You are on page 1of 9

‫دمة‬

‫مق ّ‬
‫ل من‬‫الس بعينات من الق رن الماض ي بك ّ‬ ‫ّ‬ ‫والسوسيولوجيّة المتعل ّقة بالجس د من ذ أوائ ل‬
‫ّ‬ ‫‪1‬لئن أصبحت البحوث األنثروبولوجيّة‬
‫ن ه ذا المج ال م ا ي زال‬
‫د من المداخل الكبرى في األنثروبولوجيا وعلم االجتم اع‪ ،‬ف إ ّ‬ ‫الشماليّة والغربيّة تع ّ‬
‫ّ‬ ‫أمريكا وكندا وأوروبا‬
‫في بداياته في المجتمعات العربيّة‪.‬‬

‫والسياسيّة الكبرى التي تشهدها أغلب المجتمعات العربيّة في الوقت ال رّاهن أث ر ب الغ في‬
‫ّ‬ ‫‪2‬وقد يكون للتّحوّالت االجتماعيّة‬
‫والس وسيولوجيا واألنثروبولوجيا على وجه الخصوص إلى البحث في موضوع الجسد الذي كان‬ ‫ّ‬ ‫دفع و توجيه االنسانيّات عموما‬
‫وما يزال من المواضيع المغيّبة والمنسي ّة والمسكوت عنها في هذه المنطقة من العالم‪.‬‬

‫‪3‬س ينطلق بحثن ا في الجس د بص فته عالَم ا ص غيرا أو ُق ل "ميكروك وزم" ( ‪ )microcosm‬داخ ل " َم اك ُْروكُوزم" (‪،)macrocosm‬‬
‫وسننظر إليه كبقايا وكآثار أو كذاكرة أو بعبارة أخرى كلغة تحيلنا بص ورة مباش رة أو بص فة غ ير مباش رة على ال رّؤى و الق وى‬
‫االجتماعي ّة التي تعمل على تشكيله ورسم حدوده وصياغة معانيه‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫)‪1 Mauss, M. (1936), “Techniques of the body,in Incorporations, New York: Zone,1992”, by Jonathan Crar (...‬‬

‫‪4‬وسنحاول‪ ،‬في هذا المقال‪ ،‬اقتفاء أثر موس‪ )Mauss( 1‬معتبرين الجسد كمجموعة من األدوات أو التّقني ات ال ّ تي من خالله ا‬
‫ل ه ذه اإلمض اءات واإلمض اءات المض ادّة ال تي ُتكتب على‬ ‫ل هذه الق وانين وك ّ‬‫ل هذه التّسميات وك ّ‬ ‫م كشف واكتشاف ك ّ‬ ‫سيت ّ‬
‫م ان ب األردن كره ان للصّ راع‬ ‫الجسد من قبل القوى االجتماعية المتصارعة‪ .‬فنحن سننظر‪ ،‬إذن‪ ،‬إلى جس د الم رأة بمدين ة ع ّ‬
‫دما أو حداثة وت ارة‬
‫مي نفسها تارة تق ّ‬ ‫ي بين خطاب الل ّيبراليّة الجديدة‪ ،‬هذه الرّأسماليّة على نطاق عالمي ال ّتي تس ّ‬ ‫االجتماع ّ‬
‫السوق أو عولمة‪ ،‬وبين الخطاب التقليدي لالقتصاد المعيشي ال ّذي يعتمد على الملكيّة الصّ غيرة وعلى اإلنت اج‬ ‫ّ‬ ‫اقتصاد‬ ‫أخرى‬
‫الشرف‪ ‬او باالقتصاد المحل ّي وتصفه الحداثة باالقتص اد الب دائي أو االقتص اد الق ديم‬
‫ّ‬ ‫باقتصاد‬ ‫‪ ‬‬ ‫نفسه‬ ‫ف‬ ‫عر‬
‫ُ ّ‬‫ي‬ ‫أن‬ ‫يريد‬ ‫ّذي‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫غير‬ ‫الصّ‬
‫ال ّذي آن له‪ ،‬من وجهة نظرها‪ ،‬أن يستقيل‪ ،‬بل يزول‪.‬‬

‫م القوى االجتماعيّة للكتابة على جسد المرأة‪ ،‬فإنّه تبعا لطبيعة الموضوع‬ ‫‪5‬ونظرا إلى أنّنا ارتأينا أن نرصد الصّراع القائم بين أه ّ‬
‫البنى المستقرّة نسبيّا والعالقات المتكرّرة والظ ّواهر الال ّمتغيّرة ل زمن معيّن‬
‫ي ال ّذي يرصد ُ‬‫ال يمكن لنا أن نتّبع أثر المنهج البنيو ّ‬
‫إذ أنّه ال يمكن لنا أن نرصد هذا الصّراع حول الجسد وما يتطل ّبه من استراتيجيات وتغيير للمواقع‪.‬‬

‫ديناميكي ّ ة ال تي تعم ل على رص د‬


‫السوس يولوجيا ال ّ‬
‫ّ‬ ‫‪6‬وال يمكن لنا أن نبني هذه القوى الفاعلة في الجسد إال ّ إذا اقتفين ا أث ر‬
‫دفاع والمقاومة والتخ ّفي‪.‬‬ ‫الصّراع و ما ينتج عنه من تكتيكات واستراتيجيّات وتكنولوجيا ّت لل ّ‬

‫مان في األردن في ربيع وصيف سنة ‪ ،2012‬ويرج ع اختيارن ا له ذه المدين ة دون س واها ال‬ ‫ي بمدينة ع ّ‬ ‫‪7‬لقد دار البحث الميدان ّ‬
‫داخل معرف ة جي ّ دة‪ ،‬ولكنّ ه أيض ا العتب ارات‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫من‬ ‫المدينة‬ ‫وتعرف‬ ‫ان‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫بع‬ ‫تعيش‬ ‫الباحثة‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ها‬‫م‬‫ّ‬ ‫أه‬ ‫و‬ ‫فحسب‬ ‫إلى اعتبارات ذاتيّة‬
‫السوق وعلى العولم ة مثله ا مث ل ب يروت‬ ‫ّ‬ ‫م ان مدينة مفتوحة على الغرب وعلى الحداثة وعلى اقتصاد‬ ‫مها ّ أ ّ‬
‫نع ّ‬ ‫موضوعيّة أه ّ‬
‫دار البيضاء وتونس العاصمة‪ ،‬لكنّها في اآلن ذاته متأصّلة في تاريخ قديم حيث ال تزال العشائر والقبائ ل والب داوة فاعل ة في‬ ‫وال ّ‬
‫دوح ة والمنام ة وط رابلس العاص مة‪ .‬فالصّ راع في ه ذه المدين ة بين "التقالي د"‬ ‫دة وص نعاء وبغ داد وال ّ‬ ‫حاضرها مثله ا مث ل ج ّ‬
‫ده‪ .‬وال ندري أيّة قوّة اجتماعيّة تكون الحرب لها أو عليها في الوقت ال ذي حس م في ه ه ذا الصّ راع‬ ‫والحداثة" ما يزال على أش ّ‬
‫د بعيد‪.‬‬
‫منذ أمد بعيد في المغرب العربي وفي لبنان إلى ح ّ‬

‫والس عة وطبق ات‬


‫ّ‬ ‫مان مدينة متكوّنة من طبقات وشرائح اجتماعيّة ثري ّ ة ك أكثر م ا يك ون الثّ راء‬ ‫نع ّ‬‫‪8‬ويرجع اختيارنا أيضا إلى أ ّ‬
‫جار والحرفيّين ب دأت تض عف‬ ‫ّ ّ‬ ‫ت‬‫ال‬ ‫وصغار‬ ‫ّفين‬ ‫ظ‬ ‫المو‬ ‫من‬ ‫نة‬‫ّ‬ ‫و‬ ‫متك‬ ‫عريضة‬ ‫طة‬ ‫متوس‬
‫ّ‬ ‫وطبقات‬ ‫اليد‬ ‫وضيق‬ ‫الفقر‬ ‫فقيرة كأقصى ما يكون‬
‫ن مثل هذا الفض اء سيس اعدنا على توجي ه البحث‬ ‫مشين‪ .‬إ ّ‬ ‫السنوات األخيرة وتقترب من الفقراء والمه ّ‬
‫ّ‬ ‫شيئا فشيئا في هذه‬
‫إلى هذا االستقطاب بين الفقر والغنى وبين األصالة والمعاصرة لنتمكّن من رسم الف وارق في عملي ّ ة توزي ع المع اني وكتاب ة‬
‫القوانين على جسد المرأة بين القوى الفاعلة في الصّراع االجتماعي‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪2 Bourdieu, P. (2001), Masculine domination, Stanford, Stanford University Press.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪3 Bourdieu, P. (2001), Masculine domination, Stanford, Stanford University Press.‬‬

‫‪‬‬ ‫)‪4 Sayad, A. (1999), “The Curse in The weight of the word, Social suffering in contempory society”, Bo (...‬‬
‫مه ا الوص ف اإلثن وغرافي للفض اءات واآللي ات للعناي ة‬‫‪9‬ولقد اعتمدنا في هذا البحث على مجموع ة من األدوات والتقني ّ ات أه ّ‬
‫بالجسد‪ .‬كما اعتمدنا في اآلن ذاته على مقابالت حرّة لعش رين شخص ا من النّس اء والرّج ال من طبق ات اجتماعي ّ ة وعمري ّ ة‬
‫مختلف ة وركّزن ا مقابالتن ا خاصّ ة على ام رأتين رأين ا أنّهم ا تمثّالن نم وذجين مختلفين للم رأة األردني ّ ة‪ .‬تنتمي إح داهما إلى‬
‫د عب ارة براش ت (‬ ‫المستضعفين وتعبّر عن رؤيتهم لجسد المرأة ولكنّه ا ق ادرة في ذات الحين على اتّخ اذ المس افة على ح ّ‬
‫م زي اد‪ ،‬في حين‬ ‫ن‪ ،‬ولكونه ا ك ذلك فهي ق ادرة أن تق ول م ا ال تقول ه نس اء ش ابّات وهي ّ‬
‫أ‬ ‫الس ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ )Brecht‬لكونه ا طاعن ة في‬
‫تنتسب الثّانية إلى الط ّبقات العليا وتتكل ّم بلغتهم حول المرأة وح ول الجس د وهي ق ادرة هي األخ رى على اتّخ اذ المس افة‬
‫الشخصيتين أردنا أن نقتفي أث ر ه ذه األعم ال‬ ‫ّ‬ ‫السيّدة جيهان‪ .‬ونحن باختيارنا لهاتين‬
‫ّ‬ ‫ذات لكونها مث ّقفة وشاعرة وهي‬ ‫ونقد ال ّ‬
‫الكالسيكيّة التي تمكّنت من النف اذ إلى األعم اق من خالل إعط اء الكلم ة إلى ش خص واح د أو إلى بض عة أش خاص كتل ك‬
‫األعمال األنثروبولوجيّة التي قام بها ليو سيمونس‪ ) Léo W Simmons (2 ‬أو أسكار لويس‪ ) Oscar Lewis (3 ‬أو عبد الملك‬
‫صيّاد‪.4‬‬

