You are on page 1of 11

‫األكادميية للدراسات‬

‫اإلجتماعية واإلنسانية‬

‫أثر العوملة على اهلوية الثقافية‬


‫لألفراد والشعوب‬
‫ﺃﺛﺮ ﺍﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻬﻮﻳﺔ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻟﻸﻓﺮﺍﺩ ﻭﺍﻟﺸﻌﻮﺏ‬ ‫ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ‪:‬‬
‫ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻷﻛﺎﺩﻳﻤﻴﺔ ﻟﻠﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‬ ‫ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ‪:‬‬
‫ﺑﺎﻟﺸﻠﻒ‬
‫ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺣﺴﻴﺒﺔ ﺑﻦ ﺑﻮﻋﻠﻲزغو حممد‬ ‫ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ‪:‬‬
‫أستاذ مساعد قسم –ب‪ -‬كلية العلوم القانونية واإلدارية‬
‫ﺯﻏﻮ‪ ،‬ﻣﺤﻤﺪ‬ ‫ﺍﻟﻤؤﻟﻒ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ‪:‬‬
‫جامعة حسيبة بن بوعلي – الشلف‪-‬‬
‫‪Email: elfeth@hahoo.fr‬‬ ‫ﻉ‪4‬‬ ‫ﺍﻟﻤﺠﻠﺪ‪/‬ﺍﻟﻌﺪﺩ‪:‬‬
‫ﻧﻌﻢ‬ ‫ﻣﺤﻜﻤﺔ‪:‬‬
‫ملخص‬
‫‪2010‬‬ ‫ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ‪:‬‬
‫على‪93‬اهلوية الثقافية لالفراد والشعوب وهذا من خالل التطرق ملفهوم اهلوية الثقافية باعتبارها متثل‬ ‫ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ‪:‬سنعاجل يف حبثنا هذا اثر العوملة‬
‫‪- 101‬‬
‫‪10.33858/0500-000-004-011‬أمة ‪ ،‬باملوازاة مع ذلك حتمل العوملة الثقافية مضمون فكري‬
‫‪ :DOI‬الكيان الشخصي والروحي للفرد وهي احملرك الي حضارة أو‬
‫‪88073‬مالكة الوسائل االساسية هلا ‪ .‬و سنحاول االجابة عن جمموعة من االشكاالت اليت‬ ‫ﺭﻗﻢ ‪:MD‬يهدف لنشر ثقافة كونية واحدة   النها‬
‫يطرحها املوضوع ‪ :‬من انا ومن هو أو هم يف زمن العوملة ؟هل العوملة الثقافية أمرا ال مفر منه ؟   هل متوت الثقافة الوطنية يف زمن‬
‫ﺑﺤﻮﺙ ﻭﻣﻘﺎﻻﺕ‬ ‫ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻤﺤﺘﻮﻯ‪:‬‬
‫‪IslamicInfo‬الثقافية‬
‫‪HumanIndex, EduSearch,‬‬ ‫ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ‪:‬كيف ميكن التعامل مع العوملة‬
‫ﻗﻮﺍﻋﺪ العوملة ؟ و‬
‫ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻋﻼﻡ‪ ،‬ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‪ ،‬ﺍﻟﻬﻮﻳﺔ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬ﺍﻟﻌﻮﻟﻤﺔ‪ ،‬ﺍﻟﻐﺰﻭ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ‪ ،‬ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻻﺗﺼﺎﻝ‪،‬‬ ‫ﻣﻮﺍﺿﻴﻊ‪:‬‬
‫ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ‪ ،‬ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‪ ،‬ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻲ‪ ،‬ﺍﻟﻘﻨﻮﺍﺕ ﺍﻟﻔﻀﺎﺋﻴﺔ‪،‬‬
‫‪Résumé‬‬ ‫ﺍﻹﻧﺘﺮﻧﺖ‪ ،‬ﺍﻟﺠﺰﺍﺋﺮ‬
‫‪http://search.mandumah.com/Record/88073‬‬ ‫ﺭﺍﺑﻂ‪:‬‬
‫‪Nous allons en discuter au sein de l’impact de la mondialisation sur l’identité culturelle des individus et‬‬
‫‪des peuples, et que en abordant la notion d’identité culturelle comme une entité personnelle et spirituelle‬‬
‫‪de l’individu, le moteur de toute civilisation ou une nation, et nous allons essayer de répondre à une‬‬
‫?‪série de dilemmes posés par le sujet: Qui suis-je et qui est ou qui sont dans le temps La mondialisation‬‬
‫‪La mondialisation culturelle est-elle inévitable? Ne vous mourez de la culture nationale à l’ère de la‬‬
‫?‪mondialisation? Et comment faire face à la mondialisation culturelle‬‬

‫‪Key words : Globalization, The concept of cultural identity, Cultural globalization,The cultural identity‬‬
‫‪of individuals and peoples‬‬

‫وتبدو أهمية العوملة يف مدى تأثريها على اهلويات الثقافية‬ ‫مقدمة‬


‫للشعوب ولألفراد‪ ،‬وتتجلى أيضا األهمية يف بوادر ووسائل‬
‫هذه العوملة يف جانبها الثقايف‪ ،‬وماذا تريده من ثقافات‬ ‫العوملة الثقافية هي غزو ثقايف ميس ذاتية األفراد واألمم‪،‬‬
‫اجملتمعات األخرى‪.‬‬ ‫وحتمل خطابا ثقافيا خاصا لشعوب العامل مفاده أنه ال‬
‫جمال للتعدد الثقايف‪ ،‬وإمنا البقاء للثقافة املعوملة املهيمنة‬
‫وعليه ميكن التساؤل‪ :‬ما هي حقيقة العوملة الثقافية ؟‬
‫على كل الثقافات‪.‬‬
‫وما آثار ونتائج العوملة على اهلوية الثقافية لألمم وكيف‬
‫يتم التصدي للغزو الثقايف املعومل ؟‪ .‬وتتم اإلجابة عن هذه‬ ‫وتتميز العوملة الثقافية باحتكار املعلومات ووسائل االتصال‬
‫التساؤالت يف املبحثني التاليني‪:‬‬ ‫العابرة للحدود الوطنية للشعوب وللحدود الشخصية‬
‫لألفراد‪ ،‬وختتلف العوملة الثقافية عن العاملية الثقافية‪ ،‬يف‬
‫املبحث األول ‪ :‬مفهوم اهلوية الثقافية‬ ‫أن األوىل من صنع فردي يريد إضفاء هذا النوع الثقايف على‬
‫العوملة الثقافية هي حتول اهلوية الثقافية من إطارها‬ ‫شعوب العامل‪ ،‬يف حني العاملية الثقافية هي التكامل والتوازن‬
‫القومي واخلاص إىل االندماج والتفاعل والتكامل مع‬ ‫االعرتاف بثقافات األمم األخرى‪.‬‬
‫ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪.‬‬‫ﺍﻟﺤﻘﻮﻕظل‬
‫األمم يف‬
‫بنيﺟﻤﻴﻊ‬ ‫© ‪2023‬الثقايف‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ‪ ،‬ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪ .‬ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ‬
‫ﻓﻘﻂ‪ ،‬ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬
‫‪93‬‬ ‫األكادميية للدراسات اإلجتماعية واإلنسانية‪ 2010 - 4 .‬ص ‪101 -93‬‬
‫األكادميية للدراسات‬
‫اإلجتماعية واإلنسانية‬

‫أثر العوملة على اهلوية الثقافية‬


‫ﻟﻺﺳﺘﺸﻬﺎﺩ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻗﻢ ﺑﻨﺴﺦ ﺍﻟﺒﻴﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﺣﺴﺐ ﺇﺳﻠﻮﺏ ﺍﻹﺳﺘﺸﻬﺎﺩ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ‪:‬‬
‫لألفراد والشعوب‬ ‫ﺇﺳﻠﻮﺏ ‪APA‬‬
‫ﺯﻏﻮ‪ ،‬ﻣﺤﻤﺪ‪ .(2010) .‬ﺃﺛﺮ ﺍﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻬﻮﻳﺔ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻟﻸﻓﺮﺍﺩ ﻭﺍﻟﺸﻌﻮﺏ‪.‬ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻷﻛﺎﺩﻳﻤﻴﺔ ﻟﻠﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‬
‫زغو حممد‬
‫‪88073/Record/com.mandumah.search//:http‬‬ ‫ﻣﺴﺘﺮﺟﻊ ﻣﻦ‬
‫مساعد قسم –ب‪ -‬كلية العلوم القانونية واإلدارية‬ ‫أستاذ‬ ‫ﻭﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬ﻉ ‪.101 - 93 ،4‬‬
‫جامعة حسيبة بن بوعلي – الشلف‪-‬‬ ‫ﺇﺳﻠﻮﺏ ‪MLA‬‬
‫ﻭﺍﻟﺸﻌﻮﺏ‪".‬ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻷﻛﺎﺩﻳﻤﻴﺔ ﻟﻠﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔﻉ ‪4‬‬ ‫ﻟﻸﻓﺮﺍﺩ‬ ‫ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‬
‫‪Email: elfeth@hahoo.fr‬‬ ‫ﺍﻟﻬﻮﻳﺔ‬ ‫ﻋﻠﻰ‬ ‫ﺍﻟﻌﻮﻟﻤﺔ‬ ‫"ﺃﺛﺮ‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ‪.‬‬ ‫ﺯﻏﻮ‪،‬‬
‫)‪ .101 - 93 :(2010‬ﻣﺴﺘﺮﺟﻊ ﻣﻦ ‪88073/Record/com.mandumah.search//:http‬‬
‫ملخص‬
‫سنعاجل يف حبثنا هذا اثر العوملة على اهلوية الثقافية لالفراد والشعوب وهذا من خالل التطرق ملفهوم اهلوية الثقافية باعتبارها متثل‬
‫الكيان الشخصي والروحي للفرد وهي احملرك الي حضارة أو أمة ‪ ،‬باملوازاة مع ذلك حتمل العوملة الثقافية مضمون فكري‬
‫يهدف لنشر ثقافة كونية واحدة   النها مالكة الوسائل االساسية هلا ‪ .‬و سنحاول االجابة عن جمموعة من االشكاالت اليت‬
‫يطرحها املوضوع ‪ :‬من انا ومن هو أو هم يف زمن العوملة ؟هل العوملة الثقافية أمرا ال مفر منه ؟   هل متوت الثقافة الوطنية يف زمن‬
‫العوملة ؟ و كيف ميكن التعامل مع العوملة الثقافية‬

