You are on page 1of 8

‫العدد ‪/ 16‬كانون االول‪2023/‬‬ ‫مجلة إكليل للدراسات االنسانية‬

‫‪953‬‬
‫التصنيف االلكتروني‪ -:‬مج(‪ -)4‬العدد(‪-)4‬ج(‪)2‬‬

‫فلسفة التصوف عند ابن سبعني‬


‫م‪.‬م‪ .‬حممدددددد يسدددددن ف صددد د ع ددد د‬
‫شعبة التأه والتوظ ف واملتابعة‬
‫جامعة النهر ن‬

‫الكلمات املفتاحية‪ :‬الفلسفة‪ .‬التصوف‪ .‬ابن سبعين‬

‫امللخص‪:‬‬
‫يعد ابن سبعين أحد مفكري األندلس في القرن السابع الهجري‪ ،‬وعلى الرغم من أنَّ‬
‫أن بعد ابن رشد ال توجد فلسفة‪َّ ،‬‬
‫وأن الفلسفة اإلسالمية قد‬ ‫بعض الدعوات التي تطلق على َّ‬
‫أن الفلسفة اإلسالمية بقيت مستمرة إلى يومنا هذا‪ ،‬وعلى‬ ‫انتهت‪ ،‬يثبت لنا التاريخ الفلسفي َّ‬
‫أن ابن سبعين قريب عهد عن ابن رشد‪ ،‬ولكنه كان ضمن سلسلة متصلة‬ ‫الرغم من َّ‬
‫ومستمرة للفكر الفلسفي اإلسالمي‪.‬‬
‫ويمزج ابن سبعين بين التصوف والفلسفة عنده من أجل إعطاء للفكر الفلسفي‬
‫أن‬‫وعد َّ‬
‫طابعه اإلسالمي املتمثل في التصوف‪ ،‬فهو لم يحبذ املدارس املشائية في اإلسالم‪َّ ،‬‬
‫أغلب فالسفة اإلسالم جاءوا باألطروحات اليونانية نفسها‪ ،‬وهذا ال يعبر عن الهوية‬
‫أن تكون ذات طابع إسالمي بحت‪ ،‬ومتميزة عن‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬فالفلسفة – عنده – يجب ْ‬
‫الفلسفات األمم األخرى‪.‬‬
‫ا‬
‫وكان البن سبعين رؤية مغايرة في التصوف الفلسفي‪ ،‬فضال عن كونه رفض‬
‫أن هذه االتجاهات الفلسفية نسخة‬ ‫االتجاهات الفلسفية املوجودة آنذاك‪ ،‬وذلك َّ‬
‫ألنه رأى َّ‬
‫أن تكون نسخة من‬ ‫وأن الفلسفة في العالم اإلسالمي ال يجب َّ‬ ‫من الفلسفة اليونانية‪َّ ،‬‬
‫الفلسفة اليونانية‪.‬‬
‫املقدمة‪:‬‬
‫يعد ابن سبعين أحد مفكري األندلس في القرن السابع الهجري‪ ،‬وعلى الرغم من أنَّ‬
‫وأن الفلسفة اإلسالمية قد‬ ‫أن بعد ابن رشد ال توجد فلسفة‪َّ ،‬‬ ‫بعض الدعوات التي تطلق على َّ‬
‫أن الفلسفة اإلسالمية بقيت مستمرة إلى يومنا هذا‪ ،‬وعلى‬ ‫انتهت‪ ،‬يثبت لنا التاريخ الفلسفي َّ‬
‫العدد ‪/ 16‬كانون االول‪2023/‬‬ ‫مجلة إكليل للدراسات االنسانية‬
‫‪954‬‬
‫التصنيف االلكتروني‪ -:‬مج(‪ -)4‬العدد(‪-)4‬ج(‪)2‬‬

