You are on page 1of 15

‫للا‬ ‫اه‬‫ض‬ ‫ت‬‫ار‬ ‫ي‬ ‫ِّ‬

‫الذ‬ ‫ين‬ ‫ِّ‬


‫الد‬
‫َْ َ ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫اإلسالَ ُم ِّأم ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّةُ‬
‫أ َُه َو ْ‬

‫***‬ ‫***‬

‫‪PART-02‬‬
‫إشكالية الدين في تركيا‬
‫‪problematic of religion in Turkey‬‬

‫أتليف‬
‫فريد صالح اهلامشي‬
‫‪Copyright©2018 by‬‬
‫‪Feriduddin AYDIN‬‬
‫‪feriduddin@gmail.com‬‬

‫إسطنبول‪2018-‬م‪.‬‬

‫دار العِرَب للطباعة والنشر‬

‫‪al_ibar.publishing@yahoo.com‬‬
‫‪Copyrigh©2019‬‬
‫كافة حقوق الطبع والنشر حمفوظة للمؤلف‪ .‬فريد الدين آيدن‬

‫إشكالية الدين يف تركيا‬


‫موقع الدين يف احلياة اإلجتماعية‬ ‫ِّ‬ ‫كتاب ٍ‬ ‫أي ٍ‬ ‫َّ‬
‫شامل وذي مصداقية موضوعية ومنهجية حيدد َ‬ ‫إن َّ‬
‫للمجتمع الرتكي‪ََ ،‬ل يُكتَب حىت اليوم‪ .‬تشري هذه احلقيقة إىل أنه ال يوجد حبث علمي وحتليلي جاد‬
‫يف تركيا يتناول إشكالية الدين والفكر للمجتمع الرتكي يشمل مراحلها التارخيية حىت اليوم‪ ،‬وهذا‬
‫شيوعا يف تركيا‪.‬‬ ‫أكثر الدايانت‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ً‬ ‫ص إمكانيةَ دراسة الداينة (ال ُْم ْسلُ َمانيَّةُ ‪ )Müslümanlık‬وهي ُ‬
‫يقل ُ‬
‫‪1‬‬
‫يدل ذلك على وجود فجوة كبرية يف جمال البحوث التارخيية هلذا البلد‪.‬‬

‫الد ِّ‬
‫ين يف تركيا بشكل جذري من اآلن فصاع ًدا‪ ،‬جيب‬ ‫إذا تناول أح ُد خرب ِّاء ِّ‬
‫علم اإلجتماع إشكاليةَ ِّ‬
‫على مثل هذا الباحث أن يتناول يف املقام األول التيارات الصوفية والفكرية املنحدرة من عهد ما‬
‫قبل األسالم‪ ،‬اليت قد أتثرت هبا ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّةُ ‪ Müslümanlık‬إذ هي الداينة الرئيسة يف البالد‪ .‬كما‬
‫جيب توثيق التطور التارخيي هلذه الداينة وتنوعها حتت دوافع الوثنية القدمية‪.‬‬

‫التغاضي عن البلبلة اليت أصابت احلياة الدينية لألتراك منذ قرون‪ ،‬وما أسفر عنها من سلبيات‬ ‫َ‬ ‫إ َّن‬
‫والتجاهل عن عواقبها الوخيمة اليت ظهرت بصورة فادحة يف‬ ‫َ‬ ‫على سلوك األجيال طوال ألف سنة‪،‬‬
‫املرحلة األخرية‪ ،‬إن التغاضي عن هذا الوضع يُ ْعتَ َربُ استخفافًا ابلواقع‪ ،‬وعدم اإللتزام ابملسئولية‪.‬‬
‫كذلك التساهل يف املوقف من الفوضى السائد على املعتقدات ومن الفساد املتفشي يف الدين‬
‫والفكر على الساحة الرتكية‪ ،‬أبنه من تداعيات ظروف العصر فحسب‪ ،‬دون أن تكون قد تسربت‬
‫من أايم عصور الظالم هلذا القوم‪ ،‬إمنا هو اكتتام حمض للحقيقة‪ .‬لذا‪ ،‬ليس من اخلطأ أن نقول أن‬
‫الْمسلُمانِّيَّةَ ‪ ،Müslümanlık‬اليت هي الداينة املنتشرة يف تركيا‪ ،‬قد أتثرت بكل حادثة ذات ٍ‬
‫وطئة‬ ‫ُْ‬
‫على مدار التاريخ‪ ،‬كما أهنا تتأثر ابلظروف احلالية وبكل فكرة سائدة‪.‬‬

‫داينة املسلُ َمانِّيَّ ِّة ‪ Müslümanlık‬اليت هي ركام‬ ‫ِّ‬


‫مفهوم ال ِّ‬ ‫هبذه املناسبة‪ ،‬يقتضي األمر أن نُ َركِّ َز على‬
‫دايانت اقتبستها فئة من الزاندقة منذ حقبة طويلة من الزمن‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مرَّكب ‪ Syncretic‬من أجز ِّاء ِّعدَّةِّ‬

‫‪ 1‬أحد مشاهري األكادمييني األتراك األستاذ الدكتور أمحد ايشار أوجاك ‪ Prof Dr. Ahmet Yaşar Ocak‬يشكو فراغ اجملال العلمي يف تركيا من‬
‫ويعرب عن شدة آالمه يف مواطن كثريةٍ‬
‫قروان بوجه خاص‪ِّ ..‬‬
‫البحوث التارخيية للمجتمع الرتكي بوجه عام‪ ،‬وللحياة الدينية لألتراك قبل تعرفهم على اإلسالم وبعده ً‬
‫من كتابه ‪ ،Türk Sûfîliğine Bakışlar‬يقول يف مقطع منه ما نصه ابلعربية‪ " :‬خاصة منذ ستينيات القرن املاضي‪ ،‬عانت تركيا من االضطراب‬
‫االجتماعي واأليديولوجي‪ ،‬وهذه االضطراابت‪َ ،‬ل تقتصر ضمن اإلطار الشعيب يف كتابة التأريخ‪ ،‬بل جتاوزته إىل اهليمنة حىت على اجملال األكادميي يف كتابة‬
‫التأريخ‪ .‬فأدت تلك إىل حتريف احلقائق التارخيية )‪"(déformation historique‬‬
‫متاما عن اإلسالم‪ ،‬ولشتان ما بينهما وبعدت الشقة بُعد ما بني‬ ‫ٍ‬
‫معن وصفات خمتلفةً ً‬
‫فأكسبَوها ً‬
‫السماء واألرض‪.‬‬

‫األصل فرنسية‪ ،‬وهي صفة َّ‬


‫مشتقة من ‪ .syncrétisme‬وهذا اللفظ هو‬ ‫ِّ‬ ‫إن كلمة ‪ :Syncretic‬يف‬
‫‪synkrētismos‬‬ ‫ورد يف بعض املصادر "أن األغريق قد استخدموا مصطلح‬ ‫‪2‬‬
‫مصطلح فلسفي‪.‬‬
‫لوصف توحيد القطاعات األثنية للمجتمع اليوانين يف مواجهة العدو املشرتك يف أوائل القرن السابع‬
‫تعبريا عن التأليف بني‬ ‫تبن املتحدثون ابللغة اإلجنليزية املصطلح يف شكل ‪ً syncretism‬‬ ‫عشر‪ ،‬مث َّ‬
‫عناصر‬
‫َ‬ ‫داينة جديدةٍ ُم َرَّكبَ ٍة من‬
‫اختالق ٍ‬
‫ِّ‬ ‫املعتقدات الدينية املتباينة‪ ".‬وبتعريف آخر؛ أييت مبعن‬
‫س ٍة من الدايانت واملعتقدات والثقافات والفلسفات‪ ،‬مع ما بينها من التضارب‬ ‫وأجزاء ُمقتبَ َ‬
‫والتناقض؛ وقد يتم تعديل هذه األجز ِّاء بشكل أو آبخر‪ ،‬وخلطها ومزجها‪.‬‬

