You are on page 1of 20

‫للا‬ ‫اه‬‫ض‬ ‫ت‬‫ار‬ ‫ي‬ ‫ِّ‬

‫الذ‬ ‫ين‬ ‫ِّ‬


‫الد‬
‫َْ َ ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫اإلسالَ ُم ِّأم ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّةُ‬
‫أ َُه َو ْ‬

‫***‬ ‫***‬

‫‪PART-24‬‬
‫معوقات وخماطر الدعوة إىل اإلميان بوحدانية للا تعاىل‬
‫‪Obstacles and Dangers in Calling to Tawhid‬‬

‫أتليف‬
‫فريد صالح اهلامشي‬
‫‪Copyright©2018 by‬‬
‫‪Feriduddin AYDIN‬‬
‫‪feriduddin@gmail.com‬‬

‫إسطنبول‪2018-‬م‪.‬‬

‫دار العِرَب للطباعة والنشر‬

‫‪al_ibar.publishing@yahoo.com‬‬
‫معوقات وخماطر الدعوة إىل اإلميان بوحدانية للا تعاىل‪ ،‬ونبذ اإلشراك به‪.‬‬

‫اك معه ِّ‬


‫بكل‬ ‫القيام إبقناع الناس ليؤمنوا بوحدانية للا تعاىل انبذين االشر َ‬ ‫وأثقل عبئًا ُ‬‫أشد خطورةً َ‬ ‫إنَّه ما َّ‬
‫همة‪ ،‬يكفي إجراءُ حبث وجيز‬ ‫صعوبة هذه امل ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ص َوِّرهِّ ووسائِّلِّ ِّه وأسبابِّ ِّه ابلقول والعمل‪ ...‬ولَِّف ْه ِّم مدى‬
‫ُ‬
‫للا ومعاان ُتم يف وجه املشركني والطواغيت مبا أذاقوهم من أمناط‬ ‫عن حياة األنبياء‪ .‬إذ أييت ابتالء رس ِّل ِّ‬
‫ُ ُُ‬
‫الناس إىل اإلميان ابهلل وحده‪ ،‬أييت ابتال ُؤهم على رأس األحداث الرهيبة‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫اجلفاء واألذى أّي َم دعوتم َ‬
‫ي بِّنا أن نتأم َل برهةً كيف‬
‫سجلَها اتري ُخ البشرية‪ .‬إ َّن املكلَّفني بتبلي ِّغ رساالت للا إىل الناس َلَ ِّر ٌّ‬ ‫اليت َّ‬
‫االعتداء والتعذيب‪ ،‬وكم ذاقوا من اضطهاد وآالم يكل‬ ‫ِّ‬ ‫تعرضوا للسخرية واإلهانة‪ ،‬وكم انلوا من‬ ‫أهنم َّ‬
‫تعرضوا لالغتيال‪ ،‬وكم استُ ْش ِّه َد منهم على يد الظلمة أببشع أشكال‬ ‫اللسا ُن عن ِّ‬
‫وصفها‪ ،‬وكم منهم َّ‬
‫القتل والفتك‪...‬‬

‫عاما فلم يستجيبوا‬ ‫ِّ‬


‫أييت على رأسهم نيب للا نوح عليه السالم‪ ،‬ظل يدعو قومه ألف سنة إال مخسني ً‬
‫له‪ ،‬رغم جهود ه املتواصلة بل كانوا يسخرون منه كما جاء يف قوله تعاىل‪َ " :‬ك َّذبَ ْ‬
‫ت قَ ْب لَ ُه ْم قَ ْو ُم نُوح‬
‫ص ْر‪ 1".‬مث دعا عليهم أبشد من ذلك‪،‬‬ ‫فَ َك َّذبوا َعْب َد َان وقَالُوا ََْمنُون وا ْز ُد ِّجر * فَ َد َعا ربَّهُ أَِّن مغْلُوب فَانْ تَ ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِّ‬ ‫ب َال تَ َذر علَى ْاألَر ِّ ِّ‬ ‫ال نُوح َر ِّ‬
‫ين َد َّّي ًرا‪ ".‬مما يدل على احملنة‬ ‫ض م َن الْ َكاف ِّر َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫كما أخرب تعاىل يف قوله‪َ " :‬وقَ َ‬
‫األنبياء قُتِّلوا على يد بين إسرائيل كما قال تعاىل‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫اليت وصل إليها رغم حرصه على هدايتهم‪ .‬وكثري من‬
‫ْربُْت فَ َف ِّريقاً َك َّذبْ تُ ْم َوفَ ِّريقاً تَ ْقتُ لُو َن‪ 2،‬وقال تعاىل‪:‬‬
‫استَك َْ‬
‫س ُك ُم ْ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫"أَفَ ُكل َما َجاء ُك ْم َر ُسول مبَا الَ َتَْوى أَن ُف ُ‬
‫صواْ َّوَكانُواْ يَ ْعتَ ُدو َن‪ 3.‬قيل أهنم نشروا زكرّي عليه السالم‬ ‫ك ِّمبَا َع َ‬ ‫ني بِّغَ ِّْري ا ْلَِّق ذَلِّ َ‬
‫" َويَ ْقتُ لُو َن النَّبِّيِّ َ‬
‫شار‪ ،‬وقدموا رأس حيي عليه السالم لِّبَغِّي من بغاّيهم‪ ،‬ومل يكن إيذاءُ مشركي قريش للرسول حممد‬ ‫ابملن ِّ‬
‫أبخف مما تعرض له األنبياء والرسل قبله من التهديد والتعذيب‪ .‬فإن حماولةَ كل‬ ‫َّ‬ ‫صلى للا عليه وسلم‬
‫ِّ‬
‫األمثلة‬ ‫من ُع ْقبَةَ بْ ِّن ِّأِب ُم َع ْيط‪ ،‬وأِب جهل‪ ،‬واتفا َق فريش يف دار الندوةِّ على قتله‪ ،‬يُ َعد من أشهر‬
‫األنبياء والرسل‪ ،‬وإيذائِّهم على يد خصومهم‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫على حمنة‬

‫ِّ‬
‫املهمة اخلطرية‪ ،‬جيب عليه ‪-‬أوالً وقبل كل شيء – أن يكون‬ ‫إذًا أي شخص ي َّ‬
‫تصدى للقيام هبذه‬
‫ِّ‬
‫ملواجهة ما سوف يتعرض له من القهر‬ ‫ًّ‬
‫مستعد بكمال العزمية‬ ‫ِّ‬
‫األنبياء‪ ،‬متفك ًرا يف ابتالئهم‪،‬‬ ‫متعظًا حبياة‬
‫واإلزالل؛ وأن يكون ‪-‬مع ذلك‪ -‬عاملًا حبقيقة التوحيد‪ ،‬يدعو به على بصرية ويقني وإخالص‪ ،‬وينطلق‬

‫‪ 1‬القمر‪10 ،9 :‬‬
‫‪ 2‬البقرة‪87 :‬‬
‫البقرة‪61:‬‬ ‫‪3‬‬
‫ميتاز بصفات ومؤهالت تدل على‬ ‫األدلة والرباهني الشرعية والعقلية‪ ...‬كما جيب أ ْن َ‬ ‫ِّ‬ ‫على أساس‬
‫والوقار‪ ،‬واملروؤةِّ‪ ،‬والصرب‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫كفائته البشرية والعلمية واألخالقِّيَّ ِّة من املعرفة اجلامعة‪ ،‬والثقافة الواسع ِّة‪،‬‬
‫حكيما يف بيان حججه؛‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫واألانة‪ ،‬والرفق‪ ،‬وحسن األداء يف التعبري والتوضيح؛ ويكو َن لطي ًفا بليغًا و ً‬
‫ب ظالل اجلبابرة‪ ،‬وال ُْحي ِّج ُم عن قول الق يف‬ ‫جريئًا‪َ ،‬ج ْل ًدا‪ ،‬ذا صالبة على حتم ِّل املكاره‪ ،‬ال يتهي ُ‬
‫حماولة إلزام اجلائر واملراوغ‪...‬‬

‫فردا أو‬
‫املتصدي جلحافل الشرك وقواته وجيوشه (سواء كان هذا العازم على اجلهاد املسلح ً‬ ‫ِّ‬ ‫أما‬
‫غري عادية على الصعيد الد َوِِّّل‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ينبغي‬ ‫حتما أن ميَُثِّ َل َّ‬
‫قوةً وسلطةً َ‬ ‫مجاعةً) فإنه جيب عليه ً‬
‫ِّ‬
‫والدهاء يف خططه وتدابريه‪ ،‬واملعرفة بفنون الرب والقتال؛ ويكون‬ ‫أن ميتاز أبعلى درجة من الشجاعة‬
‫العدو بنصيب وافر من املال والسالح والعتاد‪ ...‬مث جيوز له أن ينطلق على رأس جيش‬ ‫أقوى من ِّ‬
‫ِّ‬
‫املناسبة إىل أن اإلسالم مل يسمح ملن ال ميلك‬ ‫مدرب عارم ال قِّبَ َل للمشركني به‪ ...‬وجتدر اإلشارة هبذه‬
‫َّ‬
‫شكل‬
‫ُ‬ ‫أي نظام سياسي قائم" مهما كان‬ ‫هذه القدرةَ الفائقةَ واملؤهالت‪ ،‬مل يسمح له ابلتمرِّد على " ِّ‬
‫ِّ‬
‫واجلماعات‬ ‫اد‬ ‫ِّ‬
‫اإلسالم األفر َ‬ ‫أي حماولة َّ‬ ‫ذلك النظام‪ ،‬كما َّ‬
‫ف علماءُ‬
‫ص َ‬ ‫ضد الكم القائم فتنةً‪ .‬وقد َو َ‬ ‫عد َّ‬
‫نفسها يف مثل هذه املتاهات ب "اخلوارج" و"البُغاةِّ" و"أهل الفتنة" كتنظيم "القاعدة"‬ ‫ِّ‬
‫اليت تُ ْقح ُم َ‬
‫صريني وأمثاهلم من اإلرهابيني‪ .‬وليس من الغريب تسميةُ الوهابيني‬ ‫و"الفلول الداعشية" والتكفرييني امل َ‬
‫هلم ب "كالب النار" بسبب نشاطاتم املدمرةِّ يف الشرق األوسط وإلاقهم خسارات فادحة أبرواح كثري‬
‫ِّ‬
‫لالعتداء‬ ‫ِّ‬
‫اإلسالم‬ ‫ِّ‬
‫ع هبا أعداءُ‬
‫تذر َ‬
‫األبرّيء فضالً عما تركوا من اخلراب والدمار والسمعة السيئة اليت َّ‬ ‫من‬
‫على الدين النيف‪.‬‬

‫كثري من ِّ‬
‫املغتين أبنفسم يرتكبون اليوم أخطاء جسيمةً لعدم استقطاب اهتمامهم على االستاجيات‬
‫املذكورة آن ًفا‪ ،‬فيحاولون التعامل مع هذه القضية مبشاعر عاطفيَّة محاسية حبتة دون امتالك معرفة‬
‫ِّ‬
‫اضطهاد‬ ‫ضا يف‬
‫أنفسهم فحسب‪ ،‬بل يتسبَّبون أي ً‬ ‫كافية‪ .‬لذلك فَ هم ال جيذبون خماطر كبريةً على ِّ‬
‫َ‬ ‫ُْ‬
‫كة الشرق‪-‬أوسطية‪.‬‬ ‫األقليات املؤمنة ِّ‬
‫املوحدةِّ من قِّب ِّل األنظمة السياسية واجملتمعات املشر ِّ‬
‫َ‬