‫‪Résumé‬‬

‫‪Nous allons en discuter au sein de l’impact de la mondialisation sur l’identité culturelle des individus et‬‬
‫‪des peuples, et que en abordant la notion d’identité culturelle comme une entité personnelle et spirituelle‬‬
‫‪de l’individu, le moteur de toute civilisation ou une nation, et nous allons essayer de répondre à une‬‬
‫?‪série de dilemmes posés par le sujet: Qui suis-je et qui est ou qui sont dans le temps La mondialisation‬‬
‫‪La mondialisation culturelle est-elle inévitable? Ne vous mourez de la culture nationale à l’ère de la‬‬
‫?‪mondialisation? Et comment faire face à la mondialisation culturelle‬‬

‫‪Key words : Globalization, The concept of cultural identity, Cultural globalization,The cultural identity‬‬
‫‪of individuals and peoples‬‬

‫وتبدو أهمية العوملة يف مدى تأثريها على اهلويات الثقافية‬ ‫مقدمة‬


‫للشعوب ولألفراد‪ ،‬وتتجلى أيضا األهمية يف بوادر ووسائل‬
‫هذه العوملة يف جانبها الثقايف‪ ،‬وماذا تريده من ثقافات‬ ‫العوملة الثقافية هي غزو ثقايف ميس ذاتية األفراد واألمم‪،‬‬
‫اجملتمعات األخرى‪.‬‬ ‫وحتمل خطابا ثقافيا خاصا لشعوب العامل مفاده أنه ال‬
‫جمال للتعدد الثقايف‪ ،‬وإمنا البقاء للثقافة املعوملة املهيمنة‬
‫وعليه ميكن التساؤل‪ :‬ما هي حقيقة العوملة الثقافية ؟‬
‫على كل الثقافات‪.‬‬
‫وما آثار ونتائج العوملة على اهلوية الثقافية لألمم وكيف‬
‫يتم التصدي للغزو الثقايف املعومل ؟‪ .‬وتتم اإلجابة عن هذه‬ ‫وتتميز العوملة الثقافية باحتكار املعلومات ووسائل االتصال‬
‫التساؤالت يف املبحثني التاليني‪:‬‬ ‫العابرة للحدود الوطنية للشعوب وللحدود الشخصية‬
‫لألفراد‪ ،‬وختتلف العوملة الثقافية عن العاملية الثقافية‪ ،‬يف‬
‫املبحث األول ‪ :‬مفهوم اهلوية الثقافية‬ ‫أن األوىل من صنع فردي يريد إضفاء هذا النوع الثقايف على‬
‫العوملة الثقافية هي حتول اهلوية الثقافية من إطارها‬ ‫شعوب العامل‪ ،‬يف حني العاملية الثقافية هي التكامل والتوازن‬
‫القومي واخلاص إىل االندماج والتفاعل والتكامل مع‬ ‫االعرتاف بثقافات األمم األخرى‪.‬‬
‫ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪.‬‬‫ﺍﻟﺤﻘﻮﻕظل‬
‫األمم يف‬
‫بنيﺟﻤﻴﻊ‬ ‫© ‪2023‬الثقايف‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ‪ ،‬ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪ .‬ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ‬
‫ﻓﻘﻂ‪ ،‬ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬
‫‪93‬‬ ‫األكادميية للدراسات اإلجتماعية واإلنسانية‪ 2010 - 4 .‬ص ‪101 -93‬‬
‫األكادميية للدراسات‬
‫اإلجتماعية واإلنسانية‬

‫أثر العوملة على اهلوية الثقافية‬


‫لألفراد والشعوب‬
‫زغو حممد‬
‫أستاذ مساعد قسم –ب‪ -‬كلية العلوم القانونية واإلدارية‬
‫جامعة حسيبة بن بوعلي – الشلف‪-‬‬
‫‪Email: elfeth@hahoo.fr‬‬

‫ملخص‬
‫سنعاجل يف حبثنا هذا اثر العوملة على اهلوية الثقافية لالفراد والشعوب وهذا من خالل التطرق ملفهوم اهلوية الثقافية باعتبارها متثل‬
‫الكيان الشخصي والروحي للفرد وهي احملرك الي حضارة أو أمة ‪ ،‬باملوازاة مع ذلك حتمل العوملة الثقافية مضمون فكري‬
‫يهدف لنشر ثقافة كونية واحدة   النها مالكة الوسائل االساسية هلا ‪ .‬و سنحاول االجابة عن جمموعة من االشكاالت اليت‬
‫يطرحها املوضوع ‪ :‬من انا ومن هو أو هم يف زمن العوملة ؟هل العوملة الثقافية أمرا ال مفر منه ؟   هل متوت الثقافة الوطنية يف زمن‬
‫العوملة ؟ و كيف ميكن التعامل مع العوملة الثقافية‬

‫‪Résumé‬‬

‫‪Nous allons en discuter au sein de l’impact de la mondialisation sur l’identité culturelle des individus et‬‬
‫‪des peuples, et que en abordant la notion d’identité culturelle comme une entité personnelle et spirituelle‬‬
‫‪de l’individu, le moteur de toute civilisation ou une nation, et nous allons essayer de répondre à une‬‬
‫?‪série de dilemmes posés par le sujet: Qui suis-je et qui est ou qui sont dans le temps La mondialisation‬‬
‫‪La mondialisation culturelle est-elle inévitable? Ne vous mourez de la culture nationale à l’ère de la‬‬
‫?‪mondialisation? Et comment faire face à la mondialisation culturelle‬‬

‫‪Key words : Globalization, The concept of cultural identity, Cultural globalization,The cultural identity‬‬
‫‪of individuals and peoples‬‬

‫وتبدو أهمية العوملة يف مدى تأثريها على اهلويات الثقافية‬ ‫مقدمة‬


‫للشعوب ولألفراد‪ ،‬وتتجلى أيضا األهمية يف بوادر ووسائل‬
‫هذه العوملة يف جانبها الثقايف‪ ،‬وماذا تريده من ثقافات‬ ‫العوملة الثقافية هي غزو ثقايف ميس ذاتية األفراد واألمم‪،‬‬
‫اجملتمعات األخرى‪.‬‬ ‫وحتمل خطابا ثقافيا خاصا لشعوب العامل مفاده أنه ال‬
‫جمال للتعدد الثقايف‪ ،‬وإمنا البقاء للثقافة املعوملة املهيمنة‬
‫وعليه ميكن التساؤل‪ :‬ما هي حقيقة العوملة الثقافية ؟‬
‫على كل الثقافات‪.‬‬
‫وما آثار ونتائج العوملة على اهلوية الثقافية لألمم وكيف‬
‫يتم التصدي للغزو الثقايف املعومل ؟‪ .‬وتتم اإلجابة عن هذه‬ ‫وتتميز العوملة الثقافية باحتكار املعلومات ووسائل االتصال‬
‫التساؤالت يف املبحثني التاليني‪:‬‬ ‫العابرة للحدود الوطنية للشعوب وللحدود الشخصية‬
‫لألفراد‪ ،‬وختتلف العوملة الثقافية عن العاملية الثقافية‪ ،‬يف‬
‫املبحث األول ‪ :‬مفهوم اهلوية الثقافية‬ ‫أن األوىل من صنع فردي يريد إضفاء هذا النوع الثقايف على‬
‫العوملة الثقافية هي حتول اهلوية الثقافية من إطارها‬ ‫شعوب العامل‪ ،‬يف حني العاملية الثقافية هي التكامل والتوازن‬
‫القومي واخلاص إىل االندماج والتفاعل والتكامل مع‬ ‫الثقايف بني األمم يف ظل االعرتاف بثقافات األمم األخرى‪.‬‬