‫جذاب لالنتباه‪ ،‬ال شك هي الداينة ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّةُ (‪ )Müslümanlık‬اليت متثِّ ُل‬ ‫ِّ‬
‫إن أح َد األمثلة األكثر ً‬
‫س ِّة‬
‫كاما من املعتقدات اخلليظة‪ .‬وهلذا السبب‪ ،‬فإنه على الرغم من وجود العديد من األجزاء املقتبَ َ‬ ‫ُر ً‬
‫عن اإلسالم خاصة يف املظهر اخلارجي هلذه الداينة (كالوضوء والصالة والصوم واحلج والزكاة‬
‫بتاًت‪ .‬هناك‬ ‫بكل عناصرها‪ ،‬وال عالقة هلا ابإلسالم ً‬ ‫وخمْتَ لَ َقة ِّ‬
‫والتضحية)‪ ،‬فإن هذه الداينةَ ُجمَ َّم َعة ُ‬
‫العديد من األسباب وراء اخرتاع هذا الدين‪ .‬على رغم ما يُ ْعتَ َق ُد أنه كان للجهل املطبق دور رئيس‬
‫يف ظهوره‪ ،‬إال أن معظم أسرار هذه الداينة اليت ما زالت ختتفي ور ِّاء ضباب التاريخ‪ ،‬بعضها الذي‬
‫سبب أكثر خطورةً‪ .‬لكنه ال ميكن حصر هذه املشكلة ذات‬ ‫تسرب يف األوان األخرية تشري إىل ٍ‬
‫الوجوه املتعددة يف عدة أسطر أو حىت يف عدة مقاالت‪ ،‬وال ميكن اإلحاطةُ بِّ ُك ْن ِّه هذه األسرار إال‬
‫بعد العثور على أجزائها املتناثرة على صفحات آالف من املخطوطات والواثئق األثرية‪.‬‬

‫َّ‬
‫إن أمهية دراسة هذه املسألة تتسم ابألولوية يف الظروف احلالية‪ .‬وملاذا؟ لإلجابة على هذا السؤال‪،‬‬
‫جيب علينا أوالً الرتكيز على عامل الدين ودوره احلاسم يف توجيه األمة الرتكية من خالل حبث علمي‬
‫ئما يف طليعة العوامل‬
‫أساسي شامل حول الطبيعة االجتماعية لألتراك‪ ..‬يف واقع األمر‪ ،‬كان الدين دا ً‬
‫حنو حتقيق أهدافهم عرب التاريخ‪َ .‬مثَّ‬
‫اليت أاثرت األتراك يف اجملاالت السياسية واالجتماعية ودفعتهم َ‬

‫‪ 2‬هذا املصطلح يعرب عن التوفيقية بني عناصر خمتلفة املصدر وائتالفها ويظهر يف سياقات مثل "األداين التوفيقية" ‪" ،‬اجملتمعات التوفيقية" ‪ ،‬وحىت "املوسيقى‬
‫ضا على تطبيق حمدد يف علم اللغة ‪ ،‬حيث يشري إىل اندماج األشكال‬
‫التوفيقية" وكلها تصف األشياء اليت تتأثر بطريقتني أو أكثر أو التقاليد‪ :‬حتتوي الكلمة أي ً‬
‫النحوية‪https://www.merriam-webster.com/dictionary/syncretic .‬املصدر‪:‬‬
‫شيوعا يف تركيا هو اإلسالم‪ ،‬وأن‬
‫ً‬ ‫إدعاء يزعم القائلون به كما هو معروف "أن الداينة األكثر‬
‫السجالت واإلحصاءات السكانية تُظ ِّْهر ذلك‪ ".‬وهذا يف واقع األمر ليس من احلقيقة يف ٍ‬
‫شيء‬ ‫ُ‬
‫شيوعا يف هذا البلد (ابللغتني الرتكية والكردية)‪ ،‬واسم‬
‫على اإلطالق‪ .‬ألن اسم دين آخر هو األكثر ً‬
‫هذا الدين يف اللغة الرتكية هو »‪ ،«Müslümanlık‬ويف اللغة الكردية هو »‪ «Musulmani‬وليس‬
‫هو اإلسالم!‬

‫على الرغم من كل هذه األشكال املختلفة يف النطق واألطروحات‪" ،‬إبن «‪ »Müslümanlık‬هو‬


‫ٍ‬
‫بصيغة‬ ‫اإلسالم‪ ،"،‬فإن هذا اإلدعاء ال ميت بصلة إىل احلقيقة‪ .‬بل قد ورد البيان يف القرآن الكرمي‬
‫ين الذي ارتضاه للا هو (اإلسالم) فحسب‪ .‬يدل على ذلك أن‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ٍ‬
‫واضحة ومؤكدة للغاية‪ ،‬على أن الد َ‬
‫بلغات أجنبي ٍة (إذ‬
‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫الكرمي‬ ‫ِّ‬
‫القرآن‬ ‫ِّ‬
‫ترمجات‬ ‫مجيع‬ ‫ِّ‬
‫الصيغة يف ِّ‬ ‫وردت كما هي بنفس‬‫ْ‬ ‫كلمةَ (اإلسالم) قد‬
‫آداب الرتمجة يف ِّ‬
‫إبقاء كلمة‬ ‫ِّ‬ ‫جانب‬ ‫أي لغة)‪ ،‬بل التزم املرتمجون‬ ‫اسم هذا الدين إىل ِّ‬
‫َ‬ ‫َل يَُْرت َج ْم ُ‬
‫(اإلسالم) على أصلها دون أن يتعمدوا ترمجتَها إىل لغة أجنبية‪ ،‬ملا يف ذلك من حتريف فاحش‪،‬‬
‫ِّ‬
‫عكس املرتمجني‬ ‫األجانب (على‬
‫ُ‬ ‫وتضليل ساقط‪ ،‬وخمالفة للمبادئ العلمية‪ .‬لقد التزم املرتمجون‬
‫الرتمجة يف هذا املوضوع‪ .‬فإهنم َل يرتمجوا كلمةَ (اإلسالم) إىل »‪«Müslümanlık‬‬ ‫ِّ‬ ‫األتراك) بقو ِّ‬
‫اعد‬
‫(م ْسلِّم) ابسم »‪ ،«Müslüman‬بل قد التزموا ابلقواعد العلمية واألكادميية‪.‬‬
‫وال كلمةَ ُ‬

‫من املثري أن كلمة (اإلسالم) غري واردة على أصلها الصحيح حىت يف ترمجة القرآن اليت نشرهتا‬
‫رائسة الشؤون الدينية اليت جيب عليها أن تلتزم جانب اجلد واألدب حيال كتاب للا‪ .‬على رغم ما‬
‫ت عن تسمية اإلسالم بكلمة »‪ ،«Müslümanlık‬يف نص الرتمجة اليت نشرها‪ ،‬لكنها‬
‫تور َع ْ‬
‫يبدو أهنا َّ‬
‫ارتكبت جنحة فأوردهتا مع تشويه جزئي على شكل »‪ .«İslâmiyet‬واحلال هذه‪ ،‬فإن لكل من‬
‫ألفاظ‪ ،«İslâm» :‬و»‪ «İslâmiyet‬و»‪ «Müslümanlık‬معن خمتلف‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فأن كلمة‬
‫"اإلسالم" ملا كان اسًا علما على الدين احلنيف خاصا به ومشهورا ج ًدا – فإن ترمجتها غري جائزةٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وف ًقا لقوانني الرتمجة‪ ،‬كما هي خمالفة لنصوص الكتاب والسنة‪.‬‬

