You are on page 1of 144

‫الشرف المؤبد لل محمد‬

‫تأليف الشيخ‬
‫يوسف بن إسماعيل النبهاني‬

‫قال المؤلف رحمه ال تعالى ‪:‬‬

‫جدكم خيرة وأنتم خيـــــــــــــــار‬ ‫آل طه ياآل خير نبــــــــــــــــى‬

‫بيت قدما فأنتم الطهـــــــــــــــار‬ ‫أذهب ال عنكم الرجس أهل ال‬

‫غير ود القربى ونعم الجــــــــار‬ ‫لم يسل جدكم على الدين أجــرا‬

‫فيه حب الصحاب والبغض نــار‬ ‫حبكم جنة لكل فــــــــــــــــــؤاد‬

‫ــــــــور فيكم وإن أبى الكفــــــار‬ ‫رضى ال عنكم وأنتم النــــــــــ‬

‫" المؤلف "‬

‫* * * *‬

‫‪1‬‬
‫المقــــدمـــــــــة ‪:‬‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫وصلى ال تبارك وتعالى على سيدنا ومولنا محمد وآله وصحبه فى كل لمحة‬
‫ونفس عدد ما وسعه علم ال ‪.‬‬

‫الحمد ل الذى طهر أهل بيت نبينا من كل رجس وآتاهم من لدنه فضل كبيرا ‪,‬‬
‫طّهَرُكْم َتطِْهيًرا { ‪.‬‬
‫ت َوُي َ‬
‫س َأْهَل اْلَبْي ِ‬
‫ج َ‬
‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫ب َ‬
‫ل ِلُيْذِه َ‬
‫فقال تعالى‪ِ }:‬إّنَما ُيِريُد ا ُّ‬

‫والصلة والسلم على سيدنا محمد المبعوت من أفضل قبيلة وأكرم فصيلة ‪,‬‬
‫وعلى آله الشراف السادة ‪ ,‬وأصحابه الئمة القادة ‪.‬‬

‫أما بعد‪ :‬فيقول الفقير إلى ربه يوسف بن إسماعيل النبهانى عفا ال تعالى عنه‪:‬‬
‫إن من أهم المور الدينية ‪ ,‬وآكد العقائد السلمية اعتقاد أن سيدنا محمد صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم أفضل من كل ملك ورسول‪ ,‬وأصوله وفروعه أشرف فروع‬
‫وأصول‪ ,‬كيف ل وقد اتصلت بنسبه أنسابهم ‪ ,‬وارتبطت بحسبه أحسابهم ‪ ,‬فهم منه‬
‫وإليه ‪ ,‬وأقرب الناس لديه ‪ ,‬ول ريب في أن محبته صلى ال عليه وآله وسلم فرض‬
‫على كل موحد ‪ ,‬مجتهد أو مقلد ‪ ,‬وبحسب زيادتها ونقصانها تكون زيادة اليمان‬
‫ونقصانه ‪ ,‬ومن ادعى اليمان بدونها فقد عظم نفاقه وبهتانه ‪ ,‬ومن محبته عليه‬
‫الصلة والسلم محبة من اتصلوا به ‪ ,‬ورجعت أنسابهم كآبائه وأبنائه إلى نسبه ‪.‬‬

‫أما آباؤه فقد انقضت أعصارهم ‪ ,‬وبقيت أخبارهم ‪ ,‬فمن ادعى محبتهم لجله‬
‫فل تثريب عليه ‪ ,‬وتسلم دعواه إليه ‪ ,‬إذ ل دليل على بطلن دعواه ‪ ,‬ويوكل أمر‬
‫باطنه إلى ال ‪ ,‬وأما أبناؤه فهم بركة هذه المة ‪ ,‬الكاشفون عنها من غياهب الكون‬

‫‪2‬‬
‫كل غمة ‪ ,‬فل بد وأن يوجد فى كل عصر طائفة منهم يدفع ال بها عن الناس البلء‬
‫‪ ,‬فإنهم أمان لهل الرض كما أن النجوم أمان لهل السماء ‪ ,‬فمن عاصرهم‬
‫وادعى محبتهم بزخارف أقواله ‪ ,‬ولم يقم على دعواه البراهين من محاسن أفعاله‬
‫فدعواه فاسدة باطلة ‪ ,‬ومن حلي الصحة عاطلة ‪ ,‬هذا إذا لم يؤذهم بقلم ول لسان ‪,‬‬
‫ولم يشر إلى تنقيصهم بعين ول بنان‪ ,‬أما من فعل ذلك وادعى محبتهم فل أحسبه‬
‫إل مجنونا ‪ ,‬وبدينه مفتونا ‪.‬‬

‫ومن هذا القبيل ما وقع فى عصرنا فى القسطنطينية سنة سبع وتسعين ومائتين‬
‫وألف هجرية من قوم جهال ‪ ,‬غرقوا من أحوال البغضاء لل محمد فى أوحال‬
‫فأخذوا يتأولون بجهلهم ماورد من اليات والخبار فى فضل أهل بيت النبوة ‪,‬‬
‫ومعدن الرسالة ‪ ,‬ومهبط الوحي ‪ ,‬ومنبع الحكمة ‪ ,‬ويخرجونها عن ظواهرها‬
‫بأفهامهم السقيمة ‪ ,‬وآرائهم الذميمة ‪ ,‬ومع ذلك فقد زعموا ‪ ,‬أنهم لهل البيت من‬
‫أهل المحبة والوداد ولم يعلموا أنهم هائمون من الخذلن فى كل واد ولما أراد ال‬
‫سبحانه تمام غوايتهم قدر لهم الطلع على كتاب نوادر الصول للحكيم الترمذى‬
‫عْنكُُم‬
‫ب َ‬
‫ل ِلُيْذِه َ‬
‫وقد أتى فيه رضي ال عنه بتفسير قوله تعالى‪ }:‬إِّنَما ُيِريُد ا ُّ‬
‫طِهيًرا { ‪.‬‬
‫طّهَرُكْم َت ْ‬
‫ت َوُي َ‬
‫س َأْهَل اْلَبْي ِ‬
‫ج َ‬
‫الّر ْ‬

‫وقوله عليه الصلة والسلم ‪ " :‬إنى تارك فبكم الثقلين‪ :‬كتاب ال ‪ ,‬وأهل بيتي‬
‫عترتي " الحديث ‪.‬‬

‫وقوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪:‬‬

‫" النجوم أمان لهل السماء ‪ ,‬وأهل بيتى أمان لهل الرض " ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫بأقاويل ظاهرها مخالف لما عليه جمهور العلماء ‪ ,‬فزعم أن الية الكريمة‬
‫خاصة بالزوجات الطاهرات أمهات المؤمنين ‪ ,‬وشنع على من ذهب إلى غير ذلك‬
‫من المفسرين ‪.‬‬

‫وأغرب من هذا دعواه فى الحديث الول حديث الثقلين أن المراد من أهل‬


‫البيت فيه الئمة ‪ ,‬وفقهاء المة ‪.‬‬

‫ومثله غرابة أو أغرب‪ ,‬زعمه في الحديث الثاني أن أهل بيته صلى ال عليه‬
‫وآله وسلم فيه هم البدال ل الذرية ‪ ,‬ومنع أن تكون فى العنصر الطاهر هذه المزية‬
‫‪ ,‬وإني على يقين من أنه رحمه ال على تقدير ثبوت ذلك عنه ‪ ,‬وتحقق صدوره‬
‫منه ‪ ,‬مع استبعاد صحة نسبته إليه وقرب احتمال دسه عليه ‪ ,‬لم يقصد به إل إحقاق‬
‫الحق على وجه السداد ‪ ,‬بحسب ما أداه إليه الجتهاد وأرجو أن ل يلحقه بذلك‬
‫عتاب ‪ ,‬وأن ل يفوته على نيته الثواب ‪ ,‬فإنه ‪ ,‬نفعنا ال به ‪ ,‬من مشاهير الئمة‬
‫ومصابيح هذه المة ‪ ,‬ولعله كان فيما أتي به معذورا ‪ ,‬وقد كان ذلك فى الكتاب‬
‫مسطورا ‪.‬‬

‫وعلى كل الحال فقد تم العمل ‪ ,‬وسبق السيف العدل ‪ ,‬فأخذ أولئك المخذولون‬
‫عبارته رحمه ال وصاروا يروجون بها بضاعتهم الكاسدة ‪ ,‬ويصلحون بها‬
‫عقائدهم الفاسدة ‪ ,‬ويتمشدقون بها في مجالس إخوانهم العوام ‪ ,‬ويفهمونهم ان ل‬
‫فرق بين العترة الطاهرة وبين أحد من أهل السلم ‪ ,‬فلما شاع أمرهم المذموم ‪,‬‬
‫وفشا سر ضللتهم المكتوم ‪ ,‬حملني على تزييف مدعاهم الباطل الفاسد ‪ ,‬وهدم ما‬
‫استندوا إليه من واهيات القواعد ‪ ,‬أمر شريف صدر من أحد أجلء العصابة‬
‫المصطفوية ‪ ,‬وافق مني بواعث قلبية ‪ ,‬ومدعاهم وإن كان بديهي البطلن ‪ ،‬ل‬
‫يرتاب فيه أحد ممن شم رائحة اليمان ‪ ,‬وقد يقال‪ :‬ل حاجة إلي إبطال الباطل وما‬

‫‪4‬‬
‫هو إل من قبيل تحصيل الحاصل ‪ ,‬فهو منكر وإنكار المنكر واجب ‪ ,‬وإماطة‬
‫البدعة عن المسلمين ضربة لزب ‪.‬‬

‫فجمعت هذا الكتاب من كتب الئمة العلم ‪ ,‬ونقلت فيه أنموذجا من الكتاب‬
‫والسنة والثار فى فضل آله عليه الصلة والسلم ‪ ,‬ولم أقصره على رد تلك‬
‫القاويل الفاسدة ‪ ,‬لتتم به الفائدة ‪ ,‬وسميته ‪ ) :‬الشرف المؤبد لل محمد ( ‪.‬‬

‫وأسأل ال العظيم رب العرش الكريم ‪ ,‬أن ينفعنى به والمسلمين ‪ ,‬ويحشرنى‬


‫تحت لواء سيد المرسلين فى زمرة المحبين له ولله الطاهرين ‪ ,‬وأرجو من أهل‬
‫العلم والفهم أن يعذروني فى عدم استيفاء الكلم ‪ ,‬ويغتفروا لي زلة القلم إن عثروا‬
‫عليها فقلما سلم أحد من زلة القلم ‪ ,‬ورتبته على ثلثة مقاصد وخاتمة ‪.‬‬

‫المقصد الول ‪ :‬فى الكلم على آية ‪ِ }:‬إّنَما ُيِريُد ال { وحديثي‪ " :‬إني تارك‬
‫فيكم الثقلين ‪ ...‬وأهل بيتي أمان لمتي " ‪.‬‬

‫المقصد الثانى ‪ :‬في الكلم على شرفهم ومزاياهم وما اختصهم ال به دون من‬
‫عداهم ‪.‬‬

‫المقصد الثالث ‪ :‬في الكلم على ما فى حبهم وتوابعه من الفوز العظيم ‪ ,‬وما‬
‫في بغضهم وتوابعه من المرتع الوخيم ‪.‬‬

‫الخاتمة ‪ :‬في بيان فضل الصحابة وأن محبة آل البيت ل تجدي نفعا إذا خالطها‬
‫بغض أحد من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪.‬‬

‫* * * *‬

‫‪5‬‬
‫المقصــد الول‪:‬‬
‫وهو الحامل على جمع الكتاب في الكلم على آية ‪:‬‬

‫ل { وحديثي ‪ ":‬إني تارك فيكم الثقلين "‪ .‬و" وأهل بيتي‬


‫} ِإّنَما ُيِريُد ا ّ‬

‫أمان لمتي "‪.‬‬

‫طّهَرُكْم‬
‫ت َوُي َ‬
‫جسَ َأْهَل اْلَبْي ِ‬
‫عْنُكُم الرّ ْ‬
‫ب َ‬
‫ل ِلُيْذِه َ‬
‫قال ال تعالى‪ِ }:‬إّنَما ُيِريُد ا ُّ‬
‫طِهيًرا { ‪ .‬قال المام أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى فى تفسيره ‪ :‬يقول ال‬
‫َت ْ‬
‫عْنُكُم السوء والفحشاء ياأهل محمد ويطهركم من الدنس‬
‫ب َ‬
‫ل ِلُيْذِه َ‬
‫تعالى‪ِ :‬إّنَما ُيِريُد ا ُّ‬
‫الذي يكون في معاصي ال تطهيرا ‪.‬‬

‫وروى عن أبي زيد أن الرجس ههنا الشيطان ‪.‬‬

‫ل ِلُيْذِه َ‬
‫ب‬ ‫وذكر الطبرى بسنده إلى سعيد بن قتادة أنه قال‪ :‬قوله ‪ِ }:‬إّنَما ُيِريُد ا ُّ‬
‫طِهيًرا { ‪ ,‬فهم أهل بيت طهرهم ال من السوء‬
‫طّهَرُكْم َت ْ‬
‫ت َوُي َ‬
‫س َأْهَل اْلَبْي ِ‬
‫ج َ‬
‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫َ‬
‫وخصهم برحمة منه ‪.‬‬

‫وقال بن عطية ‪ :‬والرجس اسم يقع على الثم والعذاب ‪ ,‬وعلى النجاسات‬
‫والنقائص ‪ ,‬فأذهب ال جميع ذلك عن أهل البيت ‪.‬‬

‫وقال المام النووى‪ :‬قيل هو الشك ‪ ,‬وقيل العذاب ‪ ,‬وقيل الثم ‪.‬‬

‫قال الزهرى ‪ :‬الرجس اسم لكل مستقذر من العمل وغيره ‪.‬‬

‫* * * *‬

‫‪6‬‬
‫من هم أهل البيت ؟‬
‫واختلف المفسرون فى أهل البيت فى هذه الية ‪ ,‬فذهبت طائفة منهم أبو سعيد‬
‫الخدري وجماعة من التابعين منهم مجاهد وقتادة ‪ ,‬وغيرهم كما نقله المام البغوي‬
‫وابن الخازن وكثير من المفسرين إلى أنهم هنا أهل العباء وهم ‪ :‬سيدنا رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي ال تعالى عنهم ‪.‬‬

‫وذهب جماعة منهم العباس وابن عكرمة إلى أنهم أزواجه الطاهرات صلى ال‬
‫جك ـ إلى‬
‫ي ُقْل لْزَوا ِ‬
‫عليه وآله وسلم ؛ قال هؤلء اليات كلها من‪َ }:‬يا َأّيَها الّنِب ّ‬
‫خِبيًرا {‪ ,‬قوله ‪ :‬من سوق بعضها على بعض فكيف صار‬
‫طيًفا َ‬
‫ن َل ِ‬
‫ل َكا َ‬
‫ن ا َّ‬
‫قوله ـ ِإ ّ‬
‫في الوسط كلم لغيرهن وأجاب عن هذا القائلون بأن المراد أهل العباء بأن الكلم‬
‫العربي يدخله الستطراد والعتراض وهو تخلل الجملة الجنبية بين الكلم‬
‫عّزَة َأْهِلَها‬
‫جَعُلوا َأ ِ‬
‫سُدوَها َو َ‬
‫خُلوا َقْرَيًة َأْف َ‬
‫ك ِإَذا َد َ‬
‫ن اْلُمُلو َ‬
‫تعالى‪}:‬إ ّ‬
‫ِ‬ ‫المتناسق كقوله‬
‫سَلٌة ِإَلْيِهْم ِبَهِدّيٍة{ ‪.‬‬
‫ن َوِإّني ُمْر ِ‬
‫ك َيْفَعُلو َ‬
‫َأِذّلًة َوَكَذِل َ‬

‫ن{ جملة معترضة من جهة ال تعالى بين كلم بلقيس ‪.‬‬


‫ك َيْفَعُلو َ‬
‫فقوله‪َ }:‬وَكَذِل َ‬

‫ن َكِريٌم{‪ ,‬أي‬
‫ظيٌم ِإّنُه َلُقْرآ ٌ‬
‫عِ‬
‫ن َ‬
‫سٌم َلْو َتْعَلُمو َ‬
‫جوِم َوِإّنُه َلَق َ‬
‫سُم ِبَمَواِقِع الّن ُ‬
‫} َفل ُأْق ِ‬
‫فل أقسم بمواقع النجوم إنه لقرآن‪ ,‬وما بينهما‪ ,‬اعتراض على اعتراض‪ ,‬وهو كثير‬
‫في القرآن وغيره من كلم العرب ‪.‬‬

‫وقد ثبت من طرق عديدة صحيحة أن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم جاء‬
‫ومعه علي وفاطمة وحسن وحسين‪ ,‬قد أخذ كل واحد منهما بيد حتى دخل‪ ,‬فأدنى‬
‫عليا وفاطمة وأجلسهما بين يديه ‪ ,‬وأجلس حسنا وحسينا كل واحد على فخذه ثم لف‬
‫جسَ َأْهَل اْلَبْي ِ‬
‫ت‬ ‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫ب َ‬
‫ل ِلُيْذِه َ‬
‫عليهما كساء ثم تل هذه الية ‪ِ }:‬إّنَما ُيِريُد ا ُّ‬
‫طِهيًرا { ‪.‬‬
‫طّهَرُكْم َت ْ‬
‫َوُي َ‬

‫‪7‬‬
‫وفى رواية‪ ":‬اللهم هؤلء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا "‪.‬‬
‫قالت أم سلمة‪ :‬فرفعت الكساء لدخل معهم فجذبه من يدي فقلت‪ :‬وأنا معكم يا‬
‫رسول ال ؟ فقال‪ ":‬إنك من أزواج النبى صلى ال عليه وسلم على خير "‪.‬‬

‫وروى أحمد والطبراني عن أبي سعيد الخدري قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم‪ ":‬أنزلت هذه الية في خمسة‪ :‬في وفي علي وحسن وحسين‬
‫وفاطمة "‪.‬‬

‫وروي من طرق عديدة حسنة وصحيحة عن أنس رضي ال تعالى عنه أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم كان بعد نزول هذه الية يمر ببيت فاطمة إذا‬
‫عْنُكُم‬
‫ب َ‬
‫ل ِلُيْذِه َ‬
‫خرج إلى صلة الفجر يقول‪ ":‬الصلة أهل البيت ِإّنَما ُيِريُد ا ُّ‬
‫طِهيًرا "‪.‬‬
‫طّهَرُكْم َت ْ‬
‫ت َوُي َ‬
‫س َأْهَل اْلَبْي ِ‬
‫ج َ‬
‫الّر ْ‬

‫وعن أبى سعيد الخدري أنه صلى ال عليه وآله وسلم جاء أربعين صباحا‪,‬‬
‫يعني بعد نزول هذه الية إلى باب فاطمة يقول‪ ":‬السلم عليكم أهل البيت ورحمة‬
‫س َأْهَل الَْبْي ِ‬
‫ت‬ ‫ج َ‬
‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫ب َ‬
‫ل ِلُيْذِه َ‬
‫ال وبركاته الصلة رحمكم ال ِإّنَما ُيِريُد ا ُّ‬
‫طِهيًرا "‪.‬‬
‫طّهَرُكْم َت ْ‬
‫َوُي َ‬

‫وعن ابن عباس سبعة أشهر‪ .‬وهذا نص منه صلى ال عليه وآله وسلم على أن‬
‫المراد من أهل البيت في هذه الية هم الخمسة ‪ ,‬قالوا ولو كان أراد الزوجات‬
‫طّهَرُكْم {‪ ,‬بضمير جمع الذكور‪,‬‬
‫س _ َوُي َ‬
‫ج َ‬
‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫ب َ‬
‫الطاهرات لما قال‪ِ }:‬لُيْذِه َ‬
‫بل كان اللزم أن يقال ليذهب عنكن ويطهركن ‪ ,‬فأجابوا عن هذا بأن التذكير‬
‫طّهَرُكْم { ‪.‬‬
‫عْنُكُم _ َوُي َ‬
‫باعتبار لفظ الهل فإن لفظه مذكر ولهذا قال ‪َ }:‬‬

‫‪8‬‬
‫والجمهور على أن المراد من أهل البيت في الية ما يشمل الفريقين معا عمل‬
‫بجميع الدلة ‪ ,‬قال المقريزي‪ :‬ومن حجة الجمهور قوله }عنكم _ ويطهركم {‬
‫بالميم‪ ,‬ولو كان المراد النساء خاصة لكان عنكن ويطهركن ‪.‬‬

‫وقال بن عطية ‪ :‬والذي يظهر لي أن زوجاته ل يخرجن عن ذلك ألبتة فأهل‬


‫البيت زوجاته وبنته وبنوها وزوجها ‪.‬‬

‫وقال النسفى ‪ :‬وفيه دليل على أن نساءه من أهل بيته وقال‪}:‬عنكم{ لنه أراد‬
‫طِهيًرا{ ‪.‬‬
‫طّهَرُكْم َت ْ‬
‫الرجال والنساء من آله بدللة‪َ}:‬وُي َ‬

‫وعليه الزمخشري والبيضاوي وأبو السعود ‪ ,‬وهو كذلك في معالم التنزيل‬


‫للمام البغوي وفي الرواية التي ذكرها عن أم سلمة‪ :‬فقلت‪ :‬ألست منهم يا رسول‬
‫ال ؟ قال‪ :‬بلى "‪.‬‬

‫وقال الفخر الرازى بعد الكلم ثم إن ال تعالى ترك خطاب المؤنثات وخاطب‬
‫س {‪ ,‬ليدخل فيه نساء أهل بيته‬
‫ج َ‬
‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫ب َ‬
‫بخطاب المذكرين بقوله‪ِ }:‬لُيْذِه َ‬
‫ورجالهم‪ ,‬واختلفت القوال فى أهل البيت ‪ ,‬والولى أن يقال هم أولده وأزواجه ‪,‬‬
‫والحسن والحسين منهم ‪ ,‬وعلي منهم ‪ ,‬لنه كان من أهل بيته بسبب معاشرته بنت‬
‫النبى صلى ال عليه وآله وسلم وملزمته له ‪ .‬اهـ ‪.‬‬

‫وذكر بن جرير فى تفسيره خمس عشرة رواية بأسانيد مختلفة ‪ ,‬في أن أهل‬
‫البيت في الية ‪ ,‬هم النبى صلى ال عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة وحسن‬
‫وحسين ‪ ,‬ثم أعقبها برواية واحدة في أن المراد زوجاته الطاهرات صلى ال عليه‬
‫وآله وسلم ‪.‬‬

‫ورأيت المام الجليل خاتمة الحفاظ جلل الدين السيوطي في تفسيره الدر‬
‫المنثور قد صدر الكلم عند تفسير هذه الية بثلث روايات ‪ ,‬في أن أهل البيت‬

‫‪9‬‬
‫فيهم هم أزواجه صلى ال عليه وآله وسلم ؛ وأعقبها بعشرين رواية من طرق‬
‫مختلفة ‪ ,‬في أن المراد منهم النبي صلى ال عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن‬
‫والحسين ‪ ,‬منها ما أخرجها ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن‬
‫صّلى ا ُّ‬
‫ل‬ ‫ن رسول ال َ‬
‫مردويه عن أم سلمة زوج النبي صلى ال عليه وآله وسلم َأ ّ‬
‫طَمُة ببرمة‬
‫ي َفجاءت َفا ِ‬
‫خْيَبِر ّ‬
‫ساٌء َ‬
‫سّلَم كان في بيتها على مقامة له ‪ ,‬عليه ِك َ‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫َ‬
‫ك حسنًا‬
‫ك َواْبَْن ِ‬
‫جِ‬
‫عي َزْو ُ‬
‫سّلَم اْد ِ‬
‫عَلْيِه وآله َو َ‬
‫ل َ‬
‫صّلى ا ُّ‬
‫ل َ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ُ‬
‫ل َر ُ‬
‫خِريَزة ‪َ ،‬فَقا َ‬
‫فيها َ‬
‫سّلَم‪:‬‬
‫عَلْيِه وآله َو َ‬
‫ل َ‬
‫صّلى ا ُّ‬
‫عُتُهْم‪ ،‬فبينما هم يأكلون اذ نزلت على النبي َ‬
‫وحسينًا ‪َ ،‬فَد َْ‬
‫طِهيًرا {‪ ,‬فأخذ النبى‬
‫طّهَرُكْم َت ْ‬
‫ت َوُي َ‬
‫س َأْهَل اْلَبْي ِ‬
‫ج َ‬
‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫ب َ‬
‫ل ِلُيْذِه َ‬
‫} ِإّنَما ُيِريُد ا ُّ‬
‫سّلَم بفضلة فغشاهم إياها ثم أخرج يده من الكساء وألوى بها‬
‫عَلْيِه وآله َو َ‬
‫ل َ‬
‫صَّلى ا ُّ‬
‫حاَمِتي " ‪.‬‬
‫ل‪ ":‬اللهم َهُؤلِء َأْهُل َبْيِتي َو َ‬
‫إلى السماء ُثّم َقا َ‬

‫طِهيًرا "‪ .‬قالها ثلث‬


‫طّهْرُهْم َت ْ‬
‫جسَ َو َ‬
‫عْنُهُم الّر ْ‬
‫ب َ‬
‫وفى رواية ‪ ":‬وخاصتي َفَأْذِه ْ‬
‫مرات ‪ ,‬قالت أم سلمة‪ :‬فأدخلت رأسي في الستر فقلت‪ :‬يا رسول ال أنا معكم؟‬
‫فقال‪ ":‬إنك إلى خير مرتين " ‪.‬‬

‫ومنها ما أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وابن جرير وابن أبي حاتم‬
‫والحاكم عن عائشة أم المؤمنين رضي ال تعالى عنها قالت‪ :‬خرج النبي صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود ‪ ,‬فجاء الحسن والحسين‬
‫فأدخلهما معه ‪ ,‬ثم جاءت فاطمة فأدخلها معه ‪ ,‬ثم جاء علي فأدخله معهم ‪ ,‬ثم قال‪}:‬‬
‫طِهيًرا { ‪.‬‬
‫طّهَرُكْم َت ْ‬
‫ت َوُي َ‬
‫س َأْهَل اْلَبْي ِ‬
‫ج َ‬
‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫ب َ‬
‫ل ِلُيْذِه َ‬
‫ِإّنَما ُيِريُد ا ُّ‬

‫ومنها ما أخرجه ابن أبى شيبة وأحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم‬
‫والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن واثلة بن السقع قال‪ :‬جاء‬
‫سّلَم إلى فاطمة ومعه علي وحسن وحسين ‪ ,‬حتى‬
‫عَلْيِه وآله َو َ‬
‫ل َ‬
‫صّلى ا ُّ‬
‫ل ال َ‬
‫سو ُ‬
‫َر ُ‬
‫دخل فأدنى علّيا وفاطمة وأجلسهما بين يديه ‪ ,‬وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما‬

‫‪10‬‬
‫ج َ‬
‫س‬ ‫عْنكُُم الّر ْ‬
‫ب َ‬
‫ل ِلُيْذِه َ‬
‫على فخذه ‪ ,‬ثم لف عليهم ثوبه ثم تل هذه الية} ِإّنَما ُيِريُد ا ُّ‬
‫طِهيًرا { وقال‪ ":‬اللهم هؤلء أهل بيتي‪ ,‬اللهم أذهب عنهم‬
‫طّهَرُكْم َت ْ‬
‫ت َوُي َ‬
‫َأْهَل اْلَبْي ِ‬
‫ت ِم ْ‬
‫ن‬ ‫ل‪َ ":‬وَأنْ َ‬
‫ك ؟ َقا َ‬
‫ن َأْهِل َ‬
‫ل َوَأَنا ِم ْ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو َ‬
‫ت‪َ :‬يا َر ُ‬
‫الرجس وطهرهم تطهيرا "‪ُ .‬قْل ُ‬
‫جوُه ‪.‬‬
‫جى َما َأْر ُ‬
‫لْر َ‬
‫ل َواِثَلُة‪ِ :‬إّنُه َ‬
‫َأْهِلي "‪َ .‬قا َ‬

‫وذكر المام الواحدي في كتابه أسباب النزول الخلف‪ ,‬وذكر في كل روايتين‬


‫غير أن صدر الكلم بقوله عن عطية عن أبى سعيد ‪ }:‬إنما يريد ال ليذهب عنكم‬
‫الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا {‪ ,‬أنزلت فى خمسة ‪ :‬في النبي صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم ‪ ,‬وعلي وفاطمة والحسن والحسين ‪ ,‬وثنى بقوله عن أبى رباح قال‪:‬‬
‫حدثني من سمع أم سلمة تذكر‪ ,‬وسرد الرواية التي تقدمت عن الدر المنثور ثم ذكر‬
‫الروايتين الخريين في أنها نزلت في الزوجات الطاهرات ‪ ,‬وجعل في تفسيره‬
‫الية شاملة للفريقين جمعا بين الروايات‪ ,‬وكذا النيسابوري ذكر فى تفسيره شمولها‬
‫للفريقين ‪ ,‬وذكر في كل روايات غير أن في روايته عن أم سلمة ‪ :‬فقلت‪ :‬وأنا‬
‫منهم ؟ فقال‪ ":‬نعم "‪ .‬ثم قال‪ :‬قال مقاتل‪ :‬أزواج النبي صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫داخلت في حكم هذه الية ‪ ,‬وإذا اجتمع المذكر والمؤنث في موضع غلب المذكر‬
‫على المؤنث ولهذا قال‪}:‬عنكم ‪ -‬ويطهركم{ ‪.‬‬

‫وقال المقريزى ‪ :‬والذى يظهر من الية أنها عامة في جميع أهل البيت من‬
‫الزواج وغيرهم ‪ ,‬وإنما قال} ويطهركم { لن رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم وعليا وحسنا وحسينا كانوا داخلين فيهم ‪ ,‬وإذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب‬
‫المذكر‪ ,‬فاقتضت الية أن الزوجات من أهل البيت يدل عليه سياق الكلم ‪.‬‬

‫ثم قال‪ :‬ويروى حديث أم سلمة ‪ ":‬أدخلت رأسي في الكساء وقلت وأنا منهم ؟‬
‫فقال نعم " ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وقال المحقق ابن حجر فى الصواعق ‪ :‬إن المراد بالبيت في الية ما يشمل بيت‬
‫النبي صلى ال عليه وآله وسلم وبيت سكناه فتشمل الية أزواجه عليه الصلة‬
‫والسلم ‪.‬‬

‫وقال الثعلبى‪ :‬قيل هم بنو هاشم ‪ ,‬فهذا يؤول على أن البيت المراد به بيت‬
‫النسب ‪ ,‬فيكون العباس وأعمامه وبنو أعمامه منهم ‪ ,‬وهو قول زيد بن أرقم كما في‬
‫الخازن وغيره ‪.‬‬

‫وأعم من هذا ما ذكره العلمة الخطيب فى تفسيره فقال‪ :‬وأختلف في أهل البيت‬
‫والولى فيهم ما قاله البقاعي أنهم كل من يكون من ألزام النبي صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم من الرجال والنساء والزواج والماء والقارب ‪ ,‬وكلما كان النسان منهم‬
‫أقرب وبالنبى صلى ال عليه وآله وسلم أخص وألزم‪ ,‬كان بالرادة أحق وأقدر‪ .‬اهـ‬
‫‪.‬‬

‫إذا علمت هذا تعلم أن مذهب جمهور المفسرين شمول الية للفريقين أهل العباء‬
‫وأمهات المؤمنين رضوان ال تعالى عليهم أجمعين ‪.‬‬

‫وقال شيخ الصوفية ‪ ,‬وإمام العارفين الشيخ الكبر سيدى محيي الدين بن‬
‫العربي رضي ال تعالى عنه في الباب التاسع والعشرين من الفتوحات المكية ‪:‬‬
‫ولما كان رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم عبدا محضا قد طهره ال وأهل بيته‬
‫تطهيرا وأذهب عنهم الرجس ‪ ,‬وهو كل ما يشينهم ‪ ,‬فإن الرجس هو القذر عند‬
‫العرب ‪ ,‬هكذا حكى الفراء قال تعالى ‪ }:‬إنما يريد ال ليذهب عنكم الرجس أهل‬
‫البيت ويطهركم تطهيرا {‪ ,‬فل يضاف إليهم إل مطهر‪ ,‬ول بد‪ ,‬فإن المضاف إليهم‬
‫هو الذي يشبههم ‪ ,‬فما يضيفون لنفسهم إل من له حكم الطهارة والتقديس ‪ ,‬فهذه‬
‫شهادة من النبي صلى ال عليه وآله وسلم لسلمان الفارسي ‪ ,‬بالطهارة والحفظ‬
‫اللهي والعصمة ‪ ,‬حيث قال فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ":‬سلمان منا أهل‬

‫‪12‬‬
‫البيت "‪ .‬وشهد ال لهم بالتطهير وذهاب الرجس عنهم ‪ .‬وإذا كان ل يضاف إليهم‬
‫إل مطهر مقدس ‪ ,‬وحصلت له العناية الربانية اللهية بمجرد الضافة ‪ ,‬فما ظنك‬
‫بأهل البيت في نفوسهم ‪ ,‬فهم المطهرون ‪ ,‬بل هم عين الطهارة ‪ ,‬فهذه الية تدل‬
‫على أن ال قد شرك أهل البيت مع رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم في قوله‬
‫خَر { ‪.‬‬
‫ك َوَما َتَأ ّ‬
‫ن َذْنِب َ‬
‫ل َما َتَقّدَم ِم ْ‬
‫ك ا ُّ‬
‫تعالى ‪ِ }:‬لَيْغِفَر َل َ‬

‫وأي وسخ وقذر أقذر من الذنوب وأوسخ ‪ ,‬فطهر ال سبحانه نبيه صلى ال‬
‫عليه وسلم بالمغفرة مما هو ذنب بالنسبة إلينا ‪ ,‬لو وقع منه صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم لكان ذنبا في الصورة ل في المعنى ‪ ,‬لن الذنب ل يلحق به على ذلك من ال‬
‫تعالى ول منا شرعا ‪ ,‬فلو كان حكمه حكم الذنب لصحبه ما يصحب الذنب من‬
‫طّهَرُكمْ‬
‫ت َوُي َ‬
‫جسَ َأْهَل اْلَبْي ِ‬
‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫ب َ‬
‫المذمة ولم يكن يصدق قوله‪ِ }:‬لُيْذِه َ‬
‫طِهيًرا {‪ .‬فدخل الشرفاء أولد فاطمة كلهم ومن هو من أهل البيت ‪ ,‬مثل سلمان‬
‫َت ْ‬
‫الفارسي ‪ ,‬إلى يوم القيامة في حكم هذه الية من الغفران ‪ ,‬فهم المطهرون‬
‫اختصاصا من ال وعناية بهم ‪ ,‬لشرف سيدنا محمد صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫وعناية ال تعالى به ‪ ,‬ول يظهر حكم هذا الشرف لهل البيت إل في الدار الخرة ‪,‬‬
‫فأنهم يحشرون مغفورا لهم ‪ ,‬وأما في الدنيا فمن أتى منهم حدا ‪ ,‬أقيم عليه كالتائب‬
‫إذا بلغ الحاكم أمره ‪ ,‬وقد زنى أوسرق أو شرب أقيم عليه الحد مع تحقق المغفرة‬
‫) كماعز ( وأمثاله ول يجوز ذمه ‪.‬‬

‫وينبغي لكل مسلم مؤمن بال وبما أنزله أن يصدق ال تعالى في قوله ‪ِ }:‬لُيْذِه َ‬
‫ب‬
‫طِهيًرا (‪ ,‬فيعتقد في جميع ما يصدر من أهل‬
‫طّهَرُكْم َت ْ‬
‫ت َوُي َ‬
‫س َأْهَل اْلَبْي ِ‬
‫ج َ‬
‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫َ‬
‫البيت أن ال تعالى قد عفا عنهم فيه ‪ ,‬فل ينبغى لمسلم أن يلحق المذمة بهم ‪ ,‬ول ما‬
‫يشنأ أعراض ما من قد شهد ال تعالى بتطهيرهم وذهاب الرجس عنهم ‪ ,‬ل بعمل‬
‫ل ُيْؤِتيِه‬
‫ضُل ا ِّ‬
‫ك َف ْ‬
‫عملوه ول بخير قدموه ‪ ,‬بل بسابق عناية من ال تعالى بهم ‪َ }:‬ذِل َ‬

‫‪13‬‬
‫ظيِم {‪ ,‬وإذا صح الخبر الوارد في سلمان الفارسي ‪,‬‬
‫ضِل اْلَع ِ‬
‫ل ُذو اْلَف ْ‬
‫شاُء َوا ُّ‬
‫ن َي َ‬
‫َم ْ‬
‫فله هذه الدرجة فإنه لو كان سلمان على أمر يشنؤه ظاهر الشرع وتلحق المذمة‬
‫بعمله ‪ ,‬لكان مضافا إلى أهل البيت من لم يذهب عنه الرجس ‪ ,‬فيكون لهل البيت‬
‫من ذلك بقدر ما أضيف إليهم وهم المطهرون بالنص ‪.‬‬

‫انتهى كلم الشيخ الكبر‪ ,‬فقد صرح كما ترى وهو إمام الصوفية ‪ ,‬وكفى به‬
‫حجة بدخول الشرفاء أولد فاطمة كلهم رضي ال تعالى عنهم ‪ ,‬ومواليهم كسلمان‬
‫الفارسى رضي ال تعالى عنه إلى يوم القيامة في حكم هذه الية من الغفران ‪ ,‬فهم‬
‫المطهرون اختصاصا من ال تعالى وعناية بهم لشرف سيدنا محمد صلى ال عليه‬
‫وآله وسلم وعناية ال تعالى به ‪.‬‬

‫ول تلتفت بعد ما سردته عليك من كلم الئمة العلم إلى ظاهر ما قاله‬
‫الترمذى الحكيم رضي ال تعالى عنه في نوادر الصول وتمسك به بعض الجهلة‬
‫المخذولين ‪ ,‬من عدم شمول الية لهل العباء ‪ ,‬وهذه عبارته بعد كلم شنع فيه‬
‫على الطائفة الزائغة المفتونة ‪ ,‬وأحسبه عنى بها الغلة من الشيعة قال‪ :‬وتأولوا‬
‫طِهيًرا {‪,‬‬
‫طّهَرُكْم َت ْ‬
‫ت َوُي َ‬
‫س َأْهَل اْلَبْي ِ‬
‫ج َ‬
‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫ب َ‬
‫ل ِلُيْذِه َ‬
‫قوله تعالى‪ِ }:‬إّنَما ُيِريُد ا ُّ‬
‫أنما هم علي وفاطمة والحسن والحسين ‪ ,‬وهي لهم خاصة وكيف يجوز هذا ومبتدأ‬
‫جرًا‬
‫ك { إلى قوله‪ }:‬أ ْ‬
‫جَ‬
‫ي ُقْل لْزَوا ِ‬
‫هذا الخطاب قوله عز وجل‪َ}:‬يا َأّيَها الّنِب ّ‬
‫ج َ‬
‫س‬ ‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫ب َ‬
‫ل ِلُيْذِه َ‬
‫عظيمًا { ثم قال‪ }:‬يا نساَء النبي{ إلى قوله‪ِ}:‬إّنَما ُيِريُد ا ُّ‬
‫َ‬
‫ت{ ثم قال‪}:‬واذكرن{ وهذا كلم منسوق أثره على أثر بعض ‪ ,‬فكيف‬
‫َأْهَل اْلَبْي ِ‬
‫صارت هذه المخاطبات كلها لنساء النبي عليه الصلة والسلم قبل وبعدا ‪,‬‬
‫وينصرف في الوسط لغيرهن وهو على نسق ونظام واحد ‪ ,‬لنه قال ‪}:‬ليذهب‬
‫عنكم الرجس أهل البيت{ ثم قال على إثره }بيوتكن{‪ ,‬فكيف صار الكاف الثاني‬

‫‪14‬‬
‫خطابا للنساء والول لعلي وفاطمة رضي ال تعالى عنهما ؟ وأين ذكرهما في هذه‬
‫اليات ؟‬

‫فإن قال إن كان الخطاب لنسائه فكيف قال‪ }:‬ليذهب عنكم{ ولم يقل عنكن ؟‬

‫قلنا إنما ذكره لنه ينصرف إلى الهل‪ ,‬والهل مذكر فسماهن باسم التذكير وإن‬
‫كن إناثا ‪.‬‬

‫وقد يروى عن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم أنه لما نزلت هذه الية‬
‫دخل عليه علي وفاطمة والحسن والحسين رضوان ال تعالى عليهم ‪ ,‬فعمد النبي‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم إلى الكساء فلفها عليهم ثم ألوى بيده إلى السماء فقال‪":‬‬
‫هؤلء أهلي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا "‪ .‬فهذه دعوة منه لهم بعد نزول‬
‫الية أحب أن يدخلهم في الية التى خوطب بها الزواج ‪ ,‬رضوان ال تعالى عليهم‬
‫أجمعين انتهى ‪.‬‬

‫أقول‪ :‬إن كلمه رضي ال تعالى عنه غير مسلم ‪ ,‬ليس من حيث قصره أهل‬
‫البيت فى الية على الزوجات الطاهرات ‪ ،‬فإن له في ذلك شركاء من الئمة وإن‬
‫قلوا كما علمت ‪ ,‬ولكن من حيث تشنيعه على القائلين باختصاص فاطمة وزوجها‬
‫وابنيها بهذه الية بعباراته الشديدة ‪ ,‬فإن كان مراده بهم هم غلة الشيعة ‪ ,‬وهو‬
‫الظاهر من الوصاف الذميمة التي وصفهم بها ويقتضيه حسن الظن به فل بأس‪,‬‬
‫غير أن نسبة هذا القول إليهم غير صواب ‪ ،‬فقد تقدم أنه قال به أبو سعيد الخدري‬
‫من الصحابة وجماعة من التابعين ‪ ,‬منهم قتادة ومجاهد الذي قال فيه المام‬
‫الشافعى رضي ال تعالى عنه‪ :‬إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به ‪ ,‬وإذا‬
‫تأملت في عبارته رحمه ال ظهر لك منها أنه حنق أيضا على القائلين بشمول الية‬
‫لهل العباء والزوجات الطاهرات معا ‪ ,‬وقد علمت مما تقدم أن هذا مذهب جمهور‬
‫المفسرين من أهل السنة والجماعة ‪ ,‬وقد ظهر لذهني الفاتر تعليل وجيه لشمول‬

‫‪15‬‬
‫الية للفريقين ‪ ,‬وهو أني نظرت إلى سابق هذه الية ولحقها من قوله تعالى‪ُ }:‬قْل‬
‫ن{‪,‬‬
‫ن َما ُيْتَلى ِفي بُُيوِتُك ّ‬
‫حَياَة الّدْنَيا { إلى قوله‪َ }:‬واْذُكْر َ‬
‫ن اْل َ‬
‫ن ُتِرْد َ‬
‫ن ُكْنُت ّ‬
‫ك ِإ ْ‬
‫جَ‬
‫لْزَوا ِ‬
‫فوجدت ضمير جميع النسوة مذكورا في اثنين وعشرين موضعا‪ ,‬عشرين قبلها‬
‫واثنين بعدها ‪ ,‬ولم يأتي ضمير جمع الذكور إل في عنكم ويطهركم ‪ ,‬فلو كان‬
‫المراد أزواجه صلى ال عليه وآله وسلم خاصة لكان إتباع هذين الضميرين‬
‫للثنين وعشرين ضمير أولى وأحرى‪ ,‬ليكون الكلم على نسق واحد‪ ,‬فلم تحصل‬
‫المخالفة فيهما إل لمخالفة المراد منهما للمراد مما قبلهما وبعدهما‪ ,‬ويكون ذلك‬
‫بشمولهما مع الزوجات الطاهرات ما أفصح الحديث بدخولهم وهم أهل العباء ‪.‬‬

‫وأما تذكير لفظ الهل فغاية ما يقتضيه جواز تذكير الضمير باعتباره كما يجوز‬
‫تأنيثه أيضا باعتبار المعنى ‪ ,‬ويرجح جانب المعنى هنا إحاطة ضمائر النسوة‬
‫بهذين الضميرين من كلتا جهتيهما ‪ ,‬فإذن لم يعدل عن التأنيث للتذكير فيهما إل‬
‫لمر آخر وهو دخول أهل العباء في الخطاب‪ ,‬وفي الهل بالمعنى الذي نص عليه‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم نصا ل يقبل التأويل فى قوله ‪ ":‬اللهم هؤلء‬
‫أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا "‪.‬‬

‫ص على دخولهم‪:‬‬
‫وقد قال الحكيم فى آخر عبارته السابقة بعد سرده الحديث النا ّ‬
‫فهذه دعوة منه صلى ال عليه وآله وسلم لهم بعد نزول الية أحب أن يدخلهم فى‬
‫الية التي خوطب بها الزواج انتهى ‪.‬‬

‫وكيف يحب رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم دخول قوم فى آية من كتاب‬
‫ال لم يدخلهم ال فيها ؟ والذي يدل دللة واضحة على أن المراد من الية أهل‬
‫العباء مع الزوجات إن لم نقل وحدهم ‪ ,‬الرواية التي أخرجها عن أم سلمة ابن‬
‫جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه ‪ ,‬وتقدمت عن الدر‬
‫سّلَم كان في بيتها‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬
‫ن رسول ال صَّلى ا ُّ‬
‫المنثور للحافظ السيوطي ‪ ,‬وهي‪َ :‬أ ّ‬

‫‪16‬‬
‫سو ُ‬
‫ل‬ ‫ل َر ُ‬
‫خِريَزة َفَقا َ‬
‫طَمُة ببرمة فيها َ‬
‫ي َفجاءت َفا ِ‬
‫خْيَبِر ّ‬
‫ساٌء َ‬
‫على مقامة له ‪ ,‬عليه ِك َ‬
‫ك حسنًا‪ ,‬فبينما هم يأكلون اذ نزلت‬
‫ك َواْبَْن ِ‬
‫جِ‬
‫عي َزْو ُ‬
‫سّلَم اْد ِ‬
‫عَلْيِه وآله َو َ‬
‫ل َ‬
‫صّلى ا ُّ‬
‫الِّ َ‬
‫س َأْهَل اْلَبْي ِ‬
‫ت‬ ‫ج َ‬
‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫ب َ‬
‫ل ِلُيْذِه َ‬
‫سّلَم}ِإّنَما ُيِريُد ا ُّ‬
‫عَلْيِه وآله َو َ‬
‫ل َ‬
‫صّلى ا ُّ‬
‫على النبي َ‬
‫سّلَم بفضلة‬
‫عَلْيِه وآله َو َ‬
‫ل َ‬
‫صّلى ا ُّ‬
‫عُتُهْم وحسينًا‪ ,‬فأخذ النبي َ‬
‫طِهيًرا {‪َ ,‬فَد َْ‬
‫طّهَرُكْم َت ْ‬
‫َوُي َ‬
‫ل‪ ":‬اللهم َهُؤلِء‬
‫فغشاهم إياها ثم أخرج يده من الكساء وألوى بها إلى السماء ُثّم َقا َ‬
‫حاَمِتي " ‪.‬‬
‫َأْهُل َبْيِتي َو َ‬

‫طِهيًرا ‪ ,‬قالها ثلث‬


‫طّهْرُهْم َت ْ‬
‫جسَ َو َ‬
‫عْنُهُم الّر ْ‬
‫ب َ‬
‫وفى رواية ‪ " :‬وخاصتى َفَأْذِه ْ‬
‫مرات ‪ ,‬قالت أم سلمة‪ :‬فأدخلت رأسي في الستر فقلت‪ :‬يا رسول ال أنا معكم ‪,‬‬
‫فقال‪ ":‬إنك إلى خير مرتين "‪.‬‬

‫فأنت ترى هذه الرواية صريحة في تخصيص الية في أهل العباء ‪ ,‬نعم ذكر‬
‫المام البغوي في معالم التنزيل في الرواية عن أم سلمة‪ ":‬فقلت‪ :‬ألست منهم يا‬
‫رسول ال ؟ قال‪ :‬بلى "‪.‬‬

‫وذكر المقريزى رواية عنها‪ ":‬فقلت‪ :‬وأنا منهم ؟ فقال‪ :‬نعم " ‪.‬‬

‫فهاتان الروايتان مع سابق الية ولحقها يدلن على دخول الزوجات الطاهرات‬
‫في المراد منها ‪ .‬وحينئذ تكون شاملة للفريقين كما هو مذهب جمهور المفسرين ‪,‬‬
‫فقد تلخص فى أن المراد من أهل البيت في الية خمسة أقوال ‪:‬‬

‫أولها ‪ :‬قول الجمهور أنها شاملة للفريقين وهو الذي عليه العتماد ‪.‬‬

‫الثانى ‪ :‬قول أبى سعيد الخدرى من الصحابة وجماعة من التابعين منهم مجاهد‬
‫وقتادة أن أهل البيت فيها هم أهل العباء خاصة ‪.‬‬

