You are on page 1of 8

‫م حـ ـاض ــ رة‬

‫الســـلم بين محــن ثــلث‬

‫لسماحة الشيخ العلمة‪:‬‬


‫أحمد بن حمد الخليلي حفظه الله ومتعنا بحياته وعلمه‬

‫المفتي العام لسلطنه عمان‬

‫‪8‬‬
‫م حـ ـاض ــ رة‬
‫الســـلم بين محــن ثــلث‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫الحمد ل ‪ ،‬أحمده واستعينه واستهديه ‪ ،‬وأعوذ بال من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده ال فل مضل له‬
‫ومن يضلل فل هادي له ‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله ‪،‬أرسله‬
‫بدعوة الحيق إلى الخلق فبلغ الرسيالة وأدى المانية ونصيح المية وكشيف الغمية ‪ ،‬صيلوات ال وسيلمه علييه وعلى آله‬
‫وصحبه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته وسار على نهجه ودعا بدعوته إلى يوم الدين ‪ ..‬اما بعد ‪.‬‬

‫فإن الذي يتدبر التارييخ السيلمي المجييد يجده منيذ تنفيس صيبحه وارتفاع صيوته ‪ ،‬بدا يواجيه سيلسلة مين المحين‬
‫والتحديات ‪ ،‬واسيتمرت هذه السيلسلة إلى وقتنيا هذا ‪ ،‬وسيوف تسيتمر إلى أن تقوم السياعة لن تلك هيي سينة ال فيي خلقيه‬
‫{ أم حسيبتم أن تدخلوا الجنية ولميا يأتكيم مثيل الذيين خلوا مين قبلكيم مسيتهم البأسياء والضراء وزلزلوا حتيى يقول الرسيول‬
‫والذين آمنوا معه متى نصر ال أل إن نصر ال قريب }‪..‬‬

‫ولقييد أخبرنييا ال سييبحانه وتعالى أن حلقات الميير إذا اسييتحكمت صييعوبتها جاء الفرج ميين ال سييبحانه وتعالى‬
‫وأنفرج الضيق وزالت الصعوبة { وما أرسلنا من قبلك إل رجالً نوحي إليهم من أهل القرى ‪ ،‬أفلم يسيروا في الرض‬
‫فينظروا كييف كان عاقبية الذيين مين قبلهيم ‪ ،‬ولدار الخرة خيير للذيين اتقوا أفل تعقلون ‪ ،‬حتيى إذا اسيتيأس الرسيل وظنوا‬
‫أنهيم قيد كذبوا جاءهيم نصيرنا فننجيي مين نشاء ول يرد بأسينا عين القوم المجرميين ‪ ،‬لقيد كان فيي قصيصهم عيبرة لولي‬
‫اللباب ‪ ،‬ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يعلمون } ‪.‬‬

‫إن فيي المرسيلين عيبرة لولي اللباب ‪ ،‬ولكين بجانيب ذلك كله ل اعرف محنية رزئ بهيا السيلم كمحين ثلث ‪،‬‬
‫وهيي تآمير أعدائه ‪ ،‬وجهيل أبنائه ‪ ،‬وعجيز علمائه ‪ ،‬ولقيد اجتمعيت هذه المحين الثلث فيي هذا القرن المنصيرم ‪ ،‬وبسيبب‬
‫اجتماعها زلزلت العقيدة في نفوس المسلمين وارتاب المسلمون في أمر دينهم وصدقوا ما يجب تكذيبه وكذبوا ما يجب‬
‫تصديقه ‪ ،‬وإذا نظرنا إلى تآمر أعداء السلم على السلم نجده أمرًا ملزماً لسير الدعوة السلمية منذ بدايتها ‪ ،‬فمنيذ‬
‫أن رفع النبي صلى ال عليه وسلم صوت الدعوة إلى السلم بمكة المكرمة داعياً إلى ال ‪ ،‬معلناً توحيد ال ‪ ،‬بادره قبل‬
‫كل شيء من هو أقرب الناس إليه وقال له ‪ :‬تباً لك ألهذا جمعتنا‪ .‬ول يزال السلم منذ ذلك الوقت يلقى مزيداً من التآمر‬
‫من أعدائه ‪ ،‬ولكين التآمير الخفي أصعب بكثيير من التآمير الظاهير ‪ ،‬والغزو الخفي أخطير بكثيير من الغزو الجلي ‪ ،‬وإذا‬
‫كان بجانب هذا التآمر عجز من قبل أبناء السلم وعدم إدراك لهذا التآمر من قبل علمائه ‪ ،‬كان المر أصعب بكثير ‪،‬‬

