You are on page 1of 12

‫للا‬ ‫اه‬‫ض‬ ‫ت‬‫ار‬ ‫ي‬ ‫ِّ‬

‫الذ‬ ‫ين‬ ‫ِّ‬


‫الد‬
‫َْ َ ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫اإلسالَ ُم ِّأم ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّةُ‬
‫أ َُه َو ْ‬

‫***‬ ‫***‬

‫‪PART-05‬‬
‫نفسهُ؟‬ ‫ِّ‬
‫اإلسالم والْ ُم ْسلُ َمانيَّةُ ليسا مها الشيءَ َ‬
‫ُ‬ ‫ملاذا‬
‫?‪Why are Islam and Müslümanlık not the same thing‬‬

‫أتليف‬
‫فريد صالح اهلامشي‬
‫‪Copyright©2018 by‬‬
‫‪Feriduddin AYDIN‬‬
‫‪feriduddin@gmail.com‬‬

‫إسطنبول‪2018-‬م‪.‬‬

‫دار العِرَب للطباعة والنشر‬

‫‪al_ibar.publishing@yahoo.com‬‬
‫نفسهُ؟‬ ‫ِّ‬
‫اإلسالم والْ ُم ْسلُ َمانيَّةُ ليسا مها الشيءَ َ‬
‫ُ‬ ‫ملاذا‬

‫ومعىن‪ ،‬ال‬ ‫ِّ‬


‫خمتلفان لفظًا‬ ‫اإلسالم واملُ ْسلُ َمانِّيَّةَ ‪ Müslümanlık‬مصطلحان‬ ‫ليس هناك شك يف أن‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫مطَاب َقةَ وال م َقاربةَ وال ُمَانَسةَ بينهما ٍ‬
‫بوجه من الوجوه‪ ،‬وأما املشاهبةُ النسبيةُ والشكليةُ اليت قد‬ ‫َ‬ ‫ُ ََ‬ ‫ُ َ‬
‫س هبا بعض رهبان‬ ‫ٍ‬
‫تظهر بينهما يف بعض املناسك والعبادات املشرتكة‪ ،‬إمنا هي انشئة من سرقات تَ لَبَّ َ‬
‫استيالء األمويني على بالد ما ور ِّاء النهر‪ ،‬على سبيل‬
‫ِّ‬ ‫الشامانية والبوذية الذين انتحلوا اإلسالم أايم‬
‫ِّ‬
‫هؤالء الرهبان‬ ‫اإلنتقام من "العرب احملتلِّني ودينهم"؛ وهذا أقوى اإلحتماالت‪ .‬أييت يف مقدمة‬
‫س ِّوي ‪ ،Ahmed Yesevî‬وعبد اخلالق الغُ ْ‬
‫ج َد َوان ‪Abdulhalık‬‬ ‫شخصيتان؛ ومها أمحد يَ َ‬
‫ملسات عن نشاطاهتما يف الفصول املقبلة‬ ‫ٌ‬ ‫‪ ،Gucdevânî‬كاان على صلة قوية فيما بينهما‪ ،‬وستأيت‬
‫السريَِّّة‪َّ 1.‬‬
‫ألن كالَّ منهما يُ َع ُّد من مشاهري‬ ‫إن شاء للا تعاىل‪ ،‬وهي قليلةٌ ملا تتوارى به حياهتُما من ِّ‬
‫قلة من األتر ِّ‬
‫اك‬ ‫يومئذ قد حسن إسالم ٍ‬ ‫وقت مبكِّ ٍر‪ ،‬إذ مل يكن ٍ‬ ‫املدسوسني بني اجملتمع اإلسالمي يف ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ َُ‬ ‫ْ‬
‫س ِّوي‪ ،‬فإنه تُركي األص ِّل من سكان خبارى‪ ،‬كان راهبًا من أتباع‬ ‫ِّ‬
‫وبقية ِّ‬
‫أهل املنطقة بع ُد‪ .‬أما أمحد يَ َ‬
‫ت‬‫ْم ْ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫اإلسالم‪ ،‬له ديوا ٌن كتبه ابللغة الرتكية ا ْْلَغطَائيَّة‪ ،‬مساه (ديوان حك َ‬
‫َ‬ ‫الداينة الشامانية‪ ،‬انتحل‬
‫استعظاما‪ ،‬كأسطورة (آسالن‬‫ً‬ ‫الضمري‬
‫َ‬ ‫العقل و‬
‫َ‬ ‫ول‬ ‫ِّ‬
‫املساوي ما يَ ُه ُ‬ ‫‪ ،)Divan-ı Hikmet‬فيه من‬
‫‪ 2)Aslan‬وأما الشخصيةُ الثانيةُ فهو عبد اخلالق الغجدوان من سكان مدينة خبارى‬ ‫‪Baba‬‬ ‫اباب‬

‫يُطلق على من يتلبس ابخلبث من أمثال هذين الشخصني‪ ،‬يُطلق عليهم اسم ‪ Cyripto Sufis‬يف مصطلح علم اإلجتماع‪ ،‬وهذا يعين‪ :‬الصوفيني‬ ‫‪1‬‬

‫املشفرين‪ .‬ألن مهمتهم العبث ابلدين وحتريف تعاليمه‪ ،‬مع ذلك ينتحلون صفات أهل التنسك والورع يف ظاهرهم‪ ،‬إلرابك اْلهال والرعاع‪ ،‬ويكتمون األسرار‪،‬‬
‫وتتوارى معظم حياهتم ابلغموض‪.‬‬

‫‪ 2‬هذه نبذة من قصة (آسالن اباب) ابللغة الرتكية‪ .‬املصدر‪ :‬املوسوعة اإلسالمية من منشورات رائسة الشؤن الدينية التابعة للدولة الرتكية‪ .‬إسطنبول‬
‫‪«Arslan Baba ashabın büyüklerinden olup dört yüz veya yedi yüz yıl yaşamıştır. İki ayrı rivayete göre,‬‬
‫‪sahâbîler bir gazâ sırasında veya Arslan Baba’nın evindeki bir toplantıda acıkırlar. Bu arada Hz.‬‬
‫‪Peygamber’in duasıyla Cibrîl cennetten bir tabak hurma getirir. Hurmalardan biri yere düşünce Cibrîl o‬‬
‫‪hurmanın ileride doğacak Ahmed Yesevî’nin kısmeti olduğunu söyler. O zaman Hz. Peygamber‬‬
‫‪ashabına, “Bu hurmayı Yesevî’ye kim ulaştıracak?” diye sorar. Göreve Arslan Baba talip olur ve Hz.‬‬
‫‪Peygamber hurmayı onun ağzına koyar. Arslan Baba nice yüzyıl sonra Türkistan’ın Sayram şehrinde‬‬
‫‪henüz yetim kalan yedi yaşındaki Ahmed Yesevî’yi bulup emaneti ona teslim eder.» (TDV İslâm‬‬
‫)‪Ansiklopedisi’nin 1991 yılında İstanbul'da basılan 3. cildinde, 400 numaralı sayfada yer almıştır.‬‬
‫اإلسالم هو اآلخر‪،‬‬
‫َ‬ ‫طاجكي األصل من رهبان الداينة البؤذية‪ ،‬انتحل‬
‫َّ‬ ‫رجح أنه كان‬ ‫ضا‪ ،‬لكنه يُ َّ‬
‫أي ً‬
‫‪3‬‬
‫اجگَانِّيَّه‪).‬‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫واقتبس من تعاليم البوذية مثانيةَ ألفاظ جعلها قاعدةً لداينة ابتدعها ابسم (الطريقة ُخ َو َ‬