‫الثالث ‪ :‬قول ابن عباس من الصحابة وعكرمة من التابعين أن المراد الزوجات‬


‫الطاهرات ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫الرابع ‪ :‬ما نقله ابن حجر فى الصواعق عن الثعلبي من أنهم بنو هاشم ‪ ,‬على‬
‫أن البيت المراد به بيت النسب ‪ ,‬فيكون العباس وأعمامه وبنو أعمامه منهم ‪ ,‬قال‬
‫في الخازن هو قول زيد بن أرقم ‪.‬‬

‫الخامس ‪ :‬ما نقله الخطيب الشربيني عن البقاعي قال وهو الولى من أنهم كل‬
‫من يكون من ألزام النبى صلى ال عليه وآله وسلم من الرجال والنساء والزواج‬
‫والماء والقارب ‪ ,‬وكل ما كان النسان منهم أقرب وبالنبي صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم أخص وألزم كان بالرادة أحق وأجدر اهـ ‪.‬‬

‫وحيث قد استوفينا الكلم وأشعبنا النقول على الية بما ل مزيد عليه فلنشرع‬
‫فى الكلم عن الحديثين ‪.‬‬

‫* * * *‬

‫الثقليــــــــــــــــــن‪:‬‬
‫في الكلم على قوله صلى ال عليه وآله وسلم‪ ":‬إني تارك فيكم الثقلين كتاب‬
‫ال وعترتي "‪.‬‬

‫ن ْب ُ‬
‫ن‬ ‫صْي ُ‬
‫ح َ‬
‫ت َأَنا َو ُ‬
‫طَلْق ُ‬
‫أخرج المام مسلم فى صحيحه عن يزيد بن حيان قالَ‪ :‬اْن َ‬
‫ت َيا‬
‫ن‪َ :‬لَقدْ َلِقي َ‬
‫صْي ٌ‬
‫ح َ‬
‫ل َلُه ُ‬
‫سَنا ِإَلْيِه َقا َ‬
‫جَل ْ‬
‫ن َأْرَقَم‪َ ,‬فَلّما َ‬
‫سِلٍم ِإَلى َزْيِد ْب ِ‬
‫ن ُم ْ‬
‫عَمُر ْب ُ‬
‫سْبَرَة َو ُ‬
‫َ‬
‫حِديَثُه َوغََزْو َ‬
‫ت‬ ‫ت َ‬
‫سِمْع َ‬
‫سّلَم َو َ‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬
‫صّلى ا ُّ‬
‫ل َ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو َ‬
‫ت َر ُ‬
‫خْيًرا َكِثيًرا ‪َ ,‬رَأْي َ‬
‫َزْيُد َ‬
‫ت ِم ْ‬
‫ن‬ ‫سِمْع َ‬
‫حّدْثَنا َيا َزْيُد َما َ‬
‫خْيًرا َكِثيًرا ‪َ ,‬‬
‫ت َيا َزْيُد َ‬
‫خْلَفُه ‪َ ,‬لَقْد َلِقي َ‬
‫ت َ‬
‫صّلْي َ‬
‫َمَعُه َو َ‬
‫عْهِدي‬
‫سّني َوَقُدَم َ‬
‫ت ِ‬
‫ل َلَقْد َكِبَر ْ‬
‫خي َوا ِّ‬
‫ن َأ ِ‬
‫ل‪َ :‬يا اْب َ‬
‫سّلَم ‪َ ,‬قا َ‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬
‫صّلى ا ُّ‬
‫ل َ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ِ‬
‫َر ُ‬
‫حّدْثُتُكْم‬
‫سّلَم َفَما َ‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬
‫صّلى ا ُّ‬
‫ل َ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ِ‬
‫ن َر ُ‬
‫عي ِم ْ‬
‫ت َأ ِ‬
‫ض اّلِذي ُكْن ُ‬
‫ت َبْع َ‬
‫سي ُ‬
‫َوَن ِ‬
‫سّلَم َيْوًما ِفيَنا‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬
‫صّلى ا ُّ‬
‫لِ َ‬
‫لا ّ‬
‫سو ُ‬
‫ل‪َ :‬قاَم َر ُ‬
‫َفاْقَبُلوا َوَما ل َفل ُتَكّلُفوِنيِه ‪ُ ,‬ثّم َقا َ‬

‫‪18‬‬
‫ظ َوَذّكَر ُثّم‬
‫عَ‬‫عَلْيِه َوَو َ‬
‫لَ َوَأْثَنى َ‬
‫حِمَد ا ّ‬
‫ن َمّكَة َواْلَمِديَنِة َف َ‬
‫خّما َبْي َ‬
‫عى ُ‬
‫طيًبا ِبَماٍء ُيْد َ‬
‫خِ‬‫َ‬
‫ب َوَأَنا‬
‫جي َ‬
‫سوُل َرّبي َفُأ ِ‬
‫ي َر ُ‬
‫ن َيْأِت َ‬
‫ك َأ ْ‬
‫شُ‬
‫شٌر ُيو ِ‬
‫س َفِإّنَما َأَنا َب َ‬
‫ل‪َ ":‬أّما َبْعُد َأل َأّيَها الّنا ُ‬
‫َقا َ‬
‫سُكوا‬
‫سَتْم ِ‬
‫ل َوا ْ‬
‫ب ا ِّ‬
‫خُذوا ِبِكَتا ِ‬
‫ل ِفيِه اْلُهَدى َوالّنوُر‪َ ,‬ف ُ‬
‫ب ا ِّ‬
‫ك ِفيُكْم َثَقَلْين َأّوُلُهَما ِكَتا ُ‬
‫َتاِر ٌ‬
‫ل ِفي َأْهِل‬
‫ل‪َ ":‬وأَْهُل َبْيِتي ُأَذّكُرُكْم ا َّ‬
‫ب ِفيِه ُثّم َقا َ‬
‫غ َ‬
‫ل َوَر ّ‬
‫ب ا ِّ‬
‫عَلى ِكَتا ِ‬
‫ث َ‬
‫ح ّ‬
‫ِبِه "‪َ .‬ف َ‬
‫صْينٌ َوَم ْ‬
‫ن‬ ‫ح َ‬
‫ل َلُه ُ‬
‫ل ِفي َأْهِل َبْيِتي "‪َ .‬فَقا َ‬
‫ل ِفي َأْهِل َبْيِتي ُأَذّكُرُكْم ا َّ‬
‫َبْيِتي ُأَذّكُرُكْم ا َّ‬
‫ل َبْيِتِه‬
‫ن َأْه ُ‬
‫ل َبْيِتِه َوَلِك ْ‬
‫ن َأْه ِ‬
‫ساُؤُه ِم ْ‬
‫ل ِن َ‬
‫ل َبْيِتِه ؟ َقا َ‬
‫ن َأْه ِ‬
‫ساُؤُه ِم ْ‬
‫س ِن َ‬
‫ل َبْيِتِه َيا َزْيُد َأَلْي َ‬
‫َأْه ُ‬
‫ل جَْعَفٍر َوآ ُ‬
‫ل‬ ‫ل َوآ ُ‬
‫عِقي ٍ‬
‫ل َ‬
‫ي َوآ ُ‬
‫عِل ّ‬
‫ل َ‬
‫ل‪ُ :‬هْم آ ُ‬
‫ن ُهْم ؟ َقا َ‬
‫ل‪َ :‬وَم ْ‬
‫صَدَقَة َبْعَدُه ‪َ .‬قا َ‬
‫حِرَم ال ّ‬
‫ن ُ‬
‫َم ْ‬
‫ل َنَعْم ‪.‬‬
‫صَدَقَة َقا َ‬
‫حِرَم ال ّ‬
‫ل َهُؤلِء ُ‬
‫ل‪ُ :‬ك ّ‬
‫س ‪َ .‬قا َ‬
‫عّبا ٍ‬
‫َ‬

‫ن اْلَمْرَأَة‬
‫ل ‪ِ ,‬إ ّ‬
‫ل ل َوأْيُم ا ِّ‬
‫ساُؤُه ؟ َقا َ‬
‫ل َبْيِتِه ِن َ‬
‫ن َأْه ُ‬
‫وفى رواية لمسلم أيضا ‪َ :‬فُقْلَنا َم ْ‬
‫ل َبْيِتِه‬
‫جُع ِإَلى َأِبيَها َوَقْوِمَها ‪َ ,‬أْه ُ‬
‫طّلُقَها َفَتْر ِ‬
‫ن الّدْهِر ُثّم ُي َ‬
‫صَر ِم ْ‬
‫ل اْلَع ْ‬
‫جِ‬‫ن َمَع الّر ُ‬
‫َتُكو ُ‬
‫صَدَقَة َبْعَدُه ‪.‬‬
‫حِرُموا ال ّ‬
‫ن ُ‬
‫صَبُتُه اّلِذي َ‬
‫ع َ‬
‫َأصُْلُه َو َ‬

‫قال المام النووي فى شرحه ‪ :‬فهاتان الروايتان ظاهرهما التناقض والمعروف‬


‫في معظم الروايات في غير مسلم أنه قال ‪ :‬نساؤه لسن من أهل بيته ‪ ,‬فتؤول‬
‫الرواية الولى على أن المراد أنهن من أهل بيته الذين يساكنونه ويعولهم وأمر‬
‫باحترامهم وإكرامهم ‪ ,‬وسماهم ثقل ووعظ في حقوقهم وذكر ‪ ,‬فنساؤه داخلت في‬
‫هذا كله ول يدخلن فيمن حرم الصدقة ‪ ,‬فاتفقت الروايتان ‪ .‬قال العلماء ‪ :‬سميا ثقلين‬
‫لعظمهما وكبر شأنهما ‪.‬‬

‫سّماُهما ثقلين إعظاما‬


‫وفى النهاية لبن الثير‪ :‬يقال لكل خطير نفيس ثقل ف َ‬
‫شأِنهما ‪ ,‬وفى القاموس ‪ :‬الثقل محركة كل شىء مصون نفيس ‪,‬‬
‫ِلَقْدِرهما وَتْفخيما ل َ‬
‫ومنه الحديث‪ ":‬إني تارك فيكم الثقلين كتاب ال وعترتي "‪.‬‬

‫قال الصبان في إسعاف الراغبين ‪ :‬ومعنى‪ ":‬أذكركم ال فى أهل بيتى "‬


‫أحذركم ال فى شأن أهل بيتي ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫وقال ابن علن في شرح رياض الصالحين ‪ :‬وفي تكريره تأكيد الوصاية بهم‬
‫وطلب العناية بشأنهم ‪ ،‬فيكون من قبيل الواجب المؤكد المطلوب على طريق‬
‫الحث‪.‬‬

‫ب َوِإّني َتاِر ٌ‬
‫ك‬ ‫جي َ‬
‫عى َفُأ ِ‬
‫ن ُأْد َ‬
‫ك َأ ْ‬
‫شُ‬
‫وفي السعاف ‪ :‬ولفظ رواية المام أحمد ‪ُ ":‬أو ِ‬
‫سَماِء ِإَلى‬
‫ن ال ّ‬
‫حْبٌل َمْمُدوٌد ِم ْ‬
‫ل َ‬
‫ب ا ِّ‬
‫عْتَرِتي ‪ِ ,‬كَتا ُ‬
‫جّل َو ِ‬
‫عّز َو َ‬
‫ل َ‬
‫ب ا ِّ‬
‫ن ِكَتا َ‬
‫ِفيكُْم الّثَقَلْي ِ‬
‫حّتى‬
‫ن َيْفَتِرَقا َ‬
‫خَبَرِني َأّنُهَما َل ْ‬
‫خِبيَر َأ ْ‬
‫ف اْل َ‬
‫طي َ‬
‫ن الّل ِ‬
‫عْتَرِتي َأْهُل َبْيِتي ‪َ ,‬وِإ ّ‬
‫ض َو ِ‬
‫الر ِ‬
‫خُلُفوِني ِفيِهَما "‪.‬‬
‫ظُروِني ِبَم َت ْ‬
‫ض َفاْن ُ‬
‫حْو َ‬
‫ي اْل َ‬
‫عَل ّ‬
‫َيرَِدا َ‬

‫وقوله حبل ممدود ‪ :‬المراد منه عهد ال أو السبب الموصل إلى رحمته ورضاه‬
‫قاله النووى ‪.‬‬

‫ورواية جابر رضي ال عنه ‪ ":‬أيها الناس قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن‬
‫تضلوا كتاب ال وعترتي أهل بيتي "‪.‬‬

‫وقد قصر الترمذي الحكيم في نوادر الصول العترة أهل البيت في الحديث‬
‫على أئمتهم وأطال في ذلك وهذه عبارته ‪ :‬قال‪ :‬الصل الخمسون فى العتصام‬
‫بالكتاب والعترة ‪ ,‬وبيانها عن جابر بن عبد ال رضي ال تعالى عنه قال‪َ :‬رَأْي ُ‬
‫ت‬
‫صَواِء ‪،‬‬
‫عَلى َناَقِتِه اْلَق ْ‬
‫عَرَفَة َوُهَو َ‬
‫جِتِه َيْوَم َ‬
‫حّ‬
‫سّلَم ِفي َ‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬
‫صّلى ا ُّ‬
‫ل َ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو َ‬
‫َر ُ‬
‫ضّلوا‬
‫ن َت ِ‬
‫خْذُتْم ِبِه َل ْ‬
‫ن َأ َ‬
‫ت ِفيُكْم َما ِإ ْ‬
‫س َقْد َتَرْك ُ‬
‫ل‪َ ":‬أّيَها الّنا ُ‬
‫سِمْعُتُه َوُهَو َيُقو ُ‬
‫ب َف َ‬
‫ط َ‬
‫خَ‬‫َف َ‬
‫عْتَرِتي َأْهَل َبْيِتي "‪.‬‬
‫ل َو ِ‬
‫ب ا ِّ‬
‫ِكَتا َ‬

‫وعن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي ال تعالى عنه قال ‪ :‬لما صدر رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم من حجة الوداع خطب فقال ‪ ":‬أيها الناس‪ ,‬إنه قد نبأني‬
‫اللطيف الخبير أنه لن يعمر نبي إل مثل نصف عمر الذي يليه من قبل وإني أظن‬
‫أن يوشك أن أدعى فأجيب ‪ ,‬وإني فرطكم على الحوض وإني سائلكم حين تردون‬

‫‪20‬‬
‫على عن الثقلين ‪ ,‬فانظروا كيف تخلفوني فيهما ‪ .‬الثقل الكبر ‪ ,‬كتاب ال تعالى‬
‫سبب طرفه بيد ال ‪ ,‬وطرف بأيديكم ‪ ,‬فاستمسكوا فل تضلوا ول تبدلوا ‪ ,‬والثقل‬
‫الصغر عترتي أهل بيتي ‪ ,‬فإني قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يتفرقا حتى‬
‫ى الحوض " ‪.‬‬
‫يردا عل ّ‬

‫وروي عن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم أنه دعاهم ثم تل هذه الية ‪:‬‬
‫طِهيًرا { ‪.‬‬
‫طّهَرُكْم َت ْ‬
‫ت َوُي َ‬
‫س َأْهَل اْلَبْي ِ‬
‫ج َ‬
‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫ب َ‬
‫ل ِلُيْذِه َ‬
‫}ِإّنَما ُيِريُد ا ُّ‬

‫فذريتهم منهم ‪ ,‬فهم صفوة وليسوا بأهل عصمة ‪ ,‬إنما العصمة للنبيين عليهم‬
‫السلم والمحنة لمن دونهم ‪ ,‬وإنما يمتحن من كانت المور محجوبة عنه ‪ ,‬فأما من‬
‫صارت المور له معاينة ومشاهدة فقد أرتفع عن المحنة ‪ ,‬وقوله صلى ال عليه‬
‫ى الحوض "‪.‬‬
‫وآله وسلم ‪ ":‬لن يتفرقا حتى يردا عل ّ‬

‫ضّلوا "‪ ,‬واقع على‬


‫ن َت ِ‬
‫خذُْتْم ِبِه َل ْ‬
‫ن َأ َ‬
‫وقوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬ما ِإ ْ‬
‫الئمة منهم السادة ل على غيرهم ‪ ,‬وليس المسىء المخلط قدوة وكائن فيهم‬
‫المخلطون والمسيئون لنهم لم يعروا من شهوات الدميين ول عصموا عصمة‬
‫النبيين ‪ ,‬وكذلك كتاب ال تعالى من قبل مأمنه ناسخ ومنسوخ ‪ ,‬فكما ارتفع الحكم‬
‫بالمنسوخ منه كذلك ارتفعت القدوة بالمخذولين منهم ‪ ,‬وإنما يلزمنا القتداء بالفقهاء‬
‫العلماء منهم بالفقه والعلم الذي ضمن ال تعالى بين أحشائهم ل بالصل والعنصر ‪,‬‬
‫فإذا كان هذا العلم والفقه موجودا في غير عنصرهم لزمنا القتداء بهم كالقتداء‬
‫بهؤلء ‪ ,‬وقد قال تعالى فى تنزيله الكريم ‪ }:‬أطيعوا ال وأطيعوا الرسول وأولي‬
‫المر منكم { ‪.‬‬

‫فإنما يلى المر منا من فهم عن ال تعالى وعن رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم ما يهم الحاجة إليه من العلم في أمر شريعته ‪ ,‬وإنما أشار رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم فيما نرى إليهم ‪ ,‬لن العنصر إذا طاب كان معتنا لهم في فهم ما‬

‫‪21‬‬
‫يحتاج إليه ‪ ,‬وطيب العنصر يؤدي إلى محاسن الخلق ‪ ,‬ومحاسن الخلق تؤدي‬
‫إلى صفاء القلب ونزاهته ‪ ,‬وإذا نزه القلب وصفا كان النور أعظم وأشرق الصدر‬
‫بنوره ‪ ,‬فكان ذلك عونا له على درك ما به الحاجة من شريعته ‪ .‬إنتهت عبارته‬
‫بحروفها ‪.‬‬

‫قلت‪ :‬قوله ‪ :‬واقع على الئمة منهم غير مسلم ‪ ,‬وإنما هو واقع على عامة أهل‬
‫البيت وخاصتهم مسيئهم ومحسنهم إمامهم ومأمومهم ‪ ,‬إذ ليس معنى قوله صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم ‪ ":‬لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " ملزمتهم لكتاب ال تعالى‬
‫من حيث العمل بجميع أحكامه ‪ ,‬حتى يرد قوله " وكائن فيهم المخلطون والمسيئون‬
‫" الخ ‪ .‬بل هو تحريض على إكرامهم وتبشير لهم بأنهم ل يفارقون دين السلم‬
‫حتى يدخلوا الجنة بسلم ‪ ،‬ويكفي هذا في معنى عدم تفرقهم من كتاب ال تعالى‬
‫إلى ورود الحوض ‪ ,‬ويدل لملزمتهم دين السلم من الكتاب قوله تعالى ‪ِ }:‬إّنَما‬
‫طِهيًرا {‪.‬‬
‫طّهَرُكْم َت ْ‬
‫ت َوُي َ‬
‫س َأْهَل اْلَبْي ِ‬
‫ج َ‬
‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫ب َ‬
‫ل ِلُيْذِه َ‬
‫ُيِريُد ا ُّ‬

‫وقد علمت مما تقدم أن الرجس شامل لجميع الذنوب والنقائص التي أقبحها‬
‫الكفر ‪ ,‬فهم قوم مطهرون من قبل ال تعالى ‪ ,‬فل يطرأ إليهم في دينهم خلل ول يقع‬
‫فى عقائدهم زيغ ول زلل ‪.‬‬

‫فإن قلت ‪ :‬دليلك هذا غير مقبول عند الحكيم ‪ ,‬فإن رأيه تخصيص الية‬
‫بأزواجه صلى ال عليه وآله وسلم كما تقدم ‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬نعم ‪ ,‬وهو وإن رأى ذلك إل أنه هنا وفيما تقدم أثبت أن النبى صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم دعا عليا وفاطمة والحسن والحسين وتل هذه الية وزاد هنا قوله ‪:‬‬
‫فذريتهم منهم فهم صفوة ‪ ,‬وقال هناك‪ :‬هذه دعوة منه صلى ال عليه وآله وسلم بعد‬
‫نزول الية أحب أن يدخلهم فيها ‪ ,‬فهو لبد وأن يعتقد أن دعوة النبي صلى ال عليه‬
‫وآله وسلم استجيبت فيهم ‪ ,‬وإذا كان كذلك فهم على كل حال داخلون في حكم الية‬

‫‪22‬‬
‫أول ‪ ,‬وبالذات كما هو رأي الجمهور آخرا ‪ ,‬وبالعرض على رأيه ‪ ,‬فقد ثبت عدم‬
‫تفرقهم من كتاب ال تعالى بعدم انحرافهم عن دين السلم إلى ورود الحوض ‪,‬‬
‫ويدل لذلك قوله تعالى ‪ }:‬ولسوف يعطيك ربك فترضى {‪.‬‬

‫نقل القرطبي عن ابن عباس فى تفسير هذه الية أنه قال ‪ :‬رضا سيدنا محمد‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم أن ل يدخل أحد من أهل بيته النار ‪ .‬وأدلة ذلك من السنة‬
‫كثيرة قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬إن فاطمة قد أحصنت فرجها‬
‫فحرمها ال وذريتها على النار " ‪.‬‬

‫قال الحاكم ‪ :‬حديث صحيح ‪.‬‬

‫وعن عمران بن حصين رضي ال تعالى عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم ‪ ":‬سألت ربى أن ل يدخل النار أحدا من أهل بيتى فأعطنيها "‪.‬‬

‫وسيأتي في المقصد الثاني زيادة تفصيل في هذا المعنى ‪.‬‬

‫س ٍ‬
‫ب‬ ‫ب َوَن َ‬
‫سَب ٍ‬
‫وأذكر هنا دليل ظهر لي من قوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪ُ ":‬كّل َ‬
‫سبي "‪ .‬فإنه يتضمن عصمة أهل بيت النبوة من‬
‫سَبِبي وَن َ‬
‫طٌع َيْوَم اْلِقَياَمِة ِإل َ‬
‫ُمْنَق ِ‬
‫الكفر ‪ ,‬إذ لو جاز عليهم لما ساغ له صلى ال عليه وآله وسلم هذا الستثناء ‪ ,‬فإن‬
‫الكفر أكبر قاطع للسبب والنسب ‪ ,‬فاتصال نسبهم يوم القيامة به عليه الصلة‬
‫والسلم حجة على عدم مفارقتهم الدين بيقين ‪.‬‬

‫خْذُتْم ِبِه َل ْ‬
‫ن‬ ‫ن َأ َ‬
‫ت ِفيُكْم َما ِإ ْ‬
‫أما قوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪َ ":‬قْد َتَرْك ُ‬
‫عْتَرِتي َأْهَل َبْيِتي "‪ .‬فالخذ بكل منهما بما يناسبه ‪ ,‬فالخذ‬
‫ل َو ِ‬
‫ب ا ِّ‬
‫ضّلوا ‪ِ :‬كَتا َ‬
‫َت ِ‬
‫بكتاب ال التمسك به بالعمل بأحكامه وتحليل حلله وتحريم حرامه ‪ ,‬والخذ‬
‫بالعترة أهل البيت والتمسك بما يقتضيه حقهم من المحبة والعناية والتبجيل‬
‫والعظام والعزاز والكرام ‪ ,‬فهو شامل لهم جميعا محسنهم ومسيئهم ‪ ,‬وحينئذ‬

‫‪23‬‬
‫يسقط ما أورده الحكيم بناء على ما فهمه فى الحديث ‪ ,‬وبنى على ذلك تخصيصه‬
‫بالئمة منهم ويشهد لذلك الروايات الخر ‪ ,‬كرواية زيد بن أرقم السابقة ‪ " :‬وأنا‬
‫تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب ال فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب ال‬
‫واستمسكوا به "‪ .‬فحث على كتاب ال تعالى ورغب فيه ثم قال ‪ ":‬وأهل بيتى‬
‫أذكركم ال فى أهل بيتي ‪ ,‬أذكركم ال فى أهل بيتي "‪.‬‬

‫فأنت تراه صلى ال عليه وآله وسلم خص الخذ والستمساك من حيث الهداية‬
‫بكتاب ال ‪ ,‬وذكر حكمة ذلك بقوله ‪ ":‬فيه الهدى والنور "‪ .‬ثم بعد أن تم معنى‬
‫الخذ والستمساك ذكر أهل بيته صلى ال عليه وآله وسلم وقال ‪ ":‬أذكركم ال في‬
‫أهل بيتي"‪.‬‬

‫وكرره تأكيدا للوصاية بهم والعناية بشأنهم ولم يخص منهم أحد دون أحد ‪,‬‬
‫وانظر إلى قول زيد لما سأله الحصين عن أهل البيت من هم أهل بيته ‪ ,‬من حرم‬
‫عليهم الصدقة بعده تجده نصا فى المقصود ‪ ,‬وكرواية زيد فيما قلناه رواية حذيفة‬
‫بن أسيد التي ذكرها الحكيم فإنه صلى ال عليه وآله وسلم قال فيها ‪ ":‬وإني سائلكم‬
‫حين تردون علي عن الثقلين‪ ,‬فانظروا كيف تخلفوني فيهما ‪ .‬الثقل الكبر ‪ ,‬كتاب‬
‫ال تعالى سبب طرفه بيد ال ‪ ,‬وطرف بأيديكم ‪ ,‬فاستمسكوا فل تضلوا ول‬
‫تبدلوا ‪ .‬والثقل الصغر عترتي أهل بيتي فإني قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن‬
‫ى الحوض " ‪.‬‬
‫يتفرقا حتى يردا عل ّ‬

‫فقوله عليه الصلة والسلم‪ ":‬فاستمسكوا فل تضلوا ول تبدلوا " بعد قوله ‪":‬‬
‫الثقل الكبر ‪ ,‬كتاب ال تعالى سبب طرفه بيد ال ‪ ,‬وطرف بأيديكم " يوضح لك أن‬
‫الستمساك للهداية وعدم الضلل إنما هو خاص بالثقل الكبر كتاب ال ‪ ,‬وبين‬
‫سبب ذلك بقوله " سبب طرفه بيد ال ‪ ,‬وطرف بأيديكم " وبعد تمام مايتعلق بالثقل‬
‫الكبر قال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬والثقل الصغر عترتي أهل بيتي "‪ .‬ولو‬

‫‪24‬‬
‫كان المراد الستمساك بهما معا للهداية كما فهمه الحكيم فأدخل قوما من العترة‬
‫الطاهرة وأخرج آخرين لوجب تأخير ‪ ":‬فاستمسكوا فل تضلوا " عن قوله "‬
‫والثقل الصغر عترتي أهل بيتي "‪ .‬أو تكريره هناك أيضا ‪ .‬فظهر أن عترته أهل‬
‫بيته صلى ال عليه وآله وسلم فى هذه الحاديث كل من حرم عليه الصدقة أي‬
‫الزكاة كما قال زيد بن أرقم رضي ال تعالى عنه ‪ ,‬وقرنهم صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم بكتاب ال تعالى تعظيما لشأنهم وتأكيدا لطلب العناية بهم رضي ال عنهم‬
‫أجمعين ‪.‬‬

‫وأغرب ما في عبارة الحكيم قوله ‪ :‬فإذا كان هذا العلم والفقه موجودا في غير‬
‫عنصرهم لزمنا القتداء بهم كالقتداء بهؤلء فقد جره الكلم إلى أن ساوى عترته‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم بغيرهم ‪ ,‬إذ لم يجعل مزية لعنصرهم ‪ ,‬وإنما جعل المزية‬
‫للعلم والفقه الذي يوجد فيهم وفي غيرهم ‪ ,‬فصار معنى العترة أهل البيت في هذه‬
‫الحاديث علماء المة وفقهاؤها ‪ ,‬وهل كان هذا مراده صلى ال عليه وآله وسلم ؟‬
‫ل وال ‪ ,‬ما أراد إل عترته القرباء جهال وعلماء أتقياء وغير أتقياء ‪.‬‬

‫أما فقهاء السلم والعلماء العلم ‪ ,‬فهم قدوة المة ‪ ,‬ومصابيح الظلمة ‪ ,‬ولكن‬
‫هذه غير ذاك ‪ ,‬وهم نفسهم من الداخلين تحت الخطاب في هذه الحاديث لرعاية‬
‫عترته صلى ال عليه وآله وسلم وتعظيم شأنهم بوجه العموم ‪ ,‬بل هم أحق بذلك من‬
‫جميع الناس ‪.‬‬

‫) تنبيه (‪ :‬خطب صلى ال عليه وآله وسلم خطبته هذه التي أوصى فيها‬
‫بالثقلين ‪ :‬كتاب ال ‪ ,‬وعترته أهل بيته في المل العظيم على روؤس الشهاد ‪,‬‬
‫عندما صدر من حجة الوداع ‪ ,‬وكان قد خرج معه من المدينة لدائها أكثرمن مائة‬
‫ألف غير من صحبوه من مكة ومن حضر من اليمن ‪ ,‬وهؤلء هم معظم المة‬
‫المحمدية إذ ذاك ‪ ,‬وفيهم أجلء الصحابة وعلماؤهم ‪ ,‬وفقهاؤهم أبو بكر الصديق‬

‫‪25‬‬
‫فمن دونه ‪ ,‬ول يشك أن كثيرا منهم أعلم وأفقه من كثير من العترة أهل البيت ‪ ,‬فهل‬
‫أحد من ذلك الجمع فهم أن النبي صلى ال عليه وآله وسلم أوصى أقرباءه وغيرهم‬
‫فى هذه الخطبة بتعظيم شأن العلماء ‪ ,‬وأن عترته أهل بيته هم أبو بكر وعمر وزيد‬
‫بن ثابت وأبىي ومعاذ وعبد ال بن سلم وأمثالهم من علماء المهاجرين والنصار‬
‫وغيرهم ‪ ,‬أم فهموا أنه عليه الصلة والسلم أوصى هؤلء وغيرهم من العلماء‬
‫وسائر الصحابة وجميع المة برعاية أقربائه والعناية بشأنهم ‪ ,‬وأن عترته أهل بيته‬
‫هم ل غيرهم ‪ ,‬إذ ل معنى للعترة وأهل البيت غير ذلك ‪ ,‬وهل يقول بالول أحد ‪.‬‬

‫بقي شىء في دعوى الحكيم أن المراد من العترة الئمة منهم لنهم هم الذين‬
‫يلزمنا القتداء بعملهم وفقههم كما لو وجد العلم والفقه عند غيرهم لزمنا القتداء به‬
‫كالقتداء بهم ‪ ,‬فالمعول عليه على رأيه هو العلم ل العنصر ‪ ,‬وقد انقطع الجتهاد‬
‫منذ قرون لفقد شروطه ‪.‬‬

‫وأهل السنة جميعا في مشارق الرض ومغاربها ‪ ,‬مقتدون بهؤلء الئمة‬


‫الربعة رضي ال تعالى عنهم في الحكام الفقهية بالمامين الشعري والماتريدي‬
‫في العقائد ‪ ,‬وأهل البيت وإن كان قد ظهر منهم فى العصر الول كثير من الئمة‬
‫المجتهدين أصحاب المذاهب إل أن مذاهبهم لم تدون ولم تشتهر ‪ ,‬فانقرضت‬
‫بانقراض أهلها ‪ ,‬وما ينسبه إليهم بعض الفرق الضالة مما يخالف مذاهب أهل‬
‫السنة باطل مكذوب عليهم ‪ ,‬وعلى هذا لم يبقى لهم نصيب فى هذه الحاديث التي‬
‫هم أصل موردها فقد خرجوا منها جملة واحدة وهو أمر ظاهر البطلن ‪.‬‬

‫فإن قلت ‪ :‬لم يرد الحكيم المجتهدين منهم وإنما أراد العلماء منهم وهم كثيرون‬
‫في كل عصر ‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬الوصاف التي ذكرها من كونهم أئمة قدوة لغيرهم بالفقه والعلم ل‬
‫تصدق إل على المجتهدين إذ هم الذين يجوز القتداء بهم فى ذلك ‪ ,‬والعلماء الذين‬

‫‪26‬‬
‫وجدوا منهم في العصر الخيرة هم مقلدون لحد المذاهب الربعة فل يكونون‬
‫قدوة لغيرهم ‪ ,‬وقوله ‪ :‬وإنما أشار إليهم رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم فيما‬
‫نرى أي في الظاهر لن العنصر إذا طاب كان معينا لهم على فهم ما يحتاج إليه‬
‫الخ ‪ ,‬كلم نفيس ‪ ,‬غير أنه ل ينهض حجة لذكر رسول ال إياهم مريدا منهم علماء‬
‫المة ‪ ,‬فقد كان يمكنه صلى ال عليه وآله وسلم التصريح بأن يقول مثل إني تارك‬
‫فيكم الثقلين كتاب ال وعلماء أمتي ليفهمه السامع ل سيما في ذلك المجمع العظيم‬
‫المشتمل على الفهيم وغير الفهيم ‪.‬‬

‫) استطراد (‪ :‬إذا تصفحنا أخبار علماء المة في بعض القرون السالفة نجد من‬
‫كان منهم من الموالي والعاجم أكثر عددا ممن كانوا من قريش والعرب ‪.‬‬
‫والحكمة في ذلك‪ ,‬وال أعلم‪ ,‬أن أولئك لما رأوا هؤلء متقدمين عليهم فى شرف‬
‫الحسب والنسب أرادوا أن يلحقوهم فلم يجدوا وسيلة للحاق بهم من غير العلم‬
‫فوجدوا فيه واجتهدوا حتى أدركوا منه بغيتهم ‪ ,‬ووصلوا إلى غايتهم ‪ .‬ويزاد على‬
‫ذلك أن العرب كانوا يشتغلون بالعلم حتى إذا بلغوا منه مبلغا ولوا العمال‬
‫وتنافسوا فيها فل يتمكنون من ملزمة القراءة والقراء ‪ ,‬وهذا أمر أغلبي وقع فى‬
‫بعض العصر ‪ ,‬وإل فأنت على علم من أن الربعة الئمة الذين هم قدوة المة‬
‫المحمدية عربيها وعجميها منذ زمنهم إلى الن وإلى يوم القيامة ثلثة منهم من‬
‫العرب ‪ ,‬مالك والشافعي وأحمد رضي ال تعالى عنهم ‪ ,‬وواحد من غيرهم وهو‬
‫أبو حنيفة رضي ال تعالى عنه ‪ ,‬وكيفما كان المر فهي أمة مرحومة معبودها‬
‫واحد ونبيها واحد فمهما كان من خير في عربها أو عجمها فهو واصل إلى‬
‫الخرين وأي بأس باختلف الجنس إذا اتحد الدين ‪.‬‬

‫) فائدة (‪ :‬قوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬لوكان العلم بالثريا لتناوله قوم من‬
‫أبناء فارس "‪ .‬حمله بعضهم على المام العظم أبي حنيفة رضي ال تعالى عنه ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫قال المناوى ‪ :‬فيه فضيلة لهم وتنبيه على علو هممهم ‪ .‬قال في معجم البلدان‬
‫العرب ‪ :‬إذا ذكرت المشرق كله قالوا فارس ‪ ,‬وإنما عنى في الحديث أهل خراسان‬
‫لنك إذا طلبت مصداقه في فارس لم تجده ل أول ول آخرا ‪ ,‬وتجد هذه الصفة‬
‫نفسها في أهل خراسان دخلوا في السلم رغبة ومنهم العلماء والنبلء والمحدثون‬
‫والمتعبدون ‪ ,‬وإذا أحرزت المحدثين من كل بلد وجدت نصفهم من خراسان وجل‬
‫رواة الرجال منها ‪ ,‬وأما أهل فارس فكفار خمدوا ولم يبق لهم بقية بذكر ول شرف‬
‫ا هـ ‪.‬‬

‫وأما قوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬لو كان اليمان عند الثريا " وفي رواية‬
‫" معلقا بالثريا لتناوله رجال من فارس "‪ .‬فهو محمول على سلمان الفارسي‬
‫رضي ال تعالى عنه ‪ ,‬كما ذكره سيدي الشيخ الكبر في الفتوحات وكثير من‬
‫العلماء ‪.‬‬

‫* * * *‬

‫شرح قوله صلى ال عليه وآله وسلم‪:‬‬


‫" أهل بيتي أمان لمتي "‪.‬‬

‫قال الحكيم الترمذي رضي ال تعالى عنه في شرح هذا الحديث ‪ :‬أهل بيته من‬
‫خلفه من بعده على منهاجه ‪ ,‬وهم الصديقون والبدال الذين روى فيهم علي كرم‬
‫ال تعالى وجهه ‪ ,‬قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم يقول ‪ ":‬إن‬
‫جل ‪,‬‬
‫ل َمَكاَنُه َر ُ‬
‫جٌل َأْبَدَل ا ُّ‬
‫ت َر ُ‬
‫جل ُكّلَما َما َ‬
‫ن َر ُ‬
‫شاِم َوُهْم َأْرَبُعو َ‬
‫ن ِبال ّ‬
‫اَْلْبَداُل َيُكوُنو َ‬
‫ن َأْهِل الرض بِِهْم البلء‬
‫عْ‬
‫ف َ‬
‫صَر ُ‬
‫عَداِء ‪َ ,‬وُي ْ‬
‫عَلى ال ْ‬
‫صُر ِبِهْم َ‬
‫ث َوُيَْن َ‬
‫سَقى اْلَغْي ُ‬
‫بهم ُي ْ‬
‫"‪ .‬فهؤلء أهل بيت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم وأمان هذه المة ‪ ,‬فإذا‬

‫‪28‬‬
‫ماتوا فسدت الرض وخربت الدنيا ‪ ,‬ول يجوز أن يحمل على أهل بيت النسب‬
‫لمعان ‪:‬‬

‫) أحدهما ( ‪ :‬أنه روي في الحديث ‪ ":‬فإذا ذهب أهل بيتي أتى أمتي ما‬
‫يوعدون "‪.‬‬

‫فكيف يتصور أن يذهب أهل بيته حتى ل يبقى منهم أحد وهم أكثر من أن‬
‫يحصى وبركة ال تعالى عليهم دائمة ورحمته مظلة من فوقهم ؟ وقد قال عليه‬
‫الصلة والسلم ‪ ":‬كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إل سببي ونسبي "‪.‬‬

‫) والثانى ( ‪ :‬أن أهل بيته نسبة ‪ :‬بنو هاشم وبنو عبد المطلب ‪ ،‬ولم يكونوا أمانا‬
‫لهذه المة حتى إذا ذهبوا ذهبت الدنيا ‪.‬‬

‫) والثالث ( ‪ :‬أنه قد يوجد منهم الفساد كما يوجد فى غيرهم ‪ ,‬ومنهم المحسن‬
‫ومنهم المسىء ‪ ,‬فبأي شئ صاروا أمانا لهل الرض ‪ ,‬فعلم أن المراد به من به‬
‫تقوم الدنيا وهم أعلمه وأدلة الهدى في كل وقت فإذا تفانوا لم يبق للرض حرمة‬
‫فعمهم البلء ‪.‬‬

‫فإن قال قائل ‪ :‬بحرمة رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم وقربهم منه صاروا‬
‫أمان لهل الرض ‪.‬‬

‫قيل ‪ :‬حرمة رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم عظيمة جليلة وفي الرض ما‬
‫هو أعظم من حرمة ذريته وهو كتاب ال فل نجد ذكره في الحديث ثم الحرمة‬
‫لهل التقوى لنه إنما عظمت حرمة رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم لفضل‬
‫النبوة وما أكرمه ال تعالى به ‪ ,‬والدليل على ذلك ما رواه أبو هريرة رضي ال‬
‫تعالى عنه قال ‪ :‬دخل رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم على فاطمة وعندها‬
‫صفية عمة رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬فقال ‪ ":‬يا بني عبد مناف‪ ,‬يا بني‬

‫‪29‬‬
‫عبد المطلب‪ ,‬يا فاطمة بنت محمد يا صفّية عّمة رسول ال ‪ ,‬اشتروا أنفسكم من ال‬
‫ل أغني عنكم من ال شيئًا ‪ ,‬سلوني من مالي ما شئتم ‪ ,‬واعلموا أن أولى الناس بي‬
‫يوم القيامة المتقون‪ ,‬وأن تكونوا أنتم مع قرابتكم فذلك ل يأتيني الناس بالعمال‬
‫وتأتوني بالدنيا تحملونها على أعناقكم ‪ ,‬فتقولون يا محمد فأقول هكذا ‪ ,‬ثم تقولون يا‬
‫محمد فأقول هكذا ‪ ,‬أعرض بوجهي عنكم ‪ ,‬فتقولون يا محمد أنا فلن بن فلن ‪,‬‬
‫فأقول أما النسب فأعرف وأما العمل فل أعرف ‪ ,‬نبذتم الكتاب فارجعوا إلى قرابة‬
‫بيني وبينكم " ‪.‬‬

‫وروى أنه قال جهارا غير سر ‪ ":‬أل إن أوليائى منكم ليسوا بأبى فلن ‪ ,‬لكن‬
‫أوليائى منكم المتقون من كانوا وحيث كانوا "‪ .‬ا هـ ‪.‬‬

‫أقول ‪ :‬روى جماعة من أصحاب السنن عن عدة من الصحابة أن النبي صلى‬


‫ال عليه وآله وسلم قال ‪ ":‬مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن‬
‫تخلف عنها هلك "‪ .‬وفي رواية ‪ ":‬غرق "‪ .‬وفى رواية ‪ ":‬زج فى النار "‪.‬‬

‫وعن أبي ذر سمعته صلى ال عليه وآله وسلم يقول ‪ ":‬اجعلوا أهل بيتي منكم‬
‫مكان الرأس من الجسد ‪ ,‬ومكان العينين من الرأس ‪ ,‬ول تهتدي الرأس إل‬
‫بالعينين "‪.‬‬

‫وروى الحاكم وصححه على شرط الشيخين ‪ ":‬النجوم أمان لهل الرض من‬
‫الغرق ‪ ،‬وأهل بيتي أمان لمتي من الختلف ‪ ،‬فإذا خالفتها قبيلة من العرب‬
‫اختلفوا فصاروا حزب إبليس "‪.‬‬

‫وأخرج جماعة من أصحاب السنن أنه صلى ال عليه وآله وسلم قال‪ ":‬النجوم‬
‫أمان لهل السماء ‪ ,‬وأهل بيتي أمان لمتي " وفي رواية ‪ ":‬أهل بيتي أمان لهل‬
‫الرض ‪ ,‬فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل الرض من اليات ما كانوا يوعدون " ‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫ورواية أحمد ‪ ":‬إذا ذهب النجوم ذهب أهل السماء ‪ ,‬وإذا ذهب أهل بيتي ‪,‬‬
‫ذهب أهل الرض "‪.‬‬

‫ومعناه على كل حال أن وجودهم رضي ال تعالى عنهم في الرض أمان‬


‫لهلها عموما ‪ ,‬ولمته صلى ال عليه وآله وسلم خصوصا من العذاب ‪ ,‬وليس‬
‫القصد منه صلحاءهم خاصة ‪ ,‬فإن هذه المزية الشريفة للعنصر النبوي بقطع النظر‬
‫عما يعرض على أهله من الوصاف محمودة أو غير محمودة ‪.‬‬

‫قال العلمة الصبان فى إسعاف الراغبين ‪ :‬وقد يشير إلى هذا المعنى بقوله‬
‫تعالى ‪ }:‬وما كان ال ليعذبهم وأنت فيهم {‪ .‬أقيم أهل بيته مقامه في المان لنهم‬
‫منه وهو منهم كما ورد في بعض الطرق ا هـ ‪.‬‬

‫فأنت تراه صريحا في أن المراد العنصر الطاهر مجردا عن الوصاف‬


‫وأصرح منه في ذلك قوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬أول الناس هلكا قريش ‪,‬‬
‫وأول قريش هلكا أهل بيتي "‪.‬‬

‫وفي رواية بدل هلكا ‪ :‬فناء ‪ ,‬وبدل أهل بيتي بنو هاشم ‪.‬‬

‫قال شراح الحديث منهم المناوي وغيره ‪ :‬فهلكهم من أشارط الساعة ‪,‬‬
‫وأمارتها الدالة على قرب قيامها ‪ ,‬إذ ل تقوم الساعة إل على شرار الناس يعني‬
‫وهم خيارهم ‪ ,‬فذلك الحديث كالتفسير لذلك ‪ ,‬وخير ما فسرته بالوارد ‪ ,‬وبهذا يظهر‬
‫بطلن ما ادعاه الحكيم الترمذي من أهل بيته صلى ال عليه وآله وسلم في هذا‬
‫الحديث هم البدال والصديقون ‪.‬‬

‫* * * *‬

‫‪31‬‬
‫دفاع عن أهل البيت ‪:‬‬
‫والجواب عن الشبهة الولى ‪ :‬وهي قوله ‪ :‬فكيف يتصور أن يذهب أهل بيته‬
‫حتى ل يبقى منهم أحد وهم أكثر من أن يحصى وبركة ال تعالى عليهم دائمة‬
‫ورحمته مظلة من فوقهم ؟! أنه ل مانع من أن يتصور ذلك وأي حرج فيه ل سيما‬
‫وقد صرح به الحديث الخر الذي تقدم وهو قوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬أول‬
‫الناس هلكا قريش ‪ ,‬وأول قريش هلكا أهل بيتي "‪ .‬وذلك من جملة رحمة ال‬
‫تعالى لهم ‪ ,‬لما تقرر من أن الساعة ل تقوم إل على شرار الناس وهم خيارهم‬
‫ولذلك كانوا أول الناس هلكا ‪ ,‬ووليتهم قريش لنها تليهم في الفضل والمنزلة‬
‫والقرب من رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬فما ذلك إل من رحمة ال تعالى‬
‫سَب ٍ‬
‫ب‬ ‫لهم وإكرامه إياهم ‪ ,‬وأما قوله وقد قال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ُ ":‬كّل َ‬
‫سبي "‪ .‬فليس معناه أن النقطاع انقراض الذرية ولكنه‬
‫سَبِبي وَن َ‬
‫طٌِع ِإل َ‬
‫ب ُيْنَق ِ‬
‫س ٍ‬
‫َوَن َ‬
‫مخصوص بيوم القيامة كما هو صريح الروايات الصحيحة ‪ ,‬ومعنى النقطاع عدم‬
‫ساب َبْينهْم َيْوَمِئٍذ{‪.‬‬
‫النتفاع بالنساب إذ ذاك كما قال تعالى ‪ }:‬ل َأْن َ‬

‫واستثنى صلى ال عليه وآله وسلم سببه ويكون بالتزويج ‪ ,‬ونسبه ويكون‬
‫بالولدة لن النفع بهما متصل ل ينقطع في الدنيا والخرة ‪ ,‬ويؤيده ما صح عنه‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم من قوله على المنبر ‪ ":‬ما بال أقوام يقولون ‪ :‬إن رحم‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ل تنفع يوم القيامة ‪ ,‬بلى إن رحمي موصولة في‬
‫الدنيا والخرة " ‪.‬‬

‫والجواب عن الشبهة الثانية ‪ :‬وهي قوله ‪ :‬أن أهل بيته نسبة ‪ :‬بنو هاشم وبنو‬
‫عبد المطلب ‪ ،‬ولم يكونوا أمانا لهذه المة حتى إذا ذهبوا ذهبت الدنيا ‪ ,‬أن معنى‬
‫كونهم أمانا لهذه المة بل لهل الرض أن وجودهم فيها علمة على أن الدنيا لم‬

‫‪32‬‬
‫يحن وقت ذهابها فإذا هلكوا جاء أهل الرض اليات الدالة على قيام الساعة‬
‫وذهاب الدنيا ما يوعدون ‪ ,‬فهم ما داموا فيها في أمان من ذلك ‪.‬‬

‫والجواب عن الشبهة الثالثة ‪ :‬وهي قوله ‪ :‬أنه قد يوجد منهم الفساد كما يوجد فى‬
‫غيرهم ‪ ،‬ومنهم المحسن ‪ ,‬ومنهم المسىء ‪ ,‬فبأي شىء صاروا أمانا لهل‬
‫الرض ‪ ,‬أنهم صاروا أمانا لهل الرض ل بعمل عملوه ‪ ,‬ول بصالح قدموه ‪,‬‬
‫ولكن بعنصرهم النبوي الطاهر الذي خصهم ال تعالى به فى الزل‪ ,‬وميزهم لجله‬
‫بمزايا لم توجد ولن توجد في غيرهم ‪ ,‬ومنها هذه المزية الجليلة التي هي من رحمة‬
‫ال تعالى الخاصة بأهل بيت النبوة ‪ ,‬ومعدن الرسالة ‪ ,‬ومهبط الوحي التي ل تدخل‬
‫تحت قياس ول يشاركهم فيها أحد من الناس ‪.‬‬

