You are on page 1of 4

‫‪8/9/2021‬‬ ‫الوجود عند ابن عربي‪ :‬الخيال‪ ،‬ووحدة الوجود‪ ،‬والّتأّله ‪ -‬وليام تشيتيك | مجلة حكمة‬

‫‪‬‬ ‫ ‬ ‫‪‬‬

‫فلسفة‬

‫الوجود عند ابن عربي‪ :‬الخيال‪ ،‬ووحدة الوجود‪،‬‬


‫والّتأّله – وليام تشيتيك‬
‫‪ 10 min read  08/06/2021‬‬

‫وحدة الوجود عند ابن عربي‬

‫الوجود عند ابن عربي‬

‫يعّد الوجود عند ابن عربي من أهم الصطلحات التي يوظفها‪ ،‬تلك الكلمة التي َأَخ َذْت َم َكاَنة فلسفَّية في‬
‫الخطاب الفلسفِّي مع ابن سينا‪ .‬والوجود ‪-‬قْر آنَّيا وفي استخدام العرب‪ -‬يعني الِو ْج دان‪ ،‬العثور على‬
‫الشيء‪ ،‬الوعي بالمتعة والَج ْذب‪ .‬وتْستخدم بمعنى الِع لم بالموجود؛ ألَّن ما يوَج د هو الشيء الواقع هناك‪،‬‬
‫وما يمكن اختباره‪ .‬إَّن فعل الوجود عند ابن عربي (اإلدراك‪ ،‬المعرفة‪ ،‬الوعي) لم يِغْب أبدا عن حقيقة‬
‫كونه موجودا‪ .‬وإْن كان ابـن عربي قد استخدم اللغة السينوَّية أثناء حديثه عن الوجود من جهة اإلمكان‬
‫والوجوب؛‪ .‬فإَّنه في الوقِت ذاِته عالج الوجوَد بمفاهيَم تأَّسسْت في الَو ْع ِي الُّص وفي مثل تحقيق الِع لم‬
‫بامتالء هللا الحضورِّي‪ ،‬ومعرفة الوعي اإلنسانِّي (دوبي‪.)Dobie  2007‬‬

‫من بين األسماء اإللهَّية القرآنَّية اسم (الّنور)؛ فاهلل “نور الَّسَم اَو اِت َو اَأْلْر ِض ” (‪ .)24:35‬واّتصاف هللا‬
‫بالنورانَّية يعني اّتصاَفه بـ الوجود‪ ،‬وكما يشرح القونوُّي ‪:‬‬

‫”‬ ‫“اعلم أَّن الّنور الحقيقَّي يْدَر ُك به وال ُيْدَر ك”‪.،‬‬

‫تماما مثلما تتكّشف األشياء بالموجود الحِّق ولكن ال يظهُر هو وال َيَتَبَّدى‪ .‬يتابُع القونوُّي قائال أَّن النوَر‬
‫الحَّق‬

‫”‬ ‫“عين ذات الحِّق من حيث تَج ُّر ِدها عن الّنَسب واِإل ضافات” (القونوي‪ ،‬الفكوك‪.)225 ،‬‬

‫وبتعبير آخر‪ ،‬النور الحُّق هو الوجود المطلق الذي ُيْعِلن نفَسه في الوجود المَقَّيد‪ .‬هذا الُّنور بالَّتحديد هو‬
‫اَّلذي َيَتَأَّتى به اإليجاُد والوعُي واإلدراُك ‪ .‬فال موجوَد بحٍّق إال هللا‪ ،‬وال ُم وِج َد بحٍّق إال هو‪ ،‬وال موَج َد‬
‫بحٍّق إال هو‪ ،‬ويوِّض ح ابن عربي هذه الفكرة قائال‪:‬‬

