Professional Documents
Culture Documents
17
نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف الفصل األول
أ -لغة :لقد تشابهت التعريفات كما تشابهت الدراسات التي تناولت مختلف جوانب التصوف(.)1
فكلمة تصوف مصدر من الفعل الخماسي المصوغ من صوف للداللة على لبس الصوف ثم
كان المتجرد لحياة الصوفية يسمى في اإلسالم صوفيا(.)2
فالكلباذي يقول عن التصوف بأنه التخلي عن الدنيا وعزوف النفس وصفاء المعامالت وصفوة
األسرار وانشراح الصدور(.)3
ويرى إبن تيمية أنه نسبة إلى لبس الصوف ،فإنه أول ما ظهرت الصوفية في البصرة
وكان في البصرة مبالغة في الزهد()والعبادة والخوف ما لم يكن في سائر أهل األمصار ،ولهذا
كان يقال فقه صوفي وعبادة بصرية(.)4
فإن ابن خلدون يذكر عن القشيري أنه ال يوجد اشتقاق في العربية لهذا االسم وال
قياس()5وهناك من رد كلمة صوفيا إلى كلمة سوفيا اليونانية( ،)6ونسميهم صوفية ألنهم يلبسون
الصوف ويبرر مسلكهم في هذا بأن الصوف كان رداء األنبياء والصدقين والحواريين والزهاد(.)7
18
نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف الفصل األول
أما المستشرقون يرون أنه لفظ يوناني مركب " theospophieفتيوس" تعني اإلله و"صوفي"
تعني الحكمة وهي طريقة رياضية لمعرفة اهلل(.)1
وقيل أنه من الصفة "إذا جملته اإلتصاف بالمحامد وترك الصفات المذمومة ".
وقيل البعض " :سمو صوفية ألنهم في الصف األول من يدي اهلل عز وجل بارتفاع هممهم إليه
واقبالهم إليه ووقوفهم بسائرهم بين يديه).(2
وقال آخرون أنه جامد غير مشتق ذهب جماعة من أئمة التصوف إلى أن اسمهم غير
مشتق من شيء وأنه بمثابة لقب أطلق عليهم).(3
أما "الشهر ستاني" فألحقهم بأصحاب الروحانية في قوله" :ومذهب هؤالء أن للعالم صانعا
وفاط ار حكيما مقدسا سمات الحدثان والواجب علينا معرفة العجز عن الوصول إلى جالله ،وانما
يقترب إليه بالمتوسطات المقربين لديه وهم الروحانيون المطهرون المقدسون ،جوه ار وفعال
وحالة".....
وهذا التطهير والتهذيب ليس يحصل إال باكتسابنا ورياضتنا وفطامت أنفسنا عن دنيا
الشهوات باستمداد من جهة الروحانيات).(4
حين قال" :فإنفراد خواص أهل السنة ()
وقد أوجز "القسري" في بيان مذهب الصوفية
المراعون أنفاسهم مع اهلل المحافظون قلوبهم عن طوارف الغفلة باسم المتصوف واشتهر هذا
االسم لهؤالء األكابر قبل المائتين من الهجرة ).(5
( )1مبارك بن محمد الميلي ،تاريخ الجزائر القديم والحديث ،ج ،7تقديم وتصحيح محمد الميلي ،مكتبة النهضة الجزائرية7111 ،
ص.110
( )2احسان إله ظهير ،التصوف المنشأ والمصدر ،مرجع سابق ،ص.71-71
()3محمد أحمد لوح ،تقديس األشخاص في الفكر الصوفي عرض وتحليل على ضوء الكتاب والسنة ،ج0ط ،0،دار ابن القيم
للنشر والتوزيع ،الدمام ،7117 ،ص ص.19-17
()4
الملل والنحل ألبي بكر الشهر ستاني ،تحقيق أمير علي مهنا وعلي حسن فاعور ،طبعة دار المعرفة ،بيروت ،الطبعة
السادسة ،ج ،7سنة ،0552ص ص.115-119
()
ينظر الملحق رقم .11
( )5محمد عبد الكريم القشيري النيسابوري ،دار الخير ،دمشق -بيروت ،ط ،0سنة ،0599ص.195
19
نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف الفصل األول
ب -إصطالحا :يمكن تعريف التصوف بأنه حركة دينية انتشرت في العالم اإلسالمي في القرن
الثالث هجري تدعوا إلى الزهد وشدة العبادة تعبي ار عن فعل مضاد لالنغماس في الترف ثم
تطور حتى أصبح طرقا مميزة متبنية مجموعة من العقائد المختلفة (.)1
كما يعرف على أنه علم أساسي أصيل ،أساسه الوحي السماوي إذ هو مرتبة االحسان
المشار إليها في حديث سيدنا جبريل عليه السالم ،أن تعبد اهلل كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه
يراك) ،(2وهذا الكالم نراه ال ينطبق على التصوف والمتصوفة لوحدهم بل يشمل كل مسلم وصل
إيمانه درجة االحسان.