‫أن ابن سبعين قريب عهد عن ابن رشد‪ ،‬ولكنه كان ضمن سلسلة متصلة‬ ‫الرغم من َّ‬
‫ومستمرة للفكر الفلسفي اإلسالمي‪.‬‬
‫ا‬
‫وكان البن سبعين رؤية مغايرة في التصوف الفلسفي‪ ،‬فضال عن كونه رفض‬
‫أن هذه االتجاهات الفلسفية نسخة‬ ‫ألنه رأى َّ‬ ‫االتجاهات الفلسفية املوجودة آنذاك‪ ،‬وذلك َّ‬
‫أن تكون نسخة من‬ ‫وأن الفلسفة في العالم اإلسالمي ال يجب َّ‬ ‫من الفلسفة اليونانية‪َّ ،‬‬
‫الفلسفة اليونانية‪.‬‬
‫قسم بحثنا هذا إلى ثالثة مباحث‪ ،‬جاء املبحث األول حول حياة ابن سبعين‬
‫ومؤلفاته‪ ،‬واملبحث الثاني حول التصوف عنده‪ ،‬وفي املبحث الثالث عن نقد الفلسفة‬
‫والفالسفة عنده‪.‬‬
‫ابن سبعين حياته ومؤلفاته‬
‫هو محمد بن عبد الحق بن سبعين‪ ،‬وكان يلقب ب ـ ((األشبيلي))‪ .‬ولد في مرسية في‬
‫منتحرا بقطع شريان يده في سنة ‪669‬هـ‪/‬‬ ‫ا‬ ‫األندلس في سنة ‪614‬هـ‪1217 /‬م‪ ،‬ومات في مكة‬
‫‪1270‬م عن رغبة منه في ((االتحاد باهلل)) مثلما قيل (جورج‪2006 ،‬م‪ ،‬ص‪.)25‬‬
‫ا‬
‫وأمض ى ابن سبعين طفولته ووصباه بعيدا عن اللهو واللعب واللذة الطبيعية‪،‬‬
‫ا‬
‫فضال عن عزفه عن الرياسة العرضية املعول عليها عند العالم‪ ،‬والسيما عند أسرته‪ ،‬مع‬
‫ا‬
‫كونه وجدها في آبائه‪ ،‬وسعى طالبا للعلم منذ صباه وأنفق أغلب وقته فيه على يد األساتذة‬
‫األندلسيين‪ ،‬حتى توافر لديه التكوين اللغوي والديني والفلسفي (محمد‪1981 ،‬م‪ ،‬ص‪.)14‬‬
‫إن الحادث األهم في حياته كان في إعجابه بامرأة موسرة الحال وغنية‪ ،‬إذ تزوج منها‬ ‫َّ‬
‫ا‬ ‫وأنجب منها ا‬
‫ابنا توفى في حياته‪ ،‬وهذه املرأة قد انفقت عليه من مالها الكثير‪ ،‬فضال عن‬
‫منزال له وكذلك زاوية أقام فيهما‪ ،‬ومما يبدو َّ‬ ‫ا‬
‫أن زواجه منها وحماية ابن خالص والي‬ ‫تشييدها‬
‫مدينة سبتة له‪ ،‬ساعداه في التفرغ للعلم وقراءة كتب التصوف وتدريسها‪ ،‬وهذا األمر قد‬
‫ساعده في ازدياد عدد حضور مجالسه والسيما العامة منهم‪ ،‬فانتشرت طريقته الصوفية‬
‫بينهم‪ ،‬والتي عرفت في حينها ب ـ ((الطريقة السبعينية)) (فارس‪2019 ،‬م‪ ،‬ص‪.)55-54‬‬
‫ان هذه الحماية البن خالص لم تستمر البن سبعين‪ ،‬إذ ألف ابن سبعين بعض‬
‫املؤلفات مثل ((جواب ملك صقلية – أو الكالم على املسائل الصقلية)) وهو كتاب تضمن‬
‫أجوبة ابن سبعين على األسئلة التي أرسلها إليه فريدريك الثاني ملك النورمانديين في صقلية‪،‬‬
‫ألن هذا الكتاب وغيره قد حملت انتقادات وأفكار أوغرت‬ ‫وبسببه حمل عليه الفقهاء‪ ،‬ذلك َّ‬
‫العدد ‪/ 16‬كانون االول‪2023/‬‬ ‫مجلة إكليل للدراسات االنسانية‬
‫‪955‬‬
‫التصنيف االلكتروني‪ -:‬مج(‪ -)4‬العدد(‪-)4‬ج(‪)2‬‬