‫أشد األمور تعقي ًدا وخطورةً‪.‬‬ ‫أن إاثرة ضمري اإلنسان حنو التفكري ِّمبَ ْخلُوقِّيَّتِّ ِّه من ِّ‬
‫ال ينبغي أن ننسى َّ‬
‫تدي ًدا وإهانةً بكرامته؛ ألنه عندما يُ َذ َّك ُر أبن‬ ‫ألنه يتلقى مثل هذا التنبيه مبعىن التحذير‪ ،‬بل قد يعدهُ ِّ‬
‫مثقال ذرة يف السماوات وال يف‬ ‫يعزب عنه ُ‬ ‫ِّ‬
‫للاَ ُمنفرد يف إرادته ومشيئته‪ ،‬حيكم ويقد ُر وحده‪ ،‬ال ُ‬
‫تقلص‬
‫ب وقتئذ يف نفسه ابل َ‬ ‫األعني وما ُتفي الصدور‪ ...‬عند ذلك يشعر املخاطَ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫يعلم خائنةُ‬
‫األرض‪ُ ،‬‬
‫يستطيع‬ ‫ِّ‬
‫واالنبهار‪ ،‬وال يكاد‬ ‫واإلنصهار أمام السلطة اهلائلة اليت حتيط ابلكون‪ ،‬فيغرق يف حبر من الريةِّ‬
‫ِّ‬
‫ُ‬
‫العظيمة بطر ِّيق إشر ِّ‬
‫اك‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫السلطة‬ ‫اخلروج منه‪ ،‬فيقوم بردود فعل مثرية لالهتمام‪ ،‬فيلجأ إىل ِّ‬
‫إنكار هذه‬ ‫َ‬
‫اإلنتقام ممن يُنَ بِّ ُههُ‪ ...‬هذا هو السر الذي تكمن فيه معاانةُ األنبياء‬
‫َ‬ ‫آهلة خمتلَ َقة مع للا‪ ،‬وقد حياول‬
‫ِّ‬
‫األزمنه هم‬ ‫اك ابهلل من األسرة البشرية يف كل دهر على مدار‬ ‫أن ضحاّي اإلشر ِّ‬ ‫وآالمهم‪ ،‬كما يَ ِّشي َّ‬
‫ُ‬
‫أضعاف أضعاف املؤمنني بوحدانية للا جلت عظمتُهُ‪.‬‬

‫تلمسهُ أيديهم‪ ،‬لذلك يسرحون ويستغرقون‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫إن معظم ِّ‬ ‫َّ‬
‫الناس يشكون يف وجود ما ال تُبص ُرهُ عيوهنُم وال ُ‬
‫يف تي ِّل َم ْن َخلَ َق ُه ْم وأبدع هذا الكو َن‪ ،‬فال يكاد كثري منهم يطمئن بوجود خالق التبدو هلم ً‬
‫جهارا‪.‬‬
‫ِّ‬
‫األنبياء‪.‬‬ ‫وقد جاء يف القرآن الكرمي ما يربهن على هذه القيقة من اعتاض اليهود والنصارى على‬
‫الص ِّ‬ ‫َن نُ ْؤِّم َن ل َ‬
‫اع َقةُ َوأَنْ تُ ْم‬ ‫َك َح َّّت نَ َرى َّ‬
‫اّللَ َج ْه َرةً فَأَ َخ َذتْ ُك ُم َّ‬ ‫وسى ل ْ‬ ‫فيقول تعاىل‪َ " :‬وإِّ ْذ قُلْتُ ْم َّي ُم َ‬
‫وسى‬ ‫اب أَ ْن تُن ِّز َل علَي ِّهم كِّتااب ِّمن َّ ِّ‬ ‫ُك أ َْهل الْكِّتَ ِّ‬
‫الس َماء فَ َق ْد َسأَلُوا ُم َ‬ ‫تَ ْنظُُرو َن‪ ".‬وقال تعاىل‪" :‬يَ ْسأَل َ ُ‬
‫‪4‬‬
‫َ َْ ْ ًَ َ‬
‫ضوء هذه اآلّيت الكرمية‬ ‫اع َقةُ بِّظُل ِّْم ِّهم‪ 5"...‬فهنا يف ِّ‬ ‫الص ِّ‬ ‫ك فَ َقالُوا أ َِّرَان َّ‬
‫اّللَ َج ْه َرةً فَأَ َخ َذ ْتُ ُم َّ‬ ‫رب ِّم ْن ذَلِّ َ‬
‫ُ‬ ‫أَ ْك ََ‬
‫سرا من أهم أسرار ما جيول يف صدور أكثر الناس‪ ،‬وهو ارتياهبم يف وجود خالق واحد أبدع‬ ‫نستكشف ًّ‬
‫اإلنسان يف مواجهة الغيب‪ .‬ذلك أن للا سبحانه‬ ‫ِّ‬ ‫هذا الكون؛ كما يدل هذا السر على خطورة ابتالء‬
‫امتحن عباده ابلغيب (لكمة) من لدن آدم إىل اليوم‪ ،‬يتذبذبون يف موقفهم منه بني اإلنكار واليقني‪،‬‬
‫فال ينجو من خطر هذا املأزق إالَّ قليل يهديهم للا بتوفيقه‪ .‬أما األكثريةُ فإهنم خمتلفون يف موقفهم‬
‫وح ْك ِّم ِّه ْم فيه؛ منهم َمن يَظل متحنًا طوال حياته بني الرد والقبول‪،‬‬
‫منه‪ ،‬ومتفاوتون خبطراتم وشكوكهم ُ‬
‫مييل اترةً إىل اليقني ابلغيب وينزاح عنه إىل اإلنكار اترةً أخرى‪ ،‬ومنهم َمن يُلحد ابلرف الواحد‬
‫إقناع الناس بوحدانية للا تعاىل‪ .‬كما‬
‫ويستغرق يف إنكاره‪ ...‬هذا هو السر الذي تكمن فيه مشكلةُ ِّ‬
‫إن ردود‬ ‫ِّ‬
‫القبورية وعبادة املوتى‪َّ .‬‬ ‫أكثرهم إىل‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫أن هذه األحاسيس واخلطرات والشكوك هي اليت توجهُ َ‬
‫ابل علماء االجتماع واألطباء النفسيِّني‪.‬‬
‫هؤالء اآلخرين تتميز أبزمة روحية قد يُشغل َ‬

‫املخاطب واح ًدا من‬


‫ُ‬ ‫وهلذا‪ ،‬عندما يقوم املرشد بدعوة َمن يشم منه رائحةَ الشرك‪( ،‬كما لو كان‬
‫ضمنيًّا‪ ،‬كما جاءَ األمر ابلدعوة مع مراعاة‬ ‫اعه ولو ِّ‬ ‫الصوفية أو من األاتتركيني)‪ ،‬إذن جيب أ ْن حيذر إفز َ‬
‫ِّ‬ ‫ك ِّاب ْلِّكْم ِّة والْمو ِّعظَ ِّة ا ْل ِّ ِّ‬
‫يل َربِّ َ‬
‫جانب الرفق يف قوله تعاىل‪" :‬ا ْدعُ إِّ َىل َسبِّ ِّ‬
‫س ُن‬ ‫سنَة َو َجاد ْهلُ ْم ِّابلَِّّيت ه َي أ ْ‬
‫َح َ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ َْ‬

‫‪ 4‬البقرة‪55 :‬‬

‫‪ 5‬النساء‪153 :‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ك ُه َو أَ ْعلَ ُم ِّمبَ ْن َ‬ ‫إِّ َّن َربَّ َ‬
‫األنبياء عليهم‬ ‫أسلوب‬
‫ُ‬ ‫ين‪ 6".‬كذلك كان‬ ‫ض َّل َع ْن َسبيله َو ُه َو أَ ْعلَ ُم ِّابل ُْم ْهتَد َ‬
‫يسى‬ ‫ِّ‬
‫الصالةُ والسالم‪ ،‬كما جاءَ يف قوله سبحانه على لسان املسيح عليه السالم‪َ " :‬ول ََّما َجاءَ ع َ‬
‫ون‪ 7".‬ذلك‬ ‫ال قَ ْد ِّج ْئ ت ُكم ِّاب ْلِّكْم ِّة وِّألُب ِّني لَ ُكم ب عض الَّ ِّذي َتْتلِّ ُفو َن فِّ ِّيه فَاتَّ ُقوا َّ ِّ‬
‫َطيع ِّ‬ ‫ِّابلْب يِّنَ ِّ‬
‫اّللَ َوأ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ ْ َْ َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ات قَ َ‬ ‫َ‬
‫ِّ‬
‫املخاطب حنو توحيد للا‬ ‫تطبيع‬
‫َ‬ ‫ابألواثن مباشرةً قبل حماولتِّ ِّه‬ ‫ِّ‬ ‫صرح يف إرشاده اإلهانةَ‬ ‫أن الداعيةَ إذا َّ‬
‫األضرحة إساءةً مبشاعره وتدخالًّ فيما بينه وبني‬ ‫ِّ‬ ‫النهي عن عبادة‬ ‫ابلكمة‪ ،‬لرمبا أاثره‪ ،‬فجعله يتلقى َ‬
‫حتذير‬ ‫ِّ‬
‫ابب اجلدل وحيبط جهود املرشد والداعية‪ .‬تلك مفاجأة تُعجل خيبةَ األمل‪ .‬ألن َ‬ ‫تح َ‬ ‫نفسه‪ ،‬مما يف ُ‬
‫املخاطب)‬ ‫اك بطريق مباشر ودون اختيار جانب املرونة سيجعل (هذا‬ ‫مهالك اإلشر ِّ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫املرشد خماطَبَهُ‬
‫َ‬
‫املشرك إذن لن أيخذ نُصحه‬ ‫َ‬ ‫عوائق‪ :‬القوانني‪ ،‬واألعراف‪ ،‬واملصلحة‪ .‬فإن الشخص‬ ‫َ‬ ‫ُحم َدقًا بثالث‬
‫معادّي ضد‬ ‫ًّ‬
‫مستعدا للتغلب على هذه العقبات الثالث‪ ،‬وقد يتخذ موق ًفا ً‬ ‫على حممل اجلد ما مل يكن‬
‫هذا املرشد القاصر‪ ،‬كما حيدث لكثري من السلفيني املعاصرين بسبب فظاظتهم يف جدال املشركني‪،‬‬
‫وهم معرضون اليوم هلجمات النقشبنديني واألاتتركيني‪ .‬كل ذلك لقلة معرفتهم ابألسلوب القرآن‬
‫الكيم‪ ،‬والسرية النبوية الشريفة يف معاملة املالحدة واملشركني‪ ،‬وجلهلهم آبداب الدعوة واإلرشاد‬
‫األمثل يف حماولة إصالح املتددين‪...‬‬

‫املستفادةِّ من خالل الياة اإلجتماعية‪ ،‬جيب التأكيد مرة أخرى على َّ‬
‫أن‬ ‫فعلى ِّ‬
‫ضوء هذه املعطيات‬
‫َ‬
‫ص ِّح ُحوا‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫اعتقادهم يف إطار التوحيد‬ ‫َ‬ ‫َم ْن يتصدى لدعوة شخص أو مجاعة من الْ ُم ْسلُ َمانيِّني يف تركيا ليُ َ‬
‫وأن املوتَى كانوا كائنات بشريةً من أمثالنا‬ ‫وحكم ِّه‪َّ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫حة يف مشيئتِّ ِّه‬
‫عين عن األضر ِّ‬
‫َ‬ ‫القرآن ‪-‬أب َّن للا ٌّ‬
‫ِّ‬
‫صوات‬
‫خلقهم للا من العدم دومنا إرادة منهم‪ ،‬مث أرغمهم على املوت دومنا اختيار منهم‪ ،‬ال يسمعون ً‬
‫القائق البَ َد ِّهيَّ ِّة‬
‫ِّ‬ ‫إلقناع ِّ‬
‫الناس هبذه‬ ‫ِّ‬ ‫تصدى‬ ‫وال يستجيبون لدعوة‪ ،‬وال يضرون وال ينفعون‪ - ...‬من ي َّ‬
‫فقد يواجه مشاكل كبرية إذا مل يتصرف حبذر شديد‪.‬‬

‫فإن الداعيةَ مهما كان ذا كفائة يف مهمته وحمتاطًا يف دعوته وإرشاده‪ ،‬فإنه يف خطر‬ ‫على أي حال َّ‬
‫ض إلهانة املشركني واعتدائهم يف أي لظة‪ ،‬كما اتموا النيب صلى للا عليه وسلم اترةً‬ ‫يتعر ُ‬
‫حمتَ َمل‪ ،‬قد َّ‬
‫أبنه ساحر‪ ،‬وقد ذكر للا سبحانه ذلك على لساهنم يف قوله تعاىل‪" :‬إِّ َّن ه َذا لَس ِّ‬
‫احر ُمبِّني‪ 8".‬وقالوا‬ ‫َ َ‬

