Professional Documents
Culture Documents
Feriduddin AYDIN
feriduddin@gmail.com
ِ متحررين من ِ
نب بِ ِه ،ليس ُكل ُه ْم ِ ِ من الالَّ ِ
الدايانت الدين أو منتسبني إىل أن املؤيِدين للفكر الدميقراط ِي وال ُْم ْع َجبِ َ
فت َّ
وصف َع َّام ِة غ ِري املسلمني
ميتنع من ِ ِ
اإلسالم ،ويعتز به ،وال ُ أن فيهم َم ْن يُِقر ابنتمائِِه إىل القدمية ال ُْم َح َّرفَ ِة ،بل من الغر ِ
يب َّ ِ
هؤالء ابلدميقراطية انشئًا من انبهارهم بكثرة عدد املؤيدين هلا ،غري أن الكثرة ِ إعجاب "ملَّ ِة الْ ُك ْف ِر" .1قد يكون بِ ِ
ُ
واألغلبية ليست دائما دليالً على إثبات احلق وبيان وجه الصواب .تَبهن على هذه احلقيقة قوله تعاىل" :قُ ْل الَ يَ ْستَ ِوي
اخلَبِ ِ اخلَبِ ُ
يث( .املائدة.)100/ ك َكثْ َرةُ ْ يث َوالطَّيِ ُ
ب َول َْو أَ ْع َجبَ َ ْ
فإن عاملًا مسيحيًا (وهو الدكتور حنا لإلسالم يف نظرِتم إىل الدميقراطيَّ ِةَّ ، ِ اإلعجاب الذي يُبديه كثريٌ من املنتسبني ِ ورغم
ْم نَ ْف ِس ِه بِنَ ْف ِس ِه ،وهو قيمةٌ إنسانيَّةٌ عاليةٌ ِِبَ ِد
لشعب ُحك َ يح لِ ِ عيسى ،أستاذ القانون الدويل) يقول" :الدميقراطيةُ ٌ ِ
نظام يُت ُ
ِ
الشعب، اإلجتاهات املتضاربةُ بني فصائلُ اعات الدينيَّ ِة والعرقيَّ ِة لِ َما تَف ِر ُ
ضهُ كتأجيج الصر ِ
ِ اوئ عديدةً س َ أن هلا َم َ
ِ
ذاِتا ،إالَّ َّ
اطي" .مث يُ َع ِد ُد الدكتور ْم غ ِري ِدميُْقر ِ ِ
ابإلنتقال من ُحك ٍ الدميُْق َرطَ ِة
عملية ِ
ِ فتظه ُر الفوا ِر ُق القوميَّةُ واللغَ ِويَّةُ والدينيَّةُ َ
خالل
َ َ
َّص َارى َح َّىت تَ تَّبِ َع ِِ ض ُه ْم ْأولِيَاءُ بَ ْع ٍ ِ هللا الْم َقد ِ ِ ِ كالم ِ للسل ِ
َّس كقوله تعاىلَ " :والَّذ َ َف استنبطوها من ِ 1
ود َوالَ الن َ
ك الْيَ ُه ُ
ضى َع ْن َ
َن تَ ْر َ
"ول ْ
ض" (األنفال ،)73/وقوله تعاىلَ : ين َك َف ُروا بَ ْع ُ ُ وهي مقولةٌ َّ
ْم ْش ِركِ َ
ني َكافَّةً َك َما يُ َقاتِلُونَ ُك ْم َكافَّةً" (التوبة...)36/ ِملَّتَ ُهم" (البقرة ،)120/وقولِ ِه تعاىلِ :
"وقَاتلُوا ال ُ
َ ْ
ْم ِ
أنظمة ا ْحلُك ِ أقل
الت َّ ضراب من مساوي الدميقراطية تقوم حجةً على من يعتقد َّ
"أن الدميقراطيَّةَ ال ز ْ َحنَّا مثانيةَ عشر ً
ُس وءا"2.
