Professional Documents
Culture Documents
تأليف الشيخ
يوسف بن إسماعيل النبهاني
غير ود القربى ونعم الجــــــــار لم يسل جدكم على الدين أجــرا
* * * *
1
المقــــدمـــــــــة :
وصلى ال تبارك وتعالى على سيدنا ومولنا محمد وآله وصحبه فى كل لمحة
ونفس عدد ما وسعه علم ال .
الحمد ل الذى طهر أهل بيت نبينا من كل رجس وآتاهم من لدنه فضل كبيرا ,
طّهَرُكْم َتطِْهيًرا { .
ت َوُي َ
س َأْهَل اْلَبْي ِ
ج َ
عْنُكُم الّر ْ
ب َ
ل ِلُيْذِه َ
فقال تعالىِ }:إّنَما ُيِريُد ا ُّ
والصلة والسلم على سيدنا محمد المبعوت من أفضل قبيلة وأكرم فصيلة ,
وعلى آله الشراف السادة ,وأصحابه الئمة القادة .
أما بعد :فيقول الفقير إلى ربه يوسف بن إسماعيل النبهانى عفا ال تعالى عنه:
إن من أهم المور الدينية ,وآكد العقائد السلمية اعتقاد أن سيدنا محمد صلى ال
عليه وآله وسلم أفضل من كل ملك ورسول ,وأصوله وفروعه أشرف فروع
وأصول ,كيف ل وقد اتصلت بنسبه أنسابهم ,وارتبطت بحسبه أحسابهم ,فهم منه
وإليه ,وأقرب الناس لديه ,ول ريب في أن محبته صلى ال عليه وآله وسلم فرض
على كل موحد ,مجتهد أو مقلد ,وبحسب زيادتها ونقصانها تكون زيادة اليمان
ونقصانه ,ومن ادعى اليمان بدونها فقد عظم نفاقه وبهتانه ,ومن محبته عليه
الصلة والسلم محبة من اتصلوا به ,ورجعت أنسابهم كآبائه وأبنائه إلى نسبه .
أما آباؤه فقد انقضت أعصارهم ,وبقيت أخبارهم ,فمن ادعى محبتهم لجله
فل تثريب عليه ,وتسلم دعواه إليه ,إذ ل دليل على بطلن دعواه ,ويوكل أمر
باطنه إلى ال ,وأما أبناؤه فهم بركة هذه المة ,الكاشفون عنها من غياهب الكون
2
كل غمة ,فل بد وأن يوجد فى كل عصر طائفة منهم يدفع ال بها عن الناس البلء
,فإنهم أمان لهل الرض كما أن النجوم أمان لهل السماء ,فمن عاصرهم
وادعى محبتهم بزخارف أقواله ,ولم يقم على دعواه البراهين من محاسن أفعاله
فدعواه فاسدة باطلة ,ومن حلي الصحة عاطلة ,هذا إذا لم يؤذهم بقلم ول لسان ,
ولم يشر إلى تنقيصهم بعين ول بنان ,أما من فعل ذلك وادعى محبتهم فل أحسبه
إل مجنونا ,وبدينه مفتونا .
ومن هذا القبيل ما وقع فى عصرنا فى القسطنطينية سنة سبع وتسعين ومائتين
وألف هجرية من قوم جهال ,غرقوا من أحوال البغضاء لل محمد فى أوحال
فأخذوا يتأولون بجهلهم ماورد من اليات والخبار فى فضل أهل بيت النبوة ,
ومعدن الرسالة ,ومهبط الوحي ,ومنبع الحكمة ,ويخرجونها عن ظواهرها
بأفهامهم السقيمة ,وآرائهم الذميمة ,ومع ذلك فقد زعموا ,أنهم لهل البيت من
أهل المحبة والوداد ولم يعلموا أنهم هائمون من الخذلن فى كل واد ولما أراد ال
سبحانه تمام غوايتهم قدر لهم الطلع على كتاب نوادر الصول للحكيم الترمذى
عْنكُُم
ب َ
ل ِلُيْذِه َ
وقد أتى فيه رضي ال عنه بتفسير قوله تعالى }:إِّنَما ُيِريُد ا ُّ
طِهيًرا { .
طّهَرُكْم َت ْ
ت َوُي َ
س َأْهَل اْلَبْي ِ
ج َ
الّر ْ
وقوله عليه الصلة والسلم " :إنى تارك فبكم الثقلين :كتاب ال ,وأهل بيتي
عترتي " الحديث .
" النجوم أمان لهل السماء ,وأهل بيتى أمان لهل الرض " .
3
بأقاويل ظاهرها مخالف لما عليه جمهور العلماء ,فزعم أن الية الكريمة
خاصة بالزوجات الطاهرات أمهات المؤمنين ,وشنع على من ذهب إلى غير ذلك
من المفسرين .
ومثله غرابة أو أغرب ,زعمه في الحديث الثاني أن أهل بيته صلى ال عليه
وآله وسلم فيه هم البدال ل الذرية ,ومنع أن تكون فى العنصر الطاهر هذه المزية
,وإني على يقين من أنه رحمه ال على تقدير ثبوت ذلك عنه ,وتحقق صدوره
منه ,مع استبعاد صحة نسبته إليه وقرب احتمال دسه عليه ,لم يقصد به إل إحقاق
الحق على وجه السداد ,بحسب ما أداه إليه الجتهاد وأرجو أن ل يلحقه بذلك
عتاب ,وأن ل يفوته على نيته الثواب ,فإنه ,نفعنا ال به ,من مشاهير الئمة
ومصابيح هذه المة ,ولعله كان فيما أتي به معذورا ,وقد كان ذلك فى الكتاب
مسطورا .
وعلى كل الحال فقد تم العمل ,وسبق السيف العدل ,فأخذ أولئك المخذولون
عبارته رحمه ال وصاروا يروجون بها بضاعتهم الكاسدة ,ويصلحون بها
عقائدهم الفاسدة ,ويتمشدقون بها في مجالس إخوانهم العوام ,ويفهمونهم ان ل
فرق بين العترة الطاهرة وبين أحد من أهل السلم ,فلما شاع أمرهم المذموم ,
وفشا سر ضللتهم المكتوم ,حملني على تزييف مدعاهم الباطل الفاسد ,وهدم ما
استندوا إليه من واهيات القواعد ,أمر شريف صدر من أحد أجلء العصابة
المصطفوية ,وافق مني بواعث قلبية ,ومدعاهم وإن كان بديهي البطلن ،ل
يرتاب فيه أحد ممن شم رائحة اليمان ,وقد يقال :ل حاجة إلي إبطال الباطل وما
4
هو إل من قبيل تحصيل الحاصل ,فهو منكر وإنكار المنكر واجب ,وإماطة
البدعة عن المسلمين ضربة لزب .
فجمعت هذا الكتاب من كتب الئمة العلم ,ونقلت فيه أنموذجا من الكتاب
والسنة والثار فى فضل آله عليه الصلة والسلم ,ولم أقصره على رد تلك
القاويل الفاسدة ,لتتم به الفائدة ,وسميته ) :الشرف المؤبد لل محمد ( .
المقصد الول :فى الكلم على آية ِ }:إّنَما ُيِريُد ال { وحديثي " :إني تارك
فيكم الثقلين ...وأهل بيتي أمان لمتي " .
المقصد الثانى :في الكلم على شرفهم ومزاياهم وما اختصهم ال به دون من
عداهم .
المقصد الثالث :في الكلم على ما فى حبهم وتوابعه من الفوز العظيم ,وما
في بغضهم وتوابعه من المرتع الوخيم .
الخاتمة :في بيان فضل الصحابة وأن محبة آل البيت ل تجدي نفعا إذا خالطها
بغض أحد من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم .
* * * *
5
المقصــد الول:
وهو الحامل على جمع الكتاب في الكلم على آية :
طّهَرُكْم
ت َوُي َ
جسَ َأْهَل اْلَبْي ِ
عْنُكُم الرّ ْ
ب َ
ل ِلُيْذِه َ
قال ال تعالىِ }:إّنَما ُيِريُد ا ُّ
طِهيًرا { .قال المام أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى فى تفسيره :يقول ال
َت ْ
عْنُكُم السوء والفحشاء ياأهل محمد ويطهركم من الدنس
ب َ
ل ِلُيْذِه َ
تعالىِ :إّنَما ُيِريُد ا ُّ
الذي يكون في معاصي ال تطهيرا .
ل ِلُيْذِه َ
ب وذكر الطبرى بسنده إلى سعيد بن قتادة أنه قال :قوله ِ }:إّنَما ُيِريُد ا ُّ
طِهيًرا { ,فهم أهل بيت طهرهم ال من السوء
طّهَرُكْم َت ْ
ت َوُي َ
س َأْهَل اْلَبْي ِ
ج َ
عْنُكُم الّر ْ
َ
وخصهم برحمة منه .
وقال بن عطية :والرجس اسم يقع على الثم والعذاب ,وعلى النجاسات
والنقائص ,فأذهب ال جميع ذلك عن أهل البيت .
وقال المام النووى :قيل هو الشك ,وقيل العذاب ,وقيل الثم .
* * * *
6
من هم أهل البيت ؟
واختلف المفسرون فى أهل البيت فى هذه الية ,فذهبت طائفة منهم أبو سعيد
الخدري وجماعة من التابعين منهم مجاهد وقتادة ,وغيرهم كما نقله المام البغوي
وابن الخازن وكثير من المفسرين إلى أنهم هنا أهل العباء وهم :سيدنا رسول ال
صلى ال عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي ال تعالى عنهم .
وذهب جماعة منهم العباس وابن عكرمة إلى أنهم أزواجه الطاهرات صلى ال
جك ـ إلى
ي ُقْل لْزَوا ِ
عليه وآله وسلم ؛ قال هؤلء اليات كلها منَ }:يا َأّيَها الّنِب ّ
خِبيًرا { ,قوله :من سوق بعضها على بعض فكيف صار
طيًفا َ
ن َل ِ
ل َكا َ
ن ا َّ
قوله ـ ِإ ّ
في الوسط كلم لغيرهن وأجاب عن هذا القائلون بأن المراد أهل العباء بأن الكلم
العربي يدخله الستطراد والعتراض وهو تخلل الجملة الجنبية بين الكلم
عّزَة َأْهِلَها
جَعُلوا َأ ِ
سُدوَها َو َ
خُلوا َقْرَيًة َأْف َ
ك ِإَذا َد َ
ن اْلُمُلو َ
تعالى}:إ ّ
ِ المتناسق كقوله
سَلٌة ِإَلْيِهْم ِبَهِدّيٍة{ .
ن َوِإّني ُمْر ِ
ك َيْفَعُلو َ
َأِذّلًة َوَكَذِل َ
ن َكِريٌم{ ,أي
ظيٌم ِإّنُه َلُقْرآ ٌ
عِ
ن َ
سٌم َلْو َتْعَلُمو َ
جوِم َوِإّنُه َلَق َ
سُم ِبَمَواِقِع الّن ُ
} َفل ُأْق ِ
فل أقسم بمواقع النجوم إنه لقرآن ,وما بينهما ,اعتراض على اعتراض ,وهو كثير
في القرآن وغيره من كلم العرب .
وقد ثبت من طرق عديدة صحيحة أن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم جاء
ومعه علي وفاطمة وحسن وحسين ,قد أخذ كل واحد منهما بيد حتى دخل ,فأدنى
عليا وفاطمة وأجلسهما بين يديه ,وأجلس حسنا وحسينا كل واحد على فخذه ثم لف
جسَ َأْهَل اْلَبْي ِ
ت عْنُكُم الّر ْ
ب َ
ل ِلُيْذِه َ
عليهما كساء ثم تل هذه الية ِ }:إّنَما ُيِريُد ا ُّ
طِهيًرا { .
طّهَرُكْم َت ْ
َوُي َ
7
وفى رواية ":اللهم هؤلء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ".
قالت أم سلمة :فرفعت الكساء لدخل معهم فجذبه من يدي فقلت :وأنا معكم يا
رسول ال ؟ فقال ":إنك من أزواج النبى صلى ال عليه وسلم على خير ".
وروى أحمد والطبراني عن أبي سعيد الخدري قال :قال رسول ال صلى ال
عليه وآله وسلم ":أنزلت هذه الية في خمسة :في وفي علي وحسن وحسين
وفاطمة ".
وروي من طرق عديدة حسنة وصحيحة عن أنس رضي ال تعالى عنه أن
رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم كان بعد نزول هذه الية يمر ببيت فاطمة إذا
عْنُكُم
ب َ
ل ِلُيْذِه َ
خرج إلى صلة الفجر يقول ":الصلة أهل البيت ِإّنَما ُيِريُد ا ُّ
طِهيًرا ".
طّهَرُكْم َت ْ
ت َوُي َ
س َأْهَل اْلَبْي ِ
ج َ
الّر ْ
وعن أبى سعيد الخدري أنه صلى ال عليه وآله وسلم جاء أربعين صباحا,
يعني بعد نزول هذه الية إلى باب فاطمة يقول ":السلم عليكم أهل البيت ورحمة
س َأْهَل الَْبْي ِ
ت ج َ
عْنُكُم الّر ْ
ب َ
ل ِلُيْذِه َ
ال وبركاته الصلة رحمكم ال ِإّنَما ُيِريُد ا ُّ
طِهيًرا ".
طّهَرُكْم َت ْ
َوُي َ
وعن ابن عباس سبعة أشهر .وهذا نص منه صلى ال عليه وآله وسلم على أن
المراد من أهل البيت في هذه الية هم الخمسة ,قالوا ولو كان أراد الزوجات
طّهَرُكْم { ,بضمير جمع الذكور,
س _ َوُي َ
ج َ
عْنُكُم الّر ْ
ب َ
الطاهرات لما قالِ }:لُيْذِه َ
بل كان اللزم أن يقال ليذهب عنكن ويطهركن ,فأجابوا عن هذا بأن التذكير
طّهَرُكْم { .
عْنُكُم _ َوُي َ
باعتبار لفظ الهل فإن لفظه مذكر ولهذا قال َ }:
8
والجمهور على أن المراد من أهل البيت في الية ما يشمل الفريقين معا عمل
بجميع الدلة ,قال المقريزي :ومن حجة الجمهور قوله }عنكم _ ويطهركم {
بالميم ,ولو كان المراد النساء خاصة لكان عنكن ويطهركن .
وقال النسفى :وفيه دليل على أن نساءه من أهل بيته وقال}:عنكم{ لنه أراد
طِهيًرا{ .
طّهَرُكْم َت ْ
الرجال والنساء من آله بدللةَ}:وُي َ
وقال الفخر الرازى بعد الكلم ثم إن ال تعالى ترك خطاب المؤنثات وخاطب
س { ,ليدخل فيه نساء أهل بيته
ج َ
عْنُكُم الّر ْ
ب َ
بخطاب المذكرين بقولهِ }:لُيْذِه َ
ورجالهم ,واختلفت القوال فى أهل البيت ,والولى أن يقال هم أولده وأزواجه ,
والحسن والحسين منهم ,وعلي منهم ,لنه كان من أهل بيته بسبب معاشرته بنت
النبى صلى ال عليه وآله وسلم وملزمته له .اهـ .
وذكر بن جرير فى تفسيره خمس عشرة رواية بأسانيد مختلفة ,في أن أهل
البيت في الية ,هم النبى صلى ال عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة وحسن
وحسين ,ثم أعقبها برواية واحدة في أن المراد زوجاته الطاهرات صلى ال عليه
وآله وسلم .
ورأيت المام الجليل خاتمة الحفاظ جلل الدين السيوطي في تفسيره الدر
المنثور قد صدر الكلم عند تفسير هذه الية بثلث روايات ,في أن أهل البيت
9
فيهم هم أزواجه صلى ال عليه وآله وسلم ؛ وأعقبها بعشرين رواية من طرق
مختلفة ,في أن المراد منهم النبي صلى ال عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن
والحسين ,منها ما أخرجها ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن
صّلى ا ُّ
ل ن رسول ال َ
مردويه عن أم سلمة زوج النبي صلى ال عليه وآله وسلم َأ ّ
طَمُة ببرمة
ي َفجاءت َفا ِ
خْيَبِر ّ
ساٌء َ
سّلَم كان في بيتها على مقامة له ,عليه ِك َ
عَلْيِه َو َ
َ
ك حسنًا
ك َواْبَْن ِ
جِ
عي َزْو ُ
سّلَم اْد ِ
عَلْيِه وآله َو َ
ل َ
صّلى ا ُّ
ل َ
ل ا ِّ
سو ُ
ل َر ُ
خِريَزة َ ،فَقا َ
فيها َ
سّلَم:
عَلْيِه وآله َو َ
ل َ
صّلى ا ُّ
عُتُهْم ،فبينما هم يأكلون اذ نزلت على النبي َ
وحسينًا َ ،فَد َْ
طِهيًرا { ,فأخذ النبى
طّهَرُكْم َت ْ
ت َوُي َ
س َأْهَل اْلَبْي ِ
ج َ
عْنُكُم الّر ْ
ب َ
ل ِلُيْذِه َ
} ِإّنَما ُيِريُد ا ُّ
سّلَم بفضلة فغشاهم إياها ثم أخرج يده من الكساء وألوى بها
عَلْيِه وآله َو َ
ل َ
صَّلى ا ُّ
حاَمِتي " .
ل ":اللهم َهُؤلِء َأْهُل َبْيِتي َو َ
إلى السماء ُثّم َقا َ
ومنها ما أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وابن جرير وابن أبي حاتم
والحاكم عن عائشة أم المؤمنين رضي ال تعالى عنها قالت :خرج النبي صلى ال
عليه وآله وسلم غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود ,فجاء الحسن والحسين
فأدخلهما معه ,ثم جاءت فاطمة فأدخلها معه ,ثم جاء علي فأدخله معهم ,ثم قال}:
طِهيًرا { .
طّهَرُكْم َت ْ
ت َوُي َ
س َأْهَل اْلَبْي ِ
ج َ
عْنُكُم الّر ْ
ب َ
ل ِلُيْذِه َ
ِإّنَما ُيِريُد ا ُّ
ومنها ما أخرجه ابن أبى شيبة وأحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم
والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن واثلة بن السقع قال :جاء
سّلَم إلى فاطمة ومعه علي وحسن وحسين ,حتى
عَلْيِه وآله َو َ
ل َ
صّلى ا ُّ
ل ال َ
سو ُ
َر ُ
دخل فأدنى علّيا وفاطمة وأجلسهما بين يديه ,وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما
10
ج َ
س عْنكُُم الّر ْ
ب َ
ل ِلُيْذِه َ
على فخذه ,ثم لف عليهم ثوبه ثم تل هذه الية} ِإّنَما ُيِريُد ا ُّ
طِهيًرا { وقال ":اللهم هؤلء أهل بيتي ,اللهم أذهب عنهم
طّهَرُكْم َت ْ
ت َوُي َ
َأْهَل اْلَبْي ِ
ت ِم ْ
ن لَ ":وَأنْ َ
ك ؟ َقا َ
ن َأْهِل َ
ل َوَأَنا ِم ْ
ل ا ِّ
سو َ
تَ :يا َر ُ
الرجس وطهرهم تطهيرا "ُ .قْل ُ
جوُه .
جى َما َأْر ُ
لْر َ
ل َواِثَلُةِ :إّنُه َ
َأْهِلي "َ .قا َ
وقال المقريزى :والذى يظهر من الية أنها عامة في جميع أهل البيت من
الزواج وغيرهم ,وإنما قال} ويطهركم { لن رسول ال صلى ال عليه وآله
وسلم وعليا وحسنا وحسينا كانوا داخلين فيهم ,وإذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب
المذكر ,فاقتضت الية أن الزوجات من أهل البيت يدل عليه سياق الكلم .
ثم قال :ويروى حديث أم سلمة ":أدخلت رأسي في الكساء وقلت وأنا منهم ؟
فقال نعم " .
11
وقال المحقق ابن حجر فى الصواعق :إن المراد بالبيت في الية ما يشمل بيت
النبي صلى ال عليه وآله وسلم وبيت سكناه فتشمل الية أزواجه عليه الصلة
والسلم .
وقال الثعلبى :قيل هم بنو هاشم ,فهذا يؤول على أن البيت المراد به بيت
النسب ,فيكون العباس وأعمامه وبنو أعمامه منهم ,وهو قول زيد بن أرقم كما في
الخازن وغيره .
وأعم من هذا ما ذكره العلمة الخطيب فى تفسيره فقال :وأختلف في أهل البيت
والولى فيهم ما قاله البقاعي أنهم كل من يكون من ألزام النبي صلى ال عليه وآله
وسلم من الرجال والنساء والزواج والماء والقارب ,وكلما كان النسان منهم
أقرب وبالنبى صلى ال عليه وآله وسلم أخص وألزم ,كان بالرادة أحق وأقدر .اهـ
.
إذا علمت هذا تعلم أن مذهب جمهور المفسرين شمول الية للفريقين أهل العباء
وأمهات المؤمنين رضوان ال تعالى عليهم أجمعين .
وقال شيخ الصوفية ,وإمام العارفين الشيخ الكبر سيدى محيي الدين بن
العربي رضي ال تعالى عنه في الباب التاسع والعشرين من الفتوحات المكية :
ولما كان رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم عبدا محضا قد طهره ال وأهل بيته
تطهيرا وأذهب عنهم الرجس ,وهو كل ما يشينهم ,فإن الرجس هو القذر عند
العرب ,هكذا حكى الفراء قال تعالى }:إنما يريد ال ليذهب عنكم الرجس أهل
البيت ويطهركم تطهيرا { ,فل يضاف إليهم إل مطهر ,ول بد ,فإن المضاف إليهم
هو الذي يشبههم ,فما يضيفون لنفسهم إل من له حكم الطهارة والتقديس ,فهذه
شهادة من النبي صلى ال عليه وآله وسلم لسلمان الفارسي ,بالطهارة والحفظ
اللهي والعصمة ,حيث قال فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم ":سلمان منا أهل
12
البيت " .وشهد ال لهم بالتطهير وذهاب الرجس عنهم .وإذا كان ل يضاف إليهم
إل مطهر مقدس ,وحصلت له العناية الربانية اللهية بمجرد الضافة ,فما ظنك
بأهل البيت في نفوسهم ,فهم المطهرون ,بل هم عين الطهارة ,فهذه الية تدل
على أن ال قد شرك أهل البيت مع رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم في قوله
خَر { .
ك َوَما َتَأ ّ
ن َذْنِب َ
ل َما َتَقّدَم ِم ْ
ك ا ُّ
تعالى ِ }:لَيْغِفَر َل َ
وأي وسخ وقذر أقذر من الذنوب وأوسخ ,فطهر ال سبحانه نبيه صلى ال
عليه وسلم بالمغفرة مما هو ذنب بالنسبة إلينا ,لو وقع منه صلى ال عليه وآله
وسلم لكان ذنبا في الصورة ل في المعنى ,لن الذنب ل يلحق به على ذلك من ال
تعالى ول منا شرعا ,فلو كان حكمه حكم الذنب لصحبه ما يصحب الذنب من
طّهَرُكمْ
ت َوُي َ
جسَ َأْهَل اْلَبْي ِ
عْنُكُم الّر ْ
ب َ
المذمة ولم يكن يصدق قولهِ }:لُيْذِه َ
طِهيًرا { .فدخل الشرفاء أولد فاطمة كلهم ومن هو من أهل البيت ,مثل سلمان
َت ْ
الفارسي ,إلى يوم القيامة في حكم هذه الية من الغفران ,فهم المطهرون
اختصاصا من ال وعناية بهم ,لشرف سيدنا محمد صلى ال عليه وآله وسلم
وعناية ال تعالى به ,ول يظهر حكم هذا الشرف لهل البيت إل في الدار الخرة ,
فأنهم يحشرون مغفورا لهم ,وأما في الدنيا فمن أتى منهم حدا ,أقيم عليه كالتائب
إذا بلغ الحاكم أمره ,وقد زنى أوسرق أو شرب أقيم عليه الحد مع تحقق المغفرة
) كماعز ( وأمثاله ول يجوز ذمه .
وينبغي لكل مسلم مؤمن بال وبما أنزله أن يصدق ال تعالى في قوله ِ }:لُيْذِه َ
ب
طِهيًرا ( ,فيعتقد في جميع ما يصدر من أهل
طّهَرُكْم َت ْ
ت َوُي َ
س َأْهَل اْلَبْي ِ
ج َ
عْنُكُم الّر ْ
َ
البيت أن ال تعالى قد عفا عنهم فيه ,فل ينبغى لمسلم أن يلحق المذمة بهم ,ول ما
يشنأ أعراض ما من قد شهد ال تعالى بتطهيرهم وذهاب الرجس عنهم ,ل بعمل
ل ُيْؤِتيِه
ضُل ا ِّ
ك َف ْ
عملوه ول بخير قدموه ,بل بسابق عناية من ال تعالى بهم َ }:ذِل َ
13
ظيِم { ,وإذا صح الخبر الوارد في سلمان الفارسي ,
ضِل اْلَع ِ
ل ُذو اْلَف ْ
شاُء َوا ُّ
ن َي َ
َم ْ
فله هذه الدرجة فإنه لو كان سلمان على أمر يشنؤه ظاهر الشرع وتلحق المذمة
بعمله ,لكان مضافا إلى أهل البيت من لم يذهب عنه الرجس ,فيكون لهل البيت
من ذلك بقدر ما أضيف إليهم وهم المطهرون بالنص .
انتهى كلم الشيخ الكبر ,فقد صرح كما ترى وهو إمام الصوفية ,وكفى به
حجة بدخول الشرفاء أولد فاطمة كلهم رضي ال تعالى عنهم ,ومواليهم كسلمان
الفارسى رضي ال تعالى عنه إلى يوم القيامة في حكم هذه الية من الغفران ,فهم
المطهرون اختصاصا من ال تعالى وعناية بهم لشرف سيدنا محمد صلى ال عليه
وآله وسلم وعناية ال تعالى به .
ول تلتفت بعد ما سردته عليك من كلم الئمة العلم إلى ظاهر ما قاله
الترمذى الحكيم رضي ال تعالى عنه في نوادر الصول وتمسك به بعض الجهلة
المخذولين ,من عدم شمول الية لهل العباء ,وهذه عبارته بعد كلم شنع فيه
على الطائفة الزائغة المفتونة ,وأحسبه عنى بها الغلة من الشيعة قال :وتأولوا
طِهيًرا {,
طّهَرُكْم َت ْ
ت َوُي َ
س َأْهَل اْلَبْي ِ
ج َ
عْنُكُم الّر ْ
ب َ
ل ِلُيْذِه َ
قوله تعالىِ }:إّنَما ُيِريُد ا ُّ
أنما هم علي وفاطمة والحسن والحسين ,وهي لهم خاصة وكيف يجوز هذا ومبتدأ
جرًا
ك { إلى قوله }:أ ْ
جَ
ي ُقْل لْزَوا ِ
هذا الخطاب قوله عز وجلَ}:يا َأّيَها الّنِب ّ
ج َ
س عْنُكُم الّر ْ
ب َ
ل ِلُيْذِه َ
عظيمًا { ثم قال }:يا نساَء النبي{ إلى قولهِ}:إّنَما ُيِريُد ا ُّ
َ
ت{ ثم قال}:واذكرن{ وهذا كلم منسوق أثره على أثر بعض ,فكيف
َأْهَل اْلَبْي ِ
صارت هذه المخاطبات كلها لنساء النبي عليه الصلة والسلم قبل وبعدا ,
وينصرف في الوسط لغيرهن وهو على نسق ونظام واحد ,لنه قال }:ليذهب
عنكم الرجس أهل البيت{ ثم قال على إثره }بيوتكن{ ,فكيف صار الكاف الثاني
14
خطابا للنساء والول لعلي وفاطمة رضي ال تعالى عنهما ؟ وأين ذكرهما في هذه
اليات ؟
فإن قال إن كان الخطاب لنسائه فكيف قال }:ليذهب عنكم{ ولم يقل عنكن ؟
قلنا إنما ذكره لنه ينصرف إلى الهل ,والهل مذكر فسماهن باسم التذكير وإن
كن إناثا .
وقد يروى عن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم أنه لما نزلت هذه الية
دخل عليه علي وفاطمة والحسن والحسين رضوان ال تعالى عليهم ,فعمد النبي
صلى ال عليه وآله وسلم إلى الكساء فلفها عليهم ثم ألوى بيده إلى السماء فقال":
هؤلء أهلي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " .فهذه دعوة منه لهم بعد نزول
الية أحب أن يدخلهم في الية التى خوطب بها الزواج ,رضوان ال تعالى عليهم
أجمعين انتهى .
أقول :إن كلمه رضي ال تعالى عنه غير مسلم ,ليس من حيث قصره أهل
البيت فى الية على الزوجات الطاهرات ،فإن له في ذلك شركاء من الئمة وإن
قلوا كما علمت ,ولكن من حيث تشنيعه على القائلين باختصاص فاطمة وزوجها
وابنيها بهذه الية بعباراته الشديدة ,فإن كان مراده بهم هم غلة الشيعة ,وهو
الظاهر من الوصاف الذميمة التي وصفهم بها ويقتضيه حسن الظن به فل بأس,
غير أن نسبة هذا القول إليهم غير صواب ،فقد تقدم أنه قال به أبو سعيد الخدري
من الصحابة وجماعة من التابعين ,منهم قتادة ومجاهد الذي قال فيه المام
الشافعى رضي ال تعالى عنه :إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به ,وإذا
تأملت في عبارته رحمه ال ظهر لك منها أنه حنق أيضا على القائلين بشمول الية
لهل العباء والزوجات الطاهرات معا ,وقد علمت مما تقدم أن هذا مذهب جمهور
المفسرين من أهل السنة والجماعة ,وقد ظهر لذهني الفاتر تعليل وجيه لشمول
15
الية للفريقين ,وهو أني نظرت إلى سابق هذه الية ولحقها من قوله تعالىُ }:قْل
ن{,
ن َما ُيْتَلى ِفي بُُيوِتُك ّ
حَياَة الّدْنَيا { إلى قولهَ }:واْذُكْر َ
ن اْل َ
ن ُتِرْد َ
ن ُكْنُت ّ
ك ِإ ْ
جَ
لْزَوا ِ
فوجدت ضمير جميع النسوة مذكورا في اثنين وعشرين موضعا ,عشرين قبلها
واثنين بعدها ,ولم يأتي ضمير جمع الذكور إل في عنكم ويطهركم ,فلو كان
المراد أزواجه صلى ال عليه وآله وسلم خاصة لكان إتباع هذين الضميرين
للثنين وعشرين ضمير أولى وأحرى ,ليكون الكلم على نسق واحد ,فلم تحصل
المخالفة فيهما إل لمخالفة المراد منهما للمراد مما قبلهما وبعدهما ,ويكون ذلك
بشمولهما مع الزوجات الطاهرات ما أفصح الحديث بدخولهم وهم أهل العباء .
وأما تذكير لفظ الهل فغاية ما يقتضيه جواز تذكير الضمير باعتباره كما يجوز
تأنيثه أيضا باعتبار المعنى ,ويرجح جانب المعنى هنا إحاطة ضمائر النسوة
بهذين الضميرين من كلتا جهتيهما ,فإذن لم يعدل عن التأنيث للتذكير فيهما إل
لمر آخر وهو دخول أهل العباء في الخطاب ,وفي الهل بالمعنى الذي نص عليه
رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم نصا ل يقبل التأويل فى قوله ":اللهم هؤلء
أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ".
ص على دخولهم:
وقد قال الحكيم فى آخر عبارته السابقة بعد سرده الحديث النا ّ
فهذه دعوة منه صلى ال عليه وآله وسلم لهم بعد نزول الية أحب أن يدخلهم فى
الية التي خوطب بها الزواج انتهى .
وكيف يحب رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم دخول قوم فى آية من كتاب
ال لم يدخلهم ال فيها ؟ والذي يدل دللة واضحة على أن المراد من الية أهل
العباء مع الزوجات إن لم نقل وحدهم ,الرواية التي أخرجها عن أم سلمة ابن
جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه ,وتقدمت عن الدر
سّلَم كان في بيتها
عَلْيِه َو َ
ل َ
ن رسول ال صَّلى ا ُّ
المنثور للحافظ السيوطي ,وهيَ :أ ّ
16
سو ُ
ل ل َر ُ
خِريَزة َفَقا َ
طَمُة ببرمة فيها َ
ي َفجاءت َفا ِ
خْيَبِر ّ
ساٌء َ
على مقامة له ,عليه ِك َ
ك حسنًا ,فبينما هم يأكلون اذ نزلت
ك َواْبَْن ِ
جِ
عي َزْو ُ
سّلَم اْد ِ
عَلْيِه وآله َو َ
ل َ
صّلى ا ُّ
الِّ َ
س َأْهَل اْلَبْي ِ
ت ج َ
عْنُكُم الّر ْ
ب َ
ل ِلُيْذِه َ
سّلَم}ِإّنَما ُيِريُد ا ُّ
عَلْيِه وآله َو َ
ل َ
صّلى ا ُّ
على النبي َ
سّلَم بفضلة
عَلْيِه وآله َو َ
ل َ
صّلى ا ُّ
عُتُهْم وحسينًا ,فأخذ النبي َ
طِهيًرا {َ ,فَد َْ
طّهَرُكْم َت ْ
َوُي َ
ل ":اللهم َهُؤلِء
فغشاهم إياها ثم أخرج يده من الكساء وألوى بها إلى السماء ُثّم َقا َ
حاَمِتي " .
َأْهُل َبْيِتي َو َ
فأنت ترى هذه الرواية صريحة في تخصيص الية في أهل العباء ,نعم ذكر
المام البغوي في معالم التنزيل في الرواية عن أم سلمة ":فقلت :ألست منهم يا
رسول ال ؟ قال :بلى ".
وذكر المقريزى رواية عنها ":فقلت :وأنا منهم ؟ فقال :نعم " .
فهاتان الروايتان مع سابق الية ولحقها يدلن على دخول الزوجات الطاهرات
في المراد منها .وحينئذ تكون شاملة للفريقين كما هو مذهب جمهور المفسرين ,
فقد تلخص فى أن المراد من أهل البيت في الية خمسة أقوال :
أولها :قول الجمهور أنها شاملة للفريقين وهو الذي عليه العتماد .
الثانى :قول أبى سعيد الخدرى من الصحابة وجماعة من التابعين منهم مجاهد
وقتادة أن أهل البيت فيها هم أهل العباء خاصة .
17
الرابع :ما نقله ابن حجر فى الصواعق عن الثعلبي من أنهم بنو هاشم ,على
أن البيت المراد به بيت النسب ,فيكون العباس وأعمامه وبنو أعمامه منهم ,قال
في الخازن هو قول زيد بن أرقم .
الخامس :ما نقله الخطيب الشربيني عن البقاعي قال وهو الولى من أنهم كل
من يكون من ألزام النبى صلى ال عليه وآله وسلم من الرجال والنساء والزواج
والماء والقارب ,وكل ما كان النسان منهم أقرب وبالنبي صلى ال عليه وآله
وسلم أخص وألزم كان بالرادة أحق وأجدر اهـ .
