You are on page 1of 247

‫كتاب حقائق عن التصوف – للشيخ عبد القادر عيسى‬

‫هذا الكتاب يساهم فأي تصحيح الفأكار عن التصوف ‪ ,‬ورد الشبه عنه ‪ ,‬وبيان‬
‫أهميته وقيمته وحاجة الناس إليه‪.‬‬
‫فأهرس المحتويات مع المقدمة‬
‫الباب الول ‪ :‬التعريف بالتصوف ـ تعريفه‪ .‬ـ اشتقاقه‪ .‬ـ نشأته‪ .‬ـ أهميته‬
‫الباب الثاني ‪ :‬المنهج العملي فأي التصوف ـ مقدمة‪ .‬ـ الصحبة‪ .‬ـ الوارث‬
‫المحمدي‪ .‬ـ أخذ العهد‪ .‬ـ العلم‪ .‬ـ مجاهدة النفس‪ .‬ـ الذكر‪ .‬ـ المذاكرة‪ .‬ـ الخلوة‬
‫الباب الثالث ‪ :‬طريق الوصول إلى ا ـ التوبة‪ .‬ـ المحاسبة‪ .‬الخوف‪ .‬ـ الرجاء‪ .‬ـ‬
‫الصدق‪ .‬الخلصا‪ .‬ـ الصبر‪ .‬ـ الورع‪ .‬ـ الزهد‪0 .‬ـ الرضا‪ .‬ـ التوكل‪ .‬ـ الشكر‬
‫الباب الرابع‪ :‬من ثمررات التصوف ـ الحب الللهي‪ .‬ـ الكشف‪ .‬ـ الللهام‪ .‬ـ كرامات‬
‫الولياء‪.‬‬
‫الباب الخامس ‪ :‬رتصحيح الفأكار عن التصوف ـ بين الحقيقة والشريعة ـ الدس‬
‫على العلوم اللسلمية أـ التفسير ‪ ,‬ب ـ الحديث ‪ ,‬جـ ـ التاريخ ‪ ,‬د ـ التـصوف ‪.‬ـ‬
‫تأويل كلم السادة الصوفأية ـ وحدة الوجود والحلول والتحاد‪.‬ـ بين الصوفأية‬
‫وأدعياء التصوف ‪.‬ـ أعداء التصوف ‪.‬‬
‫الباب السادس ‪ :‬شهادات علماء المة اللسلمية من سلفها لإلى خلفها للتصوف‬
‫ورجاله‪ .‬الباب السابع ‪ :‬شيخنا محمد الهاشمي ‪ ,‬الجازة ‪ ,‬سند الطريقة الشاذلية ‪.‬‬
‫الختام‬

‫الباب الوأل‬

‫التعريف بالتصوف‬

‫‪1‬ـ تعريفه‪2 .‬ـ اشتقاقه‪3 .‬ـ نشأته‪4 .‬ـ أهميته‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫تعريف التصوف‬

‫قال القاضي شيخ السلم زكريا النصاري رحمه ا تعالى‪:‬‬

‫)التصوف علم تعرف به أحوال تزكية النفوس‪ ،‬وتصفية الخلق وتعمير الظاهر‬
‫والباطن لنيل السعادة البدية(‬

‫قال سيد الطائفتين المام الجنيد رحمه ا‪:‬‬


‫)التصوف استعمال كل خلق سني‪ ،‬وترك كل خلق دنيوقال بعضهم‪:‬‬
‫)التصوف كله أخلق‪ ،‬فأمن زاد عليك بالخلق زاد عليك بالتصوف‬

‫اشتقاق التصوف‬

‫كثرت القوال فأي اشتقاق التصوف‪ ،‬فأمنهم من قال‪) :‬من الصوفأة‪ ،‬لن الصوفأي‬
‫مع ا تعالى كالصوفأة المطروحة‪ ،‬لستسلمه ل تعالى‬
‫ف بالمحاسن‪ ،‬وترك الوصاف‬ ‫صرفة‪ ،‬إذ جملته اتصا ف‬
‫ومنهم من قال‪) :‬إنه من ال ص‬
‫المذمومة(‬
‫ومنهم من قال‪) :‬من الصفاء(‪ ،‬حتى قال أبو الفتح البستي رحمه ا تعالى‪:‬‬
‫وظنه البعض مشتقا ا من الصوف‬ ‫تنازع الناس فأي الصوفأي واختلفوا‬
‫صفا فأصوفأي حتى سسمي الصوفأي‬ ‫ولست أمنح هذا السم غيرر فأتاى‬

‫صففة‪ ،‬لن صاحبه تابفع لهلها فأيما أثبت ا لهم من‬ ‫ومنهم من قال‪) :‬من ال س‬
‫الوصف( حيث قال تعالى‪} :‬واصبلرر نفرسك مع الذين يدعورن رفبهم‪] {...‬الكهف‪:‬‬
‫‪.[28‬‬

‫صففة هم الرعيل الول من رجال التصوف‪ ،‬فأقد كانت حياتهم التعبدية‬


‫وأهسل ال س‬
‫الخالصة المثل العلى الذي استهدفأه رجال التصوف فأي العصور السلمية‬
‫المتتابعة‪.‬‬

‫صفوة( كما قال المام القشيري‪.‬‬


‫وقيل‪) :‬من ال ف‬

‫صف( فأكأنهم فأي الصف الول بقلوبهم من حيث حضورهم مع ا‬


‫وقيل‪) :‬من ال ف‬

‫‪2‬‬
‫تعالى ؛ وتسابقهم فأي سائر الطاعات‪.‬‬

‫ومنهم من قال‪) :‬إن التصوف نسبة إلى لبس الصوف الخشن‪ ،‬لن الصوفأية كانوا‬
‫يؤثرون لبسه للتقشف والخشيشان(‪.‬‬

‫ومهما يكن من أمر‪ ،‬فأإن التصوف أشهر من أن يحتاج فأي تعريفه إلى قياس لفظظ‪،‬‬
‫واحتياج اشتقاق‪.‬‬

‫وإنكار بعض الناس على هذا اللفظ بأنه لم سيسمع فأي عهد الصحابة والتابعين‬
‫مردود‪ ،‬إذ كثيفر من الصطلحات أحدثت بعد زمان الصحابة‪ ،‬واسستعملت ولم‬
‫ستنركر‪ ،‬كالنحو والفقه والمنطق‪.‬‬

‫نشأة علم التصوف‬

‫ش‪) :‬قد يتساءل الكثيرون عن السبب فأي عدم انتشار‬ ‫يقول الدكتور أحمد رعرلرو ر‬
‫الدعوة إلى التصوف فأي صدر السلم‪ ،‬وعدم ظهور هذه الدعوة إل بعد عهد‬
‫الصحابة والتابعين ؛ والجواب عن هذا‪ :‬إنه لم تكن من حاجة إليها فأي العصر‬
‫الول‪ ،‬لن أهل هذا العصر كانوا أهل تقوى وورع‪ ،‬وأرباب مجاهدة وإقبال على‬
‫العبادة بطبيعتهم‪ ،‬وبحكم قرب اتصالهم برسول ا صلى ا عليه وسلم‪ ،‬فأكانوا‬
‫يتسابقون ويتبارون فأي القتداء به فأي ذلك كله‪ ،‬فألم يكن ثفمة ما يدعو إلى تلقينهم‬
‫ل‪ ،‬وإنما مثلهم فأي ذلك كله كمثل العربي‬ ‫علما ا يرشدهم إلى أمظر سهم قائمون به فأع ا‬
‫القسصح‪ ،‬يعرف اللغة العربية بالتوارث كابراا عن كابر؛ حتى إنه ليقرض الشعر البليغ‬
‫بالسليقة والفطرة‪ ،‬دون أن يعرف شيئار من قواعد اللغة والعراب والنظم‬
‫والقريض‪ ،‬فأمثل هذا ل يلزمه أن يتعلم النحو ودروس البلغة‪ ،‬ولكن علم النحو‬
‫وقواعد اللغة والشعر تصبح لزمة وضرورية عند تفشي اللحن‪ ،‬وضعف التعبير‪،‬‬
‫أو لمن يريد من الجانب أن يتفهمها ويتعرف عليها‪ ،‬أو عندما يصبح هذا العلم‬
‫ضرورة من ضرورات الجتماع كبقية العلوم التي نشأت وتألفت على توالي‬
‫العصور فأي أوقاتها المناسبة‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫فأالصحابة والتابعون ـ وإن لم يتسموا باسم المتصوفأين ـ كانوا صوفأيين فأعلا وإن لم‬
‫يكونوا كذلك اسماا‪ ،‬وماذا يراد بالتصوف أكثر من أن يعيش المرء لربه ل لنفسه‪،‬‬
‫ويتحلى بالزهد وملزمة العبودية‪ ،‬والقبال على ا بالروح والقلب فأي جميع‬
‫الوقات‪ ،‬وسائر الكمالت التي وصل بها الصحابة والتابعون من حيث الرقي‬
‫الروحي إلى أسمى الدرجات فأهم لم يكتفوا بالقرار فأي عقائد اليمان‪ ،‬والقيام‬
‫بفروض السلم‪ ،‬بل قرنوا القرار بالتذوق والوجدان‪ ،‬وزادوا على الفروض‬
‫التيان بكل ما استحبه الرسول صلى ا عليه وسلم من نوافأل العبادات‪ ،‬وابتعدوا‬
‫عن المكروهات فأضلا عن المحرمات‪ ،‬حتى استنارت بصائرهم‪ ،‬وتفجرت ينابيع‬
‫الحكمة من قلوبهم‪ ،‬وفأاضت السرار الربانية على جوانحهم‪ .‬وكذلك كان شأن‬
‫التابعين وتابعي التابعين‪ ،‬وهذه العصور الثلثة كانت أزهى عصور السلم‬
‫وخيرها على الطلق‪ ،‬وقد جاء عن رسول ا صلى ا عليه وسلم قوله‪" :‬خير‬
‫القرون قرني هذا فأالذي يليه والذي يليه" ]"خير الناس قرني هذا ثم الذين يلونهم‪.‬‬

‫فألما تقادم العهد‪ ،‬ودخل فأي حظيرة السلم سأمم شتى‪ ،‬وأجناس عديدة‪ ،‬واتسعت‬
‫دائرة العلوم‪ ،‬وتقسمت وتوزعت بين أرباب الختصاصا؛ قام كل فأريق بتدوين‬
‫الفن والعلم الذي سيجيده أكثر من غيره‪ ،‬فأنشأ ـ بعد تدوين النحو فأي الصدر الول ـ‬
‫علم الفقه‪ ،‬وعلم التوحيد‪ ،‬وعلوم الحديث‪ ،‬وأصول الدين‪ ،‬والتفسير‪ ،‬والمنطق‪،‬‬
‫ومصطلح الحديث‪ ،‬وعلم الصول‪ ،‬والفرائض "الميراث" وغيرها‪..‬‬

‫وحدث بعد هذه الفترة أن أخذ التأثير الروحي يتضاءل شيئا ا فأشيئاا‪ ،‬وأخذ الناس‬
‫يتناسون ضرورة القبال على ا بالعبودية‪ ،‬وبالقلب والهمة‪ ،‬مما دعا أرباب‬
‫الرياضة والزهد إلى أن يعملوا سهم من ناحيتهم أيضا ا على تدوين علم التصوف‪،‬‬
‫وإثبات شرفأه وجلله وفأضله على سائر العلوم‪ ،‬ولم يكن ذلك منهم احتجاجا ا على‬
‫انصراف الطوائف الخرى إلى تدوين علومهم ـ كما يظن ذلك خطأ ا بعض‬
‫المستشرقين ـ بل كان يجب أن يكون سداا للنقص‪ ،‬واستكمالا لحاجات الدين فأي‬
‫جميع نواحي النشاط‪ ،‬مما ل بد منه لحصول التعاون على تمهيد أسباب البر‬
‫والتقوى"‬

‫أما تاريخ التصوف فأيظهر فأي فأتوى للمام الحافأظ السيد محمد صديق الغماري‬
‫رحمه ا‪ ،‬فأقد سئل عن أول من أسس التصوف ؟ وهل هو بوحي سماوي ؟‬

‫‪4‬‬
‫فأأجاب‪) :‬أما أول من أسس الطريقة‪ ،‬فألتعلم أن الطريقة أسسها الوحي السماوي فأي‬
‫جملة ما أسس من الدين المحمدي‪ ،‬إذ هي بل شك مقام الحسان الذي هو أحد‬
‫أركان الدين الثلثة التي جعلها النبي صلى ا عليه وسلم بعد ما بفينها واحداا واحداا‬
‫ديناا بقوله‪" :‬هذا جبريل عليه السلم أتاكم يعلمكم دينكم" وهو السلم واليمان‬
‫والحسان‪.‬‬

‫فأالسلم طاعة وعبادة‪ ،‬واليمان نور وعقيدة‪ ،‬والحسان مقام مراقبة ومشاهدة‪:‬‬
‫"أن تعبد ا كأنك تراه‪ ،‬فأإن لم تكن تراه فأإنه يراك"‪...‬‬

‫ثم قال السيد محمد صديق الغماري فأي رسالته تلك‪) :‬فأإنه كما فأي الحديث عبارة‬
‫عن الركان الثلثة‪ ،‬فأمن أخل بهذا المقام)الحسان( الذي هو الطريقة‪ ،‬فأدينه‬
‫ناقص بل شك لتركه ركناا من أركانه‪ .‬فأغاية ما تدعو إليه الطريقة وتشير إليه هو‬
‫مقام الحسان؛ بعد تصحيح السلم واليمان(‬
‫قال ابن خلدون فأي مقدمته‪:‬‬

‫ويعنينا من عبارة ابن خلدون الفقرة الخيرة‪ ،‬التي يقرر فأيها أن ظهور التصوف‬
‫والصوفأية كان نتيجة جنوح الناس إلى مخالطة الدنيا وأهلها فأي القرن الثاني‬
‫للهجرة‪ ،‬فأإن ذلك من شأنه أن يتخذ المقبلون على العبادة اسما ا يميزهم عن عامة‬
‫الناس الذين ألهتهم الحياة الدنيا الفانية‪.‬‬

‫وأورد صاحب "كشف الظنون" فأي حديثه عن علم التصوف كلما ا للمام‬
‫القشيري قال فأيه‪) :‬اعلموا أن المسلمين بعد رسول ا صلى ا عليه وسلم لم يررتسفم‬
‫أفأاضلهم فأي عصرهم بتسمية لعرلظم سوى صحبة الرسول عليه الصلة والسلم‪ ،‬إذ‬
‫ل أفأضلية فأوقها‪ ،‬فأقيل لهم الصحابة‪ ،‬ثم اختلف الناس وتباينت المراتب‪ ،‬فأقيل‬
‫لخواصا الناس ـ ممن لهم شدة عناية بأمر الدين ـ الزهاد والسعفباد‪ ،‬ثم ظهرت‬
‫البدعة‪ ،‬وحصل التداعي بين الفرق‪ ،‬فأكل فأريق ادعوا أن فأيهم زهاداا‪ ،‬فأانفرد‬
‫خواصا أهل السنة المراعون أنفسهم مع ا سبحانه وتعالى‪ ،‬الحافأظون قلوبهم عن‬
‫طوارق الغفلة باسم التصوف‪ ،‬واشتهر هذا السم لهؤلء الكابر قبل المائتين من‬
‫الهجرة(‬
‫من هذه النصوصا السابقة‪ ،‬يتبين لنا أن التصوف ليس أمراا مستحدثا ا جديداا؛ ولكنه‬

‫‪5‬‬
‫مأخوذ من سيرة الرسول صلى ا عليه وسلم وحياة أصحابه الكرام‪ ،‬كما أنه ليس‬
‫مستقى من سأصول ل تمت إلى السلم بصلة‪ ، ،‬فأأطلقوا اسم التصوف على‬
‫الرهبنة البوذية‪ ،‬والكهانة النصرانية‪ ،‬والشعوذة الهندية فأقالوا‪ :‬هناك تصوف بوذي‬
‫وهندي ونصراني وفأارسي‪.‬‬

‫أهمية التصوف‬
‫إن التكاليف الشرعية التي سأمر بها النسان فأي خاصة نفسه ترجع إلى قسمين‪:‬‬
‫أحكام تتعلق بالعمال الظاهرة‪ ،‬وأحكام تتعلق بالعمال الباطنة‪ ،‬أو بعبارة أخرى‪:‬‬
‫أحكام تتعلق ببدن النسان وجسمه‪ ،‬وأعمال تتعلق بقلبه‪.‬‬

‫فأالعمال الجسمية نوعان‪ :‬أوامر ونواظه ؛ فأالوامر اللهية هي‪ :‬كالصلة والزكاة‬
‫والحج‪ ...‬وأما النواهي فأهي‪ :‬كالقتل والزنى والسرقة وشرب الخمر‪...‬‬

‫وأما العمال القلبية فأهي أيضاا‪ :‬أوامر ونواظه ؛ أما الوامر‪ :‬فأكاليمان بال‬
‫وملئكته وكتبه ورسله‪ ...‬وكالخلصا والرضا والصدق والخشوع والتوكل‪...‬‬
‫وأما النواهي‪ :‬فأكالكفر والنفاق والكبر والعجب والرياء والغرور والحقد والحسد‪.‬‬
‫وهذا القسم الثاني المتعلق بالقلب أهم من القسم الول عند الشارع ـ وإن كان الكل‬
‫سمهفماا ـ لن الباطن أساس الظاهر ومصدره‪ ،‬وأعماله مبدأ أعمال الظاهر‪ ،‬فأفي‬
‫فأساده إخلل بقيمة العمال الظاهرة‪ ،‬وفأي ذلك قال تعالى‪:‬‬

‫}فأرمرن كان يرجو لقارء رصبه فأرليعمرل عملا صالحا ا ول سيشلررك بعبادة رصبه أحداا{‬
‫]الكهف‪.[110 :‬‬

‫ولهذا كان رسول ا صلى ا عليه وسلم يوجه اهتمام الصحابة لصلح قلوبهم‪،‬‬
‫ويبين لهم أن صلح النسان متوقف على إصلح قلبه وشفائه من المراض‬
‫ت‬‫الخفية والعلل الكامنة‪ ،‬وهو الذي يقول‪" :‬أل وإن فأي الجسد سمضغة إذا صلح ر‬
‫صلح الجسد كله‪ ،‬وإذا فأسدت فأسد الجسد كله‪ ،‬أل وهي القلب"‬
‫كما كان عليه الصلة والسلم يعلسمهم أن محل نظر ا إلى عباده إنما هو القلب‪:‬‬
‫"إن ا ل ينظسر إلى أجسادكم ول إلى صوركم‪ ،‬ولكن ينظسر إلى قلوبكم فأما دام‬
‫صلح النسان مربوطاا بصلح قلبه الذي هو مصدر أعماله الظاهرة‪ ،‬تعفين عليه‬
‫العمل على إصلحه بتخليته من الصفات المذمومة التي نهانا ا عنها‪ ،‬وتحليته‬
‫بالصفات الحسنة التي أمرنا ا بها‪ ،‬وعندئظذ يكون القلب سليما ا صحيحاا‪ ،‬ويكون‬

‫‪6‬‬
‫ب سليظم{‬
‫صاحبه من الفائزين الناجين }يوم ل ينفسع مافل ول بنورن إل رمن أتى ار بقل ظ‬
‫]الشعراء‪88 :‬ـ ‪.[89‬‬

‫قال المام جلل الدين السيوطي رحمه ا‪) :‬وأما علم القلب ومعرفأة أمراضه من‬
‫الحسد والعجب والرياء ونحوها‪ ،‬فأقال الغزالي‪ :‬إنها فأرض عين(‬
‫فأتنقية القلب‪ ،‬وتهذيب النفس‪ ،‬من أهم الفرائض العينية وأوجب الوامر اللهية‪،‬‬
‫بدليل ما ورد فأي الكتاب والسنة وأقوال العلماء‪.‬‬

‫آ ـ فمن الكتاب‪:‬‬

‫‪1‬ـ قوله تعالى‪} :‬قسرل إفنما حفررم ربصري الفواح ر‬


‫ش ما ظهر منها وما ربطرن{]العراف‪:‬‬
‫‪.[33‬‬

‫ش ما ظهرر منها وما بطرن{]النعام‪.[151 :‬‬


‫‪2‬ـ وقوله تعالى‪} :‬ول تقربوا الفواح ر‬

‫والفواحش الباطنة كما قال المفسرون هي‪ :‬الحقد والرياء والحسد والنفاق‪...‬‬

‫ب ـ وأمن السنة‪:‬‬

‫‪1‬ـ كل الحاديث التي وردت فأي النهي عن الحقد والكبر والرياء والحسد‪ ...‬وأيضا ا‬
‫الحاديث المرة بالتحلي بالخلق الحسنة والمعاملة الطيبة فألتراجع فأي‬
‫مواضعها‪.‬‬

‫ج ـ وأأما أقوال العلماء‪:‬‬

‫يقول الفقيه الكبير العلمة ابن عابدين فأي حاشيته الشهيرة‪) :‬إن علرم الخلصا‬
‫ض عين‪ ،‬ومثلها غيرها من آفأات النفوس‪ ،‬كالكبر‬ ‫والعجب والحسد والرياء فأر س‬
‫والشح والحقد والغش والغضب والعداوة والبغضاء والطمع والبخل والبطر‬
‫والخيلء والخيانة والمداهنة‪ ،‬والستكبار عن الحق والمكر والمخادعة والقسوة‬
‫وطول المل‪ ،‬ونحوها مما هو مبين فأي ربع المهلكات من "الحياء"‪ .‬قال فأيه‪ :‬ول‬
‫ينفك عنها بشر‪ ،‬فأيلزمه أن يتعلم منها ما يرى نفسه محتاجا ا إليه‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫وإزالتها فأرض عين‪ ،‬ول يمكن إل بمعرفأة حدودها وأسبابها وعلماتها وعلجها‪،‬‬
‫فأإن من ل يعرف الشر يقع فأيه(‬

‫المنهج العملي في التصوف‬

‫‪1‬ـ الصحبة‪.‬‬
‫‪2‬ـ الوارث المحمدي‪.‬‬
‫‪3‬ـ أخذ العهد‪.‬‬
‫‪4‬ـ العلم‪.‬‬
‫‪5‬ـ مجاهدة النفس‪.‬‬
‫‪6‬ـ الذكر‪.‬‬
‫‪7‬ـ المذاكرة‪.‬‬
‫‪8‬ـ الخلوة‪.‬‬

‫الصحبة‬

‫أهميتها وفأائدتها وآثارها ـ الدليل عليها من الكتاب ـ الدليل عليها من السنة ـ‬


‫أقوال العلماء والمحدثين فأي أهمية الصحبة ـ أقوال العارفأين بال‬

‫‪1‬ـ أهميتها وأفائدتها وأآثارها‪:‬‬

‫إن للصحبة أثراا عميقاا فأي شخصية المرء وأخلقه وسلوكه‪ ،‬والصاحب يكتسب‬
‫صفات صاحبه بالتأثر الروحي والقتداء العملي‪ ،‬والنسان اجتماعي بالطبع ل بد‬
‫أن يخالط الناس ويكون له منهم أخلء وأصدقاء ؛ فأإن اختارهم من أهل الفساد‬

‫‪8‬‬
‫والشر والفسوق والمجون انحدرت أخلقه‪ ،‬وانحطت صفاته تدريجيا ا دون أن‬
‫يشعر‪ ،‬حتى يصل إلى حضيضهم ويهوي إلى دركهم‪.‬‬

‫أما إذا اختار صحبة أهل اليمان والتقوى والستقامة والمعرفأة بال تعالى فأل يلبث‬
‫أن يرتفع إلى أوج علهم‪ ،‬ويكتسب منهم السخلق القويم‪ ،‬واليمان الراسخ‪،‬‬
‫والصفات العالية‪ ،‬والمعارف اللهية‪ ،‬ويتحرر من عيوب نفسه‪ ،‬ورعونات سخلسقلله‪.‬‬
‫ولهذا ستعرف أخلق الرجل بمعرفأة أصحابه وجلسائه‪.‬‬

‫وما نال الصحابة رضوان ا عليهم هذا المقام السامي والدرجة الرفأيعة بعد أن‬
‫كانوا فأي ظلمات الجاهلية إل بمصاحبتهم لرسول ا صلى ا عليه وسلم‬
‫ومجالستهم له‪ .‬وما أحرز التابعون هذا الشرف العظيم إل باجتماعهم بأصحاب‬
‫رسول ا صلى ا عليه وسلم‪.‬‬

‫وبما أن رسالة سيدنا محمد عليه السلم عامة خالدة إلى قيام الساعة‪ ،‬فأإن لرسول‬
‫ا صلى ا عليه وسلم سورراثاا من العلماء العارفأين بال تعالى‪ ،‬ورثوا عن نبيهم‬
‫العلم والسخلق واليمان والتقوى‪ ،‬فأكانوا خلفاء عنه فأي الهداية والرشاد والدعوة‬
‫إلى ا‪ ،‬يقتبسون من نوره ليضيؤوا للنسانية طريق الحق والرشاد‪ ،‬فأرمرن جالسهم‬
‫سرى إليه من حالهم الذي اقتبسوه من رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ ،‬ورمرن‬
‫نصرهم فأقد نصر الدين‪ ،‬ومن ربط حبله بحبالهم فأقد اتصل برسول ا صلى ا‬
‫عليه وسلم‪.‬‬

‫ومن استقى من هدايتهم وإرشادهم فأقد استقى من نبع رسول ا صلى ا عليه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫هؤلء الوراث هم الذين ينقلون للناس الدين‪ ،‬سمرمثفلا فأي سلوكهم‪ ،‬حيفا ا فأي أحوالهم‪،‬‬
‫واضحاا فأي حركاتهم وسكناتهم‪ ،‬هم من الذين عناهم رسول ا صلى ا عليه‬
‫وسلم بقوله‪:‬‬

‫"ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ل يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر‬
‫ا وهم كذلك‬

‫ل ينقطع أثرهم على مر الزمان‪ ،‬ول يخلو منهم قطر‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬فأكل إنسان ل يخلو من أمراض قلبية‪ ،‬وعلل خفية ل يدركها‬
‫بنفسه‪ ،‬كالرياء والنفاق والغرور والحسد‪ ،‬والنانية وحب الشهرة والظهور‪،‬‬
‫والعجب والكبر والبخل‪ ...‬بل قد يعتقد أنه أكمل الناس سخلقاا‪ ،‬وأقومهم ديناا‪ ،‬وهذا‬
‫هو الجهل المركب‪ ،‬والضلل المبين‪.‬‬

‫قال تعالى‪} :‬قسرل هل نسنربصسئكم بالخسرين أعمالا الذين ضفل سعيهم فأي الحياة الدنيا‬
‫وهم يحسبون أفنهم سيحسنون صنعاا{ ]الكهف‪103 :‬ـ ‪.[104‬‬

‫فأكما أن المرء ل يرى عيوب وجهه إل بمرآة صافأية مستوية‪ ،‬تكشف له عن حقيقة‬
‫حاله‪ ،‬فأكذلك ل بد للمؤمن من أخ مؤمن مخلص ناصح صادق‪ ،‬أحسن منه حا ا‬
‫ل‪،‬‬
‫وأقوم سخلقاا‪ ،‬وأقوى إيماناا‪ ،‬يصاحبه ويلزمه‪ ،‬فأيريه عيوبه النفسية‪ ،‬ويكشف له عن‬
‫خفايا أمراضه القلبية إما بقاله أو بحاله‪.‬‬

‫ولهذا قال عليه الصلة والسلم‪" :‬المؤمسن لمرآةس المؤمن‬

‫وعلينا أن نلحظ أن المرايا أنواع وأشكال ؛ فأمنها الصافأية المستوية‪ ،‬ومنها‬


‫الجرباء التي ستشصوهس جمال الوجه‪ ،‬ومنها التي ستكصبر أو ستصصغر‪.‬‬

‫وهكذا الصحاب ؛ فأمنهم الذي ل يريك نفسك على حقيقتها‪ ،‬فأيمدحك حتى تظن فأي‬
‫نفسك الكمال‪ ،‬وسيدخل عليك الغرور والعجب‪ ،‬أو يذمك حتى تيأس وتقنط من‬
‫إصلح نفسك‪ .‬أما المؤمن الكامل فأهو المرشد الصادق الذي صقلت مرآته بصحبة‬
‫مرشد كامل‪ ،‬ورث عن مرشد قبله وهكذا حتى يتصل برسول ا صلى ا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وهو المرآة التي جعلها ا تعالى المثل العلى للنسانية الفاضلة ؛ قال‬
‫تعالى‪} :‬لقد كان لكم فأي رسول ا سأسوةف حسنةف للرمرن كان يرجو ا واليورم الخرر‬
‫وذكرر ار كثيراا{ ]الحزاب‪.[21 :‬‬

‫فأالطريق العملي الموصل لتزكية النفوس والتحلي بالكمالت الخلقية هو صحبة‬


‫ى وأخلقاا‪،‬‬
‫الوارث المحمدي والمرشد الصادق الذي تزداد بصحبته إيمانا ا وتقو ا‬
‫وتشفى بملزمته وحضور مجالسه من أمراضك القلبية وعيوبك النفسية‪ ،‬وتتأثر‬
‫شخصيتك بشخصيته التي هي صورة عن الشخصية المثالية‪ ،‬شخصية رسول ا‬
‫صلى ا عليه وسلم‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ومن هنا يتبين خطأ من يظن أنه يستطيع بنفسه أن يعالج أمراضه القلبية‪ ،‬وأن‬
‫يتخلص من علله النفسية بمجرد قراءة القرآن الكريم‪ ،‬والطلع على أحاديث‬
‫الرسول صلى ا عليه وسلم‪ .‬وذلك لن الكتاب والسنة قد جمعا أنواع الدوية‬
‫لمختلف العلل النفسية والقلبية‪ ،‬فأل بد معهما من طبيب يصف لكل داء دواؤه ولكل‬
‫علة علجها‬
‫ث فأي الرمريين رسولا منهم يتلو عليهم آياته وسيزركيهم وسيعرلمهم الكتا ر‬
‫ب‬ ‫}هو الذي بع ر‬
‫واللحكمرة{ ]الجمعة‪.[2 :‬‬

‫فأالتزكية شيء‪ ،‬وتعليم القرآن شيء آخر‪ ،‬إذ المراد من قوله تعالى‪} :‬يزكيهم{‬
‫يعطيهم حالة التزكية‪ ،‬فأفر ف‬
‫ق كبير بين علم التزكية وحالة التزكية كما هو الفرق‬
‫بين علم الصحة وحالة الصحة‪ ،‬والجمع بينهما هو الكمال‪.‬‬

‫وكم نسمع عن أناس متحيرين يقرؤون القرآن الكريم‪ ،‬ويطلعون على العلوم‬
‫السلمية الكثيرة‪ ،‬ويتحدثون عن الوساوس الشيطانية‪ ،‬وهم مع ذلك ل يستطيعون‬
‫أن يتخلصوا منها فأي صلتهم!‪.‬‬

‫‪2‬ـ الدليل على أهمية الصحبة من كتاب ا تعالى‪:‬‬

‫‪1‬ـ قال تعالى‪} :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا ار وسكونوا مرع الصادقين{ ]التوبة‪.[119 :‬‬
‫والصادقون‪ :‬هم الصفوة من المؤمنين الذين عناهم ا بقوله‪} :‬لمرن المؤمنين لرجال‬
‫صردقوا ما عاهدوا ار عيله{ ]الحزاب‪.[23 :‬‬ ‫ر‬

‫‪2‬ـ قال تعالى‪} :‬واصبر نفسك مع الذيرن يدعون رفبهم بالغدالة والعشصي سيريدورن‬
‫وجهرهس ول تررعسد عيناك عنسهم ستريد زينةر الحيالة الدنيا ول تسلطرع رمرن أغفلنا قلربه عن‬
‫ذكرنا واتفبررع هواهس وكان أمسره فأسسرطاا{ ]الكهف‪.[28 :‬‬

‫الخطاب هنا لرسول ا صلى ا عليه وسلم من قبيل تعليم سأمته ولإرشادها‪.‬‬

‫‪3‬ـ الدليل على أهمية الصحبة من الحاديث الشريفة‪:‬‬

‫س السولء‬ ‫‪1‬ـ قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬إنما رمثرسل الجلي ل‬
‫س الصالح وجلي ل‬

‫‪11‬‬
‫ك )يعطيك( وإما أن تبتاع‬ ‫ك إما أن يسرحلذير ر‬
‫كحاملل المسلك‪ ،‬ونافأخ الكير‪ ،‬فأحامسل المس ل‬
‫منه‪ ،‬وإما أن تجد منه ريحا ا طيبة‪ ،‬ونافأسخ الكيلر إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد فأيه‬
‫ريحاا منتنة( ]رواه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب الذبائح ومسلم فأي كتاب البر‬
‫والصلة عن أبي موسى الشعري رضي ا عنه[‪.‬‬

‫ي جلسائنا خير ؟ قال‪:‬‬


‫‪2‬ـ عن ابن عباس رضي ا عنهما قال‪ :‬قيل‪ :‬يا رسول ا أ ي‬
‫"رمرن ذفكرسكم ا رؤيتسسه‪ ،‬وزاد فأي علمكم رمرنطسقه‪ ،‬وذفكركم فأي الخرة عمسله" ]رواه‬
‫أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح كما فأي "مجمع الزوائد" ج ‪/10‬صا ‪[226‬‬

‫‪4‬ـ أقوال الفقهاء وأالمحدثين في أهمية الصحبة وأآدابها‪:‬‬

‫ب الدين بن حجر الهيثمي‬ ‫ابن حجر الهيثمي‪ :‬يقول الشيخ الفقيه المحدث أحمد شها س‬
‫المكي فأي كتابه "الفتاوى الحديثية"‪) :‬والحاصل أن الرولى بالسالك قبل الوصول‬
‫إلى هذه المعارف أن يكون مديماا لما يأمره به أستاذه الجامع لطرفأي الشريعة‬
‫والحقيقة‪ ،‬فأإنه هو الطبيب العظم‪ ،‬فأبمقتضى معارفأه الذوقية وحكمه الربانية‪،‬‬
‫س ما يراه هو اللئق بشفائها والمصلح لغذائها(‬ ‫سيعطي كل بدن ونررف ظ‬

‫البحث عن الوارث المحمدي‬

‫مما سبق يتبين أهمية صحبة الوارث المحمدي للترقي فأي مدارج الكمال‪ ،‬وتلقي‬
‫دروس الداب والفضائل‪ ،‬واكتشاف العيوب الخفية والمراض القلبية‪.‬‬

‫ولكن قد يسأل سائل‪ :‬كيف الهتداء إليه ؟ والوصول إلى معرفأته ؟ وما هي‬
‫شروطه وأوصافأه ؟ فأنقول‪:‬‬

‫‪1‬ـ حين يشعر الطالب بحاجته إليه كشعور المريض بحاجته إلى الطبيب‪ ،‬عليه أن‬
‫يصدق العزم‪ ،‬ويصحح النية‪ ،‬ويتجه إلى ا تعالى بقلب ضارع منكسر‪ ،‬يناديه فأي‬
‫جوف الليل‪ ،‬ويدعوه فأي سجوده وأعقاب صلته‪) :‬اللهم دفلني على من يدلني‬
‫عليك‪ ،‬وأوصلني إلى من يوصلني إليك(‪.‬‬

‫‪2‬ـ عليه أن يبحث فأي بلده‪ ،‬ويفتش ويسأل عن المرشد بدقة وانتباه غير ملتفت لما‬
‫يشيعه بعضهم من فأقد المرشد المربي فأي هذا الزمن‬

‫‪12‬‬
‫وللمرشد شروط ل بد منها حتى يتأهل لرشاد الناس وهي أربعة‪:‬‬

‫‪1‬ـ أن يكون عالما ا بالفرائض العينية‪.‬‬

‫‪2‬ـ أن يكون عارفأا ا بال تعالى‪.‬‬

‫‪3‬ـ أن يكون خبيراا بطرائق تزكية النفوس ووسائل تربيتها‪.‬‬

‫‪4‬ـ أن يكون مأذونا ا بالرشاد من شيخه‪.‬‬

‫‪1‬ـ أما الشرط الول‪ :‬فأينبغي أن يكون المرشد عالما ا بالفرائض العينية‪ :‬كأحكام‬
‫الصلة والصوم والزكاة إن كان مالكا ا للنصاب‪ ،‬وأحكام المعاملت والبيوع إن‬
‫كان ممن يتعاطى التجارة‪ ...‬الخ‪ .‬وأن يكون عالما ا بعقيدة أهل السنة والجماعة فأي‬
‫التوحيد‪ ،‬فأيعرف ما يجب ل تعالى‪ ،‬وما يجوز وما يستحيل إجمالا وتفصي ا‬
‫ل‪،‬‬
‫وكذلك فأي حق الرسل عليهم الصلة والسلم‪ ،‬وهكذا سائر أركان اليمان‪.‬‬

‫‪2‬ـ وأما الشرط الثاني‪ :‬فأينبغي أن يتحقق المرشد بعقيدة أهل السنة عملا وذوقا ا بعد‬
‫أن عرفأها علماا ودراية‪ ،‬فأيشهد فأي قلبه وروحه صحتها‪ ،‬ويشهد أن ا تعالى واحد‬
‫فأي ذاته‪ ،‬واحد فأي صفاته‪ ،‬واحد فأي أفأعاله‪ ،‬ويتعرف على حضرات أسماء ا‬
‫تعالى ذوقا ا وشهوداا‪ ،‬ويرجعها إلى الحضرة الجامعة‪ ،‬ول يشتبه عليه تعدد‬
‫الحضرات‪ ،‬إذ تعدد الحضرات ل يدل على تعدد الذات‪.‬‬

‫ب ومرشد‪ ،‬فأخبررر‬ ‫‪3‬ـ وأما الشرط الثالث‪ :‬فأل بد أن يكون قد رزفكى نفسه على يد مر ظ‬
‫مراتب النفس وأمراضها ووساوسها‪ ،‬وعرف أساليب الشيطان ومداخله‪ .‬وآفأات‬
‫كل مرحلة من مراحل السير‪ ،‬وطرائق معالجة كل ذلك بما يلئم حالة كل شخص‬
‫وأوضاعه‪.‬‬

‫‪4‬ـ وأما الشرط الرابع‪ :‬فأل بد للمرشد من أن يكون قد سأجيز من شيخه بهذه التربية‬
‫وهذا السير‪ ،‬فأمن لم يشهد له الختصاصيون بعلم يرفدعيه ل يحق له أن يتصدر فأيه‪،‬‬
‫ت الن فأكرة‬ ‫فأالجازة‪ :‬هي شهادة أهلية الرشاد وحيازة صفاته وعليها أسصسرس ر‬
‫المدارس والجامعات‪ ،‬فأكما ل يجوز لمن ل يحمل شهادة الطب أن يفتح عيادة‬
‫لمداواة المرضى‪ ،‬ول يصح لغير المجاز فأي الهندسة أن يرسم مخططا ا للبناء‪،‬‬
‫وكما ل يجوز للذي ل يحمل شهادة أهلية التعليم أن يسردصرس فأي المدارس‬

‫‪13‬‬
‫والجامعات‪ ،‬فأكذلك ل يجوز أن يفدعي الرشاد غير مأذون له به من قلبرلل مرشدين‬
‫مأذونين مؤفهلين‪ ،‬يتصل سندهم بالتسلسل إلى رسول ا صلى ا عليه وسلم‬
‫]على غرار علماء الحديث الذين تناقلوا أحاديث رسول ا صلى ا عليه وسلم‬
‫ل عن رجل إلى رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ ،‬واعتبروا السند أساسا ا‬ ‫بالسند رج ا‬
‫لحفظ السنة النبوية من الضياع والتحريف ولهذا قال ابن المبارك‪) :‬السناد من‬
‫الدين‪ ،‬ولول السناد لقال من شاء ما شاء([‪.‬‬

‫وكما أنه ل يصح من العاقل أن يتداوى عند جاهل بالطب‪ ،‬كذلك ل يجوز للمرء‬
‫أن يركن إلى غير المرشد المأذون المختص بالتوجيه والرشاد‪ ،‬وكل من درس‬
‫الوضع العلمي فأي الماضي يعرف قيمة الجازة من الشياخ وأهمية التلقي عندهم‪،‬‬
‫حتى إنهم أطلقوا على من لم يأخذ علمه من العلماء اسم )الصحفي(‪ ،‬لنه أخذ علمه‬
‫من الصحف والمطالعة الخاصة‪ ،‬قال ابن سيرين رحمه ا‪:‬‬

‫)إن هذا العلم دين فأانظروا عمن تأخذون دينكم( وقد أوصى رسول ا صلى ا‬
‫عليه وسلم ابن عمر رضي ا عنهما بذلك فأقال‪:‬‬
‫)يا ابن عمر ديرنك ديرنك إنما هو لحمك ودمك فأانظرر عمن تأخذ‪ ،‬خذ الدين عن‬
‫الذين استقاموا‪ ،‬ول تأخذ عن الذين مالوا(‬
‫وقال بعض العارفأين‪:‬‬

‫ثم اعلم أن من علمات المرشد أموراا يمكن ملحظتها‪:‬‬

‫ـ منها‪ :‬أنك إذا جالسته تشعر بنفحة إيمانية‪ ،‬ونشوة روحية‪ ،‬ل يتكلم إل ل‪ ،‬ول‬
‫ينطق إل بخير‪ ،‬ول يتحدث إل بموعظة أو نصيحة‪ ،‬تستفيد من صحبته كما تستفيد‬
‫من كلمه‪ ،‬تنتفع من قربه كما تنتفع من بعده‪ ،‬تستفيد من لحظه كما تستفيد من‬
‫لفظه‪.‬‬

