Professional Documents
Culture Documents
مق ّ
ل منالس بعينات من الق رن الماض ي بك ّ ّ والسوسيولوجيّة المتعل ّقة بالجس د من ذ أوائ ل
ّ 1لئن أصبحت البحوث األنثروبولوجيّة
ن ه ذا المج ال م ا ي زال
د من المداخل الكبرى في األنثروبولوجيا وعلم االجتم اع ،ف إ ّ الشماليّة والغربيّة تع ّ
ّ أمريكا وكندا وأوروبا
في بداياته في المجتمعات العربيّة.
والسياسيّة الكبرى التي تشهدها أغلب المجتمعات العربيّة في الوقت ال رّاهن أث ر ب الغ في
ّ 2وقد يكون للتّحوّالت االجتماعيّة
والس وسيولوجيا واألنثروبولوجيا على وجه الخصوص إلى البحث في موضوع الجسد الذي كان ّ دفع و توجيه االنسانيّات عموما
وما يزال من المواضيع المغيّبة والمنسي ّة والمسكوت عنها في هذه المنطقة من العالم.
3س ينطلق بحثن ا في الجس د بص فته عالَم ا ص غيرا أو ُق ل "ميكروك وزم" ( )microcosmداخ ل " َم اك ُْروكُوزم" (،)macrocosm
وسننظر إليه كبقايا وكآثار أو كذاكرة أو بعبارة أخرى كلغة تحيلنا بص ورة مباش رة أو بص فة غ ير مباش رة على ال رّؤى و الق وى
االجتماعي ّة التي تعمل على تشكيله ورسم حدوده وصياغة معانيه.
)1 Mauss, M. (1936), “Techniques of the body,in Incorporations, New York: Zone,1992”, by Jonathan Crar (...
4وسنحاول ،في هذا المقال ،اقتفاء أثر موس )Mauss( 1معتبرين الجسد كمجموعة من األدوات أو التّقني ات ال ّ تي من خالله ا
ل ه ذه اإلمض اءات واإلمض اءات المض ادّة ال تي ُتكتب على ل هذه الق وانين وك ّل هذه التّسميات وك ّ م كشف واكتشاف ك ّ سيت ّ
م ان ب األردن كره ان للصّ راع الجسد من قبل القوى االجتماعية المتصارعة .فنحن سننظر ،إذن ،إلى جس د الم رأة بمدين ة ع ّ
دما أو حداثة وت ارة
مي نفسها تارة تق ّ ي بين خطاب الل ّيبراليّة الجديدة ،هذه الرّأسماليّة على نطاق عالمي ال ّتي تس ّ االجتماع ّ
السوق أو عولمة ،وبين الخطاب التقليدي لالقتصاد المعيشي ال ّذي يعتمد على الملكيّة الصّ غيرة وعلى اإلنت اج ّ اقتصاد أخرى
الشرف او باالقتصاد المحل ّي وتصفه الحداثة باالقتص اد الب دائي أو االقتص اد الق ديم
ّ باقتصاد نفسه ف عر
ُ ّي أن يريد ّذي ل وا غير الصّ
ال ّذي آن له ،من وجهة نظرها ،أن يستقيل ،بل يزول.
م القوى االجتماعيّة للكتابة على جسد المرأة ،فإنّه تبعا لطبيعة الموضوع 5ونظرا إلى أنّنا ارتأينا أن نرصد الصّراع القائم بين أه ّ
البنى المستقرّة نسبيّا والعالقات المتكرّرة والظ ّواهر الال ّمتغيّرة ل زمن معيّن
ي ال ّذي يرصد ُال يمكن لنا أن نتّبع أثر المنهج البنيو ّ
إذ أنّه ال يمكن لنا أن نرصد هذا الصّراع حول الجسد وما يتطل ّبه من استراتيجيات وتغيير للمواقع.
مان في األردن في ربيع وصيف سنة ،2012ويرج ع اختيارن ا له ذه المدين ة دون س واها ال ي بمدينة ع ّ 7لقد دار البحث الميدان ّ
داخل معرف ة جي ّ دة ،ولكنّ ه أيض ا العتب ارات
ّ ال من المدينة وتعرف ان م
ّ بع تعيش الباحثة ن
ّ أ هامّ أه و فحسب إلى اعتبارات ذاتيّة
السوق وعلى العولم ة مثله ا مث ل ب يروت ّ م ان مدينة مفتوحة على الغرب وعلى الحداثة وعلى اقتصاد مها ّ أ ّ
نع ّ موضوعيّة أه ّ
دار البيضاء وتونس العاصمة ،لكنّها في اآلن ذاته متأصّلة في تاريخ قديم حيث ال تزال العشائر والقبائ ل والب داوة فاعل ة في وال ّ
دوح ة والمنام ة وط رابلس العاص مة .فالصّ راع في ه ذه المدين ة بين "التقالي د" دة وص نعاء وبغ داد وال ّ حاضرها مثله ا مث ل ج ّ
ده .وال ندري أيّة قوّة اجتماعيّة تكون الحرب لها أو عليها في الوقت ال ذي حس م في ه ه ذا الصّ راع والحداثة" ما يزال على أش ّ
د بعيد.
منذ أمد بعيد في المغرب العربي وفي لبنان إلى ح ّ
)4 Sayad, A. (1999), “The Curse in The weight of the word, Social suffering in contempory society”, Bo (...
