You are on page 1of 208

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫قد نشاهد "حلقة" تلفزيونية من المسلسلت الجنبية تحكي قصة "بوليسية"‬


‫لعملية سطو على أحد البنوك‪ ،‬تتلوها مطاردة الشرطة لعصابة اللصوص حتى‬
‫يتم القبض عليهم والقصاص منهم‪ ...‬إنها لول وهلة قصة عادية في الظاهر‪،‬‬
‫لكنها تنطوي على عدة سموم تنفثها في النفوس كما يلي على سبيل المثال‪:‬‬
‫التشجيع على الجريمة والرشاد إلى وسائلها‪ ،‬ولعلنا سمعنا كثيرا عن الشباب‬
‫الذين يقترفون الجرائم بعد مشاهدتهم لمثل تلك الحلقات أو الفلم‪.‬‬
‫تعميق الشعور بالحباط وغرس الحساس بالتدني وتنمية عقدة النقص في‬
‫قلوب أبناء أمتنا في مواجهة تفوق الدول الجنبية العلمي أو التقني‬
‫"التكنولوجي"‪ ،‬وذلك من خلل ما يشاهده المتفرج من صور التقدم والتطور‬
‫في إجراء التصالت وفي شبكة الطرق والسعاف والحاسبات اللكترونية‬
‫إلى غير ذلك مما ساعد على القبض على المجرمين بسرعة فائقة‪.‬‬
‫كيف نواجه الدعاية والحرب النفسية‬
‫والحق أن السلم يسد منافذ الحرب النفسية ويرشد إلى أساليب تحصين‬
‫المسلمين ضدها على نحو ل تتسامى إليه أفضل النظم الوضعية وهو ما‬
‫نوضحه فيما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬كشف أهداف وأساليب الحرب النفسية المعادية‪:‬‬
‫لقد عنى القرآن الكريم أشد العناية بكشف أهداف أعداء السلم من الكفار‬
‫والمنافقين لكي يكون المسلمون واعين ومستعدين استعدادا نفسيا‬
‫لمواجهتها وعدم الستجابة لها أو التأثر بها‪} :‬أفمن يمشي مكبا على وجهه‬
‫أهدى أمن يمشي سويا عل صراط مستقيم{ الملك ‪ 22/‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫كشف محاولت التفرقة‪:‬‬
‫قال تعالى‪} :‬يآأيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب‬
‫يردوكم بعد إيمانكم كافرين{ آل عمران ‪ .100 /‬ثم أرشد الله المسلمين إلى‬
‫طريق مواجهة تلك المحاولت فقال جل شأنه‪} :‬وكيف تكفرون وأنتم تتلى‬
‫عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط‬
‫مستقيم{ آل عمران ‪. 101 /‬‬
‫كشف محاولت التخذيل وتثبيط العزائم‪:‬‬
‫يقرر القرآن الكريم أن الدور الذي يلعبه أعداء الدين في التخذيل وتثبيط‬
‫العزائم له خطورته إذا انساق في تياره أبناء المة‪ ،‬ويوضح أنه كلما لقيت‬
‫دعواتهم أذانا صاغية‪ ،‬فإنهم يفرحون بذلك ويستبشرون وهذا شأنهم في كل‬
‫عصر‪ ،‬ومن أمثلة ذلك محاولت المنافقين لدفع المسلمين إلى التخلي عن‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم الخروج معه إلى غزوة تبوك‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪} :‬فرح المخلفون بمقعدهم خلف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا‬
‫بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا ل تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد‬
‫حرا لو كانوا يفقهون‪ .‬فليضحكوا قليل وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون‪.‬‬
‫فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي‬
‫أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع‬
‫الخالفين{ التوبة ‪.83 - 81 /‬‬
‫فالقرآن هنا ل يكشف محاولت تثبيط العزائم ول يحذر المسلمين من‬
‫الستجابة لها فحسب‪ ،‬بل يقرر أيضا ضرورة تطهير الجيش من أمثال هؤلء‬
‫المنافقين لشدة خطرهم عليه‪.‬‬
‫كشف محاولت زعزعة الثقة في النصر‪:‬‬
‫في غزوة الخندق أراد المنافقون تشكيك أهل المدينة في وعد الله ورسوله‬
‫بالنصر والفتح المبين‪ ،‬فركزوا على جانب التوهين والتخويف وإضعاف العزائم‬
‫لدى المسلمين ليتركوا الرسول صلى الله عليه وسلم وحده مع نفر قليل‪،‬‬
‫وليرجعوا إلى بيوتهم متعللين بأنها غير محصنة "وكان الخندق خارج المدينة"‬
‫قال تعالى‪} :‬وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض )‪ (1‬ما وعدنا الله‬
‫ورسوله إل غرورا‪ (2) .‬وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب ل مقام لكم‬
‫فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن‬
‫يريدون إل فرارا{ الحزاب ‪ 12 /‬و ‪. 13‬‬
‫‪ - 2‬ردع القوى المضادة‪:‬‬
‫وبعد أن يوضح السلم أن المعرفة بأهداف وأساليب الحرب النفسية هي‬
‫خير عاصم من الوقوع في براثنها‪ ،‬يرشدنا إلى اتخاذ أقوى الجراءات‬
‫اليجابية الفعالة في مواجهة أعداء المة من القوى المضادة التي تعمل ضدها‬
‫في الخفاء والتي يكون خطرها ‪ -‬إذا غفلت عنها المة أولم تتصد لها ‪ -‬أفدح‬
‫بكثير من خطر العدو الظاهر‪ ،‬وهذا ما يفهم بوضوح من نص الية الكريمة‪:‬‬
‫}وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله‬
‫وعدوكم وآخرين من دونهم ل تعلمونهم الله يعلمهم{ النفال ‪.60 /‬‬
‫إن "عدو الله" واضح‪ ،‬و "عدوكم" واضح أيضا‪ ،‬أما الفئة الثالثة وهي المعبر‬
‫عنها بقوله جل شأنه‪} :‬وآخرين من دونهم ل تعلمونهم الله يعلمهم{ فقد‬
‫فسرها السابقون بالمنافقين الذين يلبسون ثوبا ظاهره الرحمة وباطنه‬
‫العذاب‪ ،‬إل أنها تنطوي بلغة العصر على كل القوى المضادة التي تنفث‬
‫سمومها في الخفاء وتثير الفتن وتروج الشائعات وتغرى بالسلبية وتقتل‬
‫الرادة واليجابية‪ ..‬ومن هذه الفئة من يكون داخل البلد السلمية وبين‬
‫صفوف أبنائها‪ ،‬ومنهم من يكون خارجها يدبر ويخطط ويسعى بكل الساليب‬
‫العلمية للحرب النفسية والغزو الفكري الهدام‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫تلك هي أخطر فئة‪ ،‬وقد كشف عنها قول الرسول صلى الله عليه وسلم‪" :‬‬
‫تجدون شر الناس ذا الوجهين يأتي هؤلء بوجه ويأتي هؤلء بوجه " متفق‬
‫عليه‪ .‬وقد حذرنا الله جل شأنه منهم فقال في سورة المنافقين ‪:4 /‬‬
‫}يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون{‪.‬‬
‫****************************‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫خذي ما يكفيك و ولدك بالمعروف‬


‫السؤال ‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هل يمكنني أن آخذ من والدي مبلغا محدودا من المال بشكل يومي دون‬
‫علمه و ل إذنه كي أجمع مبلغا ً أسدد منه د َْيني ‪ ،‬و أشتري بما فضل منه ما‬
‫أريد ؟ علما ً بأن والدي ل يعدل بيننا في العطايا ‪ ،‬بل يفضل إخواننا الذكور‬
‫الصغار علينا ‪ ،‬و ل يعطينا لنشتري ما نريد ‪.‬‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫ً‬
‫أقول مستعينا بالله تعالى ‪:‬‬
‫الحمد لله و الصلة و السلم على رسول الله و بعد‬
‫فمما ل شك فيه أن من واجب الب أن ينفق على من يعول ‪ ،‬و منهم بناته‬
‫اللتي لم يتزوجن بعد ‪ ،‬و النفقة الواجية لهن هي المسكن و الطعام و‬
‫الكساء و ضروريات الحياة ‪ ،‬كما يجب على الب أن يساوي بين أبنائه في‬
‫العطايا و الهبات الزائدة عن النفقة الواجبة عليه ‪.‬‬
‫صَر في أداء ما أوجبه الله عليه من النفقة على أبنائه فلهن أن يأخدن‬ ‫فإن ق ّ‬
‫َ‬
‫من ماله ما يكفيهن بالمعروف قياسا على الزوجة التي يضن عليها بحقها‬
‫الشرعي و دليل ذلك ما رواه الشيخان و غيرهما و اللفظ للبخاري ‪ ،‬عن‬
‫ن هند أم معاوية قالت لرسول الله صلى الله عليه و‬ ‫عائشة رضي الله عنها أ ّ‬
‫ً‬
‫سلم ‪ :‬إن أبا سفيان رجل شحيح ‪ ،‬فهل علي جناح أن آخذ ماله سرا ؟ قال ‪:‬‬
‫)خذي أنت و بنوك ما يكفيك بالمعروف ) ‪.‬‬
‫ففي هذا الحديث لم يفرق النبي صلى الله عليه و سلم بين حق الزوجة و‬
‫حق البناء المحرومين في أخذ ما يكفيهم بالمعروف و لو كان ذلك بغير علم‬
‫الزوج أو الب الشحيح ‪.‬‬
‫أما ما يخص الكماليات و التحسينيات فليس النفاق عليها من الواجبات على‬
‫الولي و بالتالي فليس لحد أن يأخذ منه بدون إذنه و علمه ‪.‬‬
‫و إن أعطى الب بعض أبنائه ما لم يعط الخرين فهو ظالم آثم بذلك ‪ ،‬لما‬
‫رواه الشيخان عن النعمان بن بشير أ ن أباه أتى به إلى رسول الله صلى‬
‫الله عليه و سلم فقال ‪ :‬إني نحلت ابني هذا غلما ً ‪ ،‬فقال ‪ ) :‬أكل ولدك‬
‫نحلت مثله ؟ ( قال ‪ :‬ل ‪ ،‬قال ‪ ) :‬فارجعه ( ‪.‬‬
‫و إثم الظلم يقع على الب و لكنه ل يبرر للبناء المحرومين من الهبة أن‬
‫يأخذوا من أبيهم بدون إذنه ‪ ،‬لن المعصية ل تبرر المعصية ‪.‬‬
‫و الله أعلم‬
‫و صلى الله و سلم و بارك على نبّيه محمد ‪ ،‬و آله ‪ ،‬و صحبه أجمعين ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫خرافة حوار الحضارات ومكافحة الفقر‬


‫د‪ .‬أبوبكر محمد عثمان*‬
‫أعتقد أننا فيما نسميه حوار الحضارات نتجنب الدخول بطريق مباشر أو غير‬
‫مباشر إلى لب الخلف!!‪..‬‬
‫َ‬
‫نأ َ‬
‫شد ّ‬ ‫جد َ ّ‬‫فإذا تحدثنا عن اليهود فهم يعلمون الية )‪ (82‬من سورة المائدة )ل َت َ ِ‬
‫كوا(‪ ،‬والية )‪ (51‬من سورة‬ ‫شَر ُ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫مُنوا ال ْي َُهود َ َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫نآ َ‬ ‫داوَة ً لل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫س عَ َ‬
‫الّنا ِ‬
‫ّ‬
‫ت َوالطا ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬
‫غو ِ‬ ‫جب ْ ِ‬
‫ن ِبال ِ‬ ‫ب ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ن الك َِتا ِ‬ ‫م َ‬‫صيبا ّ‬ ‫ن أوُتوا ن َ ِ‬ ‫ذي َ‬
‫م ت ََر إ ِلى ال ِ‬ ‫النساء )أل ْ‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫سِبيل(‪ ،‬وهم يقولون‪) :‬إن‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م َ‬ ‫دى ِ‬ ‫ؤلء أهْ َ‬ ‫فُروا هَ ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫وَي َ ُ‬
‫ّ‬
‫أجداد المصريين الحاليين هم الذين سخروا اليهود لبناء الهرامات وأذلوهم(‪..‬‬
‫ولذلك قتلوا آلف السرى في صحراء سيناء في حرب ‪1967‬م‪..‬‬
‫فل مجال للحوار مع هؤلء‪.‬‬
‫ن‬‫جد َ ّ‬ ‫أما عن النصارى فهم يعلمون الية )‪ (82‬نفسها من سورة المائدة‪) :‬وَل َت َ ِ‬
‫ن‬ ‫أ َقْربهم مودة لل ّذين آمنوا ال ّذين َقال ُوا إنا نصارى ذ َل َ َ‬
‫سي َ‬ ‫سي ِ‬ ‫م قِ ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ن ِ‬ ‫ك ب ِأ ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِّ َ َ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ َُ ْ ّ َ ّ ً ِ َ َ ُ‬
‫َ‬
‫زم اليابانيون الوثنيون‬ ‫ن(؛ لذلك أحمد الله كثيرا أن هُ ِ‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬ ‫م ل َ يَ ْ‬ ‫وَُرهَْبانا وأن ّهُ ْ‬
‫في الحرب العالمية الثانية على أيدي النصارى الوروبيين والمريكان؛ وقد‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫م َ)‪ِ (2‬في أد َْنى الْر ِ‬ ‫ت الّرو ُ‬ ‫قال الله تعالى في سورة الروم‪) :‬ألم )‪ (1‬غُل ِب َ ِ‬
‫من ب َعْد ُ‬ ‫ل وَ ِ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫مُر ِ‬ ‫ّ‬
‫ن ل ِلهِ ال ْ‬ ‫سِني َ‬ ‫ضِع ِ‬ ‫ن )‪ِ (3‬في ب ِ ْ‬ ‫سي َغْل ُِبو َ‬‫م َ‬ ‫من ب َعْد ِ غَل َب ِهِ ْ‬ ‫هم ّ‬ ‫وَ ُ‬
‫م)‬ ‫حي ُ‬ ‫زيُز الّر ِ‬ ‫ْ‬
‫شاُء وَهُوَ العَ ِ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫صُر َ‬ ‫ّ‬
‫صرِ اللهِ َين ُ‬ ‫ن )‪ (4‬ب ِن َ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ح ال ُ‬ ‫فَر ُ‬ ‫مئ ِذ ٍ ي َ ْ‬‫وَي َوْ َ‬
‫‪((5‬؛ لذلك يوجد مجال للتعايش حسب الضوابط الشرعية في حدود تضيق‪،‬‬
‫وتتسع حسب تشدد قادتهم‪ ،‬ووعي أفرادهم‪..‬‬
‫وفي هذا تفصيل مهم‪:‬‬
‫‪ -‬هم يعلمون أننا نكفرهم؛ لنهم إما أنهم يعتقدون أن عيسى بن مريم هو‬
‫ُ‬
‫ن َقالوا‬ ‫ذي َ‬ ‫فَر ال ّ ِ‬ ‫قد ْ ك َ َ‬‫الله؛ قال الله تعالى في الية )‪ (72‬من سورة المائدة )ل َ َ‬
‫م(‪ ،‬أو أنهم يعتقدون أنه ابن الله؛ قال تعالى‪:‬‬ ‫مْري َ َ‬‫ن َ‬ ‫ح اب ْ ُ‬ ‫سي ُ‬‫م ِ‬ ‫ه هُوَ ال َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫)وقالت النصارى المسيح ابن الله(‪ ،‬أو أنهم يعتقدون أن المسيح عيسى عليه‬
‫ن‬ ‫ن َقاُلوا إ ِ ّ‬ ‫ذي َ‬‫فَر ال ّ ِ‬ ‫قد ْ ك َ َ‬‫السلم ثالث ثلثة يشكلون الله؛ قال الله تعالى‪) :‬ل َ َ‬
‫ة(‪ ..‬وهم يكفروننا للسبب نفسه؛ وهو أننا ل نعتقد بألوهية‬ ‫ث ث َل َث َ ٍ‬ ‫ه َثال ِ ُ‬ ‫الل ّ َ‬
‫عيسى؛ بل نعتقد ببشريته؛ قال الله تعالى في الية )‪ (75‬من سورة المائدة‪:‬‬
‫خل َت من قَبل ِه الرس ُ ُ‬
‫كاَنا‬ ‫ة َ‬ ‫ق ٌ‬ ‫دي َ‬
‫ص ّ‬ ‫ه ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ل وَأ ّ‬ ‫ْ ِ ّ ُ‬ ‫ل قَد ْ َ ْ ِ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م إ ِل ّ َر ُ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح اب ْ ُ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫) ّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫م(‪..‬‬ ‫ن الطَعا َ‬ ‫ي َأكل َ ِ‬
‫لقد هزمت الحداث الخيرة‪ ،‬والرسوم المسيئة لشخص النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وإعادة نشرها‪ ،‬بل لبس وزير إيطالي قميصا عليه تلك الرسوم إمعانا‬
‫في التحدي‪ ،‬والزدراء‪ ،‬والمتهان‪ ..‬وكذلك تدنيس مقابر المسلمين في‬
‫الدنمارك‪ ،‬وتدنيس المصحف الشريف في سجون أفغانستان‪ ،‬وأبي غريب‬
‫في العراق‪ ،‬وجوانتانامو في كوبا‪ ،‬وإلقائه في المراحيض‪ ،‬والتبول عليه‪،‬‬
‫واستعماله بدل من مناديل الورق لمسح الخرء عن أدبارهم‪..‬‬
‫هزمت كل هذه الحداث فكرة حوار الحضارات‪..‬‬
‫ومن قبل قتل الصرب عشرات اللف من المسلمين‪ ،‬ودفنوهم في مقابر‬
‫جماعية‪ ،‬واغتصبوا عشرين ألف امرأة مسلمة‪ ،‬ول زال المجرمان ‪ -‬رادوفان‬
‫كاراديتش‪ ،‬وميلد يتش ‪ -‬طليقين‪..‬‬
‫فل أن التحاد الوروبي‪ ،‬أو الناتو‪ ،‬أو موسكو‪ ،‬أو واشنطن ل‬ ‫مغ ّ‬ ‫ول يظن إل ُ‬
‫يعرفون مكانهما؛ فإنما هي صفقات؛ يباع فيها المسلمون لقاء منافع متبادلة‪..‬‬
‫نحن ل نتحدث عن الحروب الصليبية‪ ،‬والفظائع في القرون الغابرة!!‪..‬‬
‫ومن قبل كسب السلميون انتخابات الجزائر فانقض عليهم الجيش بأمر‬
‫فرنسا وألغى نتائجها‪..‬‬
‫ولماذا يعترضون على نتائج انتخابات فلسطين ‪ -‬التي أوصلت حركة حماس‬
‫إلى السلطة ‪ ،-‬ويطلبون منها طلبا ل أخلقيا بالعتراف بإسرائيل؛ فهذا قرار‬
‫الغلبية التي انتخبتهم على برنامجهم بعدم العتراف بإسرائيل؟!‪..‬‬
‫م يعترضون على ممارسات السلطات المصرية التي أفقدت الخوان‬ ‫ول ِ َ‬
‫المسلمين قدرا كبيرا من أصوات الناخبين؟!‪..‬‬
‫سّنة في الحكومة العراقية؟!‪ ..‬طبعا ليس حبا‬ ‫ولماذا يصّرون على أن يدخل ال ُ‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيهم‪ ،‬وفي الديموقراطية؛ ولكن لتحجيم دور إيران الشيعية في العراق؛ فهم‬
‫يتمسكون بالديموقراطية فقط إذا كان فيها قهر للحركات التي تؤمن بأن‬
‫السلم هو الحل!!‪..‬‬
‫ومن هنا ُأدين قتل الشرطة للمتظاهرين ضد الرسوم‪ ،‬وهي تتحمل وزر القتل‬
‫العمد أمام الله‪ ،‬وفي الوقت نفسه لن يرضى عنهم ناشرو الرسوم‪..‬‬
‫أما قول تلك الحكومات‪) :‬إن المتظاهرين يستغلون الحداث لغراض‬
‫سياسية(؛ فهل يجب على الحزاب السياسية أن تبارك تلك الرسوم؛ حتى ل‬
‫تتهم باستغلل الدين؟!‪ ..‬ثم هذا اتهام للنيات‪ ،‬ويدل على الجهل الفاضح‬
‫بالدين؛ فالنيات ل يعلمها إل الله‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أما تفجيرات ‪ 11‬سبتمبر فقد اتخذتها أمريكا ذريعة لغزو أفغانستان‪ ،‬والعراق‪،‬‬
‫وللستيلء على النفط‪ ،‬وقهر المسلمين؛ بادعاء نشر الديموقراطية‪ ..‬ولقد‬
‫افتضح أمرهم في أول انتخابات في مصر‪ ،‬وفلسطين‪ ،‬ومن قبل في الجزائر‬
‫كما أوضحنا‪..‬‬
‫مثل هذا يحدث تماما مع فكرة مؤتمرات محاربة الفقر؛ فهم يتجنبون الحديث‬
‫عن السبب الحقيقي‪ ،‬أو المهم للفقر ‪ -‬أل وهو الفساد بأنواعه ‪ -‬فالفقراء هم‬
‫الذين يغذون خزينة الدولة بالضرائب‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والرسوم‪ ،‬والغرامات‬
‫المتعسفة والعشوائية‪ ،‬والدعوم المفروضة التي تؤخذ عنوة أو بسيف الحياء؛‬
‫كدعم الشريعة‪ ،‬والجهاد‪ ،‬والجريح‪ ،‬والشهيد‪..‬‬
‫بينما ل يعرف دافعوها أين تصرف هذه الموال؟!‪ ..‬والحكومة تضن عليهم‬
‫حتى بهذه المعلومة؛ لنها تعلم أنها تصرف في غير ما جمعت له ‪ -‬كالرواتب‬
‫كبة‪ ،‬والحوافز المصطنعة‪ ،‬والبدلت‪ ،‬والموبايلت‪ ،‬والسفريات‪ ،‬خل‬ ‫مر ّ‬
‫ال ُ‬
‫العربات‪ ،‬والمؤتمرات القممية‪ ،‬والقليمية‪ ،‬والقارية‪ ،‬واليخوت‪ ،‬والفلل‪،‬‬
‫والسمنارات ‪ -‬خصوصا تلك المخصصة لمحاربة الفقر؛ حيث توزع رقاع‬
‫الدعوة المكتوبة بماء الذهب‪ ،‬وتعقد في أفخم الفنادق والقاعات‪ ،‬حيث يقدم‬
‫أطيب الطعام والشراب الذي يتبقى منه على الموائد ما يكفي لمدد طويلة‬
‫لطالبات الداخليات‪ ،‬وملجئ المشردين‪ ،‬والمساجين المظاليم؛ الذين سرقوا‬
‫بسبب إفقار الدولة لهم‪..‬‬
‫هذا غير السرقات‪ ،‬والختلسات‪ ،‬والرشاوى‪ ،‬والعمولت‪ ،‬وإعفاءات الجمارك‬
‫والضرائب‪ ،‬وحتى دين الله تلعبوا به؛ فديوان الزكاة يفرض عند بدء كل سنة‬
‫ربطا للزكاة عن تلك السنة؛ بمعنى أنه ل بد من جمع كذا من النقد‪ ،‬وكذا من‬
‫المحاصيل‪ ،‬وكذا من الحيوان ‪ -‬فما يدريك يا صاحب المربوط أن التجارة‬
‫ستربح‪ ،‬وأن النبات سيثمر‪ ،‬وأن الحيوان سيتوالد ويتكاثر؟! ‪ -‬لذلك يقوم‬
‫زبانية الزكاة بجمع المربوط بالتعسف‪ ..‬وإنما شرع الله الزكاة نسبة من‬
‫الناتج بعد ثبوته؛ وليس لك افتراضه قبل بدء الحول‪ ..‬ومثل ذلك في الضريبة‪،‬‬
‫مع أنه ليس في دين الله شيء اسمه الضريبة؛ فقد حكم الله أن الزكاة‬
‫تكفي لغناء الفقراء إذا جمعت من المكلفين وصرفت على المستحقين؛‬
‫ولكن الحكومة تقول‪) :‬إنها ل تكفي(!!‪ ..‬وليس ذلك إل لن الحكومة تعفي‬
‫منها كثيرا من المكّلفين‪ ،‬وتصرفها لكثير من غير المستحقين!!‪..‬‬
‫فقط عند الزمات شرع الله ما يسمى )في المال حق سوى الزكاة( يحدده‬
‫المام على قدر الحاجة‪ ،‬ولمدة محدودة؛ ريثما تزول الحاجة التي أوجبته‪.‬‬
‫بالله عليكم‪ ..‬كفوا عن عقد مؤتمرات وسمنارات مكافحة الفقر‪ ،‬وأنفقوا‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ش‪،‬‬
‫أموالها على الفقراء والمساكين؛ حتى ل تضطروهم للسرقة‪ ،‬والغ ّ‬
‫والتزوير‪ ،‬وبيع العراض‪..‬‬
‫هذا لحين تحقق إرادة محاربة الفساد؛ فإنها لن تكون إل بصدق العزم‪،‬‬
‫ووضوح السبيل‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫خروج المرأة متطيبة من بيتها‬


‫السؤال ‪:‬‬
‫ما حكم الشرع في امرأة تخرج من بيتها متعطرة متزينة ‪ ،‬سواء كان ذلك‬
‫بإذن زوجها أو بدون إذنه ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫أقول مستعينا بالله تعالى ‪:‬‬ ‫ً‬
‫من المقرر شرعا ً أن قرار المرأة في بيتها خير لها و أليق بها من الخروج ‪،‬‬
‫لوَلى (‬ ‫جاهِل ِي ّةِ ا ُ‬ ‫ج ال ْ َ‬ ‫ن ت َب َّر َ‬ ‫ج َ‬ ‫ن وَ ل ت َب َّر ْ‬ ‫ن ِفي ب ُُيوت ِك ُ ّ‬ ‫لقوله تعالى ‪ ) :‬وَ قَْر َ‬
‫] الحزاب ‪ ، [ 33 :‬و إن كان خروجها مباحا في ذاته لسيما إذا كان لضرورة‬ ‫ً‬
‫أو قضاء حاجة أو السعي في أمر مباح أو مستحب كالدعوة إلى الله تعالى ‪،‬‬
‫أو طلب العلم أو تعليمه أو شهود الصلة في المساجد ‪ ،‬ما لم يرافقه منكر‬
‫فيحرم لجله كالختلط و التبرج أو الوقوع في فتنةٍ أو التسبب فيها ‪.‬‬
‫و مما ينبغي أن يلزم المرأة حال خروجها من المنزل ‪ ،‬ما ذكره أهل العلم‬
‫في شروط خروجها إلى الصلة في المساجد ‪ ،‬و منه ‪ ) :‬أن ل تكون متطيبة‬
‫و ل متزينة و ل ذات خلخل يسمع صوتها ‪ ،‬و ل ثياب فاخرة ‪ ،‬و ل مختلطة‬
‫بالرجال ‪ ،‬و ل ممن يفتتن بها ‪ ،‬و أن ل يكون في الطريق ما يخاف به مفسدة‬
‫و نحوها ( كما قال المام النووي في شرح صحيح مسلم ‪.‬‬
‫كر من المحظورات ؛ حُرم عليها‬ ‫ما لم ُيذ َ‬ ‫ما ذ ُك َِر أو نحوه م ّ‬ ‫فإن ُوجد شيء م ّ‬
‫الخروج حتى لو كان إلى بيت من بيوت الله ‪.‬‬
‫ن أِبي هَُري َْرةَ رضي الله‬ ‫َ‬
‫روى مسلم و أصحاب السنن عدا ابن ماجة و أحمد عَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫صاب َ ْ‬‫مَرأةٍ أ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫م ‪ ) :‬أي ّ َ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل ‪َ :‬قا َ‬ ‫عنه ‪َ ،‬قا َ‬
‫خَرة َ ( ‪.‬‬ ‫شاَء ال ِ‬ ‫ْ‬
‫معََنا العِ َ‬ ‫شهَد ْ َ‬ ‫خورا ً ‪ ،‬فَل ت َ ْ‬
‫َ‬ ‫بَ ُ‬
‫هذا النهي عن الخروج إلى الصلة حال التطّيب مع أن الترخيص فيها عموما ً‬
‫ثابت في السّنة بل خلف ‪ ،‬فما ظنكم بالخروج إلى السواق أو النوادي أو‬
‫ل أن تخلوا من الرجال‬ ‫مواطن اللهو مع التبرج أو التطيب في أماكن ق ّ‬
‫الجانب ‪.‬‬
‫مت َط َي ّب َ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ريد ُ‬
‫ة ‪ ،‬تُ ِ‬ ‫مَرأة ٌ ُ‬ ‫يا ْ‬ ‫ق َ‬ ‫ن أَبا هَُري َْرةَ ل َ ِ‬ ‫روى ابن ماجة بإسناد ٍ صحيٍح أ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل ‪ :‬وَ ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫جد َ ‪َ .‬قا َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ‪ :‬ال ْ َ‬ ‫ن ؟ َقال َ ِ‬ ‫ن ت ُرِِيدي َ‬ ‫جّبارِ ! أي ْ َ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ‪َ :‬يا أ َ‬ ‫قا َ‬ ‫جد َ ‪ .‬ف َ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ل اللهِ صلى الله عليه و سلم‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬‫ل ‪ :‬فَإ ِّني َ‬ ‫م ‪َ .‬قا َ‬ ‫ت ‪ :‬ن َعَ ْ‬ ‫َ‬
‫ت ؟ َقال ْ‬ ‫َ‬
‫ت َطي ّب ْ ِ‬
‫َ‬ ‫قب َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل لَها صلة ٌ ‪،‬‬ ‫م تُ ْ‬ ‫جد ِ ‪ ،‬ل ْ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت إ ِلى ال َ‬ ‫ج ْ‬ ‫خَر َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ‪ ،‬ثُ ّ‬ ‫مرأةٍ ت َطي ّب َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ل ‪ ) :‬أي ّ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫ل(‪.‬‬ ‫س َ‬ ‫حَتى ت َغْت َ ِ‬ ‫َ‬
‫و روي عن يحيى بن جعدة أن امرأة خرجت على عهد عمر بن الخطاب‬
‫متطيبة فوجد ريحها ‪ ،‬فعلها بالدرة ثم قال ‪ :‬تخرجن متطيبات فيجد الرجال‬
‫فلت ‪ .‬أي تاركات‬ ‫ريحكن ! و إنما قلوب الرجال عند أنوفهم ‪ ،‬اخُرجن ت َ ِ‬
‫للطيب ] كما في كنز العمال [ ‪.‬‬
‫ت بعدما تقدم ‪ :‬ينبغي للمرأة أن تتقي الله تعالى في نفسها فل تبرح بيتها‬ ‫قل ُ‬
‫إل ملتزمة بما يجب عليها في خروجها من اللباس الشرعي و الحشمة و‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تجنب مواطن الفتن و أسبابها ‪ ،‬و من ذلك التبّرج و التطيب خارج البيت ‪ ،‬و‬
‫الله أعلم ‪.‬‬
‫و الله الموفق ‪ ،‬و هو الهادي إلى سواء السبيل ‪.‬‬
‫و صلى الله و سلم و بارك على نبّيه محمد ‪ ،‬و آله ‪ ،‬و صحبه أجمعين ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫خشوع حتى النخاع‬


‫مفكرة السلم ‪ ] :‬كان عبد الله بن الزبير يسجد حتى تنزل العصافير على‬
‫ظهره ول تحسبه إل حائط [‪.‬‬
‫] لو رأيت ابن الزبير يصلي كأنه غصن شجرة تهزها الريح والمنجنيق يقع‬
‫هاهنا وهاهنا وكأنه ل يبالي [‪.‬‬
‫وعن ميمون بن مهران قال ] ما رأيت مسلم بن يسار ملتفتا في صلة قط‬
‫ولقد انهدمت ناحية من المسجد ففزع أهل السوق لهدتها وإنه لفي المسجد‬
‫يصلي فما التفت [‪.‬‬
‫وعنه أيضا ] أن مسلم بن يسار كان إذا دخل إلى المنزل سكتوا فإذا قام إلى‬
‫الصلة تكلموا وضحكوا [‪.‬‬
‫أخي الحبيب ‪.........‬‬
‫قارئ المواقف السابقة أحد نوعين من الشباب ‪-:‬‬
‫‪ -1‬إما شاب يقرؤها لول مرة فسيكون مندهشا للغاية وسيسأل نفسه كيف‬
‫وصل هؤلء الناس إلى هذه الدرجة من الخشوع ‪.‬‬
‫‪ -2‬أو شاب يعرف تلك المواقف وقرأها قبل ذلك فسيقول لنفسه 'كلما‬
‫قرأتها حاولت أن أخشع وأستمر عدة أيام ثم يعود الحال على ما كان عليه‬
‫قبل ذلك'‬
‫وأيا كان حالك أخي الحبيب فأنت مدعو للجابة على هذا السؤال الهام‪.....‬‬
‫هل تتخيل درجة الخشوع التي وصل إليها سلفنا الصالح ؟‬
‫فالشخص الذي تقف العصافير على ظهره عند سجوده ول يشعر لم يكن‬
‫بالتأكيد لحظتها في هذه الدنيا بل كان غارقا حتى النخاع في صلته ‪ ,‬ولك أن‬
‫تتخيل أن هناك من توقظه العصافير من نومه وليس فقط تشغله عن‬
‫صلته ‪.‬‬
‫والذي تهدم بجواره ناحية من نواحي المسجد ول تحدث منه التفاتة بسيطة‬
‫ليرى ما حدث بالتأكيد أيضا في هذه اللحظة كان عقله وقلبه خارج نطاق‬
‫المسجد ‪ ,‬هناك عند المولى عز وجل ‪.‬‬
‫عندما نذكر أحوال الخاشعين أخي الحبيب ل نذكرها لنصاب بالحباط وخيبة‬
‫المل عندما نقرنها بحالنا هذه اليام مع الصلة ‪ ,‬ولكن نذكرها لكي نقنعك‬
‫بأن الصلة ليست فقط مجرد عبادة فرضها الله علينا من أداها دخل الجنة‬
‫ومن تركها استحق العقاب من الله عز وجل ‪ ,,‬كل أيها الخ الحبيب‬
‫فالموضوع أكبر من ذلك بكثير ‪.‬‬
‫قال لي يوما أحد الخوة الفاضل في يوم كنا نتحدث فيه عن الخشوع في‬
‫الصلة كلمات ل أنساها قال لي ] لو استطاع الدعاة إلى الله أن يتقنوا‬
‫الصلة لتغير حال المة على الفور [‪.‬‬
‫فالصلة عالم خاص ممتع ‪ ,‬من استطاع أن يحيا فيه فقد أخذ من الدنيا ألذ ما‬
‫فيها وهو مناجاة الله عز وجل ‪.‬‬
‫ولذلك كان من الضروري أن تتغير نظرتنا للصلة من مجرد حركات نؤديها‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلى عبادة تحي القلب وتطهر البدن وتنقي العقل وتبارك في الحياة ‪.‬‬
‫ولكن السؤال المهم الن هو كيف اخشع في صلتي وأدخل إلى هذا العالم‬
‫الممتع الذي تكلمنا عنه منذ قليل ؟‬
‫أول‪ :‬عليك أخي الحبيب أن تتوقف عن المعاصي بقدر المكان وبالخص‬
‫معاصي الشهوة من إطلق للبصر والعادة السرية وغيرها‪ ,‬لن كثيرا من‬
‫شكاوى الشباب تدور حول أنهم ل يستطيعون أن يركزوا في صلتهم لن‬
‫الشيطان يأتي إليهم في بداية الصلة ويبدأ في عرض الصور والمشاهد‬
‫الجنسية المختزنة في الذاكرة فيحول الشاب أن يدفعها فيفشل وتنتهي‬
‫الصلة ويخرج منها أكثر غما منه حين دخلها فالسبيل الوحيد لسد هذه الثغرة‬
‫هي عدم ملئ الذاكرة من الساس بهذه الشياء ‪.‬وإن كنت قد ملتها فعليك‬
‫أن تبدأ في حذفها وإعادة ملها مرة أخرى ‪ ,‬ولكن بكلم الله تعالى‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬يجب أن يكون قدر الصلة عندك عظيما فتعلم أنك لن تتقرب إلى الله‬
‫بشيء أحب إليه من الصلة والمولى عز وجل ل يقبل من صلة العبد إل ما‬
‫عقل منها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬فيكون هذا همك وهدفك‬
‫عند دخولك الصلة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن تدعو الله تعالى أن يرزقك الخشوع في الصلة ويتقبلها منك بالرغم‬
‫من تقصيرك فيها وهذا من أهم السباب لن الدعاء سلح المؤمن كما قال‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أن تتعلم كيفية صلة النبي صلى الله عليه وسلم من ركوع وسجود‬
‫وقيام وتحرص على تقليدها قدر المكان في صلتك‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬اقرأ كلم العلماء في أسرار الصلة والحكمة من كل ركن من أركانها‬
‫أو استمع إلى كلم الدعاة في هذا المر ونرشح لك بعض الكتب والشرطة‬
‫المفيدة في هذا المر ‪-:‬‬
‫‪ -1‬مختصر منهاج القاصدين لبن الجوزي ]ما يتعلق بالخشوع في الصلة‬
‫] ص ‪[[ 29:26‬‬
‫‪ -2‬مدارج السالكين لبن القيم ]ما يتعلق بالخشوع في الصلة[‬
‫‪ -3‬شرائط ] كيف تصلى [ للشيخ محمد حسين يعقوب‬
‫‪ -4‬شريط الخشوع في الصلة للستاذ عمرو خالد‬
‫سادسا‪ :‬حاول بقدر المكان أن تصلي نافلة قبل الفريضة لكي تهيئ نفسك‬
‫للفريضة وتستعد لها ‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬أن تحرص على صلة الجماعة في المسجد وتحاول بقدر المكان أن‬
‫تحضر تكبيرة الحرام مع المام في المسجد حتى يرى الله عز وجل منك‬
‫حرصا على الصلة فيرزقك خشوعها ‪.‬‬
‫وأخيرا ل تيأس أخي من كثرة المحاولت وصدقني إن المر يستحق‪.‬‬
‫وسيكون لنا وقفات أخرى مع الخشوع في الصلة في لقاءات أخرى إن شاء‬
‫الله‬
‫فإلى لقاء قريب بإذن الله تعالى‬

‫)‪(1 /‬‬

‫خشية الله والخوف منه‬


‫قافلة الداعيات ‪) -‬ج ‪ / 130‬ص ‪(1‬‬
‫كتبه ‪ :‬عبدالحميد التركستاني‬
‫ملخص الخطبة‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -1‬جرأة الناس على معاصي الله‪ -2 .‬الخوف من الله صفة المؤمنين ‪،‬‬
‫وتتافوة هذه الصفة بقدر إيمانهم‪ -3 .‬مراتب الخوف‪ -4 .‬أقوال السلف في‬
‫الخوف‪ -5 .‬أحوال السلف في الخوف‪ -6 .‬ضعف جانب الخوف عند آخرين‪.‬‬
‫‪ -7‬مم خاف السلف وبكوا؟‬
‫الخطبة الولى‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫أيها الناس‪ :‬اتقوا الله تعالى وخافوه واخشوه وحده ول تخشوا أحدا غيره‬
‫وكما قال الفضيل‪ :‬من خاف الله لم يضره أحد‪ ،‬ومن خاف غير الله لم ينفعه‬
‫أحد قال تعالى‪ :‬فل تخشوا الناس واخشون ‪ ،‬فل تخافوهم وخافون إن كنتم‬
‫مؤمنين ‪.‬‬
‫أيها الخوة‪ :‬سوف يكون حديثي في هذه الخطبة عن مقام الخوف من الله‬
‫عز وجل وسبب اختياري لهذا الموضوع هو ما أراه وأشاهده من بعد الناس‬
‫عن الله وتجرؤهم عليه بأنواع المعاصي والذنوب التي ما ارتكبها هؤلء الناس‬
‫إل بسبب ضعف جانب الخوف من الله في قلوبهم وبسبب غفلتهم عن الله‬
‫ونسيان الدار الخرة‪ ،‬فالخوف من الله هو الحاجز الصلب أمام دفعات الهوى‬
‫ل أن يثبت غير هذا الحاجز أمام دفعات الهوى والشهوة والغفلة‬ ‫العنيفة وق ّ‬
‫فالخوف هو الذي يهيج في القلب نار الخشية التي تدفع النسان المسلم إلى‬
‫عمل الطاعة والبتعاد عن المعصية‪.‬‬
‫ولهذا إذا زاد اليمان في قلب المؤمن لم يعد يستحضر في قلبه إل الخوف‬
‫من الله‪ ،‬والناس في خوفهم من الله متفاوتون ولهذا كان خوف العلماء في‬
‫أعلى الدرجات وذلك لن خوفهم مقرون بمعرفة الله مما جعل خوفهم‬
‫مقرون بالخشية كما قال تعالى‪ :‬إنما يخشى الله من عباده العلماء والخشية‬
‫درجة أعلى وهي أخص من الخوف‪ ،‬فالخوف لعامة المؤمنين والخشية‬
‫للعلماء العارفين وعلى قدر العلم والمعرفة تكون الخشية‪ ،‬كما قال النبي ‪:‬‬
‫))إني لعلمكم بالله وأشدكم له خشية(( وقال‪)) :‬لو تعلمون ما أعلم‬
‫لضحكتم قليل ولبكيتم كثيرا ولما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى‬
‫الصعدات تجأرون إلى الله(( قال المام أحمد‪ :‬هذا يدل على أن كل من كان‬
‫بالله أعرف كان منه أخوف‪ .‬والخوف‪ :‬هو اضطراب القلب ووجله من تذكر‬
‫عقاب الله وناره ووعيده الشديد لمن عصاه والخائف دائما يلجأ إلى الهرب‬
‫مما يخافه إل من يخاف من الله فإنه يهرب إليه كما قال أبو حفص‪ :‬الخوف‬
‫سراج في القلب به يبصر ما فيه من الخير والشر وكل أحد إذا خفته هربت‬
‫منه إل الله عز وجل‪ ،‬فإنك إذا خفته هربت إليه‪ .‬فالخائف هارب من ربه إلى‬
‫ربه قال تعالى‪ :‬ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ‪ ،‬قال أبو سليمان‬
‫الداراني‪ :‬ما فارق الخوف قلبا إل خرب‪ .‬وقال إبراهيم بن سفيان‪ :‬إذا سكن‬
‫الخوف القلب أحرق مواضع الشهوات منها وطرد الدنيا عنها‪.‬‬
‫وقال ذو النون‪ :‬الناس على الطريق ما لم يزل عنهم الخوف‪ ،‬فإذا زال عنهم‬
‫قوم به الشاردين‬ ‫الخوف ضلوا الطريق‪ .‬وقال أبو حفص‪ :‬الخوف سوط الله‪ ،‬ي ّ‬
‫عن بابه‪.‬‬
‫والخوف المحمود الصادق‪ :‬ما حال بين صاحبه ويبن محارم الله عز وجل فإذا‬
‫تجاوز ذلك خيف منه اليأس والقنوط‪ ،‬ولهذا قال شيخ السلم ابن تيميه‪:‬‬
‫ل منازل‬ ‫الخوف المحمود‪ :‬هو ما حجزك عن محارم الله وهذا الخوف من أج ّ‬
‫السير إلى الله وأنفعها للقلب وهو فرض على كل أحد‪.‬‬
‫ومن كان الخوف منه بهذه المنزلة سوف يحجزه خوفه عن المعاصي‬
‫والمحرمات فل يأكل مال حراما ول يشهد زورا‪ ،‬ول يحلف كاذبا‪ ،‬ول يخلف‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعدا ول يخون عهدا ول يغش في المعاملة ول يخون شريكه ول يمشي‬


‫بالنميمة‪ ،‬ول يغتاب الناس ول يترك النصيحة والمر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر ول يزني ول يلوط ول يتشبه بالنساء ول يتشبه بالكفرة أعداء الدين ول‬
‫يتعاطى محرما ول يشرب المسكرات ول المخدرات ول الدخان ول الشيشة‬
‫ول يهجر مساجد الله ول يترك الصلة في الجماعة ول يضيع أوقاته في اللهو‬
‫والغفلة بل تجده يشمر عن ساعد الجد يستغل وقته كله في طاعة الله ولهذا‬
‫قال ‪)) :‬من خاف أدلج‪ ،‬ومن أدلج بلغ المنزل أل وإن سلعة الله غالية أل وإن‬
‫سلعة الله هي الجنة(( رواه الترمذي وهو حديث حسن والمراد بهذا الحديث‬
‫التشمير في الطاعة والجتهاد من بداية العمر لن الجنة غالية تحتاج إلى ثمن‬
‫باهظ ومن سعى لها وعمل صالحا وسار من أول الطريق نال بغيته إن شاء‬
‫الله‪.‬‬
‫ّ‬
‫ولهذا كان السلف الصالح يغلبون جانب الخوف في حال الصحة والقوة حتى‬
‫يزدادوا من طاعة الله ويكثروا من ذكره ويتقربوا إليه بالنوافل والعمل‬
‫الصالح‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أيها الخوة‪ :‬إن رجحان جانب الخوف من الله في قلب المؤمن هو وحده‬
‫الذي يرجح الكفة وهو وحده الذي يعصم من فتنة هذه الدنيا وبدون الخوف ل‬
‫يصلح قلب ول تصلح حياة ول تستقيم نفس ول يهذب سلوك وإل فما الذي‬
‫يحجز النفس البشرية عن ارتكاب المحرمات من زنى وبغى وظلم وركون‬
‫إلى الدنيا غير الخوف من الله‪ ،‬وما الذي يهدئ فيها هيجان الرغائب وسعار‬
‫الشهوات وجنون المطامع؟ وما الذي يثبت النفس في المعركة بين الحق‬
‫والباطل وبين الخير والشر؟ وما الذي يدفع النسان إلى تقوى الله في السر‬
‫والعلن سوى خوف الله‪ ،‬فل شيء يثبت اليمان عند العبد رغم الحداث‬
‫وتقلبات الحوال في هذا الخضم الهائج إل اليقين في الخرة واليمان بها‬
‫والخشية والخوف مما أعده الله من العذاب المقيم لمن خالف أمره وعصاه‪.‬‬
‫فتذكر الخرة في جميع الحوال والمناسبات والظروف يجعل عند النسان‬
‫حسا مرهفا يجعله دائم اليقظة جاد العزيمة دائم الفكر فيما يصلحه في‬
‫شه ومعاِده كثير الوجل والخوف مما سيؤول إليه في الخرة‪ ،‬ففي كتاب‬ ‫معا ِ‬
‫الزهد للمام أحمد عن عبد الرحمن بن يزيد قال‪ :‬قلت ليزيد! ما لي أرى‬
‫ف؟ قال‪ :‬يا أخي إن الله توعدني إن أنا عصيته أن يسجنني في‬ ‫عينيك ل تج ّ‬
‫النار‪ ،‬والله لو توعدني أن يسجنني في الحمام لكان حريا أن ل يجف لي دمع‪.‬‬
‫وروى ضمرة عن حفص بن عمر قال‪ :‬بكى الحسن البصري فقيل له‪ :‬ما‬
‫يبكيك؟ قال‪ :‬أخاف أن يطرحني في النار غدا ول يبالي‪ .‬ولهذا من خاف‬
‫واشتد وجله من ربه في هذه الدنيا يأمن يوم الفزع الكبر فعن أبي هريرة‬
‫عن النبي فيما يرويه عن ربه جل وعل أنه قال‪)) :‬وعزتي ل أجمع على عبدي‬
‫خوفين وأمنين‪ :‬إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة‪ ،‬وإذا أمنني في الدنيا‬
‫أخفته يوم القيامة(( رواه أبن حبان في صحيحه‪.‬‬
‫أيها الخوة‪ :‬لقد عاش المسلمون الذين تلقوا هذا القرآن أول مرة عاشوا‬
‫مشاهد الخرة فعل وواقعا كأنهم يرونها حقيقة ولم يكن في نفوسهم استبعاد‬
‫سه وتراه‬ ‫لذلك اليوم بل كان يقينهم بذلك اليوم واقعا تشهده قلوبهم وتح ّ‬
‫وتتأثر وترتعش وتستجيب لمرآه ومن ثم تحولت نفوسهم ذلك التحول‬
‫وتكيفت حياتهم على هذه الرض بطاعة الله وكأن النار إنما خلقت لهم قال‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يزيد بن حوشب‪ :‬ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبد العزيز‪ ،‬كأن النار‬
‫لم تخلق إل لهما‪ .‬وحق لهما أيها الخوة ولكل مؤمن أن يخاف من النار وأن‬
‫يستعيذ بالله منها لن الخبر ليس كالمعاينة يقول ‪)) :‬لو يعلم المؤمن ما عند‬
‫الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد(( رواه مسلم وقال في وصف النار‬
‫محذرا منها‪)) :‬نار الدنيا جزء من سبعين جزءا من نار جهنم(( ولهذا كان‬
‫سلفنا الصالح رضوان الله عليهم إذا رأى أحدهم نارا اضطرب وتغير حاله‬
‫فهذا عبد الله بن مسعود مر على الذين ينفخون على الكير فسقط مغشيا‬
‫عليه وهذا الربيع بن خثيم رحمه الله مر بالحداد فنظر إلى الكير فخر مغشيا‬
‫عليه‪ ،‬وكان عمر بن الخطاب ربما توقد له نار ثم يدني يديه منها ويقول‪) :‬يا‬
‫ابن الخطاب هل لك صبر على هذا(‪ .‬وكان الحنف رضي الله عنه‪ :‬يجئ إلى‬
‫المصباح بالليل فيضع إصبعه فيه ثم يقول‪) :‬حس‪ ،‬حس ثم يقول يا حنيف‪ ،‬ما‬
‫حملك على ما صنعت يوم كذا وكذا يحاسب نفسه( وفي الحديث‪)) :‬حاسبوا‬
‫أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم((‪.‬‬
‫ج القلب ويرعب الحس رعبا‬ ‫أيها الخوة ‪:‬إن أمر القيامة أمر عظيم رهيب‪ ،‬ير ّ‬
‫مشاهده يرجف لها القلوب والله سبحانه أقسم على وقوع هذا الحادث ل‬
‫محالة فقال في سورة الطور إن عذاب ربك لواقع ماله من دافع فهو واقع‬
‫حتما‪ ،‬ل يملك دفعه أحد أبدا والمر داهم قاصم ليس منه دافع ول عاصم كما‬
‫أن دون غد الليلة‪ ،‬فما أعددنا لذلك اليوم‪ ،‬وما قدمنا له وهل جلس كل منا‬
‫يحاسب نفسه ما عمل بكذا وما أراد بكذا بل الكل ساهٍ له‪ ،‬والكل في‬
‫سكرته يعمهون ويلعبون ويضحكون ويفسقون ويفجرون وكأن أحدهم بمنأى‬
‫من العذاب وكأنهم ليس وراءهم موتا ول نشورا ول جنة ول نارا أل يظن‬
‫أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين يقول الحسن‬
‫البصري رحمه الله‪) :‬إن المؤمن والله ما تراه إل يلوم نفسه ما أردت‬
‫بكلمتي‪ ،‬ما أردت بأكلتي ما أردت بحديثي‪ ،‬وإن الفاجر يمضي قدما ما يعاقب‬
‫نفسه(‪ .‬فحقيق بالمرء أن يكون له مجالس يخلو فيها يحاسب نفسه ويتذكر‬
‫ذنوبه ويستغفر منها‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أيها الحبة‪ :‬لقد كان المسلمون يعيشون مع القرآن فعل وواقعا عاشوا مع‬
‫الخرة واقعا محسوسا‪ ،‬لقد كانوا يشعرون بالقرآن ينقل إليهم صوت النار‬
‫وهي تسري وتحرق وإنه لصوت تقشعر منه القلوب والبدان كما أحس عليه‬
‫الصلة والسلم برهبة هذا المر وقوته حتى أنه وعظ أصحابه يوما فقال‪:‬‬
‫طت السماء وحق لها أن تئط‬ ‫))إني أرى ما ل ترون وأسمع ما ل تسمعون‪ ،‬أ ّ‬
‫ما فيها موضع قدم إل وملك واضع جبهته ساجدا لله عز وجل‪ ،‬والله لو‬
‫تعلمون ما أعلم لضحكتم قليل ولبكيتم كثيرا‪ ،‬وما تلذذتم بالنساء على الفرش‬
‫ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله والله لوددت أني شجرة تعضد((‬
‫رواه البخاري وفي رواية قال‪)) :‬عرضت علي الجنة والنار فلم أرى كاليوم‬
‫في الخير والشر(( ثم ذكر الحديث فما أتى على أصحاب رسول الله يوم‬
‫أشد منه غطوا رؤوسهم ولهم خنين و الخنين هو البكاء مع غّنه‪ ،‬ولطول‬
‫المطلع وشدة الحساب وتمكن العلم والمعرفة لدى رسول الله تمنى أن‬
‫يكون شجرة تقطع وينتهي أمرها فكيف بنا نحن؟ عجبا لنا نتمنى على الله‬
‫الماني مع استهتارنا بالدين وبالصلة وبكل شيء فماذا نرجو في الخرة؟‬
‫وكما قيل‪:‬‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يا آمنا مع قبح الفعل منه هل‬


‫أتاك توقيع أمن أنت تملكه‬
‫جمعت شيئين أمنا و اتباع هوى‬
‫هذا وإحداهما في المرء تهلكه‬
‫والمحسنون على درب الخوف قد ساروا‬
‫و ذلك درب لست تسلكه‬
‫فرطت في الزرع وقت البذر من سفه‬
‫فكيف عند حصاد الناس تدركه‬
‫هذا وأعجب شيء فيك زهدك في‬
‫دار البقاء بعيش سوف تتركه‬
‫نعم والله هذا حال الكثير من الناس اليوم ل يريدون أن يعملوا ول يريدون أن‬
‫يتذكروا فإذا ذكرت لهم النار قالوا‪ :‬ل تقنط الناس‪ ،‬وهذا والله هو العجب‬
‫العجاب يريدون أن يبشروا بالجنة ول يذكروا بالقيامة وأهوالها ول بالنار‬
‫وسمومها وعذابها وهم على ما هم فيه من سيئ العمال وقبيح الصفات‪،‬‬
‫قال‪ :‬الحسن البصري‪ :‬لقد مضى بين أيديكم أقوام لو أن أحدهم أنفق عدد‬
‫هذا الحصى‪ ،‬لخشي أن ل ينجو من عظم ذلك اليوم‪ ،‬وقد ورد في الترمذي‬
‫عن أبي هريرة عن النبي أنه قال‪)) :‬ما رأيت مثل النار نام هاربها‪ ،‬ول مثل‬
‫الجنة نام طالبها(( والسبب في ذلك ضعف جانب الخوف عند هؤلء‪ ،‬لقد كان‬
‫بعض السلف من شدة خوفه ووجله وكثرة تفكيره في أحواله الخرة ل‬
‫يستطيع النوم ول الضحك ول اللهو حتى يعلم أهو من الناجين أم ل‪ ،‬فهذا‬
‫شداد بن أوس كان إذا دخل الفراش يتقلب على فراشه ل يأتيه النوم ويقول‬
‫)الله إن النار أذهبت مني النوم فيقوم يصلي حتى يصبح(‪ ،‬وهذا منصور بن‬
‫المعتمر كان كثير الخوف والوجل كثير البكاء من خشية الله قال عنه زائدة‬
‫بن قدامة‪ :‬إذا رأيته قلت‪ :‬هذا رجل أصيب بمصيبة ولقد قالت له أمه‪ :‬ما هذا‬
‫ي أصبت‬ ‫الذي تصنع بنفسك تبكى عامة الليل‪ ،‬ل تكاد أن تسكت لعلك يا بن ّ‬
‫نفسا‪ ،‬أو قتلت قتيل؟ فقال‪ :‬يا أمه أنا أعلم بما صنعت نفسي‪ ،‬وهذا معاذ بن‬
‫جبل لما حضرته الوفاة جعل يبكي‪ ،‬فقيل له‪ :‬أتبكي وأنت صاحب رسول الله‬
‫وأنت وأنت؟ فقال‪ :‬ما أبكي جزعا ً من الموت أن حل بي ول دنيا تركتها‬
‫بعدي‪ ،‬ولكن هما القبضتان‪ ،‬قبضة في النار وقبضة في الجنة فل أدري في أي‬
‫القبضتين أنا‪ .‬يقول الحسن بن عرفه‪ :‬رأيت يزيد بين هارون بواسط وهو من‬
‫أحسن الناس عينين‪ ،‬ثم رأيته بعد ذلك بعين واحدة ثم رأيته بعد ذلك وقد‬
‫ذهبت عيناه فقلت له‪ :‬يا أبا خالد ما فعلت العينان الجميلتان‪ ،‬فقال‪ :‬ذهب‬
‫بهما بكاء السحار‪.‬‬
‫والبكاء من خشية الله سمة العارفين قال عبد الله بن عمرو بن العاص ‪ :‬لن‬
‫أدمع دمعة من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بمئة ألف درهم‪.‬‬
‫ولما جاء عقبة بن عامر إلى النبي يسأله‪ :‬ما النجاة؟ نعم والله ما النجاة كيف‬
‫ننجو من عذاب الله؟ فقال له‪)) :‬أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك‬
‫على خطيئتك(( وفي رواية قال‪)) :‬طوبى لمن ملك نفسه ووسعه بيته وبكى‬
‫على خطيئته((‪.‬‬
‫وقد بين أن من بكى من خشية الله فأن الله يظله تحت ظل عرشه يوم ل‬
‫ظل إل ظله فقال ))‪...‬ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه(( بل حرم الله‬
‫النار على من بكى من خشيته قال ‪)) :‬ل يلج النار رجل بكى من خشية الله‬
‫حتى يعود اللبن في الضرع((‪ ،‬وفي رواية قال‪)) :‬حرمت النار على عين‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دمعت أو بكت من خشية الله(( وكل الحديثين صحيح‪.‬‬


‫وفي الثر اللهي‪)) :‬ولم يتعبد إلي المتعبدون بمثل البكاء من خشيتي((‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫أيها المسلمون ‪:‬إن سلفنا الصالح كانوا يتوجهون إلى الله في خشية وبكاء‬
‫ووجل وطمع الخوف من عذاب الله والرجاء في رحمته والخوف من غضبه‬
‫والطمع في رضاه والخوف من معصيته والطمع في توفيقه يدعون ربهم‬
‫خوفا وطمعا والتعبير القرآني يصور هذه المشاعر المرتجفة في الضمير‬
‫سمة ملموسة إنهم كانوا يسارعون في الخيرات‬ ‫بلمسة واحدة حتى لكأنها مج ّ‬
‫ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين إنها الصورة المشرقة المضيئة لسلفنا‬
‫الصالح رضوان الله عليهم كانوا يخافون ويرجون وكانوا يبكون حتى يؤثر‬
‫فيهم البكاء فبكاؤهم ثمرة خشيتهم لله قال تعالى عنهم‪ :‬ويخرون للذقان‬
‫يبكون ويزيدهم خشوعا وقال أيضا‪ :‬والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل‬
‫ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ‪ ،‬فبالخوف والخشية تحترق الشهوات‬
‫وتتأدب الجوارح ويحصل في القلب الذبول والخشوع والذلة والستكانة‬
‫والتواضع والخضوع‪ ،‬ويفارق الكبر والحسد‪ ،‬بل يصير مستوعب الهم يخوفه‬
‫والنظر في خطر عاقبته‪ ،‬فل يتفرغ لغيره ول يكون له شغل إل المراقبة‬
‫والمحاسبة والمجاهدة والمحافظة على الوقات واللحظات ومؤاخذة النفس‬
‫بالخطرات والخطوات والكلمات‪ ،‬ويكون حاله حال من وقع في مخالب سبع‬
‫ضار ل يدري أنه يغفل عنه فيفلت أو يهجم عليه فيهلك‪ ،‬فيكون ظاهره‬
‫وباطنه مشغول بما هو خائف منه ل متسع فيه لغيره‪ .‬هذا حال من غلبه‬
‫الخوف واستولى عليه وهكذا كان حال جماعة من الصحابة والتابعين يقول‬
‫بلل بن سعد‪ :‬عباد الرحمن‪ ،‬هل جاءكم مخبر يخبركم أن شيئا من أعمالكم‬
‫تقبلت منكم أو شيء من خطاياكم غفرت لكم والله لو عجل لكم الثواب في‬
‫الدنيا لستقللتم كلكم ما افترض عليكم من العبادة‪ ،‬وتنافسون في جنة أكلها‬
‫دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار ‪ ،‬ويقول أيضا‪ :‬رب‬
‫مسرور مغبون‪ ،‬ورب مغبون ل يشعر‪ ،‬فويل لمن بان له الدليل ول يشعر‬
‫يأكل ويشرب ويضحك‪ ،‬وقد حق عليه في قضاء الله عز وجل أنه من أهل‬
‫النار فيا ويل لك روحا والويل‬
‫لك جسدا فلتبك ولتبك عليك البواكي لطول البد‪ .‬فبمثل هذه العبارات كان‬
‫الرسول وكان السلف يجاهدون أنفسهم ويعظون غيرهم حتى ينتبه الناس‬
‫من غفلتهم ويصحوا من رقدتهم ويفيقوا من سكرتهم رجاء أن يدركوا من‬
‫سبقهم إلى الطريق المستقيم ويكون الخوف دافعا لهم على الستقامة ما‬
‫كانوا على وجه الرض أحياء مكّلفين‪.‬‬
‫وفي الختام أحب أن أذكر نماذج من خوف بعض الصحابة والتابعين‪:‬‬
‫فهذا أبو بكر أفضل رجل في هذه المة بعد رسول الله نظر إلى طير وقع‬
‫على شجرة فقال‪ :‬ما أنعمك يا طير‪ ،‬تأكل وتشرب وليس عليك حساب‬
‫وتطير ليتني كنت مثلك‪ ،‬وكان كثير البكاء وكان يمسك لسانه ويقول‪) :‬هذا‬
‫الذي أوردني الموارد( وكان إذا قام إلى الصلة كأنه عود من خشية الله‪،‬‬
‫وهذا عمر الرجل الثاني بعد أبي بكر قال لبنه عبد الله وهو في الموت‪:‬‬
‫)ويحك ضع خدي على الرض عساه أن يرحمني ثم قال‪ :‬بل ويل أمي إن لم‬
‫يغفر لي ويل أمي إن لم يغفر لي(‪ ،‬وأخذ مرة تبنة من الرض فقال‪) :‬ليتني‬
‫هذه التبنة ليتني لم أكن شيئا‪ ،‬ليت أمي لم تلدني‪ ،‬ليتني كنت منسيا(‪ ،‬وكان‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يمر بالية من ورده بالليل فتخيفه‪ ،‬فيبقى في البيت أياما معاد يحسبونه‬
‫مريضا‪ ،‬وكان في وجهه خطان أسودان من البكاء‪ ،‬وهذا عثمان كان إذا وقف‬
‫على القبر يبكي حتى يبل لحيته وقال‪) :‬لو أنني بين الجنة والنار ل أدري إلى‬
‫أيتهما يؤمر بي‪ ،‬لخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصيُر(‪ ،‬وهذا‬
‫علي كما وصفه ضرار بن ضمرة الكناني لمعاوية يقول‪ :‬كان والله بعيد المدى‬
‫شديد القوى‪ ،‬يقول فصل‪ ،‬ويحكم عدل‪ ،‬ويتفجر العلم من جوانبه وتنطق‬
‫الحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل وظلمته‪،‬‬
‫كان والله غزير الدمعة طويل الفكرة يقلب كفيه ويخاطب نفسه‪ ،‬يعجبه من‬
‫اللباس ما قصر ومن الطعام ما خشن كان والله كأحدنا يدنينا إذا أتيناه‬
‫ويجيبنا إذا سألناه‪ ،‬وكان مع تقربه إلينا وقربه منا ل نكلمه هيبة له فأشهد‬
‫بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه يميل‬
‫في محرابه قابضا على لحيته يضطرب ويتقلب تقلب الملسوع ويبكي بكاء‬
‫الحزين‪ ،‬فكأني أسمعه وهو يقول‪ :‬يا ربنا يا ربنا‪ ،‬يتضرع إليه يقول للدنيا‪ :‬إلي‬
‫تعرضت‪ ،‬إلي تشوفت‪ ،‬هيهات هيهات غري غيري قد طلقتك ثلثا فعمرك‬
‫قصير ومجلسك حقير وخطرك يسير‪ ،‬آه آه من قلة الزاد وبعد السفر‬
‫ووحشة الطريق‪ .‬فوكفت دموع معاوية على لحيته ما يملكها وجعل ينشفها‬
‫بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء وهو يقول‪ :‬هكذا والله كان أبو الحسن‪.‬‬
‫شراك البالي من البكاء‪.‬‬ ‫وهذا ابن عباس كان أسفل عينيه مثل ال ّ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وهذا أبو عبيدة يقول عن نفسه‪ :‬وددت أني كنت كبشا فيذبحني أهلي‬
‫فيأكلون لحمي ويشربون مرقي‪ ،‬وهكذا كان حال صحابة رسول الله مع أنهم‬
‫كانوا مبشرين بالجنة فهذا علي رضي الله عنه يصفهم ويقول‪ :‬لقد رأيت‬
‫أصحاب محمد فلم أَر أحدا يشبههم منكم لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا وقد‬
‫باتوا سجدا أو قياما‪ ،‬يراوحون بين جباههم وخدودهم‪ ،‬ويقعون على مثل‬
‫الجمر من ذكر معادهم كأن بين أعينهم ركب العزي من طول سجودهم إذا‬
‫ذكر الله هملت أعينهم حتى تبتل جيوبهم ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح‬
‫العاصف خوفا من العقاب ورجاء للثواب‪ .‬وهذا سفيان الثوري رحمه الله‬
‫يقول‪ :‬والله لقد خفت من الله خوفا أخاف أن يطير عقلي منه وإني ل أسأل‬
‫الله في صلتي أن يخفف من خوفي منه‪.‬‬
‫أيها الخوة‪ :‬هل من مشمر؟ هل من خائف؟ هل من سائر إلى الله؟ بعد هذا‬
‫الذي سمعناه أرجو أن نكون مثل سلفنا علما وعمل خوفا ورجاء ومحبة فإن‬
‫فعلنا ذلك كنا صادقين وكنا نحن المشمرين إن شاء الله‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫خصائص أهل السنة والجماعة‬


‫وأهل السنة والجماعة‪ :‬يتميزون على غيرهم من الفرق؛ بصفات وخصائص‬
‫وميزات منها‪:‬‬
‫‪ -1‬أنهم أهل الوسط والعتدال؛ بين الفراط والتفريط‪ ،‬وبين الغلو والجفاء؛‬
‫سواٌء كان في باب العقيدة أو الحكام أو السلوك فهم وسط بين فرق المة؛‬
‫كما أن المة وسط بين الملل‪.‬‬
‫‪ -2‬اقتصارهم في التلقي على الكتاب والسنة‪ ،‬والهتمام بهما والتسليم‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لنصوصهما‪ ،‬وفهمهما على مقتضى منهج السلف‪.‬‬


‫ظم يأخذون كلمه كله ويدعون ما خالفه إل رسول الله‬ ‫‪ -3‬ليس لهم إمام مع ّ‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وعلى آله وسلم ‪ -‬وهم أعلم الناس بأحواله‪ ،‬وأقواله‪،‬‬
‫وأفعاله؛ لذلك فهم أشد الناس حّبا للسنة‪ ،‬وأحرصهم على اتباعها‪ ،‬وأكثرهم‬
‫موالة لهلها‪.‬‬
‫‪ -4‬تركهم الخصومات في الدين‪ ،‬ومجانبة أهلها‪ ،‬وترك الجدال والمراء في‬
‫مسائل الحلل والحرام ودخولهم في الدين كله‪.‬‬
‫‪ -5‬تعظيمهم للسلف الصالح‪ ،‬واعتقادهم بأن طريقة السلف أسلم‪ ،‬وأعلم‪،‬‬
‫وأحكم‪.‬‬
‫‪ -6‬رفضهم التأويل‪ ،‬واستسلمهم للشرع‪ ،‬مع تقديمهم النقل على العقل‬
‫وإخضاع الثاني للول‪.‬‬
‫‪ -7‬جمعهم بين النصوص في المسألة الواحدة‪ ،‬ورّدهم المتشابه إلى المحكم‪.‬‬
‫‪ -8‬أنهم قدوة الصالحين‪ :‬الذين يهدون إلى الحق‪ ،‬ويرشدون إلى الصراط‬
‫المستقيم؛ بثباتهم على الحق‪ ،‬وعدم تقلبهم‪ ،‬واتفاقهم على أمور العقيدة‪،‬‬
‫وجمعهم بين العلم والعبادة‪ ،‬وبين التوكل على الله والخذ بالسباب‪ ،‬وبين‬
‫التوسع في الدنيا والزهد فيها‪ ،‬وبين الخوف والرجاء‪ ،‬والحب والبغض‪ ،‬وبين‬
‫الرحمة واللين والشدة والغلظة‪ ،‬وعدم اختلفهم مع اختلف الزمان والمكان‪.‬‬
‫‪ -9‬أنهم ل يتسمون بغير السلم‪ ،‬والسنة‪ ،‬والجماعة‪.‬‬
‫‪ -10‬حرصهم على نشر العقيدة الصحيحة‪ ،‬والدين القويم‪ ،‬وتعليمهم الناس‬
‫وإرشادهم‪ ،‬والنصيحة لهم‪ ،‬والهتمام بأمورهم‪.‬‬
‫‪ -11‬أنهم أعظم الناس صبرا ً على أقوالهم‪ ،‬ومعتقداتهم‪ ،‬ودعوتهم‪.‬‬
‫‪ -12‬حرصهم على الجماعة واللفة‪ ،‬ودعوتهم إليها وحث الناس عليها‪ ،‬ونبذهم‬
‫للختلف والفرقة‪ ،‬وتحذير الناس منها‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -13‬عصمهم الله ‪ -‬تعالى ‪-‬من تكفير بعضهم بعضا‪ ،‬ويحكمون على غيرهم‬
‫بعلم ٍ وعدل‪.‬‬
‫حم بعضهم على بعض وتعاونهم فيما بينهم‬ ‫‪ -14‬محبة بعضهم لبعض‪ ،‬وتر ّ‬
‫وتكميل بعضهم بعضًا‪ ،‬ول يوالون ول يعادون إل على الدين‪.‬‬
‫وبالجملة فهم أحسن الناس أخلقًا‪ ،‬وأحرصهم على زكاة أنفسهم؛ بطاعة الله‬
‫‪ -‬تعالى ‪ ،-‬وأوسعهم أفقًا‪ ،‬وأبعدهم نظرًا‪ ،‬وأرحبهم بالخلف صدرًا‪ ،‬وأعلمهم‬
‫بآدابه وأصوله‪.‬‬
‫وخلصة القول في معنى أهل السنة والجماعة‪:‬‬
‫أنها الفرقة التي وعدها النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بالنجاة من بين‬
‫الفرق‪ ،‬ومدار هذا الوصف على اتباع السنة وموافقة ما جاء بها؛ من العتقاد‪،‬‬
‫والعبادة والهدي والسلوك‪ ،‬والخلق‪ ،‬وملزمة جماعة المسلمين‪.‬‬
‫وبهذا ل يخرج تعريف أهل السنة والجماعة عن تعريف السلف‪ .‬وقد عرفنا أن‬
‫السلف؛ هم العاملون بالكتاب المتمسكون بالسنة‪ ،‬إذن فالسلف هم أهل‬
‫السنة الذين عناهم النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وأهل السنة هم السلف‬
‫الصالح ومن سار على نهجهم‪.‬‬
‫وهذا هو المعنى الخص؛ لهل السنة والجماعة؛ فيخرج من هذا المعنى كل‬
‫طوائف المبتدعة وأهل الهواء؛ كالخوارج والجهمية والمرجئة‬
‫والشيعة‪...‬وغيرهم من أهل البدع‪.‬‬
‫فالسنة هنا تقابل البدعة‪ ،‬والجماعة تقابل الفرقة‪ ،‬وهو المقصود في‬
‫الحاديث التي وردت في لزوم الجماعة والنهي عن التفرق‪.‬‬
‫فهذا الذي قصده عبد الله بن عباس ‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬في تفسير قول الله‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ه( ‪) .‬آل عمران‪.(106/‬‬ ‫جو ُ ٌ‬


‫سود ُ وُ ُ‬
‫جوُهٌ وت َ ْ‬
‫ض وُ ُ‬
‫م ت َْبي ّ‬
‫‪ -‬تعالى ‪) :-‬ي َوْ َ‬
‫قال‪) :‬تبيض وجوه أهل السنة والجماعة‪ ،‬وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة(‪.‬‬
‫وأما المعنى العم لهل السنة والجماعة؛ فيدخل فيه جميع المنتسبين إلى‬
‫السلم عدا الرافضة‬
‫ويطلق أحيانا ً لبعض أهل البدع والهواء بأنهم من أهل السنة والجماعة؛‬
‫لموافقتهم لهل السنة المحضة في بعض المسائل العقائدية مقابل الفرق‬
‫الضالة‪ ،‬وهذا المعنى أقل استعمال ً عند علماء أهل السنة؛ لتقيده في بعض‬
‫ل‪ :‬استعمال صفة‬ ‫المسائل العتقادية‪ ،‬ومقابل بعض الطوائف المعينة؛ فمث ً‬
‫أهل السنة؛ مقابل الروافض في مسألة الخلفة والصحابة‪ ...‬وغيرها من‬
‫المور العتقادية‪.‬‬
‫ويقابل أهل السنة؛ أهل البدعة‪ ،‬ورؤسهم خمسة‪ :‬الخوارج‪ ،‬والرافضة‪،‬‬
‫والمرجئة‪ ،‬والقدرية‪ ،‬والجهمية‬
‫فعبارة السلف الصالح ترادف أهل السنة والجماعة في اصطلح علماء أهل‬
‫السنة المحققين ؛ كما يطلق عليهم؛ أهل الثر‪ ،‬وأهل الحديث‪ ،‬والطائفة‬
‫المنصورة‪ ،‬والفرقة الناجية‪ ،‬وأهل التباع‪ ،‬وهذه السماء والطلقات‬
‫مستفيضة عن علماء السلف‪.‬‬
‫خصائص عقيدة أهل السنة والجماعة‬
‫لماذا عقيدة السلف الصالح أولى بالتباع؟!‬
‫العقيدة الصحيحة هي أساس هذا الدين‪ ،‬وكل ما يبنى على غير هذا الساس؛‬
‫فمآله الهدم والنهيار‪ ،‬ومن هذا نرى اهتمام النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫بإرساء هذه العقيدة وترسيخها في قلوب أصحابه طيلة عمره؛ وذلك من أجل‬
‫بناء الرجال على قاعدة صلبة وأساس متين‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وظل القرآن الكريم في مكة يتنزل ثلثة عشر عاما ً يتحدث عن قضية واحدة‬
‫ل تتغير‪ ،‬وهي قضية العقيدة والتوحيد لله ‪ -‬تعالى ‪ ،-‬ومن أجلها ولهميتها كان‬
‫النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في مكة ل يدعو إل إليها‪ ،‬ويربي أصحابه‬
‫عليها‪.‬‬
‫وترجع أهمية دراسة عقيدة السلف الصالح إلى أهمية تبيين العقيدة الصافية‪،‬‬
‫وضرورة العمل الجاد في سبيل العودة بالناس إليها وتخليصهم من ضللت‬
‫الفرق واختلف الجماعات‪ ،‬وهي أول ما يجب على الدعاة الدعوة إليها‪.‬‬
‫فالعقيدة على منهج السلف الصالح لها مميزات وخصائص فريدة تبين قيمتها‬
‫وضرورة التمسك بها‪ ،‬ومن أهم هذه المميزات‪:‬‬
‫ل‪ :‬إنها؛ السبيل الوحيد للخلص من التفرق والتحزب‪ ،‬وتوحيد صفوف‬ ‫أو ً‬
‫المسلمين عامة‪ ،‬والعلء والدعاة خاصة‪ ،‬حيث هي وحي الله ‪ -‬تعالى ‪ ،-‬وهدي‬
‫نبيه ‪ --‬صلى الله عليه وآله وسلم ‪ --‬وما كان عليه الرعيل الول الصحابة‬
‫الكرام‪ ،‬وأي تجمع على غيرها مصيره ‪ -‬ما نشاهده اليوم من حال المسلمين‬
‫ق‬ ‫ن يُ َ‬
‫شاقِ ِ‬ ‫م ْ‬‫‪ -‬التفرق‪ ،‬والتنازع‪ ،‬والفشل‪ .‬قال الله‪ -‬تبارك وتعالى ‪) :-‬وَ َ‬
‫ولى‬ ‫ّ‬
‫ن ُنوله ما ت َ َ‬ ‫مؤمني َ‬ ‫ه الُهدى وي َت َب ّعْ غَي َْر سبي ِ‬
‫ل ال ُ‬ ‫نل ُ‬‫ن بعد ِ ما ت َب َي ّ َ‬‫م ْ‬ ‫سو َ‬
‫ل ِ‬ ‫الّر ُ‬
‫ً‬
‫ت مصيرا(‪) .‬النساء‪( :‬‬ ‫م وساء ْ‬ ‫وُنصلهِ جهن ّ َ‬
‫ثانيًا‪ :‬إنها؛ توحد وتقوي صفوف المسلمين‪ ،‬وتجمع كلمتهم على الحق وفي‬
‫ل الله جميعا ً‬ ‫الحق لنها استجابة لقول الله‪ -‬تبارك وتعالى ‪) :-‬واعتصموا بحب ِ‬
‫ول تفّرقوا(‪) .‬آل عمرن‪( :‬‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولذا فإن من أهم أسباب اختلف المسلمين؛ اختلف مناهجهم‪ ،‬وتعدد مصادر‬
‫التلقي عندهم؛ فتوحيد مصدرهم في العقيدة والتلقي سبب مهم لتوحيد‬
‫المة؛ كما تحقق في صدرها الول‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬إنها؛ تربط المسلم مباشرة بالله ‪ -‬تعالى ‪-‬ورسوله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وآله وسلم ‪ -‬وبحبهما وتعظيمهما‪ ،‬وعدم التقديم بين يدي الله ورسوله ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وآله وسلم ‪ -‬ذلك لن عقيدة السلف منبعها قال الله‪ ،‬وقال رسوله‬
‫بعيدا ً عن تلعب الهوى والشبهات‪ ،‬وخالية من التأثير بالمؤثرات الجنبية؛ من‬
‫فلسفة ومنطق وعقلنية‪ ،‬وإدخال منابع أخرى‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬إنها سهلة ميسرة واضحة ل لبس فيها ول غموض‪ ،‬بعيدة عن التعقيد‬
‫وتحريف النصوص‪ .‬معتقدها مرتاح البال‪ ،‬مطمئن النفس‪ ،‬بعيد من الشكوك‬
‫والوهام ووساوس الشيطان‪ ،‬قرير العين لنه سائر على هدي نبي هذه المة‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وآله وسلم ‪ -‬وصحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين‬
‫سوُل ِهِ ث ُ ّ‬
‫م لم يرتابوا‬ ‫ن الذين آمنوا باللهِ وَر َ‬
‫مؤمُنو َ‬‫قال ‪ -‬تعالى ‪) :-‬إّنما ال ُ‬
‫سهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون(‪) .‬الحجرات‪/‬‬ ‫دوا بأموالهم وأنف ِ‬ ‫وجاه ُ‬
‫‪.(15‬‬
‫خامسا‪ :‬إنها من أعظم أسباب القرب من الله تبارك وتعالى‪ ،‬والفوز‬ ‫ً‬
‫برضوانه‪.‬‬
‫وهذه المميزات والسمات ثابتة لهل السنة والجماعة‪ ،‬ل تكاد تختلف في أي‬
‫مكان أو زمان‪ ،‬والحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫‪ http://www.asunnah.net‬المصدر‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫خصائص أهل السنة والجماعة ‪...‬‬


‫وأهل السنة والجماعة ‪ :‬يتميزون على غيرهم من الفرق ؛ بصفات وخصائص‬
‫وميزات منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬أنهم أهل الوسط والعتدال ؛ بين الفراط والتفريط ‪ ،‬وبين الغلو‬
‫والجفاء ؛ سواٌء كان في باب العقيدة أو الحكام أو السلوك فهم وسط بين‬
‫فرق المة ؛ كما أن المة وسط بين الملل ‪.‬‬
‫‪ -2‬اقتصارهم في التلقي على الكتاب والسنة ‪ ،‬والهتمام بهما والتسليم‬
‫لنصوصهما‪ ،‬وفهمهما على مقتضى منهج السلف ‪.‬‬
‫ظم يأخذون كلمه كله ويدعون ما خالفه إل رسول الله‬ ‫‪ -3‬ليس لهم إمام مع ّ‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وعلى آله وسلم ‪ -‬وهم أعلم الناس بأحواله ‪ ،‬وأقواله ‪،‬‬
‫وأفعاله ؛ لذلك فهم أشد الناس حّبا للسنة ‪ ،‬وأحرصهم على اتباعها ‪ ،‬وأكثرهم‬
‫موالة لهلها ‪.‬‬
‫‪ -4‬تركهم الخصومات في الدين ‪ ،‬ومجانبة أهلها ‪ ،‬وترك الجدال والمراء في‬
‫مسائل الحلل والحرام ودخولهم في الدين كله ‪.‬‬
‫‪ -5‬تعظيمهم للسلف الصالح ‪ ،‬واعتقادهم بأن طريقة السلف أسلم ‪ ،‬وأعلم ‪،‬‬
‫وأحكم ‪.‬‬
‫‪ -6‬رفضهم التأويل ‪ ،‬واستسلمهم للشرع ‪ ،‬مع تقديمهم النقل على العقل‬
‫وإخضاع الثاني للول ‪.‬‬
‫‪ -7‬جمعهم بين النصوص في المسألة الواحدة ‪ ،‬ورّدهم المتشابه إلى المحكم‬
‫‪.‬‬
‫‪ -8‬أنهم قدوة الصالحين ‪ :‬الذين يهدون إلى الحق ‪ ،‬ويرشدون إلى الصراط‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المستقيم ؛ بثباتهم على الحق ‪ ،‬وعدم تقلبهم ‪ ،‬واتفاقهم على أمور العقيدة ‪،‬‬
‫وجمعهم بين العلم والعبادة ‪ ،‬وبين التوكل على الله والخذ بالسباب ‪ ،‬وبين‬
‫التوسع في الدنيا والزهد فيها ‪ ،‬وبين الخوف والرجاء ‪ ،‬والحب والبغض ‪ ،‬وبين‬
‫الرحمة واللين والشدة والغلظة ‪ ،‬وعدم اختلفهم مع اختلف الزمان والمكان‬
‫‪.‬‬
‫‪ -9‬أنهم ل يتسمون بغير السلم ‪ ،‬والسنة ‪ ،‬والجماعة ‪.‬‬
‫‪ -10‬حرصهم على نشر العقيدة الصحيحة ‪ ،‬والدين القويم ‪ ،‬وتعليمهم الناس‬
‫وإرشادهم ‪ ،‬والنصيحة لهم ‪ ،‬والهتمام بأمورهم ‪.‬‬
‫‪ -11‬أنهم أعظم الناس صبرا ً على أقوالهم ‪ ،‬ومعتقداتهم ‪ ،‬ودعوتهم ‪.‬‬
‫‪ -12‬حرصهم على الجماعة واللفة ‪ ،‬ودعوتهم إليها وحث الناس عليها ‪،‬‬
‫ونبذهم للختلف والفرقة ‪ ،‬وتحذير الناس منها ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -13‬عصمهم الله تعالى من تكفير بعضهم بعضا ‪ ،‬ويحكمون على غيرهم بعلم ٍ‬
‫وعدل ‪.‬‬
‫حم بعضهم على بعض وتعاونهم فيما بينهم‬ ‫‪ -14‬محبة بعضهم لبعض ‪ ،‬وتر ّ‬
‫وتكميل بعضهم بعضا ً ‪ ،‬ول يوالون ول يعادون إل على الدين ‪.‬‬
‫وبالجملة فهم أحسن الناس أخلقا ً ‪ ،‬وأحرصهم على زكاة أنفسهم ؛ بطاعة‬
‫الله تعالى ‪ ،‬وأوسعهم أفقا ً ‪ ،‬وأبعدهم نظرا ً ‪ ،‬وأرحبهم بالخلف صدرا ً ‪،‬‬
‫وأعلمهم بآدابه وأصوله ‪.‬‬
‫وخلصة القول في معنى أهل السنة والجماعة ‪:‬‬
‫أنها الفرقة التي وعدها النبي صلى الله عليه وسلم بالنجاة من بين الفرق ‪،‬‬
‫ومدار هذا الوصف على اتباع السنة وموافقة ما جاء بها ؛ من العتقاد ‪،‬‬
‫والعبادة والهدي والسلوك ‪ ،‬والخلق ‪ ،‬وملزمة جماعة المسلمين ‪.‬‬
‫وبهذا ل يخرج تعريف أهل السنة والجماعة عن تعريف السلف ‪ .‬وقد عرفنا‬
‫أن السلف ؛ هم العاملون بالكتاب المتمسكون بالسنة ‪ ،‬إذن فالسلف هم‬
‫أهل السنة الذين عناهم النبي صلى الله عليه وسلم وأهل السنة هم السلف‬
‫الصالح ومن سار على نهجهم ‪.‬‬
‫وهذا هو المعنى الخص ؛ لهل السنة والجماعة ؛ فيخرج من هذا المعنى كل‬
‫طوائف المبتدعة وأهل الهواء ؛ كالخوارج والجهمية والمرجئة والشيعة ‪...‬‬
‫وغيرهم من أهل البدع ‪.‬‬
‫فالسنة هنا تقابل البدعة ‪،‬والجماعة تقابل الفرقة ‪ ،‬وهو المقصود في‬
‫الحاديث التي وردت في لزوم الجماعة والنهي عن التفرق ‪.‬‬
‫فهذا الذي قصده عبد الله بن عباس ‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬في تفسير قول الله‬
‫جوُه ٌ ( ‪ ) .‬آل عمران‪. ( 106/‬‬
‫سود ُ وُ ُ‬‫جوُهٌ وت َ ْ‬
‫ض وُ ُ‬
‫م ت َْبي ّ‬
‫تعالى ‪ ) :‬ي َوْ َ‬
‫قال ‪ ) :‬تبيض وجوه أهل السنة والجماعة ‪ ،‬وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة‬
‫(‪.‬‬
‫وأما المعنى العم لهل السنة والجماعة ؛ فيدخل فيه جميع المنتسبين إلى‬
‫السلم عدا الرافضة‬
‫ويطلق أحيانا ً لبعض أهل البدع والهواء بأنهم من أهل السنة والجماعة ؛‬
‫لموافقتهم لهل السنة المحضة في بعض المسائل العقائدية مقابل الفرق‬
‫الضالة ‪ ،‬وهذا المعنى أقل استعمال ً عند علماء أهل السنة ؛ لتقيده في بعض‬
‫المسائل العتقادية ‪ ،‬ومقابل بعض الطوائف المعينة ؛ فمثل ً ‪ :‬استعمال صفة‬
‫أهل السنة ؛ مقابل الروافض في مسألة الخلفة والصحابة ‪ ...‬وغيرها من‬
‫المور العتقادية ‪.‬‬
‫ويقابل أهل السنة ؛ أهل البدعة ‪ ،‬ورؤسهم خمسة ‪ :‬الخوارج ‪ ،‬والرافضة ‪،‬‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والمرجئة ‪ ،‬والقدرية ‪ ،‬والجهمية‬


‫فعبارة السلف الصالح ترادف أهل السنة والجماعة في اصطلح علماء أهل‬
‫السنة المحققين ؛ كما يطلق عليهم ؛ أهل الثر ‪ ،‬وأهل الحديث ‪ ،‬والطائفة‬
‫المنصورة ‪ ،‬والفرقة الناجية ‪ ،‬وأهل التباع ‪ ،‬وهذه السماء والطلقات‬
‫مستفيضة عن علماء السلف ‪.‬‬
‫خصائص عقيدة أهل السنة والجماعة‬
‫لماذا عقيدة السلف الصالح أولى بالتباع؟!‬

‫)‪(1 /‬‬

‫العقيدة الصحيحة هي أساس هذا الدين ‪ ،‬وكل ما يبنى على غير هذا‬
‫الساس ؛ فمآله الهدم والنهيار ‪ ،‬ومن هذا نرى اهتمام النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم بإرساء هذه العقيدة وترسيخها في قلوب أصحابه طيلة عمره ؛ وذلك‬
‫من أجل بناء الرجال على قاعدة صلبة وأساس متين ‪.‬‬
‫وظل القرآن الكريم في مكة يتنزل ثلثة عشر عاما ً يتحدث عن قضية واحدة‬
‫ل تتغير ‪ ،‬وهي قضية العقيدة والتوحيد لله تعالى ‪ ،‬ومن أجلها ولهميتها كان‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ل يدعو إل إليها ‪ ،‬ويربي أصحابه عليها ‪.‬‬
‫وترجع أهمية دراسة عقيدة السلف الصالح إلى أهمية تبيين العقيدة الصافية ‪،‬‬
‫وضرورة العمل الجاد في سبيل العودة بالناس إليها وتخليصهم من ضللت‬
‫الفرق واختلف الجماعات ‪ ،‬وهي أول ما يجب على الدعاة الدعوة إليها ‪.‬‬
‫فالعقيدة على منهج السلف الصالح لها مميزات وخصائص فريدة تبين قيمتها‬
‫وضرورة التمسك بها ‪ ،‬ومن أهم هذه المميزات ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬إنها ؛ السبيل الوحيد للخلص من التفرق والتحزب ‪ ،‬وتوحيد صفوف‬
‫المسلمين عامة ‪ ،‬والعلء والدعاة خاصة ‪ ،‬حيث هي وحي الله تعالى ‪ ،‬وهدي‬
‫نبيه ‪-‬صلى الله عليه وآله وسلم‪ -‬وما كان عليه الرعيل الول الصحابة‬
‫الكرام ‪ ،‬وأي تجمع على غيرها مصيره ‪ -‬ما نشاهده اليوم من حال المسلمين‬
‫ق‬
‫شاقِ ِ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫م ْ‬
‫‪ -‬التفرق ‪ ،‬والتنازع ‪ ،‬والفشل ‪ .‬قال الله تبارك وتعالى ‪ ) :‬وَ َ‬
‫ولى‬ ‫ّ‬
‫ن ُنوله ما ت َ َ‬ ‫مؤمني َ‬ ‫ه الُهدى وي َت َب ّعْ غَي َْر سبي ِ‬
‫ل ال ُ‬ ‫نل ُ‬
‫ن بعد ِ ما ت َب َي ّ َ‬‫م ْ‬ ‫سو َ‬
‫ل ِ‬ ‫الّر ُ‬
‫ت مصيرا ( ‪ ) .‬النساء‪( :‬‬ ‫ً‬ ‫م وساء ْ‬ ‫وُنصلهِ جهن ّ َ‬
‫ثانيا ً ‪ :‬إنها ؛ توحد وتقوي صفوف المسلمين ‪ ،‬وتجمع كلمتهم على الحق وفي‬
‫ل الله جميعا ً‬ ‫الحق لنها استجابة لقول الله تبارك وتعالى ‪ ) :‬واعتصموا بحب ِ‬
‫ول تفّرقوا ( ‪ ) .‬آل عمرن‪( :‬‬
‫ولذا فإن من أهم أسباب اختلف المسلمين ؛ اختلف مناهجهم ‪ ،‬وتعدد‬
‫مصادر التلقي عندهم ؛ فتوحيد مصدرهم في العقيدة والتلقي سبب مهم‬
‫لتوحيد المة ؛ كما تحقق في صدرها الول ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬إنها ؛ تربط المسلم مباشرة بالله تعالى ورسوله ‪ -‬صلى الله عليه وآله‬
‫وسلم ‪ -‬وبحبهما وتعظيمهما ‪ ،‬وعدم التقديم بين يدي الله ورسوله ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وآله وسلم ‪ -‬ذلك لن عقيدة السلف منبعها قال الله ‪ ،‬وقال رسوله‬
‫بعيدا ً عن تلعب الهوى والشبهات ‪ ،‬وخالية من التأثير بالمؤثرات الجنبية ؛‬
‫من فلسفة ومنطق وعقلنية ‪ ،‬وإدخال منابع أخرى ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬إنها سهلة ميسرة واضحة ل لبس فيها ول غموض ‪ ،‬بعيدة عن التعقيد‬
‫وتحريف النصوص ‪ .‬معتقدها مرتاح البال ‪ ،‬مطمئن النفس ‪ ،‬بعيد من‬
‫الشكوك والوهام ووساوس الشيطان ‪ ،‬قرير العين لنه سائر على هدي نبي‬
‫هذه المة ‪ -‬صلى الله عليه وآله وسلم ‪ -‬وصحابته الكرام رضوان الله عليهم‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سوُل ِهِ ث ُ ّ‬
‫م لم يرتابوا‬ ‫ن الذين آمنوا باللهِ وَر َ‬
‫مؤمُنو َ‬
‫أجمعين قال تعالى ‪ ) :‬إّنما ال ُ‬
‫سهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ( ‪.‬‬ ‫دوا بأموالهم وأنف ِ‬‫وجاه ُ‬
‫)الحجرات‪. (15/‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬إنها من أعظم أسباب القرب من الله تبارك وتعالى ‪ ،‬والفوز‬
‫برضوانه ‪.‬‬
‫وهذه المميزات والسمات ثابتة لهل السنة والجماعة ‪ ،‬ل تكاد تختلف في أي‬
‫مكان أو زمان ‪ ،‬والحمد لله رب العالمين ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫خصائص التفسير السلمي للتاريخ‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬عماد الدين خليل ‪11/3/1427‬‬
‫‪09/04/2006‬‬
‫لن يتسع المجال في مقال كهذا للدخول في التفاصيل‪ ،‬ولذا سيتم التركيز‬
‫على الخصائص الساسية باليجاز المطلوب‪.‬‬
‫‪ .1‬المرونة وعدم التأّزم المذهبي‪ :‬يتميز الموقف السلمي من التاريخ‬
‫بمرونته وبعده‬
‫عن التوتر أو التأزم المذهبي الذي يسعى إلى قولبة الوقائع التاريخية‪ ،‬وصّبها‬
‫في هيكله المسبق‪ ،‬واستبعاد أو تزييف كل ما ل ينسجم وهذا الهيكل‪ ،‬المر‬
‫الذي يوقع التفاسير الوضعية في كثير من الخطاء والنحرافات‪ .‬هذا إلى‬
‫جانب أن الفكر الوضعي لبد وأن يتأثر بطبيعة العصر الذي يعيشه سلبا ً‬
‫وإيجابًا‪ ،‬وبدرجة أو أخرى‪ ،‬وهذا )التأثير( المحتوم ينعكس ‪-‬ول ريب‪ -‬على‬
‫معطياته الفكرية سواء كانت )صيغة( هذا التأثر بشكل )تقّبل( لقيم العصر‬
‫وأوضاعه ومناهجه ورؤاه‪ ،‬أو )رفض( لها وتمّرد عليها‪ .‬ففي كلتا الحالتين‬
‫يلعب الجانب التأثري النفعالي‪ ،‬والسقاطات الظاهرة والخفية‪ ،‬في "الوعي"‬
‫و"الل وعي"‪ ،‬دوره في الرؤية التي يمارسها المفكر تجاه الوضاع والحداث‬
‫والشياء‪.‬‬
‫ً‬
‫فإذا ما حدث وكان المفكر مفسرا للتاريخ‪ ،‬وتفسير التاريخ ـ كما نعلم ـ‬
‫دان كثيرا ً عن الحصر‬ ‫توسيع للتحليل صوب الماضي والمستقبل اللذين ين ّ‬
‫ً‬
‫والضبط والتحديد‪ ،‬فإن لنا أن نتصور كم سيجيء هذا التفسير مطبوعا بطابع‬
‫العصر الذي يعيشه المفسر‪ ،‬وكيف أن الشياء والظواهر والحداث‪ ،‬في‬
‫الماضي والمستقبل‪ ،‬ستأخذ اللون الذي يجد المفسر نفسه مضطرا ً إلى‬
‫النظر من خلل زجاجته التي أسقطت عليها مواضعات العصر الظلل‬
‫والضواء‪ .‬وهذا يؤدي إلى أن تبعد التفاسير الوضعية‪ ،‬بدرجة أو أخرى‪ ،‬عن‬
‫العلمية والموضوعية والحياد‪.‬‬
‫أما التفسير السلمي‪ ،‬الذي يستمد من رؤية الله التي تعلو على الزمان‬
‫والمكان‪ ،‬وتتجاوز مواضعات العصر النسبية‪ ،‬فإنه ينظر بانفتاح تام إلى‬
‫الحداث ويسّلط الضواء على مساحاتها جميعًا‪ ،‬دون أن يقتصر على الحمر‬
‫أو الخضر لكي تبدو حمراء أو خضراء ‪ ..‬وهكذا فان ثمة فرقا ً )منهجيًا(‬
‫حاسما ً بين المذاهب الوضعية وبين المذهب السلمي في تفسير التاريخ ‪..‬‬
‫في الولى ُتصاغ حقائق التاريخ‪ ،‬أو ُيعاد عرضها‪ ،‬وفق المذهب )المصنوع(‬
‫سلفا ً فتقسر على النسجام مع وضعية المذهب‪ ،‬وُتساق للتدليل عليه‬
‫وتأكيده‪ ،‬وهذا الخطأ يجيء من حقيقة أن وقائع التاريخ سبقت في الزمن‬
‫تخطيط المذاهب‪ ،‬ومن ثم فان المذاهب جاءت كقضية‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)بعدية( تسعى إلى أن تجبر )القبليات( على التشكل بها‪ .‬وهذا التأزم‬
‫المذهبي‪ ،‬هذا التحديد الصارم للنظم التي تتبعها الوقائع التاريخية في‬
‫مسارها‪ ،‬هذا التوتر في التزام هيكل نظري‬
‫مسبق‪ُ ،‬تساق أحداث التاريخ للتدليل عليه بالحق والباطل‪ ،‬والذي بلغ أقصى‬
‫حدته في المادية التاريخية التي رسمها )ماركس وانغلز(‪ ،‬مما دفع عددا ً من‬
‫المفكرين الوروبيين إلى اتخاذ موقف معاكس تمامًا‪ ،‬يمثل رد فعل إزاء‬
‫الموقف السالف‪ ،‬بحيث أنهم رفضوا القول بخضوع الحركة التاريخية لي‬
‫ناموس أو سنة‪ ،‬ومسيرتها وفق أي نظام مهما كان‪ .‬وقد بلغ هذا الموقف‪،‬‬
‫غير الموضوعي هو الخر‪ ،‬أقصى حدته على يد )كارل بوبر( في كتابه‬
‫المعروف )عقم المذهب التاريخي(‪.‬‬
‫أما في القرآن الكريم فإن التفسير ينبثق عن رؤية الله سبحانه‪ ،‬وهي تختلف‬
‫عن الرؤية الوضعية في أنها تحيط علما ً بوقائع التاريخ‪ ،‬بأبعادها الزمنية‬
‫الثلثة‪ :‬الماضي والحاضر والمستقبل‪ ،‬وببعدها الرابع الذي يغيب كثيرا ً عن‬
‫ذهن النسان مهما كان على درجة من البصيرة والذكاء‪ ،‬البعد الذي يغور في‬
‫أعماق النفس البشرية فيلمس فطرة النسان وتركيبه الذاتي‪ ،‬والحركة‬
‫الدائمة في كيانه الباطني‪ ،‬ويتسرب بعيدا ً صوب اهتزازته العقلية والعاطفية‬
‫والوجدانية‪ ،‬وإرادته المسبقة‪ ،‬وما تؤول إليه هذه جميعا ً من معطيات تمنح‬
‫حركة التاريخ أبعادها الحقيقية‪ ،‬ويمتد كذلك لكي يشتبك في العلقات‬
‫الشاملة للمصير‪ .‬ذلك أنها رؤية الذات اللهية التي وسعت كل شيء علمًا‪،‬‬
‫والتي صنعت الواقعة التاريخية‪ ،‬ووضعتها في مكانها المرسوم من خارطة‬
‫التاريخ البشري والكوني على السواء‪.‬‬
‫الرؤية الوضعية تمتد إلى الماضي لتقتبس منه و )تختار( ما يعّزز وجهات‬
‫نظرها المسبقة‪ ،‬والرؤية القرآنية تحيط بالماضي لكي تكثفه في قواعد‬
‫وسنن ُتطرح أمام كل باحث في التاريخ يسعى إلى فهمه‪ ،‬وإلى أن يرسم‬
‫على ضوء هذا الفهم‪ ،‬طرائق حياته الحاضرة والمستقبلة‪ ،‬باعتبار أن الزمان‬
‫الثلثة إنما هي وحدة حيوية تحكمها قوانين واحدة‪ ،‬كتلك التي تحكم الحياة‬
‫سواء بسواء‪ .‬وهذا ينقلنا إلى الميزة التالية‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ .2‬الواقعية‪ :‬إن رؤية التفسير السلمي للحداث رؤية واقعية شاملة في‬
‫امتداداتها الزمنية الماضية والحاضرة والمستقبلية‪ ..‬فيما كانت عليه‪ ،‬وما هي‬
‫عليه‪ ،‬وما سوف تكون عليه ‪ ..‬إنه ـ مثل ً ـ يعترف بالتمايز القومي‪ ،‬ويعطي‬
‫لهذا العامل )الواقعي( حجمه الحقيقي‪ ،‬على الرغم من نزعة السلم‬
‫العالمية‪ ،‬واستعلئه على الكيانات المحدودة المنغلقة على القليم أو اللون أو‬
‫الجنس ‪ ..‬ويؤكد على ضعف النسان وتقلبه وعجلته‪ ،‬على الرغم من أنه جاء‬
‫بمبدأ الستخلف الذي رفع به النسان إلى أعلى مصاف‪ ،‬وأمر الملئكة‬
‫بالسجود له‪.‬‬
‫إن التفسير السلمي تفسير )واقعي(‪ ،‬ل يتأثر بقيمه ومثالياته ممكنة الوقوع‬
‫أساسًا‪ ،‬في تفسيره للواقع ـ كما يفعل هيغل وماركس على سبيل المثال ـ‬
‫إنما يتكلم عن الواقع كما هو‪ ،‬دون تسويغ أو تعديل أو تحوير‪ ،‬ولكنه من خلل‬
‫حركته على أرض الواقع هذه ينطلق إلى أهدافه ومثله وآفاقه‪ ..‬إنه يسمي‬
‫معركة )حنين( هزيمة وفرارًا‪ ،‬ويخاطب مهزومي )أحد( بأنهم هم كانوا السبب‬
‫وغوا‬‫وراء تلك الهزيمة‪ ،‬ويعلم المسلمين من خلل واقعيته هذه‪ ،‬أل ّ يس ّ‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أخطاءهم وينحرفوا في تفسير الشياء والوقائع‪ ،‬ولكنه يعلمهم ـ في الوقت‬


‫نفسه ـ أن يفيدوا من هذه الرؤية الواقعية للتاريخ لصياغة العالم المرتجى‪.‬‬
‫‪ .3‬الناموسية‪ :‬إن التفسير السلمي مذهب ينبثق وفق أسلوب موضوعي‬
‫ل( وعن طبيعة التصميم التاريخي للبشرية‪ ..‬من سدى نسيجه‬ ‫)عما حدث فع ً‬
‫ولحمته‪ ..‬فهو إذن تبلور للخطوط الساسية لحركة التاريخ يصوغها القرآن‬
‫الكريم والسنة الشريفة في مبادئ عامة يسميانها )سننًا(‪ ،‬ينبغي أن يعتمدها‬
‫المفسرون السلميون منطلقا ً ـ ل لتزييف التاريخ ـ وانما لتفسيره وفهمه‬
‫وإدراك عناصر حركته ومصائر وقائعه‪ ،‬ومسالكها المعقدة المتشعبة‪ .‬وهو ـ‬
‫إذن ـ تفسير شامل محيط يعطي أصدق صورة للسنن التي تسّير التاريخ‪.‬‬
‫‪ .4‬الشمولية‪ :‬ينفتح التفسير السلمي للتاريخ على كافة )القوى الفاعلة( في‬
‫الحركة التاريخية‪ :‬المنظورة وغير المنظورة‪ ،‬العقلية والوجدانية‪ ،‬المادية‬
‫والروحية‪ ،‬الطبيعية والغيبية‪ ..‬ويرفض تجزؤ الرؤية وعزل الرض عن موقعها‬
‫الصحيح في الكون وارتباطاتها الشاملة بما حولها‪.‬‬
‫دمت‬ ‫إن معظم مذاهب التفسير التاريخي‪ ،‬وضعية كانت أم دينية )محرفة(‪ ،‬ق ّ‬
‫معطياتها متخطية الجابة عن هذا السؤال المهم‪ :‬ما هي العلقة بين الله‬
‫سبحانه وبين الطبيعة‪ ،‬بما فيها القوى المادية‪ ،‬والنسان‪ ،‬بما أنه روح وجسد‪،‬‬
‫في صنع التاريخ وإقامة الحضارات؟ وهل من المحتم أن تتكئ أحداث التاريخ‬
‫على عامل واحد من بين هذه العوامل الثلثة‪ ،‬وُيلغى العاملن الخران‪ ،‬أو‬
‫على القل يغدوان ظلل ً باهتة لفاعلية العامل الرئيس؟ ولماذا هذه الجدران‬
‫التي ُأقيمت بين الله والطبيعة والنسان؟‬
‫إن معظم مذاهب التفسير تخطت الجابة عن هذا السؤال‪ ،‬تاركة في طريقها‬
‫ثغرة‬
‫عميقة‪ ،‬ومنغلقة‪ ،‬في بحثها عن الفرضية التي تمنح صفة الفاعلية لعامل‬
‫واحد‪ ،‬تلغي العوامل الخرى إلغاء‪ .‬ومن ثم برز التفسير السحري للتاريخ‪،‬‬
‫ور ليعبر عن نفسه بالتفسير‬ ‫وتط ّ‬
‫)اللهوتي( الذي ساد تفكير مثقفي العصور الوسطى الوروبية‪ ،‬كما برز‬
‫التفسير الفردي‬
‫)البطولي( للتاريخ‪ ،‬والتفسير العقلي )المثالي(‪ ،‬والتفسيرات الطبيعية التي‬
‫دتها في )المادية التاريخية( التي يصفونها )بالعلمية(‪.‬‬‫بلغت أقصى ح ّ‬
‫إن تفسير التاريخ البشري يجب أن ينبثق عن موقف موضوعي شامل‪ ،‬يربط‬
‫ويوازن ويدرك العلقة المتبادلة بين سائر القوى التي تصنع التاريخ‪ :‬مادية‬
‫وروحية‪ ..‬طبيعية وغيبية‪ ،‬ولن يتحقق هذا بطبيعة الحال إل في نطاق‬
‫)الموقف السلمي( حيث تعمل كافة القوى‪ ،‬بانسجام وتوافق‪ ،‬في الصيرورة‬
‫التاريخية بدًءا وانتهاء‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫خصائص الرجوع إلى الحق وصفات أهله‬


‫يمكننا أن نجمل أهم خصائص الرجوع إلى الحق وصفات أهله في النقاط‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬التربية على هذا المبدأ حماية لجناب التوحيد‪ :‬من المقرر أن الكمال لله‬
‫وحده‪ ،‬والعصمة لكتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ومن غرس في أتباعه‬
‫أنه ل يخطئ ‪ ,‬وأصر على ما عنده من الخطأ ؛ وربما استساغ التأويلت‬
‫الفاسدة لثبات ما عنده ‪ ,‬وهذا هو الذي غرسه بعض أتباع الئمة في‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أصحابهم ؛ قال أبو الحس الكرخي ‪ -‬من أئمة الحنفية ‪ ] :-‬الصل أن كل آية‬
‫تخالف قول أصحابنا؛ فإنها تحمل على النسخ أو على الترجيح‪ ،‬والولى أن‬
‫تحمل على التأويل من جهة التوفيق [‪.‬‬
‫وقال الفخر الرازي الشافعي‪ ] :‬القول بأن قول الشافعي خطأ في مسألة‬
‫كذا إهانة للشافعي القرشي‪ ،‬وإهانة قريش غير جائزة؛ فوجب أن ل يجوز‬
‫القول بتخطئته في شيء من المسائل [ ‪.‬‬
‫ها‬‫دو َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫جت َن َُبوا الطا ُ‬ ‫ّ‬
‫ن ي َعْب ُ ُ‬ ‫تأ ْ‬ ‫غو َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ -2‬من أخلق المؤمن‪ :‬قال الله تعالى‪َ [ :‬وال ِ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫م ال ْب ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ل فَي َت ّب ُِعو َ‬
‫ن‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫مُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫عَباِد]‪[17‬ال ِ‬ ‫شْر ِ‬ ‫شَرى فَب َ ّ‬ ‫وَأَناُبوا إ َِلى الل ّهِ ل َهُ ُ‬
‫َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه وَُأول َئ ِ َ‬ ‫ه ُأول َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ب]‪ ][18‬سورة الزمر ‪.‬‬ ‫م أوُلو اْلل َْبا ِ‬ ‫ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫داهُ ُ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫سن َ ُ‬‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫ه ] ‪.....‬وفقهم‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫داهُ ُ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫قال المام محمد بن جرير الطبري‪ُ [ :‬أول َئ ِ َ‬
‫الله للرشاد وإصابة الصواب؛ ل الذين يعرضون عن سماع الحق ‪ ,‬ويعبدون ما‬
‫ل يضر ول ينفع‪.‬‬
‫قال الحسن البصري‪ :‬إن من أخلق المؤمن‪ :‬قوة في الدين‪ ،....‬ويقر بالحق‬
‫قبل أن يشهد عليه‪.‬‬
‫‪ -3‬أنه من النصيحة لله وكتابه ورسوله والمسلمين‪ :‬قال الحافظ ابن رجب‪:‬‬
‫فا لقول الرجل ليس من الخصال‬ ‫فإن كراهة إظهار الحق إذا كان مخال ً‬
‫المحمودة ؛ بل الواجب على المسلم أن يحب ظهور الحق ومعرفة‬
‫المسلمين له سواء كان ذلك في موافقته أو مخالفته‪.‬‬
‫‪ -4‬من العدل المأمور به‪ :‬إن قبول الحق ممن جاء به والعتراف بالخطأ من‬
‫أبين علمات العدل مع النفس ومع الخرين‪ ،‬وقد أمرنا الله عز وجل بالعدل ‪,‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مي َ‬ ‫وا ِ‬ ‫كوُنوا قَ ّ‬ ‫مُنوا ُ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ووعد العاملين به خيًرا ‪ ,‬يقول سبحانه‪َ [ :‬ياأي َّها ال ّ ِ‬
‫م ‪ ] [135]...‬سورة النساء ‪.‬‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫داَء ل ِل ّهِ وَل َوْ عََلى أ َن ْ ُ‬ ‫شهَ َ‬ ‫ط ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ِبال ْ ِ‬
‫قال ابن عباس رضي الله عنهما‪ :‬أمر الله المؤمنين أن يقولوا بالحق ولو‬
‫على أنفسهم أو أبائهم أو أبنائهم ‪.‬‬
‫ويقول الشيخ ابن سعدي ‪ :‬وكما تشهدون على عدّوكم فاشهدوا له ؛ فلو كان‬
‫عا فإنه يجب العدل فيه وقبول ما يأتي به من الحق؛ ل لنه قاله‬ ‫كافًرا أو مبتد ً‬
‫وليرد الحق لجل قوله؛ فإن هذا ظلم للحق‪.‬‬
‫ة‬
‫ش ً‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن إ َِذا فعَلوا فا ِ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫‪ -5‬أنه من التوبة‪ :‬قال تعالى في وصف المؤمنين‪َ [ :‬وال ِ‬
‫هّ‬
‫ب إ ِل الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫فُر الذ ُّنو َ‬ ‫ن ي َغْ ِ‬ ‫م ْ‬‫م وَ َ‬ ‫فُروا ل ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬ ‫ست َغْ َ‬‫ه َفا ْ‬ ‫م ذ َك َُروا الل ّ َ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫موا أ َن ْ ُ‬ ‫أوْ ظ َل َ ُ‬
‫َ‬
‫ن ]‪ ] [135‬سورة آل عمران‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬ ‫ما فَعَُلوا وَهُ ْ‬ ‫صّروا عََلى َ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫‪ -6‬علمة التواضع‪ :‬سئل الفضيل بن عياض عن التواضع؟ فقال‪ :‬يخضع للحق‬
‫وينقاد له ويقبله من قاله‪.‬‬
‫وقال ابن عطاء‪ :‬هو قبول الحق ممن كان والعز في التواضع ‪.‬‬
‫فكان حقيقة التواضع خضوع العبد لصولة الحق ‪ ،‬وانقياده لها ‪ ،‬فل يقابلها‬
‫بصولته عليها‪.‬‬
‫وقال ذو النون المصري‪ :‬ثلثة من أعلم التواضع‪ :‬تصغير النفس معرفة‬
‫بالعيب‪ ،‬وتعظيم الناس حرمة للتوحيد‪ ،‬وقبول الحق والنصيحة من كل أحد‪.‬‬
‫‪ -7‬أنه من أساسيات المنهج التربوي في السلم‪ :‬فالبحث عن الحق وطلبه‬
‫والتزامه ‪ ,‬والبتعاد عن حمأة التقليد العمى أو العمل بالجهل من الفروق‬
‫ه لَ‬ ‫الساسية في المنهج بين السلم ومناهج الكفر؛ ففي السلم‪َ [ :‬فاعْل َ َ‬
‫م أن ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫ك ‪] [19....‬سورة محمد ‪ ،‬أما في غيره فتلك العبارة‬ ‫فْر ل ِذ َن ْب ِ َ‬‫ست َغْ ِ‬ ‫ه َوا ْ‬ ‫ه إ ِّل الل ّ ُ‬ ‫إ ِل َ َ‬
‫المشهورة‪ :‬اعتقد وأنت أعمى‪.‬‬
‫وكذلك الفرق في المنهج بين أهل السنة وغيرهم من أهل البدع ومنهم‬
‫القائل‪ :‬من لم ير خطأ شيخه أحسن من صوابه لم ينتفع به‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقول الخر‪ :‬من شرط المريد أن ل يكون بقلبه اعتراض على شيخه‪.‬‬
‫‪ -8‬من خصائص أهل العلم‪ :‬يصف إمام التابعين الحسن البصري صحابة‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم‪ ,‬فيقول ‪.... :‬وخضوعهم‬
‫بالطاعة لربهم واستقادتهم للحق فيما أحبوا وكرهوا وإعطاؤهم الحق من‬
‫أنفسهم‪.‬‬
‫ويعدد المام أبو بكر الجري صفات العلماء ‪ ،‬فيذكر منها ‪ :‬إن أفتى بمسألة‬
‫فعلم أنه أخطأ لم يستنكف أن يرجع عنها‪ ,‬وإن قال قول ً فرد عليه غيره ممن‬
‫هو أعلم منه أو مثله أو دونه ؛ فعلم أن القول كذلك رجع عن قوله ‪ ,‬وحمده‬
‫على ذلك ‪ ,‬وجزاه خيًرا‪.‬‬
‫‪ -9‬أنه من صفات القائد المربي الناجح‪ :‬إن التزام القائد والمربي هذا‬
‫السلوك يخرج قادة رجال ً يحملون المسئولية ‪ ،‬وبعكس هذا تربية المبتدعة‬
‫التي عمادها ‪] :‬كن بين يدي الشيخ كالميت بين يدي المغسل[؛ حيث أنتجت‬
‫قطعاًنا من الماشية تجري وراء كل ناعق‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -10‬أنه مما يتواصى به الصالحون والعلماء‪ :‬كتب عمر بن الخطاب إلى‬


‫معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه يقول‪ :‬أما بعد فالزم الحق ينزلك الحق‬
‫منازل أهل الحق يوم ل يقضى إل بالحق ‪.‬‬
‫وكذلك ما جاء في كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى‬
‫الشعري رضي الله عنه المشهور‪ ،‬وفيه‪ ... :‬ول يمنعنك من قضاء قضيت به‬
‫اليوم ‪ ,‬فراجعت فيه نفسك ‪ ,‬وهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق؛ فإن‬
‫الحق قديم ‪ ,‬ول يبطل الحق شيء ‪ ،‬وإن مراجعة الحق خير من التمادي في‬
‫الباطل‪.‬‬
‫اسم الكتاب ‪ :‬دعوة الخلق للرجوع إلى الحق …‪ ..‬تأليف‪ :‬محمد بن عبد الله‬
‫الوائلي‬

‫)‪(2 /‬‬

‫خصائص شهر رمضان‬


‫يحيى بن موسى الزهراني‬
‫دار ابن خزيمة‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬أحمده سبحانه حمدا يليق بجلله وعظمته وقدرته‬
‫وعظيم سلطانه‪ ،‬الحمد لله الذي أوجب الصيام في رمضان على عباده‪،‬‬
‫والصلة والسلم على من سن القيام في رمضان لصحابه واتباعه‪ ..‬أما بعد‪:‬‬
‫فإني أحمد الله إليكم أن بلغنا رمضان لهذا العام‪ ،‬ول يخفى على كل مسلم‬
‫ما لرمضان مكانة في القلوب‪ ،‬كيف ل وهو شهر الرحمة والمغفرة والعتق‬
‫من النار‪ ،‬شهر كله هبات وعطايا ومنن من الحق سبحانه وتعالى‪ ،‬وسنتطرق‬
‫إلى الخصائص التي اختص بها هذا الشهر عن سواه من الشهور‪.‬‬
‫خصائص شهر رمضان‬
‫‪ -1‬من خصائص شهر رمضان‪ :‬أن الله تبارك وتعالى انزل فيه القرآن‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪ :‬شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى‬
‫والفرقان ]البقرة[‪ ،‬وهو دستور هذه المة‪ ،‬وهو الكتاب المبين‪ ،‬والصراط‬
‫المستقيم‪ ،‬فيه وعد ووعيد وتخويف وتهديد‪ ،‬وهو الهدى لمن تمسك به‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واعتصم‪ ،‬وهو النور المبين‪ ،‬نور لمن عمل به‪ ،‬لمن أحل حلله‪ ،‬وحرم حرامه‪،‬‬
‫وهو الفاصل بين الحق والباطل‪ ،‬وهو الجد ليس بالهزل‪ ،‬فعلينا جميعا معشر‬
‫المسلمين العناية بكتاب الله تعالى قراءة‪ ،‬وحفظا‪ ،‬وتفسير‪ ،‬وتدبرا‪ ،‬وعمل‬
‫وتطبيقا‪.‬‬
‫‪ -2‬ومن خصائص شهر رمضان‪ :‬تفتح فيه أبواب الجنة‪ ،‬وتغلق أبواب النار‪،‬‬
‫وتصفد مردة الشياطين وعصاتهم‪ ،‬فل يصلون ول يخلصون إلى ما كانوا‬
‫يخلصون إليه من قبل‪ ،‬قال ‪ } :‬اذا دخل رمضان فتحت أبواب السماء‪،‬‬
‫وغلقت أبواب جهنم‪ ،‬وسلسلت الشياطين {‪ ،‬وفي رواية‪ } :‬إذا جاء رمضان‬
‫فتحت أبواب الجنة { ]البخاري[‪.‬‬
‫‪ -3‬ومن خصائص شهر رمضان‪ :‬تضاعف فيه الحسنات‪.‬‬
‫‪ -4‬ومن خصائص شهر رمضان‪ :‬أن من فطر فيه صائما فله مثل أجر الصائم‬
‫من غير أن ينقص من أجر الصائم شيئا‪ ،‬قال ‪ } :‬من فطر صائما فله مثل‬
‫أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء { ]حسن صحيح رواه الترمذي‬
‫وغيره[‪.‬‬
‫‪ -5‬ومن خصائص شهر رمضان‪ :‬أن فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف‬
‫شهر‪ ،‬وهي الليلة المباركة التي يكتب الله تعالى فيها ما سيكون خلل السنة‪،‬‬
‫فمن حرم أجرها فقد حرم خيرا كثير‪ ،‬قال ‪ } :‬فيه ليلة خير من ألف شهر‪،‬‬
‫من حرم خيرها فقد حرم { ]أحمد والنسائي وهو صحيح[‪ .‬ومن قامها إيمانا‬
‫واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه‪ ،‬قال ‪ } :‬من قام ليلة القدر إيمانا‬
‫واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه { ]متفق عليه[‪ ،‬وقال ‪ } :‬من قامها‬
‫إبتغاءها‪ ،‬ثم وقعت له‪ ،‬غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر { ]أحمد[‪ .‬فياله من‬
‫عمل قليل وأجره كثير وعظيم عند من بيده خزائن السموات والرض‪ ،‬فلله‬
‫الحمد والمنة‪.‬‬
‫‪ -6‬ومن خصائص شهر رمضان‪ :‬كثرة نزول الملئكة‪ ،‬قال تعالى‪ :‬تنزل‬
‫الملئكة والروح فيها ]القدر[‪.‬‬
‫‪ -7‬ومن خصائص شهر رمضان‪ :‬فيه أكلة السحور التي هي ميزة صيامنا عن‬
‫صيام المم السابقة‪ ،‬وفيها خير عظيم كما أخبر بذلك المصطفى حيث قال‪:‬‬
‫} فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر { ]مسلم[‪ ،‬وقال عليه‬
‫الصلة والسلم‪ } :‬تسحروا فإن في السحور بركة { ]متفق عليه[‪.‬‬
‫‪ -8‬ومن خصائص شهر رمضان‪ :‬وقعت فيه غزوة بدر الكبرى‪ ،‬وهي الغزوة‬
‫التي تنزلت فيها الملئكة للقتال مع المؤمنين‪ ،‬فكان النصر المبين‪ ،‬حليف‬
‫المؤمنين‪ ،‬واندحر بذلك المشركين‪ ،‬فل إله إل الله ذو القوة المتين‪.‬‬
‫‪ -9‬ومن خصائص شهر رمضان‪ :‬كان فيه فتح مكة شرفها الله تعالى‪ ،‬وهو‬
‫الفتح الذي منه إنبثق نور السلم شرقا وغربا‪ ،‬ونصر الله رسوله حيث دخل‬
‫الناس في دين الله أفواجا‪ ،‬وقضى رسول الله على الوثنية والشرك الكائن‬
‫في مكة المكرمة فأصبحت دار إسلم‪ ،‬وتمت بعده الفتوحات السلمية في‬
‫كل مكان‪.‬‬
‫‪ -10‬ومن خصائص شهر رمضان‪ :‬أن العمرة فيه تعدل حجة مع النبي ‪ ،‬ففي‬
‫الصحيحين قال عليه الصلة والسلم‪ } :‬عمرة في رمضان تعدل حجة { أو‬
‫قال } حجة معي {‪.‬‬
‫‪ -11‬ومن خصائص شهر رمضان‪ :‬أنه سبب من أسباب تكفير الذنوب‬
‫والخطايا‪ ،‬قال ‪ } :‬الصلوات الخمس‪ ،‬والجمعة إلى الجمعة‪ ،‬ورمضان الى‬
‫رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر { ]مسلم[‪.‬‬
‫‪ -12‬ومن خصائص شهر رمضان‪ :‬أن فيه صلة التراويح‪ ،‬حيث يجتمع لها‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسلمون رجال ونساء في بيوت الله تعالى لداء هذه الصلة‪ ،‬ول يجتمعون‬
‫في غير شهر رمضان لدائها‪.‬‬
‫‪ -13‬ومن خصائص شهر رمضان‪ :‬أن العمال فيه تضاعف عن غيره‪ ،‬فلما‬
‫سئل أي الصدقة أفضل قال‪ } :‬صدقة في رمضان { ]الترمذي والبيهقي[‪.‬‬
‫‪ -14‬ومن خصائص شهر رمضان‪ :‬أن الناس أجود ما يكونون في رمضان‪،‬‬
‫وهذا واقع ملموس لنجده الن‪ ،‬ففي الصحيحين عن بن عباس رضي الله‬
‫عنهما قال‪ } :‬كان النبي أجود الناس‪ ،‬وكان أجود ما يكون في رمضان‪.{ ..‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -15‬ومن خصائص شهر رمضان‪ :‬أنه ركن من أركان السلم‪ ،‬ول يتم إسلم‬
‫المرء إل به‪ ،‬فمن جحد وجوبه فهو كافر‪ ،‬قال تعالى‪ :‬يا أيها الذين آمنوا كتب‬
‫عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ]البقرة[‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫} بني السلم على خمس شهادة أن ل إله إل الله وأن محمدا رسول الله‪،‬‬
‫وإقام الصلة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وصوم رمضان‪ ،‬وحج البيت الحرام { ]متفق‬
‫عليه[‪.‬‬
‫‪ -16‬ومن خصائص شهر رمضان‪ :‬كثرة الخير وأهل الخير‪ ،‬واقبال الناس على‬
‫المساجد جماعات وفرادى‪ ،‬مما ل نجده في غير هذا الشهر العظيم المبارك‪،‬‬
‫وياله من أسف وحسرة وندامة أن نجد القبال الشديد على بيوت الله تعالى‬
‫في رمضان أما في غير رمضان فإلى الله المشتكى‪ .‬فبئس القوم الذين ل‬
‫يعرفون الله إل في رمضان‪.‬‬
‫فشهر هذه خصائصه وهذه هباته وعطاياه‪ ،‬ينبغي علينا معاشر المسلمين‬
‫إستغلل فرصه وإستثمار أوقاته فيما يعود علينا بالنفع العميم من الرب‬
‫العليم الحليم‪ ،‬فل بد لنا من واجبات نحو هذا الشهر‪.‬‬
‫واجباتنا في شهر رمضان‬
‫‪ -1‬أن ندرك أن الله أراد أن يمتحن إيماننا به سبحانه‪ ،‬ليعلم الصادق في‬
‫الصيام من غير الصادق‪ ،‬فالله هو المطلع على ما تكنه الضمائر‪.‬‬
‫‪ -2‬أن نصومه بنية فإنه ل أجر لمن صامه بل نية‪.‬‬
‫‪ -3‬أن ل نقطع يومنا الطويل في النوم‪.‬‬
‫‪ -4‬أن نكثر فيه من قراءة القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ -5‬أن نجدد التوبة مع الخالق سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫‪ -6‬أن ل نعمر لياليه بالسهر والسمر الذي ل فائدة منه‪.‬‬
‫‪ -7‬أن نكثر فيه من الدعاء والستغفار والتضرع إلى الله سبحانه‪.‬‬
‫‪ -8‬أن نحافظ على الصلوات الخمس جماعة في بيوت الله تعالى‪.‬‬
‫‪ -9‬أن تصوم وتمسك جميع الجوارح عما حرم الله عز وجل‪.‬‬
‫هذا‪ -‬عباد الله‪ -‬شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن‪ ،‬شهر القرب من الجنان‬
‫والبعد عن النيران‪ ،‬فيا من ضيع عمره في غير الطاعة‪ ،‬يا من فرط في‬
‫شهره‪ ،‬بل في دهره وأضاعه‪ ،‬يا من بضاعته التسويف والتفريط‪ ،‬وبئست‬
‫البضاعة‪ ،‬يا من جعل خصمه القرآن وشهر رمضان‪ ،‬قل لي بربك كيف ترجو‬
‫النجاة بمن جعلته خصمك وضدك‪ ،‬فرب صائم حظه من صيامه الجوع‬
‫والعطش‪ ،‬ورب قائم حظه من قيامه السهر والتعب‪ ،‬فكل قيام ل ينهي عن‬
‫الفحشاء والمنكر ل يزيد صاحبه إل بعد‪ ،‬وكل صيام ل يصان عن الحرام ل‬
‫يورث صاحبه إل مقتا وردا‪.‬‬
‫يا قوم‪ ..‬أين نحن من قوم إذا سمعوا داعي الله أجابوا الدعوة‪ ،‬وإذا تليت‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليهم آيات الله جلت قلوبهم جلوة‪ ،‬وإذا صاموا صامت منهم اللسن‬
‫والسماع والبصار‪ ،‬أفما لنا فيهم أسوة؟ فنشكوا إلى الله أحوالنا‪ ،‬فرحماك‬
‫ربنا أعمالنا‪ ،‬فل إله إل الله كم ضيعنا من أعمارنا‪ ،‬فكلما حسنت من القوال‬
‫ساءت العمال‪ ،‬فأنت حسبنا وملذنا‪.‬‬
‫يا نفس فاز الصالحون بالتقى *** وأبصروا الحق وقلبي قد عمي‬
‫يا حسنهم والليل قد جنهم *** ونورهم يفوق نور النجم‬
‫ترنموا بالذكر في ليلهم *** فعيشهم قد طاب بالترنم‬
‫قلوبهم للذكر قد تفرغت *** دموعهم كالؤلؤ منتظم‬
‫أسحارهم بهم لهم قد أشرقت *** وخلع الغفران خير القسم‬
‫ويحك يانفس أل تيقظ *** ينفع قبل أن تزل قدمي‬
‫مضى الزمان في توان وهوى *** فاستدركي ما قد بقي واغتنمي‬
‫فالله الله أيها المسلمون بالتوبة النصوح والرجوع الحق الى الله تعالى‪،‬‬
‫فرمضان فرصة لهل )الدخان( ليبرهن لهم بالدليل القاطع أنهم يستطيعون‬
‫تركه‪ ،‬ولكنهم إتبعوا الشيطان‪ ،‬وإل فكيف بمن يصبر عن الدخان أكثر من‬
‫خمس عشرة ساعة متواصلة‪ ،‬أل يمكن لهذا أن يقلع عن هذا المر المحرم‬
‫شرعا‪ ،‬بلى والله‪ ،‬ولكنه الهوى والشهوات‪ ،‬فتوبوا إلى الله جميعا أيها‬
‫المؤمنون لعلكم تفلحون‪.‬‬
‫هذا ما يسر الله لي كتابته في هذا الموضوع‪ ،‬واسأل المولى جل وعل أن‬
‫يجعل هذه الكلمات خالصة لوجهه سبحانه‪ ،‬وأن ينفعنا بها يوم العرض عليه‪،‬‬
‫وأن يجعلها في موازين حسنات الجميع‪ ،‬إنه سميع قريب مجيب الدعاء‪ .‬وآخر‬
‫دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‪ ،‬وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫خصائص عشر الواخر من رمضان‬


