Professional Documents
Culture Documents
ابن عربي والفلسفة الصوفية
ابن عربي والفلسفة الصوفية
الدراسات العليا
الدكتوراه
بإشراف
1
يع د (ابن ع ربي) من المتص وفة المتفلس فين بوح دة الوج ود؛ حيث رأس مدرس ة خاص ة ,هي
مدرسة وحدة الوجود المرسلة ,بل أكثر من ذلك يعتبر الواضع األساسي لدعائم هذا المذهب ,المفصل
لمعاني ه ومراميه( .)1حيث ي رى (ابن ع ربي) أن منهج بلوغ الح ق ال يقوم على التجرب ة الحس ية وال
البرهنة العقلية ,وانما يقوم على القلب وأسراره والذوق وإ دراكه ,ولهذا نجده يهمل منهج العقل ,الذي
هو منهج التحليل والتركيب ,بل ينقده ويأخذ بمنهج الذوق المدعم بالعقل القائم على التصوير الع اطفي
والرمز واإلشارة والمعتمد على أساليب الخيال في التعبير(.)2
فهـو يرى في الذكر وسيلة للحق تعالى ،ذلك ألن الذكر يبدأ في اللسان بوهلته األولى ثم يتطور
بعد ذلك ليصاحبه حضوراً قلبياً ،ومن ثم يتطور إلى المناجاة التي يقوم بها العبد إلى ربه ،ثم يتطور
إلى مق ام المش اهدة من قب ل ال روح للم ذكور ،وبع د ذلك تتعمق العالق ة وت زاد الص لة بين العبد ورب ه
وفي مقام الخفاء ،ثم ينتهي في مقام الفناء في المذكور(.)3
فالتص وف لدي ه ه و معرف ة تجريبي ة ,وذوق ألح وال المعرف ة ال تي تول دها في النفس المجاه دات
الزهدي ة ,ولكن التص وف ليس مج رد علم نفس ط بيعي ,وإ ن ك ان ه ذا ينط وي في مض مونه ألن ه ق ام
بتحليل وتفسير الظواهر الخارقة للشعور كلما أمكنه ذلك؛ أي تفسير أسرار الحياة الروحية(التجليات
والمواجيد والكرامات) ,والشواهد على صحتها(.)4
حيث إن المعرف ة الص وفية لـ(ابن ع ربي) ال تي تتحق ق فيه ا للنفس المكاش فة ،في أن يكش ف اهلل
تع الى بالص فات أم ا ب الجالل أو الجم ال على حس ب المقام ات والح االت ،أم ا التجلي فه و ش كل آخ ر
يتخ ذ العي ان الص وفي ،وفي ه ي دخل رم ز الن ور ،ب دالً من رم ز الحجب( .)5ألن ك ل موج ود بوص فه
ص ادراً عن اهلل من ير ب درجات متفاوت ة ،والنفس اإلنس انية هي األخ رى ن ور ،وان ك انت ق د خ ف
ضوئها باتحادها بالجسد ،وأظلمت بالذنوب( .)6أي ان التجلية (التطهير) ضرورية من أجل ان يسترد
أج زاء اإلنس ان النفس ية ص فاءها ال روحي ال ذي ك ان له ا قب ل االتح اد بالب دن .وله ذا التطه ير ثالث
مراتب عند (ابن عربي) وهي :تزكية النفس ,وتصفية القلب ,وتجلية الروح .وللوصول إلى المرتبة
)1األدريسي ,حممد العدلوين :ابن عريب ومذهبه الصويف الفلسفي ,ط ,2دار الثقافة ,2004 ,ص.12
)(2ا ألدريسي ,حممد العدلوين :املصدر نفسه ,ص.14
)(3بالثيوس ،أسني :أبن عريب حياته ومذهبه ،تر :عبد الرمحن بدوي ،مكتبة االجنلو املصرية ،القاهرة ,1965 :ص.272
)(4بالثيوس ،أسني :املصدر نفسه ,ص.112
)(5ابن عريب ،حمي الدين :الشاهد ،دائرة املعارف العثمانية ،حيدر أباد الدكن ، 1948 :ص.61
)(6ابن عريب ،حمي الدين :املسائل إليضاح املسائل ،حتقيق :قاسم حممد عباس ،دار املدى ،ط ،1دمشق ،2004 :ص.27
2