‫م ان إلى ثالث واجه ات‪ .‬على واجه ة أولى س نحاول البحث في‬ ‫جه بحثنا في إش كاليّة الجس د بمدين ة ع ّ‬ ‫‪10‬وقد ارتأينا أن نو ّ‬
‫م الرّؤى والتمثّالت المهيمنة التي تعمل على بن اء جس د الم رأة ورس م معالم ه واعطائ ه مع نى‬ ‫م القوى الفاعلة وفي أه ّ‬ ‫أه ّ‬
‫م ان وال تي‬
‫ّ‬ ‫ع‬ ‫اء‬ ‫بفض‬ ‫د‬ ‫تتواج‬ ‫تي‬ ‫ال‬ ‫ّت‬ ‫ا‬ ‫كنولوجي‬‫ّ‬ ‫ت‬‫وال‬ ‫واألدوات‬ ‫ات‬ ‫ّ‬ ‫ي‬‫اآلل‬ ‫و‬ ‫انع‬ ‫المص‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫أه‬ ‫في‬ ‫البحث‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫يت‬ ‫وف‬ ‫س‬ ‫ثانية‬ ‫واجهة‬ ‫وعلى‬
‫م‬
‫تستخدمها القوى الفاعلة في إنتاج وإعادة إنت اج جس د الم رأة‪ .‬وفي واجه ة ثالث ة وأخ يرة س وف نح اول رس م أطلس أله ّ‬
‫مان خاصّة وبالمجتمع األردني على وجه العموم‪.‬‬ ‫م إنتاجها والمحافظة عليها بمدينة ع ّ‬ ‫النّماذج لجسد المرأة التي ت ّ‬

‫‪ .1‬القوى الفاعلة في صناعة جسد‬


‫المرأة‬
‫‪ .1 .1‬الجسد الممتد وعالقته باألصالة‬
‫ن الحديث عن الجسد من وجهة نظر اقتصاد الملكيّة الصّغيرة يعني بالضّرورة الحديث عن األرض بل عن الط ّبيع ة بأكمله ا‪.‬‬ ‫‪11‬إ ّ‬
‫فالجسد في رؤية المزارع الصّغير (‪ )Peasant‬هو جس د ب دون ح دود وب دون ح واجز‪ .‬فال ف رق لدي ه بين جس د الف رد وجس د‬
‫دفاع عن نفس ه وعن ش رفه‬ ‫المجموعة وجسد األرض‪ .‬وتنتفي الحدود لديه بين الكائنات اإلنس انيّة واألش ياء‪ .‬فه و إن أراد ال ّ‬
‫ح ْرم ة‬
‫ن الم رأة بالنّس بة إلي ه ُ‬‫كان لزاما عليه أن يذود عن العرض أي عن جسد المرأة سواء أكانت أ ّم اً أو أخت اً أو حبيب ة‪ ،‬إذ أ ّ‬
‫الشرف والحرمة من دون ص يانة األرض وحمايته ا وع دم إهماله ا وتركه ا بي د األج انب‬ ‫ّ‬ ‫ذ ْو ُد عن‬
‫يجب أن تصان و ال يمكن أبدًا ال ّ‬
‫دخالء‪.‬‬‫وال ّ‬

‫ي‪ .‬إن ّ ه جس د مم دود إلى م ا ال نهاي ة‪ .‬إن ّ ه جس د ممتلئ‬ ‫‪12‬هكذا إذن يكون الجسد من وجهة نظر الم زارع الصّ غير أو الب دو ّ‬
‫ن والمالئكة‪ ،‬بالغول واألشباح‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫بالج‬ ‫يطان‪،‬‬ ‫والش‬
‫ّ‬ ‫ّه‬ ‫ل‬‫بال‬ ‫واألشياء‪،‬‬ ‫ومسكون بالطبيعة بأكملها‪ ،‬بالكائنات اإلنسانيّة وبالحيوانات‬

‫ي أو المزارع األردني يعمل بطريق ة واعي ة أو الواعي ة ال فحس ب لمراقب ة جس ده و ذل ك بتهذيب ه وتدريب ه وترويض ه‬ ‫‪13‬فالبدو ّ‬
‫وتحصينه إلخضاعه لقوانين القبيل ة أو العش يرة ال ّ تي ينتمي إليه ا وإنّم ا ن راه يعم ل أيض ا على محاص رة ه ذا الجس د وذل ك‬
‫ن هذا الجسد ال ّذي هو جسده ه و‬ ‫بمعاقبته وتأديبه وتعذيبه ال بل بإعدامه أو شنقه والتخل ّص منه أمام العموم كل ّما اكتشف أ ّ‬
‫د وغير مبال بقوانين القبيلة وطريقة عيشها‪.‬‬ ‫حش وغريب ومرتبك ومرت ّ‬ ‫غير مالئم لجسد الجماعة أو قل هو جسد متو ّ‬ ‫ُ‬

‫د جس ده وأن يتنكّ ر ل ه فيق وم بإقص ائه وب التخل ّص من ه وذل ك‬ ‫ي في ه ذه الح االت أن يث ور ض ّ‬ ‫ضل المواطن األردن ّ‬‫‪14‬هكذا يف ّ‬
‫ل محاول ة إلص الح العطب ال ذي حص ل في‬ ‫ّ‬ ‫ك‬ ‫ن‬‫ّ‬ ‫إ‬ ‫ف‬ ‫الحياة‬ ‫واستحالة‬ ‫االنتحار‬ ‫إلى‬ ‫د‬
‫ّ‬ ‫الح‬ ‫يصل‬ ‫عندما‬ ‫البطيء‪.‬‬ ‫الموت‬ ‫باإلنتحار أو‬
‫الشأن العام أي في النّظام اإلجتماعي بتحويل ه إلى عطب في تقني ات الجس د الف ردي و في آليّات ه الخاصّ ة تص بح محاول ة‬ ‫ّ‬
‫يائسة ال طائل من ورائها‪ .‬وبنفس الط ّريقة أيضا تصبح إعادة إنتاج الجماع ة بقت ل او اس تبعاد الف رد ال ذي يخ رج عن منظوم ة‬
‫األعراف والمحرّمات أمراً بديهيّا وطبيعيّا ومشروعا‪ .‬فالمرأة التي تتصرّف بجسدها دون إذن ومباركة الجماعة تلحق الضّرر والعار‬
‫يستحق البتر أو العقاب‪ .‬وهكذا ال يعود مس تغربا أن تُخ تزل‬
‫ّ‬ ‫بجسد الجماعة كل ّها وتصبح من هذا المنطلق الجزء الفاسد الذي‬
‫ة‬
‫ن هذه المعاني هي جزء ال يتجزأ من شرف الجماعة قبيل َ‬ ‫والشرف على اعتبار أ ّ‬‫ّ‬ ‫في جسد المرأة كل معاني ورمزيات الع ّفة‬
‫كانت أم عشيرةَ‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪5 Bourdieu, P. (2001), Masculine domination, Stanford, Stanford University Press.‬‬

‫مة حماية وصون شرف‬ ‫ن من تقع على عاتقهم مه ّ‬ ‫ذكور فقط‪ ،‬فإ ّ‬ ‫ذكور وال ّ‬
‫والسلطة بيد ال ّ‬
‫ّ‬ ‫‪15‬وفي الوقت الذي تكون فيه الهيمنة‬
‫ن م ا الحظ ه بيي ير بورديو ‪ )Pierre Bourdieu(5‬ح ول‬‫ذكور أيض ا‪ .‬إ ّ‬‫السقوط في ي د األع داء هم ال ّ‬
‫ّ‬ ‫العائلة أو العشيرة ومنعه من‬
‫الهيمنة الذكورية بمنطقة القبائل األمازيغيّة بالجزائر وما ينتج عن ذلك من غياب للم رأة وحض ور للرّج ل في الفض اء الع ام ه و‬
‫ي ب الجزائر‬
‫ي األم ازيغ ّ‬
‫ي الرّاهن‪ .‬فترى في العشائر األردنيّة مثلما ترى في المجتمع القبائل ّ‬‫ذاته الذي يقع في المجتمع األردن ّ‬
‫دي وعلى المواجهة وعلى النّظ ر إلى اآلخ ر في‬ ‫ذكورية تحرّضُّ الرّجال على أن يكونوا رجاال أي على التص ّ‬ ‫الشرف ال ّ‬
‫ّ‬ ‫ن أخالق‬
‫أ ّ‬
‫د عبارة بورديو في حين أن المرأة تعلن عن طاعتها وخنوعها بانحناء جسدها وب النظر إلى األس فل‬ ‫العين ومن األعلى على ح ّ‬
‫ذكور‪.‬‬
‫دها على جسد ال ّ‬ ‫وعدم فتح العين أو م ّ‬

‫م فيه ومن خالله كتابة القوانين وترك بصمات اإلمضاءات واإلمضاءات المضادّة بخط ّ‬
‫‪16‬ومن هنا يصبح الجسد هو الفضاء الذي تت ّ‬
‫غليظ وواضح للقوى االجتماعيّة المتصارعة‪.‬‬

‫‪ 17‬فهذا الجسد الممدود إلى ما ال نهاية هو‪ ،‬بطبيعة الحال‪ ،‬ليس بجسد فريد منفرد وحيد يمكن اجتثاث ه بس هولة من األرض‪.‬‬
‫ن جس د الف رد‬ ‫ذر في األرض ومنتم انتما ًء صريحا إلى جس د الجماع ة‪ .‬ل ذلك ف إ ّ‬ ‫ب الرّيح‪ ،‬بل هو متج ّ‬
‫إنّه ليس بريشة في مه ّ‬
‫بشكل عام وجسد المرأة على وجه الخصوص هوّ في الواقع جزء ال يتجزّأ من جس د العش يرة أو القبيل ة بأكمله ا‪ .‬وكث يرا م ا‬
‫ل في ذات ه جس د‬ ‫خ َت ِز ُ‬ ‫ُتخ تزل الم رأة في الجس د في ه ذه المجتمع ات وتك ون هي الرّم ز وهي المج از وهي ال َعلَ ُ‬
‫م ال ّ ذي يَ ْ‬
‫السنين‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫س جسد المرأة بأ ًذى تقوم الحروب وال تنتهي‪ .‬إنّها حروب تدوم مئات‬‫الجماعة كل ّها‪ .‬فإن ُم ّ‬

‫‪‬‬ ‫‪6 Elias, N. (1969), “The civilizing Process, Vol 1. The history of Manners, Oxford : Blackwell.‬‬

