Professional Documents
Culture Documents
*** ***
PART-24
معوقات وخماطر الدعوة إىل اإلميان بوحدانية للا تعاىل
Obstacles and Dangers in Calling to Tawhid
أتليف
فريد صالح اهلامشي
Copyright©2018 by
Feriduddin AYDIN
feriduddin@gmail.com
إسطنبول2018-م.
al_ibar.publishing@yahoo.com
معوقات وخماطر الدعوة إىل اإلميان بوحدانية للا تعاىل ،ونبذ اإلشراك به.
ِّ
املهمة اخلطرية ،جيب عليه -أوالً وقبل كل شيء – أن يكون إذًا أي شخص ي َّ
تصدى للقيام هبذه
ِّ
ملواجهة ما سوف يتعرض له من القهر ًّ
مستعد بكمال العزمية ِّ
األنبياء ،متفك ًرا يف ابتالئهم، متعظًا حبياة
واإلزالل؛ وأن يكون -مع ذلك -عاملًا حبقيقة التوحيد ،يدعو به على بصرية ويقني وإخالص ،وينطلق
1القمر10 ،9 :
2البقرة87 :
البقرة61: 3
ميتاز بصفات ومؤهالت تدل على األدلة والرباهني الشرعية والعقلية ...كما جيب أ ْن َ ِّ على أساس
والوقار ،واملروؤةِّ ،والصرب،
ِّ كفائته البشرية والعلمية واألخالقِّيَّ ِّة من املعرفة اجلامعة ،والثقافة الواسع ِّة،
حكيما يف بيان حججه؛ ِّ ِّ
واألانة ،والرفق ،وحسن األداء يف التعبري والتوضيح؛ ويكو َن لطي ًفا بليغًا و ً
ب ظالل اجلبابرة ،وال ُْحي ِّج ُم عن قول الق يف جريئًاَ ،ج ْل ًدا ،ذا صالبة على حتم ِّل املكاره ،ال يتهي ُ
حماولة إلزام اجلائر واملراوغ...
فردا أو
املتصدي جلحافل الشرك وقواته وجيوشه (سواء كان هذا العازم على اجلهاد املسلح ً ِّ أما
غري عادية على الصعيد الد َوِِّّل .ومع ذلك ،ينبغي حتما أن ميَُثِّ َل َّ
قوةً وسلطةً َ مجاعةً) فإنه جيب عليه ً
ِّ
والدهاء يف خططه وتدابريه ،واملعرفة بفنون الرب والقتال؛ ويكون أن ميتاز أبعلى درجة من الشجاعة
العدو بنصيب وافر من املال والسالح والعتاد ...مث جيوز له أن ينطلق على رأس جيش أقوى من ِّ
ِّ
املناسبة إىل أن اإلسالم مل يسمح ملن ال ميلك مدرب عارم ال قِّبَ َل للمشركني به ...وجتدر اإلشارة هبذه
َّ
شكل
ُ أي نظام سياسي قائم" مهما كان هذه القدرةَ الفائقةَ واملؤهالت ،مل يسمح له ابلتمرِّد على " ِّ
ِّ
واجلماعات اد ِّ
اإلسالم األفر َ أي حماولة َّ ذلك النظام ،كما َّ
ف علماءُ
ص َ ضد الكم القائم فتنةً .وقد َو َ عد َّ
نفسها يف مثل هذه املتاهات ب "اخلوارج" و"البُغاةِّ" و"أهل الفتنة" كتنظيم "القاعدة" ِّ
اليت تُ ْقح ُم َ
صريني وأمثاهلم من اإلرهابيني .وليس من الغريب تسميةُ الوهابيني و"الفلول الداعشية" والتكفرييني امل َ
هلم ب "كالب النار" بسبب نشاطاتم املدمرةِّ يف الشرق األوسط وإلاقهم خسارات فادحة أبرواح كثري
ِّ
لالعتداء ِّ
اإلسالم ِّ
ع هبا أعداءُ
تذر َ
األبرّيء فضالً عما تركوا من اخلراب والدمار والسمعة السيئة اليت َّ من
على الدين النيف.
كثري من ِّ
املغتين أبنفسم يرتكبون اليوم أخطاء جسيمةً لعدم استقطاب اهتمامهم على االستاجيات
املذكورة آن ًفا ،فيحاولون التعامل مع هذه القضية مبشاعر عاطفيَّة محاسية حبتة دون امتالك معرفة
ِّ
اضطهاد ضا يف
أنفسهم فحسب ،بل يتسبَّبون أي ً كافية .لذلك فَ هم ال جيذبون خماطر كبريةً على ِّ
َ ُْ
كة الشرق-أوسطية. األقليات املؤمنة ِّ
املوحدةِّ من قِّب ِّل األنظمة السياسية واجملتمعات املشر ِّ
َ
أشد األمور تعقي ًدا وخطورةً. أن إاثرة ضمري اإلنسان حنو التفكري ِّمبَ ْخلُوقِّيَّتِّ ِّه من ِّ
ال ينبغي أن ننسى َّ
تدي ًدا وإهانةً بكرامته؛ ألنه عندما يُ َذ َّك ُر أبن ألنه يتلقى مثل هذا التنبيه مبعىن التحذير ،بل قد يعدهُ ِّ
مثقال ذرة يف السماوات وال يف يعزب عنه ُ ِّ
للاَ ُمنفرد يف إرادته ومشيئته ،حيكم ويقد ُر وحده ،ال ُ
تقلص
ب وقتئذ يف نفسه ابل َ األعني وما ُتفي الصدور ...عند ذلك يشعر املخاطَ ُ ِّ يعلم خائنةُ
األرضُ ،
يستطيع ِّ
واالنبهار ،وال يكاد واإلنصهار أمام السلطة اهلائلة اليت حتيط ابلكون ،فيغرق يف حبر من الريةِّ
ِّ
ُ
العظيمة بطر ِّيق إشر ِّ
اك ِّ ِّ
السلطة اخلروج منه ،فيقوم بردود فعل مثرية لالهتمام ،فيلجأ إىل ِّ
إنكار هذه َ
اإلنتقام ممن يُنَ بِّ ُههُ ...هذا هو السر الذي تكمن فيه معاانةُ األنبياء
َ آهلة خمتلَ َقة مع للا ،وقد حياول
ِّ
األزمنه هم اك ابهلل من األسرة البشرية يف كل دهر على مدار أن ضحاّي اإلشر ِّ وآالمهم ،كما يَ ِّشي َّ
ُ
أضعاف أضعاف املؤمنني بوحدانية للا جلت عظمتُهُ.
