You are on page 1of 117

‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫سلسلة الردود على أهل الباطل(‪)2‬‬

‫الرد على بعض دعاة الفتِن‬


‫والفساِد‬
‫ردود اإلرهابيين والمطلوبين أمنيًا‪ ،‬كفارس الزهراني‪ ،‬وبيان فساد‬
‫طريقتهم‬
‫الجزء الثاني‬

‫تأليف‬
‫أبي عمر أسامة بن عطايا العتيبي‬

‫‪1‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫المقدمة‬
‫الحمد هلل ‪ ،‬والصالُة والسالُم على رسول هللا أما بعد‪:‬‬
‫فهذه مقاالت كتبتها ردًا على المفجرين والمخربين من المنحرفين‬
‫أصحاب المنهج الفاسد من الخوارج اإلرهابيين المبطلين ‪،‬‬
‫ونشرتها عبر شبكة اإلنترنت‪.‬‬
‫أسأل هللا أن ينفع بها قارئها وكاتبها‪.‬‬
‫وهللا أعلم وصلى هللا وسلم على نبينا محمد‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫وجوب تعليم أبنائنا بغض اإلرهاب واإلرهابيين‬


‫أو‬
‫أثر عقيدة الوالء والبراء في مكافحة اإلرهاب‬

‫‪3‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫وجوب تعليم أبنائنا بغض اإلرهاب واإلرهابيين‬


‫أو‬
‫أثر عقيدة الوالء والبراء في مكافحة اإلرهاب‬

‫احلمد هلل ‪ ،‬والصالُة والسالُم على رسول اهلل أما بعد‪:‬‬


‫يقول النيب ‪-‬صلى اُهلل عليِه وسَّلَم ‪(( : -‬كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته؛‬
‫اإلمام راع ومسؤول عن رعيته‪ ،‬والرجل راع يف أهله وهو مسؤول عن رعيته‪،‬‬
‫واملرأة راعية يف بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها‪ ،‬واخلادم راع يف مال سيده‬
‫ومسؤول عن رعيته‪ ،‬والرجل راع يف مال أبيه ومسؤول عن رعيته‪ ،‬وكلكم راع‬
‫ومسؤول عن رعيته))‪.‬‬
‫فاألب مسؤول عن أبنائه أن يعلمهم الفضيلة ‪ ،‬وحَّبها ‪ ،‬والعمَل هبا ‪ ،‬وأن‬
‫حيذرهم من الرذيلة‪ ،‬ويعلمهم بغضها‪ ،‬ويبعدهم عنها‪.‬‬
‫فيعلمهم توحيد اهلل اخلالص املوافق لفطرة اهلل اليت فطر الناس عليها ‪.‬‬
‫ويعلمهم حب العبادة والطاعة ‪ ،‬وُيرِّو ُضهم عليها ‪ ،‬ويكره إليهم الكفر والفسوق‬
‫والعصيان‪.‬‬
‫ويعلمهم وسطية اإلسالم واعتداله وعدالته ‪ ،‬ويوضح هلم وجوه ذلك ‪...‬‬
‫ويبني هلم خطورة التطرف والغلو واإلرهاب ‪ ،‬وحيذرهم من املفسدين والفساد‪.‬‬
‫من العقائد اهلاَّم ة اليت جيب على الواِلِد ين (أولياء األمور) أن يبينوها ألبنائهم‬
‫الوالء والرباء ‪ ،‬واحلب والبغض ‪.‬‬
‫((أوثق عرى اإلميان احلب يف اهلل ‪ ،‬والبغض يف اهلل ‪ ،‬واملواالة يف اهلل‪ ،‬واملعاداة يف‬
‫اهلل))‪.‬‬
‫وجيب أن يعرفوهم الوسطية يف هذا الباب الذي وقع فيه إفراط وتفريط من كثري‬
‫من الناس ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫فيعلموهم حب اإلسالم‪ ،‬وحب املسلمني ‪ ،‬ومواالهتم‪ ،‬ووجوب مناصرهتم ولو‬


‫بالدعاء هلم‪..‬‬
‫ويعلموهم بغض الكفر ‪ ،‬وبغض الكافرين لكفرهم‪ ،‬وحرمة مواالهتم‪...‬‬
‫ويعلموهم أن بغض الكافرين ال يعين أن نظلمهم أو نعتدي عليهم ‪ ،‬بل أمرنا اهلل‬
‫بالعدل معهم ‪ ،‬وأباح لنا طعام أهل الكتاب‪ ،‬والزواج منهم ‪ ،‬ودعوهتم إىل دين‬
‫اإلسالم باحلكمة واملوعظة احلسنة واجملادلة باليت هي أحسن‪.‬‬
‫ويعلموهم بغض املنحرفني واملبتدعني على قدر بدعهم واحنرافهم ‪...‬‬
‫ويعلموهم أن بغض املسلم املنحرف أو املبتدع ال يعين تكفريه أو معاملته‬
‫كالكافر‪ ،‬بل بالعدل واحلكمة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫بغض اإلرهاب واإلرهابيين‬


‫ومن األمور اليت جيب أن نريب أبناءنا عليها بغض اإلرهاب واإلرهابيني ‪،‬‬
‫وفضحهم‪ ،‬وفضح خمططاهتم ‪ ،‬ومباعدة أبنائنا عن سبيلهم وطريقهم‪.‬‬
‫ونبني هلم أن هؤالء األرهابيني قوم ضالون منحرفون ‪ ،‬قد متكن منهم لشيطان‬
‫فأغواهم وأضلهم‪ ،‬ويريد أن يستخدمهم إبليس لنشر الشر والفساد‪..‬‬
‫ونبني هلم أن أعداء املسلمني من الصهاينة اليهود وأشباههم يفرحون مبا يفعله‬
‫اإلرهابيون من تفجري وختريب يف بالد املسلمني ‪...‬‬
‫ونبني هلم أن ما يفعله اإلرهابيون من ختريب ويستدلون على ذلك بالقرآن والسنة‬
‫فإمنا هو من باب التلبيس على الناس وخداهم ‪...‬‬
‫ونبني هلم أن الفرح بالقضاء على اإلرهابيني أو أحدهم واجب ‪ ،‬وأن القضاء‬
‫على أحد اإلرهابيني هو نصر لإلسالم واملسلمني ‪ ،‬وإراحة للمسلمني من شر‬
‫ذلك اإلرهايب املخرب ‪.‬‬
‫ومن أيام السعادة والفرح األيام اليت نسمع فيها كشف خمطط إرهايب ‪ ،‬أو إحباط‬
‫عمل إرهايب ‪ ،‬أو قتل جمرم إرهايب ‪..‬‬
‫وجيب أن ال نظهر تعاطفًا مع اإلرهابيني الذين قتلوا حىت ال يقع أوالدنا يف‬
‫التناقض‪ ،‬وحىت ال حيسنوا هبم الظن‪.‬‬
‫وإن ظهر على أحد حزٌن على قتيل إرهايب فليبني هلم أنه حزن على حاهلم كيف‬
‫خدعهم الشيطان وأهلكهم ‪ ،‬وليس حبًا هلم ‪.‬‬
‫وجيب التعامل مع هذه األعمال اإلرهابية ‪ ،‬ومع اإلرهابيني حبزم وشدة ‪ ،‬حىت ال‬
‫يتعاطف معهم من ال يعرف حقيقتهم‪.‬‬
‫إن ما سبق ذكره مل نقله من فراغ ‪ ،‬وال هو حديث فائض!!‬
‫ولكن نبني ألبنائنا ما فعله اإلرهابيون من جرائم ‪ ،‬حيث أرادوا التخريب يف مكة‬
‫واملدينة ‪ ،‬وقتلوا بعض املؤمنني يف مكة ‪...‬‬

‫‪6‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫ونبني هلم أهنم قتلوا الرجال واألطفال والنساء والشيوخ وهم آمنون نائمون ‪ ،‬بل‬
‫وبعضهم يصلي ويقرأ القرآن ‪..‬‬
‫ونبني هلم أن اإلرهابيني (الفئة الضالة=اخلوارج) غدارون خائنون حيث قتلوا‬
‫األجانب غري املسلمني الذين استقدمتهم بالدنا ليعملوا فيما فيه صاحل بالدنا‬
‫ووطننا ‪..‬‬
‫ونبني هلم أن اإلرهابيني ال َه َّم هلم إال القتل والدمار باسم اجلهاد‪ ،‬وأهنم جمردون‬
‫من عقل وحكمة ‪ ،‬بل هم كاآلالت اليت تتحرك لتفجر وتدمر وبإشارات من‬
‫أعداء امللة احلنيفية‪...‬‬

‫‪7‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫الحذر من الطرق المؤدية لإلرهاب‬


‫والواجب على املسلم أن جينب نفسه ومن حتت واليته الوسائل والطرق اليت‬
‫تؤدي إىل التطرف واإلرهاب‪.‬‬
‫قال تعالى‪َ { :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا ُقوا َأنُفَس ُك ْم َو َأْهِليُك ْم َنارًا َو ُقوُد َها الَّناُس‬
‫َو اْلِحَج اَر ُة َع َلْيَها َم اَل ِئَك ٌة ِغ اَل ٌظ ِش َد اٌد اَل َيْعُصوَن َهَّللا َم ا َأَم َر ُهْم َو َيْفَع ُلوَن َم ا‬
‫ُيْؤ َم ُروَن }‪.‬‬
‫فليس من العقل يف شيء أن حنذر أنفسنا وأبناءنا من اإلرهاب والتطرف َّمُث‬
‫نعرضهم ِلما يوقعهم يف اإلرهاب ‪..‬‬
‫بل الواجب أن حنذرهم وجننبهم الطرق اليت تؤدي إىل التطرف واإلرهاب‪..‬‬
‫فنحذرهم من الغلو ‪ ،‬وأصدقاء السوء ‪ ،‬وجلساء الضالل ‪...‬‬
‫وحنرص على أن جيالسوا الصاحلني ‪ ،‬وأن نبعدهم عن مواطن الشبه ‪..‬‬
‫أسأل اهلل أن حيمينا ‪ ،‬وحيمي أبناءنا من التطرف والفساد ‪ ،‬وأن جيعلهم صاحلني‬
‫مصلحني ‪.‬‬
‫واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم على نبينا حممد‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫التحذير من إرجاف اإلرهابيين وأشباههم من‬


‫الحزبيين‪،‬‬
‫وبيان سوء ظنهم بربهم‬

‫‪9‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫التحذير من إرجاف اإلرهابيين وأشباههم من الحزبيين‪ ،‬وبيان سوء ظنهم‬


‫بربهم‬
‫احلمد هلل ‪ ،‬والصالُة والسالُم على رسول اهلل أما بعد‪:‬‬
‫فمن األمور اليت جيب أن يكون عليها أهل اإلميان ‪ :‬الثقة بوعد اهلل ونصره مع‬
‫بذل أسباب ذلك ‪ ،‬والحذر من اإلرجاف والمرجفين ‪.‬‬
‫إن اهلل ‪-‬عَّز وجَّل‪ -‬وعد هذه األمة بالنصر والعزة والتمكني يف األرض إذا هي‬
‫حققت التوحيد ‪ ،‬وطبقت ما أمر اهلل به ‪ ،‬واعتصمت حببل اهلل ‪.‬‬
‫قال تعاىل‪ُ{ :‬قْل َأِط يُعوا َهَّللا َو َأِط يُعوا الَّرُسوَل َفِإن َتَو َّلوا َفِإَّنَم ا َع َلْيِه َم ا ُح ِّم َل‬
‫َو َع َلْيُك م َّم ا ُح ِّم ْلُتْم َو ِإن ُتِط يُعوُه َتْهَتُد وا َو َم ا َع َلى الَّرُسوِل ِإاَّل اْلَباَل ُغ اْلُم ِبيُن {‬
‫‪َ }54‬و َعَد ُهَّللا اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِم نُك ْم َو َع ِم ُلوا الَّصاِلَح اِت َلَيْسَتْخ ِلَفَّنُهم ِفي اَأْلْر ِض‬
‫َك َم ا اْسَتْخ َلَف اَّلِذ يَن ِم ن َقْبِلِهْم َو َلُيَم ِّك َنَّن َلُهْم ِد يَنُهُم اَّلِذ ي اْر َتَض ى َلُهْم َو َلُيَبِّد َلَّنُهم‬
‫ِّم ن َبْع ِد َخ ْو ِفِهْم َأْم نًا َيْعُبُد وَنِني اَل ُيْش ِرُك وَن ِبي َش ْيئًا َو َم ن َك َفَر َبْع َد َذ ِلَك َفُأْو َلِئَك‬
‫ُهُم اْلَفاِس ُقوَن {‪َ }55‬و َأِقيُم وا الَّص اَل َة َو آُتوا الَّز َك اَة َو َأِط يُعوا الَّرُسوَل َلَع َّلُك ْم‬
‫ُتْر َح ُم وَن {‪.}56‬‬
‫وقال النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪(( : -‬بشر هذه األمة بالسناء ‪ ،‬والرفعة ‪،‬‬
‫والنصرة ‪ ،‬والتمكني يف األرض ‪ ،‬ومن عمل منهم عمل اآلخرة للدنيا مل يكن له‬
‫يف اآلخرة نصيب)) رواه ابن حبان واحلاكم وغريمها‪.‬‬
‫فيجب على املسلمني أن يتوكلوا على رهبم ‪ ،‬ويعتمدوا عليه يف استجالب النصر‬
‫والَّظَف ر ‪.‬‬
‫فالنصر إمنا هو بيد اهلل ‪ ،‬ومن فضله على من يشاء من عباده ‪ ،‬فال يطلب إال من‬
‫اهلل ‪ ،‬وال يعتمد فيه على غري اهلل ‪.‬‬
‫قال تعاىل‪{ :‬وعلى هللا فتوكلوا إن كنتم مؤمنين}‪.‬‬
‫وقال تعاىل‪{ :‬الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم‬
‫إيمانًا وقالوا حسبنا هللا ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من هللا وفضل لم‬
‫يمسسهم سوء واتبعوا رضوان هللا وهللا ذو فضل عظيم}‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫وهذا التوكل واالعتماد على اهلل مع بذل األسباب طارد إلرجاف املرجفني الذين‬
‫يصورون األمر وكأن الكفار َسَيْج َتُّثوا اإلسالم من جذوره وأىن هلم ذلك؟!!‬
‫فقد تكفل اهلل بحفظ دينه ‪ ،‬ونصر جنده ‪.‬‬
‫قال النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪(( : -‬ال تزال طائفة من أميت على احلق ظاهرين‬
‫ال يضرهم من خذهلم وال من خالفهم حىت تقوم الساعة وهم على ذلك)) ‪.‬‬
‫عن ثوبان ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪(( :-‬إن‬
‫اهلل زوى يل األرض ‪ ،‬فرأيت مشارقها ومغارهبا ‪ ،‬وإن أميت سيبلغ ملكها ما زوى‬
‫الكنزين األمحر واألبيض ‪.‬وإين سألت ريب ألميت أن ال‬
‫يل منها ‪ .‬وأعطيت ْ‬
‫يهلكها بسنة عامة ‪ ،‬وأن ال يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم ‪ ،‬فيستبيح‬
‫بيضتهم ‪.‬‬
‫وإن ريب قال‪ :‬يا حممد ‪ ،‬إين إذا قضيت قضاء فإنه ال يرد ‪ ،‬وإين أعطيتك ألمتك‪:‬‬
‫أن ال أهلكهم بسنة عامة ‪ ،‬وأن ال أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح‬
‫بيضتهم ‪.‬ولو اجتمع عليهم َمن بأقطارها ‪-‬أو قال‪ :‬من بني أقطارها‪ ، -‬حىت‬
‫يكون بعضهم يهلك بعضاً ‪ ،‬ويسيب بعضهم بعضاً))‪.‬‬
‫ولكننا نرى اخلوارج وأذناهبم من احلزبيني يرجفون‪ ،‬ويلقون الرعب بني الناس‪،‬‬
‫ويسيؤون ظنهم برهبم ‪ ،‬ويظنون أنه ال ينصرهم إال مبا خيالف شرعه ودينه من‬
‫قتل املؤمنني‪ ،‬وقتل املعاهدين واملستأمنني‪ ،‬وإشاعة الفوضى بني املسلمني‪.‬‬
‫فليحذر المسلم من اإلرجاف وأهله ‪.‬‬
‫واإلرجاف من صفات المنافقين ‪.‬‬
‫قال تعاىل‪َ{ :‬لِئن َّلْم َينَتِه اْلُم َناِفُقوَن َو اَّلِذ يَن ِفي ُقُلوِبِهم َّمَر ٌض َو اْلُم ْر ِج ُفوَن ِفي‬
‫اْلَم ِد يَنِة َلُنْغ ِرَيَّنَك ِبِهْم ُثَّم اَل ُيَج اِوُروَنَك ِفيَها ِإاَّل َقِليًال {‪َ }60‬م ْلُعوِنيَن َأْيَنَم ا ُثِقُفوا‬
‫ُأِخ ُذ وا َو ُقِّتُلوا َتْقِتيًال {‪ُ }61‬س َّنَة ِهَّللا ِفي اَّلِذ يَن َخ َلْو ا ِم ن َقْبُل َو َلن َتِج َد ِلُس َّنِة ِهَّللا‬
‫َتْبِد يًال}‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫وقال تعالى‪َ { :‬لْو َخ َر ُجوْا ِفيُك م َّم ا َز اُد وُك ْم ِإَّال َخ َباًال وَألْو َض ُعوْا ِخ َالَلُك ْم‬
‫َيْبُغ وَنُك ُم اْلِفْتَنَة َو ِفيُك ْم َسَّم اُع وَن َلُهْم َو ُهّللا َع ِليٌم ِبالَّظاِلِم يَن } واآليات بعدها‪.‬‬
‫وقال تعالى‪َ { :‬و ِإْذ َيُقوُل اْلُم َناِفُقوَن َو اَّلِذ يَن ِفي ُقُلوِبِهم َّمَر ٌض َّم ا َو َعَد َنا ُهَّللا‬
‫َو َر ُسوُلُه ِإاَّل ُغ ُرورًا {‪َ }12‬و ِإْذ َقاَلت َّطاِئَفٌة ِّم ْنُهْم َيا َأْهَل َيْثِرَب اَل ُم َقاَم َلُك ْم‬
‫َفاْر ِج ُعوا َو َيْسَتْأِذ ُن َفِريٌق ِّم ْنُهُم الَّنِبَّي َيُقوُلوَن ِإَّن ُبُيوَتَنا َعْو َر ٌة َو َم ا ِهَي ِبَع ْو َر ٍة‬
‫ِإن ُيِريُد وَن ِإاَّل ِفَر ارًا {‪َ }13‬و َلْو ُد ِخ َلْت َع َلْيِهم ِّم ْن َأْقَطاِرَها ُثَّم ُس ِئُلوا اْلِفْتَنَة‬
‫آَل َتْو َها َو َم ا َتَلَّبُثوا ِبَها ِإاَّل َيِس يرًا} واآليات بعدها‪.‬‬
‫فما نراه اليوم من إشاعة اخلوف والذعر بني املسلمني ‪ ،‬وتضخيم دول الكفر‬
‫وتفخيمهم إىل درجة إيصال اليأس إىل قلوب الناس ‪ ،‬وختويف الناس بأن دول‬
‫الكفر ستقضي على مجيع دول اإلسالم وخاصة معقله البالد السعودية –حرسها‬
‫اهلل‪. -‬‬
‫فهذا من اإلرجاف ومن اليأس من روح اهلل ‪.‬‬
‫بل الواجب اليقني بوعد اهلل ‪ ،‬وإصالح النفس ‪ ،‬والرجوع إىل اهلل ‪ ،‬والتوبة إليه ‪،‬‬
‫وااللتفاف حول العلماء واألمراء ‪ ،‬والتوكل على اهلل ‪.‬‬
‫وهذا ال ينايف معرفة خمططات أعداء اهلل ‪ ،‬وما هو غرضهم باجمليء إىل الشرق‬
‫األوسط بقضهم وقضيضهم ‪.‬‬
‫فهذه األمور من واجبات األمراء والعلماء –أهل احلل والعقد‪ -‬أما إشاعتها بني‬
‫الناس مع تقنيطهم ‪ ،‬وزعزعتهم ‪ ،‬وقذف الرعب يف قلوهبم ‪ ،‬ودعوهتم إلساءة‬
‫الظن بعلمائهم وأمرائهم !‬
‫فهذا من عمل المفسدين والمرجفين ‪.‬‬
‫وهذا هو دأب خوارج هذا الزمان وأذنابهم القاطنين في بالد الكفر ‪ ،‬والذين‬
‫ينفذون مخططات أوليائهم من الكفرة والمشركين ‪.‬‬
‫وقد استغل طواغيت الكفر أولئك اخلوارج أسوأ استغالل حيث احتفظوا هبم‬
‫لزرع الفرقة واخلالف بني الناس ‪ ،‬وفتح اجملال هلم لريعبوا الناس ويرجفوا بينهم ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫فاحذروا –رمحكم اهلل‪ -‬من الطواغيت وأوليائهم من اخلوارج ومن يدعي اجلهاد‬
‫ونصرة اجملاهدين وهم يف احلقيقة إمنا حيققون أهداف الكفار ‪ ،‬وأداة يف أيدي‬
‫الكفار يسريوهنم كيف شاؤوا‪.‬‬
‫واحذروا ممن يدعي نصرة اجملاهدين وهو يف احلقيقة يريد زرع الفتنة والفرقة‪،‬‬
‫ويريد أن يتوصل هبذه الواجهة وها التلبيس واخلداع إىل تكفري والة األمور‬
‫املسلمني‪ ،‬وإضفاء الشرعية على أعمال اإلرهابيني التخريبية من قتل اجملاهدين من‬
‫رجال األمن‪ ،‬وقتل النساء واألطفال وقتل املعاهدين واملستأمنني‪.‬‬
‫أسأل اهلل أن يطهر البالد من هؤالء اخلوارج ‪ ،‬وأن حيفظ املسلمني من‬
‫شرورهم‪...‬‬
‫واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم على نبينا حممد‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫إبطال منهج اإلرهابيين المبني على نقل‬


‫الشائعات واألكاذيب والتخمين‬

‫‪14‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫إبطال منهج اإلرهابيين المبني على نقل الشائعات واألكاذيب والتخمين‬


‫احلمد هلل ‪ ،‬والصالُة والسالُم على رسول اهلل أما بعد‪:‬‬
‫فالتثبت من األخبار ‪ ،‬وعدم نقل الشائعات واألكاذيب أمر مهٌّم جدًا ‪ ،‬جيب‬
‫على املسلم أن يعتين به ال سيما يف زمن الفتنة ‪.‬‬
‫فمن المعلوم أَّن زمان الفتن زمان خطير يكثر فيه القيل والقال ‪ ،‬ويحَم ل‬
‫الكالم فيه على غير محامِله ‪ ،‬ويكثر الجدال ‪ ،‬ويحرص فيه على نقل‬
‫األخبار ‪ ،‬وإشاعة األقوال ‪ ،‬ويتصدر َمْن حُّق هم التأخر ‪ ،‬وتنطق فيه الرويبضة‬
‫‪ ،‬وفي زمان هذا حاله ينبغي للمسلم العاقل أن يلتزم أوامر اهلل ‪-‬سبحانه‬
‫وتعالى‪ -‬بكل قَّو ٍة ودقة ‪ ،‬وال يجاوزها ‪ ،‬ففي لزومها النجاة ‪ ،‬وفي مفارقتها‬
‫الهَلَك ة‪.‬‬
‫ومن ذلك وجوب التثبت عند مساع األخبار واألقوال ‪ ،‬وعدم العجلة يف احلكم‬
‫على األخبار حىت يتبني له ثبوهتا ‪ ،‬مث بعد ذلك يقوم فيها مبا أمر اهلل –سبحانه‬
‫وتعاىل‪ ، -‬وهذا أمر واجٌب على املسلم يف حياته كلها ؛ يف رخائه وشدته ‪،‬‬
‫لكنه يف وقت الفتنة آكد ملا يرتتب على ذلك من أمور عظام‪.‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسٌق ِبَنبأ فتَبَّيُنوا أن ُتِص يبوا َقومًا‬
‫ِبَج هالِة َفُتصبحوا على ما فعلتم نادمين}‪.‬‬
‫قال ابن كثري ‪-‬رمحه اهلل‪" : -‬يأمر تعاىل بالتثبت يف خِرب الفاسق ليحتاط له ‪،‬‬
‫لئال حيكم بقوله فيكون يف نفس األمر كاذبًا أو خمطئًا ‪ ،‬فيكون احلاكم بقوله قد‬
‫اقتفى وراءه ‪ .‬وقد هنى اهلل عن اتباع سبيل املفسدين"‪.‬‬
‫وقد جعل العلماء ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬هذه اآلية وما جاء يف معناها قاعدًة ‪ ،‬وُبَيِن عليها‬
‫علُم الرجال واجلرح والتعديل ؛ الذي حفظ اهلل به دينه ‪ ،‬وسنة نبيه ‪-‬صلى اُهلل‬
‫عليِه وسَّلَم ‪ ، -‬والذي اختصت به األمة اإلسالمية من بني األمم اليت أضاعت ما‬
‫أوحاه اهلل ألنبيائه ‪ ،‬وحَّر فته ‪ ،‬وبّد َلته ‪ ،‬وأدخلت فيه ما ليس منه ‪ ،‬بقصد أو‬

‫‪15‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫بدون قصد ‪ ،‬حىت مل يبق يف أيديهم شيء يوثُق به مما أوحاه اهلل ألنبيائه –عليهم‬
‫السالم‪.-‬‬
‫وهذا دليل على أهمية التثبت والتبُّين عند سماع األخبار والروايات وال‬
‫سَّيما وقت الفتن ‪.‬‬
‫وكم سَّبَب عدم التثبت من فٍنت ومصائب على األمِة ال زالت تعاين منها حىت‬
‫يومنا هذا ‪.‬‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬و ِإَذ ا َج اءُهْم َأْم ٌر ِّم َن اَألْم ِن َأِو اْلَخ ْو ِف َأَذ اُع وْا ِبِه َو َلْو َر ُّد وُه ِإَلى‬
‫الَّرُسوِل َو ِإَلى ُأْو ِلي اَألْم ِر ِم ْنُهْم َلَعِلَم ُه اَّلِذ يَن َيْسَتنِبُطوَنُه ِم ْنُهْم َو َلْو َال َفْض ُل ِهّللا‬
‫َع َلْيُك ْم َو َر ْح َم ُتُه َالَّتَبْع ُتُم الَّش ْيَطاَن ِإَّال َقِليًال}‪.‬‬
‫قال ابن كثري ‪-‬رمحه اهلل‪ ": -‬يف هذه اآلية إنكاٌر على من يبادر إىل األمور قبل‬
‫‪.‬‬
‫حتُّقِق ها فيخرب هبا ‪ ،‬ويفشيها ‪ ،‬وينشرها ‪ ،‬وقد ال يكون هلا صحة"‬
‫فهذه اآلية توجُب التثُّبَت والتبَنُّي عند مساِع األخبار ‪ ،‬وُتنِكر –كما ذكر ابن‬
‫كثري‪ -‬على من َباَدُر وساَر َع يف نقلها ونشرها قبل أن يتحقَق من صحتها ‪،‬‬
‫وأرشدت كذلك إىل أمر آخر مهم ؛ وهو أن األخبار إمنا تنقل إىل أويل األمر من‬
‫العلماِء واألمراِء ‪ ،‬وال تنَق ُل إىل عاَّم ِة الناس ألن النقَل إىل عامة الناس ال فائدة‬
‫فيه‪ ،‬وإمنا الفائدة يف نقله إىل أهل احلِّل والعقِد الذين حيسنون فهم األمور‪،‬‬
‫واستنباط املصاحل منها ‪ ،‬ولديهم القدرة على درء املفاسد‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن كثري ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬عَّد َة رواياٍت حتِّذ ُر من العجلِة وعدم التثبت منها‪:‬‬
‫حديث أيب هريرة ‪-‬رضي اُهلل عنه‪ -‬عن النيب ‪-‬صلى اُهلل عليِه وسَّلَم ‪ -‬قال‪:‬‬
‫((كفى باملرء كذبًا أن حيدث بكِّل ما مسع))‬
‫وعن المغيرة بن شعبة ‪-‬رضي ا عنه‪ : -‬أَّن رسول اهلل ‪-‬صلى ا عليِه‬
‫ُهلل‬ ‫ُهلل‬
‫وسَّلَم ‪ -‬نهى عن قيل وقال‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫قال ابن كثير ‪-‬رحمه اهلل‪" : -‬أي الذي يكثر من الحديث عَّم ا يقول الناُس‬
‫من غيِر تثُّبٍت ‪ ،‬وال تدُّبٍر ‪ ،‬وال تبُّيٍن ‪.‬‬
‫مث ذكر ابن كثري ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬قوله ‪-‬صلى اُهلل عليِه وسَّلَم ‪(( :-‬بئس مطية الرجل‬
‫زعموا))‪.‬‬
‫قال ابن كثري ‪-‬رمحه اهلل‪" : -‬وُيذَك ر هاهنا حديث عمر ‪-‬رضي اُهلل عنه‪ -‬املتَف ِق‬
‫عليه حني بلغه أّن رسول اهلل ‪-‬صلى اُهلل عليِه وسَّلَم ‪ -‬طَّلَق نساءه ‪ ،‬فجاء من‬
‫مْنزله حىت دخل املسجد فوجد الناَس يقولون ذلك فلم يصرِب حىت استأذن على‬
‫رسول اهلل ‪-‬صلى اُهلل عليِه وسَّلَم ‪ -‬فاستفهمه ‪ :‬أطلقت نساءك؟ قال‪(( :‬ال))‬
‫فقلت‪ :‬اهلل أكرب ‪...‬احلديث ‪.‬‬
‫وعند مسلم‪ :‬فقلت ‪ :‬أطَّلقتهَّن ؟ فقال‪(( :‬ال))‪ .‬فقمُت على باب املسجد فناديُت‬
‫بأعلى صويت ‪ :‬مل يطِّلق رسول اهلل ‪-‬صلى اُهلل عليِه وسَّلَم ‪ -‬نساءه ‪ .‬ونزلت‬
‫اآلية‪.‬‬
‫قال عمر ‪-‬رضي اُهلل عنه‪ :-‬أنا استنبطت ذلك األمر‪.‬‬
‫وقال السعدي ‪-‬رمحه اهلل‪" : -‬هذا تأديب من اهلل لعباده عن فعلهم هذا غري‬
‫الالئق ‪ ،‬وأَّنه ينبغي هلم إذا جاءهم أمر من األموِر املهَّم ة ‪،‬واملصاحل العامة ما يتعَّلُق‬
‫باألمن ‪ ،‬وسرور املؤمنني ‪ ،‬أو باخلوف الذي فيه مصيبٌة عليهم ؛ أن يتثَّبتوا ‪ ،‬وال‬
‫يستعجلوا بإشاعة ذلك اخلرب‪.‬‬
‫بل يردونه إىل الرسول وإىل أويل األمر منهم ؛ أهل الرأي ‪ ،‬والعلم ‪ ،‬والنصح ‪،‬‬
‫والعقل ‪ ،‬والرزانة ؛ الذين يعرفون األمور ‪ ،‬ويعرفون املصاِلَح وضَّدها‪.‬‬
‫فإذا رأوا يف إذاعته مصلحة ونشاطًا للمؤمنني ‪ ،‬وسرورًا هلم ‪ ،‬وَحَتُّر زًا من أعدائهم‬
‫؛ فعلوا ذلك ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة ‪ ،‬أو فيه مصلحة ولكن مضَّر ته تزيد على مصلحته‬
‫مل يذيعوه وهلذا قال‪َ{ :‬لَعِلَم ُه اَّلِذ يَن َيْس َتنِبُطوَنُه ِم ْنُه ْم } أي‪ :‬يستخرجونه بفكرهم‬
‫وآرائهم السديدة ‪،‬وعلومهم الرشيدة‪.‬‬
‫ويف هذا دليل لقاعدة أدبية وهي‪ :‬أنه إذا حصل حبث يف أمٍر من األمور ‪ ،‬ينبغي‬
‫أن يوىَّل من هو أهل لذلك ‪ ،‬وجيعل إىل أهله ‪ ،‬وال يتقدم بني أيديهم ‪ ،‬فإنه أقرب‬
‫إىل الصواب وأحرى للسالمة من اخلطأ ‪.‬‬
‫وفيه النهي عن العجلة والتَس ُّر ع لنشر األمور من حني مساعها ‪ ،‬واألمر بالتأمل‬
‫قبل الكالم ‪ ،‬والنظر فيه ‪ ،‬هل هو مصلحة فيقدم عليه اإلنسان؟ أم ال ‪ ،‬فيحجم‬
‫عنه؟"‪.‬‬
‫فانظر –رعاك اهلل ‪ ،‬وحماك من الفتن ما ظهر منها وما بطن‪ -‬هذا العالج‬
‫الرباني وقَت وقوع الفتن ‪ ،‬وذلك بالصبر ‪ ،‬والتثبِت ‪ ،‬وعدم العجلِة ‪ ،‬فإن‬
‫في ذلك السالمَة من الفتِن ‪ ،‬كما في النصوِص السابقة‪.‬‬
‫وانظر إىل فهم عمر ‪-‬رضي اُهلل عنه‪ ، -‬وتثبته ‪ ،‬وكيف سَّلَم ه اهلل من هذه الفتنة‬
‫بسبب التثبت يف األخباِر ‪.‬‬
‫وقد ابتليت األمة اإلسالمية اليوم بأقوام ال هَّم هلم إال البحَث عن األخباِر ؛‬
‫صحيحها وسقيمها ‪ ،‬ونشَر هذه األخبار على األمة ؛ مسِلِم ها وكافرها ‪ ،‬دون‬
‫َر ِو َّيٍة ‪ ،‬وتثبٍت ‪ ،‬ودون النظِر يف عواقب األمور ‪ ،‬ودون معرفٍة للمصاحل واملفاسد‬
‫املرتتبة على نشر هذه األخبار بل يظنوَن –لألسف الشديد‪-‬أهنم بنشِر هم هلذه‬
‫األخباِر الظِّنَّيِة ؛ يرفعون من علوم األمة ‪ ،‬وثقافِتها ‪ ،‬وفقهها بواقِعها! ‪ ،‬وما دروا‬
‫أَّن يف نشر هذه األخبار تثبيطًا لألمِة ‪ ،‬وزرعًا للشِّك واليأِس يف قلوب الناشئِة ‪،‬‬
‫وعوام األمة ‪ ،‬واستهانًة بأولياء أمور األمة ‪ ،‬وعلمائها ‪.‬‬
‫فالواجب بعد هذا الحرُص الشديد في نقل األخباِر ‪ ،‬وأن ال تنقَل هذه‬
‫األخباُر إال ألولياء األمور ‪ ،‬وأهل الحِّل والعقد والعلِم ‪ ،‬والتثُّبُت في ذلك ‪،‬‬