مه ا الوص ف اإلثن وغرافي للفض اءات واآللي ات للعناي ة9ولقد اعتمدنا في هذا البحث على مجموع ة من األدوات والتقني ّ ات أه ّ
بالجسد .كما اعتمدنا في اآلن ذاته على مقابالت حرّة لعش رين شخص ا من النّس اء والرّج ال من طبق ات اجتماعي ّ ة وعمري ّ ة
مختلف ة وركّزن ا مقابالتن ا خاصّ ة على ام رأتين رأين ا أنّهم ا تمثّالن نم وذجين مختلفين للم رأة األردني ّ ة .تنتمي إح داهما إلى
د عب ارة براش ت ( المستضعفين وتعبّر عن رؤيتهم لجسد المرأة ولكنّه ا ق ادرة في ذات الحين على اتّخ اذ المس افة على ح ّ
م زي اد ،في حين ن ،ولكونه ا ك ذلك فهي ق ادرة أن تق ول م ا ال تقول ه نس اء ش ابّات وهي ّ
أ الس ّ
ّ )Brechtلكونه ا طاعن ة في
تنتسب الثّانية إلى الط ّبقات العليا وتتكل ّم بلغتهم حول المرأة وح ول الجس د وهي ق ادرة هي األخ رى على اتّخ اذ المس افة
الشخصيتين أردنا أن نقتفي أث ر ه ذه األعم ال ّ السيّدة جيهان .ونحن باختيارنا لهاتين
ّ ذات لكونها مث ّقفة وشاعرة وهي ونقد ال ّ
الكالسيكيّة التي تمكّنت من النف اذ إلى األعم اق من خالل إعط اء الكلم ة إلى ش خص واح د أو إلى بض عة أش خاص كتل ك
األعمال األنثروبولوجيّة التي قام بها ليو سيمونس ) Léo W Simmons (2 أو أسكار لويس ) Oscar Lewis (3 أو عبد الملك
صيّاد.4
م ان إلى ثالث واجه ات .على واجه ة أولى س نحاول البحث في جه بحثنا في إش كاليّة الجس د بمدين ة ع ّ 10وقد ارتأينا أن نو ّ
م الرّؤى والتمثّالت المهيمنة التي تعمل على بن اء جس د الم رأة ورس م معالم ه واعطائ ه مع نى م القوى الفاعلة وفي أه ّ أه ّ
م ان وال تي
ّ ع اء بفض د تتواج تي ال ّت ا كنولوجيّ توال واألدوات ات ّ ياآلل و انع المص م
ّ أه في البحث م
ّ يت وف س ثانية واجهة وعلى
م
تستخدمها القوى الفاعلة في إنتاج وإعادة إنت اج جس د الم رأة .وفي واجه ة ثالث ة وأخ يرة س وف نح اول رس م أطلس أله ّ
مان خاصّة وبالمجتمع األردني على وجه العموم. م إنتاجها والمحافظة عليها بمدينة ع ّ النّماذج لجسد المرأة التي ت ّ
ي .إن ّ ه جس د مم دود إلى م ا ال نهاي ة .إن ّ ه جس د ممتلئ 12هكذا إذن يكون الجسد من وجهة نظر الم زارع الصّ غير أو الب دو ّ
ن والمالئكة ،بالغول واألشباح... ّ بالج يطان، والش
ّ ّه لبال واألشياء، ومسكون بالطبيعة بأكملها ،بالكائنات اإلنسانيّة وبالحيوانات
ي أو المزارع األردني يعمل بطريق ة واعي ة أو الواعي ة ال فحس ب لمراقب ة جس ده و ذل ك بتهذيب ه وتدريب ه وترويض ه 13فالبدو ّ
وتحصينه إلخضاعه لقوانين القبيل ة أو العش يرة ال ّ تي ينتمي إليه ا وإنّم ا ن راه يعم ل أيض ا على محاص رة ه ذا الجس د وذل ك
ن هذا الجسد ال ّذي هو جسده ه و بمعاقبته وتأديبه وتعذيبه ال بل بإعدامه أو شنقه والتخل ّص منه أمام العموم كل ّما اكتشف أ ّ
د وغير مبال بقوانين القبيلة وطريقة عيشها. حش وغريب ومرتبك ومرت ّ غير مالئم لجسد الجماعة أو قل هو جسد متو ّ ُ
د جس ده وأن يتنكّ ر ل ه فيق وم بإقص ائه وب التخل ّص من ه وذل ك ي في ه ذه الح االت أن يث ور ض ّ ضل المواطن األردن ّ14هكذا يف ّ
ل محاول ة إلص الح العطب ال ذي حص ل في ّ ك نّ إ ف الحياة واستحالة االنتحار إلى د
ّ الح يصل عندما البطيء. الموت باإلنتحار أو
الشأن العام أي في النّظام اإلجتماعي بتحويل ه إلى عطب في تقني ات الجس د الف ردي و في آليّات ه الخاصّ ة تص بح محاول ة ّ
يائسة ال طائل من ورائها .وبنفس الط ّريقة أيضا تصبح إعادة إنتاج الجماع ة بقت ل او اس تبعاد الف رد ال ذي يخ رج عن منظوم ة
األعراف والمحرّمات أمراً بديهيّا وطبيعيّا ومشروعا .فالمرأة التي تتصرّف بجسدها دون إذن ومباركة الجماعة تلحق الضّرر والعار
يستحق البتر أو العقاب .وهكذا ال يعود مس تغربا أن تُخ تزل
ّ بجسد الجماعة كل ّها وتصبح من هذا المنطلق الجزء الفاسد الذي
ة
ن هذه المعاني هي جزء ال يتجزأ من شرف الجماعة قبيل َ والشرف على اعتبار أ ّّ في جسد المرأة كل معاني ورمزيات الع ّفة
كانت أم عشيرةَ.
مة حماية وصون شرف ن من تقع على عاتقهم مه ّ ذكور فقط ،فإ ّ ذكور وال ّ
والسلطة بيد ال ّ
ّ 15وفي الوقت الذي تكون فيه الهيمنة
ن م ا الحظ ه بيي ير بورديو )Pierre Bourdieu(5ح ولذكور أيض ا .إ ّالسقوط في ي د األع داء هم ال ّ
ّ العائلة أو العشيرة ومنعه من
الهيمنة الذكورية بمنطقة القبائل األمازيغيّة بالجزائر وما ينتج عن ذلك من غياب للم رأة وحض ور للرّج ل في الفض اء الع ام ه و
ي ب الجزائر
ي األم ازيغ ّ
ي الرّاهن .فترى في العشائر األردنيّة مثلما ترى في المجتمع القبائل ّذاته الذي يقع في المجتمع األردن ّ
دي وعلى المواجهة وعلى النّظ ر إلى اآلخ ر في ذكورية تحرّضُّ الرّجال على أن يكونوا رجاال أي على التص ّ الشرف ال ّ
ّ ن أخالق
أ ّ
د عبارة بورديو في حين أن المرأة تعلن عن طاعتها وخنوعها بانحناء جسدها وب النظر إلى األس فل العين ومن األعلى على ح ّ
ذكور.
دها على جسد ال ّ وعدم فتح العين أو م ّ
م فيه ومن خالله كتابة القوانين وترك بصمات اإلمضاءات واإلمضاءات المضادّة بخط ّ
16ومن هنا يصبح الجسد هو الفضاء الذي تت ّ
غليظ وواضح للقوى االجتماعيّة المتصارعة.
17فهذا الجسد الممدود إلى ما ال نهاية هو ،بطبيعة الحال ،ليس بجسد فريد منفرد وحيد يمكن اجتثاث ه بس هولة من األرض.