األولى البد من التوبة وقهر األهواء؛ وللوصول إلى الثانية ال بد من الخلوة والذكر؛ وللوصول إلى
الثالث ة يكفي اإليم ان الص وفي ال ذي يفتح ب اب ال روح لإللهام ات العلوي ة .أم ا عن الزه د فه و الدرج ة
األولى في فض يلة التص وف ال تي ت أتي بع د التوب ة وحقيق ة الزه د هي االع راض اإلرادي عن ال دنيا
وش ؤونها .ويتل وه التجري د ,وقيمت ه االص طالحية هي قيم ة الفض يلة ال تي س ميت بع د ذل ك بـ(تجري د
ال روح) أي قط ع العالئ ق الدنيوي ة وتخلي ة القلب من طلب ال دنيا .ويتل وا ذل ك قم ع االه واء واآلراء
الخاصة(.)1
وقد وجد (ابن عربي) هذين العلمين :الزهد والتصوف ,وقد نظما من قبل .وعنده أن الفارق بين
كليهم ا ه و في ه ذا :أن الحي اة الروحي ة تتض من ن وعين من المعرف ة :أح دهما يت ألف من الحق ائق
العقائدي ة وقواع د األخالق الديني ة ال تي ت بين للنفس مع ايير م ا يجب عليه ا اعتق اده وعمل ه لعب ادة اهلل
وبلوغ الس عادة القصوى ,والث اني يت ألف من مجموع التج ارب التي تص ل إليه ا النفس بنور اإليم ان,
تبع اً لمقاماته ا في المعرف ة وهي بس بيل عب ادة اهلل ,أي أن ه يت ألف من األفك ار والعواط ف واالنفع االت
الديني ة ال تي هي في آن واح د عل ل ومعل والت للفض ائل .وله ذا ف إن (ابن ع ربي) يس مى أولهم ا باس م
العلم الرسمي ,والثاني باسم العلم الذوقي .والزهد علم عملي ,وفن لعبادة اهلل ,ومنهج في الحياة ,وأداة
تؤهل للتصوف(.)2
أم ا المشاهدة عند (ابن عربي) ،فهي نوعان :أحدهما يس مى (المشاهدة المشرقة) وموضوعها
صفات الجمال اإللهي ،والثاني يسمى (المشاهدة المحرقة) ،وموضوعها هو صفات الجالل اإللهي،
وأنواره ا مظلم ة ،وله ذا تول د في النفس ظلم ة الوج د الالش عوري ،وعلى ال رغم من أن ه ذه األخ يرة
تبدو أعلى من األولى نظراً لموضوعها ،فإن صفة الالشعور التي تميزها أقل كماالً من المشاهدة(.)3
ويؤك د(ابن ع ربي) أن التح ول باتج اه الحي اة اآلخ رة س يالزمه ش عور بالتقيي د ح تى تص بح ال دنيا
كالس جن ،وان العيش فيه ا بالنس بة للم ؤمن يك اد يك ون ض رباً من المس تحيل ،هك ذا يب دو المنظ ر من
وجهة نظر المتخلي عن مناهج الدنيا وزينتها ،فيتحلى بما يديم االتصال بالحق ،عن طريق االتصاف
ب األخالق اإللهي ة الحس نة ،كم ا أن التخلي ال يجلب الحرم ان للعب د ب ل من خالل التجرب ة الص وفية ال
ومن الش روط األساس ية في ال دخول في الحي اة الص وفية كم ا ي رى (ابن ع ربي) ,طاع ة الش يخ
وامتث ال أم ره ,فه و يق وم مق ام اإلل ه في توجي ه المري د ,فعلي ه إذن امتث ال أم ره والتحبب إلي ه وال تزام
األدب معه .وإ ذا كانت الغاية من الحياة الصوفية هي تفريغ القلب من كل ما سوى اهلل ,ابتغاء األنس
به ,فمن الواضح انه ال يكفي المريد ,للوصول إلى هذه الشهوات ,وهي حب الذات ,واإلرادة الخاصة
(اله وى) .وخ ير وس يلة لقم ع له وى هي الطاع ة إلرادة الغ ير .وه ذه الطاع ة ينبغي أن تك ون عمي اء