‫ـ ومنها‪ :‬أن تلحظ فأي إخوانه ومريديه صور اليمان والخلصا والتقوى‬
‫والتواضع‪ ،‬وتتذكر وأنت تخالطهم السمثسرل العليا من الحب‪ ،‬والصدق واليثار‬
‫والخوة الخالصة‪ ،‬وهكذا سيعرف الطبيب الماهر بآثاره ونتائج جهوده‪ ،‬حيث ترى‬
‫المرضى الذي سشفوا على يديه‪ ،‬وتخرجوا من مصحه بأوفأر قوة‪ ،‬وأتم عافأية‪.‬‬

‫علماا أن كثرة المريدين والتلميذ وقلتهم ليست مقياسا ا وحيداا‪ ،‬وإنما العبرة بصلح‬
‫هؤلء المريدين وتقواهم‪ ،‬وتخلصهم من العيوب والمراض واستقامتهم على شرع‬

‫‪14‬‬
‫ا تعالى‪.‬‬

‫ـ ومنها‪ :‬أنك ترى تلمذته يمثلون مختلف طبقات المة‪ ،‬وهكذا كان أصحاب‬
‫رسول ا صلى ا عليه وسلم‪.‬‬

‫أخذ العهد‬
‫مما سبق ثبت أنه ينبغي لمريد الكمال أن يلتحق بمرشد يتعهده بالتوجيه ويرشده‬
‫إلى الطريق الحق‪ ،‬ويضيء له ما أظلم من جوانب نفسه‪ ،‬حتى يعبد ا تعالى على‬
‫بصيرة وهدى ويقين‪.‬‬

‫يبايع المرشد‪ ،‬ويعاهده على السير معه فأي طريق التخلي عن العيوب والتحلي‬
‫بالصفات الحسنة‪ ،‬والتحقق بركن الحسان‪ ،‬والترقي فأي مقاماته‪.‬‬

‫وأأخذذ العهد ثابت في القرآن‪ ،‬وأالسنة‪ ،‬وأسيرة الصحابة‪:‬‬

‫فمن القرآن‪:‬‬
‫قول ا تعالى‪} :‬إفن الذيرن سيبايعورنك إفنما يبايعورن ار يسد ال فأوق أيديهم فأرمرن نكث‬
‫فأإفنما ينكث على نفسه ورمرن أوفأى بما عاهررد عليهس ار فأسيؤتيله أجراا عظيماا{ ]الفتح‪:‬‬
‫‪.[10‬‬

‫وأمن السنة‪:‬‬
‫فأإن أخذ العهد والبيعة فأي السنة المطهرة ما كان يتخذ صورة واحدة من التلقين أو‬
‫يختص بجماعة من المسلمين‪ ،‬وإنما كان أخذ العهد فأي السنة جامعا ا بين بيعة‬
‫الرجال‪ ،‬وتلقين الجماعات والفأراد‪ ،‬ومبايعة النساء‪ ،‬بل وحتى من لم يحتلم‪.‬‬

‫فأأما بيعة الرجال‪ :‬فأقد أخرج البخاري فأي صحيحه عن عبادة بن الصامت أن‬
‫رسول ا صلى ا عليه وسلم قال‪" :‬بايعوني على أن ل تشركوا بال شيئاا‪ ،‬ول‬
‫تسرقوا‪ ،‬ول تزنوا‪ ،‬ول تقتلوا أولدكم‪ ،‬ول تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم‬
‫وأرجلكم‪ ،‬ول تعصوا فأي معروف‪ ،‬فأمن وففأى منكم فأأجره على ا‪ ،‬ومن أصاب‬
‫من ذلك شيئاا فأعوقب فأي الدنيا فأهو كفارة له‪ ،‬ومن أصاب من ذلك شيئا ا ثم ستره ا‬
‫فأهو إلى ا‪ ،‬إن شاء عفا عنه ؛ وإن شاء عاقبه‪ .‬فأبايعناه على ذلك‬

‫‪15‬‬
‫وأأما التلقين جماعة‪:‬‬

‫فأعن يعلى بن شداد قال‪ :‬حدثني أبي شداد بن أوس رضي ا عنه ؛ وعبادة بن‬
‫الصامت حاضر يصدقه قال‪ :‬كنا عند رسول ا صلى ا عليه وسلم فأقال‪" :‬هل‬
‫فأيكم غريب ؟" ـ يعني من أهل الكتاب ـ فأقلنا‪ :‬ل يا رسول ا‪ ،‬فأأمر بغلق الباب‬
‫فأقال‪" :‬ارفأعوا أيديكم وقولوا‪ :‬ل إله إل ا"‪ ،‬فأرفأعنا أيدينا وقلنا‪ :‬ل إله إل ا‪ ،‬ثم‬
‫قال صلى ا عليه وسلم‪" :‬الحمد ل ؛ اللهم إنك بعثتني بهذه الكلمة‪ ،‬وأمرتني بها‪،‬‬
‫ووعدتني عليها الجنة‪ ،‬وإنك ل تخلف الميعاد"‪ ،‬ثم قال صلى ا عليه وسلم‪" :‬أل‬
‫أبشروا فأإفن ا قد غفر لكم"‬

‫وأأما التلقين الفرادي‪:‬‬

‫فأإن علياا كفرم ا وجهه سأل النبي صلى ا عليه وسلم بقوله‪) :‬يا رسول ا دلني‬
‫على أقرب الطرق إلى ا‪ ،‬وأسهلها على عباده‪ ،‬وأفأضلها عنده تعالى(‪ ،‬فأقال النبي‬
‫صلى ا عليه وسلم‪" :‬عليك بمداومة ذكر ا سراا وجهراا"‪ ،‬فأقال علي‪) :‬كيل الناس‬
‫صني بشيء( ؛ قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬أفأضل ما قلته أنا‬ ‫ذاكرون فأخ ف‬
‫والنبيون من قبلي‪ :‬ل إله إل ا‪ ،‬ولو أن السموات والرضين فأي كفة ول إله إل‬
‫ا فأي كفة لرجحت بهم‪ ،‬ول تقوم القيامة وعلى وجه الرض من يقول‪ :‬ل إله إل‬
‫ك‬
‫ض عيني ر‬‫ا"‪ ،‬ثم قال علي‪) :‬فأكيف أذكر ؟ قال النبي صلى ا عليه وسلم‪" :‬رغصم ر‬
‫واسمع مني ل إله إل ا ثلث مرات‪ ،‬ثم قلها ثلثا ا وأنا أسمع‪ ،‬ثم فأعل ذلك برفأع‬
‫الصوت" ]رواه الطبراني والبزار بإسناد حسن[‪.‬‬

‫وأما بيعة النساء‪:‬‬


‫ت رسول ا صلى ا عليه وسلم فأي نسوة يبايعنه‬ ‫فأعن سأميمة بنت سرقرريلقة قالت‪) :‬أتي س‬
‫ك بال شيئاا‪ ،‬ول نسرق‪ ،‬ول نزني‪ ،‬ول‬ ‫فأقلن‪ :‬نبايعك يا رسورل ا على أن ل نشر ر‬
‫نقتل أولدنا‪ ،‬ول نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ول نعصيك فأي معروف‪.‬‬
‫فأقال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬فأيما استطعتن وأطقتن"‪ ،‬فأقلن‪ :‬ا ورسوله‬
‫أرحم بنا من أنفسنا‪ ،‬هرلسفم نبايعك يا رسول ا‪ ،‬فأقال‪" :‬إني ل سأصافأح النساء‪ ،‬إنما‬
‫قولي لمئة امرأة كقولي لمرأة واحدة‬

‫وأما بيعة من لم يحتلم‪ :‬فأقد أخرج الطبراني عن محمد بن علي بن الحسين رضي‬

‫‪16‬‬
‫ا عنهم‪ ،‬أن النبي صلى ا عليه وسلم بايع الحسن والحسين وعبد ا بن عباس‬
‫وعبد ا بن جعفر رضي ا عنهم وهم صغار ولم يسربلقلوا ]يقال‪ :‬أبقل وجهه‪ ،‬إذا‬
‫نبتت لحيته[ ولم يبلغوا‪ ،‬ولم يبايع صغيراا إل مفنا ‪.‬‬

‫ثم نهج الوفراث من مرشدي الصوفأية منهج الرسول صلى ا عليه وسلم فأي أخذ‬
‫البيعة فأي كل عصر‪ ،‬فأقد ذكر الستاذ الندوي فأي كتابه "رجال الفكر والدعوة فأي‬
‫السلم"‪) :‬أن الشيخ عبد القادر الجيلني فأتح باب البيعة والتوبة على مصراعيه‪،‬‬
‫يدخل فأيه المسلمون من كل ناحية من نواحي العالم السلمي‪ ،‬يجددون العهد‬
‫والميثاق مع ا‪ ،‬ويعاهدون على ألف يشركوا ول يكفروا‪ ،‬ول يفسقوا‪ ،‬ول يبتدعوا‪،‬‬
‫ول يظلموا‪ ،‬ول يستحلوا ما حفرم ا‪ ،‬ول يتركوا ما فأرض ا‪ ،‬ول يتفانوا فأي‬
‫الدنيا‪ ،‬ول يتناسوا الخرة‪ .‬وقد دخل فأي هذا الباب ـ وقد فأتحه ا على يد الشيخ‬
‫عبد القادر الجيلني ـ خلق ل يحصيهم إل ا‪ ،‬وصلحت أحوالهم‪ ،‬وحسن‬
‫إسلمهم‪ ،‬وظل الشيخ يربيهم ويحاسبهم‪ ،‬ويشرف عليهم‪ ،‬وعلى تقدمهم‪ ،‬فأأصبح‬
‫هؤلء التلميذ الروحيون يشعرون بالمسؤولية بعد البيعة والتوبة وتجديد اليمان(‬

‫تناقل الذإن‬
‫منذ عهد الرسول صلى ا عليه وسلم إلى يومنا هذا تناقل هذا الذرن والتلقيرن‬
‫ل‪ ،‬والصوفأية سيسيمون‬ ‫والعهرد رجافل عن رجال‪ ،‬فأوصل إلينا محققا ا مسلسلا مسج ا‬
‫البيعة والذن والتلقين باسم "القبضة"‪ ،‬يتلقاها واحد عن واحد‪ ،‬يقبض كل منهما يد‬
‫الخر‪ ،‬فأكأنما ارلتقى السالب بالموجب فأارتبط التيار واتصل السند‪ ،‬ونفذ التأثير‬
‫الروحي المحسوس المجرب‪.‬‬

‫وما هؤلء المرشدون المجددون على توالي العصور والزمان الذين يربطون‬
‫قلوب الناس بهم حتى يوصلوها بنور سيدنا محمد صلى ا عليه وسلم إل‬
‫كالمراكز الكهربائية التي توضع فأي الماكن البعيدة عن الموصلد الكهربائي فأتأخذ‬
‫النور من مركز التوليد لتعطيه لمن حولها قويا ا وفهاجا ا ؛ فأهذه المراكز ليست‬
‫مصدر النور ولكنها موزعة له وناقلة‪ ،‬ولكن لبعد المسافأة يضعف نور الشريط‬
‫المتصل بالموصلد‪ ،‬فأاحتاج المر إلى هذه المراكز التي تعيد لهذا النور قوته‬
‫وحيويته‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫وهكذا فأإن المرشدين يجددون النشاط اليماني فأي عصرهم‪ ،‬ويعيدون النور‬
‫المحمدي إلى ضيائه وبريقه بعد تطاول الزمن وتعاقب القرون‪ ،‬وهذا معنى قوله‬
‫عليه الصلة والسلم‪" :‬العلماء ورثة النبياء"‬

‫أدب المريد‬
‫مع شيخه وأإخوانه‬

‫‪1‬ـ آداب المريد مع شيخه‪:‬‬


‫وهي نوعان‪ :‬آداب باطنة‪ ،‬وآداب ظاهرة‪.‬‬

‫فأما الداب الباطنة فهي‪:‬‬


‫‪1‬ـ الستسلم لشيخه وطاعته فأي جميع أوامره ونصائحه‪ ،‬وليس هذا من باب‬
‫النقياد العمى الذي يهمل فأيه المرء عقله ويتخلى عن شخصيته‪ ،‬ولكنه من باب‬
‫التسليم للذي الختصاصا والخبرة ؛ بعد اليمان الجازم بمقدمات فأكرية أساسية‪،‬‬
‫منها التصديق الراسخ بإذنه وأهليته واختصاصه وحكمته ورحمته‪ ،‬وأنه جمع بين‬
‫الشريعة والحقيقة‪ ..‬الخ‪ .‬وهذا يشبه تماماا استسلم المريض لطبيبه استسلما ا كليا ا‬
‫فأي جميع معالجاته وتوصياته‪ ،‬ول يسرعيد المريض فأي هذا الحال مهملا لعقله متخليا ا‬
‫عن كيانه وشخصيته‪ ،‬بل يسرعتربرسر منصفا ا عاقلا لنه سفلم لذي الختصاصا‪ ،‬وكان‬
‫صادقا ا فأي طلب الشفاء‪.‬‬

‫‪2‬ـ عدم العتراض على شيخه فأي طريقة تربية مريديه‪ ،‬لنه مجتهد فأي هذا الباب‬
‫عن علم واختصاصا وخبرة‪ ،‬كما ل ينبغي أن يفتح المريد على نفسه باب النقد لكل‬
‫ب عنه خيراا‬ ‫ف ثقته به وريحسج ر‬ ‫تصرف من تصرفأات شيخه ؛ فأهذا من شأنه أن يس ر‬
‫ضلع ر‬
‫كثيراا‪ ،‬وريقطرع الصلة القلبية والمدد الروحي بينه وبين شيخه‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫قال العلمة ابن حجر الهيثمي‪) :‬ورمرن فأتح باب العتراض على المشايخ والنظر‬
‫فأي أحوالهم وأفأعالهم والبحث عنها فأإن ذلك علمة حرمانه وسوء عاقبته‪ ،‬وأنه ل‬
‫يررنستج قط‪ ،‬ومن ثرفم قالوا‪ ] :‬من قال لشيخه للم ؟ لررم يفلح أبداا [‬
‫ف من تصرفأات‬ ‫وإذا أورد الشيطان على قلب المريد إشكالا شرعيا ا حول تصر ظ‬
‫شيخه بغية قطع الصلة ونزع الثقة فأما على المريد إل أن سيحلسرن الظن بشيخه‬
‫س له تأويلا شرعيا ا ومخرجا ا فأقهياا‪ ،‬فأإن لم يستطع ذلك فأعليه أن يسأل شيخه‬ ‫ويلتم ر‬
‫مستفسراا بأدب واحترام‪ ،‬كما سيأتي فأي بحث مذاكرة المريد لمرشده‪.‬‬

‫‪3‬ـ أن ل يعتقد فأي شيخه العصمة‪ ،‬فأإن الشيخ وإن كان على أكمل الحالت فأليس‬
‫بمعصوم‪ ،‬إذ قد تصدر منه الهفوات والزلت‪ ،‬ولكنه ل يصر عليها ول تتعلق‬
‫همته أبداا بغير ا تعالى‪.‬‬

‫ولكن ل ينبغي للمريد حين يعتقد فأي شيخه عدم العصمة أن يضع بين عينيه دائما ا‬
‫احتمال خطأ شيخه فأي كل أمر من أوامره أو توجيه من توجيهاته‪ ،‬لنه بذلك يمنع‬
‫عن نفسه الستفادة‪ ،‬كمثل المريض الذي يدخل إلى طبيبه وليس فأي قلبه إل فأكرة‬
‫احتمال خطأ الطبيب فأي معالجته فأهذا من شأنه أن سيضعف الثقة وسيحد ر‬
‫ث الش ف‬
‫ك‬
‫والضطراب فأي نفسه‪.‬‬

‫‪4‬ـ أن يعتقد كمال شيخه وتمام أهليته للتربية والرشاد‪ ،‬وإنما ركفون هذا العتقاد بعد‬
‫ق بادىء أمره ؛ فأوجد شروط الوارث المحمدي التي سبق ذكرها قد‬ ‫أن فأتش ودقف ر‬
‫تحققت فأي شيخه‪ ،‬ووجد أن الذين يصحبونه يتقدمون فأي إيمانهم وعباداتهم‬
‫وعلمهم وأخلقهم ومعارفأهم اللهية ‪5‬ـ اتصافأه بالصدق والخلصا فأي صحبته‬
‫لشيخه‪ ،‬فأيكون جاداا فأي طلبه‪ ،‬منزها ا عن الغراض والمصالح‪.‬‬

‫‪6‬ـ تعظيمه وحفظ حرمته حاضراا وغائباا‪ .‬قال إبراهيم بن شيبان القرميسيني‪) :‬من‬
‫ترك حرمة المشايخ ابتلي بالدعاوي الكاذبة وافأتضح بها(‬

‫وقال الشيخ عبد القادر الجيلني‪:‬‬


‫)من وقع فأي لعرض وليي ابتله ا بموت القلب( ‪7‬ـ أن يحب شيخه محبة فأائقة‬
‫شريطة أن ل ينقص من قدر بقية الشيوخ‪ ،‬وأن ل يصل غلوه فأي المحبة إلى حيد‬

‫‪19‬‬
‫فأاسد ؛ بأن سيخرج شيخه عن طور البشرية‪ ،‬وإنما تقوى محبة المريد لشيخه‬
‫بموافأقته له أمراا ونهياا‪.،‬‬

‫‪8‬ـ عدم تطلعه إلى غير شيخه لئل يتشتت قلبه بين شيخين‪ ،‬ومثال المريد فأي ذلك‬
‫كمثل المريض الذي يطبب جسمه عند طبيبين فأي وقت واحد فأيقع فأي الحيرة‬
‫والتردد ]ينبغي الملحظة أن المقصود بالشيخ هنا هو شيخ التربية ل شيخ التعليم ؛‬
‫إذ يمكن لطالب العلم أن يكون له عدة أساتذة‪ ،‬ويمكن للمريد أن يكون له أساتذة فأي‬
‫العلم لن ارتباطه بهم ارتباط علمي‪ ،‬بينما صلة المريد بشيخ التربية صلة قلبية‬
‫وتربوية[‪.‬‬
‫وأأما الداب الظاهرة فهي‪:‬‬

‫‪1‬ـ أن يوافأق شيخه أمراا ونهياا‪ ،‬كموافأقة المريض لطبيبه‪.‬‬

‫‪2‬ـ أن يلتزم السكينة والوقار فأي مجلسه‪ ،‬فأل يتكىء على شيء يعتمده‪ ،‬ول يتثاءب‬
‫ول ينام‪ ،‬ول يضحك بل سبب‪ ،‬ول يرفأع صوته عليه‪ ،‬ول يتكلم حتى يستأذنه لن‬
‫ذلك من عدم المبالة بالشيخ وعدم الحترام له‪ .‬ومن صحب المشايخ بغير أدب‬
‫واحترام حرم مددهم وثمرات ألحاظهم وبركاتهم‪.‬‬

‫‪3‬ـ المبادرة إلى خدمته بقدر المكان‪ ،‬فأمن رخردم سخلدم‪.‬‬

‫‪4‬ـ دوام حضور مجالسه‪ ،‬فأإن كان فأي بلد بعيد فأعليه أن يكرر زيارته بقدر‬
‫المستطاع‪ ،‬ولذلك قيل‪) :‬زيارة المربي ترقي وتربي(‪.‬‬

‫وإن السادة الصوفأية بنوا سيرهم على ثلثة أصول "الجتماع والستماع والتباع"‬
‫وبذلك يحصل النتفاع‪.‬‬

‫‪5‬ـ الصبر على مواقفه التربوية كجفوته وإعراضه‪ ...‬الخ‪ ،‬التي يقصد بها تخليص‬
‫المريد من رعوناته النفسية وأمراضه القلبية‪.‬‬

‫‪6‬ـ أن ل ينقل من كلم الشيخ إلى الناس إل بقدر أفأهامهم وعقولهم لئل يسيء إلى‬
‫نفسه وشيخه‪ ،‬وقد قال سيدنا علي رضي ا عنه‪) :‬حدثوا الناس بما يعرفأون‪،‬‬
‫ب ا ورسولسهس ؟(‬ ‫أتحبون أن سيكفذ ر‬
‫‪2‬ـ آداب المريد مع إخوانه‪:‬‬

‫‪20‬‬
‫‪1‬ـ حفظ حرمتهم غائبين أو حاضرين‪ ،‬فأل يغتاب أحداا منهم‪ ،‬ول ينقص أحداا‪ ،‬لن‬
‫لحومهم مسمومة كلحوم العلماء والصالحين‪.‬‬
‫‪2‬ـ نصيحتهم بتعليم جاهلهم وإرشاد ضالهم‪ ،‬وتقوية ضعيفهم‪.‬‬
‫وللنصيحة شروط ينبغي التزامها‪ ،‬وهي ثلثة للناصح‪ ،‬وثلثة للمنصوح‪.‬‬
‫فأشروط الناصح‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن تكون النصيحة سراا‪.‬‬
‫‪2‬ـ أن تكون بلطف‪.‬‬
‫‪3‬ـ أن تكون بل استعلء‪.‬‬

‫وشروط المنصوح‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن يقبل النصيحة‪.‬‬
‫‪2‬ـ أن يشكر الناصح‪.‬‬
‫‪3‬ـ أن يطبق النصيحة‪.‬‬
‫‪3‬ـ التواضع لهم والنصاف معهم وخدمتهم بقدر المكان إذ "سيد القوم خادمهم"‬
‫‪4‬ـ حسن الظن بهم وعدم النشغال بعيوبهم وتوركيسل أمورهم إلى ا تعالى‪.‬‬
‫‪5‬ـ قبول عذرهم إذا اعتذروا‪.‬‬
‫‪6‬ـ إصلح ذات بينهم إذا اختلفوا واختصموا‪.‬‬
‫‪7‬ـ الدفأاع عنهم إذا سأوذوا أو انستهلك ر‬
‫ت حرماتهم‪.‬‬
‫‪8‬ـ أن ل يطلب الرئاسة والتقدم عليهم لن طالب الولية ل يسروفلى‪.‬‬

‫العلم‬
‫ان المسلم حين يعمل على تزكية نفسه وتطهير قلبه وتصحيح ظاهره وباطنه ل بد‬
‫قبل ذلك أن يكون قد صحح إيمانه‪ ،‬وقام بجميع عباداته المفروضة واستقام فأي‬
‫معاملته‪ ،‬ول يتحقق ذلك إل بالعلم الصحيح‪ .‬وهذا أمر بدهي واضح لن فأضل‬
‫العلم أمر ظاهر‪ ،‬واشتراطه فأي تصحيح العمال أمر متفق عليه‪ .‬وإننا نثبت بحث‬
‫العلم فأي هذه الطبعة تأكيداا لبيان منزلته وشرفأه ورداا على كثير من المتسرعين‬
‫الذين يتوهمون أن رجال التصوف يقللون من شأن العلم ول يعطونه ما يستحق من‬
‫الهتمام والعناية[أساس العمال وإمامها ومصححها‪ ،‬فأكما أنه ل فأائدة للعلم بل‬
‫عمل‪ ،‬كذلك ل ينفع عمل بل علم‪...‬‬
‫فأالعلم والعمل توأمان ل ينفكان عن بعضهما‪ ،‬والسالك فأي طريق اليمان والتعرف‬
‫على ا تعالى والوصول إلى رضاه ل يستغني عن العلم فأي أية مرحلة من‬
‫مراحل سلوكه‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫ولهذا اعتسبلرر اكتساب العلم الضروري من أهم النقاط الساسية فأي المنهج العملي‬
‫للتصوف‪ ،‬إذ ليس التصوف إل التطبيق العملي للسلم كاملا غير منقوصا فأي‬
‫جميع جوانبه الظاهرة والباطنة‪.‬‬

‫فضل العلم في القرآن الكريم‪:‬‬


‫قال ا تعالى‪} :‬إفنما يخشى اللـهر لمرن لعبالدله العلماسء{ ]فأاطر‪.[28 :‬‬
‫و قال أيضاا‪} :‬هل يستوي الذين يعلمورن والذين ل يعلمورن{ ]الزمر‪.[9 :‬‬

‫فضل العلم في السنة الشريفة‪:‬‬


‫عن أبي الدرداء رضي ا تعالى عنه قال‪ :‬سمعت رسول ا صلى ا عليه وسلم‬
‫يقول‪" :‬رمرن سلك طريقا ا يلتمس فأيه علما ا سهل ا له طريقا ا إلى الجنة‪ ،‬وإن الملئكة‬
‫ضسع أجنحتها لطالب العلم رضا ا بما يصنع‪ ،‬وإن العالم ليستغفر لرهس رمرن فأي‬ ‫لرتر ر‬
‫السموات ومن فأي الرض حتى الحيتان فأي الماء‪ ،‬وفأضل العالم على العابد كفضل‬
‫القمر على سائر الكواكب‪ ،‬وإن العلمارء ورثةس النبياء‪ ،‬وإن النبياء لم يسروصرسثوا‬
‫ديناراا ول درهماا‪ ،‬وإنما روفرسثوا العلم فأمن أخذه أخذ بحظ وافأر‬
‫وعن أبي ذر رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬يا أبا ذر‬
‫لررن تغدو فأتررعلفرم آية من كتاب ا خير لك من أن تصلي مائة ركعة‪ ،‬ولن تغدو‬
‫فأتررعلفرم بابا من العلم سعلمرل به أو لم يسرعرمرل به خير لك من أن تصلي ألف ركعة"‬
‫وعن عثمان رضي ا عنه عن النبي صلى ا عليه وسلم قال‪" :‬يشفع يوم القيامة‬
‫ثلثة‪ :‬النبياء ثم العلماء ثم الشهداء" ]رواه ابن ماجه فأي كتاب الزهد[‪.‬‬

‫حكم تعلم العلم‪:‬‬


‫ينقسم العلم من حيث حكمه الشرعي إلى ثلثة أقسام‪:‬‬
‫‪1‬ـ مأمور به‪2 .‬ـ منهي عنه‪3 .‬ـ مندوب إليه‪.‬‬

‫أـ العلوم المأمور بها‪:‬‬


‫وهي صنفان‪:‬‬

‫الصنف الوأل‪ :‬فرض عين‪ ،‬وهو ما ل يسقط عن المكلف إل بقيامه به بنفسه‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫‪1‬ـ تعلم عقيدة أهل السنة والجماعة مع الستدلل الجمالي على كل مسألة من‬
‫مسائل اليمانيات‪2 ،‬ـ تعلم ما يستطيع به المكلف أداء المفروض عليه من العبادات‬
‫كالصلة والزكاة والحج والصوم‪...‬‬

‫‪3‬ـ رمرن تعاطى شيئاا من المعاملت كالبيوع والجارة والنكاح والطلق‪ ...‬يفترض‬
‫عليه تعلم ما يتمكن معه من تجنب الحرام والتزام حدود الشرع‪.‬‬

‫‪4‬ـ تعلم أحوال القلب من التوكل والخشية والرضا لن المسلم واقع طيلة عمره فأي‬
‫جميع الحوال القلبية‪.‬‬

‫‪5‬ـ تعلم جميع الخلق الحسنة والسيئة كي يطبق الحسنة كالتوكل على ا والرضا‬
‫عنه والتسليم له والتواضع والحلم‪ ...‬إلخ‪ ،‬ويجتنب السيئة كالكبر والغرور والبخل‬
‫والحسد والحقد والرياء‪ ...‬إلخ ]انظر بحث أهمية التصوف صا ‪ [28‬ومن ثرفم يجاهد‬
‫نفسه على تركها‪ ،‬إذ إن المجاهدة فأرض على كل مكلف ول يمكن حصولها إل‬
‫بمعرفأة الخلق المذمومة والممدوحة‪ ،‬ومعرفأة طرق المجاهدات التي اشتغل بها‬
‫السادة الصوفأية‪ ،‬ولهذا قال أبو الحسن الشاذلي‪) :‬من مات ولم يتغلغل فأي علمنا هذا‬
‫مات مصراا على الكبائر وهو ل يشعر‬
‫الصنف الثاني‪ :‬فرض كفاية‪ ،‬وهو ما إذا قام به البعض سقط التكليف عن الباقين‪،‬‬
‫وإذا لم يقم به أحد فأالكل آثمون‪.‬‬

‫والعلوم المفروضة كفائياا هي ما يتوقف عليها صلح المة‪ ،‬كالتعمق فأي علم الفقه‬
‫ت يكون مرجعا ا للناس فأي‬‫زيادة على مقدار الحاجة ]ولذلك ل بد فأي كل بلد من سمرف ظ‬
‫أمور دينهم يقوم بهذا الفرض الكفائي ويسقط الثم عن الناس[‪ ،‬وكذلك علم التفسير‬
‫والحديث‪ ،‬وأصول الفقه‪ ،‬وأصول العتقاد‪ .‬وكذلك علم الحساب ب ـ العلوم‬
‫المنهي عنها‪:‬‬
‫‪1‬ـ فأمنها الخوض فأي دراسة المذاهب الضالة والفأكار المشككة والعقائد الزائغة ل‬
‫بنية الرد عليها ودفأع خطرها‪ .‬أما تعلمها لبيان زيغها ورد شبهاتها تصحيحا ا للعقائد‬
‫وذوداا عن الدين فأهو فأرض كفاية‪.‬‬

‫‪2‬ـ علم التنجيم لمعرفأة مكان المسروق ومواضع الكنوز ومكان الضالة ونحو ذلك‬
‫مما يزعمونه‪ ،‬وهو من الكهانة‪ ،‬وقد كذبهم الشرع وحرم تصديقهم‪ .‬أما تعلم علم‬
‫النجوم للدراسات العلمية ولمعرفأة مواقيت الصلة واللقبلة فأل بأس به‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫‪3‬ـ علم السحر‪ ،‬إذا تعلمه للحتراز عنه فأيجوز ذلك كما قيل‪:‬‬
‫عرفأت الشر ل للشر لكن لتوقيه‬
‫ومن لم يعرف الشر فأإنه يقع فأيه‬
‫جـ ـ العلوم المندوأب إليها‪:‬‬
‫ومنها معرفأة فأضائل العمال البدنية والقلبية‪ ،‬ومعرفأة النوافأل والسنن‬
‫والمكروهات‪ ،‬ومعرفأة فأروض الكفاية‪ ،‬والتعمق فأي علوم الفقه وفأروعها والعقائد‬
‫وأدلتها التفصيلية‪...‬‬

‫مجاهدة النفس وأتزكيتها‬


‫تمهيد‪:‬‬
‫سبق أن بينا فأي بحث أهمية التصوف أن للنفس صفات خبيثة وأخلقا ا مذمومة‪،‬‬
‫وأن إزالتها فأرض عين ـ كما نص على ذلك عامة الفقهاء ـ ولكن صفات النفس‬
‫الناقصة ل تزول بالماني ول بمجرد الطلع على حكم تزكيتها أو قراءة كتب‬
‫الخلق والتصوف‪ ،‬بل ل بد لها بالضافأة إلى ذلك من مجاهدة وتزكية عملية‪،‬‬
‫وفأطم لنزواتها الجامحة وشهواتها العارمة‬
‫تعريف المجاهدة‪ . :‬فأمجاهدة النفس فأطمها وحملها على خلف هواها المذموم‪،‬‬
‫وإلزامها تطبيق شرع ا تعالى أمراا ونهياا‪.‬‬

‫دليلها من الكتاب وأالسنة‪:‬‬


‫قال ا تعالى‪} :‬والذيرن جارهدوا فأينا لرنهديرفنهم سسبسرلنا{ وقال العلمة المفسر ابن‬
‫جزي فأي تفسير هذه الية‪) :‬يعني جهاد النفس(‪.‬‬
‫وعن فأضالة بن عبيد رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪:‬‬
‫"المجاهسد رمرن جاهد نفرسهس فأي ا" ]أخرجه الترمذي فأي كتاب فأضائل الجهاد وقال‪:‬‬
‫حديث حسن صحيح‪ ،‬وزاد البيهقي فأي "شعب اليمان" برواية فأضالة‪" :‬والمجاهد‬
‫من جاهد نفسه فأي طاعة ا‪ ،‬والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب"‪" .‬مشكاة‬
‫المصابيح للتبريزي" كتاب اليمان رقم ‪ .[34‬وفأي رواية‪ :‬ل‪.‬‬

‫حكمها‪:‬‬
‫تزكية النفس فأرض عين كما سبق أن بينا ذلك ول تتم إل بالمجاهدة ومن هنا‬
‫كانت المجاهدة فأرض عين من باب‪) :‬ما ل يتم الواجب إل به فأهو واجب(‪.‬‬

‫قابلية صفات النفس للتغيير‪:‬‬

‫‪24‬‬
‫ل شك أن النفس النسانية قابلة لتغيير صفاتها الناقصة وتبديل عاداتها المذمومة‪،‬‬
‫وإل لم يكن هناك فأائدة من بعثة الرسول الكريم عليه الصلة والسلم ؛ ول‬
‫ضرورة لمن بعده من ورثته العلماء العاملين والمرشدين المصلحين‪.‬‬

‫وإذا كان كثير من سباع الطيور والبهائم قد أمكن ترويضها وتبديل كثير من‬
‫صفاتها‪ ،‬فأالنسان الذي كرمه ا تعالى وخلقه فأي أحسن تقويم‪ ،‬من باب أولى‪.‬‬

‫وليس المراد من مجاهدة النفس استئصال صفاتها بل تسييرها على مراد ا تعالى‬
‫وابتغاء مرضاته‪.‬‬

‫فأصفة الغضب مذمومة حين يغضب المرء لنفسه‪ ،‬أما إذا غضب ل تعالى فأعندها‬
‫يصبح الغضب ممدوحاا كما كان رسول ا صلى ا عليه وسلم يغضب إذا‬
‫ضرب‬ ‫طل حد من حدوده‪ ،‬ولكنه حين سأوذي فأي ا و س‬ ‫انستهكت حرمات ا أو سع ص‬
‫وسأدمي عقبه يوم الطائف لم يغضب لنفسه ؛ بل دعا لمن آرذروه بالهداية والتمس لهم‬
‫العذر فأقال‪" :‬اللهم اهد قومي فأإنهم ل يعلمون"‬
‫طريقة المجاهدة‪:‬‬
‫وأول مرحلة فأي المجاهدة ‪-1‬عدم رضى المرء عن نفسه‪ ،‬وإيماسنه بوصفها الذي‬
‫أخبر عنه خالقها ومبدعها‪} :‬إفن النفس لفمارةف بالسوء{]يوسف‪.[53 :‬‬

‫‪-2‬علمه أن النفس أكبر قاطع عن ا تعالى ]والقواطع عن ا تعالى أربعة‪:‬‬


‫النفس‪ ،‬والدنيا‪ ،‬والشيطان‪ ،‬والخلق‪ .‬أما عداوة النفس والشيطان فأظاهرة‪ ،‬وأما‬
‫الخلق فأملحظة مدحهم وذمهم تعرقل سير السالك إلى ربه‪ ،‬وأما الدنيا فأالهتمام‬
‫بها وانشغال القلب بتقلباتها قاطع كبير عن ا تعالى‪ ،‬فأفي حالة الفقر تكثر هموم‬
‫المرء فأتشغله عن ا‪ ،‬وفأي حال الغنى ينشغل بزينتها وزخرفأها عن ا تعالى‪:‬‬
‫}إفن النسارن ليطرغى ‪ .‬أرن رآهس استغرنى{ ]العلق‪6 :‬ـ ‪ .[7‬أما إذا أخرج حبها من قلبه‬
‫فأإنها ل تضره‪ ،‬كما قال شيخ الصوفأية سيدي عبد القادر الجيلني رحمه ا‪:‬‬
‫)أخرج الدنيا من قلبك‪ ،‬وضعها فأي جيبك أو فأي يدك فأإنها ل تضرك( كما أنها‬
‫أعظم موصل إليه وذلك أن النفس حينما تكون أفمارة بالسوء ل تتلذذ إل بالمعاصي‬
‫والمخالفات‪ ،‬ولكنها بعد مجاهدتها وتزكيتها تصبح راضية مرضية ل تسرسير إل‬
‫بالطاعات والموافأقات والستئناس بال تعالى‪.‬‬

‫‪-3‬يتدرج فأي المجاهدة على حسب سيره‪ ،‬فأهو فأي بادىء المر يتخلى عن‬

‫‪25‬‬
‫المعاصي التي تتعلق بجوارحه السبعة‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫اللسان والذنان والعينان واليدان والرجلن والبطن والفرج ]لكل جارحة من‬
‫صا تتعلق بها‪ ،‬فأمن معاصي اللسان*‪ :‬الغيبةس والنميمة والكذب‬ ‫الجوارح السبعة معا ظ‬
‫والفحش‪ .‬ومن معاصي الذنين*‪ :‬سماسع الغيبة والنميمة والغاني الفاحشة وآلت‬
‫اللهو‪ .‬ومن معاصي العينين *‪ :.‬النظسر للنساء الجنبيات وعورات الرجال‪ .‬ومن‬
‫معاصي اليدين*‪ :‬إيذاسء المسلمين وقتلهم‪ ،‬وأخذ أموالهم بالباطل‪ .‬ومن معاصي‬
‫الرجلين*‪ :‬المشسي إلى محلت المنكرات والفجور‪ .‬ومن معاصي البطن*‪ :‬أكل‬
‫المال الحرام‪ ،‬وأكل لحم الخنزير‪ ،‬وشرب الخمور‪ .‬ومن معاصي الفرج*‪ :‬الزنا‬
‫واللواطة‪ ،[...‬ثم يحلي هذه الجوارح السبعة بالطاعات المناسبة لكل منها ]فأمن‬
‫طاعات اللسان‪ :‬قراءة القرآن الكريم‪ ،‬وذكر ا تعالى‪ ،‬والمر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر‪:‬ومن طا عات العينين‪ :‬النظر إلى وجوه العلماء والصالحين‪ ،‬والنظر‬
‫إلى الكعبة المشرفأة‪ ،‬والنظر التأملي ليات ا فأي الكون‪ .‬ومن طاعات اليدين‪:‬‬
‫مصافأحة المؤمنين‪ ،‬وإعطاء الصدقات‪ .‬ومن طاعات الرجلين‪ :‬المشي إلى المساجد‬
‫وإلى مجالس العلم‪ ،‬وعيادة المريض‪ ،‬والصلح بين الناس‪ .‬ومن طاعات البطن‪:‬‬
‫تناول الطعام الحلل بنية التقصوي على طاعة ا تعالى‪ .‬ومن طاعات الفرج‪ :‬النكاح‬
‫المشروع بغية الحصان وتكثير النسل‪ [..‬فأهذه الجوارح السبعة منافأذ على القلب‬
‫إما أن تصب عليه ظلمات المعاصي فأتكدره وتمرضه‪ ،‬وإما أن ستدخل عليه أنوار‬
‫الطاعات فأتشفيه وتنوره‪.‬‬
‫‪-3‬ثم ينتقل فأي المجاهدة إلى الصفات الباطنة فأيبدل صفاته الناقصة كالكبر والرياء‬
‫والغضب‪ ...‬بصفات كاملة كالتواضع والخلصا واللحلم‪.‬‬
‫قال أبو عثمان المغربي رحمه ا‪) :‬من ظن أنه سيفتح له بهده الطريقة أو يكشف له‬
‫عن شيء منها ل بلزوم المجاهدة فأهو فأي غلط(‬

‫رد الشبهات حول المجاهدة‪:‬‬


‫إن قال قائل‪ :‬إن رجال التصوف يسرحصرمون ما أحل ا من أنواع اللذائذ والمتع‪ ،‬وقد‬
‫قال ا تعالى‪} :‬قفرل رمرن حفررم زينة ا التي أخررج لعبالدله والطيبات من الرزق‪{...‬‬
‫]العراف‪.[32 :‬‬
‫فأنقول‪ :‬إن رجال التصوف لم يجعلوا الحلرل حراماا‪ ،‬إرذ أسمى مقاصدهم هو التقيد‬
‫ض عين‪ ،‬وأن للنفس أخلقا ا‬ ‫بشرع ا‪ ،‬ولكنهم حين عرفأوا أن تزكية النفس فأر س‬
‫صل صاحبها إلى الردى‪ ،‬وتعيقه عن الترقي فأي مدراج‬ ‫سيئة وتعلقات شهوانية‪ ،‬تو ل‬
‫الكمال‪ ،‬وجدوا لزاماا عليهم أن يهذبوا نفوسهم ويحرروها من سجن الهوى‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫‪.‬‬

