You are on page 1of 12

‫جامعة محمد األول‪،‬‬ ‫شعبة علم االجتماع‬

‫كلية اآلداب والعلوم‬


‫ماستر الهجرة‪ ,‬المجال‬
‫اإلنسانية وجدة‬
‫والمجتمع‬

‫عرض حول‪ :‬املقاربة الوضعية لظاهرة‬


‫الهجرة‬

‫من إعداد الطالبة‪:‬‬ ‫تحت إشراف‪ :‬الدكتور‬


‫شيماء مرغان‬ ‫عبد الحق الباكوري‬

‫الموسم الجامعي‪2023/2024 :‬‬


1
‫تقديم عام‪:‬‬

‫تعتبر ظاهرة الهجرة في العصر الحديث تحدًيا معق ًد ا يستفز اهتمام الباحثين والمختصين‬
‫في مجموع ة متنوع ة من التخصص ات‪ ،‬ب دءا من علم االجتم اع والجغرافي ا واألنثروبولوجي ا‬
‫وص واًل إلى االقتص اد والسياس ة والت اريخ وعلم النفس واإلحص اء‪ ،‬وتس عى سوس يولوجيا الهجرة‬
‫إلى تطوير نظريات منظمة محكمة لتتمكن من تحليل عوامل الهجرة واستقراء مستقبلها‪ ،‬وتنبني‬
‫هذه النظريات على مفاهيم مثل االندماج والتكيف واالستيعاب والمواطنة‪.‬‬

‫على ال رغم من أن الظ اهرة نفس ها قديم ة‪ ،‬إال أن نظري ات الهج رة تط ورت بش كل كب ير‬
‫خالل العقود األخيرة‪ ،‬وتركز اآلن على التأثيرات السياسية واالجتماعية للحركات الهجرية على‬
‫الصعيدين الوطني والدولي‪.‬‬

‫لق د ج ادل علم اء الهج رة في كث ير من األحي ان ب أن نظري ة الهج رة الش املة أو العالمي ة لن‬
‫تنش أ أب ًد ا ألن الهج رة ظ اهرة معق دة للغاي ة ومتنوع ة ( ‪Castles and Miller 2009; Salt‬‬
‫‪ .)1987‬أو كما قال أرانغو ‪" :‬إن الهجرة شديدة التنوع ومتعددة األوج ه بحيث ال يمكن تفس يرها‬
‫بنظري ة واح دة"‪ .‬وم ع ذل ك‪ ،‬ف إن المالحظ ة ال تي ربم ا ق د تك ون معقول ة هي أن ه اليمكن أن تنش أ‬
‫نظري ة واح دة للهج رة العالمي ة تفس ر ك ل ش يء (ويب دو أن ه ذا ينطب ق على النظري ة االجتماعي ة‬
‫بشكل عام) وفي نهاية المطاف‪ ،‬معظم الظواهر االجتماعية معقدة بطبيعتها‪ ،‬ولم يقف التعقيد في‬
‫طريق التقدم النظري في مجاالت أخرى من البحث االجتماعي‪.1‬‬

‫من المؤك د أن ه من غ ير ال واقعي أن ننتظ ر ظه ور نظري ة "المق اس الوح د" يناس ب لتش رح‬
‫حيثيات ظاهرة الهجرة في جميع األماكن واألزمنة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يمكن قول الشيء نفسه بالنسبة‬
‫لجميع العمليات االجتماعية تقريًب ا‪ .‬إن توقع ذلك يعني بالفعل تطبيق توقعات القرن التاسع عشر‬
‫(كومتي ان ودوركه ايم) ال تي بموجبه ا ك ان من المتوق ع أن تح اكي العل وم االجتماعي ة العل وم‬
‫الطبيعي ة‪ .‬والواق ع أن النمذج ة النظري ة الرياض ية الرس مية في اقتص اد (الهج رة) ال ت زال تعتم د‬
‫‪1‬‬
‫‪Anna Amelina,Sociology of migration,Korgen, Kathleen Odell (Ed.). 2017.‬‬

