You are on page 1of 21

‫الفصل االول‪ :‬نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف‪.

‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم التصوف‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬مراحل تطور التصوف‪.‬‬


‫نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف‬ ‫الفصل األول‬

‫اختلف العلماء والباحثون في موضوع التصوف من حيث حقيقته وتوجهاته وأصوله‬


‫وسنحاول في هذه الدراسة ضبط مفهوم التصوف لغة واصطالحا وكذا إبراز معالم نشأته‪ ،‬وكذا‬
‫التحدث عن أنواعه وعوامله مع ذكر الطريقة العالوية‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف‬ ‫الفصل األول‬

‫أوال‪ :‬مفهوم التصوف(‪:)‬‬

‫أ‪ -‬لغة‪ :‬لقد تشابهت التعريفات كما تشابهت الدراسات التي تناولت مختلف جوانب التصوف(‪.)1‬‬

‫فكلمة تصوف مصدر من الفعل الخماسي المصوغ من صوف للداللة على لبس الصوف ثم‬
‫كان المتجرد لحياة الصوفية يسمى في اإلسالم صوفيا(‪.)2‬‬

‫فالكلباذي يقول عن التصوف بأنه التخلي عن الدنيا وعزوف النفس وصفاء المعامالت وصفوة‬
‫األسرار وانشراح الصدور(‪.)3‬‬

‫ويرى إبن تيمية أنه نسبة إلى لبس الصوف‪ ،‬فإنه أول ما ظهرت الصوفية في البصرة‬
‫وكان في البصرة مبالغة في الزهد(‪)‬والعبادة والخوف ما لم يكن في سائر أهل األمصار‪ ،‬ولهذا‬
‫كان يقال فقه صوفي وعبادة بصرية(‪.)4‬‬

‫فإن ابن خلدون يذكر عن القشيري أنه ال يوجد اشتقاق في العربية لهذا االسم وال‬
‫قياس(‪)5‬وهناك من رد كلمة صوفيا إلى كلمة سوفيا اليونانية(‪ ،)6‬ونسميهم صوفية ألنهم يلبسون‬
‫الصوف ويبرر مسلكهم في هذا بأن الصوف كان رداء األنبياء والصدقين والحواريين والزهاد(‪.)7‬‬

‫(‪ )‬ينظر الملحق رقم‪.10‬‬


‫( ‪)1‬‬
‫عبد العزيز شهبي‪ ،‬الزوايا والصوفية والعزابة واالحتالل الفرنسي في الجزائر‪ ،‬دار الغرب للنشر والتوزيع‪ ،‬د ت‪ ،‬وهران‬
‫‪ ،7112‬ص‪.59‬‬
‫( ‪)2‬‬
‫مايسنيون ومصطفى عبد الرزاق‪ ،‬التصوف‪ ،‬تر‪ :‬لجنة دار المعارف اإلسالمية‪ ،‬ط‪ ،0‬دار الكتاب اللبناني‪ ،‬بيروت‬
‫لبنان‪0591‬م‪ ،‬ص‪.79‬‬
‫(‪ )3‬الكلباذي أبو بكر محمد بن إسحاق‪ ،‬التعرف لمذهب أهل التصوف‪ ،‬ضبط وعلق عليه أحمد شمس الدين‪ ،‬ط‪ ،0‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ص‪.5‬‬
‫(‪)‬‬
‫ينظر الملحق رقم‪.17‬‬
‫(‪)4‬إبن تيمية أحمد‪ ،‬فقه التصوف‪ ،‬تع‪ :‬الشيخ زهير شفيق الكبي‪ ،‬ط‪ ،0‬دار الفكر العربي‪ ،‬بيروت‪ ،0551 ،‬ص‪.07‬‬
‫(‪)5‬عبد الرحمان إبن خلدون‪ ،‬المقدمة‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،7111 ،‬ص‪.167‬‬
‫(‪ )6‬مبارك زكي‪ ،‬التصوف اإلسالمي في اآلداب واألخالق‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‪ ،7107 ،‬ص‪.66‬‬
‫(‪ )7‬محمد السيد الجلنيد‪ ،‬من قضايا التصوف في ضوء الكتاب والسنة‪ ،‬دار العلوم‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬ط‪ ،7110 ،1‬الناشر دار‬
‫القباء للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص‪.10‬‬

‫‪18‬‬
‫نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف‬ ‫الفصل األول‬

‫أما المستشرقون يرون أنه لفظ يوناني مركب ‪" theospophie‬فتيوس" تعني اإلله و"صوفي"‬
‫تعني الحكمة وهي طريقة رياضية لمعرفة اهلل(‪.)1‬‬

‫وقيل أنه من الصفة "إذا جملته اإلتصاف بالمحامد وترك الصفات المذمومة "‪.‬‬
‫وقيل البعض‪ " :‬سمو صوفية ألنهم في الصف األول من يدي اهلل عز وجل بارتفاع هممهم إليه‬
‫واقبالهم إليه ووقوفهم بسائرهم بين يديه)‪.(2‬‬
‫وقال آخرون أنه جامد غير مشتق ذهب جماعة من أئمة التصوف إلى أن اسمهم غير‬
‫مشتق من شيء وأنه بمثابة لقب أطلق عليهم)‪.(3‬‬
‫أما "الشهر ستاني" فألحقهم بأصحاب الروحانية في قوله‪" :‬ومذهب هؤالء أن للعالم صانعا‬
‫وفاط ار حكيما مقدسا سمات الحدثان والواجب علينا معرفة العجز عن الوصول إلى جالله‪ ،‬وانما‬
‫يقترب إليه بالمتوسطات المقربين لديه وهم الروحانيون المطهرون المقدسون‪ ،‬جوه ار وفعال‬
‫وحالة‪".....‬‬
‫وهذا التطهير والتهذيب ليس يحصل إال باكتسابنا ورياضتنا وفطامت أنفسنا عن دنيا‬
‫الشهوات باستمداد من جهة الروحانيات)‪.(4‬‬
‫حين قال‪" :‬فإنفراد خواص أهل السنة‬ ‫(‪)‬‬
‫وقد أوجز "القسري" في بيان مذهب الصوفية‬
‫المراعون أنفاسهم مع اهلل المحافظون قلوبهم عن طوارف الغفلة باسم المتصوف واشتهر هذا‬
‫االسم لهؤالء األكابر قبل المائتين من الهجرة )‪.(5‬‬

‫(‪ )1‬مبارك بن محمد الميلي‪ ،‬تاريخ الجزائر القديم والحديث‪ ،‬ج‪ ،7‬تقديم وتصحيح محمد الميلي‪ ،‬مكتبة النهضة الجزائرية‪7111 ،‬‬
‫ص‪.110‬‬
‫(‪ )2‬احسان إله ظهير‪ ،‬التصوف المنشأ والمصدر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.71-71‬‬
‫(‪)3‬محمد أحمد لوح‪ ،‬تقديس األشخاص في الفكر الصوفي عرض وتحليل على ضوء الكتاب والسنة‪ ،‬ج‪0‬ط‪ ،0،‬دار ابن القيم‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬الدمام‪ ،7117 ،‬ص ص‪.19-17‬‬
‫(‪)4‬‬
‫الملل والنحل ألبي بكر الشهر ستاني‪ ،‬تحقيق أمير علي مهنا وعلي حسن فاعور‪ ،‬طبعة دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫السادسة‪ ،‬ج‪ ،7‬سنة ‪ ،0552‬ص ص‪.115-119‬‬
‫(‪)‬‬
‫ينظر الملحق رقم ‪.11‬‬
‫(‪ )5‬محمد عبد الكريم القشيري النيسابوري‪ ،‬دار الخير‪ ،‬دمشق‪ -‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،0‬سنة ‪ ،0599‬ص‪.195‬‬