‫وهذان الجوابان يعلمان من جواب الشبهة الولى فافهمه تفهمهما‪.‬‬

‫وقوله ‪ :‬وفي الرض ما هو أعظم حرمة من ذريته صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫وهو كتاب ال ‪ ,‬فل نجد ذكره في الحديث اعتراض غير وارد فإنه ل يلزم من‬
‫ذكره صلى ال عليه وآله وسلم حرمة ذريته في حديث أن يذكر معهم حرمة كتاب‬
‫ال تعالى وإن كانت أعظم من حرمتهم ‪ ,‬وقد قرنهم به في حديث الثقلين وهو غير‬
‫لزم في كل حديث ‪ ,‬ولم يّدع أحد أعظم حرمة من كتاب ال أو مساوون له ‪ ,‬حتى‬
‫يعترض بهذا وهم لم يفضلوه بهذه المزية ‪ ,‬فإنه أيضا يرفع قبل قيام الساعة ‪ ,‬وكان‬
‫بن مسعود رضي ال تعالى عنه يقول ‪ :‬اقرؤوا القرآن قبل أن يرفع ‪ ,‬فإنه ل تقوم‬
‫الساعة حتى يرفع ‪ .‬قيل يا أبا عبد الرحمن كيف يرفع وقد أثبتناه فى صدورنا‬
‫ومصاحفنا ؟ قال ‪ :‬يسرى عليه فل يذكر ول يقرأ ‪.‬‬

‫ومعلوم أن ابن مسعود ل يقول هذا برأيه إذ ل مدخل للرأي فيه ‪ ,‬فهذا كتاب ال‬
‫تعالى أمان لهل الرض ما دام فيهم من العذاب وذهاب الدنيا ‪ ,‬ولم توصف الذرية‬
‫الطاهرة بأكثر من ذلك ‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫بقى قوله ‪ :‬ثم الحرمة لهل التقوى ‪ ,‬وقوله ‪ :‬والدليل على ذلك ما رواه أبو‬
‫هريرة رضي ال تعالى عنه قال ‪ :‬دخل رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم على‬
‫فاطمة وعندها صفية عمة رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬فقال ‪ ":‬يا بني‬
‫عبد مناف يا بنى عبد المطلب الخ ‪ .‬وقد أجاب عن هذا المحب الطبرى بجواب‬
‫شاف نقله عنه المناوي في الكبير والصبان في السعاف ‪ ,‬وهو أنه صلى ال عليه‬
‫وآله وسلم ل يملك لحد شيئا ل نفعا ول ضرا ‪ ,‬لكن ال عز وجل يملكه نفع أقاربه‬
‫وجميع أمته بالشفاعة العامة والخاصة ‪ ,‬فهو ل يملك إل ما يملكه له موله ‪ ,‬كما‬
‫أشار إليه في رواية البخاري بقوله ‪ ":‬لكن لكم رحم سأبلها ببللها "‪ .‬أي سأصلها‬
‫بصلتها وكذا معنى قوله ‪ ":‬ل أغني عنكم من ال شيئا "‪ .‬أي بمجرد نفسي من‬
‫غير ما يكرمني به ال من نحو شفاعة أو مغفرة ‪ ,‬وخاطبهم بذلك رعاية لمقام‬
‫التخويف والحث على العمل والتحريض على أن يكونوا أولى الناس حظا في تقوى‬
‫ال تعالى وخشيته ‪.‬‬

‫قال الصبان ‪ :‬وقيل هذا قبل علمه بنفع النتساب إليه على أن اللغة العربية ل‬
‫تساعد الحكيم على ما فسر به الحديث وهل أحد يفهم معنى البدال من لفظ أهل‬
‫بيتي ؟ كل وال ل يفهم أحد من المخاطبين بهذا سوى أهل بيت نسبه صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم ‪ ,‬كما هو وضع اللغة العربية التى هي لغته عليه الصلة والسلم ‪.‬‬

‫وفضل البدال رضي ال تعالى عنهم ونفعنا بهم ‪ ,‬وعلو منزلتهم وقربهم من‬
‫ال ورسوله ‪ ,‬مما ل يشك فيه مؤمن ‪ ,‬ولكنهم أنفسهم ل يرضون بالباسهم حلة‬
‫كرامة خلعها ال تعالى على عترة حبيبه صلى ال عليه وآله وسلم حاشاهم ثم‬
‫حاشاهم ‪.‬‬

‫وإنى على يقين من أن الحكيم الترمذي رضي ال تعالى عنه كان من أكابر‬
‫الولياء وأكاد أجزم أن ما مر عنه محمول على أحد وجهين ‪:‬‬

‫‪34‬‬
‫أحدهما ‪ :‬وهو القرب أن جميع ذلك مدسوس في كتابه من أحد مبغضيه أو‬
‫مبغضي أهل البيت كما وقع ذلك لكثير من العلماء والولياء ‪ ,‬منهم الشيخ الكبر‬
‫سيدى محيى الدين بن العربي والعارف المحقق سيدي الشيخ عبد الوهاب‬
‫الشعراني وغيرهما ‪.‬‬

‫والثانى ‪ :‬أنه كان مجاورا لقوم من غلة الشيعة الذين أفرطوا بالتزامهم جانب‬
‫أهل البيت رضي ال تعالى عنهم ‪ ,‬وضلوا برفضهم موالة كثير من أجلء‬
‫الصحابة ول سيما أبو بكر وعمر رضي ال تعالى عنهما ‪ ,‬فرد عليهم وشنع كما‬
‫يتضح من عباراته ‪ ,‬وحمله ذلك على ما ذكره فى شأن أهل البيت ومع هذا فقد‬
‫وصفهم فى غضون كلمه بأوصاف جميلة واعترف لهم بمزايا جليلة ‪ ,‬كما هو‬
‫شأنه وشأن أمثاله ‪ ,‬رضي ال تعالى عنه ‪.‬‬

‫وأرجو أن يثيبنى ال تعالى على ما أقدمت عليه ‪ ,‬وأن ل يلحقني ندم فيما جرى‬
‫به القلم ‪ ,‬فإن القصد جميل ‪ ,‬وال تعالى على ما أقول وكيل ‪.‬‬

‫* * * *‬

‫‪35‬‬
‫المقصد الثانى‪:‬‬
‫في الكلم على‬

‫شرفهم ومزاياهم وما اختصهم ال به دون من عداهم‬

‫اعلم أن جميع ما ذكر في هذا الكتاب أول وآخرا هو من خصوصياتهم التي ل‬


‫ينازعهم فيها منازع ول يدافعهم عنها مدافع ‪ ,‬ولكن ربما كان بعضها خصوصية‬
‫نسبية أي بالنسبة لمن لم توجد فيهم ‪ ,‬كالقطع لهم بالجنة وتحريمهم على النار ‪ ,‬فإن‬
‫هذا المعنى موجود في المبشرين بالجنة من الصحابة رضوان ال تعالى عليهم‬
‫كالعشرة وغيرهم ‪ ,‬وكلعن مبغضهم ‪ ,‬ووصفه بالنفاق والكفر في بعض الحاديث ‪,‬‬
‫وكذا الصحابة ورد في حقهم مثل ذلك ‪ ,‬وإني ذاكر في هذا المقصد بعض‬
‫الخصائص التي ل توجد في غيرهم ألبتة ‪.‬‬

‫* * * *‬

‫خصائص أهل البيت ‪:‬‬


‫فمن خصائصهم رضي ال تعالى عنهم ‪:‬‬

‫تحريم الزكاة عليهم قال المام النووي في شرح مسلم ‪ :‬تحرم الّزَكاة عََلى الّنِب ّ‬
‫ي‬
‫شاِفِع ّ‬
‫ي‬ ‫طِلب ‪َ ،‬هَذا َمْذَهب ال ّ‬
‫شم َوَبُنو اْلُم ّ‬
‫عَلى آِلِه ‪َ ،‬وُهْم َبُنو َها ِ‬
‫سّلَم َو َ‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬
‫صَّلى ا ّ‬
‫صة ‪،‬‬
‫خا ّ‬
‫شم َ‬
‫ك ‪ُ :‬هْم َبُنو َها ِ‬
‫حِنيَفة َوَماِل ٌ‬
‫ل َأُبو َ‬
‫ل َبْعض اْلَماِلِكّية ‪َ ،‬وَقا َ‬
‫َوُمَواِفِقيِه ‪َ ،‬وِبِه َقا َ‬
‫ي‪:‬‬
‫صَبُغ اْلَماِلِك ّ‬
‫ل ُأ ْ‬
‫ش ُكّلَها ‪َ ،‬وَقا َ‬
‫ل َبْعض اْلُعَلَماء ‪ُ :‬هْم ُقَرْي ٌ‬
‫ضي عياض ‪َ :‬وَقا َ‬
‫َقالَ اْلَقا ِ‬

‫‪36‬‬
‫ن َبِني‬
‫ل ‪ ":‬إِ ّ‬
‫سّلَم َقا َ‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬
‫صّلى ا ّ‬
‫ل َ‬
‫سول ا ّ‬
‫ن َر ُ‬
‫ي َأ ّ‬
‫شاِفِع ّ‬
‫ي ‪َ .‬دِليل ال ّ‬
‫صّ‬‫ُهْم َبُنو ُق َ‬
‫حد "‪.‬‬
‫يء َوا ِ‬
‫ش ْ‬
‫طِلب َ‬
‫شم َوَبِني اْلُم ّ‬
‫َها ِ‬

‫طّوع فللشافعي ِفيَها َثلَثة َأْقَوال ‪:‬‬


‫صَدَقة الّت َ‬
‫سْهم َذِوي اْلُقْرَبى ‪َ ,‬وَأّما َ‬
‫سَم َبْيَنُهْم َ‬
‫َوَق َ‬

‫ل لله ‪.‬‬
‫حّ‬‫سّلَم ‪َ ،‬وَت ِ‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬
‫صّلى ا ّ‬
‫ل َ‬
‫سول ا ّ‬
‫عَلى َر ُ‬
‫حُرم َ‬
‫حها ‪َ :‬أّنَها َت ْ‬
‫صّ‬
‫َأ َ‬

‫عَلْيِهْم ‪.‬‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫حُرم َ‬
‫َوالّثاِني ‪َ :‬ت ْ‬

‫ل َلُه َوَلُهْم ‪.‬‬


‫حّ‬‫َوالّثاِلث ‪َ :‬ت ِ‬

‫عَلْيِهْم الّزَكاة ؟ ِفيِه َوجَْها ِ‬


‫ن‬ ‫حُرم َ‬
‫ل َت ْ‬
‫طِلب َفَه ْ‬
‫شم َوَبِني اْلُم ّ‬
‫َوَأّما َمَواِلي َبِني َها ِ‬
‫حاِبَنا ‪:‬‬
‫صَ‬
‫ل ْ‬

‫ل‪.‬‬
‫حّ‬‫حُرم ‪َ ،‬والّثاِني ‪َ :‬ت ِ‬
‫حهما ‪َ :‬ت ْ‬
‫صّ‬
‫َأ َ‬

‫ل َماِلك ؛‬
‫حِة َقا َ‬
‫ن َوَبْعض اْلَماِلِكّية َوبالبا َ‬
‫ساِئر اْلُكوِفّيي َ‬
‫حِنيَفة َو َ‬
‫ل َأُبو َ‬
‫حِريِم َقا َ‬
‫َوِبالّت ْ‬
‫شم ‪َ ،‬وَأّما َمَواِلي‬
‫خلف ِإّنَما ُهَو ِفي َمَواِلي َبِني َها ِ‬
‫ن اْل ِ‬
‫ي َأ ّ‬
‫طال اْلَماِلِك ّ‬
‫عى ِاْبن َب ّ‬
‫َواّد َ‬
‫حابَنا َتحِْريمَها‬
‫صَ‬
‫عْند َأ ْ‬
‫ح ِ‬
‫صّ‬‫ل الل َ‬
‫ل‪َ ,‬ب ْ‬
‫س َكَما َقا َ‬
‫ع ‪َ ،‬وَلْي َ‬
‫جَما ِ‬
‫غْيرهْم َفُتَباح َلُهْم ِبال ْ‬
‫َ‬
‫عَلم ‪ .‬ا هـ ‪.‬‬
‫ل َأ ْ‬
‫ق َبْيَنُهَما ‪َ .‬وَا ّ‬
‫طِلب ‪َ ،‬ول َفْر َ‬
‫شم َوَبِني اْلُم ّ‬
‫عَلى َمَواِلي َبِني َها ِ‬
‫َ‬

‫وعبارة الصبان فى السعاف ‪ :‬قصر مالك وأبو حنيفة رضي ال تعالى عنهما‬
‫تحريمها على بني هاشم ‪ .‬وقال الشافعي وأحمد ‪ :‬بتحريمها على بني هاشم وبني‬
‫المطلب ‪ ,‬وروى عن أبي حنيفة جوازها لبني هاشم مطلقا ‪ ,‬وقال أبو يوسف ‪ :‬تحل‬
‫من بعضهم لبعض ‪ .‬ومذهب أكثر الحنفية والشافعية وأحمد ‪ :‬جواز أخذهم صدقة‬
‫النفل وهو رواية عن مالك ‪ .‬وروى عنه حل أخذ الفرض دون التطوع لن الذل‬
‫فيه أكثر ا هـ ‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫وفى كشف الغمة ‪ :‬قال ابن عباس رضي ال تعالى عنهما ‪ :‬كان صلى ال عليه‬
‫وآله وسلم كثيرا ما يقول عن الصدقة ‪ ":‬إنما هي أوساخ الناس ‪ ,‬وإنها ل تحل‬
‫لمحمد ول لل محمد "‪.‬‬

‫وكان أنس رضي ال تعالى عنه يقول ‪ :‬أخذ الحسن بن علي رضي ال تعالى‬
‫عنهما يوما تمرة من تمر الصدقة ‪ ,‬فجعلها في فيه ‪ ,‬فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله وسلم ‪ ":‬كخ كخ ارم بها ‪ ,‬أما علمت أنا ل نأكل الصدقة "‪.‬‬

‫وكان صلى ال عليه وآله وسلم يقول لبني هاشم وبني المطلب ‪ ":‬أن لكم في‬
‫خمس الخمس ما يكفيكم أو يغنيكم "‪.‬‬

‫وعن أنس ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم يقسم سهم ذوي القربى‬
‫على بني هاشم وبني المطلب دون بني نوفل وبني عبد شمس ويقول ‪ ":‬إنما بنو‬
‫هاشم وبنو المطلب شئ واحد "‪.‬‬

‫وقال ابن عباس رضي ال تعالى عنهما ‪ :‬جاء أبو رافع مولى رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله وسلم فقال ‪ :‬يا رسول ال إن فلن عاملك على الصدقة دعاني لكون‬
‫مساعدا له ويعطيني منها ‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬إن الصدقة‬
‫ل تحل لنا ‪ ,‬وإن مولى القوم منهم " ا هـ ‪.‬‬

‫وقال المناوي قوله ‪ :‬إنما هي أوساخ الناس ‪ :‬أي أدناسهم وأقذارهم ‪ ,‬لنها‬
‫تطهر أدرانهم ‪ ,‬وتزكي أموالهم ونفوسهم ‪.‬‬

‫طّهُرُهْم َوُتَزّكيِهْم ِبَها { ‪.‬‬


‫صَدَقًة ُت َ‬
‫ن َأْمَواِلِهْم َ‬
‫خْذ ِم ْ‬
‫} ُ‬

‫كغسالة الوساخ فهي محرمة عليهم بعمل أو غيره ‪ ,‬حتى من بعضهم لبعض ‪,‬‬
‫ومن زعم استثناءه فقد أبعد ‪ ,‬وقد سأل بعض الل عمر أو غيره جمل من الصدقة‬

‫‪38‬‬
‫فقال ‪ :‬أتحب أن رجل بادنا فى يوم حر غسل ما تحت كذا فشربته ‪ ,‬فغضب وقال‬
‫أتقول لي هذا ؟ قال إنما هي أوساخ الناس يغسلونها ا هـ ‪.‬‬

‫وفى البحر المورود لسيدي المولى الكبير الشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي‬
‫ال تعالى عنه ‪ ,‬لما سأل الفضل بن العباس النبي صلى ال عليه وآله وسلم أن‬
‫يستعمله على الصدقات قال له صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬معاذ ال أن أستعملك‬
‫على غسالة ذنوب الناس "‪.‬‬

‫وقد قال بعض أئمة اللغة ‪ :‬إن الوسخ يشمل الغائط فما دونه ولكنه صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم كان يكني عن القبيح ما أمكن ‪.‬‬

‫ثم اعلم يا أخي أن الوسخ يزيد فى القبح وينقص بحسب كسب المتصدق ‪ ,‬فإن‬
‫كان يرابي ويغش في المعاملة ‪ ,‬ويأخذ المكس من التجار ‪ ,‬ويأكل الرشوة ‪ ,‬فحكمه‬
‫كالخرا والقيح ‪ ,‬وإن كان ينصح في المعاملة ‪ ,‬ولكنه يبيع على من يفعل ذلك من‬
‫الظلمة والقضاة ‪ ,‬فحكمه كالبول والدم ‪ ,‬وقس على ذلك ‪ ,‬وأقل المراتب أن يكون‬
‫كالبصاق ا هـ ‪.‬‬

‫قال الطيبي ‪ :‬ل يقال كيف أباحها لبعض أمته ‪ ,‬ومن كمال إيمان المرء أن يحب‬
‫لخيه ما يحب لنفسه ‪ ,‬لنا نقول‪ :‬ما أباحه لهم عزيمة بل اضطرارا ‪ ,‬وكم أحاديث‬
‫نراها ناهية عن السؤال فعلى الحازم أن يراها كالميتة ‪.‬‬

‫} فمن اضطر غير باغ ول عاد فل إثم عليه { ‪.‬‬

‫وقوله ‪ :‬وكم أحاديث نراها ناهية عن السؤال ‪ .‬منها أن حكيم ابن حزام رضي‬
‫ال تعالى عنه سأل النبي صلى ال عليه وآله وسلم من غنائم حنين ‪ ,‬فأعطاه مائة‬
‫من البل ‪ ,‬ثم سأله فأعطاه مائة ‪ ,‬ثم سأله فأعطاه مائة ‪ ,‬ثم قال له ‪ ":‬يا حكيم ‪ ,‬هذا‬
‫المال خضر حلو ‪ ,‬فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ‪ ,‬ومن أخذه بإشراف‬

‫‪39‬‬
‫نفس لم يبارك له فيه ‪ ,‬وكان كالذي يأكل ول يشبع ‪ ،‬واليد العليا خير من اليد‬
‫السفلى " ‪.‬‬

‫فأخذ حكيم المائة الولى ‪ ,‬وترك ما عداها ‪ ,‬وقال ‪ :‬يا رسول ال والذي بعثك‬
‫بالحق ل أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا ‪ .‬وكان كذلك رضي ال تعالى عنه‬
‫‪ ،‬فكان أبو بكر وعمر رضي ال عنهما يعرضان عليه العطاء فيأبى ‪.‬‬

‫قال العارف الشعرانى ‪ :‬وقد رأيت مرة شخصا جاء إلى سيدي علي الخواص‬
‫بمال ‪ ,‬والشيخ رمد ‪ ,‬وهو جالس يضفر الخوص ‪ ,‬فقال له ‪ :‬يا سيدي خذ هذه‬
‫الدراهم فاستعن بها على نفقة البيت واترك الضفر حتى تبرأ فرده ‪ ,‬وقال ‪ :‬وال‬
‫إني كما تراني أضفر في هذا الرمد ول يطيب لي أن آكل من كسبي هذا فكيف آكل‬
‫من كسبك أنت ؟ فقال ‪ :‬يا سيدي إن مثلك ل يغش في صنعته فكيف ل تطيب نفسك‬
‫أن تأكل من صنعتك ؟ فقال صحيح ما ثم إن شاء ال تعالى غش ولكن أبيع على‬
‫من ؟ وجميع الفقهاء والتجار والزياتين وغيرهم إذا أتاه مكاس أو قاض يشتري منه‬
‫شيئا ل يرده قط بل يفرح بفلوسه غاية الفرح ‪ ,‬وإذا أخذنا فلوس الظلمة‬
‫والمكاسين ‪ ,‬فنحن سواء لتحاد العين المتداولة بأيديهم فقال ‪ :‬ياسيدي هذا شىء ما‬
‫كان لي على بال ‪ ,‬وتركه وانصرف ‪ ,‬وهو يقول ‪ :‬ل ياأولياء ال اهـ ‪.‬‬

‫وهذا التدقيق من الشيخ رضي ال تعالى عنه ل يقتضي منع غيره من قبول‬
‫الصدقة ‪ ,‬فإنها مباحة حتى لهل البيت إن كانت نفل كما تقدم ‪ ,‬مالم يتحقق أنها من‬
‫مال حرام ‪ ,‬وهي مع إباحتها أمر مرغوب عنه إل للضرورة ‪.‬‬

‫وانظر إلى قوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬واليد العليا خير من اليد السفلى‬
‫"‪ .‬تعرف ذلك ‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬قد ثبت تحريم صدقة الفرض على آله صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫وصدقة النفل ‪ ,‬وإن كانت مباحة لهم على الصحيح ‪ ,‬إل أن نفوسهم الشريفة ربما‬
‫تأباها إل لمن يرى لقوة إيمانه ونفاذ بصيرته أن لهم الفضل والمنة عليه بقبول‬
‫صدقته وقليل ماهم ‪ ,‬فمن أين يتعيش من ل مال له منهم ؟ قلت ‪ :‬أما سمعت قوله‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم مخاطبا لهم ‪ ":‬إن لكم فى خمس الخمس ما يكفيكم "‪.‬‬
‫وفي بدل خمس الخمس الذي هو حقهم في بيت مال المسلمين ‪ ,‬أدامه ال عامرا ‪,‬‬
‫ما في كفايتهم وليس القصد إل ذلك ل أن يكثر مالهم ‪ ,‬فإن بينهم وبين ذلك سدا‬
‫حاجزا من قوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا "‪.‬‬

‫وما أشبهه من الحاديث الواردة فى هذا المعنى ‪.‬‬

‫قال الشعراني ‪ :‬نعمة التقلل من الدنيا أكبر من نعمة الكثار منها ‪ ,‬لنها طريق‬
‫النبياء والصفياء ‪ ,‬ولول أن التقلل أفضل وأكثر أجرا ‪ ,‬ما قال صلى ال عليه‬
‫وآله وسلم ‪ ":‬اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا "‪ .‬والقوت هو الذي ل يفضل منه‬
‫شىء عن الغذاء والعشاء ‪ ,‬فشىء اختاره صلى ال عليه وآله وسلم لنفسه وأهل بيته‬
‫ل أكمل منه اهـ ‪.‬‬

‫وقد دعا صلى ال عليه وآله وسلم لمبغضه وأهل بيته بعكس ذاك فعن علي‬
‫رضي ال عنه ‪ ":‬اللهم أرزق من أبغضني وأهل بيتي كثرة المال والعيال "‪ .‬رواه‬
‫الديلمي ‪.‬‬

‫قال ابن حجر ‪ :‬كفاهم أن يكثر مالهم فيطول حسابهم ‪ ,‬وأن تكثر عيالهم فتكثر‬
‫شياطينهم ‪ .‬ول يشكل هذا بالدعاء لنس بمثل ذلك لن ذلك نعمة في حقه يتوصل‬
‫بها إلى كثير من المور المطلوبة بخلفه في حق مبغضهم ‪.‬‬

‫ومن خصائصهم رضي ال تعالى عنهم ‪:‬‬

‫‪41‬‬
‫كونهم أشرف الناس نسبا وأفضل الخلق حسبا ‪ :‬عن ابن عباس رضي ال تعالى‬
‫عنهما قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬إن ال قسم الخلق قسمين‬
‫حا ُ‬
‫ب‬ ‫صَ‬
‫ن َما َأ ْ‬
‫ب اْلَيِمي ِ‬
‫حا ُ‬
‫صَ‬
‫‪ ,‬فجعلني في خيرهما قسما ‪ ,‬فذلك قوله تعالى‪َ }:‬وَأ ْ‬
‫شَماِل {‪ ,‬فأنا من أصحاب اليمين وأنا‬
‫ب ال ّ‬
‫حا ُ‬
‫صَ‬
‫شَماِل َما َأ ْ‬
‫ب ال ّ‬
‫حا ُ‬
‫صَ‬
‫ن ‪َ .‬وَأ ْ‬
‫اْلَيِمي ِ‬
‫خير أصحاب اليمين ‪ ,‬ثم جعل القسمين أثلثا فجعلني في خيرهم ثلثا ‪ ,‬فذلك قوله‬
‫حا ُ‬
‫ب‬ ‫صَ‬
‫شَأَمِة َما َأ ْ‬
‫ب اْلَم ْ‬
‫حا ُ‬
‫صَ‬
‫ب اْلَمْيَمَنِة َوَأ ْ‬
‫حا ُ‬
‫صَ‬
‫ب اْلَمْيَمَنِة َما َأ ْ‬
‫حا ُ‬
‫صَ‬
‫تعالى ‪َ }:‬فَأ ْ‬
‫ن{ فأنا من السابقين ‪ ,‬وأنا خير السابقين ‪ .‬ثم جعل‬
‫ساِبُقو َ‬
‫ن ال ّ‬
‫ساِبُقو َ‬
‫شَأَمِة َوال ّ‬
‫اْلَم ْ‬
‫شُعوًبا‬
‫جَعْلَناُكْم ُ‬
‫الثلث قبائل فجعلني في خيرها قبيلة ‪ ,‬وذلك قوله تعالى‪َ } :‬و َ‬
‫ل َأْتَقاُكْم { فأنا أتقى ولد آدم وأكرمهم على ال‬
‫عْنَد ا ِّ‬
‫ن َأْكَرَمُكْم ِ‬
‫َوَقَباِئَل ِلَتَعاَرُفوا ِإ ّ‬
‫تعالى ول فخر ‪ ,‬ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني في خيرها بيتا ‪ ,‬فذلك قوله تعالى ‪}:‬‬
‫طِهيًرا { ‪.‬‬
‫طّهَرُكْم َت ْ‬
‫ت َوُي َ‬
‫س َأْهَل اْلَبْي ِ‬
‫ج َ‬
‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫ب َ‬
‫ل ِلُيْذِه َ‬
‫ِإّنَما ُيِريُد ا ُّ‬

‫وعن ابن عمر رضي ال تعالى عنهما قال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ " :‬إن ال‬
‫اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ‪ ,‬واصطفى من كنانة قريشا ‪ ,‬واصطفى من قريش‬
‫بني هاشم ‪ ,‬واصطفاني من بني هاشم " ‪.‬‬

‫وعن ابن عمر رضي ال تعالى عنهما ‪ ":‬إن ال خلق الخلق فاختار منهم بني‬
‫آدم ‪ ,‬ثم اختار من بني آدم العرب ‪ ,‬ثم اختار من العرب مضر ‪ ,‬ثم اختار من مضر‬
‫قريشا ثم اختار من قريش بني هاشم ‪ ,‬ثم اختارني من بني هاشم ‪ ,‬فلم أزل خيارا‬
‫من خيار " ‪.‬‬

‫وأخرج أحمد والمحاملي وغيرهما عن عائشة رضي ال تعالى عنها أنها قالت‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬قال لي جبريل‪ :‬قلبت مشارق الرض‬
‫ومغاربها فلم أجد رجل أفضل من محمد ‪ .‬وقلبت مشارق الرض ومغاربها فلم‬
‫أجد بني أفضل من بني هاشم "‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر‪ :‬أنوار الصحة تلوح على صفحات متن هذا الحديث ‪.‬‬

‫وعن جعفر الصادق رضي ال تعالى عنه عن أبيه محمد الباقر رضي ال‬
‫تعالى عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬أتاني جبريل عليه‬
‫السلم فقال ‪ :‬يا محمد إن ال بعثني فطفت شرق الرض وغربها ‪ ,‬وسهلها‬
‫وجبلها ‪ ,‬فلم أجد حيا خيرا من العرب ‪ ,‬ثم أمرني فطفت في العرب فلم أجد حيا‬
‫خيرا من مضر ‪ ,‬ثم أمرني فطفت في مضر فلم أجد خيرا من كنانة ‪ ,‬ثم أمرني‬
‫فطفت في كنانة فلم أجد حيا خيرا من قريش ‪ ,‬ثم أمرنى فطفت في قريش فلم أجد‬
‫حيا خيرا من بني هاشم ‪ ,‬ثم أمرني أن أختار من أنفسهم فلم أجد فيهم نفسا خيرا‬
‫من نفسك "‪.‬‬

‫وأخرج المام أحمد بسند جيد عن العباس رضي ال تعالى عنه أنه صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم صعد المنبر فقال ‪ ":‬من أنا ؟ قالوا أنت رسول ال ‪ .‬فقال صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم‪ :‬أنا محمد بن عبد ال بن عبد المطلب ‪ ,‬إن ال خلق الخلق‬
‫فجعلني في خير خلقه وجعلهم فرقتين فجعلني في خير فرقة ‪ ,‬وخلق القبائل‬
‫فجعلني في خير قبيلة ‪ ,‬وجعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا " ‪.‬‬

‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ " :‬أول من أشفع له يوم القيامة من أمتي أهل‬
‫بيتي ‪ ,‬ثم القرب فالقرب من قريش ‪ ,‬ثم النصار ‪ ,‬ثم من آمن بي واتبعني من‬
‫اليمن ‪ ,‬ثم سائر العرب ‪ ,‬ثم العاجم ومن أشفع له أول أفضل "‪.‬‬

‫أخرجه الطبرانى والدار قطنى مرفوعا فهذه أحاديث صحيحة ونصوص‬


‫صريحة ‪ ,‬تدل على أن أهل البيت أفضل الناس حسبا ونسبا ‪ ,‬ويتفرع على هذا أنهم‬
‫ل يكافئهم في النكاح أحد من الناس ‪ ,‬وبه صرح غير واحد من الئمة ‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫قال الجلل السيوطي في الخصائص ‪ :‬ومن خصائصه صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم أن آله ل يكافئهم في النكاح أحد من الخلق ‪.‬‬

‫ومن خصائصهم رضي ال تعالى عنهم ‪:‬‬

‫أن كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إل سببه ونسبه صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم ‪ ,‬كما ورد ذلك في الحديث الصحيح وتقدم في المقصد الول ‪.‬‬

‫وصح أن عمر بن الخطاب رضي ال تعالى عنه خطب لنفسه أم كلثوم بنت‬
‫فاطمة رضي ال تعالى عنهما من أبيها علي بن أبى طالب كرم ال تعالى وجهه ‪,‬‬
‫فاعتل بصغرها وبأنه حابسها لولد أخيه جعفر ‪ ,‬فألح عليه عمر ثم صعد المنبر‬
‫فقال ‪ :‬أيها الناس وال ما حملني على اللحاح على عِلي في ابنته إل أني سمعت‬
‫النبي صلى ال عليه وآله وسلم يقول ‪ ":‬كل سبب ونسب وصهر ينقطع يوم القيامة‬
‫إل سببى ونسبى وصهرى "‪.‬‬

‫فأمر بها علي فزينت وبعث بها إليه فلما رآها قام وأجلسها في حجره فقبلها‬
‫ودعا لها ‪ ,‬فلما قامت أخذ بساقها وقال لها قولي لبيك قد رضيت ‪ ,‬فلما جاءت قال‬
‫لها ما قال لك ؟ فذكرت له جميع ما فعله وما قاله ‪ ,‬فأنكحها إياه فولدت له زيدا مات‬
‫رجل ‪.‬‬

‫قال الطيبي‪ :‬والنسب ما يرجع إلى ولدة قريبة من جهة الباء ‪ ,‬والصهر ما‬
‫كان من خلطة تشبه القرابة يحدثها التزوج والسبب كذلك يكون بالتزويج ‪ ,‬والعلم‬
‫بهذا الحديث ونحوه عظيم نفع النساب إليه صلى ال عليه وآله وسلم ول يعارضه‬
‫ما في أخبار أخر من حثه صلى ال عليه وآله وسلم لهل بيته عن خشية ال تعالى‬
‫واتقائه وطاعته ‪ ,‬وأنه ل يغني عنهم من ال شيئا ‪ ,‬لنه ل يملك لحد نفعا ول ضرا‬
‫‪ ,‬لكن ال تعالى يملكه نفع أقاربه فقوله ‪ ":‬ل أغنى عنكم شيئا " أي بمجرد نفسي‬

‫‪44‬‬
‫من غير ما يكرمني ال تعالى به ‪ ,‬من نحو شفاعة أو مغفرة ‪ ,‬فخاطبهم بذلك رعاية‬
‫لمقام التخويف ‪.‬‬

‫واعلم أنه ل ينبغي لمنسوب إليه صلى ال عليه وآله وسلم أن يعتمد على ما‬
‫ذكر‪ ,‬لنه إنما ثبت لمن هو في الواقع متصل به عليه الصلة والسلم ومن آل‬
‫بيته ‪ ,‬ومن أين تحقق ذلك لقيام احتمال زلل بعض النساء وكذب بعض الصول في‬
‫النتساب ‪ ,‬وإن كان خلف الظاهر‪ ,‬على أن المأثور من أكابر آل البيت شدة‬
‫خشيتهم من ال تعالى وعظم خوفهم من عذابه ‪ ,‬وكثرة تأسفهم على أدنى تقصير‬
‫وقع منهم رضي ال تعالى عنهم ونفعنا بهم ‪.‬‬

‫ومن خصائصهم رضي ال تعالى عنهم‪:‬‬

‫الصطلح فى الصدر الول على إطلق اسم الشراف عليهم دون غيرهم ‪ ,‬ثم‬
‫خص منهم بالحسنيين والحسينيين فقط ‪.‬‬

‫قال السيوطي في رسالته الزينبية ‪ :‬اسم الشريف يطلق فى الصدر الول على‬
‫كل من كان من أهل البيت ‪ ,‬سواء كان حسنيا أم حسينيا أم علويا من ذرية محمد‬
‫بن الحنفية ‪ ,‬أو غيره من أولد علي بن أبى طالب أم جعفريا أم عقيليا أم عباسيا ‪,‬‬
‫فلما ولي الخلفة الفاطميون بمصر قصروا اسم الشريف على ذرية الحسن‬
‫والحسين فقط ‪ ,‬واستمر ذلك بمصر إلى الن اهـ ‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وهذا الصطلح عم الن البلد السلمية شرقا وغربا ‪ ,‬فمتى أطلق لفظ‬
‫الشريف في اللغة العربية ل ينصرف إل لمن كان حسنيا أو حسينيا ‪ ,‬وحدث في‬
‫كثير من البلد الصطلح أيضا على لفظ السيد على كل منهما خاصة ‪ ,‬فمتى‬
‫أطلق ل ينصرف لسواهم وهذا في غير الحجاز ‪ ,‬فإنهم اصطلحوا فيه على إطلق‬
‫الشريف على من كان حسنيا والسيد على من كان حسينيا للفرق بينهما ‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫قال ابن حجر المكى ‪ :‬ول يدخل غير ذرية الحسن والحسين في الوقف على‬
‫الشراف والوصية لهم ‪ ,‬لن الوقف والوصية منوطان بعرف البلد وعرف مصر‬
‫ونحوها اختصاصهم بذرية الحسن والحسين اهـ ‪.‬‬

‫وقد علمت العرف الطارئ في الحجاز‪ :‬العمامة الخضراء ‪.‬‬

‫وأما تخصيص العمامة الخضراء بهم فأصله أن ملك مصر الشرف شعبان بن‬
‫حسين أمر في سنة ثلث وسبعين وسبعمائة بتقديم الموحدة فيهما بتخصيصهم‬
‫بعلمة خضراء توضع على عمامة أحدهم للفرق بين الشريف وغير الشريف ‪ ,‬ثم‬
‫توسع فيها حتى جعلت العمامة كلها خضراء ‪ ,‬ونظم الدباء في ذلك أشعارا منها‬
‫قول جابر بن عبد ال الندلسى ‪:‬‬

‫أن العلمة شأن من لم يشهـــــــــــر‬ ‫جعلوا لبناء النبي علمــــــة‬

‫يغني الشريف عن الطراز الخضر‬ ‫نور النبوة في وسيم وجوههم‬

‫وقول شمس الدين محمد بن إبراهيم الدمشقى ‪:‬‬

‫خضر بأعلم على الشـراف‬ ‫أطراف تيجان أتت من سنـــــدس‬

‫شرفا ليفرقهم من الطـــراف‬ ‫والشرف السلطان خصصهم بها‬

‫ولعل اختيار هذا اللون لكونه أفضل اللوان ‪ ,‬أو كونه لون الحلة التي يكساها‬
‫في الموقف نبينا صلى ال عليه وآله وسلم أو كونه لون ثياب أهل الجنة ا هـ ‪.‬‬
‫إسعاف‬

‫قال المام السيوطى ‪ :‬لبس هذه العلمة بدعة مباحة ل يمنع من أرادها من‬
‫شريف وغيره ‪ ,‬ول يؤمر بها من تركها من شريف وغيره ‪ ,‬والمنع منها لحد من‬
‫الناس كائنا من كان ليس أمرا شرعيا ‪ ,‬لن الناس مضبطون بأنسابهم الثابتة ‪,‬‬
‫وليس لبس العلمة مما ورد به الشرع فيتبع إباحة ومنعا ‪ ,‬أقصى ما في الباب أنه‬

‫‪46‬‬
‫أحدث التمييز بها لهؤلء عن غيرهم ‪ ,‬وقد يستأنس فيها بقوله تعالى ‪َ }:‬يا َأّيَها‬
‫ك َأْدَنى‬
‫ن َذِل َ‬
‫جلِبيِبِه ّ‬
‫ن َ‬
‫ن ِم ْ‬
‫عَلْيِه ّ‬
‫ن َ‬
‫ن ُيْدِني َ‬
‫ساِء اْلُمْؤِمِني َ‬
‫ك َوِن َ‬
‫ك َوَبَناِت َ‬
‫جَ‬
‫ي ُقْل لْزَوا ِ‬
‫الّنِب ّ‬
‫ن{‪.‬‬
‫ن َفل ُيْؤَذْي َ‬
‫ن ُيْعَرْف َ‬
‫َأ ْ‬

‫فقد استدل بها بعض العلماء على تخصيص أهل العلم بلباس ليعرفوا فيجلوا‬
‫تكريما للعلم وهذا وجه حسن وال أعلم ‪.‬‬

‫قال العلمة الصبان ‪ :‬يؤخذ من الية التى استأنس بها في لبس العلمة‬
‫الخضراء استحباب لبسها للشراف ‪ ,‬وهو الذي ينبغي اعتماده ‪ .‬وتكره لغيرهم ‪,‬‬
‫لن فيها انتسابا بلسان الحال إلى غير من ينسب إليه الشخص في نفس المر ‪,‬‬
‫وانتساب الشخص إلى غير من ينسب إليه في نفس المر منهي عنه محذر منه ‪:‬‬
‫قال ‪ :‬ولم يكتف في هذه العصار بتلك العلمة بل جعلت العمامة كلها خضراء‬
‫وحكمها حكم تلك العلمة انتهى ‪.‬‬

‫وهذا إنما يظهر في البلد التي ينتمي أهلها على اصطلح تخصيص العمائم‬
‫الخضر بالشراف كمصر ‪ ,‬أما في غيرها كالقسطنطينية فل ‪ ,‬فإن العلمة‬
‫الخضراء فيها ل دللة لها على الشرف أصل لما أن العلماء فيها والطلبة وغيرهم‬
‫من أرباب العمائم ل يخلو أحدهم في الغالب من عمامة خضراء يستعملها في‬
‫بعض الحيان ‪ ,‬وقد يكثر استعمالها في فصل الشتاء لعدم ظهور الوسخ فيها ‪ ,‬بل‬
‫تجاوزهم المر إلى كثير من أهل الحرف وباعة الشوارع ‪ ,‬فإنهم كثيرا ما‬
‫يتعممون بالعمائم الخضر لهذه العلة ‪ ,‬وهكذا لفظ السيد عندهم ليس خاصا بالشريف‬
‫‪ ,‬فإنك إذا ذهبت إلى سوق الحكاكين ‪ ,‬واجتهدت في أن ترى ختما لم يكتب فيه‬
‫السيد فلن ل تكاد تراه إل أن يكون لسيد شريف صحيح النسب أو لرجل من أهل‬
‫الدين والحياء ‪ ,‬وإنما ل يكتب الشراف لفظ السيد في أختامهم لخوف الشتباه فى‬
‫أنسابهم حينئذ بسبب كثرة استعمال الغيار إياه ‪ ,‬ومن هنا ترى أكثرهم ل سيما‬

‫‪47‬‬
‫أشراف الحجاز ل يلبسون العمائم الخضر لهذه الحكمة فقد زال التمييز ‪ ,‬واختلط‬
‫الصفر بالبريز ‪ ,‬والشراف مضبوطون بأنسابهم ‪ ,‬ل بألقابهم ‪ ,‬ومعروفون‬
‫بأحسابهم ل بأثوابهم ‪ ,‬ولقد أفحش في الخطأ من ظن الشرف باللوان أو بقول‬
‫الناس يا سيد فلن ‪ ,‬فرحم ال أمرًأ عرف حده ‪ ,‬فثبت عنده وعلم مقامه ‪ ,‬فلم يتقدم‬
‫أمامه ‪ ,‬فإن الكذب مداه قصير والزيف ل يخفى على الناقد البصير ‪.‬‬

‫ومن خصائصهم رضي ال تعالى عنهم ‪:‬‬

‫استعمال النقباء منهم عليهم ‪ ,‬وهذه النقابة وضعت في الصل لصيانتهم على أن‬
‫يتولى عليهم من ل يكافئهم في النسب ول يساويهم في الشرف ‪ ,‬ويختار لها أجلهم‬
‫بيتا وأكثرهم فضل وأجزلهم رأيا لتجتمع فيه شروط الرياسة والسياسة فيسرعوا‬
‫إلى طاعته برياسته ‪ ,‬وتستقيم أمورهم بسياسته ‪ ,‬ويلزمه لهم بتقلدها اثنا عشر حقا ‪:‬‬

‫أحدها ‪ :‬حفظ أنسابهم من داخل فيها وليس منها أو خارج عنها وهو منها ‪.‬‬

‫والثانى ‪ :‬معرفة أنسابهم وتمييز بطونهم ويثبتهم في ديوانه على التمييز ‪.‬‬

‫والثالث ‪ :‬معرفة من ولد منهم من ذكر أو أنثى فيثبته ومعرفة من مات فيذكره ‪.‬‬

‫والرابع ‪ :‬أن يحملهم على الداب التي تضاهي شرف أنسابهم وكرم محتدهم‬
‫لتكون حشمتهم في النفوس موقورة ‪ ,‬وحرمة الرسول صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫فيهم محفوظة ‪.‬‬

‫والخامس ‪ :‬أن ينزههم عن المكاسب الدنيئة ‪ ,‬ويمنعهم من المطالب الخبيثة‬


‫حتى ل يستقل ول يستضام منهم أحد ‪.‬‬

‫والسادس ‪ :‬أن يكفهم عن ارتكاب المآثم ويمنعهم من انتهاك المحارم ‪ ,‬ليكونوا‬


‫على الدين الذي نصروه أغير ‪ ,‬وللمنكر الذي أزالوه أنكر ‪ ,‬فل ينطلق بذمهم لسان‬
‫ول يشنؤهم إنسان ‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫والسابع ‪ :‬أن يمنعهم من التسلط على العامة لشرفهم والتشطط عليهم لنسبهم‬
‫فيدعوهم ذلك المقت والبغض ‪ ,‬ويبعثهم على المناكرة والبعد ‪ ,‬وأن يندبهم إلى‬
‫استعطاف القلوب ‪ ,‬وتألف النفوس ليكون الميل إليهم أوفى ‪ ,‬والقلوب لهم أصفى ‪.‬‬

‫والثامن ‪ :‬أن يكون عونا لهم في استيفاء حقوقهم ‪ ,‬حتى ل يضعفوا عنها وعونا‬
‫عليهم في أخذ الحقوق منهم حتى ل يمنعوا أهلها منها ‪ ,‬ليصيروا بالمعونة لهم‬
‫منتصفين ‪ ,‬وبالمعونة عليهم منصفين ‪ ,‬فإن من عدل السيرة فيهم إنصافهم‬
‫وانتصافهم ‪.‬‬

‫والتاسع ‪ :‬أن ينوب عنهم في حقوقهم في بيت مال المسلمين ‪.‬‬

‫والعاشر ‪ :‬أن يمنع نساءهم أن يتزوجن إل من الكفاء لشرفهن على سائر‬


‫النساء صيانة لنسابهم وتعظيما لحرمتهن ‪.‬‬

‫والحادى عشر ‪ :‬أن يقّوم ذوي الهفوات منهم ‪ ,‬ويقيل ذا الهيئة منهم عثرته‬
‫ويغفر بعد الوعظ زلته ‪.‬‬

‫والثانى عشر ‪ :‬أن يراعي وقوفهم بحفظ أصولهم وتنمية فروعها ويراعي‬
‫قسمتها عليهم بحسب الشروط والوصاف ‪.‬‬

‫ويزاد على ذلك في النقابة العامة خمسة أشياء أخرى ‪:‬‬

‫أحدها ‪ :‬الحكم بينهم فيما تنازعوا فيه ‪.‬‬

‫والثاني ‪ :‬الولية على أيتامهم فيما ملكوه ‪.‬‬

‫والثالث ‪ :‬إقامة الحدود عليهم فيما ارتكبوه ‪.‬‬

‫والرابع ‪ :‬تزويج اليامى اللتي ل يتعين أولياؤهن أو قد تعينوا فعضلوهن ‪.‬‬

‫والخامس ‪ :‬إيقاع الحجر على من عته منهم أو سفه وفكه إذا أفاق ورشد ‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫انتهى ملخصا من الحكام السلطانية للمام الماوردى ‪ ,‬هكذا كانت نقباء‬
‫الشراف في الزمنة السالفة ‪ ,‬أما الن فهم كما ترى ل يجدون طاعة ول سمعا‬
‫ول يملكون ضرا ول نفعا ‪.‬‬

‫ومن خصائصهم رضي ال تعالى عنهم ‪:‬‬

‫طلب إكرام فاسقهم وتوقيره واعتقاد أن ذنبه مغفور ‪ ,‬وأن ال تعالى متجاوز‬
‫عن سيئاته ولبد ولو بتوفيق ال تعالى إياه للتوبة النصوح قبل الموت قال تعالى‪:‬‬
‫طِهيًرا { ‪.‬‬
‫طّهَرُكْم َت ْ‬
‫ت َوُي َ‬
‫س َأْهَل اْلَبْي ِ‬
‫ج َ‬
‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫ب َ‬
‫ل ِلُيْذِه َ‬
‫}ِإّنَما ُيِريُد ا ُّ‬

‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬يا بني عبد المطلب إني سألت ال لكم ثلثا ‪:‬‬
‫أن يثبت قائمكم ‪ ,‬وأن يهدي ضالكم ‪ ,‬وأن يعلم جاهلكم "‪.‬‬

‫وقد تقدم قوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬إن فاطمة قد أحصنت فرجها‬
‫فحرمها ال وذريتها على النار"‪ .‬وغيره من الحاديث الدالة على القطع لهم بالجنة‬
‫من غير سابقة عذاب ‪ ,‬فل حاجة لعادتها هنا ‪.‬‬

‫وإنما طلب إكرام فاسقهم ‪ ,‬لن إكرامه ليس لفسقه وإنما هو لعنصره الطاهر‬
‫ونسبه الزاهر ‪ ,‬وهذا موجود في طالحهم كوجوده في صالحهم ‪ ,‬وفسق أحدهم ل‬
‫يخرجه عن بيت النبوة ‪ ,‬وهم بشرغير معصومين ‪ ,‬فل يطرأ بذلك خلل في نسبهم‬
‫وإن كان يشين قدرهم الرفيع ‪ ,‬ويحط بين الصالحين من رتبهم ‪.‬‬

‫قال المقريزى ‪ :‬حدثني الشيخ الفاضل يعقوب بن يوسف القرشي المكناسي قال‪:‬‬
‫أخبرني أبو عبد ال محمد الفاسي قال ‪ :‬كنت أبغض بني حسين أشراف المدينة‬
‫النبوية لما كان يظهر لي من تعصبهم على أهل السنة ‪ ,‬فنمت مرة بالنهار بالمسجد‬
‫النبوي تجاه القبر المقدس ‪ ,‬فرأيت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم وهو يقول‬
‫لي‪ :‬يا فلن ‪ ,‬باسمي ‪ ,‬مالي أراك تبغض أولدي ؟ فقلت‪ :‬حاشا ل يا رسول ال ‪,‬‬

‫‪50‬‬
‫ما أكرههم وإنما كرهت منهم ما رأيت من تعصبهم على أهل السنة ‪ ,‬فقال لى ‪:‬‬
‫مسألة فقهية ‪ ,‬أليس الولد العاق يلحق بالنسب ؟ فقلت‪ :‬بلى يا رسول ال ‪ ,‬فقال هذا‬
‫ولد عاق ‪ ,‬فانتبهت وقد زال بغضي لهم ‪ ,‬ثم صرت ل ألقى منهم أحدا إل بالغت في‬
‫إكرامه ا هـ ‪.‬‬