‫‪8‬‬
‫م حـ ـاض ــ رة‬
‫الســـلم بين محــن ثــلث‬

‫ولقد رزئ المسلمون في عقيدتهم وارتج اليقين في صدورهم عندما واجهوا الغزو وهم عزل عن السلح ‪ ،‬فاستسلموا له‬
‫وتقبلوا كل ما جاء به‪.‬‬

‫إننا لنجد أن من أخطر ما اصيب به المسلمون هو قلب المفاهيم وتغيير المقاييس عندهم ‪ .‬وإذا كانت الكلمات تقاس‬
‫بقدر معطياتهيا ‪ ،‬فإن كلمية قالهيا فيلسيوف مين فلسيفة الشرق فيي العصيور السيحيقة لجديرة بالتقديير والكبار ‪ ،‬فقيد قال ‪:‬‬
‫( لو كنيت أملك مين أمير الناس شيئاً لبدأت قبيل كيل شييء بوضيع السيماء الصيحيحة فيي مقابيل المسيميات ‪ ،‬لن التسيمية‬
‫تصيور المسيمى على حقيقتيه ولكين التسيمية إذا كانيت مقلوبية كان المسيمى خفيًا بحييث ل تدركيه القلوب ول تسيتطيع أن‬
‫تحكم عليه العقول )‪.‬‬

‫ومن مخاطر الغزو الجديد الذي رزئ به السلم من قبل أعدائه ‪ ،‬هو قلب السماء بحيث ل تصور المسميات على‬
‫حقيقتهييا ‪ ،‬ونجييد أمثلة لهذا القيييد متقبلة عنييد جميييع الناس يلوكونهييا بألسيينتهم بدون تفنيييد بييين مييا هييو صييحيح أو ليييس‬
‫بصيحيح ) ‪ ،‬فمين ذلك أن أعداء السيلم أرادوا أن يحببوا إلى المسيلمين الخمير فسيموه ( المشروب الروحيي ) وإن الذي‬
‫يسيمع اللسينة تردد هذا السيم للخمور ليتصيور ذلك الموقيف الذي وقفيه الرسيول صيلى ال علييه وسيلم ليعلن عين هذا‬
‫التحرييف قبيل أربعية عشير قرناً ‪ ،‬فالمام الربييع رحميه ال قيد روى عين عبادة بين الصيامت رضيي ال تعالى عنيه أن‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال ‪ (( :‬ليسيتحلن آخير أمتيي الخمير بأسيماء يسيمونها بهيا ))‪ .‬وروي هذا الحدييث مين‬
‫طريق عبادة رضي ال عنه أيضاً المام أحمد وابن ماجه بلفظ (( لتستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه ))‪.‬‬
‫وفي رواية ابن ماجه (( ليشربن طائفة من أمتي الخمر ))‪ .‬وروى المام أحمد وأبو داود من طريق أبي مالك الشعري‬
‫رضييي ال تعالى عنييه أن رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم قال‪ (( :‬ليشربيين أُناس ميين أمتييي الخميير ويسييمونها بغييير‬
‫اسيمها ))‪ .‬وفيي حدييث أخرجيه ابين ماجيه عين أبيي أمامية رضيي ال عنيه أن الرسيول علييه أفضيل الصيلة والسيلم قال ‪:‬‬
‫(( ل تنتهيي الليالي واليام حتيى تشرب طائفية مين أمتيي الخمير ويسيمونها بغيير اسيمها ))‪ .‬وجاء فيي روايية عين أبيي‬
‫محيرث عين أحييد أصييحاب النيبي صييلى ال علييه وسيلم أخرجهييا النسييائي أنيه قال ‪ (( :‬يشرب أُناس مين أمتييي الخميير‬
‫ويسييمونها بغييير اسييمها ))‪ .‬فالذي يسييمع تردد كلميية المشروب الروحييي أو المشروبات الروحييية إطلقاً على الخميير ‪،‬‬
‫ليتصيور ذلك التحذيير الذي حذر منيه النيبي صيلى ال علييه وسيلم أمتيه ‪ ،‬ويدلنيا هذا التحذيير منيه علييه أفضيل الصيلة‬
‫والسيلم أن هذا الطلق نفسيه حرام ‪ ،‬فإطلق اسيم المشروب الروحيي على الخمير مين ضمين المحرمات كميا أن شربهيا‬
‫وبيعها وسقيها وعصرها واعتصارها وحملها وإهداءها وتقبلها ممن أهداءها كل ذلك حرام ‪.‬‬