‫‪2‬‬
‫على افتراض ات الت وازن ال وظيفي المس تمدة من العل وم الطبيعي ة وم ا يرتب ط به ا من اف تراض‬
‫أساسي مفاده أن سلوك الناس في الهجرة (وغير ذلك) يعتمد على تعظيم الدخل‪ .‬وربما في رد‬
‫فع ل على انتق اد الترك يز الم الي الض يق لمث ل ه ذه النظري ة‪ ،‬كث يرا م ا ق ام االقتص اديون بت أطير‬
‫الس لوك البش ري على أس اس تعظيم المنفع ة (ب دال من ال دخل)‪ .‬في حين أن ه ذا يوس ع النظري ة‬
‫لتش مل مجموع ة ال حص ر له ا من ال دوافع‪ ،‬ف إن محاول ة "االلتق اط الكلي" ه ذه تجع ل النظري ة‬
‫غامضة ومفتوحة للتنظير المخصص‪ ،‬حيث يمكن تعريف أي دافع يقدره الناس الحًق ا على أنه‬
‫"منفعة"‪.2‬‬

‫لم يكن علم الجتماع‪ ،‬منذ تأسيسه في األصل‪ ،‬مسؤواًل فقط عن رصد الظواهر االجتماعية‬
‫بشكل موضوعي‪ ،‬بل قام مند بداياته بالبحث عميًق ا في القوانين التي تحكم هذه الظواهر ووضع‬
‫نموذجًا للفهم االجتماعي‪ ،‬كما أنه لم يتقيد قط بنظرية واحدة فقط‪ ،‬بل هو ميدان متنوع يتضمن‬
‫مجموعة واسعة من النظريات والتوجهات‪ ،‬وفي بعض األحيان تتعارض مع بعضها البعض‪.‬‬

‫هذه التوجهات نشأت أساًس ا نتيجة انقسام رئيسي في تاريخ السوسيولوجيا‪ ،‬ولذلك‪ ،‬فإنه من‬
‫الض روري أن نفهم كي ف أث ر ه ذا االنقس ام على تط ور التوجه ات المختلف ة في ه‪ ،‬ه ذه التوجه ات‬
‫تتن وع بين النظري ة االجتماعي ة التفس يرية والنظري ة االجتماعي ة التفهمي ة‪ ،‬خ اص على التوج ه‬
‫االجتماعي الوضعي لكننا سنتطرق في بحثنا اليوم لالتجاه الوضعي من خالل المحاور اآلتية‪:‬‬

‫اإلطار المفاهيمي‪:‬‬ ‫‪.I‬‬

‫المقاربة الوضعية للهجرة‪:‬‬ ‫‪.II‬‬

‫االتجاه المادي التاريخي‪:‬‬ ‫‪.III‬‬

‫‪2‬‬
‫‪Castles, Stephen and Mark J. Miller. The Age of Migration: International Population Movements in the Modern‬‬
‫‪World. Palgrave Macmillan, 2013. London. Pp,41-44‬‬

‫‪3‬‬
‫اإلطار المفاهيمي‪:‬‬ ‫‪.I‬‬

‫مفهوم الهجرة (لغة‪ ،‬اصطالحا‪ ،‬سوسيولوجيا)‪:‬‬ ‫‪.1‬‬

‫الهجرة لغة اسم مشتق من فعل هاجر وتدل معنويا على المهاجرة من ارض الى ارض اي‬
‫ترك األولى للثانية وهي ضد الوصل‪.3‬‬
‫والهج رة اس م من فع ل هج ر هج را وهجران ا نق ول ه اجر المك ان اي ترك ه والهج رة هي‬
‫الخ روج من ارض الى اخ رى ومفارق ه البل د الى غ يره‪ ،‬وهي مرادف ة لل نزوح‪ ,‬وهي ض د‬
‫الوفود‪ ,‬وفي المعجم الوسيط فالمهاجرة بمعنى الهجرة‪ ,‬والمشتقة من فعل هاجر تدل على‬
‫مغادرة الوطن او مكان اخر والخروج منه الى غيره‪.4‬‬
‫ومن الناحي ة االص طالحية تعت بر الهج رة من المف اهيم ال تي يص عب تحدي دها بدق ة‬
‫نظ ًر ا للتن وع الواس ع في مج االت البحث والمعرف ة المعني ة بدراس تها‪ .‬على العم وم‪،‬‬
‫ُينظر إلى الهجرة على أنها انتقال البشر من مكان إلى آخر‪ ،‬سواء بشكل فردي أو‬
‫جم اعي‪ ،‬وذل ك بس بب أس باب متنوع ة تش مل الج وانب السياس ية‪ ،‬االقتص ادية‪،‬‬
‫االجتماعية‪ ،‬أو األمنية‪.‬‬
‫ويمكن أيضا تعبير عن الهجرة على أنها اغتراب أو خروج من إقليم معين إلى إقليم آخر‬
‫بحًث ا عن ظ روف أفض ل للعيش‪ُ .‬تقس م الهج رة ع ادة إلى هج رة داخلي ة وهج رة خارجي ة‪.‬‬
‫الهج رة الداخلي ة تح دث ض من ح دود نفس الدول ة وتتض من أش كاال متنوع ة‪ ،‬بم ا في ذل ك‬
‫الهج رة من الري ف إلى المدين ة‪ ،‬حيث يس عى األف راد إلى تحس ين ظ روف حي اتهم اليومي ة‬
‫وتلبية احتياجاتهم األساسية‪ .‬أما الهجرة الخارجية أو الدولية‪ ،‬فتتم عبر الحدود الجغرافية‬
‫للدول وتشمل التنقل بين دول مختلفة بسبب مجموعة متنوعة من األسباب والمحفزات‪.‬‬