ويعرفه أبو القاسم سعد اهلل بأنه القيام بالواجبات الشرعية من صالة وصوم وحج ،ومعرفة اهلل
وحمده والتضرع إليه في كل وقت(.)3
فالتصوف حياة روحية خاصة من حيث كونه إنسانا تحيا هذه الحياة ،وقيل صوفي من اختار
الحق لنفسه فصافاه عن نفسه أي برأه لم يرده إلى تعمل و تكلف بدعوى منه(.)4
ويعرفه ابن خلدون هو العبادة واالنقطاع إلى اهلل تعالى واإلعراض عن زخرف الدنيا وزينتها
واإلنفراد عن الخلق في الخلوة والعبادة(.)5
أما شيخ اإلسالم ابن تيمية فقد سعى إلى إبراز التصوف كمدرسة تربوية هدفها األساسي تهذيب
النفس وتطهيرها من أخالقها الذميمة ولذلك عارض كل انحراف ط أر على التصوف(.)6
()1عبد اهلل بن دجين السهلي ،الطرق الصوفية نشأتها وعقائدها وآثارها ،ط ،0كنوز إشبيليا للنشر والتوزيع ،الرياض7119 ،
ص.61
( )2عبد الرؤوف بن شيخ ،قبسات من رياض الدين " ، "0ط ،0إصدار المركز االعالمي لطريقة القاسمي الخلوتية ،الجامعة
د.ط ،7101 ،ص.11
( )3أبو القاسم سعد اهلل ،تاريخ الجزائر الثقافي ،ج ،1ط ،0دار الغرب اإلسالمي ،بيروت ،0559 ،ص .1
( )4إلهي ظهير إحسان ،التصوف المنشأ والمصادر ،ط ،0إدارة ترجمان السنة ،باكستان ،0596 ،ص.71
( )5أبو القاسم سعد اهلل ،نفس المرجع ،ص.9
( )6صالح مؤيد ،الطرق الصوفية والزوايا في الجزائر ،دار البراق ،بيروت -لبنان ،7117 ،ص.11
20
نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف الفصل األول
أما أبو القاسم الجنيد عرف التصوف بقوله":التصوف هو تجنب كل خلق دنيء والتحلي بكل
خلق سني ،وأن تعمل اهلل بغير غاية إال رضاه(.)1
وهناك من يعرفه على أنه فلسفة حياة وطريقة معينة في السلوك يتخذها اإلنسان لتحقيق
كماله األخالقي أو الترقي بالنفس اإلنسانية أخالقيا ولتحقيق سعادته الروحية(.)2
أما مفتي الديار المصرية الشيخ محمد عبده فيقول ":الصوفي نسبة إلى الصوفية وهم طائفة
من المسلمين همهم من العمل إصالح القلوب وتصفية السرائر( ،)3قال تعالى ":هو الذي أنزل
السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم(.)
ويقول اإلمام التستري وهو من شيوخ التصوف الكبار :أصولنا ستة :التمسك بكتاب اهلل
واإلقتداء بسنة رسول اهلل صلى اهلل عليه و سلم -وأكل الحالل وكف األذى واجتناب اآلثام وأداء
الحقوق.
يرى أبو حامد الغزالي" أن التصوف طريقتهم إما أن تتعلم بعلم وعمل وكان حاصل علومهم
قطع عقبات النفس والتنزه عن أخالقها المذمومة وصفاته الخبيثة حتى يتوصل بيها إلى تخلية
القلب من غير اهلل تعالى وتحليته بذكره وكان العلم علي أيسر من العمل(.)4
يقول عبد الرحمان بدوي ":هو جانب من أخصب جوانب الحياة الروحية في اإلسالم ألنه
تعميق لمعاني العقيدة ،استنباط الظواهر الشريعة ،وتأمل أحوال اإلنسان في الدنيا وتأويل
للرموز والشعائر ،يهبها قيما موغلة في األسرار وانتصار الروح(.)5
21
نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف الفصل األول
واإلنسان مركب من جسد وروح ،وعليه فكان من الطبيعي أن يكون لديه سلوكات ظاهرية
كالعبادات والعادات والمعامالت...وسلوكات باطنية منها المحمودة كالحياء ،الصبر ،الشجاعة
العفة ،الورع ،ومنها المذمومة كالحسد ،الغضب ،الحقد،،،،إلخ(.)1
والقلب هو أساس صالح هذا اإلنسان ،كما جاء في الحديث" أال وان في الجسد مضغة إذا
صلحت ،صالح الجسد كله ،واذا فسدت فسد الجسد كله :أال وهو القلب(.)2
إال أنه وقف عند اشتقاق كلمة صوفي أنها من أسماء النسب كالقرشي والمدني( ،)3ويعرفه