‫ومين ضمين قلب السيماء تسيمية الربيا بالفوائد ‪ ،‬وال تعالى يقول ‪ { :‬يمحيق ال الربيا ويربيي الصيدقات } فالربيا‬
‫الذي يتصوره الناس سيبباً للزيادة والنميو هو من أسباب محق البركية وزوال فائدة المال ‪ ،‬ولقيد حذر ال تعالى من الربا‬

‫‪8‬‬
‫م حـ ـاض ــ رة‬
‫الســـلم بين محــن ثــلث‬

‫أيما تحذيير فقد قال عز من قال ‪ { :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وذروا ما بقي من الربيا إن كنتيم مؤمنين ‪ ،‬فإن لم تفعلوا‬
‫فأذنوا بحرب مين ال ورسيوله فإن تبتيم فلكيم رؤوس أموالكيم ل تظلمون ول تُظلمون } ‪ .‬وبيين قبيل ذلك سيبحانه وتعالى‬
‫خطورة الربيا حييث قال ‪ { :‬الذيين يأكلون الربيا ل يقومون إل كميا يقوم الذي يتخبطيه الشيطان مين الميس ذلك بأنهيم قالوا‬
‫إنما البيع مثل الربا وأحل ال البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فأنتهى فله ما سلف وأمره إلى ال ومن عاد‬
‫فأُولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }‪.‬والذين يماحكون في تحريم الربا ويجادلون إنما يتوجه إليهم هذا الوعيد الشديد‬
‫الذي آذن به ال سبحانه وتعالى به أُولئك الذين يأكلون الربا أو أُولئك الذين يستحلونه حيث يقولون إنما البيع مثل الربا‬
‫‪ .‬ولقيد ظين بعيض الناس أن الربيا سيبب للنميو والزيادة حتيى قال كثيير منهيم أن البنوك التيي تتعاميل بالربيا سيبب لزدهار‬
‫القتصياد وتعلموا أنهيا سيبب لمحيق البركية وسيبب للقضاء على نميو المال وسيبب لسيتشراء الفسياد فيي الثمار والزروع‬
‫لن ال تعالى يقول ‪ { :‬ييا أيهيا الذيين آمنوا اتقوا ال وذروا ميا بقيي مين الربيا إن كنتيم مؤمنيين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب‬
‫من ال ورسوله }‪.‬‬

‫ومن قلب السماء تسمية الزنا ومقدماته بالحب ‪ ،‬مع أن ال سبحانه حرم الزنا وحذر من إتيان مقدماته ‪ ،‬فقد قال‬
‫عز من قائل ‪ { :‬ول تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيل } ‪ .‬وفرض ال تعالى العقوبات الرادعة على الزنا ‪ ،‬فرض‬
‫الجلد عليييه فييي كتابييه العزيييز ‪ ،‬وفرض الرجييم إن كان الزانييي محصيينًا بسيينة الرسييول صييلى ال عليييه وسييلم القولييية‬
‫والتطبيقيية ‪ ،‬يقول ال تبارك وتعالى ‪ { :‬الزانيي والزانيية فاجلدوا كيل منهميا مائة جلدة ول تأخذكيم بهميا رأفية فيي ديين‬
‫ال }‪ .‬يحذرنا ال تعالى من أن تأخذنا رأفة بالزناة لنهم يهدمون السير ويفسيدون البيوت ويطمسون النسل ومغبة الزنا‬
‫مغبية خطيرة ‪ ،‬ولكين بدلً مين أن يسيمى الزنيا باسيمه الصيحيح وضيع له هذا السيم البراق ‪ ،‬فسيمي حباً عنيد كثيير مين‬
‫الناس‪.‬‬