‫‪19‬‬
‫نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف‬ ‫الفصل األول‬

‫ب‪ -‬إصطالحا‪ :‬يمكن تعريف التصوف بأنه حركة دينية انتشرت في العالم اإلسالمي في القرن‬
‫الثالث هجري تدعوا إلى الزهد وشدة العبادة تعبي ار عن فعل مضاد لالنغماس في الترف ثم‬
‫تطور حتى أصبح طرقا مميزة متبنية مجموعة من العقائد المختلفة (‪.)1‬‬

‫كما يعرف على أنه علم أساسي أصيل‪ ،‬أساسه الوحي السماوي إذ هو مرتبة االحسان‬
‫المشار إليها في حديث سيدنا جبريل عليه السالم‪ ،‬أن تعبد اهلل كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه‬
‫يراك)‪ ،(2‬وهذا الكالم نراه ال ينطبق على التصوف والمتصوفة لوحدهم بل يشمل كل مسلم وصل‬
‫إيمانه درجة االحسان‪.‬‬

‫ويعرفه أبو القاسم سعد اهلل بأنه القيام بالواجبات الشرعية من صالة وصوم وحج‪ ،‬ومعرفة اهلل‬
‫وحمده والتضرع إليه في كل وقت(‪.)3‬‬

‫فالتصوف حياة روحية خاصة من حيث كونه إنسانا تحيا هذه الحياة‪ ،‬وقيل صوفي من اختار‬
‫الحق لنفسه فصافاه عن نفسه أي برأه لم يرده إلى تعمل و تكلف بدعوى منه(‪.)4‬‬

‫ويعرفه ابن خلدون هو العبادة واالنقطاع إلى اهلل تعالى واإلعراض عن زخرف الدنيا وزينتها‬
‫واإلنفراد عن الخلق في الخلوة والعبادة(‪.)5‬‬

‫أما شيخ اإلسالم ابن تيمية فقد سعى إلى إبراز التصوف كمدرسة تربوية هدفها األساسي تهذيب‬
‫النفس وتطهيرها من أخالقها الذميمة ولذلك عارض كل انحراف ط أر على التصوف(‪.)6‬‬

‫(‪)1‬عبد اهلل بن دجين السهلي‪ ،‬الطرق الصوفية نشأتها وعقائدها وآثارها‪ ،‬ط‪ ،0‬كنوز إشبيليا للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪7119 ،‬‬
‫ص‪.61‬‬
‫(‪ )2‬عبد الرؤوف بن شيخ‪ ،‬قبسات من رياض الدين "‪ ، "0‬ط‪ ،0‬إصدار المركز االعالمي لطريقة القاسمي الخلوتية‪ ،‬الجامعة‬
‫د‪.‬ط‪ ،7101 ،‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )3‬أبو القاسم سعد اهلل‪ ،‬تاريخ الجزائر الثقافي‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪ ،0‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،0559 ،‬ص ‪.1‬‬
‫(‪ )4‬إلهي ظهير إحسان‪ ،‬التصوف المنشأ والمصادر‪ ،‬ط‪ ،0‬إدارة ترجمان السنة‪ ،‬باكستان‪ ،0596 ،‬ص‪.71‬‬
‫(‪ )5‬أبو القاسم سعد اهلل‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫(‪ )6‬صالح مؤيد‪ ،‬الطرق الصوفية والزوايا في الجزائر‪ ،‬دار البراق‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،7117 ،‬ص‪.11‬‬

‫‪20‬‬
‫نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف‬ ‫الفصل األول‬

‫أما أبو القاسم الجنيد عرف التصوف بقوله‪":‬التصوف هو تجنب كل خلق دنيء والتحلي بكل‬
‫خلق سني‪ ،‬وأن تعمل اهلل بغير غاية إال رضاه(‪.)1‬‬
‫وهناك من يعرفه على أنه فلسفة حياة وطريقة معينة في السلوك يتخذها اإلنسان لتحقيق‬
‫كماله األخالقي أو الترقي بالنفس اإلنسانية أخالقيا ولتحقيق سعادته الروحية(‪.)2‬‬
‫أما مفتي الديار المصرية الشيخ محمد عبده فيقول ‪":‬الصوفي نسبة إلى الصوفية وهم طائفة‬
‫من المسلمين همهم من العمل إصالح القلوب وتصفية السرائر(‪ ،)3‬قال تعالى‪ ":‬هو الذي أنزل‬
‫السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم(‪.)‬‬
‫ويقول اإلمام التستري وهو من شيوخ التصوف الكبار‪ :‬أصولنا ستة‪ :‬التمسك بكتاب اهلل‬
‫واإلقتداء بسنة رسول اهلل صلى اهلل عليه و سلم‪ -‬وأكل الحالل وكف األذى واجتناب اآلثام وأداء‬
‫الحقوق‪.‬‬
‫يرى أبو حامد الغزالي" أن التصوف طريقتهم إما أن تتعلم بعلم وعمل وكان حاصل علومهم‬
‫قطع عقبات النفس والتنزه عن أخالقها المذمومة وصفاته الخبيثة حتى يتوصل بيها إلى تخلية‬
‫القلب من غير اهلل تعالى وتحليته بذكره وكان العلم علي أيسر من العمل(‪.)4‬‬
‫يقول عبد الرحمان بدوي‪ ":‬هو جانب من أخصب جوانب الحياة الروحية في اإلسالم ألنه‬
‫تعميق لمعاني العقيدة‪ ،‬استنباط الظواهر الشريعة‪ ،‬وتأمل أحوال اإلنسان في الدنيا وتأويل‬
‫للرموز والشعائر‪ ،‬يهبها قيما موغلة في األسرار وانتصار الروح(‪.)5‬‬

‫(‪)1‬صالح مؤيد العقبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.19‬‬


‫(‪ )2‬أبو الوفا الغنيمي التفتازاني‪ ،‬مدخل إلى التصوف اإلسالمي‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫(‪)3‬صالح مؤيد العقبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫(‪ )‬سورة الفتح‪ ،‬االية ‪.1-1‬‬
‫(‪ )4‬أبو حامد الغزالي‪ ،‬المنقذ من الضالل‪ ،‬تع‪ :‬فريد‪.‬جير‪ ،‬ط‪ ،7‬مكتبة الشرقية‪ ،‬بيروت‪ ،0569 ،‬ص‪.19‬‬
‫(‪)5‬محمد دب وب‪ ،‬مساهمة الحركة الصوفية في المجاالت الثقافية واإلجتماعية واإلقتصادية ببالد المغرب اإلسالمي وتفاعالتها‬
‫خالل القرنين(‪1‬ه‪9-‬ه‪5/‬م‪00-‬م)‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الماجيستر في التاريخ اإلسالمي‪ ،7110-7111 ،‬ص‪.79‬‬

‫‪21‬‬
‫نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف‬ ‫الفصل األول‬

‫واإلنسان مركب من جسد وروح‪ ،‬وعليه فكان من الطبيعي أن يكون لديه سلوكات ظاهرية‬
‫كالعبادات والعادات والمعامالت‪...‬وسلوكات باطنية منها المحمودة كالحياء‪ ،‬الصبر‪ ،‬الشجاعة‬
‫العفة‪ ،‬الورع‪ ،‬ومنها المذمومة كالحسد‪ ،‬الغضب‪ ،‬الحقد‪،،،،‬إلخ(‪.)1‬‬
‫والقلب هو أساس صالح هذا اإلنسان‪ ،‬كما جاء في الحديث" أال وان في الجسد مضغة إذا‬
‫صلحت‪ ،‬صالح الجسد كله‪ ،‬واذا فسدت فسد الجسد كله‪ :‬أال وهو القلب(‪.)2‬‬

