ ،‬وبين بني البشر لم‬
‫يسلم منها جيل فهي تضارب مصالح وقصور نفسي تزيده وساوس الشياطين‬
‫حدة وضراوة ‪ ،‬فتعارف الناس على مبدأ حق الدفاع عن النفس إذا تجاوز‬
‫الطرف المقابل حدوده ‪ ،‬فكان الجهاد السلمي لرد صولة من أعمى‬
‫بصائرهم الحسد والحقد فولت لهم أنفسهم واّزتهم الشياطين وأطمعتهم‬
‫بالنيل من السلم وأمنه أو تنكبوا لحكمة العقل فمنعوا حرية الدعوة وتصدوا‬
‫لها للحيلولة دون انتشارها ‪ ،‬وبرغم ذلك كله فإن الهدي النبوي بنوره يضيء‬
‫الطريق لتتضح مهمة المجاهدين ول تختلط النفعالت وردود الفعال مع‬
‫الحق ‪ ،‬وترسم الحدود والفواصل فل يهلك الحرث والنسل ‪ ،‬وفي مثل هذه‬
‫الحوال التي يحمى فيها الوطيس ل ينسى النبي صيانة المرأة والحفاظ عليها‬
‫وعدم العدوان عليها فكان يوصي قادة السرايا بذلك يؤكده قوله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ " :‬انطلقوا بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ول تقتلوا‬
‫شيخا فانيا ول طفل صغيرا ول امرأة ‪ (10) " ...‬وحدث أن النبي صلى اله‬
‫عليه وسلم ‪ " :‬رأى امرأة مقتولة في بعض مغازيه فأنكر قتل النساء‬
‫والصبيان " )‪ (11‬وعن عكرمة أنه صلى الله عليه وسلم ‪ ":‬رأى امرأة مقتولة‬
‫بالطائف فقال ‪ ":‬ألم أنه عن قتل النساء ‪ ،‬من صاحبها " فقال رجل ‪ :‬يا‬
‫رسول الله أردفتها فأرادت أن تصرعني فتقتلني فقتلتها فأمر بها أن توارى‬
‫")‪.(12‬‬
‫‪ -‬ومما جاء به صلى الله عليه وسلم ونطق به لسانه في ) الحفاظ على‬
‫البيئة والرفق بالحيوان ( ‪ :‬لقد كان لهذا المر حضور في التوجيه النبوي ‪،‬‬
‫الذي تنبه له الناس في العصر الحاضر ‪ ،‬يقول عليه الصلة والسلم ‪" :‬‬
‫اليمان بضع وسبعون بابا أدناها إماطة الذى عن الطريق و أرفعها قول ‪ :‬ل‬
‫إله إل الله " )‪. (13‬‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -‬وللرفق بالحيوان إشارات جمة في أقوال رسول الله صلى عليه نذكر منها‬
‫قوله في الحيوانات المركوبة " اركبوها سالمة ودعوها سالمة ول تتخذوها‬
‫كراسي لحاديثكم في الطرقات والسواق فرب مركوبة خير من راكبها وأكثر‬
‫ذكرا لله منه ")‪ (14‬وقال في عموم المخلوقات ذات الحياة ‪ " :‬في كل كبد‬
‫رطبة أجر " وقال ‪ ":‬دخلت امرأة النار في هرة حبستها ل هي أطعمتها ول‬
‫تركتها تأكل من خشاش الرض "‬
‫ومن أقوال المنصفين من غير المسلمين ‪:‬‬
‫‪ -‬يقول المستشرق المريكي سنكس في كتابه ‪ :‬ديانة العرب ‪ :‬ظهر محمد‬
‫بعد المسيح بخمسمائة وسبعين سنة وكانت وظيفته ترقية عقول البشرية ‪.‬‬
‫‪ -‬ويقول المستشرق النمساوي شبراك ‪ :‬حق للنسانية أن تفخر بانتساب‬
‫رجل لها مثل محمد ‪.‬‬
‫‪ -‬وإننا لنتمثل قول الشاعر ‪:‬‬
‫هديتنا لسبيل الحق نسلكه مسكتنا حبل هدي غير منصرم‬
‫أنت المام الذي نرجو شفاعته وأنت قدوتنا في حالك الظلم‬
‫المراجع ‪:‬‬
‫‪-1‬رواه ابن سعد في الطبقات‬
‫‪-2‬رواه المام أحمد في مسنده‬
‫‪-3‬رواه أبو داود‬
‫‪-4‬رواه المام أحمد في مسنده‬
‫‪-5‬نفس المصدر السابق‬
‫‪-6‬رواه البخاري في صحيحه‬
‫‪-7‬رواه الترمذي‬
‫‪-8‬مسند أبي نعيم‬
‫‪-9‬رواه الترمذي وأبو داود والمام أحمد‬
‫‪.10‬ذكره أبو داود في سننه‬
‫‪.11‬رواه الجماعة إل النسائي‬
‫‪.12‬رواه أبو داود في مراسيله‬
‫‪ .13‬رواه الترمذي في سننه وقال حديث حسن صحيح‬
‫‪-14‬رواه المام أحمد في مسند‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الرقية الشرعية ‪ -‬منهج تطبيقي‪-‬‬


‫أخي المريض ‪:‬‬
‫أعلم أن الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬حين ابتلك بهذا المرض‪ -‬ورضيت بقضاء الله‬
‫وقدره ‪ -‬كان ذلك دللة حب من الله عز وجل‪ -‬لك ليطهرك ويمحص ذنوبك‪،‬‬
‫ومؤشرا ً لمحاسبة نفسك ‪ ،‬ويذكرك بحقيقة الدنيا الفانية فل تتمادى فيها‬
‫وعليك بالسباب الشرعية لعلجك‪.‬‬
‫ن‬
‫عن أنس ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ " : -‬إ ّ‬
‫عظم الجزاء من عظم البلء ‪ ،‬وأن الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬إذا أحب قوما ً ابتلهم ‪ ،‬فمن‬
‫رضي فله الرضا ‪ ،‬ومن سخط فله السخط " أخرجه الترمذي في سننه )‬
‫‪. ( 2398‬‬
‫من أسباب دفع البلء ‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪ - 1‬اليقين وحسن الظن بالله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬وأل يقول ‪ :‬أجرب كلم الله بل‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يتقين بأن فيه الشفاء فهو الصل في العلج ‪ -‬قال تعالى ‪ ) : -‬وننزل من‬
‫القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين (‪.‬‬
‫‪ - 2‬استشعار عظمة الخالق واللتجاء إليه والتعلق به و دعاؤه و التوبة إليه‬
‫فهو الشافي وحده‪ ،‬فإن أصابك عارض فالرقية على النفس أفضل من رقية‬
‫غيرك عليك‪.‬‬
‫‪ - 3‬حفظ العبد ربه بامتثال أوامره كالمحافظة على الصلوات جماعة في‬
‫المسجد ‪ ،‬واجتناب نواهيه كترك النظر المحرم والبتعاد عن الشاشات‬
‫الهابطة التي أضرت بعض السر وتسببت في شقائها ‪ ،‬وترك استماع الغاني‬
‫والذي انتشر في حفلت الزواج ‪ .‬قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‪ ":‬احفظ الله‬
‫يحفظك " ) صحيح الجامع ‪. ( 7957 /‬‬
‫‪ - 4‬الكثار من الوراد والذكار المستمدة من القرآن والسنة المطهرة ‪ ،‬وذكر‬
‫الله على كل حال كأذكار الصباح والمساء والورد اليومي وأذكار النوم ما بعد‬
‫الصلة ‪ .‬قال تعالى ) ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكى ونحشره‬
‫يوم القيامة أعمى ( ومن الذكار التي تحفظك من شياطين الجن والنس ‪-‬‬
‫بإذن الله ‪ " -‬ل إله إل الله وحده ل شريك له ‪ ،‬له الملك وله الحمد وهو على‬
‫كل شئ قدير " في كل يوم مئة مرة ‪.‬‬
‫‪ - 5‬المداومة على العمال الصالحة فهي تقوي اليمان ‪ ،‬وقد سئل النبي ـ‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ أي العمال أحب إلى الله ؟ قال ‪ ) :‬أدومها وإن قل (‬
‫رواه البخاري ومن العمال الصالحة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬المداومة على قراءة وحفظ ما تيسر من القرآن ‪ ،‬وتدبر آياته ‪ ،‬والمكث‬
‫في المسجد ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬المداومة على السنن التطوعية كالسنن الرواتب وقيام الليل وصلة‬
‫الضحى ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬بر الوالدين ‪ ،‬وصلة الرحام حتى وإن قطعوا ‪.‬‬
‫د ‪ -‬صيام التطوع كصيام أيام البيض والثنين والخميس ‪ ،‬وأيام العشر من ذي‬
‫الحجة ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬استغلل الوقت بما هو مفيد ‪ ،‬كطلب العلم الشرعي والمر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر ‪ ،‬وخير معين الصحبة الصالحة ‪.‬‬
‫و ‪ -‬الحسان إلى الناس والصدقة عن ‪ -‬أبي أمامة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪:‬‬
‫قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ) داووا مرضاكم بالصدقة ( ) صحيح‬
‫الجامع ‪. ( 3358 /‬‬
‫) المرض الغالب على الناس ( ‪ -‬العين ‪: -‬‬
‫قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‪ " :‬أكثر من يموت من أمتي بعد‬
‫قضاء الله وقدره بالعين " ‪ .‬رواه البخاري ‪.‬‬
‫قال فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ‪ :‬العين يتبعها شيطان من شياطين‬
‫الجن فتؤثر في المعين ـ بإذن الله الكوني القدري ـ لقول النبي ـ صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ‪ ) :‬العين حق ‪ ،‬ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين (‬
‫) صحيح الجامع ‪. ( 4147 /‬‬
‫أمثلة على العين ‪:‬‬
‫بعض أمراض السرطان أو الجلطة أو الربو أو الشلل أو العقم أو السكر أو‬
‫الضغط أو عدم انتظام الدورة الشهرية للنساء أو المراض النفسية كالكتئاب‬
‫وأمراض التوحد والوسواس ‪.‬‬
‫منهج الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في العلج ‪:‬‬
‫الجمع بين الصل الدوائي وهي الرقية الشرعية ‪ ،‬والسبب الدوائي وهي‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المور المادية الطبية ‪ .‬قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " عليكم‬
‫بالشفائين ‪ :‬القرآن والعسل ( أخرجه ابن ماجه في السنن ) ‪( 1142 / 2‬‬
‫بإسناد صحيح ‪.‬‬
‫قواعد في الرقية ‪:‬‬
‫‪ - 1‬القراءة بنية الشفاء لهذا المريض ‪ ،‬فالقرآن لو نزل على جبال لصدعها‬
‫أفل يشفي جسما ً من لحم ودم ‪ .‬قال ابن القيم ‪ " :‬فالقرآن هو الشفاء التام‬
‫من جميع الدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والخرة ‪ ،‬حتى لو طالت المدة‬
‫" ‪ ،‬قال‪ -‬تعالى ـ ‪ ) :‬سيجعل الله بعد عسر يسرا ً ( ‪.‬‬
‫‪ - 2‬القراءة بنية الدعوة لهذا المريض باستشعار اليات وللمتلبس )الجان (‬
‫بالهداية ‪ :‬فنجد التأثير العجيب بدون مخاطبة ‪.‬‬
‫‪ - 3‬طريقة التهام ‪ :‬إعمال ً لحديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ‪ ) : -‬من‬
‫تتهمون ؟ ( ) صحيح الجامع ‪. (556 /‬‬
‫وقد يتذكر المريض وصفا ً معينا ً في حادثة أو موقفا معينا له ارتباط بمرضه أو‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫رؤيا يراها ‪ ،‬حتى لو كثر العائنون حيث أن هذه الدلة ظنية ل يقطع بها ولكنه‬
‫يستأنس بها مع إحسان الظن بالجميع ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قال فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ‪ " :‬ليس في التهام فتح لباب العداوة‬
‫والبغضاء كما يظن البعض فإن العين ل يخطر ضررها ببال العائن فالتهام‬
‫لنسان ما ليس جزما ً بأنه العائن إنما هو إعمال للحديث ‪ ،‬وتكون من أسباب‬
‫اللفة والمحبة لنفع المسلم وإزالة الضرر عنه ‪ ،‬فيؤخذ من الثر المفيد من‬
‫عرقه أو ريقه أو شئ مما مس كاليدين ولو بدون علمه ويصب على المعين‬
‫فإنه يبرأ وهو نافع ‪ -‬بإذن الله تعالى ‪ ( ...-‬والشرب أبلغ كما دلت عليه‬
‫التجربة‪.‬‬
‫‪ - 4‬القراءة التصويرية ‪ :‬فل يكفي مجرد القراءة ولكن ل بد من تصور معاني‬
‫اليات والتأثر بها كطريقة شيخ السلم ابن تيمية كيف تصور تصورا ً علجيا ً‬
‫لمريض النزيف حيث شبه الرض بالنسان ) الرض في بلعها للماء والنسان‬
‫بتوقف النزيف ‪ ،‬وأن هذا النزيف بلعته تلك الرض ‪ ،‬وأن مصدر النزيف أقلع‬
‫وأن النزيف غاض وأن المر انتهى ‪ ) .‬كتاب ‪ :‬زاد المعاد ‪ -‬ج ‪. ( 358 - 4‬‬
‫علمة النسان المصاب بعين ‪:‬‬
‫غالبا ً العراض إن لم تكن مرضا ً عضويًا‪ ) :‬صداع ‪ -‬صفرة في الوجه ‪ -‬كثرة‬
‫التعرق والتبول ‪ -‬ضعف الشهية ‪ -‬تنمل أو حرارة أو برودة في الطراف ‪-‬‬
‫خفقان في القلب ‪ -‬ألم متنقل أسفل الظهر والكتفين ‪ -‬حزن وضيق في‬
‫الصدر ‪ -‬أرق في الليل ‪ -‬انفعالت شديدة من خوف وغضب غير طبيعي (‬
‫وقد توجد هذه العلمات أو بعضها حسب قوة العين وكثرة العائنين ‪.‬‬
‫اليات والوراد التي تقرأ على المعيون ‪ :‬القرآن كله شفاء ‪:‬‬
‫وإليك بعض اليات ‪ :‬سورة الفاتحة ‪ -‬آية الكرسي ‪ ) -‬فسيكفيكهم الله وهو‬
‫السميع العليم ( ‪ -‬خواتيم البقرة ‪ ) -‬ولول إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله ل‬
‫قوة إل بالله ( ‪ ) -‬فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين‬
‫ينقلب إليك البصر خاسئا ً وهو حسير ( ‪ ) -‬وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك‬
‫بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون وما هو إل ذكر للعالمين ( ‪-‬‬
‫سورة الخلص والمعوذتين ‪ ) -‬يا قومنا أجيبوا داعي الله وأمنوا به يغفر لكم‬
‫من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ( ‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫) وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ول يزيد الظالمين إل‬


‫خسارا ً ( ‪ ) -‬قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ( ‪ ) -‬وإذا مرضت فهو يشفين ( ‪-‬‬
‫) ويشف صدور قوم مؤمنين ( ‪ ) -‬يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم‬
‫وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ( ‪ -‬سورة النشراح ‪ ) -‬وله ما‬
‫سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم ( ‪ ) -‬حسبي الله ل إله إل هو عليه‬
‫توكلت وهو رب العرش العظيم ( سبع مرات ‪ -‬سورة الزلزلة ‪ ) -‬وقيل يا‬
‫أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي المر واستوت على‬
‫الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين ( ‪ ) -‬وإذا الرض مدت وألقت ما فيها‬
‫وتخلت وأذنت لربها وحقت ( ‪..‬‬
‫ومن الدعية ‪ ) :‬أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك ( سبع‬
‫مرات ‪ ) -‬أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة وكل عين لمة (‬
‫ثلث مرات ) اللهم رب الناس اذهب البأس اشف أنت الشافي ل شفاء إل‬
‫شفاؤك شفاء ل يغادر سقما ( ثلث مرات ‪ ) -‬اللهم أذهب عنه حرها وبردها‬
‫ووصبها(‬
‫وختاما ً ‪ ..‬لبد من اليقين وحسن الظن بالله والتوبة إليه فالقرآن الكريم هو‬
‫أصل دوائي في علج المراض الروحية والعضوية والنفسية ‪ ،‬وقد تمت‬
‫الرقية على كثير من المراض وبخاصة المستعصية منها وتم الشفاء بفضل‬
‫من الله ومّنه ‪ .‬وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ‪.‬‬
‫المراجع ‪:‬‬
‫‪ - 1‬قواعد الرقية الشرعية ‪ .‬الشيخ ‪ /‬عبد الله بن محمد السدحان ‪.‬‬
‫‪ - 2‬كيف تعالج مريضك بالرقية الشرعية ‪ ) .‬دراسة شرعية تأصيلية ( الشيخ ‪/‬‬
‫عبد الله بن محمد السدحان ‪.‬‬
‫هذا الموضوع ) الرقية الشرعية منهج تطبيقي( من إعداد هيئة الرياض‪.‬‬
‫‪ http://www.heartsactions.com‬المصدر ‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الركن السادس من أركان السلم‬


‫عبدالملك القاسم‬
‫دار القاسم‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فإن من أهم المهمات وأفضل القربات التناصح والتوجيه إلى الخير والتواصي‬
‫بالحق والصبر عليه‪ ،‬والتحذير مما يخالفه ويغضب الله عز وجل ويباعد من‬
‫رحمته‪.‬‬
‫والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬منزلته عظيمة‪ ،‬وقد عده العلماء الركن‬
‫السادس من أركان السلم‪ ،‬وقدمه الله عز وجل على اليمان كما في قوله‬
‫ْ‬
‫منك َ ِ‬
‫ر‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ن عَ‬ ‫ف وَت َن ْهَوْ َ‬‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫س ت َأ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ت ِللّنا‬ ‫ج ْ‬ ‫خرِ َ‬ ‫مةٍ أ ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫خي َْر أ ّ‬ ‫م َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫تعالى‪ُ :‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن وَأك ْث َُرهُ ُ‬
‫م‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م ال ُ‬ ‫من ْهُ ُ‬
‫خْيرا لُهم ّ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫بل َ‬ ‫ل الك َِتا ِ‬ ‫ن أهْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِباللهِ وَلوْ آ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫وَت ُؤْ ِ‬
‫ن ‪ .‬وقدمه الله عز وجل في سورة التوبة على إقامة الصلة وإيتاء‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬‫فا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مُرو َ‬ ‫ض ي َأ ُ‬‫م أوْل َِياء ب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ت ب َعْ ُ‬‫مَنا ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫الزكاة فقال تعالى‪َ :‬وال ْ ُ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫طيُعو َ‬ ‫كاة َ وَي ُ ِ‬ ‫ن الّز َ‬ ‫صل َة َ وَي ُؤُْتو َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مو َ‬ ‫قي ُ‬‫منك َرِ وَي ُ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ف وَي َن ْهَوْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ُ‬
‫م‪.‬‬‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫ح ُ‬‫سي َْر َ‬ ‫ك َ‬ ‫ه أوْل َئ ِ َ‬ ‫سول َ ُ‬‫وََر ُ‬
‫وفي هذا التقديم إيضاح لعظم شأن هذا الواجب وبيان لهميته في حياة‬
‫الفراد والمجتمعات والشعوب‪ .‬وبتحقيقة والقيام به تصلح المة ويكثر فيها‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخير ويضمحل الشر ويقل المنكر‪ .‬وبإضاعته تكون العواقب الوخيمة‬


‫والكوارث العظيمة والشرور الكثيرة‪ ،‬وتتفرق المة وتقسو القلوب أو تموت‪،‬‬
‫وتظهر الرذائل وتنتشر‪ ،‬ويظهر صوت الباطل‪ ،‬ويفشو المنكر‪.‬‬
‫ومن فضل المر بالمعروف و النهي عن المنكر ما يلي‪:‬‬
‫قد ْ ب َعَث َْنا ِفي‬ ‫أول‪ :‬أنه من مهام وأعمال الرسل عليهم السلم‪ ،‬قال تعالى‪ :‬وَل َ َ‬
‫جت َن ُِبوا ْ ال ّ‬ ‫َ‬ ‫كُ ّ ُ‬
‫ت‪.‬‬ ‫غو َ‬ ‫طا ُ‬ ‫ه َوا ْ‬ ‫دوا ْ الل ّ َ‬ ‫ن اعْب ُ ُ‬ ‫سول ً أ ِ‬ ‫مةٍ ّر ُ‬ ‫لأ ّ‬
‫ن‬
‫دو َ‬ ‫م ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ن ال َْعاب ِ ُ‬ ‫ثانيا‪ :‬أنه من صفات المؤمنين كما قال تعالى‪ :‬الّتائ ُِبو َ‬
‫منك َ ِ‬
‫ر‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬
‫ن عَ ِ‬ ‫هو َ‬ ‫ف َوالّنا ُ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مُرو َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫جدو َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن الّراك ُِعو َ‬ ‫حو َ‬ ‫سائ ِ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ن ‪ ،‬على عكس أهل الشر و الفساد‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫شرِ ال ُ‬ ‫دودِ اللهِ وَب َ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫حافِظو َ‬ ‫ُ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫ن عَ ِ‬ ‫منك َرِ وَي َن ْهَوْ َ‬ ‫ن ِبال ْ ُ‬ ‫مُرو َ‬ ‫ض ي َأ ُ‬ ‫من ب َعْ ٍ‬ ‫ضُهم ّ‬ ‫ت ب َعْ ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫مَنافِ َ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‪.‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫ن هُ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫سي َهُ ْ‬ ‫ه فَن َ ِ‬ ‫سوا ْ الل ّ َ‬ ‫م نَ ُ‬ ‫ن أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫ضو َ‬ ‫قب ِ ُ‬ ‫ف وَي َ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ثالثا‪ :‬أن المر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصال الصالحين‪ ،‬قال‬
‫ُ‬ ‫ن أ َهْ‬
‫م‬ ‫ل وَهُ ْ‬ ‫ت الل ّهِ آَناء الل ّي ْ ِ‬ ‫ن آَيا ِ‬ ‫ة ي َت ُْلو َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ة َقآئ ِ َ‬
‫ْ‬
‫م ٌ‬ ‫بأ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ل ال ْك َِتا‬ ‫ِ‬ ‫م ْ‬ ‫واء ّ‬ ‫س َ‬ ‫سوا ْ َ‬ ‫تعالى‪ :‬ل َي ْ ُ‬
‫منك َ ِ‬
‫ر‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ف وَي َن ْهَوْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫خرِ وَي َأ ُ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن * ي ُؤْ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫س ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت وَأوْلئ ِك ِ‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫ن ِفي ال َ‬ ‫عو َ‬ ‫سارِ ُ‬ ‫وَي ُ َ‬
‫ة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م ٍ‬ ‫خي َْر أ ّ‬ ‫م َ‬ ‫رابعا‪ :‬من خيرية هذه المة المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ :‬كنت ُ ْ‬
‫ْ‬
‫ن ِبالل ّهِ ‪.‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫منك َرِ وَت ُؤْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن عَ‬ ‫ف وَت َن ْهَوْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫س ت َأ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ت ِللّنا‬ ‫ج ْ‬ ‫خرِ َ‬ ‫أُ ْ‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫موا‬ ‫ض أَقا ُ‬ ‫م ِفي الْر ُِ‬ ‫مك ّّناهُ ْ‬ ‫ن ِإن ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫خامسا‪ :‬التمكين في الرض‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫مورِ ‪.‬‬ ‫ة اْل ُ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫منك َرِ وَل ِل ّهِ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫وا عَ ِ‬ ‫ف وَن َهَ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مُروا ِبال ْ َ‬ ‫كاةَ وَأ َ‬ ‫وا الّز َ‬ ‫صَلة َ َوآت َ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫صُره ُ إ ِ ّ‬ ‫من َين ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫صَر ّ‬ ‫سادسا‪ :‬أنه من أسباب النصر‪ ،‬قال تعالى‪ :‬وَل ََين ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫مُروا‬ ‫كاةَ وَأ َ‬ ‫وا الّز َ‬ ‫صلة َ َوآت َ ُ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫ض أَقا ُ‬ ‫م ِفي الْر ُِ‬ ‫مك ّّناهُ ْ‬ ‫ن ِإن ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫زيٌز * ال ّ ِ‬ ‫قوِيّ عَ ِ‬ ‫لَ َ‬
‫مورِ ‪.‬‬ ‫ة اْل ُ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫منك َرِ وَل ِل ّهِ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫وا عَ ِ‬ ‫ف وَن َهَ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫م إ ِل ّ‬ ‫واهُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫من ن ّ ْ‬ ‫خي َْر ِفي ك َِثيرٍ ّ‬ ‫سابعا‪ :‬عظم فضل القيام به كما قال تعالى‪ :‬ل ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬
‫ل ذ َل ِك اب ْت ََغاء‬ ‫فعَ ْ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫س وَ َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫صل ٍَح ب َي ْ َ‬ ‫ف أوْ إ ِ ْ‬ ‫معُْرو ٍ‬ ‫صد َقَةٍ أوْ َ‬ ‫مَر ب ِ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ظيما ً ‪ .‬و قوله ‪ } :‬من دعا إلى هدى كان له‬ ‫َ‬
‫جرا ً عَ ِ‬ ‫ف ن ُؤِْتيهِ أ ْ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫ت الل ّهِ فَ َ‬ ‫ضا ِ‬ ‫مْر َ‬ ‫َ‬
‫مثل أجور من تبعه ل ينقص ذلك من أجورهم شيئا { ]رواه مسلم[‪.‬‬
‫ثامنا‪ :‬أنه من أسباب تكفير الذنوب كما قال عليه الصلة والسلم‪ } :‬فتنة‬
‫الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره‪ ،‬يكفرها الصيام والصلة‬
‫والصدقة‪ ،‬والمر بالمعروف والنهي عن المنكر { ]رواه أحمد[‪.‬‬
‫تاسعا‪ :‬في القيام بالمر بالمعروف والنهي عن المنكر حفظ للضرورات‬
‫الخمس في الدين والنفس والعقل والنسل والمال‪ .‬وفي المر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر من الفضائل غير ما ذكرنا‪ .‬وإذ ترك المر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر وعطلت رايتة ظهر الفساد في البر والبحر وترتب على‬
‫تركة أمور عظيمة منها‪:‬‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬‫ّ‬ ‫صيب َ ّ‬ ‫ة ل ّ تُ ِ‬ ‫قوا فِت ْن َ ً‬ ‫ْ‬ ‫‪ -1‬وقوع الهلك والعذاب‪ ،‬قال الله عز وجل‪َ :‬وات ّ ُ‬
‫ديد ُ ال ْعِ َ‬ ‫َ‬
‫ب‪.‬‬ ‫قا ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا ْ أ ّ‬ ‫ة َواعْل َ ُ‬ ‫ص ً‬ ‫خآ ّ‬ ‫م َ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫موا ْ ِ‬ ‫ظ َل َ ُ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وعن حذيفة مرفوعا‪ } :‬والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن‬
‫المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابأ منه ثم تدعونه فل يستجاب لكم‬
‫{ ]متفق عليه[‪.‬‬
‫ولما قالت أم المؤمنين زينت رضي الله عنها‪" :‬أنهلك وفينا الصالحون؟" قال‬
‫لها الرسول ‪ } :‬نعم‪ ،‬إذا كثر الخبث { ]رواه ا لبخاري[‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -2‬عدم إجابة الدعاء‪ ،‬وقد وردت أحاديث في ذلك منها حديث عائشة رضي‬
‫الله عنها مرفوعا‪ } :‬مروا بالمعروف‪ ،‬وانهوا عن المنكر‪ ،‬قبل أن تدعوا فل‬
‫يستجاب لكم { ]رواه أحمد[‪.‬‬
‫‪ -3‬انتفاء خيرية المة‪ ،‬قال ‪ } :‬والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر‬
‫ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق‬
‫قصرا‪ ،‬أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم {‬
‫]رواه أبوداود[‪.‬‬
‫‪ -4‬تسط الفساق والفجار والكفار‪ ،‬وتزيين المعاصي‪ ،‬وشيوع المنكر‬
‫واستمراؤه‪.‬‬
‫‪ -5‬ظهور الجهل‪ ،‬واندثار العلم‪ ،‬وتخبط المة في ظلمة حالكة ل فجر لها‪.‬‬
‫ويكفي عذاب الله عز وجل لمن ترك المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪،‬‬
‫وتسلط العداء والمنافقين عليه‪ ،‬وضعف شوكته وقلة هيبته‪.‬‬
‫أخى المسلم‪:‬‬
‫قال العلمة الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله‪" :‬فلو قدر أن رجل يصوم النهار‬
‫ويقوم الليل ويزهد في الدنيا كلها‪ ،‬وهو مع هذا ل يغضب لله‪ ،‬ول يتمعر وجهه‪،‬‬
‫ول يحمر‪ ،‬فل يأمر بالمعروف‪ ،‬ول ينهى عن المنكر‪ ،‬فهذا الرجل من أبغض‬
‫الناس عند الله‪ ،‬وأقلهم دينا‪ ،‬وأصحاب الكبائر أحسن عند الله منه"‪.‬‬
‫خطوات النكار و المر‪:‬‬
‫أول‪ :‬التعريف‪ ،‬فإن الجاهل يقوم على الشيء ل يظنه منكرا‪ ،‬فيجب إيضاحه‬
‫له‪ ،‬ويؤمر بالمعروف ويبين له عظم أجره وجزيل ثواب من قام به‪ ،‬ويكون‬
‫ذلك بحسن أدب ولين ورفق‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الوعظ وذلك بالتخويف من عذاب الله عز وجل وعقابه وذكر آثار‬
‫الذنوب والمعاصي‪ ،‬ويكون ذلك بشفقة ورحمة له‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الرفع إلى أهل الحسبة إذا ظهر عناده وإ صراره‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬التكرار وعدم اليأس فإن النبياء والمرسلين أمروا بالمعروف وأعظمه‬
‫التوحيد‪ ،‬وحذروا عن المنكر وأعظمه الشرك‪ ،‬سنوات طويلة دون كلل أو‬
‫ملل‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬إهداء الكتاب والشريط النافع‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬لمن كان له ولية كزوجة وأبناء‪ ،‬فله الهجر والزجر والضرب‪.‬‬
‫سابعا‪ .‬المر بالمعروف والنهي عن المنكر يستوجب من الشخص الرفق‬
‫والحلم‪ ،‬وسعة الصدر والصبر‪ ،‬وعدم النتصار للنفس‪ ،‬ورحمة الناس‪،‬‬
‫والشفاق عليهم‪ ،‬وكل ذلك مدعاة إلى الحرص وبذل النفس‪.‬‬
‫أخي المسلم‪:‬‬
‫درجات تغيير المنكر ذكرها الرسول بقوله‪ } :‬من رأى منكم منكرا فليغيره‬
‫بيده‪ ،‬فإن لم يستطع فبلسانه‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف اليمان {‬
‫]رواه مسلم[‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية قدس الله روحه‪" :‬ومن لم يكن في قلبه بغض ما‬
‫يبغضة الله ورسوله من المنكر الذي حرمه من الكفر والفسوق والعصيان‪،‬‬
‫لم يكن في قلبه اليمان الذي أوجبه الله عليه‪ ،‬فإن لم يكن مبغضا لشيء من‬
‫المحرمات أصل لم يكن معه إيمان أصل"‪.‬‬
‫وقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله‪" :‬فالله الله إخواني‪ ،‬تمسكوا‬
‫بأصل دينكم أوله وآخره أسه ورأسه‪ ،‬وهو "شهادة أن ل إله إل الله " واعرفوا‬
‫معناها وأحبوا أهلها‪ ،‬واجعلوهم إخوانكم ولو كانوا بعيدين‪ ،‬واكفروا‬
‫بالطواغيت‪ ،‬وعادوهم وأبغضوا من أحبهم‪ ،‬أو جادل عنهم أو لم يكفرهم‪ ،‬أو‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال ما علي منهم‪ ،‬أو قال‪ :‬ما كلفني الله بهم‪ ،‬فقد كذب هذا على الله‬
‫وافترى‪ ،‬بل كلفه الله بهم وفرض عليه الكفر بهم والبراءة منهم ولو كانوا‬
‫إخوانه أو أولده"‪.‬‬
‫أخي المسلم‪:‬‬
‫شاع في بعض أوساط الناس الغفلة عن المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪،‬‬
‫واعتبروا ذلك تدخل في شئون الغير‪ ،‬وهذا من قلة الفهم ونقص اليمان‪ ،‬فعن‬
‫مُنوا ْ‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫أبي بكر قال‪ :‬يا أيها الناس! إنكم لتقرؤون هذه الية‪َ :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫م ‪ ،‬وإني سمعت رسول الله‬ ‫ض ّ‬
‫ل إ َِذا اهْت َد َي ْت ُ ْ‬ ‫من َ‬ ‫ضّر ُ‬
‫كم ّ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م ل َ يَ ُ‬ ‫م َأن ُ‬
‫ف َ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫صلى الله عليه يقول‪ } :‬إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه‬
‫أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه { ]رواه أبوداود[‪.‬‬
‫وتأمل في سفينة المجتمع كما صورها الرسول بقوله‪ } :‬مثل القائم في‬
‫حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة‪ ،‬فصلر بعضهم أعلها‬
‫و بعضهم أسفلها‪ ،‬و كان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على‬
‫من فوقهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا و لم نؤذ من فوقنا‪ ،‬فإن‬
‫تركوهم و ما أرادوا هلكوا جميعا‪ ،‬وإن أخذوا على أيديهم نجوا و نجوا‬
‫جميعا {‪.‬‬
‫ومع السف الشديد ظهرت في بعض المجتمعات ظاهرة خطيرة وهي‬
‫الستهزاء بالمرين بالمعروف والناهين عن المنكر‪ ،‬ولمزهم وغمزهم‪ ،‬والله‬
‫عز وجل قد توعد الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بعذاب أليم‪.‬‬
‫وننبه الحبة الكرام إلى خطورة المر‪ ،‬قال في حاشية ابن عابدين‪ :‬إن من‬
‫قال‪":‬فضولي" لمن يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكرفهو مرتد‪.‬‬
‫وفي "الدر المختار" قال في فصل الفضولي‪" :‬هو من يشتغل بما ل يعنيه‪،‬‬
‫فالقائل لمن يأمر بالمعروف‪ :‬أنت فضولي‪ ،‬يخشى عليه الكفر"‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫اللهم إجعلنا من المرين بالمعروف‪ ،‬الناهين عن المنكر‪ ،‬المقيمين لحدودك‪.‬‬


‫ربنا ل تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا‪ ،‬وهب لنا من لدنك رحمة‪ ،‬إنك أنت الوهاب‪.‬‬
‫اللهم اغفر لنا و لوالدينا و لجميع المسلمين‪ ،‬و صلى الله على نبينا محمد و‬
‫على آله و صحبه وسلم‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الرواية العربية )الواقع والطموح(‬


‫‪16-8-2006‬‬
‫بقلم د‪ .‬محمد الفقيه‬
‫"‪...‬وكم بليت الرواية العربية بروايات ل تحمل من القيمة الفنية شيئًا‪ ,‬ولكنها‬
‫في المقابل تتضمن أفكار التحرر والفساد والنحلل والنظرة المعادية للدين‬
‫وأهله‪ ,‬ثم يأخذ لوبي النقاد العلماني دوره في نفخ الرواية وصاحبها وتلميعها‬
‫حتى يصبح حديث المجالس والمنتديات والفضائيات‬
‫‪"...‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تعتبر الرواية أكثر الفنون الدبية انتشارا في زماننا ‪ ،‬وكتبها تتصدر دائما قائمة‬
‫الكتب الكثر مبيعًا‪ ,‬وسحر الرواية يكمن في القص والحكاية التي تضفي‬
‫متعة للقارئ‪ ،‬وتخرجه من حال السأم والملل والرتابة‪ ،‬وتلهب خياله بأحداث‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرواية وشخصياتها فيعيش في عالمها الخاص ويتخلص ولو مؤقتا ً من خشونة‬


‫الواقع المعاش ‪.‬‬
‫فالرواية تبني عوالم خيالية ينتقل إليها القارئ بوجدانه وأحاسيسه و مخيلته‪،‬‬
‫وتصور له حياة متكاملة ل يستطيع أن يلملم أطرافها في حياته القصيرة التي‬
‫يعيشها جزءا ً جزءًا‪ ،‬بل كثيرا ً ما يكون هناك تشابه بين القارئ وبين بعض‬
‫شخصيات الرواية في ظروف حياته وتطلعاته فيتتبع القارئ مسيرة هذه‬
‫الشخصية بشغف ويرافقه شعور بالسعادة عند تحقيقها لطموحها أو يعي‬
‫الدرس عند فشلها في اتباع نفس طريقه وطموحه ‪.‬‬
‫ول تقتصر فائدتها عند هذا الحد‪ ،‬بل تمنح القارئ فوائد متنوعة ل يستطيعها‬
‫أي فن أدبي آخر لعذوبتها وسيولتها وقدرتها على الولوج في كل باب‬
‫والمشي على الشواك والقفز فوق الحواجز ‪.‬‬
‫كذلك تمنح الرواية قارئها ثراًء لغويا ً خاصة إذا كان الكاتب يتمتع بقدرة على‬
‫انتقاء اللفاظ ووضعها في مكانها المناسب ‪.‬‬
‫كما أنها قد تلخص تجربة شخصيته ‪ ,‬فالروايات معظمها سير شخصية تقولب‬
‫في قوالب متنوعة ويضفي عليها الروائي من رؤاه وأفكاره وتجاربه ‪ ,‬وتختلف‬
‫صعودا ً وهبوطا ً بحسب حياة وتجربة الروائي ‪.‬‬
‫كما أنها قد تنقل تجربة تاريخية فالمؤرخ يطرز أحداثا ً وأرقاما ً جامدة ويقفز‬
‫قفزا ً ول ينقل للقارئ التفاعل الجتماعي والنفسي لتلك الحداث الواقعة في‬
‫زمان أو مكان لم يعشه القارئ ‪ ,‬فينقل إليه الحدث بتفاعلته النفسية‬
‫والجتماعية ‪ ,‬بل ويدخله في الحدث ويجعله يعيش تفصيلته اليومية‬
‫والتغيرات التدريجية التي تتشوف نفسه إليها عند قراءة الحدث على أن‬
‫الرواية التاريخية ليست مصدرا ً موثوقا ً للتاريخ وقد تحشى بالزيف والمبالغة ‪،‬‬
‫وإيجاد شخصيات وهمية وخلفيات يكمل بها فجوات الحدث التاريخي وإعادة‬
‫بناء الحدث التاريخي وتأثيثه حتى يستطيع الروائي تقديم حياة متكاملة ‪.‬‬
‫ومما تتميز به الرواية عن التاريخ أنها تؤرخ للحدث اليومي وللشخصيات‬
‫المهمشة في التاريخ حيث ل يمكن أن يكون لها حضور على مستوى‬
‫الحوادث الكبرى وفعلها في الحدث جانبي وغير ملحوظ للمؤرخ فيغفلها عند‬
‫تسجيله للحدث بعكس الروائي الذي يستحضرها ويجد نفسه مضطرا ً لها عند‬
‫بناءه الروائي ‪.‬‬
‫كما أن الرواية قد تنقل لقارئها الحياة الداخلية لفئة أو طبقة ل يستطيع‬
‫التصال بها أو معايشتها‪ ,‬وهناك مقولة لحد الزعماء الوروبيين يقول ‪ :‬لقد‬
‫فهمت أوروبا من روايات بلزاك أكثر مما فهمتها من كتب التاريخ الفرنسي ‪,‬‬
‫فهي الفن الوحيد الخالي من القيود الفنية المنفتح على كافة مجالت الحياة ‪,‬‬
‫على حد تعبير إبراهيم نصر الله ‪) :‬ذلك الفن المشرع على الحياة بكافة‬
‫تجلياتها النسانية ماضيا ً وحاضرا ً ومستقبل ً ‪ ,‬والقادر على الخروج بجرأة إلى‬
‫كل ما ينتجه البشر من أنواع إبداعية ليتمثلها كما ل يتمثلها أي فن أدبي( ‪.‬‬
‫فالرواية لها أثرها البعيد سلبا ً أو إيجابا ً وكثيرا ً ما يتسرب أثرها غير المباشر‬
‫إلى مكنونات عقل القارئ ونفسه ووجدانه فيتبنى ما فيها من رؤى وأفكار‬
‫ويتمثل ما بها من مشاعر ‪.‬‬
‫والرواية العربية تأثرت بالرواية الغربية ‪ ,‬بل سارت على نسقها ول نريد أن‬
‫ندخل في خلف أهل الختصاص حول ‪:‬‬
‫هل الرواية فن عربي أصيل أم مستورد من الغرب ؟‬
‫ولكن الذي ل يختلف عليه أن التقليد للروائيين الغربيين والسير على سننهم‬
‫في صياغة الرواية واضح في الرواية العربية‪،‬وهذه أول رواية‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عربية"زينب"لمحمد حسين هيكل كان الموضوع الذي تعالجه أقرب ما يكون‬