ن جس د الف رد ذر في األرض ومنتم انتما ًء صريحا إلى جس د الجماع ة .ل ذلك ف إ ّ ب الرّيح ،بل هو متج ّ
إنّه ليس بريشة في مه ّ
بشكل عام وجسد المرأة على وجه الخصوص هوّ في الواقع جزء ال يتجزّأ من جس د العش يرة أو القبيل ة بأكمله ا .وكث يرا م ا
ل في ذات ه جس د خ َت ِز ُ ُتخ تزل الم رأة في الجس د في ه ذه المجتمع ات وتك ون هي الرّم ز وهي المج از وهي ال َعلَ ُ
م ال ّ ذي يَ ْ
السنين. ّ س جسد المرأة بأ ًذى تقوم الحروب وال تنتهي .إنّها حروب تدوم مئاتالجماعة كل ّها .فإن ُم ّ
6 Elias, N. (1969), “The civilizing Process, Vol 1. The history of Manners, Oxford : Blackwell.
ن الل ّيبرالي ّة الجديدة أو قل الحداثة كرؤية للعالم وكثقافة ترى في هذا الجسد الممدود إلى م ا ال نهاي ة ،في ه ذا الجس د 20إ ّ
حشا وبدائيّا ومتخل ّفا وهمجيّا وغير الئق وإنّم ا ت رى في ه أيض ا جس دا ق ديماالمترامي والحرّ والال ّمبالي ال فحسب جسدا متو ّ
وباليا وسائرا إلى االنقراض .وهي تريد أن تخلق على أنقاضه جسد الفرد وما يترتّب عن ذلك من فرداني ّ ة وأناني ّ ة واس تقالليّة
ل م ا ل ديها من وس ائل وإمكاني ّ ات على توجي ه ض ربات مؤلم ة وانفصال عن الجماعة .ولتحقيق هذه الغاية ،تعمل الحداثة بك ّ
وقاسية إلى هذا الجسد الممدود إلى ما ال نهاية.أو قل إلى هذه الجماعة في الجسد الواحد قبيلة كانت أم عشيرة.
7 Foucault, M. (1977), Discipline and Punish, the birth of the prison, Harmondsworth: Penguin.
8بغورة ،الزواوي ،.ميشيل،فوكو ،)2001(.في الفكر العربي المعاصر ،بيروت : دار الطليعة للطباعة والنشر وال)...(
ي ال ّذي أصبح ينظر إليه كجسد يتّسم بالتسيّب والفوضى وعدم ال ّلياقة في "الحبس ج بهذا الجسد الجماع ّ 21إنّها محاولة للز ّ
الكبير" والعبارة لفوكو ،7مثله مث ل جس د المجن ون والمع ارض والمخ الف والخ ارج عن الق انون .إنّه ا أجس اد يجب من منظ ور
ض و ُت َع ا َد ص ياغتها من جدي د حتّى تتح وّل ش يئا فش يئا إلى أجس اد ش ّفافة ومنظ ّم ة ح و ُت َر َّو َ
ح َ
ص َّ
َب ل ُتربّى وت َ
الحداثة أن تُ َراق َ
مطة ومحنّ طة أي إلى أجساد مسلوبة وطائعة وخاضعة وقابعة ومدحورة ،ال بل إلى أجساد مجتثّ ة من أص ولها ومقطوع ة ومن ّ
عن الع الم ومج زّأة ومنطوي ة على نفس ها ،أي إلى أجس اد ال حاج ة له ا بش يء غ ير الحل ول التقني ّ ة الطبي ّ ة اإلس تيتيقيّة
و"الطبخات" الجاهزة للتجميل المتأتيّة من الرّؤية الوضعيّة التش ريحيّة الفيزيولوجي ّ ة للجس د .إن ّ ه الجس د اآلل ة ال ذي تح اول
والس يطرة على قدرات ه وان تزاع قوت ه ودمج ه في أنظم ة مراقب ة فاعل ة في اإلقتص اد واالجتم اع والثّقاف ة ّ الحداث ة ترويض ه
ل ذلك تُؤ ّمنه إجراءات سلطويّة من خالل األنظمة وقواعد اإلنضباط" إنّها سياسة تشريحية للجسم البشري".8 والسياسة .ك ّ ّ
د من خل ق آلي ات وتقني ات وعل وم جدي دة كعلم التّغذي ة والحمي ّ ة وص ناعة الخ وف من 22لصناعة هذا الجسد المبتور كان الب ّ
الس باحة وغيره ا وعل وم اس تيتيقيّة
ّ السمنة وما ي ترتّب على ذل ك من اكتش اف فن ون رياض يّة كالجمب از أو الجمناس تيك أو ّ
ب
ي وتحص ينه وتدجين ه كط ّ حات في الجراحة وتقويم الجسد وتجميله ،وعلوم نفسيّة لترويض الجسد الوحش ّ كالمخابر والمص ّ
ي إلى غ ير ذل ك من ن والعالج النّفس ّاألعصاب و التحليل النّفسي وعلم النفس والعالج بالحرك ة والعالج بالم اء والعالج ب الف ّ
العلوم والتّقنيات التي اب ُتكرت لهذا الغرض.
مى بجس د دد مفهوم ا واح دا لم ا يمكن أن يس ّ 23ومن الجدير بالقول أنّنا عند حديثنا عن الحداثة والجسد ال يمكن لنا أن نح ّ
المرأة .فهناك الجسد المتحرّر الذي نادت به حداثة األنوار وما يتطل ّبه من اسقالليّة وسيادة وهناك الجسد الذي خلقته ثقاف ة
ي ق د خل ق نوع ا جدي دا من
ي بشكله الح ال ّ ن النّظام الرّأسمال ّ
البورجوازيّة ورأس المال وما يتطل ّبه من زينة وإغراء وفتنة ،إذ أ ّ
ل
الساحر .وتحوّلت الرّغب ة في تحري ر الجس د من ك ّّ السحر قد انقلب على ّ األجساد التي تصنع للبيع وبأسوام بخسة .وكأن
أنواع التّابوهات التي كانت"تسيّجه"إلى مأزق بعد أن تحوّل هذا الجسد إلى بضاعة ُتشترى و ُتباع أو ق ل إلى ف تيش" "Fetish
وإلى كيتش (.)Kitsch
ن % 25من مجمل جرائم القتل التي ُترتكب في هذا البلد في كل ّع ام هي ب دافع 24تفيد اإلحصائيات الرّسمية في األردن أ ّ
د
ّ للح ة ول د
ّ ال قبل من المبذولة الجهود من الرغم على الشرف عن فاع د
ّ ال بدواعي 2009 ن 17فتاة قُتلن في العامالشرف ،وأ ّ
ي لم ُيوقّع على القانون الذي يعتبر جريمة الشرف كأي جريمة أخرى ن مجلس النّواب األردن ّ من هذه الجرائم .و من المالحظ أ ّ
دولي من الجهة األخرى حيث كانت تجري العادة دولة من جهة والمجتمع ال ّ إال في العام 2008وتحت ضغوط كبيرة مارستها ال ّ
جة إقدام الجاني على فعلته تحت تأثير الغضب.9 دة ستّة أشهر سجنا بح ّ على إصدار حكم مخ ّفف لم ّ
26تعتبر مس ألة العذري ّ ة من أك ثر اآللي ات ال تي م ا زالت تنتج ويع اد إنتاجه ا ك أداة تؤكّ د اس تمراريّة الب نى التقليدي ّ ة األبوي ّ ة
للمجتمع والرؤى المعبّرة عنها .فالعذريّة عند المزارعين والبدو هي آلة من آلي ات الهيمن ة الرّجولي ّ ة وم ا ينتج عنه ا من نزع ة
ق في بس ط نف وذه ليس مؤسسة الزّواج يعطي ه الح ّ ّ للسيطرة واالستيطان والملكيّة .فملكيّة الرّجل لهذا الجسد ضمن رؤية ّ
الشرعي والوحيد لهذا الجسد. ّ على حاضر الفتاة التي يريد الزّواج بها فحسب بل وعلى ماضيها كذلك بصفته المالك
)10 Douglas, M. (2002), Purity and Danger: An Analysis of concepts of Pollution and Taboo, London, Rout (...