تلمسهُ أيديهم ،لذلك يسرحون ويستغرقون ِّ ِّ إن معظم ِّ َّ
الناس يشكون يف وجود ما ال تُبص ُرهُ عيوهنُم وال ُ
يف تي ِّل َم ْن َخلَ َق ُه ْم وأبدع هذا الكو َن ،فال يكاد كثري منهم يطمئن بوجود خالق التبدو هلم ً
جهارا.
ِّ
األنبياء. وقد جاء يف القرآن الكرمي ما يربهن على هذه القيقة من اعتاض اليهود والنصارى على
الص ِّ َن نُ ْؤِّم َن ل َ
اع َقةُ َوأَنْ تُ ْم َك َح َّّت نَ َرى َّ
اّللَ َج ْه َرةً فَأَ َخ َذتْ ُك ُم َّ وسى ل ْ فيقول تعاىلَ " :وإِّ ْذ قُلْتُ ْم َّي ُم َ
وسى اب أَ ْن تُن ِّز َل علَي ِّهم كِّتااب ِّمن َّ ِّ ُك أ َْهل الْكِّتَ ِّ
الس َماء فَ َق ْد َسأَلُوا ُم َ تَ ْنظُُرو َن ".وقال تعاىل" :يَ ْسأَل َ ُ
4
َ َْ ْ ًَ َ
ضوء هذه اآلّيت الكرمية اع َقةُ بِّظُل ِّْم ِّهم 5"...فهنا يف ِّ الص ِّ ك فَ َقالُوا أ َِّرَان َّ
اّللَ َج ْه َرةً فَأَ َخ َذ ْتُ ُم َّ رب ِّم ْن ذَلِّ َ
ُ أَ ْك ََ
سرا من أهم أسرار ما جيول يف صدور أكثر الناس ،وهو ارتياهبم يف وجود خالق واحد أبدع نستكشف ًّ
اإلنسان يف مواجهة الغيب .ذلك أن للا سبحانه ِّ هذا الكون؛ كما يدل هذا السر على خطورة ابتالء
امتحن عباده ابلغيب (لكمة) من لدن آدم إىل اليوم ،يتذبذبون يف موقفهم منه بني اإلنكار واليقني،
فال ينجو من خطر هذا املأزق إالَّ قليل يهديهم للا بتوفيقه .أما األكثريةُ فإهنم خمتلفون يف موقفهم
وح ْك ِّم ِّه ْم فيه؛ منهم َمن يَظل متحنًا طوال حياته بني الرد والقبول،
منه ،ومتفاوتون خبطراتم وشكوكهم ُ
مييل اترةً إىل اليقني ابلغيب وينزاح عنه إىل اإلنكار اترةً أخرى ،ومنهم َمن يُلحد ابلرف الواحد
إقناع الناس بوحدانية للا تعاىل .كما
ويستغرق يف إنكاره ...هذا هو السر الذي تكمن فيه مشكلةُ ِّ
إن ردود ِّ
القبورية وعبادة املوتىَّ . أكثرهم إىل ِّ َّ
أن هذه األحاسيس واخلطرات والشكوك هي اليت توجهُ َ
ابل علماء االجتماع واألطباء النفسيِّني.
هؤالء اآلخرين تتميز أبزمة روحية قد يُشغل َ
4البقرة55 :
5النساء153 :
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ك ُه َو أَ ْعلَ ُم ِّمبَ ْن َ إِّ َّن َربَّ َ
األنبياء عليهم أسلوب
ُ ين 6".كذلك كان ض َّل َع ْن َسبيله َو ُه َو أَ ْعلَ ُم ِّابل ُْم ْهتَد َ
يسى ِّ
الصالةُ والسالم ،كما جاءَ يف قوله سبحانه على لسان املسيح عليه السالمَ " :ول ََّما َجاءَ ع َ
ون 7".ذلك ال قَ ْد ِّج ْئ ت ُكم ِّاب ْلِّكْم ِّة وِّألُب ِّني لَ ُكم ب عض الَّ ِّذي َتْتلِّ ُفو َن فِّ ِّيه فَاتَّ ُقوا َّ ِّ
َطيع ِّ ِّابلْب يِّنَ ِّ
اّللَ َوأ ُ َ َ َ َ َ ْ َْ َ ُ ْ ات قَ َ َ
ِّ
املخاطب حنو توحيد للا تطبيع
َ ابألواثن مباشرةً قبل حماولتِّ ِّه ِّ صرح يف إرشاده اإلهانةَ أن الداعيةَ إذا َّ
األضرحة إساءةً مبشاعره وتدخالًّ فيما بينه وبني ِّ النهي عن عبادة ابلكمة ،لرمبا أاثره ،فجعله يتلقى َ
حتذير ِّ
ابب اجلدل وحيبط جهود املرشد والداعية .تلك مفاجأة تُعجل خيبةَ األمل .ألن َ تح َ نفسه ،مما يف ُ
املخاطب) اك بطريق مباشر ودون اختيار جانب املرونة سيجعل (هذا مهالك اإلشر ِّ
َ ِّ
املرشد خماطَبَهُ
َ
املشرك إذن لن أيخذ نُصحه َ عوائق :القوانني ،واألعراف ،واملصلحة .فإن الشخص َ ُحم َدقًا بثالث
معادّي ضد ًّ
مستعدا للتغلب على هذه العقبات الثالث ،وقد يتخذ موق ًفا ً على حممل اجلد ما مل يكن
هذا املرشد القاصر ،كما حيدث لكثري من السلفيني املعاصرين بسبب فظاظتهم يف جدال املشركني،
وهم معرضون اليوم هلجمات النقشبنديني واألاتتركيني .كل ذلك لقلة معرفتهم ابألسلوب القرآن
الكيم ،والسرية النبوية الشريفة يف معاملة املالحدة واملشركني ،وجلهلهم آبداب الدعوة واإلرشاد
األمثل يف حماولة إصالح املتددين...