‫ي ه و جس د متس يّب وم تراخ و‬ ‫ي الف رد ّ‬


‫ي أو الجم اع ّ‬
‫ي الجم اع ّ‬
‫‪18‬هذا الجسد الممدود إلى ما ال نهاية وهذا الجس د الف رد ّ‬
‫متنامي األطراف وغير مبال بما حوله‪ .‬فهو يتحرّك بعفويّة ويتكل ّم بعفويّة وه و يأك ل ويش رب من دون مراقب ة للنّفس ومن دون‬
‫د بعيد جسد المزارعين في المجتمعات اإلقطاعية الغربيّة‬ ‫الس منة وال فزع من زيادة الوزن‪.،‬و هو جسد يشبه إلى ح ّ‬‫ّ‬ ‫خوف من‬
‫دث عنه بإطناب نوربارت إلياس‪. )Norbert Elias(6‬‬‫الذي تح ّ‬

‫‪ .1.2‬الجسد المبتور وعالقته بالحداثة‬


‫ل جانب‬
‫ن خصوصيّات الجسد من وجهة نظر االقتصاد والثّقافة التّقليدية أو المحليّة هي خصوصيا ّت تحاصرها الحداثة من ك ّ‬ ‫‪19‬إ ّ‬
‫لمحاولة إرباكها وتعطيل مجراها و تشويه صورتها‪.‬‬

‫ن الل ّيبرالي ّة الجديدة أو قل الحداثة كرؤية للعالم وكثقافة ترى في هذا الجسد الممدود إلى م ا ال نهاي ة‪ ،‬في ه ذا الجس د‬ ‫‪20‬إ ّ‬
‫حشا وبدائيّا ومتخل ّفا وهمجيّا وغير الئق وإنّم ا ت رى في ه أيض ا جس دا ق ديما‬‫المترامي والحرّ والال ّمبالي ال فحسب جسدا متو ّ‬
‫وباليا وسائرا إلى االنقراض‪ .‬وهي تريد أن تخلق على أنقاضه جسد الفرد وما يترتّب عن ذلك من فرداني ّ ة وأناني ّ ة واس تقالليّة‬
‫ل م ا ل ديها من وس ائل وإمكاني ّ ات على توجي ه ض ربات مؤلم ة‬ ‫وانفصال عن الجماعة‪ .‬ولتحقيق هذه الغاية‪ ،‬تعمل الحداثة بك ّ‬
‫وقاسية إلى هذا الجسد الممدود إلى ما ال نهاية‪.‬أو قل إلى هذه الجماعة في الجسد الواحد قبيلة كانت أم عشيرة‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪7 Foucault, M. (1977), Discipline and Punish, the birth of the prison, Harmondsworth: Penguin.‬‬

‫‪ 8‬بغورة‪ ،‬الزواوي‪ ،.‬ميشيل‪،‬فوكو‪ ،)2001(.‬في الفكر العربي المعاصر‪ ،‬بيروت‪ : ‬دار الطليعة للطباعة والنشر وال‪)...( ‬‬ ‫‪‬‬

‫ي ال ّذي أصبح ينظر إليه كجسد يتّسم بالتسيّب والفوضى وعدم ال ّلياقة في "الحبس‬ ‫ج بهذا الجسد الجماع ّ‬ ‫‪21‬إنّها محاولة للز ّ‬
‫الكبير" والعبارة لفوكو‪ ،7‬مثله مث ل جس د المجن ون والمع ارض والمخ الف والخ ارج عن الق انون‪ .‬إنّه ا أجس اد يجب من منظ ور‬
‫ض و ُت َع ا َد ص ياغتها من جدي د حتّى تتح وّل ش يئا فش يئا إلى أجس اد ش ّفافة ومنظ ّم ة‬ ‫ح و ُت َر َّو َ‬
‫ح َ‬
‫ص َّ‬
‫َب ل ُتربّى وت َ‬
‫الحداثة أن تُ َراق َ‬
‫مطة ومحنّ طة أي إلى أجساد مسلوبة وطائعة وخاضعة وقابعة ومدحورة‪ ،‬ال بل إلى أجساد مجتثّ ة من أص ولها ومقطوع ة‬ ‫ومن ّ‬
‫عن الع الم ومج زّأة ومنطوي ة على نفس ها‪ ،‬أي إلى أجس اد ال حاج ة له ا بش يء غ ير الحل ول التقني ّ ة الطبي ّ ة اإلس تيتيقيّة‬
‫و"الطبخات" الجاهزة للتجميل المتأتيّة من الرّؤية الوضعيّة التش ريحيّة الفيزيولوجي ّ ة للجس د‪ .‬إن ّ ه الجس د اآلل ة ال ذي تح اول‬
‫والس يطرة على قدرات ه وان تزاع قوت ه ودمج ه في أنظم ة مراقب ة فاعل ة في اإلقتص اد واالجتم اع والثّقاف ة‬ ‫ّ‬ ‫الحداث ة ترويض ه‬
‫ل ذلك تُؤ ّمنه إجراءات سلطويّة من خالل األنظمة وقواعد اإلنضباط‪" ‬إنّها سياسة تشريحية للجسم البشري"‪.8‬‬ ‫والسياسة‪ .‬ك ّ‬ ‫ّ‬

‫د من خل ق آلي ات وتقني ات وعل وم جدي دة كعلم التّغذي ة والحمي ّ ة وص ناعة الخ وف من‬ ‫‪22‬لصناعة هذا الجسد المبتور كان الب ّ‬
‫الس باحة وغيره ا وعل وم اس تيتيقيّة‬
‫ّ‬ ‫السمنة وما ي ترتّب على ذل ك من اكتش اف فن ون رياض يّة كالجمب از أو الجمناس تيك أو‬ ‫ّ‬
‫ب‬
‫ي وتحص ينه وتدجين ه كط ّ‬ ‫حات في الجراحة وتقويم الجسد وتجميله‪ ،‬وعلوم نفسيّة لترويض الجسد الوحش ّ‬ ‫كالمخابر والمص ّ‬
‫ي إلى غ ير ذل ك من‬ ‫ن والعالج النّفس ّ‬‫األعصاب و التحليل النّفسي وعلم النفس والعالج بالحرك ة والعالج بالم اء والعالج ب الف ّ‬
‫العلوم والتّقنيات التي اب ُتكرت لهذا الغرض‪.‬‬
‫مى بجس د‬ ‫دد مفهوم ا واح دا لم ا يمكن أن يس ّ‬ ‫‪23‬ومن الجدير بالقول أنّنا عند حديثنا عن الحداثة والجسد ال يمكن لنا أن نح ّ‬
‫المرأة‪ .‬فهناك الجسد المتحرّر الذي نادت به حداثة األنوار وما يتطل ّبه من اسقالليّة وسيادة وهناك الجسد الذي خلقته ثقاف ة‬
‫ي ق د خل ق نوع ا جدي دا من‬
‫ي بشكله الح ال ّ‬ ‫ن النّظام الرّأسمال ّ‬
‫البورجوازيّة ورأس المال وما يتطل ّبه من زينة وإغراء وفتنة‪ ،‬إذ أ ّ‬
‫ل‬
‫الساحر‪ .‬وتحوّلت الرّغب ة في تحري ر الجس د من ك ّ‬‫ّ‬ ‫السحر قد انقلب على‬ ‫ّ‬ ‫األجساد التي تصنع للبيع وبأسوام بخسة‪ .‬وكأن‬
‫أنواع التّابوهات التي كانت"تسيّجه"إلى مأزق بعد أن تحوّل هذا الجسد إلى بضاعة ُتشترى و ُتباع أو ق ل إلى ف تيش" ‪"Fetish‬‬
‫وإلى كيتش (‪.)Kitsch‬‬

‫‪ .2‬اآلليّات واألدوات لصناعة الجسد‬


‫‪ .1 .2‬آليات األصالة‬
‫‪ 9‬دائرة القضاء الشرعي‪ ،‬األردن‪ ،‬تقرير ‪.2011‬‬ ‫‪‬‬

‫ن ‪ % 25‬من مجمل جرائم القتل التي ُترتكب في هذا البلد في كل ّع ام هي ب دافع‬ ‫‪24‬تفيد اإلحصائيات الرّسمية في األردن أ ّ‬
‫د‬
‫ّ‬ ‫للح‬ ‫ة‬ ‫ول‬ ‫د‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫قبل‬ ‫من‬ ‫المبذولة‬ ‫الجهود‬ ‫من‬ ‫الرغم‬ ‫على‬ ‫الشرف‬ ‫عن‬ ‫فاع‬ ‫د‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫بدواعي‬ ‫‪2009‬‬ ‫ن ‪ 17‬فتاة قُتلن في العام‬‫الشرف‪ ،‬وأ ّ‬
‫ي لم ُيوقّع على القانون الذي يعتبر جريمة الشرف كأي جريمة أخرى‬ ‫ن مجلس النّواب األردن ّ‬ ‫من هذه الجرائم‪ .‬و من المالحظ أ ّ‬
‫دولي من الجهة األخرى حيث كانت تجري العادة‬ ‫دولة من جهة والمجتمع ال ّ‬ ‫إال في العام ‪ 2008‬وتحت ضغوط كبيرة مارستها ال ّ‬
‫جة إقدام الجاني على فعلته تحت تأثير الغضب‪.9‬‬ ‫دة ستّة أشهر سجنا بح ّ‬ ‫على إصدار حكم مخ ّفف لم ّ‬

‫ل فع ل من ش أنه اس تفزاز النّظ ام‬


‫ي على ك ّ‬‫الشرف تعب ّ ر بطريق ة مباش رة أو غ ير مباش رة عن ال رّدّ االجتم اع ّ‬
‫ّ‬ ‫ن جريمة‬
‫‪25‬إ ّ‬
‫ن الثّمن س وف ي دفع من جس ده ه و وعلى‬ ‫ل بالنّظام قد أضرّ بالجسد الكامل للمجتمع‪ ،‬وبالتّالي فإ ّ‬
‫واإلخالل ببنيانه‪ .‬فمن أخ ّ‬
‫مرأى ومباركة من الجميع لكي يكون عبرة لمن يعتبر‪.‬‬

‫‪26‬تعتبر مس ألة العذري ّ ة من أك ثر اآللي ات ال تي م ا زالت تنتج ويع اد إنتاجه ا ك أداة تؤكّ د اس تمراريّة الب نى التقليدي ّ ة األبوي ّ ة‬
‫للمجتمع والرؤى المعبّرة عنها‪ .‬فالعذريّة عند المزارعين والبدو هي آلة من آلي ات الهيمن ة الرّجولي ّ ة وم ا ينتج عنه ا من نزع ة‬
‫ق في بس ط نف وذه ليس‬ ‫مؤسسة الزّواج يعطي ه الح ّ‬ ‫ّ‬ ‫للسيطرة واالستيطان والملكيّة‪ .‬فملكيّة الرّجل لهذا الجسد ضمن رؤية‬ ‫ّ‬
‫الشرعي والوحيد لهذا الجسد‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫على حاضر الفتاة التي يريد الزّواج بها فحسب بل وعلى ماضيها كذلك بصفته المالك‬