وحيث قد استوفينا الكلم وأشعبنا النقول على الية بما ل مزيد عليه فلنشرع
فى الكلم عن الحديثين .
* * * *
الثقليــــــــــــــــــن:
في الكلم على قوله صلى ال عليه وآله وسلم ":إني تارك فيكم الثقلين كتاب
ال وعترتي ".
ن ْب ُ
ن صْي ُ
ح َ
ت َأَنا َو ُ
طَلْق ُ
أخرج المام مسلم فى صحيحه عن يزيد بن حيان قالَ :اْن َ
ت َيا
نَ :لَقدْ َلِقي َ
صْي ٌ
ح َ
ل َلُه ُ
سَنا ِإَلْيِه َقا َ
جَل ْ
ن َأْرَقَمَ ,فَلّما َ
سِلٍم ِإَلى َزْيِد ْب ِ
ن ُم ْ
عَمُر ْب ُ
سْبَرَة َو ُ
َ
حِديَثُه َوغََزْو َ
ت ت َ
سِمْع َ
سّلَم َو َ
عَلْيِه َو َ
ل َ
صّلى ا ُّ
ل َ
ل ا ِّ
سو َ
ت َر ُ
خْيًرا َكِثيًرا َ ,رَأْي َ
َزْيُد َ
ت ِم ْ
ن سِمْع َ
حّدْثَنا َيا َزْيُد َما َ
خْيًرا َكِثيًرا َ ,
ت َيا َزْيُد َ
خْلَفُه َ ,لَقْد َلِقي َ
ت َ
صّلْي َ
َمَعُه َو َ
عْهِدي
سّني َوَقُدَم َ
ت ِ
ل َلَقْد َكِبَر ْ
خي َوا ِّ
ن َأ ِ
لَ :يا اْب َ
سّلَم َ ,قا َ
عَلْيِه َو َ
ل َ
صّلى ا ُّ
ل َ
ل ا ِّ
سو ِ
َر ُ
حّدْثُتُكْم
سّلَم َفَما َ
عَلْيِه َو َ
ل َ
صّلى ا ُّ
ل َ
ل ا ِّ
سو ِ
ن َر ُ
عي ِم ْ
ت َأ ِ
ض اّلِذي ُكْن ُ
ت َبْع َ
سي ُ
َوَن ِ
سّلَم َيْوًما ِفيَنا
عَلْيِه َو َ
ل َ
صّلى ا ُّ
لِ َ
لا ّ
سو ُ
لَ :قاَم َر ُ
َفاْقَبُلوا َوَما ل َفل ُتَكّلُفوِنيِه ُ ,ثّم َقا َ
18
ظ َوَذّكَر ُثّم
عَعَلْيِه َوَو َ
لَ َوَأْثَنى َ
حِمَد ا ّ
ن َمّكَة َواْلَمِديَنِة َف َ
خّما َبْي َ
عى ُ
طيًبا ِبَماٍء ُيْد َ
خَِ
ب َوَأَنا
جي َ
سوُل َرّبي َفُأ ِ
ي َر ُ
ن َيْأِت َ
ك َأ ْ
شُ
شٌر ُيو ِ
س َفِإّنَما َأَنا َب َ
لَ ":أّما َبْعُد َأل َأّيَها الّنا ُ
َقا َ
سُكوا
سَتْم ِ
ل َوا ْ
ب ا ِّ
خُذوا ِبِكَتا ِ
ل ِفيِه اْلُهَدى َوالّنوُرَ ,ف ُ
ب ا ِّ
ك ِفيُكْم َثَقَلْين َأّوُلُهَما ِكَتا ُ
َتاِر ٌ
ل ِفي َأْهِل
لَ ":وأَْهُل َبْيِتي ُأَذّكُرُكْم ا َّ
ب ِفيِه ُثّم َقا َ
غ َ
ل َوَر ّ
ب ا ِّ
عَلى ِكَتا ِ
ث َ
ح ّ
ِبِه "َ .ف َ
صْينٌ َوَم ْ
ن ح َ
ل َلُه ُ
ل ِفي َأْهِل َبْيِتي "َ .فَقا َ
ل ِفي َأْهِل َبْيِتي ُأَذّكُرُكْم ا َّ
َبْيِتي ُأَذّكُرُكْم ا َّ
ل َبْيِتِه
ن َأْه ُ
ل َبْيِتِه َوَلِك ْ
ن َأْه ِ
ساُؤُه ِم ْ
ل ِن َ
ل َبْيِتِه ؟ َقا َ
ن َأْه ِ
ساُؤُه ِم ْ
س ِن َ
ل َبْيِتِه َيا َزْيُد َأَلْي َ
َأْه ُ
ل جَْعَفٍر َوآ ُ
ل ل َوآ ُ
عِقي ٍ
ل َ
ي َوآ ُ
عِل ّ
ل َ
لُ :هْم آ ُ
ن ُهْم ؟ َقا َ
لَ :وَم ْ
صَدَقَة َبْعَدُه َ .قا َ
حِرَم ال ّ
ن ُ
َم ْ
ل َنَعْم .
صَدَقَة َقا َ
حِرَم ال ّ
ل َهُؤلِء ُ
لُ :ك ّ
س َ .قا َ
عّبا ٍ
َ
ن اْلَمْرَأَة
ل ِ ,إ ّ
ل ل َوأْيُم ا ِّ
ساُؤُه ؟ َقا َ
ل َبْيِتِه ِن َ
ن َأْه ُ
وفى رواية لمسلم أيضا َ :فُقْلَنا َم ْ
ل َبْيِتِه
جُع ِإَلى َأِبيَها َوَقْوِمَها َ ,أْه ُ
طّلُقَها َفَتْر ِ
ن الّدْهِر ُثّم ُي َ
صَر ِم ْ
ل اْلَع ْ
جِن َمَع الّر ُ
َتُكو ُ
صَدَقَة َبْعَدُه .
حِرُموا ال ّ
ن ُ
صَبُتُه اّلِذي َ
ع َ
َأصُْلُه َو َ
19
وقال ابن علن في شرح رياض الصالحين :وفي تكريره تأكيد الوصاية بهم
وطلب العناية بشأنهم ،فيكون من قبيل الواجب المؤكد المطلوب على طريق
الحث.
ب َوِإّني َتاِر ٌ
ك جي َ
عى َفُأ ِ
ن ُأْد َ
ك َأ ْ
شُ
وفي السعاف :ولفظ رواية المام أحمد ُ ":أو ِ
سَماِء ِإَلى
ن ال ّ
حْبٌل َمْمُدوٌد ِم ْ
ل َ
ب ا ِّ
عْتَرِتي ِ ,كَتا ُ
جّل َو ِ
عّز َو َ
ل َ
ب ا ِّ
ن ِكَتا َ
ِفيكُْم الّثَقَلْي ِ
حّتى
ن َيْفَتِرَقا َ
خَبَرِني َأّنُهَما َل ْ
خِبيَر َأ ْ
ف اْل َ
طي َ
ن الّل ِ
عْتَرِتي َأْهُل َبْيِتي َ ,وِإ ّ
ض َو ِ
الر ِ
خُلُفوِني ِفيِهَما ".
ظُروِني ِبَم َت ْ
ض َفاْن ُ
حْو َ
ي اْل َ
عَل ّ
َيرَِدا َ
وقوله حبل ممدود :المراد منه عهد ال أو السبب الموصل إلى رحمته ورضاه
قاله النووى .
ورواية جابر رضي ال عنه ":أيها الناس قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن
تضلوا كتاب ال وعترتي أهل بيتي ".
وقد قصر الترمذي الحكيم في نوادر الصول العترة أهل البيت في الحديث
على أئمتهم وأطال في ذلك وهذه عبارته :قال :الصل الخمسون فى العتصام
بالكتاب والعترة ,وبيانها عن جابر بن عبد ال رضي ال تعالى عنه قالَ :رَأْي ُ
ت
صَواِء ،
عَلى َناَقِتِه اْلَق ْ
عَرَفَة َوُهَو َ
جِتِه َيْوَم َ
حّ
سّلَم ِفي َ
عَلْيِه َو َ
ل َ
صّلى ا ُّ
ل َ
ل ا ِّ
سو َ
َر ُ
ضّلوا
ن َت ِ
خْذُتْم ِبِه َل ْ
ن َأ َ
ت ِفيُكْم َما ِإ ْ
س َقْد َتَرْك ُ
لَ ":أّيَها الّنا ُ
سِمْعُتُه َوُهَو َيُقو ُ
ب َف َ
ط َ
خََف َ
عْتَرِتي َأْهَل َبْيِتي ".
ل َو ِ
ب ا ِّ
ِكَتا َ
وعن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي ال تعالى عنه قال :لما صدر رسول ال
صلى ال عليه وآله وسلم من حجة الوداع خطب فقال ":أيها الناس ,إنه قد نبأني
اللطيف الخبير أنه لن يعمر نبي إل مثل نصف عمر الذي يليه من قبل وإني أظن
أن يوشك أن أدعى فأجيب ,وإني فرطكم على الحوض وإني سائلكم حين تردون
20
على عن الثقلين ,فانظروا كيف تخلفوني فيهما .الثقل الكبر ,كتاب ال تعالى
سبب طرفه بيد ال ,وطرف بأيديكم ,فاستمسكوا فل تضلوا ول تبدلوا ,والثقل
الصغر عترتي أهل بيتي ,فإني قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يتفرقا حتى
ى الحوض " .
يردا عل ّ
وروي عن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم أنه دعاهم ثم تل هذه الية :
طِهيًرا { .
طّهَرُكْم َت ْ
ت َوُي َ
س َأْهَل اْلَبْي ِ
ج َ
عْنُكُم الّر ْ
ب َ
ل ِلُيْذِه َ
}ِإّنَما ُيِريُد ا ُّ
فذريتهم منهم ,فهم صفوة وليسوا بأهل عصمة ,إنما العصمة للنبيين عليهم
السلم والمحنة لمن دونهم ,وإنما يمتحن من كانت المور محجوبة عنه ,فأما من
صارت المور له معاينة ومشاهدة فقد أرتفع عن المحنة ,وقوله صلى ال عليه
ى الحوض ".
وآله وسلم ":لن يتفرقا حتى يردا عل ّ
فإنما يلى المر منا من فهم عن ال تعالى وعن رسول ال صلى ال عليه وآله
وسلم ما يهم الحاجة إليه من العلم في أمر شريعته ,وإنما أشار رسول ال صلى ال
عليه وآله وسلم فيما نرى إليهم ,لن العنصر إذا طاب كان معتنا لهم في فهم ما
21
يحتاج إليه ,وطيب العنصر يؤدي إلى محاسن الخلق ,ومحاسن الخلق تؤدي
إلى صفاء القلب ونزاهته ,وإذا نزه القلب وصفا كان النور أعظم وأشرق الصدر
بنوره ,فكان ذلك عونا له على درك ما به الحاجة من شريعته .إنتهت عبارته
بحروفها .
قلت :قوله :واقع على الئمة منهم غير مسلم ,وإنما هو واقع على عامة أهل
البيت وخاصتهم مسيئهم ومحسنهم إمامهم ومأمومهم ,إذ ليس معنى قوله صلى ال
عليه وآله وسلم ":لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " ملزمتهم لكتاب ال تعالى
من حيث العمل بجميع أحكامه ,حتى يرد قوله " وكائن فيهم المخلطون والمسيئون
" الخ .بل هو تحريض على إكرامهم وتبشير لهم بأنهم ل يفارقون دين السلم
حتى يدخلوا الجنة بسلم ،ويكفي هذا في معنى عدم تفرقهم من كتاب ال تعالى
إلى ورود الحوض ,ويدل لملزمتهم دين السلم من الكتاب قوله تعالى ِ }:إّنَما
طِهيًرا {.
طّهَرُكْم َت ْ
ت َوُي َ
س َأْهَل اْلَبْي ِ
ج َ
عْنُكُم الّر ْ
ب َ
ل ِلُيْذِه َ
ُيِريُد ا ُّ
وقد علمت مما تقدم أن الرجس شامل لجميع الذنوب والنقائص التي أقبحها
الكفر ,فهم قوم مطهرون من قبل ال تعالى ,فل يطرأ إليهم في دينهم خلل ول يقع
فى عقائدهم زيغ ول زلل .
فإن قلت :دليلك هذا غير مقبول عند الحكيم ,فإن رأيه تخصيص الية
بأزواجه صلى ال عليه وآله وسلم كما تقدم .
قلت :نعم ,وهو وإن رأى ذلك إل أنه هنا وفيما تقدم أثبت أن النبى صلى ال
عليه وآله وسلم دعا عليا وفاطمة والحسن والحسين وتل هذه الية وزاد هنا قوله :
فذريتهم منهم فهم صفوة ,وقال هناك :هذه دعوة منه صلى ال عليه وآله وسلم بعد
نزول الية أحب أن يدخلهم فيها ,فهو لبد وأن يعتقد أن دعوة النبي صلى ال عليه
وآله وسلم استجيبت فيهم ,وإذا كان كذلك فهم على كل حال داخلون في حكم الية
22
أول ,وبالذات كما هو رأي الجمهور آخرا ,وبالعرض على رأيه ,فقد ثبت عدم
تفرقهم من كتاب ال تعالى بعدم انحرافهم عن دين السلم إلى ورود الحوض ,
ويدل لذلك قوله تعالى }:ولسوف يعطيك ربك فترضى {.
نقل القرطبي عن ابن عباس فى تفسير هذه الية أنه قال :رضا سيدنا محمد
صلى ال عليه وآله وسلم أن ل يدخل أحد من أهل بيته النار .وأدلة ذلك من السنة
كثيرة قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ":إن فاطمة قد أحصنت فرجها
فحرمها ال وذريتها على النار " .
وعن عمران بن حصين رضي ال تعالى عنه قال :قال رسول ال صلى ال
عليه وآله وسلم ":سألت ربى أن ل يدخل النار أحدا من أهل بيتى فأعطنيها ".
س ٍ
ب ب َوَن َ
سَب ٍ
وأذكر هنا دليل ظهر لي من قوله صلى ال عليه وآله وسلم ُ ":كّل َ
سبي " .فإنه يتضمن عصمة أهل بيت النبوة من
سَبِبي وَن َ
طٌع َيْوَم اْلِقَياَمِة ِإل َ
ُمْنَق ِ
الكفر ,إذ لو جاز عليهم لما ساغ له صلى ال عليه وآله وسلم هذا الستثناء ,فإن
الكفر أكبر قاطع للسبب والنسب ,فاتصال نسبهم يوم القيامة به عليه الصلة
والسلم حجة على عدم مفارقتهم الدين بيقين .
خْذُتْم ِبِه َل ْ
ن ن َأ َ
ت ِفيُكْم َما ِإ ْ
أما قوله صلى ال عليه وآله وسلم َ ":قْد َتَرْك ُ
عْتَرِتي َأْهَل َبْيِتي " .فالخذ بكل منهما بما يناسبه ,فالخذ
ل َو ِ
ب ا ِّ
ضّلوا ِ :كَتا َ
َت ِ
بكتاب ال التمسك به بالعمل بأحكامه وتحليل حلله وتحريم حرامه ,والخذ
بالعترة أهل البيت والتمسك بما يقتضيه حقهم من المحبة والعناية والتبجيل
والعظام والعزاز والكرام ,فهو شامل لهم جميعا محسنهم ومسيئهم ,وحينئذ
23
يسقط ما أورده الحكيم بناء على ما فهمه فى الحديث ,وبنى على ذلك تخصيصه
بالئمة منهم ويشهد لذلك الروايات الخر ,كرواية زيد بن أرقم السابقة " :وأنا
تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب ال فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب ال
واستمسكوا به " .فحث على كتاب ال تعالى ورغب فيه ثم قال ":وأهل بيتى
أذكركم ال فى أهل بيتي ,أذكركم ال فى أهل بيتي ".
فأنت تراه صلى ال عليه وآله وسلم خص الخذ والستمساك من حيث الهداية
بكتاب ال ,وذكر حكمة ذلك بقوله ":فيه الهدى والنور " .ثم بعد أن تم معنى
الخذ والستمساك ذكر أهل بيته صلى ال عليه وآله وسلم وقال ":أذكركم ال في
أهل بيتي".
وكرره تأكيدا للوصاية بهم والعناية بشأنهم ولم يخص منهم أحد دون أحد ,
وانظر إلى قول زيد لما سأله الحصين عن أهل البيت من هم أهل بيته ,من حرم
عليهم الصدقة بعده تجده نصا فى المقصود ,وكرواية زيد فيما قلناه رواية حذيفة
بن أسيد التي ذكرها الحكيم فإنه صلى ال عليه وآله وسلم قال فيها ":وإني سائلكم
حين تردون علي عن الثقلين ,فانظروا كيف تخلفوني فيهما .الثقل الكبر ,كتاب
ال تعالى سبب طرفه بيد ال ,وطرف بأيديكم ,فاستمسكوا فل تضلوا ول
تبدلوا .والثقل الصغر عترتي أهل بيتي فإني قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن
ى الحوض " .
يتفرقا حتى يردا عل ّ
فقوله عليه الصلة والسلم ":فاستمسكوا فل تضلوا ول تبدلوا " بعد قوله ":
الثقل الكبر ,كتاب ال تعالى سبب طرفه بيد ال ,وطرف بأيديكم " يوضح لك أن
الستمساك للهداية وعدم الضلل إنما هو خاص بالثقل الكبر كتاب ال ,وبين
سبب ذلك بقوله " سبب طرفه بيد ال ,وطرف بأيديكم " وبعد تمام مايتعلق بالثقل
الكبر قال صلى ال عليه وآله وسلم ":والثقل الصغر عترتي أهل بيتي " .ولو
24
كان المراد الستمساك بهما معا للهداية كما فهمه الحكيم فأدخل قوما من العترة
الطاهرة وأخرج آخرين لوجب تأخير ":فاستمسكوا فل تضلوا " عن قوله "
والثقل الصغر عترتي أهل بيتي " .أو تكريره هناك أيضا .فظهر أن عترته أهل
بيته صلى ال عليه وآله وسلم فى هذه الحاديث كل من حرم عليه الصدقة أي
الزكاة كما قال زيد بن أرقم رضي ال تعالى عنه ,وقرنهم صلى ال عليه وآله
وسلم بكتاب ال تعالى تعظيما لشأنهم وتأكيدا لطلب العناية بهم رضي ال عنهم
أجمعين .
وأغرب ما في عبارة الحكيم قوله :فإذا كان هذا العلم والفقه موجودا في غير
عنصرهم لزمنا القتداء بهم كالقتداء بهؤلء فقد جره الكلم إلى أن ساوى عترته
صلى ال عليه وآله وسلم بغيرهم ,إذ لم يجعل مزية لعنصرهم ,وإنما جعل المزية
للعلم والفقه الذي يوجد فيهم وفي غيرهم ,فصار معنى العترة أهل البيت في هذه
الحاديث علماء المة وفقهاؤها ,وهل كان هذا مراده صلى ال عليه وآله وسلم ؟
ل وال ,ما أراد إل عترته القرباء جهال وعلماء أتقياء وغير أتقياء .
أما فقهاء السلم والعلماء العلم ,فهم قدوة المة ,ومصابيح الظلمة ,ولكن
هذه غير ذاك ,وهم نفسهم من الداخلين تحت الخطاب في هذه الحاديث لرعاية
عترته صلى ال عليه وآله وسلم وتعظيم شأنهم بوجه العموم ,بل هم أحق بذلك من
جميع الناس .
) تنبيه ( :خطب صلى ال عليه وآله وسلم خطبته هذه التي أوصى فيها
بالثقلين :كتاب ال ,وعترته أهل بيته في المل العظيم على روؤس الشهاد ,
عندما صدر من حجة الوداع ,وكان قد خرج معه من المدينة لدائها أكثرمن مائة
ألف غير من صحبوه من مكة ومن حضر من اليمن ,وهؤلء هم معظم المة
المحمدية إذ ذاك ,وفيهم أجلء الصحابة وعلماؤهم ,وفقهاؤهم أبو بكر الصديق
25
فمن دونه ,ول يشك أن كثيرا منهم أعلم وأفقه من كثير من العترة أهل البيت ,فهل
أحد من ذلك الجمع فهم أن النبي صلى ال عليه وآله وسلم أوصى أقرباءه وغيرهم
فى هذه الخطبة بتعظيم شأن العلماء ,وأن عترته أهل بيته هم أبو بكر وعمر وزيد
بن ثابت وأبىي ومعاذ وعبد ال بن سلم وأمثالهم من علماء المهاجرين والنصار
وغيرهم ,أم فهموا أنه عليه الصلة والسلم أوصى هؤلء وغيرهم من العلماء
وسائر الصحابة وجميع المة برعاية أقربائه والعناية بشأنهم ,وأن عترته أهل بيته
هم ل غيرهم ,إذ ل معنى للعترة وأهل البيت غير ذلك ,وهل يقول بالول أحد .
بقي شىء في دعوى الحكيم أن المراد من العترة الئمة منهم لنهم هم الذين
يلزمنا القتداء بعملهم وفقههم كما لو وجد العلم والفقه عند غيرهم لزمنا القتداء به
كالقتداء بهم ,فالمعول عليه على رأيه هو العلم ل العنصر ,وقد انقطع الجتهاد
منذ قرون لفقد شروطه .
فإن قلت :لم يرد الحكيم المجتهدين منهم وإنما أراد العلماء منهم وهم كثيرون
في كل عصر .
قلت :الوصاف التي ذكرها من كونهم أئمة قدوة لغيرهم بالفقه والعلم ل
تصدق إل على المجتهدين إذ هم الذين يجوز القتداء بهم فى ذلك ,والعلماء الذين
26
وجدوا منهم في العصر الخيرة هم مقلدون لحد المذاهب الربعة فل يكونون
قدوة لغيرهم ,وقوله :وإنما أشار إليهم رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم فيما
نرى أي في الظاهر لن العنصر إذا طاب كان معينا لهم على فهم ما يحتاج إليه
الخ ,كلم نفيس ,غير أنه ل ينهض حجة لذكر رسول ال إياهم مريدا منهم علماء
المة ,فقد كان يمكنه صلى ال عليه وآله وسلم التصريح بأن يقول مثل إني تارك
فيكم الثقلين كتاب ال وعلماء أمتي ليفهمه السامع ل سيما في ذلك المجمع العظيم
المشتمل على الفهيم وغير الفهيم .
) استطراد ( :إذا تصفحنا أخبار علماء المة في بعض القرون السالفة نجد من
كان منهم من الموالي والعاجم أكثر عددا ممن كانوا من قريش والعرب .
والحكمة في ذلك ,وال أعلم ,أن أولئك لما رأوا هؤلء متقدمين عليهم فى شرف
الحسب والنسب أرادوا أن يلحقوهم فلم يجدوا وسيلة للحاق بهم من غير العلم
فوجدوا فيه واجتهدوا حتى أدركوا منه بغيتهم ,ووصلوا إلى غايتهم .ويزاد على
ذلك أن العرب كانوا يشتغلون بالعلم حتى إذا بلغوا منه مبلغا ولوا العمال
وتنافسوا فيها فل يتمكنون من ملزمة القراءة والقراء ,وهذا أمر أغلبي وقع فى
بعض العصر ,وإل فأنت على علم من أن الربعة الئمة الذين هم قدوة المة
المحمدية عربيها وعجميها منذ زمنهم إلى الن وإلى يوم القيامة ثلثة منهم من
العرب ,مالك والشافعي وأحمد رضي ال تعالى عنهم ,وواحد من غيرهم وهو
أبو حنيفة رضي ال تعالى عنه ,وكيفما كان المر فهي أمة مرحومة معبودها
واحد ونبيها واحد فمهما كان من خير في عربها أو عجمها فهو واصل إلى
الخرين وأي بأس باختلف الجنس إذا اتحد الدين .
) فائدة ( :قوله صلى ال عليه وآله وسلم ":لوكان العلم بالثريا لتناوله قوم من
أبناء فارس " .حمله بعضهم على المام العظم أبي حنيفة رضي ال تعالى عنه .
27
قال المناوى :فيه فضيلة لهم وتنبيه على علو هممهم .قال في معجم البلدان
العرب :إذا ذكرت المشرق كله قالوا فارس ,وإنما عنى في الحديث أهل خراسان
لنك إذا طلبت مصداقه في فارس لم تجده ل أول ول آخرا ,وتجد هذه الصفة
نفسها في أهل خراسان دخلوا في السلم رغبة ومنهم العلماء والنبلء والمحدثون
والمتعبدون ,وإذا أحرزت المحدثين من كل بلد وجدت نصفهم من خراسان وجل
رواة الرجال منها ,وأما أهل فارس فكفار خمدوا ولم يبق لهم بقية بذكر ول شرف
ا هـ .
وأما قوله صلى ال عليه وآله وسلم ":لو كان اليمان عند الثريا " وفي رواية
" معلقا بالثريا لتناوله رجال من فارس " .فهو محمول على سلمان الفارسي
رضي ال تعالى عنه ,كما ذكره سيدي الشيخ الكبر في الفتوحات وكثير من
العلماء .
* * * *
قال الحكيم الترمذي رضي ال تعالى عنه في شرح هذا الحديث :أهل بيته من
خلفه من بعده على منهاجه ,وهم الصديقون والبدال الذين روى فيهم علي كرم
ال تعالى وجهه ,قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم يقول ":إن
جل ,
ل َمَكاَنُه َر ُ
جٌل َأْبَدَل ا ُّ
ت َر ُ
جل ُكّلَما َما َ
ن َر ُ
شاِم َوُهْم َأْرَبُعو َ
ن ِبال ّ
اَْلْبَداُل َيُكوُنو َ
ن َأْهِل الرض بِِهْم البلء
عْ
ف َ
صَر ُ
عَداِء َ ,وُي ْ
عَلى ال ْ
صُر ِبِهْم َ
ث َوُيَْن َ
سَقى اْلَغْي ُ
بهم ُي ْ
" .فهؤلء أهل بيت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم وأمان هذه المة ,فإذا
28
ماتوا فسدت الرض وخربت الدنيا ,ول يجوز أن يحمل على أهل بيت النسب
لمعان :
) أحدهما ( :أنه روي في الحديث ":فإذا ذهب أهل بيتي أتى أمتي ما
يوعدون ".
فكيف يتصور أن يذهب أهل بيته حتى ل يبقى منهم أحد وهم أكثر من أن
يحصى وبركة ال تعالى عليهم دائمة ورحمته مظلة من فوقهم ؟ وقد قال عليه
الصلة والسلم ":كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إل سببي ونسبي ".
) والثانى ( :أن أهل بيته نسبة :بنو هاشم وبنو عبد المطلب ،ولم يكونوا أمانا
لهذه المة حتى إذا ذهبوا ذهبت الدنيا .
) والثالث ( :أنه قد يوجد منهم الفساد كما يوجد فى غيرهم ,ومنهم المحسن
ومنهم المسىء ,فبأي شئ صاروا أمانا لهل الرض ,فعلم أن المراد به من به
تقوم الدنيا وهم أعلمه وأدلة الهدى في كل وقت فإذا تفانوا لم يبق للرض حرمة
فعمهم البلء .
فإن قال قائل :بحرمة رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم وقربهم منه صاروا
أمان لهل الرض .
قيل :حرمة رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم عظيمة جليلة وفي الرض ما
هو أعظم من حرمة ذريته وهو كتاب ال فل نجد ذكره في الحديث ثم الحرمة
لهل التقوى لنه إنما عظمت حرمة رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم لفضل
النبوة وما أكرمه ال تعالى به ,والدليل على ذلك ما رواه أبو هريرة رضي ال
تعالى عنه قال :دخل رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم على فاطمة وعندها
صفية عمة رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ,فقال ":يا بني عبد مناف ,يا بني
29
عبد المطلب ,يا فاطمة بنت محمد يا صفّية عّمة رسول ال ,اشتروا أنفسكم من ال
ل أغني عنكم من ال شيئًا ,سلوني من مالي ما شئتم ,واعلموا أن أولى الناس بي
يوم القيامة المتقون ,وأن تكونوا أنتم مع قرابتكم فذلك ل يأتيني الناس بالعمال
وتأتوني بالدنيا تحملونها على أعناقكم ,فتقولون يا محمد فأقول هكذا ,ثم تقولون يا
محمد فأقول هكذا ,أعرض بوجهي عنكم ,فتقولون يا محمد أنا فلن بن فلن ,
فأقول أما النسب فأعرف وأما العمل فل أعرف ,نبذتم الكتاب فارجعوا إلى قرابة
بيني وبينكم " .
وروى أنه قال جهارا غير سر ":أل إن أوليائى منكم ليسوا بأبى فلن ,لكن
أوليائى منكم المتقون من كانوا وحيث كانوا " .ا هـ .
وعن أبي ذر سمعته صلى ال عليه وآله وسلم يقول ":اجعلوا أهل بيتي منكم
مكان الرأس من الجسد ,ومكان العينين من الرأس ,ول تهتدي الرأس إل
بالعينين ".
وروى الحاكم وصححه على شرط الشيخين ":النجوم أمان لهل الرض من
الغرق ،وأهل بيتي أمان لمتي من الختلف ،فإذا خالفتها قبيلة من العرب
اختلفوا فصاروا حزب إبليس ".
وأخرج جماعة من أصحاب السنن أنه صلى ال عليه وآله وسلم قال ":النجوم
أمان لهل السماء ,وأهل بيتي أمان لمتي " وفي رواية ":أهل بيتي أمان لهل
الرض ,فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل الرض من اليات ما كانوا يوعدون " .
30
ورواية أحمد ":إذا ذهب النجوم ذهب أهل السماء ,وإذا ذهب أهل بيتي ,
ذهب أهل الرض ".
قال العلمة الصبان فى إسعاف الراغبين :وقد يشير إلى هذا المعنى بقوله
تعالى }:وما كان ال ليعذبهم وأنت فيهم { .أقيم أهل بيته مقامه في المان لنهم
منه وهو منهم كما ورد في بعض الطرق ا هـ .
وفي رواية بدل هلكا :فناء ,وبدل أهل بيتي بنو هاشم .
قال شراح الحديث منهم المناوي وغيره :فهلكهم من أشارط الساعة ,
وأمارتها الدالة على قرب قيامها ,إذ ل تقوم الساعة إل على شرار الناس يعني
وهم خيارهم ,فذلك الحديث كالتفسير لذلك ,وخير ما فسرته بالوارد ,وبهذا يظهر
بطلن ما ادعاه الحكيم الترمذي من أهل بيته صلى ال عليه وآله وسلم في هذا
الحديث هم البدال والصديقون .
* * * *
31
دفاع عن أهل البيت :
والجواب عن الشبهة الولى :وهي قوله :فكيف يتصور أن يذهب أهل بيته
حتى ل يبقى منهم أحد وهم أكثر من أن يحصى وبركة ال تعالى عليهم دائمة
ورحمته مظلة من فوقهم ؟! أنه ل مانع من أن يتصور ذلك وأي حرج فيه ل سيما
وقد صرح به الحديث الخر الذي تقدم وهو قوله صلى ال عليه وآله وسلم ":أول
الناس هلكا قريش ,وأول قريش هلكا أهل بيتي " .وذلك من جملة رحمة ال
تعالى لهم ,لما تقرر من أن الساعة ل تقوم إل على شرار الناس وهم خيارهم
ولذلك كانوا أول الناس هلكا ,ووليتهم قريش لنها تليهم في الفضل والمنزلة
والقرب من رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ,فما ذلك إل من رحمة ال تعالى
سَب ٍ
ب لهم وإكرامه إياهم ,وأما قوله وقد قال صلى ال عليه وآله وسلم ُ ":كّل َ
سبي " .فليس معناه أن النقطاع انقراض الذرية ولكنه
سَبِبي وَن َ
طٌِع ِإل َ
ب ُيْنَق ِ
س ٍ
َوَن َ
مخصوص بيوم القيامة كما هو صريح الروايات الصحيحة ,ومعنى النقطاع عدم
ساب َبْينهْم َيْوَمِئٍذ{.
النتفاع بالنساب إذ ذاك كما قال تعالى }:ل َأْن َ
واستثنى صلى ال عليه وآله وسلم سببه ويكون بالتزويج ,ونسبه ويكون
بالولدة لن النفع بهما متصل ل ينقطع في الدنيا والخرة ,ويؤيده ما صح عنه
صلى ال عليه وآله وسلم من قوله على المنبر ":ما بال أقوام يقولون :إن رحم
رسول ال صلى ال عليه وسلم ل تنفع يوم القيامة ,بلى إن رحمي موصولة في
الدنيا والخرة " .
والجواب عن الشبهة الثانية :وهي قوله :أن أهل بيته نسبة :بنو هاشم وبنو
عبد المطلب ،ولم يكونوا أمانا لهذه المة حتى إذا ذهبوا ذهبت الدنيا ,أن معنى
كونهم أمانا لهذه المة بل لهل الرض أن وجودهم فيها علمة على أن الدنيا لم
32
يحن وقت ذهابها فإذا هلكوا جاء أهل الرض اليات الدالة على قيام الساعة
وذهاب الدنيا ما يوعدون ,فهم ما داموا فيها في أمان من ذلك .
والجواب عن الشبهة الثالثة :وهي قوله :أنه قد يوجد منهم الفساد كما يوجد فى
غيرهم ،ومنهم المحسن ,ومنهم المسىء ,فبأي شىء صاروا أمانا لهل
الرض ,أنهم صاروا أمانا لهل الرض ل بعمل عملوه ,ول بصالح قدموه ,
ولكن بعنصرهم النبوي الطاهر الذي خصهم ال تعالى به فى الزل ,وميزهم لجله
بمزايا لم توجد ولن توجد في غيرهم ,ومنها هذه المزية الجليلة التي هي من رحمة
ال تعالى الخاصة بأهل بيت النبوة ,ومعدن الرسالة ,ومهبط الوحي التي ل تدخل
تحت قياس ول يشاركهم فيها أحد من الناس .
وقوله :وفي الرض ما هو أعظم حرمة من ذريته صلى ال عليه وآله وسلم
وهو كتاب ال ,فل نجد ذكره في الحديث اعتراض غير وارد فإنه ل يلزم من
ذكره صلى ال عليه وآله وسلم حرمة ذريته في حديث أن يذكر معهم حرمة كتاب
ال تعالى وإن كانت أعظم من حرمتهم ,وقد قرنهم به في حديث الثقلين وهو غير
لزم في كل حديث ,ولم يّدع أحد أعظم حرمة من كتاب ال أو مساوون له ,حتى
يعترض بهذا وهم لم يفضلوه بهذه المزية ,فإنه أيضا يرفع قبل قيام الساعة ,وكان
بن مسعود رضي ال تعالى عنه يقول :اقرؤوا القرآن قبل أن يرفع ,فإنه ل تقوم
الساعة حتى يرفع .قيل يا أبا عبد الرحمن كيف يرفع وقد أثبتناه فى صدورنا
ومصاحفنا ؟ قال :يسرى عليه فل يذكر ول يقرأ .