فإَّنا شريعةٌ جاهليةٌ قدميةٌ اختل َق َها قُ َد َماءُ اليوانن يف العصر اهليلنسيت ،ورمبا اإلسالم؛ َّ
ِ وج َه ِة نظ ِر
أما الدميوقراطيةُ من ُ
واألحوال مع َّق َدةً ٍ ات التارخييَّ ِة أنه َل تكن َّضح يف ِ
ضوء الْم ْعطَي ِ ِ ٍ
يومئذ ُ َُ األمور
ُ ُ َ كانوا يف فرتة من الر ُس ِل (هللا تعاىل أعلم) .يت ُ
ِ
س ُه َل عليهم معاجلةُ القضااي،صرا على األحرا ِر دون العبيد .فَ َ خبالف ما حنن عليه يف هذا العصر ،وكان حق اإلنتخاب قا ً
ِ ِ
اإلتصال بني الناخب واملنتَ َخ ِ وكانت الفرصةُ ساحنةً ِجلَْر ِي
املسامهة كبريا من ظروف العص ِر للطرفني ً
قدرا ً ُ َّدت
ب فمه ْ
ثالكنيس ِة ،فلم يَلْبَ ْ
َ
خاصةً بعد ظهوِر املسيحيَّ ِة وطُ ِ
غيان األمور َّ
ُ ت وتطوَر ْ
ازدادت الكثافةُ السكانيَّةُ َّ
ْ والتعاون ،حىت إذا
2املصدر:
http://www.abouna.org/content/%D9%85%D8%B3%D8%A7%D9%88%D8%A6-
%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B7%D9%8A%D8%A9
الشعوب األوروبيةُ من فاستوحت ني والرهبان، ِ ِِ ِ ِِ
ُ ْ الكهنويت وعلى فساد الْقسيس َ ات على الطغيان انفجرت الثور ُ
ْ حىت
اب سياسيَّ ٍة،
خالل أحز ٍ ِ
لضعفاء وقه ِرِه ْم من ِ ِ
استغالل ا نظام َْحيتَكِ ُرهُ األقوايءُ يف
وها إىل ٍ ِ األفكا ِر اليواننيَّ ِة
القدمية فَطََّو ُر َ
ٌ
واحتيال وخداع... وغش َوتَ لَو ٌن
وتدليس ٌّ تزوير ٍ ٍ ٍ
ٌ ومؤُترات واجتماعات ومناقشاتُ ،كل َها ٌ
صطَنَ َع ِة
ض َفى عليه من اجلاذبية ال ُْم ْ ِ
ِبسب ما يُ ْ ويتلو ُن يف ُك ِل ٍ
بلد حدود له يف التطبيق ،بل خيتلف َّ َ مثَّ إن هذا النظام ال
الفعلِي هي الطغْ َمةُ ات ُخي َدعُ هبا الناس ،وإمنا احلاكم ِ
ُ ُ
فيتحو ُل يف كث ٍري من الدول إىل صورةٍ ال حقيقةَ هلاِ ،
وجمرد شعار ٍ َّ
أدل على ذلك من أ َّن هذه مغلوب على أم ٍرهٍ .وال َّ
ٌ مقهور
ٌ والشعب ال ُْمتَ غَلِبَةُ بطر ِيق ْ
اخلُ ْد َع ِة املتمثِلَ ِة يف اإلنتخاابت،
ُ
اإلنتخاابت من ٍ
ِ
وعود معسولة الدميقراطيَّةَ إذا أتت مبا ال يهواه ا ْحلُ َّك ُ
ام وطؤوها أبقدامهم ،وتناسوا ُك َّل ما تعهَّدوه أايم
حقائق
ُ وتكميم أفواهِ َم ْن يتكلَّمون ابحلق:
َ تاحلرَّاي ِ
كبت ِوقائع تزوي ِر االنتخاابت ،و َ
فإن َ أبلوان من الكذب البواحَّ . ٍ
اجلميع ،ال حتتاج إىل ِ
أي استدالل. ُ يعلمها
ُ
ضروب الظ ِ
لم ال ُْم َو َّش ِح ِ ويرغب عنه املؤمنون ابهلل واليوم اآلخر ملا فيه من ِ
السياسة الشكل من اإلسالم هذا لذا أيىب
ُ َ ُ
ليس ،وهو الذي يُ ْقنِعُ ُه ْم األغبياء ِِ ف شيطانيَّ ٍةبَِز َخا ِر َ
العوام من كل جمتم ٍع جنود إب َ َّ العوام ،وال شك يف أن تلتبس على ُ
وخروج على أشكال الكفر ،وإَّنا زندقَةٌ ِ شكل من شك يف َّ
الباطل .ال َّ مبا يَظ َْه ُر من ِ
ٌ أن الدميقراطيَّةَ ٌ ُ اد به
احلق الذي يُ َر ُ
"وَم ْن ََلْ َْحي ُك ْم ِمبَا أَنْ َز َل َّ
اَّللُ أنزل هللاُ ،وهللاُ تعاىل يقولَ : ْم بغ ِري ما َ اك ابهلل .ملاذا؟ ألنَّهُ ُحك ٌ هللا وسنة رسولِ ِه ،وإشر ٌ كتاب ِ
ِ
ك ال ي ْؤِمنُو َن ح َّىت ُحيكِم َ ِ ِ فَأُولَئِ َ
اك"مثَّ َج َعلْنَ َ
وجلُ :عز َّ يما َش َج َر بَ ْي نَ ُه ْم 4.ويقول َّ
وك ف َ ك ُه ُم الْ َكاف ُرو َن .ويقول" :فَال َوَربِ َ ُ
3
َ َ ُ
َّ ِ ِ ِ ٍِ
َعلَى َش ِر َيعة م َن ْاأل َْم ِر فَاتَّب ْع َها َوال تَتَّب ْع أ َْه َواءَ الذ َ
5
ين ال يَ ْعلَ ُمو َن.