‫ق كبير إذاا بين المجاهدة المشروعة المقيدة بدين ا تعالى‪ ،‬وبين المغالة‬
‫فأفر ف‬
‫والنحراف وتحريم الحلل وتعذيب الجسد كما عليه البوذيون الكافأرون‬
‫وأالخلصة ‪ :‬رمرن لم تكن له بداية محرقة "بالمجاهدات" لم تكن له نهاية مشرقة‪.‬‬
‫والبدايات تدل على النهايات‪.‬‬
‫الذكر‬
‫"أهل ذكري أهل مجالستي‪ ...‬الحديث" ]من حديث قدسي أخرجه المام أحمد فأي‬
‫مسنده[‪.‬‬
‫معاني كلمة الذكر‬
‫أطلقت اليات القرآنية الكريمة والحاديث النبوية الشريفة كلمة "الذكر" على عدة‬
‫صرد بها القرآن الكريم كما فأي قوله تعالى‪} :‬إفنا نحن نرزلنا الصذكرر‬ ‫معان‪ *:‬فأتارة قس ل‬
‫صرد بها *صلة الجمعة‪} :‬يا أييها الذين‬ ‫وإرنا لهس رلحافأظورن{ ]الحجر‪ .[9 :‬وتارة قس ل‬
‫ا{ ]الجمعة‪ .[9 :‬وفأي‬ ‫ي للصلة من يوم الجمعة فأاسرعوا إلى ذكلر ل‬ ‫آمنوا إذا سنولد ر‬
‫موطن آخر *سعنلري بها العلم‪} :‬فأاسألوا أهل الذكر إرن كنتم ل تعلمورن{ ]النبياء‪:‬‬
‫‪ .[7‬وفأي معظم النصوصا* سأريرد بكلمة "الذكر" التسبيسح والتهليل والتكبير‬
‫والصلة على النبي صلى ا عليه وسلم‪ ،‬وما إلى هنالك من الصريغ‪ ،‬كما فأي قوله‬
‫تعالى‪} :‬فأإذا رقضيتسسم الصلةر فأاذكروا ار قياما ا وقعوداا وعلى جنوبلسكم{‬
‫عن أبي هريرة رضي ا عنه عن النبي صلى ا عليه وسلم قال‪" :‬إن ا عز‬
‫وجل يقول‪ :‬أنا مع عبدي إذا هو رذكرني وتحركت بي شفتاه"‬
‫وعن عبد ا بن لبسر أن رجلا قال‪) :‬يا رسول ا إن شرائع السلم قد ركثسرر ر‬
‫ت‬
‫طبا ا من ذكر ا أما ما‬ ‫علفي‪ ،‬فأأخبرني بشيء أتشبث به(‪ .‬قال‪" :‬ل يزال لساسنك رر ر‬
‫يقوله بعضهم*‪) :‬إن المراد بالذكر هو العلم بالحلل والحرام(‪ ،‬فأجوابه‪) :‬أن لفظ‬
‫الذكر مشترك بين العلم والصلة والقرآن وذكر ا تعالى‪ ،‬لكن المعتبر فأي اللفظ‬
‫المشترك ما غلب استعماله فأيه عرفأاا‪ ،‬وغيره إنما يصرف إليه بقرينة حالية أو‬
‫لفظية‪ ،‬ولفظ الذكر قد غلب استعماله فأي ذكر ا حقيقة‪ ،‬ومن غير الغالب أن يطلق‬
‫ويراد به العلم‪ ،‬كما قال تعالى‪} :‬فأاسألوا أهل الذكر{ فأالمراد به العلم بقرينة‬
‫السؤال‪.‬‬
‫دليله من الكتاب وأالسنة‬
‫‪1‬ـ أما من الكتاب‪:‬‬
‫‪1‬ـ فأقد قال تعالى‪} :‬فأاذسكسروني أذسكررسكم{ ]البقرة‪.[152 :‬‬
‫‪2‬ـ وقال تعالى‪} :‬الذين يذكرون ا قياما ا وقعوداا وعلى سجنوبهم{ ]آل عمران‪:‬‬
‫‪.[191‬‬

‫‪27‬‬
‫وجميع العبادات يشترط لصحتها شروط إل ذكر ا تعالى‪ ،‬فأإنه يصح بطهارة‬
‫وغيرها وفأي جميع الحالت‪ :‬فأي القيام والقعود‪ ...‬وغيرها‪.‬‬

‫ولهذا قال النووي‪) :‬أجمع العلماء على جواز الذكر بالقلب واللسان للسمرحلدث‬
‫والجنب والحائض والنفساء‪ ،‬وذلك فأي التسبيح والتحميد والتكبير والصلة على‬
‫رسول ا صلى ا عليه وسلم والدعاء ‪2‬ـ وأأما من السنة‪:‬‬
‫‪1‬ـ عن أبي موسى الشعري رضي ا عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال النبي صلى ا عليه وسلم‪:‬‬
‫"مثل الذي يذكر ربه والذي ل يذكر ربفهس مثل الحي والميت"‬
‫‪2‬ـ وعن أبي هريرة رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪:‬‬
‫"إن ل ملئكةا يطوفأون فأي الطرق يلتمسون أهل الذكر‪ ،‬فأإذا وجدوا قوما ا يذكرون‬
‫ا تنادوا‪ :‬هلموا إلى حاجتكم‪ .‬قال‪ :‬فأيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا‪ .‬قال‪:‬‬
‫فأيسألهم ربهم عز وجل ـ وهو أعلم بهم ـ‪ :‬ما يقول عبادي ؟ قال‪ :‬يقولون‪ :‬يسبحونك‬
‫ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك‪ .‬قال‪ :‬فأيقول‪ :‬هل رأوني ؟ قال‪ :‬فأيقولون‪ :‬ل وا‬
‫ما رأروك ؛ قال‪ :‬فأيقول‪ :‬وكيف لو رأروني ؟ قال‪ :‬يقولون‪ :‬لو رأروك كانوا أشد لك‬
‫عبادةا وأشد لك تمجيداا‪ ،‬وأكثر لك تسبيحاا‪ .‬قال‪ :‬يقول‪ :‬فأما يسألونني ؟ قال‪ :‬يقولون‪:‬‬
‫يسألونك الجنة‪ .‬قال‪ :‬يقول‪ :‬هل رأروها ؟ قال‪ :‬يقولون‪ :‬ل وا يا رب ما رأروها‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأيقول‪ :‬فأكيف لو أنهم رأروها ؟ قال‪ :‬يقولون‪ :‬لو أنهم رأروها كانوا أشد عليها‬
‫حرصاا‪ ،‬وأشد لها طلباا‪ ،‬وأعظم فأيها رغبة‪ .‬قال‪ :‬يقول‪ :‬فألمفم يتعوذون ؟ قال‪:‬‬
‫يقولون‪ :‬من النار‪ ،‬قال‪ :‬يقول‪ :‬وهل رأروها ؟ قال‪ :‬يقولون‪ :‬ل وا ما رأوها‪ .‬قال‪:‬‬
‫يقول‪ :‬فأكيف لو رأوها ؟ قال‪ :‬يقولون‪ :‬لو رأروها كانوا أشد منها فأراراا وأشد لها‬
‫مخافأة‪ .‬قال‪ :‬فأيقول‪ :‬أسرشلهسدكم أني قد غفرت لهم‪ .‬قال‪ :‬يقول ملك من الملئكة‪ :‬فأيهم‬
‫فألن ليس منهم إنما جاء لحاجة‪ .‬قال‪ :‬يقول‪ :‬هم الجلساء ل يشقى بهم جليسهم"‬
‫]أخرجه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب الدعوات[‪.‬‬
‫‪3‬ـ وعن أنس رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪:‬‬
‫ض الجنة ؟ قال‪:‬‬ ‫"إذا مررتم برياض الجنة فأارتعوا‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول ا وما ريا س‬
‫لحرلق‬
‫أقوال العلماء بال في فضل الذكر‬
‫عبد ا بن عباس )رضي ا عنهما(‪:‬‬
‫قال عبد ا بن عباس رضي ا عنهما‪) :‬لم يفرض ا تعالى على عباده فأريضة‬
‫إل جعل لها حداا معلوماا‪ ،‬ثم عذر أهلها فأي حال العذر‪ ،‬غير الذكر ؛ فأإنه لم يجعل‬
‫له حداا ينتهي إليه‪ ،‬ولم يعذر أحداا فأي تركه إل مغلوباا على عقله‪ ،‬وأمرهم بذكره‬
‫فأي الحوال كلها‪ ،‬فأقال عز من قائل‪} :‬فأاذسكروا ار قياما ا وقعوداا وعلى سجسنوبلسكم{‬

‫‪28‬‬
‫]النساء‪ .[103 :‬وقال تعالى‪} :‬يا أيها الذين آمنوا اذكروا ا ذكراا كثيراا{‬
‫]الحزاب‪ [41 :‬أي بالليل والنهار‪ ،‬وفأي البر والبحر‪ ،‬والسفر والحضر‪ ،‬والغنى‬
‫والفقر‪ ،‬وفأي الصحة والسقم‪ ،‬والسر والعلنية‪ ،‬وعلى كل حال(‬

‫أقسام الذكر‬
‫أ ـ ذإكر السر وأالجهر‪:‬‬
‫إن ذكر ا تعالى مشروع سراا وجهراا‪ ،‬وقد رفغب رسول ا صلى ا عليه وسلم‬
‫فأي الذكر بنوعيه‪ :‬السري والجهري‪ ،‬إلف أن علماء الشريعة السلمية قرروا‬
‫صيل أو قارىء أو نائم‪،‬‬
‫أفأضلية الجهر بالذكر إذا خل من الرياء‪ ،‬أو إيذاء سم ر‬
‫مستدلين ببعض الحاديث النبوية الشريفة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪1‬ـ عن أبي هريرة رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪:‬‬
‫"يقول ا‪ :‬أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني‪ ،‬فأإن ذكرني فأي نفسه ذكرسته‬
‫فأي نفسي‪ ،‬وإن ذكرني فأي مل ذكرسته فأي مل خير منهم" ]أخرجه البخاري فأي‬
‫صحيحه والترمذي والنسائي وابن ماجه[‪ .‬والذكر فأي المل ل يكون إل عن جهر‬

‫‪2‬ـ عن زيد بن أسلم رضي ا عنه قال‪ :‬قال ابن الدرع رضي ا عنه‪) :‬انطلقت‬
‫مع النبي صلى ا عليه وسلم ليلة ؛ فأمر برجل فأي المسجد يرفأع صوته‪ ،‬قلت‪ :‬يا‬
‫رسول ا عسى أن يكون هذا مرائيا ا ؟ قال‪" :‬ل‪ ،‬ولكنه أفواه"( ]رواه البيهقي‪ .‬كما‬
‫فأي "الحاوي للفتاوي" للسيوطي ج ‪/1‬صا ‪.[391‬‬

‫‪3‬ـ عن ابن عباس رضي ا عنهما قال‪) :‬إن رفأع الصوت بالذكر حين ينصرف‬
‫الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى ا عليه وسلم‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬كنت‬
‫أعلم إذا انصرفأوا بذلك إذا سمعته( ]أخرجه البخاري فأي صحيحه‪ ،‬والمعنى كنت‬
‫أعلم انصرافأهم بسماع الذكر‪ ،‬كما قال صاحب "الفتح" الحافأظ ابن حجر‬
‫ك فأي نفسك‬‫ت‪ :‬قال ا تعالى‪} :‬واذسكرر ربف ر‬ ‫العسقلني فأي ج ‪/2‬صا ‪ ..[259‬فأإرن قل ر‬
‫تضيرعا ا وخيفةا ودون الجهلر من القولل{ ]العراف‪ .[205 :‬قلت‪ :‬الجواب على‬
‫هذه الية من ثلثة أوجه‪:‬‬
‫ت بها{ ]السراء‪:‬‬ ‫ك ول تخافأل ر‬
‫الول‪ :‬إنها مكية كآية السراء‪} :‬ول تجهر بصلتل ر‬
‫‪ .[110‬وقد نزلت حين كان النبي صلى ا عليه وسلم يجهر بالقرآن‪ ،‬فأيسمعه‬
‫المشركون فأيسبون القرآن ورمرن أنزله‪ ،‬فأأ سلمر بترك الجهر سداا للذريعة‪ ،‬كما سنهي‬
‫عن سب الصنام لذلك فأي قوله تعالى ‪} :‬ول تسسيبوا الذين يدعورن لمرن دون ا‬
‫فأيسسيبوا ار رعردواا بغيلر علظم{ ]النعام‪ .[108 :‬وقد زال هذا المعنى‪ ،‬وأشار إلى ذلك‬

‫‪29‬‬
‫ابن كثير فأي تفسيره‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬إن جماعة من المفسرين ـ منهم عبد الرحمن بن زيد بن أسلم شيخ مالك‪،‬‬
‫وابن جرير ـ حملوا الية على الذاكر حال قراءة القرآن‪ ،‬وأنه أمفر له بالذكر على‬
‫هذه الصفة تعظيماا للقرآن أن ترفأع عنه الصوات‪ ،‬ويقويه اتصالها بقوله تعالى‪:‬‬
‫}وإذا قسلرئِ القرآسن فأاستمعوا له وأنصستوا{ ]العراف‪ .[204 :‬قلت وكأنه لما أمر‬
‫بالنصات خشي من ذلك الخلد إلى البطالة‪ ،‬فأنبه على أنه وإن كان مأموراا‬
‫ق حتى ل يغفل عن ذكر ا‪ ،‬ولذا‬ ‫بالسكوت باللسان إل أن تكليف الذكر بالقلب با ظ‬
‫ختم الية بقوله‪} :‬ول ترسكرن لمرن الغافألين{ ]العراف‪.[205 :‬‬
‫الثالث‪ :‬ما ذكره الصوفأية أن المر فأي الية خاصا بالنبي صلى ا عليه وسلم‬
‫الكامل المكمل‪ ،‬وأما غيره ـ ممن هو محل الوساوس والخواطر الرديئة ـ فأمأمور‬
‫بالجهر‪ ،‬لنه أشد تأثيراا فأي دفأعها‪.‬‬
‫ت‪ :‬ويؤيده من الحديث ما أخرجه البزار عن معاذ بن جبل رضي ا عنه قال‪:‬‬ ‫قل س‬
‫قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬من صفلى منكم بالليل فأليجهر بقراءته فأإن‬
‫الملئكة تصلي بصلته‪ ،‬وتسمع لقراءته‪ ،‬وإفن مؤمني الجن الذين يكونون فأي‬
‫الهواء‪ ،‬وجيرانه معه فأي مسكنه يصلون بصلته‪ ،‬ويستمعون قراءته‪ ،‬وإنه ينطرد‬
‫بجهره بقراءته عن داره وعن الدور التي حوله فأسفساق الجن ومردة الشياطين"‪.‬‬

‫ت‪ :‬فأقد سنقل عن ابن مسعود رضي ا عنه أنه رأى قوما ا يهللون برفأع‬ ‫فأإن قل ر‬
‫الصوت فأي المسجد فأقال‪ :‬ما أراكم إل مبتدعين حتى أخرجهم من المسجد‪ .‬قلت‪:‬‬
‫هذا الثر عن ابن مسعودليس ثابتا كماانه معار ض بالحاديث الكثيرة الثابتة‬
‫المتقدمة‪ ،‬وهي مقدمة عليه عند التعارض‪ ،‬ثم رأيت ما يقتضي إنكار ذلك عن ابن‬
‫مسعود‪ ،‬قال المام أحمد بن حنبل فأي كتاب الزهد‪ :‬حدثنا حسين بن محمد حدثنا‬
‫المسعودي عن عامر بن شقيق عن أبي وائل قال‪ :‬هؤلء الذين يزعمون أن عبد‬
‫ت عبرد ا مجلسا ا إل رذركرر ا فأيه‪ .‬وأخرج أحمد‬
‫ا كان يررنهى عن الذكر‪ ،‬ما جالس س‬
‫فأي الزهد عن ثابت البناني قال‪ :‬إن أهرل ذكر ا ليجلسون إلى ذكر ا وإن عليهم‬
‫من الثام أمثال الجبال‪ ،‬وإنهم ليقومون من ذكر ا تعالى ما عليهم منها شيء(‬
‫]"الحاوي للفتاوي" فأي الفقه وعلوم التفسير والحديث والصول والنحو والعراب‬
‫وسائر الفنون للعلمة الكبير جلل الدين السيوطي المتوفأى سنة ‪911‬هـ‪ .‬ج ‪/1‬صا‬
‫‪.[394‬‬

‫ب ـ ذإكر اللسان وأذإكر القلب‪:‬‬


‫وقال المام النووي رحمه ا‪) :‬أجمع العلماء على جواز الذكر بالقلب واللسان‬
‫للمرحلدث والجنب والحائض والنفساء وذلك فأي التسبيح والتحميد والتكبير والصلة‬

‫‪30‬‬
‫على رسول ا صلى ا عليه وسلم والدعاء ونحو ذلك(‬
‫وقال المام النووي رحمه ا‪) :‬الذكر يكون بالقلب ويكون باللسان‪ ،‬والفأضل منه‬
‫ما كان بالقلب واللسان جميعاا‪ ،‬فأإن اقتصر على أحدهما فأالقلب أفأضل‪ .‬ثم ل ينبغي‬
‫أن سيترك الذكر باللسان مع القلب خوفأا ا من أن سيظن به الرياء‪ ،‬بل يذكر بهما‬
‫جميعاا‪ ،‬ويقصد به وجه ا تعالى(‪.‬‬
‫ج ـ الذكر المنفرد وأالذكر مع الجماعة‪:‬‬
‫العبادات مع الجماعة ـ وفأيها ذكر ا تعالى ـ تزيد فأي الفضل على العبادة فأي حالة‬
‫النفراد ؛ فأفي الجماعة تلتقي القلوب‪ ،‬ويكون التعاون والتجاوب‪ ،‬ويستقي‬
‫الضعيف من القوي‪ ،‬والسم ر‬
‫ظللم من السمنرفور‬
‫*عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي ا عنهما قال‪ :‬قال رسول ا صلى‬
‫ا عليه وسلم‪" :‬ما من قوم يذكرون ا إل حففتهم الملئكة‪ ،‬وغشيتهم الرحمة‪،‬‬
‫ونزلت عليهم السكينة‪ ،‬وذكرهم ا فأيمن عنده" ]أخرجه مسلم فأي كتاب الذكر‪،‬‬
‫والترمذي فأي كتاب الدعوات[‪.‬‬
‫*عن معاوية رضي ا عنه أن النبي صلى ا عليه وسلم خرج على رحرلقظة من‬
‫أصحابه فأقال‪" :‬ما يسرجللسسسكرم ؟ قالوا‪ :‬جلسنا نذكر ا ونحمده فأقال‪ :‬إنه أتاني جبريل‬
‫فأأخبرني أن ا سيباهي بكم الملئكة"‬
‫قال العلمة ابن علن شارح الذكار فأي معنى هذا الحديث‪) :‬والمعنى‪ :‬إذا مررتم‬
‫بجماعة يذكرون ا فأاذكروا موافأقة لهم‪ ،‬أو اسمعوا أذكارهم‪ ،‬فأإنهم فأي رياض من‬
‫الجنة حالا أو مآلا‬
‫آداب الذكر المنفرد‪:‬‬
‫*وينبغي أن يكون الذاكر على أكمل الصفات‪ ،‬فأإن كان جالسا ا فأي موضع استقبل‬
‫اللقبلة متذللا متخشعا ا بسكينة ووقار‪ ،‬مطرقاا برأسه‪ ،‬ولو ذكر على غير هذه‬
‫الحوال جاز ول كراهة فأي حقه‪ ،‬ولكن إن كان بغير عذر كان تاركا ا للفأضل‪.‬‬
‫*وينبغي أن يكون الموضع الذي يذكر فأيه خاليا ا نظيفاا‪ ،‬فأإنه أعظم فأي احترام‬
‫الذكر والمذكور‪ ،‬ولهذا سمدح الذكر فأي المساجد والمواضع الشريفة‪ .‬وينبغي أن‬
‫*يكون فأسمه نظيفاا‪ ،‬وإن كان به تغييفر أزاله بالسواك‪.‬‬

‫إذا كانت هذه النظافأة الحسية قد سندبنا إليها* فأإن نظافأة القلب الذي هو محل نظر‬
‫الرب تبارك وتعالى أولى بالعتبار‬
‫والذكر محبوب فأي جميع الحوال‪ ،‬والمراد من الذكر حضور القلب‪ ،‬فأينبغي أن‬
‫يلحظ الذاكر ذلك ويتدبر معاني ما يذكر‪.‬‬
‫آداب الذكر الجهري مع الجماعة‪:‬‬
‫الذكر الجهري له آداب ثلثة‪ :‬آداب سابقة‪ ،‬وآداب مقارنة‪ ،‬وآداب لحقة‪ ،‬وكل قسم‬

‫‪31‬‬
‫من هذه الثلثة له ظاهر وباطن‪.‬‬
‫‪1‬ـ فظاهر الداب السابقة‪:‬‬
‫أن يكون الذاكر طاهر الثوب‪ ،‬طيب الرائحة متوضئاا‪ ،‬نقيا ا من الحرام كسبا ا وغذاء‪.‬‬
‫وباطنها‪ :‬أن يطصهر قلبه بالتوبة الصادقة‪ ،‬ويتخلى عن جميع المراض القلبية‪،‬‬
‫ويتبرأ من حوله وقوته‪ ،‬ويدخل الحضرة متحققا ا بذله وفأقره واحتياجه إلى نفحات‬
‫ا وفأضله‪.‬‬

‫‪2‬ـ وأظاهر الداب المقارنة‪:‬‬


‫*أن يجلس حيث انتهى به المجلس إذا كان الخوان جلوساا‪ *،‬وإذا كانوا وقوفأا ا ذكر‬
‫خلفهم بذكرهم حتى ينتبه له أقربهم ويفسح له ليدخل بينهم‪ ،‬وينتظم فأي حلقتهم‪*،‬‬
‫فأإذا أراد أن يخرج لعذر طارىء وصل بين رمرن على جانبيه بلطف‪ ،‬وخرج حتى‬
‫ل يقطع عليهما اشتغالهما بالذكر‪* ،‬وأن يكون موافأقا ا لهم فأي وضعهم ؛ فأل يشذ‬
‫عنهم بمخالفة* وأن يغمض عينيه حتى ل يشغله أحد عن حضور قلبه مع ا‬
‫تعالى‪.‬‬

‫وباطنها*‪ :‬أن يجاهد فأي طرد وساوس الشيطان وهواجس النفس‪ ،‬وأن ل يشغل‬
‫قلربه سأموسر الدنيا‪ ،‬وأن يجتهد فأي الحضور بقلبه وهمته فأيما هو فأيه من الذكر وما‬
‫يرلرسد عليه من واردات وأحوال‪ ،‬متهيئا ا لما ريمين ا به عليه من تجليات إفأضاله‪.‬‬
‫تقبيل اليد‪:‬‬
‫الذي يمحص الحقائق‪ ،‬ويرجع إلى الحاديث الصحيحة‪ ،‬وآثار الصحابة الكرام‪،‬‬
‫وأقوال الئمة المحققين‪ ،‬يجد أن تقبيل يد العلماء والصالحين والبوين جائز‬
‫شرعاا‪ ،‬بل هو مظهر من مظاهر الداب السلمية فأي احترام أهل الفضل والتقى‪،‬‬
‫وإليك بعض النصوصا الصريحة فأي ذلك‪:‬‬

‫‪1‬ـ أما ما ورد من الحاديث‪ :‬فأعن صفوان بن عسال‪ ،‬قال‪) :‬قال يهودي لصاحبه‪:‬‬
‫قم بنا إلى هذا النبي‪ ،‬فأأتيا رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ ،‬فأسأل عن تسع آيات‬
‫بينات‪ ،‬فأذكر الحديث‪ ...‬إلى قوله‪ :‬فأقبل يده ورجله‪ ،‬وقال‪ :‬نشهد أنك نبي ا(‪ .‬رواه‬
‫المام أحمد والترمذي وصححه‪ ،‬والنسائي وغيرهم‪.‬‬

‫*وروى أبو داود عن أم أبان بنت الوازع بن زارع‪ ،‬عن جدها زارع وكان فأي‬
‫وفأد عبد القيس‪ ،‬قال‪) :‬فأجعلنا نتبادر من رواحلنا فأنقبل يد رسول ا صلى ا عليه‬
‫وسلم ورجله(‪.‬‬
‫*وفأي "شرح البخاري" للحافأظ ابن حجر العسقلني‪) :‬أن أبا لبابة‪ ،‬وكعب بن‬

‫‪32‬‬
‫مالك‪ ،‬وصاحبيه‪ ،‬قبلوا يد النبي صلى ا عليه وسلم حين تاب ا عليهم( ج‬
‫‪/11‬صا ‪.48‬‬

‫‪2‬ـ وأما ما ورد من الثار ‪ :‬فأقد أخرج الطبراني والبيهقي والحاكم عن الشعبي‪:‬‬
‫ت إليه بغلتهس ليركبها فأجاء عبد ا بن‬ ‫)أن زيد بن ثابت صلى على جنازة فأرقسصرب ر‬
‫عباس رضي ا عنهما‪ ،‬فأأخذ بركابه‪ ،‬فأقال زيد بن ثابت‪ :‬خصل عنها يا ابن عم‬
‫رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ .‬فأقال ابن عباس‪ :‬هكذا أسلمررنا أن نفعرل بالعلماء‬
‫والكبراء‪ ،‬فأقفبل زيد بن ثابت يد عبد ا وقال‪ :‬هكذا ألمرنا أن نفعل بأهل بيت‬
‫رسول ا صلى ا عليه وسلم(‪.‬‬

‫*وأخرج البخاري فأي "الدب المفرد" من رواية عبد الرحمن بن رزين قال‪:‬‬
‫)أخرج لنا سلمة بن الكوع كفا ا له ضخمة كأنها كف بعير فأقمنا إليها فأقبلناها(‪ .‬كذا‬
‫فأي شرح البخاري لبن حجر العسقلني ج ‪/11‬صا ‪.48‬‬

‫*وعن ثابت‪) :‬أنه قبل يد أنس( وأخرج أيضاا‪) :‬أن عليا ا قبل يد العباس ورجله(‪.‬‬
‫وفأي "غذاء اللباب شرح منظومة الداب" للعلمة محمد السفاريني الحنبلي قال‪:‬‬
‫*)وفأي الداب الكبرى‪ :‬وتباح المعانقة وتقبيل اليد والرأس تدرينا ا وتكررما ا واحتراما ا‬
‫مع أمن الشهوة( ج ‪/1‬صا ‪.287‬‬
‫*وقال الحافأظ ابن الجوزي فأي "مناقب أصحاب الحديث"‪) :‬ينبغي للطالب أن يبالغ‬
‫فأي التواضع للعالم ‪ ،‬قال‪ :‬ومن التواضع تقبيل يده‪ .‬روقفبل سفياسن بن عيينة والفضيسل‬
‫بن عياض أحدهما يد الحسين بن علي الجعفي‪ ،‬والخر لررجرله(‪ .‬كذا فأي "شرح‬
‫منظومة الداب" للسفاريني ج ‪/1‬صا ‪.287‬‬
‫حكم القيام للعلماء وأالصالحين وأالوالدين‪:‬‬
‫أما حكم القيام لذوي الفضل فأجائز‪ ،‬وهو من الداب السلمية المطلوبة وقد نصت‬
‫كتب الفقه فأي مختلف المذاهب على جوازه‪.‬‬
‫أـ نصوص السادة الشافعية‪:‬‬
‫نقل العلمة الفقيه محمد الشربيني فأي كتابه "المغني المحتاج" ج ‪/3‬صا ‪:135‬‬
‫)ويسرسين القياسم لهل الفضل من علم وصلح أو شرف أو نحو ذلك ل ريااء وتفخيماا‪.‬‬
‫قال فأي الروضة‪ :‬وقد ثبت فأيه أحاديث صحيحة( ا هـ‪.‬‬
‫وللمام النووي رسالة خاصة سماها "رسالة الترخيص بالقيام لذوي الفضل" فأي‬
‫جواز القيام للقادم‪ ،‬واستدل على ذلك بأحاديث كثيرة منها‪:‬‬
‫‪1‬ـ أخرج المام مالك فأي قصة عكرمة بن أبي جهل رضي ا عنه‪ ،‬لفما فأفر إلى‬
‫اليمن يوم الفتح ورحلت امرأته إليه حتى أعادته إلى مكة مسلماا‪) :‬فألما رآه النبي‬

‫‪33‬‬
‫صلى ا عليه وسلم وثب إليه فأرحا ا ورمى عليه رداءه(‪.‬‬
‫‪2‬ـ وجاء بحديث عائشة رضي ا عنها‪) :‬قدم زيد بن حارثة المدينة والنبي صلى‬
‫ا عليه وسلم فأي بيتي‪ ،‬فأقرع الباب فأقام إليه فأاعتنقه وقبله(‪.‬‬
‫‪3‬ـ وأخرج أبو داود عن أبي هريرة رضي ا عنه قال‪) :‬كان النبي صلى ا عليه‬
‫وسلم يحدثنا فأإذا قام قمنا إليه حتى نراه قد دخل(‪.‬‬
‫د ـ الذكر المقيد وأالذكر المطلق‪:‬‬
‫أما الذكر المقيد‪ :‬فأهو الذي ندربنا إليه رسول ا صلى ا عليه وسلم مقفيداا بزمان‬
‫خاصا أو مكان خاصا ؛ كالذكر بعد أداء كل صلة‪ ،‬من تسبيح وتحميد وتكبير‪،‬‬
‫وأذكار المسافأر والكل والشارب‪ ،‬وأذكار النكاح‬
‫وأأما الذكر المطلق‪ :‬فأهو ما لم يقيد بزمان ول مكان‪ ،‬ول وقت ول حال‪ ،‬ول قيام‬
‫ول قعود‪ ،‬فأالمطلوب من المؤمن أن يذكر ربه فأي كل حال حتى ل يزال لسانه‬
‫رطباا بذكر ا‪ ،‬واليات فأي ذلك كثيرة منها قوله تعالى‪} :‬فأاذسكسروني أذسكررسكم{‬
‫]البقرة‪..[152 :‬‬
‫وقد وصفت السيدة عائشة رضي ا عنها رسول ا صلى ا عليه وسلم بقولها‪:‬‬
‫)كان رسول ا صلى ا عليه وسلم يذكر ا فأي كل أحيانه(‬

‫حكم الذكر بالسم المفرد ]ا[هلل‪:‬‬


‫أما الذكر بالسم المفرد ]ا[ فأجائز بدليل قول ا تعالى‪:‬‬
‫ل{ ]المزمل‪ .[8 :‬وقوله تعالى‪} :‬وارذسكلر اسرم‬ ‫*}وارذسكلر اسرم ربص ر‬
‫ك وتبتفرل إليه تبتي ا‬
‫ل{ ]الدهر‪.[25 :‬‬ ‫ك بكرةا وأصي ا‬ ‫رب ص ر‬

‫*وقد ورد فأي الحديث الشريف الذي رواه أنس بن مالك عن النبي صلى ا عليه‬
‫وسلم‪" :‬ل تقوم الساعة حتى ل يقال فأي الرض‪ :‬ا‪ ،‬ا" ]أخرجه مسلم في‬
‫صحيحه فأهذا اسم مفرد ورد ذكره مكرراا فأي هذا الحديث‪.‬‬
‫ت فأي الذكر جاءت عامة‬ ‫ثم إن اليات الكريمة والحاديث الشريفة التي ررفغبر ر‬
‫ومطلقة لم تخصص ذكراا معيناا‪ ،‬ولم يرد نص شرعي يسرحصرسم الذكرر بالسم المفرد‬
‫]ا[‪.‬‬
‫واعترض بعضهم أيضاا على الذكر بالسم المفرد بحجة أنه ل يؤلف جملة تامة‬
‫مفيدة كما فأي قولنا‪ :‬ا جليل‬

‫والجواب على ذلك‪ :‬أن الذاكر بهذا السم المفرد ل يكلم مخلوقا ا فأل سيشترط أن‬
‫يكون كلمه تاما ا مفيداا ؛ لنه يذكر ا سبحانه الذي هو عالم بنفسه مطلع على قلبه‬
‫التحذير من ترك الذكر‬

‫‪34‬‬
‫لقد حذر ا تعالى عباده من ترك ذكره فأي كتابه الكريم وعلى لسان رسوله صلى‬
‫ا عليه وسلم‪ ،‬كما حذر العارفأون بال من المربين المرشدين مريديهم من ترك‬
‫الذكر كذلك‪.‬‬

‫أما في كتاب ا الكريم‪:‬‬


‫ض له شيطانا ا فأهو له قرين ‪ .‬وإفنهم‬
‫ش عن ذكر الرحمن نسقرير ر‬
‫فأقد قال تعالى‪} :‬ورمرن يررع س‬
‫صيدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون{ ]الزخرف‪36 :‬ـ ‪.[37‬‬ ‫لرير س‬

‫وأأما في سنة رسول ا صلى ا عليه وأسلم‪:‬‬


‫فأقد روي عن أبي هريرة رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪:‬‬
‫"ما مرن قوم يقومون من مجلس ل يذكرون فأيه ا إل قاموا عن مثلل جيفة حمار‪،‬‬
‫وكان عليهم حسرةا يوم القيامة"‬
‫وعن معاذ بن جبل رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬ليس‬
‫يتحسر أهل الجنة إل على ساعة مرت بهم لم يذكروا ا فأيها" ]أخرجه الطبراني‬
‫ورواه البيهقي بأسانيد أحدها جيد[‪.‬‬
‫الحركة في الذكر‬
‫الحركة فأي الذكر أمر مستحسن‪ ،‬لنها تنشط الجسم لعبادة الذكر وهي جائزة شرعا ا‬
‫بدليل ما أخرجه المام أحمد فأي مسنده والحافأظ المقدسي برجال الصحيح من‬
‫حديث أنس رضي ا عنه قال‪) :‬كانت الحبشة يرقصون بين يدي رسول ا صلى‬
‫ا عليه وسلم‪ ،‬ويقولون بكلم لهم‪ :‬محمد عبد صالح‪ ،‬فأقال صلى ا عليه وسلم‪:‬‬
‫"ماذا يقولون ؟" فأقيل‪ :‬إنهم يقولون‪ :‬محمد عبد صالح‪ ،‬فألما رآهم فأي تلك الحالة لم‬
‫ينكر عليهم‪ ،‬وأقرهم على ذلك‪* ،‬والمعلوم أن الحكام الشرعية تؤخذ من قوله‬
‫صلى ا عليه وسلم وفأعله وتقريره‪ ،‬فألما أقرهم على فأعلهم ولم ينكر عليهم تبين أن‬
‫هذا جائز‪.‬‬
‫ح رسول ا صلى‬ ‫وفأي الحديث دليل على صحة الجمع بين الهتزاز المباح ومد ل‬
‫ا عليه وسلم‪ ،‬وأن الهتزاز بالذكر ل سيسمى رقصا ا محرماا‪ ،‬بل هو جائز لنه‬
‫ينشط الجسم للذكر‪ ،‬ويساعد على حضور القلب مع ا تعالى ؛ إذا صحت النية‪.‬‬
‫فأالمور بمقاصدها‪ ،‬وإنما العمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى‪.‬‬

‫ولنستمع إلى المام علي رضي ا عنه كيف يصف أصحاب النبي صلى ا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬قال أبو أراكة‪) :‬صرلي س‬
‫ت مع علي صلة الفجر‪ ،‬فألما انفتل عن يمينه مكث‬
‫كأفن عليه كآبة‪ ،‬حتى إذا كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح صلى ركعتين‪،‬‬
‫ثم قلب يده فأقال‪ :‬وا لقد رأيت أصحاب محمد صلى ا عليه وسلم‪ ،‬فأما أرى اليوم‬

‫‪35‬‬
‫شيئاا يشبههم‪ ،‬لقد كانوا يصبحون صفراا شعثا ا غبراا‪ ،‬بين أيديهم كأمثال سرركب‬
‫الرمرعزى‪ ،‬قد باتوا ل سجداا وقياماا‪ ،‬يتلون كتاب ا يتراوحون بين جباههم‬
‫وأقدامهم‪ ،‬فأإذا أصبحوا فأذكروا ا مادوا ]أي تحركوا[ كما يميد الشجر فأي يوم‬
‫الريح‪ ،‬وهملت أعينهم حتى تررنبرفل ـ وا ـ ثياسبهم( ]"البداية والنهاية فأي التاريخ"‬
‫للمام الحافأظ المفسر المؤرخ إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي المتوفأى ‪774‬هـ‪.‬‬
‫ج ‪/8‬صا ‪6‬‬
‫ويهمنا من عبارة المام علي رضي ا عنه قوله‪) :‬مادوا كما يميد الشجر فأي يوم‬
‫الريح(‪ ،‬فأإنك تجده صريحا ا فأي الهتزاز‪ ،‬وسيبطل قورل من يفدعي أنه بدعة محرمة‪،‬‬
‫ويثبت إباحة الحركة فأي الذكر مطلقا ا‬

‫وقد استدل الشيخ عبد الغني النابلسي رحمه ا بهذا الحديث فأي إحدى رسائله على‬
‫ندب الهتزاز بالذكر‪ ،‬وقال‪ :‬هذا صريح بأن الصحابة رضي ا عنهم كانوا‬
‫يتحركون حركة شديدة فأي الذكر‪ .‬على أن الرجل غير مؤاخذ حين يتحرك ويقوم‬
‫ويقعد على أي نوع كان حيث إنه لم يأت بمعصية ولم يقصدها كما ذكرنا‪.‬‬

‫وأالخلصة‪:‬‬

‫سيفهم مما سبق أن الحركة فأي الذكر مباحة شرعاا‪ ،‬هذا بالضافأة إلى أن المر‬
‫بالذكر مطلق يشمل جميع الحوال ؛ فأمن ذكر ا تعالى قاعداا أو قائماا‪ ،‬جالسا ا أو‬
‫ماشياا‪ ،‬متحركا ا أو ساكناا‪ ...‬فأقد قام بالمطلوب ونففرذ المر اللهي‪.‬‬
‫فأالذي يفدعي تحريم الحركة فأي الذكر أو كراهتها هو المطارلب بالدليل‪ ،‬لنه‬
‫يخصص بعض الحالت المطلقة دون بعض بحكم خاصا‪.‬‬
‫النشاد وأالسماع في المسجد‬
‫عن سأبري بن كعب رضي ا عنه أن رسول ا صلى ا عليه وسلم قال‪" :‬إن من‬
‫الشعر حكمة"‬
‫وعن أنس رضي ا عنه أن رسول ا صلى ا عليه وسلم كان ينقل الفلبن مع‬
‫القوم فأي بناء المسجد وهم يرتجزون ويقولون‪:‬‬
‫ش الخرة فأانصر النصار والمهاجرة‬ ‫ش إل عي س‬ ‫اللهم ل عي ر‬
‫ظه عمر ]أي‬ ‫وعن سعيد بن المسيب قال‪) :‬مفر عمسر فأي المسجد وحسان سينشد‪ ،‬فأللح ر‬
‫نظر إليه نظرة إنكار[‪ ،‬فأقال‪ :‬كنت سأنشد وفأيه من هو خير منك ]يريد رسول ا‬
‫صلى ا عليه وسلم[‪ ،‬ثم التفت إلى أبي هريرة فأقال‪:‬‬

‫‪36‬‬
‫ت رسورل ا صلى ا عليه وسلم يقول‪" :‬أجب عني‪ ،‬اللهم أيده‬ ‫)سأنلشسدك بال أسمع ر‬
‫بروح القسدس ؟" قال‪ :‬نعم(‬
‫عن عائشة رضي ا عنها‪ :‬كان النبي صلى ا عليه وسلم يضع لحسان منبراا فأي‬
‫المسجد يقوم عليه قائماا يفاخر عن رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ ،‬ويقول الرسول‬
‫صلى ا عليه وسلم‪:‬‬
‫"إن ا يؤيد حسارن بسروح القسدس ما نافأح أو فأاخر عن رسول ا صلى ا عليه‬
‫وسلم"‬
‫ذكر المام الشاطبي فأي كتابه "العتصام"‪) :‬أن أبا الحسن القرافأي الصوفأي يروي‬
‫عن الحسن البصري رحمه ا‪ :‬أن قوماا أتوا عمر بن الخطاب رضي ا عنه‬
‫فأقالوا‪ :‬يا أمير المؤمنين إن لنا إماما ا إذا فأرغ من صلته تغفنى‪ ،‬فأقال عمر رضي‬
‫ا عنه‪ :‬رمرن هو ؟ فأسذكر الرجل‪ ،‬فأقال‪ :‬قوموا بنا إليه‪ ،‬فأإنا إن وجهنا إليه يظن أنا‬
‫تجسسنا عليه أمره‪ ،‬قال‪ :‬فأقام عمر رضي ا عنه مع جماعة من أصحاب النبي‬
‫صلى ا عليه وسلم حتى أتوا الرجل وهو فأي المسجد‪ ،‬فألما أن نظر إلى عمر قام‬
‫فأاستقبله فأقال‪ :‬يا أمير المؤمنين ما حاجتك ؟ وما جاء بك ؟ إن كانت الحاجة لنا كنا‬
‫أحق بذلك منك أن نرأتيك‪ ،‬وإن كانت الحاجة ل فأأحق رمرن عظمناه خليفة رسول ا‬
‫صلى ا عليه وسلم‪ ،‬فأقال له عمر‪ :‬ويحك بلغني عنك أمر ساءني‪ .‬قال‪ :‬وما هو يا‬
‫أمير المؤمنين ؟ قال‪ :‬أرتررتمفجن فأي عبادتك ؟! قال‪ :‬ل يا أمير المؤمنين‪ ،‬لكنها عظة‬
‫أعظ بها نفسي‪ .‬قال عمر‪ :‬قرلها فأإن كان كلما ا حسنا ا قلسته معك‪ ،‬وإن كان قبيحا ا‬
‫نهيستك عنه فأقال‪:‬‬

‫وفأؤادي كلما عاتربسته فأي مدى الهجران يبغي تعبي‬


‫ل سأراه الدهرر إل لهيا ا فأي تماديه فأقد بفررح بي‬
‫صربا فأرنلري العمسر كذا فأي اللعب‬‫يا قريرن السوء ما هذا ال ص‬
‫وشباب ربارن عني فأمضى قبل أن أقضي منه أربي‬
‫ي مطلبي‬‫ب عل ف‬‫ق الشي س‬ ‫ما أسررصجي بعده إل الرفنا ضيف ر‬
‫وريرح نفسي ل أراها أبداا فأي جميظل ل ول فأي أدب‬
‫ت ول كان الهوى راقبي المولى وخافأي وارهبي‬ ‫س ل كن ل‬‫نف س‬