‫فانظر أيها الشريف إلى تسمية النبي صلى ال عليه وآله وسلم المتعصب على‬
‫أهل السنة ولد عاقا ‪ ,‬وتذكر أن عقوق مطلق الوالدين من الكبائر‪ ,‬فما بالك بعقوق‬
‫جدك المصطفى صلى ال عليه وآله وسلم ‪.‬‬

‫قال العلمة ابن حجر في خاتمة الفتاوي‪ :‬من علت نسبته إلى آل البيت النبوي‬
‫والسر العلوي ل يخرجه عن ذلك عظيم جنايته ول عدم ديانته وصيانته ‪ ,‬ومن ثم‬
‫قال بعض المحققين ‪ :‬ما مثال الشريف الزاني‪ ,‬أوالشارب ‪ ,‬أو السارق مثل إذا قمنا‬
‫عليه الحد إل كأمير أو سلطان تلطخت رجله بقذر فغسله عنها بعض خدمته ‪ ,‬ولقد‬
‫بر في هذا المثال وحقق ‪ ,‬وليتأمل قول الناس في أمثالهم ‪ :‬الولد العاق ل يحرم‬
‫الميراث ‪ ,‬نعم الكفر إن فرض وقوعه لحد من أهل البيت والعياذ بال هو الذي‬
‫يقطع النسبة بين من وقع منه وبين مشرفه صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬وإنما قلت إن‬
‫فرض لنني أكاد أجزم أن حقيقة الكفر ل تقع مما علم أتصال نسبه الصحيح بتلك‬
‫البضعة الكريمة ‪ ,‬حاشاهم ال من ذلك ‪ ,‬وقد أحال بعضهم وقوع نحو الزنا واللواط‬
‫‪ ,‬ممن علم شرفه فما ظنك بالكفر ؟ هذا كله فيمن علم شرفه كما تقرر ‪ ,‬وأما من‬
‫يشك في شرفه ‪ ,‬فإن ثبت نسبه بوجه شرعي وجب على كل أحد تعظيمه لما فيه‬
‫من الشرف والنكار على ما فيه من الخلل التي تنكر شرعا ‪ ,‬لما تقرر أنه ل يلزم‬
‫من الشرف عدم الفسق ‪ ,‬وإن لم يثبت نسبه شرعا وادعاه ولم يعلم كذبه تعين‬
‫التوقف عن تكذيبه ‪ ,‬لن الناس مأمونون على أنسابهم فليسلم له حاله ‪ ,‬ول ينبغي‬
‫للنسان أن يتحسى سما ‪ ,‬وهو قادر على السلمة ‪ ,‬وإذا كان المنسوبون لرجل‬

‫‪51‬‬
‫صالح يتوقاهم الناس ويعظمونهم لجل ذلك فما بالك بالمنسوبين إلى سيد الخلق‬
‫كلهم صلى ال عليه وآله وسلم وشرف وكرم ‪ ,‬وحشرنا في زمرة محبيه ومحبي‬
‫آله وأصحابه آمين انتهى ‪.‬‬

‫وهو كلم في غاية التحقيق ‪ ,‬وسوى أن قوله أكاد أجزم أن حقيقة الكفر ل تقع‬
‫إلى آخره الولى فيه حذف أكاد لما تقدم في المقصد الول من آية التطهير‬
‫والحاديث الواردة بالقطع لهم في الجنة وعدم انقطاع نسبهم يوم القيامة فإنه يدل‬
‫على عدم وقوع حقيقة الكفر منهم بيقين ‪ ,‬وقوله وإن لم يثبت نسبه شرعا وادعاه‬
‫الخ ‪ ,‬كلم حسن ‪ ,‬وأحسن منه قول سيدي عبد الوهاب الشعراني في البحر‬
‫المورود ‪ :‬واعلم يا أخي أن تعظيمنا للشريف الذي طعن في صحة شرفه أوجه عند‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم من تعظيم من صح نسبه ‪ ,‬لن المحقق شرفه‬
‫ل جميلة لحد في تعظيمه بخلف غير المحقق الشرف إذا عظمناه على الرائحة‬
‫فتأمل انتهى ‪.‬‬

‫ومن خصائصهم رضى ال تعالى عنهم ‪:‬‬

‫اتصال نسبهم به صلى ال عليه وآله وسلم يوم القيامة وانتفاعهم به ‪ ,‬بخلف‬
‫س ٍ‬
‫ب‬ ‫ب َوَن َ‬
‫سَب ٍ‬
‫سائر النساب فإنها تنقطع ول ينتفع بها كما صرح به حديث ‪ُ ":‬كّل َ‬
‫سبي "‪ .‬وحديث ‪ ":‬ما بال أقوام يقولون ‪ :‬إن رحم‬
‫سَبِبي وَن َ‬
‫طٌع َيْوَم اْلِقَياَمِة ِإل َ‬
‫يْنَق ِ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ل تنفع يوم القيامة ‪ ,‬بلى إن رحمى موصولة فى‬
‫الدنيا والخرة ‪ ,‬وإنى أيها الناس فرط لكم على الحوض "‪.‬‬

‫ن {‪ .‬ونحوه مخصوص‬
‫ساءُلو َ‬
‫وقوله تعالى‪ }:‬ل أنساب َبْيَنُهْم َيْوَمِئٍذ َوَل َيَت َ‬
‫بغيرهم ‪.‬‬

‫ومن خصائصهم رضى ال تعالى عنهم‪:‬‬

‫‪52‬‬
‫أن وجودهم في الرض أمان لهلها كما وردت به الحاديث كقوله صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم ‪ ":‬النجوم أمان لهل السماء ‪ ,‬وأهل بيتي أمان لهل الرض وفي‬
‫الرض "‪ .‬وفى رواية ‪ ":‬أمان لمتى "‪.‬‬

‫وقد تقدم شرح ذلك فى المقصد الول ‪ .‬واتفق شرح الحديث على تفسير أهل‬
‫البيت في الحديث بالذرية ‪ ,‬وانفرد الترمذي فذهب إلى أن المراد منهم البدال وقد‬
‫سبق الرد فارجع إليه إن شئت ‪.‬‬

‫قال العلمة ابن حجر ‪ :‬والحكمة في اختصاص أولد فاطمة بهذا الشرف دون‬
‫أولد سائر بناته صلى ال عليه وآله وسلم ما اختصت به رضي ال تعالى عنها من‬
‫المزايا الكثيرة على أخواتها ‪ :‬منها ما ورد أن ال تعلى زوجها لعلي كرم ال تعالى‬
‫وجهه في السماء قبل أن يتزوجها في الرض ‪ ,‬ومنها تمييزها عليهن بأنها سيدة‬
‫نساء أهل الجنة ‪ ,‬ومنها تمييزها عليهن بتسميتها بالزهراء إما لكونها ل تحيض من‬
‫غير علة فكانت كنساء الجنة ‪ ,‬وإما لكونها على ألوان نساء الجنة أو لغير ذلك ‪,‬‬
‫فهذه المذكورات ونحوها مما امتازت به من الفضائل ل يبعد أن يكون هو الحكمة‬
‫في نسلها في العالم أمنا له من عموم الفتن ‪ :‬أخبر الصادق المصدوق صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم بذلك بأنهم في ذلك كالقرآن بقوله ‪ ":‬إنى تارك فيكم الثقلين ‪ :‬كتاب‬
‫ال ‪ ,‬وعترتي ‪ ,‬لن تضلوا ما استمسكتم بهما أبدا "‪.‬‬

‫قال ‪ :‬وأما الشرف الناشىء عما فيهم من البضعة الكريمة فل يخص بأولد‬
‫فاطمة ‪ ,‬فقد صرح المحققون بأنه لو عاش نسل زينب من أبي العاص أو نسل رقية‬
‫وأم كلثوم من عثمان رضي ال تعالى عنهم ‪ ,‬لكان لهم من الشرف والسيادة ما‬
‫لنسل فاطمة رضي ال تعالى عنها ‪.‬‬

‫ومن خصائصهم رضى ال تعالى عنهم‪:‬‬

‫‪53‬‬
‫أنهم أول من يدخل الجنة ‪ .‬روى الثعلبي عن علي رضي ال تعالى عنه وكرم‬
‫ال وجهه قال ‪ :‬شكوت إلى رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم حسد الناس‪ ,‬فقال‬
‫لى ‪ ":‬أما ترضى أن تكون رابع أربعة ‪ ,‬أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن‬
‫والحسين وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذريتنا خلف أزواجنا "‪.‬‬

‫ومن خصائصهم رضى ال تعالى عنهم‪:‬‬

‫أنهم مع كونهم أولد بنته فاطمة ‪ ,‬يسمون أبناءه وينسبون إليه صلى ال عليه‬
‫وآله وسلم نسبة صحيحة أخرج الطبراني قوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬إن ال‬
‫عز وجل جعل ذرية كل نبي في صلبه ‪ ,‬وإن ال تعالى جعل ذريتي في صلب علي‬
‫ابن أبى طالب "‪.‬‬

‫وقوله عليه الصلة والسلم ‪ ":‬كل بني أم ينتمون إلى عصبة ‪ ,‬إل ولد فاطمة‬
‫فأنا وليهم وأنا عصبتهم "‪.‬‬

‫قال فى السعاف ‪ :‬هذه الخصوصية لولد فاطمة فقط دون أولد بقية بناته‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬فل يطلق عليه صلى ال عليه وآله وسلم أنه أب لهم‬
‫وأنهم بنوه ‪ ,‬كما يطلق ذلك في أولد فاطمة ‪ ,‬نعم يطلق عليهم أنهم من ذريته‬
‫ونسله وعقبه انتهى ‪.‬‬

‫وتقدم لك عن ابن حجر أنهم لو عاشوا لكان لهم من الشرف والسيادة ما لولد‬
‫فاطمة من حيث البضعة الشريفة ‪.‬‬

‫وعد الصبان من خصائصهم رضي ال تعالى عنهم ‪:‬‬

‫أن من صنع مع أحد منهم معروفا ‪ ,‬كافأه النبي صلى ال عليه وآله وسلم يوم‬
‫القيامة ‪ ,‬لقوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬من أراد التوسل وأن يكون له عندي يد‬
‫أشفع له بها يوم القيامة ‪ ,‬فليصل أهل بيتي ويدخل السرور عليهم "‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫قال ‪ :‬ومنها أن محبتهم تطّول العمر وتبيض الوجه يوم القيامة ‪ ,‬وبضد ذلك‬
‫بغضهن ‪ ,‬كما فى خبر أورده في الصواعق أنه صلى ال عليه وآله وسلم قال ‪":‬‬
‫خّوله ‪ ,‬فليخلفني في أهلي‬
‫من أحب أن ينسأ " أي يؤخر " أجله وأن ُيمّتع بما ُ‬
‫ي يوم القيامة مسودا‬
‫خلفة حسنة ‪ ,‬فمن لم يخلفني فيهم بتر عمره ‪ ,‬وورد على َ‬
‫وجهه "‪ .‬اهـ ‪.‬‬

‫وهذا المعنى يوجد في أصحابه صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬فإنا نرى مبغضيهم‬
‫سود الوجوه في الدنيا قبل الخرة ‪ ,‬كما هو مشاهد لكل من في قلبه إيمان ‪ ,‬والمراد‬
‫من طول العمر حصول البركة فيه حتى تكثر حسنات صاحبه وتقل سيئاته فافهم ‪.‬‬

‫* * * *‬

‫بعض فضائل الخمسة أهل العباء ‪:‬‬


‫أما سيدهم " رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم " ‪:‬‬

‫وأنه خير خلق ال كلهم‬ ‫فمبلغ العلم فيه أنه بشر‬

‫لم يصل إلى ما وصل إليه صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬من الكمال والقرب من‬
‫ذي الجلل نبي مرسل ‪ ,‬ول ملك مقرب ‪ ,‬وقد صرح الئمة العلم كالفخر‬
‫الرازي وابن حجر وغيرهما ‪ ,‬بأن فضائل سائر الرسل والنبياء لو اجتمعت في‬
‫واحد وقوبلت بفضائله صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬لرجحت فضائله صلى ال عليه‬
‫وآله وسلم عليها ‪ ,‬فهو أفضلهم خصوصا وعموما ‪ ,‬وكما أنه صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم أفضل الخلق على الطلق ‪ ,‬فشريعته أفضل الشرائع ‪ ,‬وأمته خير المم ‪,‬‬
‫وآله خير الل ‪ ,‬وأصحابه خير الصحاب ‪ ,‬ويجب على كل مسلم مطالعة الكتب‬
‫التي ألفت في فضائله وأوصافه الشريفة صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬كالشفاء‬

‫‪55‬‬
‫والمواهب وكتب السير ‪ ,‬حتى يعرف منزلة نبيه صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬وما‬
‫خوله ال تعالى مما تعجز عن بيان حقيقته اللسنة والقلم ‪ ,‬ول يزيد إل جدة على‬
‫تقادم الليالي واليام ‪ ,‬ومجمل القول فيه أنه خير خلق ال تعالى وليس فوقه إل ال‬
‫أماتنا ال تعالى على ملته ‪ ,‬وحشرنا في زمرته بجاهه صلى ال عليه وآله وسلم ‪.‬‬

‫وقد حبب لي أن أذكر هنا كيفية الصلة عليه صلى ال عليه وآله وسلم لسيدي‬
‫العارف بال تعالى محمد بن أبى الحسن البكري الكبير رضي ال تعالى عنه ‪,‬‬
‫لنها من أبلغ الكيفيات وأجمع الصلوات ‪ ,‬وقد اشتملت من صفاته الشريفة صلى‬
‫ال عليه وآله وسلم على أكمل الصفات وهي ‪:‬‬

‫صلة سيدي محمد البكري رضي ال تعالى عنه ‪ ":‬اللهم صلي وسلم على‬
‫نورك السنى ‪ ,‬وسرك البهى ‪ ,‬وحبيبك العلى ‪ ,‬وصفيك الزكى ‪ ,‬واسطة أهل‬
‫الحب ‪ ,‬وقبلة أهل القرب ‪ ,‬روح المشاهد الملكوتية ‪ ,‬ولوح السرار القيومية ‪,‬‬
‫ترجمان الزل والبد ‪ ,‬لسان الغيب الذي ل يحيط به أحد ‪ ,‬صورة الحقيقة الفردانية‬
‫‪ ,‬وحقيقة الصورة المزينة بالنوار الرحمانية ‪ ,‬إنسان ال المختص بالعبارة عنه ‪,‬‬
‫سر قابلية التهيؤ المكاني المتلقية منه ‪ ,‬أحمد من حمد وحمد عند ربه ‪ ,‬محمد‬
‫الباطن والظاهر بتفعيل التكميل الذاتي في مراتب قربه ‪ ,‬غاية طرفي الدورة‬
‫النبوية المتصلة بالول نظرا وإمدادا ‪ ,‬بداية نقطة النفعال الوجودي إرشادا‬
‫وإسعادا ‪ ,‬أمين ال على سر اللوهية المطلسم ‪ ,‬وحفيظه على غيب اللهوتية‬
‫المكتم ‪ ,‬من ل تدرك العقول الكاملة منه إل مقدار ما تقوم عليها به حجته الباهرة ‪,‬‬
‫ول تعرف النفوس العرشية من حقيقته إل ما يتعرف لها به من لوامع أنواره‬
‫الزاهرة ‪ ,‬منتهى همم القدسيين وقد بدوا مما فوق عالم الطبائع ‪ ,‬مرمى أبصار‬
‫الموحدين وقد طمحت لمشاهدة السر الجامع ‪ ,‬من ل تجلى أشعة ال لقلب إل من‬
‫مرآة سره ‪ ,‬وهي النور المطلق ‪ ,‬ول تتلى مزاميره على لسان إل برنات ذكره‬

‫‪56‬‬
‫وهو الوتر الشفعي المحقق ‪ ,‬المحكوم بالجهل على كل من ادعى معرفة ال مجردة‬
‫في نفس المر عن نفسه المحمدي ‪ ,‬الفرع الحدثاني المترعرع في نمائه بما يمد به‬
‫كل أصل أبدي ‪ ,‬جنى شجرة القدم ‪ ,‬خلصة نسختي الوجود والعدم ‪ ,‬عبد ال ونعم‬
‫العبد الذي به كمال الكمال ‪ ,‬وعابد ال بال بل حلول ول اتحاد ول اتصال ول‬
‫انفصال ‪ ,‬الداعي إلى ال على صراط مستقيم ‪ ,‬نبي النبياء وممد الرسل ‪ ,‬عليه‬
‫بالذات وعليهم منه أفضل الصلة وأشرف التسليم ‪ ,‬يا أل يا رحمن يا رحيم ‪ ,‬اللهم‬
‫صل وسلم على جمال التجليات الختصاصية ‪ ,‬وجلل التدليات الصطفائية ‪,‬‬
‫الباطن بك في غيابات العز الكبر ‪ ,‬الظاهر بنورك في مشارق المجد الفخر ‪,‬‬
‫عزيز الحضرة الصمدية ‪ ,‬وسلطان المملكة الحدية ‪ ,‬عبدك من حيث أنت كما هو‬
‫عبدك من حيث كافة أسمائك وصفاتك ‪ ,‬مستوى تجلي عظمتك وعلمك ورحمتك‬
‫وحكمك في جميع مخلوقاتك من كملت بنور قدسك مقلته فرأى ذاتك العلية جهارا ‪,‬‬
‫وسترت عن كل أحد من خلقك في باطنه لك أسرارا ‪ ,‬وفلقت بكلمة خصوصيته‬
‫المحمدية بحار الجمع ‪ ,‬ومتعت منه بمعرفتك وجمالك وخطابك القلب والبصر‬
‫والسمع وأخرت عن مقامه تأخيرا ذاتيا كل أحد ‪ ,‬وجعلته بحكم أحديتك وتر العدد ‪,‬‬
‫لواء عزتك الخافق ‪ ,‬لسان حكمتك الناطق ‪ ,‬سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ‪,‬‬
‫وشيعته ووارثيه وحزبه ‪ ,‬ياأل يارحمن يارحيم ‪ .‬اللهم صلي وسلم على دائرة‬
‫الحاطة العظمى ‪ ,‬ومركز محيط الفلك السمى ‪ ,‬عبدك المختص من علومك بما لم‬
‫تهىء له أحدا من عبادك ‪ ,‬سلطان ممالك العزة بك في كافة بلدك ‪ ,‬بحر أنوارك‬
‫الذي تلطمت برياح التعين الصمداني أمواجه ‪ ,‬قائد جيش النبوة الذي تسارعت‬
‫بك إليك أفواجه ‪ ,‬خليفتك على كافة خليقتك ‪ ,‬أمينك على جميع بريتك ‪ ,‬من غاية‬
‫المجد المجيد في الثناء عليه العتراف بالعجز عن اكتناه صفاته ‪ ,‬ونهاية البليغ‬
‫المبالغ أن ل يصل إلى مبالغ الحمد على مكارمه وهباته ‪ ,‬سيدنا وسيد كل من لك‬

‫‪57‬‬
‫عليه سيادة ‪ ,‬محمدك الذي استوجب من الحمد بك لك إصداره وإيراده ‪ ,‬وعلى آله‬
‫الكرام ‪ ,‬وأصحابه العظام ‪ ,‬ووراثه الفخام ‪ ,‬الحمد ل وسلم على عباده الذين‬
‫اصطفى " سبعا " ‪ :‬أى يكرر هذه الية تالي الصلوات سبع مرات ثم يقول ‪":‬‬
‫سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلم على المرسلين والحمد ل رب العالمين‬
‫‪ ,‬ويقرأ الفاتحة ‪ ,‬ويهديها لمنشىء هذه الصلوات ويقول ‪ :‬ربنا تقبل منا إنك أنت‬
‫السميع العليم ‪ ,‬وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ‪ ,‬وصلى ال وسلم على سيدنا‬
‫محمد وعلى آله وأخوانه من النبياء والمرسلين والحمد ل رب العالمين "‪.‬‬

‫هذه الصلوات الشريف تلقاها صاحبها القطب الكبير سيدي محمد البكري‬
‫رضي ال تعالى عنه من إملء رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬كما صرح‬
‫بذلك سيدي العارف بال السيد مصطفى البكري رضي ال تعالى عنه فى شرحه‬
‫علها ‪ ,‬والشيخ محمد البديري القدسي فى ثبتة ‪ ,‬وذكر لها فضل عظيما ‪ ,‬ومزايا‬
‫جليلة ‪ ,‬ذكرتها في كتابي " أفضل الصلوات على سيد السادات " فمن شاءها‬
‫فليرجع إليه وهو كتاب نفيس في بابه ‪ ,‬جامع لغرز صيغ الصلوات على النبي‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬ل يستغنى عنه كل مسلم ‪.‬‬

‫* * * *‬

‫السيدة فاطمة الزهراء رضي ال تعالى عنها‪:‬‬


‫روى الترمذي وغيره عن أسامة بن زيد رضي ال تعالى عنهما أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم قال‪ ":‬أحب أهلي إلي فاطمة "‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫وروى الطبراني عن أبي هريرة أن علي بن أبي طالب رضي ال تعالى عنه‬
‫قال ‪ :‬يارسول ال أينا أحب إليك أنا أم فاطمة ؟ قال ‪ ":‬فاطمة أحب إلي منك ‪ .‬وأنت‬
‫أعز علي منها "‪.‬‬

‫قال سيدي عبد الوهاب الشعراني ‪ :‬فصرح صلى ال عليه وآله وسلم بأن فاطمة‬
‫أحب إليه من علي ‪ ,‬وأما كونه أعز فنحتاج إلى دليل هل هو أعلى من أحب أم‬
‫دونه ؟ فتأمل اهـ ‪.‬‬

‫وروى عن كثير من الصحابة أن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم قال ‪":‬‬
‫إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش‪ :‬يأهل الجمع نكسوا رؤوسكم‬
‫وغضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد على الصراط إلى الجنة "‪.‬‬

‫وعن أبي أيوب ‪ ":‬فتمر مع سبعين ألف جارية من الحور العين كمر البرق "‪.‬‬
‫وروى ابن حبان عن عائشة رضي ال تعالى عنها قالت‪ :‬ما رأيت أحدا أشبه كلما‬
‫وحديثا برسول ال صلى ال عليه وآله وسلم من فاطمة ‪ ,‬وكانت إذا دخلت قام إليها‬
‫ورحب بها وأخذ بيدها وأجلسها في مجلسه ‪.‬‬

‫وروى الطبراني بإسناد صحيح على شرط الشيخين ‪ .‬قالت عائشة رضي ال‬
‫تعالى عنها ‪ :‬ما رأيت أحدا قط أفضل من فاطمة غير أبيها ‪.‬‬

‫وروى الطبراني وغيره بإسناد حسن عن علي أن رسول ال صلى ال عليه‬


‫وآله وسلم قال لفاطمة ‪ ":‬إن ال يغضب لغضبك ويرضى لرضاك "‪.‬‬

‫وفي الجامع الصغير‪ ":‬فاطمة بضعة مني يغضبني ما يغضبها "‪.‬‬

‫وفي رواية ‪ ":‬فمن أغضبها أغضبنى "‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫وروى ابن حبان وغيره عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله وسلم ‪ ":‬إن ملكا من السماء لم يكن زارني فأستأذن ربي في زيارتي ‪,‬‬
‫فبشرني وأخبرني أن فاطمة سيدة نساء أمتي "‪.‬‬

‫روى ابن عبد البر أنه صلى ال عليه وآله وسلم قال لها ‪ ":‬يا بنّية أل ترضين‬
‫أنك سيدة نساء العالمين ؟ قالت ياأبت فأين مريم ؟ قال‪ :‬تلك سيدة نساء عالمها‬
‫"‪.‬‬

‫وصرح بأفضليتها على سائر النساء حتى السيدة مريم كثير من العلماء‬
‫المحققين منهم التقي السبكي والجلل السيوطي والبدر الزركشي والتقي‬
‫المقريزي ‪.‬‬

‫وعبارة السبكي حين سأل عن ذلك ‪ :‬الذي نختاره وندين ال به أن فاطمة بنت‬
‫محمد أفضل ‪.‬‬

‫وسئل عن مثل ذلك ابن أبي داود فقال ‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫قال ‪ ":‬فاطمة بضعة مني "‪ .‬ول أعدل ببضعة رسول ال أحدا ‪:‬‬

‫وعبارة المناوي في شرح قوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬فضل عائشة على‬
‫النساء كفضل الثريد على سائر الطعام "‪ .‬قال جمع من السلف والخلف ‪ :‬ل نعدل‬
‫ببضعة المصطفى صلى ال عليه وآله وسلم أحدا ‪ ,‬قال البعض‪ :‬وبه يعلم أن بقية‬
‫اولده صلى ال عليه وآله وسلم كفاطمة رضي ال تعالى عنها ‪ .‬انتهى ‪.‬‬

‫وقال الحافظ ابن حجر ‪ :‬يدل لتفضيل بناته على زوجاته خبر أبي يعلى عن‬
‫عمر مرفوعا ‪ ":‬تزوج حفصة خير من عثمان ‪ ,‬وتزوج عثمان خير من حفصة "‪.‬‬

‫وروى النسائي أنه صلى ال عليه وآله وسلم قال‪ ":‬إن ابنتي فاطمة حوراء‬
‫آدمية ‪ ,‬لم تحض ولم تطمث "‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫قال الحافظ السيوطي في الخصائص ‪ :‬ومن خصائص ابنته فاطمة أنها كانت ل‬
‫تحيض ‪ ,‬وكان إذا ولدت طهرت من نفاسها بعد ساعة حتى ل تفوتها صلة ‪,‬‬
‫ولذلك سميت الزهراء ‪ ,‬ولما جاعت وضع رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم يده‬
‫على صدرها فما جاعت بعد ‪ ,‬ولما احتضرت غسلت نفسها ‪ ,‬وأوصت أن ل‬
‫يكشفها أحد فدفنها علي رضي ال تعالى عنه بغسلها ذلك ‪ .‬ا هـ ‪.‬‬

‫وأما تسميتها بالبتول فقال الصبان ‪ :‬سميت بذلك لنقطاعها عن نساء زمانها‬
‫فضل ودينا ونسبا ‪ .‬والبتل في اللغة ‪ :‬القطع ‪ ,‬قال ‪ :‬ومع كونها في تلك المنزلة‬
‫الرفيعة كانت رضي ال تعالى عنها في غاية من ضيق العيش ‪ ,‬تنبيها للغافلين‬
‫على أن الدنيا ليست مطمح نظر الكاملين ‪.‬‬

‫روى أحمد ‪ ":‬أن بلل أبطأ عن صلة الصبح فقال له النبي صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم ما حبسك ؟ قال ‪ :‬مررت بفاطمة ‪ ,‬وهي تطحن والصبي يبكي فقلت ‪ :‬إن‬
‫شئت كفيتك الرحا ‪ ,‬وإن شئت كفيتك الصبي ‪ ,‬فقالت أنا أرفق بإبني منك ‪ ,‬فذاك‬
‫الذي حبسني عنك "‪.‬‬

‫وروى أحمد بسند جيد عن علي أنه قال لفاطمة ‪ :‬قد جاء أباك خدم كثير فاذهبي‬
‫فاستخدميه ‪ ,‬ثم أتيا إليه جميعا ‪ ,‬فقالت فاطمة ‪ :‬يارسول ال لقد طحنت حتى كلت‬
‫يدي ‪ ,‬وقد جاءك ال بسبعة فأخدمنا ‪ :‬يعني أعطنا خادما فقال ‪ ":‬وال ل أعطيك‬
‫صّفة تطوى بطونهم من الجوع ‪ ,‬ثم قال‪ :‬أل أخبركما بخير مما‬
‫وأدع أهل ال ّ‬
‫ن جبريل ‪ :‬إذا أتيتما إلى فراشكما‬
‫سألتمانى ؟ فقال بلى ‪ .‬قال ‪ :‬كلمات عّلمنيه ّ‬
‫فاقرآ آية الكرسي وسبحا ثلثا وثلثين ‪ ,‬وأحمدا ثلثا وثلثين ‪ ,‬وكبرا أربعا‬
‫وثلثين"‪ .‬ا هـ ‪.‬‬

‫وقد زوجها صلى ال عليه وآله وسلم لعلىي رضي ال عنه بأمر ال تعالى في‬
‫السنة الثانية من الهجرة ‪ .‬عقد عليها في المحرم على بعض الروايات ‪ ,‬ودخل بها‬

‫‪61‬‬
‫في ذي الحجة ‪ ,‬وهي ابنة خمس عشرة سنة ‪ ,‬وهو ابن إحدى وعشرين سنة ‪ ,‬ولم‬
‫يتزوج عليها حتى ماتت ‪ ,‬ودعا لها صلى ال عليه وآله وسلم ليلة الدخول بقوله ‪":‬‬
‫اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم "‪ .‬ودعا بمثله لعلي رضي ال‬
‫تعالى عنه ‪ ,‬ولهما بقوله أيضا ‪ ":‬جمع ال شملكما "‪.‬‬

‫فجعل ال نسلهما مفاتيح الرحمة ‪ ,‬ومعادن الحكمة ‪ .‬وأمن المة ‪ ,‬وبقوله صلى‬
‫ال عليه وآله وسلم مخاطبا لهما ‪ ":‬بارك ال لكما ‪ ,‬وبارك فيكما ‪ ,‬وأعز جدكما ‪,‬‬
‫وأخرج منكما الكثير الطيب "‪.‬‬

‫قال أنس رضي ال تعالى عنه ‪ :‬فوال لقد أخرج منهما الكثير الطيب ‪ ,‬وهذه‬
‫خطبته عليه الصلة والسلم حين عقد النكاح بعد أن دعا أجلء الصحابة من‬
‫المهاجرين والنصار ‪ ,‬فلما اجتمعوا لديه وأخذوا مجالسهم وكان علي رضي ال‬
‫تعالى عنه غائبا قال ‪ :‬صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬الحمد ل المحمود بنعمته ‪،‬‬
‫المعبود بقدرته ‪ ،‬المطاع سلطانه ‪ ،‬المرهوب من عذابه وسطوته ‪ ،‬النافذ أمره‬
‫في سمائه وأرضه ‪ ،‬الذي خلق الخلق بقدرته ‪ ،‬وميزهم بأحكامه ‪ ،‬وأعزم بدينه ‪،‬‬
‫وأكرمهم بنبيه محمد صلى ال عليه وسلم ‪ .‬إن ال تبارك اسمه ‪ ،‬وتعالت عظمته‬
‫‪ ،‬جعل المصاهرة نسبًا لحقًا ‪ ،‬وأمرًا مفترضًا أوشج به الرحام‪ ،‬وألزم النام‪،‬‬
‫صْهرًا {‪ .‬فأمر‬
‫سبًا َو ِ‬
‫جَعَلُه َن َ‬
‫شرًا َف َ‬
‫ن اْلَماِء َب َ‬
‫ق ِم َ‬
‫خَل َ‬
‫فقال عز من قائل ‪َ }:‬وُهَو اّلِذي َ‬
‫ال تعالى يجري إلى قضائه ‪ ،‬وقضاؤه يجري إلى قدره ‪ ،‬ولكل قضاء قدر‪ ،‬ولكل‬
‫عنَدُه ُأّم اْلِكَتبِ "‪ .‬ثم إن‬
‫ت َو ِ‬
‫شاءُ َوُيّثب ُ‬
‫ل َما َي َ‬
‫حوْا ا ُّ‬
‫قدر أجل‪ ،‬ولكل أجل كتاب ‪َ ":‬يْم ُ‬
‫ال تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي ابن أبي طالب‪ ،‬فاشهدوا أني قد زوجته‬
‫إياها على أربعمائة مثقال فضة إن رضي علي بذلك "‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫ثم دخل علي رضي ال عنه ‪ ،‬فتبسم رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم في‬
‫وجهه ‪ ,‬وقال ‪ ":‬إن ال عز وجل أمرني أن أزوجك فاطمة على أربعمائة مثقال‬
‫فضة أرضيت بذلك ؟ "‪.‬‬

‫فخطب خطبة وقال ‪ :‬رضيت بذلك يا رسول ال ‪ ,‬ولم يتزوج عليها رضي ال‬
‫تعالى عنها حتى ماتت ‪ ,‬ولما خطب جويرية بنت أبي جهل قام صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم على المنبر وقال ‪ ":‬إن بني هاشم ابن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم‬
‫علي بن أبي طالب‪ ،‬فل آذن لهم ثم ل آذن لهم ‪ ,‬إل أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق‬
‫ابنتي وينكح ابنتهم‪ ،‬إنما هي بضعة مني ‪ ,‬يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها ‪ ,‬وال‬
‫ل تجتمع بنت رسول ال وبنت عدو ال عند رجل أبدا "‪.‬‬

‫ى الخطبة ‪ .‬قال أبو داود ‪ :‬حرم ال على علي رضي ال عنه أن ينكح‬
‫فترك عل ّ‬
‫على فاطمة رضي ال تعالى عنها مدة حياتها ‪ .‬توفيت رضي ال تعالى عنها بعد‬
‫أبيها صلى ال عليه وآله وسلم بستة أشهر ليلة الثلثاء لثلث خلون من رمضان‬
‫سنة إحدى عشرة ‪.‬‬

‫* * * *‬

‫أبو الحسنين أمير المؤمني علي بن أبي طالب‪:‬‬


‫رضي ال تعالى عنه‬

‫قال الحافظ ابن حجر ‪ :‬هو أول الناس إسلما في قول الكثير من أهل العلم ‪ .‬ولد‬
‫قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح فربي فى حجر النبي صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم ولم يفارقه ‪ ,‬وشهد معه المشاهد كلها إل غزوة تبوك فقال له بسبب تأخيره له‬
‫بالمدينة ‪ ":‬أل ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى "‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫وزوجه ابنته فاطمة ‪ ,‬وكان اللواء بيده في أكثر المشاهد ‪ ,‬ولما آخى النبي صلى‬
‫ال عليه وآله وسلم بين أصحابه قال له ‪ ":‬أنت أخي "‪.‬‬

‫ومناقبه كثيرة حتى قال المام أحمد ‪ ":‬لم ينفل لحد من الصحابة ما نقل لعلى‬
‫"‪.‬‬

‫وقال غيره ‪ :‬وكان سبب ذلك تنقيص بني أمية له ‪ ,‬فكان كل من كان عنده علم‬
‫من شىء من مناقبه من الصحابة يثبته ‪ ,‬وكلما أرادوا إخماده وهددوا من حدث‬
‫بمناقبه ل تزداد إل انتشارا ‪ ,‬وقد ولد له الرافضة مناقب موضوعة هو غني عنها ‪.‬‬
‫وتتبع النسائي ما خص به دون الصحابة فجمع من ذلك شيئا كثيرا أسانيد أكثرها‬
‫جياد ‪.‬‬

‫ن الّراية غدا إلى رجل يحب ال ورسوله ويحبه ال ورسوله ‪ ,‬يفتح‬


‫" لدفع ّ‬
‫ال على يديه "‪ .‬فلما أصبح رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم غدوا وكل واحد‬
‫منهم يرجو أن يعطاها فقال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬أين علي بن‬
‫أبي طالب ؟ "‪ .‬فقالوا ‪ :‬هو يشتكي عينه ‪ ,‬فأتى به فبصق في عينيه فدعا له خيرا‬
‫وأعطاه الراية ‪.‬‬

‫وعن عمر رضي ال تعالى عنه ‪ :‬ما أحببت المارة إل ذلك اليوم ‪.‬‬

‫وروى عبد ال بن أحمد بن حنبل من حديث جابر أن النبي صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم لما دفع الراية لعلي يوم خيبر‪ ,‬أسرع فجعلوا يقولون له ارفق ‪ ,‬حتى انتهى‬
‫إلى الحصن فاجتذب بابه فألقاه على الرض ‪ ,‬ثم اجتمع عليه سبعون رجل ‪ ,‬حتى‬
‫أعادوه ‪.‬‬

‫وبعثه صلى ال عليه وآله وسلم ليقرأ سورة براءة على قريش وقال ‪ ":‬ل يذهب‬
‫إل رجل مني وأنا منه "‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫وقال لبني عمه ‪ ":‬أيكم يواليني في الدنيا والخرة ؟ فأبوا فقال علي ‪ :‬أنا ‪ ,‬فقال‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬إنه ولّيي في الدنيا والخرة "‪.‬‬

‫وعن عمران بن حصين رضي ال تعالى عنه أنه صلى ال عليه وآله وسلم قال‬
‫‪ ":‬ما تريدون من علي ؟ إن عليا مني وأنا من علي‪ ,‬وهو ولي كل مؤمن بعدي"‪.‬‬

‫ونقل الحافظ ابن حجر في الصابة عن مسند أحمد بن حنبل بسند جيد عن علي‬
‫رضي ال تعالى عنه قيل ‪ ":‬يا رسول ال‪ :‬من تؤمر بعدك ؟ قال ‪ ":‬إن تؤمروا أبا‬
‫بكر تجدوه أمينا زاهدا في الدنيا راغبا في الخرة ‪ ,‬وإن تؤمروا عمر تجدوه قويا‬
‫أمينا ل يخاف في ال لومة لئم ‪ ,‬وإن تؤمروا عليا ‪ ,‬وما أراكم فاعلين ‪ ,‬تجدوه‬
‫هاديا مهديا يأخذ بكم الطريق المستقيم "‪.‬‬

‫وعن ابن عباس قال قال لي علي ‪ :‬يا ابن عباس إذا صليت العشاء الخرة‬
‫فالحق إلى الجبانة قال ‪ :‬فصليت ولحقته وكانت ليلة مقمرة قال‪ :‬فقال لى ‪ :‬ما تفسير‬
‫اللف من الحمد ؟ قلت ‪ :‬ل أعلم ‪ ,‬فتكلم في تفسيرها ساعة تامة ‪ ,‬ثم قال ‪ :‬ما‬
‫تفسير اللم من الحمد ؟ قلت ‪ :‬ل أعلم ‪ ,‬فتكلم فيها ساعة تامة ‪ ,‬ثم قال ‪ :‬ما تفسير‬
‫الحاء من الحمد ؟ قلت ‪ :‬ل أعلم ‪ ,‬فتكلم فيها ساعة تامة ‪ ,‬ثم قال ‪ :‬ما تفسير الميم‬
‫من الحمد ؟ قلت ‪ :‬ل أعلم ‪ ,‬قال‪ :‬فتكلم في تفسيرها ساعة تامة ‪ ,‬قال ‪ :‬فما تفسير‬
‫الدال من الحمد ؟ قال‪ :‬قلت ل أدري ‪ ,‬فتكلم فيها إلى أن بزغ عمود الفجر قال ‪:‬‬
‫وقال لي قم يا ابن عباس إلى منزلك فتأهب لفرضك فقمت ‪ ,‬وقد وعيت ما قال ثم‬
‫تفكرت فإذا علمي بالقرآن في علم علي ‪ ,‬كالقرارة فى المثعنجر قال ‪ :‬القرارة ‪:‬‬
‫الغدير الصغير والمثعنجر ‪ :‬البحر ‪.‬‬

‫وقال ابن عباس ‪ ":‬علم رسول ال من علم ال ‪ ,‬وعلم علي من علم رسول ال ‪,‬‬
‫وعلمي من علم علي ‪ ,‬وما علمي وعلم أصحاب محمد في علم علي إل كقطرة في‬
‫سبعة أبحر "‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫فانظر كيف تفاوت الخلق في العلوم والفهوم ‪ .‬ويقال أن عبد ال بن عباس أكثر‬
‫البكاء على علي حتى ذهب بصره ‪.‬‬

‫قال أبو الطفيل ‪ :‬شهدت عليا يخطب وهو يقول ‪ " :‬سلونى فوال ما من آية إل‬
‫وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل ‪ ,‬ولو شئت أوقرت سبعين‬
‫بعيرا من تفسير فاتحة الكتاب " ‪.‬‬

‫وقال ابن عباس ‪ :‬لقد أعطي علي تسعة أعشار العلم ‪ ,‬وايم ال لقد شاركهم في‬
‫العشر العاشر "‪ .‬وكان معاوية يكتب فيما ينزل به فيسأل علي بن أبى طالب ‪ ,‬فلما‬
‫بلغه قتله قال ‪ :‬لقد ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب ‪ ,‬وكان عمر يتعوذ من‬
‫معضلة ليس لها أبو الحسن ‪ .‬وسئل عطاء أكان في أصحاب محمد أحد أعلم من‬
‫علي ؟ قال ‪ :‬ل وال ما أعلمه ‪.‬‬

‫وقال معاوية يوما لضرار الصدائي أحد أصحاب علي صف لي عليا قال ‪:‬‬
‫أعفني يا أمير المؤمنين ‪ .‬قال‪ :‬لتصفنه ‪ ,‬قال‪ :‬أما إذ ل بد من وصفه ‪ :‬فكان ‪ ,‬وال ‪,‬‬
‫ل ‪ ,‬يتفجر العلم من جوانبه ‪,‬‬
‫ل ويحكم عد ً‬
‫بعيد المدى شديد القوى ‪ ,‬يقول فص ً‬
‫وتنطق الحكمة من نواحيه ‪ ,‬ويستوحش من الدنيا وزهرتها ‪ ,‬ويستأنس بالليل‬
‫ووحشته ‪ ,‬وكان غزير العبرة طويل الفكرة ‪ ,‬يعجبه من اللباس ما قصر ‪ ,‬ومن‬
‫الطعام ما خشن ‪ ,‬وكان فينا كأحدنا ‪ ,‬يجيبنا إذا سألناه ‪ ,‬وينبئنا إذا استنبأناه ‪ ,‬ونحن‬
‫وال مع تقريبه إيانا وقربه منا ل نكاد نكلمه هيبًة له ‪ ,‬يعظم أهل الدين ويقرب‬
‫المساكين ‪ ,‬ل يطمع القوي في باطله ‪ ,‬ول ييئس الضعيف من عدله ‪ ,‬وأشهد أنه لقد‬
‫رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله قابضًا على لحيته يتململ تململ‬
‫ي تعرضت ؟ أم إلي‬
‫السليم ‪ ,‬ويبكي بكاء الحزين ‪ ,‬ويقول ‪ :‬يا دنيا غري غيري أإل ّ‬
‫تشوفت ؟ هيهات قد أبنتك ثلثًا ل رجعة فيها ‪ ،‬فعمرك قصير ‪ ,‬وخطرك قليل ‪ .‬آٍه‬
‫من قلة الزاد ‪ ,‬وبعد السفر ‪ ,‬ووحشة الطريق ‪ .‬فبكى معاوية وقال ‪ :‬رحم ال أبا‬

‫‪66‬‬
‫الحسن ‪ ،‬كان وال كذلك ‪ ,‬فكيف حزنك عليه يا ضرار ؟ قال ‪ :‬حزني حزن من‬
‫ذبح ولدها على حجرها ‪ .‬وسيأتي تخصيصه أيضا بذكر نبذة أخرى من فضائله مع‬
‫الخلفاء الراشدين في خاتمة هذا الكتاب إظهارا للمزيتين وإيفاء بحق الفضيلتين ‪.‬‬

‫* * * *‬

‫المام الحسن رضي ال تعالى عنه ‪:‬‬


‫أبو محمد الحسن أمير المؤمنين سبط رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‬

‫وريحانته رضي ال تعالى عنه ‪:‬‬

‫هو آخر الخلفاء الراشدين بنص الحديث ‪ .‬ولد رضي ال تعالى عنه فى نصف‬
‫شهر رمضان سنة ثلث من الهجرة ‪ ,‬سماه النبي صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫الحسن ‪ ,‬وعق عنه يوم سابعه ‪ ,‬وحلق شعره وأمر أن يتصدق بزنة شعره فضة‬
‫قال أبو أحمد العسكري ‪ :‬سماه النبي صلى ال عليه وآله وسلم الحسن وكناه أبا‬
‫محمد ولم يكن يعرف هذا السم في الجاهلية ‪.‬‬

‫روى عكرمة عن ابن عباس رضي ال تعالى عنهما قال ‪ :‬كان رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم حامل الحسن على عاتقه ‪ ,‬فقال رجل‪ :‬نعم المركب‬
‫ركبت يا غلم ‪ .‬فقال النبى صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬ونعم الراكب "‪.‬‬

‫وعن البراء بن عازب قال ‪ :‬رأيت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم واضعا‬
‫الحسن بن علي على عاتقه وهو يقول ‪ ":‬اللهم إنى أحبه فأحبه " ‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫وفي البخاري عن أبي بكرة ‪ :‬رأيت النبي صلى ال عليه وآله وسلم على المنبر‬
‫والحسن بن علىي معه وهو يقبل على الناس مرة وعليه مرة ويقول ‪ ":‬إن ابني‬
‫هذا سيد ‪ ,‬ولعل ال أن يصلح به بين فئتين من المسلمين " ‪.‬‬

‫وعن أبي بكرة أيضا ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم يصلي بالناس ‪,‬‬
‫وكان الحسن بن علىي يثب على ظهره إذا سجد يفعل ذلك غير مرة ‪ ,‬قالوا ‪ :‬إنك‬
‫لتفعل بهذا شيئا ما رأيناك تفعله بأحد ؟ قال ‪ ":‬إن ابني هذا سيد ‪ ,‬وسيصلح ال به‬
‫بين فئتين عظيمتين من المسلمين " ‪.‬‬

‫وعن عبد ال بن الزبير قال ‪ :‬أشبه أهل النبي صلى ال عليه وآله وسلم به‬
‫وأحبهم إليه الحسن ‪ ,‬رأيته يجىء ‪ ,‬وهو ساجد ‪ ,‬فيركب رقبته أو قال ظهره ‪ ,‬فما‬
‫ينزله حتى يكون هو الذي ينزل ‪ ,‬وقد رأيته وهو راكع يفرج له بين رجليه ‪ ,‬حتى‬
‫يخرج من الجانب الخر ‪.‬‬

‫وفي البخاري عن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث قال ‪ :‬صلى بنا أبو بكر‬
‫ى يلعب ‪ ,‬فأخذه فحمله على عنقه وهو يقول‪:‬‬
‫العصر ثم خرج ‪ ,‬فرأى الحسن بن عل ّ‬
‫بأبى شبيه بالنبي ‪ ,‬ليس شبيها بعلي ‪ ,‬وعلي يضحك ‪ .‬وكانت فاطمة رضي ال‬
‫تعالى عنها تهز الحسن وتقول ‪ :‬مثل ذلك ‪.‬‬

‫وعن زهير بن الرقم قال ‪ :‬قام الحسن بن علي يخطب فقام رجل من أزد‬
‫شنوءة فقال ‪ :‬أشهد لقد رأيت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم واضعه على‬
‫حبوته وهو يقول ‪ ":‬من أحبني فليحبه ‪ ,‬وليبّلغ الشاهد الغائب "‪ .‬ولول كرامة‬
‫النبي صلى ال عليه وآله وسلم ما حدثت به أحدا ‪.‬‬

‫وعن أبي هريرة رضي ال تعالى عنه عن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫قال ‪ ":‬اللهم إني أحبه وأحب من يحبه "‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫فما كان أحد أحب إلي من الحسن بعد أن قال رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم ما قال ‪.‬‬

‫وعنه رضي ال تعالى عنه قال ‪ :‬ما رأيت الحسن بن علي قط إل فاضت عيناي‬
‫دموعا ‪ ,‬وذلك أن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم خرج يوما وأنا في المسجد‬
‫وأخذ بيدي واتكأ علي ‪ ,‬حتى جئنا سوق قينقاع فنظر فيه ‪ ,‬ثم رجع حتى جلس في‬
‫المسجد ‪ ,‬ثم قال ادع ابني فأتى الحسن بن علي يشتد حتى وقع في حجره فجعل‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم يفتح فمه ‪ ,‬أي الحسن ‪ ,‬ثم يدخل فمه في فمه‬
‫ويقول ‪ ":‬اللهم إني أحبه وأحب من يحبه "‪ .‬ثلث مرات ‪.‬‬

‫قيل أنه رضي ال تعالى عنه حج عشر حجات ماشيا وكان يقول ‪ :‬إني لستحي‬
‫من ربي أن ألقاه ولم أمش إلى بيته ‪ ,‬وقاسم ال تعالى ماله ثلث مرات ‪ ,‬فكان‬
‫يترك نعل ‪ ,‬وخرج من ماله كله مرتين ‪ ,‬وتحقق فيه قوله صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ " :‬إن ابنى هذا سيد " الحديث ‪ ,‬فإنه لما ولي الخلفة بعد مقتل أبيه بايعه أكثر من‬
‫أربعين ألفا كانوا بايعوا أباه على الموت ‪ ،‬وكانوا أطوع للحسن وأحب له ‪ ,‬وبقي‬
‫خليفة نحو سبعة أشهر في العراق وخرسان واليمن والحجاز وغير ذلك ‪ .‬ثم سلم‬
‫المر إلى معاوية بدون حرب ‪ ,‬وهو العزيز ‪ ,‬خوفا من إراقة دماء المسلمين ‪ ,‬فلما‬
‫بايعه خطب الناس قبل دخول معاوية الكوفة فقال ‪ :‬أيها الناس إنما نحن أمراؤكم‬
‫وضيفانكم ونحن أهل بيت نبيكم الذين أذهب ال عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا‬
‫وكرر ذلك حتى ما بقي إل من بكى حتى سمع نشيجه ‪ ,‬ولما دخل معاوية الكوفة‬
‫قال له ‪ :‬قم يا حسن فكلم الناس فيما جرى بيننا ‪ ,‬فقام الحسن في أمر لم يترّو فيه ‪,‬‬
‫فحمد ال وأثنى عليه ثم قال في بديهته ‪ :‬أما بعد ‪ :‬أيها الناس فإن ال هداكم بأولنا‬
‫وحقن دماءكم بآخرنا ‪ ,‬أل إن أكيس الكيس التقي وأعجز العجز الفجور ‪ .‬وإن هذا‬
‫المر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية ‪ ,‬إما أن يكون كان أحق به مني وإما أن يكون‬