أمر وَل
وحياول تَب َير ذلك بقوله" :إذا عرض ٌ
ُ اإلسالم هي الدميقراطيَّةُ بعينها. ُ ورى الذي جاء بهأن الش َ مثَّ َم ْن يدَّعي َّ
نطمئن عليه؟" مث ُُييب على سؤالِ ِه ِ
بنفس ِه: ْم ف َّنصا صرحيًا من الكتاب والسنة يعاجله ،فكيف ُحنَ ِد ُد موقِ َفنَا منه ِِبُك ٍ جن ْد ًّ
ِ
اإلستنباط من الكتاب والسنة .وهذا ما ُيري يف ما إبمجاع أهل الشورى ،يكون مبنز ِلة ْم
ِ ص ُد َر فيه ُحك ٌ
"هنا ُيب أن يَ ْ
البالد الدميقراطية اليت حيكمها املسلمون .إذن الَ فر َق بني الشورى يف اإلسالم يسمى "جملس الشعب" أو "الَبملان" يف ِ
وبني الدميقراطية".
3املائدة44:
4النساء65:
5اجلاثة18:
القبول عن َد
َ ينال ِ
وأشباه َها ال ميكن أ ْن َ ِ
الواهية ِ
الصيغة مبثل هذه اإلسالم وبني الدميقر ِ
اطية ِ ِ التوفيق بني الشورى يف
َ َّ
إن
بني ذلكما املفهومني يف ميزان العقل ِ ِ ِِ ِ ِ
اإلختصاص يف ِ ِ
تعبريا رصينًا عن العالقة َ
حقل العلوم اإلسالميَّة ،كما لن ُُتَث َل ً أهل
خباصة أنيس حممد صاحل ومنٍ صر مجاعةٌ من النازعني إىل الثقافة الغربية على َم ِد َها ،منهمابتت تُ ِ
واملنطق السليم ،وإ ْن ْ
ِ
اإلسالم أو ال صلة عني الشورى يفحول ما إذا كانت الدميقراطيةُ َ مناقشات حادةٌ وال تزال َ
ٌ على شاكلته .وقد جرت
ِ
اإلطالق. بينهما على
ِ
بصيغة اخل َِب يؤكد أنَّهُ وجميئ ِ
النص ورى بَ ْي نَ ُهمُ ، "...
6
"وأ َْم ُرُه ْم ُش َ
إن الشورى يف اإلسالم يستمد قُ َّوتَهُ من النص القرآِن َ
العهد ال َْمكِيِ،
مية يف ِ اآلية الكر ِ
نزول ِ وليس مقي ًدا بشورى األنصار قبل إسالمهم ،كما َّ
أن َ النص مطل ٌق َ حتم ٌّي ،وأن َّفرض ِ
ٌ
ومنحصرا ِ
الدولة أن الشورى أعم وأمشل من أ ْن يكو َن مؤسسةً اتبعةً ِ
ملفهوم الدولة اإلسالميَّ ِة -ي ُدل على َّ
ِ -أي قبل ِ
قيام
ً ُ َ َ
ِ ِ ِ
كل الظروف أبوسع مدلوله حىت وإ ْن َل تكن هلم ِ
يف إطارها احملدَّد .بل إنَّهُ يَ ْش َم ُل حياةَ املسلمني يف مجيع اجملاالت ويف ِ
دولةٌ.
الشورى38: 6
7يوسف40:
8غافر12:
9التني8:
ك ُه ُم الْ َكافِ ُرو َن.