‫ن الم رأة ال تي‬


‫‪27‬وهي مسألة من المسائل التي تعيدنا إلى نظريّة التبادل كما بيّن ذلك كلود ليفي ستروس والتي تفترض أ ّ‬
‫والش رف ال ذي يقض ي بالحف اظ على س المة الجس د لس المة‬ ‫ّ‬ ‫هي موضوع التبادل يجب أن ُتخضع لمنطق الع ّف ة والط ّه ارة‬
‫م تسليم هذا الجسد دون عيوب وشرفا للمتل ّقي إذا ما تل ّقى بض اعة لم‬ ‫الجماعة‪ .‬ويصبح رمزا لشرف القبيلة المانحة إذا ما ت ّ‬
‫يمسسها أحد‪ ،‬فهو من سيعود عليه شرف الفحولة وشرف االستفراد بإستهالكها ألوّل مرّة وصيانة حرمتها لصيانة شرفه‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫)‪10 Douglas, M. (2002), Purity and Danger: An Analysis of concepts of Pollution and Taboo, London, Rout (...‬‬

‫د عبارة ماري دوجالس‪ )Mary Douglas( 10‬يساعد القوى االجتماعيّة على‬ ‫‪28‬فالتّقسيم الرّمزي بين النّظيف والوسخ على ح ّ‬
‫دد لهم م ا ه و مس موح وم ا ه و ممن وع‪ ،‬م ا ه و محم ود وم ا ه و‬ ‫تصنيف سلوكيّاتهم من خالل إتّباع منظومة من القواعد تح ّ‬
‫مكروه‪ ،‬ما هو صالح وما هو فاسد‪ ،‬ما هو حالل وما هو حرام‪ ،‬ما هو خير وما هو شرّ‪...‬‬

‫ل من‬‫لتوسم األجساد وتضع وسمة عار وس قوط ووس خ على ج بين ك ّ‬ ‫ّ‬ ‫ل هذه اآلليات تحتشد في الحدود بين الجنسين‬ ‫‪29‬ك ّ‬
‫ن التّه اون بمس ألة‬
‫دثه نفسه بالخروج ولو بنسبة ضئيلة عن القوانين واألعراف العا ّم ة للجماع ة‪ .‬وهي ب ذلك تؤكّ د على أ ّ‬ ‫تح ّ‬
‫ومسا في شرف العشيرة وتطاوال على جاهها وحرمته ا‬ ‫ّ‬ ‫خطيرة كالعذريّة من جهة المرأة يعني تدنيسا كامال لجسد الجماعة‬
‫واالنحطاط بها وجرّ ها إلى بؤرة المزابل واألوساخ‪ .‬وهي مشكلة تقتضي إجراء سريعا يهدف إلى تنظيف هذا الجسد الجماعي‬
‫وتطهيره وتنقية شرفه مما أصابه من فوضى و تدنيس‪ .‬وقد يتم الل ّجوء إلى القتل ال بل إلى حروب ال تنتهي من أجل االنتق ام‬
‫واألخذ بالثأر والعمل على بتر هذا الجزء من الجسد الكبير والتخل ّص نهائيا مما قد يعتريه من خلل كما بيّنا ذلك سلفا‪.‬‬

‫ن االعتداء على هذا الجسد وفقا لهذه الفلسفة يعني اعتداء على الجسد الكامل للجماعة قبيلة كانت أم عش يرة‪ ،‬وه و‬ ‫‪30‬إ ّ‬
‫والس كوت على من داس األرض أو الع رض في رؤي ة المجتم ع‬ ‫ّ‬ ‫ود‬ ‫القع‬ ‫رف‬ ‫الش‬
‫ّ‬ ‫من‬ ‫فليس‬ ‫رب‪.‬‬ ‫الح‬ ‫ول‬ ‫طب‬ ‫دقّ‬ ‫الي‬ ‫بالت‬ ‫ني‬ ‫يع‬
‫ل ه ذه المع اني في‬‫ّ‬ ‫ك‬ ‫تزل‬ ‫خ‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫وغالبا‬ ‫والشرف‪.‬‬ ‫الحرمة‬ ‫معاني‬ ‫كل‬ ‫عليهما‬ ‫تنطبق‬ ‫متالزمان‬ ‫معنيان‬ ‫فهما‬ ‫‪،‬‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫األردن‬ ‫ّي‬ ‫ل‬ ‫المح‬
‫دم إن لزم أألمر إذ‪ " ‬ال يسلم الشرف الرفي ع من األذى‬
‫الشرف بال ّ‬
‫ّ‬ ‫دفاع عن‬‫جسد المرأة‪ .‬ومن هنا يصبح لزاما على الجماعة ال ّ‬
‫ي على‬
‫دم‪" ‬على ح ّد عب ارة المتنبّي ال تي م ا زالت فاعل ة في ال زّمن ال رّاهن في المجتم ع األردن ّ‬
‫حتى ُيراق على جوانبه ال ّ‬
‫الرّغم من أنّها قيلت منذ أكثر من ألف عام‪.‬‬

‫يفس ر اس تمرار ظ اهرة اجتماعي ة مث ل ج رائم‬ ‫ّ‬ ‫السنين‪ .‬وهذا م ا ق د‬


‫ّ‬ ‫‪31‬فتظهر حروب الثأر التي قد تدوم عشرات ال بل مئات‬
‫دة قرون‪ .‬وهو ما يمكن أن يمثّل دليال ً‬ ‫الشرف أو الثأر أو ما يعبّر عنه اإليطاليّون بالفنديتّا (‪ )vendetta‬التّي عانت منها إيطاليا لم ّ‬
‫ّ‬
‫ج ه س لوك‬ ‫قاطعا على استمرار هذه اآللي ات وقوّته ا وتأثيره ا في النّس يج الع ام لمنظوم ة الرّم وز والمع ارف والقيم ال تي تو ّ‬
‫العشائر األردنيّة‪.‬‬

‫الشرف بسلسلة واسعة من اآللي ات ال تي تتف ادى وق وع ه ذا الجس د‬ ‫ّ‬ ‫‪32‬ففي المنطق الجماعي للقبيلة أو العشيرة‪ ،‬يعرّف‬
‫جس والخ وف من اختالط النّس اء بالرّج ال المح رّك الكب ير في تط وير ع دد من‬ ‫في المحظ ور‪ .‬وتبقى س مة الح ذر والتّ و ّ‬
‫ي" و"محفوظ" و"مستور"‪.‬‬ ‫د بعيد صناعة جسد "محصّن" و"محم ّ‬ ‫الميكانزمات واألدوات التي تكفل إلى ح ّ‬

‫داخل وتُحجز في البيوت‪ .‬و ُترتّب تبعا لذلك كل آليات‬ ‫‪33‬ف ُينظ ّم الفضاء وفقاً للتّمييز والفصل بين الجنسين‪ ،‬وتُحجب المرأة في ال ّ‬
‫د الجريمة الممكنة التي قد تُرتكب‪ .‬إن ّ ه‬‫ل الوسائل ض ّ‬‫حجب جسدها بهدف إخالء الفضاء العام من الرّغبة المتوقّعة والوقوف بك ّ‬
‫الس لوك ال ذي تس مح‬ ‫ّ‬ ‫الس جن الذي أخذت تتشكّل هندسة فضائه وتصميمه ونظام حركته بطريقة تشرّع إلى نمط واحد من‬ ‫ّ‬
‫السلطة‪ .‬ولقد جاءت مثل هذه الحدود والضّوابط ال للعقاب فحس ب وإنّم ا ك ذلك للمكاف أة ف المرأة النّاجح ة إجتماعي ّ ا هي‬ ‫ّ‬ ‫به‬
‫التي تخضع أكثر من غيرها لهذا التنظيم ولهذا النظام‪.‬‬

‫ي بالمراقب ة‪ .‬وهك ذا‬


‫ي وذات ّ‬
‫مر‪ ،‬إحس اس داخل ّ‬‫السجين والمجن ون والمع ارض والمس تع َ‬ ‫ّ‬ ‫‪34‬وبذلك يتطوّر لدى المرأة‪ ،‬كما لدى‬
‫مراقَبين‪ ،‬ليس فحسب إحساس بالخوف من عين الرّقيب في ح ال الخ روج عن قواع د االنض باط‬ ‫ينمو لديها‪ ،‬كما لدى هؤالء ال ُ‬
‫وإنّما كذلك انتظار المكافئة والثّناء أيضا عند االلتزام بالتشريعات والقواع د وإدان ة ك ل من ُتس وّل له ا نفس ها كس ر الح دود أو‬
‫ذاتي في معانيه المختلفة كأكثر صور الضّبط قمع اً حيث تص بح‬ ‫داخلي وال ّ‬
‫د فوكو هذا النوع من الضّبط ال ّ‬ ‫االخالل بالنّظام‪ .‬لقد ع ّ‬
‫المرأة في مثالنا هذا مادة وأداة للقمع ذاته‪.‬‬

‫ب‪ ،‬في اشراقات‪ ،‬أكتوبر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪.17 – 9.‬‬


‫‪- 11‬لبيب‪ ،‬الط ّاهر‪،)2004( .‬العرب والح ّ‬ ‫‪‬‬

‫ل من ُي دان به ا‪ .‬فال‬
‫ب عند الم زارعين والب دو مس ألة ُمحرّم ة وممنوع ة ب ل تهم ة يع اقب ك ّ‬ ‫‪35‬ومن المنطلق ذاته‪ ،‬يعتبر الح ّ‬
‫تسا ُمح مع ما من شأنه إح داث الفوض ى أو االخالل بإع ادة إنت اج المجتم ع‪ .‬ل ذلك غالب ا م ا يح رص المحب ّ ون في مث ل ه ذه‬
‫ب من وجهة النّظ ر ه ذه من‬ ‫المجتمعات المحافظة على إحاطة عالقتهم بكل وسائل التخ ّفي والسريّة‪ .‬ولذلك أيضا يصبح الح ّ‬
‫المواضيع المسكوت عنها والتي تبدو وكأنّها من المواضيع الثّانويّة والتّافهة التي ال يمكن أن يكون لها مكان في مراكز البح وث‬
‫والجامعات عند العرب كما بيّن ذلك الط ّاهر لبيب‪.11‬‬