‫”‬ ‫“واعلم ‪-‬أّيدَك هللا‪ -‬أَّن األمَر يعِط ي أَّنه لوال النور ما أْدِر ك شيٌئ ‪ ،‬ال معلوم وال محسوس وال‬
‫ُم َتَخَّيل أصال‪ .‬وتختلف على الّنور األسماُء الموضوعُة للقوى؛ فهي عند العاَّم ة أسماء للقوى‪،‬‬
‫وعند العارفين أسماء للنور الُم ْدَر ك به‪ .،‬فإذا أدركَت المسموعاِت َسَّم ْيَت ذلك النوَر سمعا‪ ،‬وإذا‬
‫أدركَت الُم ْبَصَر اِت سميَت ذلك النوَر بصرا‪ .،‬وإذا أدركَت الَم لموسات سَّم يَت ذلك المْدَر ك‬
‫لْم سا‪ ،‬وهكذا الُم َتَخَّيالت؛ فهو القَّو ة الالِم َسة ليس غيره‪ ،‬والشاَّم ة والَّذاِئَقة والُم َتَخ ِّيَلة والحاِفَظة‬
‫والَعاِقَلة والُم َفِّك َر ة والمَص ِّو َر ة‪ ،‬وكُّل ما يقع به إدراك فليس إال الُّنور‪ .‬وأما الُم ْدَر َكات‪ ،‬فلوال أنها‬
‫‪-‬في نفسها على استعداد به‪َ -‬تْقَبل إدراَك المدِر ك لها ما أْدِر َكْت ‪ ،‬فلها ظهور إلى المدِر ك‪،‬‬
‫وحينئٍذ يتعَّلق بها اإلدراك‪ .‬والظهور نور؛ فال بد أن يكون لكِّل ُم دِر ك نسبة إلى النور بها يستعُّد‬
‫‪/‬الوجود‪-‬عند‪-‬ابن‪-‬عربي‪https://hekmah.org/‬‬ ‫ُّن‬ ‫ُّق‬ ‫‪1/4‬‬
‫‪8/9/2021‬‬ ‫الوجود عند ابن عربي‪ :‬الخيال‪ ،‬ووحدة الوجود‪ ،‬والّتأّله ‪ -‬وليام تشيتيك | مجلة حكمة‬

‫إلى أن ُيْدِر ك؛ فكُّل معلوم له ِنْس َبة إلى الحِّق ‪ ،‬والحُّق هو الُّنور؛ فال معلوم إال هللا على الحقيقة”‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫ ‬ ‫‪‬‬
‫(ابن عربي ‪ ،‬الفتوحات المكية‪ ،‬طبعة ‪.) 77-1911،3:276‬‬

‫وحدة الوجود عند ابن عربي‬

‫في العادة‪ ،‬يعّد كثيرون ابن عربي مؤِّس َس عقيدة وحدة الوجود ‪ ،‬أو واحدَّية الوجود‪ ،‬ولكن‪ ،‬هذا َقْو ٌل‬
‫مَض ِّلل؛‪ .‬فابن عربي لم يستخدم هذا التعبير مْط َلقا‪ ،‬بل إَّن المقاطع التي تُم ّت إلى هذه العقيدة بِص لة ليسْت‬
‫ذاَت أهمَّية خاَّص ة‪ .،‬وليس لها تلك المكانة عند من َيْنِز ع إلى القول بـ وحدة الوجود الضرورِّي في‬
‫الفلسفة والالهوت الُم َعاِص َر ين‪ .‬والسبب وراء اختيار وحدة الوجود بالذات في محاولة تأطير ابن‬
‫عربي فلسفَّيا ليس واضحا‪ .‬قد يكون السبُب تركيَز ه على الَّتوحيد كمبدأ هاٍد له‪ ،‬وإعطاَء ه الوجوَد مكانة‬
‫خاَّص ة في لغته‪ .‬ومن تمام الوضوح عنده أْن ال موجود بحق إال هللا‪ ،‬وما من شيء غيره إال وهو زيف‪.‬‬
‫ولكن‪ ،‬ال ُيَعُّد هذا القوُل إال طريقة أخرى للتعبير عن ما قاله ابن سينا قبل ذلك؛ أَّن كَّل األشياِء ممكنٌة أو‬
‫ُمَح َتَم لُة الوجود؛ من أجِل ِح فظ الموجود الضرورِّي‪.‬‬