‫إلى الموضوعات التي تستهوي الروائيين الرومانسيين في فرنسا ومثلها‬
‫"الجنحة المتكسرة" لجبران خليل جبران) ‪. ( 1‬‬
‫يلحظ كذلك اهتمام التيارات العلمانية في البلد العربية بالرواية حتى ل تكاد‬
‫تعرف رواية إل لهم ‪ ,‬ولعل السبب كون الروائي ينشر ما يشاء من الفكار‬
‫في الرواية ويتخلص من تبعتها ‪ ,‬فهي تنسب لشخاص الرواية ل له لذلك‬
‫كانت مجال ً خصبا ً لنشر أفكارهم المصادمة للدين والمخالفة له مخالفة تامة‪,‬‬
‫والتي تحاول بناء مجتمع على أنقاض المجتمع المسلم بعد تحطيم ثوابته‬
‫وأخلقه ومسخه مسخا كامل ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫والحقيقة المؤكدة ‪ :‬أنه ل يوجد كاتب محايد ول متجرد من الهواء وسيطرة‬


‫رؤى معينة عليه ينظر للحياة من خللها ويفسر الحداث على ضوئها ‪ ,‬وسوف‬
‫يفرغ ما في عقله من أفكار وتصورات في نسيج الرواية ويصوغها وفق‬
‫ثقافته ورؤيته للحياة ‪ ,‬والنتيجة كما ذكرنا خروج روايات تحمل أفكارا ً ورؤى‬
‫فاسدة وتطرح حلول أكثر فسادا ً ‪ ,‬والشيء من مستنبته ل يستغرب ‪,‬‬
‫فالمتأمل في أفكار وحياة وتوجهات هؤلء الذين صدرت عنهم هذه الروايات‬
‫ل يجد غرابة بعد ذلك ‪ ,‬فهم مقطوعو الصلة بأمتهم ‪ ,‬والكراهية بينهم وبين‬
‫مجتمعاتهم متبادلة ينفرون من مجتمعاتهم ويكرهونها وينبذونها ومجتمعاتهم‬
‫تبادلهم نفس الشعور هذا إن عرفتهم و إل هم غالبا ً مجهولون ويعيشون في‬
‫دوائر مغلقة هي كل مجتمعهم ويظنون أنها كل الدنيا ويصورون من خللها‬
‫الحياة‪.‬‬
‫ً‬
‫وتنظر في الرواية تجدها خالية من المبادئ والقيم وكثيرا ما تخلوا حتى من‬
‫القيمة الفنية وما أكثر الروايات التي من هذا الطراز‪.‬‬
‫فهذا محمد شكري في روايته الهابطة "الخبز الحافي " وهي سيرة ذاتية‬
‫يصور فيها مدينته وكأنها ماخور كبير تكثر فيه البغايا وينتشر فيه الشذوذ‬
‫بأنواعه وعلب الليل والخمور والمخدرات وكل آفة ورذيلة ول نستغرب بعد‬
‫ذلك الحتفاء الغربي بالرواية وترجمتها لكثر من لغة‪ ,‬كما ل نستغرب صدور‬
‫هذه الرواية من رجل كانت حياته كلها في الفسق والضياع باعترافه هو‪,‬ولكن‬
‫نستغرب احتفاء المثقفين العرب به ‪.‬‬
‫وبروايته التي تعطي صورة مشوهة عن تلك المدينة العربية السلمية وناسها‬
‫الذين ل يمكن بأي حال من الحوال أن يكونوا جميعا بتلك الصورة المشينة‬
‫التي صورها الكاتب‪ ,‬وتعال إليه وهو يحطم صورة الب ويسمه بالجرام‬
‫والنذالة وتشويه صورة الب سنة دارجة عند كثير منهم ليقضوا على كل خلق‬
‫وقيمة ونظام وهذه يمثلها ويحافظ عليها عادة الب‪.‬‬
‫وهذا نجيب محفوظ في " خان الخليلي " يصف المرأة البغي بأنها هي المرأة‬
‫الحقيقية لنها خلعت عن وجهها قناع الرياء وظهرت بطبيعتها وحقيقتها فلم‬
‫يعد هناك داع لدعاء العفاف والطهر والشرف والوفاء ‪ ,‬وكأن الشرف‬
‫والطهر عندهم دائما زيف ونفاق ‪ ,‬وهم إذا لم يعرفوه فهناك من يعرفه وهم‬
‫كثير بفضل الله تعالى ‪.‬‬
‫ً‬
‫أما تركي الحمد في ثلثيته فيقدم مجتمعا منافقا يتدثر بالعفاف ‪ ,‬ولكنه في‬
‫حقيقته يمارس الرذيلة بأبشع صورها ‪ ,‬ثم قام بحشر الجنس في روايته‬
‫حشرا ً بمناسبة وغير مناسبة ‪ ,‬كما أنه مل روايته باللفاظ المقززة المتعفنة‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكأنك تعيش في مزبلة حقيقة ومعنى ‪.‬‬


‫وفي رواية " التفكك " لرشيد بو جدرة ‪ :‬تثور المرأة على الوضع المتدني ـ‬
‫في نظره ثورة عارمة كاسحة تزيح في طريقها العراف كلها وتحطم‬
‫المواضعات وتتحدى الوضع البيولوجي للمرأة ‪,‬فهو يحكي لنا عن سالمة‬
‫المتعلمة التي تشرف على المكتبة الوطنية وتدخن علبتي سجائر في اليوم ‪,‬‬
‫وتطالع الكتب والمجلت وتحمل في يدها صفيحة من أقراص الحمل ‪ ,‬تعشق‬
‫ثم تندم ‪ ,‬وتقطع العلقة كلما شعرت بأن صاحبها قد بدأ يتعلق بها وبعد أن‬
‫فقدت صديقها الطاهر الغمري صارت حرة طليقة ‪ ,‬ترجع إلى البيت في‬
‫ساعة متأخرة ‪ ,‬تفكر في أن تمارس الجنس مع صديقها الوحيد ‪ ,‬وتقول في‬
‫عناد وتحد ومحاورة مع نفسها ‪ :‬أكره المومة ‪ ,‬وكل النساء أمهات وضعن‬
‫لهذا الدور منذ الطفولة ‪ ,‬وأنا الطائشة لن أكون أما )‪. (2‬‬
‫وهذا غيض من فيض ‪ ,‬وكم بليت الرواية العربية بروايات ل تحمل من القيمة‬
‫الفنية شيئًا‪ ,‬ولكنها في المقابل تتضمن أفكار التحرر والفساد والنحلل‬
‫والنظرة المعادية للدين وأهله ‪ ,‬ثم يأخذ لوبي النقاد العلماني دوره في نفخ‬
‫الرواية وصاحبها وتلميعها حتى يصبح حديث المجالس والمنتديات والفضائيات‬
‫‪ ,‬وتقدم الدراسة تلو الدراسة ‪ ,‬والمقالة تلو المقالة لنقد هذه الرواية‬
‫واعتبارها حدثا ً ثقافيا ً متميزا ً ‪ ,‬وربما استثاروا العلماء والدعاة حتى تنقد أو‬
‫تمنع فترة من الزمان ليتهافت عليها القراء ويبحثوا عن سر نقدها و منعها ‪,‬‬
‫فإذا حصلوها بعد عناء وجدوها أقل بكثير من التلميعات التي صدرت بحقها ‪.‬‬
‫ولعلنا نتلمس سمات عامة مشتركة بين أكثر الروائيين العرب ‪:‬‬
‫‪ -1‬الهوس بالجنس وجعله محور الحياة وقاعدتها الذي تدور حوله واعتباره‬
‫قمة البداع الروائي وأي رواية تخلو من الجنس تعتبر باردة عقيمة خالية من‬
‫القيمة في نظرهم ‪.‬‬
‫) إن دخول الجنس في العمل البداعي موجود لدى جميع المم‪ ,‬ولكنه كان‬
‫مستقل ً بذاته أي أنه شريحة وجزء من ثقافة المة له قراؤه وله محبوه ‪ ,‬كما‬
‫أنه له منكريه ‪ ,‬وهذا أمر طبيعي ‪ ,‬ففي الغرب أدب جنسي ولكنه جزء من‬
‫أدب شامل له طقوسه وله خلواته ‪ ,‬فلم أر في حياتي في الغرب راكبا ً في‬
‫القطار أو الباص أو الطائرة يقرأ كتابا ً عن الجنس ‪ ,‬بل لم أر أحدا ً يقرأ مجلة‬
‫جنسية مع وفرتها وانتشارها ‪.‬‬
‫إن للحياة الراقية أدبا ً راقيا ً إذ ل يمكن أن تتحول ساحة الثقافة إلى حمام‬
‫عام ول إلى مبولة عامة ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إذا لماذا نحن مهووسون بهذا الضرب أو بهذا اللون من الدب ؟ فالرواية‬
‫لدينا كي تكون ناجحة فل بد أن تبدأ بالتعري أمامك منذ صفحاتها الولى ‪,‬‬
‫فتدخلها فصل ً فصل ً وهي تتعرى قطعة قطعة ‪ ,‬وعند آخر فصل تكون قد‬
‫ألقت آخر قطعة تغطي بدنها ‪ ....‬حتى أصبح هدف الكاتب ليس العمل‬
‫البداعي وإنما استجداء وصرف نظر مراهقي الثقافة في عالمنا العربي ‪,‬‬
‫وربما بحثا ً عن الترجمة إلى لغة أخرى بهذه الوسيلة تماما ً كما يحدث لبعض‬
‫أفلمنا العربية حينما يحاول بعض المخرجين العرب ترويج بضاعتهم إلى‬
‫الغرب للحصول على أوسمة وجوائز حتى ولو كان عمله هابطا ً إلى درجة‬
‫التقزز ‪ ,‬فالجسد العربي الذي يظهر أسمرا ً ‪,‬طريًا‪ ,‬بضا ً ‪ ,‬أصبح يباع رخيصا ً‬
‫في سوق نخاسة السينما الغربية ‪ ...‬عيب هذا الفن ‪ ,‬وعيب هذا النقد ‪ ,‬دعوا‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشياء تأخذ حجمها الطبيعي ول تضيفوا عليها هذا التبجيل ‪ ,‬ول ترقصوا‬
‫كالدراويش والمصابين بالزار على ضوء فتيلة بائسة ‪ ,‬ل شيء فيها إل أنها‬
‫تضيء مساحة لممارسة ما هو محرم ‪.‬‬
‫إن مقومات إبداع هؤلء تكمن في ثلثة ‪:‬‬
‫النيل من الدين ‪ ,‬النيل من الخلق ‪ ,‬الحديث الفاضح عن الجنس ‪.‬‬
‫هذا الثالوث المقدس في جراية أهل هذا الفن أو العفن ‪ ,‬وهو وسيلة البروز‬
‫والنجاح ‪ ,‬لقد أصبحت الخسة ‪ ,‬والرقاعة ‪ ,‬والهبوط إلى أقبية الرذيلة الطرق‬
‫الناجحة نحو الشهرة ودخول عالم حمير الثقافة ‪ ,‬بل صارت هذه الروايات‬
‫الساقطة إحدى معجزات زماننا الثقافي المهيمن()‪. (3‬‬
‫فالغرب وجد ضالته في هؤلء الباحثين عن الشهرة بأي ثمن حتى لو على‬
‫حساب دينه وأخلقه ومبادئه فأبرز كتاب الجنس الفاضح وأصبحت الترجمة‬
‫والجوائز الدبية الممنوحة لهذا الدب المتعري تسيل لعاب هؤلء‪ ,‬فازدادوا‬
‫عريا وعربدة في رواياتهم ‪ ,‬ولعل احتفاء الغرب برواية محمد شكري أكبر‬
‫دليل على هذا ‪.‬‬
‫‪ -2‬إعلء قيمة العشق المذموم ‪ ,‬وتصوير الحياة بدونه جافة كريهة ل روح‬
‫فيها ‪ ,‬ومن ل يعرف العشق ل يعرف الحياة ‪ ,‬بل ل يعتبر إنسانا في نظرهم‬
‫وقد ملئوا رواياتهم بقصص الحب المحرم بين فتى وفتاة ل تربطهم علقة‪,‬‬
‫وحتى بين امرأة متزوجة مع رجل غريب والعكس ‪ ,‬ورسخوا في عقول بعض‬
‫كن‬‫الشباب استحالة الزواج من دون سابق علقة ‪ ,‬وشرعوا للزوجة إذا لم ت ّ‬
‫الحب لزوجها خيانته‪.‬‬
‫وقد يصبح الكتاب موضع نقد في نظرهم إذا خل منه ‪ ,‬فهذا إحسان عباس‬
‫في سيرته " غربة الراعي " ينتقد أحمد أمين في سيرته الذاتية " حياتي "‬
‫كيف أنه قرأها فوجدها خالية من الحب فطالبه بإعادة النظر في هذا‬
‫الجانب ‪.‬‬
‫كيف أصبح العشق المذموم والعلقات المحرمة والخيانة الزوجية تعلن على‬
‫رؤوس المل من غير نكير ‪ ,‬بل أصبحت عرفا ً مستساغا ً ‪ ,‬ل تنكره حتى‬
‫القلوب في أدنى درجات اليمان ؟‬
‫‪ -3‬نشر أفكار اللحاد والعلمنة والستهزاء بالدين ‪ ,‬ومحاولة تسويقها عبر‬
‫السرد الروائي بعدما فشلت ونبذها الناس ‪.‬‬
‫‪ -4‬تحطيم صورة الب في محاولة لتحطيم كل عرف وخلق وانضباط ونظام‬
‫يمثله الب ‪ ,‬فصوروا الب في كثير من رواياتهم على أنه رمز للستبداد‬
‫والطغيان وكبت الحريات والنانية ولبد من تحطيم هذا الرمز لتحقيق حلم‬
‫الحرية ‪ ,‬وهي دعوة للتمرد على الب والخروج من طاعته ‪ ,‬والتمرد على‬
‫القيم المتوارثة التي يحملها الب ويحرص عليها ويسعى جاهدا ً لغرسها في‬
‫أبنائه ‪ ,‬فإذا تحطم هذا الرمز نشأ جيل منبت عن ماضيه ول يعرف معروفا ً ول‬
‫ينكر منكرا ً ‪.‬‬
‫والناظر في ثلثية نجيب محفوظ وروايات محمد شكري والطاهر بن جلون‬
‫وغيرهم يرى الصورة المظلمة التي رسموها للب ‪.‬‬
‫‪ -5‬الثورة على جميع العراف والقيم والتقاليد الموروثة واعتبارها بالية ورمزا ً‬
‫للتخلف والقهر والستبداد ‪.‬‬
‫وهذا توفيق عواد في " طواحين الهواء " يقول على لسان بطلته ‪ :‬سأحارب‬
‫تحت كل سماء ‪ ,‬ضد كل الشرائع والتقاليد التي ارتضاها المجتمع ؛ لنه‬
‫باسمها أنكر علي حق الحياة تحت سماء بلدي ‪.‬‬
‫‪ -6‬رسم صورة مشرقة للبغايا والساقطات ‪ ,‬فل تشعر الفتاة بالعار والعيب‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهي تقرأ عنهن بل ربما حصروا الخير فيها ‪,‬فنجيب محفوظ في " اللص‬
‫والكلب " حينما يصور مجتمعا ً ظالما ً أنانيا ً و حين ُتسد الطرق أمام بطل‬
‫الرواية يجعل الجانب المشرق في الرواية عند بغي دافعت عن هذا المظلوم‬
‫وسعت لحمايته ‪.‬‬
‫‪ -7‬احتقار المومة ونعتها بالمهمة الحقيرة التي ينبغي للمرأة العصرية‬
‫المتحررة الراقية أن تتعالى عن هذه الوظيفة التي تشبه في نظرهم الدجاجة‬
‫المعدة للبيض أو البقرة المعدة للحلب ‪ ,‬وتقتصر وظيفتها في الحياة بعد ذلك‬
‫على الولدة وتربية الولد ‪ ,‬ولكن يا ترى ما الوظيفة العظيمة والمهمة‬
‫الراقية التي يعدون بها المرأة ؛ إنها الضياع والفساد ‪ ,‬وجعلها سلعة رخيصة ل‬
‫ترد يد لمس ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وهذه بطلة رواية " التفكك " لرشيد بوجدرة بعد ما أسبغ عليها من الصفات‬
‫التي يريد المرأة المسلمة أن تتحلى بها ‪ ,‬فهي صاحبة علقات وتمرد على‬
‫القيم وعبثية ل متناهية ‪ ,‬تقول محاورة نفسها ‪ :‬أكره المومة وكل النساء‬
‫وضعن لهذا الدور منذ الطفولة ‪ ,‬وأنا الطائشة لن أكون أما ‪.‬‬
‫‪ -8‬الدعوة لنبذ الدين بشرائعه وقيمه وأخلقه ‪ ,‬والهجوم على علمائه‬
‫ووصفهم بالنتهازيين والمنافقين ‪ ,‬وتصوير الحياة مع الدين وقيمه تصويرا ً‬
‫بائسا ً كريها ً يستدعي التمرد عليه ونبذه ‪.‬‬
‫فإملي نصر الله في روايته " طيور أيلول " يصور علقة الحب بين نجلء‬
‫وكمال اللذين وقف بينهما حاجز غبي مجانب للمنطق ومجموعة من الفكار‬
‫المتحجرة من بقايا الجيال الماضية وآثار حوافر خيول عربية داست أراضي‬
‫القرية ‪ .‬وسموم رياح هبت عبر السنين وعششت في رئات السكان ‪ .‬فنجل‬
‫مسلمة وكمال كافر ‪ ,‬وقد وقف الدين حجر عثرة في طريق إتمام هذا الحب‬
‫‪ ,‬ولعل بعض الفتاوى التي يصدرها بعضهم في هذه اليام التي تبيح زواج‬
‫المسلمة من الكتابي روافد لمثل هذه الفكار السوداء‬
‫‪ -9‬النظرة السوداوية للحياة والحباط والقهر الذي يصوره لك كاتب الرواية‬
‫وكأنك تعيش في جحيم ارضي سكانه من الوحوش ويتصفون بأبشع الخلق‬
‫وأرداها فهم بين مستبد ولص ومنافق ومتخلف ‪ ,‬وهذا انعكاس لنفسياتهم‬
‫التي يحاصرها الحباط على كافة المستويات ‪ ,‬فالعلمانيون العرب أرادوا أن‬
‫يستنبتوا شجرة خبيثة غريبة في أرض غريبة عليها ‪,‬فلم تنمو ولم تؤت أكلها ‪,‬‬
‫بل أثمرت حنظل ً وأورقت أشواكا ً أدمت قلوبهم قبل أن تدمي غيرها ‪,‬‬
‫فصاحبها نفسيات محطمة مشوهة يقتلها الحساس بالغربة وتطاردها اللعنات‬
‫والتهامات ‪.‬‬
‫وهذا غيض من فيض ‪ ,‬ومن زار هذه الروايات رجع بما ذكرته وأكثر‪ ,‬والحجة‬
‫التي يتشدقون بها دائما عندما يحاصرون ويكاشفون بالسقطات والسفافات‬
‫التي تضمنتها رواياتهم أنه إلى متى ونحن نغطي عيوبنا ‪ ,‬وإلى متى نحاول‬
‫إخفاءها عن النظار لماذا نتخيل مجتمعنا نقيا ً طاهرا ً مع أنه يعج بألوان‬
‫الفساد ؟‬
‫لماذا ل نمتلك الشجاعة ونواجه مشكلته ‪ ,‬بل نفضحها ؟ وقد يغر الغّر فيندفع‬
‫ببلهة لتصديقهم ‪.‬‬
‫اتفقنا معهم على وجود أخطاء وتجاوزات ومساوئ لبد أن توجد بحكم طبيعة‬
‫اختلف البشر وتفاوتهم ‪ ,‬إل أنا ل نتفق معهم على طريقة علجها بهذه‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصورة المقززة الفاضحة التي تدعوا للفساد ول تدعوا للصلح ‪.‬‬


‫ثم هل خل المجتمع من الفضائل والمحاسن حتى تختفي من رواياتهم ونظل‬
‫نبحث عنها حتى بالمجهر فل نجدها ؟ لماذا تسليط الضوء على الفساد‬
‫والمور المخلة ؟ وكأنهم يقولون للناس ‪ :‬هذه حياتكم ‪ ,‬وهذا مجتمعكم ‪ ,‬فل‬
‫تتمسكوا بفضيلة ول تدعوها ‪ ,‬بل القوا عن أعناقكم ثقلها ‪ ,‬فالتمسك بها نفاق‬
‫ومظهرية جوفاء ‪ ,‬وانطلقوا كالبهائم في أودية الشهوات ‪ ,‬ثم هل عرضوها‬
‫بصورة تبين جرمها وسوئها أم عرضوها بصورة محببة للنفوس ؟‬
‫والبعض قد يحتج بأن في التراث قصص مخجلة فلماذا ل ننتقد ؟ لماذا التركيز‬
‫على النتاج المعاصر ‪ ,‬و إضفاء التقديس للتراث ؟ ولكن يقال له ‪ :‬إن التراث‬
‫وغيره يحاكم على ميزان الكتاب والسنة ‪ ,‬ولو كان عندهم مجرد اطلع على‬
‫كتب العلماء لرأوا كيف ذم العلماء بعض كتب التراث الدبي كالغاني وغيره‬
‫لنها تضمنت أمور مخلة ‪.‬‬
‫أيضا ً المة ل تزال في فترة ضعف وبناء وليس لدينا وقت للهزال والمسخرة‬
‫وتبديد العمر في مثل هذه الترهات ‪.‬‬
‫وقد أحس بقيمة الرواية وخطورتها وبعد أثرها في قرائها نفر من أرباب‬
‫ً‬
‫الدب السلمي وقامت محاولت مشكورة ‪ ,‬ولكنها ل تفي بالغرض كما و‬
‫كيفًا‪ ,‬فهناك روايات أقرب للحكايات البسيطة السطحية التي ل تروي نهمة‬
‫القارئ ول تمنحه الخيال ول تضيف إلى مشاعره ومكنونات نفسه شيئا ً‬
‫يذكر ‪.‬‬
‫الرواية تحتاج لبناء خيالي قريب من البناء الحقيقي للمجتمع ‪ ,‬لذلك يحتاج‬
‫الروائي لخيال خصب لكمال جوانب الحياة بأحداثها وشخصياتها كما هي ‪,‬‬
‫ويبث فكرته المرادة في الرواية ويلمسها عن بعد من غير مباشرة لها حتى‬
‫ل تفقد تأثيرها وتتحول إلى وعظ مباشر ‪ ,‬فالوعظ له مجاله وطرائقه التي‬
‫ليست منها الرواية ‪ ,‬وإن كان ل مانع أن يتخلل الرواية بعض المواعظ التي‬
‫تنسجم مع سياقها ول تقحم إقحاما ً ‪ ,‬بل تكون كما قيل ‪ :‬لمحة داله ‪.‬‬
‫والمشكلة التي يقع فيها من يحاول أسلمة العلوم والداب والفنون عموما ً‬
‫وكتاب الروايات السلمية خصوصا ً أنه تتلمذ على الروائيين الغربيين‬
‫والروائيين العلمانيين فأخذ منهم نظرتهم للحياة وتصويرهم لها ‪ ,‬فإذا أراد‬
‫كتابة رواية إسلمية ربما ل يستطيع التخلص من علئق هؤلء في فكره‬
‫وعقله ‪ ,‬بل ربما استمد تصوير الحياة وأحداثها منهم وإعطائها صبغة إسلمية‬
‫وهو ل يشعر ‪ ,‬بل ربما وضع بعض القيم السلمية في غير موضعها فيضر من‬
‫حيث يظن أنه ينفع وكم من مريد للخير لم يبلغه ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وأذكر محاولة كاتب رواية إسلمية حاول نسج قصته عن العفة ‪ ,‬ولكنه‬
‫صورها بطريقة مقلوبة حيث ضخم موضوع الجمال والدلل والنظرات والحب‬
‫‪ ,‬ثم جعل هذا الشاب المتدين يعيش أزمة العفة حين تعلق قلبه بمحبوبته ‪,‬‬
‫فتسود الدنيا في وجهه لنه متدين ولنه يرفض الوقوع في الحرام‪ ,‬والحلل‬
‫طريقه مسدود مما يجعل القارئ للرواية ربما يستثقل العفة ويراها أزمة‬
‫يعيشها النسان العفيف ‪ ,‬حتى أنه صور أحد الناصحين لهذا الشاب من مغبة‬
‫العشق بأنه كبير في السن ويعيش زمان غير زمان الشباب ‪ ,‬ويعرج أحيانا ً‬
‫إلى جوانب مثيرة كذكر مفاتن المرأة أو لقاء الحبيبين الذين ليس بينهما‬
‫علقة شرعية‪ ,‬وقد يدخل بعضهم بدعا ً في الرواية بسبب جهله بالشرع‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كزيارة الضرحة لتفريج الكربات أو التبرك بالولياء ‪ ,‬وربما أدخل التصورات‬


‫العلمانية للحياة في الرواية وهو ل يشعر ‪.‬‬
‫وطالما أنه حمل مسمى رواية إسلمية فصاحبها مسئول أمام الله تعالى أول ً‬
‫وأمام باقي المسلمين ثانيا ً أن يقدم أدبا ً ينطلق من رؤية إسلمية حقه وإن‬
‫كان ل يريد أو ل يستطيع فلينسبها لنتاجه وفكره فتكون مسؤوليته أقل‬
‫وضرره أهون ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لبد لمن يتصدى للدب السلمي عموما وللرواية السلمية خصوصا أن‬
‫ينطلق من مفاهيم السلم يبثها خلل روايته ‪ ,‬فالذي ل يعي النظرة السلمية‬
‫والمفاهيم القرآنية ربما انطلق من منطلقات مخالفة وهو ل يشعر ‪ ,‬وهذه‬
‫المفاهيم تكمن في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم‬
‫وسيرته المباركة وفي حياة السلف الصالح وفيما خطه علماء السلم الكبار ‪.‬‬
‫لو تأملنا في كتاب الله تعالى لوجدناه كنزا ً ل يفنى من العبر والمفاهيم‬
‫والقيم والحكم والقصة تأخذ حيزا ً كبيرا ً منه‪ ,‬فيستطيع الروائي السلمي‬
‫الستفادة من هذا المعين العظيم قيما ً ومفاهيم ومنهجية في القص ‪,‬‬
‫فالقرآن قص أحوال المم السابقة محسنهم ومسيئهم وشيئا ً من حياتهم‬
‫وأعمالهم ونهاياتهم ‪ ,‬فيستفيد الروائي كيفية تصوير حال المحسن والمسيء‬
‫وكيف يعرض قضيتي الحق والباطل ‪.‬‬
‫وهنا مثال ذكره الستاذ محمد قطب وهو قصة يوسف عليه الصلة والسلم ‪,‬‬
‫فالقصة تحكي اختلء امرأة برجل وعرض نفسها عليه وتمنعه عنها ‪ ,‬فالقارئ‬
‫للقصة تستشعر نفسه العفة وقيمتها وتميل إليها وتنفر عن الفاحشة ‪ ,‬بل ل‬
‫يشعر بأي إثارة أو تحرك لنار الشهوة في قلبه ‪ .‬فالجوانب المثيرة كانت‬
‫مغفلة لنها ليست الهدف ‪ ,‬وربما يعرض بعضهم قصة عفة فيركز على‬
‫جوانب الثارة ليبين للقارئ مدى الصعوبة التي يواجهها العفيف ‪ ,‬فيورد من‬
‫تفاصيل مفاتن المرأة ما يهيج القارئ ويجعل فكره وخياله يحلق حول هذه‬
‫المفاتن ‪ ,‬وربما ركز على أمور أخرى كحرارة اللقاء وغير ذلك مما يذهب‬
‫بلب القارئ ويضيع الهدف الحقيقي من وراء روايته ‪.‬‬
‫وربما يقول البعض ‪ :‬إن الرواية الخالية من الحب تكون جافة غير‬
‫مستساغة ‪ ,‬وهو إضافة على أنه حكم قاصر فيه تجن على الذوق العام‬
‫ووصفه بالذوق الهابط الذي ل يتذوق إل المفاسد ول يتعدى عقول أهله‬
‫وأفكارهم هذا الطار ‪ ,‬وحقيقة لو إستقرأت واقع الناس وهمومهم لوجدت أن‬
‫مسألة الحب والجنس ليست كل شيء عند الناس ‪ ,‬فالناس لهم اهتمامات‬
‫كثيرة سواء بالقتصاد أو السياسة أو أحوال المجتمع أو التاريخ ولعل نموذج‬
‫القنوات الفضائية الجادة أكبر مثال على هذا ‪.‬‬
‫فالذين رسخوا العلم الفاسد المطعم بالثارة في كل جزء ‪ ,‬حاولو إقناعنا‬
‫بعدم نجاح إعلم إل إذا تضمن إثارة ونساء إلى آخر تلك الطبخات المتعفنة ‪.‬‬
‫فلما جاء إعلم خال من كل هذا أصبح حديث المجالس وأصبحت قنواته‬
‫تتصدر قائمة القنوات من حيث عدد المشاهدين ‪ .‬وما أكثر الموضوعات التي‬
‫يمكن أن تؤلف حول الرواية سواء في الجوانب التاريخية أو الجتماعية أو‬
‫غيرها ‪ ,‬فما على الكاتب إل انتقاءها ثم توظيفها ‪.‬‬
‫والتاريخ السلمي بحر زاخر بالحداث العظيمة والتي كان لها أثر في كافة‬
‫التغيرات ‪ ,‬والتاريخ كما قيل يكتبه المنتصرون ‪ ,‬فهو تاريخ الغالبين ‪ ,‬أما‬
‫الرواية فهي تاريخ المقهورين والمهمشين والمنسيين ‪ ,‬إنها تؤرخ للتفاصيل‬
‫اليومية وما وراء الحداث مما ل يستطيع التاريخ التقاطه ‪ ,‬ويستطيع الراوي‬
‫المحترف تصوير مرحلة بأحداثها وشخصياتها وإيجابياتها وسلبياتها ‪ ,‬ولعل أكبر‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مصدر يساعد المؤرخ على هذا هو كتب الرحلت حيث يصف الرحالة الحياة‬
‫الجتماعية والقتصادية والكثير الكثير من مشاهداته في البلد التي دخلها ‪,‬‬
‫كذلك كتب السير الذاتية وإن كانت قليلة إل أنها وجدت تسد مسدا ً كبيرا ً ‪,‬‬
‫ومنها تراجم العلماء فتجد فيها تفصيلت للعصر وطبيعة الحياة التي عاش‬
‫فيها المترجم له ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ومن الحوادث العظيمة التي تستحق أن يكتب عنها فترة الحروب الصليبية‬
‫تلك الحرب الظالمة التي اكتسحت العالم السلمي وتمددت فيه شرقا ً وغربا ً‬
‫وبقيت جاثمة قرابة المائتي سنة ‪ ,‬فيستطيع الروائي تصوير ما قبل الجتياح‬
‫الصليبي كيف كان حال المجتمع المسلم من انحسار في الدين وضعف في‬
‫العزيمة وتهالك على الدنيا وتفرق وتناحر ‪ ,‬وكيف سهل هذا الغزو الصليبي‬
‫الغاشم ‪ ,‬ثم الجرائم البشعة التي قام بها الصليبيون في العالم السلمي ‪,‬‬
‫والتركيز على التغير الواسع في كافة المستويات حينما عاد المسلمون‬
‫لدينهم ووحدوا صفوفهم كل هذا ساعدهم على طرد المحتل وإخراجه يجر‬
‫أذيال الهزيمة ‪.‬‬
‫وتعال إلى حياة المسلمين في الندلس منذ الفتح السلمي إلى سقوط آخر‬
‫معاقله في يدي النصارى وما صاحبها من علو شان وحضارة وعمارة وفنون‬
‫وعلوم ثم ارتكاس في الشهوات والدعة والميل إلى الدنيا حتى آل حالهم‬
‫إلى الهزيمة والسقوط ‪ ,‬ثم رحلة الشتات لهم وتفرقهم في البلد ‪.‬‬
‫والنماذج كثيرة ‪ ,‬ولعلها تكون بديل ً لبعض الروايات المشبوهة للتاريخ‬
‫السلمي كروايات جرجي زيدان التي إضافة لما تضمنته من تشويه متعمد‬
‫للحقائق التاريخية تشم رائحة النصرانية والصليب في كل مكان من جسد‬
‫الرواية ‪ ,‬وكأن النصارى هم أصحاب الدور الفاعل في تاريخنا وحضارتنا ‪.‬‬
‫أما تاريخنا المعاصر منذ سقوط الخلفة وما صاحبها من صعود القوميات‬
‫واستيراد الفكار العلمانية وتطبيقها ثم فشلها ‪ ,‬كل هذا يعطي الروائي مادة‬
‫ل يستهان بها ‪ ,‬فالروائي يستطيع أن يصور حالة التأزم والضياع والنخداع‬
‫بهذه اليدلوجيات وانبهار المة بها وبروادها ثم المأساة والقهر والستبداد‬
‫التي عاشتها تلك الشعوب فترة حكمها ‪ ,‬ثم اتضاح الكذوبة الكبرى لتلك‬
‫التيارات ‪ ,‬كل هذا ربما ل تستوعبه الجيال اللحقة لنها تأخذ تاريخا ً مختصرا ً‬
‫ل يقدم الحقيقة من كافة جوانبها وهنا يأتي دور الروائي الجاد ‪.‬‬
‫أما الرواية الجتماعية فالمجتمع يعج بكثير من المخالفات والمنكرات والولوغ‬
‫في الشهوات فيستطيع الروائي من خلل روايته إظهار جمال وقيمة العفة‬
‫والستقامة‪ ,‬وفي المقابل إظهار بشاعة الحياة الشهوانية ونهاياتها‬
‫المأساوية ‪.‬‬
‫الهوامش ‪:‬‬
‫)‪ (1‬الرواية الن ص)‪ (8‬للدكتور عبد البديع عبدالله ‪.‬‬
‫)‪(2‬عبد السلم البسيوني ‪ .‬صورة المرأة في الرواية العربية ص ) ‪. ( 3‬‬
‫)‪ (3‬الرواية العربية ومعجزة الجنس ‪ ,‬لعبدالله الناصر ‪ ,‬جريدة الرياض )‬
‫‪. ( 13737‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الروح من أسرار الوجود‬