اَّللُ فَأُولَئِ َ
َحداً 10.وقال تعاىلَ :وَم ْن ََلْ َْحي ُك ْم ِمبَا أَنْ َز َل َّ ِِ ِ ِِ ِ
َما َهلُ ْم م ْن ُدونه م ْن َوٍِيل َوال يُ ْش ِر ُك ِيف ُحكْمه أ َ
11
ك ُه ُم ك ُه ُم الظَّالِ ُمو َن 12.وقال تعاىلَ :وَم ْن ََلْ َْحي ُك ْم ِمبَا أَنْ َز َل َّ
اَّللُ فَأُولَئِ َ اَّللُ فَأُولَئِ َ
وقال تعاىلَ :وَم ْن ََلْ َْحي ُك ْم ِمبَا أَنْ َز َل َّ
14
اَّلل ُحكْماً لَِق ْوٍم يُوقِنُو َن. اهلِيَّ ِة ي ب غُو َن ،ومن أَحسن ِمن َِّ
ََ ْ ْ َ ُ َ َْ
اس ُقو َن 13.وقال تعاىل :أَفَحكْم ا ْجل ِ
ُ َ َ
الْ َف ِ
بوضوح ابل ٍغ عندما نُ َقا ِر ُن بني يظهر ِ ِ ِ َّ
ٍ الشورى اإلسالم ِي وبني الدميقراطية اليواننيَّة ُ
َ ول بني الشاسع الذي َحيُ ُ
َ إن البو َن
بعض املزااي لِ ُك ٍل منهما ،وهذه نبذة منها: ني من ِ
خالل ِ املفهوم ِ
الشعب
َ ِ
النظام وتُل ِزَم القوانني يف هذا
ُ ليست ابإلمجاع ،وإمنا ابألكثريَِّة ،لذا تص ُد ُر
ْ إن العَبةَ (يف النظام الدميقراطي) * َّ
ِ
الدول والدي ِن ،والعقل ...وال خيفى ما قد سبق تشريعُهُ يف ِ
بعض ابتفاق األغلبية ،ولو كانت مالَِفةً للفطرةِِ ، ِ ُكلَّهُ
ِ
وشرب ِ
وإابحة الزان، والفوائد الرب ِويَِّة،
ِ فاضحا على الفطرةِ؛ كاإلجهاض ،وزواج املثليني، ً خروجا
ً
الدميقر ِ
اطية ،ما يُ َعد
األمور كلها وف ًقا للفطرةِ وحفاظًا على َ حرم هذهاإلسالم قد َّ
َ لكن
"القتل الرحيم َّ ..."Euthanasia سمى ب ِ اخلم ِر ،وما يُ َّ
ِ
اإلسالم ِي إالَّ ص ُد ُر القر ُار يف الشورى وسالمة ِِ ِ
للعدالة واألم ِن اإلنسان وحياتِِه وحتقي ًقا
ِ كر ِ
الفرد واجملتم ِع ...كما ال يَ ْ امة
ابإلمجاع وليس ابألكثريَِّة.
ِ
ِ
(بشرط أالَّ يكون أي قرا ٍر صاد ٍر رآن أو ُسن ٍَّة،ص من قُ ٍ إن الشورى تكون فيما ليس فيه حكم ِ
شرع ٌّي يستنِ ُد اىل نَ ٍ * َّ
ٌ
اطيَّةُ فهي من وض ِع البش ِر الذين ال يُِقرون الكتاب والسن ِةَّ 15).أما الدميقر ِِ ِ
نصوص الشورى مالًِفا ٍ
لنص من من جملس
َ
العقل البش ِر ِي .لذلك
نطاق ِ ِ
خلروجه عن ِ ِ
للنقاش، توحا ِ
أمرا مف ً
أصالً هبيمنة هللا على الكون ،بل يَعُدو َن اإلميا َن به تعاىل ً
فة)الصر ِ
ِ ِ ِ ات (يف ِ والقوانني والقرار ِ ِ
والسنة عن َدهم .وبناءً عليه َّ ِ
الدول الدميقراطية العلمانيَّة ْ َ األحكام
َ فإن ابلكتاب ال عَبةَ
هللا ،خوفًا على ِ
أنفس ِهم ومصاحل ِهم ،أو ْم ِ جهرا ِبتميَّ ِة ُحك ِ ِ ِ ٍ ِ
ُتتنع مجاعةٌ م ْن إفرادها عن اإلقرا ِر ً تصدر ابتفاق أغلبية ُ
ُ
10الكهف26:
11املائدة44:
12املائدة45:
13املائدة47:
14املائدة50:
(أم ُر ُه ْم) على إطالقِها يف السنة ،فليست حمالًّ للشورى .وقد ُخي ِطئ َمن ِ
حيم ُل كلمةَ ْ
الكتاب أو ِ
ِ نص من 15ذلك أن الشورى هلا نطاق حمد ٌد ،وهو أن أي مسألة (مهما كانت) إذا ُو ِج َد فيها ٌّ
ُ ْ
القرآِن كما أمجع على هذه احلقيقة الراسخون يف العلم اد من النص ِِ ورى ،"..وُيعلها تشمل كل شئون املسلمني يف مجيع نواحي احلياةِ ،غري أن ذلك ليس هو املر ُ "و ْأم ُر ُه ْم ُش َ
اآلية الكرمية َ
بكتاب هللا.