‫إال أنه وقف عند اشتقاق كلمة صوفي أنها من أسماء النسب كالقرشي والمدني(‪ ،)3‬ويعرفه‬
‫أحمد عيسى في كتابه مفهوم التصوف فيقول‪ ":‬إن التصوف في مفهومه الصحيح مأخوذ من‬
‫الصفاء والصفاء هو خلوص الباطن من الشهوات والكدران وهو صفاء القلب(‪.)4‬‬

‫ويقول الشيخ أحمد العالوي مؤسس الطريقة العالوية في مقال نشر في جريدة البالغ عن‬
‫المتصوفة‪ ":‬وال نقول في المتصوفة وفي غيرهم من خاصة األمة سوى أنهم قوم خصوا بالقربة‬
‫من اهلل وانفردوا بالعزائم في أفعالهم‪ ،‬وبغوامض العلوم في أقوالهم وبمكارم األخالق في أحوالهم‬
‫واننا ال نقبل من أفعال و أقوال المكلفين إال ما اتفق مع الشرع إما أصال واما مرجعا" (‪.)5‬‬

‫وهو أيضا ذلك االتجاه الفكري الداعي إلى إخالص النية هلل في العبادة وتطهير النفس‬
‫البشرية من األدران واألمراض الباطنية الداعي للوصول إلى مقام اإلحسان وهو أن تعبد اهلل‬
‫كأنك تراه(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬محمد دبوب‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.79‬‬


‫(‪)2‬حديث شريف متفق عليه‪ ،‬مدقق عليه‪ ،‬أخرجه الشيخان بخاري و مسلم‪.‬‬
‫(‪ )3‬إبن تيمية أحمد‪ ،‬فقه التصوف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.07‬‬
‫(‪ )4‬أحمد عيسى عبده غالب‪ ،‬مفهوم التصوف ‪ ،‬ط‪ ،0‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪0557 ،‬م‪ ،‬ص‪.00‬‬
‫(‪ )5‬صالح مؤيد العقبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫( ‪)6‬عبد المنعم القاسم الحسني‪ ،‬أعالم التصوف في الجزائر منذ البداية إلى غاية الحرب العالية األولى‪ ،‬دار الخليل للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،0171 ،0‬ص‪.5‬‬

‫‪22‬‬
‫نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف‬ ‫الفصل األول‬

‫فذكر صاحب الرسالة القشيرية أن التصوف األخذ بالحقائق واليأس مما في أيدي الخالئق وهو‬
‫أيضا ذكر مع اجتماع‪ ،‬ووجد مع استماع وعمل مع أتباع(‪:)1‬‬

‫الكلباذي‪ :‬أبو بكر محمد بن إسحاق الحنفي البخاري الكلباذي‪ ،‬أطلقو عليه تاج اإلسالم لعلمه‬
‫وفضله‪ ،‬كان من علماء الصوفية‪ ،‬وله كتاب التعرف إلى أهل التصوف‪ ،‬توفي سنة‪191‬ه(‪.)2‬‬

‫القشيري‪ :‬أبو عبد الكريم بن هوزان القشيري‪ ،‬صاحب الرسالة القشيرية المشهورة في التصوف‬
‫عبد المنعم الحنفي(‪.)3‬‬

‫ويعرف يوسف محمد طه زيدان التصوف بأنه الضمير النابض الذي أشاع الصدق في‬
‫وجدان األمة وبأنه ضرورة ألنه منتهي السعي الصادق في كل الدروب وما من خطى تحث‬
‫لبلوغ الحقائق واال كان التصوف غايتها ومنتهاها)‪.(4‬‬
‫والصوفية هو ذلك المسلم الذي قطع مراحل اليقين في الطريق حتى إطمأن قلبه بحق اليقين‬
‫لقوله تعالى في سورة الفتح‪ " :‬هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمان مع‬
‫إيمانهم")‪.(5‬‬
‫إذ يتفق أعالم التصوف على أن التصوف هو الحكمة والحكمة هي معرفة اهلل وهي طريقة‬
‫سعادة الدارين)‪ ،(6‬قال سبحانه وتعالى‪" :‬ومن يؤتي الحكمة فقد أوتي خي ار كثي ار")‪.(7‬‬

‫(‪ )1‬أبو القاسم القشيري‪ ،‬الرسالة القشيرية‪ ،‬ج‪ ،0‬ص‪.711‬‬


‫(‪)2‬عبد المنعم الحنفي‪ ،‬الموسوعة الصوفية‪ ،‬ص‪.119‬‬
‫(‪ )3‬الموسوعة الصوفية‪ ،‬ص‪.171‬‬
‫(‪ )4‬القاسمي الخليلي‪ ،‬قبسات من رياض الدين‪ ،‬جمع وطبع على نفقه خادم طريقة القاسمي الخلوتية‪ ،‬الجامعة عبد الرؤوف بن‬
‫شيخ‪" ،‬محمد عيسى الدين"‪ ،‬ط‪ ،0‬اصدار المركز اإلعالمي لطريقة القاسمي الخلوتية‪ ،‬الجامعة ‪ ،7101‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )5‬سورة الفتح اآلية ‪.11-11‬‬
‫(‪ )6‬عالء الدين النقشبندي‪ ،‬االسالم والتصوف‪" ،‬مصطلحه مقاماته في أقوال كبار مشايخه الطريقة النقشبندية‪ ،‬تحقيق محمد‬
‫الشيخ أحمد‪ ،‬تقديم عبد الكريم المدرس‪ ،‬ط‪ ،0‬الدار العربية للموسوعات‪ ،‬بيروت‪ ،7115 ،‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )7‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.765-769‬‬

‫‪23‬‬
‫نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف‬ ‫الفصل األول‬

‫فالصوفي هو الذي ينشد معلومتين متالزمتين هما معرفة نفسه ومعرفة ربه‪ ،‬ومن عرف‬
‫نفسه عرف ربه)‪.(1‬‬
‫قول عمر بن عثمان الملكي الذي سئل عن التصوف فقال‪ :‬هو أن يكون العبد في كل وقت‬
‫بما هو أولى به الوقت وقال محمد بن علي العقاب التصوف‪ :‬أخالق كريمة ظهرت في زمان‬
‫كريم من رجل كريم مع قوم كرام كما سئل الجنيد عن التصوف فقال هو‪ :‬أن تكون مع اهلل‬
‫تعالى بال عالقة‪.‬‬
‫يقول القشيري" الزهد هو ترك الدنيا كما هي‪ ،‬ال أقول أبني بها رباطا أو أعمر مسجدا إال‬
‫أنه لو بني مسجدا سيرجع إليه الفضل إذا كان ليس مقصودا وجه اهلل‪ ،‬وفي هذا يخرج الزاهد‬
‫عن زهده)‪.(2‬‬
‫فظهور الزهد في المجتمع اإلسالمي يعود إلى نهاية القرن األول وكان يطلق عليهم بالنساك‬
‫الذي كان بداياته بعد أحداث الفتنة التي هزت المجتمع اإلسالمي منذ‬ ‫)‪(3‬‬
‫أو الفقراء أو الزهاد‬
‫مقتل الخليفة "عثمان بن عفان" فظهرت جماعة متحفظة برأيها جراء الصراع بين علي بن أبي‬
‫طالب ومعاوية فتفرغوا للعلم والعبادة)‪.(4‬‬
‫نشأة التصوف‪:‬‬

‫التصوف فكر إسالمي نشأ مع االسالم وبدأ بحركة الزهد ثم تطور إلى فكرة التصوف‬
‫فاإلسالم والقرآن هما المنبع األول للتصوف وكلمة التصوف لم توجد في اللغة العربية إال في‬
‫القرن الثاني للهجرة وأول من سمي بالصوفي هو "أبو الهاشم" الصوفي في القرن الثاني‪ ،‬وأول‬

‫(‪)1‬عالء الدين النقشبندي‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.11‬‬