‫‪ 6‬النحل‪125 :‬‬

‫‪ 7‬الزخرف‪]63 :‬‬
‫‪ 8‬يونس‪2 :‬‬
‫ِّ‬ ‫اترة أخرى‪ :‬إنه مسحور‪ ،‬كما جاء يف قوله تعاىل‪" :‬إِّ ْذ ي ُق ُ ِّ‬
‫ول الظَّال ُمو َن إِّ ْن تَتَّبعُو َن إَِّّال َر ُج ًال َم ْس ُح ً‬
‫‪9‬‬
‫ورا‪".‬‬ ‫َ‬
‫بل مل يكتفوا بذلك فرموه ابجلنون كما أخرب للا سبحانه بذلك يف قوله تعاىل‪َ " :‬وقَالُوا َّيأَي َها الَّ ِّذي نُ ِّز َل‬
‫ك ل ََم ْجنُون‪ 10".‬كل هذه القائق تؤكد على أن الداعيةَ جيب عليه أ ْن يكون مستعدًّا‬ ‫َعلَي ِّه ِّ‬
‫الذ ْك ُر إِّنَّ َ‬ ‫ْ‬
‫لمل أعباء الدعوة أبشكاهلا من التهميش واحملن والنكال إذ يقوم بدعوة املشركني إىل اإلميان بوحدانية‬
‫للا تعاىل ونبذ اإلشراك به‪ .‬ألن غالبية هذا اجملتمع‪ ،‬حّت لو استعرضوا أفانينَهم (بصلواتم وأذكارهم‬
‫ودعائهم) ملتزمني ومتحمسني أبهنم يؤمنون بوجود للا ووحدانيته‪ ،‬فإن هذا االعتقاد ال يتطابق مع‬
‫التوحيد املفهوم من الكتاب والسنة‪ .‬ذلك أن هذه الغالبيةَ متنح َّ‬
‫حق تشريع الدستور للسياسيني‪ ،‬رغم‬
‫حمض حق هلل وحده! كما أن هناك املاليني من الناس اليوم يف تركيا يعتقدون أن شيوخ الطرق‬
‫أن ذلك ُ‬ ‫َّ‬
‫‪11‬‬
‫الصوفية هم وكالء للا يتصرفون يف ملكه‪.‬‬

‫تكن معرفتُهُ واسعةً يف العلوم القرآنية على مستوّيت‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬


‫لذلك فإن املتصدي للدعوة واإلرشاد‪ ،‬مهما ْ‬
‫اإلختصاص‪ ،‬إذا مل يكن هو ذا نصيب وافر يف الوقت ذاته من علم الفلسفة وعلم االجتماع واتريخ‬
‫ِّ‬
‫الصوفية‪ ،‬ومل‬ ‫األدّين واملذاهب والعلوم السياسية وعلم النفس االجتماعي‪ ،‬وذا خربة حول التيارات‬
‫دعما من خرباء علم التوحيد‪ ،‬ومل تكن لديه معرفة وثقافة واسعتان لقراءة العصر؛ فإنه ال يُستبعد‬
‫يتلق ً‬
‫سحق‪ .‬ألنه منتحل ِّ‬
‫دع ٌّي غريُ ذي رشد‪َ .‬مثَ لُهُ كمثل الداعشيني اخلوارج والسلفيني‬ ‫ض لل ِّ‬
‫ُ‬ ‫يتعر َ‬
‫أن َّ‬
‫اجلهاديني الذين أاثروا عا َمل الكفر وجحافل الشرك على ِّ‬
‫القلة املؤمنة من أهل التوحيد الذين هم‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خالصةُ ِّ‬
‫األمة احملمدية يف هذا العصر‪.‬‬

‫إن املرشد إىل التوحيد اخلالص جيب عليه أن يكون أوالً على بينة من أمره وعلى معرفة واسعة مبا‬
‫سبب ِّ‬
‫ارتباط ِّ‬
‫الناس‬ ‫إن فَ ْه َم ِّ‬
‫سوف تعتضه من العقبات ومستعدًّا ملقاومة الظروف اليت قد يواجهها‪َّ ...‬‬
‫ألواثن ‪-‬وهم يعبدون للا حبماس شديد يف الوقت ذاته‪ -‬هو الواجب األول على املرشد‪ .‬جيب عليه‬ ‫اب ِّ‬
‫شك أن هذا سلوك انشئ‬ ‫أ ْن يتأم َل عمي ًقا يف مغزى هذا التناقض واخلبط واالضطراب الرهيب‪ .‬ال َّ‬
‫اجعة ِّ‬
‫عامل موحد من أهل اإلختصاص يف علم النفس‪ .‬ألنه‬ ‫من تفكري مرضي‪ ،‬وقد حيتاج الداعيةُ إىل مر ِّ‬

‫‪ 9‬اإلسراء‪47 :‬‬

‫‪ 10‬الجر‪6 :‬‬
‫‪ 11‬صدر يف السنوات األخرية كاب يف تفسري القرآن الكرمي ابللغة التكية وابلروف الالتينية‪ ،‬نشره فريق يدير َمموعة "‪ ،"Pontic Nakşibendis‬ورد فيه‬
‫ابلرف الواحد "أن شيخ الطريقة هو وكيل للا على اإلطالق"‪ ،‬ومل يصدر أي حتذير من قبل رائسة الشؤون الدينية حّت اآلن بشأن التعليقات الواردة يف هذا‬
‫اإلعتقاد منتشر يف تركيا على نطاق واسع‪( .‬راجع الكتاب‪َ Ruhul-Furkan, :‬ملد‪)74/2 :‬‬
‫َ‬ ‫الكتاب‪ ،‬يدل ذلك على أن هذا‬
‫شخصا يصلي‪ ،‬ويصوم‪ ،‬ويتلو القرآ َن بشوق‪ ،‬وحيج‪ ،‬ويدفع‬ ‫ً‬ ‫من الضروري أن يفهم املرشد بروية؛ َّ‬
‫أن‬
‫ع إىل‬ ‫ويساهم يف بنائِّها‪ ،‬و َّ‬
‫يتضر َ‬ ‫َ‬ ‫القبور واألضرحةَ‪،‬‬
‫َ‬ ‫الزكاة؛كيف يسمح له عقلُهُ وضمريُهُ أ ْن يعب َد‬
‫يتصرفون يف ملكه؟‪ ..‬كذلك ينبغي‬ ‫خ الطر ِّ‬
‫يقة ُه ْم وكالءُ للا َّ‬ ‫أن شيو َ‬ ‫"األولياء" ليقضوا حاجتَهُ‪ ،‬ويعتق َد َّ‬
‫ضا يصلي‪ ،‬ويصوم‪،‬‬ ‫للداعية أن يتباحث عما يفعله الشخص الذي يدعي أنه مسلم أاتتركي‪ ،‬وهو أي ً‬
‫أبسا يف‬
‫وحيج‪ ،‬ويدفع الزكاةَ‪ ،‬فيؤدي كل هذه العبادات استجابةً ملا جاء به األمر يف الشرع‪ ،‬وال يرى ً‬
‫الوقت ذاته أن يقف أمام متثال أاتتورك وقفةَ احتام يف بعض األوقات وف ًقا لألوامر الرمسية‪ ،‬فهل تُعد‬
‫هذه الوقفةُ من اإلشر اك ابهلل؟‬

‫إن اجلانب األكثر إاثرة لالهتمام يف هذه اإلشكالية هو املوقف َّ‬


‫املعقد لإلنسان املشرك الذي يتمثل‬ ‫َّ‬
‫أنفسهم‬ ‫ِّ‬
‫يت الطائفتني (الصوفية واألاتتوركيني)؛ فال الصوفيةُ منهما وال األاتتوركيون يعدون َ‬
‫يف ردود ك ْل َْ‬
‫مشركني‪ ،‬بل كلهم يعتقدون أهنم مؤمنون خملصون‪ .‬هذه الصورة الغامضة جتعل الداعيةَ يف مأزق خطري‪،‬‬
‫أن التعايش ابلنسبة لشخص يؤمن ابهلل واليوم اآلخر يف ربوع َمتمع تتألف أكثريتها‬ ‫كما تؤكد على َّ‬
‫أمرا مستحيالً‪ ،‬انهيك عن دعوتم لإلميان بوجود للا ووحدانيته‬
‫من هاتني الطائفتني قد يكون ً‬
‫وتسودهم هذه الروح املريضة‪.‬‬

‫شااب جريئًا من املوحدين‬


‫أن ًّ‬‫حدث هامٌّ للغاية جرت يف املاضي القريب‪ ،‬تُثبِّت هذه القيقةَ؛ ذلك َّ‬
‫امسه حممود كاجار ‪ ،Mahmut Kaçar‬قام أما حشد كبري يوم العاشر من شهر نوفيمرب من عام‬
‫‪1994‬م‪ .‬وفيهم رئيس اجلمهورية سليمان دميريل‪ ،‬كانوا قد اجتمعوا أمام صرح عظيم فيه اتبوت‬
‫طقسا من طقوس الدّينة األاتتوركية مبناسبة ذكرى وفاته‪.‬‬ ‫مصطفى كمال يف وسط أنقره‪ ،‬يقيمون هناك ً‬
‫وحوكِّ َم‬
‫فورا ُ‬
‫لقبض ً‬
‫ِّ‬
‫األصنام"‪ ،‬فأُلْق َي عليه ا ُ‬
‫َ‬ ‫انداهم هذا الشاب بقوله‪" :‬أيها الناس اعبدوا للا وال تعبدوا‬
‫احهُ بعد سنني خرج من السجن وقد فقد‬ ‫ِّ‬
‫ض لتعذيب شديد‪ .‬فلما أُطْل َق سر ُ‬ ‫تعر َ‬
‫عليه ابلسجن بعد أن َّ‬
‫توازنَهُ العقلِّ َّي رمبا بسبب مادة ُح ِّقنَت يف جسده!‪ 12‬من املثري لالهتمام أن رئيس اجلمهورية َّاتَ َم يومئذ‬
‫نظرا لضعف‬ ‫ِّ‬ ‫املؤمن‪ ،‬فوصفه أبنه "خمتل ِّ‬
‫العقل"‪ ،‬ذلك ألنه اعتمد على مكانته املنيعة ً‬ ‫َ‬ ‫الشاب‬
‫َّ‬ ‫هذا‬
‫قادرا على الدفاع عن نفسه‪ .‬لكن سليمان دميريل‪ ،‬على عكس ما‬ ‫الشاب الذي مل يكن ً‬ ‫ِّ‬ ‫وضع هذا‬
‫الشاب ابجلنون مل يكن يعرف ‪ -‬على األرجح ‪ -‬أنه ابلذات كان يف دوامة روحية حيتاج‬‫َّ‬ ‫وصف‬
‫للعالج! وهذا من عجائب ال َق َد ِّر‪.‬‬

‫‪ 12‬للتوثيق راجع الرابط األلكتون فيما يلي‪:‬‬


‫‪Anıtkabir’de Şok ! “Putlara tapmayın, Allah’a tapın” – Belgelerle Gerçek Tarih‬‬
‫)‪(belgelerlegercektarih.com‬‬
‫وحشودا‬ ‫ِّ‬
‫السياسية‬ ‫مجيع ِّ‬
‫رجال القمة‬
‫ً‬ ‫تيسرت لكم اإلقامةُ يف عاصمة تركيا (أنقرة)‪ ،‬تشهدون هناك َ‬
‫إذا َّ‬
‫كبريةً من البريوقراطيني وهم يتدفقون كسيل عارم إىل ساحة الصرح العمالق الذي فيه اتبوت مصطفى‬
‫كمال يف بعض املناسبات‪ .‬تتكرر هذه الفلة من وقت آلخر‪ ،‬ويوم ذكرى وفاته على وجه اخلصوص‪.‬‬
‫يف عصر الفضاء هذا الذي نعيش فيه‪ ،‬حسبنا أن التأمل يف هذا املثال الذي تبدو من خالله معتقدات‬
‫متوحشني قبل آالف سنني كيف أهنا انتشرت بشكل ذريع ورسخت يف ضمائر‬ ‫البدائيني الذين عاشوا ِّ‬
‫جمد دم اإلنسان العاقل من الرية أمام هذا املشهد املفزع‪ .‬إذن ليس مما‬
‫أبناء اجملتمع التكي حيث يت َّ‬
‫ض أي شخص للفتك يف هذا اجملتمع إذا هو جترأ على دعوة ِّ‬
‫الناس إىل اإلميان ابهلل‬ ‫يتعر َ‬
‫يُستَبعد أن َّ‬
‫وحده على حنو ما قام به األنبياءُ واملرسلون‪ ،‬وليس بطريق املراوغة على أسلوب اخلواجوات الذين‬
‫ينطقون بكلمة حق يف الظاهر وهم يريدون هبا الباطل‪ .‬مع ذلك‪ ،‬هناك من ِّع َرب يستفيد منها الداعيةُ‬
‫ويتعلَّ ُم الشيءَ الكثري من خال ما يشهده إذا متعَّن يف ُك ْن ِّه َها قبل أن ينهض مبهمة الدعوةِّ‪ .‬على سبيل‬
‫ِّ‬
‫نقشبندي أو األاتتوركي) هذه اجلرمية‬ ‫يتأك َد من سبب ارتكاب خماطبه ( ال‬ ‫املثال‪ ،‬جيب على املرشد أن َّ‬
‫يوجهَ إليهما دعوتَه‪ .‬عليه أن يتحصل على إجاابت صحيحة على األسئلة‬ ‫اخلطرية بتفاصيلها قبل أن ِّ‬
‫اآلتية خباصة‪:‬‬