‫باختصار‪ ،‬نقول‪ :‬إَّن ابن عربي وحتى أتباعه ‪-‬كالقونوي‪ -‬قد رَّكُز وا على الوجود الحِّق ؛ الواحد المتفِّر د‬
‫الذي يستمُّد منه كُّل وجوٍد وجوَده‪ .‬وعندما استخدَم بعُض أتباِع ه ‪-‬في مناسبات‪ -‬نادرة تعبيَر وحدة‬
‫الوجود لم ُيْعطوه معنًى َفِّنَّيا‪ .‬وأَّو ل من َنَسَب القول بـ وحدة الوجود إلى ابن عربي هو الحنبلّي المَتَكِّلم‬
‫ابن َتَيِم َّية (توفي ‪ ،)1328‬والذي َعَّد هذا القوَل أشنَع من الكفر‪ .‬وَو فقا له‪ ،‬تعني هذه العقيدة أْن ال وجود‬
‫لثَّم ة َتَغاُير أو ُم َفاَر َقة بين هللا والعاَلم‪ .‬وقد أثار هجوُم ه جدال طويال حول هذا الُم ْص َطَلح‪ ،‬ولم يحاول أحٌد‬
‫تعريفه إال قليال‪.‬‬

‫نِسبْت إلى هذه العقيدة سبعُة معاٍن مختلفة في األدبَّيات الالِح قة‪ ،‬وَح ذا المستشرقون َح ْذَو ها مْعِلنين‬
‫اختراع ابن عربي لهذه العقيدة‪ .،‬وبالتالي كانوا يفِّسرونها تفسيرا سلبيا على مثال ابن تيمّية‪ ،‬وكاَن األقُّل‬
‫شيوعا أن ُتَفَّسَر بشكل إيجابٍّي‪( ،‬مثلما فعل عبد الرحمن الجامي (توِّفي ‪)1492‬؛‪ .‬أَّو ل المدافعين عن ابن‬
‫عربي ‪ ،‬وأَّو ُل ُم ْعَتِنِقي هذا التعبير) (تشيتيك ‪.)Chittick 1994‬‬

‫‪.‬‬

‫طالقة الوجود عند ابن عربي‬

‫وتسمية الموجود الحِّق بالواحد يعني الحديث عن َو ْح َدة الَّذات‪ .‬وبلغة أخرى‪ ،‬يمكن القول أَّن الموجود‬
‫‪-‬الّنور في ذاته‪ -‬مَطَلق؛ ال يقِّيده زمان أو مكان‪ ،‬ال يَعَّر ف وال َيَتَعَّر ف‪ ،‬واضح في خفائه‪ ،‬خفٌّي في‬
‫وضوحه‪ .‬وعلى نقيِض ذلك‪ ،‬كّل موجود سواه مْدَر ك ومَعَّر ف ومَقَّيد‪ .‬ورغم أْن ليس للحِّق كفًو ا أحٌد‬
‫وأَّنه الَعِلّي ‪ ،‬إال أَّنه َيَتَج َّلى في كل شيء؛ ومن أجل ذلك يَشاِبه ويَح اِيث‪ .‬بل إَّنه َيحوز تمام الَّطالقة التي ال‬
‫يَقِّيدها ثَّم ة إطالق‪ .‬يقول ابن عربي ‪:‬‬

‫”‬ ‫“واعلم أَّن هللا تعالى َلَم ا كان له مْط َلُق الوجود‪ ،‬ولم يكن له تقييد ماِنع من تقييد‪ ،‬بل له الَّتقييداُت‬
‫كّلها؛‪ .‬فهو مطلق الَّتقييد‪ ،‬ال يحكم عليه تقييد دون تقييد‪ ،‬فافهم معنى نسبِة اإلطالِق إليه” (ابن‬
‫عربي ‪ ،‬الفتوحات المكية‪ ،‬طبعة ‪.)3:162.23 ،1911‬‬