‫‪ 3‬أبي نصر إسماعيل بن حمادة الجوهري‪ ,‬الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ‪,‬مراجعة محمد محمد وآخرون ‪ ,2009‬دار الحديث‬
‫‪.‬القاهرة صفحة‪1189 ,‬‬
‫‪ 4‬نفس المصدر‪ ،‬ص ‪13-11‬‬

‫‪4‬‬
‫أما سوسيولوجيا فالهجرة هي عملية ديناميكية فالتطور الصناعي والتكنولوجي التي كانت‬
‫بريطانيا منطلقة في القرن الثامن عشر ميالدي ليشمل باقي اوروبا والعالم الرأسمالي في‬
‫م ا بع د يع د اس اس النم و الملح وظ والمط رد ال ذي عرفت ه ه ذه الظ اهرة وه و م ا ادى الى‬
‫تشكل المدن الصناعية من خالل تيارات هجرية نحوها وهكذا نجد السوسيولوجي الفرنسي‬
‫إمي ل دورك ايم ‪ EmilDurkeim‬يعت بر الهج رة ميك انزيم من ميك انزيم التحض ر اي عملي ة‬
‫االنخراط التدريجي في الثقافة الحضرية‪.‬‬

‫المقاربة الوضعية للهجرة‪:‬‬ ‫‪.II‬‬

‫تعريف المقاربة الوضعية‪:‬‬ ‫‪.1‬‬


‫تعد النظرية الوضعية من أهم النظريات السوسيولوجية الكبرى في تاريخ الفكر الغربي ‪،‬‬
‫فقد أحدثت قطيعة ابستيمولوجية مع التصورات األسطورية والميتافيزيقية ‪ ،‬بتبني التج ريب‬
‫العلمي منهج ا في تحص يل الحق ائق ‪" ،‬لدراس ة المجتم ع يس تخدم على وج ه التحدي د األدل ة‬
‫العلمية ‪،‬‬
‫مث ل التج ارب واإلحص اءات والنت ائج النوعي ة‪ ،‬لكش ف حقيق ة ح ول طريق ة عم ل المجتم ع‬
‫ووظائف ه‪ .‬وه و مب ني على اف تراض أن ه من الممكن ممارس ة الحي اة االجتماعي ة وانش اء‬
‫معرفة صحيحة وموثوق بها حول كيفية عمله‪5‬ا"‪.‬‬
‫األف راد في التص ور الوض عي يس تجيبون لمتطلب ات مجتمع اتهم ويج دون مك انهم في إط ار النظ ام‬
‫االجتم اعي‪ ،‬وهم خاض عون إلى ح د كب ير للض غوط ال تي تفرض ها مجتمع اتهم وهم يتجه ون إلى‬
‫االرتباط بذلك الوضع الذي يحدده المجتمع لهم‪ ،‬ومن أهم المؤسسين األوائل التجاه الوضعي نجد‪:‬‬
‫أوغست كونت و سان سيمون وايميل دوركايم ‪.‬‬

