You are on page 1of 19

Enlightenment collection’s ‫سلسلة األنوار‬

ISSN 2716-7852 ISSN 2716-7852


V:12, N°:2, (2022), P.P :113-131 131 -113 :‫ص‬.‫ ص‬،)2222( ،2:‫ العدد‬،12:‫المجلد‬

‫ ََن َو إم َك َاَنت التَّعايُش املشتَ َرك‬،‫ارف الثَّ َقافَات‬ ِ ‫من‬


ُ ‫ضارات إىل تَ َع‬
َ ‫ص َدام احل‬
From the Clash of Civilizations to interaction of Cultures,
Towards the Potential of Coexisting
‫أمني طاليب‬
am.talbi@univ-setif2.dz ،)‫ (اجلزائر‬2 ‫ سطيف‬،‫جامعة دمحم ملني دابغني‬

2722/00/07 : ‫ ؛ اتريخ النشر‬2722/70/22 : ‫ ؛ اتريخ القبول‬2722/70/22 : ‫اتريخ االستالم‬

Abstract ‫الملخص‬

This research paper discusses the ‫الورقَة البَحثيَّة إىل حُماولَة النَّظَر يف‬َ ‫تروم هذه‬
possibility of setting the foundation of
‫إمكانيَّة توطني حمرتَ َكَزات التَّعايحش ال حـمشتَـَرك وقَـبحول‬
coexistence and that's by moving from the
‫وذلك عرب االنتِ َقال‬
idea of clash and conflict and intercultural َ ،‫ضوء التَّنوع الثَّقايف‬ َ ‫اآلخر على‬ َ
‫َّح حاور‬ ‫ت‬ ‫ال‬
‫و‬ ‫ف‬ ‫ار‬ ‫َّع‬
‫ـ‬‫ت‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ي‬ِ‫ق‬ ‫إىل‬ ،‫اع‬
‫ر‬ ِ
‫الص‬
‫و‬ ‫ام‬ ‫د‬ ِ
‫الص‬ ‫ة‬‫كر‬ ِ
interaction since it's a mechanism to َ ‫َ َح‬ َ َ َ ‫من‬
‫ف‬
establish the values of coexistence. The .‫ ابعتبارها آليَّة لتَكريس قِيم التَّعايحش‬،‫بني الثَّـ َقافَات‬
human being became to live many kinds of
intolerance, violence, that's why it became
‫ يعيش‬-‫هبذا ال َقدر أو ذاك‬- ‫أن اإلنسان ابت‬ َّ ‫ذلك‬
َ
necessary for us to move from the idea of .‫يطرة وال َكراهيَّة‬
َ ‫الس‬ َّ ‫َّعصب؛ وألواان من‬ ُّ ‫أشكاالً من الت‬
‫ االنتقال‬-‫وقبل فَوات األوان‬- ‫ أصبَح لَِز ًاما علينا‬،‫هلذا‬
clash and intolerance to the activation of the
paradigm of cultural diversity and exchange,
‫َّعصب؛ إىل تفعيل أحمنحو َذج‬ ُّ ‫الصدام والت‬ِ ‫من فكرة‬
hoping to create common humanitarian
values in which the human heritage is a ُّ ‫ أمالً يف َخ ِلق قيَ ًما إنسانيَّة يَ حكون فيها‬،‫التَّع حارف‬
‫الُّتاث‬
universal one that contributes in creating .‫اإلنساين تحرا ًًث كونيًّا يساهم يف خلق التَّعدد احلضاري‬
diversity and civilizational openness. ‫َّعارف مبا يتواءَم وثقافَة‬ ‫ توطني أمنو َذج الت ح‬،َّ‫و من ََث‬
.‫التَّعايحش‬
Keywords: clash of civilizations, control, َّ ،‫ ِصدام احلضارات‬:‫الكلمات املتفتايية‬
،‫السيطََرة‬
culture, cultural exchange, coexistence. .‫ التَّعايحش‬،‫تعارف الثقافات‬ ‫ ح‬،‫الثَّقافة‬

113
‫أمين طالبي‬

‫‪.1‬مقدمة‪:‬‬
‫وصراعات‬ ‫عاصر بات يعيش ‪ -‬بهذا الَقدر أو َذاك‪ -‬حروبا ِ‬ ‫أن اإلنسان الـم ِ‬
‫خالف َّ‬ ‫ثمة‬
‫ليس َّ‬
‫ُ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫سبيل المثال ال‬ ‫الحضاري‪ ،‬على‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بمختلف األنوا ِع‪ ،‬كالصراع االديولوجي‪ ،‬الصراع الثقافي‪ ،‬والصدام َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أزمات نفسيَّة واجتماعيَّة‪َ ،‬ج َعَلت اإلنسان ‪ -‬من‬ ‫الحصر‪ ،‬هذه الص َدامات أنتجت‪ ،‬فيما بعد‪ ،‬عَّدة َ‬ ‫َ‬
‫ولعل‬
‫َّ‬ ‫‪.‬‬ ‫ة‬ ‫المختلف‬
‫َ‬ ‫انه‬
‫و‬ ‫بأل‬ ‫اع‬
‫ر‬ ‫ِ‬
‫الص‬‫و‬ ‫دام‬ ‫ِ‬
‫الص‬ ‫ج‬‫ذ‬ ‫و‬‫أنم‬
‫َ ُ َ‬ ‫من‬ ‫ِ‬
‫ض‬ ‫عنه‪،‬‬ ‫ا‬ ‫غم‬‫ر‬ ‫‪،‬‬ ‫يعيش‬ ‫‪-‬‬ ‫اجتماعي‬ ‫كائن‬ ‫هو‬ ‫حيث‬
‫ُ ُ ً‬
‫الصدامات التي ُت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لطخ تاريخ‬ ‫األنموذج‪ ،‬كما َّيدعي البعض‪ ،‬ليس سوى امتدادا لتلك الصراعات و َ َ‬ ‫هذا ُ‬
‫طح الحضارات‪.‬‬ ‫األمم و ُّ‬
‫الش ُعوب‪ ،‬كصراع ال ُـمُلوك واألباطرة‪ ،‬تنا ُ‬
‫الشعوب والحضارات في القرن الحادي‬ ‫الصدام مسيطر على واقع ُّ‬ ‫لهذا‪ ،‬كان وال زال ِ‬
‫ُ‬
‫ان أخرى ُ‬
‫كالعنف‪،‬‬ ‫أن هذا الصدام اتخذ أشكاال مختلفة عن سابقيه‪ ،‬فقد ظهر بألو ٍ‬ ‫والعشرين؛ غير َّ‬
‫الصدام الحضاري والصراع‬ ‫بمستقبل قائم على ِ‬
‫ٍ‬ ‫الهويات‪ ،‬ما جعل الكثير يتنبأ‬ ‫ِ‬
‫السيطرة‪ ،‬وصدام ُ‬‫و َّ‬
‫أن صدام‬‫الثقافي‪ .‬وقد طرح عالم السياسة األمريكي صمويل هنتنجتون نظرية يرى من خاللها َّ‬
‫يؤطر مستقبل السياسة العالمية ُغداة الحرب الباردة‪ ،‬والمقصود بالصدام‬ ‫الحضارات سيكون أنموذجا ِ‬
‫ُ ً‬
‫خاصة‪ ،‬سيكون مصيرهما‬ ‫َّ‬ ‫أن حضارات العالم‪ ،‬بما فيها الحضارة الغربيَّة واإلسالمية‬ ‫الحضاري‪َّ ،‬‬
‫يغذي هذا ِ‬ ‫وجوهر ِ‬
‫الصدام‪.‬‬ ‫ًا‬ ‫الصدام‪ ،‬تكون فيه الثَّقافة ً‬
‫أداة‬
‫الدين من حيث هو رؤية إلى العالم‪ ،‬يمتلك تصوًار حول‬ ‫لكن‪ ،‬بالمقابل‪ ،‬نجد اإلسالم ‪ِ /‬‬
‫صور اإلسالمي يستند إلى خطاب إلهي ديني‬ ‫العال َقة التي تحتكم إليها الحضارات والثَّقافات‪ ،‬هذا التَّ ُّ‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ُقرآني ي ِ‬
‫للناس كافة يحثهم على ضرورة تفعيل أنموذج التَّ ُ‬
‫عارف باعتباره رؤية‬ ‫نظم السلوك وموجه َّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫ثم‪ ،‬الحد من النزاعات والصراعات التي تنشأ بين‬ ‫تُؤسس للحوار والتَّ ُ‬
‫عارف الديني والحضاري‪ ،‬ومن َّ‬
‫الشعوب واألمم‪.‬‬
‫تعايش إنساني‬ ‫ِ‬
‫وعليه‪ ،‬يمكن لإلنسان أن يطمع للعيش في واق ِع يسوده السلم واألمن‪ ،‬في ُ‬
‫الديانات باختالف ألوانها وثقافاتها‪ .‬وبالتَّالي‪ ،‬في هذا الموضوع المعرفي‪،‬‬ ‫الشعوب و ِ‬
‫تشترك فيه كل ُّ‬
‫عارف الحضاري والثَّقافي‪ ،‬في مقابل ما يطرحه الغرب‬ ‫سنحاول أن نطرح رؤية إسالميَّة قائمة على التَّ ُ‬
‫أن اإلسالم ‪ِ /‬‬
‫الدين‬ ‫الصدام والتَّدا ُفع‪ ،‬وسنحاول أن نبرر في نهاية المطاف‪ ،‬كيف َّ‬ ‫من رؤى قائمة على ِ‬
‫نصوص قرآنيَّة‪ ،‬يجعل من التَّعارف الثَّقافي والحوار الحضاري و ِ‬
‫الديني أُفًقا ورؤية إلى العالم‬ ‫ٍ‬ ‫عبر‬
‫ُ‬
‫حدة الصراع والصدام‪.‬‬ ‫تحد ‪-‬أو على األقل‪ -‬تُقلِل من ِ‬

‫‪114‬‬
‫المشتَرك‬
‫َ‬ ‫عايش‬ ‫إمكاَنات َّ‬
‫الت ُ‬ ‫حو َ‬ ‫َّ‬
‫الحضارات إلى َت َع ُارف الثَقا َفات‪َ ،‬ن َ‬
‫َ‬ ‫من ِص َدام‬

‫تعارف الثَّقافات في مقابل نظريَّة صدام‬ ‫سنتخذ من الجرأة بما يكفي لنجعل من أطروحة ُ‬
‫تعارف الثَّقافات سبيالً لتحقيق‬
‫نبرر كيف يكون ُ‬ ‫الحضارات لصاحبها صمويل هنتنجتون‪ ،‬ونحاول أن ِ‬
‫الحد ‪-‬وقبل فوات‬ ‫ثم‪ ،‬ضرورة َ‬ ‫المشترك بين ثقافات وحضارات العالم‪ ،‬ومن َّ‬ ‫عايش اإلنساني ُ‬ ‫التَّ ُ‬
‫عكر استقرار اإلنسانيَّة‪ .‬وفي هذا الموضوع المعرفي اإلنساني قد ال‬ ‫األوان‪ -‬من كل ما يمكن أن ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ساؤل نفسه‪ ،‬عن مدى مشروعيَّة‪ ،‬و‪ ،‬من‬ ‫ساءلة التَّ ُ‬
‫اءل؛ يقدر ما ينبغي أن نجرؤ على ُم َ‬ ‫يكفي أن نتس َ‬
‫عارف بين الثَّقافات‪،‬‬
‫عايش والتَّ ُ‬
‫ثم‪ ،‬إمكانيَّة توطين فكرة التَّ ُ‬ ‫َّ‬
‫ظل نزوح الثَّقافات‬
‫فاعل الثَّقافي في ِ‬ ‫عارف والتَّ ُ‬
‫فإلى أي َم َدى ُيمكن توطين ُسُبل التَّ ُ‬
‫تعارف الثَّقافات بديالَ لصدام الحضارات‪،‬‬ ‫والحضارات نحو الصدام السيطرة؟ وبأي معنى يكون ُ‬
‫عارف الثَّقافي أم هو مجرد يوتوبيا‬ ‫عايش المشترك؟ وهل يكمن فعالً تحقيق التَّ ُ‬ ‫وسبيالً لتكريس التَّ ُ‬
‫يطمح إليها العقل البشري؟‬
‫فيها‬
‫ساؤالت‪ ،‬ارتأينا لطرح مجموعة من المحاور والتي رأينا َ‬ ‫لمحاولة اإلجابة عن هذه التَّ ُ‬
‫استشكاال و ِ‬
‫استدالال‪ ،‬واعتمدنا في ذلك على المنهج التَّاريخي للبحث َعن‬ ‫َ‬ ‫الموضوع‬ ‫أهمية في معالجة‬
‫ُ‬
‫أصل المفاهيم وداللتها التاريخية‪ ،‬تَ َجُّنبا لِسوء التَّأويل؛ والمنهج التحليلي للتَّعرف على ما تحتويه‬
‫األفكار‪ ،‬فضال عن محاولة تبسيطها؛ مع االستعانة بمناهج أخرى كالمنهج النقدي وال ُـمقارن وذلك لما‬
‫تطلبته ِ‬
‫الدراسة البحثية‪.‬‬

‫عارف مقاربات مفاهمية‬ ‫الثقافة‪ ،‬الصدام و َّ‬ ‫‪ .2‬الحضارة و َّ‬


‫الت ُ‬
‫عادة ما‬ ‫ِ‬ ‫من المعُلو ِم َّ‬
‫البحث في المواضيع الفكريَّة والفلسفيَّة والتي لها أثر على اإلنسان‪َ ،‬‬ ‫أن َ‬
‫ِ‬
‫سبيل المثال‬ ‫الفهم والتَّأويل‪ ،‬كموضوع الحضارة‪ ،‬والثَّقا َفة‪ ،‬والهوية‪ ،‬واإلديولوجيا‪ ،‬على‬ ‫تتعرض ِ‬
‫لسوء َ‬ ‫َّ‬
‫جعل الباحث فيها ُم َلزٌم بوضع اإلطار المفاهيمي لهذه المواضيع‪ ،‬التي يمكن أن يساهم‬‫الحصر‪ ،‬تَ ُ‬
‫ال َ‬
‫الصراع‪ .‬لهذا‪ ،‬الوقوف على سيرة المصطلح وداللة‬ ‫الصدام وتوسيع أفق ِ‬ ‫سوء فهمها في تعميق ِ‬
‫ساؤالت التي تَعتري الموضوع‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫المفاهيم‪ ،‬قبل ُّ‬
‫الشروع في تحليلها‪ ،‬قد ُيساعد على فك الكثير من الت ُ‬
‫ومن ثَ َّم تناولها استشكاالً واستدالالً‪( .‬دمحم‪ ،2102 ،‬صفحة ‪)6‬‬
‫واألبعد من ذلك‪ ،‬فالوعي بقيمة المفاهيم‪ُ ،‬يحيلنا إلى معرفة َمكمن االنحرافات اللغوية‪ ،‬ومعرفة‬
‫ِ‬
‫لتفكيك الحقل المعرفي‪،‬‬ ‫أن تحليل المفاهيم هو بمثابة المدخل‬ ‫منافذ التَّغيير في التَّركيب الفكري‪ْ .‬بي َد َّ‬
‫نحو يسمح بمعرفة مختلف التَّداخالت المعرفيَّة التي ُيمكن أن تط أر على بنية المفاهيم‪.‬‬ ‫على ٍ‬
‫(عارف‪ ،0991 ،‬صفحة ‪)7‬‬