د عبارة ماري دوجالس )Mary Douglas( 10يساعد القوى االجتماعيّة على 28فالتّقسيم الرّمزي بين النّظيف والوسخ على ح ّ
دد لهم م ا ه و مس موح وم ا ه و ممن وع ،م ا ه و محم ود وم ا ه و تصنيف سلوكيّاتهم من خالل إتّباع منظومة من القواعد تح ّ
مكروه ،ما هو صالح وما هو فاسد ،ما هو حالل وما هو حرام ،ما هو خير وما هو شرّ...
ل منلتوسم األجساد وتضع وسمة عار وس قوط ووس خ على ج بين ك ّ ّ ل هذه اآلليات تحتشد في الحدود بين الجنسين 29ك ّ
ن التّه اون بمس ألة
دثه نفسه بالخروج ولو بنسبة ضئيلة عن القوانين واألعراف العا ّم ة للجماع ة .وهي ب ذلك تؤكّ د على أ ّ تح ّ
ومسا في شرف العشيرة وتطاوال على جاهها وحرمته ا ّ خطيرة كالعذريّة من جهة المرأة يعني تدنيسا كامال لجسد الجماعة
واالنحطاط بها وجرّ ها إلى بؤرة المزابل واألوساخ .وهي مشكلة تقتضي إجراء سريعا يهدف إلى تنظيف هذا الجسد الجماعي
وتطهيره وتنقية شرفه مما أصابه من فوضى و تدنيس .وقد يتم الل ّجوء إلى القتل ال بل إلى حروب ال تنتهي من أجل االنتق ام
واألخذ بالثأر والعمل على بتر هذا الجزء من الجسد الكبير والتخل ّص نهائيا مما قد يعتريه من خلل كما بيّنا ذلك سلفا.
ن االعتداء على هذا الجسد وفقا لهذه الفلسفة يعني اعتداء على الجسد الكامل للجماعة قبيلة كانت أم عش يرة ،وه و 30إ ّ
والس كوت على من داس األرض أو الع رض في رؤي ة المجتم ع ّ ود القع رف الش
ّ من فليس رب. الح ول طب دقّ الي بالت ني يع
ل ه ذه المع اني فيّ ك تزل خ ت
ُ ا م وغالبا والشرف. الحرمة معاني كل عليهما تنطبق متالزمان معنيان فهما ، ي
ّ األردن ّي ل المح
دم إن لزم أألمر إذ " ال يسلم الشرف الرفي ع من األذى
الشرف بال ّ
ّ دفاع عنجسد المرأة .ومن هنا يصبح لزاما على الجماعة ال ّ
ي على
دم" على ح ّد عب ارة المتنبّي ال تي م ا زالت فاعل ة في ال زّمن ال رّاهن في المجتم ع األردن ّ
حتى ُيراق على جوانبه ال ّ
الرّغم من أنّها قيلت منذ أكثر من ألف عام.
الشرف بسلسلة واسعة من اآللي ات ال تي تتف ادى وق وع ه ذا الجس د ّ 32ففي المنطق الجماعي للقبيلة أو العشيرة ،يعرّف
جس والخ وف من اختالط النّس اء بالرّج ال المح رّك الكب ير في تط وير ع دد من في المحظ ور .وتبقى س مة الح ذر والتّ و ّ
ي" و"محفوظ" و"مستور". د بعيد صناعة جسد "محصّن" و"محم ّ الميكانزمات واألدوات التي تكفل إلى ح ّ
داخل وتُحجز في البيوت .و ُترتّب تبعا لذلك كل آليات 33ف ُينظ ّم الفضاء وفقاً للتّمييز والفصل بين الجنسين ،وتُحجب المرأة في ال ّ
د الجريمة الممكنة التي قد تُرتكب .إن ّ هل الوسائل ض ّحجب جسدها بهدف إخالء الفضاء العام من الرّغبة المتوقّعة والوقوف بك ّ
الس لوك ال ذي تس مح ّ الس جن الذي أخذت تتشكّل هندسة فضائه وتصميمه ونظام حركته بطريقة تشرّع إلى نمط واحد من ّ
السلطة .ولقد جاءت مثل هذه الحدود والضّوابط ال للعقاب فحس ب وإنّم ا ك ذلك للمكاف أة ف المرأة النّاجح ة إجتماعي ّ ا هي ّ به
التي تخضع أكثر من غيرها لهذا التنظيم ولهذا النظام.