‫‪93‬‬ ‫األكادميية للدراسات اإلجتماعية واإلنسانية‪ 2010 - 4 .‬ص ‪101 -93‬‬


‫زغو حممد‬
‫واالجتماعية والسياسية واحلضارية واملستقبلية‪ ،‬ألعضاء‬ ‫اهلويات الثقافية األخرى يف ظل اهلوية الثقافية األحادية‪.‬‬
‫اجلماعة املوحدة اليت ينتمي إليها األفراد باحلس والشعور‬ ‫وإن كانت العوملة تفرض نفسها حتى باستخدام القوة‪،‬‬
‫االنتمائي هلا‪.‬‬ ‫فتصبح العوملة الثقافية بذلك فرض منهج وثقافة غربية‬
‫وأيضا هي ذاتية اإلنسان ونقاءه ومجالياته وقيمه‪ ،‬حبيث‬ ‫أمريكية باهليمنة على العامل وشعوبه وأفراده‪ ،‬مسخا هلم‬
‫تعترب الثقافة هي احملرك ألي حضارة أو أمة يف توجيهها‬ ‫وإهدار خلصوصياتهم إىل درجة أن ال يكون ألي جمتمع‬
‫وضبطها‪ ،‬أي هي من اليت حتكم حركة اإلبداع واإلنتاج‬ ‫ثقافة ذاتية وهوية شخصية أو خصوصية‪.‬‬
‫املعريف (‪.)3‬‬
‫املطلب األول ‪ :‬تعريف اهلوية الثقافية‬
‫املطلب الثاني ‪ :‬ركائز اهلوية الثقافية والعوملة‬
‫الفرع األول ‪ :‬تعريف الثقافة لغة واصطالحا‬
‫املقصود بركائز اهلوية الثقافية تلك املقومات واألسس‬
‫أوال ‪:‬الثقافة يف اللغة ‪ :‬تعين كلمة أو مصطلح “ ث ّقف”‬
‫اليت متثل صلب اهلوية الثقافية وموضوعها‪ ،‬وتلك العناصر‬
‫يف اللغة العربية “ ق ّوم “ الشيء‪ ،‬أي ق ّومه عندما كان معوجا‬
‫األساسية هلا اليت متثل مظاهر اهلوية الثقافية‪.‬‬
‫وغري سوي‪ ،‬فقال العرب “ ثقفت الرمح “ أي ق ّومته (‪.)1‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬مقومات وأسس اهلوية الثقافية‬
‫أي جعله على أحسن صورة‪ .‬وأيضا يأخذ هذا املصطلح‬
‫تشمل مقومات اهلوية الثقافية أسسا هامة يف حد ذاتها‬ ‫معنى اإلصالح وإعادة الشيء على حاله وأيضا التصحيح‪.‬‬
‫هي موضوعا هلا وهي‪:‬‬
‫ثانيا‪ :‬الثقافة يف االصطالح ‪ :‬أما يف االصطالح فالثقافة‬
‫أوال ‪ :‬اإلنسان حبيث يعترب اإلنسان هو املعنى باهلوية‬ ‫هي ذلك الرتاث احلضاري ومنهجية التفكري وأسلوب العيش‬
‫الثقافية‪ ،‬وهو املعين بهذه احلياة‪ ،‬وهو حمور وأساس اهلوية‬ ‫واملعاملة أي تلك األمور اليت تنطلق من ذاتية وشخصية‬
‫الثقافية‪ ،‬ال غريه من الكائنات احلية األخرى‪ .‬حبيث أن‬ ‫اإلنسان مبا هو عليه من صفات كاخلري والعدل‪ ،‬وتلك‬
‫اإلنسان يف حضارة اإلسالم ويف حتقيق أهداف سعادته جيد‬ ‫الطاقة العملية الكامنة اليت تستخدم يف جماالت احلياة‪،‬‬
‫انطالقه يف اآلية الكرمية‪ “ :‬ولقد كرمنا بين آدم “ (‪.)4‬‬ ‫واليت متيز جمتمع عن جمتمع آخر‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬التوازن يف الشخصية أي ذلك التوازن املادي‬ ‫الفرع الثاني ‪ :‬تعريف اهلوية لغة واصطالحا‬
‫والروحي لألفراد وللشعوب‪ ،‬حبيث يكون اعتدال وتوازن‬ ‫أوال‪ :‬اهلوية يف اللغة ‪ :‬يعين مصطلح “ اهلوية” الذات‬
‫كفيل باحلفاظ على احلياة الطبيعية للفرد‪ ،‬دون تغليب‬ ‫واألصل واالنتماء واملرجعية‪.‬‬
‫حياة املادة على حياة الروح‪ ،‬لكي ال يكون هناك خلال يف‬ ‫وهيمأخوذةمنكلمة“هو” أيجوهرالشيءوحقيقته (‪ ،)2‬أي‬
‫الشخصية أو يف الذات‪ ،‬احتياطا لعدم تغليب كفة لكفة‬ ‫هوية الشيء تعين ثوابته وأيضا مبادئه‪ ،‬ويكفي طرح السؤال‬
‫أخرى‪ ،‬بتغذية اإلنسان ماديا باألكل وروحيا بالعبادة‪.‬‬ ‫التالي لبيان ذلك‪ :‬من أنا ؟ من حنن ؟ من هو ؟ وهكذا‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬اإلميان احلقيقي وذلك بإميان أفراد اجملتمعات مبا‬ ‫ثانيا‪ :‬اهلوية يف االصطالح‪ :‬تعرف “ اهلوية” على أنها‬
‫يتماشى وحضاراتهم ومعتقداتهم ومنط حياتهم وإميانهم‬ ‫احلقيقة املطلقة املشتملة على احلقائق اشتمال النواة على‬
‫باالنتماء جملتمع ما يف كل جوانب خصوصياته‪ ،‬كما هو‬ ‫الشجرة يف الغيب‪ ،‬أي تلك الصفة والثابتة والذات اليت ال‬
‫يف اإلميان يف األمة اإلسالمية باإلميان باهلل وبالرساالت‬ ‫تتبدل و ال تتأثر وال تسمح لغريها من اهلويات أن تصبح‬
‫السماوية‪ ،‬فقيم املسلم مستمدة من وحي اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫مكانها أو تكون نقيضا هلا‪ ،‬فاهلوية تبقى قائمة مادامت الذات‬
‫قائمة وعلى قيد احلياة‪ ،‬وهذه امليزات هي اليت متيز األمم‬
‫رابعا ‪ :‬النفس والروح اجلماعية واألخوة واإلنسانية‪ :‬إن‬ ‫عن بعضها البعض واليت تعرب عن شخصيتها وحضارتها‬
‫اإلنسان حباجة لغريه‪ ،‬وأنه بالطبع اجتماعي وإنساني‪ ،‬ليس‬ ‫ووجودها‪.‬‬
‫فردي وذاتي وأناني‪ ،‬هو حباجة للتعاون والتعامل وأن يكون‬
‫عامليا باحلفاظ على شخصه وتفاعله مع غريه‪.‬‬ ‫الفرع الثالث ‪ :‬تعريف اهلوية الثقافية‬
‫خامسا‪ :‬القيم الثقافية‪ :‬وهذا بتمجيد القيم احلسنة‬ ‫املقصود باهلوية الثقافية تلك املبادئ األصلية السامية‬
‫والفاضلة‪ ،‬وحب العدل واحلق واملساواة والتطلع إىل املفاهيم‬ ‫والذاتية النابعة من األفراد أو الشعوب‪ ،‬وتلك ركائز اإلنسان‬
‫فوق احلسية لتشجيع االلتزام بالفضائل وحماسن األخالق‬ ‫اليت متثل كيانه الشخصي الروحي واملادي بتفاعل صورتي‬
‫(‪ ،)5‬بالقضاء على الرذائل ومساوئ األخالق‪.‬‬ ‫هذا الكيان‪ ،‬إلثبات هوية أو شخصية الفرد أو اجملتمع أو‬
‫الشعوب‪ ،‬حبيث حيس ويشعر كل فرد بانتمائه األصلي‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬عناصر اهلوية الثقافية‬ ‫جملتمع ما‪ ،‬خيصصه ومييزه عن باقي اجملتمعات األخرى‪.‬‬
‫تتجلى عناصر اهلوية الثقافية يف تلك املظاهر املهمة اليت‬ ‫واهلوية الثقافية متثل كل اجلوانب احلياتية االقتصادية‬