‫‪115‬‬
‫أمين طالبي‬

‫الثقافة‪ ،‬بحث في المصطلح وداللة المفهوم‪:‬‬ ‫‪ 2.2‬الحضارة و َّ‬


‫مدينة‪ ،‬واألصل‬
‫الالتيني "‪ "Civites‬ومعناه َ‬ ‫لألصل َّ‬
‫ِ‬ ‫كلمة َحضارة "‪ "Civilisation‬هي لفظ يرجع‬
‫المدينة؛‬ ‫الساكن في المدينة؛ أو "‪ "Civilis‬بمعنى مدني‪ ،‬أو ما َّ‬
‫يتعلق بساكن‬ ‫"‪ "Civis‬يحمل معنى َّ‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫البربري‪( .‬عارف‪،‬‬ ‫أيضا‪ ،‬األصل "‪ "Citizen‬الذي ُيعرف به المواطن الروماني المتعالي عن َ‬ ‫وورد ً‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫‪ ،0991‬صفحة ‪ )33‬ظهر هذا اللفظ في القرن الثَّامن عشر مع المركيز دي ميرُابو (‪-0719‬‬
‫تطابًقا‬ ‫َّ‬
‫موما نجد الفكر الغربي ُيطابق بين مفهومي الحضارة والثقافة‪ُ ،‬‬ ‫وع ً‬
‫‪ُ D. Mirabeau )0790‬‬
‫لحد التَّرُادف! كما ذهب إلى ذلك المؤرخ الفرنسي‪ ،‬فرناند بروديل‪(1902-1985) 1‬‬ ‫يصل ِ‬
‫ان َم ًعا إلى المعنى نفسه‪ ،‬وهو الطابع‬ ‫أن الثَّقافة والحضارة تُشير ِ‬
‫‪ Fernand Broudel‬والذي اعتبر َّ‬
‫طرق التَّفكير‪ .‬والحضارة عنده هي‬ ‫الكلِي للحياة لدى شعب من الشعوب‪ ،‬ألنهما يشتركان في ِ‬
‫القيم و ُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫أن كل حضارة تصدر وتتلقى التأثيرات الثقافية‪ ،‬ناهيك‬ ‫فضاء يرتبط واقعها بموقعها الجغرافي‪ ،‬ذلك َّ‬
‫عن اعتبار الحضارة مجرد ذهنيات جماعية‪( .‬دمحم‪ ،2102 ،‬صفحة ‪)9‬‬
‫واألبعد من ذلك‪ ،‬فهذا التَّداخل بين مفهومي الحضارة "‪ "Civilisation‬والثقافة "‪ "Culture‬قد‬
‫عامة للفصل بين الحضارة ِ‬
‫بمقوماتها‬ ‫استمر حتى القرن التَّاسع عشر‪ ،‬إلى أن رسم األلمان ُح ً‬
‫دودا َّ‬
‫الماديَّة والتقنية؛ والثَّقافة بتجلِياتها ال َقيميَّة والفكرية واللغويَّة و ِ‬
‫الدينية‪ .‬لهذا‪ ،‬نجد أزفالد شبنجلر‬
‫(‪ Oswald Spengler )0936-0881‬على سبيل المثال ال الحصر‪ ،‬يستعمل كلمة َحضارة‬
‫بالدورات الحضارية في تفسير التَّاريخ‪( .‬دمحم‪ ،2102 ،‬صفحة ‪)01‬‬ ‫للداللة على االنحطاط‪ِ ،‬‬
‫متأث ًار َّ‬ ‫َّ‬
‫أما عن داللة المصطلح في اللغة العربية‪ ،‬ففي أوائل القرن التَّاسع عشر ظهر اتجاهين في‬ ‫َّ‬
‫ولكل منهما ُمبرر‪ .‬اتجاه ترجم كلمة "‪ "Civilisation‬ب ـ "مدينة"‪ ،‬وذلك منذ بداية‬ ‫ترجمة هذا َّ‬
‫اللفظ‪ٍ ،‬‬
‫عبير عن مضمون اللفظ‬ ‫االتصال بالغرب في مطلع القرن التَّاسع عشر‪ ،‬واستُ ِ‬
‫عمل لفظ التَّ َمُّدن للتَّ ِ‬ ‫ِ‬
‫الغربي؛ (دمحم‪ ،2102 ،‬صفحة ‪ )12‬و ِاتجاه آخر ترجم اللفظ األجنبي "‪ "Civilisation‬بـ "حضارة"‬
‫االتجاه إلى التَّقدم ِ‬
‫المادي والمعارف‪ ،‬والفنون الحديثة‬ ‫وذلك في منتصف القرن العشرين‪ ،‬واستند هذا ِ‬
‫البادي‪ ،‬أي‬ ‫ِ‬ ‫خاصة و َّ‬
‫البدو؛ والحاضر خالف َ‬ ‫أن الحضر في اللغة هو خالف َ‬ ‫التي عرفتها أوروبا‪َّ ،‬‬
‫فالن‬
‫وفالن من أهل البادية‪ ،‬أو ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫فالن من أهل الحاضرة؛‬
‫عادة‪ٌ ،‬‬
‫ً‬ ‫المقيم في البادية‪ .‬لهذا‪ُ ،‬يقال‬
‫وفالن َب َدوي‪ .‬وبهذا المعنى‪ ،‬فالحضارة هي اإلقامة في الحضر‪( .‬ابن منظور‪0313 ،‬هـ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫حضري؛‬
‫صفحة ‪)272‬‬

‫‪116‬‬
‫المشتَرك‬
‫َ‬ ‫عايش‬ ‫إمكاَنات َّ‬
‫الت ُ‬ ‫حو َ‬ ‫َّ‬
‫الحضارات إلى َت َع ُارف الثَقا َفات‪َ ،‬ن َ‬
‫َ‬ ‫من ِص َدام‬

‫أن االتجاه الثَّاني‬


‫اللفظ األجنبي "‪ "Civilisation‬يظهر جليًّا َّ‬ ‫خالل ِ‬
‫االتجاهين في ترجمة َّ‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫الظواهر االجتماعيَّة المركبة‬‫الداللة االصطالحيَّة لـلفظ "حضارة" هو مجموع َّ‬
‫أن َّ‬
‫أقرب و َّأدق‪ ،‬ذلك َّ‬
‫طبيعة قابَلة للتَّناُقل‪ ،‬تتم عبر ِسمة أخالقيَّة‪ ،‬وجماليَّة‪ ،‬وفنيَّة مشتركة بين كل األفراد‪( ،‬الالند‪،‬‬
‫َ‬ ‫ذات‬
‫المركب‪ ،‬من ظاهرة‬‫َّ‬ ‫الكم‬
‫أن الحضارة هي ذاك َ‬ ‫ص َّح التَّعبير‪َّ -‬‬
‫‪ ،2110‬صفحة ‪ )072‬أو لنُقل ‪-‬إن َ‬
‫جيل إلى جيل في‬ ‫الفني واألدبي‪ ،‬واالزدهار المادي‪ ،‬الذي ينتقل من ٍ‬ ‫الرقي ِ‬‫التَّقدم العلمي والتَّقني‪ ،‬و ُّ‬
‫ٍ‬
‫مجتمعات مشابهة‪( .‬بليليطة‪ ،2108 ،‬صفحة ‪)88‬‬ ‫مجتم ِع واحد‪ ،‬أو في‬
‫أما لفظ الثقافة "‪ "Culture‬فيرجع إلى األصل الالَّتيني "‪ "Cultuvare‬والذي يحمل معنى َحرث‬ ‫َّ‬
‫األرض وزراعتها‪ ،‬وظل هذا اللفظ بهذا المعنى في العصرين اليوناني والروماني القديم‪ ،‬وقد استعملها‬
‫شيشرون (‪ 016‬ق‪.‬م ‪ 13 -‬ق‪.‬م) ‪ Ciceron‬بالمعنى نفسه أي حرث األرض وزراعتها‪ ،‬واعتبر‬
‫ظًّنا منه َّ‬
‫أن دور الفلسفة هو تنشئة‬ ‫أيضا‪َّ ،‬‬
‫أن الفلسفة زراعة للعقل وتنميته "‪َ "Montis Culture‬‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫بإطالق طقوس دينيَّة تحت اسم "‪"Culture‬؛‬ ‫ثم‪ ،‬قامت فرنسا‬
‫الناس على تكريم اآللهة‪ .‬و‪ ،‬من َّ‬ ‫َّ‬
‫النهضة احتوى هذا اللفظ على المدلول ِ‬
‫الفني‬ ‫أما في عصر َّ‬
‫(عارف‪ ،0991 ،‬الصفحات ‪َّ )21-09‬‬
‫اضيعا كالتَّربية واإلبداع؛ غير َّ‬
‫أن في القرن العشرين فقد أصبح لفظ "‪"Culture‬‬ ‫واألدبي‪ ،‬يتناول مو ً‬
‫الذوق والفهم‪ .‬ونجد توماس هوبز (‪Tomas )0676-0888‬‬ ‫يدل على تنمية العقل عن طريق َّ‬
‫‪ Hobbes‬استعمل لفظ "ثقافة" َّ‬
‫للداللة على العمل الذي يبذله اإلنسان لغايات تطويريَّة‪( .‬معن‪،‬‬
‫‪ ،0986‬صفحة ‪)302‬‬
‫ومع انتقال المصطلح إلى اللغة األلمانية "‪ "Kultur‬اكتسب مضمونا جديدا‪ ،‬إذ أصبح يدل على‬
‫ٍ‬
‫بشكل عام‪ ،‬لهذا‪ ،‬ارتأى‬ ‫التَّقدم الفكري والتَّطور الذي يسعى إليه الفرد‪ ،‬كما تسعى إليه اإلنسانية‬
‫األلمان في مطلع القرن العشرين إلى القول بوجود عالقة بين الثَّقافة والحياة الروحيَّة‪ِ ،‬‬
‫معبرين بذلك‬
‫متجسدة تساهم في إنتاج الثَّقافة‪ ،‬وهنا‪ ،‬يستوقفنا ما ذهب إليه جون ديوي (‪-0982‬‬‫ِ‬ ‫على وجود قيم‬
‫عرف الثَّقافة بأنها حصيلة التَّفاعل بين اإلنسان وبيئته‪( .‬معن‪،‬‬
‫‪ John Dewey )0889‬حيث َّ‬
‫‪ ،0986‬صفحة ‪)302‬‬
‫ولعل التَّعريف‬
‫َّ‬ ‫أن مصطلح الثَّقافة عبر تاريخه الطويل عرف الكثير من َّ‬
‫الدالالت‪،‬‬ ‫يظهر جليًّا َّ‬
‫اللفظ هو ما طرحه عالم األنثربولوجيا اإلنجليزي إدوارد تايلور (‪)0907-0832‬‬ ‫دقة لهذا َّ‬ ‫األكثر َّ‬
‫‪ Edward Taylor‬والذي اعتبر الثقافة أنها « ذلك الكل الذي يشمل المعارف والمعتقدات‪ ،‬والفنون‪،‬‬
‫الناس‪( ».‬دمحم‪ ،2102 ،‬صفحة‬ ‫والقوانين‪ ،‬واألعراف الثَّقافية‪ ،‬من حيث هي كيان ِ‬
‫متميز لجماعة من َّ‬
‫أن الثَّقافة هي « ذلك الكل الـم َّ‬
‫ركب الواسع الذي يشمل المعارف والعقائد‪ ،‬والفنون‪،‬‬ ‫‪ )21‬أو ُقل‪َّ ،‬‬
‫ُ‬

‫‪117‬‬
‫أمين طالبي‬

‫واألخالق [‪ ]...‬التي يكتسبها اإلنسان من حيث هو عضو في مجتمع‪( ».‬عارف‪ ،0991 ،‬صفحة‬
‫اإلثنوغرافي‪ (Ethnography / Ethnographie( 2‬أصبح يستعمل بكثرة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫‪ )21‬هذا التَّعريف‬
‫خاصة لدى علماء االجتماع‪.‬‬
‫َّ‬
‫أما تجليَّات المصطلح في الثَّقافة العربيَّة نجد مالك بن نبي‪ ،‬يرى أن الثقافة ال يصح اعتبارها‬
‫َّ‬
‫شيء؛ فهي عالقة متبادلة‪ ،‬وهي العالقة التي تحدد السلوك االجتماعي لدى الفرد‪ ،‬بأسلوب الحياة‬
‫في المجتمع؛ كما تحدد أسلوب الحياة بسلوك الفرد‪( .‬ابن نبي‪ ،0981 ،‬صفحة ‪)13‬‬