‫إلياس بل‬
‫من ألغاز الوجود روح النسان التي بها قيامه وحياته‪ ،‬وهي جزء منه وأقرب‬
‫شيء إليه‪ ،‬بل لعلها تمثل الحقيقة النسّية نفسها‪ ...‬ومع ذلك فنحن إلى اليوم‬
‫نجهل كل شيء عن الروح‪ :‬أصلها‪ ،‬وطبيعتها‪ ،‬ونوع حياتها وموتها‪ ،‬ومم‬
‫تتشكل‪...‬‬
‫لكن الروح موجودة وحية‪ ،‬فهذا لشك فيه‪ .‬ومما يدل على ذلك ظاهرة قيام‬
‫الجزاء الخرى للمخ بالعمليات الخاصة التي كان يقوم بها الجزء الذي تعرض‬
‫للتلف أو التدمير‪ ،‬فهذا معناه أن تدمير جزء أو أجزاء من الدماغ ل يؤدي إلى‬
‫اندثار معالم الشخصية الفردية)‪.(1‬‬
‫ونعرف عن الروح أيضا ً أشياء أخرى‪ ،‬مثلما قال ابن تيمية‪" :‬اتفق العلماء‬
‫على أن الروح مخلوقة‪ ،‬وقال الجمهور بأنها قائمة بذاتها‪ ،‬تقبض وتنعم‬
‫وتعذب")‪.(2‬‬
‫وعدا هذه الحقاِئق ‪ -‬ونحوها ‪ -‬ل نعرف كبير شيء عن الروح‪ .‬وقد أكثر بعض‬
‫الناس الكلم في تعريف الروح والنفس‪ ،‬وتنطع قوم وتباينت أقوالهم‪ ،‬حتى‬
‫قيل‪ :‬إن القوال فيهما بلغت مائة)‪ .(3‬وهي مع ذلك ل تفيد شيئًا‪ ،‬ول طائل‬
‫ل‪" :‬الروح جسم لطيف يسري في جميع أجزاء‬ ‫من ورائها‪ .‬فقولك ‪ -‬مث ً‬
‫الجسد" ل يقدم شيئا ً ول يؤخر في أمر حقيقة الروح‪.‬‬
‫وقد كان الوحي حريصا ً على إيضاح هذه الحقيقة‪ ،‬فخاطب النبي الكريم قائ ً‬
‫ل‪:‬‬
‫ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إل قليل )‬
‫‪} (85‬السراء‪.{85 :‬‬
‫وسبب نزول هذا التوجيه أن بعض يهود المدينة مر على النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،-‬وهو في حرث أو نخل‪ ،‬فقال بعضهم لبعض‪ :‬سلوه عن الروح‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬ل تفعلوا‪ ،‬حتى ل يستقبلكم بشيء تكرهونه‪ .‬فسألوه‪ ،‬ولم يرد‬
‫النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬عليهم بشيء‪ ،‬حتى نزلت الية)‪.(4‬‬
‫وقال أكثر أهل العلم‪ :‬إن اليهود سألوه عن الروح التي تكون بها الحياة في‬
‫الجسد‪ ،‬وهي المقصودة في الية)‪.(5‬‬
‫م بّين العلماء بعضها‪ .‬قال ابن بطال‪ :‬معرفة حقيقة الروح‬ ‫حك َ ٌ‬
‫ولهذا البهام ِ‬
‫مما استأثر الله بعلمه بدليل هذا الخبر‪ .‬والحكمة في إبهامه‪ :‬اختبار الخلق‬
‫ليعرفهم عجزهم عن علم ما ل يدركونه حتى يضطرهم إلى رد العلم إليه)‪.(6‬‬
‫وقال أبو العباس القرطبي في جملة )قل الروح من أمر ربي(‪" :‬أي هو أمر‬
‫عظيم‪ ،‬وشأن كبير من أمر الله ‪ -‬تعالى ‪ ،-‬مبهما ً له وتاركا ً تفصيله ليعرف‬
‫النسان على القطع عجزه عن علم حقيقة نفسه مع العلم بوجودها‪ .‬وإذا كان‬
‫النسان في معرفة نفسه هكذا‪ ،‬كان بعجزه عن إدراك حقيقة الحق أولى")‬
‫‪.(7‬‬
‫وإذا كان مفهوم الية هو منع الكلم في الروح‪ ،‬فكيف نعلل حديث بعض‬
‫العلماء في هذا الموضوع‪ ،‬مثل‪ :‬محمد ابن نصر المروزي‪ ،‬والقاضي أبو يعلى‬
‫الحنبلي‪ ،‬والحافظ أبو عبدالله بن منده الذي صنف كتابا ً كبيرا ً في الروح‬
‫والنفس‪ ...‬وغيرهم)‪.(8‬‬
‫والجواب‪ :‬أن كلم هؤلء ونحوهم لم يكن بطريق التخمين والعقل المحض‪،‬‬
‫بل جاء بناء على النصوص الشرعية‪ ،‬ومن الحديث خاصة‪ .‬قال ابن تيمية‪:‬‬
‫"ليس في الكتاب والسنة أن المسلمين نهوا أن يتكلموا في الروح بما دل‬
‫عليه الكتاب والسنة‪ ،‬ل في ذاتها ول في صفاتها‪ ،‬وأما الكلم بغير علم فذلك‬
‫محرم")‪ ،(9‬فكل بحث في الروح اهتدى باليات والحاديث الصحيحة‪ ،‬وتقيد‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بها‪ ،‬فهو جائز‪ .‬ومن أمثلته‪ :‬ما كتبه الحافظ ابن عبدالبر القرطبي عن مصير‬
‫روح الميت)‪(10‬؛ وذلك لن الروح غيب عنا‪ ،‬وفي مسائل الغيب نرجع إلى‬
‫الوحي‪ ،‬وما لم يشر إليه أو يبينه نتوقف فيه‪ ،‬ونكل علمه إلى الله ‪ -‬تعالى ‪.-‬‬
‫وهذا الذي سبق يخص الروح التي تظل ‪ -‬بالنسبة إلينا ‪ -‬مجهولة‪ ،‬من حيث‬
‫فيها سر الحياة‪ .‬أما النفس وما يتعلق بها من الطبائع والخصائص‬
‫والستعدادات والمميزات‪ ...‬فكل ذلك يجوز معرفته‪ ،‬وهو موضوع علم‬
‫النفس المعاصر‪ ،‬ويساعد على هذا تفرقة الجمهور بين الروح والنفس‪.‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫إن حجب الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬علم حقيقة الروح عن البشر درس آخر للنسان‬
‫يبين له قصور معرفته وحدود إدراكه‪ ،‬كما يحذره من النشغال بما ل سبيل له‬
‫إلى كشفه‪.‬‬
‫___________________‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫‪L-1‬ص ‪ .Au-Dela، p 117‬وتعرف هذه الظاهرة في الفرنسية ب‪:‬‬
‫‪ Phenomenes de vicariance‬ويمكن ترجمتها ب‪ :‬ظواهر التعويض‪.‬‬
‫‪ -2‬راجع‪ :‬الفتاوى )‪.(231-216/4‬‬
‫‪ -3‬انظر‪ :‬فتح الباري )‪ (320/9‬تفسير سورة السراء‪.‬‬
‫‪ -4‬رواه البخاري في صحيحه‪ ،‬في كتاب العلم‪ ،‬باب عن الروح‪ ،‬وفي كتاب‬
‫التفسير‪ ،‬باب ويسألونك عن الروح‪ ،‬ورواه مسلم في كتاب المنافقين من‬
‫صحيحه‪ ،‬والترمذي في التفسير‪ ،‬وأحمد في المسند‪.‬‬
‫‪ -5‬فتح الباري )‪ (320/9‬وراجع حول تنوع الستعمال القرآني لكلمة الروح‪:‬‬
‫تأويل مشكل القرآن‪ ،‬ص‪ (370) :‬فما بعدها فتح الباري )‪.(320/9‬‬
‫‪ -6‬نقله ابن حجر في فتح الباري )‪.(321/9‬‬
‫‪ -7‬المفهم )‪ ،(357-356/7‬كتاب التفسير سورة السراء‪.‬‬
‫‪ -8‬ذكر بعضهم ابن تيمية في الفتاوى )‪.(217/4‬‬
‫‪ -9‬الفتاوى )‪.(231/4‬‬
‫‪ -10‬راجع‪ :‬التمهيد )‪ (238/20‬إلى )‪ (246‬حديث ثامن للعلء بن عبد‬
‫الرحمن‪.‬‬
‫المراجع‪:‬‬
‫‪ -1‬التمهيد لما في الموطأ من المعاني والسانيد‪ ،‬ليوسف بن عبدالبر‪ ،‬نشر‬
‫وزارة الوقاف بالمغرب‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -2‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ ،‬لبن حجر العسقلني‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -3‬مجموع الفتاوى‪ ،‬لحمد بن تيمية‪ ،‬نشر المكتب السعودي بالمغرب‪.‬‬
‫‪ -4‬المفهم لما أشكل في تلخيص مسلم‪ ،‬لحمد القرطبي‪ ،‬دار ابن كثير‪،‬‬
‫دمشق ط ‪.1996 ،1‬‬
‫‪ -5‬تأويل مشكل القرآن‪ ،‬لبن قتيبة‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية‪.‬‬
‫‪.The - Dela، par Fnamcis Gnegoin، Pressdo Fnamce.1965 -6‬‬
‫*أستاذ بكلية الداب‪ ،‬ظهر المهراز‪ ،‬فاس‪.‬‬
‫‪ http://jmuslim.naseej.com‬المصدر ‪:‬‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الرياء أو السمعة‬
‫يتناول الدرس مفهوم الرياء أو السمعة وأسباب ذلك‪ ،‬وسمات المرائي‬
‫وعلماته‪ ،‬ثم تناول آثار الرياء والسمعة على العاملين في حقل الدعوة ثم أثر‬
‫ذلك على العمل السلمي نفسه‪ ،‬ثم تناول كيفية علج هذا المرض وخطوات‬
‫ذلك‪.‬‬
‫س على ما يصدر منه من‬ ‫مفهوم الرياء أو السمعة ‪ :‬هو إطلع المسلم النا َ‬
‫الصالحات؛ طلًبا للمنزلة‪ ،‬والمكانة عندهم‪ ،‬أو طمًعا في دنياهم‪ ،‬فإن وقعت‬
‫أمامهم ورآها فذلك هو الرياء‪ ،‬وإن لم تقع أمامهم لكنه حدثهم بها فتلك هي‬
‫السمعة‪].‬فتح الباري لبن حجر ]‪ [11/336‬بتصرف[‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫ف ُ‬ ‫ذي ي ُن ْ ِ‬ ‫كال ّ ِ‬
‫ن َواْلَذى َ‬ ‫م ّ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫صد ََقات ِك ُ ْ‬ ‫مُنوا َل ت ُب ْط ُِلوا َ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال تعالى‪َ{ :‬ياأي َّها ال ّ ِ‬
‫س ‪] }[264] ...‬سورة البقرة[ ويقول صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫ه رَِئاَء الّنا ِ‬ ‫مال َ ُ‬ ‫َ‬
‫ه' رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫ب‬
‫ُ ِ ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ئي‬ ‫ِ‬ ‫را‬
‫َُ‬ ‫ي‬ ‫ئي‬ ‫ِ‬ ‫را‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ُ ِ ِ َ َ ْ َُ‬‫و‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫' َ ْ َ ّ َ َ ّ َ‬
‫ع‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫أسباب الرياء أو السمعة‪:‬‬
‫‪ -1‬النشأة الولى‪:‬إذ قد ينشأ في أحضان بيت دأبه وديدنه الرياء أو السمعة‪،‬‬
‫فما يكون منه إل التقليد والمحاكاة‪ ،‬وبمرور الزمن تتأصل هذه الفة في‬
‫نفسه‪ ،‬وتصبح وكأنما هي جزء ليتجزأ من شخصيته ‪.‬‬
‫م لها إل الرياء أو‬ ‫‪ -2‬الصحبة أو الرفقة السيئة‪ :‬فقد تحتويه صحبة سيئة‪ ،‬ل ه ّ‬
‫السمعة‪ ،‬فيقلدهم لسيما إذا كان ضعيف الشخصية‪ ،‬شديد التأثر بغيره‪،‬‬
‫وبتوالي اليام يتمكن هذا الداء من نفسه ‪.‬‬
‫‪ -3‬عدم المعرفة الحقيقية بالله عز وجل‪:‬إذ إن الجهل بالله‪ ،‬أو نقصان‬
‫المعرفة به؛ يؤدي إلى الظن بأن العباد يملكون شيئا ً من الضر أو النفع‪،‬‬
‫فيحرص على مراءاتهم في كل مايصدر عنه من الصالحات؛ ليمنحوه شيئا‬
‫مما يتصور أنهم مالكوه ‪.‬‬
‫‪ -4‬الرغبة في الصدارة أو المنصب‪:‬فيدفعه ذلك إلى الرياء أو السمعة‪ ،‬حتى‬
‫يثق به من بيدهم المر؛ فيجعلوه في الصدارة أو يبوئوه المنصب ‪.‬‬
‫‪ -5‬الطمع فيما في أيدي الناس‪ :‬فيحمله ذلك على الرياء أو السمعة؛ ليثق به‬
‫صّلى‬ ‫الناس‪ ،‬وترق قلوبهم له؛ فيعطونه مايمل جيبه ويشبع بطنه‪ ،‬وفي قوله َ‬
‫وى'رواه النسائي‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫قاًل فَل َ ُ‬ ‫ع َ‬‫ريد ُ إ ِّل ِ‬ ‫ن غََزا وَهُوَ َل ي ُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م‪َ ' :‬‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ج ُ‬
‫ل‬ ‫والدارمي وأحمد‪ .‬وفي سؤال العرابي للنبي صلى الله عليه وسلم‪:‬الّر ُ‬
‫ل‬
‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫م َ‬
‫كان ُ ُ‬ ‫ل ل ِي َُرى َ‬ ‫قات ِ ُ‬‫ل يُ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ل ِللذ ّك ْرِ َوالّر ُ‬ ‫قات ِ ُ‬ ‫ل يُ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫مغْن َم ِ َوالّر ُ‬ ‫ل ل ِل ْ َ‬ ‫قات ِ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫ه' رواه‬ ‫ّ‬
‫ل الل ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ي العُلَيا فَهُوَ ِفي َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ة اللهِ هِ َ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫ن كل ِ َ‬ ‫ُ‬
‫ل ل ِت َكو َ‬ ‫ن َقات َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪َ ' :‬‬ ‫اللهِ َقا َ‬ ‫ّ‬
‫البخاري ومسلم وأبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد ‪ .‬ما يشير‬
‫إلى هذا السبب‪.‬‬
‫‪ -6‬إشباع غريزة حب المحمدة أو الثناء من الناس‪:‬فهذا قد يدعوه إلى الرياء‬
‫أو السمعة‪ ،‬حتى يكون حديث كل لسان‪ ،‬وذكر كل مجلس‪ ،‬فتنتفش نفسه‬
‫ل ِللذ ّك ْ ِ‬
‫ر‬ ‫قات ِ ُ‬ ‫ل يُ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫وتنتفخ بذلك‪ ،‬وإلى هذا السبب يشيرالحديث السابق‪َ ':‬والّر ُ‬
‫ل الل ّهِ '‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫كان ُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل ل ِي َُرى َ‬ ‫قات ِ ُ‬
‫ل يُ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫َوالّر ُ‬
‫‪ -7‬شدة ذوي المسئولية في المحاسبة‪ :‬فيحاول ستر ضعفه وفتوره بالرياء‪،‬‬
‫يٍء‬ ‫ش ْ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫كو ُ‬ ‫ن الّرفْقَ َل ي َ ُ‬ ‫وصدق النبي صلى الله عليه وسلم في قوله‪' :‬إ ِ ّ‬
‫ه' رواه مسلم‪.‬‬ ‫شان َ ُ‬ ‫يٍء إ ِّل َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه وََل ي ُن َْزع ُ ِ‬ ‫إ ِّل َزان َ ُ‬
‫‪ -8‬إظهار الخرين إعجابهم به وبما يصدر عنه من أعمال‪.‬‬
‫‪ -9‬الخوف من قالة الناس لسّيما القران‪:‬ولهذا ذم الله من يخشى الناس‪،‬‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن اللهِ وَهُوَ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬‫فو َ‬ ‫خ ُ‬‫ست َ ْ‬


‫س َول ي َ ْ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫فو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ست َ ْ‬‫ول يخشى الله بقوله‪{ :‬ي َ ْ‬
‫حيطا]‪[108‬‬ ‫ً‬ ‫م ِ‬‫ن ُ‬ ‫ُ‬
‫ملو َ‬ ‫ما ي َعْ َ‬‫ه بِ َ‬
‫ن الل ُ‬ ‫َ‬
‫ل وَكا َ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ضى ِ‬ ‫ما ل َ ي َْر َ‬ ‫ن َ‬‫م إ ِذ ْ ي ُب َي ُّتو َ‬‫معَهُ ْ‬
‫َ‬
‫}]سورة النساء[ ‪.‬‬
‫‪ -10‬الجهل أو الغفلة عن العواقب‪ ،‬أو الثار الناجمة عن الرياء والسمعة‪:‬‬
‫ه‬
‫شهِد ُ الل َ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي ُ ْ‬‫ه ِفي ال ْ َ‬ ‫ك قَوْل ُ ُ‬ ‫جب ُ َ‬
‫من ي ّعْ ِ‬ ‫س َ‬ ‫نَ الّنا ِ‬ ‫م َ‬‫يقول الله تعالى‪{:‬وَ ِ‬
‫َ‬
‫سد َ‬‫ف ِ‬‫ض ل ِي ُ ْ‬
‫سَعى ِفي الْر ِ‬ ‫م ]‪ [204‬وَإ َِذا ت َوَّلى َ‬ ‫صا ُ‬‫خ َ‬ ‫ما ِفي قَل ِْبه وَهُوَ أل َد ّ ال ْ ِ‬ ‫عََلى َ‬
‫ساُد]‪] }[205‬سورة البقرة[‪.‬‬ ‫ف َ‬ ‫ْ‬
‫ب ال َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ل َوالل ُ‬ ‫س َ‬ ‫ث َوالن ّ ْ‬ ‫حْر َ‬ ‫ْ‬
‫ك ال َ‬ ‫ِفيَها وَي ُهْل ِ َ‬
‫سمات أو علمات الرياء أو السمعة‪:‬‬
‫‪ -1‬ينشط في العمل ويضاعف الجهد عند المدح‪ ،‬ويكسل ويقصر عند الذم‪.‬‬
‫‪ -2‬ينشط في العمل‪ ،‬ويضاعف الجهد مع الناس‪ ،‬ويكسل ويقصر عند التفرد‪،‬‬
‫والبعد عن الناس‪ :‬وأشار إلى هاتين الصفتين علي رضي الله عنه‬
‫بقوله‪':‬للمرائي علمات‪ :‬يكسل إذا كان وحده‪ ،‬وينشط إذا كان في الناس‪،‬‬
‫ويزيد في العمل إذا أثني عليه‪ ،‬وينقص إذا ذم'‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -3‬الحفاظ على محارم الله ورعايتها إذا كان مع الناس‪ ،‬وانتهاكها عند التفرد‪:‬‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫يقول النبي صلى الله عليه وسلم‪َ ' :‬ل َعْل َمن أ َقْواما م ُ‬
‫ن ي َوْ َ‬ ‫مِتي ي َأُتو َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫َ ً ِ ْ‬ ‫َ ّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫من ُْثوًرا‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ء‬ ‫با‬‫َ َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ج‬ ‫و‬
‫ُ َ ّ َ َ‬ ‫ز‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ها‬ ‫ضا فَي َ ْ َ َ‬
‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ة ِبي ً‬ ‫م َ‬‫ل ت َِها َ‬ ‫جَبا ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫مَثا ِ‬ ‫تأ ْ‬ ‫سَنا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫مةِ ب ِ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ن َل ن َعْل َ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م وَن َ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ن َل ن َ ُ‬ ‫م ل ََنا أ ْ‬ ‫جل ّهِ ْ‬‫م ل ََنا َ‬ ‫فهُ ْ‬‫ص ْ‬‫ل الل ّهِ ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ن‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫ل ث َوَْبا ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ن وَل َك ِن ّهُ ْ‬ ‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ما ت َأ ُ‬ ‫ل كَ َ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬‫م وَي َأ ُ‬‫جل ْد َت ِك ُ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫م ْ‬
‫م وَ ِ‬ ‫وان ُك ُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م إِ ْ‬‫ما إ ِن ّهُ ْ‬‫ل‪ :‬أ َ‬ ‫َقا َ‬
‫حارِم ِ الل ّهِ ان ْت َهَ ُ‬ ‫َ‬
‫ها'رواه ابن ماجه وهو في صحيح الجامع‬ ‫كو َ‬ ‫م َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫وا ب ِ َ‬ ‫م إ َِذا َ‬ ‫وا ٌ‬ ‫أقْ َ‬
‫الصغير ‪.‬‬
‫آثار الرياء والسمعة‪:‬‬
‫آثار الرياء على العاملين‪:‬‬
‫‪ -1‬الحرمان من الهداية والتوفيق‪ :‬فقد مضت سنة الله أنه ل يمنحهما إل لمن‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫دي إ ِل َي ْهِ َ‬ ‫علم منه الخلص‪ ،‬وصدق التوجه إليه‪ ،‬يقول الله تعالى‪{ :‬وََيه ِ‬
‫َ‬
‫ب]‪]} [13‬سورة‬ ‫من ي ِّني ُ‬ ‫دي إ ِل َي ْهِ َ‬ ‫ب]‪] }[27‬سورة الرعد[ ويقول تعالى‪{:‬وَي َهْ ِ‬ ‫أَنا َ‬
‫دي ال ْ َ‬ ‫الشورى[ وقال تعالى‪ {:‬فَل َما زا ُ َ‬
‫م‬‫قو ْ َ‬ ‫ه َل ي َهْ ِ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫ه قُُلوب َهُ ْ‬ ‫غوا أَزاغَ الل ّ ُ‬ ‫ّ َ‬
‫ن]‪] }[5‬سورة الصف[‪.‬‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫‪ -2‬الضيق أو الضطراب النفسي‪ :‬فالمرائي إنما فعل مافعل؛ طلبا لمرضاة‬
‫الناس‪ ،‬وطمعا فيما بأيدهم‪ ،‬وقد يحول قضاء الله دون تحقيقه ذلك‪ ،‬وحينئذ‬
‫صل ماكان يؤمله‬ ‫يعتريه الضيق‪ ،‬فل هو بالذي ظفر برضا الله‪ ،‬ول هو بالذي ح ّ‬
‫ويرجوه من الناس‪ ،‬قال تعالى‪{:‬وم َ‬
‫ضن ً‬
‫كا]‬ ‫ة َ‬ ‫ش ً‬ ‫مِعي َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ري فَإ ِ ّ‬ ‫ن ذِك ْ ِ‬ ‫ض عَ ْ‬ ‫ن أعَْر َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ذاًبا‬ ‫ك عَ َ‬ ‫سل ُ ُ‬ ‫ي‬
‫ِ ِ َ ّ ِ َ ْ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ذ‬ ‫عن‬ ‫َ‬ ‫ض‬‫‪] }[124‬سورة طه[ ويقول تعالى‪ْ ِ ْ ّ َ َ {:‬‬
‫ر‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫من‬ ‫و‬
‫دا]‪] }[17‬سورة الجن[‪.‬‬ ‫صعَ ً‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫ه ِ‬ ‫ُ َ ُ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫من‬ ‫َ َ‬ ‫و‬ ‫تعالى‪{:‬‬ ‫الله‬ ‫يقول‬ ‫الناس‪:‬‬ ‫قلوب‬ ‫من‬ ‫الهيبة‬ ‫نزع‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬
‫ِ ِ‬
‫م]‪] }[18‬سورة الحج[ ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪':‬من‬ ‫مكرِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫خلصت نيته كفاه الله تعالى ما بينه وبين الناس' ‪.‬‬
‫‪ -4‬العراض من الناس وعدم التأثر‪ :‬ويتضح ذلك من هذه القصة‪ :‬لما ولي‬
‫عمر بن هبيرة العراق أرسل إلى الحسن وإلى الشعبي‪ ،‬فأمر لهما ببيت وكانا‬
‫فيه شهرا أو نحوه‪ ،‬ثم إن الخصي غدا عليهما ذات يوم فقال‪ :‬إن المير داخل‬
‫عليكما‪ ،‬فجاء عمر يتوكأ على عصا‪ ،‬ثم جلس مفطما لهما‪ ،‬فقال‪ :‬إن أمير‬
‫المؤمنين يزيد بن عبد الملك يكتب إلى كتبا ً أعرف أن في إنفاذها الهلكة‪،‬‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإن أطعته؛ عصيت الله‪ ،‬وإن عصيته؛ أطعت الله‪ ،‬فهل تريا لي في متابعتي‬
‫إياه فرجا ً ؟ فقال الحسن‪ :‬يا أبا عمرو أجب المير‪ ،‬فتكلم الشعبي‪ ،‬فانحط‬
‫في حبل بن هبيرة‪ ،‬قال‪ :‬ما تقول أنت يا أبا سعيد؟ فقال‪ :‬أيها المير قد قال‬
‫الشعبي ما قد سمعت‪ ،‬قال‪ :‬ما تقول أنت؟ قال‪ :‬أقول يا عمر بن هبيرة‪:‬‬
‫يوشك أن ينزل بك ملك من ملئكة الله‪ ،‬فظ غليظ‪ ،‬ل يعصي الله ما أمره‪،‬‬
‫فيخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك‪ ،‬يا عمر بن هبيرة إن تتق الله؛‬
‫يعصمك من يزيد بن عبد الملك‪ ،‬ولن يعصمك يزيد بن عبد الملك من الله‪ ،‬يا‬
‫عمر بن هبيرة‪:‬ل تأمن أن ينظر الله إليك على أقبح ما تعمل في طاعة يزيد‬
‫بن عبد الملك نظرة مقت‪ ،‬فيغلق بها باب المغفرة دونك‪ ،‬يا عمر بن هبيرة‪:‬‬
‫لقد أدركت ناسا ً من صدر هذه المة كانوا والله عن الدنيا وهي مقبلة أشد‬
‫إدبارا ً من إقبالكم عليها وهي مدبرة‪ ،‬يا عمر بن هبيرة‪ :‬إني أخوفك مقاما ً‬
‫د]‪]}[14‬سورة‬ ‫عي ِ‬ ‫ف وَ ِ‬
‫خا َ‬ ‫مي وَ َ‬ ‫قا ِ‬‫م َ‬ ‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫خوفك الله تعالى‪ ،‬فقال‪ {:‬ذ َل ِ َ‬
‫ك لِ َ‬
‫إبراهيم[ يا عمر بن هبيرة‪ :‬إن تك مع الله في طاعته؛ كفاك بائقة يزيد بن‬
‫عبد الملك‪ ،‬وإن تك مع يزيد بن عبد الملك على معاصي الله؛ وكلك الله إليه‪،‬‬
‫فبكى عمر‪ ،‬وقام بعبرته‪ ،‬فلما كان من الغد أرسل إليهما بإذنهما‪ ،‬وجوائزهما‪،‬‬
‫فأكثر منها للحسن‪ ،‬وكان في جائزة الشعبي بعض القتار‪ ،‬فخرج الشعبي إلى‬
‫المسجد‪ ،‬فقال‪ :‬يا أيها الناس من استطاع منكم أن يؤثر الله على خلقه‪،‬‬
‫فليفعل‪ ،‬فوالذي نفسي بيده ما علم منه الحسن شيئا‪ ،‬فجهلته‪ ،‬ولكن أردت‬
‫وجه ابن هبيرة؛ فأقصاني الله منه‪.‬‬
‫ة‬
‫صل ِ‬ ‫موا إ َِلى ال ّ‬ ‫‪ -5‬عدم إتقان العمل‪ :‬يقول الله تعالى عن المنافقين‪[:‬وَإ َِذا َقا ُ‬
‫ل]‪] ][142‬سورة النساء[‪.‬‬ ‫ه إ ِل ّ قَِلي ً‬‫ن الل َ‬ ‫س وَل َ ي َذ ْك ُُرو َ‬ ‫ؤون الّنا َ‬‫ساَلى ي َُرا ُ‬
‫موا ك ُ َ‬
‫َقا ُ‬
‫‪ -6‬الفضيحة في الدنيا وعلى رؤوس الشهاد يوم القيامة‪ :‬يقول النبي صلى‬
‫ه'رواه‬‫ه بِ ِ‬‫ن ي َُراِئي ي َُراِئي الل ّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫معَ الل ّ ُ‬
‫ه ب ِهِ وَ َ‬ ‫س ّ‬‫مع َ َ‬‫س ّ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬
‫الله عليه وسلم‪َ ':‬‬
‫البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫‪ -7‬الوقوع في غوائل العجاب بالنفس‪ ،‬ثم الغرور‪ ،‬ثم التكبر‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬
‫ضال َ َ َ‬ ‫‪ -8‬بطلن العمل‪ :‬عَن أ َبي سعد ب َ‬
‫سو َ‬
‫ل‬ ‫ت َر ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫صارِيّ َقا َ‬ ‫ة اْلن ْ َ‬ ‫ن أِبي فَ َ‬ ‫َ ْ ِ ْ ِ‬ ‫ْ ِ‬
‫مةِ ل ِي َوْم لَ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ْ‬
‫م ال ِ‬ ‫س ي َوْ َ‬ ‫ه الّنا َ‬ ‫ّ‬
‫معَ الل ُ‬ ‫ج َ‬ ‫قول‪ ':‬إ َِذا َ‬ ‫ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫الل ّهِ َ‬
‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫واب َ ُ‬ ‫ب ثَ َ‬ ‫دا فَل ْي َط ْل ُ ْ‬ ‫ح ً‬ ‫ه ل ِل ّهِ أ َ‬ ‫مل َ ُ‬ ‫ل عَ ِ‬ ‫م ٍ‬ ‫ك ِفي عَ َ‬ ‫شَر َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مَناد ٍ َ‬ ‫ب ِفيهِ َناَدى ُ‬ ‫َري ْ َ‬
‫ك'رواه ابن ماجه‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫نى‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫َ‬
‫ْ ِ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ ِ ّ‬ ‫ن ِ ْ ِ ْ ِ‬
‫ر‬ ‫ي‬ ‫غ‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫م ْ‬‫ِ‬
‫والترمذي ‪.‬‬
‫‪ -9‬العذاب الشديد في الخرة‪ ،‬ولهذا العذاب صور منها‪:‬‬
‫َ‬
‫ن أِبي‬ ‫س عَ ْ‬ ‫فّرقَ الّنا ُ‬ ‫ل تَ َ‬ ‫سارٍ َقا َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ن بْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫أول من تسعر به النار‪:‬فَعَ ْ‬
‫َ‬ ‫ل ل َه نات ِ ُ َ‬ ‫هَُري َْرةَ فَ َ‬
‫ل‬
‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫معْت َ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ديًثا َ‬ ‫ح ِ‬ ‫حد ّث َْنا َ‬ ‫خ َ‬ ‫شي ْ ُ‬ ‫م‪ :‬أي َّها ال ّ‬ ‫شا ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ل أهْ ِ‬ ‫قا َ ُ َ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْ ِ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل‪ :‬ن َعَ ْ‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫صّلى الل ُ‬
‫ّ‬ ‫الل ّهِ َ‬
‫ُ‬ ‫ن أ َوّ َ‬
‫ه‬
‫ي بِ ِ‬ ‫شهِد َ فَأت ِ َ‬ ‫ست ُ ْ‬ ‫لا ْ‬ ‫ج ٌ‬ ‫مةِ عَل َي ْهِ َر ُ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ضى ي َوْ َ‬ ‫ق َ‬ ‫س يُ ْ‬ ‫ل الّنا ِ‬ ‫ل‪':‬إ ِ ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ت‬‫شهِد ْ ُ‬ ‫ست ُ ْ‬ ‫حّتى ا ْ‬ ‫ت ِفيك َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل َقات َل ُ‬ ‫ت ِفيَها َقا َ‬ ‫مل َ‬ ‫ْ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ه فَعََرفََها َقا َ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ن ِعَ َ‬ ‫فَعَّرفَ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ب عَلى‬ ‫ح َ‬ ‫س ِ‬ ‫مَر ب ِهِ فَ ُ‬ ‫مأ ِ‬ ‫ل ثُ ّ‬ ‫قد ْ ِقي َ‬ ‫ريٌء فَ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ت ِل ْ‬ ‫ت وَلك ِن ّك َقات َل َ‬ ‫َ‬ ‫ل ك َذ َب ْ َ‬ ‫َقا َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ه‬
‫ي بِ ِ‬ ‫ن فَأت ِ َ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ه وَقََرأ ال ُ‬ ‫م ُ‬ ‫م وَعَل َ‬ ‫م العِل َ‬ ‫ل ت َعَل َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ي ِفي الّنارِ وََر ُ‬ ‫ق َ‬ ‫حّتى أل ِ‬ ‫جهِهِ َ‬ ‫وَ ْ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ت‬ ‫ه وَقََرأ ُ‬ ‫مت ُ ُ‬ ‫م وَعَل ْ‬ ‫ت العِل َ‬ ‫م ُ‬ ‫ل ت َعَل ْ‬ ‫ت ِفيَها َقا َ‬ ‫مل َ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ه فَعََرفََها َقا َ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ن ِعَ َ‬ ‫فَعَّرفَ ُ‬
‫قا َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن قا َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِفي َ‬
‫ل‬ ‫ن ل ِي ُ َ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ت ال ُ‬ ‫م وَقَرأ َ‬ ‫عال ِ ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫م ل ِي ُ َ‬ ‫ت العِل َ‬ ‫م َ‬ ‫ت وَلك ِن ّك ت َعَل ْ‬ ‫ل كذ َب ْ َ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ك ال ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ج ٌ‬
‫ل‬ ‫ي ِفي الّنارِ وََر ُ‬ ‫ق َ‬ ‫حّتى أل ْ ِ‬ ‫جهِهِ َ‬ ‫ب عََلى وَ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫س ِ‬ ‫مَر ب ِهِ فَ ُ‬ ‫مأ ِ‬ ‫ل ثُ ّ‬ ‫قد ْ ِقي َ‬ ‫هُوَ َقارِئٌ فَ َ‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫ُ‬ ‫طاه م َ‬ ‫َ‬
‫ه فَعََرفََها‬ ‫م ُ‬ ‫ه ن ِعَ َ‬ ‫ي ب ِهِ فَعَّرفَ ُ‬ ‫ل ك ُل ّهِ فَأت ِ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫صَنا ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَأعْ َ ُ ِ ْ‬ ‫سعَ الل ّ ُ‬ ‫وَ ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ت‬‫ق ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫فقَ ِفيَها إ ِل أن ْ َ‬ ‫ن ي ُن ْ َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل تُ ِ‬ ‫سِبي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ما ت ََرك ُ‬ ‫َ‬
‫ت ِفيَها قال َ‬ ‫مل َ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫َقال ف َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ب‬ ‫ح َ‬ ‫س ِ‬ ‫مَر ب ِهِ فَ ُ‬ ‫مأ ِ‬ ‫ل ثُ ّ‬ ‫قد ْ ِقي َ‬ ‫واد ٌ فَ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ل هُوَ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ت ل ِي ُ َ‬ ‫ك فَعَل ْ َ‬ ‫ت وَل َك ِن ّ َ‬ ‫ل ك َذ َب ْ َ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫ِفيَها ل َ َ‬
‫ُ‬
‫ي ِفي الّناِر' رواه مسلم والترمذي والنسائي وأحمد ‪.‬‬ ‫ق َ‬ ‫م أل ْ ِ‬ ‫جهِهِ ث ُ ّ‬ ‫عََلى وَ ْ‬
‫ه‬‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫يلقى في النار‪ ،‬فتندلق أقتاب بطنه‪ ،‬فيدور عليها‪َ :‬قا َ‬
‫َ‬
‫ب ب َط ْن ِ ِ‬
‫ه‬ ‫قى ِفي الّنارِ فَت َن ْد َل ِقُ أقَْتا ُ‬ ‫مةِ فَي ُل ْ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ل ي َوْ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫م‪ ] :‬ي ُؤَْتى ِبالّر ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ما‬ ‫ن َ‬ ‫ن َيا فُل ُ‬ ‫قولو َ‬ ‫ل الّنارِ فَي َ ُ‬ ‫معُ إ ِلي ْهِ أهْ ُ‬ ‫جت َ ِ‬ ‫حى فَي َ ْ‬ ‫ماُر ِبالّر َ‬ ‫ح َ‬ ‫دوُر ال ِ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫دوُر ب َِها ك َ َ‬ ‫فَي َ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫لَ َ‬
‫مُر‬ ‫تآ ُ‬ ‫ل ب َلى قَد ْ ك ُن ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫من ْك َرِ فَي َ ُ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ف وَت َن َْهى عَ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مُر ِبال َ‬ ‫ن ت َأ ُ‬ ‫م ت َك ُ ْ‬ ‫ك أل ْ‬
‫َ‬
‫من ْك َرِ َوآِتيهِ [ رواه البخاري ومسلم وأحمد ‪.‬‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ف وََل آِتيهِ وَأن َْهى عَ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫آثار الرياء على العمل السلمي‪:‬‬
‫‪-1‬طول الطريق وكثرة التكاليف‪:‬ذلك أن قوما أخلقهم الرياء‪ ،‬وصفاتهم‬ ‫ً‬
‫التسميع؛ ليمكن أن يمكن لهم إل بعد طول ابتلء وكثرة تمحيص‪:‬قال‬
‫ميَز ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫ث ِ‬ ‫خِبي َ‬ ‫حّتى ي َ ِ‬ ‫م عَل َي ْهِ َ‬ ‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫ن عََلى َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ه ل ِي َذ ََر ال ْ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫تعالى‪َ {:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ن ي ُت َْركوا أ ْ‬ ‫ُ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ب الّنا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ب‪] }[179]...‬سورة آل عمران[ وقال‪ {:‬أ َ‬ ‫الط ّي ّ ِ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫م فَل َي َعْل َ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫قد ْ فَت َّنا ال ّ ِ‬ ‫ن]‪[2‬وَل َ َ‬ ‫فت َُنو َ‬ ‫م َل ي ُ ْ‬ ‫مّنا وَهُ ْ‬ ‫قوُلوا َءا َ‬ ‫يَ ُ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مأ ْ‬ ‫سب ْت ُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن]‪]}[3‬سورة العنكبوت[ وقال تعالى‪ {:‬أ ْ‬ ‫ن الكاذِِبي َ‬ ‫م ّ‬ ‫صد َقوا وَلي َعْل َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫ِ َ َ ُ ِ ِ‬‫سو‬ ‫ر‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ِ ْ ُ ِ‬‫دو‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ذوا‬ ‫ُ‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫ي‬
‫ِ ْ ْ َ ْ َّ ِ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫دوا‬ ‫ه‬
‫ُ ِ َ َ َ ُ‬ ‫جا‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫كوا‬ ‫ُ‬ ‫ر‬‫ت ُت ْ َ‬
‫َ ّ َْ ِ‬
‫ن]‪] }[16‬سورة التوبة[ ‪.‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ة َوالل ّ ُ‬ ‫ج ً‬ ‫ن وَِلي َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫وََل ال ْ ُ‬
‫علج الرياء أو السمعة‪:‬‬
‫‪ -1‬تذكر عواقب الرياء أو السمعة‪ ،‬الدنيوية والخروية‪.‬‬
‫‪ -2‬البعد عن صحبة المعروفين بالرياء‪ ،‬أو السمعة‪ ،‬ومصاحبة المخلصين‪.‬‬
‫‪ -3‬معرفة الله حق المعرفة‪.‬‬
‫‪ -4‬مجاهدة النفس حتى تهذب من الغرائز المعينة على هذا المرض‪.‬‬
‫‪ -5‬رفق ذوي المسئولية في المحاسبة‪.‬‬
‫‪ -6‬معرفة أخبار المرائين‪ ،‬وعقوباتهم؛ لئل تكون العاقبة كعاقبة هؤلء ‪.‬‬
‫‪ -7‬محاسبة النفس أول ً بأول؛ للوقوف على عيوبها‪ ،‬ثم التخلص من هذه‬
‫العيوب ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫خط َب ََنا‬
‫ي‪َ :‬‬ ‫سى اْل َ ْ‬ ‫‪ -8‬اللجوء التام إلى الله والستعانة به‪َ :‬قا َ َ‬
‫شعَرِ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫ل أُبو ُ‬
‫قا َ َ‬
‫ذا‬‫قوا هَ َ‬ ‫س ات ّ ُ‬‫ل‪' :‬أي َّها الّنا ُ‬ ‫ت ي َوْم ٍ فَ َ‬‫م َذا َ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬‫قولَ‪ :‬وَك َي ْ َ‬ ‫ن يَ ُ‬
‫هأ ْ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ه َ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ل' فَ َ‬
‫قا َ‬ ‫م ِ‬‫ب الن ّ ْ‬ ‫ن د َِبي ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فى ِ‬ ‫خ َ‬
‫هأ ْ‬ ‫ك فَإ ِن ّ ُ‬‫شْر َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ك‬ ‫ل‪ُ':‬قوُلوا الل ّهُ ّ‬
‫م إ ِّنا ن َُعوذ ُ ب ِ َ‬ ‫ه؟ َقا َ‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ل َيا َر ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ب الن ّ ْ‬ ‫ن د َِبي ِ‬ ‫م ْ‬‫فى ِ‬ ‫خ َ‬ ‫قيهِ وَهُوَ أ ْ‬ ‫ن َت ّ ِ‬
‫َ‬
‫م' رواه أحمد‪.‬‬ ‫ما َل ن َعْل َ ُ‬ ‫ك لِ َ‬‫فُر َ‬‫ست َغْ ِ‬
‫ه وَن َ ْ‬ ‫م ُ‬‫شي ًْئا ن َعْل َ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫شرِ َ‬ ‫ن نُ ْ‬‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫‪ -9‬دوام مطالعة النصوص المرغبة في الخلص‪ ،‬والمحذرة من الرياء ‪.‬‬
‫‪ -10‬التذكر بأن كل شيء بقضاء الله وقدره‪ :‬وأن الخلق عاجزون عن أن‬
‫يجلبوا لنفسهم نفعًا‪ ،‬أو يدفعوا عنها ضرًا‪ ،‬فضل عن أن يملكوا ذلك لغيرهم {‬
‫شي ًْئا]‪] }[19‬سورة الجاثية[ ‪.‬‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن ي ُغُْنوا عَن ْ َ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫إ ِن ّهُ ْ‬
‫من كتاب‪ :‬آفات على الطريق للدكتور‪ /‬السيد محمد نوح‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرياء خطره وأنواعه‬