املستفادةِّ من خالل الياة اإلجتماعية ،جيب التأكيد مرة أخرى على َّ
أن فعلى ِّ
ضوء هذه املعطيات
َ
ص ِّح ُحوا ِّ ِّ
اعتقادهم يف إطار التوحيد َ َم ْن يتصدى لدعوة شخص أو مجاعة من الْ ُم ْسلُ َمانيِّني يف تركيا ليُ َ
وأن املوتَى كانوا كائنات بشريةً من أمثالنا وحكم ِّهَّ ،
ِّ حة يف مشيئتِّ ِّه
عين عن األضر ِّ
َ القرآن -أب َّن للا ٌّ
ِّ
صوات
خلقهم للا من العدم دومنا إرادة منهم ،مث أرغمهم على املوت دومنا اختيار منهم ،ال يسمعون ً
القائق البَ َد ِّهيَّ ِّة
ِّ إلقناع ِّ
الناس هبذه ِّ تصدى وال يستجيبون لدعوة ،وال يضرون وال ينفعون - ...من ي َّ
فقد يواجه مشاكل كبرية إذا مل يتصرف حبذر شديد.
فإن الداعيةَ مهما كان ذا كفائة يف مهمته وحمتاطًا يف دعوته وإرشاده ،فإنه يف خطر على أي حال َّ
ض إلهانة املشركني واعتدائهم يف أي لظة ،كما اتموا النيب صلى للا عليه وسلم اترةً يتعر ُ
حمتَ َمل ،قد َّ
أبنه ساحر ،وقد ذكر للا سبحانه ذلك على لساهنم يف قوله تعاىل" :إِّ َّن ه َذا لَس ِّ
احر ُمبِّني 8".وقالوا َ َ
6النحل125 :
7الزخرف]63 :
8يونس2 :
ِّ اترة أخرى :إنه مسحور ،كما جاء يف قوله تعاىل" :إِّ ْذ ي ُق ُ ِّ
ول الظَّال ُمو َن إِّ ْن تَتَّبعُو َن إَِّّال َر ُج ًال َم ْس ُح ً
9
ورا". َ
بل مل يكتفوا بذلك فرموه ابجلنون كما أخرب للا سبحانه بذلك يف قوله تعاىلَ " :وقَالُوا َّيأَي َها الَّ ِّذي نُ ِّز َل
ك ل ََم ْجنُون 10".كل هذه القائق تؤكد على أن الداعيةَ جيب عليه أ ْن يكون مستعدًّا َعلَي ِّه ِّ
الذ ْك ُر إِّنَّ َ ْ
لمل أعباء الدعوة أبشكاهلا من التهميش واحملن والنكال إذ يقوم بدعوة املشركني إىل اإلميان بوحدانية
للا تعاىل ونبذ اإلشراك به .ألن غالبية هذا اجملتمع ،حّت لو استعرضوا أفانينَهم (بصلواتم وأذكارهم
ودعائهم) ملتزمني ومتحمسني أبهنم يؤمنون بوجود للا ووحدانيته ،فإن هذا االعتقاد ال يتطابق مع
التوحيد املفهوم من الكتاب والسنة .ذلك أن هذه الغالبيةَ متنح َّ
حق تشريع الدستور للسياسيني ،رغم
حمض حق هلل وحده! كما أن هناك املاليني من الناس اليوم يف تركيا يعتقدون أن شيوخ الطرق
أن ذلك ُ َّ
11
الصوفية هم وكالء للا يتصرفون يف ملكه.
إن املرشد إىل التوحيد اخلالص جيب عليه أن يكون أوالً على بينة من أمره وعلى معرفة واسعة مبا
سبب ِّ
ارتباط ِّ
الناس إن فَ ْه َم ِّ
سوف تعتضه من العقبات ومستعدًّا ملقاومة الظروف اليت قد يواجههاَّ ...
ألواثن -وهم يعبدون للا حبماس شديد يف الوقت ذاته -هو الواجب األول على املرشد .جيب عليه اب ِّ
شك أن هذا سلوك انشئ أ ْن يتأم َل عمي ًقا يف مغزى هذا التناقض واخلبط واالضطراب الرهيب .ال َّ
اجعة ِّ
عامل موحد من أهل اإلختصاص يف علم النفس .ألنه من تفكري مرضي ،وقد حيتاج الداعيةُ إىل مر ِّ
9اإلسراء47 :
10الجر6 :
11صدر يف السنوات األخرية كاب يف تفسري القرآن الكرمي ابللغة التكية وابلروف الالتينية ،نشره فريق يدير َمموعة " ،"Pontic Nakşibendisورد فيه
ابلرف الواحد "أن شيخ الطريقة هو وكيل للا على اإلطالق" ،ومل يصدر أي حتذير من قبل رائسة الشؤون الدينية حّت اآلن بشأن التعليقات الواردة يف هذا
اإلعتقاد منتشر يف تركيا على نطاق واسع( .راجع الكتابَ Ruhul-Furkan, :ملد)74/2 :
َ الكتاب ،يدل ذلك على أن هذا
شخصا يصلي ،ويصوم ،ويتلو القرآ َن بشوق ،وحيج ،ويدفع ً من الضروري أن يفهم املرشد بروية؛ َّ
أن
ع إىل ويساهم يف بنائِّها ،و َّ
يتضر َ َ القبور واألضرحةَ،
َ الزكاة؛كيف يسمح له عقلُهُ وضمريُهُ أ ْن يعب َد
يتصرفون يف ملكه؟ ..كذلك ينبغي خ الطر ِّ
يقة ُه ْم وكالءُ للا َّ أن شيو َ "األولياء" ليقضوا حاجتَهُ ،ويعتق َد َّ
ضا يصلي ،ويصوم، للداعية أن يتباحث عما يفعله الشخص الذي يدعي أنه مسلم أاتتركي ،وهو أي ً
أبسا يف
وحيج ،ويدفع الزكاةَ ،فيؤدي كل هذه العبادات استجابةً ملا جاء به األمر يف الشرع ،وال يرى ً
الوقت ذاته أن يقف أمام متثال أاتتورك وقفةَ احتام يف بعض األوقات وف ًقا لألوامر الرمسية ،فهل تُعد
هذه الوقفةُ من اإلشر اك ابهلل؟
ألن جرمية اإلشراك ابهلل ترتبط على األقل أبحد هذه االحتماالت الثالثة ،كما أ َّن طريقةَ العالج لكل
أن األسباب الكامنة وراء ارتكاب جرمية من هذه األمراض الثالث البد أن تكون خمتلفة .إذ يالحظ َّ
اإلشراك ابهلل متنوعة .ميكن تشبيه كل من هذه الدوافع بنوع من األمراض اليت تصيب ضمري اإلنسان
كعجزه أو فساده أو موته ..على سبيل املثال؛ تتحول اهلواجس إىل شغف يف ظل التطبيع والتلقينات
الروحية يف الطريقة النقشبندية ،مث تتطور إىل حرية ومحاقة ،مث إىل مشاكل نفسية غامضة .كل ذلك
تنشأ عن مضاعفات اجلهل ،وقد تتحول يف طورها األخري إىل جنون العظمة يف العقل الباطن مع
التنومي املغناطيسي .ذلك ليس كاكتئاب عقلي حبت ،بل كمرض إميان وأخالقي ُعضال.