ومعلوم أن ابن مسعود ل يقول هذا برأيه إذ ل مدخل للرأي فيه ,فهذا كتاب ال
تعالى أمان لهل الرض ما دام فيهم من العذاب وذهاب الدنيا ,ولم توصف الذرية
الطاهرة بأكثر من ذلك .
33
بقى قوله :ثم الحرمة لهل التقوى ,وقوله :والدليل على ذلك ما رواه أبو
هريرة رضي ال تعالى عنه قال :دخل رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم على
فاطمة وعندها صفية عمة رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ,فقال ":يا بني
عبد مناف يا بنى عبد المطلب الخ .وقد أجاب عن هذا المحب الطبرى بجواب
شاف نقله عنه المناوي في الكبير والصبان في السعاف ,وهو أنه صلى ال عليه
وآله وسلم ل يملك لحد شيئا ل نفعا ول ضرا ,لكن ال عز وجل يملكه نفع أقاربه
وجميع أمته بالشفاعة العامة والخاصة ,فهو ل يملك إل ما يملكه له موله ,كما
أشار إليه في رواية البخاري بقوله ":لكن لكم رحم سأبلها ببللها " .أي سأصلها
بصلتها وكذا معنى قوله ":ل أغني عنكم من ال شيئا " .أي بمجرد نفسي من
غير ما يكرمني به ال من نحو شفاعة أو مغفرة ,وخاطبهم بذلك رعاية لمقام
التخويف والحث على العمل والتحريض على أن يكونوا أولى الناس حظا في تقوى
ال تعالى وخشيته .
قال الصبان :وقيل هذا قبل علمه بنفع النتساب إليه على أن اللغة العربية ل
تساعد الحكيم على ما فسر به الحديث وهل أحد يفهم معنى البدال من لفظ أهل
بيتي ؟ كل وال ل يفهم أحد من المخاطبين بهذا سوى أهل بيت نسبه صلى ال
عليه وآله وسلم ,كما هو وضع اللغة العربية التى هي لغته عليه الصلة والسلم .
وفضل البدال رضي ال تعالى عنهم ونفعنا بهم ,وعلو منزلتهم وقربهم من
ال ورسوله ,مما ل يشك فيه مؤمن ,ولكنهم أنفسهم ل يرضون بالباسهم حلة
كرامة خلعها ال تعالى على عترة حبيبه صلى ال عليه وآله وسلم حاشاهم ثم
حاشاهم .
وإنى على يقين من أن الحكيم الترمذي رضي ال تعالى عنه كان من أكابر
الولياء وأكاد أجزم أن ما مر عنه محمول على أحد وجهين :
34
أحدهما :وهو القرب أن جميع ذلك مدسوس في كتابه من أحد مبغضيه أو
مبغضي أهل البيت كما وقع ذلك لكثير من العلماء والولياء ,منهم الشيخ الكبر
سيدى محيى الدين بن العربي والعارف المحقق سيدي الشيخ عبد الوهاب
الشعراني وغيرهما .
والثانى :أنه كان مجاورا لقوم من غلة الشيعة الذين أفرطوا بالتزامهم جانب
أهل البيت رضي ال تعالى عنهم ,وضلوا برفضهم موالة كثير من أجلء
الصحابة ول سيما أبو بكر وعمر رضي ال تعالى عنهما ,فرد عليهم وشنع كما
يتضح من عباراته ,وحمله ذلك على ما ذكره فى شأن أهل البيت ومع هذا فقد
وصفهم فى غضون كلمه بأوصاف جميلة واعترف لهم بمزايا جليلة ,كما هو
شأنه وشأن أمثاله ,رضي ال تعالى عنه .
وأرجو أن يثيبنى ال تعالى على ما أقدمت عليه ,وأن ل يلحقني ندم فيما جرى
به القلم ,فإن القصد جميل ,وال تعالى على ما أقول وكيل .
* * * *
35
المقصد الثانى:
في الكلم على
* * * *
تحريم الزكاة عليهم قال المام النووي في شرح مسلم :تحرم الّزَكاة عََلى الّنِب ّ
ي
شاِفِع ّ
ي طِلب َ ،هَذا َمْذَهب ال ّ
شم َوَبُنو اْلُم ّ
عَلى آِلِه َ ،وُهْم َبُنو َها ِ
سّلَم َو َ
عَلْيِه َو َ
ل َ
صَّلى ا ّ
صة ،
خا ّ
شم َ
ك ُ :هْم َبُنو َها ِ
حِنيَفة َوَماِل ٌ
ل َأُبو َ
ل َبْعض اْلَماِلِكّية َ ،وَقا َ
َوُمَواِفِقيِه َ ،وِبِه َقا َ
ي:
صَبُغ اْلَماِلِك ّ
ل ُأ ْ
ش ُكّلَها َ ،وَقا َ
ل َبْعض اْلُعَلَماء ُ :هْم ُقَرْي ٌ
ضي عياض َ :وَقا َ
َقالَ اْلَقا ِ
36
ن َبِني
ل ":إِ ّ
سّلَم َقا َ
عَلْيِه َو َ
ل َ
صّلى ا ّ
ل َ
سول ا ّ
ن َر ُ
ي َأ ّ
شاِفِع ّ
ي َ .دِليل ال ّ
صُّهْم َبُنو ُق َ
حد ".
يء َوا ِ
ش ْ
طِلب َ
شم َوَبِني اْلُم ّ
َها ِ
ل لله .
حّسّلَم َ ،وَت ِ
عَلْيِه َو َ
ل َ
صّلى ا ّ
ل َ
سول ا ّ
عَلى َر ُ
حُرم َ
حها َ :أّنَها َت ْ
صّ
َأ َ
عَلْيِهْم .
عَلْيِه َو َ
حُرم َ
َوالّثاِني َ :ت ْ
ل.
حّحُرم َ ،والّثاِني َ :ت ِ
حهما َ :ت ْ
صّ
َأ َ
ل َماِلك ؛
حِة َقا َ
ن َوَبْعض اْلَماِلِكّية َوبالبا َ
ساِئر اْلُكوِفّيي َ
حِنيَفة َو َ
ل َأُبو َ
حِريِم َقا َ
َوِبالّت ْ
شم َ ،وَأّما َمَواِلي
خلف ِإّنَما ُهَو ِفي َمَواِلي َبِني َها ِ
ن اْل ِ
ي َأ ّ
طال اْلَماِلِك ّ
عى ِاْبن َب ّ
َواّد َ
حابَنا َتحِْريمَها
صَ
عْند َأ ْ
ح ِ
صّل الل َ
لَ ,ب ْ
س َكَما َقا َ
ع َ ،وَلْي َ
جَما ِ
غْيرهْم َفُتَباح َلُهْم ِبال ْ
َ
عَلم .ا هـ .
ل َأ ْ
ق َبْيَنُهَما َ .وَا ّ
طِلب َ ،ول َفْر َ
شم َوَبِني اْلُم ّ
عَلى َمَواِلي َبِني َها ِ
َ
وعبارة الصبان فى السعاف :قصر مالك وأبو حنيفة رضي ال تعالى عنهما
تحريمها على بني هاشم .وقال الشافعي وأحمد :بتحريمها على بني هاشم وبني
المطلب ,وروى عن أبي حنيفة جوازها لبني هاشم مطلقا ,وقال أبو يوسف :تحل
من بعضهم لبعض .ومذهب أكثر الحنفية والشافعية وأحمد :جواز أخذهم صدقة
النفل وهو رواية عن مالك .وروى عنه حل أخذ الفرض دون التطوع لن الذل
فيه أكثر ا هـ .
37
وفى كشف الغمة :قال ابن عباس رضي ال تعالى عنهما :كان صلى ال عليه
وآله وسلم كثيرا ما يقول عن الصدقة ":إنما هي أوساخ الناس ,وإنها ل تحل
لمحمد ول لل محمد ".
وكان أنس رضي ال تعالى عنه يقول :أخذ الحسن بن علي رضي ال تعالى
عنهما يوما تمرة من تمر الصدقة ,فجعلها في فيه ,فقال رسول ال صلى ال عليه
وآله وسلم ":كخ كخ ارم بها ,أما علمت أنا ل نأكل الصدقة ".
وكان صلى ال عليه وآله وسلم يقول لبني هاشم وبني المطلب ":أن لكم في
خمس الخمس ما يكفيكم أو يغنيكم ".
وعن أنس :كان رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم يقسم سهم ذوي القربى
على بني هاشم وبني المطلب دون بني نوفل وبني عبد شمس ويقول ":إنما بنو
هاشم وبنو المطلب شئ واحد ".
وقال ابن عباس رضي ال تعالى عنهما :جاء أبو رافع مولى رسول ال صلى
ال عليه وآله وسلم فقال :يا رسول ال إن فلن عاملك على الصدقة دعاني لكون
مساعدا له ويعطيني منها .فقال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ":إن الصدقة
ل تحل لنا ,وإن مولى القوم منهم " ا هـ .
وقال المناوي قوله :إنما هي أوساخ الناس :أي أدناسهم وأقذارهم ,لنها
تطهر أدرانهم ,وتزكي أموالهم ونفوسهم .
كغسالة الوساخ فهي محرمة عليهم بعمل أو غيره ,حتى من بعضهم لبعض ,
ومن زعم استثناءه فقد أبعد ,وقد سأل بعض الل عمر أو غيره جمل من الصدقة
38
فقال :أتحب أن رجل بادنا فى يوم حر غسل ما تحت كذا فشربته ,فغضب وقال
أتقول لي هذا ؟ قال إنما هي أوساخ الناس يغسلونها ا هـ .
وفى البحر المورود لسيدي المولى الكبير الشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي
ال تعالى عنه ,لما سأل الفضل بن العباس النبي صلى ال عليه وآله وسلم أن
يستعمله على الصدقات قال له صلى ال عليه وآله وسلم ":معاذ ال أن أستعملك
على غسالة ذنوب الناس ".
وقد قال بعض أئمة اللغة :إن الوسخ يشمل الغائط فما دونه ولكنه صلى ال
عليه وآله وسلم كان يكني عن القبيح ما أمكن .
ثم اعلم يا أخي أن الوسخ يزيد فى القبح وينقص بحسب كسب المتصدق ,فإن
كان يرابي ويغش في المعاملة ,ويأخذ المكس من التجار ,ويأكل الرشوة ,فحكمه
كالخرا والقيح ,وإن كان ينصح في المعاملة ,ولكنه يبيع على من يفعل ذلك من
الظلمة والقضاة ,فحكمه كالبول والدم ,وقس على ذلك ,وأقل المراتب أن يكون
كالبصاق ا هـ .
قال الطيبي :ل يقال كيف أباحها لبعض أمته ,ومن كمال إيمان المرء أن يحب
لخيه ما يحب لنفسه ,لنا نقول :ما أباحه لهم عزيمة بل اضطرارا ,وكم أحاديث
نراها ناهية عن السؤال فعلى الحازم أن يراها كالميتة .
وقوله :وكم أحاديث نراها ناهية عن السؤال .منها أن حكيم ابن حزام رضي
ال تعالى عنه سأل النبي صلى ال عليه وآله وسلم من غنائم حنين ,فأعطاه مائة
من البل ,ثم سأله فأعطاه مائة ,ثم سأله فأعطاه مائة ,ثم قال له ":يا حكيم ,هذا
المال خضر حلو ,فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ,ومن أخذه بإشراف
39
نفس لم يبارك له فيه ,وكان كالذي يأكل ول يشبع ،واليد العليا خير من اليد
السفلى " .
فأخذ حكيم المائة الولى ,وترك ما عداها ,وقال :يا رسول ال والذي بعثك
بالحق ل أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا .وكان كذلك رضي ال تعالى عنه
،فكان أبو بكر وعمر رضي ال عنهما يعرضان عليه العطاء فيأبى .
قال العارف الشعرانى :وقد رأيت مرة شخصا جاء إلى سيدي علي الخواص
بمال ,والشيخ رمد ,وهو جالس يضفر الخوص ,فقال له :يا سيدي خذ هذه
الدراهم فاستعن بها على نفقة البيت واترك الضفر حتى تبرأ فرده ,وقال :وال
إني كما تراني أضفر في هذا الرمد ول يطيب لي أن آكل من كسبي هذا فكيف آكل
من كسبك أنت ؟ فقال :يا سيدي إن مثلك ل يغش في صنعته فكيف ل تطيب نفسك
أن تأكل من صنعتك ؟ فقال صحيح ما ثم إن شاء ال تعالى غش ولكن أبيع على
من ؟ وجميع الفقهاء والتجار والزياتين وغيرهم إذا أتاه مكاس أو قاض يشتري منه
شيئا ل يرده قط بل يفرح بفلوسه غاية الفرح ,وإذا أخذنا فلوس الظلمة
والمكاسين ,فنحن سواء لتحاد العين المتداولة بأيديهم فقال :ياسيدي هذا شىء ما
كان لي على بال ,وتركه وانصرف ,وهو يقول :ل ياأولياء ال اهـ .
وهذا التدقيق من الشيخ رضي ال تعالى عنه ل يقتضي منع غيره من قبول
الصدقة ,فإنها مباحة حتى لهل البيت إن كانت نفل كما تقدم ,مالم يتحقق أنها من
مال حرام ,وهي مع إباحتها أمر مرغوب عنه إل للضرورة .
وانظر إلى قوله صلى ال عليه وآله وسلم ":واليد العليا خير من اليد السفلى
" .تعرف ذلك .
40
فإن قلت :قد ثبت تحريم صدقة الفرض على آله صلى ال عليه وآله وسلم
وصدقة النفل ,وإن كانت مباحة لهم على الصحيح ,إل أن نفوسهم الشريفة ربما
تأباها إل لمن يرى لقوة إيمانه ونفاذ بصيرته أن لهم الفضل والمنة عليه بقبول
صدقته وقليل ماهم ,فمن أين يتعيش من ل مال له منهم ؟ قلت :أما سمعت قوله
صلى ال عليه وآله وسلم مخاطبا لهم ":إن لكم فى خمس الخمس ما يكفيكم ".
وفي بدل خمس الخمس الذي هو حقهم في بيت مال المسلمين ,أدامه ال عامرا ,
ما في كفايتهم وليس القصد إل ذلك ل أن يكثر مالهم ,فإن بينهم وبين ذلك سدا
حاجزا من قوله صلى ال عليه وآله وسلم ":اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا ".
قال الشعراني :نعمة التقلل من الدنيا أكبر من نعمة الكثار منها ,لنها طريق
النبياء والصفياء ,ولول أن التقلل أفضل وأكثر أجرا ,ما قال صلى ال عليه
وآله وسلم ":اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا " .والقوت هو الذي ل يفضل منه
شىء عن الغذاء والعشاء ,فشىء اختاره صلى ال عليه وآله وسلم لنفسه وأهل بيته
ل أكمل منه اهـ .
وقد دعا صلى ال عليه وآله وسلم لمبغضه وأهل بيته بعكس ذاك فعن علي
رضي ال عنه ":اللهم أرزق من أبغضني وأهل بيتي كثرة المال والعيال " .رواه
الديلمي .
قال ابن حجر :كفاهم أن يكثر مالهم فيطول حسابهم ,وأن تكثر عيالهم فتكثر
شياطينهم .ول يشكل هذا بالدعاء لنس بمثل ذلك لن ذلك نعمة في حقه يتوصل
بها إلى كثير من المور المطلوبة بخلفه في حق مبغضهم .
41
كونهم أشرف الناس نسبا وأفضل الخلق حسبا :عن ابن عباس رضي ال تعالى
عنهما قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ":إن ال قسم الخلق قسمين
حا ُ
ب صَ
ن َما َأ ْ
ب اْلَيِمي ِ
حا ُ
صَ
,فجعلني في خيرهما قسما ,فذلك قوله تعالىَ }:وَأ ْ
شَماِل { ,فأنا من أصحاب اليمين وأنا
ب ال ّ
حا ُ
صَ
شَماِل َما َأ ْ
ب ال ّ
حا ُ
صَ
ن َ .وَأ ْ
اْلَيِمي ِ
خير أصحاب اليمين ,ثم جعل القسمين أثلثا فجعلني في خيرهم ثلثا ,فذلك قوله
حا ُ
ب صَ
شَأَمِة َما َأ ْ
ب اْلَم ْ
حا ُ
صَ
ب اْلَمْيَمَنِة َوَأ ْ
حا ُ
صَ
ب اْلَمْيَمَنِة َما َأ ْ
حا ُ
صَ
تعالى َ }:فَأ ْ
ن{ فأنا من السابقين ,وأنا خير السابقين .ثم جعل
ساِبُقو َ
ن ال ّ
ساِبُقو َ
شَأَمِة َوال ّ
اْلَم ْ
شُعوًبا
جَعْلَناُكْم ُ
الثلث قبائل فجعلني في خيرها قبيلة ,وذلك قوله تعالىَ } :و َ
ل َأْتَقاُكْم { فأنا أتقى ولد آدم وأكرمهم على ال
عْنَد ا ِّ
ن َأْكَرَمُكْم ِ
َوَقَباِئَل ِلَتَعاَرُفوا ِإ ّ
تعالى ول فخر ,ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني في خيرها بيتا ,فذلك قوله تعالى }:
طِهيًرا { .
طّهَرُكْم َت ْ
ت َوُي َ
س َأْهَل اْلَبْي ِ
ج َ
عْنُكُم الّر ْ
ب َ
ل ِلُيْذِه َ
ِإّنَما ُيِريُد ا ُّ
وعن ابن عمر رضي ال تعالى عنهما قال صلى ال عليه وآله وسلم " :إن ال
اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ,واصطفى من كنانة قريشا ,واصطفى من قريش
بني هاشم ,واصطفاني من بني هاشم " .
وعن ابن عمر رضي ال تعالى عنهما ":إن ال خلق الخلق فاختار منهم بني
آدم ,ثم اختار من بني آدم العرب ,ثم اختار من العرب مضر ,ثم اختار من مضر
قريشا ثم اختار من قريش بني هاشم ,ثم اختارني من بني هاشم ,فلم أزل خيارا
من خيار " .
وأخرج أحمد والمحاملي وغيرهما عن عائشة رضي ال تعالى عنها أنها قالت:
قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ":قال لي جبريل :قلبت مشارق الرض
ومغاربها فلم أجد رجل أفضل من محمد .وقلبت مشارق الرض ومغاربها فلم
أجد بني أفضل من بني هاشم ".
42
قال الحافظ ابن حجر :أنوار الصحة تلوح على صفحات متن هذا الحديث .
وعن جعفر الصادق رضي ال تعالى عنه عن أبيه محمد الباقر رضي ال
تعالى عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ":أتاني جبريل عليه
السلم فقال :يا محمد إن ال بعثني فطفت شرق الرض وغربها ,وسهلها
وجبلها ,فلم أجد حيا خيرا من العرب ,ثم أمرني فطفت في العرب فلم أجد حيا
خيرا من مضر ,ثم أمرني فطفت في مضر فلم أجد خيرا من كنانة ,ثم أمرني
فطفت في كنانة فلم أجد حيا خيرا من قريش ,ثم أمرنى فطفت في قريش فلم أجد
حيا خيرا من بني هاشم ,ثم أمرني أن أختار من أنفسهم فلم أجد فيهم نفسا خيرا
من نفسك ".
وأخرج المام أحمد بسند جيد عن العباس رضي ال تعالى عنه أنه صلى ال
عليه وآله وسلم صعد المنبر فقال ":من أنا ؟ قالوا أنت رسول ال .فقال صلى ال
عليه وآله وسلم :أنا محمد بن عبد ال بن عبد المطلب ,إن ال خلق الخلق
فجعلني في خير خلقه وجعلهم فرقتين فجعلني في خير فرقة ,وخلق القبائل
فجعلني في خير قبيلة ,وجعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا " .
وقال صلى ال عليه وآله وسلم " :أول من أشفع له يوم القيامة من أمتي أهل
بيتي ,ثم القرب فالقرب من قريش ,ثم النصار ,ثم من آمن بي واتبعني من
اليمن ,ثم سائر العرب ,ثم العاجم ومن أشفع له أول أفضل ".
43
قال الجلل السيوطي في الخصائص :ومن خصائصه صلى ال عليه وآله
وسلم أن آله ل يكافئهم في النكاح أحد من الخلق .
أن كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إل سببه ونسبه صلى ال عليه وآله
وسلم ,كما ورد ذلك في الحديث الصحيح وتقدم في المقصد الول .
وصح أن عمر بن الخطاب رضي ال تعالى عنه خطب لنفسه أم كلثوم بنت
فاطمة رضي ال تعالى عنهما من أبيها علي بن أبى طالب كرم ال تعالى وجهه ,
فاعتل بصغرها وبأنه حابسها لولد أخيه جعفر ,فألح عليه عمر ثم صعد المنبر
فقال :أيها الناس وال ما حملني على اللحاح على عِلي في ابنته إل أني سمعت
النبي صلى ال عليه وآله وسلم يقول ":كل سبب ونسب وصهر ينقطع يوم القيامة
إل سببى ونسبى وصهرى ".
فأمر بها علي فزينت وبعث بها إليه فلما رآها قام وأجلسها في حجره فقبلها
ودعا لها ,فلما قامت أخذ بساقها وقال لها قولي لبيك قد رضيت ,فلما جاءت قال
لها ما قال لك ؟ فذكرت له جميع ما فعله وما قاله ,فأنكحها إياه فولدت له زيدا مات
رجل .
قال الطيبي :والنسب ما يرجع إلى ولدة قريبة من جهة الباء ,والصهر ما
كان من خلطة تشبه القرابة يحدثها التزوج والسبب كذلك يكون بالتزويج ,والعلم
بهذا الحديث ونحوه عظيم نفع النساب إليه صلى ال عليه وآله وسلم ول يعارضه
ما في أخبار أخر من حثه صلى ال عليه وآله وسلم لهل بيته عن خشية ال تعالى
واتقائه وطاعته ,وأنه ل يغني عنهم من ال شيئا ,لنه ل يملك لحد نفعا ول ضرا
,لكن ال تعالى يملكه نفع أقاربه فقوله ":ل أغنى عنكم شيئا " أي بمجرد نفسي
44
من غير ما يكرمني ال تعالى به ,من نحو شفاعة أو مغفرة ,فخاطبهم بذلك رعاية
لمقام التخويف .
واعلم أنه ل ينبغي لمنسوب إليه صلى ال عليه وآله وسلم أن يعتمد على ما
ذكر ,لنه إنما ثبت لمن هو في الواقع متصل به عليه الصلة والسلم ومن آل
بيته ,ومن أين تحقق ذلك لقيام احتمال زلل بعض النساء وكذب بعض الصول في
النتساب ,وإن كان خلف الظاهر ,على أن المأثور من أكابر آل البيت شدة
خشيتهم من ال تعالى وعظم خوفهم من عذابه ,وكثرة تأسفهم على أدنى تقصير
وقع منهم رضي ال تعالى عنهم ونفعنا بهم .
الصطلح فى الصدر الول على إطلق اسم الشراف عليهم دون غيرهم ,ثم
خص منهم بالحسنيين والحسينيين فقط .
قال السيوطي في رسالته الزينبية :اسم الشريف يطلق فى الصدر الول على
كل من كان من أهل البيت ,سواء كان حسنيا أم حسينيا أم علويا من ذرية محمد
بن الحنفية ,أو غيره من أولد علي بن أبى طالب أم جعفريا أم عقيليا أم عباسيا ,
فلما ولي الخلفة الفاطميون بمصر قصروا اسم الشريف على ذرية الحسن
والحسين فقط ,واستمر ذلك بمصر إلى الن اهـ .
قلت :وهذا الصطلح عم الن البلد السلمية شرقا وغربا ,فمتى أطلق لفظ
الشريف في اللغة العربية ل ينصرف إل لمن كان حسنيا أو حسينيا ,وحدث في
كثير من البلد الصطلح أيضا على لفظ السيد على كل منهما خاصة ,فمتى
أطلق ل ينصرف لسواهم وهذا في غير الحجاز ,فإنهم اصطلحوا فيه على إطلق
الشريف على من كان حسنيا والسيد على من كان حسينيا للفرق بينهما .
45
قال ابن حجر المكى :ول يدخل غير ذرية الحسن والحسين في الوقف على
الشراف والوصية لهم ,لن الوقف والوصية منوطان بعرف البلد وعرف مصر
ونحوها اختصاصهم بذرية الحسن والحسين اهـ .
وأما تخصيص العمامة الخضراء بهم فأصله أن ملك مصر الشرف شعبان بن
حسين أمر في سنة ثلث وسبعين وسبعمائة بتقديم الموحدة فيهما بتخصيصهم
بعلمة خضراء توضع على عمامة أحدهم للفرق بين الشريف وغير الشريف ,ثم
توسع فيها حتى جعلت العمامة كلها خضراء ,ونظم الدباء في ذلك أشعارا منها
قول جابر بن عبد ال الندلسى :
ولعل اختيار هذا اللون لكونه أفضل اللوان ,أو كونه لون الحلة التي يكساها
في الموقف نبينا صلى ال عليه وآله وسلم أو كونه لون ثياب أهل الجنة ا هـ .
إسعاف
قال المام السيوطى :لبس هذه العلمة بدعة مباحة ل يمنع من أرادها من
شريف وغيره ,ول يؤمر بها من تركها من شريف وغيره ,والمنع منها لحد من
الناس كائنا من كان ليس أمرا شرعيا ,لن الناس مضبطون بأنسابهم الثابتة ,
وليس لبس العلمة مما ورد به الشرع فيتبع إباحة ومنعا ,أقصى ما في الباب أنه
46
أحدث التمييز بها لهؤلء عن غيرهم ,وقد يستأنس فيها بقوله تعالى َ }:يا َأّيَها
ك َأْدَنى
ن َذِل َ
جلِبيِبِه ّ
ن َ
ن ِم ْ
عَلْيِه ّ
ن َ
ن ُيْدِني َ
ساِء اْلُمْؤِمِني َ
ك َوِن َ
ك َوَبَناِت َ
جَ
ي ُقْل لْزَوا ِ
الّنِب ّ
ن{.
ن َفل ُيْؤَذْي َ
ن ُيْعَرْف َ
َأ ْ
فقد استدل بها بعض العلماء على تخصيص أهل العلم بلباس ليعرفوا فيجلوا
تكريما للعلم وهذا وجه حسن وال أعلم .
قال العلمة الصبان :يؤخذ من الية التى استأنس بها في لبس العلمة
الخضراء استحباب لبسها للشراف ,وهو الذي ينبغي اعتماده .وتكره لغيرهم ,
لن فيها انتسابا بلسان الحال إلى غير من ينسب إليه الشخص في نفس المر ,
وانتساب الشخص إلى غير من ينسب إليه في نفس المر منهي عنه محذر منه :
قال :ولم يكتف في هذه العصار بتلك العلمة بل جعلت العمامة كلها خضراء
وحكمها حكم تلك العلمة انتهى .
وهذا إنما يظهر في البلد التي ينتمي أهلها على اصطلح تخصيص العمائم
الخضر بالشراف كمصر ,أما في غيرها كالقسطنطينية فل ,فإن العلمة
الخضراء فيها ل دللة لها على الشرف أصل لما أن العلماء فيها والطلبة وغيرهم
من أرباب العمائم ل يخلو أحدهم في الغالب من عمامة خضراء يستعملها في
بعض الحيان ,وقد يكثر استعمالها في فصل الشتاء لعدم ظهور الوسخ فيها ,بل
تجاوزهم المر إلى كثير من أهل الحرف وباعة الشوارع ,فإنهم كثيرا ما
يتعممون بالعمائم الخضر لهذه العلة ,وهكذا لفظ السيد عندهم ليس خاصا بالشريف
,فإنك إذا ذهبت إلى سوق الحكاكين ,واجتهدت في أن ترى ختما لم يكتب فيه
السيد فلن ل تكاد تراه إل أن يكون لسيد شريف صحيح النسب أو لرجل من أهل
الدين والحياء ,وإنما ل يكتب الشراف لفظ السيد في أختامهم لخوف الشتباه فى
أنسابهم حينئذ بسبب كثرة استعمال الغيار إياه ,ومن هنا ترى أكثرهم ل سيما
47
أشراف الحجاز ل يلبسون العمائم الخضر لهذه الحكمة فقد زال التمييز ,واختلط
الصفر بالبريز ,والشراف مضبوطون بأنسابهم ,ل بألقابهم ,ومعروفون
بأحسابهم ل بأثوابهم ,ولقد أفحش في الخطأ من ظن الشرف باللوان أو بقول
الناس يا سيد فلن ,فرحم ال أمرًأ عرف حده ,فثبت عنده وعلم مقامه ,فلم يتقدم
أمامه ,فإن الكذب مداه قصير والزيف ل يخفى على الناقد البصير .
استعمال النقباء منهم عليهم ,وهذه النقابة وضعت في الصل لصيانتهم على أن
يتولى عليهم من ل يكافئهم في النسب ول يساويهم في الشرف ,ويختار لها أجلهم
بيتا وأكثرهم فضل وأجزلهم رأيا لتجتمع فيه شروط الرياسة والسياسة فيسرعوا
إلى طاعته برياسته ,وتستقيم أمورهم بسياسته ,ويلزمه لهم بتقلدها اثنا عشر حقا :
أحدها :حفظ أنسابهم من داخل فيها وليس منها أو خارج عنها وهو منها .
والثانى :معرفة أنسابهم وتمييز بطونهم ويثبتهم في ديوانه على التمييز .
والثالث :معرفة من ولد منهم من ذكر أو أنثى فيثبته ومعرفة من مات فيذكره .
والرابع :أن يحملهم على الداب التي تضاهي شرف أنسابهم وكرم محتدهم
لتكون حشمتهم في النفوس موقورة ,وحرمة الرسول صلى ال عليه وآله وسلم
فيهم محفوظة .
48
والسابع :أن يمنعهم من التسلط على العامة لشرفهم والتشطط عليهم لنسبهم
فيدعوهم ذلك المقت والبغض ,ويبعثهم على المناكرة والبعد ,وأن يندبهم إلى
استعطاف القلوب ,وتألف النفوس ليكون الميل إليهم أوفى ,والقلوب لهم أصفى .
والثامن :أن يكون عونا لهم في استيفاء حقوقهم ,حتى ل يضعفوا عنها وعونا
عليهم في أخذ الحقوق منهم حتى ل يمنعوا أهلها منها ,ليصيروا بالمعونة لهم
منتصفين ,وبالمعونة عليهم منصفين ,فإن من عدل السيرة فيهم إنصافهم
وانتصافهم .
والحادى عشر :أن يقّوم ذوي الهفوات منهم ,ويقيل ذا الهيئة منهم عثرته
ويغفر بعد الوعظ زلته .
والثانى عشر :أن يراعي وقوفهم بحفظ أصولهم وتنمية فروعها ويراعي
قسمتها عليهم بحسب الشروط والوصاف .
والخامس :إيقاع الحجر على من عته منهم أو سفه وفكه إذا أفاق ورشد .
49
انتهى ملخصا من الحكام السلطانية للمام الماوردى ,هكذا كانت نقباء
الشراف في الزمنة السالفة ,أما الن فهم كما ترى ل يجدون طاعة ول سمعا
ول يملكون ضرا ول نفعا .
طلب إكرام فاسقهم وتوقيره واعتقاد أن ذنبه مغفور ,وأن ال تعالى متجاوز
عن سيئاته ولبد ولو بتوفيق ال تعالى إياه للتوبة النصوح قبل الموت قال تعالى:
طِهيًرا { .
طّهَرُكْم َت ْ
ت َوُي َ
س َأْهَل اْلَبْي ِ
ج َ
عْنُكُم الّر ْ
ب َ
ل ِلُيْذِه َ
}ِإّنَما ُيِريُد ا ُّ
وقال صلى ال عليه وآله وسلم ":يا بني عبد المطلب إني سألت ال لكم ثلثا :
أن يثبت قائمكم ,وأن يهدي ضالكم ,وأن يعلم جاهلكم ".
وقد تقدم قوله صلى ال عليه وآله وسلم ":إن فاطمة قد أحصنت فرجها
فحرمها ال وذريتها على النار" .وغيره من الحاديث الدالة على القطع لهم بالجنة
من غير سابقة عذاب ,فل حاجة لعادتها هنا .
وإنما طلب إكرام فاسقهم ,لن إكرامه ليس لفسقه وإنما هو لعنصره الطاهر
ونسبه الزاهر ,وهذا موجود في طالحهم كوجوده في صالحهم ,وفسق أحدهم ل
يخرجه عن بيت النبوة ,وهم بشرغير معصومين ,فل يطرأ بذلك خلل في نسبهم
وإن كان يشين قدرهم الرفيع ,ويحط بين الصالحين من رتبهم .
قال المقريزى :حدثني الشيخ الفاضل يعقوب بن يوسف القرشي المكناسي قال:
أخبرني أبو عبد ال محمد الفاسي قال :كنت أبغض بني حسين أشراف المدينة
النبوية لما كان يظهر لي من تعصبهم على أهل السنة ,فنمت مرة بالنهار بالمسجد
النبوي تجاه القبر المقدس ,فرأيت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم وهو يقول
لي :يا فلن ,باسمي ,مالي أراك تبغض أولدي ؟ فقلت :حاشا ل يا رسول ال ,
50
ما أكرههم وإنما كرهت منهم ما رأيت من تعصبهم على أهل السنة ,فقال لى :
مسألة فقهية ,أليس الولد العاق يلحق بالنسب ؟ فقلت :بلى يا رسول ال ,فقال هذا
ولد عاق ,فانتبهت وقد زال بغضي لهم ,ثم صرت ل ألقى منهم أحدا إل بالغت في
إكرامه ا هـ .
فانظر أيها الشريف إلى تسمية النبي صلى ال عليه وآله وسلم المتعصب على
أهل السنة ولد عاقا ,وتذكر أن عقوق مطلق الوالدين من الكبائر ,فما بالك بعقوق
جدك المصطفى صلى ال عليه وآله وسلم .
قال العلمة ابن حجر في خاتمة الفتاوي :من علت نسبته إلى آل البيت النبوي
والسر العلوي ل يخرجه عن ذلك عظيم جنايته ول عدم ديانته وصيانته ,ومن ثم
قال بعض المحققين :ما مثال الشريف الزاني ,أوالشارب ,أو السارق مثل إذا قمنا
عليه الحد إل كأمير أو سلطان تلطخت رجله بقذر فغسله عنها بعض خدمته ,ولقد
بر في هذا المثال وحقق ,وليتأمل قول الناس في أمثالهم :الولد العاق ل يحرم
الميراث ,نعم الكفر إن فرض وقوعه لحد من أهل البيت والعياذ بال هو الذي
يقطع النسبة بين من وقع منه وبين مشرفه صلى ال عليه وآله وسلم ,وإنما قلت إن
فرض لنني أكاد أجزم أن حقيقة الكفر ل تقع مما علم أتصال نسبه الصحيح بتلك
البضعة الكريمة ,حاشاهم ال من ذلك ,وقد أحال بعضهم وقوع نحو الزنا واللواط
,ممن علم شرفه فما ظنك بالكفر ؟ هذا كله فيمن علم شرفه كما تقرر ,وأما من
يشك في شرفه ,فإن ثبت نسبه بوجه شرعي وجب على كل أحد تعظيمه لما فيه
من الشرف والنكار على ما فيه من الخلل التي تنكر شرعا ,لما تقرر أنه ل يلزم
من الشرف عدم الفسق ,وإن لم يثبت نسبه شرعا وادعاه ولم يعلم كذبه تعين
التوقف عن تكذيبه ,لن الناس مأمونون على أنسابهم فليسلم له حاله ,ول ينبغي
للنسان أن يتحسى سما ,وهو قادر على السلمة ,وإذا كان المنسوبون لرجل
51
صالح يتوقاهم الناس ويعظمونهم لجل ذلك فما بالك بالمنسوبين إلى سيد الخلق
كلهم صلى ال عليه وآله وسلم وشرف وكرم ,وحشرنا في زمرة محبيه ومحبي
آله وأصحابه آمين انتهى .
