You are on page 1of 11

‫الترهيب من الظلم والسخرية واالحتقار‬

‫‌‌قال هللا تع الى‪َ{ :‬و ال َتْح َس َبَّن َهللا غ اِفًال َع ّم ا َيْع َم ُل‬
‫الّظاِلُم وَن }‬
‫{َو ال َتْح َس َبَّن َهللا} خط اب لرس ول هللا ﷺ‬
‫والم راد تثبيت ه على م ا ه و علي ه من أن ه مطل ع على‬
‫أح والهم وأفع الهم‪ ،‬ال يخفى علي ه خافي ة‪ ،‬والوعي د بأن ه‬
‫معاقبهم على قليله وكثيره ال محال ة‪ ،‬أو ه و خط اب لك ل‬
‫من توهم غفلته جهال بصفات هللا واغترارا بإمهاله‪.‬‬
‫وال تحسبن ي ا محم د أن هللا إذا أنظ ر الن اس وأخ ر‬
‫عنهم العذاب إلى يوم القيامة‪ ،‬أنه غافل عنهم‪ ،‬مهمل لهم‪،‬‬
‫ال يع اقبهم على ص نعهم‪ ،‬ب ل ه و يحص ي ذل ك عليهم‪،‬‬
‫وَيُع ّد ه عليهم عدا‪ .‬والمقصود من اآلي ة إثبات وج ود ي وم‬
‫القيامة بطريق التنبيه على أنه تعالى س ينتقم للمظل وم من‬
‫الظالم‪.‬‬
‫وهو وإن ك ان خطاب ا للن بي ص لى هللا علي ه وس لم‬
‫صورة‪ ،‬فالمراد به أمت ه‪ .‬وفي ه تسلية للمؤم نين‪ ،‬وتهدي د‬
‫للظ المين ب أن هللا يحص ي عليهم أعم الهم ويعلم به ا‪،‬‬
‫وسيجزيهم على ظلمهم في ال وقت المناس ب‪ ،‬فعق ابهم آت‬
‫ال محالة؛ ألن العلم بالظلم الصادر منهم موجب لعقابهم‪.‬‬
‫وه ذه اآلي ة تدّل على أن وج ود ي وم القيام ة بنحو‬
‫مؤكد مقطوع به‪ ،‬أما تأخير الع ذاب الش ديد لي وم القيام ة‬
‫فلحكمة إلهية يعود نفعها إلى مص لحة العباد‪ ،‬كيال يعج ل‬
‫بعق ابهم وتترك الفرص ة لهم إلص الح أح والهم‪ ،‬فليس‬
‫الترهيب من الظلم والسخرية واالحتقار | ‪1‬‬
‫تأخير العذاب للرضا بأفعالهم‪ ،‬بل سنة هللا إمهال العص اة‬
‫مدة‪.‬‬
‫وفي هذا تسلية للنبي صلى هللا عليه وسلم عما ساءه‬
‫من إعراض المشركين عن اإليمان بدعوته‪ ،‬ق ال ميم ون‬
‫بن مهران‪ :‬هذا وعيد للظالمين‪ ،‬وتعزية للمظلوم‪.‬‬

‫الترهيب من الظلم والسخرية واالحتقار | ‪2‬‬


‫‌‌قال هللا تع الى‪{ :‬م ا ِللّظ اِلِم يَن ِم ْن َح ِم يٍم َو ال َش ِفيٍع‬
‫ُيطاُع}‪.‬‬
‫أي وح ال ك ون أولئ ك الظ المين ليس لهم ق ريب‬
‫ينفعهم‪ ،‬وال شفيع مشفع تقبل شفاعته لهم‪.‬‬
‫والمقصود باآلي ة تخوي ف الظ المين وترويعهم من‬
‫شدة الخوف وأهوال يوم القيامة‪.‬‬
‫وفي اآلية إشارة إلى أن الظالمين ي وم القيام ة يش تد‬
‫خوفهم‪ ،‬حتى لكأن قلوبهم لدى حلوقهم‪ .‬والقيامة وإن طال‬
‫زمانها في تقدير الناس إال أنها آتية من غير أي شك فيها‪،‬‬
‫وكل آت قريب‪.‬‬