‫د‪ .‬عبدالعزيز الفوزان ‪23/9/1426‬‬
‫‪26/10/2005‬‬
‫ل أيها المسلم في ساعتك‪ ،‬وانظر إلى عقرب الساعة وهو يأكل الثواني‬ ‫تأم ْ‬
‫ل‪ ،‬ل يتوقف ول ينثني‪ ،‬بل ل يزال يجري ويلتهم الساعات والثواني‪ ،‬سواء‬ ‫أك ً‬
‫كنت قائما ً أو نائمًا‪ ،‬عامل ً أو عاط ً‬
‫ل‪ ،‬وتذك ّْر أن كل لحظة تمضي‪ ،‬وثانية‬
‫تنقضي فإنما هي جزء من عمرك‪ ،‬وأنها مرصودة في سجلك ودفترك‪،‬‬
‫ومكتوب في صحيفة حسناتك أو سيئاتك‪ ،‬فاّتق الله في نفسك‪ ،‬واحرص على‬
‫شغل أوقاتك فيما يقربك إلى ربك‪ ،‬ويكون سببا ً لسعادتك وحسن عاقبتك‪،‬‬
‫في دنياك وآخرتك‪.‬‬
‫ّ‬
‫وإذا كان قد ذهب من هذا الشهر أكثره‪ ،‬فقد بقي فيه أجله وأخيره‪ ،‬لقد بقي‬
‫فيه العشر الواخر التي هي زبدته وثمرته‪ ،‬وموضع الذؤابة منه‪.‬‬
‫ً‬
‫ظم هذه العشر‪ ،‬ويجتهد فيها اجتهادا حتى‬ ‫ولقد كان صلى الله عليه وسلم يع ّ‬
‫ل يكاد يقدر عليه‪ ،‬يفعل ذلك – صلى الله عليه وسلم‪ -‬وقد غفر الله له ما‬
‫خر‪ ،‬فما أحرانا نحن المذنبين المفّرطين أن نقتدي به –‬ ‫تقدم من ذنبه وما تأ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬فنعرف لهذه اليام فضلها‪ ،‬ونجتهد فيها‪ ،‬لعل الله أن‬
‫يدركنا برحمته‪ ،‬ويسعفنا بنفحة من نفحاته‪ ،‬تكون سببا ً لسعادتنا في عاجل‬
‫أمرنا وآجله‪.‬‬
‫روى المام مسلم عن عائشة – رضي الله عنها‪ -‬قالت‪" :‬كان رسول الله –‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬يجتهد في العشر الواخر‪ ،‬ما ل يجتهد في غيره"‪.‬‬
‫وفي الصحيحين عنها قالت‪" :‬كان النبي – صلى الله عليه وسلم‪ -‬يخلط‬
‫مر وشد ّ المئزر"‪.‬‬
‫العشرين بصلة ونوم‪ ،‬فإذا كان العشر ش ّ‬
‫فقد دلت هذه الحاديث على فضيلة العشر الواخر من رمضان‪ ،‬وشدة حرص‬
‫النبي – صلى الله عليه وسلم‪ -‬على اغتنامها والجتهاد فيها بأنواع القربات‬
‫فف‬ ‫والطاعات‪ ،‬فينبغي لك أيها المسلم أن تفرغ نفسك في هذه اليام‪ ،‬وتخ ّ‬
‫من الشتغال بالدنيا‪ ،‬وتجتهد فيها بأنواع العبادة من صلة وقراءة‪ ،‬وذكر‬
‫وصدقة‪ ،‬وصلة للرحم وإحسان إلى الناس‪ .‬فإنها –والله‪ -‬أيام معدودة‪ ،‬ما‬
‫أسرع أن تنقضي‪ ،‬وُتطوى صحائفها‪ ،‬وُيختم على عملك فيها‪ ،‬وأنت –والله‪ -‬ل‬
‫تدري هل تدرك هذه العشر مرة أخرى‪ ،‬أم يحول بينك وبينها الموت‪ ،‬بل ل‬
‫تدري هل تكمل هذه العشر‪ ،‬وُتوّفق لتمام هذا الشهر‪ ،‬فالله الله بالجتهاد‬
‫فيها والحرص على اغتنام أيامها وليالها‪ ،‬وينبغي لك أيها المسلم أن تحرص‬
‫على إيقاظ أهلك‪ ،‬وحثهم على اغتنام هذه الليالي المباركة‪ ،‬ومشاركة‬
‫المسلمين في تعظيمها والجتهاد فيها بأنواع الطاعة والعبادة‪.‬‬
‫ولنا في رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أسوة حسنة فقد كان إذا دخل‬
‫العشر شد ّ مئزره‪ ،‬وأحيا ليله وأيقظ أهله‪.‬‬
‫وإيقاظه لهله ليس خاصا ً في هذه العشر‪ ،‬بل كان يوقظهم في سائر السنة‪،‬‬
‫ولكن إيقاظهم لهم في هذه العشر كان أكثر وأوكد‪ .‬قال سفيان الثوري‪:‬‬
‫ي إذا دخل العشر الواخر أن يتهجد بالليل‪ ،‬ويجتهد فيه‪ ،‬وُينهض أهله‬ ‫أحب إل ّ‬
‫وولده إلى الصلة إن أطاقوا ذلك‪.‬‬
‫ً‬
‫وإن لمن الحرمان العظيم‪ ،‬والخسارة الفادحة‪ ،‬أن نجد كثيرا من المسلمين‪،‬‬
‫تمر بهم هذه الليالي المباركة‪ ،‬وهم عنها في غفلة معرضون‪ ،‬فيمضون هذه‬
‫الوقات الثمينة فيما ل ينفعهم‪ ،‬فيسهرون الليل كله أو معظمه في لهو‬
‫ولعب‪ ،‬وفيما ل فائدة فيه‪ ،‬أو فيه فائدة محدودة يمكن تحصيلها في وقت‬
‫آخر‪ ،‬ليست له هذه الفضيلة والمزية‪.‬‬
‫ّ‬
‫وتجد بعضهم إذا جاء وقت القيام‪ ،‬انطرح على فراشه‪ ،‬وغط في نوم عميق‪،‬‬
‫وت على نفسه خيرا ً كثيرا ً ‪ ،‬لعله ل يدركه في عام آخر‪.‬‬ ‫وف ّ‬
‫ومن خصائص هذه العشر‪ :‬ما ذكرته عائشة من أن النبي – صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬كان يحيي ليله‪ ،‬ويشد ّ مئزره‪ ،‬أي يعتزل نساءه ليتفرغ للصلة‬
‫والعبادة‪ .‬وكان النبي – صلى الله عليه وسلم‪ -‬يحيي هذه العشر اغتناما ً‬
‫لفضلها وطلبا ً لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر‪.‬‬
‫وقد جاء في صحيح مسلم عن عائشة – رضي الله عنها‪ -‬قالت‪ :‬ما أعلم –‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬قام ليلة حتى الصباح" ول تنافي بين هذين الحديثين‪،‬‬
‫لن إحياء الليل الثابت في العشر يكون بالصلة والقراءة والذكر والسحور‬
‫ونحو ذلك من أنواع العبادة‪ ،‬والذي نفته‪ ،‬هو إحياء الليل بالقيام فقط‪.‬‬
‫ومن خصائص هذه العشر أن فيها ليلة القدر‪ ،‬التي قال الله عنها‪) :‬ليلة القدر‬
‫خير من ألف شهر‪ ،‬تنزل الملئكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلم‬
‫هي حتى مطلع الفجر(‪ .‬وقال فيها‪) :‬إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين‪،‬‬
‫فيها يفرق كل أمر حكيم( أي يفصل من اللوح المحفوظ إلى الملئكة‬
‫الكاتبين كل ما هو كائن في تلك السنة من الرزاق والجال والخير والشر‪،‬‬
‫وغير ذلك من أوامر الله المحكمة العادلة‪.‬‬
‫حرمها‬ ‫يقول النبي – صلى الله عليه وسلم‪" -‬وفيه ليلة خير من ألف شهر من ُ‬
‫حرم الخير كله‪ ،‬ول ُيحرم خيرها إل محروم" حديث صحيح رواه النسائي‬ ‫فقد ُ‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وابن ماجه‪.‬‬
‫قال المام النحعي‪" :‬العمل فيها خير من العمل في ألف شهر سواها"‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وقد حسب بعض العلماء "ألف شهر" فوجدوها ثلثا ً وثمانين سنة وأربعة‬
‫أشهر‪ ،‬فمن وُّفق لقيام هذه الليلة وأحياها بأنواع العبادة‪ ،‬فكأنه يظل يفعل‬
‫حرمه‬ ‫ذلك أكثر من ثمانين سنة‪ ،‬فياله من عطاء جزيل‪ ،‬وأجر وافر جليل‪ ،‬من ُ‬
‫حرم الخير كله‪.‬‬ ‫فقد ُ‬
‫وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬من‬
‫دم من ذنبه" وهذه الليلة في‬ ‫غفر له ما تق ّ‬ ‫قام ليلة القدر إيمانا ً واحتسابا ً ُ‬
‫العشر الواخر من رمضان لقول النبي – صلى الله عليه وسلم‪" -‬تحّروا ليلة‬
‫القدر في العشر الواخر من رمضان" متفق عليه‪.‬‬
‫وهي في الوتار منها أحرى وأرجى‪ ،‬وفي الصحيحين أن النبي – صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬قال‪ :‬التمسوها في العشر الواخر في الوتر" أي في ليلة إحدى‬
‫وعشرين‪ ،‬وثلث وعشرين‪ ،‬وخمس وعشرين‪ ،‬وسبع وعشرين‪ ،‬وتسع‬
‫وعشرين‪ .‬وقد ذهب كثير من العلماء إلى أنها ل تثبت في ليلة واحدة‪ ،‬بل‬
‫تنتقل في هذه الليالي‪ ،‬فتكون مرة في ليلة سبع وعشرين ومرة في إحدى‬
‫وعشرين أو ثلث وعشرين أو خمس وعشرين أو تسع وعشرين‪.‬‬
‫وقد أخفى الله سبحانه علمها على العباد رحمة بهم‪ ،‬ليجتهدوا في جميع ليالي‬
‫العشر‪ ،‬وتكثر أعمالهم الصالحة فتزداد حسناتهم‪ ،‬وترتفع عند الله درجاتهم‬
‫)ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون(‪ ،‬وأخفاها سبحانه حتى‬
‫يتبين الجاد ّ في طلب الخير الحريص على إدراك هذا الفضل‪ ،‬من الكسلن‬
‫المتهاون‪ ،‬فإن من حرص على شيء جد ّ في طلبه‪ ،‬وسهل عليه التعب في‬
‫سبيل بلوغه والظفر به‪ ،‬فأروا الله من أنفسكم خيرا ً واجتهدوا في هذه‬
‫حرم‬ ‫الليالي المباركات‪ ،‬وتعّرضوا فيها للرحمات والنفحات‪ ،‬فإن المحروم من ُ‬
‫خير رمضان‪ ،‬وإن الشقي من فاته فيه المغفرة والرضوان‪ ،‬يقول النبي –‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" -‬رغم أنف من أدرك رمضان ثم خرج ولم ُيغفر له"‬
‫رواه ابن حبان والحاكم وصححه اللباني‪.‬‬
‫فت بالمكاره‪ ،‬وأنها غالية نفيسة‪ ،‬ل ُتنال بالنوم والكسل‪ ،‬والخلد‬ ‫ح ّ‬‫إن الجنة ُ‬
‫إلى الرض‪ ،‬واتباع هوى النفس‪ .‬يقول النبي – صلى الله عليه وسلم‪" -‬من‬
‫خاف أدلج ‪ -‬يعني من أول الليل‪ -‬ومن أدلج بلغ المنزل‪ ،‬أل إن سلعة الله‬
‫غالية‪ ،‬أل إن سلعة الله الجنة"‪ .‬وقد مثل النبي – صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫المسافر إلى الدار الخرة ‪-‬وكلنا كذلك – بمن يسافر إلى بلد آخر لقضاء‬
‫حاجة أو تحقيق مصلحة‪ ،‬فإن كان جادا ً في سفره‪ ،‬تاركا ً للنوم والكسل‪،‬‬
‫متحمل ً لمشاق السفر‪ ،‬فإنه يصل إلى غايته‪ ،‬ويحمد عاقبة سفره وتعبه‪ ،‬وعند‬
‫الصباح يحمد القوم السرى‪.‬‬
‫واما ً كسلن متبعا لهواء النفس وشهواتها‪ ،‬فإنه تنقطع به‬ ‫ً‬ ‫وأما من كان ن ّ‬
‫مرون‪ ،‬والراحة ل ُتنال بالراحة‪،‬‬ ‫السبل‪ ،‬ويفوته الركب‪ ،‬ويسبقه الجاّدون المش ّ‬
‫مُنوا‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬
‫ومعالي المور ل ُتنال إل على جسر من التعب والمشقات )َيا أي َّها ال ِ‬
‫ن( ]آل عمران‪ .[200:‬ومن‬ ‫حو َ‬‫فل ِ ُ‬ ‫ه ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م تُ ْ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫صاب ُِروا وََراب ِ ُ‬
‫طوا َوات ّ ُ‬ ‫صب ُِروا وَ َ‬
‫ا ْ‬
‫خصائص هذه العشر المباركة استحباب العتكاف فيها‪ ،‬والعتكاف هو‪ :‬لزوم‬
‫المسجد للتفرغ لطاعة الله عز وجل – وهو من السنة الثابتة بكتاب الله‬
‫وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال الله تعالى‪) :‬ول تباشروهن وأنتم‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عاكفون في المساجد( وكان النبي – صلى الله عليه وسلم‪ -‬يعتكف العشر‬
‫الواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل‪ ،‬واعتكف أزواجه وأصحابه معه‬
‫وبعده‪.‬‬
‫وفي صحيح البخاري عن عائشة – رضي الله عنها‪ -‬قالت‪ :‬كان النبي – صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬يعتكف في كل رمضان عشرة أيام‪ ،‬فلما كان العام الذي‬
‫ُقبض فيه اعتكف عشرين يومًا‪.‬‬
‫والمقصود بالعتكاف‪ :‬انقطاع النسان عن الناس ليتفرغ لطاعة الله‪ ،‬ويجتهد‬
‫في تحصيل الثواب والجر وإدراك ليلة القدر‪ ،‬ولذلك ينبغي للمعتكف أن‬
‫يشتغل بالذكر والعبادة‪ ،‬ويتجنب ما ل يعنيه من حديث الدنيا‪ ،‬ول بأس أن‬
‫يتحدث قليل بحديث مباح مع أهله أو غيرهم‪.‬‬
‫ويحرم على المعتكف الجماع ومقدماته لقوله تعالى‪...) :‬ول تباشروهن وأنتم‬
‫عاكفون في المساجد‪(...‬‬
‫وأما خروجه من المسجد فهو على ثلثة أقسام‪:‬‬
‫‪ -1‬الخروج لمر ل بد منه طبعا ً أو شرعا ً لقضاء حاجة البول والغائط والوضوء‬
‫الواجب والغسل من الجنابة‪ ،‬وكذا الكل والشرب فهذا جائز إذا لم يمكن‬
‫فعله في المسجد‪ .‬فإن أمكن فعله في المسجد فل‪ .‬مثل أن يكون في‬
‫المسجد دورات مياه يمكن أن يقضي حاجته فيها‪ ،‬أو يكون له من يأتيه بالكل‬
‫والشرب‪ ،‬فل يخرج حينئذ لعدم الحاجة إليه‪.‬‬
‫‪ -2‬الخروج لمر طاعة ل تجب عليه كعيادة مريض‪ ،‬وشهود جنازة ونحو ذلك‪،‬‬
‫فل يفعله إل أن يشترط ذلك في ابتداء اعتكافه مثل أن يكون عنده مريض‬
‫يحب أن يعوده أو يخشى من موته‪ ،‬فيشترط في ابتداء اعتكافه خروجه لذلك‬
‫فل بأس به‪.‬‬
‫‪ -3‬الخروج لمر ينافي العتكاف كالخروج للبيع والشراء ونحو ذلك‪ ،‬فل يفعله‬
‫ل بشرط ول بغير شرط؛ لنه يناقض العتكاف وينافي المقصود منه‪ ،‬فإن‬
‫فعل انقطع اعتكافه ول حرج عليه‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫خصال النفاق‬
‫الشيخ ‪ :‬فرج البوسيقي‬
‫صا‪ ،‬ومن كانت‬ ‫قا خال ً‬
‫قال صلى الله عليه وسلم ‪)) :‬أربع من كن فيه كان مناف ً‬
‫فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها‪ :‬إذا اؤتمن خان‪ ،‬وإذا‬
‫حدث كذب‪ ،‬وإذا عاهد غدر‪ ،‬وإذا خاصم فجر((‪.‬‬
‫النفاق مرض خطير يمرض القلب ويقتله‪ ،‬ويفسد الدين ويهلكه‪ ،‬ولخطر‬
‫النفاق والمنافقين على البلد والعباد أنزلت سورة كاملة اسمها المنافقون‪،‬‬
‫م رسولنا صلى الله عليه وسلم بتفسير‬ ‫تبّين عوارهم‪ ،‬وتهتك أستارهم‪ .‬واهت ّ‬
‫القرآن وتبيانه‪ ،‬فكان صلى الله عليه وسلم بين الفينة والخرى يرسم‬
‫للمجتمع النهج المستقيم‪ ،‬ويحذرهم من العوجاج في الدنيا والدين‪ ،‬وفي هذا‬
‫الحديث بّين رسولنا صلى الله عليه وسلم علمات وأعراض مرض النفاق‪.‬‬
‫صا((‪ ،‬أربع من اجتمعت فيه كان كمن يظهر‬ ‫قا خال ً‬
‫))أربع من كن فيه كان مناف ً‬
‫السلم ويبطن الكفر‪ ،‬ويجهر بالخير وهو يضمر الشر‪)) ،‬إذا اؤتمن خان‪ ،‬وإذا‬
‫حدث كذب‪ ،‬وإذا عاهد غدر((‪ ،‬وإذا عاهد نقض عهوده ولم يوف بها‪)) ،‬وإذا‬
‫خاصم فجر((‪ ،‬وإذا خاصم غيره تجاوز الحد‪ ،‬فيؤذي خصمه بغير حق‪.‬‬
‫إن خيانة المانة خصلة من هذه الخصال‪ ،‬وهي تشمل كل مال مؤتمن عليه‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل‪ ،‬وإذا استودعك‬ ‫النسان فلم يؤده لصحابه‪ ،‬ومن المانة أن تؤّدي عملك كام ً‬
‫صديقك سًرا فليس من المانة أن تذيعه بين الناس‪ ،‬وليس من المانة إن‬
‫ظف والمنتج والبائع‬ ‫كنت طبيًبا أن ل تخلص في علج مريضك‪ ،‬فالمو ّ‬
‫والمزارع والطبيب والمهندس وجميع الناس عليهم أداء حقّ العباد كامل ً بعي ً‬
‫دا‬
‫عن الرشوة والتعذيب‪ ،‬حيث تعطل مصالح الناس بدون سبب‪ ،‬ورسولنا صلى‬
‫الله عليه وسلم يقول‪)) :‬إن الله يعذب الذين يعذبون الناس((‪.‬‬
‫فيا أيها المسؤول والموظف‪ ،‬ويا أيها الضابط والمين‪ ،‬إن الله استرعاكم‬
‫مصالح الناس‪ ،‬فل تعطلوا مصالحهم ليلجؤوا إلى الرشاوى والتزوير‪ ،‬فتكونوا‬
‫أنتم السبب‪ ،‬ويحل عليكم غضب الله وعذابه‪ ،‬إن الله يعذب الذين يعذبون‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫م وَأنت ُ ْ‬ ‫ماَنات ِك ُ ْ‬‫خوُنوا ْ أ َ‬‫ل وَت َ ُ‬‫سو َ‬
‫ه َوالّر ُ‬ ‫خوُنوا ْ الل ّ َ‬
‫مُنوا ْ ل َ ت َ ُ‬
‫نآ َ‬ ‫الناس‪َ) ،‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن( ]النفال‪.[27:‬‬ ‫ت َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬
‫دي‬ ‫يا أيها الذين آمنوا‪ ،‬ل تخونوا الله‪ ،‬ل تخونوا الله بتعطيل فرائضه وتع ّ‬
‫حدوده وانتهاك محارمه‪ .‬يا أيها الذين آمنوا‪ ،‬ل تخونوا الله والرسول‪ ،‬ل تخونوا‬
‫الرسول بترك سنته والذهاب لغيرها من هوى وشهوة‪ ،‬وتخونوا أماناتكم‪،‬‬
‫ضا في المعاملت المالية‬ ‫وتخونوا أولياء أموركم‪ ،‬ويخون بعضكم بع ً‬
‫والجتماعية والدبية‪.‬‬
‫إن الرسول صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم‪ ،‬ويتكلم باللفظ الذي‬
‫يذهل العقول ويحّير البلغاء والخطباء‪ ،‬فقوله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬إذا‬
‫دا‪ ،‬ليشمل جميع أنواع المانة‪ ،‬كانت هذه‬ ‫اؤتمن خان(( شمول وتوسيع كبير ج ً‬
‫المانة معنوية أو مادية‪.‬‬
‫إن عدم المانة هو الخيانة‪ ،‬والخيانة تدل على النفاق‪ ،‬فمن أراد أن يفتش عن‬
‫طهارة قلبه من النفاق فلينظر إلى أمانته وعدمها‪ ،‬وصدق رسولنا الكريم‬
‫صلى الله عليه وسلم إذ يقول‪)) :‬ل إيمان لمن ل أمانة له‪ ،‬ول دين لمن ل‬
‫عهد له((‪.‬‬
‫إن العلقات بين الفراد والجماعات المبنية على الخيانة لعلقات هشة زائلة‪،‬‬
‫وكان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الخيانة فيقول‪)) :‬اللهم إني أعوذ بك‬
‫من الجوع فإنه بئس الضجيع‪ ،‬وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة((‪،‬‬
‫وبّين صلى الله عليه وسلم أنه في آخر الزمان ترفع المانة‪ ،‬فحدث صلى‬
‫الله عليه وسلم عن رفع المانة فقال‪)) :‬ينام الرجل النومة فتقبض المانة‬
‫من قلبه((‪.‬‬
‫المنافق إذا اؤتمن خان‪ ،‬وإذا حدث كذب‪ ،‬وإذا عاهد غدر‪ ،‬وإذا خاصم فجر‪،‬‬
‫فمجانبة الكذب مجانبة للنفاق‪ ،‬والكذب من أمراض اللسان‪ ،‬وهو نقل الخبار‬
‫على غير حقيقتها‪ ،‬من إشاعات وأحاديث ملفقة تفتك بالمجتمع وأفراده‪.‬‬
‫ومن أخطر أنواع الكذب ما استحل به دم امرئ مسلم أو عرضه أو ماله‪،‬‬
‫والشد من ذلك كله الكذب على الله ورسوله‪ ،‬ويكفي في عظم هذه الكبيرة‬
‫َ‬
‫سقٌ ب ِن َب َأ ٍ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫جاءك ُ ْ‬
‫مُنوا ِإن َ‬ ‫نآ َ‬
‫ذي َ‬‫أن سمى الله مرتكبها بالفسق‪َ :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫فَت َب َي ُّنوا ]الحجرات‪ ،[6:‬ولقد حذر رسولنا صلى الله عليه وسلم من الكذب‬
‫غب في الصدق فقال‪)) :‬عليكم بالصدق‪ ،‬فإن الصدق يهدي إلى البر‪ ،‬وإن‬ ‫ور ّ‬
‫البر يهدي إلى الجنة‪ ،‬وما يزال الرجل يصدق ويتحّرى الصدق حتى يكتب عند‬
‫قا‪ .‬وإياكم والكذب‪ ،‬فإن الكذب يهدي إلى الفجور‪ ،‬وإن الفجور يهدي‬ ‫دي ً‬
‫الله ص ّ‬
‫ذاًبا((‪.‬‬‫إلى النار‪ ،‬وما يزال الرجل يكذب ويتحّرى الكذب حتى يكتب عند الله ك ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما من مقومات‬ ‫إن الكذاب عّرض نفسه للحتقار والمهانة‪ ،‬وفقد جانًبا عظي ً‬
‫عا لما أخفى الحقيقة‪ ،‬ولو كان أميًنا لما زّور الخبار‪،‬‬ ‫إنسانيته‪ ،‬فلو كان شجا ً‬
‫فا لترفع عن الختلق والدعاء الباطل‪ ،‬فأي معاملة تصلح؟! بل‬ ‫ولو كان عفي ً‬
‫أي حياة وصداقة وشركة وإخاء تصلح مع إنسان يبرئ المفسدين والمجرمين‪،‬‬
‫ما‪ ،‬ومن الحقيقة خيا ً‬
‫ل‪،‬‬ ‫ويتهم البرياء والصالحين‪ ،‬ويجعل من الظالم مظلو ً‬
‫ومن الصدق بهتاًنا؟! إن هذا الخطر العظيم هو الذي جعل الكذاب ينظم في‬
‫صفوف المنافقين‪)) ،‬وإذا حدث كذب((‪.‬‬
‫ه‬
‫ض ما ُيحكى علي ِ‬ ‫ب من البلية *** بع ُ‬ ‫ب الكذو ِ‬ ‫حس ُ‬
‫ه‬
‫ذبة *** من غيره ُنسبت إلي ِ‬ ‫مهما سمعت ب ِك ِ ْ‬
‫دا نقضه وغدر‪ ،‬وإذا خاصم فجر‪ ،‬وإذا‬ ‫المنافق إذا عاهد غدر‪ ،‬إذا أعطى عه ً‬
‫حدث بينه وبين خصمه خلف يتجاوز حده في النتصار لنفسه من خصمه‪ ،‬ول‬
‫يتورع عن استغلل الفرص ليذاء خصمه‪ ،‬ويتمادى في اليذاء‪ ،‬وينكر حقوق‬
‫خصمه‪ ،‬ويستحل لنفسه ماله‪ ،‬ويستبيح عرضه‪ ،‬وهذا التمادي في الخصومة‬
‫علمة ظاهرة من علمات النفاق‪.‬‬
‫ةَ‬
‫سي ّئ ٌ‬ ‫َ‬
‫سي ّئةٍ َ‬ ‫جَزاء َ‬ ‫إن سلوك المؤمن الحق جهة خصمه العدل أو الحسان‪) ،‬وَ َ‬
‫ب ال ّ‬ ‫َ‬ ‫مث ْل ُها فَمن عَ َ َ‬
‫ن( ]الشورى‪،[40:‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫جُرهُ عََلى الل ّهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫ح فَأ ْ‬ ‫صل َ َ‬
‫فا وَأ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ّ َ‬
‫ولقد ربى السلم أتباعه على التسامح والعفو‪ ،‬وأن ل يتمادوا في الخصومة‪،‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن( ]العراف‪:‬‬ ‫جاهِِلي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ض عَ ِ‬ ‫ف وَأعْرِ ْ‬ ‫مْر ِبال ْعُْر ِ‬ ‫فوَ وَأ ُ‬ ‫خذِ ال ْعَ ْ‬ ‫فقال جل جلله‪ُ ) :‬‬
‫ما( ]الفرقان‪ ،[63:‬وقال‪:‬‬ ‫سل ً‬ ‫ن َقاُلوا َ‬ ‫جاهُِلو َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫خاط َب َهُ ُ‬ ‫‪ ،[199‬وقال‪) :‬وَإ َِذا َ‬
‫ن( ]القصص‪.[55:‬‬ ‫جاهِِلي َ‬ ‫م ل ن َب ْت َِغي ال ْ َ‬ ‫م عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫سل ٌ‬ ‫) َ‬
‫إن السلم يحث على السمو بالنفس النسانية‪ ،‬فالمسلم الحق هو الذي‬
‫يسمو بنفسه عن مواطن المهانة والذلة‪ .‬إن السلم عمل وعبادة وحسن‬
‫معاملة‪ ،‬معاملة خالية من الكذب والخيانة والغدر والفجور‪.‬‬
‫إن التدين الحقيقي هو أن تلتزم بالصدق في قولك وعملك ومواعيدك‪ ،‬وأن‬
‫صا في نيتك‪ ،‬فإن لم تكن فيك هذه الخصال‬ ‫تكون أميًنا في عملك‪ ،‬صادًقا مخل ً‬
‫فلست متديًنا ولو تظاهرت بمظهر السلم في ألفاظك ولباسك‪.‬‬
‫إن السلم لم يكن فقط حركات يباشرها المصلي في محرابه أو همهمة‬
‫تلوكها ألسن العاشقين والذاكرين‪ ،‬إنه مسرح للحياة‪ ،‬يظهر فيه المسلم‬
‫حقيقة إسلمه وإيمانه في معاملته مع الخرين؛ لتنطبع الصورة الصحيحة‬
‫دا عن الباحية والتهتك‪.‬‬ ‫دا عن الغلو والتنطع‪ ،‬وبعي ً‬ ‫للسلم بعي ً‬
‫إن فشلك في معاملة الخرين دليل منك عليك في عجزك عن إدراك حقيقة‬
‫ل به طريقه‪ ،‬أو‬ ‫السلم‪ ،‬فالدين المعاملة‪ ،‬والسلم يريد منك هداية تائه ض ّ‬
‫معونة يائس انقطع به أمله‪ ،‬السلم يريد منك استجابة؛ لّنة ثاكل منكوب‪،‬‬
‫يشكو الفقر والحاجة‪ ،‬ويريد المساعدة والعانة ومواساة البائس وتفريج كربة‬
‫المكروبين‪.‬‬
‫ْ‬
‫س الب ِّر‬ ‫ّ‬
‫وما انكمش السلم وتقلص إل بعد أن ترك أبناؤه أوامره وتعاليمه‪) ،‬لي ْ َ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن ِباللهِ َوالي َوْم ِ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْب ِّر َ‬ ‫ب وَل َك ِ ّ‬ ‫مغْرِ ِ‬ ‫ق َوال ْ َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫م قِب َ َ‬ ‫جوهَك ُ ْ‬ ‫أن ت ُوَّلوا ْ وُ ُ‬
‫مى‬ ‫قْرَبى َوال ْي ََتا َ‬ ‫حب ّهِ ذ َِوي ال ْ ُ‬ ‫ل عََلى ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َوآَتى ال ْ َ‬ ‫ب َوالن ّب ِّيي َ‬ ‫ملئ ِك َةِ َوال ْك َِتا ِ‬ ‫خرِ َوال ْ َ‬ ‫ال ِ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫صلة َ َوآَتى الّزكاةَ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ب وَأَقا َ‬ ‫ن وَِفي الّرَقا ِ‬ ‫سآئ ِِلي َ‬ ‫ل َوال ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن َواب ْ َ‬ ‫كي َ‬ ‫سا ِ‬‫م َ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫ْ‬ ‫حي َ ْ‬ ‫ْ‬
‫س‬
‫ن الب َأ ِ‬ ‫ضّراء وَ ِ‬ ‫ساء وال ّ‬ ‫ن ِفي ال ْب َأ َ‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫دوا ْ َوال ّ‬ ‫عاهَ ُ‬ ‫م إ َِذا َ‬ ‫ن ب ِعَهْدِهِ ْ‬ ‫موُفو َ‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫ُ‬ ‫ُأول َئ ِ َ‬
‫ن( ]البقرة‪.[177:‬‬ ‫قو َ‬ ‫مت ّ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫صد َُقوا وَأول َئ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خطاب الرحمة في الوعظ المعاصر‬


‫د‪ .‬مسفر بن علي القحطاني ‪13/10/1426‬‬
‫‪15/11/2005‬‬
‫اجتهد المسلمون في الليالي العشر الخيرة من رمضان الفائت بالقيام و‬
‫قراءة القرآن والذكر والدعاء للفوز بفضل قيام ليلة القدر التي قال النبي‬
‫غفر‬‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬في فضلها‪" :‬من قام ليلة القدر إيمانا ًً واحتسابا ً ُ‬
‫له ما تقدم من ذنبه"‪ .‬هذه الليلة ‪-‬التي ُيفرق فيها كل أمر حكيم وتعدل في‬
‫عبادتها ألف شهر فيما سواها‪ -‬تتوجه لها همم المسلمين ليقدموا أفضل‬
‫العبادات والطاعات لغتنامها‪ ,‬وهذا ما جعل النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪-‬‬
‫وأزواجه وأصحابه يعتكفون انقطاعا ً عن كل ما يشغل عن هذه الليلة‬
‫المباركة‪ ,‬ومع هذا التحفز العظيم لدراك ليلة القدر تأتي عائشة ‪-‬رضي الله‬
‫عنها‪ -‬من أجل أن تسأل النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬عن أفضل الدعاء‬
‫المستجاب في تلك الليلة الفضيلة‪ ،‬فيوصي زوجته أحب الناس إليه أن تكثر‬
‫ملت في هذه‬ ‫ف عني"‪ ,‬وقد تأ ّ‬ ‫ب العفو فاع ُ‬ ‫من قول ‪" :‬اللهم إنك عفوّ تح ّ‬
‫ّ‬
‫الوصية وكلمات هذا الدعاء العظيم ما جعلني أسطر بعض الوقفات مع‬
‫خطاب الرحمة الذي ُيمارس في الوعظ المعاصر ‪ ..‬أذكرها مجملة في هذه‬
‫الخاطرة المقالية‪:‬‬
‫‪ -‬الجمال واليجاز في الدعاء سنة عن النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬حتى في‬
‫دعاء القنوت في أوتار رمضان؛ بل لم يصح عنه ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬في‬
‫القنوت إل حديث الحسن" اللهم اهدنا فيمن هديت…" ‪-‬كما قال الترمذي‬
‫رحمه الله‪ -‬وهو من جوامع الدعية‪ ,‬لكننا نجد بعض الئمة يطيل في الدعاء‬
‫أكثر من القيام بأسجاع وتكرار وتمطيط في المعاني ل يليق بالمسلم في‬
‫خاصة نفسه‪ ،‬فكيف ومعه الجموع يصلون خلفه‪ ،‬ويخضعون لميوله في‬
‫الدعاء؟‬
‫كما أن اليجاز في الوعظ والتذكير سنة نبوية ينبغي للواعظ أن يتحراها عند‬
‫وقهم للستزادة‪ ،‬ل أن يمّلوا من‬ ‫حديثه إلى الناس بما يحّببهم للسماع و يش ّ‬
‫الطالة والعادة من غير حاجة ملحة‪ ,‬وفي الحديث عنه عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫"إن قصر الخطبة وطول الصلة مئنة من فقه الرجل"‪ .‬يعلق الشوكاني‬
‫‪-‬رحمه الله‪ -‬على هذا الحديث بقوله‪ " :‬والعجب من أقوام ينسبون إلى السنة‬
‫أو إلى السلف ويطيلون الخطبة في صلة الجمعة حتى تمل الناس سماع‬
‫خطبتهم‪ ،‬ولربما يأتون بخطبهم بما يرّوج اعتقادهم أو يحبذ رأيهم‪ ،‬أو إطراء‬
‫الشيخ والثناء عليه‪ ،‬وغير ذلك مما يخرجها عن مقصودها المشروع"‪.‬‬
‫‪ -‬أخبر النبي عليه الصلة والسلم عائشة ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬بالدعاء الذي ُيبرز‬
‫أعظم صفات الحق سبحانه وآكدها عند الطلب وهي صفة "العفو" وما يدخل‬
‫في معانيها من الرحمة والمغفرة بعباده‪ ,‬فهذا المعنى هو ما يجب أن ُيشاع‬
‫عاظ أكثر من خطاب التخويف والتهويل بالنار‪,‬‬ ‫بين العباد‪ ،‬وفي خطاب الو ّ‬
‫م َرب ّكَ‬ ‫ْ‬
‫فرحمة الله قد سبقت غضبه‪ ,‬وعفوه قد سبق سخطه )‪َ ...‬ول ي َظل ِ ُ‬
‫قنط الناس بالوعيد في حين‬ ‫حدًا(]الكهف‪ :‬من الية ‪ ,[49‬فكم أعجب ممن ي ّ‬ ‫َ‬
‫أ َ‬
‫ة‬
‫م ِ‬
‫ح َ‬‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫طوا ِ‬ ‫قن َ ُ‬
‫م ل تَ ْ‬
‫سهِ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫سَرُفوا عََلى أ َن ْ ُ‬ ‫عبادي ال ّذي َ‬
‫نأ ْ‬ ‫أن الله يقول‪):‬قُ ْ‬
‫ل َيا ِ َ ِ َ ِ َ‬
‫ه‪](...‬الزمر‪ :‬من الية ‪ [53‬كيف وقد أقسم النبي عليه الصلة والسلم في‬ ‫الل ّ ِ‬
‫قوله‪" :‬والله لله أرحم بعباده من الوالدة بولدها"!!‬
‫‪ -‬هذا الدعاء له أوقات يتخّيرها المسلم تكون الجابة فيه أقرب‪ ,‬وحضور‬
‫القلب فيه أقدر‪ ,‬والنفوس ما لم تتهيأ للخشوع والنابة و إل حاصت وتمّردت‪,‬‬
‫ول في الرجاء على خلوص القلب من الغفلة والرياء‪ ,‬وهذا يقع في‬ ‫والمع ّ‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدعاء والوعظ كذلك؛ لذا كان عليه الصلة و السلم يتخول أصحابه‬
‫بالموعظة مخافة السآمة عليهم وهو القدر في التأثير البياني والوعظ‬
‫الخطابي وهم الحرص على سماعه والعمل بكلمه‪ ,‬وما أحوج الخطباء‬
‫والدعاة إلى مثل هذا الفقه في الوعظ والرشاد وحسن التقدير للزمان‬
‫والمكان‪ ,‬واختيار الظرف المناسب للحال التي عليها الناس ‪..‬‬
‫إن الوعي بهذه المقاصد الدعوية يجعل من الموعظة بابا ً للصلح والهداية ل‬
‫سبابا ً للبعد عن الدين ودعاته‪ ,‬فالتبشير والتيسير أقرب للنفوس وأعمق أثرا ً‬
‫ُ‬
‫في السلوك‪ ،‬والرفق ما دخل في شيء إل زانه‪ ،‬وما نزع من شيء إل‬
‫شانه ‪..‬ويكفي من التنبيه ما أحاط بالمعنى‪ ،‬كما يكفي من القلدة ما أحاط‬
‫بالعنق ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫خطاب الرحمة في الوعظ المعاصر‬


‫الكاتب‪ :‬الشيخ د‪ .‬مسفر بن علي القحطاني‬
‫اجتهد المسلمون في الليالي العشر الخيرة من رمضان الفائت بالقيام و‬
‫قراءة القرآن والذكر والدعاء للفوز بفضل قيام ليلة القدر التي قال النبي‬
‫غفر‬‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬في فضلها‪" :‬من قام ليلة القدر إيمانا ًً واحتسابا ً ُ‬
‫له ما تقدم من ذنبه"‪.‬‬
‫هذه الليلة ‪-‬التي ُيفرق فيها كل أمر حكيم وتعدل في عبادتها ألف شهر فيما‬
‫سواها‪ -‬تتوجه لها همم المسلمين ليقدموا أفضل العبادات والطاعات‬
‫لغتنامها‪ ,‬وهذا ما جعل النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬وأزواجه وأصحابه‬
‫يعتكفون انقطاعا ً عن كل ما يشغل عن هذه الليلة المباركة‪ ,‬ومع هذا التحفز‬
‫العظيم لدراك ليلة القدر تأتي عائشة ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬من أجل أن تسأل‬
‫النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬عن أفضل الدعاء المستجاب في تلك الليلة‬
‫و‬
‫الفضيلة‪ ،‬فيوصي زوجته أحب الناس إليه أن تكثر من قول ‪" :‬اللهم إنك عف ّ‬
‫ملت في هذه الوصية وكلمات هذا الدعاء‬ ‫ف عني"‪ ,‬وقد تأ ّ‬ ‫ب العفو فاع ُ‬
‫تح ّ‬
‫ّ‬
‫العظيم ما جعلني أسطر بعض الوقفات مع خطاب الرحمة الذي ُيمارس في‬
‫الوعظ المعاصر ‪ ..‬أذكرها مجملة في هذه الخاطرة المقالية‪:‬‬
‫‪ -‬الجمال واليجاز في الدعاء سنة عن النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬حتى في‬
‫دعاء القنوت في أوتار رمضان؛ بل لم يصح عنه ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬في‬
‫القنوت إل حديث الحسن" اللهم اهدنا فيمن هديت…" ‪-‬كما قال الترمذي‬
‫رحمه الله‪ -‬وهو من جوامع الدعية‪ ,‬لكننا نجد بعض الئمة يطيل في الدعاء‬
‫أكثر من القيام بأسجاع وتكرار وتمطيط في المعاني ل يليق بالمسلم في‬
‫خاصة نفسه‪ ،‬فكيف ومعه الجموع يصلون خلفه‪ ،‬ويخضعون لميوله في‬
‫الدعاء؟‬
‫كما أن اليجاز في الوعظ والتذكير سنة نبوية ينبغي للواعظ أن يتحراها عند‬
‫وقهم للستزادة‪ ،‬ل أن يمّلوا من‬ ‫حديثه إلى الناس بما يحّببهم للسماع و يش ّ‬
‫الطالة والعادة من غير حاجة ملحة‪ ,‬وفي الحديث عنه عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫"إن قصر الخطبة وطول الصلة مئنة من فقه الرجل"‪ .‬يعلق الشوكاني‬
‫‪-‬رحمه الله‪ -‬على هذا الحديث بقوله‪ " :‬والعجب من أقوام ينسبون إلى السنة‬
‫أو إلى السلف ويطيلون الخطبة في صلة الجمعة حتى تمل الناس سماع‬
‫خطبتهم‪ ،‬ولربما يأتون بخطبهم بما يرّوج اعتقادهم أو يحبذ رأيهم‪ ،‬أو إطراء‬
‫الشيخ والثناء عليه‪ ،‬وغير ذلك مما يخرجها عن مقصودها المشروع"‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -‬أخبر النبي عليه الصلة والسلم عائشة ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬بالدعاء الذي ُيبرز‬
‫أعظم صفات الحق سبحانه وآكدها عند الطلب وهي صفة "العفو" وما يدخل‬
‫في معانيها من الرحمة والمغفرة بعباده‪ ,‬فهذا المعنى هو ما يجب أن ُيشاع‬
‫عاظ أكثر من خطاب التخويف والتهويل بالنار‪,‬‬ ‫بين العباد‪ ،‬وفي خطاب الو ّ‬
‫م َرب ّ َ‬
‫ك‬ ‫فرحمة الله قد سبقت غضبه‪ ,‬وعفوه قد سبق سخطه )‪َ ...‬ول ي َظ ْل ِ ُ‬
‫قنط الناس بالوعيد في حين‬ ‫حدًا(]الكهف‪ :‬من الية ‪ ,[49‬فكم أعجب ممن ي ّ‬ ‫َ‬
‫أ َ‬
‫ة‬
‫م ِ‬
‫ح َ‬‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬‫طوا ِ‬ ‫قن َ ُ‬‫م ل تَ ْ‬
‫سهِ ْ‬ ‫سَرُفوا عََلى أ َن ْ ُ‬
‫ف ِ‬
‫عبادي ال ّذي َ‬
‫نأ ْ‬ ‫أن الله يقول‪):‬قُ ْ‬
‫ل َيا ِ َ ِ َ ِ َ‬
‫ه‪](...‬الزمر‪ :‬من الية ‪ [53‬كيف وقد أقسم النبي عليه الصلة والسلم في‬ ‫الل ّ ِ‬
‫قوله‪" :‬والله لله أرحم بعباده من الوالدة بولدها"!!‬
‫‪ -‬هذا الدعاء له أوقات يتخّيرها المسلم تكون الجابة فيه أقرب‪ ,‬وحضور‬
‫القلب فيه أقدر‪ ,‬والنفوس ما لم تتهيأ للخشوع والنابة و إل حاصت وتمّردت‪,‬‬
‫ول في الرجاء على خلوص القلب من الغفلة والرياء‪ ,‬وهذا يقع في‬ ‫والمع ّ‬
‫الدعاء والوعظ كذلك؛ لذا كان عليه الصلة و السلم يتخول أصحابه‬
‫بالموعظة مخافة السآمة عليهم وهو القدر في التأثير البياني والوعظ‬
‫الخطابي وهم الحرص على سماعه والعمل بكلمه‪ ,‬وما أحوج الخطباء‬
‫والدعاة إلى مثل هذا الفقه في الوعظ والرشاد وحسن التقدير للزمان‬
‫والمكان‪ ,‬واختيار الظرف المناسب للحال التي عليها الناس ‪..‬‬
‫إن الوعي بهذه المقاصد الدعوية يجعل من الموعظة بابا ً للصلح والهداية ل‬
‫سبابا ً للبعد عن الدين ودعاته‪ ,‬فالتبشير والتيسير أقرب للنفوس وأعمق أثرا ً‬ ‫ُ‬
‫في السلوك‪ ،‬والرفق ما دخل في شيء إل زانه‪ ،‬وما نزع من شيء إل‬
‫شانه ‪..‬ويكفي من التنبيه ما أحاط بالمعنى‪ ،‬كما يكفي من القلدة ما أحاط‬
‫بالعنق ‪..‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫خطاب تبليغي‬
‫‪1/2‬‬
‫د‪ .‬عبد الكريم بكار ‪21/12/1424‬‬
‫‪12/02/2004‬‬
‫إذا كان الخطاب الصفوي خطاًبا تنشئة الخاصة‪ ،‬وتتداوله الصفوة؛ فإن‬
‫الخطاب التبليغي تصنعه الخاصة‪ ،‬وتقوم باستخدامه شريحة متوسطة بين‬
‫الخاصة والعامة‪ ،‬إذ توجهه إلى عامة المسلمين‪ .‬الخطاب التبليغي يشكل أداة‬
‫مهمة لتوحيد الثقافة عند حدودها الدنيا‪ ،‬كما أنه يعد الوسيلة الساسية لتذكير‬
‫الناس بالمبادئ والصول والدبيات السلمية‪ .‬ولهذا فإن رقعة تداوله واسعة‬
‫دا ومن هنا فإنه اكتسب صفة )الشعبية(‪ .‬وشعبيته هذه تملي عليه أن‬ ‫ج ّ‬
‫يتصف بخصائص وسمات‪ ،‬ويتعرض لزمات ومشكلت يحسن بنا الوقوف‬
‫عندها‪ ،‬ولعل أهمها التي‪:‬‬
‫حا غاية الوضوح‪ ،‬حيث‬ ‫‪-1‬الوضوح‪ :‬من المهم أن يكون الخطاب التبليغي واض ً‬
‫إن تدني المستوى المعرفي لولئك الذين يتلقونه يوجد في أذهانهم الكثير‬
‫من اللتباس والخلط في التفسير‪ .‬ولو أنك سألت عشرة من الناس عن‬
‫خلصة ما فهموه من إحدى خطب الجمعة لوجدت تفاوًتا بي ًّنا في خلصاتهم‪.‬‬
‫إن من الحيوي أن ندرك أن سوء الفهم ليس حادًثا نادًرا‪ ،‬وأن الواحد منا لو‬
‫شرح فكرته عشرين مرة‪ ،‬فليس هناك أي ضمان لستيعاب السامعين لها‬
‫على النحو الذي يريد‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما يفهمونه في ضوء ما‬ ‫إن اللغة ناقل غير كفء‪ ،‬وإن الناس حين يسمعون كل ً‬
‫لديهم من خلفيات معرفية‪ ،‬بل إن كثيًرا منهم يقرؤون تلك الخلفيات‬
‫ضا عن الشتغال بفهم ما سمعوه‪.‬‬ ‫ويبلورونها عو ً‬
‫ومن هنا فإن من المفيد أن نحاول التأكد من أن الناس فهموا فعل ً ما نقوله‬
‫ما ‪ .‬تكرار بعض المقاطع‪ ،‬وعدم تركيز المعاني في ألفاظ‬ ‫لهم كما نعنيه تما ً‬
‫قليلة‪ ،‬وعدم الكثار من ذكر أعداد التقسيمات والفوائد والمضار من المور‬
‫التي تضفي على الخطاب طابع الوضوح‪ ،‬وتجعله قريًبا من تناول الفهام‪ .‬وقد‬
‫كان – صلى الله عليه وسلم‪ -‬يكرر بعض الجمل المهمة حتى ُتحفظ عنه‪.‬‬
‫والتكرار يساعد الذاكرة‪ ،‬ويخفف العبء عن جهاز الدراك والتحليل‪ .‬ومن‬
‫الملحظ في القرآن الكريم وفي السنة النبوية أن الخصال والميزات‬
‫والقسام على نحو عام ل تتجاوز الخمسة إل على سبيل الندور‪ ،‬وذلك حتى ل‬
‫يشق على الناس حفظها‪.‬‬
‫وأعتقد أن التركيز على شرح التعريفات يساعد الناس على الفهم الصحيح‪،‬‬
‫حا غريًبا فلنحاول تبسيطه قبل تجاوزه‪.‬‬ ‫وإذا أوردنا مصطل ً‬
‫جا للخطاب التبليغي الشعبي‪ ،‬وربما كان‬ ‫ً‬
‫‪-2‬التأثير والقناع يشكل هدفا مزدو ً‬
‫طابع التأثير ألصق به‪ ،‬حيث إنه في الغالب ل يشتمل على معلومات جديدة‪،‬‬
‫ول يكشف عن خبايا وقضايا مجهولة‪ ،‬إنه يذكر بالصول والحدود والداب‪،‬‬
‫ويستنهض الهمم للزوم الجادة والخذ بالتي هي أقوم‪ ،‬كما أنه يحذر الناس‬
‫من عواقب المعاصي والشرور التي انزلقوا إليها‪ .‬وهذا كله جعل حامل هذا‬
‫جا إلى أن يمتلك قدًرا غير قليل من الحماسة لمقولته وقدًرا‬ ‫الخطاب محتا ً‬
‫من العاطفة الجياشة؛ لنه من غير ذلك ل يستطيع التأثير في عواطف‬
‫السامعين‪ ،‬ول يظهر الفرق بين النائحة الثكلى والنائحة المستأجرة‪ -‬على حد‬
‫صا وحملة هذا الخطاب‬ ‫قول أحدهم‪ .-‬وهذا يملي على الخطباء والوعاظ خصو ً‬
‫ما أن يدخلوا في موازنة دقيقة‪ ،‬بين البقاء أوفياء للحقائق التي يبشرون‬ ‫عمو ً‬
‫بها والدلة والبراهين التي يستندون إليها‪ ،‬وبين كسب القلوب التي يحاولون‬
‫التأثير فيها‪ ،‬إنهم يجدون أنفسهم في حالة من التردد بين الحقيقة والعاطفة؛‬
‫وإن التاريخ ليشهد‪ ،‬وإن الواقع لينطق بأن الذين أخفقوا ويخفقون في إقامة‬
‫صاص الكذبة(‬ ‫هذه الموازنة أكثر بكثير من الذين ينجحون‪ .‬وظاهرة )الق ّ‬
‫ليست ظاهرة تاريخية‪ ،‬نقرأ عنها‪ ،‬وإنما هي ظاهرة مستمرة‪ ،‬فتذوق منها‬
‫صاص والوعاظ وضعوا أحاديث‬ ‫مرارة يومية‪ .‬ومن المعروف أن بعض الق ّ‬
‫ونسبوها إلى النبي – صلى الله عليه وسلم‪ -‬وكان دافعهم – في أحسن‬
‫كر أحدهم بقول النبي – صلى الله‬ ‫الحوال‪ -‬تكثير سواء المهتدين‪ .‬وحين ذ ُ ّ‬
‫دا فليتبوأ مقعده من النار" قال‪ :‬نكذب‬ ‫ي متعم ً‬
‫عليه وسلم ‪ " : -‬من كذب عل ّ‬
‫له ل عليه!! وفي أيامنا هذه انتشر في العالم السلمي وباء المبالغة‬
‫والتهويل في ذكر المحاسن واليجابيات وذكر المساوئ والسلبيات‪ .‬وهذا ل‬
‫يختلف كثيًرا عن تضليل العقول بالكذب الصراح! وهناك أشخاص يلبسون‬
‫ثياب الدعاة الهداه‪ ،‬لكنهم ل يملكون شيًئا من رشد الداعية ول تذمم الفقيه‪،‬‬
‫وهم ينشرون الخرافات والوهام والغرائب والشذوذات ويصورونها للناس‬
‫على أنها من المور الثابتة والبينة التي ل تقبل الجدل والنظر!‬
‫إن تنمية الخطاب التبليغي وتنقيته من الشوائب تعد مسؤولية عامة لكل أهل‬
‫الفهم والغيرة‪ ،‬وإن قوله – صلى الله عليه وسلم‪ ":-‬بلغوا عني ولو آية "‬
‫يفيدنا أن في إمكان السواد العظم من الناس أن يقوموا بواجب البيان‬
‫والتبليغ‪ .‬وإن هذا الخطاب يحمل – على نحو جوهري‪ -‬عبء القيام بالمر‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬مما يعني أن أعداًدا كبيرة من المسلمين‬


‫تسهم في تشويهه‪ ،‬وتستطيع في الوقت ذاته – لو أرادت – النهوض به‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إن بداية الطريق لرفع سوية هذا الخطاب وجعله ألصق بالحق وأقوم لله –‬
‫تعالى‪ -‬بالقسط‪ -‬وربما كانت تتمثل في أن نضع في أذهاننا جميًعا أن الواحد‬
‫منا بمجرد التصدي للوعظ والرشاد والمر والنهي‪ ،‬يضع قدمه على أرض‬
‫هشة وخطرة‪ ،‬حيث يعّرض نفسه للسحب من رصيد الحقيقة لحساب الرغبة‬
‫في التأثير في الناس والعدول بهم إلى الطريق الصحيح‪ .‬وحين يترسخ هذا‬
‫المعنى في نفوسنا وعقولنا فإنه يكون قادًرا على توليد حاسة جديدة نتلمس‬
‫من خللها أشكال الزيف وضروب الزيغ‪.‬‬
‫‪-3‬الخطاب التبليغي ينقل رسالة‪ ،‬ويحاكم الحياة العامة إلى نموذج إسلمي‬
‫نقي وسام مستمد من نصوص الكتاب والسنة وحياة السلف الصالح‪،‬‬
‫ومقتبس من الصور الزاهية للنجاحات السلمية في كل زمان ومكان‪ .‬وله‬
‫دور جوهري وعظيم في بقاء السلم حّيا في النفوس وفي تنمية النزعة نحو‬
‫التعالي القيمي والخلقي لدى المسلمين في أصقاع الرض‪ ،‬لكن لصعوبة‬
‫تقدير حجم المسافة التالة التي يجب أن تفصل بين المثال والواقع‪ ،‬وما هو‬
‫كائن وما ينبغي أن يكون‪ ،‬فإن الخطاب التبليغي مصاب بالنزوع إلى مثالية‬
‫مفرطة في قراءة النموذج السلمي الذي يمكن لمعظم الناس أن يكيفوا‬
‫حياتهم معه‪ ،‬كما أنه مصاب بالمثالية الزائدة في قراءة الواقع التاريخي حيث‬
‫يتم أخذ الناس بالعزيمة‪ ،‬كما يتم تصوير حياة السلف بناء على تتبع سير‬
‫رجال محدودين ل يشكلون أكثر من ‪ %1‬من السابقين‪ .‬وبناء على الفراط‬
‫في هذا أو ذاك‪ ،‬فإن لدى كثير من حملة الخطاب التبليغي شعوًرا بالمرارة‬
‫الشديدة من انحراف مسلمي عصرنا وتنكبهم لجادة الستقامة‪ .‬وهذا جعل‬
‫ذلك الخطاب يتشح بوشاح من اليأس والحباط‪ ،‬وينعكس ذلك باستمرار في‬
‫صور صارخة من التقريع واللوم والعتب‪ .‬وهذا مع مخالفته لهدي النبي –‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬في الحث على التبشير والبعد عن التنفير؛ فإنه يزرع‬
‫عا من الضيق من سماع‬ ‫عا من احتقار الذات ونو ً‬ ‫في نفوس الناس نو ً‬
‫القائمين على أمور الوعظ والرشاد‪.‬‬
‫قا يجب‬ ‫شا ضي ً‬‫إن بين تعريف المسلمين بواقعهم وبين تنفيرهم وتيئيسهم هام ً‬
‫إدراكه بعناية‪ .‬وإن التشجيع واللغة اللطيفة والقول اللّين تستخرج أنبل ما في‬
‫نفوس الناس من معاني الستجابة والندفاع للعمل‬
‫خطاب تبليغي ‪2/2‬‬
‫د‪ .‬عبدالكريم بكار ‪6/1/1425‬‬
‫‪26/02/2004‬‬
‫‪-4‬في ظل موجات اللهو وفي ظل الدفق الثقافي الهائل الذي يتعرض له‬
‫الجمهور السلمي صارت معرفة الناس بأمور دينهم آخذة في التقهقر وصار‬
‫من المهم بمكان التركيز على )المعرفة الفقهية( ول سيما الحكام المتعلقة‬
‫كل في كل الحوال‬ ‫بالسلوك الشخصي للمسلم‪ .‬إن الفقه في الدين يش ّ‬
‫فضيلة من الفضائل الكبرى وبابا ً عريضا ً من أبواب الخير‪.‬‬
‫وقد قال – صلى الله عليه وسلم‪ " : -‬من يرد الله به خيرا ً يفقهه في الدين"‪.‬‬
‫إن من المهم جدا ً أن تشكل معرفة الحلل والحرام قاعدة الثقافة لدى‬
‫الجماهير المسلمة من أجل تأسيس وعي مرتبط بالشريعة الغراء وتأسيس‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وازع داخلي يوجه سلوك المسلم في سره وعلنه‪ .‬وإن خطبة الجمعة تشكل‬
‫فرصة ذهبية لمثل هذا التثقيف‪ .‬ولو أن الخطيب عرض في الخطبة الثانية‬
‫حكما ً فقهيا ً مما تمس حاجة الناس إليه لفاد الناس بمعرفة نحو من مئتين‬
‫وستين مسألة في خمس سنوات وهذا يشكل خلفية فقهية جيدة إذا تم‬
‫اختيار تلك الحكام بعناية‪.‬‬
‫كل‬‫إننا ل ننتبه أحيانا ً إلى أن الناس يتقبلون الحكام الفقهية وكل ما يش ّ‬
‫معطيات علمية ثابتة أكثر من تقبلهم للوعظ والرشاد الذي يمنح المتحدث‬
‫نوعا ً من التفوق المباشر عليهم‪ .‬كما أن الحديث في المور الفقهية – بوصفها‬
‫أموًرا بعيدة عن التقدير الشخصي‪ -‬يمنح المتحدث مصداقية لدى المستمعين‬
‫أعلى من المصداقية التي ينالها الوعاظ‪.‬‬
‫‪ -5‬اعتدال الخطاب التبليغي شيء جوهري‪ ،‬فعمل الداعية أشبه بعمل‬
‫الطبيب الذي يرى أن من الضروري أن يطلع المريض على علته‪ ،‬وأن يدله‬
‫على الترياق‪ ،‬ويفتح أمامه باب المل في الشفاء‪ .‬وهذا في الحقيقة ينطوي‬
‫على موازنة دقيقة؛ فحين يكون تناول الدواء مزعجا ً ومكلفا ً فإن الناس‬
‫يعرضون عنه‪ .‬وحتى ل يعرضوا عنه فإن عليك أن توضح أهميته بالنسبة‬
‫إليهم‪ .‬ول تستطيع بلوغ ذلك ما لم تبين لهم خطورة الداء الذي لديهم‪ ،‬وحين‬
‫تفعل ذلك فإنك تعرضهم للشعور باليأس والحباط؛ وهذا ما يجعلهم يعرضون‬
‫عن الدواء!‪.‬‬
‫قد يكون من المفيد في هذا أن نقرن الحديث عن الزمات بالحديث عن‬
‫الحلول الممكنة لها‪ ،‬وأن نحاول دائما ً عدم تضخيم المور؛ فاللغة بسبب‬
‫عجزها الظاهر عن تحديد الصفات والكيفيات تغرينا بالمبالغة‪ ،‬إذ يمكن دائما ً‬
‫أن نصف كثيرا ً من الحداث بأنه نكبة أو كارثة كبرى‪.‬‬
‫وسيظل بث روح المل والستبشار بالتقدم والزدهار أقرب إلى روح‬
‫الشريعة الغراء وأعون للناس على النهوض‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪-6‬يحتاج صانعو الخطاب التبليغي إلى إغنائه بالمفاهيم والفكار التي تدل‬
‫الناس على دورهم الشخصي في الحياة‪ .‬في العقود الخمسة الماضية – على‬
‫القل‪ -‬كان لدينا تركيز مبالغ فيه على المقولت الصلحية العامة‪ ،‬حيث كانت‬
‫هموم المة تسيطر علينا سيطرة كبيرة‪ ،‬وكان ذلك ينعكس بصورة مباشرة‬
‫على خطابنا التبليغي‪ ،‬وصار من المألوف أن يتحدث الخطباء أمام العامة عن‬
‫انكسارات المة وسيطرة العداء عليها وسلبهم لخيراتها‪ ،‬كما صار من‬
‫المألوف المقارنة بين أحوال السلف وما نالوه من المنعة والتمكين وبين‬
‫أحوالنا وما نحن فيه من ضعف واستلب‪ .‬ولم نخرج من ذلك بأي شيء ذي‬
‫قيمة سوى إشاعة الحباط وتوفير مادة لجلد الذات!‪.‬‬
‫إن الحديث عن هموم المة وعن الصلحات الكبرى والشاملة ينبغي أن يظل‬
‫–إلى حد بعيد‪ -‬في نطاق الخطاب الصفوي النخبوي‪ .‬أما الخطاب التبليغي‬
‫فالولى به الهتمام بدللة الناس – على نحو مفصل ومسهب‪ -‬على ما عليهم‬
‫عمله للرتقاء بذواتهم وتحسين كفاءاتهم ومهاراتهم‪ ،‬وما عليهم عمله‬
‫لتحسين صلتهم بالله – تعالى‪ -‬وتحسين علقاتهم بعضهم مع بعض‪ ،‬وكل ما‬
‫يمكن أن نطلق عليه )الخلص الشخصي( ‪.‬‬
‫إن المجال الخاص هو مجال التأثير الحقيقي للنسان العادي؛ ومن المهم أن‬
‫يتعلم كيف يتحرك في ذلك المجال‪ .‬إن الناس في حاجة إلى من يعّلمهم‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كيف يوجهون إدراكهم‪ ،‬ويسيطرون على رغباتهم‪ ،‬ويحافظون على أوقاتهم‪،‬‬


‫ويديرون الموارد والمكانات المحدودة التي في حوزتهم وينبغي أن يكون هذا‬
‫من المهام الجوهرية للخطاب التبليغي‪.‬‬
‫‪-7‬الحصيلة اللغوية لدى العامة وأشباههم ضئيلة‪ ،‬وهذا يعني أن جهاز التفكير‬
‫لديهم سيكون ضعيفًا‪ ،‬كما أن آفاق الفهم والستدلل تكون لديهم أيضا ً‬
‫محدودة‪ .‬وهذا يملي على صانعي الخطاب التبليغي العديد من المهمات‪ ،‬أذكر‬
‫منها التي‪:‬‬
‫أ‪-‬إثراء ذلك الخطاب بالتشبيهات والمثلة الحسية‪ .‬وفي القرآن الكريم وفي‬
‫السنة النبوية الكثير من ذلك‪ .‬إن التشبيه ينقل الدراك من معالجة أمر‬
‫معنوي إلى معالجة أمر مادي ملموس‪ .‬وإدراك المحسوس أسهل بكثير من‬
‫إدراك المجرد والمعنوي‪ .‬وكثير من الخطباء اللمعين والمتحدثين المؤثرين‬
‫صاروا كذلك بسبب وفرة المثلة والتشبيهات الحسية التي يستخدمونها‪.‬‬
‫شبه والمآخذ التي يوردها المخالفون وأعداء السلم؛ إذ‬ ‫ب‪-‬البعد عن ذكر ال ّ‬
‫ما الذي سيستفيده الناس إذا حدثناهم عن شبهة انتشار السلم بالسيف أو‬
‫شبهة الرق في السلم‪ ...‬وهم لم يسمعوا بكل ذلك‪ ،‬ول ينظرون إليه على‬
‫أنه يثير إشكالية لديهم‪ .‬إن الخطاب الصفوي هو المجال الحقيقي لتداول هذه‬
‫القضايا‪ .‬ونحن حين نثير الشبه أمام الناس نضع السلم في موقف دفاعي‪،‬‬
‫هو في غنى عنه‬
‫كما أن هناك احتمال ً لن تعلق الشبهة في أذهان الناس بسبب ضعف الرد‬
‫المستخدم في تفنيدها‪ .‬وقد وصف بعض أهل العلم الفخر الرازي في‬
‫تفسيره بأنه يسوق الشبه نقدًا‪ ،‬ويرد عليها نسيئة‪.‬‬
‫كتب حول الشبه أسفه لذلك‪ ،‬وقال‪ :‬لو استقبلت‬ ‫وقد سمعت من أحد من َ‬
‫من أمري ما استدبرت ما كتبت ذلك الكتاب‪ .‬نعم حين يتحدث الناس عن أمر‬
‫مغلوط في مجالسهم ومسامراتهم‪ ،‬ل يبقى لنا خيار سوى الحديث فيه‪.‬‬
‫ج‪-‬البعد عن الخلفيات والتفريعات الدقيقة والتعليلت المتعمقة شيء‬
‫أساسي في الخطاب التبليغي‪ .‬إن العامي ل مذهب له‪ ،‬ومذهبه مذهب مفتيه‪،‬‬
‫وينبغي أن تكون الفتوى على قدر السؤال وعلى قدر الحاجة‪ ،‬وذكر الخلفيات‬
‫– من غير حاجة‪ -‬يؤسس لدى العامة لعقلية التساهل؛ لنهم ل يعرفون موارد‬
‫الختلف وأسبابه الموضوعية‪ .‬وذكر التفريعات يربك وعيهم‪ ،‬ويتسبب في‬
‫إدخال الوهام عليهم‪.‬‬
‫د‪-‬إن بساطة التفكير لدى العامة تجعل الطريق إلى تغيير سلوكهم يمر‬
‫أساسا ً على القلب‪ ،‬وليس على العقل‪ ،‬فلغة المشاعر والرواح مفهومة‬
‫لديهم أكثر من لغة المنطق والبراهين‪ .‬وإن من المهم لكسب عقول الناس‬
‫أن نكسب قلوبهم‪ .‬وهذا يتطلب أن يكونوا أثناء مخاطبتهم في وضع نفسي‬
‫مريح‪ .‬ولعل مما يساعد على ذلك أن نخفف من مستوى الجدية في كلمنا‪،‬‬
‫وذلك بأن نضفي عليه مسحة خفيفة من الطرفة والدعابة‪ .‬وقد كان – صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬كثير التبسم‪ ،‬كما كان يمازح أصحابه‪ ،‬ويقبل ممازحتهم‪ ،‬كما‬
‫كان يضحك لضحكهم‪ ،‬ويعجب مما يعجبون منه‪ .‬إن المسلمين مثقلون بأنواع‬
‫الهموم‪ ،‬وهم في حاجة إلى درجة من التفريج العصبي‪ ،‬وعلينا أن نتيح لهم‬
‫دث تواصل ً بين المتحدث وسامعيه أشبه بالتفاعل‬ ‫ذلك‪ .‬إن الطرفة ُتح ِ‬
‫الكيميائي‪ ،‬وإن عيون الناس حين يضحكون من طرفة سمعوها تلمع بمشاعر‬
‫المتنان لمن أضحكهم‪ .‬كما أن الطرفة تكسر الحاجز النفسي الذي يصنعه‬
‫موقف الخطيب والواعظ‪ ،‬وهذا ضروري للتأثير في الناس‪.‬‬
‫سة إلى الكثير من البحث والتداول في خصائص‬ ‫إنني أعتقد أن حاجتنا ما ّ‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخطاب النخبوي والخطاب التبليغي إذا ما كنا نريد فعل ً للجهود الدعوية‬
‫والصلحية أن تؤتي ثمارها على المستوى المطلوب‪.‬‬
‫والله ولي التوفيق‪،‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫خطاب مفتوح إلى د ميكلوش مورانى المستشرق اللماني‬


‫د‪.‬إبراهيم عوض‬
‫‪ibrahim_awad9@yahoo.com‬‬
‫الستاذ الدكتور ميكلوش مورانى‪ ،‬بعد التحية‪:‬‬
‫دعانى الستاذ عبد الرحمن الشهرى المشرف على موقع "شبكة التفسير‬
‫والدراسات القرآنية" )‪ (tafsir.net‬بمبادرة كريمة منه‪ ،‬بعد تعارفنا منذ أيام‬
‫قلئل من خلل البريد المشباكى‪ ،‬إلى أن أشترك فى الملتقى العلمى‬
‫للشبكة المذكورة‪ ،‬لفًتا نظرى إلى الحوار الذى أجرته الشبكة مع سيادتك‪.‬‬
‫وقد أثارت إجاباتك على أسئلة الحوار عقلى فأخذت أقلب الفكر فيه وأتصور‬
‫أننى جالس معك أناقلك الرأى وأبادلك الحجة فنختلف تارة ونتفق أخرى‪ .‬ثم‬
‫بدا لى أن أكتب هذا الذى دار فى ذهنى ثم أنشره على الناس فى هيئة‬
‫ت أنت صاحب الفضل الول‬ ‫رسالة تطالعها سيادتك مع سائر القراء‪ ،‬وإن كن َ‬
‫فى كتابتها والمقصود رقم واحد بها‪ .‬وها هى ذى الرسالة المذكورة بين يديك‪،‬‬
‫ولسوف ترى أنى ركزت هنا على نقطتين ل غير‪ ،‬والسبب فى ذلك أنى لم‬
‫أجد تقريبا فى باقى كلمك ما يمكن أن يكون موضع أخذ ورد بيننا‪ ،‬أو على‬
‫القل‪ :‬لن يكون حوله خلف كبير‪.‬‬
‫ة‬
‫وقد جاء فى كلمك أن "المستشرق هو الباحث الذي ُيحاول دراس َ‬
‫مها على المستوى الجامعي الكاديمي‪ .‬وما نحن‬ ‫الحضارات الشرقية وتفهّ َ‬
‫مجال هو الستشراقُ بمعناه الصلي والكاديمي‪ :‬دراسة‬ ‫بصدده في هذا ال َ‬
‫سا‬ ‫َ‬
‫الحضارة السلمية بصورة عامة‪ ،‬ودراسة العلوم السلمية باعتبارها أسا ً‬
‫ن هذا المجا َ‬
‫ل‬ ‫جميع مستويات الحياة العامة‪ .‬إذا ً فإ ِ ّ‬ ‫لهذه الحضارة على َ‬
‫واسعٌ ‪ ،‬يشمل جميع فروع العلم‪ :‬الفلسفة‪ ،‬الدب على مختلف فنونه‪ ،‬الشعر‬
‫من العصر الجاهلي إلى الشعر الحديث‪ ،‬الطب وعلومه وغير ذلك‪ .‬ولن يتَأتى‬
‫للمستشرق الوصول إلى تائج سليمة وعلمية في هذا المضمار ما لم ُيتقن‬
‫لغات هذه الحضارة العظيمة‪ :‬العربية‪ ،‬وهي اللغة الساسية والمنطلق‬
‫ضا اللغة الفارسية واللغة العثمانية‬ ‫الرئيس للدراسات السلمية والعربية‪ ،‬وأي ً‬
‫ة‬
‫التركية‪ .‬وإلى جانب ذلك هناك تخصصات في الستشراق تتطلب معرف َ‬
‫ص في الفلسفة والكلم‬ ‫ص َ‬ ‫ن تخ ّ‬ ‫م ْ‬
‫اللغة الحبشية واليمنية القديمة ولهجاتها‪ .‬و َ‬
‫فعليه دراسة اللغة اليونانية القديمة‪ ،‬وُيمكن دراسة جميع هذه اللغات في‬
‫مختلف المعاهد الستشراقية في ألمانيا حسب تخصصها‪ .‬وكثيًرا ما يستخدم‬
‫دلي‬ ‫نك ّ‬ ‫العلم مصطلح "المستشرق" في غير موضعه‪ ،‬فيزع َ‬
‫ل فرد ٍ ي ُ ْ‬ ‫مأ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫دلي بدلوهِ في المور‬ ‫ي‪ ،‬أو ي ُ ْ‬ ‫برأيه في شؤون العالم العربي والسلم ّ‬
‫ما‬
‫صحفّيا‪ ،‬أو عال ً‬ ‫مستشرًقا حتى ولو كان َ‬ ‫السياسيةِ في الشرق الوسط ُيعتبُر ُ‬
‫ق باللغة العربية‪ ،‬وهذا غير صحيح"‪.‬‬ ‫في العلوم الجتماعية‪ ،‬أو سياسّيا غير ناط ٍ‬
‫)‪(1 /‬‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والن اسمح لى أن أختلف معك فى تحديدك للمستشرق‪ ،‬إذ أراك تشترط أن‬
‫يكون أستاذا جامعيا‪ ،‬مع أن هذا ليس بلزم‪ ،‬فضل عن أن الواقع خلف ذلك‪.‬‬
‫ة‬
‫ة وديًنا وسياس ً‬ ‫والمهم أن يكون محور اهتمام الباحث هو دراسة الشرق لغ ً‬
‫ت وتقاليد َ وزعماَء وعلماَء‪...‬إلخ‪ ،‬ثم ل‬ ‫ة وأدًبا وعادا ٍ‬ ‫خا وجغرافي ً‬ ‫واقتصاًدا وتاري ً‬
‫عليه بعد هذا إن كان أستاذا فى الجامعة أو صحافيا أو سفيرا أو وزيرا أو‬
‫رحالة أو فنانا أو حتى جاسوسا‪ .‬المهم أن يكون مهتما بالشرق وبدراسة‬
‫ب‬‫الشرق ماضيا أو حاضرا أو مستقبل‪ ،‬وأن يقرأ عن الشرق ويعرف ما ك ُت ِ َ‬
‫عنه ويحتك به‪ ...‬وهكذا‪ ،‬مع ملحظة أن الشرق فى حالتنا الن هو الشرق‬
‫جْرنا ما جعله الله لّينا‪ ،‬فأين‬ ‫ح ّ‬‫السلمى بطبيعة الحال‪ .‬أما إذا ضّيقنا واسعا و َ‬
‫نضع أشخاصا كواشنطن إرفنج أو جورج سيل أو إدوارد لين أو ريتشارد‬
‫بيرتون أو جرترود بل أو بلنت أو كرومر أو محمد أسد أو أسد بك أو‬
‫مارمادوك بكثال أو مارتن لنجز أو ديزموند ستيوارت أو مراد هوفمان أو‬
‫روجيه جارودى أو روبرت فيسك أو الجنرال دوتى أو إتيين دينيه أو جينو أو‬
‫موريس بوكاى على سبيل المثال؟ إن كلمك ل يعنى إل أن فى الستاذ‬
‫الجامعى سّرا إلهّيا ل يتوفر لغيره‪ ،‬مع أن الذكاء والعلم والهتمام والمقدرة‬
‫على النجاز فى هذا المجال متاحة للجميع كما يقول الواقع والتاريخ‪ .‬بل إن‬
‫المؤلفات التى خّلفها وراءه هذا النوع غير الكاديمى من المستشرقين ل تقل‬
‫أهيمة عن الستشراق الكاديمى فى التعريف بالشرق‪ ،‬إن لم تزد‪ .‬ذلك أن‬
‫الشرق ليس كتبا قديمة أو تاريخا ماضيا أو أدبا فقط‪ ،‬وهذا بافتراض أن‬
‫س‬
‫ة وملب ُ‬ ‫المستشرق الصحفى مثل ل يهتم بهذه الشياء‪ ،‬بل هو شوارعُ وأبني ٌ‬
‫ل‬‫ة‪ ،‬وآما ٌ‬ ‫ة معاصر ٌ‬‫ث حي ّ ٌ‬ ‫ة من كل لونٍ‪ ،‬وأحدا ٌ‬ ‫ت يومي ٌ‬
‫ة‪ ،‬وتعامل ٌ‬ ‫وأطعم ٌ‬
‫ت للمستقبل‪...‬مما ل يهتم به المستشرق الجامعى عادة‪،‬‬ ‫ت وتخطيطا ٌ‬ ‫وتطلعا ٌ‬
‫بخلف المستشرق الرحالة أو المستشرق السياسى وأمثالهما‪ .‬من الممكن‬
‫أن نقول إن هناك استشراقا جامعيا‪ ،‬واستشراقا سياسيا‪ ،‬واستشراقا‬
‫صحفيا‪...‬وهلم جرا‪ ،‬أما أن نقول إن الستشراق ل يكون إل جامعيا‪ ،‬فماذا‬
‫نفعل إذن يا ترى بغير الجامعيين ممن يكتبون عن الشرق ويهتمون به‪ ،‬ولهم‬
‫م يلقى الضوء على الشرق ويبحث فى ثقافته وتاريخه وحاضره‬ ‫ج مه ّ‬ ‫نتا ٌ‬
‫وأوضاعه وسائر قضاياه؟ كذلك اسمح لى أن أنبه القراء إلى أن العربية‬
‫والفارسية والتركية‪ ،‬رغم أهميتها وتفوقها فى مجال الستشراق على غيرها‬
‫من لغات المنطقة‪ ،‬ليست هى كل ما يحتاجه المستشرق السلمى‪ ،‬إذ هناك‬
‫الوردية والبنغالية واللغات الفريقية التى يتكلمها المسلمون من غير‬
‫الشعوب التى تتحدث وتكتب باللغات الثلث المذكورة‪ .‬إننى قد أفهم‬
‫اقتصارك فى حديثك هنا على أنه رغبة فى اختصار الكلم‪ ،‬ول أظنك تقصد أن‬
‫اللغات الخرى التى يتكلمها ويكتب بها المسلمون الخرون ل تهم‬
‫ث‬‫ق جاد ّ الترا َ‬ ‫قل أن يهمل أىّ مستشر ٍ‬ ‫المستشرق فى شىء‪ ،‬وإل فهل ي ُعْ َ‬
‫الذى تركه علماء كأبى العلى المودودى أو مولنا عبد الماجد دريابادى أو‬
‫مولنا أبو الكلم أزاد أو حتى كاتبة كتسليمة نسرين؟ لكننى رغم هذا أوافقك‬
‫دلي برأيه في شؤون العالم‬ ‫ل فرد ٍ ي ُ ْ‬ ‫تماما فى النكار على من يزعمون أن "ك ّ‬
‫العربي والسلمي‪ ،‬أو ُيدلي بدلوهِ في المور السياسيةِ في الشرق الوسط‬
‫ما في العلوم الجتماعية أو‬ ‫صحفّيا أو عال ً‬ ‫مستشرًقا‪ ،‬حتى ولو كان َ‬ ‫ُيعتبُر ُ‬
‫ق باللغة العربية"‪ ،‬وهذا نص كلمك‪ .‬إل أن هذا غير ذاك كما‬ ‫سياسّيا غير ناط ٍ‬
‫ترى!‬
‫وجواًبا على السؤال التالى‪":‬كيف يمكن تلخيص طبيعة الفهم الستشراقى‬
‫للقرآن الكريم‪ ،‬وتوثيق القرآن عند المستشرقين؟ وهل يختلف هذا الفهم عن‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬
‫قرآ ِ‬ ‫ي لل ُ‬
‫ت إن "الفهم الستشراق ّ‬ ‫الفهم للقرآن عند الباحثين المسلمين؟" قل َ‬
‫ة‪،‬‬
‫ة‪ ،‬والباحثين المسلمين خاص ً‬ ‫ه عند َ المسلمين عام ً‬ ‫ف عن ُ‬ ‫ل الختل ِ‬ ‫ف كُ ّ‬ ‫يختل ُ‬
‫ي‬ ‫َ‬
‫ن الطرفين السلم ّ‬ ‫ح التعبيُر‪ ،‬بي َ‬ ‫نص ّ‬ ‫دا إ ْ‬
‫وذلك ما أثاَر َتوت ًّرا‪ ،‬بل حق ً‬
‫مه ل ينطلقُ من‬ ‫علو‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫القرآ‬ ‫ص‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫يدر‬ ‫الذي‬ ‫ن المستشرقَ‬ ‫ي‪ .‬إ ّ‬ ‫ُ‬
‫ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫والوروب ّ‬
‫من‬ ‫َ‬ ‫الحقيقةِ المطلقةِ لدى المسلمين أ َ ّّ‬
‫ه ِ‬ ‫من َّزل‪ ،‬أي ل يدرس ُ‬ ‫ي ُ‬ ‫ص وح ٌ‬ ‫ن هذا الن ّ‬
‫ل في باب‬ ‫جميع ما يدخ ُ‬ ‫من َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن زاوية العلم ِ المنفص ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن‪ ،‬بل ِ‬ ‫زاويةِ اليما ِ‬
‫معاييرِ علوم ِ‬ ‫قا ل ِ َ‬‫ي ِوف ً‬ ‫ص القرآن ّ‬ ‫ة‪ .‬الستشراقُ ُيعالج الن ّ‬ ‫اليمان والعقيد ِ‬
‫ن‬‫ص القرآ ِ‬ ‫نن ّ‬ ‫ن القو ُ‬
‫ل‪ :‬إ ِ ّ‬ ‫من هنا ُيمك ُ‬ ‫قا لعلوم التأريخ‪ ،‬ف ِ‬ ‫ة‪َ ،‬ووف ً‬ ‫ت العام ِ‬ ‫الديانا ِ‬
‫ً‬
‫ق ليس إ ِل ّ وثيقة تاريخية َثمينة‪ ،‬باعتباره مبدأ أساسّيا في‬ ‫في رأي الستشرا ِ‬
‫إيمان المسلمين وعقيدتهم‪ .‬وهذا ما ينبغي على الباحث المسلم مراعاته عند‬
‫القراءة في دراسات المستشرقين أو مناقشتهم حتى ل يحصل الخلل في‬
‫الفهم والنتائج"‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ولى هنا تعليق أرجو أن يتسع صدرك له‪ ،‬أل وهو أن الباحثين المسلمين ل‬
‫تفوتهم هذه الملحظة أبدا‪ ،‬وإل فهل تستطيع أن تتذكر أن أحدهم مثل قد‬
‫عرض عليك ذات مرة الدخول فى السلم؟ ل أظن أن هذا قد حصل‪ ،‬وحتى‬
‫لو كان حصل فهو أمر نادر بل شاذ ل يقاس عليه كما تعرف‪ .‬ومعنى هذا أنهم‬
‫يسّلمون باختلف وجهات النظر‪ ،‬وهذا راجع فى الساس إلى ما جاء فى‬
‫ل‬ ‫القرآن الكريم من أن كل أهل دين أو شريعة أو مذهب حتى الذين ض ّ‬
‫سعُْيهم فى الحياة الدنيا "يحسبون أنهم يحسنون صنعا" )الكهف‪ ،(104 /‬ومن‬ ‫َ‬
‫سّبوا‬‫ُ‬ ‫في‬ ‫الله‬ ‫دون‬ ‫من‬ ‫عون‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫د‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫الذين‬ ‫بوا‬ ‫ّ‬ ‫س‬
‫ُ‬ ‫ت‬ ‫"ول‬ ‫عملها‪:‬‬ ‫لها‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ز‬
‫ُ‬ ‫قد‬ ‫أمة‬ ‫كل‬ ‫أن‬
‫ه عَد ًْوا بغير علم‪ .‬كذلك زي ّّنا لكل أمةٍ عملهم‪ .‬ثم إلى ربهم مرجعهم‬ ‫الل َ‬
‫ضا‬ ‫فينّبئهم بما كانوا يعملون" )النعام‪ ،(108 /‬وراجع إلى قوله سبحانه أي ً‬
‫ره‬ ‫ن فى الرض كّلهم جميعا‪ .‬أفأنت ت ُك ِ‬
‫ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مخاطًبا نبّيه‪" :‬ولو شاء ربك لمن َ‬
‫س حتى يكونوا مؤمنين؟" )يونس‪" ،(99 /‬ولو شاء ربك لجعل الناس أمة‬ ‫النا َ‬
‫م رّبك‪ ،‬ولذلك خلقهم" )هود‪/‬‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫م ْ‬‫واحدة‪ .‬ول يزالون مختلفين* إل َ‬
‫‪...(119‬إلخ‪ .‬كما أنهم مأمورون من دينهم أل يحاولوا فرضه على أحد‪.‬‬
‫على أن هذا ل يمنع أنهم يفرحون بمن يعتنق دينهم‪ ،‬وهو شعور بشرى فطرى‬
‫حُبور حين ينجح فى كسب الخرين إلى صفه‬ ‫ل غبار عليه‪ ،‬وكل منا يحس بال ُ‬
‫فى أية قضية‪ ،‬بله أن تكون هذه القضية هى الدين! وفى كلمك فى هذا‬
‫الحوار الذى نحن بصدده ما يشى بفرحتك لنك استطعت أن تؤثر على‬
‫الدارسين العرب الذين يشتغلون معك حتى لقد أصبحوا ينظرون إلى‬
‫ت‪" :‬ما هي‬ ‫ص ما قل َ‬ ‫الحضارة السلمية من زاوية علمانية غير دينية‪ .‬وهذا ن ّ‬
‫الفائدةُ التي تترتب على هذه البعثات والدراسات في الكليات الوروبية؟!‬
‫وهل هناك حاجة تدعو إلى هذه البعثات من الدول السلمية؟! نعم‪ ،‬إ ِّننا‬
‫ة العلم ِ من الدول العربية لكي يشاركونا في‬ ‫ف طلب َ‬‫ل وُنضي َ‬ ‫لسعداُء َأن نقب َ‬
‫ف من حيث المنهجية عن‬ ‫ة‪ ،‬وهي في الغالب تختل ُ‬ ‫الدراسات السلمي ِ‬
‫ة والدراسة في‬ ‫ن القام َ‬
‫ل الختلف‪ .‬إ ّ‬ ‫ُ‬
‫الدراسات في الجامعات السلميةِ ك ّ‬
‫ن‬‫من يستطيع التمييَز بين المنهجي ِ‬ ‫ن مفيدة ً ل ِ َ‬ ‫المعاهد الستشراقية قد تكو ُ‬
‫ي كما‬ ‫ي كما في بعض الدول العربية والسلمية‪ ،‬والَعلمان ّ‬ ‫ن‪ :‬السلم ّ‬ ‫الِعلميي ِ‬
‫هي عندنا في أوربا‪ .‬لقد شاركني بعض الخوة من الدول العربية في أبحاثي‪،‬‬
‫ة‪،‬‬‫ت إسلمي ٍ‬ ‫ت من علمهم ل َّنهم كانوا من المتخرجين من جامعا ٍ‬ ‫وقد استفد ُ‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب اللديني من‬ ‫ن نفسهِ تعّلموا ِ‬


‫مّنا القترا َ‬ ‫م بدرجةٍ ما‪ ،‬وهم في ال ِ‬ ‫ولديهم إلما ٌ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫هذه الحضارة السلمية‪ ،‬التي ل َيشك في عَظمِتها أحد ٌ من المستشرقي َ‬
‫ن‬
‫المنصفين على المستوى الكاديمي‪ .‬والفائدة من هذه البعثات قد تكو ُ‬
‫ن‬
‫ة‪ ،‬ل ِ ْ‬
‫م‬ ‫ل المعرف ِ‬
‫ل البحث العلمي من أج ِ‬ ‫جد ّيّ في َ مسائ ِ‬‫ل ال ِ‬ ‫الحواَر المتباد َ‬
‫معاييرِ ِدينه"‪.‬‬ ‫ف الخرِ بأولويةِ َ‬ ‫ل إقناِع الطر ِ‬ ‫أج ِ‬
‫لكن أترانى أريد أن أقول إن المسلمين ل يضيقون حين ي ََرْون المستشرقين‬
‫والمبشرين يهاجمون القرآن؟ أكون كاذبا إذا أجبت باليجاب‪ ،‬إذ هم يضيقون‬
‫دا من جّراء هذا‪ ،‬لكن ل لنهم يريدون من المستشرق أو‬ ‫قا شدي ً‬ ‫بالفعل ضي ً‬
‫المبشر أن يشاركهم العتقاد بأن هذا القرآن من عند الله‪ ،‬بل لنهم ي ََرْون‬
‫أنهما ل يراعيان‪ ،‬فى كتاباتهما عنه‪ ،‬قواعد العلم والتفكير المنهجى السليم‪،‬‬
‫وأنهما قد دخل ميدان الدراسات القرآنية بني ّةٍ جاهزة هى التخطئة والنتقاد أيا‬
‫كان الوضع! هذا هو السبب‪ ،‬ول سبب غيره فى حدود علمى وملحظتى‪.‬‬
‫ت‪ ،‬فأنت تقول إن‬ ‫وفى كلمك ذاته ما يومئ بقوةٍ إلى صدق ما ذكر ُ‬
‫ة‪َ ،‬ووفقا ً‬ ‫ت العام ِ‬
‫معاييرِ علوم ِ الديانا ِ‬ ‫ي ِوفقا ً ل ِ َ‬ ‫ص القرآن ّ‬‫"الستشراق ُيعالج الن ّ‬
‫ق‬
‫ن في رأي الستشرا ِ‬ ‫ص القرآ ِ‬‫نن ّ‬ ‫ُ‬
‫ن القول‪ :‬إ ِ ّ‬ ‫من هنا ُيمك ُ‬ ‫لعلوم التأريخ‪ ،‬ف ِ‬
‫ً‬
‫ليس إ ِل ّ وثيقة تاريخية ثمينة‪ ،‬باعتباره مبدأ أساسّيا في إيمان المسلمين‬
‫َ‬
‫وعقيدتهم"‪ .‬معنى ذلك أنك تدخل الميدان‪ ،‬وفى ذهنك أن هذا النص غير‬
‫مقدس ول يمكن أن يكون مقدسا‪ ،‬على حين أن الحيادية العلمية تقتضيك أن‬
‫تدخل بقلب محايد يمكن أن يغير اتجاهه فى أى وقت تبعا لما يتكشف له من‬
‫ت إن العلم قد انتهى‬ ‫صا أنه الحقيقة‪ ،‬اللهم إل إذا قل َ‬ ‫الحقيقة أو ما يرى مخل ً‬
‫انتهاء مطلقا ل رجعة عنه ول مثنوية فيه إلى أن الديان‪ ،‬أو على القل‪ :‬إلى‬
‫أن السلم ل يمكن أن يكون صوابا‪ .‬فهل يمكنك بوصفك رجل عالما أن تجزم‬
‫بهذا؟ وحتى لو كان بعض العلماء الطبيعيين يقولونه‪ ،‬بل لو افترضنا‬
‫المستحيل وقلنا إن جميع العلماء الطبيعيين يقولون به‪ ،‬أَويمكنك أنت أو‬
‫غيَرك أن تقطع بأن هذه هى الحقيقة المطلقة‪ ،‬وضميرك مطمئن؟ إن المر‬
‫ى! وعلى كل حال فليس هناك ما يقطع بأن‬ ‫فى أسوإ حالته لهو أمٌر خلف ّ‬
‫الرسول محمدا لم يكن فعل رسول من عند رب العالمين‪ .‬وبطبيعة الحال أنا‬
‫ل أتكلم هنا عن كل المستشرقين بل على قطاع منهم‪ ،‬وإن لم يكن هذا‬
‫القطاع صغيرا بالمناسبة‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ثم إن كثيرا من العلماء الغربيين يدخلون السلم رغم كل الهوان والخزى‬


‫الذى يحيط بالمسلمين من كل جانب فى هذا العصر العجيب! فلم ل يضع‬
‫المستشرق من هؤلء فى ذهنه منذ البداية أنه مقبل على دراسة دين يمكن‪،‬‬
‫رغم كل شىء‪ ،‬أن يتضح أنه دين حق! ونحن‪ ،‬والحمد لله‪ ،‬أكبر من أن نتصور‬
‫سْبق محمد لنا فى التاريخ وانتماءه إلى مجتمع بدوى متخلف أشواطا‬ ‫أن َ‬
‫هائلة عن مجتمعاتنا المعاصرة‪ ،‬وبخاصة المجتمعات الغربية الصناعية‪،‬‬
‫وغان النظر باستهانة إلى التعاليم والعقيدة والقيم التى أتى بها‪ ،‬فما هكذا‬‫يس ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يفكر العلماء! وإل لن َأى واحد مثلى بعِطفه عن دين محمد جانبا )وعن الديان‬
‫الخرى من باب الولى(‪ ،‬وشمخ بأنفه عاليا‪ ،‬لنه تعلم تعليما جامعيا راقيا‪،‬‬
‫وسافر إلى أوربا ودرس فى أحسن جامعاتها حتى حصل على الدكتورية‪ ،‬ثم‬
‫ترّقى إلى الستاذية بعد ذلك‪ ،‬وقرأ آلف الكتب‪ ،‬ويعرف بعض اللغات‪ ،‬وله‬
‫شا" ول يجوز‬ ‫عدد غير قليل من الكتب‪...‬إلى آخر هذا الكلم الذى ل يؤ ّ‬
‫كل "عَي ْ ً‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إل فى عقول الحمقى والمغفلين الذين أعوذ بالله أن أكون واحدا منهم!‬
‫ظ" فى الشهادات الجامعية‬ ‫ظ" وأ َْلف "ط ُ ْ‬ ‫فمحمد‪ ،‬إذا كان رسول حقا‪ ،‬فـ"ط ُ ْ‬
‫صلها النسان إذا أوعزت إليه‬ ‫واللقاب العلمية والمعارف المختلفة التى ح ّ‬
‫ن‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫وإل‬ ‫بسبيله‪،‬‬ ‫كنا‬ ‫ما‬ ‫إلى‬ ‫فر برسوله‪ .‬لكن فلن َعُ ْ‬
‫د‬ ‫الك ِْبر على دين الله والك ُ ْ‬
‫دعائى المنفرد‪ ،‬مع أنى ل‬ ‫أنى أنتهز الفرصة لدخل فى فاصل من العزف ال ّ‬
‫أحسن الدعوة إلى الدين رغم أنه شرف‪ ،‬وأى شرف! وعلى كل حال فلست‬
‫ت من قبل‪ ،‬أن أحدا من الباحثين‪ ،‬أو حتى المثقفين‪ ،‬العرب أو‬ ‫أذكر‪ ،‬كما أشر ُ‬
‫المسلمين بوجه عام قد فكر فى دعوة نظير له إلى اعتناق دين الرسول‬
‫الكريم‪ ،‬اللهم إل المرحوم أحمد حسين زعيم "مصر الفتاة"‪ ،‬الذى وجه‬
‫رسالة مفتوحة فيما أذكر إلى "الحاج محمد هتلر" شيخ عموم قبائل جرمانيا‬
‫ن لم ينزل بالعرب‬ ‫فا منه أ ْ‬
‫ما ولط ً‬ ‫العظمى‪ ،‬الذى صّنف أمم العالم فكان كر ً‬
‫إلى مستوى الحيوانات‪ ،‬بل وضعهم هم واليهود قبل الكلب وسائر العجماوات‬
‫بدرجة! والله فيه الخير! ولذلك ل ترانا ننبح مثل الكلب كما لعلك لحظت‬
‫أثناء دراستك فى مصر عندما كنت تترك المحاضرات فى الجامعة وتحت ّ‬
‫ك‬
‫بالناس فى الشوارع والدكاكين كى تتأكد أن عدم النباح ليس مقصورا على‬
‫ة خارج المعاهد العلمية! ولقد‬ ‫المتعلمين وحدهم‪ ،‬بل يشمل كذلك العام َ‬
‫استطاع اليهود أن يأخذوا حقهم ثالًثا ومثل ًّثا من اللمان وما زالوا وسوف‬
‫يظّلون يستنزفون اللمان ودم المان إلى أن يقضى الله أمرا كان مفعول‪،‬‬
‫س هُْبل‬ ‫س على نياتنا‪ :‬كلمة تؤّدينا‪ ،‬وكلمة تجىء بنا! أو بالبلدى‪ :‬نا ٌ‬ ‫أما نحن فنا ٌ‬
‫)مقلوب "ب ُْله" كما يقولون(!‬
‫ما علينا من هذا كله! نعود لما كنا فيه مرة أخرى‪ :‬كنا نقول إن الباحثين‬
‫العرب والمسلمين‪ ،‬حين يعيبون المستشرقين لنتقادهم القرآن‪ ،‬ل يفعلون‬
‫ذلك لنهم يريدون منهم أن يؤمنوا بأنه كتاب سماوى مثلما يؤمنون هم‪ ،‬بل‬
‫لنهم يرون أنهم إنما يدخلون الميدان وقد شمروا عن ساعد التخطئة بأية‬
‫وسيلة‪ ،‬على طريقة الذئب الذى خرج إلى جدول الماء‪ ،‬وهو مصمم أل يرجع‬
‫إلى أولده إل باثنين ثلثة كيلو ضأن‪ .‬لزوم الموسم‪ ،‬كل سنة وأنت طيب‪ ،‬فقد‬
‫كانت ليلة النصف من شعبان أو شيئا من هذا القبيل! وأنت تعرف باقى‬
‫القصة‪ ،‬فل داعى للمضى فيها‪ .‬ستقول لى‪ :‬أبدا‪ ،‬فأقول لك بدورى‪ :‬أ َب َد َْين‬
‫دا واحدة‪ ،‬وهاك الدليل‪ ،‬ومن كلمك ذاته هذه المرة أيضا!‬ ‫َ‬
‫اثنتين ل أب َ ً‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ت إن نولدكه المستشرق اللمانى "ما يزال ُيعتَبر حتى اليوم من كبار‬ ‫لقد قل َ‬
‫ب نولدكه من‬ ‫المستشرقين المتخصصين في العلوم القرآنية‪ .‬ولم يكن اقترا ُ‬
‫القرآن اقتراًبا مضاّدا للوحي‪ ،‬بل قام بدراسات تحليلية ومنطقية ولغوية للنص‬
‫نفسه‪ ،‬وأشار إلى ما جاء في النص القرآني من المزايا اللغوية والخصائص‪.‬‬
‫كما أشار إلى بعض الظواهر اللغوية التي ل تتماشى برأيه مع قواعد اللغة‬
‫المسّلم بها نظرا لمعرفتهِ باللغات السامي ّةِ ا ُ‬
‫لخرى‪ :‬الِعبْرانية‪ ،‬السيريانية‪،‬‬ ‫ً‬
‫الحبشية‪ ،‬واليمنية القديمة"‪ .‬وإنى سائلك سؤال بسيطا جدا‪ :‬ولماذا لم نر‬
‫طئ امرأ القيس مثل أو طرفة أو حسان‬ ‫مستشرقا‪ ،‬نولدكه أو غير نولدكه‪ ،‬يخ ّ‬
‫بن ثابت كما يخطئون القرآن لو كانت المسألة هى أن رصيفك اللمانى قد‬
‫حلل أسلوب القرآن وخرج بأنه ل يتماشى مع القواعد اللغوية المسّلم بها؟‬
‫لماذا تخطئة القرآن فحسب؟ فليكن القرآن من عند محمد أو من عند‬
‫الشيطان نفسه‪ ،‬أيمكن نولدكه أن يزعم أنه يعرف لغة محمد خيرا مما كان‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حَرى‪ :‬الجنون‪،‬‬‫محمد يعرفها؟ ولنفترض أنه قد ركبه العناد والغرور‪ ،‬بل بال َ‬
‫وقال‪ :‬نعم‪ ،‬أنا أذكى من محمد وأ َعَْرف منه بلغة قومه‪ ،‬وأستطيع أن أكتشف‬
‫ن أنت أن هذا موقف علمى سليم بعد أن لم نر أحدا‬ ‫َ‬
‫أخطاءه السلوبية‪ ،‬أَوتظ ّ‬
‫طئه فى‬‫ن لم يؤمن‪ ،‬يخ ّ‬ ‫م ْ‬
‫ن آمن منهم به و َ‬ ‫م ْ‬ ‫من العرب المعاصرين لمحمد‪َ ،‬‬
‫حَرانهم ورّدهم على تأكيده لهم أنهم‬ ‫لغته؟ إن أقصى ما بدر منهم‪ ،‬فى قمة ِ‬
‫أعجز من أن يأتوا بسورة من مثله‪ ،‬أن قالوا‪" :‬لو نشاء لقلنا مثل هذا"! ثم‬
‫إنهم لم يقولوا مثل هذا ول أفضل من هذا! أما الطنطنة باللغات السامية‬
‫وغيرها فما دخلها فى المر؟ أترى العرب لم يكونوا يتكلمون بشىء من‬
‫لغتهم إل بعد الرجوع إلى "مجمع اللغات السامية المقارن" فى سوق عكاظ‬
‫ما بخاتمه؟ إننى أحتكم هنا إلى‬ ‫موَقًّعا من نولدكه ومختو ً‬ ‫وأخذ الذن منه ُ‬
‫ت الدفاع به من تحت لتحت عن نولدكه كلم‬ ‫ضميرك العلمى‪ :‬أهذا الذى حاول َ‬
‫منطقى وليس حذلقة علمية يراد بها بصراحة‪ ،‬ودون لف أو دوران‪ ،‬اليهام‬
‫بوجود أخطاء فى لغة القرآن؟ فهذا‪ ،‬يا دكتور مورانى‪ ،‬هو الذى يضايق‬
‫الباحثين العرب والمسلمين‪ ،‬إذ ي ََرْون المستشرقين يخرجون على مناهج‬
‫العلم وقواعد المنهج عند دراستهم لكتاب الله!‬
‫ّ‬
‫ثم كيف عرف نولدكه يا ترى قواعد اللغة المسلم بها؟ هل استقصى كل‬
‫جوانب اللغة العربية ومضى فطاف بقبائل العرب فى الجاهلية وصدر السلم‬
‫جل كل شىء فاهوا به وتأكد أنه لم يترك شاردة ول واردة‬ ‫ضرًِبا وس ّ‬
‫م ْ‬
‫ضرًِبا َ‬
‫م ْ‬
‫َ‬
‫ذى بها حاسوبه‪ ،‬ثم تأكد مرة ثانية أن محمدا قد خرج على ما‬ ‫من لغتهم إل غ ّ‬
‫كانت العرب تنطق به؟ وحتى لو افترضنا المستحيل وقلنا إن نولدكه قد‬
‫استطاع هذا فعل‪ ،‬أليس من حق محمد‪ ،‬بوصفه ابنا من أبناء تلك اللغة‪ ،‬أن‬
‫يشارك فى صنعها وتطويرها مثلما يفعل أى أديب أو كاتب فى أية لغة من‬
‫لغات العالم قديما وحديثا ومستقبل؟ أل يعرف نولدكه أن ما يقوله محمد‬
‫وأمثاله هو المعيار اللغوى الذى ينبغى أن يقاس عليه ل العكس‪ ،‬وبخاصة أن‬
‫العرب لم يكونوا قد استخلصوا قواعد لغتهم بعد؟ إننى ل أستطيع أن أنسى‬
‫كيف كنت فى صغرى سريعا إلى تخطئة ما كنت‪ ،‬لسذاجتى‪ ،‬أحسب أنه هو‬
‫اللغة الصحيحة الوحيدة‪ ،‬وكيف أنى كلما كبرت واتسع إدراكى اللغوى‬
‫والسلوبى اتضح لى أن ما نجهله من اللغة أضعاف أضعاف أضعاف أضعاف‬
‫أضعاف‪...‬ما نعرفه‪ .‬ثم إن اللغة ل يحكمها المنطق الصارم دائما‪ ،‬بل فيها ما‬
‫ب على القوالب الجامدة فى غير قليل من‬ ‫ن وتأ ّ‬‫ن وغليا ٍ‬‫فى الحياة من مورا ٍ‬
‫طأنى ذات مرة فى‬ ‫الحيان‪ .‬ول أنسى مثل أن د‪ .‬رمضان عبد التواب قد خ ّ‬
‫ثمانينات القرن الماضى حين رآنى أدافع عن تكرير "بين" مع اسمين‬
‫ظاهرين‪ ،‬قائل إن هذا الستعمال لم يرد فى القرآن‪ ،‬فما كان منى إل أن‬
‫ت عليه بعفوية شاب يظن أنه يستطيع أن يفكر أحيانا ويشّغل مخه‪ :‬ومن‬ ‫ردد ُ‬
‫قال إن القرآن يستوعب كل المكانات اللغوية فى لسان العرب؟ فعاد يقول‬
‫إن العلماء متفقون على تخطئة تكرار "بين" فى هذا السياق‪ .‬وبدورى عدت‬
‫فقلت له‪ :‬لكن هناك استعمالت تقتضى الكاتب هذا التكرار منعا لّلبس‪ .‬ثم‬
‫أعطيته مثال سريعا خطر لى آنذاك‪ .‬وانتهت المناقشة دون أن نتفق على‬
‫شىء‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وتصادف أنى كنت أقرأ فى أحد كتب التفسير بعدها بفترة قصيرة )ولعله‬
‫تفسير البيضاوى( فألفيته يقول إن هذا الستعمال صحيح‪ ،‬وإن لم يكن حسنا‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فكتبت هذا النص وأعطيته له‪ .‬ثم تصادف مرة أخرى بعدها بشهور طويلة أن‬
‫ت على بيتين جاهليين تكررت فيهما‬ ‫كنت أقرأ فى تفسير الطبرسى حين وقع ُ‬
‫"بين" فى هذا السياق أيضا‪ ،‬فكتبتهما وزّودته بهما‪ .‬لكنى فوجئت بطلبى‬
‫يقولون بعدها بقليل إن سيادته يؤكد لهم أن هذا الستعمال خاطئ تماما‪ ،‬وهو‬
‫ما اضطرنى إلى أن أحكى لهم‪ ،‬وأنا أضحك‪ ،‬القصة كلها من "طق طق"‬
‫ظ" فيهم وفى عدم اقتناعهم! ثم‬ ‫لـ"سلم عليكم"‪ ،‬لكنهم لم يقتنعوا‪" .‬ط ُ ْ‬
‫ت فى إعارة للسعودية‪ ،‬وبينما كنت أكتب فصل هناك عن‬ ‫مرت اليام‪ ،‬وذهب ُ‬
‫"معجم البلدان" لياقوت الحموى‪ ،‬خطر لى بعد الفراغ من البحث أن أراجع‪،‬‬
‫فى ذلك المعجم‪ ،‬البيات الشعرية التى كان الشعراء الجاهليون والسلميون‬
‫ددون فيها مواقع أطلل حبائبهم مستخدمين كلمة "بين" لفاجأ بأنهم كانوا‬ ‫يح ّ‬
‫يكررونها أحيانا مع السمين الظاهرين‪ .‬وقد وضعت يدى وقتها على نحو‬
‫ثلثين شاهدا من عصور الحتجاج اللغوى‪ ،‬وأوردت معظمها فى كتابى "من‬
‫ذخائر المكتبة العربية"‪ ،‬وحكيت القصة باختصار وُدون ذكر أسماء فى الفصل‬
‫الخاص بكتاب ياقوت‪ .‬لكن المضحك أكثر أننى عندما عدت من السعودية‬
‫ت إليها كان رده‪ :‬وهل‬ ‫وأطلعت الستاذ الدكتور على الشواهد التى وصل ُ‬
‫راجعَتها فى دواوين الشعراء أنفسهم؟ فقلت له‪ :‬كل‪ .‬ولكن لماذا؟ فكان‬
‫جوابه أن ياقوتا كثيرا ما كان يخترع مثل هذه البيات!!! فقلت له‪ :‬وهل تظن‬
‫يا دكتور أن ياقوتا كان يضع فى ذهنه منذ ذلك التاريخ أنك ستكون من الذين‬
‫يقولون بخطإ هذا الستعمال‪ ،‬فاخترع كل تلك البيات كى يغيظك مقدما‪ ،‬ثم‬
‫سكت عليه العلماء طوال هاتيك القرون فلم يفضحوا تدليسه؟‬
‫وعلى أية حال هأنذا أسوق هنا للقراء الكرام بعض الشواهد على هذا‬
‫التركيب من شعر عصور الحتجاج‪ ،‬وهى مستقاة من "الموسوعة الشعرية"‬
‫القرصية هذه المرة ل من ياقوت المتهم بالتدليس ظلما وعنادا‪ ،‬وأغلبيتها‬
‫الساحقة شواهد جديدة‪ .‬من ذلك قول الخطل‪:‬‬
‫َ‬
‫ل‬
‫قا ِ‬ ‫ن ذي العُ ّ‬ ‫صريِح وََبي َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ب عَي َْرها َبي َ‬ ‫ت ك َُلي ٌ‬ ‫سي َ ْ‬ ‫وَك َأّنما ن َ ِ‬
‫وقول العشى‪:‬‬
‫َ‬
‫ن الكَتن‬ ‫حريرِ وََبي َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ب َبي َ‬ ‫شرو َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫معا ِ‬ ‫مس ِ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫هُوَ الواهِ ُ‬
‫فَرى‪:‬‬ ‫شن ْ َ‬ ‫وقول ال ّ‬
‫سَربتي‬ ‫َ‬
‫ت أن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫ت ُ‬ ‫شأ ُ‬ ‫هيها َ‬ ‫جبا‪َ .‬‬ ‫ن ال َ‬ ‫ل وََبي َ‬‫شعَ ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن الوادي الذي َبي َ‬ ‫م َ‬ ‫جنا ِ‬ ‫خَر ْ‬ ‫َ‬
‫ى‪:‬‬ ‫ل‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫العجير‬ ‫وقول‬
‫ّ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ى‬
‫ن َ َ ً‬ ‫د‬ ‫ص‬ ‫ج بي َ‬ ‫ف ّ‬
‫ن ال َ‬ ‫أبِلغ ك ُل َي ًْبا بأ ّ‬
‫هولي غيُر مسدودِ‬ ‫ن برقةِ ُ‬ ‫قرى بين رِي ّهِ ‪ ... ...‬وبي َ‬ ‫قهْ َ‬ ‫ت ال َ‬ ‫وَِللعاِديا ِ‬
‫ر‬
‫ق ِ‬ ‫ش ْ‬‫من ُ‬ ‫ت وَ ِ‬ ‫كما ٍ‬ ‫من ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫وحا ِ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫وبي َ‬
‫وقول الفرزدق‪:‬‬
‫ل َوباِر‬ ‫ن َنخ ِ‬ ‫ن الُردوم ِ وََبي َ‬ ‫مدين َةٍ َبي َ‬ ‫ل َ‬ ‫جياد ُ َيزيد َ ك ُ ّ‬ ‫ت ِ‬ ‫وَط ِئ َ ْ‬
‫وقول النمر بن تولب‪:‬‬
‫ك‬‫ح ٍ‬ ‫ن ُبرقَةِ ضا ِ‬ ‫ن الب َدِيّ وََبي َ‬ ‫َبي َ‬
‫م‬‫مقدا ُ‬ ‫س ِ‬‫ف َوفارِ ٌ‬ ‫ث اللهي ِ‬ ‫َ‬ ‫غو ُ‬ ‫ة ‪َ ... ...‬‬ ‫مهذِب َ ً‬ ‫ل الريِح ُ‬ ‫صْهبى قَُبي َ‬ ‫ل ُ‬ ‫يا َوي َ‬
‫جْزِع ذي الصوِح‬ ‫ن ال َ‬ ‫ن الِنجاد ِ وََبي َ‬ ‫َبي َ‬
‫وقول النميرى‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ن الص ْ‬ ‫ن الِعشاِء وَب َي ْ َ‬ ‫ك ب َي ْ َ‬ ‫م فرِع الرا ِ‬ ‫َ‬ ‫َتراَءت َلنا َيو َ‬
‫وقول امرئ القيس‪:‬‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫قََعد ُ‬
‫ث فالَعري ِ‬ ‫ن ِتلِع َيثل ٍ‬ ‫ن ضارٍِج وََبي َ‬ ‫صحَبتي َبي َ‬ ‫ه وَ ُ‬
‫وقول بشار‪:‬‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن َأبي الـ‬ ‫فرٍ وََبي َ‬ ‫جع َ‬ ‫ن أبي َ‬


‫بي َ‬
‫َ َ‬
‫***‬
‫ن أبي الـ‬ ‫َ‬ ‫بي َ‬
‫فرٍ وََبي َ‬ ‫جع َ‬ ‫ن أبي َ‬ ‫َ َ‬
‫***‬
‫ن واقِدٍ‬ ‫مرِيّ ِاب ِ‬ ‫ن العا ِ‬ ‫ن َبي َ‬ ‫شّتا َ‬ ‫فَ َ‬
‫***‬
‫شوقٌ ‪...‬‬ ‫ك وَ َ‬ ‫َ‬
‫ه َزفَرةٌ إ ِلي ِ‬ ‫فَل َ ُ‬
‫مط َُر‬ ‫شتا َوذا ال َ‬ ‫ك ال ِ‬ ‫س ذا َ‬ ‫‪ ...‬عَّبا ِ‬
‫***‬
‫جبا‬ ‫محت َ ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫رئبا ِ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫مث ُ‬ ‫س ِ‬ ‫عَّبا ِ‬
‫***‬
‫عفدا‬ ‫مها َ‬ ‫ن ِابن َةِ الَزيدِيّ ِإذ كا َ‬ ‫وََبي َ‬
‫***‬
‫ن الُهجودِ‬ ‫ن الَهوى وََبي َ‬ ‫ل َبي َ‬ ‫حا َ‬
‫وقول توبة بن الحمّير‪:‬‬
‫ت أسيُرها‬ ‫ن نصفهِ وبين الِعشاء قد دأب ُ‬ ‫ل الذي بي َ‬ ‫وقسورة َ اللي ِ‬
‫وقول حاتم الطائى‪:‬‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫ب ُذبا ِ‬ ‫هض ٍ‬ ‫ن َ‬‫ل وََبي َ‬ ‫حق ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ل َُبوني َبي َ‬ ‫عدي‪ ،‬فَإ ِ ّ‬ ‫مو ِ‬ ‫أّيها ال ُ‬
‫وقول حسان بن ثابت‪:‬‬
‫قسط َ ِ‬
‫ل‬ ‫جْزِع ال َ‬ ‫ن َ‬ ‫كروم ِ وَب َي ْ َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫معَةٍ َلنا َبي َ‬ ‫مس ِ‬ ‫َنغدو ِبناجودٍ وَ ُ‬
‫وقول عامر بن الطفيل‪:‬‬
‫ل‬
‫شمائ ِ ِ‬ ‫ل ال َ‬ ‫قهرِ مي َ‬ ‫ب ال َ‬ ‫جنو ِ‬ ‫ن َ‬ ‫قةٍ وََبي َ‬ ‫وي َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ي َبي َ‬ ‫ح ّ‬ ‫خ ال َ‬ ‫شيو ُ‬ ‫سّعت ُ‬ ‫وَ َ‬
‫وقول عبيد بن البرص‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قةِ التالي‬ ‫ح َ‬ ‫لل ِ‬ ‫خ ّ‬ ‫ن أعالي ال َ‬ ‫ن َتبالةٍ وََبي َ‬ ‫ن َبي َ‬ ‫ن َيسُلك َ‬ ‫ِإلى ظعُ ٍ‬
‫ُ‬
‫وقول عدى بن يد‪:‬‬
‫صل‬‫ل َقد فَ َ‬ ‫ّ‬
‫ن اللي ِ‬ ‫ن الَنهارِ وََبي َ‬ ‫خفاَء ب ِهِ َبي َ‬ ‫صًرا ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ع ُ‬
‫شم ِ‬ ‫َوجا ِ‬
‫وقول عمر بن أبى ربيعة‪:‬‬
‫ن كسابا‬ ‫ُ‬ ‫ن ُرك ِ‬ ‫جَري ْرِ وََبي َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫خرابا َبي َ‬ ‫ن َ‬ ‫رك َ‬ ‫ل َقد ت ُ ِ‬ ‫منازِ َ‬ ‫ي ال َ‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫وقول قيس بن الخطيم‪:‬‬
‫ف؟‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫لجا‬ ‫نى‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ُ‬
‫كل‬ ‫بني‬
‫َ ّ ِ ِ َ َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫جبي وََبي َ‬ ‫ح َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ن َبني َ‬ ‫َبي َ‬
‫وقول كعب بن مالك‪:‬‬
‫فْليأت ْ‬
‫ق‬
‫خْند ِ‬ ‫جزِع ال َ‬ ‫ن المذاد ِ وبين ِ‬ ‫سُيوُفها بي َ‬ ‫ن ُ‬ ‫س ّ‬ ‫مأسد َةً ت ُ َ‬ ‫ِ َ‬
‫وقول لبيد بن ربيعة‪:‬‬
‫ْ‬
‫ه‬
‫ش ِ‬ ‫عر ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ن هات ِ ِ‬ ‫ن قُطَرةَ وَِاب ِ‬ ‫ن ِاب ِ‬ ‫َبي َ‬
‫ب‬‫خطا ِ‬ ‫ه ‪ ... ...‬ما ِإن َيجود ُ ِلوافِد ٍ ب ِ ِ‬ ‫ح َتحت َ ُ‬ ‫صب ْ ٌ‬ ‫قُهما وَ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫ف َ‬ ‫َفالت َ ّ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫حن ْوِ الكلك ِ‬ ‫َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ب وََبي َ‬ ‫ن الُترا ِ‬ ‫َبي َ‬
‫وقول يزيد بن معاوية‪:‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ر‬
‫ف ِ‬
‫جع َ‬‫ن َ‬‫جواد ِ ِاب ُ‬‫ي َوال َ‬
‫ن عَل ِ ّ‬
‫مدٍ وََبي َ‬‫ح ّ‬‫م َ‬
‫ي ُ‬
‫ن الن َب ِ ّ‬
‫ة َبي َ‬ ‫مقاب ِل َ ً‬ ‫ُ‬
‫وقول أوس بن حجر‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض أمرِهِم ِ‬‫قوم ٍ أضاعوا َبع َ‬ ‫من ل ِ َ‬ ‫أم َ‬
‫ن د َْلدا ِ‬
‫ل؟‬ ‫ن الدي ِ‬
‫ط وََبي َ‬‫قسو ِ‬ ‫ن ال ُ‬
‫فها ‪َ ... ...‬بي َ‬ ‫خ ّ‬‫ن ُ‬‫كنازِ الَلحم ِ ما َبي َ‬ ‫علةٍ ِ‬ ‫َ‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ف‬‫ل َنفان ِ ُ‬ ‫هو ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫ل الَرح ِ‬ ‫مقي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫وََبي َ‬


‫َ‬
‫ثم مثال آخر وأخير على ما أقول‪ :‬فقد قرأ د‪ .‬صلح كّزارة )زميلى السورى‬
‫هنا بجامعة قطر( منذ عامين كتابى "معركة الشعر الجاهلى بين الرافعى‬
‫وطه حسين"‪ ،‬وهو عالم مدقق )ومن تلمذة الدكتور فشر‪ ،‬ويثنى كسائر‬
‫تلميذ هذا المستشرق عليه ثناء شديدا(‪ ،‬وإذا قرأ شيئا أمسك تلقائيا بقلم‬
‫رصاص وأخذ يدون ملحظاته على ما يقابله‪ ،‬فوجد لى هذه الجملة‪" :‬من هنا‬
‫فإننا من الوجهة التاريخية الموثقة نجد أنفسنا‪ ،‬كلما اقتربنا من هذه المسألة‪،‬‬
‫نصطدم بالصمت"‪ ،‬فما كان منه إل أن صححها فى الهامش إلى "اصطدمنا"‬
‫قائل إن من غير المقبول استعمال المضارع فعل ً أو جواًبا لـ"كلما"‪ .‬فقلت له‪:‬‬
‫غريبة أنى استخدمت المضارع هنا رغم أنى لم أكن على وعى بهذا الذى‬
‫تقول‪ ،‬إذ أشعر أن هذه ليست طريقتى فى الكتابة‪ .‬ثم عدت فنظرت فى‬
‫التركيب فوجدت أنه‪ ،‬حتى لو سّلمنا بما يقول‪ ،‬فإن المضارع فيه لم يأت‬
‫جوابا لـ"كلما"‪ ،‬بل هو خبٌر للفعل "نجد"‪ ،‬على حين أن "”كلما” وفِْعلها"‬
‫ت له من أحد المعاجم النحوية‬ ‫َ‬
‫ن أورد ُ‬ ‫ت على ذلك أ ْ‬ ‫عبارة اعتراضية‪ .‬وزِد ْ ُ‬
‫شاهدا على مجىء جواب "كلما" فعل مضارعا‪ ،‬لكنه قال إن هذا الشاهد‪،‬‬
‫م ل يجوز الحتجاج به‪.‬‬ ‫فيما يبدو‪ ،‬من الشعر الحديث ل القديم‪ ،‬ومن ث َ ّ‬
‫ت‪ ،‬وماذا كان بإمكانى أن أصنع؟ ثم مضت اليام‪ ،‬وهززت رأسى‪ ،‬وهى‬ ‫فسك ّ‬
‫حركة ذات دللة خطيرة‪ ،‬إذ تعنى أننى شرعت أفكر تفكيرا مستقل‪ ،‬ويمكننى‬
‫إذن أن أصل إلى شىء جديد‪ .‬وقد كان‪ ،‬فقد رجعت للموسوعة الشعرية‬
‫ن ذهن‬ ‫صّية وبحثت فيها‪ ،‬فإذا ببنت الحلل )أى الموسوعة‪ ،‬فل يذهب ّ‬ ‫قْر ِ‬ ‫ال ُ‬
‫دم لى فى دقيقة أكثر من عشرة شواهد من الشعر القديم‬ ‫القراء بعيدا( تق ّ‬
‫ت الشواهد فى اليوم التالى إلى‬ ‫على استعمال المضارع مع "كلما"‪ .‬وقد أخذ ُ‬
‫ّ‬
‫جنى إلى طويل جدال‪ ،‬بل سلم من الوهلة‬ ‫حو ِ ْ‬ ‫الزميل المذكور الذى لم ي ُ ْ‬
‫الولى قائل ببساطة عظيمة‪" :‬إذن فما كنا نقرؤه عن خطإ هذا الستعمال ل‬
‫أصل له"! فهذا‪ ،‬يا دكتور مورانى المحترم‪ ،‬هو الموقف العلمى السليم ل‬
‫الطيران إلى تخطئة القرآن الكريم بحجة أن نولدكه كان يعرف اللغات‬
‫السامية!‬
‫وها أنذا أورد بعض تلك الشواهد التى عثرت عليها من عصور الحتجاج على‬
‫استعمال المضارع مع "كلما"‪ .‬فمن ذلك قول أبى نواس‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫عقيا ُ‬ ‫ه ُلؤل ُؤ ٌ َيتلوه ُ ِ‬ ‫جت ك َأن ّ ُ‬ ‫مزِ َ‬‫حبابا ً ك ُّلما ُ‬ ‫صهباُء َتبني َ‬ ‫َ‬
‫وقول الخطل‪:‬‬
‫ب‬‫ش الت َعَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ح ِ‬
‫م ْ‬‫وا ُ‬ ‫م َرب ْ ً‬ ‫ش َ‬ ‫ج ّ‬ ‫حّتى ت َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫هماهِ ُ‬ ‫جت َ‬ ‫ه ك ُّلما ارت َ ّ‬ ‫شي ْن َ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫وقول العشى‪:‬‬
‫َ‬
‫ي الّنسعا‬ ‫ل ب ِأن َتسَتوفِ َ‬ ‫كل ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫مَر ْ‬ ‫ما عََليها ك ُلما َ‬
‫ض َ‬ ‫ّ‬ ‫حت ْ ً‬‫ل َ‬ ‫َتخا ُ‬
‫وقول الفرزدق‪:‬‬
‫عَ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قط ُ‬ ‫ف كلما هُّز ي َ ْ‬ ‫سي ٍ‬ ‫عله ُ ب ِ َ‬ ‫ق َ‬ ‫منافِ ٍ‬ ‫ج أيّ ُ‬ ‫جا ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ب ال َ‬ ‫ِإذا حاَر َ‬
‫مْيت بن زيد‪:‬‬ ‫ُ‬
‫وقول الك َ‬
‫َ‬
‫ذالها‬ ‫سيب قَ َ‬ ‫قي بالعَ ِ‬ ‫م ُتل ِ‬ ‫جلس منهن كلما ٌِترمر ُ‬ ‫ْ‬ ‫تكاد الُعلة ال َ‬
‫وقول جرير‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫خلي ُ‬
‫ع؟‬ ‫ن َتجَز ُ‬ ‫ن فَوَّدعوا أو كلما َرَفعوا ل َِبي ٍ‬ ‫مَتي ِ‬ ‫ط ِبرا َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫با َ‬
‫مْيد بن ثور‪:‬‬ ‫ح َ‬‫وقول ُ‬
‫مع ُ‬
‫؟‬ ‫على ذاك فيما ل يواتيهِ َيط َ‬ ‫َ‬ ‫خطَر الَهوى َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫َوما ِلفؤادي كلما َ‬
‫وقول خفاف بن ندبة السلمى‪:‬‬
‫ع‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫لما‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫منها‬ ‫ع‬
‫ُ ْ َ ُ ِ‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫منقاُر صاد َفَ ُ‬
‫ه‬ ‫جْلمود ُ بصرٍ ِإذا ال ِ‬ ‫ُ‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقول عمر بن أبى ربيعة‪:‬‬


‫ما َلم ي ََزل ذو قراب َ ٍ‬
‫ة‬ ‫َ‬ ‫ت ن ُعْ ً‬ ‫ِإذا ُزر ُ‬
‫فني‬ ‫خل ِ ُ‬ ‫دني ت ُ ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫ك ُّلما تو ِ‬
‫ه‬
‫ت بِ ِ‬ ‫سل َ ْ‬ ‫َيجري عََليها ك ُّلما اغت َ َ‬
‫مُر‬ ‫َلها ك ُّلما لقَي ُْتها ي َت َن َ ّ‬
‫ذر‬‫م َتأتي حين َتأتي ب ِعُ ُ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ن‬‫مْرجا ِ‬ ‫كال َ‬ ‫ل َ‬ ‫حميم ِ َيجو ُ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ض ُ‬ ‫فَ ْ‬
‫وقول كعب بن زهير‪:‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ح‬
‫ح الَنوافِ ُ‬‫ريا ُ‬
‫ن ِذكُرها ت ُب َلُغها عَّني ال ِ‬ ‫سلمى ك ُّلما حا َ‬ ‫ت َ‬ ‫أل َلي َ‬
‫وقول لبيد بن ربيعة‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مروا‬ ‫َ‬
‫ي وَلول ذاك َقد أ ِ‬ ‫مشَرفِ ّ‬ ‫ف ِبال َ‬ ‫سل ٌ‬ ‫م ك ُّلما َينمي ل َُهم َ‬ ‫ن َْعلوهُ ُ‬
‫وقول مجنون ليلى‪:‬‬
‫ت‬
‫ت َتفان َ ْ‬ ‫حت ََرقَ ْ‬ ‫فََلو كاَنت ِإذا ا ْ‬
‫ت َليل َ ً‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫ت أّني ك ُّلما ِغب ُ‬ ‫َفيا َلي َ‬
‫ي ك ُّلما‬ ‫عين ِ َ‬ ‫ق َ‬ ‫شو ِ‬ ‫ل امِتراُء ال َ‬ ‫َوطا َ‬
‫ت َتعود ُ‬ ‫كن ك ُّلما ِاحت ََرقَ ْ‬ ‫وَل َ ِ‬
‫عيوُنها‬ ‫ما َتراني ُ‬ ‫َ‬
‫دهرِ أو ي َوْ ً‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫جد ّ ُدموعُ‬ ‫ت‬
‫َ ْ َ ِ‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫عا‬
‫ً‬ ‫دمو‬ ‫نَ َ ُ ُ‬
‫ت‬ ‫زف‬

‫)‪(7 /‬‬

‫المهم بالنسبة لما نحن فيه الن أنها قد أصبحت تقليعة بين طائفة من‬
‫ك‬‫المستشرقين أن يأخذوا فى تخطئة القرآن أسلوبيا ولغويا بغشم ٍ مضح ٍ‬
‫كرنى بما تهكم به الشدياق على أمثالهم فى بعض كتبه‪ .‬ومن هؤلء ريجى‬ ‫يذ ّ‬
‫ت فى الفصل الرابع من الباب الول من كتابى‪:‬‬ ‫بلشير‪ ،‬الذى وقف ُ‬
‫ت مقدار السخف‬ ‫"المستشرقون والقرآن" إزاء ما قاله فى هذا الصدد‪ ،‬وبين ُ‬
‫ى‬‫والتنطع فى تخطئاته للقرآن‪ .‬ثم لم يفت محمد أركون الجزائرىّ العرب ّ‬
‫لسانا رغم أصله البربرى أن يجرب حظه هو أيضا فى هذا المجال حتى ل‬
‫ى‬
‫ل طفول ّ‬ ‫صر فى الهجوم على كتاب السلم! فوجدناه يردد‪ ،‬بجه ٍ‬ ‫ي ُت َّهم بأنه مق ّ‬
‫ن‪ ،‬ما قاله بلشير فى ترجمته للقرآن المجيد من أن قوله تعالى )أو قول‬ ‫أرع َ‬
‫ت( فى سورة "الكهف"‪" :‬ولبثوا فى كهفهم ثلثمائةٍ سنين‪،‬‬ ‫محمد إذا أحبب َ‬
‫وازدادوا تسعا" هو خروج على الستعمال الصحيح للعداد مع التمييز‪...‬إلخ‬
‫مما دفعنى إلى تبيين جهله للقراء وأنه يهرف بما ل يعرف رغم الطنطنة‬
‫الدعائية التى يحاط بها لتسويقه بين العرب والمسلمين بوصفه أستاذا جهبذا‬
‫لدة بنت المستكفى كما ل أحتاج إلى توضيح‪،‬‬ ‫لدة )ليست و ّ‬ ‫عبقريا لم تلده و ّ‬
‫لدة التى تولد السيدات(‪ .‬وهذا نص ما كتبُته عن هذا الموضوع ضمن‬ ‫ّ‬ ‫بل الو ّ‬
‫ت ما قاله ذلك العبقرى فى القرآن بعنوان "المهزلة الركونية‬ ‫دراسة لى تناول ْ‬
‫فى المسألة القرآنية‪ :‬القرآن مخيال جماعى أم وحى إلهى؟"‪" :‬كذلك يقف‬
‫أركون يفرك يديه ابتهاجا ساذجا إزاء قوله تعالى فى الية الخامسة‬
‫والعشرين من السورة ذاتها عن المدة التى بقيها أصحاب الكهف فى كهفهم‪:‬‬
‫ما منه‪ ،‬وممن يردد‬ ‫"ولبثوا فى كهفهم ثلَثمائةٍ سنين وازدادوا تسعا"‪ ،‬وَهْ ً‬
‫كلمهم بعََبله دون أن يتوقف ليتثبت منه قبل ترديده‪ ،‬أن فيها شذوذا لغويا‪ ،‬إذ‬
‫ة‬
‫ة" ل "ثلثمائ ٍ‬‫كان ينبغى أن يكون الكلم فى رأيهم هكذا‪" :‬ثلَثمائة سن ٍ‬
‫سنين"‪ ،‬وهو ما يرتبون عليه افتراض "العديد من الفتراضات حول شروط أو‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ظروف تثبيت النص" كما يقول بلشير )القرآن من التفسير الموروث إلى‬
‫تحليل الخطاب الدينى‪ .(148 /‬ثم يضيف درويشه المتّيم هاشم صالح فى‬
‫الهامش قائل إن "النقد الفيلولوجى يكشف عن أشياء مذهلة ويطرح‬
‫تساؤلت عديدة‪ ،‬ولكن من دون أن يستطيع القطع بشىء"‪ .‬يقصد أن منهج‬
‫المستشرقين السابقين لم يكن يساعدهم على الستفادة من النتائج التى‬
‫ول له أن يطير بكل شبهة‬ ‫يتوصلون إليها‪ ،‬بخلف أركون ومنهجه الذى يس ّ‬
‫طئا القرآن دون تبصر أو مراجعة! … إن بلشير‪،‬‬ ‫سخيفة مطنطنا بها ومخ ّ‬
‫ن ورائه‪ ،‬يتصوران أن اللغة العربية ل تعرف إل وضعا واحدا لكل‬ ‫م ْ‬
‫وأركون ِ‬
‫حالة من حالت التمييز‪ ،‬ومن هنا فإنهم ل يتخيلون أن من الممكن أن يجىء‬
‫ة‬
‫ة‪ ،‬ستمائ ِ‬ ‫تركيب الكلم فى تمييز "ثلثمائة" وأمثالها إل هكذا‪" :‬ثلثمائةِ سن ٍ‬
‫ب" بإفراد التمييز وخفضه على الضافة كما ترى‪ .‬لكن‬ ‫ة‪ ،‬تسعمائةِ كتا ٍ‬ ‫امرأ ٍ‬
‫هذا‪ ،‬وإن كان هو ما يعرفه التلميذ‪ ،‬ليس كل شىء‪ ،‬إذ كان العرب أيضا‬
‫يجمعون المعدود فى هذه الحالة مع الضافة أو قطعها‪ ،‬وإن لم يشتهر الجمعُ‬
‫اشتهار الفراد‪ .‬وما دام هذا الستعمال قد ورد فى القرآن فمعنى ذلك أنه‬
‫صحيح‪ ،‬حتى لو كان محمد هو مؤلف القرآن‪ ،‬بل حتى لو قلنا إن القرآن قد‬
‫تعرض لتدخل من العرب بعد وفاة الرسول حسبما يزعم الزاعمون السخفاء‪.‬‬
‫إن القول بغير هذا هو العََته بعينه لنه ل يحدث فى أية لغة فى العالم‪ ،‬إل أن‬
‫الحقد المجنون يريد أن يلغى لنا عقولنا فنردد حماقاته دون تبصر‪ ،‬والعياذ‬
‫كب‬ ‫بالله! وفى المثال الذى نحن بصدده من سورة "الكهف" يمكننا أن نر ّ‬
‫ة‪ ،‬ثلَثمائةٍ من السنين‪ ،‬سنين‬ ‫الكلم على أكثر من وضع فنقول‪" :‬ثلَثمائةِ سن ٍ‬
‫ل نكهتها وظللها‬ ‫ت من السنين"‪ ،‬ولك ّ‬ ‫ة‪ ،‬ثلثمائةٍ سنين‪ ،‬ثلث مئا ٍ‬ ‫ثلَثمائ ٍ‬
‫اليحائية‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫وأحب أن أقف عند التركيب الذى ظن بلشير ومقّلده أركون أنه هو وحده ل‬
‫ى بالكلم عن التركيب الذى اعترضا عليه‪ ،‬أو‬ ‫ف َ‬‫سواه التركيب الصحيح‪ ،‬ثم أ ُقَ ّ‬
‫بالحرى اعترض عليه بلشير فاعترض معه آليا د‪ .‬أركون‪ :‬فأما التركيب‬
‫جه إلى‬ ‫المعتاد فهو يشير إلى "عدد الثلثمائة" وأنه سنون‪ ،‬والخطاب فيه مو ّ‬
‫من ل يرى فى العدد ول فى تمييزه ما يدعو إلى الستغراب أو الستنكار‪.‬‬
‫ولذلك فنحن نستخدم هذا التركيب عادة عندما ل نريد أن نعبر عن أى شىء‬
‫طب متشككا فيما نقوله له أو‬ ‫آخر غير هذا المعنى العام‪ .‬أما إن كان المخا َ‬
‫يستهوله‪ ،‬كأن يستبعد أن يكون العدد ثلثمائة أو أن يكون التمييز سنوات ل‬
‫أياما مثل‪ ،‬فعندئذ يكون هناك موضع للتركيب القرآنى‪ ،‬فكأن المتكلم يريد أن‬
‫يقول‪ :‬نعم‪ ،‬العدد ثلثمائة‪ ،‬وهذه الثلثمائة هى سنوات ل أيام ول أسابيع ول‬
‫ل سنةٍ تنطح الخرى" بالتعبير المصرى الدارج‪.‬‬ ‫حتى شهور‪ .‬إنها سنوات " ك ّ‬
‫فـ"سنين" فى هذا التركيب الخير هى بدل من "الثلثمائة"‪ ،‬أى أن السنين‬
‫دا وإحصاًء‪ .‬إن المفسرين‬‫ليست مجرد تمييز لها‪ ،‬بل هى الثلثمائة نفسها ع ّ‬
‫ربى القرآن ل يتوقفون طويل أمام هذا التركيب لنهم ببساطة ل يجدون‬ ‫معْ ِ‬
‫و ُ‬
‫فيه شيئا‪ ،‬بخلف الذين ل علم لديهم ويعترضون على ما يجهلون‪ ،‬فهم‬
‫يعملون من الحبة قبة! أما أنا فلم أشأ أن أردد فقط ما قاله النحويون فى‬
‫إعراب الية‪ ،‬بل أردت أن أضيف لما يقولون ما لعله يكشف شيئا مما وراء‬
‫ظاهر التعبير من أسرار النفس وأغراض البلغة‪ .‬ومثل هذا القلب الذى‬
‫يقابلنا فى هذه الجملة )إذ هى فى الواقع محولة عن "سنين ثلثمائة" ل عن‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ضُروًبا من‬
‫"ثلثمائة سنة"( له نظائر فى اللغة كثيرة‪ ،‬فنحن نقول مثل‪ُ " :‬‬
‫ن من اللذات" على حين يقول ابن زيدون فى نونيته العبقرية‪:‬‬ ‫المنى‪ ،‬وأفاني َ‬
‫ت أفانينا" فيضفى على العبارة العادية حيوية مدهشة لم‬ ‫ّ‬
‫ضروًبا ولذا ٍ‬ ‫مًنى ُ‬ ‫" ُ‬
‫ت عدة"‪ ،‬وفى هذه ما ليس‬ ‫ٍ‬ ‫و"سنوا‬ ‫سنوات"‬ ‫َ‬ ‫ة‬‫"عد‬ ‫نقول‪:‬‬ ‫أننا‬ ‫كما‬ ‫لها‪.‬‬ ‫تكن‬
‫فى تلك‪ :‬فالولى تعنى "عددا من السنوات"‪ ،‬أما الخرى فتعنى "عددا كبيرا‬
‫من هذه السنين"‪...‬وهكذا…‬
‫وعلى ذلك فإننى أسوق الشواهد الشعرية التالية التى جاء فيها المعدود‬
‫مجموعا ل مفردا‪ ،‬أو مقطوعا ل متصل‪ ،‬أو الثنين كليهما‪ ،‬فمن ذلك قول‬
‫علقمة الفحل‪:‬‬
‫فد‬‫ص ّ‬
‫فكان فيها ما أتاك وفى تسعين أسرى مقرنين و ُ‬
‫وقول عمرو بن كلثوم‪:‬‬
‫سوًدا من ذ َُرى جبل الهضب‬ ‫رددت على عمرو بن قيس قلدة ثمانين ُ‬
‫وقول ربيعة بن ضبع الفزارى‪:‬‬
‫ما فقد ذهب اللذاذة والفتاُء‬ ‫إذا عاش الفتى مائتين عا ً‬
‫وقول عمر بن أبى ربيعة‪:‬‬
‫ب‬‫ب أترا ِ‬ ‫س كواع ٍ‬ ‫ل المهاة ت ََهاَدى بين خم ٍ‬ ‫أ َب َْرُزوها مث َ‬
‫مَيرى‪:‬‬ ‫ح ْ‬ ‫وقول السيد ال ِ‬
‫حبا‬ ‫ف ملئك سّلموا عليه فأدناهم و َ‬
‫حّيا ور ّ‬ ‫ثلثة آل ٍ‬
‫وقول الوليد بن يزيد‪:‬‬
‫ب‬ ‫ع ٍ‬ ‫كوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫م ٍ‬ ‫خ ْ‬
‫ن َ‬ ‫َبي َ‬
‫سها‬ ‫َ‬
‫جن ُ‬ ‫س ِ‬ ‫جن ِ‬ ‫م ال ِ‬‫أكَر ُ‬
‫وقول أبان اللحقى‪:‬‬
‫ة كالريش طيارة‬ ‫رى على أولده خمسة أرغف ً‬ ‫ج ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫وقول ابن المعتز‪:‬‬
‫ة أياما‬ ‫جلونى خمس ً‬ ‫وأ ّ‬
‫وقونى مثلكم إنعاما‬ ‫وط ّ‬
‫وقول ابن أبى الحديد‪:‬‬
‫عام ثلث ثم أربعينا‬
‫من بعد ستمائةٍ سنينا‬
‫وقول إبراهيم الحضرمى‪:‬‬
‫وخمس مثين بعد خمسين درهما‬
‫وقول أحمد بن مأمون البلغشى‪:‬‬
‫من عام خمسة وأربعينا‬
‫بعد ثلث عشرةٍ مئينا‬
‫وقول أحمد بن على بن مشرف‪:‬‬
‫إلى ثلثمائةٍ سنينا‬
‫يخادعون الله والذينا‬
‫ف إليه الشواهد التالية مما‬ ‫ضي ُ‬ ‫ُ‬
‫غير أنى ل أكتفى بهذا على كفايته‪ ،‬بل أ ِ‬
‫مى‪" :‬الكتاب المقدس"‪ ،‬وقد يبدو ذلك غريبا‪ ،‬فالمفروض أن أربأ بالقرآن‬ ‫يس ّ‬
‫ما عليه‪ ،‬إل أن المسألة ل تتعلق بى‪ ،‬بل‬ ‫عن أن يكون أىّ شىء آخر حاك ً‬
‫بخصوم ٍ سخفاَء ل يعجبهم العجب‪ .‬لهذا رأيت أن أستشهد بالكتاب المقدس‪،‬‬
‫ى كتبه نصارى‪ ،‬ومن ثم ل يمكن أن يقال إنهم يقلدون‬ ‫ب نصران ّ‬ ‫فهو كتا ٌ‬
‫أسلوب القرآن أو يريدون الدفاع عنه‪ .‬جاء فى الترجمة الكاثوليكية التى‬
‫قح أسلوبها الديب والعالم اللغوى الشهير الشيخ إبراهيم اليازجى‪،‬‬ ‫راجعها ون ّ‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذى كان يتشدد فى مسألة السلمة اللغوية تشددا مرهقا‪" :‬هذه عشائر‬
‫ف وستمائةٍ قائمون‬ ‫القهاتيين بإحصاء كل ذكرٍ من ابن شهر فصاعدا ثمانية آل ٍ‬
‫ف‬
‫بحراسة القدس" )العدد‪" ،(28 /4 /‬وإخوتهم ورؤوس بيوت آبائهم أل ٌ‬
‫س لعمل خدمة بيت الله" )أخبار اليام الول‪/9 /‬‬ ‫وسبعمائةٍ وستون جبابرةُ بأ ٍ‬
‫ف وسبعمائةٍ ذوو بأس" )أخبار اليام‬ ‫ح َ‬
‫شْبيا وإخوُته أل ٌ‬ ‫‪" ،(13‬ومن الحبرونيين َ‬
‫الول‪" ،(30 /26 /‬وإخوته ألفان وسبعمائةٍ ذوو بأس" )أخبار اليام الول‪/‬‬
‫ل وثمانين‬‫ما ٍ‬
‫‪ ،(26/32‬وفى الترجمة اليسوعية‪" :‬فجعل منهم سبعين ألف ح ّ‬
‫ف وكلَء لتشغيل الشعب" )أخبار اليام‬ ‫طاٍع على الجبل وثلثة آل ٍ‬‫ألف ق ّ‬
‫الثانى‪."(18 /2 /‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫ما‬ ‫َ‬
‫هل ودعواه بتحريف القرآن‪" :‬وأ ّ‬ ‫وبالنسبة لقولك‪ ،‬يا دكتور مورانى‪ ،‬عن ُبو ْ‬
‫ن ما‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن فلم أجدِ المصدَر المذكور إلى الن‪ ،‬ل ّ‬ ‫بحث ‪ Buhl‬حول تحريف القرآ ِ‬
‫ت‬‫بأيدينا هو "دائرة المعارف السلمية" الجديدة ‪ ،‬وليس فيها هذا"‪ ،‬فقد رجع ُ‬
‫إلى مادة "قرآن" التى كتبها هذا المستشرق فى "‪Shorter Encyclopaedia of‬‬
‫‪) "Islam‬ط‪ .‬بريل ولوزاك‪1961 /‬م(‪ ،‬فوجدته يقول إن الوحى الذى كان‬
‫عى أن ذلك الوحى قد‬ ‫محمد يتلقاه ليس هو القرآن الذى نقرؤه الن‪ ،‬إذ يد ّ ِ‬
‫ى المسجوع )ص ‪ /273‬النهر الول(‪.‬‬ ‫أعيدت صياغته بحيث أخذ الشكل الحال ّ‬
‫كما جاء أيضا فى مادة "محمد" بنفس الموسوعة وبقلمه هو نفسه كذلك أن‬
‫ما كان محمد يسمعه من وحى ليس هو ما نراه اليوم فى القرآن‪ ،‬إذ كان ل‬
‫يتلقى إل الساسيات‪ ،‬التى كان يتوسع فيها فيما بعد )‪ ،2 /393‬و ‪.(1 /394‬‬
‫فهل هذا كلم علمى؟ أم هو‪ ،‬كما ينبغى أن نصفه دون أدنى تردد‪ ،‬كذب‬
‫وتدليس واختراع حاقد سخيف؟وإل فكيف عرف بوهل بما كان يحدث؟ أكان‬
‫ول فى النص‬‫دل ويح ّ‬ ‫قب الباب فيراه وهو يب ّ‬ ‫يتجسس على محمد من ث َ ْ‬
‫القرآنى‪ ،‬وقد تصبب العرق من جبهته‪ ،‬وزوجته تسعفه بأكواب عصير الليمون‬
‫م المهمة الشاقة؟ إن ذلك لو‬ ‫البارد "لزوم ترويق الدم" حتى يستطيع أن ي ُت ِ ّ‬
‫كان حدث كما يزعم بوهل لشّنع به الكفار تشنيعا رهيبا على النبى الكريم‬
‫ولبدى المسلمون استغرابهم على القل وتساءلوا عن السبب الذى حدا به‬
‫هل على شىء من‬ ‫إلى تغيير نصوص الوحى على هذا النحو! ثم هل عثر ُبو ْ‬
‫جَعله يقول ما قال؟ أم على‬ ‫نصوص الوحى الصلية حسب زعمه الخرق َ‬
‫القل هل هناك رواية فَِهم سيادته منها هذا؟ إنه ل هذا ول ذاك‪ ،‬لكن‬
‫الشياطين ل يستحون! وإل فما الذى يمكن قوله فى رجل يأتى بعد أربعة‬
‫دعى حدوث أشياء قبل هذه القرون المتطاولة لم يذكرها أحد‬ ‫عشر قرنا في ّ‬
‫أيا كان‪ ،‬ول أثارها أحد أيا كان؟‬
‫إن العجيب أن يقول بوهل عن القرآن إنه‪ ،‬عند نزوله‪ ،‬لم يكن ذا فواصل‪ ،‬مع‬
‫أن المستشرقين‪ ،‬ومنهم بوهل نفسه‪ ،‬يتهمونه صلى الله عليه وسلم بأنه كان‬
‫يسجع فى القرآن )أى منذ بداية الدعوة( تقليدا للكهان )المرجع السابق‪/‬‬
‫‪ ،2 /293‬و ‪ .(2 /27‬فأىّ تناقض هذا؟ أل يرى القارئ أن الساءة إليه صلى‬
‫الله عليه وسلم هى المقصودة فى الحالتين؟ ثم أليست هذه‪ ،‬يا دكتور‬
‫ضها وقضيضها؟‬ ‫مورانى‪ ،‬وأرجو أل تغضب منى‪ ،‬هى السفاهة بذاتها وعينها وق ّ‬
‫يا أستاذ بوهل‪ ،‬أنت حّر فى كفرك بمحمد‪ ،‬لكنك )ثلثة أيمان بالله العظيم(‬
‫ت حّرا فى هذه المزاعم الكاذبة التى ل يقبلها العلم فى أى مكان أو‬ ‫لس َ‬
‫وغ! وأرجو مرة أخرى أل تغضب منى يا دكتور مورانى!‬ ‫زمان وتحت أىّ مس ّ‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهل باليمان بالقرآن‪ ،‬وكذلك لن أطالبه أبد البدين‪،‬‬ ‫لحظ أننى لم أطالب ب ُ ْ‬
‫م أن‬ ‫على القل لنه مات منذ وقت طويل وشبع موتا! ويمكن القراَء الكرا َ‬
‫ى‪" :‬مصدر‬ ‫يرجعوا‪ ،‬بغية المزيد من التفصيل فى هذه النقطة‪ ،‬إلى كتاب ّ‬
‫القرآن‪ -‬دراسة لشبهات المستشرقين والمبشرين حول الوحى المحمدى"‬
‫)مكتبة زهراء الشرق‪ /‬القاهرة‪1417 /‬هـ‪1997 -‬م‪ ،(196 -190 /‬و"دائرة‬
‫المعارف السلمية الستشراقية‪ -‬أضاليل وأباطيل" )مكتبة البلد المين‪/‬‬
‫القاهرة‪1491 /‬هـ‪1989 -‬م‪.(9 -7 /‬‬
‫كذلك يكذب بوهل حين يزعم أن علماء النفس يوافقون المؤلفين البيزنطيين‬
‫الذين اتهموا الرسول عليه السلم بأنه لم يكن ينزل عليه وحى ول يحزنون‪،‬‬
‫صْرع‪ ،‬وإن حاول المستشرق الماكر بعد هذا أن يتظاهر‬ ‫بل كان مصابا بال ّ‬
‫بالحياد والتواضع قائل‪" :‬إن علينا بطبيعة الحال أن نترك لولئك المحللين‬
‫مهمة تحديد الطبيعة الدقيقة لحالته" )‪ ،(2 /393‬وذلك دون أن يذكر لنا‬
‫أسماء هؤلء المحللين النفسانيين المزعومين‪ ،‬ول على أى أساس قالوا ذلك‬
‫ت عليهم أعراض الوحى التى كانت تنتاب‬ ‫ض ْ‬‫إن كانوا قالوه فعل‪ ،‬وهل عُرِ َ‬
‫ضا أميًنا‪ .‬وقد كان‬ ‫الرسول عليه الصلة والسلم حين نزول القرآن عليه عر ً‬
‫صْرع بأنه "ادعاء‬ ‫جيبون حاسما فى وصف هذا التهام للرسول عليه السلم بال ّ‬
‫سخيف من اليونانيين" )‪Gibbon, The Decline and Fall of the Roman Empire,‬‬
‫‪ ،(William Benton, Chicago- London, 1978, Vol. , P. 243‬كما رفض وليم‬
‫صْرع تمنع المصروع من‬ ‫صْرع قائل إن نوبة ال ّ‬
‫موير تفسير ظاهرة الوحى بال ّ‬
‫تذكر ما مر به أثناءها )‪Sir William Muir, Life of Mohammad, John Grant,‬‬
‫صْرع فى‬ ‫‪ .(Edinburgh, 1912, PP. 14- 29‬ولقد استقصيت بنفسى أعراض ال ّ‬
‫أحد المعاجم الطبية النجليزية وفى "دائرة المعارف البريطانية" فلم أجد‬
‫شيئا منها ينطبق على حالة النبى الكريم‪ ،‬مما يعزز ما قلُته فى بوهل حين‬
‫وصفت ما صنعه بأنه كذب! ومن الممكن للقارئ أن يراجع ما كتبُته فى هذا‬
‫الصدد بالتفصيل فى كتابى‪" :‬دائرة المعارف السلمية الستشراقية‪ -‬أضاليل‬
‫وأباطيل" )ص ‪.(32 -28‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫أترى ما فعله بوهل‪ ،‬يا دكتور مورانى‪ ،‬هو من العلم فى شىء؟ إننا ل نطالبه‬
‫هو ول غيره باليمان بأن القرآن وحى إلهى‪ ،‬بل نستسمحه ونقّبل رأسه حتى‬
‫يقبل أل يكذب‪ ،‬على القل أل يكذب هذا اللون من الكذب المفضوح الذى ل‬
‫يمكن تجميله! أترى هذا شرطا تحكميا من جانبنا؟ وهأنتذا ترى‪ ،‬يا دكتورنا‬
‫العزيز‪ ،‬أن الخلف بيننا وبين بوهل‪ ،‬وما بوهل إل مثال‪ ،‬هو خلف فى تطبيق‬
‫المنهج العلمى واللتزام بالقيم العلمية‪ ،‬وهذا كل ما هنالك! إننا لم نقل له‬
‫مثل إن محمدا رسول من عند رب العالمين‪ ،‬ومن ثم ل ينبغى أن تتهمه‬
‫صْرع‪ ،‬بل قلنا له إن أعراض الصرع ل تصدق على حالته‪ ،‬وإنك حين زعمت‬ ‫بال ّ‬
‫أن المحللين النفسانيين قد أثبتوا أن حالته هى فعل حالة المصاب بهذا‬
‫المرض كنت تكذب‪ ،‬فضل عن أنك سرعان ما فضحت نفسك حين قلت‪:‬‬
‫عهم يقررون بأنفسهم طبيعة حالته بدقة‪ ،‬وهو ما يعنى بكل صراحة أنهم‬ ‫فلند ْ‬
‫لم يقولوا بعد شيئا فى هذا الموضوع! وفى النهاية أحب أن أذكر أن كّتاب‬
‫ضا‬
‫مادة "‪ "MOHAMMED‬فى "‪ "JewishEncyclopedia.com‬يتهمون هم أي ً‬
‫صْرع‪ ،‬أى أن‬‫الرسول عليه السلم بأنه كان يعانى منذ صغره من الصابة بال ّ‬
‫ة تعتريه! ولم ل يفعلون‬ ‫عي ّ ً‬
‫صْر ِ‬
‫ت َ‬
‫مى بنزول الوحى عليه لم يكن إل نوبا ٍ‬
‫ما يس ّ‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فِلس؟‬‫م ْ‬
‫ل ُ‬‫ت حتى سامها ك ّ‬ ‫هم أيضا يا ترى‪ ،‬وقد هُزِل َ ْ‬
‫شىء آخر يفعله المستشرقون بالقرآن ول يتفق مع المنهج العلمى‪ ،‬وليس‬
‫فى انتقادنا له أدنى دللة على أننا نحن المسلمين نريد منهم أن يعاملوه‬
‫دم عليه بعضهم من ترتيب القرآن ترتيبا‬ ‫ق ِ‬
‫بوصفه كتاًبا سماوّيا‪ ،‬وهو ما ي ُ ْ‬
‫يقولون إنه ترتيب تاريخى‪ .‬ووجه مخالفة هذا الصنيع للمنهج العلمى أن مؤلف‬
‫"ذلك الكتاب" )كما تسمون الرسول الكريم( قد وضعه على الترتيب الذى‬
‫أمامنا الن‪ ،‬وعلينا نحن الدارسين أن نحترم ترتيبه‪ .‬ثم لماذا لم نر أحدا منكم‬
‫أتى للكتاب المقدس ورتبه تاريخيا مثلما يفعل بعضكم مع القرآن؟ وممن‬
‫فعل هذا بكتاب الله داود ورودويل‪ ،‬وكذلك بلشير فى الطبعة الولى من‬
‫ترجمته للقرآن‪ .‬وهذه مجرد أمثلة‪.‬‬
‫دم هذا الرجل على‬ ‫ق ِ‬ ‫ح فى نظر العلم أن ي ُ ْ‬ ‫وما دمنا نتكلم عن بلشير‪ ،‬أيص ّ‬
‫جى" إلى ترجمته‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ى‪" :‬إنهن الغرانيق العُلى* وإن شفاعتهن لت ُْرت َ َ‬ ‫إضافة جملت َ ْ‬
‫لسورة "النجم"‪ ،‬وهما الجملتان اللتان تمدحان أوثان قريش واللتان يقال فى‬
‫حذَِفتا فى الحال؟ أنا‬ ‫إحدى الروايات إن الشيطان قد ألقاهما فى القرآن ثم ُ‬
‫ل أريد الن أن أجادل فى مدى صحة هاتين الجملتين من الناحية القرآنية‪ ،‬بل‬
‫سأفترض أنهما كانتا فعل جزءا من القرآن! لكن ألم يحذف مؤلف القرآن‬
‫)كما تسمون النبى محمدا( هاتين الجملتين من كتابه؟ وعلى هذا ألم يكن من‬
‫الواجب اللتزام بالنص كما انتهى إلينا؟ أليس هذا هو ما يطالبنا به العلم؟ ثم‬
‫إن كان الدكتور بلشير ل يطيق سكوتا على هذه المسألة‪ ،‬ويرى أن الدنيا لن‬
‫يصلح حالها إل بالشارة إلى ما كان رغم أنه ليس إل رواية واحدة من روايات‬
‫فى هذا الصدد‪ ،‬فضل ً عن أنها رواية ل تدخل العقل كما سيتضح حال‪ ،‬لقد كان‬
‫له فى الهامش مندوحة يقول فيها ما يشاء دون أن يسىء إلى النص أو إلى‬
‫أمانة العلم! ) ‪Blachere, Le Coran, Librairie Orientale et Americaine, Paris,‬‬
‫‪(1957, P.561‬‬
‫وقد تناول عدد من علماء المسلمين قديما وحديثا الروايات التى تتعلق بهاتين‬
‫اليتين المزعومتين وبينوا أنها ل تتمتع بأية مصداقية‪ .‬والحقيقة إن النظر فى‬
‫سورة "النجم" ليؤكد هذا الحكم الذى توصل إليه أولئك العلماء‪ ،‬فهذه‬
‫السورة من أولها إلى آخرها عبارة عن حملة مدمدمة على المشركين وما‬
‫قل إمكان احتوائها على هاتين اليتين‬ ‫يعبدون من أصنام بحيث ل ي ُعْ َ‬
‫المزعومتين‪ ،‬وإل فكيف يمكن أن يتجاور فيها الذم العنيف للوثان والمدح‬
‫ور أن ينهال شخص بالسب والهانة على‬ ‫الشديد لها؟ ترى هل يمكن مثل تص ّ‬
‫رأس إنسان ما‪ ،‬ثم إذا به فى غمرة انصبابه بصواعقه المحرقة عليه ينخرط‬
‫فجأة فى فاصل من التقريظ‪ ،‬ليعود كرة أخرى فى الحال للسب والهانة؟‬
‫قل أن يبلع العرب مثل هاتين اليتين اللتين تمدحان آلهتهم‪ ،‬وهم‬ ‫هل ي ُعْ َ‬
‫يسمعون عقب ذلك قوله تعالى‪:‬‬
‫ضيَزى * إن هى إل أسماٌء‬ ‫ة ِ‬‫كر وله النثى؟ * تلك إذن قسم ٌ‬ ‫" ألكم الذ ّ َ‬
‫سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان‪ .‬إن تّتبعون إل الظن وما‬
‫وى النفس‪ .‬ولقد جاءهم من ربهم الهدى"؟ إن هذا أمر ل يمكن تصوره!‬ ‫ت َهْ َ‬
‫كما أن وقائع حياته صلى الله عليه وسلم تجعلنا نستبعد تمام الستبعاد أن‬
‫تكون عزيمته قد ضعفت يوما‪ ،‬فقد كان مثال الصبر واليمان بنصرة ربه له‬
‫ولدعوته‪ .‬ومواقفه من الكفار طوال ثلثة وعشرين عاما وعدم استجابته فى‬
‫مكة لوساطة عمه بينه وبينهم رغم ما كان يشعر به من حب واحترام عميق‬
‫نحوه‪ ،‬وكذلك رفضه لما عرضوه عليه من المال والرئاسة‪ ،‬هى أقوى برهان‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على أنه ليس ذلك الشخص الذى يمكن أن يقع فى مثل هذا الضعف‬
‫والتخاذل!‬