‫عددا قليالً من األكادمييني األتراك أدركو هذه احلقيقة بفضل ما خاضوا فيه من حبوث‬ ‫أن ً‬ ‫يبدو َّ‬
‫التوس ِّع يف أعماهلم لقلق يف نفوسهم‪.‬‬ ‫ودراسات علميَّ ِّة قَي ٍ‬
‫مة يف السنوات األخرية‪ ،‬لكنهم جتنَّبوا من ُّ‬
‫هؤالء الباحثني‪ ،‬العالمة الشيخ فؤاد كوبرولو ‪ ،Fuad Köprülü‬والعالمة األستاذ‬ ‫ِّ‬ ‫أييت على ر ِّ‬
‫أس‬
‫أمحد ايشار أوجاك ‪ .Ahmet Yaşan Ocak‬وقد أشار هذا األخري ابختصار شديد يف أحد مؤلَّفاتِِّّه‬
‫احتالف يف املعىن‪ ،‬لكنه مل يدخل يف تفاصيل هذا اإلختالف‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫اإلسالم و‪ Müslümanlık‬بينهما‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫أن‬
‫صرون على "أن هذين املفهومني يتَّحدان يف‬ ‫وأما الغالبيَّةُ العظمى من رجال ِّ‬
‫الد ِّ‬
‫ين األتراك مازالوا يُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ك ‪ )Müslümanlık‬ما هي إالَّ ً‬
‫تعبريا عن اإلسالم‪،‬‬ ‫(م ْسلُ َمانْلِّ ْ‬
‫املعىن‪ ".‬منهم من يدعي‪" :‬أن كلمةَ ُ‬
‫ٍ‬
‫واسعة‬ ‫ٍ‬
‫ومعرفة‬ ‫اإلسالم يف الوهلة األوىل مل يكونوا على وع ٍي ٍ‬
‫اتم‬ ‫ولكن األتراك الذين اعتنقوا‬
‫َ‬
‫يومئذ دون أن يقصدوا ِّ‬
‫تشو َيههُ أب ًدا‪ ،‬فكان هذا اإلطالق فَ ْلتَةً‬ ‫بتعاليم ِّه‪ ،‬فأطلقوا عليه هذا اإلسم ٍ‬
‫ِّ‬
‫َ‬
‫وجرت على ألسنتهم كإسم للدين‬ ‫ْ‬ ‫جهل أو بسبب العُ ْج َم ِّة‪ ،‬فتأصلت الكلمةُ يف أذهاهنم‬ ‫منهم عن ٍ‬
‫وجه‪ ،‬يستقيم مع الواقع اإلجتماعي‬ ‫شك فيه من ٍ‬ ‫إن هذا التعليق؛ ال َّ‬ ‫اإلسالمي إىل اليوم‪َّ ".‬‬
‫وَثَّ وجهٌ آخر ال يستقسم مع الواقع التارخيي الذي يتوارى يف‬‫للمجتمع الرتكي اليوم‪ ،‬وفيه نظر‪َ .‬‬
‫امليس ِّر‪ :‬أن هذه التسميةَ مل أتيت عن ٍ‬
‫جهل وال عن‬ ‫ِّ‬
‫ابلقدر َّ‬ ‫ضباب وال يبدو من معامله إالَّ أطالً تشريُ‬
‫اْلاهلي‬
‫ِّ‬ ‫معتقدات ِّ‬
‫العهد‬ ‫ِّ‬ ‫احندرت من‬
‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫وخيمة‬ ‫عواقب‬ ‫أسفرت عن‬
‫ْ‬ ‫جمة‪ ،‬بل كانت مؤامرةً مقصودةً‬‫ُع ٍ‬
‫َ‬
‫وعاداهتا وتقاليدها ودامت إىل اليوم يف ثوب من القبورية‪...‬‬

‫املعاصر ال يقصد‬ ‫كي‬ ‫ترد ٍد‪َّ :‬‬ ‫نقول دون ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫أن اإلنسا َن الرت َّ‬ ‫أي ُّ‬ ‫ستطيع أ ْن َ‬
‫ُ‬ ‫اإلدعاء ن‬ ‫فتعقيبًا على هذا‬
‫لتعاليم ِّه‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫املتنسكون الذين ميتثلون‬ ‫هبذه الكلمة داينةً أخرى غري اإلسالم أب ًدا‪ .‬سواء يف ذلك‬
‫دقائق‬
‫َ‬ ‫األعظم من هذا اجملتمع يكاد جيهل‬ ‫َ‬ ‫السواد‬
‫َ‬ ‫س َق ِّة واملتهاوينني‪ ...‬ذلك ألن‬
‫وغريُهم من ال َف َ‬
‫وتشو ٍ‬
‫هات‬ ‫ات ُّ‬ ‫تغري ٍ‬
‫اإلسالم وما بع َدهُ‪ ،‬وما جرى خالهلا من ُّ‬‫ِّ‬ ‫قبل‬
‫الصفحات التارخيية لألمة الرتكية‪ ،‬ملا َ‬
‫ائق الصوفيَّ ِّة اليت انبثقت أبمجعها عن دايانهتم‬ ‫أعداد من الطر ِّ‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ونشوء‬ ‫ٍ‬
‫واستحاالت يف املعتقدات‪،‬‬
‫كثريا من علماء‬ ‫نشك يف َّ‬ ‫وغريها‪ ...‬ومع هذا‪ ،‬ال ُّ‬ ‫والبوذية والزر ِّ‬
‫ادشتية ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫أن ً‬ ‫الشامانية‬ ‫السالفة من‬
‫والقضاء على البدع والشر ِّ‬
‫كيات‬ ‫ِّ‬ ‫عمال حممودةٍ ألجل تصحيح املعتقدات الباطلة‬ ‫األتراك قد هنضوا إب ٍ‬

‫هذه األلفاظ الثمانية املرَّكبةُ واملصاغةُ ابلفارسية والعربية هي‪ :‬هوش دردم‪ ،‬نظر برقدم‪ ،‬سفر دروطن‪ ،‬خلوت در أجنمن‪ ،‬ايد كرد‪ ،‬ابزﮔشت‪ ،‬نگ ه دﺍشت‪ ،‬ايﺩ‬ ‫‪3‬‬

‫ﺩﺍشت‪.‬‬
‫خاصةً يف كِّلَ ِّي العهدين السلجوقي والعثمان‪ .‬إالَّ أن‬ ‫ولتحويل وجهة الشعب حنو اإلسالم الصحيح َّ‬
‫ومتارس أشكاالً من ا ْحلِّيَ ِّل يف تفسريها َِّ‬
‫لتب َر َّأهنا ال تعبد‬ ‫ص ُّر على القبورية‪،‬‬ ‫الكثرة الساحقة ال تزال تُ ِّ‬
‫ُ‬
‫إال للا‪ ،‬على غرار مشركي فريش الذين كانوا يدافعون عن إشراكِّ ِّه ْم آهلتَ ُه ْم مع للا إذ يقولون " َما‬
‫‪4‬‬ ‫وان إِّ َىل َِّّ‬
‫اّلل ُزلْ َفى‪".‬‬ ‫نَ ْعبُ ُد ُه ْم إَِّّال لِّيُ َق ِّربُ َ‬

‫والطقوس يف اجملتمع ال ُْم ْسلُ ُم ِِّّ‬


‫ان‬ ‫ِّ‬ ‫اد ِّ‬
‫ات‬ ‫ار َسةَ العِّبَ َ‬ ‫يس والت ِّ‬ ‫ِّ‬
‫التقد ِّ‬ ‫إ َّن‬
‫َّعبُّد والتَّ َديُن‪َ ،‬وُمَُ َ‬
‫َ‬ ‫مفهوم‬
‫َ‬
‫احلق ِّأبن الداينةَ اليت يعتنقها أهل منطقة الشرق‬ ‫(‪ )Musluman community‬اليوم‪ ،‬تشهد شهادة ِّ‬
‫اإلسالم‬
‫َ‬ ‫األوسط أبمجعهم‪( ،‬وليس األتراك فحسب)‪ ،‬هي (ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّةُ ‪ ،)Müslümanlık‬وليس هو‬
‫مهمشة من املسلمني (املؤمنني احلنفاء) تعيش يف‬ ‫ض َع َفةٌ َّ‬ ‫على اإلطالق! وال شك أن هناك قلة ُم ْستَ ْ‬
‫ِّ‬ ‫اد َها ل ُّ‬
‫سبون‬ ‫لتهك ِّم‪ ،‬والتُّهمة ابلتكفريية حينًا وابإلرهاب حينًا آخر‪ ،‬يُ ْن َ‬ ‫ض أفر ُ‬ ‫وسط هذا الغمر‪ ،‬يتعر ُ‬
‫إىل التنظيمات اإلرهابية (كتنظيم القاعدة‪ ،‬وداعش‪ ،‬وحزب للا‪ ،‬والفتوشية‪ ،‬وأمثاهلا) وهم بريئون‬
‫ألواان من اإلجر ِّام مل يرتكبوها إطالقًا‪،‬‬
‫ألصقت هبم وال تزال ً‬ ‫ْ‬ ‫لكن شبكة (الدولة العميقة)‬
‫منها‪َّ ،‬‬
‫العلَ ِّم الرتكي إهلًا مع للا! ويعبدوا املقابر واألضرحةً وشيوخ‬ ‫ِّ‬
‫وذلك جمل َّرد أهنم يرفضون أن يتخذوا من َ‬
‫الصوفية‪ ،‬وألهنم رفضوا املثول أمام متاثيل الطاغوت‪ .‬كثري منهم ال يزالون يف السجون‪ ،‬ومنهم من‬
‫استشهدوا حتت التعذيب‪.‬‬

