You are on page 1of 3

‫َت َّتُقوا َهَّللا‌َي ْج َع ْل ‌َلُك ْم ‌ُفْر َقاًن ا َو ُيَك ِّفْر َع ْنُك ْم َس ِّي َئ اِتُك ْم َو َي ْغ ِفْر َلُك ْم َو ُهَّللا ُذ و‬ ‫‪‬اْلُخ

‫‪‬اْلُخ ْط َب ُة اُأْلوَلى‪‬‬
‫اْلَفْض ِل اْل َعِظ يِم ﴾‪.‬‬ ‫الحمد هلل فاِلِق الَح ِّب والَّن َو ى‪ ،‬عالم السر والنجوى‪ ،‬أحاط بكل شيء‬
‫ومن أهم أسباب تزكيِة المجتمعاِت‪ ،‬تعاوُنها على ما فيه خيرها‬ ‫علًما‪ ،‬وأحصى كل شيء عدًد ا‪ ،‬وصلى هللا وسلم على خير خلقه‬
‫ْث‬ ‫ْل‬
‫وصالحها‪َ‌﴿ ،‬و َت َع اَو ُنوا َع َلى ا ِبِّر َو الَّتْق َو ى َو اَل َت َع اَو ُنوا َع َلى اِإْل ِم‬ ‫وخاتم رسله‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى‬
‫َو اْل ُع ْد َو اِن َو اَّتُقوا َهَّللا ِإَّن َهَّللا َش ِديُد اْلِع َقاِب﴾‪.‬‬ ‫يوم الدين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫"وفائدة التعاون تيسير العمل‪ ،‬وتوفير المصالح‪ ،‬وإظهار االتحاد‬ ‫فُأوصيكم ‪ -‬أيها الناس ‪ -‬ونفسي بتقوى هللا‪ ،‬فاتقوا هللا ‪ -‬رحمكم هللا ‪-‬‬
‫والتناصر‪ ،‬حتى يصبح ذلك ُخ ُلًقا لألمة"‪ ،‬والبُّر ‪ :‬كل خيٍر في أمور‬ ‫وأطيعوه‪ ،‬وعِّظ موا أمره وال تعصوه‪ ،‬وتزينوا بلباس التقوى‪،‬‬
‫الدنيا واآلخرة‪.‬‬ ‫وتقربوا إليه بما يحب ويرضى‪َ﴿ .‬ي ا َأُّي َه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا اَّتُقوا َهَّللا َح َّق‬
‫ومن آَك ِد مواطِن التعاوِن ‪ ،‬ما يكوُن لمواجهِة األعداِء ‪ ،‬الذيَن ال يألوَن‬ ‫ُتَقاِتِه َو اَل َت ُموُتَّن ِإاَّل َو َأْنُتْم ُمْس ِلُموَن ﴾‪.‬‬
‫المسلميَن َخ َب اًاَل ﴿َو ُّد وا َم ا َع ِنُّت ْم ‌َق ْد ‌َبَدِت ‌اْل َب ْغ َض اُء ِم ْن َأْف َو اِه ِه ْم َو َم ا‬ ‫عباد هللا‪:‬‬
‫ُتْخ ِفي ُص ُد وُرُه ْم َأْك َب ُر﴾‪ ،‬وهؤالء األعداء ما فتئوا يعلنون الحرب على‬ ‫تنوَع الخطاُب القرآنُّي المتعلق باإلصالح‪ ،‬فهو تارة يخاطب األفراَد‬
‫جبهات عديدة‪ ،‬مستهدفين عقيدَة األمِة وشريعَت ها‪ ،‬في قلوِب رجالها‬ ‫منبًها كل شخص أن عليه مسؤولية نفسه‪ ،‬في تزكيتها‪ ،‬والتبصر لها‪،‬‬
‫ونسائها‪ ،‬وشيوخها وأطفالها‪ ،‬وشبابها وكهولها‪ ،‬قاصدين إضعاف‬ ‫وأنه محاسب على الطريق الذي يختاره يوم الحساب ﴿‌َم ِن ‌اْه َت َد ى‬