أحمد عيسى في كتابه مفهوم التصوف فيقول ":إن التصوف في مفهومه الصحيح مأخوذ من
الصفاء والصفاء هو خلوص الباطن من الشهوات والكدران وهو صفاء القلب(.)4
ويقول الشيخ أحمد العالوي مؤسس الطريقة العالوية في مقال نشر في جريدة البالغ عن
المتصوفة ":وال نقول في المتصوفة وفي غيرهم من خاصة األمة سوى أنهم قوم خصوا بالقربة
من اهلل وانفردوا بالعزائم في أفعالهم ،وبغوامض العلوم في أقوالهم وبمكارم األخالق في أحوالهم
واننا ال نقبل من أفعال و أقوال المكلفين إال ما اتفق مع الشرع إما أصال واما مرجعا" (.)5
وهو أيضا ذلك االتجاه الفكري الداعي إلى إخالص النية هلل في العبادة وتطهير النفس
البشرية من األدران واألمراض الباطنية الداعي للوصول إلى مقام اإلحسان وهو أن تعبد اهلل
كأنك تراه(.)6
22
نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف الفصل األول
فذكر صاحب الرسالة القشيرية أن التصوف األخذ بالحقائق واليأس مما في أيدي الخالئق وهو
أيضا ذكر مع اجتماع ،ووجد مع استماع وعمل مع أتباع(:)1
الكلباذي :أبو بكر محمد بن إسحاق الحنفي البخاري الكلباذي ،أطلقو عليه تاج اإلسالم لعلمه
وفضله ،كان من علماء الصوفية ،وله كتاب التعرف إلى أهل التصوف ،توفي سنة191ه(.)2
القشيري :أبو عبد الكريم بن هوزان القشيري ،صاحب الرسالة القشيرية المشهورة في التصوف
عبد المنعم الحنفي(.)3
ويعرف يوسف محمد طه زيدان التصوف بأنه الضمير النابض الذي أشاع الصدق في
وجدان األمة وبأنه ضرورة ألنه منتهي السعي الصادق في كل الدروب وما من خطى تحث
لبلوغ الحقائق واال كان التصوف غايتها ومنتهاها).(4
والصوفية هو ذلك المسلم الذي قطع مراحل اليقين في الطريق حتى إطمأن قلبه بحق اليقين
لقوله تعالى في سورة الفتح " :هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمان مع
إيمانهم").(5
إذ يتفق أعالم التصوف على أن التصوف هو الحكمة والحكمة هي معرفة اهلل وهي طريقة
سعادة الدارين) ،(6قال سبحانه وتعالى" :ومن يؤتي الحكمة فقد أوتي خي ار كثي ار").(7
23
نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف الفصل األول
فالصوفي هو الذي ينشد معلومتين متالزمتين هما معرفة نفسه ومعرفة ربه ،ومن عرف
نفسه عرف ربه).(1
قول عمر بن عثمان الملكي الذي سئل عن التصوف فقال :هو أن يكون العبد في كل وقت
بما هو أولى به الوقت وقال محمد بن علي العقاب التصوف :أخالق كريمة ظهرت في زمان
كريم من رجل كريم مع قوم كرام كما سئل الجنيد عن التصوف فقال هو :أن تكون مع اهلل
تعالى بال عالقة.
يقول القشيري" الزهد هو ترك الدنيا كما هي ،ال أقول أبني بها رباطا أو أعمر مسجدا إال
أنه لو بني مسجدا سيرجع إليه الفضل إذا كان ليس مقصودا وجه اهلل ،وفي هذا يخرج الزاهد
عن زهده).(2
فظهور الزهد في المجتمع اإلسالمي يعود إلى نهاية القرن األول وكان يطلق عليهم بالنساك
الذي كان بداياته بعد أحداث الفتنة التي هزت المجتمع اإلسالمي منذ )(3
أو الفقراء أو الزهاد
مقتل الخليفة "عثمان بن عفان" فظهرت جماعة متحفظة برأيها جراء الصراع بين علي بن أبي
طالب ومعاوية فتفرغوا للعلم والعبادة).(4
نشأة التصوف:
التصوف فكر إسالمي نشأ مع االسالم وبدأ بحركة الزهد ثم تطور إلى فكرة التصوف
فاإلسالم والقرآن هما المنبع األول للتصوف وكلمة التصوف لم توجد في اللغة العربية إال في
القرن الثاني للهجرة وأول من سمي بالصوفي هو "أبو الهاشم" الصوفي في القرن الثاني ،وأول
24
نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف الفصل األول
رجال مدرسة التصوف هم "الحسن البصري" "009ه" ،وكان المتصوفون في القرن األول يطلق
عليهم النساك والقراء والزهاد والفقراء حتى ظهر في القرن الثاني لفظ التصوف والصوفي(.)1
فمن الطبيعي أن المصدر األول االسالمي ،فقد استمدوا من القرآن والسنة ،ويكون المصدران
األساسيان للتصوف في الحقيقة الكتاب والسنة ،ومن القرآن والسنة استمد الصوفية أول ما
استمدوا آراءهم في األخالق والسلوك ورياضتهم العلمية التي اصطنعوها من أجل تحقيق هدفهم
من الحياة الصوفية (.)2
إن التصوف خليق بأن يصحب كل نزعة شريفة من النزاعات الوجدانية واألساس أن يكمل
الصدق ويسود اإلخالص بحيث ال تمتلك النفس أن تتصرف عما آمنت به واطمأنت إليه ،في
عالم المعاني ،وكذلك يتمثل التصوف في معاني كثيرة ،فيكون في الحب ،ويكون في الوالء
ويكون في السياسة ،حيث تقوم على مبادئ تتصل بالروح والوجدان(.)3
ذلك إننا إذا رأينا إلى القرآن الكريم فسنجده جاءنا بأنواع مختلفة من األحكام الشرعية ،وهي
تندرج بوجه عام تحت ثالثة أقسام رئيسية :العقائد والفروع من العبادات والمعامالت واألخالق
والحقيقة أن األخالق اإلسالم هي أساس الشريعة ،حيث إذا افترقت أحكام الشريعة أسوء في
ذلك األحكام االعتقادية أو األحكام الفقهية إلى األساس الخلقي كانت صورة ال روح فيها أو
هيكال فارغا من المضمون(.)4
ومنه يتجلى لنا أن التصوف نشأ قبل الفتوحات اإلسالمية وبعد ظهور االسالم أصبح
مصدره األول هو القرآن الكريم الذي اشتقت منه حركة التصوف ففيه آيات كثيرة تدعوا إلى
إطراح الد نيا وتحث على الزهد وتشجع على التقشف ،وقد أراد اهلل بها أن يصرف األعراب
( )1محمد عبد المنعم خفاجي ،التصوف في اإلسالم وأعالمه ،دار الوفاء ،لدار الطباعة والنشر ،ط ،7117 ،0ص.19
( )2أبو الوفا الغنيمي التفت ازني ،مرجع سابق ،ص ص.19-12
( )3زكي مبارك ،مرجع سابق ،ص .79
( )4أبو الوفا الغنمي التفتزاني ،مرجع سابق ،ص.07
25
نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف الفصل األول
المنهمكين في اللذات والشهوات الدنيوية وأن يهدي به ما يشاء من عباده أنه هو القرآن الكريم
مصدر نجاة اإلنسان وسعادته ومحور حشرانه وشفاؤه ،ويقول عز وجل" :وما الحياة الدنيا إال
متاع الغرور"(.)1
ورغم ذلك انتشرت حياة الزهد والتقشف وبرز مجموعة من أقطاب التصوف حمل أغلبهم
لقب الغوث( ،)مثل أبا مدين شعيب بن الحسين وابن العربي(.)2
أنواعه:
أ -التصوف السني:
تميز التصوف السني خالل القرنين األول والثاني الهجريين االلتزام بأوامر اهلل ونواهيه
واإلقتداء بحياة النبي صلى اهلل عليه وسلم عبادة وتزهدا في الدنيا وأغراض عن مباهجها.
فتلخصت وجهة الصوفية في مظهرين:
مظهر ظاهري :يتمثل في ترك مظاهر الدنيا "مال وجاه وعيشة ورغدة" ( ،)3قال اهلل تعالى" :قل
متاع الدنيا قليل واآلخرة خير لمن اتقى وال تظلمون فتيال" سورة النساء اآلية .22
مظهر باطني :يتمثل في مراقبة أفعال القلب ،وسميت بمرحلة مجاهدة التقوى ( ،) 4وأحسن
المصادر الصوفية لهذا الغرض كتاب الرعاية لحقوق اهلل للحارث بن أسد المحاسب 711ه/
999م(.)5
بعدها تطور التصوف السني خالل القرنين الثالث والرابع الهجريين والتاسع والعاشر
الميالديين وأصبح هدف المنتحلون الوصول إلى نفس ال يصدر عنها سوى أفعال الخير
26
نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف الفصل األول
فعمدوا إلى تقويم النفس عن طريق اإلرادة والرياضة ،فالرياضة هي تدريب النفس وفق مظهرين:
مظهر بارز يتمثل في رفض زينة الدنيا من مال وجاه ومقاومتها عن طريق الصيام المتواصل
وقيام الليل حتى يكون الفعل والترك عند صاحبه أم ار طبيعيا ،والهدف من تقويم النفس بهذه
الطريقة هو الوصول إلى مراتب األنبياء والصديقين والصلحاء وأطلق على هذا النوع من
المجاهدة النفسية مجاهدة االستقامة(.)1
ثم أصبح خالل القرن الخامس هجري 00م ينزع إلى كشف عن عالم الغيب كمعرفة
صفات اهلل ،ويتحقق هذا عن طريق المجاهدات السابقة ،باإلضافة إلى اإلقتداء بشيخ مارس
أنواع المجاهدات وانكشف له عالم غيب يلتزم الخلوة في مكان بعيدا عن الخلق(.)2
ومن هنا تصل المجاهدة بصاحبها إلى فراغ القلب عما سوى اهلل( ،)3فيقع الحذر الشديد من
الوسواس الشيطان وخواطر الدنيا ،وخالل هذه المجاهدة يعرض المريد على شيخه كل ما يعتريه
في قلبه من نشاط أو كسل أو صدق إرادة وهذه المراقبة ضرورية ،ألن قلب المريد قد يغلب
عليه خيال من الخياالت ( ،)4فيسلك طريق اإلباحة لهذا يبقى المريد مالزما المجاهدة طوال
حياته فإذا نجا من هذه المثبطات(.)5
وفي أثناء هذه المجاهدات كلها التي تمر بها التصوف السني اتط أر على النفس صفات
يتلون بها القلب ليس من كسب المريد وال من اختياره ،بل هي صواهب من اهلل كالسرور
والحزن والشوق أو الرجاء والخوف والقبض(.)6
27
نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف الفصل األول
نشأ عن اهتمام الصوفية بعلوم المكاشفة التماسا لمعرفة اهلل ،والوقوف على حكمته أو
أس ارره فظهرت منذ القرن الثالث الهجري 15م ،عدة نظريات صوفية فلسفية تباينت في كيفية
الوصول إلى هذه األهداف(.)1
فكان ذو النون المصري 719ه995-م أول من أدخل مدرك العرفانية "الغنوصية" في
التصوف اإلسالمي( ،)2ثم بعده جاء أبو زيد البسطامي "721ه929-م" بنظرية الفناء أي فناء
اإلنسان عن نفسه وفقدانه الشعور بذاته مع اهلل(.)3
ومن أشهر رواد هذه المدرسة الصوفية في القرن الخامس الهجري "الحادي عشر الميالدي"
أبو الحسن بن عبد اهلل المعروف بابن سينا "179ه0112-م" الذي تناول نظريته اإلشراقية في
كتاب اإلشارات والتنبيهات(.)4
وخالل القرنين السادس والسابع الهجريين /الثاني عشر والثالث عشر الميالديين ،ركز
جمهور من الصوفية أكثرهم أندلسيون على االعتناء بعلوم المكاشفة ،فجعلوها علوما
اصطالحية بينهم ،فأصبح علم التصوف عندهم يختص في البحث عن طريق العلوم المصطلح
عليها المؤدية إلى كشف أسرار الملكوت وحكمته ،فإذا عجزوا أو طلبوا بالبرهنة عليها لجئوا إلى
الوجدان أي المجاهدة النفسية ( ،) 5حيث نزع أصحاب هذا االتجاه منزعا فلسفيا انقسم إلى
اتجاهين اتجاه تزعمه أبو القاسم أحمد بن الحسين بن قسي 916ه0090-م وعبد الرحمن بن
أبي الرجال المعروف بابن برجان 916ه0010 -م وعبد اهلل محمد بن علي الحاتمي المعروف
28
نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف الفصل األول
ومن خالل هذا العرض ألنواع التصوف عند المسلمين والذي اقتصرنا فيه على ذكر
المش ارب واالتجاهات الصوفية التي كان لها دور كبير في نشأة الحركة الصوفية بالمغرب
األوسط وتطويرها والتأثير على واقعها االجتماعي والفكري واالقتصادي والسياسي غضون
القرنين 6و2ه01-07 -م ،نستخلص أن القرون الثالث والرابع والخامس الهجري تمثل
ا لعصر الذهبي للتصوف السني والفلسفي بالمشرق ،في حين يمثل القرنان السادس والسابع
هجري تطور كبير لنظريات التصوف الفلسفي القادمة من األندلسي نحو المغرب.