‫صلة‬‫متت بِّ ِّ‬


‫أن الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّةَ ‪ Müslümanlık‬ال ُّ‬
‫شيء فإهنا تدل على َّ‬ ‫ت على ٍ‬ ‫وهذه املعطيات إ ْن دلَّ ْ‬
‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫عبث ابالسالم‬ ‫دف ال َ‬ ‫حماولة هت ُ‬ ‫ضد ِّ‬
‫أي‬ ‫ادعا َّ‬ ‫درعا ر ً‬‫إىل اإلسالم إطالقًا‪ .‬وهناك معاملُ أخرى ُمتثِّ ُل ً‬
‫اس ِّه هبذه الداينة املختَ لَ َقة على أهنما شيءٌ واح ٌد‪ ،‬وتبهن يف‬ ‫ِّ‬
‫إلضفاء الْمسلُمانِّيَّ ِّة عليه‪ ،‬أو إللْب ِّ‬
‫َ‬ ‫ُْ ُ‬
‫ِّ ِّ‬
‫دين مستقل ال عالقة ألحدمها‬ ‫الوقت ذاته أن كالًّ من اإلسالم وال ُْم ْسلُ َمانيَّة ‪ٌ Müslümanlık‬‬
‫أهم هذه املعامل قاعدةُ التفر ِّيق بني العبادةِّ والعادة‪َّ .‬‬
‫إن‬ ‫مشاهبة زائفة‪ .‬ومن ِّ‬‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫ابآلخر إطالقًا‪ ،‬سوى‬
‫ط بيهما بوجه من الوجوه‪.‬‬ ‫قطعية ال ميكن اخلل ُ‬ ‫ٍ‬ ‫اإلسالم قد فَ َّر َق بني مفهومي العبادةِّ والعادةِّ بصورةٍ‬
‫َ‬
‫ُّر من‬ ‫ِّ‬
‫كالوضوء‪ ،‬والتطه ِّ‬ ‫وظائف من طاعاته‪ ،‬وأمرهم أبدائها‬ ‫َ‬ ‫فقد فرض للا على عباده املؤمنني‬
‫الرسول الكرمي صلى للا‬‫ُ‬ ‫والصوم‪ ،7‬واحلج‪ ،8‬والزكاة‪ِّ 9‬‬
‫وغريها‪ ...‬وسن‬ ‫ِّ‬ ‫اْلنابة‪ ،‬والتيمم‪ ،5‬والصالةِّ‪،6‬‬

‫الزمر‪3 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫املائدة‪6:‬‬ ‫‪5‬‬

‫البقرة‪110 ،83 ،43.‬؛ النساء‪77:‬؛ يونس‪87:‬؛ النور‪56:‬؛ الروم‪31:‬؛ املزمل‪.20:‬‬ ‫‪6‬‬

‫البقرة‪.183،187،184:‬‬ ‫‪7‬‬

‫البقرة‪.196،197:‬‬ ‫‪8‬‬

‫البقرة‪43،83،110،277 :‬؛ النساء‪77:‬؛ التوبة‪5،11:‬؛ احلج‪41،78:‬؛ النور‪56:‬؛ اجملادلة‪13:‬؛ اململ‪.20:‬‬ ‫‪9‬‬


‫ِّ‬
‫والسنن تصني ًفا دقي ًقا ووضعوا هلا‬ ‫ألمتِّ ِّه‪ .‬فقام الفقهاءُ بتصنيف هذه الفر ِّ‬
‫ائض‬ ‫عليه وسلم ُسننًا َّ‬
‫املسلمني املؤمنني‬ ‫س َها ابلعادات والتقاليد أب ًدا‪ .‬إن‬ ‫مستمدةً من الكتاب ُّ ِّ‬
‫َّ‬
‫َ‬ ‫والسنَّة‪ ،‬ال ميكن ل َْب ُ‬ ‫ضوابط‬
‫قدر اإلمكان‪ ،‬وحيرصون على‬ ‫ِّ‬
‫الضوابط على ِّ‬ ‫احلفاظ على هذه‬ ‫ِّ‬ ‫جهودهم ألجل‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫املوح َدين يبذلون‬
‫شعر‬ ‫ِّ‬
‫فات أح ًدا منهم شيءٌ من هذه الفرائض والسنن‪َ ،‬‬ ‫أداء الفرائض واالهتمام ابلسنن النبوية‪ .‬وإذا َ‬
‫موقف‬
‫َ‬ ‫اجملتمع ال ُْم ْسلُ َم ِّانُّ )‪َّ ،(Musluman community‬‬
‫فإن‬ ‫ابلندامة وتداركها فورا اب ِّ‬
‫لقضاء‪ .‬أما‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫ثالث فئات‪ :‬منها فئةٌ‬
‫ائض من فئة إىل أخرى‪ ،‬وهي ُ‬ ‫أداء الفر ِّ‬‫حيال ِّ‬‫تلف َ‬ ‫ِّ‬
‫اإلجتماعية خي ُ‬ ‫شرائحها‬
‫اإلعتقاد‬
‫َ‬ ‫وظل حماي ًدا؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫الفرد فَ َعلَهُ وإ ْن شاءَ تركه َّ‬
‫أمر إختياري‪ ،‬إ ْن شاءَ ُ‬ ‫القيام هبا ٌ‬
‫َ‬ ‫تَرى أن‬
‫ومعبودهِّ‪ ،‬كما يف مقولة مالحدة‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الشخص‬ ‫خاصةٌ ال تتعدَّى حدود العالقة بني‬ ‫أمور َّ‬ ‫واإلميا َن والعبادةَ ٌ‬
‫ابلقي ِّم املقد ِّ‬
‫َّسة‬ ‫ِّ‬
‫والتالعب َ‬
‫َ‬ ‫حتذر التهاو َن‬
‫لكن هذه الفئةَ ُ‬ ‫العرب‪" :‬الدين هلل والوطن للجميع!"‪َّ .‬‬
‫موقف ِّ‬
‫الفئة‬ ‫ِّ‬ ‫احرتاما ملا يف الضمائر؛ ومن هذه الشرائح فئةٌ ال خيتلف موقفها من ِّ‬
‫إداء الفرائض عن‬ ‫ً‬
‫ض‬ ‫األوىل‪ ،‬لكنَّها ال حترتم ِّ‬
‫القيَ َم َّ‬
‫تتعر َ‬
‫تحذر أن تتهاون وتتالعب هبا خمافةَ أن َّ‬ ‫نافق ف ُ‬ ‫املقدسةَ‪ ،‬وإمنا تُ ُ‬ ‫ُ‬
‫القيَ َم املقدَّسةَ‪ ،‬بل َّ‬
‫تتحداها‪ ،‬وقد‬ ‫عة‪ ...‬وهناك شرحيةٌ أخرى ال حترتم ِّ‬ ‫ات متوقَّ ٍ‬
‫النتفاضات واستنكار ٍ‬
‫ٍ‬
‫والتهك ِّم والسخرية‪ ...‬هذه احلقائق اثبتةُ با ال حصر له‬ ‫ُّ‬ ‫وتستهدف املؤمنني ابالستفز ِّاز‬
‫ُ‬ ‫تستهدفُها‪،‬‬
‫)‪(Musluman community‬‬ ‫أن اجملتمع ال ُْم ْسلُ َم ِّانَّ‬ ‫من آالف الدالئل‪ ،‬كما تبهن ابلضرورة على َّ‬
‫ابلتوقيفيَّ ِّة) ُما يوهم أهنا ال تؤمن‬
‫ِّ‬ ‫ضيَّ ِّة وال‬‫جبميع شرائحها اإلجتاماعية ال يعبأ وال يكرتث بفهوم (ال َفر ِّ‬
‫ْ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫أصالً ابلوحي‪ ،‬وإمنا تنظر إىل مجيع الفرائض والواجبات والسنن والقيَ ِّم املقدسة أهنا مفاهيم ثقافيةٌ‬
‫الناس وتتخذها‬ ‫ٍ َّ‬
‫وطقوس يتسلى هبا ُ‬ ‫ومناسك‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫معتقدات‬ ‫لت إىل‬ ‫وحتو ْ‬ ‫ِّ‬
‫ابلنفوس َّ‬ ‫وعادات وتقالي ُد َعلِّ َق ْ‬
‫ت‬ ‫ٌ‬
‫ات قوميَّةً للتمايز عن بقية اجملتمعات‪ .‬فاألذان مثالً يف مفهوم اجملتمع الرتكي عادةٌ قومية له حرمةٌ‬ ‫ميز ٍ‬
‫العلَ ُم!" هذه من أشهر هتافات‬ ‫ط َ‬ ‫يسكت األذا ُن ويهب َ‬ ‫َ‬ ‫العلَ ِّم الرتكِّيِّ‪ ،‬ف "ال يُع َق ُل أن‬ ‫ِّ‬
‫كحرمة َ‬
‫األتراك‪ 10.‬ليس ذلك إمينًا أبن األذا َن نداءٌ للصالةِّ فحسب‪ ،‬بل هو إعال ٌن عن القوميَّ ِّة الرتكيَّ ِّة‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫رمز ل ِّ‬
‫وأحالمها‪ ،‬أبهنا أفضل‬ ‫ِّ‬
‫وأمادها‪،‬‬ ‫ومشوخها‪،‬‬ ‫سيادهتا‪ ،‬وأصالتِّها‪،‬‬ ‫استقالل األَُّم ِّة الرتكية‪ ،‬و ٌ‬
‫ِّ‬ ‫وعن‬
‫واحلج والزكاةِّ وسائر الفرائض‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫والصوم‬ ‫وأشرف األمم! فاألذان إذًا هو أفضل وأهم من الصالةِّ‬
‫متنس َك ٍة تقوم أبدائِّها يف املساجد ويف البيوت على‬ ‫بقلة ِّ‬ ‫ختتص ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫والسنن إمنا‬
‫َ‬ ‫ائض‬
‫والسنن‪ .‬ألن الفر َ‬
‫يطن من‬ ‫إبسرهِّ حني ُّ‬ ‫اجملتمع ِّ‬ ‫اإلنسان الرتكِّيِّ‪ ،‬فإن عالقتَهُ تعم‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫مفهوم‬ ‫طريقة العرب‪َّ .‬أما األذان يف‬
‫َ‬
‫مساء الوطن العزيز (تركيا املفدى!) ومجلة القول‪ :‬أن مفهوم‬ ‫قِّم ِّم املآذن وتتذبذب أمواجه يف قبة ِّ‬
‫ُُ‬ ‫َ‬
‫الدين (كما يظهر من هذه التحليالت الدقيقة اليت مل ينتبه إليها علماء العرب وابحثوهم) ال خيتلف‬