وهو كلم في غاية التحقيق ,وسوى أن قوله أكاد أجزم أن حقيقة الكفر ل تقع
إلى آخره الولى فيه حذف أكاد لما تقدم في المقصد الول من آية التطهير
والحاديث الواردة بالقطع لهم في الجنة وعدم انقطاع نسبهم يوم القيامة فإنه يدل
على عدم وقوع حقيقة الكفر منهم بيقين ,وقوله وإن لم يثبت نسبه شرعا وادعاه
الخ ,كلم حسن ,وأحسن منه قول سيدي عبد الوهاب الشعراني في البحر
المورود :واعلم يا أخي أن تعظيمنا للشريف الذي طعن في صحة شرفه أوجه عند
رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم من تعظيم من صح نسبه ,لن المحقق شرفه
ل جميلة لحد في تعظيمه بخلف غير المحقق الشرف إذا عظمناه على الرائحة
فتأمل انتهى .
اتصال نسبهم به صلى ال عليه وآله وسلم يوم القيامة وانتفاعهم به ,بخلف
س ٍ
ب ب َوَن َ
سَب ٍ
سائر النساب فإنها تنقطع ول ينتفع بها كما صرح به حديث ُ ":كّل َ
سبي " .وحديث ":ما بال أقوام يقولون :إن رحم
سَبِبي وَن َ
طٌع َيْوَم اْلِقَياَمِة ِإل َ
يْنَق ِ
رسول ال صلى ال عليه وسلم ل تنفع يوم القيامة ,بلى إن رحمى موصولة فى
الدنيا والخرة ,وإنى أيها الناس فرط لكم على الحوض ".
ن { .ونحوه مخصوص
ساءُلو َ
وقوله تعالى }:ل أنساب َبْيَنُهْم َيْوَمِئٍذ َوَل َيَت َ
بغيرهم .
52
أن وجودهم في الرض أمان لهلها كما وردت به الحاديث كقوله صلى ال
عليه وآله وسلم ":النجوم أمان لهل السماء ,وأهل بيتي أمان لهل الرض وفي
الرض " .وفى رواية ":أمان لمتى ".
وقد تقدم شرح ذلك فى المقصد الول .واتفق شرح الحديث على تفسير أهل
البيت في الحديث بالذرية ,وانفرد الترمذي فذهب إلى أن المراد منهم البدال وقد
سبق الرد فارجع إليه إن شئت .
قال العلمة ابن حجر :والحكمة في اختصاص أولد فاطمة بهذا الشرف دون
أولد سائر بناته صلى ال عليه وآله وسلم ما اختصت به رضي ال تعالى عنها من
المزايا الكثيرة على أخواتها :منها ما ورد أن ال تعلى زوجها لعلي كرم ال تعالى
وجهه في السماء قبل أن يتزوجها في الرض ,ومنها تمييزها عليهن بأنها سيدة
نساء أهل الجنة ,ومنها تمييزها عليهن بتسميتها بالزهراء إما لكونها ل تحيض من
غير علة فكانت كنساء الجنة ,وإما لكونها على ألوان نساء الجنة أو لغير ذلك ,
فهذه المذكورات ونحوها مما امتازت به من الفضائل ل يبعد أن يكون هو الحكمة
في نسلها في العالم أمنا له من عموم الفتن :أخبر الصادق المصدوق صلى ال
عليه وآله وسلم بذلك بأنهم في ذلك كالقرآن بقوله ":إنى تارك فيكم الثقلين :كتاب
ال ,وعترتي ,لن تضلوا ما استمسكتم بهما أبدا ".
قال :وأما الشرف الناشىء عما فيهم من البضعة الكريمة فل يخص بأولد
فاطمة ,فقد صرح المحققون بأنه لو عاش نسل زينب من أبي العاص أو نسل رقية
وأم كلثوم من عثمان رضي ال تعالى عنهم ,لكان لهم من الشرف والسيادة ما
لنسل فاطمة رضي ال تعالى عنها .
53
أنهم أول من يدخل الجنة .روى الثعلبي عن علي رضي ال تعالى عنه وكرم
ال وجهه قال :شكوت إلى رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم حسد الناس ,فقال
لى ":أما ترضى أن تكون رابع أربعة ,أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن
والحسين وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذريتنا خلف أزواجنا ".
أنهم مع كونهم أولد بنته فاطمة ,يسمون أبناءه وينسبون إليه صلى ال عليه
وآله وسلم نسبة صحيحة أخرج الطبراني قوله صلى ال عليه وآله وسلم ":إن ال
عز وجل جعل ذرية كل نبي في صلبه ,وإن ال تعالى جعل ذريتي في صلب علي
ابن أبى طالب ".
وقوله عليه الصلة والسلم ":كل بني أم ينتمون إلى عصبة ,إل ولد فاطمة
فأنا وليهم وأنا عصبتهم ".
قال فى السعاف :هذه الخصوصية لولد فاطمة فقط دون أولد بقية بناته
صلى ال عليه وآله وسلم ,فل يطلق عليه صلى ال عليه وآله وسلم أنه أب لهم
وأنهم بنوه ,كما يطلق ذلك في أولد فاطمة ,نعم يطلق عليهم أنهم من ذريته
ونسله وعقبه انتهى .
وتقدم لك عن ابن حجر أنهم لو عاشوا لكان لهم من الشرف والسيادة ما لولد
فاطمة من حيث البضعة الشريفة .
أن من صنع مع أحد منهم معروفا ,كافأه النبي صلى ال عليه وآله وسلم يوم
القيامة ,لقوله صلى ال عليه وآله وسلم ":من أراد التوسل وأن يكون له عندي يد
أشفع له بها يوم القيامة ,فليصل أهل بيتي ويدخل السرور عليهم ".
54
قال :ومنها أن محبتهم تطّول العمر وتبيض الوجه يوم القيامة ,وبضد ذلك
بغضهن ,كما فى خبر أورده في الصواعق أنه صلى ال عليه وآله وسلم قال ":
خّوله ,فليخلفني في أهلي
من أحب أن ينسأ " أي يؤخر " أجله وأن ُيمّتع بما ُ
ي يوم القيامة مسودا
خلفة حسنة ,فمن لم يخلفني فيهم بتر عمره ,وورد على َ
وجهه " .اهـ .
وهذا المعنى يوجد في أصحابه صلى ال عليه وآله وسلم ,فإنا نرى مبغضيهم
سود الوجوه في الدنيا قبل الخرة ,كما هو مشاهد لكل من في قلبه إيمان ,والمراد
من طول العمر حصول البركة فيه حتى تكثر حسنات صاحبه وتقل سيئاته فافهم .
* * * *
لم يصل إلى ما وصل إليه صلى ال عليه وآله وسلم ,من الكمال والقرب من
ذي الجلل نبي مرسل ,ول ملك مقرب ,وقد صرح الئمة العلم كالفخر
الرازي وابن حجر وغيرهما ,بأن فضائل سائر الرسل والنبياء لو اجتمعت في
واحد وقوبلت بفضائله صلى ال عليه وآله وسلم ,لرجحت فضائله صلى ال عليه
وآله وسلم عليها ,فهو أفضلهم خصوصا وعموما ,وكما أنه صلى ال عليه وآله
وسلم أفضل الخلق على الطلق ,فشريعته أفضل الشرائع ,وأمته خير المم ,
وآله خير الل ,وأصحابه خير الصحاب ,ويجب على كل مسلم مطالعة الكتب
التي ألفت في فضائله وأوصافه الشريفة صلى ال عليه وآله وسلم ,كالشفاء
55
والمواهب وكتب السير ,حتى يعرف منزلة نبيه صلى ال عليه وآله وسلم ,وما
خوله ال تعالى مما تعجز عن بيان حقيقته اللسنة والقلم ,ول يزيد إل جدة على
تقادم الليالي واليام ,ومجمل القول فيه أنه خير خلق ال تعالى وليس فوقه إل ال
أماتنا ال تعالى على ملته ,وحشرنا في زمرته بجاهه صلى ال عليه وآله وسلم .
وقد حبب لي أن أذكر هنا كيفية الصلة عليه صلى ال عليه وآله وسلم لسيدي
العارف بال تعالى محمد بن أبى الحسن البكري الكبير رضي ال تعالى عنه ,
لنها من أبلغ الكيفيات وأجمع الصلوات ,وقد اشتملت من صفاته الشريفة صلى
ال عليه وآله وسلم على أكمل الصفات وهي :
صلة سيدي محمد البكري رضي ال تعالى عنه ":اللهم صلي وسلم على
نورك السنى ,وسرك البهى ,وحبيبك العلى ,وصفيك الزكى ,واسطة أهل
الحب ,وقبلة أهل القرب ,روح المشاهد الملكوتية ,ولوح السرار القيومية ,
ترجمان الزل والبد ,لسان الغيب الذي ل يحيط به أحد ,صورة الحقيقة الفردانية
,وحقيقة الصورة المزينة بالنوار الرحمانية ,إنسان ال المختص بالعبارة عنه ,
سر قابلية التهيؤ المكاني المتلقية منه ,أحمد من حمد وحمد عند ربه ,محمد
الباطن والظاهر بتفعيل التكميل الذاتي في مراتب قربه ,غاية طرفي الدورة
النبوية المتصلة بالول نظرا وإمدادا ,بداية نقطة النفعال الوجودي إرشادا
وإسعادا ,أمين ال على سر اللوهية المطلسم ,وحفيظه على غيب اللهوتية
المكتم ,من ل تدرك العقول الكاملة منه إل مقدار ما تقوم عليها به حجته الباهرة ,
ول تعرف النفوس العرشية من حقيقته إل ما يتعرف لها به من لوامع أنواره
الزاهرة ,منتهى همم القدسيين وقد بدوا مما فوق عالم الطبائع ,مرمى أبصار
الموحدين وقد طمحت لمشاهدة السر الجامع ,من ل تجلى أشعة ال لقلب إل من
مرآة سره ,وهي النور المطلق ,ول تتلى مزاميره على لسان إل برنات ذكره
56
وهو الوتر الشفعي المحقق ,المحكوم بالجهل على كل من ادعى معرفة ال مجردة
في نفس المر عن نفسه المحمدي ,الفرع الحدثاني المترعرع في نمائه بما يمد به
كل أصل أبدي ,جنى شجرة القدم ,خلصة نسختي الوجود والعدم ,عبد ال ونعم
العبد الذي به كمال الكمال ,وعابد ال بال بل حلول ول اتحاد ول اتصال ول
انفصال ,الداعي إلى ال على صراط مستقيم ,نبي النبياء وممد الرسل ,عليه
بالذات وعليهم منه أفضل الصلة وأشرف التسليم ,يا أل يا رحمن يا رحيم ,اللهم
صل وسلم على جمال التجليات الختصاصية ,وجلل التدليات الصطفائية ,
الباطن بك في غيابات العز الكبر ,الظاهر بنورك في مشارق المجد الفخر ,
عزيز الحضرة الصمدية ,وسلطان المملكة الحدية ,عبدك من حيث أنت كما هو
عبدك من حيث كافة أسمائك وصفاتك ,مستوى تجلي عظمتك وعلمك ورحمتك
وحكمك في جميع مخلوقاتك من كملت بنور قدسك مقلته فرأى ذاتك العلية جهارا ,
وسترت عن كل أحد من خلقك في باطنه لك أسرارا ,وفلقت بكلمة خصوصيته
المحمدية بحار الجمع ,ومتعت منه بمعرفتك وجمالك وخطابك القلب والبصر
والسمع وأخرت عن مقامه تأخيرا ذاتيا كل أحد ,وجعلته بحكم أحديتك وتر العدد ,
لواء عزتك الخافق ,لسان حكمتك الناطق ,سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ,
وشيعته ووارثيه وحزبه ,ياأل يارحمن يارحيم .اللهم صلي وسلم على دائرة
الحاطة العظمى ,ومركز محيط الفلك السمى ,عبدك المختص من علومك بما لم
تهىء له أحدا من عبادك ,سلطان ممالك العزة بك في كافة بلدك ,بحر أنوارك
الذي تلطمت برياح التعين الصمداني أمواجه ,قائد جيش النبوة الذي تسارعت
بك إليك أفواجه ,خليفتك على كافة خليقتك ,أمينك على جميع بريتك ,من غاية
المجد المجيد في الثناء عليه العتراف بالعجز عن اكتناه صفاته ,ونهاية البليغ
المبالغ أن ل يصل إلى مبالغ الحمد على مكارمه وهباته ,سيدنا وسيد كل من لك
57
عليه سيادة ,محمدك الذي استوجب من الحمد بك لك إصداره وإيراده ,وعلى آله
الكرام ,وأصحابه العظام ,ووراثه الفخام ,الحمد ل وسلم على عباده الذين
اصطفى " سبعا " :أى يكرر هذه الية تالي الصلوات سبع مرات ثم يقول ":
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلم على المرسلين والحمد ل رب العالمين
,ويقرأ الفاتحة ,ويهديها لمنشىء هذه الصلوات ويقول :ربنا تقبل منا إنك أنت
السميع العليم ,وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ,وصلى ال وسلم على سيدنا
محمد وعلى آله وأخوانه من النبياء والمرسلين والحمد ل رب العالمين ".
هذه الصلوات الشريف تلقاها صاحبها القطب الكبير سيدي محمد البكري
رضي ال تعالى عنه من إملء رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ,كما صرح
بذلك سيدي العارف بال السيد مصطفى البكري رضي ال تعالى عنه فى شرحه
علها ,والشيخ محمد البديري القدسي فى ثبتة ,وذكر لها فضل عظيما ,ومزايا
جليلة ,ذكرتها في كتابي " أفضل الصلوات على سيد السادات " فمن شاءها
فليرجع إليه وهو كتاب نفيس في بابه ,جامع لغرز صيغ الصلوات على النبي
صلى ال عليه وآله وسلم ,ل يستغنى عنه كل مسلم .
* * * *
58
وروى الطبراني عن أبي هريرة أن علي بن أبي طالب رضي ال تعالى عنه
قال :يارسول ال أينا أحب إليك أنا أم فاطمة ؟ قال ":فاطمة أحب إلي منك .وأنت
أعز علي منها ".
قال سيدي عبد الوهاب الشعراني :فصرح صلى ال عليه وآله وسلم بأن فاطمة
أحب إليه من علي ,وأما كونه أعز فنحتاج إلى دليل هل هو أعلى من أحب أم
دونه ؟ فتأمل اهـ .
وروى عن كثير من الصحابة أن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم قال ":
إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش :يأهل الجمع نكسوا رؤوسكم
وغضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد على الصراط إلى الجنة ".
وعن أبي أيوب ":فتمر مع سبعين ألف جارية من الحور العين كمر البرق ".
وروى ابن حبان عن عائشة رضي ال تعالى عنها قالت :ما رأيت أحدا أشبه كلما
وحديثا برسول ال صلى ال عليه وآله وسلم من فاطمة ,وكانت إذا دخلت قام إليها
ورحب بها وأخذ بيدها وأجلسها في مجلسه .
وروى الطبراني بإسناد صحيح على شرط الشيخين .قالت عائشة رضي ال
تعالى عنها :ما رأيت أحدا قط أفضل من فاطمة غير أبيها .
59
وروى ابن حبان وغيره عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه
وآله وسلم ":إن ملكا من السماء لم يكن زارني فأستأذن ربي في زيارتي ,
فبشرني وأخبرني أن فاطمة سيدة نساء أمتي ".
روى ابن عبد البر أنه صلى ال عليه وآله وسلم قال لها ":يا بنّية أل ترضين
أنك سيدة نساء العالمين ؟ قالت ياأبت فأين مريم ؟ قال :تلك سيدة نساء عالمها
".
وصرح بأفضليتها على سائر النساء حتى السيدة مريم كثير من العلماء
المحققين منهم التقي السبكي والجلل السيوطي والبدر الزركشي والتقي
المقريزي .
وعبارة السبكي حين سأل عن ذلك :الذي نختاره وندين ال به أن فاطمة بنت
محمد أفضل .
وسئل عن مثل ذلك ابن أبي داود فقال :إن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم
قال ":فاطمة بضعة مني " .ول أعدل ببضعة رسول ال أحدا :
وعبارة المناوي في شرح قوله صلى ال عليه وآله وسلم ":فضل عائشة على
النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " .قال جمع من السلف والخلف :ل نعدل
ببضعة المصطفى صلى ال عليه وآله وسلم أحدا ,قال البعض :وبه يعلم أن بقية
اولده صلى ال عليه وآله وسلم كفاطمة رضي ال تعالى عنها .انتهى .
وقال الحافظ ابن حجر :يدل لتفضيل بناته على زوجاته خبر أبي يعلى عن
عمر مرفوعا ":تزوج حفصة خير من عثمان ,وتزوج عثمان خير من حفصة ".
وروى النسائي أنه صلى ال عليه وآله وسلم قال ":إن ابنتي فاطمة حوراء
آدمية ,لم تحض ولم تطمث ".
60
قال الحافظ السيوطي في الخصائص :ومن خصائص ابنته فاطمة أنها كانت ل
تحيض ,وكان إذا ولدت طهرت من نفاسها بعد ساعة حتى ل تفوتها صلة ,
ولذلك سميت الزهراء ,ولما جاعت وضع رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم يده
على صدرها فما جاعت بعد ,ولما احتضرت غسلت نفسها ,وأوصت أن ل
يكشفها أحد فدفنها علي رضي ال تعالى عنه بغسلها ذلك .ا هـ .
وأما تسميتها بالبتول فقال الصبان :سميت بذلك لنقطاعها عن نساء زمانها
فضل ودينا ونسبا .والبتل في اللغة :القطع ,قال :ومع كونها في تلك المنزلة
الرفيعة كانت رضي ال تعالى عنها في غاية من ضيق العيش ,تنبيها للغافلين
على أن الدنيا ليست مطمح نظر الكاملين .
روى أحمد ":أن بلل أبطأ عن صلة الصبح فقال له النبي صلى ال عليه وآله
وسلم ما حبسك ؟ قال :مررت بفاطمة ,وهي تطحن والصبي يبكي فقلت :إن
شئت كفيتك الرحا ,وإن شئت كفيتك الصبي ,فقالت أنا أرفق بإبني منك ,فذاك
الذي حبسني عنك ".
وروى أحمد بسند جيد عن علي أنه قال لفاطمة :قد جاء أباك خدم كثير فاذهبي
فاستخدميه ,ثم أتيا إليه جميعا ,فقالت فاطمة :يارسول ال لقد طحنت حتى كلت
يدي ,وقد جاءك ال بسبعة فأخدمنا :يعني أعطنا خادما فقال ":وال ل أعطيك
صّفة تطوى بطونهم من الجوع ,ثم قال :أل أخبركما بخير مما
وأدع أهل ال ّ
ن جبريل :إذا أتيتما إلى فراشكما
سألتمانى ؟ فقال بلى .قال :كلمات عّلمنيه ّ
فاقرآ آية الكرسي وسبحا ثلثا وثلثين ,وأحمدا ثلثا وثلثين ,وكبرا أربعا
وثلثين" .ا هـ .
وقد زوجها صلى ال عليه وآله وسلم لعلىي رضي ال عنه بأمر ال تعالى في
السنة الثانية من الهجرة .عقد عليها في المحرم على بعض الروايات ,ودخل بها
61
في ذي الحجة ,وهي ابنة خمس عشرة سنة ,وهو ابن إحدى وعشرين سنة ,ولم
يتزوج عليها حتى ماتت ,ودعا لها صلى ال عليه وآله وسلم ليلة الدخول بقوله ":
اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " .ودعا بمثله لعلي رضي ال
تعالى عنه ,ولهما بقوله أيضا ":جمع ال شملكما ".
فجعل ال نسلهما مفاتيح الرحمة ,ومعادن الحكمة .وأمن المة ,وبقوله صلى
ال عليه وآله وسلم مخاطبا لهما ":بارك ال لكما ,وبارك فيكما ,وأعز جدكما ,
وأخرج منكما الكثير الطيب ".
قال أنس رضي ال تعالى عنه :فوال لقد أخرج منهما الكثير الطيب ,وهذه
خطبته عليه الصلة والسلم حين عقد النكاح بعد أن دعا أجلء الصحابة من
المهاجرين والنصار ,فلما اجتمعوا لديه وأخذوا مجالسهم وكان علي رضي ال
تعالى عنه غائبا قال :صلى ال عليه وآله وسلم ":الحمد ل المحمود بنعمته ،
المعبود بقدرته ،المطاع سلطانه ،المرهوب من عذابه وسطوته ،النافذ أمره
في سمائه وأرضه ،الذي خلق الخلق بقدرته ،وميزهم بأحكامه ،وأعزم بدينه ،
وأكرمهم بنبيه محمد صلى ال عليه وسلم .إن ال تبارك اسمه ،وتعالت عظمته
،جعل المصاهرة نسبًا لحقًا ،وأمرًا مفترضًا أوشج به الرحام ،وألزم النام،
صْهرًا { .فأمر
سبًا َو ِ
جَعَلُه َن َ
شرًا َف َ
ن اْلَماِء َب َ
ق ِم َ
خَل َ
فقال عز من قائل َ }:وُهَو اّلِذي َ
ال تعالى يجري إلى قضائه ،وقضاؤه يجري إلى قدره ،ولكل قضاء قدر ،ولكل
عنَدُه ُأّم اْلِكَتبِ " .ثم إن
ت َو ِ
شاءُ َوُيّثب ُ
ل َما َي َ
حوْا ا ُّ
قدر أجل ،ولكل أجل كتاب َ ":يْم ُ
ال تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي ابن أبي طالب ،فاشهدوا أني قد زوجته
إياها على أربعمائة مثقال فضة إن رضي علي بذلك ".
62
ثم دخل علي رضي ال عنه ،فتبسم رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم في
وجهه ,وقال ":إن ال عز وجل أمرني أن أزوجك فاطمة على أربعمائة مثقال
فضة أرضيت بذلك ؟ ".
فخطب خطبة وقال :رضيت بذلك يا رسول ال ,ولم يتزوج عليها رضي ال
تعالى عنها حتى ماتت ,ولما خطب جويرية بنت أبي جهل قام صلى ال عليه وآله
وسلم على المنبر وقال ":إن بني هاشم ابن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم
علي بن أبي طالب ،فل آذن لهم ثم ل آذن لهم ,إل أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق
ابنتي وينكح ابنتهم ،إنما هي بضعة مني ,يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها ,وال
ل تجتمع بنت رسول ال وبنت عدو ال عند رجل أبدا ".
ى الخطبة .قال أبو داود :حرم ال على علي رضي ال عنه أن ينكح
فترك عل ّ
على فاطمة رضي ال تعالى عنها مدة حياتها .توفيت رضي ال تعالى عنها بعد
أبيها صلى ال عليه وآله وسلم بستة أشهر ليلة الثلثاء لثلث خلون من رمضان
سنة إحدى عشرة .
* * * *
قال الحافظ ابن حجر :هو أول الناس إسلما في قول الكثير من أهل العلم .ولد
قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح فربي فى حجر النبي صلى ال عليه وآله
وسلم ولم يفارقه ,وشهد معه المشاهد كلها إل غزوة تبوك فقال له بسبب تأخيره له
بالمدينة ":أل ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ".
63
وزوجه ابنته فاطمة ,وكان اللواء بيده في أكثر المشاهد ,ولما آخى النبي صلى
ال عليه وآله وسلم بين أصحابه قال له ":أنت أخي ".
ومناقبه كثيرة حتى قال المام أحمد ":لم ينفل لحد من الصحابة ما نقل لعلى
".
وقال غيره :وكان سبب ذلك تنقيص بني أمية له ,فكان كل من كان عنده علم
من شىء من مناقبه من الصحابة يثبته ,وكلما أرادوا إخماده وهددوا من حدث
بمناقبه ل تزداد إل انتشارا ,وقد ولد له الرافضة مناقب موضوعة هو غني عنها .
وتتبع النسائي ما خص به دون الصحابة فجمع من ذلك شيئا كثيرا أسانيد أكثرها
جياد .
وعن عمر رضي ال تعالى عنه :ما أحببت المارة إل ذلك اليوم .
وروى عبد ال بن أحمد بن حنبل من حديث جابر أن النبي صلى ال عليه وآله
وسلم لما دفع الراية لعلي يوم خيبر ,أسرع فجعلوا يقولون له ارفق ,حتى انتهى
إلى الحصن فاجتذب بابه فألقاه على الرض ,ثم اجتمع عليه سبعون رجل ,حتى
أعادوه .
وبعثه صلى ال عليه وآله وسلم ليقرأ سورة براءة على قريش وقال ":ل يذهب
إل رجل مني وأنا منه ".
64
وقال لبني عمه ":أيكم يواليني في الدنيا والخرة ؟ فأبوا فقال علي :أنا ,فقال
صلى ال عليه وآله وسلم ":إنه ولّيي في الدنيا والخرة ".
وعن عمران بن حصين رضي ال تعالى عنه أنه صلى ال عليه وآله وسلم قال
":ما تريدون من علي ؟ إن عليا مني وأنا من علي ,وهو ولي كل مؤمن بعدي".
ونقل الحافظ ابن حجر في الصابة عن مسند أحمد بن حنبل بسند جيد عن علي
رضي ال تعالى عنه قيل ":يا رسول ال :من تؤمر بعدك ؟ قال ":إن تؤمروا أبا
بكر تجدوه أمينا زاهدا في الدنيا راغبا في الخرة ,وإن تؤمروا عمر تجدوه قويا
أمينا ل يخاف في ال لومة لئم ,وإن تؤمروا عليا ,وما أراكم فاعلين ,تجدوه
هاديا مهديا يأخذ بكم الطريق المستقيم ".
وعن ابن عباس قال قال لي علي :يا ابن عباس إذا صليت العشاء الخرة
فالحق إلى الجبانة قال :فصليت ولحقته وكانت ليلة مقمرة قال :فقال لى :ما تفسير
اللف من الحمد ؟ قلت :ل أعلم ,فتكلم في تفسيرها ساعة تامة ,ثم قال :ما
تفسير اللم من الحمد ؟ قلت :ل أعلم ,فتكلم فيها ساعة تامة ,ثم قال :ما تفسير
الحاء من الحمد ؟ قلت :ل أعلم ,فتكلم فيها ساعة تامة ,ثم قال :ما تفسير الميم
من الحمد ؟ قلت :ل أعلم ,قال :فتكلم في تفسيرها ساعة تامة ,قال :فما تفسير
الدال من الحمد ؟ قال :قلت ل أدري ,فتكلم فيها إلى أن بزغ عمود الفجر قال :
وقال لي قم يا ابن عباس إلى منزلك فتأهب لفرضك فقمت ,وقد وعيت ما قال ثم
تفكرت فإذا علمي بالقرآن في علم علي ,كالقرارة فى المثعنجر قال :القرارة :
الغدير الصغير والمثعنجر :البحر .
وقال ابن عباس ":علم رسول ال من علم ال ,وعلم علي من علم رسول ال ,
وعلمي من علم علي ,وما علمي وعلم أصحاب محمد في علم علي إل كقطرة في
سبعة أبحر ".
65
فانظر كيف تفاوت الخلق في العلوم والفهوم .ويقال أن عبد ال بن عباس أكثر
البكاء على علي حتى ذهب بصره .
قال أبو الطفيل :شهدت عليا يخطب وهو يقول " :سلونى فوال ما من آية إل
وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل ,ولو شئت أوقرت سبعين
بعيرا من تفسير فاتحة الكتاب " .
وقال ابن عباس :لقد أعطي علي تسعة أعشار العلم ,وايم ال لقد شاركهم في
العشر العاشر " .وكان معاوية يكتب فيما ينزل به فيسأل علي بن أبى طالب ,فلما
بلغه قتله قال :لقد ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب ,وكان عمر يتعوذ من
معضلة ليس لها أبو الحسن .وسئل عطاء أكان في أصحاب محمد أحد أعلم من
علي ؟ قال :ل وال ما أعلمه .
وقال معاوية يوما لضرار الصدائي أحد أصحاب علي صف لي عليا قال :
أعفني يا أمير المؤمنين .قال :لتصفنه ,قال :أما إذ ل بد من وصفه :فكان ,وال ,
ل ,يتفجر العلم من جوانبه ,
ل ويحكم عد ً
بعيد المدى شديد القوى ,يقول فص ً
وتنطق الحكمة من نواحيه ,ويستوحش من الدنيا وزهرتها ,ويستأنس بالليل
ووحشته ,وكان غزير العبرة طويل الفكرة ,يعجبه من اللباس ما قصر ,ومن
الطعام ما خشن ,وكان فينا كأحدنا ,يجيبنا إذا سألناه ,وينبئنا إذا استنبأناه ,ونحن
وال مع تقريبه إيانا وقربه منا ل نكاد نكلمه هيبًة له ,يعظم أهل الدين ويقرب
المساكين ,ل يطمع القوي في باطله ,ول ييئس الضعيف من عدله ,وأشهد أنه لقد
رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله قابضًا على لحيته يتململ تململ
ي تعرضت ؟ أم إلي
السليم ,ويبكي بكاء الحزين ,ويقول :يا دنيا غري غيري أإل ّ
تشوفت ؟ هيهات قد أبنتك ثلثًا ل رجعة فيها ،فعمرك قصير ,وخطرك قليل .آٍه
من قلة الزاد ,وبعد السفر ,ووحشة الطريق .فبكى معاوية وقال :رحم ال أبا
66
الحسن ،كان وال كذلك ,فكيف حزنك عليه يا ضرار ؟ قال :حزني حزن من
ذبح ولدها على حجرها .وسيأتي تخصيصه أيضا بذكر نبذة أخرى من فضائله مع
الخلفاء الراشدين في خاتمة هذا الكتاب إظهارا للمزيتين وإيفاء بحق الفضيلتين .
* * * *
هو آخر الخلفاء الراشدين بنص الحديث .ولد رضي ال تعالى عنه فى نصف
شهر رمضان سنة ثلث من الهجرة ,سماه النبي صلى ال عليه وآله وسلم
الحسن ,وعق عنه يوم سابعه ,وحلق شعره وأمر أن يتصدق بزنة شعره فضة
قال أبو أحمد العسكري :سماه النبي صلى ال عليه وآله وسلم الحسن وكناه أبا
محمد ولم يكن يعرف هذا السم في الجاهلية .
روى عكرمة عن ابن عباس رضي ال تعالى عنهما قال :كان رسول ال
صلى ال عليه وآله وسلم حامل الحسن على عاتقه ,فقال رجل :نعم المركب
ركبت يا غلم .فقال النبى صلى ال عليه وآله وسلم ":ونعم الراكب ".
وعن البراء بن عازب قال :رأيت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم واضعا
الحسن بن علي على عاتقه وهو يقول ":اللهم إنى أحبه فأحبه " .
67
وفي البخاري عن أبي بكرة :رأيت النبي صلى ال عليه وآله وسلم على المنبر
والحسن بن علىي معه وهو يقبل على الناس مرة وعليه مرة ويقول ":إن ابني
هذا سيد ,ولعل ال أن يصلح به بين فئتين من المسلمين " .
وعن أبي بكرة أيضا :كان رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم يصلي بالناس ,
وكان الحسن بن علىي يثب على ظهره إذا سجد يفعل ذلك غير مرة ,قالوا :إنك
لتفعل بهذا شيئا ما رأيناك تفعله بأحد ؟ قال ":إن ابني هذا سيد ,وسيصلح ال به
بين فئتين عظيمتين من المسلمين " .
وعن عبد ال بن الزبير قال :أشبه أهل النبي صلى ال عليه وآله وسلم به
وأحبهم إليه الحسن ,رأيته يجىء ,وهو ساجد ,فيركب رقبته أو قال ظهره ,فما
ينزله حتى يكون هو الذي ينزل ,وقد رأيته وهو راكع يفرج له بين رجليه ,حتى
يخرج من الجانب الخر .
وفي البخاري عن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث قال :صلى بنا أبو بكر
ى يلعب ,فأخذه فحمله على عنقه وهو يقول:
العصر ثم خرج ,فرأى الحسن بن عل ّ
بأبى شبيه بالنبي ,ليس شبيها بعلي ,وعلي يضحك .وكانت فاطمة رضي ال
تعالى عنها تهز الحسن وتقول :مثل ذلك .
وعن زهير بن الرقم قال :قام الحسن بن علي يخطب فقام رجل من أزد
شنوءة فقال :أشهد لقد رأيت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم واضعه على
حبوته وهو يقول ":من أحبني فليحبه ,وليبّلغ الشاهد الغائب " .ولول كرامة
النبي صلى ال عليه وآله وسلم ما حدثت به أحدا .
وعن أبي هريرة رضي ال تعالى عنه عن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم
قال ":اللهم إني أحبه وأحب من يحبه ".
68
فما كان أحد أحب إلي من الحسن بعد أن قال رسول ال صلى ال عليه وآله
وسلم ما قال .
وعنه رضي ال تعالى عنه قال :ما رأيت الحسن بن علي قط إل فاضت عيناي
دموعا ,وذلك أن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم خرج يوما وأنا في المسجد
وأخذ بيدي واتكأ علي ,حتى جئنا سوق قينقاع فنظر فيه ,ثم رجع حتى جلس في
المسجد ,ثم قال ادع ابني فأتى الحسن بن علي يشتد حتى وقع في حجره فجعل
رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم يفتح فمه ,أي الحسن ,ثم يدخل فمه في فمه
ويقول ":اللهم إني أحبه وأحب من يحبه " .ثلث مرات .