‫فأقال عمر رضي ا عنه‪:‬‬


‫ت ول كان الهوى راقبي المولى وخافأي وارهبي‬
‫س ل كن ل‬
‫نف س‬

‫ثم قال عمر رضي ا عنه‪ :‬على هذا فأليغصن رمرن غفنى( ]"العتصام" للمام‬

‫‪37‬‬
‫الشاطبي ج ‪/1‬صا ‪.[220‬‬
‫وقال المام الشافأعي رضي ا عنه‪) :‬الشعر كلم ؛ فأرحرسسنه رحرسفن‪ ،‬وقبيحه قبيح(‬
‫وأما الحداء فأقد قال حجة السلم الغزالي فأي "الحياء"‪) :‬لم يزل الحداء وراء‬
‫الجمال من عادة العرب فأي زمان رسول ا صلى ا عليه وسلم وزمان الصحابة‬
‫رضي ا عنهم‪ ،‬وما هو إل أشعار تسرؤردى بأصوات طيبة وألحان موزونة‪ ،‬ولم‬
‫يسرنرقل عن أحد من الصحابة إنكاره( وعن أنس رضي ا عنه‪) :‬أن النبي صلى ا‬
‫عليه وسلم كان فأي سفر‪ ،‬وكان غلم يحدو بهن يقال له أنجشة‪ ،‬فأقال النبي صلى‬
‫ضرعرفة‬
‫ا عليه وسلم‪" :‬رويردك يا أنجشة رسروقك بالقوارير" قال أبو قلبة‪ :‬يعني ر‬
‫النساء(‬
‫فوائد الذكر إجمالا‬
‫‪1‬ـ عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي ا عنهما قال‪ :‬قال رسول ا صلى‬
‫ا عليه وسلم‪" :‬ما من قوم يذكرون ا‪ ،‬إل حفتهم الملئكة‪ ،‬وغشيتهم الرحمة‪،‬‬
‫ونزلت عليهم السكينة‪ ،‬وذكرهم ا فأيمن عنده" ‪2‬ـ عن أبي سعيد الخدري رضي‬
‫ا عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم ‪" :‬يقول الرب تبارك وتعالى‪:‬‬
‫من شغله قراءة القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفأضل ما أعطي السائلين"‬

‫‪3‬ـ عن أبي سعيد الخدري رضي ا عنه‪ ،‬عن النبي صلى ا عليه وسلم قال‪:‬‬
‫"يقول الرب يوم القيامة سريعرلم أهسل الجمع اليوم رمرن أهل الكرم‪ .‬فأقيل‪ :‬ومن أهل‬
‫الكرم يا رسول ا ؟ قال‪ :‬أهل مجالس الذكر فأي المساجد" ‪4‬ـ وعن معاوية رضي‬
‫ا عنه أن النبي صلى ا عليه وسلم خرج على رحرلقظة من أصحابه فأقال‪" :‬ما‬
‫أجلسكم ؟ قالوا‪ :‬جلسنا نذكر ا ونحمده‪ ،‬فأقال‪ :‬أتاني جبريل فأأخبرني أن ا يباهي‬
‫بكم الملئكة"‬
‫‪5‬ـ وعن أنس رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬ما من قوم‬
‫اجتمعوا يذكرون ا إل ناداهم مناظد من السماء‪ :‬قوموا مغفوراا لكم قد سبدلت سيئاتكم‬
‫حسنات" ‪6‬ـ وعن ثابت قال‪ :‬كان سلمان فأي عصابة يذكرون ا‪ ،‬فأمفر النبي صلى‬
‫ا عليه وسلم فأكفوا‪ ،‬فأقال‪" :‬ما كنتم تقولون ؟ قلنا‪ :‬نذكر ا‪ .‬قال‪ :‬إني رأيت‬
‫الرحمة تنزل‪ ،‬فأأحببت أن أشارككم فأيها‪ ،‬ثم قال‪ :‬الحمد ل الذي جعل فأي سأمتي من‬
‫سأمرت أن أصبر نفسي معهم" وأرد الصوفية وأدليله من الكتاب وأالسنة‪:‬‬

‫الورد بالكسر‪ ،‬كما فأي المصباح‪ :‬الوظيفة من قراءة ونحو ذلك‪ ،‬والجمع‪ :‬أوراد‪.‬‬
‫ويطلقه الصوفأية على أذكار يأمر الشيخ تلميذه بذكرها صباحا ا بعد صلة الصبح‬
‫]حكم ذكر ا بعد صلة الصبح‪:‬‬

‫‪38‬‬
‫إن من أفأضل العمال بعد صلة الفجر‪ ،‬الشتغال بذكر ا تعالى‪ ،‬خلفأا ا لما يظن‬
‫بعض الناس بأن الشتغال بقراءة القرآن بعد صلة الصبح أولى وأفأضل‪ ،‬وقد‬
‫وردت فأي ذلك أحاديث كثيرة منها‪:‬‬

‫‪1‬ـ عن أبي أمامة رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬من‬
‫صلى صلة الغداة ]الصبح[ فأي جماعة ثم جلس يذكر ا حتى تطلع الشمس‪ ،‬ثم‬
‫قام فأصلى ركعتين انقلب بأجر حجة وعمرة‬
‫‪2‬ـ وعن معاذ بن أنس قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬من صلى صلة‬
‫الفجر ثم قعد يذكر ا تعالى حتى تطلع الشمس وجبت له الجنة"‪ .‬رواه أبو يعلى‬
‫كذا فأي المصدر السابق ج ‪/10‬صا ‪.105‬‬
‫وأالوارد في اللغة‪ :‬هو الطارق والقادم‪ ،‬يقال ورد علينا فألن أي قدم‪ .‬وفأي‬
‫ب أوليائه من النفحات اللهية‪ ،‬فأيكسبه قوة‬ ‫الصطلح‪ :‬ما يسرتحفه الحق تعالى قلو ر‬
‫محركة‪ ،‬وربما يدهشه‪ ،‬أو سيغصيبه عن حسه‪ ،‬ول يكون إل بغتة‪ ،‬ول يدوم على‬
‫صاحبه ]"شرح الحكم" لبن عجيبة ج ‪/1‬صا ‪.[160‬‬
‫والورد يضم ثلث صيغ من صيغ الذكر المطلوبة شرعاا‪ ،‬والتي دعا إليها كتاب‬
‫ا تعالى‪ ،‬وبينت السنة الشريفة فأضلها ومثوبتها‪.‬‬
‫‪1‬ـ الستغفار‪ :‬بصيغة ]أستغفر ا[ مائة مرة‪ ،‬بعد محاسبة النفس على الزلت‬
‫لتعود صفحة العمال نقية بيضاء‪ .‬وقد أمرنا ا تعالى بذلك بقوله‪} :‬وما تسقرصدسموا‬
‫لرنفسلسسكم لمرن خير تلجسدوه عند ال هرو خيراا وأعظررم أجراا واستغفروا ار إفن ار غفوفر‬
‫رحيم{ ]المزمل‪.[20 :‬‬
‫وقد كان رسول ا صلى ا عليه وسلم يكثر من الستغفار تعليما ا لمته وتوجيهاا‪،‬‬
‫كما روى أبو هريرة رضي ا عنه قوله‪" :‬وا إني لستغفر ا وأتوب إليه فأي‬
‫اليوم أكثر من سبعين مرة" وعن عبد ا بن لبسر رضي ا عنه قال‪ :‬سمعت‬
‫رسول ا صلى ا عليه وسلم يقول‪" :‬طوبى لمن روجد فأي صحيفته استغفاراا‬
‫كثيراا"‬
‫‪2‬ـ الصلة على النبي صلى ا عليه وسلم‪ :‬بصيغة ]اللهم صصل على سيدنا محمد‬
‫عبدك ورسولك النبي المي وعلى آله وصحبه وسصلم[ مائة مرة مع استحضار‬
‫عظمته صلى ا عليه وسلم‪ ،‬وتذيكلر صفاته وشمائله‪ ،‬والتعلق بجنابه الرفأيع‪ ،‬محبة‬
‫وتشوقا ا‬
‫وقد أمرنا ا تعالى بذلك بقوله‪} :‬إفن ار وملئركترهس سيصيلورن على النبصي يا أييها الذين‬
‫صيلوا عليله وسلصسموا تسليماا{ ]الحزاب‪.[56 :‬‬ ‫آمنوا ر‬
‫وكذلك رفغب رسول ا صلى ا عليه وسلم بكثرة الصلة والسلم عليه فأقال‪:‬‬
‫ي واحدةا صفلى ا عليه بها عشراا" وروي عن أنس بن مالك رضي‬ ‫"من صفلى عل ف‬

‫‪39‬‬
‫ي واحدة صلى‬
‫ا عنه أنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬من صلى عل ف‬
‫ت له عشر درجات"‬ ‫ا عليه عشر صلوات وسحطف ر‬
‫ت عنه عشسر سيئات وسرفأع ر‬

‫ي صلة"‬ ‫وقال صلى ا عليه وسلم أيضاا‪" :‬أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عل ف‬
‫‪3‬ـ كلمة التوحيد‪ :‬بصيغة‪] :‬ل إله إل ا وحده ل شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد‪،‬‬
‫وهو على كل شيء قدير[ مئة مرة‪ ،‬أو ]ل إله إل ا[ فأقط مائة مرة‪ .‬مع التفكير‬
‫بأنه ل خالق ول رازق ول نافأع ول ضار ول قابض ول باسط‪ ..‬إل ا وحده‬
‫ولهذا دعانا ا تعالى إلى هذا التوحيد الخالص فأقال‪} :‬فأاعلررم أنفهس ل إله إل س‬
‫ا{‬
‫]محمد‪.[19 :‬‬
‫وكذلك رغبنا رسول ا صلى ا عليه وسلم فأي الكثار من ترداد كلمة التوحيد‪،‬‬
‫وبين أفأضليتها ومثوبتها ؛ فأقال‪" :‬أفأضل الذكر ل إله إل ا"‬
‫وعن أبي هريرة رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬جددوا‬
‫إيمانكم‪ ،‬قيل‪ :‬يا رسول ا وكيف نجدد إيماننا ؟ قال‪ :‬أكثروا من قول ل إله إل ا"‬

‫المذاكرة‬

‫المذاكرة‪ :‬هي استفادة المريد من خبرة مرشده بسؤاله عن أحكام شرعية تتعلق‬
‫بتصحيح العقائد أو العبادات أو المعاملت‪ ،‬أو بأن يعرض له ما يحدث معه من‬
‫أحوال قلبية وخواطر نفسية وشيطانية قد تلتبس عليه فأتوقعه فأي شكوك وأوهام‪،‬‬
‫كالشكوك فأي العقائد اليمانية‪ ،‬وكالتعلقات الدنيوية‪ ،‬التي يقف حيالها حائراا‬
‫مضطرباا‪.‬‬

‫أو بأن يكشف له عن أمراضه القلبية كالكبر والحسد والنفاق وحب الرئاسة‪ ،‬وعن‬
‫رعوناته النفسية كالتحدث عن كراماته ومرائيه بغية الثناء والشهرة‪ ...‬وغير ذلك‬
‫من الصفات الناقصة بغية معرفأة طريق الخلصا منها‪.‬‬

‫وهكذا يرجع المريد لمرشده فأي جميع أحوال سيره لجتياز العقبات التي تعترض‬
‫طريقه‪.‬‬

‫وقد يذاكر المريد شيخه فأي أحواله الطيبة ومقامات سيره‪ ،‬واستشراف روحه‬
‫للحضرة اللهية‪ ،‬وما يرد على قلبه من واردات رحمانية أو ملكية ومفاهيم قرآنية‬
‫وعلوم وهبية ‪ ...‬والقصد من ذلك الستيثاق من صحتها حتى يكون المريد على‬
‫بصيرة من مراحل سيره‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫*ومثل المريد مع مرشده كمثل المريض الذي يكشف لطبيبه كل ما يلقاه من‬
‫أعراض مرضية‪ ،‬كما يخبره عن جميع مراحل تحسن جسمه وصحته‪.‬‬

‫*ومن جهة أخرى فأإن المذاكرة ستقصوي الصلة بين المريد والمرشد‪ ،‬فأتزداد المحبة‬
‫ويقوى التجاوب‪ ،‬كما أن المريد يستفيد بالمذاكرة من شيخه علما ا وحالا ومعرفأة‪،‬‬
‫لن العلم روح تنفخ ل مسائل تنسخ‪.‬‬

‫فأالمذاكرة إذن تطبيق عملي لدب من آداب الشرع‪ ،‬وخلق أساسي من أخلق‬
‫السلم‪ ،‬وهو الشورى التي مدح ا بها المؤمنين بقوله‪} :‬وأمسرهسرم سشورى بينرسهم{‬
‫]الشورى‪ .[38 :‬والتي دعا إليها الرسول الكريم عليه الصلة والسلم بقوله‪:‬‬
‫"المستشار مؤتمن" ]رواه الترمذي عن أبي هريرة فأي كتاب الدب وقال‪ :‬حديث‬
‫حسن‪ .‬والبخاري فأي "الدب المفرد" فأي باب المستشار مؤتمن[‪.‬‬

‫وإذا كانت الشورى هي للستفادة من خبرة أهل الختصاصا فأي أي جانب من‬
‫جوانب الحياة‪ ،‬كالمريض الذي يستفيد من خبرة الطبيب‪ ،‬والبرفنالء الذي يستفيد من‬
‫خبرة المهندس‪ ،‬والمظلوم الذي يستفيد من خبرة المحامي‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫فأإن المذاكرة هي للستفادة من خبرة المرشد فأي ميدان التطبيق العملي لدين ا‬
‫تعالى‪ ،‬وقد نفوه ا تعالى لهذه الستفادة بقوله‪} :‬فأاسأسلوا أررهرل الصذكلر إرن سكنستم ل‬
‫تعلمورن{ ]النحل‪ .[43 :‬وبقوله تعالى‪} :‬الرحمسن فأاسأرل بلله خبيراا{ ]الفرقان‪.[59 :‬‬

‫الفرق بين المذاكرة وأبين العتراف عند النصارى‪:‬‬


‫يفرق بين من يأتي لنسان مثله فأيكشف له عن آثامه وجرائمه بغية أن يغفر له‪،‬‬
‫كما هو المر عند النصارى‪ ،‬وبين من يأتي لخبير عالم فأيكشف له عن أمراضه‬
‫وأحواله بغية أن يدله على الطريق العملي للتخلص منها‪ ،‬كما يكشف المريض عن‬
‫أمراضه ولو كانت مما سيستحى منها من أجل تشخيص الداء ووصف الدواء‬
‫الناجع‪.‬‬
‫الفرق بين المذاكرة وأبين المجاهرة بالمعصية‪:‬‬
‫*‬
‫هناك فأرق كبير بين من يرتكب الثم‪ ،‬ثم يأتي للناس يحردث عنه من باب المباهاة‬
‫والتلذذ بذكره والدعوة إليه‪ ،‬وبين من يندم على ذنبه ويتحير فأي معرفأة العلج‬
‫الجذري الذي ينقذه من وضعه المذموم‪ ،‬فأيأتي ليستفيد من خبرة مرشده‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫قال المام النووي معلقا ا على حديث‪" :‬كل أمتي معافأاةف إل المجاهرين‪ ،‬وإن من‬
‫ل‪ ،‬ثم يصبح وقد ستره ا تعالى عليه‪ ،‬فأيقول‪:‬‬‫الجهار أن يعمل الرجل بالليل عم ا‬
‫يا فألن عمل س‬
‫ت البارحة كذا وكذا‪،‬‬

‫وقد بات يستره ربه‪ ،‬ويصبح يكشف ستر ا عنه" ]رواه البخاري فأي صحيحه‬
‫فأي كتاب الدب‪ ،‬ومسلم فأي كتاب الزهد والرقائق[‪) :‬يكره للنسان إذا ابتسللري‬
‫بمعصية أو نحوها أن يخبر غيره بذلك‪ ،‬بل ينبغي أن يتوب إلى ا تعالى ؛ فأيقلع‬
‫عنها فأي الحال‪ ،‬ويندم على ما فأعل‪ ،‬ويعزم أل يعود إلى مثلها أبداا‪ ،‬فأهذه الثلثة هي‬
‫أركان التوبة‪ ،‬ل تصح إل باجتماعها‪ ،‬فأإن أخبر بمعصيته شيخه أو شبهه ممن‬
‫يرجو بإخباره أن يعلمه مخرجاا من معصيته‪ ،‬أو يعلمه ما يسلم به من الوقوع فأي‬
‫مثلها‪ ،‬أو يعرفأه السبب الذي أوقعه فأيها‪ ،‬أو يدعو له‪ ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬فأل بأس به‪ ،‬بل‬
‫هو حسن‪ ،‬وإنما سيكره إذا انتفت هذه المصلحة( ]"الذكار" للنووي صا ‪.[327‬‬

‫ونقل المام المناوي فأي معرض شرحه لحديث المجاهرة قول المام الغزالي‪:‬‬
‫)الكشف المذموم إذا وقع على وجه المجاهرة والستهزاء ؛ ل على وجه السؤال‬
‫والستفتاء‪ ،‬بدليل خبر من واقع امرأته فأي رمضان ]روى هذا الخبر البخاري فأي‬
‫صحيحه[‪ ،‬فأجاء فأأخبر المصطفى عليه الصلة والسلم‪ ،‬فألم ينكر عليه( ]"فأيض‬
‫القدير شرح الجامع الصغير" ج ‪/5‬صا ‪.[12‬‬

‫الخلوة‬

‫‪1‬ـ تعريفها‪:‬‬
‫قال الشيخ أحمد زروق فأي قواعده‪) :‬الخلوة أخص من العزلة‪ ،‬وهي بوجهها‬
‫وصورتها نوع من العتكاف‪ ،‬ولكن ل فأي المسجد‪ ،‬وربما كانت فأيه‪ ،‬وأكثرها عند‬
‫القوم ل حفد له‪ ،‬لكن السنة تشير للربعين بمواعدة موسى عليه السلم‪ ،‬والقصد فأي‬
‫الحقيقة ثلثون‪ ،‬إذ هي أصل المواعدة‪ ،‬وجاور عليه الصلة والسلم بحراء شهراا‬

‫‪42‬‬
‫كما فأي مسلم ]أخرج مسلم فأي صحيحه فأي كتاب اليمان عن جابر بن عبد ا‬
‫رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬جاورت بحراء شهراا‪.،‬‬
‫وأقلها عشرة لعتكافأه عليه الصلة والسلم للعشر‪ ،‬وهي للكامل زيادة فأي حاله‪،‬‬
‫ولغيره ترقية‪ ،‬ول بد من أصل سيرجع إليه‪ .‬والقصد بها تطهير القلب من أدناس‬
‫الملبسة‪ ،‬وإفأراد القلب لذكر واحد‪ ،‬وحقيقة واحدة‪ ،‬ولكنها بل شيخ مخطرة‪ ،‬ولها‬
‫فأتوح عظيم‪ ،‬وقد ل تصح بأقوام‪ ،‬فأليعتبر كل أحد بها حارله( ]"قواعد التصوف"‬
‫صا ‪ 39‬لبي العباس الشيخ أحمد الفاسي المشهور بزروق توفأي سنة ‪899‬هـ فأي‬
‫طرابلس الغرب[‪.‬‬

‫فأالخلوة إذن‪ :‬انقطاع عن البشر لفترة محدودة‪ ،‬وترك للعمال الدنيوية لمدة يسيرة‪،‬‬
‫كي يتفرغ القلب من هموم الحياة التي ل تنتهي‪ ،‬ويستريح الفكر من المشاغل‬
‫اليومية التي ل تنقطع‪ ،‬ثم ذكفر ل تعالى بقلب حاضر خاشع‪ ،‬وتفكفر فأي آلئه تعالى‬
‫آناء الليل وأطراف النهار‪ ،‬وذلك بإرشاد شيخ عارف بال‪ ،‬سيعصلمه إذا جهل‪ ،‬ويذصكره‬
‫إذا غفل‪ ،‬وينشطه إذا فأتر‪ ،‬ويساعده على دفأع الوساوس وهواجس النفس‪.‬‬

‫‪2‬ـ طريقتها‪:‬‬
‫يذكر الغزالي رحمه ا طريقة الخلوة ومراحلها ومقاماتها‪ ،‬فأيبين‪) :‬أن الشيخ*‬
‫سيللزم المريد زاوية ينفرد بها‪ ،‬ويوكل به من يقوم له بقدر يسير من القوت الحلل ـ‬
‫فأإفن أصل الدين القوت الحلل ـ* وعند ذلك يلقنه ذكراا من الذكار‪ ،‬حتى يشغل به‬
‫ل‪ :‬ا‪ ،‬ا‪ ،‬أو سبحان ا‪ ،‬سبحان ا‪ ،‬أو ما يراه‬ ‫لسانه وقلبه‪ ،‬فأيجلس ويقول مث ا‬
‫الشيخ من الكلمات‪ ،‬فأل يزال يواظب عليه‪ ،‬حتى يسقط الثر عن اللسان‪ ،‬وتبقى‬
‫صورة اللفظ فأي القلب‪ ،‬ثم ل يزال كذلك حتى ستمحى من القلب حروف اللفظ‬
‫وصورته‪ ،‬وتبقى حقيقة معناه لزمة للقلب‪ ،‬حاضرة معه‪ ،‬غالبة عليه‪ ،‬قد فأرغ عن‬
‫ي شيء كان ـ فأإذا‬‫كل ما سواه‪ ،‬لن القلب إذا اشتغل بشيء خل عن غيره ـ أ ف‬
‫اشتغل بذكر ا تعالى وهو المقصود‪ ،‬خل ل محالة من غيره‪ *.‬وعند ذلك يلزمه‬
‫أن يراقب وساوس القلب‪ ،‬والخواطر التي تتعلق بالدنيا‪ ،‬وما يتذكر فأيه مما قد‬
‫مضى من أحواله وأحوال غيره‪ ،‬فأإنه مهما اشتغل بشيء منه ـ ولو فأي لحظة ـ خل‬
‫قلبه عن الذكر فأي تلك اللحظة‪ ،‬وكان أيضا ا نقصاناا‪ .‬فأليجتهد فأي دفأع ذلك‪ ،‬ومهما‬
‫دفأع الوساوس كلها‪ ،‬ورفد النفس إلى هذه الكلمة‪ ،‬جاءته الوساوس من هذه الكلمة‪،‬‬
‫وإنها ما هي ؟ وما معنى قولنا‪ :‬ا ؟ ولي معنى كان إلهاا‪ ،‬وكان معبوداا ؟‬
‫ويعتريه عند ذلك خواطر تفتح عليه باب الفكر‪ ،‬وربما يرلرسد عليه من وساوس‬
‫الشيطان ما هو كفر وبدعة‪ ،‬ومهما كان كارها ا لذلك‪ ،‬وسمرتشصمراا لماطته عن القلب‬
‫لم يضره ذلك‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫وأهذه الوساوأس منقسمة إلى قسمين‪:‬‬
‫أ ـ ما يعلم قطعاا أن ا تعالى منزه عنه‪ ،‬ولكن الشيطان يسرلقي ذلك فأي قلبه‪ ،‬وسيجريه‬
‫على خاطره‪ ،‬فأررشررطسهس أن ل يبالي به‪ ،‬ويفزع إلى ذكر ا تعالى‪ ،‬ويبتهل إليه‬
‫ك لمرن الشيطالن نررز ف‬
‫غ فأاستعذ بالل إنفهس سميفع‬ ‫ليدفأعه عنه‪ ،‬كما قال تعالى‪} :‬وإفما يررنرزرغنف ر‬
‫ف لمرن‬ ‫عليفم{ ]العراف‪ .[200 :‬و قال تعالى‪} :‬إفن الذيرن اتفرقوا إذا مفسسهم طائ ف‬
‫الشيطان ترذفكروا فأإذا هم مبصرورن{ ]العراف‪.[201 :‬‬

‫ب ـ ما يشك فأيه‪ ،‬فأينبغي أن ريعرض ذلك على شيخه‪ ،‬بل كيل ما يجد فأي قلبه من‬
‫الحوال‪ ،‬من فأترة أو نشاط‪ ،‬أو التفات إلى عرلقة‪ ،‬أو صدق فأي إرادة‪ ،‬فأينبغي أن‬
‫سيظهر ذلك لشيخه‪ ،‬وأن يستره عن غيره‪ ،‬فأل يطلع عليه أحداا( ]"الحياء" للغزالي‬
‫ج ‪/3‬صا ‪.[66‬‬

‫‪3‬ـ مشروأعيتها‪:‬‬
‫ليست الخلوة ابتداعاا من الصوفأية‪ ،‬وإنما هي امتثال لمر ا تعالى فأي كتابه‬
‫س واقتداء برسول ا صلى ا عليه وسلم ؛ فأقد كان يخلو بغار حراء‬ ‫العزيز‪ ،‬وتأ ي‬
‫يتعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله‪ ،‬حتى جاءه الحق‪ ،‬وهو فأي غار‬
‫حراء‪ .‬وبهذا تكون قد ثبتت مشروعيتها‪.‬‬

‫الدليل عليها من القرآن الكريم‪:‬‬


‫ك وتربرتفرل إليه تبتي ا‬
‫ل{ ]المزمل‪.[8 :‬‬ ‫قال تعالى‪} :‬واذكلر اسم ربص ر‬

‫قال العلمة أبو السعود مفسراا قوله تعالى‪} :‬واذسكلر اسرم رصبك‪] {...‬المزمل‪:[8 :‬‬
‫)وسدم على ذكره تعالى ليلا ونهاراا على أي وجه كان ؛ من التسبيح والتهليل‬
‫والتحميد‪ ...‬إلى أن قال‪ :‬وانقطرع إليه بمجامع الهمة واستغراق العزيمة فأي مراقبته‪،‬‬
‫وحيث لم يكن ذلك إل بتجريد نفسه عليه الصلة والسلم عن العوائق الصادرة‬
‫المانعة عن مراقبة ا تعالى‪ ،‬وقطع العلئق عما سواه( ]تفسير العلمة أبي‬
‫السعود على هامش تفسير فأخر الدين الرازي ج ‪/8‬صا ‪.[338‬‬

‫وكل أمظر أسلمر به صلى ا عليه وسلم تشريع له ولمته إل فأيما سخ ف‬


‫ص به‪،‬‬
‫وخصوصياته معروفأة‪ ،‬وهذا المر فأي هذه الية المذكورة عام له ولمته‪.‬‬

‫الدليل عليها من السنة‪:‬‬

‫‪44‬‬
‫عن عائشة رضي ا عنها أنها قالت‪) :‬أوسل ما بسلدىرء به رسول ا صلى ا عليه‬
‫وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة فأي النوم‪ ،‬فأكان ل يرى رؤيا إل جاءت مثل فألق‬
‫ب إليه الخلسء‪ ،‬وكان يخلو بغار لحرارء ؛ فأيتررحنف س‬
‫ث فأيه ـ وهو التعبد ـ‬ ‫الصبح‪ ،‬ثم سحبص ر‬
‫الليالي ذوات العدد‪ ،‬قبل أن ينزع إلى أهله‪ ،‬ويتزود لذلك‪ ،‬ثم يرجع إلى خديجة‪،‬‬
‫ويتزود لمثلها‪ ،‬حتى جاءه الحق‪ ،‬وهو فأي غار حراء( ]رواه البخاري فأي صحيحه‬
‫باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول ا صلى ا عليه وسلم[‪.‬‬

‫*قال ابن أبي جمرة فأي شرحه لهذا الحديث‪) :‬فأي الحديث دليل على أن الخلوة‬
‫عون للنسان على تعبده وصلح دينه‪ ،‬لن النبي صلى ا عليه وسلم لما اعتزل‬
‫عن الناس وخل بنفسه‪ ،‬أتاه هذا الخير العظيم‪ ،‬وكل أحد امتثل ذلك أتاه الخير‬
‫بحسب ما قسم له من مقامات الولية ‪.‬‬

‫*وفأيه دليل على أن الرولى بأهل البداية الخلوة والعتزال‪ ،‬لن النبي صلى ا‬
‫عليه وسلم كان فأي أول أمره يخلو بنفسه‪.‬‬

‫*وفأيه دليل على أن البداية ليست كالنهاية‪ ،‬لن النبي صلى ا عليه وسلم أول ما‬
‫بسلدىرء فأي نبوته بالمرائي‪ ،‬فأما زال عليه الصلة والسلم يرتقي فأي الدرجات‬
‫ك فأي اليقظة بالوحي‪ ،‬ثم ما زال يرتقي‪ ،‬حتى كان كقاب‬ ‫والفضل‪ ،‬حتى جاءه الرمل س‬
‫قوسين أو أدنى‪ ،‬وهي النهاية‪ .‬فأإذا كان هذا فأي الرسل فأكيف به فأي التباع ؟! لكن‬
‫بين الرسل والتباع فأرق‪ ،‬وهو أن التباع يترقون فأي مقامات الولية ـ ما عدا مقام‬
‫ي بساطه ـ حتى ينتهوا إلى مقام‬ ‫النبوة ‪ ،‬فأإنه ل سبيل لهم إليها‪ ،‬لن ذلك قد س‬
‫طو ر‬
‫المعرفأة والرضا‪ ،‬وهو أعلى مقامات الولية‪.‬‬

‫]"بهجة النفوس" شرح مختصر البخاري للمام الحافأظ أبي محمد عبد ا بن أبي‬
‫جمرة الزدي الندلسي المتوفأى ‪699‬هـ‪ .‬ج ‪/1‬صا ‪ 10‬ـ ‪.[11‬‬

‫إشكال‪:‬‬
‫ت‪ :‬أمر الغار قبل الرسالة‪ ،‬ول حكم إل بعد الرسالة ؟ قال المحدث‬ ‫فأإن قل ر‬
‫القسطلني مجيباا‪) :‬إنه أول ما بدىء به عليه الصلة والسلم من الوحي الرؤيا‬
‫ب إليه الخلء‪ ،‬فأكان يخلو بغار حراء كما مر‪ ،‬فأدل على أن الخلوة‬‫الصالحة‪ ،‬ثم سحبص ر‬
‫حكم مرتب على الوحي‪ ،‬لن كلمة ]ثم[ للترتيب‪ .‬وأيضا ا لو لم تكن من الدين لنهى‬
‫عنها‪ ،‬بل هي ذريعة لمجيء الحق‪ ،‬وظهوسره مبارك عليه وعلى أمته تأصسيرا ا وسلمة‬
‫من المناكير وضررها‪ ،‬ولها شروط مذكورة فأي محلها من كتب القوم( ]"إرشاد‬

‫‪45‬‬
‫الساري لشرح صحيح البخاري" للقسطلني ج ‪/1‬صا ‪.[62‬‬

‫وقال المحدث الكشميري رحمه ا تعالى معلقاا على هذه الفقرة من الحديث‪) :‬ثم‬
‫ب إليه الخلء(‪) :‬وهذا على نحو مجاهدات الصوفأية وخلواتهم‪ ،‬ثم إن اعتكاف‬
‫سحبص ر‬
‫الفقهاء وخلوات الصوفأية عندي قريب من السواء( ]"فأيض الباري على صحيح‬
‫البخاري" ج ‪/1‬صا ‪.[23‬‬

‫وقال الزهري رحمه ا تعالى‪) :‬عجباا من الناس‪ ،‬كيف تركوا العتكاف‪ ،‬ورسول‬
‫ا صلى ا عليه وسلم كان يفعل الشيء ويتركه‪ ،‬وما ترك العتكاف حتى قسلبض(‬
‫]"حاشية الطحطاوي على مراقي الفلح" صا ‪.[463‬‬

‫هذه أقوال علماء الحديث وشراحه فأي الخلوة من حيث تسميتها‪ ،‬ومن حيث‬
‫مشروعيتها‪ ،‬ومن حيث فأوائدها‪ ،‬ومن حيث اعتناء السلف الصالح بها‬

‫‪.‬اضافأات‬
‫‪.‬‬

‫وللعلماء فأي عبادته فأي خلوته قولن‪ :‬قال بعضهم‪ :‬كانت عبادته بالفكر‪ .‬وقال‬
‫بعضهم‪ :‬بالذكر‪ .‬وهذا القول هو الصحيح‪ ،‬ول تعريج على الول ول التفات إليه ؛‬
‫لن خلوة طلب طريق الحق على أنواع‪:‬‬

‫الوأل‪ :‬أن تكون خلوتهم لطلب مزيد علم الحق من الحق ل بطريق النظر والفكر‪،‬‬
‫وهذا غاية مقاصد أهل الحق‬
‫الثاني‪ :‬أن تكون خلوتهم لصفاء الفكر لكي يصح نظرهم فأي طلب المعلومات‪،‬‬
‫وهذه الخلوة لقوم يطلبون العلم من ميزان العقل‬
‫الثالث‪ :‬خلوة يفعلها جماعة لدفأع الوحشة من مخالطة غير الجنس‪ ،‬والشتغال بما‬
‫ل يعني‪ ،‬فأإنهم إذا رأوا الخلق انقبضوا‪ ،‬فألذلك اختاروا الخلوة‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬خلوة لطلب زيادة لذة توجد فأي الخلوة‪.‬‬

‫وخلوة حضرة صاحب الرسالة من القسم الول‪ ،‬المام الشافأعي‪:‬‬


‫وقال المام الشافأعي رحمه ا تعالى‪) :‬ومن أحب أن يفتح ا قلبه‪ ،‬ويرزقه العلم‪،‬‬

‫‪46‬‬
‫فأعليه بالخلوة وقلة الكل‪ ،‬وترك مخالطة السفهاء وبعض أهل العلم الذي ليس معهم‬
‫إنصاف ول أدب( ]"بستان العارفأين" للمام الفقيه الحافأظ أبي زكريا محي الدين‬
‫النووي المتوفأى ‪676‬هـ صا ‪.[47‬‬

‫المام الغزالي‪:‬‬
‫وقال المام الغزالي رحمه ا تعالى‪) :‬وأما الخلوة فأفائدتها دفأع الشواغل‪ ،‬وضبط‬
‫السمع والبصر‪ ،‬فأإنهما دهليز القلب‪ ،‬والقلب فأي حكم حوض تنصب إليه مياه‬
‫كريهة كدرة قذرة من أنهار الحواس‪ .‬ومقصود الرياضة تفريغ الحوض من تلك‬
‫المياه ومن الطين الحاصل منها ؛ ليتفجر أصل الحوض‪ ،‬فأيخرج منه الماء النظيف‬
‫الطاهر‪ .‬وكيف يصح له أن ينزح الماء من الحوض‪ ،‬والنهار مفتوحة إليه ؟‬
‫فأيتجدد فأي كل حال أكثر مما ينقص‪ .‬فأل بد من ضبط الحواس إل عن قدر‬
‫الضرورة‪ ،‬وليس يتم ذلك إل بالخلوة( ]"الحياء" للغزالي ج ‪/3‬صا ‪.[66‬‬

‫الشيخ الكبر‪:‬‬
‫وقال الشيخ الكبر محيي الدين بن عربي )رحمه ا تعالى(‪) :‬فأإن المتأهب الطالب‬
‫للمزيد‪ ،‬المتعرض لنفحات الجود بأسرار الوجود إذا لزم الخلوة والذكر‪ ،‬وفأفرغ‬
‫المحل من الفكر‪ ،‬وقعد فأقيراا ل شيء له عند باب ربه‪ ،‬حينئذ يمنحه ا تعالى‪،‬‬
‫ويعطيه من العلم به والسرار اللهية والمعارف الربانية التي أثنى ا سبحانه بها‬
‫على عبده خضر فأقال‪} :‬عربداا لمرن لعبالدنا آتيناهس رحرمةا لمرن عنلدنا ورعلفرمناهس لمرن لرسدرنا‬
‫ا{ ]البقرة‪ .[282 :‬قال‬ ‫علماا{ ]الكهف‪ .[65 :‬وقال تعالى‪} :‬وافتقوا ار ويسرعلصسمسكسم س‬
‫تعالى‪} :‬إرن تفتقوا ار ريجرعرل لسكرم سفأرقاناا{ ]النفال‪ .[29 :‬وقال‪} :‬ويجعرل لرسكرم سنوراا‬
‫تمشورن به{ ]الحديد‪.[28 :‬‬

‫وقيل للجنيد‪ :‬بم نلت ما نلت ؟ فأقال‪ :‬بجلوسي تحت تلك الدرجة ثلثين سنة‪.‬‬

‫الدكتور مصطفي السباعي‪:‬‬


‫وقال الدكتور مصطفى السباعي رحمه ا تعالى فأي كتابه "مذكرات فأي فأقه‬
‫السيرة"‪) :‬يجب على الداعية إلى ا أن تكون له بين الفررينة والفررينة أوقات يخلو فأيها‬
‫بنفسه‪ ،‬تتصل فأيها روحه بال جل شأنه‪ ،‬وتصفو فأيها نفسه من كدورات الخلق‬
‫الذميمة والحياة المضطربة من حوله‪ .‬ومثل هذه الخلوات تدعوه إلى محاسبة نفسه‬
‫إن قصرت فأي خير‪ ،‬أو زلت فأي اتجاه‪ ،‬أو جانبت سبيل الحكمة‪ ،‬أو أخطأت فأي‬

‫‪47‬‬
‫منهج أو طريق‪ ،‬أو انغمست مع الناس فأي الجدال والنقاش‪ ،‬حتى أرنرسرتهس تذيكرر ا‬
‫ت وغصصه وآلمه‪ .‬ولذلك كان‬ ‫والنس به‪ ،‬وتذكر الخرة وجنتها ونارها والمو ل‬
‫التهجد وقيام الليل فأرضاا فأي حق النبي صلى ا عليه وسلم‪ ،‬مستحبا ا فأي حق‬
‫غيره‪ .‬وأحق الناس بالحرصا على هذه النافألة هم الدعاة إلى ا وشريعته وجنته‪.‬‬
‫وللخلوة والقيام ل بالعبودية فأي أعقاب الليل لذة ل يدركها إل من أكرمه ا بها‪.‬‬
‫وقد كان إبراهيم بن أدهم رحمه ا تعالى يقول فأي أعقاب تهجده وعبادته‪ :‬نحن فأي‬
‫لذة لو عرفأها الملوك لقاتلونا عليها( ]"مذكرات فأي فأقه السيرة" للدكتور مصطفى‬
‫السباعي صا ‪.[18‬‬

‫[‪.‬‬

‫وقد قالوا‪ :‬إن القلب كالمعدة إذا قويت عليها الخلط مرضت‪ ،‬ول ينفعها إل‬
‫الحمية‪ ،‬وهو قلة موادها‪ ،‬ومنعها من كثرة الخلط )المعدة بيت الداء‪ ،‬والحمية‬
‫رأس الدواء(‪ .‬وكذلك القلب إذا قويت عليه الخواطر واستحوذ عليه الحس مرض‪،‬‬
‫وربما مات‪ ،‬ول ينفعه إل الحمية منها‪ ،‬والفرار من مواطنها‪ ،‬وهي الخلطة‪ ،‬فأإذا‬
‫اعتزل الناس واستعمل الفكرة نجح دواؤه‪ ،‬واستقام قلبه‪ ،‬وإل بقي سقيما ا حتى يلقى‬
‫ا بقلب سقيم بالشك والخواطر الرديئة‪ ،‬نسأل ا العافأية‪.‬‬

‫قال الجنيد رحمه ا تعالى‪ :‬أشرف المجالس الجلوس مع الفكر فأي ميدان التوحيد‪.‬‬

‫وقال أبو الحسن الشاذلي رضي ا عنه‪ :‬ثمار العزلة الظفر بمواهب المنة‪ ،‬وهي‬
‫أربعة‪:‬‬
‫كشف الغطاء‪ ،‬وتنزل الرحمة‪ ،‬وتحقيق المحبة‪ ،‬ولسان الصدق فأي الكلمة‪.‬‬

‫ثم ذإكر للخلوة عشر فوائد‪:‬‬

‫‪1‬ـ السلمة من آفأات اللسان‪ ،‬فأإفن رمرن كان وحده ل يجد معه من يتكلم‪ ،‬ول يسلم فأي‬
‫الغالب من آفأاته إل من آثرر الخلوة على الجتماع‪.‬‬

‫‪2‬ـ السلمة من آفأات النظر‪،‬فأإفن من كان معتزلا عن الناس سلم من النظر إلى ما‬
‫هم سمرنركيبون عليه من زهرة الدنيا وزخرفأها‪ ،‬قال بعضهم‪) :‬من كثرت لحظاته دامت‬
‫حسراته(‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫‪3‬ـ حفظ القلب وصونه عن الرياء والمداهنة وغيرهما من المراض‪.‬‬

‫‪4‬ـ حصول الزهد فأي الدنيا والقناعة منها‪ ،‬وفأي ذلك شرف العبد وكماله‪.‬‬

‫‪5‬ـ السلمة من صحبة الشرار ومخالطة الرذال‪ ،‬وفأي مخالطتهم فأساد عظيم‪.‬‬

‫‪6‬ـ التفرغ للعبادة والذكر‪ ،‬والعزم على التقوى والبر‪.‬‬

‫‪7‬ـ سورجداسن حلوة الطاعات‪ ،‬وتمكن لذيذ المناجاة بفراغ سره‪ ،‬قال أبو طالب المكي‬
‫فأي "القوت"‪) :‬ول يكون المريد صادقاا حتى يجد فأي الخلوة من الحلوة والنشاط‬
‫والقوة ما ل يجده فأي العلنية(‪.‬‬

‫‪8‬ـ راحة القلب والبدن‪ ،‬فأإن فأي مخالطة الناس ما يوجب تعب القلب‪.‬‬

‫‪9‬ـ صيانة نفسه ودينه من التعرض للشرور والخصومات التي توجبها الخلطة‪.‬‬

‫‪10‬ـ التمكن من عبادة التفكر والعتبار‪ ،‬وهو المقصود العظم من الخلوة(‬


‫]"إيقاظ الهمم فأي شرح الحكم" لحمد بن عجيبة ج ‪/1‬صا ‪.[30‬‬

‫وأالخلصة‪ :‬إن الخلوة نوعان‪ :‬خلوة عامة‪ ،‬ينفرد بها المؤمن ليتفرغ لذكر ا‬
‫تعالى بأية صيغة كانت‪ ،‬أو لتلوة القرآن الكريم‪ ،‬أو محاسبة نفسه‪ ،‬أو ليتفكر فأي‬
‫خلق السموت والرض‪.‬‬