‫الخيال‬

‫يلعب الخيال ‪-‬كما يَو ِّض ح كوربان ‪ – Corbin‬دوًر ا كبيًر ا في كتاباِت ابِن عربي‪ .‬على سبيل المثال‪،‬‬
‫يقول ابن عربي في فتوحاِته ُم َتَح ِّدثا عنه‪:‬‬

‫”‬ ‫“وليس بعد الِع لِم باألسماِء اإللهَّية وال الَّتَج ِّلي وعموِم ه أتُّم من هذا الّر ْك ن” (ابن عربي ‪،‬‬
‫الفتوحات المكية‪ ،‬طبعة ‪.)2:309.17 ،1911‬‬

‫وكثيرا ما وَّج ه ابن عربي ِس هام نقده ضَّد الفالسفة والالهوتِّيين بسبِب َعْج ِز ِه م عن إدراِك الَح اَج ِة‬
‫المعرفَّيِة إليه‪ .‬يرى ابن عربي أَّن العقَل كلمٌة مأخوَذٌة من الِع َقال؛ لذا ليس له غير أْن يَقِّيَد أو يَح ِّدَد أو‬
‫يَح ِّلَل فقط‪ .‬وِللعقل أْن يْدِر ك الَفْر َق والَّتباين‪ ،‬وله أْن يستوِع َب َتَعاِلَي ِهللا ومخالَفَته للحوادث‪ .‬في مقابل‬
‫العقل‪ ،‬نجد أَّن الخياَل الَّص حيَح المْنَض ِبط يملك قدرًة على معرفِة الَّتَج ِّلي الَّذاتِّي هلل في كتبه الثالثة‬
‫جميِع ها‪ .‬وال يمِك ن بحاٍل تأويل اللغة الرمزَّية واألسطورَّية للكتاب المَقَّدس ‪-.‬مثل الَّتَج ِّلي الَّذاتِّي للّر وح‬
‫والكون‪ ،‬الدائم االستمرار‪ ،‬غير المَتَكِّر ر أبدا‪ِ -‬بَم ْعِز ل عن الَعْقِل المَقَّيد‪.‬‬

‫‪/‬الوجود‪-‬عند‪-‬ابن‪-‬عربي‪https://hekmah.org/‬‬ ‫‪2/4‬‬
‫‪8/9/2021‬‬ ‫الوجود عند ابن عربي‪ :‬الخيال‪ ،‬ووحدة الوجود‪ ،‬والّتأّله ‪ -‬وليام تشيتيك | مجلة حكمة‬

‫إَّن ما أسماه كوربان ‪  Corbin‬بالخيال اإلبداعِّي (مصطلح ال نجد له مَكاِفًئا يساويه في لغة ابن عربي)‬
‫ال بَّد له أْن َيَتَكاَم َل مع اإلدراِك العقلِّي‪ .‬إَّن مستقر الوعِي والمعرفة هو القلب في اللغة القرآنَّية‪ ،‬والقلب‬ ‫‪‬‬ ‫ ‬ ‫‪‬‬
‫كلمة لها نفس الِح ِّس اللَغوي للتَقّلب وعدم الَّثَبات‪ .‬والقلب ‪-‬عند ابن عربي‪ -‬له عينان؛ العقل والخيال‪،‬‬
‫وتَغّلب أحِدهما على اآلخر يؤِّدي إلى انِح راف الوعي واإلدراك‪.‬‬