ل من ُي دان به ا .فال
ب عند الم زارعين والب دو مس ألة ُمحرّم ة وممنوع ة ب ل تهم ة يع اقب ك ّ 35ومن المنطلق ذاته ،يعتبر الح ّ
تسا ُمح مع ما من شأنه إح داث الفوض ى أو االخالل بإع ادة إنت اج المجتم ع .ل ذلك غالب ا م ا يح رص المحب ّ ون في مث ل ه ذه
ب من وجهة النّظ ر ه ذه من المجتمعات المحافظة على إحاطة عالقتهم بكل وسائل التخ ّفي والسريّة .ولذلك أيضا يصبح الح ّ
المواضيع المسكوت عنها والتي تبدو وكأنّها من المواضيع الثّانويّة والتّافهة التي ال يمكن أن يكون لها مكان في مراكز البح وث
والجامعات عند العرب كما بيّن ذلك الط ّاهر لبيب.11
دافع األك بر في الس وق .وم ا زال ه ذا الخ وف ه و ال ّ ّ 36من هنا جاء هذا الخوف وهذا الرّعب وهذا الفزع من منظوم ة اقتص اد
تجريم كل مساعي الحداثة التي تنادي بتحرير جسد المرأة والخروج به من دوائر الخضوع في المجتمعات التقليدية .ومن هنا
ذين دافع وا عن الحرّي ّ ات الفردي ّ ة
دي في مثل هذه المجتمع ات المحافظ ة لألدب اء والفنّ انين والمث ّقفين ال ّ جاء كذلك هذا التص ّ
الس هل في مث ل ه ذه الفض اءات قب ول ش عر ن زار قب ّ اني على ّ من يكن فلم وص. الخص ه وج على المرأة عا ّمة وعلى حريّة
د قوله .فش عر ن زار قب اني ق د ش كّل وم ا زال ّ ح على واإلرهاب القمع أشكال من المرأة جسد بتحرير نادى سبيل المثال وقد
د ومع منطق العش ائر والقبائ ل ال تي م ا زال له ا يشكّل نوعا من الصّدام المباشر مع سلطة الرّجل ومع النّظام العائلي الممت ّ
ي.
نفوذ فاعل في المجتمع األردن ّ
الش رف وم ا يس فرعنه من ق وانين وقواع د تكتب على جس د ّ مى باقتص اد 37تعمل كل هذه اآلليات على إعادة إنتاج ما يس ّ
ن هذه الخطابات المحل ّية المهيمنة تس تخدم وس ائل غ ير تقليدي ّ ة لص ناعة جس د الم رأة ،إذ
المرأة .ومن المفارقات الغريبة أ ّ
تشكّل الصّحف والمجال ّت ومواقع األنترنت والفضائيات أكثر الوسائل المستخدمة من أجل نشر هذه الخطابات وترويجها .وهي
الوسائل األكثر تأثيرا وانتشارا في أوساط جميع الفئات االجتماعيّة على اختالفها .فإذا كانت ه ذه هي آلي ات األص الة لرس م
مان ،فما هي أدوات وتقنيات الحداثة؟ جسد المرأة في مدينة ع ّ
.2.2آليات الحداثة
38للحداثة ،هي األخرى ،آلياتها وتقنياتها التي تعمل على بن اء وتش كيل المف اهيم الخاصّ ة بالجس د الح ديث ،جس د الف رد
د كما سبق أن بيّنا ذلك.
ل أنواع التابوهات الجماعيّة التي قيّدت الجسد الممت ّ
المتحرّر من ك ّ
ك من قيود القبيل ة والعش يرة. ل وانف َّ
39فالجسد وفقا لمفاهيم الحداثة لم يعد ملكا لقوى األصالة والتّقليد منذ أن تفرّد واستق ّ
لقد أصبح هذا الجسد خاضعا ألس س ومق اييس جدي دة .تل ك المع ايير ال تي وص فها فوك و ( )Foucaultبالقمعي ة الل ّطيف ة أو
الناعمة .إذ أنّها لم تنه عهدا من القمع لهذا الجسد إال ّ لتبدأ عهدا آخر بوسائل جديدة من اإلخضاع واإلكراه والهيمنة.
د
40وللتعرّ ف على هذه اآلليات واألدوات والخطابات التي تهدف إلى صناعة الجسد وفق مفاهيم ومقاييس الحداث ة ،ك ان ال ب ّ
ي لعدد من مناطق انتشار مراكز ترويض الجسد وتقنينه وتهذيبه وفق منظومة الحداثة وحس ب الرؤي ة من إجراء مسح جغراف ّ
الحديثة للجسد المنشود .وهي مراكز التّجميل الحديثة على اختالف أنواعها ومراكز الل ّياق ة وص الونات الحالق ة ومراك ز تعليم
الرّقص والتّدليك والعناية بالبشرة والمسابح العا ّمة .وإن ّنا إذ عمدنا إلى إجراء هذا المسح فذلك بهدف رسم خريطة تبيّن درجة
مان ،ال ّتي تزدهر فيها بطريقة ملفتة للنّظر معظم تقنيات اللياقة والتجمي ل انتشار ثقافة الجسد الحداثية في مجتمع مدينة ع ّ
على الطريقة الحديثة.
م ان على اختالف مس توياتها ن الط ّبق ات االجتماعي ة في مدين ة ع ّ 42أ ّما بالنّسبة لمستهلكي هذه الصّناعة ،فيمكن الق ول إ ّ
ن القيم السائدة والمس يطرة على التعليميّة والعمريّة واالقتصاديّة والثّقافيّة تتّجه إلى استهالك هذه الصّناعة دون استثناء .وإ ّ
المقاييس العا ّمة للجمال هي حداثية بامتي از .ولكن األم ر ال ذي يجب ع دم اغفال ه يكمن في درج ة إختالف حجم اس تهالك
مان الشرقيّة والغربيّة .وهذا م ا يمكن اس تنتاجه من خالل النّظ ر في أطلس توزي ع ه ذه الصّ ناعة هذه الصّناعة بين سكّان ع ّ
ل
ّ أق عبية الش
ّ ات ّبق ط فال ة. الغربي ان م
ّ بع ا أساس ناعة ّ ص ال هذه تتركز حيث المذكورين، المدينة قسمي وشكل انتشارها بين
الفئات استهالكا لهذه الصّناعة .وهذا متوقّ ع وليس في ه غراب ة .فه ذه الصّ ناعة تتّج ه أساس ا إلى الط ّبق ات الميس ورة وإلى
البرجوازيّة الصّغيرة واألغنياء الجدد .وتمثّل وسائل اإلعالم كما هو متوقّع على اختالف انواعها المقروءة والمس موعة والمرئي ّ ة
داعمة والمؤيّدة لقيم الجسد الحديث. م األدوات واآلليات التي توظ ّفها ثقافة الحداثة في خلق وتسويغ وترويج القيم ال ّ أه ّ
)14 Baudrillard, J. ( 1994), « Simulara and simulation », translated by Sheila Faria Glaser, Michigan, (...