‫الترهيب من الظلم والسخرية واالحتقار | ‪3‬‬


‫‌‌قال هللا تعالى‪{ :‬يا َأُّيَها اَّل ِذ يَن آَم ُن وا ال َيْس َخ ْر َق ْو ٌم‬
‫ِم ْن َقْو ٍم َعسى َأْن َيُك وُنوا َخ ْيرًا ِم ْنُهْم َو ال ِنساٌء ِم ْن ِنس اٍء‬
‫َعسى َأْن َيُك َّن َخ ْيرًا ِم ْنُهَّن َو ال َتْلِم ُز وا َأْنُفَس ُك ْم َو ال َتناَبُز وا‬
‫ِباَأْلْلق اِب ِبْئَس اِال ْس ُم اْلُفُس وُق َبْع َد اِإْل يماِن َو َم ْن َلْم َيُتْب‬
‫َفُأولِئَك ُهُم الّظاِلُم وَن }‪.‬‬
‫{ال َيْس َخ ْر } ال يهزأ وال يحتقر وال يعيب‪ ،‬والّسخرية‬
‫والسخرى‪ :‬االزدراء واالحتقار‪ ،‬ويقال‪ :‬سخر ب ه وس خر‬
‫من ه‪ .‬وق د تك ون السخرية‪ :‬بمحاك اة الق ول أو الفع ل أو‬
‫اإلشارة‪.‬‬
‫{َق ْو ٌم } هم الرج ال دون النساء‪ ،‬ف القوم مختص‬
‫بالرجال‪ ،‬ألنهم قّوامون على النساء‪.‬‬
‫{َو ال َتْلِم ُز وا َأْنُفَس ُك ْم } أي ال يعب بعض كم بعض ا‪،‬‬
‫وال تعيبوا‪ ،‬فتعابوا‪ ،‬واللمز‪ :‬الطعن والتنبي ه إلى المع ايب‬
‫بقول أو إشارة باليد أو العين أو نحوهما‪.‬‬
‫{َو ال َتناَبُز وا ِباَأْلْلقاِب} أي ال تتداعوا ب المكروه من‬
‫األلقاب‪ ،‬فإن النبز مختص بلقب السوء عرف ا‪ ،‬ومن ه‪ :‬ي ا‬
‫فاسق‪ ،‬ويا كافر‪.‬‬
‫{ِبْئَس اِال ْس ُم اْلُفُس وُق َبْعَد اِإْل يماِن } أي س اء االس م‬
‫والصيت‪ ،‬وه و الم ذكور من السخرية واللم ز والتن ابز‪،‬‬
‫بأن يذكروا بالفسوق بعد دخولهم اإليمان واش تهارهم ب ه‪،‬‬
‫والمراد تهجين نسبة الكفر والفسق إلى المؤمنين‪ ،‬م أخوذ‬
‫من قولهم‪ :‬طار اسمه في اآلفاق أي ذكره وشهرته‪.‬‬
‫{َو َم ْن َلْم َيُتْب } من ذلك المنهي عنه‪.‬‬