‫يتضح عرب هذه احلقائق أن اجملتمع الرتكي قد غرق يف دوامة إىل هذا الدرك اخلطري من الفوضى‪،‬‬
‫وحىت يف مسألة الدين الذي يعتنقه؛ تُرى كيف استقبل األتراك اإلسالم قبل ألف عام‪ ،‬وكيف أدركوه‬
‫وم ِّن الذين بلَّغوهم رسالةَ هذا الدين؟‪ ..‬إن هذه األسئلة تفرض نفسها على حممل‬ ‫وفهموا تعاليمه‪َ ،‬‬
‫األكثر ِّدقَّةً على هذا األسئلة يف عبارات أحد األكادمييني املشهورين‬
‫َ‬ ‫اجلد هنا‪ .‬رمبا جند اإلجابةَ‬
‫سقة واملوثوقة‪ .‬وإن َك ْو َن هذه الشخصية من العنصر الرتكي مما يُلغي أي رأي خيالف‬ ‫أبحباثه املن َّ‬
‫خاص ٍة‪َّ .‬‬
‫إن بيا َن املؤلف الذي يقوم مقام اإلجابة على األسئلة السابقة هو كما‬ ‫َّسم ِّ‬
‫أبمهيَّ ٍة َّ‬ ‫ِّ‬
‫احلياد‪ ،‬ويت ُ‬
‫يلي‪:‬‬

‫اك يف الفرتة املبكِّرة من ًترخيهم قد اقتبسوا العدي َد من ِّ‬


‫القيَ ِّم اإلسالمية من األعجام (أي‬ ‫" َّ‬
‫إن األتر َ‬
‫من عناصر إيرانية)‪ ،‬وليس من العرب مباشرةً‪ .‬حيث أن احلضارة اإلسالمية كانت تصل إىل ماوراء‬
‫‪3‬‬
‫كز حضارةِّ ال ُفرس‪".‬‬‫النهر (املنطقة الرتكية) عن طريق ُخ َر َسا َن اليت كانت مر َ‬

‫واآلن‪ ،‬يتبادر إىل الذهن سؤال آخر حول كيفية قيام اإليرانيني بنقل اإلسالم إىل األتراك‪ .‬ميكن‬
‫ضا من كلمات الباحث نفسه‪ .‬يقول فيما يلي‪:‬‬ ‫استخالص اإل ِّ‬
‫جابة على هذا السؤال أي ً‬ ‫ُ‬

‫"نظر الفرس إىل احلسني بن علي وأبنائه بعني القومية اإليرانية ابعتبارهم ورثةً للساسانيني‪ ،‬وحتت‬
‫ٍ‬
‫ضرابت قاصمةً على القومية العربية والدين اإلسالمي‪،‬‬ ‫قناع الدفاع عن حقوق أهل البيت أنزلوا‬
‫فإثبتوا بذلك أنه ال ميكن تدمري حضارة قدمية بسهولة‪ ،‬وذلك بدس العقائد الزرادشتية حتت ستار‬
‫‪4‬‬
‫اإلسالم‪".‬‬

‫البعض من قبيل تنويهات أو تعليقات غري‬ ‫ُ‬ ‫على الرغم من موثوقية هذه املعلومات‪ ،‬قد يَعتربها‬
‫وجهة نظ ٍر شخصي ٍة حبتة‪ ،‬لكنها ليست إالَّ نتاج حبو ٍ‬
‫ث علمية متينة يف‬ ‫جديرة ابالهتمام‪ ،‬أو يعدُّها ك ِّ‬
‫الواقع‪ .‬وقد أُثبِّتَ ْ‬
‫ت يف ضوء ما مت حياكتُهُ يف تنسيق هذا الدين وتركيبه من أجزاءَ متضافرة اقتبسها‬
‫أشخاص من عقائد امللل والنحل‪ ،‬ومن أشكال طقوسها وتعبُّ ِّد َها‪ ،‬فمزجوا بعضها يف بعض بطر ِّ‬
‫يقة‬
‫مشروع هذه الداينة أهنا‬ ‫ت الدقيقةُ حول‬ ‫نبئ التحليال ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ِّ‬ ‫والتأويل والتحريف‪ ...‬تُ ُ‬ ‫والعديل‬ ‫التكييف‬
‫ث‬‫ثالثة استقى منها املتآمرون يف ختطيطها‪ .‬وهي‪ :‬التصوف‪ ،‬والعصبية القومية‪ ،‬والتشبُّ ُ‬‫وليدةُ عوامل ٍ‬
‫َ‬
‫مبعتقدات األسالف‪ .‬هذه العوامل الثالثة اليت دامت تُغَ ِّذي «املسلمانيةَ الرتكيَّةَ» طيلة ألف عام‪،‬‬
‫تربهن على أن تقديس املوتى كان من أهم معتقدات األتراك قبل اإلسالم‪ ،‬فهو حمور التقاليد عندهم‬

‫‪ 3‬راجع‪Ord. Prof. Dr. Fuad Köprülü, Türk Edebiyatında İlk Mutasavvıflar, Diyanet İşleri :‬‬
‫‪Başkanlığı yayınları, 8. publishing. Pg. 21. Ankara-1993.‬‬

‫املرجع نفسه ص‪.15/‬‬ ‫‪4‬‬


‫وأساس القومية والعصبية‪ ،‬هلذا املعتقد أمهية كبرية يف ظهور هذه الداينة‪ .‬لذا كان للتنبؤات والكهانة‬
‫املعروفة ابسم (كرامات األولياء) أثر كبري يف تطوير هذه الداينة ونشر الوثنية عرب األلفية األخرية‪.‬‬

‫إفسادهِّ وحتر ِّ‬


‫يف قِّيَ ِّم ِّه مع الزمان ومن‬ ‫ِّ‬ ‫حتو َل إىل ‪ Müslümanlık‬عن طريق‬
‫اإلسالم قد َّ‬
‫َ‬ ‫القول َّ‬
‫أبن‬ ‫إن َ‬ ‫َّ‬
‫صحيحا من الناحية النظرية ‪-‬‬ ‫ً‬ ‫خالل محالت تضليلية وما شاكلها من إدعاءات‪ ...‬قد يبدو ذلك‬
‫لكنه ال يستقيم مع احلقائق التارخيية املكتومة‪ .‬بل إن ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّةَ )‪ (Müslümanlık‬هى مؤامرة‬
‫أثرا للددولة الساسانية اليت قضى عليها‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫الفرس ألول مرة‪ً ،‬‬ ‫خطرية قام بتخطيطها وتنفيذها زاندقةُ‬
‫الصحابة يف عهد عمر بن اخلطاب رضي للا عنه‪ ،‬مث اقتدى هبم نَ َفر من زاندقة األتراك‬ ‫ِّ‬ ‫جيل‬
‫ُ‬
‫دايانهتم القدمية (كالبوذية والشامانية والزرادشتية) لتكون داينةً‬ ‫ِّ‬ ‫فنسجوها وكيفوها على غرار‬
‫ت هذه احلقيقة بوضوح‪ .‬يف الواقع هناك الكثري من‬ ‫إن البحوث الدقيقة تُثْبِّ ُ‬ ‫مستقلةً عن اإلسالم‪َّ .‬‬
‫س ْل َمانِّيَّ ِّة الفارسية ‪-‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫لم َ‬
‫تبعا ل ُ‬
‫مهدت لبناء هيكلة ال ُْم ْسلُ َمانيَّة الرتكي – ً‬ ‫األدلة حول األحداث اليت َّ‬
‫وقوي يعود إىل فرتةٍ مبكِّرةٍ من ِّ‬
‫ًتريح األتراك‪:‬‬ ‫كدين مستقل عن اإلسالم‪ .‬وفيما يلي دليل واضح ِّ‬

‫رجل صويف روحاين من األتراك مشهور بلقب "نقشبند" ولد يف خبارى عام ‪1318‬م‪ .‬ورد يف مصادر‬
‫جدتِِّّه وهو طفل يومئذ‪ ،‬أنه رآها ذات ليلة يف منامه وهي تنصحه قائلةً‪:‬‬
‫قص على َّ‬
‫النقشبنديني أنه َّ‬

‫تنال حظا من شيوخ األتراك!"‬


‫َن‪ ،‬سوف ُ‬
‫"‪ -‬اي بُ ََّ‬

‫ك هم شيوخ من األتراك وليسوا من‬


‫ك ويُوجهونَ َ‬
‫وهذه الكلمات معناها‪" :‬أن الذين سوف يُ َربُّونَ َ‬
‫غريهم من العرب وال ُفرس!‪".‬‬