‫ظاهرة الهجرة عند إيميل دوركايم‪:‬‬ ‫‪.2‬‬

‫‪ 5‬تطور‪-‬الوضعية‪-‬في‪-‬دراسة‪-‬علم‪-‬االجتماع‪ /https://eferrit.com/‬تم اإلطالع عليه في ‪.2023/11/05‬‬

‫‪5‬‬
‫يعت بر ايمي ل دورك ايم من المؤسس ين األوائ ل لعلم االجتم اع في الغ رب وهو ال ذي دع ا من‬
‫خالل مؤلف ه قواع د المنهج في علم االجتم اع الى اس تقاللية ه ذا العلم عن ب اقي العل وم‬
‫األخ رى ‪ ،‬بالنس بة ل دوركايم ليس ت الس ينوغرافيا او االقتص اد او الجغرافي ا او الت اريخ او‬
‫ال ديموغرافيا س وى ج وانب خاص ة للعلم االجتماعي ة يجب توحي دها ‪ ،‬انه ا سوس يولوجيا‬
‫شاملة رسم مخططاتها في ثالث مراحل ‪ :‬مورفولوجيا اجتماعية ‪ ،‬فيزيولوجيا اجتماعية ‪،‬‬
‫و اخيرا سوسيولوجيا عامة‪.6‬‬
‫كتاب" تقسيم العمل االجتماعي والتطرق لظاهرة الهجرة‪:‬‬

‫في كتاب ه "تقس يم العم ل االجتم اعي تط رق دورك ايم لمس ألة كيفي ة احتالل اإلنس ان للمج ال‬
‫وتغييره وسيرورة خلقه للمدينة‪ ،‬وذلك من خالل سعيه لتفسير عملية االنتقال من مجتمعات‬
‫التض امن اآللي إلى مجتمع ات التض امن العض وي‪ ،‬ه ذا االنتق ال ال ذي يه يئ ل ه وي تيح‬
‫االرتف اع | الت دريجي لمس توى الكثاف ة المادي ة (الديموغرافي ة) في المجتم ع‪ ،‬وال تي ته يئ‬
‫وتتيح بدورها ارتفاع الكثافة الروحية فيه‪ ،‬أي ظهور وتقدم الحضارة‪.7‬‬
‫لق د ج اء ح ديث دورك ايم عن الهج رة‪ ،‬في إط ار حديث ه عن االنتق ال من المجتمع ات ال دنيا‬
‫(التقليدي ة) إلى المجتمع ات العلي ا (الحديث ة)‪ ،‬ف المجتمع األول يتم يز بس يادة التض امن اآللي‬
‫ال تي يغيب فيه ا تقس يم العم ل‪ ،‬حيث وج ود تش ابه في أنم اط العم ل والس لوك والتفك ير‪،‬‬
‫ويخضع الفرض فيها إلى المعايير االجتماعية السائدة التي تمارس عليهم نوعا من القهر‬
‫واإلك راه وبالت الي ال يتمت ع الف رد فيه ا بأي ة شخص ية مس تقلة‪ ،‬أم ا المجتم ع الث اني يتم يز‬
‫بالتقس يم االجتم اعي للعم ل‪ ،‬ف رغم أن األف راد أص بحوا مختلفين عن بعض هم البعض إال أن‬
‫ك ل واح د في حاج ة إلى اآلخ ر‪ ،‬وعن ه ذا التقس يم ينش أ بين األف راد م ا يس ميه دورك ايم‬
‫بالتض امن العض وي يق ول في ه ذا الص دد‪ ":‬إن االنس جام االجتم اعي ينش أ بالض رورة عن‬

‫‪ 6‬ايميل دوركايم مؤسس السوسيولوجيا الحديثة ‪ ،‬لوران موشييلي ‪ ،‬كتاب "علم االجتماع " تحرير فيليب كابان و جان فرانسوا دورتيه ‪،‬‬
‫ص‪5‬‬
‫‪ 7‬إيميل دوركايم‪ ،‬في تقسيم العمل االجتماعي‪ ،‬ترجمة حافض الجمالي‪ ،‬اللجنة اللبنانية للترجمة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،2‬ص‪.295‬‬