‫عارف‪ ،‬حفر في المفاهيم‪:‬‬ ‫‪ 2.2‬الصدام و َّ‬


‫الت ُ‬
‫قصي في سيرة المفاهيم وداللة المصطلحات‪ُ ،‬يسهل تحصيل‬ ‫أن الحفر والتَّ ِ‬
‫من الواضح َّ‬
‫أن المفاهيم من حيث هي‬ ‫العُلوم التي تَصوغ المنظومة الفكرية والمعرفيَّة‪ .‬ذلك َّ‬
‫وتحليل المعارف و ُ‬
‫اصل الفكري والمعرفي‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫أيضا‪ ،‬على َخلق أواصر التو ُ‬ ‫ُمنطلقات لصياغة األفكار وتوضيحها؛ تُساعد ً‬
‫الصدام في حديثهم عن فكرة‬‫للداللة على مفهوم ِ‬ ‫ومن المؤسف أن يستعمل البعض مفهوم ِ‬
‫الصراع‪َّ ،‬‬
‫‪3‬‬
‫الحضارات‪.‬‬
‫َ‬ ‫و‪/‬أو أطروحة صدام‬
‫ص َدم الرجل غيره أي‬ ‫ِ‬
‫ويقال َ‬
‫ود َف َعه؛ ُ‬
‫صدما بمعنى ضربه َ‬ ‫ً‬ ‫صدم الشيء‬‫والصدام في اللغة‪َ ،‬‬
‫تض َارَبت‪( .‬راهي قيس‪ ،2107 ،‬صفحة‬ ‫وتصادمت اآلراء بمعنى َ‬
‫َ‬ ‫ص َدم القول أي أسكته؛‬ ‫َد َف َعه؛ َو َ‬
‫ِ‬
‫ضارب في‬ ‫أما لفظ الصدام في الموسوعات السياسية‪ ،‬يحمل مدلوالً اجتماعيًّا ألنه ينطلق من التَّ ُ‬ ‫‪َّ )21‬‬
‫تبادَلة بين أمرين اجتماعهما ممكن‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ويشير لفظ الصدام ‪-‬في الغالب‪ -‬إلى حالة ُم َ‬ ‫القَيم والمصالح‪ُ .‬‬
‫الصدام عن الصراع الذي ال ُيمكن أن يجتمع فيه أمرين! ناهيك عن إمكانيَّة‬ ‫ميز ِ‬ ‫ولعل هذا ما ُي ِ‬
‫َّ‬
‫أن هذا‬ ‫الصراع‪( ،‬راهي قيس‪ ،2107 ،‬صفحة ‪ْ )20‬بي َد َّ‬ ‫الصدام واستحالة ذلك على ِ‬‫السيطرة على ِ‬
‫يتغلب على الطرف اآلخر ُمستعمالً‬ ‫األخير يشير ‪-‬غالبا‪ -‬إلى نزاع بين طرفين يحاول كل منهما أن َّ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫في ذلك القوة الماديَّة‪( .‬صليبا‪ ،0991 ،‬صفحة ‪)36‬‬
‫ولهذا‪ ،‬فـقولنا ِ‬
‫صدام الحضارات أقرب تعبي ار لعبارة ‪ The Clash of Civilizations‬العنوان‬
‫الذي طرحه صمويل هنتنجتون (‪ Samuel Huntington )2118-0927‬في مقاله‪ ،‬قبل أن‬
‫‪4‬‬
‫اسعا في األوساط الفكرية واإلعالمية‪.‬‬
‫يتحول العنوان إلى كتاب طارًحا َج َدالً و ً‬
‫َّ‬
‫أن المسلمون لهم رؤية في‬
‫عارف‪ ،‬فهو ‪-‬على األغلب‪ -‬ذا خلفيَّة إسالمية؛ ذلك َّ‬ ‫أما لفظ التَّ ُ‬
‫َّ‬
‫تكونت لديهم معرفة بخص ِ‬
‫وص عالقة المسلم بالمسلم‪ ،‬وعالقته بغيره من‬ ‫البناء الحضاري‪ ،‬وقد َّ‬
‫ُ‬
‫عارف قد ُذكر في قوله‬ ‫أن لفظ التَّ ُ‬ ‫نصوص ُقرآنية واضحة‪ .‬ونجد َّ‬ ‫ٍ‬ ‫الشعوب الغير مسلمة‪ ،‬وذلك عبر‬
‫وبا َوَقَب ِائ َل‬ ‫اك ْم ِم ْن َذ َك ٍر َوأ ُْنثَى َو َج َعْلَن ُ‬
‫اك ْم ُش ُع ً‬ ‫اس ِإَّنا َخَلْقَن ُ‬ ‫ُّها َّ‬
‫الن ُ‬ ‫تعالى ﷻ في ُمحكم تنزيله ﴿َيا أَي َ‬
‫‪118‬‬
‫المشتَرك‬
‫َ‬ ‫عايش‬ ‫إمكاَنات َّ‬
‫الت ُ‬ ‫حو َ‬ ‫َّ‬
‫الحضارات إلى َت َع ُارف الثَقا َفات‪َ ،‬ن َ‬
‫َ‬ ‫من ِص َدام‬

‫أن اإلسالم يمتلك رؤية‬ ‫لِتَ َع َارُفوا﴾ ( القرآن الكريم‪ ،‬الحجرات‪ )03 ،‬ومن خالل هذه اآلية يتبيَّن حقيقة َّ‬
‫الشعوب والمجتمعات والحضارات‪ ،‬والمفهوم الذي ِ‬
‫يوضح هذه الرؤية و‪/‬أو‬ ‫اتجاه العالقات بين األمم و ُّ ُ‬
‫ٍ‬
‫موجه َّ‬
‫للناس‬ ‫أصل قرآني َّ‬ ‫عارف"‪ ،‬ومن المعلوم َّ‬
‫أن هذا المفهوم يستند إلى‬ ‫صور اإلسالمي هو "التَّ ُ‬‫التَّ ُّ‬
‫اس‪"...‬؛ وباعتبار‬ ‫ُّها َّ‬ ‫ِ‬ ‫كافة‪ ،‬ويتَّضح ذلك من‬‫َّ‬
‫الن ُ‬ ‫صيغة الجمع التي تبتدئ بها اآلية "َيا أَي َ‬
‫َ‬ ‫خالل‬
‫للناس أجمعين‪ ،‬فهو يحاول ‪-‬بهذا القدر أو ذاك‪ -‬تذكيرهم بالتَّعدد واالختالف‬ ‫موجه َّ‬
‫الخطاب القرآني َّ‬
‫الشعوب والقبائل؛ فضالً عن التَّذكير بوحدة األصل اإلنساني " َّ‬
‫الذكر واألنثى" لهذا‪ ،‬فرغم‬ ‫بين ُّ ُ‬
‫التعارف‪( .‬الميالد‪،‬‬ ‫قائم ًة على فكرة الحوار ومنطق‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫االختالف والتعدد‪ ،‬تبقى العالقة بين البشر َ‬
‫‪ ،2101‬الصفحات ‪)83-82‬‬

‫قدية‬ ‫النظرية ونماذجها َّ‬


‫الن َّ‬ ‫‪ .3‬صدام الحضارات‪َّ ،‬‬
‫اءة ُمستقبل العالم‪ ،‬واستشراف صورة البشرية ُمستقبالً كان‪ ،‬وال يزال‪،‬‬ ‫من المعُلوم َّ‬
‫أن قر َ‬
‫عدة ُمحاوالت ونظريات فكرية تحاول البحث عن تفسير‬ ‫طر َحت َّ‬ ‫هاجسا يؤرِق اإلنسان‪ .‬و ِ‬
‫ألجل ذلك ُ‬ ‫ً‬
‫طرح في ظلِ‬ ‫ِ‬
‫لتلك التَّحديات التي تواجه البشرية‪ُ ،‬‬
‫وتحول دو َن استقرار اإلنسانيَّة‪َّ ،‬‬
‫ولعل من أبرز ما ُ َ‬
‫هذا الموضوع نجد فكرة ‪ /‬نظرية "صدام الحضارات" التي طرحها العديد من المفكرين‪ ،5‬رغم أَّنها‬
‫عادة صمويل هنتنجتون‪ ،‬إذ طرحها كمحاولة َّ‬
‫جادة الستشراف حالة السياسة العالمية بعد‬ ‫ً‬ ‫نسب‬
‫تُ ُ‬
‫الحرب الباردة‪.‬‬
‫ظرية والمرتكزات الفلسفية‪:‬‬ ‫‪ 2.3‬صدام الحضارات‪َّ ،‬‬
‫الن َّ‬
‫ال يخفى َّ‬
‫أن نظرية صدام الحضارات باتت ‪-‬بهذا القدر أو ذاك‪ -‬أطروحة تحاول تفسير واقع‬
‫النظريات التي نالت‬ ‫التَّاريخ الحضاري واإلنساني واستشراف السياسة العالميَّة‪ ،‬وهي بحق من بين َّ‬
‫الم َّثقفين‪ ،‬وال تختلف عن ذلك أطروحة نهاية التَّاريخ‬ ‫اسعا وسط ُ َّ‬ ‫اهتماما ا َّ‬
‫الكتاب و ُ‬ ‫جدالً و ً‬
‫كبير وخلفت َ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫لـ فرانسيس فوكوياما (‪ F. Fukuyama )0982‬وكثي ار ما كان الصدام بين النموذجين في تفسيرهما‬
‫‪6‬‬
‫للواقع‪.‬‬
‫لهذا‪ ،‬سعى هنتنجتون إلى انتقاد أطروحة نهاية التاريخ لفوكوياما‪ ،‬و ً‬
‫اصفا إياها بالفكرة‬
‫األحاديَّة والبعيدة عن الحقيقة في تفسير الواقع السياسي والحضاري العالمي بعد الحرب الباردة‪ .‬ومن‬
‫‪7‬‬
‫باألنموذج‬
‫ُ‬ ‫أن هنتنجتون في دحض أطروحة فوكوياما استعمل ما ُيعف‬ ‫الضروري التَّنبيه هنا‪َّ ،‬‬
‫أن التَّفكير في واقع العالم‬
‫اسا من فلسفة العلوم! وحسب هنتنجتون َّ‬ ‫‪ Paradigme‬الذي ُه ِرب َ‬
‫أس ً‬
‫عامة كاألنموذج‪ ،‬واألبعد من ذلك‪ ،‬فهنتنجتون‬
‫ينبغي أن يستند إلى خارطة ُمبسطة‪ ،‬أو نظرية َّ‬

‫‪119‬‬
‫أمين طالبي‬

‫يستثمر فكرة األنموذج التي تقوم أساسا على إزاحة نظريات عامة غير قادرة على تفسير حقائق‬
‫ٍ‬
‫بشكل مقنع‪( .‬راهي قيس‪،2107 ،‬‬ ‫تفسير لتلك الحقائق‬
‫ًا‬ ‫ثم‪ ،‬استبدالها بنظرية جديدة تقدم‬
‫جديدة‪ ،‬ومن َّ‬
‫صفحة ‪)62‬‬
‫أن استثمار نظرية األنموذج كانت محاولة إلقصاء ‪-‬أو باألحرى‪ -‬إزاحة‬
‫وعليه‪ ،‬يمكن القول َّ‬
‫النظريات التَّفسيريَّة التي عجزت عن تفسير ووصف الواقع السياسي والحضاري‪ ،‬ومن َّ‬
‫ثم‪،‬‬ ‫النماذج و َّ‬
‫َّ‬
‫طرح أنموذج بديل لتفسير واقع السياسة العالمية‪ .‬ومن بين َّ‬
‫النظريات التي حاول هنتنجتون إقصاءها‬
‫هي نظرية نهاية التَّاريخ لفوكوياما‪ ،‬واستبدالها بأطروحة‪ /‬نظرية صدام الحضارات‪ ،‬والتي يرى فيها‬
‫األنسب لتفسير الواقع‪.‬‬
‫الشؤون‬ ‫أن فكرة صدام الحضارات قد ُن ِشرت َّ‬
‫ألول مرة في مجلة ُّ‬ ‫من الضروري اإلشارة هنا‪َّ ،‬‬
‫تتحول ‪-‬فيما بعد‪ -‬إلى كتاب يحمل العنوان ذاته‪ ،‬صدام الحضارات‬
‫الخارجيَّة في ‪0993‬؛ قبل أن َّ‬
‫طح بين‬‫أساسا في وجود صدا ٍم وتنا ُ‬
‫َ‬ ‫في ‪ ،0996‬عرض فيه هنتنجتون معالم نظريته المتمثلة‬
‫الحضارات‪ ،‬ورغم َّ َّ‬
‫اسعا في األوساط‬ ‫أن الطرح كان يحمل درجة من الغرابة لدرجة َّأنه َ‬
‫أحدث جدالً و ً‬
‫‪8‬‬
‫وعموما‪ ،‬ففكرة الصدام ‪-‬حسب هنتنجتون‪ -‬ليست سوى انقسام بين البشر‬
‫الفكريَّة واإلعالميَّة‪ُ .‬‬
‫مصدره الثقافة بمفهومها األوسع‪ ،‬وليس الصدام حالة استثنائية‪َّ ،‬إنما هو امتداد لتلك الصراعات التي‬
‫عرفتها اإلنسانية على مر التَّاريخ‪ ،‬كصراع الملوك واألباطرة‪ ،‬وتناطح اإلديولوجيات‪ .‬لكن‪ ،‬الصراع‬
‫الذي سيطفو ُغداة الحرب الباردة سيكون عبارة عن صدام بين الحضارات‪( .‬هنتنجتون‪،0999 ،‬‬
‫صادم هو الثَّقافة‪ ،‬كأحدث مرحلة لتطور النزاعات في‬ ‫ِ‬
‫أن مصدر التَّ ُ‬
‫ويؤكد هنتنجتون‪َّ ،‬‬ ‫صفحة ‪)01‬‬
‫ستتحول بعد الحرب الباردة إلى‬
‫َّ‬ ‫العالم الحديث‪ ،‬وتلك الثورات التي كانت ِ‬
‫تؤطر الحضارة الغربية‬
‫صدام حضاري بين حضارات مختلفة ومتنوعة‪( .‬راهي قيس‪ ،2107 ،‬صفحة ‪)16‬‬
‫مما سبق‪ ،‬يتَّضح أن الصدام الحضاري هو العنوان األبرز لوصف واقع ُّ‬
‫الشعوب واألمم‪،‬‬
‫ولعل الماضي السحيق من تاريخ البشرية يثبت‪ ،‬بما ال يدع مجاالً للشك‪ ،‬أن الصراعات كان العنوان‬
‫األبرز لعالقات الشعوب واألمم‪.‬‬
‫الصدام سيكون بين سبع حضارات‬ ‫أن ِ‬‫عامة‪ ،‬هي َّ‬ ‫تقوم أطروحة صدام الحضارات‪ ،‬على فكرة َّ‬
‫وهي‪ :‬الحضارة الغربيَّة‪ ،‬والحضارة ِ‬
‫الصينيَّة‪ ،‬والحضارة اليابانيَّة‪ ،‬والحضارة اإلسالميَّة‪ ،‬والحضارة‬
‫ال ِهندوسيَّة‪ ،‬واألرثودوكسيَّة‪ ،‬والحضارة األمريكية الالتينية‪ ،‬والحضارة اإلفريقية‪َّ .‬‬
‫أما أسباب هذا‬
‫تعمق في الوعي الحضاري وتزايد فجوى االختالف بين الحضارات‪ ،‬هذا‬ ‫العموم‪ُّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫الصدام‪ ،‬فهي‪ ،‬على ُ‬
‫فاعالت بين ُّ‬
‫الش ُعوب التي تنتمي إلى‬ ‫ناهيك عن تزايد التَّ ُ‬
‫َ‬ ‫العداء؛‬
‫نوعا من َ‬
‫ما سيخلق ‪-‬فيما بعد‪ً -‬‬