‫‪ )1‬هل ِّش ْرُكهُ انشئ من اجلهل؟‬

‫‪ )2‬هل هو َمرد نكاية أبهل التوحيد؟‬

‫‪ )3‬أو ألنه غُ ِّف َل‪ ،‬أي َّ‬


‫تعرض لغسيل دماغ؟‬

‫ألن جرمية اإلشراك ابهلل ترتبط على األقل أبحد هذه االحتماالت الثالثة‪ ،‬كما أ َّن طريقةَ العالج لكل‬
‫أن األسباب الكامنة وراء ارتكاب جرمية‬ ‫من هذه األمراض الثالث البد أن تكون خمتلفة‪ .‬إذ يالحظ َّ‬
‫اإلشراك ابهلل متنوعة‪ .‬ميكن تشبيه كل من هذه الدوافع بنوع من األمراض اليت تصيب ضمري اإلنسان‬
‫كعجزه أو فساده أو موته‪ ..‬على سبيل املثال؛ تتحول اهلواجس إىل شغف يف ظل التطبيع والتلقينات‬
‫الروحية يف الطريقة النقشبندية‪ ،‬مث تتطور إىل حرية ومحاقة‪ ،‬مث إىل مشاكل نفسية غامضة‪ .‬كل ذلك‬
‫تنشأ عن مضاعفات اجلهل‪ ،‬وقد تتحول يف طورها األخري إىل جنون العظمة يف العقل الباطن مع‬
‫التنومي املغناطيسي‪ .‬ذلك ليس كاكتئاب عقلي حبت‪ ،‬بل كمرض إميان وأخالقي ُعضال‪.‬‬
‫ملزم ابلنظر يف أمر‬
‫هذه األعراض هلا أمهية كبرية ابلنسبة ملن يقوم ابلدعوة إىل التوحيد‪ .‬ألن الداعيةَ َ‬
‫مصااب بنوع من هذه األمراض عما إذا كان يدخل حتت حد التكليف‪ .‬إذن َم ْن أو أي جهة‬
‫من كان ً‬
‫ميكن اعتبارها سلطةً يف هذا األمر؟ الجرم أن الداعية ينبغي أن يكون على علم بدقائق األحكام‬
‫املتعلقة هبذه األوضاع‪ .‬كما ال جيوز أن يقوم إبرشاد من تلبَّس بكفرّيت الصوفية وخرافات القبورية‬
‫ِّ‬
‫التصوف‪ .‬إال أن املقررات‬ ‫إالَّ عامل ذو خربة يف ضروب الشرك الصويف و ِّ‬
‫معاجلة َم ْن َوقَ َع يف مستنقع‬
‫التعليمية يف تركيا ‪-‬لسوء الظ‪ -‬مل يتم تنصيصها على أساس يهيئ اجملال لنشأة الشخصية العلمية‪.‬‬
‫عددا كبريا من رجال ِّ‬
‫الدين وحّت العدي َد من األكادمييِّني األتراك متلبسون ابلفكر الصويف‪،‬‬ ‫لذا فإن ً ً‬
‫كليف أحد من أفراد هذه‬
‫ومعتقدون ابخلرافات واألساطري‪ ...‬لذلك‪ ،‬فإن ت َ‬ ‫م ْنساقون وراء الشيوخ ِّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أساسا من حيث مبادئ التوحيد‪ .‬إن الصوفية اجملاذيب الذين تنبت‬ ‫اجملموعات مبثل هذه املهمة خطأ ً‬
‫مشاعر العداوة واإلنتقام للتوحيد وأهلِّ ِّه‪ ،‬وهم مصابون ابلذهان‪ ،‬والذين يتعرضون لغسيل‬
‫ُ‬ ‫يف نفوسهم‬
‫الدماغ طوال سنني بتأثري التاتيل والتانيم والطقوس اليت تُقام يف التكاّي‪ ،‬كذلك األاتتوركيون الذين‬
‫املتواصل أمام متاثيل مصطفى‬
‫َ‬ ‫كيز‬
‫يصابون أبشكال غريبة من فصام الشخصية نتيجةَ ممارستهم الت َ‬
‫عالج هؤالء السيكوابتيِّني‪ ،‬خباصة‬
‫ُ‬ ‫كمال؛ من الصعب ج ًدا بل ومن املستحيل يف كثري من األحيان‬
‫س َم الكمالية" أمام التماثيل لسنوات‪.‬‬
‫الذين أصبحوا مشركني آليني بتكرارهم "قَ َ‬

‫اليوم‬
‫إن املرضى كهؤالء الذين يعانون من آالم القد والكراهية ألهل التوحيد‪ ،‬والذين يقدَّر عددهم َ‬
‫أّيم‬
‫ال معاجلتُهم إىل خنبة خاصة من العلماء الذين قد أمضوا (قبل كل شيء) َ‬ ‫مبالين‪ ،‬البد أن ُحت َ‬
‫ِّ‬
‫واألخالق‪ ،‬يتمتعون أبعلى درجة من الفضائل‪،‬‬ ‫ُسر ذات نضج وكمال يف السرية‬ ‫طفولتهم يف ربوع أ َ‬
‫ِّ‬
‫واإلطمئنان‬ ‫ِّ‬
‫اهلدوء‬ ‫حنو‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫امليدان‪ ،‬وجناح يف إختصاص الت ِّ‬
‫ِِّّ‬
‫الطبائع َ‬
‫ِّ‬ ‫وتوجيه‬ ‫الروحية‪،‬‬ ‫بية‬ ‫وخربة يف العمل‬
‫والسكينة والتسامح‪ ...‬لكنه من العسري اكتشاف بصيص من الدليل يقودان إىل وجود طبيب‬ ‫ِّ‬ ‫واأل ِّ‬
‫ُلفة‬
‫العقل‬
‫ألن َ‬ ‫واحد وحسب يف تركيا‪ ،‬وهو يتمتع مبثل هذا املستوى من الكفاءة واللياقة التبوية الفريدة‪َّ .‬‬
‫ِّ‬
‫القبوري الصويف‪ ،‬فهو َّإما أنه ال يستطيع رؤية‬ ‫كي يضع لتأثري التدين‬ ‫األعلى الذي حيكم اجملتمع الت َّ‬
‫عرف أن الشعب‬ ‫هذا املرض املنتشر يف اجملتمع أو يتجاهله‪ .‬لذلك حّت السلطات الصحية اليت تَ ِّ‬
‫وتتصرف حبذر‪َّ ،‬‬
‫ألهنا تعلم‬ ‫ِّ‬
‫الوقت الال‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫املشهد يف‬ ‫ضل االكتفاء مبشاهدةِّ‬‫ِّ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫كي َمتمع صويفٌّ‪ ،‬تُ َف ُ‬
‫الت َّ‬
‫أن هذه إشكالية سريرية أصبحت مزمنةً وال ميكن تغيريها بسهولة‪ .‬على سبيل املثال؛ َّ‬
‫أن رابطة األطباء‬ ‫َّ‬
‫يف تركيا– لسوء الظ‪ -‬تقف من هذه اإلشكالية مبثل هذا املوقف الصامت‪ .‬وهذا أمر يف منهى‬
‫اخلطورة‪.‬‬
‫ال شك أ َّن الالةَ النفسيةَ لإلنسان املوحد حيال هذا املشهد يف الوقت ذاته تتسم أبمهية كبرية‪ .‬فقد‬
‫يورطه هذا الشك يف اتام أهل هذا البلد ابلشرك على وجه التعميم‪ ،‬وقد ييفه‪ ،‬وقد يثري ردود أفعاله‬
‫حنو استعمال العنف‪ ،‬على حنو ما حدث للسلفيني اجلهاديني‪ ...‬هكذا قد تتلف مواق ُفهُ السلبيةُ حبق‬
‫َمتمع قد شاعت فيه عقيدة تعدد اآلهلة‪ ،‬وذلك حبسب نصيبه من املعرفة الصحيحة ابلفقه اإلسالمي‪،‬‬
‫ومستواه الثقايف وما إىل ذلك من خصائصه الشخصية األخرى‪ .‬فهذا من اخلطورة مبكان‪.‬‬

‫ِّ‬
‫األنبياء عليهم الصالةُ والسالم تقريبًا قد نشؤوا يف‬ ‫مجيع‬ ‫البد إذن من التأمل هبذه املناسبة؛ َّ‬
‫أن َ‬
‫وجود للا هنائِّيًّا‪،‬‬
‫َمتمعات يسود فيها اإلعتقاد ابآلهلة‪ .‬مع أنه مل تكن الغالبيةُ من تلك الشود تُنكر َ‬
‫املرسل إليهم يعيش بني ظهرانيهم‪ ،‬ويتفاعل معهم يف كثري من َماالت الياة‪.‬‬ ‫يف الني الذي كان النيب َ‬
‫ِّ‬
‫واإلحياء واإلماتة‪).‬‬ ‫كما مل ينسبوا شيئًا من صفات للا إىل األواثن اليت كانوا يعبدوهنا (كاخللق‪ ،‬والرزق‪،‬‬
‫إن القرآن الكرمي يقص علينا من أخبارهم كما جاء يف قوله تعاىل نقالً عن لساهنم أهنم كانوا يقولون‪:‬‬
‫ضرُه ْم َوَال‬
‫اّلل َما َال يَ ُ‬ ‫اّلل ُزلْ َفى‪ 13"...‬وقوله تعاىل "وي ْعب ُدو َن ِّمن ُد ِّ‬
‫ون َِّّ‬ ‫وان إِّ َىل َِّّ‬‫" َما نَ ْعبُ ُد ُه ْم إَِّّال لِّيُ َق ِّربُ َ‬
‫ْ‬ ‫ََ ُ‬
‫يَ ْن َفعُ ُه ْم َويَ ُقولُو َن َه ُؤَال ِّء ُش َف َعا ُؤَان ِّع ْن َد اّلل‪".‬‬
‫َِّّ ‪14‬‬

‫أكثر الناس يف اجملتمعات الشرق أوسطية‪ ،‬وسكا ُن تركيا من األتراك وغريهم‪ ،‬يكتمون إشرا َكهم‬ ‫كذلك ُ‬
‫اه ْم عن عبادةِّ غري للا‪ ،‬فريُد‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ابهلل على غر ِّار مشركي قريش؛ يعتضون بردود فعل شديدة على َم ْن يَنْ َه ُ‬
‫الصويف منهم مثالً بقولِّ ِّه "كالَّ! أان ال أعبد الشيخ أفندي" وإمنا أقوم بتوقريه ملا أعتقد فيه من القداسة‬
‫ِّ‬
‫وجاللة القدر‪ ...‬لكنه إذا ُسئِّ َل عن تفاتصيل اعتقاده يف شيخه؛ كما لو قيل له "هل تعتقد يف شيخك‬
‫أنه عليم بذات الصدور‪ ،‬وهل يستطيع أن ميشي على وجه البحر كما ميشي يف الرب فال يغرق‪ ،‬وهل‬
‫يتصرف يف ملك للا؟‪ "..‬إىل غري ذلك من املستحيالت‪ ،‬أجاب‬
‫َ‬ ‫الوحوش الكاسرةُ‪ ،‬وهل له أن‬
‫ُ‬ ‫تُطيعه‬
‫بعنف‪" :‬وهل يف ذلك ٌّ‬
‫شك؟!" هذا اإلعتقاد شائع يف هذه املنطقة‪َّ .‬أما ابلنسبة لألاتتوركيني‪ ،‬فإهنم‬
‫مجيعا‬
‫اليوم – ابستثناء األوائل منهم‪ -‬اليكاد أحد منهم يُقر أبنه يعبد مصطفى كمال‪ ،‬مع ذلك فإهنم ً‬
‫ال يتددون يف إظهار أشكال من التعب ِّد له‪ .‬لكنهم يعتضون ب "أهنم إمنا يقومون واقفني أمام متاثيله‬