أن ِ
الص ْد َق ملان الرتكِيِ .وهذا يدل داللةً صرحيةً على َّ ضهم يُِقرهُ يف ضم ِريهِ ِس ًّرا ،كما هو ُ
احلال يف الَب ِ نفاقًا ،وإ ْن كان بع ُ
ِ
اإلطالق. ْماِن على النظام الدميقر ِ
اط ِي العِل ِِ حمل هلما يف ِ واألمانةَ ال َّ
ِ
وأرذال البشر؛ فَنَ َع ْم ،وال شك يف ذلك العامةَ واحلريَّةُ ،من و ِ
جهة نظ ِر َّ التسام ُح ِ االعتقادِ :أب َّن الدميقراطيَّةَ نظام ِ
فيه ُ إما
ُ ُ ٌ
ِ
األنبياء حر يف كثري من تصرفاته وأقواله كالتطاول على هللا ،والطع ِن يف ظل الدميقراطية هو ٌّ يعيش يف ِ َّ
أن اإلنسا َن الذي ُ
للحياء ...كل ذلك ِبجةِ ٍ
مدشة ممارسات مز ٍية
ٍ اإلرتداد عن دينه يف أي ٍ
حلظةُ ،ح ٌّر يف ِ حر يف ِ
واملقدساتٌّ ، ِ
والرساالت
ِ
والعادات ِ
والسلوك أبواب الفوضى يف الدين ِ
وتفتح َ"حرية الرأي" ،مع أن هذه الفضائح تساهم يف إفساد الفرد واجملتم ِعُ ،
ِ
سقوط الدولة وانقراضها. متاهات وأخطا ٍر ُِتَ ِد ُد حياةَ ِ
الناس وقد تنجم عن ٍ مث تتطور فتُ َؤ ِدي إىل
أشكال ِ
الظلم ِ الكامل على مجيع ِ ِ َّ ِ ِ
ُ هي القضاءُ
تلخيص هذه املقارنة السريعة؛ أن الغايةَ من الشورى اإلسالم ِي َ ُ ميكن
ُ
ط
هي قس ٌ النظام الدميقر ِ
اط ِي ُ ِ نائية غري املتكافِئَ ِة يف العالقات البشرية .وأما الغايَةُ يف ِ
واالستبداد ،وعلى الث ِ
ِ
(الرتكيِ) فإمنا َ
ْ
بشروط وأموٍرِ ،
وه َي: ٍ الفرد يف نطاقها احملد ِ
َّد ف ُ ِم َن ا ْحلُِريَِة َّ
يتصر ُ
يف على وضي ٍع ،وال كب ٍري على صغ ٍري ،وال ذك ٍر على ايت ،ال فضل فيها لشر ٍ والد ِالقصاص ِ
ِ اد األ َُّم ِة يف
يتساوى أفر ُ
َ
ِ ِ
س ُع أح ًدا ِ ِ ِ ِ
اه ْم .يعن :أَّن ْم جمتمعون ي ًدا واحدة على غ ِريه ْم م ْن أرابب الْملَ ِل واألداين ،فال يَ َ
َّ أنثى .وهم ي ٌد على من ِس َو ُ
اإلسالم ِي لَبِنَةً يف كيان األ َُّم ِة ،له حقو ٌقِ والفرد يُ َعد يف اجملتمع صرةِ ِ
أخيه املسلم.