‫‪120‬‬
‫المشتَرك‬
‫َ‬ ‫عايش‬ ‫إمكاَنات َّ‬
‫الت ُ‬ ‫حو َ‬ ‫َّ‬
‫الحضارات إلى َت َع ُارف الثَقا َفات‪َ ،‬ن َ‬
‫َ‬ ‫من ِص َدام‬

‫ِ‬
‫حضارات مختلفة؛ فضالً عن عمليات التَّغيير االجتماعي التي تُعمق من أزمة ُ‬
‫الهويَّة لتنتج ثغرات‬
‫ومز ًيدا من األزمات‪( .‬هنتنجتون‪ ،0999 ،‬الصفحات ‪)008-007‬‬
‫الصدام بين كل تلك الحضارات‪ ،‬تبقى الحلَقة األكثر عرضة ِ‬
‫للصدام ‪-‬‬ ‫ورغم اشتراك هذا ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫دمرة على كل‬‫حسب هنتنجتون‪ -‬هي الحضارة اإلسالميَّة والغربيَّة‪ ،‬لما لهذه األخيرة من تأثيرات م ِ‬
‫ُ‬
‫ولعل المشكلة األساسيَّة بين الغرب وباقي الحضارات تكمن في ذاك التَّناُفر‬
‫َّ‬ ‫الحضارات األخرى‪.‬‬
‫والتَّدا ُفع الذي يجعل من الغرب "حضارة عالميَّة" ‪ 9‬تنصهر فيها ُشعوب العالم‪ ،‬واألبعد من ذلك‪َّ ،‬‬
‫أن‬
‫البد لها أن تلتزم بالقيم‬ ‫أن ُّ‬
‫الشعوب الغير غربيَّة َّ‬ ‫أيضا أمريكا‪ -‬يسيران وفق رؤية مفادها َّ‬
‫الغرب ‪-‬و ً‬
‫الغربية خاصة فيما َّ‬
‫يتعلق بالديمقراطية وحقوق اإلنسان والفردانيَّة‪ 10،‬وحكم القانون‪( .‬هنتنجتون‪،‬‬
‫‪ ،0999‬صفحة ‪)291‬‬
‫خاصة الحضارة‬
‫َّ‬ ‫يظهر جليَّا مدى تصاعد وتيرة ِ‬
‫الصراع بين الغرب وباقي الحضارات‪،‬‬ ‫ُ‬
‫طة التي يفرضها‬
‫السل َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ومتشعب‪ ،‬ناهيك عن ًّ‬ ‫اإلسالميَّة‪ ،‬ذلك َّ‬
‫أن العداء بين الحضارتين تاريخي‬
‫الغرب اليوم على باقي حضارات العالم باعتباره حضارة عالميَّة‪.‬‬
‫الدفاع عن مصالحة كحضارة عالميَّة تنتج‬ ‫من هنا‪ ،‬يحاول الغرب أن يحافظ على التَّ ُّفوق و ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫تطوًار على مختلف األصعدة‪ ،‬واألكثر من ذلك‪ ،‬أصبح مصطلح العالميَّة هو‬ ‫مجتمعا عالميًّا م ِ‬
‫ً‬
‫ُ‬
‫المهذبة للغرب إلضفاء شرعية كونيَّة على مصالح الدول الغير غربية‪ .‬ويكمن جوهر‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫التسميَّة ُ‬
‫الحضارة الغربيَّة ‪-‬حسب هنتنجتون‪ -‬في التراث الكالسيكي م ِ‬
‫تمثالً في العقالنيَّة اإلغريقية والتَّشريع‬ ‫ُ‬
‫اليوناني‪ ،‬والكاثوليكية والبروتستانتية واللغات األوروبية؛ ناهيك عن الفصل بين الكنيسة وسلطة َّ‬
‫الدولة‬
‫وسيادة القانون‪( ،‬سنغاس‪ ،2118 ،‬صفحة ‪)038‬‬
‫ِ‬
‫تمثل هذه المعالم المرتكزات األساسية لحضارة الغرب‪ ،‬ويبدو حقيقة َّ‬
‫أن هذه العوامل التي‬
‫ساهمت ‪-‬بهذا القدر أو ذاك‪ -‬في قيام حضارة الغرب‪ ،‬تختلف عن العوامل الم ِ‬
‫شكلة لباقي‬ ‫ُ‬
‫الحضارات‪ ،‬هذا ما يجعل من الغرب في حلبة صراع مع اإلسالم من جهة‪ ،‬ومع الصين من جهة‬
‫أخرى‪ ،‬ويؤ ِكد هنتنجتون ذلك بقوله « َّ‬
‫إن دعاوي العالمية واإلنسانية التي يطرحها الغرب‪ ،‬تضعه‬
‫بشكل متزايد في صراع مع الحضارات األخرى وبشكل أكثر خطورة بين اإلسالم و ِ‬
‫الصين‪( ».‬راهي‬ ‫ُ‬
‫قيس‪ ،2107 ،‬صفحة ‪)13‬‬
‫الصدام يحتدم بين حضارتي‬‫السبب الذي يجعل ِ‬ ‫يتساءل عن َّ‬ ‫ُيمكن لقارئ هذه األسطر‪ ،‬أن‬
‫َ‬
‫أن الحضارات األسيوية تقوم بتوسيع قواها‬‫الغربي واإلسالم وحضارة الصين‪ ،‬والسب في هو َّ‬
‫االقتصادية والعسكرية والسياسية؛ في حين أن باقي الحضارات باقية على حالها‪ ،‬هذا بالتَّحديد ما‬

‫‪121‬‬
‫أمين طالبي‬

‫يجعل عالقة الغرب والصين متوترة وعدائية‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فحضارتي اإلسالم والصين تمتلكان‬
‫ت ارثًا ثقافيًّا فيه من العظمة ما يجعلهما مختلفتين عن تراث الغرب‪( .‬هنتنجتون‪ ،0999 ،‬صفحة‬
‫َّ‬
‫محطاته التَّاريخية‪ ،‬منذ‬ ‫‪ )298‬أما صدام الغرب واإلسالم فسببه راجع إلى أصالة هذا الصراع في‬
‫الصليبيَّة على العالم اإلسالمي ‪ ،‬ووصوالً إلى االستعمار األوروبي‬
‫ظهور اإلسالم‪ ،‬مرو ار بالحمالت َّ‬
‫على أجزاء العالم اإلسالمي‪( .‬خليفة‪ ،2113 ،‬صفحة ‪)09‬‬
‫قدية لنظرية صدام الحضارات‪:‬‬ ‫‪ 2.3‬النماذج َّ‬
‫الن َّ‬
‫ِ‬
‫العالمية‪ ،‬فخلقت‬ ‫اف واقع ِ‬
‫السياسة‬ ‫طرحت فكرة صدام الحضارات‪ ،‬كأطروحة لفهم واستشر ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫بأفكار‬ ‫ؤيد ومعارض َل َها‪ ،‬ورغم َّأنها تتسم‬ ‫الفكرية الغربِية واإلسالمية‪ ،‬بين م ٍ‬
‫اسعا في األوساط ِ‬
‫ُ‬ ‫جدال و ً‬
‫أثبتها التَّاريخ‪ ،‬ل ِكن‪ ،‬ال َي َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫خفى علينا‬ ‫قد تكو ُن إلى حد معيَّن منطقية‪ ،‬كجعل الصدام امتداد لصراعات َ‬
‫النقد والتَّعقيب‪ ،‬بل طرحت عدة‬ ‫فكانت ُعرض ًة لِسها ِم َّ‬
‫الغموض َ‬ ‫من ُ‬ ‫األطروحة احتََوت َعلى َنوٍع َ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫أن‬
‫‪11‬‬
‫للرد على نظرية صدام الحضارات‪.‬‬ ‫أفكار تهدف ِ‬
‫أن هنتنجتون‪ ،‬طرَح صدام الحضارات باعتبارها فرضية يحاول البرهنة على‬ ‫ومن المعلوم َّ‬
‫َّ‬
‫تعرضت للكثير من‬ ‫أن هذه َّ‬
‫النظريَّة القائلة بوجود صدام بين الحضارات‪ ،‬لطالما‬ ‫صحتها‪ .‬غير َّ‬
‫‪12‬‬
‫(‪-0938‬‬ ‫االنتقادات من طرف العرب والغرب أنفسهم‪ ،‬فقد عبَّر المفكر العربي‪ ،‬دمحم عابد الجابري‬
‫قدم بشكل هجومي وتتدافع‬ ‫بأنها ليست بفرضية‪َّ ،‬إنما هي تنبؤات تُ َّ‬
‫‪ )2108‬عن صدام الحضارات َّ‬
‫وكأن المؤلِف كان ُمستعجالً‪ .‬ذلك َّ‬
‫أن األفكار كانت تتداخل‬ ‫كالقذائف ويغيب عنها التَّنظيم المنهجي‪َّ ،‬‬
‫أما عن تصنيف‬ ‫تماما‪( .‬الجابري‪ ،0997 ،‬الصفحات ‪َّ )91-92‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫والشواهد تتدافع والتحليل ُمضطرب ً‬
‫محدد للتَّصنيف‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بمعيار َّ‬ ‫بالغموض دون االلتزام‬
‫ُ‬ ‫هنتنجتون للحضارات فقد اتَّسم ‪-‬حسب الجابري‪-‬‬
‫الصينية نسبة إلى‬‫صنف الحضارة الغربية نسبة إلى الجغرافيا؛ والحضارتين اليابانية و ِ‬‫فنالحظ َّأنه َّ‬
‫بلد؛ والحضارة اإلسالميَّة نسبة إلى دين؛ أما تصنيف للحضارتين األمريكية واإلفريقية نسبة إلى‬
‫العرق‪( .‬الجابري‪ ،0997 ،‬صفحة ‪)013‬‬
‫يظهر حقيقة الخلط العشوائي في تصنيف الحضارات في نظرية صدام الحضارات‪ ،‬واألدهى‬
‫أن هنتنجتون ال يستعمل ِ‬
‫الدين لتصنيف الحضارات إالَّ بالنسبة للحضارة اإلسالميَّة‪ ،‬بل‬ ‫واألمر َّ‬
‫(‪-0938‬‬ ‫أن الصدام سيشتَّد بين الغرب واإلسالم‪ .‬ويصف عبد الوهاب المسيري‬
‫‪13‬‬
‫وينتهي للقول َّ‬
‫‪ )2117‬هذه الثُّنائية َّ‬
‫بالزائفة والواهيَّة‪ ،‬فهي تنطلق من إديولوجيَّة مقيتة تجعل العالم ُمنقسم لقسمين‪،‬‬
‫النظريَّة تُعلي من شأن الغرب على حساب‬ ‫الغرب من جهة؛ وباقي العالم من جهة أخرى‪ .‬لذا‪ ،‬فهذه َّ‬

‫‪122‬‬
‫المشتَرك‬
‫َ‬ ‫عايش‬ ‫إمكاَنات َّ‬
‫الت ُ‬ ‫حو َ‬ ‫َّ‬
‫الحضارات إلى َت َع ُارف الثَقا َفات‪َ ،‬ن َ‬
‫َ‬ ‫من ِص َدام‬

‫باقي الحضارات وهذا َّ‬


‫الطرح يتناقض من أطروحته حول تعددية الحضارات وصراعها‪( .‬المسيري‪،‬‬
‫‪ ،2103‬صفحة ‪)082‬‬
‫وضعف االستدالالت فهو تارة يستند‬ ‫الغموض ُ‬ ‫السهل لقارئ نظرية الصدام‪ ،‬أن يكشف ُ‬ ‫من َّ‬
‫للماضي من تاريخ البشرية؛ وتارة أخرى يستدل بواقع العالقات الدوليَّة‪.‬‬
‫بأن ِ‬
‫الصدام مستقبالً سيكون بين‬ ‫موضا في نظرية هنتنجتون‪ ،‬هو القول َّ‬ ‫ولعل أكثر األفكار ُغ ً‬‫َّ‬
‫الصينية "الكونفوشيوسية" واإلسالميَّة‪ ،‬دون أن يعلِل سبب هذه ِ‬
‫الصدام‪ ،‬بل قد‬ ‫الحضارة الغربيَّة و ِ‬
‫توصل إلى التَّنظير بين عالم إسالمي وآخر أسيوي رغم االختالفات‬
‫نجرؤ على التَّساؤل كيف َّ‬
‫الجذريَّة بينهما‪( .‬المسيري و التريكي‪ ،‬الحداثة وما بعد الحداثة‪ ،2102 ،‬صفحة ‪ )218‬هذا ما جعل‬
‫المفكر إدوارد سعيد (‪ )2113-0938‬يصف أطروحة الصدام بالجهل واالنطالق من رؤية عرقيَّة‬
‫خاصة‬ ‫َّ‬ ‫الشوب المختلفة‪( ،‬الغول‪ ،2109 ،‬صفحة ‪)8‬‬ ‫للعالقة بين َّ‬
‫الذات الغربيَّة واآلخر من ُّ‬
‫النظريَّة على زرع صورة م ِ‬
‫شوهة عن اإلسالم كدين وكحضارة يتعاطاها‬ ‫اإلسالم‪،‬فقد احتوت َّ‬
‫ُ‬
‫اإلعالم‪( 14.‬المسيري و التريكي‪ ،‬الحداثة وما بعد الحداثة‪ ،2102 ،‬صفحة ‪)219‬‬