‫(‪ )2‬معجم ألفاظ الصوفية‪ ،‬حسين الشرقاوي‪ ،‬ط‪ ،0‬مؤسسة مختار‪ ،‬ن‪.‬ت‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر ‪0592‬م‪ ،‬ص ص‪.065-069‬‬
‫(‪ )3‬محمد عبد المنعم خفاجي‪ ،‬التصوف في االسالم وأعالمه‪ ،‬ط‪ ،7‬دار الوفاء‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،7117 ،‬ص‪.19‬‬
‫(‪ )4‬األخضر لطيفة‪ ،‬االسالم الطرقي‪ ،‬دراسة في موقعه من المجتمع ومن القضية الوطنية‪ ،‬د ار ستراس‪ ،‬تونس‪ ،0551 ،‬ص‪.00‬‬

‫‪24‬‬
‫نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف‬ ‫الفصل األول‬

‫رجال مدرسة التصوف هم "الحسن البصري" "‪009‬ه"‪ ،‬وكان المتصوفون في القرن األول يطلق‬
‫عليهم النساك والقراء والزهاد والفقراء حتى ظهر في القرن الثاني لفظ التصوف والصوفي(‪.)1‬‬

‫فمن الطبيعي أن المصدر األول االسالمي‪ ،‬فقد استمدوا من القرآن والسنة‪ ،‬ويكون المصدران‬
‫األساسيان للتصوف في الحقيقة الكتاب والسنة‪ ،‬ومن القرآن والسنة استمد الصوفية أول ما‬
‫استمدوا آراءهم في األخالق والسلوك ورياضتهم العلمية التي اصطنعوها من أجل تحقيق هدفهم‬
‫من الحياة الصوفية (‪.)2‬‬

‫إن التصوف خليق بأن يصحب كل نزعة شريفة من النزاعات الوجدانية واألساس أن يكمل‬
‫الصدق ويسود اإلخالص بحيث ال تمتلك النفس أن تتصرف عما آمنت به واطمأنت إليه‪ ،‬في‬
‫عالم المعاني‪ ،‬وكذلك يتمثل التصوف في معاني كثيرة‪ ،‬فيكون في الحب‪ ،‬ويكون في الوالء‬
‫ويكون في السياسة‪ ،‬حيث تقوم على مبادئ تتصل بالروح والوجدان(‪.)3‬‬

‫ذلك إننا إذا رأينا إلى القرآن الكريم فسنجده جاءنا بأنواع مختلفة من األحكام الشرعية‪ ،‬وهي‬
‫تندرج بوجه عام تحت ثالثة أقسام رئيسية‪ :‬العقائد والفروع من العبادات والمعامالت واألخالق‬
‫والحقيقة أن األخالق اإلسالم هي أساس الشريعة‪ ،‬حيث إذا افترقت أحكام الشريعة أسوء في‬
‫ذلك األحكام االعتقادية أو األحكام الفقهية إلى األساس الخلقي كانت صورة ال روح فيها أو‬
‫هيكال فارغا من المضمون(‪.)4‬‬

‫ومنه يتجلى لنا أن التصوف نشأ قبل الفتوحات اإلسالمية وبعد ظهور االسالم أصبح‬
‫مصدره األول هو القرآن الكريم الذي اشتقت منه حركة التصوف ففيه آيات كثيرة تدعوا إلى‬
‫إطراح الد نيا وتحث على الزهد وتشجع على التقشف‪ ،‬وقد أراد اهلل بها أن يصرف األعراب‬

‫(‪ )1‬محمد عبد المنعم خفاجي‪ ،‬التصوف في اإلسالم وأعالمه‪ ،‬دار الوفاء‪ ،‬لدار الطباعة والنشر‪ ،‬ط‪ ،7117 ،0‬ص‪.19‬‬
‫(‪ )2‬أبو الوفا الغنيمي التفت ازني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.19-12‬‬
‫(‪ )3‬زكي مبارك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.79‬‬
‫(‪ )4‬أبو الوفا الغنمي التفتزاني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.07‬‬

‫‪25‬‬
‫نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف‬ ‫الفصل األول‬

‫المنهمكين في اللذات والشهوات الدنيوية وأن يهدي به ما يشاء من عباده أنه هو القرآن الكريم‬
‫مصدر نجاة اإلنسان وسعادته ومحور حشرانه وشفاؤه‪ ،‬ويقول عز وجل‪" :‬وما الحياة الدنيا إال‬
‫متاع الغرور"(‪.)1‬‬
‫ورغم ذلك انتشرت حياة الزهد والتقشف وبرز مجموعة من أقطاب التصوف حمل أغلبهم‬
‫لقب الغوث(‪ ،)‬مثل أبا مدين شعيب بن الحسين وابن العربي(‪.)2‬‬
‫أنواعه‪:‬‬
‫أ‪ -‬التصوف السني‪:‬‬
‫تميز التصوف السني خالل القرنين األول والثاني الهجريين االلتزام بأوامر اهلل ونواهيه‬
‫واإلقتداء بحياة النبي صلى اهلل عليه وسلم عبادة وتزهدا في الدنيا وأغراض عن مباهجها‪.‬‬
‫فتلخصت وجهة الصوفية في مظهرين‪:‬‬
‫مظهر ظاهري‪ :‬يتمثل في ترك مظاهر الدنيا "مال وجاه وعيشة ورغدة" (‪ ،)3‬قال اهلل تعالى‪" :‬قل‬
‫متاع الدنيا قليل واآلخرة خير لمن اتقى وال تظلمون فتيال" سورة النساء اآلية ‪.22‬‬
‫مظهر باطني‪ :‬يتمثل في مراقبة أفعال القلب‪ ،‬وسميت بمرحلة مجاهدة التقوى (‪ ،) 4‬وأحسن‬
‫المصادر الصوفية لهذا الغرض كتاب الرعاية لحقوق اهلل للحارث بن أسد المحاسب ‪711‬ه‪/‬‬
‫‪999‬م(‪.)5‬‬

‫بعدها تطور التصوف السني خالل القرنين الثالث والرابع الهجريين والتاسع والعاشر‬
‫الميالديين وأصبح هدف المنتحلون الوصول إلى نفس ال يصدر عنها سوى أفعال الخير‬

‫(‪ )1‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.099‬‬


‫(‪ )‬الغوث‪ :‬هو أعلى مراتب الصوفية‪ ،‬ويعني العون األكبر أو يسمى بالقطب الذي يدور حوىه عالم التصوف‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫مراتب أخرى مثل األوتاد‪ ،‬األبدال‪ ،‬النقباء‪ ،....‬وتختلف أدوارهم في التصوف‪.‬‬
‫(‪ )2‬يحي بوعزيز‪ ،‬ثورات القرن التاسع عشر والعشرين‪ ،‬ط‪ ،0‬دار البعث‪ ،‬الجزائر‪ ،0591 ،‬ص‪.155‬‬
‫(‪ )3‬ابن خلدون‪ ،‬شفاء السائل لتهذيل المسائل‪ ،‬نشر األب أغناطيوس عبده‪ ،‬المطبعة الكاثوليكية‪ ،‬بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬ص‬
‫ص‪.11-11‬‬
‫(‪ )4‬الطاهر بونابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫(‪)5‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.15‬‬