‫الزمر‪3 :‬‬ ‫‪13‬‬

‫يونس‪18 :‬‬ ‫‪14‬‬


‫احت ًاما له‪ ،‬ليس إال‪ ".‬وهذا ال يعدو أن يكون َمرد حيلة‪ ،‬ألن هذه الوقفةَ أشبه ما تكون ابلقيام يف‬
‫صالة املسلم‪.‬‬

‫َمثَّ ثالثةُ أشكال من التمثل على وجه اخلصوص‪ ،‬ال جيوز للمرء املسلم أن يتلبس هبا بني يدي غري للا‬
‫ِّ‬
‫األوامر من‬ ‫ِّ‬
‫اإلرشاد‪ ،‬أو‬ ‫ِّ‬
‫الدرس‪ ،‬أو‬ ‫األول منها‪ :‬االنتصاب قائما وصامتًا (إالَّ ِّ‬
‫لتلقي‬ ‫حملض اإلجالل‪َّ .‬‬
‫ُ ً‬
‫والثالث‪ :‬السجود‪ ...‬ينبغي هنا التنبيه على أن املشركني املعاصرين‬
‫ُ‬ ‫ذي اختصاص)‪ ،‬والثان‪ :‬الركوع‪،‬‬
‫اجلاهلية يف تعب ِّدهم لألواثن واألصنام‪ ،‬بل يزيدون عليهم يف‬
‫ِّ‬ ‫من املسلمانيِّني يشبهون مشركي ِّ‬
‫عهد‬ ‫ُ‬
‫تعل ِّق ِّهم آبهلتهم؛ فريق منهم يقفون أمام متاثيل اإلله قائمني صامتني‪ ،‬كاألاتتوركيني واملغتين هبم‪ .‬وفريق‬
‫ِّ‬
‫ِّ‬
‫ابلدعاء‪ ،‬ويذحبون هلا‪ ،‬ويعتقدون أهنا تتصرف يف ملك‬ ‫آخر منهم يزورون األضرحةَ ويتضرعون إليها‬
‫أهل التوحيد يف مثل هذه‬ ‫ِّ‬
‫وأشباه ِّهم من خمتلف النِّ َح ِّل‪ .‬فيجب على املؤمنني ِّ‬ ‫للا‪ ،‬كالصوفية القبوريني‬
‫ِّ‬
‫املنحرفة‪ ،‬أن يتصرفوا حبيطة على مثال رسول للا صلى للا عليه‬ ‫خاصةً يف مواجهة اجلماعات‬ ‫البيئة َّ‬
‫وسلَّم يف جهاده خالل الفتة املكية‪ ،‬أبن ال يتصدوا إلهانة إله من آهلتهم (كتماثيل مصطفى كمال‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫يوخ الط ُر ِّق‬ ‫ِّ‬ ‫ث احملنَّطَ ِّة‪ ،‬و‬ ‫واألضرحة‪ ،‬واجلثَ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫التكِّيِّ‪،‬‬
‫وغريها من األواثن‬ ‫الصوفية ِّ‬ ‫شخصية ش ِّ‬ ‫ُ‬ ‫والْ َعلَ ِّم ْ‬
‫والعيون‪ ،‬والصخور‪ ،‬واهلياكل‪ ،‬والبقاع اليت يقدسوهنا‪ ).‬ال جيوز سب هذه‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫األشجار‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫كبعض‬ ‫واألصنام؛‬
‫اّللَ َع ْد ًوا بِّغَ ِّْري‬
‫سبوا َّ‬ ‫ون َِّّ‬ ‫واألصنام إطالقًا لقوله تعاىل‪" :‬وَال تَسبوا الَّ ِّذين ي ْد ُعو َن ِّمن ُد ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫اّلل فَيَ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫األواثن‬
‫ك َزيَّنَّا لِّ ُك ِّل أ َُّمة َع َملَ ُه ْم ُمثَّ إِّ َىل َرِّهبِّ ْم َم ْرِّجعُ ُه ْم فَ يُ نَ بِّئُ ُه ْم ِّمبَا َكانُوا يَ ْع َملُو َن‪".‬‬‫ِّعلْم َك َذلِّ َ‬
‫‪15‬‬

‫من معوقات الدعوة إىل اإلميان بوحدانية للا تعاىل يف تركيا حادثة تتذرعُ هبا مجاهري الوثنيني من‬
‫األاتتوركيني والنقشبنديني‪ ،‬وما أكثرهم! تلك هي "الثورة الوهابية" اليت اندلعت ضد الكم العثمان‬
‫يف شبه اجلزيرة العربية عام ‪ .1801‬فقد التبست الدعوةُ إىل التوحيد ابلثورة الوهابية على الوثنيني‪،‬‬
‫فال يكاد أحد منهم يسمع كلمةَ املرشد يدعوه إىل التوحيد إالَّ قاومه ورماهُ ابلعداوةِّ ل "لدولة العثمانية‬
‫املقدسة" واجملتمع التكيِّ‪ ،‬واتمه ابلوهابية والداعشية‪ ،‬وعدَّه من اإلرهابيني!‬

‫يف الواقع‪ ،‬من اخلطأ اعتبار "الثورة الوهابية" اليت ال تعين سوى التمرد على الشرك املنتشر يف اجملتمع‬
‫اعتبارهُ كحدث سياسي حبت اندلع فجأة‪ .‬فالكراهيةُ املنتشرةُ يف اجملتمع‬
‫ُ‬ ‫العثمان يومئذ‪ ،‬من اخلطأ‬
‫التكي َّ‬
‫ضد الوهابية إمنا هي يف صميمها امتداد لثالثة أحداث اتريية مهمة جدًّا‪:‬‬

‫‪ 15‬األنعام‪108 :‬‬
‫أوهلا‪ :‬هي الغزوات اليت قادها األمري األموي قتيبةُ بن مسلم الباهلي (‪715-669‬م) يف تركستان‪،‬‬
‫ابتداءً من عام ‪ 705‬م‪ .‬واستمر فيها طوال سنني‪ ،‬ومل يكتف ابالستيالء على أوطان األتراك‪ ،‬بل‬
‫ِّ‬
‫أصنام بوذا اليت كانوا يعبدوهنا‪،‬‬ ‫ارتكب يف أثنائه مذابح رهيبةً‪ ،‬وقام بسحق األتراك‪ ،‬وأمر بَ ْم ِّع‬
‫يسها يف ساحات املدن التكية كمدينة خبارى‪ ،‬ومسرقند‪ ،‬وطاشكند‪ ،‬وفرغانة وغريها‪ ،‬فأمر هبا‬ ‫وتكد ِّ‬
‫ِّ‬
‫قت أمام عيوهنم وهم ينظرون يف دهشة إىل اللهيب الذي يتصاعد فوقها‪ ،‬مما أاثر الضغينةَ‬ ‫ِّ‬
‫فأحر ْ‬
‫ك ‪)Müslümanlik‬‬ ‫(م ْسلُمانْلِّ ْ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫النيف‪ ،‬فقامو ابختالق دين مسوه ُ‬ ‫والكراهيةَ يف نفوسهم ضد اإلسالم‬
‫ِّ‬
‫أعماق‬ ‫انتقاما من األمويني العرب‪ ،‬مثَّ أسسوا عشرات من الطرق الصوفية لتسيخ هذه الدّينة يف‬ ‫ً‬
‫خطرا على اإلسالم هي النقشبنديةُ‪.‬‬ ‫شيوعا وأشدها ً‬
‫الضمائر‪ .‬وأكثر هذه الطرائق الصوفية ً‬

‫اخلزري (التكِّيِّ) عن اإلسالم بعد اعتناقِّ ِّه له بفتة قصرية‪،‬‬


‫ِّ‬ ‫واثن هذه األحداث‪ :‬هو ارتداد الشعب‬
‫ِّ‬
‫انتشار كراهية العرب‬ ‫وذلك إبيعاز من ِّ‬
‫أحد حاخامينهم‪ ،‬يف القرن الثامن امليالدي‪ ،‬فتهو َد معظمهم إثر‬
‫فيهم‪ .‬من املثري أن الدولة اإلسرائيلية املزعومة هي صنيعةُ أحفاد اخلزريني املتهودين من أصول تركيَّة‪،‬‬
‫وال متت أصلهم أبدىن عالقة إىل العرق العِّ ْربي!‪.‬‬

‫واثلث هذه األحداث‪ :‬هو غلبة املغول (التااتر) على املناطق العربية وإسقاطهم للدولة العباسية عام‬ ‫ُ‬
‫أن املغول واألتراك جتمعهم قرابة الدم واللغة واملعتقدات واألعراف‪ ...‬يؤكد على‬ ‫علما َّ‬
‫‪1258‬م‪ً .‬‬
‫ذلك أن مجاهري املغول احملتلِّني للمناطق العربية مل يلبثوا أن اندَموا يف اجملتمع التكي وانتسبو إىل‬
‫واألانضولية بقيادةِّ تيمور‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الشامية‬ ‫الدّينة املسلمانية عقب سقوط الدولة العباسية‪ ،‬ودامهوا منطقيت‬
‫املغول رغم ما ارتكب‬
‫َّ‬ ‫لنك املغول‪ .‬من املثري أنَّه ال يكاد أحد من األتراك اليوم يكره هذا الطاغيةَ‬
‫من املذابح يف األانضول بعد أن هزم السلطا ابيزيد العثمان األول الذي مات يف األسر عنده‪ .‬ويُعد‬
‫تيمور لنك من أبطال األمة التكية يف ُعرف األتراك!‬

‫***‬

‫األو ِّل حركةً جهاديةً توحيديةً ِّ‬


‫ض َّد الوثنية‬ ‫يف الواقع جيوز مبدئيًّا أ ْن تُئَ َّو َل "الثورةُ الوهابيةُ" يف ِّ‬
‫طورها َّ‬
‫املتمثلة يف ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة اليت كانت منتشرةً على الساحة العثمانية يومئذ‪ .‬لكنه مع ذلك من الضروري‬‫ِّ‬
‫ش هذه الركةُ وفق منطللَ ِّق الشيخ حممد بن عبد الوهاب رمحه للا على وجه اخلصوص‪ .‬نعم‬ ‫أ ْن تُناقَ َ‬
‫اإلختصاص يف مؤمترات علمية للتثبت من مشروعيَّتِّها دح ً‬
‫ضا‬ ‫ِّ‬ ‫جيب مناقشة (هذه الثورةِّ) من قِّبَ ِّل أهل‬
‫احملرفَ ِّة على يد املت ِّ‬
‫طرفني من‬ ‫ِّ‬
‫صورتا َّ‬ ‫وتفني ًدا الحتجاجات الوثنيني من جانب‪ ،‬وللتمييز بينها وبني‬
‫األو ِّل) تُ َعد من أهم الركات اجلهادية‬ ‫ألن هذه الثورةَ (يف ِّ‬
‫طورها َّ‬ ‫اخلوارج النجديني من جانب آخر‪َّ .‬‬
‫ِّ‬
‫الغموض‬ ‫حمض مترد مسلَّح‪ .‬فيجب إذن كشف‬ ‫والتجديدية يف اتريخ املسلمني‪ ،‬على عكس َم ْن يراها َ‬
‫ِّ‬
‫علماء املسلمني‪.‬‬ ‫عنها لكي تتبلور وتتميز عن املسمى "الوهابية" مبوافقة مجهور من‬