‫عايش المشترك‬ ‫إسالمية َّ‬ ‫‪ .4‬تعارف َّ‬


‫للت ُ‬ ‫َّ‬ ‫الثقافات‪ ،‬نحو رؤية‬ ‫ُ‬
‫أيضا‪،‬‬
‫أن اإلسالم من حيث هو دين ينظم سلوك األفراد والمجتمعات؛ يؤسس ً‬ ‫من المعلوم َّ‬
‫أن اإلسالم ‪ِ /‬‬
‫الدين قد اعتنى‬ ‫لنوع من العالقات االجتماعية واإلنسانيَّة بين ُّ‬
‫الشعوب المختلفة‪ ،‬فنجد َّ‬
‫تامة بقضيَّة الحوار بمختلف أنواعه وأشكاله‪ .‬فالمسلمون لهم تجربة في بناء الحضارات وتشييد‬
‫عناي ًة َّ‬
‫الثقافات‪ ،‬أكسبتهم تجربتهم معرفة بخصوص عالقة الحضارات والشعوب بمختلف ثقافاتهم ولغاتهم‪،‬‬

‫وذلك من خالل نصوص قرآنية تؤسس لما ُيعرف بفقه التَّ ُ‬


‫عارف الثقافي والحوار الحضاري‪ .‬والجدير‬
‫‪15‬‬
‫تعارف الثَّقافات تتقاطع مع أطروحة تعارف الحضارات وفكرة حوار األديان‪.‬‬
‫أن فكرة ُ‬ ‫بالذكر هنا‪َّ ،‬‬
‫‪ 2.4‬تعارف َّ‬
‫الثقافات الفكرة و َّ‬
‫التأسيس‪:‬‬
‫الصدام الحضاري كأطروحة ُم َّ‬
‫ضادة‬ ‫تُطرح عادة فكرة التَّعارف الثَّقافي في مقابل فكرة ِ‬
‫ُ‬
‫عارف في حقيقة األمر فكرة ذات رؤية إسالميَّة محضة‪ ،‬ويظهر‬ ‫َّ‬ ‫ومناقضة لها‪ ،‬ومن المعلوم َّ‬
‫أن الت ُ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اك ْم م ْن َذ َكر َوأ ُْنثَى‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫اس إنا َخَلْقَن ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ُّها الن ُ‬
‫ذلك جليًّا في النص القرآني‪ .‬إذ يقول ﷻ في محكم تنزيله ﴿ َيا أَي َ‬
‫تبين‪ ،‬بما‬ ‫وبا وَقَب ِائل لِتَ َع َارُفوا﴾ (القرآن الكريم‪ ،‬الحجرات‪ ،‬اآلية ‪ )03‬هذه اآلية الكريمة ِ‬
‫اك ْم ُش ُع ً َ َ‬
‫َو َج َعْلَن ُ‬
‫خاصة في طابع العالقات التي تحكم الحضارات‬ ‫أن اإلسالم ‪ِ /‬‬
‫الدين له رؤية َّ‬ ‫ال يدع مجاالً َّ‬
‫للشك‪َّ ،‬‬
‫بالصدام و ِ‬
‫الصراع الحضاري‪.‬‬ ‫كرؤية مخالفة لألنموذج الغربي القائل ِ‬

‫‪123‬‬
‫أمين طالبي‬

‫عاما ِ‬
‫يؤطر‬ ‫أنموذجا ًّ‬
‫ً‬ ‫عارف‬ ‫أن الرؤية اإلسالمية تجعل من فكرة التَّ ُ‬ ‫من هنا‪ ،‬يبغي القول َّ‬
‫النص القرآني فقد جاء قوله ﷻ في كتابه العظيم ﴿‬ ‫العالقات بين الحضارات والثَّقافات‪ ،‬على أساس َّ‬
‫ٍ ِ ِِ‬ ‫ِ َٰ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ض و ِْ‬ ‫ِ‬ ‫َو ِم ْن َآي ِات ِه َخْل ُق َّ‬
‫ف أَْلسَنت ُك ْم َوأَْلَوان ُك ْم ۚ ِإ َّن في َذل َك َآلَيات لْل َعالم َ‬
‫ين‪( ﴾.‬القرآن‬ ‫اخت َال ُ‬ ‫ِ‬
‫الس َم َاوات َو ْاأل َْر َ‬
‫أن اإلسالم يجعل من االختالف رؤية تحدد شكل‬ ‫الكريم‪ ،‬الروم‪ ،‬اآلية‪ )22 :‬توضح هذه اآلية َّ‬
‫العالقات مع األمم والمجتمعات والحضارات‪ .‬ولما كان القرآن الكريم هو الرسالة الخالدة لكل البشر‬
‫بكل اختالفاتهم ِ‬
‫الدينية والعرقيَّة‪ .‬هذا االختالف والتَّعدد والتَّنوع البشري كما تؤكده اآلية الكريمة‬

‫يتأسس على قاعدة قرآنيَّة‪ ،‬والمفهوم الذي يضبطه القرآن في ذلك هو "التَّ ُ‬
‫عارف" وآية‬ ‫يفترض أن َّ‬
‫تعارف الثَّقافات في ِ‬
‫أهم جوانبها جاءت في‬ ‫ار في القرآن الكريم‪ ،‬وفكرة ُ‬ ‫التَّ ُ‬
‫عارف من اآليات األكثر تكرًا‬
‫إطار تجديد واجتهاد الفكر اإلسالمي وضرورة االنفتاح الحضاري والثَّقافي مع اآلخر‪( .‬المحمداوي‪،‬‬
‫‪ ،2102‬صفحة ‪)002‬‬
‫للصدام بمختلف أنواعه وألوانه‪ِ ،‬‬
‫الصدام‬ ‫وعليه‪ ،‬فالتَّعارف إ ًذا‪ ،‬يمكن أن يكون بديال ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحضاري‪ ،‬الصدام اإلديولوجي‪ ،‬الصراع الديني‪ .‬لهذا‪ ،‬يعتبر التَّ ُ‬
‫عارف الطرح اإلسالمي األصيل الذي‬
‫يستند لركيزة قرآنيَّة دينيَّة‪ .‬وهو بذلك رد لكل المطارحات التي لطالما وصفت اإلسالم باإلرهاب‪،‬‬
‫خاصة بعد أحداث‬
‫النظرة التي لطالما حملها الغرب عن اإلسالم والمسلمين‪َّ .‬‬‫وإجابة صريحة لتلك َّ‬
‫عمق الحدث من األزمة الحضارية واإلنسانيَّة في العالم ‪ ،‬ما زاد َّ‬
‫الطعن‬ ‫‪16‬‬
‫‪ 00‬سبتمبر ‪ ،2110‬حيث َّ‬
‫دل على شيء‪َّ ،‬إنما يدل على الجهل الـمـُضاعف بتعاليم اإلسالم‬ ‫في اإلسالم والمسلمين‪ .‬وهذا إن َّ‬
‫ثم‪ ،‬تقديمه‬
‫ومبادئه‪ ،‬وهي سياسة مقصودة تهدف إلى إشاعة الرعب من اإلسالم في الغرب‪ ،‬و‪ ،‬من َّ‬
‫في صورة ِ‬
‫الدين المهدد للمسيحية واليهوديَّة‪ ،‬وفي صورة الحضارة المهددة للحضارة الغربيَّة‪( .‬خليفة‪،‬‬
‫‪ ،2113‬صفحة ‪)70‬‬
‫مما سبق‪ ،‬يظهر جليَّا مدى الجهل بتعاليم اإلسالم في الغرب‪ ،‬ومن خالل عرض أنموذج‬
‫الصدام بين الغرب واإلسالم كمستقبل لعالقة‬‫صدام الحضارات كما طرحه هنتنجتون‪ ،‬وصنف هذا ِ‬
‫ُ‬
‫َّ‬
‫أن هذا الطرح ال عالقة له‬ ‫صداما وتداُف ًعا ثقافيًّا‪ .‬غير َّ‬ ‫الحضارات‪ ،‬والذي سيكون ‪-‬بامتياز‪-‬‬
‫ً‬
‫الدين الذي يؤسس في حقيقة‬ ‫باإلسالم في شيء‪ ،‬وهو في كثير من األحوال ينم عن جهل بتعاليم ِ‬

‫األمر‪ ،‬لمنطق الحوار والتَّ ُ‬


‫عارف‪.‬‬
‫قائمة على اعتبار‬ ‫‪17‬‬ ‫أن اإلسالم ‪ِ /‬‬
‫الدين من حيث هو رؤية إلى العالم‪،‬‬ ‫واألبعد من ذلك كله‪َّ ،‬‬
‫السلوك والعالقات اإلنسانيَّة والحضاريَّة‪ .‬فقد جاء في‬ ‫قانونا كونيًّا يؤسس لمنهج ينظم ُّ‬ ‫النص القرآني ً‬ ‫َّ‬
‫اح َدةً َوََٰل ِكن لَِيْبُلَوُك ْم ِفي َما‬
‫ُم ًة و ِ‬
‫َّللاُ َل َج َعَل ُك ْم أ َّ َ‬
‫اء َّ‬
‫اجا ۚ َوَل ْو َش َ‬
‫محكم تنزيله ﴿ لِ ُك ٍل جعْلنا ِم ُ ِ‬
‫نك ْم ش ْرَع ًة َو ِم ْن َه ً‬ ‫ََ َ‬

‫‪124‬‬
‫المشتَرك‬
‫َ‬ ‫عايش‬ ‫إمكاَنات َّ‬
‫الت ُ‬ ‫حو َ‬ ‫َّ‬
‫الحضارات إلى َت َع ُارف الثَقا َفات‪َ ،‬ن َ‬
‫َ‬ ‫من ِص َدام‬

‫َّللاِ مرِجع ُكم ج ِميعا َفينِبُئ ُكم ِبما ُكنتم ِف ِ‬


‫يه تَ ْخَتلُِفو َن﴾ (القرآن الكريم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫استَِبُقوا اْل َخ ْي َرات ۚ ِإَلى َّ َ ْ ُ ْ َ ً ُ َ‬
‫اك ْم ۖ َف ْ‬
‫آتَ ُ‬
‫المائدة‪ ،‬اآلية ‪ )18‬فمن خالل اآلية يتَّضح َمدى اعتناء اإلسالم بالطابع السلوكي واإلنساني‬
‫عايش‪.‬‬‫عارف والتَّ ُ‬ ‫والحضاري‪ ،‬كدرجة من درجات التَّ ُ‬
‫عارف من‬‫أيضا‪ ،‬قد دعى إلى الحوار كآليَّة إنسانيَّة وحضاريَّة تؤسس لثقافة التَّ ُ‬ ‫إن اإلسالم ً‬ ‫بل َّ‬
‫َِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يل ربِك ِباْل ِح ْكم ِة واْلمو ِع َ ِ‬
‫ظة اْل َح َسَنة َو َجادْل ُهم ِبالتي ه َي أ ْ‬
‫َح َس ُن‪( ﴾.‬القرآن‬ ‫َ َ َْ‬ ‫خالل قوله ﷻ ﴿ ْادعُ ِإَلى َسِب ِ َ َ‬
‫أن اإلسالم ليس كما‬ ‫النحل‪ ،‬اآلية ‪ )028‬فهذه اآلية القرآنيَّة تدل بما ال يدع مجاالً للشك‪َّ ،‬‬ ‫الكريم‪َّ ،‬‬
‫ظر له بأعين الغرب واالستشراق الذي يحاول وصف اإلسالم كدين القوة والهيمنة ‪-‬مثلما عبَّر عن‬ ‫ُين َ‬
‫قدمت اإلسالم في صورة همجيَّة‬ ‫ذاك هنتنجتون‪ -‬وهي استم اررية للرؤية االستشراقية التي لطالما َّ‬
‫تهدف إلى زرع الرعب والخوف واإلرهاب‪( .‬خليفة‪ ،2113 ،‬صفحة ‪)72‬‬
‫بالغا حينما أجعل الرؤية اإلسالميَّة في التَّأسيس للحوار‪ ،‬والتعارف الثقافي تتقارب‬
‫ولن أكون ُم ً‬
‫وتتقاطع كثي ار مع نظرية حوار الحضارات للمفكر الفرنسي روجي غارودي‪(2102-0901( 18‬‬
‫عادة ما تُ َّ‬
‫صنف كفكرة ُم َّ‬
‫ضادة‬ ‫ً‬ ‫‪ Roger Garaudy‬هذه األطروحة‪ ،‬الفريدة من نوعها‪ 19،‬والتي‬

‫لنظرية صدام الحضارات‪ .‬تهدف لتأسيس الحضارات على أفق الحوار والتَّ ُ‬
‫عايش وهذا ما تحاول‬

‫الرؤية اإلسالميَّة تكريسه من خالل التَّ ُ‬


‫عارف‪.‬‬
‫إمكان َّ‬ ‫التعارف َّ‬
‫عايش اإلنساني‪:‬‬ ‫للت ُ‬ ‫ٌ‬ ‫الثقافي‬ ‫‪ُ َّ 2.4‬‬
‫أساسا على‬
‫ً‬ ‫عارف رؤية إسالميَّة مخالفة للتَّصور الغربي المبني‬ ‫أن لفظ التَّ ُ‬
‫بعد توضيح َّ‬
‫الصدام و ِ‬ ‫ِ‬
‫عايش اإلنساني والحضاري‬ ‫عارف مشروع إسالمي يؤسس للتَّ ُ‬ ‫أن التَّ ُ‬‫الصراع‪ُ ،‬يمكن القول إ ًذا َّ‬
‫الضيَِقة الصدامات الحضاريَّة واإلديولوجيَّة‪.‬‬ ‫الصراعات َّ‬ ‫الديني‪ ،‬بعيدا عن كل ِ‬ ‫وِ‬
‫ً‬
‫ثم‪ ،‬إرساء‬ ‫الحد من ثقافة اإلقصاء والصدام والعداء سوى ِ‬
‫تبني‪ ،‬ومن َّ‬ ‫للشعوب في ِ‬ ‫ولم يبقى ُّ‬
‫َ‬
‫عصب‪ ،‬بمختلف أشكاله وألوانه‪ .‬وال‬ ‫الديني‪ ،‬واجتثاث جذور التَّوتُّر والتَّ ُّ‬ ‫قي ِم التَّسامح والتَّعايش الثقافي و ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫أن هذا األ ُفق صعب المنال يستدعي تضافر الخطاب اإلعالمي والثقافي والديني والسياسي‬ ‫شك َّ‬‫َّ‬