‫ومين ذلك أيضًا تسيمية الغناء والرقيص وضروب المجون بالفن ‪ ،‬فإن ذلك كله مين ضمين الغزو الخطيير الذي يترتيب‬
‫على قلب السماء عن حقيقتها وإعطاء المسميات أسماء غير أسمائها ول شك أن هؤلء يقصدون بمثل ذلك إضفاء ثوب‬
‫المحاسن على المقابح وتصوير الرذائل في صورة الفضائل وتحبيب الشهوات إلى النفوس ويحاولون من وراء ذلك كله‬
‫أن تجهل هذه المة عقيدتها وأن تجهل واجباتها لنها سكعت في شهواتها واستسلمت لعدوها إذ ل يعود لها هم في هذه‬
‫الدنيا غير الشهوات وذلك الذي تلتقي عليها مؤسسات أعداء السلم كلها ‪ ،‬فالصهيونية والتبشير الصليبي والشيوعية ‪،‬‬
‫كلها تتضافر جهودها على ذلك ‪ ،‬ومما يدل على ذلك ما قاله أحد القسيسين المبشرين وهو زويمر حيث قال في مؤتمر‬
‫القدس‪ ( :‬إن مهمة التبشير التي لجلها ندبتكم الدول المسيحية للقيام بها في البلد المحمدية ليست في تنصير المسلمين ‪،‬‬
‫فإن ذلك هداية لهم وتكريماً ‪ ،‬وإنما هي في إخراج المسلم من السلم وجعله مخلوقاً ل صلة له بال وبالتالي ل صلة له‬
‫بالخلق التي تعتمد عليه المم في حياتها وبهذا تكونون بعملكم هذا طليعة الفتح الستعماري في الممالك السلمية )‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫م حـ ـاض ــ رة‬
‫الســـلم بين محــن ثــلث‬

‫ثيم بعيد ذلك وجيه خطابيه إلى إخوانيه القسييسين فقال‪ ( :‬إنكيم قيد ظفرتيم ونجحتيم أيميا نجاح فيي مهمتكيم ذلك لنكيم أعددتيم‬
‫جيلً ل همة له إل بالشهوات ‪ ،‬فإن سما إلى أعلى المناصب ففي سبيل الشهوات ‪ ،‬وإن جمع المال فلجل الشهوات )‪.‬‬

‫وهذا هيو الذي وقعيت فييه هذه المية ‪ ،‬عندميا كان اللورد كرومير بمصير يقيف فيي وجيه المنصيرين الذيين يريدون أن‬
‫يختطفوا أبناء المسلمين ‪ ،‬عندما كان يفعل ذلك قدم المنصرون شكاية عنه إلى بلده فنوقش فقال ‪ :‬إن هؤلء يريدون أن‬
‫يسيتفزوا مشاعير المسيلمين بينميا طريقتيي هيي أنجيح طرييق ‪ ،‬طريقتيي أنيي دسيست السيم فيي العسيل وذلك لننيي دسيست‬
‫المبادييء الخطيرة على السيلم والمسيلمين فيي المناهيج التعليميية ‪ ،‬لقيد أمرت بإعداد المناهيج التعليميية أكيبر قيس فيي‬
‫الشرق وهيو زويمير وإننيي لواثيق أن أبناء المسيلمين سيوف يتلقون الفكار الغربيية بكيل ميا فيهيا مين فسياد إذا تقبلوا هذه‬
‫المناهج ‪ .‬وذلك الذي وقعيت فييه هذه المة ‪ ،‬فقد أضفى ثوب المحاسن على القبائح وسميت معاصي ال سيبحانه وتعالى‬
‫بأسيماء براقية وأخيذ الناس يحببون إلى أبنائهيم العمال المنكرة والحوال الدنيئة بسيبب جهلهيم بالسيلم وبسيبب انطفاء‬
‫جذوة الغيرة على هذا الديين الحنييف فيي قلوبهيم ‪ ،‬لقيد أخيذ المسيلمون أنفسيهم يترجمون المناهيج التعليميية التيي أعدهيا لهيم‬
‫أعداؤهم ‪ ،‬إلى لغاتهم ومنها اللغة العربية لغة القرآن ومع ذلك فإنهم لم يحاولوا أبداً أن يفندوا بين الصحيح والسقيم وبين‬
‫الحق والباطل ‪ ،‬بل تقبلوا تلك المناهج بما فيها من فساد وبكل ما فيها من تحريف‪.‬‬