‫صدورهم‪ ،‬فضغطوا على السلطة آنذاك على إخراجه من املدينة‪ ،‬وتم لهم ذلك (فارس‪،‬‬
‫‪2019‬م‪ ،‬ص‪.)55‬‬
‫مارا بمصر‪ ،‬التي كان قد وصل إليها صيته املرسوم‬ ‫و«خلف ابن سبعين املغرب إلى مكة‪ ،‬ا‬
‫والح ْيدة عن سواء السبيل‪ ،‬مع رسول أوفده فقهاء املغرب لينقل َّأنه ((ملحد قائل‬ ‫بالكفر َ‬
‫بوحدة الخالق واملخلوق))‪ ،‬فما أطال بمصر بقاءه‪ .‬لكنه لزم مكة حتى وفاته» (محمد‪،‬‬
‫‪1981‬م‪ ،‬ص‪.)17‬‬
‫وأما مؤلفاته‪ ،‬فهي‪:‬‬
‫‪ .1‬الكالم على املسائل الصقلية‪.‬‬
‫‪ .2‬الرسالة الفقيرية‪.‬‬
‫‪ .3‬الرسالة القوسية‪.‬‬
‫‪ .4‬عهد ابن سبعين لتالميذه‪.‬‬
‫‪ .5‬كتاب اإلحاطة‪.‬‬
‫‪ .6‬رسالة في أنوار النبي‪.‬‬
‫‪ .7‬رسالة خطاب هللا بلسان نوره‪.‬‬
‫‪ .8‬مالحظات على ُّبد العارف‪.‬‬
‫‪ .9‬رسالة األلواح املباركة‪.‬‬
‫‪ .10‬وصية ابن سبعين ألصحابه‪.‬‬
‫‪ .11‬الرسالة الرضوانية‪.‬‬
‫‪ .12‬رسالة في عرفة‪.‬‬
‫التصوف عند ابن سبعين‬
‫إن فلسفة ابن سبعين تعتمد باألساس أو تقوم على مبدأ واحد‪ ،‬وما هو إال التمييز‬ ‫َّ‬
‫وأن هذا األمر ليس ا‬
‫يسيرا بالنسبة له‪،‬‬ ‫بين ما هو ((وجود حقيقي)) وما هو ((وجود وهمي))‪َّ .‬‬
‫أن الحق‬ ‫َّ‬
‫املشخص‪ ،‬باالستناد إلى املطلق‪ ،‬الذي يعد َّ‬ ‫ذلك لكونه ال يتحقق إال عن طريق نفي‬
‫واحد‪ ،‬وما عداه وهم (محمد‪1981 ،‬م‪ ،‬ص‪.)112‬‬
‫َّ‬
‫والذات اإلنسانية عنده هي سبب القول ((بوجود مشخص))) وهو من أحوالها‪.‬‬
‫أن ((الوجود مطلق))‪ .‬وفي ِمكنة الذات هذه إدراك ما قامت به‪ ،‬من‬ ‫فالحقيقة عنده تتمثل في َّ‬
‫ا‬
‫مائال ((الهو هو)) َّ‬
‫ويتم‬ ‫ا‬
‫موجودا ((األنا))‪ ،‬وأعدمت من ال يزال‬ ‫حيث َّأنها أوجدت من لم يكن‬
‫لها ذلك عن طريق نزع الوهم (محمد‪1981 ،‬م‪ ،‬ص‪.)112‬‬
‫العدد ‪/ 16‬كانون االول‪2023/‬‬ ‫مجلة إكليل للدراسات االنسانية‬
‫‪956‬‬
‫التصنيف االلكتروني‪ -:‬مج(‪ -)4‬العدد(‪-)4‬ج(‪)2‬‬