‫إَّن المْس َلَك العقلَّي للفالسفة والالهوتِّيين في حاجٍة إلى أْن يخطَو تجاَه الكماِل عن طريق َح ْدِس الّص وفَّيِة‬
‫الّر وحِّي‪ ،‬أو الَكشِف الذي َيْس َم ح برْؤ َيٍة َخ َياِلَّية غيِر َتْخ ِييلَّية‪ .‬وعلى القلب‪ ،‬الواِح دِّي الوعي أْن يتناغَم مع‬
‫َتَقّلِبه الخاِّص ؛ فيدرك هللا ‪-‬في إحدى َنَبَض اِته‪ .-‬مَفاِر قا لمخلوقاِته بعيِن الَعْقِل ‪ ،‬ثم يراه بعد ذلك مَشاِبها‬
‫بعيِن الَخ َيال‪ .‬ولنا أْن نقاِر َب هاتين الرؤيتين عن طريق اسمي القرآِن الرئيَسْيِن ؛ القرآن (الَج ْم ع)‪،‬‬
‫والفرقان (الَفْص ل)‪.‬‬

‫هذان المعنَيان يحِّددان المالِم ح األنطولوجية واإلبستمولوجَّية؛‪ .‬فاالسم األَّو ل يلِّم ح إلى توحيد الوجود‬
‫الواحدِّي (المَتَصَّو ر بالخيال)‪ ،‬ويفِص ل الثاني بين المعاِر ف واإلدراكاِت المَتَعِّددِة (المْدَر َكة بالعقل)‪.‬‬
‫والحّق في حقيقته‪- ،‬كما يوِّض ح ابن عربي كثيرا‪ -‬هو الواِح د الكثير؛ الواحد في ذاِته‪ ،‬الكثير في أسماِئه‪،‬‬
‫وأسماؤه هي أْص ل التعّدِد والَّتقييِد والَح ِّد‪ .‬يرى القلب بعين الخيال واجَب الوجوِد حاضًر ا في كِّل شيء‪،‬‬
‫ويْلَح ظ بعين العقل علَّو ه وَتَعّدَد الوجوه التي َيْظ َه ر عليها‪.‬‬

‫”‬ ‫“فمن وقَف مع القرآِن من حيث هو قرآن‪ ،‬كان ذا عيٍن واحدٍة َأَح ِدَّيِة الَج ْم ع‪ ،‬ومن وقَف معه من‬
‫حيث هو مجموع كان في حِّقه فرقانا؛‪ .‬فشاَهَد الَّظهَر والبطَن ‪ ،‬والَح َّد والمْط َلع‪ ،‬فقال لكل آية‬
‫ظهر وبطن‪ ،‬وحّد ومْط َلع‪ ،‬وذلك اآلخر ال يقول بهذا‪ ،‬والذوق مختلف‪ .‬ولَّم ا ذْقَنا هذا األمر‬
‫اآلخر‪ ،‬كان الَّتَنّز ل فرقانيا‪ ،‬فقلنا هذا حالل وهذا حرام وهذا مباح‪ .،‬وَتَنَّو عْت المشارب‪،‬‬
‫واختلفْت المذاهب‪ ،‬وتمَّيَز ْت الِم راِتب‪ ،‬وظهرْت األسماء اإللهَّية واآلثار الكونَّية‪ ،‬وكثرِت‬
‫األسماء واآللهة في العاَلم” (ابن عربي ‪ ،‬الفتوحات المكية‪ ،‬طبعة ‪.)3:49.16 ،1911‬‬

‫عندما يتحَّدث ابن عربي عن الخيال‪ ،‬على أَّنه إحدى عيني القلب‪ ،‬فإَّنه يستعمل اللغة التي وضعها‬
‫الفالسفة أثناء حديثهم عن قوى الّر وح‪ .‬ورغم ذلك‪ ،‬نجد أَّنه كاَن أكثر عناية بالحاَلة الوجودَّية للخيال‪،‬‬
‫والتي لم يْلِق لها الفالسفة األوائل باال‪ ،‬إاَّل قليال‪ .‬وقد كان استخدامه للخيال ينسجم مع معناه الحياتِّي الذي‬
‫يداني الّص ورَة أكثر من الخيال‪ .‬وقد وِّظ ف لإلشارة إلى انعكاس الصور‪ ،‬والخياالت‪ ،‬واألمور‬
‫المْفِز عة‪ ،‬وكِّل ما قد يتبَّدى في األحالم والّر ؤى‪ .،‬و يَعّد بهذا المعنى مَر اِدفا لمصطلح الِم َثال اَّلذي َفَّضله‬
‫كثيٌر من الكَّتاب المَتَأِّخ رين‪.‬‬