‫األكادميية للدراسات اإلجتماعية واإلنسانية‪ 2010 - 4 .‬ص ‪103 -93‬‬ ‫‪94‬‬


‫أثر العوملة على اهلوية الثقافية لألفراد والشعوب‬

‫سابعا‪ :‬األدب والفنون‪ :‬حيث كل جمتمع وله أدبه وفنونه‬ ‫متثل جوانب اهلوية الثقافية بالنسبة للشعوب ولألفراد‪ ،‬وإن‬
‫اليت يزخر بها‪ ،‬واليت متيزه عن غريه من اجملتمعات واليت‬ ‫كانت تتمثل يف الغالب يف ثالث عناصر متمثلة يف عنصر‬
‫تكون معربة عن هويته الثقافية‪ .‬من خالل ثقافة التعبري‬ ‫العقيدة واللغة والرتاث الثقايف‪.‬‬
‫القصصي والشعر‪ ،‬وفنون التشكيل والرسم واملسرح والتمثيل‬ ‫وعليه ميكن تقديم أهم العناصر األساسية وهي‪:‬‬
‫وفن العمران وغريها‪ ،‬وكل له رسالة يريد إبالغها للغري‪.‬‬
‫أوال‪ :‬العقيدة أو الدين يعد الدين أول عنصر من عناصر‬
‫ثامنا‪ :‬طريقة التفكري‪ :‬يعد التفكري العنصر احلساس يف‬ ‫اهلوية الثقافية‪ ،‬ولعل العوملة الثقافية منافية متاما لإلسالم‬
‫أي ثقافة‪ ،‬فطريقة تفكري املسلم غري طريقة تفكري الغرب‪،‬‬ ‫يف إطار احلرب ضد اإلسالم‪ ،‬وحرب الديانات‪ .‬حبيث يدرك‬
‫فمثال اجملتمع املادي يفكر بطريقة مادية واستهالكية‪.‬‬ ‫الغربيون الصليبيون والصهيونية أن استعادة املسلمني‬
‫وهنا يتجلى اجملال الرتبوي‪ ،‬فهناك الرتبية الدينية والرتبية‬ ‫هلويتهم وانتمائهم القرآني أنه أكرب األخطار وعليه فكل‬
‫الروحية والرتبية املادية وغريها‪ ،‬ونفس األمر بالنسبة إىل‬ ‫قوى التغريب تعمل ضد هذا االجتاه‪ ،‬وذلك بأسلوب الغزو‬
‫التكوين والتأهيل‪.‬‬ ‫الثقايف املتمثل يف االستشراق والتنصري (‪.)6‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬وسائل ومضامني العوملة الثقافية‬ ‫ثانيا‪ :‬اللغة تعد اللغة اللسان الثقايف األساسي للهوية‬
‫الثقافية لألفراد أو للشعوب‪ ،‬وهي عامل يبني اختالف ثقافة‬
‫أوال‪ :‬وسائل العوملة الثقافية كما للعوملة مظاهر ووسائل‬
‫عن أخرى‪ ،‬وهي أسلوب للتواصل ولالحتكاك وإثبات اهلوية‬
‫خاصة بها‪ ،‬فنفس األمر بالنسبة للعوملة الثقافية‪ ،‬وتتجلى‬
‫وتأكيد وجودها‪.‬‬
‫هذه الوسائل يف اآلتي‪:‬‬
‫وقد جاءت نظرية صدام احلضارات لتعلن أن العدو األول‬
‫‪ 1-‬التقدم التكنولوجي والتقين يف جمال االتصاالت‪،‬‬
‫للحضارة الغربية هو اإلسالم‪ ،‬وأن الثقافة اإلسالمية املرتكزة‬
‫حبيث هذا التقدم أدى إىل سيطرة وهيمنة هوية غربية‬
‫على اللغة العربية ذاتها هي املنافس لتلك احلضارة (‪.)7‬‬
‫فردية أحادية على شعوب العامل يف هوياتهم وخصوصياتهم‪،‬‬
‫نتيجة التقريب بني اهلويات الثقافية وغلبة اهلوية اليت‬ ‫ثالثا‪ :‬التاريخ واملاضي‪ :‬حبيث ميثل التاريخ واملاضي‬
‫متتلك األساليب للتأثري على هوية الغري‪.‬‬ ‫املشرتك لألفراد أو لشعب ما عنصرا يعرب عن هوية أساسية‪،‬‬
‫‪ 2-‬الفضائيات‪ ،‬حيث تقوم الفضائيات بدور كبري يف احلياة‬ ‫فالتاريخ يبني حقيقة االستعمار املتجدد يف العوملة الثقافية‪،‬‬
‫الثقافية للشعوب من خالل األقمار الصناعية والتليفزيون‪،‬‬ ‫والتاريخ هو من بني عناصر اهلوية‪ ،‬باعتباره يدرس املاضي‬
‫حبيث أصبحت توجه حتى األسرة وأفراد العائلة الواحدة‪،‬‬ ‫ويقف على احلقائق وتستند إليه الدول والشعوب للتطلع‬
‫ولعل صاحب الفضائيات الكربى هو من سيسيطر على‬ ‫لبناء احلاضر والتطلع إىل املستقبل‪.‬‬
‫اهلويات األخرى بفرض سيطرة هويته الثقافية‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬العادات والتقاليد واألعراف‪ :‬هذه اجملاالت هي من‬
‫‪ 3-‬شبكة االنرتنيت‪ ،‬أصبحت هذه الشبكة وسيلة هامة‬ ‫صميم هوية اجملتمعات من خالل إتباع سلوكات معينة‬
‫للعوملة الثقافية‪ ،‬مبا حتمله من معلومات وأفالم وصور‬ ‫والتصرف والتعامل وفقا لثقافة تنظمها العادات والتقاليد‬
‫وأفكار ثقافية تطيح مبعامل اهلوية الثقافية اخلاصة‬ ‫واألعراف‪.‬‬
‫بالشعوب واألفراد‪ ،‬خاصة تلك الثقافة املادية اليت تسيطر‬
‫على الشبكة‪ ،‬واإلطاحة باألخالق الفاضلة من خالل املواقع‬ ‫خامسا‪ :‬العقد االجتماعي والعقد السياسي‪ :‬حبيث أن لكل‬
‫اإلباحية‪ ،‬إضافة إىل الدعاية السلبية اليت من شأنها قلب‬ ‫دولة عقد اجتماعي من خالل مبادئ وثوابت اجملتمع فيها‪،‬‬
‫الوضع الثقايف والسياسي للبلدان بتغيري وجهة الرأي العام‬ ‫وما يطابقه من تصور وطموح سياسي مبين يف مرجعية‬
‫وإقامة النزاعات بني الشعوب‪.‬‬ ‫العقد االجتماعي‪ ،‬وخاصة أن الدولة تعرب عن هويتها‬
‫‪ 4-‬وسائل اإلعالم املكتوبة واملسموعة‪ ،‬وهي تلك اجلرائد‬ ‫الثقافية يف اجملتمع الدولي من خالل دستور أو قانون له‬
‫والصحف اليومية واإلذاعات السمعية وما هلا من تبليغ‬ ‫الوجه االجتماعي والسياسي‪ ،‬حبيث اإلرادة الثقافية لألفراد‬
‫فكري ثقايف معني بالتأثري على اهلوية الثقافية للشعوب‪،‬‬ ‫تكون مكفولة يف الوجه السياسي الذي يعرب عنها‪.‬‬
‫خاصة بسيطرة الغرب عليه‪ ،‬باإلطاحة بعاملية الثقافة‬
‫سادسا‪ :‬احلقوق حبيث كل دولة أو شعب وكيف يرى‬
‫وخصوصية األمم‪.‬‬
‫ثقافته للحقوق واحلريات املختلفة‪ ،‬ففي اإلسالم ختتلف‬
‫‪ 5-‬القوة والفرض والضغط‪ ،‬يعد أسلوب الفرض بالقوة‬ ‫احلقوق واحلريات عن تلك املوجودة يف الوضع اإلنساني‬
‫وبالضغط أساس سري العوملة الثقافية الراهنة‪ ،‬كاحلرب‬ ‫كاليت يصدرها الغرب إىل الدول العربية والفقرية‪ ،‬من‬
‫ضد العراق وتصدير الربامج الرتبوية ووجوب تطبيقها على‬ ‫حقوق اإلنسان املزيفة والدميقراطية الغربية‪ ،‬فثقافة‬
‫الشعوب خاصة منها الشعوب الفقرية‪.‬‬ ‫حقوق وحريات الغرب هي ثقافة املادة ال الروح‪.‬‬
‫‪95‬‬ ‫األكادميية للدراسات اإلجتماعية واإلنسانية‪ 2010 - 4 .‬ص ‪101 -93‬‬
‫زغو حممد‬
‫صفات ومظاهر العوملة الثقافية‪ ،‬وبالتالي فهو ميارسها‬ ‫‪ 6-‬التأليف والنشر‪ ،‬ويكون التأليف ونشر بعض املوضوعات‬
‫سلوكا وفعال‪ ،‬وحياربها فكرا ولسانا ال واقعا وعمال‪.‬‬ ‫موجها قبال ومناطا بفكر معني‪ ،‬خيضع إىل صاحب وفكرة‬
‫وميول الكاتب وأهداف الكتابة والتأليف‪.‬‬
‫املطلب األول ‪ :‬آثار العوملة الثقافية على اهلويات‬
‫** إذا العوملة الثقافية هي نتيجة التطور العلمي احلاصل‬
‫الثقافية للشعوب واألفراد‬
‫يف املعلومات‪ ،‬وتعد العوملة الثقافية أصل العوملات االقتصادية‬
‫الفرع األول ‪ :‬اآلثار اإلجيابية للعوملة على اهلوية الثقافية‬ ‫والسياسية واألخالقية‪ ،‬ألن الثقافة هي من تهيئ ومتهد‬
‫الناس لالنضمام إىل اهليئات واملؤسسات الثقافية الدولية‬
‫بتفاعل اهلوية الثقافية املخصوصة ألي شعب أو فرد مع‬
‫واإلقليمية‪ ،‬وخاصة أن هذه املؤسسات تسيطر عليها القوى‬
‫الثقافات األخرى يف ظل العوملة الثقافية تنتج مظاهر هامة‬
‫والدول الفاعلة يف العوملة واألطراف القوية فيها‪.‬‬
‫جيب االهتمام بها وقبوهلا وهي‪:‬‬
‫ثانيا‪ :‬مضامني العوملة الثقافية تظهر مضامني العوملة‬
‫أوال‪ :‬على املستوى التكنولوجي‪ :‬العوملة تدر رحبا على‬ ‫الثقافية من خالل وسائلها املتاحة هلا‪ ،‬وتشمل الربامج‬
‫الشعوب واألفراد يف اكتساب ثقافة البحث العلمي‬ ‫الفكرية والتصورات األدبية والفنون املسرحية واملوسيقية‬
‫والتقدم التكنولوجي والتقين‪ ،‬خاصة يف جمال اإلعالم‬ ‫واملسلسالت واألفالم‪ ،‬وتلك اآلراء واملواقف والتوجهات‬
‫واالتصال‪ ،‬وبهذا فالعوملة تنتشر بسرعة‪ ،‬ومنه تصبح ثروة‬ ‫واإليديولوجيات وتلك القرارات واملواقف السياسية‪ ،‬وطريقة‬
‫علمية وعملية ملن يفتقر للتكنولوجيا وللبحث العلمي‬ ‫العيش من خالل املأكل واللباس واملطالعة واالهتمام‬
‫وإلنتاجياته‪.‬‬ ‫اخلاص مبوضوع معني‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬على مستوى التواصل والتعاون‪ :‬تعد العوملة‬ ‫فالعوملة الثقافية حتمل مضمون فكري أمريكي على‬
‫الثقافية كسبب كاف لالتصال والشراكة الثقافية بني‬ ‫أساس الغزو الثقايف وخرق الثقافات اليت ال تتماشى‬
‫األمم واألفراد‪ ،‬حبوار الثقافات وتزويد الشعوب بأساليب‬ ‫والثقافة األمريكية‪ ،‬بنشر ثقافة كونية واحدة هي الثقافة‬
‫إحداث توازن منطقي بني اخلصوصيات الثقافية هلم‪.‬‬ ‫املعوملة‪ ،‬ألنها مالكة الوسائل األساسية هلا‪.‬‬
‫وبذلك يكون التعاون بني األمم باإلطاحة باحلدود‬ ‫املبحث الثاني ‪ :‬تفاعل اهلويات الثقافية يف ظل العوملة‬
‫ومعوقات االتصال املباشر واحلر بني املؤسسات واألفراد‪،‬‬