‫وهللا عنده هو‪" :‬الوجود حقيقة‪ ،‬ومقطوع عنه معدوم‪ .‬وأخالق هللا صفاته‪ ،‬وصفاته ال‬
‫ألنا نقول‪ :‬العمل الصالح أخالق هللا وصفاته‪ ،‬وأخالق هللا‬‫تفارقه‪ ،‬والعمل الصالح ال يفارقه؛ َّ‬
‫ا‬
‫وأيضا العمل يطلب به‬ ‫وصفاته ال تفارقه‪ ،‬فالعمل الصالح ال يفارقه‪ ،‬فهو موجود ا‬
‫أبدا‪.‬‬
‫تحصيل الخير النافع‪ ،‬والخير موجود ومطلوب يشار إليه" (ابن سبعين‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.)111‬‬
‫أن ابن سبعين ينزه هللا‪ ،‬فيصفه َّ‬
‫بأنه‪" :‬ال موجود على اإلطالق وال واحد على الحقيقة‬ ‫ونالحظ َّ‬
‫إال هللا‪ ،‬إال الكل‪ ،‬إال الهوى هو‪ ،‬إال املنسوب إليه‪ ،‬إال الجامع‪ ،‬إال األيس‪ ،‬إال األصل‪ ،‬إال‬
‫حم‪ ،‬صمد‪ ،‬حق" (فارس‪2019 ،‬م‪ ،‬ص‪.)72‬‬ ‫الواحد‪ ،‬إال األصح‪ ،‬أصح ال صح‪ ،‬ص ح ‪ْ ،‬‬
‫فضال عن هذا يرى ابن سبعين َّ‬ ‫ا‬
‫أن "الحق تعالى ليس بينه وبين املوجودات مرتبة زمانية وال‬
‫مقوم لوجود العبد على ما هو عليه‪ ،‬فهو‬ ‫وأنه مع غيره باإليجاد والتجديد‪ ،‬ووجوده ُّ‬ ‫مكانية‪َّ ،‬‬
‫أقرب إلى العبد من العبد ذاته‪ ،‬والبعد َّإنما هو الحجاب املوجود في قلب العبد‪ ،‬وحجاب‬
‫القلب هو مجموع صور الشهوات العاجلة وسكونها فيه‪ .‬فرفض الشهوات زوال الحجاب‪،‬‬
‫وزوال الحجاب يكشف حقيقة وجود الحق في ماهية العبد‪ ،‬ووجود هللا عنده هو الكمال‬
‫أن ابن‬‫والسعادة والرفعة" (ابن سبعين‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪ .)120 – 119‬ونالحظ من هذا النص َّ‬
‫وإنما املوجود هو حجاب‬ ‫سبعين يستبعد وجود مرتبة زمانية أو مكانية بين هللا ومخلوقاته‪َّ ،‬‬
‫يفصل بين هللا ومخلوقاته‪ ،‬وهذا الحجاب متكون من الشهوات‪ ،‬وعند زوالها سيزول هذا‬
‫الحجاب‪ ،‬وينكشف العبد على ربه‪.‬‬
‫يرجع ابن سبعين كل املوجودات املختلفة في ماهياتها لهوية واحد‪ ،‬وهي الوجود املطلق‪ ،‬وهو‬
‫وأن الكل اتحد في الجزء فارتبطا باألصل وهو الوجود‪،‬‬ ‫هللا‪ ،‬أي ال وجود لكل إال في كل‪َّ ،‬‬
‫وأن الجهالء قد غلب عليهم العارض مثل الكثرة والعدد‬ ‫ولكنهما افترقا وانفصال بالفرع‪َّ ،‬‬
‫والخاصة‪ ،‬ولكن العلماء غلب عليهم األصل وهو متمثل في ((وحدة الوجود)) (فارس‪2019 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪ .)73‬وفي هذا املقام‪ ،‬يقول ابن سبعين‪" :‬ال تخالط من الرجال إال من قامت به الكماالت‬
‫كلها وعرف أسبابها وتجوهر بمدلول اإلمكانات اإللهية‪ ،‬وتصرف بما يجب واتصف بالحكمة‬
‫واملقومة‪ ،‬ودخل تحت أحكام النبي عليه السالم من كل الجهات‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫التي تفيد الصورة املتممة‬
‫ن ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫بمعنى ظهرت السنة املحمدية عليه ا‬
‫علما وحاال وذوقا وفعال ووجودا‪ ،‬ويكو وارثا على‬
‫الحقيقة وعرف العلوم الضرورية واألعمال الواجبة وعلوم الفلسفة كلها وحصل الحقيقة‬
‫الجامعة لكل ش يء‪ ،‬وعلم التحقيق الذي ال ينال بالكسب واالجتهاد‪ ،‬وال يشذ عنه ش يء وال‬
‫يقعد منه ما هو موجود في غيره" (ابن سبعين‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.)121-120‬‬
‫العدد ‪/ 16‬كانون االول‪2023/‬‬ ‫مجلة إكليل للدراسات االنسانية‬
‫‪957‬‬
‫التصنيف االلكتروني‪ -:‬مج(‪ -)4‬العدد(‪-)4‬ج(‪)2‬‬