السجال وهذا الصّراع بين األصالة والحداثة حول الكتابة على جس د الم رأة كفض اء متن ازع علي ه ،م ا هي مواق ع
ّ 44أمام هذا
مان؟ومواقف الط ّبقات االجتماعيّة والجنسيّة والعمريّة بمدينة ع ّ
مان
.3أطلس الجسد بمدينة ع ّ
الشرعي
ّ .1 .3الجسد
الش رقيّة ،عم ره ثماني ّ ة
ّ م ان
م ان الغربي ّ ة ،وه و من س كّان ع ّ
(45ي .غ ).يعمل بائعا في محل للخض ار في إح دى من اطق ع ّ
وثالثون عاما .يحمل شهادة الثّانوية العامة ،متزوّج ولديه ستّة أطفال .يقول:
د خروج المرأة واالختالط ،فما معنى أن تختلط الم رأة في العم ل ي يحترم المرأة .أنا شخصيّا ض ّن مجتمعنا التقليد ّ "46أنا أرى أ ّ
وتتعرّض للنّ ظرات غير البريئة؟ ما معنى أن تسهر في المطاعم و"الكوفي شوبات"؟ أنا أقرف من مناظر بعض النّس اء هن ا في
ن تلك النّساء لو وجدت من يردعنها من الرّجال يعدن للبيوت قبل منتصف الل ّيل .أعتقد أ ّ ُ يدخن النّارجيله وال
َّ ن
مان الغربيّة وه ّع ّ
ي امرأة على فع ل مث ل ّ أ أتّ تجر لو ه ّ نأ وأعتقد ة. ّ يالشرق ان م
ّ ع مناطق أحياء في لدينا مألوفة غير المناظر هذه هذا. فعلن لما
م ل أن ي دخل الح ارة عن دنا
السلوك ألصبحت قصّة وحكاية تلوكها األلسنة وتلعنها النّساء قب ل الرّج ال .ح تى أنّن ا ال نتح ّ ّ هذا
شخص غريب دون أن نعرف إلى أين هو ذاهب وماذا يريد".
للشريعة اإلسالميّة بمدارس األرقم اإلسالمي ّة ،حاصل على درجة الماجستير من الجامعة األردنيّة ،عمره
ّ (47س .س ).معل ّم
ثالثون عاما وهو أعزب .يقول:
(49ش .ل ).معل ّمة لغة عربيّة للمرحلة الثانويّة .عمرها اثنان وأربعون عاماً .تحمل درجة البكالريوس في الل ّغة العربيّة .متزوّجة
مان الغربية .تقول:
مان الشرقيّة وتعمل بع ّ م لثالثة أطفال تسكن ع ّ وأ ّ
"50أنا أستخدم كل أنواع الزّينة والعطور ولكنّي ال أتزيّن إال ّ لزوجي .وأشعر بمتعة كبيرة وأن ا أفع ل ذل ك .زوجي يمن ع المكي اج
ن النّس اء خفيف ات وطائش ات .أتض ايق أحيان ا مني مك ان من خل وّ وجهي من أي ّ ة زين ة .فه و يعلم أ ّ ويتأكّد قب ل خ روجي أل ّ
دافع غيرته على شرفي وحرصه على اتمام دي ني ف أتراجع ويص بح عن دي يقين أن ّ ه على ّ ال ن
ّ أ أدرك خالته لكن سرعان ماتد ّ
حق".ّ
الشرقية كان لها النّصيب األكبر ممن يحملون هذه الرؤي ة ّ مان
ن مناطق ع ّ
ي لهذه الفئات فإ ّ 52أ ّما بالنّسبة إلى التّوزيع الجغراف ّ
د بعي د حجم وق وة وانتش ار من ن هذه النظرة ما زالت مهيمنة وواسعة االنتشار وتعكس إلى ح ّ لجسد المرأة .ويمكن القول إ ّ
يمثّلونه ا على المس توى اإلجتم اعي (العش ائر ومؤسس ات المجتم ع الم دني اإلس المية) .وتعكس ك ذلك ق وّة ممثّليه ا
السياس ي (جبه ة العم ل اإلس المي واإلخ وان المس لمين و والنّ واب المنتخ بين على أس اس ّ وحض ورهم على المس توى
الس نوات
ّ في ّخبين ا الن وات أص من ةّ يالم اإلس ة الحرك عليها حصلت التي المطلقة ةّ ياألغلب ن
ّ أ إلى عشائري) .تشير األرقام
م ان والزّرق اء .وهم غالب ا م ا يكون ون من أص ول فلس طينيّة أو من األردنيّين المنتمين إلى ّ ع دينتي م األخيرة كانت دائم ا من
السمة التي تميّز خارطة المنتخبين في مجلس النّواب األردني منذ عشرين عاما .يك ون الن ائب في ّ عشائر كبيرة .وتلك هي
ن اإلس الميّين أغلب الحاالت إ ّما فلسطينيّا إسالميّا أو أردني ّا ابن عشيره كبيرة .وال أحد من المالحظين يستطيع إنكار حقيقة أ ّ
ن العشيرة ما زالت المستفيد الكبير من غياب المؤسسات المدنيّة الفاعلة.15 يمثلون القوّة الشعبيّة الضّاربة في األردن وأ ّ
دوام بن اء ش كل واح د لجس د األن ثى ،ذاك الجس د المح اط بأحك ام وح دود الح رام 53لقد كانت هذه الخطابات تؤي ّ د على ال ّ
والحالل والمسموح والممنوع وغيرها من الحواجز األخالقية القديمة الجدي دة .ه ذه الخطاب ات والممارس ات تعم ل باس تمرار
على أن يبقى جسد المرأة فضا ًء حاضناً لرؤية األصالة وتطل ّعاتها التي تعرّف المرأة في الخ ط ّ الرّئيس ّ
ي الع ام بأنّه ا ش هوانيّة
والسياسة.