‫‪69‬‬
‫حقي تركته ل عز وجل ولصلح أمة محمد صلى ال عليه وآله وسلم وحقن‬
‫ن {‪.‬‬
‫حي ٍ‬
‫ع ِإَلى ِ‬
‫ن َأْدِري َلَعّلُه ِفْتَنٌة َلُكْم َوَمَتا ٌ‬
‫دمائكم ‪ .‬ثم التفت إلى معاوية وقال ‪َ }:‬وِإ ْ‬

‫قال العلمة الصبان ‪ :‬ولما نزل عنها ‪ ,‬أي الخلفة ‪ ,‬ابتغاء وجه ال تعالى‬
‫عوضه ال وأهل بيته عنها بالخلفة الباطنية ‪ ,‬حتى ذهب قوم أن قطب الولياء في‬
‫كل زمان ل يكون إل من أهل البيت ‪ ,‬وممن قال يكون من غيرهم الستاذ أبو‬
‫العباس المرسي ‪ ,‬كما نقله عنه تلميذه التاج ابن عطاء ال ‪ .‬وهل أول القطاب‬
‫الحسن أو أول من تلقى القطبانية من المصطفى صلى ال عليه وآله وسلم فاطمة‬
‫ى‪,‬‬
‫الزهراء مدة حياتها ‪ ,‬ثم انتقلت منها إلى أبى بكر ‪ ,‬ثم عمر ‪ ,‬ثم عثمان ‪ ,‬ثم عل ّ‬
‫ثم الحسن ؟‬

‫ذهب إلى الول أبو العباس المرسي ‪ ,‬وإلى الثانى أبو المواهب التونسي كما في‬
‫طبقات المناوي ‪.‬‬

‫ورأيت في شرح المناوي الكبير على الجامع الصغير ما نصه ‪ :‬قال الحرالي ‪:‬‬
‫سلسلة أهل الطريق تنتهي من كل وجه من جهة المشايخ والمريدين إلى أهل‬
‫البيت ‪ ,‬فجهات طرق المشايخ ترجع عامتها إلى تاج العارفين أبي القاسم الجنيد ‪,‬‬
‫وبداية أبي القاسم أخذها من خاله السري ‪ ,‬والسري ائتم بمعروف ‪ .‬وكان معروف‬
‫مولى علي بن موسى الرضى ‪ :‬وهو عن آبائه رضي ال تعالى عنهم ‪ ,‬فرجع الكل‬
‫إلى علي كرم ال وجهه ‪.‬‬

‫} أولئك حزب ال { ‪ .‬ا هـ ‪.‬‬

‫ثم ذكر من كلمه رضي ال تعالى عنه ‪ :‬المروءة العفاف ‪ ,‬وإصلح الحال ‪,‬‬
‫الخاء المواساة في الشدة والرخاء ‪ ,‬الغنيمة الباردة الرغبة في التقوى ‪ .‬وكان يقول‬
‫لبنيه وبني أخيه ‪ :‬تعلموا العلم فإن لم تستطيعوا حفظه فاكتبوه وضعوه في بيوتكم ‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫ولما احتضر قال لخيه الحسين رضي ال تعالى عنه ‪ :‬يا أخي أوصيك أن ل‬
‫تطلب الخلفة فإني وال ما أرى أن يجمع ال فينا النبوة والخلفة ‪ ,‬فإياك أن‬
‫يستخفك سفهاء الكوفة ويخرجوك فتندم حيث ل ينفعك الندم ‪.‬‬

‫وأخرج بن سعد عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبيه قال ‪ :‬تفاخر قوم من قريش‬
‫فذكر كل رجل ما عنده ‪ ,‬فقال معاوية للحسن بن علي رضي ال تعالى عنهما ‪ :‬ما‬
‫يمنعك من القول ؟ فما أنت بكليل اللسان ‪ ,‬فقال ‪ :‬ما ذكروا مكرمة ول فضيلة إل‬
‫ولي محضها ولبابها ‪ ,‬ففيم الكلم وقد سبقت مبرزا ‪.‬‬

‫وفي المسامرات للشيخ الكبر قال معاوية يوما وعنده أشراف الناس من قريش‬
‫وغيرهم ‪ :‬أخبروني أكرم الناس أبا وأما وعما وعمة وخال وخالة وجدا وجدة ‪,‬‬
‫فقام مالك بن عجلن وأومأ إلى الحسن عليه السلم فقال ‪ :‬ها هو ذا أبوه علي بن‬
‫أبي طالب ‪ ,‬وأمه فاطمة بنت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬وجدته خديجة‬
‫بنت خويلد ‪ ,‬وجده رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬وعمه جعفر الطيار في‬
‫الجنة ‪ ,‬وعمته أم هانىء بنت أبى طالب ‪ ,‬وأخواله وخالته أولد النبي صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم ‪ ,‬فسكت القوم ونهض الحسن ‪ ,‬فقام رجل من بني سهم وقال‪ :‬أنت‬
‫أمرت ابن عجلن على مقالته ؟ فقال ابن عجلن ‪ :‬ما قلت إل حقا ‪ ,‬وما أحد من‬
‫الناس يطلب مرضاة مخلوق بمعصية الخالق إل لم يعط أمنيته في دنياه ‪ ,‬وختم له‬
‫بالشقاء في آخرته ‪ ,‬بنو هاشم أنضركم عودا وأوراكم ‪ ,‬زندا كذلك يا معاوية ؟ فقال‬
‫معاوية ‪ :‬اللهم نعم ‪ .‬توفي الحسن رضي ال تعالى عنه مسموما سنة خمسين على‬
‫أحد القوال ‪ ,‬ودفن في البقيع رضي ال تعالى عنه ‪.‬‬

‫) فائدة ( ‪ :‬قال الحافظ السيوطي في تاريخ الخلفاء ‪ :‬أخرج البيهقي ‪,‬وابن‬


‫عساكر من طريق أبي المنذر هشام بن محمد عن أبيه قال ‪ :‬أضاق الحسن بن علي‬
‫وكان عطاؤه في كل سنة مائة ألف فحبسها عنه معاوية في إحدى السنين فأضاق‬

‫‪71‬‬
‫إضاقة شديدة ‪,‬قال ‪ :‬فدعوت بدواة لكتب إلى معاوية لذكره نفسي ثم أمسكت‬
‫فرأيت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم في المنام ‪ ,‬فقال ‪ :‬كيف أنت يا حسن ؟‬
‫فقلت ‪ :‬بخير يا أبت ‪ ,‬وشكوت إليه تأخر المال عني ‪ ,‬فقال أدعوت بدواة لتكتب إلى‬
‫مخلوق مثلك تذكره ذلك ؟ فقلت نعم يا رسول ال ‪ ,‬فكيف أصنع ؟ فقال ‪ :‬قل اللهم‬
‫اقذف في قلبي رجاءك ‪ ,‬واقطع رجائي عمن سواك حتى ل أرجو أحدًا غيرك ‪,‬‬
‫اللهم وما ضعفت عنه قوتي وقصر عنه عملي‪ ,‬ولم تنته إليه رغبتي ولم تبلغه‬
‫مسألتي ‪ ,‬ولم يجر على لساني مما أعطيت أحدًا من الولين والخرين من اليقين‬
‫فخصني به يا رب العالمين ‪ .‬قال فوال ما ألححت به أسبوعاً ‪ ,‬حتى بعث إلى‬
‫معاوية بألف ألف وخمسمائة ألف فقلت ‪ :‬الحمد ل الذي ل ينسى من ذكره ‪ ,‬ول‬
‫يخيب من دعاه ‪ .‬فرأيت النبي صلى ال عليه وآله وسلم في المنام فقال ‪ :‬يا حسن‬
‫كيف أنت ؟ فقلت ‪ :‬بخير يا رسول ال ‪ ,‬وحدثته بحديثي فقال ‪ :‬يا بني هكذا من رجا‬
‫الخالق ولم يرج المخلوق ‪.‬‬

‫* * * *‬

‫المام الحسين رضي ال تعالى عنه‪:‬‬


‫أبو عبد ال الحسين سبط رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم وريحانته رضي‬
‫ال تعالى عنه ‪:‬‬

‫ولد في شعبان سنة أربع من الهجرة ‪ .‬قال جعفر بن محمد ‪ :‬لم يكن بين الحمل‬
‫بالحسين بعد ولدة الحسن إل طهر واحد ‪ ,‬وقيل خمسون ليلة ‪ ,‬وحنكه صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم بريقه ‪ ,‬وأذن في أذنه وتفل في فمه ودعا له ‪ ,‬وسماه حسينا يوم‬
‫السابع ‪ ,‬وعق عنه ‪ .‬كان شجاعا مقداما من حين كان طفل قاله في السعاف‬

‫‪72‬‬
‫وذكر في فضله جملة أحاديث منها قوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬حسين‬
‫مني وأنا من حسين ‪ ,‬اللهم أحب من أحب حسينا ‪ ,‬حسين سبط من السباط "‪.‬‬

‫وقوله عليه الصلة والسلم ‪ ":‬من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة "‬
‫وفي لفظ " إلى سيد شباب أهل الجنة ‪ ,‬فلينظر إلى الحسين بن علي "‪.‬‬

‫وعن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وآله وسلم جلس في المسجد فقال‪":‬‬
‫أين لكع ‪ ,‬فجاء الحسين يمشي حتى سقط في حجره فجعل أصابعه في لحية رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬ففتح صلى ال عليه وآله وسلم فمه ‪ ,‬أي الحسين ‪,‬‬
‫فأدخل فاه في فيه ثم قال ‪ ":‬اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه " ‪.‬‬

‫وعنه أيضا قال ‪ :‬رأيت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم يمتص لعاب‬
‫الحسين كما يمتص الرجل التمرة ‪ .‬وعنه أيضا ‪ :‬كان الحسين أشبههم برسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم ‪ .‬وكان ابن عمر جالسا في ظل الكعبة إذ رأى الحسين‬
‫مقبل فقال ‪ :‬هذا أحب أهل الرض إلى أهل السماء اليوم ‪.‬‬

‫وحج رضي ال تعالى عنه خمسا وعشرين حجة ماشيا ‪ ,‬وكان فاضل كثير‬
‫الصوم ‪ ,‬والصلة والحج والصدقة ‪ ,‬وأفعال الخير جميعها قاله ابن الثير وغيره ‪.‬‬

‫قالوا وكان رضي ال تعالى عنه كارها لما فعله أخوه من تسليم المر لمعاوية‬
‫فقال له ‪ :‬أنشدك ال أن تصدق أحدوثة معاوية وتكذب أحدوثة أبيك ‪ ,‬فقال له‬
‫الحسن ‪ :‬اسكت ‪ ,‬أنا أعلم بهذا المر منك ‪.‬‬

‫قال الحافظ ابن حجر العسقلني في الصابة ‪ :‬كانت إقامة الحسين بالمدينة إلى‬
‫أن خرج مع أبيه إلى الكوفة ‪ ,‬فشهد معه الجمل ‪ ,‬ثم صفين ‪ ,‬ثم قتال الخوارج ‪,‬‬
‫وبقي معه إلى أن قتل ‪,‬ثم مع أخيه إلى أن سلم المر إلى معاوية ‪ ,‬فتحول مع أخيه‬
‫إلى المدينة واستمر بها إلى أن مات معاوية فخرج إلى مكة ثم أتته كتب أهل‬

‫‪73‬‬
‫العراق بأنهم بايعوه بعد موت معاوية فأرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي‬
‫طالب ‪ ،‬فأخذ بيعتهم ‪ ,‬وأرسل إليهم فتوجه وكان من قضية قتله ما كان ‪.‬‬

‫قال عمار بن معاوية الذهبي ‪ :‬قلت لبي جعفر محمد ابن علي بن الحسين ‪:‬‬
‫حدثني عن مقتل الحسين ‪ ,‬حتى كأني أحضره ؟ قال ‪ " :‬مات معاوية والوليد بن‬
‫عقبة بن أبي سفيان على المدينة ‪ ,‬فأرسل إلى الحسين بن علي ليأخذ بيعته ليلته ‪,‬‬
‫فقال‪ :‬أخرني ورفق بي فخرج إلى مكة ‪ ,‬فأتاه رسل أهل الكوفة ‪ :‬إنا قد حبسنا‬
‫أنفسنا عليك ‪ ,‬ولسنا نحضر الجمعة مع الوالي فأقدم علينا ‪ .‬وقال ‪ :‬وكان النعمان‬
‫بن بشير النصاري على الكوفة ‪ ,‬فبعث الحسين بن علي إليهم مسلم بن عقيل ‪,‬‬
‫فقال ‪ :‬سر إلى الكوفة فانظر ما كتبوا به إلي ‪ ,‬فإن كان حقاً قدمت إليهم ‪ .‬فخرج‬
‫مسلم حتى أتى المدينة ‪ ,‬فأخذ منها دليلين ‪ ,‬فمرا به في البرية فأصابهم عطش ‪,‬‬
‫فمات أحد الدليلين فقدم مسلم الكوفة فنزل على رجل يقال له عوسجة ‪ ,‬فلما علم‬
‫أهل الكوفة بقدومه دبوا إليه فبايعه منهم اثنا عشر ألفا ‪ ,‬فقام رجل ممن يهوى يزيد‬
‫بن معاوية إلى النعمان بن بشير قال‪ :‬إنك ضعيف ‪ ,‬أو مستضعف قد فسد البلد قال‬
‫له النعمان ‪ :‬لئن أكن ضعيفًا في طاعة ال أحب إليّ من أن أكون قويًا في‬
‫معصيته ‪ ,‬وما كنت لهتك ستراً‪ .‬فكتب الرجل بذلك إلى يزيد فدعا يزيد مولى له‬
‫يقال له سرحون فاستشاره فقال له ‪ :‬ليس للكوفة إل عبيد ال بن زياد ‪ ,‬وكان يزيد‬
‫ساخطًا على عبيد ال ‪ ,‬وكان هّم بعزله عن البصرة ‪ ,‬فكتب إليه برضاه عنه وأنه‬
‫قد أضاف إليه الكوفة ‪ ،‬وأمره أن يطلب مسلم بن عقيل ‪ ,‬فإن ظفر به قتله ‪ .‬فأقبل‬
‫عبيد ال بن زياد في وجوه أهل البصرة حتى قدم الكوفة متلثماً ‪ ,‬فل يمر على أحد‬
‫فيسلم إل قال له أهل المجلس ‪ :‬عليك السلم يا ابن رسول ال ‪ ,‬يظنونه الحسين بن‬
‫علي قدم عليهم ‪ ,‬فلما نزل عبيد ال القصر دعا مولى له ‪ ,‬فدفع إليه ثلثة آلف‬
‫درهم فقال اذهب حتى تسأل عن الرجل الذي يبايعه أهل الكوفة فادخل عليه‬

‫‪74‬‬
‫وأعلمه أنك من حمص وادفع إليه المال وبايعه ‪ ,‬فلم يزل المولى يتلطف حتى دلوه‬
‫على شيخ يلي البيعة ‪ ,‬فذكر له أمره فقال ‪ :‬لقد سرني إذ هداك ال وساءني أن أمرنا‬
‫لم يستحكم ثم أدخله على مسلم بن عقيل ‪ ,‬فبايعه ودفع له المال ‪ ,‬وخرج حتى أتى‬
‫عبيد ال ‪ ,‬فأخبره وتحول مسلم حين قدم عبيد ال من تلك الدار إلى دار أخرى ‪,‬‬
‫فأقام عند هانئ بن عروة المرادي ‪ .‬وكان عبيد ال قال لهل الكوفة ‪ :‬ما بال هانئ‬
‫بن عروة لم يأتني ؟ فخرج إليه محمد بن الشعث في أناس من وجوه أهل الكوفة ‪,‬‬
‫وهو على باب داره ‪ ,‬فقالوا له إن المير قد ذكرك واستبطأك فانطلق إليه فركب‬
‫معهم ‪ ,‬حتى دخل على عبيد ال بن زياد وعنده شريح القاضي ‪ ,‬فلما سلم عليه قال‬
‫له ‪ :‬يا هانئ أين مسلم بن عقيل ؟ فقال له ‪ :‬ل أدري فأخرج إليه المولى الذي دفع‬
‫الدراهم إلى مسلم ‪ ,‬فلما رآه سقط في يده وقال ‪ :‬أيها المير وال ما دعوته إلى‬
‫منزلي ولكنه جاء فطرح نفسه علي فقال ‪ :‬ائتني به فتلكأ فاستدناه ‪ ,‬فأدنوه منه‬
‫فضربه بالقضيب ‪ ,‬وأمر بحبسه فبلغ الخبر قومه ‪ ,‬فاجتمعوا على باب القصر ‪,‬‬
‫فسمع عبيد ال الجلبة ‪ ,‬فقال لشريح القاضي ‪ :‬اخرج إليهم فأعلمهم أني ما حبسته‬
‫إل لستخبره عن خبر مسلم ول بأس عليه ‪ ,‬فبلغهم ذلك فتفرقوا ونادى مسلم بن‬
‫عقيل لما بلغه الخبر بشعاره ‪ ,‬فاجتمع عليه أربعون ألفاً من أهل الكوفة فركب‬
‫وبعث عبيد ال إلى وجوه أهل الكوفة ‪ ,‬فجمعهم عنده في القصر ‪ ,‬فأمر كل واحد‬
‫منهم أن يشرف على عشيرته ‪ ,‬فيردهم فكلموهم ‪ ,‬فجعلوا يتسللون فأمسى مسلم‬
‫وليس عنده إل عدد قليل منهم ‪ ,‬فلما اختلط الظلم ذهب أولئك أيضًا فلما بقي وحده‬
‫تردد في الطرق بالليل فأتى باب امرأة فقال لها ‪ :‬اسقيني ماء فسقته فاستمر قائمًا‬
‫فقالت ‪ :‬يا عبد ال إنك مرتاب فما شأنك ؟ قال ‪ :‬أنا مسلم بن عقيل فهل عندك مأوى‬
‫؟ قالت ‪ :‬نعم ادخل فدخل وكان لها ولد من موالي محمد بن الشعث ‪ ,‬فانطلق إلى‬
‫محمد بن الشعث فأخبره ‪ ,‬فلم يفجأ مسلمًا إل والدار قد أحيط بها ‪ ,‬فلما رأى ذلك‬

‫‪75‬‬
‫خرج بسيفه يدفعهم عن نفسه ‪ ,‬فأعطاه محمد بن الشعث المان ‪ ,‬فأمكن من يده‬
‫فأتى به عبيد ال ‪ ,‬فأمر به فأصعد إلى القصر ثم قتله ‪ ,‬وقتل هانئ بن عروة‬
‫وصلبهما ‪ ,‬فقال شاعرهم في ذلك أبياتًا منها ‪:‬‬

‫إلى هانئ في السوق وابن عقيل‬ ‫فإن كنت ل تدرين ما الموت فانظري‬

‫ولم يبلغ الحسين ذلك حتى كان بينه وبين القادسية ثلثة أميال ‪ ,‬فلقيه الحر بن‬
‫يزيد التميمي ‪ ,‬فقال له ‪ :‬ارجع فإني لم أدع لك خلفي خيرًا ‪ ,‬وأخبره الخبر فهم أن‬
‫يرجع ‪ ,‬وكان معه إخوة مسلم فقالوا ‪ :‬وال ل نرجع حتى نصيب بثأرنا أو نقتل ‪,‬‬
‫فساروا وكان عبيد ال قد جهز الجيش لملقاته ‪ ,‬فوافوه بكربلء فنزلها ومعه‬
‫خمسة وأربعون نفسًا من الفرسان ونحو مائة راجل ‪ ,‬فلقيه الحسين وأميرهم عمر‬
‫بن سعد بن أبي وقاص ‪ ,‬وكان عبيد ال وله الري وكتب له بعهده عليها إذا رجع‬
‫من حرب الحسين ‪ ,‬فلما التقيا قال له الحسين ‪ :‬اختر مني إحدى ثلث ‪ :‬إما أن‬
‫ألحق بثغر من الثغور ‪ ,‬وإما أن أرجع إلى المدينة ‪ ,‬وإما أن أضع يدي في يد يزيد‬
‫بن معاوية ‪ ,‬فقبل ذلك عمر منه وكتب به إلى عبيد ال فكتب إليه ل أقبل منه حتى‬
‫يضع يده في يدي فامتنع الحسين ‪ ,‬فقاتلوه فقتل أصحابه وفيهم سبعة عشر شابًا من‬
‫أهل بيته ‪ ,‬ثم كان آخر ذلك أن قتل وأتي برأسه إلى عبيد ال ‪ ,‬فأرسله ومن بقي من‬
‫أهل بيته إلى يزيد ‪ ,‬ومنهم علي بن الحسين كان مريضاً ومنهم عمته زينب ‪ ,‬فلما‬
‫قدموا على يزيد أدخلهم إلى عياله ‪ ,‬ثم جهزهم إلى المدينة ‪.‬‬

‫قال الحافظ ابن حجر بعد أن ساق هذه القصة قلت ‪ :‬وقد صنف جماعة من‬
‫القدماء في مقتل الحسين تصانيف فيها الغث والسمين والصحيح والسقيم ‪ ,‬وفي هذه‬
‫القصة التي سقتها غنى ‪ .‬قال ‪ :‬وقد صح عن إبراهيم النخعي أنه كان يقول ‪ :‬لو‬
‫كنت فيمن قاتل الحسين ثم أدخلت الجنة لستحيت أن أنظر إلى وجه رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم ‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫وقال حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس ‪ :‬رأيت رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم فيما يرى النائم نصف النهار أشعث أغبر بيده قارورة‬
‫فيها دم ‪ ,‬فقلت بأبي وأمي يا رسول ال ما هذا ؟ قال ‪ ":‬هذا دم الحسين وأصحابه ‪,‬‬
‫لم أزل ألتقطه منذ اليوم ‪ ,‬فكان ذلك اليوم الذي قتل فيه "‪.‬‬

‫وعن أم سلمة رضي ال تعالى عنها أنها سمعت الجن تنوح على الحسين بن‬
‫علي ‪.‬‬

‫قال الزبير بن بكار‪ :‬قتل الحسين يوم عاشوراء سنة إحدى وستين ‪.‬‬

‫قال ابن الثير‪ :‬وكان ذلك اليوم يوم الجمعة ‪ ,‬وقيل يوم السبت ‪.‬‬

‫قال في السعاف ‪ :‬وكان أكثر مقاتليه الكاتبين إليه والمبايعين له ‪ ,‬وقيل أن قاتله‬
‫سنان بن أبي سنان النخعي أو غيره لما أتي ابن زياد أنشده ‪:‬‬

‫إني قتلت الملك المحجبـا‬ ‫أوقر ركابي فضة أو ذهبًا‬

‫وخيرهم إذ ينسبون نسبا‬ ‫قتلت خير الناس أمًا وأبـًا‬

‫فغضب عليه وضرب عنقه ‪ ,‬قال وفي قصة قتله تصديق لقوله صلى ال عليه‬
‫وآله وسلم ‪ ":‬إن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتل وتشريدا ‪ ،‬وإن أشد‬
‫قومنا لنا بغضا بنو أمية ‪ ،‬وبنو المغيرة ‪ ،‬وبنو مخزوم "‪ .‬رواه الحاكم ‪.‬‬

‫وقضى ال تعالي أن قتل عبيد ال بن زياد وأصحابه يوم عاشوراء سنة سبع‬
‫وستين جهز إليه المختار بن عبيد جيشا تحت رئاسة إبراهيم بن الشتر النخعي ‪,‬‬
‫فقتله إبراهيم بنفسه في الحرب وبعث برأسه الخبيث إلى المختار ‪ ,‬فبعثه المختار‬
‫ى بن الحسين ‪.‬‬
‫إلي ابن الزبير ‪ ,‬فبعثه ابن الزبير إلي عل ّ‬

‫‪77‬‬
‫وروى الترمذي أنه لما جيء برأسه ونصب في المسجد مع رؤوس أصحابه ‪،‬‬
‫جاءت حية فتخللت الرؤوس حتى دخلت في منخره فمكثت هنيهة ‪ ,‬ثم خرجت ‪,‬‬
‫فعلت ذلك مرتين أو ثلثا ‪.‬‬

‫أخرج الحاكم وصححه على شرط مسلم عن ابن عباس قال ‪ ":‬أوحى ال إلى‬
‫محمد صلى ال عليه وآله وسلم ‪ :‬إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا ‪ ,‬وإني‬
‫قاتل بابن بنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا "‪.‬‬

‫وعنه صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬قاتل الحسين في تابوت من نار عليه نصف‬
‫عذاب أهل الدنيا "‪.‬‬

‫قال العلمة الصبان ‪ :‬إن المام أحمد يقول بكفر يزيد ‪ ,‬وناهيك به ورعا وعلما‬
‫يقتضيان أنه لم يقل ذلك إل لما ثبت عنده من أمور صريحة وقعت منه توجب ذلك‬
‫‪ ,‬ووافقه على ذلك جماعة كابن الجوزي وغيره ‪ .‬وأما فسقه فقد أجمعوا عليه ‪,‬‬
‫وأجاز قوما من العلماء لعنه بخصوص اسمه ‪ .‬ا هـ ‪.‬‬

‫وسئل ابن الجوزي ‪ :‬كيف يطلق على يزيد أنه قاتل الحسين مع أنه كان في‬
‫الشام حين وقوع القتل بكربلء فأنشد ‪:‬‬

‫من بالعراق لقد أبعدت مرماك‬ ‫سهم أصاب وراميه بذي سلم‬

‫قال ابن الثير ‪ :‬وأكثر الناس مراثيه ‪ .‬فمما قيل فيه ما قاله سليمان بن قبة‬
‫الخزاعي ‪:‬‬

‫فلم أر أمثالها حين حلـــــــــــــت‬ ‫مررت على أبيات آل محمــــــــــد‬

‫وإن أصبحت منهم برغمي تخلت‬ ‫فل يبعد ال البيوت وأهلهــــــــــــا‬

‫لقد عظمت تلك الرزايا وجلـــــت‬ ‫وكانوا رجاء ثم عادوا رزيـــــــــة‬

‫‪78‬‬
‫ولم تنك في أعدائهم حين سلــــت‬ ‫أولئك قوم لم يشيموا سيوفهـــــــــم‬

‫ب المسلمين فذلــــــــــت‬
‫أزل رقا ً‬ ‫وإن قتيلي الطف من آل هاشـــــــم‬

‫لفقد حسين والبلد اقشعــــــــرت‬ ‫ألم تر أن الرض أضحت مريضًة‬

‫وأنجمها ناحت عليه وصلـــــــت‬ ‫وقد أعولت تبكي السماء لفــــــــــه‬

‫* * * *‬

‫فضل الحسنين معا رضي ال تعال عنهما‬


‫ي رضي ال تعالى عنه وكرم وجهه قال ‪ :‬لما ولد الحسن سميته حربا‬
‫عن عل ّ‬
‫فجاء رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم فقال ‪ ":‬أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا‬
‫حربا قال ‪ ":‬بل هو حسن "‪ .‬فلما ولد الحسين سميته حربا ‪ ,‬فجاء النبي صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم فقال‪ ":‬أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا حربا قال‪ ":‬بل هو حسين "‪.‬‬
‫فلما ولد الثالث سميته حربا ‪ ,‬فجاء النبي صلى ال عليه وآله وسلم فقال ‪ ":‬أروني‬
‫ابني ما سميتموه ؟ قلنا حربا قال ‪ ":‬بل هو محسن "‪ .‬ثم قال ‪ :‬سميتهم بأسماء‬
‫ولد هارون شبروشبير ومشبر "‪.‬‬

‫وعن عمران بن سليمان قال ‪ :‬الحسن والحسين من أسماء أهل الجنة لم يكونا‬
‫في الجاهلية ‪.‬‬

‫وعن ابن العرابي عن المفضل قال ‪ :‬إن ال تعالى حجب اسم الحسن والحسين‬
‫حتى سمى بهما النبي صلى ال عليه وآله وسلم ابنيه الحسن والحسين ‪.‬‬

‫وعن ابن عمر رضي ال تعالى عنهما سمعت رسول ال صلي ال عليه وآله‬
‫وسلم يقول ‪ ":‬الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا "‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫ي رضي ال تعالى عنه قال ‪ ":‬الحسن أشبه برسول ال صلى ال عليه‬
‫وعن عل ّ‬
‫وآله وسلم ‪ ,‬ما بين الصدر إلى الرأس ‪ ,‬والحسين أشبه برسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله وسلم ما كان أسفل من ذلك "‪.‬‬

‫وعن أبي هريرة ‪ :‬كان الحسن والحسين يصطرعان بين يدي رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله وسلم يقول ‪ ":‬هي حسن "‪ .‬قالت فاطمة ‪ :‬لم تقول‪ :‬هي حسين ؟‬
‫قال ‪ ":‬إن جبريل يقول هي حسين "‪.‬‬

‫وعن أبي سعيد الخدري قال ‪ :‬قال رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم ‪":‬‬
‫الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إل ابني الخالة عيسى ويحيى بن زكريا‬
‫عليهما السلم " وفي رواية ‪ ":‬وأبوهما خير منهما "‪.‬‬

‫وعن أسامة بن زيد رضي ال تعالى عنهما قال ‪ :‬طرقت النبي صلى ال عليه‬
‫وآله وسلم ذات ليلة في بعض الحاجة ‪ ,‬فخرج إلي وهو مشتمل على شيء ل أدري‬
‫ما هو ؟ فلما فرغت من حاجتي قلت ‪ :‬ما هذا الذي أنت مشتمل عليه ؟ فكشفه ‪ ,‬فإذا‬
‫حسن وحسين على وركيه فقال ‪ ":‬هذان ابناي وابنا بنتي ‪ ,‬اللهم إني احبهما‬
‫وأحب من يحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما "‪.‬‬

‫وعن أبي بريدة قال ‪ :‬كان النبي صلى ال عليه وآله وسلم يخطبنا إذ جاء‬
‫الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ‪ ,‬ويعثران فنزل رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله وسلم من المنبر ‪ ,‬فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال ‪ ":‬صدق ال‬
‫}إنما أموالكم وأولدكم فتنة { نظرت إلي هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم‬
‫أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما "‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫وعن أبي هريرة قال ‪ :‬خرج علينا رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ومعه‬
‫حسن وحسين هذا على عاتقه وهذا على عاتقه ‪ ,‬وهو يلثم هذا مرة ‪ ,‬وهذا مرة حتى‬
‫انتهى إلينا فقال ‪ ":‬من أحبهما فقد أحبني ‪ ,‬ومن أبغضهما فقد أبغضني "‪.‬‬

‫وعن عبد ال بن مسعود ‪ :‬كان رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم يصلي‪ ,‬فإذا‬
‫سجد وثب الحسن والحسين على ظهره ‪ ,‬فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم أن‬
‫دعوهما‪ ,‬فإذا قضى الصلة وضعهما في حجره فقال‪ ":‬من أحبني فليحب هذين "‪.‬‬

‫وعن أنس أنه صلى ال عليه وآله وسلم سئل‪ :‬أي أهل بيتك أحب إليك ؟ فقال ‪":‬‬
‫الحسن والحسين "‪.‬‬

‫وعن فاطمة رضي ال تعالى عنها أنها أتت بهما إلى النبي صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم فقالت ‪ :‬يا رسول ال هذان ابناك فورثهما شيئا فقال ‪ ":‬أما حسن فله هيبتي‬
‫وسؤددي ‪ ,‬وأما حسين فله جرأتي وجودي "‪.‬‬

‫* * * *‬

‫‪81‬‬
‫المقصد الثالث‪:‬‬
‫في الكلم على ما في حبهم وتوابعه‬

‫من الفوز العظيم ‪ ,‬وما في بغضهم وتوابعه من المرتع الوخيم‬

‫جًرا ِإل اْلَمَوّدَة ِفي اْلُقْرَبى { ‪.‬‬


‫عَلْيِه َأ ْ‬
‫سَأُلُكْم َ‬
‫قال ال تعالى ‪ُ }:‬قْل ل َأ ْ‬

‫القربى ‪ :‬مصدر بمعنى القرابة ‪ ,‬وهو على تقدير مضاف أي ذوي القربى يعني‬
‫القرباء ‪ .‬وعبر بفي ولم يعبر باللم ‪ ,‬لن الظرفية أبلغ وآكد للمودة ‪ .‬نقل المام‬
‫السيوطي في الدر المنثور وكثير من المفسرين عند تفسير هذه الية عن ابن عباس‬
‫رضي ال تعالى عنهما قالوا ‪ :‬يارسول ال من قرابتك هؤلء الذين وجبت علينا‬
‫مودتهم ؟ قال ‪ ":‬علي وفاطمة وولدهما "‪.‬‬

‫وفيه عن ابن عباس قال ‪ :‬قالت النصار ‪ :‬فقلنا وفعلنا ‪ ,‬وكأنهم فخروا ‪ ,‬فقال‬
‫العباس لنا الفضل عليكم ‪ ,‬فبلغ ذلك رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم فأتاهم في‬
‫مجالسهم ‪ ,‬فقال ‪ ":‬يامعشر النصار ألم تكونوا أذلة فأعزكم ال بي ؟ قالوا بلى‬
‫يارسول ال ‪ ,‬قال ‪ :‬أفل تجيبوني ؟ قالوا ما نقول يارسول ال ؟ قال أل تقولون ألم‬
‫يخرجك قومك فآويناك ؟ أولم يكذبوك فصدقناك ؟ أولم يخذلوك فنصرناك ؟ "‪ .‬فما‬
‫زال يقول حتى جثوا على الركب وقالوا أموالنا وما في أيدينا ل ورسوله فنزلت ‪}:‬‬
‫جًرا ِإل اْلَمَوّدَة ِفي اْلُقْرَبى { ‪.‬‬
‫عَلْيِه َأ ْ‬
‫سَأُلُكْم َ‬
‫ُقْل ل َأ ْ‬

‫وعن طاوس قال ‪ :‬سئل عنها ابن عباس فقال ‪ :‬هي قربى آل محمد ‪.‬‬

‫وقال المقريزي ‪ :‬قال جماعة من المفسرين في تفسير الية ‪ :‬قل لمن اتبعك من‬
‫المؤمنين ‪ ,‬ل أسألكم على ما جئتكم به أجرا ‪ ,‬إل أن تودوا قرابتي ‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫وعن ابن العالية عن سعيد ابن جبير ‪ِ }:‬إل اْلَمَوّدَة ِفي اْلُقْرَبى { ‪.‬قال ‪ :‬هي‬
‫قربى رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪.‬‬

‫وعن ابن إسحاق قال ‪ :‬سألت عمرو بن شعيب عن قول ال تعالى ‪ُ }:‬قْل ل‬
‫جًرا ِإل اْلَمَوّدَة ِفي اْلُقْرَبى { ‪ .‬قال ‪ :‬قربى النبي صلى ال عليه وآله‬
‫عَلْيِه َأ ْ‬
‫َأسَْأُلُكْم َ‬
‫وسلم ‪.‬‬

‫" تنبيه " فإن قيل ‪ :‬طلب الجر على الوحي ل يجوز لقوله تعالى في قصة‬
‫كثير من الرسل عليهم الصلة والسلم ‪ }:‬وما أسألكم عليه من أجر {‪ .‬ورسولنا‬
‫أفضل منهم فهو أولى بعدم طلب الجر على الرسالة ‪ ,‬وقد صرح صلى ال عليه‬
‫ن{‪.‬‬
‫ن اْلُمَتَكّلِفي َ‬
‫جٍر َوَما َأَنا ِم َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫عَلْيِه ِم ْ‬
‫سَأُلُكْم َ‬
‫وآله وسلم بنفي الطلب فقال ‪ُ}:‬قْل َما َأ ْ‬

‫ك {‪ .‬وطلب‬
‫ن َرّب َ‬
‫ك ِم ْ‬
‫وقد كان التبليغ واجبا عليه قال تعالى ‪َ }:‬بّلْغ َما ُأنزَل ِإَلْي َ‬
‫الجر على أداء الواجب ل يليق ‪ ,‬كما ل يليق مقابلة الرسالة وهي أشرف الشياء‬
‫بمتاع الدنيا ‪ ,‬وأيضا الجر يوجب التهمة فثبت أنه ل يجوز له صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم طلب الجر ‪ ,‬وها هنا قد ذكر ما يجري مجراه وهو المودة في القربى ‪.‬‬

‫أجيب بأن هذا من باب قوله ‪:‬‬

‫ل من قراع الكتائب‬
‫بهن فلو ٌ‬ ‫ول عيب فيهم غير أن سيوفهم‬

‫يعني أني ل أطلب منكم إل هذا ‪ ,‬وهو ليس أجرا ‪ ,‬لن تواّد المسلمين واجب‬
‫قال ال تعالي ‪ }:‬والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض {‪.‬‬

‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬المؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضا "‪.‬‬

‫وإذا كانت المودة واجبة لبعض السلمين على بعض ‪ ,‬فهي في حق أشرف‬
‫المرسلين وأهل بيته أولى ‪ ,‬أو أن هذا الستثناء منقطع وتم الكلم عند قوله أجرا ثم‬
‫قال ‪ِ }:‬إل اْلَمَوّدَة ِفي اْلُقْرَبى {‪ .‬أي لكن أسألكم المودة في القربى ‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫انتهى باختصار من الخطيب والخازن ‪.‬‬

‫ي بن الحسين أسيرًا وأقيم على‬


‫وعن السدي عن أبي الديلم قال لما جىء بعل ّ‬
‫درج دمشق ‪ ،‬قام رجل من أهل الشام فقال ‪ :‬الحمد ل الذي قتلكم واستأصلكم ‪،‬‬
‫ي أقرأت القرآن ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ :‬قرأت آل حم ؟‬
‫وقطع قرن الفتنة ‪ ,‬فقال له عل ّ‬
‫قال ‪ :‬قرأت ولم أقرأ آل حم ‪ .‬قال ‪ :‬ما قرأت ‪ }:‬قل ل أسألكم عليه أجرًا إل المودة‬
‫في القربى { ؟ قال ‪ :‬فإنكم لياهم ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قلت ‪ :‬ما أحسب أن هذا الرجل كان‬
‫مؤمنا ‪ ,‬بلى كان مؤمنا ولكن بالجبت والطاغوت ‪ ,‬فإن هذا الهذيان ل يصدر عن‬
‫لسان مؤمن بال ورسوله وكيف يستقر اليمان في قلب رجل يحمد ال على قتل آل‬
‫المصطفى صلى ال عليه وآله وسلم واستئصالهم ‪ ,‬وما أظن أن أبا جهل كان ل‬
‫ورسوله أعدى من هذا الملحد ‪ ,‬ولعلنا ل نعدم في زماننا هذا من هو على شاكلته‬
‫في الضلل بكراهة أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ‪ ,‬فقد رأينا من إذا سمع بذكر‬
‫مزية امتازوا بها أو منقبة أسندت إليهم ‪ ,‬ووصفوا بها من ال تعالى أو رسوله‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬أو السلف الصالح ‪ ,‬أو علماء المة وأوليائها يقطب‬
‫وجهه ويتغير خلقه ‪ ,‬ويود بلسان حاله أن تلك المزية لم تكن لهم ‪ ,‬وقد يتكلف‬
‫القاويل الواهية والخبار الموضوعة والثار المصنوعة ليطفئ بها نور ال تعالى‬
‫} وال متم نوره ولو كره الكافرون { ‪.‬‬

‫ورأيت الزمخشري في الكشاف عند هذه الية روى حديثا مطول ‪ ,‬ونقله عنه‬
‫الفخر الرازي في الكبير وهو قوله صلي ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬من مات على حب‬
‫آل محمد مات شهيدًا ‪ ،‬أل ومن مات على حب آل محمد مات مغفورًا له ‪ ،‬أل ومن‬
‫مات على حب آل محمد مات تائبًا ‪ ،‬أل ومن مات على حب آل محمد مات مؤمنًا‬
‫مستكمل اليمان ‪ ،‬أل ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ‪ ،‬ثم‬
‫منكر ونكير ‪ ،‬أل ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس‬

‫‪84‬‬
‫إلى بيت زوجها ‪ ،‬أل ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى‬
‫الجنة ‪ ،‬أل ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة ‪ ،‬أل ومن‬
‫مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة‬
‫ال ‪ ،‬أل ومن مات على بغض آل محمد مات كافرًا ‪ ،‬أل ومن مات على بغض آل‬
‫محمد لم يشم رائحة الجنة "‪.‬‬

‫قال الفخر ‪ :‬وأنا أقول آل محمد صلى ال عليه وآله وسلم هم الذين يئول أمرهم‬
‫إليه ‪ ,‬فكل من كان أمرهم إليه أشد وأكمل ‪ ,‬كانوا هم الل ‪ ،‬ول شك أن فاطمة‬
‫وعليًا والحسن والحسين كان التعلق بينهم وبين رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم أشد التعلقات ‪ ,‬وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر فوجب أن يكونوا هم الل ‪.‬‬

‫وأيضًا اختلف الناس في الل فقيل هم القارب وقيل هم أمته ‪ ،‬فإن حملناه على‬
‫القرابة فهم الل ‪ ،‬وإن حملناه على المة الذين قبلوا دعوته فهم أيضًا آل فثبت أنهم‬
‫على جميع التقديرات الل ‪ ،‬وأما غيرهم فهل يدخلون تحت لفظ الل ؟ فمختلف‬
‫فيه‪.‬‬

‫وروى صاحب » الكشاف « أنه لما نزلت هذه الية قيل ‪ :‬يا رسول ال من‬
‫قرابتك هؤلء الذين وجبت علينا مودتهم ؟ فقال ‪ ":‬علي وفاطمة وابناهما "‪.‬‬

‫فثبت أن هؤلء الربعة أقارب النبي صلى ال عليه وآله وسلم وإذا ثبت هذا‬
‫وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم ‪ .‬ويدل عليه وجوه ‪:‬‬

‫الول ‪ :‬قوله تعالى ‪ِ }:‬إّل المودة ِفي القربى {‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬ل شك أن النبي صلى ال عليه وآله وسلم كان يحب فاطمة عليها‬
‫السلم ‪ ,‬قال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها "‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫وثبت بالنقل المتواتر عن سيدنا محمد صلى ال عليه وآله وسلم أنه كان يحب‬
‫عليًا والحسن والحسين ‪ ,‬وإذا ثبت ذلك وجب على كل المة مثله لقوله تعالي ‪}:‬‬
‫ن َأْمِرِه {‬
‫عْ‬
‫حَذِر الذين يخالفون َ‬
‫ن { ولقوله تعالى ‪َ }:‬فْلَي ْ‬
‫واتبعوه َلَعّلُكْم َتْهَتُدو َ‬
‫حِبْبُكُم ال {‪ .‬ولقوله سبحانه ‪ّ }:‬لَقْد‬
‫ن ال فاتبعوني ُي ْ‬
‫حّبو َ‬
‫ولقوله } ُقْل ِإن ُكنُتْم ُت ِ‬
‫سَنٌة {‪.‬‬
‫ح َ‬
‫سَوٌة َ‬
‫سوِل ال ُأ ْ‬
‫ن َلُكْم ِفي َر ُ‬
‫َكا َ‬

‫الثالث ‪ :‬أن الدعاء للل منصب عظيم ‪ ,‬ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد‬
‫ل على محمد وعلى آل محمد "‪ .‬وهذا التعظيم لم‬
‫في الصلة وهو قوله ‪ ":‬الّلهم ص ّ‬
‫يوجد في حق غير الل ‪ ،‬فكل ذلك يدل على أن حب آل محمد واجب ‪ .‬انتهى ‪.‬‬

‫وقال سلطان العارفين وإمام الصوفية الشيخ الكبر سيدي محيي الدين بن‬
‫العربي رضي ال تعالى عنه في الباب التاسع والعشرين من الفتوحات المكية بعد‬
‫كلم تقدم نقله في المقصد الول ‪ ":‬وبعد أن تبين لك منزلة أهل البيت عند ال وأنه‬
‫ل ينبغي لمسلم أن يذمهم بما يقع منهم أصل فإن ال طهرهم ‪ ,‬فليعلم الذام لهم أن‬
‫ذلك راجع إليه ‪ ,‬ولو ظلموه فذلك الظلم هو في زعمه ظلم ل في نفس المر ‪ ,‬وإن‬
‫حكم عليه ظاهر الشرع بأدائه بل حكم ظلمهم إيانا في نفس المر يشبه جري‬
‫المقادير علينا ‪ ,‬وعلى من جرت عليه في ماله ونفسه بغرق أو بحرق أوغير ذلك‬
‫من المور المهلكة فيحترق أو يموت له أحد أحبائه أو يصاب في نفسه وهذا كله‬
‫مما ل يوافق غرضه ‪ ,‬ول يجوز له أن يذم قدر ال ول قضاءه بل ينبغي له أن‬
‫يقابل ذلك كله بالتسليم والرضا ‪ ,‬وإن نزل عن هذه المرتبة فبالصبر ‪ ,‬وإن ارتفع‬
‫عن تلك المرتبة فبالشكر فإن في طي ذلك نعما من ال لهذا المصاب وليس وراء ما‬
‫ذكزناه خير ‪ ,‬فإن ما وراءه ليس إل الضجر والسخط وعدم الرضا وسوء الدب‬
‫مع ال تعالى ‪ ،‬فكذا ينبغي أن يقابل المسلم جميع ما يطرأ عليه من أهل البيت في‬
‫ماله ونفسه وعرضه وأهله وذويه ‪ ,‬فيقابل ذلك كله بالرضا والتسليم والصبر ول‬

‫‪86‬‬
‫يلحق المذمة بهم أصل ‪ ,‬وإن توجهت عليهم الحكام المقررة شرعا فذلك ل يقدح‬
‫في هذا ‪ ,‬بل يجريه مجرى المقادير ‪ ,‬وإنما منعنا تعليق الذم بهم إذ ميزهم ال عنا‬
‫بما ليس معهم فيه قدم ‪.‬‬

‫وأما أداء الحقوق المشروعة فهذا رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم كان‬
‫يقترض من اليهود ‪ ,‬وإذا طالبوه بحقوقهم أداها على أحسن ما يمكن ‪ ,‬وإن تطاول‬
‫اليهودي عليه بالقول يقول ‪ ":‬دعوه إن لصاحب الحق مقال "‪.‬‬

‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم في قصة ‪ ":‬لو أن فاطمة بنت محمد صلى ال‬
‫عليه وسلم سرقت قطعت يدها "‪.‬‬

‫وقد أعاذها ال تعالى من ذلك رضي ال تعالى عنها ‪ ,‬فوضع الحكام ل يضعها‬
‫كيف يشاء وعلى أي حال يشاء ‪ ,‬فهذه حقوق ال ومع هذا لم يذمهم ال ‪.‬‬

‫وإنما كلمنا في حقوقنا وما لنا أن نطالبهم به ‪ ,‬فنحن مخيرون إن شئنا أخذنا‬
‫وإن شئنا تركنا والترك أفضل عموما ‪ ,‬فكيف بأهل البيت وليس لنا ذم أحد ؟ فكيف‬
‫بأهل البيت ؟ فإنا إذا نزلنا عن طلب حقوقنا وعفونا عنهم في ذلك ‪ ,‬أي فيما أصابوه‬
‫منا ‪ ,‬كانت لنا بذلك عند ال اليد العظمى ‪ ,‬والمكانة الزلفى فإن النبي صلى ال عليه‬
‫وآله وسلم ما طلب منا عن أمر ال إل المودة في القربى وفيه سر صلة الرحام ‪,‬‬
‫ومن لم يقبل سؤال نبيه فيما سأله فيه مما هو قادر عليه ‪ ,‬فبأي وجه يلقاه غدا ‪ ,‬أو‬
‫يرجو شفاعته وهو ما أسعف نبيه صلى ال عليه وآله وسلم فيما طلب منه من‬
‫المودة في قرابته فكيف بأهل بيته ‪ ,‬وهم أخص القرابة ‪ ,‬ثم أنه جاء بلفظ المودة‬
‫وهي الثبوت على المحبة ‪ ,‬فإنه من ثبت وده في أمر استصحبه المودة في كل حال‬
‫لم يؤاخذ أهل البيت بما يطرأ منهم في حقه مما له أن يطالبهم به فيتركه ترك محبة‬
‫وإيثار على نفسه ل لها "وإيثارا لنفسه ل عليها " ‪ .‬قال المحب الصادق ‪ ":‬وكل ما‬
‫يفعل المحبوب محبوب "‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫وقال الخر ‪:‬‬