‫الشيخ المين الحاج محمد أحمد*‬
‫من الدواء المهلكة‪ ،‬والمراض الفاتكة‪ ،‬والخسائر الفادحة الرياء‪ ،‬حيث فيه‬
‫خسارة الدين والخرة‪ ،‬ولهذا حذر منه المتقون‪ ،‬وخافه الصالحون‪ ،‬ونبه على‬
‫خطورته النبياء والمرسلون‪ ،‬ولم يأمن من مغبته إل العجزة‪ ،‬والجهلة‪،‬‬
‫والغافلون‪ ،‬فهو الشرك الخفي‪ ،‬والسعي الرديء‪ ،‬ول يصدر إل من عبد السوء‬
‫ل المنكود‪.‬‬‫الك َ َّ‬
‫الرياء كله دركات‪ ،‬بعضها أسوأ من بعض‪ ،‬وظلمات بعضها أظلم من بعض‪،‬‬
‫وأنواع بعضها أخس وأنكد من بعض‪ ،‬فمنه الرياء المحض‪ ،‬وهو أردأها‪ ،‬ومنه‬
‫ما هو دون ذلك‪ ،‬ومنه خطرات قد أفلح من دفعها وخلها‪ ،‬وقد خاب من‬
‫استرسل معها وناداها‪.‬‬
‫فالعمل لغير الله أنواع وأقسام‪ ،‬كلها مذمومة مردودة‪ ،‬ومن الله متروكة‪،‬‬
‫فالله سبحانه وتعالى أغنى الشركاء‪ ،‬وأفضل الخلطاء‪ ،‬فمن أشرك معه غيره‬
‫تركه وشركه‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪" :‬يقول الله تبارك وتعالى‪ :‬أنا أغنى الشركاء عن الشرك‪ ،‬من عمل عمل ً‬
‫أشرك فيه معي غيري تركته وشركه"‪1.‬‬
‫وفي رواية لبن ماجة‪" :‬فأنا منه بريء وهو للذي أشرك"‪2.‬‬
‫والنواع هي ‪:3‬‬
‫‪ .1‬الرياء المحض‬
‫وهو العمل الذي ل ُيراد به وجه الله بحال من الحوال‪ ،‬وإنما يراد به أغراض‬
‫دنيوية وأحوال شخصية‪ ،‬وهي حال المنافقين الخلص كما حكى الله عنهم‪:‬‬
‫"وإذا قاموا إلى الصلة قاموا كسالى يراؤون الناس ول يذكرون الله إل‬
‫قلي ً‬
‫ل"‪4.‬‬
‫ً‬
‫"ول تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل‬
‫الله"‪5.‬‬
‫"فويل للمصلين الذين هم عن صلتهم ساهون الذين هم يراؤون ويمنعون‬
‫الماعون"‪6.‬‬
‫وهذا النوع كما قال ابن رجب الحنبلي يكون في العمال المتعدية‪ ،‬كالحج‪،‬‬
‫والصدقة‪ ،‬والجهاد‪ ،‬ونحوها‪ ،‬ويندر أن يصدر من مؤمن‪) :‬فإن الخلص فيها‬
‫عزيز‪ ،‬وهذا العمل ل يشك مسلم أنه حابط‪ ،‬وأن صاحبه يستحق المقت من‬
‫الله والعقوبة(‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يراد بالعمل وجه الله ومراءاة الناس‬
‫وهو نوعان‪:‬‬
‫ل الرياُء من أصله‬‫أ ‪ .‬إما أن يخالط العم َ‬
‫فقد بطل العمل وفسد والدلة على ذلك بجانب حديث أبي هريرة السابق‪:‬‬
‫• عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫دق يرائي‬ ‫"من صلى يرائي فقد أشرك‪ ،‬ومن صام يرائي فقد أشرك‪ ،‬ومن تص ّ‬
‫فقد أشرك‪ ،‬وإن الله يقول‪ :‬أنا خير قسيم لمن أشرك بي شيئًا‪ ،‬فإن جدة‬
‫عمله قليله وكثيره لشريكه الذي أشرك به‪ ،‬أنا عنه غني"‪7.‬‬
‫• وعن أبي سعيد بن أبي فضالة الصحابي قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬إذا جمع الله الولين والخرين ليوم ل ريب فيه‪ ،‬نادى مناٍد‪ :‬من‬
‫كان أشرك في عمل عمله لله عز وجل فليطلب ثوابه من عند غير الله عز‬
‫وجل‪ ،‬فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك"‪8.‬‬
‫• وخرج الحاكم من حديث ابن عباس‪" :‬قال رجل‪ :‬يا رسول الله‪ :‬إني أقف‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الموقف وأريد وجه الله‪ ،‬وأريد أن ُيرى موطني‪ ،‬فلم يرد عليه رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم حتى نزلت‪" :‬فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عمل ً‬
‫صالحا ً ول يشرك بعبادة ربه أحدًا"‪10 "9.‬‬
‫قال ابن رجب‪) :‬وممن روي عنه هذا المعنى‪ ،‬وأن العمل إذا خالطه شيء من‬
‫ل‪ :‬طائفة من السلف‪ ،‬منهم عبادة بن الصامت‪ ،‬وأبو الدرداء‪،‬‬ ‫الرياء كان باط ً‬
‫والحسن‪ ،‬وسعيد بن المسيب‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫مَرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬ل‬ ‫خي ْ ِ‬
‫م َ‬
‫ومن مراسيل القاسم بن ُ‬
‫يقبل الله عمل ً فيه مثقال حبة من خردل من رياء"‪.‬‬
‫ول نعرف عن السلف في هذا خلفًا‪ ،‬وإن كان فيه خلف عن بعض‬
‫المتأخرين(‪.‬‬
‫ب‪ .‬وإما أن يطرأ عليه الرياء بعد الشروع في العمل‬
‫فإن كان خاطرا ً مارا ً فدفعه فل يضّره ذلك‪ ،‬وإن استرسل معه ُيخشى عليه‬
‫من بطلن عمله‪ ،‬ومن أهل العلم من قال ُيثاب وُيجازى على أصل نيته‪.‬‬
‫قال ابن رجب‪) :‬وإن استرسل معه‪ ،‬فهل يحبط عمله أم ل يضره ذلك‬
‫ويجازى على أصل نيته؟ في ذلك اختلف بين العلماء من السلف حكاه المام‬
‫أحمد وابن جرير الطبري‪ ،‬ورجحا أن عمله ل يبطل بذلك‪ ،‬وأنه ُيجازى بنيته‬
‫الولى‪ ،‬وهو مروي عن الحسن البصري وغيره‪.‬‬
‫ويستدل لهذا القول بما خرجه أبو داود في "مراسيله"‪ 11‬عن عطاء‬
‫مة كلهم يقاتل‪ ،‬فمنهم من‬ ‫سل َ َ‬
‫الخرساني أن رجل ً قال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬إن بني َ‬
‫يقاتل للدنيا‪ ،‬ومنهم من يقاتل نجدة‪ ،‬ومنهم من يقاتل ابتغاء وجه الله‪ ،‬فأيهم‬
‫الشهيد؟ قال‪ :‬كلهم‪ ،‬إذا كان أصل أمره أن تكون كلمة الله هي العليا"‪.‬‬
‫وذكر ابن جرير أن هذا الختلف إنما هو في عمل يرتبط آخره بأوله‪،‬‬
‫كالصلة‪ ،‬والصيام‪ ،‬والحج‪ ،‬فأما ما ل ارتباط فيه‪ ،‬كالقراءة‪ ،‬والذكر‪ ،‬وإنفاق‬
‫المال‪ ،‬ونشر العلم‪ ،‬فإنه ينقطع بنية الرياء الطارئة عليه‪ ،‬ويحتاج إلى تجديد‬
‫نية‪.‬‬
‫وكذلك روي عن سليمان بن داود الهاشمي ‪ 12‬أنه قال‪ :‬ربما أحدث بحديث‬
‫ولي نية‪ ،‬فإذا أتيت على بعضه تغيرت نيتي‪ ،‬فإذا الحديث الواحد يحتاج إلى‬
‫نيات‪.‬‬
‫ول يرد على هذا الجهاد‪ ،‬كما في مرسل عطاء الخرساني‪ ،‬فإن الجهاد يلزم‬
‫بحضور الصف‪ ،‬ول يجوز تركه حينئذ فيصير كالحج(‪.‬‬
‫‪ .3‬أن يريد بالعمل وجه الله والجر والغنيمة‬

‫)‪(1 /‬‬

‫كمن يريد الحج وبعض المنافع‪ ،‬والجهاد والغنيمة‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فهذا عمله ل‬
‫يحبط‪ ،‬ولكن أجره وثوابه ينقص عمن نوى الحج والجهاد ولم يشرك معهما‬
‫غيرهما‪.‬‬
‫خرج مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬إن الغزاة إذا غنموا غنيمة تعجلوا ثلثي‬
‫م لهم أجُرهم"‪13.‬‬‫أجرهم‪ ،‬فإن لم يغنموا شيئا ً ت ّ‬
‫وروي عن عبد الله بن عمرو كذلك قال‪" :‬إذا أجمع أحدكم على الغزو فعوضه‬
‫الله رزقًا‪ ،‬فل بأس بذلك‪ ،‬وأما أن أحدكم إن أعطي درهما ً غزا‪ ،‬وإن ُ‬
‫منع‬
‫درهما ً مكث‪ ،‬فل خير في ذلك"‪.‬‬
‫وقال الوزاعي‪ :‬إذا كانت نية الغازي على الغزو‪ ،‬فل أرى بأسًا‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال المام أحمد‪ :‬التاجر‪ ،‬والمستأجر‪ ،‬والمكاري أجرهم على قدر ما يخلص‬
‫من نيتهم في غزاتهم‪ ،‬ول يكون مثل من جاهد بنفسه وماله ل يخلط به غيره‪.‬‬
‫وقال أيضا ً فيمن أخذ جعل ً على الجهاد إذا لم يخرج لجل الدراهم فل بأس أن‬
‫دينه‪ ،‬فإن أعطي شيئا ً أخذه‪.‬‬ ‫يأخذ‪ ،‬كأنه خرج ل ِ ِ‬
‫وقال ابن رجب‪) :‬فإن خالط نية الجهاد نية غير الرياء‪ ،‬مثل أخذ أجرة للخدمة‪،‬‬
‫أوأخذ شيء من الغنيمة‪ ،‬أوالتجارة‪ ،‬نقص بذلك أجر جهادهم‪ ،‬ولم يبطل‬
‫بالكلية‪..‬‬
‫ً‬
‫وهكذا يقال فيمن أخذ شيئا في الحج ليحج به‪ ،‬إما عن نفسه‪ ،‬أوعن غيره‪،‬‬
‫مال‪ ،‬وحج الجير‪ ،‬وحج التاجر‪ ،‬هو‬ ‫وقد روي عن مجاهد أنه قال في حج الج ّ‬
‫تمام ل ينقص من أجورهم شيء‪ ،‬وهو محمول على أن قصدهم الصلي كان‬
‫هو الحج دون التكسب‪.‬‬
‫سّر وفرح بفضل الله ورحمته فل‬ ‫‪ .4‬أن يبتغي بعمله وجه الله فإذا أثني عليه ُ‬
‫يضره ذلك إن شاء الله‬
‫سئل عن‬ ‫فعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ُ‬
‫الرجل يعمل العمل لله من الخير‪ ،‬ويحمده الناس عليه‪ ،‬فقال‪" :‬تلك عاجل‬
‫بشرى المؤمن"‪14.‬‬
‫ل يعمل العمل لله فيحّبه الناس عليه"‪15.‬‬ ‫وفي رواية لبن ماجة‪" :‬الرج ُ‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجل ً قال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬الرجل يعمل‬
‫سّره‪ ،‬فإذا اطلع عليه‪ ،‬أعجب‪ ،‬فقال‪" :‬له أجران‪ :‬أجر السر وأجر‬ ‫العمل في ُ ِ‬
‫العلنية"‪16.‬‬
‫قال ابن رجب‪) :‬وبالجملة‪ ،‬فما أحسن قول سهل بن عبد الله الُتستري‪ :‬ليس‬
‫على النفس شيء أشق من الخلص‪ ،‬لنه ليس لها فيه نصيب‪.‬‬
‫وقال يوسف بن الحسين الرازي‪ :‬أعز شيء في الدنيا الخلص‪ ،‬وكم أجتهد‬
‫في إسقاط الرياء عن قلبي‪ ،‬وكأنه ينبت فيه على لون آخر‪.‬‬
‫وقال ابن عيينة‪ :‬كان من دعاء مطّرف بن عبد الله‪ :‬اللهم إني أستغفرك مما‬
‫ت إليك منه‪ ،‬ثم عدت فيه‪ ،‬وأستغفرك مما جعلته لك على نفسي‪ ،‬ثم لم‬ ‫تب ُ‬
‫ت أني أردت به وجهك‪ ،‬فخالط قلبي منه ما‬ ‫ف لك به‪ ،‬وأستغفرك مما زعم ُ‬ ‫أ ِ‬
‫ت(‪.‬‬‫قد علم َ‬
‫ورحم الله القائل‪:‬‬
‫اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا ً ونحن نعلم‪ ،‬ونستغفرك لما ل نعلم‪،‬‬
‫وصلى الله وسلم على إمام المتقين وسيد المتوكلين المخلصين‪ ،‬وعلى آله‬
‫وصحبه الغر الميامين‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الّرؤية الغربّية للسلم بين النصاف والتحّيز‬


‫إبراهيم غرايبة ‪22/7/1426‬‬
‫‪27/08/2005‬‬
‫عاد السلم من جديد إلى صدارة الهتمام الغربي أكاديميا ً وإعلميا ً وسياسيا ً‬
‫وإستراتيجيًا‪ ،‬وتظهر الحملة الغربية للسلم قدرا ً من التفهم بالضافة إلى ما‬
‫هو سائد من تحّيز وعداوة‪ .‬ويقدم كتاب الدكتور محمد عمارة "السلم في‬
‫عيون غربية" نماذج من الجانبين تصلح ملخصا ً للمثقف والمتابع ليطلع على‬
‫نحو عادل ومتوازن لقضية السلم والغرب‪ ،‬ول يقع أسير التعميم والتحيز‪.‬‬
‫وقد نشرت مجلة "شؤون دولية" الصادرة في "كمبردج" بإنجلترا عدد يناير‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سنة ‪ 1991‬ملفا ً عن السلم لثنين من أبرز علماء الجتماع السياسي‬


‫النجليزي )ادوارد مورتيمر( و)ارنست جيلنر(‪.‬‬
‫"لقد شعر الكثيرون بالحاجة إلى اكتشاف تهديد يحل محل التهديد السوفيتي‪،‬‬
‫وبالنسبة إلى هذا الغرض فإن السلم جاهز في المتناول‪ ،‬فالسلم مقاوم‬
‫للعلمنة‪ ،‬وكان لوجود تقاليد محلية للسلم دور في عدم نجاح نظرة التقدير‬
‫والمثالية للحضارة الغربية‪ ،‬وقد امتلك السلم مقومات الصلح الذاتي‪ ،‬وذلك‬
‫هو التفسير الساسي لمقاومة السلم المرموقة للعلمنة‪ .‬إن السلم من بين‬
‫الثقافات الموجودة في الجنوب‪ ،‬وهو الهدف المباشر للحملة الغربية‬
‫الجديدة‪ ،‬ليس لسبب سوى أنه الثقافة الوحيدة القادرة على توجيه تحدٍ فعلي‬
‫وحقيقي للثقافة العلمانية الغربية"‬
‫ومما جاء في أبحاث ومقررات مؤتمر مجمع الخبراء في الكنائس الغربية في‬
‫مايو ‪ 1978‬في "كولورادو" بأمريكا" "إن السلم هو الدين الوحيد الذي‬
‫تناقض مصادره الصلية أسس النصرانية‪ ،‬والنظام السلمي هو أكثر النظم‬
‫الدينية المتناسقة اجتماعيا ً وسياسيًا‪ ،‬ونحن بحاجة إلى مئات المراكز لفهم‬
‫السلم واختراقه‪ ،‬ولذلك ل يوجد لدينا أمر أكثر أهمية وأولوية من موضوع‬
‫تنصير المسلمين"‪.‬‬
‫ستركز هذه المقالة على نماذج من شهادات العلماء والمفكرين الغربيين‬
‫المنصفة‪ ،‬فنجد من هؤلء مجموعة كبيرة قدموا شهادات منصفة‪ ،‬وقاموا‬
‫أيضا ً بخدمات جليلة للفكر السلمي‪ ،‬مثل سير توماس ارنولد )‪-1864‬‬
‫‪ (1930‬صاحب كتاب "الدعوة إلى السلم" و"الخلفة" و"العقيدة السلمية"‬
‫و"التصوير في السلم"‪.‬‬
‫فيقول في كتاب الدعوة إلى السلم‪ ":‬إن حالت المجتمع المسيحي نفسه‬
‫قد جعلت الجهود التي تنطوي على الغيرة والحماسة الدينية في اكتساب‬
‫مسلمين جدد أشد أثرا ً وأعظم قيمة‪ ،‬فبعد تدهور الكنيسة الغريقية نشأ‬
‫استبداد في المور الدينية جعل الحياة العقلية ترزح تحت القرار الحاكم الذي‬
‫حرم كل مناقشة في شؤون الخلق والدين‪.‬‬
‫ولكننا لم نسمع في ظل السلم عن أي محاولة مدبرة لرغام الطوائف من‬
‫غير المسلمين على قبول السلم أو عن أي اضطهاد منظم قصد منه‬
‫استئصال الدين المسيحي"‪.‬‬
‫ول يستطيع أي فرد أن يوضح الطابع العقلي للعقيدة السلمية أكثر مما‬
‫وضحه البروفسور )مونتيه( )‪" (1907-1856‬السلم في جوهره دين عقلي‪،‬‬
‫فتعريف السلوب العقلي بأنه طريقة تقييم العقائد الدينية على أسس من‬
‫المبادئ المستمدة من العقل والمنطق ينطبق على السلم تمام النطباق‪،‬‬
‫وإن للسلم كل العلمات التي تدل على أنه مجموعة من العقائد التي قامت‬
‫على أساس المنطق والعقل‪ ،‬فقد حفظ القرآن منزلته من غير أن يطرأ عليه‬
‫تغير أو تبديل باعتباره النقطة الساسية التي تبدأ منها تعاليم هذه العقيدة‪،‬‬
‫وكان من المتوقع لعقيدة محددة كل تحديد وخالية من التعقيدات الفلسفية‪،‬‬
‫ثم في متناول إدراك الشخص العادي أن تمتلك‪ -‬وإنها لتمتلك فعل قوة‬
‫عجيبة‪ -‬لكتساب طريقها إلى ضمائر الناس"‪.‬‬
‫ويقول )سير توماس(‪ :‬إن الفكرة التي شاعت أن السيف كان العامل في‬
‫تحويل الناس إلى السلم بعيدة عن التصديق‪ .‬إن نظرية العقيدة السلمية‬
‫تلتزم التسامح وحرية الحياة الدينية لجميع أتباع الديانات الخرى‪ ،‬وإن مجرد‬
‫وجود عدد كبير جدا ً من الفرق والجماعات المسيحية في القطار التي ظلت‬
‫قرونا ً في ظل الحكم السلمي لدليل ثابت على ذلك التسامح‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن الشهادات المنصفة شهادة العلمة"دافيد دى سانتيل" الذي يقول‪" :‬إن‬


‫المستوى الخلقي الرفيع الذي يسم الجانب الكبر من الشريعة السلمية قد‬
‫عمل على تطوير وترقية مفاهيمنا العصرية‪ ،‬وهنا يكمن فضل هذه الشريعة‬
‫الباقي على مر الدهور‪ ،‬فالشريعة السلمية ألغت القيود الصارمة‬
‫والمحرمات المختلفة التي فرضتها اليهودية على أتباعها‪ ،‬ونسخت الرهبانية‬
‫المسيحية‪ ،‬وأعلنت رغبتها الصادقة في مسايرة الطبيعة البشرية والنزول إلى‬
‫مستواها‪ ،‬واستجابت إلى جميع حاجات النسان العملية في الحياة‪ ،‬تلك هي‬
‫الميزات التي تسم الشريعة السلمية في كبد حقيقتها‪ ،‬قد نجرؤ على وضعها‬
‫في أرفع مكان وتقليدها أجل مديح علماء القانون وهو خليق بها"‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ويقول الباحث والمؤرخ النجليزي )مونتجو مرى وات( وشهادته ثمرة‬


‫لدراسات السلم مقارنا ً بالديانات الخرى استمرت ثلثين عامًا‪" :‬إن القرآن‬
‫الكريم ليس بأي حال من الحوال كلم محمد ول هو نتاج تفكيره‪ ،‬إنما هو‬
‫كلم الله وحده‪ ،‬ول ينبغي النظر إليه باعتباره نتاج عبقرية بشرية‪.‬‬
‫ومعظم المسيحيين يميلون إلى افتراض أن المسيحية ستكون هي دين‬
‫العالم في المستقبل‪ ،‬ولكن هذا أبعد ما يكون عن الصحة‪ ،‬ولنذكر دليل ً واحدا‪ً،‬‬
‫فبعض المم المسيحية الكبيرة تعاني بشدة من العنصرية‪ ،‬والدين الذي ل‬
‫يستطيع أن يحل مشاكل العنصرية بين أعضائه من المستبعد أن يكون قادرا ً‬
‫على تقديم حلول كثيرة مجدية لمشاكل العالم الخرى"‪.‬‬
‫ويقول المستشرق العلمة اللماني شاخت جوزيف‪" :‬من أهم ما أورثه‬
‫السلم للعالم المتحضر قانونه الديني الذي ُيسمى بالشريعة‪ ،‬وهي تختلف‬
‫اختلفا ً واضحا ً عن جميع أشكال القانون‪ ،‬إنها قانون فريد‪ ،‬فالشريعة‬
‫السلمية هي جملة الوامر اللهية التي تنظم حياة كل مسلم من جميع‬
‫وجوهها‪ ،‬وبالرغم من أن التشريع السلمي قانون ديني فإنه من حيث الجوهر‬
‫ل يعارض العقل بأي وجه من الوجوه‪ ،‬فالتشريع السلمي منهج عقلني في‬
‫فهم النصوص وتفسيرها‪ ،‬ويقدم مثال ً لظاهرة فريدة يقوم فيها العلم‬
‫القانوني ل الدولة بدور المشرع‪ ،‬وتكون فيها لمؤلفات العلماء قوة القانون"‪.‬‬
‫ويقول أبرز مؤرخي العلم العالمي جورج سارتون‪" :‬حادثه واحدة من أخصب‬
‫الحوادث في نتائجها في تاريخ النسانية‪ ،‬أل وهي ظهور السلم‪.‬‬
‫إن الفرق بين القرآن والنجيل عظيم جدا ً وهو يرجع إلى أن القرآن الكريم‬
‫يشتمل على جميع السس الضرورية للحياة السلمية )الدين والفقه‬
‫والتشريع والتقويم واللغة(‪.‬‬
‫والفتوح العربية لم تكن نتيجة صراع بين برابرة جياع وبين سكان مدن أخذوا‬
‫يتقهقرون في سلم المدنية‪ ،‬بل كانت صراعا ً بين دين جديد وثقافة جديدة‬
‫ناشئة وبين ثقافات منحلة متعادية قلقة‪.‬‬
‫إن التقدم الصحيح ومعناه تحسين صحيح لحوال الحياة ل يمكن أن ُيبنى على‬
‫وثنية اللت‪ ،‬ولكن يجب أن يقوم على الدين وعلى الفن وفوق كل ذلك على‬
‫العلم القائم على محبة الله ومحبة الحقيقة وحب الجمال وحب العدل‪ ،‬وإن‬
‫المشكلة الساسية في عالمنا اليوم هي رفع المستوى الروحي لمجموع‬
‫الناس‪ ،‬وكان تفوق العرب في ثباتهم وفي شدة حبهم للعلم"‪.‬‬
‫ويقول المستشرق الفرنسي )كارادى فو(‪" :‬والسبب الخر لهتمامنا بعلم‬
‫العرب هو تأثيره العظيم في الغرب‪ ،‬فالعرب ارتقوا بالحياة العقلية والدراسة‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العلمية إلى المقام السمى في الوقت الذي كان العالم المسيحي يناضل‬
‫نضال المستميت للنعتاق من أحابيل البربرية وأغللها‪ ،‬لقد كان لهؤلء العلماء‬
‫)العرب( عقول حرة مستطلعة"‬
‫ويقول المستشرق السباني جوان فيرفيه‪" :‬وإذا نحن تحّرينا الدقة نجد أن‬
‫أصل التطور العلمي للرياضيات عند المسلمين يبدأ مع القران الكريم‪ ،‬وذلك‬
‫فيما ورد في القرآن من الحكام المعقدة في تقسيم الميراث‪ ،‬وُيعد ّ‬
‫الخوارزمي أول رياضي مسلم‪ ،‬ونحن مدينون له بمحاولة وضع تنظيم منهجي‬
‫باللغة العربية لكل المعارف العلمية والتقويم‪ ،‬كما ندين له باللفظ السباني‬
‫"غوارزمي" الذي يعني الترقيم )أي العداد ومنازلها والصفر(‪ ،‬وكان الجبر هو‬
‫الميدان الثاني الذي عمل فيه الخوارزمي‪ ،‬وهو فرع من الرياضيات لم يكن‬
‫حتى ذلك الوقت موضوعا ً لية دراسة منهجية جادة"‪.‬‬
‫ويقول المستشرق النجليزي جب‪" :‬وثمة ما يبرر الدعاء القائل‪ :‬إن الشعر‬
‫العربي له الفضل إلى حد ما في قيام الشعر الجديد بأوروبا‪ ،‬وإن كنا ل‬
‫نستطيع السير طول الطريق مع البروفسور "ماكيال" الذي يقول‬
‫مؤكدا ‪":‬كانت أوروبا مدينة بدينها إلى اليهودية‪ ،‬وكذلك هي مدينة بأدبها‬
‫الروائي إلى العرب‪ ،‬وقليلون هم الذي ينكرون أن الحياة والنشاط وسعة‬
‫الخيال التي تطبع الداب الجنوبية يعود إلى الوسط الثقافي العربي في‬
‫الندلس خلل العصور المتقدمة‪ ،‬والى الفكر الذي أنشأته تلك الحضارة لدى‬
‫النسان الندلسي"‪.‬‬
‫ويقول المستشرق الروسي جرا بر‪" :‬إن العمارة السلمية نشأت بوصفها‬
‫ظاهرة فريدة متميزة بذاتها انبثقت عن مجموع كبير معقد من الشكال‬
‫السابقة عليها أو المعاصرة لها‪ ،‬إنها مجرد مثل واحد لقدرة فريدة لدى‬
‫المسلمين على تحويل عناصر شكلية أو وظيفية عديدة أخرى إلى شيء‬
‫إسلمي‪ ،‬ومقدرة المسلمين الهائلة على تطويع الشكال المستمدة من‬
‫أقاليم عديدة مختلفة بحيث تلبي مقاصد السلم ومبادئه"‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وتقول المستشرقة اللمانية )سيجر يد هونكه( صاحبة الكتاب المهم والشهير‬


‫"شمس العرب تسطع على الغرب"‪ " :‬يعمل العرب على إنقاذ تراث اليونان‬
‫من الضياع والنسيان فقط‪ ،‬وهو الفضل الوحيد الذي جرت العادة على‬
‫العتراف به لهم حتى الن‪ ،‬ولم يقوموا بمجرد عرضه وتنظيمه وتزويده‬
‫بالمعارف الخاصة ومن ثم إيصاله إلى أوروبا بحيث إن عددا ً ل ُيحصى من‬
‫الكتب التعليمية العربية حتى القرنين )‪ (17-16‬قدمت للجامعات أفضل مادة‬
‫سسين‬ ‫معرفية‪ ،‬فقدا كانوا ‪-‬وهذا أمر قلما يخطر على بال الوروبيين‪ -‬المؤ ّ‬
‫للكيمياء والفيزياء التطبيقية والجبر والحساب بالمفهوم المعاصر‪ ،‬وعلم‬
‫المثلثات الكروي‪ ،‬وعلم طبقات الرض‪ ،‬وعلم الجتماع‪ ،‬وعلم الكلم"‬
‫وتقول‪" :‬إن السلم أعظم ديانة على ظهر الرض سماحة وإنصافا ً نقولها بل‬
‫تحيز ودون أن نسمح للحكام الظالمة أن تلطخه بالسواد‪ ،‬وإذا ما نحينا هذه‬
‫المغالطات التاريخية الثمة في حقه‪ ،‬والجهل به فإن علينا أن نتقبل هذا‬
‫الشريك والصديق مع ضمان حقه في أن يكون كما هو"‪.‬‬
‫هذه نماذج من أقوال المفكرين الغربيين اقتبستها مما جمعه الدكتور محمد‬
‫عمارة في كتابه المهم‪ ،‬وقد يكون عرضها مفيدا ً للمشتغلين بالعلقة بين‬
‫السلم والغرب والمثقفين المسلمين ليكونوا على تواصل مع الحركة‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العالمية القائمة اليوم في الهتمام بالسلم والمسلمين سواء على نحو‬


‫عدائي أو لجل الحوار‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الّربا بين النهج الرباني والنهج العلماني‬


‫بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي‬
‫‪...‬‬
‫من أكثر القضايا التي تعددت فيها الفتاوى في واقعنا المعاصر هي قضّية‬
‫صا ً في القرآن الكريم وفي الحاديث‬ ‫الربا‪ .‬والّربا أشد ّ ما حّرمه السلم ن ّ‬
‫الشريفة‪ .‬فل يحقّ أن يقف المسلم من هذه القضّية ومن الفتاوى التي‬
‫صدرت لها موقف الحائر التائه‪ ،‬إل إذا غلبه الجهل بالكتاب والسّنة‪ ،‬وضعف‬
‫اليمان وغلب الهوى !‬
‫ور لقضايا أخرى‬ ‫ور لهذه القضية اضطراب التص ّ‬ ‫ولقد رافق اضطراب التص ّ‬
‫دد الفتاوى والراء‪،‬‬ ‫كثيرة في واقع المسلمين اليوم‪ .‬ولقد كشف عن هذا تع ّ‬
‫دد السس التي َيعتمد عليها هذا الرأي أو ذاك‪ ،‬واشتراك مستويات‬ ‫وتع ّ‬
‫ددة في إصدار الرأي‪.‬‬ ‫متع ّ‬
‫ن الواقع لم يعد َيفرض على كل‬ ‫ومما ساعد على ذلك الضطراب والتعد ّدِ أ ّ‬
‫جة والبّينة من الكتاب والسّنة دون أي تأويل‬ ‫صاحب رأي أن ي ُت ِْبع رأيه بالح ّ‬
‫فَهم من خلل الكتاب والسنة‪ .‬لذلك أصبح من‬ ‫فاسد‪ ،‬ومن الواقع الذي ي ُ ْ‬
‫السهل إطلق الراء متفّلتة من هنا أو هناك‪ ،‬ما دامت الحجة والبّينة غير‬
‫ور البشري‬ ‫مطلوبة‪ ،‬وما دام الرأي يقاس بالهوى والرغبة أحيانًا‪ ،‬وبالتص ّ‬
‫للمصلحة‪ ،‬وبضغط الواقع‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لقد أصبح تارك الصلة حّرا‪ ،‬وتارك الصوم حّرا‪ ،‬وترى بعض النساء في كثير‬
‫ن الهوى دون حشمة في اللباس‪،‬‬ ‫من القطار في العالم يخرجن كما يشاء له ّ‬
‫مع تبّرج وكشف للزينة‪ ،‬وإثارة للشهوات‪ .‬وأصبح بعض الرجال المنتسبين إلى‬
‫السلم يشربون الخمر جهارا ً دونما حرج في حماية القانون‪.‬‬
‫ن الفسق أصبح‬ ‫خلصة ذلك أن حدود السلم أصبحت ت ُْنتهك بصورة علنية‪ ،‬وأ ّ‬
‫سواًء بسواٍء‪.‬‬ ‫جَهر به من الرجل والمرأة َ‬ ‫يُ ْ‬
‫عرا السلم قد ُنقضت‬ ‫ن ُ‬‫نظرة عاجلة في العالم السلمي تكشف لنا كيف أ ّ‬
‫عروة ً فعروة‪ ،‬كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫فعن أبي أمامة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪:‬‬
‫ة‪ ،‬فكّلما انتقضت عُْروةً تشّبث الّناس بالتي‬ ‫عرا السلم عُْروةً عُْرو ً‬ ‫ن ُ‬‫ض ّ‬
‫ق َ‬‫) لُتن َ‬
‫ن الصلة ( ] رواه أحمد وابن حبان‬ ‫ن نقضا ً الحكم وآخره ّ‬ ‫تليها‪ ،‬فأوله ّ‬
‫والحاكم [)‪(1‬‬
‫في هذه الجواء‪ ،‬حيث امتدت الديمقراطية والعلمانية بنظامها الرأسمالي‪،‬‬
‫وحيث سيطر النظام الرأسمالي الربوي على معظم أنحاء العالم‪ ،‬أو جميعه‪،‬‬
‫ُتدعمه القوى العسكرية والعلمية والفكرية العلمانية‪ ،‬وتدعمه حركات‬
‫التنصير التي كانت في كثير من الحيان ممهدة للزحف العسكري المعتدي‪،‬‬
‫وتدعمه الشركات التجارية التي تجعل نشاطها كذلك ممهدا ً للغزو الجرامي‬
‫الظالم‪ ،‬وتدعمه القوى اليهودية ومؤسساتها‪ ،‬في هذه الجواء صدرت الفتاوى‬
‫المتعددة المتضاربة حول البنوك وعملها‪ ،‬وحول الفائدة الربوية وحكمها‪،‬‬
‫ل ما يتعّلق بذلك من قضايا‪.‬‬ ‫وحول ك ّ‬
‫ن " اليهود " كانوا من بين أهم القوى التي ساهمت في‬ ‫ك لحظة في أ ّ‬ ‫ل نش ّ‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بناء النظام القتصادي الرأسمالي الربوي‪ ،‬كما كانوا هم بناة النظام الربوي‬
‫في التعامل القتصادي في الجزيرة العربية قبل أن يلغي السلم هذا النظام‬
‫كّله وُيحّرمه تحريما ً شديدًا‪.‬‬
‫كي بقوله سبحانه وتعالى ‪:‬‬ ‫ولقد بدأ النهي عن الربا والتحريم في العهد الم ّ‬
‫) وما أتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فل يربو عند الله وما أتيتم من‬
‫زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون (‬
‫] الروم ‪[39 :‬‬
‫وماته في‬ ‫ل مق ّ‬‫ل بك ّ‬
‫م أخذ بعد ذلك يسيطر على النشاط القتصادي الذي ح ّ‬ ‫ث ّ‬
‫ل النظام الربوي اليهودي حتى إذا‬ ‫التعامل القتصادي بين المسلمين مح ّ‬
‫استقّر الحكم للسلم‪ ،‬وأصبحت كلمة الله هي العليا‪ ،‬وشرع الله هو العلى‪،‬‬
‫جة الوداع حرمة الربا في خطبته‬ ‫كد رسول الله صلى الله عليه وسّلم في ح ّ‬ ‫أ ّ‬
‫في عرفة بعد أن زالت الشمس وأتى بطن الوادي‪ ،‬وقد اجتمع حوله أكثر من‬
‫مئة وأربعة وعشرون ألفا ً من الناس‪ ،‬فقام فيهم خطيبًا‪ ،‬فقال في جملة ما‬
‫قال ‪:‬‬
‫ن دمائكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في‬ ‫) …إ ّ‬
‫بلدكم هذا‪ .‬أل كل شيء من أمر الجاهلّية تحت قدمي موضوع‪ ،‬ودماء‬ ‫ّ‬
‫الجاهلية موضوعة‪ ،‬وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث ـ‬
‫وكان مسترضعا ً في بني سعد فقتلته هذيل ـ وربا الجاهلية موضوع‪ ،‬وأول ربا‬
‫أضع من ربانا ربا عباس بن عبد المطلب‪ ،‬فإّنه موضوع كله …‪(2)(..‬‬
‫ج وخطة يدفَُعها السلم ويبنيها اليمان في رعاية الوحي‬ ‫إذًا‪ ،‬كان هناك نه ٌ‬
‫ُ‬
‫المتنّزل من السماء على النبوة الخاتمة‪ .‬لقد كان هناك نهج رباني أنزل ليمتد ّ‬
‫مع الزمن‪ ،‬وليمتد ّ في الرض‪ ،‬ل ليتوقف أو يتراجع‪.‬‬
‫أنزل الله هذه الرسالة رسالة كاملة‪ ،‬اكتملت مع حجة الوداع‪ ،‬لتحملها أمة‬
‫ح ّ‬
‫ل‬ ‫السلم أمانة في عنقها حتى قيام الساعة‪ ،‬لتطّبقها كّلها ل جزًء منها‪ .‬لت ُ ِ‬
‫الحلل وُتحّرم الحرام وتقيم شرع الله في جميع شؤون الحياة‪.‬‬
‫وجاء تحريم الربا في الكتاب والسنة تحريما ً قاطعًا‪ ،‬أشد ّ ما في السلم من‬
‫سر الله لعباده اجتناب الحرام‪.‬‬‫تحريم‪ ،‬جاء تحريما ً بّينا ً جلي ّا ً حتى يي ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ل مكان‬‫ل عصر وك ّ‬ ‫وجاءت أحكام السلم ونصوصها تحيط بأفعال العباد في ك ّ‬