‫‪6‬‬
‫تقس يم العم ل‪ ،‬وم ا يم يز ه ذا االنس جام ه و ان ه يق وم على ت آزر يتم من تلق اء نفس ه‪ ،‬بحكم‬
‫سعي كل إنسان وراء مصالحه الخاص‪ ،‬ويكفي أن ينصرف كل فرد نحو الوظيفة خاصة‬
‫‪8‬‬
‫ليجد نفسه بطبيعة الحال متعاونا مع اآلخرين "‬

‫موريس هالفاكس والمرفولوجية االجتماعية‪:‬‬ ‫‪.3‬‬


‫م وريس هالف اكس( ‪)1945-1877‬ه و ع الم اجتم اع فرنس ي‪ ،‬تتلم ذ على ي د الفيلس وف‪.‬‬
‫الفرنس ي ه نري بيرغس ون وك ان ش ديد الت أثر في أعمال ه بإيمي ل دورك ايم‪ ،‬وه و واح د من‬
‫مح رري مجل ة الس نة السوس يولوجية‪ ،‬ك ام مهتم ا بقض ايا الس كان وال ديمغرافيا واالقتص اد‬
‫والمجتم ع‪ ،‬من أش هر أعمال ه "ال ذاكرة الجمعي ة" و"المورفولوجي ا االجتماعي ة "‪ ،‬وه و يعت بر‬
‫أن المجتمع متماثال للكائن الحي (الجسم العضوي)‪ ،‬ينمو ويتطور شكال وحجما وكثافة كم ا‬
‫ه و األم ر بالنس بة للجس م العض وي‪ ،‬وق د اق ترض المورفولوجي ا من العل وم الطبيعي ة وق ام‬
‫بتطبيقها على المجتمع اإلنساني لفهمه ودراسته‪ ،‬والهدف هو تفسير وفهم األشكال المادية‬
‫للمجتمع اإلنساني‪ ،‬من أجل الكشف عن جزء من النفسية الجماعية‪ ،‬ألن المجتمع في نظره‬
‫ينحص ر في الع الم الم ادي‪ ،‬ويوج د فك ر الجماع ة في الص ور ال تي تأتي ه من الظ روف‬
‫المكانية‪.9‬‬
‫حيث صنف هالفاكس المورفولوجية اإلجتماعية إلى ثالثة أقسام‪:‬‬
‫علم الشكل الديني‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫علم الشكل السياسي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫علم الشكل االقتصادي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وي رى هالف اكس أن المجتم ع البش ري من ذ بدايات ه ع رف حرك ات من ال نزوح والتنق ل بين‬
‫البل دان‪ ،‬غ ير أن االهتم ام له ذه التنقالت ج اء مت أخرا حيث يق ول‪" :‬ال يمكن اعتب ار تنقالت‬
‫‪10‬‬
‫الجماعات البشرية ظاهرة معاصرة فقد حصلت خالل المراحل التاريخية كلها "‪.‬‬

‫‪ 8‬إيميل دوركايم‪ ،‬في تقسيم العمل االجتماعي‪ ،‬مرجع سابق‪.229،‬‬


‫‪ 9‬موريس هالفلكس المورفولوجية االجتماعية‪ ،‬ترجمة حسن حیدر‪ ،‬منشورات عويدات ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬ط‪1986 ،1‬ء ص ‪.27-23‬‬
‫‪10‬‬
‫نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.100‬‬