‫)‪(11 /‬‬

‫ة جديدة ً للتحقق من أمر هاتين اليتين هى الطريقة‬ ‫هذا‪ ،‬وقد أضفت طريق ً‬
‫السلوبية‪ ،‬إذ نظرت فى اليتين المذكورتين لرى مدى مشابهتهما لسائر آيات‬
‫القرآن فوجدت أنهما ل تمتان إليها بصلةٍ البتة‪ .‬كيف ذلك؟ إن اليتين‬
‫المزعومتين تجعلن الصنام الثلثة مناطا للشفاعة يوم القيامة دون تعليقها‬
‫على إذن الله‪ ،‬وهو ما لم يسنده القرآن فى أى موضع منه إلى أى كائن مهما‬
‫تكن منزلته عنده سبحانه‪ .‬ولن نذهب بعيدا للستشهاد على ما نقول‪ ،‬فبعد‬
‫ك فى‬ ‫مل َ ٍ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫هاتين اليتين بخمس آيات فقط نقرأ قوله تعالى‪" :‬وكم ِ‬
‫السماوات ل ت ُغِْنى شفاعُتهم شيئا إل من بعد أن يأذن الله لمن يشاء‬
‫ضى"‪ .‬فكيف يقال هذا عن الملئكة فى ذات الوقت الذى تؤكد إحدى‬ ‫وي َْر َ‬
‫اليتين المزعومتين أن شفاعة الصنام الثلثة جديرة بالرجاء من غير تعليق‬
‫لها على إذن الله؟ ثم إنه قد ورد فى الية الثانية من آيتى الغرانيق كلمة‬
‫جى"‪ ،‬وهى أيضا غريبة على السلوب القرآنى‪ ،‬إذ ليس فى القرآن‬ ‫"ت ُْرت َ َ‬
‫المجيد أى فعل من مادة "ر ج و" على صيغة‬
‫ن‬
‫ّ‬ ‫"وإ‬ ‫‪:‬‬ ‫هو‬ ‫الية‬ ‫نص‬ ‫أن‬ ‫"افتعل"‪ .‬أما ما جاء فى إحدى الروايات من‬
‫ضى"‪ ،‬فالرد عليه هو أن هذه الكلمة‪ ،‬وإن وردت فى القرآن‬ ‫شفاعتهن ل َت ُْرت َ َ‬
‫دم مع الشفاعة‬ ‫خ َ‬‫ست َ ْ‬‫ثلث مرات‪ ،‬لم تقع فى أى منها على "الشفاعة"‪ ،‬وإنما ت ُ ْ‬
‫عادة ً الفعال التالية‪" :‬تنفع ‪ ،‬تغنى ‪ ،‬يملك "‪.‬‬
‫ة اليات التى تتحدث عن اللت والعُّزى ومناة بقوله‬ ‫ت مجموع ُ‬ ‫كذلك فقد بدأ ْ‬
‫عَّز شأُنه‪" :‬أ)فـ(ـرأيتم ‪...‬؟"‪ ،‬وهذا التركيب قد تكرر فى القرآن إحدى‬
‫مل فى أى منها فى ملينة أو‬ ‫ست َعْ َ‬
‫وعشرين مرة كلها فى خطاب الكفار‪ ،‬ولم ي ُ ْ‬
‫تلطف‪ ،‬بل ورد فيها جميعا فى مواقف الخصومة والتهكم وما إلى ذلك بسبيل‬
‫كما فى الشواهد التالية‪:‬‬
‫"قل‪ :‬أرأيتم إن أتاكم عذاُبه ب ََياًتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون؟"‬
‫ق فجعلتم منه حلل‬ ‫"قل‪ :‬أرأيتم ما أنزل الله لكم من رز ٍ‬ ‫)يونس‪،(50 /‬‬
‫ن لكم أم على الله تفترون ؟" )يونس‪" ،(59 /‬قل‪:‬‬ ‫َ‬
‫ه أذِ َ‬ ‫وحراما؟ قل‪ :‬آلل ُ‬
‫شِهد شاهد ٌ من بنى إسرائيل على‬ ‫أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به و َ‬
‫مث ِْله فآمن واستكبرتم؟ إن الله ل يهدى القوم الظالمين" )الحقاف‪" ،(10 /‬‬ ‫ِ‬
‫زلون؟‬ ‫ن‬
‫ُ ْ ِ‬‫م‬ ‫ال‬ ‫نحن‬ ‫أم‬ ‫زن‬ ‫م‬
‫ُ ْ‬ ‫ال‬ ‫من‬ ‫أنزلتموه‬ ‫أأنتم‬ ‫*‬ ‫تشربون؟‬ ‫الذى‬ ‫الماء‬ ‫أفرأيتم‬
‫جا‪ ،‬فلول تشكرون" )الواقعة‪ .(70 –68 /‬فكيف يمكن‬ ‫ُ‬
‫جا ً‬‫* لو نشاء جعلناه أ َ‬
‫إذن أن يجىء هذا التركيب فى سورة "النجم" بالذات فى سياق ملطفة‬
‫الكفار ومراضاتهم بمدح آلهتهم؟ وفوق هذا لم يحدث أن ُأضيفت كلمة‬
‫مر( إل‬ ‫ض َ‬ ‫م ْ‬ ‫"شفاعة" فى القرآن الكريم )فى حال مجيئها مضافة إلى اسم ٍ ُ‬
‫إلى الضمير "هم" على خلف ما أتت عليه فى آيتى الغرانيق من إضافتها إلى‬
‫ن"‪.‬‬ ‫الضمير "ه ّ‬
‫ن‬‫وفضل عن ذلك فتركيب الية الولى من اليتين المزعومتين يتكون من "إ ّ‬
‫كدة كما نعرف( ‪ +‬ضمير )اسمها( ‪ +‬اسم معّرف باللف واللم‬ ‫)وهى مؤ ّ‬
‫مل لـ "ذات عاقلة" فى أى من المواضع‬ ‫ست َعْ َ‬
‫)خبرها("‪ ،‬وهذا التركيب لم ي ُ ْ‬
‫التى ورد فيها فى القرآن الكريم )وهى تبلغ العشرات( إل مع زيادة التأكيد‬
‫ن" بضميرٍ مثله كما فى المثلة التالية‪" :‬أل إنهم هم المفسدون‪ /‬أل‬ ‫لسم "إ ّ‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إنهم هم السفهاء‪ /‬إنه هو التواب الرحيم‪ /‬إنك أنت السميع العليم‪ /‬إنك أنت‬
‫التواب الرحيم‪ /‬إنه هو السميع العليم‪ /‬إنه هو العليم الحكيم‪ /‬إنه هو الغفور‬
‫الرحيم‪ /‬إنى أنا النذير المبين‪ /‬إنه هو السميع البصير‪ /‬إننى أنا الله‪ /‬إنك أنت‬
‫العلى‪ /‬إنا لنحن الغالبون‪ /‬إنه هو العزيز الحكيم‪ /‬وإنا لنحن الصاّفون‪ /‬وإنا‬
‫لنحن المسّبحون‪ /‬إنهم لهم المنصورون‪ /‬إنك أنت الوهاب‪ /‬إنه هو السميع‬
‫البصير‪ /‬إنه هو العزيز الرحيم‪ /‬إنك أنت العزيز الكريم‪ /‬إنه هو الحكيم العليم‪/‬‬
‫إنه هو الب َّر الرحيم‪ /‬أل إنهم هم الكاذبون‪ /‬فإن الله هو الغنى الحميد"‪ .‬أما فى‬
‫ن"‬
‫المرة الوحيدة التى ورد التركيب المذكور دون زيادة التأكيد لسم "إ ّ‬
‫بضميرٍ مثله )وذلك فى قوله تعالى‪" :‬إنه الحق من ربك"‪ /‬هود‪ (17 /‬فلم يكن‬
‫الضمير عائدا على ذات عاقلة‪ ،‬إذ الكلم فيها عن القرآن‪ .‬ولو كان الرسول‬
‫يريد التقرب إلى المشركين بمدح آلهتهم لكان قد زاد تأكيد الضمير العائد‬
‫ة " ما داموا‬ ‫ت عاقل ً‬
‫عليها بضميرٍ مثله على عادة القرآن الكريم بوصفها "ذوا ٍ‬
‫ُ‬
‫ى الغرانيق هو أيضا‬ ‫يعتقدون أنها آلهة‪ .‬وعلى ذلك فإن التركيب فى أوَلى آي َت َ ِ‬
‫تركيب غريب على أسلوب القرآن الكريم‪.‬‬
‫مما سبق يتأكد لنا على نحوٍ قاطٍع أن اليتين المذكورتين ليستا من القرآن‪،‬‬
‫وليس القرآن منهما‪ ،‬فى قليل أو كثير‪ .‬بل إنى لستبعد أن تكون كلمة‬
‫"الغرانيق" قد وردت فى أى من الحاديث التى قالها النبى عليه الصلة‬
‫والسلم‪ .‬وينبغى أن نضيف إلى ما مّر أن ك ُُتب الصحاح لم يرد فيها أى ذكر‬
‫لهذه الرواية‪ ،‬ومثلها فى ذلك ما كتبه ابن هشام وأمثاله فى السيرة النبوية‪.‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫ولقد قرأت فى كتاب "الصنام" لبن الكلبى )تحقيق أحمد زكى‪ /‬الدار‬
‫القومية للطباعة والنشر‪ (19 /‬أن المشركين كانوا يرددون هاتين العبارتين‬
‫فى الجاهلية تعظيما للصنام الثلثة‪ ،‬ومن ثم فإنى ل أستطيع إل أن أتفق مع‬
‫ما طرحه سيد أمير على من تفسير لما يمكن أن يكون قد حدث‪ ،‬بناًء على‬
‫ما ورد من روايات فى هذا الموضوع‪ ،‬إذ يرى أن النبى‪ ،‬عندما كان يقرأ‬
‫ض المشركين‬ ‫سورة "النجم" وبلغ اليات التى تهاجم الصنام الثلثة‪ ،‬توّقع بع ُ‬
‫ما سيأتى فسارع إلى ترديد هاتين العبارتين فى محاولة لصرف مسار‬
‫الحديث إلى المدح بدل من الذم والتوبيخ )‪Ameer Ali, The Spirit of Islam,‬‬
‫‪ .(Chatto and Windus, London, 1978, P.134‬وقد كان الكفار فى كثير من‬
‫وا كى يصرفوا الحاضرين عما‬ ‫طا ول َغْ ً‬
‫الحيان إذا سمعوا القرآن أحدثوا ل َغْ ً‬
‫ت‪ ،(26/‬فهذا الذى يقوله الكاتب الهندى هو من‬ ‫صل َ ْ‬
‫تقوله آياته الكريمة )فُ ّ‬
‫ذلك الباب‪ .‬ولتقريب المر أمّثل لهذه الطريقة بواقعة كنت من شهودها‪ ،‬إذ‬
‫س ومرؤوسه يتعاتبان منذ أعوام فى حضورى أنا وبعض الزملء‪،‬‬ ‫كان رئي ٌ‬
‫وكان الرئيس يتهم المرؤوس المسكين بأنه يكرهه‪ ،‬والخر يحاول أن يبرئ‬
‫نفسه عبثا لنه كان معروفا عنه خوضه فى سيرة رئيسه فى كل مكان‪ .‬وفى‬
‫نوبة يأس أسرع قائل وهو يؤكد كلمه بكل ما لديه من قوة‪" :‬إن ما بينى‬
‫ف بحضور بديهته وسرعة ردوده‬ ‫ل معرو ٍ‬ ‫وبينك عميق!"‪ ،‬فما كان من زمي ٍ‬
‫ول مجرى الحديث من وجهته إلى وجهة أخرى معاكسة إل أن تدخل‬ ‫التى تح ّ‬
‫قائل فى سرعة عجيبة كأنه يكمل كلما ناقصا‪" :‬فعل! عميقٌ ل ي ُعَْبر"‪ .‬وهنا‬
‫ة أحسن تلخيص للموقف ولمشاعر‬ ‫خص ً‬ ‫دها مل ّ‬ ‫أمسك الرئيس بهذه العبارة وع ّ‬
‫سب إليه! ومن ذلك أيضا ما‬ ‫مرؤوسه المزنوق الذى يحاول التنصل مما ي ُن ْ َ‬
‫كان بعض أصدقائنا المدرسين يعابث به تلميذاته إذا رآهن قد أسرفن فى‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التحمس لقاسم أمين وإبراز أهمية الدور التى تؤديه المرأة فى الحياة‪ ،‬إذ‬
‫كان ‪ ،‬كلما رّددن أمامه العبارة المشهورة فى هذا السياق من أن "وراء كل‬
‫عظيم امرأة"‪ ،‬يجيبهن مرة‪" :‬طبعا وراءه ل أمامه‪ ،‬فهو صاحب الصدارة‬
‫والتفوق‪ ،‬أما هى فتابعة له"‪ ،‬ومرة ‪" :‬فعل وراءه‪ ،‬والزمان طويل" ‪ ،‬ومرة ‪:‬‬
‫ودة عيشته" ‪ ...‬وهكذا ‪.‬‬ ‫"وراءه مس ّ‬
‫كذلك زعم "بلشير" أن سورة "الكهف" قد خضعت لتحويرات أخرى بعد أن‬
‫اكتشف جنابه أن اليات ‪ 25 -9‬من سورة "الكهف" ينبغى أن يعاد النظر فى‬
‫ترتيبها‪ .‬بل إنه رتبها فعل‪ ،‬فجعل مجموعة اليات من ‪ 9‬إلى ‪ 16‬مضاًفا إليها‬
‫اليتان ‪ ،25 -24‬ومجموعة اليات من ‪ 13‬إلى ‪ ،16‬عبارة عن روايتين لشىء‬
‫ص واحد ٌ ُأورِد َ بروايتين مختلفتين‪ .‬وهو ما يعنى أن إحدى‬ ‫واحد‪ ،‬أى أنهما ن ّ‬
‫المجموعتين زائدة ل لزوم لها )‪ .(Blachere, Le Coran, PP. 318- 319‬من الذى‬
‫أفتى لبلشير بهذا؟ ل أحد بالطبع إل شيطان السخف! وهَْبه كان مقتنعا فعل‬
‫بهذا الذى يزعم‪ ،‬أ ََولم يكن ينبغى أن يورد النص القرآنى كما هو بما وقع فيه‬
‫ن‬‫من عبث أو اضطراب على حسب أوهامه‪ ،‬ثم فَل ْي ُعَل ّقْ فى الهامش بما يع ّ‬
‫له؟ لكن هذا ليس هو المراد‪ ،‬ولن يحقق له أهدافه البليسية‪ ،‬فالمقصود هو‬
‫إيقاع الشك والرتياب فى النص القرآنى لفقاده قدسيته وجلله فيتعود‬
‫القارئ على أن يتعامل معه على أنه نص عادى من النصوص التى يصنعها‬
‫البشر بما يمكن أن يصيبه ما يصيب أى نص بشرى من عبث ونسيان وإضافة‬
‫وحذف وتقديم وتأخير‪...‬إلخ‪ .‬وهذا الهدف ل يتم على الوجه الناجع إل إذا تقدم‬
‫أحدهم ونفذه على أرض الواقع‪ ،‬ولم يكتف بالكلم النظرى الذى ل يمكن أن‬
‫يكون فى قوة التطبيق العملى‪ .‬ومن هنا أراد بلشير أن يكون هو "الفأر‬
‫جل فى رقبة القط ويحصل له الشرف‪ ،‬شرف‬ ‫جل ْ ُ‬
‫الزردوق" الذى يعّلق ال ُ‬
‫الساءة إلى العلم والحق‪ ،‬بل إلى الشرف نفسه!‬
‫وهاتان هما المجموعتان المشار إليهما من آيات سورة "الكهف"‪ ،‬أضعهما‬
‫تحت بصر القارئ كى يرى بنفسه الرقاعة البلشيرية‪:‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫ت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا؟‪ *9/‬إذ أوى‬ ‫"أم حسب َ‬
‫ئ لنا من أمرنا رشدا‪/‬‬ ‫الفتية إلى الكهف فقالوا‪ :‬ربنا‪ ،‬آتنا من لدك رحمة وهَ ّ‬
‫ى‬
‫‪ *10‬فضربنا على آذانهم فى الكهف سنين عددا‪ *11/‬ثم بعثناهم لنعلم أ ّ‬
‫صى لما لبثوا أمدا‪ *12/‬ولبثوا فى كهفهم ثلثمائةٍ سنين وازدادوا‬ ‫َ‬
‫ح َ‬ ‫الحزبين أ ْ‬
‫صْر به‬ ‫َ‬
‫تسعا‪ *24 /‬قل‪ :‬الله أعلم بما لبثوا‪ .‬له غيب السماوات والرض‪ .‬أب ْ ِ‬
‫ى‪ ،‬ول يشرك فى حكمه أحدا‪) "25/‬مج ‪- (1‬‬ ‫َ‬
‫ع! ما لهم من دونه من ول ّ‬ ‫م ْ‬
‫س ِ‬
‫وأ ْ‬
‫ص عليك نبأهم بالحق‪ .‬إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى‪*13/‬‬ ‫"نحن نق ّ‬
‫ب السماوات والرض‪ .‬لن ندعو‬ ‫وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا‪ :‬رّبنا ر ّ‬
‫من دونه إلها‪ .‬لقد قلنا إذن شططا‪ *14/‬هؤلء قومنا اتخذوا من دونه آلهة‪.‬‬
‫َ‬
‫م ممن افترى على الله كذبا؟‪*15/‬‬ ‫ن بّين؟ فمن أظ ْل َ ُ‬
‫لول يأتون عليهم بسلطا ٍ‬
‫ْ‬
‫وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إل الله فَأُووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من‬
‫مْرَفقا‪) "16/‬مج ‪ .(2‬والن أيمكن أن يكون لهذا‬ ‫ئ لكم من أمركم ِ‬ ‫رحمته ويه ّ‬
‫الكلم التافه أية قيمة؟ أويمكن أن المجموعتين كانتا‪ ،‬كما يفترى هذا‬
‫دا لكنه ورد بروايتين مختلفتين؟ إن كل من النصين‬ ‫صا واح ً‬
‫العجمى الخبيث‪ ،‬ن ّ‬
‫يتناول الموضوع من زاوية مختلفة ويورد تفاصيل مختلفة عما ينظر منه‬
‫ويورده الخر‪ ،‬وهذا من الوضوح بمكان إل بالنسبة لمن أعمى الله قلبه وجعل‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على بصره غشاوة‪ ،‬فهو ل يهتدى للحق سبيل! ثم كيف عرف سيادته بما‬
‫دل؟‬ ‫كر وفاتحى المن َْ َ‬ ‫شى الذ ّ َ‬‫شو ِ ِ‬‫مو َ ْ‬
‫جرى؟ أهو من ضاربى الودع و ُ‬
‫والن نحب أن ننظر فى أمر هذا البلشير لنرى مدى تمكنه من اللغة التى‬
‫هله معرفته‬ ‫يتجرأ ذلك التجرؤ العجيب على كتابها المقدس كى نعرف هل تؤ ّ‬
‫صى لقدرته من خلل ترجمته‬ ‫ح ِ‬ ‫إياها لمثل هذا التجرؤ أو ل‪ ،‬وسوف يكون فَ ْ‬
‫لهذا الكتاب ذاته ومدى فهمه له‪ :‬إنه مثل يترجم "أل" الستفتاحية فى كل‬
‫مواضعها من القرآن المجيد على أن معناها‪" :‬أليس‪...‬؟"‪ ،‬فمثل‬
‫"أل إنهم هم السفهاء!" )البقرة‪ (11 /‬تتحول على يديه المباركتين إلى‬
‫"أليسوا هم السفهاء؟"‪ ،‬و"أل لعنة الله على الظالمين!" )العراف‪(21 /‬‬
‫تصبح "أليست لعنة الله على الظالمين؟"‪...‬وهلم جرا‪ .‬أما كلمة "كبيرة" فى‬
‫قوله تعالى عن أولئك الذين لم يستطيعوا أن يستوعبوا مغزى تحويل القبلة‬
‫ة الكعبة‬‫ة بيت المقدس إلى الجنوب جه َ‬ ‫شمال ناحي َ‬‫فى المدينة من ال ّ‬
‫دى‬ ‫َ‬
‫ن كانت )أى مسألة تحويل القبلة( لكبيرة ً إل على الذين هَ َ‬ ‫المشرفة‪" :‬وإ ْ‬
‫الله" )البقرة‪ ،(143 /‬أى أمًرا كبًيرا ل يفهمون بعقولهم الغبية العنيدة مغزاه‬
‫ول يسهل على نفوسهم فيه تقبل حكم الله‪ ،‬فإنه بذكائه الحاد يترجمها على‬
‫أساس أن معناها‪ " :‬كبيرة من الكبائر"‪ .‬وفى قوله سبحانه من نفس الية‪:‬‬
‫سَند‬‫ضيع إيمانكم"‪ ،‬أى ل يمكن أن يظلمكم‪ ،‬يترجمها السيد ال ّ‬ ‫"وما كان الله ل ِي ُ ِ‬
‫بمعنى "إن الله ل يستطيع أن يضيع إيمانكم"‪ .‬أى أنه فى الوقت الذى تنفى‬
‫فيه الية عن الله الظلم‪ ،‬ينفى بلشير عنه سبحانه الستطاعة! كما أنه فى‬
‫وا إلى كلمةٍ سواٍء بيننا وبينكم‪ :‬أل نعبد‬ ‫قوله تعالى‪" :‬قل‪ :‬يا أهل الكتاب‪ ،‬تعال َ ْ‬
‫وا‬ ‫ّ‬
‫إل الله ول نشرك به شيئا ول يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله‪ .‬فإن ت َوَل ْ‬
‫فقولوا ‪:‬اشهدوا بأنا مسلمون" )آل عمران‪ ،(64 /‬يترجمه بما يجعل معناه‪:‬‬
‫"تعالوا إلى كلمة سواء‪ :‬أننا‪ ،‬مثَلكم‪ ،‬لن نعبد إل الله"‪ ،‬محوّل ً الية هكذا من‬
‫التبكيت للنصارى ودعوتهم إلى نبذ التثليث واتباع سنة السلم فى التوحيد‬
‫الذى جاء به المسيح عليه السلم من قبل فحّرفوه‪ ،‬إلى العمل على‬
‫ل بأن يضعه نصب عينيه‬ ‫استرضائهم وجعلهم هم الصل الذى يتعهد الرسو ُ‬
‫سي َّنك الشيطان‬ ‫ما ي ُن ْ ِ‬
‫ويحتذيه! كذلك ففى قوله سبحانه مخاطبا الرسول‪" :‬وإ ّ‬
‫فل تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين" )النعام‪ ،(68 /‬بمعنى أنه إن حدث‬
‫أيها المؤمنون أن نسيتم فلم تغادروا المجالس التى يستهزئ فيها المشركون‬
‫بآيات الله‪ ،‬فل تكرروها بعد ذلك‪ ،‬نراه يترجمها بـ"ولسوف ينسيك الشيطان‬
‫هذا النهى بكل تأكيد‪..."...‬إلخ‪ .‬ويستطيع القارئ أن يجد أمثلة أخرى لهذه‬
‫الخطاء البلشيرية العبقرية فى كتابى "المستشرقون والقرآن‪ -‬دراسة‬
‫لترجمات نفر من المستشرقين الفرنسيين للقرآن وآرائهم فيه" )دار‬
‫القاهرة‪1423 /‬هـ‪2003 -‬م‪ .(66 -55 /‬والغريب بعد ذلك كله أن نجد لبلشير‬
‫كتابا فى النحو العربى )بالشتراك مع ديمومبين(‪ ،‬فكيف يكون الحال لو لم‬
‫يكن مؤلفا لمثل هذا الكتاب؟‬
‫ن لى أن أكتب به إليك‪ ،‬والن أتركك فى رعاية المولى وحفظه‪ ،‬مع‬ ‫هذا ما ع ّ‬
‫تمنياتى الطيبة‪ ،‬والسلم‬

‫)‪(14 /‬‬

‫خطابات الضمان في الشريعة السلمية‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬الصديق محمد المين الضرير*‬
‫مدلول الشورى‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التعريف بخطاب الضمان)‪:(1‬‬


‫خطاب الضمان هو تعهد كتابي‪ ،‬يتعهد البنك بمقتضاه بكفالة أحد عملئه‬
‫)طالب الضمان( في حدود مبلغ معين‪ ،‬لدى طرف ثالث‪ ،‬عن التزام ملقى‬
‫على عاتق العميل المكفول‪ ،‬وذلك ضماًنا بوفاء العميل بالتزامه تجاه الطرف‬
‫الثالث‪ ،‬خلل مدة من الزمن معينة‪.‬‬
‫وينص عادة في الخطاب على أن يدفع البنك المبلغ المضمون عند أول طلب‬
‫من الطرف الثالث‪ ،‬يرد خلل مدة سريان خطاب الضمان رغم معارضة‬
‫العميل إن اعترض)‪.(2‬‬
‫وعرف في موضع آخر من الموسوعة بأنه‪) :‬صك يتعهد بمقتضاه البنك‬
‫دا معيًنا لحساب طرف ثالث لغرض‬ ‫المصدر له بأن يدفع مبلًغا ل يتجاوز ح ً‬
‫معين()‪.(3‬‬
‫وعّرفه البروفيسور محمد هاشم عوض بأّنه‪) :‬تعهد كتابي من ِقبل البنك بأن‬
‫ما على عاتق أحد عملئه تجاه هذا‬ ‫يدفع لطرف ثالث مبلًغا معيًنا يمثل التزا ً‬
‫الطرف‪ ،‬عند حلول أجل معّين في حالة عجز العميل عن الوفاء بهذا اللتزام(‬
‫)‪.(4‬‬
‫وعّرفه محمد باقر الصدر بأّنه‪) :‬تعهد من البنك بقبول دفع مبلغ معّين لدى‬
‫الطلب إلى المستفيد في ذلك الخطاب‪ ،‬نيابة عن طالب الضمان‪ ،‬عند عدم‬
‫قيام الطالب بالتزامات معينة قَِبل المستفيد()‪.(5‬‬
‫ويلحظ أن البروفيسور محمد هاشم عوض‪ ،‬ومحمد باقر الصدر نصا على أن‬
‫تعّهد البنك بالدفع يكون عند عدم دفع العميل‪ ،‬وأضاف محمد باقر الصدر أن‬
‫البنك يدفع نيابة عن العميل‪.‬‬
‫وعّرفه الدكتور علي جمال الدين عوض بأنه‪) :‬تعهد نهائي يصدر من البنك‪،‬‬
‫بناًء على طلب العميل‪ ،‬بدفع مبلغ نقدي معّين‪ ،‬أو قابل للتعيين بمجرد أن‬
‫يطلب المستفيد ذلك من البنك خلل مدة محددة()‪.(6‬‬
‫وُيلحظ أن هذا التعريف أضاف كلمة "نهائي" وعبارة "أو قابل للتعيين"‪.‬‬
‫ما يستفاد من التعريف‪:‬‬
‫يستفاد من تعريف خطاب الضمان‪:‬‬
‫‪ -1‬أنه ل بد ّ من وجود ضامن هو البنك‪ ،‬ومضمون هو عميل البنك‪ ،‬ومضمون‬
‫له هو الطرف الثالث‪ ،‬والمبلغ المضمون‪.‬‬
‫ن خطاب الضمان يجب أن يكون مكتوًبا‪.‬‬ ‫‪ -2‬أ ّ‬
‫دد بمدة معلومة )مؤقت(‪.‬‬ ‫ن الضمان مح ّ‬ ‫‪ -3‬أ ّ‬
‫ن المبلغ المضمون ليس ديًنا ثابًتا في ذمة المضمون عند إصدار خطاب‬ ‫‪ -4‬أ ّ‬
‫ف المضمون بالتزامه نحو المضمون له‪.‬‬ ‫الضمان‪ ،‬ولكنه قد يثبت إذا لم ي ِ‬
‫ن المستفيد ل يطالب البنك إل إذا عجز المضمون عن الوفاء بالتزامه‪.‬‬ ‫‪ -5‬أ ّ‬
‫ن المبلغ المضمون قد ل يكون معيًنا ولكنه قابل للتعيين‪.‬‬ ‫‪ -6‬أ ّ‬
‫صور خطابات الضمان أو أنواع خطابات الضمان‪:‬‬
‫دد الغراض الصادرة من‬ ‫خطابات الضمان لها صور وأنواع متعددة‪ ،‬تبًعا لتع ّ‬
‫أجلها‪ ،‬والنواع الرئيسة لخطابات الضمان اثنان‪ ،‬هما‪:‬‬
‫خطابات الضمان البتدائية‪:‬‬
‫وهي تعّهدات موجهة من البنك إلى المستفيد – هيئة حكومية وما في حكمها‬
‫– لضمان دفع مبلغ من النقود من قيمة العملية التي يتنافس طالب خطاب‬
‫الضمان للحصول عليها‪ ،‬ويستحق الدفع عند عدم قيام الطالب باتخاذ‬
‫الترتيبات اللزمة عند وقوع العملية عليه‪.‬‬
‫وهذه الخطابات خاصة بالعطاءات التي تقدم للجهات الحكومية وما في‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دم‪.‬‬‫حكمها‪ ،‬ويتراوح المبلغ ما بين ‪ %1‬و ‪ %2‬من قيمة العطاء المق ّ‬


‫دد المتعهدون آجال خطابات الضمان التي يطلبونها بمدد تتراوح‬ ‫وغالًبا ما ُيح ّ‬
‫ما بين شهر وثلثة أشهر)‪.(7‬‬
‫وفي ما يلي نموذج لخطاب ضمان ابتدائي منقول عن الموسوعة العلمية‬
‫والعملية للبنوك السلمية‪:‬‬
‫خطاب ضمان ابتدائي رقم ) (‬
‫التاريخ‪.............................................................. :‬‬
‫السيد‪............................................................... /‬‬
‫نتعّهد أن نضمن‪......................................................:‬‬
‫بمبلغ‪................................................................:‬‬
‫دم منه عن‬ ‫قيمة‪...................:‬في المائة من العطاء المق ّ‬
‫توريد ‪ .....................................‬أو مقاولة أعمال ‪...................‬على أن‬
‫ندفع المبلغ ‪ ............................................‬عند أول طلب منها رغم أية‬
‫معارضة في ذلك من قبل صاحب العطاء المذكور‪.‬‬
‫ويسري مفعول هذا الخطاب لمدة تنتهي في ‪ ............................‬وعليه‬
‫فأية مطالبة بقيمة هذا الضمان يجب أن تصلنا لغاية هذا التاريخ على ألكثر‪،‬‬
‫ن تعّهدنا ينتهي‪ ،‬ويصبح‬ ‫وإذا انقضى هذا التاريخ ولم تصلنا منكم أية مطالبة فإ ّ‬
‫هذا الخطاب لغًيا بصفة نهائية‪.‬‬
‫وتفضلوا بقبول فائق الحترام‪..‬‬
‫بنك‪..............................................:‬‬
‫وهذا نموذج لخطاب ضمان صادر من بنك السودان‪:‬‬
‫بنك‪..............................................:‬‬
‫رفع‪..............................................:‬‬
‫التاريخ‪...........................................:‬‬
‫خطاب ضمان رقم‪ ..............:‬بمبلغ‪............:‬‬
‫السيد‪............................................./‬‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‬
‫بموجب هذا الخطاب نضمن‬

‫)‪(1 /‬‬

‫في حدود مبلغ‪ .............‬وذلك فيما يختص‪ .....................‬هذا ونتعهد‬


‫بتسديد المبلغ المذكور عند أول طلب كتابي منكم مؤكدين فشل العميل في‬
‫استيفاء التزاماته نحوكم تحت شروط العطاء الخاص بهذا الضمان‪.‬‬
‫يسري مفعول هذا الضمان من تاريخ‪ .............‬إلى‪ ............‬وأي طلب‬
‫منكم لسداد المبلغ المذكور أعله أو جزء منه‪ ،‬يجب أن يكون كتابة في أو‬
‫قبل‪ .........‬وهو التاريخ الذي يعتبر فيه هذا الضمان لغًيا‪ ،‬ول مفعول له‬
‫ويلزم إعادته لنا‪.‬‬
‫وتفضلوا بقبول فائق الحترام‪،،،‬‬
‫عن بنك‪..........................................‬‬
‫ن خطاب الضمان الصادر من بنك السودان ينص على أن تعّهد البنك‬ ‫ويلحظ أ ّ‬
‫بتسديد المبلغ يكون عند فشل العميل في الوفاء بالتزاماته في حين أن‬
‫النموذج الذي في الموسوعة سكت عن هذا‪.‬‬
‫‪ -1‬خطابات الضمان النهائية‪:‬‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هي تعّهدات للجهة الحكومية ونحوها لضمان دفع مبلغ من النقود من قيمة‬
‫العملية التي استقّرت على عهدة العميل‪ ،‬ويصبح الدفع واجًبا عند تخلف‬
‫العميل عن الوفاء بالتزاماته‪ ،‬المنصوص عليها في العقد النهائي للعملية‪ ،‬بين‬
‫العميل والجهة التي صدر خطاب الضمان لصالحها‪.‬‬
‫فهذه الخطابات خاصة بضامن حسن تنفيذ العقود المبرمة مع الهيئات‬
‫الحكومية‪.‬‬
‫والتأمين النهائي يتراوح ما بين ‪ %5‬و ‪ %10‬من قيمة العطاء وغالًبا ما يصدر‬
‫البنك خطابات الضمان لمدد ل تتجاوز العامين)‪.(8‬‬
‫فيما يلي نموذج لخطاب ضمان نهائي منقول عن الموسوعة العملية والعلمية‬
‫للبنوك السلمية‪:‬‬
‫خطاب ضمان نهائي رقم ) (‬
‫التاريخ‪................................:‬‬
‫السيد‪................................../‬‬
‫ن السيد‪................................/‬قد رسا عليه‬ ‫حيث إ ّ‬
‫توريد‪/‬مقاولة ‪ ............‬فإّنا نتعهد بأن نضمن‪ ................‬لغاية مبلغ‬
‫بمبلغ ‪..........‬قيمة‪.....‬في المائة من قيمة العقد‪ ،‬وأن ندفع هذا المبلغ عند‬
‫أول طلب من قبل‪......‬دون النظر إلى أية معارضة من قبل المتعهد‪ ،‬ويسرى‬
‫مفعول هذا الخطاب لغاية‪ .......‬وعليه فأية مطالبة بقيمته يجب أن تصلنا‬
‫لغاية هذا التاريخ على الكثر‪.‬‬
‫وإذا انقضى هذا التاريخ ولم يصلنا منكم أية مطالبة فإن تعهدنا ينتهي ويصبح‬
‫هذا الخطاب لغًيا بصفة نهائية‪.‬‬
‫بنك‪.......................................:‬‬
‫وُيلحظ أّنه ل فرق بين صيغة خطاب الضمان البتدائي والنهائي إل في‬
‫ن كل ّ منهما تعّهد بضمان مبلغ وليس بأداء‬ ‫الغرض الذي صدر من أجله‪ ،‬وأ ّ‬
‫عمل‪.‬‬
‫‪ -2‬خطابات ضمان لغراض أخرى‪:‬‬
‫وبجانب هذين النوعين تصدر البنوك خطابات ضمان لغراض أخرى مثل‪:‬‬
‫أ‪ -‬خطابات ضمان للتمويل )عن دفعة مقدمة(‪.‬‬
‫قد تدفع بعض الجهات للمقاولين مبلًغا من المال لتيسر لهم العمليات الكبيرة‬
‫المسندة إليهم‪ ،‬ويحصل هذا قبل بدء العمل فهو شبيه بالقرض‪ ،‬لذا تطلب‬
‫الجهة الدافعة من المقاول خطاب ضمان من البنك بقيمة المبلغ المدفوع له‪.‬‬
‫ب‪ -‬خطابات الضمان لتغطية التزامات متعهدي توزيع المنتجات‪.‬‬
‫ج‪ -‬خطابات ضمان لصالح مصلحة الجمارك)‪.(9‬‬
‫د‪ -‬خطابات ضمان لسحب بضائع من شركات الملحة قبل تسلم مستندات‬
‫الشحن‪.‬‬
‫هـ‪ -‬خطابات ضمان للتأمينات المطلوبة لتغطية المكالمات التلفونية الزائدة‬
‫ومكالمات الترنك)‪.(10‬‬
‫تلك كانت أنواع خطابات الضمان من حيث الغرض منها‪ ،‬وتنقسم خطابات‬
‫ضا من حيث التغطية وعدمها ثلثة أنواع‪:‬‬ ‫الضمان أي ً‬
‫‪ -1‬خطابات الضمان غير المغطاة‪.‬‬
‫‪ -2‬خطابات الضمان المغطاة تغطية كاملة‪.‬‬
‫‪ -3‬خطابات الضمان المغطاة تغطية جزئية‪.‬‬
‫تصدر بعض البنوك خطابات ضمان للمتعاملين معها من غير أن تطلب منهم‬
‫دفع أي مبلغ‪ ،‬لطمئنانها إلى وفائهم بالتزاماتهم وهذه هي خطابات الضمان‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫غير المغطاة‪.‬‬
‫دا وتأخذ على‬ ‫وتطلب بعض البنوك من عملئها دفع نسبة من مبلغ الضمان نق ً‬
‫الباقي ضماًنا عينًيا أو شخصًيا‪ ،‬وتتوقف نسبة الغطاء على مدى ثقة البنك في‬
‫العميل)‪.(11‬‬
‫دد البنك المركزي بالتشاور مع اتحاد المصارف السوداني‬ ‫وفي السودان ُيح ّ‬
‫الهامش النقدي الذي يحصل من العميل والمعمول به الن هو‪:‬‬
‫‪ 15% – 10‬من قيمة الضمان للعطاءات والمقاولت‪.‬‬
‫‪ 25%‬من قيمة الضمان – حد أدنى – بالنسبة لخطابات الضمان الخرى‬
‫المتعلقة بشراء البضائع وغيرها‪.‬‬
‫ويلزم البنك المركزي البنوك بأن تتحصل على ضمانات كافية من عملئها‬
‫بالنسبة للجزء المتبقي من الضمان)‪.(12‬‬
‫العمولة على خطابات الضمان‪:‬‬
‫تتقاضى البنوك علوة على المصاريف التي تتحملها لصدار خطابات الضمان‬
‫عمولة في مقابل الضمان على النحو التالي‪:‬‬
‫عمولة خطاب الضمان البتدائي دفعة واحدة في حدود أربع بالمائة تقريًبا‪.‬‬
‫عمولة خطاب الضمان النهائي تحسب العمولة حسب مدة الخطاب‪ ،‬سنة أو‬
‫سنتين وهي في حدود ‪ %20‬في السنة‪.‬‬
‫دا‪،‬‬
‫ويجوز للبنك تخفيض العمولة إلى النصف في حالة ما إذا كان الغطاء نق ً‬
‫كما يجوز له تحصيل العمولة عن المدة كاملة)‪.(13‬‬
‫دد اتحاد المصارف مقدار العمولة من وقت لخر والمعمول‬ ‫وفي السودان ُيح ّ‬
‫به في الوقت الحالي هو‪:‬‬
‫‪ -1‬تخليص البضائع قبل وصول مستندات الشحن‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أ ‪ -‬مغطى بخطاب اعتماد ‪ 1000‬دينار‪.‬‬


‫ب ‪ -‬غير مغطى بخطاب اعتماد ‪ 3000‬دينار)‪.(14‬‬
‫التكييف الفقهي لخطاب التأمين‪:‬‬
‫دا وإّنما هو عقد الضمان المعروف في الفقه‬ ‫دا جدي ً‬
‫خطاب الضمان ليس عق ً‬
‫ى‪ ،‬ويّتضح هذا من الموازنة بين تعريف خطاب الضمان‬ ‫ما ومعن ً‬
‫السلمي اس ً‬
‫المعمول به في البنوك‪ ،‬الذي سبق بيانه وتعريف عقد الضمان في الفقه‬
‫السلمي الذي نبّينه فيما يلي‪ ،‬ثم من بيان بعض خصائص خطابات الضمان‬
‫التي قد يظن أنها ل تتفق مع أحكام عقد الضمان في الفقه السلمي ثم دفع‬
‫حجة من ذهب إلى أن خطاب الضمان عقد مستحدث مختلف عن عقد‬
‫الضمان )الكفالة(‪.‬‬
‫الضمان في الفقه السلمي‪:‬‬
‫تعريف الضمان‪:‬‬
‫أذكر فيما يلي تعريف الضمان في المذاهب الربعة مبتدًئا بالمذاهب التي‬
‫تستعمل لفظ الضمان – المذهب المالكي‪ ،‬الشافعي‪ ،‬الحنبلي‪ ،‬ثم المذهب‬
‫الحنفي الذي يستعمل كلمة الكفالة‪ .‬واللفظان مؤداهما واحد‪.‬‬
‫المذهب المالكي‪:‬‬
‫الضمان ويسمى كفالة وحمالة وزعامة)‪ (15‬هو‪) :‬التزام مكلف غير سفيه ديًنا‬
‫على غيره‪ ،‬أو طلبه من عليه لمن هو له‪ ،‬بما يدل عليه()‪.(16‬‬
‫هذا التعريف يشمل أنواع الضمان الثلثة عند المالكية‪ :‬ضمان المال‪ ،‬ضمان‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الوجه‪ ،‬وضمان الطلب)‪ ،(17‬والذي يهمنا هنا هو ضمان المال الذي عّرفه‬
‫الدردير بأنه‪) :‬التزام مكلف غير سفيه ديًنا على غيره(‪.‬‬
‫وأركان الضمان عند المالكية خمسة‪ :‬ضامن‪ ،‬ومضمون‪ ،‬ومضمون له‪،‬‬
‫ومضمون به‪ ،‬وصيغة‪.‬‬
‫وعّرف الشيخ خليل الضمان بأنه‪) :‬شغل ذمة أخرى بالحق()‪.(18‬‬
‫المذهب الشافعي‪:‬‬
‫عّرف الشيرازي الضمان بأنه‪) :‬إيجاب مال في الذمة بالعقد()‪.(19‬‬
‫وعّرفه الرملي بأنه‪) :‬التزام الدين والبدن والعين()‪.(20‬‬
‫والتعريفان مؤداهما واحد بالنسبة للتزام المال غير أن الشيرازي خصص‬
‫الضمان بالمال‪ ،‬وخصص الكفالة بالبدن‪ ،‬وتحدث عنها بعد حديثه عن الضمان)‬
‫ما من الضمان‪ ،‬وعّرفه بما يشمل ضمان‬ ‫‪ ،(21‬والرملي جعل الكفالة قس ً‬
‫فا ما مشى عليه النووي في المتن في تخصيص‬ ‫المال والبدن والعين‪ ،‬مخال ً‬
‫الضمان بالمال‪ ،‬والكفالة بالبدن)‪ ،(22‬وما نقله الشيرازي عن الماوردي من‬
‫ن العرف خصص الضمان بالمال والكفالة بالبدن)‪ .(23‬والذي يعنينا‬ ‫أنه قال‪ :‬إ ّ‬
‫من هذا هو ضمان المال‪.‬‬
‫المذهب الحنبلي‪:‬‬
‫عّرف ابن قدامة الضمان بأنه‪:‬‬
‫)ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق()‪.(24‬‬
‫وعّرف ابن قدامة الكفالة بأنها‪) :‬التزام إحضار المكفول به(‪.‬‬
‫والمكفول به قد يكون بدن من عليه دين‪ ،‬أو عيًنا مضمونة)‪ ،(25‬فالحنابلة‬
‫يستعملون الضمان في ضمان الحق فقط وإن كان يصح عندهم الضمان‬
‫بلفظ الكفالة)‪.(26‬‬
‫المذهب الحنفي‪:‬‬
‫قا()‪.(27‬‬ ‫عّرف التمرتاشي الكفالة بأنها‪) :‬ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة مطل ً‬
‫والمراد بـ"ذمة" الولى ذمة الكفيل وبـ"ذمة" الثانية ذمة الصيل والمراد بـ‬
‫قا"‪ :‬بنفس أو بدين أو بعين)‪.(28‬‬ ‫"مطل ً‬
‫وعّرفها بعضهم بأنها‪) :‬ضم ذمة إلى ذمة في الدين(‪.‬‬
‫ن الضم يكون في المطالبة‬ ‫والتعريف الول تعريف للكفالة بأنواعها الثلثة وبأ ّ‬
‫في النواع الثلثة‪ ،‬أما التعريف الثاني فهو تعريف لنوع واحد من الكفالة هو‬
‫ن الكفالة بالمال هي التي وقع فيها الخلف بين فقهاء‬ ‫الكفالة بالمال‪ ،‬ل ّ‬
‫الحنفية هل هي الضم في المطالبة‪ ،‬أم الضم في الدين‪ .‬أما الكفالة بالنفس‬
‫والعيان فهي في المطالبة اتفاًقا)‪.(29‬‬
‫ويرى ابن عابدين أن كل من كفالة المال وكفالة النفس تنعقد بـ "كفلت" كما‬
‫ل به يكون كفالة نفس‪ ،‬وإذا‬ ‫دا أو أنا كفي ٌ‬
‫تنعقد بـ"ضمنت"‪ .‬فإذا قال ضمنت زي ً‬
‫قال ضمنت لك ما عليه من المال‪ ،‬أو أنا كفيل به فهو كفالة مال)‪.(30‬‬
‫يتضح من الموازنة بين تعريف خطاب الضمان وتعريف الضمان في المذاهب‬
‫الربعة؛ أن التعريفين متفقان في المعنى‪ ،‬وهو التزام الشخص مال ً واجًبا‬
‫على غيره لشخص ثالث‪.‬‬
‫قد يقال أن هذا ل يكفي لعتبار خطاب الضمان عقد ضمان – كفالة –‬
‫ن خطاب الضمان كما ظهر لنا من تعريفاته‬ ‫وإعطائه جميع أحكام الضمان‪ ،‬ل ّ‬
‫وصوره يشتمل على خصائص وصور قد ل تكون متفقة مع أحكام الضمان في‬
‫الفقه السلمي‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫خطاب الضمان مؤقت بمدة‪.‬‬
‫المبلغ المضمون في خطاب الضمان غير ثابت في ذمة المضمون عند العقد‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما عند العقد‪.‬‬‫المبلغ المضمون في خطاب الضمان قد ل يكون معلو ً‬


‫التزام البنك بدفع المبلغ المضمون له مشروط بعدم وفاء المضمون )العميل(‬
‫بالتزامه‪.‬‬
‫البنك يطالب المضمون )العميل( أحياًنا بأن يدفع له المبلغ المضمون كامل ً‬
‫عند العقد‪.‬‬
‫المسألة الولى‪ :‬توقيت الضمان‪:‬‬
‫خطابات الضمان التي تصدرها البنوك كلها تصدر مؤقتة بمدة محددة ينتهي‬
‫الضمان بانتهائها‪ ،‬كما هو واضح من تعريف خطاب الضمان‪ ،‬ونماذج خطابات‬
‫الضمان‪.‬‬
‫فهل يجوز توقيت الضمان )الكفالة( في الفقه السلمي؟‬
‫اختلف الفقهاء في هذه المسألة‪:‬‬
‫فالحنفية يذكرون ثلث صور للتوقيت لكل صورة حكمها‪:‬‬
‫دا‪ ،‬أو ما على زيد‪ ،‬إلى شهر‪.‬‬
‫الولى‪ :‬كفلت لك زي ً‬
‫الثانية‪ :‬كفلته من اليوم إلى شهر‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬كفلته شهًرا‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫دا أي في الشهر وبعده‪ .‬وقيل ل‬ ‫ففي الصورة الولى يكون كفيل ً في الحال أب ً‬
‫يكون كفيل ً في الحال‪ ،‬بل بعد الشهر وعلى كل فل يطالب في الحال‪ ،‬وعند‬
‫أبي يوسف والحسن هو كفيل في المدة فقط‪.‬‬
‫وفي الصورة الثانية هو كفيل في المدة بل خلف‪ ،‬وفي الصورة الثالثة قيل‬
‫كالصورة الولى وقيل كالثانية‪.‬‬
‫قال ابن عابدين بعد أن ذكر هذه الصور الثلث وحكمها‪) :‬وينبغي عدم الفرق‬
‫بين الصور الثلث في زماننا كما هو قول أبي يوسف والحسن‪ ،‬لن الناس‬
‫اليوم ل يقصدون بذلك إل توقيت الكفالة بالمدة‪ ،‬وأنه ل كفالة بعدها‪ ،‬وقد‬
‫ت في الذخيرة قال‪:‬‬ ‫م رأي ُ‬
‫تقدم أن مبنى لفظ الكفالة على العرف والعادة ‪ ..‬ث ّ‬
‫ل أبو علي الّنسفي يقول‪ /‬قول أبي يوسف أشبه‬ ‫وكان القاضي المام الج ّ‬
‫بعرف الّناس إذا كفلوا إلى مدة يفهمون بضرب المدة أنهم يطالبون في‬
‫المدة ل بعدها)‪.(31‬‬
‫ومنع الشافعية توقيت الضمان واختلفوا في جواز توقيت الكفالة‪ ،‬والصح‬
‫عندهم المنع‪.‬‬
‫ح أّنه ل يجوز توقيت الكفالة – كأنا كفيل بزيد إلى شهر‪،‬‬ ‫يقول الرملي‪) :‬والص ّ‬
‫وبعده أنا بريء‪ ،‬والثاني يجوز‪ ،‬لنه قد يكون له غرض في تسليمه في هذه‬
‫ن المقصود منه الداء‪ ،‬فلهذا امتنع تأقيت الضمان‬ ‫المدة بخلف المال فإ ّ‬
‫قطًعا)‪.(32‬‬
‫وعند الحنابلة في صحة توقيت الضمان وجهان)‪.(33‬‬
‫ورأي أبو يوسف الذي رجحه ابن عابدين والّنسفي هو الذي يجب العمل به‬
‫ن صيغة التأقيت في‬ ‫مإ ّ‬
‫في زماننا‪ ،‬للعلة التي رجحا العمل بها في زمانهما‪ ،‬ث ّ‬
‫ما مع الصورة الثانية التي يم يختلف الحنفية في‬ ‫خطاب الضمان تتفق تما ً‬
‫جواز التأقيت بها‪.‬‬
‫والتفرقة التي ذكرها الشافعية بين توقيت الكفالة بالنفس والكفالة بالمال‬
‫غير وجيهة عندي‪ ،‬لن الكفيل قد يكون له غرض في أداء المال في وقت‬
‫معين كما قالوا في الكفالة بالنفس‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ول أوافق الستاذ‪ /‬علي الخفيف فيما ذهب إليه من أن الكفالة بالمال ليس‬
‫هناك ما يمنع توقيتها على الرأي القائل بأنها ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة‬
‫ضا‬‫ن ذمة الكفيل تصبح مشغولة بالدين أي ً‬ ‫ما على الرأي القائل بأ ّ‬ ‫فقط‪ ،‬أ ّ‬
‫ن مقتضاه عدم جواز التوقيت معلل ً عدم الجواز بقوله‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫فإ‬ ‫الجمهور‪،‬‬ ‫وهورأي‬
‫ن الذمة إذا شغلت بالدين الصحيح وهو ما‬ ‫)ذلك لن المعهود في الشرع أ ّ‬
‫تصح فيه الكفالة‪ ،‬لم تبرأ إل بأدائه أو بالمعارضة عليه‪ ،‬أو بإسقاط الدائن إياه‪،‬‬
‫دد فيكون مضي هذا الزمان‬ ‫ما إّنها تبرأ بمضي زمن مح ّ‬ ‫أو بهبته للمدين‪ ،‬أ ّ‬
‫طا للدين فل عهد لنا به في الحقوق‪ ،‬لّنها ل تسقط بمضي الزمن ول‬ ‫مسق ً‬
‫عا‪..‬‬
‫بالتقادم شر ً‬
‫ذمة‬ ‫ن دين الكفالة من الديون الصحيحة القوية فإذا ثبت في ال ّ‬ ‫ومن المعلوم أ ّ‬
‫مة الكفيل لم يسقط بمضي الزمن‪ ،‬وعلى ذلك يكون مقتضى هذا‬ ‫ولو كانت ذ ّ‬
‫الرأي )رأي الجمهور( عدم قبول الكفالة للتوقيت حتى ل يترتب على توقيتها‬
‫سقوط الدين عن الكفيل بمضي الزمن الذي أقتت به‪ ،‬ذلك ما نستظهره)‬
‫‪.(34‬‬
‫ن الدين إذا سقط عن الكفيل‬ ‫ً‬
‫استظهار الستاذ الخفيف يكون مقبول لو أ ّ‬
‫ن‬
‫يسقط نهائًيا ول يستطيع صاحبه الحصول عليه‪ ،‬ولكن الحاصل في حالتنا أ ّ‬
‫الدين يسقط عن الكفيل‪ ،‬ولكنه يبقى في ذمة الصيل ويستطيع صاحبه أخذه‬
‫من الصيل‪ ،‬فل تعارض بين القول بسقوط الدين عن الكفيل بمضي المدة‬
‫وقاعدة عدم سقوط الدين بمضي المدة‪ ،‬لن الدين لم يسقط‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬المبلغ المضمون في خطاب الضمان غير ثابت في ذمة‬
‫المضمون عند العقد‪:‬‬
‫ن المبلغ الذي يتعهد البنك بدفعه‬ ‫ظهر لنا من التعريف بخطاب الضمان أ ّ‬
‫للمستفيد – المضمون له – غير ثابت في ذمة العميل – المضمون‪ .‬ولكنه قد‬
‫ل العميل بالتزامه‪ ،‬فهل يجوز هذا الضمان في‬ ‫يثبت في المستقبل إذا أخ ّ‬
‫الفقه السلمي؟‪.‬‬
‫نعم يجوز ضمان ما يثبت في ذمة المضمون ولو لم يكن ثابًتا في العقد في‬
‫مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة‪ ،‬وهو أحد قولين عند الشافعي)‪ .(35‬يقول‬
‫الدردير )وشروط الدين لزومه للمضمون في الحال‪ ،‬بل ولو يلزم المضمون‬
‫في المال أي المستقبل كدائن فلًنا وأنا أضمنه‪ ،‬أو إذا ثبت لك عليه دين فأنا‬
‫ضامن()‪.(36‬‬
‫ما)‪ ،(37‬ول واجًبا إذا كان مآله‬ ‫ويقول ابن قدامة )ول يشترط كون الحق معلو ً‬
‫ح()‪.(38‬‬‫إلى الوجوب فلو قال ضمنت ما على فلًنا أو ما تداينه به ص ّ‬
‫ما عند‬ ‫المسألة الثالثة‪ :‬المبلغ المضمون في خطاب الضمان قد ل يكون معلو ً‬
‫العقد‪:‬‬
‫ن المبلغ‬ ‫رأينا في تعريف الدكتور علي جمال الدين عوض لخطاب الضمان أ ّ‬
‫المضمون قد يكون معيًنا‪ ،‬أو قابل ً للتعيين‪ ،‬ويشرح الدكتور علي جمال الدين‬
‫هذا بقوله‪) :‬الصل أن يحدد ضامن البنك بمبلغ معين‪ ،‬ومع ذلك فمن المتصور‬
‫أن يصدر الخطاب بغير تحديد مبلغ‪ ،‬بل يتعهد فيه البنك أن يضمن عميله في‬
‫كل ما يسببه تصرفه من ضرر للغير أي المستفيد ‪ ..‬وتعّهد البنك على هذا‬
‫النحو صحيح‪ ،‬لن محله لم يكن محدًدا فهو قابل للتحديد)‪ ،(39‬فهل يقبل‬
‫الضمان في الفقه السلمي هذا؟‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نعم يقبله وتصح الكفالة – الضمان – ولو كان المال المضمون مجهول ً عند‬
‫أكثر الفقهاء لنها مبنية على التوسع كما يقول ابن عابدين)‪ ،(40‬ولنها التزام‬
‫في حق الذمة من غير معاوضة فتصح في المجهول كما يقول ابن قدامة)‬
‫‪ ،(41‬ولنها من إيجاب المرء المعروف على نفسه ومن أوجب المعروف‬
‫على نفسه لزمه‪ ،‬كما يقول مالك)‪ ،(42‬ولن الضمان ل ينافيه الغرر لنه‬
‫ليس معاوضة‪ ،‬كما يقول الشهيد الثاني)‪.(43‬‬
‫ما كان المال أو مجهو ً‬
‫ل‪،‬‬ ‫يقول المرغيناني‪) :‬وأما الكفالة بالمال فجائزة معلو ً‬
‫حا مثل أن يقول تكفلت عنه بألف‪ ،‬أو بما لك عليه‪ ،‬أو بما‬ ‫إذا كان ديًنا صحي ً‬
‫يدركك في هذا البيع لن مبنى الكفالة على التوسع فيحتمل فيها الجهالة‬
‫وعلى الكفالة بالدرك إجماع وكفى به حجة()‪ ،(44‬ويقول الكمال‪) :‬والكفالة‬
‫بالمال عندنا جائزة وإن كان المال المكفول به مجهول المقدار وبه قال مالك‬
‫وأحمد والشافعي في القديم()‪.(45‬‬
‫ما مع ما قرره الدكتور علي جمال الدين‪ ،‬فقد جاء‬ ‫ومذهب الحنابلة يتفق تما ً‬
‫ما إذا كان مآله إلى العلم()‬ ‫في المقنع وحاشيته )ول يشترط كون الحق معلو ً‬
‫‪.(46‬‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬التزام البنك بدفع المبلغ للمستفيد مشروط بعدم وفاء‬
‫المضمون )العميل( بالتزامه‪:‬‬
‫رأينا بعض التعريفات لخطاب الضمان وبعض النماذج تنص على أن البنك‬
‫دا فشل العميل في عدم‬ ‫يتعهد بالدفع عندما يطلب المستفيد منه المبلغ مؤك ً‬
‫الوفاء بالتزاماته‪ .‬فهل هذا مقبول في الضمان في الفقه السلمي؟‪.‬‬
‫قا للضمان‪ ،‬إذا كان المراد فشل العميل‬ ‫ما أن يكون تعلي ً‬ ‫نعم هو مقبول‪ ،‬لنه إ ّ‬
‫في اتخاذ الترتيبات اللزمة عند رسو العملية عليه في خطاب الضمان‬
‫البتدائي‪ ،‬أو فشله في الوفاء بالتزاماته المنصوص عليها في العقد في‬
‫خطاب الضمان النهائي‪ ،‬وتعليق الضمان بالشرط الملئم جائز عند الحنفية)‬
‫‪ ،(47‬والمالكية)‪ .(48‬وفي أحد قولين عند الحنابلة)‪ ،(49‬والصح عند‬
‫الشافعية عدم الجواز‪ ،‬والثاني الجواز)‪.(50‬‬
‫ما إذا كان المراد فشل العميل في دفع المبلغ المستحق عليه لعدم وفائه‬ ‫أ ّ‬
‫ضا على الرأي المرجوع إليه عند مالك من أنه ل‬ ‫ً‬
‫بالتزامه فإنه يكون مقبول أي ً‬
‫يجوز مطالبة الكفيل إل عند تعذر مطالبة الصيل)‪ ،(51‬وإن كان رأي الجهور‬
‫أن الدائن له أن يطالب الكفيل بأداء الدين‪ ،‬دون أن يتقيد في ذلك بتعذر‬
‫مطالبة الصيل)‪.(52‬‬
‫ل‪:‬‬‫المسألة الخامسة‪ :‬مطالبة المضمون )العميل( بدفع المبلغ المضمون كام ً‬
‫يطالب البنك في بعض الحالت العميل – المضمون – بدفع المبلغ المضمون‬
‫عند إصدار خطاب الضمان ليدفعه للمستفيد عند طلب منه – وهذا هو خطاب‬
‫الضمان المغطى‪.‬‬
‫فهل في الفقه السلمي حكم لهذه المسألة؟ نعم لها حكمها في المذاهب‬
‫الربعة‪:‬‬
‫وهذه خلصة لما جاء في متن تنوير البصار وشرحه وحاشية ابن عابدين‬
‫عليه‪ :‬إذا دفع الصيل المال إلى الكفيل على وجه القضاء بأن قال له إني ل‬
‫آمن أن يأخذ منك الطالب حقه‪ ،‬فأنا أقضيك المال قبل أن تؤديه‪ ،‬فليس له‬
‫أن يسترده منه‪ ،‬وإن لم يعطه الكفيل إلى الطالب لنه ملكه بالقتضاء‪،‬‬
‫فالكفالة توجب ديًنا للطاب على الكفيل‪ ،‬وديًنا للكفيل على الصيل‪.‬‬
‫ما إذا دفع الصيل المال إلى الكفيل على وجه الرسالة بأن قال المطلوب‬ ‫أ ّ‬
‫كا‬‫للكفيل خذ هذا المال وادفعه إلى الطالب‪ ،‬فإن المال المدفوع ل يكون مل ً‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للكفيل‪ ،‬وإّنما يكون أمانة في يده‪ ،‬يأخذ حكم المانة ولكن ل يكون للمطلوب‬
‫أن يسترده من الكفيل‪ ،‬لنه تعلق به حق المطالب‪.‬‬
‫وفي حالة دفع الصيل المال إلى الكفيل على وجه القضاء يجوز للكفيل‬
‫التصرف فيه بالستثمار وغيره‪ ،‬وله ربحه لنه نماء ملكه وإذا هلك المال‬
‫ضمنه‪.‬‬
‫أما في حالة قبل الكفيل المال على وجه الرسالة فإنه ل يجوز له التصرف‬
‫فيه‪ ،‬وإذا هلك يهلك هلك المانة‪ ،‬وإذا استثمره الكفيل فربح ل يطيب له‬
‫الربح‪ ،‬وعليه أن يتصدق به لنه غاصب‪.‬‬
‫ولو أطلق المطلوب عند الدفع للكفيل فلم يبين أنه على وجه القضاء أو‬
‫الرسالة يقع عن القضاء‪.‬‬
‫هذه الحكام خاصة فيما إذا كانت الكفالة بأمر المكفول)‪ ،(53‬والكفالة بالمر‬
‫ما بالمر‪.‬‬
‫هي الصورة التي تتفق مع خطاب الضمان‪ ،‬لنه يكون دائ ً‬
‫ضا‪ ،‬ونورد فيما يلي ما كتبه الشيخ‬‫وفصل المالكية حكم هذه المسألة أي ً‬
‫الدردير بنصه لوضوحه‪) :‬وليس للضامن مطالبة الغريم بتسليم المال إليه‬
‫ليوصله إلى ربه وليس على الغريم دفعه له‪ ،‬وضمنه الضامن إن اقتضاه من‬
‫الغريم ليوصله إلى ربه سواًء طلبه منه أو دفعه له الغريم بل طلب‪ ،‬لكن‬
‫على وجه البراءة منه‪ ،‬ولو تلف منه بغير تفريط أو قامت على هلكه بينة‪،‬‬
‫لنه متعد بقبضه بغير إذن ربه – )المضمون له(‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وحيث قبضه على وجه القتضاء بغير إذن ربه كان لربه غريمان‪ ،‬يطلب أيهما‬
‫شاء‪ ،‬ل إن أرسله المدين به إلى رب الدين فضاع منه‪ ،‬فل ضمان حيث لم‬
‫يفرط‪ ،‬لنه صار أميًنا بالرسال‪ ،‬ومثل الرسال لو دفعه له على وجه التوكيل‬
‫ما فل ضمان على الضامن‪ ،‬ولو تنازعا‪،‬‬ ‫عنه في توصيله لربه أو هو إرسال حك ً‬
‫ً‬
‫فقال الغريم‪ :‬قبضه مني اقتضاء‪ ،‬وقال الضامن بل رسالة‪ ،‬أو توكيل‪ .‬فالقول‬
‫للغريم وكذا لو انبهم المر كما لو مات الضامن أو غاب()‪.(54‬‬
‫ويقول الشيرازي الشافعي في بيان حكم هذه المسألة‪) :‬فإن دفع المضمون‬
‫ما يجب لك بالقضاء ففيه وجهان‪:‬‬ ‫عنه مال ً إلى الضامن‪ ،‬وقال خذ هذا بدل ً ع ّ‬
‫أحدهما‪ :‬يملكه‪ ،‬لن الرجوع يتعلق بسببين الضمان والغرم‪ ،‬وقد وجد أحدهما‪،‬‬
‫فجاز تقديمه على الخر‪ ،‬كإخراج الزكاة قبل الحول وإخراج الكفارة قبل‬
‫الحنث‪ ،‬فإن قضى عنه الدين استقّر ملكه على ما قبض وإن أبرئ من الدين‬
‫قبل القضاء وجب رد ّ ما أخذه‪ ،‬كما يجب رد ّ ما عجل من الزكاة‪ ،‬إذا هلك‬
‫النصاب قبل الحول‪.‬‬
‫ما يجب في الثاني فل يملكه كما لو دفع‬ ‫والثاني‪ :‬ل يملكه لنه أخذه بدل ً ع ّ‬
‫إليه شيًئا عن بيع لم يعقده‪ ،‬فعلى هذا يجب رده فإن هلك ضمنه‪ ،‬لنه قبضه‬
‫على وجه البدل فضمنه كالمقبوض بسوم البيع)‪.(55‬‬
‫ويقول ابن قدامة مبي ًّنا مذهب الحنابلة في المسألة‪) :‬إذا ضمن عن رجل‬
‫بإذنه فطولب الضامن فله مطالبة المضمون عنه بتخليصه‪ ،‬لنه لزمه الداء‬
‫عنه بأمره‪ ،‬فكانت له المطالبة بتبرئة ذمته‪ ،‬وإن لم يطالب الضامن لم يكن‬
‫مطالبة المضمون عنه‪ ،‬لنه لما لم يكن له الرجوع بالدين قبل غرامته‪ ،‬لم‬
‫يكن له المطالبة به قبل طلبه منه‪ ،‬وفيه وجه آخر‪ :‬أن له المطالبة لنه شغل‬
‫ذمته بإذنه فكانت له المطالبة بتفريغها ‪ ...‬والول أولى)‪.(56‬‬
‫يتضح من هذه النصوص أن أخذ البنوك الغطاء في خطابات الضمان له أصل‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في الفقه السلمي‪ ،‬والذي ظهر لي من هذه النصوص أنه ل خلف بين‬
‫الفقهاء في جواز الغطاء إذا كان باتفاق الطرفين الضامن والمضمون‪ ،‬عند‬
‫العقد‪ ،‬وهذا هو الحاصل في إصدار البنوك لخطابات الضمان‪.‬‬
‫والخلف الحاصل بين الفقهاء هو مطالبة الضامن المضمون بالمبلغ‬
‫المضمون – الغطاء – بعد العقد‪ ،‬وإلزام المضمون بدفعه‪ ،‬فقد منعه أكثرهم‬
‫وأجازه الحنابلة في وجه‪ ،‬والمنع أولى عندي‪ ،‬وهذا ل يحدث في معاملة‬
‫البنوك‪.‬‬
‫ضا من هذه النصوص أن المضمون إذا دفع المال المضمون –‬ ‫ويتضح أي ً‬
‫الغطاء – إلى الضامن إما أن يدفعه له على وجه القضاء‪ ،‬أو يدفعه على وجه‬
‫الرسالة‪ ،‬أو التوكيل‪ ،‬فإن دفعه على وجه القضاء ملكه الضامن عند الحنفية‪،‬‬
‫وليس للمضمون أن يسترده منه‪ ،‬ويجوز للضامن أن يتصرف فيه بالستثمار‬
‫وغيره‪ ،‬وله ربحه‪ ،‬وإذا هلك المال ضمنه‪ ،‬أما إذا دفع المضمون المال‬
‫للضامن على وجه الرسالة‪ ،‬أو الوكالة‪ ،‬فإن المال يكون أمانة في يد‬
‫الضامن‪ ،‬ولكن ليس للمضمون أن يسترده من الضامن لنه تعّلق به حتى‬
‫المضمون له‪ ،‬ول يجوز للضامن التصرف فيه‪ ،‬وإذا هلك يهلك هلك المانة‪،‬‬
‫وإذا استثمره فربح ل يطيب له الربح‪.‬‬
‫والذي ينبغي أن يحمل عليه دفع العميل الغطاء للبنك في حالة إصدار خطاب‬
‫الضمان‪ ،‬هو الدفع على وجهة القضاء‪ ،‬لن البنوك تستثمر الغطاءات‪ ،‬وتربح‬
‫منها‪ ،‬فلو حملنا الدفع على الرسالة‪ ،‬أو الوكالة‪ ،‬ما جاز لها التصرف في‬
‫الغطاء‪.‬‬
‫وهذا الحكم يكشف لنا عن أمر هام بالنسبة لتكييف خطاب الضمان وأنه‬
‫كفالة )ضمان( فقط في حالة الخطاب المغطى‪ ،‬والخطاب غير المغطى‪،‬‬
‫وهذا التكييف مخالف لما تقرر في كثير من الفتاوى والمؤتمرات السابقة)‬
‫ن خطاب الضمان المغطى هو كفالة ووكالة مًعا‪ ،‬كفالة بالنسبة‬ ‫‪ ،(57‬من أ ّ‬
‫لعلقة البنك مع المستفيد ووكالة بالنسبة لعلقة البنك مع العميل‪.‬‬
‫هذا ويكن الخذ بهذا التكييف إذا كان البنك يأخذ الغطاء على وجه الوكالة‬
‫شريطة أن يتقيد بأحكام الوكالة‪ ،‬ومنها عدم التصرف في الغطاء إل فيما أخذ‬
‫منه أجله‪ ،‬وهذا يمنع البنك من استثماره‪ ،‬المر الذي ل يرغب فيه البنك‪،‬‬
‫ولهذا ترجح عندي تكييف خطاب الضمان المغطى وغير المغطى على أنه‬
‫ما ومعنى – كما ذكرت في أول حديثي عن التكييف‪.‬‬ ‫كفالة فقط – ضمان اس ً‬
‫دفع حجة المخالف في اعتبار خطاب الضمان كفالة‪:‬‬
‫ومع هذا الوضوح في تكييف خطاب الضمان على أنه كفالة فقد وجدنا من‬
‫ينازع في هذه الحقيقة‪ ،‬وينفي أن يكون خطاب الضمان كفالة بمفهومها‬
‫جا بالتي‪:‬‬
‫الفقهي محت ً‬
‫‪ -1‬الكفالة عقد تابع‪ ،‬والتزام ملحق بالصل‪ ،‬وأما خطاب الضمان المصرفي‬
‫فإنه عقد مستقل‪ ،‬والتزام البنك فيه منفصل عن التزام طالب الخطاب‪.‬‬
‫‪ -2‬الكفالة عقد قائم على التبرع ابتداًء والمعاوضة انتهاًء‪ .‬إذا كانت بناء على‬
‫ن نية التبرع‬‫طلب المكفول‪ ،‬وهذا بخلف الحال في خطاب الضمان حيث أ ّ‬
‫ليست قائمة ل في الحال ول في المآل‪.‬‬
‫‪ -3‬الكفالة تعطي الكفيل حق الخيار في أن يقوم بعمل المكفول أو بدفع‬
‫المبلغ المطلوب وهذا بخلف الحال في خطاب الضمان المصرفي‪ ،‬حيث ل‬
‫يملك البنك مثل هذا الخيار‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويذهب صاحب هذا الرأي على أن الضمان أقرب للوكالة بأداء مبلغ معّين من‬
‫النقود عند تحقيق شرط المطالبة)‪.(58‬‬
‫الحجة الولى‪ :‬يذكرها رجال القانون في التفرقة بين خطاب الضمان والكفالة‬
‫القانونية‪ ،‬ول تصلح للتفرقة بين خطاب الضمان والكفالة الفقهية‪ ،‬لن رجال‬
‫القانون يذكرون هذه التفرقة لتفادي بعض الجراءات الواجب إتباعها في‬
‫الكفالة بتنظيمها المدني)‪.(59‬‬
‫ن القول بأن "التزام البنك منفصل عن التزام طلب الخطاب" يتعارض‬ ‫ثم إ ّ‬
‫ضا‬
‫مع تعريفات خطاب الضمان‪ ،‬والنماذج التي أوردتها في أول بحثي‪ ،‬تعار ً‬
‫حا‪ ،‬وإصدار خطاب ضمان مستقل غير متصور عق ً‬
‫ل‪.‬‬ ‫واض ً‬
‫الحجة الثانية‪ :‬تفرق بين خطاب الضمان والكفالة بأن نية المتبرع غير قائمة‬
‫طا لعتبار العقد‬ ‫في خطاب الضمان‪ ،‬والرد عليها هو أن نية التبرع ليست شر ً‬
‫عقد تبرع‪ ،‬إذا كانت الصيغة صيغة عقد تبرع فمن قال وهبت كذا فقد تبرع‬
‫بالموهوب‪ ،‬ول يسأل عن نيته‪ ،‬وكذلك من قال تكفلت لك بكذا‪ ،‬أو ضمنت لك‬
‫كذا فقد تبرع بالكفالة ول ُيسأل عن نيته‪.‬‬
‫الحجة الثالثة‪ :‬غير مسّلم بها فالكفالة ل تعطي الكفيل حق الخيار في أن‬
‫يقوم بعمل المكفول‪ ،‬أو يدفع المبلغ المطلوب‪ ،‬وإنما تلزمه بدفع المبلغ الذي‬
‫فل بدفعه‪ ،‬وهذا هو ما يلتزم به البنك في خطاب الضمان‪ ،‬فالبنك يتعهد في‬ ‫تك ّ‬
‫خطاب الضمان بدفع مبلغ‪ ،‬وليس بأداء عمل‪.‬‬
‫وبهذا نكون قد انتهينا من بيان تكييف خطاب الضمان‪ ،‬وننتقل بعد هذا إلى‬
‫بيان حكم إصدار خطابات الضمان‪ ،‬ثم أخذ العمولة على إصدار خطاب‬
‫الضمان‪.‬‬
‫حكم إصدار خطابات الضمان‪:‬‬
‫ما أن تكون‬ ‫خطابات الضمان بجميع أنواعها وصورها يجوز إصدارها؛ لنها إ ّ‬
‫كفالة أو وكالة‪ ،‬وبما أن كل ّ من الكفالة والوكالة مشروع‪ ،‬فإن إصدار خطابات‬
‫الضمان تكون مشروعة وصحيحة‪ ،‬ما لم يصاحبها ما يفسدها‪ ،‬كأن يكون محل‬
‫عا‪ ،‬أو يكون إصدارها مقابل أجر على الضمان كما سنرى‪.‬‬ ‫العقد محظوًرا شر ً‬
‫وخطابات الضمان كلها لزمة بالنسبة للبنك ل فرق في هذا بين خطابات‬
‫الضمان البتدائية وخطابات الضمان النهائية‪ ،‬وما ذهب إليه بعض الباحثين في‬
‫ما‬‫هذا الموضوع من أن خطاب الضمان النهائي يجوز إصداره ويكون ملز ً‬
‫بموجب الشرط الذي في العقد بين المستفيد والمقاول‪ ،‬أما خطاب الضمان‬
‫البتدائي فيجوز للبنك إصداره والوفاء به‪ ،‬ولكنه غير ملزم له‪ ،‬لن طالب‬
‫الضمان البتدائي لم يرتبط بعد بعقد مع الجهة التي تجري المناقصة ليمكن‬
‫إلزامه بشرط في ذلك العقد)‪ ..(60‬غير مقبول عندي للتي‪:‬‬
‫دم العطاء ل يكون قد ارتبط بعقد مع‬ ‫ن طالب الضمان البتدائي مق ّ‬ ‫صحيح أ ّ‬
‫الجهة التي تجري المناقصة عندما يطلب خطاب الضمان من البنك‪ ،‬ولكنه‬
‫قا على ارتباطه بالعقد برسو المناقصة عليه‪،‬‬ ‫يطلب ضماًنا من البنك معل ً‬
‫ويصدر له البنك خطاب الضمان على هذا العتبار‪ ،‬والضمان يجوز تعليقه‬
‫بالشرط الملئم‪ ،‬وهذا شرط ملئم‪ ،‬فإذا رست المناقصة على طالب الضمان‬
‫ما بما التزم به‪.‬‬‫وأخل بالتزامه‪ ،‬فإن البنك يكون ملز ً‬
‫هذا حكم إصدار خطاب الضمان بالنسبة لجواز إصداره وعدم جوازه‪،‬‬
‫وبالنسبة لصحته ولزومه‪ ،‬ويبقى علينا بيان حكم م إصدار خطاب الضمان‬
‫بالنسبة لطلب الشارع له أو نهيه عنه‪:‬‬
‫حكم إصدار خطاب الضمان بهذا العتبار هو حكم الضمان‪ ،‬وقد ذكر الرملي‬
‫أنه سنة في حق قادر عليه آمن من غائلته)‪ ،(61‬والولى عندي أن يكون‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حكمه كحكم القرض‪ ،‬وقد اتفق الفقهاء على أن الصل في القرض الندب‬
‫فيكون الضمان مثله‪ ،‬لن كل منهما من فعل الخير‪ ،‬ولن في الضمان معنى‬
‫ما بالنسبة‬
‫القرض‪ ،‬وقد يؤول إلى قرض‪ ،‬هذا بالنسبة للضامن – البنك – أ ّ‬
‫للمضمون – العميل – فالصل فيه الباحة‪ ،‬وقد يعرض للضمان ما يجعله‬
‫واجًبا على الضامن كما إذا كان طالب الضمان مضطًرا‪ ،‬وقد يعرض له ما‬
‫ما على الضامن والمضمون‪ ،‬إذا اشتمل على محرم‪ ،‬وقد يكون‬ ‫يجعله حرا ً‬
‫ها إذا اشتمل على مكروه‪.‬‬ ‫مكرو ً‬
‫حكم أخذ العمولة على إصدار خطابات الضمان – الجعل على الضمان‪:‬‬
‫انتهينا في الكلم عن تكييف خطاب الضمان إلى أنه هو الضمان )الكفالة(‬
‫المعروفة في الفقه السلمي‪ ،‬وعلى هذا يكون حكم أخذ العمولة على‬
‫إصداره هو حكم الجعل على الضمان في الفقه السلمي‪.‬‬
‫الجعل على الضمان‪:‬‬
‫ل يجوز في الفقه السلمي أخذ جعل على الضمان )الكفالة(‪ ،‬قال البغدادي‪:‬‬
‫طا في‬‫ل‪ ،‬فإن لم يكن مشرو ً‬ ‫)ولو كفل بمال على أن يجعل الطالب له جع ً‬
‫طا في الكفالة فالكفالة باطلة()‪.(62‬‬ ‫الكفالة فالشرط باطل‪ ،‬وإن كان مشرو ً‬
‫وعلل ابن عابدين بأن )الكفيل مقرض في حق المطلوب وإذا شرط له‬
‫الجعل مع ضمان المثل فقد شرط له الزيادة على ما أقرضه فهو باطل لنه‬
‫ربا()‪.(63‬‬
‫وقال الحطاب‪) :‬ول خلف في منع ضمان بجعل‪ ،‬لن الشرع جعل الضمان‬
‫والقرض والجاه ل يفعل إل لله بغير عوض‪ ،‬فأخذ العوض عليه سحت()‪.(64‬‬
‫وعلل الدردير المنع بأن‪) :‬الغريم إن أدى الدين لربه كان الجعل باط ً‬
‫ل‪ ،‬فهو‬
‫من أكل أموال الناس بالباطل‪ ،‬وإن أتاه الحميل لربه‪ ،‬ثم رجع به على الغريم‬
‫كان من السلف بزيادة فتفسد الحمالة‪ ،‬ويرد الجعل لربه()‪.(65‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫وأضاف البناني علة أخرى هي‪) :‬إن ذلك من بياعات الغرر‪ ،‬لن من أخذ عشر‬
‫على أن يتحمل بمائة ل يدري هل يفلس من حمل عنه‪ ،‬أو يغيب فيخسر مائة‬
‫ولم يأخذ إل ّ عشرة‪ ،‬أو يسلم من الغرامة فيأخذ العشرة()‪.(66‬‬
‫وجاء في حاشية الرهوني‪) :‬وأجمعوا على أن الحمالة بجعل يأخذه الحميل ل‬
‫يحل ول يجوز()‪.(67‬‬
‫ويقول ابن قدامة‪) :‬ولو قال أكفل عني ولك ألف لم يجوز‪ ،‬وذلك لن الكفيل‬
‫يلزمه الدين‪ ،‬فإذا أداه وجب له على المكفول عنه فصار كالغرض‪ ،‬فإذا أخذ‬
‫ضا صار الغرض جاّرا ً للمنفعة فلم يجز()‪.(68‬‬ ‫عو ً‬
‫حكم العمولة في خطاب الضمان‪:‬‬
‫يّتضح مما نقلته من أقوال الفقهاء أن العمولة التي تأخذها البنوك على‬
‫ما كلها إذا كان البنك‬ ‫خطابات الضمان ل تجوز‪ ،‬لنها تؤخذ نظير الضمان‪ ،‬إ ّ‬
‫ما أكثرها إذا كانت المصروفات داخلة‬ ‫يأخذ مصروفات زيادة على العمولة‪ ،‬وإ ّ‬
‫في العمولة‪.‬‬
‫والتعليل الذي ذكره الفقهاء لمنع الجعل على الضمان ينطبق انطباًقا كامل ً‬
‫على العمولة في خطاب الضمان غير المغطى‪ ،‬لنه هو الذي يقابل الضمان‬
‫عند الطلق إذ الصل في الضمان الفقهي أل يدفع فيه المضمون مال ً‬
‫ضا على خطاب الضمان المغطى جزئًيا‪.‬‬ ‫للضامن‪ ،‬وينطبق أي ً‬
‫ما خطاب الضمان المغطى تغطية كلية سواًء اعتبرناه كفالة فقط‪ ،‬أم‬ ‫أ ّ‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اعتبرناه كفالة ووكالة‪ ،‬فإّنه ل تتحقق فيه عّلة الربا‪ ،‬ول علة الغرر‪ ،‬لن البنك‬
‫لن يدفع مال ً من عنده‪ ،‬ولكن تتحقق فيه علة أكل المال بالباطل‪ ،‬إذا كانت‬
‫العمولة نظير الضمان‪ ،‬سواًء اعتبرناه كفالة أم اعتبرناه كفالة ووكالة‪ ،‬أما إذا‬
‫كانت العمولة نظير الوكالة وحدها وعلى قدرها‪ ،‬في حالة اعتباره كفالة‬
‫عا لنه ليس فيها أكل للمال بالباطل‪.‬‬ ‫ووكالة فل مانع منها شر ً‬
‫وزين لخذ العمولة على خطابات الضمان )الجعل على‬ ‫الرد على حجج المج ّ‬
‫الضمان(‪:‬‬
‫يرى بعض الباحثين جواز أخذ العمولة على خطابات الضمان‪ ،‬مع اعترافهم‬
‫بأنها كفالة )ضمان( لنهم ل يرون مانًعا شرعًيا من أخذ الجعل على الضمان‪،‬‬
‫محتجين بالتي‪:‬‬
‫‪ -1‬الضمان عمل محترم فيجوز أخذ الجر عليه‪.‬‬
‫‪ -2‬قياس الضمان على الجاه‪ ،‬فكما جاز أخذ الجر على الجاه يجوز أخذ الجر‬
‫على الضمان‪.‬‬
‫‪ -3‬قياس الضمان على بعض العمال التي منع الفقهاء أخذ الجر عليها ثم‬
‫أجازوه‪.‬‬
‫الحجة الولى‪ :‬الضمان عمل محترم‪:‬‬
‫وزين لخذ الجر على مجرد الضمان أنه عمل محترم أو خدمة‬ ‫يرى بعض المج ّ‬
‫عا‪ ،‬فيجوز أخذ الخر عليها)‪.(69‬‬ ‫محترمة ومقومة شر ً‬
‫ونقول لهم نعم الضمان أو الكفالة عمل محترم‪ ،‬يثاب فاعله إن شاء الله‪،‬‬
‫ولكن ليس كل عمل محترم يجوز أخذ الجر عليه‪ ،‬فالقراض عمل محترم ول‬
‫يجوز أخذ الجر عليه‪ ،‬فكيف يجوز أخذ الجر على القراض المتوقع المستتر‬
‫في الضمان‪.‬‬
‫يقول الستاذ‪ /‬مصطفى الزرقا في هذا المعني ما خلصته‪) :‬قضيت في‬
‫الماضي زمًنا طويل ً متحيًرا في اتفاق الفقهاء على تحريم أخذ الجر على‬
‫الكفالة‪ ،‬ولكن بعد تفكير طويل جاءتني فكرة كشفت لي حكمة النصوص‬
‫الفقهية بالتحريم‪ ،‬ذلك أني قلت إذا جاز أخذ الجر على الكفالة فإن تحريم‬
‫دا لتعليل حكمة الربا‪ ،‬لننا نحرم على‬ ‫الربا يفقد حجيته‪ ،‬فل يبقى مجال أب ً‬
‫المقرض أن يأخذ فائدة لنها ربا محّرم فكيف إذن نبرر ذلك إذا قبلنا أن‬
‫الكفيل لمجرد تعرضه لن يؤدي عن الكفيل مال ً في المستقبل وقد ل يؤدي‬
‫يسوغ له أخذ الجر)‪.(70‬‬
‫الحجة الثانية‪ :‬قياس الضمان على الجاه‪:‬‬
‫يرى بعض المجوزين لخذ الجر على الضمان أنه يقاس على أخذ الجر على‬
‫وز بعض‬ ‫وزه عدد ٌ من الفقهاء )والجاه شقيق الضمان‪ ،‬وحيث يج ّ‬ ‫الجاه الذي ج ّ‬
‫الفقهاء الجر للجاه نظًرا لتطور الحياة فل بأس من تجويز الجر مقابل‬
‫الضمان في إصدار خطابات الضمان()‪.(72‬‬
‫وهذا قياس مع الفارق فالجاه ليس شقيق الضمان في شيء لن الضمان‬
‫مة بدين‪ ،‬والجاه ليس كذلك‪ ،‬والضمان قد يغرم فيه الضامن‪،‬‬ ‫فيه شغل ذ ّ‬
‫والجاه ليس كذلك‪ ،‬والضمان أقرب إلى القرض من إلى الجاه‪ .‬والجامع بين‬
‫هذه الثلثة هو أنها من أعمال البر التي ل يجوز أحد الجر عليها كما جاء في‬
‫الثر ثلثة ل تكون إل لله‪ ،‬القرض والجاه‪ ،‬والضمان‪.‬‬
‫ن كل النصوص التي أوردها أصحاب هذا الرأي ليس فيها ما يفيد جواز‬ ‫مإ ّ‬
‫ث ّ‬
‫أخذ الجر على الجاه‪ ،‬وإنما فيها ما يفيد أخذ الجر على العمل الذي يقوم به‬
‫ذو الجاه‪ ،‬وعلى قدر العمل فقط‪.‬‬
‫والذين منعوا البنوك من أخذ العمولة على الضمان لم يمنعوها من أخذها‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على ما تقدم به من عمل‪ ،‬وما تتكبده من مصاريف في سبيل إصدار خطاب‬


‫الضمان‪ ،‬وإّنما منعوها من أخذ عمولة على مجرد الضمان كما منعت‬
‫النصوص التي أوردها المعارضون أخذ الجر على مجرد الجاه‪.‬‬
‫م إنه ل يلزم من جواز أخذ الجر على الجاه – على فرض وجود من يقول به‬ ‫ث ّ‬
‫– جواز أخذ الجر على الضمان للفارق الذي ذكرته بينهما‪ ،‬ولن العلة التي‬
‫منعت أخذ الجر على الضمان وهي السلف بزيادة والغرر غير موجودة في‬
‫الجاه‪ ،‬بل غير متصورة‪ ،‬لن ذا الجاه ل يدفع ما ً‬
‫ل‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫الحجة الثالثة‪ :‬قياس الضمان على بعض العمال التي منع الفقهاء أخذ الجر‬
‫عليها ثم أجازوه‪:‬‬
‫وزين لخذ الجر على الضمان قياسه على أخذ الجر على‬ ‫يرى بعض المج ّ‬
‫بعض العمال التي أفتى المتقدمون من فقهاء بعض المذاهب بعدم جواز أخذ‬
‫م أفتى المتأخرون من فقهاء هذه المذاهب‬ ‫الجر عليها‪ ،‬مثل تحفيظ القرآن‪ ،‬ث ّ‬
‫بجواز أخذ الجر عليها)‪.(73‬‬
‫ضا قياس مع الفارق الكبير‪ ،‬فكل المثلة التي ذكرها هؤلء القائسون‬ ‫وهذا أي ً‬
‫ً‬
‫يؤدي فيها النسان عمل‪ ،‬قد يشغل كل وقته‪ ،‬وليس في الضمان المجرد أي‬
‫عمل سوى قول الضامن )ضمنت(‪.‬‬
‫ن العلة التي من أجلها منع الفقهاء أخذ الجر على الضامن وهي السلف‬ ‫مإ ّ‬
‫ث ّ‬
‫بزيادة والغرر غير متصورة في أخذ الجر على هذه العمال‪.‬‬
‫وأود ّ أن أنبه إلى أن هذا القياس انبنى على فهم خاطئ أو تصور غير سليم‬
‫من أصحابه لراء الفقهاء في حكم أخذ الجر على تحفيظ القرآن‪ ،‬لن الذي‬
‫يقرأ أقوال هؤلء الباحثين يفهم منها أن المتقدمين من الفقهاء منعوا أخذ‬
‫الجر على تحفيظ القرآن‪ ،‬وجاء المتأخرون فأجازوه للعلل التي ذكروها‪،‬‬
‫والحقيقة خلف هذا لن أخذ الجر على تحفيظ القرآن أجازه جمهور‬
‫المتقدمين من الفقهاء منهم فقهاء المالكية‪ ،‬والشافعية‪ ،‬والمام أحمد في‬
‫رواية عنه اعتماًدا على أحاديث صحت عندهم‪ ،‬وأجازه )المتأخرون من مشايخ‬
‫الحنفية وهم البلخيون( مخالفين ما ذهب إليه المام وصاحباه‪ ،‬وقد اتفقت‬
‫كلمتهم جميًعأ في الشروح والفتاوى على التعليل بالضرورة وهي خشية ضياع‬
‫القرآن)‪.(74‬‬
‫فكيف يصح قيام أخذ الجر على الضمان‪ ،‬الذي اتفق فقهاء المذاهب الربعة‬
‫على منعه‪ ،‬على أخذ الجر على تحفيظ القرآن الذي اتفق جمهور الفقهاء‬
‫على جوازه‪.‬‬
‫وزين لخذ الجر على الضمان نفي شبهة كون أخذ‬ ‫هذا وقد حاول بعض المج ّ‬
‫فا جر نفًعا فجاء بما ل غناء فيه‪ ،‬قال صاحب هذا الرأي‪:‬‬ ‫الجر سل ً‬
‫علل ابن عابدين في عبارته السابقة ضمن فتوى بنك فيصل – عدم جواز‬
‫الجر على الضمان بأن الضامن مقرض للمضمون‪ ،‬فإذا شرط له الجعل مع‬
‫ضمان المثل‪ ،‬فقد شرط له زيادة على ما أقرضه‪ ،‬وهو ربا‪ ،‬ونقول رًدا على‬
‫دا عد ّ الضمان وجًها من وجوه‬‫ن الضمان ليس بقرض‪ ،‬ول أحسب أن أح ً‬ ‫ذلك إ ّ‬
‫القرض)‪.(75‬‬
‫ن الضمان قرض وقد عد ّ الضمان وجًها من وجوه القرض عدد من‬ ‫ونقول له إ ّ‬
‫الفقهاء منهم ابن عابدين الذي نقلت أنت عبارته قبل سطر من قولك )ول‬
‫دم ذكرها)‬‫دا(‪ ،‬ومنهم الدردير وابن قدامة في عبارات صريحة تق ّ‬ ‫أحسب أح ً‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ،(76‬وأضيف هنا قول السمرقندي‪) :‬الكفالة في حق المكفول عنه‬


‫استقراض وهو طلب القرض‪ ،‬والكفيل بالداء مقرض للمكفول عنه ونائب‬
‫عنه في الداء إلى المكفول له()‪.(77‬‬
‫ضا ما أفادنا به الشيخ عبد اللطيف جناحي من التغيير الذي حدث‬ ‫وأضيف أي ً‬
‫في شكل إظهار ميزانيات البنوك المريكية منذ ‪1982‬م بالنسبة لخطابات‬
‫الضمان ومن أن نسبة العمولة يحسبها البنك بأسس وقواعد ربوية)‪ ،(78‬مما‬
‫ضا‪ ،‬ويؤيد هذا ما ذكرنا في التعريف‬
‫يدل على أن البنك يعتبر نفسه مقر ً‬
‫بخطابات الضمان من أن البنوك تخفض العمولة إلى النصف في حالة خطاب‬
‫الضمان المغطى)‪.(79‬‬
‫ضا‪) :‬القرض بالمقابل ل‬‫ويقول صاحب هذا الرأي في نفي كون الضمان قر ً‬
‫قا على شرط كما هو الشأن في الضمان()‬ ‫ينعقد مضاًفا إلى زمن ول معل ً‬
‫‪.(80‬‬
‫ونقول له‪ :‬ما ذكرته هو رأي الحنفية والشافعية‪ ،‬وأجاز مالك تعليق التبرعات)‬
‫‪ ،(81‬وأجاز ابن تيمية تعليق جميع العقود بالشروط‪ ،‬إذا كان في ذلك منفعة‬
‫للناس‪ ،‬ولم يكن متضمًنا ما نهى الله عنه ورسوله‪ ،‬وذكر ابن تيمية عن المام‬
‫أحمد جواز تعليق البيع بشرط‪ ،‬وقال إنه لم يجد عنه ول عن قدماء أصحابه‬
‫ن عدم جواز التعليق ذكره المتأخرون من أصحاب أحمد‪،‬‬ ‫صا يخالف ذلك‪ ،‬وإ ّ‬ ‫ن ً‬
‫كما ذكر ذلك المتأخرون من أصحاب الشافعي)‪.(82‬‬
‫والعمل برأي المالكية وابن تيمية أولى عندي لن الحاجة تدعو إلى تعليق‬
‫القرض فل فرق إذن بين القرض والضمان في جواز التعليق‪.‬‬
‫ضا‪) :‬وفي الختام‬
‫ضا صاحب هذا الرأي في نفي كون الضمان قر ً‬ ‫ويقول أي ً‬
‫ن عقد الضمان عقد استيثاق وليس عقد قرض‪ ،‬فإّنه وإن شابه القرض‬ ‫نقول إ ّ‬
‫في وجهٍ فقد خالفه في وجوه كثيرة)‪ ،(83‬ولم يذكر وجًها من هذه الوجوه‬
‫سوى الوجهين السابقين‪.‬‬
‫ونقول له‪ :‬إن الضمان عقد استيثاق وعقد قرض مًعا‪ ،‬عقد استيثاق بالنسبة‬
‫لعلقة المضمون له مع الضامن )فالكفالة( كما يقول ابن عابدين‪ ،‬توجب ديًنا‬
‫للطالب على الكفيل‪ ،‬وهذا هو الستيثاق‪ ،‬وتوجب ديًنا للكفيل على الصيل‬
‫وهذا هو القرض‪.‬‬
‫البديل لخذ العمولة على خطابات الضمان‪:‬‬
‫انتهينا إلى أن أخذ الجر على خطابات الضمان ربا‪ ،‬أو فيه شبهة الربا على‬
‫القل‪ ،‬فالواجب إذن على البنوك السلمية تركه وإصدار خطابات الضمان‬
‫بأحدى الطرق التالية‪:‬‬
‫الطريقة الولى‪:‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫دا للقادرين على الدفع من العملء‬


‫إصدار خطابات الضمان بتغطية كاملة نق ً‬
‫أو بتجنيب المبلغ من حسابهم الجاري‪ ،‬والمفروض في العملء الذين يطلبون‬
‫خطابات ضمان ابتدائية‪ ،‬أو نهائية‪ ،‬أن يكونوا قادرين‪ ،‬وهذه هي أكثر حالت‬
‫إصدار خطابات الضمان‪ ،‬ول مصلحة للمجتمع ول للبنك في إصدار مثل هذا‬
‫النوع من خطابات الضمان لعملء ل يملكون المبلغ المطلوب منهم‪.‬‬
‫وهذه الطريقة معمول بها فعل ً في بعض البنوك ومدونة في الكتب التي‬
‫تتحدث عن خطابات الضمان في البنوك‪.‬‬
‫يقول الدكتور على جمال الدين عوض في حديثه عن غطاء الضمان‪:‬‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المقصود بذلك الضمانات التي يقتضيها البنك من العميل – عند التفاق بينهما‬
‫على عقد فتح العتماد بالضمان – لكي يغطي بها موقفه فيما لو اضطر البنك‬
‫إلى تنفيذ تعهده ودفع قيمة الخطاب إلى المستفيد ولهذه الضمانات صور‬
‫متعددة فالغالب أن يكون للعميل حساب جار في البنك فيجنب البنك –‬
‫بموافقة العميل – مبلًغا منه مساوًيا لقيمة خطاب الضمان يفرج عنه عندما‬
‫يتحرر البنك من التزامه الناشئ من خطاب الضمان)‪.(84‬‬
‫وقد أورد الدكتور على جمال الدين العتراض التالي على هذه الطريقة‬
‫وأجاب عنه في قوله‪) :‬قد يتصور أن احتباس البنك مبلًغا مساوًيا لقيمة‬
‫دا‪،‬‬
‫الخطاب تساوي في الواقع تقديم الضمان المطلوب إلى الحكومة نق ً‬
‫ولكن الواقع أن المتعهد أو المقاول يفضل إيداع المبلغ لدى البنك لنه‬
‫يسترده فوًرا بمجرد انتهاء ضمان البنك‪ ،‬أما إذا كان المبلغ المقدم للحكومة‬
‫فمن الصعب استرداده بسرعة حتى ولو نفذ المشروع أحسن تنفيذ)‪.(85‬‬
‫والفضل في هذه الحالة أن يكون دفع العميل المبلغ للبنك على سبيل‬
‫القتضاء لكي يحل للبنك التصرف فيه‪ ،‬وأخذ ربحه إن استثمره فربح)‪.(86‬‬
‫الطريقة الثانية‪:‬‬
‫إصدار خطابات الضمان لمن لديهم ودائع استثمارية في البنك المصدر‬
‫للخطابات أو في غيره على أن يعطى طالب خطاب الضمان توكيل ً للبنك‬
‫بسحب المبلغ من وديعته‪ ،‬ودفعه للمستفيد‪ ،‬إذا طلبه منه في حالة فشله في‬
‫الوفاء بالتزامه‪ ،‬وينبغي أن تكون الوديعة قابلة للسحب في أي وقت أو في‬
‫الوقت الذي يحتمل أن يطالب فيها البنك بالمبلغ‪.‬‬
‫وهذه الطريقة أفضل من الطريقة الولى بالنسبة للعميل‪ ،‬لنها ل تخرج ماله‬
‫من ملكه‪ ،‬وتحتفظ له به مستثمًرا‪ ،‬وإن كانت تمنعه من سحبه ومن التصرف‬
‫فيه بأي تصرف يخرجه من ملكه‪ ،‬قبل وفائه بالتزاماته نحو المستفيد‪ ،‬وانتهاء‬
‫خطاب الضمان؛ لن الوكالة هنا تكون لزمة بالنسبة للموكل لتعليق حق الغير‬
‫بها‪.‬‬
‫والطريقة الولى أفضل للبنك من هذه الطريقة‪ .‬لنه يستفيد فيها بالتصرف‬
‫في المبلغ‪ ،‬وفي كل خير للبنك لنها تجعله في مأمن من الغرامة وخير‬
‫للعميل لنها تمكنه من قضاء حاجته‪.‬‬
‫الطريقة الثالثة‪:‬‬
‫إصدار خطابات الضمان مغطاة برهن عقاري‪ ،‬أو بضائع أو أوراق مالية‪ ،‬أو‬
‫غيرها‪ ،‬أو ضمان شخصي‪.‬‬
‫وهذه الطريقة معمول بها في البنوك‪ ،‬وإن كانت ل تؤمن البنك تأميًنا كافًيا‬
‫فقد يضطر فيها إلى دفع المبلغ من عنده في كثير من الحالت قبل استرداده‬
‫من الضمان الذي أخذه‪.‬‬
‫الطريقة الرابعة‪:‬‬
‫إصدار خطابات الضمان بغير غطاء‪ ،‬إذا أمن البنك طالب الخطاب ووثق في‬
‫أنه يفي بالتزاماته‪ ،‬وهذا هو الصل في الضمان في الفقه السلمي‪ ،‬ولكن‬
‫بما أن البنوك تتصرف في أموال المستثمرين‪ ،‬فالواجب عليهما أن تحتاط‬
‫وتتثبت في إصدار هذا النوع من الخطابات‪.‬‬
‫الطريقة الخامسة‪:‬‬
‫اشتراك البنك مع طالب خطاب الضمان في العملية إذا كانت قابلة‬
‫للمشاركة‪ ،‬ويصدر البنك خطاب الضمان في هذه الحالة باعتباره شريكاً‬
‫)أصي ً‬
‫ل( ل ضامًنا‪.‬‬
‫هذه ويجوز للبنك في هذه الحالت الخمس أن يأخذ مبلًغا مساوًيا للمصاريف‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الفعلية والمصاريف الدارية لصدار خطابات الضمان‪ ،‬مع مراعاة عدم الزيادة‬
‫على أجر المثل)‪.(87‬‬
‫وفي الحالت الربع الولى يأخذ البنك المبلغ من العميل لنفسه‪ ،‬وفي الحالة‬
‫الخامسة يحمل المبلغ للمشاركة‪.‬‬
‫والحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على خاتم النبيين‪ ،‬وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫)‪ (1‬هذا تعريف بخطاب الضمان الذي تمارسه البنوك التقليدية والبنوك‬
‫ضا‪.‬‬
‫السلمية أي ً‬
‫)‪ (2‬الموسوعة العلمية والعملية للبنوك السلمية‪ ،‬الجزء الخامس – المجلد‬
‫الول ‪1402‬هـ ‪1983 -‬م‪ ،‬ص ‪.464‬‬
‫)‪ (3‬المصدر السابق ص ‪ ،484‬وموقف الشرعة من المصارف السلمية‬
‫المعاصرة‪ ،361 ،‬الدكتور عبد الله عبد الرحيم العبادي‪.‬‬
‫)‪ (4‬دليل العمل في البنوك السلمية‪ ،‬ص ‪.63‬‬
‫)‪ (5‬البنك اللربوي في السلم‪ ،‬ص ‪.128‬‬
‫)‪ (6‬عمليات البنوك من الموجهة القانونية‪.357 ،‬‬
‫)‪ (7‬البنك اللربوي في السلم ‪ .178‬ومجلة البنوك السلمية ‪ ،31‬نقل ً عن‬
‫الموسوعة مصدر سابق‪.‬‬
‫)‪ (8‬المصدر السابق‪ ،‬والعمال المصرفية والسلم‪ 226 ،‬للدكتور مصطفى‬
‫عبد الله الهمشري‪.‬‬
‫)‪ (9‬مجلة البنوك السلمية‪ ،‬ص ‪.33‬‬
‫)‪ (10‬العمال المصرفية والسلم‪ ،‬ص ‪.226‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫)‪ (11‬الموسوعة العملية والعلمية ‪ ،5/465‬والعمال المصرفية والسلم‬


‫‪ ،225‬وموقف الشرعية من المصارف السلمية المعاصرة ص ‪ ،313‬ومجلة‬
‫البنوك السلمية‪ ،‬ص ‪ 34‬العدد ‪.54‬‬
‫)‪ (12‬منشور الدارة العامة للرقابة على المصارف والمؤسسات المالية رقم‬
‫)‪.(35/93‬‬
‫)‪ (13‬الموسوعة العملية والعلمية ‪ ،465‬والعمال المصرفية والسلم‪،227 ،‬‬
‫وموقف الشريعة من المصارف السلمية المعاصرة‪ ،‬ص ‪.311‬‬
‫)‪ (14‬تعريفة الخدمات المصرفية ‪1999‬م‪.‬‬
‫)‪ (15‬الشرح الصغير على أقر المسالك مع حاشية الصاوي ‪.3/429‬‬
‫)‪ (16‬أقرب المسالك إلى مذهب المام مالك ‪.431 – 3/429‬‬
‫)‪ (17‬الشرح الصغير‪.3/430 ،‬‬
‫)‪ (18‬مختصر خليل‪.209 ،‬‬
‫)‪ (19‬المهذب‪.1/339 ،‬‬
‫)‪ (20‬نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ‪.4/418‬‬
‫)‪ (21‬المهذب‪ ،1/339 ،‬و ‪.341‬‬
‫)‪ (22‬نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج‪ 4/418 ،‬و ‪.431‬‬
‫)‪ (23‬نهاية المحتاج مع حاشية الشبراملسي ‪ .4/418‬الشافعي يستعمل‬
‫الضمان والكفالة والحمالة في المال‪ ،‬ويستعمل الكفالة في النفس‪ ،‬الم‬
‫‪ 2/204‬و ‪.205‬‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (24‬المقنع‪.2/112 ،‬‬


‫)‪ (25‬المصدر السابق‪.3/118 ،‬‬
‫)‪ (26‬المصدر السابق‪.2/112 ،‬‬
‫)‪ (27‬تنوير البصار مع حاشية ابن عابدين ‪.4/246‬‬
‫)‪ (28‬الدر المختار مع حاشية ابن عابدين ‪.4/346‬‬
‫)‪ (29‬المصدر السابق ‪.3/118‬‬
‫)‪ (30‬حاشية ابن عابدين ‪ 4/250‬و ‪.251‬‬
‫)‪ (31‬خاشية ابن عابدين‪.4/353 ،‬‬
‫)‪ (32‬نهاية المحتاج‪.4/441 ،‬‬
‫)‪ (33‬المغني والشرح الكبير‪.5/101 ،‬‬
‫)‪ (34‬الضمان في الفقه السلمي‪ ،‬ص ‪.25‬‬
‫)‪ (35‬الضمان في الفقه السلمي‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫)‪ (36‬الشرح الصغير على أقر المسالك‪.3/431 ،‬‬
‫)‪ (37‬قال في الحاشية يعني إذا كان مآله إلى العلم‪.‬‬
‫)‪ (38‬المقنع‪2/113 ،‬؟‬
‫)‪ (39‬عمليات البنوك من الوجهة القانونية‪.262 ،‬‬
‫)‪ (40‬حاشية ابن عابدين‪.4/364 ،‬‬
‫)‪ (41‬المغني‪ ،4/536 ،‬وانظر ما نقله عن المقنع في ص ‪.18‬‬
‫)‪ (42‬المنتقى‪.6/83 ،‬‬
‫)‪ (43‬الروضة البهية‪ ،1/363 ،‬وانظر كتاب الغرر وأثره في العقود‪ ،‬ص ‪.555‬‬
‫)‪ (44‬الهداية مع فتح القدير‪.5/402 ،‬‬
‫)‪ (45‬فتح القدير‪.2/113 ،‬‬
‫)‪ (46‬المقنع‪.3/133 ،‬‬
‫)‪ (47‬ابن عابدين‪.4/369 ،‬‬
‫)‪ (48‬الشرح الصغير على أقرب المسالك‪.3/432 ،‬‬
‫)‪ (49‬المغني‪.4/441 ،‬‬
‫)‪ (50‬نهاية المحتاج‪.4/441 ،‬‬
‫)‪ (51‬الشرح الصغير على أقرب المسالك‪.3/438 ،‬‬
‫)‪ (52‬الضمان في الفقه السلمي‪.102 ،‬‬
‫)‪ (53‬حاشية ابن عابدين‪.386 ،4/385 ،‬‬
‫ضا المدونة‬
‫)‪ (54‬الشرح الصغير على أقرب المسالك‪ ،3/440 ،‬وانظر أي ً‬
‫الكبرى‪.13/132 ،‬‬
‫)‪ (55‬المهذب‪.1/341 ،‬‬
‫)‪ (56‬المغني مع الشرح الكبير‪.5/108 ،‬‬
‫)‪ (57‬من هذه الفتاوى فتوى هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل السلمي‬
‫ما‪ .‬انظر فتاوى هيئة‬‫السوداني‪ ،‬التي أتشرف برئاستها قبل خمسة عشر عا ً‬
‫الرقابة الشرعية صفحة ‪ ،65‬ومنها القرار رقم )‪ (5‬الصادر من مجلس مجمع‬
‫الفقه السلمي سنة ‪1406‬هـ ‪1985 -‬م‪ ،‬انظر مجلة مجمع الفقه السلمي‬
‫الدورة صفحة ‪.1209‬‬
‫)‪ (58‬مجلة مجمع الفقه اإسلمي الدورة الثانية‪1407 ،‬هـ ‪1986 -‬م‪ ،‬صفحة‬
‫‪.1159‬‬
‫)‪ (59‬انظر عمليات البنوك من الوجهة القانونية‪.370 ، 358 ،‬‬
‫)‪ (60‬البنك اللربوي في السلم‪ ،‬ص ‪ .131 – 130‬ومجلة مجمع الفقه‬
‫السلمي الدورة الثانية‪ ،‬ص ‪.1112‬‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (61‬نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج‪.4/419 ،‬‬


‫)‪ (62‬مجمع الضمانات‪.282 ،‬‬
‫)‪ (63‬منحة الخالق على البحر الراتق‪.6/242 ،‬‬
‫)‪ (64‬مواهب الجليل بشرح مختصر خليل ‪.4/242‬‬
‫)‪ (65‬الشرح الصغير على أقرب المسالك ‪ .3/442‬وقال الصاوي ‪) :‬إنما‬
‫فسدت بالجعل للضامن لقوله في الحديث‪" :‬ثلثة ل تكون إل لله الغرض ‪،‬‬
‫الضمان ‪ ،‬الجاه‪ ،‬ولم أقف على هذا الحديث‪.‬‬
‫)‪ (66‬حاشية البناني على شرح الزرقاني‪.6/32 ،‬‬
‫)‪ (67‬حاشية الرهوني على شرح الزرقاني‪.6/25 ،‬‬
‫)‪ (68‬المغني مع الشرح الكبير ‪.4/265 ،‬‬
‫)‪ (70‬البنك اللربوي )‪ ،(13‬ومجلة مجمع الفقه السلمي العدد الثاني‪ ،‬صفحة‬
‫‪ ،145 – 143‬د‪ .‬أحمد علي عبد الله‪ .‬وصفحة ‪ 1111‬الشيح محمد على‬
‫التسخيري‪.‬‬
‫)‪ (71‬مجلة مجمع الفقه السلمي‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬ص ‪.1186‬‬
‫)‪ (72‬العمال المصرفية والسلم‪ ،‬ص ‪ .228 ،221 – 118‬وموقف الشريعة‬
‫من المصارف السلمية المعاصرة‪.219 ،‬‬
‫)‪ (73‬مجلة مجمع الفقه السلمي‪ ،‬الدورة الثانية صفحة ‪ ،1103‬بحث زكريا‬
‫البري‪ ،‬وصفحة ‪ ،1118‬بحث الدكتور رفيق المصري‪ ،‬وصفحة ‪ 1129‬بحث‬
‫الدكتور أحمد علي عبد الله‪ ،‬وصفحة ‪ 1158‬البحث المقدم لندوة البركة‬
‫الثالثة‪.‬‬
‫)‪ (74‬نيل الوطار‪ ،306 ،5/314 ،‬وحاشية ابن عابدين ‪ ،5/46‬والصاوي على‬
‫الشرح الصغير‪ ،2/16 ،‬و ‪ ،4/34‬والمهذب‪ ،1/398 ،‬والمقنع‪.2/201 ،‬‬
‫)‪ (75‬مجلة مجمع الفقه السلمي‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬صفحة ‪ ،1138‬بحث الدكتور‬
‫أحمد علي عبد الله‪.‬‬
‫)‪ (76‬انظر صفحة ‪.29‬‬
‫)‪ (77‬تحفة الفقهاء ‪.3/402‬‬
‫)‪ (78‬مجلة مجمع الفقه السلمي‪.1185 ،‬‬
‫)‪ (79‬أنظر تعريف خطابات الضمان في أول البحث‪.‬‬
‫)‪ (80‬مجلة مجمع الفقه السلمي‪ ،‬العدد الثاني صفحة ‪ ،1128‬بحث الدكتور‬
‫أحمد على عبد الله‪.‬‬
‫)‪ (81‬أحكام المعاملت الشرعية‪ 269 ،‬ط بنك البركة السلمي‪.‬‬
‫)‪ (82‬نظرية العقد ‪ ،227‬وانظر كتاب الغرر وأثره في العقود‪.140 ،‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫)‪ (83‬مجلة مجمع الفقه السلمي‪.1138 ،‬‬


‫)‪ (84‬عمليات البنوك من الوجهة القانونية‪.373 ،‬‬
‫)‪ (85‬المصدر السابق‪.259 ،‬‬
‫)‪ (86‬راجع ما تقدم في هذه المسألة‪.23 – 20 ،‬‬
‫)‪ (87‬انظر مجلة مجمع الفقه السلمي‪ ،‬العدد الثاني ‪ ،‬قرار مجمع الفقه‬
‫السلمي‪.‬‬
‫المدلول اللغوي‬
‫] أ [ أصل الشورى في اللغة من شار العسل‪ ،‬إذا استخرجه واستصفى‬
‫خلصته‪ ،‬واجتناه من خلياه ومواضعه‪ .‬قال أبو عبيد‪ :‬شرت العسل واشترته‪:‬‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اجتنيته وأخذته من موضعه‪.‬‬


‫ويقال‪ :‬فلن حسن الصورة والمشورة أي حسن المخبر عند التجربة‪.‬‬
‫وفي الحديث ‪ ) :‬كان يشير في الصلة ( أي يومئ باليد والرأس‪ ) ،‬وأشار‬
‫عليه بكذا ( ‪ :‬أمره به‪ ) ،‬وهي الشورى ( بالضم‪ ..‬وترك عمر الخلفة بعده‬
‫شورى‪ ،‬والناس فيه شورى‪.‬‬
‫واستشاره ‪ :‬طلب منه المشورة‪ ،‬وكذلك شاوره مشاورة وشوارا‪،‬وتشاوروا‬
‫واشتوروا‪].‬ب[ وفي " المفردات في غريب القرآن " للراغب الصفهاني‪:‬‬
‫) التشاور والمشورة والشورى‪ :‬استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى‬
‫البعض ( وشاورته واستشرته‪ :‬طلبت منه المشورة والرأي ‪.‬‬
‫]ج[ وفي معجم مقاييس اللغة لبن فارس‪ ):‬شور( الشين والواو والراء‬
‫أصلن مطردان‪ ،‬الول منهما‪ :‬إبداء شيء وإظهاره وعرضه‪ ،‬والخر‪:‬أخذ‬
‫البداء‪ .‬فمن الول قولهم‪ :‬شرت الدابة شورا‪ ،‬إذا عرضتها‪ ،‬والمكان الذي‬
‫يعرض فيه الدواب هو المشوار‪ .‬ومن الثاني قولهم‪ :‬شرت العسل أشوره أي‬
‫أخذته‪ .‬وقد أجاز أناس‪ :‬أشرت العسل‪ .‬والمشار الخلية يشتار منها العسل‪.‬‬
‫]د[ قال بعض أهل اللغة‪ :‬من هذا الباب شاورت فلنا في أمري قال‪ :‬وهو‬
‫مشتق من شور العسل‪ ،‬فكأن المستشير يأخذ الرأي من غيره ‪.‬‬
‫]هـ[ وعليه يتضمن المدلول اللغوي للشورى ما يلي‪:‬‬
‫*إبداء الشيء وعرضه‪.‬‬
‫*وإظهاره‪ ،‬وهو مرحلة أعلى من البداء‪.‬‬
‫ن للنسان‬ ‫*اتصاف الرأي المعروض بالحسن والستنارة‪ ،‬فليس كل رأي ع ّ‬
‫عرض‪.‬‬‫ُ‬
‫المدلول الصطلحي للشورى‪:‬‬
‫]‪ [1‬ومعنى الشورى اصطلحا‪:‬الجتماع على المر ليستشير كل واحد صاحبه‬
‫ويستخرج ما عنده‪ .‬أو هي اجتماع الناس على أمر ما ُيعرض بينهم‪ ،‬للتداول‬
‫فيه‪ ،‬من أجل استخراج ما ُيرى صوابا‪.‬‬
‫]‪ [2‬والشورى‪ :‬المر الذي يتشاور فيه‪.‬‬
‫]‪ [3‬والشورى‪ ) :‬عرض المر على أهل الخبرة حتى يعلم المراد منه (‪.‬‬
‫]‪ [4‬وهي‪ ) :‬اختبار ما عند كل واحد منهم ـ أي المستشارين ـ واستخراج ما‬
‫عندهم (‪.‬‬
‫]‪ [5‬وُيطلق على الموضع الذي يتم فيه التشاور مجلس الشورى‪.‬‬
‫]‪ [6‬وعليه فالشورى تعني‪ :‬اجتماع الناس على أمر ما لتداول الرأي‪،‬‬
‫واستخلص الصواب منه في المسائل المعروضة لستصدار القرار‪.‬‬
‫ويجتهد بعض الفقهاء المعاصرين في تقديم تعريف جامع للشورى فيقول‪:‬‬
‫) ولعل أجمع تعريف للشورى بمعناها الفقهي العام الشامل لمختلف أنواعها‬
‫هو القول بأنها رجوع المام أو القاضي أو آحاد المكلفين في أمر لم ُيستبن‬
‫حكمه بنص قرآني أو سنة أو ثبوت إجماع إلى من ُيرجى منهم معرفته‬
‫بالدلئل الجتهادية من العلماء المجتهدين‪ ،‬ومن قد ينضم إليهم في ذلك من‬
‫أولي الدراية والختصاص ( ‪.‬‬
‫وهكذا فإن الشورى في الصطلح الذي يتوخاه السلم‪ ،‬يمكن أن تتسع لتعبر‬
‫عن ) استخلص الرأي الجامع أو الراجح من خلل الحوار الجامع (‪ .‬هذا هو‬
‫مطلوب الشورى‪ ،‬فإن لم يكن رأي جامع فرأي راجح لدى استصدار القرار‪،‬‬
‫مما ينعقد عليه العمل الجامع لدى التطبيق والتنفيذ‪.‬‬
‫الشورى في القرآن الكريم‬
‫ويتناول هذا المبحث مرجعية الشورى من القرآن الكريم‪ ،‬فيردفها بمرجعيتها‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سنة النبوية المطّهرة‪ .‬فالمبحث يتناول ما ورد في كتاب الله الحكيم‬ ‫من ال ُ‬
‫من أمر الشورى‪ ،‬وبما يجلي مدلولها ويعلي حجيتها‪ ..‬وهو يعالج أثناء ذلك‬
‫مدى إلزاميتها‪ ،‬وذلك من حيث هي مدخل إلى نظام سياسي متكامل‪ ،‬كما‬
‫هي صلة وشيجة لسائر مناهج الحياة العامة والخاصة‪.‬‬
‫]‪ [1‬والمرجعية الولى في استمداد مبادئ الشورى وقواعدها للقرآن الكريم‪،‬‬
‫ظا غَِلي َ‬
‫ظ‬ ‫ت فَ ّ‬‫كن َ‬‫م وَل َوْ ُ‬
‫ت ل َهُ ْ‬‫ن اللهِ لن ِْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مةٍ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫حيث جاء قوله تعالى‪َِ ) :‬فب َ‬
‫ما َر ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مرِ فِإ َِذا‬
‫م في ال ْ‬ ‫م وَ َ‬
‫شاوِْرهُ ْ‬ ‫فْر لهُ ْ‬ ‫م َواسَتغ ِ‬ ‫ف عَن ْهُ ْ‬ ‫ك َفاعْ ُ‬ ‫حوْل ِ َ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫ضوا ِ‬‫ف ّ‬ ‫ب لن ْ َ‬‫قل ْ ِ‬
‫ال َ‬
‫ن()‪.(6‬‬ ‫مت َوَك ِّلي َ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬‫ن الل َ‬ ‫َ‬
‫ل عَلى اللهِ إ ِ ّ‬ ‫ت فَت َوَك َ ْ‬‫م َ‬‫عََز ْ‬