‫إلى أن تقوم الساعة‪ ،‬وتوّفر البيان للمؤمن التقي لكل عمل يقوم به ليظل‬
‫عارفا ً بما أح ّ‬
‫ل الله له وما حّرم عليه‪.‬‬
‫حْيرة من أمرهم‪ ،‬ل يدرون ما هو الحلل وما‬ ‫وما كان الله ليترك عباده في َ‬
‫هو الحرام‪ ،‬ومصير النسان مع الحرام إلى النار‪ ،‬إلى جهنم ! فالله أرحم‬
‫بعباده من أن ل يبين لهم‪.‬واستمع إلى قوله سبحانه وتعالى ‪:‬‬
‫ة وبشرى للمسلمين (‬ ‫) …‪ .‬ونّزلنا عليك الكتاب تبيانا ً لكل شيء وهدىً ورحم ً‬
‫] النحل ‪[89 :‬‬
‫وكذلك في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فعن أبي عبد الله‬
‫النعمان بن بشير رضي الله عنه قال ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول ‪:‬‬
‫ن كثيٌر من‬‫ن الحرام بّين وبينهما أموٌر مشتبهات ل يعلمه ّ‬
‫ن الحلل بّين وإ ّ‬ ‫)إ ّ‬
‫الناس‪ ،‬فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه‪ ،‬ومن وقع في‬
‫حمى يوشك أن يرتع فيه‪.‬‬ ‫الشبهات وقع في الحرام‪ ،‬كالّراعي يرعى حول ال ِ‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن في الجسد لمضغة‬ ‫حمى الله محارمه‪ ،‬أل وإ ّ‬ ‫ن ِ‬‫حمى أل وإ ّ‬ ‫ل ملك ِ‬ ‫ن لك ّ‬ ‫أل وإ ّ‬


‫ّ‬
‫إذا صلحت صلح الجسد كله‪ ،‬وإذا فسدت فسد الجسد كله‪ .‬أل وهي القلب (‬ ‫ّ‬
‫] رواه الشيخان [‬
‫ل مسلم جاء بيانها وافيا ً لكل من صدق‬ ‫ن التكاليف الرّبانية التي هي شأن ك ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ل مسلم‪ ،‬ول عذر لمسلم إذا‬ ‫إيمانه وأتقن اللغة العربية‪ ،‬وذلك واجب على ك ّ‬
‫تخّلف عن الوفاء بطلب العلم من الكتاب والسّنة كما جاءا باللغة العربية‪،‬‬
‫ورضي بالبقاء على جهله‪.‬‬
‫فعن أنس وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪:‬‬
‫ل مسلم (‬ ‫) طلب العلم فريضة على ك ّ‬
‫] أخرجه الطبراني وغيره ])‪(3‬‬
‫سر الله برحمته القرآن الكريم للذكر‪ ،‬للتلوة والتدّبر والعمل به ‪:‬‬ ‫ولقد ي ّ‬
‫دكر (‬
‫سرنا القرآن للذكر فهل من م ّ‬ ‫) ولقد ي ّ‬
‫] القمر ‪[17 :‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫"فالربا " كما جاء تحريمه في القرآن والسّنة‪ ،‬ل بد ّ أن يكون واضحا جلي ّا لك ّ‬
‫ل‬
‫مسلم حتى ل يقع أحد في أمر حرام ول في شبهة‪ .‬فأمر " الربا " متعّلق بكلّ‬
‫مسلم وليس يطبقه خاصة من المسلمين‪.‬‬
‫والحلل والحرام ل ُيبّين إل من عند الله ورسوله‪ ،‬وليس لحد أن يحّرم أو‬
‫ص واضح‪ .‬وأمر ذلك‬ ‫ص من الكتاب والسّنة‪ ،‬أو اجتهاد قائم على ن ّ‬ ‫ُيحّلل دون ن ّ‬
‫م إلى جّنة أو نار‪ ،‬فل ُيعقل‬ ‫عظيم‪ ،‬فالناس ستقف للحساب يوم القيامة‪ ،‬ث ّ‬
‫أبدا ً أن يترك الله سبحانه وتعالى أي أمر يقود إلى النار إل بّينه‪ ،‬فإذا التبس‬
‫المر على أحد فهو نتيجة خلل عنده وليس في منهاج الله‪ ،‬وعليه أن ينهض‬
‫ليعالج الخلل عنده‪ ،‬كجهله باللغة العربية وعدم طلبه العلم من الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬أو غلبه الهوى والشهوات في نفسه‪ ،‬وخضوعه لضغط الواقع‪ ،‬فيؤّول‬
‫وُيفسد في التأويل ‪:‬‬
‫كر بالقرآن من يخاف وعيد (‬ ‫) …‪.‬فذ ّ‬
‫] ق ‪[45 :‬‬
‫ً‬
‫ل ربا كان معروفا لدى المسلمين‪ ،‬أو لم يكن‬ ‫والّربا المحّرم في السلم هو ك ّ‬
‫ن نصوص‬ ‫ققة فيه‪ ،‬إلى يوم القيامة‪ .‬ذلك ل ّ‬ ‫عّلة الربا متح ّ‬ ‫معروفًا‪ ،‬ما دامت ِ‬
‫الحكام تحيط بجميع أفعال العباد إلى يوم القيامة في أي مكان رحمة منه‬
‫سبحانه وتعالى بعباده‪.‬‬
‫فإذا كان الناس في جاهلية ابتدعوا نوعا ً من التعامل المحّرم‪ ،‬أو تعّلموه من‬
‫ل زمن أن يستحدثوا من وسائل التعامل‬ ‫ن الناس يمكن لهم في ك ّ‬ ‫اليهود‪ ،‬فإ ّ‬
‫ستحدث هذه‬ ‫بالمال والبيع ما فيه حرام وظلم‪ ،‬وبصورة خاصة عندما ت ُ ْ‬
‫الوسائل والبواب في مجتمعات ل تلتزم بأحكام اليمان وتشريع السلم‪،‬‬
‫فيغلب عليها الظلم والعدوان واستغلل القوي للضعيف‪ ،‬والخداع والغش‬
‫وغير ذلك‪ ،‬حيث يسود قانون بشريٌ ل يمكن له أن يرعى مصالح العباد كما‬
‫يرعاها التشريع الرباني‪ ،‬مهما حمل من وسائل الزخرف والغراء‪.‬‬
‫عّلة تحريم الربا هي الظلم واستغلل حاجة الضعيف للقوي‪ ،‬والفقير للغني‪،‬‬ ‫و ِ‬
‫وبصورة عامة‪" ،‬هي أكل أموال الناس بالباطل "‪.‬‬
‫ليست القضية قضّية عقلية فقط‪ ،‬فالعقل البشري وحده ل يستطيع أن‬
‫يكشف جميع أنواع الباطل وأساليبه الشيطانية‪ ،‬إل أن يكون شرع الله هو‬
‫الذي يهدي العقل وينير له الطريق‪ ،‬ول يستطيع العقل وحده أن يدرك جميع‬
‫حقائق الحكمة الربانية البالغة في تشريعه‪ ،‬وقد يدرك بعضها‪.‬‬
‫فالنظام الرأسمالي والفكر العلماني ل يمكن أن ينشأ منهما عدل حقّ ينبثق‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل أنواعها‪ ،‬وأجواء العدوان والغزو وسرقة ثروات‬ ‫من أجواء الفاحشة بك ّ‬


‫ّ‬
‫الشعوب‪ .‬حتى العقل البشري سيضل عن الصراط المستقيم حين تدفعه‬
‫وتوجهه العلمانية ومذاهبها والرأسمالية وطغيانها والشهوات والنزوات وصراع‬
‫المصالح الماّدية الدنيوية‪ ،‬وضغوط ذلك كّله‪.‬‬
‫ن بعض المسلمين الذين أخذوا ُيؤّولون بعض ما حّرم الله في ُنصوص ثابتة‪،‬‬ ‫إ ّ‬
‫إنما تأّثروا بهذا الجوّ الصاخب من الديمقراطية والعلمانية‪ ،‬حتى أصبح كثير‬
‫منهم يتحاكمون إلى عقولهم وحدها‪ ،‬بعيدا ً عن نور اليمان والتوحيد‪ ،‬وعن‬
‫نصوص التشريع الرّباني‪ ،‬تؤّثر فيهم زخارف العلمانية وضغطها الكبير‪ ،‬وقد‬
‫ق‪ ،‬أو يؤولونها تأويل هوى‪.‬‬
‫يلوون اليات والحاديث عن معناها الح ّ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫و"الضرورة " لها ضوابط وأحكام‪ ،‬فل يجوز أن نغّير أحكام السلم كلما وجدنا‬
‫م ُنسمي ذلك " فقه الواقع "‪ .‬فل يوجد‬ ‫صعوبة في الواقع أو ضغطا ً منه‪ ،‬ث ّ‬
‫شيء اسمه " فقه الواقع "‪ ،‬لن الفقه كّله للواقع‪ ،‬والواقع كّله ركن من‬
‫أركان القفه‪ .‬يمكن أن نقول " فقه القتصاد "‪ ،‬أو " فقه السياسة "‪ .‬فالفقه‬
‫له ثلثة أركان‪ :‬صفاء اليمان والتوحيد‪ ،‬وصدق العلم بمنهاج الله‪ ،‬ووعي‬
‫الواقع من خلله ل من خلل هوى‪.‬‬
‫ور المجرمون في الرض جميع أسباب الفتنة والفساد في الرض‪،‬‬ ‫لقد ط ّ‬
‫خروا العلم لذلك كّله‪ ،‬فقد تعددت ألوان الفاحشة وألوان الغراء لها‪ ،‬وقد‬ ‫وس ّ‬
‫ور‬
‫خر العلم لذلك‪ ،‬فل عجب إذا ط ّ‬ ‫س ّ‬‫ورت وسائل الظلم والعدوان‪ ،‬و ُ‬ ‫تط ّ‬
‫المجرمون في الرض وسائل أكل المال بالباطل‪ ،‬وأشكال الربا‪ ،‬واستحدثوا‬
‫ن منهاج الله بنصوصه المطلقة الثابتة هو‬ ‫منها ما لم يكن متوافرا ً سابقًا‪ ،‬ولك ّ‬
‫حقّ مطلق يحيط بأحوال العباد وأفعالهم في كل زمان ومكان‪ .‬وإن بدا قصور‬
‫قا ً‬‫فهو في جهد النسان وضعفه وليس في منهاج الله‪ .‬لذلك جاء منهاج الله ح ّ‬
‫مطلقا ً للعصور كّلها وللبشرية كلها‪ ،‬وهذا وجه من وجوه إعجازه ل يبُلغه أ ّ‬
‫ي‬
‫منهج بشري‪ .‬عندما ندرس الواقع اليوم‪ ،‬وما قد يفرضه من ضرورة أو حاجة‪،‬‬
‫فل ندرس جزًء من الواقع ونغفل أجزاًء وأجزاًء ! فالمسلم الذي يرمي نفسه‬
‫في أجواء الضرورة تحت هذا العذر أو ذاك‪ ،‬ولم يكن قد استفتى السلم حين‬
‫م له‬ ‫رمى بنفسه في أجواء الضرورة أو الفتنة‪ ،‬حتى إذا عرضت له حاجة ل تت ّ‬
‫إل بارتكاب الحرام‪ ،‬تذكر عندئذ السلم وأخذ يبرز حكم الضرورة والحاجة‪.‬‬
‫دعيه بعضهم من حاجة وضرورة شرعية هو رغبة أكثر منها‬ ‫وربما يكون ما ي ّ‬
‫حاجة وضرورة‪ ،‬أو حاجة لتحسين مستواه يسميها ضرورة شرعية‪.‬‬
‫ل‪ ،‬ولو كان تحت الضرورة‪ .‬فالضرورة يجب‬ ‫ن ممارسة الحرام ل تجعله حل ً‬ ‫إ ّ‬
‫أن تكون حالة غير مستديمة في أغلب الحالت‪ ،‬والتحريم مستديم‪.‬‬
‫ن تكون للمسلمين جميعا ً أو لقطاع‬ ‫ما أ ْ‬ ‫والضرورة تكون لفرد أو أفراد‪ ،‬أ ّ‬
‫واسع منهم‪ ،‬فتلك ضرورة تحتاج إلى وقفة طويلة‪ ،‬ودراسة واسعة أمينة‬
‫لمعرفة سبب نشوئها وحقيقة حكمها‪.‬‬
‫ة عن هوان المسلمين وعدم وفائهم بعهدهم‬ ‫فإذا كانت الحاجة والضرورة ناتج ً‬
‫مع الله‪ ،‬ول بالمانة التي يحملونها‪ ،‬أو ناتجة عن تقصير أّدى إلى تقصير‪،‬‬
‫دى إلى تنازل‪ ،‬حتى غلب الهوان على المسلمين‪ ،‬وخضعوا‬ ‫وتنازل أ ّ‬
‫مستسلمين لغير شرع الله‪ ،‬وابتلهم الله بما كسبت أيديهم‪ ،‬فتفّرقوا ورضوا‬
‫بالفرقة التي حّرمها السلم‪ ،‬وتمّزقوا ورضوا كذلك بالتمزيق‪ ،‬وتصارعوا وقد‬
‫حت القلوب والديار لعداء الله الذين فرضوا شرعا ً‬ ‫نهاهم الله عن ذلك‪ ،‬فَ ُ‬
‫فت ِ َ‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫غير شرع الله‪ ،‬أنأتي بعد ذلك كّله ل ُِنفتي لمن اضطّرته هذه التنازلت إلى‬
‫ارتكاب ما يخالف السلم بجواز المخالفة‪ ،‬وندع المخالفة الكبر والنحراف‬
‫الشد ّ دون فتوى ؟! كيف يعقل هذا ؟!‬
‫م التكاليف‬
‫ّ‬ ‫أه‬ ‫في‬ ‫وتفريطنا‬ ‫وتقصيرنا‬ ‫ل لنا أن نلقي بهواننا وعجزنا‬ ‫ل يح ّ‬
‫ل لنا مع هذا كّله أن نفتي لمن قنع واستسلم‬ ‫الرّبانية على دين الله‪ ،‬ول يح ّ‬
‫ورضي بحكم غير حكم الله في ألف قضّية هامة وخطيرة‪ ،‬بجواز مخالفة هذه‬
‫أو تلك تحت ادعاء ضرورة هو صنعها‪ ،‬أو صنعتها أمته وأهله‪.‬‬
‫ن مفهوم الضرورة في السلم كان يحمل معناه والمة المسلمة عزيزة‬ ‫إ ّ‬
‫ّ‬
‫قوية‪ ،‬ناهضة بمسؤولياتها‪ .‬أما اليوم فللقضّية كلها صورة أوسع‪ .‬وأول ما‬
‫ل إلى مسؤولياته يطلب الخرة يؤثرها على‬ ‫ندعو إليه أن ينهض المسلمون ك ّ‬
‫الدنيا‪ .‬وأول هذه المسؤوليات الشرعية أن ينهض كل مسلم إلى الوفاء‬
‫بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وباليات الكثيرة في كتاب الله‪ ،‬مما‬
‫يفرض على كل مسلم أن يعرف دينه‪ ،‬وأن يعرف المسؤوليات التي‬
‫سيحاسبه الله عليها والتي تقوم على الشهادتين والشعائر‪ ،‬التكاليف الربانية‬
‫التي تنهض على الركان الخمسة والتي تبني عليها‪ .‬ومن أين يعرف المسلم‬
‫كر بحديث رسول الله‬ ‫هذه التكاليف الربانية إل من منهاج الله‪ .‬ونعيد ونذ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم الذي سبق ذكره ‪:‬‬
‫ل مسلم (‬ ‫) طلب العلم فريضة على ك ّ‬
‫ما بال بعض المسلمين اليوم يسألون عن الفتوى في حاجة عرضت لهم‪ ،‬ول‬
‫يسألون الفتوى فيما هم فيه من تقصير وعجز ومخالفة وهوان‪ .‬ومن الذي‬
‫عليه واجب إيقاظ المنتسبين إلى السلم بمسؤولياتهم الفردّية والتكاليف‬
‫الربانية ؟!‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فإذا رضي هذا وذاك قرنا أو قرنين أو قرونا بمخالفة السلم والتنازل عن‬
‫شرعه وأحكامه‪ ،‬أفيأتون ليستفتوا في حاجة عرضت‪ ،‬جاهلين حاجات أخرى‬
‫ومسؤوليات أخرى‪.‬‬
‫أما من وجد أنه أوفى بعهده مع الله‪ ،‬وبالتكاليف الرّبانية‪ ،‬واستوعب ذلك‬
‫جهده وعلمه وطاقته وأمانته‪ ،‬فنقول إن حسابه وحسابنا كّلنا عند الله سبحانه‬
‫وتعالى‪.‬‬
‫لذلك ل بد ّ من تناول قضايا واقع المسلمين اليوم ـ نتناولها واحدة واحدة‬
‫ضع لها العلج النابع من الكتاب‬ ‫درس ويو َ‬ ‫حسب أهميتها في ميزان الله‪ ،‬لت ُ ْ‬
‫فا ً واحدا ً كالبنيان‬
‫والسنة‪ ،‬على صورة منهجّية تجتمع عليها المة ص ّ‬
‫المرصوص‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ول أجد في واقع المسلمين اليوم إثما ً ول معصّية أشد ّ من تفّرق المسلمين‬
‫بما كسبت أيديهم‪.‬‬
‫مل المسلم نفسه مسؤولية الضرورة التي‬ ‫من خلل ذلك كّله‪ ،‬ل بد ّ أن يتح ّ‬
‫تدفعه إلى إثم أو معصية‪ ،‬وأن يتخذ هو قراره بنفسه دون أن تصدر فتوى‬
‫مل واحد ٌ آثام الجميع‪ .‬ومن‬
‫عامة للمسلمين تبيح ارتكاب ما حّرم الله فيتح ّ‬
‫وجد أنه ل يستطيع أن ُيفتي لنفسه فليسأل من هو أعلم منه‪ ،‬على أن ينهض‬
‫فورا ً إلى مسؤولياته الفردّية والتكاليف الربانية المنوطة به‪ ،‬وإن مثل هذا‬
‫النهوض هو أول الخطوات لمعالجة هذه المراض‪ ،‬وعسى أن يغفر الله به‬
‫لعباده المؤمنين الذين التقوا صفا ً واحدا ً يجاهدون في سبيل الله على نهج‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وخطة‪.‬‬
‫)‪ (1‬صحيح الجامع الصغير وزيادته ‪ :‬رقم )‪.(5057‬‬
‫)‪ (2‬الرحيق المختوم ‪ :‬صفي الرحمن المباركفوري ـ ص‪ .421 :‬وسائر كتب‬
‫السيرة‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح الجامع الصغير وزيادته ‪ :‬رقم ‪.(3913 ) :‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫الّردة بين الصراع الحضاري ُوسّنة التدافع‬


‫المرتد الفغاني‪ ..‬ساندته الدول النصرانية الكبرى في العالم بما أمريكا‬
‫وإيطاليا وألمانيا‬
‫أثار حادث الردة للمواطن الفغاني الطبيب " عبد الرحمن " ضجة في‬
‫الوساط السلمية ‪ -‬بعد أن تبين أنه قد تنصر أثناء عمله لصالح جماعة إغاثة‬
‫للجئين الفغان في باكستان قبل ‪ 15‬عاما‪ -‬أحدثت الردة والتعامل الغربي‬
‫معها ضجة في الوسط السلمي‪ ،‬ليعود الحديث حول علقتنا بالغرب‬
‫ومحاولة فهم وجهة نظر الغرب إلى قضايانا ‪.‬‬
‫أول ً ‪ :‬حادث الردة يبين مدى خطورة جمعيات الغاثة الغربية التي تعمل في‬
‫المناطق السلمية‪ ،‬وُيظهر بوضوح أن التنصير هو الهدف الحقيقي لهذه‬
‫الجمعيات وليس الغاثة‪ ،‬كما يظهر الخطر الكبير الذي يتعرض له المسلمون‬
‫اللجئون الذين تعمل بينهم هذه الجمعيات بعد أن تم التضييق على عمل‬
‫جمعيات الغاثة السلمية من قبل النظمة الحاكمة بدعوى محاصرة‬
‫الرهاب‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬فضحت حادثة الردة للمواطن الفغاني السلوك الغربي عموما تجاه‬
‫القيم التى يدعو إليها من المساواة والحرية واحترام القانون‪ ،‬فقد مارس‬
‫عدد من الدول الغربية ضغطا على أفغانستان وعلى رأسها الوليات المتحدة‬
‫بعد أن تعهد الرئيس بوش باستخدام نفوذ بلده على أفغانستان لضمان "حق‬
‫عبد الرحمن في اختيار دينه"‪ ،‬كما وأعربت عدة دول تنشر قوات في‬
‫أفغانستان‪ ،‬من بينها كندا وإيطاليا وألمانيا وأستراليا‪ ،‬عن قلقها بشأن هذه‬
‫القضية‪ ،‬وكانت وكالة النباء اليطالية قد ذكرت السبت ‪ 2006-3-25‬أن "بابا‬
‫الفاتيكان وجه رسالة إلى الرئيس الفغاني عبر وزير خارجيته الكاردينال‬
‫أنجيلو سودانو تدعو إلى احترام حقوق النسان "‪ .‬إن هذا الضغط على‬
‫الحكومة الفغانية كان السبب المباشر وراء الفراج عن المرتد "عبد الرحمن‬
‫" رغم أن الدستور الفغاني الجديد الذي رعته الولايات المتحدة ونال رضاها‬
‫ينص على عقوبة العدام جزاء جريمة الرتداد عن الدين السلمي‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬فتحت كل الدول الغربية أذرعها ليعيش على ثراها وتحت رعايتها‬
‫المرتد الفغاني حيث صرح رئيس الوزراء اليطالي سيلفيو بيرلسكوني ان‬
‫"المرتد الفغاني" الذي اعتنق المسيحية وصل الى روما الربعاء ‪-3-29‬‬
‫‪ 2006‬بعد ان منحته الحكومة اليطالية اللجوء السياسي‬
‫رابعا ً ‪ :‬يبدو هذا الترحيب الذي لقيه المرتد منطقيا ومتوافقا مع القيم الغربية‬
‫ً‬
‫" فقط " في حالة الرتداد عن السلم كشرط للجوء والعيش هناك‪ ،‬أما إذا‬
‫لجأ إليهم مهاجر فقير متمسك بدينه‪ ،‬حينئذ ٍ تبدو القيم الحقيقية للغرب‬
‫وسأضرب هنا مثل بالمهاجرين دليل على ما أقول ‪ :‬فحسب تقرير صادر عن‬
‫المم المتحدة‪ ،‬فإن أسبانيا تحتاج إلى ‪ 12‬مليون مهاجر بحلول سنة ‪،2050‬‬
‫وبمتوسط ‪ 240‬ألف مهاجر سنويا لكي تحافظ على معدلت نموها‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القتصادي الحالي‪ ،‬رغم ذلك فقد جاء في تقارير لجمعيات ومنظمات‬


‫حقوقية‪ :‬إن أكثر من ‪ 10‬آلف شخص لقوا حتفهم غرقا في مضيق جبل‬
‫طارق أثناء محاولتهم الهجرة إلى أوربا عبر القوارب خلل العوام الخمسة‬
‫عشر الماضية فقط‪ ،‬كما أن وزير الداخلية الفرنسي نيكول ساركوزي قد‬
‫صرح الجمعة ‪ 2005-9-9‬أنه تم طرد نحو ‪ 13‬ألف أجنبي في وضع غير‬
‫شرعي من فرنسا خلل الشهر الثمانية الولى من عام ‪ ،2005‬داعيا إلى‬
‫تسريع عمليات الطرد‪.‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬حتى نفهم العلقة مع الغرب لبد أن ننظر في موضوع الصراع بين‬
‫الحضارات الذي هو موضوع غربي بامتياز حيث يعود إلى العصر اليوناني‬
‫والروماني اللذين سادت فيهما مفاهيم الصراع بدللتها المتعددة ومعانيها‬
‫المتنوعة‪ ،‬انطلقا ً مما كان يعرف في الفكر اليوناني القديم من عقيدة "‬
‫صراع اللهة " و" صراع القوة والضعف " و" صراع الخير والشر "‪ ،‬و" صراع‬
‫النسان مع الطبيعة " و" صراع النسان مع اللهة "‪ ،‬كما ل يخلو " العهد‬
‫س من السس الثابتة التي‬ ‫القديم " من روح الصراع هذه‪ ،‬فالصراع إذن أ ّ‬
‫قامت عليها الحضارة الغربية‪ ،‬وإذا تأملنا اليوم الوضع الدولي العام‪ ،‬وجدنا أن‬
‫نظام العولمة الذي تقوده الوليات المتحدة المريكية وتسعى إلى فرضه‬
‫على العالم عبر مجموعة من التدابير والنظمة ُيراد تطويُعها وصّبها في قالب‬
‫دولي للدفع بنظام العولمة إلى اكتساح المواقع وفرض الوجود على العالم‬
‫كّله‪ ،‬وجدنا هذا النظام تعبيرا ً عن فكرة الصراع وانعكاسا ً لروحها‪ ،‬كما أن‬
‫الحرب على الرهاب وفق المنظور المريكي‪ ،‬تحولت هي الخرى إلى حرب‬
‫من أجل الهيمنة والتسّلط‪ ،‬وفرض المفهوم المريكي لصراع الحضارات‬
‫بالقوة‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬رغم أن الغرب هو الذي أنشأ ورعى ويصدر مفهوم الصراع‬
‫الحضاري إل أن السؤال الذي يطرح نفسه‪ :‬هل هذا المفهوم حتمي الحدوث؟‬
‫كما بشر بذلك صامويل هنتنغتون في كتابه الشهير "صدام الحضارات وإعادة‬
‫صنع النظام العالمي"‪ ،‬الذي صدر في عام ‪1996‬م وفرانسيس فوكوياما‬
‫الذي أصدر كتابه الشهير أيضا ً "نهاية التاريخ"؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الجابة هنا هي النفي المطلق‪ ،‬ومن هنا يأتي دورنا كمسلمين في تعميق‬
‫مفهوم "التدافع الحضاري" كسنة ربانية بديل عن مفهوم الصراع الغربي‪،‬‬
‫طرد تتحقق فيه‬ ‫وليس يعني ذلك أن الحياة ستسير وفق خط بياني صاعد وم ّ‬
‫المصالح والمنافع للناس كافة في جميع الحوال وتترقى ذواتهم‪ ،‬وأن الخير‬
‫والشر ل يتصادمان‪ ،‬وإنما القصد من ذلك أن التدافع ُيبطل الصراع‪ ،‬وأن‬
‫ع‪ ،‬وأن قيم‬ ‫ح وت ََتدافَ ُ‬
‫ل وت ََتلقَ ُ‬
‫ص ُ‬
‫الخير يغلب على الشر‪ ،‬وأن الحضارات ت ََتوا َ‬
‫الخير والعدل والفضيلة ومكارم الخلق والسلم في النفس وفي الرض هي‬
‫ومات الحضارة التي تخدم النسان‪ ،‬وأن الحق والعدل هما قاعدتا الحضارة‬ ‫مق ّ‬
‫مر الرض ويصلح ول يفسد‪ ،‬فإن‬ ‫التي يسعد النسان في كنفها وُيبدع ويع ّ‬
‫ة من طبائع‬ ‫ة‪ ،‬وهو شذوذ ٌ عن القاعدة‪ ،‬وليس طبيع ً‬ ‫ة عارض ٌ‬
‫الصراع حال ٌ‬
‫ض " التدافع الحضاري "‬ ‫الحضارات‪ ،‬لنه ي ََتناَفى والفطرة النسانية‪ ،‬وهو نقي ُ‬
‫ّ‬
‫الذي قامت الحضارة السلمية على أساسه‪ ،‬وهو إلى ذلك كله‪ ،‬البدي ُ‬
‫ل‬
‫ي للفوضى التي تسود الوساط الفكرية والسياسية في العالم‬ ‫الموضوع ّ‬
‫وشة وتحليلت مغرضة‬ ‫اليوم‪ ،‬من جّراء شيوع مفاهيم مغلوطة ورؤى مش ّ‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تدفع بحركة الفكر العالمي وبالسياسة الدولية على وجه العموم‪ ،‬نحو مناطق‬
‫دد النسانية في حاضرها وفي مستقبلها‪.‬‬ ‫مجهولةٍ محفوفةٍ بالمخاطر التي تته ّ‬
‫سابعا ً ‪ :‬وإن كان هذا الفغاني قد أعلن ردته فإن المشكلة تكمن فيمن هم‬
‫على شاكلته ولكنهم ليعلنون ردتهم ليظلوا شوكة في خاصرة المجتمعات‬
‫المسلمة‪ ،‬كذلك لن يستطيع الغرب أن يجرنا إلى مفهومه لصراع الحضارات‬
‫ولكننا سنظل أوفياء لقيمنا وسندعوهم " للتدافع الحضاري " و" التفاعل‬
‫الحضاري "‪.‬‬
‫وأخيرا ‪ :‬فإنني أهدي الغرب هذه الوثيقة التاريخية مثال على تطبيقنا لمبادئنا‬
‫التي عشنا لها وسنموت من أجلها‪ " ،‬من جورج الثاني ملك انجلترا والسويد‬
‫والنرويج إلى الخليفة ملك المسلمين في مملكة الندلس صاحب العظمة‬
‫هشام الثالث الجليل المقام ‪ ..‬بعد التعظيم والتوقير نفيدكم أننا سمعنا عن‬
‫الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلدكم‬
‫العامرة ‪ ..‬فأردنا لبنائنا اقتباس نماذج من هذه الفضائل لتكون بداية حسنة‬
‫في اقتفاء أثركم‪ ،‬لنشر ربوع العلم في بلدنا التي يحيط بها الجهل من‬
‫أركانها الربعة‪ ،‬وقد وضعنا ابنة شقيقنا الميرة " دوبانت " على رأس بعثة‬
‫من بنات الشراف النجليز لتتشرف بلثم أهداب العرش والتماس العطف‪،‬‬
‫لتكون مع زميلتها موضع عناية عظمتكم‪ ،‬وقد زودت الميرة الصغيرة بهدية‬
‫متواضعة لمقامكم الجليل ‪ ...‬أرجو التكرم بقبولها مع التعظيم والحب‬
‫الخالص ‪ "..‬من خادمكم المطيع ‪ /‬جورج الثاني"‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المصريون‪ :‬صبري السيد )بتصرف يسير(‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الزائر الخير‬
‫خالد أبو صالح‬
‫دار الوطن‬
‫الحمد لله الذي خلق آدم من تراب‪ ،‬والصلة والسلم على من أنار الله به‬
‫البصائر واللباب‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واتبع هداه إلى يوم‬
‫الموعد والمآب‪ ...‬و بعد‪:‬‬
‫أخي الحبيب‪ :‬هل تعلم من هو الزائر الخير؟ وهل تعلم ماذا يريد من زيارتك‬
‫ولقائك؟ وأي شيء يطلب منك؟‬
‫إنه لم يأت طمعا ً في شيء من مالك‪ ..‬أو لمشاركتك طعامك وشرابك‪ ..‬أو‬
‫للستعانة بك على قضاء دين‪ ..‬أو شفاعة لدى أحد‪ ..‬أو تمرير معاملة عجز‬
‫عنها‪.‬‬
‫لقد جاء هذا الزائر إليك في مهمة محدودة وقضية معينة‪ ..‬ل تستطيع أنت ول‬
‫أهلك وعشيرتك‪ ،‬بل ول أهل الرض جميعا ً أن يردوه دون إنجازها وتحقيقها‪.‬‬
‫ثم إنك وإن سكنت القصور العالية‪ ،‬وتحصنت بالحصون المنيعة والبروج‬
‫المشيدة‪ ..‬وتمتعت بالحراس والحجاب‪ ،‬ل تستطيع منعه من الدخول إليك‪،‬‬
‫والجتماع بك‪ ،‬وتصفية حسابه معك!!‬
‫إنه ل يحتاج ‪ -‬كي يدخل عليك ‪ -‬إلى أبواب أو استئذان ول إلى أخذ موعد‬
‫مسبق قبل المجيء والتيان‪ ،‬بل يأتي إليك في أي وقت وعلى أي حال؛ حال‬
‫شغلك أو فراغك‪ ..‬صحتك أو مرضك‪ ..‬غناك أو فقرك‪ ..‬سفرك أو إقامتك‪.‬‬
‫وهذا الزائر ‪ -‬أخي الحبيب ‪ -‬ليس له قلب يرق بحيث تؤثر فيه كلماتك‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبكاؤك‪ ،‬أو ربما صراخك وتوسلتك‪ ،‬وليس في مقدوره أن يمهلك مهلة‬


‫تراجع فيها حساباتك‪ ،‬وتنظر في أمرك!!‬
‫وهو كذلك ل يقبل هدية ول رشوة‪ ،‬لن أموال الدنيا كلها ل تساوي عنده شيئا‪ً،‬‬
‫ول ترده عما جاء من أجله‪.‬‬
‫إنه يريدك أنت‪ ..‬ل شيء غيرك‪ ..‬يريدك كلك ل بعضك‪ ..‬يريد إفناءك والقضاء‬
‫عليك‪ ..‬يريد مصرعك وقبض روحك‪ ..‬وإهلك نفسك‪ ..‬وإماتة بدنك‪.‬‬
‫إنه ملك موت!!‬
‫قال تعالى‪ :‬قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون‬
‫]السجدة‪ .[11:‬وقال تعالى‪ :‬حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم ل‬
‫يفرطون ]النعام‪.[61:‬‬
‫قطار العمر‬
‫أخي الحبيب‪ :‬أل تعلم أن زيارة ملك الموت شيء محتوم‪ ،‬وقدر سابق‬
‫معلوم‪ ،‬مهما طال بك العمر أو قصر؟‬
‫أل تعلم أننا جميعا ً مسافرون في هذه الدار‪ ..‬ويوشك المسافر أن يصل إلى‬
‫غايته ويحط رحله؟‬
‫أل تعلم أن دورة الحياة أوشكت على التوقف‪ ..‬وأن قطار العمر قد قرب من‬
‫مرحلته الخيرة؟‬
‫سمع بعض الصالحين بكاء على ميت فقال‪ :‬يا عجبا ً من قوم مسافرين يبكون‬
‫على مسافر قد بلغ منزله!!‬
‫أخي‪:‬‬
‫ما زلت مذ صورت في سفر *** وستنقغمي وسينقضي السفر!‬
‫ماذا تقول وأنت في غصص *** ماذا تقول وأنت تحتضر؟‬
‫ماذا تقول وقد وضعت على *** ظهر السرير وأنت تبتدر؟‬
‫ماذا تقول وأنت في جدث *** ماذا تقول وفوقك المدر؟‬
‫ماذا تقول وقد لحقت بما *** يجري عليه الريح والمطر؟‬
‫أعيذك ‪ -‬أخي الحبيب ‪ -‬أن تكون من الذين‪ :‬إذا توفتهم الملئكة يضربون‬
‫وجوههم وأدبارهم ]محمد‪ ،[27:‬أو من‪ :‬الذين تتوفاهم الملئكة ظالمي‬
‫أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم‬
‫تعملون‪ ،‬فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين ]النحل‪:‬‬
‫‪.[29-28‬‬
‫أخي الحبيب‪ :‬أما تعلم أن بزيارة ملك الموت لك ينتهي عمرك‪ ،‬وينقطع‬
‫عملك‪ ،‬وتطوى صحائف أعمالك؟‬
‫أما تعلم أنك ل تستطيع بعد زيارته اكتساب حسنة واحدة‪ ..‬ل تستطيع صلة‬
‫ركعتين‪ ..‬ل تستطيع قراءة آية واحدة من كتاب الله‪ ..‬ل تستطيع التسبيح أو‬
‫التحميد أو التهليل أو التكبير أو الستغفار ولو مرة واحدة‪ ..‬ل تستطيع صيام‬
‫يوم أو التصدق بشيء ولو كان يسيرا‪ ..‬ل تستطيع الحج أو العتمار‪ ..‬ول بذل‬
‫معروف بسيط للقريب أو الجار‪ ..‬فقد مضى زمن العمل‪ ،‬وبقي الحساب‬
‫والمجازاة على الحسان والزلل حتى إذا جاء أحدهم الموت قال ربي‬
‫ارجعون‪ ،‬لعلي أعمل صالحا ً فيما تركت كل إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم‬
‫برزخ إلى يوم يبعثون ]المؤمنون‪.[100-99:‬‬
‫فيا أخي‪ :‬أين استعدادك للقاء ملك الموت؟‪ ..‬أين استعدادك لما بعده من‬
‫أهوال‪ ..‬في القبر‪ ..‬وعند السؤال‪ ..‬وعند الحشر‪ ..‬والنشر‪ ..‬والحساب‪..‬‬
‫والميزان‪ ..‬وعند تطاير الصحف‪ ..‬والمرور على الصراط‪ ..‬والوقوف بين يدي‬
‫الجبار جل وعل؟!‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن عدي بن حاتم قال‪ :‬قال النبي ‪:‬‬