ُ منهم أ ْن يتقاعس ويتخاذل عن نُ ْ َ
بتهميش ِه وإمهالِ ِه ،ذلك َّ
أن األَُّمةَ ِ اإلسالم
ُ سمح
ات عليه .لذا ،ال يَ ُ ات على األ َُّم ِة ،كما لأل َُّم ِة حقو ٌق ومسؤولِيَّ ٌ ومسؤليَّ ٌ
واجلماعة .يَبهن على اهتمام اإلسالم ابلعدل ِ والتعاو ِن بني الفرِد كوعزِتا وكرامتَها من هذا التماس ِ تستمد قُ َّو َِتا َ ِ
ُ ُ
ش امسُهُ يف سجل التاريخ ِ ِ
وقعت يف عهد عمر بن اخلطاب رض َي هللاُ عنه ،الذي نُق َ ْ واملساواة بني أفراد األمة حادثةٌ
اإل ْحس ِ
ان ِ ِ وأيمر به :نعم ،إِ َّن َّ
اَّللَ َأي ُْم ُر ابل َْع ْدل َو ِْ َ اإلسالم ُ
ُ العدل ،وذلك مما يَتَ بَ نَّاهُإبقامة ِالشديد ِ ِ ِبروف ذهبيَّ ٍة الهتماِ ِم ِه
ٍ
17احلجرات10:
18لبحجرات13:
ِ
الرتحيب، عمر َّ
أشد ِ
إسالم ِه َّ ِ ِ ينقل لنا التاري ُخ تلك احلادثةَ؛ َّ
فرحب به ُ األيهم أعلن عن الغساسنة جبلةَ بْ َن ملك
أن َ ُ
فاخنلع ردا ُؤه عن َكتِ ِف ِه، ِ ِ
ف ِر َداءه ي من فزارةَ طََر َ الكعبة ،داس بَ َد ِو ٌّ ِ ِ
امللك أنه يف أثناء طوافِ ِه َح ْو َل فكان من أم ِر هذا ِ
َ
امللك
عمر هذا َ األيهم إىل ُع َم َر ،فاستدعى ُ ت أن َفهُ ،فشكا البد ِوي جبلةَ بْ َن ِ ش َم ْ ت إىل هذا البد ِو ِي و َ
ض َربَهُ ضربةً َه َ فالتف َ
كت َح ِقي ت الفىت ،أدر ُ لست ممن يُ ْنكِ ُر شيئًا ،أان أدَّبْ ُ يح؟ فقال جبلةُُ : َّعى هذا الفزا ِري اجلر ُ أصحيح ما اد َ
ٌ وقال له:
وتنال ما فعلَْتهُ ك َ يهشمن اآلن أن َف َ َّ ال ِظ ْف ُر َك عال ًقا بدمائِِه أو ض َي الفىت؟ البد من إرضائِِه ،ماز َ بِي ِدي ،فقال عمر :أر ِ
ُ َ َ
نزوات
ُ ضا؟ فقال عمر: النجم أر ً
ُ واتج ،كيف ترضى أن َِخي َّر ش ٌ امللك :كيف ذاك اي أمري؟ هو ُسوقَةٌ وأان َع ْر ٌ ك .قال ُ َكف َ
ِ ِِ
الناس أحر ًارا لدينا وعبي ًدا .فقال جبلةُ :كان س َاوى ُ ورايح الْعُْن ُج ِهيَّة ،قد دفنَّاها ،أقَ ْمنَا فوقَ َها صرحاً جدي ًدا فَ تَ َ اجلاهليَّة ُ
عنق املرتَ ِد ابلسيف ُحتَز .عا ََلٌ نَ ْبنِي ِه، عمرُ : ِ
ومهًا َّما جرى يف َخلَدي ِأِن عندك أقوى وأعَّز ،أان مرتَ ٌّد إذا أ ْك َرْهتَ ِن ،فقال ُ
العدل واملساواةِ الناس ابلعبد ابلصعلوك تُساوى .هذا هو اإلسالم ،دين ِ شبَا السيف يُ َد َاوى ،وأعز ِ ص ْد ٍع فيه بِ َ
ُ ََ ُكل َ
يستوجب أ ْن ال يكون للفرديَِّة ال ُْمغَالِيَ ِة مكا ٌن يف ُ اإلسالم سواسيَّةٌ كأسنان املشط .وهذا ِ والفضائل ،كل أفر ِاد األمة يف
املنافسة السياسيَّ ِة اليت هي ِ ابب ِ ِ ِِ ِ
إلسالميِ؛ َّ
موقوف على كونه جزءاً من بناء األمة .وهذا يسد َ ٌ صالحهُ
َ ألن املنهج ا
والقتال واإلَّنيا ِر ِ
اخللقيِ... ِ ِ
واإلرهاب والقم ِع ِ
والفساد مبدأُ ِ
الفتنة
أي ٍ
نظام ٍ
وجود يف ِ ِ
األخالق من اطيَّةُ فإَّنا نظام خيلو ُتاما من الفضائل اإلنسانِيَّ ِة؛ فإنَّنا ال جند لِ ِ
مكارم أما الدميقر ِ
ُ َ ً ٌ
اخلصال احلميدةِ من الشك ِر،
ِ ترسيخ
ِ النظام على
ُ
دولة دميقر ِ
اطيَّ ِة يُ َركِ ُز أي ٍ اط ِي على مستوى العلَ ِم ،ال جن ُد أب ًدا يف ِدميقر ِ