‫ويذهب ابن سبعين إلى إمكانية مخاطبة اإلنسان هللا‪ ،‬وتأتي هذه اإلمكانية عن طريق الخطاب‬
‫مثال‪ :‬قول املعصوم الواحد في كماله الشرط في نيل سائر الكماالت ‪َّ ..‬‬ ‫ا‬
‫فإن‬ ‫بلسان نور هللا‪ ،‬أي‬
‫الصيغ منوطة به‪ ،‬وهو ال يتقدمها وال يتأخرها (محمد‪،‬‬ ‫النطق الذي ينبعث على التعبير ِ‬
‫‪1981‬م‪ ،‬ص‪.)153‬‬
‫نقد ابن سبعين للفلسفة والفالسفة‬
‫سعى ابن سبعين إلى إبطال املنطق الصوري‪ ،‬وفي هذا اإلبطال ركز على بحوث‬
‫رئيسة‪ ،‬وهي‪ :‬الحدود‪ ،‬واأللفاظ الستة‪ ،‬واملقوالت العشر ولواحقها‪ ،‬وتركيب املعاني في‬
‫ا‬ ‫َّ ْ‬
‫كاف لهدم ((البرهان)) الذي تقوم عليه‪ .‬فضال عن لجوئه‬ ‫القضايا‪ ،‬والقياس‪ .‬وأعد أن هدمها ٍ‬
‫إلى إيراد آراء الفالسفة املختلفة في كل مسألة منها في األول‪ ،‬ومن ثم ينتقل إلى الحكم على‬
‫أعده حقيقة أولى في تحصيل املعرفة بالوجود الحق (محمد‪،‬‬ ‫قياسا لها على ما ُّ‬ ‫ا‬ ‫الغلط‪،‬‬
‫‪1981‬م‪ ،‬ص‪.)128‬‬
‫سببا في معرفة غيره وفي الوقت نفسه ال نعرفه في نفسه‪ ،‬إذ يقول‪:‬‬ ‫أيضا جعل الحد ا‬ ‫ويرفض ا‬
‫أن الحد هو العبارة‬ ‫سببا ملعرفة غيره ثم ال نعرفه في نفسه‪ ،‬وذلك َّ‬
‫أن نجعله [الحد] ا‬ ‫"ال يجوز ْ‬
‫وأن يخرج منه‬ ‫أن يدخل فيه‪ْ ،‬‬ ‫عن املحدود بما يحصره ويحيط به إحاطة تمنع ما ليس منه ْ‬
‫إن "صور الحدود والبراهين في النفس أبدية‬ ‫ما هو منه" (ابن سبعين‪1978 ،‬م‪ ،‬ص‪ .)31‬إذ َّ‬
‫إن رام أحد منهم‬ ‫أن يجهلوا َّأنه ْ‬
‫وإن تغير املحسوس‪ .‬ولذلك ال ينبغي ْ‬‫ثابتة على حالها ال تتغير ْ‬
‫أبديا‪ ،‬وذلك خالف ما في الطبيعة فيروم‬ ‫أن يصيره ا‬ ‫شيئا من األشياء الجزئية فيروم ْ‬ ‫أن يحد ا‬ ‫ْ‬
‫أن تكون الحدود َّإنما تتألف من األلفاظ التي‬ ‫املحال‪ ،‬ويتعرض للباطل وملا ال يعقل‪ ،‬وواجب ْ‬
‫تدل على املعاني الكلية املشتركة وتلك املعاني هي التي يدل عليها باالسم أو داللة مجملة‬
‫ثانيا" (ابن سبعين‪1978 ،‬م‪ ،‬ص‪.)36‬‬ ‫وبالحد ا‬
‫أن للتصوف "تسعة أوجه‪ ،‬وعبدها حبل التحقيق‪ ،‬وبعد الحبل تبدأ بالعالم‬ ‫ويرى ابن سبعين َّ‬
‫السفر‪ ،‬وبعد السفر تقرع باب التحقيق والنور املبين‪ ،‬والهرامسة خاصة َع ِلموه‪ ،‬والكتب‬
‫املنزلة أفادتهم وأما الفالسفة بأجمعهم ورؤسائهم من املشائين ورئيس املشائين أرسطو‬
‫وأتباعه من غير ملة اإلسالم‪ :‬ثامسطيوس واإلسكندر األفرودس ي وفرفريوس القبرس ي‬
‫وأرسطاليس الصقلي وأتباعه من ملة اإلسالم مثل الفارابي وابن سينا وابن باجه ‪ ...‬والقاض ي‬
‫ابن رشد في بعض أمره‪ ،‬والسهروردي مؤلف ((حكمة اإلشراق)) ‪ ...‬والغزالي بوجه ما‪ ،‬وابن‬
‫فإنهم لم يصلوا إليه لقصورهم عنه‪َّ ،‬‬
‫وألن‬ ‫خطيب الري في بعض صنائعه‪ ،‬وجميع النبهاء َّ‬
‫علومهم وصنائعهم دون ذلك كله" (ابن سبعين‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.)7-6‬‬
‫العدد ‪/ 16‬كانون االول‪2023/‬‬ ‫مجلة إكليل للدراسات االنسانية‬
‫‪958‬‬
‫التصنيف االلكتروني‪ -:‬مج(‪ -)4‬العدد(‪-)4‬ج(‪)2‬‬