‫)‪(12 /‬‬

‫يأمر الله تعالى في هذه الية رسوله صلى الله عليه وسلم أن يشاور‬
‫ل السياق‪ ،‬ول صارف للوجوب‪ ،‬وعلى‬ ‫أصحابه‪ ،‬وهو أمر للوجوب كما يد ُ‬
‫الوجوب مذهب المالكية مع عموم ما يتشاور فيه‪ ،‬ويقول المام النووي‪:‬‬
‫)واختلف أصحابنا هل كانت الشورى واجبة على رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم أم كانت سنة في حقه كما في حقنا‪ ،‬والصحيح عندهم وجوبها وهو‬
‫ر( والمختار الذي عليه جمهور‬ ‫َ‬ ‫المختار‪ ،‬قال الله تعالى‪) :‬وَ َ‬
‫م ِ‬‫هم ِفي ال ْ‬ ‫شاوِْر ُ‬
‫ن المر للوجوب()‪ ،(7‬وقرر المام ابن حجر‬ ‫الفقهاء ومحققو الصول أ ّ‬
‫ضا‬
‫ً‬ ‫أي‬ ‫ذلك‬ ‫وعلى‬ ‫(‪،‬‬ ‫‪8‬‬ ‫الشورى)‬ ‫وجوب‬ ‫هو‬ ‫المختار‬ ‫ن الصحيح‬ ‫العسقلني أ ّ‬
‫م‬
‫مُرهُ ْ‬ ‫مذهب الحناف حيث يقول المام الجصاص في تفسير قوله تعالى )َوأ ْ‬
‫ل على جللة موقع المشورة لذكرها مع اليمان‬ ‫م()‪) :(9‬هذا يد ُ‬ ‫شوَرى ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ل على أننا مأمورون بها)‪ .(10‬وهذا ما ذهب إليه المام‬ ‫وإقامة الصلة‪ ،‬ويد ُ‬
‫م( وهو‬ ‫شاوِْرهُ ْ‬ ‫الرازي حيث يقول‪) :‬ظاهر المر الوجوب في قوله تعالى‪) :‬وَ َ‬
‫يقتضي الوجوب()‪.(11‬‬
‫حد‪،‬‬ ‫ُ‬
‫دا لهذا الوجوب فإن المر بها جاء عقب نتائج الخذ بالشورى في أ ُ‬ ‫وتأكي ً‬
‫دللة على لزومه مهما ترتب عليه من نتائج‪.‬‬
‫قا لوجوب الشورى‪ ،‬والخذ بنتائجها‪ ،‬وعدم كسر قراراتها استشار النبي‬ ‫وتطبي ً‬
‫حد على الخروج‪ ،‬فلما قرر غالبيتهم‬ ‫ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم المجاهدين في أ ُ‬
‫الخروج‪ ،‬أخذ بذلك‪ ،‬مع أن ذلك يخالف رأيه صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ولما رأوا‬
‫أنهم قد أكرهوا النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ورأوا التراجع والبقاء سن لهم‬
‫متخذ وعدم كسره‪ ،‬فرّدهم‬ ‫مل النتائج والتبعات على القرار ال ُ‬ ‫ضرورة تح ّ‬
‫بلطف كما روى ذلك جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫َ َ‬
‫ه‬
‫ل الل ِ‬ ‫سو َ‬ ‫قاُلوا‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫هم فَ َ‬ ‫خُلوا عََليَنا ِفيَها َقات َل َْنا ُ‬ ‫ن دَ َ‬ ‫ديَنة فَإ ِ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قال‪) :‬ل َوْ أّنا أقَ ْ‬
‫مَنا ِبال َ‬
‫م؟‬ ‫سل َ ِ‬ ‫ل عَل َي َْنا ِفيَها ِفي ال ِ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ف ي ُد ْ َ‬ ‫كي َ‬ ‫جاهِل ِّية فَ َ‬ ‫ل عََليَنا ِفيَها ِفي ال َ‬ ‫خ َ‬ ‫ما د ُ ِ‬ ‫َواللهِ َ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ل الل ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫صاُر‪َ :‬رد َد َْنا عََلى َر ُ‬ ‫ت الن ْ َ‬ ‫قال َ ْ‬ ‫ل‪ :‬فَ َ‬ ‫ه‪َ ،‬قا َ‬ ‫مت َ ُ‬‫س لَ َ‬ ‫م إ ًِذا(‪ ،‬فَل َب ِ َ‬ ‫شأن َك ُ ْ‬ ‫ل‪َ ) :‬‬ ‫فَ َ‬
‫قا َ‬
‫ك إ ًِذا‪ ،‬فَ َ‬ ‫ْ‬
‫شأن َ َ‬ ‫ُ‬ ‫جاُءوا فَ َ‬ ‫ْ‬
‫ه‬
‫ل‪ :‬إ ِن ّ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ي اللهِ َ‬ ‫قالوا‪َ :‬يا ن َب ِ ّ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم َرأي َ ُ‬
‫َ‬
‫ل()‪.(12‬‬ ‫قات ِ َ‬ ‫حّتى ي ُ َ‬ ‫ضعََها َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫مت َ ُ‬‫س لَ َ‬ ‫ي إ َِذا ل َب ِ َ‬ ‫س ل ِن َب ِ ّ‬ ‫َلي َ‬
‫وأما موقفه في الحديبية من الصلح على غير رغبة المسلمين فبوحي إلهي‬
‫سو ُ‬
‫ل‬ ‫ظاهر عبر عنه صلى الله عليه وسلم بقوله لعمر بن الخطاب‪) :‬إ ِّني َر ُ‬
‫ري(‪ ،‬وعبر عنه أبو بكر لعمر بالكلمات ذاتها‬ ‫ص ِ‬ ‫صيهِ وَهُوَ َنا ِ‬ ‫ت أع ْ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫اللهِ ول َ ْ‬
‫فقال‪) :‬أيها الرجل إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس يعصى ربه‬
‫وهو ناصره فاستمسك بغرزه فوالله إنه على الحق()‪.(13‬‬
‫وأما ما ورد في مواقف يستدل بها على إعلمية الشورى كما حدث من أبي‬
‫بكر في موقفه من حرب مانعي الزكاة‪ ،‬أو من تسيير جيش أسامة‪ ،‬فالمر ل‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يعدو أن يكون شورى‪ ،‬حيث عل أبو بكر بحجته على من معه فاطمأنوا لذلك‬
‫بعد جدل ونقاش‪ ،‬فل يستدل بهذا على اللزام ‪ ..‬ومثل ذلك موقفه رضي الله‬
‫دا بذلك دون إلزام‬ ‫عنه من مسألة جمع القرآن في مكان واحد حيث أقنع زي ً‬
‫له كما قال زيد‪) :‬فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي‬
‫شرح له صدر أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما –()‪.(14‬‬
‫ما أساسًيا بأسره‪ ،‬ومن ههنا قرنها‬ ‫ولعظمة المر بالشورى جعلها السلم مقو ً‬
‫ن الشورى‬ ‫بالصلة والزكاة‪ .‬يقول صاحب كتاب فقه الشورى والستشارة‪) :‬إ ّ‬
‫في شريعتنا قاعدة للنظام الجتماعي‪ ،‬وهي عروة ُوثقى‪ ،‬تربط بين أفراد‬
‫المجتمع‪ ،‬وقد جعلتها آية الشورى تلي اليمان والعبادة في الترتيب بقولها‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ما َرْزقَناهُ ْ‬‫م ّ‬
‫م وَ ِ‬ ‫م ُ‬
‫شوَرى ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫مَرهُ ْ‬‫صل َة َ وَأ ْ‬ ‫م وَأَقا ُ‬
‫موا ال َ‬ ‫جاُبوا ل َِرب ّهِ ْ‬
‫ست َ َ‬
‫نا ْ‬
‫ذي َ‬‫)َوال ّ ِ‬
‫ن()‪.(15‬‬ ‫قو َ‬ ‫ي ُن ْفِ ُ‬
‫ن التكافل في النفاق والمشاركة في‬ ‫ن هذه العبارة الخيرة تشير إلى أ ّ‬ ‫ثم إ ّ‬
‫المال يرتبطان بالمشاركة في التشاور الفكري ‪ ..‬وارتباط الشورى بالتكافل‬
‫والتضامن الجتماعي وحرية النسان وحقوقه يجعلها مبدأ اجتماعًيا شامل ً‬
‫وليس مجرد مبدأ سياسي‪.‬‬
‫]‪ [2‬وروى الواحدي في الوسيط عن عمرو بن دينار عن ابن عّباس رضي الله‬
‫عنهما أّنه قال‪) :‬الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمشاورته في هذه‬
‫الية هم الذين أمره بالعفو عنهم وأن يستغفر لهم وهم الملزمون()‪.(16‬‬
‫]‪ [3‬هذا والمر بالشورى هنا عام يشمل كل الشؤون العامة‪ ،‬في حياة الفراد‬
‫والجماعات والدول‪ ،‬السياسية والقتصادية والعسكرية والجتماعية والثقافية‪.‬‬
‫وأداة التعريف )ال( للستغراق‪ ،‬والمر هنا )وشاورهم( يعني سماع الراء‬
‫فيكون العزم في قوله تعالى‪) :‬فإذا عزمت( أي عند اختيار الرأي الحاسم‪.‬‬
‫والمر بالشورى للوجوب ويشمل كل أمر ذي بال من شؤون الفراد‬
‫ما وحرًبا‪ ،‬اقتصاًدا وسياسة‪.‬‬ ‫والجماعة والدولة سل ً‬

‫)‪(13 /‬‬

‫هذا ما تقوم عليه التربية السلمية لتحقق القيم والخلق والداب التي أمر‬
‫بها الشرع استجابة لداعي اليمان‪ .‬ولتنفيذ ذلك فالمسلمون مندوبون إلى أن‬
‫يجتهدوا في استحداث الوسائل المناسبة لمجتمعهم وعصرهم في نشر آداب‬
‫الشورى وتنفيذ ما يجب عليهم من جعل أمورهم كلها شورى بينهم حتى تصير‬
‫قا ثابًتا في حياتهم كما وصفهم القرآن بذلك في سياق ما يقومون‬ ‫الشورى خل ً‬
‫به ويقيمونه من واجبات الدين وأركان السلم المعلومة من الصلة والزكاة‬
‫ن المر للوجوب‬ ‫والنفاق في سبيل الله تعالى‪ ،‬وحيث ثبت في اختيارنا أ ّ‬
‫والعموم‪.‬‬
‫قا وقانوًنا‬
‫وقد استقر ذلك في تجربتنا السودانية دستوًرا وممارسة وتطبي ً‬
‫ن نص البيعة يتضمن التزام الرئيس بالشورى‪ ،‬وهكذا‬ ‫ما ولوائح‪ ،‬حتى أ ّ‬ ‫ونظا ً‬
‫أداء القسم للرئيس ومن يليه من كل ذي ولية ومسؤولية‪.‬‬
‫وقد جاء المر بالشورى في سياق عظيم من الداب الجليلة في التعامل مع‬
‫الناس‪ ،‬وفي بيان ذلك يقول صاحب محاسن التأويل في تفسير قوله تعالى‪:‬‬
‫حوْل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬‫ضوا ِ‬‫ف ّ‬
‫ب لن ْ َ‬ ‫قل ْ ِ‬ ‫ظا غَِلي َ‬
‫ظ ال َ‬ ‫ت فَ ّ‬ ‫م وَل َوْ ُ‬
‫كن َ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬‫ن اللهِ لن ِْ َ‬‫م ْ‬‫مةٍ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ما َر ْ‬ ‫)َِفب َ‬
‫ر()‪ :(17‬أي ما لنت هذا اللين‬ ‫َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫َ‬ ‫َفاعْ ُ‬
‫م ِ‬
‫م في ال ْ‬ ‫شاوِْرهُ ْ‬ ‫فْر لهُ ْ‬ ‫م َواسَتغ ِ‬ ‫ف عَن ْهُ ْ‬
‫الخارق للعادة‪ ،‬مع ما سبب فعلهم من الغضب الموجب للعنف والسطوة‪ ،‬ل‬
‫سّيما مع اعتراض من اعترض على ما أشار به‪ ،‬إل ّ بسبب رحمة عظيمة‪ .‬ولو‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كنت سيئ الخلق خشن الكلم قاسي القلب وشديده‪ ،‬تعاملهم بالعنف‬
‫والجفاء‪ ،‬لتفرقوا عنك‪ ،‬فلم يسكنوا إليك‪ ،‬فل تتم دعوتك‪ .‬ولكن الله جعلك‬
‫ما‪ .‬فاعف عنهم فيما فّرطوا في‬ ‫فا باًرا رءوًفا رحي ً‬
‫قا لي ًّنا لطي ً‬ ‫حا طل ً‬ ‫سهل ً سم ً‬
‫ما للشفقة عليهم‪ .‬وشاورهم في‬ ‫قك‪ ،‬كما عفا الله عنهم واستغفر لهم إتما ً‬ ‫ح ّ‬
‫دا‬‫أمر الحرب وغيره تود ًّدا إليهم وتطييًبا لنفوسهم واستظهاًرا بآرائهم وتمهي ً‬
‫لسنة المشاورة في المة)‪.(18‬‬
‫ما الغليظ القلب فهو القاسي القلب‬ ‫والفظ هو السيئ الخلق الجافي الطبع‪ ،‬أ ّ‬
‫غير المتسامح في تعامله مع الّناس‪ ،‬وهكذا كانت الغلظة والفظاظة من‬
‫أعظم أسباب تفرق الّناس بعضهم عن بعض‪ ،‬وفي الخطاب القرآني عبرة‬
‫ظ‬‫ظا غَِلي َ‬ ‫ت فَ ّ‬ ‫لولي اللباب وهو حكم عام يطرأ في الّناس جميًعا )وَل َوْ ُ‬
‫كن َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫م َ‬ ‫ك(‪ ،‬وذلك من علم الله تعالى بخلقه )أل َ ي َعْل َ ُ‬ ‫حوْل ِ َ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ضوا ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫قل ْ ِ‬
‫ب لن ْ َ‬ ‫ال َ‬
‫خبير()‪.(19‬‬ ‫ْ‬
‫ف ال َ‬‫خل َقَ وَهُوَ اللط ِ ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ص الله به نبيه صلى الله‬ ‫]‪ [4‬هذا وقد ورد المر بالشورى في سياق ما خ ّ‬
‫عليه وسلم من خلق عظيم ووصفه به من الرحمة كما في هذه الية‪ ،‬وكما‬
‫في ختام سورة التوبة حيث وصفه بالرأفة والرحمة )لقد جاءكم رسول من‬
‫أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم()‪ ،(20‬أما‬
‫في سورة النبياء فقد خص بالرحمة العامة للعالمين )وما أرسلناك إل رحمة‬
‫للعالمين()‪ ،(21‬ورحمته عامة تستغرق كل ما يصدق عليه اسم العالم‪ ،‬وقد‬
‫أقيمت شعائر السلم على دعائم الرحمة والرفق واليسر بالّناس كلهم‪.‬‬
‫وهي رحمة موضوعة في محلها الصحيح‪ ،‬وهي ل تنفي ما بان لنا من شدته‬
‫في المواضع المقتضية لذلك‪ ،‬بل هي في حقيقتها من الرحمة بعباد الله‪ .‬كيف‬
‫ل ومن صفاته صلى الله عليه وسلم التي وصفه بها القرآن )بالمؤمنين رءوف‬
‫رحيم()‪.(22‬‬
‫ول خير في حلم ٍ إذا لم تكن له بوادر تحمي صفوة أن يكدرا‬
‫]‪ [1‬وهذه الصفة الكريمة التي وصف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫خلق ثابت من خلقه العظيم ومنه قوله‪) :‬إنما أنا رحمة مهداة()‪ (23‬دليل‬
‫على تخلق نفسه الزكية بخلق الرحمة‪ ،‬وإحاطة الرحمة بتصاريف شريعته)‬
‫‪ ،(24‬ومنها شرعة الشورى‪.‬‬
‫ما‬‫]‪ [2‬وهذه الصفة تقتضي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رحي ً‬
‫بالمؤمنين‪ ،‬يلين لهم قوله ويبسط لهم وجهه‪ ،‬ويعفو عنهم‪ ،‬ويستغفر لهم فيما‬
‫حملوا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي أكثريتهم يوم أحد‪.‬‬
‫ثم كان من مخالفتهم الوامر مما نتج عنه ما كان يومئذ ٍ في غزوة أحد )أولما‬
‫أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن‬
‫الله على كل شيء قدير()‪.(25‬‬
‫بل إن القرآن يأمره صلى الله عليه وسلم ان يشاورهم في المر وإن بدر‬
‫منهم كل ما سبق‪ ،‬ذلك بأن المر بالشورى مقصود لذاته من حيث هو رحمة‬
‫في حياة المجتمع كله‪ ،‬وفي نشاط الدولة كلها‪.‬‬
‫ن الراجح‪ ،‬من الدليل القرآني‪ ،‬أن الشورى واجبة ملزمة في النظام‬ ‫وهكذا فإ ّ‬
‫صا إذا جرى التعاقد على وجوبها وإلزامها بالدستور‬ ‫السياسي للدولة‪ ،‬خصو ً‬
‫والقانون‪ ،‬وهي ل تكون أقل من الوجوب واللزام إل في حدود ضيقة كما لو‬
‫قا إن شاء‬ ‫كانت استشارة لهل الخبرة والختصاص‪ ،‬كما سيرد تبيان ذلك لح ً‬
‫الله تعالى‪ ،‬ذلك بأن الحكم الصالح يقوم على العدل الشامل‪ ،‬ومن مقتضيات‬
‫هذا العدل الخذ بمنهاج الشورى كمنهاج شامل في الحياة العامة والخاصة‪.‬‬
‫حكم الشورى في السّنة النبوية‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫ونعرض في هذا المبحث الدلئل والشارات على وجوب الشورى‪ ،‬سواء من‬
‫التوجيهات أو من الممارسات في السيرة النبوية‪ ،‬وذلك من حيث أن هذه‬
‫السيرة هي نموذج عملي وحي لتعاليم القرآن الكريم‪ ،‬فقد كانت أخلقه‬
‫صلى الله عليه وسلم هي القرآن الكريم‪ ،‬فيما تصفه السيدة عائشة رضي‬
‫الله عنها‪) :‬كان خلقه القرآن()‪.(26‬‬
‫والمرجعية الثانية في تأصيل الشورى هي السنة النبوية‪ ،‬فقد أسس النبي‬
‫ما يحتذى وسنة عملية تطبيقية على أكمل‬ ‫صلى الله عليه وسلم للشورى نظا ً‬
‫وجه‪ ،‬وعرف ذلك عنه أصحابه‪.‬‬
‫دا أكثر مشورة لصحابه من رسول الله صلى‬ ‫ً‬ ‫أح‬ ‫]أ[ قال أبو هريرة‪) :‬ما رأيت‬
‫الله عليه وسلم ()‪.(27‬‬
‫ن الناس‬ ‫]ب[ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أبو بكر وعمر‪) :‬إ ّ‬
‫صا على السلم أن يروا عليك زًيا حسًنا من الدنيا فقال‪ :‬وأّيم‬ ‫ليزيدهم حر ً‬
‫دا()‪.(28‬‬‫الله لو أنكما تتفقان على أمر واحد‪ ،‬ما عصيتكما في مشورة أب ً‬
‫]ج[ عن الحسن البصري قال‪) :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يشتشير حتى المرأة فتشير عليه بالشيء فيأخذ به(‪.‬‬
‫]د[ عن ابن عّباس قال لما نزلت )وشاورهم في المر( قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم )أما إن الله ورسوله لغنيان عنها ولكن جعلها الله رحمة‬
‫دا ومن تركها لم يعدم غًيا()‪.(29‬‬ ‫لمتي‪ ،‬فمن استشار منهم لم يعدم رش ً‬
‫]هـ[ عن الحسن‪) :‬قد علم الله تعالى ما به إليهم حاجة‪ ،‬ولكن أراد أن يستن‬
‫به من بعده()‪.(30‬‬
‫]و[ عن قتادة‪) :‬أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يشاور أصحابه‬
‫في المور وهو يأتيه وحي السماء‪ ،‬لنه أطيب لنفس القوم‪ ،‬أو أن تكون سنة‬
‫بعده لمته(‪.‬‬
‫]ز[ ابن عطية‪) :‬الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الحكام()‪.(31‬‬
‫]ح[ الضحاك بن مزاحم في تفسير قوله تعالى‪) :‬وشاورهم في المر(‪) :‬ما‬
‫ل نبيه بالمشورة إل لما علم فيها من الفضل(‪.‬‬ ‫أمر الله عّز وج ّ‬
‫ن الله تعالى أمر بها نبيه‬ ‫]ط[ ابن تيمية‪) :‬ل غنى لولي المر عن المشاورة فإ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم فقال )فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في المر‬
‫فإذا عزمن فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين()‪ ،(32‬وقد روي عن أبي‬
‫دا أكثر مشورة لصحابه من رسول‬ ‫هريرة رضي الله عنه قال‪) :‬ما رأيت أح ً‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ()‪.(33‬‬
‫إن الله أمر بها نبيه لتأليف قلوب أصحابه‪ ،‬وليقتدي به من بعده‪ ،‬وليستخرج‬
‫منهم الرأي فيما لم ينزل فيه وحي من أمر الحروب والمور الجزئية وغير‬
‫ذلكن فغيره صلى الله عليه وسلم أولى بالمشورة()‪.(34‬‬
‫]ي[ قد ثبتت مشاورته صلى الله عليه وسلم لصحابه في عدة أمور‪ ،‬منها‪:‬‬
‫]‪ [1‬أنه شاورهم يوم بدر وخاصة النصار قبل الدخول في المعركة‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫)يا رسول الله لو استعرضت بنا البحر لقطعناه معك‪ ،‬ولو سرت بنا إلى برك‬
‫الغماد لسرنا معك‪ ،‬ول نقول لك كما قال قوم موسى اذهب أنت وربك فقاتل‬
‫إّنا هاهنا قاعدون‪ ،‬ولكن نقول اذهب فنحن معك وبين يديك‪ ،‬وعن يمينك‬
‫وشمالك مقاتلون(‪.‬‬
‫]‪ [2‬وشاور الحباب بن المنذر رضي الله عنه في اختيار مقر المعسكر وأخذ‬
‫برأيه‪ ،‬وشاور صاحبيه أبا بكر وعمر في أمر السرى‪ ،‬وأخذ برأي أبي بكر‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [3‬وشاورهم يوم أحد في المقام والخروج‪ ،‬فرأوا له الخروج‪ ،‬فلما لبس‬
‫لمته وعزم قالوا‪ :‬أقم‪ ،‬فلم يمل إليهم بعد العزم وقال‪) :‬ل ينبغي لنبي يلبس‬
‫لمته فيضعها حتى يحكم الله()‪.(35‬‬
‫]‪ [4‬وشاورهم يوم الخندق في حفره فأخذ برأي سلمان الفارسي‪ .‬أما في‬
‫مصالحة الحزاب بثلث ثمار المدينة عامئذ‪ ،‬فأبى ذلك عليه السعود‪ :‬سعد بن‬
‫معاذ‪ ،‬وسعد بن عبادة‪ ،‬وسعد بن خيثمة‪ ،‬وسعد بن مسعود فترك ذلك‪ .‬وكان‬
‫النصار أولى بالشورى هنا لنهم أصحاب النخيل والثمار فهم أهل الختصاص‬
‫إًذا‪.‬‬
‫ن ابن عمر كان يقول‪ :‬كان‬ ‫]‪ [5‬وشاورهم حتى عند سن الذان‪ ،‬فعن نافع أ ّ‬
‫المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلة ليس ينادى لها‪،‬‬
‫سا مثل ناقوس النصارى‬ ‫ما في ذلك فقال بعضهم‪ :‬اتخذوا ناقو ً‬ ‫فتكلموا يو ً‬
‫وقال بعضهم‪ :‬بل بوًقا مثل قرن اليهود‪ ،‬فقال عمر‪ :‬أول تبعثون رجل ينادي‬
‫بالصلة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪) :‬يا بلل قم فناد بالصلة()‬
‫‪.(36‬‬
‫]‪ [6‬وأقر صلى الله عليه وسلم حق المرأة‪ ،‬وعمل برأيها‪ ،‬فقد جاء في رواية‬
‫البخاري لحديث الحديبية‪ :‬فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم لصحابه‪) :‬قوموا فانحروا ثم احلقوا( قال‪ :‬فوالله ما قام‬
‫منهم رجل حتى قال ذلك ثلث مرات‪ ،‬فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم‬
‫سلمة فذكر لها ما لقي من الناس‪ .‬فقالت أم سلمة‪ :‬يا نبي الله أتحب ذلك؟‬
‫دا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك؟‬ ‫أخرج ثم ل تكلم أح ً‬
‫دا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه‪ ،‬فلما‬ ‫فخرج فلم يكلم أح ً‬
‫ضا‬
‫ضا حتى كاد بعضهم يقتل بع ً‬ ‫رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بع ً‬
‫ما)‪.(37‬‬‫غ ً‬
‫معالم الشورى النبوية‪:‬‬
‫تتضح معالم الشورى النبوية على صاحبها أفضل الصلة والسلم في أمور‬
‫جليلة أظهرها‪:‬‬
‫]‪ [1‬الرجوع إلى الدليل الشرعي )الوحي( كما حدث في يوم الحديبية حيث‬
‫قال‪) :‬أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره()‪.(38‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫]‪ [2‬الصواب في بدر بغض النظر عن الكثرية حيث نزل على رأي الحباب بن‬
‫المنذر )بل هو الرأي والحرب والمكيدة(‪ ،‬والحباب يمثل أهل الخبرة‬
‫والختصاص وأهل الذكر وبعبارة أخرى أهل الحل والعقد‪.‬‬
‫]‪ [3‬الكثرية يوم أحد‪ ،‬وإن خالف رأيهم رأي الصواب‪.‬‬
‫وعليه إذا كانت الشورى في المور التشريعية فالحجة لقوة الدليل‪ ،‬وإذا كانت‬
‫الشورى في المور الفنية فالحجة لهل الخبرة والختصاص في الموضوع‪،‬‬
‫ما في طلب الرأي الذي يرشد على القيام بعمل من العمال كانتخاب رئيس‬ ‫أ ّ‬
‫ل أو إقرار مشروع فيرجح رأي الكثرية‪ .‬لن الكثرة يحصل بها الترجيح‬ ‫أو وا ٍ‬
‫كما يقول المدي)‪.(39‬‬
‫وهكذا تقدم لنا السيرة النبوية معالم أساسية لفقه الشورى‪ ،‬كأمر رباني‪،‬‬
‫وسنة نبوية‪ ،‬وقيمة أخلقية وحكمة بالغة في سياسة المة‪.‬‬
‫حكمة مشروعية الشورى‬
‫أما أبرز وجوه الحكمة في مشروعية الشورى فهي‪:‬‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [1‬إقامتها للخير والصواب ومنعها الستبداد بالرأي وقهر الرجال‪.‬‬


‫]‪ [2‬ولرشاد الحكام وولة المر‪.‬‬
‫ضا على سهولة تنفيذ ما‬ ‫]‪ [3‬واحترام عقول الناس وتأليف قلوبهم مما يعين أي ً‬
‫يتخذ من قرارات‪.‬‬
‫]‪ [4‬والستفادة من رأي الخرين واكتشاف قدراتهم‪ ،‬ولتمييز الناصح من‬
‫غيره‪.‬‬
‫]‪ [5‬ولرضا المخالف‪ ،‬وإقامة الحجة‪.‬‬
‫]‪ [6‬ولحياء الجتهاد بالنظر‪.‬‬
‫ويستخلص بعض الفقهاء المعاصرين في بيانه لهمية الشورى خمسة وجوه‬
‫كلية تندرج تحت كل منها فوائد ومزايا جزئية كثيرة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫]‪ [1‬إّنها العامل الول لنسيج أواصر اللفة والمحبة بين المة وقادتها‪ ،‬وهذه‬
‫مزية أخلقية‪.‬‬
‫]‪ [2‬والشورى تذكر كل من إمام المسلمين والمسلمين أنفسهم بنوع العلقة‬
‫القائمة بين الطرفين من منظار الشرع السلمي الحنيف‪] :‬فأما المام فإن‬
‫من شأن الشورى أن تذكره بأنه موظف من قبل رب العالمين في تسيير‬
‫أمور المة وحماية أمنها‪ ،‬وطمأنينتها‪ ،‬وليس صاحب صلحية في التسلط عليها‬
‫دا من‬ ‫ن الشورى تذكرها بما يستوجب مزي ً‬ ‫ما المة فإ ّ‬‫والتحكم برقابها‪ .‬وأ ّ‬
‫النصياع لرأي المام وحكمه فإّنها تعلم بذلك أّنها ل تطيع إل فيما يصلحها‬
‫ويرعى حقوقها‪ ،‬وهذه مزية اجتماعية‪.‬‬
‫]‪ [3‬الشورى سبيل لبد منه للستفادة من علم العلماء وخبرة أصحاب الرأي‬
‫وما يتمتع به كثير من رجالت المة من ُبعد النظر وعمق الدراية‪ ،‬وهذه مزية‬
‫علمية‪.‬‬
‫]‪ [4‬هنالك حقوق للمة ل يجوز للحاكم أو المام أن يتصرف فيها إل بمشاورة‬
‫أصحابها واستئذانهم في ذلك‪.‬‬
‫وإنما السبيل الوحيد لصحة تصرفه فيها مشاورة أصحاب هذه الحقوق‬
‫مباشرة‪ ،‬أو عن طريق عرفائهم ووكلئهم‪ ،‬وهذه مزية حقوقية‪.‬‬
‫]‪ [5‬لبد أن يكون المام مطلًعا على مطامح قومه وآمالهم‪ ،‬وعلى الفكار‬
‫والتجاهات التي قد تتسلل إليهم وتسري فيما بينهم‪ ،‬سواء ما كان إيجابًيا‬
‫دا أو سلبًيا ضاًرا‪.‬‬
‫مفي ً‬
‫وخير السبل الكفيلة بذلك الحتكاك بوجوه الناس ومفكريهم إنما هو عن‬
‫طريق التحاور والتشاور‪ ،‬وهذه مزية سياسية)‪.(40‬‬
‫]‪ [6‬ول تكون الشورى في أمر قطعي الدللة والثبوت سواء بنص صريح من‬
‫القرآن أو خبر صحيح من السنة‪.‬‬
‫أما إذا كان النص القرآني يحمل دللة ظنية فهو يخضع للشورى والجتهاد‬
‫الجماعي ومما يتعلق بفهم النص واستنباط معقوده‪.‬‬
‫وللشورى صلة بالتعاون بين الناس )وتعاونوا على البر والتقوى ول تعاونوا‬
‫على الثم والعدوان()‪ ،(41‬والنصيحة والتواصي كما في سورة العصر‬
‫)والعصر إن النسان لفي خسر إل اللذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا‬
‫بالحق وتواصوا بالصبر()‪.(42‬‬
‫ونحن ل نستطيع أن نمنع حدوث اختلف الرأي بين الّناس‪ ،‬أو الخلف عامة‪،‬‬
‫فقد خلق الّناس وجبلوا على حرية الختيار والرأي‪ ،‬وذلك من رحمة الله‬
‫بالناس‪) :‬ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ول يزالون مختلفين إل من‬
‫رحم ربك ولذلك خلقهم()‪ .(43‬لكن المطلوب هو أن ندير ذلك بالحكمة مع‬
‫التواصي بالحق والجتهاد في الوصول إليه والتزامه والتماس العذر الحسن‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن أداه واجتهاده ليختار مذهًبا يراه أصوب‪ .‬أما المحذور فهو الفتراق‪،‬‬
‫المؤدي إلى الفتنة والحتراب‪.‬‬
‫]‪ [7‬والشورى ل تقف عند اختيار الحكام‪ ،‬وإنما تمتد إلى سائر ضروب‬
‫ن الشورى أوسع نطاًقا من‬ ‫النشاط النساني‪ ،‬ووجوه الحياة العامة‪ ،‬كما أ ّ‬
‫مجرد الوصول إلى رأي الغلبية‪ ،‬وإّنما المعول عليه الوصول إلى هذا الرأي‬
‫ة‬
‫عن طريق الحوار الناصح والمجادلة الحسنة‪ .‬بل هي واجب مفروض طاع ً‬
‫عا للسنة في أداء النصيحة والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬ ‫لله واتبا ً‬

‫)‪(16 /‬‬

‫ن‪) :‬في‬ ‫وفي كتابه "فقه الشورى والستشارة" يذهب د‪ .‬توفيق الشاوي إلى أ ّ‬
‫مفهوم الشورى ل يكتفي الفرد فيه بالتمتع بحريته في اختيار الحكام عن‬
‫طريق انتمائه للغلبية بحسب‪ ،‬بل لبد ّ من ممارسة حريات أخرى ذاتية‬
‫يستمدها من صفته إنساًنا أو فرًدا في المجتمع‪ ،‬بصرف النظر عن انتمائه‬
‫ما إذا كان قد تمتع فعل ً بالمشاركة في القرارات‬
‫للغلبية أو القلية وع ّ‬
‫السياسية بصفته جزء من الغلبية الحاكمة أو ل‪ .‬وهذه الحريات النسانية‬
‫للفرد تضمنها الشورى لكل فرد في المجتمع‪ ،‬لنها ل تقتصر إسهامه على‬
‫شؤون الجماعة على مجرد عملية اختيار الحكام‪ ،‬بل توسع نطاق هذا السهام‬
‫ليشمل حقه الكامل في المشاركة على سبيل المساواة مع الجميع في‬
‫التشاور والحوار الحر في كل ما يتعلق بشؤون المجتمع ونظمه الجتماعية‬
‫ومؤسساته المالية والقتصادية والسياسية والثقافية‪.‬‬
‫والشورى بذلك تتجاوز حقوق النسان إلى أنها واجب‪ ،‬وهي حق لكل الناس‬
‫وواجب عليهم جميًعا‪.‬‬
‫]‪ [8‬والشورى إنما هي حق للنسان وحق أساسي للمة تمارسه لقامة‬
‫العدل والحق‪ .‬ومن ذلك يتبين أن الشورى هي أساس حق المة‪.‬‬
‫• في اختيار الحاكم أو المسئول عن الولية‪.‬‬
‫• في مراقبة أعماله وسلوكه العام‪ ،‬بل وسلوكه الشخصي في نظر كثير من‬
‫الفقهاء‪.‬‬
‫• وفي أنها أساس القيود والحدود الصريحة التي تفرضها المة على سلطة‬
‫الحكام الذي تتعاقد معهم بالبيعة قبل اختيارهم أو بعده‪ ،‬والتي يكون الغرض‬
‫منها محدًدا ومعيًنا من التزامه برأي أو عمل أو سلوك‪ ،‬ترى المة ممثلة في‬
‫أهل الشورى إلزام حكامها بها لضمان حسن سير عمل الحكومة وإدارتها‪،‬‬
‫مثل شرط تحديد مدة الولية بمدة معينة حتى يحتفظوا لنفسهم بحق اختيار‬
‫غيره إذا وجدوا أنه أقدر أو أولى منه‪ ،‬وشرط اللتزام بالشورى في‬
‫موضوعات معينة تدخل في اختصاصه‪ ،‬مثل إعلن الحرب وعقد المعاهدات‪،‬‬
‫واعتماد الميزانية والحساب الختامي‪ ،‬وتعيين بعض كبار المسئولين أو عزلهم‬
‫وما إلى ذلك‪.‬‬
‫قا للناس ليشاركوا بالرأي والنصيحة‪ ،‬وواجًبا عليهم في‬ ‫وتستمر الشورى ح ً‬
‫مراقبتهم ومحاسبتهم بعضهم لبعض وفق مرجعية أصول الدين وأحكام‬
‫الشريعة)‪.(44‬‬
‫الشورى بين اللزام واللتزام‪:‬‬
‫وللشورى من حيث إلزاميتها واختياريتها ضروب ل تخرج في جوهرها عن‬
‫حكمة مشروعيتها‪ ،‬وإن تعددت هذه الضروب وفق القضية‪ ،‬فهناك الشورى‬
‫الجماعية ذات اللزام‪ ،‬والمشورة الختيارية التي تطلب من أهل الختصاص‪،‬‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫علوة على الفتوى الفقهية الستشارية‪ .‬قال صاحب كتاب الشورى‬


‫والستشارة )يجب في رأينا التفرقة بين أنواع ثلثة من القرارات الناتجة عن‬
‫"التشاور" وهي‪:‬‬
‫ل‪ :‬المشورة الجماعية التي لبد من اللتجاء إليها للحصول على قرار‬ ‫أو ً‬
‫جماعي ملزم في شأن من شؤون الجماعة الهامة‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬الستشارة الختيارية الحرة‪ ،‬أي بطلب الرأي والنصيحة من ذوي‬
‫التجربة أو الخبرة‪ ،‬وهي اختيارية لمن طلبها‪ ،‬وتسفر عن رأي غير ملزم‪.‬‬
‫وتقدم )المشورة( تلقائًيا دون طلبها في صورة نصيحة‪ ،‬ويكون الرأي‬
‫استشارًيا من باب أولى‪ ،‬لن القرار ل يصدر من المستشار أو الناصح‪ ،‬بل‬
‫يصدره المستشير بكل حرية باختياره بناًء على المشورة المقدمة له إذا اقتنع‬
‫بها‪ ،‬أو بغيرها إذا لم يقتنع‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬طلب الفتوى الفقهية‪ ،‬وهي نوع من الستشارة في أحكام الفقه‪ ،‬وهي‬
‫مشورة اختيارية)‪.(45‬‬
‫وهكذا فإن الشورى تصير واجبة وملزمة في الشأن العام للمة ل سيما إذا‬
‫جرى التعاقد عليها دستورًيا وقانونًيا‪ ..‬أما الشورى )المعلمة( في مقابل‬
‫الشورى )الملزمة( فهي استشارة اختيارية حرة لذوي التجربة والخبرة في‬
‫ضا‬
‫الشؤون الخاصة‪ ،‬علوة على الشورى الناشئة من طلب الفتيا‪ ،‬وهي أي ً‬
‫ضرب من الستشارة الختيارية‪.‬‬
‫تجربة الشورى النبوية في الشؤون العسكرية والجتهادية‬
‫‪ 1‬ـ في المجال العسكري‪:‬‬
‫وفي هذا المبحث خصصنا الشورى النبوية في الشؤون العسكرية والجتهادية‬
‫بمعالجة أوفى للدللة على اطلقية الشورى‪ ،‬وبخاصة فيما لم يرد به وحي أو‬
‫دللة قطعية من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة‪ ،‬وهي ملزمة للحاكم‬
‫أو القائد من وجهين‪:‬‬
‫* فتح بابها لستجماع الرأي‪.‬‬
‫* والخذ بمحصلتها لدى إعمال الرأي‪.‬‬
‫وتمتد قيمة الشورى على سائر ضروب النشاط النساني‪ ،‬ومنها في السيرة‬
‫النبوية الشورى في النهوض بأمانة الجهاد التي هي من أكبر مسؤوليات‬
‫المجتمع والدولة في الفقه السلمي‪.‬‬
‫ومما ينبغي أن يعلم لُيحتذى وُيتأسى به أمر الشورى في الهدي النبوي في‬
‫ة وإعداًدا وتدريًبا ومواجهة‪ ،‬وما يترتب‬‫مجال الجهاد في سبيل الله تعالى ني ً‬
‫على ذلك‪.‬‬
‫ة وتفصيل ً كيف كان رسول‬ ‫والناظر في المفردات ل يخطئه أن يرى فيها جمل ً‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يلتزم الشورى ابتداًء وانتهاًء‪ ،‬وقد ساق أحد‬
‫الفقهاء العسكريين نماذج وافرة لهذه الغزوات وما دار أثناءها من شورى‬
‫نبوية مع أصحابه ومنها أنه صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫• شاور في غزوة بدر المهاجرين والنصار من أجل ضمان مشاركة النصار‬
‫في القتال وذلك قبل نشوب القتال في مسيرة القتراب‪.‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫• وشاور الحباب بن المنذر في مقر المعسكر وأخذ برأيه‪.‬‬


‫• وشاور الصاحبين بشأن السرى‪ ،‬وذلك بعد انتهاء الغزوة‪.‬‬
‫• وشاور في غزوة أحد فكان رأي أكثر المسلمين خاصة الشباب الخروج إلى‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أحد ل البقاء في المدينة لصدهم عنها‪.‬‬


‫• وفي حمراء السد أشار الصاحبان بالخروج إليها فأخذ برأيهما‪.‬‬
‫• وشاور سلمان الفارسي وأخذ برأيه في حفر الخندق‪.‬‬
‫• وفي أثناء القتال شاور سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ومسعوًدا وأخذ‬
‫برأيهم في عدم إعطاء ثمار المدينة غطفان‪.‬‬
‫• وفي الحديبية قبل التحرك إليها من المدينة أشار بعضهم بالتسلح الكامل‬
‫بأسلحة الراكب وأحرم المسلمون لثبات نيتهم السليمة‪.‬‬
‫عا عن عن النفس‬ ‫• وفي غسان أشار ذوو الرأي من المسلمين بالقتال دفا ً‬
‫وأخذ بمشورتهم‪.‬‬
‫مر بعض ذوي الرأي من المفاوضات أخذ برأي أكثريتهم ممن أقروا‬ ‫• ولما تذ ّ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم في نياته السليمة‪.‬‬
‫• وفي خيبر أخذ بشورى الحباب بن المنذر أثناء القتال بتبديل معسكر‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫ضا قطع النخل ثم أشار أبو بكر بالتوقف عن‬ ‫• ثم كان من شورى الحباب أي ً‬
‫قطع النخل فعمل بمشورته‪.‬‬
‫• وفي غزوة حنين بعد نهاية الغزوة شاور في التنازل عن السبي وابتدأ‬
‫بنفسه واقتدى به أهل السبق أما المسلمون من حديثي العهد )فإنه مع‬
‫رضاهم( عوضهم بما ارضاهم‪.‬‬
‫• وفي غزوة الطائف أشار الحباب بن المنذر باختيار مكان أكثر أمًنا من‬
‫المعسكر الول فأخذ برأيه‪.‬‬
‫• وفي أثناء القتال أشار سلمان بنصب المنجنيق ورمي حصن الطائف به‬
‫فأخذ بمشورته‪.‬‬
‫• ولما حرص بعض المسلمين على الستمرار في القتال وافقهم على ما‬
‫أرادوا حتى رأوا أن ينسحبوا مستبشرين‪.‬‬
‫• وفي غزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرة لما وصلوها شاور في‬
‫التقدم شمال ً فأشار عمر بعدم التقدم فوافقه‪.‬‬
‫• وفي العودة منها أذن للمجاهدين أن ينحروا ركابهم ليطعموا منها فأشار‬
‫عمر بجمع ما عند المجاهدين كلهم من أرزاق وتوزيعها فأقر مشورته‪.‬‬
‫‪2‬ـ الشورى في المسائل الجتهادية‪:‬‬
‫تعد الفتوى والجتهاد الشرعي والفقهي باًبا من أبواب الشورى‪ ،‬وبخاصة‬
‫الجتهاد الجماعي‪ ،‬وقد ذكر أبو داود في سننه أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم لما أراد أن يبعث معاًذا إلى اليمن قال‪ :‬كيف تقضي إذا عرض لك‬
‫قضاء؟‬
‫قال‪ :‬أقضي بكتاب الله‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإن لم تجد في كتاب الله؟‬
‫قال‪ :‬فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإن لم تجد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ول في كتاب‬
‫الله؟‬
‫قال‪ :‬أجتهد رأيي ول آلو‪.‬‬
‫فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال‪ :‬الحمد لله الذي وفق‬
‫رسول رسول الله لما يرضي رسول الله)‪.(46‬‬
‫قا على هذا الحديث‪) :‬فهذا حديث وإن كان من غير‬ ‫قال ابن القيم معل ً‬
‫مسمين فهم أصحاب معاذ فل يضر ذلك‪ ،‬لنه يدل على شهرة الحديث وأن‬
‫الذي حدث به الحارث بن عمر عن جماعة من أصحاب معاذ ل واحد منهم‪،‬‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهذا أبلغ في الشهرة من أن يكون عن واحد منهم ولو سمي‪ ،‬كيف وشهرة‬
‫أصحاب معاذ بالعلم والدين والفضل والصدق بالمحل الذي ل يخفى ول يعرف‬
‫في أصحابه من هو كذاب ول مجروح‪ ،‬بل أصحابه من أفاضل المسلمين‬
‫وخيارهم ول يشك أهل العلم بالنقل في ذلك(‪.‬‬
‫ن أصحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم ورضي‬ ‫ويقول المام الجويني‪) :‬إ ّ‬
‫عنهم استقصوا النظر في الواقع والفتاوى والقضية فكانوا يعرضونها على‬
‫قا راجعوا سنن المصطفى صلى الله‬ ‫كتاب الله تعالى فإن لم يجدوا فيها متعل ً‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فإن لم يجدوا فيها شفاء اشتوروا واجتهدوا‪ .‬وعلى ذلك درجوا‬
‫ن بسنتهم من بعدهم()‪.(47‬‬ ‫م است ّ‬
‫في تمادي دهرهم إلى انقضاء عصرهم ث ّ‬
‫ويقول ابن قيم الجوزية‪) :‬عن ابن اسحق بن راهويه عن سفيان بن عيينة‪:‬‬
‫اجتهاد الرأي هو مشاورة أهل العلم‪ ،‬ل أن يقول هو برأيه()‪.(48‬‬
‫ن تداول الرأي فيها بين أهل العلم‬‫ثم إن كل مسألة خاضعة للجتهاد فإ ّ‬
‫والخبرة يعد من قبيل الشورى‪ ،‬وهل الشورى إل ممارسة الجتهاد‬
‫الجماعي؟‪.‬‬
‫وفي المسائل الفقهية والحكام الشرعية إّنما ُيسأل أهل العلم بالنصوص‬
‫الشرعية والفقه فيها‪.‬‬
‫وفي موطأ المام مالك عن ميراث الجدة أنها جاءت إلى أبي بكر الصديق‬
‫تسأله ميراثها‪ ،‬فقال لها أبو بكر‪ :‬ما لك في كتاب الله شيء وما علمت لك‬
‫في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيًئا فارجعي حتى اسأل الناس‪.‬‬
‫فسأل الناس‪ ،‬فقال المغيرة ابن شعبة حضرت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم أعطاها السدس‪ .‬فقال أبو بكر‪ :‬هل معك غيرك؟ فقام محمد بن‬
‫مسلمة النصاري فقال مثل ما قال المغيرة فأنفذه لها أبو بكر الصديق)‪.(49‬‬
‫الجتهاد الجماعي‪:‬‬
‫وفي ذلك قام الجتهاد في الفقه السلمي على مشاورة أهل البصر والفقه‬
‫في الدين من لدن عهد الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان في‬
‫الجيال المتصلة وهكذا كان الئمة فيما بينهم وفيما بين كل إمام وتلميذه‪ ،‬بل‬
‫إن ظهور المذاهب الفقهية كان مجال ً رحًبا للمشاورة العلمية ومناقشة الدلة‬
‫وتقعيد القواعد الفقهية‪.‬‬

‫)‪(18 /‬‬

‫]‪ [1‬وكانت الئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم يستشيرون المناء من أهل‬
‫العلم في المور المباحة ليأخذوا بأسهلها‪ ،‬فإذا وضح الكتاب أو السنة لم‬
‫يتعدوه إلى غيره اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ورأى أبو بكر قتال من‬
‫منع الزكاة‪ ،‬فقال عمر‪ :‬كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪) :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا‪ :‬ل إله إل الله فإذا قالوا‪ :‬ل‬
‫إله إل الله؛ عصموا مني دماءهم ‪,‬أموالهم إل بحقها وحسابهم على الله؟‬
‫فقال أبو بكر‪ :‬والله لقاتلن من فرق بين ما جمع رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ثم تابعه بعد عمر فلم يلتفت أبو بكر إلى مشورة‪ ،‬إذ كان عنده حكم‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذين فرقوا بين الصلة والزكاة وأرادوا‬
‫تبديل الدين وأحكامه وقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪) :‬من بدل دينه‬
‫فاقتلوه()‪.(50‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫]‪ [2‬وكان القراء أصحاب مشورة عمر كهول كانوا أو شباًبا‪ ،‬وكان وقافا عند‬
‫كتاب الله عز وجل‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال ابن خويز منداد‪ :‬واجب على الولة مشاورة العلماء فيما ل يعلمون‪ ،‬وما‬
‫أشكل عليهم من أمور الدين‪ ،‬ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب‪ ،‬ووجوه‬
‫الناس فيما يتعلق بالمصالح‪ ،‬ووجوه الكتاب والوزراء والعمال فيما يتعلق‬
‫بمصالح البلد وعمارتها‪ .‬وكان يقال ما ندم من استشار‪ .‬وكان يقال‪ :‬من‬
‫أعجب برأيه ضل‪.‬‬
‫ويقول الستاذ‪ /‬مصطفى الزرقاء‪) :‬وهذه الشورى هي الطريقة التي كان يلجأ‬
‫إليها الفقهاء الراشدون في المشكلت العلمية والسياسية كلما مر بهم أمر(‪.‬‬
‫ويمضي في تأصيل ذلك فيقول‪) :‬ول ريب أن هذا الرأي العلمي الذي يصدر‬
‫عن الشورى المجتمعة والتمحيص والتحقيق المشترك يكون أضمن للصواب‬
‫والمصلحة من الراء الفقهية الفردية‪ .‬وقد أخذ الجتهاد المالكي بمبدأ هذه‬
‫الشورى العلمية بين علماء كل زمن في تعديل الحكام الفقهية عندما يتبدل‬
‫فيها عرف الناس ومقاصدهم العلمية(‪.‬‬
‫ثم يدعو الشيخ إلى استمرار هذا الجتهاد الجماعي فيقول‪) :‬وهذا هو اجتهاد‬
‫الجماعة الذي نرى أنه ل يسوغ انقطاعه()‪.(51‬‬
‫ومن هنا كان الجتهاد الجماعي‪ ،‬والختيارات الفقهية من أهل الختصاص في‬
‫استخراج الحكام من مصادرها الشرعية مع بصر واسع بمعارف عصرهم‪،‬‬
‫وأهل عصرنا اليوم وهم يواجهون مشكلت جديدة في طريق العودة إلى الله‬
‫تعالى وتجديد أمر الدين يحتاجون إلى مجامع علمية لتحقيق الجتهاد‬
‫الجماعي‪ ،‬ووصل ما أمر الله به أن يوصل في شؤون الحياة كلها طاعة‬
‫وعبادة في الصول والمناهج والشئون الدستورية والقانونية‪ ،‬والمجتمع‬
‫والثقافة‪ ،‬والمالية والقتصادية والعلوم التطبيقية‪ ،‬وذلك من أجل أن يكون‬
‫الدين كله لله على هدي كتاب الله تعالى ومنهاج النبوة‪.‬‬
‫ويمكن أن يجري تنسيق وتنظيم لهذه الممارسة الجماعية بالجتهاد‪ ،‬في‬
‫مجامع أو مجالس لها اختصاصاتها وفق المناشط العامة للدولة والمجتمع‪.‬‬
‫وقد صار تنظيم الجتهاد الجماعي في عصرنا هذا ضرورًيا‪ ،‬وذلك بتأسيس‬
‫مجالس ومجامع فقهية للشورى وتبادل الرأي والنظر في المسائل والقضايا‬
‫المستحدثة رجاء تحقيق الجتهاد الجماعي‪.‬‬
‫الشورى عند الخلفاء الراشدين‬
‫أما المرجعية الثالثة لمشروعية الشورى‪ ،‬بعد المر القرآني‪ ،‬والتوجيه النبوي‪،‬‬
‫فهي سنة من سنن الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم في إتباعهم لكتاب‬
‫الله وسنة نبيه‪ ،‬عليه أفضل الصلة وأتم التسليم‪.‬‬
‫وهذه هي وجوه من سنتهم في إتباع المر بالمعروف‪:‬‬
‫• قال البخاري‪ ...) :‬وكانت الئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم يستشيرون‬
‫المناء من أهل العلم في المور المباحة ليأخذوا بأسهلها فإذا وضح الكتاب أو‬
‫السنة لم يتعدوه إلى غيره إقتداًء بالنبي صلى الله عليه وسلم ()‪.(52‬‬
‫ن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان إذا نزل به أمر يريد فيه‬ ‫• عن القاسم أ ّ‬
‫ً‬
‫مشورة أهل الرأي وأهل الفقه‪ ،‬دعا رجال من المهاجرين والنصار‪ ،‬ودعا‬
‫عمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وعلّيا‪ ،‬وعبد الرحمن بن عوف‪ ،‬ومعاذ بن جبل‪ ،‬وُأبي بن كعب‪،‬‬
‫وزيد بن ثابت رضي الله عنه فمضى أبو بكر على ذلك‪ ،‬وولى عمر فكان‬
‫يدعو هؤلء النفر‪ ،‬وكانت الفتوى تصير وهو خليفة إلى عثمان وزيد)‪.(53‬‬

‫)‪(19 /‬‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫• عن ابن عمر رضي الله عنهما قال‪) :‬لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫اشرأب النفاق بالمدينة‪ ،‬وارتد ّ العرب وارتدت العجم وأبرقت وتواعدوا نهاوند‬
‫وقالوا‪ :‬قد مات هذا الرجل الذي كانت العرب تنصر به‪ ،‬فجمع أبو بكر رضي‬
‫ن العرب قد جمعوا شاتهم وبعيرهم‬ ‫الله عنه المهاجرين والنصار وقال‪ :‬إ ّ‬
‫ن هذه العجم قد تواعدوا نهاوند ليجمعوا لقتالكم‪،‬‬ ‫ورجعوا عن دينهم‪ ،‬وإ ّ‬
‫ي‪ ،‬فما أنا‬ ‫ن هذا الرجل الذي كنتم تنصرون به قد مات‪ ،‬فأشيروا عل ّ‬ ‫وزعموا أ ّ‬
‫م تكلم عمر‬‫ّ‬ ‫ل‪ ،‬ث ّ‬ ‫إل رجل منكم وإني أثقلكم حمل ً لهذه البلية‪ ،‬فأطرقوا طوي ً‬
‫بن الخطاب رضي الله عنه فقال‪ :‬أرى – والله – يا خليفة رسول الله أن تقبل‬
‫من العرب الصلة وتدع لهم الزكاة‪ ،‬فإنهم حديثو عهد بجاهلية لم يعهدهم‬
‫ما أن يعّز الله السلم لنقوى‬ ‫ما أن يردهم الله تعالى إلى خير‪ ،‬وإ ّ‬ ‫السلم‪ ،‬فإ ّ‬
‫على قتالهم‪ ،‬فما لبقية المهاجرين والنصار يدان للعرب والعجم قاطبة‪،‬‬
‫فالتفت إلى عثمان رضي الله عنه فقال مثل ذلك؛ وقال علي رضي الله عنه‬
‫مثل ذلك؛ وتابعهم المهاجرون‪ ،‬ثم التفت إلى النصار فتابعوهم‪ ،‬فلما رأي‬
‫ن الله بعث‬ ‫ذلك صعد المنبر‪ ،‬فحمد الله وأثنى عليه ثم قال‪ :‬أما بعد! فإ ّ‬
‫ل شريد والسلم غريب طريد‪ ،‬قد رث‬ ‫دا صلى الله عليه وسلم والحق ق ّ‬ ‫محم ً‬
‫حبله‪ ،‬وقل أهله‪ ،‬فجمعهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وجعلهم المة الباقية‬
‫الوسطى‪ ،‬والله! ل أبرح أقوم بأمر الله وأجاهد في سبيل الله حتى ينجز الله‬
‫دا في الجنة‪ ،‬ويبقى من بقي منا‬ ‫لنا ويفي لنا بعهده‪ ،‬فيقتل من قتل منا شهي ً‬
‫خليفة الله في أرضه ووارث عباده الحق؛ فإن الله تعالى قال وليس لقوله‬
‫َ‬
‫ض‬
‫فن ُّهم في الْر ِ‬ ‫خل ِ َ‬ ‫ت ل َي َ ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫حا ِ‬
‫صال َِ‬‫مُلوا ال ّ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م وَعَ ِ‬ ‫مُنوا ِ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ه ال ْ ِ‬
‫عد الل ُ‬ ‫خلف‪) :‬وَ َ‬
‫ن قَب ْل ِِهم()‪ ،(54‬والله! لو منعوني عقال ً مما كنوا يعطون‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ف ال ِ‬‫خل َ‬‫َ‬ ‫ست َ ْ‬
‫ما ا ْ‬ ‫كَ َ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل معهم الشجر والمدر والجن‬
‫والنس لجاهدتهم حتى تلحق روحي بالله؛ إن الله لم يفّرق بين الصلة‬
‫والزكاة ثم جمعهما؛ فكّبر عمر وقال‪ :‬والله قد علمت حين عزم أبو بكر على‬
‫قتالهم أّنه الحق)‪ .(55‬وفي هذا المثل جمع الخليفة الراشد أهل العلم من‬
‫عا‬
‫مستشاريه وعمل على إقناعهم بما ساق من الدلة فتركوا رأيهم اقتنا ً‬
‫ما رأوا أنه الحق‪.‬‬ ‫عا ل ّ‬ ‫واتبا ً‬
‫• عن أشهب إن عثمان كان إذا جلس أحضر أربعة من الصحابة ثم‬
‫استشارهم فإذا رأوا ما رآه أمضاه)‪.(56‬‬
‫وهكذا سار الخلفاء الراشدون سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في ممارسة‬
‫الشورى وفي الحض عليها والعمل بها‪.‬‬
‫الشورى في فقه الحكام السلطانية والسياسة الشرعية‬
‫وهي الشورى في الشئون السياسية‪ ،‬بد ًْء باختيار الحاكم وبيعته وانتهاًء إلى‬
‫ممارسته هو وأعوانه لمبدأ الشورى‪ .‬وفيما يلي وجوه الممارسة الشورية في‬
‫الشورى في فقه الحكام السلطانية والسياسة الشرعية‪.‬‬
‫]أ[ واختلف أهل التأويل في المعني الذي أمر الله نبيه عليه السلم أن يشاور‬
‫فيه أصحابه‪ ،‬فقالت طائفة‪ :‬ذلك في مكائد الحروب‪ ،‬وعند لقاء العدو‪ ،‬وتطييًبا‬
‫فا على دينهم‪ ،‬وأن الله تعالى قد أغناه عن‬ ‫لنفوسهم‪ ،‬ورفًعا لقدارهم‪ ،‬وتألي ً‬
‫رأيهم بوحيه‪ .‬وروى هذا عن قتادة والربيع وابن إسحاق والشافعي‪ .‬قال‬
‫مُر()‪ (57‬تطييًبا لقلبها‪ ،‬لنه واجب‪ .‬فأمر‬ ‫الشافعي‪ :‬هو كفوله‪) :‬والِبكُر ُتسَتا َ‬
‫الله تعالى نبيه عليه السلم أن يشاورهم في المر‪ ،‬فإن ذلك أعطف لهم‬
‫وأهب لضغانهم‪ ،‬وأطيب لنفوسهم فإذا شاورهم عرفوا إكرامه لهم‪.‬‬
‫]ب[ وقال آخرون‪ :‬ذلك فيما لم يأته من وحي‪ .‬وروى ذلك عن الحسن‬
‫البصري والضحاك قال‪ :‬ما أمر الله تعالى نبيه بالمشاورة لحاجة منه إلى‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رأيهم وإنما أراد أن يعلمهم ما في المشاورة من الفضل‪ ،‬ولتقتدي به أمته‬


‫من بعده‪.‬‬
‫ولقد أحسن القائل‪:‬‬
‫شاور صديقك في الحفي المشكل واقبل نصيحة ناصح متفضل‬
‫فالله قد أوصى بذلك نبيه في قوله شاورهم وتوكل‬
‫]ج[ وقال العلماء في صفة المستشار‪" :‬وصفة المستشار إن كان في‬
‫ل ما يكون ذلك إل في عاقل"‪ .‬قال الحسن‪:‬‬ ‫ما دينا‪ .‬وق ّ‬
‫الحكام أن يكون عال ً‬
‫ئ ما لم يكمل عقله"‪ .‬فإذا استشير من هذه صفته واجتهد‬ ‫"ما كمل دين امر ٍ‬
‫في الصلح وبذل جهده فوقعت الشارة خطأ فل غرامة عليه‪ ،‬قاله الخطابي‬
‫وغيره‪ .‬قال سفيان الثوري‪ :‬ليكن أهل مشورتك أهل التقوى والمانة‪ ،‬ومن‬
‫يخشى الله تعالى‪.‬‬
‫ً‬
‫]د[ وصفة المستشار في أمور الدنيا أن يكون عاقل مجرًبا وّدا لدى‬
‫المستشير‪.‬‬
‫وإن باب أمر عليك التوى فشاور لبيًبا ول تعصه‬
‫وعندهم المستشار‪ :‬العليم الذي يؤخذ برأيه في أمر هام علمي‪ ،‬أو فني‪ ،‬أو‬
‫سياسي‪ ،‬أو قضائي أو نحوه)‪.(58‬‬
‫والشورى بركة وهي مظنة الوصول إلى وجه الحق‪ .‬وقال عليه السلم‪) :‬ما‬
‫ندم من استشار ول خاب من استخار()‪.(59‬‬
‫وروى سهل بن سعد الساعدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪) :‬ما‬
‫شقي قط عبد بمشورة وما سعد باستغناء رأي(‪.‬‬

‫)‪(20 /‬‬

‫جا للخلفة‪ ،‬وقد جعل عمر بن الخطاب رضي الله‬ ‫ولجلل الشورى جعلت منه ً‬
‫عنه الخلفة – وهي أعظم النوازل – شورى‪ .‬قال البخاري‪ ..) :‬وكانت الئمة‬
‫بعد النبي صلى الله عليه وسلم يستشيرون المناء من أهل العلم في المور‬
‫المباحة ليأخذوا بأسهلها فإذا وضح الكتاب أو السنة لم يتعدوه إلى غيره‬
‫اقتداًء بالنبي صلى الله عليه وسلم ()‪.(60‬‬
‫]هـ[ وقال الحسن‪ :‬والله ما تشاور قوم بينهم إل هداهم لفضل ما يحضرهم‪.‬‬
‫]و[ والشورى مؤدية للعزم في المور وإمضائها‪ .‬والشورى مبنية على اختلف‬
‫الراء‪ ،‬والمستشير ينظر في تلك الراء‪ ،‬وينظر أقربها قول ً إلى الكتاب‬
‫والسنة إن أمكنه‪ ،‬فإذا أرشده الله تعالى إلى ما شاء منه عزم عليه وأنفذه‬
‫متوكل ً عليه‪ ،‬إذ هذه غاية الجتهاد المطلوب‪ ،‬وبهذا أمر الله تعالى نبيه عليه‬
‫السلم إذا عزم على أمر أن يمضي فيه ويتوكل على الله‪ ،‬ل على مشاورتهم‪.‬‬
‫ما‪ ،‬إل‬
‫والعزم هو المر المروى المنقح‪ .‬وليس ركوب الرأي دون روية عز ً‬
‫على مقطع المشيحين من فتاك العرب‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫م ألقى بين عينيه عزمه ونكب عن ذكر العواقب جانبا‬ ‫إذا ه ّ‬
‫ولم يستشر في رأيه غير نفسه ولم يرض إل قائم السيف صاحبا‬
‫ن الشورى في الحكام السلطانية‪ ،‬تبدأ بالبيعة وتستمر في إدارة‬ ‫وهكذا فإ ّ‬
‫شؤون الدولة‪ ،‬وفي الرقابة والمحاسبة على أداء الحكام ‪ ..‬فهي ل تزال‬
‫دا‪ ،‬غير أنها تجري ممارستها بأحكامها وآدابها‪.‬‬
‫السياسة الشرعية أب ً‬
‫‪----------‬‬
‫)‪ (1‬سنن أبي داود برقم ‪ ،806‬كتاب الصلة‪ ،‬باب الشارة في الصلة‪.‬‬
‫)‪ (2‬الراغب الصفهاني‪ :‬المفردات في غريب القرآن‪272 ،‬‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (3‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ :‬مادة شور‪ ،‬والفيروز آبادي‪ :‬القاموس‬
‫المحيط‪ :‬مادة شورة‪ ،‬وبصائر ذوي التمييز ‪ 3/260‬وما بعدها‬
‫)‪ (4‬ابن فارس‪ :‬معجم مقاييس اللغة ‪3/266‬ـ ‪.267‬‬
‫)‪ (5‬د‪ .‬محمد سعيد رمضان البوطي‪ :‬الشورى في السلم ‪ ،‬المجمع الملكي‬
‫لبحوث الحضارة السلمية‪ ،‬عمان ‪1989‬م‪2/483 ،‬‬
‫)‪ (6‬سورة آل عمران‪ ،‬الية )‪.(159‬‬
‫)‪ (7‬المام النووي في شرح صحيح مسلم ‪.4/76‬‬
‫)‪ (8‬راجع فتح الباري كتاب المغازي حديث رقم ‪3952‬‬
‫)‪ (9‬سورة الشورى‪ ،‬الية )‪.(38‬‬
‫)‪ (10‬انظر‪ :‬الجصاص‪ :‬أحكام القرآن‪.‬‬
‫)‪ (11‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪.9/67 ،‬‬
‫)‪ (12‬الدارمي ‪ ،2/173‬وقال في مجمع الزوائد ‪" :6/112‬رواه أحمد ورجاله‬
‫رجال الصحيح"‪ ،‬وانظر‪ :‬البيهقي في السنن الكبرى‪.7/40 ،‬‬
‫)‪ (13‬البيهقي في السنن الكبرى ‪.7/40 ،‬‬
‫)‪ (14‬أخرجه البخاري في الشروط برقم ‪.2529‬‬
‫)‪ (15‬سورة الشورى‪ ،‬الية )‪.(38‬‬
‫)‪ (16‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير ‪.9/67‬‬
‫)‪ (17‬سورة آل عمران‪ :‬الية )‪(159‬‬
‫)‪ (18‬انظر‪ :‬القاسمي‪ :‬محاسن التأويل‪.4/276 ،‬‬
‫)‪ (19‬سورة الملك‪ :‬الية )‪.(14‬‬
‫)‪ (20‬سورة التوبة‪ :‬الية )‪.(128‬‬
‫)‪ (21‬سورة النبياء‪ :‬الية )‪.(107‬‬
‫)‪ (22‬سورة التوبة‪ :‬الية )‪.(128‬‬
‫)‪ (23‬أخرجه الدارمي في سننه برقم ‪ ،15‬في المقدمة‪ ،‬باب كيف كان أول‬
‫شأن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫)‪ (24‬ابن عاشور‪ :‬المصدر نفسه ‪.145 ،3/144‬‬
‫)‪ (25‬سورة آل عمران‪ :‬الية )‪.(165‬‬
‫)‪ (26‬أخرجه المام أحمد في مسند النصار برقم ‪.23460‬‬
‫)‪ (27‬أخرجه الترمزي في سننه برقم ‪ ،1636‬كتاب الجهاد‪ ،‬باب ما جاء في‬
‫المشورة‪.‬‬
‫)‪ (28‬انظر‪ :‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪.‬‬
‫)‪ (29‬أخرجه البيهقي في شعب اليمان بسند صحيح ‪ ..‬اللوسي‪ :‬روح‬
‫المعاني ‪.4/94‬‬
‫)‪ (30‬انظر‪ :‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪.‬‬
‫)‪ (31‬المحرر الوجيز لبن عطية‪ ،‬تفسير آية‪) :‬وشاورهم في المر( آل‬
‫عمران‪.(159) :‬‬
‫)‪ (32‬سورة آل عمران‪ :‬الية )‪.(159‬‬
‫)‪ (33‬أخرجه الترمزي في سننه برقم ‪ ،1636‬كتاب الجهاد‪ ،‬باب ما جاء في‬
‫المشورة‪.‬‬
‫)‪ (34‬ابن تيمية‪ :‬السياسة الشرعية‪.126 ،‬‬
‫)‪ (35‬أخرجه البخاري في كتاب العتصام بالكتاب والسنة‪ ،‬باب قوله تعالى‪:‬‬
‫)وأمرهم شورى بينهم( الشورى‪.(38) :‬‬
‫)‪ (36‬أخرجه البخاري برقم ‪ ،569‬كتاب الذان‪ ،‬باب بدء الذان‪ ،‬وأحمد في‬
‫المسند‪ ،‬وانظر‪ :‬الفتح الرباني‪.2/13 ،‬‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (37‬أخرجه البخاري برقم ‪ ،2529‬كتاب الشروط باب شروط الجهاد‬


‫والمصالحة مع أهل الحرب وكتاب الشروط‪.2/82 ،‬‬
‫)‪ (38‬أخرجه المام أحمد في مسند الكوفيين برقم ‪.18152‬‬
‫)‪ (39‬انظر‪ :‬الحكام‪.1/340 :‬‬
‫)‪ (40‬محمد سعيد رمضان البوطي‪ :‬خصائص الشورى في السلم‪.2/481 ،‬‬
‫)‪ (41‬سورة المائدة‪ :‬الية )‪.(2‬‬
‫)‪ (42‬سورة العصر‪ :‬اليات )‪.(3-1‬‬
‫)‪ (43‬سورة هود‪ :‬اليات )‪.(119-118‬‬
‫)‪ (44‬انظر‪ :‬د‪ .‬توفيق الشاوي‪ :‬فقه الشورى والستشارة‪ ،‬دار الوفاء للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع‪،‬الطبعة الثانية‪1994 ،‬م‪.315 – 303 ،‬‬
‫)‪ (45‬د‪ .‬توفيق الشاوي‪ ،‬الشورى والستشارة‪.116 ،‬‬
‫)‪ (46‬أخرجه أبو داود في القضية‪ ،‬برقم ‪.3119‬‬
‫)‪ (47‬المام الجويني‪ :‬القياثي‪ ،‬غياث المم في التباث الظلم‪ ،‬تحقيق د‪ .‬عبد‬
‫العظيم‪ ،‬ط قطر ‪1400‬هـ‪ ،‬الشؤون الدينية‪ ،‬الفقرة رقم ‪ 463‬صفحة ‪.431‬‬
‫)‪ (48‬أعلم الموقعين‪ :‬ابن قيم الجوزية‪.1/73 ،‬‬
‫)‪ (49‬موطأ المام مالك في الفرائض‪ ،‬برقم ‪.953‬‬
‫)‪ (50‬أخرجه البخاري في صحيحه برقم ‪ ،6411‬كتاب استتابة المرتدين‬
‫والمعاندين وقتالهم‪ ،‬باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم‪.‬‬

‫)‪(21 /‬‬

‫)‪ (51‬مصطفى الزرقاء‪ :‬المدخل الفقهي العام‪.194 – 1/192 ،‬‬


‫)‪ (52‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب العتصام بالكتاب والسنة‪ ،‬باب قول الله تعالى‪:‬‬
‫)وأمرهم شورى بينهم( الشورى‪.(38) :‬‬
‫)‪ (53‬أخرجه ابن سعد‪ :‬الطبقات الكبرى‪.2/350 ،‬‬
‫)‪ (54‬سورة النور‪ ،‬الية )‪.(55‬‬
‫)‪ (55‬كنز العمال‪.3/142 ،‬‬
‫)‪ (56‬حاشية الدسوقي‪ :‬على الدرديري‪.4/123 ،‬‬
‫)‪ (57‬طرف حديث أخرجه مسلم في النكاح رقم ‪.2546‬‬
‫)‪ (58‬المعجم الوسيط‪ :‬مادة شور‪.‬‬
‫)‪ (59‬ابن كثير‪ :‬البداية والنهاية‪ .1/443 ،‬ورواه السيوطي في "الجامع‬
‫الصغير" باب ما‪ ،‬بصيغة أخرى‪ ،‬عن الطبراني في "الوسط" بالصيغة التية‬
‫تحت رقم ‪) :7895‬ما خاب من استخار‪ ،‬ول ندم من استشار‪ ،‬ول عال من‬
‫اقتصد(‪ .‬انظر‪ :‬الجامع الصغير‪.5/442 :‬‬
‫)‪ (60‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب العتصام بالكتاب والسنة‪ ،‬باب قول الله تعالى‬
‫)وأمرهم شورى بينهم( الشورى‪ :‬الية )‪.(38‬‬

‫)‪(22 /‬‬

‫محاضرة ‪ :‬يا سامعا لكل شكوى‬


‫فضيلة الشيخ ‪ :‬إبراهيم الدوّيش‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫ن علينا فهدانا وأطعمنا وسقانا وكل بلء‬
‫الحمد لله الذي ُيطعم ول يطعم‪ ،‬م ّ‬
‫حسن أبلنا‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحمد لله الذي أطعم من الطعام‪ ،‬وسقى من الشراب‪ ،‬وكسا من العري‪،‬‬


‫صر من العمى‪ ،‬وفضل على كثير ممن خلق تفضيل‪.‬‬ ‫وهدى من الضللة‪ ،‬وب ّ‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬اللهم صلي وسلم وبارك على نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫أما بعد أيها الحبة في الله السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬
‫يا سامعا لكل شكوى‪.‬‬
‫يا خالق الكوان أنت المرتجى‪ ......‬وإليك وحدك ترتقي صلواتي‬
‫يا خالقي ماذا أقول وأنت تعلمني وتعلم حاجتي وشكاتي‬
‫يا خالقي ماذا أقول وأنت‪ ...........‬مطلع على شكواي والناتي‬
‫اللهم يا موضع كل شكوى‪ ،‬ويا سمع كل نجوى‪ ،‬ويا شاهد كل بلوى‪ ،‬يا عالم‬
‫كل خفية‪ ،‬و يا كاشف كل بلية‪ ،‬يا من يملك حوائج السائلين‪ ،‬ويعلم ضمائر‬
‫الصامتين ندعوك دعاء من أشدت فاقته‪ ،‬وضعفت قوته‪ ،‬وقلت حيلته دعاء‬
‫الغرباء المضطرين الذين ل يجدون لكشف ما هم فيه إل أنت‪.‬‬
‫يا أرحم الراحمين أكشف ما بنا وبالمسلمين من ضعف وفتور وذل وهوان‪.‬‬
‫يا سامعا لكل شكوى أعن المساكين والمستضعفين وأرحم النساء الثكالى‬
‫والطفال اليتامى وذي الشيبة الكبير‪ ،‬إنك على كل شيء قدير‪.‬‬
‫معاشر الخوة والخوات‪:‬‬
‫إن في تقلب الدهر عجائب‪ ،‬وفي تغير الحوال مواعظ‪ ،‬توالت العقبات‪،‬‬
‫وتكاثرت النكبات‪ ،‬وطغت الماديات على كثير من الخلق فتنكروا لربهم‬
‫ووهنت صلتهم به‪.‬‬
‫اعتمدوا على السباب المادية البحتة‪ ،‬فسادة موجات القلق والضطراب‪،‬‬
‫والضعف والهوان‪ ،‬وعم الهلع والخوف من المستقبل‪ ،‬خافوا على المستقبل‪،‬‬
‫تخلوا عن ربهم فتخلى الله عنهم‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫د(‪.‬‬ ‫مي ُ‬ ‫ح ِ‬‫ي ال َ‬ ‫ه هُوَ الغَن ِ ّ‬‫قَراُء إ َِلى اللهِ َوالل ُ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ف َ‬‫م ال ْ ُ‬‫س أن ْت ُ ُ‬ ‫) َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫جميعُ الخلق مفتقرون إلى الله‪ ،‬مفتقرون إلى الله في كل شؤوِنهم‬
‫س‪،‬‬
‫س بالنا ِ‬ ‫ل كبيرةٍ وصغيره‪ ،‬وفي هذا العصُر تعلقَ النا ُ‬ ‫وأحواِلهم‪ ،‬وفي ك ِ‬
‫ن بالناس في ما يقدرون عليه‪،‬‬ ‫س أن ُيستعا ُ‬ ‫س إلى الناس‪ ،‬ول بئ َ‬ ‫وشكا النا ُ‬
‫مد ُ عليهم‪ ،‬والسؤال إليهم‪ ،‬والتعلقُ بهم فهذا هو الهلكُ‬ ‫معت َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫لكن أن يكو َ‬
‫َ‬
‫ي وكل إليه‪.‬‬ ‫بعينه‪ ،‬فإن من تعلق بش ٍ‬
‫ن‬
‫َ‬ ‫العو‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫الل‬ ‫نسأل‬ ‫أن‬ ‫أما‬ ‫وصلف‪،‬‬ ‫وعجب‬ ‫ٍ‬ ‫ر‬ ‫غرو‬ ‫بكل‬ ‫سنا وذكاِئنا‬ ‫نعتمد ُ على أنف ِ‬
‫ل الشياء‪،‬‬ ‫ص على دوام الصلة باللهِ في ك ِ‬ ‫ح عليه بالدعاء‪ ،‬ونحرِ ِ‬ ‫والتوفيق‪ ،‬ونل َ‬
‫وفي الشدةِ والرخاء‪ ،‬فهذا أخُر ما يفكُر به بعض الناس‪.‬‬
‫ر‬
‫ت إلى عبادك بالفقي ِ‬ ‫ت بابك يا إلهي‪.........‬ولس ُ‬ ‫فقيرا ً جئ ُ‬
‫ر‬
‫ل الكبي ِ‬ ‫ن قلبي‪...........‬وأطمعُ منك في لفض ِ‬ ‫م بيقي ِ‬ ‫غنيا ً عنه ُ‬
‫ر‬
‫ب قدي ِ‬ ‫ن من ر ٍ‬ ‫ت سواك عونا‪......‬فحسبي العو ُ‬ ‫الهي ما سأل ُ‬
‫ب غفوِر‬ ‫ت سواك عفوا‪.....‬فحسبي العفوُ من ر ٍ‬ ‫الهي ما سأل ُ‬
‫ر‬
‫ب بصي ِ‬ ‫ت سواك هديا‪.....‬فحسبي الهديُ من ر ٍ‬ ‫الهي ما سأل ُ‬
‫ر‬
‫ي سواك ومن مجي ِ‬ ‫إذا لم أستعن بك يا الهي‪......‬فمن عون ِ‬
‫ب وهم‪ ،‬هو السبي ُ‬
‫ل‬ ‫ل وفي كل كر ٍ‬ ‫ل حا ٍ‬ ‫إن الفرار إلى الله‪ ،‬واللجوء إليه في ك ِ‬
‫ص من ضعفنا وفتورنا وذلنا و هواننا‪.‬‬ ‫للتخل َ‬
‫م تضيقُ بها النفوس‪،‬‬ ‫ً‬
‫ب ورزايا‪ ،‬ومحنا وبليا‪ ،‬آل ُ‬ ‫إن في هذه الدنيا مصائ َ‬
‫ن باكيةٍ ؟‬ ‫ف والجزع‪ ،‬كم في الدنيا من عي ٍ‬ ‫ت تورث الخو َ‬ ‫ومزعجا ُ‬
‫وكم فيها من قلب حزين؟‬
‫عهم تسيل ؟‬ ‫ُ‬ ‫ودمو‬ ‫تشتعل‪،‬‬ ‫بهم‬ ‫ُ‬ ‫قلو‬ ‫والمعدومين‪،‬‬ ‫وكم فيها من الضعفاِء‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة وسقما‪.‬‬ ‫ك عل ً‬ ‫هذا يش ُ‬
‫ة وفقرا‪.‬‬ ‫وذاك حاج ً‬
‫وآخر هما ً وقلقا‪.‬‬
‫ح مرض‪ ،‬رجل يتبرم من زوجه وولده‪ ،‬وآخُر‬ ‫ي افتقر‪ ،‬وصحي ٌ‬ ‫عزيٌز قد ذل‪ ،‬وغن ٌ‬
‫ن من ظلم ِ سيده‪.‬‬ ‫ك ويئ ُ‬ ‫يش ُ‬
‫ث كسدة وبارت تجارته‪ ،‬شاب أو فتاة يبحث عن عروس‪ ،‬وطالب يشكو‬ ‫وثال ٌ‬
‫كثرة المتحانات والدروس‪.‬‬
‫ف‬
‫ي بالدمان والتدخين‪ ،‬ورابعُ أصابه الخو ُ‬ ‫هذا مسحور وذاك مدين ‪،‬وأخر ابتل َ‬
‫ة الشياطين‪.‬‬ ‫ووسوس ُ‬
‫ك وتبكي‪ ،‬وتجمعُ وتشتت‪ ،‬شدةُ ورخاُء وسراٌء وضراُء‪.‬‬ ‫تلك هي الدنيا‪ ،‬تضح ُ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫هل‬‫م َوالل ُ‬‫ما آَتاك ْ‬
‫حوا ب ِ َ‬‫فَر ُ‬
‫م َول ت َ ْ‬‫ما َفات َك ْ‬
‫وا عَلى َ‬ ‫س ْ‬
‫وصدق الله العظيم‪) :‬ل ِكْيل ت َأ َ‬
‫خوٍر(‪.‬‬ ‫ل فَ ُ‬‫خَتا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫ب كُ ّ‬‫ح ّ‬
‫يُ ِ‬
‫أيها الخوة‪ ،‬السؤال الذي يجب أن يكون‪ ،‬هؤلء إلى من يشكون‪ ،‬و أيدَيهم‬
‫إلى من يمدون؟‬
‫ُ‬
‫يجيبك واقعُ الحال على بشرٍ مثلهم يترددون‪ ،‬وللعبيد ِ يتملقون‪ ،‬يسألون‬
‫ويلحون وفي المديح والثناء يتقلبون‪ ،‬وربما على السحرة والكهنة يتهافتون‪.‬‬
‫ت‬‫ت المساكين‪ ،‬وصرخا ُ‬ ‫نعم والله تألمنا شكاوي المستضعفين‪ ،‬وزفرا ُ‬
‫ت المظلومين‪،‬‬ ‫عيَننا ‪ -‬يعلم الله‪ -‬لهات المتوجعين‪ ،‬وأنا ُ‬ ‫المنكوبين‪ ،‬وتدمعُ أ ُ‬
‫ده المشتكى ؟‬ ‫وانكسارِ الملذوعين‪ ،‬لكن أليس إلى اللهِ وح َ‬
‫ن بالله ؟‬ ‫ة و اليقي ُ‬ ‫ل على الله ؟ أين الثق ُ‬ ‫أين اليمان بالله ؟ أين التوك ُ‬
‫م‬
‫ة فأصبر لها‪.......‬صبُر الكريم ِ فإنه بك أرح ُ‬ ‫وإذا عرتك بلي ًُ‬
‫م‬
‫م إلى الذي ل يرح ُ‬ ‫ن أدم إنما‪.....‬تشكو الرحي َ‬ ‫ت إلى اب ِ‬ ‫وإذا شكو َ‬
‫ألم نسمع عن أناس كانوا يشكون إلى الله حتى انقطاع سير نعلهم‪ ،‬نعم حتى‬
‫سير النعل كانوا يسألونه الله‪ ،‬بل كانوا يسألون الله حتى الملح‪.‬‬
‫ب الحاجات‪.‬‬ ‫يا أصحا َ‬
‫أيها المرضى‪.‬‬
‫أيها المدينون‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أيها المكروب والمظلوم‪.‬‬


‫معسُر والمهموم‪.‬‬ ‫أيها ال ُ‬
‫أيها الفقيُر والمحروم‪.‬‬
‫يا من يبحث عن السعادة الزوجية‪.‬‬
‫يا من يشكو العقم ويبحث عن الذرية‪.‬‬
‫يا من يريد التوفيق بالدراسة والوظيفة‪.‬‬
‫يا من يهتم لمر المسلمين‪.‬‬
‫ض بما رحبت‪.‬‬ ‫ل محتاج‪ ،‬يا من ضاقت عليه الر ُ‬ ‫يا ك ُ‬
‫م (‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب لك ْ‬ ‫ج ْ‬
‫ست َ ِ‬
‫عوِني أ ْ‬‫لماذا ل نشكوُ إلى اللهِ أمرنا وهو القائل‪) :‬اد ْ ُ‬
‫ُ‬
‫ب د َعْوَةَ‬ ‫جي ُ‬
‫بأ ِ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ف الضراعة إلى الله وهو القائل‪ ) :‬فَإ ِّني قَ ِ‬ ‫لماذا ل نرفعُ أك َ‬
‫ن (‪.‬‬ ‫داِع إ َِذا د َ َ‬
‫عا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ل ما يعبأ ُ‬
‫ة العتماد ِ على الله‪ ،‬وهو القائل‪ ) :‬قُ ْ َ َ ْ َ‬ ‫ف الصلةِ بالله‪ ،‬وقل ُ‬ ‫ضع ُ‬ ‫لماذا ُ‬
‫م (‪ .‬لول دعاؤكم‪.‬‬ ‫ُ‬
‫عاؤُك ْ‬‫ول د ُ َ‬ ‫َ‬
‫م َرّبي ل ْ‬ ‫ب ِك ُ ْ‬
‫ن قول‬ ‫ب الحاجات‪ ،‬ألم نقرأ في القرآ ِ‬ ‫أيها المؤمنون‪ ،‬أيها المسلمون يا أصحا َ‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫عو َ‬ ‫ضّر ُ‬ ‫م ي َت َ َ‬ ‫ضّراِء( لماذا ؟ ) ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ساِء َوال ّ‬ ‫م ِبال ْب َأ َ‬ ‫خذ َْناهُ ْ‬ ‫الحق عز وجل‪ ) :‬فَأ َ‬
‫فأين نحن من الشكوى لله‪ ،‬أين نحن من اللحاح والتضرِع الله؟‬
‫سبحان الله‪ ،‬ألسنا بحاجةٍ إلى ربنا؟‬
‫أنعتمد ُ على قوتنا وحوِلنا‪ ،‬والله ثم واللهِ ل حول لنا ول قوة َ إل بالله‪.‬‬
‫ف للبلوى إل الله‪ ،‬ل توفيق ول فلح ول‬ ‫واللهِ ل شفاء إل بيد الله‪ ،‬ول كاش َ‬
‫سعادةَ ول نجاح إل من الله‪.‬‬
‫ف بهذا بل‬ ‫م ذلك‪ ،‬ويعتر ُ‬ ‫ل مسلم ٍ يعل ُ‬ ‫ب والغريب أيها الخوة ُ أن ك َ‬ ‫العجي ُ‬
‫ب بالضعفاُء العاجزين ؟‬ ‫م على هذا‪ ،‬فلماذا إذا تتعلقُ القلو ُ‬ ‫ً‬ ‫ويقس ُ‬
‫س ونلجأ للمخلوقين ؟‬ ‫َ‬
‫ولماذا نشكو إلى النا ِ‬
‫سل الله ربك ما عنده‪ .........‬ول تسأل الناس ما عندهم‬
‫ول تبتغي من سواه الغنى‪ .....‬وكن عبده ل تكن عبدهم‬
‫فمن يا إذا ُبليت سلك أحبابك‪ ،‬وهجرك أصحابك‪.‬‬
‫يا من نزلت بها نازلة‪ ،‬أو حلت به كارثة‪.‬‬
‫ح‬
‫يا من بليت بمصيبةٍ أو بلٍء‪ ،‬ارفع يديك إلى السماء وأكثر الدمعَ والبكاء‪ ،‬وأل َ‬
‫على اللهِ بالدعاء وقل‪:‬‬
‫ل شكوى‪.‬‬ ‫يا سامعا ً لك ِ‬
‫إذا استعنت فأستعن بالله‪ ،‬وإذا سألت فأسأل الله‪ ،‬وقل يا سامعا ً لكل‬
‫شكوى‪.‬‬
‫ق أنك عبده واسجد لله بخشوع‪ ،‬وردد‬ ‫توكل على الله وحده‪ ،‬وأعلن بصد ٍ‬
‫ت مسموع‪:‬‬ ‫بصو ٍ‬
‫ل شكوى‪.‬‬ ‫ً‬
‫يا سامعا لك ِ‬
‫ة شملت‪........‬وأنت ملجأ من ضاقت بهِ الحي ُ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫أنت الملذ ُ إذا ما أزم ٌ‬
‫ل‬‫ه وأنت الذخُر والم ُ‬ ‫ة‪.......‬أنت الل ُ‬ ‫ل حادث ِ ٍ‬ ‫ت المنادى به في ك ِ‬ ‫أن َ‬
‫ل لمن ضلت بهِ السب ُ‬
‫ل‬ ‫ه‪......‬أنت الدلي ُ‬ ‫سدت مذاهب ُ‬ ‫أنت الرجاُء لمن ُ‬
‫ف ومبته ُ‬
‫ل‬ ‫ل ملهو ُ‬ ‫َ‬
‫ة‪.........‬عليك والك ُ‬ ‫إنا قصدناك والمال واقع ٌ‬
‫س إلى الله‪ ،‬نزل بهم البلء‬ ‫ب النا َ‬ ‫ل‪ ،‬وهم خيُر الخلق‪ ،‬وأح ُ‬ ‫إن النبياء والرس َ‬
‫واشتد َ بهم الكرب‪ ،‬فماذا فعلوا وإلى من لجئوا‪.‬‬
‫ض‬
‫ب الر ِ‬ ‫أخي الحبيب‪ ،‬أختصُر لك الجابة‪ ،‬إنه التضرع ُ والدعاء‪ ،‬والفتقاُر لر ِ‬
‫ن الصلةِ بالله‪.‬‬ ‫حس ُ‬ ‫ة لله و ُ‬ ‫والسماء‪ ،‬إنها الشكاي ُ‬
‫ح عليه السلم يشكو أمَره إلى الله ويلجأ ُ لموله‪:‬‬ ‫هذا نو ٌ‬
‫َ‬
‫ب‬‫ن ال ْك َْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫جي َْناه ُ وَأهْل َ ُ‬‫ن * وَن َ ّ‬ ‫جيُبو َ‬ ‫م ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ح فَل َن ِعْ َ‬ ‫قد ْ َناَداَنا ُنو ٌ‬ ‫قال تعالى‪) :‬وَل َ َ‬
‫م(‪.‬‬ ‫ظي ِ‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫ة من الرحمن الرحيم‪.‬‬ ‫ت الجاب ُ‬ ‫ت المناجاة‪ ،‬فكان ِ‬ ‫ت المناداة‪ ،‬كان ِ‬ ‫كان ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ب‬ ‫ن الك َْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫جي َْناه ُ وَأهْل ُ‬ ‫ه فَن َ ّ‬ ‫جب َْنا ل ُ‬ ‫ست َ َ‬‫ل َفا ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وقال تعالى‪ ) :‬وَُنوحا إ ِذ ْ َناَدى ِ‬
‫م(‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ظي‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫َ‬ ‫عا رب َ‬
‫ماِء‬
‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫وا َ‬ ‫حَنا أب ْ َ‬ ‫صْر * فَ َ‬
‫فت َ ْ‬ ‫ب َفان ْت َ ِ‬ ‫مغُْلو ٌ‬ ‫ه أّني َ‬ ‫وقال عز من قائل‪) :‬فَد َ َ َ ّ ُ‬
‫ر(‪.‬‬‫م ٍ‬
‫من ْهَ ِ‬ ‫ماٍء ُ‬ ‫بِ َ‬
‫س‬
‫ة عشر عاما حتى أن النا ُ‬ ‫ً‬ ‫ض ثماني َ‬ ‫ه بالمر ِ‬ ‫ب عليه السلم‪ ،‬ابتلهُ الل ُ‬ ‫هذا أيو ُ‬
‫ن من إخوانهِ يزورانه‪ ،‬لكنه‬ ‫ل المدة‪ ،‬فلم يبقى معه إل رجل ِ‬ ‫ملوا زيارته لطو ِ‬
‫صاِبرا ً‬ ‫جد َْناه ُ َ‬ ‫لم ييئس عليه السلم‪ ،‬بل صبَر واحتسب‪ ،‬وأثنى الله عليه‪ ) :‬إ ِّنا وَ َ‬
‫ب إلى ربه‪ ،‬ظل على صلِته برِبه‬ ‫ن ِعم ال ْعبد إن َ‬
‫ب(‪ ،‬أواب أي رجاع ٌ مني ٌ‬ ‫ه أّوا ٌ‬ ‫ْ َ َ ْ ُ ِّ ُ‬
‫ضاهُ بما قسم الله له‪ ،‬توجه إلى ربه بالشكوى ليرفع عنه الضراء‬ ‫ُ‬ ‫وثقِته به‪ ،‬ور ِ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ح ُ‬ ‫ت أْر َ‬ ‫ضّر وَأن ْ َ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫سن ِ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ه أّني َ‬ ‫ب إ ِذ َناَدى َرب ّ ُ‬ ‫والبلوى قال تعالى‪):‬وَأّيو َ‬
‫ت النتيجة ؟‬ ‫ن(‪ .‬فماذا كان َ‬ ‫مي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫الّرا ِ‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جب َْنا ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫ست َ َ‬‫ل‪َ) :‬فا ْ‬ ‫ن الرحيم قا َ‬ ‫م البصيُر بعباده‪ ،‬الرحم ُ‬ ‫قال الحقُ عز وجل ‪ ،‬العلي ُ‬
‫ْ‬
‫عن ْدَِنا وَذِكَرى‬ ‫ن ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فَك َ َ‬
‫م ْ‬‫ة ِ‬ ‫م ً‬‫ح َ‬
‫م َر ْ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مثلهُ ْ‬ ‫ه وَ ِ‬ ‫ضّر َوآت َي َْناه ُ أهْل ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ب ِهِ ِ‬ ‫فَنا َ‬ ‫ش ْ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫دي َ‬ ‫ل ِل َْعاب ِ ِ‬
‫س عليه السلم‪ ،‬رفع الشكاية لله فلم ينادي ولم يناجي إل الله قال‬ ‫هذا يون ُ‬
‫تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫نل‬ ‫تأ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫قدَِر عَل َي ْهِ فََناَدى ِفي الظ ّل ُ َ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ضبا ً فَظ َ ّ‬ ‫مَغا ِ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن إ ِذ ْ ذ َهَ َ‬ ‫) وََذا الّنو ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ت النتيجة ؟‬ ‫ن(‪ .‬فماذا كان َ‬ ‫مي َ‬ ‫ن الظال ِ ِ‬ ‫م َ‬‫ت ِ‬ ‫ك إ ِّني ك ُن ْ ُ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬
‫ت ُ‬ ‫ه إ ِّل أن ْ َ‬ ‫إ ِل َ َ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫جي ال ْ ُ‬ ‫ك ن ُن ْ ِ‬ ‫م وَك َذ َل ِ َ‬ ‫ن ال ْغَ ّ‬ ‫م َ‬ ‫جي َْناه ُ ِ‬‫ه وَن َ ّ‬‫جب َْنا ل َ ُ‬ ‫ست َ َ‬‫)َفا ْ‬
‫بل‬ ‫ه َر ّ‬ ‫وزكريا عليه السلم قال الحق عز وجل عنه‪) :‬وََزك َرِّيا إ ِذ ْ َناَدى َرب ّ ُ‬
‫َ‬
‫ن(‪ .‬ماذا كانت النتيجة ؟‬ ‫وارِِثي َ‬ ‫خي ُْر ال ْ َ‬
‫ت َ‬ ‫ت َذ َْرِني فَْردا ً وَأن ْ َ‬

‫)‪(2 /‬‬
‫َ‬
‫ن ِفي‬ ‫عو َ‬ ‫سارِ ُ‬ ‫كاُنوا ي ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه إ ِن ّهُ ْ‬‫ج ُ‬ ‫ه َزوْ َ‬ ‫حَنا ل َ ُ‬ ‫صل َ ْ‬ ‫حَيى وَأ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ه وَوَهَب َْنا ل َ ُ‬ ‫جب َْنا ل َ ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫)َفا ْ‬
‫ن(‪ .‬الذين يشكون العقم وقلة‬ ‫شِعي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫َ‬
‫هبا وَكاُنوا لَنا َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫عون ََنا َرغبا وََر َ‬ ‫ت وَي َد ْ ُ‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫الولد‪.‬‬
‫إذا لماذا استجاب الله دعاه؟‬
‫لنهم كانوا يسارعون في الخيرات‪ ،‬وكانوا ل يملون الدعاء‪ ،‬بل كان القلب‬
‫ن(‪.‬‬‫شِعي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫كاُنوا ل ََنا َ‬ ‫متصل متعلق بالله‪ ،‬لذلك قال الله عنهم‪) :‬وَ َ‬
‫خاشعين متذللين‪ ،‬معترفين بالتقصير‪ ،‬فالشكاية تخرج من القلب قبل‬
‫اللسان‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫حْزِني إ َِلى الل ّهِ وَأعْل َ ُ‬ ‫كو ب َّثي وَ ُ‬ ‫ش ُ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫ب عليه السلم قال‪َ) :‬قا َ‬ ‫يعقو ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ن(‪ ،‬انظروا لليقين‪ ،‬انظروا للمعرفة برب العالمين‪) :‬وَأعْل ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ما ل ت َعْل ُ‬ ‫الل ّهِ َ‬
‫ف وأخاه‪.‬‬ ‫ه دعاَئه وشكواه ورد َ عليه يوس َ‬ ‫ن(‪ ،‬فاستجاب الل ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ما ل ت َعْل َ ُ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫وهذا يوسف عليه السلم ابتله الله بكيد النساء‪ ،‬فلجأ إلى الله‪ ،‬وشكى إليه‬
‫ودعاه فقال‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن(‪ ،‬إنه التضرع‬ ‫جاهِِلي َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ُ‬
‫ن وَأك ْ‬ ‫ب إ ِلي ْهِ ّ‬ ‫ص ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ‬
‫ف عَّني كي ْد َهُ ّ‬ ‫صرِ ْ‬ ‫) وَإ ِّل ت َ ْ‬
‫والدعاء‪ ،‬والفتقار لرب الرض والسماء‪ ،‬إنها الشكاية لله‪ ،‬وحسن الصلة‬
‫بالله‪.‬‬
‫م(‪.‬‬ ‫ْ‬
‫ميعُ العَِلي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ه هُوَ ال ّ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫ه كي ْد َهُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ف عَن ْ ُ‬ ‫صَر َ‬ ‫هف َ‬ ‫َ‬ ‫ه َرب ّ ُ‬ ‫بل ُ‬ ‫َ‬ ‫جا َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫)َفا ْ‬
‫وأخبر الله عن نبينا محمد )صلى الله عليه وآله وسلم( وأصحابه فقال تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫)إذ ْ تستِغيُثون ربك ُم َفاستجاب ل َك ُ َ‬
‫ن(‪.‬‬‫مْردِِفي َ‬ ‫ملئ ِك َةِ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ب ِأل ْ ٍ‬ ‫مد ّك ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م أّني ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ َ َ‬ ‫َ َ ّ ْ‬ ‫ِ َ ْ َ‬
‫استغاثة لجاءة إلى الله‪ ،‬شكوى وصلة بالله سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ل جميعًا‪ ،‬كما قصها علينا القرآن‬ ‫ض حياةَ الرس ِ‬ ‫وهكذا أيها الحبةِ حينما نستعر ُ‬
‫الكريم‪ ،‬نرى أن البتلء والمتحان كان مادُتها ومُائها‪ ،‬وأن الصبَر وحس ُ‬
‫ن‬
‫مها‪.‬‬ ‫الصلةِ بالله ودوام اللتجاِء وكثرة ُ الدعاِء وحلوة الشكوى كان قوَ ُ‬
‫وما أشرنا إليه إنما هي نماذج من الستجابة للدعاء‪ ،‬ومن في كتب السير‬
‫ة‬
‫والتفاسير وقف على شدةِ البلء الذي أصاب النبياء‪ ،‬وعلم أن الستجاب َ‬
‫جاءت بعد إلحاٍح ودعاء‪ ،‬واستغاثةٍ ونداء‪.‬‬
‫ل واعتمد على‬ ‫ن واضحات‪ ،‬تقول بل وتعلن أن من توك َ‬ ‫ت بينات وبراهي ُ‬ ‫إنها آيا ُ‬
‫الله‪ ،‬وأحسن الصلة بموله استجاب الله دعاه‪ ،‬وحفظه ورعاه‪ ،‬فإن لم يكن‬
‫َ‬ ‫خي ٌْر وَأ َب ْ َ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫قُلو َ‬ ‫قى أَفل ت َعْ ِ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ذلك في الدنيا كان في الخرة‪ ) :‬وَ َ‬
‫ة للبشرية‪ ،‬لتسجل أن ل اعتماد إل‬ ‫ت من البتلء والصبر معروض ٌ‬ ‫أنها صفحا ٌ‬
‫ف للبلوى إل الله‪.‬‬ ‫ج للهم ِ ول كاش َ‬ ‫على الله‪ ،‬وان ل فار َ‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ح بالدعاء‪ ،‬لن الشكوى‬ ‫هذا هو طريق الستعلء أن تنظَر إلى السماء‪ ،‬وأن نل ُ‬
‫ن شديد‪.‬‬ ‫إلى الله تشعرك بالقوةِ والسعادة‪ ،‬وأنك تأوي إلى رك ٍ‬
‫أما الشكوى إلى الناس‪ ،‬والنظرِ إلى ما في أيدي الناس فيشعرك بالضعف‬
‫والذل والهانةِ والتبعية‪.‬‬
‫يا أهل التوحيد‪ ،‬أليس هذا أصل من أصول التوحيد ؟‬
‫ب بخالقها في وقت الشدةِ والرخاء‬ ‫إن من أصول التوحيد أن تتعلق القلو ُ‬
‫ل وزمان‪.‬‬ ‫ض والصحة‪ ،‬وفي كل حا ٍ‬ ‫ف والمن‪ ،‬والمر ِ‬ ‫والخو ِ‬
‫ق القلوب بالمخلوقين‪ ،‬وبالسباب وحدها دون اللجأ‬ ‫م من تعل ِ‬ ‫وما نراه اليو َ‬
‫إلى الله‪ ،‬لهو نذيُر خطرٍ يزعزع ُ عقيدةِ التوحيد ِ في النفوس‪.‬‬
‫أيها الحبة‪ :‬إن الشكوى لله‪ ،‬والتضرع َ إلى الله‪ ،‬وإظهاَر الحاجة إليه‪،‬‬
‫ن ذلك‬ ‫ت التوحيد‪ ،‬وبرها ُ‬ ‫ن وثواب ِ‬ ‫ولعتراف بالفتقار إليه من أعظم ِ عرى اليما ِ‬
‫ل حال‪.‬‬ ‫ن بالله في ك ِ‬ ‫ة واليقي ُ‬
‫الدعاء واللحاح بالسؤال‪ ،‬والثق ُ‬
‫م على صلةٍ بربه‪،‬‬ ‫ل المسل َ‬ ‫ب السنةِ بأنواٍع من الدعاِء تجع ُ‬ ‫ولقد زخرت كت ُ‬
‫وفي حرزٍ من عدوه‪ ،‬يقضي أمره ويكفي همه‪.‬‬
‫ً‬
‫ل مناسبةٍ دعا‪ ،‬في اليقظةِ والمنام‪ ،‬والحركة والسكون‪ ،‬قياما وقعودا‪،‬‬ ‫في ك ِ‬
‫ٌ‬
‫وعلى الجنوب‪ ،‬ابتهال وتضرع ٌ في كل ما أهم العبد‪ ،‬وهل إلى غيرِ الله مفر‪،‬‬
‫أم هل إلى غيره ملذ‪.‬‬
‫ففي المرض مثل الحاديث كثيرة‪ ،‬والدعية مستفيضة‪ ،‬إليك على سبيل‬
‫المثال ما أحرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها‪:‬‬
‫أن رسول الله )صلى الله عليه وآله وسلم( كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه‬
‫المعوذات‪ ،‬وينفث‪ ،‬فلما أشتد وجعه كنت اقرأ عليه وأمسح عليه رجاء بركتها‪.‬‬
‫وأخرج البخاري ومسلم أيضا من حديث عائشة قالت‪:‬‬
‫كان رسول الله )صلى الله عليه وآله وسلم( إذا اشتكى منا إنسان مسحه‬
‫بيمينه ثم قال‪ :‬أذهب البأس رب الناس‪ ،‬وأشفي أنت الشافي ل شفاء إل‬
‫شفائك‪ ،‬شفاء ل يغادر سقما‪ ،‬أي ل يترك سقما‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم عن عثمان أبن أبي العاص رضي الله تعالى عنه‪:‬‬
‫أنه شكى إلى رسول الله )صلى الله عليه وآله وسلم( وجعا يجده في جسده‬
‫منذ أسلم‪ ،‬فقال له )صلى الله عليه وآله وسلم(‪ :‬ضع يدك على الذي تألم‬
‫من جسدك‪.‬‬
‫انظروا لرسول الله )صلى الله عليه وآله وسلم(‪ ،‬قدوتنا وحبيبنا يربي الناس‪،‬‬
‫ويربي أصحابه على العتماد واللجاءة إلى الله‪ ،‬ضع يدك‪ ،‬الرشاد أول لله‪،‬‬
‫التعلق أول بالله‪ ،‬لم يرشده أول لطبيب حاذق ول بأس بهذا‪ ،‬لكن التعلق بالله‬
‫يأتي أول‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل بسم الله‪ ،‬بسم الله ثم يقول سبعا‬
‫أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر‪.‬‬
‫وفي رواية أمسحه بيمينك سبع مرات‪ ،‬وفي رواية قال عثمان فقلت ذلك‬
‫فأذهب الله ما كان بي‪ ،‬فلم أزل آمر بها أهلي وغيرهم‪.‬‬
‫سبحان الله‪ ،‬اسمعوا لحسن الصلة بالله‪ ،‬والتوكل على الله‪ ،‬فلم أزل آمر بها‬
‫أهلي وغيرهم‪.‬‬
‫أيها المريض‪ ،‬أعلم أن من أعظم أسباب الشفاء التداوي بالرقى الشرعية‬
‫من القرآن والدعية النبوية‪ ،‬ولها أثر عجيب في شفاء المريض وزوال علته‪،‬‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لكنها تريد قلبا صادقا وذل وخضوعا لله‪.‬‬


‫رددها أنت بلسانك‪ ،‬فرقيتك لنفسك أفضل وأنجح‪ ،‬فأنت المريض وأنت‬
‫صاحب الحاجة‪ ،‬وأنت المضطر‪ ،‬وليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة‪،‬‬
‫وما حك جلدك مثل ظفرك‪ ،‬فتوكل على الله بصدق وألح عليه بدون ملل‪،‬‬
‫وأظهر ضعفك وعجزك‪ ،‬وحالك وفقرك إليه‪ ،‬وستجد النتيجة العجيبة إن شاء‬
‫الله ثقة بالله‪.‬‬
‫فإلى كل مريض مهما كان مرضه أقول‪:‬‬
‫شفاك الله وعافاك‪ ،‬اعلم أن المراض من جملة ما يبتلي الله به عباده‪ ،‬والله‬
‫عز وجل ل يقضي شيئا إل وفيه الخير والرحمة لعباده‪ ،‬وربما كان مرضك‬
‫لحكمة خفيت عليك‪ ،‬أو خفيت على عقلك البشري الضعيف‪ ،‬وعسى أن‬
‫تكرهوا شيئا وهو خير لكم‪.‬‬
‫أيها الحبيب شفاك الله‪ ،‬هل علمت أن للمراض والسقام فوائد وحكم أشار‬
‫أبن القيم إلى أنه أحصاها فزادت على مائة فائدة )انظر كتاب شفاء العليل‬
‫في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل صفحة ‪.(525‬‬
‫أيها المسلم أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك وأن يعافيك‪،‬‬
‫هل سمعت قول رسول الله )صلى الله عليه وآله وسلم(‪ :‬ما من مسلم‬
‫يصيبه أذى من مرض فما سواه‪ ،‬إل حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة‬
‫ورقها‪.‬‬
‫وهل سمعت أنها )صلى الله عليه وآله وسلم(‪ :‬زار أم العلء وهي مريضة‬
‫فقال الله ابشري يا أم العلء فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما‬
‫تذهب النار خبث الذهب والفضة‪.‬‬
‫قال أبن عبد البر رحمه الله‪ :‬الذنوب تكفرها المصائب واللم‪ ،‬والمراض‬
‫والسقام‪ ،‬وهذا أمر مجتمع عليه‪.‬‬
‫والحاديث والثار في هذا مشهورة ليس هذا مقام بسطها‪ ،‬لكن المراد هنا‬
‫أننا نرى حال بعض الناس إذا مرض فهو يفعل كل السباب المادية من ذهاب‬
‫للطباء وأخذ للدواء وبذل للموال وسفر للقريب والبعيد‪ ،‬ول شك أن هذا‬
‫مشروع محمود‪ ،‬ولكن المر الغريب أن يطرق كل البواب وينسى باب‬
‫مسبب السباب‪ ،‬بل ربما لجأ للسحرة والمشعوذين‪ ،‬نعوذ بالله من حال‬
‫الشرك والمشركين‪.‬‬
‫ن(‪.‬‬ ‫في‬‫ش‬‫ْ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ض‬
‫َِ َ ِ ْ ُ ُ َ َ ِ ِ‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫إ‬‫و‬ ‫القرآن‪):‬‬ ‫في‬ ‫ألم يقرأ هذا وأمثاله‬
‫أيها المريض أعلم أن الشافي هو الله‪ ،‬ول شفاء إل شفائه‪.‬‬
‫أيها المريض‪ ،‬بل يا كل مصاب أيا كانت مصيبته‪ ،‬هل سألت نفسك لماذا‬
‫ابتلك الله بهذا المرض‪ ،‬أو بهذه المصيبة ؟ ربما لخير كثير ولحكم ل تعلمها‬
‫ولكن الله يعلمها‪،‬ألم يخطر ببالك أنه أصابك بهذا البلء ليسمع صوتك وأنت‬
‫تدعوه‪ ،‬ويرى فقرك وأنت ترجوه‪ ،‬فمن فوائد المصائب استخراج مكنون‬
‫عبودية الدعاء‪.‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬سبحان من استخرج الدعاء بالبلء‪.‬‬
‫وفي الثر أن الله ابتلى عبدا صالحا من عباده وقال لملئكته لسمع صوته‪.‬‬
‫يعني بالدعاء واللحاح‪.‬‬
‫أيها المريض‪ ،‬المرض يريك فقرك وحاجتك إلى الله‪ ،‬وأنه ل غنى لك عنه‬
‫طرفة عين‪ ،‬فيتعلق قلبك بالله‪ ،‬وتقبل عليه بعد أن كنت غافل عنه‪ ،‬وصدق‬
‫من قال‪:‬‬
‫فربما صحت الجسام بالعلل‪.‬‬
‫فأرفع يديك وأسل دمع عينيك‪ ،‬وأظهر فقرك وعجزك‪ ،‬واعترف بذلك‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وضعفك‪.‬‬
‫في رواية عن سعيد ابن عنبسة قال‪ :‬بينما رجل جالس وهو يعبث بالحصى‬
‫ويحذف به إذ رجعت حصاة منه عليه فصارت في أذنه‪ ،‬فجهدوا بكل حيلة فلم‬
‫يقدروا على إخراجها‪ ،‬فبقيت الحصاة في أذنه مدة وهي تألمه‪ ،‬فبينما هو ذات‬
‫ضط َّر إ َِذا د َ َ‬ ‫َ‬
‫سوَء‬
‫ف ال ّ‬
‫ش ُ‬‫عاه ُ وَي َك ْ ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫جي ُ‬
‫ن يُ ِ‬
‫م ْ‬‫يوم جالس إذ سمع قارئ يقرأ‪) :‬أ ّ‬
‫(‪.‬‬
‫فقال الرجل‪ :‬يا رب أنت المجيب وأنا المضطر فأكشف عني ما أنا فيه‪،‬‬
‫فنزلت الحصاة من أذنه في الحال‪.‬‬
‫ل تعجب‪ ،‬إن ربي لسميع الدعاء‪ ،‬إذا أراد شيئا قال له كن فيكون‪.‬‬
‫أيها المريض‪ ،‬إياك وسوء الظن بالله إن طال بك المرض‪ ،‬فتعتقد أن الله أراد‬
‫بك سوء‪ ،‬أو أنه ل يريد معافاتك‪ ،‬أو أنه ظالم لك‪ ،‬فإنك إن ظننت ذلك فإنك‬
‫على خطر عظيم‪.‬‬
‫أخرج المام أحمد بسند صحيح من حديث أبي هريرة أن رسول الله )صلى‬
‫الله عليه وآله وسلم( قال‪ :‬إن الله تعالى يقول أنا عند ظني عبد بي‪ ،‬إن ظن‬
‫خيرا فله‪ ،‬وإن ظن شرا فله‪.‬‬
‫يعني ما كان في ظنه فإني فاعله به‪ ،‬فأحسن الظن بالله تجد خيرا إن شاء‬
‫الله‪.‬‬
‫ل تجزعن إذا نالتك موجعة‪ ..............‬واضرع إلى الله يسرع نحوك الفرج‬
‫ثم استعن بجميل الصبر محتسبا‪ ............‬فصبح يسرك بعد العسر ينسلج‬
‫دلج‬ ‫فسوف يدلج عنك الهم مرتحل‪ ...........‬وإن أقام قليل سوف ي ّ‬
‫هذا في المرض‪ ،‬وأطلت فيه لكثرة المرضى‪ ،‬وحاجة الناس إلى مثل هذه‬
‫التوجيهات‪ ،‬وهي تحتاج إلى دروس ومحاضرات‪ ،‬ولكن حسبي ما ذكرته الن‬
‫لن الموضوع عام في المصائب واللم‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ومن المصائب واللم التي يحتاج الناس فيها إلى الشكوى إلى الله تراكم‬
‫الديون وكثرة المعسرين‪.‬‬
‫كم من مدين عجز عن الوفاء‪ ،‬وكم من معسر يعيش في شقاء‪ ،‬هم في‬
‫الليل وذل في النهار‪ ،‬أحزان وآلم ل يغمض في منام‪ ،‬ول يهنأ في طعام‪،‬‬
‫طريد للغرماء‪ ،‬أو مع السجناء‪ ،‬صبية صغار‪ ،‬وبيت للجار‪ ،‬وزوجة مسكينة ل‬
‫تدري أتطرق أبواب المحسنين أو تسلك طرق الفاسقين‪.‬‬
‫هذه رسالة مؤلمة من زوجة إلى زوجها في السجن بسبب الديون جاء فيها‪:‬‬
‫لم أتمتع معك في حياتنا الزوجية إل فترة من الزمن حتى غيبوك في غياهب‬
‫السجون‪ ،‬كم سنة غبت عني ل أدري ماذا فعل الله بك‪ ،‬ول أدري عنك أحي‬
‫فترجى أم ميت فتنعى‪ ،‬ليتك ترى حالي وحال أولدك‪ ،‬ليتك ترى حال‬
‫صغارك‪ ،‬لست أدري هل أخون أمانة الله وأمانتك وأطلب الرزق لهؤلء‬
‫بطرق محرمة وأنا في ذمتك وعهدك‪ ،‬أم أطلب الطلق ويضيع أولدك‪ ..‬إلى‬
‫أخر الرسالة من كتاب إلى الدائنين والمدينين‪.‬‬
‫وأقول أيها الحبة‪ ،‬تصوروا حال هذا الزوج كيف يكون وهو يقرأ هذه الكلمات‪،‬‬
‫ديون وسجون وهموم وأولد‪ ،‬ذل وخضوع للناس‪.‬‬
‫وأسمعوا لهذا الرجل وهو يشكو حاله ويقول‪ :‬أنا رجل سجين علي مبلغ من‬
‫المال‪ ،‬وصار لي في السجن أكثر من سنة ونصف‪ ،‬ول يقبل خصمي كفيل‪،‬‬
‫وأنا معسر وصاحب عائلة فهل يجوز سجني؟‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلى هؤلء وأمثالهم أقول‪ :‬لماذا طرقتم البواب كلها ونسيتم باب من يستحي‬
‫من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا خائبتين‪ .‬وسنده جيد‪.‬‬
‫قال السري السبطي‪ :‬كن مثل الصبي إذا اشتهى على أبويه شهوة فلم‬
‫يمكناه قعد يبكي عليهما‪ ،‬فكن أنت مثله إذا سألت ربك ولم يعطك‪ ،‬فأقعد‬
‫وأبكي عليه‪.‬‬
‫ولرب نازلة يضيق بها الفتى‪ ...............‬ذرعا وعند الله منها مخرج‬
‫كملت فلما استحكمت حلقاتها‪ ..........‬فرجت وكان يظنها ل تفرج‬
‫ومن الدعية في قضاء الدين ما أخرجه أبو داوود في سننه من حديث أبي‬
‫سعيد الخدري قال‪ :‬دخل النبي )صلى الله عليه وآله وسلم( المسجد ذات‬
‫يوم فرأى فيه رجل من النصار يقال له أبو أمامه‪ ،‬فقال له النبي )صلى الله‬
‫عليه وآله وسلم( إن أراك جالسا في المسجد في غير وقت صلة‪ ،‬قال هموم‬
‫لزمتني‪ ،‬وديون يا رسول الله‪ .‬قال )صلى الله عليه وآله وسلم( أفل أعلمك‬
‫كلما إذ قلته أذهب الله همك وقضى عنك دينك‪ ،‬قلت بلى يا رسول الله‪ ،‬قال‬
‫قل إذا أصبحت وإذا أمسيت‪ :‬اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن‪ ،‬وأعوذ بك‬
‫من العجز والكسل‪ ،‬وأعوذ بك من الجبن والبخل‪ ،‬وأعوذ بك من غلبة الدين‬
‫وقهر الرجال‪.‬‬
‫قال ففعلت ذلك فأذهب الله تعالى همي وغمي وقضى عني ديني‪.‬‬
‫يعلق القلوب بالله صلوات الله وسلمه عليه‪.‬‬
‫وروى البيهقي في فضائل العمال عن حماد ابن سلمة أن عاصما ابن أبي‬
‫إسحاق شيخ القراء في زمانه قال‪ :‬أصابتني خصاصة ‪-‬أ ي حاجة وفاقة ‪-‬‬
‫فجئت إلى بعض إخواني فأخبرته بأمري فرأيت في وجهه الكراهة‪ ،‬فخرجت‬
‫من منزله إلى الصحراء ثم وضعت وجهي على الرض وقلت يا مسبب‬
‫السباب‪ ،‬يا مفتح البواب‪ ،‬يا سمع الصوات‪ ،‬يا مجيب الدعوات‪ ،‬يا قاضي‬
‫الحاجات اكفني بحللك عن حرامك وأغنني بفضل عن من سواك‪ .‬يلح على‬
‫الله بهذا الدعاء‪.‬‬
‫قال فوالله ما رفعت رأسي حتى سمعت وقعت بقربي‪ ،‬فرفعت رأسي فإذا‬
‫بحدأة طرحت كيسا أحمر فأخذت الكيس فإذا فيه ثمانون دينارا وجوهرا‬
‫ملفوفا بقطنة‪ ،‬فبعت الجواهر بمال عظيم‪ ،‬وأبقيت الدنانير فاشتريت منها‬
‫عقارا وحمدت الله تعالى على ذلك‪.‬‬
‫ل نعجب أيها الخوة‪ ،‬إن ربي لسميع الدعاء‪ ،‬ومن يتوكل على الله فهو حسبه‪.‬‬
‫ومن الدعية عند الهم والقلق ما أخرجه أحمد في المسند من حديث عبد الله‬
‫ابن مسعود رضي الله عنهما قال‪ :‬قال رسول الله )صلى الله عليه وآله‬
‫وسلم( ما أصاب أحدا قط هم ول حزن فقال اللهم إني عبدك‪ ،‬ابن عبدك أبن‬
‫أمتك نصيتي بيدك‪ ،‬ماض في حكمك‪ ،‬عدل في قضائك‪ ،‬أسألك بكل اسم هو‬
‫لك سميت به نفسك‪ ،‬أو أنزلته في كتابك‪ ،‬أو علمته أحدا من خلقك‪ ،‬أو‬
‫استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري‬
‫وجلء حزني وذهاب همي‪ ،‬إل أذهب الله همه وحزن وأبدله مكانه فرجا‪ ،‬وفي‬
‫رواية فرحا‪ ،‬قال فقيل يا رسول الله أل نتعلمها‪ ،‬قال بلى ينبغي لمن سمعها‬
‫أن يتعلمها‪.‬‬
‫أيها الخوة‪ ،‬إن النسان منا ضعيف‪ ،‬ضعيف فكيف إذا اجتمعت عليه الهموم‬
‫والحزان‪ ،‬وشواغل الدنيا ومشاكلها فزادته ضعفا‪ ،‬وجعلته فريسة للهم‬
‫والقلق والتمزق النفسي‪.‬‬
‫انظروا للعيادات النفسية‪ ،‬وكثرت المراجعين لها‪ ،‬شباب وفتيات في أعمار‬
‫در الهموم‬ ‫الزهور‪ ،‬أين هؤلء من العتصام بالله‪ ،‬والتصال والشكوى للذي ق ّ‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والغموم وقضى بالمصائب والحزان‪.‬‬


‫يتصل به متذلل معترفا بذنبه طارقا بابه مستعينا به مستيقنا بأنه هو القادر‬
‫على كشفها دون سواه‪ ،‬وما سواه إل أسباب هو الذي يقدرها ويهيئها للعبد‪.‬‬
‫ضِعيفًا(‪.‬‬
‫ن َ‬ ‫خل ِقَ اْل ِن ْ َ‬
‫سا ُ‬ ‫إن الله تعالى يقول‪ ) :‬وَ ُ‬

‫)‪(5 /‬‬

‫قال أبن القيم في طريق الهجرتين‪ :‬فإن النسان ضعيف البنية‪ ،‬ضعيف‬
‫القوة‪ ،‬ضعيف الرادة ضعيف الصبر والفات إليه مع هذا الضعف أسرع من‬
‫السيل في صيب الحدور‪ ،‬فبالضطرار لبد له من حافظ معين يقويه ويعينه‬
‫وينصره ويساعده‪ ،‬فإن تخلى عنه هذا المعين فالهلك أقرب إليه من نفسه‪.‬‬
‫إذا فلنتعلم هذا الحديث كما أوصى )صلى الله عليه وآله وسلم( فإن فيه‬
‫خضوعا وخشوعا لله‪ ،‬فيه اعترافا بالعبودية والذل لله‪ ،‬فيه توسل واستغاثة‬
‫بجميع أسماء الله ما ُيغرف منها وما ل يعرف‪ ،‬ما كتب وما أخفى‪.‬‬
‫وأبشر أخي الحبيب فإن النبي )صلى الله عليه وآله وسلم( يقول‪ :‬ما يصيب‬
‫المسلم من نصب ول وصب ول هم ول حزن ول أذى ول غم‪ ،‬حتى الشوكة‬
‫يشاكها إل كفر الله بها من خطاياه‪.‬‬
‫يا صاحب الهم إن الهم منفرج‪ .........‬أبشر بخير فإن الفارج الله‬
‫إذا بليت فثق بالله وأرضى به‪ .........‬إن الذي يكشف البلوى هو الله‬
‫ومن الدعية عند النوازل والفتن والخوف ما أخرجه أبو داوود والنسائي عن‬
‫أبي موسى أن النبي )صلى الله عليه وآله وسلم( كان إذا خاف قوما قال‪:‬‬
‫اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم‪.‬‬
‫وكان يقول )صلى الله عليه وآله وسلم( عند لقاء العدو‪ :‬اللهم أنت عضدي‬
‫وأنت ناصري‪ ،‬بك أصول وبك أجول وبك أقاتل‪.‬‬
‫وفي صحيح البخاري من حديث ابن عباس قال‪) :‬حسبنا الله ونعم الوكيل(‬
‫قالها إبراهيم حين القي في النار‪ ،‬وقالها نبينا محمد )صلى الله عليه وآله‬
‫وسلم( حين قال له الناس إن الناس قد جمعوا لكم‪.‬‬
‫فإذا كان المحيي والمميت والرزاق هو الله‪ ،‬فلماذا التعلق بغير الله؟‬
‫لماذا الخوف من الناس و)صلى الله عليه وآله وسلم( يقول‪ :‬واعلم أن المة‬
‫لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إل بشيء كتبه الله عليك‪.‬‬
‫أيها المسلم‪ ،‬ل يمكن للقلب أبدا أن يسكن أو يرتاح أو يطمأن لغير الله‪،‬‬
‫َ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫مي َ‬‫ح ِ‬‫م الّرا ِ‬
‫ح ُ‬‫حاِفظا ً وَهُوَ أْر َ‬ ‫خي ٌْر َ‬
‫ه َ‬‫فاحفظ الله يحفظك وردد ‪َ ) :‬فالل ّ ُ‬
‫ي‬‫معِ َ‬ ‫ل ك َّل إ ِ ّ‬
‫ن َ‬ ‫رأى موسى عليه السلم البحر أمامه والعدو خلفه فقال‪َ) :‬قا َ‬
‫ن(‪ ،‬إنها العناية الربانية إذا ركن إليها العبد صادقا مخلصا‪.‬‬ ‫دي ِ‬
‫سي َهْ ِ‬
‫َرّبي َ‬
‫نبينا محمد )صلى الله عليه وآله وسلم( في الغار ويرى أقدام أعدائه على‬
‫معََنا (‪ ،‬والعجب من‬ ‫ه َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ن إِ ّ‬
‫حَز ْ‬
‫باب الغار‪ ،‬ويلتفت إلى صاحبه يقول‪ ) :‬ل ت َ ْ‬
‫ذلك أنه مطارد مشرد يبشر سراقة بأنه سوف يلبس سواري كسرى‪ ،‬هكذا‬
‫اليمان والعتصام بالله‪.‬‬
‫كان )صلى( إذا حزبه أمر فزع إلى الصلة‪ ،‬أي إذا نزل به أم أو أصابه غم لجأ‬
‫إلى الله‪ ،‬فزع إلى الصلة ليلجأ إلى الله‪ ،‬ويشكو إلى الله‪ ،‬ويناجي موله‪.‬‬
‫إنها الثقة بالله عند الشدائد‪ ،‬فهو يأوي إلى ركن شديد‪.‬‬
‫فيا من وقعت بشدة أرفع يديك إلى السماء‪ ،‬وألح على الله بالدعاء والله‬
‫يعصمك من الناس‪.‬‬
‫ي )صلى الله عليه وآله وسلم( قال لمعاذ‬ ‫ت مظلوما ً فأبشر فإن النب َ‬ ‫وإن كن َ‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب‪.‬‬ ‫حين بعثه إلى اليمن‪ :‬وأت ِ‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ ،‬قال رسول الله )صلى الله عليه وآله‬
‫وسلم(‪ :‬دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه‪.‬‬
‫أل قولوا لشخص قد تقوى‪............‬على ضعفي ولم يخشى رقيبه‬
‫خبأت له سهاما في الليالي‪ .............‬وأرجو أن تكون له مصيبة‬
‫أيها الخوة والخوات‪ ،‬إن من أعظم البليا وأشد الرزايا ما يصيب المسلمين‬
‫في كل مكان من غزو واجتياح وتعديات ومظالم وفقر وتجويع حتى أصاب‬
‫بعض النفوس الضعيفة اليأس والقنوط والحباط وفقدان الثقة والمل‪.‬‬
‫لماذا أيها الخوة ؟ أليس المر لله من قبل ومن بعد‪ ،‬أليس حسبنا الله وكفى‬
‫بالله حسيبا‪ ،‬أليس الله بقادر‪ ،‬أليس هو الناصر وكفى بالله نصيرا‪ ،‬أل يعلم‬
‫الله مكرهم‪ ،‬ألم يقل‪:‬‬
‫ن(‪.‬‬ ‫ري َ‬‫ماك ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫خي ُْر ال َ‬‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ه َوالل ُ‬ ‫مك ُُر الل ّ ُ‬ ‫ن وَي َ ْ‬ ‫مك ُُرو َ‬
‫) وَي َ ْ‬
‫د(‪.‬‬ ‫يٍء َ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه عَلى ك ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شِهي ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ف ب َِرب ّك أن ّ ُ‬ ‫م ي َك ِ‬ ‫أليس الله بكافي عبده‪) :‬أوَل ْ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫زئي َ‬
‫ست َهْ ِ‬ ‫م ْ‬‫ك ال ْ ُ‬ ‫ألم يقل‪) :‬إ ِّنا ك َ َ‬
‫في َْنا َ‬
‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬
‫م(‪.‬‬ ‫س ِ‬‫ه وَهُوَ ال ّ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫فيك َهُ ُ‬
‫سي َك ْ ِ‬ ‫ألم يقل‪) :‬فَ َ‬
‫معاشر الخوة اسمعوا وعوا‪ ،‬وأعلموا وأعلنوا‪ ،‬إن مصيبتنا ليست بقوة عدونا‪،‬‬
‫إنما هي بضعف صلتنا بربنا‪ ،‬وضعف ثقتنا وقلة اعتمادنا عليه‪ ،‬لنفتش في‬
‫أنفسنا عند وقوعنا في الشدائد والمحن‪ ،‬أين الضراعة والشكوى لله‪ ،‬أين‬
‫اللجاءة والمنجاة لله؟ ليس شيء أفضل عند الله من الدعاء لن فيه إظهار‬
‫الفقر والعجز‪ ،‬والتذلل والعتراف بقوة الله وقدرته وغناه‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫أيها المسلمون‪ ،‬نريد أن تعلم فن الدعاء والتذلل والخضوع والبكاء‪ ،‬لنعترف‬


‫بالفقر إليه‪ ،‬ولنظهر العجز والضعف بين يديه‪ ،‬أليس لنا في رسول الله قدوة‪،‬‬
‫ذب أشد التكذيب‪ ،‬أتهم بعرضه‬ ‫أليس لنا فيه أسوة‪ ،‬أوذي أشد الذى‪ ،‬وك ّ‬
‫وخدشت كرامته‪ ،‬وطرد من بلده‪ ،‬عاشا يتيما وافتقر‪ ،‬ومن شدةِ الجوع ربط‬
‫ل‬‫ن وشاعر‪ ،‬توضعُ العراقي ُ‬ ‫ب وساحر‪ ،‬ومجنو ُ‬ ‫على بطنه الحجر‪ ،‬قيل عنه كذا ُ‬
‫سه‪ ،‬وتكسُر رباعيُته‪ ،‬يقت ُ‬
‫ل‬ ‫ج رأ ُ‬
‫في طريقه‪ ،‬وسلى الجزورِ على ظهره‪ ،‬يش ُ‬
‫ب وحاصروه‪ ،‬المشركون والمنافقون واليهود‪.‬‬ ‫عمه‪ ،‬جمعوا عليه الحزا َ‬
‫ُ‬
‫م‪ ،‬ويطرد َ‬ ‫َ‬
‫ب والشت ِ‬ ‫ب والس ِ‬ ‫ف يبلغُ دعوَته فيقابل بالتكذي ِ‬ ‫ب إلى الطائ ِ‬
‫يذه ُ‬
‫ويلحقَ ويرمى بالحجارةِ فماذا فعل ‪-‬بأبي هوَ وأمي‪) -‬صلى الله عليه وآله‬
‫وسلم( ؟‬
‫ت‪ ،‬إلى‬ ‫ت والملكو ِ‬ ‫أين ذهب‪ ،‬من يسأل‪ ،‬على من يشكو‪ ،‬إلى ذي الجبرو ِ‬
‫القوي العزيز‪ ،‬فأعلن )صلى الله عليه وآله وسلم( الشكوى‪ ،‬ورفعَ يديه‬
‫ن الشكوى‬ ‫م وشكا‪ ،‬لكن اسمع لف ِ‬ ‫م وتأل َ‬
‫ح وبكاء‪ ،‬وتظل َ‬ ‫بالنجوى‪ ،‬دعاء وأل َ‬
‫ف والفتقار منه )صلى الله عليه وآله وسلم( قال‪:‬‬ ‫وإظهار العجزِ والضع ِ‬
‫ن على الناس‪ ،‬يا أرحم‬ ‫ت حيلتي وهوا ِ‬ ‫ف قوتي وقل َ‬ ‫اللهم إليك أشكو ضع َ‬
‫ب ملكَته أمري‪ ،‬إن‬ ‫كلني إلى عدوٍ يتجهمني‪ ،‬أم إلى قري ٍ‬ ‫الراحمين‪ ،‬إلى من ت ِ‬
‫ُ‬
‫ي فل أبالي‪ ،‬غير أن عافيَتك أوسعُ لي‪ ،‬أعوذ بنورِ وجَهك‬ ‫لم تكن ساخطا ً عل َ‬
‫ح عليه أمُر‬ ‫الكريم‪ ،‬الذي أضاءت له السماوات‪ ،‬وأشرقت له الظلمات‪ ،‬وصل ُ َ‬
‫طك‪ ،‬لك العتبى حتى‬ ‫خ َ‬ ‫ل علي س َ‬ ‫ي غضَبك أو ُتنز َ‬ ‫ل عل َ‬ ‫الدنيا والخرة‪ ،‬أن ُتح َ‬
‫ل ول قوة إل بك‪ .‬هكذا كان )صلى الله عليه وآله وسلم(‬ ‫ترضى‪ ،‬ول حو َ‬
‫ضراعة ونجوى لربه‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أيها الخوة‪ ،‬لماذا نشكو إلى الناس‪ ،‬ونبث الضعف والهوان والهزيمة النفسية‬
‫في مجالسنا‪ ،‬وننسى أو نتكاسل عن الشكوى لمن بيده المر من قبل ومن‬
‫ة ل َئ ِ َ‬ ‫ضّرعا ً وَ ُ‬
‫جاَنا‬‫ن أن ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫في َ ً‬
‫خ ْ‬ ‫ه تَ َ‬ ‫عون َ ُ‬ ‫حرِ ت َد ْ ُ‬ ‫ت ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬ ‫ما ِ‬‫ن ظ ُل ُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جيك ُ ْ‬ ‫ن ي ُن َ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫بعد‪ ):‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫م‬
‫م أن ْت ُ ْ‬ ‫ب ثُ ّ‬ ‫ل ك َْر ٍ‬ ‫ن كُ ّ‬‫م ْ‬ ‫من َْها وَ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫جيك ُ ْ‬ ‫ه ي ُن َ ّ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫رين * قُ ِ‬ ‫شاك ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫ن هَذِهِ ل َن َ ُ‬ ‫م ْ‬‫ِ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫َ‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫تُ ِ‬
‫ر‬ ‫ش‬
‫أليس فينا من بينه وبين الله أسرار؟ أليس فينا أيها الحبة أشعث أغبر ذي‬
‫طمرين لو أقسم على الله لبره‪ ،‬أليس فينا من يرفع يديه إلى الله في ظلمة‬
‫الليل يسجد ويركع‪ ،‬ينتحب ويرفع الشكوى إلى الله‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أك ْث ََر‬‫مرِهِ وَلك ِ ّ‬ ‫ب عَلى أ ْ‬ ‫غال ِ ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫فلنشكو إلى الله ولنقوي الصلة بالله‪َ) :‬والل ّ ُ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫س ل ي َعْل َ ُ‬ ‫الّنا ِ‬
‫ومن الدعية في المصيبة والكرب والشدة والضيق ما أخرجه البخاري‬
‫ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله )صلى‬
‫الله عليه وآله وسلم( كان يقول عند الكرب‪ :‬ل إله إل الله العظيم الحليم‪ ،‬ل‬
‫إله إل الله رب العرش العظيم‪ ،‬ل إله إل الله رب السماوات ورب الرض رب‬
‫العرش الكريم‪.‬‬
‫وفي رواية كان إذا حزبه أمر قال ذلك‪ ،‬قال النووي في شرح مسلم‪ :‬هو‬
‫حديث جليل ينبغي العتناء به والكثار منه عند الكرب والمور العظيمة‪ ،‬وقال‬
‫الطبراني كان السلف يدعون به ويسمونه دعاء الكرب‪.‬‬
‫وأخرج أبو داوود وأحمد عن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله )صلى‬
‫الله عليه وآله وسلم( قال‪ :‬دعوات المكروب‪ ،‬اللهم رحمتك أرجو فل تكلني‬
‫إلى نفسي طرفت عين وأصلح لي شأني كله ل إله إل أنت‪.‬‬
‫وأخرج الترمذي عن سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه قال‪ ،‬قال رسول‬
‫الله )صلى الله عليه وآله وسلم(‪ :‬دعوت ذي النون إذ دعا وهو في بطن‬
‫الحوت ل إله إل أنت سبحانك إني كنت من الظالمين‪ ،‬فإنه لم يدعو بها رجل‬
‫مسلم في شيء قط إل استجاب الله له‪.‬‬
‫لما قالها يونس عليه السلم وهو في بطن الحوت‪ ،‬قال الله عز وجل‪:‬‬
‫ن(‪ ،‬قال ابن كثير في‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫جي ال ْ ُ‬ ‫م وَك َذ َل ِ َ‬
‫ك ن ُن ْ ِ‬ ‫ن ال ْغَ ّ‬ ‫م َ‬ ‫جي َْناه ُ ِ‬
‫ه وَن َ ّ‬ ‫جب َْنا ل َ ُ‬
‫ست َ َ‬‫)َفا ْ‬
‫ن(‪ ،‬أي إذا كانوا في الشدائد ودعونا منيبين‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫جي ال ْ ُ‬ ‫ك ن ُن ْ ِ‬ ‫تفسيره‪) :‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫إلينا‪ ،‬ول سيما إذا دعوا في هذا الدعاء في حال البلء‪ ،‬فقد جاء الترغيب بها‬
‫عن سيد النبياء‪.‬‬
‫وأخرج مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت سمعت رسول‬
‫الله )صلى الله عليه وآله وسلم( يقول‪ :‬ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما‬
‫أمره الله إن لله وإنا إليه راجعون‪ ،‬اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرا‬
‫منها‪ ،‬إل أخلف الله له خيرا منها‪.‬‬
‫قالت فلما مات أبو سلمة قلت في نفسي أي المسلمين خير من أبي سلمة؟‬
‫أو بيت هاجر إلى رسول الله‪ ،‬ثم إني قلتها –أي الدعاء‪ -‬فأخلف الله لي‬
‫رسول الله )صلى الله عليه وآله وسلم(‪.‬‬
‫إذا فالسترجاع ملجأ وملذ لذوي المصائب‪ ،‬ومعناه باختصار‪ :‬إن لله توحيد‬
‫وإقرار بالعبودية والملك‪ ،‬وإن إليه راجعون إقرار بأن الله يهلكنا ثم يبعثنا‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ر‬ ‫إذا فالمر كله لله‪ ،‬ول ملجأ منه إل إليه‪ ،‬والله عز وجل يقول‪ ) :‬وَب َ ّ‬
‫ش ِ‬
‫ن * ُأول َئ ِكَ‬‫جُعو َ‬ ‫ة َقاُلوا إ ِّنا ل ِل ّهِ وَإ ِّنا إ ِل َي ْهِ َرا ِ‬
‫صيب َ ٌ‬
‫م ِ‬
‫م ُ‬
‫صاب َت ْهُ ْ‬
‫َ‬
‫ن إ َِذا أ َ‬ ‫ن * ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ري َ‬
‫صاب ِ ِ‬
‫ال ّ‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن(‪.‬‬‫دو َ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫مهْت َ ُ‬ ‫ة وَُأول َئ ِ َ‬
‫ك هُ ُ‬ ‫م ٌ‬
‫ح َ‬
‫م وََر ْ‬
‫ن َرب ّهِ ْ‬
‫م ْ‬
‫ت ِ‬ ‫صل َ َ‬
‫وا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫إليكم أيها الحبة أمثلة ومواقف للذين لجئوا إلى حصن اليمان وسلح الدعاء‪،‬‬
‫وأدركوا أن المفزع بعد اليمان هو الدعاء‪ ،‬السلح الذي يستدفع به البلء ويرد‬
‫به شر القضاء‪.‬‬
‫عن أصبغ ابن زيد قال‪ :‬مكثت أنا ومن عندي ثلثا لم نطعم شيئا من الجوع‪،‬‬
‫فخرجت إلي ابنتي الصغيرة وقالت يا أبتي الجوع‪ ،‬تشكو الجوع‪ ،‬قال فأتيت‬
‫مكان الوضوء – انظروا إلى من اللجاءة‪ ،‬انظروا إلى من يلجئون‪ -‬فتوضأت‬
‫وصليت ركعتين‪ ،‬وألهمت دعاء دعوت به وفي آخره‪ :‬اللهم افتح علي رزقا ل‬
‫تجعل لحد علي فيه منة‪ ،‬ول لك علي فيه في الخرة تبعة برحمتك يا أرحم‬
‫الراحمين‪ ،‬ثم انصرفت إلى البيت فإذا بابنتي الكبيرة قامت إلي وقالت‪ :‬يا أبه‬
‫جاء رجل يقول أنه عمي بهذه الصرة من الدراهم وبحمال عليه دقيق وحمال‬
‫عليه من كل شيء في السوق‪ ،‬وقال‪ :‬أقرءوا أخي السلم وقول له إذا‬
‫احتجت إلى شيء فأدعو بهذا الدعاء تأتيك حاجتك‪.‬‬
‫قال أصبغ ابن زيد والله ما كان لي أخو قط‪ ،‬ول أعرف من كان هذا القائل‪،‬‬
‫ولكن الله على كل شيء قدير‪.‬‬
‫فقلت للفكر لما صار مضطربا‪.......‬وخانني الصبر والتفريط والجلد‬
‫دعها سماوية تمشي على قدر‪........‬ل تعترضها بأمر منك تنفسد‬
‫فحفني بخفي اللطف خالقنا‪ ........‬نعم الوكيل ونعم العون والمدد‬
‫وعن شقيق البلخي قال‪ :‬كنت في بيتي قاعدا فقال لي أهلي قد ترى ما‬
‫بهؤلء الطفال من الجوع‪ ،‬ول يحل لك أن تحمل عليهم ما ل طاقة لهم به‪،‬‬
‫قال فتوضأت – نرجع إلى السبب الذي كانوا يدورون حوله رضوان الله‬
‫عليهم‪ -‬فتوضأت وكان لي صديق ل يزال يقسم علي بالله إن يكون لي حاجة‬
‫أعلمه بها ول أكتمها عنه‪ ،‬فخطر ذكره ببالي‪ ،‬فلما خرجت من المنزل مررت‬
‫بالمسجد‪ ،‬فذكرت ما روي عن أبي جعفر قال‪ :‬من عرضت له حاجة إلى‬
‫مخلوق فليبدأ فيها بالله عز وجل‪ ،‬قال فدخلت المسجد فصليت ركعتين‪ ،‬فلما‬
‫كنت في التشهد أفرغ علي النوم‪ ،‬فرأيت في منامي أنه قيل‪ :‬يا شقيق أتدل‬
‫العباد على الله ثم تنساه‪ ،‬يا شقيق أتدل العباد على الله ثم تنساه‪ ،‬قال‬
‫فاستيقظت وعلمت أن ذلك تنبيه نبهني فيه ربي‪ ،‬فلم أخرج من المسجد‬
‫حتى صليت العشاء الخرة‪ ،‬ثم تركت الذهاب لصاحبي وتوكلت على الله‪ ،‬ثم‬
‫انصرفت إلى المنزل فوجدت الذي أردت أن اقصد قد حركه الله وأجرى‬
‫لهلي على يديه ما أغناهم‪.‬‬
‫إن ربي لسميع الدعاء‪ ،‬فل نعجب أيها الحبة‪ ،‬ومن يتوكل على الله فهو‬
‫حسبه‪.‬‬
‫وأسمع لدعا أبن القيم في الفاتحة يقول‪ :‬ومكثت بمكة مدة يعتريني أدوار ل‬
‫أجد لها طبيبا ول دواء‪ ،‬فكنت أعالج نفسي بالفاتحة فأرى لها تأثيرا عجيبا‪،‬‬
‫فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألما‪ ،‬فكان كثير منهم يبرأ سريعا‪.‬‬
‫وفي حديث أبي سعيد الخدري المتفق عليه لما قرأ على سيد الحي الفاتحة‬
‫قال‪ :‬فكأنما نشط من عقال‪ ،‬وهذا يشهد أيضا بفضل الفاتحة‪.‬‬
‫ومن المواقف الجميلة الطريفة في فضل الدعاء أنه كان لسعيد أبن جبير‬
‫ديكا‪ ،‬كان يقوم من الليل بصياحه‪ ،‬فلم يصح ليلة من الليالي حتى أصبح‪ ،‬فلم‬
‫يصلي سعيد قيام الليل تلك الليلة فشق عليه ذلك‪ ،‬فقال ماله قطع الله‬
‫صوته –يعني الديك‪-‬؟‬
‫وكان سعيد مجاب الدعوة‪ ،‬فما سمع للديك صوت بعد ذلك الدعاء‪ ،‬فقالت أم‬
‫سعيد‪:‬‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يا بني ل تدعو على شيء بعدها‪.‬‬