‫الترهيب من الظلم والسخرية واالحتقار | ‪4‬‬


‫{َفُأولِئ َك ُهُم الّظ اِلُم وَن } فهم ال غ يرهم ظلم ة‪،‬‬
‫بوض ع العص يان موض ع الطاع ة‪ ،‬وتع ريض النفس‬
‫للعذاب‪.‬‬
‫سبب النزول‪:‬‬
‫َق‬ ‫ْن‬ ‫َق‬ ‫ْسَخ‬
‫{ال َي ْر ْو ٌم ِم ْو ٍم }‪ .‬ق ال الض حاك‪ :‬ن زلت في‬
‫وفد بني تميم الذين تقدم ذكرهم في بيان سبب نزول اآلي ة‬
‫األولى من هذه السورة‪ ،‬استهزءوا بفقراء الصحابة‪ ،‬مث ل‬
‫عّم ار وخّباب وابن فهيرة وبالل وصهيب وسلمان وس الم‬
‫م ولى أبي حذيف ة وغ يرهم‪ ،‬لم ا رأوا من رثاث ة ح الهم‪،‬‬
‫فنزلت في الذين آمنوا منهم‪.‬‬
‫وقال مجاهد‪ :‬هو سخرية الغني من الفقير‪ .‬وقال ابن‬
‫زي د‪ :‬ال يسخر من س تر هللا علي ه ذنوب ه ممن كش فه هللا‪،‬‬
‫فلعل إظهار ذنوبه في الدنيا خير له في اآلخرة‪.‬‬
‫وقي ل‪ :‬ن زلت في ث ابت بن قيس بن ش ماس عّي ره‬
‫رجل بأم كانت ل ه في الجاهلي ة‪ ،‬فنكس الرج ل اس تحياء‪،‬‬
‫فأنزل هللا تعالى هذه اآلية‪.‬‬
‫وقي ل‪ :‬ن زلت في عكرم ة بن أبي جه ل حين ق دم‬
‫المدين ة مسلما‪ ،‬وك ان المسلمون إذا رأوه ق الوا‪ :‬ابن‬
‫فرع ون ه ذه األم ة‪ ،‬فش كا ذل ك إلى رس ول هللا ﷺ‬
‫فنزلت‪.‬‬
‫{َو ال ِنساٌء ِم ْن ِنساٍء }‪:‬‬
‫قال ابن عباس‪ :‬إن صفّية بنت ح يّي بن أخطب أتت‬
‫رس ول هللا ﷺ فق الت‪ :‬ي ا رس ول هللا‪ ،‬إن النساء‬
‫يعّيرنني‪ ،‬ويقلن لي‪:‬‬
‫الترهيب من الظلم والسخرية واالحتقار | ‪5‬‬
‫يا يهودية بنت يهودّيين! فق ال رس ول هللا ص لى هللا‬
‫علي ه وس لم‪« :‬هال قلت‪ :‬إن أبي ه ارون‪ ،‬وإن عمي‬
‫موسى‪ ،‬وإن زوجي محمد» فأنزل هللا هذه اآلية‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬نزلت في نساء الن بي ص لى هللا علي ه وس لم‬
‫عّيرن أم سلمة بالقصر‪.‬‬

‫هذه أخالق اإلسالم وآدابه العالية أّد ب هللا تعالى بها‬


‫عباده المؤمنين وهي‪:‬‬
‫‪ - ١‬النهي عن السخرية بالن اس‪ ،‬وه و احتق ارهم‬
‫وازدراؤهم واالس تهزاء بهم‪﴿ :‬ي ا َأُّيَه ا اَّل ِذ يَن آَم ُن وا ال‬
‫َيْس َخ ْر َق ْو ٌم ِم ْن َق ْو ٍم ‪َ ،‬عس ى َأْن َيُك وُن وا َخ ْي ًر ا ِم ْنُهْم ‪َ ،‬و ال‬
‫ِنس اٌء ِم ْن ِنس اٍء َعس ى َأْن َيُك َّن َخ ْي ًر ا ِم ْنُهَّن ﴾ أي ي ا أيه ا‬
‫المؤمنون باهلل ورسوله ال يهزأ رجال من آخ رين‪ ،‬فربم ا‬
‫كان المسخور بهم عند هللا خيرا من الساخرين بهم‪ ،‬أو قد‬
‫يكون المحتقر أعظم ق درا عن د هللا تع الى وأحب إلي ه من‬
‫الساخر منه المحتقر له‪ ،‬فهذا حرام قطع ا‪ ،‬ذك ر في ه عل ة‬
‫التحريم أو النهي‪ ،‬كما قال بعضهم‪:‬‬
‫ال تهين الفق ير عّل ك أن‪ ...‬ترك ع يوم ا‪ ،‬وال دهر ق د‬
‫رفعه‬
‫ْن‬ ‫ُن‬ ‫ُك‬ ‫ْن‬
‫فقوله‪َ﴿ :‬عسى َي و وا َخْيًرا ِم ُهْم ﴾ تعليل للنهي‪.‬‬‫َأ‬
‫وق ال ﷺ‪-‬فيم ا رواه الحاكم وأب و نعيم في‬
‫الحلية عن أبي هريرة‪« -‬رّب أشعث أغ بر ذي طم رين (‬
‫‪ )١‬تنبو عنه أعين الناس‪ ،‬لو أقسم على هللا ألبّره»‬