‫‪10‬‬
‫»!‪«Ezan susmaz, bayrak inmez‬‬
‫ان‬‫اجملتمع ال ُْم ْسلُ َم ِِّّ‬
‫ِّ‬ ‫عن مفهوم الثقافة أو العادة وتقاليد األسالف‪ ،‬ال خيتلف عنها عند‬
‫عبُ عن لسان حال هذا اجملتمع‪" :‬قَالُوا بَ ْل‬ ‫كأن هذه اآلايت الكرمية تُ ِّ‬ ‫)‪ .(Musluman community‬و َّ‬
‫ول قَالُوا َح ْسبُ نَا َما‬ ‫الر ُس ِّ‬
‫اّللُ َوإِّ َىل َّ‬
‫يل َهلُ ْم تَ َعال َْوا إِّ َىل َما أَنْ َز َل َّ‬‫‪ِّ ِّ 11‬‬
‫ك يَ ْف َعلُو َن‪َ " ".‬وإذَا ق َ‬ ‫آابءَ َان َك َذلِّ َ‬
‫َو َج ْد َان َ‬
‫َج ْئ تَ نَا لِّتَ ل ِّْفتَ نَا َع َّما‬
‫وج ْد َان َعلَْي ِّه آابء َان أَولَو َكا َن آاب ُؤ ُهم َال ي ْعلَمو َن َش ْي ئًا وَال ي ْهتَ ُدو َن‪" 12".‬قَالُوا أ ِّ‬
‫َ َ‬ ‫َ ْ َ ُ‬ ‫ََ َْ‬ ‫ََ‬
‫ِّ‬ ‫آابءَ َان َوتَ ُكو َن لَ ُك َما الْكِّ ِّْبَايءُ ِّيف ْاأل َْر ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ني‪ 13".‬وهذا يبهن بوضوح‬ ‫ض َوَما َْحن ُن لَ ُك َما ِّبُْؤمنِّ َ‬ ‫َو َج ْد َان َعلَْيه َ‬
‫ان * بَ ْي نَ ُه َما‬ ‫على أن اإلسالم دين‪ ،‬والْمسلُمانِّيَّةُ )‪ (Müslümanlık‬دين آخر؛ "مرج الْب ْحريْ ِّن ي لْتَ ِّقي ِّ‬
‫ََ َ َ َ َ َ‬ ‫ُْ َ‬
‫ِّ ِّ ‪14‬‬
‫خ َال يَ ْبغيَان‪".‬‬ ‫بَ ْرَز ٌ‬

‫اإلسالم والْ ُم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة )‪(Müslümanlık‬؛ َّ‬


‫إن الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّةَ‬ ‫ِّ‬ ‫انهيك عن اهلاوية السحيقة اليت تفصل بني‬
‫تنقسم الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّةُ )‪ (Müslümanlık‬إىل‬ ‫عديد من الدايانت‪ .‬على سبيل املثال‪،‬‬ ‫نفسها م َف َّك َكةٌ إىل ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫سنِّيةُ" و"الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّةُ العلويةُ"‪ .‬هناك من‬
‫تيَّارين متشاكسني يف العقيدة والعبادة‪ ،‬ومها‪" :‬الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّةُ ال ُّ‬
‫للم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة‪ ،‬وهذا ال يستقيم مع الواقع‪ ،‬وإمنا بينهما‬ ‫ِّ‬
‫أن هذين التيارين مها يف احلقيقة جزئني ُ‬ ‫َّعي َّ‬
‫يد ِّ‬
‫إمتداد احلر ِّ‬
‫كة‬ ‫ِّ‬ ‫أن العلويةَ هي من‬‫خالف شديد يف العقيدة وليسا تيَّارين متعارضني فحسب‪ ،‬إ ْذ َّ‬
‫س ِّويَِّّة (الشامانية) اليت أسسها أمحد يسوي‪ .‬وإما السنيةُ‬ ‫ِّ‬
‫احندرت من الداينة الْيَ َ‬
‫ْ‬ ‫الباطنية الْ َقلَْن َد ِّريَِّّة‪ ،‬ف‬
‫ِّ‬
‫أمرَها‪َ ،‬ثَّ تغريت حتت ضغط‬ ‫أساسا يف بداية ِّ‬ ‫َان ً‬ ‫اجگ ِِّّ‬‫اختذت من التيار اخلَُو َ‬
‫ْ‬ ‫ضا حركةٌ ابطنيةٌ‬ ‫فهي أي ً‬
‫السنِّيَّ ِّة العربيَّ ِّة تقريبًا‪.‬‬
‫لوان من ُّ‬
‫علماء الدولتني السلجوقية والعثمانية مع الزمان فإخذت يف النهاية ً‬
‫ظاهر ِّ ُّ‬
‫علين‬ ‫إإلحلاد يف العلوية ٌ‬ ‫َ‬ ‫متاما؛ َّ‬
‫أن‬ ‫والدليل على أهنما داينتان منفصلتان عن بعضما البعض ً‬
‫بتأليه العلويني لإلما علي ابن أيب طالب‪ ،‬كما مل يثبت أهنم يؤمنون ابلقرآن على أنه وحي من للا‬
‫تؤدي هذه الزمرةُ طقوسها يف معبَ ٍد يسمونه ابللغة الرتكية )‪ ،(Cem Evi‬أي بيت‬ ‫يتجزأْ‪ِّ .‬‬
‫وكل ال َّ‬
‫فإن إحلادها مستورةٌ حتت ِّ‬
‫غطاء الصالة والصيام واحلج والنوافل وغريها‬ ‫السنِّيَّةُ َّ َ‬
‫اْلمع‪ .‬وأما الطائفة ُّ‬
‫ِّ‬
‫مساجد‬ ‫طقوسهم يف‬ ‫من مناسك اإلسالم على غرار إحلاد العرب السنيِّني‪ ..‬والسنيون األتراك يؤدُّون‬
‫َ‬
‫ِّ ٍ‬ ‫ِّ‬
‫ضرا ٍر على مثال العرب‪.‬‬
‫مجيعا‬
‫حتسبُ ُه ْم ً‬ ‫واخلالف بني الطائفتني مستمر حب َّدة‪ُ ،‬‬
‫أبس ُه ْم بينهم شديد‪َ ،‬‬ ‫ُ‬
‫للسخرية ترى الطائفتني‬ ‫ِّ‬
‫الرموز القومية الرتكية ُّ‬ ‫رمز من‬
‫ض ٌ‬ ‫تعر َ‬
‫وقلوهبم َشت‪ ...‬لكنه من الغرائب؛ إذا َّ‬
‫جبنب‪ ،‬كموقِّ ِّف ِّه ْم من القراصنة الذين دمروا شفرة املرور‬
‫الدفاع جنبًا ٍ‬
‫ِّ‬ ‫(العلوية والسنية) يف ٍ‬
‫صف‬
‫عب األثري من مأذنة أحد‬ ‫)‪(Ciao Bella‬‬ ‫إلدارة الشئون الدينية يف مدينة إزمري وأذاعوا نشيد‬