‫ومن ذلك أن كتاباً من كتب الحساب وجدته منذ سنوات يشتمل على أسئلة توجه إلى الطلبة ومن ضمن هذه السئلة‬
‫التي توجه إليهم ( رجل أودع في البنك ثمانين ألفاً ‪ ،‬وتدر عليه هذه الثمانون ألفًا أرباح بنسبة خمسة في المائة كل عام ‪،‬‬
‫فكيم يجتميع له الربيح كيل عام ؟ ) إن هذه محاولة لتخفييف الكراهيية مين الربيا ‪ ،‬بيل هيي محاولة لتحيبيب الربيا إلى القلوب‬
‫بحيث يسمى الربا ربحاً ‪ ،‬ومحاولة لجعل التعامل الربوي من ضمن التعامل المألوف بين المسلمين ‪ ،‬وقد قلت غير مرة‬
‫أن البديل عن ذلك أن يوضع سؤال آخر مقابل هذا السؤال فيحل محله ‪ ،‬مثل أن يقال ( رجل يملك من النقود ثمانون ألفاً‬
‫وتلزمه فيه زكاة بنسبة ‪ % 2,5‬فكم يلزمه من الزكاة في العام عن هذه الثمانين ألفاً )‪.‬‬

‫وسيؤالً آخير وجدتيه أيضًا فيي نفيس الكتاب ( وهيو أن رجلً وامرأتيه وابنهميا وابنتهميا دخلوا السيينما وكان على‬
‫كيل مين البين والبنية نصيف تذكرة ودفعوا أربعية وعشريين دينار أو جنيهاً عين كيل التذاكير ‪ ،‬فكيم تكون قيمية التذكرة‬
‫الواحدة)‪ .‬ميع أن هناك سيؤالً بديلً عين هذا السيؤال يحيل محله وينميي روح الفضيلة فيي الطالب ‪ ،‬وهيو أن يقال بدلً مين‬
‫هذا السؤال ‪ ( :‬رجل وامرأته وعندهما كذا من الولد مروا على عدد من الفقراء وتصدقوا عليهم بعدد كذا من الدنانير‬
‫أو الدراهم ‪ ،‬إذاً كم ينوب كل واحد من هؤلء وكم يكون لكل واحد من الفقراء )‪.‬‬

‫وهذا إن دلنيا على شييء فإنميا يدلنيا على جهلنيا بحقيقية السيلم والعلم والتربيية‪ .‬إن التربيية هيي تنميية روح الفضيلة ‪،‬‬
‫فالتربية بمعنى الصلح والتنمية وكلمة الرب مشتقة أيضاً من كلمة التربية أو هي قريبة منها تؤدي معناها وذلك لن‬

‫‪8‬‬
‫م حـ ـاض ــ رة‬
‫الســـلم بين محــن ثــلث‬

‫ال سيبحانه وتعالى يصيلح عباده وينميهيم بفضله وإذا كانيت هيي التربيية فيجيب أن ترتكيز التربيية على الصيلح وعلى‬
‫تنمية الفضائل وعلى غرس الخلق وعلى بعث الهمم إلى الخير وعلى بعث العزائم إلى ما فيه عز المسلمين وخيرهم‪.‬‬
‫ونحين إذا ميا عدنيا إلى ميا يقوله انفسيهم عين التربيية وجدنيا أن فلسيفة التربيية عنيد الغربييين لم ندركهيا نحين حييث أخذنيا‬
‫القشور مين مناهجهيم التربويية ولم ندرك فلسيفة التربيية التيي تقوم عليهيا التربيية عنيد الغربييين ‪ ،‬فأحيد خيبراء التربيية عنيد‬
‫المريكان يقول ‪ ( :‬إن عملييية التربييية ليسييت عملييية تعاط أو عملييية بيييع وشراء أو اسييتيراد إلى الداخييل وتصييدير إلى‬
‫الخارج )‪.‬ثم يقول ( وفي فترات من التاريخ خسرنا أكثر مما ربحنا باستيراد نظرية التربية النجليزية والوروبية إلى‬
‫البلد المريكية )‪.‬‬