‫وذكر أحد الدعاة في بعض رسائله أن رجل من العباد كان مع أهله في‬
‫الصحراء في جهة البادية‪ ،‬وكان عابدا قانتا منيبا ذاكرا لله‪ ،‬قال فانقطعت‬
‫المياه المجاورة لنا وذهبت التمس ماء لهلي فوجدت أن الغدير قد جف‪،‬‬
‫فعدت إليهم ثم التمسنا الماء يمنة ويسرة فلم نجد ولو قطرة‪ ،‬وأدركنا الظمأ‬
‫واحتاج أطفالي للماء‪ ،‬فتذكرت رب العزة سبحانه القريب المجيب‪ ،‬فقمت‬
‫وتيممت واستقبلت القبلة وصليت ركعتين‪ ،‬ثم رفعت يدي وبكيت وسالت‬
‫دموعي وسألت الله بإلحاح وتذكرت قوله‪:‬‬
‫ضط َّر إ َِذا د َ َ‬ ‫َ‬
‫سوَء(‪.‬‬ ‫ف ال ّ‬ ‫عاه ُ وَي َك ْ ِ‬
‫ش ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫جي ُ‬
‫ن يُ ِ‬ ‫م ْ‬
‫)أ ّ‬
‫قال وما هو والله إل أن قمت من مقامي وليس في السماء من سحاب ول‬
‫غيم‪ ،‬وإذا بسحابة قد توسطت مكاني ومنزلي في الصحراء‪ ،‬واحتكمت على‬
‫المكان ثم أنزلت ماءها فامتلت الغدران من حولنا وعن يميننا وعن يسارنا‬
‫فشربنا واغتسلنا وتوضئنا وحمدنا الله سبحانه وتعالى‪ ،‬ثم ارتحلت قليل خلف‬
‫هذا المكان وإذا الجدب والقحط‪ ،‬فعلمت أن الله ساقها لي بدعائي‪ ،‬فحمدت‬
‫الله عز وجل‪:‬‬
‫د(‪.‬‬‫مي ُ‬
‫ح ِ‬ ‫ْ‬
‫ي ال َ‬ ‫ْ‬
‫ه وَهُوَ الوَل ِ ّ‬
‫مت َ ُ‬
‫ح َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما قن َطوا وَي َن ْشُر َر ْ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬‫م ْ‬‫ث ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ذي ي ُن َّزل الغَي ْ َ‬‫)وَهُوَ ال ّ ِ‬

‫)‪(8 /‬‬

‫وذكر أيضا أن رجل مسلما ذهب إلى إحدى الدول والتجأ بأهله إليها‪ ،‬وطلب‬
‫بأن تمنحه جنسية‪ ،‬قال فأغلقت في وجهه البواب‪ ،‬وحاول هذا الرجل كل‬
‫المحاولة وستفرغ جهده وعرض المر على كل معارفه‪ ،‬فبارت الحيل وسدت‬
‫السبل‪ ،‬ثم لقي عالما ورعا فشكا إليه الحال‪ ،‬فقال له عليك بالثلث الخير‬
‫من الليل فأدعو مولك‪ ،‬إنه الميسر سبحانه وتعالى‪ ،‬قال هذا الرجل‪ :‬ووالله‬
‫فقد تركت الذهاب إلى الناس وطلب الشفاعات‪ ،‬وأخذت أداوم على الثلث‬
‫الخير كما أخبرني ذلك العالم‪ ،‬وكنت أهتف لله في السحر وأدعوه‪ ،‬وما هو‬
‫إل بعد أيام وتقدمت بمعروض عادي ولم اجعل بيني وبينهم واسطة فذهب‬
‫هذا الخطاب وما هو إل أيام وفوجئت وأنا في بيتي أني ادعى وأسلم‬
‫الجنسية‪ ،‬وكنت في ظروف صعبة‪.‬‬
‫إن الله سميع مجيب‪ ،‬ولطيف قريب‪ ،‬لكن التقصير منا‪ ،‬لبد أن نلج على الله‬
‫وندعوه‪ ،‬وابشروا‪:‬‬
‫عاِء(‪.‬‬
‫ميعُ ّ َ‬
‫د‬‫ال‬ ‫ن َرّبي ل َ َ‬
‫س ِ‬ ‫)إ ِ ّ‬
‫وأذكر أن طالبا متميز في دراسته حصل له ظرف في ليلة امتحان إحدى‬
‫المواد‪ ،‬ولم يستطع أن يذاكر جميع المنهج المقرر للمادة إل بقدر الثلث‪،‬‬
‫فأهتم لذلك واغتم وضاقت عليه نفسه‪ ،‬ولم يستطع الفادة من باقي الوقت‬
‫لضطراب النفس وطول المنهج‪.‬‬
‫فما كان منه إل أن توضأ وصلى ركعتين وألح على الله بأسمائه وصفاته‬
‫وباسمه العظم‪ ،‬يقول الطالب فدخلت قاعة المتحان ووزعت أوراق‬
‫السئلة‪ ،‬وقبل أن انظر فيها دعوت الله ورددت بعض الذكار‪ ،‬ثم قلبت الورقة‬
‫فإذا السئلة أكثرها من ذلك الثلث الذي درسته‪ ،‬فبدأت بالجابة ففتح الله‬
‫علي فتحا عجيبا لم ك أتصوره‪ ،‬ولكن ربي سميع مجيب‪.‬‬
‫فإلى كل الطلب والطالبات أقول‪:‬‬
‫لماذا غفلتم عن الدعاء والشكوى لله وأنتم تشكون لبعضكم وتزفرون‬
‫وتتوجعون ؟‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لماذا يعتمد الكثير منكم على نفسه وذكائه‪ ،‬بل ربما اعتمد البعض على الغش‬
‫والحتيال‪.‬‬
‫إن النفس مهما بلغت من الكمال والذكاء فإنها ضعيفة وهي عرضة للغفلة‬
‫والنسيان‪ ،‬نعم لنفعل السباب ولنحفظ ولنذاكر ولنجتهد ولكن كلها ل شيء‬
‫إن لم يعينك الله ويفتح عليك‪ ،‬فل حول ول قوة إل بالله في كل شيء‪ ،‬فهل‬
‫طلبت العون من الله‪ ،‬توكل على الله‪ ،‬وافعل السباب‪ ،‬وارفع يديك إلى‬
‫السماء وقل‪:‬‬
‫يا سامعا لكل شكوى‪ ،‬وأظهر ضعفك وفقرك لله وسترى النتائج بأذن الله‪.‬‬
‫وأنت أيها المدرس والمدرسة‪ ،‬بل ويا كل داعية لماذا نعتمد على أنفسنا‬
‫الضعيفة في التوجيه والتعليم‪ ،‬هب أننا أعددنا الدرس جيدا وفعلنا كل‬
‫السباب‪ ،‬هل يكفي هذا؟‬
‫لعلك تسأل ما بقي؟‬
‫أقول هل سألت الله العون والتوفيق عند تحضير الدرس؟‬
‫هل سألت الله أن يفتح لك القلوب وأن يبارك في كلماتك وأن ينفع بها؟‬
‫هل سألت الله العون والتوفيق وأنت تلقي الدرس؟‬
‫هل دعوت لطلبك أن يبارك الله لهم وأن ينفع بهم وأن يصلحهم وأن ييسر‬
‫عليهم‪.‬‬
‫هذه بعض المثلة والمواقف‪ ،‬وما يعرف ويحكى أكثر وأكثر‪ ،‬ولكننا نريد العمل‬
‫والتطبيق‪.‬‬
‫تنبيه مهم‪:‬‬
‫كثير من الناس إذا وقع بشدة عمد إلى الحرام‪ ،‬كمن يذهب للسحرة‬
‫كر قال‪ :‬أنه مضطر‪ ،‬أو كما‬ ‫والكهان‪ ،‬أو يتعامل بالربا والحرام‪ ،‬فإذا نصح أو ذ ّ‬
‫يقول البعض ليس كمن رجله في النار كمن رجله في الماء‪.‬‬
‫سيتها في خضم المصيبة والشدة‬ ‫ولعلي أيها الحبيب أذكرك بآية ربما أنك ن ّ‬
‫َ‬
‫ضطّر إ َِذا د َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫عاهُ‬ ‫م ْ‬‫ب ال ُ‬ ‫جي ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫م ْ‬‫التي وقعت فيها‪ ،‬إن الله عز وجل يقول‪) :‬أ ّ‬
‫سوَء(‪،‬والمضطر الذي أحوجه مرض أو فقر أو نازلة من نوازل‬ ‫ف ال ّ‬ ‫ش ُ‬ ‫وَي َك ْ ِ‬
‫الدنيا إلى اللجأ والتضرع إلى الله كما يقول الزمخشري‪.‬‬
‫وأنت أيها الخ‪ ،‬أو أيتها الخت‪ ،‬تذكر أنك مضطر والمضطر وعده الله بالجابة‬
‫حتى وإن كان فاسقا‪ ،‬فإذا كان الله قد أجاب دعوة المشركين عند الضطرار‬
‫فإن إجابته للمسلمين مع تقصيرهم من باب أولى‪.‬‬
‫جاء رجل إلى مالك ابن دينار فقال‪ :‬أنا أسألك بالله أن تدعو لي فأنا مضطر‪،‬‬
‫قال فاسأله فإنه يجيب المضطر إذا دعاه‪.‬‬
‫إن الله قد عز وجل قد ذم من ل يستكين له‪ ،‬ول يتضرع إليه عند الشدائد‪،‬‬
‫وانتبهوا أيها الحبة أنه لبد للضراعة والستكانة لله عند الشدة كما أخبر الله‬
‫فقال عز من قائل‪:‬‬
‫ن(‪.‬‬
‫عو َ‬ ‫ضّر ُ‬‫ما ي َت َ َ‬
‫م وَ َ‬ ‫َ‬
‫ست َكاُنوا ل َِرب ّهِ ْ‬ ‫ب فَ َ‬
‫ما ا ْ‬ ‫م ِبال ْعَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫قد ْ أ َ َ‬
‫خذ َْناهُ ْ‬ ‫)وَل َ َ‬
‫أي لو استكانوا لربهم لكان أمرا أخر‪ ،‬فكيف بحال من يقع بالشرك والحرام‬
‫عند البلء والشدة فيزيد الطين بلة‪ ،‬كيف يريد الشفاء أو انكشاف البلء وهو‬
‫يطلبه من مخلوقين مثله ضعفاء‪.‬‬
‫قال بعض السلف‪ :‬قرأت في بعض الكتب المنزلة أن الله عز وجل يقول‪:‬‬
‫يؤمل غيري للشدائد والشدائد بيدي‪ ،‬وأنا الحي القيوم‪ ،‬ويرجى غيري ويطرق‬
‫بابه بالبكرات وبيدي مفاتيح الخزائن وبابي مفتوح لمن دعاني‪ ،‬من ذا الذي‬
‫أملني لنائبة فقطعن به؟‬
‫أو من ذا الذي رجاني لعظيم فقطعت رجاءه ؟‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن ذا الذي طرق بابي فلم أفتحه له ؟‬


‫أنا غاية المال فكيف تنقطع المال دوني‪.‬‬
‫أبخيل أنا فيبخلني عبدي‪ ،‬أليست الدنيا والخرة والكرم والفضل كله لي ؟‬

‫)‪(9 /‬‬

‫فما يمنع المؤملين أن يؤملوني‪ ،‬ولو جمعت أهل السماوات وأهل الرض ثم‬
‫أعطيت كل واحد منهم ما أعطيت الجميع‪ ،‬وبلغت كل واحد منهم أمله لم‬
‫ينقص ذلك من ملكي عضو ذرة‪ ،‬وكيف ينقص ملك أنا قيمه‪ ،‬فيا بأسا‬
‫للقانطين من رحمتي‪ ،‬ويا بأسا لمن عصاني ووثب على محارمي‪ .‬ذكر ذل‬
‫ابن رجب في نور القتباس‪ ،‬والسرائيليات يعتضد بها ول يعتمد عليه كما‬
‫يقول شيخ السلم أبن تيمية رحمه الله‪.‬‬
‫ُ‬
‫ب على من ل يسأله‪ ،‬فإنه يريد ُ من‬ ‫ب أن ُيسأل‪ ،‬ويغض ُ‬ ‫ه يح ُ‬
‫أيها الخوة إن الل َ‬
‫ب الملحين في‬ ‫عباده أن يرغبوا إليه ويسألوه‪ ،‬ويدعوه ويفتقروا إليه‪ ،‬ويح ُ‬
‫ل ليلةٍ ‪ :‬هل من سأل فأعطيه‪ ،‬هل من داٍع‬ ‫الدعاء‪ ،‬بل وينادي في ك ِ‬
‫فأستجيب له‪.‬‬
‫ُ‬
‫ب الحاجات‪ ،‬أين من وقع في الشدائدِ والكربات‪.‬‬ ‫فأين المضطرون‪ ،‬أين أصحا ُ‬
‫معاشر الخوة والخوات‪ ،‬اقرءوا وانظروا في حادثة الفك‪ ،‬وفي حديث الثلثة‬
‫أصحاب الغار‪ ،‬وحديث المغترب الذي وضع المال في الخشبة وألقاها في‬
‫البحر‪ ،‬وحديث الثلثة الذين خلفوا‪ ،‬وغيرها من القصص النبوي في الصحاح‬
‫والسنن‪ ،‬فرج عنهم بسؤالهم لله‪ ،‬وإلحاحهم بالدعاء‪ ،‬رفعوا أيديهم إلى الله‪،‬‬
‫وأعلنوا الخضوع والذل لله‪ ،‬وهذا الذل ل يصلح إلى لله‪ ،‬لحبيبه وموله‪.‬‬
‫ذل الفتى في الحب مكرمة‪ .......‬وخضوعه لحبيبه شرف‬
‫ل ومهانة‪ ،‬وفي سؤال الله عبودية عظيمة‬ ‫ة‪ ،‬ولغيره ذ ٌ‬
‫ة لله عٌز ورفع ٌ‬‫فالعبودي ُ‬
‫لنها إظهار للفتقار إليه‪ ،‬واعتراف بقدرته على قضاء الحوائج‪.‬‬
‫فإذا ابتليت ببذل وجهك سائل‪......‬فأبذله للمتكرم المفضال‬
‫كان يحي ابن معاذ يقول‪ :‬يا من يغضب على من ل يسأله ل تمنع من سألك‪.‬‬
‫وكان بكر المزني يقول‪ :‬من مثل يا ابن آدم؟ متى شئت تطهرت ثم ناجيت‬
‫ربك ليس بينك وبينه حجاب ول ترجمان‪.‬‬
‫وسأل رجل بعض الصالحين أن يشفع له في حاجة إلى بعض المخلوقين‪،‬‬
‫فقال له أنا ل أترع بابا مفتوحا وأذهب إلى باب مغلق‪.‬‬
‫هكذا فلتكن الثقة بالله والتوكل على الله‪.‬‬
‫وقبل الختام وحتى نصل إلى ما نريد من فن الشكوى وحسن النجوى تنبه‬
‫إلى هذه التوجيهات‪:‬‬
‫أول‪ :‬الدعاء له آداب وشروط‪:‬‬
‫لبد من تعلمها والحرص عليها‪ ،‬واسمع لهذا الكلم الجميل النفيس من ابن‬
‫القيم رحمه الله قال‪ :‬وإذا جمع العبد مع الدعاء حضور القلب وصادف وقتا‬
‫من أوقات الجابة وخشوعا في القلب وانكسارا بين يدي الرب وذل له‬
‫وتضرعا ورقة واستقبل الداعي القبلة وكان على طهارة ورفع يديه إلى الله‪،‬‬
‫وبدأ بحمد الله والثناء عليه‪ ،‬ثم ثنى بالصلة على رسول الله‪ ،‬ثم قدم بين‬
‫يدي حاجته التوبة والستغفار ثم دخل على الله وألح عليه في المسألة‬
‫وتملقه ودعاه رغبة ورهبة وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده‪ ،‬وقدم بين‬
‫يدي دعائه صدقة فإن هذا الدعاء ل يكاد يرد أبدا‪ ،‬ول سيما إذا صادف الدعية‬
‫التي أخبر النبي )صلى الله عليه وآله وسلم( أنها مظنة الجابة‪ ،‬وأنها متضمنة‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للسم العظم‪ .‬انتهى كلمه بتصرف‪.‬‬


‫ثانيا‪ :‬الصدقة‪:‬‬
‫وقد أكد عليها أبن القيم في كلمه السابق‪ ،‬ولها أثر عجيب في قبول الدعاء‪،‬‬
‫بل وفعل المعروف أيا كان وصنائع المعروف تقي مصارع السوء كما قال أبو‬
‫بكر الصديق رضي الله تعالى عنه‪ ،‬وبعضهم يرفعه إلى النبي )صلى الله عليه‬
‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫وآله وسلم(‪ ،‬والله عز وجل يقول عن يونس عليه السلم‪) :‬فَل َ ْ‬
‫ول أن ّ ُ‬
‫ث ِفي ب َط ْن ِهِ إ َِلى ي َوْم ِ ي ُب ْعَُثو َ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫ن * ل َل َب ِ َ‬
‫حي َ‬
‫سب ّ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م َ‬
‫ثالثا‪ :‬عليك بالصبر وإياك واليأس والقنوط‪:‬‬
‫وفي هذا توجيهات منها أن تعلم أن الدعاء عبادة‪ ،‬ولو لم يتوفر لك من دعائك‬
‫إل الجر على هذا الدعاء بعد إخلصك لله عز وجل فيه لكفى‪ ،‬ومنها أن تعلم‬
‫أن أعلم بمصلحتك منك‪ ،‬فيعلم سبحانه أن مصلحتك بتأجيل الجابة أو عدمها‪،‬‬
‫ومنها ل تجزع من عدم الجابة فربما ُدفع عنك بهذا الدعاء شرا كان سينزل‬
‫بك‪ ،‬فعن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله )صلى الله عليه‬
‫وآله وسلم( قال‪ :‬ما على الرض مسلم يدعو الله بدعوة إل أتاه الله إياها أو‬
‫صرف عنه من السوء مثلها‪ ،‬ما لم يدعو بإثم أو قطيعة رحم‪ ،‬فقال رجل من‬
‫القوم إذا نكثر‪ ،‬قال الله أكثر‪ .‬وزاد فيه الحاكم‪ :‬أو يدخر له من الجر مثلها‪.‬‬
‫رابعا‪:‬ربما كان عدم الجابة أو تأخيرها امتحان لصبرك وتحملك وجلدك‪:‬‬
‫وهل تستمر في الدعاء وفي هذه العبادة‪ ،‬أم تستحسر وتمل وتترك الدعاء‪،‬‬
‫ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله )صلى الله عليه‬
‫وآله وسلم( قال‪ :‬يستجاب لحكم ما لم يعجل يقول قد دعوت ربي فلم‬
‫يستجب لي‪.‬‬
‫وفي رواية لمسلم قيل‪ :‬يا رسول الله ماالستعجال؟ قال يقول قد دعوت‬
‫وقد دعوت فلم يستجاب لي‪ ،‬فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬أن تلقي باللوم على نفسك‪:‬‬
‫وهي من أهمها‪ ،‬فقد يمون سبب عدم الجابة وقوعك أنت في بعض‬
‫المعاصي‪ ،‬أو التقصير وإخللك بالدعاء أو تعديك فيه‪ ،‬فمن أعظم المور أن‬
‫تتهم نفسك وتنسب التقصير وعدم الجابة لنفسك‪ ،‬فهذا من أعظم الذل‬
‫والفتقار لله‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫وأسمع أيضا لهذا الكلم الجميل النفيس لبن رجب رحمه الله يقول‪ :‬إن‬
‫المؤمن إذا استبطأ الفرج ويئس منه ول سيما بعد كثرة الدعاء وتضرعه ولم‬
‫يظهر له أثر الجابة‪ ،‬رجع إلى نفسه باللئمة يقول لها إنما أتيت من قبلك‪،‬‬
‫لجبت‪ ،‬وهذا اللوم أحب إلى الله من كثير من الطاعات‪،‬‬ ‫ولو كان فيك خيرا ُ‬
‫فإنه يوجب انكسار العبد لموله‪ ،‬واعترافه له بأنه ليس بأهل لجابة دعائه‪،‬‬
‫فلذلك يسرع إليه حين إذ إجابة الدعاء‪ ،‬وتفريج الكرب‪ ،‬فإنه تعالى عند‬
‫المنكسرة قلوبهم من أجله‪ ،‬وعلى قدر الكسر يكون الجبر‪ .‬انتهى كلمه‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة‪:‬‬
‫قال سلمان الفارسي‪ :‬إذا كان الرجل دعاء في السراء‪ ،‬فنزلت به ضراء فدعا‬
‫الله عز وجل قالت الملئكة صوت معروف فشفعوا له‪ ،‬وإذا كان ليس بدعا‬
‫في السراء فنزلت به ضراء فدعا الله عز وجل قالت الملئكة صوت ليس‬
‫بمعروف‪.‬‬
‫أيها الخوة‪ ،‬وأنا أتأمل في حديث الثلثة أصحاب الغار وهم يدعون ويتوسلون‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلى الله بصالح أعمالهم وأخلصها لله‪ ،‬أقول في نفسي وأفتش فيها أين ذلك‬
‫العمل الصالح الخالص لله الخالي من حظوظ النفس‪ ،‬الذي سألجأ إلى الله‬
‫فيه عند الشدة‪.‬‬
‫فلنرجع لنفسنا ولنسألها مثل هذا السؤال‪ ،‬لنبحث في أعمالنا وعن الخلص‬
‫لله فيها‪ ،‬ولنكن على صلة بالله في الرخاء‪ ،‬وصدق من قال‪:‬‬
‫إذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد‪......‬ذخرا يكون كصالح العمال‬
‫سابعا‪ :‬إن اليمان بالقضاء والقدر ركن من أركان اليمان بالله تعالى‪:‬‬
‫وفيه اطمئنان للنفس وراحة للقلب‪ ،‬فأعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك‪،‬‬
‫وأن ما أخطئك لم يكن ليصيبك‪ ،‬وتذكر دائما أن كل شيء بقضاء وقدر‪ ،‬وأنه‬
‫من عند الله‪.‬‬
‫ثامنا‪ :‬أحرص على أكل الحلل فهو شرط من شروط إجابة الدعاء‪:‬‬
‫وفي الحديث‪ :‬ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا‬
‫رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنا‬
‫يستجاب له‪.‬‬
‫فالله الله بالحلل فإن له أثر عجيب في إجابة الدعاء‪ ،‬ربما قصرنا بوظائفنا‪،‬‬
‫أي نوع من التقصير‪ ،‬وكان ذلك التقصير سبب في رد الدعاء أو إجابته‪،‬‬
‫فلنتنبه لهذا أيها الحبة‪.‬‬
‫تاسعا‪ :‬حتى تكون مجاب للدعوة إن شاء الله أكثر من الستغفار في الليل‬
‫والنهار‪:‬‬
‫فارا ً‬
‫ن غَ ّ‬‫كا َ‬‫ه َ‬ ‫فُروا َرب ّك ُ ْ‬
‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫تا ْ‬ ‫قل ْ ُ‬‫فلو لم يكن فيه إل قول الحق عز وجل‪) :‬فَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫جّنا ٍ‬‫م َ‬‫ل لك ُ ْ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ن وَي َ ْ‬
‫ل وَب َِني َ‬‫وا ٍ‬
‫م َ‬‫م ب ِأ ْ‬ ‫مد َْرارا ً * وَي ُ ْ‬
‫مدِد ْك ُ ْ‬ ‫ماَء عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫س َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫س ِ‬‫* ي ُْر ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م أن َْهارا(‪ ،‬فأين من يشكو الفقر والعقم والقحط عن هذه الية‪.‬‬ ‫ل لك ُ ْ‬ ‫جعَ ْ‬‫وَي َ ْ‬
‫هذه توجيهات أنتبه إليها قبل أن ترفع يديك إلى السماء لتكن مجاب الدعاء‬
‫إن شاء الله‪.‬‬
‫إلى كل مصاب ومنكوب‪ ،‬وإلى كل من وقع في شدة وضيق أقول‪:‬‬
‫اطمأنوا فقد سبقكم أناس في هذا الطريق‪ ،‬وما هي إل أيام سرعان ما‬
‫تنقضي‪ ،‬وفي بطون الكتب المصنفة في الفرج بعد الشدة للتنوخي وأبن أبي‬
‫الدنيا والسيوطي وغيرهم مئات القصص لمن مرضوا أو افتقروا أو عذبوا أو‬
‫شردوا أو حبسوا أو عزلوا‪ ،‬ثم جاءهم الفرج ساقه لهم السميع المجيب‪.‬‬
‫فلك في المصابين أسوة قال ابن القيم في زاد المعاد كلم جميل أيضا‬
‫فأسمعه‪:‬‬
‫قال ومن علجه – أي علج المصيبة‪ -‬أن يطفأ نار مصيبته ببرد التأسي بأهل‬
‫المصائب‪ ،‬وليعلم أنه في كل واد بنو سعد‪ ،‬ولينظر يمنة فهل يرى إل محنة‪،‬‬
‫ثم ليعطف يسرة فهل يرى إل حسرة‪ ،‬وأنه لو فتش العلم لم يرى فيهم إل‬
‫مبتلى إما بفوت محبوب‪ ،‬أو حصول مكروه‪ ،‬وأن سرور الدنيا أحلم نوم أو‬
‫كظل زائل‪ ،‬إن أضحكت قليل أبكت كثيرا‪ ،‬وإن سرت يوما ساءت دهرا‪ ،‬وإن‬
‫متعت قليل منعت طويل‪ ،‬وما ملئت دارا حبرة –أي سعادة‪ -‬إل ملتها عبرة‪،‬‬
‫ول سرته بيوم سرور إل خبأت له يوم شرور‪.‬‬
‫أيها الخوة والخوات‪ ،‬قصص القرآن والحاديث في كتب السنة والقصص‬
‫والمواقف في كتب الفرج بعد الشدة‪ ،‬والحداث والعبر في واقعنا المعاصر‬
‫جميعها تخبرنا أن الشدائد مهما طالت ل تدوم على أصحابها‪.‬‬
‫إذا اشتملت على اليأس القلوب‪......‬وضاقت لما به الصدر الرحيب‬
‫و أوطنت المكاره واطمأنت‪..........‬وأرست غي أماكنها الخطوب‬
‫ولم ترى لنكشاف الضر وجها‪.....‬ول أغني بحيلته الريب‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أتاك على قنوط منك غوث‪ ........‬يجيء به القريب المستجيب‬


‫وكل الحادثات إذا تناهت‪ .........‬فموصول بها الفرج القريب‬
‫ولو لم يكن في المصائب والبليا إل أنها سبب لتكفير الذنوب‪ ،‬وكسر لجماح‬
‫النفس وغرورها‪ ،‬ونيل للثواب بالصبر عليها وتذكير بالعمة التي غفل عن‬
‫شكرها‪.‬‬
‫وهي تذكر العبد بذنوبه‪ ،‬فربما تاب وأقلع عنها‪.‬‬
‫وهي تجلب عطف الناس ووقوفهم مع المصاب‪ ،‬بل من أعظم ثمار المصيبة‬
‫أن يتوجه العبد بقلبه إلى الله‪ ،‬ويقف بابه ويتضرع إليه‪ ،‬فسبحان مستخرج‬
‫الدعاء بالبلء‪.‬‬
‫فالبلء يقطع قلب المؤمن عن اللتفات للمخلوقين ويوجب له القبال على‬
‫الخالق وحده‪ ،‬وهذا هو الخلص والتوحيد‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫فإذا علم العبد أن هذه من ثمار المصيبة أنس بها وارتاح ولم ينزعج‪ ،‬ولم‬
‫يقنط‪ ،‬فإلى ذوي المصائب والحاجات والشدائد والكربات إن منهج القرآن‬
‫يقول‪:‬‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫حّبوا شْيئا وَهُوَ شّر لك ْ‬
‫ن تُ ِ‬
‫سى أ ْ‬ ‫م وَعَ َ‬ ‫خي ٌْر لك ْ‬ ‫هوا شْيئا وَهُوَ َ‬ ‫ن ت َكَر ُ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫) وَعَ َ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫مو‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬‫ت‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫والل ّه يعل َم وأ َ‬
‫َْ ُ َ‬ ‫َ ُ َْ ُ َ ُْ ْ‬
‫بل اسمعوا إلى هذه الية العجيبة ففيها عزاء وتطمين لكل المسلمين قال‬
‫تعالى‪:‬‬
‫خْيرا ً ك َِثيرًا(‪.‬‬ ‫َ‬
‫ه ِفيهِ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫جعَ َ‬‫شْيئا ً وَي َ ْ‬ ‫هوا َ‬ ‫ن ت َك َْر ُ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫) فَعَ َ‬
‫فلماذا التسخط والجزع والشكوى والنين فلعل في ما حصل خيرا لك فتفاءل‬
‫وأبشر‪ ،‬واعتمد على الله وارفع يديك إلى السماء وقل‪ :‬يا سامعا لكل شكوى‪.‬‬
‫واحسن الظن بالله وقل‪:‬‬
‫صبرا جميل ما أسرع الفرج‬
‫من صدق الله في المور نجى‬
‫من خشي الله لم ينله أذى‬
‫من رجا الله كان حيث رجا‬
‫هذه كلمات لتسلية المحزونين‪ ،‬وتفريج كرب الملذوعين‪ ،‬وهي عزاء‬
‫للمصابين وتطييب للمنكسرين‪.‬‬
‫أسأل الله أن ينفع بها المسلمين وأن يغفر لي ولك أجمعين‪.‬‬
‫فيا سامعا لكل شكوى‪ ،‬ويا عالما بكل نجوى‪.‬‬
‫يا سابغ النعم‪ ،‬ويا دفع النقم‪ ،‬ويا فارج الغمم‪ ،‬ويا كشف الظلل‪ ،‬ويا أعدل من‬
‫ظلم‪.‬‬‫حكم‪ ،‬ويا حسيب من ظلم‪ ،‬ويا ولي من ُ‬
‫يا من ل تراه العيون‪ ،‬ول تخالطه الظنون‪ ،‬ول يصفه الواصفون‪ ،‬ول تغيره‬
‫الحوادث ول الدهور‪ ،‬يعلم مثاقيل الجبال‪ ،‬ومكاييل البحار‪ ،‬وعدد قطر‬
‫المطار‪ ،‬وعدد ورق الشجار‪ ،‬وعدد ما يظلم عليه الليل ويشرق عليه النهار‪.‬‬
‫كم من نعمة أنعمت بها علينا قل لك عندها شكرنا‪ ،‬وكم من بلية ابتليتنا بها‬
‫قل عندها صبرنا‪ ،‬فيا من قل عند نعمته شكرنا فلم يحرمنا‪ ،‬ويا من قل عند‬
‫بلئه صبرنا فلم يخذلنا أقذف في قلوبنا رجائك‪ ،‬اللهم اقذف في قلوبنا‬
‫رجائك‪ ،‬اللهم اقذف في قلوبنا رجائك حتى ل نرجو أحدا غيرك‪.‬‬
‫اللهم إنا نسألك إيمانا ثابتا‪ ،‬ويقينا صادقا حتى نعلم أنه لن يصيبنا إل ما كتبت‬
‫لنا‪ ،‬اللهم ل نهلك وأنت رجائنا‪ ،‬اللهم ل نهلك وأنت رجائنا احرسنا بعينك التي‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل تنام وبركنك الذي ل يرام‪.‬‬


‫يا سامعا لكل شكوى‪ ،‬ويا عالما بكل نجوى‪ ،‬يا كاشف كربتنا‪ ،‬ويا مستمع‬
‫دعوتنا‪ ،‬ويا راحم عبرتنا‪ ،‬ويا مقيل عثرتنا‪.‬‬
‫يا رب البيت العتيق أكشف عنا وعن المسلمين كل شدة وضيق‪ ،‬واكفنا‬
‫والمسلمين ما نطيق وما ل نطيق‪ ،‬اللهم فرج عنا وعن المسلمين كل هم‬
‫غم‪ ،‬وأخرجنا والمسلمين من كل حزن وكرب‪.‬‬
‫يا فارج الهم‪ ،‬يا كاشف الغم‪ ،‬يا منزل القطر‪ ،‬يا مجيب دعوت المضطر‪ ،‬يا‬
‫سامعا لكل نجوى احفظ إيمان وأمن بلدنا‪ ،‬ووفق ولة المر لما فيه صلح‬
‫السلم والعباد‪.‬‬
‫يا كاشف كل ضر وبلية‪ ،‬ويا عالم كل سر وخفية نسألك فرجا قريبا‬
‫للمسلمين‪ ،‬وصبرا جميل للمستضعفين‪ ،‬يا ذا المعروف الذي ل ينقضي أبدا‪،‬‬
‫ويا ذا النعم التي ل تحصى أبدا‪ ،‬أسألك أن تصلي على محمد وعلى آلي محمد‬
‫أبدا‪.‬‬
‫اللهم صلي وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن ل إله إل أنت نستغفرك ونتوب إليك‪.‬‬
‫‪................................................................................................‬‬
‫‪.............................................................‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫مَعنا‬
‫ب َ‬
‫ا ِْرك ْ‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪ ..‬وبعد ‪:‬‬
‫أما الول ‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ي مهموما مغموما ‪ ..‬ثم قال ‪:‬‬ ‫فقد جلس إل ّ‬
‫يا شيخ ‪ ..‬مللت من الغربة ‪..‬‬
‫فقلت ‪ :‬عسى الله أن يعجل رجوعك إلى أهلك وبلدك ‪..‬‬
‫فاستعبر وبكى ‪ ..‬ثم قال ‪ :‬أما ولله يا شيخ لو عرفت بقدر شوقي إليهم وقدر‬
‫ي ‪..‬‬
‫شوقهم إل ّ‬
‫هل تصدق يا شيخ أن أمي قد سافرت أكثر من أربعمائة ميل لتدعو لي عند‬
‫ضريح قبر الشيخ فلن ‪ ..‬وتسأله أن يردني إليها ‪ !!..‬فهو رجل مبارك تقبل‬
‫منه الدعوات ‪ ..‬ويقضي الكربات ‪ ..‬ويسمع دعاء الداعين ‪ ..‬حتى بعد‬
‫موته ‪!!..‬‬
‫أما الثاني ‪:‬‬
‫فقد حدثني شيخنا العلمة عبد الله بن جبرين ‪ ..‬قال ‪:‬‬
‫كنت على صعيد عرفات ‪ ..‬والناس في بكاء ودعوات ‪ ..‬قد لفوا أجسادهم‬
‫بالحرام ‪ ..‬ورفعوا أكفهم إلى الملك العلم ‪..‬‬
‫وبينما نحن في خشوعنا وخضوعنا ‪ ..‬نستنزل الرحمات من السماء ‪..‬‬
‫لفت نظري شيخ كبير ‪ ..‬قد رق عظمه ‪ ..‬وضعف جسده ‪ ..‬وانحنى ظهره ‪..‬‬
‫وهو يردد ‪ :‬يا شيخ فلن ‪ ..‬أسألك أن تكشف كربتي ‪ ..‬اشفع لي ‪..‬‬
‫وارحمني ‪ ..‬ويبكي وينتحب ‪..‬‬
‫فانتفض جسدي ‪ ..‬واقشعّر جلدي ‪ ..‬وصحت به ‪ :‬اتق الله ‪ ..‬كيف تدعو غير‬
‫ك ‪ ..‬ل يسمعك ول‬ ‫الله !! وتطلب الحاجات من غير الله !! الجيلني عبد ٌ مملو ٌ‬
‫يجيبك ‪ ..‬ادع ُ الله وحده ل شريك له ‪..‬‬
‫ي ثم قال ‪ :‬إليك عني يا عجوز ‪ ..‬أنت ما تعرف قدر الشيخ فلن‬ ‫فالتفت إل ّ‬
‫ً‬
‫عند الله !!‪ ..‬أنا أؤمن يقينا أنه ما تنزل قطرة من السماء ‪ ..‬ول تنبت حبة من‬
‫الرض إل بإذن هذا الشيخ ‪..‬‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فلما قال ذلك ‪ ..‬قلت له ‪ :‬تعالى الله ‪ ..‬ماذا أبقيت لله ‪..‬‬
‫فلما سمع مني ذلك ‪ ..‬ولني ظهره ومضى ‪..‬‬
‫وأما الثالث ‪ ..‬والرابع ‪ ..‬والخامس ‪ ..‬فأخبارهم فيما بين يديك من أوراق ‪..‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫فسبحان الله ‪ ..‬أين هؤلء اللجئين إلى غير مولهم ‪ ..‬الطالبين حاجاتهم من‬
‫موتاهم ‪..‬‬
‫المتجهين بكرباتهم إلى عظام باليات ‪ ..‬وأجساد جامدات ‪ ..‬أينهم عن الله ‪!!..‬‬
‫الملك الحق المبين !! الذي يرى حركات الجنين ‪ ..‬ويسمع دعاء المكروبين ‪..‬‬
‫ول يرضى أن يدعوا عباده سواه ‪..‬‬
‫ك إن شئت على حال المة ‪ ..‬وقلب طرفك في بلد السلم ‪ ..‬لترى‬ ‫فاب ِ‬
‫ً‬
‫أضرحة ومقامات ‪ ..‬وقبورا ورفات ‪ ..‬صارت هي الملجأ عند الملمات ‪..‬‬
‫والمفزع عند الكربات ‪..‬‬
‫نشأ عليها الصغير ‪ ..‬وشاب عليها الكبير ‪..‬‬
‫فهذه كلمات لهم وهمسات‪ ..‬وأحاديث ونداءات‪ ..‬بل هي صرخات وصيحات‪..‬‬
‫وابتهالت ودعوات‪ ..‬للغارقين والغارقات‪..‬‬
‫الذين تلطمت بهم المواج ‪ ..‬وضلوا في الفجاج ‪..‬‬
‫حتى تخلفوا عن سفينة النجاة ‪ ..‬وماتوا وهم مشركون ‪ ..‬وهم يحسبون أنهم‬
‫مسلمون ‪..‬‬
‫إنها سفينة التوحيد ‪ ..‬التي هي كسفينة نوح ‪ ..‬من ركبها نجا ومن تخلف عنها‬
‫هلك ‪..‬‬
‫وكم رأينا في بلد السلم ‪ ..‬من أقارب وإخوان ‪ ..‬وجيران وخلن ‪ ..‬ض ّ‬
‫ل‬
‫سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ً ‪..‬‬
‫لذا جاء هذا الكتاب نداًء لهم جميعا ً بأن يعبدوا الله وحده ل شريك له ‪..‬‬
‫كتبه ‪/‬‬
‫د‪ .‬محمد بن عبد الرحمن العريفي‬
‫دكتوراه في العقيدة والمذاهب المعاصرة‬
‫‪arefe@arefe.com‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫البحر المتلطم ‪..‬‬
‫كانت الدنيا مليئة بالمشركين ‪ ..‬هذا يدعو صنما ً ‪ ..‬وذاك يرجو قبرا ً ‪..‬‬
‫والثالث يعبد بشرا ً ‪ ..‬والرابع يعظم شجرا ً ‪..‬‬
‫نظر إليهم ربهم فمقتهم عربهم وعجمهم ‪ ..‬إل بقايا من موحدي أهل‬
‫الكتاب ‪..‬‬
‫وكان من بين هؤلء السادرين ‪..‬‬
‫سيد من السادات ‪ ..‬هو عمرو بن الجموح ‪..‬‬
‫كان له صنم اسمه مناف ‪ ..‬يتقرب إليه ‪ ..‬ويسجد بين يديه ‪..‬‬
‫مناف ‪ ..‬هو مفزعه عند الكربات ‪ ..‬وملذه عند الحاجات ‪..‬‬
‫صنم صنعه من خشب ‪ ..‬لكنه أحب إليه من أهله وماله ‪..‬‬
‫وكان شديد السراف في تقديسه ‪ ..‬وتزيينه وطييبه وتلبيسه ‪..‬‬
‫وكان هذا دأبه مذ عرف الدنيا ‪ ..‬حتى جاوز عمره الستين سنة ‪..‬‬
‫فلما ُبعث النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ‪ ..‬وأرسل مصعب بن عمير‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة ومعلما ً لهل المدينة ‪ ..‬أسلم ثلثة أولد لعمرو بن‬ ‫رضي الله عنه ‪ ..‬داعي ً‬
‫الجموح مع أمهم دون أن يعلم ‪..‬‬
‫فعمدوا إلى أبيهم فأخبروه بخبر هذا الداعي المعلم وقرؤوا عليه القرآن ‪..‬‬
‫وقالوا ‪ :‬يا أبانا قد اتبعه الناس فما ترى في اتباعه ؟‬
‫فقال ‪ :‬لست أفعل حتى أشاور مناف فَأنظ َُر ما يقول !!‬
‫ثم قام عمرو إلى مناف ‪ ..‬وكانوا إذا أرادوا أن يكلموا أصنامهم جعلوا خلف‬
‫الصنم عجوزا ً تجيبهم بما يلهمها الصنم في زعمهم ‪..‬‬
‫أقبل عمرو يمشي بعرجته إلى مناف ‪ ..‬وكانت إحدى رجليه أقصر من الخرى‬
‫‪ ..‬فوقف بين يدي الصنم ‪ ..‬معتمدا ً على رجله الصحيحة ‪ ..‬تعظيما ً واحتراما ً ‪..‬‬
‫ثم حمد الصنم وأثنى عليه ثم قال ‪:‬‬
‫ً‬
‫يا مناف ‪ ..‬ل ريب أنك قد علمت بخبر هذا القادم ‪ ..‬ول يريد أحدا بسوء‬
‫ي يا مناف ‪ ..‬فلم يرد ّ الصنم شيئا ً‬ ‫شْر عل ّ‬ ‫سواك ‪ ..‬وإنما ينهانا عن عبادتك ‪ ..‬فأ ِ‬
‫‪ ..‬فأعاد عليه فلم يجب ‪..‬‬
‫ً‬
‫فقال عمرو ‪ :‬لعلك غضبت ‪ ..‬وإني ساكت عنك أياما حتى يزول غضبك ‪..‬‬
‫ثم تركه وخرج ‪ ..‬فلما أظلم الليل ‪ ..‬أقبل أبناؤه إلى مناف ‪..‬‬
‫فحملوه وألقوه في حفرة فيها أقذار وجيف ‪..‬‬
‫فلما أصبح عمرو دخل إلى صنمه لتحيته فلم يجده ‪..‬‬
‫فصاح بأعلى صوته ‪ :‬ويلكم !! من عدا على إلهنا الليلة ‪ ..‬فسكت أهله ‪..‬‬
‫ففزع ‪..‬واضطرب ‪..‬وخرج يبحث عنه ‪..‬فوجده منكسا ً على رأسه في‬
‫الحفرة‪..‬فأخرجه وطيبه وأعاده لمكانه‪..‬‬
‫ت من فعل هذا لخزيته ‪..‬‬ ‫وقال له ‪ :‬أما والله يا مناف لو علم ُ‬
‫فلما كانت الليلة الثانية أقبل أبناؤه إلى الصنم ‪ ..‬فحملوه وألقوه في تلك‬
‫الحفرة المنتنة ‪..‬‬
‫فلما أصبح الشيخ التمس صنمه ‪ ..‬فلم يجده في مكانه ‪..‬‬
‫فغضب وهدد وتوعد ‪ ..‬ثم أخرجه من تلك الحفرة فغسله وطيبه ‪..‬‬
‫ثم ما زال الفتية يفعلون ذلك بالصنم كل ليلة وهو يخرجه كل صباح فلما‬
‫ضاق بالمر ذرعا ً راح إليه قبل منامه وقال ‪ :‬ويحك يا مناف إن العنز لتمنع‬
‫سَتها ‪..‬‬ ‫ُ‬
‫أ ْ‬
‫ثم علق في رأس الصنم سيفا ً وقال ‪ :‬ادفع عدوك عن نفسك ‪..‬‬
‫ة الصنم وربطوه بكلب ميت وألقوه في بئر يجتمع‬ ‫ل حمل الفتي ُ‬ ‫ن اللي ُ‬
‫ج ّ‬‫فلما َ‬
‫فيها النتن ‪ ..‬فلما أصبح الشيخ بحث عن مناف فلما رآه على هذا الحال في‬
‫البئر قال ‪:‬‬
‫ورب يبول الثعلبان برأسه *** لقد خاب من بالت عليه الثعالب‬
‫ثم دخل في دين الله ‪ ..‬وما زال يسابق الصالحين في ميادين الدين ‪..‬‬
‫وانظر إليه ‪ ..‬لما أراد المسلمون الخروج إلى معركة بدر ‪ ..‬منعه أبناؤه لكبر‬
‫سنه ‪ ..‬وشدة عرجه ‪ ..‬فأصر على الخروج للجهاد‪ ..‬فاستعانوا برسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فأمره بالبقاء في المدينة ‪ ..‬فبقي فيها ‪..‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫حد ‪ ..‬أراد عمرو الخروج للجهاد ‪ ..‬فمنعه أبناؤه ‪ ..‬فلما‬‫فلما كانت غزوة أ ُ‬
‫أكثروا عليه ‪ ..‬ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ..‬يدافع عبرته ‪..‬‬
‫ي يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك إلى‬ ‫ويقول ‪ ) :‬يا رسول الله إن بن ّ‬
‫الجهاد ‪..‬‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال ‪ :‬إن الله قد عذرك ‪..‬‬


‫فقال ‪ ..‬يا رسول الله ‪ ..‬والله إني لرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة ‪..‬‬
‫فأذن له صلى الله عليه وسلم بالخروج ‪ ..‬فأخذ سلحه وقال ‪ :‬اللهم ارزقني‬
‫الشهادة ول ترّدني إلى أهلي ‪..‬‬
‫فلما وصلوا إلى ساحة القتال ‪ ..‬والتقى الجمعان ‪ ..‬وصاحت البطال ‪..‬‬
‫ورميت النبال ‪..‬‬
‫انطلق عمرو يضرب بسيفه جيش الظلم ‪ ..‬ويقاتل عباد الصنام ‪..‬‬
‫حتى توجه إليه كافر ‪ ..‬بضربة سيف ك ُت َِبت له بها الشهادة ‪..‬‬
‫فدفن رضي الله عنه ‪ ..‬ومضى مع الذين أنعم الله عليهم ‪..‬‬
‫وبعد ست وأربعين سنة في عهد معاوية رضي الله عنه ‪..‬‬
‫طى أرض القبور ‪..‬‬ ‫نزل بمقبرة شهداء أحد ‪ ..‬سيل شديد ‪ ..‬غ ّ‬
‫فسارع المسلمون إلى نقل ُرفات الشهداء ‪ ..‬فلما حفروا عن قبر عمرو بن‬
‫الجموح ‪ ..‬فإذا هو كأنه نائم ‪ ..‬لّين جسده ‪ ..‬تتثنى أطرافه ‪ ..‬لم تأكل الرض‬
‫من جسده شيئا ً ‪..‬‬
‫فتأمل كيف ختم الله له بالخير لما رجع إلى الحق لما تبين له ‪..‬‬
‫بل انظر كيف أظهر الله كرامته في الدنيا قبل الخرة ‪ ..‬لما حقق ل إله إل‬
‫الله ‪..‬‬
‫هذه الكلمة التي قامت بها الرض والسموات ‪ ..‬وفطر الله عليها جميع‬
‫المخلوقات ‪ ..‬وهي سبب دخول الجنة ‪..‬‬
‫ولجلها خلقت الجنة والنار ‪ ..‬وانقسم الخلق إلى مؤمنين وكفار ‪ ..‬وأبرار‬
‫وفجار ‪..‬‬
‫فل تزول قدما العبد بين يدي الله حتى يسأل عن مسألتين ماذا كنتم تعبدون‬
‫وماذا أجبتم المرسلين ‪..‬‬
‫*********‬
‫سفينة النجاة ‪..‬‬
‫وكم من إنسان هلك مع الهالكين ‪ ..‬واستحق اللعنة إلى يوم الدين ‪ ..‬بسبب‬
‫أنه لم يحقق التوحيد ‪..‬‬
‫فالله هو الرب الواحد ‪ ..‬ل يتوكل العبد إل عليه ‪ ..‬ول يرغب إل إليه ‪..‬‬
‫ول يرهب إل منه ‪ ..‬ول يحلف إل باسمه ‪ ..‬ول ينذر إل له ‪ ..‬ول يتوب إل إليه ‪..‬‬
‫فهذا هو تحقيق شهادة أن ل إله إل الله ‪ ..‬ولهذا حرم الله على النار من شهد‬
‫أن ل إله إل الله حقيقة الشهادة ‪..‬‬
‫وانظر إلى معاذ رضي الله عنه ‪ ..‬لما مشى خلف النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ ..‬فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم فجأة ثم سأله ‪..‬‬
‫يا معاذ ‪ :‬أتدري ما حق الله على العباد ‪ ..‬وما حق العباد على الله ‪..‬‬
‫قال ‪ :‬الله ورسوله أعلم ‪..‬‬
‫فقال صلى الله عليه وسلم ‪ :‬حق الله على العباد أن يعبدوه ول يشركوا به‬
‫شيئا ً ‪ ..‬وحق العباد على الله أن ل يعذب من ل يشرك به شيئا ً ‪..‬‬
‫وفي حديث آخر ‪ ..‬أنه رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ..‬أي ذنب عند الله أعظم ‪ ..‬فقال صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ :‬أن تجعل لله ندا ً وهو خلقك ‪..‬‬
‫*********‬
‫ْ‬
‫قد ْ ب َعَثَنا ِفي‬ ‫َ‬
‫نعم ‪ ..‬التوحيد من أجله ‪ ..‬بعث الله الرسل ‪ ..‬قال تعالى ‪ } :‬وَل َ‬
‫جت َن ُِبوا ال ّ‬ ‫َ‬ ‫كُ ّ ُ‬
‫ت { ‪ ..‬والطاغوت هو كل ما‬ ‫غو َ‬‫طا ُ‬ ‫ه َوا ْ‬‫دوا الل ّ َ‬ ‫سول ً أ ِ‬
‫ن اعْب ُ ُ‬ ‫مةٍ َر ُ‬
‫لأ ّ‬
‫عبد من دون الله ‪ ..‬من صنم أو حجر ‪ ..‬أو قبر أو شجر ‪..‬‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫لم َ‬ ‫والتوحيد هو مهمة الرسل الولى كما قال تعالى ‪ } :‬وا َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫سل َْنا ِ‬‫ن أْر َ‬‫سأ ْ َ ْ‬‫َ ْ‬
‫َ‬
‫ن { ‪ ..‬بل إن الخلق لم‬ ‫دو َ‬
‫ة ي ُعْب َ ُ‬
‫ن آل ِهَ ً‬
‫م ِ‬
‫ح َ‬‫ن الّر ْ‬
‫ن ُدو ِ‬‫م ْ‬‫جعَل َْنا ِ‬‫سل َِنا أ َ‬‫ن ُر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬‫قَب ْل ِ َ‬
‫يخلقوا إل ليوحدوا الله قال تعالى ‪ } :‬وما خلقت الجن والنس إل‬
‫ليعبدون { ‪..‬‬
‫شَر ُ‬
‫كوا‬ ‫َ‬
‫والعمال كلها متوقفة في قبولها على التوحيد ‪ ..‬قال تعالى ‪ } :‬وَل َوْ أ ْ‬
‫ن { ‪ ..‬ومن حقق التوحيد نجا ‪ ..‬كما صح في‬ ‫مُلو َ‬‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬‫م َ‬ ‫ط عَن ْهُ ْ‬‫حب ِ َ‬‫لَ َ‬
‫الحديث القدسي عند الترمذي ‪ ..‬أن الله تعالى قال ‪ :‬يا ابن آدم لو أتيتني‬
‫بقراب الرض خطايا ثم لقيتني ل تشرك بي شيئا ً لتيتك بقرابها مغفرة ‪..‬‬
‫ولعظم أمر التوحيد ‪ ..‬خاف النبياء من فقده ‪..‬‬
‫فذاك أبو الموحدين ‪ ..‬محطم الصنام ‪ ..‬وباني البيت الحرام ‪ ..‬إبراهيم عليه‬
‫السلم ‪ ..‬يبتهل إلى الملك العلم ‪ ..‬ويقول ‪ } :‬واجنبني وبني أن نعبد الصنام‬
‫{ ‪ ..‬ومن يأمن البلء بعد إبراهيم ؟ ‪..‬‬
‫*********‬
‫بداية النحراف ‪..‬‬
‫أول ما حدث الشرك في قوم نوح ‪..‬‬
‫فبعث الله نوحا ً ‪ ..‬فنهاهم عن الشرك ‪ ..‬فمن أطاعه ووحد الله نجى ‪..‬‬
‫ومن ظل على شركه ‪ ..‬أهلكه الله بالطوفان ‪ ..‬وبقي الناس بعد نوح على‬
‫التوحيد زمانا ً ‪..‬‬
‫ثم بدأ إبليس في الفساد ‪ ..‬ونشر الشرك بين العباد ‪ ..‬ولم يزل الله تعالى‬
‫يبعث المرسلين مبشرين ومنذرين ‪..‬‬
‫إلى أن بعث خاتم النبيين محمدا ً صلى الله عليه وسلم‪ ..‬فدعا إلى التوحيد ‪..‬‬
‫وجاهد المشركين ‪..‬وكسر الصنام ‪..‬‬
‫ومضت المة من بعده على التوحيد ‪..‬‬
‫إلى أن عاد الشرك إلى بعض المة بسبب تعظيم الولياء والصالحين ‪..‬‬
‫حتى بنيت الضرحة على قبورهم ‪ ..‬وصرف الدعاء والستغاثة والذبح والنذر‬
‫لمقاماتهم ‪..‬‬
‫وسموا هذا الشرك توسل بالصالحين ومحبة لهم بزعمهم ‪ ..‬وزعموا أن‬ ‫ً‬
‫محبتهم لهؤلء وتعظيم قبورهم ‪ ..‬تقربهم إلى الله زلفى ‪..‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫ونسوا أن هذه حجة المشركين الولين حيث قالوا عن أصنامهم ‪ } :‬ما‬


‫نعبدهم إلى ليقربونا إلى الله زلفى { ‪..‬‬
‫والعجب أنك إذا أنكرت على هؤلء شركهم ‪ ..‬قالوا لك ‪ ..‬كل بل نحن‬
‫موحدون ‪ ..‬ولربنا عابدون ‪..‬‬
‫ويظنون أن معنى التوحيد هو القرار بوجود الله وأحقيته بالعبادة دون غيره ‪..‬‬
‫وهذا مفهوم قاصر ‪ ..‬بل مفهوم باطل للتوحيد ‪..‬‬
‫فأبو جهل ‪ ..‬وأبو لهب ‪ ..‬بهذا المفهوم موحدون ‪ ..‬فإنهم يعتقدون أن الله هو‬
‫الله العظم المستحق للعبادة ‪ ..‬لكنهم أشركوا معه آلهة أخرى ظنوا أنها‬
‫توصل إليه ‪ ..‬وتشفع لهم عنده ‪..‬‬
‫قصة ‪..‬‬
‫روى البيهقي وغيره ‪ :‬أنه لما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم بدعوته بين‬
‫الناس ‪ ..‬حاول كفار قريش أن ينفروا الناس عنده ‪ ..‬فقالوا ‪ :‬ساحر ‪..‬‬
‫كاهن ‪ ..‬مجنون ‪..‬‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لكنهم وجدوا أن أتباعه يزيدون ول ينقصون ‪..‬‬


‫فاجتمع رأيهم على أن يغروه بمال ودنيا ‪..‬‬
‫فأرسلوا إليه حصين بن المنذر الخزاعي ‪ ..‬وكان من كبارهم ‪..‬‬
‫فلما دخل عليه حصين ‪ ..‬قال ‪ :‬يا محمد ‪ ..‬فرقت جماعتنا ‪ ..‬وشتت شملنا ‪..‬‬
‫وفعلت ‪ ..‬وفعلت ‪ ..‬فإن كنت تريد مال ً جمعنا لك حتى تكون أكثرنا مال ً ‪..‬‬
‫وإن أردت نساًء زوجناك أجمل النساء ‪ ..‬وإن كنت تريد ملكا ً ملكناك علينا ‪..‬‬
‫ومضى في كلمه وإغرائه ‪..‬والنبي صلى الله عليه وسلم ينصت إليه ‪..‬‬
‫فلما انتهى من كلمه ‪ ..‬قال له صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أفرغت يا أبا‬
‫عمران ‪..‬‬
‫قال ‪ :‬نعم ‪ ..‬قال ‪ :‬فأجبني عما أسألك ‪ ..‬قال ‪ :‬سل عما بدا لك ‪..‬‬
‫قال ‪ :‬يا أبا عمران ‪ ..‬كم إلها ً تعبد ؟ قال ‪ :‬أعبد سبعة ‪ ..‬ستة في الرض ‪..‬‬
‫وواحدا ً في السماء !!‬
‫قال ‪ :‬فإذا هلك المال ‪ ..‬من تدعوا !؟‬
‫قال ‪ :‬أدعوا الذي في السماء ‪ ..‬قال ‪ :‬فإذا انقطع القطر من تدعوا ؟‬
‫قال ‪ :‬أدعوا الذي في السماء ‪ ..‬قال ‪ :‬فإذا جاع العيال ‪ ..‬من تدعوا ؟‬
‫قال ‪ :‬أدعوا الذي في السماء ‪ ..‬قال ‪ :‬فيستجيب لك وحده ‪ ..‬أم يستجيبون‬
‫لك كلهم ‪..‬‬
‫قال ‪ :‬بل يستجيب وحده ‪..‬‬
‫فقال صلى الله عليه وسلم ‪ :‬يستجيب لك وحده ‪ ..‬وينعم عليك وحده ‪..‬‬
‫وتشركهم في الشكر ‪ ..‬أم أنك تخاف أن يغلبوه عليك ‪ ..‬قال حصين ‪ :‬ل ‪ ..‬ما‬
‫يقدرون عليه ‪..‬‬
‫فقال صلى الله عليه وسلم ‪ :‬يا حصين ‪..‬أسلم أعلمك كلمات ينفعك الله بهن‬
‫‪..‬فقيل إنه أسلم فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم دعاء يدعو به‪..‬‬
‫حقيقة ‪..‬‬
‫نعم كانوا يعبدون اللت والعزى ‪ ..‬لكنهم يعتبرونها آلة صغيرة تقربهم إلى‬
‫الله العظم وهو الله جل جلله ‪ ..‬ويصرفون لها أنواعا ً من العبادات ‪..‬‬
‫لتشفع لهم عند الله ‪ ..‬لذا كانوا يقولون } ما نعبدهم إل ليقربونا إلى الله‬
‫زلفى { ‪..‬‬
‫كانوا يعتقدون أن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت ‪..‬‬
‫مد ُ ل ِل ّهِ ب َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ح‬
‫َ ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ل‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫ه قُ ِ‬ ‫قول ُ ّ‬
‫ض ل َي َ ُ‬
‫ت َواْلْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬
‫س َ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫سأل ْت َهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫} وَل َئ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن { ‪..‬‬‫مو َ‬‫م ل ي َعْل َ ُ‬ ‫أك ْث َُرهُ ْ‬
‫وفي الصحيحين وغيرهما ‪..‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خيل ً جهة‬
‫نجد ‪ ..‬لينظروا له ما حول المدينة ‪..‬‬
‫فبنما هم يتجولون على دوابهم ‪ ..‬فإذا برجل قد تقلد سلحه ‪ ..‬ولبس الحرام‬
‫‪ ..‬وهو يلبي قائل ً ‪ :‬لبيك اللهم لبيك ‪ ..‬لبيك ل شريك لك ‪ ..‬إل شريكا ً هو لك ‪..‬‬
‫تملكه وما ملك ‪ ..‬ويردد ‪ :‬إل شريكا ً هو لك ‪ ..‬تملكه وما ملك ‪..‬‬
‫فأقبل الصحابة عليه ‪ ..‬وسألوه أين يريد ‪ ..‬فأخبرهم أنه يريد مكة ‪ ..‬فنظروا‬
‫في حاله فإذا هو قد أقبل من ديار مسيلمة الكذاب ‪ ..‬الذي ادعى النبوة ‪..‬‬
‫فربطوه وأوثقوه وجاؤوا به إلى المدينة ‪ ..‬ليراه النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ..‬ويقضي فيه ما شاء ‪..‬‬
‫فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ..‬قال لصحابه ‪ :‬أتدون من أسرتم ‪..‬‬
‫هذا ثمامة بن أثال سيد بني حنيفة ‪..‬‬
‫ثم قال اربطوه في سارية من سواري المسجد ‪ ..‬وأكرموه ‪..‬‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثم ذهب صلى الله عليه وسلم إلى بيته وجمع ما عنده من طعام وأرسل به‬
‫إليه ‪ ..‬وأمر بدابة ثمامة أن تعلف ويعتنى بها ‪ ..‬وتعرض أمامه في الصباح‬
‫والمساء ‪..‬‬
‫فربطوه بسارية من سواري المسجد ‪ ..‬فخرج إليه النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فقال ‪ :‬ما عندك يا ثمامة ؟‬
‫قال ‪ :‬عندي خير يا محمد ‪ ..‬إن تقتلني تقتل ذا دم ‪ ) ..‬أي ينتقم لي‬
‫قومي ( ‪ ..‬و إن تنعم تنعم على شاكر ‪ ..‬وإن كنت تريد المال فسل منه ما‬
‫شئت ‪..‬‬
‫فتركه صلى الله عليه وسلم حتى كان الغد ‪ ..‬ثم قال له ‪ :‬ما عندك يا‬
‫ثمامة ؟‬
‫فقال ‪ :‬عندي ما قلت لك إن تقتلني تقتل ذا دم ‪ ..‬و إن تنعم تنعم على شاكر‬
‫‪ ..‬و إن كنت تريد المال فسل منه ما شئت ‪..‬‬
‫فتركه صلى الله عليه وسلم حتى بعد الغد ‪ ..‬فمر به فقال ‪ :‬ما عندك يا‬
‫ثمامة ؟‬
‫فقال ‪ :‬عندي ما قلت لك ‪..‬‬
‫فلما رأى صلى الله عليه وسلم أنه ل رغبة له في السلم ‪ ..‬وقد رأى صلة‬
‫المسلمين ‪ ..‬وسمع حديثم ‪ ..‬ورأى كرمهم ‪..‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أطلقوا ثمامة ‪..‬‬
‫فأطلقوه ‪ ..‬وأعطوه دابته وودعوه ‪..‬‬
‫فانطلق ثمامة إلى ماء قريب من المسجد ‪ ..‬فاغتسل ‪ ..‬ثم دخل المسجد ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬أشهد أن ل إله إل الله وأن محمدا ً رسول الله ‪..‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫يا محمد والله ما كان على وجه الرض وجه أبغض إلي من وجهك ‪ ..‬فقد‬
‫أصبح وجهك أحب الوجوه إلي ‪..‬‬
‫و الله ما كان دين أبغض إلي من دينك ‪ ..‬فأصبح دينك أحب الدين إلي ‪..‬‬
‫والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلد إلي ‪..‬‬
‫ثم قال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ..‬إن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى ؟‬
‫فبشره النبي صلى الله عليه وسلم بالخير ‪ ..‬وأمره أن يكمل طريقه إلى مكة‬
‫ويعتمر ‪..‬‬
‫فذهب إلى مكة يلبي بالتوحيد قائل ً ‪ ..‬لبيك ل شريك لك ‪ ..‬لبيك ل شريك‬
‫لك ‪..‬‬
‫نعم أسلم فقال ‪ :‬لبيك ل شريك لك ‪ ..‬فل قبر مع الله يعبد ‪ ..‬ول صنم ُيصّلى‬
‫جد ‪..‬‬‫س َ‬‫له وي ُ ْ‬
‫ثم دخل ثمامة رضي الله عنه مكة ‪ ..‬فتسامع به سادات قريش فأقبلوا‬
‫عليه ‪..‬‬
‫فسمعوا تلبيته فإذا هو يقول ‪ ..‬لبيك ل شريك لك ‪ ..‬لبيك ل شريك لك ‪..‬‬
‫فقال له قائل ‪ :‬أصبوت ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ..‬ولكن أسلمت مع محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪..‬‬
‫فهموا به أن يؤذوه ‪ ..‬فصاح بهم وقال ‪:‬‬
‫ول و الله ‪ ..‬ل تأتيكم من اليمامة حبة حنطة ‪ ..‬حتى يأذن فيها النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪..‬‬
‫كانوا يعظمون الله ‪ ..‬أكثر من تعظيمهم لهذه اللهة ‪..‬‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فقل لي بربك ‪ ..‬ما الفرق بين شرك أبي جهل وأبي لهب ‪..‬‬
‫وبين من يذبح اليوم عند قبر ‪ ..‬أو يسجد على أعتاب ضريح ‪ ..‬أو يذبح له‬
‫ويطوف ‪..‬‬
‫أو يقف عند مشهد الولي ذليل ً خاضعا ً ‪ ..‬منكسرا ً خاشعا ً ‪..‬‬
‫يسأله الحاجات ‪ ..‬وكشف الكربات ‪ ..‬يلتمس من عظام باليات شفاء المريض‬
‫‪ ..‬ورد المسافر ‪..‬‬
‫عجبا ً ‪ ..‬والله يقول ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م إِ ْ‬ ‫جيُبوا ل َك ُ ْ‬ ‫م فَل ْي َ ْ‬
‫ست َ ِ‬ ‫عوهُ ْ‬ ‫مَثال ُك ُ ْ‬
‫م َفاد ْ ُ‬ ‫عَباد ٌ أ ْ‬ ‫ن الل ّهِ ِ‬ ‫ن ُدو ِ‬‫م ْ‬‫ن ِ‬‫عو َ‬‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫} إِ ّ‬
‫ن { ‪..‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫*********‬
‫وهذا الشرك ‪..‬الذي يقع عند القبور من ذبح لها ‪..‬وتقرب إلى أهلها ‪..‬وطواف‬
‫عليها‪..‬هو أعظم الذنوب ‪..‬‬
‫نعم أعظم من الزنا ‪ ..‬وأعظم من شرب الخمر ‪ ..‬والقتل ‪ ..‬وعقوق‬
‫ن ذ َل ِكَ‬‫ما ُدو َ‬ ‫فُر َ‬‫ك ب ِهِ وَي َغْ ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫فُر َأن ي ُ ْ‬ ‫ه ل َ ي َغْ ِ‬‫ن الل ّ َ‬
‫الوالدين ‪ ..‬وقد قال تعالى ) إ ِ ّ‬
‫شاء ( ‪..‬‬ ‫من ي َ َ‬ ‫لِ َ‬
‫نعم ‪ ..‬الله ل يغفر أن يشرك به ‪ ..‬بينما قد يغفر الله للزناة ‪ ..‬ويعفو عن‬
‫القتلة والجناة ‪..‬‬
‫ولقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين ‪:‬‬
‫أن امرأة بغيا ً من بني إسرائيل كانت تمشي في صحراء ‪..‬‬
‫فرأت كلبا ً بجوار بئر يصعد عليه تارة ‪ ..‬ويطوف به تارة ‪..‬‬
‫في يوم حار قد أدلع لسانه من شدة الظمأ ‪ ..‬قد كاد يقتله العطش ‪..‬‬
‫فلما رأته هذه البغي ‪..‬‬
‫التي طالما عصت ربها ‪ ..‬وأغوت غيرها ‪ ..‬ووقعت في الفواحش والثام ‪..‬‬
‫وأكلت المال الحرام ‪ ..‬لما رأت هذا الكلب ‪ ..‬نزعت خفها ‪ ..‬حذاءها ‪..‬‬
‫وأوثقته بخمارها فنزعت له من الماء ‪ ..‬وسقته ‪..‬‬
‫فغفر الله لها بذلك ‪ ..‬الله أكبر ‪ ..‬غفر الله لها ‪ ..‬بماذا ‪..‬؟‬
‫هل كانت تقوم الليل وتصوم النهار ؟! هل قتلت في سبيل الله ؟!‬
‫ة من ماء ‪ ..‬فغفر الله لها ‪ ..‬لنها كانت تقع في‬ ‫كل ‪ ..‬وإنما سقت كلبا ً شرب ً‬
‫المعاصي لكنها ما كانت تشرك بالله وليا ً ول قبرا ً ‪ ..‬ول تعظم حجرا ً ول‬
‫بشرا ً ‪ ..‬فغفر الله لها ‪..‬‬
‫فما أقرب المغفرة من العاصين وما أبعدها عن المشركين ‪..‬‬
‫*********‬
‫قصة ‪..‬‬
‫بعض الناس يفزع ويضطرب ‪ ..‬ويحزن إذا رأى كثرة الزناة وشراب الخمور ‪..‬‬
‫بينما ل يتأثر وهو يرى كثرة من يتمسحون بأعتاب القبور ويصرفون لها أنواع‬
‫العبادات ‪ ..‬مع أن الزنى وشرب الخمر معاص كبار ‪ ..‬لكنها ل تخرج من ملة‬
‫السلم ‪ ..‬بينما صرف شيء من العبادة لغير الله هو شرك يموت به النسان‬
‫كافرا ً ‪..‬‬
‫ولذا كان العلماء الربانيون يجعلون تدريس العقيدة أصل الصول ‪..‬‬
‫كان الشيخ محمد ‪-‬رحمه الله ‪ -‬قد ألف كتاب التوحيد ‪..‬وأخذ يشرحه‬
‫لطلبه ‪..‬ويعيد ويكرر مسائله عليهم ‪..‬‬
‫فقال له طلبه يوما ً ‪ :‬يا شيخ نريد أن تغير لنا الدرس إلى مواضيع أخرى ‪..‬‬
‫قصص ‪ ..‬سيرة ‪..‬تاريخ ‪..‬‬
‫قال الشيخ ‪ :‬سننظر في ذلك إن شاء الله ‪..‬‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثم خرج إليهم من الغد مهموما ً مفكرا ً ‪..‬‬


‫فسألوه عن سبب حزنه فقال ‪ :‬سمعت أن رجل ً في قرية مجاورة ‪ ..‬سكن‬
‫بيتا ً جديدا ً ‪ ..‬وخاف من تعرض الجن له فذبح ديكا ً عند عتبة باب البيت ‪..‬‬
‫تقربا ً إلى الجن ‪ ..‬ولقد أرسلت من يتثبت لي من هذا المر ‪..‬‬
‫فلم يتأثر الطلب كثيرا ً ‪ ..‬وإنما دعوا لذاك الرجل بالهداية ‪ ..‬وسكتوا ‪..‬‬
‫وفي الغد لقيهم الشيخ ‪ ..‬فقال ‪..‬‬
‫ي ‪..‬‬
‫تثبتنا من خبر البارحة ‪ ..‬فإذا المر على خلف ما نقل إل ّ‬
‫فإن الرجل لم يذبح ديكا ً تقربا ً إلى الجن ‪ ..‬ولكنه زنا بأمه ‪..‬‬
‫فثار الطلب وانفعلوا ‪ ..‬وسبوا وأكثروا ‪ ..‬وقالوا ل بد من النكار عليه ‪..‬‬
‫ومناصحته ‪ ..‬وعقوبته ‪ ..‬وكثر هرجهم ومرجهم ‪..‬‬
‫فقال الشيخ ‪ :‬ما أعجب أمركم ‪ ..‬تنكرون هذا النكار على من وقع في كبيرة‬
‫من الكبائر ‪ ..‬وهي لم تخرجه من السلم ‪..‬‬
‫ول تنكرون على من وقع في الشرك ‪ ..‬وذبح لغير الله ‪ ..‬وصرف العبادة لغير‬
‫الله ‪..‬‬
‫فسكت الطلب ‪ ..‬فأشار الشيخ إلى أحدهم وقال ‪ ..‬قم ناولنا كتاب التوحيد‬
‫نشرحه من جديد ‪..‬‬
‫*********‬

‫)‪(16 /‬‬

‫والشرك أعظم الذنوب ‪ ..‬ول يغفره الله أبدا ً ‪ ..‬قال الله } إن الشرك لظلم‬
‫عظيم { ‪..‬‬
‫والجنة حرام على المشركين ‪ ..‬وهم مخلدون في النار ‪ ..‬قال تعالى ‪ ) :‬إنه‬
‫من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من‬
‫أنصار ( ‪..‬‬
‫ومن وقع في الشرك ‪ ..‬أفسد عليه هذا الشرك ‪ ..‬جميع عباداته من صلة‬
‫وصوم وحج وجهاد وصدقة ‪ ..‬قال تعالى ‪ } :‬ولقد أوحي إليك وإلى الذين من‬
‫قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين { ‪..‬‬
‫*********‬
‫والشرك له صور متعددة ‪:‬‬
‫منها ما يخرج من الملة ‪ ..‬ويخلد صاحبه في النار إذا مات ولم يتب منه ‪..‬‬
‫كدعاء غير الله ‪ ..‬والتقرب بالذبائح والنذور لغير الله ‪ ..‬من القبور ‪ ..‬والجن ‪..‬‬
‫والشياطين ‪ ..‬والخوف من الموتى ‪ ..‬أو الجن والشياطين أن يضروه أو‬
‫يمرضوه ‪..‬‬
‫ورجاء غير الله فيما يقدر عليه إل الله ‪ ..‬من قضاء الحاجات ‪ ..‬وتفريج‬
‫الكربات ‪ ..‬مما يمارس الن حول الضرحة والقبور ‪..‬‬
‫فالقبور تزار لجل التعاظ والدعاء للموات ‪ ..‬كما قال صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ :‬زوروا القبور فإنها تذكركم الخرة ‪..‬‬
‫وذلك للرجال ‪ ..‬أما النساء فل يشرع لهن زيارة القبور ‪ ..‬لن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم لعن زوارات القبور ‪ ..‬ولن زيارتهن قد يحصل بها فتنة لهن أو‬
‫بهن ‪..‬‬
‫أما زيارة القبور لدعاء أهلها ‪ ..‬والستغاثة بهم ‪ ..‬أو الذبح لهم ‪ ..‬أو التبرك‬
‫بهم ‪ ..‬أو طلب الحاجات منهم ‪ ..‬والنذر لهم ‪..‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فهذا شرك أكبر ‪ ..‬ول فرق بين كون المدعو المقبور نبيا أو وليا أو صالحا ‪..‬‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فكل هؤلء بشر ‪ ..‬ل يملكون ضرا ً ول نفعا ً ‪ ..‬قال الله لحب خلقه إليه محمد‬
‫َ‬
‫فًعا وَل َ َ‬
‫ضّرا ( ‪..‬‬ ‫سي ن َ ْ‬‫ف ِ‬ ‫مل ِ ُ‬
‫ك ل ِن َ ْ‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪ُ ):‬قل ل ّ أ ْ‬
‫ويدخل في ذلك ما يفعله الجهال عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم من‬
‫دعائه والستغاثة به ‪ ..‬أو عند قبر الحسين ‪ ..‬أو البدوي ‪ ..‬أو الجيلني ‪ ..‬أو‬
‫غيرهم ‪..‬‬
‫أما زيارة القبور للصلة عندها والقراءة ‪ ..‬فهذه بدعة ‪..‬‬
‫وإنما يشرع للزائر التعاظ والدعاء للميت فقط ‪..‬‬
‫ومن العجب أن يذهب مسلم إلى المقبورين وهو يعلم أنهم جثث هامدة ‪ ..‬ل‬
‫يستطيعون أن يتخلصوا مما هم فيه ‪ ..‬فيطلب منهم أن يستجيبوا الدعوات ‪..‬‬
‫أو يفرجوا الكربات ‪..‬‬
‫وكثير من هذه الضرحة ‪ ..‬والقبور ‪ ..‬التي تعظم ‪ ..‬ويبنى عليها ‪ ..‬يكون لها‬
‫خدم وسدنة ‪ ..‬يظهرون التقى والتقشف ‪ ..‬ويختلقون للناس الكاذيب ‪..‬‬
‫ويدعونهم إلى الشرك بالله ‪..‬‬
‫*********‬
‫نداء ‪ ..‬نداء ‪..‬‬
‫إني أقول للئك الذين يدعون الموات ‪..‬‬
‫أمواتكم هؤلء ‪ ..‬الذين تبكون على عتباتهم ‪ ..‬وترجون شفاعاتهم ‪ )..‬هل‬
‫يسمعونكم إذ تدعون * أو ينفعونكم أو يضرون ( ‪..‬‬
‫ل والله ل يسمعون ‪ ..‬ول ينفعون ‪ ..‬بل يخذلون ويضرون ‪..‬‬
‫وما أجمل ما فعله ذلك الغلم الصغير ‪ ..‬الذي عمره ‪ 13‬سنة ‪ ..‬وسافر مع‬
‫والده إلى الهند ‪..‬‬
‫والهند بلد كبيرة ‪ ..‬تتنوع فيها اللهة ‪ ..‬يعبدون كل شئ ‪ ..‬من حيوان ونبات‬
‫وجماد وبشر وكواكب ‪..‬‬
‫دخل الغلم أحد المعابد ‪ ..‬فرأى الناس يعبدون ثمرة جوز الهند ‪..‬‬
‫وقد رسموا لها عينين وأنفا ً وفما ً ‪ ..‬ويقدمون لها البخور والطعام والشراب ‪..‬‬
‫ثم رآهم يصلون لها ‪ ..‬فلما سجدوا لها ‪ ..‬أقبل الغلم إلى الثمرة فاختطفها‬
‫وهرب بها ‪..‬‬
‫فلما رفعوا رؤوسهم من سجودهم ‪ ..‬لم يجدوا إلههم ‪ ..‬فالتفتوا ‪ ..‬فإذا الغلم‬
‫قد حمل الله ‪ ..‬وفّر به هاربا ً ‪..‬‬
‫فقطعوا صلتهم ‪ ..‬وركضوا وراء الغلم ‪..‬‬
‫فلما ابتعد عنهم ‪ ..‬جلس على الرض ‪ ..‬ثم كسر الجوزة ‪ ..‬وشرب مائها‬
‫وألقاها على الرض ‪..‬‬
‫فتصايحوا لما رأوا الله مكسورا ً ‪ ..‬فأخذوه وضربوه وتلتلوه ‪ ..‬ثم ذهبوا به‬
‫إلى قاضي البلد ‪..‬‬
‫فقال له القاضي ‪ :‬أنت الذي كسرت الله ؟‬
‫قال الغلم ‪ :‬ل ‪ ..‬ولكني كسرت جوزة ‪ ..‬قال القاضي ‪ :‬ولكنها إلههم ‪..‬‬
‫قال الغلم ‪ :‬أيها القاضي !! هل كسرت يوما ً جوزة هند وأكلتها ؟‬
‫قال القاضي ‪ :‬نعم ‪ ..‬قال الغلم ‪ :‬فما الفرق إذا ً ؟‬
‫فسكت القاضي واحتار ‪ ..‬ونظر إلى عبادها يريد منهم الجواب ‪..‬‬
‫فقالوا ‪ :‬هذه الجوزة لها عينان وفم ‪..‬‬
‫فصاح بهم الغلم قال‪ :‬هل تتكلم ؟ قالوا ‪ :‬ل ‪..‬‬
‫قال ‪ :‬هل تسمع ؟ قالوا ‪ :‬ل ‪..‬‬
‫قال ‪ :‬فكيف تعبدونها إذا ً ؟ فبهت الذي كفر ‪ ..‬والله ل يهدي القوم‬
‫الظالمين ‪..‬‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فنظر إليهم القاضي ‪ ..‬فخاف أن يتعرضوا للغلم بسوء ‪..‬‬


‫فقال للغلم ‪ ..‬عقوبة لك ‪ ..‬قررنا تغريمك ‪ 150‬روبية ‪..‬‬
‫فدفعها الغلم مرغما ً ‪ ..‬وخرج منتصرا ً ‪..‬‬
‫*********‬
‫ومما يزيد الطيب بلة ‪ ..‬أن المتعلقين بالقبور ‪ ..‬لم يكتفوا بتعظيم الموات ‪..‬‬
‫وسؤالهم الحاجات ‪ ..‬وإنما صرفوا الموال في تزيينها ‪ ..‬ورفعها ‪ ..‬والبناء‬
‫عليها ‪..‬‬
‫وتنقسم القباب والضرحة المبنية على القبور ‪ ..‬إلى قسمين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬قباب تبنى في مقابر المسلمين العامة ‪ ..‬حيث تبدو القبة شاهقة‬
‫وسط القبور ‪..‬‬
‫والثاني ‪ :‬قباب تبنى في المساجد‪ ..‬أو تبنى عليها المساجد‪ ..‬وقد تكون في‬
‫قبلة المسجد‪ ..‬أو في الخلف‪ ..‬أو في أحد جوانبه ‪..‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال ‪ "\ :‬اللهم ل تجعل قبري‬
‫وثنا ً ُيعبد ‪ ..‬لعن الله قوما ً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد \" وهذا في قبره‬
‫الشريف وفي كل قبر ‪..‬‬
‫وعن علي رضي الله عنه أنه قال لبي الهياج ‪ "\ :‬أل أبعثك على ما بعثني‬
‫عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أن ل تدع تمثال ً إل طمسته ‪ ..‬ول‬
‫قبرا ً مشرفا ً إل س ّ‬
‫ويته ‪..‬‬
‫ونهى صلى الله عليه وسلم أن ) يجصص القبر ‪ ..‬وأن يقعد عليه ‪ ..‬وأن يبنى‬
‫عليه ‪ ..‬أو أن يكتب عليه \" ‪..‬‬
‫سرج‬‫ولعن صلى الله عليه وسلم \" المتخذين عليها ] أي القبور[ المساجد وال ُ‬
‫\" ‪..‬‬
‫ولم يكن على عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم من ذلك شيء في بلد السلم‬
‫‪ ..‬ل على قبر نبي‪ ..‬ول غيره ‪..‬‬
‫*********‬
‫الواقع الليم ‪..‬‬
‫واليوم ‪ ..‬خذ على عجل الواقع الليم ‪..‬‬
‫• في مصر ‪ :‬أضرحة الولياء التي تنتشر في مدن مصر وقراها ‪ ..‬ستة آلف‬
‫ضريح ‪ ..‬وهي مراكز لقامة الموالد للمريدين والمحبين ‪ ..‬بل إنه من الصعب‬
‫أن تجد يوما ً على مدار السنة ليس فيه احتفال بمولد ولي في مكان ما بمصر‬
‫‪ ..‬بل تعتبر القرية التي تخلو من أضرحة منزوعة البركة عندهم ‪..‬‬
‫وتنقسم الضرحة إلى كبرى وصغرى‪ ..‬وكلما فخم البناء واتسع وذاع صيت‬
‫صاحبه زاد اعتباره ‪ ..‬وكثر زواره ‪..‬‬
‫فمن الضرحة الكبرى في القاهرة ‪ :‬ضريح الحسين‪ ..‬وضريح السيدة زينب‪..‬‬
‫وضريح السيدة عائشة‪ ..‬والسيدة سكينة‪ ..‬والسيدة نفيسة‪ ..‬وضريح المام‬
‫الشافعي‪ ..‬وضريح الليث ابن سعد ‪..‬‬
‫إضافة إلى ضريح البدوي بطنطا ‪ ..‬والدسوقي بدسوق ‪ ..‬والشاذلي بقرية‬
‫حميثرة ‪..‬‬
‫وقبر مزعوم للحسين ‪ ..‬يحج له الناس ويتقربون إليه بالنذر والقربات ‪..‬‬
‫وتجاوز ذلك إلى الطواف به والستشفاء ‪ ..‬وطلب قضاء الحاجات عند‬
‫الملمات ‪..‬‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وضريح السيد البدوي ‪ ..‬له مواسم في السنة أشبه بالحج الكبر ‪ ..‬يقصده‬
‫سنة والشيعة ‪..‬‬
‫الناس من خارج البلد وداخلها ‪ ..‬من ال ُ‬
‫وجلل الدين الرومي ‪ ..‬الذي كتب على قبره ومزاره ‪ :‬صالح للديان الثلثة ‪..‬‬
‫المسلمين واليهود والنصارى ‪ ..‬ويدعى هذا الوثن بالقطب العظم ‪..‬‬
‫• أما في الشام فقد ذكر الباحثون الثقاة أن في دمشق وحدها ‪194‬ضريحا ً‬
‫والمشهور منها ‪ 44‬ضريحًا‪ ..‬وينسب للصحابة أكثر من سبعة وعشرين قبرًا‪..‬‬
‫وفي دمشق ضريح لرأس يحيى بن زكريا ‪ -‬عليهما السلم ‪ .. -‬يقع في‬
‫المسجد الموي ‪ ..‬وبجانب المسجد قبر لصلح الدين ‪ ..‬وعماد الدين زنكي ‪..‬‬
‫وقبور أخرى تزار ويتوسل بها‪...‬‬
‫وفي سوريا أيضا ً ‪ :‬ضريح لمحيي الدين بن عربي صاحب \"فصوص الحكم\"‪..‬‬
‫وهو ضال فاجر ‪..‬‬
‫ً‬
‫• وفي تركيا أكثر من ‪ 481‬جامعا ل يكاد يخلو جامع من ضريح ‪ ..‬أشهرها‬
‫الجامع الذي بني على القبر المنسوب إلى أبي أيوب النصاري في‬
‫القسطنطينية ‪..‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫• وفي الهند يوجد أكثر من مئة وخمسين ضريحا مشهورا يؤمها اللف من‬
‫الناس ‪..‬‬
‫ل أن يخلو‬ ‫• أما العراق ‪ ..‬ففي بغداد وحدها أكثُر من مئة وخمسين جامعا ً وق ّ‬
‫جامع منها من ضريح‪ ..‬وفي الموصل يوجد أكثر من ستة وسبعين ضريحا ً‬
‫مشهورا ً كلها داخل جوامع‪ ..‬وهذا كله بخلف الضرحة الموجودة في‬
‫المساجد والضرحة المفردة ‪ ) ..‬انظر‪ :‬النحرافات العقدية‪ ..‬ص ‪..289‬‬
‫‪. ( 295 ..294‬‬
‫• وفي الهند ‪ :‬أصبح قبر الشيخ بهاء الدين زكريا الملتاني ‪ ..‬ويعملون أنواع‬
‫العبادات ‪ ..‬كالسجود‪ ..‬والنذور‪..‬‬
‫• وفي باكستان ‪ ..‬ضريح الشيخ علي الهجوري في لهور ‪ ..‬وهو من القبور‬
‫العظيمة‪..‬‬
‫*********‬
‫والعجب أن الناس مفتونون بها ‪ ..‬مع أن أكثرها أضرحة مكذوبة ‪ ..‬ل حقيقة‬
‫لها ‪..‬‬
‫• فالحسين رضي الله عنه ‪ ..‬له قبر بالقاهرة يتقربون إليه ‪ ..‬ويصرفون له‬
‫أنواعا ً من العبادات من دعاء وذبح وطواف ‪..‬‬
‫وفي عسقلن قبر للحسين أيضا ً ‪..‬‬
‫وفي سفح جبل الجوشن غربي حلب ضريح ينسب إلى رأس الحسين رضي‬
‫الله عنه أيضا ً ‪..‬‬
‫وكذلك توجد أربعة مواضع أخرى يقال إن بها رأس الحسين ‪ :‬في دمشق ‪..‬‬
‫والحنانة ‪ -‬بين النجف والكوفة ‪ .. -‬وبالمدينة عند قبر أمه فاطمة رضي الله‬
‫عنه ‪ ..‬وفي النجف بجوار القبر المنسوب إلى أبيه رضي الله عنه ‪ ..‬وفي‬
‫كربلء حيث يقال‪ :‬إنه أعيد إلى جسده ‪ )..‬انظر‪ :‬النحرافات العقدية‪ ..‬ص‬
‫‪ ..288‬ومجلة )لغة العرب(‪ ..‬ج ‪ 7‬السنة السابعة )‪1929‬م(‪ ..‬ص ‪..561 557‬‬
‫ومعالم حلب الثرية‪ ..‬عبد الله حجار ( ‪..‬‬
‫• أما السيدة زينب بنت علي ‪ -‬رضي الله عنهما – فقد ماتت بالمدينة ودفنت‬
‫بالبقيع ‪ ..‬إل أن قبرا ً منسوبا ً إليها أقامه الشيعة في دمشق ‪) ..‬انظر ‪ :‬عبد‬
‫الله بن محمد بن خميس‪ ..‬شهر في دمشق‪ ..‬ص ‪.. ( .67‬‬
‫ول يقل عنه جماهيرية الضريح المنسوب إليها في القاهرة ‪ ..‬ولم تذكر كتب‬
‫التاريخ أبدا ً أنها جاءت إلى مصر في الحياة أو بعد الممات ‪..‬‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫• وأهل السكندرية بمصر يعتقدون اعتقادا ً جازما ً بأن أبا الدرداء رضي الله‬
‫عنه مدفون في الضريح المنسوب إليه في مدينتهم ‪ ..‬ومن المقطوع به عند‬
‫أهل العلم أنه لم يدفن في تلك المدينة ‪ ) ..‬انظر ‪ :‬مساجد مصر وأولياؤها‬
‫الصالحون ‪.. ( 2/33‬‬

‫)‪(18 /‬‬

‫• وقل مثل ذلك في مشهد السيدة رقية بنت الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫بالقاهرة ‪ ..‬الذي أقامته زوجة الخليفة الفاطمي المر بأحكام الله ‪ ..‬وضريح‬
‫السيدة سكينة بنت الحسين ابن علي ‪ -‬رضي الله عنهم ‪.. -‬‬
‫• ومن أشهر الضرحة أيضًا‪ :‬ضريح علي بن أبي طالب ‪ ‬بالنجف بالعراق‪..‬‬
‫وهو قبر مكذوب فإن عليا ً دفن بقصر المارة بالكوفة ‪..‬‬
‫• وفي البصرة قبر عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه رغم أنه مات‬
‫بالمدينة ودفن بالبقيع ‪..‬‬
‫• وفي حلب ضريح لجابر بن عبد الله رضي الله عنه مع أنه توفي في‬
‫المدينة ‪..‬‬
‫ً‬
‫• بل ينسب الناس في الشام قبرا إلى )أم كلثوم( و )رقية( بنتي رسول‬
‫صلى الله عليه وسلم مع أنهما زوجتا عثمان رضي الله عنه ‪ ..‬وماتتا في‬
‫المدنة النبوية ‪ ..‬في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ودفنهما النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم في البقيع في المدينة ‪..‬‬
‫• ومن المقابر المكذوبة باتفاق أهل العلم القبر المنسوب إلى هود عليه‬
‫السلم بجامع دمشق‪ ..‬فإن هودا ً لم يجئ إلى الشام ‪ ..‬وهناك قبر منسوب‬
‫إليه في حضرموت‪..‬‬
‫ً‬
‫• وفي حضرموت أيضا قبر يزعم الناس أنه لصالح عليه السلم ‪ ..‬رغم أنه‬
‫مات بالحجاز‪ ..‬وله أيضا ً عليه السلم قبر في يافا بفلسطين‪ ..‬التي بها كذلك‬
‫مزار ليوب عليه السلم ‪..‬‬
‫*********‬
‫مقام الشيخ بركات ‪..‬‬
‫انظر كيف تلعب الشيطان بعقول الناس ‪ ..‬حتى صرفهم عن عبادة رب‬
‫الرض والسموات ‪ ..‬إلى تعظيم الموات ‪ ..‬بل تعظيم التراب والرفات ‪..‬‬
‫وقد تبدأ المسألة أحيانا ً بإشاعةٍ عن قبر من القبور ‪ ..‬وأنه لزائره نافع ‪..‬‬
‫ولداعيه شافع ‪..‬‬
‫حتى تنتشر قصص الكرامات بين الناس ‪ ..‬فتتحول إلى حقيقة ‪ ..‬ثم تبدأ صور‬
‫الشرك تظهر عنده ‪ ..‬من طواف عليه ‪ ..‬ودعاء له من دون الله ‪ ..‬كما يقع‬
‫عند أكثر ما تقدم من قبور ‪ ..‬سواء كانت نسبة القبر إلى صاحبه صحيحة او‬
‫مختلقة ‪..‬‬
‫وهذا يذكرني بما حكاه أحدهم عن قصة ضريح الشيخ بركات ‪ ..‬وهذه القصة‬
‫وقعت بين شابين هما عادل وسعيد ‪ ..‬تخرجا من الجامعة ‪ ..‬ثم توظفا‬
‫مدّرسين في قرية ينتشر فيها تعظيم القبور ‪ ..‬والغترار بالنذور ‪..‬‬
‫فقد كان عادل يتبادل الحديث مع سعيد وهما في طريقهما إلى المدرسة في‬
‫القرية ‪ ..‬وفجأة صعد الحافلة متسول نصف معتوه‪ ..‬كبير في السن يهتز‬
‫ويتأرجح‪..‬‬
‫ويمسح لعابه بكمه المتهدل المتسخ‪ ..‬يستجدي الركاب ويتهدد ويتوعد‪..‬‬
‫يهددهم بأنه سيدعو عليهم بأن تنقلب الحافلة بهم في عرض الطريق ‪..‬‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويدعي أنه مستجاب الدعوة ‪..‬‬


‫ويبدو أن سعيدا ً قد نشأ في أسرة ‪ ..‬متأثرة كثيرا بالكرامات والولياء ‪..‬‬
‫ً‬
‫والبدال والوتاد!‬
‫حيث فزع واضطرب ‪ ..‬ثم طلب من عادل أن يبادر إلى إعطائه بعض الدراهم‬
‫خشية أن تنقلب الحافلة فعل ً ‪ ..‬لن المتسول المذكور )عبد الكريم أبو‬
‫شطة ( من الدراويش المباركين المستجابي الدعوة ‪..‬‬
‫فتعجب عادل وقال ‪ :‬نعم ‪ ..‬أهل السنة والجماعة يؤمنون بالكرامات ‪ ..‬ولكن‬
‫هي للصالحين التقياء ‪ ..‬العاملين الخفياء ‪ ..‬وليست لمثال هذا من‬
‫المجاديب ‪ ..‬الذين يتأكلون بدينهم ‪..‬‬
‫فصاح به سعيد ‪ :‬ل تقل ذلك ‪ ..‬فإن الحاديث عن الخوارق التي جرت على‬
‫يديه يتناقلها الصغير والكبير‪ ..‬وسترى بعد قليل أنه سينزل ونمضي نحن في‬
‫الحافلة‪ ..‬ويسبقنا إلى القرية التالية ماشيًا‪ ..‬حيث سينتظرنا هناك‪ ..‬نعم ‪..‬‬
‫كرامة ‪ ..‬هل تنكر الكرامات؟‬
‫عادل ‪ :‬أنا ل أنكر الكرامات بشكل مطلق ‪ ..‬فالله قادر أن يكرم من شاء من‬
‫عباده‪ ..‬لكن أن تصبح الكرامات طعامنا وشرابنا وتدخلنا في باب إشراك‬
‫هؤلء العبيد والموات مع الله سبحانه وتعالى في الخلق والمر والتصرف في‬
‫الكون ‪ ..‬حتى نصبح نخافهم ونتقي غضبهم ‪ ..‬فل ‪..‬‬
‫سعيد ‪ :‬يعني أنت ل تصدق أن الشيخ أحمد أبو سرود قد جاء من عرفات إلى‬
‫استانبول وأكل الكبة المشوية عند أهله وعاد ليل ً إلى عرفات ؟‬
‫عادل ‪ :‬يا سعيد ‪ ..‬بارك الله في عقلك أهذا الذي تعلمته في الجامعة ؟‬
‫سعيد ‪ :‬بدأنا بأسلوب السخرية!‬
‫ً‬
‫عادل ‪ :‬أنا ل أسخر منك‪ ..‬ولكن أن يكون كلم العوام وخرافاتهم كلما منزل ً‬
‫محكما ً ل يقبل النقد ‪ ..‬فل ‪..‬‬
‫سعيد ‪ :‬ولكن هذه الكرامات ل ينقلها العوام فقط‪ ..‬بل إن ساداتنا المشايخ‬
‫ينقلون كثيرا ً منها عن أصحاب المقامات والضرحة‪.‬‬
‫عادل ‪ :‬طيب يا سعيد ما رأيك لو برهنت لك برهانا ً عمليا ً أن كل هذه‬
‫المقامات والضرحة خلط ودجل ؟ وأن كثيرا ً من هذه الضرحة ل حقيقة‬
‫ي ‪ ..‬وإنما إشاعات ودجل انتشر عند‬ ‫لها ‪ ..‬فل قبر ‪ ..‬ول مقبور ‪ ..‬ول ول ّ‬
‫الناس حتى صدقوه ‪..‬‬
‫فانتفض سعيد وأخذ يردد ‪ :‬أعوذ بالله! أعوذ بالله!‬
‫ثم سكتا قليل ً ‪ ..‬وسارت الحافلة حتى وصلت بهم إلى الدوار الموصل إلى‬
‫قريتهم ‪ ..‬فالتفت عادل إلى سعيد ‪ ..‬وقال ‪ :‬هل يوجد على هذا الدوار قبر أو‬
‫مقام أو ضريح لحد الولياء يا سعيد ؟‬
‫سعيد ‪ :‬ل ‪ ..‬وهل يعقل أن يدفن ولي في عرض الطريق ‪ ..‬وفي دوار ‪..‬‬

‫)‪(19 /‬‬

‫عادل ‪ :‬إذا ً ما رأيك لو أشعنا في القرية أن على هذا الدوار قبرا ً قديما ً لحد‬
‫الصالحين قد اندرس وضاعت معالمه ؟ وألفنا قصصا ً في كراماته ‪..‬‬
‫واستجابة الدعاء عنده ‪ ..‬وننظر هل سيصدق الناس أم ل ‪..‬‬
‫وأنا متأكد أن الناس ستحمل هذه الشاعة محمل الجد ‪ ..‬وربما يقيمون في‬
‫العام القادم مقاما ً أو ضريحا ً كبيرا ً للشيخ المزعوم ! ويدعونه من دون الله ‪..‬‬
‫وهو تراب على تراب ‪ ..‬لو حفروا حتى يصلوا الرض السفلى لما وجدوا شيئا ً‬
‫‪..‬‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سعيد ‪ :‬دعك من هذا يا رجل ‪ ..‬وهل تظن الناس أغبياء ‪ ..‬سفهاء إلى هذا‬
‫الحد ؟‬
‫عادل ‪ :‬طيب‪ ..‬أنت ماذا تخسر إذا تعاونت معي ؟ ووافقتني ‪ ..‬أم أنت خائف‬
‫من النتيجة ‪..‬‬
‫سعيد ‪ :‬ل لست خائفًا‪ ..‬ولكن ! أنا غير مقتنع ‪..‬‬
‫عادل ‪ :‬حسنا ً ‪ ..‬بما أنك نصف موافق فما رأيك أن نطلق على الشيخ‬
‫المزعوم اسم‪ :‬الشيخ بركات ؟‬
‫سعيد ‪ :‬طيب‪..‬كما تشاء ‪..‬‬
‫واتفق عادل وسعيد على إشاعة المر بأسلوب هادئ بين زملئهم المدرسين‬
‫في المدرسة ‪ ..‬وعند الحلقين ‪ -‬باعتبار أن دكان الحلق من أهم وسائل‬
‫العلن ‪.. -‬‬
‫فلما وصل القرية ‪ ..‬نزل من الحافلة وتوجها إلى دكان الحلق سليم ‪ ..‬فدخل‬
‫وحدثا الحلق عن الولياء ‪ ..‬وأن أحد الولياء الصالحين مدفون منذ سنين ‪..‬‬
‫وله مكانة عند الله ‪ ..‬وأن المستغيثين به قليل ‪..‬‬
‫فسألهم الحلق عن مكان قبره ‪ ..‬فأخبراه أنه عند الدوار الذي في مدخل‬
‫القرية ‪..‬‬
‫فقال الحلق ‪ :‬الحمد لله الذي أكرمنا بولي في قريتنا ‪ ..‬كنت أتمنى هذا مند‬
‫زمن ‪ ..‬هل من المعقول أن القرى المجاورة \" الجديدة \" و \" أم الكوسا \"‬
‫عندهم عشرات الصالحين ‪ ..‬ونحن ل يوجد عندنا ول مقام واحد ؟‬
‫قال عادل ‪ :‬الشيخ بركات يا حاج سليم كان من كبار الصالحين وكانت له‬
‫مكانته عند الباب العالي ‪..‬‬
‫فصاح الحلق ‪ :‬إذا ً أنت تعرف كل هذه المعلومات عن الشيخ بركات قدس‬
‫الله سره وتسكت !!‬
‫ثم انتشر الخبر في القرية انتشار النار في الهشيم ‪..‬‬
‫وبدأ الناس من كثرة حديثهم عنه ‪ ..‬يرونه في المنام‪..‬‬
‫وأخذوا يتحدثون في مجالسهم عن طوله الفارع‪ ..‬وعمامته الضخمة ‪..‬‬
‫وكراماته التي ل تحصى‪ ..‬وكيف أن المئذنة كانت تنزل إليه إذا دخل وقت‬
‫الذان ‪ ..‬و‪ ..‬و ‪..‬‬
‫ً‬
‫وبدأ الحديث في المدرسة بين أخذ ورد بين الساتذة جميعا ‪..‬‬
‫فلما زاد المر عن حده ‪ ..‬لم يطق الستاذ سعيد صبرا ً ‪ ..‬فصاح بهم ‪..‬‬
‫أيها العقلء ‪ ..‬دعوكم من هذه الخرافات يا ناس ‪..‬‬
‫فقالوا بصوت واحد ‪ :‬خرافات ‪ ..‬تعنى أن الشيخ بركات غير موجود ؟‬
‫سعيد ‪ :‬طبعا ً غير موجود ‪ ..‬وليس لقبره حقيقة ‪ ..‬وهذه مجرد إشاعة ‪..‬‬
‫والدوار تراب فوق تراب ‪ ..‬ل شيخ ول ولي ول مقام ‪..‬‬
‫فانتفض المدرسون ‪ :‬ما الذي تقوله يا رجل ؟ وكيف تجرؤ أن تقول هذا عن‬
‫الشيخ بركات ؟‬
‫الشيخ بركات هو الذي انفجر الينبوع الغربي في القرية على يديه ‪ ..‬وهو‬
‫الذي ‪..‬‬
‫اضطرب سعيد من كثرة صياحهم ‪ ..‬لكنه قال ‪ :‬ل تعطوا عقولكم لغيركم ‪..‬‬
‫أنتم عقلء ومتعلمون ‪ ..‬وليس كلما حدثكم أحد عن قبر أو ضريح ‪ ..‬أو تلعب‬
‫الشيطان بعقولكم في النوم صدقتموه ‪..‬‬
‫عندها ‪ ..‬دخل مدير المدرسة في النقاش فقال ‪ :‬ولكن صفات الشيخ‬
‫موجودة وأكيدة ‪..‬‬
‫ألم تقرأ ما كتبت عنه الجريدة البارحة ؟‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فعجب سعيد ‪ ..‬وسأله ‪ :‬حتى الجريدة !! وماذا كتبت ؟‬


‫قال المدير ‪ :‬تحت عنوان \" اكتشاف مقام الشيخ بركات \"‬
‫كتبت تقول ‪:‬‬
‫ولد الشيخ بركات ‪ -‬قدس الله سره ‪ -‬عام ‪1100‬هـ وهو من سللة سيدنا‬
‫خالد بن الوليد‪ ..‬وقد درس على عدد كبير من العلماء منهم فلن وفلن‪..‬‬
‫ولقد اشترك مع الجيش التركي في إحدى معاركه مع الصليبيين ‪..‬‬
‫ولما اشتد القتال مع الصليبيين ‪ ..‬استبد به الحماس فنفخ عليهم من فمه ‪..‬‬
‫فآثار رياحا ً وزوبعة ضخمة ‪ ..‬رفعت جيش الصليبيين مسافة مائة متر في‬
‫الهواء ‪ ..‬وسقطوا جميعا ً مضرجين بدمائهم‪..‬‬
‫قال سعيد ‪ :‬ما شاء الله !! ومن أين جاء الصحفي بهذه المعلومات الدقيقة‬
‫عن الشيخ بركات ؟!!!‬
‫قال المدير ‪ :‬هذه حقائق ‪ ..‬أتظنه جاء بها من بيت أبيه ؟!!‪ ..‬هذا تاريخ ‪..‬‬
‫قال سعيد ‪ :‬ولكن هذه دعوى وتحتاج إلى دليل‪ ..‬فالبينة على من ادعى‪..‬‬
‫وعلي وعليك التثبت من صحة أي دعوى ‪ ..‬وإل ادعى كل واحد منا ما يحلو له‬
‫‪ ..‬قبور ‪ ..‬أولياء ‪ ..‬كرامات ‪..‬‬
‫ثم صاح بهم سعيد ‪ ..‬يا جماعة ‪ ..‬بصراحة ‪ :‬مقام الشيخ بركات ‪ ..‬قضية‬
‫مختلقة ‪ ..‬وإشاعة ملفقة ‪ ..‬اخترعتها أنا والستاذ عادل ‪ ..‬لنثبت بها غوغائية‬
‫الناس وجهلهم ‪ ..‬وعدم تثبتهم ‪ ..‬وهذا الستاذ عادل أمامكم فاسألوه إن‬
‫شئتم ‪..‬‬
‫فالتفتوا إلى عادل وقالوا ‪ :‬الستاذ عادل رجل يحب الجدل مثلك ‪ ..‬وكل‬
‫قضية يطلب عليها دليل‪ ..‬وهو حاقد على الولياء والصالحين ‪..‬‬
‫ومهما ادعيت أنت وعادل ‪ ..‬فنحن مؤمنون بأن الشيخ بركات ‪ -‬قدس الله‬
‫سره ‪ -‬موجود من زمن الجداد ‪ ..‬والدنيا ل تخلو من الولياء والصالحين‬
‫ومقاماتهم ‪ ..‬نعوذ بالله من الضلل !!‬
‫فسكت عادل وسعيد ‪ ..‬وقرع الجرس وانصرف الساتذة إلى الدروس‪..‬‬

‫)‪(20 /‬‬

‫وسار الستاذ سعيد مذهول ً مما رأى يحدث نفسه ‪ :‬الشيخ بركات ‪..‬‬
‫كرامات ‪ ..‬معقول ؟ غير معقول !‪..‬‬
‫أيمكن أن يكون كل هؤلء مخطئين !! ؟ والجريدة كاذبة ؟‬
‫غريب ! والمشايخ بالمس اجتمعوا في الدوار وأقاموا الحضرة والحتفال‬
‫للشيخ بركات ؟‬
‫لكن الشيخ بركات اخترعه الستاذ عادل !! أيمكن أن يكون الخرف أصابهم‬
‫جميعًا؟ غير ممكن !! غير ممكن !!‬
‫وبدأت تتسرب إلى ذهن سعيد فكرة جديدة ‪ ..‬ربما أن الشيخ بركات موجود‬
‫فعل ً ‪ ..‬وربما أن الستاذ عادل يعلم ذلك مسبقا ً ‪ ..‬لكنه أوهمه أنه هو الذي‬
‫اخترع وجود الشيخ بركات ‪..‬‬
‫فكر الستاذ سعيد في ذلك ‪ ..‬لكنه استعاذ من الشيطان ليبعد هذه الفكرة‬
‫من عقله ‪ ..‬لكنه لم يفلح ‪..‬‬
‫وفي اليوم التالي ‪ ..‬استمر النقاش في المدرسة على هذا المنوال ‪ ..‬وكان‬
‫العام الدراسي في أواخره ‪ ..‬وانتهت المناقشات بذهاب كل أستاذ إلى بلده‬
‫عندما حانت العطلة الصيفية ‪..‬‬
‫*********‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وفي العام التالي ركب الستاذ عادل والستاذ سعيد الحافلة ذاهبين إلى‬
‫المدرسة في القرية ‪..‬‬
‫ً‬
‫وكان الستاذ عادل قد نسي الموضوع تماما ‪ ..‬مع أنه هو الذي اخترع القضية‬
‫وأشاعها ‪..‬‬
‫لكنه انتبه إلى الستاذ سعيد وهو يتمتم بلسانه بأذكار وأدعية عندما اقتربوا‬
‫من دوار القرية ‪..‬‬
‫ً‬
‫وكم كانت دهشتهم كبيرة عندما وصلوا إلى الدوار ‪ ..‬فوجدوا بناءا جميل ً‬
‫لمقام الشيخ بركات ينتصب شامخا ً على الدوار ‪ ..‬وبجانبه مسجد كبير فخم‬
‫على الطراز المعماري التركي ‪..‬‬
‫ابتسم الستاذ عادل وعلم أن الناس مساكين سفهاء ‪ ..‬وأن الشيطان قد‬
‫أفلح في نشر الشرك بينهم ‪..‬‬
‫فالتفت إلى الستاذ سعيد ‪ ..‬ليشاركه التبسم ‪..‬‬
‫لكنه فوجئ أن الستاذ سعيد كان غائبا ً في ادعيته ‪ ..‬بل صاح سعيد‬
‫بالسائق ‪ ..‬طالبا ً منه أن يتوقف قليل ً ‪ ..‬ثم رفع يديه وقرأ الفاتحة على روح‬
‫الشيخ بركات ‪ )..‬بتصرف من مقال في مجلة البيان العدد ‪ ، :‬للستاذ ‪ :‬علي‬
‫محمد ( ‪.‬‬
‫*********‬
‫ماذا يفعلون هناك ؟‬
‫يقصد كثير من القبوريين الضرحة حاملين معهم الغنام والبقار ‪ ..‬والسكر‬
‫والقهوة والشاي ‪ ..‬وأنواع الطعمة إضافة إلى الموال ‪ ..‬ليقدموها قربانا ً إلى‬
‫صاحب الضريح‪ ..‬وقد يذبحون النعام تقربا ً أيضا ً للولي أو الشيخ‪ ..‬ويطوفون‬
‫بالقبر وبتمرغون بترابه‪ ..‬ويطلبون قضاء الحوائج وتفريج الكربات منه‪..‬‬
‫بل تجد أن هؤلء المفتونين ‪ ..‬يحلفون بالموات والمقبورين ‪ ..‬فإذا أراد‬
‫أحدهم أن يحلف على شيء لم يقبلوا منه أن يحلف بالله ‪ ..‬بل لو حلف بالله‬
‫وقال ‪ :‬والله العظيم ‪ ..‬أو أقسم بالله ‪ ..‬ما قبلوا منه ول صدقوه ‪ ..‬فإذا حلف‬
‫باسم ولي من أوليائهم قبلوه وصدقوه ‪..‬‬
‫ً‬
‫وقد آل المر ببعض هؤلء إلى أن شرعوا للقبور حجا‪ ..‬ووضعوا له مناسك‪..‬‬
‫حتى صنف بعض غلتهم في ذلك كتابا ً وسماه ‪) :‬مناسك حج المشاهد(‬
‫مضاهاة منه بالقبور للبيت الحرام‪..‬‬
‫*********‬
‫بل إنهم مبالغة منهم في البدعة والشرك ‪ ..‬جعلوا لزيارة الضريح آدابا ً ‪..‬‬
‫فينبغي أن يخلع الزوار نعالهم الضريح ‪ ..‬احتراما ً لصاحب الضريح ‪..‬‬
‫ويتم دخول القبة بإذن من حارسها‪..‬‬
‫كما يتولى خادم الضريح )تطويف( الزوار حول الضريح كما يطوف‬
‫المسلمون حول الكعبة ‪..‬‬
‫ويتبرك الزوار بالضريح والقبة بطرق شتى ‪ :‬فمنهم من يأخذ من ترابها‪..‬‬
‫ومنهم من يضع يديه على السياج المعدني الذي حول القبر ويتمسح بها‪ ..‬ثم‬
‫يمسح على جسده وملبسه‪.‬‬
‫وإذا دخلت الضريح رأيت أعاجيب العبادة لغير الله ‪..‬‬
‫دعاء المقبور والستعانة به واللحاح عليه في الدعاء ‪..‬‬
‫بل ترى المرأة ترفع طفلها ‪ ..‬وتهزه وهي تخاطب الشيخ المقبور راجية منه‬
‫البركة في صغيرها ‪..‬‬
‫ترى من يسجد وهو مستقبل القبر ‪..‬‬
‫إضافة إلى تقديم النذور عند هذه القباب ‪..‬‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن الناس من يعكف عند القبر أياما ً وشهورا ً ‪ ..‬التماسا ً للشفاء أو لقضاء‬
‫حاجة ‪ ..‬وقد ُألحقت ببعض القباب غرف انتظار الزائرين لهذا الغرض ‪..‬‬
‫كما يظهر على الزائر الخشوع والسكينة والتأثر الذي قد يصل إلى حد‬
‫البكاء‪..‬‬
‫فصار هؤلء المقبورون آلهة من دون الله ‪ ..‬والله ل يرضى أن يعبه نبي ول‬
‫عبد معه غيرهم ‪..‬‬ ‫ملك ‪ ..‬فكيف إذا ُ‬
‫*********‬
‫تشابهت قلوبهم ‪..‬‬
‫هؤلء المقبورون ل يستطيعون نصر أنفسهم ‪ ..‬ول نفعها ‪ ,,‬فضل ً عن نفع‬
‫غيرهم ‪..‬‬
‫وما أقرب حال من يعظمونهم ويخافونهم ‪ ..‬من حال وفد ثقيف لما أسلموا‬
‫فخافوا من صنم عندهم ‪ ..‬وهو ل يضر ول ينفع ‪..‬‬
‫فقد ذكر موسى بن عقبة ‪:‬‬
‫لما تمكن السلم في الناس ‪ ..‬بدأت القبائل ترسل وفودها لتعلن إسلمها‬
‫بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ‪..‬‬
‫فأقبل بضعة عشر رجل ً من قبيلة ثقيف ‪ ..‬إلى النبي صلى الله عليه وسلم ‪..‬‬
‫فأنزلهم المسجد ليسمعوا القرآن ‪..‬‬
‫فلما أرادوا إعلن إسلمهم ‪ ..‬نظر بعضهم إلى بعض فتذكروا صنمهم الذي‬
‫يعبدون ‪ ..‬وكانوا يسمونه الربة ‪..‬‬
‫فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ..‬عن الربا والزنا والخمر فحرم عليهم‬
‫ذلك كله ‪..‬‬
‫فأطاعوا ‪ ..‬ثم سألوه عن الربة ‪ ..‬ما هو صانع بها ؟‬

‫)‪(21 /‬‬

‫قال ‪ :‬اهدموها ‪ ..‬قالوا ‪ :‬هيهات !! لو تعلم الربة أنك تريد أن تهدمها ‪ ..‬قتلت‬
‫أهلها ‪ ..‬ومن حولها ‪..‬‬
‫فقال عمر رضي الله عنه ‪ :‬ويحكم ما أجهلكم !! إنما الربة حجر ‪..‬‬
‫قالوا ‪ :‬إنا لم نأتك يا ابن الخطاب ‪..‬‬
‫ل أنت هدمها ‪ .‬أما نحن فانا لن نهدمها أبدا ‪..‬‬ ‫ثم قالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ..‬تو ّ‬
‫فقال صلى الله عليه وسلم ‪ :‬سأبعث إليكم من يكفيكم هدمها ‪ ..‬فاستأذنوه‬
‫أن يرجعوا إلى قومهم ‪..‬‬
‫فدعوا قومهم إلى السلم ‪ ..‬فأسلموا ومكثوا أياما ً ‪ ..‬وفي قلوبهم وجل من‬
‫الصنم ‪..‬‬
‫فقدم عليهم خالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة في نفر من الصحابة ‪..‬‬
‫فأقبلوا إلى الصنم وقد اجتمع الرجال والنساء والصبيان ‪..‬‬
‫وهم يرتجفون ‪ ..‬وقد أيقنوا أنها لن تنهدم ‪ ..‬وسوف تقتل من يمسها ‪..‬‬
‫فأقبل عليها المغيرة بن شعبة ‪ ..‬فأخذ الفأس ‪ ..‬وقال لصحابه ‪:‬‬
‫والله لضحكنكم من ثقيف ‪ ..‬فضربها بالفأس ‪..‬‬
‫ثم سقط يرفس برجله ‪ ..‬فصاح الناس ‪ ..‬وظنوا أن الصنم قتله ‪..‬‬
‫ثم قالوا لخالد بن الوليد ومن معه ‪ :‬من شاء منكم فليقترب ‪..‬‬
‫فلما رأى المغيرة فرحتهم بنصرة صنمهم ‪ ..‬قام فقال ‪ :‬والله يا معشر‬
‫ثقيف ‪ ..‬إنما هي لكاع ‪ ..‬حجارة ومدر ‪ ..‬فاقبلوا عافية الله واعبدوه ‪ ..‬ثم‬
‫ضربها فكسرها ‪ ..‬ثم عل الصحابة فوقها فهدموها حجرا ً حجرا ً ‪..‬‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حد فهدما على رؤوس‬ ‫واليوم ‪ ..‬جميع هذه الضرحة والقبور ‪ ..‬لو جاءها مو ّ‬
‫أصحابها لما استطاعت النتقام لنفسها ‪..‬‬
‫*********‬
‫كيف نشأ الشرك ‪..‬؟!‬
‫لو تأملت كيف نشأ الشرك على الرض ‪ ..‬لوجدت أنه الغلو في الصالحين‬
‫ورفعهم فوق منزلتهم ‪..‬‬
‫ففي قوم نوح ‪..‬كان الناس موحدين ‪..‬يعبدون الله وحده ل شريك له ‪ ..‬ولم‬
‫يكن شرك على وجه الرض أبدا ً‬
‫وكان فيهم خمسة رجال صالحين ‪ ..‬هم ُود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ‪..‬‬
‫وكانوا يتعبدون ‪ ..‬ويعلمون الننس الدين ‪ ..‬فلما ماتوا ‪ ..‬حزن عليهم قومهم ‪..‬‬
‫وقالوا ‪ :‬ذهب الذين كانوا يذكروننا بفضل العبادة ‪ ..‬ويأمروننا بطاعة الله ‪..‬‬
‫ورتم صورهم ‪ ..‬على شكل تماثيل ‪..‬‬ ‫فوسوس الشيطان لهم ‪ ..‬قائل ً ‪ :‬لو ص ّ‬
‫ونصبتموها عند مساجدكم ‪ ..‬فإذا رأيتموهم ذكرتم العبادة فنشطتم لها ‪..‬‬
‫فأطاعوه ‪ ..‬فاتخذوا الصنام رموزا ً ‪ ..‬لتذكرهم بالعبادة والصلح‪..!..‬‬
‫فكانوا فعل ً ‪ ..‬يرون هذه الصنام فيتذكرون العبادة ‪ ..‬ومضت السنين ‪..‬‬
‫وذهب هذا الجيل ‪ ..‬ونشأ أولدهم من بعدهم ‪ ..‬وكبروا وهم يرون آباءهم‬
‫يثنون على هذه التماثيل والصنام ‪ ..‬ويعظمونها ‪ ..‬لنها تذكرهم بالصالحين ‪..‬‬
‫ثم نشأ قوم بعدهم ‪ ..‬فقال لهم إبليس‪ ) :‬إن الذين كانوا من قبلكم كانوا‬
‫يعبدونها ‪ ..‬وكانوا إذا أصابهم قحط أو حاجة لجئوا إليها ( فاعبدوها‪..‬‬
‫فعبدوها ‪ ..‬حتى بعث الله إليهم نوحا ً عليه السلم ‪ ..‬فدعاهم ألف سنة إل‬
‫خمسين عاما ً ‪ ..‬فما آمن معه إل قليل ‪ ..‬فغضب الله على الكافرين ‪..‬‬
‫فأهلكهم بالطوفان ‪..‬‬
‫هذا ما حدث في قوم نوح عليه السلم ‪..‬‬
‫فكيف نشأ الشرك في قوم إبراهيم ؟ كانوا يعبدون الكواكب والنجوم ‪..‬‬
‫ويرون أنها تتحكم في الكوان ‪ ..‬تكشف الكربات ‪ ..‬وتجيب الدعوات ‪ ..‬وتهب‬
‫الحاجات ‪..‬‬
‫يعتقدون أن هذه الكواكب ) وسطاء ( بين الله وخلقه ‪ ..‬وأنهم موكول إليهم‬
‫تصريف هذا العالم ‪..‬‬
‫ً‬
‫ثم لم يلبثوا أن صنعوا أصناما ‪ ..‬على صور الكواكب والملئكة ‪..‬‬
‫وكان أبوه يصنع الصنام فيعطيها أولده فيبييعونها ‪ ..‬وكان يلزم إبراهيم‬
‫للخروج لبيع الصنام ‪ ..‬فكان إبراهيم ينادي عليها ‪ :‬من يشتري ما يضره ول‬
‫ينفعه ؟‬
‫فيرجع إخوته وقد باعوا أصنامهم ‪ ..‬ويرجع إبراهيم بأصنامه كما هي ‪..‬‬
‫ثم دعا أباه وقومه إلى نبذ هذه الصنام ‪ ..‬فلم يستجيبوا له ‪..‬‬
‫فحطم أصنامهم ‪ ..‬فحاولوا إحراقه فأنجاه الله من النار ‪..‬‬
‫الوارثون للشرك ‪..‬؟؟‬
‫هذا حال قوم نوح وإبراهيم ‪..‬‬
‫واليوم نأتي إلى القبوريين فنسأل ‪ :‬كيف تبدأ علقتهم بالقبر أو الضريح ؟‬
‫وكيف تنتهي بهم إلى الشرك ؟‬
‫تبدأ العلقة بتقديس الشخاص ‪ ..‬ذوي الصلح والتقوى ‪..‬‬
‫ومن ثم ‪ :‬تستحب زيارة تلك البقاع ‪ ..‬ليس لتذكر الموت والخرة ‪ ..‬بل لتذكر‬
‫الشيخ الصالح والعتبار به ‪ ..‬ثم دعاء الله عندها رجاء الجابة ‪ ..‬ثم لمس‬
‫القبر وتقبيله ‪ ..‬والتمسح به ‪..‬‬
‫ثم اتخاذه ) واسطة ( و ) وسيلة ( للستشفاع به عند الله ‪ ..‬ويزعمون أن‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صاحب الضريح طاهر مكرم ‪ ..‬مقرب معظم ‪ ..‬له جاه عند الله ‪ ..‬بينما‬
‫صاحب الحاجة متلطخ بالذنوب ‪ ..‬ل يصلح أن يدعو الله مباشرة ‪ ..‬فل بد ّ أن‬
‫يجعل صاحب القبر واسطة بينه وبين الله !!‬
‫ثم يقذف الشيطان في قلوب الزائرين ‪ ..‬يقول لهم ‪:‬‬
‫ما دام هذا المقبور مكرما ً فقد يعطيه الله تصرفا ً وقدرة ‪..‬‬
‫فيبدأ الزائر يعظم المقبور في نفسه ‪ ..‬ويهابه ‪ ..‬ويرجوه ‪..‬‬
‫ثم بعد ذلك يدعوه ‪ ..‬ويستغيث به ‪ ..‬ثم يبني عليه مسجدا ً ‪ ..‬أو قبة‬
‫وضريحا ً ‪..‬‬

‫)‪(22 /‬‬

‫ويوقد فيه القناديل ‪ ..‬ويعلق عليه الستور ‪ ..‬ويعبده بالسجود له ‪ ..‬والطواف‬


‫به ‪ ..‬وتقبيله واستلمه‪ ..‬والحج إليه‪ ..‬والذبح عنده‪ ..‬ثم ينسجون حوله‬
‫الكرامات ‪ ..‬والقصص والحكايات ‪ ..‬فهذه امرأة دعته فرزقت زوجا ً ‪ ..‬والثانية‬
‫أنجبت ولدا ً ‪ ..‬وهكذا ‪..‬‬
‫وبعضهم يردد قائل ً ‪ ..‬من زار العتاب ما خاب ‪ ..‬أي‪ :‬من زار الضرحة‬
‫والعتاب ) المقدسة ( ‪ ..‬قضيت حاجته ونال مراده‪..‬‬
‫بل سئل أحد التجار‪ :‬لماذا تقسم للزبائن بضريح الشيخ ‪ ..‬ول تقسم بالله ؟‬
‫فقال ‪ :‬إنهم هنا ل يرضون بالقسم باسم الله‪ ..‬ول يرضون إل بالقسم بضريح‬
‫سيدنا فلن ‪..‬‬
‫فانظر كيف صار تعظيمهم للضريح أكبر من تعظيمهم لله !!‬
‫وما دام المر كذلك ‪ ..‬فما الفرق بين كوم تراب ‪ ..‬وحجارة وأخشاب ‪ ..‬أو‬
‫ضريح ومقام ‪ ..‬أو صور وأصنام ‪ ..‬أو أي شيء من المخلوقات؟‪ ..‬ل فرق‪..‬‬
‫المهم وجود )السر( والتوجه إلى صاحبه!‪ ..‬واعتقاد أنه يضر وينفع ‪ ..‬ويغني‬
‫ويشفع ‪..‬‬
‫وما أقرب حال هؤلء بما حكاه أبو رجاء العطاردي رضي الله عنه ‪ ..‬لما‬
‫قال ‪:‬‬
‫كنا في الجاهلية نعبد الصنام ‪ ..‬والحجار والشجار ‪..‬‬
‫فكان أحدنا يعبد حجرا ً ‪ ..‬فإذا رأى حجرا ً آخر أمثل منه ‪ ..‬ألقى حجره وعبد‬
‫الخر ‪..‬‬
‫جثوة من تراب ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه ثم طفنا‬ ‫ً‬
‫فإذا لم نجد حجرا جمعنا ُ‬
‫به‪..‬‬
‫خرج ‪..‬‬ ‫فخرجنا مرة في سفر ‪ ..‬ومعنا إلهنا الذي نعبده ‪ ..‬حجر قد جعلناه في ُ‬
‫فكنا إذا أشعلنا نارا ً لطعام فلم نجد حجرا ً ثالثا ً للقدر ‪ ..‬وضعنا إلهنا ‪ ..‬وقلنا ‪:‬‬
‫هو أدفأ له إذا اقترب من النار ‪..‬‬
‫خرج ‪..‬فلما ارتحلنا صاح صائح من‬ ‫فنزلنا منزل ً يوما ً ‪ ..‬وأخرجنا الحجر من ال ُ‬
‫قومي فقال ‪ :‬أل إن ربكم قد ضل فالتمسوه ‪..‬‬
‫فركبنا كل بعير صعب وذلول نبحث عن ربنا ‪..‬‬
‫فبينما نحن نبحث إذ سمعت صائحا ً آخر من قومي يقول ‪ :‬أل إني قد وجدت‬
‫ربكم ‪ ..‬أو ربا ً يشبهه ‪..‬‬
‫فرجعت إلى موضع رحالنا ‪ ..‬فرأيت قومي ساجدين عند صنم ‪ ..‬فأتينا فنحرنا‬
‫عنده البل ‪..‬‬
‫فاعجب من جهلهم في جاهلية ما قبل السلم ‪ ..‬واعجب أكثر من جاهليتهم‬
‫اليوم ‪..‬‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالله عليك ما الفرق بين يعبد حجرا ً ‪ ..‬ومن يعبد قبرا ً ‪..‬‬
‫بين من ينزل حاجاته بأصنام ‪ ..‬ومن ينزلها برفات وعظام ‪..‬‬
‫بين من يتعبد لقبور الولياء ‪ ..‬ومن يتعبد لطين وماء ‪..‬‬
‫نعم كل هؤلء يقولون ‪ :‬ما نعبدهم إل ليقربونا إلى الله زلفى ‪..‬‬
‫وهذا ما أوقع القبوريين في وثنية صريحة ل شك فيها ول خفاء ‪..‬‬
‫*********‬
‫أربعة اعتراضات ‪..‬‬
‫الول ‪:‬‬
‫قد يقول بعض المتعلقين بالقبور ‪ ..‬الداعين لها ‪ ..‬أنتم تشددون علينا ‪ ..‬فنحن‬
‫ل نعبد الموات ‪ ..‬لكن هؤلء المقبورين أولياء صالحون ‪ ..‬لهم عند الله جاه‬
‫ومكان ‪ ..‬فهم يشفعون لنا عند الله ‪..‬‬
‫فنقول ‪ :‬هذا هو شرك كفار قريش في عبادتهم للصنام ‪..‬‬
‫فمشركو العرب كانوا مقرين بتوحيد الربوبية ‪ ..‬وأن الخالق الرازق المدبر هو‬
‫ماِء‬‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫كم ّ‬ ‫من ي َْرُزقُ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫الله وحده ل شريك له ‪ ..‬كما قال تعالى ‪ ) :‬قُ ْ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫َوال َْر‬
‫مي ّ َ‬‫ج ال َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ت وَي ُ ْ‬ ‫مي ّ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ح ّ‬
‫ج ال َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫من ي ُ ْ‬ ‫صاَر وَ َ‬‫معَ َوالب ْ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫ضأ ّ‬ ‫ِ‬
‫ن ( ]يونس‪.[31 :‬‬ ‫قو َ‬ ‫ل أ ََفل ت َت ّ ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ه فَ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫سي َ ُ‬‫مَر فَ َ‬
‫َ‬
‫من ي ُد َب ُّر ال ْ‬ ‫ي وَ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ومع ذلك قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ..‬واستحل دماءهم ‪..‬‬
‫وأموالهم ‪ ..‬لنهم لم يفردوا الله عز وجل بجميع أنواع العبادة ‪..‬‬
‫واليات القرآنية ‪ ..‬والحاديث النبوية ‪ ..‬التي حذرت من عبادة غير الله ‪..‬‬
‫بينت أن الشرك بالله هو أن يجعل العبد لله ندا ً شريكا ً في العبادة سواًء كان‬
‫صنما ً أو حجرا ً ‪ ..‬أو نبيا ً أو وليا ً أو قبرا ً ‪..‬‬
‫نعم الشرك هو أن يفعل لغير الله شيئا ً يختص به الله سبحانه سواًء أطلق‬
‫على ذلك الغير ما كان تطلقه عليه الجاهلية كالصنم والوثن ‪ ..‬أو أطلق عليه‬
‫اسما ً آخر كالولي والقبر والمشهد ‪..‬‬
‫ولو ظهرت علينا اليوم فرقة جديدة من الفرق ‪ ..‬وادعت أن لله صاحبة وولدا ً‬
‫لصار حكمهم حكم النصارى ‪ ..‬وانطبقت عليهم اليات التي نزلت في‬
‫النصارى ‪ ..‬وإن لم يسموا أنفسهم نصارى ‪ ..‬لن حكمهما واحد ‪ ..‬فكذلك‬
‫عباد القبور اليوم ‪..‬‬
‫*********‬
‫الثاني ‪..‬‬
‫وقد يعترض بعض المتعلقين بالقبور ‪ ..‬ويقولون ‪:‬‬
‫نحن نتقرب إلى المقبورين ‪ ..‬من الولياء والصالحين ‪ ..‬من أجل طلب‬
‫الشفاعة‪ ..‬فهؤلء الموتى قوم صالحون كانوا في الدنيا صوامين في النهار ‪..‬‬
‫بكائين في السحار ‪ ..‬فلهم جاه وقدر عند الله ‪ ..‬نحن نطلب منهم أن‬
‫يشفعوا لنا عند الله ‪..‬‬
‫فنقول لهم ‪ ..‬يا قوم ‪ ..‬ويحكم أجيبوا داعي الله وآمنوا به ‪..‬‬
‫ن‬‫من ُدو ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫مى اتخاذ الشفعاء شركا ً ‪ ..‬فقال سبحانه ‪ ) :‬وَي َعْب ُ ُ‬ ‫إن الله قد س ّ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ن الل َ‬ ‫ل أت ُن َب ُّئو َ‬ ‫عند َ اللهِ قُ ْ‬ ‫فَعاؤَُنا ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ؤلِء ُ‬ ‫ن هَ ُ‬ ‫قولو َ‬ ‫م وَي َ ُ‬ ‫فعُهُ ْ‬ ‫م َول َين َ‬ ‫ضّرهُ ْ‬ ‫ما ل ي َ ُ‬ ‫الل ّهِ َ‬
‫َ‬
‫ن(‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ه وَت ََعاَلى عَ ّ‬ ‫حان َ ُ‬‫سب ْ َ‬
‫ض ُ‬ ‫ت َول ِفي الْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬
‫س َ‬‫م ِفي ال ّ‬ ‫ما ل ي َعْل َ ُ‬ ‫بِ َ‬
‫]يونس‪.[18 :‬‬