‫وينصح ابن سبعين إلى عدم االلتفات "إلى قول بعض الفالسفة في قولهم‪ :‬عالم العقل‪،‬‬
‫َّ‬
‫وعالم النفس‪ ،‬وعالم الطبيعة‪ ،‬والعلة‪ ،‬والواجب بذاته‪ ،‬وجميع ذلك من مفروضات األوهام‬
‫وذلك َّأنهم يظهر لهم من الحقيقة جملة مدركات وهمية باملدرك العظيم الذي يظهر لهم‪ ،‬وهو‬
‫أجل من غيره» (محمد‪1981 ،‬م‪ ،‬ص‪ .)113‬ونلمس في هذا القول البن سبعين إلى رفضه‬ ‫ُّ‬
‫أن تصل هذه املفاهيم‬ ‫ألنها ال يمكن ْ‬ ‫لبعض املفاهيم الفلسفية‪ ،‬ورفضه ا‬
‫أيضا إلى األخذ بها؛ َّ‬
‫إلى معرفة هللا عز وجل‪.‬‬
‫َّ‬
‫يرى ابن سبعين أن الفالسفة املسلمين مثل الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد‬
‫وإنما ما قدموه لنا‬ ‫وغيرهم من الفالسفة املسلمين لم يقدموا لنا فلسفة إسالمية خالصة‪َّ ،‬‬
‫لم يكن سوى فلسفة يونانية أعيد صياغتها بقالب إسالمي جديد‪ ،‬وما سمي بعصر ازدهار‬
‫الفلسفة اإلسالمية لم يكن كذلك‪ ،‬وهذه التقييم النقدي الذي أقامه ابن سبعين هو أول‬
‫محاولة نقدية جادة للفلسفة اإلسالمية‪ ،‬ويتمثل نقده فيما يلي (فارس‪2019 ،‬م‪ ،‬ص‪:.)7-5‬‬
‫أن الفارابي كان يعاني من تناقض واضطراب‪ ،‬ذلك لكونه كان يقول بآراء مختلفة‪ ،‬كما‬ ‫‪َّ .1‬‬
‫حدث فيما يتعلق باعتقاده في بقاء النفوس‪.‬‬
‫ْ‬
‫وأن ابن سينا فهو مموه‪ُ ،‬م َس ْف ِسط‪ ،‬كثير الطنطنة‪ ،‬قليل الفائدة‪ ،‬وما له من التأليف ال‬ ‫َّ‬ ‫‪.2‬‬
‫َّ‬
‫يصلح لش يء‪ .‬ويزعم أنه أدرك الفلسفة املشرقية‪ ،‬ولو أدركها لتضوع ريحها عليه‪.‬‬
‫ا‬
‫تقليدا أعمى حتى َّأنه لو سمع‬
‫ا‬ ‫وأن ابن رشد قد افتتن بأرسطو‪ ،‬فضال عن تقليده إياه‬ ‫َّ‬ ‫‪.3‬‬
‫أيضا بذلك واعتقده‪ .‬وكذلك أنهَّ‬ ‫إن القائم قاعد في زمان واحد لقال هو ا‬ ‫أرسطو يقول َّ‬
‫قصير الباع‪ ،‬قليل املعرفة‪ ،‬بليد التصور‪ ،‬غير مدرك‪ ،‬غير َّأنه إنسان جيد قليل الفضول‪،‬‬
‫ومنصف وعالم بعجزه‪.‬‬
‫وأن الغزالي ما هو إال لسان دون بيان‪ ،‬وصوت دون كالم‪ ،‬وتخليط يجمع األضداد‪ ،‬وحيرة‬ ‫َّ‬ ‫‪.4‬‬
‫مرة صوفي‪ ،‬وأخرى فيلسوف‪ ،‬وثالثة أشعري‪ ،‬ورابعة فقيه‪ ،‬وخامسة‬ ‫تقطع األكباد‪َّ ،‬‬
‫ُم َح َّير‪ ،‬وإدراكه في العلوم القديمة أضعف من خيط العنكبوت‪ ،‬وفي التصوف كذلك؛‬
‫ألنه دخل الطريق باالضطرار‪ ،‬الذي دعاه لذلك من عدم اإلدراك‪.‬‬ ‫َّ‬
‫العدد ‪/ 16‬كانون االول‪2023/‬‬ ‫مجلة إكليل للدراسات االنسانية‬
‫‪959‬‬
‫التصنيف االلكتروني‪ -:‬مج(‪ -)4‬العدد(‪-)4‬ج(‪)2‬‬