‫الترهيب من الظلم والسخرية واالحتقار | ‪6‬‬


‫ورواه أحم د ومسلم بلف ظ‪« :‬رب أش عث م دفوع‬
‫باألبواب‪ ،‬لو أقسم على هللا ألبّره»‪.‬‬
‫وب الرغم من أن النساء ي دخلن ع ادة في الخط اب‬
‫التشريعي مع الرجال‪ ،‬فقد أفردهن بالنهي هنا دفعا لت وهم‬
‫عدم شمول النهي لهن‪ ،‬وأك د مع نى النهي للنساء أيض ا‪،‬‬
‫وذلك باألسلوب نفسه‪ ،‬فنص على نهي الرج ال‪ ،‬وعط ف‬
‫بنهي النساء‪،‬‬
‫ّط‬
‫(‪ )١‬ال مر‪ :‬الثوب الخلق البالي‪.‬‬
‫بص يغة الجم ع‪ ،‬ألن أغلب السخرية تك ون في مج امع‬
‫الناس‪ ،‬فقال‪ :‬وال يسخر نساء من نساء‪ ،‬فلع ل المسخور‬
‫منهن يكّن خيرا من الساخرات‪.‬‬
‫وال يقتص ر النهي على جماع ة الرج ال والنساء‪،‬‬
‫وإنما يشمل األف راد‪ ،‬ألن عل ة النهي عام ة‪ ،‬فتفي د عم وم‬
‫الحكم لعموم العلة‪.‬‬
‫أخرج مسلم وابن ماجه عن أبي هريرة ﵁ قال‪ :‬قال‬
‫رسول هللا ﷺ‪« :‬إن هللا ال ينظر إلى صوركم وأموالكم‪،‬‬
‫ولكن ينظ ر إلى قل وبكم وأعم الكم» ف التميز إنم ا يك ون‬
‫ب إخالص الض مير‪ ،‬ونق اء القلب‪ ،‬وإخالص األعم ال هلل‬
‫﷿‪ ،‬ال بالمظاهر وال ثروات‪ ،‬وال ب األلوان والص ور‪ ،‬وال‬
‫باألعراق واألجناس‪.‬‬