‫وخلوة خاصة‪ :‬يقصد منها الوصول إلى مراتب الحسان والتحقق بمدارج‬
‫المعرفأة‪ ،‬وهذه ل تكون إل بإشراف مرشظد مأذون‪ ،‬يسلرقصسن المريرد ذكراا معيناا‪ ،‬ويكون‬
‫على صلة دائمة به ليزيل عنه الشكوك ويدفأعه إلى آفأاق المعرفأة‪ ،‬ويرفأع عنه‬
‫الحجب والوهام والوساوس‬
‫"‪.‬‬
‫الباب الثالث‬

‫طريق الوصول إلى ا‬

‫‪49‬‬
‫‪1‬ـ التوبة‪2 .‬ـ المحاسبة‪ 3 .‬الخوف‪4 .‬ـ الرجاء‪5 .‬ـ الصدق‪6 .‬ـ الخلصا‪7 .‬ـ‬
‫الصبر‪8 .‬ـ الورع‪9 .‬ـ الزهد‪10 .‬ـ الرضا‪11 .‬ـ التوكل‪12 .‬ـ الشكر‪.‬‬

‫طريق الوصول إلى ا‬


‫بعد أن بينا نبذة عن المنهج العملي الذي اقتبسه أئمة الصوفأية من كتاب ا تعالى‬
‫وسنة نبيه صلى ا عليه وسلم ؛ كالصحبة والعلم والذكر والخلوة‪ ..‬وغيرها‪ ،‬وهي‬
‫أعمال بدنية فأي شكلها ومحلها‪ ،‬قلبية فأي روحها وجوهرها ل بد من بيان الطريق‬
‫الذي يختص بأحوال القلب‪ ،‬وصفات النفس‪ ،‬ويعنى بالجانب الروحي‪ ،‬لن الصل‬
‫صلح القلب وشفاؤه من أمراضه‪ ،‬وتحليته بصفات الكمال‪.‬‬

‫فأطريق الوصول إلى ا تعالى هو تلك المقامات القلبية‪ :‬كالتوبة والمحاسبة‬


‫والخوف والرجاء والمراقبة‪ ...‬والصفات السخسلقية‪ :‬كالصدق والخلصا والصبر‪...‬‬
‫التي يتحلى بها السالك فأي طريقه إلى معرفأة ا تعالى معرفأة ذوقية‪ ،‬والوصول‬
‫إلى مقام الحسان الذي ل حفد لمراتبه‪.‬‬

‫وليس المراد بالوصول المعنى المفهوم بين ذوات الشياء‪ ،‬فأإن ا تعالى جفل أن‬
‫يحده مكافن أو زمافن‪ ،‬ولذا قال ابن عطاء ا السكندري‪) :‬وصولك إلى ا وصولك‬
‫إلى العلم به‪ ،‬وإل فأرجفل ريبنا أن يتصل به شيء‪ ،‬أو يتصل هو بشيء( ]"إيقاظ‬
‫الهمم" ج ‪/2‬صا ‪.[295‬‬

‫وقال المام الغزالي رحمه ا تعالى‪) :‬معنى الوصول هو الرؤية والمشاهدة بسر‬
‫القلب فأي الدنيا‪ ،‬وبعين الرأس فأي الخرة‪ ،‬فأليس معنى الوصول اتصال الذات‬
‫بالذات‪ ،‬تعالى ا عن ذلك علواا كبيراا( ]"روض الطالبين" للغزالي صا ‪.[150‬‬

‫وإن السير فأي طريق الوصول إلى ا تعالى صفة المؤمنين الصالحين‪ ،‬ومن أجله‬
‫جاء النبياء والمرسلون‪ ،‬وإليه يدعو العلماء والمرشدون‪ ،‬كي يرتقي المرء من‬
‫حضيض المادية والحيوانية إلى مستوى النسانية والملكية‪ ،‬ويذوق نعيم القرب‬
‫ولذة النس بال تعالى‪.‬‬

‫وإن الطريق واحدة فأي حقيقتها‪ ،‬وإن تعددت المناهج العملية‪ ،‬وتنوعت أساليب‬
‫السير والسلوك تبعاا للجتهاد وتبدل المكان والزمان‪ ،‬ولهذا تعددت الطرق‬

‫‪50‬‬
‫الصوفأية وهي فأي ذاتها وحقيقتها وجوهرها طريق واحدة‪.‬‬

‫وفأي هذا المعنى قال ابن القصيم‪) :‬الناس قسمان‪ :‬لعرليةف ]علية‪ :‬فألن من علية الناس‪،‬‬
‫وهو جمع رجل علي‪ ،‬أي شريف رفأيع مثل صبي وصبية[ ولسرفلة‪ ،‬فأالعلية‪ :‬من‬
‫عرف الطريق إلى ربه‪ ،‬وسلكها قاصداا للوصول إليه‪ ،‬وهذا هو الكريم على ربه‪،‬‬
‫والصسرفلة‪ :‬من لم يعرف الطريق إلى ربه‪ ،‬ولم يتعرفأها‪ ،‬فأهذا هو اللئيم الذي قال ا‬
‫تعالى فأيه‪} :‬ورمرن يسلهلن اللـهس فأما له لمرن سمركصرم{ ]الحج‪ .[18 :‬والطريق إلى ا فأي‬
‫الحقيقة واحدة ل تعدد فأيها‪ ...‬وأما ما يقع فأي كلم بعض العلماء أن الطريق إلى ا‬
‫متعددة متنوعة‪ ،‬جعلها ا كذلك لتنوع الستعدادات واختلفأها‪ ،‬رحمة منه وفأض ا‬
‫ل‪،‬‬
‫فأهو صحيح ل ينافأي ما ذكرناه من وحدة الطريق‪.‬‬

‫وكشف ذلك وإيضاحه أن الطريق واحدة جامعة لكل ما يرضي ا‪ ،‬وما يرضيه‬
‫متعدد متنوع‪ ،‬فأجميع ما يرضيه طريق واحدة‪ ،‬ومراضيه متعددة متنوعة بحسب‬
‫الزمان والماكن والشخاصا والحوال‪ ،‬وكلها طرق مرضاته‪ .‬فأهذه الطرق‬
‫جعلها ا لرحمته وحكمته كثيرة متنوعة جداا لختلف استعدادات العباد وقوابلهم‪،‬‬
‫ولو جعلها نوعا ا واحداا مع اختلف الذهان والعقول وقوة الستعدادات لم يسلكها‬
‫إل واحد بعد واحد‪ .‬ولكن لما اختلفت الستعدادات تنوعت الطرق ليسلك كل‬
‫امرىء إلى ربه طريقاا يقتضيها استعداده وقوته وقبوله‪ ،‬ومن هنا سيعلم تنوع‬
‫الشرائع واختلفأها‪ ،‬مع رجوعها كلها إلى دين واحد‪ ،‬مع وحدة المعبود ودينه(‬
‫]"طريق الهجرتين" لبن قيم الجوزية صا ‪ 223‬ـ ‪.[225‬‬

‫ولقد عني رجال التصوف برسم معالم هذا الطريق‪ ،‬وتوضيح منازله ومقاماته‪،‬‬
‫ووسائل السير فأيه‪.‬‬

‫قال أبو بكر الكتاني وأبو الحسن الرملي رحمهما ا تعالى‪ :‬سأرلنا أبا سعيد الخراز‪،‬‬
‫فأقلنا‪ :‬أخبرنا عن أوائل الطريق إلى ا تعالى ؟ فأقال‪) :‬التوبة‪ ،‬وذكر شرائطها‪ ،‬ثم‬
‫سينقل من مقام التوبة إلى مقام الخوف‪ ،‬ومن مقام الخوف إلى مقام الرجاء‪ ،‬ومن‬
‫مقام الرجاء إلى مقام الصالحين‪ ،‬ومن مقام الصالحين إلى مقام المريدين‪ ،‬ومن‬
‫مقام المريدين إلى مقام المطيعين‪ ،‬ومن مقام المطيعين إلى مقام المحبين‪ ،‬ومن مقام‬
‫المحبين إلى مقام المشتاقين‪ ،‬ومن مقام المشتاقين إلى مقام الولياء‪ ،‬ومن مقام‬
‫الولياء إلى مقام المقريبن‪ .‬وذكروا لكل مقام عشر شرائط‪ ،‬إذا عاناها وأحكمها‬
‫وحفلت القلوب هذه المحلة أدمنت النظرة فأي النعمة‪ ،‬وفأكرت فأي اليادي‬
‫والحسان‪ ،‬فأانفردت النفوس بالذكر‪ ،‬وجالت الرواح فأي ملكوت عزه بخالص‬

‫‪51‬‬
‫العلم به‪ ،‬واردةا على حياض المعرفأة‪ ،‬إليه صادرة‪ ،‬وللبابله قارعة‪ ،‬وإليه فأي محبته‬
‫ناظرة‪ ،‬أما سمعت قول الحكيم وهو يقول‪:‬‬

‫سأراعي سواد الليل أنسا ا بذكر هو شوقاا إليه غير مستكره الصبر ولكن سروراا دائما ا‬
‫وتعرضا ا وقرعا ا لباب الرب ذي العز والفخر فأحالهم أنهم قرسرسبوا فألم يتباعدوا‪،‬‬
‫ت قلوبهم لكي ينظروا إلى سمرلك عدن بها‬ ‫وسرفأعت لهم منازل فألم سيخرفضوا‪ ،‬ونسصور ر‬
‫ينزلون‪ ،‬فأتاهوا بمن يعبدون‪ ،‬وتعززوا برمرن به يكتفون‪ ،‬حفلوا فألم يظعنوا‪،‬‬
‫واستوطنوا محلته فألم يرحلوا‪ ،‬فأهم الولياء وهم العاملون‪ ،‬وهم الصفياء وهم‬
‫ب هم به آمنون‪ ،‬وعزوا فأي غرف هم بها‬ ‫المقربون‪ ،‬أين يذهبون عن مقام قر ظ‬
‫ساكنون‪ ،‬جزااء بما كانوا يعملون‪ ،‬فألمثل هذا فأليعمل العاملون( ]"حلية الولياء"‬
‫لبي نعيم ج ‪/10‬صا ‪ 248‬ـ ‪.[249‬‬

‫ولكي يقطع المرء عقبات الطريق‪ ،‬ويجتاز مقاماته ل بد له من مجاهدات نفسية‬


‫ومواصلة للذكر والمراقبة والمحاسبة والخلوات‪ ،‬فأالوصول إلى ا تعالى ل سينال‬
‫بالتشهي والتمني بل ل بد من إيمان وتقوى‪ ،‬وصدق فأي القصد‪ ،‬وإخلصا فأي‬
‫الغاية‪ ،‬وعند ذلك يكرم ا السالكين إليه بالمعرفأة الكاملة‪ ،‬والسعادة القلبية الحقة‪.‬‬

‫قال الشيخ الكبر محي الدين بن عربي رحمه ا تعالى‪) :‬إن طريق الوصول إلى‬
‫ق ار يجعرل لرهس رمرخررجا ا ويرررسزرقهس لمرن حيث ل‬
‫علم القوم اليمان والتقوى }ورمرن يتف ل‬
‫ب{ ]الطلق‪ .[3 :‬والرزق نوعان‪ :‬روحاني وجسماني‪ ،‬قال ا تعالى‪:‬‬ ‫يحتلس س‬
‫ا{]البقرة‪ .[282 :‬أي يعلمكم ما لم تكونوا تعلمونه بالوسائط‬ ‫}وافتقوا ار ويسرعلصسمسكسم س‬
‫من العلوم اللهية( ]"النصرة النبوية" للشيخ مصطفى المدني صا ‪ 84‬بتصرف[‪.‬‬

‫ومن كلم الشيخ محي الدين يتبين أن النسان ل يمكن له أن يسير إلى ا تعالى‬
‫إل بإيمان صحيح وعقيدة ثابتة‪ ،‬وقلب يرعى حدود ا‪ ،‬وأعمال مقيدة بشريعة ا‪،‬‬
‫ق عالية مقتبسة من رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ .‬فأمن لم يترففأع عن‬ ‫وأخل ظ‬
‫الشهوات الدنيئة والرعونات النفسية ل بد إل أن ينحرف فأي سيره‪ ،‬أو ينقطع فأي‬
‫منتصف الطريق‪ ،‬فأيضل ويشقى‪.‬‬

‫قال ابن القيم رحمه ا‪) :‬لو كشف للعبد الغطاء عن ألطافأه تعالى وبره وصنعه له‬
‫من حيث يعلم ومن حيث ل يعلم لذاب قلبه محبة له وشوقا ا إليه‪ ،‬ولكن حجب‬
‫القلوب عن مشاهدة ذلك إخلدها إلى عالم الشهوات والتعلق بالسباب‪ ،‬فأصدت‬
‫عن كمال نعيمها‪ ،‬وذلك تقدير العزيز العليم‪ ،‬وإل فأأي قلب يذوق حلوة معرفأة ا‬

‫‪52‬‬
‫ومحبته ثم يركن إلى غيره‪ ،‬ويسكن إلى ما سواه ؟! هذا ما ل يكون أبداا‪ ،‬ومن ذاق‬
‫شيئا ا من ذلك‪ ،‬وعرف طريقاا موصلة إلى ا ثم تركها‪ ،‬وأقبل على إرادته وراحته‬
‫وشهواته ولذاته وقع فأي آثار المعاطب‪ ،‬وأودع قلبه سجون المضايق‪ ،‬وسعصذب فأي‬
‫حياته عذابا ا لم يعفذب به أحد من العالمين‪ ،‬فأحياته عجز وغم وحزن‪ ،‬وموته كدر‬
‫وحسرة‪ ،‬ومعاده أسف وندامة‪ ...‬فأناسر الحجاب تطلع كل وقت على فأؤاده‪،‬‬
‫وإعراض الكون عنه ـ إذا أعرض عن ربه ـ حائل بينه وبين مراده‪ ،‬فأهو قبر‬
‫يمشي على وجه الرض‪ ،‬وروحه فأي وحشة من جسمه‪ ،‬وقلبه فأي ملل من‬
‫حياته‪...‬‬

‫ت كلما طار طائسر‬ ‫ف ريسشه ريرى حسرا ظ‬


‫فأأصبح كالبازي المنتف ل‬
‫وقد كان دهراا فأي الرياض منعما ا على كل ما يهوى من الصيد قادر‬
‫صا الجناحين حاسر(‬ ‫إلى أن أصابته من الدهر نكبة إذا هو مقصو س‬
‫]"طريق الهجرتين" ابن القيم ص ‪ 227‬ـ ‪[230‬هلل‪.‬‬

‫فأالنقطاع عن الطريق مصيبة كبرى‪ ،‬وخسران مبين‪ ،‬وسببه موافأقة السالك‬


‫لشهوات نفسه وتطلعه للمقامات والكشوفأات وانحرافأه عن مقصده السمى‪.‬‬
‫فأالسالك الصادق المخلص ل يطلب المقامات ول يقصد المراتب والكرامات‪ ،‬وإنما‬
‫هي منازل يقطعها فأي طريقه إلى الغاية الكبرى دون انحراف أو التفات‪:‬‬

‫ت فأي السير غيراا وكيل ما سوى ا غيفر فأاتخرذ ذكره حصنا ا‬ ‫فأل تلتف ر‬
‫وكل مقام ل تقم فأيه‪ ،‬إنه حجاب فأجفد السيرر واستنجد العونا‬
‫ومهما ترى كفل المراتب ستجرتلى عليك فأسحرل عنها‪ ،‬فأعن مثلها سحلنا‬
‫وقل ليس لي فأي غير ذاتك مطلب فأل صورة تسرجلى‪ ،‬ول طرفأة ستجنى‬

‫قال ابن عطاء ا السكندري رحمه ا تعالى‪) :‬ما أرادت همة سالك أن تقف عند‬
‫ما سكشف لها إل ونادته هواتف الحقيقة‪ :‬الذي تطلب أمامك( ]"إيقاظ الهمم فأي شرح‬
‫الحكم" ج ‪/1‬صا ‪.[51‬‬

‫وكما أن لكل طريق حسي مخاطر وعوائق وقطاعاا‪ ،‬فأإن للطريق الروحي القلبي‬
‫مزالق ووهاداا وعقبا ظ‬
‫ت ل بد من النتباه إليها‪ ،‬ومن هنا يظهر فأضل الدليل‪،‬‬
‫وضرورة المرشد الذي يمسك بيد السالك فأيجنبه المخاطر‪ ،‬ويقيه شر المهالك‪.‬‬
‫ولطالما كثر تحذيسر العلماء المرشدين للسائرين إلى ا تعالى من الوقوف‬

‫‪53‬‬
‫والنقطاع‪ ،‬وشحسذ هممهم لمواصلة السير ومتابعة الجد‪ ،‬وترغيسبهم بنعيم الوصول‬
‫وسعادة القرب‪.‬‬

‫قال ابن القيم رحمه ا‪) :‬السائر إلى ربه إذا أبصر الطريق وأعلمها‪ ،‬وأبصر‬
‫المغاير والوهاد والطرق الناكبة عنها ؛ فأقد حصل له شطر السعادة والفلح‪ ،‬وبقي‬
‫عليه الشطر الخر ؛ وهو أن يضع عصاه على عاتقه ويشمر مسافأراا فأي الطريق‪،‬‬
‫قاطعاا منازلها منزلة بعد منزلة‪ ،‬فأكلما قطع مرحلة استعد لقطع الخرى‪ ،‬واستشعر‬
‫القرب من المنزل‪ ،‬فأهانت عليه مشقة السفر‪ ،‬وكلما سكنت نفسه من كلل السير‬
‫ومواصلة الشصد والرحيل ؛ ورعردها قرب التلقي وبرد العيش عند الوصول‪ ،‬فأسيحدث‬
‫لها ذلك نشاطا ا وفأرحاا وهمة فأهو يقول‪ :‬يا نفس أبشري فأقد قرب المنزل‪ ،‬ودنا‬
‫التلقي فأل تنقطعي فأي الطريق دون الوصول فأيحال بينك وبين منازل الحبة‪ ،‬فأإن‬
‫ت حميدة مسرورة جذلة وتلقتك الحبةس بأنواع‬ ‫ت المسرى وصل ل‬ ‫ت وواصل ل‬ ‫صبر ل‬
‫التحف والكرامات‪ ،‬وليس بينك وبين ذلك إل صبر ساعة‪ ،‬فأإن الدنيا كلها كساعة‬
‫من ساعات الخرة‪ ،‬وعمرك درجة من درج تلك الساعة‪ ،‬ا ا ل تنقطعي فأي‬
‫ت تعلمين‪.‬‬
‫المفازة‪ ،‬فأهو وا الهلك والعطب لو كن ل‬

‫فأإن استصعب ر‬
‫ت عليه فأليذصكرها ما أمامها من أحبابها‪ ،‬وما لديهم من الكرام‬
‫والنعام‪ ،‬وما خلفها من أعدائها‪ ،‬وما لديهم من الهانة والعذاب وأنواع البلء‪ .‬فأإن‬
‫رجعت فأإلى أعدائها رجوسعها‪ ،‬وإن تقدمت فأإلى أحبابها مصيرها‪ ،‬وإن وقفت فأي‬
‫طريقها أدركها أعداؤها فأإنهم وراءها فأي الطلب‪ .‬ول بد لها من قسم من هذه‬
‫القسام الثلثة فألتختر أيها شاءت‪ .‬وليجعرل حديث الحبة حاديها وسائقها‪ ،‬ونور‬
‫ق لودادهم وحبهم غذاءها وشرابها‬ ‫صد ر‬
‫معرفأتهم وإرشادهم هاديها ودليلها‪ ،‬و ل‬
‫ودواءها‪ ،‬ول يوحرشه انفراسده فأي طريق سفره‪ ،‬ول يغتفر بكثرة المنقطعين‪ ،‬فأألم‬
‫انقطاعه وبعاده واصل إليه دونهم‪ ،‬وحظه من القرب والكرامة مختص به دونهم‬
‫فأما معنى الشتغال بهم والنقطاع معهم ؟!‪.‬‬

‫وليعلم أن هذه الوحشة ل تدوم‪ ،‬بل هي من عوارض الطريق‪ ،‬فأسوف تبدو له‬
‫الخيام‪ ،‬وسوف يخرج عليه المتلقون يهنئونه بالسلمة والوصول إليهم‪ ،‬فأيا قرة‬
‫ت قومي يعلمورن بما رغفررر لي رربي وجعلني‬
‫عينه إذ ذاك‪ ،‬ويا فأرحته إذ يقول‪} :‬يا لي ر‬
‫لمرن السمكررميرن{ ]يس‪26 :‬ـ ‪"] ([27‬طريق الهجرتين" لبن القيم صا ‪ 232‬ـ ‪.[233‬‬

‫ويختلف الواصلون فأي وصولهم إلى ا تعالى كل على حسب مقامه وهمته‪:‬‬

‫‪54‬‬
‫فأمنهم من وصل فأي سيره إلى وحدة الفأعال ذوقا ا وشهوداا‪ ،‬ويفنى فأعله وفأعل‬
‫ت وللكفن ار رمى{ ]النفال‪:‬‬ ‫ت إذ رمي ر‬‫غيره‪ ،‬ويتذوق معنى قوله تعالى‪} :‬وما رمي ر‬
‫‪ .[17‬وهذه رتبة فأي الوصول‪.‬‬

‫ومنهم من يصل فأي سيره إلى وحدة الصفات ذوقا ا وشهوداا‪ ،‬فأيتذوق معنى قوله‬
‫ا{ ]الدهر‪ .[30 :‬ويتذوق معنى الحديث‬ ‫تعالى‪} :‬وما تشاؤون إل أن يشاء س‬
‫ت سمرعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به" ]أخرجه‬ ‫القدسي‪" :‬فأإذا أحبربسته كن س‬
‫البخاري فأي صحيحه فأي كتاب الرقاق عن أبي هريرة رضي ا عنه[‪ .‬وهذه رتبة‬
‫فأي الوصول‪.‬‬

‫ومنهم من يترقى إلى مقام الفناء فأي الذات‪ ،‬فأيشهد رعررضية كل شيء مقابل وجود‬
‫الحق عز وجل‪ ،‬وتفيض عليه أنوار اليقين‪ ،‬ولسان حاله يقول‪:‬‬

‫ب عن الوجود لبما يبدو علفي من الشهود ويتذوق قول رسول ا‬ ‫وجودي أن أغي ر‬
‫صلى ا عليه وسلم‪" :‬أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة رلبيد‪ :‬أل كيل شيء ما خل ا‬
‫باطسل‪] "...‬أخرجه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب المناقب عن أبي هريرة رضي‬
‫ا عنه والمراد بالبطلن‪ :‬الفناسء أي‪} :‬سكيل رمرن عليها فأاظن ‪ .‬روريبقى روجهس ربص ر‬
‫ك ذو‬
‫الجلل والكرام{ ]الرحمن‪26 :‬ـ ‪ [27‬كما فأي "هداية الباري لترتيب أحاديث‬
‫البخاري" ج ‪/1‬صا ‪.[92‬‬

‫والصوفأية فأي طريقهم للوصول إلى ا تعالى قد جعلوا قدوتهم ورائدهم سيد‬
‫الوجود وإمام المتقين محمداا رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ ،‬فأنهجوا نهجه حين فأفر‬
‫عليه الصلة والسلم إلى ربه‪ ،‬ولجأ إليه بعيداا عن الجو الوثني وعبادة الصنام‬
‫والحجار وعن صخب الحياة وأوضارها‪.‬‬

‫قال ا تعالى‪} :‬يا أييها النبيي إفنا أرسرلنا ر‬


‫ك شاهداا وسمبرصشرار ونذيراا ‪ .‬وداعيا ا إلى ال‬
‫بإذنلله ولسراجا ا منيراا{ ]الحزاب‪45 :‬ـ ‪ .[46‬فأساروا وراءه متبعين له فأي جميع‬
‫حالته وأخلقه وأفأعاله‪.‬‬

‫وقال ا تعالى‪} :‬قل إرن كرنستم تحيبون ار فأافتبعوني سيحبلربسكسم اس ويغفرر لسكرم ذنوبرسكم{‬
‫]آل عمران‪ .[31 :‬فأساروا فأي طريقه الحنيف الذي سنه لهم غير منحرفأين ول‬
‫ملتفتين‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫وسمعوا نداء ا ‪} :‬وأفن هذا صراطي سمستقيما ا فأاتفلبعوه ول تتفلبعوا السسبسرل فأتففر ر‬
‫ق بكم‬
‫ت الجفن والنس إل للريعسبدولن{‬ ‫عن سبيله{ ]النعام‪ .[153 :‬وقوله تعالى‪} :‬وما خلق س‬
‫]الذاريات‪ .[56 :‬فألم تغفرهم الدنيا بزخارفأها ولم توقفهم بعلئقها‪.‬‬

‫وسمعوا هواتف الحقيقة تهتف من وراء حجب الغيب‪} :‬أفأررحلسربستم أفنما خلرقناسكم عربثا ا‬
‫وأنفسكم إلينا ل ترجعون{ ]المؤمنون‪ .[115 :‬فأأحبوا لقاء رمرن سيرجعون إليه‪ ،‬وجيدوا‬
‫واجتهدوا فأي سيرهم الحثيث حتى وصلوا إلى ربهم سالمين غانمين‪.‬‬

‫وها نحن نوضح بعض المقامات التي يمر بها السالك فأي سيره إلى ا تعالى‪،‬‬
‫وأولها التوبة ؛ فأمن ل توبة له ل سير له‪ ،‬وهي منطلق السالك فأي سيره إلى ربه‪.‬‬

‫التوبة‬
‫التوبة‪ :‬رجوع عما كان مذموماا فأي الشرع إلى ما هو محمود فأيه‪ ،‬وهي مبدأ‬
‫طريق السالكين‪ ،‬ومفتاح سعادة المريدين‪ ،‬وشرط فأي صحة السير إلى ا تعالى‪.‬‬

‫وقد أمر ا تعالى المؤمنين بها فأي آيات كثيرة‪ ،‬وجعلها سببا ا للفلح فأي الدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬

‫قال تعالى‪} :‬وتوبوا إلى ال جميعا ا أييها المؤمنورن لعلفسكم ستفللسحورن{]النور‪.[31 :‬‬
‫وقال تعالى‪} :‬استغفروا ربفسكرم ثم توبوا إليله{ ]هود‪.[52 :‬‬
‫وقال تعالى‪} :‬يا أييها الذين آمنوا ستوبوا إلى ال توبرةا نصوحاا{ ]التحريم‪.[8 :‬‬

‫وكان الرسول المعصوم عليه الصلة والسلم كثيراا ما يجدد التوبة ويكرر‬
‫لمة وتشريعاا‪ :‬عن الغر بن يسار السمزني رضي ا عنه قال‪:‬‬ ‫الستغفار تعليما ا ل س‬
‫قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬يا أيها الناس توبوا إلى ا واستغفروه‪ ،‬فأإني‬
‫ب فأي اليوم مائة مرة" ]رواه مسلم فأي صحيحه فأي كتاب الذكر[‪.‬‬ ‫أتو س‬

‫قال المام النووي رحمه ا تعالى‪) :‬التوبة واجبة من كل ذنب‪ ،‬فأإن كانت‬
‫المعصية بين العبد وبين ا تعالى ل تتعلق بحق آدمي‪ ،‬فألها ثلثة شروط‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن يقلع عن المعصية‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن يندم على فأعلها‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أن يعزم أن ل يعود إليها أبداا‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫فأإن فأقد أحد الثلثة لم تصح توبته‪ .‬وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فأشروطها‬
‫أربعة‪ :‬هذه الثلثة‪ ،‬وأن يبرأ من حق صاحبها‪ .‬فأإن كانت مالا أو نحوه رده إليه‪،‬‬
‫ف ونحوه مفكنه منه أو طلب عفوه‪ ،‬وإن كانت‬ ‫وإن كان ]أي حق الدمي[ حفد قذ ظ‬
‫لغيبة استحفله منها‪ .‬ويجب أن يتوب من جميع الذنوب( ]"رياض الصالحين" صا‬
‫‪.[10‬‬

‫ومن شروط التوبة ترك قرناء السوء‪ ،‬وهجر الصحاب الفسقة الذين يحببون‬
‫للمرء المعصية‪ ،‬وينفرونه من الطاعة‪ ،‬ثم اللتحاق بصحبة الصادقين الخيار‪ ،‬كي‬
‫تكون صحبتهم سياجاا يردعه عن العودة إلى حياة المعاصي والمخالفات‪.‬‬

‫ولنا عبرة بالغة فأي الحديث الصحيح المشهور الذي روى لنا فأيه رسول ا صلى‬
‫ا عليه وسلم قصة قاتل المائة ]رواه مسلم فأي صحيحه كتاب التوبة وعن أبي‬
‫سعيد الخدري رضي ا عنه[ الذي أرشده أررعلسم أهل زمانه إلى أن ا يقبل توبته‪،‬‬
‫واشترط عليه أن يترك البيئة الفاسدة التي كان لها الثر الكبير فأي انحرافأه‬
‫وإجرامه‪ ،‬ثم أشار عليه أن يذهب إلى بيئة صالحة فأيها سأناس مؤمنون صالحون‬
‫ليحبهم ويهتدي بهداهم‪.‬‬

‫والصوفأي ل ينظر إلى صغر الذنب‪ ،‬بل ينظر إلى عظمة الرب‪ ،‬اقتدااء بأصحاب‬
‫رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ .‬فأقد كان أنس بن مالك رضي ا عنه يقول‪) :‬إنكم‬
‫لتعملون أعمالا هي أدق فأي أعينكم من الشعر إرن كنا نعيدها على عهد رسول ا‬
‫صلى ا عليه وسلم من الموبقات‪ .‬قال أبو عبد ا‪ :‬يعني بذلك المهلكات( ]رواه‬
‫البخاري فأي صحيحه فأي كتاب الرقاق عن أنس رضي ا عنه[‪.‬‬

‫ول يقف الصوفأي عند التوبة من المعصية‪ ،‬لنها فأي رأيه توبة العوام‪ ،‬بل يتوب‬
‫من كل شيء يشغل قلبه عن ا تعالى‪ ،‬وإلى هذا أشار الصوفأي الكبير ذو النون‬
‫المصري رضي ا عنه لما سئل عن التوبة فأقال‪:‬‬
‫)توبة العوام من الذنوب‪ ،‬وتوبة الخواصا من الغفلة( ]"الرسالة القشيرية" باب‬
‫التوبة صا ‪.[47‬‬

‫ويقول عبد ا التميمي رضي ا عنه‪) :‬شتان بين تائب وتائب‪ ...‬فأتائب يتوب من‬
‫الذنوب والسيئات‪ ،‬وتائب يتوب من الزلل والغفلت‪ ،‬وتائب يتوب من رؤية‬
‫الحسنات والطاعات(]"الرسالة القشيرية" باب التوبة صا ‪.[47‬‬

‫‪57‬‬
‫واعلم أن الصوفأي كلما صحح علمه بال تعالى‪ ،‬وكثر عمله دقت توبته ؛ فأمن‬
‫ف عليه ما يدخل‬‫طهر قلبه من الثام والدناس وأشرقت عليه أنوار اليناس لم يرخ ر‬
‫قلبه من خفي الفأات‪ ،‬وما يعكر صفوه حين يهم بالزلت‪ ،‬فأيتوب عند ذلك حياء‬
‫من ا الذي يراه‪.‬‬

‫ويستتبع التوبة الكثار من الستغفار آناء الليل وأطراف النهار‪ ،‬وهذا سيشعر‬
‫الصوفأي بالعبودية الحقة والتقصير فأي حق موله‪ .‬فأهو اعتراف منه بالعبودية‬
‫وإقرار بالربوبية‪.‬‬

‫ت استغفروا ربفسكم إنفهس كارن غففاراا ‪.‬‬


‫يقرأ الصوفأي فأي كتاب ا قوله تعالى‪} :‬فأسقل س‬
‫ت ويجعرل‬ ‫يرسلل السمارء عليكم مدراراا ‪ .‬وسيملدردسكم بأمواظل وبنيرن ‪ .‬ويجعرل لكرم جنا ظ‬
‫لكرم أنهاراا{ ]نوح‪10 :‬ـ ‪.[12‬‬

‫ت وعيوظن ‪ .‬آخذيرن ما آتاهم ريبهم إفنهم كانوا قبرل‬


‫وقوله تعالى‪} :‬إفن المفتقيرن فأي جفنا ظ‬
‫ذلك محسنيرن ‪ .‬كانوا قليلا لمرن الليل ما يهجعورن ‪ .‬وبالسحالر هسرم يستغفرورن{‬
‫]الذاريات‪15 :‬ـ ‪.[18‬‬

‫يقرأ الصوفأي هذه اليات وغيرها‪ ،‬فأيذرف الدمع أسفا ا على ما قصر فأي حياته‪،‬‬
‫وحسرة على ما فأرط فأي جنب ا‪ .‬ثم يلتفت إلى عيوبه فأيصلحها وإلى تقصيراته‬
‫فأيتداركها وإلى نفسه فأيزكيها‪ ،‬ثم يكثر من فأعل الطاعات والحسنات عملا بقوله‬
‫عليه الصلة والسلم‪" :‬وأررتبللع السيئة الحسنةر تمحها" ]هذه فأقرة من حديث عن أبي‬
‫ذر ومعاذ بن جبل رضي ا عنهما عن رسول ا صلى ا عليه وسلم قال‪" :‬اتق‬
‫ق حسظن" رواه‬‫ق الناس بخل ظ‬‫ا حيثما كنت‪ ،‬وأتبع السيئة الحسنة تمحها‪ ،‬وخال ل‬
‫الترمذي فأي كتاب البر وقال‪ :‬حديث حسن صحيح[‪.‬‬

‫قال الشيخ أحمد زروق رحمه ا تعالى فأي قواعده‪) :‬تعتبر دعوى المدعي نتيجة‬
‫ت‪ ،‬وإل فأهو كذاب‪ ،‬فأتوبة ل تتبعها تقوى باطلة‪ ،‬وتقوى‬ ‫ت صفح ر‬
‫دعواه‪ ،‬فأإن ظهر ر‬
‫ل تظهر بها استقامة مدخولة‪ ،‬واستقامة ل ورع فأيها غير تامة‪ ،‬وورع ل ينتج‬
‫ل يابس‪ ،‬وتوكل ل تظهر ثمرته بالنقطاع إلى ا‬ ‫زهداا قاصر‪ ،‬وزهد ل يشيد توك ا‬
‫عن الكل واللفرجأل إليه صورة ل حقيقة لها‪ ،‬فأتظهر صحة التوبة عند اعتراض‬
‫السمرحفرم‪ ،‬وكماسل التقوى حيث ل سمطفللع إل ا‪ ،‬ووجوسد الستقامة بالتحفظ على إقامة‬
‫الورد فأي غير ابتداع‪ ،‬ووجوسد الورع فأي مواطن الشهوة عند الشتباه فأإن ترررك‬
‫فأكذلك‪ ،‬وإل فأليس هنالك( ]"قواعد التصوف" للشيخ أحمد زروق صا ‪.[74‬‬

‫‪58‬‬
‫المحاسبة‬
‫وهي تهيئة الوازع الديني فأي النفس‪ ،‬وتربيتها على تنمية اللوم الباطني الذي‬
‫يجردها من كل ما يقف أمامها عقبة فأي طريق الصفاء والمحبة واليثار‬
‫والخلصا‪ .‬وللصوفأية فأي هذا المقام قدم راسخة وجهاد مشكور‪ ،‬وهم على أثر‬
‫الرسول صلى ا عليه وسلم ينهجون منهجه‪ ،‬ويهتدون بهديه‪ .‬قال صلى ا عليه‬
‫س من دان نفرسه وعمل لما بعد الموت‪ ،‬والعاجز رمرن أرتبع نفسه هواها‪،‬‬‫وسلم‪" :‬الكيص س‬
‫وتمنى على ا الماني" ]رواه الترمذي فأي كتاب صفة القيامة عن شداد بن أوس‬
‫رضي ا عنه وقال‪ :‬حديث حسن‪ .‬الكيس‪ :‬العاقل‪ .‬دان نفسه‪ :‬حاسبها[‪.‬‬

‫ومن حاسب نفسه ل يترك لها سبيلا إلى الشتغال بالباطل‪ ،‬إذ هو يشغلها‬
‫بالطاعات‪ ،‬ويلومها على التقصير مع ا تعالى خشية منه‪ ،‬فأكيف تجد سبيلا إلى‬
‫اللهو والبطالة ؟!‬

‫قال السيد أحمد الرفأاعي رحمه ا تعالى‪) :‬من الخشية تكون المحاسبة‪ ،‬ومن‬
‫المحاسبة تكون المراقبة‪ ،‬ومن المراقبة يكون دوام الشغل بال تعالى( ]"البرهان‬
‫المؤيد" للسيد أحمد الرفأاعي صا ‪.[56‬‬

‫وما أشبه حال الصوفأية فأي هذا بما كان يأخذ به النبي صلى ا عليه وسلم أصحابه‬
‫من تربية روحية خالصة تغرس فأي نفوسهم اللوم الباطني ؛ فأقد روي أن رسول‬
‫ا صلى ا عليه وسلم خرج يوماا من بيته‪ ،‬يطوي بطنه على الجوع‪ ،‬فأالتقى‬
‫بصاحبيه أبي بكر وعمر رضي ا عنهما‪ ،‬فأعلم منهما أن أمرهما كأمره‪ ،‬وأنهما‬
‫ل يجدان قوت يومهما‪ ،‬والتقى بهم رجل من النصار‪ ،‬لم تخدعه بشاشستهم‪ ،‬فأعلم‬
‫أمرهم فأاستضافأهم‪ ،‬فألما وصلوا إلى منزله وجدوا تمراا ومااء بارداا وظلا وارفأاا‪،‬‬
‫فألفما تبفلغوا بتمرات‪ ،‬وشربوا من الماء‪ ،‬قال صلوات ا وسلمه عليه‪" :‬هذا من‬
‫النعيم الذي ستسألون عنه" ]"تفسير ابن كثير" ج ‪/4‬صا ‪ 545‬موجزاا[‪.‬‬

‫ي نعيم هذا حتى سيسألوا عنه‪ ،‬وسيحارسبوا عليه ؟! بضع تمرات‪ ،‬وجرعة ماء تنقع‬
‫أ ي‬
‫الغليل‪ ،‬يعتبرها الرسول صلى ا عليه وسلم من النعيم الذي يسألهم ربهم عنه يوم‬
‫القيامة‪ .‬أليس فأي هذه اللفتة الكريمة من الرسول صلى ا عليه وسلم نفحة ترمي‬
‫إلى طبع النفس بطابع الوازع القوي والحساس المرهف والشعور الدقيق والتبعة‬
‫الكبرى والمسؤولية الضخمة فأي كل تصرف تهدف إليه النفس بين حين وآخر ؟‬

‫وإن المحاسبة لتثمر الشعور بالمسؤولية تجاه ا تعالى وتجاه خلقه‪ ،‬وتجاه النفس‬

‫‪59‬‬
‫المكلفة بالتكاليف الشرعية من أوامر ونواظه‪ .‬فأبالمحاسبة يفهم النسان أنه ما سوجد‬
‫عبثاا‪ ،‬وأنه ل بفد راجع إلى ا تعالى‪ ،‬كما أخبر رسول ا صلى ا عليه وسلم‪:‬‬
‫"ما منكم من أحد إل سيكلمه ا‪ ،‬ليس بينه وبينه ترجمان‪ ،‬فأينظر أيمن منه فأل‬
‫يرى إل ما قدم‪ ،‬وينظر أشأم منه فأل يرى إل ما قدم‪ ،‬وينظر بين يديه فأل يرى إل‬
‫النار تلقاء وجهه‪ ،‬فأاتقوا النار ولو بشق تمرة‪ ،‬فأمن لم يجد فأبكلمة طيبة" ]رواه‬
‫مسلم فأي كتاب الزكاة عن عدي بن حاتم رضي ا عنه‪ ،‬والترمذي فأي كتاب صفة‬
‫القيامة[‪.‬‬

‫فأينبثق من قلبه الرجوع الختياري بالتوبة النصوح‪ ،‬ويترك الشواغل الفانية التي‬
‫تشغله عن خالقه تعالى‪ ،‬ويفر إلى ا من كل شيء‪} :‬فأرفليروا إلى ال إصني لكم لمرنهس‬
‫نذير مبيفن{ ]الذاريات‪.[50 :‬‬

‫فأففر مع تلك الفئة المؤمنة الصوفأية فأي سفرهم إلى ا تعالى‪ ،‬مجيبا ا هواتف الغيب‪:‬‬
‫}يا أييها الذيرن آمنوا افتقوا ار وكونوا مرع الصادقيرن{]التوبة‪.[119 :‬‬

‫لحضرة الحق وظاعنونا‬ ‫وإنما القوم مسافأرونا‬

‫فأآواهم المبيت فأي حضرته الكبرى‪ ،‬وأكرمهم الجناب القدس بتلك العندية التي‬
‫ق عنرد مليظك مقتدظر{ ]القمر‪.[55 :‬‬
‫ينشدها كيل محب ل تعالى‪} :‬فأي مقرعلد صد ظ‬

‫قال الشيخ أحمد زروق رحمه ا تعالى فأي قواعده‪) :‬الغفلة عن محاسبة النفس‬
‫توجب غلظها فأيما هي به‪ ،‬والتقصير فأي مناقشتها يدعو لوجود الرضا عنها‪،‬‬
‫والتضييق عليها يوجب نفرتها‪ ،‬والرفأق بها معين على بطالتها‪ .‬فألزم دوام‬
‫المحاسبة مع المناقشة‪ ،‬والخذ فأي العمل بما قارب وصح‪ ،‬دون مسامحة فأي‬
‫واضح‪ ،‬ول مطالبة بخفي من حيث العمل‪ ،‬واعتبر فأي النظر تركا ا وفأعلا واعتبر‬
‫فأي قولهم‪ :‬من لم يكن يومه خيراا من أمسه فأهو مغبون‪ ،‬ومن لم يكن فأي زيادة فأهو‬
‫فأي نقصان‪ ،‬وإن الثبات فأي العمل زيادة فأيه‪ ،‬ولمرن ثرفم قال الجنيد رحمه ا‪ :‬لو أقبل‬
‫مقبل على ا رسنة ثم أعرض عنه لكان ما فأاته منه أكثر مما ناله( ]"قواعد‬
‫التصوف" للشيخ أحمد زروق صا ‪.[75‬‬