قيل أنه رضي ال تعالى عنه حج عشر حجات ماشيا وكان يقول :إني لستحي
من ربي أن ألقاه ولم أمش إلى بيته ,وقاسم ال تعالى ماله ثلث مرات ,فكان
يترك نعل ,وخرج من ماله كله مرتين ,وتحقق فيه قوله صلى ال عليه وآله وسلم
" :إن ابنى هذا سيد " الحديث ,فإنه لما ولي الخلفة بعد مقتل أبيه بايعه أكثر من
أربعين ألفا كانوا بايعوا أباه على الموت ،وكانوا أطوع للحسن وأحب له ,وبقي
خليفة نحو سبعة أشهر في العراق وخرسان واليمن والحجاز وغير ذلك .ثم سلم
المر إلى معاوية بدون حرب ,وهو العزيز ,خوفا من إراقة دماء المسلمين ,فلما
بايعه خطب الناس قبل دخول معاوية الكوفة فقال :أيها الناس إنما نحن أمراؤكم
وضيفانكم ونحن أهل بيت نبيكم الذين أذهب ال عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا
وكرر ذلك حتى ما بقي إل من بكى حتى سمع نشيجه ,ولما دخل معاوية الكوفة
قال له :قم يا حسن فكلم الناس فيما جرى بيننا ,فقام الحسن في أمر لم يترّو فيه ,
فحمد ال وأثنى عليه ثم قال في بديهته :أما بعد :أيها الناس فإن ال هداكم بأولنا
وحقن دماءكم بآخرنا ,أل إن أكيس الكيس التقي وأعجز العجز الفجور .وإن هذا
المر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية ,إما أن يكون كان أحق به مني وإما أن يكون
69
حقي تركته ل عز وجل ولصلح أمة محمد صلى ال عليه وآله وسلم وحقن
ن {.
حي ٍ
ع ِإَلى ِ
ن َأْدِري َلَعّلُه ِفْتَنٌة َلُكْم َوَمَتا ٌ
دمائكم .ثم التفت إلى معاوية وقال َ }:وِإ ْ
قال العلمة الصبان :ولما نزل عنها ,أي الخلفة ,ابتغاء وجه ال تعالى
عوضه ال وأهل بيته عنها بالخلفة الباطنية ,حتى ذهب قوم أن قطب الولياء في
كل زمان ل يكون إل من أهل البيت ,وممن قال يكون من غيرهم الستاذ أبو
العباس المرسي ,كما نقله عنه تلميذه التاج ابن عطاء ال .وهل أول القطاب
الحسن أو أول من تلقى القطبانية من المصطفى صلى ال عليه وآله وسلم فاطمة
ى,
الزهراء مدة حياتها ,ثم انتقلت منها إلى أبى بكر ,ثم عمر ,ثم عثمان ,ثم عل ّ
ثم الحسن ؟
ذهب إلى الول أبو العباس المرسي ,وإلى الثانى أبو المواهب التونسي كما في
طبقات المناوي .
ورأيت في شرح المناوي الكبير على الجامع الصغير ما نصه :قال الحرالي :
سلسلة أهل الطريق تنتهي من كل وجه من جهة المشايخ والمريدين إلى أهل
البيت ,فجهات طرق المشايخ ترجع عامتها إلى تاج العارفين أبي القاسم الجنيد ,
وبداية أبي القاسم أخذها من خاله السري ,والسري ائتم بمعروف .وكان معروف
مولى علي بن موسى الرضى :وهو عن آبائه رضي ال تعالى عنهم ,فرجع الكل
إلى علي كرم ال وجهه .
ثم ذكر من كلمه رضي ال تعالى عنه :المروءة العفاف ,وإصلح الحال ,
الخاء المواساة في الشدة والرخاء ,الغنيمة الباردة الرغبة في التقوى .وكان يقول
لبنيه وبني أخيه :تعلموا العلم فإن لم تستطيعوا حفظه فاكتبوه وضعوه في بيوتكم .
70
ولما احتضر قال لخيه الحسين رضي ال تعالى عنه :يا أخي أوصيك أن ل
تطلب الخلفة فإني وال ما أرى أن يجمع ال فينا النبوة والخلفة ,فإياك أن
يستخفك سفهاء الكوفة ويخرجوك فتندم حيث ل ينفعك الندم .
وأخرج بن سعد عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبيه قال :تفاخر قوم من قريش
فذكر كل رجل ما عنده ,فقال معاوية للحسن بن علي رضي ال تعالى عنهما :ما
يمنعك من القول ؟ فما أنت بكليل اللسان ,فقال :ما ذكروا مكرمة ول فضيلة إل
ولي محضها ولبابها ,ففيم الكلم وقد سبقت مبرزا .
وفي المسامرات للشيخ الكبر قال معاوية يوما وعنده أشراف الناس من قريش
وغيرهم :أخبروني أكرم الناس أبا وأما وعما وعمة وخال وخالة وجدا وجدة ,
فقام مالك بن عجلن وأومأ إلى الحسن عليه السلم فقال :ها هو ذا أبوه علي بن
أبي طالب ,وأمه فاطمة بنت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ,وجدته خديجة
بنت خويلد ,وجده رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ,وعمه جعفر الطيار في
الجنة ,وعمته أم هانىء بنت أبى طالب ,وأخواله وخالته أولد النبي صلى ال
عليه وآله وسلم ,فسكت القوم ونهض الحسن ,فقام رجل من بني سهم وقال :أنت
أمرت ابن عجلن على مقالته ؟ فقال ابن عجلن :ما قلت إل حقا ,وما أحد من
الناس يطلب مرضاة مخلوق بمعصية الخالق إل لم يعط أمنيته في دنياه ,وختم له
بالشقاء في آخرته ,بنو هاشم أنضركم عودا وأوراكم ,زندا كذلك يا معاوية ؟ فقال
معاوية :اللهم نعم .توفي الحسن رضي ال تعالى عنه مسموما سنة خمسين على
أحد القوال ,ودفن في البقيع رضي ال تعالى عنه .
71
إضاقة شديدة ,قال :فدعوت بدواة لكتب إلى معاوية لذكره نفسي ثم أمسكت
فرأيت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم في المنام ,فقال :كيف أنت يا حسن ؟
فقلت :بخير يا أبت ,وشكوت إليه تأخر المال عني ,فقال أدعوت بدواة لتكتب إلى
مخلوق مثلك تذكره ذلك ؟ فقلت نعم يا رسول ال ,فكيف أصنع ؟ فقال :قل اللهم
اقذف في قلبي رجاءك ,واقطع رجائي عمن سواك حتى ل أرجو أحدًا غيرك ,
اللهم وما ضعفت عنه قوتي وقصر عنه عملي ,ولم تنته إليه رغبتي ولم تبلغه
مسألتي ,ولم يجر على لساني مما أعطيت أحدًا من الولين والخرين من اليقين
فخصني به يا رب العالمين .قال فوال ما ألححت به أسبوعاً ,حتى بعث إلى
معاوية بألف ألف وخمسمائة ألف فقلت :الحمد ل الذي ل ينسى من ذكره ,ول
يخيب من دعاه .فرأيت النبي صلى ال عليه وآله وسلم في المنام فقال :يا حسن
كيف أنت ؟ فقلت :بخير يا رسول ال ,وحدثته بحديثي فقال :يا بني هكذا من رجا
الخالق ولم يرج المخلوق .
* * * *
ولد في شعبان سنة أربع من الهجرة .قال جعفر بن محمد :لم يكن بين الحمل
بالحسين بعد ولدة الحسن إل طهر واحد ,وقيل خمسون ليلة ,وحنكه صلى ال
عليه وآله وسلم بريقه ,وأذن في أذنه وتفل في فمه ودعا له ,وسماه حسينا يوم
السابع ,وعق عنه .كان شجاعا مقداما من حين كان طفل قاله في السعاف
72
وذكر في فضله جملة أحاديث منها قوله صلى ال عليه وآله وسلم ":حسين
مني وأنا من حسين ,اللهم أحب من أحب حسينا ,حسين سبط من السباط ".
وقوله عليه الصلة والسلم ":من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة "
وفي لفظ " إلى سيد شباب أهل الجنة ,فلينظر إلى الحسين بن علي ".
وعن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وآله وسلم جلس في المسجد فقال":
أين لكع ,فجاء الحسين يمشي حتى سقط في حجره فجعل أصابعه في لحية رسول
ال صلى ال عليه وآله وسلم ,ففتح صلى ال عليه وآله وسلم فمه ,أي الحسين ,
فأدخل فاه في فيه ثم قال ":اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه " .
وعنه أيضا قال :رأيت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم يمتص لعاب
الحسين كما يمتص الرجل التمرة .وعنه أيضا :كان الحسين أشبههم برسول ال
صلى ال عليه وآله وسلم .وكان ابن عمر جالسا في ظل الكعبة إذ رأى الحسين
مقبل فقال :هذا أحب أهل الرض إلى أهل السماء اليوم .
وحج رضي ال تعالى عنه خمسا وعشرين حجة ماشيا ,وكان فاضل كثير
الصوم ,والصلة والحج والصدقة ,وأفعال الخير جميعها قاله ابن الثير وغيره .
قالوا وكان رضي ال تعالى عنه كارها لما فعله أخوه من تسليم المر لمعاوية
فقال له :أنشدك ال أن تصدق أحدوثة معاوية وتكذب أحدوثة أبيك ,فقال له
الحسن :اسكت ,أنا أعلم بهذا المر منك .
قال الحافظ ابن حجر العسقلني في الصابة :كانت إقامة الحسين بالمدينة إلى
أن خرج مع أبيه إلى الكوفة ,فشهد معه الجمل ,ثم صفين ,ثم قتال الخوارج ,
وبقي معه إلى أن قتل ,ثم مع أخيه إلى أن سلم المر إلى معاوية ,فتحول مع أخيه
إلى المدينة واستمر بها إلى أن مات معاوية فخرج إلى مكة ثم أتته كتب أهل
73
العراق بأنهم بايعوه بعد موت معاوية فأرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي
طالب ،فأخذ بيعتهم ,وأرسل إليهم فتوجه وكان من قضية قتله ما كان .
قال عمار بن معاوية الذهبي :قلت لبي جعفر محمد ابن علي بن الحسين :
حدثني عن مقتل الحسين ,حتى كأني أحضره ؟ قال " :مات معاوية والوليد بن
عقبة بن أبي سفيان على المدينة ,فأرسل إلى الحسين بن علي ليأخذ بيعته ليلته ,
فقال :أخرني ورفق بي فخرج إلى مكة ,فأتاه رسل أهل الكوفة :إنا قد حبسنا
أنفسنا عليك ,ولسنا نحضر الجمعة مع الوالي فأقدم علينا .وقال :وكان النعمان
بن بشير النصاري على الكوفة ,فبعث الحسين بن علي إليهم مسلم بن عقيل ,
فقال :سر إلى الكوفة فانظر ما كتبوا به إلي ,فإن كان حقاً قدمت إليهم .فخرج
مسلم حتى أتى المدينة ,فأخذ منها دليلين ,فمرا به في البرية فأصابهم عطش ,
فمات أحد الدليلين فقدم مسلم الكوفة فنزل على رجل يقال له عوسجة ,فلما علم
أهل الكوفة بقدومه دبوا إليه فبايعه منهم اثنا عشر ألفا ,فقام رجل ممن يهوى يزيد
بن معاوية إلى النعمان بن بشير قال :إنك ضعيف ,أو مستضعف قد فسد البلد قال
له النعمان :لئن أكن ضعيفًا في طاعة ال أحب إليّ من أن أكون قويًا في
معصيته ,وما كنت لهتك ستراً .فكتب الرجل بذلك إلى يزيد فدعا يزيد مولى له
يقال له سرحون فاستشاره فقال له :ليس للكوفة إل عبيد ال بن زياد ,وكان يزيد
ساخطًا على عبيد ال ,وكان هّم بعزله عن البصرة ,فكتب إليه برضاه عنه وأنه
قد أضاف إليه الكوفة ،وأمره أن يطلب مسلم بن عقيل ,فإن ظفر به قتله .فأقبل
عبيد ال بن زياد في وجوه أهل البصرة حتى قدم الكوفة متلثماً ,فل يمر على أحد
فيسلم إل قال له أهل المجلس :عليك السلم يا ابن رسول ال ,يظنونه الحسين بن
علي قدم عليهم ,فلما نزل عبيد ال القصر دعا مولى له ,فدفع إليه ثلثة آلف
درهم فقال اذهب حتى تسأل عن الرجل الذي يبايعه أهل الكوفة فادخل عليه
74
وأعلمه أنك من حمص وادفع إليه المال وبايعه ,فلم يزل المولى يتلطف حتى دلوه
على شيخ يلي البيعة ,فذكر له أمره فقال :لقد سرني إذ هداك ال وساءني أن أمرنا
لم يستحكم ثم أدخله على مسلم بن عقيل ,فبايعه ودفع له المال ,وخرج حتى أتى
عبيد ال ,فأخبره وتحول مسلم حين قدم عبيد ال من تلك الدار إلى دار أخرى ,
فأقام عند هانئ بن عروة المرادي .وكان عبيد ال قال لهل الكوفة :ما بال هانئ
بن عروة لم يأتني ؟ فخرج إليه محمد بن الشعث في أناس من وجوه أهل الكوفة ,
وهو على باب داره ,فقالوا له إن المير قد ذكرك واستبطأك فانطلق إليه فركب
معهم ,حتى دخل على عبيد ال بن زياد وعنده شريح القاضي ,فلما سلم عليه قال
له :يا هانئ أين مسلم بن عقيل ؟ فقال له :ل أدري فأخرج إليه المولى الذي دفع
الدراهم إلى مسلم ,فلما رآه سقط في يده وقال :أيها المير وال ما دعوته إلى
منزلي ولكنه جاء فطرح نفسه علي فقال :ائتني به فتلكأ فاستدناه ,فأدنوه منه
فضربه بالقضيب ,وأمر بحبسه فبلغ الخبر قومه ,فاجتمعوا على باب القصر ,
فسمع عبيد ال الجلبة ,فقال لشريح القاضي :اخرج إليهم فأعلمهم أني ما حبسته
إل لستخبره عن خبر مسلم ول بأس عليه ,فبلغهم ذلك فتفرقوا ونادى مسلم بن
عقيل لما بلغه الخبر بشعاره ,فاجتمع عليه أربعون ألفاً من أهل الكوفة فركب
وبعث عبيد ال إلى وجوه أهل الكوفة ,فجمعهم عنده في القصر ,فأمر كل واحد
منهم أن يشرف على عشيرته ,فيردهم فكلموهم ,فجعلوا يتسللون فأمسى مسلم
وليس عنده إل عدد قليل منهم ,فلما اختلط الظلم ذهب أولئك أيضًا فلما بقي وحده
تردد في الطرق بالليل فأتى باب امرأة فقال لها :اسقيني ماء فسقته فاستمر قائمًا
فقالت :يا عبد ال إنك مرتاب فما شأنك ؟ قال :أنا مسلم بن عقيل فهل عندك مأوى
؟ قالت :نعم ادخل فدخل وكان لها ولد من موالي محمد بن الشعث ,فانطلق إلى
محمد بن الشعث فأخبره ,فلم يفجأ مسلمًا إل والدار قد أحيط بها ,فلما رأى ذلك
75
خرج بسيفه يدفعهم عن نفسه ,فأعطاه محمد بن الشعث المان ,فأمكن من يده
فأتى به عبيد ال ,فأمر به فأصعد إلى القصر ثم قتله ,وقتل هانئ بن عروة
وصلبهما ,فقال شاعرهم في ذلك أبياتًا منها :
إلى هانئ في السوق وابن عقيل فإن كنت ل تدرين ما الموت فانظري
ولم يبلغ الحسين ذلك حتى كان بينه وبين القادسية ثلثة أميال ,فلقيه الحر بن
يزيد التميمي ,فقال له :ارجع فإني لم أدع لك خلفي خيرًا ,وأخبره الخبر فهم أن
يرجع ,وكان معه إخوة مسلم فقالوا :وال ل نرجع حتى نصيب بثأرنا أو نقتل ,
فساروا وكان عبيد ال قد جهز الجيش لملقاته ,فوافوه بكربلء فنزلها ومعه
خمسة وأربعون نفسًا من الفرسان ونحو مائة راجل ,فلقيه الحسين وأميرهم عمر
بن سعد بن أبي وقاص ,وكان عبيد ال وله الري وكتب له بعهده عليها إذا رجع
من حرب الحسين ,فلما التقيا قال له الحسين :اختر مني إحدى ثلث :إما أن
ألحق بثغر من الثغور ,وإما أن أرجع إلى المدينة ,وإما أن أضع يدي في يد يزيد
بن معاوية ,فقبل ذلك عمر منه وكتب به إلى عبيد ال فكتب إليه ل أقبل منه حتى
يضع يده في يدي فامتنع الحسين ,فقاتلوه فقتل أصحابه وفيهم سبعة عشر شابًا من
أهل بيته ,ثم كان آخر ذلك أن قتل وأتي برأسه إلى عبيد ال ,فأرسله ومن بقي من
أهل بيته إلى يزيد ,ومنهم علي بن الحسين كان مريضاً ومنهم عمته زينب ,فلما
قدموا على يزيد أدخلهم إلى عياله ,ثم جهزهم إلى المدينة .
قال الحافظ ابن حجر بعد أن ساق هذه القصة قلت :وقد صنف جماعة من
القدماء في مقتل الحسين تصانيف فيها الغث والسمين والصحيح والسقيم ,وفي هذه
القصة التي سقتها غنى .قال :وقد صح عن إبراهيم النخعي أنه كان يقول :لو
كنت فيمن قاتل الحسين ثم أدخلت الجنة لستحيت أن أنظر إلى وجه رسول ال
صلى ال عليه وآله وسلم .
76
وقال حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس :رأيت رسول ال
صلى ال عليه وآله وسلم فيما يرى النائم نصف النهار أشعث أغبر بيده قارورة
فيها دم ,فقلت بأبي وأمي يا رسول ال ما هذا ؟ قال ":هذا دم الحسين وأصحابه ,
لم أزل ألتقطه منذ اليوم ,فكان ذلك اليوم الذي قتل فيه ".
وعن أم سلمة رضي ال تعالى عنها أنها سمعت الجن تنوح على الحسين بن
علي .
قال الزبير بن بكار :قتل الحسين يوم عاشوراء سنة إحدى وستين .
قال ابن الثير :وكان ذلك اليوم يوم الجمعة ,وقيل يوم السبت .
قال في السعاف :وكان أكثر مقاتليه الكاتبين إليه والمبايعين له ,وقيل أن قاتله
سنان بن أبي سنان النخعي أو غيره لما أتي ابن زياد أنشده :
فغضب عليه وضرب عنقه ,قال وفي قصة قتله تصديق لقوله صلى ال عليه
وآله وسلم ":إن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتل وتشريدا ،وإن أشد
قومنا لنا بغضا بنو أمية ،وبنو المغيرة ،وبنو مخزوم " .رواه الحاكم .
وقضى ال تعالي أن قتل عبيد ال بن زياد وأصحابه يوم عاشوراء سنة سبع
وستين جهز إليه المختار بن عبيد جيشا تحت رئاسة إبراهيم بن الشتر النخعي ,
فقتله إبراهيم بنفسه في الحرب وبعث برأسه الخبيث إلى المختار ,فبعثه المختار
ى بن الحسين .
إلي ابن الزبير ,فبعثه ابن الزبير إلي عل ّ
77
وروى الترمذي أنه لما جيء برأسه ونصب في المسجد مع رؤوس أصحابه ،
جاءت حية فتخللت الرؤوس حتى دخلت في منخره فمكثت هنيهة ,ثم خرجت ,
فعلت ذلك مرتين أو ثلثا .
أخرج الحاكم وصححه على شرط مسلم عن ابن عباس قال ":أوحى ال إلى
محمد صلى ال عليه وآله وسلم :إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا ,وإني
قاتل بابن بنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا ".
وعنه صلى ال عليه وآله وسلم ":قاتل الحسين في تابوت من نار عليه نصف
عذاب أهل الدنيا ".
قال العلمة الصبان :إن المام أحمد يقول بكفر يزيد ,وناهيك به ورعا وعلما
يقتضيان أنه لم يقل ذلك إل لما ثبت عنده من أمور صريحة وقعت منه توجب ذلك
,ووافقه على ذلك جماعة كابن الجوزي وغيره .وأما فسقه فقد أجمعوا عليه ,
وأجاز قوما من العلماء لعنه بخصوص اسمه .ا هـ .
وسئل ابن الجوزي :كيف يطلق على يزيد أنه قاتل الحسين مع أنه كان في
الشام حين وقوع القتل بكربلء فأنشد :
من بالعراق لقد أبعدت مرماك سهم أصاب وراميه بذي سلم
قال ابن الثير :وأكثر الناس مراثيه .فمما قيل فيه ما قاله سليمان بن قبة
الخزاعي :
78
ولم تنك في أعدائهم حين سلــــت أولئك قوم لم يشيموا سيوفهـــــــــم
ب المسلمين فذلــــــــــت
أزل رقا ً وإن قتيلي الطف من آل هاشـــــــم
* * * *
وعن عمران بن سليمان قال :الحسن والحسين من أسماء أهل الجنة لم يكونا
في الجاهلية .
وعن ابن العرابي عن المفضل قال :إن ال تعالى حجب اسم الحسن والحسين
حتى سمى بهما النبي صلى ال عليه وآله وسلم ابنيه الحسن والحسين .
وعن ابن عمر رضي ال تعالى عنهما سمعت رسول ال صلي ال عليه وآله
وسلم يقول ":الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا ".
79
ي رضي ال تعالى عنه قال ":الحسن أشبه برسول ال صلى ال عليه
وعن عل ّ
وآله وسلم ,ما بين الصدر إلى الرأس ,والحسين أشبه برسول ال صلى ال عليه
وآله وسلم ما كان أسفل من ذلك ".
وعن أبي هريرة :كان الحسن والحسين يصطرعان بين يدي رسول ال صلى
ال عليه وآله وسلم يقول ":هي حسن " .قالت فاطمة :لم تقول :هي حسين ؟
قال ":إن جبريل يقول هي حسين ".
وعن أبي سعيد الخدري قال :قال رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم ":
الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إل ابني الخالة عيسى ويحيى بن زكريا
عليهما السلم " وفي رواية ":وأبوهما خير منهما ".
وعن أسامة بن زيد رضي ال تعالى عنهما قال :طرقت النبي صلى ال عليه
وآله وسلم ذات ليلة في بعض الحاجة ,فخرج إلي وهو مشتمل على شيء ل أدري
ما هو ؟ فلما فرغت من حاجتي قلت :ما هذا الذي أنت مشتمل عليه ؟ فكشفه ,فإذا
حسن وحسين على وركيه فقال ":هذان ابناي وابنا بنتي ,اللهم إني احبهما
وأحب من يحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما ".
وعن أبي بريدة قال :كان النبي صلى ال عليه وآله وسلم يخطبنا إذ جاء
الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ,ويعثران فنزل رسول ال صلى
ال عليه وآله وسلم من المنبر ,فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال ":صدق ال
}إنما أموالكم وأولدكم فتنة { نظرت إلي هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم
أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما ".
80
وعن أبي هريرة قال :خرج علينا رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ومعه
حسن وحسين هذا على عاتقه وهذا على عاتقه ,وهو يلثم هذا مرة ,وهذا مرة حتى
انتهى إلينا فقال ":من أحبهما فقد أحبني ,ومن أبغضهما فقد أبغضني ".
وعن عبد ال بن مسعود :كان رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم يصلي ,فإذا
سجد وثب الحسن والحسين على ظهره ,فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم أن
دعوهما ,فإذا قضى الصلة وضعهما في حجره فقال ":من أحبني فليحب هذين ".
وعن أنس أنه صلى ال عليه وآله وسلم سئل :أي أهل بيتك أحب إليك ؟ فقال ":
الحسن والحسين ".
وعن فاطمة رضي ال تعالى عنها أنها أتت بهما إلى النبي صلى ال عليه وآله
وسلم فقالت :يا رسول ال هذان ابناك فورثهما شيئا فقال ":أما حسن فله هيبتي
وسؤددي ,وأما حسين فله جرأتي وجودي ".
* * * *
81
المقصد الثالث:
في الكلم على ما في حبهم وتوابعه
القربى :مصدر بمعنى القرابة ,وهو على تقدير مضاف أي ذوي القربى يعني
القرباء .وعبر بفي ولم يعبر باللم ,لن الظرفية أبلغ وآكد للمودة .نقل المام
السيوطي في الدر المنثور وكثير من المفسرين عند تفسير هذه الية عن ابن عباس
رضي ال تعالى عنهما قالوا :يارسول ال من قرابتك هؤلء الذين وجبت علينا
مودتهم ؟ قال ":علي وفاطمة وولدهما ".
وفيه عن ابن عباس قال :قالت النصار :فقلنا وفعلنا ,وكأنهم فخروا ,فقال
العباس لنا الفضل عليكم ,فبلغ ذلك رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم فأتاهم في
مجالسهم ,فقال ":يامعشر النصار ألم تكونوا أذلة فأعزكم ال بي ؟ قالوا بلى
يارسول ال ,قال :أفل تجيبوني ؟ قالوا ما نقول يارسول ال ؟ قال أل تقولون ألم
يخرجك قومك فآويناك ؟ أولم يكذبوك فصدقناك ؟ أولم يخذلوك فنصرناك ؟ " .فما
زال يقول حتى جثوا على الركب وقالوا أموالنا وما في أيدينا ل ورسوله فنزلت }:
جًرا ِإل اْلَمَوّدَة ِفي اْلُقْرَبى { .
عَلْيِه َأ ْ
سَأُلُكْم َ
ُقْل ل َأ ْ
وعن طاوس قال :سئل عنها ابن عباس فقال :هي قربى آل محمد .
وقال المقريزي :قال جماعة من المفسرين في تفسير الية :قل لمن اتبعك من
المؤمنين ,ل أسألكم على ما جئتكم به أجرا ,إل أن تودوا قرابتي .
82
وعن ابن العالية عن سعيد ابن جبير ِ }:إل اْلَمَوّدَة ِفي اْلُقْرَبى { .قال :هي
قربى رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم .
وعن ابن إسحاق قال :سألت عمرو بن شعيب عن قول ال تعالى ُ }:قْل ل
جًرا ِإل اْلَمَوّدَة ِفي اْلُقْرَبى { .قال :قربى النبي صلى ال عليه وآله
عَلْيِه َأ ْ
َأسَْأُلُكْم َ
وسلم .
" تنبيه " فإن قيل :طلب الجر على الوحي ل يجوز لقوله تعالى في قصة
كثير من الرسل عليهم الصلة والسلم }:وما أسألكم عليه من أجر { .ورسولنا
أفضل منهم فهو أولى بعدم طلب الجر على الرسالة ,وقد صرح صلى ال عليه
ن{.
ن اْلُمَتَكّلِفي َ
جٍر َوَما َأَنا ِم َ
ن َأ ْ
عَلْيِه ِم ْ
سَأُلُكْم َ
وآله وسلم بنفي الطلب فقال ُ}:قْل َما َأ ْ
ك { .وطلب
ن َرّب َ
ك ِم ْ
وقد كان التبليغ واجبا عليه قال تعالى َ }:بّلْغ َما ُأنزَل ِإَلْي َ
الجر على أداء الواجب ل يليق ,كما ل يليق مقابلة الرسالة وهي أشرف الشياء
بمتاع الدنيا ,وأيضا الجر يوجب التهمة فثبت أنه ل يجوز له صلى ال عليه وآله
وسلم طلب الجر ,وها هنا قد ذكر ما يجري مجراه وهو المودة في القربى .
ل من قراع الكتائب
بهن فلو ٌ ول عيب فيهم غير أن سيوفهم
يعني أني ل أطلب منكم إل هذا ,وهو ليس أجرا ,لن تواّد المسلمين واجب
قال ال تعالي }:والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض {.
وقال صلى ال عليه وآله وسلم ":المؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضا ".
وإذا كانت المودة واجبة لبعض السلمين على بعض ,فهي في حق أشرف
المرسلين وأهل بيته أولى ,أو أن هذا الستثناء منقطع وتم الكلم عند قوله أجرا ثم
قال ِ }:إل اْلَمَوّدَة ِفي اْلُقْرَبى { .أي لكن أسألكم المودة في القربى .
83
انتهى باختصار من الخطيب والخازن .
ورأيت الزمخشري في الكشاف عند هذه الية روى حديثا مطول ,ونقله عنه
الفخر الرازي في الكبير وهو قوله صلي ال عليه وآله وسلم ":من مات على حب
آل محمد مات شهيدًا ،أل ومن مات على حب آل محمد مات مغفورًا له ،أل ومن
مات على حب آل محمد مات تائبًا ،أل ومن مات على حب آل محمد مات مؤمنًا
مستكمل اليمان ،أل ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ،ثم
منكر ونكير ،أل ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس
84
إلى بيت زوجها ،أل ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى
الجنة ،أل ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة ،أل ومن
مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة
ال ،أل ومن مات على بغض آل محمد مات كافرًا ،أل ومن مات على بغض آل
محمد لم يشم رائحة الجنة ".
قال الفخر :وأنا أقول آل محمد صلى ال عليه وآله وسلم هم الذين يئول أمرهم
إليه ,فكل من كان أمرهم إليه أشد وأكمل ,كانوا هم الل ،ول شك أن فاطمة
وعليًا والحسن والحسين كان التعلق بينهم وبين رسول ال صلى ال عليه وآله
وسلم أشد التعلقات ,وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر فوجب أن يكونوا هم الل .
وأيضًا اختلف الناس في الل فقيل هم القارب وقيل هم أمته ،فإن حملناه على
القرابة فهم الل ،وإن حملناه على المة الذين قبلوا دعوته فهم أيضًا آل فثبت أنهم
على جميع التقديرات الل ،وأما غيرهم فهل يدخلون تحت لفظ الل ؟ فمختلف
فيه.
وروى صاحب » الكشاف « أنه لما نزلت هذه الية قيل :يا رسول ال من
قرابتك هؤلء الذين وجبت علينا مودتهم ؟ فقال ":علي وفاطمة وابناهما ".
فثبت أن هؤلء الربعة أقارب النبي صلى ال عليه وآله وسلم وإذا ثبت هذا
وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم .ويدل عليه وجوه :
الثاني :ل شك أن النبي صلى ال عليه وآله وسلم كان يحب فاطمة عليها
السلم ,قال صلى ال عليه وآله وسلم ":فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها ".
85
وثبت بالنقل المتواتر عن سيدنا محمد صلى ال عليه وآله وسلم أنه كان يحب
عليًا والحسن والحسين ,وإذا ثبت ذلك وجب على كل المة مثله لقوله تعالي }:
ن َأْمِرِه {
عْ
حَذِر الذين يخالفون َ
ن { ولقوله تعالى َ }:فْلَي ْ
واتبعوه َلَعّلُكْم َتْهَتُدو َ
حِبْبُكُم ال { .ولقوله سبحانه ّ }:لَقْد
ن ال فاتبعوني ُي ْ
حّبو َ
ولقوله } ُقْل ِإن ُكنُتْم ُت ِ
سَنٌة {.
ح َ
سَوٌة َ
سوِل ال ُأ ْ
ن َلُكْم ِفي َر ُ
َكا َ
الثالث :أن الدعاء للل منصب عظيم ,ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد
ل على محمد وعلى آل محمد " .وهذا التعظيم لم
في الصلة وهو قوله ":الّلهم ص ّ
يوجد في حق غير الل ،فكل ذلك يدل على أن حب آل محمد واجب .انتهى .
وقال سلطان العارفين وإمام الصوفية الشيخ الكبر سيدي محيي الدين بن
العربي رضي ال تعالى عنه في الباب التاسع والعشرين من الفتوحات المكية بعد
كلم تقدم نقله في المقصد الول ":وبعد أن تبين لك منزلة أهل البيت عند ال وأنه
ل ينبغي لمسلم أن يذمهم بما يقع منهم أصل فإن ال طهرهم ,فليعلم الذام لهم أن
ذلك راجع إليه ,ولو ظلموه فذلك الظلم هو في زعمه ظلم ل في نفس المر ,وإن
حكم عليه ظاهر الشرع بأدائه بل حكم ظلمهم إيانا في نفس المر يشبه جري
المقادير علينا ,وعلى من جرت عليه في ماله ونفسه بغرق أو بحرق أوغير ذلك
من المور المهلكة فيحترق أو يموت له أحد أحبائه أو يصاب في نفسه وهذا كله
مما ل يوافق غرضه ,ول يجوز له أن يذم قدر ال ول قضاءه بل ينبغي له أن
يقابل ذلك كله بالتسليم والرضا ,وإن نزل عن هذه المرتبة فبالصبر ,وإن ارتفع
عن تلك المرتبة فبالشكر فإن في طي ذلك نعما من ال لهذا المصاب وليس وراء ما
ذكزناه خير ,فإن ما وراءه ليس إل الضجر والسخط وعدم الرضا وسوء الدب
مع ال تعالى ،فكذا ينبغي أن يقابل المسلم جميع ما يطرأ عليه من أهل البيت في
ماله ونفسه وعرضه وأهله وذويه ,فيقابل ذلك كله بالرضا والتسليم والصبر ول
86
يلحق المذمة بهم أصل ,وإن توجهت عليهم الحكام المقررة شرعا فذلك ل يقدح
في هذا ,بل يجريه مجرى المقادير ,وإنما منعنا تعليق الذم بهم إذ ميزهم ال عنا
بما ليس معهم فيه قدم .
وأما أداء الحقوق المشروعة فهذا رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم كان
يقترض من اليهود ,وإذا طالبوه بحقوقهم أداها على أحسن ما يمكن ,وإن تطاول
اليهودي عليه بالقول يقول ":دعوه إن لصاحب الحق مقال ".
وقال صلى ال عليه وآله وسلم في قصة ":لو أن فاطمة بنت محمد صلى ال
عليه وسلم سرقت قطعت يدها ".
وقد أعاذها ال تعالى من ذلك رضي ال تعالى عنها ,فوضع الحكام ل يضعها
كيف يشاء وعلى أي حال يشاء ,فهذه حقوق ال ومع هذا لم يذمهم ال .
وإنما كلمنا في حقوقنا وما لنا أن نطالبهم به ,فنحن مخيرون إن شئنا أخذنا
وإن شئنا تركنا والترك أفضل عموما ,فكيف بأهل البيت وليس لنا ذم أحد ؟ فكيف
بأهل البيت ؟ فإنا إذا نزلنا عن طلب حقوقنا وعفونا عنهم في ذلك ,أي فيما أصابوه
منا ,كانت لنا بذلك عند ال اليد العظمى ,والمكانة الزلفى فإن النبي صلى ال عليه
وآله وسلم ما طلب منا عن أمر ال إل المودة في القربى وفيه سر صلة الرحام ,
ومن لم يقبل سؤال نبيه فيما سأله فيه مما هو قادر عليه ,فبأي وجه يلقاه غدا ,أو
يرجو شفاعته وهو ما أسعف نبيه صلى ال عليه وآله وسلم فيما طلب منه من
المودة في قرابته فكيف بأهل بيته ,وهم أخص القرابة ,ثم أنه جاء بلفظ المودة
وهي الثبوت على المحبة ,فإنه من ثبت وده في أمر استصحبه المودة في كل حال
لم يؤاخذ أهل البيت بما يطرأ منهم في حقه مما له أن يطالبهم به فيتركه ترك محبة
وإيثار على نفسه ل لها "وإيثارا لنفسه ل عليها " .قال المحب الصادق ":وكل ما
يفعل المحبوب محبوب ".