‫للحديث عن اهلوية الثقافية يف ظل اخلصوصية وما‬
‫وهنا تظهر مدى أهمية االعرتاف بالتعددية الثقافية لألمم‬
‫يقابلها من العوملة الثقافية‪ ،‬جيب طرح التساؤل التالي‪ :‬هل‬
‫يف العامل الدولي اجلديد املؤمرك‪.‬‬
‫متوت الثقافة الوطنية يف زمن العوملة ؟ وما مدى صمود‬
‫ثالثا‪ :‬على املستوى االجتماعي‪ :‬تعد العوملة من خالل‬ ‫ثقافتنا يف وجه رياح العوملة ؟ (‪.)8‬‬
‫وسائلها خاصة وسائل اإلعالم وحرية الصحافة والرأي احلر‬ ‫أو بطرح اإلشكاالت التالية‪ - :‬من أنا أو حنن ومن هو أو‬
‫مبثابة منربا للحوار والتفتح الثقايف‪ ،‬واالستفادة من ثقافة‬ ‫هم يف ظل العوملة ؟‬
‫الغري‪ ،‬ولتكامل الثقافات‪ ،‬وبذلك تستفيد الدول الضعيفة‬ ‫‪ -‬هل العوملة الثقافية أمرا ال مفر منه ؟ وكيف ميكن‬
‫من أسباب مهمة للقضاء على املشاكل االجتماعية خاصة‬ ‫التعامل مع العوملة الثقافية ؟‪.‬‬
‫املتعلقة باألجانب مع الوطنيني‪.‬‬
‫وبالتالي ما آثار العوملة على اهلوية الثقافية لألفراد‬
‫ثم أن اإلعالم يساهم ويثبت ويرفع من مستوى اهلوية‬ ‫وللشعوب ؟ إجيابا وسلبا‪ .‬وكيف ميكن احلفاظ على اهلوية‬
‫الثقافية الوطنية والفردية إلثبات وجودها وبروزها على‬ ‫الثقافية يف ظل اخلصوصية ؟ وما هي آفاق ذلك ؟‪ .‬وقبل‬
‫املستوى الدولي‪.‬‬ ‫اإلجابة عن هذه التساؤالت يقتضي األمر التطرق إىل ثالث‬
‫خصائص أساسية يف موضوع اهلوية الثقافية يف ظل العوملة‪،‬‬
‫رابعا‪ :‬على املستوى احلقوقي‪ :‬تعد العوملة موضوعا للتفاعل‬
‫من خالل ما يلي‪:‬‬
‫والتواصل خاصة يف جمال اإلعالم‪ ،‬الذي يدعم حقوق‬
‫اإلنسان واحلريات السياسية وثقافة التعبري واملعارضة‪،‬‬ ‫‪ 1-‬هناك من يرى أن للعوملة خري ونتائج إجيابية ختدم‬
‫ووجهات النظر والدفاع عن السياسات الثقافية للشعوب‬ ‫مجيع الناس‪ ،‬باغتنام ما خيدم الفرد والشعوب‪ ،‬باحلفاظ‬
‫يف مفهوم احلقوق عندها واحلريات‪ ،‬وطريقة املشاركة‬ ‫على خصوصياته وهويته الثقافية مع كونه أن يكون عاملي‬
‫السياسية والتعددية‪.‬‬ ‫وإنساني يف إطار التفتح الثقايف ال االنفتاح عليه‪.‬‬
‫حيث العوملة أدت إىل تطبيق ثقافة جديدة مفادها أن للفرد‬ ‫‪ 2-‬وهناك من يراها أنها ويالت كبرية‪ ،‬وال ميكن‬
‫احلرية يف اختيار أي الثقافات اليت يراها مناسبة بهدف‬ ‫االخنراط فيها وبذلك وجوب حماربتها ومناهضتها‪.‬‬
‫إبراز طاقاته واستثمارها‪ ،‬ألن يكون منتجا وفعاال‪ ،‬واحلق‬ ‫‪ 3-‬وهناك من يصبغ على ثقافته السلوكية والعملية‬
‫األكادميية للدراسات اإلجتماعية واإلنسانية‪ 2010 - 4 .‬ص ‪101 -93‬‬ ‫‪96‬‬
‫أثر العوملة على اهلوية الثقافية لألفراد والشعوب‬
‫الفقرية‪ ،‬وبالتالي فهي امتداد لالستعمار التقليدي الثقايف‬ ‫يف الثقافة معرتف به بالنسبة لألمم طبقا للمادة األوىل من‬
‫القديم‪ ،‬حيث كان الغزاة سابقا يسلبون مقومات اهلوية‬ ‫إعالن مبادئ التعاون الثقايف الدولي اليت تقضي بأن لكل‬
‫كاللغة والدين من أصحابها بطمس الشخصية واهلوية‬ ‫ثقافة كرامة جيب احرتامها واحملافظة عليها ومن واجب‬
‫الثقافية إلخضاع املستعمرات‪.‬‬ ‫وحق كل شعب أن ينمي ويطور ثقافته‪ ،‬وكل الثقافات‬
‫تشكل رغم تنوعها واختالفها جزء من تراث البشرية الذي‬
‫ثانيا‪ :‬على املستوى اإليديولوجي تعين اهليمنة الثقافية‬ ‫تشرتك يف ملكيته‪.‬‬
‫لظاهرة العوملة هيمنة النموذج األمريكي على ثقافات األمم‬
‫باستهداف الثقافات احمللية واإلقليمية بالزوال اعتبارا أن‬ ‫خامسا‪ :‬على املستوى الشخصي واإلنساني للعوملة تأثري‬
‫أخطر الغزو الثقايف التغرييب ذو الوجه القديم واجلديد ال‬ ‫إجيابي بتحويل الشعور باالنتماء إىل حالة تعصب إىل حالة‬
‫زال قائما وأشد شراسة ضد اهلوية الثقافية (‪.)10‬‬ ‫املرونة واالعرتاف بالغري يف ظل اإلنسانية بهدف القضاء‬
‫وهذا باحلد من العناصر األساسية للهوية الثقافية‬ ‫على التعصب والتشدد واجلمود الفكري‪.‬‬
‫املتمثلة أساسا يف اللغة اللسان احلقيقي املعرب عن اهلوية‪،‬‬
‫وذلك الدين والعقيدة والرتاث احلضاري اخلاص بالشعوب‪،‬‬ ‫سادسا‪ :‬على املستوى الرتبوي واألكادميي‪ :‬أصبحت‬
‫فتم اكتساح اللغات األجنبية على اللغة احمللية للشعوب‬ ‫احلقوق الثقافية يف ظل العوملة نسبيا مزدهرة بإعطاء‬
‫خاصة النامية وحتى منها املتقدمة‪ ،‬ولعل اللغة اليت تسيطر‬ ‫مكانة هلا على املستوى املؤسساتي ويف ظل املناهج الرتبوية‬
‫هي اللغة اإلجنليزية اليت تدعى باللغة احلية وهي اللغة‬ ‫واألكادميية‪ ،‬بهدف متثيل ثقافة األفراد والشعوب لدعم‬
‫العاملية اليت يتغنى بها غالب الناس‪ .‬وظهور احلرب ضد‬ ‫املعارف اخلاصة بهم والحرتام احلقوق الثقافية األخرى‪.‬‬
‫الدين اإلسالمي‪ ،‬والقضاء على احلضارة يف كل ما تعنيه‬ ‫سابعا‪ :‬على املستوى السياسي‪ :‬العوملة تتخطى حدود‬
‫ألي شعب من هوية وخصوصية‪ ،‬كاحلرب يف العراق ونهب‬
‫الدولة الوطنية وشخصية الفرد‪ ،‬وبذلك هي من تساهم‬
‫تراثه ومعامل تارخيه وحضارته‪.‬‬
‫يف الثقافة السياسية والتعددية الفكرية من خالل اإلعالم‬
‫هلذا يسعى مهربو اآلثار التارخيية‪ ،‬واحلرب ضد الدين يف‬ ‫واحلوار وحرية التعبري‪ ،‬وبالتالي فهي خري بالنسبة للشعوب‬
‫حتطيم املؤسسات الدينية للمجتمع واستبداهلا مبؤسسات‬ ‫املقهورة يف ظل السلطة املطلقة واملستبدة باحلكم‪.‬‬
‫أخرى‪ ،‬من أجل القضاء على الرتاث التارخيي واحلضاري‬
‫وخالصة اآلثار اإلجيابية بالنسبة للعوملة على اهلوية‬
‫للشعوب‪ ،‬وضرب مقومات اجملتمع يف الصميم أو الروح‪،‬‬
‫الثقافية هي أن الثقافة العاملية تدفع الناس إىل التحرك‬
‫سعيا يف نشر الثقافة املادية اليت تهيمن اليوم على األفراد‪.‬‬
‫والسري يف اإلصالح والقضاء على التبعية الثقافية يف‬
‫ثالثا‪ :‬على املستوى الروحي واملادي تفرض العوملة‬ ‫القيم والعادات‪ ،‬وذلك باستعمال وسائل وأسباب دعم اهلوية‬
‫إسرتاتيجية جزئية لإلنسان‪ ،‬فهي تريد مسخ ونزع الروح‬ ‫الثقافية استنادا إىل التعاون والرتابط والتماسك والشعور‬
‫من اجلسد بإبقاء اجلانب املادي واجلسدي للفرد‪ ،‬بإخالل‬ ‫باالنتماء الصحيح وعدم التعصب‪.‬‬
‫التوازن والتكامل يف الشخصية‪ ،‬فالعوملة األمركة تنتج‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬اآلثار السلبية للعوملة على اهلوية الثقافية‬
‫اإلنسان املادي احليواني بالقضاء على اجلانب الروحي‬
‫والنفسي والفكري‪ .‬وهذا بإعادة صياغة اإلنسان من جديد‬ ‫لألفراد والشعوب‬
‫وتغيري خلقته وتغيري مفاهيمه الفكرية (‪ .)11‬حبيث تتأسس‬ ‫إن أساس سلبيات العوملة على اهلوية الثقافية للشعوب‬
‫الثقافة املعوملة على حب الذات والفردانية بتحقري املعامل‬ ‫واألفراد تكمن فيما قاله “ صامويل هنتنجتون” إن االعتقاد‬
‫الشخصية للفرد والوالء للفكر املادي والتبعية للثقافة‬ ‫بضرورة تبين الشعوب غري الغربية لقيم وملؤسسات وحلضارة‬
‫املادية الغربية‪ ،‬اليت ال تقيم وزنا لإلنسانية‪.‬‬ ‫غربية هلو أمر غري أخالقي يف نتائجه ( بالنظر إىل نتائجه‬
‫وتوابعه ) (‪ .)9‬وتسعى الثقافة املعوملة إىل إقصاء اخلصوصيات‬
‫رابعا ‪ :‬على املستوى االقتصادي العوملة تهدف إىل تأكيد‬ ‫واهلويات الثقافية األخرى إىل حد ال يكون ألي جمتمع‬
‫وتعميم ثقافة تبعية الشعوب الفقرية إىل الدول املتطورة‬ ‫ثقافة ذاتية أو هوية شخصية‪.‬‬
‫املصنعة اليت تغين تلك الشعوب الضعيفة من ماديات بتنازل‬
‫وعليه تتجلى سلبيات العوملة على اهلوية الثقافية‬
‫هذه األخرية عن هوياتها الثقافية‪ ،‬وتظهر التبعية الثقافية‬
‫للشعوب واألفراد فيما يلي‪:‬‬
‫يف منط االستهالك واالستثمار الثقايف األجنيب ويف القرار‬
‫السياسي باغتصاب ثروات الشعوب‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬على املستوى التارخيي تعد العوملة استعمارا ثقافيا‬
‫فاهلدف احلقيقي من العوملة الثقافية هو إبقاء التبعية‬ ‫جديدا‪ ،‬ألنها تهدف إىل إحداث خلل يف اهلويات الثقافية‬
‫بإبقاء أهم الشعوب وخاصة منها املتدينة باإلسالم يف درجة‬ ‫للشعوب‪ ،‬بنشر وهيمنة العوملة الثقافية األحادية القطب‬
‫عالية من التبعية الثقافية (‪.)12‬‬ ‫بهدف االستيالء ونهب إمكانات وحضارة الشعوب خاصة‬
‫‪97‬‬ ‫األكادميية للدراسات اإلجتماعية واإلنسانية‪ 2010 - 4 .‬ص ‪101 -93‬‬
‫زغو حممد‬