‫‪60‬‬
‫الخوف‬

‫قال حجة السلم المام الغزالي رحمه ا تعالى‪) :‬اعلم أن حقيقة الخوف هو تألم‬
‫القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه فأي المستقبل‪ ،‬وقد يكون ذلك من جريان ذنوب‪،‬‬
‫وقد يكون الخوف من ا تعالى بمعرفأة صفاته التي توجب الخوف ل محالة‪ ،‬وهذا‬
‫أكمل وأتم‪ ،‬لن من عرف ا خافأه بالضرورة‪ ،‬ولهذا قال ا تعالى‪} :‬إفنما يخشى‬
‫اللـهر من عبالدله العلماسء{ ]فأاطر‪"] ([28:‬الربعين فأي أصول الدين" صا ‪.[196‬‬

‫ي فأارهبولن{ ]البقرة‪:‬‬
‫وقد دعا ا تعالى عباده إلى الخوف منه وحده فأقال‪}:‬وإفيا ر‬
‫‪[40‬هلل‪.‬‬

‫صرفهم بالخوف فأقال‪} :‬يخافأورن رربفسهم لمرن فأولقهم{]النحل‪.[50 :‬‬


‫ومدح المؤمنين وو ر‬

‫وجعل ا الخوف من شروط كمال اليمان فأقال‪} :‬وخافأولن إرن كنستم مؤمنيرن{ ]آل‬
‫عمران‪.[175 :‬‬

‫ووعد ا من خاف مقامه جنتين‪ :‬جنةر المعارف فأي الدنيا‪ ،‬وجنةر الزخارف فأي‬
‫الخرة فأقال‪} :‬وللرمرن خاف مقارم رصبه جفنتالن{ ]الرحمن‪.[46 :‬‬

‫وجعل ا الجنة مأوى من خاف مقام ربه فأقال‪} :‬وأفما رمرن خاف مقارم ربصله ونهى‬
‫النفس علن الهوى فأإفن الرجفنة هي المأوى{ ]النازعات‪40 :‬ـ ‪.[41‬‬

‫قال الشيخ أحمد زروق رحمه ا تعالى فأي قواعده‪) :‬من بواعث العمل وجود‬
‫الخشية وهي تعظيم يصحبه مهابة‪ .‬والخوف هو انزعاج القلب من انتقام الرب(‬
‫]"قواعد التصوف" صا ‪.[74‬‬

‫والخوف يتمثل فأي نشيج من سيقصدر خطورة العواقب فأيقف عند الواجب‪ ،‬ول‬
‫يعرض نفسه لزيغ ول إثم ؛ بل ول يقف فأي مواطن توشك أن توقعه فأي الشر‬
‫والفساد‪ ،‬ثم يترقى الصوفأي فأي الخوف فأيتحلى بأشرف ما يتحلى به المقربون‪،‬‬
‫وعندئذ تنتقل مظاهر الخوف من عالم الجسم إلى عالم الروح ؛ فأتكون للعارف‬
‫أشجان ل يدركها إل أهل الصفاء‪.‬‬

‫وفأي هذا المقام يصف سيدي عبد الوهاب الشعراني رضي ا عنه السيدة رابعة‬

‫‪61‬‬
‫العدوية بأنها كانت كثيرة البكا والحزن‪ ،‬وكانت إذا سمعت ذكر النار غشي عليها‬
‫زماناا‪ ،‬وكان موضع سجودها كهيئة الحوض الصغير من دموعها‪ ،‬وكأن النار ما‬
‫خلقت إل لجلها‪ ،‬وسر ذلك الخوف إنما هو العتقاد بأن كل بلء دون النار يسير‪،‬‬
‫ب دون البعد عن ا تعالى هين‪.‬‬ ‫وأن كل رخ ر‬
‫ط ظ‬

‫ويرى الصوفأية أن المحب ل سيسقى كأس المحبة إل بعد أن ينضح الخو س‬


‫ف قلربه‪.‬‬
‫ومن لم يكن له مثل تقواه لم يدلر ما الذي أبكاه‪ ،‬ومن لم يشاهد جمال يوسف لم يدلر‬
‫ما الذي آلم يعقوب‪.‬‬

‫وليس الخائف الذي يبكي ويمسح عينيه‪ ،‬إنما الخائف من يترك ما يخاف أن يعفذب‬
‫عليه‪.‬‬

‫قال أبو سليمان الداراني رحمه ا تعالى‪) :‬ما فأارق الخوف قلبا ا إل خرب(‬
‫]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[60‬‬

‫وليس الخائفون بمرتبة واحدة ؛ بل هم على مراتب مختلفة‪ ،‬وقد صنف ابن عجيبة‬
‫رحمه ا تعالى مراتبهم إلى ثلث مراتب فأقال‪) :‬خوف العامة من العقاب وفأوات‬
‫الثواب‪ ،‬وخوف الخاصة من العتاب وفأوات القتراب‪ ،‬وخوف خاصة الخاصة من‬
‫الحتجاب بعروض سوء الدب( ]"معراج التشوف إلى حقائق التصوف" صا ‪.[6‬‬

‫‪62‬‬
‫الرجاء‬

‫قال الشيخ أحمد زروق رحمه ا تعالى فأي تعريف الرجاء‪) :‬الرجاء‪ :‬السكون‬
‫لفضله تعالى بشواهد العمل فأي الجميع‪ ،‬وإل كان اغتراراا( ]"قواعد التصوف"‬
‫صا ‪.[74‬‬

‫وقد حثنا ا تعالى على الرجاء ونهانا عن القنوط من رحمته فأقال‪} :‬قسرل يا عباد ر‬
‫ي‬
‫ب جميعا ا إفنه‬
‫الذيرن أسررفأوا على أرنفسلسهم ل تقرنطوا لمرن رحملة ال إفن ا يغفر الذنو ر‬
‫هو الغفوسر الرحيسم{ ]الزمر‪.[53 :‬‬

‫وقال تعالى مبشراا بسعة رحمته‪} :‬ورحرمتي رولسرع ر‬


‫ت سكفل شيظء{ ]العراف‪.[155 :‬‬

‫وقال تعالى فأي وصف الذين يرجون رحمته‪} :‬إفن الذيرن آمنوا والذين هاجروا‬
‫ا{ ]البقرة‪.[218 :‬‬ ‫ك ريرسجورن رحمة ل‬
‫وجاهدوا فأي سبيل ال أولئ ر‬

‫وجاء الحث على رجاء رحمة ا فأي كثير من الحاديث الشريفة منها‪:‬‬

‫ما روي عن أبي هريرة رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪:‬‬
‫"والذي نفسي بيده لو لم تسرذنبوا لذهب ا بكم وجاء بقوم يذنبون فأيستغفرون ا‬
‫تعالى فأيغفر لهم" ]أخرجه مسلم فأي كتاب التوبة[‪.‬‬

‫وعن أبي موسى الشعري رضي ا عنه عن النبي صلى ا عليه وسلم قال‪:‬‬
‫"يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال يغفرها ا لهم‪،‬‬
‫ويضعها على اليهود والنصارى" ]أخرجه مسلم فأي كتاب التوبة[‪.‬‬

‫وعن ابن عمر رضي ا عنهما قال‪ :‬سمعت رسول ا صلى ا عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫"سيدنى المؤمن يوم القيامة من ربه حتى يضع عليه كنرفه فأيقرره بذنوبه فأيقول‪:‬‬
‫ف‪ .‬قال‪ :‬فأإني قد سترتها‬ ‫ب أعلر س‬ ‫أتعرف ذرن ر‬
‫ب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ فأيقول‪ :‬رر ص‬
‫عليك فأي الدنيا‪ ،‬وأنا أغفرها لك اليوم‪ .‬فأيعطى صحيفة حسناته" ]أخرجه مسلم فأي‬
‫كتاب التوبة‪ ،‬والبخاري فأي صحيحه فأي كتاب الرقاق‪ .‬كنفه‪ :‬ستره ورحمته[‪.‬‬

‫والرجاء يختلف عن التمني‪ ،‬إذ الراجي هو الذي يأخذ بأسباب الطاعة طالبا ا من ا‬
‫الرضى والقبول‪ ،‬بينما يترك المتمني السباب والمجاهدات‪ ،‬ثم ينتظر من ا‬

‫‪63‬‬
‫الجر والمثوبة‪ ،‬فأهو الذي قال فأي حقه عليه الصلة والسلم‪" :‬والعاجز من أتبع‬
‫نفسه هواها وتمنى على ا الماني" ]رواه الترمذي فأي كتاب صفة القيامة وقال‪:‬‬
‫حديث حسن‪ ،‬وابن ماجه فأي كتاب الزهد‪ .‬كلهما عن شداد بن أوس رضي ا‬
‫عنه[‪.‬‬

‫إذ كل رمرن رجا ا تعالى وطلبه‪ ،‬عليه أن يشمر عن ساعد الجد والجتهاد بصدق‬
‫وإخلصا حتى ينال مطلوبه‪ ،‬ولهذا قال تعالى معلما ا طريق طلبه‪} :‬فأرمرن كارن يرجو‬
‫لقارء رصبه فأليرعرمرل عملا صالحا ا ول سيشلررك بعبادة رصبه أحداا{ ]الكهف‪.[110 :‬‬

‫فأعلى العبد إن كان فأي ريعان شبابه مقارفأا ا للذنوب مطيعا ا لنفسه الشهوانية أن يسرغصلب‬
‫جانب الخوف على الرجاء‪ .‬أما إذا كان فأي نهاية عمره فأعليه أن يسرغصلب الرجاء كما‬
‫قال تعالى فأي الحديث القدسي‪" :‬أنا عند ظن عبدي بي" ]خرجه البخاري فأي‬
‫صحيحه فأي كتاب التوحيد عن أبي هريرة رضي ا عنه[‪.‬‬

‫وكما قال عليه الصلة والسلم فأي الحديث الذي يرويه جابر بن عبد ا رضي ا‬
‫عنه‪" :‬ل يموتن أحدكم إل وهو يحسن الظن بال عز وجل" ]رواه مسلم فأي كتاب‬
‫الجنة باب المر بحسن الظن بال تعالى[‪.‬‬

‫وإن كان العبد مقبلا على ربه سالكاا طريق قربه فأعليه أن يجمع بين مقامي الخوف‬
‫ف على الرجاء حتى يقنط من رحمة ا تعالى وعفوه‪ ،‬ول‬ ‫ب الخو ر‬ ‫والرجاء‪ ،‬ل يسرغلص س‬
‫ب الرجارء على الخوف حتى يسترسل فأي مهاوي المعاصي والسيئات‪ ،‬بل يطير‬ ‫يسرغلص س‬
‫بهما محلقاا فأي أجواء صافأية ؛ فأل يزال فأي قرب ودنو من الحضرة اللهية‪ ،‬قد‬
‫حقق صفة هؤلء الذين وصفهم ربهم بقوله‪} :‬تتجافأى سجسنوسبهم علن المضالجلع‬
‫يدعورن ربفرهم خوفأا ا وطررمعاا{ ]السجدة‪ [16 :‬خوفأا ا من ناره‪ ،‬وطمعا ا فأي جنته‪ ..‬خوفأا ا‬
‫من بعده‪ ،‬وطمعا ا فأي قربه‪ ..‬خوفأا ا من هجره وطمعا ا فأي رضاه‪ ..‬خوفأا ا من قطيعته‬
‫وطمعا ا فأي وصاله‪..‬‬

‫وليس الراجون بمرتبة واحدة‪ ،‬بل هم على مراتب ذكرها ابن عجيبة رحمه ا‬
‫صة حصول‬ ‫تعالى إذ قال‪) :‬رجاء العامة حسن المآب بحصول الثواب‪ ،‬ورجاء الخا ف‬
‫صة التمكين من الشهود وزيادة الترقي‬
‫الرضوان والقتراب‪ ،‬ورجاء خاصة الخا ف‬
‫فأي أسرار الملك المعبود( ]"معراج التشوف" صا ‪.[6‬‬

‫‪64‬‬
‫الصدق‬

‫ل بد للمريد الطالب سلورك سبيل النجاة والوصول إلى ا تعالى من أن يتحقق‬


‫بصفات ثلث‪ :‬الصدق والخلصا والصبر‪ ،‬لن جميع صفات الكمال ل يتحلى‬
‫بها النسان إل إذا كان متصفاا بهذه الصفات الثلث‪ ،‬وكذلك ل تتم العمال إل بها‪،‬‬
‫فأإذا فأارقر ل‬
‫ت العمارل فأسدت ولم تنل القبول‪.‬‬

‫ولما كان الباعث على العمل الصالح والترقي فأي مدارج الكمال هو الصدق ؛‬
‫ل‪ ،‬ثم بالخلصا ثانياا‪ ،‬ثم بالصبر ثالثاا‪.‬‬
‫نبتدىء بالكلم عليه أو ا‬

‫لقد ذهب العلماء فأي تقسيم الصدق مذاهب شتى‪ ،‬فأمنهم من أسهب فأي التفصيل‬
‫والتفريع‪ ،‬ومنهم من سلك مسلك القتضاب واليجاز‪.‬‬

‫فأقد ذكر حجة السلم المام الغزالي رحمه ا تعالى للصدق معان ستة فأقال‪:‬‬
‫)اعلم أن لفظ الصدق يستعمل فأي ستة معان‪ :‬صدق فأي القول‪ ،‬وصدق فأي النية‬
‫والرادة‪ ،‬وصدق فأي العزم‪ ،‬وصدق فأي الوفأاء بالعزم‪ ،‬وصدق فأي العمل‪ ،‬وصدق‬
‫فأي تحقيق مقامات الدين كلها‪ ،‬فأمن اتصف بالصدق فأي جميع ذلك فأهو صصديق‪:‬‬

‫‪1‬ـ صدق اللسان يكون فأي الخبار‪ ،‬وفأيه يدخل الوفأاء بالوعد والخلف فأيه‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫فأي المعاريض مندوحة عن الكذب‪.‬‬

‫‪2‬ـ صدق فأي النية والرادة‪ ،‬ويرجع ذلك إلى الخلصا ؛ وهو أن ل يكون له‬
‫باعث فأي الحركات والسكنات إل ا تعالى‪.‬‬

‫‪3‬ـ صدق فأي العزم على العمل ل تعالى‪.‬‬

‫‪4‬ـ صدق فأي الوفأاء بالعزم بتذليل العقبات‪.‬‬

‫‪5‬ـ صدق فأي العمال حتى ل تدل أعماله الظاهرة على أمر فأي باطنه ل يتصف‬
‫به‪.‬‬

‫‪6‬ـ الصدق فأي مقامات الدين كالخوف والرجاء والتعظيم والزهد‪ ،‬والرضا والتوكل‬
‫والحب( ]"إحياء علوم الدين" ج ‪/4‬صا ‪.[334‬‬

‫‪65‬‬
‫وأما القاضي زكريا النصاري رحمه ا تعالى فأقد ذكر للصدق محلت ثلثة‬
‫فأقال‪) :‬الصدق هو الحكم المطابق للواقع‪ ،‬ومحله اللسان والقلب والفأعال‪ ،‬وكل‬
‫منها يحتاج إلى وصف يخصه‪ ،‬فأهو فأي اللسان‪ :‬الخبار عن الشيء على ما هو‬
‫عليه‪ .‬وفأي القلب‪ :‬العزم الكيد‪ .‬وفأي الفأعال‪ :‬إيقاعها على وجه النشاط والحب‪.‬‬
‫ق للمتصف به( ]"الرسالة‬ ‫وسببه‪ :‬الوثوق بخبر المتصف‪ ،‬وثمرته‪ :‬مدسح ا والخل ل‬
‫القشيرية" صا ‪.[97‬‬

‫ومفهوم الصدق عند عوام المسلمين قاصر على صدق اللسان‪ ،‬ولكن السادة‬
‫الصوفأية قصدوا بالصدق مفهومه العام الذي يشمل بالضافأة إلى صدق اللسان‬
‫صدق القلب وصدق الفأعال والحوال‬

‫قال العلمة ابن أبي شريف رحمه ا تعالى فأي حواشي العقائد‪) :‬الصدق استعمله‬
‫الصوفأية بمعنى استواء السر والعلنية والظاهر والباطن بألف تكذب أحواسل العبد‬
‫أعمارله‪ ،‬ول أعماسله أحوارله ]"شرح رياض الصالحين" لبن علن الصديقي‪ .‬ج ‪1‬‬
‫صا ‪ [282‬فأالصدق بمفهومهم هذا‪ ،‬صفة ينبعث منها العزم والتصميم والهمة على‬
‫الترقي فأي مدارج الكمالت‪ ،‬والتخلي عن الصفات الناقصة المذمومة‪.‬‬

‫والصدق بهذا العتبار سيف ا تعالى فأي يد السالك يقطع به حبال العلئق‬
‫والعوائق التي تعترض طريقه فأي سيره إلى ا تعالى‪ ،‬ولوله لما استطاع أن‬
‫ينطلق فأي مدارج الترقي ولكان معفرضا ا للوقوف والنقطاع‪.‬‬

‫قال العلمة ابن قيم الجوزية رحمه ا تعالى‪) :‬إفن صدق التأهب للقاء ا هو‬
‫مفتاح جميع العمال الصالحة والحوال اليمانية‪ ،‬ومقامات السالكين إلى ا‪،‬‬
‫ومنازل السائرين إليه من اليقظة والتوبة والنابة والمحبة والرجاء والخشية‬
‫والتفويض والتسليم وسائر أعمال القلوب والجوارح‪ ،‬فأمفتاح ذلك كله صدق‬
‫ب سواه(‬‫التأهب والستعداد للقاء ا‪ ،‬والمفتاح بيد الفتاح العليم‪ ،‬ل إله غيره ول ر ف‬
‫]"طريق الهجرتين" لبن قيم الجوزية المتوفأى سنة ‪751‬هـ صا ‪.[223‬‬

‫فأإذا تحلى السالك بالصدق استطاع أن يسير بخطى سريعة نحو مراتب اليمان‬
‫العالية‪ ،‬إذ هو القوة الدافأعة والمحركة‪ ،‬وهو الصفة اللزمة لكل مقام من مقامات‬
‫السلوك إلى ا تعالى‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫فأأول مراحل السير هو صدق العبد فأي إنابته إلى ربه بالتوبة النصوح التي هي‬
‫أساس العمال الصالحة‪ ،‬وأول درجات الكمال‪.‬‬

‫والصدق فأي تهذيب النفس المارة‪ ،‬يحقق النجاح الكبير فأي التخلص من أمراضها‬
‫وشهواتها‪ ،‬ويطهر القلب من الخبائث حتى ينتهي إلى اليمان الذوقي الذي وصفه‬
‫ق ر‬
‫طعرم اليمالن‪"] "...‬ذاق طعم اليمان‬ ‫رسول ا صلى ا عليه وسلم بقوله‪" :‬رذا ر‬
‫من رضي بال تعالى ربا ا وبالسلم دينا ا وبمحمد نبياا"‪ .‬أخرجه مسلم فأي كتاب‬
‫اليمان عن أبي هريرة رضي ا عنه‪ ،‬والمام أحمد والترمذي عن العباس بن‬
‫عبد المطلب رضي ا عنه[‪.‬‬

‫والصدق فأي محاربة الشيطان والتخلص من وساوسه يجعل المؤمن فأي نجاة من‬
‫كيده وأمان من شره‪ ،‬كما يجعل الشيطارن فأي يأس وقنوط من إضلله وغوايته‪.‬‬

‫والصدق فأي إخراج حب الدنيا من القلب يرحمسل النسان على المجاهدة المستمرة‬
‫بالصدقة واليثار والتعاون الخيري‪ ،‬حتى يتخلص من حبها وينجو من سيطرتها‬
‫على قلبه‪.‬‬
‫والصدق فأي طلب العلم تخلصا ا من الجهل وتصحيحا ا للعمل‪ ،‬يحمل النسان على‬
‫الستقامة والمثابرة‪ ،‬وتحمل المشاق وسهر الليالي كي ينال منه أوفأر نصيب وأكبر‬
‫قسط‪ ،‬وما نبغ العلماء إل بصدقهم وإخلصهم وصبرهم‪.‬‬
‫والصدق فأي العمل هو ثمرة العلم وغايته‪ ،‬إذ يجعل العبد فأي ارتقاء دائم‪ ،‬ويجعل‬
‫ض‬‫علمه سبباا فأي كماله‪ ،‬ول بد من إخلصا فأي ذلك‪ ،‬وإل قد يدخل على السائر بع س‬
‫العلل الموقفة له عن مطلوبه من حب الشهرة والسمعة واللتفات إليها‪...‬‬
‫فأالخلصا فأي الصدق يزيل هذه الشوائب من طريق الغاية المنشودة وهي رضاء‬
‫ا تعالى ومعرفأته ومحبته‪.‬‬

‫ومن هنا تظهر أهمية الصدق وعظيم آثاره‪ ،‬ولذلك اعتبره الحق سبحانه أرفأع‬
‫الدرجات بعد النبوة والرسالة‪ ،‬قال أبو القاسم القشيري رحمه ا تعالى‪) :‬الصدق‬
‫عماد المر وبه تمامه‪ ،‬وفأيه نظامه‪ ،‬وهو تالي درجة النبوة‪ .‬قال ا تعالى ‪} :‬ورمرن‬
‫ك مرع الذيرن أرنرعرم اس عليهم من الفنبصييرن وال ص‬
‫صلديقيرن والشهدالء‬ ‫يسلطلع ار ورسولرهس فأسأولئ ر‬
‫ك رفأيقاا{ ]النساء‪"] ([69 :‬الرسالة القشيرية" صا ‪.[97‬‬ ‫والصالحيرن وحسسرن أولئ ر‬
‫ولهذا أمر ا تعالى المؤمنين أن يلزموا أهل الصدق ليستفيدوا من حالهم وينتفعوا‬
‫من صدقهم فأقال‪} :‬يا أيها الذين آمنوا افتقوا ار وكونوا مع الصادقيرن{ ]التوبة‪:‬‬
‫‪.[119‬‬

‫‪67‬‬
‫ووصف ا تعالى الصادقين بالقلة‪ ،‬وأنهم الفئة المختارة من المؤمنين فأقال‪} :‬لمرن‬
‫المؤمنيرن لرجافل صدقوا ما عاهدوا ار عليه{ ]الحزاب‪.[23 :‬‬

‫وقال معروف الكرخي رحمه ا تعالى مشيراا إلى قلة الصادقين‪) :‬ما أكثر‬
‫الصالحين وأقل الصادقين فأي الصالحين!( ]"طبقات الصوفأية" للسلمي صا ‪.[87‬‬

‫صسدقوا فأي إيمانهم وعهدهم مع رسول ا‬‫كما نفدرد ا تعالى بالمنافأقين الذين لم ير ر‬
‫صلى ا عليه وسلم فأقال‪} :‬فألو صردسقوا ار لكارن خيراا لسهم{ ]محمد‪.[21 :‬‬

‫وقد أخبر ا تعالى أن العبد يوم القيامة يجني ثمار صدقه‪ ،‬ويكون صدقه سبب‬
‫صردقسسهم{]المائدة‪.[119 :‬‬
‫نفعه ونجاته فأقال‪} :‬هذا يوسم يررنفرسع الصادقيرن ل‬

‫وقد اعتبر الرسول صلى ا عليه وسلم الصدق سبيلا موصلا إلى البر الذي يشمل‬
‫كل الفضائل والكمالت التي تؤهل العبد لدخول الجنة‪ ،‬كما جعل دوام التصاف‬
‫بالصدق مفتاحا ا لنيل مرتبة الصصديقية فأقال‪" :‬إن الصدق يهدي إلى اللبر‪ ،‬وإن اللبر‬
‫ب عند ا صصديقاا‪ ،‬وإن الكذب يهدي‬ ‫صسد س‬
‫ق حتى سيكتر ر‬ ‫يهدي إلى الجنة‪ ،‬وإن الرجل لي ر‬
‫ب عند ا‬ ‫ب حتى سيكت ر‬ ‫إلى الفجور‪ ،‬وإن الفجور يهدي إلى النار‪ ،‬وإن الرجل لرريكلذ س‬
‫كذاباا" ]أخرجه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب الدب‪ ،‬ومسلم فأي كتاب البر عن‬
‫ابن مسعود رضي ا عنه[‪.‬‬

‫وقد أوضح الرسول عليه الصلة والسلم أن الصدق يثمر طمأنينة القلب وراحة‬
‫الفكر‪ ،‬بينما يسبب الكذب حالت من القلق والضطراب والشك وعدم الستقرار‪،‬‬
‫فأقد روي عن الحسن بن علي رضي ا عنهما أنه قال‪ :‬حفظت من رسول ا‬
‫صلى ا عليه وسلم‪" :‬دع ما يريبك إلى ما ل يريبك فأإن الصدق طمأنينة والكذب‬
‫ريبة" ]أخرجه الترمذي فأي كتاب صفة القيامة وقال‪ :‬حديث حسن صحيح[‪.‬‬

‫صديق‪ .‬قال أبو‬‫وليس الصادقون بمرتبة واحدة‪ ،‬بل هناك الصادق‪ ،‬وأعلى منه ال ص‬
‫القاسم القشيري رحمه ا تعالى‪) :‬أقل الصدق استواء السر والعلنية‪ ،‬والصادق‬
‫صصديق من صدق فأي جميع أقواله وأفأعاله وأحواله(‬ ‫من صدق فأي أقواله‪ ،‬وال ص‬
‫]"الرسالة القشيرية" صا ‪ .[97‬ورتبة الصصديقية فأي نفسها مراتب متفاوتة‪ ،‬بعضها‬
‫أعلى من بعض‪ ،‬وقد نال أبو بكر الصديق رضي ا عنه ذروة سنام الصديقية‪،‬‬
‫ق به{ ]الزمر‪.[32 :‬‬ ‫ق وصفد ر‬‫صد ل‬
‫وشهد ا تعالى بذلك فأقال‪} :‬والذي جارء بال ص‬

‫‪68‬‬
‫ول يعلو مقارم الصديقية إل مقاسم النبوة‪ ،‬فأمقام الصديقية مقام الولية الكبرى‬
‫ف فأيه الفتوحات وتعظم التجليات وتتم‬‫والخلفأة العظمى‪ ،‬وهذا المقام تترارد س‬
‫المشاهدات والكشوفأات لكمال النفس وحسن صفائها‪.‬‬
‫الخلصة‪:‬‬

‫إن من يعمر باطنه بالصدق والخلصا‪ ،‬تجري حركاته وسكناته على حسب ما‬
‫فأي قلبه ؛ فأيظهر الصدق فأي أحواله وأقواله وأعماله‪ ،‬لن من أررسفر سريرة ألبسه‬
‫ا رداءها‪.‬‬

‫ق على كل من فأهم عن ا تعالى أن‬ ‫قال العلمة القرطبي رحمه ا تعالى‪) :‬ح ي‬
‫يلزم الصدق فأي القوال‪ ،‬والخلصا فأي العمال‪ ،‬والصفاء فأي الحوال‪ ،‬فأرمرن‬
‫كان كذلك لحق بالبرار‪ ،‬ووصل إلى رضاء الغفار( ]"شرح رياض الصالحين"‬
‫لبن علن ج ‪/1‬صا ‪.[284‬‬

‫فأعليك أيها المريد أن تكون صادقا ا فأي أقوالك لن الكذب من صفات المنافأقين‪ .‬قال‬
‫عليه الصلة والسلم‪" :‬آية المنافأق ثلث‪ :‬إذا حفدث كذب‪ ،‬وإذا وعد أخلف‪ ،‬وإذا‬
‫ائتمن خان" ]أخرجه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب اليمان‪ ،‬ومسلم فأي كتاب‬
‫اليمان عن أبي هريرة رضي ا عنه‪ .‬قال المناوي فأي شرح هذا الحديث‪) :‬النفا س‬
‫ق‬
‫ضربان‪ :‬شرعي‪ :‬وهو إبطان الكفر وإظهار اليمان‪ ،‬وعرفأي‪ :‬وهو أن يكون سره‬
‫خلف علنيته‪ ،‬وهو المراد هنا(‪" .‬فأيض القدير شرح الجامع الصغير" ج ‪/1‬صا‬
‫‪.[63‬‬

‫وكن صادقاا فأي طلب الوصول إلى ا تعالى‪ ،‬فأالمقاصد العالية ل ستنال بالتشهي‪،‬‬
‫لذلك قيل‪) :‬ل ينال الوصول من كان فأي قلبه شهوة الوصول( بل يناله بالجد‬
‫والجتهاد‪.‬‬

‫وعرمر قلبك بالصدق لتنبعث منه الهمة والنشاط فأي سيرك إلى ا تعالى‪.‬‬

‫وتحقق بالصدق إن قلت ياا فأالصدق وجهه مقبول وعليك بالصدق فأي عهدك مع‬
‫مرشدك ودليلك إلى ا تعالى حتى يكون ذلك عونا ا لك على ترقيك وسرعة‬
‫وصولك‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫وكن صادقا ا فأي موافأقتك لربك أمراا ونهياا وفأي اتباعك لرسوله صلى ا عليه وسلم‬
‫حتى تتحقق بالعبدية ل تعالى‪ ،‬فأهي سأمنية السالكين لربهم فأي جميع مراتبهم‬
‫ومقاماتهم‪.‬‬

‫الخلص‬

‫تعريفه‪ :‬قال أبو القاسم القشيري رحمه ا تعالى معرفأا ا الخلصا‪) :‬الخلصا‬
‫إفأراد الحق سبحانه فأي الطاعة بالقصد‪ ،‬وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى ا تعالى‬
‫ب رمرحرمردظة عند الناس أو محبة مد ظ‬
‫ح‬ ‫دون شيء آخر من تصنظع لمخلوق أو اكتسا ل‬
‫لمخلوق أو معنى من المعاني سوى التقرب إلى ا تعالى‪ .‬وقال‪ :‬ويصح أن يقال‪:‬‬
‫الخلصا تصفية الفعل عن ملحظة المخلوقين( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪ 95‬ـ‬
‫‪.[96‬‬

‫وقال أبو علي الدقاق رحمه ا تعالى‪) :‬الخلصا‪ :‬التوقي عن ملحظة الخلق‪،‬‬
‫فأالمخلص ل رياء له( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪ 95‬ـ ‪.[96‬‬

‫وقال الفضيل بن عياض رحمه ا تعالى‪) :‬ترك العمل من أجل الناس رياء‪،‬‬
‫والعمل من أجل الناس شرك‪ ،‬والخلصا أن يعافأيك ا منهما( ]"الرسالة‬
‫القشيرية" صا ‪ 95‬ـ ‪.[96‬‬

‫وقال المام الجنيد رحمه ا تعالى‪) :‬الخلصا لسير بين ا وبين العبد‪ ،‬ل يعلمه‬
‫ى فأيميله( ]"الرسالة القشيرية" ص ‪ 95‬ـ‬
‫ملك فأيكتبه ول شيطان فأيفسده ول هو ا‬
‫‪[96‬هلل‪.‬‬

‫وقال شيخ السلم زكريا النصاري رحمه ا تعالى‪) :‬حق المخلص أن ل يرى‬
‫إخلصه ول يسكن إليه‪ ،‬فأمتى خالف ذلك لم يكمل إخلصه‪ ،‬بل سماه بعضهم‬
‫رياء( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪ 95‬ـ ‪.[96‬‬

‫هذه القوال والعبارات المتنوعة فأي الخلصا ترجع إلى مقصد واحد وهو أن ل‬
‫يكون للنفس حظ فأي عمل من العمال التعبدية‪ ،‬الجسمية منها والقلبية والمالية‪،‬‬
‫وأن ل يرى إخلصه‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫أهميته في الكتاب وأالسنة‪:‬‬
‫لما كان قبول العمال موقوفأاا على وجود الخلصا فأيها‪ ،‬أمر ا تعالى نبيه عليه‬
‫الصلة والسلم بالخلصا فأي عبادته تعليما ا لهذه المة فأقال‪} :‬قرل إصني سأمر س‬
‫ت أرن‬
‫أعبسرد ار سمخللصا ا لهس الديرن{ ]الزمر‪ [11 :‬وقال‪} :‬قل ار أعبسسد مخللصا ا لهس ديني{‬
‫ص{‬ ‫]الزمر‪ .[14 :‬وقال عز وجل‪} :‬فأاعبسلد ار مرخللصا ا له الديرن أل ل الديسن الخال س‬
‫]الزمر‪.[2 :‬‬

‫كما أمر ا تعالى خلقه أن تكون جميع عباداتهم القولية والفعلية والمالية خالصة له‬
‫تعالى‪ ،‬بعيدة عن الرياء فأقال‪} :‬وما أسلمروا إل للريعسبدوا ار سمخللصيرن له الديرن{‬
‫]البينة‪.[5 :‬‬

‫وأوضح الحق سبحانه أن السبيل إلى لقاء ا تعالى يوم القيامة لقاء رضى وإنعام‬
‫هو العمل الصالح الخالص لوجه ا‪ ،‬السليسم من ملحظة الخلق فأقال‪} :‬فأرمرن كان‬
‫يرجو للقارء رربصله فأررليررعرمرل عملا صالحا ا ول يسرشلررك بلعباردلة رربصله أحداا{ ]الكهف‪.[110 :‬‬

‫وجاءت الحاديث الشريفة توصجه العبد إلى الخلصا فأي جميع أعماله وتحصذره أن‬
‫يقصد بعبادته ثناء الناس ومدرحهم وتبين أن كل عمل لم يتصف بالخلصا ل‬
‫تعالى فأهو مردود على صاحبه‪ ،‬وتوضح أن ا تعالى ل ينظر إلى ظاهر أعمال‬
‫العبد‪ ،‬بل ينظر إلى ما فأي قلبه من النوايا والمقاصد‪ ،‬لن العمال بالنيات‪،‬‬
‫والمور بمقاصدها‪.‬‬

‫وقد سمى الرسول صلى ا عليه وسلم الرياء شركا ا أصغرر تارة‪ ،‬وسماه شر ر‬
‫ك‬
‫السرائر تارة أخرى‪ .‬وأخبر أن ا تعالى سوف يتبرأ من المرائي يوم القيامة‪،‬‬
‫ويحيله إلى الناس الذين أشركهم فأي عبادته‪.‬‬

‫وهذه بعض الحاديث الشريفة التي تبين أهمية الخلص وتوضح هذه المعاني‬
‫المذكورة‪:‬‬
‫ت‬‫‪1‬ـ عن أبي أمامة قال‪ :‬جاء رجل إلى رسول ا صلى ا عليه وسلم فأقال‪" :‬أرأي ر‬
‫ل غزا يلتمس الجر والذكر‪ ،‬ما له ؟ فأقال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ :‬ل‬ ‫رج ا‬
‫شيء له‪ ،‬فأأعادها ثلث مرات‪ ،‬ويقول رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ :‬ل شيء له‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬إن ا عز وجل ل يقبل من العمل إل ما كان له خالصاا‪ ،‬وابتسلغري به وجهه"‬
‫]رواه أبو داود والنسائي بإسناد جيد[‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫‪2‬ـ عن أبي هريرة رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬إن‬
‫ا ل ينظر إلى أجسامكم ول إلى صرولركم‪ ،‬ولكن ينظسر إلى قلوبكم" ]رواه مسلم‬
‫فأي كتاب البر والصلة[‪.‬‬

‫‪3‬ـ عن شداد بن أوس رضي ا عنه أنه سمع النبي صلى ا عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫"رمرن صام يرائي فأقد أشرك‪ ،‬ومن صلى يرائي فأقد أشرك‪ ،‬ومن تصدق يرائي فأقد‬
‫أشرك" ]رواه البيهقي كما فأي "الترغيب والترهيب" ج ‪/2‬صا ‪.[31‬‬

‫‪4‬ـ وعن محمود بن لبيد قال‪ :‬خرج النبي صلى ا عليه وسلم فأقال‪" :‬يا أيها الناس‬
‫ك السرائر ؟ قال‪ :‬يقوم الرجل‬ ‫إياكم وشرك السرائر‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول ا وما شر س‬
‫فأيصلي‪ ،‬فأيزين صلته جاهداا لما يرى من نظر الناس إليه‪ ،‬فأذلك شرك السرائر"‬
‫]رواه ابن خزيمة فأي صحيحه[‪.‬‬

‫‪5‬ـ وعن محمود بن لبيد أن رسول ا صلى ا عليه وسلم قال‪" :‬إن أخروف ما‬
‫أخاف عليكم الشرك الصغر‪ ،‬قالوا وما الشرك الصغر يا رسول ا ؟ قال‪:‬‬
‫ي الناس بأعمالهم‪ :‬اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون‬
‫الرياء‪ .‬يقول ا عز وجل إذا سجلز ر‬
‫فأي الدنيا‪ ،‬فأانظروا هل تجدون عندهم جزااء" ]رواه المام أحمد بإسناد جيد[‪.‬‬

‫‪6‬ـ وعن أبي سعيد بن أبي فأضالة رضي ا عنه‪ ،‬وكان من الصحابة قال‪ :‬سمعت‬
‫رسول ا صلى ا عليه وسلم يقول‪" :‬إذا جمع ا الولين والخرين يوم القيامة‬
‫ليوظم ل ريب فأيه‪ ،‬نادى مناظد‪ :‬رمرن أشرك فأي عمله ل أحداا فأليطلب ثوابه من عنده‪،‬‬
‫فأإن ا أغنى الشركاء عن الشرك" ]رواه الترمذي فأي كتاب التفسير‪ ،‬تفسير سورة‬
‫الكهف[‪.‬‬

‫أقوال العلماء في أهمية الخلص‪:‬‬


‫قال مكحول رحمه ا تعالى‪" :‬ما أخلص عبد أربعين يوما ا إل ظهرت ينابيع‬
‫الحكمة من قلبه على لسانه" ]"الرسالة القشيرية" صا ‪95‬ـ ‪.[96‬‬

‫وقيل لسهل بن عبد ا التستري رحمه ا تعالى‪ :‬أي شيء أشد على النفس ؟ قال‪:‬‬
‫)الخلصا‪ ،‬لنه ليس لها فأيه نصيب( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪95‬ـ ‪.[96‬‬

‫وقال أبو سليمان الداراني رحمه ا تعالى‪) :‬إذا أخلص العبد انقطعت عنه كثرة‬

‫‪72‬‬
‫الوساوس والرياء( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪95‬ـ ‪.[96‬‬

‫وقال ابن عجيبة فأي شرح حكمة ابن عطاء ا السكندري رحمهما ا تعالى‪:‬‬
‫]العمال صور قائمة‪ ،‬وأرواحها وجود سر الخلصا فأيها[‪) :‬العمال كلها أشباح‬
‫وأجساد‪ ،‬وأرواحها وجود الخلصا فأيها‪ ،‬فأكما ل قيام للشباح إل بالرواح وإل‬
‫كانت ميتة ساقطة ؛ كذلك ل قيام للعمال البدنية والقلبية إل بوجود الخلصا‬
‫فأيها‪ ،‬وإل كانت صوراا قائمة وأشباحا ا خاوية ل عبرة بها( ]"إيقاظ الهمم في‬
‫شرح الحكم" لبن عجيبة ج ‪/1‬ص ‪[25‬هلل‪.‬‬

‫وكلم العلماء والعارفأين فأي الخلصا أكثر من أن يحصى‪ ،‬وكلهم يؤكدون عظيم‬
‫أهميته وكبير أثره‪.‬‬

‫مراتب الخلص‪:‬‬
‫قال ابن عجيبة رحمه ا تعالى‪) :‬الخلصا على ثلث درجات‪ :‬إخلصا العوام‬
‫والخواصا وخواصا الخواصا‪.‬‬

‫فأإخلصا العوام‪ :‬هو إخراج الخلق من معاملة الحق مع طلب الحظوظ الدنيوية‬
‫والخروية كحفظ البدن والمال وسعة الرزق والقصور والحور‪.‬‬

‫وإخلصا الخواصا‪ :‬طلب الحظوظ الخروية دون الدنيوية‪.‬‬

‫وإخلصا خواصا الخواصا‪ :‬إخراج الحظوظ بالكلية‪ ،‬فأعبادتهم تحقيق العبودية‬


‫والقياسم بوظائف الربوبية محبة وشوقا ا إلى رؤيته‪ ،‬كما قال ابن الفارض‪:‬‬

‫غيرر أني أحبها لراكا‬ ‫ليس سرؤلي من الجنان نعيما ا‬

‫وقال آخر‪:‬‬
‫ويررون النجاة حظا ا جزيلا‬ ‫ف ناظر‬
‫كلهم يعبدون من خو ل‬
‫ض ويشربوا السلسبيل‬ ‫أو بأرن يسكنوا الجنان فأيضحوا فأي ريا ظ‬
‫ي أنا ل أبتغي بللحصبي بديل‬
‫ليس لي فأي الجنان والنالر رأ ف‬

‫ص من دقائق الرياء من غير‬


‫وقال‪ :‬والحاصل ل يمكن الخروج من النفس والتخل س‬
‫شيخ أبداا‪ .‬وا تعالى أعلم( ]"إيقاظ الهمم فأي شرح الحكم" ج ‪/1‬صا ‪ 25‬ـ ‪.[26‬‬

‫‪73‬‬
‫وأسمى مقاصد الصوفأية أن يرتقوا بإخلصهم إلى أرفأع الدرجات ويعبدوا ا‬
‫مبتغين وجهه دون أن يقصدوا ثواباا‪:‬‬
‫ول الحوسر الحساسن ول الخياسم‬ ‫فأما مقصودهم جنات رعردظن‬
‫وهذا مقصد القوم الكراسم‬ ‫سوى نظلر الجليل وذا سمناهم‬