‫تعاون الفرد والقانون والدول‪َّ ،‬إنه إجراء يستهدف البنية الفكريَّة و َ‬


‫العَقديَّة‬ ‫َّ ِ‬
‫والتربوي‪ ،‬ويستدعي ذلك ُ‬
‫للدين ونقد المفاهيم‬ ‫ثم‪ ،‬إعادة صياغة العقل واألولويات والوعي وتقديم فه ٍم عصري ِ‬ ‫للمجتمع‪ ،‬ومن َّ‬
‫َ‬
‫اء ًة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اءة متفهمة للتاريخ والدين‪ .‬قر َ‬ ‫والسلوك القائم على الصدام والنزاع ورسم مستقبل جديد للعالم عبر قر َ‬
‫عارف الثقافي‪( .‬الغرباوي‪ ،2118 ،‬صفحة ‪)08‬‬ ‫ُمتجاوزة من منطق العنف إلى منطق التَّسامح والتَّ ُ‬
‫بأن الهويَّات الثَّقافيَّة ُمنفتحة‬ ‫وعليه‪ ،‬فالحديث عن تعارف الثَّقافات يفترض اإليمان َّ‬
‫الراسخ َّ‬
‫ومتفاعَلة مع محيطها ومع الثَّقافات األخرى‪ .‬لهذا‪ ،‬فالقول بوجود ثقافة صلبة ُمكتفيَّة بذاتها أمر ليس‬

‫‪125‬‬
‫أمين طالبي‬

‫إن الصدامات واالختالفات موجودة داخل الثقافة الواحدة‪ ،‬وتزايد حدة هذا الصراع‬ ‫مقبوالً اليوم‪ ،‬بل َّ‬
‫ِ‬ ‫ُي ِنتج االنغالق والعزل الثَّقافي ومن َّ‬
‫سيؤدي ‪-‬في‬ ‫ثم‪ ،‬عجز الثقافة عن التَّفاعل والت ُ‬
‫عارف‪ .‬هذا ما‬
‫النزاعات‪( .‬دمحم‪ ،2102 ،‬صفحة ‪)03‬‬ ‫نهاية المطاف‪ -‬إلى التَّصادم والتَّدا ُفع واندالع الحروب و ِ‬
‫أن اإلسالم يخالف الرؤية الغربية القائلة بالصدام ويحاول‬ ‫من خالل ما سبق‪ُ ،‬يمكن القول َّ‬
‫َّ‬
‫عايش اإلنساني‪ .‬وهذه المواقف‬ ‫حاور الثقافي الذي يؤسس لمنطق التَّ ُ‬‫َّ‬ ‫استبدالها بأنموذج التَّ ُ‬
‫عارف والت ُ‬
‫المبدئيَّة التي طرحها اإلسالم تجعل منه في اتصال وحوار دائم مع الحضارات واألديان والثَّقافات‬
‫األخرى‪( .‬خليفة‪ ،2113 ،‬صفحة ‪ )87‬وهو بذلك أنموذج للحوار ِ‬
‫الديني والثَّقافي‪ ،‬وإيمان بالتَّعددية‬
‫َّ‬
‫خصوصا‪،‬‬
‫ً‬ ‫عايش الحضاري اإلنساني بين الحضارة الغربيَّة واإلسالمية‬ ‫الثقافية والدينية‪ .‬ولهذا‪ ،‬فالتَّ ُ‬
‫ِ‬
‫عارف والحوار‪( .‬خليفة‪ ،2113 ،‬صفحة ‪)88‬‬ ‫ممكن في ظل الرؤية اإلسالمية القائمة على التَّ ُ‬
‫النص القرآني آيات ِ‬
‫تعبر بوضو ٍح عن التَّنوع اإلنساني‪ ،‬كحقيقة اجتماعيَّة وقانون‬ ‫ونلتمس في َّ‬
‫تاريخي‪ .‬فالحضارات هي في الحقيقة شعوبا وقبائل مختلفة دينيَّا وإديولوجيَّا وثقافيَّا‪ .‬ينبغي أن تقوم‬
‫للناس َّ‬ ‫ِ‬
‫كافة‪،‬‬ ‫موجهة َّ‬
‫خالل آيات َّ‬ ‫أن الخطاب القرآني‪ ،‬من‬ ‫تأسيسا للتَّ ُ‬
‫عايش‪َ .‬ب ْي َد َّ‬ ‫ً‬ ‫على منطق التَّ ُ‬
‫عارف‬
‫تنوع ُّ‬
‫الش ُعوب والقبائل وتكاثُرهم‬ ‫أن ُّ‬‫ذكر بوحدة األصل اإلنساني وإقرار بالتَّ ُّنوع البشري‪ ،‬ذلك َّ‬ ‫ي ِ‬
‫ُ‬
‫َّ‬
‫وتوزعهم في بقاع األرض ال يعني ‪-‬بالضرورة‪ -‬عزلهم وانطواءهم الحضاري والثقافي‪ ،‬بل يمهد ذلك‬
‫عصب واإلقصاء‪( .‬الميالد‪ ،2101 ،‬الصفحات‬ ‫بعيدا عن كل أشكال التَّ ُّ‬
‫حاور‪ً ،‬‬ ‫َّ‬
‫التآزر والت ُ‬
‫عارف و ُ‬ ‫للتَّ ُ‬
‫‪)81-83‬‬
‫عارف الثَّقافي والحضاري‪ُ ،‬يمكننا القول حقيقة َّ‬
‫أن‬ ‫من خالل هذا األنموذج اإلسالمي في التَّ ُ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫وتأسيسا‪،‬‬
‫ً‬ ‫يسا‬ ‫الثقافات ‪-‬بما فيها الحضارات‪ -‬ال يمكن إال أن تقوم على منطق التَّ ُ‬
‫عارف والحوار تكر ً‬
‫النزاعات والصراعات التي باتت ‪ -‬بهذا القدر أو ذاك‪ -‬تؤرِق اإلنسان من‬ ‫من أجل الح ِد من تلك ِ‬
‫َ‬
‫عارف ‪-‬من حيث هو رؤية وأنموذج إسالمي‪-‬‬ ‫َّ‬ ‫حيث كائن اجتماعي وحضاري وثقافي‪ُ .‬‬
‫ويمثل الت ُ‬
‫سامح"‪ ،‬و"التَّعاون" ويحدد لها شكلها‬ ‫َّ‬
‫مصدر وقيمة يؤسس للمفاهيم المجاورة له ك ـ ـ "الحوار"‪ ،‬و"الت ُ‬
‫ًا‬

‫أن التَّ ُ‬
‫عارف‬ ‫ثم‪ُ ،‬يحافظ على فاعليتها وتطورها واستمرارها‪ ،‬واألبعد من ذلك‪َّ ،‬‬ ‫ودرجتها وصورها‪ ،‬ومن َّ‬
‫يمكنه أن يزيل ‪-‬أو على األقل‪ -‬أن يحد من مسببات النزاع والصدام‪.‬‬

‫‪ .5‬خاتمة‪:‬‬
‫مكُنه العيش‬ ‫ِ‬
‫بطبعه‪ ،‬ال ي ِ‬ ‫ِ‬
‫اجتماعي‬ ‫حيث هو ِ‬
‫كائن‬ ‫اإلنسان ِمن ُ‬ ‫مكن الَقول ِفي ِ‬
‫األخير َّ‬
‫أن‬ ‫ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫فرض َها‬
‫فرض َها الطابع االجتماعي‪َ ،‬ك َما َي ُ‬
‫رورة َي ُ‬
‫ض َ‬‫اإلنسان َ‬
‫َ‬ ‫اإلنسان ألخيه‬
‫َ‬ ‫اجة‬ ‫ِب ُمعزل َعن الغير َ‬
‫فح َ‬

‫‪126‬‬
‫المشتَرك‬
‫َ‬ ‫عايش‬ ‫إمكاَنات َّ‬
‫الت ُ‬ ‫حو َ‬ ‫َّ‬
‫الحضارات إلى َت َع ُارف الثَقا َفات‪َ ،‬ن َ‬
‫َ‬ ‫من ِص َدام‬

‫ال ال ُـمَفك ِرين‬ ‫ِ‬ ‫اإلنسان ِبغيره ها ِج ًسا َي َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫بال الباحثين‪َ ،‬ك َما َش َغل َب َ‬ ‫شغل َ‬ ‫البحث في عال َقة َ‬ ‫ان َ‬ ‫الواقع‪َ ،‬وَل َّما َك َ‬ ‫َ‬
‫صي ِفي َنوِع َهذه‬ ‫ظر والتََّق ِ‬ ‫َّ‬
‫الن‬ ‫حاول‬ ‫ت‬ ‫ات‬ ‫ي‬
‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ظ‬ ‫ن‬‫و‬ ‫حات‬ ‫طار‬ ‫م‬ ‫ة‬‫د‬ ‫ِ‬
‫ع‬ ‫رت‬ ‫ه‬ ‫ظ‬ ‫يخ‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ا‬‫َّ‬
‫ت‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ََ‬ ‫وَ َ َ َ‬
‫لى‬ ‫ع‬ ‫ة‬ ‫ف‬‫الس‬ ‫الف‬
‫أنها عالَقة تعارف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ُادم أم َ‬ ‫اإلنسانية‪ .‬أهي عالَقة صراع َوتَ َ‬ ‫َ‬ ‫ضارات‬ ‫الح َ‬
‫العال َقة التي تَجمع بين َ‬ ‫َ‬
‫حاجة‬ ‫ِ‬
‫أن القائل بفكرة الصدام والتَّنا ُ‬ ‫ِ‬ ‫ويمكننا القول في حقيَقة األمر َّ‬ ‫ِ‬
‫اسى َ‬ ‫طح َقد َنسي أو تََن َ‬ ‫عايش؟ ُ‬ ‫وتَ ُ‬
‫البشري‬ ‫ِ‬ ‫أن ِ‬ ‫ض َارات أخرى‪َ ،‬ذلِك َّ‬ ‫ِ‬
‫تاريخ الفكر َ‬ ‫ض َارات ل َح َ‬ ‫الح َ‬
‫حاجة َ‬ ‫اإلنسان؛ َفضالً َعن َ‬ ‫َ‬ ‫اإلنسان ألخيه‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أخرى ُم َ‬
‫ختلفة‬ ‫ض َارات َ‬ ‫يامها َكان ِبفعل التأثُّر ِب َح َ‬ ‫الع َدم‪َّ ،‬إن َما ق َ‬ ‫ض َارات َلم تَتَ َّش َكل من َ‬ ‫الح َ‬
‫بأن َ‬ ‫شهد َّ‬ ‫َي َ‬
‫اهمة‬ ‫ِ‬ ‫الشرِقية الَق ِد ِ ِ‬ ‫ض َارات َّ‬
‫يك َعن ُم َس َ‬ ‫ونان؛ َناه َ‬ ‫الي َ‬
‫ضارة ُ‬ ‫يمة في قيام َح َ‬ ‫َ‬ ‫الح َ‬
‫اه َمت َ‬ ‫اما َك َما َس َ‬ ‫نها تَ َم ً‬‫َع َ‬
‫الغربِية‪.‬‬‫ض َارة َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الح َ‬
‫بلورة َم َعالم َ‬‫َهذه األخ َيرة في َ‬
‫السلم واألمن‬ ‫إضا َفة إَلى ذلِك فاإلنسان اليوم ِبحاجة أكثر من أي وقت مضى‪ ،‬للعيش ِفي ِ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اليوم‪ ،‬حيث‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضب وانت َشار ثََقا َفة الُقوة والهيمنة في عالم َ‬ ‫الغ َ‬
‫موجات َ‬ ‫واالستقرار‪َ ،‬خاصة َمع تََفشي َ‬
‫ختَلف ألوانهم‬ ‫الب َشر ِب ُم َ‬‫جعل َ‬ ‫صب‪ ،‬تَ َ‬ ‫ختلَِفة ِمن الت َع ُّ‬ ‫أشكال ُم َ‬ ‫يمة و َ‬ ‫الج ِر َ‬
‫العنف واإلرَهاب و َ‬ ‫فح َل فيه ُ‬
‫ِ‬
‫استَ َ‬
‫طالـما س َعى إليه اإلنسان م ِ‬
‫حاوالً‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫َ ُ‬ ‫شروع أمل َل َ َ َ‬ ‫اجة إَلى تعارف قيمي وديني وأخالقي‪َ ،‬ك َم ُ‬ ‫الح َ‬‫في أمس َ‬
‫تحقيق هذا الـمطَلب اإلنس ِاني و ِ‬
‫القيمي‪،‬‬ ‫اقعه؛ ولِ ِ‬ ‫التي هيمنت على حياته وو ِ‬ ‫التَّخُّلص ِمن ثَقا َفة القوة ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ؤسسات الفكرية‬ ‫ِ‬
‫تتضا َفر ُجهود أكبر َعدد ممكن من ال ُـم َ‬ ‫الج ُهود الدولية‪ ،‬وأن َ‬ ‫تتكاتَف ُ‬ ‫َيجب أن َ‬
‫ظ َمات‬‫ناهيك عن ِتلك الـمن َّ‬ ‫طة ِفي صنع الَق اررات عبر العالم‪ِ ،‬‬ ‫السل َ‬
‫التي َل َها ُّ‬‫االقتصادية والدينية‪ ،‬و ِ‬ ‫ِ‬ ‫و‬
‫َ َُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫بالسلم واألمن العالميين‪.‬‬ ‫التي لطالما تَ َغَّنت ِ‬ ‫العالمية ِ‬‫الدولية و ِ‬
‫التي يـمر بها العالم ِمن تَوتر ِ‬
‫وصراع وتناطح‬ ‫َ‬
‫ظروف الحالية ِ‬ ‫وبة ال ُـم ِهمة ِفي ِظ ِل ال ُ‬
‫ص ُع َ‬‫غم ُ‬
‫َوَر َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضارِي‬‫الح َ‬ ‫اإلنسان أن ُيصارع من أجل تَكريس ثقافة التعارف والتَّ ُ‬
‫عايش الثقافي و َ‬ ‫َ‬ ‫العقائد‪َ ،‬و َجب َعَلى‬
‫تحَّقق ُرؤى روجيه غارودي‪ِ ،‬في قيام حوار‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الذي كان أمل الفالسَفة عبر التاريخ‪ ،‬وكلنا أمل بأن تَ َ‬
‫ساهم ِفي ترجمة أحالم كانط‪،‬‬ ‫أماني فولتير‪ ،‬في ووجود تَسام ٍح كوِني؛ وأن ن ِ‬ ‫حض ِاري؛ وأن تتأسس ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َّ‬
‫الدائم‪ .‬وقد يكون األنموذج اإلسالمي لتعارف الثقافات سبيال لتحيق ما تطمح إليه‬ ‫ِ‬ ‫للسالم َّ‬
‫تحقيقا َّ‬
‫الشعوب والحضارات‪.‬‬