‫فه ُم من هذه األلفاظ بسهولة‪ :‬أن فكرة املثالية الرتكية قد َمحَّلَت الطريقةَ النقشبنديةَ دوًرا هاما قبل‬
‫يُ َ‬
‫مستقل يتأقلم مع طبيعة اجملتمع الرتكي‪ .‬إن هذا‬ ‫ٍ‬ ‫قالب‬ ‫ِّ‬
‫اإلسالم َّي يف ٍ‬ ‫الدين‬ ‫مثانية ٍ‬
‫تصب َ‬ ‫َّ‬ ‫قرون لكي‬
‫النموزج يربهن على أن نزعيت الصوفية والعصبية قد امتزجتا ألجل اإلنتاج املشرتك يف ضمري اجملتمع‬
‫الرتكي منذ قرون‪.‬‬

‫تعرفِّهم على اإلسالم قد انطلقوا من الروح الصويف‬


‫يبدو واض ًحا أن األتراك يف الوهلة األوىل من ُّ‬
‫املتشددة الر ِّ‬
‫اسخة يف ضمائرهم‪ ،‬فنظروا إىل اإلسالم على أنه داينة خاصة ابلعرب‬ ‫ِّ‬ ‫والنزعة القومية‬
‫متاما من البوذية والشامانية اللَّتني‬ ‫وحسب‪ .‬وهلذا من الصعب جدا اليقني أبهنم قد حلوا ربقتهم ً‬
‫كانوا يعتنقوهنما قدميا‪ .‬كما ال يُستبعد أهنم قد احتفظوا ابلكثري من معتقداهتم القدمية من هاتني‬
‫الداينتني‪ ،‬ابإلضافة إىل ما قد اقتبسوا من اليهودية واملسيحية واإلسالم وأنشؤوا هيكلة ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة‬
‫الرتكية اليت سوها ‪ Müslümanlık‬من هذه األجزاء املمزوجة‪.‬‬

‫ت مع األتراك منذ ألف سنة (مثل‬ ‫ٍ‬


‫جمموعات عرقيةً خمتلفةً يف هذه املنطقة اجلغرافيا اليت عاش ْ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫ضا قد اعتنقوا هذه‬‫األكراد والشراكسة والعرب القاطنني يف املنطقة اجلنوبية منذ قرون) هم أي ً‬
‫أس هذه اجلماعات من حيث الكثافة السكانية‪.‬‬ ‫الداينة‪ .‬وأييت األكراد خباصة على ر ِّ‬

‫من اجلدير ابإلشارة أن مصطلحي »‪ «Müslümanlık‬و »‪َ ،«Müslüman‬ل جيراين أب ًدا على ألسنة‬
‫العرب يف املاضي وال يف أايمنا احلالية‪ ،‬كما ال علم هلم عن استخدام األتراك هلما‪ .‬فال يَعلم اإلنسا ُن‬
‫اإلسالم »‪ ،«Müslümanlık‬يف حني َّ‬
‫أن‬ ‫َ‬ ‫يسم ْون‬ ‫العرب (وحىت كثري من علماءُ العرب) َّ‬
‫أن األتراك َّ‬ ‫ِّ ُّ‬
‫طرح‬ ‫ِِّّ‬ ‫كي ِّ‬
‫يعربُ عن انتمائه الديَن بقوله‪ :‬أان ُم ْسلُمان »‪ .«Ben Müslümanım‬وَل يتم ُ‬ ‫اإلنسا َن الرت َّ‬
‫ِّ‬
‫املسألة للنقاش يف البيئات العربية حىت اليوم‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد انتشرت ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّةُ الرتكيةُ على‬ ‫هذه‬
‫لقرون اليت كانت فيها دولتا السلجوقية‬ ‫خالل ا ِّ‬
‫َ‬ ‫نطاق واسع خاصةً يف مصر وسوراي والعراق‬
‫العرب على مسرح التاريخ‪ .‬مث تطورت هذه املعتقدات اخلليطة لألتراك مبرور‬ ‫والعثمانية حتكمان العاَلَ ِّ َّ‬
‫داينة قوميَّ ٍة َّ‬
‫تسمى (املسلمانيةَ الرتكيَّةَ األانضوليَّةَ) على مدار ألف عام‬ ‫قالب ٍ‬ ‫ت يف ِّ‬ ‫الوقت‪ ،‬فتجسد ْ‬
‫املاضية‪.‬‬

‫أما ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّةُ الرتكيةُ األانضوليةُ هذه‪ ،‬فإن عبادةَ املوتَى تُ ْعتَ َربُ من أهم ميِّزاهتا‪ .‬إن هذه الداينة‬
‫والصوم‬
‫َ‬ ‫اس ِّه‪ ...‬لذا فإن الصالةَ‬ ‫ِّ‬
‫وختليد ِّ‬ ‫وأتليه ِّه‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫قائمة يف أصلها على تقديس اإلنسان ِّ‬
‫امليت‪،‬‬
‫والنوافل وأمثا َهلا من املناسك‪ ،‬كذلك الفضائل اإلنسانية كاإلهتمام‬ ‫َ‬ ‫واحلج‪ ،‬والزكاةَ والتضحيةَ‬ ‫َّ‬
‫ابلنظافة‪ ،‬وإغاثة امللهوف‪ ،‬وإكرام الضيف‪ ،‬كلها مأخوذة من اإلسالم‪ .‬أما الذين قاموا يف بداية‬
‫األمر بتخطيط هذا املشروع وتصميمه وتنسيقه بغرض التفريق بني اجملتمع الرتكي والعرب يف التدين‬
‫والتعبد‪ ،‬ال بد وأهنم قد احتفظوا أبسرا ٍر كتموها وحالفتهم الظروف حىت غفل عنهم العلماءُ وأولو‬
‫عام ِّة الناس من اجملتمع وبني هؤالء املتآمرين‪ ،‬ودامت ال ِّس ِّريَّةُ ً‬
‫قروان‬ ‫حالت ِّس ِّريَّةُ ِّ‬
‫األمر بني َّ‬ ‫ْ‬ ‫األمر‪ ،‬مث‬
‫نفرا قليال من قدمائهم تواطؤوا يومئذ فيما بينهم‬
‫حىت أصبح ال يكاد أحد من األتراك اليوم يعلم أن ً‬
‫على حياكة هذه املؤامرة لتدمري اإلسالم‪ .‬ابإلضافة إىل أن هذه الغفلة قد دفعهم حىت إىل تقديس‬
‫أفراد تلك العصابة‪ ،‬كما سوف نكشف القناع عن وجوههم فيما يلي إن شاء للا تعاىل‪.‬‬

‫نددون مبثل هذه‬ ‫ِّ‬


‫البسطاء ي ِّ‬ ‫كثريا من‬ ‫مشاكل خطريةً‪ ،‬منها‪َّ :‬‬
‫ُ‬ ‫أن ً‬ ‫َ‬ ‫إن هذه املعضلة قد خلقت‬
‫جهودا‬
‫ً‬ ‫اإلفشاءات عن احلقائق التارخيية ُّ‬
‫ويعدوهنا "من الظلم واحلط من كرامة األترك الذين قد بذلوا‬
‫جبارةً يف نشر لواء اإلسالم وجنحو يف جهادهم وفتوحاهتم وما إىل ذلك‪ "...‬إمنا خيطئ هؤالء يف أن‬
‫أبسرهِّ على وجه التعميم‬‫احتقار هذا اجملتمع ِّ‬ ‫َ‬ ‫الكشف عن حماوالت مجاعة من زاندقة األتراك ال يعَن‬
‫املساس بكرامتِّ ِّه ْم‪ .‬بل جيب يف الوقت ذاته القيام ابلدفاع تكذيبًا هلذا‬ ‫َ‬ ‫شأهنِّ ْم وال‬
‫احلط من ِّ‬ ‫أب ًدا‪ ،‬وال َّ‬
‫عد وال ُحيصى من املؤمنني‬ ‫شك قد نشأ بني ظهرانيهم ما ال يُ ُّ‬ ‫اك وال َّ‬ ‫البهتان السافر أبن األتر َ‬
‫اه ُدوا‬ ‫الصادقني يف إمياهنم‪ ،‬ومن اجملاهدين والعلماء والعباقرة والصاحلني؛ ومنهم " ِّر َجال َ‬
‫ص َدقُوا َما َع َ‬
‫ضى َْحنبَهُ َوِّم ْن ُه ْم َم ْن يَ ْن تَ ِّظ ُر َوَما بَ َّدلُوا تَ ْب ِّد ًيال‪.‬‬‫اَّللَ َعلَْي ِّه فَ ِّم ْن ُه ْم َم ْن قَ َ‬
‫َّ‬