‫أفكارهم وعقولهم‪ ،‬وأبدانهم وصحتهم‪ ،‬فيثيرون الشبه‪ ،‬ويبثون‬ ‫َفِإَّن َم ا َي ْه َت ِدي ِلَن ْف ِس ِه َو َم ْن َض َّل َفِإَّن َم ا َيِض ُّل َع َلْي َه ا َو اَل َت ِز ُر َو اِز َر ٌة ِو ْز َر‬
‫الشهوات‪ ،‬وينشرون السموم‪ ،‬ويأمرون بالمنكر‪ ،‬ويحُّث ون على‬ ‫ُأْخ َر ى َو َم ا ُكَّن ا ُم َع ِّذ ِبيَن َح َّت ى َن ْب َع َث َر ُسواًل ﴾‪.‬‬
‫الباطل‪.‬‬ ‫وتارة يوجه الخطاب للمجتمع كله‪ ،‬منبًها على دوره في تحقيق‬
‫ولَّما كان اإلسالُم يحمُل اإلنساَن على الفضائل‪ ،‬سعى أرباُب هذه‬ ‫الهداية‪ ،‬وحاًّث ا له على السعي في اإلصالح‪ُ﴿ ،‬قْل َي ا َأُّي َه ا الَّن اُس ِإِّن ي‬
‫الحرب إلى إنزاله في الرذائل‪ ،‬بتسليط المخدرات والمفتراِت‪،‬‬ ‫َر ُسوُل ِهَّللا ِإَلْي ُك ْم ‌َج ِميًعا‌اَّلِذي َلُه ُم ْلُك الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر ِض اَل ِإَلَه ِإاَّل‬
‫وتسهيل الوصول للمسكرات والمنشطات‪.‬‬ ‫ُه َو ُيْح ِيي َو ُيِميُت َفآِم ُنوا ِباِهَّلل َو َر ُسوِلِه الَّن ِبِّي اُأْلِّمِّي اَّلِذي ُيْؤ ِمُن ِباِهَّلل‬
‫فهم يستهدفون عقوَل الشباِب؛ ألن من كُمل عقله ازداد إيمانه‪ ،‬قال‬ ‫َو َك ِلَماِتِه َو اَّت ِبُعوُه َلَع َّلُك ْم َت ْه َت ُد وَن ﴾‪.‬‬
‫هللا سبحانه‪﴿ :‬اَّلِذيَن َي ْذ ُك ُروَن َهَّللا ِقَي اًما َو ُقُعوًد ا َو َع َلى ُج ُنوِبِه ْم‬ ‫وقد ُعني القرآن بتزكيِة النفوِس والمجتمعات‪ ،‬ووضع لها أصوًال‬
‫َو َي َتَف َّك ُروَن ِفي َخ ْل ِق الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر ِض َر َّب َن ا َم ا َخ َلْق َت َه َذ ا َباِط اًل‬ ‫وتشريعاٍت‪ ،‬جماُعها هو تقوى هللا تعالى‪َ﴿ :‬ي ا َأُّي َه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا ِإْن‬
‫أكثَر أسباِب الوقوِع في َش َر ِك هذه السموِم ‪ ،‬ضعُف اإليماِن ‪ ،‬وغياُب‬ ‫ُسْب َح اَن َك َفِقَن ا َع َذ اَب الَّن اِر ﴾‪ ،‬فكلما كمل دين اإلنسان َو َفَر َع ْق ُله‪ ،‬وكلما‬
‫الوعِي والمعرفِة‪.‬‬ ‫نقص دينه‪ ،‬نقص من عقله بقدر ما ينقص من دينه‪.‬‬
‫إَّن الشباَب بحاجٍة إلى احتواٍء كاحتواِء النبِّي صَّلى هللا عليِه وسَّلَم‬ ‫إنها آفُة العصر التي تحيُل اإلنساَن إلى أردَأ من الحيواِن ‪،‬‬