‫وإذا كان هذا الرجل تبلغ به الحساسية هذا المبلغ فيتأسف لفترات من التأريخ يرى أن شعبه خسر فيها أكثر مما ربح‬
‫باسيتيراد نظريية التربيية النجليزيية والوروبيية إلى البلد المريكيية ميع أن القاسيم المشترك بيين المريكان والوروبييين‬
‫عامة والنجليز بصفة خاصة أشياء متعددة ‪ ،‬منها الدين ‪ ،‬فالجميع ينتمون إلى النصرانية ‪ ،‬ومنها اللغة فلغة المريكان‬
‫هييي لغيية النجليييز ‪ ،‬ومنهييا التجاه السييياسي ومنهييا العادات والخلق ومنهييا العنصيير النسييبي وذلك أن المريكان ميين‬
‫الوروبيين‪.‬‬

‫ويقول البروفيسيور كلري ‪ ( :‬مهميا قال الناس فيي شرح التربيية أو فيي تفسيير التربيية فإن كيل ذلك يعود إلى أن‬
‫التربيية هيي إثبات نظريية سيبق اليمان بهيا ) ويعنيي ذلك أن تكون التربيية متقبلة عنيد الشعيب المربيي وذلك لن التربيية‬
‫تنمي عقيدة سبق اليمان بها وترسخ مبادئ قد سبق أن وافق ذلك الشعب الذي ترسخ فيه تلك المباديء عيها وآمن بها‬
‫وصدق بها‪ .‬وعندما كان النجليز يؤلفون دائرة المعارف طلبوا من أحد خبراء التربية في بريطانيا وهو السير بيرسي‬
‫نايين طلبوا منيه أن يكتيب فيي بنيد التعلييم عين التربيية فقال ‪ ( :‬لقيد سيلك الناس مسيالك متعددة فيي التعرييف بالتربيية ولكين‬
‫الفكرة الساسية التي تسيطر عليها جميعاً أن التربية هي الجهد الذي يقوم به أباء شعب ومدربوه لنشاء الجيال القادمة‬
‫على أساس نظرية الحياة التي يؤمنون بها ‪ ،‬إن وظيفة المدرسة أن تمنح القوى الروحية فرصة التأثير في التلميذ ‪ ،‬تلك‬
‫القوى الروحيية التيي تتصيل بنظريية الحياة وتحفيظ مقومات الشعيب وتميد يدهيا إلى المام )‪ .‬وإذا كان هذا الرجيل يتحدث‬
‫عن قيمه التي ترتبط بالوحل والتراب والتي ل تتجاوز المادة ‪ ،‬فكيف بالمة السلمية التي نزلت قيمها من السماء‪ ،‬فقد‬
‫جاء بها كتاب عزيز ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه‪.‬‬

‫إن هذا ليدلنيا أن على أن الواجيب على هذه المية أن تدرك خطورة التربيية ‪ ،‬وأن تدرك واجباتهيا فيي محيو كيل‬
‫صورة علقت بأذهان أبنائها ل تتفق مع مبادئها وقيمها وأخلقها‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫م حـ ـاض ــ رة‬
‫الســـلم بين محــن ثــلث‬