‫يلّح ابن عربي على أَّن الّص ورَة َتجَم ع بين جانبين اثنين‪ ،‬وتعمل على توحيدهما في واحٍد َأَح ٍد؛ لذا‬
‫يتشابهان ويختلفان في اآلن نفِسه‪ .‬وانعكاس الّص ورة‪ ،‬يعني الِم ْر آَة‪ ،‬والموضوَع المْنَعِك س معا‪ ،‬أو أَّنه ال‬
‫َيْعِني المرآة وال الموضوع‪ .‬والحلم هو الّر وح والَم ْر ِئّي معا وإال ما هو الّر وح وما هو المرئّي ‪ .‬والصَو ر‬
‫بطبيعتها هي‪/‬ال هي‪ .‬وبعيِن العقل‪ ،‬ال تكون الفكرة إال صحيحًة أو خاِط ئًة‪ ،‬أَّم ا عين الخيال‪ ،‬فإَّنها ترى‬
‫المفاهيَم صورا‪ .،‬وتقول بخطئها وصوابها في آن واحد‪ ،‬أو بانعدام الخطأ والصواب معا‪ .‬وال تظهر‬
‫تطبيقات هذه األنطولوجيا إال عندما ننظر إلى عوالم الخياِل الَّثالثة‪.‬‬

‫وبالمعنى الواسع‪ ،‬تصف الصوَر ة‪/‬الخيال كَّل ما عدا هللا؛ الكون كَّله‪ ،‬باعتبار عرضَّيِته وفنائه‪ .‬وهذا ما‬
‫َأْس َم اه ابن عربي بالخياِل المْط َلق‪ .‬وإَّن ‪ ،‬كَّل كلمة مطلقة منطوَقة في أنفاس الرحمن‪ ،‬ال تنَكِشف إال في‬
‫شكِل موجوٍد مَقَّيد‪ .‬وما من شيء إال وهو َو ْج ه من وجوه هللا؛ إعالن ألسماء إلهَّية بعينها‪ ،‬وفي الوقت‬
‫ذاِته يكون حجاَب هللا في حالة َتَح ّج ب أسمائه األخرى‪ .‬وال يعني وجود شيء إال وجوَد الحِق حقيقًة‪،‬‬
‫وعدم ِو جدانه يعني أْن يكوَن أَّي شيء غير الحِّق ‪ .‬وكّل شيء ‪-‬بتعبير ابن عربي الموَج ز‪ -‬هو ‪/‬ال هو‪،‬‬
‫حق‪/‬ال حق‪ ،‬موجود‪/‬معدوم‪ ،‬متجٍّل ‪/‬محتجب‪.‬‬

‫”‬ ‫“فالَغْيُر على الحقيقِة ثابت ال ثابت‪ ،‬هو ال هو” (ابن عربي ‪ ،‬الفتوحات المكية‪ ،‬طبعة ‪،1911‬‬
‫‪.)2:501.4‬‬