مخلصة ,والمريد يمتثل أوامر الشيخ حرفي اً ,حتى لو كان أمره غير معقول ,بل حتى لو كان يأمر
بالمعصية( .)2وكأن أوامرهم تصدر من اهلل .فالوسيلة الوحيدة للمريد لبدء السلوك في طريق الكمال,
والنج اح في منح اللط ف اإللهي ه و في أن يميت إرادت ه في طاع ة ش يخه ,ألن ه ممث ل اهلل وان يمتث ل
أوامر شيخه فهو مرشده الوحيد في الطريق وقائده في الجهاد الذي ال قائد غيره(.)3
لقد أقر(ابن عربي) أن الوجود خيال ،وقاربه برؤية النائم ،وقد علم أن الرؤيا تعبر وتؤول ،فما
الص ور الظ اهرة في األحالم إال أغطي ة حس ية ومث االت رمزي ة تخفي وراءه ا المع اني المج ردة
وظهور المعاني على شكل صور محسوسة يطلبه الخيال ،إذ ال إدراك له بغير الصورة والمثال(.)4
ي رى (ابن ع ربي) أن الوج ود كل ه مجموع ة أجس ام متباين ة الكثاف ة يض مها جس م ،أو ت ركيب ج امع،
وفي ه ذا يق ول " :م ا ظه رت ق درة الحي القي وم إاّل في إنش اء الجس وم وم ا ثم إال رس م ،فم ا ثم إال
جسم ،ولكن األجسام مختلفة النظام ،فمنها األمواج اللطائف ومنها األشباح الكثائف .وما عدا الحق
الذي هو المنهاج فهو امتزاج وامشاج ،والصفات واإلعراض ،والتوابع لهذا الجسم الجامع "( .)5وهذا
ال يتم إال من خالل العشق اإللهي ،فالحب وسيلة الصوفي والمتذوق التي يصل بها إلى الجوهر ومن
ثم إلى ال ذات فال يبقى إال ال ذات م ع ال ذات ،ومق ام الحب من أعلى المقام ات ال تي اس تخدمها
المتصوفة ،وتكلموا عنها الشيء الكثير.
)(1اجلرجاين ،السيد الشريف علي أبن حممد :اصطالحات الصوفية الواردة الفتوحات املكية ،ص.217
)(2بالثيوس ،أسني :مصدر سابق ,ص.140
)(3بالثيوس ،أسني :املصدر نفسه.145 ,
)(4ابن عريب ،حمي الدين :الفتوحات املكية ،حتقيق وتقدمي ،عثمان حيىي ،ط ،2تصوير ومراجعة :إبراهيم مدكور ،اهليئة املصرية للكتاب ،القاهرة,
،1985ص.97
)(5راضي ،علي عبد اجلليل :الروحية عند حمي الدين أبن عريب ،مكتبة النهضة املصرية ،القاهرة ،1975 ,ص.26
4
فبلوغ الكمال في طريق التصوف يجب على النفس أن تتخلص من كل تعلق بالدنيا وأن تسعى لألنس
واالتح اد باهلل وح ده عن طري ق ال ذكر ,وم ع اعتراف ه بفوائ د الخل وة المطلق ة ,فإن ه ال ينص ح ب الخلوة
المطلقة إال للمريدين الذين تم تعليمهم(.)1
وإ ن الص وفي ال من اص ل ه من اس تخدام اإلش ارة ،ولغ ة الرم ز لكي يص ور ويع بر عن مواجي ده
وأحواله الروحية ،ألن اللغة االعتيادية قاصرة عن التعبير عن التجارب الروحية العميقة(.)2
واألصل في الرمز هو أن يجئ الحقاً لما يرمز له ،إذ تعرض لنا حالة أو فكرة يزيد تميزها
مم ا ق د يختل ط به ا من أش باهها أو أض دادها تبحث له ا عن رم ز يميزه ا ،واألغلب أن تك ون الحال ة
المرموز لها مجردة ،وأن يكون الرمز المميز لها شيئا محسوس اً يجسد خصائصها ومعناها ،ومن ثم
كثر استخدام الرمز في الدين والتصوف والشعر والفن(.)3
وعلي ه يتض ح أن الص وفيون اص طنعوا األس لوب ب الرمز والتجري د ،ألنهم لم يج دوا طريق اً أخ راً
ممكناً يترجمون به عن رياضتهم الصوفية.