‫الشعراء‪74 :‬‬ ‫‪11‬‬

‫املائدة‪104 :‬‬ ‫‪12‬‬

‫يونس‪78 :‬‬ ‫‪13‬‬

‫الرمحن‪20 ،19 :‬‬ ‫‪14‬‬


‫املساجد هبا‪ ،‬مساء يوم ‪ 20‬مايو ‪2020‬م‪ .‬فقامت القيامة على مستوى الساحة الرتكية ومل تقعد‪،‬‬
‫الذعة من كليت الطائفتني السنية والعلوية‪َّ ،‬‬
‫ألن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وانتقادات‬ ‫ات شديدةٍ‬
‫أصوات استنكار ٍ‬ ‫ُ‬ ‫وارتفعت‬
‫القيَ ِّم الوطنيَّ ِّة أكثر منها استخفافًا‬
‫اجملتمع الرتكِّ َّي عن بكرة أبيه اعتب هذا اإلقتحام هجوما على ِّ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َّس ِّة!‬ ‫ِّ‬
‫وهتاوان ابلقيَ ِّم املقد َ‬

‫اجملتمع الرتكي‪ ،‬وهذا املشه َد‬


‫ِّ‬ ‫الديين السائدة على عقلية‬
‫ِّ‬ ‫إن مثل هذه الفوضى الرهيبةَ يف ِّ‬
‫اجملال‬ ‫َّ‬
‫وألوان من التناقضات‪ ،‬تبهن على وجود خلفية مظلمة‬ ‫ٍ‬ ‫الْم ْفعم ابخلالف والنزاع واخلصام ِّ‬
‫والشجار‪،‬‬ ‫ُ ََ‬
‫ِّ‬
‫اخلوض فيها‪ ،‬كما‬ ‫ابحث على‬‫ٌ‬ ‫خطرية للداينة الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة )‪ (Müslümanlık‬حيث ال يكاد جيرتئ‬
‫ِّ‬
‫الداينة ومنتسبيها‪ .‬ولو َّ‬
‫يتصدى أح ٌد من‬ ‫كل الباءة من هذه‬ ‫ئ َّ‬ ‫احلنيف بر ٌ‬
‫َ‬ ‫اإلسالم‬ ‫تبهن على َّ‬
‫أن‬
‫َ‬
‫الستار عن خفااي هذه الداينة بكل تفاصيلها‪ ،‬فقد يصبح‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫يوما َّما ليك ِّش َ‬
‫أهل البحث والدراسة ً‬
‫الصمت الذي يلتزمه‬
‫َ‬ ‫رجح َّ‬
‫أن‬ ‫اباب إلاثرة املتطرفني‪ .‬لذا يُ َّ‬
‫ضحيةً ملا ال يتوقعه‪ ،‬ألنه سيفتح بذلك ً‬
‫الباحثون حيال هذه الداينة و َّ‬
‫كفهم عن اخلوض يف ما ال تتحمله الظروف من نبش خلفياهتا إمنا تنبئ‬
‫عن القلق الذي يف نفوسهم‪.‬‬

‫نفسهُ‪ ،‬سوف‬ ‫ِّ‬ ‫ُما ال شك فيه َّ‬


‫أن االدعاءَ أبن اإلسالم و الْ ُم ْسلُ َمانيَّةَ )‪ (Müslümanlık‬مها الشيءُ ُ‬
‫ألن هذا الرأي يف‬ ‫يب ُر به ُح َّجتَهُ؛ و َّ‬
‫قنعا ِّ‬ ‫ِّ‬
‫القائل به‪ ،‬ألنه لن جي َد دليالً ُم ً‬ ‫حيم ُل مسؤوليةً كبرية على‬ ‫ِّ‬
‫أي يعىن القول‬ ‫أن هذا الر َ‬ ‫اعتبار اإلسالم حتت مظلة الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة؛ وأبعد من ذلك‪َّ :‬‬ ‫َ‬ ‫صميمه يعين‬
‫ِّ‬
‫اْليوش‬ ‫شخص قد قال (أان ُم ْسلُ َم ِّان) منذ احتالل تركستان من قِّبَ ِّل‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬
‫أن َّ‬‫(بطريقة غري مباشرة)‪َّ " :‬‬
‫شديد اخلطورة‪ ،‬إذ يف‬ ‫ِّ‬ ‫اإلسالم من ُعنُ ِّق ِّه! وهذا يفتح اباب ٍ‬
‫لفتنة‬ ‫ِّ‬ ‫حل ربقةَ‬
‫األموية إىل اليوم‪ ،‬يكون قد َّ‬
‫الناس على مدى قرون‪ ،‬والذين كانوا قد اعتادوا‬ ‫ابلكفر على ما ال ُحيصى من ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫تعميم يف االهتِّ ِّام‬
‫ذلك ٌ‬
‫تسميةَ اإلسالم ابلْ ُم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة )‪ (Müslümanlık‬عن جهل‪ ،‬أو انزالقًا مع العادة الشائعة يف احلني‬
‫احلنيفة خملصني هلل يف دينهم وما أكثرهم يف‬ ‫ِّ‬ ‫الذي مل يكونوا هم يف احلقيقة إالَّ من أهل العقيدة‬
‫اإلحلاد فأصابت ألسنتَهم‬ ‫ِّ‬ ‫ظلم ْت ُه ْم ثقافةُ‬ ‫ِّ‬
‫اجملتمع الرتكي اليوم‪ .‬وأي ضمري يرضى ابهتام هؤالء الذين َ‬
‫سلُ َم ِّان ‪Ben‬‬ ‫ابلشلل فجعلتهم ال يكاد أحدهم يفطن للبلية فيقول "أان مسلم" بل يقوا "أان ُم ْ‬
‫‪ "müslümanım‬وهم يف احلقيقة يومنون ابهلل‪ ،‬ومالكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬وابليوم اآلخر‪ ،‬وأن للا هو‬
‫خالق اخلري والشر‪ ،‬وأن الشر ليس إليه‪ ...15‬لذا‪ ،‬عندما تقتضي املقارنةُ بني اإلسالم والْ ُم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة‬

‫َستَ غْ ِّف ُر َك‬


‫تأْ‬‫ت َوتَ َعال َْي َ‬
‫ك تَبَ َارْك َ‬ ‫ك أ ََان بِّ َ‬
‫ك َوإِّل َْي َ‬ ‫س إِّل َْي َ‬
‫َّر ل َْي َ‬ ‫اخلَ ْريُ ُكلُّهُ ِّف يَ َديْ َ‬
‫ك َوالش ُّ‬ ‫ك َو ْ‬
‫ك َو َس ْع َديْ َ‬
‫كما ورد يف دعاء الرسول الكرمي صلى للا عليه وسلم‪" :‬لَبَّ ْي َ‬
‫‪15‬‬

‫وب إِّلَيْ َ‬
‫ك" سنن أيب داود‪.‬‬ ‫َوأَتُ ُ‬
‫ِّ‬
‫احلذر حيال أمور ملفقة ومالبسات غامضة‪.‬‬ ‫كداينتني مستقلتني‪ ،‬جيب توخي‬ ‫)‪(Müslümanlık‬‬

‫ألن أولئك الذين يعتقدون أهنم أتراك خباصة‪ ،‬والذين يدعون أهنم من أهل الفكر والنظر مع ما هبم‬
‫فعل شديدةٍ‪ ،‬وهذا من‬‫ود ٍ‬‫سيتدخلون يف األمر برد ِّ‬
‫َّ‬ ‫ِِّّ‬
‫القرآن وبعلم التاريخ‪،‬‬ ‫من اْلهل ابإلسالم‬
‫التدخ ِّل سيكون‬
‫جر إىل مناقشات مدمرة ال هناية هلا! فال شك يف أن مثل هذا ُّ‬
‫دواعي اخلطر ُما سي ُّ‬
‫وابتعادا عن جادة احلق‪ .‬ألن اإلسالم قد أغلق‬
‫ً‬ ‫خروجا على املبادئ األخالقية والعلمية‪ ،‬ومكابرةً‬
‫يق احلكم على املاضي أب ًدا‪ ،‬كما أوقف حكم التكفري على أهل اإلختصاص وعلى شروط‬ ‫طر َ‬
‫قاسية‪.‬‬