‫‪26‬‬
‫نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف‬ ‫الفصل األول‬

‫فعمدوا إلى تقويم النفس عن طريق اإلرادة والرياضة‪ ،‬فالرياضة هي تدريب النفس وفق مظهرين‪:‬‬
‫مظهر بارز يتمثل في رفض زينة الدنيا من مال وجاه ومقاومتها عن طريق الصيام المتواصل‬
‫وقيام الليل حتى يكون الفعل والترك عند صاحبه أم ار طبيعيا‪ ،‬والهدف من تقويم النفس بهذه‬
‫الطريقة هو الوصول إلى مراتب األنبياء والصديقين والصلحاء وأطلق على هذا النوع من‬
‫المجاهدة النفسية مجاهدة االستقامة(‪.)1‬‬
‫ثم أصبح خالل القرن الخامس هجري ‪00‬م ينزع إلى كشف عن عالم الغيب كمعرفة‬
‫صفات اهلل‪ ،‬ويتحقق هذا عن طريق المجاهدات السابقة‪ ،‬باإلضافة إلى اإلقتداء بشيخ مارس‬
‫أنواع المجاهدات وانكشف له عالم غيب يلتزم الخلوة في مكان بعيدا عن الخلق(‪.)2‬‬

‫ومن هنا تصل المجاهدة بصاحبها إلى فراغ القلب عما سوى اهلل(‪ ،)3‬فيقع الحذر الشديد من‬
‫الوسواس الشيطان وخواطر الدنيا‪ ،‬وخالل هذه المجاهدة يعرض المريد على شيخه كل ما يعتريه‬
‫في قلبه من نشاط أو كسل أو صدق إرادة وهذه المراقبة ضرورية‪ ،‬ألن قلب المريد قد يغلب‬
‫عليه خيال من الخياالت (‪ ،)4‬فيسلك طريق اإلباحة لهذا يبقى المريد مالزما المجاهدة طوال‬
‫حياته فإذا نجا من هذه المثبطات(‪.)5‬‬

‫وفي أثناء هذه المجاهدات كلها التي تمر بها التصوف السني اتط أر على النفس صفات‬
‫يتلون بها القلب ليس من كسب المريد وال من اختياره‪ ،‬بل هي صواهب من اهلل كالسرور‬
‫والحزن والشوق أو الرجاء والخوف والقبض(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬ابن خلدون‪ ،‬شفاء السائل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 11‬ومابعدها‪.‬‬


‫(‪ )2‬أبو حامد الغزالي‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬الجزء ‪ ،1‬الطبعة األولى‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪0116 ،‬ه‪0595-‬م‪ ،‬ص‪.97‬‬
‫(‪ )3‬نفسه‪ ،‬ص‪.91‬‬
‫(‪ )4‬نفسه‪ ،‬ص‪.77‬‬
‫(‪ )5‬ابن خلدون‪ ،‬شفاء السائل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.11-11‬‬
‫(‪ )6‬نفسه‪ ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪27‬‬
‫نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف‬ ‫الفصل األول‬

‫ب‪ -‬التصوف الفلسفي‪:‬‬

‫نشأ عن اهتمام الصوفية بعلوم المكاشفة التماسا لمعرفة اهلل‪ ،‬والوقوف على حكمته أو‬
‫أس ارره فظهرت منذ القرن الثالث الهجري ‪15‬م‪ ،‬عدة نظريات صوفية فلسفية تباينت في كيفية‬
‫الوصول إلى هذه األهداف(‪.)1‬‬

‫فكان ذو النون المصري ‪719‬ه‪995-‬م أول من أدخل مدرك العرفانية "الغنوصية" في‬
‫التصوف اإلسالمي(‪ ،)2‬ثم بعده جاء أبو زيد البسطامي "‪721‬ه‪929-‬م" بنظرية الفناء أي فناء‬
‫اإلنسان عن نفسه وفقدانه الشعور بذاته مع اهلل(‪.)3‬‬

‫ومن أشهر رواد هذه المدرسة الصوفية في القرن الخامس الهجري "الحادي عشر الميالدي"‬
‫أبو الحسن بن عبد اهلل المعروف بابن سينا "‪179‬ه‪0112-‬م" الذي تناول نظريته اإلشراقية في‬
‫كتاب اإلشارات والتنبيهات(‪.)4‬‬

‫وخالل القرنين السادس والسابع الهجريين‪ /‬الثاني عشر والثالث عشر الميالديين‪ ،‬ركز‬
‫جمهور من الصوفية أكثرهم أندلسيون على االعتناء بعلوم المكاشفة‪ ،‬فجعلوها علوما‬
‫اصطالحية بينهم‪ ،‬فأصبح علم التصوف عندهم يختص في البحث عن طريق العلوم المصطلح‬
‫عليها المؤدية إلى كشف أسرار الملكوت وحكمته‪ ،‬فإذا عجزوا أو طلبوا بالبرهنة عليها لجئوا إلى‬
‫الوجدان أي المجاهدة النفسية (‪ ،) 5‬حيث نزع أصحاب هذا االتجاه منزعا فلسفيا انقسم إلى‬
‫اتجاهين اتجاه تزعمه أبو القاسم أحمد بن الحسين بن قسي ‪916‬ه‪0090-‬م وعبد الرحمن بن‬
‫أبي الرجال المعروف بابن برجان ‪916‬ه‪0010 -‬م وعبد اهلل محمد بن علي الحاتمي المعروف‬

‫(‪ )1‬ابن خلدون‪ ،‬شفاء السائل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.91‬‬


‫( ‪ )2‬توفيق الطويل‪ ،‬في رحاب التصوف اإلسالمي‪ ،‬مجلة عالم المعرفة‪ ،‬المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‬
‫العدد‪ ،92‬السنة جمادى اآلخرة ‪0119‬ه‪ ،‬مارس آذار ‪0599‬م‪ ،‬ص‪.029‬‬
‫‪.051-095‬‬ ‫(‪ )3‬نفسه‪ ،‬ص ص‬
‫(‪ )4‬أبو الريان أحمد‪ ،‬تاريخ الفكر الفلسفي في االسالم‪ ،‬ط‪ ،7‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت "ب‪.‬ت"‪ ،‬ص ص ‪.110-111‬‬
‫(‪ )5‬ابن خلدون‪ ،‬شفاء السائل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.90-91‬‬

‫‪28‬‬
‫نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ ،‬واتجاه ثاني ذهب إلى القول‬ ‫(‪)1‬‬


‫بابن عربي ‪619‬ه‪0711-‬م ذهبوا إلى القول بوحدة الوجود‬
‫بالوحدة المطلقة (‪ ،)2‬أشهرهم‪ :‬أبو عبد اهلل الشوذي الخلوي أوائل القرن ‪2‬ه‪01/‬م أبو حسن بن‬
‫عبد اهلل النميري الششتري ‪669‬ه‪0765-‬م‪ ،‬عبد الحق بن ابراهيم الشهير ابن سبعين ‪665‬ه‪-‬‬
‫‪.)3(0721‬‬

‫ومن خالل هذا العرض ألنواع التصوف عند المسلمين والذي اقتصرنا فيه على ذكر‬
‫المش ارب واالتجاهات الصوفية التي كان لها دور كبير في نشأة الحركة الصوفية بالمغرب‬
‫األوسط وتطويرها والتأثير على واقعها االجتماعي والفكري واالقتصادي والسياسي غضون‬
‫القرنين ‪ 6‬و‪2‬ه‪01-07 -‬م‪ ،‬نستخلص أن القرون الثالث والرابع والخامس الهجري تمثل‬
‫ا لعصر الذهبي للتصوف السني والفلسفي بالمشرق‪ ،‬في حين يمثل القرنان السادس والسابع‬
‫هجري تطور كبير لنظريات التصوف الفلسفي القادمة من األندلسي نحو المغرب‪.‬‬

‫(‪ )1‬عبد الرحمن ابن خلدون‪ ،‬المقدمة‪ ،‬تحقيق حجر عاصي‪ ،‬منشورات‪ ،‬دار الكتب الهالل‪ ،‬بيروت‪ ،0550 ،‬ص‪.752‬‬
‫(‪ )2‬ابن خلدون‪ ،‬شفاء السائل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.97‬‬
‫(‪ )3‬ابن خلدون‪ ،‬المقدمة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.752‬‬