‫لقيد جاء القرآن الكرييم كتابًا يشميل كيل نواحيي الحياة فل يغادر شيئًا مميا تتطلبيه حياة النسيان‪ .‬فيجيب أن يكون هيو‬
‫الصيل الول للتربيية ويجيب أن تكون السينة النبويية هيي الصيل الثانيي ذلك لن السينة هيي التيي تشرح القرآن وتيبين ميا‬
‫أنبهم منه وتوضح ما خفي منه وتفصل ما أجمل من أحكامه ‪ ،‬وبناء على ذلك فإن واجب المة أن تجعل تربيتها تدور‬
‫حول القرآن وحول سينة الرسيول علييه أفضيل الصيلة والسيلم ‪ ،‬وهذه مسيئولية كيبرى يتحملهيا كيل فرد مين أفراد هذه‬
‫المية ‪ ،‬فكيل فرد مين أفرادهيا مسيئول عنهيا ولكين تتضاعيف المسيئولية على العلماء ‪ ،‬علماء الشريعية السيلمية ‪ ،‬فيجيب‬
‫على العلماء أن يكونوا ذوي خيييبرة وإدراك لحقائق العالم الذي يعيشون فييييه ومتطلباتيييه وأن يتصيييوروا كيييل ظروفيييه‬
‫ل فيي مواجهية جمييع المشكلت والمعضلت التيي ترزح هذه المية تحيت نيرهيا وتتلميس‬
‫وملبسياته حتيى يضعوا حلو ً‬
‫حلولهيا مين قبيل أعدائهيا ‪ ،‬إن علماء الفقيه السيلمي بإمكانهيم لو تعمقوا فيي دراسية أحكام ال سيبحانه وتعالى فيي كتابيه‬
‫الخالد الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه وتعمقوا في دراسة سنة الرسول صلى ال عليه وسلم وتعمقوا في‬
‫فهيم القواعيد السياسية التيي نطيق بهيا القرآن وجاءت بهيا السينة النبويية على صياحبها أفضيل الصيلة والسيلم وفهموا ميع‬
‫ذلك واقيع هذه المية ‪ ،‬وواقعهيا الدبيي وواقعهيا القتصيادي وواقعهيا الثقافيي وواقعهيا الجتماعيي وواقعهيا السيياسي ‪،‬‬
‫اسيتطاعوا أن يضعوا الحلول لهذه المية حتيى ل تحتاج هذه المية إلى حيل مين قبيل أعدائهيا‪ .‬وهذا ينبنيي قبيل كيل شييء‬
‫على الفهم الدقيق والدراك العميق وذلك ليتأتى أبداً إل بعد بذل الجهد في عدم {} ما بين المواد الثقافية التي تدرس وما‬
‫بين التربية الدينية النابعة من كتاب ال عز وجل وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ويترتب ذلك على تضافر الجهود‬
‫وتناسقها بين أصحاب التخصصات المختلفة ‪ ،‬فالذي يدرس الثقافة الدينية يجب أن يكون عنده من الثقافة الخرى بقدر‬
‫ما يتصور واقع هذه المة ‪ ،‬والذي يدرس القتصاد مثلً يجب أن يكون عنده من الوعي السلمي والفهم الديني بقدر ما‬
‫يدفعه لوضع الحلول القتصادية النابعة من كتاب ال ومن سنة رسوله صلى ال عليه وسلم مع التعاون مع الذين درسوا‬
‫الشريعة السلمية وتخصصوا فيها ‪ ..‬وهكذا في كل مجال من المجالت‪.‬‬

‫ومن ضمن المور التي حاول بها أعداء السلم صرفنا عن الدين الحنيف أنهم رسخوا في نفوس أبنائنا التفرقة‬
‫بيين الديين والعلم ولجيل ذلك سيموا الجاهليية الحديثية التيي هيي نبيذ الديين ورفضيه والتخلص منيه ‪ ،‬سيموا هذه الجاهليية‬
‫بالعلمانيية إشتقاقاً مين العلم وذلك لنهيم يبنون نظرياتهيم على التفرقية بيين العلم والديين ‪ ،‬وإذا كانيت هناك تفرقية بيين العلم‬
‫والدين عند غير المسلمين ‪ ،‬ويدل على ذلك ما دار من حروب بين العلماء المكتشفين وبين الذين يسمون عندهم برجال‬
‫الديين ‪ ،‬فإن السيلم على خلف ذلك ‪ ،‬الديين السيلمي يقوم على العلم والفهيم والدراك والعقيل والتفكيير ‪ ،‬فال سيبحانه‬
‫وتعالى يقول ‪ { :‬وكذلك نصرف اليات لقوم يتفكرون } ويقول ‪ { :‬إن في ذلك ليات لقوم يعقلون }‪ ..‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫ذلك كله يدل على أن الدين السلمي ليس بينه وبين العقل تصادم وليس بينه وبين التفكير تصادم ‪ ،‬هذه الشياء كلها‬
‫يجيب أن يتصيورها الشباب وأن يدركوا حقيقتهيا وأن يدركوا أبعادهيا وأن يدركوا أن الديين السيلمي أمانية فيي عنيق كيل‬