ملزم ابلنظر يف أمر
هذه األعراض هلا أمهية كبرية ابلنسبة ملن يقوم ابلدعوة إىل التوحيد .ألن الداعيةَ َ
مصااب بنوع من هذه األمراض عما إذا كان يدخل حتت حد التكليف .إذن َم ْن أو أي جهة
من كان ً
ميكن اعتبارها سلطةً يف هذا األمر؟ الجرم أن الداعية ينبغي أن يكون على علم بدقائق األحكام
املتعلقة هبذه األوضاع .كما ال جيوز أن يقوم إبرشاد من تلبَّس بكفرّيت الصوفية وخرافات القبورية
ِّ
التصوف .إال أن املقررات إالَّ عامل ذو خربة يف ضروب الشرك الصويف و ِّ
معاجلة َم ْن َوقَ َع يف مستنقع
التعليمية يف تركيا -لسوء الظ -مل يتم تنصيصها على أساس يهيئ اجملال لنشأة الشخصية العلمية.
عددا كبريا من رجال ِّ
الدين وحّت العدي َد من األكادمييِّني األتراك متلبسون ابلفكر الصويف، لذا فإن ً ً
كليف أحد من أفراد هذه
ومعتقدون ابخلرافات واألساطري ...لذلك ،فإن ت َ م ْنساقون وراء الشيوخ ِّ
َ ُ
أساسا من حيث مبادئ التوحيد .إن الصوفية اجملاذيب الذين تنبت اجملموعات مبثل هذه املهمة خطأ ً
مشاعر العداوة واإلنتقام للتوحيد وأهلِّ ِّه ،وهم مصابون ابلذهان ،والذين يتعرضون لغسيل
ُ يف نفوسهم
الدماغ طوال سنني بتأثري التاتيل والتانيم والطقوس اليت تُقام يف التكاّي ،كذلك األاتتوركيون الذين
املتواصل أمام متاثيل مصطفى
َ كيز
يصابون أبشكال غريبة من فصام الشخصية نتيجةَ ممارستهم الت َ
عالج هؤالء السيكوابتيِّني ،خباصة
ُ كمال؛ من الصعب ج ًدا بل ومن املستحيل يف كثري من األحيان
س َم الكمالية" أمام التماثيل لسنوات.
الذين أصبحوا مشركني آليني بتكرارهم "قَ َ
اليوم
إن املرضى كهؤالء الذين يعانون من آالم القد والكراهية ألهل التوحيد ،والذين يقدَّر عددهم َ
أّيم
ال معاجلتُهم إىل خنبة خاصة من العلماء الذين قد أمضوا (قبل كل شيء) َ مبالين ،البد أن ُحت َ
ِّ
واألخالق ،يتمتعون أبعلى درجة من الفضائل، ُسر ذات نضج وكمال يف السرية طفولتهم يف ربوع أ َ
ِّ
واإلطمئنان ِّ
اهلدوء حنو ِّ ِّ امليدان ،وجناح يف إختصاص الت ِّ
ِِّّ
الطبائع َ
ِّ وتوجيه الروحية، بية وخربة يف العمل
والسكينة والتسامح ...لكنه من العسري اكتشاف بصيص من الدليل يقودان إىل وجود طبيب ِّ واأل ِّ
ُلفة
العقل
ألن َ واحد وحسب يف تركيا ،وهو يتمتع مبثل هذا املستوى من الكفاءة واللياقة التبوية الفريدةَّ .
ِّ
القبوري الصويف ،فهو َّإما أنه ال يستطيع رؤية كي يضع لتأثري التدين األعلى الذي حيكم اجملتمع الت َّ
عرف أن الشعب هذا املرض املنتشر يف اجملتمع أو يتجاهله .لذلك حّت السلطات الصحية اليت تَ ِّ
وتتصرف حبذرَّ ،
ألهنا تعلم ِّ
الوقت الال، ِّ
املشهد يف ضل االكتفاء مبشاهدةِِّّ
َّ َ كي َمتمع صويفٌّ ،تُ َف ُ
الت َّ
أن هذه إشكالية سريرية أصبحت مزمنةً وال ميكن تغيريها بسهولة .على سبيل املثال؛ َّ
أن رابطة األطباء َّ
يف تركيا– لسوء الظ -تقف من هذه اإلشكالية مبثل هذا املوقف الصامت .وهذا أمر يف منهى
اخلطورة.
ال شك أ َّن الالةَ النفسيةَ لإلنسان املوحد حيال هذا املشهد يف الوقت ذاته تتسم أبمهية كبرية .فقد
يورطه هذا الشك يف اتام أهل هذا البلد ابلشرك على وجه التعميم ،وقد ييفه ،وقد يثري ردود أفعاله
حنو استعمال العنف ،على حنو ما حدث للسلفيني اجلهاديني ...هكذا قد تتلف مواق ُفهُ السلبيةُ حبق
َمتمع قد شاعت فيه عقيدة تعدد اآلهلة ،وذلك حبسب نصيبه من املعرفة الصحيحة ابلفقه اإلسالمي،
ومستواه الثقايف وما إىل ذلك من خصائصه الشخصية األخرى .فهذا من اخلطورة مبكان.
ِّ
األنبياء عليهم الصالةُ والسالم تقريبًا قد نشؤوا يف مجيع البد إذن من التأمل هبذه املناسبة؛ َّ
أن َ
وجود للا هنائِّيًّا،
َمتمعات يسود فيها اإلعتقاد ابآلهلة .مع أنه مل تكن الغالبيةُ من تلك الشود تُنكر َ
املرسل إليهم يعيش بني ظهرانيهم ،ويتفاعل معهم يف كثري من َماالت الياة. يف الني الذي كان النيب َ
ِّ
واإلحياء واإلماتة). كما مل ينسبوا شيئًا من صفات للا إىل األواثن اليت كانوا يعبدوهنا (كاخللق ،والرزق،
إن القرآن الكرمي يقص علينا من أخبارهم كما جاء يف قوله تعاىل نقالً عن لساهنم أهنم كانوا يقولون:
ضرُه ْم َوَال
اّلل َما َال يَ ُ اّلل ُزلْ َفى 13"...وقوله تعاىل "وي ْعب ُدو َن ِّمن ُد ِّ
ون َِّّ وان إِّ َىل َِّّ" َما نَ ْعبُ ُد ُه ْم إَِّّال لِّيُ َق ِّربُ َ
ْ ََ ُ
يَ ْن َفعُ ُه ْم َويَ ُقولُو َن َه ُؤَال ِّء ُش َف َعا ُؤَان ِّع ْن َد اّلل".