‫كما قالت رابعة‪ :‬ما عبدتك خوفأا ا من نارك ول طمعا ا فأي جنتك‪ ،‬وإنما عبدتك‬
‫لذاتك‪ .‬فألو لم يكن ثرفمة ثواب ول عقاب‪ ،‬ول جنة ول نار‪ ،‬لررما تأخروا عن عبادتهم‬
‫ولما انثنوا عن طاعاتهم لنهم يعبدون ا ل‪ ،‬ولن أعمالهم تصدر عن قلب رعفمرره‬
‫ب قربه ورضوانه‪ ،‬بعد أن أدركوا نعمه وآلءه‪ ،‬وذاقوا بلفره‬ ‫ب ا وحده‪ ،‬وطل س‬ ‫ح ي‬
‫وإحسانه‪.‬‬

‫وليس معنى هذا أنهم ل يحبون دخول الجنة‪ ،‬ول يرغبون فأي البعد عن النار ـ كما‬
‫فأهم بعض الحمقى من أعداء التصوف ـ ]فأإن بعضهم أخذ يندد بكلم رابعة‬
‫العدوية‪ ،‬واتهمها بأنها فأقدت الرغبة والرهبة‪ .‬وهذا جهل ومغالطة فأإنها لم تخرج‬
‫ت بهما وارتفعت‪ ،‬فأكانت رغبتها فأي رضاء‬ ‫عن حدود الرغبة والرهبة‪ ،‬ولكنها رسرم ر‬
‫ا وقربه وحبه‪ ،‬ورهبتها من غضبه وبعده‪ ،‬فأكلما عظم إيمان المرء ازدادت‬
‫رهبته وسرمت رغبته‪ ،‬وكم كانت رابعة كثيرة البكاء والخوف والنحيب ؟![ فأهم‬
‫يكرهون النار ويخافأونها لنها مظهر سخط ا وغضبه ونقمته‪ ،‬ويحبون الجنة‬
‫ويطلبونها لنها مظهر حب ا ورضاه وقربه‪ ،‬كما قالت آسية زوجة فأرعون‪:‬‬
‫ك بيتا ا فأي الرجنفلة{ ]التحريم‪ .[11 :‬فأهي قد طلبت اللعرندية والسقرب‬
‫ب ابلن لي عند ر‬
‫}ر ص‬
‫قبل أن تطلب الجنة‪ ،‬طلبت الجوار قبل الدار‪.‬‬

‫ولكن حب من سكن الديارا‬ ‫ب الديالر رشرغرفرن رقلبي‬


‫وما سح ي‬

‫ولم تكن رغبتها فأي الجنة إل لنوال الحب والقرب والرضا منه تعالى‪.‬‬
‫وهكذا عندما ترتفع همة العبد وتسمو غاياته يرترررففأع عن ملحظة لذائذه البدنية‬
‫ومنافأعه الشخصية‪ ،‬سواء كانت دنيوية أم أخروية‪ ،‬ويبغي فأي جميع عباداته الحب‬
‫والقرب‪ ،‬والتحقق بالعبودية الخالصة‪ ،‬فأعلى قدر همة العبد يكون مطلبه‪.‬‬

‫ول نقصد من هذا أن الذي يبغي من طاعاته وعباداته النعيم الخروي والتمتع‬
‫صا من عذاب النار‪ ،‬أنه منحرف ضال‪ ،‬ول نفدعي أنه‬‫بلذائذ الجنة‪ ،‬أو الخل ر‬

‫‪74‬‬
‫محروم من وعد ا ؛ بل هو مؤمن طائع صالح‪ ،‬إل أن مرتبته أدنى من مرتبة‬
‫أولئك الذين سمت نياتهم‪ ،‬وارتفعت هممهم فأي إخلصهم لربهم‪.‬‬

‫قال المام السيوطي رحمه ا تعالى‪) :‬القياسم بالوامر والنواهي ل وحده‪ ،‬ل لجلب‬
‫ف من عبرد ا للثواب وخوف‬ ‫ثواب ول لدفأع عقاب‪ ،‬وهذا حال من عبرد ا ل‪ ،‬خل س‬
‫العقاب‪ ،‬فأإنما رعبررد للرح ص‬
‫ظ نفسه‪ ،‬وإن كان هو محبا ا أيضاا‪ ،‬لكنه فأي درجة البرار‪،‬‬
‫وذاك فأي درجة المقربين( ]"تأييد الحقيقة العلية" للمام السيوطي صا ‪.[61‬‬

‫قال الشيخ أحمد زروق رحمه ا تعالى فأي "قواعد التصوف"‪) :‬تعظيم ما ع ف‬
‫ظم‬
‫ا متعصين‪ ،‬واحتقار ذلك ربما كان كفراا‪ ،‬فأل يصح فأررهسم قولهم‪] :‬ما عبدناه خوفأا ا من‬
‫ناره ول طمعا ا فأي جنته[‪ .‬على الطلق إما احتقاراا لهما ـ وقد عظمهما ا تعالى ـ‬
‫فأل يصح احتقارهما من مسلم‪ ،‬وإما استغناء عنهما ول غنى للمؤمن عن بركة‬
‫موله‪ .‬نعم لم يقصدوهما بالعبادة بل عملوا ل تعالى ل لشيء‪ ،‬وطلبوا منه الجنة‬
‫ا{‬‫والنجاة من النار ل لشيء‪ .‬وشاهد ذلك فأي قوله تعالى‪} :‬إفنما سنطلعسمكم لوجله ل‬
‫]النسان‪ [9 :‬إذ جعل لعفلة العمل إرادة وجهه تعالى( ]"قواعد التصوف" للشيخ‬
‫أحمد زروق صا ‪.[76‬‬

‫شوائب الخلص في أعمال السالك‪:‬‬


‫ب إخلصه‪ ،‬وما هذه الفأات إل حجب‬ ‫ت كثيرة ترسشو س‬
‫قد تدخل على السالك آفأا ف‬
‫تعرقل سيره إلى ا تعالى‪ ،‬لذا كان من الضروري الشارة إليها‪ ،‬وتحذير السالكين‬
‫من مخاطرها‪ ،‬ثم بيان طريق الخلصا منها حتى تكون جميع أعمال السالك‬
‫خالصة لوجهه تعالى‪.‬‬

‫الحجاب الوأل‪ :‬رؤيته لعمله وأإعجابه به وحجابه به عن المعمول له وبالعبادة عن‬


‫المعبود‪.‬‬

‫فأالذي يخلصه من رؤية عمله علسمهس بفضل ا تعالى عليه وتوفأيقه له‪ ،‬وأنه مخلوق‬
‫هو وعمله ل تعالى‪} :‬واس خلرقرسكم وما تعرملورن{ ]الصافأات‪ .[96 :‬إل أن له نسبةر‬
‫الكسب فأقط‪.‬‬

‫س لفمارةف‬
‫وإذا دقق فأي صفات النفس‪ ،‬وعلم أنها كما وصفها ا تعالى‪} :‬إفن النف ر‬
‫بالسولء{ ]يوسف‪ .[53 :‬أدرك أن كل خير يصدر منه هو محض فأضل من ا‬
‫تعالى ومفنة‪ ،‬وعندئظذ يتذوق معنى قوله تعالى‪} :‬ولول فأضسل ال عليكم ورحمتسهس ما‬

‫‪75‬‬
‫زكى منسكرم من أحظد{ ]النور‪.[21 :‬‬

‫ص العبد من رؤية أعماله وإعجابه بها يكون بمعرفأة نفسه ومعرفأة دخائلها‪،‬‬
‫فأتخل س‬
‫فأليجتهد النسان فأي تحصيل هذه المعرفأة‪.‬‬

‫الحجاب الثاني‪ :‬طلبه العوض لعمله‪ ،‬والعوض إما أن يكون فأي الدنيا أو فأي‬
‫الخرة‪.‬‬

‫أما الذي يكون فأي الدنيا‪ ،‬فأطلبه الشهوات المنفوعة‪ ،‬ومنها شهوة السمعة والشهرة‪،‬‬
‫وحب الظهور وغير ذلك‪ ،‬وكذلك طلبه للحوال والمقامات والمكاشفات‬
‫والمعارف‪.‬‬

‫ولهذا يقول العارف الكبير الشيخ أرسلن رحمه ا تعالى ناصحا ا كل ملتفت إلى‬
‫غير مطلوبه ومحبوبه ومقصوده‪) :‬يا أسير الشهوات والعبادات‪ ،‬يا أسير المقامات‬
‫والمكاشفات‪ ،‬أنت مغرور( ]"خمرة الحان ورنة اللحان" صا ‪ .[177‬وإنما كان‬
‫أسيرها لنها من جملة الغيار ومن عالم الخلق‪ ،‬فأالوقوف عندها قاطع عن‬
‫الوصول إلى معرفأة خالقها تعالى‪ ،‬قال تعالى‪} :‬وأفن إلى ربص ر‬
‫ك المنتهى{ ]النجم‪:‬‬
‫‪.[42‬‬

‫ويقول الشيخ عبد الغني النابلسي رحمه ا تعالى معلقا ا على كلمه‪) :‬إذ لو كنت‬
‫ت القصد إليه‬ ‫ت إلى شهوة أو عبادة‪ ،‬ول مقام ول مكاشفة‪ ،‬ولفأررد ر‬ ‫صادقا ا ما التف ف‬
‫ت العزم والهمة فأيه تعالى‪ ،‬وتركت ما‬ ‫تعالى وحده دون جميع ما عداه‪ ،‬ولرجرررد ر‬
‫سواه‪ .‬ثم قال‪ :‬ونقل ابن عطاء ا السكندري فأي "التنوير فأي إسقاط التدبير" عن‬
‫شيخه أبي العباس المرسي رضي ا عنه‪ ،‬أنه يقول‪) :‬لن يصل الولي إلى ا حتى‬
‫ت إلى ذروة‬‫تنقطع عنه شهوة الوصول إلى ا تعالى(‪ .‬ومن كلم بعضهم‪) :‬لو سرفأع ر‬
‫ت بشيء طرفأة عين فألست من سأولي‬ ‫ت إلى حيث ل مكان‪ ،‬ثم اغتررر ر‬ ‫الكوان وترقي ر‬
‫اللباب( ويقول ابن الفارض رحمه ا تعالى‪:‬‬
‫قال لي سحرسن كل شيء تجفلى بي تررمفل فأقلت قصدي وراك‬

‫فأاللتفات إلى حسن المكفونات والمخلوقات‪ ،‬والوقوف عندها اغترار وانقطاع(‬


‫]"خمرة الحان ورنة اللحان" شرح رسالة الشيخ أرسلن الدمشقي لعبد الغني‬
‫النابلسي رحمه ا تعالى صا ‪.[29‬‬

‫‪76‬‬
‫ويقول بعضهم ناصحا ا لمن هذا حاله‪:‬‬
‫ومهما ترى كفل المراتب ستجترلى عليك فأسحرل عنها فأرعرن مثللها سحرلنا ويقول ابن عطاء‬
‫ت همةس سالك أن تقف عند ما كشف لها‪ ،‬إل نادته‬ ‫ا رحمه ا تعالى‪) :‬ما أراد ر‬
‫هواتف الحقيقة‪ :‬الذي تطلب أمامك( ]"إيقاظ الهمم فأي شرح الحكم" ج ‪/1‬صا ‪.[51‬‬

‫ب العبلد لهذه المقامات وغيرها شهوة خفية‪ ،‬وذلك إما أن ينالها فأيطمئن إليها‪،‬‬
‫وطل س‬
‫وسيحجب بها عن المقصود ؛ وإما أن ل ينالها عندما سار إليها‪ ،‬إل أنه جعلها غاية‪،‬‬
‫وا تعالى وسيلة‪ ،‬فأيجتهد لتحصيلها فأل يصل‪ ،‬فأيفتر عزمه‪ ،‬ويقنط وييأس‪،‬‬
‫وعندئظذ يرجع القهقرى‪ ،‬إل إذا لحظرته العنايةس بإرشاد المرشدين‪ ،‬فأيمكنه التخلص‬
‫من هذه الورطة‪ ،‬وإل دام منقطعاا‪ ،‬وانقلب على وجهه خاسراا‪.‬‬
‫وأما طلب العوض فأي الخرة‪ :‬فأدخول الجنة والنجاة من النار‪.‬‬
‫وتصحيح سيره بأن يعتقد أن دخول الجنة برحمة ا تعالى ل بعمله ؛ فأقد روي‬
‫عنه عليه الصلة والسلم‪" :‬لن يدخل أحدكم الجنة بعمله‪ ،‬قالوا‪ :‬ول أنت يا رسول‬
‫ا ؟ قال‪ :‬ول أنا‪ ،‬إل أن يتغمدني ا برحمته" ]رواه البخاري فأي كتاب المرضى‬
‫ومسلم فأي كتاب صفات المنافأقين[‪.‬‬

‫فأالذي يسرخصلص العبد من طلب العوض على عمله لعرلسمهس بأنه عبد محض‪ ،‬وأنه ل‬
‫ينال دخول الجنة والنجاة من النار إل بفضل ا تعالى‪ ،‬والعبد ل يملك مع سيده‬
‫شيئاا‪ ،‬إذ عبادته ل تعالى لمحض العبودية‪ ،‬فأما يناله من الجر والثواب تفضفل‬
‫وإحسان من ا تعالى فأي الدنيا والخرة ؛ وكذلك توفأيقه للعبادة‪ ،‬فأإذا ما شهد هذا‬
‫التوفأيق من جملة نعم ا عليه‪ ،‬يسارع فأي شكر ا على هذه النعم‪ ،‬عندئظذ يخلص‬
‫من طلب العوض لعمله‪.‬‬

‫وأالحجاب الثالث‪ :‬رضاه عن أعماله وأاغتراره بها‪ ،‬وتخليصه وإنقاذه من رضاه‬


‫بعمله يكون بشيئين‪:‬‬

‫‪1‬ـ إطلعه على عيوبه فأي أعماله‪ ،‬فأقفل عمل من العمال إل وللشيطان فأيه‬
‫نصيب‪ ،‬وللنفس فأيه حظ‪.‬‬

‫أما نصيب الشيطان‪ ،‬فأقد أرشدنا إليه رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ ،‬عندما سئل‬
‫عن التفات الرجل فأي صلته‪ ،‬فأقال‪" :‬هو اختلس يختلسه الشيطان من صلة‬
‫العبد" ]رواه البخاري فأي كتاب أبواب صفة الصلة عن عائشة رضي ا عنها‪.‬‬
‫والترمذي فأي كتاب أبواب الصلة وقال‪ :‬حسن صحيح[‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫يقول ابن قيم الجوزية رحمه ا تعالى‪) :‬فأإذا كان هذا اللتفات طرفأة أو لحظة‪،‬‬
‫فأكيف التفات قلبه إلى ما سوى ا تعالى! هذا أعظم نصيب للشيطان من العبودية(‬
‫]"مدارج السالكين" ج ‪/2‬صا ‪.[51‬‬

‫وأما حظ النفس من العمل‪ ،‬فأل يعرفأه إل أهل البصائر من العارفأين‪.‬‬

‫‪2‬ـ علم العبد بما يستحقه الرب جل جلله من حقوق العبودبة وآدابها الظاهرة‬
‫والباطنة وشروطها‪ .‬فألو اجتهد العبد بالليل والنهار لرأى نفسه مقصراا تجاه ا‬
‫تعالى‪ ،‬وأين العبد العاجز الضعيف من خالق الكوان ؟ لهذا بيفرن لنا حضرة ا أن‬
‫ق قدلرله{]الزمر‪.[67 :‬‬‫موقف خلقه منه التقصير فأقال‪} :‬وما قردسروا ار ح ف‬
‫الخلصة‪:‬‬

‫إن الخلصا تصفية العمل من العلل والشوائب‪ ،‬سواء أكان مصدرها التعلق‬
‫بالخلق‪ ،‬كطلب مدحهم وتعظيمهم والهرب من ذمهم‪ ،‬أو كان مصدرها التعلق‬
‫بالعمل‪ ،‬كالغترار به‪ ،‬وطلب العوض عنه‪...‬‬

‫لذا فأإن أهل الهمم العالية أخلصوا دينهم ل‪ ،‬وسمعوا نداء ا فأي قلوبهم }فأرفليروا إلى‬
‫ا{ ]الذرايات‪ [50 :‬فأاستجابوا لهاتف الحق‪ ،‬وقال قائلهم ملبيا ا له‪ :‬تركت الناس‬ ‫ل‬
‫كلهسم ورائي وجئت إليك‪.‬‬

‫الصبر‬

‫تعريفه‪ :‬عرف العلماء الصبر بتعاريف كثيرة‪ ،‬وأهمها ما قاله ذو النون المصري‬
‫رحمه ا تعالى‪) :‬الصبر‪ :‬هو التباعد عن المخالفات‪ ،‬والسكون عند تجرع‬
‫غصص البلية‪ ،‬وإظهار الغنى عند حلول الفقر بساحة المعيشة( ]"شرح رياض‬
‫الصالحين" لبن علن ج ‪/1‬صا ‪.[194‬‬

‫وما ذكره الراغب الصفهاني رحمه ا تعالى فأي مفرداته‪) :‬الصبر‪ :‬حبس النفس‬
‫على ما يقتضيه العقل أو الشرع أو عما يقتضيان حبسها عنه( ]"شرح رياض‬
‫الصالحين" لبن علن ج ‪/1‬صا ‪.[194‬‬

‫‪78‬‬
‫وما ذكره السيد الجرجاني رحمه ا تعالى فأي تعريفاته‪) :‬الصبر‪ :‬هو ترك‬
‫الشكوى من ألم البلوى لغير ا( ]"شرح رياض الصالحين" لبن علن ج ‪/1‬صا‬
‫‪.[194‬‬

‫ويفهم من تعريف السيد أن الشكوى ل تعالى ل ستنافأي الصبر‪ ،‬إنما ينافأيه شكوى‬
‫ا إلى غيره ؛ كما رأى بعضهم رجلا يشكو إلى آخر فأاقة وضرورة فأقال‪ :‬يا هذا‬
‫أتشكو من يرحمك إلى من ل يرحمك‪ ،‬ثم أنشد‪:‬‬

‫وإذا عرررتك بلية فأاصبر لها ر‬


‫صربرر الكريم فأإنه بك أعلم‬
‫وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما تشكو الرحيم إلى الذي ل يرحم‬

‫أقسامه‪:‬‬
‫ذكر العلماء للصبر تقسيمات منوعة ]انظر كتاب "الحياء" للغزالي‪ ،‬و"قوت‬
‫القلوب" لبي طالب المكي‪ ،‬و"مدارج السالكين" لبن القيم‪ ،‬وغير ذلك من الكتب‬
‫الموسعة[‪ ،‬وكلها ترجع إلى هذه النواع الثلثة‪ :‬صبر على الطاعات‪ ،‬وصبر عن‬
‫المعاصي‪ ،‬وصبر على المصائب‪.‬‬

‫فالصبر على الطاعات‪ :‬هو الستقامة على شرع ا‪ ،‬والمثابرة الدائمة على‬
‫العبادات المالية والبدنية والقلبية‪ ،‬ومواصلة المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪،‬‬
‫والصبر على ما يعترض ذلك من أنواع البتلء وصنوف المحن ؛ لن من ورث‬
‫عن رسول ا صلى ا عليه وسلم دعوته وجهاده ل بد أن يصيبه ما أصاب‬
‫رسول ا صلى ا عليه وسلم من تكذيب ومحاربة وأذى‪ ،‬قال تعالى حكاية عن‬
‫ف وارنهر علن المنركلر واصبلرر‬
‫ي أقللم الصلةر وأسمرر بالمعرو ل‬
‫لقمان يوصي ابنه‪} :‬يا بسنر ف‬
‫ك{ ]لقمان‪.[17 :‬‬ ‫على ما أصابر ر‬

‫وقد أقسم ا تعالى أن الناجين هم رمرن تحفققوا بصفات أربع‪ :‬اليمان‪ ،‬والعمل‬
‫الصالح‪ ،‬والنصح للمة‪ ،‬ثم الصبر على ذلك‪ .‬فأقال تعالى‪} :‬والعصلر ‪ .‬إفن النسارن‬
‫صوا بالصبلر{‬ ‫صوا بالح ص‬
‫ق وتوا ر‬ ‫ت وتوا ر‬‫لفي خرسظر ‪ .‬إل الذيرن آمنوا وعلملوا الصاللحا ل‬
‫]العصر[‪.‬‬

‫وأالصبر عن المعاصي‪ :‬هو مجاهدة النفس فأي نزواتها‪ ،‬ومحاربة انحرافأها‪ ،‬وتقويم‬
‫اعوجاجها‪ ،‬وقمع دوافأع الشر والفساد التي يثيرها الشيطان فأيها ؛ فأإذا ما جاهدها‬
‫وزكاها ورفدها عن غصيها وصل إلى الهداية التامة‪ ،‬قال ا تعالى‪} :‬والذيرن جاهدوا‬

‫‪79‬‬
‫فأينا لررنهلديرنفسهم سسبسرلنا{ ]العنكبوت‪ .[69 :‬وكان من المفلحين ببشارة ا تعالى بقوله‪:‬‬
‫}قد أفألررح رمرن ترزفكى وذكر اسم ربصله فأصفلى{ ]العلى‪14 :‬ـ ‪ ،[15‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫س عن الهوى ‪ .‬فأإفن الرجنفةر هي المأوى{‬
‫}وأما رمرن خاف مقارم ربصله ونهى الفنف ر‬
‫]النازعات‪40 :‬ـ ‪.[41‬‬

‫وأما الصبر على المصائب‪ :‬بما أن الحياة الدنيا دار امتحان وابتلء‪ ،‬فأإن ا تعالى‬
‫يختبر إيمان عباده ـ وهو أعلم بهم ـ بأنواع المصائب‪ ،‬وسيمحص المؤمنين بصنوف‬
‫المحن كي يميز الخبيث من الطيب‪ ،‬والمؤمن من المنافأق‪.‬‬

‫س أن يتسررسكوا أرن يقولوا آرمفنا وهسرم ل سيفرتنورن{‬


‫ب النا س‬
‫قال تعالى‪} :‬الم ‪ .‬أحلس ر‬
‫]العنكبوت‪1 :‬ـ ‪ .[2‬سواء أكانت هذه المصائب فأي المال أو فأي البدن أو فأي الهل‪،‬‬
‫قال تعالى‪} :‬لرتسربلرسوفن فأي أمواللسكم وأرنفسلسسكم{ ]آل عمران‪ .[186 :‬وقال تعالى‪:‬‬
‫س والفثمرا ل‬
‫ت‬ ‫ص من الموالل والرنفس ل‬ ‫ع ونررق ظ‬‫ف والجو ل‬ ‫}ولرنرربلسرونفركم بشيظء لمرن الخو ل‬
‫وبرصشلر الصابريرن ‪ .‬الذين إذا أصابررتسهم مصيبة قالوا إفنا ل وإفنا إليله راجعورن ‪ .‬أولئ ر‬
‫ك‬
‫ت لمرن ربصلهم ورحمفة{‬‫عليهم صلوا ف‬

‫]البقرة‪156 :‬ـ ‪.[157‬‬

‫ول شك أن المؤمن الصادق يتلقى هذه المصائب بالصبر والتسليم ؛ بل بالرضا‬


‫والسرور‪ ،‬لنه يعلم أن هذه النكبات ما نزلت عليه من خالقه إل لتكفير ذنوبه‬
‫ب ول‬‫ب المسلرم من رنص ظ‬‫ومحو سيئاته‪ ،‬كما قال عليه الصلة والسلم‪" :‬ما يصي س‬
‫ب‪ ،‬ول هيم ول حرزظن‪ ،‬ول أذى ول غيم‪ ،‬حتى الشوكة يشاكها إل كففر ا بها‬ ‫روص ظ‬
‫من خطاياه" ]رواه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب المرض‪ ،‬ومسلم فأي كتاب البر‬
‫عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي ا عنهما‪ .‬والوصب‪ :‬المرض[‪ .‬كما أنه يعلم أن‬
‫هذه النوازل إنما ترفأع المؤمنين الصابرين درجات عالية ومنازرل رفأيعة عند ا‬
‫تعالى ؛ إذا هو تلقاها بالرضا والتسليم‪ ،‬كما قال عليه السلم‪" :‬إذا سبقت للعبد من‬
‫ا تعالى منزلة لم ينلها بعمله ابتله ا فأي جسده وفأي أهله وماله‪ ،‬ثم صفبره على‬
‫ذلك حتى ينال المنزلة التي سبقت له من ا عز وجل" ]رواه أبو داود فأي سننه‬
‫فأي كتاب الجنائز باب المراض المكفرة للذنوب رقم )‪ (3074‬عن محمد بن خالد‬
‫السلمي رضي ا عنه[‪.‬‬

‫أهميته وأبعض ما وأرد في فضله‪:‬‬


‫الصبسر نصف اليمان‪ ،‬وسر سعادة النسان‪ ،‬ومصدر العافأية عند البلء‪ ،‬وعدة‬

‫‪80‬‬
‫المؤمن حين تدلهيم الخطوب وتحدق الفتن وتتوالى المحن‪ ،‬وهو سلح السالك فأي‬
‫مجاهداته لنفسه‪ ،‬وحملها على الستقامة على شرع ا تعالى وتحصنها من‬
‫النزلق فأي مهاوي الفساد والضلل‪ .‬ولعظيم أهميته ورفأيع مقامه ذكره ا تعالى‬
‫فأي القرآن الكريم فأي نحو تسعين موضعاا‪ .‬فأتارة يأمر ا تعالى به فأيقول‪:‬‬
‫}استعينوا بال واصبروا{ ]العراف‪ .[128 :‬وفأي موطن آخر يثني على أهله‬
‫ك‬
‫ك الذين صدقوا وأولئ ر‬ ‫فأيقول‪} :‬والصابريرن فأي البأساء والضراء وحيرن البأس أولئ ر‬
‫هسم السمفتقورن{ ]البقرة‪ .[177 :‬وفأي بعض اليات يخبر عن محبته للصابرين فأيقول‪:‬‬
‫ب الصابريرن{ ]آل عمران‪ [146 :‬وطوراا يبين ا تعالى معيته‬ ‫}واس يسلح ي‬
‫للصابرين معية حفظ وتأييد وسنصرة فأيقول‪} :‬إفن ار مرع الصابريرن{ ]البقرة‪:‬‬
‫‪ .[153‬وفأي موضع آخر يخبر عن إيجاب الجزاء لهم بغير حساب فأيقول‪} :‬إفنما‬
‫ب{ ]الزمر‪ .[10 :‬وفأي موطن آخر يبين أن‬ ‫يسروففأى الصابرون أجررسهم بغير حسا ظ‬
‫الهداة المرشدين قد نالوا هذا المقام الرفأيع بالصبر فأيقول‪} :‬وجعرلنا منهسرم أئلفمةا‬
‫يهدورن بأملرنا لفما صبروا{ ]السجدة‪[24 :‬‬

‫ولقد جاءت الحاديث النبوية الكثيرة مؤكدةا فأضل الصبر‪ ،‬وما له من أثر عميق فأي‬
‫سعادة المؤمن وتلقيه صدمات الحياة ونوائب الدهر‪.‬‬

‫كما تواردت الخبار المستفيضة عن صبر رسول ا عليه الصلة والسلم‪،‬‬


‫وتحمله صنوف الذى وأنواع الشدائد‪ ،‬وحياة الرسول صلى ا عليه وسلم كلها‬
‫صبر وجهاد وتضحية‪.‬‬

‫وأهذه نبذة يسيرة من الحاديث الشريفة‪:‬‬


‫‪1‬ـ عن أبي سعيد الخدري رضي ا عنه أن النبي صلى ا عليه وسلم قال‪" :‬ما‬
‫سأعطري أحد من عطاء خيراا وأوسع من الصبر" ]رواه البخاري فأي صحيحه ومسلم‬
‫والنسائي وأبو داود فأي كتاب الزكاة‪ ،‬والترمذي فأي كتاب البر والصلة[‪.‬‬

‫‪2‬ـ وعن صهيب بن سنان رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪:‬‬
‫"عجباا لمر المؤمن ؛ إن أمره كله له خير‪ ،‬وليس ذلك لحد إل للمؤمن‪ :‬إن‬
‫أصابته سراء شكر فأكان خيراا له‪ ،‬وإن أصابته ضراء صبر فأكان خيراا له" ]رواه‬
‫مسلم فأي كتاب الزهد والرقائق[‪.‬‬

‫‪3‬ـ وعن يحيى بن وثاب عن شيخ من أصحاب النبي صلى ا عليه وسلم قال‪ :‬قال‬
‫رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم‬

‫‪81‬‬
‫خير من الذي ل يخالطهم ول يصبر على أذاهم" ]أخرجه الترمذي في كتاب صفة‬
‫القيامة[هلل‪.‬‬

‫‪4‬ـ وعن ابن مسعود رضي ا عنه قال‪ :‬كأني أنظر إلى رسول ا عليه الصلة‬
‫والسلم‪ ،‬يحكي نبياا من أنبياء ا‪ ،‬ضربه قومه‪ ،‬فأأدموه‪ ،‬وهو يمسح الدم عن‬
‫وجهه وهو يقول‪" :‬اللهم اغفر لقومي فأإنهم ل يعلمون" ]أخرجه البخاري في‬
‫صحيحه في كتاب أحاديث النبياء‪ ،‬وأمسلم في كتاب الجهاد وأالسيرة[هلل‪.‬‬

‫‪5‬ـ وعن أبي موسى الشعري رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه‬
‫وسلم‪" :‬ل أحرد أصبرسر على أذى سمعه ؛ من ا عز وجل ؛ إنه ليسرشرر س‬
‫ك به‪ ،‬وسيجعسل‬
‫له الولد‪ ،‬ويعافأيهم ويرزقهم" ]أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد‪،‬‬
‫وأمسلم في كتاب صفات المنافقين وأأحكامهم[هلل‪.‬‬

‫تحقق الصالحين بالصبر وأدعوتهم إليه‪:‬‬


‫تتبع الصحابة رضوان ا عليهم أثر رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ ،‬وورثوا عنه‬
‫الصبر جاصدين فأي نشر السلم‪ ،‬بإيمان ل يعرف اليأس‪ ،‬وعزيمة ل تعرف الرخرورر‪،‬‬
‫وثبات ل يتطرق إليه الوهن‪.‬‬

‫ثم أخذ التابعون عنهم هذه الروح اليمانية الصابرة‪ ،‬وهكذا انتقلت هذه الروح فأي‬
‫كل عصر وزمان إلى يومنا هذا‪ .‬قال عليه الصلة والسلم‪" :‬ل تزال طائفة من‬
‫أمتي ظاهرين حتى يأتي أمر ا وهم ظاهرون" ]رواه البخاري فأي صحيحه فأي‬
‫كتاب العتصام عن المغيرة بن شعبة رضي ا عنه[‪.‬‬

‫قال سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي ا عنه لما مات ولده الصالح‪) :‬إن ا أحب‬
‫قبضه‪ ،‬وإني أعوذ بال أن تكون لي محبة فأي شيء من المور يخالف محبة ا(‪.‬‬

‫ومن أروع الصبر ما وقع للمام مالك رضي ا عنه حين لدغته عقرب ـ وهو‬
‫ت عرشرة مرة‪ ،‬فأصار ريصفير ويتلفوى حتى تم المجلس‪ ،‬ولم يقطع كلمه‬
‫يحصدث ـ س ف‬
‫تعظيماا لحديث رسول ا صلى ا عليه وسلم ]"شرح الزرقاني على موطأ مالك"‬
‫ج ‪/1‬صا ‪.[3‬‬

‫ودخل ذو النون المصري على مريض يعوده‪ ،‬فأبينما كان يكلمه أفن أرنفاة‪ ،‬فأقال له ذو‬
‫النون‪) :‬ليس بصادق فأي حبه من لم يصبر على ضربه‪ ،‬فأقال المريض‪ :‬بل ليس‬

‫‪82‬‬
‫بصادق فأي حبه من لم يتلذذ بضربه( ]"اللمع" للطوسي صا ‪.[77‬‬

‫وكان ابن شبرمة إذا نزل به بلء قال‪) :‬سحابة ثم تنقشع(‪.‬‬

‫وللصوفأية فأي الصبر كلم عجيب‪ ،‬ومنطق طريف‪ ،‬فأقد سئل الشبلي عن الصبر‬
‫فأتمثل بقوله‪:‬‬

‫صابرر الصبرر فأاستغاث به الصــبسر فأصاح المحب بالصبر صبراا فألله دير الصوفأية‪،‬‬
‫لقد تعفرضوا لرضوان ا الكبر فأي ظلل الصبر‪ ،‬وانطبق عليهم وصف ا‬
‫تعالى فأي قوله‪} :‬الذيرن إذا أصابررتسهم مضيبةف قالوا إفنا لل وإفنا إليله رالجعورن{ ]البقرة‪:‬‬
‫‪.[156‬‬

‫فأهم ل وإلى ا‪ ،‬ولذا كانوا جديرين بأن يوفأيهم ربهم أجرهم بغير حساب‪ ،‬ولنعم‬
‫ت لمرن رربصلهم ورحرمفة{ ]البقرة‪.[157 :‬‬
‫ك عليهم صلوا ف‬
‫أجر الصابرين‪} :‬أولئ ر‬
‫إن مثلهم العلى‪ ،‬وقدوتهم فأي الصبر هو رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ ،‬الذي‬
‫تعرض لصنوف البتلء وشتى المحن ؛ فألم يزدد إل صبراا وثباتاا‪ ،‬وهذه سنة‬
‫النبياء والرسل الكرام عليهم الصلة والسلم‪.‬‬

‫صبررر أوسلو الرعرزلم لمرن السرسسلل{ ]الحقاف‪.[35 :‬‬


‫قال تعالى‪} :‬فأاصبلرر كما ر‬

‫ولقد أوصاه ا تعالى بتحمل مشاق الدعوة وأعباء الرسالة‪ ،‬والصبر على أذى‬
‫ق‬
‫ضي ظ‬ ‫ك إل بالل ول تحرزرن عليهم ول تر س‬
‫ك فأي ر‬ ‫صبلرر وما صربسر ر‬
‫المشركين بقوله‪} :‬وا ر‬
‫مما يمسكسرورن{ ]النحل‪.[127 :‬‬

‫الخلصة‪:‬‬
‫إن الصبر صفة النبياء‪ ،‬وحلية الصفياء‪ ،‬ومفتاح الخيرات‪ ،‬وسبيل السالكين إلى‬
‫ا تعالى ؛ ل يستغني السالك عنه فأي أية مرحلة من مراحل سيره‪ ،‬إذ لكل مقام‬
‫صبر يناسبه‪.‬‬

‫قال ابن عجيبة رحمه ا تعالى‪) :‬الصبر حبس القلب على حكم الرب‪.‬‬

‫فأصبر العامة‪ :‬حبس القلب على مشاق الطاعات ورفأض المخالفات‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫وصبر الخاصة‪ :‬حبس النفس على الرياضات والمجاهدات‪ ،‬وارتكاب الهوال فأي‬
‫سلوك طريق الحوال مع مراقبة القلب فأي دوام الحضور‪ ،‬وطلب رفأع الستور‪.‬‬

‫وصبر خاصة الخاصة‪ :‬حبس الروح والسر فأي حضرة المشاهدات والمعاينات‪ ،‬أو‬
‫دوام النظرة والعكوف فأي الحضرة( ]"معراج التشوف إلى حقائق التصوف" صا‬
‫‪.[6‬‬

‫وأخيراا فأهذه الصفات الثلث‪ :‬الصدق والخلصا والصبر‪ ،‬هي أركان السير إلى‬
‫ا تعالى ؛ من لم يرربلن عليها سيره وسلوكه فأهو مقطوع ولو زعم أنه موصول‪،‬‬
‫وواقف ولو زعم أنه سائر‪.‬‬

‫وحقيقة الخلصا توحيد المطلوب‪ ،‬كما أن حقيقة الصدق توحيد الطلب‪ ،‬والصبر‬
‫على ذلك هو عين الكمال‪.‬‬

‫الورع‬

‫تعريفه وأمراتبه‪ :‬قال السيد الجرجاني رحمه ا تعالى‪) :‬هو اجتناب الشبهات خوفأا ا‬
‫من الوقوع فأي المحرمات( ]تعريفات السيد صا ‪.[170‬‬

‫وقال العلمة محمد بن علن الصصديقي رحمه ا تعالى‪) :‬هو عند العلماء ترك ما‬
‫ل بأس به حذراا مما به بأس( ]"دليل الفالحين شرح رياض الصالحين" ج ‪/5‬صا‬
‫‪.[26‬‬

‫وقال ابن عجيبة رحمه ا تعالى‪) :‬الورع كف النفس عن ارتكاب ما تكره عاقبته(‬
‫]"معراج التشوف" صا ‪.[7‬‬

‫ولتوضيح معنى الورع نبين مراتبه التي يسعى طالب الكمال أن يتحقق بها‪.‬‬

‫فورع العوام‪ :‬هو ترك الشبهات حتى ل يتردى فأي حمأة المخالفات‪ ،‬اتباعا ا لرشاد‬
‫رسول ا صلى ا عليه وسلم فأي قوله‪" :‬إن الحلل بصين‪ ،‬وإن الحرام بصين‪،‬‬
‫ت فأقد استبرأ‬
‫وبينهما أمور مشتبهات‪ ،‬ل يعلمهن كثير من الناس‪ ،‬فأمن اتقى الشبها ل‬
‫لدينه وعرضه‪ ،‬ومن وقع فأي الشبهات وقع فأي الحرام‪ ،‬كالراعي يرعى حول‬
‫الحمى يوشك أن يرتع فأيه‪ ،‬أل وإن لكل ملك حمى‪ ،‬أل وإن حمى ا محارمه‪"...‬‬

‫‪84‬‬
‫]رواه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب اليمان‪ ،‬ومسلم فأي كتاب المساقاة عن‬
‫النعمان بن بشير رضي ا عنهما[‪.‬‬

‫وأوأرع الخواص‪ :‬ترك ما يكدر القلب ويجعله فأي قلق وظلمة‪ .‬فأأهل القلوب‬
‫يتورعون عما يهجس فأي قلوبهم من الخواطر‪ ،‬وما ريحيك فأي صدورهم من‬
‫الوساوس ؛ وقلوبهم الصافأية أعظم منبه لهم حين يترددون فأي أمر أو يشيكون فأي‬
‫حكم ؛ كما أشار إلى ذلك رسول ا صلى ا عليه وسلم بقوله‪" :‬دع ما يريبك إلى‬
‫ما ل يريبك" ]رواه الترمذي فأي كتاب صفة القيامة وقال‪ :‬حديث حسن صحيح[‪،‬‬
‫وبقوله‪" :‬البر حسن الخلق‪ ،‬والثم ما حاك فأي نفسك وكرهت أن ي ف‬
‫طلع عليه‬
‫الناس" ]رواه مسلم فأي كتاب البر والصلة عن النواس بن سمعان رضي ا عنه‪.‬‬
‫حاك‪ :‬أي جال وتردد[‪.‬‬

‫وفأي هذا يقول سفيان الثوري رحمه ا تعالى‪) :‬ما رأيت أسهل من الورع‪ ،‬ما‬
‫حاك فأي نفسك فأاتركه( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[54‬‬

‫وأوأرع خاصة الخاصة‪ :‬رفأض التعلق بغير ا تعالى‪ ،‬وسيد باب الطمع فأي غير ا‬
‫تعالى‪ ،‬وعكوف الهمم على ا تعالى‪ ،‬وعدسم الركون إلى شيء سواه‪ ،‬وهذا هو‬
‫ورع العارفأين الذين يرون أن كل ما يشغلك عن ا تعالى هو شؤم عليك‪.‬‬

‫قال الشبلي رحمه ا تعالى‪) :‬الورع أن تتورع عن كل ما سوى ا( ]"الرسالة‬


‫القشيرية" صا ‪.[54‬‬

‫فضله‪:‬‬
‫مما سبق يتضح أن الورع صفة جامعة لكل خصال الكمال‪ ،‬فألقد دخل الحسن‬
‫البصري رحمه ا مكة فأرأى غلماا من أولد علي بن أبي طالب رضي ا عنه‬
‫قد أسند ظهره إلى الكعبة يعظ الناس‪ ،‬فأوقف عليه الحسن وقال‪) :‬ما ملك الدين ؟‬
‫فأقال‪ :‬الورع‪ ،‬قال‪ :‬فأما آفأة الدين ؟ قال‪ :‬الطمع‪ .‬فأتعجب الحسن منه‪ ،‬وقال‪ :‬مثقال‬
‫ذرة من الورع خير من ألف مثقال من الصوم والصلة( ]"الرسالة القشيرية" صا‬
‫‪.[54‬‬

‫قال ابن عطاء ا السكندري رحمه ا تعالى‪) :‬ليس يدل على فأهم العبد كثرةس‬
‫علمه‪ ،‬ول مداومسته على ورده‪ ،‬وإنما يدل على نوره وفأهمه غناه بربه وانحياشه‬
‫إليه بقلبه‪ ،‬والتحرر من رق الطمع‪ ،‬والتحلي بحلية الورع( ]"معراج التشوف"‬

‫‪85‬‬
‫صا ‪.[7‬‬

‫وليس أدفل على منزلة الورع‪ ،‬وأنه أرقى أنواع العبادة من وصية رسول ا صلى‬
‫ا عليه وسلم لبي هريرة رضي ا عنه‪ ،‬حيث قال‪" :‬يا أبا هريرة كن ورعا ا تكن‬
‫أعبرد الناس" ]رواه ابن ماجة عن أبي هريرة فأي كتاب الزهد ـ باب الورع والتقوى‬
‫ـ بإسناد حسن[‪.‬‬