‫الخاتمة‪:‬‬
‫ا‬ ‫َّ‬
‫إن ابن سبعين اتخذ االتجاه الصوفي في بنائه املعرفي‪ ،‬فضال عن مزجه التصوف‬
‫بالفكر الفلسفي‪ ،‬وأخرج نظرية اسماها الوحدة املطلقة‪ ،‬ومن خالل هذه الفلسفة حاول‬
‫أن هذا املزج بين التصوف والفلسفة‬ ‫املزج بين الوجود اإللهي والوجود اإلنساني‪ .‬ونالحظ َّ‬
‫عنده من أجل إعطاء للفكر الفلسفي طابعه اإلسالمي املتمثل في التصوف‪ ،‬فهو لم يحبذ‬
‫أن أغلب فالسفة اإلسالم جاءوا باألطروحات اليونانية‬ ‫وعد َّ‬
‫املدارس املشائية في اإلسالم‪َّ ،‬‬
‫أن تكون ذات طابع‬‫نفسها‪ ،‬وهذا ال يعبر عن الهوية اإلسالمية‪ ،‬فالفلسفة – عنده – يجب ْ‬
‫إسالمي بحت‪ ،‬ومتميزة عن الفلسفات األمم األخرى‪.‬‬
‫املصادر واملراجع‬
‫ُّ‬
‫‪ .1‬ابن سبعين‪ُ ،‬بد العارف‪ ،‬تحقيق وتقديم‪ :‬جورج كتوره‪ ،‬دار األندلس ودار الكندي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪1978 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬أبي محمد عبد الحق بن سبعين املرس ي األندلس ي‪ ،‬رسائل ابن سبعين‪ ،‬حققه وقدم له‪:‬‬
‫عبد الرحمن بدوي‪ ،‬املؤسسة املصرية العامة للتأليف واألنباء والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .3‬جورج طرابيش ي‪ ،‬معجم الفالسفة‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪2006 ،3‬م‪.‬‬
‫‪ .4‬فارس العالوي‪ ،‬الفلسفة اإلسالمية بعد ابن رشد‪ :‬فالسفة القرن السابع الهجري‬
‫ا‬
‫نموذجا‪ ،‬دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪2019 ،1‬م‪.‬‬ ‫وفلسفتهم‬
‫‪ .5‬محمد ياسر شرف‪ ،‬الوحدة املطلقة عن ابن سبعين‪ ،‬دار الرشيد للنشر‪ ،‬بغداد‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1981‬م‪.‬‬
2023/‫كانون االول‬/ 16 ‫العدد‬ ‫مجلة إكليل للدراسات االنسانية‬
960
)2(‫ج‬-)4(‫ العدد‬-)4(‫ مج‬-:‫التصنيف االلكتروني‬