‫وابخلالصة‪ ،‬فإن املقارنة الصحيحة بني اإلسالم وال ُْم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة‪ ،‬بطريق طرحها يف الندوات العلمية‬
‫ِّ‬
‫األجيال‬ ‫ومناقشتها من قِّبَ ِّل أهل العلم واإلختصاص ضرورية للغاية ألبتة‪ ،‬بصرف النظر عن حماكم ِّة‬
‫توجيه االهتامات إليهم‪ ،‬خاصةً جيب التوقي من التعميم يف كل األحوال‪ .‬فإن ذلك حماولة‬ ‫السالفة و ِّ‬
‫اإلسالم والْ ُم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة )‪ ،(Müslümanlık‬جيب أ ْن يبدأ‬
‫ِّ‬ ‫إن اإلقدام على امل ِّ‬
‫قارنة بني‬ ‫َ‬ ‫ايئسة وخطرية‪َّ .‬‬
‫ِّ‬
‫ابلفعل من هذه النقطة ويف إطار املنهج العلمي‪.‬‬

‫املعقول‪ ،‬مع ما فيه من‬ ‫ِّ‬ ‫واالهت ِّام ‪-‬املذكورةِّ آن ًفا – كم إنَّه بعي ٌد عن‬
‫احملاكمة ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫مسألة‬ ‫اخلوض يف‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ألن –‬
‫اإلسالم من َخ ْل ِّط ِّه ابلْ ُم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة )‪ (Müslümanlık‬يف وسط‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫للكف عنه‪ ،‬فإن إنقاذَ‬ ‫ِّ‬
‫املوجب‬ ‫ِّ‬
‫اخلطر‬
‫ِّ‬ ‫قدرا ابلغًا من التز ِّام‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫احليطة‬ ‫ِّ‬
‫جانب‬ ‫اإلضطراابت والفوضى السائدة على البيئة احلاليَّة‪ ،‬يتطلَّب ً‬
‫ِّ‬
‫وأما‬‫احلنفاء فحسب‪َّ ،‬‬ ‫ب على العلماء املوحدين‬ ‫واحلذر‪ ،‬ملا يف ذلك من احملظور‪ .‬هذه املهمةُ إمنا يرتتَّ ُ‬
‫النفاق‪ ،‬بل ذلك مشاركةُ‬ ‫ِّ‬ ‫شك منافق بَِّ ُ‬
‫ني‬ ‫فيمتنع عن محلها‪ ،‬فإنه ال َّ‬ ‫أن يتهاون أحدهم ابملسئولية‬
‫َ‬
‫سالم وتعزيزهِّ للداينة الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة يف‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ان )‪ (musluman society‬يف حتديه لإل َ‬ ‫لمجتمع الْ ُم ْسلُ َم ِِّّ‬
‫ِّ‬ ‫ل‬
‫املوقف يعين مشاهدةَ‬ ‫َ‬ ‫ين احلنيف‪ .‬وهذه خيانةٌ‪ 16‬مفتضحة بتمام معىن الكلمة‪َّ .‬‬
‫فإن هذا‬ ‫مواجهة ِّ‬
‫الد ِّ‬ ‫ِّ‬

‫ألمانة والثقة‪ .‬كانت هذه الكلمةُ قد دخلت اللغة الرتكية منذ القدمي حت املاضي‬ ‫ِّ‬
‫اإلنتهاك ل ِّ‬ ‫مفرت ٍ‬
‫ض أو‬ ‫ِّ ٍ‬
‫إن كلمة (اخليانة) عربيةٌ‪ ،‬أتيت بعىن اخلرق لعهد َ‬
‫‪16‬‬

‫فحولتها إىل (إهانة)‪ ،‬وال شك يف أن كال من‬


‫أن أيدي التحريف انلت من هذه الكلمةَ َّ‬‫القريب‪ .‬وكانت تُكتب ابحلروف الالتينية على شكل (‪ )hiyânet‬إالَّ َّ‬
‫مصدر من الثالثي‪ ،‬جذره (خان‪ -‬خيون)؛ واإلهانة مصدر من الرابعي‪ ،‬جذره (أهان‬
‫ٌ‬ ‫(اخليانة) و (اإلهانة) مستقلة عن األخرى ال عالقة بينهما إطالقًا‪ ،‬فاخليانة‬
‫كل‬ ‫‪ -‬يهني)‪ .‬واإلهانة تُكتب ابحلروف الالتينية على شكل (‪ .)ihanet‬قد وور لف ُ‬
‫ظ (اخليانة) يف خطاب ألقاها مصطفى كمال أمام اْلمهور‪ ،‬وال خيفى أن َّ‬
‫عد وثيقةً اترخييةً ال جيوز تغيريها أب ًدا‪ُ ،‬ما هلا من القداسة يف الداينة الكمالية (‪ ،)Kamalism or Ataturkism‬وهي فرع‬
‫كلمة نطق هبا مصطفى كمال تُ ُّ‬
‫من الداينة املسلمانية الرتكية‪ .‬وهذه كلمات مصطفى كمال ابللغة الرتكية‪:‬‬
‫‪«(…) memleketin dahilinde, iktidara sahip olanlar gaflet ve dalâlet ve hattâ hıyânet içinde‬‬
‫»‪bulunabilirler.‬‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وخاصةً يف الشرق األوسط‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫احلروب الطائفيَّ ِّة اليت تعلو نريا ُهنا على كث ٍري من ِّ‬
‫بقاع العا َِّمل‬ ‫ِّ‬
‫احلنيف ال يُعقل أن يتَّ ِّخ َذ‬ ‫ِّ‬ ‫عيون جامدةٍ ٍ‬
‫مع تدفُّ ِّق الدماء؛ يعين ذلك مشاهد َهتا ب ٍ‬
‫َ‬ ‫وبدم ابرد‪ .‬فإن العاملَ‬
‫طرحها للمناقشة‬ ‫ِّ‬
‫مثل هذا املوقف املخذي‪ .‬لذا‪ ،‬فإن مثل هذه املقارنة اليت جيب على علماء األمة ُ‬
‫والبحث والدراسة عب ندوات ومؤمترات عاملية ويف ضوء املعايري العلمية واألدلة القوية‪ ،‬سوف‬
‫تكون هي خطوةً مباركةً ُمتَِّه ُد السبيل لتمييز الدين احلنيف من أدران الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة )‪.(Müslümanlık‬‬