‫‪ .6‬قائمة المراجع‪:‬‬
‫القرآن الكريم‬ ‫‪‬‬
‫‪ .0‬بليليطة عبد الحكيم‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬معجم في الفلسفة والعلوم اإلنسانية‪ ،‬كنوز الحكمة‪،‬‬
‫الجزائر‪2108 ،‬‬

‫‪127‬‬
‫أمين طالبي‬

‫‪ .2‬الجابري دمحم عابد‪ ،‬قضايا في الفكر العربي المعاصر‪ ،‬مركز الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،0‬‬
‫‪0997‬‬
‫‪ .3‬حسن دمحم خليفة‪ ،‬المسلمون والحوار الحضاري مع اآلخر‪ ،‬نقد إسالمي لنظرية صراع‬
‫الحضارات‪ ،‬مركز الدراسات الشرقية‪ ،‬القاهرة‪2113 ،‬‬
‫الحنفي عبد المنعم‪ ،‬موسوعة الفلسفة والفالسفة‪ ،‬مكتبة مدبولي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪0999 ،2‬‬
‫‪َ .1‬‬
‫الحضارات‪ ،‬دراسة نقدية في جينالوجيا المفهوم‪ ،‬المركز‬ ‫‪ .8‬راهي قيس ناصر‪ ،‬صدام َ‬
‫اإلسالمي للدراسات اإلستراتيجية‪ ،‬ط‪2107 ،0‬‬
‫الطموح‪ ،‬دار السعودية‪ ،‬جدة‪ ،‬ط‪2117 ،0‬‬ ‫‪ .6‬رجاء حسين‪ ،‬حوار الحضارات بين الواقع و ُّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫‪ .7‬زيادة معن‪ ،‬الـموسوعة الفلسفية العربية‪ ،‬االصطالح والمفاهيم‪َ ،‬معهد اإلنـماء العربي‪ ،‬ط‪،0‬‬
‫‪0986‬‬
‫الب ُحوث‬ ‫ِ‬ ‫‪ .8‬سعدي دمحم‪َ ،‬دور الثَّقافة في ِبَن ِاء ِحوار بين األمم‪ ،‬مركز ابن‬
‫اسات و ُ‬
‫اإلمارات للد َر َ‬
‫َ‬
‫اإلستراتيجية‪ ،‬اإلمارات‪ ،‬ط‪2102 ،0‬‬
‫اعات الثََّقا ِفَية‪ ،‬ترجمة‪ :‬شوقي‬ ‫الصدام داخل الحضارات‪ ،‬التََّفاهم ِب َش ِ ِ‬ ‫‪ .9‬سنغاس ديتر‪ِ ،‬‬
‫أن الص َر َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫للنشر‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪2118 ،0‬‬ ‫جالل‪ ،‬العين َّ‬
‫‪ .01‬صليبا ج ِميل‪ ،‬الـمعجم الفلسفي‪ ،‬باأللفاظ العربية والفرنسية واإلنجليزية و َّ‬
‫الالتينية‪ ،‬الشركة‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ‬
‫العالمية للكتاب‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪0991 ،0‬‬
‫‪ .00‬طرابيشي جورج‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬الفالسفة‪ .‬المناطقة‪ .‬المتكلمون‪ .‬الالهوتيون‪ ،‬دار‬
‫َّ‬
‫الطليعة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪2116 ،3‬‬
‫اسة لِسيرة الـمصطلح وداللة المفهوم‪ ،‬الـمعهد‬ ‫َّ‬
‫ضارة الثَقا َفة الـمدينة‪ ،‬در َ‬
‫الح َ‬
‫‪ .02‬عارف دمحم نصر‪َ ،‬‬
‫العالمي للفكر اإلسالمي‪ ،‬الواليات الـمتحدة األمريكية‪ ،‬دط‪0991 ،‬‬
‫‪ .03‬عبد الرحمن‪ ،‬طه‪ .‬الحوار أفقا للفكر‪ ،‬الشبكة العربية لألبحاث والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪2101‬‬
‫‪ .01‬على عبود المحمداوي‪ ،‬خطاب الهويات الحضارية‪ ،‬من الصدام إلى التسامح‪ ،‬ابن النديم‬
‫للنشر والتَّوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪.2102 ،0‬‬
‫‪ .08‬الغول أسماء‪ ،‬عالم ليس لـ ـ"إدوارد سعيد"!‪ ،‬مجلة الدوحة‪ ،‬العدد ‪ ،037‬و ازرة الثقافة‬
‫والرياضة‪ ،‬قطر‪2109 ،‬‬
‫‪ .06‬فتحي حسن ملكاوي‪ ،‬رؤية العالم‪ ،‬المعهد العالمي للفكر اإلسالمي‪ ،‬ط‪.2120 ،0‬‬

‫‪128‬‬
‫المشتَرك‬
‫َ‬ ‫عايش‬ ‫إمكاَنات َّ‬
‫الت ُ‬ ‫حو َ‬ ‫َّ‬
‫الحضارات إلى َت َع ُارف الثَقا َفات‪َ ،‬ن َ‬
‫َ‬ ‫من ِص َدام‬

‫‪ .07‬فوكوياما فرنسيس‪ ،‬اإلسالم والحداثة والربيع العربي‪ ،‬ترجمة‪ :‬حازم نهار‪ ،‬المركز الثقافي‬
‫العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪2108 ،0‬‬
‫‪ .08‬كون توماس‪ ،‬بنية الثورات العلمية‪ ،‬ترجمة‪ :‬شوقي جالل‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬عدد ‪،068‬‬
‫المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪0992 ،‬‬
‫‪ .09‬الالند أندري‪ ،‬الموسوعة الفلسفية‪ ،‬تعريب خليل أحمد خليل‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫ط‪2110 ،2‬‬
‫‪ .21‬ليشته جون‪ ،‬خمسون مفك ار أساسيا معاصرا‪ ،‬ترجمة فاتن البستاني‪ ،‬المنظمة العربية‬
‫للترجمة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪2118 ،0‬‬
‫‪ .20‬ماجد الغرباوي‪ ،‬التسامح ومنابع الالتسامح فرص التعايش بين األديان والثقافات‪ ،‬العارف‬
‫للمطبوعات‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪.2118 ،0‬‬
‫‪ .22‬المسيري عبد الوهاب‪ ،‬التريكي فتحي‪ ،‬الحداثة وما بعد الحداثة‪ ،‬دار الوعي‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪2102‬‬
‫‪ .23‬المسيري عبد الوهاب‪ ،‬العلمانية والحداثة والعولمة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬لبنان‪ ،‬دط‪2103 ،‬‬
‫الع َرب‪ ،‬ال َـمطبعة الميرية‪ِ ،‬مصر‪ ،‬ط‪،0‬‬ ‫ِ‬
‫‪ .21‬ابن َمنظور جمال الدين دمحم بن مكرم‪ ،‬ل َسان َ‬
‫‪0313‬ه‬
‫الحضارات‪ ،‬دار‬
‫ضارات‪ ،‬رؤية جديدة لمستقبل العالقات بين َ‬
‫الح َ‬
‫تعارف َ‬
‫‪ .28‬الميالد زكي‪ُ ،‬‬
‫الكتاب المصري‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪2101 ،0‬‬
‫الصبور شاهين‪ ،‬دار ِ‬
‫الفكر‪ ،‬سوريا‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫َّ‬
‫‪ .26‬ابن نبي مالك‪ ،‬مشكلة الثقافة‪ ،‬ترجمة عبد َّ ُ‬
‫‪0981‬‬
‫الحضارات‪ ،‬ترجمة‪ :‬طلعت الشايب‪ ،‬تقديم‪ :‬صالح قنصوه‪،‬‬
‫َ‬ ‫‪ .27‬هنتنجتون صامويل‪ ،‬صدام‬
‫نيويورك‪ ،‬ط‪0999 ،2‬‬
‫‪ .28‬ولد أباه السيد‪ ،‬أعالم الفكر العربي المعاصر‪ ،‬الشبكة العربية لألبحاث‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،0‬‬
‫‪2101‬‬

‫‪129‬‬
‫أمين طالبي‬

‫‪ .7‬مالحق‪:‬‬

‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫‪ -1‬فرنسي األصل‪ ،‬مؤسس الدَّورية التَّاريخية في نسخة ما بعد الحرب العالمية‪ ،‬اتَّجه نحو البعد المكاني في التَّاريخ‪ ،‬وأضاف‬
‫أن التَّاريخ هو نتيجة لآلثار البطيئة‪( .‬ليشته‪ ،2118 ،‬صفحة ‪)090‬‬
‫فعَّال‪ ،‬رؤية مفادها َّ‬
‫‪ -2‬هي البحث عن أحوال الشعوب‪ ،‬ودراسة ألنماط حياتهم ومختلف المظاهر الماديَّة لنشاطهم‪ ،‬كالتَّقاليد‪ ،‬والعادات‪ ،‬واألكل‪،‬‬
‫والمشرب‪ ،‬وغير ذلك‪( .‬صليبا‪ ،0991 ،‬صفحة ‪)36‬‬
‫‪ -3‬أطروحة صمويل هنتنجتون (‪ Samuel Huntington )2118-0927‬الموسومة ب ـ ‪ The Clash of Civilizations‬والتي‬
‫أيضا‪ ،‬ترجمة‬
‫تُرجمت للعربية ب ـ "صدام الحضارات" ؛ ترجمة مالك عبيد أبو شهيوة و محمود دمحم خلف‪ ،‬الدار الجماهيرية‪ .0999 ،‬و ً‬
‫الشايب‪ ،‬دار سطور‪ ،‬نيويورك‪ .2102 ،‬غير َّ‬
‫أن بعض الباحثين العرب‪ ،‬كثي ار ما استعملوا مفهوم الصراع في مقابل الصدام‬ ‫طلعت َّ‬
‫وكأنهما يحمالن المعنى ذاته!‬
‫‪ -4‬ينبغي التَّنبيه َّ‬
‫أن العنوان‪ The Clash of Civilizations :‬قد طرحه صمويل هنتنجتون‪ ،‬في بادئ األمر‪ ،‬في مجلة الشؤون‬
‫يتحول العنوان إلى كتاب وأطروحة في ‪ .0996‬أين أصبح العنوان نظرية سياسية ذائعة‬
‫الخارجية‪ ،‬ضمن عدد ‪0993‬؛ قبل أن َّ‬
‫ِ‬
‫الصيت في تفسير واقع صدام الحضارات في القرن العشرين‪.‬‬
‫‪ -5‬أبرز من تناول هذه األطروحة نجد‪ :‬أرنولد توينبي (‪ِ Arnold Toynbee )0978-0889‬في مقالة بعنوان " ِ‬
‫الصدام بين‬ ‫َ‬
‫أيضا‪ ،‬ال ُـمستشرق برنارد لويس (‪)2108-0906‬‬ ‫وطرحها‬ ‫؛‬ ‫‪0917‬‬ ‫يل‬‫ر‬ ‫أف‬ ‫بر‬ ‫ر‬ ‫ها‬ ‫ة‬ ‫مجل‬ ‫في‬ ‫الحضارات" و ِ‬
‫التي ُن ِش َرت ألول مرة‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ويدَّعي َّأنه أول من تناول صدام الحضارات في ‪ 0987‬في كتابه بعنوان "في‬ ‫َ‬ ‫ات‪،‬‬
‫ر‬ ‫الحضا‬ ‫صدام‬ ‫ة‬
‫ر‬ ‫فك‬ ‫ح‬‫طر‬ ‫‪Bernard‬‬ ‫‪Lewis‬‬
‫ِ‬
‫اإلسالم" يقول في مقدمة كتابه « إن التَّوتر القائم ليس هو صراع بين الدول َّإن َما هو صدام بين الحضارات‪».‬؛ كما طرحها ً‬
‫أيضا‬
‫المفكر المغربي المهدي الـمنجرة‪ :‬في كتابه الحرب الحضارية األولى وسلط الضوء على ما جرى في الخليج والعالم العربي؛ فضالً َعن‬
‫صامويل هنتنجتون‪ S.Huntington :‬في مقال بعنوان "صدام الحضارات" والتي ُن ِشرت في مجلة الشؤون الخارجية‪ ،‬في ‪ 0993‬ثم‬
‫اسعا‪ ،...‬ينظر‪( :‬راهي قيس‪ ،2107 ،‬الصفحات ‪)11-37‬‬ ‫تاركا جدالً و ً‬ ‫سرعان ما تحول العنوان إلى كتاب في ‪ً 0996‬‬
‫طالَما و ِ‬
‫ظرية و‪/‬أو كتاب "نهاية التَّاريخ" َج ًنبا إَلى َجنب مع َنظرية و ‪ /‬أو كتاب "صدام َ‬
‫‪6‬‬
‫حصى‬ ‫ضارات" في عدد ال ُي َ‬ ‫الح َ‬ ‫ض َعت َن َ‬ ‫‪َ -‬ل َ َ ُ‬
‫اس ًعا ِفي‬‫تركتا وقعا وجدالَ و ِ‬ ‫للسياسة العالمية‪ .‬والجدير بالذكر‪ ،‬أن َّ‬ ‫الدراسات التَّمهيدية للعالقات الدولية‪ ،‬وكرؤى متباينة ِ‬ ‫من ِ‬
‫ظ َريتين َ َ ً َ َ َ َ‬ ‫الن َ‬ ‫َ‬
‫شه ُد ِن َ‬
‫طاًقا‬ ‫ان أنموذج "نهاية التَّاريخ"يرى َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫كريَّة والـمعرفية َن َ ِ‬ ‫اط ِ‬
‫الف ِ‬ ‫األوس ِ‬
‫العاَلم َسَي َ‬
‫أن َ‬ ‫مقهما في الطرح‪ .‬وفي ُمعظم االعتَب َارات َك َ‬ ‫ظ ًار ل ُع َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض َارات" بالقول بوجود مناطق متصارعة في العالم وسبب‬ ‫الح‬ ‫صدام‬‫"‬ ‫أنموذج‬ ‫ر‬ ‫ق‬ ‫است‬ ‫ا‬‫م‬ ‫ين‬‫ب‬ ‫َّة؛‬
‫قر‬ ‫ست‬ ‫ـم‬‫ل‬ ‫ا‬ ‫الية‬
‫ر‬ ‫يب‬‫الل‬ ‫ة‬‫ي‬ ‫ِ‬
‫اط‬ ‫ر‬ ‫يمق‬ ‫ِ‬
‫الد‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ا‬ ‫د‬
‫َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬‫َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُمتَ َزَاي ً‬
‫صارع هو اإلديولوجيا‪ .‬ينظر‪( :‬فوكوياما‪ ،2108 ،‬صفحة ‪)080‬‬ ‫الت ُ‬
‫الط َراز ومقابله اإلنجليزي )‪)Model / Pattern‬؛ و"األنموذج"‬ ‫المثال أو ِ‬ ‫‪ -7‬ينبغي التَّفريق بين‪" :‬النموذج" الذي هو عبارة عن ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ظرية األنموذج هو الفيلسوف األمريكي توماس كون‬ ‫العاَلم‪ ،‬ومقابله اإلنجليزي ‪ ،Paradigme‬وصاحب َن َ‬ ‫َ‬ ‫لرؤية‬ ‫ة‬ ‫جه‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫وو‬ ‫محدد‬ ‫كمنهج‬
‫(‪ Thomas Kuhn )0996-0922‬الذي يعرفه بأنه « الن ظرية المعتمدة في مجتمع من الباحثين العلميين في عصر ما إضافة إلى‬
‫الطرق في البحث ومحاولة حل المشكالت وفهم الواقع‪ ».‬ينظر‪( :‬كون‪ ،0992 ،‬صفحة ‪)00‬‬
‫ص ِح َيفة "ال ُـموند‬ ‫ِ‬ ‫الغربِي َموِقًفا ِمن َن َ‬
‫ظ ِرَية ص َدام َ‬ ‫‪ -‬تزامنا مع صدور مقال هنتنجتون‪ ،‬تََبَّنى اإلعالم َ‬
‫‪8‬‬
‫يث َذ َكرت َ‬ ‫ض َارات‪َ ،‬ح ُ‬‫الح َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إج َابته َعن َه َذا التَّ َس ُ‬
‫اؤل‬ ‫الغرب‪...‬؟" َوِفي َ‬‫يانو اجوميه بعنوان‪" :‬من هو َع ُدو َ‬ ‫ته في ‪َ 0993‬بقَلم َم ِار ُ‬ ‫ديبلوماتيك" في َمقال َها الذي َن َش َر ُ‬
‫الج ِديد» ينظر‪( :‬رجاء‪ ،2117 ،‬الصفحات ‪)002-000‬‬ ‫الع ُدو َ‬
‫َقال‪« :‬اإلسالم هو َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شتركة من قبل‬ ‫الممارسات ال ُـم َ‬ ‫وجيهات و‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪9‬‬
‫َ‬ ‫إنساني وُقبُول ُمتَ َازيد للقيم والت َ‬ ‫الحضارة العالمية" هو ُو ُجود تََق ُارب َ‬ ‫ود بمصطلح " َ‬ ‫قص ُ‬
‫‪ -‬ال َـم ُ‬
‫اح َدة أم‬‫المية و ِ‬ ‫ِ‬ ‫حديد ِفي َ‬
‫الف ِ َّ ِ‬ ‫شعوب العالم‪ ،‬ويتساءل هنتنجتون في كتابه "صدام الحضارات" بالتَّ ِ‬
‫ض َارة َع َ َ‬ ‫صل الثالث‪َ ،‬حول ُو ُجود َح َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬

‫‪130‬‬
‫المشتَرك‬
‫َ‬ ‫عايش‬ ‫إمكاَنات َّ‬
‫الت ُ‬ ‫حو َ‬ ‫َّ‬
‫الحضارات إلى َت َع ُارف الثَقا َفات‪َ ،‬ن َ‬
‫َ‬ ‫من ِص َدام‬

‫المية تَنص ِهر ِفيها ُشعوب الـمعمورة‪ ،‬ه َذا ما ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫عد َدة! ويح ِاول اإلجابة عن ه َذا التَّساؤل بالَق ِ‬ ‫حضارات مت ِ‬
‫عني َّ‬
‫أن‬ ‫َ ُ َ َ َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ضارة َع َ‬ ‫ول ِب َع َد ِم ُو ُجود َح َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫َُ َ‬ ‫َ َ َ َُ‬
‫أيضا‪( :‬راهي قيس‪ ،2107 ،‬صفحة ‪)10‬‬ ‫ختلَفة َو ُمتَ َعد َدة األقطاب‪ .‬ينظُر‪( :‬هنتنجتون‪ ،0999 ،‬صفحة ‪ )93‬و ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َارات ُم َ‬‫العاَلم ُمَق َّسم ل َح َ‬
‫َ‬
‫اسا‬‫أس‬‫و‬ ‫م‪،‬‬‫ي‬ ‫الفرد أساسا للو ِاقع و ِ‬
‫الق‬ ‫في‬ ‫ى‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫جاه‬ ‫ات‬ ‫هو‬ ‫)‬ ‫‪Individualisme‬‬ ‫‪/‬‬ ‫)‪Individualism‬‬ ‫األجنبي‬ ‫اللفظ‬ ‫مقابل‬ ‫في‬ ‫انية‬ ‫رد‬ ‫الف‬ ‫‪-‬‬ ‫‪10‬‬
‫َ ً‬ ‫َ‬ ‫َ َ ً‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬
‫يخَية‪ .‬ينظر‪( :‬بليليطة‪ ،2108 ،‬صفحة ‪)062‬‬ ‫اهر االجتماعية والتَّار ِ‬ ‫الظو ِ‬
‫لتفسير َّ‬
‫الع ِديد ِمن‬
‫ط ِر َحت َ‬ ‫العربية‪ ،‬مما جعلها محال للنقد‪َ ،‬ك َما ُ‬ ‫الغربية و َ‬
‫األوساط َ‬ ‫َ‬ ‫الحض َارات َج َدال َعميًقا في‬
‫َ‬ ‫ظرية صراع‬ ‫ط َر َحت َن َ‬ ‫‪َ -‬‬
‫‪11‬‬

‫ِ‬
‫أبرَزَها َعَلى اإلطالق كتاب هارد‬ ‫ضارات‪ ،‬وَل َع َّل َ‬ ‫ط َار َحات للرد َعَلى فكرة‪/‬كتاب صامويل هنتنجتون المعنون بصراع َ‬
‫الح َ‬ ‫المؤلفات وال ُـم َ‬
‫َ‬
‫أطروحة سبقت فكرة هنتنجتون‬ ‫َ‬ ‫وهناك‬ ‫هشمش؛‬ ‫أبو‬ ‫اهيم‬
‫ر‬ ‫إب‬ ‫بية‬
‫ر‬ ‫الع‬ ‫إلى‬ ‫ترجمه‬ ‫لهنتنجتون‪،‬‬ ‫مضاد‬ ‫ع‬‫مشرو‬ ‫قافات‬ ‫الث‬ ‫تعايش‬ ‫ان‬ ‫و‬ ‫بعن‬ ‫مولر‪،‬‬
‫ِ‬
‫ضارات‪ ،‬ترجمها إلى العربية‬ ‫الح َ‬
‫الغاية‪ ،‬وهي تلك التي طرحها "روجيه غارودي"‪ ،‬بعنوان‪ :‬حوار َ‬ ‫َرغم َّأنها تُ َعد ُمَناقضة لها في التَّوجه و َ‬
‫الدكتور عادل العوا‪.‬‬
‫‪ -12‬مفكر َعربي معاصر ولد في المغرب درس في كلية اآلداب في الرباط ثم عمل أستاذا فيها أشرف على تخرج العديد ِمن األساتذة‬
‫والـمفكرين اهتم بالفلسفة والدراسات اإلسالمية َكما اهتم كثي ار بقضية التراث اإلسالمي العربي‪ .‬ينظر‪( :‬ولد اباه‪ ،2101 ،‬صفحة ‪)062‬‬
‫‪ -13‬مفكر وناقد أدبي‪ ،‬وباحث اجتماعي مصري‪ ،‬اهتم بقضايا اإلديولوجيا والعلمانية والصهيونية له العديد من الـمؤلفات منها‪:‬‬
‫موسوعة اليهود واليهودية في سبع مجلدات؛ العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة‪ .‬أنظر‪( :‬ولد اباه‪ ،2101 ،‬صفحة ‪)003‬‬
‫ض ًيفا َلها الـم َكان‪ ،‬بحيث كان العنوان‪ِ " :‬‬
‫ان َذاته م ِ‬
‫حاض َرة بالعنو ِ‬ ‫ِ‬
‫أصدر ال ُـمستشرق الصربي "يفتيتش"‪ُ ،‬م َ‬
‫‪14‬‬
‫صراع‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫عد َمقال هنتنجتون؛ َ‬ ‫‪َ -‬ب َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القتل‪،‬‬
‫للعنف و َ‬ ‫ادف ُ‬
‫ف اإلسالم بأنه مر ٌ‬ ‫ض َارة اإلسالمَية‪َ ،‬وَيص ُ‬ ‫للغ َاية في َح ِق َ‬
‫الح َ‬ ‫طيرة َ‬
‫ضارات في البلقان" َوَقد َب َلوَرَها في َمفاهيم َخ َ‬ ‫الح َ‬
‫َ‬
‫بذبح الحيوان‪ ،‬يفصل المسلم بخطوة لذبح اإلنسان تَقرًبا إَلى‬ ‫أن التََّقرب إلى هللا ِ‬ ‫ِ‬
‫يعة إلدعائه‪ ،‬إذ َي َرى َّ‬ ‫ر‬ ‫ذ‬
‫َ‬ ‫هللا‬ ‫ى‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫إ‬ ‫ُّب‬
‫ر‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ت‬ ‫ال‬ ‫مفهوم‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ذ‬
‫َ‬ ‫خ‬ ‫واتَّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هللا!‬
‫ساو ل ـ "الثَّقافة"؛ وقد ُيستعمل لفظ "الحضارة" بمعنى أعم فيكون حوار الثَّقافات جزًءا من حوار‬
‫‪ -15‬قد ُيستعمل لفظ "الحضارة" بمعنى م ٍ‬
‫ُ‬
‫الحضارات؛ وقد ُيستعمل لفظ "الحضارة" بمعنى أخص فيكون حوار الحضارات جزًءا من حوار الثَّقافات؛ وقد يتعدَّى األمر إذا أخذنا‬
‫ظاما َيشمل جميع جوانب الحياة اإلنسانية‪ ،‬فيكون حينئذ مدلول حوار‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫بعين االعتبار التصور اإلسالمي للدين‪ ،‬والذي يجعل من الدين ن ً‬
‫الحضارات ُمرادًفا لمدلول حوار األديان‪ .‬ينظر‪( :‬طه‪ ،2101 ،‬صفحة ‪)080‬‬
‫الحدث‬ ‫ِ‬ ‫‪16‬‬
‫صورة العالم وقلبت موازينه ومعادالته َهذا َ‬ ‫أصاب العالم بهزة عنيفة غيرت ُ‬
‫الحدث الذي َ‬ ‫‪ -‬تُ َعد أحداث ‪ 00‬سبتمبر ‪َ 2110‬‬
‫ف حاالت انفعال وقلق وتوتر سيطرت عليه مفاهيم الحرب‪ ،‬اإلرهاب‪ ،‬القوة‪ ،‬وأصبح اإلنسان يعيش حياة القلق والخوف‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الذي َخل َ‬
‫ينظر‪( :‬الميالد‪ ،2101 ،‬صفحة ‪)72‬‬
‫‪ -17‬في مقابل اللفظ األجنبي ‪ World-View‬القائم على حاصل التركيب اإلضافي من كلمتين هما‪ World :‬بمعنى العالم؛ و‬
‫تصور‪ ،‬وأصل المصطلح هو ترجمة للكلمة األلمانية ‪ .Weltanschauug‬واستعمل مصطلح الرؤية إلى العالم‬
‫‪ View‬بمعنى رؤية‪ُّ ،‬‬
‫وثيقا بفهم اإلنسان لبنية الكون المادي وعالقة مكوناته‬
‫طا ً‬ ‫على نطاق واسع في دراسات فلسفة العلوم‪ ،‬وكان المصطلح يرتبط ارتبا ً‬
‫ببعضها‪ ،‬وموقع اإلنسان فيه‪ .‬وكل رؤية إلى العالم تتضمن تفسيرات للحقائق المتعلقة بالكون الطبيعي‪ ،‬وينبثق عنها تفسيرات حول‬
‫موقع اإلنسان في الكون وطبيعة معتقداته‪ .‬ينظر‪( :‬ملكاوي‪ ،2120 ،‬الصفحات ‪)81-82-80‬‬
‫عضوا في الحزب الشيوعي‬
‫ً‬ ‫‪ -18‬فيلسوف فرنسي ماركسي ولد سنة ‪ 0901‬تَ َعلم بباريس َو َحصل على الدكتوراه في الفلسفة وانتُخب‬
‫عضوا ِفي المكتب السياسي‪ ،‬له العديد ممن ال ُـمؤلفات نذكر منها‪ :‬الماركسية واإلنسان؛ ُوعود اإلسالم؛ مشروع أمل؛‬
‫ً‬ ‫سنة ‪ 0933‬ثم‬
‫ضارات"‪ .‬ينظر‪( :‬حنفي‪ ،0999 ،‬صفحة‬
‫الح َ‬ ‫محاكمة الصهيونية اإلسرائيلية‪ ...‬أعلن إسالمه سنة ‪ 0982‬يُشتَ َهر َع َادة ِبَن َ‬
‫ظرية "حوار َ‬
‫‪)611‬‬
‫ِ‬
‫وتلك االنتقاالت التي‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫‪19‬‬
‫بها غارودي! َ‬‫ضارات هو التجربة الفكرية التي َمر َ‬ ‫الح َ‬
‫جعلنا نقف عند هذا الرأي بخصوص نظرية حوار َ‬ ‫‪ -‬ما َ‬
‫داع لفكرة الحوار بقدر ما كان‬
‫لك لم َيكن غارودي ُمجرد ٍ‬ ‫ِ‬
‫عاشها الفيلسوف ُمرتحالً من المسيحية إلى الماركسية ثم اعتناقه اإلسالم لذ َ‬ ‫َ‬
‫إنس ِانية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫مثاال تطبيقيا لهذه الدعوة اإلنسانية والتي تُ َعبر َعن غاية نبيلة و َ‬
‫‪131‬‬

You might also like