‫} ما منكم من أحد إل سيكلمه الله يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان‪،‬‬
‫فينظر أيمن منه فل يرى إل ما قدم‪ ،‬وينظر أشأم منه فل يرى إل ما قدم‪،‬‬
‫وينظر بين يديه فل يرى إل النار تلقاء وجهه‪ ،‬فاتقوا النار ولو بشق تمرة‪ ،‬ولو‬
‫بكلمة طيبة { ]متفق عليه[‪.‬‬
‫أخي‪:‬‬
‫إلى كم ذا التراخي والتمادي *** وحادي الموت بالرواخ حادي‬
‫فلو كنا جمادا ل تعظنا *** ولكنا أشد من الجماد‬
‫تنادينا المنية كل وقت *** وما نصغي إلى قول المنادى‬
‫وأنفاس النفوس إلى انتقاص *** ولكن الذنوب إلى ازدياد‬
‫إذا ما الزرع قارنه اصفرار *** فلس دواؤه غير الحصاد‬
‫الزائر الخير‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ذكر المام ابن القيم في كتابه "عدة الصابرين" عن يزيد بن ميسرة قال‪:‬‬
‫كان رجل ممن مضى جمع مال ً فأوعى‪ ،‬ثم أقبل على نفسه وهو في أهله‬
‫فقال‪ :‬أنعم سنين!! فأتاه ملك الموت فقرع الباب في صورة مسكين‪،‬‬
‫فخرجوا إليه فقال‪ :‬ادعوا لي صاحب الدار‪ .‬فقالوا‪ :‬يخرج سيدنا إلى مثلك؟!‬
‫ل‪ .‬ثم عاد فقرع الباب وصنع مثل ذلك وقال‪ :‬أخبروه أني ملك‬ ‫ثم مكث قلي ً‬
‫الموت‪ .‬فلما سمع سيدهم قعد فزعًا‪ ،‬وقال‪ :‬لينوا له الكلم‪ .‬قالوا‪ :‬ما تريد‬
‫غير سيدنا بارك الله فيك؟ قال‪ :‬ل‪ .‬فدخل عليه فقال‪ :‬قم فأوص ما كنت‬
‫موصيا ً فإني قابض نفسك قبل أن أخرج‪ .‬قال‪ :‬فصرخ أهله وبكوا‪ .‬ثم قال‪:‬‬
‫افتحوا الصناديق‪ ،‬وافتحوا أوعية المال‪ .‬ففتحوها جميعا‪ ،‬فأقبل على المال‬
‫يلعنه ويسبه يقول‪ :‬لعنت من مال‪ ،‬أنت الذي أنسيتني ربي‪ ،‬وشغلتني عن‬
‫العمل لخرتي حتى بلغني أجلي‪.‬‬
‫ً‬
‫فتكلم المال فقال‪ :‬ل تسبني! ألم تكن وضيعا في أعين الناس فرفعتك؟ ألم‬
‫ير عليك من أثري؟ أما كنت تحضر مجالس الملوك والسادة فتدخل‪ ،‬ويحضر‬
‫عباد الله الصالحون فل يدخلون؟ ألم تكن تخطب بنات الملوك والسادة‬
‫فتنكح‪ ،‬ويخطب عباد الله الصالحون فل ينكحون؟ ألم تكن تنفقني في سبيل‬
‫الخبث فل أتعاصى؟ ولو أنفقتني في سبيل الله لم أتعاص عليك‪ ..‬أنت ألوم‬
‫مني‪ ،‬إنما خلقت أنا وأنتم يا بني آدم من تراب‪ ،‬فمنطلق ببر‪ ،‬ومنطلق بإثم‪..‬‬
‫هكذا يقول المال فاحذروا‪.‬‬
‫فيا أخي الحبيب‪ :‬حاسب نفسك في خلوتك‪ ،‬وتفكر في سرعة انقراض مدتك‪،‬‬
‫واعمل بجد واجتهاد في زمان فراغك لوقت حاجتك وشدتك‪ ،‬وتدبر قبل‬
‫الفعل ما يملى في صحيفتك‪ ،‬فأين الذي جمعته من الموال؟ أأنقذك من‬
‫البلى والهوال؟ كل بل تتركه إلى من ل يحمدك‪ ،‬وتقدم بأوزار على من ل‬
‫يعذرك‪.‬‬
‫فل تكن أخي ممن قيل فيه‪:‬‬
‫ً‬
‫ومنتظرللموت في كل لحظة *** يشيد ويبني دائما ويحصن‬
‫له حين تبلوه حقيقة موقن *** وأعماله أعمال من ليس يوقن‬
‫عيان كإنكار وكالجهل علمه *** بمذهبه في كل ما يتيقن‬
‫كيف نستقبل الزائر الخير؟‬
‫إخي الحبيب‪ :‬ويستقبل الزائر الخير‪:‬‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -1‬باليمان بالله وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر والقدر خيره وشره‪.‬‬
‫‪ -2‬بالمحافطة على الصلوات الخمس في أوقاتها في المساجد جماعة مع‬
‫المسلمين مع تحري الخشوع فيها والتفكير في معانيها‪ ،‬وصلة المرأة في‬
‫بيتها أفضل‪.‬‬
‫‪ -3‬بإخراج الزكاة المفروضة في أوقاتها وحسب مقاديرها وصفاتها الشرعية‪.‬‬
‫‪ -4‬بصوم رمضان إيمانا ً واحتسابًا‪.‬‬
‫‪ -5‬بالحج المبرور فإنه ليس له ثواب إل الجنة‪ ،‬وعمرة في رمضان تعدل حجة‬
‫مع النبي ‪.‬‬
‫‪ -6‬بأداء النوافل وهي ما زاد على الفرائض من الصلوات والزكوات والصيام‬
‫والحج‪ ،‬قال تعالى في الحديث القدسي‪ } :‬ول يزال عبدي يتقرب إلي‬
‫بالنوافل حتى أحبه {‪.‬‬
‫‪ -7‬بالمبادرة إلى التوبة النصوح من كل المعاصي والمنكرات‪ ،‬وبعقد العزم‬
‫على تعمير الوقات بكثرة الستغفار والذكر وأنواع الطاعات‪.‬‬
‫‪ -8‬بالخلص لله تعالى وترك الرياء في كل أمر كما قال لسبحانه‪ :‬وما أمروا‬
‫إل ليعبدوا الله مخلصين له الذين حنفاء ]البينة‪.[5:‬‬
‫‪ -9‬بحب الله ورسوله ‪ ،‬ول يتم ذلك إل باتباع النبي محمد كما قال سبحانه‪:‬‬
‫قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ]آل عمران‪:‬‬
‫‪.[31‬‬
‫‪ -10‬بالحب في الله والبغض في الله‪ ،‬والموالة في الله والمعاداة في الله‪،‬‬
‫وهذا يقتضي محبة المؤمنين وإن بعدوا‪ ،‬وبغض الكافرين وإن قربوا‪.‬‬
‫وكل محبة في الله تبقى ** على الحالين من فرج وضيق‬
‫وكل محبة فيما سواه *** فكالحلفاء في لهب الحريق‬
‫‪ -11‬بالخوف من الجليل‪ ،‬والعمل بالتنزيل‪ ،‬والرضا بالقليل‪ ،‬والستعداد ليوم‬
‫الرحيل‪ ،‬وهذا حقيقة التقوى‪.‬‬
‫‪ -12‬بالصبر عند البلء‪ ،‬والشكر عند الرخاء‪ ،‬والمراقبة لله تعالى في السر‬
‫والعلن‪ ،‬والرجاء لما عنده من الفضال والمنن‪.‬‬
‫‪ -13‬بحسن التوكل على الله عز وجل لقوله تعالى‪ :‬وعلى الله فتوكلوا إن‬
‫كنتم مؤمنين ]المائدة‪.[23:‬‬
‫‪ -14‬بطلب الكلم النافع والسعي في نشره وتعليمه لقوله تعالى‪ :‬يرفع الله‬
‫الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ]المجادلة‪ ،[11:‬وقوله سبحانه‪:‬‬
‫لتبيننه للناس ول تكتمونة ]آل عمران‪.[187:‬‬
‫‪ -15‬بتعظيم القرآن المجيد بتعلمه وتعليمه‪ ،‬وحفظ حدوده وأحكامه‪ ،‬وعلم‬
‫حلله وحرامه‪ ،‬لقول النبي صين‪ } :‬خيركم من تعلم القران وعلمه { ]واه‬
‫البخاري[‪.‬‬
‫‪ -16‬بالجهاد في سبيل الله‪ ،‬والمرابطة في سبيله‪ ،‬والثبات للعدو وترك‬
‫الفرار من الزحف لقوله ‪ } :‬ل تتمنوا لقاء العدو‪ ،‬وسلوا الله العافية‪ ،‬فإذا‬
‫لقيتموهم فاصبروا‪ ،‬واعلموا أن الجنة تحت ظلل السيوف { ]متفق عليه[‪.‬‬
‫‪ -17‬بحفظ اللسان عن المحرمات كالكذب والغيبة والنميمة والسب واللعن‬
‫والفحش من القول والغناء‪ .‬قال النبي ‪ } :‬من كان يؤمن بالله واليوم الخر‬
‫فليقل خيرا ً أو ليصمت { ]متفق عليه[‪.‬‬
‫‪ -18‬بالوفاء بالعهود‪ ،‬وأداء المانات إلى أهلها‪ ،‬وترك الخيانة والغدر‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪ :‬أوفوا بالعقود ]المائدة‪ ،[1:‬وقال‪ :‬فليؤد الذي اؤتمن أمانته ]البقرة‪:‬‬
‫‪.[283‬‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -19‬بترك الزنا وشرب الخمر وقتل النفس التي حرم الله إل بالحق‪ ،‬والظلم‬
‫والسرقة وأكل أموال الناس بالباطل‪ ،‬وأكل الربا‪ ،‬وأكل ما ل يستحقه شرعا‪.‬‬
‫قال تعالى‪ :‬قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ]العراف‪:‬‬
‫‪.[33‬‬
‫‪ -20‬بوجوب التورع في المطاعم والمشارب واجتناب ما ل يحل منها‪ ،‬قال‬
‫سبحانه‪ :‬حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به‬
‫والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إل ما ذكيتم وما ذبح‬
‫على النصب ]المائدة‪.[3:‬‬
‫‪ -21‬ببر الوالدين وصلة الرحام‪ ،‬وزيارة الخوان والصبر على أذاهم‪ ،‬وبذل‬
‫المعروف للقريب والبعيد‪ .‬قال ‪ } :‬من كان فى حاجة أخيه كان الله في‬
‫حاجته‪ ،‬ومن فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من‬
‫كرب يوم القيامه { ]متفق عليه[‪.‬‬
‫‪ -22‬بزيارة المرضى والقبور وتشييع الجنائز‪ ،‬فإن ذلك يذكر بالخرة‪ ،‬ويزهد‬
‫في الدنيا‪.‬‬
‫‪ -23‬بترك الملبس والزياء المحرمة‪ ،‬كالحرير والذهب والسبال للرجال‪ ،‬أو‬
‫استعمال الواني المصنوعة من الذهب والفضة في الكل والشرب‪ ،‬فكل‬
‫ذلك محرم‪.‬‬
‫‪ -23‬بالتزام النساء الحجاب الشرعي الكامل الساتر‪ ،‬الذي ل يصف ول‬
‫يشف‪ ،‬ول يدعو إلى النظر والفتنة‪ ،‬وتجنب التشبه بالكافرات في ملبسهن‬
‫التي ما صنعت إل لجل الفتنة وإيقاظ الغرائز واستدعاء الشهوة‪.‬‬
‫‪ -24‬بالقتصاد في النفقة‪ ،‬والمحافظة على النعمة‪ ،‬وترك التبذير‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ول تبذر تبذيرا ]السراء‪ ،[26:‬ونهى النبي عن إضاعة المال ]متفق عليه[‪.‬‬
‫‪ -25‬بترك الغل والحسد والعداوة والبغضاء والوقيعة في أعراض المسلمين‬
‫والمسلمات بغير حق‪ .‬قال ‪ } :‬المسلم أخو المسلم‪ ،‬ل يظلمه‪ ،‬ول يخذله‪ ،‬ول‬
‫يحقره‪ ،‬التقوى هاهنا ‪ -‬ويشير إلى صدره ثلث مرات ‪ -‬بحسب امرئ من‬
‫الشر أن يحقر أخاه المسلم‪ ،‬كل المسلم على المسلم حرام‪ ،‬دمه وماله‬
‫وعرضه { ]رواه مسلم[‪.‬‬
‫لآ في‬‫‪ -26‬بالمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬والدعوة إلى الله تعالى سا ً‬
‫ذلك سبيل الحكمة والموعظة الحسنة‪.‬‬
‫‪ -27‬بالعدل بين الناس‪ ،‬والتعاون على البر والتقوى‪ ،‬لقوله تعالى‪ :‬وإذا قلتم‬
‫فاعدلوا ولو كان ذا قربى ]النعام‪ ،[152:‬وقوله‪ :‬وتعاونوا على البر والتقوى‬
‫ول تعاونوا على الثم والعدوان ]المائدة‪.[2:‬‬
‫‪ -28‬بالتزام مكارم الخلق‪ ،‬من التواضع والرحمة والحلم والحياء ولين‬
‫الجانب وكظم الغيظ والكرم‪ ،‬وترك الكبر والغرور والشر والبطر وغير ذلك‪.‬‬
‫‪ -29‬بأداء حقوق الولد والزوجات على الوجه الكمل‪ ،‬وتعليمهم من أمور‬
‫دينهم ما يحتاجون إليه‪ .‬قال تعالى‪ :‬قوا أنفسكم وأهليكم نارا ً وقودها الناس‬
‫والحجارة ]التحريم‪.[6:‬‬
‫‪ -30‬برد السلم وإلقائه‪ ،‬وتشميت العاطس‪ ،‬وإكرام الضيف والجار‪ ،‬والستر‬
‫على أصحاب المعاصي ما استطاع‪ ،‬قال ‪ } :‬من ستر مسلما ً ستره الله يوم‬
‫القيامة { ]متفق عليه[‪.‬‬
‫‪ -31‬بالزهد في الدنيا وقصر المل قبل بلوغ الجل‪ .‬قال ‪ } :‬إن الدنيا حلوة‬
‫خضرة‪ ،‬وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ما تعملون‪ ،‬فاتقوا الدنيا واتقوا‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النساء‪ ،‬فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء { ]رواه مسلم[‪.‬‬
‫‪ -32‬بالغيرة على العراض‪ ،‬وغض البصر عن النظر إلى المحرمات في‬
‫الطرقات أو عبر شاشات التلفاز والقنوات الفضائية‪.‬‬
‫‪ -33‬بالعراض عن اللغو واللهو واللعب‪ ،‬والخذ بمعالي المور وترك‬
‫سفسافها‪ ،‬قال تعالى‪ :‬وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ]ص‪.[55:‬‬
‫‪ -34‬بمحبة أصحاب النبي والبراءة من بغضهم أو سبهم‪ .‬قال ‪ } :‬من سب‬
‫أصحابي فعليه لعنة الله والملئكة والناس أجمعين { ]رواه الطبراني وحسنه‬
‫اللباني[‪.‬‬
‫‪ -35‬بالصلح بين الناس‪ ،‬وتقريب وجهات النظر بين المتخاصمين حتى ل‬
‫تتسع هوة الخلف والفرقة‪ .‬قال تعالى‪ :‬إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين‬
‫أخويكم‬
‫]الحجرات‪.[10:‬‬
‫‪ -36‬بترك إتيان الكهان والمنجمين والسحرة والعرافين ونحوهم‪ ،‬قال ‪ } :‬من‬
‫أتى كاهنا ً أو عرافا ً فصدقه بما يقول‪ ،‬فقد كفر بما أنزل على محمد { ]رواه‬
‫أحمد وأبو داود والترمذي[‪.‬‬
‫‪ -37‬بطاعة المرأة لزوجها وحفظه في ماله وولده وفراشه‪ .‬قال ‪ } :‬إذا‬
‫صلت المرأة خمسها‪ ،‬وصامت شهرها‪ ،‬وحصنت فرجها‪ ،‬وأطاعت زوجها‪ ،‬قيل‬
‫لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت { ]رواه ابن حبان وصححه اللبا‬
‫ني[‪.‬‬
‫‪ -38‬بترك البتداع في الدين أو الدعوة إلى الباطل والضلل‪ ،‬لقول النبي ‪:‬‬
‫} من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد { ]تفق عليه[‪.‬‬
‫‪ -39‬بترك النساء وصل شعورهن بشعر آخر‪ ،‬وتركهن الوشم‪ ،‬والنمص‪،‬‬
‫وتفليج السنان ووشرها‪ .‬قال ‪ } :‬لعن الله الواصلة والمستوصلة‪ ،‬والواشمة‬
‫والمستوشمة { ]متفق عليه[‪ ،‬وعن عبدالله بن مسعود قال‪ } :‬لعن الله‬
‫الواشمات والمستوشمات‪ ،‬والنامصات والمتنمصات‪ ،‬والمتفلجات للحسن‬
‫المغيرات خلق الله { ]رواه مسلم[‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪ -40‬بترك التجسس على المسلمين والكشف عن عوراتهم وأذيتهم‪ .‬قال‬


‫النبي ‪ } :‬يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض اليمان إلى قلبه‪ ،‬ل تؤذوا‬
‫المسلمين‪ ،‬ول تعيروهم‪ ،‬ول تتبعوا عوراتهم‪ ،‬فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم‬
‫تتبع الله عورته‪ ،‬ومن يتبع الله عورته يفضحة ولو في جوف رحله { ]رواه‬
‫الترمذي وصححه اللباني[‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫الزبير بن العوام ‪ -‬رضي الله عنه‬


‫حواريّ رسول الله‬
‫هو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلب‪ ،‬أبو‬
‫عبد الله‪ ،‬أمه صفية بنت عبد المطلب‪ ،‬وعمته خديجة بنت خويلد رضي الله‬
‫عنها‪ ،‬يلتقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجد الخامس )قصي(‪.‬‬
‫صحابي جليل‪ ،‬وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة‪ ،‬أسلم وعمره خمس‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عشرة سنة أو أقل‪.‬‬


‫كان رفيع الخصال عظيم الشمائل‪ ،‬يدير تجارة ناجحة وثراؤه عريضا لكنه‬
‫أنفقه في السلم حتى مات مدينا‪ .‬هاجر الهجرتين إلى الحبشة والمدينة‪،‬‬
‫ومعه أمه صفية بنت عبد المطلب‪ ،‬شارك في الغزوات كلها‪ ،‬وكان أحد‬
‫الفارسين يوم بدر‪ .‬وكان ممن ثبتوا يوم أحد‪ ،‬وشهد له رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يومها أنه شهيد‪ ،‬وكانت معه إحدى رايات المهاجرين يوم الفتح‪،‬‬
‫كما قال صلى الله عليه وسلم عنه ]إن لكل نبي حواريا ً وحواريّ الزبير[‪ ،‬وهو‬
‫ض‪،‬‬
‫أحد الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم را ٍ‬
‫وأحد الستة الذين رشحهم عمر للخلفة بعده وهم أهل الشورى‪.‬‬
‫أسلم الزبير بن العوام وعمره خمس عشرة سنة‪ ،‬وكان من السبعة الوائل‬
‫الذين سارعوا بالسلم‪ ،‬وقد كان فارسا مقداما‪ ،‬وسيفه هو أول سيف شهر‬
‫بالسلم‪ ،‬ففي أيام السلم الولى سرت شائعة أن الرسول الكريم قد قتل‪،‬‬
‫فما كان من الزبير إل أن استل سيفه وامتشقه‪ ،‬وسار في شوارع مكة‬
‫كالعصار‪ ،‬وفي أعلى مكة لقيه الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فسأله ماذا‬
‫به؟ فأخبره النبأ‪ ،‬فصلى عليه الرسول ودعا له بالخير ولسيفه بالغلب‪.‬‬
‫ولقي نصيبا من العذاب على يد عمه‪ ،‬فقد كان يلفه في حصير ويدخن عليه‬
‫بالنار كي تزهق أنفاسه‪ ،‬ويناديه‪ ):‬اكفر برب محمد أدرأ عنك هذا العذاب(‬
‫فيجيب‪ ):‬ل والله‪ ،‬ل أعود للكفر أبدا ( وهاجر الزبير الى الحبشة الهجرتين‪،‬‬
‫ثم عاد ليشهد المشاهد كلها مع الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫*في غزوة أحد وبعد أن انقلب جيش قريش راجعا إلى مكة‪ ،‬ندب الرسول‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬الزبير وأبو بكر لتعقب جيش المشركين ومطاردته‪،‬‬
‫فقاد أبوبكر والزبير ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬سبعين من المسلمين قيادة ذكية‪،‬‬
‫أبرزا فيها قوة جيش المسلمين‪ ،‬حتى أن قريش ظنت أنهم مقدمة لجيش‬
‫الرسول القادم لمطاردتهم فأسرعوا خطاهم لمكة هاربين‪.‬‬
‫ل يأتينا بخبر‬ ‫ن رج ُ‬‫م ْ‬
‫*وفي يوم الخندق قال الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪َ :-‬‬
‫بني قريظة؟ فقال الزبير‪ :‬أنا ‪0‬فذهب‪ ،‬ثم قالها الثانية فقال الزبير‪ :‬أنا‬
‫‪0‬فذهب‪ ،‬ثم قالها الثالثة فقال الزبير‪ :‬أنا‪ ،‬فقال النبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫واريّ وابن عمتي‪.‬‬ ‫ح َ‬
‫ي‪ ،‬والزبير َ‬
‫وارِ ّ‬
‫ح َ‬‫ي َ‬‫وسلم‪ :-‬لكل نب ّ‬
‫وحين طال حصار بني قريظة دون أن يستسلموا للرسول ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،-‬أرسل الرسول الزبير وعلي بن أبي طالب فوقفا أمام الحصن‬
‫يرددان‪ :‬والله لنذوقن ما ذاق حمزة‪ ،‬أو لنفتحن عليهم حصنهم‪ .‬ثم ألقيا‬
‫بنفسيهما داخل الحصن وأنزل الرعب في أفئدة المتحصنين داخله وفتحا‬
‫للمسلمين أبوابه ‪0‬‬
‫وفي يوم حنين أبصر الزبير ) مالك بن عوف ( زعيم هوازن وقائد جيوش‬
‫الشرك في تلك الغزوة‪ ،‬واقفا وسط فيلق من أصحابه وجيشه المنهزم‪،‬‬
‫فاقتحم حشدهم وحده‪ ،‬وشتت شملهم وأزاحهم عن المكمن الذي كانوا‬
‫يتربصون فيه ببعض المسلمين العائدين من المعركة ‪0‬‬
‫وفي يوم اليرموك اخترق الزبير بن العوام رضي الله عنه صفوف الروم‬
‫مرتين من أولهم إلى آخرهم‪.‬‬
‫وفي فتح مصر أرسل الفاروق عمر لفتح مصر عمرو بن العاص على جيش‬
‫قوامه ثلثة آلف وخمسمائة رجل فذهب ثم كتب إلى عمر رضى الله عنه‬
‫يطلب منه المدد فأرسل له الزبير بن العوام وثلثة من الصحابة وكتب له‪":‬‬
‫إني أمددتك بأربعة آلف علي كل ألف منهم رجل بألف رجل" و لما قدم‬
‫الزبير علي عمرو وجده محاصرا في حصن بابليون فلم يلبث الزبير أن ركب‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حصانه وطاف بالخندق المحيط بالحصن ثم فرق الرجال حول الخندق وقد‬
‫طال الحصار حتي بلغت مدته سبعة أشهر وقيل أن به طاعون فقال الزبير‬
‫فى شجاعة الرجال ومروءة البطال‪":‬إنا جئنا للطعن والطاعون" ولما طال‬
‫الحصار وصعب أمره علي عمرو قال الزبير‪ ":‬إني أهب نفسي لله أرجو أن‬
‫يفتح الله بذلك علي المسلمين" فوضع سلما وأسنده الي جانب الحصن من‬
‫ناحية سوق الحمام ثم صعد وأمرهم إذا سمعوا تكبيرة أن يجيبوه جميعا فما‬
‫شعروا إل الزبير علي رأس الحصن يكبر ومعه سيف فتحامل الناس علي‬
‫السلم حتى لهاهم عمرو خوفا من أن ينكسر فلما رأي الروم أن العرب قد‬
‫ظفروا بالحصن انسحبوا وبذلك فتح حصن بابليون أبوابه للمسلمين فانتهت‬
‫بفتحه المعركة الحاسمة لفتح مصر وكانت شجاعة الزبير النادرة سببا‬
‫لنتصار المسلمين‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تزوج أسماء بنت الصديق رضي الله عنهما‪ ،‬وولده عبد الله منها أول مولود‬
‫للمسلمين بعد الهجرة‪ .‬وكان فقيرا ً لما تزوجها‪ ،‬ولكنه بعد ذلك جمع مما أفاء‬
‫الله عليه من الجهاد ومن خمس الخمس ما يخص أمه منه‪ ،‬فكان يضرب له‬
‫بأربعة أسهم‪ :‬سهم له‪ ،‬وسهمين للحصان‪ ،‬وسهم لذي القربى أي لمه‪ ،‬كما‬
‫جمع من التجارة المبرورة‪ ،‬وصار له مال ً كثيرا ً بلغ عند وفاته رضي الله عنه‬
‫أكثر من ستين مليون درهم‪.‬‬
‫كان له أربع زوجات رضي الله عنهم أجمعين‪ ،‬وترك من الذرية واحدا ً‬
‫وعشرين من الذكور والناث‪ .‬وما ولي إمارة قط‪ ،‬ول جباية‪ ،‬ول خراجًا‪.‬‬
‫كان كثير الصدقات‪ ،‬وقد أوصى له سبعة من الصحابة منهم عثمان وعبد‬
‫الرحمن وابن مسعود وأبو العاص بن الربيع رضي الله عنهم‪ ،‬فكان ينفق على‬
‫أبنائهم من ماله ويحفظ عليهم أموالهم‪ .‬وكان له ألف غلم يؤدون إليه‬
‫الخراج‪ ،‬فل يدخل إلى بيته شيئا ً من ذلك‪ ،‬ويتصدق به كله‪ .‬ولما قتل عمر بن‬
‫الخطاب رضي الله عنه؛ محا نفسه من الديوان‪ ،‬ورفض أن يأخذ العطاء الذي‬
‫كان مخصصا ً له من بيت المال‪.‬‬
‫كان الزبير بن العوام شديد الولع بالشهادة‪ ،‬فهاهو يقول‪ ):‬إن طلحة بن عبيد‬
‫ي‬
‫الله يسمي بنيه بأسماء النبياء‪ ،‬وقد علم أل نبي بعد محمد‪ ،‬وإني لسمي بن ّ‬
‫بأسماء الشهداء لعلهم يستشهدون (‪000‬‬
‫وهكذا سمى ولده عبد الله تيمنا بالشهيد عبد الله بن جحش‬
‫وسمى ولده المنذر تيمنا بالشهيد المنذر بن عمرو‬
‫وسمى ولده عروة تيمنا بالشهيد عروة بن عمرو‬
‫وسمى ولده حمزة تيمنا بالشهيد حمزة بن عبد المطلب‬
‫وسمى ولده جعفرا ً تيمنا بالشهيد جعفر بن أبي طالب‬
‫وسمى ولده مصعبا تيمنا بالشهيد مصعب بن عمير‬
‫وسمى ولده خالدا تيمنا بالشهيد خالد بن سعيد‬
‫وهكذا أسماهم راجيا أن ينالوا الشهادة في يوم ما ‪000‬‬
‫وكان ممن دافعوا عن عثمان رضي الله عنه‪ ،‬فلما كان يوم الجمل خرج‬
‫ي بأن الرسول صلى الله عليه‬ ‫مطالبا ً بدم عثمان رضي الله عنه‪ ،‬فذ ّ‬
‫كره عل ٌ‬
‫وسلم أخبره أنه يقاتل عليا ً وهو ظالم له‪ ،‬فرجع عن القتال وكر راجعا ً إلى‬
‫المدينة‪ ،‬ومر بقوم الحنف بن قيس وقد انعزلوا عن الفريقين‪ ،‬فاتبعه عمرو‬
‫بن جرموز في طائفة من غواة بني تميم‪ ،‬فقتلوه غدرًا‪ ،‬وهو نائم في وادي‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السباع‪ ،‬وعمره يومها سبع وستون سنة‪ ،‬وكان في صدره رضي الله عنه‬
‫أمثال العيون من الطعن والرمي من أثار المعارك التي خاضها في سبيل‬
‫الله‪ ،‬فرثته زوجته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل‪:‬‬
‫غَد ََر ابن جرموز بفارس بهمة ‪ ---‬يو َ‬
‫م اللقاِء وكان غر معرد‬
‫كم غمرةٍ قد خاضها لم يثنه ‪ ---‬عنها طرادك يا ابن فقع العردد‬
‫ي رضي الله عنه‪ ،‬ليحصل‬ ‫ولما قتله ابن جرموز احتز رأسه وذهب به إلى عل ّ‬
‫ي‪ :‬ل تأذنوا له وبشروه بالنار‪ ،‬فقد‬
‫له به حظوة عنده فاستأذن فقال عل ّ‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪] :‬بشر قاتل ابن صفية بالنار[‪،‬‬
‫ثم دخل ابن جرموز ومعه سيف الزبير رضي الله عنه‪ ،‬فقبله المام وأمعن‬
‫في البكاء وهو يقول‪ ):‬سيف طالما والله جل به صاحبه الكرب عن رسول‬
‫الله (‪.‬‬
‫وبعد أن انتهى علي ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬من دفنه وأخيه طلحة‪ ،‬ودعهما قائل‪:‬‬
‫) إني لرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير وعثمان من الذين قال الله فيهم‪:‬‬
‫) ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين (‪0‬ثم نظر إلى‬
‫قبريهما وقال‪ ):‬سمعت أذناي هاتان رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫يقول‪ ):‬طلحة و الزبير‪ ،‬جاراي في الجنة (‪ 0000‬فيروى أن عمرو بن جرموز‬
‫لما سمع ذلك قتل نفسه في الحال‪.‬‬
‫كان توكله على الله سبب جوده وشجاعته وفدائيته‪ ،‬وحين كان يجود بروحه‬
‫أوصى ولده عبد الله بقضاء ديونه قائل‪ ):‬إذا أعجزك دين‪ ،‬فاستعن بمولي (‬
‫وسأله عبد الله‪ ):‬أي مولى تعني ؟( فأجابه‪ ):‬الله‪ ،‬نعم المولى ونعم النصير(‬
‫‪0‬يقول عبد الله‪ ):‬فوالله ما وقعت في كربة من دينه إل قلت‪ :‬يا مولى الزبير‬
‫اقضي دينه‪ ،‬فيقضيه (‬
‫وقد قال فيه حسان بن ثابت‪:‬‬
‫أقام علي عهد النبي وهديه حواريه والقول بالفعل يعدل‬
‫أقام علي منهاجه وطريقه يوالي ولي الحق والحق أعدل‬
‫هو الفارس المشهور والبطل الذي يصول إذا ما كان يوم محجل‬
‫إذا كشفت عن ساقها الحرب حشها بأبيض سباق إلى الموت ترحل‬
‫له من رسول الله قربي قريبة ومن نصرة السلم مجد مؤثل‬
‫ب الزبير بسيفه عن المصطفي والله يعطي فبدل‬ ‫فكم كربة ذ ّ‬
‫كناؤك خير من فعال معاشر وفعلك يا ابن الهاشمية أفضل‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الزبير بن العوام حواريّ رسول الله ( ‪...‬‬


‫الزبير بن العوام يلتقي نسبه مع الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬في ) قصي‬
‫بن كلب ( كما أن أمه ) صفية ( عمة رسول الله ‪ ،‬وزوجته أسماء بنت أبي‬
‫بكر ذات النطاقين ‪ ،‬كان رفيع الخصال عظيم الشمائل ‪ ،‬يدير تجارة ناجحة‬
‫وثراؤه عريضا لكنه أنفقه في السلم حتى مات مدين‪.‬‬
‫الزبير وطلحة‬
‫يرتبط ذكرالزبير دوما مع طلحة بن عبيد الله ‪ ،‬فهما الثنان متشابهان في‬
‫النشأة والثراء والسخاء والشجاعة وقوة الدين ‪ ،‬وحتى مصيرهما كان‬
‫متشابها فهما من العشرة المبشرين بالجنة وآخى بينهما الرسول ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ، -‬ويجتمعان بالنسب والقرابة معه ‪ ،‬وتحدث عنهما الرسول‬
‫قائل ‪ ):‬طلحة والزبير جاراي في الجنة ( ‪ ،‬و كانا من أصحاب الشورى الستة‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذين اختارهم عمر بن الخطاب لختيار خليفته‪.‬‬


‫أول سيف شهر في السلم‬
‫أسلم الزبير بن العوام وعمره خمس عشرة سنة ‪ ،‬وكان من السبعة الوائل‬
‫الذين سارعوا بالسلم ‪ ،‬وقد كان فارسا مقداما ‪ ،‬وإن سيفه هو أول سيف‬
‫شهر بالسلم ‪ ،‬ففي أيام السلم الولى سرت شائعة بأن الرسول الكريم‬
‫قد قتل ‪ ،‬فما كان من الزبير إل أن استل سيفه وامتشقه ‪ ،‬وسار في شوارع‬
‫مكة كالعصار ‪،‬وفي أعلى مكة لقيه الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فسأله‬
‫ماذا به ؟ فأخبره النب فصلى عليه الرسول ودعا له بالخير ولسيفه بالغلب‪.‬‬
‫إيمانه وصبره‬
‫كان للزبير ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬نصيبا من العذاب على يد عمه ‪ ،‬فقد كان يلفه‬
‫في حصير ويدخن عليه بالنار كي تزهق أنفاسه ‪ ،‬ويناديه ‪ ):‬اكفر برب محمد‬
‫أدرأ عنك هذا العذاب ( فيجيب الفتى الغض ‪ ):‬ل والله ‪ ،‬ل أعود للكفر أبدا (‬
‫ويهاجر الزبير الى الحبشة الهجرتين ‪ ،‬ثم يعود ليشهد المشاهد كلها مع‬
‫الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪.-‬‬
‫غزوة أحد‬
‫في غزوة أحد وبعد أن انقلب جيش قريش راجعا الى مكة ‪ ،‬ندب الرسول‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬الزبير وأبوبكر لتعقب جيش المشركين ومطاردته ‪،‬‬
‫فقاد أبوبكر والزبير ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬سبعين من المسلمين قيادة ذكية ‪،‬‬
‫أبرزا فيها قوة جيش المسلمين ‪ ،‬حتى أن قريش ظنت أنهم مقدمة لجيش‬
‫الرسول القادم لمطاردتهم فأسرعوا خطاهم لمكة هاربين‪.‬‬
‫بنو قريظة‬
‫ل يأتينا بخبر‬‫ن رج ُ‬
‫م ْ‬
‫وفي يوم الخندق قال الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪َ ): -‬‬
‫بني قريظة ؟( فقال الزبير ‪ ):‬أنا ( فذهب ‪ ،‬ثم قالها الثانية فقال الزبير ‪:‬‬
‫) أنا ( فذهب ‪ ،‬ثم قالها الثالثة فقال الزبير ‪ ):‬أنا ( فذهب ‪ ،‬فقال النبي ‪-‬صلى‬
‫واريّ وابن عمتي (‪.‬‬ ‫ح َ‬‫ي‪ ،‬والزبير َ‬‫وارِ ّ‬
‫ح َ‬
‫ي َ‬
‫الله عليه وسلم‪ ): -‬لكل نب ّ‬
‫وحين طال حصار بني قريظة دون أن يستسلموا للرسول ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ، -‬أرسل الرسول الزبير وعلي بن أبي طالب فوقفا أمام الحصن‬
‫يرددان‪ ):‬والله لنذوقن ماذاق حمزة ‪ ،‬أو لنفتحن عليهم حصنهم ( ثم ألقيا‬
‫بنفسيهما داخل الحصن وبقوة أعصابهما أحكما وأنزل الرعب في أفئدة‬
‫المتحصنين داخله وفتحا للمسلمين أبوابه‪.‬‬
‫يوم حنين‬
‫وفي يوم حنين أبصر الزبير ) مالك بن عوف ( زعيم هوازن وقائد جيوش‬
‫الشرك في تلك الغزوة ‪ ،‬أبصره واقفا وسط فيلق من أصحابه وجيشه‬
‫المنهزم ‪ ،‬فاقتحم حشدهم وحده ‪ ،‬وشتت شملهم وأزاحهم عن المكمن الذي‬
‫كانوا يتربصون فيه ببعض المسلمين العائدين من المعركة‪.‬‬
‫حبه للشهادة‬
‫كان الزبير بن العوام شديد الولع بالشهادة ‪ ،‬فهاهو يقول ‪ ):‬إن طلحة بن‬
‫عبيد الله يسمي بنيه بأسماء النبياء ‪ ،‬وقد علم أل نبي بعد محمد ‪ ،‬وإني‬
‫ي بأسماء الشهداء لعلهم يستشهدون (‬ ‫لسمي بن ّ‬
‫وهكذا سمى ولده عبد الله تيمنا بالشهيد عبد الله بن جحش‪ ,‬وسمى ولده‬
‫المنذر تيمنا بالشهيد المنذر بن عمرو ‪ ,‬وسمى ولده عروة تيمنا بالشهيد‬
‫عروة بن عمرو‪ ,‬وسمى ولده حمزة تيمنا بالشهيد حمزة بن عبد المطلب‪,‬‬
‫وسمى ولده جعفرا ً تيمنا بالشهيد جعفر بن أبي طالب‪ ,‬وسمى ولده مصعبا‬
‫تيمنا بالشهيد مصعب بن عمير‪ ,‬وسمى ولده خالدا تيمنا بالشهيد خالد بن‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سعيد‪ ,‬وهكذا أسماهم راجيا أن ينالوا الشهادة‪.‬‬


‫وصيته‬
‫كان توكله على الله منطلق جوده وشجاعته وفدائيته ‪ ،‬وحين كان يجود‬
‫بروحه أوصى ولده عبد الله بقضاء ديونه قائل ‪ ):‬إذا أعجزك دين ‪ ،‬فاستعن‬
‫بمولي ( وسأله عبد الله ‪ ):‬أي مولى تعني ؟( فأجابه ‪ ):‬الله ‪ ،‬نعم المولى‬
‫ونعم النصير ( يقول عبدالله فيما بعد ‪ ):‬فوالله ما وقعت في كربة من دينه‬
‫إل قلت ‪ :‬يا مولى الزبير اقضي دينه ‪ ،‬فيقضيه (‪.‬‬
‫موقعة الجمل‬