‫ألصحابه‪ ،‬فلما جاءه شاٌّب يستأذُنه في الِّز َن ا‪ ،‬أثاَر حمَّيته‪ ،‬واستنطق‬ ‫واإلحصاءاُت التي تخبر عن كمية ما ُيقبض عليه‪ ،‬مما ُيسَّر ب من‬
‫ِغ يرته‪ ،‬محرًك ا فطرته السويَة ‪ ،‬بأسئلة منطقية‪ ،‬أتحبه ألمك‪ ،‬أو‬ ‫المخِّد رات إلى بالدِنا مفجعٌة ‪ ،‬وهي تبين لنا خطورة الحرب التي‬
‫ألختك‪ ،‬أو لعمتك‪ ،‬ثم أكمَل النبُّي صلى هللا عليه وسلم عالجه‬ ‫تستهدف المسلمين على وجه العموم‪ ،‬وتستهدف هذه البلدة على وجه‬
‫للمشكلة‪َ ،‬فَو َض َع َي َد ُه َع َلْي ِه َو َقاَل ‪« :‬اللُهَّم اْغ ِفْر َذ ْن َب ُه‪َ ،‬و َط ِّهْر َقْلَب ُه‪،‬‬ ‫الخصوص‪ ،‬لما يعلمه األعداء من مكانتها وأهميتها‪ ،‬ولذا فالتعاون‬
‫َو َح ِّصْن َف ْر َج ُه»‪ ،‬ولما تكرر َج ْل ُد رجٍل بسبِب ُشرِبِه للخمِر ‪َ ،‬قاَل‬ ‫لصِّد عدوانهم واجٌب على كل قادر‪ ،‬بالكلمة والمال‪ ،‬والجاه والعمل‪،‬‬
‫َر ُجٌل ِمَن اْلَق ْو ِم ‪ :‬الَّلُهَّم اْلَع ْن ُه‪َ ،‬م ا َأْك َث َر َم ا ُيْؤ َت ى ِبِه؟ فحَّذ ر َص َّلى ُهللا‬ ‫ْأ‬ ‫ُأ‬
‫﴿‌َو ْل َت ُك ْن ِم ْنُك ْم َّم ٌة َي ْد ُعوَن ِإَلى اْلَخ ْي ِر َو َي ُمُروَن ِباْل َم ْع ُروِف َو َي ْن َه ْو َن َع ِن‬
‫َع َلْي ِه َو َس َّلَم أصحابه مما يمكن أن يصد المخطئ عن التوبة‪َ ،‬فَقاَل ‪:‬‬ ‫اْلُم ْن َك ِر َو ُأوَلِئَك ُه ُم اْلُم ْف ِلُحوَن ﴾‪.‬‬
‫«‌اَل ‌َت ْلَع ُنوُه َف َو ِهللا َم ا َعِلْم ُت ِإاَّل َأَّن ُه ُيِحُّب َهللا َو َر ُس وَلُه»‪.‬‬ ‫ولألعداء أعواٌن يشاركونهم اإلثم‪ ،‬ويفارقونهم في األهداف‪ ،‬أكثرهم‬
‫ومن احتواء الشباب نشُر العلم بينهم‪ ،‬لتقوية إيمانهم‪ ،‬وتحصين‬ ‫شًر ا ومكًر ا أصدقاء السوء‪ ،‬الذين يزينون التعاطي ألقرانهم‪،‬‬
‫دفاعاتهم‪ ،‬وتزكية نفوسهم‪ ،‬وزيادة التقوى في قلوبهم‪ ،‬فالعلم ُجنة‪،‬‬ ‫ويدعونهم إليه ألهداف مادية‪ ،‬ملقين بقرنائهم إلى نار الدنيا واآلخرة‬
‫والجهل عدو‪ُ﴿ ،‬قْل َه ْل َي ْس َت ِو ي اَّلِذيَن ‌َي ْع َلُموَن ‌َو اَّلِذيَن اَل َي ْع َلُموَن ِإَّن َم ا‬ ‫والعياذ باهلل‪َ ،‬قاَل َر ُسوُل ِهللا َص َّلى ُهللا َع َلْي ِه َو َس َّلَم ‪ِ« :‬إَّن َم ا َم َث ُل‌اْلَج ِليِس‬
‫َي َت َذ َّك ُر ُأوُلو اَأْلْل َب اِب﴾‪.‬‬ ‫‌الَّصاِلِح ‪َ ،‬و اْلَج ِليِس الَّسْو ِء َك َح اِم ِل اْل ِم ْس ِك ‪َ ،‬و َن اِفِخ اْلِكيِر َفَح اِمُل اْل ِم ْس ِك‬