‫على قاعدتني رئيستني يف مرحلة أنشاء هيكلتها‪.‬‬ ‫الرتكِّيَّ ِّة‬ ‫ِّ ِّ‬
‫لقد مت بناءُ الْ ُم ْسلُ َمانيَّة ُّْ‬
‫(‪)Müslümanlık‬‬

‫ومها‪ :‬الطبيعة القومية‪ ،‬والتقليد الوثَن‪ ..‬ميكننا أن نتطرق ابختصار إىل األدلة اليت تربهن على أن‬
‫القارئ يف صحة هذا اإلسناد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ك‬‫ش َّ‬
‫ت على هاتني القاعدتني حىت ال يَ ُ‬ ‫املُ ْسلُ َمانِّيَّةَ الرتكيةَ قد بُنِّيَ ْ‬

‫‪ )1‬التوفيق بني الدين اإلسالمي والقومية الرتكية‪.‬‬

‫إن األتراك منذ أايم دخوهلم إىل حظرية اإلسالم (؟)‪ ،‬حتولوا على الفور إىل اجتاه معاكس يتمثل يف‬
‫نزعة ابطنية‪ -‬قومية (ولكن ابسم هذا الدين اجلديد يف الوقت ذاته‪ ).‬يبدو أن هذا التحول قد جتلَّى‬
‫نيب من أصل تركي‪ .‬لقد جنح األتراك قبل قرون يف إشباع هذا التله ِّ‬
‫ُّف‬ ‫شو ٍق إىل ٍ‬
‫يف البداية كت ُّ‬
‫مقاما من األنبياء (هذا هو اعتقاد ُنْبَ ٍة من كبار شيوخ‬ ‫ِّ‬
‫يه ْم (أوليائ ِّه ْم) أهنم أعلى ً‬
‫ابعتقادهم يف قِّ ِّد ِّ‬
‫يس ِّ‬
‫تفوهَ هبا قدماءُ القوم‬
‫ظ اخلطريةَ اليت قد َّ‬ ‫النقشبندية األتراك خباصة وإن كتموها تقيةً!)‪َّ .‬‬
‫إن هذه األلفا َ‬
‫ب يف‬ ‫ت يف طي الكتمان على سبيل التقيَّ ِّة‪ ،‬تربهن بصراحة على حن ٍ‬
‫ني يَ ُد ُّ‬ ‫مرحلة مبكِّرةٍ قد ظلَّ ْ‬‫ٍ‬ ‫يف‬
‫أصل تُ ْركِّ ٍي‪ ،‬كما يشري إىل حقائق كثرية يصعب شرحها؛ وهذه ترمجة نصها‬ ‫قلوهبم إىل نَِّ ٍيب من ٍ‬
‫املنقول من اللغة الرتكية القدمية‪:‬‬
‫"أن الوالية ( يعَن‪ :‬املرتبة املعنوية اليت يصعد إليه الويل) هي مقام الشخص الذي ينصهر يف ذات‬
‫للا (عقب جماهداته الروحية اليت ال تُطاق)‪ .‬هذا املقام هو أعلى من مقام األنبياء‪ .‬على أي حال‬
‫منصب النبوة‬ ‫كل ويل‪ ،‬ال حمالة قد انل‬
‫أن َّ‬ ‫ِّ‬
‫األنبياء قد فازوا مبقام الوالية‪ ،‬إالَّ َّ‬ ‫عددا قليالً من‬
‫َ‬ ‫فإن ً‬
‫‪5‬‬
‫التعريفية والتبليغية‪".‬‬

‫دما تركيا – على‬


‫إن هذه الكلمات اليت تتحدث يف صميمها عن احلنني إىل نيب حيمل يف عروقه ً‬
‫فرض أهنا وإن عادت إىل فرتة متأخرة – لكنها يف احلقيقة مستوحاة من أحد كبار الصوفيني األتراك‬
‫ِّ‬
‫األلفاظ‬ ‫يُدعى فريد الدين العطار الذي قد مات قبل حوايل ‪ 900‬عام‪َّ .‬‬
‫إن التجرَؤ على النطق هبذه‬
‫عد واح ًدا من‬‫متاما‪ .‬وهذا يُ ُّ‬
‫اإلسالم من اعتباره ً‬
‫َ‬ ‫اخلطرية‪ ،‬ال شك أييت مبعن‪ :‬أن قائلَها قد ألغى‬
‫القناع عن وجه الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة «‪ »Müslümanlık‬على أهنا داينة خمتلَ َقة ومستقلة‬
‫َ‬ ‫الرباهني اليت يكشف‬
‫عن اإلسالم‪.‬‬

‫‪ )2‬اعتماد التصوف بدال من القرآن‪.‬‬

‫فلما فوجؤوا ابإلسالم‪ ،‬وعلموا‬


‫كان األتراك قبل اإلسالم حتت أتثري الثقافة الوثنية الصينية واهلندية‪َّ .‬‬
‫تعاليم ِّه‪ ،‬كما َل‬
‫أنه ال صلة هلذا الدين ابألساطري‪ ،‬يف احلني الذي َل تكن عقليتهم يومئذ تتماشى مع ِّ‬
‫يكونوا ميتلكون خلفيةً من العلوم واملعارف من شأهنا أن تقودهم إىل استيعاب مدى هذا الدين‬
‫العاملي البديع‪ ،‬انسحبوا وراءَ فئة من الدجاجلة الذين زيَّنوا هلم داينةً شبيهةً ابإلسالم من ظاهره‪،‬‬
‫جديرا‬
‫فلم يتنبَّهوا إىل هذه املؤامرة يف أايم نشوئها‪ .‬يف الواقع‪ ،‬ليس هناك من املعطيات ما يكون ً‬
‫ابلثقة يربهن على َّ‬
‫أن األتراك كانوا يعرفون القراءة والكتابة قبل اإلسالم‪ .‬لذلك ملا اصطدموا‬
‫وأحسوا ٍ‬
‫بعناء شديد يف فهمه والتفاعل معه‪ ،‬بنوا‬ ‫ُّ‬ ‫ابإلسالم املنهجي الذي جاء به القرآن الكرمي‬
‫ِّ‬
‫وحكاايت الصوفية‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫خيالية للروحانيِّني‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ورواايت‬ ‫قائما على قصص املالحم‪،‬‬ ‫ألنفسهم دينًا قوميا ً‬
‫أن موق َفهم هذا من األسالم‬‫فأطلقوا عليه اسم ‪ .Müslümanlık‬أي (ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّة) ويغلب الظن َّ‬
‫إمنا أسفر (يف حقيقة األمر) عن صعوبة فهمهم للتسامح احملدود يف اإلسالم‪ ،‬ابملقارنة مع‬
‫ِّ‬
‫امتداد‬ ‫حدود فيه للتسامح‪ ،‬وهذا املوقف َح َّد من‬
‫َ‬ ‫الْمسلُمانِّيَّ ِّة املستمدَّةِّ من التصو ِّ‬
‫ف الذي ال‬ ‫ُْ َ‬