‫أن هذين االمسني إمنا يرمزان إىل داينتني خمتلتني أكثر من‬ ‫كيز على َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ال َّ‬
‫بد أوالً وقبل كل شيء الرت ُ‬
‫ومسار‬
‫ٌ‬ ‫واسع‪،‬‬
‫ولكل من هاتني الداينتني نطا ٌق مستقل ٌ‬ ‫كوهنما مفهومني أو مصطلحني حمدودين‪ٍ ،‬‬
‫ض من جهة أخرى؛‬ ‫وتعار ٌ‬ ‫قروان‪ ،‬ومع ذلك بينهما تدا ُخل من ٍ‬
‫ك ُ‬ ‫جهة‪ ،‬وتشابُ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫اترخيي أخ َذ من الوقت ً‬
‫ِّ‬
‫تفكريا عمي ًقا من منطَلَ ِّق هذه اإلشكاليات‪،‬‬
‫ً‬ ‫واإلقدام على مقارنت ِّه َما يتطلَّ ُ‬
‫ب‬ ‫ُ‬ ‫واالستعداد‬
‫ُ‬ ‫فاالعتزا ُم‬
‫ِّ‬ ‫عال من املعرفة يف ِّ‬ ‫وجود مستوى ٍ‬
‫تاريخ‬
‫اإلجتماع‪ ،‬وال ِّ‬
‫ِّ‬ ‫العلوم اإلسالمية‪ِّ ،‬‬
‫وعلم‬ ‫مال‬ ‫َ ً‬ ‫ب‬‫كما يتطلَّ ُ‬
‫عهدهِّ وقد مضى على‬ ‫أحدااث خطريةً مع قِّص ِّر ِّ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫اإلسالم له صفحات ميدةٌ تضم‬ ‫َ‬ ‫اإلسالم ِّي‪َّ .‬‬
‫ألن‬
‫ض ِّاء ُحقبةٌ تربو عن ‪ 1300‬عام‪ ،‬وأما الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّةُ )‪َّ (Müslümanlık‬‬
‫فإن اتريها‬ ‫الو َّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫انقضاء أايمه َ‬
‫األسود مشوب بغموض وقد مضى على ظهورها ‪ 800‬عام‪ .‬فيجب إذًا دراسةُ مسريةِّ هاتني‬
‫قعر ا ْهلَُّوةِّ السحيقة اليت تفصل بينهما‪.‬‬
‫بعمق‪ ،‬وعلى نطاق واسع ألجل الوصول بَِّر ِّويٍَّة إىل ِّ‬
‫الداينتني ٍ‬
‫ت خطريةٍ وأحداث رهيبة من احلروب‬ ‫الطويل من اضطرااب ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫التاريخ‬
‫ِّ‬ ‫لقد جرت عب سياق هذا‬
‫سعة إطار املوضوع‪ -‬وذلك جبمع ما يلزم من‬ ‫واملذابح والفنت‪ ...‬جيب اإلحاطة هبا إىل حد كبري – ل ِّ‬
‫أسباهبا وعواقبِّها مع‬ ‫الدقيق يف ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫والبحث‬ ‫الزمين‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫لتسلسل ِِّّ‬ ‫فحصها اب‬ ‫ِّ‬
‫الصلة‪ ،‬و ِّ‬ ‫املصادر ِّ‬
‫ذات‬ ‫ِّ‬ ‫الواثئق و‬‫ِّ‬
‫واإلبطال‪ ،‬واإللغاء؛ كما يشرتط على‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫للنقض‪،‬‬ ‫غري ٍ‬
‫قابلة‬ ‫ٍ‬
‫قطعية ِّ‬ ‫تفاصيلها يف ضوء ٍ‬
‫أدلة‬ ‫مجيع ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الرتكِّيَّةُ‬ ‫الباحثني يف هذه القضية أن يكونوا متقنني لِّ َّ ِّ‬
‫عدة لغات أتيت على رأسها العربيَّةُ‪ ،‬والفارسيَّةُ‪َ ،‬و ُّْ‬ ‫ُ‬
‫كاإلجنليزية والفرنسيَّ ِّة‬
‫ِّ‬ ‫العُثْ َمانِّيَّةُ‪ ،‬ويُفضَّل أ ْن يكونوا يف الوقت ذاته ملمني ابللُّغات األوربية‬
‫واألملانيَّ ِّة‪...‬‬

‫تصد ْوا‬‫األردية األكادمييَّ ِّة‪َّ ،‬‬


‫ِّ‬ ‫بعض األكادمييني األتراك املعاصرين الذين يتصدرون ويتبخرتون حتت‬ ‫إن َ‬‫َّ‬
‫كتب تعتم ُد‬ ‫البحوث يف ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫السنوات األخرية لكتابَِّة‬
‫ِّ‬
‫صدرت هلم ٌ‬ ‫ْ‬ ‫واإلجتماع‪ ،‬وقد‬
‫ِّ‬ ‫التاريخ‬
‫ِّ‬ ‫علوم‬ ‫يف‬
‫أهل هذه املهمة! ألهنم أصالً مل يكونوا قادرين‬ ‫احلقيقة مل يكونوا من ِّ‬‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫التعليم وهم يف‬ ‫ات‬
‫مقرَر ُ‬
‫عليها َّ‬
‫ِّ‬
‫واالجتماعية لألمة‬ ‫احلقائق التارخييَّ ِّة‬
‫ِّ‬ ‫اث مباشرةً‪ ،‬ونَ ْق ِّل ما فيها من‬ ‫مصادر الرت ِّ‬
‫ِّ‬ ‫على االستفادةِّ من‬
‫املرتمجَ ِّة من العربيَّ ِّة‬
‫يكاد مجيعُهم يعتمدون على الكتب َ‬ ‫غات األجنبيَّ ِّة‪ .‬و ُ‬ ‫الرتكية‪ ،‬ذلك ْلهلِّهم ابللُّ ِّ‬
‫الرتكِّيَّ ِّة‪ ،‬وال يبالون با يسود على متون هذه الكتب من‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫والصينيَّة واللُّغات األوربيَّة إىل اللغة ُّْ‬
‫حبوث‬
‫يف‪ ،‬اقرتفَ ْتها أقالم املرتمجني املنتحلني‪ .‬إن َ‬‫والتلفيق‪ ،‬والتحر ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫والنقص‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫والسقطات‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫األخطاء‪،‬‬
‫أطروحاهتم مليئةٌ ابلعيوب‪ ،‬بله ما يسود على عبار ِّاهتِّ ْم من الفجاجة والركاكة‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫هؤالء األكادمييني و‬
‫ِّ‬
‫والثالثة‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫الثانية‬ ‫والنقوالت من قِّبل ِّ‬
‫اليد‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الرتمجات‬ ‫معظمها على‬ ‫والتنافر وسوء التأليف‪ .‬يعتمد‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وحسبك من هذا املستوى املتدهور للتعليم يف تركيا؛ حسبك ما اعرتف أح ُد األكادمييِّني األتراك‬
‫أخريا أهنا فارسيَّةٌ‪،‬‬
‫"أنه كان يعتقد إىل األوان األخرية أبن اللغةَ الرمسيَّةَ يف إيران هي العربيَّةُ‪َ ،‬ث عرف ً‬
‫وذلك عقب التطورات اليت جرت يف الشرق األوسط ومن خالل األخبار الواردة اليت قرعت مسعه‬
‫‪17‬‬
‫عب اإلعالم!"‬

‫ِّ‬
‫والكفائة‬ ‫األكادميي‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫التكوين‬ ‫معلومات متهيديٍَّة تؤكِّ ُد على ِّ‬
‫أمهية‬ ‫ٍ‬ ‫التوضيحات بنز ِّلة‬
‫ُ‬ ‫كانت هذه‬
‫بسلسلة من ِّ‬
‫ٍ‬ ‫العلميَّ ِّة‬
‫القيَ ِّم األخالقية‬ ‫األمر اإللتز َام على قَ ْد ٍر كب ٍري‬
‫ب ُ‬ ‫كأساس قبل كل شيء‪َ ،‬ث يتطلَّ ُ‬ ‫ٍ‬
‫ات‬ ‫ِّ‬
‫الواسعة‪ ،‬واللُّغ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫والثقافة‬ ‫ِّ‬
‫واحليطة‪،‬‬ ‫والتضحية‪ ،‬واالنتباهِّ‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫واحلزم‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫إلنضباط‪،‬‬ ‫واملعرفية؛ كا‬
‫ِّ‬
‫احليطة‪،‬‬ ‫املناقشة بصورةٍ عفويٍَّة وقبل ِّ‬
‫أحذ‬ ‫ِّ‬ ‫احلساسة إىل ِّ‬
‫بيئة‬ ‫ِّ‬ ‫طرح هذه القضيَّ ِّة‬ ‫األجنبيَّ ِّة‪َّ ...‬‬
‫ألن َ‬
‫ِّ‬
‫عصاابت‬ ‫والتجمعات األيديولوجيَّةَ املختلفة‪ ،‬خباصة ال‬ ‫ِّ‬ ‫ط الصوفيَّةَ الباطنيَّةَ‬ ‫سوف يُنشط األوسا َ‬
‫يتحول‬ ‫ٍ‬
‫مفاجئة ف َّ‬ ‫ت بصورةٍ‬ ‫يؤدي إىل إاثرةِّ ضوضاء‪ ،‬واضطرااب ٍ‬ ‫العنصريةَ والدولةَ العميقةَ‪ .‬وهذا قد ِّ‬
‫ِّ‬
‫ابحلقائق‬ ‫علم هلم‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫إىل أحدا ِّ‬
‫مجاهري أفراد الطبقة الشعبيَّة الذين ال َ‬ ‫َ‬ ‫وسحق وتشريد‪ ...‬ألن‬ ‫ث قم ٍع‬
‫سنة من حياةِّ أسالفِّهم‪ ،‬إ ْن ُه ْم أُ ْخِّبُوا بغامرةِّ الداينة الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة‬ ‫التارخييَّ ِّة وجيهلون أسرار ألف ٍ‬
‫َ‬
‫ض ُه ْم‬ ‫والدمار يف هذه املدةِّ – َسيُ َع ِّر ُ‬
‫ِّ‬ ‫صرح اإلميان من اخلر ِّ‬
‫اب‬ ‫أسفرت عنها يف ِّ‬
‫ْ‬ ‫)‪ (Müslümanlık‬وما‬
‫وستتبع ذلك‬ ‫آن ٍ‬
‫واحد‪،‬‬ ‫غضب يف ٍ‬ ‫ب وال ِّ‬ ‫صدمة شديدة الوقْ ِّع جتعلهم يف ٍ‬
‫حالة من ُّ‬
‫الذ ْع ِّر وال ُّر ْع ِّ‬ ‫ذلك ل ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وسائل يلجئون هبا إىل استعمال‬ ‫َ‬
‫ِّ‬
‫وإعداد‬ ‫واهلمج‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫األوابش‬ ‫تافات‪ ،‬إلاثرةِّ ِّ‬
‫مجوع‬ ‫ختالق ُه ٍ‬
‫حماوال ُهتُم ال ِّ‬
‫ْ‬
‫يب‪ ،‬فذلك‬ ‫والتدمري والتخر ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫والسحق‪ ،‬ابالضافة إىل ما سوف جيري بعد ذلك من إراقة الدماء‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫العنف‬
‫ومتوقَّ ٌع ال حاجة للخوض فيها!‬
‫معروف َ‬