ّ والشجاعة والصّبر والحلم
ّ وفضوليّة وثرثارة وناقصة عقال ودينا مقابل الرّجل الذي يتّصف بالصّدق
ل لبيع المالبس النّس ائية .يحم ل درج ة البك الريوس في البرمجي ات. (55و .م ).في الثامنة والثالثين من العمر يعمل في مح ّ
ي ه و داخ ل بيته ا .وي رى ّ األساس دورها نّ أ ويرى المنزل خارج المرأة ينتمي إلى الط ّبقة المتوسطة .وهو أعزب .يرفض عمل
جبات والمن ّقبات ،يقول" : أن ا ّ المح الحين ذات في ويكره ة. ّ يوالسياس ةن المرأة ال تصلح لتتقل ّد المناصب العا ّمة واإلداري ّ
كذلك أ ّ
لن أتزوّج أردنيّة .فاألردنيّات ال يعرفن شيئا عن األنوثة والجمال واألناقة .أمنيتي أن أرتبط بلبنانيّة .أريدها جميلة وأنيقة ولس ت
م بأدقّ تفاص يل ال ّتفاص يل ي هي المرأة التي تهت ّ ما بشخصيّتها كثيرا لتكن ما تكون هي حرّة .المرأة الحقيقيّة بالنسبة إل ّ مهت ّ
السمينات ! ل و انقطعت النّس اء عن س طح الك رة األرض يّة ّ لكي تبدو جميلة .ال أعرف كيف يتسامح بعض األزواج مع زوجاتهم
الش حم؟ أال تعلمين أن أوّل جريم ة في الت اريخ ارتُكبت ّ لن أرتبط بامرأة سمينة .ماذا يبقى من الجمال واألنوثة إذا م ا غط ّاه ا
من أجل امرأة جميلة؟"
المتوسطة
ّ (56ل .م ).كوافيرة (صاحبة صالون) في الثّالثين من العمر ،مطل ّقة وتحمل شهادة الثانوية العا ّمة وهي من الط ّبقة
السياس يّة ،كم ا ت ؤمن بس لطة ال زّوج و بمن ع زوجت ه من ّ مان الغربية .ال تؤمن بصالحيّة المرأة لتقل ّد المناص ب ومن سكان ع ّ
ن
ل م ا من ش أنه أن يغيّب الجم ال .كم ا أ ّ ّ وك اب قّ نوال اب الحج ره أك ة. الموض على ألبس أن ب
ّ أح " : ول تق ل، الخروج للعم
د أن أكون جميلة وأنيقة ما دمت أعمل في مجال التّجميل. م بجمالي .فمن أجل جذب الزّبون ال ب ّ شغلي يقتضي منّي أن أهت ّ
ن أو أن أقصّه على غرار الموديل الذي اخترته لشعري .أقضي معظم كثير من الزبونات يأتين ويطلبن مني أن أغيّر لون شعوره ّ
ن هناك الكثير من الوقت الضّائع لدى ال ّنساء .فبدال من الجلوس أمام التلفاز ،أنصح المرأة أن تنظر وقتي أمام المرآة .أنا أؤمن أ ّ
ي".
السالح بالنّسبة للجند ّ ّ مية مية المرآة بالنسبة للنّساء كأه ّن أه ّ إلى نفسها في المرآة .إ ّ
57تتبنّى هذه الخطابات بطريقة واضحة وجليّة القيم التي تعبّر على الجسد الفتيش .كالهم ا مس تبطن لس يمات الجس د –
ن كليهما ي رى الم رأة في ال بيت وفي
د كبير إذ أ ّ
ي إلى ح ّ
البضاعة أو الجسد – اإلغراء وكالهما في مستوى الممارسة تقليد ّ
الخاص.
ّ الفضاء
58و تنتمي هذه الفئات في أغلبها إلى البرجوازيّة الصّغيرة و األغنياء الجدد الذي انتقل وا من الرّي ف إلى المدين ة وتمكّن وا من
تفسر هذا االنبتات
ّ ل يسرا .هذه االزدواجيّة في االنتماء اإلجتماعي قد الولوج والحلول واإلنتماء إلى الط ّبقات الميسورة أو األق ّ
وهذا االغتراب وهذه اإلزدواجيّة على مستوى الممارسات وهذا الميل إلى الكيتش( )Kitschوإلى الفتيش.
.3 .3الجسد المتحرر
دي والمقاوم ة لك ل آلي ات اإلغ تراب س واء60نعني بالجسد المتحرّر هو هذا النّوع من الوعي الذي يعب ّ رعن المواجه ة والتص ّ
كانت تلك األدوات منتمية إلى األصالة أو إلى الحداثة .إنّه جسد يسعى أن يتحرّر من قيود الهيمنة الرّجوليّة بس عيه إلى ن وع
والسيادة.
ّ من االستقالليّة
ن المتم ّعن في خطابات التّقليد أو خطابات الحداثة االستهالكية يخلص عبر مفارقة عجيب ة إلى نفس الرؤي ة ال تي تخ تزل 61إ ّ
المرأة بحدود الجسد -الجنس أو الجسد البضاعة .فال فرق بين حداثة استهالكية تعرّي هذا الجسد وتُزيّنه وتعرضه للبيع وبين
ن جسد المرأة ال يتحرّر فقط تقاليد تغط ّيه وتقصيه وتغيّبه ألنّه عورة يجب أن تُستر وعرض يجب أن ُيصان وفتنة يجب أن ُتقهر .إ ّ
ي وإنّم ا ك ذلك بالق درة على تحوي ل ه ذا السياسة أي في تس يير الح ّ ّ الشأن العام وفي ّ بالعمل أي بالمشاركة الفاعلة في
م تحرّكات ه إن لم نق ل أغلبه ا إلى الجسد الذي وقع بناؤه من القوى االجتماعيّة الفاعل ة إلى ش يء يمكن أن يخض ع في أه ّ
إرادة من يحمله ويسكن فيه .تقول جين هينفرارد" : )Hyvrard( 17هذا الجسد ال ّذي هو جسدي هو ليس بجسدي وهو في
ي أن أق وم بغ زوه من الواقع جسدي .هذا الجسد الغريب ،إنّه وطني الوحيد ،إن ّ ه م نزلي وبي تي ومق امي .ه ذا الجس د ،عل ّ
ي ح ال من األح وال س يطرة كامل ة ونهائي ة على الس يطرة هن ا في أ ّ
ّ والس يطرة علي ه" .وال تع نيّ جديد إلخض اعه إلرادتي
دث ة عن ه ذه االس تقالليّة من أك بر الجسد وإنّما هي سيطرة نسبيّة ودائم ا قابل ة للتثبّت والمراجع ة حتّى وإن ك انت المتح ّ
الباحثات في أنثروبولوجيّة الجسد كدي بوفوار( )De Beauvoirأو بتالر( )Butlerأو إريجراي (.)Irigary
م ان،
62للبحث على هذا الجسد المتحرّر ،حاولنا أن نتلمس طريقنا من أجل التعرّف على مالمح جسد مش ابه في مدين ة ع ّ
م زياد عن رأيها في هذا الجسد المتحرّر أو باألحرى الذي يس عى أن يتح رّر من
فكان دربنا شاقّا وكانت طريقنا طويلة .سألنا أ ّ
د بعيد الصّندوق ال ّ ذي
ن الجسد عندنا يشبه إلى ح ّ
االستيطان وأن يتحكّم في نفسه بقدر اإلمكان ،فكانت إجابتها ما يلي": إ ّ
الخاص و بيت أسرارها و له ا أن تغلق ه م تى تش اء
ّ تحمله العروس من بيت أهلها إلى بيتها الجديد .فهذا الصّندوق هو ملكها
وتفتحه متى تشاء وكما تشاء ولمن تشاء".