‫)‪(1 /‬‬

‫بعد استشهاد عثمان بن عفان أتم المبايعة الزبير و طلحة لعلي ‪-‬رضي الله‬
‫عنهم جميعا‪ -‬وخرجوا الى مكة معتمرين ‪ ،‬ومن هناك الى البصرة للخذ بثأر‬
‫عثمان ‪ ،‬وكانت ) وقعة الجمل ( عام ‪ 36‬هجري طلحة والزبير في فريق‬
‫وعلي في الفريق الخر ‪ ،‬وانهمرت دموع علي ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬عندما رأى أم‬
‫المؤمنين ) عائشة ( في هودجها بأرض المعركة ‪ ،‬وصاح بطلحة ‪ ):‬يا طلحة ‪،‬‬
‫أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها ‪ ،‬وخبأت عرسك في البيت ؟(‪0‬ثم قال‬
‫للزبير ‪ ):‬يا زبير ‪ :‬نشدتك الله ‪ ،‬أتذكر يوم مر بك رسول الله ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬ونحن بمكان كذا ‪ ،‬فقال لك ‪ :‬يا زبير ‪ ،‬ال تحب عليا ؟؟‪0‬فقلت ‪ :‬أل‬
‫أحب ابن خالي ‪ ،‬وابن عمي ‪ ،‬ومن هو على ديني ؟؟ فقال لك ‪ :‬يا زبير ‪ ،‬أما‬
‫والله لتقاتلنه وأنت له ظالم ( فقال الزبير ‪ ):‬نعم أذكر الن ‪ ،‬وكنت قد نسيته‬
‫‪ ،‬والله لأقاتلك (‪.‬‬
‫وأقلع طلحة و الزبير ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬عن الشتراك في هذه الحرب ‪،‬‬
‫ولكن دفعا حياتهما ثمنا لنسحابهما ‪ ،‬و لكن لقيا ربهما قريرة أعينهما بما قررا‬
‫فالزبير تعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غدرا وهو يصلي ‪ ،‬وطلحة‬
‫رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته‪.‬‬
‫الشهادة‬
‫ما كان الزبير بوادي السباع نزل يصلي فأتاه ابن جرموز من خلفه فقتله و‬ ‫ل ّ‬
‫سارع قاتل الزبير الى علي يبشره بعدوانه على الزبير ويضع سيفه الذي‬
‫استلبه بين يديه ‪ ،‬لكن عليا صاح حين علم أن بالباب قاتل الزبير يستأذن‬
‫وأمر بطرده قائل ‪ ):‬بشر قاتل ابن صفية بالنار ( وحين أدخلوا عليه سيف‬
‫الزبير قبله المام وأمعن في البكاء وهو يقول ‪ ):‬سيف طالما والله جل به‬
‫صاحبه الكرب عن رسول الله (‪.‬‬
‫وبعد أن انتهى علي ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬من دفنهما ودعهما بكلمات انهاها قائل ‪:‬‬
‫) اني لرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير وعثمان من الذين قال الله فيهم ‪:‬‬
‫) ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين ( ثم نظر الى‬
‫قبريهما وقال ‪ ):‬سمعت أذناي هاتان رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫يقول ‪ ):‬طلحة و الزبير ‪ ،‬جاراي في الجنة (‪.‬‬
‫" إن لكل نبي حواري ّا ً ‪ ،‬وحواريّ الزبير بن العوام " حديث شريف‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الزعامة المزيفة‬
‫يتناول الدرس وسيلم من الوسائل التي تفتقت عنها أذهان الحاقدين على‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا الدين وابتكروها لكي يفسدوا فيه ويتحكموا في رقاب وقرارات أهل‬
‫السلم من خلل ولقعة تاريخية في بعض ديار المسلمين‪،‬و ما أشبه اليوم‬
‫بالبارحة ‪.‬‬
‫عندما احتل البرتغاليون عدن ]‪ 919‬هـ[ رفض أهلها هذا الحتلل‪ ،‬وقاوموه‬
‫بما يملكون‪ ،‬لكن استطاع البرتغاليون أن يقهروا السكان بما يحوزون من‬
‫أسلحة نارية حديثة‪ ،‬واضطر القسم الكبر من العدنيين إلى ترك موطنهم‪،‬‬
‫عرفوا هناك باسم‪ :‬اللجئين‪،‬‬ ‫واللجوء إلى الراضي المجاورة لبلدهم حيث ُ‬
‫وكانوا يحصلون على المساعدات من جيرانهم ومن جهات أخرى لتأمين‬
‫حياتهم المعاشية‪ ،‬وأجبر القسم الخر من العدنيين على الخنوع والبقاء في‬
‫ديارهم تحت عصا الذل‪ ،‬وسيف الرهاب مقهورين على ذلك ومجبرين‪.‬‬
‫حاول البرتغاليون التعاون مع جيران عدن فلم ُيفلحوا‪ ،‬بل ازدروا من قبل‬
‫ض مع المسلمين في الندلس‪ ،‬وهم يختلفون‬ ‫السكان واحتقروا؛ إذ لهم ما ٍ‬
‫سا‪ ،‬فأهل‬ ‫عن أهالي عدن وسكان المناطق المجاورة لها كلهم عقيدة وجن ً‬
‫عدن وما جاورها مسلمون عرب‪ ،‬والمغتصبون نصارى برتغاليون‪ ،‬والعداء‬
‫دا من القتصاد‪.‬‬ ‫قائم‪ ،‬والحروب الصليبية ل تزال قائمة‪ ،‬وإن لبست ثوًبا جدي ً‬
‫حرصت الدول المجاورة‪ -‬وخاصة مصر التي يحكمها المماليك يومذاك‪،‬‬
‫وتبسط سيطرتها على حوض البحر الحمر‪ -‬أن تقاتل المغتصبين‪ ،‬وتطردهم‪،‬‬
‫هزمت أمامهم في معركة ]ديو[ البحرية قرب شواطئ الهند‬ ‫ولكنها كانت قد ُ‬
‫ضا غير أنها قد باءت‬ ‫عام] ‪915‬هـ[ وحاولت المارات المجاورة لعدن أي ً‬
‫دة جولت‪.‬‬ ‫بالفشل في ع ّ‬
‫كام الدول المجاورة عن طريق‬ ‫ح ّ‬
‫ت بينها وبين ُ‬
‫حاولت البرتغال أن تمد قنوا ٍ‬
‫المال‪ ،‬وعن طريق الدعم بالسلح‪ ،‬وعن طريق المصالح‪ -‬وقد نجحت‪ -‬وبدأ‬
‫التعاون غير أنه بعيد عن أعين السكان‪ ،‬وفي سرية تامة‪ ،‬إذ كان الشعب‬
‫ما‪ ،‬ويأبى ذلك أشد ّ الباء؛ إذ ليس للشعب مصلحة‬ ‫ضا تا ً‬
‫يرفض هذا التعاون رف ً‬
‫في ذلك‪ ،‬وإنما هدفه طرد الدخيل المغتصب‪ ،‬البرتغاليين الصليبيين‪ ،‬العداء‬
‫دا على السلم‪ ،‬وتشفّيا من المسلمين‪،‬‬ ‫ما وحديًثا‪ ،‬والذين ما جاءوا إل حق ً‬ ‫قدي ً‬
‫راغبين في إذللهم وإبادتهم إن استطاعوا‪ .‬بينما كان لحكام ذلك العصر‬
‫مصالح يهدفون من ورائها القوة‪ ،‬والدعم‪ ،‬والمال‪ ،‬والتمكين‪.‬‬
‫أظهر المسئولون في تلك الدويلت أنهم ُيعادون البرتغاليين‪ ،‬ويرفضون‬
‫مهم مًعا‬ ‫ة‪ ،‬أو يض ّ‬
‫التعاون معهم‪ ،‬ويأبون الجلوس معهم على طاولة واحد ٍ‬
‫مجلس واحد‪ ،‬والواقع غير هذا يلتقون سًرا‪ ،‬ويجتمعون معًا‪ ،‬ولكن يقولون‬
‫للشعب ما يحبه الشعب ويوافق عليه‪ ،‬ويفعلون بعد ذلك ما يروق لهم‪ ،‬وزيادةً‬
‫ة على الشعب فإن البرتغاليين ُيهاجمون المسئولين عن‬ ‫في المغالطة وتعمي ً‬
‫تلك الدويلت العربية القائمة التي ُتجاور عدن ويتهمونهم‪ ،‬وفي خضم هذه‬
‫الحداث يعيش الشعب في دوامة‪ ،‬ول يعرف أني يسير‪ ،‬ول أين الحقيقة!‬
‫لم يجرؤ واحد من المسئولين أن ُيعلن عن ضرورة العتراف بالواقع الذي هو‬
‫الصلة بين المغتصبين والمسئولين عن الدويلت‪ ،‬وأنهم قد اعترفوا باستعمار‬
‫البرتغاليين لعدن‪ ،‬وأقاموا فيها حكم أصبح كإحدى الحكومات الموجودة في‬
‫المنطقة‪ ،‬وأن من المصلحة كل المصلحة أن يكون التعاون على هذا‬
‫الساس‪ ،‬وأن يقوم السلم في هذه المنطقة‪ ،‬وينتهي وضع التوتر القائم‪ ،‬فقد‬
‫كفى البقعة حروًبا‪ .‬وقد طال الوقت دون ظهور هذه الجرأة الكافية لعلن‬
‫الخيانة‪ ،‬فكل يخشى الشعب ويخاف على مركزه‪.‬‬
‫دم كل حاكم ٍ خطوة ً لذا كثر الذين توالوا‬ ‫كان المخطط الصليبي يقضي أن يتق ّ‬
‫على الزعامة‪ ،‬وكثر عدد الذين أّيدتهم الدول الصليبية؛ ليقطعوا خطوة ً أطول‪،‬‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما‪ .‬ولكن‬‫طا‪ ،‬فقد طالت المدة وزادت على خمسة عشر عا ً‬ ‫أو يسيروا شو ً‬
‫برزت فكرة جديدة وهي أن يتولى حل المشكلة أحد أبناء عدن بالذات من‬
‫دا عن البرتغاليين رغم أنهم أحد‬
‫الذين يعيشون خارج مدينة عدن؛ ليكون بعي ً‬
‫أطراف اللعبة‪ ،‬ولتكون له الحرية‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ب لم يتجاوز الثلثين‬ ‫وبعد دراسات المشردين وشبابهم وقع الختيار على شا ٍ‬


‫من العمر يدعى‪ :‬عبد الرءوف أفندي‪ .‬كان عبد الرءوف في الصل من‬
‫شّردوا‬ ‫صنعاء‪ ،‬وقدم جده إلى عدن حيث نشأ عبد الرءوف وكان بين الذين ُ‬
‫فانتقل إلى منطقة ]العوالق[ وهناك درس‪ .‬ولما وقع الخيتار عليه ليقوم‬
‫بالمهمة عرض عليه سلطان ]العوالق[‪ ،‬وهو الرجل البارز بين السلطين‬
‫يومذاك أن يختار شباًبا يثق بهم‪ ،‬ويقوموا على تأسيس منظمة تتولى مهمة‬
‫العمل لطرد البرتغاليين المغتصبين‪ ،‬وتقوم السلطات بدعم هذه المنظمة‪،‬‬
‫دها بما تحتاج إليه‪ ،‬فإن تبّنى أبناء البلد مهمة العمل أفضل من غيرهم‪،‬‬ ‫وم ّ‬
‫قهم المغصوب‪ ،‬ويسعون‬ ‫وخاصة أمام المحافل الدولية إذ أنهم يطالبون بح ّ‬
‫للعودة إلى وطنهم المسلوب؛ فلن يلومهم أحد‪ ،‬وأتعهد أنا سلطان ]العوالق[‬
‫بتأمين المكانات اللزمة الضرورية والمبدئية للعمل‪ ،‬وسأوحي لعواني ومن‬
‫يؤّيدونني بالنضمام إلى المنظمة أو دعمها على القل‪ ،‬وإنك يا عبد الرءوف‬
‫إن وُّفقت في هذا العمل فسيكون لك شأن كبير‪ ،‬ومركز عظيم إضافة إلى‬
‫ت مادية حيث تصل إليك التبرعات بسخاٍء والمعونات‬ ‫ما تتمتع به من إمكانا ٍ‬
‫فذ‬
‫بمبالغ ضخمة هذا بجانب السلطة العسكرية‪ ،‬والوامر التي ُتصدرها فُتن ّ‬
‫مباشرة حيث يكون المقاتلون تحت إمرتك ورهن إشارتك‪.‬‬
‫وافق عبد الرءوف على العمل‪ ،‬وأخذ الضوء الخضر للمباشرة من الزعيم‬
‫ظمة مفتي عدن من‬ ‫ل من ّ‬
‫ل منظمته مح ّ‬ ‫العربي سلطان العوالق‪ ،‬على أن تح ّ‬
‫م‪ ،‬وبشرط أل يخرج عن رأي سلطين الدويلت‪ ،‬وهكذا كان‪.‬‬ ‫غير صدا ٍ‬
‫سس‬ ‫بدأ عبد الرؤوف اللعبة من جديد‪ ،‬وأصبح اسمه ]ياسين[ الحسيني‪ ،‬أ ّ‬
‫منظمة لتحرير عدن من المغتصبين البرتغاليين‪ ،‬وأنشأ فصائل للقتال فانخرط‬
‫في صفوفها كثير من العدنيين المشردين‪ ،‬وبدأت تخوض بعض المعارك‪،‬‬
‫وتدخل إلى الرض المحتلة وتقوم ببعض العمليات الناجحة‪ ،‬فارتفعت أسهم‬
‫المنظمة‪ ،‬وبرز ]ياسين[ وأصبح في مصاف القادة‪ ،‬وغدا المل كبيًرا عند‬
‫العدنيين المشردين بقرب يوم العودة‪ ،‬والمقيمين بقرب الخلص من ربقة‬
‫الستعمار‪.‬‬
‫ل الوحيد لنهاء المشكلة‪ ،‬وهو‬ ‫أخذ عبد الرءوف ينادي بحمل السلح‪ ،‬وهو الح ّ‬
‫اللغة التي يفهمها العدو‪ ،‬ول يقبل المهادنة‪ ،‬ول المساومة‪ ،‬ول المفاوضة بل ل‬
‫ن العدو عليه‬ ‫يمكنه أن يلتقي مع المغتصبين المجرمين ‪ ..‬وبالمقابل فقد ش ّ‬
‫وعلى المنظمة حملة إعلمية شعواء؛ إذ اتهموه ومنظمته بالتخريب و‪..‬‬
‫وتدفقت عليه أموال التبرعات والمعونات وأصبح على مستوى السلطين‬
‫العرب‪ ،‬ووصل إلى المرحلة التي وصلوا إليها‪.‬‬
‫مخيمات اللجئين العدنيين في جهات‬ ‫ت على ُ‬‫شن البرتغاليون غارا ٍ‬
‫]الحواشب[ وقاموا بعددٍ من المذابح الرهيبة والجرائم المنكرة وذلك لتبدأ‬
‫مرحلة جديدة من مراحل المشكلة‪ ،‬فانتقل مقّر المنظمة إلى ]الصبيحي[‪،‬‬
‫ف ضغطها‬ ‫وانتقلت مراكز الفصائل المقاتلة وتوّزعت على السلطنات‪ ،‬فخ ّ‬
‫على البرتغاليين‪ ..‬ضغطت الدول الوروبية التي قوي نفوذها في المنظمة‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عا في ]تعز[ وقّروا‬‫على السلطين‪ ،‬وطلبت منهم إنهاء المشكلة فعقدوا اجتما ً‬
‫العتراف بالوضع البرتغالي في عدن على أن يتولى أمر إعلن ذلك الزعيم‬
‫العدني ]ياسين[‪.‬‬
‫انتفض العدنيون الذين ل يزالون يقيمون في مواطنهم‪ ،‬ولعبت هذه النتفاضة‬
‫دوًرا كبيًرا ‪ ،‬فدعا الوربيون إلى عقد مؤتمر عالمي لحلل السلم في‬
‫المنطقة‪ ،‬وإنهاء المشكلة‪ ،‬وتلعثم السلطين أيوافقون أم ل؟ وأنيطت القضية‬
‫بالزعيم العدني ]ياسين[ الذي أعلن أنه مستعد لحضور المؤتمر العالمي الذي‬
‫دى البرتغال للموافقة على الحضور‪ ،‬وهي‬ ‫دعت إليه دول أوروبا‪ ،‬وأنه يتح ّ‬
‫التي تتمّناه وتدعو للعتراف بكيانها في عدن‪ ،‬فتمّنعت تمّنع الراغب لتمام‬
‫اللعبة وإخفائها عن الشعب‪ ،‬وتقوية موقف ]ياسين[ وإبرازه على أنه هو الذي‬
‫يدعو‪ ،‬وهي التي ترفض‪ ،‬أي أن المتمنع هو الموافق والراضي هو الرافض ‪..‬‬
‫أعلن سلطان ]الحج[ أنه كان يعد ّ عدن جزًءا من أرضه أنه قد تخّلى عنها‪،‬‬
‫وأن أهلها أحرار يحّلون أمورهم بأنفسهم‪ ،‬وبذا أصبحت عدن وحدها أمام‬
‫البرتغاليين دون سندٍ أو دعم‪ .‬وفي هذا الوقت وقفت البرتغال تتفّرج على‬
‫إخراج المسرحية لنهاء المشكلة‪ .‬فقد انتهى دورها‪ ،‬وجاء دور غيرها‪ ،‬ودور‬
‫البطل ل ينتهي حتى حل المشكلة‪.‬‬
‫أعلن الزعيم ]ياسين[ أن لهل عدن حكومة خاصة‪ ،‬وتعامل معها السلطين‬
‫على أنها حكومة شرعية قائمة‪ .‬ثم صرح أنه على استعداد للعتراف بالكيان‬
‫البرتغالي‪ ،‬وبذا أصبحت حكومتان إحداها لهل عدن المشردين ولهم بعض‬
‫أجزاء من مدينة عدن‪ ،‬والثانية للبرتغاليين المغتصبين‪ ،‬ولهم الجزء الكبر من‬
‫عدن‪ ،‬أو تستطيع أن تقول‪ :‬أن المنطقة العربية تشمل منطقتين متباعدتين‬
‫هما‪ :‬عدن القديمة في الشرق وتشرف على الميناء القديم في جزيرة سيرة‪،‬‬
‫وعدن الصغيرة في الغرب‪ ،‬وبينهما المنطقة البرتغالية حيث مدينة التواهي‪،‬‬
‫وخليج التواهي إذ يوجد الميناء الجديد‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫استمر هذا الوضع حتى جاء العثمانيون عام] ‪945‬هـ [وطردوا البرتغاليين من‬
‫المنطقة‪ .‬وقف أهل عدن ُيفكرون بعد الدور الذي لعبه ياسين ومّثله عليهم‪.‬‬
‫منهم من يقول‪ :‬بقي ياسين ُيغالط علينا حتى وصل بنا إلى ما كّنا نخشاه‪ ،‬كّنا‬
‫دقناه‬
‫نرفض كل هذه الحلول وجاء ليوافق عليها‪ .‬كان يقول‪ :‬نرفض‪ ،‬حتى ص ّ‬
‫ووثقنا به‪ ،‬فلما أسلمناه قيادنا قال‪ :‬نوافق‪ .‬أعطيناه القيادة ليبيع قضيتنا‪ ،‬ليبيع‬
‫أرضنا‪ ،‬ليبيعنا‪،‬‬
‫يا ويل المغالطات‪ ،‬وما أغبانا نحن ‪ ..‬لعب علينا‪ ،‬وبعدها بدءوا يبحثون في‬
‫أصله‪ ،‬ويفسرون ألعيبه الماضية‪ ،‬وتمثيله و‪ ..‬ولكن فات الوان‪ ..‬أما أعوانه‬
‫طرحت قد أجهضت أو‬ ‫فيقولون‪ :‬إن الطرق كلها مسدودة‪ ،‬والحلول التي ُ‬
‫فشلت‪ ،‬وليس أمامنا سوى ما تم‪.‬‬
‫وشعرت الدول الصليبية بالهيمنة‪ ،‬ودعت إلى عقد المؤتمر فأسرعت‬
‫السلطات بالموفقة‪ ،‬وأبدت التجاوب‪ ،‬وكلما كانت أكثر صلة كانت أكثر‬
‫عا‪ ،‬وبذلك كل شيء في سبيل ذلك رغم أن البرتغاليين يزيدون من‬ ‫اندفا ً‬
‫تشريد العدنيين‪ ،‬ويطردونهم في مساكنهم‪ ،‬ويحلون محلهم برتغاليين‪ ،‬ويبنون‬
‫المستعمرات لبني عقيدتهم على أرض عدن‪ ...‬ما أشبه اليوم بالبارحة !!‬
‫من رسالة ‪':‬المغالطات وأثرها في المة' للشيخ‪ /‬محمود شاكر‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الزكاة وفوائدها ‪...‬‬


‫‪02-11-2004‬‬
‫الزكاة فريضة من فرائض السلم وهي أحد أركانه وأهمها بعد الشهادتين‬
‫والصلة ‪ ،‬وقد دل على وجوبها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم وإجماع المسلمين ‪ ،‬فمن أنكر وجوبها فهو كافر مرتد عن السلم‬
‫يستتاب ‪ ،‬فإن تاب وإل قتل ‪ ،‬ومن بخل بها أو انتقص منها شيئا ً فهو من‬
‫الظالمين المستحقين لعقوبة الله تعالى‬
‫قال الله تعالى ‪ } :‬ول يحسبن الذين يبخلون بما ءاتاهم الله من فضله هو‬
‫خيرا ً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث‬
‫السموات والرض والله بما تعملون خبير { ] آل عمران ‪.[ 180 :‬‬
‫وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬من آتاه الله مال ً فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة‬
‫شجاعا ً أقرع له زبيبتان ُيطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه ‪ -‬يعني شدقيه ‪-‬‬
‫يقول أنا ماُلك أنا كنزك « الشجاع ‪ :‬ذكر الحيات‪ ،‬والقرع ‪ :‬الذي تمعط فروة‬
‫سمه ‪.‬‬ ‫رأسه لكثرة ُ‬
‫وقال تعالى ‪ } :‬والذين يكنزون الذهب والفضة ول ينفقونها في سبيل الله‬
‫فبشرهم بعذاب أليم ‪ .‬يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم‬
‫وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون { ]التوبة‪:‬‬
‫‪. [35-34‬‬
‫وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪ » :‬ما من صاحب ذهب ول فضة ل يؤدي حقها إل إذا كان يوم‬
‫القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم ‪ ،‬فيكوى بها‬
‫جنبه وجبينه وظهره ‪ ،‬كلما بردت ٌأعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف‬
‫سنة ‪ ،‬حتى يقضى بين العباد‪ ،‬فيرى سبيله‪ ،‬إما إلى الجنة وإما إلى النار «‬
‫وللزكاة فوائد دينية وخلقية واجتماعية كثيرة ‪ ،‬نذكر منها ما يأتي ‪:‬‬
‫فمن فوائدها الدينية ‪:‬‬
‫‪ -1‬أنها قيام بركن من أركان السلم الذي عليه مدار سعادة العبد في دنياه‬
‫وٌأخراه ‪.‬‬
‫‪ -2‬أنها ُتقرب العبد إلى ربه وتزيد في إيمانه ‪ ،‬شأنها في ذلك شأن جميع‬
‫الطاعات ‪.‬‬
‫‪ -3‬ما يترتب على أدائها من الجر العظيم ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ } :‬يمحق الله‬
‫الربا ويربي الصدقات { ] سورة البقرة‪[276:‬‬
‫وقال تعالى ‪ } :‬وما ءاتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فل يربوا عند الله‬
‫وما ءاتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون { ]الروم‪. [39:‬‬
‫وقال النبي صلى الله عليه وسلم » من تصدق بعدل تمرة ‪ -‬أي ما يعادل‬
‫تمرة ‪ -‬من كسب طيب ‪ ،‬ول يقبل الله إل الطيب ‪ ،‬فإن الله يأخذها بيمينه ثم‬
‫يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل « رواه البخاري‬
‫ومسلم ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن الله يمحو بها الخطايا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم » والصدقة‬
‫تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار « ‪.‬‬
‫ً‬
‫والمراد بالصدقة هنا ‪ :‬الزكاة وصدقة التطوع جميعا ‪.‬‬
‫ومن فوائدها الخلقية ‪:‬‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -1‬أنها تلحق المزكي بركب الكرماء ذوي السماحة والسخاء ‪.‬‬


‫‪ -2‬أن الزكاة تستوجب اتصاف المزكي بالرحمة والعطف على إخوانه‬
‫المعدمين ‪ ،‬والراحمون يرحمهم الله ‪.‬‬
‫‪ -3‬أنه من المشاهد أن بذل النفس المالي والبدني للمسلمين يشرح الصدر‬
‫ويبسط النفس ويوجب أن يكون النسان محبوبا ً بحسب ما يبذل من النفع‬
‫لخوانه ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -4‬إن في الزكاة تطهيرا لخلق باذلها من البخل والشح كما قال تعالى ‪:‬‬
‫} خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها { ]التوبة‪. [103:‬‬
‫ومن فوائدها الجتماعية ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن فيها دفعا ً لحاجة الفقراء الذين هم السواد العظم في غالب البلد ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن في الزكاة تقوية للمسلمين ورفعا ً من شأنهم ‪ ،‬ولذلك كان أحد جهات‬
‫الزكاة الجهاد ُ في سبيل الله كما سنذكره إن شاء الله تعالى ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن فيها إزالة للحقاد والضغائن التي تكون في صدور الفقراء والمعوزين ‪،‬‬
‫فإن الفقراء إذا رأوا تمتع الغنياء بالموال وعدم انتفاعهم بشيء منها ‪ ،‬ل‬
‫بقليل ول بكثير ‪ ،‬فربما يحملون عداوة وحقدا ً على الغنياء حيث لم يراعوا‬
‫لهم حقوقا ً ‪ ،‬ولم يدفعوا لهم حاجة ‪ ،‬فإذا صرف الغنياء لهم شيئا ً من أموالهم‬
‫على رأس كل حول زالت هذه المور وحصلت المودة والوئام ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن فيها تنمية للموال وتكثيرا ً لبركتها ‪ ،‬كما جاء في الحديث عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪ » :‬ما نقصت صدقة من مال « ‪.‬‬
‫أي ‪ :‬إن نقصت الصدقة المال عدديا فإنها لن تنقصه بركة وزيادة في‬
‫المستقبل بل يخلف الله بدلها ويبارك له في ماله ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن له فيها توسعة وبسطا ً للموال فإن الموال إذا صرف منها شيء‬
‫اتسعت دائرتها وانتفع بها كثير من الناس ‪ ،‬بخلف إذا كانت دولة بين الغنياء‬
‫ل يحصل الفقراء على شيء منها ‪.‬‬
‫فهذه الفوائد كلها في الزكاة تدل على أن الزكاة أمر ضروري لصلح الفرد‬
‫والمجتمع ‪ .‬وسبحان الله العليم الحكيم ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫والزكاة تجب في أموال مخصوصة منها ‪ :‬الذهب والفضة بشرط بلوغ‬