لم يف ارق التنظ ير الجم الي اإلس المي ،أث ر العق ل بص فته الكلي ة وق درة الح دس على كش ف
مض امينه ،كم ا أن المتص وفة لم ينك روا ق درة العق ل في االرتق اء لرؤي ة الجمي ل بذات ه ،لكن العق ل ال
يدرك ما ال يحس فهو يعتمد على الحس في تجريده للمعقوالت.
إن تعزي ز الص لة بين مث ال الجم ال والع الم الخ ارجي من خالل الم درك الحس ي ،يع د األدنى دائم اً
مقارنة بالجمال الباطني الشمولي الذي يتخطى ويتجاوز الحسيات وماديتها وعالئقها(.)4
إن الجم ال المطل ق ال ي درك بالعق ل وح ده بس بب أن العق ل عن دما يفهم األش ياء يح اول تحدي دها
وحصرها ،أما الروح فأن طبيعتها المنتشرة تستطيع االمتداد لرؤية الجميل بذاته إذا تجردت من حب
لقد أثرت األفكار الصوفية في التنظير الجمالي اإلسالمي كما تأثر بها فالسفة اإلسالم ،وجاء
ذلك واضحاً في طروحات معظم فالسفة الفكر الجمالي اإلسالمي مؤكدين على أن التقارب الروحي
بين اإلنسان والقوة اإللهية يعطي إمكانية معرفة الجمال األصيل المتمثل بالجمال اإللهي معرفة حقة،
ومن خالل التق ارب ال روحي يكتش ف اإلنس ان إن جم ال الع الم الم ادي م ا ه و إال انعك اس للجم ال
اإللهي .إن الفالسفة المتصوفة نظروا إلى اإلنسان نظرة رفيعة بربطهم سريان الحق في الموجودات
بالصورة(.)2
)(1
عدره ،غادة املقدم :فلسفة النظريات اجلمالية ،ط ،1كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية للجامعة اللبنانية ،لبنان ،1996 ,ص 68و .69
ّ
)(2
عدره ،غادة املقدم :املصدر نفسه ،ص.71 ّ
6
قائمة المصادر
إبراهيم ،زكريا :فلس فة الفن في الفكر المعاصر ،مكتبة مصر ،دار مصر للطباعة والنشر، .1
القاهرة ,ب ت.
ابن عربي ،محي الدين :الشاهد ،دائرة المعارف العثمانية ،حيدر أباد الدكن.1948 , .2
ابن ع ربي ،محي ال دين :الص وفية ،مطبع ة جمعي ة دائ رة المع ارف العثماني ة ،ني ودلهي, .3
.1948
ابن ع ربي ،محي ال دين :الفتوح ات المكي ة ،تحقي ق وتق ديم ،عثم ان يح يى ،ط ،2تص وير .4
ومراجعة :إبراهيم مدكور ،الهيئة المصرية للكتاب ،القاهرة.1985 ,
ابن عربي ،محي الدين :المسائل إليضاح المسائل ،تحقيق :قاسم محمد عباس ،دار المدى، .5
ط ،1دمشق.2004 ,
األدريسي ,محمد العدلوني :ابن عربي ومذهبه الصوفي الفلسفي ,ط ,2دار الثقافة.2004 , .6
بالثيوس ،أسين :أبن عربي حياته ومذهبه ،تر :عبد الرحمن بدوي ،مكتبة االنجلو المصرية، .7
القاهرة.1965 :
الجرجاني ،السيد الشريف علي أبن محمد :اصطالحات الصوفية الواردة الفتوحات المكية. .8
راض ي ،علي عب د الجلي ل :الروحي ة عن د محي ال دين أبن ع ربي ،مكتب ة النهض ة المص رية، .9
القاهرة.1975 ,
عدره ،غ ادة المق دم :فلس فة النظري ات الجمالي ة ،ط ،1كلي ة اآلداب والعلوم اإلنس انية للجامع ة
ّ .10
اللبنانية ،لبنان.1996 ,
المحم دي ،عب د الق ادر موس ى :االغ تراب في ت راث ص وفية اإلس الم ،ط ،1بيت الحكم ة .11
للطباعة ،بغداد.2001 ,
7