‫أحب لحبها سود الكـــــلب‬ ‫أحب لحبها السودان حتى‬

‫ولنا في هذا المعنى ‪:‬‬

‫وأعشق لسمك البدر المنيرا‬ ‫أحب لحبك الحبشان طرا‬

‫قيل كانت الكلب السود تناوشه وهو يتحبب إليها ‪ ,‬أعني المجنون ‪ ,‬فهذا فعل‬
‫المحب في حب من ل تسعده محبته عند ال ول تورثه القربة من ال ‪ ,‬فهل هذا إل‬
‫من صدق المحبة وثبوت الود في النفس ‪ ,‬فلو صحت محبتك ل ولرسوله أحببت‬
‫أهل بيت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬ورأيت كل ما يصدر منهم في حقك‬
‫مما ل يوافق طبعك ول غرضك إنه جمال تتنعم بوقوعه منهم فتعلم عند ذلك أن لك‬
‫عناية عند ال الذي أحببتهم من أجله ‪ ,‬حيث ذكرك من يحبه وخطرت على باله ‪,‬‬
‫وهم أهل بيت رسوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬فتشكر ال تعالى على هذه النعمة‬
‫فإنهم ذكروك بألسنة طاهرة بتطهير ال طهارة لم يبلغها علمك ‪ ,‬وإذا رأيناك على‬
‫ضد هذه الحالة مع أهل البيت الذي أنت محتاج إليهم ولرسول صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم حيث هداك ال به ‪ ,‬فكيف أثق أنا بودك الذي تزعم به أنك شديد الحب في‬
‫والرعاية لحقوقي أو لجانبي ‪ ,‬وأنت في حق أهل نبيك بهذه المثابة من الوقوع‬
‫فيهم ؟ وال ما ذاك إل من نقص إيمانك ومن مكر ال بك واستدراجه إياك من حيث‬
‫ل تعلم ‪.‬‬

‫وصورة المكر أن تقول وتعتقد أنك في ذلك تذب عن دين ال تعالى وشرعه‬
‫وتقول في طلب حقك أنك ما طلبت إل ما أباح ال لك طلبه ‪ ,‬ويندرج الذم في ذلك‬
‫الطلب المشروع والبغض والمقت وإيثارك نفسك على أهل البيت وأنت ل تشعر‬
‫بذلك ‪ .‬والدواء الشافي من هذا الداء العضال أن ل ترى لنفسك معهم حقًا ‪ ,‬وتنزل‬

‫‪88‬‬
‫عن حقك ‪ ,‬لئل يندرج في طلبه ما ذكرته لك ‪ ,‬وما أنت من حكام المسلمين ‪ ,‬حتى‬
‫يتعين عليك إقامة حدًا وإنصاف مظلوم ‪ ,‬أو رّد حق إلى أهله ‪ ,‬فإن كنت حاكمًا‬
‫ولبد فاسع في استنزال صاحب الحق عن حقه إذا كان المحكوم عليه من أهل‬
‫البيت ‪ ,‬فإن أبى حينئذ يتعين عليك إمضاء حكم الشرع فيه ‪ ,‬فلو كشف ال لك يا‬
‫ولي عن منازلهم عند ال تعالى في الدار الخرة ‪ ,‬لوددت أن تكون مولى من‬
‫مواليهم ‪ ,‬فال تعالى يلهمنا رشد أنفسنا " انتهى كلم الشيخ الكبر رضي ال عنه‬
‫ونفعنا به ‪.‬‬

‫ثم قال بعد أسطر ‪ ":‬ومن أسرارهم ‪ ,‬يعني القطاب ‪ ,‬ما قد ذكرناه من العلم‬
‫بمنزلة أهل البيت ‪ ,‬وما قد نبه ال تعالى على علو رتبتهم في ذلك ‪ ,‬ومن أسرارهم‬
‫علم المكر الذي مكر ال بعباده في بغضهم مع دعواهم حب رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم ‪ ,‬وسؤاله المودة في القربى وهو صلى ال عليه وآله وسلم من‬
‫جملة أهل البيت ‪ ,‬فما فعل أكثر الناس ما سألهم فيه رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم عن أمر ال تعالى ‪ ,‬فعصوا ال ورسوله وما أحبوا من قرابته إل من رأوا‬
‫منه الحسان ‪ ,‬فبأعراضهم أحبوا وبأنفسهم تعشقوا "‪.‬‬

‫انتهت عبارة الشيخ الكبر رضي ال تعالى عنه ونفعنا بعلومه وبركاته ‪.‬‬

‫واعلم أن حكم مودة أهل البيت بعضهم لبعض كحكم مودة الجانب لهم في‬
‫الوجوب بل هي أولى لما فيها من زيادة صلة الرحم ‪ ,‬نرجع للية ‪.‬‬

‫قيل ‪ :‬إن القربى هم ولد عبد المطلب وعليه مشى القسطلني في المواهب فقال‪:‬‬
‫المراد بالقربى من ينسب إلى جده القرب عبد المطلب ‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫وقال بن حجر في الصواعق‪ :‬المراد بأهل البيت والل وذوي القربى في كل ما‬
‫جاء في فضلهم مؤمنوا بني هاشم والمطلب ‪ ,‬ورجحه الصبان في إسعاف الراغبين‬
‫وزاد العترة ‪ .‬قال‪ :‬فاللفاظ الربعة بمعنى واحد كما في المواهب ‪.‬‬

‫وقال ابن عطية ‪ :‬قريش كلها عندي قربى وإن كانت تتفاضل ‪.‬‬

‫وقال المام المقريزي ‪ :‬ويظهرلي أن الخطاب في الية عام لجميع من آمن ‪,‬‬
‫وذلك أن العرب بأسرها قوم رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم الذين هو منهم ‪,‬‬
‫فيتعين على من سواهم من العجم أن يودوهم ويحبوهم ‪ .‬وقد جاءت في المر بحب‬
‫العرب أحاديث ‪ ,‬وأن قريشا أقرب إلى رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم من‬
‫سائر العرب ‪ ,‬فعلى كل عربي أن يوقر قريشا ويحبهم من أجل أنهم قوم رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬وقد وردت أحاديث في تفضيل قريش وفي تقديمها على‬
‫غيرها ‪ ,‬وأن بني هاشم رهط رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم وأسرته ‪ ,‬فيجب‬
‫على من عداهم من قريش محبتهم ومودتهم ‪ ,‬وأن عليا وفاطمة وحسنا وحسينا‬
‫وذريتهما أقرب من رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬فيجب على بني هاشم‬
‫عِليٌم { انتهي ‪.‬‬
‫عْلٍم َ‬
‫ق ُكّل ِذي ِ‬
‫مودتهم وإكرامهم } َوَفْو َ‬

‫قوله ‪ :‬فيجب على بني هاشم مودتهم يعني وتجب على قريش والعرب والعجم ‪,‬‬
‫وهكذا التقدير فيما قبله ‪ .‬وقوله ‪ :‬وقد جاءت في حب العرب أحاديث ثم قوله ‪ :‬وقد‬
‫وردت أحاديث في تفضيل قريش وتقديمها على غيرها ‪.‬‬

‫* * * *‬

‫فضل قريــــــش ‪:‬‬


‫شّر "‪.‬‬
‫خْيِر َوال ّ‬
‫س َتَبٌع ِلُقَرْيشٍ ِفي اْل َ‬
‫قال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬الّنا ُ‬

‫‪90‬‬
‫ل "‪.‬‬
‫ش َأَهاَنُه ا ُّ‬
‫ن ُقَرْي ٍ‬
‫ن ُيِرْد َهَوا َ‬
‫وقوله عليه الصلة والسلم ‪َ ":‬م ْ‬

‫حٌد‬
‫طَها َأ َ‬
‫صاٍل َلْم ُيْع َ‬
‫خ َ‬
‫سْبِع ِ‬
‫شا ِب َ‬
‫ل ُقَرْي ً‬
‫ضَل ا ُّ‬
‫وقوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪َ ":‬ف ّ‬
‫ن الّنُبّوَة ِفيِهْم ‪،‬‬
‫شا بَأّني ِمْنُهْم َوأ ّ‬
‫ل ُقَرْي ً‬
‫ضَل ا ُّ‬
‫حٌد َبْعَدُهْم ‪َ :‬ف ّ‬
‫طاَها َأ َ‬
‫َقْبَلُهْم ‪َ ،‬ول ُيْع َ‬
‫شَر‬
‫ع ْ‬
‫ل َ‬
‫عَبُدوا ا َّ‬
‫عَلى اْلِفيِل‪ ,‬و َ‬
‫صَرُهْم ال َ‬
‫سَقاَيَة ِفيِهْم‪ ،‬وَن َ‬
‫حجاَبَة ِفيِهْم‪َ ،‬وال ّ‬
‫ن اْل ِ‬
‫َوأ ّ‬
‫حٍد‬
‫ن َلْم يذكْر ِفيها َأ َ‬
‫ن اْلُقْرآ ِ‬
‫سوَرًة ِم َ‬
‫ل ِفيِهْم ُ‬
‫غْيُرُهْم‪َ ،‬وَأْنَزَل ا ُّ‬
‫ن ل َيْعُبُدُه َ‬
‫سِني َ‬
‫ِ‬
‫ش { "‪.‬‬
‫ف ُقَرْي ٍ‬
‫غْيِرِهْم} ليل ِ‬
‫َ‬

‫سِلِمِهْم ‪,‬‬
‫سِلُمُهْم َتَبٌع ِلُم ْ‬
‫ش‪ُ ,‬م ْ‬
‫س َتَبٌع ِلُقَرْي ٍ‬
‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬الّنا ُ‬
‫خَياُرُهْم ِفي السلم‬
‫جاِهِلّيِة ِ‬
‫خَياُرُهْم ِفي اْل َ‬
‫ن‪ِ ,‬‬
‫س َمَعاِد ُ‬
‫َوَكاِفُرُهْم َتَبٌع ِلَكاِفِرِهْم ‪َ ,‬والّنا ُ‬
‫ِإَذا َفِقُهوا "‪.‬‬

‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ ":‬يا أيها الناس ل تذموا قريشا فتهلكوا ‪ ,‬ول‬
‫تخلفوا عنها فتضلوا ‪ ,‬ول تعلموها وتعلموا منها فإنهم أعلم منكم ‪ ,‬لول أن تبطر‬
‫قريش لعلمتها بالذي لها عند ال عز وجل "‪.‬‬

‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬أحبوا قريشا فإنه من أحبهم أحبه ال "‪.‬‬

‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬حب قريش إيمان ‪ ,‬وبغضهم كفر " ‪.‬‬

‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ ":‬قدموا قريشا ول تقدموها ‪ ,‬ولول أن تبطر‬


‫قريش لخبرتها بما لها عند ال "‪.‬‬

‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ ":‬قريش صلح الناس ول يصلح الناس إل بهم ‪,‬‬
‫كما أن الطعام ل يصلح إل بالملح ‪ .‬قريش خالصة ال تعالى فمن نصب لها حربا‬
‫سلب ‪ ,‬ومن أرادها بسوء خزي في الدنيا والخرة "‪.‬‬

‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬ل تسبوا قريشا فإن عالمها يمل طباق‬
‫الرض علما "‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫قال المام أحمد وغيره ‪ :‬هذا العالم هو الشافعي ‪ ,‬لنه لم يحفظ لقرشي من‬
‫انتشار علمه في الفاق ما حفظ للشافعي ‪.‬‬

‫* * * *‬

‫من مناقب المام الشافعي‪:‬‬


‫رضي ال تعالى عنه‬

‫ومن مناقبه رضي ال تعالى عنه ما حدث به صالح بن المام أحمد بن حنبل‬
‫قال ‪ :‬جاء الشافعي يوما إلى أبي يعوده ‪ ,‬وكان عليل فوثب إليه أبي وقبله بين‬
‫عينيه ‪ ,‬ثم أجلسه في مكانه وجلس بين يديه ‪ ,‬ثم أخذ يسأله ساعة فساعة ‪ ,‬فلما قام‬
‫الشافعي وركب ‪ ,‬أخذ أبي بركابه ومشى معه ‪ ,‬فبلغ يحيى بن معين ذلك فقال ‪ :‬يا‬
‫سبحان ال لما فعلت ذلك ؟ فقال ‪ :‬إني لو مشيت من جانب وأنت يا أبا زكريا لو‬
‫مشيت من جانب آخر لنتفعت به ‪ .‬من أراد الفقه فليشم ذنب هذه البغلة وأشار إلى‬
‫بغلة الشافعي رضي ال تعالى عنه وعن سائر الئمة ‪.‬‬

‫* * * *‬

‫فضل حب العرب ‪:‬‬


‫أما الحاديث الواردة في حب العرب وفضلهم ‪ ,‬فمنها قوله صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم ‪ ":‬حب العرب إيمان وبغضهم كفر ‪ ,‬فمن أحب العرب فقد أحبني ‪ ,‬ومن‬
‫أبغض العرب فقد أبغضني "‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫ي‪َ ،‬واْلُقْرآ ُ‬
‫ن‬ ‫عَرِب ّ‬
‫ث‪َ :‬لّني َ‬
‫ب ِلَثل ٍ‬
‫حّبوا اْلَعَر َ‬
‫وقوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪ُ ":‬أ ِ‬
‫ي "‪.‬‬
‫عَرِب ّ‬
‫جّنِة َ‬
‫ي‪َ ،‬وَكلُم َأْهِل اْل َ‬
‫عرَِب ّ‬
‫َ‬

‫قال المناوي في شرح هذا الحديث ‪ :‬وهذه الجمل واردة مورد الحث على حب‬
‫العرب وهو منزل على قيد الحيثية ‪ ,‬أي من حيث كونهم عربا ‪ ,‬وقد يعرض لهم ما‬
‫يقتضي الزيادة على هذا الحب باعتبار ما يقوم بهم من وصف اليمان ‪ ,‬والتفاضل‬
‫فيه بحسب المراتب ‪ ,‬وقد يعرض ما يوجب البغض والزياد منه بحسب ما يعرض‬
‫لهم من كفر ونفاق ‪ ,‬قال سبحانه في شأن قوم منهم ‪ }:‬العراب أشد كفرا ونفاقا {‪.‬‬

‫فإذا وفق العبد لمحبتهم من حيث كون المصطفى منهم ‪ ,‬وأن القرآن أنزل‬
‫بلغتهم ‪ ,‬وأن كلم الرفيق العلى بلسانهم ‪ ,‬لعذوبته وفصاحته ‪ ,‬واستقامته ‪ ,‬كان‬
‫ذلك واسطة في حبه صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬وإذا خذل فأبغضهم من الجهات‬
‫المذكورة كان لزمه بغضه عليه الصلة والسلم وهو كفر ‪ ,‬وإذا أبغضهم من‬
‫حيث كفرهم أو نفاقهم كان ذلك واجبا ‪.‬‬

‫فاستبان أنه قد يجب الحب وقد يجب البغض ‪ ,‬ويبقى مطلق الحب من الحيثية‬
‫التي سبق الكلم عليها ‪.‬‬

‫واعلم أن ستة من النبياء من العرب‪ :‬سيدنا نوح ‪ ,‬وسيدنا هود ‪ ,‬وسيدنا‬


‫إسماعيل ‪ ,‬وسيدنا صالح ‪ ,‬وسيدنا ‪ ,‬شعيب ‪ ,‬وسيدنا محمد صلى ال عليه وعليهم‬
‫وسلم ‪ ,‬وباقيهم من غيرهم " انتهي ‪.‬‬

‫وقوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬من أحب العرب فهو حبيبي حقا "‪.‬‬

‫قال العزيزي ‪ :‬لنهم هم الذين باعوا أنفسهم ل تعالى ‪ ,‬حتى أظهروا السلم‬
‫وأزاحوا ظلمة الكفر ‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫وفي المناوي ‪ :‬علمة صدق الحب حب كل ما ينسب إلى المحبوب ‪ ,‬فإن من‬
‫يحب إنسانا يحب كلب محلته ‪ ,‬فالمحبة إذا قويت تعدت من المحبوب إلى كل ما‬
‫يكتنف بالمحبوب ويحيط به ويتعلق بأسبابه ‪ ,‬وذلك وليس شركة في حب ال تعالى‬
‫فإن من أحب رسول ال المحبوب لكونه رسوله وكلمه لكونه كلمه ‪ ,‬ومن ينتمي‬
‫إليه لكونه من حزبه لم يجاوز حبه إلى غيره بل هو دليل كمال حبه ‪ .‬ا هـ ‪.‬‬

‫وقوله عليه الصلة والسلم ‪ ":‬من سب العرب فأولئك هم المشركون "‪.‬‬

‫وقوله عليه الصلة والسلم ‪ ":‬من غش العرب لم يدخل في شفاعتي ولم تنله‬
‫مودتي "‪.‬‬

‫وروى الترمذي عن سلمان رضي ال تعالى عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلي ال‬
‫عليه وآله وسلم ‪ ":‬يا سلمان ! ل تبغضني فتفارق دينك "‪ .‬قلت ‪ :‬يا رسول ال‬
‫كيف أبغضك وبك هداني ال ؟ قال‪ ":‬تبغض العرب فتبغضني "‪.‬‬

‫وعن علي رضي ال تعالى عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلي ال عليه وآله‬
‫وسلم‪ ":‬ل يبغض العرب إل منافق "‪.‬‬

‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬إن لواء الحمد بيدي يوم القيامة ‪ ,‬وإن أقرب‬
‫الخلئق من لوائي يومئذ العرب "‪.‬‬

‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬إذا ذلت العرب ذل السلم "‪.‬‬

‫قال الناوي ‪ :‬أي أهله أو نفسه ‪ ,‬لن شؤم ذلك يعود على الدين بالوهن‬
‫والضعف ‪ ,‬وذلك لن أصل السلم نشأ منهم وبهم ظهر وانتشر ‪ ,‬فإذا ذلوا ذل‪ ,‬أي‬
‫نقص ‪ ,‬ولن السلم ل يصلح وينتظم حاله إل بالجود والسماحة واللين والمودة‬
‫والرفق وتجنب البخل والضيق والعجلة والحقد والحرص ‪ ,‬والعرب سهلة نفوسها‬
‫كريمة طباعها زكية أخلقها ‪ ,‬ل ينكر ذلك إل معاند ول يجحده إل مارد ‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫فإذا كانوا في عز فالسلم في عز‪ ,‬وإن ذلوا ذل ‪ .‬فبتلك الخلل فضلوا ل‬
‫باللسان العربي فحسب ‪ .‬ومعنى إذا ذلت ‪ :‬أي ضعف أمرها وهان قدرها وظلموا‬
‫وازدروا واحتقروا وفضل عليهم غيرهم " انتهى ‪.‬‬

‫وقال في قوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬حب العرب إيمان وبغضهم نفاق "‪.‬‬
‫أي إذا أحبهم كان حبهم آية إيمانهم ‪ ,‬وإذا بغضهم كان بغضهم علمة نفاقه ‪ ,‬لن‬
‫هذا الدين نشأ منهم ‪ ,‬وكان قيامه بسيوفهم وهممهم ‪ ,‬والظاهر من حال من أبغضهم‬
‫أنه إنما أبغضهم لذلك وهو كفر ‪ .‬وقد اطلعت على كتاب سر الدب في مجاري‬
‫كلم العرب لبي منصور الثعالبي ‪ ,‬فوجدته ذكر في خطبته كلما يناسب ما نحن‬
‫فيه ‪.‬‬

‫قال رحمه ال تعالى بعد البسملة والحمد ل ‪ :‬أما بعد ‪ ,‬فإن من أحب ال تعالى‬
‫أحب رسوله محمدا المصطفى صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬ومن أحب الرسول أحب‬
‫العرب ‪ ,‬ومن أحب العرب أحب اللغة العربية التي نزل بها أفضل الكتب على‬
‫أفضل العرب والعجم ‪ ,‬ومن أحب اللغة العربية عنى بها وثابر عليها ‪ ,‬وصرف‬
‫همه إليها ومن هداه ال للسلم ‪ ,‬وشرح صدره لليمان ‪ ,‬وآتاه بقوة بصيرة ‪,‬‬
‫وحسن سيرة ‪ ,‬اعتقد أن سيدنا محمدا صلى ال عليه وآله وسلم خير الرسل ‪,‬‬
‫والسلم خير الملل والعرب خير المم ‪ ,‬والعربية خير اللغات واللسنة والقبال‬
‫على تفهمها من الديانة ‪ ,‬إذ هي أداة العلم ‪ ,‬ومصباح التفقه في الدين ‪ ,‬ومفتاح‬
‫إصلح المعاش والمعاد ‪ .‬ثم هي لحراز الفضائل والحتواء على المروءات‬
‫والمناقب كالينبوع للماء والزند للنار ‪ ,‬ولو لم يكن في الحاطة بخصائصها ‪,‬‬
‫والوقوف على مجاريها ومصارفها ‪ ,‬والتبحر في جلئلها ودقائقها إل قوة اليقين‬
‫في إعجاز القرآن ‪ ,‬وزيادة البصيرة في إثبات النبوة الذي هو عمدة اليمان لكفى به‬

‫‪95‬‬
‫فضل يحسن أثره ويطيب ثمره ‪ ,‬فكيف وأيسر ما خصه ال به من ضروب‬
‫المناقب ‪ ,‬وفنون المحاسن ‪ ,‬بكل أقلم الكتبة ويتعب أنامل الحسبة " ا هـ ‪.‬‬

‫" تنبيه " ‪ :‬اعلم أن جميع ما ورد عن الشارع مما فيه وصف المبغض لقريش‬
‫أو للعرب أو لهل البيت أو سلبهم أو الغاش لهم بالكفر أو النفاق ونحوهما ‪ ,‬فهو‬
‫محمول على ما إذا كان ذلك لكون رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم منهم ‪,‬‬
‫وكونهم جنسه ‪ ,‬وحزبه ‪ ,‬وأهل بيته ‪ ,‬أما إذا كان البغض ونحوه لمعنى آخر ل‬
‫تعلق له بالجنسية والحزبية والهلية ‪ ,‬فقد يختلف حكمه كما يفهم من شروح‬
‫الحديث وغيرها ‪ ,‬بل هو أمر معلوم من قواعد الدين ‪.‬‬

‫قال ابن تيمية في قوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬إن ال اصطفى كنانة من‬
‫ولد إسماعيل ‪ ,‬واصطفى قريشا من كنانة ‪ ,‬واصطفى من قريش بني هاشم "‬
‫الحديث ‪ .‬أفاد الخبر أن العرب أفضل من جنس العجم ‪ ,‬وأن قريشا أفضل العرب ‪,‬‬
‫وأن بني هاشم أفضل قريش ‪ ,‬وأن المصطفى صلى ال عليه وآله وسلم أفضل بني‬
‫هاشم ‪ ,‬فهو صلى ال عليه وآله وسلم أفضل الناس نفسا ونسبا ‪ ,‬وليس فضل‬
‫العرب فقريش فبني هاشم بمجرد كون النبي صلى ال عليه وآله وسلم منهم ‪ ,‬وإن‬
‫كان هذا من الفضل بل لهم في أنفسهم فضل ‪ ,‬وبذلك يثبت للنبي صلى ال عليه‬
‫وآله وسلم أنه أفضل نفسا ونسبا وإل لزم الدور انتهي ‪.‬‬

‫أقول ‪ :‬إذا علمت هذا فاعلم أن جميع ما ورد في تفضيل العرب والغراء‬
‫بمحبتهم وإكرامهم والتحذير من كراهتهم وأذاهم بالسب والغش ونحوهما ‪ ,‬هو‬
‫شامل لقريش لنهم صفوة العرب ‪ ,‬وأن جميع ذلك كالوارد في خصوص قريش‬
‫شامل لبني هاشم ‪ ,‬لنهم صفوة قريش وما ورد في بني هاشم فمن فوقهم شامل‬
‫لهل البيت سواء ‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫ي وفاطمة والحسن والحسين ‪ ,‬لنهم‬
‫قلنا ‪ :‬هم بنو عبد المطلب أو خصوص عل ّ‬
‫صفوة الصفوة وخلصة الخلصة وخيرة الخيرة ‪ ,‬ول ينعكس ذلك فقد اختص أهل‬
‫البيت بمزايا لم توجد في بني هاشم ‪ ,‬واختص بنو هاشم بمناقب عريت منها‬
‫قريش ‪ ,‬واختصت قريش بفضائل فقدها سائر العرب وفي قوله تعالي ‪ }:‬قل ما‬
‫أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين { ‪.‬‬

‫أقوال أخرى ‪ :‬منها ما ذكره الطبري بقوله معناه ‪ :‬قل ل أسألكم عليه أجرا يا‬
‫معشر قريش إل أن تودوني في قرابتي منكم وتصلوا الرحم التي بيني وبينكم ‪ ,‬قال‬
‫ابن عباس وابن إسحاق وقتادة ‪ :‬لم يكن في قريش بطن إل ولرسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم فيهم نسب وصهر ‪.‬‬

‫فالية على هذا استعطاف لدفع أذاهم وطلب السلمة منهم ‪ ,‬وقد علمت من‬
‫النقول المتقدمة أن كونها في ذوي قرابته صلى ال عليه وآله وسلم هو الراجح‬
‫ي وفاطمة والحسن والحسين وبنوهما إلي يوم القيامة داخلون على كل حال‪,‬‬
‫وعل ّ‬
‫سواء جرينا على القول بأنهم فيهم خاصة أو أنها في مؤمني بن عبد المطلب أو في‬
‫مؤمني بني هاشم ‪.‬‬

‫* * * *‬

‫فصــــــــــــــــل‬
‫أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي ال تعالى عنهما في قوله تعالى‪:‬‬
‫سَنًة {‪ .‬قال ‪ :‬المودة لل محمد ‪.‬‬
‫ح َ‬
‫ف َ‬
‫ن َيْقَتِر ْ‬
‫}َوَم ْ‬

‫وعنه رضي ال تعالى عنه ‪ ,‬عن النبي صلى ال عليه وآله وسلم أنه قال ‪":‬‬
‫أحبوا ال لما يغذوكم به ‪ ,‬وأحبوني بحب ال ‪ ,‬وأحبوا أهل بيتي بحبي "‪.‬‬

‫وعن ابن مسعود رضي ال تعالي عنه ‪:‬‬

‫‪97‬‬
‫" حب آل محمد يوما خير من عبادة سنة " ‪.‬‬

‫وعن أبي هريرة رضي ال تعالى عنه ‪ ,‬عن النبي صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫قال ‪ ":‬خيركم خيركم لهلي من بعدي "‪.‬‬

‫وأخرج الطبراني وغيره أنه صلى ال عليه وآله وسلم قال ‪ ":‬ل يؤمن عبد‬
‫حتى أكون أحب إليه من نفسه ‪ ,‬وتكون عترتي أحب إليه من عترته ‪ ،‬وأهلي‬
‫أحب إليه من أهله ‪ ,‬وذاتي أحب إليه من ذاته "‪.‬‬

‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ ":‬يرد الحوض أهل بيتي ومن أحبهم من أمتي‬
‫كهاتين السبابتين "‪.‬‬

‫وروي عنه صلى ال عليه وآله وسلم أنه قال ‪ ":‬الزموا مودتنا أهل البيت فإنه‬
‫من لقي ال عز وجل وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا ‪ ,‬والذي نفسي بيده لينفع‬
‫عبدا عمله إل بمعرفة حقنا "‪.‬‬

‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬من أراد التوسل وأن يكون له عندي يد‬
‫أشفع له بها يوم القيامة ‪ ,‬فليصل أهل بيتي ويدخل السرور عليهم "‪ .‬أخرجه‬
‫الديلمي ‪.‬‬

‫وعن علي رضي ال تعالى عنه أخبرني رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم ‪ ":‬إن أول من يدخل الجنة أنا وفاطمة والحسن والحسين ‪ ,‬فقلت يا رسول‬
‫ال فمحبونا ؟ قال من ورائكم "‪.‬‬

‫وأخرج المام أحمد " أنه صلى ال عليه وآله وسلم أخذ بيد الحسنين وقال ‪":‬‬
‫من أحبني وأحب هذين وأمهما وأباهما ‪ ,‬كان معي في درجتي يوم القيامة "‪.‬‬

‫والمراد معية المشاهدة ل معية المنزلة ‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ ":‬من اصطنع لحد من ولد عبد المطلب يدا فلم‬
‫ي مكافئته غدا يوم القيامة إذا لقيني "‪ .‬أخرجه الطبراني‬
‫يكافئه بها في الدنيا ‪ ,‬فعل ّ‬
‫مرفوعا ‪.‬‬

‫وقال صلي ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة ‪ :‬المكرم‬
‫لذريتي ‪ ,‬والقاضي لهم حوائجهم ‪ ,‬والساعي لهم في أمورهم عندما اضطروا إليه‬
‫‪ ,‬والمحب لهم بقلبه ولسانه "‪.‬‬

‫ي رضي ال تعالى عنهما قال ‪:‬‬


‫وأخرج بن النجار في تاريخه عن الحسن بن عل ّ‬
‫قال رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬لكل شيء أساس وأساس السلم حب‬
‫أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وحب أهل بيته "‪.‬‬

‫وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي ال تعالى عنهما قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلي ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬ل تزول قدم عبد حتى يسأل عن أربع ‪ :‬عن عمره‬
‫فيم أفناه ‪ ,‬وعن جسده فيم أبله ‪ ,‬وعن ماله فيم أنفقه ومن أين اكتسبه ‪ ,‬وعن‬
‫حبنا أهل البيت "‪.‬‬

‫ي رضي ال تعالي عنه ‪ ":‬أثبتكم على الصراط أشدكم‬


‫وأخرج الديلمي عن عل ّ‬
‫حبا لهل بيتي وأصحابي "‪.‬‬

‫وفي الصحيح ‪ :‬أن العباس رضي ال عنه شكا إلى رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ما تفعل قريش من تعبيسهم في وجوههم وقطعهم حديثهم عند لقائهم ‪ ,‬فغضب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم غضبا شديدا حتى احمر وجهه ودر عرق بين‬
‫عينيه ‪ ,‬وقال ‪ ":‬ما بال أقوام يتحدثون فإذا رأوا الرجل من أهل بيتي قطعوا‬
‫حديثهم ‪ ,‬وال ل يدخل قلب رجل اليمان حتى يحبهم لقرابتهم مني "‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫وفي رواية ‪ ":‬والذي نفسي بيده ل يدخل قلب رجل اليمان حتى يحبكم ل‬
‫ورسوله "‪.‬‬

‫وقال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬خمس من أوتيهن لم يعذر على‬
‫ترك عمل الخرة ‪ :‬زوجة صالحة ‪ ,‬وبنون أبرار‪ ,‬وحسن مخالطة الناس ‪,‬‬
‫ومعيشة في بلده ‪ ,‬وحب آل محمد صلى ال عليه وسلم "‪.‬‬

‫وأخرج الطبراني في الوسط عن ابن عمر قال ‪ :‬آخر ما تكلم به النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ":‬اخلفوني في أهل بيتي "‪.‬‬

‫ي كرم ال تعالى وجهه قال ‪ ":‬أدبوا أولدكم على ثلث خصال ‪ :‬حب‬
‫وعن عل ّ‬
‫نبيكم ‪ ,‬وحب أهل بيته ‪ ,‬وقراءة القرآن "‪.‬‬

‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬إن ل حرمات ثلثا من حفظهن حفظ ال‬
‫أمر دينه ودنياه ‪ ,‬ومن ضيعهن لم يحفظ ال له شيئا "‪ .‬قيل‪ :‬وما هي يا رسول ال‬
‫؟ قال‪ :‬حرمة السلم ‪ ,‬وحرمتي ‪ ,‬وحرمة رحمي "‪.‬‬

‫وقد جرى على كمال مودتهم أكابر السلف والخلف وسيدهم أبو بكر الصديق ‪,‬‬
‫فقد ثبت عنه رضي ال تعالى عنه أنه قال ‪ :‬صلة قرابة رسول ال صلى ال عليه‬
‫ي من صلة قرابتي ‪ ,‬وأخرج البخاري عنه رضي ال تعالى عنه‬
‫وآله وسلم أحب إل ّ‬
‫قوله ‪ :‬أرقبوا محمدا في أهل بيته ‪.‬‬

‫قال ابن علن في شرح رياض الصالحين‪ :‬قال المصنف ‪ ,‬يعني المام النووي‪:‬‬
‫ارقبوا ‪ ,‬أي راعوه واحترموه وأكرموه ‪ .‬ا هـ ‪.‬‬

‫وقال المناوي ‪ :‬قال الحافظ الزرندي ‪ :‬لم يكن أحد من العلماء المجتهدين‬
‫والئمة المهتدين إل وله في أهل البيت الحظ الوافر ‪ ,‬والفخر الزاهر ‪ ,‬كما أمر ال‬
‫تعالى بقوله ‪ }:‬قل ل أسألكم عليه أجرا إل المودة في القربى {‪ .‬ا هـ ‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫قلت ‪ :‬وإنما قيد الحافظ بالعلماء المجتهدين والئمة المهتدين ‪ ,‬لنهم قدوة‬
‫المة ‪ ,‬فإذا كانت هذه صفتهم فل ينبغي لمؤمن أن يتخلف عنهم ‪ ,‬فإن وصف‬
‫اليمان كاف لوجوب مودة أهل البيت رضي ال تعالى عنهم ‪ ,‬وبقدر زيادته تكون‬
‫زيادتها ‪ ,‬ومن هنا كان للعلماء المجتهدين والئمة المهتدين في موالتهم الحظ‬
‫الوافر والفخر الزاهر ‪.‬‬

‫هذا المام العظم أبو حنيفة النعمان رضي ال تعالى عنه والى إبراهيم بن عبد‬
‫ال المحض ابن الحسن المثنى ابن الحسن السبط رضوان ال تعالى عليهم ‪ ,‬وأفتى‬
‫الناس بلزوم وجودهم معه ومع أخيه محمد ‪ ,‬وقيل إن سجنه رضي ال تعالى عنه‬
‫كان في الباطن لهذا السبب ‪ ,‬وفي الظاهر لمتناعه عن القضاء ‪.‬‬

‫وهذا إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي ال تعالى عنه والى إبراهيم بن زيد‬
‫ي زين العابدين بن الحسين رضي ال تعالى عنهم ‪ ,‬وأفتى الناس بلزوم‬
‫بن عل ّ‬
‫وجودهم معه واختفى من أجله عدة سنين ‪ ,‬وقيل ‪ :‬أن الذي واله المام مالك هو‬
‫محمد أخو إبراهيم بن عبد ال المحض الذي واله المام أبو حنيفة ‪.‬‬

‫ول أحفظ عن المام الجليل أحمد بن حنبل رضي ال تعالى عنه شيئا‬
‫مخصوصا في ذلك غير أنه مع كمال ورعه ودقة نظره قال بكفر يزيد بن معاوية‬
‫وجواز لعنه ‪ ,‬وما ذاك إل لولئه لل المصطفى صلى ال عليه وآله وسلم مع ما‬
‫ثبت عنده من الدليل ‪.‬‬

‫أما المام القرشي ابن عم النبي محمد بن إدريس الشافعي رضي ال تعالى عنه‬
‫‪ ,‬فقد حمل إلى بغداد مكبل بالقيود بسبب شدة ولئه لل رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله وسلم ‪ ,‬ووقع له في ذلك أمور يطول شرحها ‪ ,‬بل بلغ معه الحال في محبتهم‬
‫إلى أن نسبه أهل الزيغ والضلل إلي الرفض ‪ ,‬وحاشاه ثم حاشاه ‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫وروى ابن السبكي في طبقاته بسنده المتصل إلى الربيع بن سليمان المرادي‬
‫صاحب المام الشافعي رضي ال تعالى عنه قال ‪ :‬خرجنا مع الشافعي من مكة‬
‫نريد منى فلم ننزل واديا ولم نصعد شعبا إل وهو يقول ‪:‬‬

‫واهتف بقاعد خيفها والناهض‬ ‫يا راكبا قف بالمحصب من منـي‬

‫فيضا كملتطم الفرات الفائـض‬ ‫سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى‬

‫فليشهد الثقلن أني رافضــــي‬ ‫إن كان رفضا حب آل محمــــــد‬

‫وقد نص رضي ال تعالى عنه على فريضة محبتهم بقوله ‪:‬‬

‫فرض من ال في القرآن أنزله‬ ‫يا أهل بيت رسول ال حبكم‬

‫من لم يصل عليكم ل صلة له‬ ‫كفاكم من عظيم القدر أنكـــم‬

‫قال الصبان ‪ :‬أي صلة كاملة أوصحيحة على قول مرجوح للشافعي وقوله ‪:‬‬
‫في القرآن أنزله هو قوله تعالي ‪ }:‬قل ل أسألكم عليه أجرا إل المودة في القربى{‪.‬‬

‫فانظر وفقنا ال تعالى وإياك إلى هؤلء الئمة وهداة المة ‪ ,‬واقف آثارهم في‬
‫محبة أهل بيت النبوة رضي ال تعالى عنهم ‪ ,‬فإنك إن كنت مسلما سنيا ل تخلو من‬
‫أن تكون مقلدا في أمر دينك أحد هؤلء الئمة الربعة العلم ‪ ,‬ومع كونهم رضي‬
‫ال تعالى عنهم اختلفوا في كثير من المسائل كما ترى ‪ ,‬وإن كنت أيها الناظر في‬
‫كتابي هذا يزيديا أو زياديا فانظر إلى سيرة أسلفك اللئام تجدها سيرة أهل النار ‪,‬‬
‫وتصفح أخبارهم تجدها أخبار عار وشنار ‪ ,‬فإن كنت عاقل فل بد وأن تعلم أنهم‬
‫كانوا على أقبح ضللة ‪ ,‬وأفضح جهالة ‪ ,‬فتكون على خلف ما كانوا عليه تدخل‬
‫الجنة دار المتقين ‪ ,‬وتحشر في زمرة الذين أنعم ال تعالى عليهم من النبيين‬
‫والصديقين والشهداء والصالحين ‪ ,‬وإن أبيت إل مشاركة سلفك في السعير ‪ ,‬وبئس‬
‫المصير ‪ ,‬فالزم طريقتهم تفز بما فازوا به من السبق إلى غاية الضلل ‪ ,‬ويحق‬

‫‪102‬‬
‫عليك كما حق عليهم من الهلك والوبال ‪ ,‬وتسحب إلى الجحيم كما سحبوا‬
‫بالسلسل والغلل ‪ ,‬ول محيد لك عن إحدى هاتين الدارين فاختر منهما ما‬
‫تختار ‪ ,‬فليس ثمة إل الجنة أوالنار ‪.‬‬

‫قال سيدي عبد الوهاب الشعراني في المنن ‪ :‬ومما من ال تبارك وتعالى به‬
‫ي كثرة تعظيمي للشرفاء وإن طعن الناس في نسبهم وأرى ذلك التعظيم من‬
‫عل ّ‬
‫ي ‪ ,‬وكذلك أولد العلماء والولياء وتعظيمهم وإكرامهم‬
‫بعض ما يستحقونه عل ّ‬
‫بطريقة الشرعي ‪ ,‬ولو كانوا على غير قدم الستقامة ثم من أقل ما أعامل به‬
‫الشريف في الجلل والتعظيم أن أعامله مثل ما أعامل نائب أي والي مصر أو‬
‫قاضي العسكر ‪.‬‬

‫ومن جملة الدب مع الشرفاء أن ل يجلس أحدنا على فرش أو مرتبة أو صفة‬
‫والشريف بضدد ذلك ‪ ,‬وأن ل نتزوج لهم مطلقة أو زوجة ماتوا عنها وكذلك ل‬
‫نتزوج شريفة إل إن كان أحدنا يعرف من نفسه القدرة على القيام بواجب حقها وأن‬
‫يعمل على رضاها ‪ ,‬فل يتزوج عليها ول يتسرى ول نقتر عليها في المأكل‬
‫والملبس دون قدرتنا ونقول ‪ :‬إن جدك رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم اختار‬
‫ذلك ‪ ,‬وكذلك ل نمنعها شهوة مباحة سألتنا فيها ‪ ,‬ونقدم لها نعلها إذا قامت‬
‫واحتاجت ‪ ,‬ونقوم لها إذا وردت علينا لنها بضعة من رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله وسلم ‪ ,‬وكذلك ل ننظر لها بدنا ولو لبيع وشراء إل أن تعين ذلك علينا شرعا ‪,‬‬
‫ول ننظر رجلها إذا كان أحدنا بائع أخفاف ‪ ,‬ول نمعن النظر إليها في الزار إذا‬
‫مرت علينا فإن ذلك يغضب جدها رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪.‬‬

‫وقال رضي ال تعالى عنه ونفعنا ببركاته في كتابه البحر المورود في المواثيق‬
‫والعهود ‪ ":‬أخذ علينا العهود أن ل نتزوج قط شريفة إل إن كنا نعد أنفسنا من‬
‫خدامها لنها بضعة من رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬فمن كان يرى نفسه‬

‫‪103‬‬
‫رقيقا لها ويعتقد أنه متى خرج عن طاعتها أبق وأساء فليتزوج ‪ ,‬ومن ل فل ينبغي‬
‫له ذلك ‪ ,‬ويقال لمن تزوجها للتبرك السلمة مقدمة على الغنيمة ‪ ,‬ل سيما إن تزوج‬
‫عليها أو تسرى أو آذاها ببخله وشحه ‪ ,‬ويمكن المؤمن التبرك بها بالحسان إليها‬
‫من غير تزوج "‪.‬‬

‫وبالجملة فل يقدر على القيام بحق الشريفة وإكرامها إل من ماتت نفسه ‪ ،‬وصح‬
‫له مقام الزهد في الدنيا وباشر اليمان قلبه بحيث صار أولد رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم أحب إليه من أهله وولده وماله ‪ ,‬فإن كل شيء يؤذي الشرفاء يؤذي‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ .‬وكان سيدي علي الخواص ينهي من ينظر‬
‫للشريفة وهي في الزار والنقاب والخف ويقول للرائي ‪ :‬أنت لو رأيت شخصا‬
‫يمعن النظر إلى بنتك في الزار أما كنت تتشوش فكذلك رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله وسلم ‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وينبغي للمتدين إذا بايع الشريفة أو فصدها أو داواها أن ل يفعل ذلك إل‬
‫وهو في غاية الخجل والحياء من رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬ل سيما‬
‫بائع الخفاف ‪ ,‬وإن كنت يا أخي ممن يشدد في العمل بفروع الشريعة وأنه ل بد‬
‫لك من رؤيتها لتشهد عليها مثل فاستأذن بقلبك صاحب الشرع وانظر ‪ ,‬وإن كنت‬
‫يا أخي كامل المحبة لولد رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم فأهد إليهم ما‬
‫يريدون يشترونه منك ‪.‬‬

‫ثم قال رضي ال تعالى عنه ‪ :‬أخذ علينا العهود إذا كان لنا بنت أو أخت لها‬
‫جهاز كبير وخطبها شريف فقير ل يملك غير مهرها وقوت يومه وليلته أن نزوجه‬
‫ول نرده ‪ ,‬وذلك أن الفقر ليس بعيب نرد به الخطبة بل هو شرف ‪ ,‬وقد تمنى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬بل سأل ربه عز وجل أن يحشره في زمرة‬
‫الفقراء والمساكين وقال ‪ ":‬اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا "‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫أي ل يفضل منه شيء في غداء ول عشاء ‪ ,‬فشيء اختاره رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم لذريته ‪ ,‬وأهل بيته هو غاية الشرف ومن رد شريفا فقيرا طلب‬
‫تزويج ابنته يخاف عليه من المقت ‪ ,‬وال غني حميد ‪.‬‬

‫وكذلك أخذ علينا العهود إذا مررنا على شريف أو شريفة على قوارع الطريق‬
‫يسألن الناس أن ندفع لهما ما نقدر عليه من الدراهم أو الطعام أو الثياب أو‬
‫نعرض عليهم القامة عندنا لنقوم لهم بالكفاية الشرعية ‪ ،‬حيث استطعنا ذلك ‪,‬‬
‫ويقبح على من يدعي محبة رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم أن يمر على‬
‫أولده وهم على قوارع الطرق يسألون الناس فل يعطيهم شيئا وال غفور رحيم ‪.‬‬
‫انتهي كلمه رضي ال تعالى عنه بحروفه ‪.‬‬

‫وأخرج المل في سيرته أنه صلى ال عليه وآله وسلم قال ‪ ":‬استوصوا بأهل‬
‫بيتي خيرا فإني أخاصمكم عنهم غدا ‪ ,‬ومن أكن خصمه أخصمه ‪ ,‬ومن أخصمه‬
‫دخل النار "‪.‬‬

‫وفي الصحيح ‪ :‬أن بنت أبي لهب لما هاجرت إلي المدينة قيل لها لن تغني عنك‬
‫هجرتك أنت بنت حطب النار ‪ ,‬فذكرت ذلك للنبي صلى ال عليه وآله وسلم فاشتد‬
‫غضبه ‪ ,‬ثم قال علي المنبر ‪ ":‬ما بال أقوام يؤذوني في نسبي وذوي رحمي ‪ ,‬أل‬
‫ومن آذى نسبي وذوي رحمي فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى ال "‪.‬‬

‫أخرجه كثير من أهل السنن ‪.‬‬

‫وأخرج الطبراني والحاكم عن ابن عباس رضي ال تعالى عنهما قال ‪ :‬قال‬
‫ل َلُكْم‬
‫ت ا َّ‬
‫سَأْل ُ‬
‫ب ِإّني َ‬
‫طِل ِ‬
‫عْبِد اْلُم ّ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪َ ":‬يا بني َ‬
‫جل‬
‫ن َر ُ‬
‫جاِهَلُكْم ‪َ ،‬وَيْهِدي ضاّلُكمْ‪َ ،‬فَلْو َأ ّ‬
‫ت َقاِئَمُكْم ‪ ،‬وأنَُيَعّلَم َ‬
‫ن ُيَثّب َ‬
‫سَأْلُتُه َأ ْ‬
‫َثلًثا‪َ :‬‬

‫‪105‬‬
‫حّمٍد ‪,‬‬
‫ت ُم َ‬
‫ض َلْهِل َبْي ِ‬
‫ت َوُهَو ُمْبِغ ٌ‬
‫صاَم ‪ُ ،‬ثّم َما َ‬
‫صّلى َو َ‬
‫ن َواْلَمَقاِم َف َ‬
‫ن الّرْك ِ‬
‫صفن َبْي َ‬
‫خَل الّناَر "‪.‬‬
‫َد َ‬

‫وأخرج الطبراني عن ابن عباس ‪ ":‬بغض بني هاشم والنصار كفر وبغض‬
‫العرب نفاق "‪.‬‬

‫ي رضي ال تعالى عنه قال‬


‫وأخرج ابن عدي واليهقي في شعب اليمان عن عل ّ‬
‫‪ :‬قال رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬من لم يعرف عترتي والنصار فهو‬
‫لحد ثلث ‪ :‬إما منافق ‪ ,‬وإما لزنية ‪ ,‬وإما لغير طهر "‪.‬‬

‫يعني حملته أمه على غير طهر ‪.‬‬

‫وأخرج الطبراني في الوسط عن جابر بن عبد ال قال ‪ :‬خطبنا رسول ال‬


‫صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬فسمعته ‪ ,‬وهو يقول ‪ ":‬أيها الناس من أبغضنا أهل‬
‫البيت حشره ال يوم القيامة يهوديا "‪.‬‬

‫وعن أبي سعيد الخدري رضي ال تعالى عنه أنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬ل يبغضنا أهل البيت أحد إل أدخله ال النار "‪.‬‬

‫رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين ‪.‬‬

‫ي رضي ال تعالى عنه وكرم وجهه أنه قال لمعاوية رضي ال تعالى‬
‫وعن عل ّ‬
‫عنه ‪ :‬إياك وبغضنا ‪ ,‬فإن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم قال ‪ ":‬ل يبغضنا‬
‫ول يحسدنا أحد إل ذيد عن الحوض يوم القيامة بسياط من نار "‪.‬‬

‫رواه الطبراني ‪.‬‬

‫وروى أحمد مرفوعا ‪ ":‬من أبغض أهل البيت فهو منافق "‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وآذاني‬
‫في عترتي "‪.‬‬

‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ ":‬سبعة لعنتهم ‪ ,‬وكل نبي مجاب ‪ ,‬وعد منهم‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم المستحل من عترته ما حرم ال "‪.‬‬