َِّّ 14
أكثر الناس يف اجملتمعات الشرق أوسطية ،وسكا ُن تركيا من األتراك وغريهم ،يكتمون إشرا َكهم كذلك ُ
اه ْم عن عبادةِّ غري للا ،فريُد ِّ ِّ
ابهلل على غر ِّار مشركي قريش؛ يعتضون بردود فعل شديدة على َم ْن يَنْ َه ُ
الصويف منهم مثالً بقولِّ ِّه "كالَّ! أان ال أعبد الشيخ أفندي" وإمنا أقوم بتوقريه ملا أعتقد فيه من القداسة
ِّ
وجاللة القدر ...لكنه إذا ُسئِّ َل عن تفاتصيل اعتقاده يف شيخه؛ كما لو قيل له "هل تعتقد يف شيخك
أنه عليم بذات الصدور ،وهل يستطيع أن ميشي على وجه البحر كما ميشي يف الرب فال يغرق ،وهل
يتصرف يف ملك للا؟ "..إىل غري ذلك من املستحيالت ،أجاب
َ الوحوش الكاسرةُ ،وهل له أن
ُ تُطيعه
بعنف" :وهل يف ذلك ٌّ
شك؟!" هذا اإلعتقاد شائع يف هذه املنطقةَّ .أما ابلنسبة لألاتتوركيني ،فإهنم
مجيعا
اليوم – ابستثناء األوائل منهم -اليكاد أحد منهم يُقر أبنه يعبد مصطفى كمال ،مع ذلك فإهنم ً
ال يتددون يف إظهار أشكال من التعب ِّد له .لكنهم يعتضون ب "أهنم إمنا يقومون واقفني أمام متاثيله
َمثَّ ثالثةُ أشكال من التمثل على وجه اخلصوص ،ال جيوز للمرء املسلم أن يتلبس هبا بني يدي غري للا
ِّ
األوامر من ِّ
اإلرشاد ،أو ِّ
الدرس ،أو األول منها :االنتصاب قائما وصامتًا (إالَّ ِّ
لتلقي حملض اإلجاللَّ .
ُ ً
والثالث :السجود ...ينبغي هنا التنبيه على أن املشركني املعاصرين
ُ ذي اختصاص) ،والثان :الركوع،
اجلاهلية يف تعب ِّدهم لألواثن واألصنام ،بل يزيدون عليهم يف
ِّ من املسلمانيِّني يشبهون مشركي ِّ
عهد ُ
تعل ِّق ِّهم آبهلتهم؛ فريق منهم يقفون أمام متاثيل اإلله قائمني صامتني ،كاألاتتوركيني واملغتين هبم .وفريق
ِّ
ِّ
ابلدعاء ،ويذحبون هلا ،ويعتقدون أهنا تتصرف يف ملك آخر منهم يزورون األضرحةَ ويتضرعون إليها
أهل التوحيد يف مثل هذه ِّ
وأشباه ِّهم من خمتلف النِّ َح ِّل .فيجب على املؤمنني ِّ للا ،كالصوفية القبوريني
ِّ
املنحرفة ،أن يتصرفوا حبيطة على مثال رسول للا صلى للا عليه خاصةً يف مواجهة اجلماعات البيئة َّ
وسلَّم يف جهاده خالل الفتة املكية ،أبن ال يتصدوا إلهانة إله من آهلتهم (كتماثيل مصطفى كمال،
ِّ يوخ الط ُر ِّق ِّ ث احملنَّطَ ِّة ،و واألضرحة ،واجلثَ ِّ ِّ التكِّيِّ،
وغريها من األواثن الصوفية ِّ شخصية ش ِّ ُ والْ َعلَ ِّم ْ
والعيون ،والصخور ،واهلياكل ،والبقاع اليت يقدسوهنا ).ال جيوز سب هذه ِّ ِّ
األشجار، ِّ
كبعض واألصنام؛
اّللَ َع ْد ًوا بِّغَ ِّْري
سبوا َّ ون َِّّ واألصنام إطالقًا لقوله تعاىل" :وَال تَسبوا الَّ ِّذين ي ْد ُعو َن ِّمن ُد ِّ ِّ ِّ
اّلل فَيَ ُ ْ َ َ َ ُ األواثن
ك َزيَّنَّا لِّ ُك ِّل أ َُّمة َع َملَ ُه ْم ُمثَّ إِّ َىل َرِّهبِّ ْم َم ْرِّجعُ ُه ْم فَ يُ نَ بِّئُ ُه ْم ِّمبَا َكانُوا يَ ْع َملُو َن".ِّعلْم َك َذلِّ َ
15
من معوقات الدعوة إىل اإلميان بوحدانية للا تعاىل يف تركيا حادثة تتذرعُ هبا مجاهري الوثنيني من
األاتتوركيني والنقشبنديني ،وما أكثرهم! تلك هي "الثورة الوهابية" اليت اندلعت ضد الكم العثمان
يف شبه اجلزيرة العربية عام .1801فقد التبست الدعوةُ إىل التوحيد ابلثورة الوهابية على الوثنيني،
فال يكاد أحد منهم يسمع كلمةَ املرشد يدعوه إىل التوحيد إالَّ قاومه ورماهُ ابلعداوةِّ ل "لدولة العثمانية
املقدسة" واجملتمع التكيِّ ،واتمه ابلوهابية والداعشية ،وعدَّه من اإلرهابيني!