‫املطلب الثاني ‪ :‬بعض التطبيقات السلبية للعوملة على‬ ‫فالتبعية الشاملة للغرب وضعف أداء االقتصاد خاصة‬
‫اهلوية الثقافية‬ ‫العربي منه وفشل برامج التنمية احمللية ال مينح فرصا‬
‫لتشكيل هوية اقتصادية لتحصني اهلوية الثقافية‪ ،‬ألن ما‬
‫الفرع األول ‪ :‬اللغة والعوملة الثقافية‬ ‫يتم استرياده من الغرب من منتجات وآالت ليست منتجات‬
‫اللغة هي مقوم أساسي ألي أمة‪ ،‬وهي جهاز االجتماع عند‬ ‫فقط بل تلك قيم وسلوكات غربية (‪ .)13‬أي تلك املنتجات‬
‫اإلنسان وهي املوقع يف صياغة وحدة األمة‪ ،‬فاللغة واألمة‬ ‫هي نتيجة للثقافة الغربية املصدرة واملستثمرة‪.‬‬
‫أمران متطابقان‪ ،‬ومنه اللغة هي أداة التفكري واليت تبني‬ ‫حيث مل حيدث يف التاريخ أن أقدم العامل على رموز‬
‫حتديد املفاهيم والقيم واملعاني (‪.)17‬‬ ‫وسلع ثقافية استهالكية وشبابية كما هو عليه احلال‬
‫إذ أن العوملة الثقافية ال ترضى بوجود لغات أخرى غري‬ ‫اليوم‪ ،‬فاإلقدام على هذه الثقافة االستهالكية والشبابية‬
‫اللغة اإلجنليزية‪ ،‬وهناك من املغالطات اليت ترى أن اللغة‬ ‫من مأكوالت وشخصيات أفالمها تأتي من مصدر واحد‬
‫العربية هي عدوا للغات العامل‪ ،‬واحلقيقة غري ذلك‪ ،‬ألن تعلم‬ ‫موجودة تقريبا يف كل العامل‪ ،‬مما يثري مدى موقف الثقافة‬
‫اللغات األخرى تكون مبثابة سالح وأمن‪.‬‬ ‫احمللية ومنها العربية يف مواجهة الغزو الثقايف الغربي ( ‪.)14‬‬
‫لكن ال ميكن أن تكون هناك لغة مبثابة ضرة للغة أخرى (‪،)18‬‬ ‫خامسا ‪ :‬على املستوى االجتماعي تؤثر العوملة على اهلوية‬
‫خاصة يف الدول املسلمة باعتبارها لغة القرءان والتواصل بني‬ ‫الثقافية من الناحية االجتماعية للشعوب واألفراد من خالل‬
‫هذه الدول‪.‬‬ ‫أنها مشروع غري أخالقي ومشروع فاسد تتميز بالثقافة‬
‫واإلعالم يعمل لقلع جذور األمم بتضليل وترويج خطط‬ ‫املادية بإفراغ اجملتمعات من رفعة األخالق ومسوها‪ ،‬وبقطع‬
‫مضللة وممنهجة تصل إىل قلب احلقائق‪ ،‬وذلك بتداول‬ ‫االنتماءات‪ ،‬وهي عوملة تؤزم األسر وروابطها بتفكيكها وبزرع‬
‫بعض املصطلحات املصطنعة لتقليب احلقائق إىل أكاذيب‬ ‫املشاكل وبث االحنراف وال مكانة لصلة الرحم والنسب‬
‫حبجة قبول اآلخر وحبجة املهنة وبدعوى االنفتاح‪ ،‬والتسرت‬ ‫واإلرث الشرعي فيها‪.‬‬
‫وراء مربرات واهية (‪.)19‬‬
‫إذ أن الثقافة الشعبية األمريكية طغت على أذواق الناس‬
‫وخاصة أن اعتبار اللغة العربية اليت متثل أصل هوية‬ ‫من خالل امللبس واملأكل واملوسيقى ومشاهدة األفالم‬
‫الشعوب العربية أنها عدوا ومنافسا للحضارة الغربية‪ ،‬وبالتالي‬ ‫واملسلسالت واستهالك السلع األمريكية‪ ،‬بسبب إرجاع ذلك‬
‫املواجهة بني الثقافة اإلسالمية والثقافية الغربية (‪.)20‬‬ ‫إىل التفوق األمريكي والسيطرة على وسائل وتقنية اإلعالم‬
‫وإذا متعنا يف ظاهرة العوملة‪ ،‬فلم يستساغ هلا تعريفا‬ ‫واإلنتاج السريع ووجود السوق املستهلكة بتصدير تلك‬
‫كامال وشامال‪ ،‬ومنه تبقى جمرد تأويالت فقط‪ ،‬ويبقى‬ ‫املنتجات‪ ،‬وعليه فالعوملة الثقافية ليست تفاعال للثقافات‬
‫اجملال مفتوحا للواقع بتأثري هذه الظاهرة فعليا على لغات‬ ‫العاملية بل هيمنة ثقافة غربية حمددة يف الو‪.‬م‪.‬أ‪.‬‬
‫األمم ومنها العربية‪.‬‬ ‫فالعوملة أو الشمولية الثقافية تفرض نفسها خصوصا على‬
‫وأكرب تأثري على اللغة يف ظل العوملة الثقافية هو تغيري‬ ‫األفراد واألسر ببنود حقوق اإلنسان ووسائل اإلعالم اليت‬
‫املفاهيم باصطناع مصطلحات جديدة مل تتداوهلا الشعوب‬ ‫تسيطر عليها الدول الغربية وبتقليد الغرب والتفسخ من‬
‫وبذلك جتد ميدانها يف خدمة واضعيها‪ ،‬كوصف القضية‬ ‫(‪.)15‬‬
‫كل خصوصية‬
‫الفلسطينية باإلرهاب‪ ،‬والعراق وكوريا الشمالية وإيران‬
‫إمنا العوملة الثقافية تسري حنو ثقافة عنصر اللذة وقد‬
‫مبحور الشر‪ ،‬وأن مصطلح حقوق اإلنسان يضفي الشرعية‬
‫شرعت أبواب اإلباحية الحتقار العفة والكرامة اإلنسانية‪،‬‬
‫على كل التجاوزات واإلكراهات اليت ميكن فرضها‬
‫وعملت على تعميم النموذج املادي الثقايف املعومل يف‬
‫وممارستها على اآلخرين (‪.)21‬‬
‫مؤمترات السكان بالقاهرة عام ‪ ،1994‬ومؤمتر املرأة ببكني‬
‫واليوم يتم االعرتاف باللغات األجنبية كلغات أساسية‬ ‫عام ‪.1995‬‬
‫تقريبا كاللغة الرمسية يف الدولة‪ ،‬وتوسيع احلجم الساعي‬
‫هلا‪ ،‬مبا أصبحت وكأنها اللغة الرمسية إىل جانب اللغة‬ ‫سادسا‪ :‬على املستوى اإلعالمي السيطرة على وسائل‬
‫األم‪ ،‬وهذا هو بداية مسخ اهلوية الثقافية إراديا‪.‬‬ ‫اإلعالم احملركة للثقافة املعوملة تهيمن عليها الدول‬
‫ولعل التنافس بني الدول املتقدمة وربط الدول‬ ‫التكنولوجية واملتفوقة عسكريا‪ ،‬فالعامل الفقري ليس له‬
‫االستعمارية بالدول املستعمرة يف جانب إضفاء اللغة‬ ‫القدرة يف هذه الوسائل ومواجهة االكتساح اإلعالمي‬
‫األجنبية لتصبح لغة ذات أهمية منافسة للغة األم هلو دليل‬ ‫الغربي مما يعين قصور العامل الفقري يف محاية وجتديد‬
‫على تأثري سليب عوملي‪ ،‬ومسخ وضرب ونفي ملقومات اهلوية‬ ‫هويته الثقافية (‪.)16‬‬