‫وهذا نص كالمه ابللغة الرتكية مع ذكر املصدر‪:‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪«Velâyet, fenâya varmış kimsenin hâlidir. Nübüvvet mertebesinden uludur. Bazı enbiyâ hazerâtı‬‬
‫‪velâyete de sâhib olmuşlardır. Lâkin her velîde nübüvvet-i tarifiyye veya tebliğiyye mevcûd‬‬
‫‪olagelmiştir.» Hasan Lütfü Şuşud, İslâm Tasavvufunda Menakıb-ı Evliyâ, s, 163 İstanbul-1958.‬‬
‫بد هنا من اإلشارة إىل أن‬ ‫اإلسالم إىل جماالت احلياة االجتماعية ككل يف البيئة الرتكية‪ .‬فال َّ‬
‫والصواب واخلطأ‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫تشتمل على احلق والباطل‪ ،‬واحلالل واحلرام‪،‬‬ ‫بتساحم ِّه الالَّ ِّ‬
‫حمدود‬ ‫ُِّ‬ ‫الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّةَ‬
‫ُ‬
‫ضا إىل أن الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّةَ اليت‬ ‫جتدر اإلشارةُ أي ً‬
‫والصاحل والفاسد‪ ،‬والواقع واملوهوم يف آن وحد‪ُ .‬‬
‫أصبحت داينةً مستقلةً عن اإلسالم‪ ،‬حىت لو أهنا تظهر للصورة يف لباس اإلسالم‪ ،‬فهي يف احلقيقة‬
‫عبارة عن ِّدي ٍن حمصوٍر بني جدران املساجد وأسوار املقابر‪ .‬كانت (الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّةُ) هكذا على مدى‬
‫ًترخيها‪ ،‬خاصة منذ املائيت سنة السابقة‪.‬‬

‫ِّ‬
‫ابلنداء إىل التسامح بني األتراك من منطلق التصوف الذي هو يف‬ ‫اف يف رفع الصوت‬
‫لقد بلغ اإلسر ُ‬
‫احلقيقة فلسفة روحية مستقلة عن اإلسالم‪ ،‬كما َل يرد لفظُهُ يف القرآن الكرمي ولو مرة واحدة؛ بلغ‬
‫الغلو حبيث غاب اإلسالم حتت وطأة هذا اللغط واالضطراب‪ ،‬لذلك‪،‬‬ ‫هذا اإلسراف إىل درجة من ِّ‬
‫اإلسالم يف مفهوم العامة إىل دين قاس وعنيف‪ ،‬خباصة يف خميِّلة املفكر الرتكي (على‬
‫ُ‬ ‫حتول‬‫فقد َّ‬
‫عكس الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة)‪ .‬إن البهتان العتيد املتمثل يف "اإلرهاب اإلسالمي" املُختلَق‪ ،‬الذي انتشر َّ‬
‫مؤخراً‬
‫يف العاَل اخلارجي‪ ،‬إمنا كان بدافع هذا التصور اخلاطئ‪ .‬وإليكم اآلن مثال صارخ على التسامح‬
‫الذي يدعو إليه التصوف‪ ،‬والذي أبعد اإلسالم عن املسرح يف األوساط الرتكية منذ قرون‪.‬‬

‫كنت‪ ،‬أقْبِّ ْل مرة أخرى ‪...‬‬


‫أقبِّ ْل‪ ،‬أقبِّ ْل‪ ،‬أاي ما َ‬
‫النار‪ ،‬أقْبِّ ْل مرة أخرى‪.‬‬
‫كافرا أو عاب َد ِّ‬
‫كنت ً‬‫سواء َ‬
‫ابب ِّ‬
‫اليأس أب ًدا‪،‬‬ ‫اببُنَا هذا ليس َ‬
‫‪6‬‬
‫ك مائةَ مرة ‪ ،‬أقْبِّ ْل مرة أخرى‪.‬‬
‫نقضت توبتَ َ‬
‫َ‬ ‫ولو‬

‫وهذه هي األبيات الفارسية األصلية للمقطع الشعري املذكور‪:‬‬ ‫‪6‬‬

‫ابز آ ابز آ هر آنچه هستی ابز آ * گر کافر و گرب و بتپرستی ابز‬


‫اين درگه ما درگه نوميدی نيست * صد ابر اگر توبه شکستی ابز آ‬

‫ب إىل جالل الدين الرومي‪ ،‬إهنا يف الواقع ليست من أقواله‪ ،‬بل هي كلمات الشاعر الصويف اإليراين‪ ،‬أبو سعيد فضل للا‬
‫نس ُ‬
‫هذه الكلمات اليت تُ َ‬
‫بن أب اخلري أمحد بن حممد امليهَن‪ ،‬الذي عاش بني عامي ‪1049-967‬م‪ .‬وملا َل يكن األتراك جمتمع معرفة‪ ،‬فإن احلشود العادية منهم كثريا ما‬
‫يقعون يف مثل هذا األخطاء‪ ،‬مثلما التبس عليهم اإلسالم ابملسلمانية ‪!Müslümanlık‬‬
‫ورسخت يف‬
‫ْ‬ ‫مؤس ِّس ٍي شائ ٍع‬
‫املعتقدات الصوفيةُ إىل طاب ٍع َّ‬
‫ُ‬ ‫األمر مع الزمان وحتولت‬ ‫تطوَر ُ‬ ‫ول ََّما َّ‬
‫اجلاليات الرتكيةَّ يف اجتاهٍ من اإلشراك ابهلل مثل ما‬
‫ِّ‬ ‫اجلمهور‪ ،‬أصبحت منذ قرون تُ َوجهُ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫غالبية‬ ‫ِّ‬
‫ضمائر‬
‫كانوا عليه قبل اإلسالم‪ .‬فولِّ َد ِّ‬
‫ت الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّةُ الوثنيةُ الرتكيةُ قبيل غزوات املغول واستيالئهم على‬ ‫ُ‬
‫ِّ‬
‫مقوالت الروحانيِّني األتراك املشهورين‪ ،‬أييت على‬ ‫ثر و‬‫بالد ماوراء النهر‪ ..‬هذه الداينة تتمثيل يف مآ ِّ‬
‫س ِّوي‪ ،‬وعبد اخلالق الغجدواين‪ ،‬وحممد هباء الدين البخاري (الذي يعد مؤسس الطريقة‬ ‫رأسهم أمحد يَ َ‬
‫النقشبندية)‪ ،‬وعبيد للا األحرار‪ ،‬وأمحد السرهندي‪ ،‬واحلاج بكتاش ويل‪ ،‬وجالل الدين رومي‬
‫ومتتد القائمةُ هكذا‪ ...‬إن الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّةَ املنتشرة‬
‫(املعروف بني األتراك ابسم موالان) ويونس أ ْم َرْه‪ُّ ،‬‬
‫على الساحة الرتكية اليوم ُّ‬
‫تعد ُشعبةً من هذه الداينة‪.‬‬

‫مانعا من ارتكاب املعصية واإلصرار عليها إطالقًا كما مر ذلك يف‬ ‫أن العقيدة الصوفية ال ترى ً‬
‫مقوالت أب سعيد أمحد بن حممد امليهَن (املعزو إىل جالل الدين الرومي)‪ .‬فاملذنب يكفيه أن يتوب‬
‫إىل ربه بعد كل خطيئة أو جرمية ارتكبها ولو أعادها مرارا دون هوادة‪ .‬عالوة على ذلك فإن جالل‬
‫الدين الرومي الصويف الذي شاع أنه كان يؤمن بوحدة الوجود‪ ،‬فإن اإلميان ابإلله الواحد ال يبدو‬
‫ضا تسمح له من‬ ‫واضحا يف عقيدته‪ .‬لذا‪ ،‬فإن فلسفة التصوف هكذا تفتح للوافد عليه اباب عري ً‬
‫قحم نفسه يف تفسريات غري حمدودة حول الذات اإلهلية‪ .‬ويبدو أن فكرة تعدد اآلهلة يف‬ ‫خالله أن ي ِّ‬
‫ُ‬
‫ِّ‬
‫العقيدة الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّة إمنا هي انبعة من هذه التفسريات الالحمدودة هلؤالء الذين يعتنقون التصوف‪.‬‬