‫)‪(23 /‬‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ونقول لهم أيضا ً ‪ ..‬نحن نؤمن معكم ‪ ..‬بأن الله تعالى أعطى النبياء والولياء‬
‫الشفاعة ‪ ..‬وهم أقرب الناس إليه ‪ ..‬لكن ربنا نهانا عن سؤالهم ودعائهم ‪..‬‬
‫نعم ‪ ..‬النبياء والولياء والشهداء ‪ ..‬لهم شفاعة عند الله ‪ ..‬ولكنها ليست‬
‫بأيديهم يشفعون لمن شاؤوا ‪ ..‬ويتركون من شاؤوا ‪ ..‬كل ‪ ..‬بل ل يشفعون إل‬
‫بعد أن يأذن الله لهم ‪ ..‬ويرضى عن المشفوع ‪..‬‬
‫*********‬
‫الثالث ‪..‬‬
‫وقد يعترض بعض المتعلقين بالقبور فيقولون ‪..‬‬
‫إن الكثير من المسلمين في القديم والحديث يبنون على القبور‪ ..‬ويتخذون‬
‫المشاهد والقباب‪ ..‬ويتحرون الدعاء عندها ‪ ..‬فهل المة كلها على باطل ‪..‬‬
‫وأنتم على الحق ‪..‬‬
‫فنقول لهم ‪ :‬أكثر هذه المشاهد والضرحة مكذوبة ‪ ..‬ل تصح نسبتها إلى‬
‫أصحابها‪ ..‬كما تقدم ‪..‬‬
‫وأيضا ً ‪ ..‬فإن البناء على القبور وتحري الدعاء عندها ‪ ..‬من البدع المنكرة ‪..‬‬
‫كما في قوله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور‬
‫ذر ما صنعوا ( متفق عليه ‪..‬‬ ‫أنبيائهم مساجد يح ّ‬
‫*********‬
‫الرابع ‪..‬‬
‫وهنا شبهة ‪ ..‬قد يقذفها الشيطان في بعض القلوب ‪..‬‬
‫من المسجد النبوي دون‬ ‫ض ّ‬‫وهي أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم قد ُ‬
‫نكير‪ ..‬ولو كان ذلك حراما ً لم يدفن فيه‪ ..‬كما يحتجون بوجود القبة على قبره‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪..‬‬
‫والجواب‪ :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم دفن حيث مات ‪ ..‬والنبياء يدفنون‬
‫حيث يموتون كما جاءت بذلك الحاديث ‪..‬‬
‫فدفن في حجرة عائشة رضي الله عنها ‪ ..‬فلم يدفن في المسجد ‪ ..‬وإنما‬
‫دفن في الحجرة ‪ ..‬هذا في أول المر ‪..‬‬
‫والصحابة رضي الله عنهم دفنوه في حجرة عائشة كي ل يتمكن أحد بعدهم‬
‫من اتخاذ قبره مسجدا ً ‪ ..‬كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت ‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه ‪ ) :‬لعن الله‬
‫اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ‪ ..‬قالت ‪ :‬فلول ذلك ُأبرَِز قبره‬
‫غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا ً ( أخرجه البخاري ومسلم ‪..‬‬
‫نعم دفن أول المر في بيت عائشة ‪ ..‬وكان بيت عائشة ملصقا ً للمسجد من‬
‫الجهة الشرقية ‪..‬‬
‫ومضت السنوات ‪ ..‬والناس يكثرون ‪ ..‬والصحابة يوسعون المسجد من جميع‬
‫الجهات ‪ ..‬إل من جهة القبر ‪..‬‬
‫وسعوه من جهة الغرب والشمال والجنوب ‪ ..‬إل الجهة الشرقية فلم يوسعوه‬
‫منها لن القبر يحجزهم عن ذلك ‪..‬‬
‫وفي سنة ثمان وثمانين ‪ ..‬أي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسبع‬
‫وسبعين سنة ‪ ..‬وبعدما مات عامة الصحابة الذين كانوا بالمدينة ‪ ..‬أمر‬
‫الخليفة الوليد ُ بن عبد الملك بهدم المسجد النبوي لتوسعته ‪ ..‬وأمر بتوسعته‬
‫حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ‪..‬‬ ‫من جميع الجهات ‪ ..‬وإضافة جميع ُ‬
‫ة حجرةَ عائشة‬ ‫عندها وسع من الجهة الشرقية ‪ ..‬وأدخلت فيه الحجرةَ النبوي َ‬
‫رضي الله عنها ‪ ..‬فصار القبر بذلك في المسجد ‪ ) ..‬انظر‪ :‬الرد على‬
‫الخنائي‪ ،‬ص ‪ ،184‬ومجموع الفتاوى‪ 27 ،‬ـ ‪ ، 323‬تاريخ ابن كثير‪.. ( 9/74 ،‬‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فهذه قصة القبر والمسجد ‪..‬‬


‫إذن ‪ ..‬ل يصح لحد أبدا ً ‪ ..‬أن يحتج بما وقع بعد الصحابة رضي الله عنهم ‪..‬‬
‫لنه مخالف للحاديث الثابتة ‪ ..‬وما فهمه سلف المة‪ ..‬وقد أخطأ الوليد بن‬
‫عبد الملك – عفا الله عنه ‪ -‬في إدخاله الحجرة النبوية ضمن المسجد‪ ..‬لن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بناء المساجد على القبور ‪ ..‬وكان الصل‬
‫سعَ المسجد من الجهات الخرى دون أن يتعرض للحجرة النبوية ‪..‬‬ ‫أن يو ّ‬
‫وكذلك القبة التي فوق قبره صلى الله عليه وسلم ‪ ..‬فإنها ليس بناؤها منه‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ..‬ول من الصحابة رضي الله عنهم ول من تابعيهم ول‬
‫تابعي التابعين ول من علماء أمته وأئمة ملته‪ ..‬بل هذه القبة المعمولة على‬
‫قبره صلى الله عليه وسلم من أبنية بعض ملوك مصر المتأخرين ‪ ..‬وهو‬
‫قلوون الصالحي المعروف بالملك المنصور في سنة ‪678‬هـ‪)..‬انظر‪ :‬تحذير‬
‫الساجد لللباني‪ ،‬ص ‪ ،93‬وصراع بين الحق والباطل‪ ،‬لسعد صادق ‪ ،‬ص ‪106‬‬
‫‪ ،‬تطهير العتقاد‪ ،‬ص ‪. ( 43‬‬
‫*********‬
‫نداء ‪ ..‬نداء ‪..‬‬
‫أقول للمتعلقين بالمقبورين ‪ ..‬يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به ‪..‬‬
‫بالله عليكم ‪ ..‬هل تعلمون أن السلف الصالح كانوا يجصصون قبرًا‪ ..‬أو‬
‫يرجون بشرا ً ؟ أو يتوسلون بضريح ومقام ؟ ويغفلون عن الملك العلم ؟‬
‫وهل تعلمون أن واحدا ً منهم وقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر‬
‫أحد من أصحابه وآل بيته‪ ..‬يسأله قضاء حاجة من الحاجات ‪ ..‬أو تفريج كربة‬
‫من الكربات ؟‬
‫وهل تعلمون أن الرفاعي والدسوقي والجيلني والبدوي أكرم عند الله‬
‫وأعظم وسيلة إليه من النبياء والمرسلين‪ ..‬والصحابة والتابعين ؟‬
‫وانظر إلى الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه في المدينة النبوية ‪ ..‬لما‬
‫أجدبت الرض ‪ ..‬وانقطع القطر ‪ ..‬وشكوا ذلك إلى عمر رضي الله عنه ‪..‬‬
‫خرج بهم ثم صلى صلة الستسقاء ‪ ..‬ثم رفع يديه وقال ‪:‬‬

‫)‪(24 /‬‬

‫اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا بدعاء نبينا لنا فأسقيتنا ‪ ..‬اللهم وإنا نتوسل إليك‬
‫بدعاء عم نبيك صلى الله عليه وسلم ‪ ..‬ثم التفت إلى العباس رضي الله عنه‬
‫وقال ‪ :‬قم يا عباس فادع ُ الله أن يسقينا ‪ ..‬فقام العباس ودعا الله تعالى ‪..‬‬
‫وأمن الناس على دعائه وبكوا وابتهلوا ‪ ..‬حتى اجتمع فوقهم السحاب‬
‫وأمطروا ‪..‬‬
‫فانظر إلى الصحابة الكرام ‪ ..‬وهم أكثر منا فقها ً ‪ ..‬وأعظم محبة للنبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ..‬لما أصابتهم الحاجات ‪ ..‬ونزلت بهم الكربات ‪ ..‬ما ذهبوا‬
‫إلى قبر نبيهم صلى الله عليه وسلم ‪ ..‬وقالوا ‪ :‬يا رسول الله !! اشفع لنا عند‬
‫الله ‪ ..‬كل ‪ ..‬فهم يعلمون أن دعاء الميت ل يجوز وإن كان نبيا ً مرسل ً ‪ ..‬أو‬
‫وليا ً مقربا ً ‪..‬‬
‫فهم إذا أرادوا الحاجات ‪ ..‬التمسوا كشف الكربات بالدعوات الصالحات ‪..‬‬
‫فآهٍ ثم آهٍ ‪ ..‬لمساكين اليوم يزدحمون على عظام ورفات ‪ ..‬يلتمسون منها‬
‫المغفرة والرحمات ‪..‬‬
‫يا قومنا ‪ ..‬ويحكم ‪..‬‬
‫هل تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما نهى عن إقامة الصور‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والتماثيل ‪ ..‬نهى عنها عبثا ً ولعبا ً ‪ ..‬أم أنه خاف أن تعيد للمسلمين جاهليتهم‬
‫الولى ؟ بعبادة الصور والتماثيل ؟‬
‫وأي فرق بين من يعظم الصور والتماثيل ‪ ..‬وبين من يعظم الضرحة‬
‫والقبور ‪ ..‬ما دام كل منها يجر إلى الشرك‪ ..‬ويفسد عقيدة التوحيد ؟‬
‫*********‬
‫ومن وسائل الشرك ‪ ..‬الحلف بغير الله ‪:‬‬
‫فل يجوز الحلف بالكعبة ‪ ..‬ول بالمانة ‪ ..‬ول بالشرف ‪ ..‬ول ببركة فلن ‪ ..‬ول‬
‫بحياة فلن ‪..‬ول بجاه النبي ‪ ..‬ول بجاه الولي ‪ ..‬ول بالباء والمهات ‪ ..‬كل ذلك‬
‫حرام ‪ ..‬لن الحلف تعظيم ل يصح إل لله ‪..‬‬
‫وقد روى أحمد عن ابن عمر مرفوعا ً ‪"\ :‬من حلف بغير الله فقد أشرك\" ‪..‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم ‪ :‬من كان حالفا ً فليحلف بالله أو ليصمت ‪..‬‬
‫فإذا حلف بغير الله ‪ ..‬وكان الحالف يعتقد أن عظمة المحلوف به كعظمة الله‬
‫فهو شرك أكبر ‪ ..‬وإن اعتقد أن المحلوف به أقل من الله ‪ ..‬فهو شرك أصغر‬
‫‪..‬‬
‫ومن جرى على لسانه شيء من هذا بغير قصد ‪ ..‬فكفارته أن يقول ‪ :‬ل إله‬
‫إل الله ‪ ،‬كما روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ ) :‬من حلف‬
‫فقال في حلفه باللت والعزى فليقل ‪ :‬ل إله إل الله ( ‪..‬‬
‫ومن كان الحلف بغير الله يجرى على لسانه ‪ ..‬فيجب أن يجاهد نفسه على‬
‫تركه ‪..‬‬
‫وبعضهم يحلف بالله كاذبا ً ‪ ..‬ول يجترئ أن يحلف بشيخه كاذبا ً ‪..‬‬
‫ومن شرك اللفاظ الذي يجري على ألسنة بعض الناس ‪..‬‬
‫كقول بعضهم ‪ :‬ما شاء الله وشئت ‪ ..‬أو ‪ :‬لول الله وفلن ‪ ..‬أو ‪ :‬مالي إل الله‬
‫وأنت ‪ ..‬وهذا من بركات الله وبركاتك ‪..‬‬
‫والصواب أن يقول ‪ :‬ما شاء الله ثم فلن ‪ ..‬ولول الله ثم فلن ‪..‬‬
‫*********‬
‫ومن وسائل الشرك ‪:‬‬
‫ً‬
‫تعليق التمائم والحروز والوراق والحجب ‪ ..‬خوفا من العين وغيرها ‪ ..‬فإذا‬
‫اعتقد أن هذه مجرد أسباب وطرق لرفع البلء أو دفعه ‪ ..‬فهذا شرك أصغر ‪..‬‬
‫أما إن اعتقد أنها تتحكم وتدفع البلء بنفسها ‪ ..‬فهذا شرك أكبر لنه تعلق بغير‬
‫الله ‪ ..‬وجعل لغير الله تصرفا ً في الكون مع الله ‪..‬‬
‫والتمائم نوعان ‪:‬‬
‫من القرآن ‪ :‬كمن يعلق قماشا ً أو جلدا ً ‪ ..‬أو قطعة ذهب ‪ ..‬أو غيرها قد كتب‬
‫عليه آيات من القرآن ‪ ..‬وهذه ل تجوز ‪ ..‬لنها لم يرد فعلها عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم وأصحابه ‪ ..‬وقد تجر إلى تعليق غيرها ‪..‬‬
‫والنوع الثاني ‪ :‬من غير القرآن ‪ ..‬كمن يعلق ما كتب عليه أسماء الجن ‪..‬‬
‫ورموز السحرة ‪ ..‬وهذا من وسائل الشرك عياذا ً بالله ‪..‬‬
‫قال ابن مسعود ‪ :‬من قطع تميمة من إنسان ‪ ..‬فكأنما أعتق رقبة ‪..‬‬
‫ورأى حذيفة بن اليمان رجل ً قد علق في يده حلقة من صفر ) حديد ( ‪..‬‬
‫فقال له ‪ :‬ما هذا ؟‬
‫قال ‪ :‬من الواهنة ‪ ..‬أي خوف العين ‪..‬‬
‫ت وهي عليك ما أفلحت‬ ‫فقال ‪ :‬انزعها فإنها ل تزيدك إل وهنا ً ‪ ..‬لو م ّ‬
‫أبدا ً ‪..‬؟؟؟‬
‫*********‬
‫وكذلك الرقى ‪ ..‬وهي الذكار والوراد التي تقرأ على المريض ‪..‬‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فالجائز منها ما كان بكلم الله أو بأسماء الله وصفاته ‪ ..‬مثل أن يقرأ الفاتحة‬
‫والمعوذات على المريض ‪ ..‬أو يدعو بشيء مما ورد في السنة النبوية ‪..‬‬
‫أما ترديد أسماء الجن ‪..‬أو حتى ترديد أسماء الملئكة والنبياء والصالحين‬
‫‪..‬فهذا دعاء لغير الله وهو شرك أكبر‪..‬‬
‫وكيفيتها ‪ :‬أن يقرأ وينفث عل المريض ‪ ..‬أو يقرأ في ماء ويسقاه المريض ‪..‬‬
‫*********‬
‫ومن الشرك ‪ :‬ادعاء علم الغيب ‪..‬‬
‫فل يعلم الغيب إل الله وحده‪ ..‬قال تعالى ‪ } :‬قل ل يعلم من في السموات‬
‫والرض الغيب إل الله { ‪..‬‬
‫فل يمكن لحد أبدا ً ‪ ..‬أبدا ً ‪ ..‬أن يعلم الغيب ‪ ..‬ل ملك مقرب ‪ ..‬ول نبي مرسل‬
‫‪..‬ول ولي متعبد ‪ ..‬ول إمام متبع ‪ ..‬كل ‪ ..‬كل ‪ ..‬ل يعلم الغيب إل الله ‪..‬‬
‫إل أن يكون رسول ً يوحى الله إليه شيئا ً من المغيبات ‪ ..‬كما أخبر الله نبيه‬
‫صلى الله عليه وسلم بمكائد الكفار له ‪ ..‬وأشراط الساعة ‪ ..‬ونحو ذلك ‪..‬‬

‫)‪(25 /‬‬

‫فمن ادعى علم الغيب بأي وسيلة من الوسائل ‪ ..‬كقراءة الكف أو الفنجان ‪..‬‬
‫أو النظر في النجوم ‪ ..‬أو الكهانة أو السحر ‪..‬فهو كاذب كافر ‪..‬‬
‫وما يحصل من المشعوذين والدجالين من الخبار بالمفقودات أو الغائبات ‪..‬‬
‫وعن أسباب بعض المراض ‪ ..‬إنما هو باستخدام الجن والشياطين ‪..‬‬
‫وقد يذهب بعض ضعاف اليمان إلى المنجمين فيسألهم عن مستقبله وعن‬
‫زواجه ‪ ..‬وهذا حرام ‪ ..‬ومن ادعى علم الغيب أو صدق من يدعيه فهو مشرك‬
‫كافر ‪..‬‬
‫ومن ذلك اللجوء إلى أبراج الحظ في الجرائد والمجلت ‪ ..‬أو التصال هاتفيا ً‬
‫على بعض من يدعي معرفة الغيب ‪ ..‬أو سؤاُلهم ‪ ..‬كل ذلك حرام ‪..‬‬
‫*********‬
‫ومن وسائل الشرك ‪ :‬السحر والكهانة والعرافة ‪..‬‬
‫والسحر هو ‪ :‬عزائم وكلم وأدوية وتدخينات ‪ ..‬وله حقيقة ‪ ..‬وقد يؤثر في‬
‫القلوب والبدان ‪ ..‬فيمرض ‪ ..‬ويقتل ‪ ..‬ويفرق بين المرء وزوجه ‪..‬‬
‫وهو من أعظم الذنوب ‪ :‬قال صلى الله عليه وسلم‪):‬اجتنبوا السبع الموبقات‬
‫قالوا ‪ :‬وما هي ؟ قال ‪ :‬الشراك بالله والسحر (‪..‬‬
‫فالسحر فيه استخدام الشياطين ‪ ..‬والتعلق بهم ‪ ..‬والتقرب إليهم بما‬
‫يحبونه ‪ ..‬ليقوموا بخدمة الساحر ‪ ..‬وفيه أيضا ً ادعاء علم الغيب ‪ ..‬وهذا كفر‬
‫وضلل ‪..‬‬
‫َ‬
‫ث أَتى { ‪..‬‬ ‫حي ْ ُ‬
‫حُر َ‬
‫سا ِ‬‫ح ال ّ‬
‫فل ِ ُ‬
‫حرٍ َول ي ُ ْ‬ ‫صن َُعوا ك َي ْد ُ َ‬
‫سا ِ‬ ‫ما َ‬
‫لذا قال تعالى ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫وحكم الساحر القتل ‪ ..‬كما فعل جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ‪..‬‬
‫والعجب أننا أصبحنا في زمان ‪ ..‬تساهل الناس فيه بالسحر ‪ ..‬وربما عدوا‬
‫ذلك فنا ً من الفنون التي يفتخرون بها ‪ ..‬ويمنحون الجوائز لصحابها ‪..‬‬
‫ويقيمون للسحرة الحفلت‪..‬والمسابقات‪..‬ويحضرها آلف المتفرجين‬
‫والمشجعين ‪..‬وهذا من التهاون بالعقيدة‬
‫وما أجمل أن يصنع بالساحر ما صنعه أبو ذر الغفاري رضي الله عنه ‪..‬‬
‫فإنه دخل على أحد الخلفاء فرأى بين يديه ساحرا ً ‪ ..‬يلعب بسيف في يده ‪..‬‬
‫ويخيل للناس أنه يضرب يقطع رأس الرجل ثم يعيده ‪..‬‬
‫فجاء أبو ذر من اليوم التالي ‪ ..‬وقد لبس رداءه ‪ ..‬وخبأ سيفه تحته ‪ ..‬ثم دخل‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على الخليفة ‪ ..‬فإذا الساحر بين يديه يلعب بالسيف ‪ ..‬ويسحر أمام الناس ‪..‬‬
‫وهم في عجب وإعجاب ‪..‬‬
‫فاقترب منه أبو ذر ‪ ..‬ثم أخرج سيفه فجأة ورفع وهوى به على رقبة هذا‬
‫الساحر ‪ ..‬فأطار رأسه ‪..‬‬
‫فسقط الساحر صريعا ً ‪ ..‬وقال أبو ذر ‪ :‬سمعت النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول ‪ :‬حد الساحر ضربة بالسيف ‪..‬‬
‫ثم التفت إليه أبو ذر وقال ‪ :‬أحيي نفسك ‪ ..‬أحيي نفسك ‪ ..‬؟؟؟‬
‫*********‬
‫وقد قال صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر‬
‫بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ( ‪.‬‬
‫ومما يجب التنبه له ‪ :‬أن السحرة والكهان والعرافين يعبثون بعقائد الناس ‪..‬‬
‫بحيث يظهرون بمظهر الطباء ‪ ..‬فيأمرون المرضى بالذبح لغير الله ‪ ..‬بأن‬
‫يذبحوا خروفا ً صفته كذا وكذا ‪ ..‬أو دجاجة ‪..‬‬
‫وأحيانا ً يكتبون لهم الطلسم الشركية ‪ ..‬والتعاويذ الشيطانية ‪..‬‬
‫بصفة حروز يعلقونها في رقابهم ‪ ..‬أو يضعونها في صناديقهم ‪ ..‬أو في بيوتهم‬
‫‪..‬‬
‫وبعضهم يظهر بمظهر الولي الذي له خوارق وكرامات ‪ ..‬كأن يضرب نفسه‬
‫بالسلح ‪ ..‬أو يضع نفسه تحت عجلت السيارة ول تؤثر فيه ‪..‬‬
‫أو غير ذلك من الشعوذات ‪ ..‬التي هي في حقيقتها سحر من عمل‬
‫الشيطان ‪ ..‬يجريه على أيديهم ‪..‬‬
‫وشياطينهم تخنس عند ذكر الله ‪..‬‬
‫ً‬
‫كما ذكر أحد الشباب أنه سافر يوما إلى إحدى الدول ‪ ..‬ودخل أحد‬
‫مسارحها ‪ ..‬وأخذ ينظر إلى ما يسمى السيرك ‪..‬‬
‫قال ‪ :‬وبينما نحن ننظر إلى اللعاب المتنوعة ‪ ..‬فإذا بامرأة تأتي ثم تمشي‬
‫على حبل بقدرة عجيبة ‪ ..‬ثم قفزت على الجدار ‪ ..‬ومشت عليه كما تمشي‬
‫البعوضة ‪ ..‬والناس قد أخذ منهم العجب منها كل مأخذ ‪ ..‬فقلت في نفسي ‪..‬‬
‫ل يمكن أن يكون ما تفعله حركات بهلوانية تدربت عليها ‪ ..‬صحيح أنا عاص ‪..‬‬
‫حد ‪ ..‬ل أرضى بمثل هذا فتحيرت ماذا أفعل ؟‬ ‫لكني مو ّ‬
‫فتذكرت إني حضرت خطبة جمعة عن السحر والسحرة ‪ ..‬وكان مما ذكر‬
‫الشيخ أن السحرة يستعملون الشياطين ‪ ..‬وأن الشياطين يبطل كيدها ‪..‬‬
‫وتفنى قوتها إذا ذكر الله ‪..‬‬
‫فقمت من على كرسيي ‪ ..‬ومضيت أمشي متجها ً إلى خشبة المسرح ‪..‬‬
‫والناس يصفقون معجبين ‪ ..‬ويظنوني لفرط إعجابي ‪ ..‬أقترب من‬
‫الساحرة ‪..‬‬
‫ً‬
‫فلما وصلت إلى المسرح ‪ ..‬وصرت قريبا من هذه الساحرة ‪ ..‬وجهت نظري‬
‫إليها ثم قرأت آية الكرسي ‪ ) :‬الله ل إله إل هو الحي القيوم ل تأخذه سنة ول‬
‫نوم ‪ .. ( ..‬فبدأت المرأة تضطرب ‪ ..‬وتضطرب ‪ ..‬فوالله ما ختمت الية إل‬
‫وقعت على الرض ‪ ..‬وأخذت تنتفض ‪ ..‬وقام الناس وفزعوا ‪ ..‬وحملوها إلى‬
‫المستشفى ‪..‬‬
‫ً‬
‫وصدق الله إذ قال ) إن كيد الشيطان كان ضعيفا ( ‪ ..‬وقال ‪ ) :‬ومكروا ومكر‬
‫الله والله خير الماكرين ( ‪..‬‬
‫*********‬
‫ومن وسائل الشرك ‪ :‬تعظيم التماثيل والنصب التذكارية ‪..‬‬
‫والتماثيل جمع تمثال ‪ ..‬وهو الصورة المجسمة على شكل إنسان أو حيوان ‪..‬‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والنصب التذكارية ‪ :‬تماثيل يقيمونها على صور الزعماء والعظماء ‪..‬‬


‫وينصبونها في الميادين والحدائق ونحوها ‪..‬‬

‫)‪(26 /‬‬

‫وما وقع الشرك في الرض إل بسبب هذه التماثيل ‪..‬‬


‫أما ترى قوم نوح لما صنعوا تماثيل لرجال منهم ‪ ..‬لم يمض عليهم زمن حتى‬
‫عبدوهم من دون الله ‪..‬‬
‫لذا نهى صلى الله عليه وسلم عن نصب التماثيل ‪ ..‬وعن تعليق الصور ‪ ..‬لن‬
‫ذلك وسيلة إلى الشرك ‪..‬‬
‫بل لعن صلى الله عليه وسلم المصورين ‪ ..‬وأخبر أنهم أشد الناس عذابا يوم‬
‫القيامة ‪ ..‬وأمر بطمس الصور ‪ ..‬وأخبر أن الملئكة ل تدخل بيتا فيه صورة ‪..‬‬
‫*********‬
‫ومن وسائل الشرك ‪ :‬التوسل البدعي ‪:‬‬
‫كالتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ..‬أو بذوات المخلوقين أو حقهم ‪..‬‬
‫أو بطلب الدعاء والشفاعة من الموات ‪ ..‬فل يجوز أن يقول في دعائه ‪:‬‬
‫اللهم إني اسألك بجاه نبيك ‪ ..‬أو بحق فلن ‪ ..‬أو بروح الميت فلن ‪ ..‬كل هذا‬
‫ل يجوز ‪..‬‬
‫والتوسل الجائز المشروع ‪ ..‬هو التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته ‪ ..‬كأن‬
‫يقول ‪ :‬يا رحيم ارحمني ‪ ..‬يا غفور اغفر لي ‪..‬‬
‫وكذلك التوسل إلى الله تعالى باليمان والعمال الصالحة ‪ ..‬كأن يقول اللهم‬
‫بإيماني بك وتصديقي لرسلك ‪ ..‬أدخلني جنتك ‪..‬‬
‫والتوسل إلى الله بدعاء الصالحين الحياء ‪ ..‬كأن يطلب من عبد صالح حي ‪..‬‬
‫أن يدعوا الله له ‪ ..‬فإن دعاء المسلم لخيه بظهر الغيب مستجاب ‪ ..‬أما‬
‫طلب الدعاء من ميت في قبره ‪ ..‬فل يجوز ‪..‬‬
‫*********‬
‫فكل ما سبق هو من حقوق الله على عباده ‪ ..‬ل يجوز صرفه لغير الله‬
‫تعالى ‪..‬‬
‫ً‬
‫ومن اليمان بالله أيضا ‪:‬‬
‫اعتقاد أن الله رب كل شيء وأنه المستحق للعبادة ‪..‬‬
‫ع‬
‫مي ُ‬
‫س ِ‬‫يٌء وَهُوَ ال ّ‬ ‫مث ْل ِهِ َ‬
‫ش ْ‬ ‫وله السماء الحسنى والصفات العلى ‪ } ..‬ل َي ْ َ‬
‫س كَ ِ‬
‫صيُر { ‪..‬‬‫ال ْب َ ِ‬
‫ونؤمن بأن الله يتكلم متى شاء بما شاء كيف شاء ‪ ..‬كما قال ‪ } :‬وكلم الله‬
‫موسى تكليما { ‪ ..‬والقران وجميع الكتب السماوية ‪ ..‬هي كلم الله ‪..‬‬
‫ل على خلقه بذاته وصفاته ‪..‬‬ ‫ونؤمن بأن الله عا ٍ‬
‫وبأنه خلق السموت والرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ‪..‬‬
‫واستواؤه على العرش يليق بجلله وعظمته ل يعلم كيفيته إل هو عز وجل ‪..‬‬
‫ل على عرشه ‪ ..‬إل أنه يعلم أحوال خلقه ‪ ..‬ويسمع أقوالهم ‪..‬‬ ‫ومع أنه عا ٍ‬
‫ويرى أفعالهم ‪ ..‬ويدبر أمورهم ‪..‬‬
‫ونؤمن بأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة ‪ ..‬قال تعالى ‪ } :‬وجوه يومئذ‬
‫ناضرة * إلى ربها ناظرة { ‪..‬‬
‫وكل ما أخبر الله به في كتابه وما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم من‬
‫صفات ربنا فنحن مؤمنون بها ‪ ..‬مصدقون بحقيقتها ‪ ..‬على الوجه اللئق به‬
‫عز وجل ‪..‬‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫*********‬
‫واليمان بالملئكة ‪:‬‬
‫أن الله خلقهم من نور ‪ ..‬ووكلهم بأعمال يقومون بها ‪..‬‬
‫وهم عباد ل يعصون الله ما أمرهم ‪ ..‬ويفعلون ما يؤمرون ‪ ..‬هم أكثر منا عددا ً‬
‫‪ ..‬وأكثر خوفا ً وتعبدا ً ‪..‬‬
‫روى البخاري ومسلم أن في السماء بيتا ً يسمى بالبيت المعمور يدخله ك ّ‬
‫ل‬
‫يوم سبعون ألف ملك فيصلون ثم يخرجون منه ‪ ..‬ثم ل يعودون إليه إلى يوم‬
‫القيامة ‪..‬‬
‫ُ‬
‫ح عند أبي داود والطبراني أنه صلى الله عليه وسلم قال ‪ ) :‬أذن لي أن‬ ‫وص ّ‬
‫أحدث عن ملك من ملئكة الله عز وجل من حملة العرش ما بين شحمة أذنه‬
‫إلى عاتقه مسيرة ُ سبعمائة عام ( ‪..‬‬
‫ولبعض الملئكة أعمال خاصة ‪ ..‬فجبريل موكل بالوحي إلى النبياء ‪.‬‬
‫وميكائيل بالمطر والنبات ‪ ..‬وإسرافيل بالنفخ في الصور عند قيام الساعة ‪..‬‬
‫وملك الموت موكل بقبض الرواح ‪ ..‬ومالك خازن النار ‪..‬‬
‫ولله ملئكة موكلون بالجنة في الرحام ‪ ..‬وآخرون موكلون بحفظ بني آدم ‪..‬‬
‫ومنهم موكلون بكتابة أعمال بني آدم ‪ ..‬وملئكة موكلون بسؤال الميت في‬
‫قبره ‪ ..‬وغير ذلك ‪..‬‬
‫*********‬
‫هؤلء هم الملئكة ‪ ..‬وهم عالم غيبي ‪ ..‬نؤمن بوجودهم وإن كنا ل نراهم ‪..‬‬
‫وهناك مخلوقات أخرى غائبة عنا أيضا ً ‪ ..‬وهم ‪:‬‬
‫الجن ‪ ..‬وهم مخلوقون من نار ‪ ..‬وخلقهم الله قبل خلق النس ‪ ..‬كما قال‬
‫تعالى ‪:‬‬
‫من قَب ْ ُ‬
‫ل‬ ‫قَناه ُ ِ‬ ‫َ‬
‫خل ْ‬ ‫ن َ‬
‫جآ ّ‬ ‫ْ‬
‫ن * َوال َ‬
‫سُنو ٍ‬
‫م ْ‬‫مإ ٍ ّ‬
‫ح َ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ل ّ‬‫صا ٍ‬ ‫ْ‬
‫صل َ‬ ‫من َ‬ ‫ن ِ‬‫سا َ‬ ‫لن َ‬
‫قَنا ا ِ‬ ‫َ‬
‫خل ْ‬ ‫} وَل َ َ‬
‫قد ْ َ‬
‫موم ِ { ‪.‬‬‫س ُ‬‫من ّنارِ ال ّ‬ ‫ِ‬
‫وهم مكلفون مأمورون بالعبادة ‪ ..‬فمنهم المؤمن ومنهم الكافر ‪ ..‬ومنهم‬
‫المطيع ‪ ..‬ومنهم العاصي ‪..‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وهم يعتدون على النس أحيانا ‪ ..‬كما يعتدي النس عليهم أحيانا ‪..‬‬
‫ومن عدوان النس عليهم أن يستجمر النسان )أي يمسح فرجه بعد البول‬
‫والغائط ( بعظم أو روث ‪ ..‬ففي مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم عن‬
‫العظم والروث ‪ ) :‬ل تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم من الجن ( ‪..‬‬
‫ومن عدوان الجن على النس ‪ ..‬تسلطهم بالوسوسة ‪ ..‬وتخويفهم ‪..‬‬
‫وصرعهم ‪..‬‬
‫ويمكن للمسلم أن يتحصن منهم بالذكار الشرعية ‪ ..‬كقراءة آية الكرسي ‪..‬‬
‫والمعوذات ‪ ..‬والذكار الشرعية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ..‬أما‬
‫التقرب إليهم بالذبح لهم ودعائهم لتقاء شرهم فهذا من صور الشرك ‪..‬‬

‫)‪(27 /‬‬

‫ول شك أن الجن والشياطين ضعفاء ‪ ..‬وكيدهم ضعيف ‪ ..‬ولكن النسان إذا‬


‫كثرت معاصيه ‪ ..‬وصار ينظر إلى الحرام ‪ ..‬ويسمع المعازف ‪ ..‬وضعف إيمانه‬
‫ل تعلقه بربه ‪ ..‬وغفل عن ذكر الله ‪ ..‬وعن التحصن بالذكار الشرعية‬ ‫‪ ..‬وق ّ‬
‫استطاعوا التسلط عليه ‪..‬‬
‫مُنوا‬
‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن عَلى ال ِ‬ ‫َ‬
‫سلطا ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫َ‬
‫سل ُ‬ ‫َ‬
‫ه لي ْ َ‬‫قال تعالى عن الشيطان وجنده ‪ } :‬إ ِن ّ ُ‬
‫ه‬
‫م بِ ِ‬
‫ن هُ ْ‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه َوال ِ‬ ‫ّ‬
‫ن ي َت َوَلوْن َ ُ‬‫ذي َ‬‫ه عََلى ال ِ‬
‫ّ‬ ‫سل ْ َ‬
‫طان ُ ُ‬ ‫ما ُ‬ ‫م ي َت َوَك ُّلو َ‬
‫ن * إ ِن ّ َ‬ ‫وَعََلى َرب ّهِ ْ‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن { ‪..‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬


‫*********‬
‫واليمان بالكتب ‪:‬‬
‫وهي الكتب التي أنزلها على أنبيائه ‪ ..‬هداية للخلق ‪ ..‬وهي كثيرة ‪ ..‬نؤمن بها‬
‫كلها ‪..‬‬
‫وقد أخبرنا الله بأربعة منها ‪..‬‬
‫فالقرآن أنزله الله على محمد ‪ ..‬والتوراة على موسى ‪ ..‬والنجيل على‬
‫عيسى ‪ ..‬والزبور على داود ‪ ..‬عليهم الصلة والسلم ‪..‬‬
‫وكلها كلم الله تعالى ‪ ..‬والقرآن هو آخرها وأعظمها ‪ ..‬جمع الله فيه ما في‬
‫ن‬
‫ما ب َي ْ َ‬ ‫دقا ً ل ِ َ‬
‫ص ّ‬‫م َ‬ ‫حق ّ ُ‬ ‫ب ِبال ْ َ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫الكتب السابقة ‪ ..‬قال تعالى ‪ } :‬وَأ َن َْزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫منا ً عَل َي ْهِ { ‪..‬‬ ‫مهَي ْ ِ‬
‫ب وَ ُ‬ ‫ن ال ْك َِتا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ي َد َي ْهِ ِ‬
‫*********‬
‫واليمان بالنبياء والرسل ‪ ..‬عليهم السلم ‪..‬‬
‫فقد بعث الله في كل أمة رسول ً يدعوهم إلى عبادة الله وحده ل شريك له ‪..‬‬
‫وأول الرسل ‪ :‬نوح وأخرهم محمد عليهم الصلة والسلم ‪..‬‬
‫والرسل عددهم كثير ‪ ..‬منهم من أخبرنا الله باسمه ‪ ..‬وقص علينا خبره ‪..‬‬
‫ومنهم من لم يخبرنا به ‪..‬فنؤمن بهم كلهم ‪..‬قال تعالى ‪ } :‬ول َ َ َ‬
‫سل ً‬‫سل َْنا ُر ُ‬ ‫قد ْ أْر َ‬ ‫َ‬
‫ك{‪..‬‬ ‫ص عَل َي ْ َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ق ُ‬‫م نَ ْ‬ ‫من ل ّ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ك وَ ِ‬ ‫صَنا عَل َي ْ َ‬
‫ص ْ‬ ‫من قَ َ‬ ‫من ُْهم ّ‬ ‫ك ِ‬ ‫من قَب ْل ِ َ‬ ‫ّ‬
‫ما‬ ‫ن‬
‫ِّ َ‬ ‫إ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫إليهم‪}..‬‬ ‫يوحى‬ ‫أنهم‬ ‫إل‬ ‫الناس‬ ‫وبين‬ ‫بينهم‬ ‫فرق‬ ‫ل‬ ‫مخلوقون‬ ‫بشر‬ ‫وهم‬
‫ي {‪..‬‬ ‫حى إ ِل َ ّ‬ ‫م ُيو َ‬ ‫مث ْل ُك ُ ْ‬
‫شٌر ِ‬ ‫أ ََنا ب َ َ‬
‫نعم ‪ ..‬هم بشر يأكلون ويشربون ‪ ..‬ويمرضون ويموتون ‪..‬‬
‫ويجب اليمان بهم جميعا ً فمن كفر برسالة واحد منهم فقد كفر بالجميع ‪..‬‬
‫ن { ‪ ..‬وقال عن قوم هود‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫م ُنوٍح ال ْ ُ‬ ‫ت قَوْ ُ‬ ‫قال الله عن قوم نوح ‪ } :‬ك َذ ّب َ ْ‬
‫ن ( ‪ ..‬مع أن كل أمة لم تكذب إل نبيها ‪ ..‬ولكن لن‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫عاد ٌ ال ْ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫) ك َذ ّب َ ْ‬
‫رسالة جميع النبياء واحدة فمن كذب بواحد منهم فقد كذب بالجميع ‪..‬‬
‫وعلى هذا فالنصارى الذين كذبوا محمدا ً صلى الله عليه وسلم ولم يتبعوه هم‬
‫مكذبون للمسيح بن مريم ‪..‬‬
‫لنه بشرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وأمرهم باتباعه ‪ ..‬فلم يطيعوه ‪..‬‬
‫وقل مثل ذلك في اليهود ‪ ..‬وغيرهم ‪..‬‬
‫*********‬
‫واليمان باليوم الخر ‪..‬‬
‫وهو التصديق بما ذكر الله في كتابه ‪ ..‬وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ ..‬بما يقع بعد الموت ‪..‬‬
‫فتؤمن أول ً بعذاب القبر ونعيمه ‪ ..‬وهو ثابت بالكتاب والسنة ‪..‬‬
‫قال تعالى ‪ } :‬وحاق بآل فرعون سوء العذاب * النار يعرضون عليها غدوا ً‬
‫وعشيا ً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب { ‪..‬‬
‫وقال تعالى عن المنافقين ‪ } :‬سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم {‬
‫‪ ..‬قال ابن مسعود وغيره ‪ :‬العذاب الول في الدنيا ‪ ..‬والثاني عذاب في القبر‬
‫‪ ..‬ثم يردون إلى عذاب عظيم في النار ‪..‬‬
‫أما الحاديث في إثبات عذاب القبر ونعيمه ‪ ..‬فهي كثيرة ‪ ..‬بل قد صرح ابن‬
‫القيم وغيره أنها متواترة ‪ ..‬وفي السنة أكثر من خمسين حديثا ً في ذلك ‪..‬‬
‫منها ما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم مّر بقبرين ‪ ..‬فقال ‪:‬‬
‫إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان ل يستتر من البول وأما‬
‫الخر فكان يمشي بالنميمة ( ‪..‬‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومنها ما في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه ‪:‬‬
‫) اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ‪.. ( ..‬‬
‫وعذاب القبر ونعيمه أمور غيبية ‪ ..‬ل تقاس بالعقل ‪..‬‬
‫*********‬
‫ومن اليمان باليوم الخر ‪..‬‬
‫اليمان بالبعث وإحياء الموتى حين ينفخ في الصور ‪ ..‬فيقومون حفاة عراة‬
‫ن * ثُ ّ‬
‫م‬ ‫ك لَ َ‬
‫مي ُّتو َ‬ ‫م ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬‫م إ ِن ّك ُ ْ‬‫غرل ً ) غير مختوننين ( ‪ ..‬كما قال تعالى ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫ن { ‪..‬‬‫مةِ ت ُب ْعَُثو َ‬
‫قَيا َ‬‫م ال ْ ِ‬
‫م ي َوْ َ‬‫إ ِن ّك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن عَلي َْنا‬ ‫م إِ ّ‬‫م * ثُ ّ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِلي َْنآ إ َِياب َهُ ْ‬‫واليمان بالحساب والجزاء ‪ ..‬قال الله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫م { ‪..‬‬ ‫ساب َهُ ْ‬‫ح َ‬ ‫ِ‬
‫واليمان بالجنة والنار ‪ ..‬فالجنة ‪ ..‬دار المتقين ‪ ..‬فيها ما ل عين رأت ول أذن‬
‫سمعت ول خطر على قلب بشر ‪..‬‬
‫والنار هي دار العذاب ‪ ..‬فيها من العذاب والنكال مال يخطر على البال ‪..‬‬
‫وتؤمن كذلك بأشراط الساعة الصغرى ‪ ..‬والكبرى ‪ ..‬كخروج الدجال ‪..‬‬
‫ونزول عيسى عليه السلم من السماء ‪ ..‬وطلوع الشمس من مغربها ‪..‬‬
‫وخروج دابة الرض من موضعها ‪ ..‬وغير ذلك ‪..‬‬
‫ونؤمن ‪ ..‬بالشفاعة ‪ ..‬والحوض والميزان ‪ ..‬ورؤية الله تعالى ‪ ..‬وغير ذلك من‬
‫أمور الخرة ‪..‬‬
‫*********‬
‫واليمان بالقدر خيره وشره ‪:‬‬
‫فتؤمن بأن الله قبل أن يخلق الخلق ‪ ..‬علم كل شيء جملة و تفصيل ً ‪ ..‬وكتبه‬
‫ى‬ ‫َ‬ ‫ل َ‬ ‫خال ِقُ ك ُ ّ‬ ‫في اللوح المحفوظ ‪ ..‬وخلق جميع الكائنات } الل ّ ُ‬
‫يٍء وَهُوَ عَل َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ه َ‬
‫ل { ‪..‬‬ ‫كي ٌ‬‫يٍء وَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫كُ ّ‬

‫)‪(28 /‬‬

‫ول يحدث في هذا الكون شيء إل وقد علم الله حدوثه ‪ ..‬وأذن به‪..‬قال الله ‪:‬‬
‫قد َرٍ {‬ ‫خل َ ْ‬
‫قَناه ُ ب ِ َ‬ ‫يٍء َ‬
‫ش ْ‬ ‫} إ ِّنا ك ُ ّ‬
‫ل َ‬
‫وكل إنسان له مشيئة وقدرة ‪ ..‬يختار بهما فعل الشيء أو تركه ‪ ..‬فهو إن‬
‫أراد توضأ وصلى ‪ ..‬وإن أراد ضل وزنى ‪ ..‬لذا هو محاسب ومجازى ‪ ..‬ول‬
‫يجوز أن يحتج بالقدر على ترك الواجبات ‪ ..‬أو فعل المحرمات ‪..‬‬
‫*********‬
‫ومما يقدح في اليمان ‪..‬‬
‫الستهزاء بالدين ‪ ..‬فهو ردة عن السلم ‪ ..‬قال الله ‪:‬‬
‫} قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن * ل تعتذروا قد كفرتم بعد‬
‫إيمانكم { ‪..‬‬
‫ومثل هذا ما يقوله بعضهم ‪ :‬إن السلم دين قديم ل يصلح لعصرنا ‪ ..‬أو إنه‬
‫تأخر ورجعية ‪ ..‬أو يقول ‪ :‬إن القوانين الوضعية أحسن من السلم ‪ ..‬أو يقول‬
‫في من يدعو إلى التوحيد وينكر عبادة القبور والضرحة ‪ :‬هذا متطرف ‪ ..‬أو‬
‫هذا وهابي ‪ ..‬أو يفرق المسلمين ‪..‬‬
‫*********‬
‫ومن أكبر القوادح في اليمان ‪ ..‬الحكم بغير ما أنزل الله ‪..‬‬
‫فمن مقتضى اليمان بالله الحكم بشرعه ‪..‬‬
‫في القوال والفعال ‪ ..‬والخصومات والموال ‪ ..‬وسائر الحقوق ‪..‬‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيجب على الحكام أن يحكموا بما أنزل الله ‪ ..‬ويجب على الرعية أن‬
‫يتحاكموا إلى ما أنزل الله ‪ ..‬ول يجتمع اليمان مع التحاكم إلى غير ما أنزل‬
‫الله ‪ ..‬فقال تعالى ‪:‬‬
‫} فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل يجدوا في أنفسهم‬
‫ل الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ما َأنَز َ‬ ‫كم ب ِ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫من ل ّ ْ‬ ‫حرجا ً مما قضيت ويسلموا تسليما ً { ‪ ..‬وقال ‪ ) :‬وَ َ‬
‫ن ( ‪..‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫فَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫فل بد من الحكم بما أنزل الله ‪ ..‬في كل شيء في البيع والشراء ‪ ..‬والسرقة‬
‫‪ ..‬والزنا ‪ ..‬وغيرها ‪ ..‬وليس في أحكام الطلق والزواج والحوال الشخصية‬
‫فقط ‪..‬‬
‫ومن شرع قوانين للناس ‪ ..‬وزعم أن هذه القوانين أنسب وأفضل من حكم‬
‫الله فهو كافر ‪ ..‬نعم كافر ‪..‬‬
‫قال الله ‪ } :‬أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله { ‪..‬‬
‫وقال الله ‪ } :‬أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون‬
‫{ ‪..‬‬
‫وفي الصحيح أنه لما أنزل الله ‪ } :‬اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون‬
‫الله { ‪ ..‬قال عدي بن حاتم رضي الله عنه ‪ :‬يا رسول الله ‪ ..‬لسنا نعبدهم ‪..‬‬
‫قال ‪ ) :‬أليس يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه ‪ ..‬ويحرمون ما أحل الله‬
‫فتحرمونه ؟ ( ‪ ..‬قال ‪ :‬بلى ‪ .‬قال صلى الله عليه وسلم ‪"\ :‬فتلك‬
‫عبادتهم \" ‪..‬‬
‫*********‬
‫ومن القوادح في اليمان ‪ ..‬موالة الكفار ‪ ..‬أو معاداة المؤمنين ‪..‬‬
‫ول شك ‪ ..‬أنه يجب على المسلمين أن يعادوا الكافرين من اليهود والنصارى‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫وسائر المشركين ‪ ..‬وأن يحذروا مودتهم ‪ ..‬كما قال تعالى ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ما‬ ‫فُروا ب ِ َ‬ ‫موَد ّةِ وَقَد ْ ك َ َ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫ن إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫م أ َوْل َِياَء ت ُل ْ ُ‬ ‫ذوا عَد ُّوي وَعَد ُوّك ُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬ ‫آ َ‬
‫حقّ { ‪..‬‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫جاَءك ْ‬ ‫َ‬
‫جد ُ‬ ‫ً‬
‫بل حرم الله محبة الباء والخوان ‪ ..‬إن كانوا كفارا ‪ ..‬قال تعالى ‪ } :‬ل ت َ ِ‬
‫م‬
‫كاُنوا آَباَءهُ ْ‬ ‫ه وَل َوْ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫حاد ّ الل ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫واّدو َ‬ ‫خرِ ي ُ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫وما ً ي ُؤْ ِ‬ ‫قَ ْ‬
‫م { ‪..‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شيَرت َهُ ْ‬ ‫م أوْ عَ ِ‬ ‫وان َهُ ْ‬ ‫خ َ‬‫م أوْ إ ِ ْ‬ ‫أوْ أب َْناَءهُ ْ‬
‫واليات في هذا المعنى كثيرة ‪ ..‬تدل كلها على وجوب بغض الكفار ومعاداتهم‬
‫‪ ..‬لكفرهم بالله ‪ ..‬وعدائهم لدينه ‪ ..‬ومعاداتهم لوليائه ‪ ..‬وكيدهم للسلم‬
‫وأهله ‪..‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م أك ْب َُر قَد ْ‬ ‫دوُرهُ ْ‬ ‫ص ُ‬‫في ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫واهِهِ ْ‬ ‫ن أفْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ضاء ِ‬ ‫ت ال ْب َغْ َ‬ ‫كما قال تعالى ‪ } :‬قَد ْ ب َد َ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مُنو َ‬ ‫م وَت ُؤْ ِ‬ ‫حّبون َك ُ ْ‬ ‫م وَل َ ي ُ ِ‬ ‫حّبون َهُ ْ‬ ‫م أْولء ت ُ ِ‬ ‫هاأنت ُ ْ‬ ‫ن* َ‬ ‫قُلو َ‬ ‫م ت َعْ ِ‬ ‫كنت ُ ْ‬‫ت ِإن ُ‬ ‫م الَيا ِ‬ ‫ب َي ّّنا ل َك ُ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ظ‬
‫ن الغَي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫م َ‬ ‫م الَنا ِ‬ ‫ضوا عَلي ْك ُ ُ‬ ‫خلوْا عَ ّ‬ ‫مّنا وَإ َِذا َ‬ ‫م َقالوا آ َ‬ ‫قوك ُ ْ‬ ‫ب ك ُلهِ وَإ َِذا ل ُ‬ ‫ِبال ْك َِتا ِ‬
‫سؤْهُ ْ‬
‫م‬ ‫ة تَ ُ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫دورِ * ِإن ت َ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫موُتوا ْ ب ِغَي ْظ ِك ُ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫قُ ْ‬
‫شي ًْئا إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫م كي ْد ُهُ ْ‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫ضّرك ْ‬ ‫قوا ل َ ي َ ُ‬‫ْ‬ ‫صب ُِروا وَت َت ّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫حوا ب َِها وَِإن ت َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫فَر ُ‬ ‫ة يَ ْ‬ ‫سي ّئ َ ٌ‬‫م َ‬ ‫ُ‬
‫صب ْك ْ‬ ‫وَِإن ت ُ ِ‬
‫حيط { ‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫وواقع اليهود والنصارى اليوم ل يخفى ‪ ..‬في كيدهم للسلم ‪ ..‬ومحاربة أهله‬
‫والتنفير منه ‪ ..‬وإنفاق الموال الضخمة للصد عن سبيله ‪..‬‬
‫ومن صور موالة بعض المسلمين للكافرين اليوم ‪ :‬مخالطتهم وموادتهم من‬
‫غير قصد الدعوة ‪ ،‬أو مساكنتهم في بلدهم ‪ ،‬أو السفر إليهم من غير ضرورة‬
‫‪ ..‬والتشبه بهم في اللباس ‪ ،‬أو المظهر ‪ ،‬أو طريقة الحياة ‪ ..‬أو التكلم بلغتهم‬
‫من غير حاجة ‪..‬‬
‫*********‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن أكبر القوادح في اليمان ‪..‬‬


‫تنقص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‪ ..‬أو سبهم ‪ ..‬أو تنقص أهل بيته‬
‫الكرام ‪..‬‬
‫فنحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ..‬ول نغلوا في حب أحد منهم ‪..‬‬
‫ل في علي رضي الله عنه ‪ ..‬ول في غيره ‪..‬‬
‫ول نتبرأ من أحد منهم ‪ ..‬ونبغض من يبغضهم ‪..‬‬

‫)‪(29 /‬‬

‫ن‬
‫ري َ‬‫ج ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مَها ِ‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬‫ن اْل َوُّلو َ‬ ‫قو َ‬‫ساب ِ ُ‬
‫ول نذكرهم إل بخير ‪ ..‬قال تعالى‪َ }:‬وال ّ‬
‫ّ‬ ‫صارِ َوال ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ه { ‪..‬‬ ‫ضوا عَن ْ ُ‬
‫م وََر ُ‬ ‫ه عَن ْهُ ْ‬‫ي الل ُ‬‫ض َ‬ ‫ن َر ِ‬‫سا ٍ‬
‫ح َ‬
‫م ب ِإ ِ ْ‬
‫ن ات ّب َُعوهُ ْ‬‫ذي َ‬ ‫َواْلن ْ َ‬
‫ومذهب أهل السنة والجماعة فيما حدث بينهم من خلفات أو حروب ‪..‬‬
‫المساك عن ذلك كله ‪ ..‬فهم بشر يخطئون ويصيبون ‪ ..‬وكما عصم الله‬
‫سيوفنا عن الدخول في تلك الفتن فلنعصم منها ألسنتنا ‪ ..‬ونقول ‪ :‬هم بشر‬
‫لهم رب يجمعهم يوم القيامة ويحكم بينهم ‪..‬‬
‫ً‬
‫ونثبت الخلفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لبي بكر ‪ ..‬تفضيل له‬
‫وتقديما ً على جميع المة ‪ ..‬ثم لعمر ‪ ..‬ثم لعثمان ‪ ..‬ثم لعلي رضي الله‬
‫عنهم ‪..‬‬
‫*********‬
‫ومن القوادح في اليمان ‪..‬‬
‫ما استحدثه بعض المسلمين من بدع يزعمون أنها تقربهم إلى الله ‪..‬‬
‫كالحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ..‬والقيام له في أثناء ذلك ‪..‬‬
‫وإلقاء السلم عليه ‪..‬‬
‫أو الحتفال بمولد غيره من الولياء والصالحين ‪..‬‬
‫وذلك كله من البدع الدين ‪ ..‬لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ..‬ول‬
‫الصحابة رضي الله عنهم ‪..‬‬
‫وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪ ) :‬من أحدث في أمرنا هذا ما‬
‫ليس منه فهو رد ( أي مردود عليه ‪..‬‬
‫وقال ‪ ) :‬كل محدثة بدعة وكل بدعة ضللة ( ‪..‬‬
‫وقال تعالى } اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم‬
‫السلم دينا ً { ‪..‬‬
‫وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه أن الله لم يكمل الدين ‪ ..‬حتى جاء‬
‫المتأخرون فأحدثوا عبادات زعموا أنها تقربهم إلى الله ‪ ..‬وهذا اعتراض على‬
‫الله ورسوله ‪..‬‬
‫فلو كان الحتفال بالموالد من الدين الذي يرضاه الله لبينه الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم للمة ‪..‬‬
‫وقد صرح العلماء بإنكار الموالد ‪ ..‬لنها عبادة مبتدعة محدثة ‪..‬‬
‫خاصة إذا وقع فيها غلو في الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ..‬واختلط النساء‬
‫بالرجال ‪ ..‬أو استعمال آلت الملهي ‪..‬‬
‫وقد يقع فيها الشرك الكبر بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم ‪..‬‬
‫والستغاثة به ‪ ..‬وطلبه المدد ‪ ..‬واعتقاد أنه يعلم الغيب ‪ ..‬ونحو ذلك من‬
‫المور الكفرية ‪..‬‬
‫كما يردد بعضهم قول البوصيري ‪:‬‬
‫يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به *** سواك عند حدوث الحادث العمم‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن لم تكن آخذا يوم المعاد يدي *** صفحا وإل فقل يا زلة القدم‬
‫فإن من جودك الدنيا وضرتها *** ومن علومك علم اللوح والقلم‬
‫ومثل هذه الوصاف ‪ :‬علم الغيب ‪ ..‬والمغفرة يوم القيامة ‪ ..‬والتحكم في‬
‫الدنيا والخرة ‪ ..‬ل تصح إل لمن بيده ملكوت السموات والرض ‪..‬‬
‫وهذه تقع كثيرا ً ‪ ..‬في الحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ..‬أو مولد‬
‫غيره من الولياء ‪..‬‬
‫فإن قيل ‪ ..‬إن هذه الموالد يذكر فيها الرسول ‪ ..‬وتقرأ سيرته ‪ ..‬قلنا ‪..‬‬
‫هذا كلم حسن ‪ ..‬ولكن يمكن أن يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫وسيرته من غير تحديد موعد معين كل سنة ‪ ..‬فيذكر على المنابر ‪ ..‬أو في‬
‫المحاضرات ‪ ..‬أو المجالس العامة ‪ ..‬وغيرها ‪..‬‬
‫وقد قال تعالى ‪ } :‬فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول { ‪..‬‬
‫وقد رددنا الحتفال بالموالد إلى كتاب الله فوجدناه يأمرنا باتباع نبينا ‪..‬‬
‫ويخبرنا بأن الدين كامل ‪..‬‬
‫ورددنا الحتفال بالموالد إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم نجد‬
‫فيها أنه فعله ول أمر به ول فعله أصحابه ‪ ..‬فعلمنا أنه ليس من الدين ‪ ..‬بل‬
‫هو من البدع المحدثة ‪..‬‬
‫بل هو من التشبه باليهود والنصارى في أعيادهم ‪..‬‬
‫ن‬
‫ول ينبغي للعاقل أن يغتر بكثرة من يفعله من الناس ‪ ..‬قال تعالى } وَإ ِ ْ‬
‫ل الل ّهِ { ‪..‬‬ ‫ضّلو َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫ض يُ ِ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬‫ت ُط ِعْ أك ْث ََر َ‬
‫ومن العجائب ‪:‬‬
‫أن بعض الناس يجتهد في حضور الحتفالت المبتدعة ‪ ..‬ويتخلف عن الجمع‬
‫والجماعات ‪..‬‬
‫وبعضهم يظن أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر المولد ‪ ..‬ولذا يقومون‬
‫مرحبين ‪..‬‬
‫وهذا باطل وجهل ‪ ..‬فإن الرسول صلى الله عليه وسلم في قبره ‪ ..‬ل يخرج‬
‫منه قبل يوم القيامة ‪ ..‬وروحه في عليين عند ربه في دار الكرامة ‪ ..‬قال‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة ( ‪..‬‬
‫أما الصلة والسلم عليه ‪ ..‬فهي من أفضل القربات ‪ ..‬قال تعالى ‪ } :‬إن الله‬
‫وملئكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما { ‪..‬‬
‫ونعلم جميعا ً أنه ل يتم إيمان عبد حتى يحب الرسول صلى الله عليه وسلم ‪..‬‬
‫ويعظمه ‪..‬‬
‫ومن تعظيمه وتوقيره ‪ ..‬اتخاذه إماما متبوعا ً ‪..‬‬
‫فل نتجاوز ‪ ..‬ما شرعه من العبادات ‪..‬‬
‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫فْر لك ُ ْ‬‫ه وَي َغْ ِ‬ ‫ّ‬ ‫حب ِب ْك ُ ُ‬
‫م الل ُ‬ ‫ه َفات ّب ُِعوِني ي ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫حّبو َ‬‫م تُ ِ‬‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬‫قال الله ‪ } :‬قُ ْ‬
‫م { ‪..‬‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر َر ِ‬‫ه غَ ُ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫*********‬
‫ومن البدع الظاهرة ‪:‬‬
‫الحتفال بليلة ‪ 27‬من رمضان ‪:‬‬
‫فهدي النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان الكثار من العبادات ‪ ..‬وكان‬
‫في العشر الخير يزيد الجتهاد ‪..‬‬

‫)‪(30 /‬‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين ‪ :‬من قام رمضان إيمانا ً‬
‫واحتسابا ً غفر له ما تقدم من ذنبه ‪ ..‬ومن قام ليلة القدر إيمانا ً واحتسابا ً غفر‬
‫له ما تقدم من ذنبه ‪..‬‬
‫هذا هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في رمضان وفي ليلة القدر ‪ ..‬وأما‬
‫الحتفال بليلة سبع وعشرين على أنها ليلة القدر فهو‬
‫مخالف لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم فالحتفال بها بدعة ‪ ..‬خاصة أن‬
‫ليلة القدر قد تكون ليلة السابع والعشرين ‪ ..‬وقد تكون غيرها من الليالي ‪..‬‬
‫*********‬
‫ومن البدع أيضا ً ‪:‬‬
‫الحتفال بليلة السراء والمعراج ‪..‬‬
‫ول ريب أن السراء والمعراج من الدلئل على صدق الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪..‬‬
‫وقد ثبت السراء والمعراج في الكتاب والسنة ‪..‬‬
‫والليلة التي حصل فيها السراء والمعراج لم يأت في الحاديث الصحيحة‬
‫تعيينها ل في رجب ول غيره ‪..‬‬
‫ولو ثبت تعيينها لم يجز تخصيصها بشيء من عبادة أو احتفال ‪..‬‬
‫لن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يحتفلوا بها ‪..‬‬
‫ولم يخصوها بشيء ‪..‬‬
‫والنبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة ‪ ..‬وأدى المانة ‪ ..‬فلو كان‬
‫تعظيم هذه الليلة والحتفال بها من دين الله لبينه لنا ‪..‬‬
‫*********‬
‫ومن البدع ‪:‬‬
‫الحتفال بليلة النصف من شعبان وتخصيص يومها بالصيام ‪..‬‬
‫وليس على ذلك دليل يجوز العتماد عليه ‪ ..‬وقد ورد في فضلها أحاديث‬
‫ضعيفة ل يجوز العتماد عليها ‪..‬‬
‫أما ما ورد في فضل الصلة فيها فكله موضوع ‪ ..‬كما نبه على ذلك ابن رجب‬
‫‪..‬‬
‫وروى ابن وضاح عن زيد بن أسلم قال ‪:‬‬
‫ما أدركنا أحدا ً من مشيختنا ول فقهائنا يلتفتون إلى النصف من شعبان ‪..‬‬
‫*********‬
‫وختاما ً ‪..‬‬
‫ذكر العلماء أن المسلم قد يرتد عن دينه بأنواع كثيرة من النواقض التي تحل‬
‫دمه وماله ‪ ..‬ويكون بها خارجا ً عن السلم ‪..‬‬
‫ومن أخطرها وأكثرها وقوعا ً عشرة نواقض ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬الشرك في عبادة الله تعالى ‪ ..‬كما تقدم ‪..‬‬
‫الثاني ‪ :‬من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل‬
‫عليهم فقد كفر إجماعا ً ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه ‪..‬‬
‫أو أن حكم غيره أحسن من حكمه ‪ ..‬كالذي يفضل حكم الطواغيت على‬
‫حكمه – فهو كافر ‪.‬‬
‫ويدخل في ذلك‪ :‬من اعتقد أن النظمة والقوانين التي يسنها الناس أفضل‬
‫من شريعة السلم أو أنها مساوية لها ‪ ..‬أو أنه يجوز التحاكم إليها ) حتى لو‬
‫اعتقد أن الحكم بالشريعة أفضل ( ‪ ..‬أو اعتقد أن نظام السلم ل يصلح‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تطبيقه في القرن العشرين ‪ ..‬أو أنه كان سببا ً في تخلف المسلمين ‪ ..‬أو أنه‬
‫يحصر في علقة المرء بربه دون أن يتدخل في شئون الحياة الخرى ‪.‬‬
‫وكذلك من يرى أن إنفاذ حكم الله في قطع يد السارق أو رجم الزاني‬
‫المحصن ل يناسب العصر الحاضر ‪.‬‬
‫وكذلك ‪ :‬كل من اعتقد أنه يجوز الحكم بغير شريعة الله في المعاملت أو‬
‫الحدود أو غيرهما ‪ ..‬وإن لم يعتقد أن ذلك أفضل من حكم الشريعة ‪ ..‬لنه‬
‫بذلك يكون قد استباح ما حرم الله إجماعا ً ‪ ..‬وكل من استباح ما حرم الله‬
‫مما هو معلوم من الدين بالضرورة ‪ ..‬كالزنى ‪ ..‬والخمر والربا والحكم بغير‬
‫شريعة الله ‪ ..‬فهو كافر بإجماع المسلمين ‪..‬‬
‫الخامس ‪ :‬من أبغض شيئا ً مماجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل‬
‫به فقد كفر ‪ ..‬لقول تعالى } ذلك بأنهم كرهوا ما أنزال له فأحبط أعمالهم {‬
‫]محمد ‪.[ 9 :‬‬
‫السادس ‪ :‬من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه‬
‫أو عقابه كفر ‪ ..‬والدليل قوله تعالى ‪ } :‬قل أبالله وآياته ورسوله كنتم‬
‫تستهزؤون * ل تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم { ]التوبة ‪.[ 66– 65‬‬
‫السابع ‪ :‬السحر ‪ ..‬ومنه الصرف ) وهو أن يعمل لحد الزوجين ما يبغضه في‬
‫الخر ( والعطف ) وهو أن يعمل لحد الزوجين ما يحببه في الخر ( ‪ ..‬فمن‬
‫فعله أو رضي به كفر ‪ ..‬والدليل قوله تعالى ‪ } :‬وما يعلمان من أحد حتى‬
‫يقول إنما نحن فتنة فل تكفر { ]البقرة ‪. [102 :‬‬
‫الثامن ‪ :‬مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين ‪ ..‬والدليل قوله‬
‫تعالى } ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله ل يهدي القوم الظالمين {‬
‫]المائدة ‪.[51:‬‬
‫التاسع ‪ :‬من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج من شريعة موسى عليه السلم ‪..‬‬
‫وكما يعتقد بعض الصوفية أنهم تسقط أنهم التكاليف الشرعية ‪ – ..‬فهو كافر‬
‫لقوله تعالى ‪ } :‬ومن يبتغ غير السلم دينا ً فلن يقبل منه وهو في الخرة من‬
‫الخاسرين { ]آل عمران ‪. [85:‬‬
‫العاشر ‪ :‬العراض عن دين الله ‪ ..‬ل يتعلمه ول يعمل به ‪ ..‬والدليل قوله‬
‫تعالى ‪ } :‬ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين‬
‫منتقمون { ]السجدة‪.[ 22:‬‬
‫*********‬
‫وقفة ‪:‬‬
‫إن الجريمة الكبرى ‪ ..‬والداهية العظمى ‪..‬أن يترك المرء الصلة ‪..‬‬
‫فتاركو الصلة هم أنصار الشيطان ‪ ..‬وأعداء الرحمن ‪ ..‬وخصوم المؤمنين ‪..‬‬
‫وإخوان الكافرين ‪..‬‬

‫)‪(31 /‬‬

‫الذين يحشرون مع فرعون وهامان ‪..‬ويتقلبون معهم في النيران ‪..‬‬


‫وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم ‪"\ :‬بين الرجل وبين الكفر أو‬
‫الشرك ترك الصلة \" ‪..‬‬
‫وصح عند الترمذي والحاكم عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة رضي الله‬
‫عنه قال ‪ :‬كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ل يرون شيئا ً من‬
‫العمال تركه كفر غير الصلة ‪..‬‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال الشيخ ابن عثيمين ‪ :‬وإذا حكمنا على تارك الصلة بالكفر ‪ ..‬فهذا يقتضي‬
‫عقد له وهو ل‬ ‫أنه تنطبق عليه أحكام المرتدين ‪ ..‬فل يصح أن ُيزّوج ‪ ..‬فإن ُ‬
‫عقد له فإن نكاحه ينفسخ ول‬ ‫يصلي فالنكاح باطل ‪ ..‬وإذا ترك الصلة بعد أن ُ‬
‫تحل له الزوجة ‪ ..‬وإذا ذبح ل تؤكل ذبيحته لنها حرام ‪ ..‬ول يدخل مكة ‪ ..‬ولو‬
‫مات أحد من أقاربه فل حق له في الميراث ‪ ..‬وإذا مات ل يغسل ول يكفن‬
‫ول يصلى عليه ول يدفن مع المسلمين ‪ ..‬ويحشر يوم القيامة مع الكفار ‪ ..‬ول‬
‫يدخل الجنة ‪ ..‬ول يحل لهله أن يدعوا له بالرحمة والمغفرة لنه كافر ‪..‬‬
‫وحال تاركي الصلة عند الموت أدهى وأفظع ‪..‬‬
‫ذكر ابن القيم ‪:‬‬
‫أن أحد المحتضرين ‪ ..‬كان صاحب معاص وتفريط ‪ ..‬فلم يلبث أن نزل به‬
‫الموت ‪ ..‬ففزع من حوله إليه ‪ ..‬وانطرحوا بين يديه ‪ ..‬وأخذوا يذكرونه‬
‫بالله ‪ ..‬ويلقنونه ل إله إل الله ‪..‬‬
‫وهو يدافع عبراته ‪ ..‬فلما بدأت روحه تنزع ‪ ..‬صاح بأعلى صوته ‪ ..‬وقال ‪:‬‬
‫أقول ‪ :‬ل إله إل الله !!‬
‫م أخذ يشهق‬ ‫وما تنفعني ل إله إل الله ؟!! وما أعلم أني صليت لله صلة !! ث ّ‬
‫حتى مات ‪..‬‬
‫ما عامر بن عبد الله بن الزبير ‪ ..‬فلقد كان على فراش الموت ‪ ..‬يعد أنفاس‬ ‫أ ّ‬
‫الحياة ‪ ..‬وأهله حوله يبكون ‪..‬‬
‫فبينما هو يصارع الموت ‪ ..‬سمع المؤذن ينادي لصلة المغرب ‪ ..‬ونفسه‬
‫تحشرج في حلقه ‪ ..‬وقد أشتد ّ نزعه ‪ ..‬وعظم كربه ‪..‬‬
‫فلما سمع النداء قال لمن حوله ‪ :‬خذوا بيدي ‪!!..‬‬
‫قالوا ‪ :‬إلى أين ؟ ‪ ..‬قال ‪ :‬إلى المسجد ‪ ..‬قالوا ‪ :‬وأنت على هذه الحال !!‬
‫قال ‪ :‬سبحان الله ‪ !! ..‬أسمع منادي الصلة ول أجيبه ‪ ..‬خذوا بيدي ‪ ..‬فحملوه‬
‫م مات في سجوده ‪ ..‬نعم ‪ ..‬مات‬ ‫بين رجلين ‪ ..‬فصلى ركعة مع المام ‪ ..‬ث ّ‬
‫وهو ساجد ‪..‬‬
‫وقال عطاء بن السائب ‪ :‬أتينا إلى أبي عبدالرحمن السلمي ‪ ..‬وهو مريض‬
‫في مصله في المسجد ‪ ..‬فإذا هو قد اشتد عليه المر ‪ ..‬وقد بأت روحه تنزع‬
‫‪ ..‬فأشفقنا عليه ‪ ..‬وقلنا له ‪ :‬لو تحولت إلى الفراش ‪ ..‬فإنه أوثر وأوطأ ‪..‬‬
‫فتحامل على نفسه وقال ‪:‬‬
‫حدثني فلن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ :‬ل يزال أحدكم في صلة ما‬
‫دام في مصله ينتظر الصلوة ‪ ..‬فأنا أريد أن أقبض على ذلك ‪..‬‬
‫فمن أقام الصلة ‪ ..‬وصبر على طاعة موله ‪ ..‬ختم له برضاه ‪..‬‬
‫كان سعد بن معاذ رضي الله عنه ‪ ..‬صالحا ً قانتا ً ‪ ..‬متعبدا ً مخبتا ً ‪ ..‬عرفه الليل‬
‫ببكاء السحار ‪ ..‬وعرفه النهار بالصلة والستغفار ‪..‬‬
‫أصابه جرح في غزوة بني قريظة‪..‬فلبث مريضا ً أياما ثم نزل به الموت‪..‬‬
‫ً‬
‫فلما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ..‬قال لصحابه ‪ :‬انطلقوا إليه ‪..‬‬
‫قال جابر ‪:‬‬
‫فخرج وخرجنا معه ‪ ..‬وأسرع حتى تقطعت شسوع نعالنا ‪ ..‬وسقطت‬
‫أرديتنا ‪ ..‬فعجب أصحابه من سرعته ‪ ..‬فقال ‪:‬‬
‫إني أخاف أن تسبقنا إليه الملئكة فتغسله ‪ ..‬كما غسلت حنظلة ‪..‬‬
‫فانتهى إلى البيت فإذا هو قد مات ‪ ..‬وأصحاب له يغسلونه ‪ ..‬وأمه تبكيه ‪..‬‬
‫فقال صلى الله عليه وسلم ‪ :‬كل باكية تكذب إل أم سعد ‪ ..‬ثم حملوه إلى‬
‫قبره ‪ ..‬وخرج صلى الله عليه وسلم يشيعه ‪ ..‬فقال القوم ‪ :‬ما حملنا يا‬
‫رسول الله ميتا ً أخف علينا منه ‪..‬‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فقال صلى الله عليه وسلم ‪ :‬ما يمنعه أن يخف وقد هبط من الملئكة كذا‬
‫وكذا لم يهبطوا قط قبل يومهم ‪ ..‬قد حملوه معكم ‪ ..‬والذي نفسي بيده لقد‬
‫استبشرت الملئكة بروح سعد ‪ ..‬واهتز له العرش ‪..‬‬
‫ن‬ ‫دي‬ ‫ل‬
‫َ ِ ِ َ‬‫خا‬ ‫*‬ ‫ً‬
‫ل‬ ‫ز‬ ‫و‬ ‫د‬‫ر‬ ‫ف‬‫ْ‬
‫ت ِ ْ َ ْ ِ ُُ‬
‫ن‬ ‫س‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫جّنا ُ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ت َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫} إِ ّ‬
‫حوًَل {‬ ‫ن عَن َْها ِ‬ ‫ِفيَها َل ي َب ُْغو َ‬
‫*********‬
‫ومن أكبر المعاصي ‪ ..‬منع الزكاة ‪ ..‬فهي الركن الثالث من أركان السلم ‪..‬‬
‫وفي صحيح مسلم أنه قال ‪ ) :‬ما من صاحب ذهب ول فضة ل يؤدي منها‬
‫حقها‪ ،‬إل إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار‪ ،‬فأحمي عليها في نار‬
‫جهنم‪ ،‬فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره‪ ،‬كلما بردت أعيدت له‪ ،‬في يوم كان‬
‫مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة‬
‫وإما إلى النار ( ‪..‬‬
‫وروى البخاري أنه قال ‪ ) :‬من آتاه الله مال فلم يؤد زكاته مّثل له يوم القيامة‬
‫شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه – يعني شدقيه –‬
‫ثم يقول‪ :‬أنا مالك‪ ،‬أنا كنزك‪ .‬ثم تل النبي الية‪ :‬ول يحسبن الذين يبخلون بما‬
‫آتاهم الله من فضله هو خيرا ً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم‬
‫القيامة ( ‪..‬‬
‫*********‬
‫وأخيرا ً ‪ ..‬يا أخي الكريم ‪ ..‬وأختي الكريمة ‪..‬‬
‫يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به ‪ ..‬يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من‬
‫عذاب أليم ‪..‬‬

‫)‪(32 /‬‬

‫والله إني لك ناصح ‪ ..‬وهذا الحق قد تبين لك ‪ ..‬وعرفت أن الدين واحد ل‬


‫يتعدد ‪ ..‬فهو الله ل إله إل هو ‪ ..‬حي قيوم ‪ ..‬فرد صمد ‪ ..‬ل يرضى أن يشرك‬
‫معه أحد ‪..‬‬
‫ول تكن من أولئك الذين يقولون ‪ ) :‬إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم‬
‫حدون طائعون متبعون ‪..‬‬ ‫مقتدون ( ‪ ..‬بل قل ‪ :‬إنا مو ّ‬
‫ول تغتر بكثرة من يذبح عند القبور ‪ ..‬أو يشرك بالله عندها ‪..‬‬
‫ول تأخذك كثرة الحاجي والقصص التي ينسجها هؤلء عن مقبوريهم ‪ ..‬أنهم‬
‫يكشفون الكربات ‪ ..‬ويجيبون الدعوات ‪..‬‬
‫وانظر إلى أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ..‬الذي كان مصدقا ً‬
‫بأن النبي صلى الله عليه وسلم حق ‪ ..‬وأن الدين الحق هو السلم ‪ ..‬ونبذ‬
‫عبادة الصنام ‪ ..‬حتى إنه كان يردد دائما ً قوله ‪:‬‬
‫والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا‬
‫ودعوتني وعلمت أنك ناصحي فلقد صدقت وكنت فينا أمينا‬
‫وعرضت دينا قد عرفت بأنه من خير أديان البرية دينا‬
‫ة أو حذارِ مسبة لوجدتني سمحا ً بذاك مبينا‬ ‫لول الملم ُ‬
‫ولكن منعه من اتباع الحق ‪ ..‬خوفه من مخالفة الباء والجداد ‪..‬‬
‫بل انظر إليه ‪ ..‬وهو على فراش الموت ‪ ..‬شيخ كبير قد رق عظمه ‪ ..‬وضعف‬
‫جسده ‪ ..‬وحانت منيته ‪..‬‬
‫م‬
‫والنبي صلى الله عليه وسلم واقف عند رأسه يدافع عبراته ‪ ..‬ويقول ‪ :‬يا ع ّ‬
‫قل ل إله إل الله ‪ ..‬قل ل إله إل الله ‪..‬‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعند رأسه قد وقف كفار قريش ‪ ..‬فكلما أراد أن يتلفظ بشهادة التوحيد‬
‫قالوا له ‪ :‬أترغب عن ملة عبد المطلب ‪ ..‬أترغب عن ملة عبد المطلب ‪..‬‬
‫ولم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يناشده أن يلفظ الشهادتين ‪ ..‬وهم‬
‫يحثونه على البقاء على ملة آبائه وأجداده ‪..‬‬
‫حتى مات ‪ ..‬وهو على دين آبائه وأجداده ‪ ..‬على عبادة الصنام ‪ ..‬والشرك‬
‫بالملك العلم ‪..‬‬
‫مات ‪ ..‬وارتحل من هذا الدنيا ومقره إلى جهنم وبئس المصير ‪ ..‬والله قد‬
‫حرم الجنة على الكافرين ‪..‬‬
‫وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم سئل فقيل له ‪ :‬يا رسول الله إن‬
‫عمك كان يحوطك وينصرك فهل أغنيت عنه شيئا ً ؟‬
‫فقال ‪ :‬نعم ‪ ..‬وجدته في غمرات من النار ‪ ..‬فأخرجته إلى ضحضاح من نار ‪..‬‬
‫تحت قدميه جمرتان من نار يغلي منهما دماغه ‪..‬‬
‫*********‬
‫م عليه‬
‫بل ‪ ..‬انظر إلى محطم الصنام ‪ ..‬وباني البيت الحرام ‪ ..‬إبراهي َ‬
‫السلم ‪..‬‬
‫الذي ابتلي في موله‪..‬وعذب في سبيل الله‪..‬ل يستطيع يوم القيامة أن ينفع‬
‫أباه‪..‬لن أباه مات مشركا ً بالله‪..‬‬
‫فعند البخاري ‪ :‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ :‬يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة‬
‫‪ ..‬وعلى وجه آزر قترة وغبرة ‪..‬‬
‫فيقول له إبراهيم ‪ :‬ألم أقل لك ل تعصيني ؟! فيقول له أبوه ‪ :‬فاليوم ل‬
‫أعصيك ‪..‬‬
‫فيقول إبراهيم ‪ :‬يا رب ‪ ..‬إنك وعدتني أن ل تخزني يوم يبعثون ‪ ..‬وأي خزي‬
‫أخزى من أبي البعد ؟‬
‫فيقول الله ‪ :‬إني حرمت الجنة على الكافرين ‪..‬‬
‫ثم يقال ‪ :‬يا إبراهيم ‪ ..‬ما تحت رجليك ‪ ..‬فينظر فإذا هو بذيخ ) أي ذئب (‬
‫متلطخ ‪..‬‬
‫فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار ‪ ..‬فتنبه لهذا كله وتذكر ) يوم يفر المرء من‬
‫أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه * لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ( ‪..‬‬
‫) يوم ل ينفع مال ول بنون * إل من أتى الله بقلب سليم ( ‪..‬‬
‫وكن رجاعا ً إلى الحق ‪ ..‬ناصحا ً لغيرك ‪ ..‬داعيا ً إلى التوحيد ‪..‬‬
‫أسأل الله للجميع الهدى والرشاد ‪ ..‬والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم‬
‫وبارك على رسول الله ‪..‬‬
‫كتبه ‪ /‬د‪ .‬محمد بن عبد الرحمن العريفي‬
‫دكتوراه في العقيدة والمذاهب المعاصرة‬
‫‪arefe@arefe.com‬‬
‫‪000000000000000000‬‬
‫دلئل اليمان في القرآن‬
‫سليمان حمدالعودة‬
‫ملخص الخطبة‬
‫‪ -1‬عظمة صنع الله لمخلوقاته المبثوثة حول النسان‪ -2 .‬دعوة للتفكر في‬
‫مخلوقات الله الدالة على عظمة الخالق‪ -3 .‬دورة الرياح والمطر وعجائب‬
‫خلق الله‪.‬‬
‫الخطبة الولى‬
‫أما بعد‪:‬‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أوصيكم ونفسي بتقوى الله‪ ،‬ولزوم طاعته‪ ،‬فتلك وصية الله للولين والخرين‬
‫ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا‬
‫فإن لله ما في السماوات وما في الرض وكان الله غنيا ً حميدا ً ]النساء‪:‬‬
‫‪.[131‬‬
‫أيها المسلمون‪ :‬ويقلب العقلء أفئدتهم وأبصارهم في ملكوت الله العظيم‬
‫فيزيدهم ذلك إيمانا بعظمة الخالق‪ ،‬ودقة الصانع‪ :‬إن في خلق السموات‬
‫والرض واختلف الليل والنهار والفلك التى تجرى في البحر بما ينفع الناس‬
‫وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا بها الرض بعد موتها وبث فيها من‬
‫كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والرض ليات لقوم‬
‫يعقلون ]البقرة‪.[164:‬‬
‫ويتأمل المختصون بعلوم البحار في عالم البحار‪ ،‬وقاع المحيطات فيرون في‬
‫اختلف مياهها ملوحة أو عذوبة‪ ،‬حرارة أو برودة وأنواعا من الحيتان تختلف‬
‫أشكالها‪ ،‬وطعومها‪ ،‬وأحجامها‪ ،‬وخلقا آخر‪ ،‬وجواهر‪ ،‬ودررا ل يحيط بها إل من‬
‫خلق وهو اللطيف الخبير‪.‬‬

‫)‪(33 /‬‬

‫فمن أقام بين البحرين حاجزا‪ ،‬وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا؟ ومن‬
‫أزجى الفلك وسيرها على ظهره وأجرى الرياح وسخرها ليبتغي الناس من‬
‫فضله؟ أوليس الله رب العالمين … فبأي آلء ربكما تكذبان؟ ومن آياته‬
‫الجوار في البحر كالعلم إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن‬
‫في ذلك ليات لكل صبار شكور أو يوبقهن بما كسبوا ويعفو عن كثير‬
‫]الشورى‪.[34-32:‬‬
‫ويقرأ العالمون بالفلك ويرى غيرهم في عالم السماء كيف رفع الله السبع‬
‫الشداد بل عمد‪ ،‬وجعل فيها أنواعا من المخلوقات ل يعلمها إل الله‪ ،‬وأودع‬
‫فيها من الغيوب والرزاق ما اختص الله بعلمه‪ ،‬وينزل للناس في حينه بقدر‪،‬‬
‫ويبصر الناس‪ ،‬كل الناس‪ ،‬كيف زين الله السماء الدنيا بمصابيح يهتدي بها‬
‫المسافرون‪ ،‬ويرجم بها الشياطين‪ ،‬وجعل للنجوم مواقع‪ ،‬وللشمس والقمر‬
‫منازل بها يستدل الحاسبون‪ ،‬ويعرف الناس الزمان والشهور ‪ ..‬ترى من‬
‫أجراها على الدوام وسخرها‪ ،‬وأغطش ليلها وأخرج ضحاها؟ إنه الله الولي‬
‫الحميد‪.‬‬
‫قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا ً إلى يوم القيامة من إله غير الله‬
‫يأتيكم بضياء أفل تسمعون قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا ً إلى‬
‫يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفل تبصرون ومن‬
‫رحمته جعل لكم اليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم‬
‫تشكرون ]القصص‪.[73-71:‬‬
‫ويح أولئك الذين ل يشكرون‪ ،‬وما أكثر الذين هم بنعم ربهم غافلون الذي خلق‬
‫سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر فهل‬
‫ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا ً وهو حسير‬
‫]الملك‪.[5-3:‬‬
‫أيها المسلمون‪ :‬ويبحث علماء الجغرافيا أو الجيولوجيا في طبقات الرض‬
‫العلوية أو السفلية‪ ،‬فيرون مختلف الجبال وأنواع الصخور‪ ،‬فهذه جدد بيض‬
‫وتلك حمر مختلف ألوانها‪ ،‬وثالثة غرابيب سود‪ ،‬ويلفت نظرهم قمم الجبال‬
‫العالية وبطون الودية السحيقة‪ ،‬وبين هذا وذاك تنبت أنواع من النباتات‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتنتشر أنواع من الحيوانات‪ ،‬وإذا اعتدل الهواء في المناطق المتوسطة باتت‬


‫قمم الجبال العالية السوداء بيضاء من الثلوج النازلة‪ ،‬وفى حين تنعدم الحياة‬
‫في المناطق الستوائية لشدة الحرارة ‪ ....‬ترى من قدر لهذه وتلك قدرها ‪..‬‬
‫وهل في إمكان البشر أن ينقلوا جو هذه إلى تلك أو العكس ‪ ...‬أو يبعثوا‬
‫الحياة في الرض الميتة‪..‬؟!‬
‫كل بل هو الله العلي القدير‪ ،‬ويدرك العالمون أكثر من غيرهم أن جوف‬
‫الرض يحتفظ بأنواع من المياه الجوفية تختلف في مخزونها‪ ،‬وفى مذاقها‪،‬‬
‫وقربها أو بعدها‪ ،‬فمن يمسك البنيان إذ يبنى على ظهر الماء؟ ومن يمنع‬
‫الرض أن تتحول إلى طوفان بطغيان الماء في أعلها وأسفلها إل الله الذي‬
‫أنزل من السماء ماء بقدر فأسكنه في الرض‪ ،‬وهو القادر على أن يذهب به‬
‫متى يشاء‪.‬‬
‫وعلى سطح البسيطة تنتشر أنواع من البشر‪ ،‬تختلف في ألوانها وألسنتها‪،‬‬
‫وتختلف في عوائدها وطرائق حياتها‪ ،‬فمن بثها وبعث الحياة فيها وألهم كل‬
‫نفس فجورها وتقواها؟ إنه الله يعرفه ويخشاه العالمون‪ ،‬ول يكفر به إل‬
‫الظالمون المعاندون‪.‬‬
‫ً‬
‫ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن‬
‫الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب‬
‫والنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز‬
‫غفور ]فاطر‪.[28-27:‬‬
‫إخوة اليمان‪ :‬ودلئل اليمان تبدو للنسان نفسه حتى وإن كان أميا‪ ،‬وهو‬
‫يتأمل في نفسه‪ ،‬ويبصر عظمة الخلق فيها‪ ،‬كيف خلقها الله ابتداء من ماء‬
‫مهين‪ ،‬ثم كانت بهذا الشكل القويم‪ ،‬وأدوع فيها من أسرار الخلق ما يعجز‬
‫الطب عن كنهه‪ ،‬ويبقى الطباء في حيرة منه ويسألونك عن الروح قل الروح‬
‫من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إل قليل ً ]السراء‪.[85:‬‬
‫وهذا نموذج للعجاز والتحدي‪.‬‬
‫ترى من يرعى دقات قلب المرء في حال اليقظة والنوم؟ وأقرب الناس إليه‬
‫ل يملك من أمره شيئا‪ ،‬بل وهل يملك النسان نفسه التصرف في حركة‬
‫التنفس؟ فيتنفس متى يشاء‪ ،‬ويوقف أنفاسه إذا لم يشاء‪ ،‬ألم يرى النسان‬
‫كيف يدخل الطعام مدخل ثم يخرجه الله مخرجا آخر؟ أله في ذلك قدرة‬
‫وشأن؟ وما حيلته لو اختنق النفس أو احتبس البول؟ كم في جسم النسان‬
‫من جهاز وطاقة؟ وكم فيه من أعضاء وخلية؟ أيملك التصرف بشيء منها؟‬
‫وصدق الله وهو أصدق القائلين وفي أنفسكم أفل تبصرون وهو القائل لقد‬
‫خلقنا النسان في أحسن تقويم ]التين‪.[4:‬‬
‫إن القرآن يا عباد الله كتاب مفتوح للتأمل في ذات النسان وفي ملكوت‬
‫الله‪ ،‬وخلقه الخر‪ ،‬وكم تلفت آيات القرآن النظر للتأمل والعبرة‪ ،‬وتدعو‬
‫للتفكر‪ ،‬وتشنع على العقول الخاملة‪ ،‬والقلوب الميتة‪ ،‬وكم في القرآن من‬
‫مثل ودعوة ‪ .....‬وكم من مثل قوله تعالى أفل تفكرون ‪ ،‬أفل تذكرون ‪ ،‬أفل‬
‫تعقلون ‪ ،‬أفل تؤمنون ‪...‬‬
‫فإنها ل تعمى البصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ]الحج‪.[46:‬‬

‫)‪(34 /‬‬

‫فهل يزداد المسلم إيمانا حين يتلو آيات القرآن؟ وهل يتعاظم اليمان في‬
‫قلبه حين يطلق لفكره وقلبه التأمل في مخلوقات الله العظام؟‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن العلم يدعو إلى اليمان‪ ،‬وإن دلئل القرآن تؤكد نبوة محمد عليه الصلة‬
‫والسلم‪ ،‬فمن أين لمحمد المي أن يخبر عن حركات المواج في الظلمات‬
‫في البحار اللجية‪ ،‬ويقول للناس‪ :‬أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من‬
‫فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد‬
‫يراها ومن لم يجعل الله له نورا ً فما له من نور ]النور‪.[40:‬‬
‫ترى أركب البحر محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أم توفر له في حينه ما توفر‬
‫في عالم اليوم من الغواصات واللت؟ كل إن هو إل وحي يوحى ]النجم‪.[4:‬‬
‫بل ومن أين لمحمد صلى الله عليه وسلم الذي عاش في بيئة يقل فيها‬
‫العلم‪ ،‬وينتشر فيها الجهل أن يخبر عن أطوار خلق الجنين في بطن أمه‪ ،‬كما‬
‫قال تعالى ‪ :‬يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا ً من بعد خلق في ظلمات ثلث‬
‫ذلكم الله ربكم له الملك ل إله إل هو فانى تصرفون ]الزمر‪.[6:‬‬
‫وإذا لم يعلم محمد صلى الله عليه وسلم بهذه الظلمات قبل تعليم الله إياه‪،‬‬
‫أفتراه يعلم أو يقول من ذات نفسه عن خلق النسان ثم جعلناه نطفة في‬
‫قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة‬
‫عظاما ً فكسونا العظام لحما ً ثم أنشأناه خلقا ً آخر فتبارك الله أحسن‬
‫الخالقين ]المؤمنون‪.[14-12:‬‬
‫ترى هل مارس محمد صلى الله عليه وسلم الطب أم كان على صلة‬
‫بالطباء‪ ،‬وهل كان الطباء حينها يعلمون ذلك؟ كل‪ ،‬بل هو كما قال تعالى وما‬
‫كنت تتلو من قبله من كتاب ول تخطه بيمينك إذا ً لرتاب المبطلون بل هو‬
‫آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إل الظالمون‬
‫]العنكبوت‪.[49-48:‬‬
‫نفعني الله وإياكم بهدي الكتاب وسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه‬
‫وسلم‬
‫الخطبة الثانية‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬أعطى كل شىء خلقه ثم هدى‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل‬
‫ألله وحده لشريك له‪ ،‬أمات وأحيا‪ ،‬وخلق الزوجين من نطفة إذا تمنى‪،‬‬
‫أمسك السموات والرض أن تزول‪ ،‬وأهلك عاد الولى‪ ،‬وثمود فما أبقى‪،‬‬
‫والمؤتفكة أهوى‪ ،‬فغشاها ما غشى‪ ،‬فبأى آلء ربك تتمارى‪...‬‬
‫وأشهد أن محمد عبده ورسوله أنزل الله عليه من البينات والهدى ما تخشع‬
‫له الصخور الصم‪ ،‬وإن من الحجارة لما يتفجر منه النهار وإن منها لما يشقق‬
‫فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما‬
‫تعملون‪ ...‬اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر االنبيين‪.‬‬
‫عباد الله‪ :‬ويجد المتدبر لكتاب الله ألوانا ً من المواعظ والعبر‪ ،‬تدعوه إلى‬
‫اليمان إن كان في بحثه صادقا‪ ،‬وتثبت إيمانه وتزيده إن كان من قبل مؤمنا‪،‬‬
‫وقل أن يستفيد من وقفات القرآن من يهذه هذ ّ الشعر أو يقرؤه كما يقرأ‬
‫الكتاب أو الجريدة‪ ،‬كحال من يحفظون القرآن وهم ل يفقهون منه شيئا ‪..‬‬
‫إن أثر القرآن عظيم في النفوس حين تقشعر منه الجلود‪ ،‬ثم تلين له‬
‫القلوب‪ ،‬وإن مواعظه وعبره أكثر من أن تحصى حين يقرأ بتأمل وتدبر‪...‬‬
‫وحسبنا في هذه الوقفة أن نذكر بمنهج القرآن في تثبيت اليمان من خلل‬
‫دلئل الكون في النفس والفاق‪ ،‬ومن عظمة القرآن أن تبقى مواعظه‬
‫صالحة نافعة في كل زمان ومكان‪ ،‬أبى الله أن يبلى كتابه‪ ،‬أو يخلق من كثرة‬
‫الترداد على تعاقب الجيال‪.‬‬
‫وإليكم نموذجا يلفت فيه ربنا تبارك وتعالى أنظارنا من خلل آي القرآن إلى‬
‫التأمل والعتبار‪ ،‬في مشاهد تتكرر في كل آن‪ ،‬ونراها رأي العيان‪ ،‬ومع ذلك‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فقد نغفل عنها كثيرا‪ ،‬أو ل تدعونا لمزيد من اليمان ‪ ...‬للجهل بها أو لكثرة‬
‫إلفها‪ ،‬أو لثباتها‪ ،‬علما بأن في ثباتها واستمرارها دليل على بقاء موجدها على‬
‫الدوام‪.‬‬
‫تأملوا الحدث واستلهموا العبرة‪ ،‬وجددوا اليمان‪ ،‬يقول تبارك وتعالى‪ :‬ألم‬
‫ترى إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ً ثم جعلنا الشمس عليه‬
‫دليل ً ثم قبضناه إلينا قبضا ً يسيرا ً وهو الذي جعل لكم الليل لباسا ً والنوم سباتا ً‬
‫وجعل النهار نشورا ً وهو الذي أرسل الرياح بشرا ً بين يدي رحمته وأنزلنا من‬
‫السماء ماء طهورا ً لنحيي به بلدة ميتا ً ونسقيه مما خلقنا أنعاما ً وأناسي كثيرا ً‬
‫ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إل كفورا ً ولو شئنا لبعثنا في كل‬
‫قرية نذيرا ً فل تطع الكافرون وجاهدهم به جهادا ً كبيرا ً وهو الذي مرج البحرين‬
‫هذا عذاب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا ً وحجرا ً محجورا ً وهو‬
‫الذي خلق من الماء بشرا ً فجعله نسبا ً وصهرا ً وكان ربك قديرا ً ويعبدون من‬
‫دون الله ما لينفعهم ول يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا ً ]الفرقان‪-54:‬‬
‫‪.[55‬‬
‫قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه اليات‪ :‬من هاهنا شرع‬
‫سبحانه وتعالى في بيان الدلة الدالة على وجوده وقدرته التامة على خلق‬
‫الشياء المختلفة والمتضادة‪.‬‬

‫)‪(35 /‬‬

‫ونقل عن ابن عباس وابن عمر وغيرهم أن المقصود بالظل في الية هو ما‬
‫بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس‪ ،‬ولو شاء لجعله ساكنا‪ ،‬أي مستمرا‪،‬‬
‫ولول أن الشمس تطلع عليه لما عرف ثم جعلنا الشمس عليه دليل ً ثم يقبض‬
‫الله الظل حتى ليبقى منه في الرض إل ما كان تحت سقف أو شجرة‬
‫) تفسير ابن كثير عند آيات الفرقان (‪.‬‬
‫يقول صاحب الظلل‪ :‬هذا التوجيه إلى تلك الظاهرة التي نراها كل يوم‪ ،‬ونمر‬
‫بها غافلين هو طرف من منهج القرآن في استحياء الكون دائما في ضمائرنا‪،‬‬
‫وفى إحياء شعورنا بالكون من حولنا‪ ،‬وفي تحريك خوامد إحساسنا التي‬
‫أفقدها طول اللفة إيقاع المشاهد الكونية العجيبة‪ ،‬وطرف من ربط العقول‬
‫والقلوب بهذا الكون الهائل العجيب )‪.(2‬‬
‫أيها المسلمون‪ ،‬كم في إرسال الرياح وإنزال المطر من آية تدل على أن‬
‫مرسلها ومنزل المطر بعدها واحد قادر‪ ،‬والرياح كما يقول العلماء أنواع في‬
‫صفات كثيرة من التسخير‪:‬‬
‫فمنها ما يثير السحاب‪ ،‬ومنها ما يحمله‪ ،‬ومنها ما يسوقه‪ ،‬ومنها ما يكون بين‬
‫يدي السحاب مبشرا‪ ،‬ومنها ما يكون قبل ذلك تقم الرض‪ ،‬ومنها ما يلقح‬
‫السحاب ليمطر‪ ،‬وإلى ذلك أشار ربنا في قوله‪ :‬وهو الذي أرسل الرياح بشرا ً‬
‫بين يدي رحمته ]الفرقان‪ .[48:‬وآيات غيرها في القرآن كثير‪.‬‬
‫فإذا أنزل الله المطر أحيا به الرض‪ ،‬روى عكرمة قال‪ :‬ما أنزل الله من‬
‫السماء قطرة إل أنبتت بها في الرض عشبة‪ ،‬أو في البحر لؤلؤة‪.‬‬
‫ومع هذه القدرة البالغة‪ ،‬فلله القدرة كذلك على تصريفه من مكان لخر‪،‬‬
‫وسقى هذه الرض أو البلد دون تلك ولقد صرفناه بينهم ليذكروا ‪.‬‬
‫قال ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم‪ :‬ليس عام بأكثر مطر من عام‪،‬‬
‫ولكن الله يصرفه كيف يشاء‪ ،‬ثم قرأ هذه الية لقد صرفناه بينهم ليذكروا‬
‫والقدرة هنا مذكرة بالقدرة على إحياء الموتى بعد أن كانت عظاما ورفاتا‪ ،‬أو‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫منع المطر أنما أصابه ذلك بذنب أصابه‪ ،‬فيقلع عما هو فيه‪ ...‬كذا‬ ‫ليذكر من ُ‬
‫نقل الحافظ ابن كثير رحمه الله في معنى الذكرى هنا )‪.(2‬‬
‫عباد الله‪:‬‬
‫ومن ماء السماء إلى ماء الرض يقص علينا القرآن عجائب قدرة الله وهو‬
‫الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج فالحلو منها كالنهار‬
‫والعيون والبار‪ ،‬قاله ابن جريج واختاره ابن جرير‪ ،‬وقال ابن كثير‪ :‬وهذا‬
‫المعنى ل شك فيه فإنه ليس في الوجود بحر ساكن وهو عذب فرات ‪..‬‬
‫أما الملح الجاج فهو هذه البحار والمحيطات الكبيرة في المشارق‬
‫والمغارب‪ ،‬وهذه البحار حين أراد الله أن تكون ساكنة ل تجري‪ ،‬بل تتلطم‬
‫أمواجها وتضطرب‪ ،‬أو يحصل فيها المد والجزر بقدرة الله وهي ثابتة في‬
‫أماكنها ‪ ...‬حين أراد الله لهذه المياه الغامرة لجزء كبير من سطح الرض أن‬
‫تكون بذلك القدر‪ ،‬وله الحكمة البالغة‪ ،‬أن تكون مياها ً مالحة‪ ...‬أتدرون لماذا؟‬
‫قال أهل العلم‪ :‬خلقها الله مالحة لئل يحصل بسبها نتن الهواء فيفسد الوجود‬
‫بذلك‪ ،‬ولئل تجوى الرض بما يموت فيها من الحيوان‪ ،‬ولما كان ماؤها ملحا‬
‫كان هواؤها صحيحا وميتتها طيبة )‪ .. (1‬أليس ذلك تقدير العزيز العليم؟‬
‫بل قيل في حكمة الله وتقديره لعدم اختلط البحرين‪ :‬أن مجاري النهار غالبا‬
‫أعلى من سطح البحر‪ ،‬ومن ثم فإن النهر العذب هو الذي يصب في البحر‬
‫الملح‪ ،‬ول يقع العكس إل نادرا‪ ،‬وبهذا التقدير الدقيق ل يطغى البحر‪ ،‬وهو‬
‫أضخم وأغزر‪ ،‬على النهر الذي منه الحياة للناس والنعام والنبات‪ ،‬فتبارك الله‬
‫أحسن الخالقين)‪.(2‬‬
‫أيها المسلمون‪ ،‬وثمة ماء ثالث هو أعجب من ماء السماء وماء البحر ‪ ..‬إنه‬
‫ماء الحياة ‪ ..‬إنه الماء المهين الذي ينشأ منه البشر أجمعون‪ ،‬وتنتشر فيه‬
‫الحياة والحياء‪ ،‬وتأملوا القدرة اللهية في قوله‪ :‬وهو الذي خلق من الماء‬
‫بشرا ً فجعله نسبا ً وصهرا ً وكان ربك قديرا ً فالمخلوق في ابتداء أمره ولد‬
‫نسيب‪ ،‬ثم يتزوج فيصير صهرا‪ ،‬ثم يصير له أصهار وأختان وأقرباء ‪ ...‬وكل‬
‫ذلك من ماء مهين‪...‬‬
‫تلكم من عجائب قدرة الله ‪ ...‬وتلكم أدلة على وحدانية الله ‪ ..‬أل وإن فيها‬
‫بواعث لليمان واليقين لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد‪. . .‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫)‪ (2‬الظلل ‪. 2569 / 5‬‬
‫)‪ (2‬تفسير آيات القرآن ‪. 513 / 3‬‬
‫)‪ (1‬تفسير ابن كثير ‪...‬‬
‫)‪ (2‬في ظلل القرآن‪.‬‬

‫)‪(36 /‬‬

‫خطبة إبليس في النار ‪...‬‬


‫ق‬ ‫ُ‬
‫ن الله وعد َكم وعد َ الح ّ‬‫ي المُر إ ّ‬‫ما ُقض َ‬‫قال تعالى‪} :‬وقال الشيطان ل ّ‬
‫ن إل أن دعوُتكم فاستجب ُْتم‬ ‫ي عليكم من سلطا ٍ‬ ‫ووعد ُّتكم فأخلفُتكم وما كان ل َ‬
‫ي إّني‬
‫خ ّ‬
‫مصرِ ِ‬
‫سكم‪ ,‬ما أنا بمصرخكم وما أنتم ب ُ‬ ‫لي فل تلوموني ولوموا أنف َ‬
‫ب أليم{‪.‬إبراهيم ‪.22‬‬ ‫ن الظالمين لهم عذا ٌ‬ ‫لإ ّ‬ ‫ت بما أشركتموني من قب ُ‬ ‫كفر ُ‬
‫تذكرة‪:‬‬
‫ور حقيقة الصراع في هذه الدنيا أن يعلم المسلم‬ ‫مما يجب تحريره في تص ّ‬
‫ن مخلوق‪ ,‬وما من شّر في هذه‬ ‫ن عدّوه الحقيقي هو الشيطان‪ ,‬وهو كائ ٌ‬ ‫أ ّ‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدنيا إل ّ وهو منبثقٌ من زمزمته وهمزه ولمزه‪ ,‬وهو أستاذ أهل الشّر‪ ,‬وهو‬
‫ل‬
‫ف القو ِ‬ ‫ض ُزخُر َ‬‫ضهم إلى بع ٍ‬ ‫إمامهم وقائدهم‪ ,‬يحادثهم ويحادثونه }يوحي بع ُ‬
‫ً‬
‫ث فيهم من تعاليمه وأفكاره ما يجعلهم عبادا لدينه وشريعته‪.‬‬ ‫غرورًا{ ويب ّ‬
‫وقد كتب بعض مشايخنا في تعريف المة لحقيقة هذه الصراع وطبيعته‬
‫وت قراءته‪,‬‬ ‫وأهدافه وأسلحته كتابا ً ماتعا ً رائعا ً ل ينبغي لطالب العلم أن يف ّ‬
‫هذا الكتاب هو‪) :‬عندما ترعى الذئاب الغنم( للشيخ رفاعي سرور‪ ,‬وحتى ل‬
‫أكّرر ما يقوله فضيلة الشيخ فإّني أنصح إخواني بقراءته ودراسته‪ ,‬وهو من‬
‫الكتب القليلة التي تخرجها مطابع اليوم وتستحقّ النظر والحترام‪ .‬وكتب‬
‫الشيخ كّلها نافعة جليلة‪ ,‬منها‪ :‬قدر الدعوة وحكمة الدعوة‪ ,‬وأصحاب الخدود‪.‬‬
‫فجزى الله الشيخ خير الجزاء‪.‬‬
‫ّ‬
‫هذا العنوان ‪-‬خطبة إبليس في النار‪ -‬قاله المام العلمة أبو الفداء ابن كثير‬
‫في تفسيره‪ .‬وفي هذا العنوان ‪-‬في ظّني‪ -‬ما يحتاج إلى بعض المراجعة‬
‫لتصويب ما يقع في خلد القارئ من تمّثل للطريقة التي يلقي فيها الشيطان‬
‫مية في تحقيق المعنى النفسي لقارئ هذه الية‬ ‫خطبته‪ ,‬وهذا التمّثل له أه ّ‬
‫ور المسلم لخطيب فوق منبر‪ ,‬شامخ بأنفه‪ ,‬دافع لصدره‪,‬‬ ‫ن تص ّ‬
‫العظيمة‪ ,‬فإ ّ‬
‫ً‬
‫معتٌز بنفسه‪ ,‬تلقي ظلل من الهيبة على معاني الكلمات التي يخرجها‪,‬‬
‫وة زائدة‪ ,‬كما هو شأن حركة اليد للخطيب أو المدّرس أو‬ ‫وتكسب اللفاظ ق ّ‬
‫الواعظ‪.‬‬
‫وهذا الموقف الذي سيخطب فيه الشيطان خطبته ليس فيه أيّ قدر من هذه‬
‫ل وجه‪ .‬فإذا كان شأن الخطيب أن‬ ‫المعاني‪ ,‬بل هو على الضد ّ منها من ك ّ‬
‫ن الشيطان هاهنا‬ ‫يخطب على مستمعيه من على فوق درجة أو درجات‪ ,‬فإ ّ‬
‫يخطب من سفل تحت دركات‪ ،‬وإذا كان الخطيب فوق منبره يقّرر ويعظ‬
‫زي‪ ،‬وإذا كان الخطيب يرفع‬ ‫صل ويبكت وَيخَزى وُيخ ِ‬ ‫ويعّلم‪ ,‬فإبليس هنا يتن ّ‬
‫ن إبليس هنا‬ ‫رأسه ليراه الناس وليكسو ألفاظه معنى الهيبة والقوة‪ ,‬فإ ّ‬
‫ينكمش ويتصاغر لن جموع الطالبين بالحقوق منه هادرة غاضبة صادخة‬
‫وتطلب التفسير والجواب‪ .‬فإبليس في خطبته هذه قابع في الدرك السفل‪,‬‬
‫بل في أسفل دركة‪ ,‬خائب حسير‪ ,‬تلفحه النار والعذاب من كل مكان‪,‬‬
‫ً‬
‫ل أتباعه تزيده آلما فوق‬ ‫خ وعوي ُ‬ ‫ل جانب‪ ,‬وصرا ُ‬ ‫وملئكة العذاب تضربه من ك ّ‬
‫ما هو عليه‪ ,‬ورؤيته للفقراء والمساكين الذين كان يستهزئ بهم ويتعالى‬
‫عليهم وهم ملوك في الجنان تأكل قلبه وتشعل ندمه‪.‬‬
‫هكذا يجب أن نقرأ هذه الخطبة‪ ,‬وإل وقعنا في الكثير من الخطاء في فهمنا‬
‫لما يقوله الله تعالى‬
‫وهذا الذي أقوله مع علمي بما ُرويَ عن الحسن البصريّ رحمه الله تعالى أّنه‬
‫قال‪ :‬يقف إبليس خطيبا ً في جهّنم على منبرٍ من نار يسمعه الخلئق جميعا ً‬
‫ق‪.‬‬‫ن الله وعدكم وعد الح ّ‬ ‫فيقول‪ :‬إ ّ‬
‫ول أدري إل أن الذي ُيطالب من قبل أتباعه أن ُيصرخهم )ينقذهم( وينفذ‬
‫وعوده فينكص ويعترف بكذب وعوده‪ ,‬ويقّر بعجزه عن عدم نصرتهم‪ ,‬إل أّنه‬
‫ح ما قاله إمامنا الحسن رحمه‬ ‫ل حال فلو ص ّ‬ ‫في الحالة التي وصفت‪ ,‬وعلى ك ّ‬
‫الله فليس فيه إل أّنه على منبر من نار‪ ,‬ومن يقوم على هذا المنبر باختياره؟‬
‫فوجه ما قاله المام ‪-‬والله أعلم‪ -‬أّنه ُأقيم رغم أنفه على منبر محاكمة‬
‫وعذاب ولم يقم باختياره‪ ,‬فل يبعد أبدا ً عن المعنى الذي قلناه والله الموّفق‪.‬‬
‫وهذه الية عن خطبة الشيطان قيلت في كتاب الله تعالى بعدما أخبرنا الله‬
‫تعالى عن تبّري السياد من التباع‪} :‬وبرزوا لله جميعا ً فقال الضعفاء للذين‬
‫استكبروا إّنا كّنا لكم ت ََبعا ً فهل أنتم مغنون عّنا من عذاب الله من شيء قالوا‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص وقال‬
‫الشيطان‪.{..‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن سياق اليتين حديث عن قضّية مهمة‬ ‫والمناسبة بين اليتين واضحة جلّية‪ ,‬فإ ّ‬
‫وهي قضية الخول والتباع‪ ,‬وأّنه ل حجة لهم عند الله تعالى بكونهم كانوا‬
‫وتهم وعقولهم‪ ,‬رضوا لنفسهم بالتسليم‪ ,‬وتعليق ما هم‬ ‫مستضعفين في ق ّ‬
‫عليه من الكفر والضلل على مشجب أسيادهم‪ ,‬رافعين عن أنفسهم التهمة‪,‬‬
‫جة تتكّرر على مّر الزمان والدهور‪ ,‬يقولها‬ ‫جة‪ ,‬وهي ح ّ‬ ‫واجدين لها العذر والح ّ‬
‫ى واحد وهو‪} :‬كّنا‬ ‫ددة وبألفاظ متباينة لكّنها تدور على معن ً‬ ‫الناس بصيغ متع ّ‬
‫جة في الدنيا وقطعها‬ ‫مستضعفين في الرض{‪ ,‬والله تعالى قد قطع هذه الح ّ‬
‫ن الله تعالى قد أهلك أتباع الفراعنة والطواغيت‬ ‫ما في الدنيا فإ ّ‬ ‫في الخرة‪ ,‬أ ّ‬
‫مع أسيادهم‪ ,‬ولم يستثنهم من العذاب والهلك‪ ,‬قال تعالى عن فرعون‪:‬‬
‫مر صنيع المر والمأمور‬ ‫م{القصص ‪ .40‬ود ّ‬ ‫}فأخذناه وجنوده فنبذناهم في الي ّ‬
‫ما‬
‫مرنا ما كان يصنع فرعون وجنوده وما كانوا يعرشون{‪ ،‬وأ ّ‬ ‫قال تعالى‪} :‬ود ّ‬
‫في الخرة فكما هو قوله سبحانه وتعالى في هذه الية التي بين أيدينا ‪ ,‬وكما‬
‫في غيرها من اليات الكثيرة‪.‬‬
‫وقد ذكر المام ابن القّيم رحمه الله تعالى في كتابه )طريق الهجرتين(‬
‫ب المكّلفين‪ ,‬وذكر مرتبة من هذه المراتب هي مرتبة بهائم البشر من‬ ‫مرات َ‬
‫ميتها‪.‬‬ ‫فار والطواغيت‪ُ ,‬يرجع إليها له ّ‬ ‫المقّلدين للك ّ‬
‫واليات في هذا الباب فيها التحذير من التقليد‪ ,‬ومن عدم استعمال المرء لما‬
‫وهبه الله تعالى من نعمة العقل والنظر‪ ,‬وفيها الدعوة إلى عدم َقبول‬
‫الستضعاف‪ ,‬وإن الستضعاف والذّلة هي طريق الكفر والضلل‪ ,‬فتبكيت‬
‫التقليد‪ ,‬أي تقليد أتباع الكفر لسيادهم فيها الدعوة لتحّرر العقل من أغلله‬
‫وقاتها‪ ,‬وهذا هو النسان ل غير علم وإرادة‪ ,‬وما جاء‬ ‫وتحّرر الرادة من مع ّ‬
‫مة من‬ ‫دم أي أ ّ‬ ‫ن تق ّ‬‫السلم إل ّ لتحريرهما من الغلل والقيود والموانع‪ ,‬وإ ّ‬
‫ي رحمه الله‬ ‫المم ل يكون إل بتصويب العلم وتحرير الرادة‪ ,‬وصدق الشافع ّ‬
‫تعالى حين مدح نفسه بأّنه يرى المذّلة كفرا ً كما هو في ديوانه‪.‬‬
‫ل والهوان إل بسبب الجهل‬ ‫فها وارتكاسُتها في مراتب الذ ّ‬ ‫متنا وتخل ّ ُ‬ ‫جع ُ أ ّ‬
‫وما َترا ُ‬
‫ّ‬
‫والذي منه التقليد‪ ,‬وبسبب تحطم إرادتها بقيود الشهوات والفكار الباطلة‬
‫كالجبرية والصوفّية‪.‬‬
‫مات الجماعات العاملة‬ ‫مات الدعاة إلى الله تعالى ومن مه ّ‬ ‫ولذلك من مه ّ‬
‫لعادة دين الله تعالى إلى الرض ‪-‬إن أحسنوا الطريق‪ -‬أن ينشروا العلم‬
‫وينبذوا التقليد‪ ,‬وأن يفتحوا المجال للحركة المبدعة التي تنطلق لتحقيق‬
‫غايات السلم العظيمة‪.‬‬
‫ضي المر{‪:‬‬ ‫ما قُ ِ‬ ‫}وقال الشيطان ل ّ‬
‫ورها المرء لتسبق قول الشيطان‪ ,‬إّنها حركة التباع‬ ‫ل بد ّ من حركة يتص ّ‬
‫والعّباد له‪ ,‬ذلك أّنهم تشاوروا فيما بينهم واّتفقوا على محاسبته ومطالبته‬
‫بتنفيذ وعوده‪ ,‬فتدافعوا كالموج يطالبون الشيطان أن يبرر لهم هذا المستقّر‬
‫الذي آلوا إليه‪ ,‬وصرخوا بملء أفواههم‪ :‬أّيها الشيطان‪ ...‬إبليس‪ ...‬أين ما‬
‫دتنا‪..‬؟ أين ما زّينت لنا‪..‬؟ أين ما أقسمت لنا من صدق القول وصواب‬ ‫وع ّ‬
‫ً‬
‫الحديث إّنهم يصطرخون فيها‪ ...‬ليس صراخا‪ ..‬إّنه اصطراخ‪.‬‬
‫ما أّنهم جرجروه حّتى أقاموه‬ ‫ل على زيادة في المعنى‪ ,‬فإ ّ‬ ‫وزيادة المبني تد ّ‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما أّنه تصاغر وأطلق كلماته هذه محاول ً قدر استطاعته‬ ‫فوق منبر من نار‪ ..‬وإ ّ‬
‫ُ‬
‫أن ُيخفي خزيه وعاره‪ ,‬ولم يبقَ له من عذرٍ فقد قضي المر‪ ,‬وآب الناس إلى‬
‫منازلهم‪ :‬هو وحزبه إلى النار وحزب الله إلى الجّنة‪.‬‬
‫دتكم فأخلفُتكم{‪:‬‬
‫ن الله وعدكم الحقّ ووع ّ‬ ‫}إ ّ‬
‫ومثل هذه الية في المعنى قوله سبحانه‪ :‬والذين كفروا أعمالهم كسراب‬
‫بقيعة يحسبه الظمآن شيئا ً حّتى إذا جاءه لم يجده شيئا ً ووجد الله عنده‬
‫فوّفاه حسابه‪.‬‬
‫فذ وعده‪ ,‬ل‬ ‫ق‪ ,‬وهو القادر سبحانه وتعالى أن ين ّ‬ ‫فالله قد وعد‪ ,‬ووعده ح ّ‬
‫كر بهذه الصيغ الرحيمة التي ينادي الله تعالى بها‬ ‫م تف ّ‬‫يعجزه شيء إذا أراده‪ ,‬ث ّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫عباده في هذه الدنيا‪ ,‬إّنها كلمات الرحمة‪ ,‬أنظر وتفكر في قوله سبحانه }قل‬
‫ن الله يغفر‬ ‫يا عباديَ الذين أسرفوا على أنفسهم ل تقنطوا من رحمة الله‪ .‬إ ّ‬
‫م تفكرّ‬
‫كر فيها المّرة تلو المّرة‪ ,‬ث ّ‬ ‫الذنوب جميعًا‪ ,‬إّنه هو الغفور الرحيم{ فتف ّ‬
‫ي عن العالمين‪ ,‬ل‬ ‫ن الذي يناديكم بهذه الكلمات هو خالقك ورّبك‪ ,‬وهو الغن ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يزيدون ملكه شيئا إذا عبدوه‪ ,‬ول ينقصون ملكه شيئا لو كفروه‪ ,‬سبحانه ما‬
‫ل في عله‪.‬‬ ‫أرحمه‪ ,‬وما أرأفه‪ ,‬فله الحمد على جميل صفاته‪ ..‬ج ّ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ن من وعد الحقّ أن يمل‬ ‫ن من وعد الحقّ أن ينصر الله عباده فنصرهم‪ ,‬وإ ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ن من وعده أن‬ ‫مهم‪ ,‬وإ ّ‬ ‫قلوبهم بالرضا والطمئنان فأرضاهم‪ ,‬وكشف عنهم غ ّ‬
‫فف عنهم سكرات الموت فكان لهم ذلك‪ ,‬وأن يجعل عليهم قبورهم جّنة‬ ‫يخ ّ‬
‫ن من وعد الحقّ أن‬ ‫من الجنان فيها روح وريحان فذاقوا من ذلك ألوانًا‪ ,‬وإ ّ‬
‫ً‬
‫ن من وعد الحقّ أن يجعل لهم نورا في‬ ‫منهم‪ ,‬وإ ّ‬‫مَنهم يوم الفزع الكبر فأ ّ‬ ‫يؤ ّ‬
‫ن من وعد الحقّ أن‬ ‫قبورهم ويوم بعِثهم وفوق الصراط فكان لهم النور‪ ,‬وإ ّ‬
‫ن من وعد الحقّ وهو أعلى الوعود وأشرفها أن‬ ‫يدخلهم الجنان فدخلوها‪ ,‬وإ ّ‬
‫يروا رّبهم فتجّلى لهم من فوقهم ورأوه كما يرون البدر في الليلة الصافية‬
‫وء من الجّنةحيث نشاء‬ ‫وقالوا الحمد لله الذي صد ََقنا وعده وأورثنا الرض نتب ّ‬
‫فنعم أجر العاملين‪.‬‬
‫فماذا فعل الشيطان بوعوده‪..‬؟ }فأخلفتكم{ هكذا ظهر سراب وعوده‪,‬‬
‫شف كذبها‪ ,‬وبانت على حقيقتها‪ ,‬لقد تلشت كّلها تحت كلمة الشيطان‬ ‫تك ّ‬
‫ّ‬
‫)فأخلفتكم(‪ ..‬لقد بحثوا عنه في كل موطن أقسم لهم أن يكون لهم فيه‪,‬‬
‫حت‪ ,‬لكنه لم يكن هناك‪ ,‬لقد تخّلف‬ ‫ونادوا عليه بكل أصواتهم حّتى كّلت وب ّ‬
‫لقد أقسم لبينا آدم }وقاسمهما إّني لكما من الناصحين{ وكذب في قسمه‪.‬‬
‫لقد أوعدهم الفقر إن أنفقوا فكان ما نصحهم به هو الفقر بعينه‪.‬‬
‫لقد وعد أولياءه في بدر وقال‪ :‬ل غالب لكم اليوم من الناس‪ ,‬وإّني جار لكم‪,‬‬
‫فما هي إل لحظات حّتى صدق الله وعده للمؤمنين وأنزل ملئكته تؤّيدهم‬
‫وتثّبتهم وتقاتل معهم فما كان من الشيطان إل أن نكص على عقبيه وقال‬
‫إّني بريء منكم‪ ..‬إّني أرى ما ل ترون‪ ,‬إّني أخاف الله والله شديد العقاب‪.‬‬
‫ق‬ ‫طعت ك ّ‬ ‫ل‪ ,‬وق ّ‬
‫ق لهم في نفوسهم أم ً‬
‫ل أمانيهم‪ ,‬ولم يب ِ‬ ‫فأخلفتكم‪ ,‬كلمة لم تب ِ‬
‫ن صدقه هنا لم يكن‬ ‫ً‬
‫لهم من رجاء‪ ,‬وإذا كان للشيطان أن يصدق قليل فإ ّ‬
‫م‬
‫سوى تصوير لحقيقة المر التي ل دافع لها‪ .‬ولله المر من قبل ومن بعد‪ .‬ث ّ‬
‫ل خطبة‪ ,‬قذف البراءة والتبّري في وجوههم‪:‬‬ ‫بكلمات يسيرة خاطفة‪ ,‬كك ّ‬
‫}وما كان لي عليكم من سلطان إل أن دعوتكم فاستجبتم لي{‪.‬‬
‫جة‬
‫والسلطان ههنا اختلف العلماء في تفسيره‪ ,‬فأكثرهم على أّنه الح ّ‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جة على ما دعوتكم له من الشرك‬ ‫والدليل‪ ,‬أي لم يكن لي من دليل ول ح ّ‬


‫والكفر والمعصية‪ ,‬بل بمجّرد أن رفعت لكم لواء الشهوات حّتى أقبلتم إليها‬
‫كر بالعواقب‪ ,‬ودون نظر صحيح‪.‬‬ ‫دون تف ّ‬
‫وة والقهر‪ ,‬أي لم أقهركم على‬ ‫وقال بعض أهل العلم إّنما السلطان هو الق ّ‬
‫ن المراد‬ ‫الكفر والشرك إّنما أقبلتم إلى ذلك بمحض إرادتكم‪ ,‬ول يبعد أ ّ‬
‫ن الشيطان‬ ‫بالسلطان هو هذا وهذا‪ ،‬بل كلمة السلطان أشمل من ذلك‪ ,‬فإ ّ‬
‫مل التباع نتيجة ما أتوا وعملوا‪ ,‬ولكّنه استدرك‬ ‫يريد أن يبّرئ نفسه‪ ,‬وأن يح ّ‬
‫ل ما يقوم به‬ ‫وبّين ما كان منه من عمل‪} :‬إل أن دعوتكم{‪ ,‬وهكذا أخفى ك ّ‬
‫من تزيين للباطل ونصرة للشر والنفخ والهمز في قلوب الناس بكلمة واحدة‪:‬‬
‫دعوتكم‪.‬‬
‫ن في كلمته هذه تزييف للحقيقة‪ ,‬فإّنها كلمة سريعة فلو كان‬ ‫وأقول‪ :‬أخفى ل ّ‬
‫ً‬
‫أمام قضاء غير ما هو فيه لما استحقّ عليها عقابا‪ ,‬لكّنها يوم القيامة تحمل‬
‫قق الجزاء‪ ,‬وهي كلمة َتبّري‪ :‬نعم‪ ,‬لكنها كلمة تبكيت‬ ‫حقيقة المعنى وذلك لتح ّ‬
‫ّ‬
‫وتحقير لتباعه وعباده‪ ,‬وهي بل شك ستمل قلوبهم حسرة وندامة الشيطان‪.‬‬
‫دعاهم‪ ,‬وزّين لهم‪ ,‬ووسوس لهم‪ ,‬ووعدهم‪ ,‬وأوحى لهم‪ ,‬ورماهم بسهامه‪,‬‬
‫وق‪ ,‬وصاحب قلوبهم في السر‬ ‫وق ومع ّ‬ ‫وقذف في طريق الحقّ ألف مع ّ‬
‫ي لئن‬ ‫ّ‬ ‫عل‬ ‫ت‬ ‫رم‬
‫ّ َ‬ ‫ك‬ ‫الذي‬ ‫هذا‬ ‫}أرأيتك‬ ‫لعنه‪:‬‬ ‫ما قال لرّبه يوم‬ ‫والعلن وكان م ّ‬
‫ل{السراء ‪.62‬‬ ‫ن ذّريته إل قلي ً‬ ‫ن إلى يوم القيامة لحتنك ّ‬ ‫خرت ِ‬
‫أ ّ‬
‫ن جهّنم جزاؤكم جزاًء موفورا ً‬ ‫فقال الله تعالى له‪} :‬اذهب فمن تبعك منهم فإ ّ‬
‫* واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك‬
‫ن‬ ‫ً‬
‫وشاركهم في الموال والولد وعدهم‪ ,‬وما يعدهم الشيطان إل غرورا * إ ّ‬
‫ل{‪.‬‬ ‫عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى برّبك وكي ً‬
‫فقارن بين هذه الفعال‪ :‬دفع الناس بالصوت والنداء إلى الكفر والشرك‬
‫والمعصية‪ ,‬والجلب عليهم بالخيل والرجال والمشاركة في الموال والولد‪,‬‬
‫دنهم إلى الشّر‬ ‫ن ذّريته{ أي لش ّ‬ ‫م انظر إلى قوله }لحتنك ّ‬ ‫والوعود الكاذبة‪ ,‬ث ّ‬
‫وة‪ ,‬وبين قوله‪} :‬دعوتكم{ ترى كيف ما زال‬ ‫لق ّ‬ ‫من الحنك وأسوقّنهم إليه بك ّ‬
‫ل ما‬ ‫ل موطن‪ ,‬نعم‪ :‬صدق‪ ,‬دعاهم فقط‪ ,‬ك ّ‬ ‫الشيطان كاذبا ً ومراوغا ً في ك ّ‬
‫ما تحقيقها على أرض الواقع فهي تحتاج إلى‬ ‫فعله اختزله في كلمة واحدة‪ ,‬أ ّ‬
‫م التقريع والتبكيت‪ ,‬لقد‬ ‫شروح وشروح‪} .‬دعوتكم فاستجبتم{ وهكذا يت ّ‬
‫استجبتم لنداء الشيطان بمجّرد أن دعاكم‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫لكن هل سكتوا؟ اسمع ماذا قال الله عن جواب التباع للسياد بعد قول‬
‫السياد‪} :‬قال الذين استكبروا للذين اسُتضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى‬
‫بعد إذ جاءكم‪ ,‬بل كنتم مجرمين{ فرد ّ التباع‪} :‬وقال الذين استضعفوا للذين‬
‫استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادًا{‪.‬‬
‫نعم‪ :‬إّنه مكر الليل والنهار‪ ,‬والتخطيط الدؤوب بترتيب الخطوات ‪-‬خطوات‬
‫ما صرخوا‬ ‫م النزلق‪} ,‬فل تلوموني ولوموا أنفسكم{‪ :‬إذا ً كان م ّ‬ ‫الشيطان‪ -‬ليت ّ‬
‫في وجهه أّنهم لموه على ما زّين لهم‪ ,‬ولكّنه يرد ّ لومهم‪.‬‬
‫جه له‪ :‬لماذا ل يلوموه؟ أليس هو الذي دعاهم‪ ,‬وقد‬ ‫لكن السؤال الذي يو ّ‬
‫ن هذه ليست بالجريمة التي تستحقّ العقاب ول‬ ‫اعترف بذلك؟! أم أّنه يعتبر أ ّ‬
‫حّتى اللوم‪.‬‬
‫دقوا وعوده‪ ,‬بل‬ ‫نعم‪ :‬ليس لهم عذر عند الله بأّنهم اّتبعوا الشيطان وص ّ‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل ما فعلوا واقترفوا وبّيتوا‪.‬‬ ‫سيعاقبون على ك ّ‬


‫لكن أصحيح أّنه ل لوم على الشيطان؟ إّنها نصف الحقيقة‪ ,‬وكما أّنها الكلمة‬
‫البريئة‪ :‬دعوتكم فاستجبتم‪ ,‬وهي اعتراف بالحق مع المجاهدة القصوى‬
‫لمرارها سريعا ً دون تفصيل يؤّدي إلى إثبات الجرم‪ ,‬فكذلك هنا‪} :‬فل‬
‫تلوموني ولوموا أنفسكم{ إّنها نصف الحقيقة تتكّرر‪ ,‬لكن كما قال الله عن‬
‫ف{ أي من العذاب‪ ,‬وذلك بعد قولهم‪} :‬رّبنا هؤلء‬ ‫ل ضع ٌ‬ ‫السياد والتباع‪} :‬لك ّ‬
‫ف ولكن ل تعلمون{‪} .‬ما أن‬ ‫ل ضع ٌ‬ ‫أضّلونا فآِتهم عذابا ً ضعفا من النار قال لك ّ‬
‫ً‬
‫ي{‪ .‬وهكذا تدّرج في حديثه حّتى وصل إلى هذه‬ ‫خ ّ‬‫بمصرخكم وما أنتم بمصرِ ِ‬
‫الحقيقة‪ ,‬لن أستطيع إنقاذكم ول نجدتكم‪ ,‬كما أّنكم ل تستطيعون إنقاذي ول‬
‫نجدتي‪ ,‬والعرب تقول للنجدة والمغيث والمعين‪ :‬الصارخ‪ ,‬والصراخ هو‬
‫الصياح‪ ,‬لن طلب الغوث وكذا المغيث ل يخلو منه غالبًا‪ ،‬قال أمّية بن أبي‬
‫الصلت‪ :‬ول تجزعوا إّني لكم غير مصرخ‪ ،‬وليس لكم عندي غناٌء ول نصر‪ ،‬أي‬
‫لست لكم بمغيث‪.‬‬
‫وهكذا لم يجدوا عنده إل السراب الخادع‪ ,‬والماني الكاذبة‪ ,‬والوعود الباطلة‪.‬‬
‫ن‬
‫وقوله سبحانه وتعالى على لسان الشيطان }ما أنا بمصرخكم{ دليل على أ ّ‬
‫ن حالهم يدعوا‬ ‫كأ ّ‬ ‫حديث أهل النار هو الصراخ ‪-‬وهم يصطرخون فيها‪ -‬ول ش ّ‬
‫لذلك‪ ,‬نعوذ بالله من عذابه وناره‪.‬‬
‫دم إل ما يقدر عليه‪ ,‬وههنا ل يقدر الشيطان على إنقاذ نفسه‪,‬‬ ‫والمرء ل يق ّ‬
‫دم لعباده‬ ‫م متى استطاع الشيطان أن يق ّ‬ ‫فكيف يقدر على إنقاذ غيره؟! ث ّ‬
‫وأتباعه شيئًا؟! ومتى صدق في وعد قطعه على نفسه لهم‪.‬‬
‫دق وعوده‪} .‬إّني كفرت بما‬ ‫أل ما أشقى من يّتبع الشيطان ويثق به ويص ّ‬
‫أشركتموني من قبل{‪ .‬وها هو يرد ّ عبادتهم له في وجوههم‪ ,‬ويرميها خلقة‬
‫بالية‪ ,‬فقد كفر بعبادتهم‪ ,‬وتبّرأ من إشراكهم إياه مع الله تعالى‪ ,‬فقد كفر‬
‫ن عبادتهم‬ ‫ن تأّلهه على أتباعه هو تأّله باطل‪ ,‬وأ ّ‬ ‫بشركهم‪ ,‬وهو اعتراف منه أ ّ‬
‫دموها له رجاَء خيرٍ منه أو جزاء ذهبت‬ ‫ن كل طاعة ق ّ‬ ‫إّياه عبادة باطلة‪ ,‬وأ ّ‬
‫سرابا ً ولم تك شيئًا‪ .‬وهكذا تبّين للتباع من عباده الذين نراهم يملؤون السهل‬
‫مرون فطرتهم بالنقياد له‪ ,‬ويعرضون عن‬ ‫والواد‪ ,‬ويأخذون عنه شريعتهم‪ ,‬ويد ّ‬
‫ن نهاية‬ ‫ن وعوده كاذبة‪ ,‬وأ ّ‬ ‫ي وهديه‪ ,‬تبّين لهم‪ :‬أ ّ‬ ‫أمر رّبهم وشريعته‪ ,‬وسّنة النب ّ‬
‫العلقة بينهما هي التبريّ والقطيعة‪ ,‬وأّنه لن ينصرهم في أيّ مقام من‬
‫مقاماتهم التي يحتاجون فيها إلى النصرة والتأييد‪.‬‬
‫ق‪ ,‬وما أخبرنا بهذا إل رحمة بنا‪ ,‬وإخبارا ً لما‬ ‫ق‪ ,‬ووعده الح ّ‬ ‫والله قوله الح ّ‬
‫ن الظالمين لهم‬ ‫سيقع يقينا ً من أجل الّتعاظ قبل فوات الوقت‪ ,‬فيومها‪ :‬إ ّ‬
‫جل الناس بوصل حبالهم مع الله تعالى‪ ,‬وليقطعوا حبالهم مع‬ ‫عذاب أليم‪ ,‬فليع ّ‬
‫الشيطان وجنده‪ ,‬وليسمعوا قوله سبحانه }ألم أعهد إليكم يا بني آدم أل ّ‬
‫ط مستقيم{يس‬ ‫تعبدوا الشيطان إّنه لكم عدوّ مبين‪ .‬وأن اعبدوني هذا صرا ٌ‬
‫‪.61-60‬‬
‫ما المؤمنون فقد قال الله تعالى عقب ذلك‪} :‬وأدخل الذين آمنوا وعملوا‬ ‫أ ّ‬
‫الصالحات جّنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها بإذن رّبهم تحّيتهم فيها‬
‫سلم{إبراهيم ‪.23‬‬
‫ل الجواب على من سأل‪ :‬فماذا فعل الله بعبيده‪ ,‬وبأتباع‬ ‫وهي كلمات فيها ك ّ‬
‫النبياء‪ ,‬نعم هذه خطبة إبليس في عبيده وأتباعه‪ ,‬وأما قول الله لعبيده‬
‫ل عليكم رضواني فل أسخط عليكم‬ ‫وأحبابه في الجنان يقول لهم‪ :‬اليوم ُأح ّ‬
‫م يتجّلى لهم فيرونه وهم جلوس على منابر النور واللؤلؤ والذهب‬ ‫أبدًا‪ ,‬ث ّ‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكثبان المسك‪.‬‬
‫ٌ‬
‫إّنها حقائق ل محيد للناس عنها‪ ,‬فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله‬