‫األكادميية للدراسات اإلجتماعية واإلنسانية‪ 2010 - 4 .‬ص ‪101 -93‬‬ ‫‪98‬‬


‫أثر العوملة على اهلوية الثقافية لألفراد والشعوب‬
‫تنص على أن الشريعة أو الدين مصدر لقانونها يف حني أنها‬ ‫الوطنية‪ .‬إضافة إىل تلك اللغة اهلابطة واللغة العامية اليت‬
‫موقعة على اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان الذي هو من‬ ‫تزايدت بفعل العوملة من تداخل اللغات يف بعضها البعض‬
‫أساليب العوملة يف ختطيها للحدود ومنها احلدود القانونية‬ ‫بإحداث لغة جديدة غريبة باجلمع بني عدة كلمات متثل‬
‫والثقافية‪ .‬واملعرب عن خصوصية خاصة يف العوملة‪ ،‬تسري يف‬ ‫عدة لغات‪.‬‬
‫غالبها بالقوة العسكرية لطمس خصوصية وهوية وشخصية‬ ‫وأصبح احلال بتطبيق القاعدة القائلة أنه ‪ “ :‬ال مشاحة‬
‫أخرى فيمن تراه من غري تلك اخلصوصية اخلاصة‪ ،‬يف حني‬ ‫يف القول” (‪ ،)22‬فأصبحت اللغة حدث وال حرج‪ ،‬فتم استخدام‬
‫أن اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان يعرب عن ثقافة الطرف‬ ‫مصطلح العمليات االنتحارية بدال من مصطلح العمليات‬
‫الذي وضع اإلعالن‪ ،‬وهو ما يشكل الدول الغربية الكربى‪،‬‬ ‫االستشهادية‪ ،‬واملقاومة بالتمرد واإلرهاب‪.‬‬
‫يف حني أنه ليس تعبري عن ثقافة الدول اليت كانت يف ظل‬
‫االستعمار وإن صادقت عليه حبرية بعد استقالهلا‪.‬‬ ‫الفرع الثاني ‪ :‬الدين والعوملة الثقافية‬
‫تستهدف العوملة ديانة وعقائد اجملتمعات‪ ،‬ولعل امليدان‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬الرتبية والعوملة الثقافية‬
‫اخلصب للعوملة يف املساس حبرية املعتقد والدين هو احلرب‬
‫تفرض العوملة صياغة املناهج والربامج التعليمية يف‬ ‫االستدمارية ضد معتنقي الشريعة اإلسالمية‪ ،‬أو احلروب‬
‫املدارس واجلامعات واملعاهد والكليات وفقا للتطور العاملي‬ ‫القائمة ضد اإلسالم سواء عسكرية أو ثقافية أو إعالمية‪،‬‬
‫الدميقراطي يف الدول املتطورة علميا وتكنولوجيا‪ ،‬حبيث‬ ‫ومن أدلة ذلك وجود مصطلحات وعبارات تبني ذلك‪ ،‬ومنها‬
‫تكون تلك املناهج والربامج موجهة من طرف الغرب وما‬ ‫مصطلح “ العوملة” يف حد ذاته‪ ،‬ألنه من وضع إنساني ويبق‬
‫يساير تطلعاته وتوجهاته‪ ،‬ويظهر ذلك يف تصدير الربامج‬ ‫النقيض خلاصية الشريعة اإلسالمية املتمثلة يف عامليتها‬
‫واملناهج املختلفة واليت متس بالكيان االجتماعي والثقايف‬ ‫“عاملية اإلسالم”‪ ،‬ومصطلح “ اإلرهاب” الذي مل يتم حتديد‬
‫للدولة‪ ،‬من حيث تغيري بعض مواد أو مقاييس التدريس‬ ‫تعريف له‪ ،‬وكل كيف يكيفه‪ ،‬ويبدو جليا أنه مناقض‬
‫كحذف مادة الرتبية اإلسالمية من الربامج الرتبوية‬ ‫ملصطلح اجلهاد يف اإلسالم‪ ،‬والدول اليت توصف باإلرهاب‬
‫والعلمية وحتى يف اجلامعات‪ ،‬ويهدف هذا إىل تغيري ذهنية‬ ‫هي ميدان للدمار وإثارة بها النزاعات الداخلية واخلارجية‬
‫األفراد وشعوب العامل جتاه الغرب أوال‪ ،‬ولنشر وتوسيع نطاق‬ ‫للدول هي الدولة املتدينة باإلسالم‪ ،‬ومصطلح “ احلرية”‬
‫العوملة الثقافية دوليا خاصة يف نطاق الدول الضعيفة‪.‬‬ ‫الذي يعين التحرر من كل قيد ديين‪ ،‬وهناك ظن بأن‬
‫حيث تسهر الدول الغربية معتنقة العوملة الثقافية‬ ‫اإلسالم يقيد احلرية‪ ،‬وهذا خطأ‪ ،‬ألن احلرية اليت تضعها‬
‫تصدير براجمها املختلفة واليت سبق تصميمها قبال‬ ‫العوملة هي القضاء يف نفس الوقت على حرية الفرد يف‬
‫وبدراسة هادفة للمستقبل لتحقيق أغراضها السياسية‬ ‫املعتقد والدين‪.‬‬
‫واالجتماعية والعلمية‪ ،‬بالقضاء على هوية ومناهج وعقلية‬ ‫وما جمال احلريات واحلقوق إال أسلوب اصطناعي من‬
‫اجملتمع الداخلي للدول‪ ،‬والواقع يثبت أن دوال كثرية تقوم‬ ‫الدول اليت تسهر على نشر وبعث سياسة العوملة من الثقافية‬
‫باسترياد هذه املناهج والربامج بغية مسايرة العصر‪ ،‬ولكن‬ ‫مبختلف القوالب اخلفية‪ ،‬وقلب األمور من حقيقتها إىل غري‬
‫هذا يف حقيقة األمر يهدف إىل سلخ اجملتمع من مقوماته‬ ‫ذلك‪ ،‬خاصة بواسطة اإلعالم واالتصال‪.‬‬
‫األساسية وإدماجه يف فلك العوملة الثقافية‪ ،‬يف حني الدول‬
‫هذا البعد العوملي الوضعي للدين والعقيدة ميس بالوجه‬
‫الغربية ال ميكن هلا أن تنسلخ عن مقوماتها الشخصية‬
‫واخلصوصية بل تريد ذلك لغريها فقط‪.‬‬ ‫الثقايف االجتماعي وحتى السياسي للشعوب‪ ،‬بوجود دول‬
‫تدين باإلسالم الذي هو ثابتة ومبدأ أساسي يف الدولة‪،‬‬
‫وبهذا حيدث التعارض بني األجيال يف الدولة الواحدة‬ ‫وهناك من الدول تأخذ بالشريعة اإلسالمية كمصدر‬
‫من التأطري والتوجيه والتعليم يف فرتة اعتماد الدولة على‬ ‫رمسي للدستور والقوانني األخرى‪ .‬وهذا ما يتنافى وقوانني‬
‫خصوصيتها يف األول‪ ،‬واعتمادها على خصوصية الربامج‬ ‫وأهداف العوملة الوضعية‪ ،‬اليت تهدف إىل مسخ الشعوب من‬
‫املستوردة ثانيا‪ ،‬ومنه يكون التناقض يف اجملتمع بني اجليل‬ ‫خصوصية الدين‪ ،‬وكل من يطبق الدين ويضفيه على‬
‫الكبري والصغري‪ ،‬وينتج عن هذا تغيري املنظومة الرتبوية‬ ‫القانون وحتى يف األخالق والعبادات واملعامالت أصبح يطلق‬
‫بتغيري املنظومة القانونية املؤطرة واملنظمة هلا‪.‬‬ ‫عليه يف حياة العوملة بأنه “ رجعي” ومتخلف‪.‬‬
‫املطلب الثالث ‪ :‬التصدي للغزو الثقايف املعومل‬ ‫وهناك تعاط تسري عليه بعض الدول بني الدين والقوانني‬
‫الدولية اليت تعد منهاج العوملة‪ ،‬بأنه غري جدي وغري منطقي‪،‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬بدائل التصدي للغزو الثقايف املعومل‬ ‫فكيف للدول أن تكون عضوة يف هيئة األمم املتحدة يف إطار‬
‫يستوجب األمر للتصدي للغزو الثقا يف املعومل باالرتكاز على‬ ‫نصوص القانون الدولي العام ويف إعالنات ومواثيق حقوق‬
‫املرجعية احلضارية للشعوب واألفراد‪ ،‬وذلك بالقيام مبا يلي‪:‬‬ ‫اإلنسان‪ ،‬وهي الدول الضعيفة املتشبثة بالدين ودساتريها‬
‫‪99‬‬ ‫األكادميية للدراسات اإلجتماعية واإلنسانية‪ 2010 - 4 .‬ص ‪101 -93‬‬
‫زغو حممد‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬اآلفاق أو اإلسرتاتيجية املستقبلية للتصدي‬ ‫أوال ‪ :‬التفاعل بني الثقافة احمللية والثقافات األخرى‬
‫للعوملة‬ ‫اخلارجية يف إطار عاملية الثقافة اليت تقضي باالعرتاف‬
‫التعددي الثقايف بعدم انصهار ثقافة يف ثقافة أخرى‪ ،‬ألن‬
‫أوال‪ :‬يف جمال الثقايف إذا كانت العوملة هي غزو ثقايف‬ ‫عاملية الثقافة تعين االحتكاك بالثقافات األخرى أخذا وعطاء‬
‫يهيمن على كل اهلويات الثقافية للشعوب‪ ،‬وال تعرتف‬ ‫باالحتفاظ باخلالف اإليديولوجي‪.‬‬
‫بالتعدد الثقايف‪ ،‬وأن هويات الشعوب واألفراد مستهدفة‪،‬‬
‫فينبغي ما يلي‪:‬‬ ‫ثانيا‪ :‬االنفتاح على الثقافات األخرى يف حدود التبادل‬
‫‪ 1-‬إمناء اإلحساس يف نفسية األفراد باخلصوصية‬ ‫والتوازن الثقايف على أساس احلوار دون نفي ثقافة اآلخر‪.‬‬
‫الثقافية وميزات اهلوية الثقافية واحلضارية بالتفاعل‬
‫ثالثا‪ :‬التعبئة واالستعداد الكامل املبين على أسلوب املواجهة‬
‫املدرك مع الثقافات األخرى على أساس التعاون والتكامل‬ ‫املبين على االعتقاد واإلميان وعلى احلضارة والرصيد‬
‫دون تبعية ثقافة إىل ثقافة أخرى بال تبعية وال ذوبان (‪.)26‬‬ ‫العلمي (‪ )23‬والتارخيي للنهوض باهلوية الثقافية‪.‬‬
‫‪ 2-‬دعم االتصال الثقايف الفكري احمللي واجلهوي لألمة‪،‬‬
‫وإنشاء معاهد هلذا االتصال وبناء مقومات ودعائم اهلوية‪،‬‬ ‫رابعا‪ :‬االستفادة من العوملة يف جماهلا اإلعالمي والتقين‬
‫والتعاون األممي الثقايف خاصة عند العرب‪ ،‬الذين ميتلكون‬ ‫واإلتصاالتي‪ ،‬وذلك جبلب التكنولوجيا واستخدامها يف‬
‫أسباب التكامل والتعاون واالحتاد الثقايف‪.‬‬ ‫أغراض من شأنها حفظ اهلوية الثقافية‪ ،‬دون املساس سلبا‬
‫‪ 3-‬توعية األفراد واجملتمعات السلبية اليت تؤمن حبتمية‬ ‫خبصوصية هذه اهلوية‪.‬‬
‫العوملة‪ ،‬وذلك بتقديم وشرح ظاهرة العوملة مبا ختفيه من‬ ‫خامسا‪ :‬جيب التحرك إلبراز اهلوية الثقافية‪ ،‬دون البقاء‬
‫نوائب‪ ،‬وأنها استعمار ثقايف جديد‪ .‬واالهتمام بالذين يهتمون‬ ‫مكتويف األيدي وانتظار الغزو الثقايف الغربي من أجل‬
‫بالفكر الغربي وينادون باالنسالخ عن أصوهلم تنكرا لذواتهم‬ ‫استهالكه واالعرتاف به‪ ،‬ودون شروط تفرض نفسها من‬
‫واهتمامهم باحلياة املادية‪.‬‬ ‫اهلوية الثقافية احمللية‪.‬‬
‫‪ 4-‬تقوية اجلبهة الداخلية للهوية الثقافية للتصدي‬
‫للغزو الثقايف (‪ ،)27‬واالهتمام باملؤمترات اإلقليمية على‬ ‫سادسا‪ :‬تكاتف وتعاون الناس مجيعا ألي أمة وخاصة‬
‫مستوى اهلويات والثقافات‪ ،‬كما حدث يف مؤمتر وزراء‬ ‫مؤسسات الرتبية والتكوين والوزارة املعنية ودور الثقافة‬
‫الثقافة العرب يف عام ‪ 1976‬الذين نادوا بوجوب تعميم اللغة‬ ‫واملساجد ونوادي الكتاب من أجل تكوين الذات وحتصينها‬
‫العربية يف التعليم ويف وسائل اإلعالم‪ ،‬والنصح للمسؤولني‬ ‫جيدا لتكون حصنا متينا يصد سلبيات العوملة الثقافية‪.‬‬
‫الساهرين على شؤون األمة من طرف العلماء واجملتمع‬
‫سابعا‪ :‬وجوب نشر وتوعية األفراد خبطورة الثقافة‬
‫املدني لتغيري هلجتهم واستخدام اللغة الرمسية ال األجنبية‬
‫الغربية املعوملة باعتبارها مسخا واستعمارا ثقافيا يفرغ‬
‫ألنها رمز الوطن وهويتهم وشخصيتهم‪.‬‬
‫اهلوية من أصلها‪ ،‬بإعادة صياغة اإلنسان من جديد ألن‬
‫ثانيا‪ :‬يف اجملال الرتبوي هذا امليدان أساس للثقافة واهلوية‬ ‫يصبح جسدا بدون روح‪.‬‬
‫ألي أمة‪ ،‬بتكوين وتعليم وإنشاء األجيال احملصنة من كل‬
‫ثامنا‪ :‬حيث يرى الدكتور” اجلابري “ أن البديل هو‬
‫زيغ‪ ،‬وال يكون ذلك إال باإلصالح املنظوماتي للرتبية يف املناهج‬
‫الدفاع عن اهلوية الثقافية ومقاومة الغزو بالعقالنية‬
‫واملواد األساسية املعتمدة عمليا‪ ،‬والنظر يف مضمون هذه‬
‫وبالدميقراطية‪ ،‬بإعادة االعتبار للهوية الوطنية‪ ،‬وتنشيط‬
‫املواد واملناهج‪ ،‬باالعتماد على املرجعية واملصدرية الدينية‬
‫عناصر اهلوية يف النسيج اجملتمعي‪ ،‬ألنها تساهم يف معرفة‬
‫والتارخيية واللغوية‪ ،‬يف إطار التفتح الثقايف العاملي‪.‬‬
‫التطور احلاصل بإدراك ووعي (‪.)24‬‬
‫واالهتمام بالدورات الثقافية والسماح باإلبداع الداخلي‬
‫والفردي وتشجيع القيم الوطنية‪ ،‬والقضاء على استرياد‬ ‫تاسعا‪ :‬االعتبار بالغري‪ ،‬فالصني واليابان باعتمادهما‬
‫القيم والربامج األجنبية اليت ال تصلح لألمة مبا أنها نتاج‬ ‫على اللغة الوطنية كأساس ملنطلقهما يف الثورة العلمية‬
‫أمة أخرى‪ ،‬وهذا ما يبني أزمة التعليم والرتبية احمللية‪.‬‬ ‫والتقنية والتكنولوجية واالقتصادية فيما يعرب عن حاجات‬
‫أفرادها واليت مجعت مشل األمة استنادا إىل اللغة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬يف اجملال االجتماعي يف هذا امليدان يتطلب األمر‬
‫تكثيف اجلهود بالعناية بالتوازن بني مستويات األفراد‬ ‫عاشرا‪ :‬وجوب الربط بني الوعي القومي واهلدف الوحدوي من‬
‫واجملتمع بتحقيق نظام يكفل مصلحة األفراد يف ظل‬ ‫جهة‪ ،‬والوعي اللغوي من جهة ثانية‪ ،‬لبلوغ التكامل الذي يكون‬
‫مصلحة اجملتمع‪ ،‬بالقضاء على احلرية الفردية اليت تبغيها‬ ‫بالوعي الثقايف والقومي املرتبط بالوعي اللغوي السليم (‪.)25‬‬