87
وقال الخر :
قيل كانت الكلب السود تناوشه وهو يتحبب إليها ,أعني المجنون ,فهذا فعل
المحب في حب من ل تسعده محبته عند ال ول تورثه القربة من ال ,فهل هذا إل
من صدق المحبة وثبوت الود في النفس ,فلو صحت محبتك ل ولرسوله أحببت
أهل بيت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ,ورأيت كل ما يصدر منهم في حقك
مما ل يوافق طبعك ول غرضك إنه جمال تتنعم بوقوعه منهم فتعلم عند ذلك أن لك
عناية عند ال الذي أحببتهم من أجله ,حيث ذكرك من يحبه وخطرت على باله ,
وهم أهل بيت رسوله صلى ال عليه وآله وسلم ,فتشكر ال تعالى على هذه النعمة
فإنهم ذكروك بألسنة طاهرة بتطهير ال طهارة لم يبلغها علمك ,وإذا رأيناك على
ضد هذه الحالة مع أهل البيت الذي أنت محتاج إليهم ولرسول صلى ال عليه وآله
وسلم حيث هداك ال به ,فكيف أثق أنا بودك الذي تزعم به أنك شديد الحب في
والرعاية لحقوقي أو لجانبي ,وأنت في حق أهل نبيك بهذه المثابة من الوقوع
فيهم ؟ وال ما ذاك إل من نقص إيمانك ومن مكر ال بك واستدراجه إياك من حيث
ل تعلم .
وصورة المكر أن تقول وتعتقد أنك في ذلك تذب عن دين ال تعالى وشرعه
وتقول في طلب حقك أنك ما طلبت إل ما أباح ال لك طلبه ,ويندرج الذم في ذلك
الطلب المشروع والبغض والمقت وإيثارك نفسك على أهل البيت وأنت ل تشعر
بذلك .والدواء الشافي من هذا الداء العضال أن ل ترى لنفسك معهم حقًا ,وتنزل
88
عن حقك ,لئل يندرج في طلبه ما ذكرته لك ,وما أنت من حكام المسلمين ,حتى
يتعين عليك إقامة حدًا وإنصاف مظلوم ,أو رّد حق إلى أهله ,فإن كنت حاكمًا
ولبد فاسع في استنزال صاحب الحق عن حقه إذا كان المحكوم عليه من أهل
البيت ,فإن أبى حينئذ يتعين عليك إمضاء حكم الشرع فيه ,فلو كشف ال لك يا
ولي عن منازلهم عند ال تعالى في الدار الخرة ,لوددت أن تكون مولى من
مواليهم ,فال تعالى يلهمنا رشد أنفسنا " انتهى كلم الشيخ الكبر رضي ال عنه
ونفعنا به .
ثم قال بعد أسطر ":ومن أسرارهم ,يعني القطاب ,ما قد ذكرناه من العلم
بمنزلة أهل البيت ,وما قد نبه ال تعالى على علو رتبتهم في ذلك ,ومن أسرارهم
علم المكر الذي مكر ال بعباده في بغضهم مع دعواهم حب رسول ال صلى ال
عليه وآله وسلم ,وسؤاله المودة في القربى وهو صلى ال عليه وآله وسلم من
جملة أهل البيت ,فما فعل أكثر الناس ما سألهم فيه رسول ال صلى ال عليه وآله
وسلم عن أمر ال تعالى ,فعصوا ال ورسوله وما أحبوا من قرابته إل من رأوا
منه الحسان ,فبأعراضهم أحبوا وبأنفسهم تعشقوا ".
انتهت عبارة الشيخ الكبر رضي ال تعالى عنه ونفعنا بعلومه وبركاته .
واعلم أن حكم مودة أهل البيت بعضهم لبعض كحكم مودة الجانب لهم في
الوجوب بل هي أولى لما فيها من زيادة صلة الرحم ,نرجع للية .
قيل :إن القربى هم ولد عبد المطلب وعليه مشى القسطلني في المواهب فقال:
المراد بالقربى من ينسب إلى جده القرب عبد المطلب .
89
وقال بن حجر في الصواعق :المراد بأهل البيت والل وذوي القربى في كل ما
جاء في فضلهم مؤمنوا بني هاشم والمطلب ,ورجحه الصبان في إسعاف الراغبين
وزاد العترة .قال :فاللفاظ الربعة بمعنى واحد كما في المواهب .
وقال ابن عطية :قريش كلها عندي قربى وإن كانت تتفاضل .
وقال المام المقريزي :ويظهرلي أن الخطاب في الية عام لجميع من آمن ,
وذلك أن العرب بأسرها قوم رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم الذين هو منهم ,
فيتعين على من سواهم من العجم أن يودوهم ويحبوهم .وقد جاءت في المر بحب
العرب أحاديث ,وأن قريشا أقرب إلى رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم من
سائر العرب ,فعلى كل عربي أن يوقر قريشا ويحبهم من أجل أنهم قوم رسول ال
صلى ال عليه وآله وسلم ,وقد وردت أحاديث في تفضيل قريش وفي تقديمها على
غيرها ,وأن بني هاشم رهط رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم وأسرته ,فيجب
على من عداهم من قريش محبتهم ومودتهم ,وأن عليا وفاطمة وحسنا وحسينا
وذريتهما أقرب من رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ,فيجب على بني هاشم
عِليٌم { انتهي .
عْلٍم َ
ق ُكّل ِذي ِ
مودتهم وإكرامهم } َوَفْو َ
قوله :فيجب على بني هاشم مودتهم يعني وتجب على قريش والعرب والعجم ,
وهكذا التقدير فيما قبله .وقوله :وقد جاءت في حب العرب أحاديث ثم قوله :وقد
وردت أحاديث في تفضيل قريش وتقديمها على غيرها .
* * * *
90
ل ".
ش َأَهاَنُه ا ُّ
ن ُقَرْي ٍ
ن ُيِرْد َهَوا َ
وقوله عليه الصلة والسلم َ ":م ْ
حٌد
طَها َأ َ
صاٍل َلْم ُيْع َ
خ َ
سْبِع ِ
شا ِب َ
ل ُقَرْي ً
ضَل ا ُّ
وقوله صلى ال عليه وآله وسلم َ ":ف ّ
ن الّنُبّوَة ِفيِهْم ،
شا بَأّني ِمْنُهْم َوأ ّ
ل ُقَرْي ً
ضَل ا ُّ
حٌد َبْعَدُهْم َ :ف ّ
طاَها َأ َ
َقْبَلُهْم َ ،ول ُيْع َ
شَر
ع ْ
ل َ
عَبُدوا ا َّ
عَلى اْلِفيِل ,و َ
صَرُهْم ال َ
سَقاَيَة ِفيِهْم ،وَن َ
حجاَبَة ِفيِهْمَ ،وال ّ
ن اْل ِ
َوأ ّ
حٍد
ن َلْم يذكْر ِفيها َأ َ
ن اْلُقْرآ ِ
سوَرًة ِم َ
ل ِفيِهْم ُ
غْيُرُهْمَ ،وَأْنَزَل ا ُّ
ن ل َيْعُبُدُه َ
سِني َ
ِ
ش { ".
ف ُقَرْي ٍ
غْيِرِهْم} ليل ِ
َ
سِلِمِهْم ,
سِلُمُهْم َتَبٌع ِلُم ْ
شُ ,م ْ
س َتَبٌع ِلُقَرْي ٍ
وقال صلى ال عليه وآله وسلم ":الّنا ُ
خَياُرُهْم ِفي السلم
جاِهِلّيِة ِ
خَياُرُهْم ِفي اْل َ
نِ ,
س َمَعاِد ُ
َوَكاِفُرُهْم َتَبٌع ِلَكاِفِرِهْم َ ,والّنا ُ
ِإَذا َفِقُهوا ".
وقال عليه الصلة والسلم ":يا أيها الناس ل تذموا قريشا فتهلكوا ,ول
تخلفوا عنها فتضلوا ,ول تعلموها وتعلموا منها فإنهم أعلم منكم ,لول أن تبطر
قريش لعلمتها بالذي لها عند ال عز وجل ".
وقال صلى ال عليه وآله وسلم ":أحبوا قريشا فإنه من أحبهم أحبه ال ".
وقال صلى ال عليه وآله وسلم ":حب قريش إيمان ,وبغضهم كفر " .
وقال عليه الصلة والسلم ":قريش صلح الناس ول يصلح الناس إل بهم ,
كما أن الطعام ل يصلح إل بالملح .قريش خالصة ال تعالى فمن نصب لها حربا
سلب ,ومن أرادها بسوء خزي في الدنيا والخرة ".
وقال صلى ال عليه وآله وسلم ":ل تسبوا قريشا فإن عالمها يمل طباق
الرض علما ".
91
قال المام أحمد وغيره :هذا العالم هو الشافعي ,لنه لم يحفظ لقرشي من
انتشار علمه في الفاق ما حفظ للشافعي .
* * * *
ومن مناقبه رضي ال تعالى عنه ما حدث به صالح بن المام أحمد بن حنبل
قال :جاء الشافعي يوما إلى أبي يعوده ,وكان عليل فوثب إليه أبي وقبله بين
عينيه ,ثم أجلسه في مكانه وجلس بين يديه ,ثم أخذ يسأله ساعة فساعة ,فلما قام
الشافعي وركب ,أخذ أبي بركابه ومشى معه ,فبلغ يحيى بن معين ذلك فقال :يا
سبحان ال لما فعلت ذلك ؟ فقال :إني لو مشيت من جانب وأنت يا أبا زكريا لو
مشيت من جانب آخر لنتفعت به .من أراد الفقه فليشم ذنب هذه البغلة وأشار إلى
بغلة الشافعي رضي ال تعالى عنه وعن سائر الئمة .
* * * *
92
يَ ،واْلُقْرآ ُ
ن عَرِب ّ
ثَ :لّني َ
ب ِلَثل ٍ
حّبوا اْلَعَر َ
وقوله صلى ال عليه وآله وسلم ُ ":أ ِ
ي ".
عَرِب ّ
جّنِة َ
يَ ،وَكلُم َأْهِل اْل َ
عرَِب ّ
َ
قال المناوي في شرح هذا الحديث :وهذه الجمل واردة مورد الحث على حب
العرب وهو منزل على قيد الحيثية ,أي من حيث كونهم عربا ,وقد يعرض لهم ما
يقتضي الزيادة على هذا الحب باعتبار ما يقوم بهم من وصف اليمان ,والتفاضل
فيه بحسب المراتب ,وقد يعرض ما يوجب البغض والزياد منه بحسب ما يعرض
لهم من كفر ونفاق ,قال سبحانه في شأن قوم منهم }:العراب أشد كفرا ونفاقا {.
فإذا وفق العبد لمحبتهم من حيث كون المصطفى منهم ,وأن القرآن أنزل
بلغتهم ,وأن كلم الرفيق العلى بلسانهم ,لعذوبته وفصاحته ,واستقامته ,كان
ذلك واسطة في حبه صلى ال عليه وآله وسلم ,وإذا خذل فأبغضهم من الجهات
المذكورة كان لزمه بغضه عليه الصلة والسلم وهو كفر ,وإذا أبغضهم من
حيث كفرهم أو نفاقهم كان ذلك واجبا .
فاستبان أنه قد يجب الحب وقد يجب البغض ,ويبقى مطلق الحب من الحيثية
التي سبق الكلم عليها .
وقوله صلى ال عليه وآله وسلم ":من أحب العرب فهو حبيبي حقا ".
قال العزيزي :لنهم هم الذين باعوا أنفسهم ل تعالى ,حتى أظهروا السلم
وأزاحوا ظلمة الكفر .
93
وفي المناوي :علمة صدق الحب حب كل ما ينسب إلى المحبوب ,فإن من
يحب إنسانا يحب كلب محلته ,فالمحبة إذا قويت تعدت من المحبوب إلى كل ما
يكتنف بالمحبوب ويحيط به ويتعلق بأسبابه ,وذلك وليس شركة في حب ال تعالى
فإن من أحب رسول ال المحبوب لكونه رسوله وكلمه لكونه كلمه ,ومن ينتمي
إليه لكونه من حزبه لم يجاوز حبه إلى غيره بل هو دليل كمال حبه .ا هـ .
وقوله عليه الصلة والسلم ":من غش العرب لم يدخل في شفاعتي ولم تنله
مودتي ".
وروى الترمذي عن سلمان رضي ال تعالى عنه قال :قال رسول ال صلي ال
عليه وآله وسلم ":يا سلمان ! ل تبغضني فتفارق دينك " .قلت :يا رسول ال
كيف أبغضك وبك هداني ال ؟ قال ":تبغض العرب فتبغضني ".
وعن علي رضي ال تعالى عنه قال :قال رسول ال صلي ال عليه وآله
وسلم ":ل يبغض العرب إل منافق ".
وقال صلى ال عليه وآله وسلم ":إن لواء الحمد بيدي يوم القيامة ,وإن أقرب
الخلئق من لوائي يومئذ العرب ".
وقال صلى ال عليه وآله وسلم ":إذا ذلت العرب ذل السلم ".
قال الناوي :أي أهله أو نفسه ,لن شؤم ذلك يعود على الدين بالوهن
والضعف ,وذلك لن أصل السلم نشأ منهم وبهم ظهر وانتشر ,فإذا ذلوا ذل ,أي
نقص ,ولن السلم ل يصلح وينتظم حاله إل بالجود والسماحة واللين والمودة
والرفق وتجنب البخل والضيق والعجلة والحقد والحرص ,والعرب سهلة نفوسها
كريمة طباعها زكية أخلقها ,ل ينكر ذلك إل معاند ول يجحده إل مارد .
94
فإذا كانوا في عز فالسلم في عز ,وإن ذلوا ذل .فبتلك الخلل فضلوا ل
باللسان العربي فحسب .ومعنى إذا ذلت :أي ضعف أمرها وهان قدرها وظلموا
وازدروا واحتقروا وفضل عليهم غيرهم " انتهى .
وقال في قوله صلى ال عليه وآله وسلم ":حب العرب إيمان وبغضهم نفاق ".
أي إذا أحبهم كان حبهم آية إيمانهم ,وإذا بغضهم كان بغضهم علمة نفاقه ,لن
هذا الدين نشأ منهم ,وكان قيامه بسيوفهم وهممهم ,والظاهر من حال من أبغضهم
أنه إنما أبغضهم لذلك وهو كفر .وقد اطلعت على كتاب سر الدب في مجاري
كلم العرب لبي منصور الثعالبي ,فوجدته ذكر في خطبته كلما يناسب ما نحن
فيه .
قال رحمه ال تعالى بعد البسملة والحمد ل :أما بعد ,فإن من أحب ال تعالى
أحب رسوله محمدا المصطفى صلى ال عليه وآله وسلم ,ومن أحب الرسول أحب
العرب ,ومن أحب العرب أحب اللغة العربية التي نزل بها أفضل الكتب على
أفضل العرب والعجم ,ومن أحب اللغة العربية عنى بها وثابر عليها ,وصرف
همه إليها ومن هداه ال للسلم ,وشرح صدره لليمان ,وآتاه بقوة بصيرة ,
وحسن سيرة ,اعتقد أن سيدنا محمدا صلى ال عليه وآله وسلم خير الرسل ,
والسلم خير الملل والعرب خير المم ,والعربية خير اللغات واللسنة والقبال
على تفهمها من الديانة ,إذ هي أداة العلم ,ومصباح التفقه في الدين ,ومفتاح
إصلح المعاش والمعاد .ثم هي لحراز الفضائل والحتواء على المروءات
والمناقب كالينبوع للماء والزند للنار ,ولو لم يكن في الحاطة بخصائصها ,
والوقوف على مجاريها ومصارفها ,والتبحر في جلئلها ودقائقها إل قوة اليقين
في إعجاز القرآن ,وزيادة البصيرة في إثبات النبوة الذي هو عمدة اليمان لكفى به
95
فضل يحسن أثره ويطيب ثمره ,فكيف وأيسر ما خصه ال به من ضروب
المناقب ,وفنون المحاسن ,بكل أقلم الكتبة ويتعب أنامل الحسبة " ا هـ .
" تنبيه " :اعلم أن جميع ما ورد عن الشارع مما فيه وصف المبغض لقريش
أو للعرب أو لهل البيت أو سلبهم أو الغاش لهم بالكفر أو النفاق ونحوهما ,فهو
محمول على ما إذا كان ذلك لكون رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم منهم ,
وكونهم جنسه ,وحزبه ,وأهل بيته ,أما إذا كان البغض ونحوه لمعنى آخر ل
تعلق له بالجنسية والحزبية والهلية ,فقد يختلف حكمه كما يفهم من شروح
الحديث وغيرها ,بل هو أمر معلوم من قواعد الدين .
قال ابن تيمية في قوله صلى ال عليه وآله وسلم ":إن ال اصطفى كنانة من
ولد إسماعيل ,واصطفى قريشا من كنانة ,واصطفى من قريش بني هاشم "
الحديث .أفاد الخبر أن العرب أفضل من جنس العجم ,وأن قريشا أفضل العرب ,
وأن بني هاشم أفضل قريش ,وأن المصطفى صلى ال عليه وآله وسلم أفضل بني
هاشم ,فهو صلى ال عليه وآله وسلم أفضل الناس نفسا ونسبا ,وليس فضل
العرب فقريش فبني هاشم بمجرد كون النبي صلى ال عليه وآله وسلم منهم ,وإن
كان هذا من الفضل بل لهم في أنفسهم فضل ,وبذلك يثبت للنبي صلى ال عليه
وآله وسلم أنه أفضل نفسا ونسبا وإل لزم الدور انتهي .
أقول :إذا علمت هذا فاعلم أن جميع ما ورد في تفضيل العرب والغراء
بمحبتهم وإكرامهم والتحذير من كراهتهم وأذاهم بالسب والغش ونحوهما ,هو
شامل لقريش لنهم صفوة العرب ,وأن جميع ذلك كالوارد في خصوص قريش
شامل لبني هاشم ,لنهم صفوة قريش وما ورد في بني هاشم فمن فوقهم شامل
لهل البيت سواء .
96
ي وفاطمة والحسن والحسين ,لنهم
قلنا :هم بنو عبد المطلب أو خصوص عل ّ
صفوة الصفوة وخلصة الخلصة وخيرة الخيرة ,ول ينعكس ذلك فقد اختص أهل
البيت بمزايا لم توجد في بني هاشم ,واختص بنو هاشم بمناقب عريت منها
قريش ,واختصت قريش بفضائل فقدها سائر العرب وفي قوله تعالي }:قل ما
أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين { .
أقوال أخرى :منها ما ذكره الطبري بقوله معناه :قل ل أسألكم عليه أجرا يا
معشر قريش إل أن تودوني في قرابتي منكم وتصلوا الرحم التي بيني وبينكم ,قال
ابن عباس وابن إسحاق وقتادة :لم يكن في قريش بطن إل ولرسول ال صلى ال
عليه وآله وسلم فيهم نسب وصهر .
فالية على هذا استعطاف لدفع أذاهم وطلب السلمة منهم ,وقد علمت من
النقول المتقدمة أن كونها في ذوي قرابته صلى ال عليه وآله وسلم هو الراجح
ي وفاطمة والحسن والحسين وبنوهما إلي يوم القيامة داخلون على كل حال,
وعل ّ
سواء جرينا على القول بأنهم فيهم خاصة أو أنها في مؤمني بن عبد المطلب أو في
مؤمني بني هاشم .
* * * *
فصــــــــــــــــل
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي ال تعالى عنهما في قوله تعالى:
سَنًة { .قال :المودة لل محمد .
ح َ
ف َ
ن َيْقَتِر ْ
}َوَم ْ
وعنه رضي ال تعالى عنه ,عن النبي صلى ال عليه وآله وسلم أنه قال ":
أحبوا ال لما يغذوكم به ,وأحبوني بحب ال ,وأحبوا أهل بيتي بحبي ".
97
" حب آل محمد يوما خير من عبادة سنة " .
وعن أبي هريرة رضي ال تعالى عنه ,عن النبي صلى ال عليه وآله وسلم
قال ":خيركم خيركم لهلي من بعدي ".
وأخرج الطبراني وغيره أنه صلى ال عليه وآله وسلم قال ":ل يؤمن عبد
حتى أكون أحب إليه من نفسه ,وتكون عترتي أحب إليه من عترته ،وأهلي
أحب إليه من أهله ,وذاتي أحب إليه من ذاته ".
وقال عليه الصلة والسلم ":يرد الحوض أهل بيتي ومن أحبهم من أمتي
كهاتين السبابتين ".
وروي عنه صلى ال عليه وآله وسلم أنه قال ":الزموا مودتنا أهل البيت فإنه
من لقي ال عز وجل وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا ,والذي نفسي بيده لينفع
عبدا عمله إل بمعرفة حقنا ".
وقال صلى ال عليه وآله وسلم ":من أراد التوسل وأن يكون له عندي يد
أشفع له بها يوم القيامة ,فليصل أهل بيتي ويدخل السرور عليهم " .أخرجه
الديلمي .
وعن علي رضي ال تعالى عنه أخبرني رسول ال صلى ال عليه وآله
وسلم ":إن أول من يدخل الجنة أنا وفاطمة والحسن والحسين ,فقلت يا رسول
ال فمحبونا ؟ قال من ورائكم ".
وأخرج المام أحمد " أنه صلى ال عليه وآله وسلم أخذ بيد الحسنين وقال ":
من أحبني وأحب هذين وأمهما وأباهما ,كان معي في درجتي يوم القيامة ".
98
وقال عليه الصلة والسلم ":من اصطنع لحد من ولد عبد المطلب يدا فلم
ي مكافئته غدا يوم القيامة إذا لقيني " .أخرجه الطبراني
يكافئه بها في الدنيا ,فعل ّ
مرفوعا .
وقال صلي ال عليه وآله وسلم ":أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة :المكرم
لذريتي ,والقاضي لهم حوائجهم ,والساعي لهم في أمورهم عندما اضطروا إليه
,والمحب لهم بقلبه ولسانه ".
وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي ال تعالى عنهما قال :قال رسول ال
صلي ال عليه وآله وسلم ":ل تزول قدم عبد حتى يسأل عن أربع :عن عمره
فيم أفناه ,وعن جسده فيم أبله ,وعن ماله فيم أنفقه ومن أين اكتسبه ,وعن
حبنا أهل البيت ".
وفي الصحيح :أن العباس رضي ال عنه شكا إلى رسول ال صلى ال عليه
وسلم ما تفعل قريش من تعبيسهم في وجوههم وقطعهم حديثهم عند لقائهم ,فغضب
رسول ال صلى ال عليه وسلم غضبا شديدا حتى احمر وجهه ودر عرق بين
عينيه ,وقال ":ما بال أقوام يتحدثون فإذا رأوا الرجل من أهل بيتي قطعوا
حديثهم ,وال ل يدخل قلب رجل اليمان حتى يحبهم لقرابتهم مني ".
99
وفي رواية ":والذي نفسي بيده ل يدخل قلب رجل اليمان حتى يحبكم ل
ورسوله ".
وقال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ":خمس من أوتيهن لم يعذر على
ترك عمل الخرة :زوجة صالحة ,وبنون أبرار ,وحسن مخالطة الناس ,
ومعيشة في بلده ,وحب آل محمد صلى ال عليه وسلم ".
وأخرج الطبراني في الوسط عن ابن عمر قال :آخر ما تكلم به النبي صلى
ال عليه وسلم ":اخلفوني في أهل بيتي ".
ي كرم ال تعالى وجهه قال ":أدبوا أولدكم على ثلث خصال :حب
وعن عل ّ
نبيكم ,وحب أهل بيته ,وقراءة القرآن ".
وقال صلى ال عليه وآله وسلم ":إن ل حرمات ثلثا من حفظهن حفظ ال
أمر دينه ودنياه ,ومن ضيعهن لم يحفظ ال له شيئا " .قيل :وما هي يا رسول ال
؟ قال :حرمة السلم ,وحرمتي ,وحرمة رحمي ".
وقد جرى على كمال مودتهم أكابر السلف والخلف وسيدهم أبو بكر الصديق ,
فقد ثبت عنه رضي ال تعالى عنه أنه قال :صلة قرابة رسول ال صلى ال عليه
ي من صلة قرابتي ,وأخرج البخاري عنه رضي ال تعالى عنه
وآله وسلم أحب إل ّ
قوله :أرقبوا محمدا في أهل بيته .
قال ابن علن في شرح رياض الصالحين :قال المصنف ,يعني المام النووي:
ارقبوا ,أي راعوه واحترموه وأكرموه .ا هـ .
وقال المناوي :قال الحافظ الزرندي :لم يكن أحد من العلماء المجتهدين
والئمة المهتدين إل وله في أهل البيت الحظ الوافر ,والفخر الزاهر ,كما أمر ال
تعالى بقوله }:قل ل أسألكم عليه أجرا إل المودة في القربى { .ا هـ .
100
قلت :وإنما قيد الحافظ بالعلماء المجتهدين والئمة المهتدين ,لنهم قدوة
المة ,فإذا كانت هذه صفتهم فل ينبغي لمؤمن أن يتخلف عنهم ,فإن وصف
اليمان كاف لوجوب مودة أهل البيت رضي ال تعالى عنهم ,وبقدر زيادته تكون
زيادتها ,ومن هنا كان للعلماء المجتهدين والئمة المهتدين في موالتهم الحظ
الوافر والفخر الزاهر .
هذا المام العظم أبو حنيفة النعمان رضي ال تعالى عنه والى إبراهيم بن عبد
ال المحض ابن الحسن المثنى ابن الحسن السبط رضوان ال تعالى عليهم ,وأفتى
الناس بلزوم وجودهم معه ومع أخيه محمد ,وقيل إن سجنه رضي ال تعالى عنه
كان في الباطن لهذا السبب ,وفي الظاهر لمتناعه عن القضاء .
وهذا إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي ال تعالى عنه والى إبراهيم بن زيد
ي زين العابدين بن الحسين رضي ال تعالى عنهم ,وأفتى الناس بلزوم
بن عل ّ
وجودهم معه واختفى من أجله عدة سنين ,وقيل :أن الذي واله المام مالك هو
محمد أخو إبراهيم بن عبد ال المحض الذي واله المام أبو حنيفة .
ول أحفظ عن المام الجليل أحمد بن حنبل رضي ال تعالى عنه شيئا
مخصوصا في ذلك غير أنه مع كمال ورعه ودقة نظره قال بكفر يزيد بن معاوية
وجواز لعنه ,وما ذاك إل لولئه لل المصطفى صلى ال عليه وآله وسلم مع ما
ثبت عنده من الدليل .
أما المام القرشي ابن عم النبي محمد بن إدريس الشافعي رضي ال تعالى عنه
,فقد حمل إلى بغداد مكبل بالقيود بسبب شدة ولئه لل رسول ال صلى ال عليه
وآله وسلم ,ووقع له في ذلك أمور يطول شرحها ,بل بلغ معه الحال في محبتهم
إلى أن نسبه أهل الزيغ والضلل إلي الرفض ,وحاشاه ثم حاشاه .
101
وروى ابن السبكي في طبقاته بسنده المتصل إلى الربيع بن سليمان المرادي
صاحب المام الشافعي رضي ال تعالى عنه قال :خرجنا مع الشافعي من مكة
نريد منى فلم ننزل واديا ولم نصعد شعبا إل وهو يقول :
فيضا كملتطم الفرات الفائـض سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى
قال الصبان :أي صلة كاملة أوصحيحة على قول مرجوح للشافعي وقوله :
في القرآن أنزله هو قوله تعالي }:قل ل أسألكم عليه أجرا إل المودة في القربى{.
فانظر وفقنا ال تعالى وإياك إلى هؤلء الئمة وهداة المة ,واقف آثارهم في
محبة أهل بيت النبوة رضي ال تعالى عنهم ,فإنك إن كنت مسلما سنيا ل تخلو من
أن تكون مقلدا في أمر دينك أحد هؤلء الئمة الربعة العلم ,ومع كونهم رضي
ال تعالى عنهم اختلفوا في كثير من المسائل كما ترى ,وإن كنت أيها الناظر في
كتابي هذا يزيديا أو زياديا فانظر إلى سيرة أسلفك اللئام تجدها سيرة أهل النار ,
وتصفح أخبارهم تجدها أخبار عار وشنار ,فإن كنت عاقل فل بد وأن تعلم أنهم
كانوا على أقبح ضللة ,وأفضح جهالة ,فتكون على خلف ما كانوا عليه تدخل
الجنة دار المتقين ,وتحشر في زمرة الذين أنعم ال تعالى عليهم من النبيين
والصديقين والشهداء والصالحين ,وإن أبيت إل مشاركة سلفك في السعير ,وبئس
المصير ,فالزم طريقتهم تفز بما فازوا به من السبق إلى غاية الضلل ,ويحق
102
عليك كما حق عليهم من الهلك والوبال ,وتسحب إلى الجحيم كما سحبوا
بالسلسل والغلل ,ول محيد لك عن إحدى هاتين الدارين فاختر منهما ما
تختار ,فليس ثمة إل الجنة أوالنار .
قال سيدي عبد الوهاب الشعراني في المنن :ومما من ال تبارك وتعالى به
ي كثرة تعظيمي للشرفاء وإن طعن الناس في نسبهم وأرى ذلك التعظيم من
عل ّ
ي ,وكذلك أولد العلماء والولياء وتعظيمهم وإكرامهم
بعض ما يستحقونه عل ّ
بطريقة الشرعي ,ولو كانوا على غير قدم الستقامة ثم من أقل ما أعامل به
الشريف في الجلل والتعظيم أن أعامله مثل ما أعامل نائب أي والي مصر أو
قاضي العسكر .
ومن جملة الدب مع الشرفاء أن ل يجلس أحدنا على فرش أو مرتبة أو صفة
والشريف بضدد ذلك ,وأن ل نتزوج لهم مطلقة أو زوجة ماتوا عنها وكذلك ل
نتزوج شريفة إل إن كان أحدنا يعرف من نفسه القدرة على القيام بواجب حقها وأن
يعمل على رضاها ,فل يتزوج عليها ول يتسرى ول نقتر عليها في المأكل
والملبس دون قدرتنا ونقول :إن جدك رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم اختار
ذلك ,وكذلك ل نمنعها شهوة مباحة سألتنا فيها ,ونقدم لها نعلها إذا قامت
واحتاجت ,ونقوم لها إذا وردت علينا لنها بضعة من رسول ال صلى ال عليه
وآله وسلم ,وكذلك ل ننظر لها بدنا ولو لبيع وشراء إل أن تعين ذلك علينا شرعا ,
ول ننظر رجلها إذا كان أحدنا بائع أخفاف ,ول نمعن النظر إليها في الزار إذا
مرت علينا فإن ذلك يغضب جدها رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم .
وقال رضي ال تعالى عنه ونفعنا ببركاته في كتابه البحر المورود في المواثيق
والعهود ":أخذ علينا العهود أن ل نتزوج قط شريفة إل إن كنا نعد أنفسنا من
خدامها لنها بضعة من رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ,فمن كان يرى نفسه
103
رقيقا لها ويعتقد أنه متى خرج عن طاعتها أبق وأساء فليتزوج ,ومن ل فل ينبغي
له ذلك ,ويقال لمن تزوجها للتبرك السلمة مقدمة على الغنيمة ,ل سيما إن تزوج
عليها أو تسرى أو آذاها ببخله وشحه ,ويمكن المؤمن التبرك بها بالحسان إليها
من غير تزوج ".
وبالجملة فل يقدر على القيام بحق الشريفة وإكرامها إل من ماتت نفسه ،وصح
له مقام الزهد في الدنيا وباشر اليمان قلبه بحيث صار أولد رسول ال صلى ال
عليه وآله وسلم أحب إليه من أهله وولده وماله ,فإن كل شيء يؤذي الشرفاء يؤذي
رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم .وكان سيدي علي الخواص ينهي من ينظر
للشريفة وهي في الزار والنقاب والخف ويقول للرائي :أنت لو رأيت شخصا
يمعن النظر إلى بنتك في الزار أما كنت تتشوش فكذلك رسول ال صلى ال عليه
وآله وسلم .
قلت :وينبغي للمتدين إذا بايع الشريفة أو فصدها أو داواها أن ل يفعل ذلك إل
وهو في غاية الخجل والحياء من رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ,ل سيما
بائع الخفاف ,وإن كنت يا أخي ممن يشدد في العمل بفروع الشريعة وأنه ل بد
لك من رؤيتها لتشهد عليها مثل فاستأذن بقلبك صاحب الشرع وانظر ,وإن كنت
يا أخي كامل المحبة لولد رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم فأهد إليهم ما
يريدون يشترونه منك .
ثم قال رضي ال تعالى عنه :أخذ علينا العهود إذا كان لنا بنت أو أخت لها
جهاز كبير وخطبها شريف فقير ل يملك غير مهرها وقوت يومه وليلته أن نزوجه
ول نرده ,وذلك أن الفقر ليس بعيب نرد به الخطبة بل هو شرف ,وقد تمنى
رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ,بل سأل ربه عز وجل أن يحشره في زمرة
الفقراء والمساكين وقال ":اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا ".
104
أي ل يفضل منه شيء في غداء ول عشاء ,فشيء اختاره رسول ال صلى ال
عليه وآله وسلم لذريته ,وأهل بيته هو غاية الشرف ومن رد شريفا فقيرا طلب
تزويج ابنته يخاف عليه من المقت ,وال غني حميد .
وكذلك أخذ علينا العهود إذا مررنا على شريف أو شريفة على قوارع الطريق
يسألن الناس أن ندفع لهما ما نقدر عليه من الدراهم أو الطعام أو الثياب أو
نعرض عليهم القامة عندنا لنقوم لهم بالكفاية الشرعية ،حيث استطعنا ذلك ,
ويقبح على من يدعي محبة رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم أن يمر على
أولده وهم على قوارع الطرق يسألون الناس فل يعطيهم شيئا وال غفور رحيم .
انتهي كلمه رضي ال تعالى عنه بحروفه .
وأخرج المل في سيرته أنه صلى ال عليه وآله وسلم قال ":استوصوا بأهل
بيتي خيرا فإني أخاصمكم عنهم غدا ,ومن أكن خصمه أخصمه ,ومن أخصمه
دخل النار ".
وفي الصحيح :أن بنت أبي لهب لما هاجرت إلي المدينة قيل لها لن تغني عنك
هجرتك أنت بنت حطب النار ,فذكرت ذلك للنبي صلى ال عليه وآله وسلم فاشتد
غضبه ,ثم قال علي المنبر ":ما بال أقوام يؤذوني في نسبي وذوي رحمي ,أل
ومن آذى نسبي وذوي رحمي فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى ال ".