Philosophy of Sufism according to Ibn Sabeina

Assist Lec: Muhammad Hassan Faisal Aziz


Rehabilitation, Employment and Follow-up Division
Al-Nahrain University

mohammed.H@nahrainuniv.edu.iq
Keywords: philosophy. Sufism. Ibn seventy
Summary:
Ibn sabeina is considered one of the thinkers of Andalusia in the seventh
century AH, and despite some calls that after Ibn Rushd there is no philosophy, and
that Islamic philosophy has ended, philosophical history proves to us that Islamic
philosophy has continued to this day, and despite... Ibn sabeina is a close relative of
Ibn Rushd, but he was part of a continuous and continuous chain of Islamic
philosophical thought.
Weemix up Ibn sabeina Between Sufism and philosophy for him in order to
give philosophical thought its Islamic character represented by Sufism. He did not
favor the Peripatetic schools in Islam, and considered that most Islamic philosophers
came with the same Greek theses, and this does not express Islamic identity.
Philosophy - for him - must have an Islamic character. Purely, and distinct from the
philosophies of other nations.
Ibn sabeina had a different vision in philosophical Sufism, in addition to
rejecting the philosophical trends that existed at that time, because he saw that
these philosophical trends were a copy of Greek philosophy, and that philosophy in
the Islamic world should not be a copy of Greek philosophy.

You might also like