‫ال شك َّ‬
‫أن هذه الركةَ (يف بدايتها) كانت انتفاضةً ضد تدنيس البقاع املقدسة مبظاهر القبورية‪ ،‬ورموز‬
‫الوثنية من األضرحة وتكاّي الصوفية والطقوس اهلندوكية اليت كانت تقام حّت داخل املسجد الرام‬
‫ك كرامةُ اإلسالم يف مهبط الوحي واإلهلام منذ قرون‪ .‬فأاثرت تلك الرموز‬
‫واملسجد النبوي‪ ،‬فتُ ْن تَ َه ُ‬
‫واملشاهد الدخيلةُ حفيظةَ املؤمنني فاندلعت هذه الثورةُ التوحيديةُ كانفجار ملشاعر مجاعة من أهل‬
‫لالستغالل يف أيدي مجاعة من املر ِّ‬
‫تزقة‬ ‫ِّ‬ ‫متاعا‬
‫أصبحت ً‬
‫ْ‬ ‫المية واإلميان اخلالص‪ ،‬لكنها ما لبثت حّت‬
‫يدمرون األضرحةَ ويقتلون املشركني‬ ‫األواثن ِّ‬
‫ِّ‬ ‫اخلوارج من أعراب املنطقة النجدية‪ ،‬وإذا هبم ينقضون على‬
‫ِّ‬
‫التوحيد‪...‬‬ ‫ليتوب‪ ،‬وال يُرشدوهنم إىل‬ ‫ب وال ُميهلون أح ًدا من أهل الشرك‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫عبدة القبور‪ ،‬ويبثون الر ْع َ‬
‫والصرب واألانةَ‪ ،‬فتكوا‬ ‫ِّ‬
‫واملعرفة‪ ،‬ال يعرفون الكمةَ والرمحةَ‬ ‫األجالف اجلفاةُ كانوا ِّخ ًلوا من العلم‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫هؤالء‬
‫َ‬
‫ورائهم ُمسعةً سيِّئةً ودخلوا بذلك يف سجل اخلوارج عند املؤمنني املوحدين أهل االستقامة واالعتدال‪،‬‬
‫ِّ‬
‫القيامة!‬ ‫اسم "الوهابية" لتكون وصمة ِّ‬
‫العار على نواصيهم إىل يوم‬ ‫وألصقت هبم الصوفيةُ النقشبنديون َ‬

‫الناس وجلأت إىل استعمال ِّ‬


‫العنف‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫الكمة يف معاملة ِّ‬ ‫أي حركة أعرضت عن اتِّبَ ِّاع سبيل‬ ‫ال شك أن َّ‬
‫اإلصالح يف تنفيذ خطتِّها‪ .‬هلذا مل ينجح الوهابيون‬
‫َ‬ ‫املنشود‪ ،‬مهما كانت تتبىن‬
‫َ‬ ‫يستحيل أن ُحتَِّق َق هدفَها‬
‫ِّ‬
‫السواء‪ .‬بله‬ ‫فيما يزعمون أهنم "يريدون تصحيح العقيدة‪ ".‬بل انلوا كراهية املسلمني والكفار على‬
‫ِّ‬
‫التوحيد‬ ‫أصبحوا عقبةً على طريق الدعاة واملرشدين إىل التوحيد‪ .‬إذ ال ينهض مرشد ِّ‬
‫أبعباء الدعوةِّ إىل‬
‫ِّ‬
‫و"داعش ٌّي" كما‬ ‫َّه ُم على أنه "وه ِّاِب"‬ ‫يف تركيا إالَّ َّ‬
‫ض ألشكال من السحق والقهر والتعذيب ويُت َ‬
‫ويتعر ُ‬
‫إقناع املسلمانيني األتراك بصدق حممد بن عبد الوهاب وإخالصه‪ ،‬وأنه إمنا قام يدعو‬ ‫اليوم َ‬
‫يستحيل َ‬
‫الناس ليَتخلَّوا عن معتقداتم الباطلة وليُخلصوا الدين هلل وحده‪َّ .‬‬
‫إن كراهيةَ مجاهري املشركني للوهابيني‬ ‫َ‬
‫يق الدعاة واملرشدين إىل توحيد األلوهية على وجه اخلصوص‪.‬‬ ‫كبرية تُ َع ِّو ُق طر َ‬
‫يف تركيا عقبة َ‬
‫يف تركيا اليوم ‪ ،‬عشرات املاليني من الناس جيهلون حّت الفرق بني مفهومي "اليهودية"‪ 16‬و"املوسوية"‪.‬‬
‫سيكون إذن من السذاجة أن نتوقع من هذه الشود أن ُمتَيِّ َز بني اإلسالم والْ ُم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة‪ .‬إن القول أبن‬
‫َمتمعا كهذا يدرك الفجوة بني الشرك والتوحيد ال أساس له من الصحة‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن حماولةَ إقناع‬ ‫ً‬
‫شك؛ أبن للا سبحانه كائن موجود‪ ،‬وأنه‬ ‫خالصا ال يشوبه ٌّ‬
‫ً‬ ‫إمياان‬
‫الناس يف بلدان (تركيا) لكي يؤمنوا ً‬
‫دائما‬ ‫سوف يُ َذكِّ ُر‬ ‫ملثل هذا اإلميان ِّ‬
‫كي ِّ‬
‫اجلمهور ً‬
‫َ‬ ‫اجلازم النقيِّ) َ‬ ‫اجملتمع الت ِّ‬
‫ِّ‬ ‫واحد ال شريك له‪( ،‬أي نداءَ‬
‫األقلية النيفة ورمبا يدفعه‬ ‫ِّ‬ ‫ب "الثورة العربية" اليت انفجرت عام ‪1801‬م‪ ،.‬كما سوف يثريه ضد‬
‫كرد فعل لدبيب الوهابيني يف هذا البلد‪ .‬على وجه اخلصوص ‪ ،‬فإن‬ ‫لالنقضاض عليها واستأصاهلا ِّ‬
‫اإلنسان التكي املعتز بقوميته‪ ،‬لديه قناعة أبنه " ُخلِّ ُق تُ ْركِّيًّا من الفطرةِّ‪ ،‬مث طُبِّ َع على ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة عرب‬
‫صر على كونه‬ ‫ترويضه يف حضن األسرةِّ" لذا‪ ،‬فإنه سيقاوم اإلسالم والتوحيد دائما أبقوى طريقة‪ ،‬وسي ِّ‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫القومي يف الوقت‬ ‫ِّ‬ ‫لكن إبعطاء األولويةَ إلنتمائه‬ ‫ان ويثبت على معتقداته يف هذه الدّينة‪ْ ،‬‬ ‫ال ُْم ْسلُ َم ِِّّ‬
‫ذاته‪ .‬نعم ‪ ،‬قد يصف األتراك أولئك الذين يعتنقون دّيانت أخرى غري اإلسالم أبهنم "غري مسلمني"‪،‬‬
‫لكنهم مع ذلك لن يصفوا أنفسهم أب ًدا أبهنم "مسلمون" بل على العكس من ذلك أهنم سيصرون‬
‫العرب والتوحي َد!‬
‫َ‬ ‫"م ْسلُ َمانِّيون"‪ .‬ألن كلمة "مسلم" ‪ -‬يف مفهومهم‪ -‬تُ َذكِّ ُر‬
‫على أهنم ُ‬

‫وصف‬
‫‪ -‬حسنًا‪ ،‬أال يؤمن األتراك ابهلل إذن‪ ،‬وهم يصلون ويصومون وحيجون ويزكون؟ هل يصح أ ْن يُ َ‬
‫أن من يتجرأُ على مثل هذا اإلدعاء بطريقة التأويل‬ ‫الشك َّ‬
‫َّ‬ ‫الشعب بعمومه أنه خارج عن امللَّ ِّة؟!‬
‫ُ‬ ‫هذا‬
‫الفتنة‪ ،‬يتجاهل‬ ‫املاكر فإنه آمث التفكري‪ ،‬خبيث الطوية‪ ،‬قلبهُ نغْل‪ ،‬وهو انزع إىل الشر‪ ،‬مستعد إليثار ِّ‬
‫ُ‬
‫مثل هذا السؤال العتيد يُعد من أخطر‬ ‫طرح ِّ‬ ‫أن َ‬ ‫الفرق بني مفهومي التخصيص والتعميم‪ ...‬كما َّ‬
‫املو ِّح ِّد أن يتوخى الذر الشديد يف مواجهة هذا السؤال‬ ‫الفخوخ‪ .‬لذلك جيب على الشخص النيف َ‬
‫اخلطري وأشباهه‪ .‬كما ينبغي التأكيد هنا على أن (املُ ْسلُ َمانِّي ِّني فحسب‪ ،‬الذين ُيفون ُك ْف َرُه ْم يف‬
‫إخالء ضمائرهم من الشك‬ ‫ِّ‬ ‫إلادهم‪ ،‬ال يتمكنون من‬ ‫أنفسهم) بل وحّت األشخاص الذين يُ ِّ‬
‫صرحون َ‬
‫واإلنكار يف كل حياتم‪ .‬ألن مفهوم للا إمنا يعرب عن قوة خارقة‬ ‫ِّ‬ ‫يف للا وهم متأرجحون بني اليقني‬
‫مجادا)‪ ،‬أن مينع نفسه من االستشعار واالدراك‬ ‫حبيث ال ميكن ألي شيء يف الكون (سواء أكان حيا أم ً‬
‫يه َّن وإِّ ْن ِّمن َشيء إَِّّال يسبِّح ِّحبم ِّدهِّ‬‫ِّ‬ ‫سبِّ ُح لَهُ َّ‬
‫ُ َ ُ َْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ض َوَم ْن ف ِّ َ‬
‫الس ْب ُع َو ْاأل َْر ُ‬
‫ات َّ‬ ‫الس َم َاو ُ‬ ‫بوجوده سبحانه‪" .‬تُ َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ورا‪( .‬اإلسراء‪ )44 :‬جيب التأكيد هبذه املناسبة على َّ‬
‫أن‬ ‫يما غَ ُف ً‬ ‫َولَك ْن َال تَ ْف َق ُهو َن تَ ْسبِّ َ‬
‫يح ُه ْم إِّنَّهُ َكا َن َحل ً‬
‫كل األسرار اليت تفصل بني الشرك والتوحيد كامنة يف هذا الواقع‪.‬‬ ‫َّ‬
‫َق على األجانب الذين‬ ‫وأما املوسويةُ‪َّ :‬‬
‫فإهنا صفة تُطل ُ‬ ‫اليهود بعد أن جاءَ به موسى عليه السالم‪َّ .‬‬
‫ُ‬ ‫‪ 16‬اليهودية‪ :‬مصطلح مستحدث يطلق على الدّينة اليت َح َّرفَ َها‬
‫اعتنقوا اليهودية أسوةً ابليهود على أثر دعاية أو بسبب آخر‪.‬‬
‫أن املتخصصني األتراك يف العقيدة اإلسالمية قد جتاهلوا الفروق اليت تفصل بني اإلسالم‬ ‫ومن املثري َّ‬
‫متاما‬ ‫ِّ ِّ‬
‫وال ُْمسلُ َمانيَّة لسبب ما! كما يربهن على هذا الواقع؛ أن مقررات املدارس الدينية الشعبية خالية ً‬
‫من البحث يف شيء من التفريق بني اإلسالم وال ُْمسلُ َمانِّيَّ ِّة‪ .‬ومن أشهر ال ُكتُ ِّ‬
‫ب املدرسية يف هذه‬
‫املؤسسات التعليمية؛ كالعقيدة النسفية للمؤلف جنم الدين عمر النسفي (‪1142-1067‬م)‪ ،‬وشرح‬
‫العقائد للمؤلف سعد الدين مسعود بن عمر التافتازان (‪1390-1322‬ه‪ ،).‬والكفاية يف اهلداية‬
‫للمؤلف نور الدين الصابون (‪580‬ه‪1184 .‬م‪ ،).‬تلو من أدىن إشارة إىل مفهوم ال ُْمسلُ َمانِّيَّ ِّة مما يدل‬
‫ت على أساس‬ ‫أن هذه الدّينةَ إمنا بُنِّيَ ْ‬
‫على َّأهنا مل تكن قد نشأت يف تلك القبة‪ .‬ألن الواثئق تشري إىل َّ‬
‫گان الذي ظهر حواىل ‪1230‬م‪ .‬بهود ومشاركة شخصيتني من الصوفية‪ ،‬ومها‬ ‫اج ِِّّ‬ ‫ِِّّ‬
‫الصويف اخلَُو َ‬ ‫ِّ‬
‫التيار‬
‫البحوث‬
‫ُ‬ ‫عبد اخلالق الغُ ْج َد َو ِّان (‪1179-1103‬م‪ ).‬وأمحد اليسوي (‪1166-1093‬م‪ .).‬كما تلو‬
‫ِّ‬
‫ابالضافة‬ ‫العلميةُ احملليةُ (يف َمال العقيدة) من بيان صنوف املعتقدات املنتشرة على الساحة التكية‪.‬‬
‫نفسها تعان من اختالفات دخلية‪ .‬فعلى‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫التناقضات َّ‬
‫فإن حركةَ إحياء العقيدة النيفة َ‬ ‫إىل كل هذه‬
‫سبيل املثال‪:‬‬