‫)‪(4 /‬‬

‫خطبة الحاجة أصلها ومدلولها‬


‫د‪ .‬محمد بن عبد الله القناص ‪26/7/1426‬‬
‫‪31/08/2005‬‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله وآله وبعد‪:‬‬
‫وردت خطبة الحاجة من طريق عدد من الصحابة منهم‪ :‬ابن مسعود أخرج‬
‫حديثه المام أحمد ح ) ‪ ،( 3536‬والترمذي ح ) ‪ (1023‬وصححه‪ ،‬والنسائي ح‬
‫مَنا النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫) ‪ ، ( 1387‬أبو داود ح ) ‪ ( 1809‬قال‪ " :‬عَل ّ َ‬
‫َ‬
‫سَنا‬ ‫ف ِ‬ ‫شُرورِ أن ْ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫فُرهُ وَن َُعوذ ُ ِبالل ّهِ ِ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ه وَن َ ْ‬ ‫ست َِعين ُ ُ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ن َ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ة‪ :‬ال ْ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫حا َ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫خط ْب َ َ‬ ‫ُ‬
‫هّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل فَل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ه إ ِل الل ُ‬ ‫ن ل إ ِل َ‬ ‫شهَد ُ أ ْ‬ ‫ه وَأ ْ‬ ‫هادِيَ ل ُ‬ ‫ضل ِ ْ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫لل ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ه فَل ُ‬ ‫ن ي َهْدِهِ الل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫قَرأ ث َل َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قوا‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت‪َ ) :‬يا أي َّها ال ِ‬ ‫ث آَيا ٍ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫سول ُ‬ ‫دا عَب ْد ُه ُ وََر ُ‬ ‫م ً‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫شهَد ُ أ ّ‬ ‫وَأ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫قوا َرب ّك ْ‬ ‫ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫ن ( ‪َ ) ،‬يا أي َّها الّنا ُ‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ن إ ِل وَأن ْت ُ ْ‬ ‫موت ُ ّ‬ ‫قات ِهِ وَل ت َ ُ‬ ‫حق ّ ت ُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ساءً‬ ‫جاًل ك َِثيًرا وَن ِ َ‬ ‫ما رِ َ‬ ‫من ْهُ َ‬ ‫ث ِ‬ ‫جَها وَب َ ّ‬ ‫من َْها َزوْ َ‬ ‫خل َقَ ِ‬ ‫حد َةٍ وَ َ‬ ‫س َوا ِ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م َرِقيًبا ( ‪َ ) ،‬يا أي َّها‬ ‫ن عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫ن ب ِهِ َواْلْر َ‬ ‫ساَءُلو َ‬ ‫ذي ت َ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫َوات ّ ُ‬
‫فْر ل َك ُْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫م‬ ‫ْ ََْ ِ‬ ‫غ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫ع‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ح‬ ‫ل‬
‫َ ِ ً ُ ْ ِ ْ‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫دا‬ ‫دي‬ ‫س‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫لوا‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫و‬
‫َ َ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫نوا‬ ‫ذي َ َ ُ‬ ‫م‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ك‪،‬‬ ‫جت َ َ‬ ‫حا َ‬ ‫م ت َذ ْك ُُر َ‬ ‫ما ( ث ُ ّ‬ ‫ظي ً‬ ‫قد ْ َفاَز فَوًْزا عَ ِ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن ي ُط ِعْ الل ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ذ ُُنوب َك ُ ْ‬
‫واللفظ لحمد ‪ ،.‬ويشهد له حديث عبد الله بن عباس‪ ،‬أخرجه مسلم ح ) ‪868‬‬
‫كان م َ‬
‫ن أْزدِ‬ ‫ة وَ َ َ ِ ْ‬ ‫مك ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ماًدا قَدِ َ‬ ‫ض َ‬ ‫ن ِ‬ ‫(‪ ،‬وأحمد في مسنده ح ) ‪ ،( 2613‬قال‪ " :‬إ ّ‬
‫ُ‬ ‫مك ّ َ‬ ‫َ‬ ‫شُنوَءة َ وَ َ‬
‫ن‬‫ن إِ ّ‬ ‫قولو َ‬ ‫ة يَ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فَهاَء ِ‬ ‫س َ‬ ‫مع َ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ن هَذِهِ الّريِح فَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َْرِقي ِ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫فيهِ عَلى ي َد َيّ َقا َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ل لعَ ّ‬ ‫َ‬ ‫ج َ‬ ‫ت هَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫ن فَ َ‬
‫ش ِ‬ ‫ل الل َ‬ ‫ذا الّر ُ‬ ‫ل لوْ أّني َرأي ْ ُ‬ ‫جُنو ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫دا َ‬ ‫م ً‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫دي‬ ‫ي‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫في‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫ح‬ ‫ري‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫قي‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ني‬ ‫إ‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫يا‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫فَ‬
‫َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ِ َِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ ّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫مد ُهُ‬ ‫ح َ‬ ‫مد َ ل ِلهِ ن َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ْ‬ ‫م‪ :‬إ ِ ّ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ل لك ؟ ف َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫شاَء فَهَ ْ‬ ‫َ‬
‫هَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل فَل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن ل إ ِل َ‬ ‫شهَد ُ أ ْ‬ ‫ه وَأ ْ‬ ‫هادِيَ ل ُ‬ ‫ضل ِ ْ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫لل ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ه فَل ُ‬ ‫ن ي َهْدِهِ الل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ست َِعين ُ ُ‬ ‫وَن َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عد ْ‬ ‫لأ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ما ب َعْد ُ َقا َ‬ ‫ه‪ ،‬أ ّ‬ ‫سول ُ‬ ‫دا عَب ْد ُه ُ وََر ُ‬ ‫م ً‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ه وَأ ّ‬ ‫ريك ل ُ‬ ‫َ‬ ‫ش ِ‬ ‫حد َهُ ل َ‬ ‫ه وَ ْ‬ ‫إ ِّل الل ُ‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫ث‬ ‫م ث ََل َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن عَل َي ْهِ َر ُ‬ ‫عاد َهُ ّ‬ ‫ك هَؤَُلِء فَأ َ‬ ‫مات ِ َ‬ ‫ي ك َل ِ َ‬ ‫عَل َ ّ‬
‫ما‬ ‫شعََراِء فَ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫حَرةِ وَقَوْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ل ال ْك َهَن َةِ وَقَوْ َ‬ ‫ت قَوْ َ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫مّرا ٍ‬ ‫َ‬
‫ت ي َد َكَ‬ ‫ها ِ‬ ‫قال َ‬ ‫َ‬ ‫حرِ قال ف َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫س الب َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ن َنا ُ‬ ‫قد ْ ب َلغْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مات ِك هَؤُلِء وَل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مثل كل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫م وَعََلى‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫با‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫س‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ُ‬
‫ُ َ ْ ِ َ َ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫ِ ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫أَ ِْ‬
‫ع‬ ‫ي‬ ‫با‬
‫ة‬‫سرِي ّ ً‬ ‫م َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ث َر ُ‬ ‫ل فَب َعَ َ‬ ‫مي َقا َ‬ ‫ل وَعََلى قَوْ ِ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫م َ‬ ‫قَوْ ِ‬
‫ن هَؤَُلِء َ‬ ‫َ‬
‫قا َ‬
‫ل‬ ‫شي ًْئا فَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صب ْت ُ ْ‬ ‫لأ َ‬ ‫ش هَ ْ‬ ‫جي ْ ِ‬ ‫سرِي ّةِ ل ِل ْ َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ح ُ‬ ‫صا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫مهِ فَ َ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫مّروا ب ِ َ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬
‫ماد ٍ ‪.‬‬ ‫ض َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن هَؤَُلِء قَوْ ُ‬ ‫ها فَإ ِ ّ‬ ‫ل ُرّدو َ‬ ‫قا َ‬ ‫مط ْهََرة ً فَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫صب ْ ُ‬ ‫قوْم ِ أ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫َر ُ‬
‫واللفظ لمسلم ‪.‬‬
‫ويشهد لخطبة الحاجة أيضا ما أخرجه مسلم ح ) ‪ ،( 867‬والنسائي ح )‬ ‫ً‬
‫سو ُ‬
‫ل‬ ‫ن َر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ل‪َ " :‬‬ ‫‪ ( 1560‬من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما َقا َ‬
‫هُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما هُوَ أهْل ُ‬ ‫ه وَي ُث ِْني عَلي ْهِ ب ِ َ‬ ‫مد ُ الل ّ َ‬ ‫ح َ‬ ‫س يَ ْ‬ ‫ب الّنا َ‬ ‫خط ُ ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫الل ّهِ َ‬
‫ث‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫خي ُْر ال ْ َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫هادِيَ ل َ ُ‬ ‫ل فََل َ‬ ‫ضل ِ ْ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ه فََل ُ‬ ‫ن ي َهْدِهِ الل ّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ه‬
‫صوْت ُ ُ‬ ‫ت عَي َْناه ُ وَعَل َ‬ ‫َ‬ ‫مّر ْ‬ ‫ح َ‬ ‫با ْ‬ ‫خط َ‬ ‫َ‬ ‫م إ َِذا َ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ه‪ ،‬وكا َ‬ ‫َ‬ ‫ب الل ِ‬ ‫ّ‬ ‫ك َِتا ُ‬
‫ش‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َوا ْ‬
‫جي ْ ٍ‬ ‫من ْذُِر َ‬ ‫ه ُ‬ ‫حّتى كأن ّ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ضب ُ ُ‬ ‫شت َد ّ غ َ‬
‫مَنا النبي‬ ‫ّ‬
‫وهذه الخطبة تسمى خطبة الحاجة لقول عبد الله بن مسعود ‪ " :‬عَل َ‬
‫ة‪ " ... :‬فيشرع للنسان أن يأتي بها عند‬ ‫ج ِ‬ ‫حا َ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫خط ْب َ َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم ُ‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كل حاجة مثل عقد النكاح والموعظة ونحو ذلك‪ ،‬وقد اشتهر عند أهل العلم‬
‫أنها تقال عند عقد النكاح‪ ،‬ولهذا يذكرون حديث ابن مسعود في كتاب النكاح‪،‬‬
‫وخطبة الحاجة على وجازة ألفاظها تضمنت معاني عظيمة وكلمات جامعة‪،‬‬
‫وفيها إظهار العبودية والفتقار والتذلل لله تبارك وتعالى‪ ،‬وهذا تحليل موجز‬
‫لمضامين هذه الخطبة الجامعة‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -1‬تضمنت هذه الخطبة كلمة التوحيد‪ ،‬وهي الشهادة لله بالوحدانية والقرار‬
‫له باللوهية‪ ،‬وللنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة‪ ،‬وأنه عبد لله ففي قوله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ " :‬أشهد أن ل إله إل الله " شهادة بنفي العبادة عما‬
‫سوى الله‪ ،‬وإثباتها لله سبحانه وتعالى‪ ،‬يعني‪ :‬إبطال عبادة كل ما سوى الله‬
‫وإثبات العبادة لله‪ ،‬فعلى هذا معنى ل إله إل الله‪ :‬ل معبود – بحق أو ل معبود‬
‫حقا ً – إل الله سبحانه وتعالى‪ ،‬لن المعبودات على قسمين‪ :‬معبود بحق‪،‬‬
‫ومعبود بالباطل‪ ،‬المعبود بحق هو الله‪ ،‬والمعبود بالباطل هو ما سوى الله من‬
‫َ‬ ‫كل المعبودات‪ ،‬قال تعالى‪ ) :‬ذ َل َ َ‬
‫ه‬
‫ن ُدون ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬
‫ما ي َد ْ ُ‬
‫ن َ‬‫حقّ وَأ ّ‬ ‫ه هُوَ ال ْ َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ك ب ِأ ّ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫هُو ال ْباط ُ َ‬
‫ي الكِبيُر (‪ ،‬وكلمة ) ل إل الله ( كلمة عظيمة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ه هُوَ ال ْعَل ِ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ل وَأ ّ‬ ‫َ َ ِ‬
‫جاءت في أكثر من موضع في القرآن الكريم بلفظها وبمعناها‪ ،‬كما في قوله‬
‫تعالى‪َ ) :‬فاعْل َ َ‬
‫مل‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫م َ‬
‫كاُنوا إ َِذا ِقي َ‬ ‫ه (‪ ،‬وقوله تعالى‪ ) :‬إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ه إ ِّل الل ّ ُ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫ن (‪ ،‬وكلمة التوحيد هي أفضل الذكر وهي كلمة التقوى‬ ‫ست َ ِ ُ َ‬
‫رو‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ه إ ِّل الل ّ ُ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫إ ِل َ َ‬
‫خلق الخلق‪،‬‬ ‫والخلص‪ ،‬ودعوة الحق‪ ،‬وهي براءة من الشرك‪ ،‬ولجلها ُ‬
‫وأرسلت الرسل‪ ، ،‬وُأنزلت الكتب‪ ،‬وأعدت دار الثواب ودار العقاب في‬
‫الخرة‪ ،‬فمن قالها وعمل بمقتضاها كان من أهل الجنة‪ ،‬ومن ردها وعمل بما‬
‫يناقضها كان من أهل النار‪ ،‬ومن أجلها شرع الجهاد‪ ،‬من قالها عصم ماله‬
‫ودمه‪ ،‬وهي مفتاح دعوة الرسل‪ ،‬وهي تمحو الذنوب‪ ،‬وتجدد ما درس من‬
‫اليمان في القلب ‪ .‬والشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة معناها‬
‫اليمان بأنه رسول من الله تجب طاعته واتباعه والقتداء به وتوقيره ومحبته‬
‫‪ -2‬العتراف بأن الله هو الذي يستحق الحمد دون سواه‪ ،‬والتعبد لله بحمده‬
‫والثناء عليه‪ ،‬ومعنى الحمد‪ :‬الثناء على الله تبارك وتعالى لما اتصف به من‬
‫صفات الكمال والجلل والجمال ‪ ،‬ولنعمه وآلئه على عباده ‪ ،‬فهو المستحق‬
‫للحمد دون سواه و " ال " في الحمد للستغراق أي جميع أصناف الحمد له‬
‫سبحانه وتعالى ‪ .‬قال شيخ السلم ابن تيمية‪ " :‬فإن الله سبحانه أخبر أن له‬
‫الحمد ‪ ،‬وأنه حميد مجيد‪ ،‬وأن له الحمد في الولى والخرة وله الحكم ونحو‬
‫ذلك من أنواع المحامد ‪ .‬والحمد نوعان‪ :‬حمد على إحسانه إلى عباده‪ ،‬وهو‬
‫من الشكر‪ ،‬وحمد لما يستحقه هو بنفسه من نعوت كماله‪ ،‬وهذا الحمد ل‬
‫يكون إل على ما هو في نفسه مستحق للحمد‪ ،‬وإنما يستحق ذلك من هو‬
‫متصف بصفات الكمال ‪ " .....‬مجموع الفتاوى )‪ ،(84 -6/83‬والشكر مثل‬
‫الحمد إل أن الحمد أعم منه‪ ،‬قال القرطبي ‪ " :‬الحمد ثناء على الممدوح‬
‫بصفاته من غير سبق إحسان‪ ،‬والشكر ثناء على المشكور بما أولى من‬
‫الحسان وهذا قول علماء اللغة" النهج السمى ) ‪ ،( 1/272‬وقال ابن القيم‪:‬‬
‫" والفرق بين الحمد والشكر‪ :‬أن الشكر أعم من جهة أنواعه وأسبابه‪ ،‬وأخص‬
‫من جهة متعلقاته‪ ،‬والحمد أعم من جهة المتعلقات وأخص من جهة السباب‪،‬‬
‫ومعنى هذا أن الشكر يكون بالقلب خضوعا ً واستكانة وباللسان ثناًء‬
‫واعترافا ً ‪ ،‬وبالجوارح طاعة وانقيادًا‪ ،‬ومتعلقاته‪ :‬النعم دون الوصاف الذاتية‪،‬‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فل يقال‪ :‬شكرنا الله على حياته وسمعه وبصره وعلمه وهو المحمود على‬
‫إحسانه وعدله والحمد يكون على الحسان والنعم‪ ،‬فكل ما يتعلق به الشكر‬
‫يتعلق به الحمد من غير عكس‪ ،‬وكل ما يقع به الحمد يقع به الشكر من غير‬
‫عكس‪ ،‬فإن الشكر يقع بالجوارح والحمد يقع بالقلب واللسان "‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -3‬طلب الستعانة من الله‪ ،‬والستعانة‪ :‬الثقة بالله والعتماد عليه‪ ،‬والعبد‬


‫ج إليها في فعل‬ ‫محتاج للستعانة بالله على مصالح دينه ودنياه‪ ،‬فهو محتا ٌ‬
‫المأمورات وترك المحظورات‪ ،‬وفي الصبر على المقدورات‪ ،‬كما قال يعقوب‬
‫ن (‪ ،‬قال شيخ‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬‫ما ت َ ِ‬ ‫ن عََلى َ‬ ‫ست ََعا ُ‬ ‫م ْ‬‫ه ال ْ ُ‬
‫ل َوالل ّ ُ‬ ‫مي ٌ‬‫ج ِ‬ ‫صب ٌْر َ‬ ‫عليه السلم‪ ) :‬فَ َ‬
‫السلم ابن تيمية‪ " :‬تأملت أنفع الدعاء فإذا هو‪ :‬سؤال العون على مرضاته‪،‬‬
‫ن ( "‪ ،‬ومن أسماء الله‬ ‫ست َِعي ُ‬
‫ك نَ ْ‬‫ك ن َعْب ُد ُ وَإ ِّيا َ‬‫ثم رأيته في الفاتحة في‪) :‬إ ِّيا َ‬
‫الحسنى المستعان‪ ،‬وقد ورد في القرآن الكريم مرتان ‪ ،‬في قوله عز وجل‪) :‬‬
‫ب‬
‫ل َر ّ‬ ‫ن (‪ ،‬وفي قوله تعالى‪َ ) :‬قا َ‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ما ت َ ِ‬‫ن عََلى َ‬ ‫ست ََعا ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫ل َوالل ّ ُ‬ ‫مي ٌ‬ ‫ج ِ‬ ‫صب ٌْر َ‬‫فَ َ‬
‫ن(‪ ،‬والمستعان معناه‪:‬‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬
‫ما ت َ ِ‬‫ن عَلى َ‬‫َ‬ ‫ست ََعا ُ‬‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬‫حقّ وََرب َّنا الّر ْ‬ ‫ْ‬
‫م ِبال َ‬ ‫ُ‬
‫حك ْ‬ ‫ا ْ‬
‫ب منه العون‪ ،‬والعون الظهير على المر‪ ،‬وهو سبحانه غني عن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫الذي ي ُطل ُ‬
‫الظهير والمعين والشريك‪ ،‬فهو سبحانه ُيعين عباده ول يستعين بأحد منهم ل‬
‫ن‬‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مت ُ ْ‬
‫ن َزعَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫عوا ال ّ ِ‬ ‫ل اد ْ ُ‬ ‫في الرض ول في السماوات قال تعالى‪ ) :‬قُ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ما ِ‬ ‫م ِفيهِ َ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ْ‬
‫ت َول ِفي الْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫ل ذ َّرةٍ ِفي ال ّ‬
‫س َ‬ ‫قا َ‬ ‫مث ْ َ‬‫ن ِ‬‫كو َ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫الل ّهِ ل ي َ ْ‬
‫ن ظ َِهيرٍ (‪ ،‬قال الحافظ ابن رجب – رحمه الله – عند‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ه ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫شْر ٍ‬ ‫ِ‬
‫شرح قوله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬وإذا استعنت فاستعن بالله " قال‪" :‬‬
‫ن (‪،‬‬ ‫ست َِعي ُ‬‫ك نَ ْ‬ ‫ك ن َعْب ُد ُ وَإ ِّيا َ‬ ‫الستعانة بالله وحده منتزع من قوله تعالى‪ ) :‬إ ِّيا َ‬
‫وهي كلمة عظيمة جامعة يقال‪ :‬إن سر الكتب اللهية كلها ترجع إليها وتدور‬
‫عليها‪ ،‬وفي استعانة الله وحده فائدتان‪ :‬إحداهما‪ :‬أن العبد عاجز عن‬
‫الستقلل بنفسه في عمل الطاعات‪ ،‬والثانية‪ :‬أنه ل معين له على مصالح‬
‫دينه ودنياه إل الله عز وجل ‪ ،‬فمن أعانه الله فهو المعان‪ ،‬ومن خذله الله فهو‬
‫المخذول‪ ،‬وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬احرص‬
‫على ما ينفعك‪ ،‬واستعن بالله ول تعجز " ] أخرجه مسلم ح ) ‪ [ ( 2664‬وأمر‬
‫معاذ بن جبل أن ل يدع في دبر كل صلة أن يقول‪ " :‬اللهم أعني على ذكر‬
‫وشكرك وحسن عبادتك‪ ،‬وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم " يا رب أعني‬
‫ول تعن علي " ] أخرجه أبو داود ح ) ‪. [ ( 1522‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪ -4‬طلب الستغفار من الله‪ ،‬والستغفار والمغفرة أصلها الغفر‪ :‬أي التغطية‬


‫والستر‪ ،‬وغفر الله له ذنوبه أي سترها‪ ،‬فالستغفار من الذنوب هو طلب‬
‫المغفرة‪ ،‬والعبد أحوج ما يكون إليه لنه يخطئ بالليل والنهار‪ ،‬وقد تكرر في‬
‫القرآن ذكر التوبة والستغفار‪ ،‬والمر بهما‪ ،‬والحث عليهما‪ ،‬وحث النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم على طلب المغفرة واستغفار الله سبحانه وتعالى‪ ،‬أخرج‬
‫أحمد ح ) ‪ ( 17577‬عَن رجل م َ‬
‫م َقا َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ب الن ّب ِ ّ‬‫حا ِ‬‫ص َ‬‫نأ ْ‬ ‫ْ َ ُ ٍ ِ ْ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫س ُتوُبوا إ ِلى الل ِ‬ ‫م‪َ :‬يا أي َّها الّنا ُ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬
‫سو ُ‬‫ل َر ُ‬ ‫َقا َ‬
‫مائ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مّرةٍ ‪، " ....‬‬ ‫ة َ‬ ‫فُرهُ ِفي ك ّ‬
‫ل ي َوْم ٍ ِ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ب إ ِلى اللهِ وَأ ْ‬ ‫فُروهُ فَإ ِّني أُتو ُ‬‫ست َغْ ِ‬
‫َوا ْ‬
‫وأخرج البخاري ح ) ‪ ( 6307‬من حديث أبي هَُري َْرةَ رضي الله عنه قال‪:‬‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫فُر الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ل‪َ :‬والل ّهِ إ ِّني َل ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫ة‪ ،‬وأخرج مسلم ح )‪ ( 2702‬من‬ ‫مّر ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َ‬ ‫سب ِْعي َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب إ ِلي ْهِ ِفي الي َوْم ِ أكثَر ِ‬ ‫وَأُتو ُ‬
‫س ُتوُبوا‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م َيا أي َّها الّنا ُ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫سول اللهِ َ‬ ‫حديث الغّر قال‪ :‬قال َر ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مّرةٍ ‪ ،‬وأخرج المام أحمد ح )‬ ‫َ‬
‫ب ِفي ا َ ْ ِ ِ ْ ِ ِ َ َ‬
‫ة‬ ‫ئ‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫إ َِلى الل ّهِ فَإ ِّني أُتو ُ‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ن ك ُّنا ل َن َعُد ّ ل َِر ُ‬ ‫‪ ( 4496‬من حديث ابن عمر قال‪ " :‬إ ِ ْ‬
‫ب ال ْغَ ُ‬ ‫َ‬
‫فوُر‬ ‫وا ُ‬ ‫ت الت ّ ّ‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫ي إ ِن ّ َ‬ ‫ب عَل َ ّ‬ ‫فْر ِلي وَت ُ ْ‬ ‫ب اغ ْ ِ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫س يَ ُ‬ ‫جل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫مّرةٍ " والله سبحانه وتعالى سمى نفسه بالغفور في إحدى وتسعين آية‪،‬‬ ‫ة َ‬ ‫مائ َ َ‬ ‫ِ‬
‫وسمى نفسه بالغفار في خمس آيات‪ ،‬فورود الغفور في القرآن أكثر من‬
‫ه هُوَ ال ْغَ ُ‬ ‫َ‬
‫فوُر‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫الغفار‪ ،‬وكلهما من أبنية المبالغة‪ ،‬قال تعالى‪ ) :‬أل إ ِ ّ‬
‫م (‪ ،‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫عَباِدي أ َّني أ ََنا ال ْغَ ُ‬ ‫ئ ِ‬ ‫م (‪ ،‬وقال تعالى‪ ) :‬ن َب ّ ْ‬ ‫حي ُ‬ ‫الّر ِ‬
‫فاُر (‪ ،‬وقوله تعالى‪:‬‬ ‫ْ‬
‫زيُز الغَ ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫فوُر الوَُدود ُ ( وقوله تعالى‪ ) :‬أل هُوَ العَ ِ‬ ‫) وَهُوَ الغَ ُ‬
‫ت‬ ‫ْ‬ ‫فاُر (‪ ،‬وقوله تعالى‪ ):‬فَ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫قل ُ‬ ‫زيُز الغَ ّ‬ ‫ما العَ ِ‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫) َر ّ‬
‫فارا (‪ ،‬وأما الغافر فقد ورد مرة واحدة في القرآن‪،‬‬ ‫ً‬ ‫نغ ّ‬ ‫َ‬ ‫ه كا َ‬ ‫َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ُ‬
‫فُروا َرب ّك ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ا ْ‬
‫ب (‪ ،‬فالله –‬ ‫قا ِ‬ ‫ْ‬
‫ديدِ العِ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ل الت ّوْ ِ‬ ‫َ‬
‫ب وَقاب ِ ِ‬ ‫َ‬
‫وذلك في قوله تعالى‪ ) :‬غافِرِ الذ ّن ْ ِ‬
‫سبحانه وتعالى – هو الغفور والغفار والغافر الذي يغفر الذنوب جميعا ً‬
‫ويسترها‪ ،‬وفي هذا حث لعباده أن يطلبوا منه المغفرة وستر الذنوب والتجاوز‬
‫عن السيئات ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪ -5‬الستعاذة بالله‪ ،‬والستعاذة معناها اللتجاء والستجارة بالله في دفع كل‬


‫مكروه‪ ،‬وقد جاء في هذه الخطبة الستعاذة من شرور النفس وسيئات‬
‫العمال‪ ،‬فالنفس أمارة بالسوء‪ ،‬وفيها أخلق رديئة وطباع غير لئقة تحتاج‬
‫إلى تزكية وتهذيب‪ ،‬والذنوب والسيئات لها آثار وخيمة على القلب والبدن‪ ،‬ول‬
‫يعيذ من شرور النفس وسيئات العمال وينجي من عواقبها إل الله عز وجل‪،‬‬
‫فهو الذي يؤتي النفوس تقواها ويزكيها وهو خير من زكاها‪ ،‬وقد ذكرت مادة "‬
‫التعوذ " أو الستعاذة في القرآن الكريم نحو خمس عشرة مرة‪ ،‬ودلنا التنزيل‬
‫الحميد على أن التعوذ أمر مطلوب في كثير من المواقف والحوال ‪ ،‬وهو‬
‫أيضا ً من صفات النبياء والرسل فجاء في سورة هود عن نوح عليه السلم‪) :‬‬
‫مِني‬ ‫ح ْ‬ ‫فْر ِلي وَت َْر َ‬ ‫م وَإ ِّل ت َغْ ِ‬ ‫عل ْ ٌ‬ ‫س ِلي ب ِهِ ِ‬ ‫ما ل َي ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫سأ َل َ َ‬ ‫نأ ْ‬
‫ك أَ َ‬
‫عوذ ُ ب ِ َ ْ‬ ‫ب إ ِّني أ َ ُ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫نأ ُ‬ ‫عوذ ُ ِبالل ّهِ أ ْ‬ ‫ن (‪ ،‬وقال موسى عليه السلم‪ ) :‬أ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫أك ُ ْ‬
‫ن (‪ ،‬ويوسف عليه السلم يذكر القرآن الكريم أنه تحلى بفضيلة التعوذ‬ ‫جاهِِلي َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ح ال ّ‬ ‫َ‬
‫ن (‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫ه ل يُ ْ‬ ‫وايَ إ ِن ّ ُ‬ ‫مث ْ َ‬‫ن َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫ه َرّبي أ ْ‬ ‫مَعاذ َ الل ّهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫فقال‪َ ) :‬‬
‫عن ْد َه ُ إ ِّنا ِإذا ً ل َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن (‪ ،‬وفي السنة‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫مَتاعََنا ِ‬ ‫جد َْنا َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫خذ َ إ ِّل َ‬ ‫ن ن َأ ُ‬ ‫مَعاذ َ الل ّهِ أ ْ‬ ‫) َ‬
‫النبوية كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكثر من التعوذ بالله ‪ ،‬وكان من‬
‫ة‬
‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫تعوذه صلى الله عليه وسلم ما أخرجه مسلم ح ) ‪ ( 486‬من حديث َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ل َي ْل َ ً‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫قد ْ ُ‬ ‫ت‪ :‬فَ َ‬ ‫رضي الله عنها َقال َ ْ‬
‫ما‬ ‫جد ِ وَهُ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مي ْهِ وَهُوَ ِفي ال ْ َ‬ ‫ن قَد َ َ‬ ‫ْ‬
‫دي عَلى ب َط ِ‬
‫َ‬ ‫ت يَ ِ‬ ‫ه فَوَقَعَ ْ‬ ‫ست ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ش َفال ْت َ َ‬ ‫ِ‬ ‫فَرا‬ ‫ال ْ ِ‬
‫قوب َت ِ َ‬
‫ك‬ ‫ن عُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫مَعاَفات ِ َ‬ ‫ك وَب ِ ُ‬ ‫خط ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ضا َ‬ ‫عوذ ُ ب ِرِ َ‬ ‫م أَ ُ‬ ‫ل‪ :‬الل ّهُ ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن وَهُوَ ي َ ُ‬ ‫صوب ََتا ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وَأ َ ُ‬
‫سك ‪ ..‬وقوله صلى‬ ‫ف ِ‬ ‫ت عَلى ن َ ْ‬ ‫ما أث ْن َي ْ َ‬ ‫تك َ‬ ‫صي ث ََناًء عَلي ْك أن ْ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫من ْك ل أ ْ‬ ‫عوذ ُ ب ِك ِ‬
‫عوذ ُ‬ ‫ن وَأ َ ُ‬ ‫جب ْ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫عوذ ُ ب ِ َ‬ ‫ل وَأ َ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ن ال ْك َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫عوذ ُ ب ِ َ‬ ‫م إ ِّني أ َ ُ‬ ‫الله عليه وسلم‪ " :‬الل ّهُ ّ‬
‫ل " أخرجه البخاري ح )‪ ، (6371‬ومسلم ح‬ ‫خ ِ‬ ‫ن ال ْب ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫عوذ ُ ب ِ َ‬ ‫ن ال ْهََرم ِ وَأ َ ُ‬ ‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫بِ َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ت الل ّهِ الّتا ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫عوذ ُ ب ِك َل ِ َ‬ ‫)‪ ، (2706‬وقوله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬أ ُ‬
‫َ‬
‫ن " ] أخرجه‬ ‫ضُرو ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ن وَأ ْ‬ ‫طي ِ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫مَزا ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫عَبادِهِ وَ ِ‬ ‫شّر ِ‬ ‫قاب ِهِ وَ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ضب ِهِ وَ ِ‬ ‫غَ َ‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الترمذي ح ) ‪ ( 3451‬من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص‪ ،‬وقال‪ :‬حديث‬


‫عوذ ُ ب ِ َ‬
‫ك‬ ‫م إ ِّني أ َ ُ‬
‫حسن غريب [‪ ،‬ومنه أيضا ً قوله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬الل ّهُ ّ‬
‫ل‬
‫جا ِ‬ ‫ن وَغَل َب َةِ الّر َ‬ ‫ل وَ َ َ‬
‫ضلِع الد ّي ْ ِ‬ ‫ن َوال ْب ُ ْ‬
‫خ ِ‬ ‫ل َوال ْ ُ‬
‫جب ْ ِ‬ ‫س ِ‬‫جزِ َوال ْك َ َ‬ ‫ن َوال ْعَ ْ‬‫حَز ِ‬‫م َوال ْ َ‬‫ن ال ْهَ ّ‬
‫م ْ‬
‫ِ‬
‫" ] أخرجه البخاري ح ) ‪ ، ( 6369‬ومسلم ح ) ‪ ( 2706‬من حديث أنس بن‬
‫مالك رضي الله عنه [ ‪ ،‬قال ابن القيم رحمه الله‪ " :‬حديث‪ :‬اللهم إني أعوذ‬
‫بك من الهم والحزن تضمن الستعاذة من ثمانية أشياء كل اثنين منها قرينان‬
‫مزدوجان‪ ،‬فالهم والحزن أخوان‪ ،‬والعجز الكسل أخوان‪ ،‬والجبن والبخل‬
‫أخوان‪ ،‬وضلع الدين وغلبة الرجال أخوان‪ ،‬فأن المكروه المؤلم إذا ورد على‬
‫القلب فإما أن يكون سببه أمرا ً ماضيًا‪ ،‬فُيوجب له الحزن‪ ،‬وإن كان أمرا ً‬
‫ف العبد عن مصالحه وتفويتها عليها‬ ‫متوقعا ً في المستقبل‪ ،‬أوجب الهم‪ ،‬وتخل ُ‬
‫إما أن يكون من عدم القدرة وهو العجز‪ ،‬أو من عدم الرادة وهو الكسل‪،‬‬
‫وحبس خيره ونفعه عن نفسه وعن بني جنسه‪ ،‬إما أن يكون منع نفعه ببدنه‬
‫ضلع الدين أو‬ ‫فهو الجبن‪ ،‬أو بماله فهو البخل‪ ،‬وقهُر الناس له إما بحق فهو َ‬
‫بباطل فهو غلبة الرجال فقد تضمن الحديث الستعاذة من كل شر " ] زاد‬
‫الميعاد ) ‪ [ ( 4/208‬هذا وقد طلب الله سبحانه وتعالى أن نتعوذ بالله من‬
‫ت ال ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫قْرآ َ‬ ‫الشيطان الرجيم عند قراءة القرآن الكريم قال تعالى‪ ) :‬فَإ َِذا قََرأ َ‬
‫جيم ِ (‪ ،‬قال ابن كثير‪ " :‬ومن لطائف الستعاذة‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ست َعِذ ْ ِبالل ّهِ ِ‬
‫َفا ْ‬
‫أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث وتطيب له‪ ،‬وهو لتلوة‬
‫كلم وهي استعانة بالله واعتراف له بالقدرة وللعبد بالضعف والعجز عن‬
‫مقاومة هذا العدو المبين الباطني والذي ل يقدر على منه ودفعه إل الله الذي‬
‫خلقه ول يقبل مصانعة ول يداري بالحسان ‪ ،‬بخلف العدو من نوع النسان "‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪ -6‬طلب الهداية من الله‪ ،‬فجميع الخلق مفتقرون إلى الله تعالى في أمور‬
‫دينهم ودنياهم‪ ،‬والله سبحانه وتعالى يهدي من يشاء ويضل من يشاء‪ ،‬فمن‬
‫مد ُ‬‫ح ْ‬ ‫هداه الله تعالى لليمان فبفضله وله الحمد‪ ،‬كما قال تعالى‪ ) :‬وََقاُلوا ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ول‬ ‫ه (‪ ،‬وقوله تعالى‪ ) :‬وَل َ ْ‬ ‫داَنا الل ّ ُ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ول أ ْ‬ ‫ما ك ُّنا ل ِن َهْت َدِيَ ل َ ْ‬ ‫ذا وَ َ‬ ‫داَنا ل ِهَ َ‬ ‫ذي هَ َ‬ ‫ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬
‫ما‬‫رين (‪ ،‬ومن أضله فبعدله‪ ،‬قال سبحانه‪ ) :‬وَ َ‬ ‫ض ِ‬‫ح َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ة َرّبي ل َك ُن ْ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ِعْ َ‬
‫م (‪ ،‬وقوله‪) :‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه قلوب َهُ ْ‬ ‫ما َزاغوا أَزاغ الل ُ‬ ‫َرب ّك ب ِظلم ٍ ل ِلعَِبيد ِ (‪ ،‬وقال عز وجل‪ ) :‬فل ّ‬
‫ن (‪ ،‬وقد جعل الله سبحانه وتعالى للهداية سبل ً‬ ‫مي َ‬ ‫م ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫قو ْ َ‬‫دي ال ْ َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫وطرقا ً فمن أخذ بأسبابها هداه الله‪ ،‬ومن أخذ بأسباب الضلل أضله الله‪ ،‬قال‬
‫فورا ً (‪ ،‬وقال‪ ) :‬وَهَد َي َْناهُ‬ ‫ما ك َ ُ‬ ‫كرا ً وَإ ِ ّ‬‫شا ِ‬‫ما َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫سِبي َ‬‫تعالى‪ ) :‬إ ِّنا هَد َي َْناهُ ال ّ‬
‫ن (‪ ،‬قال ابن رجب ‪ " :‬النسان يولد مفطورا ً على قبول الحق‪ ،‬فإن‬ ‫جد َي ْ ِ‬ ‫الن ّ ْ‬
‫هداه الله سبب له من يعلمه الهدى‪ ،‬فصار مهتديا ً بالفعل بعد أن كان مهتديا ً‬
‫بالقوة‪ ،‬وإن خذله الله قيض له من يعلمه ما يغير فطرته‪ ...‬والهداية نوعان‬
‫هداية مجملة وهي الهداية للسلم واليمان وهي حاصلة للمؤمن وهداية‬
‫مفصلة وهي هداية إلى معرفة تفاصيل أجزاء اليمان والسلم وإعانته على‬
‫فعل ذلك وهذا يحتاج إليه كل مؤمن ليل ونهارا ولهذا أمر الله عباده أن يقرأوا‬
‫م (‪ ،‬وكان النبي صلى‬ ‫قي َ‬
‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ط ال ْ ُ‬‫صَرا َ‬ ‫في كل ركعة من صلتهم قوله‪) :‬اهْدَِنا ال ّ‬
‫الله عليه وسلم يقول في دعائه بالليل اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك‬
‫إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " ] جامع العلوم والحكم )‪،[ ( 2/40‬‬
‫والهداية نوعان‪ :‬هداية إرشاد وبيان وهي التي يملكها الرسل وأتباعهم والتي‬
‫َ‬
‫دى (‪،‬‬ ‫مى عََلى ال ْهُ َ‬ ‫حّبوا ال ْعَ َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫مود ُ فَهَد َي َْناهُ ْ‬ ‫ما ث َ ُ‬‫ذكرها الله تعالى بقوله‪ ) :‬وَأ ّ‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهداية توفيق وهي التي بيد الله تعالى ‪ ،‬ومن أسمائه تبارك وتعالى الهادي‬
‫فهو الذي هدى الخلق إلى معرفته وربوبيته‪ ،‬وهدى عباده إلى الصراط‬
‫المستقيم‪ ،‬وقد ورد هذا السم في آيتين من الكتاب العزيز وهما قوله تعالى‪:‬‬
‫فى‬ ‫قيم ٍ (‪ ،‬وقوله تعالى‪ ) :‬وَك َ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫مُنوا إ َِلى ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ل ََهادِ ال ّ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫) وَإ ِ ّ‬
‫صيرا ً (‪ ،‬ول يمكن أن يكون المسلم مهتديا ً إل بإتباع الرسول‬ ‫هاِديا ً وَن َ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ب َِرب ّ َ‬
‫ل إ ِّل ال َْبلغُ‬ ‫سو ِ‬ ‫ما عََلى الّر ُ‬ ‫دوا وَ َ‬ ‫طيُعوه ُ ت َهْت َ ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫الكريم كما قال تعالى‪ ) :‬وَإ ِ ْ‬
‫ن (‪ ،‬واتباع هديه أحد شرطي قبول العمل الصالح‪ ،‬وهما ‪ :‬المتابعة‬ ‫مِبي ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫والخلص‪ ،‬وجعل الله سبحانه وتعالى الكتب المنزلة هداية للناس ونورا ً‬
‫هدىً وَُنوٌر (‪،‬‬ ‫وفرقانا ً بين الحق والباطل قال تعالى‪ ) :‬إ ِّنا أ َن َْزل َْنا الت ّوَْراة َ ِفيَها ُ‬
‫هدىً وَُنوٌر (‪ ،‬وغير ذلك من اليات‬ ‫ل ِفيهِ ُ‬ ‫جي َ‬ ‫وقال عن عيسى‪َ ) :‬وآت َي َْناهُ اْل ِن ْ ِ‬
‫الكثيرة‪ ،‬فالهداية أكبر نعمة ينعم بها الله سبحانه وتعالى على العبد‪ ،‬وبقدر‬
‫هدايته تكون سعادته في الدنيا والخرة‪ ،‬والنبياء عليهم السلم هم أكمل‬
‫البشر هداية‪ ،‬وكانوا يسألون الله سبحانه وتعالى الهداية ومن ذلك قوله‬
‫ل (‪ ،‬والنبي صلى‬ ‫َ‬
‫سِبي ِ‬ ‫واَء ال ّ‬ ‫س َ‬ ‫ن ي َهْدِي َِني َ‬ ‫سى َرّبي أ ْ‬ ‫موسى عليه السلم‪ ) :‬عَ َ‬
‫الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه من طلب الهداية من الله ومن ذلك ما‬
‫ي‬
‫ن ن َب ِ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ة رضي الله عنها قالت‪َ :‬‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫أخرجه مسلم ح )‪ ( 770‬من حديث َ‬
‫جب َْراِئي َ‬
‫ل‬ ‫ب‬
‫ُ ّ َ ّ َ‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ل‬‫َ‬
‫ََ َ َ َ ُ‬ ‫ص‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ا‬ ‫ل‬
‫ْ ِ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م إ َِذا َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫الل ّهِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫شَهاد َةِ أن ْ َ‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫م ال ْغَي ْ ِ‬ ‫عال ِ َ‬ ‫ض َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬
‫ْ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ل َفاط َِر ال ّ‬ ‫سَراِفي َ‬ ‫ل وَإ ِ ْ‬ ‫كاِئي َ‬ ‫مي َ‬ ‫وَ ِ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م ْ‬ ‫ف ِفيهِ ِ‬ ‫خت ُل ِ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ن اهْدِِني ل ِ َ‬ ‫فو َ‬ ‫خت َل ِ ُ‬‫كاُنوا ِفيهِ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫عَبادِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ب َي ْ َ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫قيم ٍ " وما أخرجه أيضا ً ح )‪(2721‬‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫شاُء إ َِلى ِ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ك ت َهْ ِ‬ ‫ك إ ِن ّ َ‬ ‫ب ِإ ِذ ْن ِ َ‬
‫ن‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كا َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫سل َ‬‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫من حديث عبد الله بن َ مسعود عَ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ف َوالغَِنى "‪ ،‬وأمرنا الله‬ ‫فا َ‬ ‫قى َوالعَ َ‬ ‫دى َوالت ّ َ‬ ‫ك ال ْهُ َ‬ ‫سأل ُ َ‬ ‫م إ ِّني أ ْ‬ ‫ل‪ " :‬الل ّهُ ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫سبحانه وتعالى بطلب الهداية منه في كل ركعة من صلتنا فقال تعالى‪:‬‬
‫م (‪ ،‬قال ابن القيم‪ " :‬ولما كان سؤال الله الهداية‬ ‫قي َ‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ط ال ْ ُ‬ ‫صَرا َ‬ ‫) اهْدَِنا ال ّ‬
‫إلى الصراط المستقيم أجل المطالب ونيله أشرف المواهب علم الله عباده‬
‫كيفية سؤاله وأمرهم أن يقدموا بين يديه حمده والثناء عليه وتمجيده ثم ذكر‬
‫عبوديتهم وتوحيدهم فهاتان وسيلتان إلى مطلوبهم‪ :‬توسل إليه بأسمائه‬
‫وصفاته وتوسل إليه بعبوديته وهاتان الوسيلتان ل يكاد يرد معهما الدعاء ‪....‬‬
‫وقد جمعت الفاتحة الوسيلتين وهما التوسل بالحمد والثناء عليه وتمجيده‬
‫والتوسل إليه بعبوديته وتوحيده ثم جاء سؤال أهم المطالب وأنجح الرغائب‬
‫وهو الهداية بعد‬

‫)‪(6 /‬‬

‫الوسيلتين فالداعي به حقيق بالجابة " ] مدارج السالكين ) ‪، [ ( 24 – 1/23‬‬


‫وهداية الله سبحانه وتعالى وسعت كل المخلوقات‪ ،‬فقد هدى سبحانه وتعالى‬
‫طى‬‫ذي أ َعْ َ‬ ‫جميع الحياء إلى جلب مصالحها ودفع مضارها‪ ،‬قال تعالى‪َ ) :‬رب َّنا ال ّ ِ‬
‫دى (‪ ،‬فهدى سبحانه‬ ‫ذي قَد َّر فَهَ َ‬ ‫دى(‪ ،‬وقال تعالى‪َ ) :‬وال ّ ِ‬ ‫م هَ َ‬‫ه ثُ ّ‬ ‫خل ْ َ‬
‫ق ُ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ل َ‬
‫ش ْ‬ ‫كُ ّ‬
‫كل مخلوق إلى ما لبد منه في قضاء حاجاته‪.‬‬
‫‪ -7‬ختمت هذه الخطبة بثلث آيات فيها المر بالتقوى والحث عليها‪ ،‬وتقوى‬
‫الله هي أن يفعل العبد ما أمر الله سبحانه وتعالى به‪ ،‬ويجتنب ما نهى عنه‪،‬‬
‫وهي وصية الله سبحانه وتعالى لعباده الولين والخرين قال تعالى‪ ) :‬وَل َ َ‬
‫قد ْ‬
‫وصينا ال ّذين ُأوتوا ال ْكتاب من قَبل ِك ُم وإياك ُ َ‬
‫ه (‪ ،‬وقد أمر الله‬ ‫قوا الل ّ َ‬‫ن ات ّ ُ‬
‫مأ ِ‬ ‫َِ َ ِ ْ ْ ْ َ ِّ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ّ َْ‬
‫بتقواه في آيات كثيرة من كتابه الكريم ورتب على التقوى خير كثير في‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قوا الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫العاجل والجل‪ ،‬فرتب عليها حصول العلم النافع قال تعالى‪َ ) :‬وات ّ ُ‬
‫ه (‪ ،‬ورتب عليها حياة القلوب وتمييزها بين الحق والباطل‪ ،‬قال‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫مك ُ ُ‬ ‫وَي ُعَل ّ ُ‬
‫م فُْرَقانا ً وَي ُك َ ّ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫فْر عَن ْك ُ ْ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫ن ت َت ّ ُ‬ ‫مُنوا إ ِ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫تعالى‪َ ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ظيم ِ (‪ ،‬ووعد سبحانه المتقين بأن‬ ‫ل ال ْعَ ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ه ُذو ال ْ َ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫م وَي َغْ ِ‬ ‫سي َّئات ِك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫يجعل لهم من الشدائد والمحن مخرجا ً ويرزقهم من حيث ل يحتسبون قال‬
‫ثل‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫خَرجا ً الطلق وَي َْرُزقْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ق الل ّ َ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫تعالى‪ ) :‬وَ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫موت ُ ّ‬ ‫قات ِهِ وَل ت َ ُ‬ ‫حق ّ ت ُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب (‪ ،‬فقوله تعالى‪َ ) :‬يا أي َّها ال ِ‬ ‫س ُ‬ ‫حت َ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬
‫ن ( معناه‪ :‬يا أيها المؤمنون تمسكوا بتقوى الله ومراقبته‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫إ ِّل وَأن ْت ُ ْ‬
‫وخشيته حتى يأتيكم الموت وأنتم على ذلك‪ ،‬روي عن عبد الله بن مسعود أنه‬
‫قال في معنى ) اتقوا الله حق تقاته (‪ :‬أن يطاع فل يعصى‪ ،‬وأن يذكر فل‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ذي‬ ‫م ال ِ‬ ‫قوا َرب ّك ُ ْ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫ينسى‪ ،‬وأن يشكر فل يكفر‪ ،‬أما قوله تعالى‪َ ) :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫ساًء‬ ‫جاًل ك َِثيًرا وَن ِ َ‬ ‫ما رِ َ‬ ‫من ْهُ َ‬ ‫ث ِ‬ ‫جَها وَب َ ّ‬ ‫من َْها َزوْ َ‬ ‫خل َقَ ِ‬ ‫حد َةٍ وَ َ‬ ‫س َوا ِ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫م َرِقيًبا (‪ ،‬فالمراد‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ن عَلي ْك ْ‬ ‫ه كا َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫حا َ‬‫ن ب ِهِ َوالْر َ‬ ‫ساَءلو َ‬ ‫ذي ت َ َ‬ ‫ه ال ِ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫َوات ّ ُ‬
‫من َْها( للتبعيض‪ ،‬والمراد بقوله‬ ‫بالنفس الواحدة هنا آدم عليه السلم‪ ،‬وكلمة ) ِ‬
‫هّ‬
‫قوا الل َ‬ ‫جَها( حواء فإنها أخرجت من آدم عليه السلم‪ ،‬وقوله ‪َ) :‬وات ّ ُ‬ ‫تعالى‪َ) :‬زوْ َ‬
‫ً‬
‫م ( المعنى‪ :‬واتقوا الله الذي يسأل بعضكم بعضا به‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ساَءُلو َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫حا َ‬ ‫ن ب ِهِ َوالْر َ‬ ‫ذي ت َ َ‬
‫بأن يقول له على سبيل الستعطاف‪ :‬أسألك بالله أن تفعل كذا‪ ،‬أو أن تترك‬
‫كذا‪ ،‬واتقوا الرحام أن تقطعوها فل تصلوها بالبر والحسان‪ ،‬فإن قطعها‬
‫م َرِقيًبا (‬ ‫ن عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وعدم صلتها مما يجب أن يتقى ويبتعد عنه‪ ،‬قوله‪) :‬إ ِ ّ‬
‫أي حافظا ً يحصي عليكم كل شيء ‪ ،‬و مطلع على جميع أحوالكم وأعمالكم‪،‬‬
‫َ‬
‫ح ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫صل ِ ْ‬ ‫دا ي ُ ْ‬ ‫دي ً‬ ‫س ِ‬ ‫ه وَُقوُلوا قَوًْل َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫أما قوله تعالى‪َ ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ما (‪،‬‬ ‫ظي ً‬ ‫قد ْ َفاَز فَوًْزا عَ ِ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن ي ُط ِعْ الل ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫م وَي َغْ ِ‬ ‫مال َك ُ ْ‬ ‫أعْ َ‬
‫فالقول السديد هو القول الصواب المتضمن للحق والصدق‪ ،‬مأخوذ من‬
‫قولك‪ :‬سدد فلن سهمه يسدده‪ ،‬إذا وجهه بإحكام إلى المرمى الذي يقصده‬
‫فأصابه‪ ،‬ومنه قولهم‪ :‬سهم قاصد إذا أصاب الهدف ‪ ،‬والمعنى‪ :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا اتقوا الله وراقبوه وخافوه في كل ما تأتون وما تذرون‪ ،‬وفي كل ما‬
‫تقولون وما تفعلون‪ ،‬وقولوا قول ً كله الصدق والصواب‪ ،‬فإنكم إن فعلتم ذلك‬
‫)يصل ِح ( الله تعالى )ل َك ُ َ‬
‫م‬‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫م( بأن يجعلها مقبولة عنده )وَي َغْ ِ‬ ‫مال َك ُ ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ ْ‬
‫م( أي يتجاوز عن ذنوبكم بتقواكم واستقامتكم في أقوالكم وأفعالكم‪،‬‬ ‫ذ ُُنوب َك ُ ْ‬
‫قد ْ َفاَز( في‬ ‫ه ( أي بامتثال المور واجتناب النواهي )فَ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن ي ُط ِعْ الل ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫) وَ َ‬
‫ما ( أي ظفر بخيري الدنيا والخرة ‪ .‬هذا والله أعلم‬ ‫ظي ً‬ ‫الدارين ) فَوًْزا عَ ِ‬

‫)‪(7 /‬‬

‫خطبة الوداع إعلن إسلمي لحقوق النسان‬


‫علء سعد حسن‬
‫‪alaasaad19@hotmail.com‬‬
‫خطبة الوداع ذلك اللقاء الخير بين سيد البشر محمد بن عبد الله رسول الله‬
‫وبين هذه الجموع الغفيرة من المة السلمية ‪ ..‬ها هو النبي ص يلتقي اليوم‬
‫في ضاحية من ضواحي مكة ‪ ..‬مكة التي خرج منها مطاردا ً ثاني اثنين إذ هما‬
‫في الغار قبل عشر سنوات‪ ،‬يلتقي اليوم في عرفات بجموع هائلة من‬
‫مختلف أنحاء الجزيرة العربية‪ ،‬جموع هائلة يقدرها كتاب السير بين مائة‬
‫وعشرين ألفا ً ومائة وأربعين ألفًا)‪ ،(1‬يحتشدون خلف النبي الخاتم يأخذون‬
‫عنه مناسكهم ويزيلون عن أنفسهم آخر أدران الجاهلية لينعموا بروعة اليمان‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ..‬لقد كانت خطبة الوداع لقاًء خالدا ً فريدا ً بعد دعوة وجهاد ومحنة وابتلء‬
‫وثبات وبطولة ودماء وأشلء وتربية وبناء دامت ثلثة وعشرين عاما ً كاملة‪،‬‬
‫فماذا يدور في هذه اللحظات بخلد القائد العظم والنبي الخاتم وهو يتابع‬
‫هذه الجموع الحاشدة التي تسد الفاق وتمل الوادي الرحيب؟ وتمر بخاطره‬
‫ذكريات دار الرقم بن أبي الرقم والمسلمون الول يتخفون بصلتهم في‬
‫فون في جنح الظلم إلى الدار ليأخذوا عن النبي الكريم معالم‬ ‫الشعاب‪ ،‬ويخ ّ‬
‫الدين الجديد ولم يتجاوز عددهم الربعين)‪..(2‬‬
‫وتتتابع ذكريات خباب بن الرت يستنصر الرسول ص والدماء تسيل من‬
‫جسده ووجهه‪ ،‬وسمية وياسر حيث الصمود الخالد والنبي يدعوهما للصبر‬
‫ويبشرهما بالجنة‪ ،‬وبلل بن رباح في رمضاء مكة مطروحا ً على البطحاء‬
‫يكوى بالحجارة المحرقة ونداؤه الخالد )أحد أحد(‪ ،‬وتمر بالذهن لقطة عابرة‬
‫لفتيان قريش وهم يترصدون باب النبي ينتظرون خروجه ليقتلوه فيخرج من‬
‫بين أيديهم بحفظ المولى وفداء علي ورفقة الصديق يشق طريقا ً جديدا ً لدين‬
‫الله في أرض الله ‪..‬‬
‫رسالتنا تغييرية تربوية‪ :‬اليوم يقف النبي ص في وادي عرنة وحوله فرسانه‬
‫وفيهم الصناديد الذين طالما حاربوه وآذوه وصدوا عن دعوته‪ ،‬يقفون اليوم‬
‫بين يديه يتلقون عنه معالم الطريق ويأتمرون بأمره ويفدونه بأرواحهم وما‬
‫يملكون‪ ،‬يقف النبي فوق ناقته القصواء وحوله خالد بن الوليد وأبوسفيان بن‬
‫حرب وسهيل بن عمرو وعكرمة ابن أبي جهل وربيعة بن أمية بن خلف ‪..‬‬
‫اليوم يبلغ خطبة النبي ص إلى الجموع المحتشدة ربيعة بن أمية بن خلف‬
‫صائحا ً فيهم مبلغا ً ما ينطق به رسول الله ص)‪ !!( 3‬ابن أمية بن خلف أحد‬
‫زعماء الكفر الذين طالما أرهقوا النبي وعذبوا أتباعه!!!‬
‫أو تذكرون ؟! عندما اشتد ضغط قريش على رسول الله في عام الحزن‬
‫فتحرك إلى الطائف فكذبه أهلها وأخرجوه وقذفوه بالحجارة‪ ،‬وعرض عليه‬
‫ملك الجبال أن يطبق عليهم الخشبين فأطلق النبي ص قولته الخالدة وأمله‬
‫الباهر ونبوءته النابغة ومنهجه الصيل‪ :‬بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من‬
‫أصلبهم من يعبد الله وحده ل يشرك به شيئًا)‪.(4‬‬
‫اليوم يشرق المل وتتحقق النبوءة وتتضح عبقرية منهج السلم‪ ..‬اليوم في‬
‫خطبة الوداع تتجلى عظمة الرسالة والرسول وتفرد القائد‪ ..‬إن أي زعيم‬
‫حين تتوافر له أسباب القوة والبطش يستطيع أن ينتصر على أعدائه وأن‬
‫يقهر مخالفيه فيحقق انتصارا ً ماديا ً قد يكون ساحقا ً أو ماحقًا‪ ،‬قد يبيدهم أو‬
‫يستذلهم ‪ ..‬لكن النتصار الكبير الذي حققه رسول الله لم يكن قهرا ً ماديًا‪،‬‬
‫ول ذل ً للرجال والشعوب‪ ،‬لقد فتح النبي القلوب قبل أن يفتح الدروب‪،‬‬
‫فخضعت النفوس طائعة مختارة لحكم الله‪ ،‬واستعلت باليمان وعزت‬
‫بالسلم وباتت تفدي النبي الكريم بكل ما في الحياة ‪..‬‬
‫من غير محمد ص في التاريخ قديمه وحديثه استطاع أن يحول أعداءه إلى‬
‫أتباع بررة وجنود أشاوس! وأي دين غير السلم استطاع أن يحول أعداء‬
‫الدين والدعوة إلى أبطال الدين ورجال الدعوة وحملة الرسالة؟!‬
‫لقد حمل الرسول ص الرسالة إلى هؤلء وصبر على جهلهم وجاهليتهم حتى‬
‫أخرج منهم على عين الله رسل ً ينطلقون برسالة السلم إلى العالمين‪ ،‬يقف‬
‫الواحد منهم على أعتاب المدائن الفارسية فيجيب القائد العلى لجيش‬
‫فارس‪ :‬بأن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله رب‬
‫العباد)‪ ،(5‬وهكذا تحول أعداء المس إلى شركاء يحملون الرسالة يدا ً بيد‬
‫وقلبا ً بقلب‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خطبة الوداع ويوم الحج الكبر شاهد تاريخي ل يكذب على رشد منهج النبوة‬
‫وتفرد أسلوب السلم‪ ،‬فما نزل الدين إلى الرض ليطبق على الناس‬
‫الخشبين ول ليزيلهم من الوجود‪ ،‬بل نزل الدين إلى الرض ليزكي النفوس‬
‫ب عظيم من قاع الكفر إلى قمة‬ ‫الجاحدة فينقلها على يد رسول كريم ومر ٍ‬
‫اليمان‪ ،‬ومن وهدة الجاهلية إلى نور الهداية ‪..‬فرسالتنا تغييرية تربوية ل‬
‫نسفية تدميرية ‪.‬‬
‫إجمال بعد تفصيل‬

‫)‪(1 /‬‬

‫اليوم يقف الحبيب المصطفى فوق ناقته القصواء يخطب في زهاء مائة‬
‫وأربعين ألفا ً من المسلمين تمتلئ بهم الفاق وقد طهرت جزيرة العرب كلها‬
‫من رجس الجاهلية‪ ،‬فماذا يدور في خلد الرسول ص وهو يشعر أنه يودع تلك‬
‫المة الخالدة؟ وأي رسالة يريد أن ينهي بها مشوار رسالته الطويل الشاق؟‬
‫وما هي المانة التي يريد أن يحملها تلك الجموع الغفيرة لتنقلها بعده إلى‬
‫الرض قاطبة؟‬
‫إن تلك الكلمات النورانية التي توشك أن تنبلج على لسان رسول الله ص‬
‫لبد أن تلخص قيم السلم التي ظل النبي يؤصلها في حياة الناس ثلث‬
‫وعشرين عاما ً كاملة ‪..‬‬
‫هذا هو أكبر تجمع عرفه السلم في تاريخه منذ البعثة إلى ذلك اليوم‪ ،‬فكان‬
‫على النبي أن يعالج آخر تصورات الجاهلية العالقة في بعض الذهان ويزيل‬
‫من الوجود آخر أذيالها المهترئة‪ ،‬وهو ينتقل في خطابه الخالد من الصفوة‬
‫التي طالما رباها وخاطبها في دار الرقم ثم في دار الهجرة مهاجرين‬
‫وأنصارًا‪ ،‬ينتقل من تلك الصفوة المنتقاة إلى العامة التي جاءت من كل فج‬
‫عميق وألوف مؤلفة منهم حديثي عهد بجاهلية لم يفقهوا من السلم‬
‫وتعاليمه الكثير ‪ ..‬لقد كان النبي ص يؤكد خلل هذه الخطبة الخالدة على‬
‫حقائق رسخها السلم بالفعل خلل عقدين كاملين من الزمان‪ ،‬فجاءت فيها‬
‫الشارات الساسية إجمال ً موجزا ً بعد تفصيل استغرق حياة النبوة كلها ‪..‬‬
‫كانت خطبة الوداع معالم عامة على طريق السلم العظيم‪ ،‬وجاءت كلمات‬
‫الرسول فهرسا ً عاما ً لكتاب السلم الخالد الذي عاشه منذ البعثة وأقامه في‬
‫حياة البشر‪ ،‬ورؤوس أقلم مختصرة موجزة‪ ،‬فمن أراد من هذه الجموع‬
‫المحتشدة أو من الجيال التالية أن يستزيد علما ً ومعرفة في باب من تلك‬
‫البواب فعليه أن يقرأ الباب كامل ً من خلل تعاليم القرآن الكريم وتطبيق‬
‫النبي المين خلل سيرته العطرة كلها‪.‬‬
‫يقول البوطي‪ :‬ويريد رسول الله ص أن يلتقي بهؤلء الحشود المسلمة الذين‬
‫جاءوا ثمرة جهاد استمر ثلثة وعشرين عامًا‪ ،‬ليلخص لهم تعاليم السلم‬
‫ونظامه في كلمات جامعة وموعظة مختصرة يضمنها كوامن وجدانه ونبرات‬
‫محبته لمته ‪.(6) ...‬‬
‫أما المعالم الرئيسة التي تناولها النبي ص في خطبة الوداع فهي‪:‬‬
‫‪ 1‬حرمة الدماء والموال والعراض وعصمتها)‪" : (7‬أيها الناس‪ ،‬إن دماءكم‬
‫وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا")‪(8‬‬
‫‪..‬‬
‫‪ 2‬البراءة من قيم الجاهلية وأهمها إراقة الدماء وأكل الربا‪ ،‬وهما الطريقتان‬
‫الساسيتان اللتان يأكل بهما القوي الضعيف حيث يستبيح دمه بالقتل ويأكل‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ماله بالربا فيزداد القوي الغني قوة وغنى‪ ،‬ويزداد الضعفاء الفقراء ضعفا ً‬
‫على ضعف وفقرا ً فوق فقر "أل وأن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي‬
‫موضوع ودماء الجاهلية موضوعة‪ ،‬وربا الجاهلية موضوع"‪.‬‬
‫‪ 3‬عدل السلم المطلق والمساواة الحقيقية والشفافية النزيهة‪ ،‬فل حصانة‬
‫ول استثناء‪ ،‬إن كان الربا قد حرمه الله فأول ربا محرم هو ربا العباس عم‬
‫النبي ص‪ ،‬وإن كانت دماء الجاهلية موضوعة فأول دم يضعه النبي تحت قدمه‬
‫هو دم بن ربيعة بن الحارث عم النبي ص"وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن‬
‫ربيعة بن الحارث‪ ،‬وأول ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب"‪ ..‬فهل عرفت‬
‫الدنيا عدل ً مثل ذلك العدل!‬
‫يصدر القانون النبوي فيكون أول تطبيق عملي له على أهل بيت النبوة‪ ..‬إن‬
‫كثيرا ً من القوانين التي تصدر اليوم هنا وهناك قد تكون صالحة من الناحية‬
‫النظرية لكنها تفقد مصداقيتها وتسقط من حياة الشعوب لغياب القدوة‬
‫التطبيقية من ناحية ولتعدد الستثناءات المزهقة لها من ناحية أخرى‪ ،‬لكن‬
‫القانون في السلم عبادة وطاعة يحرص المسلم عليه مع القدرة على‬
‫تخطيه لتحقيق العدل والمساواة وهما من دعائم بناء المجتمع المسلم‪،‬‬
‫والشفافية الكاملة داخل المجتمع المسلم الذي أسسه النبي فكل ما يدور‬
‫في بيت أهله معلوم للجميع سواء كان على المستوى القتصادي )ربا‬
‫العباس(‪ ،‬أو كان على الصعيد الجتماعي )دم ابن ربيعة بن الحارث(‪ ،‬ولقد‬
‫رأينا من قبل العلقات السرية داخل بيت النبي القائد تناقش على المل في‬
‫صراحة مذهلة )‪ ،(9‬فل مجال لشاعة مغرضة‪ ،‬ول مداراة لحقيقة قائمة ‪..‬‬
‫بيت القائد بيت من زجاج ل يخفي خطأ ول يتستر على فساد‪ (10) .‬وهو حق‬
‫القبيلة والعائلة والسرة إلى مفهوم القصاص وهو حق المجتمع "دم الجاهلية‬
‫موضوع"‪ ،‬فمفهوم الثأر الذي هو دماء الجاهلية مفهوم جاهلي ل يتوافر فيه‬
‫العدل ول التحقيق المنصف مع الجاني ول البحث في أسباب الجريمة‬
‫وخلفياتها‪ ،‬بينما القصاص وهو القانون الذي يحكم المجتمع وتقوم على‬
‫تطبيقه الدولة في إطار من التحقق والتثبت يلغي الفوضى الجاهلية ويؤمن‬
‫المجتمع المسلم ولكم في القصاص حياة يا أولي اللباب لعلكم تتقون )‬
‫‪) (179‬البقرة(‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ 5‬التحذير من مكر الشيطان وحيله ‪ ..‬لقد انتهت الوثنية الصريحة العارية من‬
‫الرض السلمية أبدًا‪ ،‬لكن حيل الشيطان ستتخذ أشكال ً جديدة أكثر خبثا ً‬
‫وأقل حدة ووضوحا ً لتصرف الناس عن الطريق السوي المستقيم‪" ،‬إن‬
‫الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبدا ً ولكنه إن يطع فيما سوى‬
‫ذلك فقد رضي به مما تحقرون من أعمالكم‪ ،‬فاحذروه على دينكم"‪.‬‬
‫‪ 6‬النسيء تبديل لقوانين الله وتضليل للناس عن المبادئ والمفاهيم العالمية‪،‬‬
‫"إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه‬
‫عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ويحرموا ما أحل الله‪،‬‬
‫وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والرض السنة اثنا‬
‫عشر شهرا ً منها أربعة حرم‪ :‬ثلث متواليات‪ :‬ذو القعدة وذو الحجة والمحرم‪،‬‬
‫ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان"‪ ،‬فلم تكن أشهر العام تقويما ً إسلميا ً‬
‫عرف التقويم قبل السلم وبعده‪،‬‬ ‫مقصورا ً على المسلمين وحدهم‪ ،‬لقد ُ‬
‫فالتاريخ والتقويم وأشهر العام من حقائق الوجود الثابتة ومعاييره الراسخة‪:‬‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والرض ‪ ..‬فالزمان‬
‫وتقويمه من سنن الله الكونية الثابتة منذ الخليقة وإن التبديل في تلك القيم‬
‫الثابتة وقلبها على أعقابها هو زيادة في الكفر والضلل‪.‬‬
‫ولعل النسيء الزماني المقصود هنا قد انتهى من الوجود إلى غير رجعة‪ ،‬لكن‬
‫النسيء القيمي مازال جاثما ً مخيما ً على حياة البشر‪ ،‬فالقوى الكبر تفرض‬
‫على الناس تبديل ً في القيم النسانية الثابتة التي ترتبط بالبشرية أكثر مما‬
‫ترتبط بأي شرع أو دين‪ ،‬فصار حق الشعوب المغلوبة على أمرها التي احتلت‬
‫أراضيها واعتدى على كرامتها وسيادتها في المقاومة إرهابا ً ‪ ،‬وأصبح المعتدي‬
‫صاحب حق وطالب سلم‪ ،‬والمدافع عن حقه مجرما ً يعرقل السلم‬
‫والستقرار العالمي! كما ظل الكيل بمكيالين هو ديدن تلك القوى‪ ،‬فكما كان‬
‫هؤلء يحرمون النسيء عاما ً ويحلونه عاما ً وفق أهوائهم ومصالحهم‪ ،‬فإن‬
‫أولئك يتلعبون بالقيم النسانية وفق الهواء والمصالح‪ ،‬وهكذا انتهى النسيء‬
‫الزماني بينما بقيت أنواع أخرى من النسيء يكبل بها القوي الضعفاء ويشل‬
‫حركتهم ‪..‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ 7‬حقوق المرأة في السلم تخصيصا بعد تعميم وإجمال بعد تفصيل‪" :‬اتقوا‬
‫الله في النساء‪ ،‬فإنكم إنما أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة‬
‫الله‪ ،‬إن لكم عليهن حقا ً ولهن عليكم حقًا"‪ ،‬فحقوق المرأة في السلم‬
‫مرتبطة بحقوق الرجل‪ ،‬فلقد جاء السلم ليحرر البشر كل البشر أو النسان‬
‫كل النسان من رق العبودية بمعانيها المختلفة سواء المادية منها أو النفسية‬
‫أو الجسدية‪ ،‬ولم تكن المرأة استثناًء من هذه القاعدة بوصفها إنسانا ً جاء‬
‫السلم لتحريره وتكريمه وصيانة حقوقه العامة والخاصة‪ ،‬لقد جاء السلم‬
‫ليحرر النسان من رق المادة وقيم المادة الطاغية ليصبح للنسان المجرد‬
‫بوصفه روحا ً ونفسا ً وجسدا ً بغض النظر عن مستواه القتصادي وطبقته‬
‫الجتماعية قيمة حقيقية في هذا الوجود فجعل السلم العبد الحبشي بلل ً‬
‫والرومي صهيبا ً والمرأة الضعيفة سمية أئمة الهدى وقدوات البشر‪.‬‬
‫ول يخفى أن الجاهلية سواء القديمة منها أو الحديثة لم تعل من قيمة المرأة‬
‫أو تخفض منها إل على ضوء ما تملكه من مادة ومال ومكانة وطبقة‬
‫اجتماعية‪ ،‬ولذا رأينا في المجتمع الجاهلي الذي تقوم ثقافته على وأد البنات‪،‬‬
‫نساًء يشار إليهن بالبنان يقدرهن المجتمع وينحني أمام مالهن ومكانتهن مثل‬
‫خديجة رضي الله عنها التي كانت سيدة في قومها قبل السلم‪ ،‬وكذلك هند‬
‫بنت عتبة زوجة أبي سفيان التي كانت ترفع معنويات الفرسان في القتال‪،‬‬
‫ولقد كانت إحدى المحركات الساسية للمشركين في غزوة أحد‪ ،‬والشاعرة‬
‫المجيدة الخنساء‪ ،‬وغيرهن ‪..‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الجاهلية تعبد المادة المجردة‪ ،‬فهي ل تئد من الناث ول تحقر إل من كانت‬


‫فقيرة ضعيفة‪ ،‬أما السلم الذي جاء ليرفع قيم النسانية المجردة فوق قيم‬
‫المادة الطاغية‪ ،‬فقد كان تكريمه للمرأة خطا ً طبيعيا ً منسجما ً مع قيم‬
‫الحضارة التي أقامها على الرض‪ ،‬فساوى السلم بين الرجال والنساء في‬
‫وحدة المنشأ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق‬
‫منها زوجها وبث منهما رجال كثيرا ونساء )النساء‪ ،(1:‬وساوى بينهما في‬
‫الجر والثواب فاستجاب لهم ربهم أني ل أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو‬
‫أنثى" بعضكم من بعض )آل عمران ‪ ،(195‬وجعل النساء شقائق الرجال‪،‬‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ووحد بينهما في علقة الولية التي عبرت عنها الية الكريمة‪ :‬والمؤمنون‬
‫والمؤمنات بعضهم أولياء بعض )التوبة ‪ ،(11)(71‬ثم ساوى بينهم في الحقوق‬
‫والواجبات ومنها الكرامة النسانية العامة‪ ،‬وحرمة الدماء والموال‪ ،‬وأعطى‬
‫النساء حق الختيار للزوج والعشير وخول لها إدارة مالها‪ ،‬وحملها أمانة نشر‬
‫رسالة السلم مع الرجل سواء بسواء‪ ،‬وحثها على العلم والتعلم‪ ،‬ووزع‬
‫الدوار بينها وبين الرجل بما يضمن اتساق حركة المجتمع‪ ،‬ورغم كون حرمة‬
‫الدماء والموال والعراض في بداية الخطبة كانت تشمل النساء ضمنا مع‬
‫الرجال‪ ،‬إل أن قرب عهد الناس من الجاهلية جعل الرسول ص يخص النساء‬
‫بفقرة خاصة من فقرات خطبته رفعة لمكانتهن وتأكيدا ً على حقوقهن ‪ ،‬مع‬
‫ملحظة أن ما جاء في هذه الخطبة بشأن المرأة كان تلخيصا ً موجزا ً لواقع‬
‫ضخم شاده السلم في العدل والمساواة فكان أول من آمن بالسلم من‬
‫العالمين امرأة هي خديجة رضي الله عنها‪ ،‬وأول من استشهد في سبيل‬
‫السلم سمية رضي الله عنها )‪ ،(12‬فلقد شاركت المرأة المسلمة في بناء‬
‫صرح هذا الدين مع الرجل مشاركة الشقيق للشقيق ‪..‬‬
‫‪ 8‬التمسك بالكتاب والسنة هو ضمان العصمة من الزلل والضلل والنحراف‬
‫عن منهج السلم القويم‪ ،‬فبهما معا ً نفهم السلم‪ ،‬وبتحكيمهما معا ً يطبق‬
‫السلم ويسود‪ ،‬فما كانت السنة إل تفسيرا ً عمليا ً للقرآن الكريم‪ ،‬وما كان‬
‫القرآن الكريم إل دستور المسلمين الخالد الذي أنزله الله لهم هاديا ً ومرشدا ً‬
‫وقائدا ً لما فيه سعادة الدارين معًا‪" ،‬لقد تركت فيكم ما لم تضلوا بعده إن‬
‫اعتصمتم به كتاب الله وسنة رسوله"‪.‬‬
‫‪ 9‬طاعة المراء واجبة لكنها مشروطة باتباع الكتاب والسنة‪ ،‬فالطاعة للحكام‬
‫إنما هي طاعة لله ولوامره ابتدءا ً وانتهاء‪ ،‬وهي على هذا ل تكون للحاكم‬
‫بقدر وجاهته الشكلية ول مكانته الجتماعية‪ ،‬لكن الطاعة تكون للحاكم بقدر‬
‫تمسكه واعتصامه بالكتاب والسنة مصدري التشريع‪ ،‬فالطاعة في السلم‬
‫طاعة مبصرة عاقلة ناصحة مسترشدة "اسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبد‬
‫دع ما أقام فيكم كتاب الله تعالى" ‪..‬‬‫حبشي مج ّ‬
‫‪ 10‬حقوق الرقيق والضعفاء‪ ،‬وهو تأكيد على مبدأ المساواة البشرية التي‬
‫أقامها السلم في الرض وتأكيدا ً على هذه المساواة المطلقة فالناس‬
‫متساوون في الحقوق والواجبات كأسنان المشط‪ ،‬ول فضل لعربي على‬
‫أعجمي إل بالتقوى والتقوى محلها القلب ومردها إلى الله تعالى‪ ،‬يحاسب‬
‫عليها في الخرة‪ ،‬أما حقوق الناس في الدنيا فهي مكفولة بالعدل والمساواة‬
‫ول يخرج هذا التأكيد المنفصل على حق الرقيق عن كونه تخصيصا ً بعد تعميم‬
‫وإجمال ً بعد تفصيل رأيناه واقعا ً معاشا ً في حياة النبوة كلها ‪"..‬أرقاءكم‬
‫أرقاءكم أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون‪ ،‬وإن جاءوا بذنب ل‬
‫تريدون أن تغفروه فبيعوا عباد الله ول تعذبوهم"‪.‬‬
‫‪ 11‬الخوة السلمية العالمية أساس من أسس السلم استحق التأكيد مرة‬
‫بعد مرة‪ ،‬فلقد استهل النبي ص خطبته بالتأكيد على حرمة الدماء والموال‬
‫والعراض ثم ختمها بتأكيده على معنى الخوة السلمية الجامعة‪ ،‬وحذر من‬
‫قتال المسلمين بعضهم البعض معتبرا إياه ضلل ً بعد هدى ورجعية بعد‬
‫إيمان ‪" ..‬تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم‪ ،‬وأن المسلمين إخوة‪ ،‬فل يحل‬
‫لمرئ من أخيه إل ما أعطاه عن طيب نفس منه‪ ،‬فل تظلمن أنفسكم‪،‬‬
‫وستلقون ربكم فل ترجعوا بعدي ضلل ً يضرب بعضكم رقاب بعض"‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبعدما ألقى رسول الله خطبته الجامعة الخالدة‪ ،‬حمل المسلمين أمانتهم في‬
‫تنفيذ بنودها ونقلها إلى العالمين من بعده‪ ،‬فأخذ عليهم العهد والميثاق بإبلغ‬
‫شاهدهم الغائبين منهم‪ ،‬واستشهدهم على إبلغه إياهم تلك التعاليم النورانية‬
‫فشهدوا‪" ،‬أل ليبلغ الشاهد الغائب‪ ،‬فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له‬
‫من بعض من سمعه‪ ،‬وأنتم ُتسألون عني فما أنتم قائلون؟ ‪ ..‬قالوا‪ :‬نشهد أنك‬
‫قد بلغت وأديت ونصحت‪ ،‬فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها‬
‫إلى الناس‪ :‬اللهم اشهد"‪ .. .‬ونحن نشهد أن النبي ص قد بلغ وأدى ونصح‪،‬‬
‫ونشهد لهؤلء الصحابة رضي الله عنهم أنهم أدوا وبلغوا بنقلهم هذه الخطبة‬
‫الخالدة إلى الجيال المتعاقبة من بعدهم‪ ،‬ونشعر أن في أعناقنا أمانة تطبيق‬
‫لبنود هذه الخطبة‪ ،‬كما أن في أعناقنا أمانة تبليغ لها لمن بعدنا‪ ،‬فالبلغ‬
‫والتبليغ والدعوة مهمة عامة انتدب لها النبي ص عامة المسلمين ولم يقصرها‬
‫على طبقة الصفوة من أهل العلم والثقافة‪ ،‬ولكنه جعلها مهمة المسلمين‬
‫جميعا "أل فليبلغ الشاهد منكم الغائب"‪ ،‬ولقد أطلقها من قبل "بلغوا عني ولو‬
‫آية"‪.‬‬
‫وأمانة التبليغ تدعونا أن نعترف أن لكل عصر وسائل مكافئة لتبليغ الرسالة‪،‬‬
‫فلقد أصبح النترنت والفضائيات اليوم الوسيلة المكافئة للقيام بمهمة التبليغ‪،‬‬
‫فهل ندرك هذه الحقيقة ونعمل على توظيفها التوظيف المثل لداء أمانة‬
‫التبليغ التي حملنا إياها النبي ص؟!‬
‫لم تكن هذه الشارات العامة الموجزة في خطبة الوداع إعلن مبادئ ودعائم‬
‫يقام عليها المجتمع المسلم لكنها كانت تلخيصا ً لما تم بناؤه بالفعل من دعائم‬
‫راسخة كالجبال الرواسي على أرض الواقع‪ ،‬وهكذا تكون المقارنة الخيرة‬
‫بين منهج النبوة وإعلنه الدعائم الساسية للمجتمع المسلم وإعلن حقوق‬
‫النسان في السلم‪ ،‬وبين أي إعلن آخر حديث أو قديم لحقوق النسان في‬
‫أن ما أعلنه المصطفى ص في خطبة الوداع كان ملخصا ً لواقع حقيقي أقامه‬
‫فعليا ً على أرض الواقع‪ ،‬بينما كل العلنات الخرى ل تتعدى أن تكون‬
‫طموحات وآمال ً أغلبها نظري ل يصمد للتطبيق العملي‪ ،‬هذا إن لم يقصد‬
‫معلنوها التمويه على الرأي العام العالمي‪ ،‬وما قضية حظر الحجاب بفرنسا‬
‫عنا ببعيدة‪.‬‬
‫الهوامش‬
‫)‪ (1‬الرحيق المختوم للمباركفوري ‪ 459‬المنهج الحركي للغضبان ‪199-2‬‬
‫)‪ (2‬ابن هشام ‪ 262-1‬الرحيق ‪90‬‬
‫)‪ (3‬ابن هشام ‪ 605-2‬الرحيق ‪460‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري ‪458-1‬‬
‫)‪ (5‬إتمام الوفاء في سيرة الخلفاء محمد الخضري ص ‪ 100‬فقه السيرة‬
‫للبوطي ‪78‬‬
‫)‪ (6‬فقه السيرة للبوطي ص ‪341‬‬
‫)‪ (7‬المنهج الحركي ص ‪200‬‬
‫)‪ (8‬جميع النصوص الخطبة التي وردت في هذا البحث نقلناها كاملة عن‬
‫البوطي ص ‪ 339 338‬وهي من صحيح مسلم والبخاري وابن إسحق وابن‬
‫سعد‪.‬‬
‫)‪ (9‬في حادثة الفك وغيرها من قصص سيرته ص مع زوجاته‪.‬‬
‫)‪ (10‬الغضبان ص ‪.200‬‬
‫)‪ (11‬من مقال بعنوان القوامة بين السلطة البوية والدراة الشورية للباحثة‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هبة رؤوف عزت من موقع إسلم اون لين‪.‬‬


‫)‪ (12‬المنهج الحركي ‪.122-1‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫خطبة بمناسبة العام الدراسي الجديد‬


‫بمناسبة افتتاح العام الدراسي الجديد واندفاع مئات اللوف من الطلب‬
‫والطالبات على المدارس يحسن بنا أن نقف مع التعليم والتربية وقفة تأمل‬
‫وتفكر هل نحن في تعليمنا وتربيتنا نسير وفقا ً لما أراد الله لنا‪ ،‬فإن الله أناط‬
‫بأمة السلم أن تكون الموجهة والفائدة والمعلمة لسائر المم كما قال الله‬
‫س وَي َ ُ‬ ‫َ‬ ‫سطا ً ل ِت َ ُ‬ ‫ك جعل ْناك ُ ُ‬
‫ن‬
‫كو َ‬ ‫داَء عَلى الّنا ِ‬
‫شهَ َ‬‫كوُنوا ُ‬ ‫ة وَ َ‬
‫م ً‬
‫مأ ّ‬‫جل ذكره ?وَك َذ َل ِ َ َ َ َ ْ‬
‫شِهيدا ً ?] البقرة‪ [143 :‬فأمة السلم هي مصدر الصالة‬ ‫م َ‬ ‫ل عَل َي ْك ُ ْ‬
‫سو ُ‬
‫الّر ُ‬
‫والتوجيه للعالم أجمع‪ ،‬هكذا أراد الله لها إن هي استقامت على النهج وقامت‬
‫بالحق وأخذت بميراث النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه المة التي رفع‬
‫الله شأنها وأعلى مكانتها ليس لها أن تنحدر إلى مستنقع التقليد والتبعية‬
‫يغويها كل مبطل ويصيح بها كل ناعق ‪.‬‬
‫إن أهل السلم هم مفصل الحق ومأرز اليمان رسالتهم التي أكرمهم الله‬
‫بها عالمية وهي الدعوة إلى عبادة الله وتوحيده‪ ،‬حملهم الله أمانة المحافظة‬
‫عليها ‪ ،‬وتبليغها في كل عصر ‪ ،‬وفي كل مصر ‪.‬‬
‫وإنما تبقى المة محافظة على أصولها وثوابتها محافظة على كيانها ووجودها‪،‬‬
‫مستشعرة لمسئوليتها ‪ ،‬إذا عُّلم أجيالها ووجودها‪ ،‬مستشعرة لمسئوليتها‪ ،‬إذ‬
‫عُّلم أجيالها وُرّبوا على الدين والخلق‪.‬‬
‫وحين يربى الصغار على ذلك ليكونوا ورثة صالحين مصلحين أمناء على‬
‫ميراث النبي ونهجه‪ ،‬تعيش الجيال على السلم ومكارم الخلق وتعيش في‬
‫الحياة لتحقيق رسالتها العظيمة في الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله‬
‫عقيدة راسخة تكافح من أجلها وتنقلها إلى الجيال المتعاقبة صافية نقية‬
‫بواسطة التربية والتعليم‪.‬‬
‫أيها المؤمنون إن التربية والتعليم لباس يفصل على قامة الشعوب ومقامها‪،‬‬
‫منبثقا ً من عقائدها منسجما ً مع أهدافها وآدابها‪.‬‬
‫فمناهج التربية والتعليم يجب أن تكون قائدة إلى اليمان‪ ،‬قاصدة إصلح‬
‫النفس‪ ،‬وتهذيب الخلق إن مظاهر القوة المادية وحدها ل تغني شيئًا‪ ،‬إذا‬
‫تداخلت في العقول الثقافات المتناقضة والنظريات المتنافرة‪ ،‬فتفرقت‬
‫بطلبها السبل وتنازعتها التيارات والهواء ‪.‬‬
‫ليس مقياس النجاح مجرد معرفة القراءة والكتابة‪ ،‬وليس دليل التفوق كثرة‬
‫دور العلم وأفواج الخريجين‪ ،‬مع انحراف التوجه وذهاب اليمان وفساد‬
‫الخلق‪ ،‬هذا النوع من التعليم المادي الجاف البعيد عن الله المقطوع الصلة‬
‫بالخالق جل وعل هو ما يروج له ويفرضه الملحدون الذين يتحكمون في‬
‫البشرية التائهة الغارقة في الضللة والغفلة ويصيغون لها الهداف والمناهج‬
‫والوسائل والساليب الرامية إلى تشكيك الجيال في المبادئ الصحيحة‪،‬‬
‫والحقائق الواضحة والبديهيات الجلية المعلومة‪ ..‬فكان ناتج ذلك هو هذا‬
‫الواقع الذي تعيشه البشرية اليوم إل من رحم الله وعصم‪ ..‬لقد ساد التفسخ‬
‫الخلقي بين البشر وفقدت الغيرة والحمية الدينية‪ ،‬وأفرز ذلك هذه الحضارة‬
‫المادية التي تبنى فيها ناطحات السحاب من المباني على أنقاض الخلق‬
‫والفضيلة واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير ‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن المؤسف له أن كثيرا ً من البلد السلمية في القرن الماضي خسرت‬


‫أكثر مما ربحت ‪ ،‬حيث ظنت أن مبادئ التربية وأصول التعليم تستورد كما‬
‫تستورد البضائع‪ ،‬وضلت حين ظنت أنها تقايض في معاملت تجارية‪ ،‬لتكسب‬
‫علما ً أو تمحو أمية أو تبني مجدا ً أو تحقق نصرا ً ‪.‬‬
‫أيها المؤمنون ل فائدة في علم لم ينبثق من دوحة اليمان والقرآن‪ ،‬ول خير‬
‫س بخلق‪ ،‬ول جدوى من تربية ل تثمر استقامة وعمل ً صالحا ً‬ ‫في علم لم ي ُك ْ َ‬
‫ول خير في معارف تحشى بها الذهان تورث بلبلت فكرية‪ ،‬ول نفع في‬
‫ثقافات آسنة تشكك في الصحيح من المعتقدات ‪ ..‬وتستخف بالدين والخلق‬
‫والقيم كيف يكون مستقبل المة التي تنبت فيها مثل هذه الثوابت‪ ،‬ويرضع‬
‫أبناؤها من هذا الكدر السن ولهذا فإن من الواجبات اللزمة على المة أن‬
‫تحافظ على أصولها وثوابتها ودينها وأخلقها وقيمها وآدابها فل ترسم خطة ‪،‬‬
‫ول يوضع منهج‪ ،‬إل من الدراك الجازم بأن هذه المة‪ ،‬وهذا النشء هم غرس‬
‫المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم‪ ،‬وثمرة دعوته وجهاده وأحقاد‬
‫أصحابه المؤمنين رضوان الله عليهم أجمعين‪ ،‬لتنسجم المناهج في كل ذلك‬
‫وتعيش في ظله ‪ ،‬لتبقى محصنة بدينها ‪ ،‬متماسكة بقوته ‪ ،‬مرتبطة بحبله‬
‫بعيدة عن كل فوضى فكرية أو صراعات مذهبية وحزبية وأن تنقى من‬
‫عوامل الفساد وأسباب الزيغ واللحاد‪ ،‬أو اتجاهات الزندقة والتحلل ‪.‬‬
‫هذا ما يجب أن يكون عليه المسلمون في كل مكان الذين رضوا بالله ربا ً‬
‫وبالسلم دينا ً وبمحمد رسول ً ونبيًا‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أما من لم تطب نفسه الخبيثة بهذا الدين‪ ،‬ولم ينشرح صدره لنبوة محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم وإمامته ‪ ،‬وآمن بفلسفات أجنبية يهودية أو نصرانية أو‬
‫وثنية ‪ ،‬فليس له محل بين المسلمين‪ ،‬ول يحل أن تتاح له الفرص‪ ،‬أو تهيأ له‬
‫الوسائل لتوجيه العقول‪ ،‬وتربية النفوس‪ ،‬ول يجوز أن تقدم له فلذات الكباد‪،‬‬
‫ليفسد فطرها ويعبث بعقولها ويسلخها من عقيدتها وذاتها وقيمها وأخلقها‪.‬‬
‫أن المدارس ودور العلم في كافة مستوياتها هي محاضن الجيل‪ ،‬وهي‬
‫الحصن الحصين تكمن فيها حماية المة والحفاظ على أصالتها وبقائها ونقائها‬
‫وقوتها وعزها‪ ،‬إن هذه الدور تحوي أثمن ما تملكه المة إنها تحتضن الثروة‬
‫البشرية رجال الغد وجيل المستقبل ثروة تتضاءل أمامها كنوز الرض جميعها‪.‬‬
‫وشر ما يطرأ على هذه المعاقل والحصون أن تؤتى من قبل من وكل إليهم‬
‫رعايتها وصيانتها‪ ،‬وتكون الخيانة العظمى حين يتنكرون لدينهم وأمتهم‬
‫ويبيعون الحصون والقلع التي تحمي المة بثمن بخس منقذين بذلك‬
‫مخططات اليهود والنصارى الرامية إلى تغيير هوية المة وعقيدتها وأخلقها‪.‬‬
‫لقد كانت خطط اليهود والنصارى تهدف إلى تغيير مناهج التربية والتعليم في‬
‫البلد السلمية‪ ،‬فقد كبر على الستعمار الذي استولى على بلد المسلمين‬
‫أن يترك للمسلمين دينهم بعد أن استولى على بلد المسلمين أن يترك‬
‫للمسلمين دينهم بعد أن استولى على أرضهم‪ ..‬وكان من أعظم ما خطط له‬
‫المستعمرون هو أن يجّهل المسلمون بدينهم ‪ ..‬وكان من ضمن الخطوات‬
‫التي قام بها المستعمرون محاربة التعليم الديني ومحاصرته ماديا ً ومعنويا ً‬
‫وآخر ما يطالبنا به اليهود والنصارى اليوم هو تجفيف منابع السلم وإلغاء‬
‫التعليم الديني ومحاربة القرآن‪ .‬مع نشر التعليم العلماني وإقامة المدارس‬
‫الجنبية والكليات والجامعات غير السلمية والسماح له بالنتشار في بلدان‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسلمين وغالبا ً ما يتخرج منها أناس يزدرون بالسلم واللغة العربية‬


‫وبالمسلمين ويمجدون الكفار ويرفعون شأنهم‪.‬‬
‫ومن طرقهم التي استخدموها هو البتعاث إلى خارج البلدان السلمية حيث‬
‫يزداد الطالب جهالة بدينه وانهزامية من داخله وتنكرا ً لقيمه وأخلقه‪ ،‬حيث‬
‫يعود بعضهم إلى بلدان المسلمين وقد تشرب بأفكار اليهود والنصارى وتشبع‬
‫بأخلقهم وأنماط حياتهم‪.‬‬
‫ومماأحدثه المستعمرون في مجال التربية والتعليم أنهم دعوا إلى اختلط‬
‫التعليم بين الذكور والناث بغية إفساد الدين والخلق ونشر الباحية والفساد‬
‫والتحلل من أحكام السلم ونبذ توجيهات القرآن ولكن محاولتهم ستبوء‬
‫بالفشل وستتحطم خططهم أمام هذا الدين العظيم‪.‬‬
‫اتقوا الله وتعلموا من العلم ما تعرفون به ربكم ويستقيم دينكم وتستنير به‬
‫قلوبكم‪ ،‬وتصلح به دنياكم وآخرتكم‪ ،‬لن العلم نور يخرج من الظلمات‪ ،‬وتزول‬
‫به الشبهات‪ ،‬وتستقيم به العمال‪ ،‬فإن العلم بل عمل ضلل ووبال‪ .‬وللعلم‬
‫فضائل كثيرة‪ ،‬أعظمها معرفة الرب سبحانه بأسمائه وصفاته‪ ،‬ومنها أن العلم‬
‫طريق إلى الجنة كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم‪ " :‬من سلك‬
‫طريقا ً يلتمس فيه علما ً سلك الله له به طريقا ً إلى الجنة‪ ،‬وإن الملئكة تضع‬
‫أجنحتها لطالب العلم رضا ً بما يصنع‪ ،‬وإن العالم ليستغفر له من في‬
‫السماوات والرض حتى الحيتان في السماء‪ ،‬وفضل العالم على العابد‬
‫كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب‪ ،‬وإن العلماء ورثة النبياء‪ ،‬وإن‬
‫النبياء لم يورثوا دينارا ً ول درهمًا‪ ،‬وإنما ورثوا العلم‪ ،‬فمن أخذ به أخذ بحظ‬
‫وافر" فرضوان الله عز وجل ودخول الجنة ل يوصل إليهما إل بالعلم النافع‬
‫والعمل الصالح‪ ،‬وذلك من أيسر الطرق‪ ،‬وأما من سلك طريقا ً يظنه طريق‬
‫الجنة بغير علم فقد سلك أعسر الطرق وأشقها‪.‬‬
‫فل طريق إذا ً إلى معرفة الله والوصول إلى رضوانه والفوز بقربه ومجاورته‬
‫في الخرة إل بالعلم النافع الذي بعث الله به رسله ‪ ،‬وأنزل به كتبه‪ ،‬فهو‬
‫الدليل عليه‪ ،‬وبه يهتدي في ظلمات الجهل والشبهات والشكوك‪ ،‬وقد سمى‬
‫دى به من الظلمات‪ ،‬كما قال‬ ‫الله كتابه الذي أنزله على رسوله نورا ً ُيهت َ‬
‫ع‬
‫ن ات ّب َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه َ‬ ‫دي ب ِهِ الل ّ ُ‬ ‫ن * ي َهْ ِ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن الل ّهِ ُنوٌر وَك َِتا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫سبحانه‪ ? :‬قَد ْ َ‬
‫م إ َِلى‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ت إ َِلى الّنورِ ب ِإ ِذ ْن ِهِ وَي َهْ ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن الظ ّل ُ َ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫جهُ ْ‬‫خرِ ُ‬
‫سلم ِ وَي ُ ْ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫سب ُ َ‬
‫ه ُ‬ ‫وان َ ُ‬‫ض َ‬
‫رِ ْ‬
‫قيم ٍ ?] المائدة‪[16-15:‬‬ ‫ص َ ٍ ُ ْ َ ِ‬
‫ت‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ط‬ ‫را‬ ‫ِ‬
‫فهذا العلم هو العلم بالله ورسوله والطريق الموصل إلى رضوان الله والجنة‬
‫شهِد َ‬‫هو العلم الممدوح الذي امتدح الله ورسوله أهله وذويه فقال سبحانه ? َ‬
‫الل ّه أ َنه ل إل َه إل هُو وال ْملئ ِك َ ُ ُ‬
‫زيُز‬‫ه إ ِل ّ هُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ط ل إ ِل َ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ة وَأوُلو ال ْعِل ْم ِ َقاِئما ً ِبال ْ ِ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫ُ ّ ُ‬
‫م ?] آل عمران‪[18:‬‬ ‫كي ُ‬‫ح ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫فوٌر ?‬ ‫زيٌز غَ ُ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ماُء إ ِ ّ‬ ‫عَبادِهِ ال ْعُل َ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫شى الل ّ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫وقال تعالى ‪ ? :‬إ ِن ّ َ‬
‫] فاطر‪[28 :‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ما ي َت َذ َك ُّر ُأوُلوا‬


‫ن إ ِن ّ َ‬
‫مو َ‬‫ن ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ي َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫وي ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ست َ ِ‬
‫ل يَ ْ‬ ‫وقال ‪ ? :‬قُ ْ‬
‫ل هَ ْ‬
‫َ‬
‫ب ?] الزمر‪.[9 :‬‬ ‫الل َْبا ِ‬
‫وقال‪ ? :‬يرفَع الل ّه ال ّذين آمنوا منك ُم وال ّذي ُ‬
‫ت ?] المجادلة‪:‬‬ ‫جا ٍ‬ ‫ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ‬
‫م د ََر َ‬ ‫ِ ْ ْ َ ِ َ‬ ‫ُ ِ َ َ ُ‬ ‫َْ ِ‬
‫‪. [11‬‬
‫وقد شبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حمل العلم‪ ،‬الذي جاء به‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالنجوم التي يهتدى بها في الظلمات كما جاء في المسند وغيره أن النبي‬
‫صلى الله عليه وآله وسلم قال‪ " :‬إن مثل العلماء في الرض كمثل النجوم‬
‫في السماء يهتدي بها في ظلمات البر والبحر فإذا طمست النجوم أوشك أن‬
‫تضل الهداة" ‪.‬‬
‫دى بهم في ظلمات‬ ‫فالعلماء بما أنزل الله على رسوله هم الدلء الذين ي ُهْت َ َ‬
‫قدوا ضل الناس‪ ،‬وقد شبه العلماء بالنجوم‪،‬‬ ‫الجهل والشبه والضلل‪ ،‬فإذا فُ ِ‬
‫ومن فوائد النجوم أنه يهتدى بها في ظلمات البر والبحر في الليالي المظلمة‬
‫وهي زينة للسماء‪ ،‬ورجوم للشياطين‪ ،‬والعلماء الربانيون في الرض تجتمع‬
‫فيهم هذه الوصاف‪ ،‬فيهم يهتدى بهم في ظلمات هذه الحياة‪ ،‬وهم زينة‬
‫للرض وأمان لها ‪ ،‬وهم رجوم للشياطين الذين يخلطون الحق بالباطل‬
‫ويلبسون على الناس دينهم ويغوونهم عن صراط الله المستقيم وما دام‬
‫العلم باقيا ً في الرض فالناس في هدى ونور‪ ،‬وبقاء العلم ببقاء حملته‪ ،‬فإذا‬
‫ذهب حملته وقع الناس في الضلل كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي‬
‫صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال‪ " :‬إن الله ل يقبض العلم انتزاعا ً ينتزعه‬
‫من صدور الرجال‪ ،‬ولكن يقبض العلم بقبض العلماء‪ ،‬حتى إذا لم يبق عالما ً‬
‫اتخذ الناس رؤوسا ً جهال ً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا"‪.‬‬
‫فخذوا حظكم أيها المؤمنون من ميراث النبي صلى الله عليه وآله وسلم‬
‫الذي جاءكم به وتعلموا من العلم ما تعرفون به ربكم ودينكم ونبيكم وهذا‬
‫القدر من العلم وطلبه فريضة على كل مسلم ومسلمة كما جاء عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه قال "طلب العلم فريضة على كل مسلم"‪.‬‬
‫أيها المؤمنون إن قوى الكفر والطغيان وجنود الشيطان يحاولون بكل ما‬
‫يملكون طمس معالم هذا الدين ومنع تعلمه وتعليمه في المؤسسات‬
‫التعليمية ولهم مطالب وإملءات على الحكام في البلدان السلمية للغاء هذا‬
‫العلم والتضييق عليه‪ ...‬فعليكم مسئولية عظيمة أمام الله وسوف يسألنا‬
‫جميعا ً عنها؛؛ هذه المسئولية هي وجوب المحافظة على هذا الدين‬
‫والمحافظة على القرآن وسنة النبي عليه الصلة والسلم ووجوب تعليمها‬
‫ونشرها وتحصين الجيال ضد النحراف والفساد بدروس علمية نافعة من‬
‫كتاب الله وسنة نبيه لتصحح أفكارهم وتصلح قلوبهم وتستقيم أخلقهم‬
‫ويتعرفون على رسالتهم في الحياة‪ ،‬ويدركون كيد العداء ومؤامراتهم ‪.‬‬
‫راجعه‪ /‬علي عمر بلعجم‪.‬‬
‫عبد الحميد أحمد مرشد‪.‬‬
‫ـ أخرجه أبو داود في السنن ‪ ,2/341‬برقم‪ ,3641 :‬والترمذي في السنن‬
‫‪ ,5/48‬برقم‪ ,2682 :‬وصححه اللباني في صحيح ابن ماجة ‪ ,1/43‬برقم‪:‬‬
‫‪ ,182‬وأول الحديث )من سلك طريقا ً يلتمس فيه علما ً سلك الله له به‬
‫طريقا ً إلى الجنة( أخرجه البخاري في صحيحه ‪ ,1/37‬ومسلم في صحيحه‬
‫‪ ,4/2074‬برقم‪.2699 :‬‬
‫ـ أخرجه أحمد في المسند ‪ ,3/157‬برقم‪ ,12621 :‬وعلق عليه شعيب‬
‫الرنؤوط بأن إسناده ضعيف‪ ,‬وضعفه اللباني في الجامع الصغير ‪,1/479‬‬
‫برقم‪.4783 :‬‬
‫ـ أخرجه البخاري في صحيحه ‪ ,1/50‬برقم‪ ,100 :‬ومسلم في صحيحه‬
‫‪ ,4/2058‬برقم‪.2673 :‬‬
‫ـ أخرجه ابن ماجة في سننه ‪ ,1/81‬برقم‪ ,224 :‬والطبراني في الكبير‬
‫‪ ,10/195‬برقم‪ ,10439:‬والوسط ‪ ,1/7‬برقم‪ ,9 :‬والبيهقي في شعب‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اليمان ‪ ,2/253‬برقم‪ ,1665 :‬وصححه اللباني في الجامع الصغير ‪,1/736‬‬


‫برقم‪ ,7360 :‬وفي صحيح الترغيب والترهيب ‪ ,1/17‬برقم‪.72 :‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫خطر إدمان النظر‬


‫د‪ .‬نايف بن أحمد الحمد ‪12/6/1427‬‬
‫‪08/07/2006‬‬
‫الحمد لله وحده والصلة والسلم على من ل نبي بعده وبعد فإن القارئ لعدد‬
‫من الصحف والمجلت الصادرة في بلدنا فضل عن غيرها يجد تهاونا كبيرا‬
‫في نشر صور النساء المتبرجات والسافرات وإبراز مفاتنهن ومتابعة حياتهن‬
‫الشخصية وغيرها ومع كون هذا العمل مخالفا للنظمة القاضية بمنع نشر‬
‫مثل هذه الصور فإن العلماء مجمعون على حرمة نشر هذه الصور ومطالعتها‬
‫ولتساهل كثير من الناس في اقتنائها والشتراك فيها مما ُيعين هذه المجلت‬
‫على الستمرار وهذا من التعاون المحرم قال تعالى ) وَت ََعاوَُنوا عََلى ال ْب ِّر‬
‫ب(‬ ‫قا ِ‬ ‫ديد ُ ال ْعِ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫ن َوات ّ ُ‬ ‫لثم ِ َوال ْعُد َْوا ِ‬ ‫وى َول ت ََعاوَُنوا عََلى ا ْ‬ ‫ق َ‬‫َوالت ّ ْ‬
‫)المائدة ‪ (2:‬وكل ما حرم تناوله حرم بيعه وشراؤه فقد لعن النبي ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬في الخمر عشرة عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها‬
‫والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له ‪.‬‬
‫رواه الترمذي )‪ (1295‬وابن ماجه )‪ (3381‬والضياء )‪ (2188‬من حديث أنس‬
‫‪-‬رضي الله عنه ‪ -‬ورواه الحاكم ‪ 4/161‬من حديث ابن عباس –رضي الله‬
‫عنهما‪ -‬وصححه ‪ .‬و عن ابن عباس ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬أن النبي ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬نظر إلى السماء وقال ‪ ) :‬قاتل الله اليهود حرمت عليهم‬
‫الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها وإن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه ( رواه أحمد‬
‫‪1/293‬وابن حبان ) ‪ (4938‬وأصله في الصحيحين قال الحافظ ابن رجب –‬
‫رحمه الله تعالى ‪ " : -‬وهذه كلمة عامة جامعة ت َط ّرِد ُ في كل ما كان المقصود‬
‫من النتفاع به حراما وهو قسمان ‪ :‬أحدهما ‪ :‬ما كان النتفاع به حاصل مع‬
‫بقاء عينه كالصنام فإن منفعتها المقصودة منها الشرك بالله وهو أعظم‬
‫المعاصي على الطلق ويلتحق بذلك ما كانت منفعته محرمة ككتب الشرك‬
‫والسحر والبدع والضلل وكذلك الصور المحرمة وآلت الملهي المحرمة "‬
‫ا‪.‬هـ جامع العلوم والحكم ‪ 2/447‬ولقوله صلى الله عليه وسلم ) الدين‬
‫النصيحة ( قلنا ‪ :‬لمن؟ قال ‪ ) :‬لله ولكتابه ولرسوله ولئمة المسلمين‬
‫وعامتهم ( رواه مسلم ) ‪ (55‬من حديث تميم الداري ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬فقد‬
‫رأيت لزاما الكتابة في ذلك ‪-‬مع كثرة الكتابات المحذرة‪ -‬إبراًء للذمة ونصحا‬
‫للمة ومشاركة في دفع هذا الوباء فأقول مستعينا بالله مذكرا بحكم وأضرار‬
‫مطالعة واقتناء هذه المجلت ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫م ذ َل ِ َ‬ ‫جهُ ْ‬ ‫فظوا فُُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫صارِهِ ْ‬ ‫ن أب ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ضوا ِ‬ ‫ن ي َغُ ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ل ل ِل ْ ُ‬ ‫أول ‪ :‬قال تعالى ) قُ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ض ْ‬ ‫ت ي َغْ ُ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ل ل ِل ُ‬ ‫ن )‪ (30‬وَقُ ْ‬ ‫صن َُعو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫كى ل َهُ ْ‬ ‫أ َْز َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ضرِب ْ َ‬ ‫من َْها وَل ْي َ ْ‬ ‫ما ظ َهََر ِ‬ ‫ن إ ِّل َ‬ ‫ن ِزين َت َهُ ّ‬ ‫دي َ‬ ‫ن َول ي ُب ْ ِ‬ ‫جهُ ّ‬ ‫ن فُُرو َ‬ ‫فظ ْ َ‬ ‫ح َ‬‫ن وَي َ ْ‬ ‫صارِهِ ّ‬ ‫أب ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أوْ آَباِء ب ُُعول َت ِهِ ّ‬
‫ن‬ ‫ن أوْ آَبائ ِهِ ّ‬ ‫ن إ ِّل ل ِب ُُعول َت ِهِ ّ‬ ‫ن ِزين َت َهُ ّ‬ ‫دي َ‬ ‫ن َول ي ُب ْ ِ‬ ‫جُيوب ِهِ ّ‬ ‫ن عََلى ُ‬ ‫مرِهِ ّ‬ ‫خ ُ‬ ‫بِ ُ‬
‫خوات ِهن أوَ‬ ‫ني أ ََ‬ ‫َ‬
‫ن أوْ ب َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ ِ ّ ْ‬ ‫وان ِهِ ّ‬ ‫خ َ‬ ‫ن أوْ ب َِني إ ِ ْ‬ ‫وان ِهِ ّ‬ ‫خ َ‬ ‫ن أوْ إ ِ ْ‬ ‫ن أوْ أب َْناِء ب ُُعولت ِهِ ّ‬ ‫أوْ أب َْنائ ِهِ ّ‬
‫ل‬
‫ف ِ‬ ‫ل أ َوِ الط ّ ْ‬ ‫جا ِ‬ ‫ن الّر َ‬ ‫م َ‬ ‫ن غَي ْرِ أوِلي الْرب َةِ ِ‬
‫ُ‬
‫َ‬ ‫ن أ َوِ الّتاب ِِعي‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫مان ُه‬ ‫َ‬
‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬‫ما َ‬
‫ن ِسائ ِه َ‬
‫ن أوْ َ‬ ‫َ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫في َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ل ِي ُعْل َ‬ ‫جل ِهِ ّ‬ ‫ن ب ِأْر ُ‬ ‫ضرِب ْ َ‬ ‫ساِء َول ي َ ْ‬ ‫ت الن ّ َ‬ ‫م ي َظهَُروا عَلى عَوَْرا ِ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن ( )النور‪ (31:‬قال‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫ن ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ميعا ً أي َّها ال ْ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ن وَُتوُبوا إ َِلى الل ّهِ َ‬ ‫ِزين َت ِهِ ّ‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الطبري‪-‬رحمه الله تعالى‪ " -‬يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬قل للمؤمنين بالله وبك يا محمد ) يغضوا من أبصارهم ( يقول ‪ :‬يكفوا‬
‫من نظرهم إلى ما يشتهون النظر إليه مما قد نهاهم الله عن النظر إليه "ا‪.‬هـ‬
‫جامع البيان ‪18/116‬‬
‫وقال القرطبي –رحمه الله تعالى – في التفسير ‪ " : 12/227‬وبدأ بالغض‬
‫قبل الفرج لن البصر رائد للقلب كما أن الحمى رائدة الموت وأخذ هذا‬
‫المعنى بعض الشعراء فقال ‪:‬‬
‫ألم تر أن العين للقلب رائد*** فما تألف العينان فالقلب آلف " ا‪.‬هـ‬
‫وقال ابن القيم –رحمه الله تعالى ‪ " : -‬وأمر الله تعالى نبيه أن يأمر‬
‫المؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم وأن يعلمهم أنه مشاهد لعمالهم‬
‫مطلع عليها يعلم خائنة العين وما تخفي الصدور ولما كان مبدأ ذلك من قبل‬
‫البصر جعل المر بغضه مقدما على حفظ الفرج فإن الحوادث مبدأها من‬
‫النظر كما أن معظم النار مبدأها من مستصغر الشرر ثم تكون نظرة ثم‬
‫تكون خطرة ثم خطوة ثم خطيئة ولهذا قيل من حفظ هذه الربعة أحرز دينه‪،‬‬
‫اللحظات والخطرات واللفظات والخطوات‪ ،‬فينبغي للعبد أن يكون بواب‬
‫نفسه على هذه البواب الربعة ويلزم الرباط على ثغورها فمنها يدخل عليه‬
‫العدو فيجوس خلل الديار ويتبر ما علوا تتبيرا " ا‪.‬هـ الجواب الكافي ‪105 /‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وفي البخاري ‪ 5/2299‬قال سعيد بن أبي الحسن للحسن ‪ :‬إن نساء العجم‬
‫يكشفن صدورهن ورؤوسهن ؟ قال ‪ :‬اصرف بصرك يقول الله تعالى )قُ ْ‬
‫ل‬
‫ف ُ‬ ‫ل ِل ْمؤْمِنين يغُضوا م َ‬
‫م(‪.‬‬ ‫ظوا فُُرو َ‬
‫جهُ ْ‬ ‫ح َ‬
‫م وَي َ ْ‬
‫صارِهِ ْ‬
‫ن أب ْ َ‬
‫ِ ْ‬ ‫ُ ِ َ َ ّ‬
‫ت طرفك رائدا***لقلبك يوما أتعبتك المناظر‬ ‫ت متى أرسل َ‬ ‫وكن َ‬
‫رأيت الذي ل كله أنت قادر****عليه ول عن بعضه أنت صابر‬
‫ن إ ِلّ‬‫ن ( يظهرن ) ِزين َت َهُ ّ‬‫دي َ‬
‫وقال الجلل المحلي –رحمه الله تعالى‪َ ) " -‬ول ي ُب ْ ِ‬
‫من َْها ( وهو الوجه والكفان فيجوز نظره لجنبي إن لم يخف فتنة في‬ ‫ما ظ َهََر ِ‬
‫َ‬
‫ً‬
‫جح حسما للباب " ا‪.‬هـ‬ ‫أحد وجهين ‪ .‬والثاني ‪ :‬يحرم لنه مظنة الفتنة وُر ّ‬
‫تفسير الجللين ‪462/‬‬
‫وقال القرطبي –رحمه الله تعالى‪ -‬في التفسير ‪ " : 12/223‬وغضه واجب‬
‫عن جميع المحرمات وكل ما يخشى الفتنة من أجله وقد قال ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪) -‬إياكم والجلوس على الطرقات ( فقالوا ‪ :‬يا رسول الله مالنا من‬
‫مجالسنا ُبد نتحدث فيها ؟ فقال ‪ ) :‬فإذا أبيتم إل المجالس فأعطوا الطريق‬
‫حقه ( قالوا ‪ :‬وما حق الطريق يا رسول الله ؟ قال ‪ ) :‬غض البصر وكف‬
‫الذى ورد السلم والمر بالمعروف والنهي عن المنكر ( رواه أبو سعيد‬
‫الخدري خرجه البخاري)‪ (5875‬ومسلم )‪ ( (2121‬ا‪.‬هـ وهذا يقوله –صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬لمن هو في الطريق الذي لبد للناس من المرور والحديث‬
‫مله ونشره بكل وسيلة بحيث ُيرى في‬ ‫سنه وج ّ‬ ‫فيه فكيف بمن هيأ الشر وح ّ‬
‫الطرقات وفي البيوت وغيرها قال الحافظ ابن حجر –رحمه الله تعالى‪" : -‬‬
‫وقد اشتملت على معنى علة النهي عن الجلوس في الطرق من التعرض‬
‫للفتن بحضور النساء الشواب وخوف ما يلحق من النظر إليهن من ذلك إذ لم‬
‫يمنع النساء من المرور في الشوارع لحوائجهن "ا‪.‬هـ الفتح ‪11/12‬‬
‫كل الحوادث مبداها من النظر***ومعظم النار من مستصغر الشرر‬
‫كم نظرة فتكت في قلب صاحبها *** فتك السهام بل قوس ول وتر‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والمرء ما دام ذا عين يقلبها *** في أعين الغيد موقوف على الخطر‬
‫يسر مقلته ما ضر مهجته *** ل مرحبا بسرور عاد بالضرر‬
‫) روضة المحبين ‪( 97/‬‬
‫ونشر مثل هذه الصور لشك أنه مخالف لمر الشارع بغض البصر والوامر‬
‫في ذلك كثيرة كاليات السابقة ومنها ‪:‬‬
‫‪ /1‬قوله ‪-‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لعلي ‪ ):‬ل تتبع النظرة النظرة فإنما لك‬
‫الولى وليست لك الثانية ( رواه أحمد ‪ 5/351‬وأبو داود )‪ (2149‬والترمذي )‬
‫‪ (2777‬من حديث بريدة ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬وصححه الحاكم ‪ 2/212‬وقال‬
‫الترمذي " حديث حسن غريب " ا‪.‬هـ قال المباركفوري –رحمه الله تعالى‪": -‬‬
‫أي ل تعقبها إياها ول تجعل أخرى بعد الولى ) فإن لك الولى ( أي النظرة‬
‫الولى ‪-‬إذا كانت من غيرقصد‪ -‬وليست لك الخرة أي النظرة الخرة لنها‬
‫باختيارك فتكون عليك " ا‪.‬هـ تحفة الحوذي ‪ 8/50‬وقال ابن القيم –رحمه الله‬
‫تعالى ‪ " :-‬والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب النسان فإن النظرة تولد‬
‫خطرة ثم تولد الخطرة فكرة ثم تولد الفكرة شهوة ثم تولد الشهوة إرادة ثم‬
‫تقوى فتصبح عزيمة جازمة فيقع الفعل ول بد ما لم يمنع منه مانع وفي هذا‬
‫قيل ‪ :‬الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده " ا‪.‬هـ‬
‫الجواب الكافي ‪106 /‬‬
‫‪ /2‬في صحيح مسلم )‪ (2159‬عن جرير بن عبد الله –رضي الله عنه‪ -‬قال‬
‫سألت رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬عن نظرة الفجاءة ؟ فأمرني أن‬
‫أصرف بصري ‪ .‬فهؤلء الصحابة الكرام أطهر المة قلوبا وأنقاهم سريرة‬
‫وأكملهم إيمانا ومع ذلك أمرهم النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بغض البصر‬
‫فكيف بحال من هو دونهم بكثير وممن أظهر متابعة تلك المجلت ومشاهدة‬
‫تلك القنوات ومع ذلك ُيزكي نفسه بأن النظر للنساء ل يؤثر فيه شيئا‪،‬‬
‫وهيهات هيهات له ذلك‪ ،‬فعن جابر ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬أن رسول الله ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬رأى امرأة فأتى امرأته زينب وهي تمعس منيئة لها فقضى‬
‫حاجته ثم خرج إلى أصحابه فقال ‪ ) :‬إن المرأة تقبل في صورة شيطان‬
‫وتدبر في صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما‬
‫في نفسه ( رواه مسلم ) ‪ (1403‬قال النووي –رحمه الله تعالى‪ " : -‬قوله‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ) -‬إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة‬
‫شيطان ( قال العلماء ‪ :‬معناه الشارة إلى الهوى والدعاء إلى الفتنة بها لما‬
‫جعله الله تعالى في نفوس الرجال من الميل إلى النساء واللتذاذ بنظرهن‬
‫وما يتعلق بهن في شبيهه بالشيطان في دعائه إلى الشر بوسوسته وتزيينه‬
‫له‪ ،‬ويستنبط من هذا أنه ينبغي لها أن ل تخرج بين الرجال إل لضرورة‪ ،‬وأنه‬
‫ينبغي للرجل الغض عن ثيابها والعراض عنها مطلقا " ا‪.‬هـ شرح مسلم‬
‫‪9/178‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ولو سلمنا له أن ذلك ل يؤثر فيه فإنه ل يحل له النظر للنهي العام عن ذلك‪،‬‬
‫ولكنها الشهوة الظاهرة والخفية ‪ .‬بل كان من هدي النبي –صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬بيان الحال عند الحاجة فعن علي بن الحسين قال ‪ :‬كان النبي ‪-‬صلى‬
‫ن فقال لصفية بنت حيي ‪) :‬‬ ‫ح َ‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬في المسجد وعنده أزواجه فُر ْ‬
‫ل تعجلي حتى أنصرف معك ( وكان بيتها في دار أسامة فخرج النبي ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬معها فلقيه رجلن من النصار فنظرا إلى النبي ‪-‬صلى الله‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليه وسلم‪ -‬فقال لهما النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬تعاليا إنها صفية بنت‬
‫حيي ( قال ‪ :‬سبحان الله يا رسول الله ‪ .‬قال ‪ ) :‬إن الشيطان يجري من‬
‫النسان مجرى الدم وإني خشيت أن يلقي في أنفسكما شيئا ( ‪.‬رواه‬
‫البخاري ) ‪ (1933‬ومسلم ) ‪ (2175‬قال الغزالي –رحمه الله تعالى‪" : -‬‬
‫فانظر كيف أشفق على دينهما فحرسهما وكيف أشفق على أمته فعلمهم‬
‫طريق التحرز من التهم حتى ل يتساهل العالم الورع المعروف بالدين في‬
‫أحواله فيقول مثلي ل يظن به إل خيرا إعجابا منه بنفسه فإن أورع الناس‬
‫وأتقاهم وأعلمهم ل ينظر الناس كلهم إليه بعين واحدة بل بعين الرضا بعضهم‬
‫وبعين السخط بعضهم فيجب التحرز عن تهمة الشرار " ا‪.‬هـ فيض القدير‬
‫‪2/358‬‬
‫ومن الثار السيئة لهذه المجلت الهابطة تهوين أمر الختلط بين الجنسين‬
‫لكثرة ما تنشره من صور الختلط وقد دأب بعض الكتاب في مقالتهم على‬
‫إنكار خطورة الختلط زاعما أنه ل دليل على تحريمه‪ ،‬وما قال ذلك إل بسبب‬
‫جهله المركب وإل فإن هذه المسألة مما ل ينكرها أحد من عامة الناس فضل‬
‫عن العلماء والدلة على تحريم الختلط كثيرة أذكر منها ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬عن أبي أسيد النصاري –رضي الله عنه‪ -‬أنه سمع رسول الله ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في‬
‫الطريق فقال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬للنساء ‪ ) :‬استأخرن فإنه‬
‫ليس لكن أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق ( فكانت المرأة تلتصق‬
‫بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به ‪ .‬رواه أبو داود )‪(5272‬‬
‫والبيهقي في الشعب ) ‪ (7822‬والطبراني في المعجم الكبير ‪19/261‬وابن‬
‫عبد البر في التمهيد ‪ 23/399‬وحسنه اللباني –رحمه الله تعالى – )صحيح‬
‫سنن أبي داود ‪(4392‬‬
‫ثانيا ‪ :‬عن ابن عمر –رضي الله عنهما‪ -‬أن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬نهى‬
‫أن يمشي يعني الرجل بين المرأتين ‪ .‬رواه أبو داود )‪ (5273‬والحاكم ‪4/312‬‬
‫والبيهقي في الشعب ‪ (5446‬وصححه الحاكم ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬عن أبي أسيد الساعدي –رضي الله عنه‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول الله ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ) -‬ليس للنساء وسط الطريق ( رواه ابن حبان )‪(5601‬‬
‫والبيهقي في الشعب )‪ (7823‬من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه‪ -‬وقال‬
‫ابن حبان ‪ " :‬قوله ) ليس للنساء وسط الطريق ( لفظة إخبار مرادها الزجر‬
‫عن شيء مضمر فيه‪ ،‬وهو مماسة النساء الرجال في المشي إذ وسط‬
‫الطريق الغالب على الرجال سلوكه والواجب على النساء أن يتخللن‬
‫الجوانب حذرا يتوقع من مماستهم إياهن " ا‪.‬هـ ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬عن ابن عمر –رضي الله عنه‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ) -‬لو تركنا هذا الباب للنساء ( قال نافع فلم يدخل منه ابن عمر حتى‬
‫مات ‪ .‬رواه أبو داود ) ‪ (462‬وقال ‪ " :‬عبد الوارث قال عمر وهو أصح " ا‪.‬هـ‬
‫والطبراني في الوسط )‪ (1018‬وابن عبد البر في التمهيد ‪ 23/397‬وقال‬
‫اللباني –رحمه الله تعالى – " صحيح على شرط الشيخين " ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬عن أم سلمة ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬قالت ‪ :‬كان رسول الله ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬إذا سلم‪-‬أي من صلته‪ -‬مكث قليل كيما ينفذ النساء قبل‬
‫الرجال ‪ .‬رواه أحمد ‪ 6/310‬وعبد الرزاق ‪ 1/573‬وأبو داود )‪ (1040‬والبيهقي‬
‫‪ 2/183‬وأصله في البخاري )‪. (812‬‬
‫سادسا ‪ :‬عن أبي هريرة –رضي الله عنه‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول الله ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ) -‬خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫آخرها وشرها أولها ( رواه مسلم ) ‪ (440‬قال النووي –رحمه الله تعالى ‪" : -‬‬
‫وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة‬
‫الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم ثم رؤية حركاتهم وسماع كلمهم ونحو‬
‫ذلك وذم أول صفوفهن لعكس ذلك والله أعلم " ‪.‬ا‪.‬هـ شرح مسلم ‪4/159‬‬
‫وأنظر ‪ :‬الديباج للسيوطي ‪ 2/154‬فيض القدير ‪3/487‬‬
‫ونلحظ هنا أن هذه الحاديث قالها النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أو فعلها وهو‬
‫في خير القرون ومع خير الناس أصحابه ‪-‬رضي الله عنهم‪ -‬وعند أداء الصلة‬
‫تربية للمؤمنين وسدا لباب الفساد الناتج عن الختلط ‪.‬‬
‫سابعا ‪ :‬عن أم سلمة ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬أنها قالت ‪ :‬شكوت إلى رسول الله‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أني أشتكي فقال ‪ ) :‬طوفي من وراء الناس وأنت‬
‫راكبة ( رواه البخاري )‪ (452‬ومسلم ) ‪. (1276‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وعن إبراهيم قال ‪ :‬نهى عمر ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬أن يطوف الرجال مع النساء ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فرأى رجل معهن فضربه بالدرة ‪ .‬رواه الفاكهي في أخبار مكة )‪(484‬‬
‫وقال ابن جريج أخبرني عطاء حين منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال‬
‫قال ‪ :‬فأخبرني فكيف يمنعهن من الطواف وقد طاف نساء النبي ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬مع الرجال قلت ‪ :‬أبعد الحجاب قال ‪ :‬إي لعمري قد أدركته بعد‬
‫الحجاب ‪ .‬قلت ‪ :‬فكيف يخالطن الرجال ؟ قال ‪ :‬لم يكن ليفعلن قال ‪ :‬كانت‬
‫جرة من الرجال ل تخالطهم فقالت امرأة ‪:‬‬ ‫ح ْ‬
‫عائشة ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬تطوف َ‬
‫انطلقي نستلم يا أم المؤمنين ‪ .‬قالت ‪ :‬عنك وأبت‪ ،‬وكن يخرجن متنكرات‬
‫بالليل فيطفن مع الرجال‪ ،‬ولكنهن كن إذا دخلن البيت قمن حتى يدخلن‬
‫جرة أي‬ ‫ُ‬
‫ح ْ‬ ‫وأخرج الرجال ‪ .‬البخاري ) ‪ ( 1539‬وأنظر ‪:‬تغليق التعليق ‪ ) 3/73‬و َ‬
‫ناحية بعيدة ( مقدمة فتح الباري ‪102 /1‬‬
‫ثامنا ‪ :‬عن عائشة ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬قالت ‪ :‬لو أن رسول الله ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعت نساء بني إسرائيل ‪.‬‬
‫البخاري )‪ (381‬ومسلم )‪ (445‬واللفظ له ‪ .‬وهذا تقوله أم المؤمنين –رضي‬
‫الله عنها – في زمنها فكيف لو رأت ما أحدثه الناس في زماننا هذا من تفنن‬
‫ل الديانة وضعف المراقبة والمجاهرة بالفساد ‪.‬‬ ‫في السفور مع ق ّ‬
‫ن‬‫حّبو َ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫ومن الثار السيئة ‪ :‬إشاعة الفاحشة وأسبابها ‪ :‬قال تعالى ) إ ِ ّ‬
‫خَرةِ َوالل ُّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫م ِفي الد ّن َْيا َوا ِ‬
‫ل‬ ‫ب أِلي ٌ‬
‫ذا ٌ‬ ‫مُنوا ل َهُ ْ‬
‫م عَ َ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫ة ِفي ال ّ ِ‬ ‫ش ُ‬ ‫ح َ‬ ‫شيعَ ال ْ َ‬
‫فا ِ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫ن ( )النور‪ (19:‬وباستقراء كثير من الجرائم المحرمة‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ت َعْل َ ُ‬ ‫م وَأن ْت ُ ْ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫كالزنا واللواط وغيرها نجد أن الداعي الول لها في هذا الزمان تلك المجلت‬
‫الهابطة وذلك بإقرار كثير ممن واقع تلك الفواحش وقد قال تعالى ‪َ ) :‬ول‬
‫سِبيل ً ( )السراء‪ (32:‬قال ابن تيمية ‪" :‬‬ ‫ساَء َ‬ ‫ة وَ َ‬
‫ش ً‬‫ح َ‬ ‫ن َفا ِ‬
‫كا َ‬‫ه َ‬ ‫قَرُبوا الّزَنى إ ِن ّ ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫وأهل جمال الصورة يبتلون بالفاحشة كثيرا واسمها ضد الجمال فإن الله‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ه كا َ‬ ‫قَرُبوا الّزَنى إ ِن ّ ُ‬ ‫سماه فاحشة وسوءا وفسادا وخبيثا فقال تعالى ) َول ت َ ْ‬
‫سِبيل ً ( )السراء‪ (32:‬الستقامة ‪ 1/357‬وقد كثرت السئلة جدا‬ ‫ساَء َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ش ً‬‫ح َ‬ ‫َفا ِ‬
‫ممن لم يواقع الفاحشة بأنه قد فعل العادة السرية بسبب مطالعته تلك‬
‫المجلت والقنوات ‪.‬‬
‫ومن الثار السلبية لمطالعة هذه المجلت والصحف والقنوات الفضائية‬
‫البتلء بداء العشق ونشر الفاحشة فكم من مطربة أو ممثلة تغنى بها‬
‫الشباب والشيوخ وأكثروا من ذكرها وتبادل صورها وتمنوا لقاءها ‪ ,‬وداء‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خلقه وعقله وبدنه كما قيل ‪:‬‬‫العشق مرض مزمن مفسد لدين المرء و ُ‬
‫يا ناظرا ما أقلعت لحظاته حتى تشحط بينهن قتيل‬
‫وقال ابن القيم ‪:‬‬
‫يا راميا بسهام اللحظ مجتهدا *** أنت القتيل بما ترمي فل تصب‬
‫وباعث الطرف يرتاد الشفاء له***احبس رسولك ل يأتيك بالعطب‬
‫) الجواب الكافي ‪(107/‬‬
‫من أمرضه‬ ‫قال تقي الدين ابن تيمية ‪-‬رحمه الله تعالى ‪ ": -‬ومن عباد الصور َ‬
‫العشق أو قتله أو جننه " ا‪.‬هـ الفتاوى ‪ 11/10‬وقال ‪ " :‬فالمبتلى بالفاحشة‬
‫والعشق إذا َذكر ما به لغيره تحركت النفوس إلى جنس ذلك لن النفوس‬
‫مجبولة على حب الصور الجميلة فإذا تصورت جنس ذلك تحركت إلى‬
‫المحبوب و لهذا نهى الله عن إشاعة الفاحشة " ا‪.‬هـ الفتاوى ‪14/211‬‬
‫وهذه جملة من أقوال شيخ السلم ابن تيمية وتلميذه ابن القيم –رحمهما‬
‫الله تعالى‪ -‬عن العشق وخطره ‪ :‬قال ابن تيمية –رحمه الله تعالى ‪ "-‬وأما‬
‫مرض الشهوة والعشق فهو حب النفس لما يضرها وقد يقترن به بغضها لما‬
‫ينفعها والعشق مرض نفساني وإذا قوي أثر في البدن فصار مرضا في‬
‫الجسم إما من أمراض الدماغ كالماليخوليا ولذلك قيل فيه هو مرض‬
‫وسواسي شبيه بالماليخوليا " ا‪.‬هـ أمراض القلوب ‪ 23/‬وقال ‪ " :‬ولهذا يقول‬
‫الطباء ‪ :‬العشق مرض وسواسي شبيه بالماليخوليا فيجعلونه من المراض‬
‫الدماغية التي تفسد التخيل كما يفسده الماليخوليا " ا‪.‬هـ قاعدة في المحبة ‪/‬‬
‫‪58‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وقال –رحمه الله تعالى‪ " : -‬إن لفظ العشق إنما يستعمل في العرف في‬
‫محبة النسان لمرأة أو صبي ل يستعمل في محبة كمحبة الهل والمال‬
‫والجاه ومحبة النبياء والصالحين وهو مقرون كثيرا بالفعل المحرم إما بمحبة‬
‫امرأة أجنبية أو صبي يقترن به النظر المحرم واللمس المحرم وغير ذلك من‬
‫الفعال المحرمة وأما محبة الرجل لمرأته أو سريته محبة تخرجه عن العدل‬
‫بحيث يفعل لجلها ما ل يحل ويترك ما يجب كما هو الواقع كثيرا حتى يظلم‬
‫ابنه من امرأته العتيقة لمحبته الجديدة وحتى يفعل من مطالبها المذمومة ما‬
‫يضره في دينه ودنياه مثل أن يخصها بميراث ل تستحقه أو يعطي أهلها من‬
‫الولية والمال ما يتعدى به حدود الله أو يسرف في النفاق عليها أو يمكنها‬
‫من أمور محرمة تضره في دينه ودنياه وهذا في عشق من يباح له وطؤها‬
‫فكيف عشق الجنبية والذكران من العالمين ففيه من الفساد مال يحصيه إل‬
‫رب العباد وهو من المراض التي تفسد دين صاحبها وعرضه ثم قد تفسد‬
‫ذي ِفي قَل ْب ِ ِ‬
‫ه‬ ‫معَ ال ّ ِ‬
‫ل فَي َط ْ َ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬
‫قو ْ ِ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫عقله ثم جسمه قال تعالى ) َفل ت َ ْ‬
‫خ َ‬
‫ض ()الحزاب ‪ (32 :‬ومن في قلبه مرض الشهوة وإرادة الصورة متى‬ ‫مَر ٌ‬
‫َ‬
‫خضع المطلوب طمع المريض والطمع يقوي الرادة والطلب يقوي المرض‬
‫وذلك بخلف ما إذا كان آيسا من المطلوب فإن اليأس يزيل الطمع فتضعف‬
‫الرادة فيضعف الحب فإن النسان ل يريد أن يطلب ما هو آيس منه فل‬
‫يكون مع الرادة عمل أصل بل يكون حديث نفس إل أن يقترن بذلك كلم أو‬
‫نظر ونحو ذلك فأما إذا ابتلى بالعشق وعف وصبر فإنه يثاب على تقواه لله‬
‫وقد روي في الحديث أن ) من عشق فعف وكتم وصبر ثم مات كان شهيدا (‬
‫وهو معروف من رواية يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا وفيه‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نظر ول يحتج بهذا‪ ،‬لكن من المعلوم بأدلة الشرع أنه إذا عف عن المحرمات‬
‫نظرا وقول وعمل وكتم ذلك فلم يتكلم به حتى ل يكون في ذلك كلم محرم‬
‫إما شكوى إلى المخلوق وإما إظهار فاحشة وإما نوع طلب للمعشوق وصبر‬
‫على طاعة الله وعن معصيته وعلى ما في قلبه من ألم العشق كما يصبر‬
‫ق‬‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫المصاب عن ألم المصيبة فإن هذا يكون ممن اتقى الله وصبر و) َ‬
‫َ‬
‫ن ()يوسف‪ (90:‬وهكذا مرض الحسد‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جَر ال ْ ُ‬ ‫ضيعُ أ ْ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صب ِْر فَإ ِ ّ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫وغيره من أمراض النفوس وإذا كانت النفس تطلب ما يبغضه الله فينهاها‬
‫م َرب ّهِ وَن ََهى‬ ‫َ‬
‫قا َ‬ ‫م َ‬‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫خشية من الله كان ممن دخل في قوله ) وَأ ّ‬
‫مأ َْوى( )النازعات‪ (41:‬فالنفس إذا‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫ة هِ َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫وى)‪(40‬فَإ ِ ّ‬ ‫ن ال ْهَ َ‬ ‫س عَ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫الن ّ ْ‬
‫أحبت شيئا سعت في حصوله بما يمكن حتى تسعى في أمور كثيرة تكون‬
‫كلها مقامات لتلك الغاية فمن أحب محبة مذمومة أو أبغض بغضا مذموما‬
‫وفعل ذلك كان آثما " ‪.‬ا‪.‬هـ أمراض القلوب ‪ 25-24/‬وقال ‪-‬رحمه الله‬
‫تعالى‪ " : -‬والله سبحانه إنما ذكر هذا العشق في القرآن عن المشركين فإن‬
‫العزيز وامرأته وأهل مصر كانوا مشركين كما قال لهم يوسف عليه الصلة‬
‫ن )‪(37‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م َ‬ ‫خَرةِ هُ ْ‬ ‫م ِباْل ِ‬ ‫ن ِبالل ّهِ وَهُ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ة قَوْم ٍ ل ي ُؤْ ِ‬ ‫مل ّ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫والسلم ) إ ِّني ت ََرك ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ك ِبالل ّهِ ِ‬ ‫شرِ َ‬ ‫ن نُ ْ‬ ‫ن ل ََنا أ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ب َ‬ ‫قو َ‬ ‫حاقَ وَي َعْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫هي َ‬ ‫ة آَبائي إ ِب َْرا ِ‬ ‫مل ّ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫َوات ّب َعْ ُ‬
‫ن)‬ ‫رو‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫نا‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫ض‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يٍء ِ‬
‫ل‬ ‫ذ‬ ‫َ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ّ ِ‬ ‫ّ ِ َ ِ ّ‬ ‫ِ َ َْ َ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ش ْ‬
‫حد ُ ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫قّهاُر )‪َ (39‬‬ ‫وا ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫خي ٌْر أم ِ الل ّ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫فّرُقو َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن أأْرَبا ٌ‬ ‫جَ ِ‬ ‫س ْ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫حب َ ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫‪َ (38‬يا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ه ب َِها ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أن َْز َ‬ ‫م َ‬ ‫م َوآَباؤُك ُ ْ‬ ‫ها أن ْت ُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫مي ْت ُ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫ماًء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ُدون ِهِ إ ِّل أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ت َعْب ُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أك ْث ََر‬ ‫م وَل َك ِ ّ‬ ‫قي ّ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫دي ُ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫دوا إ ِّل إ ِّياه ُ ذ َل ِ َ‬ ‫مَر أّل ت َعْب ُ ُ‬ ‫م إ ِّل ل ِل ّهِ أ َ‬ ‫حك ْ ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ن إِ ِ‬ ‫طا ٍ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ت‬ ‫ْ‬
‫ل ِبالب َي َّنا ِ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ف‬
‫ُ‬ ‫س‬
‫ُ‬ ‫يو‬ ‫ُ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫جا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫)‬ ‫تعالى‬ ‫وقال‬ ‫(‬ ‫‪40‬‬ ‫)‬ ‫ن(‬ ‫َ‬ ‫مو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫نا‬‫ّ‬ ‫ال‬
‫ِ‬
‫ه‬
‫ن ب َعْدِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ّ‬
‫ث الل ُ‬ ‫ن ي َب ْعَ َ‬ ‫مل ْ‬ ‫َ‬ ‫ك قُلت ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫حّتى إ َِذا هَل َ‬ ‫م ب ِهِ َ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م ّ‬ ‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ما زِلت ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫فَ َ‬
‫ت‬
‫ن ِفي آَيا ِ‬ ‫جادِلو َ‬ ‫ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ب )‪ (34‬ال ِ‬ ‫مْرَتا ٌ‬ ‫ف ُ‬ ‫سرِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ن هُوَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ل الل ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫ك يُ ِ‬ ‫سول ً كذ َل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َر ُ‬
‫هّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مُنوا كذ َل ِك ي َطب َعُ الل ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫عن ْد َ ال ِ‬ ‫عن ْد َ اللهِ وَ ِ‬ ‫قتا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م كب َُر َ‬ ‫َ‬ ‫ن أَتاهُ ْ‬ ‫سلطا ٍ‬ ‫الل ّهِ ب ِغَي ْرِ ُ‬
‫جّباٍر( )غافر‪ " (35:‬ا‪.‬هـ قاعدة في المحبة ‪ 76 /‬وقال‬ ‫مت َك َب ّرٍ َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ل قَل ْ ِ‬ ‫عََلى ك ُ ّ‬
‫ابن القيم رحمه الله تعالى ‪ " :‬ولهذا كان العشق والشرك متلزمين وإنما‬
‫حكى الله –سبحانه‪ -‬العشق عن المشركين من قوم لوط وعن امرأة العزيز‬
‫وكانت إذ ذاك مشركة فكلما قوي شرك العبد بلي بعشق الصور‪ ،‬وكلما قوي‬
‫توحيده صرف ذلك عنه‪ ،‬والزنا واللواطة كمال لذتهما إنما يكون مع العشق‬
‫ول يخلو صاحبهما منه وإنما لتنقله من محل إلى محل ل يبقى عشقه مقصورا‬
‫على محل واحد بل ينقسم على سهام كثيرة لكل محبوب نصيب من تألهه‬
‫وتعبده " ا‪.‬هـ إغاثة اللهفان ‪1/64‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وقال –رحمه الله تعالى ‪ " : -‬والمبتلون بالعشق ل يزال الشيطان يمثل‬
‫لحدهم صورة المعشوق أو يتصور بصورته فل يزال يرى صورته مع مغيبه‬
‫عنه بعد موته فإنما جله الشيطان على قبله ولهذا إذا ذكر العبد الله الذكر‬
‫الذي يخنس منه الوسواس الخناس خنس هذا المثال الشيطاني وصورة‬
‫المحبوب تستولي على المحب أحيانا حتى ل يرى غيرها ول يسمع غير كلمها‬
‫فتبقى نفسه مشتغلة بها " ‪.‬اهـ الزهد والورع ‪ 32/‬وقال ‪-‬رحمه الله تعالى‪: -‬‬
‫" ولهذا يقال العشق حركة نفس فارغة " الفتاوى ‪ 5/571‬وقال ‪ " :‬وأما‬
‫المأخذ المعنوي فهو أن العشق هل هو فساد في الحب والرادة أو فساد في‬
‫الدراك والمعرفة قيل ‪ :‬إن العشق هو الفراط في الحب حتى يزيد على‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القصد الواجب فإذا أفرط كان مذموما فاسدا مفسدا للقلب والجسم كما‬
‫ض ()الحزاب‪ (32 :‬فمن صار مفرطا‬ ‫مَر ٌ‬ ‫ذي ِفي قَل ْب ِهِ َ‬ ‫معَ ال ّ ِ‬ ‫قال تعالى ) فَي َط ْ َ‬
‫صار مريضا كالفراط في الغضب والفراط في الفرح وفي الحزن وهذا‬
‫الفراط قد يكون في محبة النسان لصورته وقد يكون في محبته لغير ذلك‬
‫كالفراط في حب الهل والمال والفراط في الكل والشرب وسائر أحوال "‬
‫ا‪.‬هـ قاعدة في المحبة ‪56/‬‬
‫وقال ‪ " :‬إن الزنا من الكبائر وأما النظر والمباشرة فاللمم منها مغفور‬
‫باجتناب الكبائر فإن أصر على النظر أو على المباشرة صار كبيرة وقد يكون‬
‫الصرار على ذلك أعظم من قليل الفواحش فإن دوام النظر بالشهوة وما‬
‫يتصل به من العشق والمعاشرة والمباشرة قد يكون أعظم بكثير من فساد‬
‫زنا ل إصرار عليه‪ ،‬ولهذا قال الفقهاء في الشاهد العدل ‪ :‬أن ل يأتي كبيرة ول‬
‫يصر على صغيرة وفى الحديث المرفوع ‪ ) :‬ل صغيرة مع إصرار ول كبيرة مع‬
‫استغفار ( بل قد ينتهي النظر والمباشرة بالرجل إلى الشرك كما قال تعالى‬
‫ب الل ّهِ ()البقرة‪(165:‬‬ ‫دادا ً ي ُ ِ‬ ‫َ‬
‫م كَ ُ‬
‫ح ّ‬ ‫حّبون َهُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ أن ْ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫خذ ُ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬‫م ْ‬‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬
‫م َ‬
‫)وَ ِ‬
‫ولهذا ل يكون عشق الصور إل من ضعف محبة الله وضعف اليمان والله‬
‫تعالى إنما ذكره في القرآن عن امرأة العزيز المشركة وعن قوم لوط‬
‫المشركين والعاشق المتيم يصير عبدا لمعشوقه منقادا له أسير القلب له "‬
‫ا‪.‬هـ ‪15/293‬‬
‫قال المناوي –رحمه الله تعالى‪ " : -‬ل يسلم القلب إل بكف الجوارح وأعظمها‬
‫غض البصر عما حرم " ‪.‬ا‪.‬هـ فتح القدير ‪ 2/372‬فل يحل للرجل أن ينظر إلى‬
‫المرأة ول المرأة إلى الرجل بشهوة فإن علقتها به كعلقته بها وقصدها منه‬
‫كقصده منها ‪.‬‬
‫العلج‬
‫يظن البعض أن تكرار النظر علج للعشق ول يدري أن تكراره ل يزده إل‬
‫اشتعال وتعلقا قال ابن القيم –رحمه الله تعالى‪ " : -‬إن النظرة الولى سهم‬
‫مسموم من سهام إبليس ومعلوم أن الثانية أشد سما فكيف يتداوى من‬
‫السم بالسم ‪ ...‬كذلك النظرة إذا أثرت في القلب فإن عجل الحازم وحسم‬
‫المادة من أولها سهل علجه وإن كرر النظر ونقب عن محاسن الصورة‬
‫ونقلها إلى قلب فارغ فنقشها فيه تمكنت المحبة وكلما تواصلت النظرات‬
‫كانت كالماء يسقي الشجرة فل تزال شجرة الحب تنمو حتى يفسد القلب‬
‫ويعرض عن الفكر فيما أمر به فيخرج بصاحبه إلى المحن ويوجب ارتكاب‬
‫المحظورات والفتن ويلقي القلب في التلف‪ ،‬والسبب في هذا أن الناظر‬
‫التذت عينه بأول نظرة فطلبت المعاودة كأكل الطعام اللذيذ إذا تناول منه‬
‫لقمة ولو أنه غض أول لستراح قلبه وسلم وتأمل قول النبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ) : -‬النظرة سهم مسموم من سهام إبليس ( فإن السهم شأنه أن‬
‫يسري في القلب فيعمل فيه عمل السم الذي يسقاه المسموم فإن بادر‬
‫استفرغه وإل قتله ول بد " ا‪.‬هـ روضة المحبين ‪94/‬‬
‫سئل شيخ السلم أحمد بن تيمية ‪-‬قدس الله روحه ‪ -‬عمن أصابه سهم من‬
‫سهام إبليس المسمومة ؟ فأجاب ‪ :‬من أصابه جرح مسموم فعليه بما يخرج‬
‫السم ويبرئ الجرح بالترياق والمرهم وذلك بأمور منها ‪ :‬أن يتزوج أو يتسرى‬
‫فإن النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال ‪ ) :‬إذا نظر أحدكم إلى محاسن امرأة‬
‫فليأت أهله فإنما معها مثل ما معها ( وهذا مما ينقص الشهوة ويضعف‬
‫العشق ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن يداوم على الصلوات الخمس والدعاء والتضرع وقت السحر‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتكون صلته بحضور قلب وخشوع وليكثر من الدعاء بقوله يا مقلب القلوب‬
‫ثبت قلبي على دينك يا مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك وطاعة‬
‫رسولك فإنه متى أدمن الدعاء والتضرع لله صرف قلبه عن ذلك كما قال‬
‫ن(‬ ‫خل َ ِ‬
‫صي َ‬ ‫عَبادَِنا ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫ه ِ‬ ‫ح َ‬
‫شاَء إ ِن ّ ُ‬ ‫سوَء َوال ْ َ‬
‫ف ْ‬ ‫ه ال ّ‬
‫ف عَن ْ ُ‬
‫صرِ َ‬ ‫تعالى ‪ ) :‬ك َذ َل ِ َ‬
‫ك ل ِن َ ْ‬
‫)يوسف‪. (24:‬‬
‫الثالث ‪ :‬أن يبعد عن مسكن هذا الشخص والجتماع بمن يجتمع به بحيث ل‬
‫يسمع له خبر ول يقع له على عين ول أثر فإن البعد جفا ومتى قل الذكر‬
‫ضعف الثر في القلب فليفعل هذه المور وليطالع بما تجدد له من الحوال‬
‫والله أعلم ا‪.‬هـ الفتاوى ‪32/5‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ف‬ ‫صرِ َ‬ ‫ك ل ِن َ ْ‬ ‫وقال – رحمه الله تعالى ‪ " : -‬قال تعالى في حق يوسف ) ك َذ َل ِ َ‬
‫ن ()يوسف‪ (24:‬فالله يصرف‬ ‫صي َ‬ ‫خل َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عَبادَِنا ال ْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫شاَء إ ِن ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ف ْ‬‫سوَء َوال ْ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫عَن ْ ُ‬
‫عن عبده ما يسوءه من الميل إلى الصور والتعلق بها‪ ،‬ويصرف عنه الفحشاء‬
‫بإخلصه لله ولهذا يكون قبل أن يذوق حلوة العبودية لله والخلص له تغلبه‬
‫نفسه على اتباع هواها فإذا ذاق طعم الخلص وقوي في قلبه انقهر له هواه‬
‫من ْك َرِ وَل َذِك ُْر الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫شاِء َوال ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ف ْ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫صلة َ ت َن َْهى عَ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫بل علج قال تعالى ‪ ) :‬إ ِ ّ‬
‫أ َك ْب َُر ()العنكبوت‪ (45:‬فإن الصلة فيها دفع للمكروه وهو الفحشاء والمنكر "‬
‫ا‪.‬هـ الفتاوى الكبرى ‪2/383‬‬
‫وقال ابن القيم –رحمه الله تعالى‪ " : -‬فصل في هديه في علج العشق هذا‬
‫مرض من أمراض القلب مخالف لسائر المراض في ذاته وأسبابه وعلجه‬
‫وإذا تمكن واستحكم عز على الطباء دواؤه وأعيا العليل داؤه وإنما حكاه الله‬
‫سبحانه في كتابه عن طائفتين من الناس من النساء وعشاق الصبيان‬
‫المردان فحكاه عن امرأة العزيز في شأن يوسف وحكاه عن قوم لوط فقال‬
‫ن)‬ ‫شُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬‫دين َةِ ي َ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫جاَء أ َهْ ُ‬ ‫تعالى إخبارا عنهم لما جاءت الملئكة لوطا ) وَ َ‬
‫ن )‪(69‬‬ ‫خُزو ِ‬ ‫ه َول ت ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫قوا الل َ‬ ‫ن ( )‪َ (68‬وات ّ ُ‬ ‫حو ِ‬ ‫ض ُ‬‫ف َ‬ ‫في َفل ت َ ْ‬ ‫ضي ِ‬ ‫ؤلِء َ‬ ‫ن هَ ُ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫‪َ( (67‬قا َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن)‪(71‬‬ ‫عِلي َ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫ؤلِء ب ََناِتي إ ِ ْ‬ ‫ل هَ ُ‬ ‫ن )‪َ( (70‬قا َ‬ ‫مي َ‬‫ن الَعال ِ‬ ‫َ‬
‫م ن َن ْهَك عَ ِ‬ ‫َقاُلوا أوَل َ ْ‬
‫ن( )الحجر‪ (72:‬وأما ما زعمه بعض من لم‬ ‫مُهو َ‬ ‫م ي َعْ َ‬ ‫سك َْرت ِهِ ْ‬ ‫في َ‬ ‫م لَ ِ‬‫ك إ ِن ّهُ ْ‬ ‫مُر َ‬ ‫ل َعَ ْ‬
‫يقدر رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬حق قدره أنه ابتلي به في شأن‬
‫زينب بنت جحش وأنه رآها فقال ‪ ) :‬سبحان مقلب القلوب ( وأخذت بقلبه‬
‫ذي‬‫ل ل ِل ّ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫وجعل يقول لزيد بن حارثة ‪) :‬أمسكها ( حتى أنزل الله عليه ) وَإ ِذ ْ ت َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س َ‬
‫ك‬ ‫ف ِ‬ ‫في ِفي ن َ ْ‬ ‫خ ِ‬‫ه وَت ُ ْ‬ ‫ق الل ّ َ‬ ‫ك َوات ّ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ك َزوْ َ‬ ‫ك عَل َي ْ َ‬ ‫س ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ت عَل َي ْهِ أ ْ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَأن ْعَ ْ‬
‫م َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫أن ْعَ َ‬
‫َ‬ ‫شى الناس والل ّ َ‬
‫شاهُ ()الحزاب‪ (37:‬فظن هذا‬ ‫خ َ‬ ‫ن تَ ْ‬‫حق ّ أ ْ‬ ‫هأ َ‬ ‫ّ َ َ ُ‬ ‫خ َ‬‫ديهِ وَت َ ْ‬ ‫مب ْ ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫ما الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫الزاعم أن ذلك في شأن العشق وصنف بعضهم كتابا في العشق وذكر فيه‬
‫عشق النبياء وذكر هذه الواقعة وهذا من جهل هذا القائل بالقرآن وبالرسل‬
‫وتحميله كلم الله ما ل يحتمله ونسبته رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬ما‬
‫برأه الله منه فعن زينب بنت جحش كانت تحت زيد بن الحارثة وكان رسول‬
‫الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬قد تبناه وكان يدعى ابن محمد وكانت زينب فيها‬
‫شمم وترفع عليه فشاور رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬في طلقها‬
‫فقال له رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ ) : -‬أمسك عليك زوجك واتق‬
‫الله ( وأخفى في نفسه أن يتزوجها إن طلقها زيد وكان يخشى من قالة‬
‫الناس إنه تزوج امرأة ابنه لن زيدا كان يدعى ابنه فهذا هو الذي أخفاه في‬
‫نفسه وهذه هي الخشية من الناس التي وقعت له‪ ،‬ولهذا ذكر الله سبحانه‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذه الية يعدد فيها نعمه عليه ل يعاتبه فيها‪ ،‬وأعلمه أنه ل ينبغي له أن يخشى‬
‫الناس فيما أحل الله له وأن الله أحق أن يخشاه فل يتحرج مما أحله له لجل‬
‫قول الناس ثم أخبره أنه سبحانه زوجه إياها بعد قضاء زيد وطره منها لتقتدي‬
‫أمته به في ذلك ويتزوج الرجل امرأة ابنه بالتبني ل امرأة ابنه لصلبه ولهذا‬
‫ل أ َبنائ ِك ُم ال ّذين م َ‬
‫م ()النساء‪ (23:‬وقال‬ ‫صلب ِك ُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫حلئ ِ ُ ْ َ‬ ‫قال في آية التحريم ) وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م ()الحزاب‪ (40:‬وقال‬ ‫جال ِك ُ ْ‬ ‫ن رِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫حد ٍ ِ‬ ‫مد ٌ أَبا أ َ‬ ‫ح ّ‬‫م َ‬‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫في هذه السورة ) َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ()الحزاب‪(4:‬‬ ‫واهِك ُ ْ‬‫م ب ِأفْ َ‬ ‫م قَوْلك ُ ْ‬ ‫م ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫م أب َْناَءك ُ ْ‬ ‫عَياَءك ُ ْ‬ ‫ل أد ْ ِ‬‫جعَ َ‬‫ما َ‬ ‫في أولها ) وَ َ‬
‫فتأمل هذا الذب عن رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ودفع طعن‬
‫الطاعنين عنه وبالله التوفيق نعم كان رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫يحب نساءه وكان أحبهن إليه عائشة ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬ولم تكن تبلغ محبته‬
‫لها ول لحد سوى ربه نهاية الحب بل صح عنه أنه قال ‪ ) :‬لو كنت متخذا من‬
‫أهل الرض خليل لتخذت أبا بكر خليل ( وفي لفظ ) وإن صاحبكم خليل‬
‫الرحمن ( ‪.‬‬
‫فصل ‪ :‬وعشق الصور إنما يبتلى به القلوب الفارغة من محبة الله تعالى‬
‫والمعرضة عنه المتعوضة بغيره عنه فإذا امتل القلب من محبة الله والشوق‬
‫إلى لقائه دفع ذلك عنه مرض عشق الصور ولهذا قال الله تعالى في حق‬
‫ن(‬ ‫خل َ ِ‬
‫صي َ‬ ‫عَبادَِنا ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫شاَء إ ِن ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ف ْ‬ ‫سوَء َوال ْ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ف عَن ْ ُ‬ ‫صرِ َ‬ ‫يوسف ) ك َذ َل ِ َ‬
‫ك ل ِن َ ْ‬
‫)يوسف‪ (24:‬فدل على أن الخلص سبب لدفع العشق وما يترتب عليه من‬
‫السوء والفحشاء التي هي ثمرته ونتيجته فصرف المسبب صرف لسببه "‬
‫ا‪.‬هـ زاد المعاد ‪ 4/265‬وقال ‪ " :‬القسم الثالث ‪ :‬ما يكون وروده باختياره فإذا‬
‫تمكن لم يكن له اختيار ول حيلة في دفعه وهذا كالعشق أوله اختيار وآخره‬
‫اضطرار " ا‪.‬هـ عدة الصابرين ‪. 54/‬‬
‫من نظره بسهام غرضها قلبه‬ ‫وقال – رحمه الله تعالى ‪ " : -‬والناظر يرمي َ‬
‫وهو ل يشعر فهو إنما يرمي قلبه ولي من أبيات ‪:‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫يا راميا بسهام اللحظ مجتهدا*** أنت القتيل بما ترمي فل تصب‬
‫وباعث الطرف يرتاد الشفاء له *** توقه إنه يأتيك بالعطب "‬
‫روضة المحبين ‪97/‬‬
‫وقال –رحمه الله تعالى ‪ " : -‬وإنما شرف النفس وزكاتها وطهارتها وعلوها‬
‫بأن تنفي عنها كل خطرة ل حقيقة لها ول ترضى أن يخطرها بباله ويأنف‬
‫لنفسه منها ثم الخطرات بعد أقسام تدور على أربعة أصول ‪ :‬خطرات‬
‫يستجلب بها العبد منافع دنياه ‪ ,‬وخطرات يستدفع بها مضار دنياه ‪ ,‬وخطرات‬
‫يستجلب بها مصالح آخرته ‪ ,‬وخطرات يستدفع بها مضار آخرته فليحصر العبد‬
‫خطراته وأفكاره وهمومه في هذه القسام الربعة " ا‪.‬هـ الجواب الكافي ‪/‬‬
‫‪108‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫وفي الختام أذكر أصحاب المجلت والصحف والقنوات الفضائية والقائمين‬
‫عليها والمسئولين في وزارات العلم بتقوى الله تعالى في أنفسهم وفي‬
‫أبناء المسلمين فكل مطلع على تلك الصور فعليهم من الثام والوزار مثل‬
‫أوزارهم فكم من مشاهد وكم من مطلع عليها فويل لمن كان هلكه بذنوب‬
‫من دعا إلى ضللة كان‬ ‫غيره فقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم‪ ) : -‬و َ‬
‫من آثامهم شيئا ( رواه مسلم‬ ‫من تبعه ل ينقص ذلك ِ‬ ‫عليه من الثم مثل آثام َ‬
‫)‪ (2674‬من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه‪ -‬ول شك أن دخول وريع تلك‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المجلت والقنوات من الموال المحرمة التي ل يحل أكلها عن أبي بكر‬