‫‪29‬‬
‫نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف‬ ‫الفصل األول‬

‫ثانيا‪ :‬مراحل تطور التصوف‪:‬‬


‫مر التصوف االسالمي عبر التاريخ بمرحلتين مترابطتين ومتكاملتين ومتداخلتين‪ ،‬فكانت‬
‫بدايته عن طريق الزهد ثم مع مرور الوقت تطور مفهوم الزهد إلى مصطلح التصوف‪.‬‬
‫أ‪ -‬مرحلة الزهد‪:‬‬
‫الزهد في اللغة العربية من الفعل َزَه َد أي رغب عنه وتركه فيقال تزهد فالن أي ترك الدنيا‬
‫والزاهد هو الراغب عن الدنيا حبا لآلخرة)‪.(1‬‬
‫يستخدم الصوفية الزهد بمعنى الغنى عن النفس وعدم اإلقبال على الدنيا‪ ،‬لذا يرتبط الزهد‬
‫س َدر ِ‬
‫اه َم معدودة وكانوا‬ ‫بثمن َب ْخ ٍ َ‬
‫بالفقر‪ ،‬وقد ورد هذا المعنى في القرآن الكريم قال تعالى "و َش َرْوهُ ِ‬
‫فيه من الزاهدين)‪ ،(2‬فالزهد هو خلو األيد ي من األمالك والقلوب من التتبع ومعنى ذلك السخاء‬
‫والجود لما في اليد من ممتلكات وعدم النظر بالقلب إلى أموال الناس وممتلكاتهم‪.‬‬
‫سئل علي بن أبي طالب عن الزهد فقال‪ :‬وهو أن ال تبالي من أكل الدنيا من مؤمن أو‬
‫كافر معنى ذلك أن الزهد هو ترك الشيء الذي ليس للعبد واإلعراض فيما أيدي اآلخرين"‪.‬‬
‫يقول القشيري" الزهد هو ترك الدنيا كما هي‪ ،‬ال أقول أبني بها رباطا أو أعمر مسجدا ألنه‬
‫لو بني مسجدا سيرجع إليه الفضل إذا كان ليس مقصودا وجه اهلل‪ ،‬وفي هذا يخرج الزاهد عن‬
‫زهده)‪.(3‬‬

‫فظهور الزهد في المجتمع اإلسالمي يعود إلى نهاية القرن األول وكان يطلق عليهم بالنساك‬
‫الذي كان بداياته بعد أحداث الفتنة التي هزت المجتمع اإلسالمي منذ‬ ‫)‪(4‬‬
‫أو الفقراء أو الزهاد‬

‫(‪ )1‬المنجد في اللغة واألعالم‪ ،‬ط‪ ،79‬دار المشرق‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪.119‬‬


‫(‪ )2‬القرآن الكريم‪ ،‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪ ،71‬رواية ورش‪.‬‬
‫(‪ )3‬معجم ألفاظ الصوفية‪ ،‬حسين الشرقاوي‪ ،‬ط‪ ،0‬مؤسسة مختار‪ ،‬ن‪.‬ت‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر ‪0592‬م‪ ،‬ص ص‪.065-069‬‬
‫(‪ )4‬محمد عبد المنعم خفاجي‪ ،‬التصوف في االسالم وأعالمه‪ ،‬ط‪ ،7‬دار الوفاء‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،7117 ،‬ص‪.19‬‬

‫‪30‬‬
‫نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف‬ ‫الفصل األول‬

‫مقتل الخليفة "عثمان بن عفان" فظهرت جماعة متحفظة برأيها جراء الصراع بين علي بن أبي‬
‫طالب ومعاوية فتفرغوا للعلم والعبادة)‪.(1‬‬
‫قد ساعد ت الظروف االجتماعية للمجتمع في شيوع ظاهرة الزهد في هذه الفترة‪ ،‬فكانوا كثي ار‬
‫ما يخرجون للجبال والصحاري والمناطق المنعزلة والخلو بأنفسهم واالنقطاع للعبادة نتيجة يئسهم‬
‫واشمئزازهم من حياة البذخ والترف‪ ،‬فظهر أول مرة بمنطقة الكوفة انتقل إلى البصرة)‪.(2‬‬
‫ب‪ -‬مرحلة من الزهد إلى التصوف‪:‬‬
‫ظهر التصوف في أواخر القرن الثاني وبداية القرن الثالث وعرف انتشا ار واسعا في البالد‬
‫اإلسالمية في منتصف القرن الثالث التساع الرقعة الجغرافية للمسلمين وامتزاجهم بشعوب‬
‫وقوميات وديانات جديدة وتأثرهم بالعلوم العقلية كالفلسفة والحياة الروحية التي اهتدوا إليها بعد‬
‫فتح البلدان كالفرس‪ ،‬فرده ابن خلدون إلى اقبال الناس على الدنيا واإلنغماس في ملذاتها‪ ،‬مما‬
‫أدى إلى ظهور تيار معاكس متمثال في العكوف واالنقطاع للعبادة فعرف أصحاب االتجاه‬
‫بالصوفية)‪.(3‬‬
‫فكان أول من أطلق كلمة صوفي هو أبي الهاشم الكوفي) ‪ ،( 4‬على رجل في مكة لم يعرف‬
‫إسمه)‪ ،(5‬من أهم رواد هذه المرحلة نجد الحسن البصري)‪ ،(6‬الذي أقامه على خوف اهلل والخوف‬

‫( ‪)1‬‬
‫األخضر لطيفة‪ ،‬االسالم الطرقي‪ ،‬دراسة في موقعه من المجتمع ومن القضية الوطنية‪ ،‬د ار ستراس‪ ،‬تونس‪0551 ،‬‬
‫ص‪.00‬‬
‫(‪ )2‬محمد السيد الجلنيد‪ ،‬من قضايا التصوف في ضوء الكتاب والسنة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.75‬‬
‫(‪ )3‬ابن خلدون عبد الرحمن‪ ،‬المقدمة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.121‬‬
‫(‪ )4‬أبو هاشم عثمان بن شريك الكوفي الصوفي‪ :‬نسبة إلى الكوفة مسقط رأسه‪ ،‬عام ت ‪091‬ه قيل أنه أو من تسمى بإسم‬
‫الصوفي بالكوفة‪ ،‬فإنفرد بلبس الصوف والغليظ من اللباس وله آراء في الحلولية واإلتحاد ونظم الشعر ودراية بعلم الكالم عرف‬
‫بزهده وانتقل إلى الشام لطلب اآلخرة عن الدنيا‪ ،‬للمزيد ينظر إلى‪ :‬عبد المنعم الحفني‪ ،‬الموسوعة الصوفية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬
‫‪.117‬‬
‫(‪ )5‬الطوسي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ص ‪.11-17‬‬
‫(‪ )6‬هو أبو سعيد الحسن البصري‪77 ،‬ه‪001-‬ه‪ ،‬والده من أهل ميسان بخرسان فسبي فأصبح مولى لألنصار‪ ،‬فغلب عليه‬
‫الخوف وكأن النار لم تخلق إال له‪ ،‬فزهد في الدنيا فترك القضاء التي أسندت إليه‪ ،‬ويقول في التصوف من لبس الصوف‬
‫تواضعا هلل تعالى زاده نو ار في بصره وقلبه ومن لبسه للتكبر والخيالء كو في جهنم‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف‬ ‫الفصل األول‬

‫من عذابه والرغبة في الجنة نجد أيضا رابعة العدوية(‪ ،)‬فهذه األخيرة التي أقامته على‬
‫محبة اهلل وذوقه لذاته‪.‬‬