‫‪18‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫وعدُم تحميِل الخبر ما ال يحتمله ‪ ،‬وعدُم إشغال الناشئة وعوام المسلمين‬


‫بما ال فائدة لهم به ‪ ،‬وال قدرة لهم على تحُّم ِله ومعالجته‪.‬‬
‫ومن عجيب حال األمة اليوَم أَّن هؤالء النقلِة لألخبار ‪ ،‬املباِدِر ين يف نشرها ؛ ال‬
‫ميِّيزون بني ناقلي األخبار ‪ ،‬فرتاهم يروون خربًا عن جمَّلٍة كافرٍة ‪ ،‬أو إذاعٍة يف‬
‫دولة كافرة ؛ يهودية أو نصرانية ‪ ،‬وجيعلون هذا اخلَرب يقينيًا ‪ ،‬ويبنون عليه مسائل‬
‫خطريٍة ‪ ،‬تتعَّلق مبصاحل األمة‪ ،‬بل تتعلق بأحكام شرعية خطرية كالتكفري مما نتج‬
‫عنه التفجري والتدمري‪.‬‬
‫وهذا هو منهج اإلرهابيين الخوارج وطريقتهم‪ ،‬وما درى هؤالء المبطلون أَّن‬
‫الكافر ال يصلُح أْن يكوَن مصدرًا لألخبار الصحيحِة ‪ ،‬وأَّن هؤالء الكَّف اَر إنما‬
‫نشروا مثل هذه األخباِر لضرِب األمِة بعضها ببعٍض ‪ ،‬وإلشاعة الوَه ِن‬
‫والخوِف والشِّك في األمة ‪.‬‬
‫فال جيوز بعد هذا قبول األخبار إال من الثقات العدوِل ‪ ،‬مث بعد هذا ينظُر يف‬
‫نشره حسب املصاِحل واملفاسِد ‪ ،‬بعد الرجوع إىل أولياء األمور ‪ ،‬وعلماء األمة ‪،‬‬
‫وأهل احلل والعقد فيها‪.‬‬
‫ومن أعظم الشواهد على تطبيق السلِف ‪-‬رحمهم اهلل‪ -‬لهذه القاعدِة‬
‫العظيمة وقَت الفتن ‪:‬‬
‫ما رواه البخاري ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬عن ابن عباس ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬قال‪ :‬كنت‬
‫أقرئ رجاًال من املهاجرين منهم عبد الرمحن بن عوف فبينما أنا يف ْمنزلِِه ِبمِىن ‪،‬‬
‫وهو عند عمر بن اخلطاب يف آخر حجة حجها ‪ ،‬إذ رجع إيل عبد الرمحن فقال‪:‬‬
‫لو رأيت رجًال أتى أمَري املؤمنني اليوم فقال‪ :‬يا أمري املؤمنني هل لك يف فالن‬
‫يقول‪ :‬لو قد مات عمر لقد بايعت فالنًا؟ فواهلل ما كانت بيعة أيب بكر إال فلتة ‪،‬‬
‫عمر ‪ ،‬مث قال‪ :‬إين ‪-‬إن شاء اهلل‪ -‬لقائم العشيَة يف الناس ‪،‬‬
‫فتمَّتْ ‪ ،‬فغضب ُ‬
‫فمحذرهم هؤالء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫قال عبد الرمحن‪ :‬فقلت‪ :‬يا أمري املؤمنني ‪ ،‬ال تفعل ‪ ،‬فإَّن املوسَم جيمع رَعاَع‬
‫وغوغاءهم ‪ ،‬فإهنم هم الذين يغلبون على قربك حني تقوم يف الناس ‪ ،‬وأنا‬ ‫َ‬ ‫الناس‬
‫أخشى أن تقوم فتقول مقالًة يطرُّي ها عنك كل مطرِّي ‪ ،‬وأن ال يعوها ‪ ،‬وأن ال‬
‫يضعوها على مواضعها ‪ ،‬فأمِه ل حىت تقدم املدينة ‪ ،‬فإهنا دار اهلجرة والسنة ‪،‬‬
‫فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس ‪ ،‬فتقول ما قلَت متمكنًا ‪ ،‬فيعي أهُل العلم‬
‫مقالَتك ‪ ،‬ويضعوهنا على مواضعها‪.‬‬
‫ومن بذلك أَّو َل مقاٍم أقوُم ه‬
‫فقال عمر ‪-‬رضي اُهلل عنه‪ :-‬واهلل ‪-‬إن شاء اهلل‪ -‬ألَُق َّ‬
‫باملدينة‪ ...‬احلديث ‪.‬‬
‫ففي هذه القصة العظيمة بياُن فقِه الصحابة ‪-‬رضي اُهلل عنهم‪ ، -‬وحرُصهم على‬
‫سالمة األمة من الفنت ‪ ،‬وذلك حبفظ األمور العظام عن العوام والَّر عاِع ؛ ألهنم ال‬
‫قدرَة هلم على حِّلها ‪ ،‬وال فهمها ‪ ،‬بل رمَّب ا أدى علمهم هبا إىل الفنت ‪.‬‬
‫ٍف‬
‫ولذلك أشار عبد الرمحن بن عو ‪-‬رضي اُهلل عنه‪ -‬على عمَر ‪-‬رضي اُهلل‬
‫عنه‪ -‬أن حيفَظ ما يريد قوَلُه عن عامة الناِس ‪ ،‬وخيَّص به أهل الفقه والشرف حىت‬
‫يعوا مقالته ويضعوها على مواضعها ‪ ،‬واستيعاب عمر ‪-‬رضي اُهلل عنه‪ -‬لذلك ‪،‬‬
‫فلَّم ا رجَع املدينة ذكر ما أراده للناِس ‪.‬‬
‫وبهذا الفقه العظيم صار الصحابُة ‪-‬رضي اُهلل عنهم‪ -‬أمانًا األمة من الفتن ‪،‬‬
‫فلَّم ا ماتوا أصاب األمة ما أصابهم‪.‬‬
‫والمالحظ اآلن عكس هذا تمامًا ‪ ،‬فإن كثيرًا ممن يزعم اإلصالح في هذا‬
‫الزمان بل فاقهم حثالة من اإلرهابيين يتكَّلُّم ون بكل شيء في كِّل مكاٍن دوَن‬
‫تمييٍز ‪ ،‬ودون نظٍر لعواقب األمور‪ ،‬فما يكاد أحدهم يسمع خبرًا وال سَّيما‬
‫األخباَر المتعلقَة بمصالح األمِة‪ ،‬وأحواِل أولياء األمور إال وطار به‪ ،‬ينشره في‬
‫كل مجاٍل متاٍح عن طريق االنترنت ‪ ،‬وعن طريق اإلذاعة أو عن طريق‬

‫‪20‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫القنوات الفضائية‪ ،‬وحتى عن طريق المجالس ‪ ،‬ففي أِّي مكاٍن يهذي به‪،‬‬
‫دون أدنى تثُّبٍت ‪ ،‬أو نظٍر ‪ ،‬وما درى كم يفسد هذا الخبر على األمِة من‬
‫أموٍر ! ‪-‬وال سَّيما إذا عرفَت أن أعداء األمة يتربصون بها الدوائر ‪ ،‬ويفرحون‬
‫بمثل هذه األخباِر ‪ -‬حتى أوقعوا الناس في الحيرة والدهشِة واليأس والقنوط‬
‫‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل ‪.‬‬
‫وهبذا تعرف أمهَّية التثبِت ‪ ،‬وحفِظ األخبار ‪ ،‬ونقِلها إىل أهل احلِّل والعقد دون‬
‫سائر الناس ‪ ،‬بعد التأكِد من صحتها ‪.‬‬
‫وتعرف مدى فساد منهج الفئة الضالة (اإلرهابيين) ومن سار على طريقتهم‬
‫من مَّد عي اإلصالح المتسارعين إلى نقل الشائعات واألكاذيب‪ ،‬ومن َثَّم‬
‫يبنون عليها أحكامًا خطيرة تزهق بسببها أرواح‪ ،‬وتزل فيها أقدام‪ ،‬وتفسد‬
‫بسببها معتقدات‪.‬‬
‫واهلل أسأل أن حيمي بالد املسلمني من أولئك اخلوارج ويكفيهم شرورهم‬
‫وفسادهم‬
‫واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم على نبينا حممد‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫أْخ ِرُج وا الَخ واِرَج والمَفِّج ريَن مْن‬


‫جزيرِة العرِب‬

‫‪22‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫أْخ ِر ُج وا الَخ واِر َج والمَفِّج ريَن مْن جزيرِة العرِب‬


‫احلمد هلل ‪ ،‬والصالُة والسالُم على رسول اهلل أما بعد‪:‬‬
‫فإن اهلل ‪-‬عَّز وجَّل‪ -‬قد اختص جزيرة العرب خبصائص ‪ ،‬وفضلها بفضائل‪،‬‬
‫وميزها مبيزات ‪ ،‬فهي مهبط الوحي‪ ،‬وفيها بعث سيد ولد آدم رمحة للعاملني‪،‬‬
‫وهي معقل التوحيد‪ ،‬وحصن اإلسالم احلصني‪ ،‬وإليها يأرز اإلميان كما تأرز احلية‬
‫إىل جحرها‪ ،‬ومنها انتشرت اجليوش اإلسالمية‪ ،‬وفتحت الفتوح‪ ،‬واتسعت رقعة‬
‫العامل اإلسالمي حىت وصل اإلسالم إىل مجيع أحناء املعمورة‪.‬‬
‫وجزيرة العرب بلد األمن واإلميان‪ ،‬فمن أخاف أهل املدينة فقد أخاف النيب ‪-‬‬
‫‪ -r‬واعتدى عليه‪.‬‬
‫واملدينة من جزيرة العرب‪.‬‬
‫عن زيِد بِن أسلَم ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬عن جابِر بن عبد اهلل ‪ :-t-‬أن أمريًا من أمراء‬
‫الفتنِة قِد َم املدينَة ‪ ،‬وكان قد ذهب بصُر جابر ‪ ،‬فقيَل جلابٍر ‪ :‬لو َتَنَّح ْيَت عنُه‪،‬‬
‫فخرَج ميشي بَني ابَنْيِه‪ ،‬فُنِكَب (‪ ،)1‬فقال‪َ :‬تِعَس مْن أخاَف رسوَل اهلل ‪. --‬‬
‫فقال ابناه ‪-‬أو أحُد مها‪ :-‬يا أبِت ‪ ،‬وكيف أخاَف رسوَل اهلل ‪ --‬وقد‬
‫ماَت ؟‬
‫قال‪ :‬مسعُت رسوَل اِهلل ‪ --‬يقوُل ‪َ(( :‬مْن أخاَف أهَل املدينِة فقْد أخاَف ما‬
‫(‪)2‬‬
‫بني َج ْنَّيَب))‬

‫(?)أي‪ :‬أصابته حجارة‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)رواه اإلم ¿ ¿¿ام أمحد يف املس ¿ ¿¿ند(‪-23/121‬الرس ¿ ¿¿الة) والطيالس ¿ ¿¿ي (ص‪242/‬رقم‪،)1760‬‬ ‫‪2‬‬

‫وال¿¿بزار يف مس¿¿نده(‪3/304‬رقم‪-2805‬كش¿¿ف األس¿¿تار) وغ¿¿ريهم‪ .‬وص¿¿ححه الش¿¿يخ األلباين‬


‫يف السلسلة الصحيحة(‪7/1281‬رقم‪.)3433‬‬

‫‪23‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫والَّتعاسة ضد السعادة ‪ ،‬ويف ذلك دعاء على من أراد أهل املدينة بسوء بالَّتعاسة‬
‫والشقاء ؛ ألن إخافتهم كإخافة رسول اهلل ‪ ، -r-‬ومعلوم أن الرسول ‪-r-‬‬
‫أفضل اخللق وأكرمهم فحرمته أعظم احلرمات‪.‬‬
‫ويف ذلك فضل عظيم ألهل املدينة ‪ ،‬وتعظيم حلرمتهم‪.‬‬
‫وقال ‪ (( : -r-‬من أراد أهل املدينة بسوء أذابه اهلل كما يذوب امللح يف املاء))‬
‫(‪.)1‬‬
‫ويف رواية (( ‪ ..‬وال يريد أحد أهل املدينة بسوء إال أذابه اهلل يف النرب ذوب‬
‫الرصاص أو ذوب امللح يف املاء))(‪. )2‬‬
‫وهؤالء اخلوارج املفجرون قد روعوا أهل املدينة وأخافوهم ‪ ،‬وقد حاول مجاعة‬
‫من اخلوارج عمل بعض اإلفساد فيها ولكن اهلل سلم‪.‬‬
‫واملدينة من جزيرة العرب‪.‬‬
‫وحرمة مكة كحرمة املدينة ‪.‬‬
‫فعن عبد اهلل بن زيد بن عاصم أن رسول اهلل ‪ --‬قال‪(( :‬إن إبراهيم حرم‬
‫مكة ودعا ألهلها وإين حرمت املدينة كما حرم إبراهيم مكة وإين دعوت يف‬
‫(‪)3‬‬
‫صاعها ومدها ميثلي ما دعا به إبراهيم ألهل مكة))‬
‫وقد لعن النيب ‪ -r-‬من آوى حمدثًا فكيف إذا كان هذا اإليواء والتسرت يف‬
‫جزيرة العرب؟!‬
‫بل كيف إذا كان يف احلرمني الشريفني وما حوهلما؟!!‬
‫ومن الطرق اليت سلكها الشرع حلماية جزيرة العرب من اإلخالل بأمنها وإمياهنا‬
‫املنع من استيطان املشركني جزيرة العرب‪ ،‬حسمًا لمادة أعياد أهل األوثان خشية‬

‫(?)رواه مسلم (رقم‪.)1387‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)رواه مسلم(رقم‪.)1364‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أخرجه مسلم يف احلج‪ ،‬باب فضل املدينة(رقم‪.)1360‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪24‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫أن يتدنس املسلم بشيء من أمر الكفار الذين قد أيس الشيطان أن يقيم أمرهم يف‬
‫جزيرة العرب‪ ،‬فاخلشية من تدنسه بأوصاف الكتابيني الباقني أشد‪ ،‬والنهي عنه‬
‫أوكد‪ ،‬كيف وقد تقدم اخلرب الصادق بسلوك طائفة من هذه األمة سبيلهم(‪.)1‬‬
‫قال رسول اهلل ‪(( :-r-‬أخرجوا املشركني من جزيرة العرب))‬
‫(‪)2‬‬

‫فمن اْلِح َك ِم من إخراج جزيرة العرب تطهيرها من الفساد ‪ ،‬والمعتقدات‬


‫المدمرة‪ ،‬والمذاهب الهدامة‪.‬‬
‫فمن عرف عقيدة الخوارج‪ ،‬ومذهبهم في سفك دماء المؤمنين والمعاهدين‬
‫والمستأمنين‪ ،‬وإزهاق نفوس المعصومين‪ ،‬وحبهم للشر والفساد ‪ ،‬وحقدهم‬
‫على المسلمين قطع أن تطهير جزيرة العرب منهم أمر واجب وحتمي‬
‫وضروري ‪.‬‬
‫وبيان ذلك من وجوه‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أن من العلماء من يعتقد أن اخلوارج كفار الستحالهلم ما حرم‬
‫اهلل من دماء املؤمنني ‪ ،‬ولتكفريهم املؤمنني فهم داخلون يف األمر بإخراج‬
‫املشركني من جزيرة العرب ‪.‬‬
‫عن حذيفة بن اليمان ‪ --‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :-r-‬إن أخوَف ما‬
‫ت َبهْجَُتهُ عليه‪ ،‬وكان ردءًا‬
‫ف عليكم رجل قرأ القرآن ‪ ،‬حتى إذا ُرِئَي ْ‬
‫أخا ُ‬
‫لإلسالم غيره إلى ما شاء اهلل ‪ ،‬فانسلخ منه‪ ،‬ونبذه وراء ظهره‪ ،‬وسعى على‬
‫يف ‪ ،‬ورماه بالشرك))‬
‫جاره بالسَّ ِ‬
‫قال‪ :‬قلت ‪ :‬يا نبي اهلل أيهما أولى بالشرك‪ :‬المرمي أم الرامي؟‬

‫(?) انظر‪ :‬اقتض¿¿اء الص¿¿راط(‪ )1/192‬ومس¿¿ألة س¿¿كىن املش¿¿ركني جزي¿¿رة الع¿¿رب فيه¿¿ا تفاص¿¿يل‬ ‫‪1‬‬

‫حول املراد باجلزيرة ‪ ،‬وشروط ذلك‪.‬‬


‫(?) رواه البخاري(‪3/1111‬رقم‪ ،)2888‬ومسلم(‪3/1257‬رقم‪ )1637‬من حديث ابن عباس‬ ‫‪2‬‬

‫‪-‬رضي اُهلل عنهما‪-‬‬

‫‪25‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫(‪)1‬‬
‫قال ‪(( :-r-‬بل الرامي))‬
‫ومن يكفر املسلمني بالذنوب واملعاصي ‪ ،‬أو أنه جيعل ما ليس بذنب ذنبًا كما‬
‫فعلت اخلوارج فيخشى عليه الكفر والردة ‪.‬‬
‫وذلك لألحاديث املتواترة يف ذم اخلوارج وبيان مروقهم من الدين ‪ ،‬وأهنم‬
‫كالب النار ‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن ترويع املؤمنني وإخافتهم من كبائر الذنوب ومن األمور‬
‫احملرمة‪ ،‬فيجب تطهري جزيرة العرب من هذا الرتويع ‪ ،‬فمن ميتهن ذلك ويتخذه‬
‫دينًا جيب تطهري جزيرة العرب منه‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬أن اإلبقاء على اخلوارج املفجرين املخربني أحراٌر من إيواء‬
‫احملدثني وقد لعن فاعله‪.‬‬
‫فيجب تطهري جزيرة العرب من هؤالء احملدثني املفسدين‪.‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬أن اخلوارج يفسدون العقيدة والدين‪ ،‬ويلوثون اجملتمع أشد من‬
‫إفساد اليهود والنصارى وذلك ألهنم يتشدقون بالدين ‪ ،‬ويلبسون على املسلمني‬
‫مبا يذكرونه من اآليات واألحاديث اليت حيرفوهنا كفعل أهل الكتاب ‪.‬‬
‫فيجب تطهري جزيرة العرب من اخلوارج‪.‬‬
‫الوجه الخامس‪ :‬أن اخلوارج املفجرين حماربون هلل ورسوله ‪ ،‬وهذا جزاء‬
‫احملاربني من كتاب اهلل ‪ ،‬قال تعاىل‪ِ{ :‬إَّنَم ا َج َز اء اَّلِذ يَن ُيَح اِرُبوَن َهّللا َو َر ُسوَلُه‬
‫َو َيْس َع ْو َن ِفي اَألْر ِض َفَس ادًا َأن ُيَقَّتُلوْا َأْو ُيَص َّلُبوْا َأْو ُتَقَّطَع َأْيِد يِهْم َو َأْر ُج ُلُهم ِّم ْن‬
‫ِخ الٍف َأْو ُينَفْو ْا ِم َن اَألْر ِض َذ ِلَك َلُهْم ِخ ْز ٌي ِفي الُّد ْنَيا َو َلُهْم ِفي اآلِخ َر ِة َع َذ اٌب‬
‫َع ِظ يٌم {‪ِ }33‬إَّال اَّلِذ يَن َتاُبوْا ِم ن َقْبِل َأن َتْقِد ُروْا َع َلْيِهْم َفاْع َلُم وْا َأَّن َهّللا َغ ُفوٌر‬
‫َّر ِح يٌم {‪. )2(}34‬‬

‫(?) رواه ابن حبان يف صحيحه(‪282-1/281‬رقم‪ ،)81‬والبزار(‪7/220‬رقم‪)2793‬‬ ‫‪1‬‬

‫وحسنه‪.‬‬
‫(?) سورة املائدة(آية‪.)34-33/‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪26‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫فيجب تطهري جزيرة العرب من اخلوارج‪.‬‬


‫الوجه السادس‪ :‬أن قطع قرن اخلوارج‪ ،‬واجتثاثهم ‪ ،‬والقضاء عليهم هو أمر‬
‫النيب ‪ ، -r-‬ودينه وفعل أصحابه وأئمة اهلدى بعدهم‪.‬‬
‫عن ابن عمر ‪-‬رضي اُهلل عنهما‪ : -‬أن رسول اهلل ‪ -r-‬قال‪(( :‬ينشأ نشء‬
‫يقرؤون القرآن ال جياوز تراقيهم‪ ،‬كلما خرج قرن قطع))‪.‬‬
‫قال ابن عمر‪ :‬مسعت رسول اهلل ‪ -r-‬يقول‪(( :‬كلما خرج قرن قطع ‪-‬أكثر‬
‫من عشرين مرة‪ -‬حىت خيرج يف عراضهم الدجال))(‪.)1‬‬
‫وقد أحسنت اململكة العربية السعودية ‪-‬حرَس ها اُهلل‪َ -‬لَّم ا سحبت اجلنسية من‬
‫أسامة بن الدن زعيم املفسدين ‪ ،‬وطردت مجاعة من املفسدين ‪ ،‬وكفاها اهلل شر‬
‫بعض دعاة الفنت فرحلوا عن بالد اإلسالم واستقروا يف بالد الكفر ‪ ،‬واختذوها‬
‫منبعًا للشر والفساد كاملسعري والفقيه وأشباههما ‪..‬‬
‫وتشكر الدولة السعودية على ما تقوم به من مالحقة اخلوارج والقضاء عليهم‬
‫بالقتل والسجن والتشريد‪.‬‬
‫نسأل اهلل أن يعينهم ويوفقهم ‪.‬‬
‫والواجب على املسلمني إنكار املنكر ‪ ،‬فمن وجد أنه يؤيد أولئك الفاجرين‬
‫املفجرين فلينكر عليه ‪ ،‬فإن مل ينتصح فيجب تقدميه للمحكمة الشرعية لتعزيره‬
‫وتأديبه ‪.‬‬
‫أسأل اهلل أن حيمي بالد احلرمني من كل أذى ومكروه ‪ ،‬ونسأله تعاىل أن يهلك‬
‫اخلوارج أعداء السنة ‪ ،‬وأن يفضحهم ‪ ،‬وأن يفرق مجعهم ‪ ،‬وأن خيزيهم ويذهلم ‪،‬‬
‫وأن يذل من يدافع عنهم أو خيفي أمرهم ويتسرت عليهم‪.‬‬
‫ونسأل اهلل أن جيتث اخلوارج من جذورهم ‪ ،‬وأن يكفي املسلمني شرورهم‪.‬‬
‫واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد‪.‬‬

‫(?) رواه ابن ماجه وغريه‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪27‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫كتبه ‪ :‬أبو عمر أسامة بن عطايا بن عثمان العتيبي ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫خرق الخوارج واإلرهابيين إجماع المسلمين فيما‬


‫يتعلق بتأمين الكفار ودخولهم جزيرة العرب‬

‫‪29‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫خرق الخوارج واإلرهابيين إجماع المسلمين فيما يتعلق بتأمين الكفار‬


‫ودخولهم جزيرة العرب‬
‫احلمد هلل ‪ ،‬والصالُة والسالُم على رسول اهلل أما بعد‪:‬‬
‫فقد أمر اهلل ‪-‬عَّز وجَّل‪ ، -‬ورسوله ‪-‬صلى اُهلل عليِه وسَّلَم ‪ -‬بالرجوع إلى‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬والتمسك بهما ‪ ،‬واالعتصام بحبل اهلل ‪.‬‬
‫وهذا أصل أصيل ‪ ،‬وهو حتقيق العبودية هلل ‪-‬عَّز وجَّل‪ ، -‬وتطبيق لكلمة‬
‫التوحيد "ال إله إال اهلل"‪.‬‬
‫قال تعاىل‪ُ{ :‬قْل َأِط يُعوا َهَّللا َو َأِط يُعوا الَّرُسوَل َفِإن َتَو َّلوا َفِإَّنَم ا َع َلْيِه َم ا ُح ِّم َل‬
‫َو َع َلْيُك م َّم ا ُح ِّم ْلُتْم َو ِإن ُتِط يُعوُه َتْهَتُد وا َو َم ا َع َلى الَّرُسوِل ِإاَّل اْلَباَل ُغ اْلُم ِبيُن {‬
‫‪َ }54‬و َعَد ُهَّللا اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِم نُك ْم َو َع ِم ُلوا الَّصاِلَح اِت َلَيْسَتْخ ِلَفَّنُهم ِفي اَأْلْر ِض‬
‫َك َم ا اْسَتْخ َلَف اَّلِذ يَن ِم ن َقْبِلِهْم َو َلُيَم ِّك َنَّن َلُهْم ِد يَنُهُم اَّلِذ ي اْر َتَض ى َلُهْم َو َلُيَبِّد َلَّنُهم‬
‫ِّم ن َبْع ِد َخ ْو ِفِهْم َأْم نًا َيْعُبُد وَنِني اَل ُيْش ِرُك وَن ِبي َش ْيئًا َو َم ن َك َفَر َبْع َد َذ ِلَك َفُأْو َلِئَك‬
‫ُهُم اْلَفاِس ُقوَن {‪َ }55‬و َأِقيُم وا الَّص اَل َة َو آُتوا الَّز َك اَة َو َأِط يُعوا الَّرُسوَل َلَع َّلُك ْم‬
‫ُتْر َح ُم وَن {‪.}56‬‬
‫وقال تعالى‪{ :‬ومن يعتصم باهلل فقد هدي إلى صراط مستقيم* يا أيها‬
‫الذين آمنوا اتقوا هللا حق تقاته وال تموتن إال وأنتم مسلمون* واعتصموا‬
‫بحبل هللا جميعًا وال تفرقوا واذكروا نعمة هللا عليكم إذ كنتم أعداء فأَّلف بين‬
‫قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها‬
‫كذلك يبين هللا لكم آياته لعلكم تهتدون}‪.‬‬
‫وقال تعالى‪{ :‬إن تنصروا هللا ينصركم ويثبت أقدامكم}‪.‬‬
‫وقال تعالى‪ِ{ :‬إَّن َهَّللا ُيَد اِفُع َع ِن اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِإَّن َهَّللا اَل ُيِح ُّب ُك َّل َخ َّو اٍن َك ُفوٍر‬
‫{‪ُ }38‬أِذ َن ِلَّلِذ يَن ُيَقاَتُلوَن ِبَأَّنُهْم ُظِلُم وا َو ِإَّن َهَّللا َع َلى َنْص ِرِهْم َلَقِد يٌر {‬
‫‪}39‬اَّلِذ يَن ُأْخ ِرُجوا ِم ن ِدَياِرِهْم ِبَغْيِر َح ٍّق ِإاَّل َأن َيُقوُلوا َر ُّبَنا ُهَّللا َو َلْو اَل َد ْفُع ِهَّللا‬
‫الَّناَس َبْع َض ُهم ِبَبْع ٍض َّلُهِّد َم ْت َص َو اِم ُع َو ِبَيٌع َو َص َلَو اٌت َو َم َس اِج ُد ُيْذ َك ُر ِفيَها‬
‫اْس ُم ِهَّللا َك ِثيرًا َو َلَينُص َر َّن ُهَّللا َم ن َينُصُر ُه ِإَّن َهَّللا َلَقِوٌّي َع ِزيٌز {‪}40‬اَّلِذ يَن ِإن‬
‫َّم َّكَّناُهْم ِفي اَأْلْر ِض َأَقاُم وا الَّص اَل َة َو آَتُو ا الَّز َك اَة َو َأَم ُروا ِباْلَم ْعُروِف َو َنَهْو ا َع ِن‬
‫اْلُم نَك ِر َو ِهَّلِل َع اِقَبُة اُأْلُم وِر {‪.}41‬‬
‫وقال النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يف حديث العينة مبينًا سبيل النجاة ‪(( :‬حىت‬
‫تراجعوا دينكم)) ‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫وقال النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪(( : -‬تركت فيكم ما إْن متسكتم هبما لن‬
‫تضلوا بعدي كتاب اهلل وسنيت))‪.‬‬
‫ِه َّل‬ ‫َّل‬
‫"وعن عبد اهلل بن مسعود ‪ --‬قال‪ :‬خط لنا رسول اهلل ص ى اُهلل علي وس َم‬
‫خطا ‪ ،‬مث خط عن ميينه وعن مشاله خطوطاً ‪ ،‬مث قال‪(( :‬هذا سبيل اهلل ‪ ،‬وهذه‬ ‫ً‬
‫السبل ‪ ،‬على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ‪َ{ ،‬و َأَّن َه ـَذ ا ِص َر اِط ي ُمْس َتِق يمًا‬
‫َفاَّتِبُعوُه َو َال َتَّتِبُعوْا الُّس ُبَل َفَتَفَّرَق ِبُك ْم َعن َس ِبيِلِه})) ‪.‬‬
‫وهذا الذي أصاب األمة –وال حول وال قوة إال باهلل‪َ -‬لَّم ا تركت الصراط‬
‫املستقيم وحبل اهلل القومي ‪ ،‬ومتَّس َك كٌّل برأيه وهواه ‪ ،‬فضَّلت وأضَّلت ‪،‬‬
‫وتفَّر قت شذَر مذَر ‪ ،‬كُّل حزٍب مبا لديهم فرحون ‪.‬‬
‫فظهرت البدع والفرق واألحزاب ‪ ،‬وصار هلا قادٌة ورؤساء يدعون إليها ‪،‬‬
‫ويدافعون عنها ‪ ،‬ويقاتلون يف سبيلها ‪ ،‬وحَّلْت يف األمة بسبب هذه الفرق‬
‫الويالُت والنكباُت ‪ ،‬كما حدث من الروافض واخلوارج والباطنية وغريهم من‬
‫الفرق املخالفة‪.‬‬
‫وكل هذا بسبب بعدهم عن الكتاب والسنة ‪ ،‬ونكريهم على املتمسك هبما ‪،‬‬
‫حىت أصاب اإلسالم منهم من األذى ما مل يستطع أعداء املسلمني أن يصيبوا‬
‫معشاره وال حول وال قوة إال باهلل ‪.‬‬
‫واملتتبع لتاريخ اإلسالم منذ ظهور هذه الفرق جيد برهان هذا واضحًا جليًا عند‬
‫املؤرخني وعرب السنني‪.‬‬
‫فهذه املخالفات اليت عليها اخلوارج‪ ،‬واليت استحلوا هبا الدماء وأموال املؤمنني‬
‫واملعاهدين بسبب بعدهم عن الكتاب والسنة‪ ،‬وتفريطهم يف االعتصام حببل اهلل‪،‬‬
‫ولتقدميهم الفرقة على اجلماعة‪ ،‬واخلالف على االتفاق‪ ،‬والضرر على النفع‪،‬‬
‫واملفسدة على املصلحة‪ ،‬وتقدميهم أهواءهم وشهواهتم على احلِّق املبني‪.‬‬
‫ويف هذا املقال سأبني ضالل اخلوارج واإلرهابيني يف مسألتني مهمتني أال ومها‪:‬‬

‫‪31‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫المسألة األولى ‪ :‬إخفارهم عهد اهلل ورسوله‪ ،‬وعهد المؤمنين ‪.‬‬