يف الواقع ،من اخلطأ اعتبار "الثورة الوهابية" اليت ال تعين سوى التمرد على الشرك املنتشر يف اجملتمع
اعتبارهُ كحدث سياسي حبت اندلع فجأة .فالكراهيةُ املنتشرةُ يف اجملتمع
ُ العثمان يومئذ ،من اخلطأ
التكي َّ
ضد الوهابية إمنا هي يف صميمها امتداد لثالثة أحداث اتريية مهمة جدًّا:
15األنعام108 :
أوهلا :هي الغزوات اليت قادها األمري األموي قتيبةُ بن مسلم الباهلي (715-669م) يف تركستان،
ابتداءً من عام 705م .واستمر فيها طوال سنني ،ومل يكتف ابالستيالء على أوطان األتراك ،بل
ِّ
أصنام بوذا اليت كانوا يعبدوهنا، ارتكب يف أثنائه مذابح رهيبةً ،وقام بسحق األتراك ،وأمر بَ ْم ِّع
يسها يف ساحات املدن التكية كمدينة خبارى ،ومسرقند ،وطاشكند ،وفرغانة وغريها ،فأمر هبا وتكد ِّ
ِّ
قت أمام عيوهنم وهم ينظرون يف دهشة إىل اللهيب الذي يتصاعد فوقها ،مما أاثر الضغينةَ ِّ
فأحر ْ
ك )Müslümanlik (م ْسلُمانْلِّ ْ ِّ ِّ
النيف ،فقامو ابختالق دين مسوه ُ والكراهيةَ يف نفوسهم ضد اإلسالم
ِّ
أعماق انتقاما من األمويني العرب ،مثَّ أسسوا عشرات من الطرق الصوفية لتسيخ هذه الدّينة يف ً
خطرا على اإلسالم هي النقشبنديةُ. شيوعا وأشدها ً
الضمائر .وأكثر هذه الطرائق الصوفية ً
واثلث هذه األحداث :هو غلبة املغول (التااتر) على املناطق العربية وإسقاطهم للدولة العباسية عام ُ
أن املغول واألتراك جتمعهم قرابة الدم واللغة واملعتقدات واألعراف ...يؤكد على علما َّ
1258مً .
ذلك أن مجاهري املغول احملتلِّني للمناطق العربية مل يلبثوا أن اندَموا يف اجملتمع التكي وانتسبو إىل
واألانضولية بقيادةِّ تيمور
ِّ ِّ
الشامية الدّينة املسلمانية عقب سقوط الدولة العباسية ،ودامهوا منطقيت
املغول رغم ما ارتكب
َّ لنك املغول .من املثري أنَّه ال يكاد أحد من األتراك اليوم يكره هذا الطاغيةَ
من املذابح يف األانضول بعد أن هزم السلطا ابيزيد العثمان األول الذي مات يف األسر عنده .ويُعد
تيمور لنك من أبطال األمة التكية يف ُعرف األتراك!
***
ال شك َّ
أن هذه الركةَ (يف بدايتها) كانت انتفاضةً ضد تدنيس البقاع املقدسة مبظاهر القبورية ،ورموز
الوثنية من األضرحة وتكاّي الصوفية والطقوس اهلندوكية اليت كانت تقام حّت داخل املسجد الرام
ك كرامةُ اإلسالم يف مهبط الوحي واإلهلام منذ قرون .فأاثرت تلك الرموز
واملسجد النبوي ،فتُ ْن تَ َه ُ
واملشاهد الدخيلةُ حفيظةَ املؤمنني فاندلعت هذه الثورةُ التوحيديةُ كانفجار ملشاعر مجاعة من أهل
لالستغالل يف أيدي مجاعة من املر ِّ
تزقة ِّ متاعا
أصبحت ً
ْ المية واإلميان اخلالص ،لكنها ما لبثت حّت
يدمرون األضرحةَ ويقتلون املشركني األواثن ِّ
ِّ اخلوارج من أعراب املنطقة النجدية ،وإذا هبم ينقضون على
ِّ
التوحيد... ليتوب ،وال يُرشدوهنم إىل ب وال ُميهلون أح ًدا من أهل الشرك ِّ
َ عبدة القبور ،ويبثون الر ْع َ
والصرب واألانةَ ،فتكوا ِّ
واملعرفة ،ال يعرفون الكمةَ والرمحةَ األجالف اجلفاةُ كانوا ِّخ ًلوا من العلم
ُ ِّ
هؤالء
َ
ورائهم ُمسعةً سيِّئةً ودخلوا بذلك يف سجل اخلوارج عند املؤمنني املوحدين أهل االستقامة واالعتدال،
ِّ
القيامة! اسم "الوهابية" لتكون وصمة ِّ
العار على نواصيهم إىل يوم وألصقت هبم الصوفيةُ النقشبنديون َ
وصف
-حسنًا ،أال يؤمن األتراك ابهلل إذن ،وهم يصلون ويصومون وحيجون ويزكون؟ هل يصح أ ْن يُ َ
أن من يتجرأُ على مثل هذا اإلدعاء بطريقة التأويل الشك َّ
َّ الشعب بعمومه أنه خارج عن امللَّ ِّة؟!
ُ هذا
الفتنة ،يتجاهل املاكر فإنه آمث التفكري ،خبيث الطوية ،قلبهُ نغْل ،وهو انزع إىل الشر ،مستعد إليثار ِّ
ُ
مثل هذا السؤال العتيد يُعد من أخطر طرح ِّ أن َ الفرق بني مفهومي التخصيص والتعميم ...كما َّ
املو ِّح ِّد أن يتوخى الذر الشديد يف مواجهة هذا السؤال الفخوخ .لذلك جيب على الشخص النيف َ
اخلطري وأشباهه .كما ينبغي التأكيد هنا على أن (املُ ْسلُ َمانِّي ِّني فحسب ،الذين ُيفون ُك ْف َرُه ْم يف
إخالء ضمائرهم من الشك ِّ إلادهم ،ال يتمكنون من أنفسهم) بل وحّت األشخاص الذين يُ ِّ
صرحون َ
واإلنكار يف كل حياتم .ألن مفهوم للا إمنا يعرب عن قوة خارقة ِّ يف للا وهم متأرجحون بني اليقني
مجادا) ،أن مينع نفسه من االستشعار واالدراك حبيث ال ميكن ألي شيء يف الكون (سواء أكان حيا أم ً
يه َّن وإِّ ْن ِّمن َشيء إَِّّال يسبِّح ِّحبم ِّدهِِّّ سبِّ ُح لَهُ َّ
ُ َ ُ َْ ْ ْ ض َوَم ْن ف ِّ َ
الس ْب ُع َو ْاأل َْر ُ
ات َّ الس َم َاو ُ بوجوده سبحانه" .تُ َ
ِّ ِّ
ورا( .اإلسراء )44 :جيب التأكيد هبذه املناسبة على َّ
أن يما غَ ُف ً َولَك ْن َال تَ ْف َق ُهو َن تَ ْسبِّ َ
يح ُه ْم إِّنَّهُ َكا َن َحل ً
كل األسرار اليت تفصل بني الشرك والتوحيد كامنة يف هذا الواقع. َّ
َق على األجانب الذين وأما املوسويةَُّ :
فإهنا صفة تُطل ُ اليهود بعد أن جاءَ به موسى عليه السالمَّ .