‫عوامل التصوف‪:‬‬

‫أ‪ -‬أسباب فكرية‪:‬‬

‫وجود أعالم صوفية عملوا على نشر هذه الطريقة بكامل المغرب االسالمي‪ ،‬أثروا بسلوكهم‬
‫وبعملهم ومؤلفاتهم من أمثال الشيخ مدين‪ ،‬الملياني‪ ،‬الثعالبي‪.)1( .....‬‬

‫ويضاف إلى ذلك تأثير كثير من علمائنا بالتصوف المشرقي)‪ (2‬الذي بدأ يسيطر بدوره على‬
‫الساحة الفكرية بعد محاولة اإلمام الغزالي التوفيق بين الشريعة والحقيقة(‪.)3‬‬

‫كان بعض متصوفة المشرق يفدون من جانبهم إلى بالد المغرب للتجوال حينا آخر‬
‫ولإلقامة حين آخر(‪ ،)4‬فقد جاء إلى إفريقية ذو النون اإلخميمي المصري الصوفي األشهر وأخذ‬
‫عن شقران ولعله بث بعض آرائه بين المغاربة(‪ ،)5‬كما قدم من المشرق إلى المغرب أبو عبد اهلل‬
‫الصبيحي البصري الذي يضعه السلمي في الطبقة الثالثة من المتصوفة التي ضمنها أبي محمد‬

‫(‪ )‬رابعة العدوية‪ :‬هي أم الخير بنت إسماعيل العدوية البصرية "ت‪099‬ه‪ ،‬كانت البنت الرابعة ألبويها دفنت بالبصرة وكانت‬
‫تقرض الشعر وتغيبه على الناي وقد إستعملها سيدها للغناء‪ ،‬وكان ذلك يسخطها إلتجاهاتها الدينية فعتقها‪ ،‬فزهدت في حياتها‬
‫وأنها لم تتزوج عرفت بحبها الشديد اهلل لدرجة العشق‪ ،‬وأطلق عليها بشاعرة المحبة األلهية عند الصوفية وأول من تكلم وأدخل‬
‫هذا المعنى إلى التصوف اإلسالمي‪ ،‬للمزيد ينظر إلى‪ ،‬عبد المنعم الحفني الصوفي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.027‬‬
‫(‪ )1‬القاسمي عبد المنعم الحسني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.76‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أبو القاسم سعد اهلل‪ ،‬تاريخ الجزائر الثقافي‪ ،‬ج‪ ،0‬ط‪ ،0‬دار الغرب االسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،0559 ،‬ص‪.76‬‬
‫(‪ )3‬طيب جاب اهلل‪ ،‬دور الطرق والزوايا في المجتمع الجزائري‪ ،‬مجلة المعارف‪ ،‬عدد‪ 01 ،‬كلية العلوم االجتماعية واالنسانية‬
‫جامعة بويرة‪7101 ،‬م‪ ،‬ص‪.016‬‬
‫(‪ )4‬البيلي محمد بركات‪ ،‬الزهاد والمتصوفة في بالد المغرب واألندلس حتى القرن الخامس هجري‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬مصر‬
‫‪ 0551‬ص‪.52‬‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.59‬‬

‫‪32‬‬
‫نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف‬ ‫الفصل األول‬

‫الجريري والح الج‪ ،‬وقد أخرج أهل البصرة أبا محمد عبد اهلل الصبيحي من مدينتهم فتوجه إلى‬
‫بالد المغرب واستوطن السوس حتى توفي هناك(‪.)1‬‬

‫با إلضافة لدور المصنفات الصرفية المشرقية التي دخلت للمغرب عم طريق رحالت الحج‬
‫والرحالت العلمية أبرزها وأكثرها تأثي ار في الحياة الصوفية "كتاب الرعاية" للحارث بن أسد‬
‫المحاسبي و"قوت القلوب" ألبي طالب محمد بن علي المكي والرسالة "القشيرية" ألبي القاسم‬
‫القشيري‪.‬‬
‫ب‪ -‬أسباب سياسية‪:‬‬

‫سقوط الدولة الموحدية التي كانت تمثل دولة قوية واجهت الغزو اإلسباني‪ ،‬وألسباب داخلية‬
‫(‪)2‬‬
‫ساءت أوضاعها ونتيجة لهذا التدهور السياسي الذي أصابها باإلضافة إلى سقوط األندلس‬
‫والذي نتج عنه أمران‪ :‬الغزو اإلسباني لمعظم سواحل المغرب االسالمي‪ ،‬األمر الثاني هجرة‬
‫كثير من صوفية األندلس إلى األراضي الجزائرية(‪.)3‬‬

‫باإلضافة إلى تشجع العثمانيون لرجال التصوف وأهل الطرق الصوفية وذلك بانحيازهم في‬
‫بادئ األمر إلى رجال الدين والتصوف واضفاء هالة من التقديس األعمى عليهم‪ ،‬وايمانهم‬
‫العميق بهم كأولياء اهلل الروحيين في األرض وفيما بعد شاركوا مشاركة فعلية في بناء القبب‬
‫واألضرحة‪ ،‬والم ازرات(‪.)4‬‬

‫كانت األحوال السياسية في بالد المغرب في القرنين الثاني والثالث الهجريين أثر في‬
‫تصعيد نزعة الزهد وصوال إلى التصوف‪ ،‬فقد ازداد االضطراب السياسي نتيجة الفتنة المغربية‬
‫التي اجتاحت بالد المغرب في عصر الوالة‪ ،‬وعلى الرغم من هدوء األحوال نسبيا مع قيام‬

‫(‪ )1‬الطاهر بونابي‪ ،‬التصوف في الجزائر خالل القرنين الهجريين‪ 01-07 ،2-6‬ميالديين‪ ،‬دار الهدى للطباعة والنشر‪ ،‬عين‬
‫مليلة الجزائر‪7111 ،‬م‪ ،‬ص‪.67‬‬
‫(‪ )2‬أبو القاسم سعد اهلل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.165‬‬
‫(‪ )3‬القاسمي عبد المنعم الحسني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.79‬‬
‫(‪ )4‬أبو القاسم سعد اهلل‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.165‬‬

‫‪33‬‬
‫نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف‬ ‫الفصل األول‬

‫الدويالت المستقلة في فاس وتاهرت‪ ،‬سجلماسة وافريقية(‪ )1‬بسبب الخالفات المذهبية القائمة بين‬
‫العلويين وهذا أثار خوف المغاربة‪ ،‬فاعتمدوا على آراء المتصوفة فتأثروا بها فالذوا بالتصوف‬
‫ليجدوا فيه الطمأنينة والنجاة من ويالت هذه القالئل التي تهددهم دائما(‪.)2‬‬

‫ج‪ -‬أسباب اجتماعية‪:‬‬

‫الثراء االقتصادي وأثره في نشأة التصوف (‪ ،) 3‬باإلضافة إلى انتشار البذخ والترف عند‬
‫طبقات معينة‪ ،‬نتيجة الثراء الفاحش وتراجع القيم الدينية واألخالقية‪ ،‬حيث أهمل الخاصة‬
‫والعامة الكثير من مبادئ الدين وسلوكه القويم(‪ ،)4‬وقد حارب الصوفية هذا االنحراف‪.‬‬

‫وقاوموا بكل السبل والطرق هذه االختالالت مما أدى إلى انتشار مذهبهم وتعددت طرقهم‬
‫وتنوعت أصول مشرب معتقداتهم(‪.)5‬‬

‫د‪ -‬أسباب دينية‪:‬‬

‫شهد المغرب األوسط أيضا بداية من القرن الثاني إلى القرن الخامس هجري‪ /‬الثامن إلى‬
‫الحادي عشر الميالدي برزت مالمح هذه الحركة في سياق الفتوحات اإلسالمية لبالد‬
‫المغرب(‪.)6‬‬