‫وبالمعنى الضيق‪ ،‬يدل الخيال على ما أسماه كوربان‪   Corbin‬بعاَلم الخيال‪ .‬واإلسالم ‪-‬مثل معظم‬
‫التقاليد‪َ -‬يَتَصَّو ر الكون على َتَسْلسل هْيَكِلّي للعواِلم؛‪ .‬عالمين أو ثالثة عادة‪ ،‬والقرآن يقاِبل بين عاَلمي‬
‫الغْيب والَّشهادة‪ ،‬ويَسَّم ى األَّو ل عاَلم األرواح‪ ،‬والثاني عالَم األجسام‪ ،‬أو العاَلم المعقوَل والَم ْح سوَس‬
‫بلغِة الفالسفة‪ .‬والقرآن يتحَّدث عن “السماء واألرض وما بينهما”‪ ،‬وقد أبرَز ابن عربي اآلثاَر الكاملة‬
‫لعاَلِم ما بينهما في إحدى مَساَهَم اِته؛‪ .‬فالعاَلم يَعّد من جانٍب َغْيِبَّيا وروِح َّيا وَم ْعقوال‪ ،‬ومن جانٍب آخَر هو‬
‫مشهود وعْينّي وَم ْح سوس‪.‬‬

‫‪/‬الوجود‪-‬عند‪-‬ابن‪-‬عربي‪https://hekmah.org/‬‬ ‫َّل‬ ‫‪3/4‬‬


‫‪8/9/2021‬‬ ‫الوجود عند ابن عربي‪ :‬الخيال‪ ،‬ووحدة الوجود‪ ،‬والّتأّله ‪ -‬وليام تشيتيك | مجلة حكمة‬

‫بالضبط‪ ،‬هذا هو عاَلم الخيال؛ حيث َتَتَج َّسد الموجودات الّر وحَّية‪ ،‬مثلما َتَج َّلى جبريل لمريَم العذراء في‬
‫صورة إنسان‪ ،‬وحيث يمكن للَعْينَّياِت أن تصير أرواحا‪ ،‬مثلما نختِبر اللذائَذ واآلالَم الِج ْسِم َّية في عاَلِم ما‬ ‫‪‬‬ ‫ ‬ ‫‪‬‬
‫بعد الموت‪ .‬وعالم الَخيال حّق ‪ .‬والعاَلم البَّر انّي لكتاب الكوِن أكثر واقعَّية من عالم المشهوداِت‬
‫والمحسوساِت واألجسام‪ ،‬ولكنه أقّل واقعَّية من العاَلم الغيبي والَم ْعقول والّر وحانِّي‪ .‬وتحقيق وجوِده هو‬
‫ما يمكنه وْح َده أْن يَفِّس َر الَّتَج ِّلَي المالئكَّي والَّشْيَطانَّي ‪ ،‬والبعَث الِج سمانَّي ‪ ،‬واختبار الّر ؤى‪ ،‬وكَّل‬
‫الَّظواهر األخرى غير الحِّسَّية‪ ،‬فالفالسفة ‪-‬عادة‪ -‬ال يعملون إال على تفسير الِح ِّسَّية منها فحسب‪ .‬وقد‬
‫كان تقديم ابن عربي لعاَلم ما بينهما بمثاَبة عامل من بين عوامَل كثيرة أنقذْت الفلسفة اإلسالمَّية من‬
‫الوقوع في فِّخ ثنائَّية العقل‪/‬الجسد أو التصّو ِر الَّثنوِّي للعاَلم‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬ينتمي العاَلم الثالث للخيال إلى كتاب اإلنساِن المَص َّغر الذي يتآَلف مع النفس‪ ،‬وهو مَح ّل التقاء‬
‫اّر وح والِج سم‪ .‬إَّن الِخ بَر ة اإلنسانَّية دائما ما تكون خيالَّية أو نفسانَّية‪ ،‬وبذلك يمكن القول أَّنها روحَّية‬
‫وجسدَّية في الوقت نفِسه‪ .‬والَّص ْيروَر ة اإلنسانَّية ال تنفّك عن الَّتَذْبذِب بين الروح والجسم‪ ،‬والّنور‬
‫والّدْه َم ة‪ ،‬والَّصْح و والَم ْح و‪ ،‬والمعرفة والَج هل‪ ،‬والفضيَلة والَّر ذيَلة‪ .‬وألَّن الّر وح تقطن عاَلم ما بينهما؛‬
‫فإّنها تملك قدَر َة المجاَهَدِة من أجل الَّتَحّو ل والمعرفة‪ .‬والحّق الخيالّي وحده هو الذي يطيق أن يتعاَلى‬
‫تجاه نورانَّية الّر وح أو أْن َيَتَسَّفَل نحو ظَلَم ِة الماَّدة‪.‬‬