‫قال اهلل تعاىل يف سورة التوبة ‪{ :‬وإن أحٌد مَن المشركيَن استجارَك فأجره‬
‫حتى يسمَع كالَم ِهللا ُثَّم أبلْغ ه مأمنه}‪.‬‬
‫وقال تعاىل يف سورة األنفال ‪{ :‬وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصُر‬
‫إال على قوم بينكم وبيَنهم ميثاق}‪.‬‬
‫وقال تعاىل يف سورة النساء ‪{ :‬وإن كاَن من قوٍم بينكم وبينهم ميثاق فدية‬
‫مسَّلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة} ‪.‬‬
‫فاآليات تدل على جواز العهد واألمان من املسلم للكافر‪..‬‬
‫وآية األنفال تدل على أن الكفار قد يكونون حماربني لفئة مؤمنة ومعاهدين لفئة‬
‫أخرى ‪..‬‬
‫وعلى ذلك يدل صلح احلديبية ‪..‬‬
‫وقال تعاىل‪{ :‬وأوفوا بالعهد إن العهَد كان مسؤوًال}‪.‬‬
‫وقال النيب صَّلى اُهلل عليِه وسَّلَم ‪(( :‬املؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم‬
‫أدناهم ‪ ،‬وهم يد على من سواهم ال يقتل مؤمن بكافر وال ذو عهد يف عهده))‬
‫(‪.)1‬‬
‫وقال النيب صَّلى اُهلل عليِه وسَّلَم ‪(( :‬وذمة املسلمني واحدة يسعى هبا أدناهم فمن‬
‫مسلما فعليه لعنة اهلل واملالئكة والناس أمجعني ال يقبل منه صرف وال‬
‫ً‬ ‫أخفر‬
‫عدل)) (‪.)2‬‬
‫وقال صَّلى اُهلل عليِه وسَّلَم ‪(( :‬قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ)) (‪.)3‬‬

‫(?) حديث صحيح‪ ،‬سبق خترجيه(ص‪.)210/‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه البخ ¿¿اريُّ يف ص ¿¿حيحه(‪3/1160‬رقم‪-3008‬البغ ¿¿ا)‪ ،‬ومس ¿¿لم يف ص ¿¿حيحه(‪2/994‬رقم‬ ‫‪2‬‬

‫‪ )1370‬من حديث علي ‪.--‬‬


‫(?) رواه البخاري يف صحيحه(‪1/118‬رقم‪ ، )357‬ومسلم يف صحيحه(‪1/498‬رقم‪.)366‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪32‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫فاخلوارج باستباحة دماء األجانب يف السعودية قد أخفروا ذمة اهلل ورسوله‬


‫واملؤمنني‪.‬‬
‫واألجانب (غري املسلمني) الذين دخلوا إىل اململكة العربية الُّس عودية َّإنمَا قدموا‬
‫إىل البالد السُّعودية بعهد وأمان ِمَن الدولة ‪ ،‬ومن كفالئهم الذين أحضروهم‬
‫وهؤالء الكفالء مؤمنون‪..‬‬
‫ومن حق األجانب املستأمنني على مجيع املواطنني واملقيمني أن حيفظوا حقوقهم‬
‫وأن ال يظلموهم وأن ال يعتدوا عليهم وإن كان غريهم من أبناء جلدهتم قد آذى‬
‫إخوانًا لنا ‪..‬‬
‫فال يؤخذ أحد جبريرة غريه ‪َ{ :‬و َال َتِزُر َو اِزَر ٌة ِو ْز َر ُأْخ َر ى}‪.‬‬
‫فاألجانب القادمون إىل الُّس عودية ‪-‬حرَس ها اُهلل‪ -‬من حيث األمان نوعان ‪:‬‬
‫نوع هلم أمانان ‪ :‬أمان الدولة وأمان كفالئهم املسلمني ‪.‬‬
‫والنوع الثاين هلم أمان واحد وهو أمان الدولة ‪..‬‬
‫ولكن يف احلقيقة هم هلم أمان الدولة ومن يرى شرعية الدولة وهم أهل العلم‬
‫يف اململكة وغريها كما سيأيت ‪-‬إْن شاَء اُهلل تعاىَل ‪-‬‬
‫فالحقيقة ‪ :‬أن هؤالء األجانب عندهم أمان من ‪ :‬الدولة‪ ،‬والعلماء‪،‬‬
‫والشعب المسلم‪.‬‬
‫فلو كفروا الدولة ظلمًا وعدوانًا فيبقى هلؤالء األجانب أمانان‪ :‬أمان العلماء ‪،‬‬
‫وأمان الشعب املسلم‪..‬‬
‫وها هو بيان إمجاع األمة على حرمة إيذاء وقتل األجانب يف السعودية ‪-‬‬
‫حرَس ها اُهلل‪: -‬‬
‫فقد أمجع العلماء أن الكافر احلريب إذا أَّم نه رجل من املسلمني ولو كان املسلم‬
‫فاسقًا فأمانه صحيح ‪ ،‬وأصبح آمنًا ال جتوز أذيته فضًال عن قتله!‬

‫‪33‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫فإذا أَّم ن واحد من املسلمني ولو كان امرأة قرية أو واحدًا من الكفار مل يعد‬
‫حربيًا بل يكون آمنًا ولو كانت القرى األخرى أو بقية شعب ذلك الواحد‬
‫حماربني يقاتلون املسلمني ‪..‬‬
‫هذه الشريعة اإلسالمية اليت دل عليها الكتاب والسنة وأمجع عليها العلماء ‪..‬‬
‫قال ابن حزم يف مراتب اإلمجاع(ص‪ " : )204/‬واتفقوا أن احلر البالغ العاقل‬
‫أهل الكتاب احلربيني على أداء اجلزية على الشروط‬ ‫الذي ليس سكران ‪ :‬إذا َّأمَن َ‬
‫اليت قدمنا‪ ،‬أو على اجلالء‪ ،‬أو َّأمَن سائر أهل الكفر على اجلالء بأنفسهم وعياهلم‬
‫وذراريهم وترك بالدهم واللحاق بأرض حرب ال بأرض ذمة وال بأرض إسالم‬
‫أن ذلك الزم ألمري املؤمنني وجلميع املسلمني حيث كانوا"‪.‬‬
‫وقال –أيضًا‪" : -‬واتفقوا أن ألهل الذمة املشي يف أرض الإسالم والدخول‬
‫حيث أحبوا من البالد حاشا احلرم مبكة‪ ،‬فإهنم اختلفوا أيدخلونه أم ال"‬
‫وإمنا اخلالف يف سكىن (استيطان) جزيرة العرب‪..‬‬
‫وقال ابن مفلح يف املبدع(‪" : )3/389‬باب األمان‪ :‬األمان ضد اخلوف‪ ،‬وهو‬
‫مصدر أمن أمنا وأماناً‪ ،‬واألصل فيه قوله تعاىل‪{ :‬فأجره حىت يسمع كالم اهلل}‪،‬‬
‫وقوله عليه السَّالم‪(( :‬ذمة املسلمني واحدة يسعى هبا أدناهم)) متفق عليه من‬
‫حديث علي‪ ،‬وإذا ُأْعُطوا األمان حرم قتلهم وأخذ ماهلم والتعرض إليهم‪.‬‬
‫يصح أمان املسلم املكلف أي البالغ العاقل‪ ...‬ذكراً كان أو أنثى‪ ،‬نص عليه‪،‬‬
‫ولقوله عليه السالم‪(( :‬قد أجرنا من أجرت يا أم هاينء)) رواه البخاري ‪،‬‬
‫وأجارت زينب بنت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أبا العاص بن الربيع‪،‬‬
‫عبدا يف قول أكثر العلماء‬
‫اتفاقا ‪ ،‬أو ً‬
‫فأجاره النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬حراً ً‬
‫لقول عمر‪ :‬العبد املسلم رجل من املسلمني جيوز أمانه‪ .‬رواه سعيد ‪.‬‬
‫ولقوله عليه السالم‪(( :‬يسعى هبا أدناهم))‪ ،‬فإن كان كذلك فصح أمانه‬
‫باحلديث‪ ،‬وان كان غريه أدىن منه فيصح من باب أوىل‪ ،‬وألنه مسلم مكلف‬

‫‪34‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫مأذونا له يف القتال أو ال‪ ،‬أو أسرياً‪ ،‬نص‬‫ً‬ ‫فصح منه كاحلر مطلقاً‪ ،‬سواء كان‬
‫على ذلك‪ ،‬وللعموم‪ ،‬وبعضهم شرط فيه أن يكون خمتاراً وال حاجة إليه ألن‬
‫املسلم احلر املطلق لو أكره على األمان مل يصح فال حاجة الختصاص األسري به‪،‬‬
‫ويف أمان الصيب املميز روايتان إحدامها ال يصح لعدم تكليفه"‬
‫وقال املر داوي يف اإلنصاف(‪-352 – 10/348‬طبعة الرتكي) ‪[ :‬قال اإلمام‬
‫أمحد‪ :‬إذا أشري إليه – يعين‪ :‬احلريب ‪ -‬بشيء غري األمان‪ ،‬فظنه أمانًا‪ ،‬فهو أمان‪،‬‬
‫وكل شيء يرى العلج أنه أماٌن فهو أمان‪ ،‬وقال‪ :‬إذا اشرتاه ليقتله فال يقتله؛ ألنه‬
‫إذا اشرتاه فقد أمنه‪ ،‬قال الشيخ تقي الدين ‪ -‬يعين ابن تيمية ‪ :-‬فهذا يقتضي‬
‫انعقاده مبا يعتقده العلج‪ ،‬وإن مل يقصده املسلم‪ ،‬وال صدر منه ما يدل عليه»‬
‫أ‪.‬هـ‪.‬‬
‫وقال ابن قدامة يف املقنع(‪-10/345‬طبعة الرتكي) ‪" :‬ويصح أمان اإلمام‬
‫جلميع املشركني‪ ،‬وأمان األمري ملن ُج عل بإزائه‪ ،‬وأمان أحد الرعية للواحد‪،‬‬
‫والعشرة‪ ،‬والقافلة‪ ،‬ومن قال لكافر‪ :‬أنت آمن‪ ،‬أو‪ :‬ال بأس عليك‪ ،‬أو أجرتك‪،‬‬
‫أو ِقْف ‪ ،‬أو ألق سالحك ‪ ،‬أو َم َتْر س؛ فقد أَّم نه"‬
‫بل أبلغ من ذلك ما قاله(‪" : )10/354‬ومن أعطي أمانًا ليفتح حصنًا ففتحه‪،‬‬
‫واشتبه علينا فيهم ‪ ،‬حرم قتلهم واسرتقاقهم"‬
‫اهلل أكرب اهلل أكرب ‪..‬‬
‫كَّف اٌر حماربون تعصم دماؤهم بالشبهة يف كون أحدهم قد ُأِّم ن ‪ ،‬وهؤالء‬
‫اخلوارج يقتلون املؤمنني واألطفال والنساء الشتباه أن سكنهم أو شركتهم فيها‬
‫كفار ؟!!‬
‫لعنة اهلل على اخلوارج ما أفجرهم!!‪..‬‬
‫وقال السمرقندي يف حتفة الفقهاء(‪ " : )3/296‬أمان الواحد احلر أو العبد‬
‫املقاتل أو املرأة صحيح بال خالف"‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫فهذه شريعة اإلسالم فدعونا من القوانني الوضعية اخلارجية األهوائية الزندقية‬


‫أيها اخلوارج ‪..‬‬

‫‪36‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫المسألة الثانية‪ :‬إخراج المشركين من جزيرة العرب‬


‫زعم املتطرفون واخلوارج بأن الواجب إخراج املشركني من جزيرة العرب (‪،)1‬‬
‫وأن استقدام الكفار يف أي مدينة من مدن البالد الُّس عودَّية خيالف هذا الواجب‪،‬‬
‫مما يوجب العمل على إخراج املشركني ولو بقتلهم! وهذه الشبهة من أكرب الشبه‬
‫اليت خيادعون هبا الَّناس ‪ ،‬ويلبسون عليهم هبا‪ ،‬والرد على هذه الُّش ْبَه ة الَّد احضة‬
‫من وجوه‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أمجع العلماء على أن احملرم على املشركني هو استيطان جزيرة‬
‫العرب وسكناها واإلقامة الدائمة فيها ‪.‬‬
‫قال ابن حزم ‪-‬رمحُه اُهلل‪ -‬يف مراتب اإلمجاع(ص‪-204/‬وأقره شيخ اإلسالم‬
‫ابن تيمية) ‪" :‬واتفقوا أن ألهل الذمة املشي يف أرض الإسالم والدخول حيث‬
‫أحبوا من البالد حاشا احلرم مبكة‪ ،‬فإهنم اختلفوا أيدخلونه أم ال"‬
‫وإمنا اخلالف يف سكىن (استيطان) جزيرة العرب‪..‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن العلماء اختلفوا يف املراِد جبزيرة العرب اليت ورد األمر بإخراج‬
‫املشركني منها (‪ )2‬على أقوال عديدة‪:‬‬
‫فقال اإلمام الزهري‪ :‬جزيرة العرب‪ :‬املدينة‪ ،‬وقال املغرية بن عبد الرمحن‪:‬‬
‫جزيرة العرب‪ :‬املدينة ومكة واليمن وقرياهتا‪ ،‬وقال مالك‪ :‬هي مكة واملدينة‬
‫واليمامة واليمن‪ ،‬وقال احلنفية‪ :‬جيوز دخول املشركني جزيرة العرب مطلقًا إال‬

‫‪)?(1‬قال النيب ‪-‬صَّلى اُهلل عليِه وسَّلَم ‪(( :-‬أخرجوا املشركني من جزيرة العرب)) رواه البخاري يف‬
‫صحيحه(‪1111 /3‬رقم‪-2888‬البغا)‪ ،‬ومسلم يف صحيحه(‪1259-3/1258‬رقم‪ )1637‬من‬
‫حديث ابن عباس ‪-‬رضي اُهلل عنهما‪. -‬‬
‫(?)م¿¿ع أن جزي¿¿رة الع¿¿رب يف اللغ¿¿ة والع¿¿رف م¿¿ا بني البح¿¿ر األمحر غرب¿ًا‪ ،‬واخلليج الع¿¿ريب ش¿¿رقًا‪ ،‬وحبر‬ ‫‪2‬‬

‫الع¿¿رب جنوب¿ًا‪ ،‬وبادي¿¿ة الش¿¿ام مشاًال‪ .‬انظ¿¿ر‪ :‬مش¿¿ارق األن¿¿وار للقاضي عي¿¿اض(‪ ،)1/169‬والنهاي¿¿ة يف‬
‫غ ¿¿ريب احلديث واألث ¿¿ر(‪ ،)1/268‬وغ ¿¿ريب احلديث أليب عبي ¿¿د القاس ¿¿م بن س ¿¿الم(‪،)2/67‬ولس ¿¿ان‬
‫العرب(‪ ،)134-4/133‬ومعجم البلدان(‪.)138-2/137‬‬

‫‪37‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫املسجد‪ ،‬وقال مالك‪ :‬جيوز دخوهلم احلرم للتجارة‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬ال يدخلون‬
‫احلرم أصًال إال بإذن اإلمام ملصلحة املسلمني خاصة‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬إن املراد‬
‫جبزيرة العرب احلجاز خاَّص ة(‪.)1‬‬
‫وقال ابن قدامة ‪-‬رمحُه اُهلل‪" : -‬وقال أمحد‪ :‬جزيرة العرب املدينة وما واالها‪.‬‬
‫يعين أن املمنوع من سكىن الكفار املدينة وما واالها‪ ،‬وهو مكة واليمامة وخيرب‬
‫والينبع وفدك وخماليفها وما واالها‪ ،‬وهذا قول الشافعي ألهنم مل جيلوا من تيماء‬
‫وال من اليمن" إىل أن قال‪" :‬فكأن جزيرة العرب يف تلك األحاديث أريد هبا‬
‫احلجاز‪ ،‬وإمنا مسي حجازًا ألنه حجز بني هتامة وجند‪ ،‬وال مينعون أيضًا من‬
‫أطراف احلجاز كتيماء وفيد وحنومها‪ ،‬ألن عمر مل مينعهم من ذلك ‪.‬‬
‫َفْص ٌل‪ :‬وجيوُز هلم دخول احلجاز للتجارة ألَّن الَّنصارى كانوا يتجرون إىل املدينة‬
‫يف زمن عمر ‪-‬رضي اُهلل عنه‪ )2("... -‬وقال النووي ‪-‬رمحُه اُهلل‪" : -‬مراد الَّنِّيِب ‪-‬‬
‫صلى اُهلل عليِه وسَّلَم ‪ -‬بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب‪ :‬إخراجهم‬
‫من بعضها وهو احلجاز خاَّص ة ألَّن تيماء من جزيرة العرب لكنها ليست من‬
‫احلجاز"(‪. )3‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رمح ا ‪" : -‬ملا فتح النيب ‪-‬صلى ا عليِه‬
‫ُهلل‬ ‫ُه ُهلل‬
‫وسَّلَم ‪ -‬خيرب أعطاها لليهود يعملوهنا فالحًة؛ لعجز الصحابة عن فالحتها؛ ألن‬
‫ذلك حيتاج إىل سكناها‪ ،‬وكان الذين فتحوها أهل بيعة الرضوان الذين بايعوا‬
‫حتت الشجرة‪ ،‬وكانوا حنو ألف وأربعمائة‪ ،‬وانضم إليهم أهل سفينة جعفر‪،‬‬
‫(?)انظ ¿¿ر‪ :‬التمهي ¿¿د البن عبد ال ¿¿رب(‪ ,)1/172‬وفتح الباري(‪ )6/171‬وأَّل ف احلس ¿¿ني بن حمم ¿¿د بن‬ ‫‪1‬‬

‫س¿¿عيد الالعى املع¿¿روف ب¿¿املغرىب‪ ،‬قاضي ص¿¿نعاء وحمدثها رس¿¿الة يف ح¿¿ديث‪(( :‬أخرج¿¿وا اليه¿¿ود من‬
‫جزي ¿¿رة الع ¿¿رب)) رجح فيه ¿¿ا‪ :‬أن ¿¿ه إمنا جيب إخ ¿¿راجهم من احلج ¿¿از فق ¿¿ط حمتج ¿ًا مبا يف رواي ¿¿ة بلف ¿¿ظ‪:‬‬
‫((أخرجوا اليهود من احلجاز)) البدر الطالع(‪ ،)1/230‬واألعالم للزركلي(‪.)2/256‬‬
‫‪ )?(2‬املغين(‪.)286-9/285‬‬
‫‪)?(3‬املنهاج شرح صحيح مسلم بن احلجاج للنووي(‪.)10/213‬‬

‫‪38‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫فهؤالء هم الذين قسم النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بينهم أرض خيرب‪ ،‬فلو أقام‬
‫طائفة من هؤالء فيها لفالحتها تعطلت مصاحل الدين اليت ال يقوم هبا غريهم ‪-‬‬
‫يعين اجلهاد ‪ -‬فلما كان زمن عمر بن اخلطاب ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬وفتحت البالد‪،‬‬
‫وكثر املسلمون‪ ،‬واستغنوا عن اليهود؛ فأجلوهم وكان النيب ‪-‬صَّلى ا عليِه‬
‫ُهلل‬
‫وسَّلَم ‪ -‬قد قال‪(( :‬نقركم فيها ما شئنا))‪ .‬ويف رواية‪(( :‬ما أقركم اهلل))‪ .‬وأمر‬
‫بإجالئهم عند موته ‪-‬صَّلى اُهلل عليِه وسَّلَم ‪ -‬فقال‪(( :‬أخرجوا اليهود والنصارى‬
‫من جزيرة العرب))‪ .‬وهلذا ذهب طائفة من العلماء كمحمد بن جرير الطربي‬
‫إىل أن الكفار ال يقرون يف بالد املسلمني باجلزية‪ ،‬إال إذا كان املسلمون حمتاجني‬
‫إليهم‪ ،‬فإذا استغنوا عنهم أجلوهم كأهل خيرب‪ ،‬ويف املسألة نزاع ليس هذا‬
‫موضعه"(‪. )1‬‬
‫وقال احلافظ ابن حجر‪" :‬الذي مينع املشركون من سكناه منها احلجاز خاصة‬
‫وهو مكة واملدينة واليمامة وما واالها ال فيما سوى ذلك مما يطلق عليه اسم‬
‫جزيرة العرب التفاق اجلميع على أن اليمن ال مينعون منها مع أهنا من مجلة‬
‫جزيرة العرب هذا مذهب اجلمهور"(‪. )2‬‬
‫وقال بدر الدين العيين‪ " :‬إذا كان للمسلمني ضرورة إليهم ال يتعرض هلم أال‬
‫يرى أنه ‪-‬صَّلى اُهلل عليِه وسَّلَم ‪ -‬أقر يهود خيرب بعد قهر املسلمني إياهم إلعمار‬
‫أرضها للضرورة وكذلك فعل الصديق ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬يف يهود خيرب ونصارى‬
‫جنران"(‪.)3‬‬
‫وقد ذكر مجاعة من العلماء عدد األيام اليت جيوز مكث املشرك التاجر باحلجاز‬
‫أو أي إقليم من األقاليم اليت حيرم سكىن املشركني هبا‪ ،‬والصواب‪ :‬أَّنُه راجٌع إىل‬

‫‪)?(1‬جمموع الفتاوى(‪.)89-28/88‬‬
‫(?)فتح الباري(‪.)6/171‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪)?(3‬عمدة القاري(‪)15/90‬‬

‫‪39‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫احلاجة والضرورة وإن طالت املدة فقد مكث اليهود يف خيرب وتيماء ‪ ،‬والنصارى‬
‫بنجران قرابة ثالثة عشر عامًا ما بني تاجر ومزارع ومعاَه د‪.‬‬
‫فخالصة األمر‪ :‬أن إدخال املشركني إىل جزيرة العرب جيوز للحاجة أو‬
‫الضرورة إليهم‪ ،‬وإمنا مينعون من اإلقامة الدائمة فيها‪ ،‬ومينعون من بناء بيت‬
‫للعبادة هبا‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬أَّن األجانَب (غري املسلمني) الذين دخلوا إىل اململكة العربية‬
‫الُّس عودية إَمَّنا قدموا إىل البالد الُّس عودية بعهد وأمان ِم َن الدولة ‪ ،‬ومن كفالئهم‬
‫الذين أحضروهم وهؤالء الكفالء مؤمنون‪..‬‬
‫قال النيب ‪-‬صَّلى اُهلل عليِه وسَّلَم ‪(( : -‬املؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم‬
‫أدناهم ‪ ،‬وهم يد على من سواهم ال يقتل مؤمن بكافر وال ذو عهد يف عهده))‬
‫(‪.)1‬‬
‫وقال النيب ‪-‬صَّلى اُهلل عليِه وسَّلَم ‪(( :-‬وذمة املسلمني واحدة يسعى هبا أدناهم‬
‫فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة اهلل واملالئكة والناس أمجعني ال يقبل منه صرف وال‬
‫عدل))(‪.)2‬‬
‫وقال ‪-‬صَّلى اُهلل عليِه وسَّلَم ‪(( : -‬قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ))(‪. )3‬‬
‫ومن حق األجانب املستأمنني على مجيع املواطنني واملقيمني أن حيفظوا حقوقهم‬
‫وأن ال يظلموهم وأن ال يعتدوا عليهم وإن كان غريهم من أبناء جلدهتم قد آذى‬
‫إخوانًا لنا ‪..‬‬
‫(?)رواه اإلم ¿ ¿ ¿¿ام أمحد يف املس ¿ ¿ ¿¿ند(‪ ،)211 ،192-2/191‬وابن اجلارود يف املنتقى(‪3/85‬رقم‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،)771‬وأبو داود يف سننه(‪3/80‬رقم‪ ،)2751‬وابن ماجه(‪2/895‬رقم‪ )2685‬وغريهم وسنده‬


‫حسن‪ ،‬وهو حديث صحيح بشواهده‪.‬‬
‫‪)?(2‬رواه البخارُّي يف صحيحه(‪3/1160‬رقم‪-3008‬البغا)‪ ،‬ومسلم يف صحيحه(‪2/994‬رقم‬
‫‪ )1370‬من حديث علي ‪-‬رضي اهلل عنه‪.-‬‬
‫(?)رواه البخاري يف صحيحه(‪1/118‬رقم‪ ، )357‬ومسلم يف صحيحه(‪1/498‬رقم‪.)366‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪40‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫فال يؤخذ أحد جبريرة غريه ‪َ{ :‬و َال َتِزُر َو اِزَر ٌة ِو ْز َر ُأْخ َر ى}(‪. )4‬‬
‫فاألجانب القادمون إىل الُّس عودية ‪-‬حرَس ها اُهلل‪ -‬من حيث األمان نوعان ‪:‬‬
‫نوع هلم أمانان ‪ :‬أمان الدولة وأمان كفالئهم املسلمني ‪ .‬والنوع الثاين هلم أمان‬
‫واحد وهو أمان الدولة ‪..‬‬
‫ولكن يف احلقيقة هم هلم أمان الدولة ومن يرى شرعية الدولة وهم أهل العلم‬
‫يف اململكة وغريها منهم‪:‬‬
‫الشيخ ابن باز والشيخ األلباين والشيخ ابن عثيمني والشيخ ابن غصون والشيخ‬
‫ابن عثيمني والشيخ عبد الرمحن الفريان‪-‬رمحُه م اُهلل‪ ، -‬والشيخ عبد العزيز آل‬
‫الشيخ‪ ،‬والشيخ صاحل الفوزان‪ ،‬والشيخ صاحل اللحيدان‪ ،‬والشيخ ابن غديان‪،‬‬
‫والشيخ بكر أبو زيد‪ ،‬والشيخ ابن منيع‪ ،‬والشيخ ابن جربين‪ ،‬والشيخ أمحد‬
‫النجمي‪ ،‬والشيخ عبد احملسن العباد‪ ،‬والشيخ ربيع بن هادي املدخلي‪ ،‬والشيخ‬
‫محاد األنصاري‪ ،‬والشيخ إمساعيل األنصاري‪ ،‬والشيخ عبد الرمحن البسام‪،‬‬
‫والشيخ عبد العزيز اخلريصي وغريهم من العلماء بالعشرات ‪..‬‬
‫فهؤالء العلماء الذين يشهدون بإسالم الدولة السعودية هم مؤمنون هلؤالء‬
‫األجانب لكوهنم يرون والية ويل األمر ويلزمون الناس بطاعته يف املعروف‪،‬‬
‫ويوجبون على الشعب تأمني هؤالء األجانب‬
‫فاحلقيقة ‪ :‬أن هؤالء األجانب عندهم أمان من ‪ :‬الدولة‪ ،‬والعلماء‪ ،‬والشعب‬
‫املسلم‪.‬‬
‫فلو كفروا الدولة ظلمًا وعدوانًا فيبقى هلؤالء األجانب أمانان‪ :‬أمان العلماء ‪،‬‬
‫وأمان الشعب املسلم‪ ..‬وحقيقة هؤالء اجملرمني هو ‪ :‬تكفري الدولة السعودَّية ‪-‬‬
‫حرَس ها اُهلل‪ ،-‬وعدم اعتبار أي قيمة للمؤمنني من الشعب السعودي هذا إذا مل‬
‫يصل األمر هبم إىل تكفري الشعب كما عليه الغالة من اخلوارج يف هذا الزمان ‪..‬‬

‫‪)?(4‬سورة األنعام(آية‪.)164/‬‬

‫‪41‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫الوجه الرابع‪ :‬بناًء على إمجاع العلماء على صحة أمان األجانب الذي‬
‫استقدموا إىل البالد السعودية ‪-‬حرَس ها اُهلل‪ -‬فال جيوز التعرض هلم باألذى‪ ،‬وأن‬
‫قتلهم من الكبائر العظام‪.‬‬
‫فعن عبداهلل بن عمرو بن العاص ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬عن النيب‪-‬صلى ا عليِه‬
‫ُهلل‬
‫وسَّلَم ‪ -‬قال‪(( :‬من قتل معاهدًا مل يرح رائحة اجلنة وإن رحيها توجد من مسرية‬
‫أربعني عامًا)) أخرجه البخاري(‪.)1‬‬
‫ومن أدخله ويل األمر املسلم بعقد أمان وعهد فإن نفسه وماله معصوم ال جيوز‬
‫التعرض له‪ ،‬ومن قتله فإنه كما قال النيب ‪-‬صلى اُهلل عليِه وسَّلَم ‪(( : -‬مل يرح‬
‫رائحة اجلنة))‪ ،‬وهذا وعيد شديد ملن تعرض للمعاهدين‪.‬‬
‫فتبنَّي أَّن قوله ‪-‬صَّلى اُهلل عليِه وسَّلَم ‪(( :-‬أخرجوا املشركني من جزيرة‬
‫العرب)) ال يتناىف مع استقدام املشركني للحاجة إليهم ملدة مؤَّقتة‪ ،‬فهذه سَّنة‬
‫رسوله اهلل ‪-‬صَّلى اُهلل عليِه وسَّلَم ‪ ، -‬وكذلك سنة خلفائه الراشدين ‪ ،‬فأبو بكر‬
‫‪-‬رضي اُهلل عنه‪ -‬مل خيرجهم من جزيرة العرب إىل أن مات بل أمجع الصحابة يف‬
‫زمن أيب بكر على عدم إخراجهم وال املطالبة بذلك ‪..‬‬
‫وعمر ‪-‬رضي اُهلل عنه‪ -‬مل خيرجهم إال بعد نقضهم العهد ‪ ،‬فأخرجهم لعدة‬
‫أسباب وليس منها ألهنم مشركون وفقط كما يزعمه اخلوارج لعنهم اهلل ‪.‬‬
‫ومن أسباب إخراجهم ‪ :‬نقض العهد مبحاولتهم قتل ابن عمر ‪-‬رضي اُهلل‬
‫عنهما‪ ،-‬وألن احلاجة إليهم لزرع األرض انتهت ‪..‬‬
‫وكذلك من سنة عمر ‪-‬رضي اُهلل عنه‪ -‬أن من كانت عنده صنعة وحيتاج‬
‫املسلمون إليها أن يبقيه حىت يف مدينة الرسول ‪-‬صلى اُهلل عليِه وسَّلَم ‪. -‬‬

‫(?)رواه البخ¿اري يف ص¿¿حيحه(‪399-4/398‬رقم‪ )3166‬من ح¿ديث عبد اهلل بن عم¿رو‪-‬رضي‬ ‫‪1‬‬

‫اهلل عنهما‪-‬‬

‫‪42‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫فأبو لؤلؤة اجملوسي عابد الَّنار كان يسكن يف املدينة‪ ،‬ويعطيه عمر األمن‬
‫واألمان‪ ،‬ويأخذ منه اجلزية ‪ ..‬فهذه سنة رسول اهلل ‪-‬صلى اُهلل عليِه وسَّلَم ‪-‬‬
‫وسنة اخللفاء الراشدين‪ ،‬فال جيوز خمالفتها ألهواء اخلوارج وآرائهم الفاسدة‪.‬‬
‫فتبني مبا سبق أنه جيوز استقدام األجانب إىل اجلزيرة العربية للحاجة إليهم ولو‬
‫مل تكن ضرورة ‪ ،‬وأن املمنوع هو إقامتهم الدائمة األبدية يف جزيرة العرب‪.،‬‬
‫وتبني كذلك ‪ :‬أن األجانب املوجودون يف السعودية ليسوا حماربني ولو كانوا‬
‫قادة جيوش‪ ،‬أو رؤساء دوهلم‪ ،‬بل بتأمني املسلمني هلم ‪ ،‬ودخوهلم إىل البالد‬
‫السعودية ‪-‬حرَس ها اُهلل‪ -‬ملا أعطوه من األمان‪ ،‬فمن آذاهم واستحل دماءهم فهو‬
‫خمفٌر لذمة اهلل ورسوله واملؤمنني‪.‬‬
‫وإذا كان يعتقد أن ال عقد هلم وال أمان فهو خارجي خبيث وجيري عليه‬
‫خالف العلماء يف كفر اخلوارج ‪..‬‬
‫ألن املسألة هذه إمجاعية ال جيوز خمالفتها ‪..‬‬
‫وألن الذي يزعم أن األجانب الذين يف السعودية ليس هلم عهد وأمان فهو‬
‫مكذب هلل ورسوله ‪-‬صلى اُهلل عليِه وسَّلَم ‪ ، -‬وخيشى عليه أن يكون كافرًا‬
‫مرتدًا‪ ..‬وبعد بيان احلجة له واألدلة واإلمجاع وأصر بعد ذلك فهو أحد رجلني ‪:‬‬
‫إما خرجي خبيث فيجري فيه اخلالف يف كفر اخلوارج ‪ ،‬وإما أنه زنديق باطين‬
‫يتظاهر باإلسالم وهو كاره لدين اإلسالم ‪..‬‬
‫نسأل اهلل أن يهدي ضال املسلمني‪ ،‬وأن يوفقنا للحق والصواب‪ ،‬وأن يكفينا‬
‫شر اخلوارج واإلرهابيني‪ ،‬وأن جيعل كيدهم يف حنورهم‪ ،‬وأن يعيذ املسلمني‬
‫واملعاهدين من شرورهم وفجورهم‪.‬‬
‫واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم على نبينا حممد‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫الدكتور سعود المصيبيح وتنبيهات مهمة للوقاية من‬