‫األكادميية للدراسات اإلجتماعية واإلنسانية‪ 2010 - 4 .‬ص ‪101 -93‬‬ ‫‪100‬‬


‫أثر العوملة على اهلوية الثقافية لألفراد والشعوب‬
‫(‪ -)6‬د‪ .‬خالد بن عبد اهلل القاسم‪ ،‬املرجع السابق‪.‬‬ ‫العوملة‪ ،‬ودعم األسر بإنشاء وتربية األجيال وتكوينهم على‬
‫(‪ -)7‬أ‪ .‬عبد العزيز بوسامل‪ ،‬هل متوت الثقافة الوطنية يف زمن العوملة‪،‬‬ ‫أسس وقواعد اهلوية االجتماعية والثقافية لألمة باستخدام‬
‫جملة آفاق‪ ،‬العدد اخلاص بالعوملة االقتصادية‪ ،‬جامعة البليدة‪ ،‬ص‪.18‬‬ ‫الدعم املالي لألسر‪ ،‬واإلعالمي لنشر ثقافة احلفاظ على‬
‫(‪ -)8‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.17‬‬ ‫اهلوية والتنشئة األساسية للهوية الثقافية‪.‬‬
‫(‪ -)9‬د‪ .‬مراد هوفمان‪ ،‬اإلسالم يف األلفية الثالثة‪ ،‬ديانة يف صعود‪،‬‬
‫مكتبة العكيبات‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،2003 ،‬ص‪.19‬‬ ‫اخلامتـة‬
‫(‪ -)10‬د‪ .‬حممد بن مسينة‪ ،‬العوملة وأثرها على الثقافة اإلسالمية يف‬ ‫العوملة ليست خريا كله وليست شرا كله‪ ،‬وإمنا ينبغي‬
‫اجلزائر‪ ،‬جملة الثقافة اإلسالمية‪ ،‬السنة الثانية‪ ،‬العدد الثاني‪،2006 ،‬‬ ‫على أي أمة أن ال حتدث قطيعة معها كي ال تكون منعزلة‬
‫ص‪.80-79‬‬ ‫عن العامل‪ ،‬وأن ال تكون هذه األمة منفتحة عليها حتى ال‬
‫(‪ -)11‬د‪ .‬أسعد السحمراني‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.9‬‬ ‫تذوب وتنصهر مما يكلفها الكثري‪.‬‬
‫(‪ -)12‬أ‪ .‬بوختيل معطي‪ ،‬أهم حتديات األسر اجلزائرية والرهانات‬ ‫إمنا جيب أن تكون األمة عاملية مبعنى أن حتافظ على‬
‫املطروحة‪ ،‬جملة الثقافة اإلسالمية‪ ،‬السنة األوىل‪ ،‬العد د التجرييب‪،‬‬
‫كيانها وهويتها والتفتح على الثقافات األخرى باحلفاظ‬
‫‪ ،2005‬ص‪.145‬‬
‫على التعدد الثقايف يف إطار التوازن والتكامل‪ ،‬وعليها أن‬
‫(‪ -)13‬د‪ .‬نبيل علي‪ ،‬العرب وعصر املعلومات‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬الكويت‪،‬‬
‫تستفيد من مقومات العوملة خاصة وسائل اإلعالم باإلجياب‪،‬‬
‫العدد ‪.1994 ،184‬‬
‫للعمل على دعم اهلوية الوطنية وتثبيت خصوصية اهلوية‬
‫(‪ -)14‬عبد القادر رزيق املخادمي‪ ،‬النظام الدولي اجلديد‪ ،‬الثابت‬
‫ألن تكون قائمة يف ظل الفاعلية أخذا وعطاء بني كل‬
‫واملتغري‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،2006 ،‬ص‪.67-66‬‬
‫الثقافات‪.‬‬
‫(‪ -)15‬أ‪ .‬بوختيل معطي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.145-144‬‬
‫(‪ -)16‬حممد فاضل رضوان‪ ،‬حنن والعوملة‪ ،‬مأزق مفهوم وحمنة‬
‫وعلى الدول العربية واإلسالمية أن تعمل على اإلحتاد‬
‫هوية‪ ،‬على املوقع ‪www.qattanfoundation.org‬‬ ‫العربي والثقايف ألنها معنية أكثر من غريها بظاهرة‬
‫(‪ -)17‬د‪ .‬أسعد السحمراني‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.87‬‬
‫العوملة‪ ،‬لذا جيب عليها التوحد والعمل املشرتك والتصدي‬
‫معا للظاهرة‪ ،‬ونفس األمر بالنسبة لألفراد‪.‬‬
‫(‪ -)18‬أ‪ .‬حممد اهلادي احلسين‪ ،‬من وحي البصائر‪ ،‬دار األمة‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪ ،2004 ،‬ص‪.25‬‬ ‫وأخريا ميكن القول أن العوملة ما هي إال ظاهرة استعمار‬
‫(‪ -)19‬آمال عبيد‪ ،‬هويتنا وحرب املصطلحات‪ ،‬جملة جامعة البليدة‪،‬‬ ‫جديد ستزول ألنها مشروع باطل وما بين على الباطل فهو‬
‫تصدر عن النشاطات الثقافية والرياضية‪ ،‬العدد األول‪ ،2006 ،‬ص‪.12‬‬ ‫زائل‪ ،‬وما أسس على الظلم فهو فاشل‪.‬‬
‫(‪ -)20‬أ‪ .‬عبد العزيز بوسامل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.18‬‬
‫اهلوامش وقائمة املراجع‬
‫(‪ -)21‬أ‪ .‬بوختيل معطي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.146‬‬
‫(‪ - )1‬د‪ .‬أسعد السحمراني‪ ،‬ويالت العوملة على الدين واللغة والثقافة‪،‬‬
‫(‪ -)22‬آمال عبيد‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.12‬‬ ‫دار النفائس‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،2002 ،‬ص‪.82‬‬
‫(‪ -)23‬د‪ .‬حممد بن مسينة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.9‬‬ ‫(‪ -)2‬د‪ .‬خالد بن عبد اهلل القاسم‪ ،‬العوملة وأثرها على اهلوية[‪،]1/2‬‬
‫(‪ -)24‬حممد فاضل رضوان‪ ،‬املرجع السابق‪.‬‬ ‫‪ ،2006‬على املوقع ‪www.islamtoday.net‬‬
‫(‪ -)25‬د‪ .‬أسعد السحمراني‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.87‬‬ ‫(‪ -)3‬د‪ .‬أسعد السحمراني‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.82-83‬‬
‫(‪ -)26‬د‪ .‬حممد بن مسينة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪ -)27( .94‬املرجع‬ ‫(‪ -)4‬سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية رقم ‪.70‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص‪.95-94‬‬ ‫(‪ -)5‬د‪ .‬أسعد السحمراني‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.84‬‬

‫األكادميية للدراسات اإلجتماعية واإلنسانية‪ 2010 - 4 .‬ص ‪101 -93‬‬


‫‪101‬‬

‫)‪Powered by TCPDF (www.tcpdf.org‬‬

You might also like