‫دافع األك بر في‬ ‫الس وق‪ .‬وم ا زال ه ذا الخ وف ه و ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪36‬من هنا جاء هذا الخوف وهذا الرّعب وهذا الفزع من منظوم ة اقتص اد‬
‫تجريم كل مساعي الحداثة التي تنادي بتحرير جسد المرأة والخروج به من دوائر الخضوع في المجتمعات التقليدية‪ .‬ومن هنا‬
‫ذين دافع وا عن الحرّي ّ ات الفردي ّ ة‬
‫دي في مثل هذه المجتمع ات المحافظ ة لألدب اء والفنّ انين والمث ّقفين ال ّ‬ ‫جاء كذلك هذا التص ّ‬
‫الس هل في مث ل ه ذه الفض اءات قب ول ش عر ن زار قب ّ اني على‬ ‫ّ‬ ‫من‬ ‫يكن‬ ‫فلم‬ ‫وص‪.‬‬ ‫الخص‬ ‫ه‬ ‫وج‬ ‫على‬ ‫المرأة‬ ‫عا ّمة وعلى حريّة‬
‫د قوله‪ .‬فش عر ن زار قب اني ق د ش كّل وم ا زال‬ ‫ّ‬ ‫ح‬ ‫على‬ ‫واإلرهاب‬ ‫القمع‬ ‫أشكال‬ ‫من‬ ‫المرأة‬ ‫جسد‬ ‫بتحرير‬ ‫نادى‬ ‫سبيل المثال وقد‬
‫د ومع منطق العش ائر والقبائ ل ال تي م ا زال له ا‬ ‫يشكّل نوعا من الصّدام المباشر مع سلطة الرّجل ومع النّظام العائلي الممت ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫نفوذ فاعل في المجتمع األردن ّ‬

‫الش رف وم ا يس فرعنه من ق وانين وقواع د تكتب على جس د‬ ‫ّ‬ ‫مى باقتص اد‬ ‫‪37‬تعمل كل هذه اآلليات على إعادة إنتاج ما يس ّ‬
‫ن هذه الخطابات المحل ّية المهيمنة تس تخدم وس ائل غ ير تقليدي ّ ة لص ناعة جس د الم رأة‪ ،‬إذ‬
‫المرأة‪ .‬ومن المفارقات الغريبة أ ّ‬
‫تشكّل الصّحف والمجال ّت ومواقع األنترنت والفضائيات أكثر الوسائل المستخدمة من أجل نشر هذه الخطابات وترويجها‪ .‬وهي‬
‫الوسائل األكثر تأثيرا وانتشارا في أوساط جميع الفئات االجتماعيّة على اختالفها‪ .‬فإذا كانت ه ذه هي آلي ات األص الة لرس م‬
‫مان‪ ،‬فما هي أدوات وتقنيات الحداثة؟‬ ‫جسد المرأة في مدينة ع ّ‬

‫‪ .2.2‬آليات الحداثة‬
‫‪38‬للحداثة‪ ،‬هي األخرى‪ ،‬آلياتها وتقنياتها التي تعمل على بن اء وتش كيل المف اهيم الخاصّ ة بالجس د الح ديث‪ ،‬جس د الف رد‬
‫د كما سبق أن بيّنا ذلك‪.‬‬
‫ل أنواع التابوهات الجماعيّة التي قيّدت الجسد الممت ّ‬
‫المتحرّر من ك ّ‬
‫ك من قيود القبيل ة والعش يرة‪.‬‬ ‫ل وانف َّ‬
‫‪39‬فالجسد وفقا لمفاهيم الحداثة لم يعد ملكا لقوى األصالة والتّقليد منذ أن تفرّد واستق ّ‬
‫لقد أصبح هذا الجسد خاضعا ألس س ومق اييس جدي دة‪ .‬تل ك المع ايير ال تي وص فها فوك و ( ‪ )Foucault‬بالقمعي ة الل ّطيف ة أو‬
‫الناعمة ‪ .‬إذ أنّها لم تنه عهدا من القمع لهذا الجسد إال ّ لتبدأ عهدا آخر بوسائل جديدة من اإلخضاع واإلكراه والهيمنة‪.‬‬

‫د‬
‫‪40‬وللتعرّ ف على هذه اآلليات واألدوات والخطابات التي تهدف إلى صناعة الجسد وفق مفاهيم ومقاييس الحداث ة‪ ،‬ك ان ال ب ّ‬
‫ي لعدد من مناطق انتشار مراكز ترويض الجسد وتقنينه وتهذيبه وفق منظومة الحداثة وحس ب الرؤي ة‬ ‫من إجراء مسح جغراف ّ‬
‫الحديثة للجسد المنشود‪ .‬وهي مراكز التّجميل الحديثة على اختالف أنواعها ومراكز الل ّياق ة وص الونات الحالق ة ومراك ز تعليم‬
‫الرّقص والتّدليك والعناية بالبشرة والمسابح العا ّمة‪ .‬وإن ّنا إذ عمدنا إلى إجراء هذا المسح فذلك بهدف رسم خريطة تبيّن درجة‬
‫مان‪ ،‬ال ّتي تزدهر فيها بطريقة ملفتة للنّظر معظم تقنيات اللياقة والتجمي ل‬ ‫انتشار ثقافة الجسد الحداثية في مجتمع مدينة ع ّ‬
‫على الطريقة الحديثة‪.‬‬

‫‪ 12‬شبكة النبأ المعلوماتية‪ ،‬الجمعة كانون األول‪.2009 ،‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ 13‬جريدة‪ ‬الشرق األوسط‪ ،‬األردن‪ 3 ،‬يناير ‪.2011‬‬ ‫‪‬‬

‫ن ص ناعة التّجمي ل ب دأت تتج ه بخطى‬ ‫خرا أ ّ‬


‫‪41‬ال يمثّل األردن نموذجا الستهالك هذه الثّقافة فحسب بل ب ات من الواض ح م ؤ ّ‬
‫ثابتة نحو إنتاج هذه الثقافة‪ .‬حيث توجد في األردن أكثر من ‪ 36‬شركة تص نع م واد التّجمي ل مس تعينة بم واد تس تخرجها من‬
‫دول العربيّة‬
‫در منتجاتها إلى أوروبا وأمريكا واليابان‪ .12.‬ليس هذا فحسب بل بدأ نجمها يلمع على مستوى ال ّ‬ ‫البحر الميت وتص ّ‬
‫ن جراح ة التّجمي ل ت درّ‬
‫عا ّمة والخليجي ّة على وجه الخصوص في مجال الجراحة التجميلية‪ .‬فحسب أرقام احصائيّة رسميّة ف إ ّ‬
‫السياحة العالجية وحدها التي تصل إلى ‪ 700‬مليون دوالر‪ .‬ومن المتوقّ ع‬ ‫ّ‬ ‫دخال قوميّاً على االردن بنسبة تصل إلى ‪ % 18‬من‬
‫اص على عاتق ه تط وير‬ ‫ّ‬ ‫الخ‬ ‫القطاع‬ ‫أخذ‬ ‫أن‬ ‫المقبلة‪.‬بعد‬ ‫الث‬ ‫ّ‬ ‫ث‬‫ال‬ ‫نوات‬ ‫الس‬
‫ّ‬ ‫خالل‬ ‫السياحة العالجيّة إلى مليار دوالر‬
‫ّ‬ ‫ن يزيد حجم‬
‫أ ّ‬
‫ب التّجمي ل المختلف ة إض افة إلى ‪32‬‬ ‫ّ‬ ‫ط‬ ‫االت‬ ‫مج‬ ‫في‬ ‫ا‬ ‫متخصص‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ز‬ ‫ومرك‬ ‫فى‬ ‫مستش‬ ‫‪60‬‬ ‫من‬ ‫ثر‬ ‫أك‬ ‫اء‬ ‫بإنش‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫ب‬ ‫الط‬ ‫اع‬ ‫القط‬
‫مستشفى تابعة لوزارة الصّ حة و‪ 11‬مستش فى أخ رى للق وات المس ل ّحة االردني ّ ة ومعظمه ا يحت وي على عي ادات مختص ة‬
‫لعمليات التجميل‪13.‬‬

‫م ان على اختالف مس توياتها‬ ‫ن الط ّبق ات االجتماعي ة في مدين ة ع ّ‬ ‫‪42‬أ ّما بالنّسبة لمستهلكي هذه الصّناعة‪ ،‬فيمكن الق ول إ ّ‬
‫ن القيم السائدة والمس يطرة على‬ ‫التعليميّة والعمريّة واالقتصاديّة والثّقافيّة تتّجه إلى استهالك هذه الصّناعة دون استثناء‪ .‬وإ ّ‬
‫المقاييس العا ّمة للجمال هي حداثية بامتي از‪ .‬ولكن األم ر ال ذي يجب ع دم اغفال ه يكمن في درج ة إختالف حجم اس تهالك‬
‫مان الشرقيّة والغربيّة‪ .‬وهذا م ا يمكن اس تنتاجه من خالل النّظ ر في أطلس توزي ع ه ذه الصّ ناعة‬ ‫هذه الصّناعة بين سكّان ع ّ‬
‫ل‬
‫ّ‬ ‫أق‬ ‫عبية‬ ‫الش‬
‫ّ‬ ‫ات‬ ‫ّبق‬ ‫ط‬ ‫فال‬ ‫ة‪.‬‬ ‫الغربي‬ ‫ان‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫بع‬ ‫ا‬ ‫أساس‬ ‫ناعة‬ ‫ّ‬ ‫ص‬ ‫ال‬ ‫هذه‬ ‫تتركز‬ ‫حيث‬ ‫المذكورين‪،‬‬ ‫المدينة‬ ‫قسمي‬ ‫وشكل انتشارها بين‬
‫الفئات استهالكا لهذه الصّناعة‪ .‬وهذا متوقّ ع وليس في ه غراب ة‪ .‬فه ذه الصّ ناعة تتّج ه أساس ا إلى الط ّبق ات الميس ورة وإلى‬
‫البرجوازيّة الصّغيرة واألغنياء الجدد‪ .‬وتمثّل وسائل اإلعالم كما هو متوقّع على اختالف انواعها المقروءة والمس موعة والمرئي ّ ة‬
‫داعمة والمؤيّدة لقيم الجسد الحديث‪.‬‬ ‫م األدوات واآلليات التي توظ ّفها ثقافة الحداثة في خلق وتسويغ وترويج القيم ال ّ‬ ‫أه ّ‬

‫‪‬‬ ‫)‪14 Baudrillard, J. ( 1994), « Simulara and simulation », translated by Sheila Faria Glaser, Michigan, (...‬‬