‫‪7‬‬
‫كم ا ي رى أن حرك ات ال نزوح ق ديما ارتبطت أساس ا ب الحروب و الحمالت العس كرية‪ ،‬لكن‬
‫فيما بعد تحولت إلى حركات نزوح وتحركات جماعية غيرت من طبيعة السكان‪ ،‬فأحدثت‬
‫تحوالت هامة في بنية المجتمعات‪ ،‬وأن هذه التحركات تأخذ اتجاهين إما تتجه نحو هدف‬
‫مح دد مس بقا أو ب دون ه دف مح دد‪ ،‬ويعت بر أن ه ذه الفئ ة أك ثر ش يوعا حيث يق ول‪" :‬ألن‬
‫الجم اهير البش رية ال تس تطيع أن تتص ور مس بقا النقط ة البعي دة ال تي يجب الوص ول إليه ا‬
‫‪11‬‬
‫عندما يكونون قادرين على تصور ورؤية أفق جغرافي بعيد المدى"‪.‬‬
‫إن حركات الهجرة تفترض نقط ة االنطالق ونقطة الوصول وطريق تق ود من األولى إلى‬
‫الثانية‪ ،‬ال يمكن أن نتحدث عن الهجرة وحركات النزوح حسب هالفاكس‪ ،‬إال عندما ينتقل‬
‫الن اس في تي ار مك اني وك ذاك في تي ار اجتم اعي‪ ،‬مع نى ه ذا ان الهج رة ترتب ط ببع دين‬
‫أساسيين‪ :‬األول جغرافي أي انتقال من مكان آلخر‪ ،‬أما البعد الثاني اجتماعي‪ ،‬وما يربط‬
‫جماع ة المه اجرين ه و ش عورهم باالنتم اء إلى مجموع ة واح دة يتقاس مون نفس األفك ار‬
‫والمش اعر‪ ،‬ف رغم أنهم ينفص لون عن جم اعتهم الوطني ة أثن اء رحيلهم إال أنهم يظل ون‬
‫مجتمعي ا داخ ل الجماع ة أو التي ار األوس ع‪ ،‬وبين األش خاص ال ذين يتكلم ون نفس اللغ ة‬
‫‪12‬‬
‫ويشتركون في نفس العادات‪.‬‬
‫وق د ع زز هالف اكس طرح ه بقول ه أن المه اجرين خاض عين لق وى دف ع وج ذب ذات طبيع ة‬
‫اجتماعية‪ ،‬فقد يظهر أن الهجرات تنبع من إرادة األفراد الحرة في الذهاب حيث يريدون‪،‬‬
‫غ ير أنهم في األس اس مش دودون لق وى جماعي ة هي ال تي تح ركهم حيث يؤك د ه ذا الط رج‬
‫بقوله ‪" :‬وهكذا فإن ما كان يبحث عنه المهاجرون لم يكن عمال معينا فقط‪ ،‬ووسيلة لكسب‬
‫الرزق‪ ،‬بل بنية سكنية جديدة‪ ،‬لهذا فإنهم يستسلمون لهذه التنقالت السكانية التي تتح رك من‬
‫‪13‬‬
‫بلد آلخر‪ ،‬ومن قارة ألخرى‪ ،‬وحيث يشعرون أنهم في صميم حضارة عالم جديد"‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫نفس المرجع‪ ،‬ص‪101‬‬
‫‪12‬‬
‫نفس المرجع بتصرف‬
‫‪13‬‬
‫نفس المرجع‪ ،‬ص ‪108‬‬

‫‪8‬‬
‫االتجاه المادي التاريخي‪:‬‬ ‫‪.IV‬‬

‫الموقف المادي التاريخي يتجلى في تفسير عملية الهجرة من خالل التركيز على توزيع‬
‫الثروة واإلنتاج الغير متكافئ‪ُ .‬يعتبر بعض المناطق أكثر غنى من مناطق أخرى‪ ،‬مما‬
‫يدفع اليد العاملة نحو سعيها للحصول على أجور أفضل‪.‬‬

‫بالنسبة لماركس‪ ،‬كان لديه اهتمام بارز بالفهم االجتماعي للمجتمع‪ ،‬حيث استفسر كيف‬
‫يمكن أن تكون هناك ظروف تجبر األفراد على ترك مجتمعاتهم واالنتقال إلى مجتمعات‬
‫أخرى‪ .‬على الرغم من أن اإلنسان ُيفترض أنه خير بطبيعته‪ ،‬إال أن الظروف السيئة‬
‫تؤدي إلى تحوله إلى الشر‪ .‬الحضارة الصناعية الرأسمالية في الغرب تمثل مثااًل على هذا‬
‫التناقض‪ ،‬حيث تسبب في انتشار الفقر وعدم توازن في توزيع الثروات بين الدول‪ .‬هذا‬
‫يؤدي إلى زيادة الهجرة خارج الوطن‪ ،‬مما يسفر عن تضييع الموارد البشرية في‬
‫المجتمعات الُم هاِج رة‪ ،‬وتعزيز اإلنتاجية وتفكيك الوعي الطبقي للطبقة العاملة المنتمية‬
‫للمجتمع الصناعي‪.‬‬