‫يا معشر الشباب‪ :‬أحسنوا اختيار أصحابكم‪ ،‬فالصاحب ساحٌب ‪،‬‬ ‫ِإَّما َأْن ُيْح ِذَيَك ‪َ ،‬و ِإَّما َأْن َت ْب َت اَع ِم ْن ُه‪َ ،‬و ِإَّما َأْن َت ِج َد ِم ْن ُه ِر يًح ا َط ِّي َب ًة ‪،‬‬
‫والطبع سَّر اق‪ ،‬وقد قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪« :‬الَّر ُجُل َع َلى‬ ‫َو َن اِفُخ اْل ِكيِر ِإَّما َأْن َي ْح ِر َق ِثَي اَبَك ‪َ ،‬و ِإَّما َأْن َت ِج َد ِر يًح ا َخ ِبيَثًة »‪.‬‬
‫ِديِن َخ ِليِلِه‪َ ،‬فْل َي ْن ُظ ْر َأَح ُد ُك ْم َم ْن ُيَخ اِلُل»‪.‬‬ ‫جعلنا هللا من العالمين العاملين‪ ،‬ووقانا الخزي والخسار في يوم‬
‫واعلموا أنكم مستهدفون من ِج هاٍت عديدٍة‪ ،‬وأَّن رجاَل األمِن ‪،‬‬ ‫الدين‪.‬‬
‫والجمارِك ‪ ،‬والعديَد من الجمعياِت ال يألوَن في حمايتكم جهًد ا‪،‬‬ ‫الحمد هلل وحده‪ ،‬وصلى هللا وسلم على من ال نبي بعده‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فاستشعروا ذلك‪ ،‬واعلموا أَّن األمَل المعقوَد عليكم كبيٌر‪ ،‬فأنتم‬ ‫فإن من التعاون على البِّر ‪ ،‬المأموِر به في كتاِب هللا سبحانه‪ ،‬بَّث‬
‫مستقبُل األمِة‪ ،‬وحصُنها الحصيُن ‪.‬‬ ‫الوعي‪ ،‬والسعَي لكِّل ما فيه رفُع مستوى اإليماِن في النفوِس ‪ ،‬فإَّن‬
‫يا أولياء األمور‪ :‬علموا أوالدكم كيف يأخذوَن ديَن هم‪ ،‬ويذُّبوَن عن‬
‫حياِض فكِر هم‪ ،‬واملؤوا أوقاَت هم بالناف والمفيِد‪ ،‬وال تجعلوهم فريسًة‬
‫ِع‬
‫سهلًة للمفسديَن ‪ ،‬فتندموا حين ال ينفُع الندم‪ ،‬وليعلْم َم ْن أغلَق أماَم‬
‫رعَّيِته باَب قْلِبِه‪ ،‬أَّن ُه قد فتَح لهم باًبا إلى أهِل الضالِل ‪ ،‬يتلقفونه‬
‫مستبشرين‪ ،‬ويدمرونه ُمستخِّفيَن ‪.‬‬
‫أال فاتقوا هللا يا عباد هللا وكونوا من الذين يستمعون القول فيتبعون‬
‫أحسنه‪ ،‬وقوا أنفسكم وأهليكم ناًر ا وقودها الناس والحجارة؛ فإن‬
‫الشقَّي من ُح ِر َم َر ْح َم َة هللا ‪-‬عياًذ ا باهلل‪ ،-‬ثم صلوا وسلموا على خير‬
‫البرايا‪ ،‬فقد أمركم هللا تعالى بذلك فقال‪ِ﴿ :‬إَّن َهَّللا َو َم اَل ِئَكَت ُه ُيَص ُّلوَن‬
‫َع َلى الَّن ِبِّي َي ا َأُّي َه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا َص ُّلوا َع َلْي ِه َو َس ِّلُموا َت ْس ِليًما﴾‪.‬‬

You might also like