والشجاعة ،والغريةِ ،واملواساةِ ،وتوق ِري ِ
العاَل ،واحرت ِام ِ ِ
والكرم ،واملروؤةِ، ِ
والسخاء، ِ
واحلياء، ِ
واحللم، ِ
والقناعة، والص َِب،
ِ
وبشاشة ِ
اجلانب، وح ْس ِن العِ ْش َرةِ ،ولِ ِ
ني ِ ِ ِ
النفس ،ونظافة البدنُ ،
احة ،وطهارةِ واإلخالص ،والصر ِ
ِ ض ِع، ِ
الشيب ،والتوا ُ ِذي
ِ
السلوك، ان يف والتودي ِع ،ومراعاةِ ِ
النظام ،واالتِز ِ االستقبال ِ
ِ والسكينة ،واللَّطافَ ِة عند
ِ ِ
اهلدوء الغيظ ،وم ِ
الزمة الوجه ،وَكظ ِْم ِ
ِ
َ ُ
وضع ي يَتَ بَ َّىننظام دستوِر ٌّ ِ امللهوف ،ومساعدةِِ التعام ِل ،وإغاثَِة ِ
َ احملتاج وأمثاهلا ...وإمنا الدميقراطيةُ ٌ ِ ُ واالعتدال يف
ِ
والفلسفات، بالتجار ِ َّ
مستمدةٌ من ناسب ُك َّل ٍ
دولة وتركيبَ تَ َها الثقافيَّةَ واإلجتماعيَّةَ ،وهي ٍ ِ تشر ٍ
ُ وقوانني بشريَّة تُ ُ
َ يعات
احنالل يف ِ
املباد ِئ والفكر... ٍ يمها منصم ِ
تُ َع ِاِن يف ِ
الرتكِيِ)؛ فري ٌق منهما احنازوا إىل رجب جانب ذلك بدأ صراعٌ شدي ٌد بني مجاعتني من َّ ِ
السنَّة (وهي أكثريَّةُ اجملتم ِع ْ وإىل ِ
يق الثاِن َابيَعُوا َر ُج َل دي ٍن امسُهُ فتح هللا گولن ،وتفانَوا يف حمبتِ ِه ،فجعلوا
(رئيس اجلمهوريَِّة احلايل) ،والفر ُ
ِ طيب أردوغان
طوال ٍ
عقود من والسريَِّة َ
ِ غريبة من احلِي ِل ويف ٍ
غاية من التلو ِن أبشكال ٍ ٍ ِ
هؤالء فيما بينهم انتظم ِ ٍ
َ منه شبهَ إله يعبدونهَ .
القضاء واألمن واإلستخبارات والقوات ِ ِ
الدولة ،من وتبعثروا عَب أجهزة الزمن ،وُتكنوا من التدر ِج إىل مناصب ٍ
عالية ْ َ
ٍ
عسكري لإلطاحة ٍ
إنقالب كل أسرا ِرَها .مث قامو مبحاولةأدق شرايني الدولة الرتكية ،فحصلوا على ِ املسلحة ...نفذوا إىل ِ
ابلرئيس أردوغان وحكومتِ ِه ليلة ُ 15توز 2016م .لكنهم فشلوا يف حماولتهم.
ِِ
العثماِن ،بل ومنذ بداية ات من الصوفِيَّ ِة يف العهد كان اجملتمع الرتكِي أصالً م َف َّرقًا إىل فصائل وُكتَ ٍل اجتماعيَّ ٍة ،ومجاع ٍ
َ ُ ُ
واجلماعات متلفةً يف العقيدةِ والسلوك واإلجتاهات السياسي ِةَّ .
فلما ُ اإلسالم ..كانت هذه الكتَ ُل ِ اك على ف األتر ِ تعر ِ
نظامهُ ابسم "اجلمهورية الرتكية" ِ
وأعلن َ َ سقوط الدولة العثمانية، فور
ب مصطفى كمال على اجملتم ِع عام 1920مَ . تغل َ
ات غر ٍ
يبة ،واختلقوا عقائ َد مسمي ٍ ِ ِ موته القضاءَ على ما بَِق َي من آاث ِرحاول أعوانُهُ بعد ِ
اإلسالم إبُياد َّ َ عام 1923مَ ،
اجها إىل ِ
قائمة ِ
أي تمكنُوا من إدر ِ الفكرةَ اليت َل ي َّ "األاتتُوركِيَّ ِة" لِيملَ ُؤوا ِهبا الفراغَ ِ ِِ
ين ،فأملوا هذه َ الد َّ َْ سياسيَّةً حتت مسَة َ ْ
ات" :اجلمهورية"" ،احلرية"" ،التقد ِميَّة"" ،الوطنية" مع تكرا ٍر فلسفة أو حىت أسطورةٍ؛ أملوها على اجملتمع ِهبتَافَ ِ
ُ
ٍ دي ٍن أو
املقوالت ابلعلمانية" ،مث أضافوا إليها "الدميقراطيةَ" عام 1945م .وهي بداية ِ
عهد ِ متواصل قرابة قرن ...مث غَلَّ ُفوا هذه ٍ
التعد ِديَِّة واحلزبيَّ ِة يف تركيا.