‫النصاب ‪ ،‬وهو في الذهب أحد عشر جنيها سعوديا وثلثة أسباع الجنيه ‪ ،‬وفي‬
‫الفضة ستة وخمسون ريال ً سعوديا ً من الفضة أو ما يعادلها من الوراق‬
‫النقدية ‪ ،‬والواجب فيها ربع العشر ‪ ،‬ول فرق بين أن يكون الذهب والفضة‬
‫نقودا ً أم تبرا ً أم حليا ً ‪ ،‬وعلى هذا فتجب الزكاة في حلي المرأة من الذهب‬
‫والفضة إذا بلغ نصابا ً ‪ ،‬ولو كانت تلبسه أو تعيره ‪ ،‬لعموم الدلة الموجبة‬
‫لزكاة الذهب والفضة بدون تفصيل ‪ ،‬ولنه وردت أحاديث خاصة تدل على‬
‫وجوب الزكاة في الحلي وإن كان يلبس ‪ ،‬مثل ما رواه عبدالله بن عمرو بن‬
‫العاص رضي الله عنهما ‪ » :‬أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم وفي‬
‫يد ابنتها مسكتان من ذهب فقال ‪ :‬أتعطين زكاة هذا ؟ قالت ‪ :‬ل ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار ؟ فألقتهما وقالت‪ :‬هما لله‬
‫ورسوله « ‪ .‬قال في بلوغ المرام ‪ :‬رواه الثلثة وإسناده قوي ولنه أحوط وما‬
‫كان أحوط فهو أولى ‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ومن الموال التي تجب فيها الزكاة ‪ :‬عروض التجارة ‪ ،‬وهي كل ما أعد‬
‫للتجارة من عقارات وسيارات ومواشي وأقمشة وغيرها من أصناف المال ‪،‬‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والواجب فيها ربع العشر ‪ ،‬فيقومها على رأس الحول بما تساوي ويخرج ربع‬
‫عشره ‪ ،‬سواء كان أقل مما اشتراها به أم أكثر أم مساويا ً ‪.‬‬
‫فأما ما أعده لحاجته أو تأجيره من العقارات والسيارات والمعدات ونحوها‬
‫فل زكاة فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬ليس على المسلم في‬
‫عبده ول فرسه صدقة «‬
‫أهل الزكاة هم الجهات التي تصرف إليها الزكاة ‪ ،‬وقد تولى الله تعالى بيانها‬
‫بنفسه فقال تعالى ‪ } :‬إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها‬
‫والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل‬
‫فريضة من الله والله عليم حكيم { ]التوبة‪. [60:‬‬
‫فهؤلء ثمانية أصناف ‪:‬‬
‫ً‬
‫الول ‪ :‬الفقراء وهم الذين ل يجدون من كفايتهم إل شيئا قليل دون النصف ‪،‬‬
‫فإذا كان النسان ل يجد ما ينفق على نفسه وعائلته نصف سنة فهو فقير‬
‫فيعطى ما يكفيه وعائلته سنة ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬المساكين وهم الذين يجدون من كفايتهم النصف فأكثر ولكن ل‬
‫يجدون ما يكفيهم سنة كاملة فيكمل لهم نفقة السنة ‪ ..‬وإذا كان الرجل ليس‬
‫عنده نقود ولكن عنده مورد آخر من حرفة أو راتب أو استغلل يقوم بكفايته‬
‫فإنه ل يعطى من الزكاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬ل حظ فيها‬
‫لغني ول لقوي مكتسب « ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬العاملون عليها وهم الذين يوكلهم الحاكم العام للدولة بجبايتها من‬
‫أهلها ‪ ،‬وتصريفها إلى مستحقيها ‪ ،‬وحفظها ‪ ،‬ونحو ذلك من الولية عليها ‪،‬‬
‫فيعطون من الزكاة بقدر عملهم وإن كانوا أغنياء ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬المؤلفة قلوبهم وهم رؤساء العشائر الذين ليس في إيمانهم قوة ‪،‬‬
‫فيعطون من الزكاة ليقوى إيمانهم ‪ ،‬فيكونوا دعاة للسلم وقدوة صالحة ‪،‬‬
‫وإن كان النسان ضعيف السلم ولكنه ليس من الرؤساء المطاعين بل هو‬
‫من عامة الناس ‪ ،‬فهل يعطى من الزكاة ليقوى إيمانه ؟‬
‫يرى بعض العلماء أنه ُيعطى لن مصلحة الدين أعظم من مصلحة البدن ‪ ،‬وها‬
‫هو إذا كان فقيرا ً يعطى لغذاء بدنه ‪ ،‬فغذاء قلبه باليمان أشد وأعظم نفعا ً ‪،‬‬
‫ويرى بعض العلماء أنه ل يعطى لن المصلحة من قوة إيمانه مصلحة فردية‬
‫خاصة به‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬الرقاب ويدخل فيها شراء الرقيق من الزكاة وإعتاقه ‪ ،‬ومعاونة‬
‫المكاتبين وفك السرى من المسلمين ‪.‬‬
‫السادس ‪ :‬الغارمون وهم المدينون إذا لم يكن لهم ما يمكن أن يوفوا منه‬
‫ديونهم ‪ ،‬فهؤلء يعطون ما يوفون به ديونهم قليلة كانت أم كثيرة ‪...‬‬
‫وإن كانوا أغنياء من جهة القوت ‪ ،‬فإذا قدر أن هناك رجل ً له مورد يكفي‬
‫لقوته وقوت عائلته ‪ ،‬إل أن عليه دينا ً ل يستطيع وفاءه ‪ ،‬فإنه ُيعطى من‬
‫الزكاة ما يوفي به دينه ‪ ،‬ول يجوز أن يسقط الدين عن مدينه الفقير وينويه‬
‫من الزكاة ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واختلف العلماء فيما إذا كان المدين والدا أو ولدا ‪ ،‬فهل يعطى من الزكاة‬
‫لوفاء دينه؟ والصحيح الجواز ‪.‬‬
‫ويجوز لصاحب الزكاة أن يذهب إلى صاحب الحق ويعطيه حقه وإن لم يعلم‬
‫المدين بذلك ‪ ،‬إذا كان صاحب الزكاة يعرف أن المدين ل يستطيع الوفاء ‪.‬‬
‫السابع ‪ :‬في سبيل الله وهو الجهاد في سبيل الله فيعطى المجاهدون من‬
‫الزكاة ما يكفيهم لجهادهم ‪ ،‬ويشترى من الزكاة آلت للجهاد في سبيل الله ‪.‬‬
‫م الشرعي ‪ ،‬فيعطى طالب العلم الشرعي ما يتمكن به‬ ‫ومن سبيل الله ‪ :‬العل ٌ‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من طلب العلم من الكتب وغيرها ‪ ،‬إل أن يكون له مال يمكنه من تحصيل‬
‫ذلك به ‪.‬‬
‫الثامن ‪ :‬ابن السبيل وهو المسافر الذي انقطع به السفر فيعطى من الزكاة‬
‫ما يوصله لبلده ‪.‬‬
‫فهؤلء هم أهل الزكاة الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه ‪ ،‬وأخبر بأن ذلك‬
‫فريضة منه صادرة عن علم وحكمة والله عليم حكيم ‪.‬‬
‫ول يجوز صرفها في غيرها كبناء المساجد وإصلح الطرق ‪ ،‬لن الله ذكر‬
‫مستحقيها على سبيل الحصر ‪ ،‬والحصر يفيد نفي الحكم عن غير المحصور‬
‫فيه ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وإذا تأملنا هذه الجهات عرفنا أن منهم من يحتاج إلى الزكاة بنفسه ومنهم‬
‫من يحتاج المسلمون إليه ‪ ،‬وبهذا نعرف مدى الحكمة في إيجاب الزكاة ‪ ،‬وأن‬
‫الحكمة منه بناء مجتمع صالح متكامل متكافئ بقدر المكان ‪ ،‬وأن السلم لم‬
‫يهمل الموال ول المصالح التي يمكن أن تبنى على المال ‪ ،‬ولم يترك‬
‫شحها وهواها ‪ ،‬بل هو أعظم موجه‬ ‫للنفوس الجشعة الشحيحة الحرية في ُ‬
‫للخير ومصلح للمم ‪.‬‬
‫والحمد لله رب العالمين ‪.‬‬
‫الشيخ محمد بن صالح العثيمين‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الزكاة‬
‫ه فَل َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ّ‬
‫ن ي َهْدِ الل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سنا‪َ ،‬‬ ‫ف ِ‬ ‫شُرورِ أن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫فُرهُ وَن َُعوذ ُ ب ِهِ ِ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ه وَن َ ْ‬ ‫ست َِعين ُ ُ‬ ‫مد ُ ل ِلهِ ن َ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ال َ‬
‫مدا ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫شهَد ُ أ ّ‬ ‫ه‪ ،‬وأ ْ‬ ‫ه إ ِل ّ الل ُ‬ ‫ن ل ِإل َ‬ ‫شهَد ُ أ ْ‬ ‫ه‪ ،‬وأ ْ‬ ‫ل َفل هادِيَ ل ُ‬ ‫ضل ِ ْ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه‪ ،‬وَ َ‬ ‫لل ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ق‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫وا‬
‫ٍ َ‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫لذي‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ّ‬ ‫ب‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬‫ا‬ ‫س‬‫ُ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫?يا‬ ‫ه‬ ‫ُ‬
‫ُ ََ ُ ُ‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫ْ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ع‬
‫ه‬
‫ن بِ ِ‬ ‫ه الذي َتساَءُلو َ‬ ‫قوا الل َّ‬ ‫جال ً ك َِثيرا ً وَِنساًء‪ ،‬وات ّ ُ‬ ‫من ُْهما رِ َ‬ ‫ث ِ‬ ‫جها‪ ،‬وَب َ ّ‬ ‫مْنها َزوْ َ‬ ‫ِ‬
‫هّ‬
‫قوا الل َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ّ‬
‫م َرِقيبا?] النساء‪? .[1:‬يا أي َّها الذي َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ن عَلي ْك ْ‬ ‫َ‬ ‫ه كا َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫مإ ّ‬ ‫والْرحا َ‬
‫ّ‬
‫مون? ]آل عمران‪ ? .[102:‬يا أي َّها الذين‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ن إ ِل وأن ْت ُ ْ‬ ‫موت ُ ّ‬ ‫حقّ ُتقات ِهِ َول ت َ ُ‬ ‫َ‬
‫م‪،‬‬ ‫ُ‬
‫م ذ ُُنوب َك ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فْر لك ْ‬ ‫م‪ ،‬وي َغْ ِ‬ ‫ُ‬
‫عمالك ْ‬ ‫َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ُ‬
‫ح لك ْ‬ ‫َ‬ ‫صل ِ ْ‬‫ديدا ي ُ ْ‬ ‫ً‬ ‫س ِ‬ ‫ً‬
‫قوا الله وَقولوا قوْل َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫منوا ات ّ ُ‬ ‫آ َ‬
‫ظيما? ]الحزاب‪.[71:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫قد ْ فاَز فوَْزا عَ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫هف َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ّ‬
‫ن ي ُط ِِع الل َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫إن الدين عند الله السلم ‪ ،‬هذا السلم العظيم الذي شرعه الله ورضيه لنا‬
‫دينا ً قيما ً كلما فيه عظيم ‪ ،‬فيه اليسر والسماحة‪ ،‬وفيه العدل والرحمة وفيه‬
‫خير الدنيا والخرة‪ ،‬فيا ليت المسلمين يدركون ما فيه من خير وهدى!! وإنني‬
‫وأنا أقرأ عن ركن من أركان السلم الخمسة لتحدث لكم عن هذا الركن ‪،‬‬
‫رأيت العجب العجاب من حكمة التشريع وعدالة التوزيع ما لو أخذ به‬
‫المسلمون لجنوا السعادة العاجلة والجلة ولقد وقفت متحيرا ً في حالنا!! ما‬
‫بالنا ل نطبق أحكام الله ونقيم شرعه؟ لماذا ل تعالج أمراضنا وعللنا والدواء‬
‫الناجح بين أيدينا؟‬
‫إن مثلنا نحن المسلمون حين ل نطبق شرع الله كمثل القائل الذي قال في‬
‫البل العطاش التي تحمل الماء‪ :‬كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق‬
‫ظهورها محمول‪ .‬إن كتاب الله بين أيدينا فيه الهدى والنور وفيه الشفاء‬
‫والحياة لو طبقناه وعملنا به‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أيها الخوة المؤمنون إنني أريد أن أتحدث إليكم اليوم عن الركن الثالث من‬
‫أركان السلم أل وهو ركن الزكاة‪ .‬هذا الركن الذي قد هجرته الدول‬
‫ً‬
‫السلمية منذ زمن طويل ومسخت معنى هذه الفريضة فلم تعد لها أثرا في‬
‫واقعنا‪.‬‬
‫إن مرتكز نظام المال في السلم الزكاة‪ ،‬فهي بمثابة العمود الفقري فيه‪،‬‬
‫ونظرة السلم إلى المال أن المال مال الله فهو المالك الحقيقي قال تعالى‪:‬‬
‫م ‪ ]?...‬النور‪ [33:‬والنسان ما هو إل‬ ‫ذي آَتاك ُ ْ‬ ‫ل الل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫ما ِ‬
‫من ّ‬ ‫هم ّ‬ ‫?‪َ ...‬وآُتو ُ‬
‫ن ِفيهِ ‪?...‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جعَل ُ‬ ‫َ‬
‫في َ‬ ‫خل ِ‬ ‫ست َ ْ‬‫م ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ما َ‬ ‫م ّ‬
‫قوا ِ‬ ‫مستخلف على هذا المال‪...? :‬وَأنفِ ُ‬
‫] الحديد‪ [7:‬وبناء على ذلك فإن لله عز وجل وحده حق تنظيم قضية التملك‬
‫والحقوق فيه ومآل هذا المال‪ ،‬والزكاة هي التعبير العملي عن هذا كله ‪،‬‬
‫ولذلك كانت رمز السلم لله في قضايا المال كلها ‪ ،‬يقول الرسول ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪" :-‬والصدقة برهان" ‪.‬‬
‫الزكاة أيها المؤمنون معناها ‪ :‬الطهارة والنماء ‪ ،‬وسمى الله الصدقة‬
‫ة‬ ‫َ‬
‫صد َق ً‬ ‫خذ ْ م َ‬
‫م َ‬‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬‫نأ ْ‬ ‫المفروضة زكاة لنها تطهر النفس‪ ، ،‬قال تعالى‪ْ ِ ُ ? :‬‬
‫كيِهم ب َِها‪ ]? ...‬التوبة‪.[103:‬‬ ‫م وَت َُز ّ‬ ‫ت ُط َهُّرهُ ْ‬
‫وما ذكره الله تعالى من تطهير الصدقة للمؤمنين يشمل أفرادهم‬
‫وجماعاتهم‪ ،‬فهي تطهر نفوس الفراد من الذنوب والثام وتطهرهم من‬
‫أرجاس البخل والدناءة والقسوة والثرة والنانية والطمع والشح وغير ذلك‬
‫من الرذائل الجتماعية التي هي مثار التحاسد والتعادي والعدوان والفتن‬
‫خلقية‬ ‫والحروب‪ ،‬والزكاة تزكي النفوس وتنميها وترفعها بالخيرات والبركات ال ُ‬
‫والعملية حتى تكون بها أهل ً للسعادة الدنيوية والخروية‪.‬‬
‫وقد أمر الله تعالى المسلمين بدفع الزكاة في مواضع كثيرة‪ ،‬ولم ترد في‬
‫القرآن آية تدعوا إلى إقامة الصلة إل وهي مقرونة بالدعوة إلى إيتاء الزكاة‪،‬‬
‫فالزكاة والصلة دعامتان متينتان بني عليهما السلم‪ ،.‬قال تعالى‪...? :‬‬
‫صَلة َ َوآُتوا الّز َ‬ ‫َ‬
‫كاة َ ‪ ]?...‬الحج‪ [78 :‬ول تحصل أخوة الدين إل بأداء‬ ‫موا ال ّ‬ ‫فَأِقي ُ‬
‫صل َة َ َوآت َوُا ْ الّز َ‬ ‫َ‬
‫ص ُ‬
‫ل‬ ‫ف ّ‬ ‫ن وَن ُ َ‬‫دي ِ‬‫م ِفي ال ّ‬ ‫وان ُك ُ ْ‬
‫خ َ‬ ‫كاةَ فَإ ِ ْ‬ ‫موا ْ ال ّ‬ ‫الزكاة ‪? :‬فِإن َتاُبوا ْ وَأَقا ُ‬
‫ن?]التوبة‪ [11 :‬وأنذر الله تعالى الذين يبخلون ويمتنعون‬ ‫مو َ‬‫قوْم ٍ ي َعْل َ ُ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫الَيا ِ‬
‫ه‬
‫ضل ِ ِ‬ ‫من ف ْ‬ ‫َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫ما آَتاهُ ُ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫خلو َ‬ ‫ُ‬ ‫ن ي َب ْ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫سب َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫عن أداء الزكاة بقوله‪ ? :‬وَل ي َ ْ‬
‫ة‪ ]? ...‬آل‬ ‫م ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ْ‬
‫م ال ِ‬ ‫ْ‬
‫خلوا ب ِهِ ي َوْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ب َ ِ‬‫ن َ‬ ‫ُ‬
‫سي ُطوّقو َ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫شّر ل ّهُ ْ‬ ‫ل هُوَ َ‬ ‫م بَ ْ‬ ‫خْيرا ً ل ّهُ ْ‬ ‫هُوَ َ‬
‫عمران‪.[180:‬‬
‫ذر الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬المة من عواقب وخيمة تحل بهم إن‬ ‫وح ّ‬
‫هم منعوا الزكاة من القحط والجدب وضيق العيش‪ .‬فقال ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :-‬ما منع قوم الزكاة إل منعوا القطر من السماء ولول البهائم لم‬
‫يمطروا"‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫هذه الزكاة التي فرضها الله تعالى لم يجعلها اختيارية ترجع لهوى الشخص‬
‫إن شاء أعطى وإن شاء لم يعط ومنع بل جعلها إجبارية لنها حق الفقير في‬
‫مال الله الذي أعطاه للغني‪.‬‬
‫هذه الزكاة حاول بعض الناس أن يصورها بأنها ضريبة كبقية الضرائب التي‬
‫تفرضها الدولة على المواطنين ‪ ،‬وحاول البعض الخر أن يصورها بأنها صدقة‬
‫تطوعية‪ ،‬ل علقة لها بالدولة‪ ،‬وكلتا النظريتين مجانبتين للصواب‪.‬‬
‫فإن الضريبة التي تأخذها الدولة العادلة النزيهة في مقابل تحقيقها للمشاريع‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اللزمة للمة‪ ،‬تكون الضريبة العادلة حق الدولة في المال‪ ،‬أما الزكاة فإنها‬
‫تختلف عن هذا فليست الزكاة حق للدولة بل هي حق أصحابها الذين عينهم‬
‫الله وذكرهم في كتابه الكريم ‪ ،‬إل أن الدولة هي المسئولة عن وصول هذه‬
‫الحقوق إلى أصحابها‪ ،‬بل اعتبرها القرآن من الواجبات الساسية التي تقوم‬
‫َ‬ ‫م ِفي اْل َْر‬
‫موا‬‫ض أَقا ُ‬ ‫ِ‬ ‫مك ّّناهُ ْ‬‫ن ِإن ّ‬ ‫بها الدولة المسلمة ‪ ،‬كما قال تعالى‪ ? :‬ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫موِر?‬ ‫ة اْل ُ‬ ‫منك َرِ وَل ِل ّهِ َ‬
‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫وا عَ ِ‬‫ف وَن َهَ ْ‬ ‫مُروا ِبال ْ َ‬
‫معُْرو ِ‬ ‫كاةَ وَأ َ‬‫وا الّز َ‬ ‫صَلة َ َوآت َ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫] الحج‪.[41:‬‬
‫والوضع السليم هو أن تنشئ الدولة السلمية مؤسسة خاصة مستقلة عن‬
‫موارد الدولة الخرى مهمتها جباية الزكوات وصرفها في ذويها وأصحابها كما‬
‫يريد الله عز وجل‪.‬‬
‫إن الزكاة ليست إحسانا فرديا يتولى توزيعها الغنياء على الفقراء لما في‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ذلك من الذل والهوان الذي يصيب الفقراء والمحتاجين‪ ،‬لكن واجب الدولة‬
‫أن تقوم بجبايتها وإعطاء المحتاجين حقوقهم من غير سؤال منهم ول مّنة في‬
‫العطاء‪ ،‬بل معونة كريمة وسد حاجة‪.‬‬
‫وقد اتفق جمهور العلماء على أن الشخص إذا مات ولم يؤد الزكاة الواجبة‬
‫عليه‪ ،‬فإنها تكون دينا ً في تركته ‪ ،‬ل تخلص للورثة إل بعد سدادها‪ ،‬مثلها مثل‬
‫الدين الذي يكون للدميين‪ ،‬ودين الله أحق بالوفاء‪.‬‬
‫والموال التي تجب الزكاة فيها خمسة أصناف‪:‬‬
‫‪ -1‬النقود والمقصود بها الذهب والفضة وما يقوم مقامهما من الوراق المالية‬
‫والعملت المتداولة ‪ ،‬فما ملكه النسان من ذهب وفضة أو عملة مالية بلغت‬
‫النصاب وحال عليها عام قمري كامل فإن عليه أن يخرج زكاة ماله ‪.%2.5‬‬
‫‪ -2‬ومما تجب فيه الزكاة عروض التجارة وهو كل ما يشتريه النسان لغرض‬
‫وم ما يملكه من‬ ‫وم وتدفع زكاته كزكاة النقود ‪ ،‬يق ّ‬ ‫التجارة والربح‪ ،‬فإنه يق ّ‬
‫عروض التجارة‪ ،‬ويضيفه إلى ما يملكه من نقد‪ ،‬ثم يخرج زكاة الجميع رأس‬
‫المال مع الرباح‪ .‬ومقدار النصاب هو عشرون مثقال ً أو عشرون دينارا ً من‬
‫الذهب وهو ما يساوي تقريبا ً ‪ 85‬جرام من الذهب‪ ،‬أو ما يعادلها من الموال‬
‫الخرى سواء كانت فضة أو أوراقا ً مالية‪.‬‬
‫‪ -3‬ومما تجب فيه الزكاة الزروع والثمار‪ ،‬فتؤخذ الزكاة من كل ما أخرجت‬
‫الرض ل فرق بين صنف وصنف‪ ،‬ول بين مطعوم وغير مطعوم‪ ،‬ففي كل ما‬
‫أخرجت الرض زكاة‪ ،‬ويتكرر الخذ كلما أنتجت الرض لقوله تعالى‪َ ...? :‬وآُتوا ْ‬
‫صادِهِ ‪ ]?...‬النعام‪.[141 :‬‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ي َوْ َ‬
‫ق ُ‬
‫ح ّ‬‫َ‬
‫قيت بدون آلت وخمسة بالمائة إذا‬ ‫ُ ِ‬‫س‬ ‫إذا‬ ‫المائة‬ ‫في‬ ‫عشرة‬ ‫الزروع‬ ‫وزكاة‬ ‫‪-‬‬‫‪4‬‬
‫سقيت باللت وإذا اختلف السقي كان الحكم للغلب‪ .‬ونصاب الحبوب‬
‫خمسة أوسق وهو ما يعادل تقريبا ً حوالي ‪653‬كلغرام وأما غير الحبوب‬
‫مها‪.‬‬‫فالزكاة في قي َ ِ‬
‫‪ -5‬ومما تجب الزكاة فيه السائمة من بهيمة النعام وهي البل والبقر والغنم‬
‫والمراد بالسائمة هي التي ترعى طوال العام في المراعي ول يتكلف ملكها‬
‫مؤنة علفها‪.‬‬
‫‪ -6‬ومما تجب فيه الزكاة ما يكون في باطن الرض من معادن كالبترول‬
‫وغيره‪ ،‬وما يظهر فيها من كنوز‪.‬‬
‫هذه الصناف الرئيسية التي تجب الزكاة فيها‪ .‬وهناك تفصيلت لكل صنف‬
‫من هذه الصناف ومما ذكرنا يتبّين لنا مقدار ما يمكن أن تجمعه الدولة من‬
‫الزكاة ‪ ،‬هذه الموال التي تتجمع من الزكاة تنفق في فئات بّينها الله وحددها‬
‫وهذا ما سأبينه لحقًا‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن الله تعالى لم يترك أمر الزكاة إلى تقدير ولة المر بل بين المصارف‬
‫ما‬
‫وعينها في كتابه الكريم الذي ل يقبل التغيير والتبديل‪ ،‬فقال جل وعل‪ ? :‬إ ِن ّ َ‬
‫م وَِفي الّرَقا ِ‬
‫ب‬ ‫فةِ قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫مؤَل ّ َ‬‫ن عَل َي َْها َوال ْ ُ‬ ‫ن َوال َْعا ِ‬
‫مِلي َ‬ ‫كي ِ‬
‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫قَراء َوال ْ َ‬
‫ف َ‬‫ت ل ِل ْ ُ‬
‫صد ََقا ُ‬
‫ال ّ‬
‫م?‬ ‫كي‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫لي‬‫ع‬ ‫ه‬
‫ِ َ ُ َِ ٌ َ ِ ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ة‬‫ض‬
‫ّ ِ ِ ِ َ ً ّ َ‬‫ري‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫بي‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫وا‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫بي‬ ‫س‬ ‫في‬ ‫َوال ْ َ ِ ِ َ َ ِ‬
‫و‬ ‫ن‬ ‫مي‬ ‫ر‬ ‫غا‬
‫ِ َ ْ ِ‬ ‫َ ِ ِ‬
‫] التوبة‪.[60:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ونلحظ أن السلم عنى بمصارف الزكاة أكثر مما عنى بمصادرها وتحصيلها‪،‬‬
‫لن جباية الموال قد تكون سهلة على أصحاب السلطان بوسائل شتى‪،‬‬
‫ولكن الصعب هو صرفها في وجوهها‪ ،‬وإيتاؤها أهلها‪ ،‬ووضعها موضعها‪ ،‬ولهذا‬
‫فإن الله لم يدع تحديد المصارف لرأي حاكم وهواه‪ ،‬ول لطمع طامع يريد أن‬
‫يزاحم المستحقين بالباطل‪ .‬فنزل كتاب الله يبين الشخاص والجهات التي‬
‫تصرف فيها ولها الزكاة‪ ،‬فكان ذلك ردا ً على المنافقين الذين سال لعابهم‬
‫شرها ً إلى أموال الزكاة بغير حق‪ ،‬ولمزوا رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫ك ِفي‬ ‫مُز َ‬ ‫من ي َل ْ ِ‬ ‫من ُْهم ّ‬ ‫‪ -‬لنه أهملهم ولم يستجب لطماعهم‪ ،‬قال تعالى‪ ? :‬وَ ِ‬
‫ن?‬ ‫خطو َ‬ ‫ُ‬ ‫س َ‬
‫م يَ ْ‬ ‫منَها إ َِذا هُ ْ‬ ‫م ي ُعْط َوْا ْ ِ‬‫ضوا ْ وَِإن ل ّ ْ‬ ‫من َْها َر ُ‬ ‫طوا ْ ِ‬ ‫ن أ ُعْ ُ‬ ‫ت فَإ ِ ْ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ن عَلي َْها‬ ‫مِلي َ‬ ‫ْ‬
‫ن َوالَعا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫كي ِ‬ ‫سا ِ‬
‫م َ‬ ‫قَراء َوال َ‬ ‫ف َ‬‫ت ل ِل ُ‬
‫صد َقا ُ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫] التوبة‪ [58 :‬إلى قوله‪ ? :‬إ ِن ّ َ‬
‫ل‬ ‫بي‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫وا‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ل‬ ‫بي‬ ‫س‬ ‫في‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫مي‬ ‫ر‬ ‫غا‬ ‫ْ‬
‫م وَِفي الّرَقا ِ َ َ ِ ِ َ َ ِ‬
‫ل‬ ‫وا‬ ‫ب‬ ‫فةِ قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫مؤَل ّ َ‬‫َوال ْ ُ‬
‫ّ ِ ِ‬ ‫ِ َ ْ ِ‬ ‫َ ِ ِ‬
‫م ?] التوبة‪.[60 :‬‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن الل ّهِ َوالل ّ ُ‬ ‫م َ‬
‫ة ّ‬ ‫ض ً‬ ‫ري َ‬ ‫فَ ِ‬
‫والفقير‪ :‬هو المحتاج الذي ل يسأل الناس‪ ،‬حياًء وتعففًا‪.‬‬
‫والمسكين‪ :‬هو الذي يسأل الناس ويطوف عليهم‪ ،‬وقيل غير ذلك‪.‬‬
‫طبقة الفقراء والمساكين جاء السلم لمعالجة وضعهما وليس المراد بالزكاة‬
‫أن تعطى فقط لمن ل يملك شيئًا‪ ،‬وإنما المراد والمقصد بها أيضا ً إعطاءها‬
‫من يجد بعض الكفاية‪ ،‬ولكنه ل يجد ما يكفيه‪ ،‬إن الزكاة جاءت لتحل مشكلة‬
‫الفقراء والمساكين وذلك باستئصال الفقر من حياتهم وقد ذكر بعض العلماء‬
‫أن الفقير يعطى من الزكاة ما يستأصل فقره‪ ،‬ويقضي على أسباب عوزه‬
‫وفاقته‪ ،‬ويكفيه بصفة دائمة‪ ،‬ول يحتاج إلى زكاة مرة أخرى‪.‬‬
‫وهناك مشكلت كثيرة اليوم في مجتمعات المسلمين سببها الجهل بالسلم‬
‫وعلجها أن تتخلص المجتمعات من تلك المشكلت‪.‬‬
‫يمكن للدولة أن تشتري من مال الزكاة أراض زراعية وتملكها للفقراء‬
‫والمساكين القادرين على العمل ليسهموا وينتجوا ‪ .‬فبإمكانها أن توفر‬
‫حراثات وآلت لمن لديهم أراض زراعية ‪ ،‬ويمكن أن تقيم مصانع إنتاجية‬
‫تشغل اليدي العاملة‪ .‬صاحب الحرفة يمكن أن تشتري له المعدات التي‬
‫يحتاج إليها في حرفته‪ ،‬وهكذا يمكن أن يتحول المجتمع إلى مجتمع إنتاجي‬
‫عامل وهذا ما يرمي إليه السلم‪.‬‬
‫ل تعني الزكاة بحال من الحوال أن تشجع البطالة‪ ،‬فل يصح أن تعطى الزكاة‬
‫لقوي مكتسب يعيش عالة على المجتمع‪ ،‬ويحيا على الصدقات والعانات‪ ،‬بل‬
‫الواجب على كل قادر على العمل أن يعمل‪ ،‬وأن ييسر له سبيل العمل‪ ،‬حتى‬
‫يكفي نفسه بكد يمينه وعرق جبينه‪ ،‬وفي الحديث الصحيح‪" :‬ما أكل أحد‬
‫طعاما ً خيرا ً مما يأكل من عمل يده"‪.‬‬
‫وقال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪" :-‬ل تحل الصدقة لغني ول لذي مرة سوي" ‪،‬‬
‫مّرة‪ :‬القوة والشدة‪ ،‬والسوي‪ :‬المستوي السليم العضاء ‪ ،‬ولهذا ذكر‬ ‫وال ِ‬
‫الفقهاء أن المتفرغ للعبادة ل يأخذ من الزكاة لنه مأمور بالعمل والنتاج‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والمشي في مناكب الرض ول رهبانية في السلم‪ ،‬والعمل لكسب العيش‬


‫أفضل العبادات‪.‬‬
‫وذكروا أن المتفرغ للعلم النافع الذي يفيد المة ويسد حاجتها إن تعذر عليه‬
‫الجمع بين الكسب وطلب العلم أعطي من الزكاة ما يكفيه‪.‬‬
‫الخطبة الثانية‪:‬‬
‫وإن مما يسر أن جمعيات ومؤسسات خيرية إسلمية في مناطق العالم تتبنى‬
‫برامج ممتازة لتنمية دخل الفقراء وإزالة الفقر عنهم‪ ،‬فمن مشاريعهم‪:‬‬
‫تدريب السر الفقيرة على الحرف‪ ،‬ثم تمليكها وسيلة إنتاجية لتعمل وتنتج‬
‫ومن المشاريع‪ :‬تمليك السر بعض الماشية كالبقر أو الغنم لتستفيد منها‬
‫مى لديها‪ .‬وهناك أصناف أخرى تصرف لهم الزكاة غير الفقراء‬ ‫بشكل دائم وتن ّ‬
‫والمساكين ذكرهم الله ‪ ،‬نشير إليهم وهم‪:‬‬
‫والعاملين عليها‬
‫والمؤلفة قلوبهم‬
‫وفي الرقاب‬
‫والغارمين‬
‫وفي سبيل الله‬
‫وابن السبيل‬
‫ومما شرعة الله عز وجل من الصدقات والزكوات زكاة الفطر ‪ ،‬فقد فرض‬
‫الرسول‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬زكاة الفطر في رمضان على الناس صاعا ً‬
‫من تمر أو صاعا ً من شعير أو صاعا ً من إقط‪ ،‬على كل حر وعبد ذكر و أنثى‬
‫من المسلمين ‪.‬‬
‫وهذه الزكاة تخرج قبل خروج الناس إلى الصلة يوم العيد‪.‬‬
‫وهذه الزكاة طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين حتى‬
‫يشتركوا في فرحة العيد ويغنوهم عن السؤال في ذلك اليوم كما أشار إلى‬
‫ذلك الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪. -‬‬
‫حّتى‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فجودوا وتصدقوا وأنفقوا واعلموا أن الله تعالى يقول‪ ? :‬لن ت ََنالوا الب ِّر َ‬
‫ن‪ ]? ...‬آل عمران‪.[92 :‬‬ ‫حّبو َ‬‫ما ت ُ ِ‬ ‫قوا ْ ِ‬
‫م ّ‬ ‫ُتنفِ ُ‬
‫ً‬
‫أروا الله من أنفسكم خيرا وسابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها‬
‫السماوات والرض أعدت للمتقين‪.‬‬
‫راجعه‪ /‬عبد الحميد أحمد مرشد‬
‫صحيح مسلم‪ :‬كتاب الطهارة‪ :‬باب فضل الوضوء ‪ :‬رقم الحديث‪ (223 ):‬عن‬
‫أبي مالك الشعري ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫سنن ابن ماجة‪ :‬باب العقوبات‪ :‬الحديث رقم‪ ، (4019) :‬رواه الطبراني في‬
‫الوسط‪ :‬كتاب الزكاة‪ :‬باب فرض الزكاة‪ :‬الحديث رقم‪ . (4350):‬وقد حسنه‬
‫اللباني في صحيح ابن ماجة برقم‪. (3246) :‬‬
‫صحيح البخاري‪ :‬كتاب البيوع‪ :‬باب‪ :‬كسب الرجل وعمله بيده‪ :‬الحديث رقم‪) :‬‬
‫‪. (1966‬‬
‫سنن الترمذي ‪ ،514 /1‬حديث رقم‪ ،1634 :‬وصححه اللباني‪.‬‬
‫صحيح البخاري‪ :‬باب‪ :‬صدقة الفطر على الصغير والكبير‪ :‬الحديث رقم‪) :‬‬
‫صد َقَةِ الفط ِ‬
‫ر‪:‬‬ ‫ب ما جاَء في َ‬‫‪ (1441‬وأخرجه الترمذي‪ :‬كتاب الزكاة‪ :‬با ُ‬
‫الحديث رقم‪. (670) :‬‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫الزلزال‬
‫‪1/4/1424‬‬
‫أ‪ .‬د ‪.‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله رب العالمين والصلة والسلم على خاتم النبياء والمرسلين‪ ،‬نبينا‬
‫محمد وعلى آله وصحبه والتابعين‪ ،‬وبعد‪ ،‬فإن الحواث التي تحل بالمسلمين‬
‫أصبح ينسي بعضها بعضًا‪ ،‬وغدا كل مجتمع منشغل بنفسه‪ ،‬ينظر المؤمن‬
‫لخيه المؤمن وكأنه )أجنبي( لتربطه معه علقة‪ ،‬مع أن أوثق عرى اليمان‬
‫الحب في الله والبغض في الله‪ ،‬وهذا يقتضي التأثر بمصاب المسلم‪،‬‬
‫والتفاعل معه في قضاياه‪ ،‬وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أناسا ً‬
‫من مضر حفاة عراة مجتابي النمار فتمعر وجهه وقام خطيبا ً في الناس‪،‬‬
‫فجاء رجل من النصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت ثم تتابع‬
‫الناس‪ ،‬يقول جرير بن عبدالله البجلي‪ :‬حتى رأيت وجه رسول الله –صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬يتهلل كأنه مذهبة‪ .‬فينبغي للمسلمين أن يكونوا كالجسد‬
‫الواحد‪ ،‬إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد‪ ،‬فالمسلمون تتكافؤ‬
‫دماؤهم‪ ،‬ويسعى بذمتهم أدناهم‪ ،‬وهم يد على من سواهم‪.‬‬
‫وقد أصيب بالرجفة إخوة لنا في أرض الجزائر‪ ،‬دماؤهم دماؤنا‪ ،‬وهدمهم‬
‫هدمنا‪ ،‬وهذه وقفات وتأملت‪ ،‬ودروس يقدمها لنا المصاب الجلل الذي نزل‬
‫بإخواننا هناك‪ ،‬وأجملها في ثلث نقاط‪:‬‬
‫أول ً الكوارث البشرية قد تكون نعمًا‪:‬‬
‫َ‬
‫ك أنَزل َْناهُ‬ ‫إن الله ينذر العباد باليات السمعية ويخوفهم بها أليم عقابه )وَك َذ َل ِ َ‬
‫قو َ‬
‫م ذِك ًْرا الله(‪ ،‬غير‬ ‫ث ل َهُ ْ‬ ‫حد ِ ُ‬ ‫ن أوْ ي ُ ْ‬ ‫م ي َت ّ ُ َ‬ ‫عيد ِ ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ن ال ْوَ ِ‬‫م َ‬ ‫صّرفَْنا ِفيهِ ِ‬ ‫قُْرآًنا عََرب ِّيا وَ َ‬
‫أن بعض البشر ربما طغت على قلوبهم وعقولهم حجب تحول دون التدبر‬
‫أوالتأثر باليات السمعية‪ ،‬فمن رحمة الله تعالى بهم أنه يرسل كذلك اليات‬
‫فا(‬ ‫وي ً‬‫خ ِ‬ ‫ت إ ِل ّ ت َ ْ‬ ‫ل ِبالَيا ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ما ن ُْر ِ‬ ‫العينية‪ ،‬لعلها ترفع الحجب وتزيل الغشاوة )‪ ..‬وَ َ‬
‫وفي الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪) :‬إن الشمس والقمر‬
‫آيتان من آيات الله‪ ،‬يخوف الله بهما عباده‪ ،‬وإنهما ل ينكسفان لموت أحد من‬
‫الناس‪ ،‬فإذا رأيتم منها شيئا فصلوا وادعوا الله حتى يكشف ما بكم(‪.‬‬
‫والناس متباينون منهم من تكفيه الشارة‪ ،‬ومنهم من ليفهم إل ّ بالشرح‬
‫وتوضيح العبارة‪ ،‬ومنهم من لينقاد إل ّ إذا زجر زجرًا‪ ،‬وآخر ل يعتبر إل ّ إذا رأى‬
‫قارعة حلت بداره أو نزلت بجاره‪ ،‬ثم يأتي في المؤخرة صنفان من شرار‬
‫ع‬
‫ف ُ‬ ‫الخلق أحدهما ليرعوي إل ّ حين الغرغرة إذا عاين الموت وعندها )ل َ َين َ‬
‫فسا إيمانها ل َم تك ُن آمنت من قَب ُ َ‬
‫خي ًْرا(‪ ،‬وهؤلء‬ ‫مان َِها َ‬ ‫ت ِفي ِإي َ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ل أوْ ك َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ ْ َ َ ْ ِ‬ ‫نَ ْ ً ِ َ ُ َ‬
‫ه ال ْغََرقُ َقالَ‬ ‫حّتى إ َِذا أ َد َْرك َُ‬ ‫أستاذهم وأسوتهم فرعون الذي طغى وتجبر ) َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن( قال الله‪:‬‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل وَأن َا ِ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ت ب ِهِ ب َُنو إ ِ ْ‬ ‫من َ ْ‬
‫ذي آ َ‬ ‫ه إ ِل ّ ال ّ ِ‬ ‫ه ل إ ِل ِ َ‬ ‫ت أن ّ ُ‬ ‫من ُ‬‫آ َ‬
‫ن‬
‫َ‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ك‬
‫َِ َِ َِ‬ ‫ن‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ب‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫جي‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫َ ْ َ َُ ّ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫~‬ ‫ن‬ ‫دي‬
‫ُ ِ ِ َ‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬
‫َ ِ َ‬‫م‬ ‫ت‬ ‫ُ‬
‫كن‬ ‫و‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ق‬
‫َ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ‬‫ت‬ ‫ي‬ ‫ص‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫)آل‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫خل ْ َ‬
‫ن(‪ ،‬والصنف الثاني‬ ‫َ‬ ‫لو‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫غا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫نا‬ ‫ت‬
‫ْ َ َِ‬‫يا‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫س‬‫ن ك َِثي ً ّ َ ّ ِ‬
‫نا‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫را‬ ‫ة وَإ ِ ّ‬ ‫ك آي َ ً‬ ‫ف َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫لِ َ‬
‫)أضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن‬
‫يهديه من بعد الله(‪ ،‬ابتله الله بالحسنات وبالسيئات فلم يرجع‪ ،‬أراه اليات‬
‫السمعية وأجرى له اليات العينية فلم يرعوي‪ ،‬مهله وأمهله‪ ،‬ثم استدرجه‬
‫ْ‬ ‫قد أ َرسلنآ إَلى أ ُمم من قَبل َ َ‬
‫ساء‬ ‫م ِبال ْب َأ َ‬ ‫خذ َْناهُ ْ‬ ‫ك فَأ َ‬ ‫ِْ‬ ‫َ ٍ ّ‬ ‫فأخذه أخذ عزيز مقتدر‪) ،‬وَل َ َ ْ ْ َ َ ِ‬
‫ْ‬
‫ت‬‫س ْ‬ ‫كن قَ َ‬ ‫عوا ْ وَل َ ِ‬ ‫ضّر ُ‬ ‫سَنا ت َ َ‬ ‫م ب َأ ُ‬ ‫جاءهُ ْ‬ ‫ول إ ِذ ْ َ‬ ‫ن ~ فَل َ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ضّر ُ‬ ‫م ي َت َ َ‬ ‫ضّراء ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫َوال ّ‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حَنا‬ ‫ما ذ ُك ُّروا ْ ب ِهِ فَت َ ْ‬ ‫سوا ْ َ‬ ‫ما ن َ ُ‬ ‫ن ~ فَل َ ّ‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َعْ َ‬
‫ما َ‬ ‫ن َ‬
‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫م ال ّ‬‫ن ل َهُ ُ‬‫م وََزي ّ َ‬ ‫قُُلوب ُهُ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما أوُتوا ْ أ َ‬ ‫َ‬
‫هم‬ ‫ة فَإ َِذا ُ‬ ‫هم ب َغْت َ ً‬‫خذ َْنا ُ‬ ‫حوا ْ ب ِ َ‬ ‫حّتى إ َِذا فَرِ ُ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫وا َ‬ ‫م أب ْ َ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫مي َ‬‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫موا ْ َوال ْ َ‬
‫ح ْ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫قوْم ِ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قط ِعَ َداب ُِر ال ْ َ‬ ‫ن ~ فَ ُ‬ ‫سو َ‬ ‫مب ْل ِ ُ‬‫ّ‬
‫ومع هذا فقد اعتاد بعض المسلمين –وللسف‪ -‬أن ينسبوا للطبيعة الكثير مما‬
‫يخرج عن نسقها‪ ،‬فإذا مات النسان بغير علة‪ ،‬قالوا وفاة طبيعية! وإذا‬
‫كسفت الشمس أو خسف القمر‪ ،‬قالوا خسوف طبيعي! وإذا أتى الله بعقابه‬
‫فأرسل حاصبًا‪ ،‬أو أغرق أمة‪ ،‬أو فجر الرض عليهم نارًا‪ ،‬أو دم دم على قوم‬
‫بذنبهم فسواها‪ ،‬قالوا كارثة طبيعية!‬
‫وهذا نوع من التأثر بمن غفلوا عن آيات الله‪ ،‬حري بالمسلم أن يبتعد عنه‪ ،‬ول‬
‫يفهم من هذا إنكار أسباب هذه الظواهر‪ ،‬ولكن النكار على من أغرق في‬
‫النظر للسباب ونسي مسببها ومجريها في الوقت الذي يشاء على غير‬
‫طبيعتها‪.‬‬
‫فالمؤمنون العقلء يعتبرون باليات السمعية‪ ،‬ودونهم مرتبة؛ من ليعتبر إل ّ‬
‫باليات العينية‪ ،‬وهؤلء قد تكون اليات العينية لهم نعما ً يكفر الله بها عن‬
‫أناس‪ ،‬وتدكر بها أمم فترجع إلى ربها‪ ،‬وقد قيل‪:‬‬
‫قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم‬

‫)‪(1 /‬‬

‫كما أنها قد تكون سخطا ً وعقابا ً لمن أمن مكر الله وعذابه‪ ،‬فأعرض عن‬
‫اليات السمعية والعينية‪ ،‬والسعيد من وعظ بغيره‪ ،‬فَبادر بالتوبة والنابة‪،‬‬
‫ومسكين مسكين مسكين‪ ،‬من ظن أن المر بالتوبة ليشمله‪ ،‬أو حسب أنه‬
‫مستثنى من جملة من قال الله لهم )وتوبوا إلى الله جميعا ً أيها المؤمنون‬
‫لعلكم تفلحون(‪ ،‬إن أول من يطالب بالمبادرة من يرى أنه قائم بأمر الله‬
‫محقق للتقوى والصلح‪.‬‬
‫ثانيا ً التذكير بسنة من سنن الله‪:‬‬
‫من سنن الله الماضية أن الناس إذا كثر فيهم الخبث‪ ،‬وسكت عنه الصالحون‪،‬‬
‫قوا ْ‬ ‫ك قَري ً َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س ُ‬ ‫مت َْرِفيَها فَ َ‬
‫ف َ‬ ‫مْرَنا ُ‬
‫ةأ َ‬ ‫أصابهم الله ببعض ذنوبهم‪) ،‬وَإ َِذا أَرد َْنا أن ن ّهْل ِ َ ْ َ‬
‫ن ال ْ ُ‬ ‫ها تدميرا ~ وك َ َ‬
‫من ب َعْدِ‬ ‫ن ِ‬‫قُرو ِ‬ ‫م َ‬‫م أهْل َك َْنا ِ‬
‫َ ْ‬ ‫مْرَنا َ َ ْ ِ ً‬ ‫ل فَد َ ّ‬ ‫حقّ عَل َي َْها ال ْ َ‬
‫قو ْ ُ‬ ‫ِفيَها فَ َ‬
‫صيًرا(‪ ،‬وفي الصحيحين من حديث زينب‬ ‫خِبيًَرا ب َ ِ‬‫عَبادِهِ َ‬‫ب ِ‬‫ك ب ِذ ُُنو ِ‬‫فى ب َِرب ّ َ‬ ‫ُنوٍح وَك َ َ‬
‫بنت جحش رضي الله عنها أنها قالت‪) :‬يا رسول الله أنهِلك وفينا الصالحون‬
‫قال نعم إذا كثر الخبث(‪.‬‬
‫إن عقاب الله تعالى إذا هو أتى يعم فينال المسيء والمحسن‪ ،‬قال الله‬
‫تعالى‪) :‬واتقوا فتنة ل تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة( قال ابن قتيبة‪" :‬يريد‬
‫أنها تعم فتصيب الظالم وغيره‪ ،‬وقال عزوجل‪) :‬ظهر الفساد في البر والبحر‬
‫بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا(‪ ،‬وقد تبين أن الله تعلى‬
‫أغرق أمة نوح عليه السلم كلها وفيهم الطفال والبهائم بذنوب البالغين‪،‬‬
‫وأهلك قوم عاد بالريح العقيم‪ ،‬وثمود بالصاعقة‪ ،‬وقوم لوط بالحجارة‪ ،‬ومسخ‬
‫أصحاب السبت قردة وخنازير‪ ،‬وعذب بعذابهم الطفال‪ ..‬قال أنس بن مالك‪:‬‬
‫إن الضب في جحره ليموت هزل ً بذنب ابن آدم‪ ،‬وقد دعا رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم على مضر فقال‪) :‬اللهم اشدد وطأتك على مضر‪ ،‬وابعث‬
‫عليهم سنين كسني يوسف( فتتابعت عليهم الجدوبة والقحط سبع سنين‪،‬‬
‫حتى أكلوا القد والعظام‪ ..‬فنال ذلك الجدب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وأصحابه‪ "..‬ثم قال أبو محمد‪" :‬وقد رأينا بعيوننا ما أغنى عن الخبار‪ ،‬فكم‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من بلد فيه الصالحون والبرار‪ ،‬والطفال والصغار‪ ،‬أصابته الرجفة‪ ،‬فهلك به‬
‫البر والفاجر‪ ،‬والمسيء والمحسن‪ ،‬والطفل والكبير ‪ "...‬وعد مدنا ً أصابتها‬
‫الرجفة في زمانه يرحمه الله‪.‬‬
‫ثم ذكر خبر عبيدالله بن مروان مع ملك النوبة عندما فر هاربا ً قال‪ :‬قدمت‬
‫أرض النوبة بأثاث سلم لي‪ ،‬فافترشته بها وأقمت ثلثًا‪ ،‬فأتاني ملك النوبة وقد‬
‫خبر أمرنا‪ ،‬فدخل علي رجل طوال أقنى حسن الوجه‪ ،‬فقعد على الرض ولم‬
‫يقرب الثياب فقلت‪ :‬ما يمنعك أن تقعد على ثيابنا فقال‪ :‬إني ملك وحق على‬
‫كل ملك أن يتواضع لعظمة الله جل وعز إذ رفعه الله‪ ،‬ثم أقبل علي فقال‬
‫لي‪ :‬لم تشربون الخمر وهي محرمة عليكم في كتابكم؟ فقلت‪ :‬أجترأ على‬
‫ذلك عبيدنا وسفهاؤنا‪.‬‬
‫قال‪ :‬فلم تطؤون الزروع بدوابكم‪ ،‬والفساد محرم عليكم في كتابكم؟‬
‫قلت‪ :‬يفعل ذلك جهالنا‪.‬‬
‫قال‪ :‬فلم تلبسون الديباج والحرير وتستعملون الذهب والفضة وهو محرم‬
‫عليكم؟‬
‫فقلت‪ :‬زال عنا الملك وقل أنصارنا فانتصرنا بقوم من العجم دخلوا في ديننا‬
‫فلبسوا ذلك على الكره منا‪.‬‬
‫فأطرق مليا ً وجعل يقلب يده وينكت في الرض ثم قال‪ :‬ليس ذلك كما‬
‫ذكرت‪ ،‬بل أنتم قوم استحللتم ما حرم عليكم‪ ،‬وركبتم ما عنه نهيتم‪ ،‬وظلمتم‬
‫فيما ملكتم‪ ،‬فسلبكم الله تعالى العز وألبسكم الذل بذنوبكم‪ ،‬ولله تعالى‬
‫فيكم نقمة لم تبلغ نهايتها‪ ،‬وأخاف أن يحل بكم العذاب وانتم ببلدي فيصيبني‬
‫معكم وإنما الضيافة ثلث فتزودوا ما احتجتم إليه وارتحلوا عن بلدي‪.‬‬
‫قال‪ :‬ففعلت ذلك"‪ .‬فهذا الرجل العاقل لحظ هذه السنة فأمر هؤلء‬
‫بالرحيل‪.‬‬
‫من‬ ‫ن ِ‬ ‫قُرو ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ول أجد تعليقا على هذا أجدر من قول الله تعالى‪) :‬فَلوْل كا َ‬ ‫ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫قَبل ِك ُ ُ‬
‫ع‬
‫م َوات ّب َ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫جي َْنا ِ‬‫ن أن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ض إ ِل ّ قَِليل ً ّ‬
‫سادِ ِفي الْر ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ن عَ ِ‬
‫قي ّةٍ ي َن ْهَوْ َ‬‫م أوُْلوا ْ ب َ ِ‬ ‫ْ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قَرى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّك ل ِي ُهْل ِك ال ُ‬ ‫َ‬
‫ما كا َ‬ ‫ن ~ وَ َ‬ ‫مي َ‬
‫جرِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ما أت ْرُِفوا ِفيهِ وَكاُنوا ُ‬ ‫موا َ‬ ‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن(‪ ،‬فسبيل النجاة هو الصلح وليس الصلح فقط‪ ،‬وقد‬ ‫حو َ‬‫صل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِظ ُل ْم ٍ وَأهْل َُها ُ‬
‫علم هذا عقلء البشر‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬الهرج أعظم خطرا من سائر الكوارث البشرية‪:‬‬
‫ً‬
‫في الصحيحين عن أبي هريرة –رضي الله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال النبي ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :-‬ل تقوم الساعة حتى يقبض العلم‪ ،‬وتكثر الزلزل‪ ،‬ويتقارب‬
‫الزمان‪ ،‬وتظهر الفتن‪ ،‬ويكثر الهرج وهو القتل القتل"‪ .‬وخطر الخيرة هو‬
‫الكبر‪ .‬ولسائل أن يقول كيف؟‬
‫منذ نحو عشر سنين‪ ،‬وتحديدا ً منذ النقلب على شرع الله‪ ،‬وتنحية البرلمان‬
‫السلمي الذي اختاره رجال العشائر‪ ،‬وإخوة السلم في أرض الجزائر‪،‬‬
‫والرزاء في تلك البقعة تترى‪ ،‬أصيبت البلد بعدد من الكوارث‪ ،‬ومع ذلك لم‬
‫يتجاوز عدد القتلى في هذه النكبات بما فيها الزلزل الثلثة الخيرة ثلثة‬
‫آلف‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪201‬‬

You might also like