‫* * * *‬

‫معاملة السلف الصالح وغيرهم لهل البيت‬


‫رضي ال تعالى عنهم‬

‫قال الحافظ ابن حجر في الصابة ‪ :‬قال يحيى بن سعيد النصاري عن عبيد بن‬
‫حنين ‪ :‬حدثني الحسين بن علي قال ‪ :‬أتيت عمر ‪ ,‬وهو يخطب على المنبر‬
‫فصعدت إليه فقلت ‪ :‬انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك ‪ ,‬فقال عمر ‪ :‬لم‬
‫يكن لبي منبر وأخذني فأجلسني معه أقلب حصى بين يدي ‪ ,‬فلما نزل انطلق بي‬
‫إلى منزله ثم قال لي ‪ :‬لو جعلت تغشانا ‪ ,‬قال ‪ :‬فأتيته يوماً وهو خال بمعاوية وابن‬
‫عمر بالباب ‪ ,‬فرجع ابن عمر ‪ ,‬فرجعت معه ‪ ,‬فلقيني بعد فقال لي ‪ :‬لم أرك ؟‬
‫قلت ‪ :‬يا أمير المؤمنين إني جئت وأنت خال بمعاوية ‪ ,‬فرجعت مع ابن عمر فقال ‪:‬‬
‫أنت أحق من ابن عمر ‪ ,‬فإنما أنبت ما ترى في رؤوسنا ال ثم أنتم ‪ .‬سنده صحيح ‪.‬‬

‫وروى أبو الفرج الصفهاني من طريق عبيد ال بن عمر القواريري قال ‪:‬‬
‫حدثنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن أبان القرشي ‪ ,‬قال ‪ :‬دخل عبد ال بن حسن بن‬
‫حسن على عمر بن عبد العزيز وهو حديث السن له وفرة فرفع مجلسه وأقبل عليه‬
‫وقضى حوائجه ‪ ,‬ثم أخذ عكنة من عكنه فغمزها ‪ ,‬حتى أوجعه وقال ‪ :‬أذكرها‬
‫عندك للشفاعة ‪ ,‬فلما خرج لمه قومه وقالوا ‪ :‬فعلت هذا بغلم حدث فقال ‪ :‬إن الثقة‬

‫‪107‬‬
‫حدثني حتى كأني أسمعه من في رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬إنما‬
‫فاطمة بضعة مني ‪ ,‬يسرني ما يسرها "‪ .‬وأنا أعلم أن فاطمة لو كانت حية لسرها‬
‫ما فعلت بابنها ‪ ,‬قالوا فما معنى غمزك بطنه ‪ ,‬وقولك ما قلت ؟ قال ‪ :‬أنه ليس أحد‬
‫من بني هاشم إل وله شفاعة فرجوت أن أكون في شفاعة هذا ‪.‬‬

‫وروي عن عبد ال هذا قال ‪ :‬أتيت باب عمر بن عبد العزيز في حاجة فقال لي‪:‬‬
‫إذا كانت لك حاجة فأرسل إلي أو اكتب فإني أستحيي من ال أن أراك علي بابي ‪.‬‬

‫وروي أن المام مالكا لما ضربه جعفر بن سليمان ونال منه ما نال وحمل‬
‫مغشيا عليه ودخل عليه الناس فأفاق فقال‪ :‬أشهدكم أني جعلت ضاربي في حل ‪.‬‬
‫فسئل بعد ذلك فقال ‪ :‬خفت أن أموت فألقى النبي صلى ال عليه وآله وسلم فأستحي‬
‫منه أن يدخل بعض آله النار بسببي ‪.‬‬

‫وقيل ‪ :‬إن المنصور أقاده من جعفر فقال له ‪ :‬أعوذ بال ‪ ,‬وال ما ارتفع منها‬
‫سوط عن جسمي إل وقد جعلته في حل لقرابته من رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم ‪.‬‬

‫وحدث الشيخ الكبر محي الدين بن العربي رضي ال تعالى عنه في كتابه‬
‫مسامرات الخيار بسنده المتصل إلى عبد ال بن المبارك ‪ ,‬قال ‪ ":‬كان بعض‬
‫المتقدمين قد حبب إليه الحج قال ‪ :‬فحدثت أنه ورد الحاج في بعض السنين إلى‬
‫بغداد فعزمت على الخروج معهم إلى الحج ‪ ,‬فأخذت في كمي خمسمائة دينار‪,‬‬
‫وخرجت إلى السوق لشتري آلة الحج ‪ ,‬فبينما أنا في بعض الطريق عارضتني‬
‫امرأة فقالت ‪ ,‬يرحمك ال إني امرأة شريفة ‪ ,‬ولي بنات عراة واليوم الرابع ما أكلنا‬
‫شيئا ‪ ,‬قال فوقع كلمها في قلبي فطرحت الخمسمائة دينار في طرف إزارها وقلت‬
‫عودي إلى بيتك فاستعيني بهذه الدنانير على وقتك ‪ ,‬فحمدت ال تعالى وانصرفت‬
‫ونزع ال عز وجل من قلبي حلة الخروج في تلك السنة ‪ ,‬فخرج الناس وحجوا‬

‫‪108‬‬
‫وعادوا فقلت ‪ :‬أخرج للقاء الصدقاء والسلم عليهم ‪ ,‬فخرجت فجعلت كلما لقيت‬
‫صديقا وسلمت عليه ‪ ,‬وقلت له ‪ :‬قبل ال حجك وشكر سعيك يقول لي ‪ :‬وأنت قبل‬
‫ال حجك ‪ ,‬فطال علي ذلك ‪ ,‬فلما كان الليل نمت فرأيت النبي صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم في المنام يقول لي‪ :‬ل تعجب من تهنئة الناس لك بالحج أغثت ملهوفا وأغنيت‬
‫ضعيفا ‪ ,‬فسألت ال تعالى فخلق في صورتك ملكا فهو يحج عنك في كل عام فإن‬
‫شئت فحج وإن شئت ل تحج "‪.‬‬

‫وعن الشيخ زين الدين عبد الرحمن الخلل البغدادي أن بعض أمراء تيمورلنك‬
‫أخبره أنه لما مرض مرض الموت اضطرب ذات يوم اضطرابا شديدا واسود‬
‫وجهه وتغير لونه ثم أفاق فذكروا له ذلك فقال‪ :‬إن ملئكة العذاب أتوه فجاء رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله وسلم فقال لهم‪ :‬اذهبوا عنه فإنه كان يحب ذريتي ويحسن‬
‫إليهم ‪ ,‬فذهبوا ‪.‬‬

‫وعن شمس الدين محمد بن حسن الخالدي قال ‪ ":‬رأى بعض أصحابنا النبي‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم في المنام ورأى عنده تيمورلنك فقال له وصلت إلى هنا‬
‫ياعدو ال فقال له النبي صلى ال عليه وآله وسلم‪ :‬إليك يا محمد فإنه كان يحب‬
‫ذريتي "‪.‬‬

‫وحكى العلمة ابن حجر الهيتمي عن التقي الفارسي عن بعض الئمة أنه كان‬
‫يبالغ في تعظيم الشراف ‪ ,‬فسئل عن سبب تلك المبالغة فقال‪ :‬إن شخصا من‬
‫الشراف يقال له مطير قد مات وكان كثير اللعب واللهو فتوقف الستاذ عن‬
‫الصلة عليه فرأى النبي صلى ال عليه وآله وسلم في المنام ومعه فاطمة الزهراء‬
‫فأعرضت عنه فاستعطفها حتى أقبلت عليه وعاتبته وقالت له ‪ :‬أما يسع جاهنا‬
‫مطيرا ‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫وقال المقريزي ‪ ":‬حدثني قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن عبد العزيز‬
‫البكري البغدادي الحنبلي قال‪ :‬رأيت في المنام كأني في مسجد رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم وقد انفتح القبر المقدس ‪ ,‬وخرج منه رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم وجلس وعليه أكفانه وأشار بيده المقدسة أن تعالى ‪ ,‬فقمت وجئت حتى دنوت‬
‫منه فقال لي‪ :‬قل للمؤيد يفرج عن عجلن فانتبهت وصعدت على عادتي إلى‬
‫مجلس السلطان الملك المؤيد وأخذت أحلف له أيمانا حرجة أني ما رأيت عجلن‬
‫قط ول بيني وبينه معرفة ‪ ,‬ثم قصصت عليه رؤياي فسكت وأقمنا حتى انفض‬
‫المجلس ‪ ,‬فقام وخرج من مجلسه إلى دركاة القلعة ووقف عند مرماة نشاب‬
‫استجدها ثم استدعى بالشريف عجلن الحسيني أمير المدينة سجنه وأفرج عنه ‪.‬‬

‫قال ‪ :‬واتفق أن الشريف سرداح بن مقبل الحسني قبض على أبيه مقبل أمير‬
‫ينبع في سنة خمس وعشرين وثمانمائة ‪ ,‬وأقيم عوضه في إمرة ينبع ابن أخيه عقيل‬
‫وحمل حتى سجن بالسكندرية ومات في سجنه ‪ ,‬وكحل ابنه سرداح هذا حتى‬
‫سالت حدقته وورم دماغه ونتن ‪ ,‬وأقام خارج القاهرة مدة وهو أعمي ‪ ,‬ثم مضى‬
‫إلي المدينة النبوية ‪ ,‬ووقف تجاه قبر جده المصطفى صلى ال عليه وآله وسلم ‪,‬‬
‫وشكا ما به وبكى ودعا ال تعالى ثم انصرف وبات تلك الليلة فرأى في منامه‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬وقد مسح بيده المقدسة على عينيه ‪ ,‬فأنتبه‬
‫وقد رد ال عليه بصره ‪ ,‬فاشتهر خبره عند أهل المدينة وأقام عندهم مدة ثم عاد إلى‬
‫القاهرة ‪ ,‬فبلغ السلطان الملك الشرف برسباي قدومه وأنه يبصر فقبض عليه ‪,‬‬
‫وطلب المزينين اللذين كحله وضربهما ضربا مبرحا فأقاما عنده بينة يرتضيها‬
‫من أتباعه بأنهم شاهدوا الميل ‪ ,‬وقد أحمي بالنار ثم كحل به سرداح فسالت حدقتاه‬
‫بحضورهم فكف عنهما ‪ ,‬وكذلك أخبر أهل المدينة أنهم شاهدوا سرداحا وهو ذاهب‬

‫‪110‬‬
‫الحدقتين ثم إنه أصبح عندهم وقد أبصر بعد عماه وقص عليهم رؤياه ‪ ,‬فأفرج عنه‬
‫حتى مات بالطاعون سنة ثلث وثلثين وثمانمائة ‪.‬‬

‫ونقل الشيخ العدوي في مشارق أنواره عن ابن الجوزي في كتابه الملتقط ‪ :‬أنه‬
‫كان رجل ببلخ من العلويين نازل بها وكان له زوجة وبنات فتوفي الرجل قالت‬
‫المرأة ‪ :‬فخرجت بالبنات إلى سمرقند خوفا من شماتة العداء ‪ ,‬فوصلت في شدة‬
‫البرد فأدخلت البنات مسجدا ‪ ,‬ومضيت لحتال لهن في القوت ‪ ,‬فرأيت الناس‬
‫مجتمعين على شيخ ‪ ,‬فسألت عنه ‪ :‬فقالوا هذا شيخ البلد ‪ ,‬فتقدمت إليه ‪ ,‬وشرحت‬
‫ي ‪ ,‬فعدت إلى المسجد ‪,‬‬
‫حالي له فقال ‪ :‬أقيمي عندي البينة أنك علوية ولم يلتفت إل ّ‬
‫فرأيت في طريقي شيخا جالسا على دكة وحوله جماعة فقلت من هذا ‪ :‬فقالوا ‪:‬‬
‫ضامن البلد وهو مجوسي فقلت عسى أن يكون عنده فرج ‪ ,‬فتقدمت إليه وحدثته‬
‫حديثي وما جرى لي مع شيخ البلد وأن بناتي في المسجد مالهن شيء يقتتن به‬
‫فصاح بخادم له فخرج فقال ‪ :‬قل لسيدتك تلبس ثيابها فدخل وخرجت ومعها جوار‬
‫فقال لها اذهبي مع هذه إلى المسجد الفلني واحملي بناتها إلى الدار ‪ ,‬فجاءت معي‬
‫وحملت بناتي إلى الدار ‪ ,‬وقد أفرد لنا دارا في بيته ‪ ,‬وأدخلنا الحمام ‪ ,‬وكسانا ثيابا‬
‫فاخرة ‪ ,‬وأرغد علينا بألوان الطعمة ‪ ,‬فلما كان نصف الليل رأى شيخ البلد كأن‬
‫القيامة قد قامت وأن اللواء على رأس محمد صلى ال عليه وآله وسلم فأعرض‬
‫عنه ‪ ,‬فقال ‪ :‬يا رسول ال تعرض عني وأنا رجل مسلم ؟ فقال له أقم البينة عندي‬
‫أنك مسلم ‪ ,‬فتحير الرجل ‪ ,‬فقال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ :‬نسيت ما‬
‫قلت للعلوية ‪ ,‬وهذا قصر للشيخ الذي هي في داره الن ‪ ,‬فانتبه الرجل وهو يبكي ‪,‬‬
‫ويلطم وبعث غلمانه في البلد ‪ ,‬وخرج هو بنفسه يدور على العلوية فأخبر أنها في‬
‫دار المجوسي فجاء إليه فقال ‪:‬أين العلوية ؟ فقال عندي فقال ‪ :‬إني أريدها ‪ ,‬قال ‪:‬‬
‫ما إلى هذا سبيل قال ‪ :‬هذه ألف دينار وتسلمها إلي فقال ‪ :‬ل وال ول بمائة ألف‬

‫‪111‬‬
‫دينار ‪ ,‬فلما ألح عليه قال له ‪ :‬المنام الذي أنت رأيته أنا أيضا رأيته والقصر الذي‬
‫رأيته لي حق وأنت تتعزز علي بإسلمك ‪ ,‬وال ما دخلت بيتنا إل وقد أسلمنا كلنا‬
‫على يديها وعادت بركاتها علينا ‪ ,‬ورأيت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم فقال‬
‫لي ‪ :‬هذا القصر لك ولهلك بما فعلت مع العلوية وأنتم من أهل الجنة "‪.‬‬

‫وحدث سيدي عبد الوهاب الشعراني قال ‪ ":‬أخبر السيد الشريف بزاوية‬
‫الحطاب رحمه ال تعالى قال ‪ :‬ضرب كاشف البحيرة شريفا فرأى رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم تلك الليلة في منامه ‪ ,‬وهو يعرض عنه فقال ‪ :‬يا رسول‬
‫ال ما ذنبي ؟ قال ‪ :‬تضربني وأنا شفيعك يوم القيامة ؟ فقال يا رسول ال ما أتذكر‬
‫أني ضربتك ‪ ,‬فقال ‪ :‬أما ضربت ولدي ؟ فقال ‪ :‬نعم ‪ .‬فقال ‪ :‬ما وقعت ضربتك إل‬
‫علي ذراعي هذا ثم أخرج صلى ال عليه وآله وسلم ذراعه متورما كخليا النحل‬
‫نسأل ال العافية "‪.‬‬

‫وقال المقريزي ‪ :‬حدثني الرئيس شمس الدين محمد بن عبد ال العمري قال ‪":‬‬
‫سرت يوما في خدمة القاضي جمال الدين محمود العجمي محتسب القاهرة من‬
‫منزله حتى جاء إلى بيت الشريف عبد الرحمن الطباطبي المؤذن ومعه نوابه‬
‫وأتباعه ‪ ,‬فاستأذن عليه ‪ ,‬فخرج من منزله ‪ ,‬وعظم عليه مجيء المحتسب إليه ‪,‬‬
‫وأدخله منزله فدخلنا معه وجلسنا بين يديه على مراتبنا ‪ ,‬فلما اطمأن به الجلوس‬
‫قال للشريف ‪ :‬يا سيد حاللني قال ‪ :‬لم أحاللك يا مولنا ؟ قال ‪ :‬لما صعدت البارحة‬
‫إلى القلعة ‪ ,‬وجلست بين يدي مولنا السلطان يعني الملك الظاهر برقوق ‪ ,‬فجئت‬
‫أنت فجلست فوقي في المجلس قلت في نفسي كيف يجلس هذا فوقي بحضرة‬
‫السلطان ‪ ,‬ثم لما قمنا وكان الليل ‪ ,‬ونمت رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فقال لي ‪ :‬يا محمود تأنف أن تجلس تحت ولدي ‪ ,‬فبكى عند ذلك الشريف عبد‬

‫‪112‬‬
‫الرحمن وقال‪ :‬يا مولنا ومن أنا حتى يذكرني رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟‬
‫فبكى الجماعة وسألوه الدعاء وانصرفنا ‪.‬‬

‫وعن سيدي محمد الفاسي قال ‪ ":‬كنت أبغض أشراف المدينة بني حسين لنه‬
‫كان يرى منهم ما يخالف ظاهره السنة ‪ ,‬فرأيت فقال لي النبي مناما ‪ :‬يافلن ‪,‬‬
‫باسمي ‪ ,‬مالي أراك تبغض أولدي فقلت ‪ :‬حاشا ل ما أكرههم يا رسول ال ‪ ,‬وإنما‬
‫كرهت ما رأيت من فعلهم ‪ ,‬فقال لي مسألة فقهية ‪ ,‬أليس الولد العاق يلحق‬
‫بالنسب ؟ قلت بلى يا رسول ال ‪ ,‬قال ‪ :‬هذا ولد عاق ‪ ,‬فلما انتبهت صرت ل ألقى‬
‫منهم أحدا إل بالغت في إكرامه "‪.‬‬

‫وقد تقدمت هذه القصة في خصائصهم ‪.‬‬

‫ك َفُقْل ِإّني‬
‫صْو َ‬
‫ع َ‬
‫ن َ‬
‫قال ابن حجر الهيثمي ‪ :‬قال تعالى لنبيه في عشيرته ‪َ }:‬فِإ ْ‬
‫ن {‪ ,‬ولم يقل‪ :‬إني بريء منكم ‪ ,‬مراعاة لحق القرابة ‪ ,‬ولحمة‬
‫َبِريٌء ِمّما َتْعَمُلو َ‬
‫النسب ‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وحدثني أحد الجلء قال‪ :‬كان أمير من أمراء العراق شديد المحبة‬
‫للشراف كثير التعظيم والجلل لهم ‪ ,‬فكان إذا حضر أحدهم في مجلسه ل يجلسه‬
‫إل في الصدر وإن كان هناك من هو أكثر منه مال وأعظم جاها من أبناء الدنيا ‪,‬‬
‫فدخل عليه مرة شريف وفي المجلس عالم ذو منزلة ‪ ,‬فلم يسع الشريف إل الجلوس‬
‫فوقه لستحقاقه وعلمه بأن ذلك يرضي المير ‪ ,‬فظهرت الكراهية في وجه العالم‬
‫وتكلم بما ل ينبغي ‪ ,‬فأعرض المير عن حديثه ‪ ,‬وانتقل إلى حديث آخر‪ ,‬ثم بعد أن‬
‫تنوسي هذا المر ‪ ,‬سأله عن ولد له يطلب العلم ‪ ,‬فأجابه بأنه ما زال يحفظ المتون‬
‫ويقرأ الدروس وأنه علمه كذا وقرأ له كذا ‪ ,‬ورتب له درسا في الصباح ‪ ,‬وآخر في‬
‫وقت آخر ‪ ,‬وأخذ يخبره بأحواله ‪ ,‬فقال له ‪ :‬هل رتبت له نسبا ‪ ,‬وعلمته شرفا ‪,‬‬
‫حتى يكون من أولد النبي صلى ال عليه وآله وسلم ؟ فقال ‪ :‬وقد غفل عما‬

‫‪113‬‬
‫اقترفه ‪ :‬هذا ل يكون بالترتيب والتعليم ‪ ,‬وإنما هو بسابق عناية ل مدخل للكسب‬
‫فيها ‪ ,‬فصاح به المير‪ :‬إذا كنت تعلم هذا يا خبيث ‪ ,‬فلماذا أنفت من جلوس‬
‫الشريف فوقك ؟ وال ل تطأ مجلسي أبدا ثم أمر بطرده فطرد ‪.‬‬

‫* * * *‬

‫بيان فضل الصحابة ‪:‬‬


‫محبة آل البيت ل تجدي نفعا إذا خالطها بغض أصحاب رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم ‪.‬‬

‫إن أصحابه صلى ال عليه وآله وسلم قد صحبوه في السراء والضراء ‪,‬‬
‫ولزموه في الشدة والرخاء ‪ ,‬وفدوه بالموال والرواح ‪ ,‬وجالدوا أمامه بالسيوف‬
‫والرماح ‪ ,‬ووالوا من وله ‪ ,‬وعادوا من عاداه ‪ ,‬ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو‬
‫إخوانهم أو عشيرتهم ‪ ,‬وكانوا يحبون الخير لقارب رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم أكثر من أقارب أنفسهم ‪ ,‬هذا سيدهم أبو بكر الصديق رضي ال تعالى عنه‬
‫لما أسلم أبوه يوم الفتح ‪ ,‬وهنأه رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم بذلك قال ‪ :‬وال‬
‫لسلم أبي طالب كان أحب إلي من إسلمه ‪ ,‬وما ذاك إل لني أعلم أنه أحب إليك‬
‫يا رسول ال ‪.‬‬

‫وهذا عمر بن الخطاب رضي ال تعالى عنه لما أسلم العباس عم النبي صلى‬
‫ال عليه وآله وسلم قال‪ :‬وال لسلمه أحب إلي من إسلم الخطاب لنه أحب إلى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫وقد نال المهاجرين منهم في ابتداء السلم من معاداة قريش وأذاهم لهم‬
‫وتعذيبهم إياهم بأنواع العذاب ما ل تثبت له الجبال الرواسخ ‪ ,‬وهم مع ذلك ل‬
‫يبغون بدين ال بدل ‪ ,‬ول يصدهم عن محبة رسول ال صاد ‪.‬‬

‫ول تنس النصار وأبناء النصار وأبناء أبناء النصار ‪ ,‬فقد واسوه صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم والمهاجرين من أصحابه بأموالهم وفدوه بنفوسهم ‪ ,‬حتى ظهر أمر‬
‫ال تعالى ‪ ,‬وانظر رحمك ال تعالى إلى جواب سيدهم سعد بن معاذ حين قال صلى‬
‫ال عليه وآله وسلم قبيل وقعة بدر ‪ ":‬أشيروا علي "‪ .‬فأجابه من المهاجرين أبو‬
‫بكر وعمر والمقداد رضي ال تعالى عنهم فأحسنوا ‪ ,‬فلم يقنع صلى ال عليه وآله‬
‫ي " ثلث مرات ‪ .‬فقال سعد رضي ال‬
‫عَل ّ‬
‫شيُروا َ‬
‫وسلم بأجوبتهم وكرر قوله ‪َ ":‬أ ِ‬
‫ل ‪ََ:‬قْد آَمّنا ِبك‬
‫ل " َقا َ‬
‫جْ‬‫ل ؟ َقالَ " َأ َ‬
‫لا ّ‬
‫سو َ‬
‫ل َلَكَأّنك ُتِريُدَنا َيا َر ُ‬
‫تعالى عنه ‪َ :‬وَا ّ‬
‫عُهوَدا َوَمَواِثي َ‬
‫ق‬ ‫ك ُ‬
‫عَلى َذِل َ‬
‫طْيَناك َ‬
‫عَ‬‫ق ‪َ ،‬وَأ ْ‬
‫حّ‬‫ت ِبِه ُهَو اْل َ‬
‫جْئ َ‬
‫ن َما ِ‬
‫شِهْدَنا َأ ّ‬
‫َوصَّدْقَناك ‪َ ،‬و َ‬
‫ل ِلَما شئت ‪ ,‬فصل حبال من شئت ‪،‬‬
‫لا ّ‬
‫سو َ‬
‫ض ‪َ ,‬يا َر ُ‬
‫طاعِة َفاْم ِ‬
‫سْمِع َوال ّ‬
‫عَلى ال ّ‬
‫َ‬
‫واقطع حبال من شئت ‪ ،‬وعاد من شئت ‪ ،‬وسالم من شئت ‪ ،‬وخذ من أموالنا ما‬
‫شئت ‪ ,‬وأعطنا ما شئت ‪ ،‬وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت ‪ ،‬وما أمرت به‬
‫حَر‬
‫ت ِبَنا َهَذا اْلَب ْ‬
‫ض َ‬
‫سَتْعَر ْ‬
‫ق َلْو ا ْ‬
‫حّ‬‫من أمر فأمرنا نتبع أمرك ‪َ ،‬فَوَاّلذي َبَعَثك ِباْل َ‬
‫عُدّونا ‪ ،‬إّنا‬
‫ن نْلَقى َ‬
‫حٌد ‪َ ,‬وَما َنْكَرُه َأ ْ‬
‫ل َوا ِ‬
‫جٌ‬‫خّلف ِمّنا َر ُ‬
‫ضَناُه َمَعك ‪َ ،‬ما َت َ‬
‫خ ْ‬
‫ضَتُه َل ُ‬
‫خ ْ‬
‫َف ُ‬
‫سْر‬
‫عْيُنك ‪َ ،‬ف ِ‬
‫ل ُيِريك ِمّنا َما َتَقّر ِبِه َ‬
‫لا ّ‬
‫ق عند الّلقاِء ‪ ,‬وَلَع ّ‬
‫صُد ٌ‬
‫ب‪ُ ,‬‬
‫حْر ِ‬
‫صُبٌر عند اْل َ‬
‫َل ُ‬
‫ل ‪ ,‬فنحن عن يمينك وشمالك ‪ ،‬وبين يديك وخلفك ‪ ،‬ول نكونن كالذين‬
‫عَلى َبَرَكِة ا ّ‬
‫َ‬
‫ن { ولكن اذهب أنت‬
‫عُدو َ‬
‫ك َفَقاِتل ِإّنا َهاُهَنا َقا ِ‬
‫ت َوَرّب َ‬
‫ب َأْن َ‬
‫قالوا لموسى ‪َ }:‬فاْذَه ْ‬
‫وربك فقاتل إنا معكما متبعون ‪.‬‬

‫وهذه في الحقيقة صفات الصحابة عموما المهاجرين والنصار رضي ال‬


‫تعالى عنهم أجمعين ‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫) تنبيه ( ‪ :‬قال الفخر الرازي ‪ :‬قوله تعالي ‪ِ }:‬إّل المودة ِفى القربى { ‪ .‬فيه‬
‫ساِبُقو َ‬
‫ن‬ ‫منصب عظيم للصحابة رضوان ال تعالى عليهم ‪ ,‬لنه تعالى قال ‪َ }:‬وال ّ‬
‫ن { ‪ .‬فكل من أطاع ال كان مقرباً عند ال تعالى ‪ ,‬فدخل‬
‫ك اْلُمَقّرُبو َ‬
‫ن ‪ُ .‬أوَلِئ َ‬
‫ساِبُقو َ‬
‫ال ّ‬
‫تحت قوله } ِإّل المودة ِفى القربى { ‪.‬‬

‫والحاصل أن هذه الية ‪ :‬تدل على وجوب حب آل رسول ال صلى ال عليه‬


‫وآله وسلم وحب أصحابه ‪ ،‬وهذا المنصب ل يسلم إل على قول أصحابنا أهل السّنة‬
‫والجماعة الذين جمعوا بين حب العترة والصحابة ‪ ،‬قال صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫قال ‪ ":‬مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركب فيها نجا "‪.‬‬

‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم "‪.‬‬
‫ونحن الن في بحر التكليف ‪ ,‬وتضربنا أمواج الشبهات والشهوات ‪ .‬وراكب البحر‬
‫يحتاج إلى أمرين ‪ :‬أحدهما السفينة الخالية من العيوب والثقب ‪ .‬والثاني ‪ :‬الكواكب‬
‫الظاهرة الطالعة النيرة ‪ ،‬فإذا ركب تلك السفينة ووقع نظره على تلك الكواكب ‪,‬‬
‫كان رجاء السلمة غالبًا ‪ ،‬فلذلك ركب أصحابنا أهل السنة سفينة حب آل محمد‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬ووضعوا أبصارهم على نجوم الصحابة ‪ ,‬فرجوا من‬
‫ال تعالى أن يفوزوا بالسلمة والسعادة في الدينا والخرة ا هـ ‪.‬‬

‫فمن فضائلهم رضوان ال تعالى عليهم بوجه العموم ‪ ,‬قوله صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ ":‬احفظوني في أصحابي وأصهاري ‪ ,‬فمن حفظني فيهم حفظه ال في الدنيا‬
‫والخرة ‪ ,‬ومن لم يحفظني فيهم تخلى ال عنه ‪ ,‬ومن تخلى ال عنه أوشك أن‬
‫يأخذه "‪.‬‬

‫وقال صلي ال عليه وآله وسلم ‪ " :‬أكرموا أصحابي فإنهم خياركم "‪.‬‬

‫وروى مسلم قوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬ل تسبوا أحدا من أصحابي ‪,‬‬

‫‪116‬‬
‫فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ‪ ,‬ما بلغ مد أحدهم ول نصيفه‬
‫"‪.‬‬

‫) فائدة نفيسة ( ‪ :‬نقل الحافظ السيوطي عن المام السبكي رحمهما ال تعالى أن‬
‫الخطاب في الحديث لمن أسلم بعد الفتح وقوله " أصحابي" المراد بهم ‪ :‬من أسلم‬
‫قبل الفتح قال ‪ :‬ويرشد إليه قوله " لو أن أحدكم أنفق " الخ مع قوله تعالى ‪ }:‬ل‬
‫ن َأْنَفُقوا‬
‫ن اّلِذي َ‬
‫جًة ِم َ‬
‫ظُم َدَر َ‬
‫عَ‬
‫ك َأ ْ‬
‫ح َوَقاَتَل ُأوَلِئ َ‬
‫ن َقْبِل اْلَفْت ِ‬
‫ق ِم ْ‬
‫ن َأْنَف َ‬
‫َيسَْتِوي ِمْنُكْم َم ْ‬
‫ن َبْعُد َوَقاَتُلوا { ‪.‬‬
‫ِم ْ‬

‫الذي قال ‪ ,‬ول بد لنا من تأويله بهذا أو بغيره ليكون المخاطبون غير الصحاب‬
‫الموصى بهم قال‪ :‬وسمعت شيخنا الشيخ تاج الدين بن عطاء ال يذكر في مجلس‬
‫وعظه تأويل آخر يقول لن النبي صلى ال عليه وسلم له تجليات يرى فيها من‬
‫بعده فيكون الكلم منه صلى ال عليه وسلم في تلك الجليات خطابا لمن بعده في‬
‫حق الصحابة الذين قبل الفتح وبعده ‪ .‬ا هـ ‪.‬‬

‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ ":‬إن ال اختارني واختار لي أصحابي ‪ ,‬وجعل لي‬
‫منهم وزراء وأنصارا وأصهارا ‪ ,‬فمن سبهم فعليهم لعنة ال والملئكة والناس‬
‫أجمعين ‪ ,‬ل يقبل ال منه صرفا ول عدل "‪ .‬رواه الطبراني ‪.‬‬

‫وقوله ‪ :‬صرفا ول عدل ‪ :‬أي ‪ :‬فرضا ول نفل ‪.‬‬

‫وعن بن عمر قال ‪:‬ل تسبوا أصحاب محمد ‪ ,‬فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل‬
‫أحدكم عمره ‪.‬‬

‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ " :‬ال ال في أصحابي ‪ ,‬ل تتخذوهم غرضا‬
‫بعدي ‪ ,‬فمن أحبهم فبحبي أحبهم ‪ ,‬ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ‪ ,‬ومن آذاهم‬
‫فقد آذاني ‪ ,‬ومن آذاني فقد آذى ال ‪ ,‬ومن آذى ال يوشك أن يأخذه " ‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫وعن جابر سمعت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم يقول ‪ ":‬إن الناس‬
‫يكثرون وأصحابي يقلون ‪ ,‬فل تسبوهم لعن ال من سبهم "‪.‬‬

‫وعن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬إن أشد‬
‫الناس عذابا يوم القيامة من شتم النبياء ثم أصحابي ثم المسلمين "‪.‬‬

‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬إذا أراد ال برجل من أمتي خيرا ألقى حب‬
‫أصحابي في قلبه "‪.‬‬

‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ ":‬إذا رأيتم الذين يسبون أصحابي فقولوا لعنة ال‬
‫على سّركم "‪.‬‬

‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ ":‬إن شرار أمتي أجرؤهم على صحابتي "‪.‬‬

‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬سألت ربي فيما يختلف فيه أصحابي من‬
‫بعدي ‪ ,‬فأوحى إلي ‪ :‬يا محمد إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء ‪,‬‬
‫بعضها أضوأ من بعض ‪ ,‬فمن أخذ بشيء مما هم عليه فهو عندي على هدى "‪.‬‬

‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬شفاعتي مباحة إل لمن سب أصحابي "‪.‬‬

‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬ما من أحد من أصحابي يموت بأرض إل‬
‫بعث قائدا ونورا لهم يوم القيامة "‪.‬‬

‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬إذا ذكر أصحابي فأمسكوا "‪.‬‬

‫قال العلقمي ‪ :‬هذا علم من أعلم النبوة علم به عليه الصلة والسلم ‪ ,‬وأمرنا أن‬
‫نمسك عما شجر بين الصحابة ‪ ,‬أي وجوبا ‪ ,‬وما وقع بينهم من الحروب‬
‫والمنازعات التي قتل بسببها كثير منهم ‪ ,‬فتلك دماء طهر ال منها أيدينا ‪ ,‬فل نلوث‬
‫بها ألسنتنا ‪ ,‬ونرى الكل مأجورين في ذلك ‪ ,‬لنه صدر منهم باجتهاد والمجتهد في‬
‫مسألة ظنية مأجور ولو أخطأ ‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫وقال المناوي في شرح قوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬ال ال في أصحابي‬
‫ل تتخذوهم غرضا بعدي " الخ ‪ :‬وخص الوعيد بالبعدية لما اطلع عليه مما سيكون‬
‫بعده من ظهور البدع ‪ ,‬وإيذاء بعضهم زعما منهم الحب لبعض آخر ‪ ,‬وهذا من‬
‫باهر معجزاته ‪ ,‬وقد كان في حياته حريصا على حفظهم والشفقة عليهم ‪.‬‬

‫أخرج البيهقي عن ابن مسعود قال‪ :‬خرج علينا رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم فقال ‪ ":‬أل ل يبلغني أحد منكم على أحد من أصحابي شيئا ‪ ,‬فإني أحب أن‬
‫أخرج إليهم وأنا سليم الصدر "‪.‬‬

‫قال ‪ :‬وإن ملحد تعرض إليهم وكفر نعمة قد أنعم ال تعالى بها عليهم فجهل منه‬
‫وحرمان وسوء فهم ‪ ,‬وقلة إيمان ‪ ,‬إذ لو لحقهم نقص لم يبق في الدين ساق قائمة ‪,‬‬
‫لنهم النقلة إلينا ‪ ,‬فإذا جرح النقلة دخل الطعن في اليات والحاديث ‪ ,‬وبذلك ذهاب‬
‫النام وخراب السلم ‪ ,‬إذ ل وحي بعد المصطفى وعدالة المبلغ شرط لصحة‬
‫التبليغ ا هـ ‪.‬‬

‫وقال العلمة ابن حجر الهيثمي في كتابه " أسني المطالب في صلة القارب "‪:‬‬
‫يلزم المسلم أن يتأدب مع صحابة رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم وأهل بيته‬
‫بالترضي عنهم ‪ ,‬ومعرفة فضلهم وحقهم ‪ ,‬والمساك عما شجر بينهم ‪ ,‬مع نزاهة‬
‫كل منهم عن ارتكابه شيئا يعتقد حرمته ‪ ,‬بل كل منهم مجتهد ‪ ,‬فهم مجتهدون‬
‫مثابون المحق منهم بعشرة أجور ‪ ,‬والمخطيء بأجر واحد والعقاب واللوم والنقص‬
‫مرفوع عن جميعهم ‪ ,‬فتفطن لذلك وإل زلت قدمك وحق هلكك وندمك ا هـ ‪.‬‬

‫وقال العلمة اللقاني في " شرح جوهرته الكبير " ‪ :‬وسبب تلك الحروب أن‬
‫القضايا كانت مشتبهة فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم ‪ ,‬وصاروا ثلثة أقسام ‪ :‬قسم‬
‫ظهر له بالجتهاد أن الحق في هذا الطرف وأن مخالفه باغ ‪ ,‬فوجب عليهم نصرته‬
‫‪ ,‬وقتال الباغي عليه فيما اعتقدوه ‪ ,‬ففعلوا ذلك ‪ ,‬ولم يكن يحل لمن هذه صفته‬

‫‪119‬‬
‫التأخير عن مساعدة المام العادل في قتال البغاة في اعتقاده ‪ .‬وقسم عكسه سواء‬
‫بسواء ‪ .‬وقسم ثالث اشتبهت عليه القضية وتحيروا فيها ‪ ,‬فلم يظهر لهم ترجيح أحد‬
‫الفريقين فاعتزلوا الفريقين ‪ ,‬وكان هذا العتزال هو الواجب في حقهم ‪ ,‬لنه ل‬
‫يحل القدام على قتال مسلم حتى يظهر استحقاقه لذلك ‪.‬‬

‫وبالجملة ‪ :‬فكلهم معذورون مأجورون ‪ ,‬ولهذا اتفق أهل الحق ومن يعتد به في‬
‫الجماع على قبول شهادتهم وروايتهم وتحقيق عدالتهم ‪ .‬ا هـ ‪.‬‬

‫وقال العلمة السعد ‪ :‬والذي اتفق عليه أهل الحق أن المصيب في جميع ذلك‬
‫ي رضي ال تعالى عنه ‪ .‬والتحقيق أنهم كلهم عدول متأولين في تلك الحروب‬
‫عل ّ‬
‫وغيرهما من المخاصمات والمنازعات لم يخرج شيء منها أحدا منهم عن عدالته‬
‫إذ هم مجتهدون ا هـ ‪.‬‬

‫) تنبيه ( ‪ :‬اطلعت للحافظ السيوطي على رسالة سماها " إلقام الحجر لمن زكى‬
‫ساب أبي بكر وعمر " ‪ .‬نقل فيها التفاق على فسق ساب مطلق الصحابة إذا لم‬
‫يستحل ذلك ‪ ,‬وإذا استحله فهو كافر ‪ ,‬لن أدنى مراتبه أنه محرم وفسق واستحلل‬
‫الحرام كفر إذا كان تحريمه معلوما من الدين بالضرورة ‪ ,‬وتحريم سب الصحابة‬
‫كذلك ‪.‬‬

‫قال ‪ :‬وهو من الكبائر لن الكبيرة على ما صححه المتأخرون كل جريمة تؤذن‬


‫بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة ‪ ,‬وممن صحح ذلك ابن السبكي في جمع‬
‫الجوامع ‪ ,‬وسبهم كذلك وما أجرأ فاعله على ال تعالى ورسوله صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم وأقل اكتراثه بالدين ‪ .‬أظن الخبيث ‪ ,‬لعنه ال ‪ ,‬أن مثل هؤلء يستحق السب‬
‫وهو مبرأ تقي نقي مستأهل للمدح والثناء ‪ ,‬كل وال ‪ ,‬بفيه الحجر ‪ ,‬بل إذا ظن أنهم‬
‫يستحقون السب اعتقدنا أنه يستحق الحرق ‪ ,‬وزيادة ‪ .‬ا هـ ‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫وقال المناوي في شرح قوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬من سب أصحابي‬
‫فعليه لعنة ال والملئكة والناس أجمعين "‪.‬‬

‫هذا شامل لمن لبس القتل ‪ ,‬لنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون ‪ ,‬فسبهم‬
‫كبيرة ‪ ,‬ونسبتهم إلى الضلل أو الكفر كفر ‪ .‬ا هـ ‪.‬‬

‫وقال القاضي عياض في الشفاء ‪ :‬سب الصحابة وتنقيصهم حرام ملعون‬


‫فاعله ‪ .‬قال ‪ :‬وقال مالك ‪ :‬من قال أن أحدا منهم على ضلل قتل ‪ ,‬ومن شتمهم‬
‫بغير هذا نكل نكال شديدا ‪.‬ا هـ ‪.‬‬

‫هذا في مطلق الصحابة ‪.‬‬

‫ي ‪ ,‬فيعلم‬
‫وأما سب أحد الشيخين أبي بكر وعمر ‪ ,‬أو أحد الختنين ‪ ,‬عثمان وعل ّ‬
‫حكمه مما نقله السيوطي في رسالته المذكورة عن المام السبكي ‪ ,‬حيث قال ‪:‬‬
‫ورأيت الشيخ تقي الدين السبكي صنف كتابا سماه " خيرة اليمان الجلي لبي بكر‬
‫ي "‪ .‬بسبب رافضي وقف في المل وسب الشيخين وعثمان‬
‫وعمر وعثمان وعل ّ‬
‫وجماعة من الصحابة ‪ ,‬فاستتيب فلم يتب ‪ ,‬فحكم المالكي بقتله ‪ ,‬وصوبه السبكي‬
‫فيما فعل ‪ ,‬وألف في تصويبه الكتاب المذكور ‪ ,‬وذكر فيه عن القاضي حسين من‬
‫أصحابنا وجهين فيمن سب أحد الشيخين أو الختنين ‪ :‬يكفر وإن لم يستحل لن‬
‫المة أجمعت على إمامتهم ‪ .‬والثاني ‪ :‬يفسق ول يكفر ‪ ,‬ثم نقل عن الحنفية نقول‬
‫كثيرة بعضها بالتكفير ‪ ,‬وبعضها بالتضليل ثم مال السبكي إلى تصحيح التكفير‬
‫لمآخذ ذكرها ‪ ,‬ثم نقل عن المالكية والحنابلة نقول كذلك ‪ .‬ا هـ ‪.‬‬

‫ولنكتف بهذا هنا ‪.‬‬

‫ونذكر شيئا من فضائل الخلفاء الراشدين الربعة رضوان ال تعالى عليهم‬


‫ونرتبهم بحسب الستحقاق ل بحسب التفاق ‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫* * * *‬

‫سيدنا أبو بكر الصديق ‪:‬‬


‫رضي ال تعالى عنه‬

‫ي اْثَنْي ِ‬
‫ن‬ ‫ن َكَفُروا َثاِن َ‬
‫جُه اّلِذي َ‬
‫خَر َ‬
‫ل ِإذْ َأ ْ‬
‫صَرُه ا ُّ‬
‫صُروُه َفَقْد َن َ‬
‫قال ال تعالي ‪ِ }:‬إل َتْن ُ‬
‫عَلْيِه }‪.‬‬
‫سِكيَنَتُه َ‬
‫ل َ‬
‫ل َمَعَنا َفَأنزَل ا ُّ‬
‫ن ا َّ‬
‫ن ِإ ّ‬
‫حَز ْ‬
‫حِبِه ل َت ْ‬
‫صا ِ‬
‫ِإْذ ُهَما ِفي اْلَغاِر ِإْذ َيُقوُل ِل َ‬

‫قال المفسرون ‪ :‬الصاحب ‪ :‬هو أبو بكر الصديق ‪ ,‬وهو المنزل عليه السكينة ‪,‬‬
‫لن النبي صلى ال عليه وآله وسلم ما زالت عليه السكينة ‪.‬‬

‫قال الحسن البصري رضي ال تعالى عنه ‪ :‬عاتب ال تعالى جميع أهل الرض‬
‫ل } الية ‪.‬‬
‫صَرُه ا ُّ‬
‫صُروُه َفَقْد َن َ‬
‫غير أبي بكر فقال ‪ِ }:‬إل َتْن ُ‬

‫عْنَدُه ِم ْ‬
‫ن‬ ‫حٍد ِ‬
‫جّنُبَها الْتَقى اّلِذي ُيْؤِتي َماَلُه َيَتَزّكى َوَما ل َ‬
‫سُي َ‬
‫وقال تعالى ‪َ }:‬و َ‬
‫ضى { ‪ .‬نزلت في أبي بكر‬
‫ف َيْر َ‬
‫سْو َ‬
‫عَلى َوَل َ‬
‫جِه َرّبِه ال ْ‬
‫جَزى ِإل اْبِتَغاَء َو ْ‬
‫ِنْعمٍَة ُت ْ‬
‫رضي ال تعالى عنه كما في التفاسير ‪.‬‬

‫وعنه رضي ال تعالى عنه قال ‪ :‬قلت للنبي صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬وأنا في‬
‫الغار لو أن أحدهم نظر تحت قدمه لبصرنا قال ‪ ":‬ما ظنك يا أبا بكر باثنين ال‬
‫ثالثهما "‪.‬‬

‫أخرجه البخاري ومسلم ‪.‬‬

‫وأخرجا عن عمرو بن العاص رضي ال تعالى عنه قال ‪ :‬قلت يا رسول ال أي‬
‫الناس أحب إليك ؟ قال ‪ ":‬عائشة فقلت ‪ :‬من الرجال ؟ قال أبوها ‪ ,‬قال‪ :‬قلت ثم‬
‫من ؟ قال عمر بن الخطاب ‪ .‬إن ال تعالى يكره فوق السماء أن يخطأ أبو بكر‬
‫الصديق في الرض "‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫وعن عائشة أم المؤمنين رضي ال تعالى عنها قالت ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم في مرضه ‪ ":‬ادعي لي أباك وأخاك حتي أكتب كتابا ‪ ,‬فإني أخاف‬
‫أن يتمنى متمن ويقول قائل أنا أولى ويأبى ال والمؤمنون إل أبا بكر "‪.‬‬

‫رواه مسلم ‪.‬‬

‫وعن أبي موسى الشعري رضي ال تعالى عنه قال ‪ :‬مرض النبي صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم ‪ ،‬فاشتد مرضه ‪ ،‬فقال ‪ُ ":‬مروا أبا بكر فليصل بالناس "‪ .‬فقالت‬
‫عائشة ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إنه رجل رقيق القلب ‪ ،‬إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي‬
‫بالناس ‪ ،‬فقال ‪ " :‬مري أبا بكر فليصل بالناس "‪ .‬فعادت فقال ‪ ":‬مري أبا بكر‬
‫فليصل بالناس ‪ ،‬فإنكن صواحب يوسف "‪ .‬فأتاه الرسول ‪ ،‬فصلى بالناس في حياة‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم "‪.‬‬

‫أخرجه البخاري ومسلم ‪.‬‬

‫وعن عمار ابن ياسر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬أتاني‬
‫جبريل آنفًا فقلت ‪ :‬يا جبريل حدثني بفضائل عمر بن الخطاب ؟ فقال ‪ :‬يا محمد لو‬
‫حدثتك بفضائل عمر منذ ما لبث نوح في قومه ألف سنة إل خمسين عامًا ما‬
‫نفدت فضائل عمر‪ ،‬وإن عمر حسنة من حسنات أبي بكر "‪.‬‬

‫وعن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬أما إنك يا‬
‫أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي "‪.‬‬

‫وعن عمر بن الخطاب أنه قال ‪ :‬أبو بكر سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم ‪ .‬رواه الترمذي وقال صحيح ‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫وعنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬ما لحد عندنا يد إل‬
‫وقد كافأناه إل أبا بكر ‪ ,‬فإن له عندنا يدا يكافئه ال بها يوم القيامة ‪ ,‬وما نفعني‬
‫مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر "‪.‬‬

‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬إن ال بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر‬
‫صدقت ‪ ,‬وواساني بنفسه وماله "‪ .‬رواه البخاري ‪.‬‬

‫ي رضي ال تعالى عنه قال ‪ :‬أيها الناس أخبروني من هو أشجع الناس‬


‫وعن عل ّ‬
‫؟ قالوا ‪ :‬أنت ‪ .‬قال ‪ :‬إني ما بارزت أحدًا إل انتصفت منه ‪ ,‬ولكن أخبروني بأشجع‬
‫الناس ؟ قالوا ل نعلم فمن ؟ قال ‪ :‬أبو بكر ‪ ,‬إنه لما كان يوم بدر جعلنا لرسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم عريشًا فقلنا ‪ :‬من يكون مع رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله وسلم ‪ ,‬لئل يصل إليه أحد من المشركين ‪ ,‬فوال ما دنا منا أحد إل أبو بكر‬
‫شاهرًا بالسيف على رأس رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ل يهوي إليه أحد إل‬
‫أهوى إليه ‪ ,‬فلهذا كان أشجع الناس ‪.‬‬