‫‪ - ٢‬النهي عن الهمز واللم ز‪ ،‬أي التع ييب بق ول أو‬


‫إشارة خفية‪:‬‬

‫الترهيب من الظلم والسخرية واالحتقار | ‪7‬‬


‫﴿َو ال َتْلِم ُز وا َأْنُفَس ُك ْم ﴾ أي ال تلم زوا الن اس‪ ،‬وال‬
‫يطعن بعضكم على بعض‪ ،‬وال يعب بعضكم بعضا بق ول‬
‫أو فعل أو إشارة‪ .‬وقد جعل هللا لمز بعض المؤم نين لم زا‬
‫للنفس‪ ،‬ألنهم كنفس واح دة‪ ،‬فم تى ع اب الم ؤمن أخ اه‪،‬‬
‫فكأنم ا ع اب نفسه‪ ،‬وه ذا مث ل قول ه تع الى‪َ﴿ :‬و ال َتْقُتُل وا‬
‫َأْنُفَس ُك ْم ﴾ أي ال يقتل بعضكم بعضا‪.‬‬
‫أخرج أحمد ومسلم عن النعمان بن بش ير عن الن بي‬
‫ﷺ قال‪« :‬المؤمنون كرجل واحد‪ ،‬إن اشتكى رأسه‬
‫اشتكى كله‪ ،‬وإن اشتكى عينه اشتكى كله»‪.‬‬
‫والهماز اللماز مذموم ملعون‪ ،‬كما قال تعالى‪َ﴿ :‬و ْيٌل‬
‫ِلُك ِّل ُهَم َز ٍة ُلَم َز ٍة﴾ [الهم زة ‪ .]١٠٤ /١‬والهم ز يك ون‬
‫بالفعل‪ ،‬واللمز يك ون ب القول‪ ،‬وق د ع اب هللا من اتص ف‬
‫بذلك في قول ه‪َ﴿ :‬هّم اٍز َم ّش اٍء ِبَنِم يٍم ﴾ [القلم ‪ ]٦٨ /١١‬أي‪:‬‬
‫يحتقر الناس ويهمزهم طاعنا بهم‪ ،‬ويمشي بينهم بالنميم ة‬
‫وهي اللمز بالمقال (‪.)١‬‬
‫والفرق بين السخرية واللم ز‪ :‬أن السخرية احتق ار‬
‫الشخص مطلق ا‪ ،‬على وج ه مض حك بحض رته‪ ،‬واللم ز‪:‬‬
‫التنبي ه على معايبه‪ ،‬س واء أك ان على ش يء مض حك أم‬
‫غ يره‪ ،‬وس واء أك ان بحض رته أم ال‪ ،‬وعلى ه ذا يك ون‬
‫اللم ز أعم من السخرية‪ ،‬ويك ون من عط ف الع ام على‬
‫الخاص‪ ،‬إلفادة الشمول‪.‬‬
‫‪ - ٣‬التنابز باأللقاب أي التداعي باأللقاب التي يسوء‬
‫الشخص سماعها‪:‬‬
‫ّق‬ ‫ْل‬‫َأْل‬
‫﴿َو ال َتناَبُز وا ِبا قاِب﴾ أي ال يل ب بعض كم بعض ا‬
‫الترهيب من الظلم والسخرية واالحتقار | ‪8‬‬
‫لقب س وء يغيظ ه‪ ،‬ك أن يق ول المسلم ألخي ه المسلم‪ :‬ي ا‬
‫فاس ق‪ ،‬ي ا من افق‪ ،‬أو يق ول لمن أس لم‪ :‬ي ا يه ودي أو ي ا‬
‫نص راني‪ ،‬أو يق ول ألي إنسان‪ :‬ي ا كلب‪ ،‬ي ا حم ار‪ ،‬ي ا‬
‫خنزير‪ ،‬ويعزر المرء القائل ذلك بعقوبة تعزيرية‪.‬‬
‫وق د نص العلم اء على تحريم تلقيب اإلنسان بم ا‬
‫يكره‪ ،‬سواء أكان ص فة ل ه أم ألبي ه أم ألم ه‪ ،‬أم لك ل من‬
‫ينتسب إليه‪ .‬والتنابز يقتضي المشاركة بين االثنين‪ ،‬وعبر‬
‫ب ذلك ألن ك ل واح د س رعان م ا يقاب ل اآلخ ر بلقب م ا‪،‬‬
‫فالنبز يفض ي في الحال إلى التن ابز‪ ،‬بعكس اللم ز يك ون‬
‫غالبا من جانب‪ ،‬ويحتاج للبحث عن عيب ما يرد به‪.‬‬
‫ويستثني من ذل ك‪ :‬أن يش تهر بلقب ال يسوؤه‪،‬‬
‫فيج وز إطالق ه علي ه‪ ،‬ك األعمش واألع رج من رواة‬
‫الحديث‪ .‬أم ا األلق اب المحم ودة فال تحرم وال تك ره كم ا‬
‫قي ل ألبي بك ر‪ :‬ع تيق‪ ،‬ولعم ر‪ :‬الف اروق‪ ،‬ولعثم ان‪ :‬ذو‬
‫النورين‪ ،‬ولعلي‪ :‬أبو تراب‪ ،‬ولخال د‪ :‬س يف هللا‪ ،‬ولعم رو‬
‫بن العاص‪ :‬داهية اإلسالم‪.‬‬
‫﴿ِبْئَس اِال ْس ُم اْلُفُس وُق َبْع َد اِإْل يماِن ﴾ أي س اء‬
‫الوص ف أن يسمى الرج ل فاس قا أو ك افرا أو زاني ا بع د‬
‫إس المه وتوبت ه‪ ،‬أو أن ي ذكر بالفسوق بع د ال دخول في‬
‫اإليم ان‪ .‬والفسوق‪ :‬ه و التن ابز باأللق اب كم ا ك ان أه ل‬
‫الجاهلي ة يفعل ون بع د م ا دخل وا في اإلس الم وعقل وه‪.‬‬
‫والمراد‪ :‬ذم اجتماع صفة الفسوق بسبب التن ابز باأللق اب‬
‫مع اإليمان‪ ،‬وذلك تغليظ وتنفير شديد‪ ،‬حيث جعل التن ابز‬
‫فسقا‪ ،‬وهو تعليل للنهي السابق‪.‬‬
‫الترهيب من الظلم والسخرية واالحتقار | ‪9‬‬
‫﴿َو َم ْن َلْم َيُتْب َفُأولِئ َك ُهُم الّظ اِلُم وَن ﴾ أي ومن لم‬
‫يتب عم ا نهى هللا عن ه من األم ور الثالث ة (السخرية‪،‬‬
‫واللمز‪ ،‬والتن ابز باأللق اب) فه و من الظ المين‪ ،‬ب ل هم ال‬
‫غيرهم الظالمون أنفسهم‪ ،‬بسبب العص يان بع د الطاع ة‪،‬‬
‫وتعريض النفس للعذاب‪.‬‬
‫وس بب وص ف العص اة ب الظلم‪ :‬أن اإلص رار على‬
‫المنهي كف ر‪ ،‬إذ جع ل المنهي كالم أمور‪ ،‬فوض ع الش يء‬
‫في غير موضعه‪.‬‬
‫دلت اآليات على األحكام التالية‪:‬‬
‫حّرم هللا تعالى بدالل ة النهي في اآلي ة األولى ثالث ة‬
‫أش ياء‪ :‬هي السخرية‪ ،‬واللم ز‪ ،‬والتن ابز باأللق اب‪ ،‬ومن‬
‫فعل ما نهى هللا عن ه منه ا ف ذلك فسوق‪ ،‬وه و ال يج وز‪،‬‬
‫وهو من الظالمين أنفسهم بتعريض ها بسبب ظلم ه غ يره‬
‫إلى الع ذاب والعق اب إن لم يتب‪ .‬والعل ة واض حة وهي‬
‫احتمال أن يكون المسخور من ه والملم وز والملّقب خ يرا‬
‫ممن عابه‪.‬‬
‫واس تثني من التن ابز باأللق اب المكروه ة من غلب‬
‫علي ه اللقب في االس تعمال والش هرة‪ ،‬فلم يع د يع رف إال‬
‫بها‪ ،‬كاألعرج واألحدب واألعمش‪.‬‬
‫أما األلقاب الحسنة كالصّد يق ألبي بك ر‪ ،‬والف اروق‬
‫لعم ر‪ ،‬وذي الن ورين لعثم ان‪ ،‬وتلقيب خزيم ة ب ذي‬
‫الش هادتين‪ ،‬وأبي هري رة ب ذي الش مالين‪ ،‬والخرب اق بن‬
‫عمرو بذي اليدين‪ ،‬وحم زة بأس د هللا‪ ،‬وخال د بسيف هللا‪،‬‬