‫الوقوع في الفتنة والضالل‪ ،‬فقد وضع اليد على‬
‫الجرح!!‬

‫‪44‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫الدكتور سعود المصيبيح وتنبيهات مهمة للوقاية من الوقوع في الفتنة‬


‫والضالل‪ ،‬فقد وضع اليد على الجرح!!‬
‫احلمد هلل ‪ ،‬والصالُة والسالُم على رسول اهلل أما بعد‪:‬‬
‫فقد قرأت مقال الدكتور سعود املصيبيح "جتربة شخصية" املنشور يف جريدة‬
‫املدينة ‪ ،‬نَّبه فيه على أمهية التجربة الشخصية يف أخذ العظات والعرب ‪ ،‬مع أمهية‬
‫جتنب اإلنسان ما يوقعه يف اخلطر ‪ ،‬وجيب على املؤمن أن يعترب بغريه ال أن يكون‬
‫عربة لغريه‪.‬‬
‫وذكر فيه ثالث قضايا مهمة جدًا يغفل عنها كثري من الناس من آباء وأمهات بل‬
‫ومستهدفون"الطالب"‪.‬‬
‫القضية األولى‪ :‬استغالل أهل الباطل للرحالت المدرسية لنشر باطلهم ‪،‬‬
‫وفكرهم الفاسد ومعتقدهم الخبيث‪.‬‬
‫قال الدكتور سعود املصيبيح ‪ " :‬أتذكر كأحد الطلبة يف املرحلة املتوسطة أهنم‬
‫يأخذوننا إىل رحالت خلوية ويوضع برنامج ويكون هناك توزيع لألسر وعلى‬
‫كل أسرة أمري ويتخلل ذلك حفالت مسر وألعاب رياضية وقراءة كتب‬
‫ومسابقات ثقافية‪ ،‬وكان البعض يستغلون تلك الرحالت لإيصال رسائل مبطنة‬
‫حول اجملتمع وضالله وعن الفسق والفجور املوجود كما يزعمون مع أمهية إعداد‬
‫العدة‪ ......‬من هو العدو؟ هو هذا اجملتمع الذي نعيش به‪ !!.‬ويف املرحلة الثانوية‬
‫يستمر احلال من خالل الرحالت ما بني املدن وكل شيء موجود ما عدا ما له‬
‫عالقة بالوطن الذي نعيشه وأتذكر النهوض مبكرا والتدريب على أساليب‬
‫عسكرية وذلك للإعداد وحملاربة العدو كما كان حياول هؤالء إفهامنا"‬
‫وما قاله الدكتور حق وصدق‪ ،‬ال ينكره إال جاهل أو جاحد مستكرب‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫نعم هناك من يستفيد من تلك الرحالت املدرسية يف تأديب الطالب وتعليمهم‬


‫والرتفيه عنهم ‪ ،‬ولكن هذا منوط مبن يدير الرحلة من املثقفني غري املتلوثني‬
‫باألفكار الفاسدة‪ ،‬ومن طلبة العلم السلفيني‪.‬‬
‫ولقد كنا خنرج يف رحالت مدرسية يف االبتدائية واملتوسطة والثانوية واجلامعية‬
‫فنوفق يف تلك الرحالت مبدرسني وأساتذة يهدفون إىل نفع الطالب وتسليتهم‬
‫دون إيالجهم يف معتقدات باطلة أو أفكار فاسدة‪.‬‬
‫فليس كالم الدكتور وال كالم من ينتقد تلك الرحالت من أهل العلم‬
‫والفضل منصب على أصل تلك الرحالت الدنيوية والتعليمية –فيما أعلم‪.-‬‬
‫إنما الكالم على استغالل تلك الرحالت لنشر الباطل والفساد‪.‬‬
‫فقد استغل تلك الرحالت يف بعض الدول اإلسالمية لنشر األفكار واملعتقدات‬
‫الشيوعية واالشرتاكية والعلمانية والدميقراطية والليربالية واالختالط واملعاشرة‬
‫احملرمة بني املردان أو بني الشباب والشابات ‪..‬‬
‫كما استغلها كثري من اجلماعات احلزبية لنشر معتقداهتم الباطلة وأفكارهم‬
‫الفاسدة ومن أعظم تلك األباطيل نشر عقيدة اخلوارج ‪ ،‬ومنهج التكفري الفاسد‪،‬‬
‫والتحريض على العنف‪ ،‬وزرع كره والة األمور املسلمني وعلماء السنة يف‬
‫قلوب الناشئة وعامة الناس‪.‬‬
‫بل وتلويث عقول بعض طالب العلم‪.‬‬
‫فمن ذلك على سبيل املثال أن أحد املدرسني باجلامعة اإلسالمية يف كلية احلديث‬
‫اجتمع مع جمموعة من طالٍب أردنيني وفلسطينيني يف بعض االسرتاحات يف‬
‫املدينة النبوية‪ ،‬وكان موضوع تلك اجللسة عن الصيام ألنه كان قبل شر رمضان‬
‫املبارك يف العام املاضي بيومني أو ثالثة ‪..‬‬

‫‪46‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫وبعد الكالم عن الصوم سأله الطالب املنسق لتلك اجللسة وهو تكفريي جلد ‪-‬‬
‫أعرفه شخصيًا‪ -‬طالبًا من املدرس املذكور الكالم عن اجلهاد ألن شهر رمضان‬
‫شهر الفتوحات واالنتصارات ‪..‬‬
‫فقبل أن يتكلم املدرس قام بإغالق جواله! وطلب من الطالب إغالق جواالهتم!!‬
‫زاعمًا أنه ال يشك يف أهنم مراقبون!!‬
‫[وقد حدثين طالبان ممن حضرا اجللسة جبميع التفاصيل]‬
‫فهذا الفعل من هذا املدرس يعطي هلؤالء انطباعًا أهنم معارضون للدولة وأن‬
‫الدولة تراقبهم ألهنم يف موضع التهمة!!‬
‫وكذلك يوهم أولئك الطلبة أن الدولة حتارب اجلهاد!!‬
‫َّمُث تكلم ذلك املدرس ‪ ،‬وبعد ذلك سئل عن أسامة بن الدن فوصفه بأنه شيخ‬
‫جماهد ‪ ،‬وزكاه وأثىن عليه‪.‬‬
‫وذاك املدرس عينه حياول جاهدًا إقناع الطالب بأن احلكم على احلكام اليوم –‬
‫دون استثناء‪ -‬املتهمني بتحكيم القوانني الوضعية من املسائل اخلالفية واليت ال‬
‫جيوز النكري فيها على من يكفر احلكام !!‬
‫فهذا مثال ملن يستغل تلك الرحالت لنشر الباطل والفساد باسم الدين‪ ،‬واألمثلة‬
‫كثرية جدا جدًا‪.‬‬
‫القضية الثانية‪ :‬استغالل أهل الباطل تلك الرحالت لنشر الكتب الفاسدة‬
‫وترويجها بين الطالب إما بإهدائها‪ ،‬أو عمل المسابقات على محتوياتها‪،‬‬
‫وإما بالثناء عليها والنصيحة بها‪.‬‬
‫قال الدكتور سعود املصيبيح ‪ " :‬أما الكتب اليت توزع علينا فبعضها كتب تسخر‬
‫من احلكومات وحتث فينا رفض ما حيدث وهي أطروحات موجودة يف كتب‬
‫سيد قطب وغريه واليت هي الشرارة األوىل لفكر التكفري الذي نعاين منه"‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫وهذا من الدكتور سعود حق وصدق وهو ظاهر جدًا‪ ،‬وقد تواترت شهادات‬
‫الشهود على ذلك ‪.‬‬
‫فبعض املبطلني يستغل تلك الرحالت واللقاءات الطالبية للرتويج ملعتقد خبيث أو‬
‫فكر فاسد‪.‬‬
‫فقد استغلتها –يف كثري من بلدان املسلمني‪ -‬األحزاب العلمانية واالشرتاكية‬
‫والناصرية والليربالية واالعتزالية والباطنية لنشر معتقدهم اخلبيث‪.‬‬
‫وكثريًا ما تستغل تلك الرحالت واللقاءات للرتويج لكتب سيد قطب كـ"معامل‬
‫يف الطريق"‪ ،‬و"ملاذا أعدموين"‪ ،‬و"يف ظالل القرآن" وغريها من كتبه اليت حتوي‬
‫تكفري اجملتمعات اإلسالمية‪ ،‬وتزرع الكره والبغض يف قلوب الشباب حلكامهم‬
‫وعلمائهم "أصحاب الكتب الصفراء" على حد تعبري سيد قطب!!‬
‫وكذلك كتب املودودي الذي يعود له الفضل األكرب! يف إفساد نظرة سيد قطب‬
‫لألمور‪..‬‬
‫وكذلك كتب صالح الصاوي وحممد قطب وحممد عمارة وحسن البنا وعبد اهلل‬
‫ناصح علوان وغريهم‪.‬‬
‫وكذلك كتب عبد العزيز اجلليل وكتب الراشد كاملسار واملنطلق والعوائق‬
‫وغريمها من الكتب الفاسدة‪..‬‬
‫بل قد توزع فيها كتب صرحية تدعو لقتل رجال األمن ‪..‬‬
‫وال يعين هذا أن تلك الرحالت ال حتوي إال ما سبق!‬
‫كال ‪..‬‬
‫بل هناك من أهل اخلري والفضل من يستفيد من تلك الرحالت واجللسات لنشر‬
‫التوحيد والسنة ‪ ،‬وربط الطالب بوالة أمرهم من العلماء واألمراء‪...‬‬
‫ولكن الواجب احلذر مما ينشره املبطلون من كتب حتوي الشر والفساد والتكفري‬
‫واإلرهاب ‪..‬‬

‫‪48‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫القضية الثالثة‪ :‬استغالل فريضة الزكاة ‪ ،‬والصدقة‪ ،‬وجمع التبرعات لدعم‬


‫العمليات اإلرهابية‪ ،‬ولنشر األفكار والمعتقدات الفاسدة ‪..‬‬
‫قال الدكتور سعود‪ " :‬ونصف مرتيب وحبسن نية ومعي جمموعة من زمالئي‬
‫يذهب لدعم جملة اجلهاد يف بيشاور وجلمع التربعات اليت استغلها البعض ليس‬
‫ألعمال اخلري ومساعدة الفقراء واحملتاجني وامنا لدعم قائد إسالمي ضد آخر وال‬
‫نعلم أين كانت تذهب تلك التربعات‪"!!.‬‬
‫وهذا حق وصدق ‪..‬‬
‫فقد استغل املبطلون أموال املسلمني للتفجري والتكفري والتدمري ‪..‬‬
‫فكثري من أموال املسلمني ذهبت لبعض زعماء األحزاب يف أفغانستان واليت‬
‫صرفتها يف القتال والتناحر بينها حىت وصل هبم احلال إىل قتل الشيخ مجيل الرمحن‬
‫وقتل املئات من املسلمني يف كنر ‪ ،‬وكذلك غذى ذلك املال احلرب اليت دارت‬
‫بني حكمتيار واحلكومة األفغانية برئاسة رباين ‪..‬‬
‫وكثري من أموال املسلمني ذهبت لشراء األسلحة وهتريبها إىل البالد السعودية‬
‫للقيام بالتفجري والتخريب واخليانة ‪..‬‬
‫وكم تسببت تلك األعمال بإساءة الظن يف كثري من اجلمعيات اخلريية ‪ ،‬بل‬
‫واهتامها باإلرهاب ‪ ،‬وجتفيف العمل اخلريي اإلسالمي يف كثري من دول العامل‪..‬‬
‫لذلك جيب على اجلمعيات اخلريية أن تكون يف أيدي الثقات‪ ،‬وأن ال توظف إال‬
‫الثقات‪ ،‬وأن ال تدعم إال أهل الصدق والثقة من أهل السنة واجلماعة ‪ ،‬وأن تبتعد‬
‫عن املشبوهني واملبطلني واملفسدين‪.‬‬
‫وجيب على املتربعني أن ال جيعلوا أمواهلم إال يف أيدي أهل الثقة واألمانة ‪.‬‬
‫نسأل اهلل أن حيفظ بالد املسلمني من كيد عدوها من أهل النفاق والتفجري‬
‫والتخريب ‪ ،‬ومن أهل الكفر والفساد‪.‬‬
‫واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم على نبينا حممد‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫تحذير المفجرين ومؤيدي المخربين من الضالل‬


‫والمروق من الدين‬

‫‪50‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫تحذير المفجرين ومؤيدي المخربين من الضالل والمروق من الدين‬


‫احلمد هلل ‪ ،‬والصالة والسالم على رسول اهلل ‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فقد تقرر في الشرع حرمة دم المسلم ودم المعاهد ‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬
‫((ومن يقتل مؤمنا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب هللا عليه ولعنه‬
‫وأعد له عذابًا عظيمًا} ‪ ،‬فمن يستحل دماء املسلمني ودماء املعاهدين بالتفجري‬
‫والتخريب فله حالتان ‪:‬‬
‫الحالة األولى‪ :‬أن يكون باغيًا ظالمًا فقد جاء الوعيد العظيم على هذا البغي‬
‫والفساد ‪.‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬وهللا ال يهدي القوم الظالمين} ‪.‬‬
‫وقال النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪(( : -‬يقول اهلل تعاىل‪ :‬يا عبادي إن حرمت‬
‫الظلم على نفسي وجعلته بينكم حمرمًا فال تظاملوا)) رواه مسلم يف صحيحه‪.‬‬
‫وقال النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪(( : -‬اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم‬
‫القيامة))‪.‬‬
‫وقال النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪(( : -‬تستجاب دعوة املظلوم وإن كان‬
‫كافرًا))‪.‬‬
‫وهللا يقول‪{ :‬وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤوًال}‪.‬‬
‫وقال النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪(( : -‬من قتل معاهداً مل يرح رائحة اجلنة وإن‬
‫رحيها توجد من مسرية أربعني عاماً)) رواه البخارُّي يف صحيحه‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫وقال تعاىل‪{ :‬ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد هللا‬
‫على ما في قلبه وهو ألد الخصام * وإذا تولى سعى في األرض‬
‫ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل وهللا ال يحب الفساد * وإذا قيل له‬
‫اتق هللا أخذته العزة باإلثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد}‪..‬‬
‫قال الشيخ عبد الرمحن السعدي ‪-‬رَمحُه اُهلل‪ -‬يف تفسريه ‪{" :‬واهلل ال حيب‬
‫الفساد} وإذا كان ال حيب الفساد فهو يبغض العبد املفسد يف األرض غاية‬
‫البغض‪ ،‬وإن قال بلسانه قوًال حسنًا‪.‬‬
‫ففي هذه اآلية دليل على أن األقوال اليت تصدر من األشخاص ليست دليًال على‬
‫صدق وال كذب‪ ،‬وال بر وال فجور‪ ،‬حىت يوجد العمل املصدق هلا املزكي هلا‪،‬‬
‫وأنه ينبغي اختبار أحوال الشهود‪ ،‬واحملق واملبطل من الناس بسرب أعماهلم‪ ،‬والنظر‬
‫لقرائن أحواهلم‪ ،‬وأن ال يغرت بتمويههم وتزكيتهم أنفسهم‪.‬‬
‫ِن‬
‫مث ذكر أن هذا املفسد يف األرض مبعاصي اهلل إذا ُأمر بتقوى اهلل تكرَّب وأ َف‬
‫و{أخذته العزة باإلمث} فيجمع بني العمل باملعاصي والتكرب على الناصحني "‬
‫انتهى كالمه ‪-‬رَمحُه اُهلل‪. -‬‬
‫الحالة الثانية ‪ :‬أن يكون مستحًال لدماء المسلمين ألنه يكفرهم ‪ ،‬ويرى‬
‫بطالن دينهم واستحقاقهم للقتل ‪ ،‬أو أنه يستحل دماء المعاهدين ألنه يكفر‬
‫ولي األمر وبطالن دينه فهذا يخشى عليه الكفر والردة ‪.‬‬
‫ألنه يبطل دين اإلسالم الذي بعث النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬به ‪.‬‬
‫عن حذيفة بن اليمان ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫ف عليكم رجل قرأ القرآن ‪ ،‬حتى إذا ُرِئَي ْ‬
‫ت‬ ‫وسلم‪(( :-‬إن أخوَف ما أخا ُ‬
‫َبهْجَُتهُ عليه‪ ،‬وكان ردءًا لإلسالم غيره إلى ما شاء اهلل ‪ ،‬فانسلخ منه‪ ،‬ونبذه‬
‫يف ‪ ،‬ورماه بالشرك))‬
‫وراء ظهره‪ ،‬وسعى على جاره بالسَّ ِ‬
‫قال‪ :‬قلت ‪ :‬يا نبي اهلل أيهما أولى بالشرك‪ :‬المرمي أم الرامي؟‬

‫‪52‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫قال ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪(( :-‬بل الرامي)) رواه ابن حبان يف صحيحه(‬
‫‪282-1/281‬رقم‪ ،)81‬والبزار(‪7/220‬رقم‪ )2793‬وحسنه‪.‬‬
‫ومن يكفر املسلمني بالذنوب واملعاصي ‪ ،‬أو أنه جيعل ما ليس بذنب ذنبًا كما‬
‫فعلت اخلوارج فيخشى عليه الكفر والردة ‪.‬‬
‫وذلك لألحاديث املتواترة يف ذم اخلوارج وبيان مروقهم من الدين ‪ ،‬وأهنم كالب‬
‫النار ‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم كما يف جمموع الفتاوى(‪" : )35/54‬ثبت في الصحيح عن‬
‫النبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أنه قال‪(( :‬مترق مارقة على حني فرقة من املسلمني‬
‫تقتلهم أوىل الطائفتني باحلق)) وهذا احلديث يتضمن ذكر الطوائف الثالثة ‪،‬‬
‫ويبني أن املارقني نوع ثالثٌ ‪ ،‬ليسوا من جنس أولئك ‪ ،‬فإن طائفة علي أوىل‬
‫باحلق من طائفة معاوية ‪ ،‬وقال في حق اخلوارج املارقني ‪(( :‬حيقر أحدكم صالته‬
‫مع صالهتم ‪ ،‬وصيامه مع صيامهم ‪ ،‬وقراءته مع قرائهم ‪ ،‬يقرؤون القرآن ال‬
‫جياوز حناجرهم ‪ ،‬ميرقون من الإسالم كما ميرق السهم من الرمية ‪،‬أينما‬
‫لقيتموهم فاقتلوهم ‪ ،‬فإن في قتلهم أجرا عند اهلل ملن قتلهم يوم القيامة)) وفي‬
‫لفظ‪(( :‬لو يعلم الذين يقاتلوهنم ما هلم على لسان نبيهم لنكلوا عن العمل))‪.‬‬
‫وقد روى مسلم أحاديثهم في الصحيح من عشرة أوجه ‪ ،‬وروى هذا البخاري‬
‫من غري وجه ‪ ،‬ورواه أهل السنن واملسانيد ‪ ،‬وهي مستفيضة عن النبي ‪-‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪ ، -‬متلقاة بالقبول ‪ ،‬أمجع عليها علماء األمة من الصحابة ومن‬
‫اتبعهم‪ ،‬واتفق الصحابة على قتال هؤالء اخلوارج"‪.‬‬
‫وقد اختلف العلماء يف تكفري اخلوارج قال شيخ اإلسالم ‪-‬رَمحُه اُهلل‪ -‬كما يف‬
‫جمموع الفتاوى(‪ " : )28/518‬فإن األمة متفقون على ذم اخلوارج وتضليلهم ‪،‬‬
‫وإمنا تنازعوا في تكفريهم على قولني مشهورين في مذهب مالك وأمحد‪ ،‬وفي‬
‫نزاع في كفرهم"‪.‬‬
‫أيضا ٌ‬
‫مذهب الشافعي ً‬

‫‪53‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫وكان شيخ اإلسالم عبد العزيز بن باز ‪-‬رَمحُه اُهلل‪ -‬يرجح أهنم كفار لقوله ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪(( : -‬ميرقون من الدين كما ميرق السهم من الرمية)) ولغري‬
‫ذلك من األدلة‪.‬‬
‫فليحذر املسلمون من صنيع أولئك املفجرين الفاجرين ‪ ،‬واملخربني الفاسقني‪.‬‬
‫والواجب على املسلمني حماربة أولئك ‪ ،‬وكشف سرتهم وحاهلم ‪ ،‬وتقدميهم‬
‫للشرع إلقامة حكم اهلل فيهم ‪ ،‬وحيرم إيواؤهم ونصرهتم ‪.‬‬
‫لقوله ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪(( : -‬لعن اهلل من آوى حمدثاً)) رواه مسلم يف‬
‫صحيحه ‪.‬‬
‫والواجب على املسلمني إنكار املنكر ‪ ،‬فمن وجد أنه يؤيد أولئك الفاجرين‬
‫املفجرين فلينكر عليه ‪ ،‬فإن مل ينتصح فيجب تقدميه للمحكمة الشرعية لتعزيره‬
‫وتأديبه ‪.‬‬
‫أسأل اهلل أن حيمي بالد احلرمني من كل أذى ومكروه ‪ ،‬ونسأله تعاىل أن يهلك‬
‫اخلوارج أعداء السنة ‪ ،‬وأن يفضحهم ‪ ،‬وأن يفرق مجعهم ‪ ،‬وأن خيزيهم ويذهلم ‪،‬‬
‫وأن يذل من يدافع عنهم أو خيفي أمرهم ويتسرت عليهم‪.‬‬
‫واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد ‪.‬‬
‫كتبه‪:‬‬
‫أبو عمر أسامة بن عطايا بن عثمان العتيبي‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫حكم هللا ورسوله‪ --‬فيما فعله الخوارج المجرمون‬


‫في مجمع المحيا‬

‫‪55‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫حكم هللا ورسوله‪-‬صلى ُهللا عليه وسلم‪ -‬فيما فعله الخوارج‬


‫المجرمون في مجمع المحيا‬
‫احلمد هلل ‪ ،‬والصالُة والسالُم على رسول اهلل أما بعد‪:‬‬
‫فقد جاءت النصوص الصرحية يف الكتاب والسنة باألمر بقتل واجتثاث من‬
‫يسفك دماء املسلمني ‪ ،‬ويقطع السبيل ‪ ،‬ويروع اآلمنني‪ ،‬وفيمن خيرج على‬
‫املسلمني مكفرًا هلم أو إلمامهم ‪ ،‬وفيمن ينازع سلطان اهلل (ويل األمر املسلم) ‪.‬‬
‫كما جاء التشديد األكيد ‪ ،‬والوعيد الشديد ملن يسفك دم امرئ مسلم ‪.‬‬
‫وهي كالتايل‪:‬‬

‫‪ -1‬حد احلرابة‪ :‬قال تعاىل‪ِ{ :‬إَّنَم ا َج َز اء اَّلِذ يَن ُيَح اِرُبوَن َهّللا َو َر ُسوَلُه َو َيْس َع ْو َن‬
‫ِفي اَألْر ِض َفَس ادًا َأن ُيَقَّتُلوْا َأْو ُيَص َّلُبوْا َأْو ُتَقَّطَع َأْيِد يِهْم َو َأْر ُج ُلُهم ِّم ْن ِخ الٍف‬
‫َأْو ُينَفْو ْا ِم َن اَألْر ِض َذ ِلَك َلُهْم ِخ ْز ٌي ِفي الُّد ْنَيا َو َلُهْم ِفي اآلِخ َر ِة َع َذ اٌب َع ِظ يٌم‬
‫{‪ِ }33‬إَّال اَّلِذ يَن َتاُبوْا ِم ن َقْبِل َأن َتْقِد ُروْا َع َلْيِهْم َفاْع َلُم وْا َأَّن َهّللا َغ ُفوٌر َّر ِح يٌم {‬
‫‪.}34‬‬
‫فاحملارب مفسد يف األرض ‪ ،‬حقه ما ذكره اهلل من العقوبة‪.‬‬
‫وهؤالء الذين فجروا في الرياض محاربون هلل ورسوله ‪ ،‬وساعون في األرض‬
‫فسادًا‪ ،‬وقتلوا المؤمنين والمستأمنين والمعاهدين ‪ ،‬بل هم أخطر من‬
‫المحاربين ‪ ،‬وأعظم ضررًا‬

‫‪ -2‬احلكم على اخلوارج‪ :‬عن علي ‪-‬رضي اُهلل عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪-‬صلى‬
‫اُهلل عليه وعلى آله وسلم‪(( : -‬يأيت يف آخر الزمان قوم حدثاء األسنان سفهاء‬
‫األحالم يقولون من خري قول الربية ميرقون من اإلسالم كما ميرق السهم من‬
‫الرمية ال جياوز إمياهنم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا‬
‫لمن قتلهم يوم القيامة)) متفق عليه‪.‬‬
‫وقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يف اخلوارج‪(( :‬طوىب ملن قتلهم وقتلوه))‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫وقال عليه الصالة والسالم مبينا عظيم أجر من يقتلهم ‪(( :‬لو يعلم الجيش‬
‫الذين يصيبون مالهم على لسان نبيهم صلى اهلل عليه وسلم لنكلوا عن‬
‫العمل))‪.‬‬
‫فمن خرج على المسلمين مكفرًا لهم أو إلمامهم وجنوده فهو خارجي مارق‬
‫يجب قتله والقضاء عليه ‪ ،‬ولمن قتلهم أجر عظيم عند اهلل تعالى ‪ ،‬فهذه‬
‫بشرى ما أعظمها من بشرى لرجال األمن الساعين في القضاء على هؤالء‬
‫الطغمة وهذه الشرذمة الفاسدة ‪ ،‬والنبتة الخبيثة‪.‬‬
‫‪ -3‬حكم من يخرج على السلطان‪ :‬قال رسول اهلل ‪-‬صلى اُهلل عليه وعلى‬
‫آله وسلم‪(( : -‬من خرج على أمتي وهم جميع فاقتلوه كائنا ما كان))‪.‬‬
‫وقال رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪(( : -‬من أتاكم وأمركم مجيع على رجل‬
‫واحد ‪ ،‬يريد أن يشق عصاكم ويفرق كلمتكم فاقتلوه)) ‪.‬‬
‫ويف رواية‪َّ(( :‬إنُه ستكون هنات وهنات ‪ ،‬فمن أراد أن يفرق أمر هذه األمة وهي‬
‫مجيع فاضربوه بالسيف كائنا من كان)) رواه مسلم يف صحيحه(‪، 3/1479‬‬
‫‪ )1480‬من حديث عرفجة األشجعي ‪-‬رضي اهلل عنه‪.-‬‬
‫‪ -4‬حرمة قتل املؤمن ‪ :‬قال تعاىل‪{ :‬ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم‬
‫خالدًا فيها وغضب هللا عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا}‪.‬‬
‫وعن أيب هريرة رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬اجتنبوا‬
‫السبع املوبقات))‬
‫قيل‪ :‬يا رسول اهلل ‪ ،‬وما هن ؟ قال‪(( :‬الشرك باهلل ‪ ،‬والسحر ‪ ،‬وقتل النفس اليت‬
‫حرم اهلل إال باحلق ‪ ،‬وأكل مال اليتيم ‪ ،‬وأكل الربا ‪ ،‬والتويل يوم الزحف ‪،‬‬
‫وقذف احملصنات الغافالت املؤمنات)) رواه البخاري ومسلم‬
‫وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬لن‬
‫يزال املؤمن يف فسحة من دينه ما مل يصب دما حراماً))‬

‫‪57‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫وقال ابن عمر رضي اهلل عنهما‪" :‬إن من ورطات األمور اليت ال خمرج ملن أوقع‬
‫نفسه فيها سفك الدم احلرام بغري حله"رواه البخاري‬
‫وعن عبد اهلل بن عمرو رضي اهلل عنهما أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪:‬‬
‫((لزوال الدنيا أهون عند اهلل من قتل رجل مسلم)) ‪ .‬رواه مسلم‬
‫عن عبد اهلل بن عمرو قال‪ :‬رأيت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يطوف بالكعبة‬
‫ويقول ‪(( :‬ما أطيبك! وما أطيب رحيك! ‪ ،‬ما أعظمك! وما أعظم حرمتك! ‪،‬‬
‫والذي نفس حممد بيده حلرمة املؤمن عند اهلل أعظم من حرمتك ‪-‬ماله ودمه‪))-‬‬
‫رواه ابن ماجه‬
‫عن حذيفة بن اليمان ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫ف عليكم رجل قرأ القرآن ‪ ،‬حتى إذا ُرِئَي ْ‬
‫ت‬ ‫وسلم‪(( :-‬إن أخوَف ما أخا ُ‬
‫َبهْجَُتهُ عليه‪ ،‬وكان ردءًا لإلسالم غيره إلى ما شاء اهلل ‪ ،‬فانسلخ منه‪ ،‬ونبذه‬
‫يف ‪ ،‬ورماه بالشرك))‬
‫وراء ظهره‪ ،‬وسعى على جاره بالسَّ ِ‬
‫قال‪ :‬قلت ‪ :‬يا نبي اهلل أيهما أولى بالشرك‪ :‬المرمي أم الرامي؟‬
‫قال ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪(( :-‬بل الرامي)) رواه ابن حبان يف صحيحه(‬
‫‪282-1/281‬رقم‪ ،)81‬والبزار(‪7/220‬رقم‪ )2793‬وحسنه‪.‬‬
‫بل حرم قتل املعاهد كما قال النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪(( : -‬من قتل معاهداً‬
‫مل يرح رائحة اجلنة وإن رحيها توجد من مسرية أربعني عاماً)) رواه البخارُّي يف‬
‫صحيحه‪.‬‬
‫والناظر حلال املفجرين جملمع احمليا ومن يساندهم تلبيس احلق بالباطل ‪ ،‬وَتْنزيل‬
‫بعض املسائل يف غري مواضعها ‪ ،‬وتوظيف للقواعد األصولية والفقهية يف غري‬
‫موضعها ‪.‬‬
‫فهذا حكم اهلل ورسوله ‪-‬صلى اُهلل عليه وعلى آله وسلم‪ -‬يف اخلوارج املفجرين‬
‫جملمع احمليا‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫نسأل اهلل أن جيتثهم من جذورهم ‪ ،‬وأن يكفي املسلمني شرورهم‪.‬‬


‫واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم على نبينا حممد‪.‬‬
‫كتبه ‪ :‬أبو عمر أسامة بن عطايا بن عثمان العتييب ‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫الرد والبيان على المجرمين المفجرين لمجمع المحيا‬


‫وما في استداللهم بـمسألة "التترس" من الكذب‬
‫والبهتان‬

‫‪60‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫الرد والبيان على المجرمين المفجرين لمجمع المحيا وما في استداللهم‬


‫بـمسألة "التترس" من الكذب والبهتان‬
‫احلمد هلل ‪ ،‬والصالة والسالم على رسول اهلل ‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فقد دأب كثري من املبطلني أدعياء اجلهاد يف هذا الزمان على التظاهر بالعداء ضد‬
‫أمريكا والطواغيت واملشركني حاهلم كحال إخواهنم من الرافضة ‪..‬‬
‫وليس هذا األمر مبستنكر ‪ ،‬ولكن املستنكر والغريب واملريب هو طريقتهم يف‬
‫حماربة العدو ‪..‬‬
‫فهم حياربون العدو مبا ال يتوافق مع الدين اإلسالمي ‪ ،‬وال العقل اإلنساين ‪..‬‬
‫بل حياربون العدو مبنهج مهجي ال ميت بصلة ال لدين وال عقل !!‬
‫ومن األمور املعلومة لدى املسلمني فيما يتعلق باجلهاد مراعاة املصاحل واملفاسد ‪،‬‬
‫ومراعاة حال القوة والضعف ‪ ،‬ومراعاة العهود واملواثيق ‪ ،‬والوفاء وعدم الغدر ‪،‬‬
‫ومىت يقاتل العدو ومىت ال يقاتل ‪ ،‬ومعرفة احملارب من املعاهد من الذمي ‪..‬‬
‫بل قد خالف أولئك األدعياء شريعة اإلسالم اليت تنهى عن تكفري املسلم ‪ ،‬وتنهى‬
‫عن ترويع املؤمن ‪ ،‬وتنهى عن تعدي حدود اهلل ‪ ،‬وتدرأ احلدود بالشبهات ‪..‬‬
‫والناظر يف حال أولئك أدعياء اجلهاد يرى أهنم يكفرون املسلم بأوهى الشبه ‪،‬‬
‫ويستحلون دم املسلم بشىت احليل اخلبيثة ‪.‬‬
‫وقد عظم الشرع حرمة دم املسلم يف أدلة كثرية جدًا ‪ ،‬وهنى عن سفكها بغري‬
‫حق‪.‬‬
‫قال تعاىل‪{ :‬ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب هللا‬
‫عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا}‪.‬‬
‫وعن أيب هريرة رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬اجتنبوا‬
‫السبع املوبقات))‬