‫ذكره السيوطي في الرسالة المذكورة ‪ .‬وفيها وفي أسنى المطالب لبن حجر‬
‫ي كرم ال وجهه أنه‬
‫المكي ‪ :‬أخرج البزار وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن عل ّ‬
‫قال ‪ :‬أيها الناس أخبروني بأشجع الناس ؟ قالوا ‪ :‬ل نعلم فمن ؟ قال ‪ :‬أبو بكر ‪ ,‬لقد‬
‫رأيت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم وأخذته قريش فهذا يجؤه ‪ ,‬وهذا يتلتله ‪,‬‬
‫وهم يقولون ‪ :‬أنت الذي جعلت اللهة إلهًا واحدًا قال ‪ :‬فوال ما دنا منا أحد إل أبو‬
‫ل أن‬
‫بكر ‪ ,‬يضرب هذا ‪ ,‬ويجيء هذا ويتلتل هذا وهو يقول ‪ :‬ويلكم أتقتلون رج ً‬
‫ي بردة كانت عليه ‪ ,‬فبكى حتى اخضلت لحيته ‪ ,‬ثم قال ‪:‬‬
‫يقول ربي ال ‪ ,‬ثم رفع عل ّ‬
‫أشدكم أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر ؟ فسكت القوم فقال ‪ :‬أل تجيبوني ؟ فوال‬
‫لساعة من أبي بكر ‪ ,‬خير من مثل مؤمن آل فرعون ‪ ,‬ذاك رجل كتم إيمانه ‪ ,‬وهذا‬
‫رجل أعلن إيمانه ‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫وأخرج البزار عن أسيد بن صفوان قال ‪ :‬لما توفي أبو بكر سجي بثوب‬
‫فارتجت المدينة بالبكاء ‪ ,‬ودهش الناس كيوم قبض رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم ‪ ,‬وجاء علي كرم ال وجهه مسرعا مسترجعا ‪ ,‬وهو يقول ‪ :‬اليوم انقطعت‬
‫خلفة النبوة ‪ ,‬حتى وقف على باب البيت الذي فيه أبو بكر فقال ‪ :‬رحمك ال أبا‬
‫بكر ‪ ,‬كنت أول القوم إسلما وأخلصهم إيمانا ‪ ,‬وأشدهم يقينا ‪ ,‬وأخوفهم ل ‪,‬‬
‫وأعظمهم غناء ‪ ,‬وأحفظهم على رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم وأحدهم على‬
‫السلم ‪ ,‬وآمنهم على الصحابة ‪ ,‬وأحسنهم صحبة ‪ ,‬وأفضلهم مناقب ‪ ,‬وأكثرهم‬
‫سوابق ‪ ,‬وأرفعهم درجة ‪ ,‬وأقربهم من رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪,‬‬
‫وأشبههم به هديا وخلقا وسمتا ‪ ,‬وأوثقهم عنده وأشرفهم منزلة ‪ ,‬وأكرمهم عليه ‪,‬‬
‫فجزاك ال عن السلم ‪ ,‬وعن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم وعن المسلمين‬
‫خيرا ‪.‬‬

‫* * * *‬

‫سيدنا عمر الفاروق ‪:‬‬


‫رضي ال تعالى عنه‬

‫أخرج الترمذي عن عقبة بن عامر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم ‪ ":‬لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب "‪.‬‬

‫وروي عن ابن عمر ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم قال ‪ ":‬إن ال‬
‫جعل الحق علي لسان عمر وقلبه "‪.‬‬

‫قال بن عمر ‪ :‬ما نزل بالناس أمر قط فقالوا له وقال ‪ ,‬إل نزل القرآن على نحو‬
‫ما قال عمر ‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫وعن ابن عباس ‪ :‬لما أسلم عمر نزل جبريل عليه السلم فقال ‪ ":‬يا محمد لقد‬
‫استبشر أهل السماء بإسلم عمر "‪ .‬رواه ابن ماجه ‪.‬‬

‫وعنه قال ‪ :‬لما أسلم عمر قال المشركون ‪ :‬قد انتصف القوم اليوم منا ‪ ,‬وأنزل‬
‫ن {‪.‬‬
‫ن اْلُمْؤِمِني َ‬
‫ك ِم َ‬
‫ن اّتَبَع َ‬
‫ل َوَم ِ‬
‫ك ا ُّ‬
‫سُب َ‬
‫ح ْ‬
‫ي َ‬
‫ال ‪َ }:‬يا َأّيَها الّنِب ّ‬

‫وعن ابن عمر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬هذا غلق‬
‫الفتنة ـ وأشار بيده إلى عمرـ ل يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش‬
‫هذا بين أظهركم "‪ .‬رواه البزار ‪.‬‬

‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬إن الشيطان لم يلق عمر منذ أسلم إل خر‬
‫لوجهه "‪.‬‬

‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ ":‬إن الشيطان ليفرق منك يا عمر "‪.‬‬

‫وقال صلي ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة "‪.‬‬

‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ ":‬قال لي جبريل‪ :‬ليبك السلم على موت عمر"‪.‬‬

‫وروى الترمذي عن جابر بن عبد ال أن عمر قال لبي بكر‪ :‬أخير الناس بعد‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ .‬فقال له ‪ :‬أما إنك إن قلت ذلك فلقد سمعته‬
‫صلي ال عليه وآله وسلم يقول ‪ ":‬ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر "‪.‬‬

‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ ":‬ما في السماء ملك إل وهو يوقر عمر "‪.‬‬

‫وعن علي كرم ال تعالى وجهه قال ‪ :‬كنا أصحاب محمد ل نشك أن السكينة‬
‫تنطق على لسان عمر ‪ ,‬رواه غير واحد ‪.‬‬

‫وعن اسماء بنت عميس قالت ‪ :‬دخل رجل من المهاجرين على أبي بكر ‪ ,‬وهو‬
‫يشتكي في مرضه فقال له ‪ :‬أتستخلف علينا عمر وقد عتا علينا ‪ ،‬ول سلطان له ؟‬

‫‪126‬‬
‫فكيف لو ملكنا كان أعتى وأعتى ؟ فكيف تقول ل إذا لقيته ؟ فقال أبو بكر ‪:‬‬
‫أجلسوني ‪ ,‬فلما أجلسوه قال‪ :‬أبال تعرفوني ؟ فإني أقول إذا لقيته ‪ :‬إستخلفت عليهم‬
‫خير أهلك ‪.‬‬

‫وقال معاوية لصعصعة بن صوحان ‪ :‬صف لي عمر بن الخطاب ؟ قال ‪ :‬كان‬


‫ل للعذر ‪ ،‬سهل الحجاب ‪ ,‬مفتوح‬
‫ل في نفسه ‪ ،‬قليل الكبر ‪ ،‬قبو ً‬
‫عالمًا برعيته ‪ ،‬عاد ً‬
‫الباب ‪ ،‬متحري الصواب ‪ ،‬بعيدًا من الساءة ‪ ،‬رفيقاً بالضعيف ‪ ،‬غير صخاب‪،‬‬
‫كثير الصمت ‪ ،‬بعيدًا من العبث ‪.‬‬

‫وفي طبقات ابن السبكي ‪ ,‬عن أبي بكرة رضي ال تعالى عنه قال ‪ :‬وقف‬
‫أعرابي على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي ال تعالى عنه فقال ‪:‬‬

‫أكس بنياتي وأمهنه‬ ‫يا عمر الخير جزيت الجنة‬

‫أقسم بال لتفعلنـــه‬

‫فقال عمر ‪ :‬وإن لم أفعل يكون ماذا ؟ فقال العرابي‪:‬‬

‫إذا أبا حفص لمضينه‬

‫قال ‪ :‬فإن مضيت يكون ماذا ؟ قال ‪:‬‬

‫يوم يكون العطيات ثنه‬ ‫وال عنهن لتسألنه‬

‫أي ثمة ‪ ,‬أبدل الميم نونا ‪ ,‬وهي لغة ‪:‬‬

‫إما إلى نار وإما جنه‬ ‫والواقف المسئول ينهينه‬

‫فبكى عمر حتى اخضلت لحيته ‪ ,‬وقال لغلمه ‪ :‬يا غلم أعط قميصي هذا لذلك‬
‫اليوم ل لشعره ‪ ,‬ثم قال ‪ :‬وال ل أملك غيره ‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫وقال أبو بكر الخرائطي ‪ :‬رحم ال تعالى عمر ما كان أنظره بنور ال في ذات‬
‫ال وأفرسه ‪ ,‬كان وال كما قال الشاعر ‪:‬‬

‫كأن له في اليوم عينا على غد‬ ‫بصير بأعقاب المور برأيه‬

‫وورد فيهما قوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬إذا كان يوم القيامة نادى مناد‪:‬‬
‫ل يرفعن أحد من هذه المة كتابه قبل أبي بكر وعمر "‪.‬‬

‫وقوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬إن ال تعالى أيدني بأربعة وزراء ‪ :‬اثنين‬
‫من أهل السماء جبريل وميكائيل ‪ ,‬واثنين من أهل الرض أبي بكر وعمر "‪.‬‬

‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬إن لكل نبي خاصة من أصحابه ‪ ,‬وإن‬
‫خاصتي من أصحابي أبوبكر وعمر "‪.‬‬

‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬حب أبي بكر وعمر إيمان وبغضهما نفاق "‪.‬‬

‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬خير أمتي أبو بكر وعمر "‪.‬‬

‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ ":‬سيد كهول الجنة أبو بكر وعمر "‪.‬‬

‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬صالح المؤمنين أبو بكر وعمر "‪.‬‬

‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ ":‬ما قدمت أبا بكر وعمر ولكن ال قدمهما "‪.‬‬

‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬أحشر أنا وأبو بكر وعمر هكذا وأخرج‬
‫السبابة والوسطي والبنصر " ‪.‬‬

‫* * * *‬

‫‪128‬‬
‫سيدنا عثمان ذو النورين‪:‬‬
‫رضي ال تعالى عنه‬

‫ي في الخرة "‪.‬‬
‫قال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬عثمان بن عفان ول ّ‬

‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ ":‬عثمان حي تستحيي منه الملئكة "‪.‬‬

‫ي أمتي وأكرمها "‪.‬‬


‫وقال صلي ال عليه وآله وسلم ‪ " :‬عثمان أح ّ‬

‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬لكل نبي رفيق في الجنة ‪ ,‬ورفيقي فيها‬
‫عثمان "‪.‬‬

‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ ":‬ليدخلن بشفاعة عثمان سبعون ألفا كلهم قد‬
‫استوجبوا النار الجنة بغير حساب "‪.‬‬

‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر‬
‫من بني تميم "‪ .‬قال المناوي ‪ :‬قيل هو عثمان ‪.‬‬

‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ ":‬لكل نبي خليل في أمته ‪ ,‬وإن خليلي عثمان بن‬
‫عفان "‪.‬‬

‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض "‪.‬‬

‫قال ابن إسحاق‪ :‬أنفق عثمان في جيش العسرة نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها ‪.‬‬

‫وروي عن قتادة أنه قال ‪ :‬حمل عثمان رضي ال تعالى عنه في جيش العسرة‬
‫على ألف بعير وسبعين فرسا ‪.‬‬

‫وعن حذيفة بن اليمان ‪ :‬أن عثمان رضي ال تعالى عنه جاء يومئذ بعشرة‬
‫آلف دينار فصبت بين يديه صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬صلى ال عليه وآله وسلم‬

‫‪129‬‬
‫يقول بيده ويقلبها ظهرًا لبطن ويقول ‪ ":‬غفر ال لك يا عثمان ما أسررت وما‬
‫أعلنت وما هو كائن إلى يوم القيامة ‪ ،‬ما يبالي عثمان ما عمل بعدها "‪.‬‬

‫وروى البيهقي عن عبد الرحمن بن خباب رضي ال تعالى عنه قال ‪ :‬خطب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم فحث الناس على جيش العسرة ‪ ,‬فقال عثمان‬
‫علي مائة بعير بأحلسها وأقتابها ‪ ،‬ثم نزل مرقاة أخرى من المنبر ‪ ,‬فحث الناس‬
‫فقال عثمان علي مائة بعير أخرى بأحلسها وأقتابها ‪ ،‬ثم نزل مرقاة أخرى ‪ ,‬فحث‬
‫الناس فقال عثمان علي مائة بعير أخرى بأحلسها وأقتابها ‪ ،‬قال فرأيت رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله وسلم يقول بيده هكذا ‪ ,‬يحركها كالمتعجب وقال ‪ ":‬ما على‬
‫عثمان ما عمل بعد هذا اليوم "‪.‬‬

‫وقد ورد في حق الثلثة قوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬إذا أنا مت وأبو بكر‬
‫وعمر وعثمان فإن استطعت أن تموت فمت "‪.‬‬

‫* * * *‬

‫سيدنا علي المرتضى ‪:‬‬


‫رضي ال تعالى عنه وكرم وجهه‬

‫ي موله " ‪.‬‬


‫قال عليه الصلة والسلم ‪ ":‬من كنت موله فعل ّ‬

‫ي بابها ‪ ,‬فمن أراد‬


‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬أنا مدينة العلم ‪ ,‬وعل ّ‬
‫العلم فليأت الباب "‪.‬‬

‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬أنا دار الحكمة وعلي بابها "‪.‬‬

‫ي ‪ ,‬وخير أعمامي حمزة "‪.‬‬


‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬خير إخواني عل ّ‬

‫‪130‬‬
‫ي أخي في الدنيا والخرة "‪.‬‬
‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬عل ّ‬

‫وقال صلي ال عليه وآله وسلم " من آذى علّيا فقد آذاني "‪.‬‬

‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ ":‬من سب علّيا فقد سبني ‪ ,‬ومن سبني فقد سب‬
‫ال "‪.‬‬

‫وحينما استخلفه على المدينة يوم غزوة تبوك أرجف المنافقون بأنه إنما خلفه‬
‫استثقال ‪ ,‬فأخذ سلحه وأتى النبي صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬وأخبره الخبر فقال‪":‬‬
‫كذبوا ‪ ،‬ولكن خلفتك لما تركت ورائي ‪ ،‬فارجع في أهلي وأهلك ‪ ،‬أفل ترضى يا‬
‫ي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إل أنه ل نبي بعدي "‪ .‬فقال‪:‬‬
‫عل ّ‬
‫رضيت ثم رضيت ثم رضيت‬

‫قال السيد أحمد دحلن في سيرته ‪ :‬قال أهل السنة ‪ :‬إن هارون عليه السلم إنما‬
‫كان خليفة في حياة موسى عليه السلم حين ذهب إلى الميقات فدل ذلك على‬
‫ي رضي ال تعالى عنه في أهل النبي صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫تخصيص خلفة عل ّ‬
‫مدة غيبته في تبوك ‪ ,‬كما كان هارون خليفة موسى عليهما السلم في قومه مدة‬
‫غيبته عنهم للمناجاة ‪ ,‬وقد استخلف صلى ال عليه وآله وسلم غير علي في مرات‬
‫ي رضي ال تعالى عنه‬
‫أخر ‪ ,‬فهل يلزم أن يكون مستحقا للخلفة ؟ ولما سئل عل ّ‬
‫وكرم وجهه في زمن خلفته ‪ :‬هل أوصى لك النبي صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫بالخلفة ؟ قال ل ‪ ,‬ولو أوصى لي بها لقاتلت عليها ‪ ,‬حتى لولم يبق معي إل سيفي‬
‫وردائي ‪ ,‬ولو أوصى لي بها لما بايع أبا بكر وعمر وعثمان رضي ال تعالى عنهم‬
‫‪ .‬وقول الرافضة إن ذلك كان منه تقية كذب وزور ‪ ,‬فإنه كان رضي ال تعالى عنه‬
‫ذا قوة وشجاعة وقد توفرت عشيرته من بني هاشم فكانوا أهل قوة ومنعة ‪ ,‬فيلزم‬
‫الرافضة نسبته للجبن والذل وحاشاه ال من ذلك ‪ .‬ا هـ ‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫وأخرج الحافظ محب الدين بن النجاري في تاريخ بغداد عن ابن المعتمر مسلم‬
‫ي بن أبي طالب رضي ال‬
‫بن أوس ‪ ,‬وحارثة بن قدامة السعدي أنهما حضرا عل ّ‬
‫تعالى عنه يخطب وهو يقول ‪ :‬سلوني قبل أن تفقدوني ‪ ,‬فإني ل أسأل عن شيء‬
‫دون العرش إل أخبرت عنه ‪.‬‬

‫ي كرم ال تعالى وجهه قال ‪ :‬وال ما نزلت‬


‫وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عل ّ‬
‫آية إل وقد علمت فيم نزلت وأين نزلت ؟ إن ربي وهب لي قلبا عقول ولسانا‬
‫سؤول ‪.‬‬

‫وفي صحيح مسلم عنه رضي ال تعالى عنه أنه قال ‪ :‬والذي فلق الحبة وبرأ‬
‫النسمة إنه لعهد النبي صلى ال عليه وسلم إلي ‪ :‬ل يحبني إل مؤمن ول يبغضني‬
‫إل منافق "‪.‬‬

‫وأخرج ابن أبي شيبة وأبو نعيم عنه رضي ال تعالى عنه أنه قال على منبره ‪:‬‬
‫أما إني فقأت عين الفتنة ‪ ,‬وإني وأيم ال لول أن تتكلوا فتدعوا العمل لحدثتكم بما‬
‫سبق على لسان نبيكم صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬ثم قال ‪ :‬سلوني فإنكم ل تسألوني‬
‫عن شيء فيما بينكم وبين الساعة إل حدثتكم ‪.‬‬

‫وأخرج ابن أبي شيبة عن زيد بن ربيع قال ‪ :‬بلغ علّيا أن أناسا يقولون فيه ‪,‬‬
‫فصعد المنبر فقال ‪ :‬أنشد ال رجل سمع من النبي صلى ال عليه وآله وسلم شيئا‬
‫إل قام ‪ ,‬فقام جماعة فقالوا ‪ :‬نشهد أن رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم قال ‪":‬‬
‫من كنت موله فعلي موله ‪ ,‬اللهم وال من واله ‪ ,‬وعاد من عاداه "‪.‬‬

‫ي "‪.‬‬
‫وقال صلي ال عليه وآله وسلم " أقضاكم عل ّ‬

‫ي قال ‪ ":‬بعثني رسول ال صلى ال عليه وسلم‬


‫وأخرج الحاكم وصححه عن عل ّ‬
‫إلى اليمن ‪ ,‬فقلت يا رسول ال بعثتني وأنا شاب أقضي بينهم ول أدري ما‬

‫‪132‬‬
‫القضاء ؟ فضرب صدري ثم قال ‪ ":‬اللهم اهد قلبه وثبت لسانه "‪ .‬فوالذي فلق‬
‫الحبة ما شككت في قضاء بين اثنين ‪.‬‬

‫ي "‪ .‬أنه عليه‬


‫وروي ‪ :‬أن سبب قوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬أقضاكم عل ّ‬
‫الصلة والسلم كان جالسا مع جماعة من الصحابة ‪ ,‬فجاء خصمان ‪ ,‬فقال‬
‫أحدهما‪ :‬يا رسول ال ‪ ,‬إن لي حمارا وإن لهذا بقرة ‪ ,‬وإن بقرته قتلت حماري ‪,‬‬
‫فبدأ رجل من الحاضرين فقال‪ :‬ل ضمان على البهائم ‪ .‬فقال صلى ال عليه وآله‬
‫ي لهما ‪ :‬كانا مرسلين أم مشدودين ؟ أم‬
‫وسلم ‪ ":‬أقض بينهما يا علي "‪ .‬فقال عل ّ‬
‫أحدهما مشدودا والخر مرسل ؟ فقال ‪ :‬كان الحمار مشدودا والبقرة مرسلة ‪,‬‬
‫ي ‪ :‬صاحب البقرة ضامن للحمار ‪ .‬فأقر صلى ال عليه‬
‫وصاحبها معها ‪ ,‬فقال عل ّ‬
‫وآله وسلم حكمه وأمضى قضاءه ‪.‬‬

‫وكان صلى ال عليه وآله وسلم إذا غضب ل يجرئ أحد أن يكلمه إل علي ‪.‬‬

‫وروى ابن مسعود عن النبي صلى ال عليه وآله وسلم أنه قال ‪ " :‬النظر إلى‬
‫ي عبادة "‪.‬‬
‫عل ّ‬

‫ومما ورد في الربعة رضوان ال تعالى عليهم قوله صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم ‪ ":‬أرأف أمتي بأمتي أبو بكر ‪ ,‬وأشدهم في دين ال عمر ‪ ,‬وأصدقهم حياء‬
‫ي "‪.‬‬
‫عثمان ‪ ,‬وأقضاهم عل ّ‬

‫وقوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ":‬رحم ال أبا بكر‪ ,‬زوجنى ابنته وصحبني‬
‫إلى دار الهجرة ‪ ,‬وأعتق بلل من ماله ‪ ,‬وما نفعني مال في السلم ما نفعني مال‬
‫أبي بكر ‪ ,‬رحم ال عمر يقول الحق وإن كان مرا ‪ ,‬لقد تركه الحق وماله من‬
‫صديق ‪ ,‬رحم ال عثمان تستحييه الملئكة ‪ ,‬وجهز جيش العسرة ‪ ,‬وزاد في‬
‫مسجدنا حتى وسعنا ‪ ،‬رحم ال عليا اللهم أدر الحق معه حيث دار "‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫وقد ورد في فضائل كل منهم رضوان ال تعالى عليهم من الكتاب والسنة‬
‫وكلم الئمة ‪ ,‬ودون في التواريخ والسير وكتب التفسير والثر من محاسن أقوالهم‬
‫وأفعالهم وأخلقهم وأحوالهم ‪ ,‬ما لو أريد استقصاؤه لمل مجلدات ‪ ,‬وكان ما فات‬
‫أكثر مما هو آت ‪.‬‬

‫) تنبيه ( ‪ :‬قال اللقاني في " هداية المريد لجوهرة التوحيد " أفضل الصحابة‬
‫أهل الحديبية ‪ ,‬وأفضل أهل الحديبية ‪ ,‬أهل أحد وأفضل أهل أحد أهل بدر ‪ ,‬وأفضل‬
‫أهل بدر العشرة ‪ ,‬وأفضل العشرة الخلفاء الربعة ‪ ,‬وأفضل الربعة أبو بكر ‪,‬‬
‫والمراد من الفضلية أكثرية الثواب ‪.‬‬

‫ومما يجب اعتقاده أن أفضل الصحابة رضي ال تعالى عنهم أجمعين ‪ ,‬هم‬
‫الذين ولوا الخلفة بعده صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬وبين عليه الصلة والسلم‬
‫مدتها بقوله ‪ ":‬الخلفة بعدي ثلثون سنة ثم تصير ملكا عضوضا "‪.‬‬

‫فقد صرح كل كلمه عليه الصلة والسلم بأن الئمة الربعة أفضل الصحابة ‪,‬‬
‫لن هذه المدة كانت دور وليتهم ‪ ,‬وترتيبهم في الفضل على حسب ترتيبهم في‬
‫الخلفة ‪ ,‬فالسبق فيها أكثرهم فضل ثم التالي فالتالي عند أهل السنة وإماميهم أبي‬
‫الحسن الشعري وأبي منصور الماتريدي ‪ ,‬فأفضلهم أبو بكر ‪ ,‬فعمر ‪ ,‬فعثمان ‪,‬‬
‫ي ‪ ,‬رضوان ال تعالى عليهم ‪.‬‬
‫فعل ّ‬

‫قال المام الغزالي ‪ :‬حقيقة الفضل ما هو عند ال تعالى ‪ ,‬وذلك مما ل يطلع‬
‫عليه إل رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬وقد ورد الثناء عليهم في أخبار‬
‫كثيرة ‪ ,‬ول يدرك دقائق الفضل والترتيب فيه إل المشاهدون للوحي والتنزيل‬
‫بقرائن الحوال ‪ ,‬فلول فهمهم ذلك لما رتبوا المر كذلك إذ كانوا ل تأخذهم في ال‬
‫لومة لئم ‪ ,‬ول يصرفهم عن الحق صارف ‪ ,‬ونحوه قول السعد ‪ :‬على هذا وجدنا‬
‫السلف والخلف ‪ .‬والظاهر أنهم لو لم يكن لهم دليل على ذلك لما حكموا به وقوله‬

‫‪134‬‬
‫في شرح المقاصد‪ :‬يدل لنا إجمال أن جمهور عظماء الملة وعلماء المة أطبقوا‬
‫على ذلك ‪ ,‬وحسن الظن بهم يقضي بأنهم لو لم يعرفوه بدلئل وأمارات لما أطبقوا‬
‫عليه ‪ .‬ا هـ كلم اللقاني ملخصا ‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وقول السعد جمهور عظماء الملة يفيد أن ذلك ليس إجماعيا ‪ ,‬وهو كذلك‬
‫ي رضي ال تعالى عنهما ‪ ,‬فقد قال بعض أكابر أهل‬
‫في الترتيب بين عثمان وعل ّ‬
‫ي على عثمان ‪ ,‬ومنهم سفيان الثوري ‪ ,‬والمام مالك في قوله‬
‫السنة بتفضيل عل ّ‬
‫الول ‪ ,‬ثم رجع عنه إلى تفضيل عثمان على عليّ ‪.‬‬

‫قال النووي ‪ :‬وهو الصحيح ‪ ,‬وقال اللقاني ‪ :‬وهو الصح ‪.‬‬

‫أما تفضيل أبي بكر على الثلثة وعمر على الثنين ‪ ,‬فهو أمر إجماعي كما قال‬
‫ي نفسه ‪ :‬خير‬
‫العلمة ابن حجر في خاتمة الفتاوي ‪ ,‬وعبارته ‪ :‬قد صح عن عل ّ‬
‫الناس بعد النبي صلى ال عليه وآله وسلم أبو بكر ثم عمر ثم رجل آخر ‪ ,‬فقال له‬
‫ابنه محمد رضي ال تعالى عنهما ‪ ,‬ثم أنت يا أبت فقال ‪ :‬ما أبوك إل رجل من‬
‫المسلمين ‪ ,‬ومن ثمة أجمع أهل السنة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم على أن‬
‫أفضل الصحابة على الطلق ‪ :‬أبو بكر ‪ ,‬ثم عمر رضي ال تعالى عنهما ‪.‬‬

‫وفي موضع آخر منها سئل‪ ,‬أي ابن حجر‪ :‬هل الفضلية بين الخلفاء الربعة‬
‫قطعية أم اجتهادية ‪ ,‬إذ ل شاهد من العقل يقطع بأفضلية بعضهم على بعض ‪,‬‬
‫والخبار الواردة في فضائلهم متعارضة ؟ فأجاب رحمه ال تعالى بقوله ‪ :‬إن‬
‫أفضلية أبي بكر رضي ال تعالى عنه على الثلثة ‪ ,‬ثم عمر رضي ال تعالى عنه‬
‫على الثنين ‪ ,‬مجمع عليها عند أهل السنة ل خلف بينهم في ذلك ‪ ,‬والجماع يفيد‬
‫ي رضي ال تعالى عنهما فظنية ‪ ,‬لن بعض‬
‫القطع ‪ ,‬وأما أفضلية عثمان على عل ّ‬
‫أكابر أهل السنة كسفيان الثوري فضل علّيا على عثمان ‪ ,‬وما وقع فيه خلف بين‬

‫‪135‬‬
‫ي كرم ال تعالى‬
‫أهل السنة فظني ‪ ,‬وأما الحاديث في ذلك فمتعارضة جدا ‪ ,‬بل عل ّ‬
‫وجهه ورد فيه من الحاديث المشعرة بفضله مالم يرد في الثلثة ‪.‬‬

‫وأجاب عنه بعض الئمة بأن سبب ذلك أنه عاش إلى زمن الفتن وكثرت‬
‫أعداؤه وقدحهم فيه ‪ ,‬وحطهم عليه ‪ ,‬وغمصهم لحقه بباطلهم ‪ ,‬فبادر حفاظ الصحابة‬
‫رضوان ال تعالى عليهم ‪ ,‬وأخرجوا ما عندهم في حقه ‪ ,‬ردعا لولئك الفسقة‬
‫المارقين والخوارج المخذولين ‪ ,‬وأما بقية الثلثة فلم يقع لهم ما يدعوا الناس إلى‬
‫التيان بمثل ذلك الستيعاب ‪ .‬ا هـ ‪.‬‬

‫وقال المام الشعراني في المنن ‪ :‬قال أبو بكر بن عياش ‪ :‬لو أتاني أبو بكر‬
‫ي قبلهما لقرباه من رسول ال صلى ال‬
‫ي في حاجة ‪ ,‬لبدأت بحاجة عل ّ‬
‫وعمر وعل ّ‬
‫عليه وآله وسلم ‪ ,‬ولئن أخر من السماء إلى الرض ‪ ,‬أحب إلي من أن أقدمه عليهما‬
‫‪.‬‬

‫قال اللقاني ‪ :‬ول يخفى صحة شمول الفضل لسائر أسبابه ‪ ,‬من علم وشجاعة ‪,‬‬
‫وحسن رأي ‪ ,‬وقرب من ال ورسوله ‪ ,‬ومحبة لهما ومنهما ‪.‬‬

‫) لطيفة ( ‪ :‬قرأت في طبقات بن السبكي في ترجمة الحارث سريج أن داود بن‬


‫ي الصفهاني قال ‪ :‬سمعت الحارث بن سريج يقول ‪ :‬سمعت إبراهيم بن عبد ال‬
‫عل ّ‬
‫الحجبي يقول للشافعي رضي ال تعالى عنه ‪ :‬ما رأيت هاشميا قط يفضل أبا بكر‬
‫وعمر رضي ال عنهما على علي كرم ال تعالى وجهه غيرك ‪ ,‬قال الشافعي ‪:‬‬
‫علي ابن عمي وأنا رجل من بني عبد مناف ‪ ,‬وأنت رجل من بني عبد الدار ‪ ,‬فلو‬
‫كانت هذه مكرمة كنت أولى بها منك ‪ ,‬ولكن ليس المر على ما تحسب ‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫وروي عنه رضي ال تعالى عنه أنه قال ‪ :‬اضطرب الناس بعد رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬فلم يجدوا تحت أديم السماء خيرا من أبي بكر‪ ,‬فلذلك‬
‫استعملوه على رقاب الناس ‪.‬‬

‫) تنبيه ( ‪ :‬قد ظهر لذهني القاصر معنى شريف وحجة قوية في تأييد مذهب‬
‫أهل السنة الجامعين بين حب الصحابة والل ‪ ,‬وتزييف مذهب المفرقين بينهم من‬
‫أهل الرفض والضلل ‪ ,‬وذلك أن جميع ما ثبت من فضل الصحابة رضوان ال‬
‫تعالى عليهم ‪ ,‬هو في الحقيقة من فضائل أهل بيت النبوة ‪ ,‬زيادة على ما نالوه‬
‫بانتسابهم إلى حضرة صاحب الرسالة من الفضل ‪ ,‬فإنهم صحابة جدهم العظم‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم ل صحابة نبي سواه ‪ ,‬وهم وإن كانوا في أنفسهم فضلء‬
‫نبلء حائزين من كل وصف جميل محضه ولبابه ‪ ,‬إل أن أفضليتهم على من‬
‫سواهم من المة إنما هي لفوزهم بتلك الصحبة الشريفة ‪ ,‬التي ل يوازيها عمل‬
‫عامل ‪ ,‬ول اجتهاد مجتهد ‪ ,‬وما يلزمها من اقتباس النوار والسرار ‪ ,‬فضل عن‬
‫فدائهم له صلى ال عليه وآله وسلم بكل ما قدروا عليه من نفس ومال وولد ووالد ‪,‬‬
‫وخوض كثير منهم أمامه في غمار الحروب ‪ ,‬ومخالطتهم المنايا ‪ ,‬حتى ظهر دين‬
‫ال المبين ‪ ,‬وخفقت أعلمه في العالمين ‪ ,‬وإل فإنا نجد في التابعين فمن بعدهم من‬
‫هو أعلم وأعبد وأروع وأزهد وأكثر حربا وجهادا وطعانا وجلدا من بعض صغار‬
‫الصحابة الذين لم تطل صحبتهم له صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬ولم يلزموه في‬
‫كثير من مواطنهم الشريفة وغزواته المظفرة ‪ ,‬ومع هذا فأقلهم فضل أفضل‬
‫التابعين ‪ ,‬من بعدهم إلى يوم القيامة ‪.‬‬

‫فتلخص أنه صلى ال عليه وآله وسلم هو الصل الذي تفرع عنه فضل‬
‫الصحابة رضوان ال تعالى عليهم ‪ ,‬وكذا جميع ما ثبت لهل البيت من الفضل هو‬
‫أيضا يحسب من فضائل الصحابة الكرام زيادة على ما اتصفوا به من الفضل‬

‫‪137‬‬
‫والفخر بصحبتهم له صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬فإنهم ذرية نبيهم الذي استنقذهم من‬
‫ظلمات الشرك ‪ ,‬وزجهم في أنوار التوحيد ‪ ,‬وفازوا بما فازوا به بسببه من السيادة‬
‫الدنيوية والسعادة البدية ‪ ,‬وذريته صلى ال عليه وآله وسلم بعضه ‪ ,‬فكما أن فضل‬
‫الكل وهو النبي عليه الصلة والسلم هو زيادة في فضل أصحابه الذي هو متفرع‬
‫عن فضله ‪ ,‬فكذلك بعضه وهم الذرية الطاهرة ‪ ,‬فإن فضلهم فرع عن فضله صلى‬
‫ال عليه وآله وسلم ‪.‬‬

‫فقد علمت أن أصل الفضلين فضل الذرية ‪ ,‬وفضل الصحابة هو رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬وهما فرعان عن أصل واحد ‪ ,‬فمهما حصل لحدهما‬
‫من مدح أو ذم لبد وأن يتعدى إلى الخر ‪.‬‬

‫فلعنة ال تعالى على من فرق بينهما ‪ ,‬بولء بعضهم ومعاداة البعض ‪ ,‬فإن من‬
‫عادى أحدهما لم ينفعه ولء الخر ‪ ,‬وكان عدو ال ورسوله ولمن التزم ولءه‬
‫ي زين العابدين رضي ال تعالي عنهما حين‬
‫أيضا ‪ ,‬وانظر إلى سيدنا زيد بن عل ّ‬
‫خرج على هشام بن عبد الملك ‪ ,‬فقد بايعه وقتئذ ناس كثير من أهل الكوفة ‪ ,‬وطلبوا‬
‫منه أن يتبرأ من الشيخين أبي بكر وعمر لينصروه ‪ ,‬فقال ‪ :‬كل بل أتولهما‬
‫فقالوا ‪ :‬إذا نرفضك ‪ ,‬فقال ‪ :‬اذهبوا فأنتم الرافضة ‪ ,‬فسموا رافضة من حينئذ ‪,‬‬
‫وجاءت طائفة وقالوا ‪ :‬نحن نتولهما ونتبرأ ممن يتبرأ منهما فقبلهم ‪ ,‬وقاتلوا معه‬
‫فسموا الزيدية ‪ ,‬غير أنهم خلف من بعدهم خلف ‪ ,‬خرجوا عن مذهب زيد ‪ ,‬وبقي‬
‫عليهم السم فقط فمن أراد سعادة الدارين ‪ ,‬فعليه بمحبة الطرفين ملتزما في ذلك‬
‫الطريق الشرعي ‪ ,‬غير حائد عن سنن السلف والخلف ‪ ,‬وهو مذهب أهل السنة‬
‫السنية ‪ ,‬وهداة الملة الحنيفية ‪ ,‬أماتنا ال على ذلك غير مبدلين ‪ ,‬ول مغيرين ‪ ,‬ول‬
‫مفتونين ‪ ,‬ول فاتنين ‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫قال ابن السبكي في الطبقات ‪ :‬قال المام عبد ال بن المبارك رضي ال تعالى‬
‫عنه ‪:‬‬

‫لين ولست على السلم طعانا‬ ‫إني امرؤ ليس في ديني لغامزه‬

‫ولن أسب معاذ ال عثمانــــــا‬ ‫فل أسب أبا بكر ول عمـــــــرا‬

‫أهدي لطلحة شتما عز أو هانـا‬ ‫ول الزبير حواري الرسول ول‬

‫قد قلت وال ظلما ثم عدوانــــا‬ ‫ول أقول علي في السحــاب إذا‬

‫وهي قصيدة طويلة منها ‪:‬‬

‫عن ديننا رحمة منه ورضوانـا‬ ‫ال يدفع بالسلطان معضلـــــــة‬

‫وكان أضعفنا نهبا لقوانـــــــا‬ ‫لول الئمة لم تأمن لنا سبــــــل‬

‫وقيل ‪ :‬إن هارون الرشيد أعجبه ‪ ,‬ولما بلغه موت ابن المبارك أذن للناس أن‬
‫يعزوه فيه ‪ ,‬وقال أليس هو القائل ‪ :‬ال ) يدفع ( البيتين ‪ .‬ا هـ ‪.‬‬

‫فإن قلت ‪ :‬تفريعك هذين الفرعين أهل البيت والصحابة رضوان ال تعالى‬
‫عليهم عن الصل الواحد وهو النبي صلى ال عليه وآله وسلم بالصفة التي ذكرتها‬
‫يشعر بتفضيل الذرية الطاهرة على الصحابة الكرام رضوان ال تعالى على‬
‫الجميع ‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬نعم وهو كذلك من حيث أنهم ذريته صلى ال عليه وآله وسلم ل من كل‬
‫حيثية ‪ ,‬وهذا مما ل يشتبه فيه عاقل ‪ ,‬فإن الذرية الطاهرة من هذه الحيثية أفضل‬
‫للعالمين على الطلق ‪ ,‬فإن ذلك يرجع لتفضيله عليه الصلة والسلم ‪ ,‬ول يشك‬
‫مؤمن بأنه أفضل الخلق كافة ‪ ,‬وهو بمنزلة قولك‪ :‬جدهم عليه الصلة والسلم‬
‫أفضل من كل جد ‪ ,‬وهل يرتاب في هذا مؤمن ‪ ,‬ومن هنا قال المام السبكي وغيره‬

‫‪139‬‬
‫في حق السيدة فاطمة رضي ال تعالى عنها ‪ :‬ل نفضل على بضعة رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم أحدا ‪ ,‬فأنت تراهم وصفوها بالبضعية التي هي داعية‬
‫التفضيل ‪ ,‬على أمها خديجة ومريم وعائشة ‪ ,‬ولم يقولوا ل نفضل على زوجة عل ّ‬
‫ي‬
‫أو أم الحسنين أو غير ذلك من أوصافها الشريفة ‪ ,‬وهذا المعنى موجود في سائر‬
‫أولده وبناته صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬فهم من تلك الحيثية أفضل الناس ‪,‬‬
‫وصرح بأفضلية السيدة فاطمة على جميع الصحابة الشيخين ‪ ,‬فمن عاداهم الشمس‬
‫العلقمي ‪ ,‬وقيده المناوي بحيثية البضعية قال ‪ :‬فإن الشيخين بل الخلفاء الربعة‬
‫أفضل منها من حيث المعرفة والعلم ورفع منار السلم ‪ ,‬ولهذا نبه العلمة اللقاني‬
‫في شرح الجوهرة ‪ ,‬بعد ذكر أفضلية الخلفاء الربعة على من سواهم بقوله ‪ :‬ل‬
‫يشكل الحكم المذكور بالذرية الشريفة ‪ ,‬لنه ل من حيث البضعية المكرمة ‪ ,‬يعني‬
‫وأما من حيث البضعية فالذرية أفضل ‪.‬‬

‫فاعلم ذلك واعرف منزلة أهل بيت النبوة وما خولهم ال تعالى من الفضل‬
‫الوهبي ‪ ,‬واختصهم به من الشرف القربي ‪:‬‬

‫تمسك في آخراه بالسبب القوي‬ ‫هم القوم من أصفاهم الود مخلصا‬

‫محاسنهم تحكي وآياتهم تـــروي‬ ‫هم القوم فاقوا العالمين مناقبـــــــا‬

‫وطاعتهم ود وودهم تقــــــــوي‬ ‫موالتهم فرض وحبهم هـــــــدى‬

‫قال في السعاف ‪ :‬واعلم إن المحبة المعتبرة الممدوحة هي ماكانت مع اتباعهم‬


‫بسنتهم المحبوبة ‪ ,‬إذ مجرد محبتهم من غير اتباع لسنتهم كما تزعمه الشيعة‬
‫والرافضة من محبتهم مع مجانبتهم للسنة ‪ ,‬ل تفيد مدعيها شيئا من الخير بل تكون‬
‫عليه وبال وعذابا في الدنيا والخرة ‪ ,‬على أن هذه ليست محبة في الحقيقة إذ حقيقة‬

‫‪140‬‬
‫المحبة الميل إلى المحبوب ‪ ,‬وإيثار محبوباته ومرضياته على محبوبات النفس ‪,‬‬
‫ومرضياتها والتأدب بأخلقه وآدابه ‪.‬‬

‫ي كرم ال تعالى وجهه ‪ :‬ل يجتمع حبي وبغض أبي بكر وعمر‪:‬‬
‫ومن ثم قال عل ّ‬
‫أي لنهما ضدان وهما ل يجتمعان ‪.‬‬

‫وأخرج الدار قطني مرفوعا ‪ ":‬يا أبا الحسن أما أنت وشيعتك في الجنة وأن‬
‫قوما يزعمون أنهم يحبونك يصغرون السلم ‪ ,‬ثم يلفظونه ‪ ,‬يمرقون منه كما‬
‫يمرق السهم من الرمية ‪ ,‬لهم نبز يقال لهم الرافضة ‪ ,‬فإذا أدركتهم فقاتلهم ‪ ,‬فإنهم‬
‫مشركون "‪ .‬قال الدارقطني‪ :‬ولهذا الحديث عندنا طرقات كثيرة ‪ .‬ا هـ ‪.‬‬

‫وقوله ‪ :‬والشيعة والرافضة أرادا غلة الشيعة ‪ ,‬فيكون عطف الرافضة عليهم‬
‫عطف مرادف أو عطف تفسير ‪ ,‬أما شيعتهم الذين لم يفارقوا سنتهم من محبة‬
‫الصحابة ومعرفة منازلهم في الفضل‪ ,‬فهم القوم الخيار المبرؤون من كل عاد ‪,‬‬
‫وهم الذين عناهم رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم بقوله ‪ ":‬يا أبا الحسن أما‬
‫أنت وشيعتك في الجنة "‪.‬‬

‫ي ‪ ,‬وكان فاضل عن أبيه عن جده ‪ :‬إنما‬


‫ي بن الحسين بن عل ّ‬
‫قال موسى بن عل ّ‬
‫ي رضي ال تعالى عنه مدة‬
‫شيعتنا من أطاع ال ‪ ,‬وعمل عملنا ‪ ,‬كأصحاب عل ّ‬
‫خلفته ‪ ,‬وجميع من نصره وخاض معه غمرات الحروب في جميع وقائعه ‪ ,‬قوقعة‬
‫الجمل ‪ ,‬وصفين ‪ ,‬والنهروان ‪ ,‬فإنه رضي ال تعالى عنه وكرم وجهه هو المصيب‬
‫في جميعها وغيره مخطئ ‪ ,‬والكل على هدى لجتهادهم في طلب الحق ‪ ,‬ما عدا‬
‫الخوارج الذين منهم أهل النهروان ‪ ,‬فإنهم كفرة فجرة ‪ ,‬لنهم كانوا يعتقدون معاذ‬
‫ال تعالى كفره بالتحكيم وكفر كثير من الصحابة والمسلمين الذين رضوا بذلك ‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫ي كرم ال‬
‫وهناك طائفة من الشيعة يقال لهم المفضلة ‪ ,‬يقولون ‪ :‬بتفضيل عل ّ‬
‫تعالى وجهه على سائر الصحابة مع اعتقاد فضلهم وعدلهم ‪ ,‬والعتراف بما‬
‫خولهم ال تعالى من الشرف وعلوا المنزلة ‪ ,‬وهؤلء وإن خالفوا ما انعقد عليه‬
‫ي ‪ ,‬فهم أهل بدعة خفيفة ‪ ,‬ل يتفرع عليها‬
‫الجماع ‪ ,‬من تفضيل الشيخين على عل ّ‬
‫خلل في الدين ‪ ,‬فقد ذكرهم الحافظ السيوطي ولم يطعن في عقيدتهم ‪.‬‬

‫ونقل عن الحافظ الذهبي وغيره أنهم عدول ثقات ‪ ,‬وأن روايتهم مقبولة ‪,‬‬
‫وشهادتهم غير معلومة ‪ ,‬هذا مع تدقيق الذهبي في رجال الحديث إلى درجة أدته‬
‫للطعن في بعض الثقات الذين زكاهم غيره ‪ .‬قال ومن هذه الطائفة كثير من السلف‬
‫والخلف وإذا أطلق لفظ الشيعة في الكتب ‪ ,‬فالمراد منه هؤلء مالم يقيد بالغلو ‪ ,‬كأن‬
‫يقال شيعي غال ‪ ,‬أو غلة الشيعة ‪.‬‬

‫أما الروافض فهم ما بين كافر وفاسق ‪ ,‬لنهم رفضوا موالة كثير من الصحابة‬
‫رضي ال تعالى عنهم ‪ ,‬والكافر من يطعن في السيدة عائشة أم المؤمنين ‪ ,‬وينكر‬
‫صحبة أبيها رضي ال تعالى عنهما ‪ ,‬ول تشتبه بما سأتلوه عليك من كلم العارف‬
‫الشعراني فإنه إنما قصد من الروافض مفضلة الشيعة ‪ ,‬كما تصرح به عبارته قال‪:‬‬
‫أخذ علينا العهود أن ل نسب الروافض الذين يقدمون عليا في المحبة على أبي بكر‬
‫وعمر رضي ال تعالى عنهما ‪ ,‬ل الذين يسبونهم ل سيما إن كانوا أشرافا من أولد‬
‫السيدة فاطمة رضي ال تعالى عنها ‪ ,‬أو من أهل القرآن ‪.‬‬

‫فإياك يا أخي من قولك فلن رافضي كلب ‪ ,‬فإن ذلك ل ينبغي ‪ ,‬والذي نعتقده‬
‫ي والحسن والحسين وذريتهما مطلوبة بنص القرآن في‬
‫إن التغالي في محبة عل ّ‬
‫قوله تعالي ‪ }:‬قل ل أسألكم عليه أجرا إل المودة في القربى {‪.‬‬

‫والود ثبات المحبة ودوامها ‪ ,‬فنسكت عن سب من قدم جده في المحبة على‬


‫غيره ‪ ,‬ما لم يعارض النصوص ‪ ,‬وذلك لن تعصب النسان لجداده الذين حصل‬

‫‪142‬‬
‫له بهم الشرف ‪ ,‬أمر واقع في كثير من العلماء فضل عن آحاد الناس من الشرفاء ‪,‬‬
‫ي رضي ال‬
‫ولذلك قالوا من النوادر شريف سني يقدم أبا بكر وعمر على جده عل ّ‬
‫تعالى عنهم ‪ ,‬وكان المام الشافعي رضي ال تعالى عنه ينشد ‪:‬‬

‫فليشهد الثقلن أني رافضي‬ ‫إن كان رفضا حب آل محمد‬

‫فاعذر يا أخي كل من قامت له شبهة ما لم تهدم شيئا من أصول الدين الصريحة‬


‫‪ ,‬كإنكار صحبة أبي بكر لرسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬أو براءة عائشة‬
‫رضي ال تعالى عنها ‪ ,‬واترك أمر الروافض إلى ال تعالى يفصل بينهم يوم‬
‫القيامة ‪ .‬ا هـ ‪.‬‬

‫وهو كلم عارف كبير منصف خبير رضي ال تعالى عنه ونفعنا به ‪.‬‬

‫وقوله ‪ :‬من النوادر شريف سني ‪ ,‬ليس هو مقابل الرافضي بمعناه الحقيقي ‪,‬‬
‫وإنما هو مقابل الشيعي المفضل ‪ ,‬ولذلك قال بعده ‪ :‬يقدم أبا بكر وعمر على جده‬
‫ي رضي ال تعالى عنهم ‪ ,‬والرافضي ل يقر لبي بكر وعمر بفضل ل مقدما‬
‫عل ّ‬
‫ول مؤخرا ‪ ,‬بل يصفهما بما ل ينبغي ‪ ,‬ومعاذ ال تعالى أن يقول بذلك أحد ممن‬
‫صحت نسبته إلى رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪.‬‬

‫وحاصل العبارة أن الشريف السني الموصوف بتقديم أبي بكر وعمر على جده‬
‫ي من النوادر ‪ ,‬وأكثرهم سنيون ل يقولون بالتقديم مع حب الشيخين والصحابة‬
‫عل ّ‬
‫جميعا والعتراف بفضلهم ‪ ,‬وهذا ل يضرهم في دينهم شيئا ‪ ,‬ول سيما إذا كان‬
‫التقديم في المحبة ل التفضيل ‪ ,‬وهو الذي ينبغي حمل العبارة عليه ‪.‬‬

‫فافهم وال سبحانه وتعالي أعلم ‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫قال جامعه ‪ :‬هذا ما أراد ال تعالى إبرازه على يد هذا العبد الضعيف وتم‬
‫تبييضه وطبعه في بيروت في شهر شوال سنة ‪ 1309‬بعد أن بقي في مسودته‬
‫إحدى عشرة سنة ‪ ,‬وأسأله سبحانه أن يتقبله مني ويرضى به عني ‪.‬‬

‫وصلى ال تبارك وتعالى على سيدنا محمد وعلى جميع النبياء والمرسلين‬
‫وآلهم وصحبهم أجمعين ‪ ,‬عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته كلما‬
‫ذكره الذاكرون وغفل عن ذكرهم الغافلون وسلم تسليما كثيرا والحمد ل رب‬
‫العالمين ‪.‬‬

‫‪144‬‬

You might also like