‫مجيع األبواب مغلقة يف اإلسالم أمام أي شكل من أشكال التفكري والتأويل والتفسري فيما يتعلق‬
‫بذات للا سبحانه وصفاته املقدسة إذا كانت تتعارض مع نصوص الكتاب والسنة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن‬
‫التأويالت التجسيمية والتشبيهية يف حق للا‪ ،‬والتأليهية يف حق البشر مسموحة يف التصوف‪.‬‬
‫طئ فيما لو نقول‪ :‬أن هناك العديد من األمثلة على أتليه البشر يف الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة‬
‫وابخلالصة‪ ،‬لن ُن َ‬
‫الرتكية اليت أتخذ روحها من الصوفية بشكل خاص‪.‬‬

‫***‬
‫ابلنسبة لآلاثر اليت قد تركتها الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّةُ الرتكيةُ على احلياة اإلجتماعية‪ ،‬فإنه ابالمكان تصنيف‬
‫خلفياهتا يف ثالثة أشكال من التيارات‪ :‬املذهبية‪ ،‬والتصوف‪ ،‬واإليديولوجية الرسية‪.‬‬

‫‪ )1‬املذهبية‪:‬‬
‫ي (‪ 944-852‬م) العقيدةَ اإلسالميَّةَ منذ قرون‪ ،‬فأقحم‬ ‫ِّ‬
‫السمرقند ُّ‬ ‫ي‬
‫يد ُّ‬‫تناول أبو منصور املاتر ِّ‬ ‫َ‬
‫الس َِِّّن‬‫نفسهُ يف تفصيلها بطريقة جدلية ُمستفي ًدا من إحياءات الفلسفة اليواننية‪ ،‬فاختزل من املذهب ُّ‬ ‫َ‬
‫ات‪ .‬وهذا ما دفع السلفيني ملواجهته حىت‬ ‫ِّ‬
‫العقالنية للمغَيَّ ب ِّ‬ ‫ِّ‬
‫بتأويالته‬ ‫مذها جدي ًدا متميِّ ًزا وأفْ َر َدهُ‬
‫ً‬
‫ُ َ‬
‫كالمي‪ .‬وقد انتشر مذهبُهُ خاصةً بني األتراك‪ ،‬وبلغ متس ُك ُه ْم به إىل حدود ِّ‬
‫الغلو‬ ‫ٌّ‬ ‫َّعوهُ على أنه‬
‫بَد ُ‬
‫َن كمدرسة خاصة‬ ‫الس ِّ َّ‬
‫اإلسالم ُّ‬
‫َ‬ ‫دخلت املاتريديَّةُ‬
‫ْ‬ ‫والتعصب يف عصران على وجه اخلصوص‪ .‬هكذا‬
‫اقي املعاصر له‬ ‫األشعري العر ُّ‬
‫ُّ‬ ‫املدرسة األشعر ِّية اليت أنشأها أبو احلسن‬ ‫ِّ‬ ‫يف العقيدة‪ ،‬إىل جانب‬
‫(‪ .)941-879‬ولكن املاتريديَّةَ ما لبثت حىت تعرضت للتشويه عرب الزمان‪ ،‬فتحولت إىل‬
‫لم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫"الْ َماتُ ِّري َدانيَّة‪ ".‬يف هناية املطاف‪ .‬تَبَ َّن األتراك من هذين املذهبني "املاتريد َّاينيَّةَ" كفلسفة ل ُ‬
‫الرتكيَّ ِّة التوافُِّقيَّ ِّة ‪ ،syncretic‬مذ كانوا يف تركستان اليت هي موطنهم األصلي‪.‬‬

‫إن األتراك ‪ -‬ابلتوازي مع هذا التطور‪ -‬تبنوا املدرسة احلنفية يف الفقه‪ ،‬وهو واحد من املذاهب‬
‫ِّ‬
‫األصل مثل األئمة‬ ‫عرب‬
‫ف هبا عند مجهور أهل السنة‪ ،‬رمبا ألن أب حنيفة َل يكن َّ‬ ‫األربعة املعرت ِّ‬
‫ِّ‬
‫َ‬
‫املذهب للتشو ٍيه حتت ضغط فتاوى‬ ‫ُ‬ ‫تعرض‬ ‫عنصرا فارسيا‪ .‬هذا‪ ،‬وقد َّ‬ ‫ً‬ ‫الثالثة اآلخرين‪ ،‬بل ألنه كان‬
‫عصبية‪ ،‬فتحول إىل ا ْحلَنَ َفانِّيَّ ِّة مع مرور الزمان‪ .‬وهكذا بُنِّيَت‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫قومية‬ ‫ٍ‬
‫بصبغة‬ ‫رجال الدين فاصطبغ‬
‫أساس الْ َماتُ ِّري َدانِّيَّ ِّة يف العقيدة‪ ،‬وعلى أساس ا ْحلَنَ َفانِّيَّ ِّة يف الفقه‪ .‬إن‬
‫ِّ‬ ‫ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّةُ الرتكيةُ على‬
‫املستشرقني احملليني (األتراك) يصفون هذا الدين ب "اإلسالم األرثوذكسي"‪ .‬أييت على رأسهم األستاذ‬
‫الدكتور أمحد ايشار أوجاك‪.‬‬

‫إن ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّةَ الرتكيةَ اليت تعتنقها أكثرية اجملتمع الرتكي واليت بينها وبني اإلسالم فجوة كبرية مع ما‬
‫احلاد بينها وبني التيار العلوي يف الوقت ذاته‪ ،‬ال جيوز وال يستقيم وصفها‬ ‫هناك من اخلالف ِّ‬
‫إلباس‬
‫َ‬ ‫ب "اإلسالم األرثوذكسي" حبجة أهنا تتعارض مع العلوية أو هي بديلة عنها‪ .‬إذ ال َّ‬
‫شك أن‬
‫أن كِّالَ التيَّارين "ال ُّ‬
‫سَن"‬ ‫احلق ابلباطل‪ .‬كما َّ‬
‫إلباس ِّ‬
‫ُ‬ ‫بوجه من الوجوه‪ ،‬معناه‬ ‫اإلسالم ابلْمسلُمانِّيَّ ِّة ٍ‬
‫ِّ ُ ْ َ‬
‫ٍ‬
‫عالقة‬ ‫البحث عن أي‬ ‫العب ِّ‬
‫ث‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ُ‬ ‫و"العلوي" مها شكالن خمتلفان من ال ُْم ْسلُ َمانيَّة الرتكيَّة‪ ..‬لذلك من ََ‬
‫بني هاتني الداينتني وبني إلسالم‪.‬‬

‫ٍ‬
‫علمية بينه وبني اإلسالم ال ُق ْر ِِّّ‬
‫آين‬ ‫جد ٍية‬
‫العلوي؛ فإنه الميكن العثور على أي عالقة ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫أما الت يار‬
‫َن"‪ ،‬تعتمد على‬ ‫"س ِّ ٌّ‬ ‫ِّ‬
‫اخلالص‪ .‬ذلك على الرغم من أن ال ُْم ْسلُ َمانيَّةَ الرتكيَّةَ القوميَّةَ اليت هلا مظهر ُ‬
‫أن العلويةَ تكاد تكون خاليةً من‬ ‫ِّ‬
‫والسنة‪ .‬إال َّ‬ ‫ِّ‬
‫القرآن‬ ‫س ٍة من‬ ‫ٍ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مصطلحات إسالمية كثيفة للغاية ُمقتَ بَ َ‬
‫إن العلويِّني األتراك واألكراد (على عكس الواقع) قد اختذوا من َعلِّي ابن أب ٍ‬
‫طالب‬ ‫هذه امليِّزة‪ .‬مث َّ‬
‫ضوا له من اإلضطهاد والتهميش والسحق من قِّبَ ِّل السنيني‪ ،‬وقد عزلوه عن‬ ‫تعر ُ‬
‫رمزا للتعبري عما َّ‬ ‫ً‬
‫حقيقته اليت تتمثل يف كونه شخصيةً ًترخييةً‪ ،‬فجعلوا منه شخصيةً دينيَّةً حبتةً‪ .‬إن وصف هذه الفكرة‬
‫مذهب‪ ،‬ال تتفق مع املعايري العلمية يف الواقع‪ .‬أما وصف هذه الفكرة كمنهج‬ ‫ٍ‬ ‫الرمزية كدي ٍن أو‬
‫متت بِّ ٍ‬
‫صلة إىل‬ ‫ِّ‬
‫العلوية اليت ال ُّ‬ ‫روحي أو طريقة صوفية‪ ،‬فإن العلويني غري راضني بذلك‪ .‬إن تسميةَ‬
‫العفوي املرَّكب‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫"اإلسالم‬ ‫اإلسالم بوجه من الوجوه وال بعلي ابن أب طالب‪ ،‬تَ ْس ِّميَ تَ ُه ْم هلا ب‬
‫أي قيمة علمية‪ .‬لذلك‪ ،‬من‬ ‫”‪ “Heterodox İslam‬من قِّبَ ِّل بعض األكادمييني األتراك ال متثل َّ‬
‫األصح اعتبار العلوية كتقليد شعيب للرتكمان الفالحني الذين ال يزالون معتنقني للداينة الشامانية‪.‬‬