‫‪61‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫قيل‪ :‬يا رسول اهلل ‪ ،‬وما هن ؟ قال‪(( :‬الشرك باهلل ‪ ،‬والسحر ‪ ،‬وقتل النفس اليت‬
‫حرم اهلل إال باحلق ‪ ،‬وأكل مال اليتيم ‪ ،‬وأكل الربا ‪ ،‬والتويل يوم الزحف ‪،‬‬
‫وقذف احملصنات الغافالت املؤمنات)) رواه البخاري ومسلم‬
‫وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬لن‬
‫يزال املؤمن يف فسحة من دينه ما مل يصب دما حراماً))‬
‫وقال ابن عمر رضي اهلل عنهما‪" :‬إن من ورطات األمور اليت ال خمرج ملن أوقع‬
‫نفسه فيها سفك الدم احلرام بغري حله"رواه البخاري‬
‫وعن عبد اهلل بن عمرو رضي اهلل عنهما أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪:‬‬
‫((لزوال الدنيا أهون عند اهلل من قتل رجل مسلم)) ‪ .‬رواه مسلم‬
‫عن عبد اهلل بن عمرو قال‪ :‬رأيت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يطوف بالكعبة‬
‫ويقول ‪(( :‬ما أطيبك! وما أطيب رحيك! ‪ ،‬ما أعظمك! وما أعظم حرمتك! ‪،‬‬
‫والذي نفس حممد بيده حلرمة املؤمن عند اهلل أعظم من حرمتك ‪-‬ماله ودمه‪))-‬‬
‫رواه ابن ماجه‬
‫عن حذيفة بن اليمان ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫ف عليكم رجل قرأ القرآن ‪ ،‬حتى إذا ُرِئَي ْ‬
‫ت‬ ‫وسلم‪(( :-‬إن أخوَف ما أخا ُ‬
‫َبهْجَُتهُ عليه‪ ،‬وكان ردءًا لإلسالم غيره إلى ما شاء اهلل ‪ ،‬فانسلخ منه‪ ،‬ونبذه‬
‫يف ‪ ،‬ورماه بالشرك))‬
‫وراء ظهره‪ ،‬وسعى على جاره بالسَّ ِ‬
‫قال‪ :‬قلت ‪ :‬يا نبي اهلل أيهما أولى بالشرك‪ :‬المرمي أم الرامي؟‬
‫قال ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪(( :-‬بل الرامي)) رواه ابن حبان يف صحيحه(‬
‫‪282-1/281‬رقم‪ ،)81‬والبزار(‪7/220‬رقم‪ )2793‬وحسنه‪.‬‬
‫بل حرم قتل املعاهد كما قال النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪(( : -‬من قتل معاهداً‬
‫مل يرح رائحة اجلنة وإن رحيها توجد من مسرية أربعني عاماً)) رواه البخارُّي يف‬
‫صحيحه‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫ويرى يف حال أولئك من تلبيس احلق بالباطل ‪ ،‬وَتْنزيل بعض املسائل يف غري‬
‫مواضعها ‪ ،‬وتوظيف للقواعد األصولية والفقهية يف غري موضعها ‪.‬‬

‫فمثًال‪:‬‬
‫مسألة التترس يدعون اإلجماع فيها ‪ ،‬ثم يَنزلونها في غير مْنزلها وإليكم‬
‫البيان‪:‬‬
‫قال اخلارجي الكبري دعي اجلهاد أبو قتادة عمر حممود الفلسطيين يف خطبة من‬
‫خطبه العوجاء يف لندن ‪-‬مربرًا قتل النساء واألطفال يف اجلزائر‪ [ : -‬إذا كان‬
‫أهل العلم قد أجازوا يف مسـألة الترتس ‪ ،‬أي الترتس ‪ ،‬كما أفىت اإلمام مالك ‪،‬‬
‫وأقرها عليه أهل العلم ‪ ،‬قالوا إذا كان قد ترتس الكفار مبسلمني أسراء ‪ ،‬جاء‬
‫الكفار أسروا مجاعة من املسلمني ووضعوهم يف صدر اجليش مسلمني ‪ ،‬فماذا‬
‫نصنع؟ ماذا نصنع؟ ال نصل إىل الكفار حىت نقتل املسلمني ‪ ،‬قال‪ :‬يقتل املسلمني‬
‫الذين ترتس هبم الكفار ‪ ،‬فإذا كان مسلمني وجممع على عدم جواز قتلهم ‪ ،‬أنه‬
‫ال يقتل الكفار حىت يقتل املسلمني ‪ ،‬ومع ذلك أجازوا قتل املسلمني ‪ ،‬إذا كان‬
‫يف ذلك مصلحة للوصول إىل الكفار]‪.‬‬
‫الجواب على باطل أبي قتادة الخارجي وأشباهه من وجوه أذكر اثنين منها‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬بيان صورة الترتس ‪:‬‬
‫الترتس له حالتان ‪:‬‬
‫الحال األول‪:‬‬
‫أن يقابل جيُش املسلمني جيَش الكافرين (احملاربني) ‪ ،‬وعند الكفار أسرى من‬
‫املسلمني ‪ ،‬فيهدد املشركون بقتل أسرى املسلمني إن مل يسلموا ديار اإلسالم‬
‫هلم‪ ،‬أو يهجم جيش الكفار الستباحة بيضة اإلسالم وقد جعلوا أسرى املسلمني‬
‫درعًا هلم ‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫ففي هذه احلالة أمجع العلماء على قتال املشركني ولو ترتسوا مبسلمني ولو أصيب‬
‫أولئك األسرى على ما سيأيت تفصيله‪.‬‬
‫الحال الثاني‪:‬‬
‫أن يقابل جيُش املسلمني جيَش الكافرين (احملاربني) ‪ ،‬وعند الكفار أسرى من‬
‫املسلمني ‪ ،‬فيهدد املشركون بقتل أسرى املسلمني إن مل يرحل املسلمون عنهم ‪،‬‬
‫أو جيعل املشركون أسرى املسلمني كالدرع واحلاجز بينهم وبني جيش املسلمني‬
‫وال يكون يف ترك قتال الكفار قضاء على بيضة اإلسالم واستئصال للمسلمني‪..‬‬
‫فاختلف العلماء هنا ‪ :‬هل يرحل املسلمون عن املشركني فال يقاتلوهنم أو‬
‫يقاتلوهنم وجيتنبوا أسارى املسلمني؟‬
‫فإن قتل منهم أحد على وجه اخلطأ وجب على من قتل مسلمًا الكفارة عند‬
‫مجهور العلماء ألنه قتل خطٍإ ‪.‬‬
‫إذا ال بد من توفر شروط في كلتا الحالتين من مسألة التترس وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن تتميز الصفوف بني املسلمني واملشركني ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون املشركون حماربني ‪ ،‬وال يكون بيننا وبينهم عهد وال ذمة ‪.‬‬
‫‪ -3‬يف احلالة األوىل‪ :‬أن يرتتب على الكف عن قتال املشركني استئصال‬
‫املسلمني‪.‬‬
‫ويف احلالة الثانية‪ :‬أن يرتتب على الكف تعطيل اجلهاد بالكلية‬
‫‪ -4‬أن ال يستطيع التوصل إىل قتل املشركني احملاربني إال مبظنة قتل أولئك‬
‫األسرى ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن ال يتقصد قتل أسرى املسلمني ‪ ،‬وأن حيول دون ذلك بكل قدرة وطاقة‪.‬‬
‫‪ -6‬أن ال يكون يف مسألة الترتس غدٌر وال خيانة ‪ ،‬وال خمالفة لسلطان املسلمني‪.‬‬
‫كل هذه القيود والشروط من علماء المسلمين بناء على األدلة الشرعية‬
‫وحفظًا لدم المؤمن ‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫أما أولئك الخوارج فال يراعون لمؤمن حرمة ‪ ،‬وال يرقبون في مؤمن إًال وال‬
‫ذمة‪ ،‬وال يحفظون ألهل اإلسالم عهدًا ‪ ،‬وال يوفون بعهد وال ذمة ‪.‬‬
‫ولو تأملنا فيما حصل في مجمع المحَّيا السكني لوجدناه بعيدا كل البعد عن‬
‫مسألة "التترس" بل ليس بينها رابط بوجه من الوجوه وبيانه كاآلتي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن أكثر من يف جممع احمليا السكين من املسلمني ‪ ،‬وفيه بعض النصارى‬
‫املعاهدين املستأمنني ‪ ،‬وليس فيهم حمارب واحد فيحرم استحالل دمهم باإلمجاع‪.‬‬
‫‪ -2‬أنه لو فرض أن فيهم حماربني فالصفوف غري متميزة ‪ ،‬وهي خمتلطة بل‬
‫نائمة!!‬
‫‪ -3‬أن ترك أولئك الكفار لو كانوا حماربني ال يرتتب عليه تعطيل اجلهاد وال‬
‫استباحة بيضة اإلسالم وهذا شرط جواز مسألة الترتس‪.‬‬
‫‪ -4‬أنه ترتب على تلك العملية الفاجرة قتل أضعاف عدد املشركني من‬
‫املسلمني‪.‬‬
‫‪ -5‬أن أولئك اخلوارج تقصدوا قتل املسلمني ‪ ،‬فإن كانوا بغاة فهم حماربون‬
‫عليهم تسليم أنفسهم للسلطان ليطبق فيهم حكم اهلل ‪ ،‬وإن كانوا خوارج كما‬
‫هو الواقع فعليهم لعنة اهلل واملالئكة والناس أمجعني وجيب قتلهم واسئتصاهلم كما‬
‫أمر النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بذلك وال جيوز التحاور معهم‪.‬‬
‫‪ -6‬أن قتل أولئك املعاهدين لو كانوا حماربني ال يتوقف على قتل املسلمني ‪ ،‬بل‬
‫املسلمون ليسوا أسرى يف أيديهم ‪ ،‬ومل يترتسوا هبم أصًال‪.‬‬
‫‪ -7‬أن أولئك القتلة اجملرمني ليسوا جماهدين بل مشكوك يف إسالمهم فال عالقة‬
‫هلم مبسألة الترتس‪.‬‬
‫‪ -8‬أن أولئك اخلوارج افتأتوا على ويل األمر الذي بايعه أهل احلل والعقد وعلى‬
‫رأسهم كبار أهل العلم فال جيوز نقض ما أبرم ويل األمر من العهود واملواثيق‬
‫بشبه هي أشبه بالشبه اليت يتمسك هبا اليهود والنصارى للبقاء على دينهم!!‬

‫‪65‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫‪ -9‬أهنم قتلوا أنفسهم يف تلك العملية وهو انتحار يورد من تقَّح مه اجلحيم ‪.‬‬
‫فبان واتضح أنه ال جيوز االستدالل على شرعية فعل أولئك الفجرة اخلونة مبسألة‬
‫الترتس ‪ ،‬وال جيوز تربير فعلهم بتلك املسألة أو أخذ العذر هلم ‪.‬‬
‫فأولئك ال عذر هلم إال كعذر فرعون يف حربه لنيب اهلل موسى {فأرسل فرعون‬
‫في المدائن حاشرين * إن هؤالء لشرذمة قليلون * وإنهم لنا لغائظون *‬
‫وإنا لجميع حاذرون}‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬قول العلماء يف املسألة وبيان أن مسألة الترتس ال عالقة هلا مبا‬
‫حصل من تفجريات يف الرياض وحنوها من بالد املسلمني خالفا للخوارج الفجرة‬
‫احملاربني هلل ورسوله‪.‬‬
‫أنقل أوًال ما جاء يف املوسوعة الفقهية مث أتبع ذلك بنقل نصوص من كالم‬
‫العلماء واهلل املوفق‪.‬‬
‫جاء يف املوسوعة الفقهية اجلزء الرابع‪:‬‬
‫ج ‪ -‬الّتّرتس بأسارى املسلمني ‪:‬‬
‫‪ - 63‬الرّت س بضّم الّتاء ‪ :‬ما يتوّقى به يف احلرب ‪ ،‬يقال ‪ :‬تّرتس بالرّت س إذا توّقى‬
‫به ‪ ،‬ومن ذلك تّرتس املشركني باألسرى من املسلمني والّذ ّمّيني يف القتال ‪ ،‬ألهّن م‬
‫جيعلوهنم كالرّت اس ‪ ،‬فيّتقون هبم هجوم جيش املسلمني عليهم ‪ ،‬ألّن رمي‬
‫املشركني ‪ -‬مع تّرتسهم باملسلمني ‪ -‬يؤّدي إىل قتل املسلمني اّلذين حنرص على‬
‫حياهتم وإنقاذهم من األسر ‪.‬‬
‫وقد عين الفقهاء هبذه املسألة ‪ ،‬وتناولوها من ناحية جواز الّر مي مع الّتّرتس‬
‫باملسلمني أو الّذ ّمّيني ‪ ،‬كما تناولوها من ناحية لزوم الكّف ارة والّد ية ‪ ،‬وإليك‬
‫اجّت اهات املذاهب يف هذا ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬رمي الرّت س ‪:‬‬

‫‪66‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫‪ - 64‬من ناحية رمي الرّت س ‪ :‬يّتفق الفقهاء على أّنه إذا كان يف ترك الّر مي‬
‫خطٌر حمّق ٌق على مجاعة املسلمني ‪ ،‬فإّنه جيوز الّر مي برغم الّتّرتس ‪ ،‬ألّن يف الّر مي‬
‫دفع الّض رر العاّم بالّذ ّب عن بيضة اإلسالم ‪ ،‬وقتل األسري ضرٌر خاٌّص ‪ .‬ويقصد‬
‫عند الّر مي الكّف ار ال الرّت س ‪ ،‬ألّنه إن تعّذ ر الّتمييز فعًال فقد أمكن قصدًا ‪ ،‬ونقل‬
‫ابن عابدين عن الّس رخسّي أّن القول للّر امي بيمينه يف أّنه قصد الكّف ار ‪ ،‬وليس‬
‫قول وّيل املقتول اّلذي يّد عي العمد ‪.‬‬
‫أّم ا يف حالة خوف وقوع الّض رر على أكثر املسلمني فكذلك جيوز رميهم عند‬
‫مجهور الفقهاء ‪ ،‬ألهّن ا حالة ضرورٍة أيضًا ‪ ،‬وتسقط حرمة الرّت س ‪.‬‬
‫ويقول الّص اوّي املالكّي ‪ :‬ولو كان املسلمون املتّرتس هبم أكثر من اجملاهدين ‪.‬‬
‫ويف وجٍه عند الّش افعّية ال جيوز ‪ ،‬وعّللوه بأّن جمّر د اخلوف ال يبيح الّد م املعصوم ‪،‬‬
‫كما أّنه ال جيوز عند املالكّية إذا كان اخلوف على بعض الغازين فقط ‪.‬‬
‫‪ - 65‬وأّما يف حالة احلصار اّلذي ال خطر فيه على مجاعة املسلمني ‪ ،‬لكن ال‬
‫يقدر على احلربّيني إّال برمي الرّت س ‪ ،‬فجمهور الفقهاء من املالكّية ‪ ،‬والّش افعّية ‪،‬‬
‫ومجهور احلنابلة ‪ ،‬واحلسن بن زياٍد من احلنفّية على املنع ‪ ،‬ألّن اإلقدام على قتل‬
‫املسلم حراٌم ‪ ،‬وترك قتل الكافر جائٌز ‪ .‬أال يرى أّن لإلمام أّال يقتل األسارى‬
‫ملنفعة املسلمني ‪ ،‬فكان مراعاة جانب املسلم أوىل من هذا الوجه ‪ ،‬وألّن مفسدة‬
‫قتل املسلم فوق مصلحة قتل الكافر ‪.‬‬
‫وذهب مجهور احلنفّية ‪ ،‬والقاضي من احلنابلة إىل جواز رميهم ‪ ،‬وعّلل احلنفّية‬
‫ذلك بأّن يف الّر مي دفع الّض رر العاّم ‪ ،‬وأّنه قّلما خيلو حصٌن عن مسلٍم ‪ ،‬واعترب‬
‫القاضي من احلنابلة أّن ذلك من قبيل الّض رورة ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الكّف ارة والّد ية ‪:‬‬
‫‪ - 66‬ومن ناحية الكّف ارة والّد ية عند إصابة أحد أسرى املسلمني نتيجة رمي‬
‫الرّت س ‪ ،‬فإّن مجهور احلنفّية على أّن ما أصابوه منهم ال جيب فيه ديٌة وال كّف ارٌة ‪،‬‬

‫‪67‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫ألّن اجلهاد فرٌض ‪ ،‬والغرامات ال تقرن بالفروض ‪ ،‬ألّن الفرض مأموٌر به ال‬
‫حمالة‪ ،‬وسبب الغرامات عدواٌن حمٌض منهٌّي عنه ‪ ،‬وبينهما منافاٌة ‪ ،‬فوجوب‬
‫الّضمان مينع من إقامة الفرض ‪ ،‬ألهّن م ميتنعون منه خوفًا من لزوم الّضمان ‪ ،‬وهذا‬
‫ال يتعارض مع ما روي عن رسول الّله صلى اهلل عليه وسلم من أّنه « ليس يف‬
‫اإلسالم دٌم مفرٌج » ‪ -‬أي مهدٌر ‪ -‬ألّن الّنهي عاٌّم خّص منه البغاة وقّطاع‬
‫الّطريق ‪ ،‬فتخّص صورة الّنزاع ‪ ،‬كما أّن الّنهي يف احلديث خاٌّص بدار اإلسالم ‪،‬‬
‫وما حنن فيه ليس بدار اإلسالم ‪.‬‬
‫‪ - 67‬وعند احلسن بن زياٍد من احلنفّية ومجهور احلنابلة والّش افعّية تلزم الكّف ارة‬
‫قوًال واحدًا ‪ ،‬ويف وجوب الّد ية روايتان ‪:‬‬
‫إحدامها ‪ :‬جتب ‪ ،‬ألّنه قتل مؤمنًا خطًأ ‪ ،‬فيدخل يف عموم قوله تعاىل ‪ { :‬ومن‬
‫قتل مؤمنًا خطًأ فتحرير رقبٍة مؤمنٍة وديٌة مسّلمٌة إىل أهله إّال أن يّص ّد قوا } ‪.‬‬
‫الّثانية ‪ :‬ال دية ‪ ،‬ألّنه قتل يف دار احلرب برمٍي مباٍح ‪ ،‬فيدخل يف عموم قوله‬
‫تعاىل { وإن كان من قوٍم عدٍّو لكم وهو مؤمٌن فتحرير رقبٍة مؤمنٍة } ومل يذكر‬
‫ديًة ‪ .‬وعدم وجوب الّد ية هو الّص حيح عند احلنابلة ‪.‬‬
‫‪ - 68‬ويقول اجلمل الّش افعّي ‪ :‬وجبت الكّف ارة إن علم القاتل ‪ ،‬ألّنه قتل‬
‫معصومًا ‪ ،‬وكذا الّد ية ‪ ،‬ال القصاص ‪ ،‬ألّنه مع جتويز الّر مي ال جيتمعان ‪ .‬ويف‬
‫هناية احملتاج تقييد ذلك بأن يعلم به ‪ ،‬وأن يكون يف اإلمكان توّقيه ‪ .‬وينقل‬
‫البابرّيت من احلنفّية عن أيب إسحاق أّنه قال ‪ :‬إن قصده بعينه لزمه الّد ية ‪ ،‬علمه‬
‫مسلمًا أو مل يعلمه ‪ ،‬للحديث املذكور ‪ .‬وإن مل يقصده بعينه بل رمى إىل الّص ّف‬
‫فأصيب فال دية عليه ‪ .‬والّتعليل األّو ل أّن اإلقدام على قتل املسلم حراٌم ‪ ،‬وترك‬
‫قتل الكافر جائٌز ‪ ،‬ألّن لإلمام أن يقتل األسارى ملنفعة املسلمني ‪ ،‬فكان تركه‬
‫لعدم قتل املسلم أوىل ‪ ،‬وألّن مفسدة قتل املسلم فوق مصلحة قتل الكافر ‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫‪ - 69‬ومل نقف للمالكّية على شيٍء يف هذا إّال ما قاله الّد سوقّي عند تعليقه على‬
‫قول خليٍل ‪ :‬وإن تّرتسوا مبسلٍم ‪ ،‬فقال ‪ :‬وإن تّرتسوا بأموال املسلمني فيقاتلون‬
‫وال يرتكون ‪ .‬وينبغي ضمان قيمته على من رماهم ‪ ،‬قياسًا على ما يرمى من‬
‫الّس فينة للّنجاة من الغرق ‪ ،‬جبامع أّن كًّال إتالف ماٍل للّنجاة ‪.‬‬
‫وإليك بعض أقوال العلماء ‪:‬‬
‫‪ -1‬قال اإلمام الشافعي ‪-‬رَمحُه اُهلل‪ -‬يف األم(‪" : )4/2444‬ولو ترتسوا مبسلم‬
‫رأيت أن يكف عمن ترتسوا به إال أن يكون املسلمون ملتحمني فال يكف عن‬
‫املترتس ويضرب املشرك ‪ ،‬ويتوقى املسلم جهده فإن أصاب يف شيء من هذه‬
‫مسلما أعتق رقبة"‪.‬‬
‫ً‬ ‫احلاالت‬
‫وقال الشافعي رضي اهلل تعاىل عنه(‪" : )4/287‬إذا كان يف حصن املشركني‬
‫نساء وأطفال وأسرى مسلمون فال بأس بأن ينصب املنجنيق على احلصن دون‬
‫البيوت اليت فيها الساكن إال أن يلتحم املسلمون قريباً من احلصن فال بأس أن‬
‫ترمى بيوته وجدرانه‪.‬‬
‫فإذا كان يف احلصن مقاتلة حمصنون رميت البيوت واحلصون وإذا ترتسوا‬
‫بالصبيان املسلمني واملشركون واملسلمون ملتحمون فال بأس أن يعمدوا املقاتلة‬
‫دون املسلمني والصبيان ‪ ،‬وإن كانوا غري ملتحمني أحببت له الكف عنهم"‪.‬‬
‫‪ -2‬قال ابن قدامة ‪-‬رَمحُه اُهلل‪ -‬يف املغين(‪" : )142-13/141‬فصلٌ‪ :‬وإن‬
‫ترتسوا مبسلم ومل تدع حاجة إىل رميهم لكون احلرب غري قائمة ‪ ،‬أو إلمكان‬
‫القدرة عليهم بدونه‪ ،‬أو لألمن من َشِّرهم مل جيز رميهم ‪ ،‬فإن رماهم فأصاب‬
‫مسلما فعليه ضمانه‪.‬‬
‫ً‬
‫وإن دعت احلاجة إىل رميهم للخوف على املسلمني جاز رميهم ؛ ألهنا حال‬
‫ضرورة ‪ ،‬ويقصد الكفار ‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫ف على املسلمني لكن مل يقدر عليهم إال بالرَّْمِي ؛ فقال األوزاعي‬


‫وإن مل ُيخَ ْ‬
‫والليث‪ :‬ال جيوز رميهم لقول اهلل تعاىل‪{ :‬ولوال رجال مؤمنون} اآلية ‪.‬‬
‫فتح حصن يقدر على فتحه أفضل من قتل مسلم بغري حق ‪.‬‬ ‫ترك ِ‬‫قال الليث‪ُ :‬‬
‫وقال األوزاعي‪ :‬كيف يرمون من ال يرونه إمنا يرمون أطفال املسلمني‪.‬‬
‫وقال القاضي والشافعي‪ :‬جيوز رميهم إذا كانت احلرب قائمة ‪ ،‬ألن تركه يفضي‬
‫مسلما فعليه الكفارة ‪ ،‬ويف الدية على‬
‫ً‬ ‫إىل تعطيل اجلهاد ‪ ،‬فعلى هذا إن َ‬
‫قتل‬
‫مؤمنا خطأ ‪ ،‬فيدخل يف عموم قوله‬
‫عاقلته روايتان ؛ إحدامها‪ :‬جيب ‪ ،‬ألنه قتل ً‬
‫تعاىل‪{ :‬ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله} ‪،‬‬
‫والثانية‪ :‬ال دية له ‪ ،‬ألنه قتل يف دار احلرب برمي مباح ‪ ،‬فيدخل يف عموم قوله‬
‫تعاىل‪{ :‬فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة} ‪ ،‬ومل‬
‫يذكر دية‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬ال دية له‪ ،‬وال كفارة فيه ؛ ألنه رمي أبيح مع العلم حبقيقة احلال‬
‫شيئا كرمي من أبيح دمه‪.‬‬
‫فلم يوجب ً‬
‫معصوما باإلميان ‪ ،‬والقاتل من أهل الضمان فأشبه‬
‫ً‬ ‫ولنا اآلية املذكورة ‪ ،‬وأنه قتل‬
‫ما لو مل يترتسوا به"‪.‬‬
‫‪ -3‬وقال اجملد ابن تيمية ‪-‬رَمحُه اُهلل‪ -‬يف احملرر(‪" : )2/172‬أن ترتسوا بأسرى‬
‫املسلمني مل جيزى الرمي إال أن خياف على جيش املسلمني فيجوز ويقصد به‬
‫الكفار"‪.‬‬

‫‪ -4‬وقال املرداوي يف اإلنصاف ‪" :‬قوله‪" :‬وإن ترتسوا مبسلمني مل جيز رميهم إال‬
‫أن خياف على املسلمني فريميهم ويقصد الكفار"‬
‫هذا بال نزاع ‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫ومفهوم كالمه أنه إذا مل خيف على املسلمني ‪ ،‬ولكن ال يقدر عليهم بالرمي عدم‬
‫اجلواز ‪.‬‬
‫وهذا املذهب ‪ .‬نص عليه‪ .‬وقدمه يف الفروع ‪ ،‬وجزم به يف الوجيز ‪.‬‬
‫قال القاضي‪ :‬جيوز رميهم حال قيام احلرب ألن تركه يفضي إىل تعطيل اجلهاد‪.‬‬
‫وجزم به يف الرعاية الكربى ‪ .‬قال يف الصغرى واحلاويني‪ :‬فإن خيف على اجليش‬
‫أو فوت الفتح رمينا بقصد الكفار ‪.‬‬
‫مسلما لزمته الكفارة‬
‫ً‬ ‫فائدة‪ :‬حيث قلنا‪ :‬ال حيرم الرمي ‪ ،‬فإنه جيوز ‪ .‬لكن لو قََتل‬
‫على ما يأيت يف بابه ‪ ،‬وال دية عليه على الصحيح من املذهب ‪.‬‬
‫وعنه عليه الدية ‪ ،‬ويأيت ذلك يف كالم املصنف يف كتاب اجلنايات يف ‪" :‬فصل‬
‫واخلطأ على ضربني" ‪.‬‬
‫وقال يف الوسيلة‪ :‬جيب الرمي ‪ ،‬ويَُكِّفُر ‪ ،‬وال دية ‪ .‬قال اإلمام أمحد‪ :‬لو قالوا ‪:‬‬
‫وإال قتلنا أسراكم ؛ فلريحلوا عنهم"‪.‬‬
‫‪ -5‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رَمحُه اُهلل‪ -‬يف اجملوع(‪" : )53-20/52‬‬
‫وكذلك مسأله الترتس التي ذكرها الفقهاء فان اجلهاد هو دفع فتنه الكفر‬
‫فيحصل فيها من املضرة ما هو دوهنا وهلذا اتفق الفقهاء على أنه مىت مل ميكن دفع‬
‫الضرر عن املسلمني إال مبا يفضي إىل قتل أولئك املترتس هبم جاز ذلك وأن مل‬
‫خيف الضرر لكن مل ميكن اجلهاد إال مبا يفضي إىل قتلهم ففيه قوالن‪.‬‬
‫من يسوغ ذلك يقول‪ :‬قتلهم ألجل مصلحة اجلهاد مثل قتل املسلمني املقاتلني‬
‫يكونون شهداء"‪.‬‬
‫وقال يف (‪ " : )10/376‬وكما لو ترتس الكفار مبسلمني ومل يندفع ضرر الكفار‬
‫إال بقتاهلم فالعقوبات املشروعة واملقدورة قد تتناول في الدنيا من ال يستحقها‬
‫في الآخرة وتكون في حقه من مجلة املصائب كما قيل في بعضهم القاتل جماهد‬
‫واملقتول شهيد"‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫وقال(‪ )28/537‬وحنوه يف(‪ " : )547-28/546‬فإن األئمة متفقون على أن‬


‫الكفار لو ترتسوا مبسلمني وخيف على املسلمني إذا مل يقاتلوا فإنه جيوز أن‬
‫نرميهم ونقصد الكفار ولو مل خنف على املسلمني جاز رمى أولئك املسلمني‬
‫أيضا في أحد قولي العلماء"‪.‬‬
‫‪ -6‬وقال الصنعاين ‪-‬رَمحُه اُهلل‪ " : -‬وذهب مالك واألوزاعي إىل أنه ال جيوز قتل‬
‫النساء والصبيان حبال حىت إذا ترتس أهل احلرب بالنساء والصبيان أو حتصنوا‬
‫حبصن أو سفينة مها فيهما مل جيز قتاهلم وال حتريقهم" سبل السالم(‪)4/49‬‬
‫فإذا كان قول مالك حترمي قتل نساء املشركني وصبياهنم إن ترتس هبم الكفار‬
‫فتحرميه لقتل املسلمني إن ترتس هبم الكفار من باب أوىل‪.‬‬
‫‪ -7‬انظر ‪ :‬شرح فتح القدير(‪)448-5/447‬‬
‫‪ -8‬قال صديق حسن خان يف الروضة الندية(‪" : )3/451‬وقد قيل‪ :‬إنه وقع‬
‫االتفاق على املنع عن قتل النساء والصبيان ؛ إال إذا كان ذلك لضرورة ؛ كأن‬
‫يترتس هبم املقاتلة أو يقاتلون"‪.‬‬
‫الخالصة ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن اإلسالم بريء مما فعله أولئك الخوارج الفجرة من تفجير لمجمع‬
‫المحيا السكني‪.‬‬
‫‪ -2‬أنه ال عالقة بين فعل أولئك الخوارج وبين مسألة التترس ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن من يقيس فعل أولئك الخوارج على مسألة التترس والتبييت فهو‬
‫خارجي خبيث ‪ ،‬أو منافق زنديق ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن المفجرين دائرون بين كونهم كفرة مرتدون فعليهم أن يسلموا ‪،‬‬
‫ويَس ِّلموا أنفسهم للقضاء الشرعي في الدولة السعودية ‪َ-‬ح َر َسَها ُهللا‪. -‬‬
‫أو أنهم خوارج مبتدعة فجرة فتجب عليهم التوبة وتسليم أنفسهم للقضاء‬
‫الشرعي في الدولة السعودية ‪َ-‬ح َر َسَها ُهللا‪. -‬‬
‫‪ -5‬أن الواجب على جميع المسلمين مناصرة الدولة السعودية ‪َ-‬ح َر َسَها ُهللا‪-‬‬
‫ألنها معقل اإلسالم ‪ ،‬وحصنه الحصين ‪ ،‬وألنها تقوم بشأن الحرمين خير‬
‫قيام ‪ ،‬وألنها تبذل الغالي والنفيس لخدمة اإلسالم وأهله ‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫‪ -6‬أن الواجب على علماء المسلمين ودعاتهم وطالب العلم فيهم تحذير‬
‫الناس من الخوارج ‪ ،‬ومن دسائسهم ‪ ،‬وأفكارهم الفاسدة ‪ ،‬ومعتقدهم الخبيث‬
‫‪ ،‬وكشف شبهاتهم التي يلبسون بها على الناس كتكفيرهم الحكام المسلمين‬
‫بشبه أوهى من بيت العنكبوت ‪ ،‬وكتكفيرهم حكام المسلمين بالمواالة التي لم‬
‫يفهموها ولم يعرفوا حاالتها وأنواعها ‪.‬‬
‫أسأل اهلل أن ينصر دين اإلسالم ‪ ،‬وأن يعز أهله ‪ ،‬وأن يكبت أعداء الدين من‬
‫الخوارج المارقين ‪ ،‬ومؤيديهم من أهل الفتن والفساد ‪.‬‬
‫وأسأله تعالى أن يحمي بالد الحرمين من كل مكر ماكر ‪ ،‬وكيد فاجر ‪،‬‬
‫وباطل مبطل ‪ ،‬وفساد مفسد‪.‬‬
‫واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد ‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫شواهد ِم ْن ُفجوِر اإلرهابييَن َتَتَج َّلى في أحداِث ينبَع‬


‫والوشِم‬

‫‪74‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫شواهد ِم ْن ُفجوِر اإلرهابييَن َتَتَج َّلى في أحداِث ينبَع والوشِم‬