ُ 16اليهودية :مصطلح مستحدث يطلق على الدّينة اليت َح َّرفَ َها
اعتنقوا اليهودية أسوةً ابليهود على أثر دعاية أو بسبب آخر.
أن املتخصصني األتراك يف العقيدة اإلسالمية قد جتاهلوا الفروق اليت تفصل بني اإلسالم ومن املثري َّ
متاما ِّ ِّ
وال ُْمسلُ َمانيَّة لسبب ما! كما يربهن على هذا الواقع؛ أن مقررات املدارس الدينية الشعبية خالية ً
من البحث يف شيء من التفريق بني اإلسالم وال ُْمسلُ َمانِّيَّ ِّة .ومن أشهر ال ُكتُ ِّ
ب املدرسية يف هذه
املؤسسات التعليمية؛ كالعقيدة النسفية للمؤلف جنم الدين عمر النسفي (1142-1067م) ،وشرح
العقائد للمؤلف سعد الدين مسعود بن عمر التافتازان (1390-1322ه ،).والكفاية يف اهلداية
للمؤلف نور الدين الصابون (580ه1184 .م ،).تلو من أدىن إشارة إىل مفهوم ال ُْمسلُ َمانِّيَّ ِّة مما يدل
ت على أساس أن هذه الدّينةَ إمنا بُنِّيَ ْ
على َّأهنا مل تكن قد نشأت يف تلك القبة .ألن الواثئق تشري إىل َّ
گان الذي ظهر حواىل 1230م .بهود ومشاركة شخصيتني من الصوفية ،ومها اج ِِّّ ِِّّ
الصويف اخلَُو َ ِّ
التيار
البحوث
ُ عبد اخلالق الغُ ْج َد َو ِّان (1179-1103م ).وأمحد اليسوي (1166-1093م .).كما تلو
ِّ
ابالضافة العلميةُ احملليةُ (يف َمال العقيدة) من بيان صنوف املعتقدات املنتشرة على الساحة التكية.
نفسها تعان من اختالفات دخلية .فعلى ِّ ِّ ِّ ِّ
التناقضات َّ
فإن حركةَ إحياء العقيدة النيفة َ إىل كل هذه
سبيل املثال:
ال ننسى أن املوحدين لكوهنم أقليةً ضعيفةً يف اجملتمع التكي يتعرضون يف هذه الظروف لمالت
ت هبم األكثريةُ املشركةُ يف
وتشم ُ
ُ السحق والقهر واإلذالل ابستمرار ،وذلك بدعم من املخابرات
الوقت نفسه ،كما تعدهم مرتبطني مبنظمات إرهابية اتبعة ل "القاعدة" و "داعش" .يربهن على هذا
الواقع؛ أن العديد من قادة املو ِّحدين وعلماء اإلسالم يف تركيا ت اعتقاهلم ونُِّق َل بع ُ
ضهم إىل ِّ
جبال
طوروس فتعرضوا هناك للتعذيب ،وذلك يف الفتة اليت كانت فيها الشرطة والقضاء حتت سيطرة
"منظمة فتح للا كولن اإلرهابية".
مثريا للجدل ما إذا كان مصطلح "السلفية" امسًا شامالً جلميع الطوائف التوحيدية .كما
)2ال يزال ً
ال يزال هناك جدل حول ما إذا كان هذا املفهوم يتداخل مع مفهوم "أهل السنة واجلماعة" .أو بينهما
مجهور الصوفية الذين ال يؤمنون مببدأ التوقيفية (وحّت
َ عموم وخصوص ،عالوة على ذلك؛ َّ
أن
النقشبنديني العنصريني) يعدون أنفسهم من "أهل السنة واجلماعة" ،مما يدل ذلك على ضخامة
املشكلة وكم يبدو حلها من املستحيل.
)3ما هي وجهة نظر اجملموعات التوحيدية حول العاملني يف املؤسسات اخلاضعة لسيطرة النظام،
كفروهنم ،أم يَعدهنم من أهل القبلة؟ وخاصة العاملني يف مديرية الشؤون الدينية واملساجد يف تركيا؛ أي ِّ
ُ
العلمي -يف الوقت الراهن ،حيث ال توجد سلطة ِّ لألسف ،تظل هذه األسئلة بال إجابة -ابملعىن
"ميتَ ِّة اجلاهلية" ال يقتصر على أفراد اجملتمع اجلاهل فإن خطر ِّ ِّ
مجيع املوحدين .لذلك؛ َّ َ خمتصة ُمتث ُل َ
الناس مبا فيهم املوحدين الذين يكرسون بصدق لنشر التوحيد وإحياء فحسب ،بل يشمل مجيع ِّ
صموا ِّحبب ِّل َِّّ النظام الراشدي! ألن للا تعاىل أمر َ ِّ
يعامج ً اّلل َِّ نني بتوحيد الصفوف فقالَ " :وا ْعتَ ِّ ُ َْ عباده املؤم َ
للا صلى للا ول ِّ َوَال تَ َف َّرقُوا "...وقد ورد يف الديث النبوي عن عبد للا بن عمر "قالَِّ :مس ْع ُ
ت َر ُس َ 17
س ِِّف ُعنُ ِّف ِّه القيَ َام ِّة ال ُحجةَ لهَُ ،وَم ْن َم َ
طاعةِّ ،لقى للا ي وم ِّ ِّ
ات َو ْلي َ َ َ َْ َ ولَ :م ْن َخل َع يَ ًدا م ْن َ
عليه وسلم يَ ُق ُ
ات ِّميتةً ج ِّ
اهليةً". بي َعةَ ،م َ َ َ
)4على األرجح ،مل يتجرأ إىل اليوم أحد من علماء االجتماع ،وال أحد من األكادميني األتراك
املتخصصني يف العلوم اإلسالمية على إجراء دراسة علمية تشمل نشاطات الركة التوحيدية يف تركيا،
حذرا من أن تناهلم مساءة من قِّبَ ِّل النظام .بينما تُظهر هذه القيقة مدى أمهية البحث يف فك
رمبا ً
رموز مفهوم الرية على الساحة تركيا ،وتشري اإلرهاصات إىل وقوع مصادمات بني الركة التوحيدية
والنظام يف مقبل غري بعيد .والبد هنا من التأكيد على أن أكرب خطر قد يتعرض له املثقفون والعلماء
الشرك املنتشرةِّ يف تركيا هى املؤامرة السياسية .لذلك ،من األمهية مبكان أن
ِّ مبحاربة ِّ
كارثة ِّ امللتزمون
دورّي واألوضاع اليت تديرها
يكون هؤالء الشخصيات على حذر ابلغ من املناخ السياسي املتغري ً
الكومات .فال ينبغي أن ننسى أن الشرك أو التوحيد ليسا مهمني إطالقا يف اعتبار الكومات وال
يف نظر النخب السياسية .بل على العكس من ذلك ،ال ميكن أن يكون الشرك والتوحيد سوى وسيلة
النظام
َ دعائية وفق السياسة اليت تنتهجها الكومات .لذلك إذا مسحت الظروف ابنتشار الشرك ،فإن
سيفضل بال شك االستعانة ابملشركني ،كما كانت وال تزال السياسة هذه مستمرةً يف ما مضى بشكل
عام .يف واقع األمر ،جند غالبًا العبارات التالية يف خطاابت السياسيني وبياانتم ،وهي تبدو عاديةً
"كل فرد حر يف ممارسة دينه ومعتقده .ال جيوز إهانة أحد بسبب معتقداته .وال جيوز إجبار أي شخص
على االعتاف بدينه أو معتقده أو تغيريمها؛ دّينة كل مواطن ومعتقداته مكفولة وفقا ألحكام
18
الدستور".