‫دعاية واإلشهار ال تتمثّل في بيع البض ائع كم ا يتص وّره‬‫مة الرّئيسة لل ّ‬


‫‪43‬في هذا المجال‪ ،‬يرى بودريار‪ )Baudrillard (14‬أن المه ّ‬
‫ميه م اركوز ( ‪ )Marcuse‬باإلنس ان ذي البع د‬ ‫ّ‬ ‫يس‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫صناعة‬ ‫في‬ ‫أي‬ ‫البعض وإن ّما في تعليق العقول و في خلق أجيال ال تفكّر‪،‬‬
‫ن الجسد النّحيل كقيمة مهيمن ة لتعري ف‬ ‫الواحد الذي يقع حمله بسهولة ويسر على االعتقاد‪ .‬فيعتقد من بين ما يعتقد في أ ّ‬
‫ي المنشود‪.‬‬ ‫ي من وجهة نظر الحداثة هو الرّمز و القانون والقاعدة لألنوثة المثاليّة وللجمال النسائ ّ‬‫الشرع ّ‬
‫ّ‬ ‫الجسد‬

‫السجال وهذا الصّراع بين األصالة والحداثة حول الكتابة على جس د الم رأة كفض اء متن ازع علي ه‪ ،‬م ا هي مواق ع‬
‫ّ‬ ‫‪44‬أمام هذا‬
‫مان؟‬‫ومواقف الط ّبقات االجتماعيّة والجنسيّة والعمريّة بمدينة ع ّ‬

‫مان‬
‫‪ .3‬أطلس الجسد بمدينة ع ّ‬
‫الشرعي‬
‫ّ‬ ‫‪ .1 .3‬الجسد‬
‫الش رقيّة‪ ،‬عم ره ثماني ّ ة‬
‫ّ‬ ‫م ان‬
‫م ان الغربي ّ ة‪ ،‬وه و من س كّان ع ّ‬
‫‪(45‬ي‪ .‬غ‪ ).‬يعمل بائعا في محل للخض ار في إح دى من اطق ع ّ‬
‫وثالثون عاما‪ .‬يحمل شهادة الثّانوية العامة‪ ،‬متزوّج ولديه ستّة أطفال‪ .‬يقول‪: ‬‬

‫د خروج المرأة واالختالط‪ ،‬فما معنى أن تختلط الم رأة في العم ل‬ ‫ي يحترم المرأة‪ .‬أنا شخصيّا ض ّ‬‫ن مجتمعنا التقليد ّ‬ ‫‪"46‬أنا أرى أ ّ‬
‫وتتعرّض للنّ ظرات غير البريئة؟ ما معنى أن تسهر في المطاعم و"الكوفي شوبات"؟ أنا أقرف من مناظر بعض النّس اء هن ا في‬
‫ن تلك النّساء لو وجدت من يردعنها من الرّجال‬ ‫يعدن للبيوت قبل منتصف الل ّيل‪ .‬أعتقد أ ّ‬ ‫ُ‬ ‫يدخن النّارجيله وال‬
‫َّ‬ ‫ن‬
‫مان الغربيّة وه ّ‬‫ع ّ‬
‫ي امرأة على فع ل مث ل‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫أت‬‫ّ‬ ‫تجر‬ ‫لو‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ن‬‫أ‬ ‫وأعتقد‬ ‫ة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ي‬‫الشرق‬ ‫ان‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫ع‬ ‫مناطق‬ ‫أحياء‬ ‫في‬ ‫لدينا‬ ‫مألوفة‬ ‫غير‬ ‫المناظر‬ ‫هذه‬ ‫هذا‪.‬‬ ‫فعلن‬ ‫لما‬
‫م ل أن ي دخل الح ارة عن دنا‬
‫السلوك ألصبحت قصّة وحكاية تلوكها األلسنة وتلعنها النّساء قب ل الرّج ال‪ .‬ح تى أنّن ا ال نتح ّ‬ ‫ّ‬ ‫هذا‬
‫شخص غريب دون أن نعرف إلى أين هو ذاهب وماذا يريد‪".‬‬

‫للشريعة اإلسالميّة بمدارس األرقم اإلسالمي ّة‪ ،‬حاصل على درجة الماجستير من الجامعة األردنيّة‪ ،‬عمره‬
‫ّ‬ ‫‪(47‬س‪ .‬س‪ ).‬معل ّم‬
‫ثالثون عاما وهو أعزب‪ .‬يقول‪: ‬‬

‫السبعين بالمئة‪ .‬ف المرأة الجميل ة غالب ا م ا تغ ترّ‬


‫ّ‬ ‫دل ال يزيد عن‬
‫‪"48‬أرغب من زوجتي المستقبليّة أن تكون جميلة‪ .‬ولكن بمع ّ‬
‫ن جماله ا يمكن أن يك ون س بباً في الفتن ة‬ ‫فتتكب ّر على زوجها أو تسيطر عليه بجمالها‪ .‬فيصبح ضبطها مس ألة ص عبة‪ .‬كم ا أ ّ‬
‫م‬‫ي أه ّ‬
‫د ين‪ .‬وثانيا المرأة الجميلة تثير الكثير من الغ يرة والحمي ّ ة في نفس ال زّوج‪ .‬والمش كلة األولى بالنّس بة إل ّ‬
‫ي عن ال ّ‬
‫والغ ّ‬
‫ن الثّانية يمكن حل ّها من خالل ارتدائها للنّقاب ( غطاء الوجه )‪ .‬أ ّما بالنّسبة إلى زينة المرأة فأنا على قناعة بأنَّ جسدها هو‬
‫أل ّ‬
‫الشارع‪ .‬وبالتّالي فالزّينة يجب أن تكون للزّوج فقط وفي البيت فقط‪".‬‬
‫ّ‬ ‫ملك لزوجها وليس للناس في‬

‫‪(49‬ش‪ .‬ل‪ ).‬معل ّمة لغة عربيّة للمرحلة الثانويّة‪ .‬عمرها اثنان وأربعون عاماً‪ .‬تحمل درجة البكالريوس في الل ّغة العربيّة‪ .‬متزوّجة‬
‫مان الغربية‪ .‬تقول‪: ‬‬
‫مان الشرقيّة وتعمل بع ّ‬ ‫م لثالثة أطفال تسكن ع ّ‬ ‫وأ ّ‬

‫‪"50‬أنا أستخدم كل أنواع الزّينة والعطور ولكنّي ال أتزيّن إال ّ لزوجي‪ .‬وأشعر بمتعة كبيرة وأن ا أفع ل ذل ك‪ .‬زوجي يمن ع المكي اج‬
‫ن النّس اء خفيف ات وطائش ات‪ .‬أتض ايق أحيان ا من‬‫ي مك ان من خل وّ وجهي من أي ّ ة زين ة‪ .‬فه و يعلم أ ّ‬ ‫ويتأكّد قب ل خ روجي أل ّ‬
‫دافع غيرته على شرفي وحرصه على اتمام دي ني ف أتراجع ويص بح عن دي يقين أن ّ ه على‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫أدرك‬ ‫خالته لكن سرعان ما‬‫تد ّ‬
‫حق‪".‬‬‫ّ‬

‫مش ين وك ذلك من‬


‫‪51‬كانت هذه الخطابات تتردّد على ألسنة نسبة واسعة من الرّج ال والنّس اء المنتمين إلى الفق راء والمه ّ‬
‫المتوسطة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الط ّبقات‬

‫‪ 15‬مركز الدراسات االستراتيجية‪ ،‬األردن‪.2010 ،‬‬ ‫‪‬‬

‫الشرقية كان لها النّصيب األكبر ممن يحملون هذه الرؤي ة‬ ‫ّ‬ ‫مان‬
‫ن مناطق ع ّ‬
‫ي لهذه الفئات فإ ّ‬ ‫‪52‬أ ّما بالنّسبة إلى التّوزيع الجغراف ّ‬
‫د بعي د حجم وق وة وانتش ار من‬ ‫ن هذه النظرة ما زالت مهيمنة وواسعة االنتشار وتعكس إلى ح ّ‬ ‫لجسد المرأة‪ .‬ويمكن القول إ ّ‬
‫يمثّلونه ا على المس توى اإلجتم اعي (العش ائر ومؤسس ات المجتم ع الم دني اإلس المية)‪ .‬وتعكس ك ذلك ق وّة ممثّليه ا‬
‫السياس ي (جبه ة العم ل اإلس المي واإلخ وان المس لمين و والنّ واب المنتخ بين على أس اس‬ ‫ّ‬ ‫وحض ورهم على المس توى‬
‫الس نوات‬
‫ّ‬ ‫في‬ ‫ّخبين‬ ‫ا‬ ‫الن‬ ‫وات‬ ‫أص‬ ‫من‬ ‫ة‬‫ّ‬ ‫ي‬‫الم‬ ‫اإلس‬ ‫ة‬ ‫الحرك‬ ‫عليها‬ ‫حصلت‬ ‫التي‬ ‫المطلقة‬ ‫ة‬‫ّ‬ ‫ي‬‫األغلب‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫إلى‬ ‫عشائري)‪ .‬تشير األرقام‬
‫م ان والزّرق اء‪ .‬وهم غالب ا م ا يكون ون من أص ول فلس طينيّة أو من األردنيّين المنتمين إلى‬ ‫ّ‬ ‫ع‬ ‫دينتي‬ ‫م‬ ‫األخيرة كانت دائم ا من‬
‫السمة التي تميّز خارطة المنتخبين في مجلس النّواب األردني منذ عشرين عاما‪ .‬يك ون الن ائب في‬ ‫ّ‬ ‫عشائر كبيرة‪ .‬وتلك هي‬
‫ن اإلس الميّين‬ ‫أغلب الحاالت إ ّما فلسطينيّا إسالميّا أو أردني ّا ابن عشيره كبيرة‪ .‬وال أحد من المالحظين يستطيع إنكار حقيقة أ ّ‬
‫ن العشيرة ما زالت المستفيد الكبير من غياب المؤسسات المدنيّة الفاعلة‪.15‬‬ ‫يمثلون القوّة الشعبيّة الضّاربة في األردن وأ ّ‬

‫دوام بن اء ش كل واح د لجس د األن ثى‪ ،‬ذاك الجس د المح اط بأحك ام وح دود الح رام‬ ‫‪53‬لقد كانت هذه الخطابات تؤي ّ د على ال ّ‬
‫والحالل والمسموح والممنوع وغيرها من الحواجز األخالقية القديمة الجدي دة‪ .‬ه ذه الخطاب ات والممارس ات تعم ل باس تمرار‬
‫على أن يبقى جسد المرأة فضا ًء حاضناً لرؤية األصالة وتطل ّعاتها التي تعرّف المرأة في الخ ط ّ الرّئيس ّ‬
‫ي الع ام بأنّه ا ش هوانيّة‬
‫والسياسة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والشجاعة والصّبر والحلم‬
‫ّ‬ ‫وفضوليّة وثرثارة وناقصة عقال ودينا مقابل الرّجل الذي يتّصف بالصّدق‬

‫ي‪ ،‬فم ا هي الفئ ات ال تي هي وراء الجس د‬


‫الش رع ّ‬
‫ّ‬ ‫إذا ك انت ه ذه إجم اال الفئ ات ال تي تس عى إلى إع ادة إنت اج الجس د‬
‫الفيتيش؟‬