ِ
الصفة النظام اجلمهوِر ِي (إن جاز إطال ُق هذه ِ دوامة خطريةٍ منذ َّأو ِل خطوةٍ من ِ
قيام هكذا أدخلوا البل َد واجملتمع يف ٍ
َ
ات اليت كانت منذ القدمي تفصل بني هذه ِ
الف َر ِق على تركيا!) غري أن "الدميقراطية الرتكيةَ" َل تتمكن من ِ
سد ال َفجو ِ
ُ ََ ْ
يوما ِ واجلماعات الصوفِيَّةُ) ،بل ف (على ر ِ
والطوائِ ِ
ازدادت الفجوةُ بينها ُعم ًقا سحي ًقا وبُ ْع ًدا شاس ًعا ً
ْ ُ أسها السنة والعلوية
األرض فجأةً ودون سابِ ِق إنذا ٍر
ُ بع َد يوم ،منذ أايِم حكومة عدانن مندريس (ما بني 1960-1950م ).مث اشتعلَت
ت الشوارِعُ يف ال ُْم ُد ِن الكبريةِ (يف إسطنبول وإزمري ،وأنقره وغ ِريها)ِ ،
بقيام مبظاهر الفوضى واإلنفالت ِِ
األمنَ ،والْتَ َهبَ ْ
صدام ٍ
وقتال بني ٍ َت إىل
فتحول ْ
القالقل َّ توانتشر ْ ت احلياةَ، اابت شل ِضخمة وإضطر ٍ ٍ ٍ
واحتجاجات ٍ
عارمة مظاهرات
ُ َ
دخلت تركيا مرحلةً َخيَّ َم عليها
ْ اب اليمينيَّ ِة واليسا ِريَِّة اترةً ،وبني هذه ِ
الف َر ِق وقوات األمن اترةً أخرى .مثَّ ِ
الفر ِق واألحز ِ
َ
أسها عصابةُ ِ السري ِة واإلرهابِيَّ ِة أييت على ر ِ ٍ ِ
(ب َك َك ،)PKKو (دي الظالم السياسي بظهوِر عديد من التنظيمات َِ ُ
وأخريا عصابةُ فتح هللا گولن Fethullah Gülenاليت أُطلِ َق عليها ً هاش كا ب ج ،)DHKPCو (إبدا ج ،)İbda-C
ِ
و"الفتوشيَّةُ" ،و"الدولة املوازية"... أمساءٌ عديدةٌ منها" :احلشاشون اجلدد"،
ٍ
أزمات تعرضت له "الدميقراطيةُ الرتكيَّةُ" ،واحلكومةُ تعاِن اآل َن من ْ احلقائق كلها تَبهن على الفشل الذريع الذي ُ هذه
عجزها يف ِ
حتاول أن ُختف َي َ جانب ،ومع الدول اجملاورةِ (سوراي ،والعراق ،وإيران ،وروسيا)ُ ، األورب من ٍ اإلحتاد ِِِ معقدةٍ مع
َّ
ضة والتنظيمات اب املعا ِر ِايت اإلجتماعية واإلعالمية والسياسية واإلقتصادية ،والصر ِاع مع األحز ِ ِ
التحد ِ ِ
مواجهة
سد طري َقها وتُ ْنبِ ُئ عن عقبات رهيبةٌ تَ ُ
ٌ ط تركيا حالِيًّا يف مستنق ِع هذه الدميوقراطية َو َأم َام َها اإلرهابية يف الداخل ...تتخبَّ ُ
الرَاننَِة اليت تَبُ ث َها ِ
الدعاايت َّ ظروف ال َْع ْول ََم ِة .هذا على رغم
ُ مظلم وهي تتجاهل ما أحدق هبا من ِ
ماط َر أعد ْ
َِّتا مستقبل ٍ
ٍ
ُ
املشهد ،ولكن هيهات النجاة والت ِ ِ
وتشويه الواق ِع ،وتزوي ِر ِ
احلقائق، واإلعالم الْم ْش َرتى لتحر ِ
يف "العصابَةُ الطيوشيَّةُ"،
ُ ُ َ
حني مناص!