‫ومجاعة الن ِّ‬


‫فاء‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫كاملتمسكني مبجرد الكتاب دون السنة‪،‬‬ ‫فصائل امل ِّ‬
‫وحدين؛‬ ‫ِّ‬ ‫مجيع‬
‫اعتبار ِّ‬ ‫‪ )1‬هل ميكن‬
‫ُ‬
‫اعتبارهم ضمن نطاق الركة التوحيدية؟ ال جند إجابةً شافيةً‬
‫ُ‬ ‫ومن ال يعدون السنةَ من الوحي‪ ،‬هل جيوز‬
‫هلذا السؤال إىل اآلن‪ .‬إن هذا الوضع قد أضعف موقف األقلية املؤمنة اليت تعيش يف تركيا‪ ،‬وتركها‬
‫حتت رمحة النظام واجملتمع اجلاهل ِّي‪.‬‬

‫ال ننسى أن املوحدين لكوهنم أقليةً ضعيفةً يف اجملتمع التكي يتعرضون يف هذه الظروف لمالت‬
‫ت هبم األكثريةُ املشركةُ يف‬
‫وتشم ُ‬
‫ُ‬ ‫السحق والقهر واإلذالل ابستمرار‪ ،‬وذلك بدعم من املخابرات‬
‫الوقت نفسه‪ ،‬كما تعدهم مرتبطني مبنظمات إرهابية اتبعة ل "القاعدة" و "داعش"‪ .‬يربهن على هذا‬
‫الواقع؛ أن العديد من قادة املو ِّحدين وعلماء اإلسالم يف تركيا ت اعتقاهلم ونُِّق َل بع ُ‬
‫ضهم إىل ِّ‬
‫جبال‬
‫طوروس فتعرضوا هناك للتعذيب‪ ،‬وذلك يف الفتة اليت كانت فيها الشرطة والقضاء حتت سيطرة‬
‫"منظمة فتح للا كولن اإلرهابية"‪.‬‬

‫مثريا للجدل ما إذا كان مصطلح "السلفية" امسًا شامالً جلميع الطوائف التوحيدية‪ .‬كما‬
‫‪ )2‬ال يزال ً‬
‫ال يزال هناك جدل حول ما إذا كان هذا املفهوم يتداخل مع مفهوم "أهل السنة واجلماعة"‪ .‬أو بينهما‬
‫مجهور الصوفية الذين ال يؤمنون مببدأ التوقيفية (وحّت‬
‫َ‬ ‫عموم وخصوص‪ ،‬عالوة على ذلك؛ َّ‬
‫أن‬
‫النقشبنديني العنصريني) يعدون أنفسهم من "أهل السنة واجلماعة"‪ ،‬مما يدل ذلك على ضخامة‬
‫املشكلة وكم يبدو حلها من املستحيل‪.‬‬

‫‪ )3‬ما هي وجهة نظر اجملموعات التوحيدية حول العاملني يف املؤسسات اخلاضعة لسيطرة النظام‪،‬‬
‫كفروهنم‪ ،‬أم يَعدهنم من أهل القبلة؟‬ ‫وخاصة العاملني يف مديرية الشؤون الدينية واملساجد يف تركيا؛ أي ِّ‬
‫ُ‬
‫العلمي ‪ -‬يف الوقت الراهن‪ ،‬حيث ال توجد سلطة‬ ‫ِّ‬ ‫لألسف‪ ،‬تظل هذه األسئلة بال إجابة ‪ -‬ابملعىن‬
‫"ميتَ ِّة اجلاهلية" ال يقتصر على أفراد اجملتمع اجلاهل‬ ‫فإن خطر ِّ‬ ‫ِّ‬
‫مجيع املوحدين‪ .‬لذلك؛ َّ َ‬ ‫خمتصة ُمتث ُل َ‬
‫الناس مبا فيهم املوحدين الذين يكرسون بصدق لنشر التوحيد وإحياء‬ ‫فحسب‪ ،‬بل يشمل مجيع ِّ‬
‫صموا ِّحبب ِّل َِّّ‬ ‫النظام الراشدي! ألن للا تعاىل أمر َ ِّ‬
‫يعا‬‫مج ً‬ ‫اّلل َِّ‬ ‫نني بتوحيد الصفوف فقال‪َ " :‬وا ْعتَ ِّ ُ َْ‬ ‫عباده املؤم َ‬
‫للا صلى للا‬ ‫ول ِّ‬ ‫َوَال تَ َف َّرقُوا‪ "...‬وقد ورد يف الديث النبوي عن عبد للا بن عمر "قال‪َِّ :‬مس ْع ُ‬
‫ت َر ُس َ‬ ‫‪17‬‬

‫س ِِّف ُعنُ ِّف ِّه‬ ‫القيَ َام ِّة ال ُحجةَ لهُ‪َ ،‬وَم ْن َم َ‬
‫طاعة‪ِّ ،‬لقى للا ي وم ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ات َو ْلي َ‬ ‫َ َ َْ َ‬ ‫ول‪َ :‬م ْن َخل َع يَ ًدا م ْن َ‬
‫عليه وسلم يَ ُق ُ‬
‫ات ِّميتةً ج ِّ‬
‫اهليةً‪".‬‬ ‫بي َعة‪َ ،‬م َ َ َ‬

‫‪ )4‬على األرجح‪ ،‬مل يتجرأ إىل اليوم أحد من علماء االجتماع‪ ،‬وال أحد من األكادميني األتراك‬
‫املتخصصني يف العلوم اإلسالمية على إجراء دراسة علمية تشمل نشاطات الركة التوحيدية يف تركيا‪،‬‬
‫حذرا من أن تناهلم مساءة من قِّبَ ِّل النظام‪ .‬بينما تُظهر هذه القيقة مدى أمهية البحث يف فك‬
‫رمبا ً‬
‫رموز مفهوم الرية على الساحة تركيا‪ ،‬وتشري اإلرهاصات إىل وقوع مصادمات بني الركة التوحيدية‬
‫والنظام يف مقبل غري بعيد‪ .‬والبد هنا من التأكيد على أن أكرب خطر قد يتعرض له املثقفون والعلماء‬
‫الشرك املنتشرةِّ يف تركيا هى املؤامرة السياسية‪ .‬لذلك‪ ،‬من األمهية مبكان أن‬
‫ِّ‬ ‫مبحاربة ِّ‬
‫كارثة‬ ‫ِّ‬ ‫امللتزمون‬
‫دورّي واألوضاع اليت تديرها‬
‫يكون هؤالء الشخصيات على حذر ابلغ من املناخ السياسي املتغري ً‬
‫الكومات‪ .‬فال ينبغي أن ننسى أن الشرك أو التوحيد ليسا مهمني إطالقا يف اعتبار الكومات وال‬
‫يف نظر النخب السياسية‪ .‬بل على العكس من ذلك‪ ،‬ال ميكن أن يكون الشرك والتوحيد سوى وسيلة‬
‫النظام‬
‫َ‬ ‫دعائية وفق السياسة اليت تنتهجها الكومات‪ .‬لذلك إذا مسحت الظروف ابنتشار الشرك‪ ،‬فإن‬
‫سيفضل بال شك االستعانة ابملشركني‪ ،‬كما كانت وال تزال السياسة هذه مستمرةً يف ما مضى بشكل‬
‫عام‪ .‬يف واقع األمر‪ ،‬جند غالبًا العبارات التالية يف خطاابت السياسيني وبياانتم‪ ،‬وهي تبدو عاديةً‬

‫‪ 17‬آل عمران‪.103 :‬‬


‫بريئة ج ًدا لرجل الشارع‪ ،‬يُطلقوهنا من أجل إبقاء املشركني يف التنومي املغناطيسي الذي هم فيه‪ ،‬وهذا‬
‫نصها الذي يقتبسوهنا حرفيًّا من دستور الدولة التكية‪:‬‬

‫"كل فرد حر يف ممارسة دينه ومعتقده‪ .‬ال جيوز إهانة أحد بسبب معتقداته‪ .‬وال جيوز إجبار أي شخص‬
‫على االعتاف بدينه أو معتقده أو تغيريمها؛ دّينة كل مواطن ومعتقداته مكفولة وفقا ألحكام‬
‫‪18‬‬
‫الدستور‪".‬‬

‫على الرغم من هذه املادةِّ الدستورية‪ ،‬فإن ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّةَ والتيارات الصوفيةَ ِّ‬
‫بكل مفاهيمها وشعاراتا‬
‫ِّ‬
‫إذالل املؤمنني املوحدين‬ ‫اجملتمع على‬ ‫ض‬ ‫ِّ‬
‫النيف و ُحت ِّر ُ‬ ‫شجعان على اإلهانة ابلدين اإلسالم ِّي‬ ‫تُ ِّ‬
‫َ‬
‫اجها يف َملد واحد وليس يف‬ ‫ِّ‬
‫وسحق ِّه ْم‪ .‬وقد يكلف ضب ُ‬
‫ط تلك املفاهيم والشعارات واهلتافات وإدر ُ‬
‫ب السياسيَّةُ أب ًدا أبي نَ َدم أو قلق من إذالل الدين‬ ‫قائمة لكثرتا‪ .‬هذا‪ ،‬وال يشعر الكام والن َخ ُ‬
‫دعما من الْ ُم ْسلُ َمانِّيني الدمهاء َّ‬
‫السذج الذين تتكون أغلبية‬ ‫النيف وأهل التوحيد‪ ،‬ألهنم َّ‬
‫يتلقو َن ً‬
‫اجملتمع منهم‪.‬‬

‫ِّ‬
‫والشود‬ ‫ِّ‬
‫اإليديولوجية‬ ‫ات‬ ‫ِّ‬
‫االجتماعية واملعسكر ِّ‬ ‫استمداد قوتم من الفئات‬ ‫دائما‬
‫َ‬ ‫نعم‪ ،‬حياول الطغاة ً‬
‫ِّ‬
‫وإيديولوجيات األقليات بشكل خاص‪ .‬ألن‬ ‫ِّ‬
‫معتقدات‬ ‫غض النظر عن‬‫اليت تتألف منهم األغلبيةُ‪ ،‬بِّ ِّ‬
‫ِّ‬
‫الفاظ على بقائهم يف السلطة إذا تصرفوا هبذه الطريقة‪ .‬هلذا‪ ،‬فإن‬ ‫املستبدين إمنا حيظون فرصة‬
‫ط الدينيةَ املشتكةَ‬
‫كرها) ال حتتم الرواب َ‬
‫طوعا أو ً‬ ‫ِّ‬
‫السياسية اليت تنقاد هلا األكثريةُ ( ً‬ ‫القابضني على مقاليد‬
‫بينها وبني األقليات يف اإلغلب‪ .‬هلذا السبب‪ ،‬ال يتساحمون أب ًدا مع التجمعات التوحيدية اليت تقوم‬
‫عقبةً أمامهم من حني آلخر‪ .‬وأبعد من ذلك؛ أهنم قد يلجئون إىل تفعيل شبكات عميقة لقمع اهليكل‬
‫التوحيدى بل وحّت لتدمريه مّت تطلَّبته سياستُهم‪ .‬وال شك أهنم قد استخدموا الشبكة العميقةَ كلما‬
‫والقضاء عن القيام إبدانتهم بطرق‬‫ِّ‬ ‫دعت حاجتُهم للتغلب على خصومهم حني عجز جهاز األمن‬
‫نفسها للخطر‪،‬‬
‫ض َ‬ ‫السياسي تُ َع ِّر ُ‬
‫َّ‬ ‫النظام‬
‫َ‬ ‫قانونية‪ .‬هناك خاصية َمربة يف طبيعة هذا املوقف‪ .‬وإال فإن‬
‫وذلك يتعارض مع فلسفة املصلحة الرباغماتية‪ .‬هبذه املناسبة‪ ،‬هناك سؤال خطري للغاية يشغل أذهاننا؛‬
‫متاما‬
‫هل جيوز أن تشعر األقليةُ التوحيديةُ‪ ،‬اليت ليست سوى فصيلة اجتماعية شفافة مساملة وخالية ً‬
‫من العنف‪ ،‬هل جيوز أن تشعر ابألمان يف بيئة الصراعات اليت جتري اليوم بني فئات الصوفية‬
‫واملعسكرات اإليديولوجية على الساحة التكية؟! هذا السؤال مهم للغاية‪ .‬ألنه متكنت شبكة عميقة‬