‫احلمد هلل ‪ ،‬والصالُة والسالُم على رسول اهلل أما بعد‪:‬‬
‫فإن اهلل سبحانه وتعاىل حَّر م اإلفساد يف األرض‪ ،‬وتوعد الفجار بالنار والعذاب‪..‬‬
‫والفجور هو االنبعاث يف املعاصي‪ ،‬وشق سرت الديانة‪.‬‬
‫يم}‪.‬‬‫{وإن الفُجَّارَ لَفِي جَحِ ٍ‬
‫َّ‬ ‫قال تعاىل‪:‬‬
‫وقال النيب ‪(( : --‬وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إىل الفجور‪ ،‬وإن‬
‫الفجور يهدي إىل الَّنار‪.))...‬‬
‫وإن شواهد فجور هؤالء املخربني اخلوارج قد جتلت لكل مسلم وعاقل فيما‬
‫حصل يف ينبع ‪ ،‬والوشم يف الرياض‪.‬‬
‫أوًال‪ :‬قد ظهر فجور الخوارج بقتلهم للمسلمين في الوشم وينبع ‪.‬‬
‫فويل هلم من اهلل العزيز اجلبار الذي قال تعاىل‪َ{ :‬و َم ن َيْقُتْل ُم ْؤ ِم نًا ُّم َتَع ِّم دًا‬
‫َفَج َز آُؤ ُه َج َهَّنُم َخ اِلدًا ِفيَها َو َغ ِض َب ُهّللا َع َلْيِه َو َلَع َنُه َو َأَع َّد َلُه َع َذ ابًا َع ِظ يمًا}‪.‬‬
‫وعن عبد اهلل بن عمرو رضي اهلل عنهما أن النيب‪ --‬قال‪(( :‬لزوال الدنيا أهون‬
‫عند اهلل من قتل رجل مسلم))(‪.)1‬‬
‫عن حذيفة بن اليمان ‪ --‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :--‬إن أخوَف ما‬
‫ت َبهْجَُتهُ عليه‪ ،‬وكان ردءًا‬
‫ف عليكم رجل قرأ القرآن ‪ ،‬حتى إذا ُرِئَي ْ‬
‫أخا ُ‬
‫لإلسالم غيره إلى ما شاء اهلل ‪ ،‬فانسلخ منه‪ ،‬ونبذه وراء ظهره‪ ،‬وسعى على‬
‫يف ‪ ،‬ورماه بالشرك))‬
‫جاره بالسَّ ِ‬
‫قال‪ :‬قلت ‪ :‬يا نبي اهلل أيهما أولى بالشرك‪ :‬المرمي أم الرامي؟‬
‫(‪)2‬‬
‫قال ‪(( :--‬بل الرامي))‬
‫وقتل النفس املؤمنة من السبع املوبقات املهلكات‪.‬‬

‫(?)رواه مسلم يف صحيحه‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)رواه ابن حبان يف صحيحه(‪282-1/281‬رقم‪ ،)81‬والبزار(‪7/220‬رقم‪ )2793‬وحسنه‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪75‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫ثانيًا‪ :‬قد ظهر فجور الخوارج بترويعهم للمؤمنين‪ ،‬وإخافتهم اآلمنين‪.‬‬


‫قال رسول اهلل ‪(( :--‬ال حيل ملسلم أن يروع مسلماً))(‪.)1‬‬
‫وعن النعمان بن بشري رضي اهلل عنهما قال‪:‬‬
‫كنا مع رسول اهلل ‪ --‬يف مسري‪ ،‬فخفق رجل على راحلته‪ ،‬فأخذ رجل ً‬
‫سهما‬
‫من كنانته‪ ،‬فانتبه الرجل ففزع ‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪(( :--‬ال حيل لرجل أن‬
‫مسلما))(‪.)2‬‬
‫ً‬ ‫يروع‬
‫وإيذاء املؤمنني هبتان وإمث مبني‪..‬‬
‫{َو اَّلِذ يَن ُيْؤ ُذ وَن اْلُم ْؤ ِمِنيَن َو اْلُم ْؤ ِم َناِت ِبَغْيِر َم ا اْك َتَس ُبوا َفَقِد اْح َتَم ُلوا ُبْهَتانًا‬
‫َو ِإْثمًا ُّم ِبينًا}‬
‫فكيف بإخافتهم وترويعهم؟‬
‫ثالثًا‪ :‬قد ظهر فجور الخوارج بخروجهم عن طاعة ولي األمر‪ ،‬ونزعهم البيعة‬
‫من رقابهم‪ ،‬وتفريقهم جماعة المسلمين ‪ ،‬وتكفيرهم دولة اإلسالم‪.‬‬
‫والخروج عن طاعة ولي األمر‪ ،‬ونزع البيعة وتفريق جماعة المسلمين من‬
‫األمور المخالفة ألصول اإلسالم‪ ،‬ومن خصال الجاهلية ‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم حممد بن عبد الوهاب ‪-‬رمحُه اُهلل‪ -‬يف األصول الستة‪" :‬األصل‬
‫الثاني ‪ :‬أمر اهلل باالجتماع يف الدين ‪ ،‬وهنى عن التفرق فيه ‪ ،‬فبني اهلل هذا بيانًا‬
‫شافيًا تفهمه العوام ‪ ،‬وهنانا أن نكون كاّلذين تفرقوا واختلفوا قبلنا فهلكوا ‪،‬‬
‫وذكر أنه أمر املسلمني باالجتماع يف الدين وهناهم عن التفرق فيه ‪ .‬ويزيده‬
‫وضوحًا ما وردت به السنة من العجب العجاب يف ذلك ‪ ،‬مث صار األمر إىل أن‬
‫االفرتاق يف أصول الدين وفروعه هو العلم والفقه يف الدين ‪ ،‬وصار األمر‬
‫باالجتماع يف الدين ال يقوله إال زنديق أو جمنون –يعين‪ :‬بزعمهم‪.-‬‬

‫(?)رواه أبو داود بسند صحيح‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)رواه الطرباين يف الكبري وهو حديث صحيح‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪76‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫األصل الثالث ‪ :‬أن من متام االجتماع السمع والطاعة ملن تأَّم ر علينا ولو كان‬
‫عبدًا حبشيًا ‪ ،‬فبني النيب ‪ --‬هذا بيانًا شائعًا كافيًا بكل وجه من أنواع البيان‬
‫شرعًا وقدرًا ‪ ،‬مث صار هذا األصل ال يعرف عند أكثر من يدعى العلم فكيف‬
‫العمل به ؟ ‪".‬‬
‫وقال ‪-‬رمحُه اُهلل‪ -‬يف "مسائل اجلاهلية" ‪ ( " :‬الثانية ) ‪ :‬أهنم متفرقون يف دينهم‬
‫‪ ،‬كما قال تعاىل ‪ { :‬كل حزب مبا لديهم فرحون } ‪ ،‬وكذلك يف دنياهم‬
‫ويرون أن ذلك هو الصواب ‪ ،‬فأتى باالجتماع يف الدين بقوله ‪ { :‬شرع‬
‫لكم من الدين ما وصى به نوحًا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم‬
‫وموسى وعيسى أن أقيموا الدين وال تتفرقوا فيه } وقال تعاىل ‪ { :‬إن الذين‬
‫فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم يف شيء } وهنانا عن مشاهبتهم بقوله ‪:‬‬
‫{ وال تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات } ‪ ،‬وهنانا‬
‫عن التفرق يف الدنيا بقوله‪ { :‬واعتصموا حببل اهلل مجيعًا وال تفرقوا } ‪.‬‬
‫( الثالثة ) ‪ :‬أن خمالفة ويل األمر وعدم االنقياد له فضيلة ‪ ،‬والسمع والطاعة‬
‫له ذل ومهانة ‪ ،‬فخالفهم رسول اهلل ‪ --‬وأمر بالصرب على جور الوالة ‪،‬‬
‫وأمر بالسمع والطاعة هلم والنصيحة ‪ ،‬وغلظ يف ذلك وأبدي فيه وأعاد ‪.‬‬
‫وهذه الثالث هي اليت مجع بينها فيما "صح" عنه يف الصحيحني أنه قال ‪" :‬إن‬
‫اهلل يرضى لكم ثالثًا ‪ :‬أن تعبدوه وال تشركوا به شيئًا ‪ ،‬وأن تعتصموا حببل‬
‫اهلل مجيعًا وال تفرقوا ‪ ،‬وأن تناصحوا من واله اهلل أمركم" ‪ .‬ومل يقع خلل يف‬
‫دين الناس ودنياهم إال بسبب اإلخالل هبذه الثالث أو بعضها ‪.‬‬
‫فهؤالء اخلوارج يف ينبع والرياض وغريها من بالد املسلمني أبغض الناس إىل اهلل‬
‫وأبعدهم من رمحته ‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫أن النيب ‪ --‬قال‪ُ (( :‬‬


‫أبغض الناس‬ ‫عن عبد اهلل بن عباس ‪-‬رضي اُهلل عنهما‪َّ :-‬‬
‫إىل اهلل ثالثة‪ :‬ملحدٌ يف احلرم‪ ،‬ومبتغ يف اإلسالم سنة اجلاهلية‪ ،‬ومطلب دم امرئ‬
‫(‪)1‬‬
‫بغري حق ليهريق دمه))‬
‫رابعًا‪ :‬قد ظهر فجور الخوارج بنقضهم العهد وخيانتهم هلل ورسوله ألنهم‬
‫آذوا األجانب المستأمنين والمعاهدين في الرياض وينبع وغيرها‪.‬‬
‫قال تعاىل‪َ { :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوْا َأْو ُفوْا ِباْلُع ُقوِد }‪.‬‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬و َأْو ُفوْا ِباْلَع ْهِد ِإَّن اْلَع ْهَد َك اَن َم ْسُؤ وًال}‪.‬‬
‫وقال تعالى‪َ { :‬و ِبَع ْهِد ِهّللا َأْو ُفوْا َذ ِلُك ْم َو َّصاُك م ِبِه َلَع َّلُك ْم َتَذَّك ُروَن }‬
‫وقال تعالى‪َ { :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوْا َال َتُخ وُنوْا َهّللا َو الَّرُسوَل َو َتُخ وُنوْا َأَم اَناِتُك ْم‬
‫َو َأنُتْم َتْع َلُم وَن }‬
‫فهؤالء اخلوارج الذين آذوا األجانب الذين جاؤوا للعمل يف البالد السعودية‬
‫خائنون هلل ورسوله وللمؤمنني‪ ،‬ناقضون لعهد اهلل ورسوله‪ ،‬خمفرون لذمة اهلل‬
‫ورسوله‪.‬‬
‫فإن األجانب إمنا قدموا إىل البالد السعودية بعهد وأمان من الدولة ‪ ،‬ومن‬
‫كفالئهم الذين أحضروهم وهؤالء الكفالء مؤمنون‪..‬‬
‫قال ‪(( : --‬املؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ‪ ،‬وهم يد على‬
‫من سواهم ال يقتل مؤمن بكافر وال ذو عهد يف عهده))‪.‬‬
‫وقال النيب ‪(( : --‬قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ))‪.‬‬
‫ومن حق األجانب املستأمنني على مجيع املواطنني واملقيمني أن حيفظوا حقوقهم‬
‫وأن ال يظلموهم وأن ال يعتدوا عليهم وإن كان غريهم من أبناء جلدهتم قد آذى‬
‫إخوانًا لنا ‪..‬‬
‫فال يؤخذ أحد جبريرة غريه ‪َ{ :‬و َال َتِزُر َو اِزَر ٌة ِوْز َر ُأْخ َر ى}‪.‬‬

‫(?)رواه البخاري يف صحيحه‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪78‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫خامسًا‪ :‬قد ظهر فجور الخوارج بنقضهم العهد وخيانتهم هلل ورسوله ألنهم‬
‫قتلوا األجانب المستأمنين والمعاهدين في الرياض وينبع وغيرها‪.‬‬
‫فقد حرم اهلل قتل املعاهدين كما قال النيب ‪(( : --‬من قتل معاهداً مل يرح‬
‫(‪)1‬‬
‫رائحة اجلنة وإن رحيها توجد من مسرية أربعني عاماً))‬
‫فمن خيفر ذمة اهلل ورسوله ويقتل األجانب املستأمنني فهو غادر خائن هلل ورسوله‬
‫وللمؤمنني وهو جمرم أثيم أبعد الناس عن اجلهاد يف سبيل اهلل‪.‬‬
‫بل من يقتل األجانب املعاهدين ممن يقاتل يف سبيل الطاغوت ‪.‬‬
‫قال تعاىل‪ {:‬اَّلِذ يَن آَم ُنوْا ُيَقاِتُلوَن ِفي َس ِبيِل ِهّللا َو اَّلِذ يَن َك َفُروْا ُيَقاِتُلوَن ِفي َس ِبيِل‬
‫الَّطاُغ وِت َفَقاِتُلوْا َأْو ِلَياء الَّش ْيَطاِن ِإَّن َك ْيَد الَّش ْيَطاِن َك اَن َض ِع يفًا}‬
‫فهذه بعض صور الفجور‪ ،‬وشواهد إجرام هؤالء الخوارج األخباث الذين‬
‫َيَّد ُعوَن التدين وااللتزام بالشرع‪ ،‬ويَّد ُعون الجهاَد وهم بريؤون منه‪ ،‬وهو‬
‫بريء منهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب –عليهما السالم‪.-‬‬
‫أسأل اهلل أن يطهر منهم البالد ‪ ،‬وأن يحمي من شرهم العباد ‪ ،‬وأن يكشفهم‬
‫ويعمي أبصارهم ويهلكهم ويجعلهم عبرة للحاضر والباد‪.‬‬
‫واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد‪.‬‬
‫كتبه‪ :‬أبو عمر أسامة العتيبي‬

‫(?)رواه البخارُّي يف صحيحه‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪79‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫ال حوار مع المفجرين المجرمين وال مع من ساندهم‬


‫وعاضدهم‬

‫‪80‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫ال حوار مع المفجرين المجرمين وال مع من ساندهم وعاضدهم‬


‫احلمد هلل ‪ ،‬والصالة والسالم على رسول اهلل ‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فقد انتشرت يف اآلونة األخرية بعد قيام بعض اخلوارج بالتفجري والتدمري يف‬
‫مناطق من اململكة العربية السعودية ‪َ-‬ح َر َسَه ا اُهلل‪ -‬دعوات مشبوهة ‪ ،‬وحماوالت‬
‫حممومة ‪ ،‬وأصوات مريبة تطالب باحلوار مع اخلوارج املفجرين بدَل األخذ على‬
‫أيديهم وحماولة اجتثاثهم من جذورهم ‪.‬‬
‫وهذه الدعوة باطلة مخالفة لكتاب اهلل ‪ ،‬وسنة رسوله ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ -‬وما عليه أهل السنة والجماعة ‪.‬‬
‫والجواب على هذه الشبهة من وجوه ‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أن اهلل أمر بالقصاص يف كتابه الكرمي ‪ ،‬وكذا النيب ‪-‬صلى اُهلل‬
‫عليه وعلى آله وسلم‪ -‬أمر به يف سنته ‪.‬‬
‫قال تعاىل‪َ{ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوْا ُك ِتَب َع َلْيُك ُم اْلِقَص اُص ِفي اْلَقْتَلى اْلُحُّر ِباْلُحِّر‬
‫َو اْلَع ْبُد ِباْلَع ْبِد َو اُألنَثى ِباُألنَثى َفَم ْن ُع ِفَي َلُه ِم ْن َأِخ يِه َش ْي ٌء َفاِّتَباٌع ِباْلَم ْعُروِف‬
‫َو َأَد اء ِإَلْيِه ِبِإْح َس اٍن َذ ِلَك َتْخ ِفيٌف ِّم ن َّرِّبُك ْم َو َر ْح َم ٌة َفَمِن اْعَتَد ى َبْع َد َذ ِلَك َفَلُه‬
‫َع َذ اٌب َأِليٌم {‪َ }178‬و َلُك ْم ِفي اْلِقَص اِص َح َياٌة َيْا ُأوِلْي اَألْلَباِب َلَع َّلُك ْم َتَّتُقوَن {‬
‫‪}179‬‬
‫والعفو إمنا يكون من أولياء من ُقِتل ‪ ،‬وال يتفاوض مع القاتل أبدًا ألن القاتل‬
‫جيب عليه أن يسلم نفسه لويل األمر لتطبيق شرع اهلل فيه ؛ إما القتل ‪ ،‬وإما العفو‬
‫مع الدية ‪ ،‬وإما العفو عن القصاص والدية ‪.‬‬
‫وهؤالء الداعون للحوار يريدون من الَّدولة السعودية ‪-‬حرَس ها اُهلل‪ -‬أن تتحاور‬
‫مع القتلة اجملرمني!!‬
‫والتحاور للمفاوضة على العفو إمنا مع أولياء املقتول ‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫وهؤالء املفجرون يف الرياض وغريها قتلوا النفوس املعصومة عمدًا وعدوانًا‬


‫فيجب عليهم تسليم أنفسهم وحماكمتهم مبا شرع اهلل‪ ،‬وال جيوز التحاور معهم ‪،‬‬
‫وال التفاوض معهم ‪.‬‬

‫الوجه الثاني‪ :‬أن من كان حماربًا ‪ ،‬فقطع الطريق ‪ ،‬وأخاف السبيل ‪ ،‬ورَّو ع‬
‫اآلمنني ‪ ،‬وقتل املسلمني واملعاهدين واملستأمنني فال يتفاوض معهم بل ال بد من‬
‫تسليمهم أنفسهم مث ينظر فيهم ويل األمر ‪ ،‬أما إذا حصل منهم إخافة للسبيل‬
‫دون قتل للنفوس مث تابوا قبل القدرة عليهم فقد اختلف العلماء يف قبول توبتهم ‪.‬‬
‫قال تعاىل‪ِ{ :‬إَّنَم ا َج َز اء اَّلِذ يَن ُيَح اِرُبوَن َهّللا َو َر ُسوَلُه َو َيْس َع ْو َن ِفي اَألْر ِض‬
‫َفَس ادًا َأن ُيَقَّتُلوْا َأْو ُيَص َّلُبوْا َأْو ُتَقَّطَع َأْيِد يِهْم َو َأْر ُج ُلُهم ِّم ْن ِخ الٍف َأْو ُينَفْو ْا ِم َن‬
‫اَألْر ِض َذ ِلَك َلُهْم ِخ ْز ٌي ِفي الُّد ْنَيا َو َلُهْم ِفي اآلِخ َر ِة َع َذ اٌب َع ِظ يٌم {‪ِ }33‬إَّال‬
‫اَّلِذ يَن َتاُبوْا ِم ن َقْبِل َأن َتْقِد ُروْا َع َلْيِهْم َفاْع َلُم وْا َأَّن َهّللا َغ ُفوٌر َّر ِح يٌم {‪.}34‬‬
‫فاحملارب مفسد يف األرض ال يتفاوض معه وال حياور ‪ ،‬بل يطالب بالتوبة إىل اهلل‪،‬‬
‫وتسليم نفسه إذا قتل النفوس املعصومة ‪.‬‬
‫وهؤالء الذين فجروا في الرياض محاربون هلل ورسوله ‪ ،‬وساعون في األرض‬
‫فسادًا‪ ،‬وقتلوا المؤمنين والمستأمنين والمعاهدين ‪ ،‬بل هم أخطر من‬
‫المحاربين ‪ ،‬وأعظم ضررًا كما سيأتي‪.‬‬

‫الوجه الثالث‪ :‬أن النيب ‪-‬صلى اُهلل عليه وعلى آله وسلم‪ -‬أمر بقتل اخلوارج ‪،‬‬
‫ورغب يف ذلك ‪ ،‬ووعد بالثواب اجلزيل ملن قتلهم ‪ ،‬وباألجر العظيم ملن قتلوه –‬
‫قتلهم اهلل‪. -‬‬
‫روى البخاري ومسلم يف صحيحيهما عن علي بن أيب طالب ‪-‬رضي اُهلل عنه‪-‬‬
‫أن النيب ‪-‬صلى اُهلل عليه وعلى آله وسلم‪(( : -‬إن من ضئضئ هذا أو يف عقب‬
‫هذا قوم يقرؤون القرآن ال جياوز حناجرهم ميرقون من الدين مروق السهم من‬

‫‪82‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫الرمية يقتلون أهل اإلسالم ويدعون أهل األوثان لئن أنا أدركتهم ألقتلنهم قتل‬
‫عاد))‪.‬‬
‫وهلما عن علي ‪-‬رضي اُهلل عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪-‬صلى اُهلل عليه وعلى آله‬
‫وسلم‪(( : -‬يأيت يف آخر الزمان قوم حدثاء األسنان سفهاء األحالم يقولون من‬
‫خري قول الربية ميرقون من اإلسالم كما ميرق السهم من الرمية ال جياوز إمياهنم‬
‫حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم‬
‫القيامة))‪.‬‬
‫وبوب اإلمام البخاري على حديث علي ‪-‬رضي اُهلل عنه‪ -‬بقوله‪ " :‬باب قتل‬
‫اخلوراج وامللحدين بعد إقامة احلجة عليهم وقول اهلل تعاىل { وما كان اهلل ليضل‬
‫قوما بعد إذ هداهم حىت يبني هلم ما يتقون } وكان بن عمر يراهم شرار خلق‬
‫اهلل وقال إهنم انطلقوا إىل آيات نزلت يف الكفار فجعلوها على املؤمنني"‪.‬‬
‫ولم يقل‪ :‬نتحاور معهم!!‬
‫وروى أمحد وابن أيب عاصم يف السنة وغريمها عن عبد اهلل بن أيب أوىف أنه كان‬
‫غالم له قد حلق باخلوارج من الشق اآلخر فناداه بعض أصحاب عبد اهلل بن أيب‬
‫أوىف ‪ :‬يا فريوز ‪ ،‬يا فريوز ‪ ،‬هذا عبد اهلل بن أيب أوىف ‪ .‬فقال الغالم اخلارجي‪:‬‬
‫نعم الرجل لو هاجر! قال عبد اهلل‪ :‬ما يقول عدو اهلل؟‬
‫فقيل له‪ :‬يقول‪ :‬نعم الرجل لو هاجر!‬
‫فقال‪ :‬أهجرة بعد هجريت مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم؟ وقد مسعت رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول‪(( :‬طوىب ملن قتلهم وقتلوه)) ‪.‬‬
‫وقال عليه الصالة والسالم مبينا عظيم أجر من يقتلهم ‪(( :‬لو يعلم الجيش‬
‫الذين يصيبون مالهم على لسان نبيهم صلى اهلل عليه وسلم لنكلوا عن‬
‫العمل))‪.‬‬
‫فمن خرج على المسلمين مكفرًا لهم أو إلمامهم وجنوده فهو خارجي مارق‬

‫‪83‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫يجب قتله والقضاء عليه ‪ ،‬ولمن قتلهم أجر عظيم عند اهلل تعالى ‪ ،‬فليهنأ‬
‫رجال األمن بهذا األجر الجزيل الذي وعدهم به نبيهم ‪-‬صلى اُهلل عليه‬
‫وعلى آله وسلم‪ -‬إن قتلوا أولئك الخوارج المجرمين‪.‬‬
‫ولم يقل النبي ‪-‬صلى اُهلل عليه وعلى آله وسلم‪ -‬تحاوروا معهم!!‬
‫الوجه الرابع ‪ :‬أن النيب ‪-‬صلى اُهلل عليه وعلى آله وسلم‪ -‬أمر املؤمنني بقتل من‬
‫خرج على ويل األمر املسلم حىت ولو كان باغيًا ‪ ،‬ومل يقل ‪ :‬حاوروه!!‬
‫عن أسامة بن شريك أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬من خرج‬
‫على أمتي وهم جميع فاقتلوه كائنا ما كان))‬
‫وقال رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪(( : -‬من أتاكم وأمركم مجيع على رجل‬
‫واحد ‪ ،‬يريد أن يشق عصاكم ويفرق كلمتكم فاقتلوه))‬
‫ويف رواية‪َّ(( :‬إنُه ستكون هنات وهنات ‪ ،‬فمن أراد أن يفرق أمر هذه األمة وهي‬
‫مجيع فاضربوه بالسيف كائنا من كان)) رواه مسلم يف صحيحه(‪، 3/1479‬‬
‫‪ )1480‬من حديث عرفجة األشجعي ‪-‬رضي اهلل عنه‪.-‬‬
‫وقال النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪(( -‬من خرج من الطاعة ‪ ،‬وفارق اجلماعة ‪،‬‬
‫فمات ؛ مات ميتة جاهلية ‪ ،‬ومن قاتل حتت راية ُعمَِّّية يغضب لعصبية ‪ ،‬أو يدعو‬
‫إىل عصبية ‪ ،‬أو ينصر عصبية ‪ ،‬فقتل ؛ فقتلة جاهلية ‪ ،‬ومن خرج على أميت‬
‫يضرب برها وفاجرها ‪ ،‬وال يتحاشى من مؤمنها ‪ ،‬وال يفي لذي عهد عهده ‪،‬‬
‫فليس مين ‪ ،‬ولست منه)) رواه مسلم يف صحيحه(‪ )3/1477‬عن أيب هريرة ‪-‬‬
‫رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫ولم يقل النبي ‪-‬صلى اُهلل عليه وعلى آله وسلم‪ : -‬حاوروه وفاوضوه!!‬
‫الوجه الخامس ‪ :‬أن االكتفاء باستتابة اخلوارج وحماورهتم للرجوع إىل احلق‬
‫يكون قبل تلوث أيديهم بالدماء‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫فإذا تلوثت أيديهم بالدماء فال جزاء هلم إال السيف ‪ ،‬وهذه سنة اخلليفة الراشد‬
‫علي ‪-‬رضي اُهلل عنه‪ -‬وأمجع عليه الصحابة ‪-‬رضي اُهلل عنهم‪. -‬‬
‫فروى اإلمام أمحد والضياء يف املختارة بسند صحيح عن عبد اهلل بن شداد وهو‬
‫حيدث عائشة ‪-‬رضي اُهلل عنها‪ -‬عن علي ‪-‬رضي اُهلل عنه‪ -‬أنه ناظر اخلوارج ‪،‬‬
‫وبعث إليهم عبد اهلل بن عباس ‪-‬رضي اُهلل عنهما‪ -‬فناظرهم فلما بقيت منهم‬
‫بقية مل ترجع ومل ترعوي قال هلم علي ‪-‬رضي اُهلل عنه‪( : -‬قد كان من أمرنا‬
‫وأمر الناس ما قد رأيتم ‪ ،‬فقفوا حيث شئتم حىت جتتمع أمة حممد ‪-‬صلى اُهلل عليه‬
‫وعلى آله وسلم‪ ، -‬بيننا وبينكم أن ال تسفكوا دما حرامًا ‪ ،‬أو تقطعوا سبيًال ‪،‬‬
‫أو تظلموا ذمة فإنكم إن فعلتم فقد نبذنا إليكم احلرب على سواء ‪{ :‬إن هللا ال‬
‫يحب الخائنين})‪.‬‬
‫فقالت عائشة ‪-‬رضي اُهلل عنها‪ -‬لعبد اهلل بن شداد‪ :‬فقتلهم؟‬
‫فقال عبد اهلل بن شداد‪ :‬واهلل ما بعث إليهم حىت قطعوا السبيل ‪ ،‬وسفكوا‬
‫الدماء‪ ،‬واستحلوا أهل الذمة ‪ .‬فقالت‪ :‬آهلل؟ قال‪ :‬آِهلل الذي ال إله إال هو لقد‬
‫كان ذلك"‪.‬‬
‫فهؤالء الخوارج الذين فجروا بالرياض وغيرها فعلوا كما فعل أسالفهم من‬
‫الخوارج حيث حتى قطعوا السبيل ‪ ،‬وسفكوا الدماء‪ ،‬واستحلوا أهل الذمة‪.‬‬
‫فال حوار معهم وإنما هو حكم اهلل في المحاربين والخوارج ‪.‬‬

‫الوجه السادس‪ :‬أن من خيطط هلؤالء القتلة واملنتحرين ‪ ،‬ومن يساعدهم ويتعاون‬
‫معهم بأي وجه من أوجه املساعدة اليت تسهل هلم ما يفعلونه من قتل وتفجري‬
‫فحكمهم حكم القتلة املفجرين ألهنم ردء هلم ومشاركون هلم يف سفك الدماء‬
‫وقطع السبيل ‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رَمحُه اُهلل‪ " : -‬ومذهب مالك في احملاربني وغريهم‬
‫إجراء احلكم على الردء واملباشر كما اتفق الناس على مثل ذلك يف اجلهاد ‪ ،‬ومن‬
‫سلم أَّن املشرتكني في القتل جيب عليهم القود فإنه متفق عليه من‬
‫نازعه يف هذا َّ‬
‫مذهب األئمة ‪ ،‬كما قال عمر‪ :‬لو متاأل أهل صنعاء لقتلتهم به‪.‬‬
‫فإن كانوا كلهم مباشرين فال نزاع ‪ ،‬وان كان بعضهم غري مباشر لكنه متسبب‬
‫سببا يفضي إىل القتل غالباً كاملكره وشاهد الزور إذا رجع واحلاكم اجلائر إذا‬
‫ً‬
‫القوَد جيب على هؤالء كما قال علي رضي‬ ‫سلم له اجلمهور على أن َ‬‫رجع فقد َّ‬
‫اهلل عنه في الرجلني اللذين شهدا على رجل أنه سرق ‪ ،‬فقطع يده مث رجعا‬
‫وقاال‪ :‬أخطأنا ‪ ،‬قال‪ :‬لو أعلم أنكما تعمدمتا لقطعت أيديكما‪ .‬فدل على قطع‬
‫القوَد على شاهد الزور ‪ ،‬والكوفيون خيالفون في‬ ‫الأيدي باليد ‪ ،‬وعلى وجوب َ‬
‫هذين ‪ ،‬وعمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه جعل رقبة احملاربني بينهم ‪.‬‬
‫ومعلوم أن قول من جعل المتعاونين على الإثم والعدوان مشتركين في‬
‫لفظا ومعنى مِمَّن لم يوجب العقوبة إال على‬
‫العقوبة أشبه بالكتاب والسنة ً‬
‫نفس المباشر" انتهى كالمه ‪-‬رَمحُه اُهلل‪. -‬‬
‫ِ‬
‫وقال ‪-‬رمحُه اُهلل‪ -‬يف منهاج السنة(‪ " : )6/279‬وأما الردء فيما حيتاج فيه إىل‬
‫املعاونة كقطع الطريق فجمهورهم على أن احلد جيب على الردء واملباشرة مجيعا‬
‫وهو قول أيب حنيفة ومالك وأمحد وكان عمر بن اخلطاب يأمر بقتل الربيئة وهو‬
‫الناطور لقطاع الطريق" ‪.‬‬
‫وقال ‪-‬رَمحُه اُهلل‪ -‬يف منهاج السنة‪-‬أيضًا‪ " : )6/283(-‬وإذا كان قتل عمر‬
‫وعثمان وعلي وحنوهم من باب احملاربة فاحملاربة يشرتك فيها الردء واملباشر عند‬
‫اجلمهور"‪.‬‬
‫وقال ‪-‬رمحُه اُهلل‪ -‬يف جمموع الفتاوى(‪ " : )14/83‬ودلت اآلية على أن هذا‬
‫الضمان على جمموع الطائفة يستوي فيه الردء واملباشر ‪ ،‬وال يقال‪ :‬انظروا من‬

‫‪86‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫مجيعا‬
‫قتل صاحبكم هذا فطالبوه بديته ‪ ،‬بل يقال‪ :‬ديته عليكم كلكم فإنكم ً‬
‫قتلتموه ألن املباشر إمنا متكن مبعاونة الردء له وعلى هذا دل قوله ‪{ :‬وإن فاتكم‬
‫شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما‬
‫أنفقوا}"‪.‬‬
‫وقال ابن القيم ‪-‬رَمحُه اُهلل‪ -‬يف زاد املعاد(‪ " : )3/421‬وهذا حكم قطاع‬
‫الطريق حكم ردئهم حكم مباشرهم ألن المباشر إنما باشر اإلفساد بقوة‬
‫الباقين ولوالهم ما وصل إلى ما وصل إليه وهذا هو الصواب الذي ال شك‬
‫فيه وهو مذهب أحمد ومالك وأبي حنيفة وغيرهم"‪.‬‬

‫الوجه السابع‪ :‬أن الداعني إىل احلوار قد عرف من منطق بعضهم ما يبتغون من‬
‫هذه الدعوة للحوار وهذه الغاية هي‪ :‬إظهار اخلوارج القتلة مبظهر القوة الضاغطة‬
‫على الدولة السعودية ‪-‬حرَس ها اُهلل‪ -‬لتفاوضهم وحتاورهم لتحقيق مطالبهم‬
‫ومآرهبم!!‬
‫قال بعض دعاة احلوار ‪-‬ناصر العمر‪ " :-‬احلوار يكون على قدر الفعل والقوة‪،‬‬
‫أليس النيب صلى اهلل عليه وسلم كان يدعو إىل احلوار والصفان متواجهان عند‬
‫احلرب ويقول ‪ :‬فإذا لقيتهم فادعهم إىل اإلسالم مث إىل اجلزية مث يف األخري يكون‬
‫القتال‪ ،‬بل قبل اللقاء تكون الرسائل واملفاوضات واحملاورات وحىت إذا مت اللقاء‬
‫فال يبدأ بالسالح"‪.‬‬
‫فهذا وأشباهه من دعاة احلوار مع اخلوارج يستغلون هذه األحداث للضغط على‬
‫الدولة للقبول مبقرتحاهتم وآرائهم متغافلني عن حكم اهلل ورسوله يف هؤالء القتلة‬
‫الفجرة ‪ ،‬ومتغافلني عن الواجب يف حقهم من جز رؤوسهم واجتثاث جذورهم‪.‬‬
‫وما ذكره من دعوة املشركني قبل القتال فهذا فيمن مل تبلغه الدعوة أما من بلغته‬
‫الدعوة وعرف اإلسالم فال يلزم دعوته قبل القتال ال سيما إذا كان هذا املشرك‬