‫(‪)1‬‬
‫البيلي محمد بركات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.59-52‬‬
‫(‪)2‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.59-52‬‬
‫(‪ )3‬الطاهر بونابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.51‬‬
‫(‪ )4‬الطيب جاب اهلل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.012‬‬
‫(‪ )5‬القاسمي عبد المنعم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫(‪ )6‬يحي بن خلدون‪ ،‬بغية الرواد‪ ،‬ج‪ ،0‬ص‪.002‬‬

‫‪34‬‬
‫نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف‬ ‫الفصل األول‬

‫انطالقا من القرن الثالث الهجري‪ /‬التاسع ميالدي برزت حركة الزهد بشكل واضح مثلما‬
‫سيدي هيدور الذي اتخذ من جبل وهران مكانا يتعبد فيه نسب إليه بعد ذلك (‪ ،) 1‬بينما كان‬
‫المغرب األوسط يعيش حركة زهدية بطيئة‪ ،‬كانت إفريقيا تشهد حركة زهدية واسعة تزعمها‬
‫سحنون بن حبيب التنوخي "‪711‬ه‪991-‬م" (‪.)2‬‬

‫ومن أشعاره في محاسبة النفس والتذكير بالموت قوله‪" :‬الطويل"‪:‬‬

‫ت َن ْفس ــي وطــا َل ُمروقُهــا‪.‬‬


‫وقَ ْد َم َرقَ ْ‬ ‫ت‪.‬‬
‫ضْ‬‫َع َر َ‬
‫ت َن ْفسي قصدت وأ ْ‬
‫لَقَد َج َمح ْ‬

‫وضوِء َنه ـ ٍ‬
‫ـار ال َي ـ از ُل َيسـ ــوقُه ــا‪.‬‬ ‫فَي ــا أَسف ــي من ُج ْنـ ِـح َلْي ٍل َيتوُدهــا‪.‬‬

‫وجرع لِ ْل َم ْو ِت َس ْو َ‬
‫ف أَذوقُ ـ ـهـ ــا‪.‬‬ ‫إل ــى َم ْشهَ ٍد ال ُب َّد لــي ِم ـ ْـن َش ـهــوِد ِه‪.‬‬

‫الدي ــدان ف ــي ب ـ ِ‬


‫ـاط ِن الثَْري‪.‬‬
‫ط ْي ُبها َو ُخلُوقَهَا(‪.)3‬‬
‫ب َع ْنهَا َ‬
‫َوَي ْذ َه ُ‬ ‫َست ْأ ُكلُها ّ ُ‬

‫وخالل القرن الرابع للهجرة‪01 /‬م أخذت حركة الزهد تتوسع إذا نقل عن أبي القاسم عبد‬
‫الرحمن الهمذاني المعروف بالخراز أو بالوهراني ‪100‬ه‪0109 /‬م مالزمته بالقيروان للزاهد‬
‫المقشف أبي العباس تميم بن محمد التميمي مدة أربعة أعوام تأثر خاللها بالعلم وطريقته في‬
‫الزهد القائمة على الورع والسخاء والمروءة(‪.)4‬‬

‫ولما ظهرت بالقيروان بولكير الصراع بين الفقهاء والصوفية بسبب إدعاء أحد منظري‬
‫التصوف في القيروان ويعرف بعبد الرحمن بن محمد بن عبد اهلل البكري رؤيته هلل في اليقظة‬

‫( ‪)1‬‬
‫أبو راس محمد بن أحمد‪ ،‬عجائب األسفار‪ ،‬مخطوط المكتبة الوطنية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬رقم ‪ ،0617‬ص‪ ،62‬محمد بن يوسف‬
‫الزياني‪ ،‬دليل الحيران وأنيس السهران في أخبار مدينة وهران‪ ،‬تحقيق المهدي البوعبدلي‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‬
‫ص‪.16‬‬ ‫الجزائر ‪0195‬ه‪0529 /‬م‪،‬‬
‫(‪ )2‬الطاهر بونابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫(‪)3‬‬
‫سليمان بن عبد اهلل الباروني‪ ،‬األزهار الرياضية في أئمة وملوك اإلباضة‪ ،‬القسم الثاني‪ ،‬مطبعة األزهار البارونية‪ ،‬بدون‬
‫تاريخ‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫(‪)4‬‬
‫الطاهر بونابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.91‬‬

‫‪35‬‬
‫نبذة تاريخية عن ظاهرة التصوف‬ ‫الفصل األول‬

‫مؤكد عجز الفقهاء على إدراك مثل هذه األسرار الخفية‪ ،‬فرد عليه عبد اهلل بن أبي زيد القيرواني‬
‫‪195‬ه‪ 555 /‬م بتأليفه لكتاب إثبات الكرامات أبرز فيه إدعاء البكري وحدد موقفه من التصوف‬
‫المائل إلى الشعوذة (‪ ،) 1‬فانقسم جمهور القيروان إلى قسمين‪ :‬قسم يمثله عدد من الصوفية‬
‫والفقهاء والمحدثين انظم إلى عبد الرحمن الفكري وقسم آخر أغلبه من الفقهاء وعلى رأسهم أبو‬
‫الحسن علي القابسي ‪111‬ه‪0107 /‬م شاطروا آراء ابن أبي زيد القيرواني(‪ ،)2‬وهذه المعركة‬
‫الفكرية بين أهل الظاهر والباطن وصلت أصداؤها إلى تلمسان‪ ،‬حيث ألف الزاهد أحمد بن‬
‫نصر الداودي المسيلي ‪117‬ه‪0101 /‬م (‪ )3‬كتابا بعنوان الرد على البكري ومن هذه المنطلقات‬
‫اتضح أن حركة الزهد في المغرب األوسط إلى غاية القرن الرابع للهجرة‪ ،‬كانت متأثرة بتيارات‬
‫الزهد السائدة في القيروان إال أن هذا االرتباط والتأثر انتهى بخراب هذه المدينة من طرف‬
‫وفي القرن الخامس هجري‪ 00 /‬ميالدي انتشرت‬ ‫(‪) 4‬‬
‫العرب الهاللية سنة ‪115‬ه‪0192 /‬م‬
‫مظاهر الزهد واكتشفت أشهر مدن الدولة الحمادية‪ ،‬إذ انزل ببونة أوائل هذا القرن الفقيه الزهد‬
‫أبو عبد الملك مروان بن محمد األندلسي ‪111‬ه‪0119 /‬م‪ ،‬وأسس بها رباطه وبرع في الفقه‬
‫والحديث وشرح الموطأ وتخرج عليه ببونة عدد من الفقهاء والزهاد أبرزهم‪ :‬محمد عبد الحميد‬
‫المغربي المعروف بابن الصائغ ‪119‬ه‪0161 /‬م أما في قلعة بني حماد فقد تبوأ الزاهد أبو‬
‫القاسم بن مالك مكانة محترمة عند الحماديين ولشدة زهده لم ينفق في مدة إقامته بالقيروان إال‬
‫من ماله الخاص(‪.)5‬‬

‫وفي األخير يمكن أن نقول أن التصوف ظاهرة اسالمية يجب االقتداء بها واتباع المنهج‬
‫االسالمي للوصول إلى الحقيقة‪.‬‬

‫(‪)1‬الهادي روجي إدريس‪ ،‬الدولة الصنهاجية‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.116‬‬


‫(‪ )2‬الطاهر بونابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.90‬‬
‫( ‪ )3‬عبد الرحمن الثعالبي‪ ،‬كتاب الجامع الخلف برجال السلف ج‪ ،7‬المؤسسة للفنون المطبعية‪ ،‬الجزائر‪0551 ،‬م‬
‫ص ص‪.111 -175‬‬
‫(‪)4‬ابن خلدون‪ ،‬العبر‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.11‬‬
‫(‪)5‬الطاهر بونابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.35‬‬

‫‪36‬‬

You might also like