‫إرابك‬
‫وسط العجلة" كما يف املثل الرتكي‪ ،‬وال هو ُ‬ ‫قضيب يف ِّ‬‫ٍ‬ ‫"طعن‬ ‫لذا‪ ،‬ف َّ‬
‫املقصود هنا‪ ،‬ليس هو ُ‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫ِّ‬
‫الستار عما قد أحفاهُ‬ ‫اض احلقائق التارخييَّ ِّة ِّجبُ ْرأةٍ‪ ،‬و ُ‬
‫كشف‬ ‫الغرض هنا‪ :‬استعر ُ‬
‫َ‬ ‫لكن‬ ‫ِّ‬
‫العقول عم ًدا‪َّ ،‬‬
‫ِّ‬
‫ورئووس العصاابت اإلرهابية والتنظيمات‬ ‫ِّ‬
‫اخلونة واملافقني والدجالني من أولياء الصوفية‪،‬‬ ‫بعض‬
‫ُ‬
‫ط يف ٍ‬
‫سيول‬ ‫تتشح ُ‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫الظالم واألمة‬ ‫السرية من أسرا ٍر رهي ٍبة لضرب اإلسالم (يف الداخل) عب عصور‬

‫حنتفظ ابسم هذا األكادميي‪ ،‬وال نبوح به أب ًدا‪ ،‬لألمانة األخالقية!‬ ‫‪17‬‬
‫ات واحلروب األهلية‪ ،‬والصراعات على السلطة وهزمية جيوش املسلمني أمام‬ ‫من دمائها أايم الثور ِّ‬
‫أخريا من انتشار املستعمرين الغربيني‬ ‫ِّ‬
‫هجمات املغول والصليبيني على الوطن اإلسالمي‪ ،‬وما جرى ً‬
‫على معظم أوطان املسلمني حث كانت غزوا ُهتم الثقافيةُ لتحريف ِّ‬
‫القيَ ِّم َْ‬
‫وحم ِّو َها استكماالً حملاوالهتم‬
‫ابهتمام ٍ‬
‫ودقة من‬ ‫ٍ‬ ‫ستخرج اخلبااي كلُّها إىل العيان‬
‫َ‬ ‫التخريبية‪ ...‬هذا هو الغرض يف واقع األمر؛ أ ْن يُ‬
‫ِّ‬
‫الواثئق واملصادر‬ ‫حلكمة ويف ِّ‬
‫ضوء‬ ‫العلم ِّي اب ِّ‬
‫البحث ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ملبادئ‬ ‫منطلق األمانة العلمية‪ ،‬وابلتزام اتم‬
‫ِّ‬
‫العلماء والباحثني احملرتفني‪.‬‬ ‫ضروري ومهمةٌ عظيمة ترتتب على عاتق‬ ‫ِّ‬ ‫املعتبة‪ .‬هذا أمر‬
‫واألدلة َ‬

‫تفصل بني‬ ‫ِّ‬


‫السحيقة اليت‬ ‫ِّ‬
‫الضوء على الفجوةِّ‬ ‫السرعة ل ِّ‬
‫تسليط‬ ‫ِّ‬ ‫ضا؛ البدء على ِّ‬
‫وجه‬ ‫ومن الضروري أي ً‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اإلسالم والْ ُم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة (‪ ،)Müslümanlık‬نعم كخطوة أوىل جيب اإلنطالق من هنا‪ ،‬وقد حان دور‬ ‫ِّ‬
‫اج َخبَ َااي الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة‬ ‫موضوع (استخر ِّ‬ ‫َ‬ ‫البدء يف الرتكيز على أمهية هذه النقطة أوالًّ؛ َّ‬
‫إن‬
‫ٍ ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫املتطرفني من‬ ‫ِّ‬ ‫مجوع‬
‫يثري َ‬ ‫‪ Müslümanlık‬وإفشاء أسر ِّارَها) الذي يتَّس ُم أبمهيَّة ابلغة ملا حيتمل أ ْن َ‬
‫ب (أ ْخ َذ احلِّ ْذ ِّر) بنتهى ُسبُ ِّل‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫العنصريني من كالَ َجبْ َه َِّيت الْ َوثَنيَّة (النقشبنديِّني واألاتتوركيِّني) يتطلَّ ُ‬
‫والباطل يف متم ٍع مغلق‬ ‫ِّ‬ ‫يق بني ِّ‬
‫احلق‬ ‫ِّ‬
‫احلقائق والتفر ُ‬ ‫إظهار‬
‫ُ‬ ‫معلوم أنه ليس من السهل‬ ‫ٌ‬ ‫احليطَ ِّة! ذلك‬
‫كخارطة طر ٍيق للعلماء‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫السطور‬ ‫تأم ُل يف مضامني هذه‬ ‫على الفكر احلر‪ ،‬كما أنه من الضروري ال ُّ‬
‫وحساسية املوضوع‪ ،‬فإنه‬ ‫ِّ‬ ‫الذين سيباشرون ويواصلون البحث من اآلن فصاع ًدا‪ .‬ومن حيث ِّ‬
‫جدية‬
‫عرض التفاصيل‪ .‬ألن ضمان انضباط الدراسة يف‬ ‫ِّ‬ ‫جيب أوالً حتدي ُد ِّ‬
‫حجر الزاوية يف هذا البحث َث ُ‬
‫ف على هذا املبدأ‪.‬‬ ‫احل امل ِّ‬
‫قبلة يتوقَّ ُ‬ ‫املر ِّ‬

‫ال شك سوف يظهر يف هناية هذا البحث الذي جيري متوازاي مع املبادئ العلمية ويف ضوء الواثئق‬
‫ِّ‬ ‫الطبع َّ‬ ‫واألدلة‪ ،‬سوف يظهر ِّ‬
‫اإلسالم والْ ُم ْسلُ َمانيَّةَ )‪ (Müslümanlık‬ليسا مها الشيءَ‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫ِّ‬ ‫حبكم‬
‫وجه خفااي هذه الداينة املختَ لَ َقة‪ ،‬يف آخر املطاف‪.‬‬ ‫نفسهُ أب ًدا‪ ،‬كما سوف ينكشف الستار عن ِّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫عندها ميكن ألي شخص يرغب‪ ،‬أن خيتار اإلسالم أو الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّةَ )‪ (Müslümanlık‬إبرادته احلرة‪.‬‬
‫يسكت عنه أح ٌد من أهل اإلميان‬ ‫َ‬ ‫ط بني اإلسالم والْ ُم ْسلُ َمانِّيَّةَ )‪ ،(Müslümanlık‬فإنه لن‬ ‫وأما اخلل ُ‬
‫أن اإلسالم ال ميانع اإلنسان من إبداء إختياره يف هذا األمر‪َ " .‬وقُ ِّل‬ ‫والعلم واملسؤولي ِّة أب ًد! والواقع َّ‬
‫ط ِّهبِّ ْم ُس َر ِّادقُ َها َوإِّ ْن‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َحا َ‬ ‫ا ْحلَ ُّق م ْن َربِّ ُك ْم فَ َم ْن َشاءَ فَ لْيُ ْؤم ْن َوَم ْن َشاءَ فَ لْيَ ْك ُف ْر إِّ َّان أَ ْعتَ ْد َان للظَّال ِّم َ‬
‫ني َان ًرا أ َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ٍ‬ ‫ِّ‬
‫س َّ‬ ‫يَ ْستَغيثُوا يُغَاثُوا بَاء َكال ُْم ْه ِّل يَ ْش ِّوي ال ُْو ُجوهَ ب ْئ َ‬
‫‪18‬‬
‫ت ُم ْرتَ َف ًقا‪".‬‬
‫اب َو َساءَ ْ‬ ‫الش َر ُ‬

‫الكهف‪29 :‬‬ ‫‪18‬‬


***

You might also like