‫‪8‬‬
‫م حـ ـاض ــ رة‬
‫الســـلم بين محــن ثــلث‬

‫مسيلم يؤمين بال واليوم الخير فلييس فيي الديين السيلمي طبقية تسيمى رجال الديين ‪ ،‬إن كيل مين يشهيد أن ل إله إل ال‬
‫ويشهد أن محمداً رسول ال ويقيم الصلة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان ويحج البيت ويلتزم واجبات السلم ‪ ،‬هو من‬
‫رجال الدييين ‪ ،‬ومسييئولية هذه الواجبات ليسييت على فرد دون فرد فال سييبحانه وتعالى قييد شرع العبادة لكييل واحييد ولم‬
‫يشرع العبادة لطبقية مين الطبقات ‪ ،‬والديين السيلمي يفرض مراقبية ال سيبحانه وتعالى فيي كيل الحوال ‪ ،‬بفرض على‬
‫العبد أن يراقب ال في أخذه وعطائه ‪ ،‬في رضاه وغضبه ‪ ،‬في بيعه وشرائه ‪ ،‬في سلمه وحربه‪.‬‬

‫فكميا أن الديين السيلمي يوجيه العبيد المسيلم وهيو يتجيه إلى القبلة سياجداً راكعاً ل سيبحانه وتعالى منيباً إلييه يلتميس‬
‫مرضاتيه ‪ ،‬كذلك يوجهيه وهيو فيي متجره ‪ ،‬ويوجهيه وهيو فيي مزرعتيه ‪ ،‬ويوجهيه وهيو فيي مصينعه ‪ ،‬ويوجهيه وهيو فيي‬
‫مكتبه ‪ ،‬ويوجهه وهو في ميدانه يدافع عن حمى الدين الحنيف ويدافع عن حظيرة المة السلمية ‪ ،‬وبذلك يدعو جميع‬
‫المسيلمين إلى الفهيم الدقييق لهذا الديين وإدراك أبعاده وإدراك طواياه وغسيل الصيور مين كيل تلك الصيور الشائنية التيي‬
‫تعلقييت بكثييير بأذهان كثييير ميين الطلب والتييي مييا فتييى أعداء السييلم يحاولوا أن يلطخوا بهييا التأريييخ السييلمي وأن‬
‫يغرسوها في قلب كل مسلم يؤمن بال واليوم الخر للحيلولة بينه وبين إسلمه‪.‬‬

‫ولجييل ذلك فإننييي أُهيييب بالطلبيية كلهييم ‪ ،‬على إختلف الدروس التييي يدرسييونها ‪ ،‬أن يخصييصوا وقتاً ميين أوقاتهييم‬
‫لدراسية أحكام ال سيبحانه ‪ ،‬لدراسية كتاب ال إذ هيو المصيدر الول مين مصيادر التشرييع فيي السيلم ‪ ،‬ودراسية سينة‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ودراسة ما دونه علماء السلف الصالح {} من أقوال فسروا بها كتاب ال وشرحوا بها‬
‫سنة رسوله صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ودراسة القواعد الساسية التي إستخرجت من كتاب ال ومن سنة رسوله صلى ال‬
‫علييه وسيلم ‪ ،‬ودراسية الفكير السيلمي السيليم المسيتخرج مين كتاب ال ومين سينة رسيوله محميد علييه أفضيل الصيلة‬
‫والسلم ليواجهوا الفكر بالفكر والعلم بالعلم ويواجهوا القوة بالقوة ويواجهوا النظام بالنظام‪.‬‬

‫كميا إننيي أيضاً أدعوا جمييع المدرسيين لبذل جهدهيم فيي هذا المير وإدراكهيم العبيء الذي يقيع على عاتقهيم حول‬
‫تخلييص هذه الشبيبية مين هذه الفكار التيي أصيبح كثيير منهيم أسيرى فيهيا يرزحون تحيت نيرهيا ول يسيتطيعون الخلص‬
‫منها إل بمعونة أساتذتهم ‪ ،‬وبذل الجهود لذلك‪.‬‬

‫وال سييبحانه وتعالى أسييأل أن يوفييق الجميييع لمييا فيييه الخييير وأن يعييز السييلم والمسييلمين وأن يذل الشرك‬
‫والمشركين وان يرزقنا فهم هذا الدين وأن يرزقنا تطبيقه في كل ما نأتيه وما نذره وهو تعالى ولي التوفيق وصلى ال‬
‫على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫‪8‬‬

You might also like