‫الترهيب من الظلم والسخرية واالحتقار | ‪10‬‬


‫فذلك جائز مقبول مألوف بين العرب والعجم‪ .‬له ذا ك انت‬
‫التسمية باألسماء الحسنة مطلوبة‪.‬‬
‫ذكر الزمخشري‪ :‬روي عن النبي ﷺ‪« :‬من حق‬
‫المؤمن على المؤمن أن يسّم يه بأحب أسمائه إليه‪ .‬وك انت‬
‫التكنية من السنة واألدب الحسن» قال عمر ﵁‪« :‬أش يعوا‬
‫الكنى فإنها منّبهة‪ ،‬وقد لّقب أب و بك ر ب العتيق والص ديق‪،‬‬
‫وعمر بالفاروق‪ ،‬وحمزة بأسد هللا‪ ،‬وخالد بسيف هللا‪ ،‬وقل‬
‫من المشاهير في الجاهلية واإلسالم من ليس ل ه لقب‪ ،‬ولم‬
‫تزل ه ذه األلق اب الحسنة في األمم كله ا‪-‬من الع رب‬
‫والعجم‪-‬تجري في مخاطباتهم ومكاتباتهم من غير نكير»‪.‬‬

‫الترهيب من الظلم والسخرية واالحتقار | ‪11‬‬

You might also like