‫الصديق – رضي الله عنه‪ -‬أن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال‪ ) :‬ل يدخل‬
‫الجنة جسد غذي بحرام ( رواه أبو يعلى )‪ ( 83‬والبزار ) ‪ ( 43‬والطبراني في‬
‫الوسط ) ‪ (5961‬وقال النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم ‪ ) -‬إن الله أبى أن‬
‫يدخل الجنة لحما نبت من سحت فالنار أولى به ( الحاكم ‪ 4/141‬وقال ‪ :‬هذا‬
‫حديث صحيح السناد ولم يخرجاه ‪ .‬وروى الترمذي ‪ (614‬نحوه من حديث‬
‫كعب بن عجرة –رضي الله عنه – وحسنه ‪ .‬ورواه أحمد ‪ 3/321‬والدارمي )‬
‫‪ (2726‬من حديث جابر رضي الله عنه‪ -‬وما هذه إل خطرات وإل فالموضوع‬
‫جد مهم والسكوت عنه له عواقب وخيمة وهو بحاجة إلى مشاركة الجميع من‬
‫علماء الشرع والسلطان والجتماع والنفس وغيرهم في علجه وبالله التوفيق‬
‫وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫خطر العولمة الثقافية‬


‫) وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله‬
‫فقد هدي إلى صراط مستقيم ( ‪.‬‬
‫إن الموقف المطلوب من المسلمين تجاه العولمة الثقافية والفكرية هو‬
‫التفاعل الحضاري والتعامل الثقافي الحذر ‪ ،‬القادر على التمييز بين النافع‬
‫والضار ‪ ،‬حفاظا ً على عقيدة المة وهويتها من التضليل والعبث الفكري‬
‫والثقافي ‪.‬‬
‫@@@ الحمد لله الذي ل إله إل ّ هو ‪ ،‬ل شريك له في ربوبيته وألوهيته‬
‫وأسمائه وصفاته ‪ .‬والصلة والسلم على خاتم النبياء محمد وعلى آله‬
‫وصحابته وبعد ‪:‬‬
‫@@@ فإن الدعوة إلى العولمة الثقافية ل تخرج في حقيقتها عن محاولة‬
‫لتذويب الثقافات والحضارات وإلغاء الخصوصيات الحضارية لصالح حضارة‬
‫الغالب ‪ ..‬وعالم المسلمين يعد أول المستهدفين ‪ ..‬ذلك أن الثقافة السلمية‬
‫التي تشكل هوية المة وقسمات شخصيتها الحضارية ‪ ،‬هي في ثوابتها من‬
‫عطاء معرفة الوحي ‪ ،‬لذلك فالستهداف يتركز حول عقيدة المة السلمية ؛‬
‫لن الدين ليس أمرا ً مفصول ً عن الثقافة ‪.‬‬
‫@@@ أعمدة الهيمنة الربعة ‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ولقد أصبح من الواضح في تحليل السياسة العالمية بصورة عامة منذ تفرد‬
‫الوليات المتحدة بكونها القوة الكبرى المهيمنة بعد سقوط التحاد‬
‫السوفيتي ‪ ،‬أن العولمة ما هي إل ّ أحد العمدة الربعة التي أوثقت بها دول‬
‫القلب ) الوليات المتحدة وأوروبا ‪ ،‬التي تشكل موقع صناعة القرار العالمي ‪،‬‬
‫ما حولها من العالم تفي أسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية وأوروبا الشرقية ‪-‬‬
‫والتي غدت ل تعني سوى كونها سوقا ً مربحة أو ساحة مصالح لدول القلب ‪-‬‬
‫أو ثقتها بهذه العمدة لتجبرها على البقاء تحت هيمنة دول القلب ‪ ،‬تجري في‬
‫فلكها لتضمن تحقق السيطرة الكفيلة بضمان تفوق الغرب على الشرق‬
‫والشمال على الجنوب ‪ ،‬وتدفق المصالح الستراتيجية من الشرق إلى الغرب‬
‫ومن الجنوب إلى الشمال‪.‬‬
‫@@@وأما العمدة الثلثة الخرى فهي ‪:‬‬
‫@@@الشرعية الدولية ‪:‬‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫حيث تحتكر دول القلب هذه الشرعية المتمثلة في ) المم المتحدة (‬
‫وتستعملها لسباغ الشرعية أو نزعها عن أي دولة تحاول التخلص من الوثاق‬
‫ذي العمدة الربعة التي أوثقت به دول القلب العالم ‪ ،‬ولم يعد يهم دول‬
‫القلب أن تتعسف وتتناقض وتكيل بمكيالين في استعمال أداة )الشرعية‬
‫الدولية( فتصدر قرارا ً من مجلس المن لعقاب من تريد ‪ ،‬لنه أعلن رفضه‬
‫لقانون الهيمنة الذي فرضته دول القلب على العالم ‪ ،‬بينما تكتفي بموقف‬
‫المتفرج في حالت أشد خطورة وانتهاكا ً لحقوق النسان وقيم المم المتحدة‬
‫‪ ،‬لسبب واضح وهو أن دول القلب لم تشعر بالحاجة إلى تحريك )الشرعية(‬
‫هنا لضمان مصالح أو تأديب خارج على قانونها ‪ ،‬قانون الهيمنة والسيطرة ‪.‬‬
‫@@@السلح ‪:‬‬
‫ـــــــــــــ‬
‫وبوسيلة هذا العمود تتحكم دول القلب بالحروب والتوترات العالمية ‪ ،‬وتأجج‬
‫أو تخمد مناطق الصراع العالمية على وفق مصالحها ‪.‬‬
‫@@@والخامات ‪:‬‬
‫ـــــــــــــــــ‬
‫مثل النفط والقمح ‪ ،‬وبوسيلة هذا العمود تتحكم دول القلب بالتنمية والتطور‬
‫والتكنولوجيا أيضا ً في الدول الواقعة في أحزمة مصالح دول القلب ‪ ،‬وذلك‬
‫وفق مصالحها وبما يضمن بقاء تفوقها وتدفق المصالح الستراتيجية إليها‪.‬‬
‫@@@والعولمة تعتمد على محورين أساسين ‪:‬‬
‫***المحور الول ‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــ‬
‫التجارة العالمية ‪.‬‬
‫***المحور الثاني ‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــ‬
‫العلم الذي يحمل الثقافة والفكر ‪.‬‬
‫@@@والعولمة التجارية يقصد بها ضمان تدفق رؤوس الموال الغريبة إلى‬
‫أسواق العالم ‪ ،‬وضمان تدفق المصالح المادية نحو دول القلب ‪ ،‬كما تقدم ‪..‬‬
‫والعولمة العلمية يقصد بها إخضاع العالم لقيم العالم الغربي ‪.‬‬
‫@@@الموقف من العولمة الفكرية والثقافية‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫***يمكن تلخيص المواقف تجاه العولمة في أربعة ‪:‬‬
‫***الول ‪:‬‬
‫ـــــــــــ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الموقف القابل للعولمة ‪ ،‬الذائب فيها ‪ ،‬المؤيد لها تأييدا مطلقا ‪.‬‬
‫***الثاني ‪:‬‬
‫ــــــــــــ‬
‫الموقف الرافض لها جملة وتفصيل ‪ً.‬‬
‫***الثالث ‪:‬‬
‫ــــــــــــ‬
‫الموقف الملفق الذي يحاول التلفيق بين ما تحمله العولمة والسلم‪.‬‬
‫***الرابع ‪:‬‬
‫ــــــــــــ‬
‫الموقف المتفاعل معها على أساس النتقائية المشوبة بالحذر ‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫@@@أما الموقف القابل بإطلق فهو موقف تابع ‪ ،‬و قد جلب ‪ ،‬ول يزال‬
‫يجلب سلبيات الحضارة الغربية ‪ ،‬لنه موقف قائم على الخلط بين مقومات‬
‫الحضارة النسانية التي هي بناء فكري ينبثق منه منهج للتعامل مع الخالق‬
‫والحياة والنسان والكون ‪ ،‬وبين اللت والتكنولوجيا التي هي منجزات علمية‬
‫مشتركة بين الناس ‪ ..‬فالول هي الحضارة وهي ل تستورد ول تشتري ول‬
‫يمكن نقلها من أمة إلى أمة إل ّ بإحداث انقلب جذري استئصالي ‪.‬‬
‫@@@وأما الموقف الرافض ‪ ،‬فهو موقف خاسر غير واقعي ‪ ،‬وسيؤدي إلى‬
‫النكفاء والنعزال فالموت الحضاري ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫@@@وأما الموقف الملفق وهو الموقف الذي يتزعمه بعض من يسمون‬


‫أنفسهم الليبراليين في عالمنا العربي ‪ ،‬والذي يعتبرون أنفسهم معتدلين ‪،‬‬
‫لن المتطرفين منهم هم أصحاب الموقف المؤيد تأييدا ً مطلقا ً للعولمة ‪..‬‬
‫ويدندن حول هذا الموقف من يسمون أنفسهم )اليسار السلمي ( أيضا ً ‪..‬‬
‫وهاتان الفئتان تضيعان وقت المة بممارستهما عملية )قص ولزق ( وبتر‬
‫لبعض قيم المة وعزلها من سياقها المتكامل لخضاعها للفلسفات المعاصرة‬
‫‪ ،‬وما هذا الصنيع إل ّ تكريس للغاء الذات أو تشويهها لصالح الجنبي‪.‬‬
‫@@@وأما الموقف الرابع القائم على التفاعل الحضاري الناقد والنتقائي‬
‫الحذر ‪ ،‬الذي يقوم على الفحص والتدقيق وتقليب الشعارات والتنقيب عن‬
‫المسميات ‪ ،‬فيكشف ما تحت بريق العولمة من الظلمات كالباحية والمادية‬
‫النفعية والميكافيلية الشريرة والستغلل الرأسمالي للنسان باسم التحرير ‪،‬‬
‫وفلسفة اللذة والمتعة وعبادة الدنيا ‪ ،‬ثم يأخذ ما في العولمة من الصواب‬
‫والخير بعد التمييز والتفتيش والنقد الموضوعي المنبثق من الثقة بالذات‬
‫والعتزاز بالهوية ‪ ،‬ويرفض ما في العولمة من الشر والضلل‪.‬‬
‫@@@الموقف الصواب من العولمة ‪:‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫@@@وهذا الموقف ل شك أنه هو الحق الذي يجب اتباعه ‪ ،‬وأصله في‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪...)):‬حدثوا عن بني‬ ‫الشريعة السلمية قول النب ّ‬
‫إسرائيل ول حرج(( رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ‪،‬‬
‫وورد في بعض ألفاظه ‪)):‬ولكن ل تصدقوهم ‪ ..‬ول تكذبوهم(( أخرجه البخاري‬
‫من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ‪ ..‬ووجه الستدلل به ‪ ،‬أنه إذن بالتفاعل‬
‫الحضاري والتواصل الثقافي مع ما عند أهل الكتاب ‪ ،‬غير أنه صلى الله عليه‬
‫وسلم أمر برفض ما يعارض القرآن وقبول ما يوافقه والحذر مما ل يعلم‬
‫صدقه من كذبه ‪.‬‬
‫@@@وحتى نبرهن على صحة هذا الموقف من العولمة ‪ ،‬نقف عند أهم‬
‫أخطارها الثقافية والفكرية على أمتنا ‪ ،‬لتأخذ حذرها وتدرك كيفية التعامل مع‬
‫وجهة العالم الجديد ‪ ،‬مما يمكنها من إبلغ رسالتها وإلحاق الرحمة بالعالمين‬
‫قياما ً بدورها في الشهود الحضاري‪.‬‬
‫@@@ أهم أخطار العولمة ‪:‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫***تعرف العولمة مطلقا ً بأنها ‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ظاهرة النتماء العالمي بمعناه العام ‪ ،‬وهي تعبير مختصر عن مفاهيم عدة ‪،‬‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فهي تشمل الخروج من الطر المحدودة ‪ -‬القليمية والعنصرية والطائفية ‪،‬‬


‫وغيرها ‪ -‬إلى النتماء العالمي العم ‪ ..‬ففي جانبها القتصادي تشمل النفتاح‬
‫التجاري وإلغاء القيود التجارية ‪ ،‬وتوفير فرص للتبادل التجاري الواسع‬
‫محكوما ً بقواعد السوق فقط ‪ ،‬بدون وجود إجراءات حمائية حكومية ‪ ..‬وفي‬
‫جانبها الفكري والثقافي هي النفتاح الفكري على الخر وعدم النغلق على‬
‫الذات ‪ ،‬ورفض التعصب الفكري الذي يدعو للغاء )الخر( ‪ ،‬ل لشيء سوى‬
‫أنه مغاير للفكر ‪ ..‬وفي جانبها السياسي هي شيوع تطبيق القانون على‬
‫الجميع ومراعاة الحقوق السياسية للنسان ‪..‬فهي باختصار الشعور بالنتماء‬
‫الكبير العالمي بدل ً من القتصار على النتماء المحلي القليمي ) الديني ‪،‬‬
‫العنصري ‪ ،‬الطائفي(‪.‬‬
‫***لكن هذا العرض اللطيف الذي حاول تجميل وجه العولمة ‪ ،‬ليس سوى‬
‫محاولة لخفاء حقيقتها التي تنطوي عليها أهدافها ‪.‬‬
‫@@@أهداف العولمة ‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬محاولة سيطرة قيم وعادات وثقافات العالم الغربي على بقية دول العالم‬
‫‪ ،‬خاصة النامي منها ‪ ،‬وإذابة خصائصها ‪.‬‬
‫‪ -2‬تهميش تميز دين السلم ‪ ،‬وإزالة الحدود الفاصلة بينه وبين غيره من‬
‫الديان الباطلة ‪ ،‬تمهيدا ً لشن هجوم على مبادئه وتعاليمه وصد الناس عن‬
‫اليمان به ‪.‬‬
‫‪ -3‬فرض مفهوم نهاية التاريخ بانتظار قيم العالم الرأسمالي الغربي انتصارا ً‬
‫نهائيا ً ‪ ،‬والتسليم بلزوم تسليم القيادة البشرية إلى ثقافة الغرب إلى البد ‪.‬‬
‫‪ -4‬إبقاء حال الهيمنة الغربية ‪ -‬بأعمدتها المذكورة آنفا ً ‪ -‬أطول فترة ممكنة‬
‫تحت ستار مصطلح العولمة ‪.‬‬
‫@@@هوية بل هوية ‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وباختصار العولمة هي في الحقيقة )هوية بل هوية ( وهدفها باختصار تفريغ‬


‫ثقافة )الغير( من محتواها واستدراجها إلى الثقافة الغربية بحيلة وشعار‬
‫مزيف يطلق عليه اسم )العولمة( ‪ ،‬لنه لو قيل للعالم )المركة( لنفر كثير‬
‫من الناس من هذه الدعوى ‪ ،‬فاستبدل باسم )العولمة( ‪ ،‬فكأنهم يقولون‬
‫تعالوا لنصير جميعا ً عالما ً واحدا ً ‪ ،‬وننصهر في ثقافة واحدة ‪ ،‬ونحتكم إلى‬
‫قوانين عالمية واحدة ‪ ،‬وتسيرنا ثقافة وعادات واحدة أو متقاربة حتى نتعايش‬
‫ونتفاهم ول تقع بيننا الحروب ‪...‬إلخ ‪ ،‬حتى إذا وقع المدعوون في هذا الفخ ‪،‬‬
‫اكتشفوا أنهم في قفص المركة والعالم الغربي ‪ ،‬ثم وجدوا اللفتة التي‬
‫تحمل اسم )العولمة( تساقطت حروفها واختفت كهيئة الحبر السري ‪ ،‬وظهر‬
‫من تحتها اسم جديد وشعار جديد هو )التغريب( ‪ ،‬واكتشف المخدوعون أن‬
‫حضاراتهم سلبت من حيث ل يشعرون ‪ ،‬وثقافتهم ذابت من حيث ل يعلمون ‪،‬‬
‫وهويتهم طمست بالتدريج من حيث ل يدرون‪.‬‬
‫***إذن العولمة في النهاية هي نتيجة انهيار نظام عالمي كان يقوم على‬
‫)القطبية الثنائية ( بانهيار أحد قطبيه ‪ -‬وهو التحاد السوفيتي ‪ -‬وسيطرة‬
‫قطب واحد أخذ يهيمن بانتهاء الحرب الباردة على العالم سياسيا ً وعسكريا ‪.‬‬
‫ً‬
‫*** هذا القطب الواحد ‪ -‬كما أشرنا في مطلع هذه المقالة ‪ -‬يستخدم آلت‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كثيرة خداعة للسيطرة الفكرية والثقافية على العالم تحت شعار كبير اسمه‬
‫)العولمة(‪ ..‬وقد بدأت تظهر آثار سياسة هيمنة وسيطرة القطب الواحد )دول‬
‫القلب( بملمح حملة تغريب النسان في أفكاره ومنهاج تعليمه ‪ ،‬وفي طراز‬
‫حياته‪ ،‬وفي طعامه وشرابه ‪ ،‬حتى في صورته الظاهرية وشكله الخارجي ‪،‬‬
‫التي أصبحت ظاهرة منتشرة في شباب اليوم الذي يحمل جراثيم التغريب ‪،‬‬
‫باتت هذه القبعات الجديدة تذكرنا بالقبعة التي فرضها أتاتورك على الشعب‬
‫التركي عندما أعلن أول خطوات النهزام أمام التغريب عند بدء عصر‬
‫النحطاط أول هذا القرن ‪.‬‬
‫@@@المخاوف من العولمة على العالم السلمي‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫@@@أول ً ‪ :‬تهديد العولمة لصل العقيدة السلمية ‪:‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫لعل من أخطر ما تحمله العولمة هو تهديدها لصل العقيدة السلمية ‪ ،‬وذلك‬
‫لن العولمة تشتمل على الدعوة إلى وحدة الديان ‪ ،‬وهي دعوة تنقض عقيدة‬
‫السلم من أساسها ‪ ،‬وتهدمها من أصلها‪ ،‬لن دين السلم قائم على حقيقة‬
‫أنه الرسالة الخاتمة من الله تعالى للبشرية ‪ ،‬الناسخة لكل الديان السابقة‬
‫التي نزلت من السماء ثم أصابها التحريف والتغيير ‪ ،‬ودخل على أتباعها‬
‫النحراف العقائدي‪.‬‬
‫والعولمة تحمل في طياتها اعتبار الديان كلها سواء ‪ ،‬وأن الحق في هذه‬
‫ح في العولمة الفكرية‬ ‫الدائرة نسبي بحسب اعتقاد كل أمة ‪ ..‬ول يص ّ‬
‫والثقافية اعتبار دين السلم هو الحق الذي ليس بعده إل ّ الضلل ‪ ،‬ولهذا‬
‫تشجع العولمة ما يسمى )حوار الديان( ‪ ،‬ل على أساس دعوة الديان الخرى‬
‫إلى السلم ‪ ،‬بل على أساس إزالة التمييز بين السلم وغيره بالحوار الذي‬
‫يتوقعون أنه سيحمل المسلمين على التنازل عن اعتزازهم بدينهم واعتقادهم‬
‫ببطلن غيره ‪ ،‬وبذلك يزول التعصب وتتقارب الديان ‪ ..‬وتتجلى خطورة هذه‬
‫الدعوة في كونها تنقض عقد السلم من أصله ‪ ،‬فعقد السلم ل يستقيم إل ّ‬
‫مع اعتقاد بطلن كل الديان الخرى ‪ ،‬واليمان ل يعد صحيحا ً إل ّ على أساس‬
‫قوله تعالى‪ُ } :‬قل يا أيها الكافرون * ل أعبد ما تعبدون { )الكافرون ‪، (2-1:‬‬
‫أي باعتقاد كفر كل من يعبد غير الله تعالى ‪ ،‬أو يزعم أنه يعبد الله تعالى بغير‬
‫دين السلم وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬كما قال تعالى‪}:‬ومن‬
‫يبتغ غير السلم دينا ً فلن ُيقبل منه وهو في الخرة من الخاسرين{ )آل‬
‫عمران‪ ،(85:‬وقوله‪}:‬إن الدين عند الله السلم{ )آل عمران ‪. (19 :‬‬
‫كما يعبر عن هذه الحقيقة علماء السلم بأن من نواقض السلم ‪ ،‬من لم‬
‫يكفر المشركين والكفار أو شك في كفرهم أو صحح دينهم ‪ ..‬والكفار هم‬
‫أتباع كل دين غير دين السلم بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وقولهم ‪ :‬إن من نواقض السلم أيضا ً من اعتقد جواز الخروج عن شريعة‬
‫رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫@@@ ثانيا ً ‪ :‬تهديد العولمة للمفاهيم الساسية في العقيدة السلمية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ــــــــــــــــ‬
‫@@@ كما أن العولمة تسعى لعادة تشكيل المفاهيم الساسية عن الكون‬
‫والنسان والحياة عند المسلمين ‪ ،‬والستعاضة عنها بالمفاهيم التي يروج لها‬
‫الغرب ثقافيا ً وفكريا ً ‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫*** فالكون ‪ -‬في نظر العولمة الثقافية والفكرية ‪ -‬لم يخلق تسخيرا ً للنسان‬
‫‪ ،‬ليكون ميدان امتحان للناس ولبتلئهم أيهم أحسن عمل ً !! والنسان لم‬
‫يخلق لهدف عبادة الله تعالى!! والحياة ليست صراعا ً ابتدأ منذ خلق النسان‪،‬‬
‫بين الحق الذي يمثله الرسل والنبياء وأتباعهم الذين يدعون إلى سبيل الله‬
‫تعالى بالوحي ‪ ،‬وبين الباطل الذي يدعو إليه الشيطان ‪ ..‬والشيطان ليس هو‬
‫الذي يقود ‪ -‬في الحقيقة ‪ -‬معركة الباطل ويجند لها جنوده من الرجال‬
‫والنساء كما قال سبحانه وتعالى‪}:‬وأجلب عليهم بخيلك ورجلك{)السراء ‪:‬‬
‫‪ .. (64‬وقال سبحانه وتعالى‪} :‬ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين‬
‫تؤزهم أزا { )مريم ‪ ، (83 :‬وقال الله تعالى ‪ } :‬الذين آمنوا يقاتلون في‬
‫سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقتلوا أولياء الشياطين‬
‫إن كيد الشيطان كان ضعيفا{ )النساء‪ ،(76:‬وقال سبحانه ‪}:‬كمثل الشيطان‬
‫إذ قال للنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك{ )الحشر‪... (16:‬هذه‬
‫المفاهيم الساسية للعقيدة السلمية ‪ ،‬ليست في نظر العولمة الفكرية‬
‫والثقافية سوى خرافة ‪.‬‬
‫*** كما أن الموقف من أمم الرض ‪ -‬في نظر العولمة الفكرية والثقافية ‪-‬‬
‫ليس على أساس المفهوم القرآني القائم على التقسيم العقائدي إلى ‪:‬‬
‫أ‪)) -‬المسلمون تتكافأ دماؤهم ‪ ،‬ويسعى بذمتهم أدناهم ‪ ،‬وهم يد على من‬
‫سواهم((أخرجه احمد وأبو داود و غيرهما ‪ ،‬وأنه تجب موالة المسلم لخيه‬
‫المسلم ونصرته ‪ ،‬وأن يكونوا أمة واحدة تجمعها العقيدة ول تفرقها أي‬
‫وشيجة أخرى ‪.‬‬
‫ب‪ -‬وإلى كفار تجري عليهم الحكام الشرعية بحسب علقتهم بالمسلمين ‪.‬‬
‫@@@ هذه المفاهيم القرآنية السلمية الساسية كلها تنقضها العولمة‬
‫الفكرية والثقافية من أصلها ‪ ،‬وتهدمها من أساسها ‪ ،‬فالكون ‪ -‬في نظر‬
‫العولمة ‪ -‬ما هو إل ّ ميدان تنافس على المصالح الدنيوية ‪ ،‬والنسان حيوان‬
‫دائب البحث عن ملذاته وشهواته ومنافعه ‪ ،‬وليست الحياة سوى فرصة‬
‫قصيرة ل ينبغي أن تضيع في غير اللذة والشهرة والجنس والمال والثروة‬
‫والجمال‪ ،‬وليس وراءها شيء آخر ‪ ،‬وما هي إل ّ سباق بين الناس في هذا‬
‫ح‬
‫الميدان ل ينقصه سوى تنظيم هذه اللعبة لئل تفسد على الجميع ‪ ،‬ول يص ّ‬
‫التفريق بين الناس على أساس عقائدهم فهم أمة واحدة في النسانية تجري‬
‫عليهم أحكام واحدة ل يجوز بحال أن تتفاوت هذه الحكام بسبب الدين أو‬
‫العقيدة ‪.‬‬
‫@@@ إن خطورة العولمة الفكرية والثقافية تكمن في أنها تعمل على‬
‫إعادة تشكيل المفاهيم الساسية التي تشكل أصول عقيدة المسلم ‪ ،‬بل‬
‫تنقضها ‪ ،‬وتستعيض عنها بمفاهيم غربية كافرة ملحدة ل تؤمن بوجوب عبادة‬
‫الله واتباع الوحي والستعداد للخرة ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬تهديد العولمة لمبادئ الشريعة السلمية ‪:‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫@@@ كما أن العولمة تحمل في طياتها نقضا ً لحكام الشريعة السلمية ‪،‬‬
‫بفرضها مبادئ تخالف الشريعة‪.‬‬
‫‪ -‬تسويق العولمة لوهم المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة ‪:‬‬
‫‪ -‬ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪-‬‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫**** ومن المثلة الواضحة على هذا قضية فرض مفهوم المساواة المطلقة‬
‫بين الرجل والمرأة ‪ ،‬فهذا المفهوم منصوص عليه في الميثاق العالمي‬
‫لحقوق النسان ‪ ،‬ومقتضاه إزالة جميع الفوارق في الحكام والحقوق‬
‫والواجبات بين الرجل والمرأة ‪ ،‬وهو المر الذي يتناقض مع الشريعة‬
‫السلمية التي تقوم على أساس الفرق الفطري والخلقي بين الرجل‬
‫والمرأة ‪ ..‬ذلك الفرق الذي يقتضي اختلفا ً في بعض الحكام والحقوق‬
‫والواجبات بحسب اختلف الستعدادات الفطرية والمؤهلت التكوينية بينهما ‪،‬‬
‫ولهذا نجد الشريعة السلمية تقرر أن مبدأ عدم المساواة المطلقة بين‬
‫الرجال والنساء أمر قطعي الثبوت والدللة ‪ ،‬ول خلف فيه ‪ ،‬ول مجال فيه‬
‫للجتهاد ‪ ..‬ونفي المساواة المطلقة ل يقتضي نفي مطلق المساواة كما ل‬
‫يخفي ‪.‬‬
‫‪ -‬الشريعة السلمية تقوم على أساس الفروق بين الجنسين ‪:‬‬
‫‪ -‬ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪-‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫*** على هذا قام الفقه السلمي ‪ ،‬ودلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة‬
‫وإجماع العلماء ‪ ..‬وبدءا ً من باب الطهارة إلى باب الشهادات ‪ ،‬آخر أبواب‬
‫الفقه السلمي ‪ ،‬نجد المرأة والرجل يجتمعان في أحكام ويختلفان في‬
‫أحكام أخرى ‪ ..‬ومن صور الختلفات ما جاء في أحكام الحيض والنفاس ‪،‬‬
‫وأحكام لباس المرأة في الصلة ‪ ،‬وعدم وجوب الجمعة والجماعة عليها ‪،‬‬
‫وكون صلتها في بيتها أفضل‪ ،‬وأنها ممنوعة من الذان بإجماع العلماء ‪ ،‬ومن‬
‫إمامة الرجال في الصلة وخطبة الجمعة لهم بإجماع العلماء ‪ ،‬وأنها تصفق‬
‫لتنبيه المام إذا سهى ول تسبح كالرجال ‪ ،‬وأن صفوف النساء في الصلة‬
‫وراء صفوف الرجال ‪ ،‬ول يجوز تقدمهن ول اختلطهن بصفوف الرجال‬
‫بإجماع الفقهاء ‪ ،‬و))خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها(( أخرجه مسلم ‪،‬‬
‫بعكس الرجال ‪.‬‬
‫ً‬
‫*** ومن المثلة أيضا على الختلف ‪ ،‬إحرامها للحج والعمرة في بعض‬
‫الحكام‪ ،‬وفي عدم وجوب الجهاد عليها ‪ ،‬وفي اختلف أحكام الميراث‬
‫والنفقة وجعل الطلق بيد الرجل في الصل ‪ ،‬وتقديمها في الحضانة في‬
‫الجملة ‪ ،‬وفي تحريم الخلوة بها ‪ ،‬وفي تحريم التبرج ‪ ،‬وعدم قبول شهادتها‬
‫في الحدود والدماء‪.‬‬
‫*** وهذا كله على سبيل المثال ‪ ،‬وإل ّ فثمة أحكام كثيرة غير هذه قد أجمع‬
‫العلماء على أن المرأة ل تتساوى فيها والرجل ‪ ،‬كما دل على ذلك صريح‬
‫قوله سبحانه وتعالى ‪} :‬وليس الذكر كالنثى{ )آل عمران‪.(36:‬‬
‫***وأما العولمة فإنها كما ترفض التمييز بين الناس على أساس اليمان‬
‫والكفر ‪ ،‬ترفض أيضا التمييز بين الرجل والمرأة ‪ ،‬مناقضة لحكام الشريعة‬
‫السلمية التي بنيت على أساس التقسيم الوظيفي بين الرجل والمرأة في‬
‫المجتمع ‪ ،‬وأن دور كل منهما مكمل لدور الخر في النظام الجتماعي‬
‫السلمي ‪ ،‬بناء على أساس أن التكوين الخلقي للمرأة يختلف عن الرجل ‪،‬‬
‫وأن مؤهلتها واستعدادتها الفطرية تقتضي توليها دورا ً ما في المجتمع يختلف‬
‫عن دور الرجل ‪ ،‬وهو الدور السري ‪.‬‬
‫*** إن الحقائق العلمية لتؤكد الفرق البيولوجي الساس بين الجنسين ‪ ،‬ول‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بأس أن أستشهد هنا بما أورده مؤلفا كتاب جنس الدماغ ) ‪( Brainsex‬‬
‫الدكتور في علم الوراثة ))آن موير(( و ))ديفيد جيسيل ((‪ ،‬وهو في الحقيقة‬
‫مؤلف اشترك فيه أكثر من )‪ (25‬اختصاصي على رأسهم رائدة علم الفروق‬
‫الدكتورة ))كوراين هت (( ‪ ،‬لنهما نقل نتيجة إجابات كل هؤلء الخصائيين في‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫****يقول مؤلفا الكتاب في المقدمة ‪ )) :‬تمت صياغة المادة الساسية لهذا‬
‫الكتاب من أبحاث قام بها علماء كثيرون من جميع أنحاء العالم((‪ ..‬ثم قال‬
‫في وصف دقيق للحقيقة التي توصل إليها بعد أبحاث مضنية ‪)):‬الرجال‬
‫مختلفون عن النساء ‪ ،‬وهم ل يتساوون إل ّ في عضويتهم المشتركة في‬
‫الجنس البشري ‪ ..‬والدعاء بأنهم متماثلون في القدرات والمهارات والسلوك‬
‫تعني بأننا نقوم ببناء مجتمع يرتكز على كذبة بيولوجية وعلمية ‪ ،‬فالجنسان‬
‫مختلفان ‪ ،‬لن أدمغتهم تختلف عن بعضهما ‪ ،‬فالدماغ وهو العضو الذي‬
‫يضطلع بالمهام الرادية والعاطفية في الحياة ‪ ،‬قد تم تركيبه بصورة مختلفة‬
‫عند كل منهما ‪ ،‬والذي ينتج عنه في النهاية اختلف في المفاهيم والولويات‬
‫والسلوك ((‪.‬‬
‫*** وإنما أطلت في هذا المثال ‪ ،‬لن حمى مبدأ المساواة بين الرجل‬
‫والمرأة أضحت موجة آخذة في الصعود في الخليج ‪ ،‬متساوقة مع تنامي‬
‫الدعوة إلى العولمة الثقافية والفكرية ‪ ،‬ولنها قضية بالغة الخطورة ‪ ،‬لن‬
‫الغرب يسعى من خللها إلى إعادة تشكيل النظام الجتماعي في المجتمعات‬
‫الخليجية وفقا ً للمفاهيم الغربية ‪.‬‬
‫إنه مثال واضح لما تفرضه العولمة من مبادئ وتشريعات تناقض الشريعة‬
‫السلمية ومبادئها ‪.‬‬
‫@@@رابعًا‪ :‬تهديد العولمة للخلق السلمية ‪:‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫**** كما أن العولمة تهدد النظام الخلقي السلمي ‪ ،‬فمن خلل العولمة‬
‫يروج للشذوذ الجنسي ‪ ،‬ويحاول الغرب استصدار قوانين لحماية الشذوذ‬
‫الجنسي في العالم ‪ ..‬ومن أحدث محاولت العولمة محاولة فرض مصطلح‬
‫جديد يطلق عليه )‪ ( Gender‬بدل كلمة ) ‪ ، ( sex‬يقول الدكتور محمد الركن‬
‫في مجلة المستقبل السلمية ‪)) :‬ومن المسائل الجديد المستحدثة التي‬
‫تحاول بعض المنظمات والحكومات الغربية فرضها وإلزام شعوب العالم‬
‫الخرى بوجهة نظرهم فيها مسألة تعريف الجنس والسرة ‪ ،‬ومما حداني‬
‫للحديث حول هذا الموضوع ما شاهدته في المستندات الرسمية ‪ ،‬فقد تمت‬
‫ترجمة الجنس الغربي إلى مصطلح )‪ ( Gender‬باللغة النجليزية ‪ ،‬وهي تنم‬
‫عن عدم إلمام بما يسعى إليه الغربيون في فرض ثقافتهم على الخرين ‪،‬‬
‫فلفظة الجندر ل تتطابق تماما ً مع لفظة ) ‪ ، ( sex‬بل إن لها أبعادا ً خطيرة‬
‫قلما نتنبه إليها ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫*** والموسوعة البريطانية تعرف الجندر بأنه ‪)) :‬تقبل المرء لذاته ‪ ،‬وتعريفه‬
‫لنفسه كشيء متميز عن جنسه البيولوجي الحقيقي ((‪ ..‬فهناك من الشخاص‬
‫من يرون أنه ل صلة بين الجنس والجندر ‪ ،‬إذ أن ملمح النسان البيولوجية‬
‫الخارجية الجنسية مختلفة عن الحساس الشخصي الداخلي لذاته أو للجندر‪..‬‬
‫بعبارة أخرى أكثر تبسيطا ً ‪ ،‬فإن الجندر بعبارتهم تنصرف إلى غير الذكر‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والنثى كجنسين فقط‪ ،‬ونحن ل نعرف ول نقر في ديننا وثقافتنا إل ّ بهما ‪،‬‬
‫فالجندر تشمل الشاذين جنسيا ً من سحاقيات ولواطيين ومتحولي الجنس ‪ ،‬إذ‬
‫أنها ترتبط بتعريف المرء لذاته وهويته وليس بجنسه البيولوجي ‪ ..‬ومن هنا‬
‫تأتي خطورة المسألة ‪ ،‬ولهذا نرى في المؤتمرات الدولية تسابقا ً محموما ً من‬
‫المنظومات الغربية وبعض الحكومات الغربية ‪ ،‬وخصوصا ً الوربية لفرض لفظ‬
‫) ‪ ( Gender‬بدل لفظ ) ‪ ( sex‬التي تنصرف إلى الذكر والنثى فقط ‪ ،‬وذلك‬
‫عند الحديث عن حقوق النسان أو محاربة التمييز ضد النسان أو تجريم‬
‫أفعال ترتكب ضد النسان (( ‪.‬‬
‫@@@@خاتمة ‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وبعد هذا العرض لمخاطر العولمة ‪ ،‬ل يبقى مجال للشك أن الموقف الواجب‬
‫تجاه العولمة الثقافية والفكرية هو التفاعل الحضاري والتعامل الثقافي‬
‫النتقائي بحذر‪ ،‬حفاظا ً على عقيدة المة وهويتها وأخلقها من عبث العولمة‬
‫الفكرية والثقافية‪ ..‬ول يتم ذلك إل ّ بإحياء مشروع نهضوي ثقافي شامل يعيد‬
‫للمة ثقتها بثقافتها واعتزازها بتاريخها وفخرها بهويتها ‪ ،‬على أساس اللتفاف‬
‫حول السلم النقي الخالص من شوائب الموروث المتخلف ‪ ،‬بفهم صحيح‬
‫يضع الثوابت والمتغيرات في مواضعها الصحيحة ‪ ،‬ويوجه الجتهاد الشرعي‬
‫العصري توجيها ً سليما ً جامعا ً بين الصالة والسس السلفية ‪ ،‬والستفادة من‬
‫المعاصرة النافعة ‪ ،‬وسطا ً بين الغلو والجحاف ‪ ..‬ذلك أن الموقف الرافض‬
‫المنكفئ العاجز عن التعامل مع حقبة العولمة ‪ ،‬يحمل من المخاطر على‬
‫المة المسلمة وطمس هويتها وتوهين قيمها وعزلها عن الواقع العالمي‬
‫الشيء الكثير ‪ ،‬لذلك لبد من التفكير بامتلك الوسائل القادرة على حماية‬
‫المة ‪ ،‬والفادة من وسائل العولمة وطروحاتها لتقديم البديل السلمي على‬
‫المستوى العالمي ‪.‬‬
‫كما لبد من تفعيل كل جهود الوحدة التي تقرب المة ‪ ،‬حكومات وشعوبا‪ً،‬‬
‫من بعضها ‪ ،‬وتقرب الحكام من الشعوب والشعوب من الحكام ‪ ،‬وتصلح بين‬
‫السياسة والثقافة ‪ ،‬والحكام والعلماء‪ ،‬وتجمع بين الكتاب والميزان والحديد ‪،‬‬
‫لتعود هذه المة إلى مجدها من جديد ‪ ..‬حيث تتمكن من حشد قواها التي‬
‫تمكنها من استئناف دورها في إلحاق الرحمة بالعالمين ‪.‬‬
‫والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫خطر اللسان‬
‫يتناول الدرس نعمة اللسان وما يمكن أن يجنيه صاحبه من خيرات إذا‬
‫استقام‪ ،‬مع عرض لكنوز من السنة من أعمال اللسان‪ ،‬ثم تذكير الغافلين‬
‫عن نعمة اللسان‪ ،‬ومن يستعملونه فيما فيه الخسران‪ ،‬ثم دعوة إلى تعود‬
‫الخير وشكر نعمة اللسان ‪.‬‬
‫در فهدى‪ ،‬لإله إل هو؛ له الحمد في‬ ‫وى‪،‬وق ّ‬ ‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬خلق فس ّ‬
‫ن الله تعالى بها على‬ ‫الخرة والولى‪ ،‬أما بعد‪ :‬فمن جملة النعم التي امت ّ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن على عباده بآلة الكلم‪ ،‬وهي اللسان ‪ }:‬أل ْ‬ ‫عباده‪ :‬البيان والكلم‪ ،‬فامت ّ‬
‫ن]‪] {[10‬سورة البلد[‬ ‫جد َي ْ ِ‬
‫ن]‪[9‬وَهَد َي َْناهُ الن ّ ْ‬‫فت َي ْ ِ‬ ‫ساًنا وَ َ‬
‫ش َ‬ ‫ن]‪[8‬وَل ِ َ‬ ‫ل لَ ُ‬
‫ه عَي ْن َي ْ ِ‬ ‫جعَ ْ‬
‫نَ ْ‬
‫ن الله تعالى باللسان؛ لنه آلة البيان والكلم‪ ،‬وهو الفارق بين‬ ‫وإنما امت ّ‬
‫ه‬
‫م ُ‬ ‫ّ‬
‫ن]‪[3‬عَل َ‬‫سا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫خلقَ ال ِن ْ َ‬ ‫العجم الحيوان وبين النسان‪ ،‬ولهذا قال تعالى‪َ }:‬‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن]‪] {[4‬سورة الرحمن[ فالعجم هوالذي لينطق كالحيوان‪ :‬سواء‬ ‫ال ْب ََيا َ‬
‫أكرمته‪ ،‬أو أهنته ليس له قدرة على البانة والكلم‪ ،‬وأما النسان‪ ،‬فهو ناطق‬
‫متكلم‪ ،‬وبنطقه وكلمه يتبين إن كان عاقل ً رشيدًا‪ ،‬أو كان ضد ذلك ‪ .‬حصاد‬
‫اللسان إذا استقام‪:‬‬
‫هذا الكلم الذي امتن الله تعالى به على العبد يمكن أن يرتقي به النسان‬
‫إلى أعلى الدرجات‪،‬ويمكن أن ينحط به إلى أسفل الدركات‪ ،‬فانظر كيف بّين‬
‫الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بعض وظائف اللسان‬
‫قوُلوا ال ِّتي‬ ‫ل ل ِعَِباِدي ي َ ُ‬ ‫المشروعة يقول الله عز وجل في كتابه الكريم‪ {:‬وَقُ ْ‬
‫ْ‬ ‫ن َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫َ‬
‫مِبيًنا]‪[53‬‬ ‫ن عَد ُّوا ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫ن ل ِل ِن ْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫طا َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ن ي َن َْزغ ُ ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫طا َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫هِ َ‬
‫} ]سورة السراء[ فأمر بالكلم الطيب الذي هو أحسن‪ ،‬وقال تعالى‪{:‬‬
‫ُ‬
‫سًنا‪] }[83]...‬سورة البقرة[ أي‪ :‬تكلموا مع الناس بالكلم‬ ‫ح ْ‬ ‫س ُ‬ ‫وَُقولوا ِللّنا ِ‬
‫الحسن الفاضل‪ :‬من المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬والدعوة إلى الله‪،‬‬
‫والحسان إلى المحسن و الثناء عليه بإحسانه‪ ،‬ومن ذم المسيء بإساءته‪...‬‬
‫وغير ذلك مما هو مشروع‪.‬‬
‫كنوز من السنة‪:‬‬
‫ن‬
‫قيلَتا ِ‬ ‫َ‬ ‫نث ِ‬ ‫َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ّ‬
‫ن عَلى الل َ‬ ‫َ‬ ‫فَتا ِ‬ ‫في َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مَتا ِ‬ ‫َ‬
‫م قال‪':‬كل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫صّلى الل ُ‬
‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫وَعَ ْ‬
‫ه'‬ ‫د‬ ‫م‬
‫ِ َِ َ ْ ِ ِ‬ ‫ح‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫حا‬ ‫ب‬
‫ِ َ ِ ِ ُ ْ َ َ‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ظي‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ن‬ ‫حا‬
‫ّ ْ َ ِ ُ ْ َ َ‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ِفي ِ َ ِ َ ِ َ َ ِ ِ‬
‫إ‬ ‫ن‬ ‫تا‬ ‫ب‬ ‫بي‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫زا‬ ‫مي‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬
‫صّلى‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه وأحمد ‪ .‬وَقا َ‬
‫مت َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الل ّه عَل َيه وسل ّم‪ ':‬ل َقيت إبراهيم ل َيل َ َ ُ‬
‫ك‬ ‫مد ُ أقْرِئْ أ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل َيا ُ‬ ‫قا َ‬ ‫سرِيَ ِبي فَ َ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ِ ُ ِْ َ ِ َ ْ‬ ‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫ة ال ْماِء وأ َنها قيعان وأ َ‬ ‫ُ‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ة‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫ة‬
‫ُ‬ ‫ب‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ط‬ ‫ة‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫خبرهُم أ َ‬ ‫ْ‬ ‫مني السَلم وأ َ‬
‫َ ٌ َ ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ َ ِْ ْ ّ‬ ‫ِ ّ‬
‫ه أك ْب َُر 'رواه الترمذي ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ه َوالل ُ‬ ‫ه إ ِل الل ُ‬ ‫مد ُ ل ِلهِ وَل إ ِل َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن اللهِ َوال َ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫سَها ُ‬ ‫ِغَرا َ‬
‫صلى‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫فبذلك تغرس ثمار الجنة وأشجارها ‪ .‬وفي حديث آخر‪َ :‬قا َ‬
‫هّ‬
‫ن الل ِ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫ميَزا َ‬ ‫مَل ُ ال ْ ِ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ت َ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن َوال ْ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫لي َ‬ ‫شط ُْر ا ْ ِ‬ ‫م‪ ':‬الط ُّهوُر َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫حمد ُ ل ِل ّهِ ت َمَل َن أو ت َ ُ‬
‫صد َقَ ُ‬
‫ة‬ ‫صَلة ُ ُنوٌر َوال ّ‬ ‫ض َوال ّ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫مَل َ‬ ‫ْ ِ ْ ْ‬ ‫َوال ْ َ ْ‬
‫ه‬ ‫دو فََباي ِعٌ ن َ ْ‬ ‫ك كُ ّ‬ ‫ك أوْ عَل َي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ة لَ َ‬ ‫ضَياٌء َوال ْ ُ‬
‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫س ي َغْ ُ‬ ‫ل الّنا ِ‬ ‫ج ٌ‬‫ح ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫قْرآ ُ‬ ‫صب ُْر ِ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫ها ٌ‬ ‫ب ُْر َ‬
‫َ‬
‫قَها'رواه مسلم والترمذي وابن ماجه والدارمي وأحمد ‪ .‬فذكر‬ ‫موب ِ ُ‬ ‫قَها أوْ ُ‬ ‫معْت ِ ُ‬ ‫فَ ُ‬
‫الله‪ ،‬وتسبيحه‪ ،‬وشكره‪ ،‬وقراءة القرآن‪ ،‬والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬
‫هي من الكلم الطيب الذي يؤجر به النسان‪ ،‬ومن نعمة الله تعالى أنه ل‬
‫أسهل على النسان من الكلم المتعلق بالذكر‪ ،‬فهو كلم سهل المخرج‪ ،‬ليس‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫على النسان مشقة فيه أبدا ً بل هذا من الدين الميسر كما َقا َ‬
‫سٌر ‪ '...‬رواه البخاري والنسائي‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ذا ال ّ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م‪ ':‬إ ِ ّ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫وأحمد ‪.‬‬
‫ومن يسر الدين أن أعظم الدين وهي الشهادة؛ أسهل ما تكون على اللسان‬
‫ينطقها العربي والعجمي‪ ،‬والصغير والكبير‪ ،‬والصحيح والمريض‪ ،‬سليم‬
‫اللسان واللثغ‪ ،‬كلهم ينطقون بهذه الكلمة‪' :‬ل إله إل الله' وهذه الكلمة بها‬
‫يعذب الله تعالى وبها يرحم‪ ،‬وبها يدخل الجنة وبها يدخل النار‪ ،‬فمن آمن بها‬
‫ونطقها وعمل بمقتضاها ُرحم وكان من أهل الجنة وعصم ماله ودمه في هذه‬
‫الدار‪ ،‬ومن أبى أن ينطقها‪ ،‬أو يعترف بها‪ ،‬أو ناقضها‪ :‬بقول‪ ،‬أو فعل‪ ،‬أو‬
‫عذب وشقي في الدنيا‪ ،‬وكان في الخرة إلى نار جهنم وبئس‬ ‫استكبر عنها؛ ُ‬
‫المصير‪ ،‬مع سهولتها ويسرها ‪.‬‬
‫نعمة الذكر‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن الشياء التي امتن الله بها علينا أنه أذن لنا بذكره تعالى‪ ،‬ولهذا قال‬
‫سبحانه‪ {:‬في بيوت أ َذن الل ّ َ‬
‫ه]‪] }[36‬سورة النور[‬ ‫م ُ‬‫س ُ‬ ‫ن ت ُْرفَعَ وَي ُذ ْك ََر ِفيَها ا ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُُ ٍ ِ َ‬ ‫ِ‬
‫وكأن هذا إشارة إلى أن العبد قد ل يحتاج إلى أن يؤمر بالذكر بقدر ما يحتاج‬
‫إلى أن يؤذن له‪ ،‬فإن النسان العاقل‪ ،‬سليم الفطرة إذا تذكر عظيم نعم الله‬
‫عليه في أهله‪ ،‬وماله‪ ،‬ونفسه‪ ،‬وفي كل أموره؛ فإنه يلهج وينطلق بذكر الله‬
‫تعالى والثناء عليه‪ ،‬فإذا أذن الله تعالى له بالذكر؛ فقد أذن له بشيء عظيم‬
‫وجليل ‪.‬‬
‫الغفلة عن نعمة اللسان‪:‬‬
‫خرون هذه النعمة العظيمة فيما ليرضيه‬ ‫كثير من الناس ل يعقلون‪ ،‬فُيس ّ‬
‫سبحانه‪ ،‬وكثير من الناس اليوم بسبب الفراغ الذي يعيشونه قد سخروا نعمة‬
‫ل‬‫اللسان التي بها يدخل النسان الجنة أو النار في غير طاعة الله‪ ،‬وقد َقا َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫سا َ‬ ‫فُر الل ّ َ‬
‫ضاَء ك ُل َّها ت ُك َ ّ‬ ‫ن اْل َعْ َ‬‫م فَإ ِ ّ‬‫ن آد َ َ‬ ‫ح اب ْ ُ‬‫صب َ َ‬‫م‪ ':‬إ َِذا أ ْ‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫ج َ‬‫ج ْ‬‫ن اعْوَ َ‬ ‫مَنا وَإ ِ ْ‬ ‫ق ْ‬‫ست َ َ‬‫تا ْ‬ ‫م َ‬‫ق ْ‬‫ست َ َ‬
‫نا ْ‬ ‫َ‬
‫ن ب ِك فَإ ِ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ه ِفيَنا فَإ ِن ّ َ‬
‫ما ن َ ْ‬ ‫ّ‬
‫ق الل َ‬ ‫قو ُ‬ ‫فَت َ ُ‬
‫ل ات ّ ِ‬
‫جَنا' رواه الترمذي وأحمد ‪ .‬فالعضاء والجوارح كلها إنما هي باللسان‪،‬‬ ‫ج ْ‬‫اعْوَ َ‬
‫فإذا وفق الله تعالى لسان العبد إلى النطق بالكلم الحسن؛ فإن العضاء‬
‫كلها تكون حينئذ مستقيمة‪ ،‬بعيدة عن النحراف‪ .‬وإذا كان اللسان منشغل‬
‫فيما ل يرضي الله؛ فإن العضاء كلها والجوارح تنصرف إلى سخط الله وما ل‬
‫يرضيه‪.‬‬
‫وكثير من الناس اليوم شغلوا ألسنتهم بما ليرضي الله عز وجل‪ ،‬فمنهم من‬
‫يشغل لسانه بالفضول من القول‪ ،‬ومن يشغل لسانه بالكلم البذيء‪،‬‬
‫الفاحش‪ ،‬الذي ليس منه خير ول بر‪ ،‬بل قد يكون فيه إثم أو قطيعة رحم‪،‬‬
‫أوسخرية من الخير وأهله‪ ،‬أو استهزاء بالناس‪ ،‬أو تنقص لهم‪ ،‬أو لعن‪ ،‬أو أمر‬
‫بمنكر‪ ،‬أو نهي عن معروف‪ ،‬أو صد عن ذكر الله أو عن الصلة ‪ ...‬و غير ذلك‬
‫ل إ ِّل‬‫ن قَوْ ٍ‬ ‫م ْ‬‫ظ ِ‬‫ف ُ‬ ‫ما ي َل ْ ِ‬‫مما يورد النسان موارد الهلكة‪ ،‬والله سبحانه يقول‪َ {:‬‬
‫د]‪] }[18‬سورة ق[ ‪.‬‬ ‫ب عَِتي ٌ‬ ‫ل َد َي ْهِ َرِقي ٌ‬
‫فرق عظيم‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وما أعظم الفرق والبون الشاسع بين إنسان يقول‪ :‬ل إله إل الله‪ ،‬سبحان‬
‫الله‪ ،‬والحمد لله‪ ،‬ول إله إل الله‪ ،‬والله أكبر ربنا ولك الحمد حمدا ً كثيرًا‪ ،‬طيبا‪ً،‬‬
‫مباركا ً فيه‪ ،‬ملء الرض‪ ،‬وملء السماء‪ ،‬وملء ما بينهما‪ ،‬وملء ما شئت من‬
‫شيء بعد؛ فل يدري الملك كيف يكتب هذا الحال‪ ،‬فيصعد إلى ربه ويقول‪:‬‬
‫يارب عبدك قال كلمة ل أدري كيف أكتبها‪ ،‬فيقول الله تعالى له‪ :‬اكتبها كما‬
‫قالها حتى يلقاني بها ‪ - .‬وذلك لنها كلمة عظيمة‪ -‬فرق بين إنسان يقول مثل‬
‫هذه الكلمات السهلة‪ ،‬فيرفعه الله تعالى بها إلى أعلى المنازل في الجنة‪،‬‬
‫وبين آخر يقول كلما ً بذيئًا‪ :‬شتمًا‪ ،‬أو سبًا‪ ،‬أو تكلم في أعراض الناس‪ ،‬أو‬
‫غيبة‪ ،‬أو نميمة‪ ،‬أو تدخل في شئون الخرين‪ ،‬وكلم في قضاياهم الشخصية‬
‫كرك به يوم القيامة‪ ،‬فيقول‪ :‬قلت‬ ‫وأمورهم العائلية‪ ،‬والله عز وجل سوف ُيذ ّ‬
‫يوم كذا وكذا من الكلم الذي ظننت أنه ينسى ‪ .‬والجوارح سوف تنطق‪ ،‬فَعَ ْ‬
‫ن‬
‫ي أ َْو‬ ‫ش ّ‬ ‫ن وَقَُر ِ‬ ‫فّيا ِ‬‫ق ِ‬ ‫ت ثَ َ‬ ‫عن ْد َ ال ْب َي ْ ِ‬‫مع َ ِ‬ ‫جت َ َ‬
‫ل‪ ':‬ا ْ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫سُعودٍ َر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬‫اب ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م‪:‬أت ََروْ َ‬ ‫حد ُهُ ْ‬‫لأ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ه قُلوب ِهِ ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ة فِ ْ‬ ‫م قَِليل ٌ‬ ‫م ب ُطون ِهِ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ي كِثيَرة ٌ َ‬ ‫ف ّ‬‫ق ِ‬‫ن وَث َ َ‬‫شّيا ِ‬ ‫قَُر ِ‬
‫َ‬
‫في َْنا وَقا َ‬
‫ل‬ ‫خ َ‬ ‫َ‬
‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل قا َ‬ ‫َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫مع ُ إ ِ ْ‬
‫س َ‬ ‫جهَْرَنا وَل ي َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مع ُ إ ِ ْ‬‫س َ‬‫خُر‪ :‬ي َ ْ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ما ن َ ُ‬ ‫مع ُ َ‬ ‫س َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ن الل َ‬ ‫أ ّ‬
‫ه ت ََعاَلى‪ {:‬وَ َ‬
‫ما‬ ‫ل الل ّ ُ‬‫في َْنا فَأ َن َْز َ‬ ‫معُ إ َِذا أ َ ْ‬
‫خ َ‬ ‫س َ‬‫ه يَ ْ‬ ‫جهَْرَنا فَإ ِن ّ ُ‬ ‫معُ إ َِذا َ‬ ‫س َ‬ ‫ن يَ ْ‬‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫خُر‪ :‬إ ِ ْ‬ ‫اْل َ‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫ك ُنتم تستت ِرو َ‬
‫م‬ ‫ن ظ َن َن ْت ُ ْ‬ ‫م وَل َك ِ ْ‬ ‫جُلود ُك ُ ْ‬ ‫م وََل ُ‬ ‫صاُرك ُ ْ‬ ‫م وََل أب ْ َ‬ ‫معُك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫شهَد َ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ُْ ْ َ ْ َ ُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫م أْرَداك ْ‬ ‫ُ‬
‫م ب َِرب ّك ْ‬ ‫ذي ظن َن ْت ُ ْ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ُ‬
‫م ظن ّك ُ‬ ‫ُ‬
‫ن]‪[22‬وَذ َل ِك ْ‬ ‫ملو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫م كِثيًرا ِ‬ ‫َ‬ ‫ه َل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫أ ّ‬
‫َ‬
‫ن]‪] } [23‬سورة فصلت[ ' رواه البخاري ومسلم‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫حت ُ ْ‬ ‫صب َ ْ‬‫فَأ ْ‬
‫والترمذي وأحمد ‪.‬إذا ً الجوارح سوف تنطق‪ ،‬ويتكلم اللسان بما قال‪ ،‬فاللسان‬
‫نفسه كعضو سيتكلم كما تتكلم اليد كما تتكلم الّرجل‪ ،‬وكما تتكلم الذن‪،‬‬
‫والعين ‪ ...‬الجوارح كلها تنطق ‪ .‬وعَ َ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو ِ‬ ‫عن ْد َ َر ُ‬ ‫ل‪ :‬ك ُّنا ِ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫س بْ‬ ‫ِ‬ ‫ن أن َ‬ ‫ْ‬
‫؟' قُل َْنا‪ :‬الل ُّ‬ ‫ل تدرون مم أ َ‬
‫ه‬ ‫حك ُ‬ ‫ّ ْ َ‬‫ض‬ ‫ِ‬ ‫ُْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ل‪':‬‬ ‫قا َ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ض ِ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫م؟‬ ‫ن الظ ّل ْ‬ ‫م‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ل يا رب أ َ‬ ‫ُ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ة‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫خا‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ل‪':‬‬ ‫َ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ع‬ ‫ورسول ُه أ َ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ََ ُ ُ‬
‫مّني َقالَ‪:‬‬ ‫سي إ ِّل َ‬ ‫جيُز عََلى ن َ ْ‬ ‫ل فَإني َل أ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َقا َ‬
‫دا ِ‬ ‫شاهِ ً‬ ‫ف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ل‪:‬‬ ‫قا‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫قو‬‫ل‪ :‬ي َ ُ‬
‫م‬‫خت َ ُ‬ ‫ل‪ :‬فَي ُ ْ‬ ‫شُهوًدا َقا َ‬ ‫ن ُ‬ ‫رام ِ الكات ِِبي َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫دا وَِبالك ِ َ‬ ‫شِهي ً‬ ‫ك َ‬ ‫م عَلي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ك الي َوْ َ‬ ‫ْ‬ ‫س َ‬ ‫ف ِ‬ ‫فى ب ِن َ ْ‬ ‫ل‪ :‬ك َ‬ ‫َ‬ ‫قو ُ‬ ‫فَي َ ُ‬
‫ّ‬ ‫مال ِهِ َقا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عََلى ِفيهِ فَي ُ َ‬
‫ن‬‫ه وَب َي ْ َ‬ ‫خلى ب َي ْن َ ُ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ل‪ :‬ث ُ ّ‬ ‫ل‪ :‬فَت َن ْط ِقُ ب ِأعْ َ‬ ‫قي َقا َ‬ ‫ه‪ :‬ان ْط ِ ِ‬ ‫ل ِلْركان ِ ِ‬ ‫قا ُ‬
‫ُ‬
‫ل ' رواه مسلم ‪.‬‬ ‫ض ُ‬ ‫ت أَنا ِ‬ ‫ن ك ُن ْ ُ‬ ‫قا فَعَن ْك ُ ّ‬ ‫ح ً‬ ‫س ْ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫دا ل َك ُ ّ‬ ‫قولُ‪ :‬ب ُعْ ً‬ ‫ل‪ :‬فَي َ ُ‬ ‫ال ْك ََلم ِ َقا َ‬
‫فكيف يغفل النسان عن أن الله تعالى مطلع على كل شيء؟ وكيف ينسى‬
‫الملئكة الكرام‪ ،‬الكاتبين الذين يعلمون ما تفعلون؟ وكيف ل يذكر أن‬
‫ن‬ ‫مي َ‬‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب فَت ََرى ال ْ ُ‬ ‫ضعَ ال ْك َِتا ُ‬ ‫الصحائف ل تغادر كبيرة ول صغيرة‪{ :‬وَوُ ِ‬
‫َ‬
‫صِغيَرةً وَل كِبيَرةً‬ ‫َ‬ ‫ب ل ي َُغادُِر َ‬ ‫َ‬ ‫ذا الك َِتا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن َياوَي ْل َت ََنا َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ما ِفيهِ وَي َ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫قي َ‬ ‫ف ِ‬
‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫دا]‪] } [49‬سورة‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ظ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫را‬ ‫ض‬ ‫حا‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ما‬ ‫دوا‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫صا‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬
‫َ ً‬ ‫َ ِ ً َ َ ِ ُ َ ّ‬ ‫َ َ ِ‬ ‫ْ َ َ َ َ َ ُ‬ ‫إِ‬
‫الكهف[ ‪.‬‬
‫ل‬ ‫اللسان نعمة يجب أن يستخدم وفق الشروط التي وضعها خالقه‪ {:‬وَقُ ْ‬
‫َ‬
‫ن ‪] }[53] ...‬سورة السراء[ ومخرج الكلم‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫قوُلوا ال ِّتي هِ َ‬ ‫ل ِعَِباِدي ي َ ُ‬
‫واحد‪ ،‬والكلم الطيب أسهل مخرجا‪ ،‬وأسلم عاقبة من غيره‪ ،‬كيف أصبحت‪،‬‬ ‫ً‬
‫كيف أمسيت‪ ،‬جزاك الله خيرًا‪ ،‬أحسنت‪ ،‬أمر بمعروف ‪،‬نهي عن منكر‪ ،‬تذكير‬
‫بخير‪ ،‬نهي عن شر‪ ،‬ثناء على محسن‪ ،‬أو نهي لمسيء‪ ،‬شكرا ً لمن قدم لك‬
‫شيئًا‪...‬إلخ هذا الكلم الطيب ‪.‬‬
‫لنتعود الخير‪:‬‬
‫نجعل من عادتنا أن نتكلم في الخير‪ ،‬نعود ألسنتنا على أن ل ننطق إل‬
‫َ‬ ‫ق ْ‬ ‫خرِ فَل ْي َ ُ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل ِ‬ ‫ن َ‬
‫ت' رواه البخاري‬ ‫م ْ‬ ‫ص ُ‬‫خي ًْرا أوْ ل ِي َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫م ْ‬ ‫بخير‪َ ':‬‬
‫ً‬
‫ومسلم وأحمد‪ .‬إن أحسن لك إنسان‪ ،‬فقل له‪ :‬جزاك الله خيرا‪ ،‬بارك الله‬
‫فيك‪ ،‬شكر الله لك‪ ،‬أحسنت‪ ،‬أما إن أساء إليك‪ ،‬فقل له‪ :‬غفر الله لك‪،‬‬
‫وسامحك الله‪ ،‬وعفا الله عنا وعنك‪ ،‬وأسأل الله أن يوفقك ل تخطئ غير هذه‬
‫المرة‪ ،‬فإن قلت‪ :‬ل أستطيع‪ ،‬ول أطيق‪ ،‬فنقول لك إذًا‪ :‬ليس هناك أقل من‬
‫الصمت‪ ،‬فأقل ما نقبله منك هو أن تسكت‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وهذه منازل عظيمة‪ ،‬وعالية إل أنها يسيرة على من يسرها الله تبارك وتعالى‬
‫عليه ‪ .‬جرب إزالة الخجل من نفسك‪ ،‬وقل كلمة الخير لوالدك‪ ،‬لخيك‪ ،‬أو‬
‫الزوجة لزوجها‪ ،‬أو الزوج لزوجته‪ ،‬أو الولد لمه‪ ،‬أو الزميل لزميله‪ ،‬أو لرئيسه‬
‫أولغير ذلك‪ ،‬جرب أن تقول هذه الكلمة‪ ،‬وتتغلب على مشاعر الخجل والحياء‬
‫في نفسك ستجد أن المرة الثانية أسهل‪ ،‬والمرة الثالثة سهلة‪ ،‬والمرة‬
‫الرابعة لذيذة على لسانك‪ ،‬والمرة الخامسة لو لم تقلها نسيانًا؛ لشعرت بأنك‬
‫ب الناس منك أنك لم تقل هذه الكلمة‪ ،‬ولقالوا‪:‬لم‬ ‫تركت شيئا ً مهمًا‪ ،‬واستغَر َ‬
‫يقل ما تعودنا عليه من الكلم الطيب‪ ،‬فهذا خير لك‪ ،‬والنبي صلى الله عليه‬
‫َْ‬ ‫ّ‬
‫ض ' رواه البخاري ومسلم‬‫داُء اللهِ ِفي الْر ِ‬
‫شهَ َ‬‫ن ُ‬
‫مُنو َ‬ ‫وسلم يقول‪':‬ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد ‪ .‬فإذا شهد الناس لك أنك صاحب‬
‫لسان طيب‪ ،‬وصاحب كلم خير؛ كان هذا خيرا ً لك عند الله تعالى‪ ،‬وهذا هو‬
‫حسن الخلق‪ .‬وكما قال المام عبد الله بن المبارك رحمه الله‪':‬حسن الخلق‬
‫شيء هين وجه طِلق وكل ل َّين' ‪.‬‬
‫ود لسانك‬‫وليكن وجهك طلقا لخوانك المسلمين وليكن لسانك لّينا ً عليهم‪ ،‬وع ّ‬
‫الكلم الطيب‪ ،‬وتجنب ما استطعت سبيل ً كل كلم تظن أنه عليك ل لك‪،‬‬
‫وأسأل الله أن يجعلنا ممن استعملوا وسخروا جوارحهم فيما يرضيه‪ ،‬اللهم‬
‫وفقنا إلى ما تحب وترضى من القوال‪ ،‬والعمال يا ذا الجلل والكرام‪ ،‬اللهم‬
‫صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫من محاضرة‪ :‬خطر اللسان للشيخ‪/‬سلمان العودة‬

‫)‪(4 /‬‬

‫خطر فتنة المنافقين وظهورهم‬


‫ن في هذا فتنة‬ ‫عندما يتمكن الكفار الصرحاء ويظهرون على المسلمين‪ ،‬فإ ّ‬
‫ومصيبة ول شك‪ ،‬ولكن أعظم منها فتنة عندما يتمكن المنافقون المبطنون‬
‫للكفر والزندقة والمظهرون للسلم والنتساب إليه‪ ،‬كما هو الحال في تمكن‬
‫العلمانيين في أكثر بلدان المسلمين‪ ،‬أو تمكن دولة الرفض الخمينية التي‬
‫ب آل البيت وحب السلم‪ ،‬وهي تبطن كره السلم‬ ‫تخدعُ الناس الجهلء بح ِ‬
‫الحق‪ ،‬وتبغض السنة وأهلها‪ ،‬وتتمنى ذلك اليوم الذي تظهر فيه على أهل‬
‫السلم؛ فل ترقب فيهم إل ً ول ذمة‪ ،‬وأوضح مثال لذلك ما قص ُ‬
‫ه التاريخ‬
‫الموثق علينا عن دور الرافضة في دخول التتار إلى ديار المسلمين‪،‬‬
‫والفاعيل الشنيعة التي ُفعلت بالمسلمين في بغداد وغيرها؛ وكان من أسباب‬
‫ذلك ممالة ابن العلقمي الرافضي وطائفته لرئيس التتار‪ ،‬وخيانته للخليفة‬
‫العباسي الذي كان قد استوزره وقربه‪.‬‬
‫ن الكافر يعرفه الناس‬ ‫والسبب في كون فتنة المنافقين أشد ّ من الكفار‪ ،‬هو أ ّ‬
‫ويأخذون الحذر منه‪ ،‬ويبقى في النفوس بغضه وترقب اليوم الذي يزول فيه‪.‬‬
‫ه أكثر الناس وينخدعون به‪،‬‬ ‫أما المنافق الخادع للناس باسم السلم فقد يحب ُ ُ‬
‫فل يبقى في النفوس بغضه وتمني زواله‪ ،‬فينشأ من ذلك فتنة وفساد كبير‪.‬‬
‫ومن أخطر صور الفتنة بالمنافقين‪ ،‬صورة رئيسية واحدة‪ ،‬تنبثق منها كل‬
‫أشكال الفتنة بالمنافقين أل وهي‪:‬‬
‫فتنة الخداع والتلبيس ]‪[1‬‬
‫وهي من أشد أنواع الفتن وبخاصة في عصرنا الحاضر‪ ،‬الذي تسلط فيه‬
‫المنافقون على أكثر ديار المسلمين‪ ،‬وتمكنوا من وسائل التأثير والعلم‪،‬‬
‫التي تعمل ليل نهار في خداع الناس باسم السلم والحتفالت بمناسباته‪،‬‬
‫وهم الذين أقصوا السلم عن الحكم والتحاكم‪ ،‬وهم الذين يسعون لتشويهه‬
‫ة بين العبد وربه‪ ،‬ول دخل له بعد ذلك في شئون‬ ‫وإظهاره للناس بأّنه صل ً‬
‫الحياة الخرى‪.‬‬
‫ومن صور فتنة الخداع والتلبيس ما يلي ‪:‬‬
‫ا‪ -‬تسويغهم عزل السلم عن الحياة القتصادية والسياسية وغيرها من شئون‬
‫ن دين السلم دين الصدق والنظافة والتقوى‪،‬‬ ‫الحياة‪ ،‬بقولهم‪ :‬إ ّ‬
‫وكل هذا ل يتفق مع ألعيب السياسة‪ ،‬ومهاترات السياسيين وأكاذيبهم؛ فلهذا‬
‫ينبغي أن يترفع بالسلم عن دهاليز السياسة المتلوثة؛ كل ذلك بزعمهم‬
‫ة للسلم ومحافظة عليه من هذه اللوثات‪ ،‬ومع ذلك فقد يوجد من‬ ‫حماي ً‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ينخدع بمثل هذا الكلم الفارغ الفاجر‪ ،‬وبالتالي يسقط في فتنةِ التضليل‬
‫والتلبيس‪.‬‬
‫‪ -2‬ومن صور الخداع والتلبيس التي قد ينخدع بها بعض السذج من الناس‬
‫ه المنافقون في أكثر بلدان المسلمين‪ ،‬في‬ ‫ويسقطون في فتنتها‪ :‬ما يرفع ُ‬
‫وجه أهل الخير والصلح من أنهم دعاة شرٍ وإرهاب وفساد‪ ،‬وما تجلبه‬
‫وسائل العلم المختلفة‪ ،‬وتدندن به على وصفهم ورميهم بهذه الوصاف‬
‫الظالمة‪ ،‬حتى تأثرت بذلك بعض الدمغة المخدوعة‪ ،‬فسقطت في فتنتهم‪،‬‬
‫ورددت معهم هذا الظلم والخداع‪ ،‬وبالتالي تعرض أهل الخير للذى والنكال‪،‬‬
‫باسم المصلحة الشرعية ومكافحة الرهاب والفساد؛ وذلك بعد أن تهيأت‬
‫أذهان المخدوعين من المسلمين لهذا الخداع والتلبيس‪.‬‬
‫وصور التلبيس والتضليل من المنافقين كثيرة جدًا؛ والمقصود الحذر من‬
‫ن المنافقين يستخدمون السلم‬ ‫فتنتها والسقوط في شباكها‪ ،‬والتفطن إلى أ ّ‬
‫دائما ً ويتترسون به في تمرير ما ُيريدون من أغراضهم الخبيثة؛ فهذا شأنهم‬
‫دائمًا‪ :‬التحريف‪ ،‬والتلبيس‪ ،‬وإثارة الشبهات‪ ،‬مستخدمين وسائل العلم‬
‫الرهيبة في خداع الناس وتضليلهم‪ ،‬ورضي الله عن عمر بن الخطاب حيث‬
‫قال‪ ) :‬لست بالخب ول الخب يخدعني( ويعلق ابن القيم‪ -‬رحمه الله تعالى‪-‬‬
‫على هذه المقالة فيقول‪) :‬فكان عمر‪ -‬رضي الله عنه‪ -‬أورع من أن يخدع‪،‬‬
‫وأعقل من أن يخدع( ]‪. [2‬‬
‫‪ -3‬اهتمام الحكومات العلمانية ببعض المناسبات السلمية‪ ،‬كالحتفال بمولد‬
‫الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وهجرته‪ ،‬أو ليلة النصف من شعبان‪ ،‬أو‬
‫السراء والمعراج‪ ،‬إلى آخر هذه المناسبات التي ل أصل للحتفال بها شرعا‪ً،‬‬
‫وإّنما هي من البدع المحرمة؛ ومع ذلك ينخدع بهذا التلبيس كثيٌر من دهماء‬
‫المسلمين‪ ،‬وتتحسن صورة أولئك المنافقين الذين ُيضللون الناس بهذا‬
‫دوعين أّنهم يحبون السلم ويغارون عليه‪ ،‬وهم‬ ‫الخداع‪ ،‬ويبدون في أعين المخ ُ‬
‫أبعد ما يكونون عن السلم وأهله‪ ،‬وهل يحب السلم ويعتز بالنتماء إليه من‬
‫يرفض الحكم به والتحاكم إليه‪ ،‬ويبدل شرع الله المطهر بنحاتات الفكار‪،‬‬
‫ن مثل هذا يكذب في ادعائه حب‬ ‫وزبالت الذهان الجاهلة الظالمة؟ ل‪ ،‬والله إ ّ‬
‫هّ‬
‫م الل ُ‬ ‫ُ‬
‫حب ِب ْك ُ‬ ‫َ‬
‫ه فات ّب ُِعوِني ي ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬
‫حّبو َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م تُ ِ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫دين السلم؛ قال تعالى‪ )) :‬قُ ْ‬
‫م(( ]آل عمران‪.[31:‬‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر َر ِ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬
‫ه غَ ُ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬
‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬ ‫وَي َغْ ِ‬
‫فهل يعي هذا المخدوعون المضللون؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫* ومما يدخل في هذه الصورة أيضا ً من صور التلبيس‪ ،‬ما يقوم به بعض‬
‫المنافقين المحاّدين لشرع الله عز وجل‪ ،‬من إقامةِ بعض المؤتمرات أو‬
‫الندوات السلمية‪ ،‬ويدعون إليها بعض العلماِء والدعاة‪ ،‬فيستجيب من‬
‫يستجيب‪ ،‬ويرفض من يرفض‪ ،‬وكل هذا من ذر الرماد في العيون‪ ،‬وتخدير‬
‫دعاة المسلمين بمثل هذه الصروح الخبيثة‪ ،‬التي هي أشبه ما تكون بمسجد‬
‫الضرار‪ ،‬الذي بناه المنافقون في عهد الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪،-‬‬
‫وادعوا أّنه للصلة وإيواء المسافرين في الليلة الشاتية المطيرة‪ ،‬فأكذبهم‬
‫الله‪ -‬عز وجل‪ -‬وفضح نياتهم بقرآن يتلى إلى قيام الساعة‪ ،‬نهي فيه الرسول‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عن دخوله والقيام فيه‪ ،‬بل أمر بتحريقه قال تعالى‪:‬‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫صاد َا ً ل ِ َ‬
‫ن وَإ ِْر َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ريقا ً ب َي ْ َ‬ ‫فرا ً وَت َ ْ‬
‫فَ ِ‬ ‫ضَرارا ً وَك ُ ْ‬ ‫جدا ً ِ‬ ‫س ِ‬‫م ْ‬‫ذوا َ‬ ‫خ ُ‬
‫ن ات ّ َ‬‫ذي َ‬ ‫)) َوال ّ ِ‬
‫م‬
‫شهَد ُ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫سَنى َوالل ّ ُ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن أَرد َْنا إ ِّل ال ْ ُ‬ ‫ن إِ ْ‬‫ف ّ‬ ‫ل وَل َي َ ْ‬
‫حل ِ ُ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬
‫م ْ‬‫ه ِ‬‫سول َ ُ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫ب الل ّ َ‬ ‫حاَر َ‬‫َ‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫قوى م َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫حق ّ أ ْ‬ ‫ل ي َوْم ٍ أ َ‬ ‫ن أوّ ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫س عََلى الت ّ ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫جد ٌ أ ّ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِفيهِ أَبدا ً ل َ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ‪ .‬ل تَ ُ‬ ‫كاذُِبو َ‬ ‫لَ َ‬
‫َ‬
‫ن(( ]التوبة‪-107:‬‬ ‫ري َ‬ ‫مط ّهّ ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن ي َت َط َهُّروا َوالل ّ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫حّبو َ‬ ‫ل يُ ِ‬ ‫جا ٌ‬ ‫م ِفيهِ ِفيهِ رِ َ‬ ‫قو َ‬ ‫تَ ُ‬
‫‪[108‬‬
‫فهل آن الوان أن نعي مثل هذه الفتنة والخداع‪ ،‬فل نستجيب لمثل هذه‬
‫الدعوات‪ ،‬ول نقوم في مثل هذه المؤتمرات أبدًا؟ بل قد آن الوان إلى أن‬
‫تفضح مثل هذه اللفتات‪ ،‬ويحذر الناس من شرها والوقوع في فتنتها؛ ويبين‬
‫ب من الخداع‪ ،‬وصورة ً من صور النفاق الماكر الخبيث‪.‬‬ ‫لهم أّنها ضر ٌ‬
‫‪ -4‬إظهارهم لفسادهم بمظهر الصلح وإرادة الخير بالمة‪ ،‬كما قال الله عز‬
‫َْ‬
‫ن((‬ ‫حو َ‬ ‫صل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫ض َقاُلوا إ ِن ّ َ‬ ‫دوا ِفي الْر ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ل تُ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫وجل عنهم‪ )) :‬وَإ َِذا ِقي َ‬
‫]البقرة‪. [11:‬‬
‫يقول سيد قطب‪ -‬رحمه الله تعالى‪ -‬عن هذه الية‪:‬‬
‫)إّنهم ل يقفون عند حد الكذب والخداع‪ ،‬بل يضيفون إليهما السفه والدعاء ‪:‬‬
‫َْ‬
‫ض((‬ ‫دوا ِفي الْر ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ل تُ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫)) وَإ َِذا ِقي َ‬
‫لم يكتفوا بأن ينفوا عن أنفسهم الفساد‪ ،‬بل تجاوزوهُ إلى التبجح والتبرير‪)) :‬‬
‫ن (( ‪.‬‬ ‫حو َ‬ ‫صل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫َقاُلوا إ ِن ّ َ‬
‫والذين يفسدون أشنع الفساد‪ ،‬ويقولون‪ :‬إّنهم مصلحون‪ ،‬كثيرون جدا ً في كل‬
‫ن الموازين مختلة في أيديهم؛ ومتى ا ختل ميزان الخلص‬ ‫زمان‪ ،‬يقولونها؛ ل ّ‬
‫والتجرد في النفس‪ ،‬اختلت سائر الموازين والقيم‪ ،‬والذين ل ُيخلصون‬
‫ن ميزان الخير والشر‬ ‫سريرتهم لله يتعذر أن يشعروا بفساد أعمالهم؛ ل ّ‬
‫ب إلى قاعدة‬ ‫ح مع الهواِء الذاتية‪ ،‬ول يثو ُ‬ ‫والصلح والفساد في نفوسهم يتأرج ُ‬
‫ربانية( ]‪ [3‬ا‪ .‬هـ‪.‬‬
‫* ومما يدخل في هذه الصورة من صور الخداع والتلبيس ما يستخدمه‬
‫منافقو زماننا من تحريف لنصوص الشريعة‪ ،‬وتأويلت باطلة لها في تسويغ‬
‫ضون‬ ‫فسادهم ومواقفهم الجائرة؛ فهم مع جهلهم بأحوال الشريعة نراهم يخو ُ‬
‫فيها بل علم‪ ،‬إل ما أشربوا من هواهم؛ فنراهم يسوغون الترخص بل التحلل‬
‫من الشريعة بقواعد التيسير ورفع الحرج‪ ،‬وتغير الفتوى بتغير الحال والزمان‪،‬‬
‫ل وهوى‪،‬‬ ‫إلى آخر هذه القواعد التي هي حق في ذاتها‪ ،‬لكنهم خاضوا فيها بجه ٍ‬
‫فاستخدموها في غير محلها‪ ،‬فهي حقّ أريد بها باطل‪ ،‬ومع جهلهم بالشريعة‬
‫ن هناك من ينخدع بهذه‬ ‫وظهور القرائن التي تدل على خبث طويتهم‪ ،‬إل ّ أ ّ‬
‫ب أمر القوم أّنهم يرفضون الحكم بما‬ ‫الشبه والتحريفات الباطلة‪ ،‬ومن عجي ِ‬
‫ن‬
‫أنزل الله‪ -‬عز وجل‪ -‬والتحاكم إليه‪ ،‬ول يذعنون له‪ ،‬ومع ذلك نراهم في أحيا ٍ‬
‫قليلة يرجعون إلى بعض الدلة الشرعية ليمرروا ويبرروا من خللها بعض‬
‫فسادهم‪ ،‬أو مواقفهم الباطلة‪ ،‬فما حاجتهم إلى الشرع في هذه المرة وهم‬
‫ه الهوى والخداع والتلبيس على الناس‪ ،‬قال‬ ‫كانوا يكفرون به من قبل؟ إن ّ ُ‬
‫م‬‫حك ُ َ‬ ‫سول ِهِ ل ِي َ ْ‬ ‫ّ‬
‫عوا إ ِلى اللهِ وََر ُ‬ ‫َ‬ ‫تعالى في فضح هذا الصنف من الناس‪ )) :‬وَإ َِذا د ُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن ‪ .‬أِفي‬ ‫عِني َ‬ ‫مذ ْ ِ‬ ‫حقّ ي َأُتوا إ ِلي ْهِ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫ن ي َك ُ ْ‬ ‫ن‪ ،‬وَإ ِ ْ‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ريقٌ ِ‬ ‫م إ َِذا فَ ِ‬ ‫ب َي ْن َهُ ْ‬
‫ل ُأول َئ ِكَ‬ ‫ه بَ ْ‬ ‫ُ‬
‫سول ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْهِ ْ‬ ‫ّ‬
‫ف الل ُ‬ ‫حي َ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫نأ ْ‬
‫َ‬
‫خاُفو َ‬ ‫م يَ َ‬ ‫َ‬
‫ض أم ِ اْرَتاُبوا أ ْ‬
‫َ‬
‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫قُُلوب ِهِ ْ‬
‫ن(( ]النور‪. [50-48:‬‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫هُ ُ‬
‫فينبغي لكل مسلم ٍ أن يحذَر من شبه المنافقين وخداعهم‪ ،‬وأن يقول لهؤلء‬
‫غون فسادهم بتحريف الدلة الشرعية‪ :‬ادخلوا في السلم كافة‪،‬‬ ‫الذين يسو ُ‬
‫وحكموا في الناس شرع الله‪ -‬عز وجل‪ -‬ورفضوا ما سواه؛ أما أن تنحوا شرع‬
‫ة‬
‫الله‪ -‬عز وجل‪ -‬عن الحكم‪ ،‬حتى إذا كان لكم هوى في تمرير فسادكم بشبه ِ‬
‫َ‬
‫ض‬
‫ن ب ِب َعْ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫دليل رجعتم إليه؛ فهذا الذي قال الله‪ -‬عز وجل‪ -‬عن أهله‪ )) :‬أفَت ُؤْ ِ‬
‫ة‬
‫حَيا ِ‬ ‫خْزيٌ ِفي ال ْ َ‬ ‫م إ ِّل ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫فعَ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جَزاُء َ‬ ‫ما َ‬ ‫ض فَ َ‬ ‫ن ب ِب َعْ ٍ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ب وَت َك ْ ُ‬ ‫ال ْك َِتا ِ‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مُلو َ‬
‫ن((‬ ‫ما ت َعْ َ‬
‫ل عَ ّ‬ ‫ما الل ّ ُ‬
‫ه ب َِغافِ ٍ‬ ‫ب وَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫ن إ َِلى أ َ َ‬
‫شد ّ ال ْعَ َ‬ ‫مةِ ي َُرّدو َ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬
‫]البقرة‪.[85 :‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -5‬موالة المنافقين للكفار‪ ،‬وبخاصةٍ اليهود والنصارى‪ ،‬والعجاب بنظم‬


‫الغرب وتقاليده‪ ،‬وفتح الباب لفسادهم وأفكارهم‪ ،‬وهذه من أعظم فتن‬
‫المنافقين التي طمت وعمت في أكثر بلدان المسلمين‪ ،‬مستخدمين في ذلك‬
‫الخداع َ والتلبيس على الناس في ذلك‪ ،‬بدعوى المداراة وتحقيق المصلحة‬
‫ودرء المفاسد‪ ،‬إلى آخر هذه التأويلت التي ُيخادعون بها الناس لتسويغ‬
‫ن هذه صفة لزمه‬ ‫توليهم للكفار؛ وقد ذكر الله‪ -‬عز وجل‪ -‬في كتابه الكريم أ ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫وان ِهِ ُ‬ ‫خ َ‬‫ن ِل ِ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫قوا ي َ ُ‬ ‫ن َنافَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬ ‫للمنافقين‪ ،‬قال تعالى‪ )) :‬أل َ ْ‬
‫َ‬
‫حدا ً أَبدا ً‬ ‫َ‬ ‫م ل َن َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫فروا م َ‬
‫مأ َ‬ ‫طيعُ ِفيك ُ ْ‬ ‫م َول ن ُ ِ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ج ّ‬ ‫خُر َ‬ ‫جت ُ ْ‬ ‫خرِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ب ل َئ ِ ْ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫كَ َ ُ‬
‫ن(( ]الحشر‪.[11:‬‬ ‫كاذُِبو َ‬ ‫م لَ َ‬ ‫شهَد ُ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫صَرن ّك ُ ْ‬ ‫م ل َن َن ْ ُ‬
‫ن ُقوت ِل ْت ُ ْ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫م عَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫وقال عز وجل‪ )) :‬ب َ ّ‬
‫ري َ‬ ‫ن الكافِ ِ‬ ‫ذو َ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ذابا أِليما‪.‬ال ِ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫ن ب ِأ ّ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫شرِ ال ُ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ميعا((‬ ‫ج ِ‬ ‫ن العِّزة َ ل ِلهِ َ‬ ‫َ‬
‫م العِّزةَ فإ ِ ّ‬ ‫عن ْد َهُ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن أي َب ْت َُغو َ‬ ‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫أوْل َِياَء ِ‬
‫]النساء‪ . [139-138:‬فهل بقي بعد كلم الله‪ -‬عز وجل‪ -‬عذر لحد في‬
‫ن‬
‫انخداعه بالمنافقين‪ ،‬الذين يتولون الذين كفروا من أهل الكتاب أو غيرهم؟ إ ّ‬
‫خطر المنافقين على المة في القديم والحديث كبير‪ ،‬وفتنتهم شديدة؛ فما‬
‫تمكن الكفار من بلدان المسلمين سواًء من الناحية العسكرية أو الفكرية إل‬
‫عن طريق المنافقين‪ ،‬الخادعين الخائنين لدينهم وأمتهم‪ ،‬فالواجب فضحهم‬
‫والتحذير من شر فتنتهم‪.‬‬
‫‪ -6‬خداعهم لبعض المتحمسين لشرع الله وتطبيقه؛ وذلك بدعوتهم إلى‬
‫مشاركات وطنية‪ ،‬ومجالس نيابية‪ ،‬يتعاون الجميع فيها على ما فيه صالح‬
‫الوطن والمواطن كما زعموا‪ ،‬فيستجيب بعض الدعاة لهذا‪ ،‬وتجمعهم مع‬
‫ة واحدة‪ ،‬فيعرض السلميون‬ ‫المنافقين الرافضين لشرع الله عز وجل مظل ً‬
‫فيها مطالبهم كما يعرض العلمانيون والرافضة والشيوعيون مطالبهم‬
‫م ما في ذلك من مداهنة وتعاون على الثم والعدوان‪،‬‬ ‫الكفرية؛ ومعلو ٌ‬
‫ة لداعي الخداع والتلبيس الذي يتولى كبره ُ المنافقون الذين ُيريدون‬ ‫واستجاب ً‬
‫من استجابة السلميين لهم إضفاَء صفةٍ الشرعية على مجالسهم ونظمهم‬
‫التي يحكمون بها؛ وبالتالي يتخدر الناس ويستنيم المطالبون بتحكيم شرع‬
‫ن للمسلمين صوتا ً في هذه المجالس النفاقية‬ ‫الله‪ -‬عز وجل‪ -‬ما دام أ ّ‬
‫ن تحقيقها للمسلمين‪ ،‬تربو‬ ‫ة يمك ُ‬ ‫ة قطعي ً‬ ‫هناك مصلح ً‬ ‫ن ُ‬ ‫الماكرة‪ ،‬ويا ليت أ ّ‬
‫على المفاسد التي تنشأ من المشاركة‪ ،‬إذن لهان الخطب؛ لكن الحاصل من‬
‫ن المستفيد الول والخير هم العلمانيون‬ ‫هذه التجارب هو العكس؛ حيث إ ّ‬
‫ن المشارك من المسلمين غافل ً عن هذا الخداع‪ ،‬ولكن ُ‬
‫ه‬ ‫المنافقون‪ ،‬وقد ل يكو ُ‬
‫ل بغرض إقامة الحجة والدعوة إلى تطبيق الشريعة ومعارضة كل ما‬ ‫يدخ ُ‬
‫يخالفها‪ ،‬ولكن هل هذا ممكن؟ وهل يسمح أهل الكفر والنفاق بذلك؟! الذي‬
‫ن أعداء الشريعة لن يسمحوا إل بالكلم فقط؛ وإذا تجاوز‬ ‫ب على الظن أ ّ‬ ‫يغل ُ‬
‫السلميون ذلك إلى العمل‪ ،‬وتجاوزوا الخطوط الحمراء المرسومة لهم‪ ،‬جاء‬
‫ة الجزائر وتركيا عّنا ببعيدتين‪.‬‬ ‫دور الحديد والنار‪ ،‬وما تجرب ُ‬
‫‪ -7‬فتنة المنافقين داخل الصف السلمي‪:‬‬
‫ن المنافقين في كل زمان؛ فعندما تخفقُ جهودهم في الوقوف في‬ ‫وهذا شأ ُ‬
‫ن‬
‫وجه أهل الخير والصلح‪ ،‬وعندما ينشط الدعاة‪ ،‬ويظهر أثرهم في المة؛ فإ ّ‬

‫‪203‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة‪ ،‬وفتنةٍ شديدة‪ ،‬أل وهي التظاهر‬ ‫المنافقين يلجئون إلى وسيلةٍ ماكر ٍ‬
‫مظهرين التنسك والغيرة‬ ‫بالحماس للدعوة‪ ،‬والدخول في أوساط الدعاة ُ‬
‫على الدين‪ ،‬والحرص على العلم والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬حتى‬
‫ينخدع بكلمهم المعسول بعض الطيبين من الدعاة‪ ،‬فتحصل الثقة بهم‪ ،‬حتى‬
‫إذا تمكنوا من مراكز التوجيه والدعوة بدءوا فتنتهم الكبرى على الدعوة‬
‫وأهلها؛ مع استمرارهم في إظهار الخير والحماس لهذا الدين‪ ،‬وتسويغ ما‬
‫يقومون به من الممارسات بالحرص على مصلحة الدعوة وتميزها وصلبتها‪.‬‬
‫ومن أخطر صور الفتن التي تنشأ من هذا الصنيع ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬فتنة التفريق وإثارة العداوات بين دعاة السلم ‪:‬‬
‫وهذه من أعظم فتن المنافقين داخل الصف السلمي‪ ،‬وفي أوساط الدعوة‬
‫إلى الله‪ -‬عز وجل‪ -‬وقد فضح الله‪ -‬عز وجل‪ -‬المنافقين الذين بنوا مسجد‬
‫ن‬
‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤْ ِ‬ ‫ريقا ً ب َي ْ َ‬
‫ف ِ‬
‫الضرار‪ ،‬وأظهر أهدافهم الخبيثة بقوله سبحانه‪ )) :‬وَت َ ْ‬
‫ن قَْبل(( ]التوبة‪.[107:‬‬ ‫م ْ‬ ‫سول َ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ب الل ّ َ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫حاَر َ‬
‫ن َ‬ ‫صاد َا ً ل ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫وَإ ِْر َ‬
‫قال " المفسرون لهذه الية‪:‬ا لن ُّهم كانوا جميعأ يصلون في مسجد قباء؛ فبنوا‬
‫مسجد الضرار لُيصلي فيه بعضهم‪ ،‬فيؤدى ذلك إلى الخلف وافتراق الكلمة(‬
‫]‪ [4‬ا‪ .‬هـ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ن‬
‫وهذا الضرب من الفتن ل يحتاج إلى تدليل‪ ،‬فالواقع المر شاهد ٌ بذلك‪ ،‬ومع أ ّ‬
‫ن أثر المنافقين الذين‬ ‫للفتراق أسبابا ً كثيرة كالجهل والهوى‪ ...‬إلخ؛ إل ّ أ ّ‬
‫خلون في صفوف الدعاة ل يجوز إغفاله والتهوين من شأنه‪ ،‬وكون الفرقة‬ ‫يد ُ‬
‫ح‬
‫ن هذا المر واض ٌ‬ ‫تحصل بين أهل طريقتين مختلفتين في الصول‪ ،‬فإ ّ‬
‫ل ومقبول‪ ،‬أما أن يفترق أهل الطريقة الواحدة‪ -‬طريقة أهل السنة‬ ‫ومعقو ٌ‬
‫ن‪ ،‬وهناك‬ ‫والجماعة‪ ،‬وطريقة سلف المة‪ -‬فهذا أمٌر ل يعقل ول يقبل‪ ،‬ول يكو ُ‬
‫يد خبيثة خفية وراء هذا الفتراق؛ فينبغي على الدعاة الحذر من هذه اليدي‬
‫والتفتيش عنها‪ ،‬وفضحها‪ ،‬وتطهير الصف المسلم منها‪) .‬وسيأتي الكلم عن‬
‫ل مفصل‪ -‬إن شاء الله تعالى‪.(-‬‬ ‫ث قادم‪ ،‬وبشك ٍ‬ ‫فتنة التفرق والختلف في بح ٍ‬
‫ب‪ -‬فتنة التخذيل والتشكيك ‪:‬‬
‫وهذه أيضا ً من أعمال المنافقين المندسين في الصف المسلم‪ ،‬حيث يسعون‬
‫إلى بث فتنة التخذيل وترك المر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وذلك‬
‫ن عزائم الدعاة وإضعاف هممهم‪،‬‬ ‫بدعاوى وشبه شرعية خادعة‪ ،‬مؤداها توهي ُ‬
‫وبث الخوف في النفوس من الباطل وأهله‪ ،‬وتهويل قوة العداء وخططهم‬
‫ث اليأس في النفوس الضعيفة‪.‬‬ ‫بصورةٍ َتب ُ‬
‫ج‪ -‬فتنة اليقاع بالدعوة والدعاة‪:‬‬
‫ل تقف مساعي المنافقين في إيصال الشر والذى للدعوة وأهلها عند حد‪،‬‬
‫مون بها داخل صفوف الدعاة بعد إظهار‬ ‫قو ُ‬
‫فمن هذه المساعي الخبيثة التي ي ُ‬
‫ُ‬
‫قولوا‬ ‫ن يَ ُ‬‫الحماس‪ ،‬وبعد كسب الثقة والسماع لقوالهم كما قال تعالى‪ )) :‬وَإ ِ ْ‬
‫م(( ]المنافقون‪. [4:‬‬
‫قوْل ِهِ ْ‬
‫مع ْ ل ِ َ‬
‫س َ‬‫تَ ْ‬
‫وتحت ستار الغيرةِ على الدين والمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد‬
‫في سبيل الله‪ -‬عز وجل‪ -‬فإنهم يبدءون في دفع بعض الدعاة إلى مواجهات‬
‫ل خطيرةٍ تفتقد المستند الشرعي‬ ‫مع الباطل وأهله‪ ،‬والزج بالدعوة في أعما ٍ‬
‫من جهة‪ ،‬وتؤدي بالدعوة وأهلها إلى الضمور والنكماش من جهةٍ أخرى‪ ،‬إن‬
‫لم يقض عليها قضاًء مبرمًا‪ ،‬وهذا هو ما يريده المنافقون الخادعون الذين‬

‫‪204‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خَبال ً‬ ‫م إ ِّل َ‬ ‫ما َزاُدوك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫جوا ِفيك ُ ْ‬ ‫خَر ُ‬‫قال الله‪ -‬عز وجل‪ -‬عن أمثالهم‪ )) :‬ل َوْ َ‬
‫ن((‬‫مي َ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫م ِبال ّ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬‫عو َ‬ ‫ما ُ‬‫س ّ‬‫م َ‬ ‫ة وَِفيك ُ ْ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫فت ْن َ َ‬ ‫م ي َب ُْغون َك ُ ُ‬ ‫خلل َك ُ ْ‬ ‫ضُعوا ِ‬ ‫وََل َوْ َ‬
‫]التوبة‪. [47:‬‬
‫يقول المام البغوي‪ -‬رحمه الله تعالى‪ -‬عند تفسير هذه الية‪:‬‬
‫ل((‬‫خَبا ً‬ ‫م إ ِّل َ‬ ‫ما َزاُدوك ُ ْ‬ ‫م(( أي معكم )) َ‬ ‫جوا(( يعني المنافقين ))ِفيك ُ ْ‬ ‫خَر ُ‬‫)) ل َوْ َ‬
‫‪،‬أي‪ :‬فسادا ً وشرًا‪ .‬ومعنى الفساد‪ :‬إيقاع الجبن والفشل بين المؤمنين‪،‬‬
‫م (( ‪ ،‬وسطكم بإيقاع العداوة‬ ‫خلل َك ُ ْ‬‫ضُعوا(( ‪ ،‬أسرعوا‪ِ ))،‬‬ ‫بتهويل المر‪))،‬وََل َوْ َ‬
‫والبغضاء بينكم بالنميمة‪ ،‬ونقل الحديث من البعض إلى البعض‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫ة(( ‪ ,‬أي‪:‬‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫فت ْن َ َ‬ ‫م (( أي‪ :‬أسرعوا فيما يخل بكم ‪)) .‬ي َب ُْغون َك ُ ُ‬ ‫خلل َك ُ ْ‬ ‫ضُعوا ِ‬ ‫)) وََل َوْ َ‬
‫يطلبون لكم ما تفتنون به‪ ،‬يقولون‪ :‬لقد جمع لكم كذا وكذا‪ ،‬وإّنكم مهزومون‪،‬‬
‫وسيظهر عليكم عد ُ وكم ونحو ذلك‪.‬‬
‫وقال الكلبي‪ :‬يبغونكم الفتنة يعني‪ :‬العيب و الشر‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬الفتنة‬
‫الشرك‪ ،‬ويقال‪ :‬بغيته الشر والخير أبغيهِ بغاًء إذا التمسته له‪ ،‬يعني‪ :‬بغيت له‪.‬‬
‫م((‪.‬‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ُ‬ ‫س ّ‬‫م َ‬ ‫))وَِفيك ُ ْ‬
‫محُبون لهم‪ُ ،‬يؤدون إليهم ما يسمعون منكم‪ ،‬وهم‬ ‫قال مجاهد ‪ :‬معناه وفيكم ُ‬
‫الجواسيس‪ .‬وقال قتادة‪ :‬معناه وفيكم مطيعون لهم‪ ،‬أي‪ :‬يسمعون كلمهم‬
‫ن(( ]‪ .[5‬ا‪ .‬هـ‪.‬‬ ‫مي َ‬
‫ظال ِ ِ‬‫م ِبال ّ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ويطيعونهم‪َ)) .‬والل ّ ُ‬
‫______‬
‫]‪ [1‬انظر لمزيد من الفائدة رسالة‪) :‬ول تلبسوا الحق بالباطل( للمؤلف‪.‬‬
‫]‪ [2‬الرو ح ص ‪.244‬‬
‫]‪ [3‬في ظلل القرآن عند الية )‪ (11‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫]‪ [4‬تفسير البغوى ‪ 93 /4‬ط‪ .‬دار طيبة‪.‬‬
‫]‪ [5‬تفسير البغوى ‪ 56 /4‬ط‪ .‬دار طيبة‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫خطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله‬


‫عبدالعزيز بن عبدالله بن باز‬
‫دار الوطن‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على رسوله المين وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين‪ ..‬أما بعد‪:‬‬
‫فإن الدعوة إلى نزول المرأة للعمل في ميدان الرجل المؤدي إلى الختلط‬
‫سواء كان ذلك على جهة التصريح أو التلويح بحجة أن ذلك من مقتضيات‬
‫العصر ومتطلبات الحضارة أمر خطير جدا ً له تبعاته الخطيرة وثمراته المرة‬
‫وعواقبه الوخيمة رغم مصادمته للنصوص الشرعية التي تأمر المرأة بالقرار‬
‫في بيتها والقيام بالعمال التي تخصها في بيتها ونحوه‪.‬‬
‫ومن أراد أن يعرف عن كثب ما جناه الختلط من المفاسد التي ل تحصى‬
‫فلينظر إلى تلك المجتمعات التي وقعت في هذا البلء العظيم اختيارا ً أو‬
‫اضطرارا ً بإنصاف من نفسه وتجرد للحق عما عداه يجد التذمر ‪ -‬على‬
‫المستوى الفردي والجماعي ‪ -‬والتحسر على انفلت المرأة من بيتها وتفكك‬
‫السر‪ .‬ونجد ذلك واضحا ً على لسان الكثير من الكتاب‪ ،‬بل في جميع وسائل‬
‫العلم‪ ،‬وما ذلك إل لن هذا هدم للمجتمع وتقويض لبنائه‪.‬‬
‫والدلة الصحيحة الصريحة الدالة على تحريم الخلوة بالجنبية وتحريم النظر‬
‫إليها وتحريم الوسائل الموصلة إلى الوقوع فيما حرم الله أدلة كثيرة‪ ،‬قاضية‬

‫‪205‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بتحريم الختلط لنه يؤدي إلى ما ل تحمد عقباه‪.‬‬


‫وإخراج المرأة من بيتها الذي هو مملكتها ومنطلقها الحيوي في هذه‪ ،‬إخراج‬
‫لها عما تقتضيه فطرتها وطبيعتها التي جبلها الله عليها‪ .‬فالدعوة إلى نزول‬
‫المرأة في الميادين التي تخص الرجال أمر خطير على المجتمع السلمي‪،‬‬
‫ومن أعظم آثاره الختلط الذي يعتبر من أعظم وسائل الزنا الذي يفتك‬
‫بالمجتمع ويهدم قيمه وأخلقه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ومعلوم أن الله تبارك وتعالى جعل للمرأة تركيبا خاصا يختلف تماما عن‬
‫تركيب الرجل‪ ،‬هيأها به للقيام بالعمال التي في داخل بيتها والعمال التي‬
‫بين بنات جنسها‪.‬‬
‫ً‬
‫ومعنى هذا‪ :‬أن إقحام المرأة لميدان الرجال الخاص بهم يعتبر إخراجا لها عن‬
‫تركيبها وطبيعتها وفي هذا جناية كبيرة على المرأة وقضاء على معنويتها‬
‫وتحطيم‪ ،‬ويتعدى ذلك إلى أولد الجيل من ذكور وإناث إذ إنهم يفقدون التربية‬
‫والحنان والعطف‪ .‬فالذي يقوم بهذا الدور وهو الم قد فصلت منه وعزلت‬
‫تماما ً عن مملكتها التي ل يمكن أن تجد الراحة والستقرار والطمأنينة إل فيها‬
‫وواقع المجتمعات التي تورطت في هذا أصدق شاهد على ما نقول‪ .‬والسلم‬
‫جعل لكل من الزوجين واجبات خاصة على كل واحد منهما أن يقوم بدوره‬
‫ليكتمل بذلك بناء المجتمع في داخل البيت وفي خارجه‪.‬‬
‫فالرجل يقوم بالنفقة والكتساب‪ ،‬والمرأة تقوم بتربية الولد والعطف‬
‫والحنان والرضاعة والحضانة والعمال التي تناسبها لتعليم البنات وإدارة‬
‫مدارسهن والتطبيب والتمريض لهن ونحو ذلك من العمال المختصة بالنساء‪.‬‬
‫فترك واجبات البيت من قبل المرأة يعتبر ضياعا ً للبيت بمن فيه‪ ،‬ويترتب‬
‫عليه تفكك السرة حسيا ً ومعنويا ً وعند ذلك يصبح المجتمع شكل ً وصورة ل‬
‫ل الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ض َ‬ ‫ما فَ ّ‬ ‫ساِء ب ِ َ‬‫ن عََلى الن ّ َ‬ ‫مو َ‬ ‫وا ُ‬‫ل قَ ّ‬ ‫جا ُ‬ ‫حقيقة ومعنى‪ .‬قال الله جل وعل‪ :‬الّر َ‬
‫م ]النساء‪.[34:‬‬ ‫قوا م َ‬ ‫ما أ َن ْ َ‬ ‫ضهُ ْ َ‬
‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬‫نأ ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ض وَب ِ َ‬ ‫م عَلى ب َعْ ٍ‬ ‫ب َعْ َ‬
‫فسنة الله في خلقه أن القوامة للرجل على المرأة‪ ،‬وللرجل فضل عليها كما‬
‫دلت الية الكريمة على ذلك‪ .‬وأمر الله سبحانه للمرأة بقرارها في بيتها‬
‫ونهيها عن التبرج معناه النهي عن الختلط وهو‪ :‬اجتماع الرجال بالنساء‬
‫الجنبيات في مكان واحد بحكم العمل أو البيع أو الشراء أو النزهة أو السفر‬
‫أو نحو ذلك ؛ لن اقتحام المرأة في هذا الميدان يؤدي بها إلى الوقوع في‬
‫المنهي عنه وفي ذلك مخالفة لمر الله وتضييع لحقوق الله المطلوب شرعا ً‬
‫من المسلمة أن تقوم بها‪.‬‬
‫والكتاب والسنة دل على تحريم الختلط وتحريم جميع الوسائل المؤدية إليه‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫جاهِل ِي ّةِ اْلوَلى وَأقِ ْ‬ ‫ج ال ْ َ‬ ‫ن ت َب َّر َ‬ ‫ج َ‬ ‫ن َول ت َب َّر ْ‬ ‫ن ِفي ب ُُيوت ِك ُ ّ‬ ‫قال الله عز وجل‪ :‬وَقَْر َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫ج َ‬ ‫م الّر ْ‬ ‫ب عَن ْك ُ ُ‬ ‫ه ل ِي ُذ ْهِ َ‬ ‫ريد ُ الل ُ‬ ‫ما ي ُ ِ‬‫ه إ ِن ّ َ‬‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫كاة َ وَأط ِعْ َ‬ ‫ن الّز َ‬ ‫صلةَ وآِتي َ‬ ‫ال ّ‬
‫هّ‬
‫ت الل ِ‬ ‫ن آَيا ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ما ي ُت ْلى ِفي ب ُُيوت ِك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ت َطِهيًرا َواذ ْك ُْر َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت وَي ُطهَّرك ُ ْ‬ ‫ْ‬
‫ل الب َي ْ ِ‬ ‫أ َهْ َ‬
‫خِبيًرا ]الحزاب‪.[34-33:‬‬ ‫فا َ‬‫طي ً‬ ‫ن لَ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫مةِ إ ِ ّ‬ ‫َوال ْ ِ‬
‫حك ْ َ‬
‫فأمر الله أمهات المؤمنين‪ -‬وجميع المسلمات والمؤمنات داخلت في ذلك‪-‬‬
‫بالقرار في البيوت لما في ذلك من صيانتهن وإبعادهن عن وسائل الفساد‪،‬‬
‫لن الخروج لغير حاجة قد يفضي إلى التبرج‪ ،‬كما قد يفضي إلى شرور‬
‫أخرى‪ ،‬ثم أمرهن بالعمال الصالحة التي تنهاهن عن الفحشاء والمنكر وذلك‬
‫بإقامتهن الصلة وإيتائهن الزكاة وطاعتهن لله ولرسوله ‪ ،‬ثم وجههن إلى ما‬
‫يعود عليهن بالنفع في الدنيا والخرة وذلك بأن يكن على اتصال دائم بالقرآن‬
‫الكريم وبالسنة النبوية المطهرة اللذين فيهما ما يجلو صدأ القلوب ويطهرها‬
‫من الرجاس والنجاس ويرشد إلى الحق والصواب‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬
‫وقال الله تعالى‪َ :‬يا أ َي ّها الن ّبي قُ ْ َ‬
‫ن‬
‫ن ي ُد ِْني َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ساِء ال ْ ُ‬ ‫ك وَن ِ َ‬ ‫ك وَب ََنات ِ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ل ِلْزَوا ِ‬ ‫ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫ك أ َدنى أ َ‬
‫ما‬ ‫ً‬ ‫حي‬‫ِ‬ ‫ر‬‫ً َ‬ ‫را‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫و‬
‫َ َ‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬‫ُ‬ ‫ي‬ ‫فل‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ع‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن ذ َل ِ‬‫جلِبيب ِهِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عَل َي ْهِ ّ‬
‫]الحزاب‪ .[59:‬فأمر الله نبيه عليه الصلة والسلم وهو المبلغ عن ربه أن‬
‫يقول لزواجه وبناته وعامة نساء المؤمنين يدنين عليهن من جلبيبهن وذلك‬
‫يتضمن ستر باقي أجسامهن بالجلبيب وذلك إذا أردن الخروج لحاجة لئل‬
‫تحصل لهن الذية من مرضى القلوب‪ .‬فإذا كان المر بهذه المثابة فما بالك‬
‫بنزولها إلى ميدان الرجال واختلطها معهم وإبداء حاجتها إليهم بحكم الوظيفة‬
‫والتنازل عن كثير من أنوثتها لتنزل في مستواهم‪ ،‬وذهاب كثير من حيائها‬
‫ليحصل بذلك النسجام بين الجنسين المختلفين معنى وصورة‪.‬‬
‫م ذ َل ِ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ل ل ِل ْمؤْمِنين يغُضوا م َ‬
‫ك‬ ‫جهُ ْ‬ ‫ظوا فُُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫صارِهِ ْ‬ ‫ن أب ْ َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ُ ِ َ َ ّ‬ ‫قال الله جل وعل‪ :‬قُ ْ‬
‫َ‬ ‫أ َْز َ‬
‫ن‬‫صارِهِ ّ‬ ‫ن أب ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ض ْ‬ ‫ت ي َغْ ُ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ل ِل ْ ُ‬ ‫ن وَقُ ْ‬ ‫صن َُعو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫كى ل َهُ ْ‬
‫ن عََلى‬ ‫مرِهِ ّ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن بِ ُ‬ ‫ضرِب ْ َ‬ ‫من َْها وَل ْي َ ْ‬ ‫ما ظ َهََر ِ‬ ‫ن ِإل َ‬ ‫ن ِزين َت َهُ ّ‬ ‫دي َ‬ ‫ن َول ي ُب ْ ِ‬ ‫جهُ ّ‬ ‫ن فُُرو َ‬ ‫فظ ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫ن ]النور‪ .[31-30:‬يأمر الله نبيه عليه الصلة والسلم أن يبلغ المؤمنين‬ ‫جُيوب ِهِ ّ‬ ‫ُ‬
‫والمؤمنات أن يلتزموا بغض البصر وحفظ الفرج عن الزنا‪ ،‬ثم أوضح سبحانه‬
‫أن هذا المر أزكى لهم‪ .‬ومعلوم أن حفظ الفرج من الفاحشة إنما يكون‬
‫باجتناب وسائلها‪ ،‬ول شك أن إطلق البصر واختلط النساء بالرجال والرجال‬
‫بالنساء في ميادين العمل وغيرها من أعظم وسائل وقوع الفاحشة‪ ،‬وهذان‬
‫المران المطلوبان من المؤمن يستحيل تحققهما منه وهو يعمل مع المرأة‬
‫الجنبية كزميلة أو مشاركة له في العمل‪.‬‬
‫فاقتحامها هذا الميدان معه أو اقتحامه الميدان معها ل شك أنه من المور‬
‫التي يستحيل معها غض البصر وإحصان الفرج والحصول على زكاة النفس‬
‫وطهارتها‪.‬‬
‫وهكذا أمر الله المؤمنات بغض البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء الزينة إل ما‬
‫ظهر منها‪ ،‬وأمرهن الله بإسدال الخمار على الجيوب المتضمن ستر رأسها‬
‫ووجهها‪ ،‬لن الجيب محل الرأس والوجه‪ .‬فكيف يحصل غض البصر وحفظ‬
‫الفرج‪ ،‬وعدم إبداء الزينة عند نزول المرأة ميدان الرجال واختلطها معهم‬
‫في العمال والختلط كفيل بالوقوع في هذه المحاذير‪ .‬وكيف يحصل للمرأة‬
‫المسلمة أن تغض بصرها وهي تسير مع الرجل الجنبي جنبا ً إلى جنب بحجة‬
‫أنها تشاركه في العمال أو تساويه في جميع ما يقوم به‪.‬‬
‫والسلم حّرم جميع الوسائل والذرائع الموصلة إلى المور المحرمة‪ .‬ولذلك‬
‫حرم السلم على النساء خضوعهن بالقول للرجال لكونه يفضي إلى الطمع‬
‫َ‬
‫ن‬
‫قي ْت ُ ّ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫ساِء إ ِ ِ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫حد ٍ ِ‬ ‫ن ك َأ َ‬ ‫ست ُ ّ‬ ‫ي لَ ْ‬ ‫ساَء الن ّب ِ ّ‬ ‫فيهن كما في قوله عز وجل‪َ :‬يا ن ِ َ‬
‫معُْروفا ]الحزاب‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ن قوْل َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ض وَقل َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫ْ‬
‫ذي ِفي قلب ِهِ َ‬ ‫َ‬ ‫معَ ال ّ ِ‬ ‫ل فَي َط ْ َ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬‫ضعْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫َفل ت َ ْ‬
‫‪ .[32‬يعني مرض الشهوة‪ .‬فكيف يمكن التحفظ من ذلك مع الختلط‪.‬‬
‫ومن البديهي أنها إذا نزلت إلى ميدان الرجال ل بد أن تكلمهم وأن يكلموها‬
‫ول بد أن ترقق لهم الكلم وأن يرققوا لها الكلم والشيطان من وراء ذلك‬
‫يزين ويحسن ويدعو إلى الفاحشة حتى يقعوا فريسة له‪ ،‬والله حكيم عليم‬
‫حيث أمر المرأة بالحجاب‪ ،‬وما ذاك إل لن الناس فيهم البر والفاجر والطاهر‬
‫والعاهر‪ ،‬فالحجاب يمنع بإذن الله من الفتنة ويحجز دواعيها وتحصل به طهارة‬
‫قلوب الرجال والنساء‪ ،‬والبعد عن مظان التهمة قال الله عز وجل‪ :‬وَإ َِذا‬
‫م أ َط ْهَُر ل ِ ُ‬ ‫سأ َل ْتموهن متاعا َفا َ‬
‫ن‬‫م وَقُُلوب ِهِ ّ‬ ‫قُلوب ِك ُ ْ‬ ‫ب ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫جا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ن وََراِء ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سأُلوهُ ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ ُ ُ ّ َ َ ً‬
‫]الحزاب‪.[53:‬‬

‫‪207‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وخير حجاب للمرأة بعد حجاب وجهها وجسمها باللباس هو بيتها‪ .‬وحرم عليها‬
‫السلم مخالطة الرجال الجانب لئل تعرض نفسها للفتنة بطريق مباشر أو‬
‫غير مباشر‪ .‬وأمرها بالقرار في البيت وعدم الخروج منه إل لحاجة مباحة مع‬
‫لزوم الدب الشرعي‪ ،‬وقد سمى الله مكث المرأة في بيتها قرارا‪ ،‬وهذا‬
‫المعنى من أسمى المعاني الرفيعة ففيه استقرار لنفسها وراحة لقلبها‬
‫وانشراح لصدرها‪ .‬فخروجها عن هذا القرار يفضي إلى اضطراب نفسها‪،‬‬
‫وقلق قلبها‪ ،‬وضيق صدرها‪ ،‬وتعريضها لما ل تحمد عقباه‪.‬‬
‫ونهى السلم عن الخلوة بالمرأة الجنبية على الطلق إل مع ذي محرم‪،‬‬
‫وعن السفر إل مع ذي محرم سدا لذريعة الفساد وإغلقا لباب الثم وحسما‬
‫لسباب الشر وحماية للنوعين من مكايد الشيطان‪ ،‬ولهذا صح عن رسول‬
‫الله أنه قال‪ } :‬ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء { ]رواه‬
‫البخاري ومسلم[‪.‬‬
‫وصح عنه أنه قال‪ } :‬اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل‬
‫كانت في النساء { ]رواه مسلم[‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪208‬‬

You might also like