( )1عبد الرحمن ابن خلدون ،المقدمة ،تحقيق حجر عاصي ،منشورات ،دار الكتب الهالل ،بيروت ،0550 ،ص.752
( )2ابن خلدون ،شفاء السائل ،مرجع سابق ،ص .97
( )3ابن خلدون ،المقدمة ،مرجع سابق ،ص .752
29
نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف الفصل األول
فظهور الزهد في المجتمع اإلسالمي يعود إلى نهاية القرن األول وكان يطلق عليهم بالنساك
الذي كان بداياته بعد أحداث الفتنة التي هزت المجتمع اإلسالمي منذ )(4
أو الفقراء أو الزهاد
30
نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف الفصل األول
مقتل الخليفة "عثمان بن عفان" فظهرت جماعة متحفظة برأيها جراء الصراع بين علي بن أبي
طالب ومعاوية فتفرغوا للعلم والعبادة).(1
قد ساعد ت الظروف االجتماعية للمجتمع في شيوع ظاهرة الزهد في هذه الفترة ،فكانوا كثي ار
ما يخرجون للجبال والصحاري والمناطق المنعزلة والخلو بأنفسهم واالنقطاع للعبادة نتيجة يئسهم
واشمئزازهم من حياة البذخ والترف ،فظهر أول مرة بمنطقة الكوفة انتقل إلى البصرة).(2
ب -مرحلة من الزهد إلى التصوف:
ظهر التصوف في أواخر القرن الثاني وبداية القرن الثالث وعرف انتشا ار واسعا في البالد
اإلسالمية في منتصف القرن الثالث التساع الرقعة الجغرافية للمسلمين وامتزاجهم بشعوب
وقوميات وديانات جديدة وتأثرهم بالعلوم العقلية كالفلسفة والحياة الروحية التي اهتدوا إليها بعد
فتح البلدان كالفرس ،فرده ابن خلدون إلى اقبال الناس على الدنيا واإلنغماس في ملذاتها ،مما
أدى إلى ظهور تيار معاكس متمثال في العكوف واالنقطاع للعبادة فعرف أصحاب االتجاه
بالصوفية).(3
فكان أول من أطلق كلمة صوفي هو أبي الهاشم الكوفي) ،( 4على رجل في مكة لم يعرف
إسمه) ،(5من أهم رواد هذه المرحلة نجد الحسن البصري) ،(6الذي أقامه على خوف اهلل والخوف
( )1
األخضر لطيفة ،االسالم الطرقي ،دراسة في موقعه من المجتمع ومن القضية الوطنية ،د ار ستراس ،تونس0551 ،
ص.00
( )2محمد السيد الجلنيد ،من قضايا التصوف في ضوء الكتاب والسنة ،مرجع سابق ،ص.75
( )3ابن خلدون عبد الرحمن ،المقدمة ،مصدر سابق ،ص.121
( )4أبو هاشم عثمان بن شريك الكوفي الصوفي :نسبة إلى الكوفة مسقط رأسه ،عام ت 091ه قيل أنه أو من تسمى بإسم
الصوفي بالكوفة ،فإنفرد بلبس الصوف والغليظ من اللباس وله آراء في الحلولية واإلتحاد ونظم الشعر ودراية بعلم الكالم عرف
بزهده وانتقل إلى الشام لطلب اآلخرة عن الدنيا ،للمزيد ينظر إلى :عبد المنعم الحفني ،الموسوعة الصوفية ،مرجع سابق ،ص
.117
( )5الطوسي ،مصدر سابق ،ص ص .11-17
( )6هو أبو سعيد الحسن البصري77 ،ه001-ه ،والده من أهل ميسان بخرسان فسبي فأصبح مولى لألنصار ،فغلب عليه
الخوف وكأن النار لم تخلق إال له ،فزهد في الدنيا فترك القضاء التي أسندت إليه ،ويقول في التصوف من لبس الصوف
تواضعا هلل تعالى زاده نو ار في بصره وقلبه ومن لبسه للتكبر والخيالء كو في جهنم.
31
نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف الفصل األول
من عذابه والرغبة في الجنة نجد أيضا رابعة العدوية( ،)فهذه األخيرة التي أقامته على
محبة اهلل وذوقه لذاته.
عوامل التصوف:
وجود أعالم صوفية عملوا على نشر هذه الطريقة بكامل المغرب االسالمي ،أثروا بسلوكهم
وبعملهم ومؤلفاتهم من أمثال الشيخ مدين ،الملياني ،الثعالبي.)1( .....
ويضاف إلى ذلك تأثير كثير من علمائنا بالتصوف المشرقي) (2الذي بدأ يسيطر بدوره على
الساحة الفكرية بعد محاولة اإلمام الغزالي التوفيق بين الشريعة والحقيقة(.)3
كان بعض متصوفة المشرق يفدون من جانبهم إلى بالد المغرب للتجوال حينا آخر
ولإلقامة حين آخر( ،)4فقد جاء إلى إفريقية ذو النون اإلخميمي المصري الصوفي األشهر وأخذ
عن شقران ولعله بث بعض آرائه بين المغاربة( ،)5كما قدم من المشرق إلى المغرب أبو عبد اهلل
الصبيحي البصري الذي يضعه السلمي في الطبقة الثالثة من المتصوفة التي ضمنها أبي محمد
( )رابعة العدوية :هي أم الخير بنت إسماعيل العدوية البصرية "ت099ه ،كانت البنت الرابعة ألبويها دفنت بالبصرة وكانت
تقرض الشعر وتغيبه على الناي وقد إستعملها سيدها للغناء ،وكان ذلك يسخطها إلتجاهاتها الدينية فعتقها ،فزهدت في حياتها
وأنها لم تتزوج عرفت بحبها الشديد اهلل لدرجة العشق ،وأطلق عليها بشاعرة المحبة األلهية عند الصوفية وأول من تكلم وأدخل
هذا المعنى إلى التصوف اإلسالمي ،للمزيد ينظر إلى ،عبد المنعم الحفني الصوفي ،مرجع سابق ،ص .027
( )1القاسمي عبد المنعم الحسني ،مرجع سابق ،ص .76
()2
أبو القاسم سعد اهلل ،تاريخ الجزائر الثقافي ،ج ،0ط ،0دار الغرب االسالمي ،بيروت ،0559 ،ص.76
( )3طيب جاب اهلل ،دور الطرق والزوايا في المجتمع الجزائري ،مجلة المعارف ،عدد 01 ،كلية العلوم االجتماعية واالنسانية
جامعة بويرة7101 ،م ،ص.016
( )4البيلي محمد بركات ،الزهاد والمتصوفة في بالد المغرب واألندلس حتى القرن الخامس هجري ،دار النهضة العربية ،مصر
0551ص.52
( )5المرجع نفسه ،ص.59
32
نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف الفصل األول
الجريري والح الج ،وقد أخرج أهل البصرة أبا محمد عبد اهلل الصبيحي من مدينتهم فتوجه إلى
بالد المغرب واستوطن السوس حتى توفي هناك(.)1
با إلضافة لدور المصنفات الصرفية المشرقية التي دخلت للمغرب عم طريق رحالت الحج
والرحالت العلمية أبرزها وأكثرها تأثي ار في الحياة الصوفية "كتاب الرعاية" للحارث بن أسد
المحاسبي و"قوت القلوب" ألبي طالب محمد بن علي المكي والرسالة "القشيرية" ألبي القاسم
القشيري.