‫‪ .2 .3‬الجسد الفيتيش (‪)Fetish‬‬


‫‪‬‬ ‫‪16 Weitzer, R. (2010), Sex for sale. Prostitution, Pornography and sex industry, London, Routledge.‬‬
‫الس واء ه ذه األن واع من الصّ ناعة ‪ .16‬فالجس د الف تيش ه و ه ذا الجس د الكيتش‪ ،‬الجس د‬
‫ّ‬ ‫د‬
‫‪54‬وفي البلدان النّامية على ح ّ‬
‫ن الجسد الفتيش هو جسد المرأة‪ -‬المرأة‪ ،‬المرأة‪ -‬الجنس‪ ،‬المرأة‪ -‬اإلغراء و الم رأة‪-‬‬
‫الصّنم‪ ،‬الجسد الوهم‪ ،‬الجسد البضاعة‪ .‬إ ّ‬
‫الفتنة‪.‬‬

‫ل لبيع المالبس النّس ائية‪ .‬يحم ل درج ة البك الريوس في البرمجي ات‪.‬‬ ‫‪(55‬و‪ .‬م‪ ).‬في الثامنة والثالثين من العمر يعمل في مح ّ‬
‫ي ه و داخ ل بيته ا‪ .‬وي رى‬ ‫ّ‬ ‫األساس‬ ‫دورها‬ ‫ن‬‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ويرى‬ ‫المنزل‬ ‫خارج‬ ‫المرأة‬ ‫ينتمي إلى الط ّبقة المتوسطة‪ .‬وهو أعزب‪ .‬يرفض عمل‬
‫جبات والمن ّقبات‪ ،‬يقول‪" : ‬أن ا‬ ‫ّ‬ ‫المح‬ ‫الحين‬ ‫ذات‬ ‫في‬ ‫ويكره‬ ‫ة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ي‬‫والسياس‬ ‫ة‬‫ن المرأة ال تصلح لتتقل ّد المناصب العا ّمة واإلداري ّ‬
‫كذلك أ ّ‬
‫لن أتزوّج أردنيّة‪ .‬فاألردنيّات ال يعرفن شيئا عن األنوثة والجمال واألناقة‪ .‬أمنيتي‪ ‬أن أرتبط بلبنانيّة‪ .‬أريدها جميلة وأنيقة ولس ت‬
‫م بأدقّ تفاص يل ال ّتفاص يل‬ ‫ي هي المرأة التي تهت ّ‬ ‫ما بشخصيّتها كثيرا لتكن ما تكون هي حرّة‪ .‬المرأة الحقيقيّة بالنسبة إل ّ‬ ‫مهت ّ‬
‫السمينات‪ ! ‬ل و انقطعت النّس اء عن س طح الك رة األرض يّة‬ ‫ّ‬ ‫لكي تبدو جميلة‪ .‬ال أعرف كيف يتسامح بعض األزواج مع زوجاتهم‬
‫الش حم؟‪ ‬أال تعلمين أن أوّل جريم ة في الت اريخ ارتُكبت‬ ‫ّ‬ ‫لن أرتبط بامرأة سمينة‪ .‬ماذا يبقى من الجمال واألنوثة‪ ‬إذا م ا غط ّاه ا‬
‫من أجل امرأة جميلة؟"‬

‫المتوسطة‬
‫ّ‬ ‫‪(56‬ل‪ .‬م‪ ).‬كوافيرة (صاحبة صالون) في الثّالثين من العمر‪ ،‬مطل ّقة وتحمل شهادة الثانوية العا ّمة وهي من الط ّبقة‬
‫السياس يّة‪ ،‬كم ا ت ؤمن بس لطة ال زّوج و بمن ع زوجت ه من‬ ‫ّ‬ ‫مان الغربية‪ .‬ال تؤمن بصالحيّة المرأة لتقل ّد المناص ب‬ ‫ومن سكان ع ّ‬
‫ن‬
‫ل م ا من ش أنه أن يغيّب الجم ال‪ .‬كم ا أ ّ‬ ‫ّ‬ ‫وك‬ ‫اب‬ ‫ق‬‫ّ‬ ‫ن‬‫وال‬ ‫اب‬ ‫الحج‬ ‫ره‬ ‫أك‬ ‫ة‪.‬‬ ‫الموض‬ ‫على‬ ‫ألبس‬ ‫أن‬ ‫ب‬
‫ّ‬ ‫أح‬ ‫"‬ ‫‪ ‬‬‫‪:‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫ول‬ ‫تق‬ ‫ل‪،‬‬ ‫الخروج للعم‬
‫د أن أكون جميلة وأنيقة ما دمت أعمل في مجال التّجميل‪.‬‬ ‫م بجمالي‪ .‬فمن أجل جذب الزّبون ال ب ّ‬ ‫شغلي يقتضي منّي أن أهت ّ‬
‫ن‪ ‬أو أن أقصّه على غرار الموديل الذي‪ ‬اخترته لشعري‪ .‬أقضي معظم‬ ‫كثير من الزبونات يأتين ويطلبن مني أن أغيّر لون شعوره ّ‬
‫ن هناك الكثير من الوقت الضّائع لدى ال ّنساء‪ .‬فبدال من الجلوس أمام التلفاز‪ ،‬أنصح المرأة ‪ ‬أن تنظر‬ ‫وقتي أمام المرآة‪ .‬أنا‪ ‬أؤمن أ ّ‬
‫ي‪".‬‬
‫السالح بالنّسبة للجند ّ‬ ‫ّ‬ ‫مية‬ ‫مية المرآة بالنسبة للنّساء كأه ّ‬‫ن‪ ‬أه ّ‬ ‫إلى نفسها في المرآة‪ .‬إ ّ‬

‫‪57‬تتبنّى هذه الخطابات بطريقة واضحة وجليّة القيم التي تعبّر على الجسد الفتيش‪ .‬كالهم ا مس تبطن لس يمات الجس د –‬
‫ن كليهما ي رى الم رأة في ال بيت وفي‬
‫د كبير إذ أ ّ‬
‫ي إلى ح ّ‬
‫البضاعة أو الجسد – اإلغراء وكالهما في مستوى الممارسة تقليد ّ‬
‫الخاص‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الفضاء‬

‫‪58‬و تنتمي هذه الفئات في أغلبها إلى البرجوازيّة الصّغيرة و األغنياء الجدد الذي انتقل وا من الرّي ف إلى المدين ة وتمكّن وا من‬
‫تفسر هذا االنبتات‬
‫ّ‬ ‫ل يسرا‪ .‬هذه االزدواجيّة في االنتماء اإلجتماعي قد‬ ‫الولوج والحلول واإلنتماء إلى الط ّبقات الميسورة أو األق ّ‬
‫وهذا االغتراب وهذه اإلزدواجيّة على مستوى الممارسات وهذا الميل إلى الكيتش(‪ )Kitsch‬وإلى الفتيش‪.‬‬

‫‪59‬إذا ما كان أطلس الجسد الفتيش يتطابق في الخط ّ الرّئيس ّ‬


‫ي العام مع جغرافيّة البرجوازيّة الصّغيرة واألغني اء الج دد بفض اء‬
‫مان‪ ،‬فما هي القوى الحاملة للجسد المتحرّر ؟‬
‫مدينة ع ّ‬

‫‪ .3 .3‬الجسد المتحرر‬
‫دي والمقاوم ة لك ل آلي ات اإلغ تراب س واء‬‫‪60‬نعني بالجسد المتحرّر هو هذا النّوع من الوعي الذي يعب ّ رعن المواجه ة والتص ّ‬
‫كانت تلك األدوات منتمية إلى األصالة أو إلى الحداثة‪ .‬إنّه جسد يسعى أن يتحرّر من قيود الهيمنة الرّجوليّة بس عيه إلى ن وع‬
‫والسيادة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫من االستقالليّة‬

‫‪‬‬ ‫‪17 Hyvrard, J. (1977), La Meurtitude, Paris, éd. Minuit, p. 31.‬‬

‫ن المتم ّعن في خطابات التّقليد أو خطابات الحداثة االستهالكية يخلص عبر مفارقة عجيب ة إلى نفس الرؤي ة ال تي تخ تزل‬ ‫‪61‬إ ّ‬
‫المرأة بحدود الجسد‪ -‬الجنس أو الجسد البضاعة‪ .‬فال فرق بين حداثة استهالكية تعرّي هذا الجسد وتُزيّنه وتعرضه للبيع وبين‬
‫ن جسد المرأة ال يتحرّر فقط‬ ‫تقاليد تغط ّيه وتقصيه وتغيّبه ألنّه عورة يجب أن تُستر وعرض يجب أن ُيصان وفتنة يجب أن ُتقهر‪ .‬إ ّ‬
‫ي وإنّم ا ك ذلك بالق درة على تحوي ل ه ذا‬ ‫السياسة أي في تس يير الح ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشأن العام وفي‬ ‫ّ‬ ‫بالعمل أي بالمشاركة الفاعلة في‬
‫م تحرّكات ه إن لم نق ل أغلبه ا إلى‬ ‫الجسد الذي وقع بناؤه من القوى االجتماعيّة الفاعل ة إلى ش يء يمكن أن يخض ع في أه ّ‬
‫إرادة من يحمله ويسكن فيه‪ .‬تقول جين هينفرارد‪" : )Hyvrard( 17‬هذا الجسد ال ّذي هو جسدي هو ليس بجسدي وهو في‬
‫ي أن أق وم بغ زوه من‬ ‫الواقع جسدي‪ .‬هذا الجسد الغريب‪ ،‬إنّه وطني الوحيد‪ ،‬إن ّ ه م نزلي وبي تي ومق امي‪ .‬ه ذا الجس د‪ ،‬عل ّ‬
‫ي ح ال من األح وال س يطرة كامل ة ونهائي ة على‬ ‫الس يطرة هن ا في أ ّ‬
‫ّ‬ ‫والس يطرة علي ه"‪ .‬وال تع ني‬‫ّ‬ ‫جديد إلخض اعه إلرادتي‬
‫دث ة عن ه ذه االس تقالليّة من أك بر‬ ‫الجسد وإنّما هي سيطرة نسبيّة ودائم ا قابل ة للتثبّت والمراجع ة حتّى وإن ك انت المتح ّ‬
‫الباحثات في أنثروبولوجيّة الجسد كدي بوفوار( ‪ )De Beauvoir‬أو بتالر(‪ )Butler‬أو إريجراي (‪.)Irigary‬‬