على الرغم من هذه املادةِّ الدستورية ،فإن ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّةَ والتيارات الصوفيةَ ِّ
بكل مفاهيمها وشعاراتا
ِّ
إذالل املؤمنني املوحدين اجملتمع على ض ِّ
النيف و ُحت ِّر ُ شجعان على اإلهانة ابلدين اإلسالم ِّي تُ ِّ
َ
اجها يف َملد واحد وليس يف ِّ
وسحق ِّه ْم .وقد يكلف ضب ُ
ط تلك املفاهيم والشعارات واهلتافات وإدر ُ
ب السياسيَّةُ أب ًدا أبي نَ َدم أو قلق من إذالل الدين قائمة لكثرتا .هذا ،وال يشعر الكام والن َخ ُ
دعما من الْ ُم ْسلُ َمانِّيني الدمهاء َّ
السذج الذين تتكون أغلبية النيف وأهل التوحيد ،ألهنم َّ
يتلقو َن ً
اجملتمع منهم.
ِّ
والشود ِّ
اإليديولوجية ات ِّ
االجتماعية واملعسكر ِّ استمداد قوتم من الفئات دائما
َ نعم ،حياول الطغاة ً
ِّ
وإيديولوجيات األقليات بشكل خاص .ألن ِّ
معتقدات غض النظر عناليت تتألف منهم األغلبيةُ ،بِّ ِّ
ِّ
الفاظ على بقائهم يف السلطة إذا تصرفوا هبذه الطريقة .هلذا ،فإن املستبدين إمنا حيظون فرصة
ط الدينيةَ املشتكةَ
كرها) ال حتتم الرواب َ
طوعا أو ً ِّ
السياسية اليت تنقاد هلا األكثريةُ ( ً القابضني على مقاليد
بينها وبني األقليات يف اإلغلب .هلذا السبب ،ال يتساحمون أب ًدا مع التجمعات التوحيدية اليت تقوم
عقبةً أمامهم من حني آلخر .وأبعد من ذلك؛ أهنم قد يلجئون إىل تفعيل شبكات عميقة لقمع اهليكل
التوحيدى بل وحّت لتدمريه مّت تطلَّبته سياستُهم .وال شك أهنم قد استخدموا الشبكة العميقةَ كلما
والقضاء عن القيام إبدانتهم بطرقِّ دعت حاجتُهم للتغلب على خصومهم حني عجز جهاز األمن
نفسها للخطر،
ض َ السياسي تُ َع ِّر ُ
َّ النظام
َ قانونية .هناك خاصية َمربة يف طبيعة هذا املوقف .وإال فإن
وذلك يتعارض مع فلسفة املصلحة الرباغماتية .هبذه املناسبة ،هناك سؤال خطري للغاية يشغل أذهاننا؛
متاما
هل جيوز أن تشعر األقليةُ التوحيديةُ ،اليت ليست سوى فصيلة اجتماعية شفافة مساملة وخالية ً
من العنف ،هل جيوز أن تشعر ابألمان يف بيئة الصراعات اليت جتري اليوم بني فئات الصوفية
واملعسكرات اإليديولوجية على الساحة التكية؟! هذا السؤال مهم للغاية .ألنه متكنت شبكة عميقة
إن نشاطات هذا الْ ُمالَّ البنطسي ودعاّيته املضللة اليت نُ ِّشرت على موقع www.youtube.comعرب
آالما شديدة يف ضمائرهم .هذا،
الشبكة العنكبوتية قد أساءت بال شك إىل املوحدين األتراك وأاثرت ً
وتشري التوقعات إىل أن الكومةَ إذا تناغمت يف سياستها مع النقشبنديني وأرخت العنان هلم يف
مواصلة نشاطاتم ،فإن املوحدين سيَ َد ُعو َن صمتَهم على جانب ،وسريفعون أصواتم ال حمالة .إن
الروب الدينية والطائفية اليت جتري اليوم يف الشرق األوسط حتمل تنبؤات عرب مالبساتا وتداعياتا
حبدوث مواجهات بني أهل التوحيد وبني املشركني على الساحة التكية يف مقبل غري بعيد .إالَّ أن
كبريا من
قدرا ً
مسؤولية هذا العراك لن تقع على املوحدين فحسب ،بل ستتحمل الطوائف املشركة ً
وابله.
إن النظام الاكم لن يُهمل محاية هذا املال الذي هو أحد أبرز رموز النقشبنديني البنطس ،رغم أهنم
تورطوا يف ارتكاب ثالث جناّيت على األقل ،فقد يتم دعمهم بطريق الدولة العميقة لتهيب
املوحدين!.
***