ب -أسباب سياسية:
سقوط الدولة الموحدية التي كانت تمثل دولة قوية واجهت الغزو اإلسباني ،وألسباب داخلية
()2
ساءت أوضاعها ونتيجة لهذا التدهور السياسي الذي أصابها باإلضافة إلى سقوط األندلس
والذي نتج عنه أمران :الغزو اإلسباني لمعظم سواحل المغرب االسالمي ،األمر الثاني هجرة
كثير من صوفية األندلس إلى األراضي الجزائرية(.)3
باإلضافة إلى تشجع العثمانيون لرجال التصوف وأهل الطرق الصوفية وذلك بانحيازهم في
بادئ األمر إلى رجال الدين والتصوف واضفاء هالة من التقديس األعمى عليهم ،وايمانهم
العميق بهم كأولياء اهلل الروحيين في األرض وفيما بعد شاركوا مشاركة فعلية في بناء القبب
واألضرحة ،والم ازرات(.)4
كانت األحوال السياسية في بالد المغرب في القرنين الثاني والثالث الهجريين أثر في
تصعيد نزعة الزهد وصوال إلى التصوف ،فقد ازداد االضطراب السياسي نتيجة الفتنة المغربية
التي اجتاحت بالد المغرب في عصر الوالة ،وعلى الرغم من هدوء األحوال نسبيا مع قيام
( )1الطاهر بونابي ،التصوف في الجزائر خالل القرنين الهجريين 01-07 ،2-6ميالديين ،دار الهدى للطباعة والنشر ،عين
مليلة الجزائر7111 ،م ،ص.67
( )2أبو القاسم سعد اهلل ،مرجع سابق ،ص .165
( )3القاسمي عبد المنعم الحسني ،مرجع سابق ،ص .79
( )4أبو القاسم سعد اهلل ،المرجع نفسه ،ص .165
33
نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف الفصل األول
الدويالت المستقلة في فاس وتاهرت ،سجلماسة وافريقية( )1بسبب الخالفات المذهبية القائمة بين
العلويين وهذا أثار خوف المغاربة ،فاعتمدوا على آراء المتصوفة فتأثروا بها فالذوا بالتصوف
ليجدوا فيه الطمأنينة والنجاة من ويالت هذه القالئل التي تهددهم دائما(.)2
الثراء االقتصادي وأثره في نشأة التصوف ( ،) 3باإلضافة إلى انتشار البذخ والترف عند
طبقات معينة ،نتيجة الثراء الفاحش وتراجع القيم الدينية واألخالقية ،حيث أهمل الخاصة
والعامة الكثير من مبادئ الدين وسلوكه القويم( ،)4وقد حارب الصوفية هذا االنحراف.