‫‪ 18‬مادة‪ 1/24 :‬من دستور الدولة التكية‪.‬‬


‫(مسيت فيما بعد ابلشاشني اجلدد والفتوشية) كانت قد توغلت يف شرايني الدولة التكية تُنافس‬
‫الكومةَ يف املاضي القريب‪ ،‬فاكتسبت من القوة إىل حد قامت إبدانة عشرات من كبار الضباط ‪-‬‬
‫مبن فيهم رئيس األركان العامة السابق‪ ،‬والعديد من الصحفيني برائم ومهية ومبؤامرات رتبتها‪ -‬فلم‬
‫يلبث حّت تغلبت عليها الكومة وأحبطت متردها يف غضون أربع وعشرين ساعة (يوم ‪ 16‬يوليو‬
‫مالئما للقضاء على قادة هذه الشبكة قبل ثورتا الفاشلة‪ ،‬لكانت‬
‫‪2016‬م‪ ).‬ولو كان الوضع العام ً‬
‫الكومةُ قد فعلت ذلك بتوظيف "الدولة العميقة وبسرعة الربق‪ .‬لكن التنفيذ الناجح منوط مبراعاة‬
‫ِّ‬
‫الشبكة (فتح‬ ‫الظروف‪ .‬وقد يفوت حتقيق اهلدف بسبب انتظار الفرصة مما كان ذلك من حظ رئيس‬
‫للا گولن) أن ابدر ابهلروب إىل الوالّيت املتحدةِّ قبل أن يُدركه الويل‪ .‬ورمبا ظل سر هذا اللغز خمفيًا‬
‫يف اتفاق سري تواطأ عليه الطرفان‪ ،‬وجيهله اجملتمع‪.‬‬

‫من املثري لالهتمام؛ أنه ت اعتقال ِّ‬


‫أحد مالل النقشبنديني البُنطُس‪ ،‬الذي كان يقوم بدعوة ِّ‬
‫الناس إىل‬
‫اإلشراك ابهلل داخل املساجد لفتة طويلة‪ ،‬تَّ اعتقاله يوم ‪ 11‬ديسمري ‪2011‬م‪ .‬من قبل الشبكة‬
‫ِّ‬
‫نشاطات هذا الشخص‬ ‫الگولنية بتهمة "االجتار يف الدعارة‪ ".‬ظل الرجل فتة يف املعتقل‪ ،‬وقد يكون ل‬
‫يف الواقع عواقب وخيمة أخطر بكثري مما فعلته الشبكات اإلرهابية مثل الفتوشية‪ ،‬وب‪.‬ك‪.‬ك‪،‬‬
‫كل املبادئ األساسية‬ ‫وداعش‪ ...‬هذا الشخص جنح يف تطوير خطاب ماكر للغاية من شأنه أن ِّ‬
‫يدم َر َّ‬
‫للدين اإلسالمي النيف‪ ،‬كما حياول أن يثريُ الكومةَ على املوحدين بني حني وآخر‪ .‬استطاع الرجل‬
‫سخ َرهم يف حتقيق أهدافه ومصاله‪ .‬وملا كان الشعب التكي‬ ‫مجهورا من الرعاع املغفلني ويُ َ‬
‫ً‬ ‫أن يَ ْس َح َر‬
‫مغمورا يف ضباب الدّينة ال ُْمسلُ َمانِّيَّ ِّة (‪ )Müslümanlik‬ومل يتعرف بعد على اإلسالم النيف (غري‬
‫ً‬
‫أقلية مستضعفة منه)‪ ،‬فال يكاد أحد ابستثناء َمموعة صغرية من املوحدين يدرك خماطر فعاليات هذا‬
‫الرجل وأتثرياته اليت سوف تَظهر جراءَ أسلوبه اخلطري‪.‬‬ ‫ِّ‬

‫إن نشاطات هذا الْ ُمالَّ البنطسي ودعاّيته املضللة اليت نُ ِّشرت على موقع ‪ www.youtube.com‬عرب‬
‫آالما شديدة يف ضمائرهم‪ .‬هذا‪،‬‬
‫الشبكة العنكبوتية قد أساءت بال شك إىل املوحدين األتراك وأاثرت ً‬
‫وتشري التوقعات إىل أن الكومةَ إذا تناغمت يف سياستها مع النقشبنديني وأرخت العنان هلم يف‬
‫مواصلة نشاطاتم‪ ،‬فإن املوحدين سيَ َد ُعو َن صمتَهم على جانب‪ ،‬وسريفعون أصواتم ال حمالة‪ .‬إن‬
‫الروب الدينية والطائفية اليت جتري اليوم يف الشرق األوسط حتمل تنبؤات عرب مالبساتا وتداعياتا‬
‫حبدوث مواجهات بني أهل التوحيد وبني املشركني على الساحة التكية يف مقبل غري بعيد‪ .‬إالَّ أن‬
‫كبريا من‬
‫قدرا ً‬
‫مسؤولية هذا العراك لن تقع على املوحدين فحسب‪ ،‬بل ستتحمل الطوائف املشركة ً‬
‫وابله‪.‬‬

‫إن النظام الاكم لن يُهمل محاية هذا املال الذي هو أحد أبرز رموز النقشبنديني البنطس‪ ،‬رغم أهنم‬
‫تورطوا يف ارتكاب ثالث جناّيت على األقل‪ ،‬فقد يتم دعمهم بطريق الدولة العميقة لتهيب‬
‫املوحدين!‪.‬‬

‫فصائل املتشاكسة يف العقيدة‪ ،‬يستحيل‬


‫ُ‬ ‫الطوائف العلويةُ‪ ،‬وال ال‬
‫ُ‬ ‫ال الشرحيةُ السنِّيَّةُ النفانيةُ الكبريةُ‪ ،‬وال‬
‫مجيعا استكشاف أسرار هذه األحداث‪ ،‬ألن اجملتمع ال ميلك خلفيةً دينيةً واترييةً‪ ،‬بسبب‬
‫عليهم ً‬
‫اجلهل املنتفشي يف ربوعه‪ .‬ومن انحية أخرى‪ ،‬فإن املوحدين الذين هم أقلية قابعة على نفسها – يف‬
‫الوقت الراهن – يستعدون لرفع أصواتم ببث الدعوةِّ إىل توحيد للا ونبذ اإلشر ِّ‬
‫اك به على الساحة‬
‫التكية‪ .‬وهذا سوف يثري الكومة ضدهم ال حمالةَ فيضطرون للمواجهة‪ ،‬كما َّ‬
‫أن زوبعةً من اإلرهاصات‬
‫سلكت هذه األقليةُ‬
‫ْ‬ ‫تُ ْنبِّؤ عن حركة خطرية‪ ،‬ومواجهة عنيفة بني الطرفني يف املستقبل القريب‪ ،‬إن‬
‫املسلك الداعشيةَ‪ ،‬إذ هناك خماوف تمس عن وجود أسباب تدفعهم إىل هذا املعتك؛ تلك‪ :‬أهنم‬ ‫َ‬
‫متهورون‪ِّ َّ ،‬‬
‫يتصرفون ب َع َف ِّويَّة‪ ،‬وأهنم مل حيظوا قسطًا ً‬
‫وافرا من‬ ‫ِّخلْو من ُر ْشد علمي‪ ،‬ألن أكثرهم شباب ِّ‬
‫ِّ‬
‫الوهابية‪ ،‬جيهلون اللغةَ‬ ‫النظاميِّ‪ ،‬والثقافة والتجارب‪ ،‬ينسحبون وراءَ شيوخ متعصبني من‬ ‫ِّ‬ ‫التعليم‬
‫النبوية بروية‪ ،‬ألهنم يستقون املعلومات من الكتب‬ ‫ِّ‬ ‫العربيةَ‪ ،‬لذا ال يستطيعون دراسةَ التاريخ والسرية‬
‫املشوهة‪ .‬فال يفهمون‬ ‫ِّ‬
‫النصوص العربية عرب ترمجاتا التكية َّ‬ ‫املتمجَ ِّة مع أن أكثرها قاصرة عن إفادةِّ‬
‫َ‬
‫ات جهاد الرسول صلى للا عليه وسلم‪ ،‬ومبادئ ترتيباته‪ ،‬وأسرار قراراته يف‬ ‫الشيء الكثري من مهم ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِّ‬
‫الوقوف على املعان املكنونة يف قوله‬ ‫يتمكنون – على وجه اخلصوص‪ -‬من‬ ‫املتمجَة‪ .‬وال َّ‬
‫هذه الكتب َ‬
‫اّللُ يُ ِّري ُد ْاآل ِّخ َرةَ‬ ‫َس َرى َح َّّت يُثْ ِّخ َن ِّيف ْاأل َْر ِّ‬
‫ض تُ ِّري ُدو َن َع َر َ‬
‫ض الدنْ يَا َو َّ‬ ‫ِّ‬
‫تعاىل‪َ " :‬ما َكا َن لنَِّيب أَ ْن يَ ُكو َن لَهُ أ ْ‬
‫يما أَ َخ ْذ ُْت َع َذاب َع ِّظيم‪ 19.‬فال يفى على خرباء‬ ‫اّلل سب َق لَم َّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫س ُك ْم ف َ‬ ‫اّللُ َع ِّزيز َحكيم * ل َْوَال كتَاب م َن َّ َ َ َ‬ ‫َو َّ‬
‫أن املؤمنني‬ ‫علم التفسري أن هاتني اآليتني الكرميتني تشتمالن على معان هامة يُ ْف َه ُم منها ابالستقر ِّاء َّ‬
‫املستضعفني ال جيوز هلم أن ينهضوا للتغلب على أي نظام (مهما كان) إالَّ بعد أن ميتلكوا من القوةِّ‬
‫النظام‪ ،‬وأن يتوَّكلوا على للا قبل انطالقهم‪ ،‬وإالَّ وقعوا يف حبال‬
‫ُ‬ ‫أضعاف ما ميتلكها‬
‫َ‬ ‫والسالح والعتاد‬
‫الشيطان وتورطوا يف أتون حرب تنتهي هبالكهم‪ ،‬وهالك آالف مؤلفة من غريهلم ممن مل تكن هلم أي‬
‫مشاركة معهم‪ ،‬وال ذنب سوى أن قالوا "ربنا للا"‬

‫األنفال‪.68 ،67 :‬‬ ‫‪19‬‬


‫أما األنظمة الاكمة يف منطقة الشرق األوسط‪ ،‬إذا جترأت على ترويع املوحيدين الذين ال يتبنَّو َن‬
‫مقص ًدا سوى دعوة الناس إىل اإلميان بوحدانية للا تعاىل ونبذ اإلشراك به فحسب‪ ،‬وذلك من أجل‬
‫السالم العاملي‪ ،‬فإهنا وال شك سوف تصنع بيدها جبهات من األعداء ومنظمات إرهابية أقوى من‬
‫القاعدة وداعش‪ ،‬حيث لن تكون قادرةً على هزميتها أب ًدا‪ .‬لذلك‪ ،‬حّت لو كانت هذه األنظمةُ تعتمد‬
‫على دعم أغلبية قوية من املشركني‪ ،‬جيب عليها أن تتعامل مع هذه القضية يف وقت مبكر من أجل‬
‫مستقبلها‪ .‬كما أن املوحدين ال بد أن يلتزموا بضبط النفس والسيطرة عليها يف مواجهة استفزاز الدولة‬
‫اع مع العدو يف "املرحلة‬ ‫العميقة وجتاوزات املشركني من أجل محاية سالمتهم ومسعتهم‪ .‬ألن الصر َ‬
‫ِّ‬
‫وإعالء كلمة للا‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫الظروف لضمان مستقبل اجلهاد‬ ‫املكية" يتطلب اهلدوءَ والرفق ومراعاة‬

‫***‬

You might also like