‫‪ )2‬الصوفيانية‬

‫لقد قام األتراك إبنشاء عديد من الطرائق الصوفية على مدى ًترخيهم بعد تعرفهم على اإلسالم‪.‬‬
‫واجلراحية‬ ‫ريِّميَّ ِّة‪ ،‬واجلولْ َ‬
‫شنِّيَّ ِّة‪ ،‬واملالمية‪ ،‬والشعبانية‪ ،‬واخل ْلوتية‪َّ ،‬‬ ‫كالطريقة النقشبندية‪ ،‬واملولوية‪ ،‬والبَ ْ َ‬
‫وغريها‪ ...‬هذا من دأهبم عرب ماضيهم‪ .‬إهنم يقومون إبنشاء طريقة صوفية جديدة من فرتة ألخرى؛‬
‫كالطريقة النورجية ‪ ،Nurculuk‬اليت تُعزى إىل سعيد النورسي‪ ،‬كذلك العجزمندية ‪،Aczmendilik‬‬
‫اليت ابتدعها متطرف يُدعى مسلوم جندوز ‪ Müslüm Gündüz7‬يف التسعينيات من القرن املنصرم‪،‬‬
‫القبض عليه وعلى عدد من أنصاره‪ ،‬مث‬
‫ُ‬ ‫وأصبح يهدد احلكومة الرتكية‪ ،‬فلم يلبس طويال حىت أُلقي‬
‫ضا‬
‫أمخد النظام أعماهلَم‪ .‬واحلركة اجلولنية ‪ Gülencilik‬أو الفتوشية (اليت أسسها فتح للا جولن) أي ً‬
‫لكن هذه األخرية "تلبَّست ابخليانة ضد حكومة أردوغان" فأُحبط‬
‫عد من هذه الطرائق الصوفية‪َّ .‬‬ ‫يُ ُّ‬
‫أعماهلا هي األخرى‪.‬‬

‫تدافع هذه املنظمات عن أهنا مدارس أخالقية‪ .‬غري أن هذا الدفاع ال أساس له من الصحة‪ ،‬على‬
‫الرغم من أهنا أخذت مصطلحاهتا من الرتاث اإلسالمي‪ .‬هذه املنظمات املشبوهة إمنا هي يف واقع‬
‫ت عليها ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّةُ الرتكية‪.‬‬
‫األمر لَبِّنَات ابطنية ُخمْتَ لَ َقة بُنِّيَ ْ‬

‫رجل متهور طائش عدواين من سكان مدينة معمورة العزيز ‪ ،Elazığ‬مجع حوله زمرة من جهلة الشبان‪ ،‬ظهروا عام ‪1985‬م‪ .‬يبثون الرعب هبيئاهتم‪ ،‬ففزع‬ ‫‪7‬‬

‫منهم العامةُ‪ ،‬وتوجست احلكومة منه خيفةً أن يثريوا الشغب فاعتقلتهم‪ ،‬فاختفوا من غري رجعة‪.‬‬
‫‪ )3‬اإليديولوجية الرسية‬

‫ظهرت يف تركيا داينة رسية مستقلة كأمر واقع وذلك بعد عام ‪1938‬م عقب وفات مصطفى كمال‬
‫فاختبأت وراء ستارها اليت‬
‫ْ‬ ‫الدولة الرتكيَّ ِّة بطقوسها الرسية‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫حتدي ًدا‪ ،‬ومثَّلَ ْ‬
‫ت هذه الداينةُ أيديولوجيةَ‬
‫َّه َم أبهنا داينة يف حقيقتها‪،‬‬ ‫ُِّسيت (األًتتوركية ‪ )Kamalism‬طوال قرن من الزمن لكي ال تُت َ‬
‫فرعا من ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة الرتكية‪ ،‬ولكن يف ثوب‬
‫ت بطريقة أساسية إىل اليوم‪ .‬تُعتَ َربُ هذه الداينةُ ً‬‫واستقر ْ‬
‫َّ‬
‫رسي حبت‪ .‬هذه الداينةُ مستوحاة بشكل أساسي من ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّةَ الرتكيَّ ِّة‪ .‬لعل من األمور امللفتة‬
‫الديَن الذي يزعم معتنقوه أنه قلعة العلمانية‪ ،‬لكنه هو األكثر انتها ًكا‬ ‫َّ‬ ‫وامللفقة؛ أن هذا التيار‬
‫للعلمانية ابملقارنة مع كافة الطرائق الصوفية والتيارات الدينية يف الواقع‪ ،‬إذ هلا معبد عمالق مت‬
‫أنشاؤه ما بني أعوام (‪1953-1944‬م‪ ).‬يف أنقرة كبديل عن كعبة املسلمني يف مكة‪ ،‬وعلى سبيل‬
‫التحدي لالسالم‪ ،‬كما هلذه الداينة األيديولوجية ماليني من املنتسبني املتعصبني يف مجيع ِّ‬
‫أحناء تركيا‪.‬‬
‫اد عند بداية وهناية كل أسبوع حىت املاضي القريب‪.‬‬
‫قام يف مجيع املدارس‪ ،‬وتُ َع ُ‬
‫كانت طقوسها تُ ُ‬

‫إن األيديولوجية القومية الرتكية والسائدة على مستوى اجملتمع الرتكي‪ ،‬هي أصال نتاج "ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة‬
‫أدت إىل فوضى ال‬ ‫الرتكية"‪ ،‬وأن التيارات الدينية والصوفية املنبثقة عن ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة الرتكية قد َّ‬
‫تصدق يف العقيدة والفكر على الساحة الرتكية يف الوقت الراهن‪ .‬إن السلفيِّني اجلهاديِّني الذين‬
‫ظهروا يف السنوات األخرية واثروا " من منطلق القلق حلماية اإلسالم الذي يضمه القرآن بني دفتيه"‬
‫يوما َّما إىل استخدام آلية العنف على غرار أسالفهم اخلوارج‪،‬‬
‫(على حد مزاعمهم!)‪ ،‬إ ْن هم عمدوا ً‬
‫حروب دينيَّ ٍة على الساحة الرتكية حيث‬
‫ٍ‬ ‫اندالع‬
‫ِّ‬ ‫واستهدفوا ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّةَ الرتكية‪ ،‬سيكون ذلك شرارةَ‬
‫ال مفر منها‪.‬‬

‫صفوف مجهوٍر من أهل هذه‬ ‫َ‬ ‫خالقي الذي اجتاح‬ ‫ٍ‬ ‫كان لل ُم ْسلُمانِّيَّ ِّة الرتكيَّ ِّة دور كبري يف االهنيا ٍر األ‬
‫املنطقة يف السنوات األخرية‪ ،‬فإن البالد واجملتمع على وشك من الوقوع يف خطر عظيم‪ .‬وقد يتطور‬
‫هذا اخلطر بشكل غري متوقع ألي سبب‪ .‬وال ُْم ْسلُ َمانِّيَّةُ الرتكيةُ العفويةُ ال ُْمرَّ‬
‫كبَة ‪«Syncretic‬‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫النتيجة بال شك‪.‬‬ ‫»‪ Muslumaism‬سوف تكون هي املمسؤولة يف الْ ُمقام األول عن هذه‬

‫***‬

You might also like