مان ليس ب األمر الهيّن .فهي من القل ّ ة النّ ادرة ال تي اس تطاعت أن السيدة جيهان بمدينة كمدينة ع ّ ّ 64أن يعثر الباحث على
ل ذل ك ج اء من كونه ا تكتسب مثل هذا الوعي ومثل هذه القدرة على اتّخ اذ المس افة وعلى تعري ة الحق ائق وفض حها .ولع ّ
ب كبيرة انتهت بخيبة أمل كانت وراء سقوطها في اكتئاب حادّ لم تكن قادرة على الخالص منه لوال انغماسها عاشت تجربة ح ّ
ن وض عيّتها ددة ال محالة في اكتساب هذا الوعي ،ف إ ّ ّ مح الفاشلة جربة ّ تال هذه كانت لئن و عر. الش
ّ و األدب في الكتابة وقراءة
كشاعرة مكّنتها هي األخرى وبنسبة غير قليلة من الوقوف في الحدود بين الثّقافات و من القدرة على أن ترى ما ال يستطيع
ن مثل هذا الوعي لدى البعض من النّساء الميسورات ال يوجد لدى قل ّ ة من أن يراه المنتمون إلى ثقافة واحدة .هذا ال يعني أ ّ
دةم زي دان ال تي عاش ت القه ر والظلم واإلهان ة لم ّ ن ام رأة مث ل أ ّمش ة .إ ّ النّساء المنتمي ات إلى الط ّبق ات المحروم ة والمه ّ
ي مثله ا مث ل الل ّغ ة وإنّه ا لئن
م ان رهان ا للصّ راع االجتم اع ّن الم رأة م ا ت زال بمدين ة ع ّ سنوات طويلة تعرف أكثر من غيرها أ ّ
ن هذا الصّندوق هو ملك ال فحسب للعروسة وإنّما في اآلن ذاته شبّهت جسد المرأة بصندوق العروسة تعي أكثر من غيرها أ ّ
ددان في آخر المطاف عبر عملية التبادل القائمة بين الرّجال وبين العشائر. ن قيمة العروسة وقيمة صندوقها يتح ّ للعشيرة وأ ّ
الخاتمة
م ان .وكنّ ا ن رمي من طلَ ً
سا لجس د الم رأة بمدين ة ع ّ ي أن نرسم أ ْ
65لقد حاولنا في هذه الورقة من خالل هذا البحث الميدان ّ
ل أهميّة عن أنثروبولوجيا العم ل أو عن سوس يولوجيا التّنمي ة .فال يمكن ن أنثروبولوجية الجسد ال تق ّ وراء هذا العمل أن نبيّن أ ّ
ي حال من األحوال ،في اعتقادنا ،أن نساهم في بناء الحداثة وأن نشارك في صناعة العلم والمعرفة وأن يكون لن ا ت أثير في أ ّ
في العالم اليوم من دون أن نبدأ ببناء الفرد.
66رغم التح وّالت الهائل ة واله زّات االجتماع ة العميق ة ال تي لم يكن يتوقّعه ا أح د وال تي لم يس بق له ا مثي ل في ت اريخ
مشة التي انتفضت ما ت زال ت رى في الم رأة ع ورة يجب أن ن أغلب الفئات االجتماعيّة المحرومة والمه ّ المجتمعات العربيّة ،فإ ّ
صان .وعلى الرّغم من مرور أكثر من قرنين على قيام النّهضة الغربيّة وعلى غزو مصر من قب ل جي وش ُتس َتر وحرمة يجب أن ُت َ
ي في األردن وفي مجتمع ات عربي ّ ة أخ رى ت رى نابليون بونابارت ،ما تزال قوى اجتماعيّة فاعلة ومؤث ّرة في الصّ راع االجتم اع ّ
السياس ة والش أن الع ام ،ال ب ل هن اك اعتق اد ث ابت عن د فئ ة واس عة من الب احثين ّ عدم وجود ض رورة مش اركة الم رأة في
ن علوم الجندر ليست سوى مناورة من القوى الغربيّة المتربّصة جاءت كإشكاليات مفروضة علين ا فرض اً والمث ّقفين العرب من أ ّ
لتضرب هويّتنا .وال ترى هذه القوى االجتماعية وهؤالء المث ّقفون في التحوّالت الهائل ة ال تي تم رّ به ا العائل ة في المجتمع ات
د ه ذهداخل .ولم ت درك مث ل ه ذه الق وى إلى ح ّ الغربيّة الرّاهنة سوى مؤشرا على سقوط الغ رب وتهافت ه وانخرام ه من ال ّ
ن قوّة الغرب جاءت كنتيجة لهذه التحوّالت الهائلة في العالقات االجتماعيّة داخل العائلة وخارجها وكثمرة لبن اء الف رد الساعة أ ّ
ّ
بطريقة تجعله قادرا على االستقالليّة واتّخاذ المسافة و اإلبداع و الحلم.
ي ومن بينه ا
67كم نحن في حاجة إلى مراكز بحوث وإلى مراص د تبحث في القض ايا الها ّم ة والخط يرة في الصّ راع االجتم اع ّ
ن المرأة ،مثلها مثل الرّجل ،ليس ت معطى بيولوجي ّ اً بق در م ا هي بن اء اجتماعي ّ ا وقعت فبركت ه من الجندر حتّى نفهم كيف أ ّ
والس لطة والفض اء ،ومن خالل آلي اتّ ي للعمل والثّروة والمعرفة
القوى الفاعلة في الصّراع االجتماعي عبر التّقسيم االجتماع ّ
ي كم ا بيّنت ذل ك
اجتماعي ّة لصناعة الجسد .إذا ما كانت المرأة ال تولد امرأة وإنّما تصبح كذلك ع بر ص يرورة الصّ راع االجتم اع ّ
م
م اآللي ات واألدوات ال تي يت ّ
ل البحوث األنثروبولوجيّة الرّاهنة ،فإنّه يصبح بوسعنا ،بعد فهمن ا أله ّأعمال سيمون دي بوفوار وك ّ
دد بدقّة العقبات والحواجز التي تق ف عقب ة كئ داء أم ام مش روع خل ق ام رأة بها ومن خاللها بناء جسد المرأة وهويّتها ،أن نح ّ
السياس ة على أنق اض الم رأة القابع ة والخاض عة والغائب ة عن الفض اء ّ الشأن الع ام وفيّ ممتلئة ومبدعة وفاعلة ومؤث ّرة في
ي.
العام وعن تسيير الح ّ