وقاوموا بكل السبل والطرق هذه االختالالت مما أدى إلى انتشار مذهبهم وتعددت طرقهم
وتنوعت أصول مشرب معتقداتهم(.)5
شهد المغرب األوسط أيضا بداية من القرن الثاني إلى القرن الخامس هجري /الثامن إلى
الحادي عشر الميالدي برزت مالمح هذه الحركة في سياق الفتوحات اإلسالمية لبالد
المغرب(.)6
()1
البيلي محمد بركات ،مرجع سابق ،ص .59-52
()2
نفسه ،ص .59-52
( )3الطاهر بونابي ،مرجع سابق ،ص .51
( )4الطيب جاب اهلل ،مرجع سابق ،ص .012
( )5القاسمي عبد المنعم ،مرجع سابق ،ص .11
( )6يحي بن خلدون ،بغية الرواد ،ج ،0ص.002
34
نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف الفصل األول
انطالقا من القرن الثالث الهجري /التاسع ميالدي برزت حركة الزهد بشكل واضح مثلما
سيدي هيدور الذي اتخذ من جبل وهران مكانا يتعبد فيه نسب إليه بعد ذلك ( ،) 1بينما كان
المغرب األوسط يعيش حركة زهدية بطيئة ،كانت إفريقيا تشهد حركة زهدية واسعة تزعمها
سحنون بن حبيب التنوخي "711ه991-م" (.)2
وضوِء َنه ـ ٍ
ـار ال َي ـ از ُل َيسـ ــوقُه ــا. فَي ــا أَسف ــي من ُج ْنـ ِـح َلْي ٍل َيتوُدهــا.
وجرع لِ ْل َم ْو ِت َس ْو َ
ف أَذوقُ ـ ـهـ ــا. إل ــى َم ْشهَ ٍد ال ُب َّد لــي ِم ـ ْـن َش ـهــوِد ِه.
وخالل القرن الرابع للهجرة01 /م أخذت حركة الزهد تتوسع إذا نقل عن أبي القاسم عبد
الرحمن الهمذاني المعروف بالخراز أو بالوهراني 100ه0109 /م مالزمته بالقيروان للزاهد
المقشف أبي العباس تميم بن محمد التميمي مدة أربعة أعوام تأثر خاللها بالعلم وطريقته في
الزهد القائمة على الورع والسخاء والمروءة(.)4
ولما ظهرت بالقيروان بولكير الصراع بين الفقهاء والصوفية بسبب إدعاء أحد منظري
التصوف في القيروان ويعرف بعبد الرحمن بن محمد بن عبد اهلل البكري رؤيته هلل في اليقظة
( )1
أبو راس محمد بن أحمد ،عجائب األسفار ،مخطوط المكتبة الوطنية ،الجزائر ،رقم ،0617ص ،62محمد بن يوسف
الزياني ،دليل الحيران وأنيس السهران في أخبار مدينة وهران ،تحقيق المهدي البوعبدلي ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع
ص.16 الجزائر 0195ه0529 /م،
( )2الطاهر بونابي ،مرجع سابق ،ص.19
()3
سليمان بن عبد اهلل الباروني ،األزهار الرياضية في أئمة وملوك اإلباضة ،القسم الثاني ،مطبعة األزهار البارونية ،بدون
تاريخ ،ص .27
()4
الطاهر بونابي ،مرجع سابق ،ص.91
35
نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف الفصل األول
مؤكد عجز الفقهاء على إدراك مثل هذه األسرار الخفية ،فرد عليه عبد اهلل بن أبي زيد القيرواني
195ه 555 /م بتأليفه لكتاب إثبات الكرامات أبرز فيه إدعاء البكري وحدد موقفه من التصوف
المائل إلى الشعوذة ( ،) 1فانقسم جمهور القيروان إلى قسمين :قسم يمثله عدد من الصوفية
والفقهاء والمحدثين انظم إلى عبد الرحمن الفكري وقسم آخر أغلبه من الفقهاء وعلى رأسهم أبو
الحسن علي القابسي 111ه0107 /م شاطروا آراء ابن أبي زيد القيرواني( ،)2وهذه المعركة
الفكرية بين أهل الظاهر والباطن وصلت أصداؤها إلى تلمسان ،حيث ألف الزاهد أحمد بن
نصر الداودي المسيلي 117ه0101 /م ( )3كتابا بعنوان الرد على البكري ومن هذه المنطلقات
اتضح أن حركة الزهد في المغرب األوسط إلى غاية القرن الرابع للهجرة ،كانت متأثرة بتيارات
الزهد السائدة في القيروان إال أن هذا االرتباط والتأثر انتهى بخراب هذه المدينة من طرف
وفي القرن الخامس هجري 00 /ميالدي انتشرت () 4
العرب الهاللية سنة 115ه0192 /م
مظاهر الزهد واكتشفت أشهر مدن الدولة الحمادية ،إذ انزل ببونة أوائل هذا القرن الفقيه الزهد
أبو عبد الملك مروان بن محمد األندلسي 111ه0119 /م ،وأسس بها رباطه وبرع في الفقه
والحديث وشرح الموطأ وتخرج عليه ببونة عدد من الفقهاء والزهاد أبرزهم :محمد عبد الحميد
المغربي المعروف بابن الصائغ 119ه0161 /م أما في قلعة بني حماد فقد تبوأ الزاهد أبو
القاسم بن مالك مكانة محترمة عند الحماديين ولشدة زهده لم ينفق في مدة إقامته بالقيروان إال
من ماله الخاص(.)5
وفي األخير يمكن أن نقول أن التصوف ظاهرة اسالمية يجب االقتداء بها واتباع المنهج
االسالمي للوصول إلى الحقيقة.
36