‫البرزخ‬

‫غالبا‪ ،‬يستخدم ابن عربي مصطلح البرزخ (الحاجز‪ ،‬الحد) في ِخ َضِّم مناَقَشِته الَّدوَر الوجودَّي‬
‫للّص ورة‪/‬الخيال‪ ،‬والبرزخ في القرآن يعني الماِنَع الذي يمنع البحرين؛ العْذب والماِلح أْن يبغَي أحدهما‬
‫على اآلخر (‪ ،)55:20 ،25:53‬وهو الحاِج ز الذي يحجز األرواَح المتوَّفاة عن الّر جوع إلى العاَلم‪.‬‬
‫بشكل عام نجد أَّن الالهوتِّيين فهموا البرزَخ على أَّنه مْستقّر الّر وح ما بين الموت إلى البعث‪ .‬يَو ِّظ ف‬
‫ابن عربي هذا المفهوم للَّداللة على أِّي شيء يجمع ويَفِّر ق بين شيئن في الوقِت نفِسه دون أْن يكون ذا‬
‫وجهين في ذاِته‪ ،‬كالخِّط الحاِج ز بين الِظ ِّل ونوِر الَّشمس‪ .‬ويراِدف البرزخ األعلى ‪-‬في استخدام ابن‬
‫عربي‪ -‬الخياَل المْط َلَق ‪.‬‬

‫بتعبير آخر‪ ،‬هو الكون؛ عاَلم المْم ِك نات التي ليسْت ضرورَّية في ذاتها أو مْس َتِح يلة‪ ،‬وليسْت مْط َلَقة أو‬
‫غير مطَلَقة‪ .‬ولعَّله يكون َنَفَس الَّر حمن الذي ليس بموجود مطلق وال‪  ‬كلمات منطوَقة‪“ .‬فالحّق هو الّنور‬
‫المْح ض‪ ،‬والمحال هو الّظْلَم ة المحَض ة؛ فالّظْلَم ة ال تنقِلب نورا‪ ،‬والّنور ال ينقِلب ظْلَم ة أَبدا‪ .‬والَخ ْلق بين‬
‫الّنور والّظلَم ة برزخ ال َيَّتِص ف بالّظْلَم ة لذاته وال بالّنور لذاِته‪ ،‬وهو البرزخ والوسط الذي له من َطَر َفْيه‬
‫حكم‪ .‬ولهذا جعل لإلنسان عينين وهداه النجدين (القرآن‪)10-90:8 ،‬؛ لكونه بين طريقين‪ ،‬فبالعين‬
‫الواِح َدة من الَّطِر يق الواِح َدة يقبل الّنور وينظر إليه بَقْدر استعداده‪ ،‬وبالعين األخرى من الطريق‬
‫األخرى ينظر إلى الّظْلمة ويقبل عليها‪ ،‬وهو في نفسه ال نور وال ظلَم ة” (ابن عربي ‪ ،‬الفتوحات المكية‪،‬‬
‫طبعة ‪.)3:274.28 ،1911‬‬

‫وحدة الوجود‬

‫وحدة الوجود عند ابن عربي‪  ‬وليام تشتيك‬

‫‪ | Copyright © 2021‬مجلة حكمة‪ :‬من أجل اجتهاد ثقافي وفلسفي‬

‫‪/‬الوجود‪-‬عند‪-‬ابن‪-‬عربي‪https://hekmah.org/‬‬ ‫‪4/4‬‬

You might also like