‫الهجرة تصبح ظاهرة اجتماعية عندما تصبح شاملة في الزمان والمكان‪ ،‬وتأتي من خالل‬
‫تنظيمات تشجع األفراد على الهجرة بناًء على الظروف االجتماعية‪ .‬بدًال من التركيز فقط‬
‫على ال دوافع الذاتي ة‪ ،‬من المهم أن ننظ ر إلى التنظيم ات ال تي ُتج ذب األف راد وتقنعهم‬
‫ب الهجرة‪ .‬ه ذا ُي ذكر بأهمي ة تص ور الهج رة بمنظ ور العوام ل االجتماعي ة والتف اعالت بين‬
‫األفراد والهياكل االجتماعية‪".‬‬

‫مقاربة كارل ماركس‪:‬‬ ‫‪.1‬‬

‫على الرغم من أن كارل ماركس لم ينشر نظرية محددة حول الهجرة‪ ،‬فإن أعماله تتضمن‬
‫مفاهيم مفصلة حول نزوح العمال نحو المدن إذ ذكر أن وجود القوى العاملة الكبيرة في‬

‫‪9‬‬
‫المناطق الحضرية له دور حاسم في تطور التراكم الرأسمالي وأسلوب اإلنتاج الرأسمالي‬
‫وهذا التراكم يتطلب‪ ،‬ضمنًي ا‪ ،‬وجود فائض القيمة ويستلزم اإلنتاج الرأسمالي ويتطلب‬
‫اإلنتاج وجود كميات كبيرة من رأس المال وقوى عاملة يمكنها تلبية احتياجات منتجي‬
‫السلع ووفًقا لرؤية ماركس‪ ،‬كان هذا ممكًن ا عن طريق هجرة العمالة‪.‬‬

‫وأسهم فصل الفالحين والمستأجرين عن الشروط الموضوعية للعمل بشكل كبير في تطور‬
‫النظام الرأسمالي لم يمكن للزراعة الرأسمالية وإ نتاج الماشية التطور فحسب‪ ،‬بل دفعت‬
‫الفالحين أيًض ا لترك أراضيهم والتوجه نحو المدن‪ ،‬مما أدى إلى هجرة العمالة نمو المدن‬
‫الصناعية سهل هذه العملية وقدم وسائل للهروب من العالقات اإلقطاعية‪.‬‬
‫ومن السخرية أن جعلت هذه الحرية االجتماعية العمل تعتمد على رأس المال‪ ،‬الذي أجبر‬
‫العمل على التوجه إلى مواقع ثانوية في عالقات اإلنتاج‪ ،‬وتركز رأس المال في المناطق‬
‫الحضرية المتوسعة‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬أشار ماركس إلى أن الهجرة تؤثر في استقرار أجور العمال في‬
‫المدن‪ ،‬سواء برفعها أو خفضها‪ ،‬وتسهم في تراكم رأس المال من خالل توليد الفائض‬
‫االجتماعي (فائض القيمة)‪ .‬ومع مصادرة ممتلكات الفالحين المعتمدين على أنفسهم‬
‫وتحطيم الصناعة المحلية الريفية‪ ،‬استمرت التفاوتات االجتماعية والجغرافية بين الصناعة‬
‫في المدن والزراعة في الريف‪ .‬وكانت هذه العملية أساسية في تغذية هجرة العمالة‪.‬‬

‫باختص ار‪ ،‬فحص م اركس للهج رة من الناحي ة اإلنتاجي ة يظه ر كي ف أص بح المه اجرون‬
‫ج زًء ا من عملي ة اإلنت اج وكي ف ت أثرت حي اتهم باالقتص اد الرأس مالي ه ذه المقارب ة ت وفر‬
‫إطاًر ا نظرًي ا لفهم الهجرة المعاصرة وتعكس تأثيرات النظام الرأسمالي العالمي على حرك ة‬

‫‪10‬‬
‫العمل الدولية ومن الجدير بالذكر أن هذه النظرية تطبق على البلدان النامية والعربية التي‬
‫‪14‬‬
‫تأثرت باالستعمار وتطور الرأسمالية بها‪.‬‬

‫‪ 14‬د‪ .‬هاشم نعمة‪ ،‬الماركسية والهجرة السكانية‪https://www.iraqicp.com/index.php/sections/platform/45864-2020-11- ،‬‬


‫‪ -24-15‬شوهد في ‪.6\11\2023‬‬

‫‪11‬‬

You might also like