‫‪87‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫ممن عرف اإلسالم وحارب الرسول ‪-‬صلى اُهلل عليه وعلى آله وسلم‪ -‬أو‬
‫املسلمني ‪ ،‬فالنيب ‪-‬صلى اُهلل عليه وعلى آله وسلم‪-‬مل يدع املشركني لإلسالم يف‬
‫بدر وأحد واخلندق وغريها من السرايا والبعوث بل قاتلهم مباشرة ‪.‬‬
‫بل قد أغار النيب ‪-‬صلى اُهلل عليه وعلى آله وسلم‪ -‬على بين املصطلق وهم‬
‫غارون فبيتهم ‪.‬‬
‫مث إن الشرع قد خص اخلوارج واحملاربني وكذلك املرتدين بأحكام ختالف‬
‫املشركني من الوثنيني وأهل الكتاب فال خيلط بينها بل يطبق يف اجلميع شريعة اهلل‬
‫وما أوجبه وفرضه‪.‬‬
‫وشريعة اإلسالم في الخوارج والمحاربين أن ال يتحاور معهم بل يدعون إلى‬
‫التوبة ويطبق فيهم حكم اهلل كما سبق بيانه‪.‬‬

‫الخالصة‪:‬‬
‫‪-1‬أن املفجرين يف الرياض جمرمون قَتَلة جيب اجتثاثهم من جذورهم والقضاء‬
‫عليهم وعلى من يساعدهم ويساندهم يف تفجريهم وتدمريهم‪.‬‬
‫‪ -2‬أن النيب ‪-‬صلى اُهلل عليه وعلى آله وسلم‪ -‬أمر بقتل اخلوارج والقضاء عليهم‬
‫ومل يدُع إىل احلوار معهم‪.‬‬
‫‪ -3‬أن اهلل أمر مبحاربة املفسدين يف األرض ‪ ،‬وحكم عليهم باخلزي يف الدنيا‬
‫والعذاب العظيم يف اآلخرة ‪ ،‬فال يرفع شأهنم باحلوار معهم‪.‬‬
‫‪ -4‬أن املفجرين يف الرياض منازعون لسلطان اهلل وويل أمر املسلمني وقد أمر‬
‫النيب ‪-‬صلى اُهلل عليه وعلى آله وسلم‪ -‬بقتل من يفعل فعلهم ومل يأمر باحلوار‬
‫معهم‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫‪ -5‬أن احلوار مع ذوي اآلراء الفاسدة والعقائد املنحرفة يكون قبل سفك الدماء‬
‫وقطع السبيل فإذا سفكوا الدماء وقطعوا السبيل فال حوار وال نقاش معهم بل‬
‫حكمهم السيف‪.‬‬
‫‪ -6‬أن من يدعو إىل احلوار معهم مبدل لشريعة اهلل ‪ ،‬حاكم بغري ما أنزل اهلل‬
‫وهو إما جاهل باحلكم الشرعي وإما صاحب هوى يؤيد أولئك اخلوارج ولو من‬
‫طرف خفي‪.‬‬
‫أسأل اهلل أن يطهر البالد والعباد من أولئك الفجرة اخلوارج املفجرين ‪ ،‬وأسأله‬
‫تعاىل أن ميكن ويل األمر ورجال األمن من القضاء على أولئك الَّطغام واجتثاثهم‬
‫من جذورهم‪.‬‬
‫وأسأله تعاىل أن حيفظ البالد السعودية من كيد الكائدين وعبث العابثني ومكر‬
‫املاكرين وختطيط املنحلني‪.‬‬
‫واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم على نبينا حممد‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫ردودي على المطلوبين‬

‫‪90‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫مشابهة عبد العزيز المقرن وأمثاله لليهود في‬


‫نقضهم الميثاق والعهود‬

‫‪91‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫مشابهة عبد العزيز المقرن وأمثاله لليهود في نقضهم الميثاق والعهود‬


‫احلمد هلل ‪ ،‬والصالُة والسالُم على رسول اهلل أما بعد‪:‬‬
‫فإن من عادة أهل الباطل التشابه بينهم في باطلهم وفسادهم كمـا قـال تعـالى‪:‬‬
‫{تشابهت قلوبهم}‪.‬‬
‫وإن كثرة أوجه الشبه‪ ،‬أو عظم األمر الذي يشابه فيه املبطل مبطًال آخر من أكرب‬
‫الدالئل على الفساد والثبور واهلالك ‪..‬‬
‫وإن هذا األمر هو ما نشاهده من هذه الفئة املارقة اليت ادعت اجلهاد يف سبيل‬
‫اهلل‪ ،‬وخدعت الناس بالشعارات الرباقة‪ ،‬وزعمت أهنا تسعى لنصرة اإلسالم‬
‫ودحض الشرك وأهله‪..‬‬
‫ولكن املتأمل يف حاهلم‪ ،‬والظاهر من قوهلم وفعاهلم؛ ليدل داللة أكيدة قاطعة على‬
‫أن أولئك الضالل‪ :‬خوارج مارقون‪ ،‬ويف األرض مفسدون‪ ،‬وللحق مبطلون‪ ،‬ويف‬
‫الباطل خائضون‪ ،‬وألهل اإلميان حماربون‪ ،‬ولليهود مشاهبون‪ ،‬وعلى أهل السنة‬
‫حاقدون‪ ،‬ولدولة اإلسالم مبغضون شانؤون‪ ،‬وللفساد والدمار مبادرون‪ ،‬وعن‬
‫الصراط املستقيم لناكبون‪..‬‬
‫سبحان اهلل عما يصفون‪ ،‬ولعنة اهلل عليهم أينما هم غادون ورائحون‪..‬‬
‫ومن أوجه مشابهة أولئك المارقون لليهود الصهاينة‪ :‬نقضهم للعهد‬
‫والميثاق‪..‬‬
‫فمما أمر اهلل به املؤمنني ‪ :‬الوفاء بالعهد والعقد‪..‬‬
‫قال تعالى‪َ { :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوْا َأْو ُفوْا ِباْلُع ُقوِد }‪.‬‬
‫وقال تعالى‪َ{ :‬و َأْو ُفوْا ِباْلَع ْهِد ِإَّن اْلَع ْهَد َك اَن َم ْسُؤ وًال}‪.‬‬
‫وقال تعالى‪َ { :‬و ِبَع ْهِد ِهّللا َأْو ُفوْا َذ ِلُك ْم َو َّصاُك م ِبِه َلَع َّلُك ْم َتَذَّك ُروَن }‬
‫وقال تعالى‪َ { :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوْا َال َتُخ وُنوْا َهّللا َو الَّرُسوَل َو َتُخ وُنوْا َأَم اَناِتُك ْم‬
‫َو َأنُتْم َتْع َلُم وَن }‬
‫وإن اخليانة ونقض العهد من صفات املنافقة املخذولني ‪..‬‬

‫‪92‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫قال النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪(( : -‬أربع من كن فيه كان منافقًا))‪((..‬وإذا‬
‫عاهد غدر))‪.‬‬
‫ومن شيم اليهود وصفاهتم نقض العهد بل ومن صفات أهل الشرك والكفر‬
‫عمومًا ‪..‬‬
‫قال تعاىل يف سورة البقرة‪{ :‬اَّلِذ يَن َينُقُضوَن َع ْهَد ِهَّللا ِم ن َبْع ِد ِم يَثاِقِه َو َيْقَطُعوَن‬
‫َم ا َأَم َر ُهَّللا ِبِه َأن ُيوَص َل َو ُيْفِس ُد وَن ِفي اَألْر ِض ُأوَلـِئَك ُهُم اْلَخ اِس ُروَن {‪}27‬‬
‫وقال تعالى في سورة الرعد‪َ{ :‬و اَّلِذ يَن َينُقُضوَن َع ْهَد ِهّللا ِم ن َبْع ِد ِم يَثاِقِه‬
‫َو َيْقَطُعوَن َم ا َأَم َر ُهّللا ِبِه َأن ُيوَص َل َو ُيْفِس ُد وَن ِفي اَألْر ِض ُأْو َلِئَك َلُهُم الَّلْعَنُة‬
‫َو َلُهْم ُسوُء الَّد اِر}‬
‫وقال تعالى في سورة البقرة‪َ{ :‬أَو ُك َّلَم ا َع اَهُد وْا َع ْهدًا َّنَبَذ ُه َفِريٌق ِّم ْنُهم َبْل‬
‫َأْك َثُر ُهْم َال ُيْؤ ِم ُنوَن }‬
‫وهذا واقع عبد العزيز املقرن وأشباهه من اخلوارج الضالل ‪..‬‬
‫فهؤالء الخوارج الذين قتلوا األجانب الذين جاؤوا للعمل في البالد‬
‫السعودية خائنون هلل ورسوله وللمؤمنين‪ ،‬ناقضون لعهد اهلل ورسوله‪،‬‬
‫مخفرون لذمة اهلل ورسوله‪.‬‬
‫‪ ##‬فإن األجانب إمنا قدموا إىل البالد السعودية بعهد وأمان من الدولة ‪ ،‬ومن‬
‫كفالئهم الذين أحضروهم وهؤالء الكفالء مؤمنون‪..‬‬
‫قال ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪(( : -‬املؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم‬
‫أدناهم‪ ،‬وهم يد على من سواهم ال يقتل مؤمن بكافر وال ذو عهد يف عهده))‪.‬‬
‫وقال النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪(( : -‬قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ))‪.‬‬
‫ومن حق األجانب املستأمنني على مجيع املواطنني واملقيمني أن حيفظوا حقوقهم‬
‫وأن ال يظلموهم وأن ال يعتدوا عليهم وإن كان غريهم من أبناء جلدهتم قد آذى‬
‫إخوانًا لنا ‪..‬‬
‫فال يؤخذ أحد جبريرة غريه ‪َ{ :‬و َال َتِز ُر َو اِز َر ٌة ِو ْز َر ُأْخ َر ى}‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫فاألجانب القادمون إلى الُّسعودية ‪-‬حرَس ها ُهللا‪ -‬من حيث األمان‬


‫نوعان ‪:‬‬
‫نوع لهم أمانان ‪ :‬أمان الدولة وأمان كفالئهم المسلمين ‪.‬‬
‫والنوع الثاني لهم أمان واحد وهو أمان الدولة ‪..‬‬
‫ولكن في الحقيقة هم لهم أمان الدولة ومن يرى شرعية الدولة وهم‬
‫أهل العلم في المملكة وغيرها‪.‬‬
‫فالحقيقة ‪ :‬أن هؤالء األجانب عندهم أمان من ‪ :‬الدولة‪ ،‬والعلماء‪،‬‬
‫والشعب المسلم‪.‬‬
‫فلو كفروا الدولة ظلمًا وعدوانًا فيبقى لهؤالء األجانب أمانان‪ :‬أمان‬
‫العلماء ‪ ،‬وأمان الشعب المسلم‪..‬‬
‫وحقيقة هؤالء المجرمين أشباه اليهود هو ‪ :‬تكفير الدولة السعودَّية‬
‫‪-‬حرَس ها ُهللا‪ ،-‬وعدم اعتبار أي قيمة للمؤمنين من الشعب السعودي‬
‫هذا إذا لم يصل األمر بهم إلى تكفير الشعب كما عليه الغالة من‬
‫الخوارج في هذا الزمان ‪..‬‬
‫‪ ##‬وقد حرم اهلل قتل املعاهدين كما قال النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪: -‬‬
‫((من قتل معاهداً مل يرح رائحة اجلنة وإن رحيها توجد من مسرية أربعني عاماً))‬
‫فمن خيفر ذمة اهلل ورسوله ويقتل األجانب املستأمنني فهو غادر خائن هلل ورسوله‬
‫وللمؤمنني وهو جمرم أثيم أبعد الناس عن اجلهاد يف سبيل اهلل‪.‬‬
‫بل من يقتل األجانب املعاهدين ممن يقاتل يف سبيل الطاغوت ‪.‬‬
‫قال تعاىل‪ {:‬اَّلِذ يَن آَم ُنوْا ُيَق اِتُلوَن يِف َس ِبيِل الّلِه َو اَّلِذ يَن َك َف ُر وْا ُيَق اِتُلوَن يِف َس ِبيِل‬
‫الَّطاُغوِت َفَق اِتُلوْا َأْو ِلَياء الَّش ْيَطاِن ِإَّن َك ْيَد الَّش ْيَطاِن َك اَن َض ِعيفًا}‬
‫فهذه بعض أوجه الشبه بين عبد العزيز المقرن وأشباهه من الخوارج‬
‫المارقين لليهود الكافرين ‪.‬‬
‫وأوجه مشابهة هؤالء الخوارج األخباث الذين َيَّد ُعوَن التدين وااللتزام‬
‫بالشرع‪ ،‬ويَّد ُعون الجهاَد وهم بريؤون منه‪ ،‬وهو بريء منهم براءة الذئب‬
‫من دم ابن يعقوب –عليهما السالم‪ -‬لليهود الصهاينة كثيرة لعلي أفردها في‬

‫‪94‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫موضوع مستقل ‪ ،‬حتى يعلم الناس جميعًا عربهم وعجمهم ‪ ،‬مسلمهم‬


‫وكافرهم أن هؤالء المارقين ال يمثلون اإلسالم بل هم محاربون لدين اهلل‬
‫الحق خائنون فاجرون‪.‬‬
‫أسأل اهلل أن يطهر منهم البالد ‪ ،‬وأن يحمي من شرهم العباد ‪ ،‬وأن يكشفهم‬
‫ويعمي أبصارهم ويهلكهم ويجعلهم عبرة للحاضر والباد‪.‬‬
‫واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫يا فارس بن شويل الزهراني دع الِكَهاَنة والعرافَة‬


‫ووِّح د هللا ‪..‬‬

‫‪96‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫يا فارس بن شويل الزهراني دع الِكَه اَنة والعرافَة ووِّح د اهلل ‪..‬‬
‫احلمد هلل ‪ ،‬والصالة والسالم على رسول اهلل أما بعد‪:‬‬
‫عن عمران بن حصني ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪(( :-‬ليس منا من تطري أو تطري له‪ ،‬أو َتَك َّه َن أو ُتُك ِّه َن َلُه ‪ ،‬أو َس حَر أو‬
‫ُس ِح َر له‪ ،‬ومن أتى كاهنًا فصدقه مبا يقول فقد كفر مبا أنزل على حممد ‪-‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪))-‬‬
‫قال املنذري يف الرتغيب والرتهيب(‪" : )4/17‬رواه البزار بإسناد جيد"‪.‬‬
‫وعن صفية عن بعض أزواج النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬عن النيب ‪-‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ -‬قال‪(( :‬من أتى عَّر افًا فسأله عن شيء مل تقبل له صالة أربعني ليلة))‬
‫رواه مسلم يف صحيحه(‪.)4/1751‬‬
‫فمن عجائب خوارج العصر تعاطي الكهانة ‪ ،‬والتعدي على الغيب ‪ ،‬وتزكية‬
‫أنفسهم بتحقِق ما يقول من هْذ َرَم ٍة!!‬
‫وعالقة اخلوارج بالِكَه اَنِة والشعوذة باتت ظاهرة وواضحة ‪ ،‬وليس غَر ضي هو‬
‫تتبع هذه الظاهرة ‪ ،‬وذكر مناذجها وأمثلتها ‪..‬‬
‫ولكن غرضي بيان ما يف كالم فارس بن شويل الزهراين من الكهانة املبنية على‬
‫الظنون الفاسدة ‪ ،‬واألوهاِم الكاسدة ‪..‬‬
‫من هو الكاهن والعراف؟‬
‫الكهانة‪ :‬ادعاء علم الغيب‪ ،‬كاإلخبار َمِبا سيقُع يف األرِض مع االستناد إىل سبٍب ‪.‬‬
‫واألصل فيه اسرتاق اجلِّن السمَع من كالم املالئكة فتلقيه يف أذن الكاهن‪.‬‬
‫والكاهن لفظ يطلق على العراف ‪ ،‬والذي يضرب باحلصى‪ ،‬وا َنِّج م‪..‬‬
‫ُمل‬
‫والكاهن ‪ :‬هو الذي خيرب عن املغيبات يف املستقبل" انظر‪ :‬تيسري العزيز‬
‫احلميد(ص‪.)412-411 ،406/‬‬

‫‪97‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫وقال البغوي ‪-‬رَمحُه اُهلل‪" : -‬العَّر اُف ‪ :‬هو الذي يدعي معرفة األمور مبقدمات‬
‫وأسباب يستدل هبا على مواقعها‪ ،‬كاملسروِق َم ِن الذي سرَقُه‪ ،‬ومعرفة مكان‬
‫الضالة ‪ ،‬وحنو ذلك ‪ .‬ومنهم من يسمي املنجم كاهنًا"‪.‬‬

‫اعتراض وجوابه ‪:‬‬


‫لعل قائًال يقول‪ :‬إن الكاهن يكون له عالقة باجلِّن والشياطني ‪ ،‬وهذه العالقة‬
‫ينكرها فارس الزهراين وغريه من أدعياء اجلهاد ‪..‬‬
‫والجواب‪:‬‬
‫إن عالقة اجلن والشياطني بالكاهن والعراف على نوعني ‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬أن يكون هذا بعلم الساحر أو الكاهن أو العراف ‪ ،‬وبسعيه ‪..‬‬
‫وقد يبذل يف ذلك أمورًا شركية حىت يتحَّص ل على مساعدة الشياطني ‪..‬‬
‫النوع الثاين‪ :‬أن يكون من باب استدراج الشيطان لإلنسي لتحقيق بعض‬
‫األهداف الشيطانية ‪..‬‬
‫فيلقي الشيطان يف أذن اإلنسي بعض األمور املغَّيبة‪ ،‬وكذلك يأتيه يف املنام ‪ ،‬أو‬
‫يلقي يف نفس اإلنسان"الوسوسة" بعض تلك األمور‪..‬‬
‫فمن افتنت هبا ‪ ،‬وصدقها ‪ ،‬وعمل على نشرها يكون قد حقق مراد الشيطان منه‬
‫‪..‬‬
‫بل إن الشيطان قد يسلك بعض املسالك الغريبة ليستدرج اإلنسي فيوقظه لصالة‬
‫الفجر! وخيربه عن أماكن بعض املسروقات! وخيربه عن أمور خفية فيفتنت هبا هذا‬
‫اإلنسي اجلاهل ‪..‬‬
‫وهذا هو ما حصل مع يوسف العيريي سابقًا ‪ ،‬ومع فارس الزهراين الحقًا!!‬
‫فقد تكهن العيريي بغلبة طالبان وانتصارها ‪ ،‬وبأَّن أسامة بن الدن على بساط‬
‫بني السماء واألرض ‪ ،‬وقد كان يطلع إلينا بني الفينة واألخرى برؤى شيطانية‬

‫‪98‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫يستجلب هبا عواطف الناِس ويلهبها ‪ ،‬ويستنهض مهم أصحابه ويرفع من‬
‫معنوياهتم ‪..‬‬
‫وها هو فارس بن شويل الزهراين يعيد الكرة مرة أخرى ‪..‬‬

‫بماذا تَك َّه ن فارس بن شويل الزهراني؟‬


‫قال فارس الزهراين " أبو جندل األزدي" يف حواره مع منرب اخلوارج املسمى‬
‫كذبًا وزورًا "منرب التوحيد واجلهاد" ‪ " :‬وواهلل إين أقوهلا حتقيقًا ال تعليقًا إن هذه‬
‫الدولة إىل زواٍل قريٍب مصحوٍب باللعنة واملقت والغضب واالنتقام وسرتون ذلك‬
‫خالل أسابيع أو أشهر معدودة وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون‪".‬‬
‫الجواب‬
‫واهلل الذي ال إله هو‪ :‬إنك يا فارس كاذب يف ظِّنَك ‪ ،‬حانث يف ميينك ‪..‬‬
‫وأشهد اهلل الذي ال إله إال هو‪ :‬أن كالمك هذا باطل فاسد‪ ،‬وأَّنه من كالم‬
‫اخلوارج البائد ‪ ،‬وال ينخدع به إال ذوي الرأي الكاسد‪..‬‬
‫فاململكة العربية السعودية حرَّيٌة بأن َتْبَق ى ‪ ،‬ومستحقة ألن ُتْنَص َر ‪ ،‬وعُد ُّو ها‬
‫حِر ٌّي بأن ميوت ويقهر‪ ،‬وبأن يبيد وُيْهَز م ‪ ،‬على عكس ما تكَّلم به فارس‬
‫الزهراين وَه ْذ َر َم‪.‬‬
‫فاململكة العربية الُّس عودية دولة إسالمية سلفَّية ‪ ،‬تطبق شرع اهلل ‪ ،‬وتنشر التوحيد‬
‫والسنة ‪ ،‬وحتارب الكهان والعرافني ‪ ،‬وحتارب السحرة واملشعوذين‪..‬‬
‫وهي حصن اإلسالم احلصني ‪ ،‬وقلة السنة والتوحيد ‪ ،‬وهي حامية محى الِّدين ‪..‬‬
‫وهي بالد احلرمني ‪ ،‬ومهبط الوحي الشريف ‪ ،‬ومن أرضها أسري برسول اهلل ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ، -‬ومنها انطلقت دولة اإلسالم األوىل بقيادة الرسول ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪.. -‬‬

‫‪99‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫ومن رياض جنٍد ؛ رياض اهلدى والتقوى انطلق امللك عبد العزيز ‪-‬رَمحُه اُهلل‪-‬‬
‫داعيًا إىل اهلل ‪ ،‬وحماربًا للشرك واخلرافة ‪ ،‬وقاضيًا على كل أفاك وجمرم ‪..‬‬
‫ومن حسنات امللك عبد العزيز ‪-‬رَمحُه اُهلل‪ -‬قضاؤه على فتنة اخلوارج ‪ ،‬وإطفاؤه‬
‫لنار الفتانني من أدعياء اجلهاد ‪..‬‬
‫ومن حسنات امللك خالد ‪-‬رَمحُه اُهلل‪ -‬وويل عهده ‪-‬حفظه اهلل ورعاه‪ -‬ما قاما‬
‫به من إطفاء فتنة اخلارجي جهيمان العتييب ومريده املهدي!!‬
‫مث أكرم اهلل عز وجل على امللك فهد بن عبد العزيز وويل عهده األمري عبد اهلل ‪-‬‬
‫حفظهما اهلل ورعامها‪ -‬بالوقوف احلازم أمام هجمات أعوان الشيطان مدعي‬
‫اجلهاد ‪..‬‬
‫فما تقوم به اململكة العربية السعودية بدعوة اخلوارج إىل التوبة واألوبة‪ ،‬وما تقوم‬
‫به من اجتثاثهم وحماربتهم ‪ ،‬وما تقوم به من إمهاهلم والعفو عنهم إن فاؤوا‬
‫ورجعوا هلو من حماسن هذه البالد ‪..‬‬
‫وقد أثىن على هذه البالد اإلسالمية القاصي والداين ‪ ،‬وأعظم وسام شرٍف هلذه‬
‫البالد ‪:‬‬
‫اِّتفاق كلمة أهل العلم والفضل على الثناء على هذه الدولة السعودية ‪ ،‬وتبكيت‬
‫من ناوأها ‪ ،‬والتحذير ممن يطعن فيها أو يكفرها ‪..‬‬
‫فعلماء الُّس َّنة هم مصابيح الُّد َج ى ‪ ،‬وأنوار اهلدى ‪ ،‬وهم حجة اهلل على خلقه ‪،‬‬
‫وهم الفرقة الناجية ‪ ،‬والطائفة املنصورة ‪..‬‬
‫من متسك بغرزهم هداه اهلل وأفلح وأجنح ‪ ،‬ومن خالفهم واتبع نواعق الغرب‬
‫والشرق أذله اهلل وأخزاه وخاب وخسر ‪...‬‬
‫ويف كتايب ‪" :‬احلجج القوية على وجوب الدفاع عن الدولة السعودية" نبذة من‬
‫كالم العلماء يف الثناء على هذه البالد السلفية ‪ ،‬ونبذة من تقرير أحقيتها بأن‬
‫تكون ‪ :‬حامية اإلسالم ومعدن السنة والتوحيد‪..‬‬

‫‪100‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫هل ما قاله فارس بن شويل ُيَعُّد من الِكَه انة؟‬


‫الجواب‪ :‬نعم ‪ .‬ما تكَّلم به كهانِة حمضة ‪..‬‬
‫فقد أقسم ذاك اجلويهل العاصي اخلارجي على كذب وزور؛ وهو مع ذلك أمٌٍر‬
‫غييب مستقبلي ‪..‬‬
‫فقد أقسم على زوال الدولة السعودية خالل أسابيع بل أشهر أي أقل من سنة أو‬
‫سنتني!!‬
‫فقد أقسم على مغَّيب وهذه طبيعة الُك َّه ان والعرافني كما سبق يف التعريف هبما‬
‫‪..‬‬
‫شْبَه ٌة وجوابها‬
‫فإن قال قائل‪ :‬إن شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رَمحُه اُهلل‪ -‬أقسم أَّنه سينتصر يف حربه‬
‫على الترت يف موقعة شقحب ‪ ،‬وكانوا يقولون له‪ :‬قل ‪ :‬إْن َش اَء اُهلل‪ ،‬فيأىب حىت‬
‫أحلوا عليه فقال ‪ :‬إْن َش اَء اُهلل حتقيقًا ال تعليقًا ‪..‬‬
‫ففارس الزهراين يتأسى بشيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رَمحُه اُهلل‪ -‬علم أهل السنة يف‬
‫زمانه!!! ‪..‬‬
‫فالجواُب على هذا التلبيِس من أهِل الجهِل والَّتْف ليِس ِم ْن ُو ُج وٍه ‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أن شيخ اإلسالم ‪-‬رَمحُه اُهلل‪ -‬كان عاملًا من أهل السنة ‪ ،‬مِّربزًا‬
‫فيها‪ ،‬يتكلم عن فقه وعلم وديانة خبالف فارس بن شويل فما هو إال جويهل‬
‫ومتعامل ‪..‬‬
‫الوجه الثاني ‪ :‬أن شيخ اإلسالم ‪-‬رَمحُه اُهلل‪ -‬كان سلفيًا حماربًا للخوارج‬
‫واملرجئة وأهل البدع قاطبة خبالف فارس الزهراين فإنه من رؤوس اخلوارج ‪..‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬أن شيخ اإلسالم كان حتت طاعة ويل أمره امللك الناصر حممد بن‬
‫قالوون‪..‬‬

‫‪101‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫ومل يْنِزع يدًا من طاعة ‪ ،‬ومل يفارق اجلماعة ‪ ،‬بل كان يدعو للسلطان ‪ ،‬ويأمتر‬
‫بأمره ‪ ،‬وال حيرش عليه ‪ ،‬رغم أذَّية السلطان له ‪ ،‬وسجنه كَّر اٍت ومَّر ات ‪..‬‬
‫مع أن امللك الناصر حممد كان عنده قوانني وضعية ‪ ،‬وكان مقِّدمًا للصوفية وأهل‬
‫البدع ‪ ،‬وكان من قضاته وأكابر دولته ‪ :‬ابن خملوف الذي قال فيه شيخ اإلسالم‬
‫"ابن خملوف وذاك رجل كذاب فاجر قليل العلم والدين" ‪..‬‬
‫وقال عنه شيخ اإلسالم‪" :‬ومن أصر على أن هذا احلكم الذي حكم به ابن‬
‫خملوف هو حكم شرع حممد فهو بعد قيام احلجة عليه كافر‪ ،‬فإن صبيان‬
‫املسلمني يعلمون باالضطرار من دين اإلسالم أن هذا احلكم ال يرضى به اليهود‬
‫وال النصارى فضًال عن املسلمني"‪.‬‬
‫وقال –أيضًا‪" : -‬وهذا احلاكم هو وذووه دائمًا يقولون فعلنا ما فعلنا بشرع‬
‫حممد بن عبد اهلل‪ ،‬وهذا احلكم خمالف لشرع اهلل الذي أمجع املسلمون عليه من‬
‫أكثر من عشرين وجهًا‪َّ ،‬مُث النصارى يف حبس حسن يشركون فيه باهلل ويتخذون‬
‫فيه الكنائس‪ ،‬فيا ليت حبسنا كان من جنس حبس النصارى! ويا ليتنا سوينا‬
‫باملشركني وعباد األوثان‪ ،‬بل ألولئك الكرامة ولنا اهلوان فهل يقول من يؤمن‬
‫باهلل واليوم اآلخر إن رسول اهلل أمر هبذا‪ ،‬وبأي ذنب حبس إخويت يف دين‬
‫اإلسالم غري الكذب والبهتان‪ ،‬ومن قال‪ :‬إن ذلك فعل بالشرع فقد كفر بإمجاع‬
‫املسلمني"‪..‬‬
‫وقد عمل امللك الناصر حبكم ابن خملوف ومل يطلق سراح شيخ اإلسالم إىل بعد‬
‫مضي الوقت الطويل ‪..‬‬
‫فانظر إىل هذا احلال الذي وصل إليه شيخ اإلسالم ‪ ،‬والظلم العظيم ‪ ،‬بل‬
‫واالفرتاء على الشريعة ومع ذلك ما كَّف ر السلطان وال عاداه وال طعن فيه بل‬
‫كان ناصحًا ‪..‬‬

‫‪102‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫ولعله لو وصل إىل بعض أدعياء اجلهاد يف هذا العصر عشر ما أصاب شيخ‬
‫اإلسالم لقام يكفر السلطان وخيلع ربقة اإلسالم من عنقه!!‬
‫ومن تأمل يف حال دولة املماليك يف عصر شيخ اإلسالم ‪ ،‬وما حصل بسبب‬
‫خذالهنم للمسلمني يف الشام حىت متَّك ن قازان ملك التتار من فرض سيطرته‬
‫وإذالل املسلمني ورفعة اليهود والنصارى ‪ ،‬وما حصل يف تلك الدولة من أحكام‬
‫خمالفة لدين اإلسالم لوجد فيها من الباطل ما ال يوجد يف بعض الدول اإلسالمية‬
‫املعاصرة ‪..‬‬
‫ومع ذلك مل ينازعهم شيخ اإلسالم األمر ‪ ،‬بل جعل دولة املماليك دولة اإلسالم‬
‫اليت حيلف باهلل مرارًا أهنا ستنتصر وأن العاقبة هلا!!‬
‫كالمه حق وصدق ‪ ،‬وسيأيت مزيد بيان لذلك ‪..‬‬
‫هذا حال شيخ اإلسالم العامل اإلمام السلفي مع ملوك زمانه ‪..‬‬
‫أما فارس بن شويل فعلى العكس متامًا فقد طار بتكفري الدولة السعودية –أعزها‬
‫اهلل وأذل عدَّو ها‪ ، -‬ونشر معايبها‪ ،‬وخلع ِر ْبَق ة اإلسالم من عنقه ‪ ،‬وسلك‬
‫مسلك اخلوارج ‪..‬‬
‫مع أن الَّدولة السعودية ‪َ-‬ح َر َس ها اُهلل وكَبَت عُد َّو َه ا‪ -‬خري من دولة املماليك ‪،‬‬
‫وفيها من نصرة السنة والتوحيد ما كانت دولة املماليك تعمل خبالفه ‪..‬‬
‫فقد كانت دولة أشعرية ‪ ،‬وفيها من التصوف ما ال يعلمه إال اهلل‪ ،‬وكانت القبور‬
‫واملشاهد اليت تعبد من دون اهلل منتشرة ‪ ،‬وفيها من التفلت الشيء الكثري إضافة‬
‫إىل القوانني الوضعية اجلنكيزية من أيام الظاهر بيربس ومع ذلك حلف شيخ‬
‫اإلسالم أهنا ستنتصر!‬
‫شتان بني امليزان الذي عند شيخ اإلسالم –وهو ميزان أهل السنة‪ ، -‬وبني ميزان‬
‫فارس الزهراين –وهو ميزان اخلوارج‪..-‬‬

‫‪103‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫الوجه الرابع‪ :‬أن شيخ اإلسالم كان حيرتم والة األمر وجيلهم ‪ ،‬حىت القضاة‬
‫الذين خالفوه يف العقيدة ولكنه علم صدقهم واجتهادهم وأهنم معذورون لتمكن‬
‫الشبهة منهم مع قصدهم احلق فلم يكفرهم بل كان يثين عليهم ‪ ،‬وشفع هلم عند‬
‫السلطان امللك الناصر حممد بن املنصور قالوون َلَّم ا رجع من الكرك يف الفرتة‬
‫الثالثة لتوليه احلكم وأراد أن يقتل مجاعة من القضاة من خصوم شيخ اإلسالم ‪..‬‬
‫مع ذلك شفع فيهم شيخ اإلسالم وأثىن عليهم ‪ ،‬ورفع من شأهنم عند السلطان‬
‫حىت طاب خاطر السلطان ‪..‬‬
‫أما فارس بن شويل الزهراين فإنه يتهم العلماء الذين يثنون على الدولة السعودية‬
‫‪َ-‬ح َر َس ها اُهلل‪ -‬بالتهم الباطلة‪ ،‬وال حيرتمهم وال جيلهم بل حيتقرهم وال حيفظ هلم‬
‫سابقتهم وقصدهم احلق ولو أنه يراهم على خطأ ‪..‬‬
‫فقد قال اخلارجي فارس الزهراين عن الدولة السعودية ‪َ-‬ح َر َس ها اُهلل‪ .." : -‬وال‬
‫يدخلهم يف دائرة اإلسالم فتوى من عامل سوء أو تزكية من منافق عليم اللسان"‬
‫فجعل من يدخل! الدولة السعودية يف اإلسالم إما منافقًا وإما عامل سوٍء !!‬
‫فانظروا البون الشاسع بني موقف اإلمام العالمة شيخ اإلسالم ابن تيمية وبني هذا‬
‫اخلارجي األزدي ‪..‬‬
‫الوجه الخامس‪ :‬أن شيخ اإلسالم ابن تيمية بىن ما قاله على مقِّدمات صحيحة‬
‫خبالف هذا اخلارجي فارس الزهراين‪..‬‬
‫فشيخ اإلسالم ‪-‬رَمحُه اُهلل‪ -‬استعرض الدول اإلسالمية يف زمانه من اهلند إىل‬
‫البحر املتوسط فلم جيد دولة هي حامية اإلسالم وحصنه احلصني إال دولة‬
‫املماليك واليت حيصل بذهاهبا ذهاب قوة اإلسالم وبيضته‪ ،‬ورمبا سبيل إىل التسلط‬
‫على احلرمني الشريفني ‪..‬‬
‫فهذا السبب جعله يقيس حال دولة املماليك "حامية اإلسالم يف ذلك الزمان"‬
‫بالدولة اإلسالمية يف زمن النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪... -‬‬

‫‪104‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫أما الزمان احلاضر فالدولة اإلسالمية احلامية للحرمني الشريفني ‪ ،‬والقائمة بنصرة‬
‫اإلسالم هي الدولة السعودية ‪َ-‬ح َر َس ها اُهلل‪ ،‬وكَبَت عدَّو ها‪.. -‬‬
‫‪ ##‬أما يف نظر فارس الزهراين ومن على شاكلته من أدعياء اجلهاد فليست‬
‫مجاعته اخلارجية يف هذه البالد هي اجلماعة املسلمة ‪..‬‬
‫بل باعرتاف فارس الزهراين توجد جتمعات جهادية يف العراق وكشمري والشيشان‬
‫وغريها من البلدان ‪ ،‬ولو هلك مجيع اخلوارج يف بالد احلرمني عن آخرهم مل‬
‫يكن هذا قاضيًا على غريهم من التجمعات اجلهادية‪..‬‬
‫وكذلك ليس هلذه اجلماعة بقيادة العويف أي قوة ُتذكر‪..‬‬
‫بل رأسهم وكبريهم أسامة بن الدن خارج بالد احلرمني وحيتمي يف كهوف‬
‫أفغانستان ‪..‬‬
‫فليس من املهم بقاء اخلوارج يف السعودية ‪ ،‬وال يعتد هبم يف بقاء منهجهم‬
‫وفكرهم الفاسد ‪..‬‬
‫فالقضاء عليهم ليس قضاء على بيضة اإلسالم كما كان احلال يف عهد شيخ‬
‫اإلسالم ‪-‬رَمحُه اُهلل‪.. -‬‬
‫وجتمع اخلوارج يف البالد السعودية –خلص اهلل البالد من اخلارجني عليها‪ -‬ال‬
‫ُيذكر بالنسبة ملن يف غريها من البالد كأفغانستان –مثًال‪ -‬أو العراق ‪..‬‬
‫إذًا حىت على قول اخلوارج يعترب كالم فارس الزهراين من الكذب والباطل ومن‬
‫تعاطي الكهانة ‪..‬‬
‫تنبيه‪ :‬أنا ال أصف مجيع من يقاتل يف العراق أو الشيشان بأهنم خوارج ‪ ،‬وإمنا‬
‫فيهم اخلارجي‪-‬عقيدًة‪ -‬وفيهم اجملاهد ‪ ،‬ولكن جتاوزت يف العبارة يف سياق الرد‬
‫على فارس من باب اجملاراة له ‪..‬‬
‫الوجه السادس‪ :‬أن شيخ اإلسالم أقسم باهلل على االنتصار على العدو ليس على‬
‫ذهاب دولة العدو واضمحالله ‪..‬‬

‫‪105‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫خبالف ما أقسم عليه هذا اخلارجي فارس الزهراين ‪..‬‬


‫فقد أقسم هذا اخلارجي على اضمحالل دولة آل سعود السلفية وهو كاذب من‬
‫حنو عشرة أوجه‪..‬‬
‫الوجه السابع‪ :‬أن هذا اخلارجي فارس الزهراين أقسم –فجورًا‪ -‬أن هذا الزوال‪-‬‬
‫أزال اهلل متَم ِّنيه‪ ،‬ونزع قلبه من بني جنبيه‪" -‬مصحوب باللعنة واملقت والغضب‬
‫واالنتقام"!!‬
‫وهذا يكِّذ به الواقع ‪ ،‬فأهل السنة قاطبة يثنون على الدولة السعودَّية ‪َ-‬ح َر َس ها‬
‫اُهلل‪ ، -‬ويعرفون فضلها وحَّق ها ومْنِز لَتها خبالف اخلوارج ‪..‬‬
‫فإذا قصد أن هذا اللعن واملقت من العلمانيني واخلوارج واملالحدة فهؤالء ال يعبأ‬
‫هبم ‪ ،‬فهم ميقتون هذه البالد اآلن بل ومنذ نشأهتا ‪..‬‬
‫وهذا خبالف ما عليه أهل السنة وعلى رأسهم شيخ اإلسالم من احرتام الدولة‬
‫اإلسالمية وعدم تكفريها ‪..‬‬
‫إىل غري ذلك من الفوارق بني ما أقسم عليه شيخ اإلسالم ‪-‬رَمحُه اُهلل‪ ، -‬وبني ما‬
‫ذكره اخلارجي املتَك ِّه ن!!‬
‫وهنا ألفت لفتة ‪:‬‬
‫من القواعد اجملمع عليها عند الفقهاء أن احلدود تدرأ بالشبهات ومنها حد الردة‬
‫وهؤالء اخلوارج يكفرون بالشبهات ‪ ،‬ويقتلون بالشبهات بل حىت بدون‬
‫شبهات!!‬
‫فواهلل الذي ال إله إال هو ‪ :‬لو تأمل فارس الزهراين يف حاله وحال من على‬
‫شاكلته من اخلوارج ‪ ،‬وجترد من اهلوى ووفقه اهلل للهداية َلَم ا تردد يف مفارقة‬
‫اخلوارج بل وتضليلهم والرد عليهم ال سيما من على شاكلته ‪..‬‬

‫‪106‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫مِب ا سبق يتبني أن ما ذكره فارس بن شويل الزهراين "أبو جندل األزدي" ما هو‬
‫إال حمض تَك ُّه ن ‪ ،‬وهو هبذا الفعل وجل بابًا من أبواب السحر والشعوذة ‪ ،‬وعليه‬
‫فقد وجل بابًا من أبواب الشرك والكفر ‪..‬‬
‫وهكذا البدعة جتر بدعة بعدها حىت خترج صاحبها من اإلسالم ‪...‬‬
‫قال اإلمام الربهباري ‪-‬رَمحُه اُهلل‪" : -‬واحذر صغار احملدثات‪ ،‬فإن صغار البدع‬
‫تعود حىت تصري كبارًا‪ ،‬وكذلك كل بدعة أحدثت يف هذه األمة كان أوهلا‬
‫صغريًا يشبه احلق‪ ،‬فاغرت بذلك من دخل فيها‪ ،‬مث مل يستطع املخرج منها‪،‬‬
‫فعظمت وصارت دينًا يدان به‪ ،‬فخالف الصراط املستقيم‪ ،‬فخرج من اإلسالم"‪.‬‬
‫فأدعو فارس الزهراني إلى التوبة إلى اهلل من هذه الكهانة ‪ ،‬وأطلب منه‬
‫البراءة العلنية مما نطق به من كلمة الُك فر ‪..‬‬
‫واحذره من مغَّبة االستمرار فيما هو عليه من منهج الخوارج الضالل ‪ ،‬فواهلل‬
‫لن يغنوا عنه من اهلل شيئًا‪..‬‬
‫وأطالبه بتسليم نفسه لحكومة خادم الحرمين الشريفين ‪ ،‬وأن يستسمح منه‬
‫(‪)1‬‬
‫ومن حكومته قبل أن يدهمه األجل فال ينفعه ندم وال توجع ‪..‬‬
‫واستفد يا فارس من مهلة العفو فواهلل إهنا لرمحة اهلل يرمحك اهلل هبا إن وفقت‬
‫لتسليم نفسك ‪ ،‬وكفيت أمة اإلسالم شَّر ك وما تتعاطاه من الفتنة ‪...‬‬
‫وإياك أن تغرت بتثبيط املثبطني الذين يصفون كَّل من طالبكم بالتسليم بأنه منافق‬
‫أو يريد الدنيا ‪..‬‬
‫فواهلل إين أكتب كتابيت هذه أبتغي هبا وجه اهلل ‪ ،‬وأعتقد جازمًا أن هذا مما أوجبه‬
‫اهلل علَّي ولو كره املنافقون والكافرون ‪..‬‬
‫وواهلل إين كتبت هذا املقال لست مدفوعًا من أحٍد ‪ ،‬وال أطلب من أحٍد أجرًا‬
‫وال أجرة وإمنا أطلب ثواب اهلل وعفوه ورضاه وجنته ‪..‬‬
‫(?) َّمُث َّمَت حبمد اهلل القبض عليه‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪107‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫فواهلل الذي رفع السماء بغري َعَم ٍد إين كتبت كتابيت هذه وأنا أعتقد أن مقايل هذا‬
‫وغريها من مقااليت يف الرد على اخلوارج والدفاع عن الدولة السعودية من أعظم‬
‫اجلهاد يف سبيل اهلل ‪ ،‬وأين أرجو من اهلل أن تكون كتابايت حجابًا يل من النار ‪..‬‬
‫فيعلم اهلل العظيم مدى تقصريي وتفريطي يف جنبه عز وجل ‪ ،‬ولكين أسدد‬
‫نقصي ‪ ،‬وما عندي من اخللل هبذا اجلهاد ‪...‬‬
‫وأسأل اهلل أن يعفو عين ويغفر يل ‪ ،‬وأن يعيذين من شِّر نفسي ومن نزغات‬
‫الشيطان ‪..‬‬
‫أسأل اهلل لك اهلداية والتوفيق ‪ ،‬والرجوع إىل الصراط املستقيم ‪ ،‬وأن تعود إىل‬
‫اجلماعة كي تساهم يف بناء اجملتمع مبا درست وتعلمت بعد أن تصحح ما طرأ‬
‫على ما درست يف بالد التوحيد من شبهات اخلوارج وأباطيلهم‪..‬‬
‫واهلل املستعان وهو –وحده‪ -‬ريِّب ال رب سواه ‪ ،‬وال خييب من رجاه ‪ ،‬وال يطرد‬
‫من بابه من تاب إليه واتقاه ‪..‬‬
‫واهلل أعلم‪ .‬وصلى اهلل وسلم على نبينا حممد‪.‬‬
‫‪19/5/1425‬هـ‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫"التحدي" بين فارس الزهراني وملكة بريطانا!!‬


‫احلمد هلل ‪ ،‬والصالُة والسالُم على رسول اهلل أما بعد‪:‬‬
‫فقد عرف اجلميع ما حَّل بفارس الزهراين من متكني اجملاهدين من رجال األمن‬
‫من رقبته‪ ،‬واإلمساك به وحترير اجملتمع من خطره وشره ‪..‬‬
‫فاحلمد هلل رب العاملني‪..‬‬
‫وقد عرف اجلميع ما حَّل بالسفينة الضخمة "أطالنطك" اليت كانت أضخم‬
‫سفينة يف القرن املاضي حيث سَّلط اهلل عليها جبًال من الثلج قصمها وأغرقها‬
‫حبول اهلل وقوته‪.‬‬
‫ولكن ما الرابط بني ذكري لفارس الزهراين وبني "أطالنطك"؟‬
‫َلَّم ا ُصِنَعت "أطالنطك" خرجت ملكة بريطانيا مبشرة إمبراطوريتها بوالدة‬
‫هذه السفينة العمالقة‪ ،‬ومتحدية رَّبها بأنها ال ُتْق َه ر ‪...‬‬
‫فسَّلط اهلل عليها جبًال من الجليد قصم تلك السفينة وأغرقها وما زال‬
‫حطامها باقيًا وشاهدًا على فشل وضالل من تحدى رَّبه واغتر بنفسه ‪..‬‬
‫أما فارس بن شويل فقد اغرت بنفسه‪ ،‬وغفل عن أنه ال حول له وال قوة إال باهلل ‪.‬‬
‫ولكن فارس بن شويل أغضب ربه بسبب جنوحه العقدي والفكري‪ ،‬وتحليله‬
‫ِلما حَّر م اهلل من دماء المؤمنين واألطفال والنساء بِكْذ بة التترس أو التبييت‪،‬‬
‫واستحالله ما حرم اهلل من دماء المعاهدين والمستأمنين بسبب تكفيره‬
‫للمسلمين وجهله بالعقود والمواثيق والعهود عند المسلمين‪.‬‬
‫وكذلك ملا تعاطاه من الكهانة واجلهالة سلط اهلل عليه ‪ ،‬وأكذبه يف حتديه رَّبه ‪-‬‬
‫عَّز وجَّل‪-‬‬
‫فقد قال فارس الزهراني ‪ " :‬وأتحدى سفر الحوالي أو رسله أن يصلوا إلي‬
‫‪..‬‬

‫‪109‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫وليطمئن المحبون ‪ ..‬فأنا حريص في كل تحركاتي واتصاالتي وأتخذ لذلك‬


‫حافظا وهو أرحم الراحمين"‬
‫ً‬ ‫اإلحتياطات الالزمة واهلل خير‬
‫نعم اهلل خري حافظًا فلماذا تتحداهم أن يصلوا إليك؟‬
‫أو أنت تعلم الغيب؟ أو أنت قادر على حفظك نفسك؟‬
‫حىت أن هذا اخلارجي مل يقل إْن شاَء اُهلل تعاىَل ‪..‬‬
‫حافظا وهو أرحم الرامحني} ال يفيده شيئًا ‪ ،‬ولو‬ ‫ً‬ ‫وختمه بقوله ‪ { :‬واهلل خري‬
‫كان هذا الرجل على الصراط املستقيم لقال كما قال يعقوب –وهو مؤيد‬
‫بالوحي‪َ { : -‬قاَل ا َال َتْد ُلوْا ِم ن اٍب اِح ٍد اْد ُلوْا ِم َأ اٍب ُّم َفِّرَقٍة‬
‫َب َو َو ُخ ْن ْبَو َت‬ ‫ُخ‬ ‫َو َي َبَّيِن‬
‫َو َم ا ُأْغ يِن َعنُك م ِّم َن الّلِه ِم ن َش ٍء ِإِن اُحْلْك ُم ِإَّال ِلّلِه َعَلْيِه َتَو َّك ْلُت َو َعَلْيِه َفْلَيَتَو َّكِل‬
‫ْي‬
‫اْلُم َتَو ِّك ُلوَن }‬
‫ولكن اخلوارج من أبعد الناس عن التوحيد النقي ‪..‬‬
‫فها هو فارس الزهراني يلقى مصيره‪ ،‬وينقلب تحديه عليه ‪..‬‬
‫فالواجب على املؤمن أن يوحد ربه‪ ،‬ويتوكل عليه‪ ،‬وخيلص عمله له ‪..‬‬
‫وأن يفوض أمره إىل اهلل‪ ،‬وال يغرت بنفسه‪ ،‬ويظن أن ثقته بنفسه أو بإميانه ختوله أن‬
‫ْأ‬ ‫َفَال‬ ‫يعتدي على الغيب‪ ،‬ويظن أنه يف أمن من مكر اهلل { َأَفَأِم ُنوْا ْك الّلِه‬
‫ُن‬ ‫َم‬ ‫َي‬ ‫َم َر‬
‫َم ْك َر الّلِه ِإَّال اْلَق ْو ُم اَخْلاِس ُر وَن }‬
‫فهذا درس لمن اغتر بنفسه‪ ،‬واغتر بمن معه من أنصار الباطل‪ ،‬وظن أنه قادر‬
‫على إنجاء نفسه بنفسه‪ ،‬وغفل عما عنده من باطل ومخالفة للشرع‪.‬‬
‫أسأل اهلل أن يوفقنا للخري واحلق واهلدى‪ ،‬وأسأله تعاىل أن خيمد فتنة اإلرهابيني‪،‬‬
‫وأن جيعلهم غنيمة للمجاهدين من رجال األمن السعودي‪.‬‬
‫وأسأله تعاىل أن حيفظ على هذه البالد أمنها وأماهنا وإمياهنا‪ ،‬وأن يكفيها شر‬
‫أعدائها‬
‫واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم على نبينا حممد‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫فارس الزهراني يدعو إلى إشاعة الفوضى في‬


‫الحرمين [وعالقته بسعد الفقيه!!]‬

‫‪111‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫فارس الزهراني يدعو إلى إشاعة الفوضى في الحرمين [وعالقته بسعد‬


‫الفقيه!!]‬
‫احلمد هلل والصالة والسالم على رسول اهلل أما بعد‪:‬‬
‫يقول اهلل ‪-‬عَّز وجَّل‪{ : -‬إَّن أَّو َل بيٍت وضع للناس للذي ببكة مباركًا‬
‫وهدى للعالمين {‪ }96‬فيه آيات بينات مقام إبراهيَم ومن دخله كان‬
‫آمنًا وهلل على الناِس حُّج البيِت من استطاع إليه سبيًال ومن كفَر فإَّن‬
‫َهللا َغ ِنٌّي عِن العالمين}‪.‬‬
‫فقد أمَر اهلل ‪-‬عَّز وجَّل‪ -‬بتأمني بيته احلرام ‪..‬‬
‫وهي خرب مبعىن األمر أي‪ :‬أِّم نوا من دَخ َلُه‪..‬‬
‫وقال اإلمام ابن كثري ‪-‬رمحُه اُهلل‪ -‬يف تفسريه(‪" : )1/385‬وقوله تعاىل‪{ :‬ومن‬
‫يأمن ِمْن كل سوء‪ ،‬وكذلك‬ ‫دخله كان آمناً} يعين‪ :‬حرم مكة‪ ،‬إذا دخله اخلائف ُ‬
‫كان األمر يف حال اجلاهلية كما قال احلسن البصري وغريه‪ :‬كان الرجل يقتل‬
‫فيضع يف عنقه صوفة‪ ،‬ويدخل احلرم فيلقاه ابن املقتول فال ُيهَِّيجُهُ‪ ،‬حىت خيرج"‪.‬‬
‫آمنا ويتخطف الناس من‬ ‫وقال تعاىل‪{ :‬أو لم يروا أنا جعلنا حرماً ً‬
‫حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة هللا يكفرون}‪.‬‬
‫وقال تعاىل‪{ :‬فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم‬
‫من خوف}‬
‫قال ابن كثري ‪-‬رمحُه اُهلل‪" : -‬وحىت إنه من مجلة حترميها حرمة اصطياد صيدها‪،‬‬
‫وتنفريه عن أوكاره‪ ،‬وحرمة قطع شجرها‪ ،‬وقلع حشيشها كما ثبتت األحاديث‬
‫مرفوعا وموقوفاً" َّمُث ذكر بعض تلك‬
‫ً‬ ‫واآلثار يف ذلك عن مجاعة من الصحابة‬
‫األحاديث منها‪:‬‬
‫عن عبد اهلل بن عباس ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ -‬يوم فتح مكة‪(( :‬ال هجرة ولكن جهاد ونية وإذا استنفرمت فانفروا))‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫وقال يوم فتح مكة‪(( :‬إن هذا البلد حرمه اهلل يوم خلق السماوات واألرض فهو‬
‫حرام حبرمة اهلل إىل يوم القيامة‪ ،‬وإنه مل حيل القتال فيه ألحد قبلي ومل حيل يل إال‬
‫يف ساعة من هنار فهو حرام حبرمة اهلل إىل يوم القيامة ال يعضد شوكه وال ينفر‬
‫صيده وال يلتقط لقطته إال من عرفها‪ ،‬وال خيتلى خالها)) فقال العباس‪ :‬يا رسول‬
‫اهلل‪ ،‬إال اإلذخر‪ ،‬فإنه لقينهم ولبيوهتم‪ .‬فقال‪(( :‬إال اإلذخر))‪ .‬متفق عليه واللفظ‬
‫ملسلم‪.‬‬
‫عن أيب شريح العدوي أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إىل مكة‪:‬‬
‫أئذن يل أيها األمري أن أحدثك قوالً قام به رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬
‫الغد من يوم الفتح‪ ،‬مسعته أذناي ووعاه قليب‪ ،‬وأبصرته عيناي حني تكلم به أنه‪:‬‬
‫((محد اهلل وأثىن عليه‪ ،‬مث قال‪ :‬إن مكة حرمها اهلل ومل حيرمها الناس‪ ،‬فال حيل‬
‫المرئ يؤمن باهلل واليوم اآلخر أن يسفك هبا دماً‪ ،‬أو يعضد هبا شجرة‪ ،‬فإن أحد‬
‫ترخص بقتال رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬فيها‪ ،‬فقولوا له‪ :‬إن اهلل أذن‬
‫لنبيه ومل يأذن لكم‪ ،‬وإمنا أذن يل فيها ساعة من هنار‪ ،‬وقد عادت حرمتها اليوم‬
‫كحرمتها باألمس‪ ،‬فليبلغ الشاهد الغائب)) فقيل أليب شريح‪ :‬ما قال لك عمرو؟‬
‫قال‪ :‬أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح‪ ،‬إن احلرم ال يعيذ عاصياً‪ ،‬وال فاراً بدم‪،‬‬
‫وال فاراً خبربة‪ .‬متفق عليه واللفظ ملسلم‬
‫وعن جابر رضي اهلل عنه قال‪ :‬مسعت رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يقول‪:‬‬
‫((ال حيل ألحد أن حيمل السالح مبكة)) رواه مسلم ‪.‬‬
‫هذا ما يتعلق مبكة ‪ ،‬وأما ما يتعلق باملدينة النبوَّية ‪:‬‬
‫عن زيِد بِن أسلَم ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬عن جابِر بن عبد اهلل ‪-‬رضي اُهلل عنهما‪ :-‬أن‬
‫أمريًا من أمراء الفتنِة قِد َم املدينَة ‪ ،‬وكان قد ذهب بصُر جابر ‪ ،‬فقيَل جلابٍر ‪ :‬لو‬
‫ِع‬ ‫ِه ِك‬
‫َتَنَّح ْيَت عنُه‪ ،‬فخرَج ميشي بَني ابَنْي ‪ ،‬فُن َب [أي‪ :‬أصابته حجارة] ‪ ،‬فقال‪َ :‬ت َس مْن‬
‫أخاَف رسوَل اهلل ‪-‬صلى اُهلل عليِه وسَّلَم ‪-‬‬

‫‪113‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫فقال ابناه ‪-‬أو أحُد مها‪ :-‬يا أبِت ‪ ،‬وكيف أخاَف رسوَل اهلل ‪-‬صلى ا عليِه‬
‫ُهلل‬
‫وسَّلَم ‪ -‬وقد ماَت ؟‬
‫قال‪ :‬مسع رسوَل اِهلل ‪-‬صلى ا عليِه وسَّل ‪ -‬يقوُل ‪ (( :‬أخاَف أه املدينِة‬
‫َل‬ ‫َمْن‬ ‫َم‬ ‫ُهلل‬ ‫ُت‬
‫فقْد أخاَف ما بني َج ْنَّيَب )) رواه اإلمام أمحد يف املسند(‪-23/121‬الرسالة) والطيالسي (ص‪/‬‬
‫‪242‬رقم‪ ،)1760‬والبزار يف مسنده(‪3/304‬رقم‪-2805‬كشف األستار) وغريهم‪ .‬وصححه‬
‫الشيخ األلباين يف السلسلة الصحيحة(‪7/1281‬رقم‪.)3433‬‬
‫والَّتعاسة ضد السعادة ‪ ،‬ويف ذلك دعاء على من أراد أهل املدينة بسوء بالَّتعاسة‬
‫والشقاء ؛ ألن إخافتهم كإخافة رسول اهلل ‪-‬صلى اُهلل عليِه وسَّلَم ‪ ، -‬ومعلوم‬
‫أن الرسول ‪-‬صلى اُهلل عليِه وسَّلَم ‪ -‬أفضل اخللق وأكرمهم فحرمته أعظم‬
‫احلرمات‪.‬‬
‫ويف ذلك فضل عظيم ألهل املدينة ‪ ،‬وتعظيم حلرمتهم‪.‬‬
‫وقال ‪-‬صلى اُهلل عليِه وسَّلَم ‪ (( : -‬من أراد أهل املدينة بسوء أذابه اهلل كما‬
‫يذوب امللح يف املاء)) رواه مسلم يف صحيحه‬
‫ويف رواية (( ‪ ..‬وال يريد أحد أهل املدينة بسوء إال أذابه اهلل يف النرب ذوب‬
‫الرصاص أو ذوب امللح يف املاء))‬
‫هذا هو ما أمر به دين اإلسالم فلننظر ما يأمر به دين الخوارج والذي ينتحله‬
‫فارس الزهراني وزمرته؟‬
‫قال فارس الزهراين " أبو جندل األزدي" يف حواره مع منرب اخلوارج املسمى‬
‫كذبًا وزورًا "منرب التوحيد واجلهاد"‪[ :‬ولعل من المفيد أن نوصي الجميع‬
‫باالستعداد للفوضى والتوحش القادم بالتسلح والتموين والتخزين‪ ،‬البدء‬
‫باإلعداد والتعود على شظف العيش وشراء املستلزمات الضرورية‪ ،‬وللحركة‬
‫اإلسالمية لإلصالح نشرات طيبة في هذا المجال ومن تأمل التاريخ تأمًال‬

‫‪114‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫بعيدًا عن بعض املؤثرات جيد أنه ملا سقطت دول اخلالفة اإلسالمية عمت البالد‬
‫فوضى لفرتة من الزمن مثل ما حدث عند سقوط خالفة بين أمية إذ قتل يف يوم‬
‫واحد أكثر من مئة ألف من بين أمية وُنبشت قبور خلفائهم فلماذا نستبعد‬
‫حدوث هذا مع آل سعود أي ال نستبعد حدوث قتل رهيب ألمراء آل سعود‬
‫ومن حيميهم وال نستبعد نبش مقربة العود يف الرياض وإخراج امللوك والعبث‬
‫واإلنتقام من جثثهم كل هذا ال ُيستغرب حدوثه]‬
‫فكالمه واضح جدًا أنه َيْع َم ُل هو وزمرته بالتعاون مع ما يسميه " الحركة‬
‫اإلسالمية لإلصالح" على إشاعة الفوضى وانعدام األمن ‪..‬‬
‫وهو يف كالمه السابق يتكلم عن بالد احلرمني‪ ،‬فهو يرغب يف إشاعة الفوضى يف‬
‫مجيع البالد السعودية وما حتويه من أماكن مقدسة جيب احرتامها وتنزيهها عن‬
‫تلك اخلطوة الشيطانية اليت خيطط هلا أعداء اإلسالم ويساعدهم يف ذلك فارس‬
‫الزهراين وزمرته ‪..‬‬
‫وهذا ما حاولوا فعله على أرض الواقع فقد حاول جمموعة منهم التخطيط‬
‫ألعمال إرهابية يف مدينة الرسول ‪-‬صلى اُهلل عليِه وسَّلَم ‪ ، -‬ولكن اهلل سَّلم ‪،‬‬
‫وقبض على دور أعدها اإلرهابيون اخلوارج ألعماهلم الشيطانية ‪..‬‬
‫وكذلك فعلوا يف مكة وما حوهلا كالشرائع وجدة ‪..‬‬
‫فهم ال يعظمون حرمات اهلل ‪ ،‬وال يقفون عند حدود اهلل ‪ ،‬بل يستخفون‬
‫باحلرمات ‪ ،‬ويتعدون حدود اهلل جهًال منهم وإغراقًا يف الضالل ‪..‬‬
‫فأهل اجلاهلية املشركون كانوا أحسن منهم يف هذا الباب ‪ ،‬فقد كانوا يعظمون‬
‫حرمة البيت وحرمة احلرم كما هو معروف ومشهور وسبق شيء منه يف كالم‬
‫ابن كثري ‪-‬رمحُه اُهلل‪. -‬‬
‫فحرمة البيت وتعظيمه كان يف اجلاهلية وزاده دين اإلسالم تأكيدًا وتثبيتًا ‪..‬‬
‫فتبًا لقوٍم جهلوا أمرًا علمه اجلاهليون!!‬

‫‪115‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫بل وصل األمر به إىل التذكري بنبش القبور وكأنه يتمىن ذلك أخزاه اهلل ‪..‬‬
‫هل توقف طموح! فارس الزهراني إلى إشاعة الفوضى في البالد السعودية‬
‫فقط أم تعداه لغير ذلك؟‬
‫الجواب‬
‫لم يتوقف طموح فارس بن شويل الزهراني عند إشاعة الفوضى في الحرمين‬
‫الشريفين وبقية البالد السعودية وما جاورها من دول جزيرة العرب؛ بل‬
‫تعدى ذلك إلى جميع البالد اإلسالمية!!‬
‫وهذا تضمنه ما نقله فارس الزهراين عن رأس من رؤوس اخلوارج وهو أبو قتادة‬
‫الربيطاين ‪..‬‬
‫حيث قال –فَّك اهلل املسلمني من َشِّر ه‪ " : -‬الّتوّح ش أو الفوضى ستعّم العامل‪،‬‬
‫وخاّص ة يف بالدنا" إىل أن قال‪" :‬هذا التوّح ش ـ أو الفوضى ـ القادم على العامل‬
‫سيجّز ئ الّد ولة الواحدة إىل جتّم عات صغرية ختتلف من جتّم ع آلخر من حيث‬
‫رابطتها‪ ،‬فبعضها قبلّي ‪ ،‬وبعضها فكري‪ ،‬وبعضها مذهّيب‪ ،‬وبعضها طائفّي ‪ ،‬كما‬
‫كّنا نرى يف لبنان وأفغانستان والّص ومال‪ ،‬وكما سنراها الحقًا يف كثري من‬
‫البالد‪ ،‬إّما بصورة مجاعّية وهو األقوى نظرًا‪ ،‬وإّما على تتابع يف سقوط متتايل‪".‬‬
‫فهو إما أنه يرغب يف هذه الفوضى وهو الذي يدعو إليه فارس الزهراين مع‬
‫تَك ُّه ِنه بعموم الفوضى يف العامل‪ ،‬وإما أنه يتكَّه ن بذلك فقط ‪..‬‬
‫فقد وقع أبو قتادة الربيطاين مبثل ما وقع به مريده ومقلده ‪ :‬فارس بن شويل‬
‫الزهراين ‪..‬‬
‫فكالهما وقع في الكهانة ‪ ،‬وكل هذه التخاريف تكتب في منبر يسَّم ى –‬
‫كذبًا وزورًا‪" -‬منبر التوحيد!! والجهاد!!!"‪..‬‬
‫فتبني أن فارسًا الزهراين مبا سبق نقله عنه وبإقراره لكالم اخلارجي أيب قتادة‬
‫الربيطاين يتمىن أن تعم الفوضى وينعدم األمن يف مجيع العامل!!‬

‫‪116‬‬
‫الرد على بعِض دعاِة الفتِن والفساِد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫فرييدها جاهلية ‪ :‬القوي يأكل الضعيف ‪ ،‬وتنمحي دولة اإلسالم!!‬


‫فانظروا إىل طموح هؤالء القوم!!‬
‫في حين يطمح المسلمون في مشارق األرض ومغاربها إلى استتباب األمن‬
‫ليمكنوا من عبادة اهلل وحفظ أرواحهم وأموالهم وأعراضهم نجد هؤالء‬
‫الشذاذ يريدون الفوضى ‪ ،‬ويظنون أَّن الفوضى تأتي بدولة إسالمية!!‬
‫أال يعلم هؤالء الطغمة أن النيب ‪-‬صلى اُهلل عليِه وسَّلَم ‪ -‬ما قاتل املشركني إال يف‬
‫املدينة ملا صارت له دولة آمنة وكان حيافظ على أمنها بشىت الوسائل ‪ ،‬حىت عقد‬
‫الصلح مع اليهود ومع من حوله من األعراب حىت قويت شوكة الدولة اإلسالمية‬
‫وأصبحت قادرة على أن تكون قاعدة النتشار طالئع اجلهاد مؤيدة بنصر اهلل‬
‫ألهنم نصروا اهلل بتوحيده وبعد الصحابة عن الِّش ْر ك والبدع من كهانة وخروج‬
‫وحنو ذلك ‪..‬‬
‫نسأل اهلل أن يرد كيدهم يف حنورهم ‪ ،‬وأن يكفي املسلمني شرورهم‬
‫واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد‪.‬‬
‫كتبه‪ :‬أبو عمر أسامة العتيبي‬

‫الجزء األول‬
‫‪www.otiby.net/book/book/rad-fitn1.doc‬‬

‫‪www.otiby.net/book/book/rad-fitn1.zip‬‬

‫‪117‬‬

You might also like