‫م ان‪،‬‬
‫‪62‬للبحث على هذا الجسد المتحرّر‪ ،‬حاولنا أن نتلمس طريقنا من أجل التعرّف على مالمح جسد مش ابه في مدين ة ع ّ‬
‫م زياد عن رأيها في هذا الجسد المتحرّر أو باألحرى الذي يس عى أن يتح رّر من‬
‫فكان دربنا شاقّا وكانت طريقنا طويلة‪ .‬سألنا أ ّ‬
‫د بعيد الصّندوق ال ّ ذي‬
‫ن الجسد عندنا يشبه إلى ح ّ‬
‫االستيطان وأن يتحكّم في نفسه بقدر اإلمكان‪ ،‬فكانت إجابتها ما يلي‪": ‬إ ّ‬
‫الخاص و بيت أسرارها و له ا أن تغلق ه م تى تش اء‬
‫ّ‬ ‫تحمله العروس من بيت أهلها إلى بيتها الجديد‪ .‬فهذا الصّندوق هو ملكها‬
‫وتفتحه متى تشاء وكما تشاء ولمن تشاء"‪.‬‬

‫د كبير ال ب ل أن ّ ه حلم لذي ذ‬


‫ي مريح إلى ح ّ‬ ‫السيدة جيهان فكان تعليقها ما يلي‪" : ‬إنّه اعتقاد جماع ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪63‬حملنا هذه اإلجابة إلى‬
‫ن أو ق ل إن‬
‫ّ‬ ‫اده‬ ‫أجس‬ ‫في‬ ‫ن‬‫ّ‬ ‫اته‬ ‫حي‬ ‫وال‬ ‫ط‬ ‫دة‬ ‫واح‬ ‫ة‬ ‫لدقيق‬ ‫ولو‬ ‫ّمن‬ ‫ك‬ ‫يتح‬ ‫لم‬ ‫ّتي‬ ‫ال‬‫ال‬ ‫األرض‬ ‫في‬ ‫المستضعفات‬ ‫لماليين من النّساء‬
‫ن هذه األجساد ال ّتي نحمله ا هي فعال أجس ادنا‬ ‫شئت أنّه وهم لكنّه وهم جميل يحملنا إلى االعتقاد بأنّنا أسياد أنفسنا وبأ ّ‬
‫وهي فعال لنا حتى وإن كانت في الواقع بساتين جراح ومواطن حروب لقوى اجتماعيّة متص ارعة‪ .‬إن ّ ه وهم لكنّ ه وهم جمي ل‬
‫ل إرهاب أسود‪ .‬ليس‬ ‫ل هيمنة ولك ّ‬ ‫ل خطاب ولك ّ‬
‫ل سلطة ولك ّ‬ ‫ن أجسادنا كانت وما تزال وكراً لك ّ‬ ‫يجعلنا ننسى ولو لوقت قصير بأ ّ‬
‫ل امرأة تريد أن تتحرّر أن تتحرّر فعال من هذا االستيطان أو هذا االستعمار‪ .‬يجب أن تكون للمرأة ال تي تري د أن تس عى إلى‬ ‫لك ّ‬
‫التحرّر من الوعي ما يسمح لها من وضع هذه القوانين وهذه القواعد االجتماعية التي كُتبت على جسدها موضع تساؤل"‪.‬‬

‫مان ليس ب األمر الهيّن‪ .‬فهي من القل ّ ة النّ ادرة ال تي اس تطاعت أن‬ ‫السيدة جيهان بمدينة كمدينة ع ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪64‬أن يعثر الباحث على‬
‫ل ذل ك ج اء من كونه ا‬ ‫تكتسب مثل هذا الوعي ومثل هذه القدرة على اتّخ اذ المس افة وعلى تعري ة الحق ائق وفض حها‪ .‬ولع ّ‬
‫ب كبيرة انتهت بخيبة أمل كانت وراء سقوطها في اكتئاب حادّ لم تكن قادرة على الخالص منه لوال انغماسها‬ ‫عاشت تجربة ح ّ‬
‫ن وض عيّتها‬ ‫ددة ال محالة في اكتساب هذا الوعي‪ ،‬ف إ ّ‬ ‫ّ‬ ‫مح‬ ‫الفاشلة‬ ‫جربة‬ ‫ّ‬ ‫ت‬‫ال‬ ‫هذه‬ ‫كانت‬ ‫لئن‬ ‫و‬ ‫عر‪.‬‬ ‫الش‬
‫ّ‬ ‫و‬ ‫األدب‬ ‫في الكتابة وقراءة‬
‫كشاعرة مكّنتها هي األخرى وبنسبة غير قليلة من الوقوف في الحدود بين الثّقافات و من القدرة على أن ترى ما ال يستطيع‬
‫ن مثل هذا الوعي لدى البعض من النّساء الميسورات ال يوجد لدى قل ّ ة من‬ ‫أن يراه المنتمون إلى ثقافة واحدة‪ .‬هذا ال يعني أ ّ‬
‫دة‬‫م زي دان ال تي عاش ت القه ر والظلم واإلهان ة لم ّ‬ ‫ن ام رأة مث ل أ ّ‬‫مش ة‪ .‬إ ّ‬ ‫النّساء المنتمي ات إلى الط ّبق ات المحروم ة والمه ّ‬
‫ي مثله ا مث ل الل ّغ ة وإنّه ا لئن‬
‫م ان رهان ا للصّ راع االجتم اع ّ‬‫ن الم رأة م ا ت زال بمدين ة ع ّ‬ ‫سنوات طويلة تعرف أكثر من غيرها أ ّ‬
‫ن هذا الصّندوق هو ملك ال فحسب للعروسة وإنّما في اآلن ذاته‬ ‫شبّهت جسد المرأة بصندوق العروسة تعي أكثر من غيرها أ ّ‬
‫ددان في آخر المطاف عبر عملية التبادل القائمة بين الرّجال وبين العشائر‪.‬‬ ‫ن قيمة العروسة وقيمة صندوقها يتح ّ‬ ‫للعشيرة وأ ّ‬

‫الخاتمة‬
‫م ان‪ .‬وكنّ ا ن رمي من‬ ‫طلَ ً‬
‫سا لجس د الم رأة بمدين ة ع ّ‬ ‫ي أن نرسم أ ْ‬
‫‪65‬لقد حاولنا في هذه الورقة من خالل هذا البحث الميدان ّ‬
‫ل أهميّة عن أنثروبولوجيا العم ل أو عن سوس يولوجيا التّنمي ة‪ .‬فال يمكن‬ ‫ن أنثروبولوجية الجسد ال تق ّ‬ ‫وراء هذا العمل أن نبيّن أ ّ‬
‫ي حال من األحوال‪ ،‬في اعتقادنا‪ ،‬أن نساهم في بناء الحداثة وأن نشارك في صناعة العلم والمعرفة وأن يكون لن ا ت أثير‬ ‫في أ ّ‬
‫في العالم اليوم من دون أن نبدأ ببناء الفرد‪.‬‬

‫‪66‬رغم التح وّالت الهائل ة واله زّات االجتماع ة العميق ة ال تي لم يكن يتوقّعه ا أح د وال تي لم يس بق له ا مثي ل في ت اريخ‬
‫مشة التي انتفضت ما ت زال ت رى في الم رأة ع ورة يجب أن‬ ‫ن أغلب الفئات االجتماعيّة المحرومة والمه ّ‬ ‫المجتمعات العربيّة‪ ،‬فإ ّ‬
‫صان‪ .‬وعلى الرّغم من مرور أكثر من قرنين على قيام النّهضة الغربيّة وعلى غزو مصر من قب ل جي وش‬ ‫ُتس َتر وحرمة يجب أن ُت َ‬
‫ي في األردن وفي مجتمع ات عربي ّ ة أخ رى ت رى‬ ‫نابليون بونابارت‪ ،‬ما تزال قوى اجتماعيّة فاعلة ومؤث ّرة في الصّ راع االجتم اع ّ‬
‫السياس ة والش أن الع ام‪ ،‬ال ب ل هن اك اعتق اد ث ابت عن د فئ ة واس عة من الب احثين‬ ‫ّ‬ ‫عدم وجود ض رورة مش اركة الم رأة في‬
‫ن علوم الجندر ليست سوى مناورة من القوى الغربيّة المتربّصة جاءت كإشكاليات مفروضة علين ا فرض اً‬ ‫والمث ّقفين العرب من أ ّ‬
‫لتضرب هويّتنا‪ .‬وال ترى هذه القوى االجتماعية وهؤالء المث ّقفون في التحوّالت الهائل ة ال تي تم رّ به ا العائل ة في المجتمع ات‬
‫د ه ذه‬‫داخل‪ .‬ولم ت درك مث ل ه ذه الق وى إلى ح ّ‬ ‫الغربيّة الرّاهنة سوى مؤشرا على سقوط الغ رب وتهافت ه وانخرام ه من ال ّ‬
‫ن قوّة الغرب جاءت كنتيجة لهذه التحوّالت الهائلة في العالقات االجتماعيّة داخل العائلة وخارجها وكثمرة لبن اء الف رد‬ ‫الساعة أ ّ‬
‫ّ‬
‫بطريقة تجعله قادرا على االستقالليّة واتّخاذ المسافة و اإلبداع و الحلم‪.‬‬

‫ي ومن بينه ا‬
‫‪67‬كم نحن في حاجة إلى مراكز بحوث وإلى مراص د تبحث في القض ايا الها ّم ة والخط يرة في الصّ راع االجتم اع ّ‬
‫ن المرأة‪ ،‬مثلها مثل الرّجل‪ ،‬ليس ت معطى بيولوجي ّ اً بق در م ا هي بن اء اجتماعي ّ ا وقعت فبركت ه من‬ ‫الجندر حتّى نفهم كيف أ ّ‬
‫والس لطة والفض اء‪ ،‬ومن خالل آلي ات‬‫ّ‬ ‫ي للعمل والثّروة والمعرفة‬
‫القوى الفاعلة في الصّراع االجتماعي عبر التّقسيم االجتماع ّ‬
‫ي كم ا بيّنت ذل ك‬
‫اجتماعي ّة لصناعة الجسد‪ .‬إذا ما كانت المرأة ال تولد امرأة وإنّما تصبح كذلك ع بر ص يرورة الصّ راع االجتم اع ّ‬
‫م‬
‫م اآللي ات واألدوات ال تي يت ّ‬
‫ل البحوث األنثروبولوجيّة الرّاهنة‪ ،‬فإنّه يصبح بوسعنا‪ ،‬بعد فهمن ا أله ّ‬‫أعمال سيمون دي بوفوار وك ّ‬
‫دد بدقّة العقبات والحواجز التي تق ف عقب ة كئ داء أم ام مش روع خل ق ام رأة‬ ‫بها ومن خاللها بناء جسد المرأة وهويّتها‪ ،‬أن نح ّ‬
‫السياس ة على أنق اض الم رأة القابع ة والخاض عة والغائب ة عن الفض اء‬ ‫ّ‬ ‫الشأن الع ام وفي‬‫ّ‬ ‫ممتلئة ومبدعة وفاعلة ومؤث ّرة في‬
‫ي‪.‬‬
‫العام وعن تسيير الح ّ‬

You might also like