وأخرج الطبراني والحاكم عن ابن عباس رضي ال تعالى عنهما قال :قال
ل َلُكْم
ت ا َّ
سَأْل ُ
ب ِإّني َ
طِل ِ
عْبِد اْلُم ّ
رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم َ ":يا بني َ
جل
ن َر ُ
جاِهَلُكْم َ ،وَيْهِدي ضاّلُكمَْ ،فَلْو َأ ّ
ت َقاِئَمُكْم ،وأنَُيَعّلَم َ
ن ُيَثّب َ
سَأْلُتُه َأ ْ
َثلًثاَ :
105
حّمٍد ,
ت ُم َ
ض َلْهِل َبْي ِ
ت َوُهَو ُمْبِغ ٌ
صاَم ُ ،ثّم َما َ
صّلى َو َ
ن َواْلَمَقاِم َف َ
ن الّرْك ِ
صفن َبْي َ
خَل الّناَر ".
َد َ
وأخرج الطبراني عن ابن عباس ":بغض بني هاشم والنصار كفر وبغض
العرب نفاق ".
وعن أبي سعيد الخدري رضي ال تعالى عنه أنه قال :قال رسول ال صلى
ال عليه وآله وسلم ":ل يبغضنا أهل البيت أحد إل أدخله ال النار ".
ي رضي ال تعالى عنه وكرم وجهه أنه قال لمعاوية رضي ال تعالى
وعن عل ّ
عنه :إياك وبغضنا ,فإن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم قال ":ل يبغضنا
ول يحسدنا أحد إل ذيد عن الحوض يوم القيامة بسياط من نار ".
وروى أحمد مرفوعا ":من أبغض أهل البيت فهو منافق ".
106
وقال صلى ال عليه وآله وسلم ":حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وآذاني
في عترتي ".
وقال عليه الصلة والسلم ":سبعة لعنتهم ,وكل نبي مجاب ,وعد منهم
صلى ال عليه وآله وسلم المستحل من عترته ما حرم ال ".
* * * *
قال الحافظ ابن حجر في الصابة :قال يحيى بن سعيد النصاري عن عبيد بن
حنين :حدثني الحسين بن علي قال :أتيت عمر ,وهو يخطب على المنبر
فصعدت إليه فقلت :انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك ,فقال عمر :لم
يكن لبي منبر وأخذني فأجلسني معه أقلب حصى بين يدي ,فلما نزل انطلق بي
إلى منزله ثم قال لي :لو جعلت تغشانا ,قال :فأتيته يوماً وهو خال بمعاوية وابن
عمر بالباب ,فرجع ابن عمر ,فرجعت معه ,فلقيني بعد فقال لي :لم أرك ؟
قلت :يا أمير المؤمنين إني جئت وأنت خال بمعاوية ,فرجعت مع ابن عمر فقال :
أنت أحق من ابن عمر ,فإنما أنبت ما ترى في رؤوسنا ال ثم أنتم .سنده صحيح .
وروى أبو الفرج الصفهاني من طريق عبيد ال بن عمر القواريري قال :
حدثنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن أبان القرشي ,قال :دخل عبد ال بن حسن بن
حسن على عمر بن عبد العزيز وهو حديث السن له وفرة فرفع مجلسه وأقبل عليه
وقضى حوائجه ,ثم أخذ عكنة من عكنه فغمزها ,حتى أوجعه وقال :أذكرها
عندك للشفاعة ,فلما خرج لمه قومه وقالوا :فعلت هذا بغلم حدث فقال :إن الثقة
107
حدثني حتى كأني أسمعه من في رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ":إنما
فاطمة بضعة مني ,يسرني ما يسرها " .وأنا أعلم أن فاطمة لو كانت حية لسرها
ما فعلت بابنها ,قالوا فما معنى غمزك بطنه ,وقولك ما قلت ؟ قال :أنه ليس أحد
من بني هاشم إل وله شفاعة فرجوت أن أكون في شفاعة هذا .
وروي عن عبد ال هذا قال :أتيت باب عمر بن عبد العزيز في حاجة فقال لي:
إذا كانت لك حاجة فأرسل إلي أو اكتب فإني أستحيي من ال أن أراك علي بابي .
وروي أن المام مالكا لما ضربه جعفر بن سليمان ونال منه ما نال وحمل
مغشيا عليه ودخل عليه الناس فأفاق فقال :أشهدكم أني جعلت ضاربي في حل .
فسئل بعد ذلك فقال :خفت أن أموت فألقى النبي صلى ال عليه وآله وسلم فأستحي
منه أن يدخل بعض آله النار بسببي .
وقيل :إن المنصور أقاده من جعفر فقال له :أعوذ بال ,وال ما ارتفع منها
سوط عن جسمي إل وقد جعلته في حل لقرابته من رسول ال صلى ال عليه وآله
وسلم .
وحدث الشيخ الكبر محي الدين بن العربي رضي ال تعالى عنه في كتابه
مسامرات الخيار بسنده المتصل إلى عبد ال بن المبارك ,قال ":كان بعض
المتقدمين قد حبب إليه الحج قال :فحدثت أنه ورد الحاج في بعض السنين إلى
بغداد فعزمت على الخروج معهم إلى الحج ,فأخذت في كمي خمسمائة دينار,
وخرجت إلى السوق لشتري آلة الحج ,فبينما أنا في بعض الطريق عارضتني
امرأة فقالت ,يرحمك ال إني امرأة شريفة ,ولي بنات عراة واليوم الرابع ما أكلنا
شيئا ,قال فوقع كلمها في قلبي فطرحت الخمسمائة دينار في طرف إزارها وقلت
عودي إلى بيتك فاستعيني بهذه الدنانير على وقتك ,فحمدت ال تعالى وانصرفت
ونزع ال عز وجل من قلبي حلة الخروج في تلك السنة ,فخرج الناس وحجوا
108
وعادوا فقلت :أخرج للقاء الصدقاء والسلم عليهم ,فخرجت فجعلت كلما لقيت
صديقا وسلمت عليه ,وقلت له :قبل ال حجك وشكر سعيك يقول لي :وأنت قبل
ال حجك ,فطال علي ذلك ,فلما كان الليل نمت فرأيت النبي صلى ال عليه وآله
وسلم في المنام يقول لي :ل تعجب من تهنئة الناس لك بالحج أغثت ملهوفا وأغنيت
ضعيفا ,فسألت ال تعالى فخلق في صورتك ملكا فهو يحج عنك في كل عام فإن
شئت فحج وإن شئت ل تحج ".
وعن الشيخ زين الدين عبد الرحمن الخلل البغدادي أن بعض أمراء تيمورلنك
أخبره أنه لما مرض مرض الموت اضطرب ذات يوم اضطرابا شديدا واسود
وجهه وتغير لونه ثم أفاق فذكروا له ذلك فقال :إن ملئكة العذاب أتوه فجاء رسول
ال صلى ال عليه وآله وسلم فقال لهم :اذهبوا عنه فإنه كان يحب ذريتي ويحسن
إليهم ,فذهبوا .
وعن شمس الدين محمد بن حسن الخالدي قال ":رأى بعض أصحابنا النبي
صلى ال عليه وآله وسلم في المنام ورأى عنده تيمورلنك فقال له وصلت إلى هنا
ياعدو ال فقال له النبي صلى ال عليه وآله وسلم :إليك يا محمد فإنه كان يحب
ذريتي ".
وحكى العلمة ابن حجر الهيتمي عن التقي الفارسي عن بعض الئمة أنه كان
يبالغ في تعظيم الشراف ,فسئل عن سبب تلك المبالغة فقال :إن شخصا من
الشراف يقال له مطير قد مات وكان كثير اللعب واللهو فتوقف الستاذ عن
الصلة عليه فرأى النبي صلى ال عليه وآله وسلم في المنام ومعه فاطمة الزهراء
فأعرضت عنه فاستعطفها حتى أقبلت عليه وعاتبته وقالت له :أما يسع جاهنا
مطيرا .
109
وقال المقريزي ":حدثني قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن عبد العزيز
البكري البغدادي الحنبلي قال :رأيت في المنام كأني في مسجد رسول ال صلى ال
عليه وآله وسلم وقد انفتح القبر المقدس ,وخرج منه رسول ال صلى ال عليه وآله
وسلم وجلس وعليه أكفانه وأشار بيده المقدسة أن تعالى ,فقمت وجئت حتى دنوت
منه فقال لي :قل للمؤيد يفرج عن عجلن فانتبهت وصعدت على عادتي إلى
مجلس السلطان الملك المؤيد وأخذت أحلف له أيمانا حرجة أني ما رأيت عجلن
قط ول بيني وبينه معرفة ,ثم قصصت عليه رؤياي فسكت وأقمنا حتى انفض
المجلس ,فقام وخرج من مجلسه إلى دركاة القلعة ووقف عند مرماة نشاب
استجدها ثم استدعى بالشريف عجلن الحسيني أمير المدينة سجنه وأفرج عنه .
قال :واتفق أن الشريف سرداح بن مقبل الحسني قبض على أبيه مقبل أمير
ينبع في سنة خمس وعشرين وثمانمائة ,وأقيم عوضه في إمرة ينبع ابن أخيه عقيل
وحمل حتى سجن بالسكندرية ومات في سجنه ,وكحل ابنه سرداح هذا حتى
سالت حدقته وورم دماغه ونتن ,وأقام خارج القاهرة مدة وهو أعمي ,ثم مضى
إلي المدينة النبوية ,ووقف تجاه قبر جده المصطفى صلى ال عليه وآله وسلم ,
وشكا ما به وبكى ودعا ال تعالى ثم انصرف وبات تلك الليلة فرأى في منامه
رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ,وقد مسح بيده المقدسة على عينيه ,فأنتبه
وقد رد ال عليه بصره ,فاشتهر خبره عند أهل المدينة وأقام عندهم مدة ثم عاد إلى
القاهرة ,فبلغ السلطان الملك الشرف برسباي قدومه وأنه يبصر فقبض عليه ,
وطلب المزينين اللذين كحله وضربهما ضربا مبرحا فأقاما عنده بينة يرتضيها
من أتباعه بأنهم شاهدوا الميل ,وقد أحمي بالنار ثم كحل به سرداح فسالت حدقتاه
بحضورهم فكف عنهما ,وكذلك أخبر أهل المدينة أنهم شاهدوا سرداحا وهو ذاهب
110
الحدقتين ثم إنه أصبح عندهم وقد أبصر بعد عماه وقص عليهم رؤياه ,فأفرج عنه
حتى مات بالطاعون سنة ثلث وثلثين وثمانمائة .
ونقل الشيخ العدوي في مشارق أنواره عن ابن الجوزي في كتابه الملتقط :أنه
كان رجل ببلخ من العلويين نازل بها وكان له زوجة وبنات فتوفي الرجل قالت
المرأة :فخرجت بالبنات إلى سمرقند خوفا من شماتة العداء ,فوصلت في شدة
البرد فأدخلت البنات مسجدا ,ومضيت لحتال لهن في القوت ,فرأيت الناس
مجتمعين على شيخ ,فسألت عنه :فقالوا هذا شيخ البلد ,فتقدمت إليه ,وشرحت
ي ,فعدت إلى المسجد ,
حالي له فقال :أقيمي عندي البينة أنك علوية ولم يلتفت إل ّ
فرأيت في طريقي شيخا جالسا على دكة وحوله جماعة فقلت من هذا :فقالوا :
ضامن البلد وهو مجوسي فقلت عسى أن يكون عنده فرج ,فتقدمت إليه وحدثته
حديثي وما جرى لي مع شيخ البلد وأن بناتي في المسجد مالهن شيء يقتتن به
فصاح بخادم له فخرج فقال :قل لسيدتك تلبس ثيابها فدخل وخرجت ومعها جوار
فقال لها اذهبي مع هذه إلى المسجد الفلني واحملي بناتها إلى الدار ,فجاءت معي
وحملت بناتي إلى الدار ,وقد أفرد لنا دارا في بيته ,وأدخلنا الحمام ,وكسانا ثيابا
فاخرة ,وأرغد علينا بألوان الطعمة ,فلما كان نصف الليل رأى شيخ البلد كأن
القيامة قد قامت وأن اللواء على رأس محمد صلى ال عليه وآله وسلم فأعرض
عنه ,فقال :يا رسول ال تعرض عني وأنا رجل مسلم ؟ فقال له أقم البينة عندي
أنك مسلم ,فتحير الرجل ,فقال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم :نسيت ما
قلت للعلوية ,وهذا قصر للشيخ الذي هي في داره الن ,فانتبه الرجل وهو يبكي ,
ويلطم وبعث غلمانه في البلد ,وخرج هو بنفسه يدور على العلوية فأخبر أنها في
دار المجوسي فجاء إليه فقال :أين العلوية ؟ فقال عندي فقال :إني أريدها ,قال :
ما إلى هذا سبيل قال :هذه ألف دينار وتسلمها إلي فقال :ل وال ول بمائة ألف
111
دينار ,فلما ألح عليه قال له :المنام الذي أنت رأيته أنا أيضا رأيته والقصر الذي
رأيته لي حق وأنت تتعزز علي بإسلمك ,وال ما دخلت بيتنا إل وقد أسلمنا كلنا
على يديها وعادت بركاتها علينا ,ورأيت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم فقال
لي :هذا القصر لك ولهلك بما فعلت مع العلوية وأنتم من أهل الجنة ".
وحدث سيدي عبد الوهاب الشعراني قال ":أخبر السيد الشريف بزاوية
الحطاب رحمه ال تعالى قال :ضرب كاشف البحيرة شريفا فرأى رسول ال
صلى ال عليه وآله وسلم تلك الليلة في منامه ,وهو يعرض عنه فقال :يا رسول
ال ما ذنبي ؟ قال :تضربني وأنا شفيعك يوم القيامة ؟ فقال يا رسول ال ما أتذكر
أني ضربتك ,فقال :أما ضربت ولدي ؟ فقال :نعم .فقال :ما وقعت ضربتك إل
علي ذراعي هذا ثم أخرج صلى ال عليه وآله وسلم ذراعه متورما كخليا النحل
نسأل ال العافية ".
وقال المقريزي :حدثني الرئيس شمس الدين محمد بن عبد ال العمري قال ":
سرت يوما في خدمة القاضي جمال الدين محمود العجمي محتسب القاهرة من
منزله حتى جاء إلى بيت الشريف عبد الرحمن الطباطبي المؤذن ومعه نوابه
وأتباعه ,فاستأذن عليه ,فخرج من منزله ,وعظم عليه مجيء المحتسب إليه ,
وأدخله منزله فدخلنا معه وجلسنا بين يديه على مراتبنا ,فلما اطمأن به الجلوس
قال للشريف :يا سيد حاللني قال :لم أحاللك يا مولنا ؟ قال :لما صعدت البارحة
إلى القلعة ,وجلست بين يدي مولنا السلطان يعني الملك الظاهر برقوق ,فجئت
أنت فجلست فوقي في المجلس قلت في نفسي كيف يجلس هذا فوقي بحضرة
السلطان ,ثم لما قمنا وكان الليل ,ونمت رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم
فقال لي :يا محمود تأنف أن تجلس تحت ولدي ,فبكى عند ذلك الشريف عبد
112
الرحمن وقال :يا مولنا ومن أنا حتى يذكرني رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟
فبكى الجماعة وسألوه الدعاء وانصرفنا .
وعن سيدي محمد الفاسي قال ":كنت أبغض أشراف المدينة بني حسين لنه
كان يرى منهم ما يخالف ظاهره السنة ,فرأيت فقال لي النبي مناما :يافلن ,
باسمي ,مالي أراك تبغض أولدي فقلت :حاشا ل ما أكرههم يا رسول ال ,وإنما
كرهت ما رأيت من فعلهم ,فقال لي مسألة فقهية ,أليس الولد العاق يلحق
بالنسب ؟ قلت بلى يا رسول ال ,قال :هذا ولد عاق ,فلما انتبهت صرت ل ألقى
منهم أحدا إل بالغت في إكرامه ".
ك َفُقْل ِإّني
صْو َ
ع َ
ن َ
قال ابن حجر الهيثمي :قال تعالى لنبيه في عشيرته َ }:فِإ ْ
ن { ,ولم يقل :إني بريء منكم ,مراعاة لحق القرابة ,ولحمة
َبِريٌء ِمّما َتْعَمُلو َ
النسب .
قلت :وحدثني أحد الجلء قال :كان أمير من أمراء العراق شديد المحبة
للشراف كثير التعظيم والجلل لهم ,فكان إذا حضر أحدهم في مجلسه ل يجلسه
إل في الصدر وإن كان هناك من هو أكثر منه مال وأعظم جاها من أبناء الدنيا ,
فدخل عليه مرة شريف وفي المجلس عالم ذو منزلة ,فلم يسع الشريف إل الجلوس
فوقه لستحقاقه وعلمه بأن ذلك يرضي المير ,فظهرت الكراهية في وجه العالم
وتكلم بما ل ينبغي ,فأعرض المير عن حديثه ,وانتقل إلى حديث آخر ,ثم بعد أن
تنوسي هذا المر ,سأله عن ولد له يطلب العلم ,فأجابه بأنه ما زال يحفظ المتون
ويقرأ الدروس وأنه علمه كذا وقرأ له كذا ,ورتب له درسا في الصباح ,وآخر في
وقت آخر ,وأخذ يخبره بأحواله ,فقال له :هل رتبت له نسبا ,وعلمته شرفا ,
حتى يكون من أولد النبي صلى ال عليه وآله وسلم ؟ فقال :وقد غفل عما
113
اقترفه :هذا ل يكون بالترتيب والتعليم ,وإنما هو بسابق عناية ل مدخل للكسب
فيها ,فصاح به المير :إذا كنت تعلم هذا يا خبيث ,فلماذا أنفت من جلوس
الشريف فوقك ؟ وال ل تطأ مجلسي أبدا ثم أمر بطرده فطرد .
* * * *
إن أصحابه صلى ال عليه وآله وسلم قد صحبوه في السراء والضراء ,
ولزموه في الشدة والرخاء ,وفدوه بالموال والرواح ,وجالدوا أمامه بالسيوف
والرماح ,ووالوا من وله ,وعادوا من عاداه ,ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو
إخوانهم أو عشيرتهم ,وكانوا يحبون الخير لقارب رسول ال صلى ال عليه وآله
وسلم أكثر من أقارب أنفسهم ,هذا سيدهم أبو بكر الصديق رضي ال تعالى عنه
لما أسلم أبوه يوم الفتح ,وهنأه رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم بذلك قال :وال
لسلم أبي طالب كان أحب إلي من إسلمه ,وما ذاك إل لني أعلم أنه أحب إليك
يا رسول ال .
وهذا عمر بن الخطاب رضي ال تعالى عنه لما أسلم العباس عم النبي صلى
ال عليه وآله وسلم قال :وال لسلمه أحب إلي من إسلم الخطاب لنه أحب إلى
رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم .
114
وقد نال المهاجرين منهم في ابتداء السلم من معاداة قريش وأذاهم لهم
وتعذيبهم إياهم بأنواع العذاب ما ل تثبت له الجبال الرواسخ ,وهم مع ذلك ل
يبغون بدين ال بدل ,ول يصدهم عن محبة رسول ال صاد .
ول تنس النصار وأبناء النصار وأبناء أبناء النصار ,فقد واسوه صلى ال
عليه وآله وسلم والمهاجرين من أصحابه بأموالهم وفدوه بنفوسهم ,حتى ظهر أمر
ال تعالى ,وانظر رحمك ال تعالى إلى جواب سيدهم سعد بن معاذ حين قال صلى
ال عليه وآله وسلم قبيل وقعة بدر ":أشيروا علي " .فأجابه من المهاجرين أبو
بكر وعمر والمقداد رضي ال تعالى عنهم فأحسنوا ,فلم يقنع صلى ال عليه وآله
ي " ثلث مرات .فقال سعد رضي ال
عَل ّ
شيُروا َ
وسلم بأجوبتهم وكرر قوله َ ":أ ِ
ل ََ:قْد آَمّنا ِبك
ل " َقا َ
جْل ؟ َقالَ " َأ َ
لا ّ
سو َ
ل َلَكَأّنك ُتِريُدَنا َيا َر ُ
تعالى عنه َ :وَا ّ
عُهوَدا َوَمَواِثي َ
ق ك ُ
عَلى َذِل َ
طْيَناك َ
عَق َ ،وَأ ْ
حّت ِبِه ُهَو اْل َ
جْئ َ
ن َما ِ
شِهْدَنا َأ ّ
َوصَّدْقَناك َ ،و َ
ل ِلَما شئت ,فصل حبال من شئت ،
لا ّ
سو َ
ض َ ,يا َر ُ
طاعِة َفاْم ِ
سْمِع َوال ّ
عَلى ال ّ
َ
واقطع حبال من شئت ،وعاد من شئت ،وسالم من شئت ،وخذ من أموالنا ما
شئت ,وأعطنا ما شئت ،وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت ،وما أمرت به
حَر
ت ِبَنا َهَذا اْلَب ْ
ض َ
سَتْعَر ْ
ق َلْو ا ْ
حّمن أمر فأمرنا نتبع أمرك َ ،فَوَاّلذي َبَعَثك ِباْل َ
عُدّونا ،إّنا
ن نْلَقى َ
حٌد َ ,وَما َنْكَرُه َأ ْ
ل َوا ِ
جٌخّلف ِمّنا َر ُ
ضَناُه َمَعك َ ،ما َت َ
خ ْ
ضَتُه َل ُ
خ ْ
َف ُ
سْر
عْيُنك َ ،ف ِ
ل ُيِريك ِمّنا َما َتَقّر ِبِه َ
لا ّ
ق عند الّلقاِء ,وَلَع ّ
صُد ٌ
بُ ,
حْر ِ
صُبٌر عند اْل َ
َل ُ
ل ,فنحن عن يمينك وشمالك ،وبين يديك وخلفك ،ول نكونن كالذين
عَلى َبَرَكِة ا ّ
َ
ن { ولكن اذهب أنت
عُدو َ
ك َفَقاِتل ِإّنا َهاُهَنا َقا ِ
ت َوَرّب َ
ب َأْن َ
قالوا لموسى َ }:فاْذَه ْ
وربك فقاتل إنا معكما متبعون .
115
) تنبيه ( :قال الفخر الرازي :قوله تعالي ِ }:إّل المودة ِفى القربى { .فيه
ساِبُقو َ
ن منصب عظيم للصحابة رضوان ال تعالى عليهم ,لنه تعالى قال َ }:وال ّ
ن { .فكل من أطاع ال كان مقرباً عند ال تعالى ,فدخل
ك اْلُمَقّرُبو َ
ن ُ .أوَلِئ َ
ساِبُقو َ
ال ّ
تحت قوله } ِإّل المودة ِفى القربى { .
وقال صلى ال عليه وآله وسلم ":أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ".
ونحن الن في بحر التكليف ,وتضربنا أمواج الشبهات والشهوات .وراكب البحر
يحتاج إلى أمرين :أحدهما السفينة الخالية من العيوب والثقب .والثاني :الكواكب
الظاهرة الطالعة النيرة ،فإذا ركب تلك السفينة ووقع نظره على تلك الكواكب ,
كان رجاء السلمة غالبًا ،فلذلك ركب أصحابنا أهل السنة سفينة حب آل محمد
صلى ال عليه وآله وسلم ,ووضعوا أبصارهم على نجوم الصحابة ,فرجوا من
ال تعالى أن يفوزوا بالسلمة والسعادة في الدينا والخرة ا هـ .
فمن فضائلهم رضوان ال تعالى عليهم بوجه العموم ,قوله صلى ال عليه وسلم
":احفظوني في أصحابي وأصهاري ,فمن حفظني فيهم حفظه ال في الدنيا
والخرة ,ومن لم يحفظني فيهم تخلى ال عنه ,ومن تخلى ال عنه أوشك أن
يأخذه ".
وقال صلي ال عليه وآله وسلم " :أكرموا أصحابي فإنهم خياركم ".
وروى مسلم قوله صلى ال عليه وآله وسلم ":ل تسبوا أحدا من أصحابي ,
116
فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ,ما بلغ مد أحدهم ول نصيفه
".
) فائدة نفيسة ( :نقل الحافظ السيوطي عن المام السبكي رحمهما ال تعالى أن
الخطاب في الحديث لمن أسلم بعد الفتح وقوله " أصحابي" المراد بهم :من أسلم
قبل الفتح قال :ويرشد إليه قوله " لو أن أحدكم أنفق " الخ مع قوله تعالى }:ل
ن َأْنَفُقوا
ن اّلِذي َ
جًة ِم َ
ظُم َدَر َ
عَ
ك َأ ْ
ح َوَقاَتَل ُأوَلِئ َ
ن َقْبِل اْلَفْت ِ
ق ِم ْ
ن َأْنَف َ
َيسَْتِوي ِمْنُكْم َم ْ
ن َبْعُد َوَقاَتُلوا { .
ِم ْ
الذي قال ,ول بد لنا من تأويله بهذا أو بغيره ليكون المخاطبون غير الصحاب
الموصى بهم قال :وسمعت شيخنا الشيخ تاج الدين بن عطاء ال يذكر في مجلس
وعظه تأويل آخر يقول لن النبي صلى ال عليه وسلم له تجليات يرى فيها من
بعده فيكون الكلم منه صلى ال عليه وسلم في تلك الجليات خطابا لمن بعده في
حق الصحابة الذين قبل الفتح وبعده .ا هـ .
وقال عليه الصلة والسلم ":إن ال اختارني واختار لي أصحابي ,وجعل لي
منهم وزراء وأنصارا وأصهارا ,فمن سبهم فعليهم لعنة ال والملئكة والناس
أجمعين ,ل يقبل ال منه صرفا ول عدل " .رواه الطبراني .
وعن بن عمر قال :ل تسبوا أصحاب محمد ,فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل
أحدكم عمره .
وقال صلى ال عليه وآله وسلم " :ال ال في أصحابي ,ل تتخذوهم غرضا
بعدي ,فمن أحبهم فبحبي أحبهم ,ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ,ومن آذاهم
فقد آذاني ,ومن آذاني فقد آذى ال ,ومن آذى ال يوشك أن يأخذه " .
117
وعن جابر سمعت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم يقول ":إن الناس
يكثرون وأصحابي يقلون ,فل تسبوهم لعن ال من سبهم ".
وعن ابن عباس قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ":إن أشد
الناس عذابا يوم القيامة من شتم النبياء ثم أصحابي ثم المسلمين ".
وقال صلى ال عليه وآله وسلم ":إذا أراد ال برجل من أمتي خيرا ألقى حب
أصحابي في قلبه ".
وقال عليه الصلة والسلم ":إذا رأيتم الذين يسبون أصحابي فقولوا لعنة ال
على سّركم ".
وقال عليه الصلة والسلم ":إن شرار أمتي أجرؤهم على صحابتي ".
وقال صلى ال عليه وآله وسلم ":سألت ربي فيما يختلف فيه أصحابي من
بعدي ,فأوحى إلي :يا محمد إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء ,
بعضها أضوأ من بعض ,فمن أخذ بشيء مما هم عليه فهو عندي على هدى ".
وقال صلى ال عليه وآله وسلم ":شفاعتي مباحة إل لمن سب أصحابي ".
وقال صلى ال عليه وآله وسلم ":ما من أحد من أصحابي يموت بأرض إل
بعث قائدا ونورا لهم يوم القيامة ".
وقال صلى ال عليه وآله وسلم ":إذا ذكر أصحابي فأمسكوا ".
قال العلقمي :هذا علم من أعلم النبوة علم به عليه الصلة والسلم ,وأمرنا أن
نمسك عما شجر بين الصحابة ,أي وجوبا ,وما وقع بينهم من الحروب
والمنازعات التي قتل بسببها كثير منهم ,فتلك دماء طهر ال منها أيدينا ,فل نلوث
بها ألسنتنا ,ونرى الكل مأجورين في ذلك ,لنه صدر منهم باجتهاد والمجتهد في
مسألة ظنية مأجور ولو أخطأ .
118
وقال المناوي في شرح قوله صلى ال عليه وآله وسلم ":ال ال في أصحابي
ل تتخذوهم غرضا بعدي " الخ :وخص الوعيد بالبعدية لما اطلع عليه مما سيكون
بعده من ظهور البدع ,وإيذاء بعضهم زعما منهم الحب لبعض آخر ,وهذا من
باهر معجزاته ,وقد كان في حياته حريصا على حفظهم والشفقة عليهم .
أخرج البيهقي عن ابن مسعود قال :خرج علينا رسول ال صلى ال عليه وآله
وسلم فقال ":أل ل يبلغني أحد منكم على أحد من أصحابي شيئا ,فإني أحب أن
أخرج إليهم وأنا سليم الصدر ".
قال :وإن ملحد تعرض إليهم وكفر نعمة قد أنعم ال تعالى بها عليهم فجهل منه
وحرمان وسوء فهم ,وقلة إيمان ,إذ لو لحقهم نقص لم يبق في الدين ساق قائمة ,
لنهم النقلة إلينا ,فإذا جرح النقلة دخل الطعن في اليات والحاديث ,وبذلك ذهاب
النام وخراب السلم ,إذ ل وحي بعد المصطفى وعدالة المبلغ شرط لصحة
التبليغ ا هـ .
وقال العلمة ابن حجر الهيثمي في كتابه " أسني المطالب في صلة القارب ":
يلزم المسلم أن يتأدب مع صحابة رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم وأهل بيته
بالترضي عنهم ,ومعرفة فضلهم وحقهم ,والمساك عما شجر بينهم ,مع نزاهة
كل منهم عن ارتكابه شيئا يعتقد حرمته ,بل كل منهم مجتهد ,فهم مجتهدون
مثابون المحق منهم بعشرة أجور ,والمخطيء بأجر واحد والعقاب واللوم والنقص
مرفوع عن جميعهم ,فتفطن لذلك وإل زلت قدمك وحق هلكك وندمك ا هـ .
وقال العلمة اللقاني في " شرح جوهرته الكبير " :وسبب تلك الحروب أن
القضايا كانت مشتبهة فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم ,وصاروا ثلثة أقسام :قسم
ظهر له بالجتهاد أن الحق في هذا الطرف وأن مخالفه باغ ,فوجب عليهم نصرته
,وقتال الباغي عليه فيما اعتقدوه ,ففعلوا ذلك ,ولم يكن يحل لمن هذه صفته
119
التأخير عن مساعدة المام العادل في قتال البغاة في اعتقاده .وقسم عكسه سواء
بسواء .وقسم ثالث اشتبهت عليه القضية وتحيروا فيها ,فلم يظهر لهم ترجيح أحد
الفريقين فاعتزلوا الفريقين ,وكان هذا العتزال هو الواجب في حقهم ,لنه ل
يحل القدام على قتال مسلم حتى يظهر استحقاقه لذلك .
وبالجملة :فكلهم معذورون مأجورون ,ولهذا اتفق أهل الحق ومن يعتد به في
الجماع على قبول شهادتهم وروايتهم وتحقيق عدالتهم .ا هـ .
وقال العلمة السعد :والذي اتفق عليه أهل الحق أن المصيب في جميع ذلك
ي رضي ال تعالى عنه .والتحقيق أنهم كلهم عدول متأولين في تلك الحروب
عل ّ
وغيرهما من المخاصمات والمنازعات لم يخرج شيء منها أحدا منهم عن عدالته
إذ هم مجتهدون ا هـ .
) تنبيه ( :اطلعت للحافظ السيوطي على رسالة سماها " إلقام الحجر لمن زكى
ساب أبي بكر وعمر " .نقل فيها التفاق على فسق ساب مطلق الصحابة إذا لم
يستحل ذلك ,وإذا استحله فهو كافر ,لن أدنى مراتبه أنه محرم وفسق واستحلل
الحرام كفر إذا كان تحريمه معلوما من الدين بالضرورة ,وتحريم سب الصحابة
كذلك .
120
وقال المناوي في شرح قوله صلى ال عليه وآله وسلم ":من سب أصحابي
فعليه لعنة ال والملئكة والناس أجمعين ".
هذا شامل لمن لبس القتل ,لنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون ,فسبهم
كبيرة ,ونسبتهم إلى الضلل أو الكفر كفر .ا هـ .
ي ,فيعلم
وأما سب أحد الشيخين أبي بكر وعمر ,أو أحد الختنين ,عثمان وعل ّ
حكمه مما نقله السيوطي في رسالته المذكورة عن المام السبكي ,حيث قال :
ورأيت الشيخ تقي الدين السبكي صنف كتابا سماه " خيرة اليمان الجلي لبي بكر
ي " .بسبب رافضي وقف في المل وسب الشيخين وعثمان
وعمر وعثمان وعل ّ
وجماعة من الصحابة ,فاستتيب فلم يتب ,فحكم المالكي بقتله ,وصوبه السبكي
فيما فعل ,وألف في تصويبه الكتاب المذكور ,وذكر فيه عن القاضي حسين من
أصحابنا وجهين فيمن سب أحد الشيخين أو الختنين :يكفر وإن لم يستحل لن
المة أجمعت على إمامتهم .والثاني :يفسق ول يكفر ,ثم نقل عن الحنفية نقول
كثيرة بعضها بالتكفير ,وبعضها بالتضليل ثم مال السبكي إلى تصحيح التكفير
لمآخذ ذكرها ,ثم نقل عن المالكية والحنابلة نقول كذلك .ا هـ .
121
* * * *
ي اْثَنْي ِ
ن ن َكَفُروا َثاِن َ
جُه اّلِذي َ
خَر َ
ل ِإذْ َأ ْ
صَرُه ا ُّ
صُروُه َفَقْد َن َ
قال ال تعالي ِ }:إل َتْن ُ
عَلْيِه }.
سِكيَنَتُه َ
ل َ
ل َمَعَنا َفَأنزَل ا ُّ
ن ا َّ
ن ِإ ّ
حَز ْ
حِبِه ل َت ْ
صا ِ
ِإْذ ُهَما ِفي اْلَغاِر ِإْذ َيُقوُل ِل َ
قال المفسرون :الصاحب :هو أبو بكر الصديق ,وهو المنزل عليه السكينة ,
لن النبي صلى ال عليه وآله وسلم ما زالت عليه السكينة .
قال الحسن البصري رضي ال تعالى عنه :عاتب ال تعالى جميع أهل الرض
ل } الية .
صَرُه ا ُّ
صُروُه َفَقْد َن َ
غير أبي بكر فقال ِ }:إل َتْن ُ
عْنَدُه ِم ْ
ن حٍد ِ
جّنُبَها الْتَقى اّلِذي ُيْؤِتي َماَلُه َيَتَزّكى َوَما ل َ
سُي َ
وقال تعالى َ }:و َ
ضى { .نزلت في أبي بكر
ف َيْر َ
سْو َ
عَلى َوَل َ
جِه َرّبِه ال ْ
جَزى ِإل اْبِتَغاَء َو ْ
ِنْعمٍَة ُت ْ
رضي ال تعالى عنه كما في التفاسير .
وعنه رضي ال تعالى عنه قال :قلت للنبي صلى ال عليه وآله وسلم ,وأنا في
الغار لو أن أحدهم نظر تحت قدمه لبصرنا قال ":ما ظنك يا أبا بكر باثنين ال
ثالثهما ".
وأخرجا عن عمرو بن العاص رضي ال تعالى عنه قال :قلت يا رسول ال أي
الناس أحب إليك ؟ قال ":عائشة فقلت :من الرجال ؟ قال أبوها ,قال :قلت ثم
من ؟ قال عمر بن الخطاب .إن ال تعالى يكره فوق السماء أن يخطأ أبو بكر
الصديق في الرض ".
122
وعن عائشة أم المؤمنين رضي ال تعالى عنها قالت :قال رسول ال صلى ال
عليه وآله وسلم في مرضه ":ادعي لي أباك وأخاك حتي أكتب كتابا ,فإني أخاف
أن يتمنى متمن ويقول قائل أنا أولى ويأبى ال والمؤمنون إل أبا بكر ".
وعن أبي موسى الشعري رضي ال تعالى عنه قال :مرض النبي صلى ال
عليه وآله وسلم ،فاشتد مرضه ،فقال ُ ":مروا أبا بكر فليصل بالناس " .فقالت
عائشة :يا رسول ال ،إنه رجل رقيق القلب ،إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي
بالناس ،فقال " :مري أبا بكر فليصل بالناس " .فعادت فقال ":مري أبا بكر
فليصل بالناس ،فإنكن صواحب يوسف " .فأتاه الرسول ،فصلى بالناس في حياة
رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ".
وعن عمار ابن ياسر قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ":أتاني
جبريل آنفًا فقلت :يا جبريل حدثني بفضائل عمر بن الخطاب ؟ فقال :يا محمد لو
حدثتك بفضائل عمر منذ ما لبث نوح في قومه ألف سنة إل خمسين عامًا ما
نفدت فضائل عمر ،وإن عمر حسنة من حسنات أبي بكر ".
وعن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ":أما إنك يا
أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي ".
وعن عمر بن الخطاب أنه قال :أبو بكر سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول ال
صلى ال عليه وآله وسلم .رواه الترمذي وقال صحيح .
123
وعنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ":ما لحد عندنا يد إل
وقد كافأناه إل أبا بكر ,فإن له عندنا يدا يكافئه ال بها يوم القيامة ,وما نفعني
مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر ".
وقال صلى ال عليه وآله وسلم ":إن ال بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر
صدقت ,وواساني بنفسه وماله " .رواه البخاري .
ذكره السيوطي في الرسالة المذكورة .وفيها وفي أسنى المطالب لبن حجر
ي كرم ال وجهه أنه
المكي :أخرج البزار وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن عل ّ
قال :أيها الناس أخبروني بأشجع الناس ؟ قالوا :ل نعلم فمن ؟ قال :أبو بكر ,لقد
رأيت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم وأخذته قريش فهذا يجؤه ,وهذا يتلتله ,
وهم يقولون :أنت الذي جعلت اللهة إلهًا واحدًا قال :فوال ما دنا منا أحد إل أبو
ل أن
بكر ,يضرب هذا ,ويجيء هذا ويتلتل هذا وهو يقول :ويلكم أتقتلون رج ً
ي بردة كانت عليه ,فبكى حتى اخضلت لحيته ,ثم قال :
يقول ربي ال ,ثم رفع عل ّ
أشدكم أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر ؟ فسكت القوم فقال :أل تجيبوني ؟ فوال
لساعة من أبي بكر ,خير من مثل مؤمن آل فرعون ,ذاك رجل كتم إيمانه ,وهذا
رجل أعلن إيمانه .
124
وأخرج البزار عن أسيد بن صفوان قال :لما توفي أبو بكر سجي بثوب
فارتجت المدينة بالبكاء ,ودهش الناس كيوم قبض رسول ال صلى ال عليه وآله
وسلم ,وجاء علي كرم ال وجهه مسرعا مسترجعا ,وهو يقول :اليوم انقطعت
خلفة النبوة ,حتى وقف على باب البيت الذي فيه أبو بكر فقال :رحمك ال أبا
بكر ,كنت أول القوم إسلما وأخلصهم إيمانا ,وأشدهم يقينا ,وأخوفهم ل ,
وأعظمهم غناء ,وأحفظهم على رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم وأحدهم على
السلم ,وآمنهم على الصحابة ,وأحسنهم صحبة ,وأفضلهم مناقب ,وأكثرهم
سوابق ,وأرفعهم درجة ,وأقربهم من رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ,
وأشبههم به هديا وخلقا وسمتا ,وأوثقهم عنده وأشرفهم منزلة ,وأكرمهم عليه ,
فجزاك ال عن السلم ,وعن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم وعن المسلمين
خيرا .
* * * *
أخرج الترمذي عن عقبة بن عامر قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله
وسلم ":لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب ".
وروي عن ابن عمر :أن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم قال ":إن ال
جعل الحق علي لسان عمر وقلبه ".
قال بن عمر :ما نزل بالناس أمر قط فقالوا له وقال ,إل نزل القرآن على نحو
ما قال عمر .
125
وعن ابن عباس :لما أسلم عمر نزل جبريل عليه السلم فقال ":يا محمد لقد
استبشر أهل السماء بإسلم عمر " .رواه ابن ماجه .
وعنه قال :لما أسلم عمر قال المشركون :قد انتصف القوم اليوم منا ,وأنزل
ن {.
ن اْلُمْؤِمِني َ
ك ِم َ
ن اّتَبَع َ
ل َوَم ِ
ك ا ُّ
سُب َ
ح ْ
ي َ
ال َ }:يا َأّيَها الّنِب ّ
وعن ابن عمر قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ":هذا غلق
الفتنة ـ وأشار بيده إلى عمرـ ل يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش
هذا بين أظهركم " .رواه البزار .
وقال صلى ال عليه وآله وسلم ":إن الشيطان لم يلق عمر منذ أسلم إل خر
لوجهه ".
وقال عليه الصلة والسلم ":إن الشيطان ليفرق منك يا عمر ".
وقال صلي ال عليه وآله وسلم ":عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة ".
وقال عليه الصلة والسلم ":قال لي جبريل :ليبك السلم على موت عمر".
وروى الترمذي عن جابر بن عبد ال أن عمر قال لبي بكر :أخير الناس بعد
رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم .فقال له :أما إنك إن قلت ذلك فلقد سمعته
صلي ال عليه وآله وسلم يقول ":ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر ".
وقال عليه الصلة والسلم ":ما في السماء ملك إل وهو يوقر عمر ".
وعن علي كرم ال تعالى وجهه قال :كنا أصحاب محمد ل نشك أن السكينة
تنطق على لسان عمر ,رواه غير واحد .
وعن اسماء بنت عميس قالت :دخل رجل من المهاجرين على أبي بكر ,وهو
يشتكي في مرضه فقال له :أتستخلف علينا عمر وقد عتا علينا ،ول سلطان له ؟
126
فكيف لو ملكنا كان أعتى وأعتى ؟ فكيف تقول ل إذا لقيته ؟ فقال أبو بكر :
أجلسوني ,فلما أجلسوه قال :أبال تعرفوني ؟ فإني أقول إذا لقيته :إستخلفت عليهم
خير أهلك .
وفي طبقات ابن السبكي ,عن أبي بكرة رضي ال تعالى عنه قال :وقف
أعرابي على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي ال تعالى عنه فقال :
فبكى عمر حتى اخضلت لحيته ,وقال لغلمه :يا غلم أعط قميصي هذا لذلك
اليوم ل لشعره ,ثم قال :وال ل أملك غيره .
127
وقال أبو بكر الخرائطي :رحم ال تعالى عمر ما كان أنظره بنور ال في ذات
ال وأفرسه ,كان وال كما قال الشاعر :
وورد فيهما قوله صلى ال عليه وآله وسلم ":إذا كان يوم القيامة نادى مناد:
ل يرفعن أحد من هذه المة كتابه قبل أبي بكر وعمر ".
وقوله صلى ال عليه وآله وسلم ":إن ال تعالى أيدني بأربعة وزراء :اثنين
من أهل السماء جبريل وميكائيل ,واثنين من أهل الرض أبي بكر وعمر ".
وقال صلى ال عليه وآله وسلم ":إن لكل نبي خاصة من أصحابه ,وإن
خاصتي من أصحابي أبوبكر وعمر ".
وقال صلى ال عليه وآله وسلم ":حب أبي بكر وعمر إيمان وبغضهما نفاق ".
وقال صلى ال عليه وآله وسلم ":خير أمتي أبو بكر وعمر ".
وقال عليه الصلة والسلم ":سيد كهول الجنة أبو بكر وعمر ".
وقال صلى ال عليه وآله وسلم ":صالح المؤمنين أبو بكر وعمر ".
وقال عليه الصلة والسلم ":ما قدمت أبا بكر وعمر ولكن ال قدمهما ".
وقال صلى ال عليه وآله وسلم ":أحشر أنا وأبو بكر وعمر هكذا وأخرج
السبابة والوسطي والبنصر " .
* * * *
128
سيدنا عثمان ذو النورين:
رضي ال تعالى عنه
ي في الخرة ".
قال صلى ال عليه وآله وسلم ":عثمان بن عفان ول ّ
وقال صلى ال عليه وآله وسلم ":لكل نبي رفيق في الجنة ,ورفيقي فيها
عثمان ".
وقال عليه الصلة والسلم ":ليدخلن بشفاعة عثمان سبعون ألفا كلهم قد
استوجبوا النار الجنة بغير حساب ".
وقال صلى ال عليه وآله وسلم ":ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر
من بني تميم " .قال المناوي :قيل هو عثمان .
وقال عليه الصلة والسلم ":لكل نبي خليل في أمته ,وإن خليلي عثمان بن
عفان ".
وقال صلى ال عليه وآله وسلم ":اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض ".
قال ابن إسحاق :أنفق عثمان في جيش العسرة نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها .
وروي عن قتادة أنه قال :حمل عثمان رضي ال تعالى عنه في جيش العسرة
على ألف بعير وسبعين فرسا .
وعن حذيفة بن اليمان :أن عثمان رضي ال تعالى عنه جاء يومئذ بعشرة
آلف دينار فصبت بين يديه صلى ال عليه وآله وسلم ,صلى ال عليه وآله وسلم
129
يقول بيده ويقلبها ظهرًا لبطن ويقول ":غفر ال لك يا عثمان ما أسررت وما
أعلنت وما هو كائن إلى يوم القيامة ،ما يبالي عثمان ما عمل بعدها ".
وروى البيهقي عن عبد الرحمن بن خباب رضي ال تعالى عنه قال :خطب
رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم فحث الناس على جيش العسرة ,فقال عثمان
علي مائة بعير بأحلسها وأقتابها ،ثم نزل مرقاة أخرى من المنبر ,فحث الناس
فقال عثمان علي مائة بعير أخرى بأحلسها وأقتابها ،ثم نزل مرقاة أخرى ,فحث
الناس فقال عثمان علي مائة بعير أخرى بأحلسها وأقتابها ،قال فرأيت رسول
ال صلى ال عليه وآله وسلم يقول بيده هكذا ,يحركها كالمتعجب وقال ":ما على
عثمان ما عمل بعد هذا اليوم ".
وقد ورد في حق الثلثة قوله صلى ال عليه وآله وسلم ":إذا أنا مت وأبو بكر
وعمر وعثمان فإن استطعت أن تموت فمت ".
* * * *
وقال صلى ال عليه وآله وسلم ":أنا دار الحكمة وعلي بابها ".
130
ي أخي في الدنيا والخرة ".
وقال صلى ال عليه وآله وسلم ":عل ّ
وقال صلي ال عليه وآله وسلم " من آذى علّيا فقد آذاني ".
وقال عليه الصلة والسلم ":من سب علّيا فقد سبني ,ومن سبني فقد سب
ال ".
وحينما استخلفه على المدينة يوم غزوة تبوك أرجف المنافقون بأنه إنما خلفه
استثقال ,فأخذ سلحه وأتى النبي صلى ال عليه وآله وسلم ,وأخبره الخبر فقال":
كذبوا ،ولكن خلفتك لما تركت ورائي ،فارجع في أهلي وأهلك ،أفل ترضى يا
ي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إل أنه ل نبي بعدي " .فقال:
عل ّ
رضيت ثم رضيت ثم رضيت
قال السيد أحمد دحلن في سيرته :قال أهل السنة :إن هارون عليه السلم إنما
كان خليفة في حياة موسى عليه السلم حين ذهب إلى الميقات فدل ذلك على
ي رضي ال تعالى عنه في أهل النبي صلى ال عليه وآله وسلم
تخصيص خلفة عل ّ
مدة غيبته في تبوك ,كما كان هارون خليفة موسى عليهما السلم في قومه مدة
غيبته عنهم للمناجاة ,وقد استخلف صلى ال عليه وآله وسلم غير علي في مرات
ي رضي ال تعالى عنه
أخر ,فهل يلزم أن يكون مستحقا للخلفة ؟ ولما سئل عل ّ
وكرم وجهه في زمن خلفته :هل أوصى لك النبي صلى ال عليه وآله وسلم
بالخلفة ؟ قال ل ,ولو أوصى لي بها لقاتلت عليها ,حتى لولم يبق معي إل سيفي
وردائي ,ولو أوصى لي بها لما بايع أبا بكر وعمر وعثمان رضي ال تعالى عنهم
.وقول الرافضة إن ذلك كان منه تقية كذب وزور ,فإنه كان رضي ال تعالى عنه
ذا قوة وشجاعة وقد توفرت عشيرته من بني هاشم فكانوا أهل قوة ومنعة ,فيلزم
الرافضة نسبته للجبن والذل وحاشاه ال من ذلك .ا هـ .
131
وأخرج الحافظ محب الدين بن النجاري في تاريخ بغداد عن ابن المعتمر مسلم
ي بن أبي طالب رضي ال
بن أوس ,وحارثة بن قدامة السعدي أنهما حضرا عل ّ
تعالى عنه يخطب وهو يقول :سلوني قبل أن تفقدوني ,فإني ل أسأل عن شيء
دون العرش إل أخبرت عنه .
وفي صحيح مسلم عنه رضي ال تعالى عنه أنه قال :والذي فلق الحبة وبرأ
النسمة إنه لعهد النبي صلى ال عليه وسلم إلي :ل يحبني إل مؤمن ول يبغضني
إل منافق ".
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو نعيم عنه رضي ال تعالى عنه أنه قال على منبره :
أما إني فقأت عين الفتنة ,وإني وأيم ال لول أن تتكلوا فتدعوا العمل لحدثتكم بما
سبق على لسان نبيكم صلى ال عليه وآله وسلم ,ثم قال :سلوني فإنكم ل تسألوني
عن شيء فيما بينكم وبين الساعة إل حدثتكم .
وأخرج ابن أبي شيبة عن زيد بن ربيع قال :بلغ علّيا أن أناسا يقولون فيه ,
فصعد المنبر فقال :أنشد ال رجل سمع من النبي صلى ال عليه وآله وسلم شيئا
إل قام ,فقام جماعة فقالوا :نشهد أن رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم قال ":
من كنت موله فعلي موله ,اللهم وال من واله ,وعاد من عاداه ".
ي ".
وقال صلي ال عليه وآله وسلم " أقضاكم عل ّ
132
القضاء ؟ فضرب صدري ثم قال ":اللهم اهد قلبه وثبت لسانه " .فوالذي فلق
الحبة ما شككت في قضاء بين اثنين .
وكان صلى ال عليه وآله وسلم إذا غضب ل يجرئ أحد أن يكلمه إل علي .
وروى ابن مسعود عن النبي صلى ال عليه وآله وسلم أنه قال " :النظر إلى
ي عبادة ".
عل ّ
ومما ورد في الربعة رضوان ال تعالى عليهم قوله صلى ال عليه وآله
وسلم ":أرأف أمتي بأمتي أبو بكر ,وأشدهم في دين ال عمر ,وأصدقهم حياء
ي ".
عثمان ,وأقضاهم عل ّ
وقوله صلى ال عليه وآله وسلم ":رحم ال أبا بكر ,زوجنى ابنته وصحبني
إلى دار الهجرة ,وأعتق بلل من ماله ,وما نفعني مال في السلم ما نفعني مال
أبي بكر ,رحم ال عمر يقول الحق وإن كان مرا ,لقد تركه الحق وماله من
صديق ,رحم ال عثمان تستحييه الملئكة ,وجهز جيش العسرة ,وزاد في
مسجدنا حتى وسعنا ،رحم ال عليا اللهم أدر الحق معه حيث دار ".
133
وقد ورد في فضائل كل منهم رضوان ال تعالى عليهم من الكتاب والسنة
وكلم الئمة ,ودون في التواريخ والسير وكتب التفسير والثر من محاسن أقوالهم
وأفعالهم وأخلقهم وأحوالهم ,ما لو أريد استقصاؤه لمل مجلدات ,وكان ما فات
أكثر مما هو آت .
) تنبيه ( :قال اللقاني في " هداية المريد لجوهرة التوحيد " أفضل الصحابة
أهل الحديبية ,وأفضل أهل الحديبية ,أهل أحد وأفضل أهل أحد أهل بدر ,وأفضل
أهل بدر العشرة ,وأفضل العشرة الخلفاء الربعة ,وأفضل الربعة أبو بكر ,
والمراد من الفضلية أكثرية الثواب .
ومما يجب اعتقاده أن أفضل الصحابة رضي ال تعالى عنهم أجمعين ,هم
الذين ولوا الخلفة بعده صلى ال عليه وآله وسلم ,وبين عليه الصلة والسلم
مدتها بقوله ":الخلفة بعدي ثلثون سنة ثم تصير ملكا عضوضا ".
فقد صرح كل كلمه عليه الصلة والسلم بأن الئمة الربعة أفضل الصحابة ,
لن هذه المدة كانت دور وليتهم ,وترتيبهم في الفضل على حسب ترتيبهم في
الخلفة ,فالسبق فيها أكثرهم فضل ثم التالي فالتالي عند أهل السنة وإماميهم أبي
الحسن الشعري وأبي منصور الماتريدي ,فأفضلهم أبو بكر ,فعمر ,فعثمان ,
ي ,رضوان ال تعالى عليهم .
فعل ّ
قال المام الغزالي :حقيقة الفضل ما هو عند ال تعالى ,وذلك مما ل يطلع
عليه إل رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ,وقد ورد الثناء عليهم في أخبار
كثيرة ,ول يدرك دقائق الفضل والترتيب فيه إل المشاهدون للوحي والتنزيل
بقرائن الحوال ,فلول فهمهم ذلك لما رتبوا المر كذلك إذ كانوا ل تأخذهم في ال
لومة لئم ,ول يصرفهم عن الحق صارف ,ونحوه قول السعد :على هذا وجدنا
السلف والخلف .والظاهر أنهم لو لم يكن لهم دليل على ذلك لما حكموا به وقوله
134
في شرح المقاصد :يدل لنا إجمال أن جمهور عظماء الملة وعلماء المة أطبقوا
على ذلك ,وحسن الظن بهم يقضي بأنهم لو لم يعرفوه بدلئل وأمارات لما أطبقوا
عليه .ا هـ كلم اللقاني ملخصا .
قلت :وقول السعد جمهور عظماء الملة يفيد أن ذلك ليس إجماعيا ,وهو كذلك
ي رضي ال تعالى عنهما ,فقد قال بعض أكابر أهل
في الترتيب بين عثمان وعل ّ
ي على عثمان ,ومنهم سفيان الثوري ,والمام مالك في قوله
السنة بتفضيل عل ّ
الول ,ثم رجع عنه إلى تفضيل عثمان على عليّ .
أما تفضيل أبي بكر على الثلثة وعمر على الثنين ,فهو أمر إجماعي كما قال
ي نفسه :خير
العلمة ابن حجر في خاتمة الفتاوي ,وعبارته :قد صح عن عل ّ
الناس بعد النبي صلى ال عليه وآله وسلم أبو بكر ثم عمر ثم رجل آخر ,فقال له
ابنه محمد رضي ال تعالى عنهما ,ثم أنت يا أبت فقال :ما أبوك إل رجل من
المسلمين ,ومن ثمة أجمع أهل السنة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم على أن
أفضل الصحابة على الطلق :أبو بكر ,ثم عمر رضي ال تعالى عنهما .
وفي موضع آخر منها سئل ,أي ابن حجر :هل الفضلية بين الخلفاء الربعة
قطعية أم اجتهادية ,إذ ل شاهد من العقل يقطع بأفضلية بعضهم على بعض ,
والخبار الواردة في فضائلهم متعارضة ؟ فأجاب رحمه ال تعالى بقوله :إن
أفضلية أبي بكر رضي ال تعالى عنه على الثلثة ,ثم عمر رضي ال تعالى عنه
على الثنين ,مجمع عليها عند أهل السنة ل خلف بينهم في ذلك ,والجماع يفيد
ي رضي ال تعالى عنهما فظنية ,لن بعض
القطع ,وأما أفضلية عثمان على عل ّ
أكابر أهل السنة كسفيان الثوري فضل علّيا على عثمان ,وما وقع فيه خلف بين
135
ي كرم ال تعالى
أهل السنة فظني ,وأما الحاديث في ذلك فمتعارضة جدا ,بل عل ّ
وجهه ورد فيه من الحاديث المشعرة بفضله مالم يرد في الثلثة .
وأجاب عنه بعض الئمة بأن سبب ذلك أنه عاش إلى زمن الفتن وكثرت
أعداؤه وقدحهم فيه ,وحطهم عليه ,وغمصهم لحقه بباطلهم ,فبادر حفاظ الصحابة
رضوان ال تعالى عليهم ,وأخرجوا ما عندهم في حقه ,ردعا لولئك الفسقة
المارقين والخوارج المخذولين ,وأما بقية الثلثة فلم يقع لهم ما يدعوا الناس إلى
التيان بمثل ذلك الستيعاب .ا هـ .
وقال المام الشعراني في المنن :قال أبو بكر بن عياش :لو أتاني أبو بكر
ي قبلهما لقرباه من رسول ال صلى ال
ي في حاجة ,لبدأت بحاجة عل ّ
وعمر وعل ّ
عليه وآله وسلم ,ولئن أخر من السماء إلى الرض ,أحب إلي من أن أقدمه عليهما
.
قال اللقاني :ول يخفى صحة شمول الفضل لسائر أسبابه ,من علم وشجاعة ,
وحسن رأي ,وقرب من ال ورسوله ,ومحبة لهما ومنهما .
136
وروي عنه رضي ال تعالى عنه أنه قال :اضطرب الناس بعد رسول ال
صلى ال عليه وآله وسلم ,فلم يجدوا تحت أديم السماء خيرا من أبي بكر ,فلذلك
استعملوه على رقاب الناس .
) تنبيه ( :قد ظهر لذهني القاصر معنى شريف وحجة قوية في تأييد مذهب
أهل السنة الجامعين بين حب الصحابة والل ,وتزييف مذهب المفرقين بينهم من
أهل الرفض والضلل ,وذلك أن جميع ما ثبت من فضل الصحابة رضوان ال
تعالى عليهم ,هو في الحقيقة من فضائل أهل بيت النبوة ,زيادة على ما نالوه
بانتسابهم إلى حضرة صاحب الرسالة من الفضل ,فإنهم صحابة جدهم العظم
صلى ال عليه وآله وسلم ل صحابة نبي سواه ,وهم وإن كانوا في أنفسهم فضلء
نبلء حائزين من كل وصف جميل محضه ولبابه ,إل أن أفضليتهم على من
سواهم من المة إنما هي لفوزهم بتلك الصحبة الشريفة ,التي ل يوازيها عمل
عامل ,ول اجتهاد مجتهد ,وما يلزمها من اقتباس النوار والسرار ,فضل عن
فدائهم له صلى ال عليه وآله وسلم بكل ما قدروا عليه من نفس ومال وولد ووالد ,
وخوض كثير منهم أمامه في غمار الحروب ,ومخالطتهم المنايا ,حتى ظهر دين
ال المبين ,وخفقت أعلمه في العالمين ,وإل فإنا نجد في التابعين فمن بعدهم من
هو أعلم وأعبد وأروع وأزهد وأكثر حربا وجهادا وطعانا وجلدا من بعض صغار
الصحابة الذين لم تطل صحبتهم له صلى ال عليه وآله وسلم ,ولم يلزموه في
كثير من مواطنهم الشريفة وغزواته المظفرة ,ومع هذا فأقلهم فضل أفضل
التابعين ,من بعدهم إلى يوم القيامة .
فتلخص أنه صلى ال عليه وآله وسلم هو الصل الذي تفرع عنه فضل
الصحابة رضوان ال تعالى عليهم ,وكذا جميع ما ثبت لهل البيت من الفضل هو
أيضا يحسب من فضائل الصحابة الكرام زيادة على ما اتصفوا به من الفضل
137
والفخر بصحبتهم له صلى ال عليه وآله وسلم ,فإنهم ذرية نبيهم الذي استنقذهم من
ظلمات الشرك ,وزجهم في أنوار التوحيد ,وفازوا بما فازوا به بسببه من السيادة
الدنيوية والسعادة البدية ,وذريته صلى ال عليه وآله وسلم بعضه ,فكما أن فضل
الكل وهو النبي عليه الصلة والسلم هو زيادة في فضل أصحابه الذي هو متفرع
عن فضله ,فكذلك بعضه وهم الذرية الطاهرة ,فإن فضلهم فرع عن فضله صلى
ال عليه وآله وسلم .
فقد علمت أن أصل الفضلين فضل الذرية ,وفضل الصحابة هو رسول ال
صلى ال عليه وآله وسلم ,وهما فرعان عن أصل واحد ,فمهما حصل لحدهما
من مدح أو ذم لبد وأن يتعدى إلى الخر .
فلعنة ال تعالى على من فرق بينهما ,بولء بعضهم ومعاداة البعض ,فإن من
عادى أحدهما لم ينفعه ولء الخر ,وكان عدو ال ورسوله ولمن التزم ولءه
ي زين العابدين رضي ال تعالي عنهما حين
أيضا ,وانظر إلى سيدنا زيد بن عل ّ
خرج على هشام بن عبد الملك ,فقد بايعه وقتئذ ناس كثير من أهل الكوفة ,وطلبوا
منه أن يتبرأ من الشيخين أبي بكر وعمر لينصروه ,فقال :كل بل أتولهما
فقالوا :إذا نرفضك ,فقال :اذهبوا فأنتم الرافضة ,فسموا رافضة من حينئذ ,
وجاءت طائفة وقالوا :نحن نتولهما ونتبرأ ممن يتبرأ منهما فقبلهم ,وقاتلوا معه
فسموا الزيدية ,غير أنهم خلف من بعدهم خلف ,خرجوا عن مذهب زيد ,وبقي
عليهم السم فقط فمن أراد سعادة الدارين ,فعليه بمحبة الطرفين ملتزما في ذلك
الطريق الشرعي ,غير حائد عن سنن السلف والخلف ,وهو مذهب أهل السنة
السنية ,وهداة الملة الحنيفية ,أماتنا ال على ذلك غير مبدلين ,ول مغيرين ,ول
مفتونين ,ول فاتنين .
138
قال ابن السبكي في الطبقات :قال المام عبد ال بن المبارك رضي ال تعالى
عنه :
لين ولست على السلم طعانا إني امرؤ ليس في ديني لغامزه
قد قلت وال ظلما ثم عدوانــــا ول أقول علي في السحــاب إذا
وقيل :إن هارون الرشيد أعجبه ,ولما بلغه موت ابن المبارك أذن للناس أن
يعزوه فيه ,وقال أليس هو القائل :ال ) يدفع ( البيتين .ا هـ .
فإن قلت :تفريعك هذين الفرعين أهل البيت والصحابة رضوان ال تعالى
عليهم عن الصل الواحد وهو النبي صلى ال عليه وآله وسلم بالصفة التي ذكرتها
يشعر بتفضيل الذرية الطاهرة على الصحابة الكرام رضوان ال تعالى على
الجميع .
قلت :نعم وهو كذلك من حيث أنهم ذريته صلى ال عليه وآله وسلم ل من كل
حيثية ,وهذا مما ل يشتبه فيه عاقل ,فإن الذرية الطاهرة من هذه الحيثية أفضل
للعالمين على الطلق ,فإن ذلك يرجع لتفضيله عليه الصلة والسلم ,ول يشك
مؤمن بأنه أفضل الخلق كافة ,وهو بمنزلة قولك :جدهم عليه الصلة والسلم
أفضل من كل جد ,وهل يرتاب في هذا مؤمن ,ومن هنا قال المام السبكي وغيره
139
في حق السيدة فاطمة رضي ال تعالى عنها :ل نفضل على بضعة رسول ال
صلى ال عليه وآله وسلم أحدا ,فأنت تراهم وصفوها بالبضعية التي هي داعية
التفضيل ,على أمها خديجة ومريم وعائشة ,ولم يقولوا ل نفضل على زوجة عل ّ
ي
أو أم الحسنين أو غير ذلك من أوصافها الشريفة ,وهذا المعنى موجود في سائر
أولده وبناته صلى ال عليه وآله وسلم ,فهم من تلك الحيثية أفضل الناس ,
وصرح بأفضلية السيدة فاطمة على جميع الصحابة الشيخين ,فمن عاداهم الشمس
العلقمي ,وقيده المناوي بحيثية البضعية قال :فإن الشيخين بل الخلفاء الربعة
أفضل منها من حيث المعرفة والعلم ورفع منار السلم ,ولهذا نبه العلمة اللقاني
في شرح الجوهرة ,بعد ذكر أفضلية الخلفاء الربعة على من سواهم بقوله :ل
يشكل الحكم المذكور بالذرية الشريفة ,لنه ل من حيث البضعية المكرمة ,يعني
وأما من حيث البضعية فالذرية أفضل .
فاعلم ذلك واعرف منزلة أهل بيت النبوة وما خولهم ال تعالى من الفضل
الوهبي ,واختصهم به من الشرف القربي :
140
المحبة الميل إلى المحبوب ,وإيثار محبوباته ومرضياته على محبوبات النفس ,
ومرضياتها والتأدب بأخلقه وآدابه .
ي كرم ال تعالى وجهه :ل يجتمع حبي وبغض أبي بكر وعمر:
ومن ثم قال عل ّ
أي لنهما ضدان وهما ل يجتمعان .
وأخرج الدار قطني مرفوعا ":يا أبا الحسن أما أنت وشيعتك في الجنة وأن
قوما يزعمون أنهم يحبونك يصغرون السلم ,ثم يلفظونه ,يمرقون منه كما
يمرق السهم من الرمية ,لهم نبز يقال لهم الرافضة ,فإذا أدركتهم فقاتلهم ,فإنهم
مشركون " .قال الدارقطني :ولهذا الحديث عندنا طرقات كثيرة .ا هـ .
وقوله :والشيعة والرافضة أرادا غلة الشيعة ,فيكون عطف الرافضة عليهم
عطف مرادف أو عطف تفسير ,أما شيعتهم الذين لم يفارقوا سنتهم من محبة
الصحابة ومعرفة منازلهم في الفضل ,فهم القوم الخيار المبرؤون من كل عاد ,
وهم الذين عناهم رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم بقوله ":يا أبا الحسن أما
أنت وشيعتك في الجنة ".
141
ي كرم ال
وهناك طائفة من الشيعة يقال لهم المفضلة ,يقولون :بتفضيل عل ّ
تعالى وجهه على سائر الصحابة مع اعتقاد فضلهم وعدلهم ,والعتراف بما
خولهم ال تعالى من الشرف وعلوا المنزلة ,وهؤلء وإن خالفوا ما انعقد عليه
ي ,فهم أهل بدعة خفيفة ,ل يتفرع عليها
الجماع ,من تفضيل الشيخين على عل ّ
خلل في الدين ,فقد ذكرهم الحافظ السيوطي ولم يطعن في عقيدتهم .
ونقل عن الحافظ الذهبي وغيره أنهم عدول ثقات ,وأن روايتهم مقبولة ,
وشهادتهم غير معلومة ,هذا مع تدقيق الذهبي في رجال الحديث إلى درجة أدته
للطعن في بعض الثقات الذين زكاهم غيره .قال ومن هذه الطائفة كثير من السلف
والخلف وإذا أطلق لفظ الشيعة في الكتب ,فالمراد منه هؤلء مالم يقيد بالغلو ,كأن
يقال شيعي غال ,أو غلة الشيعة .
أما الروافض فهم ما بين كافر وفاسق ,لنهم رفضوا موالة كثير من الصحابة
رضي ال تعالى عنهم ,والكافر من يطعن في السيدة عائشة أم المؤمنين ,وينكر
صحبة أبيها رضي ال تعالى عنهما ,ول تشتبه بما سأتلوه عليك من كلم العارف
الشعراني فإنه إنما قصد من الروافض مفضلة الشيعة ,كما تصرح به عبارته قال:
أخذ علينا العهود أن ل نسب الروافض الذين يقدمون عليا في المحبة على أبي بكر
وعمر رضي ال تعالى عنهما ,ل الذين يسبونهم ل سيما إن كانوا أشرافا من أولد
السيدة فاطمة رضي ال تعالى عنها ,أو من أهل القرآن .
فإياك يا أخي من قولك فلن رافضي كلب ,فإن ذلك ل ينبغي ,والذي نعتقده
ي والحسن والحسين وذريتهما مطلوبة بنص القرآن في
إن التغالي في محبة عل ّ
قوله تعالي }:قل ل أسألكم عليه أجرا إل المودة في القربى {.
142
له بهم الشرف ,أمر واقع في كثير من العلماء فضل عن آحاد الناس من الشرفاء ,
ي رضي ال
ولذلك قالوا من النوادر شريف سني يقدم أبا بكر وعمر على جده عل ّ
تعالى عنهم ,وكان المام الشافعي رضي ال تعالى عنه ينشد :
وهو كلم عارف كبير منصف خبير رضي ال تعالى عنه ونفعنا به .
وقوله :من النوادر شريف سني ,ليس هو مقابل الرافضي بمعناه الحقيقي ,
وإنما هو مقابل الشيعي المفضل ,ولذلك قال بعده :يقدم أبا بكر وعمر على جده
ي رضي ال تعالى عنهم ,والرافضي ل يقر لبي بكر وعمر بفضل ل مقدما
عل ّ
ول مؤخرا ,بل يصفهما بما ل ينبغي ,ومعاذ ال تعالى أن يقول بذلك أحد ممن
صحت نسبته إلى رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم .
وحاصل العبارة أن الشريف السني الموصوف بتقديم أبي بكر وعمر على جده
ي من النوادر ,وأكثرهم سنيون ل يقولون بالتقديم مع حب الشيخين والصحابة
عل ّ
جميعا والعتراف بفضلهم ,وهذا ل يضرهم في دينهم شيئا ,ول سيما إذا كان
التقديم في المحبة ل التفضيل ,وهو الذي ينبغي حمل العبارة عليه .
143
قال جامعه :هذا ما أراد ال تعالى إبرازه على يد هذا العبد الضعيف وتم
تبييضه وطبعه في بيروت في شهر شوال سنة 1309بعد أن بقي في مسودته
إحدى عشرة سنة ,وأسأله سبحانه أن يتقبله مني ويرضى به عني .
وصلى ال تبارك وتعالى على سيدنا محمد وعلى جميع النبياء والمرسلين
وآلهم وصحبهم أجمعين ,عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته كلما
ذكره الذاكرون وغفل عن ذكرهم الغافلون وسلم تسليما كثيرا والحمد ل رب
العالمين .
144