‫ولهذا كان الورع سبيلا لنيل المنح اللهية الكبرى‪ ،‬كما قال يحيى بن معاذ رضي‬
‫ا عنه‪) :‬من لم ينظر فأي الدقيق من الورع‪ ،‬لم يصل إلى الجليل من العطاء(‬
‫]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[54‬‬

‫ولهمية الورع‪ ،‬ورفأعة منزلته‪ ،‬وعلو شأنه‪ ،‬وعظيم أثره‪ ،‬أشار إليه الرسول‬
‫صلى ا عليه وسلم فأي أحاديث كثيرة‪ ،‬نورد هنا بعضها‪:‬‬

‫‪1‬ـ عن عطية بن عروة السعدي الصحابي رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا‬
‫صلى ا عليه وسلم‪" :‬ل يبلغ العبد أن يكون من المتقين‪ ،‬حتى يدع ما ل بأس به‬
‫حذراا مما به بأس" ]رواه الترمذي فأي كتاب صفة القيامة وقال‪ :‬حديث حسن‬
‫غريب[‪.‬‬

‫‪2‬ـ عن حذيفة بن اليمان رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪:‬‬
‫"فأضل العلم خير من فأضل العبادة‪ ،‬وخير دينكم الورع" ]رواه الطبراني فأي‬
‫"الوسط"‪ ،‬والبزار بإسناد حسن[‪.‬‬

‫‪3‬ـ وروي عن أنس رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪:‬‬
‫ق يعيش به فأي الناس‪،‬‬‫"ثلث رمرن كفن فأيه استوجب الثواب واستكمل اليمان‪ :‬سخلس ف‬
‫وورع يحجزه عن محارم ا‪ ،‬ولحلم يريد به جهل الجاهل" ]رواه البزار كما فأي‬
‫"الترغيب والترهيب"[‪.‬‬

‫‪4‬ـ عن أنس رضي ا عنه أن النبي صلى ا عليه وسلم وجد تمرة فأي الطريق‬
‫فأقال‪" :‬لول أني أخاف أن تكون من الصدقة لكلتها" ]رواه البخاري فأي صحيحه‬
‫فأي كتاب الزكاة‪ ،‬ورواه مسلم فأي صحيحه فأي كتاب الزكاة[‪.‬‬

‫‪5‬ـ عن أبي هريرة رضي ا عنه قال‪ :‬أخذ الحسن بن علي رضي ا عنهما تمرة‬

‫‪86‬‬
‫من تمر الصدقة‪ ،‬فأجعلها فأي فأيه‪.‬فأقال النبي صلى ا عليه وسلم‪" :‬كرخ كرخ‪ ،‬ارلم‬
‫بها‪ ،‬أما علمت أفنا ل نأكل الصدقة‪ ،‬أو أفنا ل تحل لنا الصدقة" ]رواه البخاري فأي‬
‫صحيحه فأي كتاب الزكاة‪ ،‬ورواه مسلم فأي صحيحه فأي كتاب الزكاة[‪.‬‬

‫وإن السادة الصوفأية إذ يتحققون بمراتب الورع المتسامية‪ ،‬إنما يحيون لنا ذكر‬
‫الصحابة والتابعين رضوان ا عليهم‪.‬‬

‫فأقد روي أن الصصديق رضي ا عنه أكل طعاما ا أتاه به غلمه‪ ،‬ثم أخبره الغلم أن‬
‫فأيه شبهة‪ ،‬فأما وسع الصصديق رضي ا عنه إل أن أدخل يده فأي فأمه‪ ،‬فأقاء كل‬
‫شيء فأي بطنه ]أخرجه البخاري فأي صحيحه باب أيام الجاهلية[‪.‬‬

‫وكان يقول‪) :‬كنا ندع سبعين بابا ا من الحلل مخافأة أن نقع فأي باب من الحرام(‬
‫]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[53‬‬

‫وسحمرل إلى عمر بن عبد العزيز رضي ا عنه مسك من الغنائم‪ ،‬فأقبض على‬
‫مشاصمه وقال‪) :‬إنما سينتفسع من هذا بريحه‪ ،‬وأنا أكره أن أجد ريحه دون المسلمين(‬
‫]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[55‬‬

‫ل‪ ،‬وسقتها إلى الحمى‪،‬‬ ‫وعن عبد ا بن عمر رضي ا عنهما قال‪) :‬اشتريت إب ا‬
‫فألما سمنت ؛ قدمت بها‪ ،‬فأدخل عمر رضي ا عنه السوق فأرأى إبلا لسماناا‪.‬‬

‫فأقال‪ :‬لمن هذه ؟‬

‫فأقيل‪ :‬لعبد ا بن عمر‪.‬‬

‫فأجعل يقول‪ :‬يا عبد ا! بخ بخ‪ ...‬ابرن أمير المؤمنين وقال‪ :‬ما هذه البل ؟!‬

‫قلت‪ :‬إبل أنضاء "هزيلة" اشتريتها وبعثت بها إلى الحمى أبتغي ما يبتغي‬
‫المسلمون‪.‬‬

‫فأقال‪ :‬ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين‪ ،‬اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين! يا عبد ا بن‬
‫عمر خذ رأس مالك‪ ،‬واجعل الربح فأي بيت مال المسلمين( ]"الرياض النضرة" ج‬
‫‪/2‬صا ‪.[47‬‬

‫‪87‬‬
‫قال خزيمة بن ثابت‪) :‬كان عمر إذا استعمل عاملا كتب له عهداا وأشهد عليه‬
‫رهطاا‪ ،‬واشترط أن ل يركب برذونا ا ول يأكل نقياا‪ ،‬ول يلبس رقيقاا‪ ،‬ول يغلق بابه‬
‫دون ذوي الحاجات‪ ،‬فأإن فأعل شيئا ا من ذلك حلت عليه العقوبة( ]"البداية والنهاية"‬
‫لبن كثير ج ‪/7‬صا ‪.[34‬‬

‫وقصته مع زوجته معروفأة‪ ،‬يوم اقتصدت لتشتري الحلوى‪ ،‬وطالبته بالشراء فأقال‪:‬‬
‫من أين لك ثمن الحلوى ؟ قالت‪ :‬اقتصدت قال‪ :‬رديه لبيت المال فألو احتجت إليه ما‬
‫اقتصدت‪ .‬وهو الذي كان يجوع لتشبع رعيته‪.‬‬

‫وكان لعمر بن عبد العزيز رضي ا عنه غلم يأتيه بقمقم من ماء مسفخن يتوضأ‬
‫منه‪ ،‬فأقال للغلم يوماا‪) :‬أتذهب بهذا القمقم إلى مطبخ المسلمين فأتجعله عنده حتى‬
‫يسخن‪ ،‬ثم تأتي به ؟‬

‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬أصلحك ا‪.‬‬

‫قال‪ :‬أفأسدته علينا‪ .‬قال‪ :‬فأأمر مزاحماا أن يغلي ذلك القمقم‪ ،‬ثم ينظر ما يدخل فأيه‬
‫من الحطب‪ ،‬ثم يحسب تلك اليام التي كان يغليه فأيها‪ ،‬فأيجعله حطبا ا فأي المطبخ(‬
‫]"سيرة عمر بن عبد العزيز" لبن عبد الحكم صا ‪.[37‬‬

‫وقال العلمة المناوي رحمه ا تعالى‪) :‬وقد رجع ابن المبارك رحمه ا من‬
‫خراسان إلى الشام فأي رد قلم استعاره منها‪ ...‬وبعد أن أورد المناوي عدة قصص‬
‫فأي ورع الصوفأية قال‪ :‬فأانظر إلى ورع هؤلء‪ ،‬وتشبفره بهم إن أردت السعادة(‬
‫]"فأيض القدير شرح الجامع الصغير" ج ‪/5‬صا ‪.[52‬‬

‫وسحكي عن بشر الحافأي رحمه ا تعالى أنه سحمل إلى دعوة‪ ،‬فأسوضع بين يديه‬
‫طعام‪ ،‬فأجهد أن يمد يده إليه‪ ،‬فألم تمتد‪ ،‬ثم جهد فألم تمتد ثلث مرات‪ ،‬فأقال رجل‬
‫ممن كان يعرفأه‪) :‬إن يده ل تمتد إلى طعام حرام‪ ،‬أو فأيه شبهة‪ ،‬ما كان أغنى‬
‫صاحب هذه الدعوة أن يدعو هذا الرجل إلى بيته( ]"اللمع" للطوسي صا ‪.[71‬‬

‫فأما نهج الصوفأية فأي ورعهم إل اقتداء برسول ا صلى ا عليه وسلم وأصحابه‬
‫الكرام‪ ،‬وأثر من آثار حبهم ل تعالى وتمسكهم بهديه‪ ،‬ونتيجة لخوفأهم الشديد من أن‬
‫يقعوا فأي مخالفة ل تعالى‪ .‬لن من ذاق طعم اليمان أكرمه ا بالتقوى‪ ،‬ومن‬

‫‪88‬‬
‫تحقق بالتقوى كان عن الشبهات متورعاا‪ ،‬ومن ا تعالى خائفا ا ولفضله راجيا ا كما‬
‫قال شاه الكرماني‪) :‬علمة التقوى الورع‪ ،‬وعلمة الورع الوقوف عند الشبهات‪،‬‬
‫وعلمة الخوف الحزن‪ ،‬وعلمة الرجاء حسن الطاعة( ]"طبقات الصوفأية"‬
‫للسلمي صا ‪.[193‬‬

‫فأاجتهد أيها القارىء أن تلحق بأهل الهمم العالية‪ ،‬وجالسهم لتجانسهم ومن جالس‬
‫جانس‪.‬‬

‫الزهد‬
‫تعريف الزهد‪ :‬قال ابن الج ر‬
‫لء‪) :‬الزهد هو النظر إلى الدنيا بعين الزوال لتصغر‬
‫فأي عينك فأيسهل عليك العراض عنها( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[56‬‬

‫وقيل‪) :‬الزهد عزوف النفس عن الدنيا بل تكلف( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[56‬‬

‫وقال المام الجنيد رحمه ا تعالى‪) :‬الزهد استصغار الدنيا ومحو آثارها من‬
‫القلب( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[56‬‬

‫وقال إبراهيم بن أدهم رحمه ا تعالى‪) :‬الزهد فأراغ القلب من الدنيا ل فأراغ اليد‪،‬‬
‫وهذا زهد العارفأين‪ ،‬وأعلى منه زهد المقربين فأيما سوى ا تعالى من دنيا وجنة‬
‫وغيرهما‪ ،‬إذ ليس لصاحب هذا الزهد إل الوصول إلى ا تعالى والقرب منه(‬
‫]"الفتوحات الوهبية بشرح الربعين حديث النووية" للشيخ إبراهيم الشبرخيتي[‪.‬‬

‫فأالزهد تفريغ القلب من حب الدنيا وشهواتها‪ ،‬وامتلؤه بحب ا ومعرفأته‪ .‬وعلى‬


‫قدر تخلص القلب من تعلقاته بزخارف الدنيا ومشاغلها يزداد ل تعالى حبا ا وله‬
‫توجهاا ومراقبة ومعرفأة‪ ،‬ولهذا اعتبر العارفأون الزهد وسيلة للوصول إلى ا‬
‫تعالى‪ ،‬وشرطاا لنيل حبه ورضاه‪ ،‬وليس غاية مقصودة لذاتها‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫مشروأعية الزهد‪:‬‬
‫نفى بعضهم وجود الزهد فأي السلم نفيا ا قاطعاا‪ ،‬واعتبر الزهد بدعة دخيلة على‬
‫الدين‪ ،‬تسربت إليه عن طريق الرهبنة النصرانية أو النسك العجمي‪ ،‬ول شك أن‬
‫موقفهم هذا تسيرفع فأي الحكم مع جهل بحقيقة السلم‪ .‬فألو رجع هؤلء المنكرون‬
‫إلى أحاديث رسول ا صلى ا عليه وسلم لوجدوا أنه عليه الصلة والسلم يدعو‬
‫إلى الزهد صراحة‪ ،‬ويعتبر الزهد وسيلة لنيل محبة ا تعالى‪ .‬فأقد روى سهل بن‬
‫سعد الساعدي رضي ا عنه قال‪ :‬جاء رجل إلى رسول ا صلى ا عليه وسلم‬
‫فأقال‪ :‬يا رسول ا سدفلني على عمل إذا عملته أحبني ا وأحبني الناس قال له‪:‬‬
‫"ازهد فأي الدنيا يحبك ا‪ ،‬وازهد فأيما فأي أيدي الناس يحبوك" ]رواه ابن ماجه فأي‬
‫كتاب الزهد[‪.‬‬

‫ثم إن كل مسلم حين يتصفح كتاب ا تعالى‪ ،‬يجد كثيراا من اليات الكريمة تصصغر‬
‫من شأن الدنيا وتبين حقارتها وسرعة زوالها‪ ،‬وانقضاء نعيمها‪ ،‬وأنها دار الغرور‪،‬‬
‫وفأتنة الغافألين ؛ ومقصود الحق من ذلك أن يسرزرهد الناس فأيها بإخراج حبها من‬
‫قلوبهم حتى ل تشغلهم عما خلقوا له من معرفأة ا تعالى وإقامة دينه‪ .‬قال ا‬
‫ق فأل تسغفرنفسكم الحياةس الدنيا ول يرسغفرنفسكم بال‬
‫س إفن رورعرد ال ح ي‬
‫تعالى‪} :‬يا أييها النا س‬
‫الرغروسر{ ]الروم‪.[60 :‬‬

‫وقال أيضاا‪} :‬وما هذه الحياة الدنيا إل لهفو ولرلع ف‬


‫ب وإفن الدارر اللخررةر لرلهري الحيواسن لو‬
‫كانوا يعلمورن{ ]العنكبوت‪.[64 :‬‬

‫ك‬
‫ت خيفر عنرد ربص ر‬ ‫وقال تعالى‪} :‬الماسل والبنورن زينرةس الحياة الدنيا والباقيا س‬
‫ت الصالحا س‬
‫ل{ ]الكهف‪.[46 :‬‬ ‫ثوابا ا وخيفر أم ا‬

‫وهكذا سائر اليات الكريمة التي تضرب على هذا الرورتر وترمي إلى هذا الهدف‬
‫العظيم‪.‬‬

‫وإذا استعرضنا سيرة رسول ا صلى ا عليه وسلم نجده كثيراا ما يوجه أصحابه‬
‫إلى العزوف عن الدنيا والزهد فأي زخارفأها‪ ،‬وذلك بتصغير شأنها وتحقير مفاتنها‪.‬‬
‫كل ذلك كي ل تشغلهم عن المهمة العظمى التي سخلقوا من أجلها‪ ،‬ول تقطعهم عن‬
‫الرسالة المقدسة التي يحملونها‪.‬‬

‫فأتارة يبين أن ا تعالى جعل الدنيا زينة لنا ابتلاء واختباراا لينظر هل نتصرف‬

‫‪90‬‬
‫فأيها على نحو ما يرضيه أم ل ؟ فأيقول عليه الصلة والسلم‪" :‬إن الدنيا حلوة‬
‫خضرة‪ ،‬وإن ا تعالى مستخلفكم فأيها‪ ،‬فأينظر كيف تعملون‪ ،‬فأاتقوا الدنيا‪ ،‬واتقوا‬
‫النساء" ]أخرجه مسلم فأي كتاب الذكر والدعاء عن أبي سعيد الخدري رضي ا‬
‫عنه وتمام الحديث "فأإن أول فأتنة بني إسرائيل كانت فأي النساء"[‪ .‬وتارة ينبه‬
‫الرسول عليه الصلة والسلم أصحابه إلى أن الدنيا ظل زائل ومتعة عابرة‪ ،‬حتى‬
‫ل يركنوا إليها فأتقطعهم عن ا تعالى‪ .‬عن ابن عمر رضي ا عنهما قال‪ :‬أخذ‬
‫رسول ا صلى ا عليه وسلم بمنكبي فأقال‪" :‬كن فأي الدنيا كأنك غريب أو عابر‬
‫ت فأل تنتظر الصباح‪ ،‬وإذا‬ ‫سبيل"‪ ،‬وكان ابن عمر رضي ا عنهما يقول‪ :‬إذا أمسي ر‬
‫ت فأل تنتظر المساء‪ ،‬وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك ]أخرجه‬ ‫أصبح ر‬
‫البخاري فأي صحيحه فأي كتاب الرقاق[‪.‬‬

‫وعن ابن مسعود رضي ا عنه قال‪ :‬نام رسول ا صلى ا عليه وسلم على‬
‫حصير فأقام وقد أرثر فأي جنبه‪ ،‬فأقلنا يا رسول ا لو اتخذنا لك وطاء‪ .‬فأقال‪" :‬ما لي‬
‫وللدنيا‪ ،‬ما أنا فأي الدنيا إل كراكب‪ ،‬استظل تحت شجرة‪ ،‬ثم راح وتركها" ]أخرجه‬
‫الترمذي فأي كتاب الزهد‪ ،‬وقال‪ :‬حديث صحيح[‪ .‬وتارة يشير الرسول صلى ا‬
‫عليه وسلم إلى حقارة شأنها فأي نظر الحق سبحانه فأيقول‪" :‬لو كانت الدنيا تعدل‬
‫عند ا جناح بعوضة‪ ،‬ما سقى كافأراا منها شربة ماء" ]رواه الترمذي فأي كتاب‬
‫الزهد عن سهل بن سعد الساعدي‪ .‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح[‪.‬‬

‫وهكذا سار الرسول عليه الصلة والسلم هو وخلفاؤه وأصحابه الكرام على هذا‬
‫المنهج الكريم‪ ،‬فأعزفأ ر‬
‫ت نفوسهم عن الدنيا‪ ،‬وزهدت قلوبهم فأيها‪.‬‬

‫مرت بهم فأترات من الفقر والشدائد والمحن فأما ازدادوا إل صبراا وتسليما ا ورضاء‬
‫بحكم ا تعالى‪ ،‬ثم جاءتهم الدنيا صاغرة‪ ،‬وألقت بين أيديهم خزائنها ومقاليدها‬
‫فأاتخذوها سسفلماا للخرة ووسيلة إلى رضوان ا تعالى‪ ،‬دون أن تشغل قلوبهم عن‬
‫ا تعالى وطاعته‪ ،‬أو توقعهم فأي الترف والبطر‪ ،‬أو الكبر والغرور‪ ،‬أو الشح‬
‫والبخل‪ .‬فأقد خرج أبو بكر رضي ا عنه عن ماله كله فأي سبيل ا‪ ،‬فأقال له‬
‫ت ا ورسوله"‬ ‫ت لهلك ؟ قال‪ :‬ترك س‬ ‫رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬ما ترك ر‬
‫]رواه أبو داود فأي كتاب الزكاة والترمذي فأي كتاب المناقب عن عمر بن الخطاب‬
‫رضي ا عنه‪ .‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح[‪.‬‬

‫وأما عمر بن الخطاب رضي ا عنه فأهو صاحب اليد الطولى فأي هذا المضمار‪،‬‬
‫وببذله وزهده ستضرب المثال‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫وأما عثمان رضي ا عنه فأهو الذي جهز جيش العسرة‪ ،‬وأنفق عليه من ماله‪،‬‬
‫غير مكترث بعظم هذه النفقات بجانب رضاء ا‪ ،‬ولبالغ تضحيته وإيثاره وعزوفأه‬
‫عن الدنيا قال رسول ا صلى ا عليه وسلم فأي حقه‪" :‬ما ضفر عثمان ما عمل‬
‫بعد اليوم" ]رواه الترمذي فأي كتاب المناقب عن كثير مولى عبد الرحمن بن‬
‫سمرة[‪.‬‬

‫ب السيرة طافأحة بأخبار زهد الرسول صلى ا عليه وسلم وزهد أصحابه‬ ‫وكت س‬
‫الكرام رضوان ا عليهم‪ .‬ويضيق المجال عن التفصيل‪ ،‬ونكتفي بذكر النبذ‬
‫اليسيرة التالية‪:‬‬

‫عن نافأع قال‪ :‬سمعت ابن عمر رضي ا عنهما يقول‪) :‬وا ما شمل النبي صلى‬
‫ا عليه وسلم فأي بيته ول خارج بيته ثلثة أثواب‪ ،‬ول شمل أبا بكر فأي بيته ثلثة‬
‫أثواب‪ ،‬غير أني كنت أرى كساهم إذا أحرموا‪ ،‬كان لكل واحد منهم مئزر ومشمل‬
‫لعلها كلها بثمن درع أحدكم‪ ،‬وا لقد رأيت النبي صلى ا عليه وسلم يرقع ثوبه‪،‬‬
‫ورأيت أبا بكر تخلل بالعباءة‪ ،‬ورأيت عمر يرقع جبته برقاع من أدم وهو أمير‬
‫المؤمنين‪ ،‬وإني لعرف فأي وقتي هذا من يجيز المائة‪ ،‬ولو شئت لقلت ألفا ا‬
‫]"تاريخ عمر بن الخطاب" لبن الجوزي صا ‪.[102‬‬

‫وقالت حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي ا عنهما لعمر‪) :‬يا أمير المؤمنين لو‬
‫ت ثوبا ا هو ألين من ثوبك‪ ،‬وأكلت طعاماا هو ألين من طعامك‪ ،‬وقد وفسع ا من‬ ‫لبرس ر‬
‫الرزق وأكثر من الخير‪ ،‬فأقال‪ :‬إني سأخصمك إلى نفسك‪ ،‬أل تذكرين ما كان‬
‫رسول ا صلى ا عليه وسلم يلقى من شدة العيش ؟ فأما زال سيذصكرها حتى أبكاها‪،‬‬
‫ت لشاركهما فأي مثل عيشهما الشديد لعصلي أدرك‬ ‫فأقال لها‪ :‬أما وا لئن استطع س‬
‫معهما عيشهما الرخي( ]"تاريخ عمر بن الخطاب" لبن الجوزي صا ‪.[104‬‬

‫وعن قتادة رضي ا عنه أن عمر بن الخطاب رضي ا عنه أبطأ عن الناس يوم‬
‫الجمعة‪ ،‬قال‪ :‬ثم خرج فأاعتذر إليهم فأي احتباسه وقال‪) :‬إنما حبسني غسل ثوبي‬
‫هذا‪ ،‬كان سيغسل ولم يكن لي ثوب غيره( ]"تاريخ عمر بن الخطاب" صا ‪.[102‬‬

‫وما حياة الرسول صلى ا عليه وسلم وأصحابه الكرام إل القدوة العملية الكاملة‬
‫التي سار المؤمنون الصادقون على نهجها فأكانوا مثالا للزهد والعفة والطهر‬
‫والستقامة‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫تصحيح مفهوم الزهد‪:‬‬
‫من تعريفات الزهد السالفة الذكر وبيان مشروعيته يتضح أن الزهد مرتبة قلبية ؛‬
‫إذ هو إخراج حب الدنيا من القلب‪ ،‬بحيث ل يلتفت الزاهد إليها بقلبه‪ ،‬ول ينشغل‬
‫بها عن الغاية التي خلقه ا من أجلها‪.‬‬

‫وليس معنى الزهد أن يتخلى المؤمن عن الدنيا فأيفرغ يده من المال‪ ،‬ويترك الكسب‬
‫الحلل ويكون عالة على غيره‪.‬‬

‫وقد أوضح رسول ا صلى ا عليه وسلم المقصود الحقيقي من الزهد حين قال‪:‬‬
‫"الزهادة فأي الدنيا ليست بتحريم الحلل ول إضاعة المال‪ ،‬ولكن الزهادة أن تكون‬
‫بما فأي يد ا تعالى أوثق منك بما فأي يدك‪ ،‬وأن تكون فأي ثواب المصيبة إذا‬
‫ت لك" ]أخرجه الترمذي فأي كتاب الزهد‬ ‫ب منك فأيها لو أنها سأبقي ر‬
‫سأصبت بها أرغ ر‬
‫عن أبي ذر رضي ا عنه‪ ،‬وقال‪ :‬حديث غريب[‪.‬‬

‫قال العلمة المناوي رحمه ا تعالى معلقا ا على هذا الحديث‪) :‬فأليس الزهد تجنب‬
‫المال بالكلية بل تساوي وجوده وعدمه‪ ،‬وعدسم تعلقه بالقلب إليه‪ ،‬فأقد كان رسول ا‬
‫صلى ا عليه وسلم قدوة الزاهدين‪ ،‬يأكل اللحم والحلوى والعسل‪ ،‬ويحب النساء‬
‫والطيب والثياب الحسنة‪ ،‬فأخذ من الطيبات بل سرف ول مخيلة‪ ،‬وإياك وزهد‬
‫الرهبان( ]"فأيض القدير شرح الجامع الصغير" للمناوي ج ‪/4‬صا ‪.[72‬‬

‫وهكذا فأهم السادة الصوفأية أن الزهد مرتبة قلبية‪ .‬قال عمرو بن عثمان المكي‪:‬‬
‫)اعلم أن رأس الزهد وأصله فأي القلوب هو احتقار الدنيا واستصغارها‪ ،‬والنظر‬
‫إليها بعين القلة‪ ،‬وهذا هو الصل الذي يكون منه حقيقة الزهد(] "طبقات‬
‫الصوفأية" للسلمي صا ‪.[203‬‬

‫وقد عبر سيدي عبد القادر الجيلني قدس ا سره عن مفهوم الزهد الحقيقي تعبيراا‬
‫واضحا ا جامعاا حين قال‪) :‬أخرج الدنيا من قلبك وضعها فأي يدك أو فأي جيبك‪ ،‬فأإنها‬
‫ل تضرك( ]"الفتح الرباني" للشيخ عبد القادر الجيلني[‪.‬‬

‫وفأي هذا المعنى قال بعض العارفأين‪) :‬ليس الزهد أن تترك الدنيا من يدك وهي فأي‬
‫قلبك‪ ،‬وإنما الزهد أن تتركها من قلبك وهي فأي يدك(‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫ولهذا عفرف ابن عجيبة الزهد بقوله‪) :‬هو خلو القلب من التعلق بغير الرب(‬
‫]"معراج التشوف" لبن عجيبة ص ‪[7‬هلل‪.‬‬

‫وقد بين المام الزهري رحمه ا تعالى أن من معاني الزهد الحقيقي أن تشكر ا‬
‫تعالى على ما رزقك من الحلل‪ ،‬وأن تحبس نفسك عن طلب الحرام قانعا ا بما قسم‬
‫لك من الرزق‪ ،‬فأقال حين سئل عن زهد المسلم‪) :‬هو أن ل يغلب الحلل شكره‪،‬‬
‫ول الحرام صبره( ]"النهاية فأي غريب الحديث" لبن الثير مادة )زهد([‪.‬‬

‫وقد أوضح العلماء أن المقصود من ذم الدنيا الوارد فأي اليات الكريمة والحاديث‬
‫الشريفة ليس ذماا لذاتها‪ ،‬وإنما هو تحذير من النشغال القلبي بها ؛ بأن يجعلها‬
‫المؤمن غاية يسعى إليها بكل إمكانياته‪ ،‬ناسياا غايته الساسية‪ ،‬وهي الفوز برضاء‬
‫ا تعالى‪ .‬فأنعمت الدنيا مطية المؤمن ووسيلة إلى التقرب إلى ا تعالى‪ ،‬وبئست‬
‫الدنيا إذا كانت معبوده‪ .‬وفأي هذا المعنى قال العلمة المناوي رحمه ا‪) :‬فأالدنيا ل‬
‫تسرذرم لذاتها فأإنها مزرعة الخرة‪ ،‬فأمن أخذ منها مراعيا ا للقوانين الشرعية أعانته‬
‫على آخرته‪ ،‬ومن ثرفمرة قيل‪ :‬ل تركن إلى الدنيا‪ ،‬فأإنها ل تبقى على أحد‪ ،‬ول تتركها‬
‫فأإن الخرة ل تنال إل بها( ]"فيض القدير شرح الجامع الصغير" ج ‪/3‬ص‬
‫‪[545‬هلل‪.‬‬

‫طريق الوصول للزهد‪:‬‬


‫بما أن الزهد مقام قلبي رفأيع المنزلة لنه تفريغ القلب من التعلق بسوى ا تعالى‪،‬‬
‫كان الوصول إليه أمراا هاماا يحتاج إلى جهود كبيرة ووسائل ناجعة‪ ،‬وأهمها‬
‫صحبة المرشد الذي يأخذ بيد المريد‪ ،‬ويرسم له الطريق الصحيح‪ ،‬وينقله من‬
‫مرحلة إلى مرحلة بحكمة ودراية‪ ،‬ويجنبه مزالق القدام‪.‬‬

‫فأكم من أناس أخطؤوا الطريق فأجعلوا الزهد غاية‪ ،‬ولبسوا السمررفقع من الثياب‪،‬‬
‫وأكلوا الرديء من الطعام‪ ،‬وتركوا الكسب الحلل‪ ،‬وحسدوا أهل المال‪ ،‬وقلوبهم‬
‫مفعمة بحب الدنيا‪ ،‬وهم يحسبون أنهم زاهدون‪ .‬وما وقعوا فأي ذلك إل لنهم ساروا‬
‫بأنفسهم بعيدين عن صحبة الدليل الخبير‪ ،‬وفأي هؤلء يقول المناوي رحمه ا‬
‫تعالى‪) :‬فأالزهد فأراغ القلب من الدنيا ل فأراغ اليد منها‪ ،‬وقد جهل قوم فأظنوا أن‬
‫الزهد تجنب الحلل‪ ،‬فأاعتزلوا الناس‪ ،‬فأضيعوا الحقوق‪ ،‬وقطعوا الرحام‪ ،‬وجفوا‬
‫النام‪ ،‬واكفهيروا فأي وجوه الغنياء‪ ،‬وفأي قلوبهم شهوة الغنى أمثال الجبال‪ ،‬ولم‬
‫يعلموا أن الزهد إنما هو بالقلب‪ ،‬وأن أصله موت الشهوة القلبية‪ ،‬فألما اعتزلوها‬
‫بالجوارح ظنوا أنهم استكملوا الزهد‪ ،‬فأأداهم ذلك إلى الطعن فأي كثير من الئمة(‬

‫‪94‬‬
‫]"فأيض القدير شرح الجامع الصغير" ج ‪/3‬صا ‪.[73‬‬

‫وكم من أناس أقبلوا على الدنيا وملذاتها فأشغلت قلوبهم بحبها‪ ،‬وعمرت أوقاتهم‬
‫بجمع حطامها وهم يزعمون أنهم تحققوا بالزهد القلبي‪ ،‬وأنهم فأهموا الزهد على‬
‫حقيقته‪ ،‬ولو كان لهؤلء طبيب قلبي ناصح‪ ،‬يكون لهم مرآة صادقة‪ ،‬لرركرش ر‬
‫ف لهم‬
‫حقيقة وصفهم‪ ،‬ولرشدهم إلى سبيل الوصول إلى حقيقة الزهد‪.‬‬

‫وينبغي الشارة إلى أن المرشدين قد يصفون لبعض تلمذتهم نوعا ا من المجاهدات‬


‫بغية تفريغ قلوبهم من التعلقات الدنيوية‪ ،‬من باب العلج الضروري الموقت‪،‬‬
‫فأيطلبون منهم أكل اليسير من الطعام‪ ،‬أو لبس البسيط من الثياب لخراج حبها من‬
‫قلوبهم‪ ،‬أو يردعونهم للبذل السخي والعطاء الكثير بغية اقتلع صفة الشح والتعلق‬
‫بالمال من قلوبهم‪ ،‬وهذه النواع من المعالجات ضرورية ونافأعة ما دامت برأي‬
‫المرشد وإشرافأه‪ ،‬فأهي ليست غايةا لذاتها ؛ بل هي وسيلة مشروعة للوصول إلى‬
‫الزهد القلبي الحقيقي‪.‬‬

‫وما أكسل الرسول صلى ا عليه وسلم للطعمة البسيطة‪ ،‬وربطس الحجر على بطنه‬
‫الشريف من الجوع ـ رغم أن الجبال عرضت له أن تكون ذهبا ا ـ إل لبيان‬
‫مشروعية هذه العمال‪.‬‬

‫وفأي هذا قال المام الجنيد رحمه ا تعالى‪ ،‬وهو ترربى على يد أشياخه من‬
‫العارفأين‪) :‬ما أخذنا التصوف عن القيل والقال‪ ،‬لكن عن الجوع وترك الدنيا‪،‬‬
‫وقطع المألوفأات والمستحرسنات‪ ،‬لن التصوف هو صفة المعاملة مع ا تعالى‪،‬‬
‫وأصله التعيزف عن الدنيا كما قال حارثة‪ :‬عزفأت نفسي عن الدنيا فأأسهر س‬
‫ت ليلي‬
‫ت نهاري( ]"طبقات الصوفأية" للسلمي صا ‪.[158‬‬ ‫وأظمأ س‬

‫وقد كان المرشد الكبير سيدي عبد القادر الجيلني رحمه ا تعالى يوجه تلمذته‬
‫فأي بادىء سيرهم أن يجاهدوا أنفسهم ويروضوها على الخشيشان والصبر‬
‫والتقشف‪ ،‬ثم بعدها ينقلهم إلى مراتب الزهد القلبي حين يستوي عندهم الخذ‬
‫والعطاء والفقر والغنى‪ ،‬وتفرغ قلوبهم من سوى ا تعالى‪.‬‬

‫وقد لرفر ر‬
‫ت السادة الصوفأية الذهارن إلى أمور تساعد على التحقق بمقام الزهد منها‪:‬‬

‫‪1‬ـ العلم بأن الدنيا ظل زائل وخيال زائر‪ ،‬والرحيل منها إلى دار البقاء‪ ،‬إما إلى‬

‫‪95‬‬
‫نعيم وإما إلى عذاب‪ ،‬فأيرى النسان نتيجة أعماله‪ ،‬إرن خيراا فأخير‪ ،‬وإرن شراا فأشر‪.‬‬

‫عن عبد ا بن الشخير رضي ا عنه قال‪ :‬أتيت النبي صلى ا عليه وسلم وهو‬
‫يقرأ‪} :‬ألهاسكسم التكاثسسر{ ]التكاثر‪ [1:‬قال‪" :‬يقول ابن آدم‪ :‬مالي مالي‪ ،‬وهل لك يا ابن‬
‫ت فأأمضيت" ]رواه‬‫ت فأأبليت‪ ،‬أو تصدرق ر‬
‫ت فأأفأنيت‪ ،‬أو لبس ر‬
‫آدم من مالك إل ما أكل ر‬
‫مسلم فأي كتاب الزهد[‪.‬‬

‫وقال أبو المواهب الشاذلي رحمه ا تعالى‪) :‬عبادة المريد مع محبته للدنيا شغل‬
‫ت قليلة عند ا تعالى(‪.‬‬‫قلب وتعب جوارح‪ ،‬فأهي وإن كثر ر‬

‫‪2‬ـ العلم بأن وراءها داراا أعظم منها قدراا‪ ،‬وأجل خطراا‪ ،‬وهي دار البقاء‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪} :‬قرل متاسع الدنيا قليفل والخرةس خيفر للرمرن اتقى{ ]النساء‪ .[77 :‬ولذا وجهوا‬
‫أتباعهم للعراض عن الدنيا‪ ،‬والتطلع إلى الحياة الخرة‪ ،‬إلى الجنة ونعيمها‬
‫والرغبة فأي ا تعالى‪ ،‬فأساروا سيرة الصحابة والسلف الصالح رضي ا عنهم‬
‫فأي التضحية واليثار ومجاهدة النفس ومغالبة الهوى دون أن تستهويهم زخارف‬
‫الحياة الزائلة‪.‬‬

‫وكان شعارهم قول بعضهم‪:‬‬

‫واذكر عظامك حين تمسي ناخرة‬ ‫ل تنظرفن إلى القصور العامرة‬


‫ك إفن العيش عيش الخرة‬
‫لبي ر‬ ‫وإذا ذكر ر‬
‫ت زخارف الدنيا فأقل‬

‫‪3‬ـ العلم بأن زهد المؤمنين فأي الدنيا ل يمنعهم شيئا ا سكتب لهم‪ ،‬وأن حرصهم عليها‬
‫ض لهم منها‪ ،‬فأما أصابهم لم يكن ليخطئهم‪ ،‬وما أخطأهم لم‬ ‫ل يجلب لهم ما لم سيق ر‬
‫يكن ليصيبهم‪.‬‬

‫الخلصة‪:‬‬

‫وصفوة القول‪ :‬الزهد مقام رفأيع لنه سبب لمحبة ا تعالى‪ ،‬ولذا دعا إليه الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬وأشاد بفضله أئمة الدين‪ ،‬قال المام الشافأعي رحمه ا تعالى‪) :‬عليك‬
‫بالزهد‪ ،‬فأإن الزهد على الزاهد أحسن من الحلي على الناهد( ]"فأيض القدير شرح‬
‫الجامع الصغير" ج ‪/4‬صا ‪.[73‬‬

‫‪96‬‬
‫ولذلك فأإن السادة الصوفأية قد تحققوا بالزهد وتدرجوا فأي مراتبه التي أشار إليها‬
‫ابن عجيبة بقوله‪) :‬فأزهد العامة‪ :‬ترك ما فأضل عن الحاجة فأي كل شيء‪ ،‬وزهد‬
‫الخاصة‪ :‬ترك ما يشغل عن التقرب إلى ا فأي كل حال‪ ،‬وزهد خاصة الخاصة‬
‫ترك النظر إلى ما سوى ا فأي جميع الوقات إلى أن قال‪ :‬والزهد سبب السير‬
‫والوصول ؛ إذ ل سير للقلب إذا تعلق بشيء سوى المحبوب( ]"معراج التشوف"‬
‫لبن عجيبة صا ‪ 7‬ـ ‪.[8‬‬

‫وقد وصف المام النووي رحمه ا تعالى هذه الفئة الصالحة من المة فأقال‪:‬‬

‫طنا طفلقوا الدنيا وخافأوا الفتنا‬


‫إفن ل عباداا فأس ر‬

‫نظروا فأيها فألما علموا أنها ليس لحيي رسكنا‬

‫جعلوها لسفجةا واتخذوا صالح العمال فأيها سسفنا‬

‫]"رياض الصالحين" للمام النووأي ص ‪[3‬هلل‪.‬‬

‫الـــررضــــا‬

‫تعريفه‪ :‬عرف العلماء الرضا تعريفات متعددة‪ ،‬وكل واحد تكلم على حسب مشربه‬
‫ومقامه‪،‬وأهمها ما قاله السيد فأي تعريفاته‪" :‬الرضاء‪ :‬سرور القلب بسمصر القضاء"‬
‫]"تعريفات السيد" صا ‪.[57‬‬

‫وقال ابن عجيبة رحمه ا تعالى‪" :‬الرضا‪ :‬تلقي المهالك بوجه ضاحك‪ ،‬أو سرور‬
‫يجده القلب عند حلول القضاء‪ ،‬أو ترك الختيار على ا فأيما دبر وأمضى‪ ،‬أو‬
‫شرح الصدر ورفأع اللنكار لما يرد من الواحد القهار" ]"معراج التشوف" صا‬
‫‪.[8‬‬

‫وقال العلمة البركوي رحمه ا تعالى‪" :‬الرضا‪ :‬طيب النفس بما يصيبه ويفوته‬
‫مع عدم التغير" ]"شرح الطريقة المحمدية" للنابلسي ج ‪ .2‬صا ‪.[105‬‬

‫‪97‬‬
‫وقال ابن عطاء ا السكندري رحمه ا تعالى‪" :‬الرضا‪ :‬نظر القلب إلى قديم‬
‫اختيار ا تعالى للعبد‪ ،‬وهو ترك التسخط" ]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[89‬‬

‫وقال المحاسبي رحمه ا تعالى‪" :‬الرضا‪ :‬سكون القلب تحت مجاري الحكام"‬
‫]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[89‬‬

‫فأالرضا مقام قلبي‪ ،‬إذا تحقق به المؤمن استطاع أن ريتلفقى نوائب الدهر وأنواع‬
‫الكوارث بإيمان راسخ‪ ،‬ونفس مطمئنة‪ ،‬وقلب ساكن‪ ،‬بل قد يترقى إلى أرفأع من‬
‫ذلك فأيشعر بالسرور والفرحة بمر القضاء‪ ،‬وذلك نتيجة ما تحقق به من المعرفأة‬
‫ب الصادق له سبحانه‪.‬‬‫بال تعالى‪ ،‬والح ص‬

‫فضله‪:‬‬
‫هو أسمى مقاماا وأرفأع رتبة من الصبر‪ ،‬إذ هو السلم الروحي الذي يصل‬
‫بالعارف إلى حب كل شيء فأي الوجود يرضي ا تعالى‪ ،‬حتى أقدار الحياة‬
‫ومصائبها‪ ،‬يراها خيراا ورحمة‪ ،‬ويتأملها بعين الرضا فأضلا وبركة‪.‬‬

‫كان بلل رضي ا عنه يعاني سكرات الموت وهو يقول‪" :‬وافأرحتاه! غداا ألقى‬
‫الحبة‪ ،‬محمداا وصحبه" ]"السيرة النبوية" لحمد زيني دحلن‪ .‬صا ‪.[242‬‬

‫وقد بين الرسول صلى ا عليه وسلم أن الراضي بقضاء ا هو أغنى الناس لنه‬
‫أعظمهم سروراا واطمئناناا‪ ،‬وأبعدهم عن الهم والحزن والسخط والضجر‪ ،‬إذ ليس‬
‫الغنى بكثرة المال إنما هو بغنى القلب باليمان والرضا‪ ،‬قال عليه الصلة‬
‫والسلم‪) :‬اتق المحارم تكن أعبد الناس‪ ،‬وارض بما قسم ا لك تكن أغنى الناس‪،‬‬
‫وأحسن إلى جارك تكن مؤمناا‪ ،‬وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلماا‪ ،‬ول تكثر‬
‫الضحك فأإن كثرة الضحك تميت القلب( ]أخرجه الترمذي فأي كتاب الزهد عن أبي‬
‫هريرة رضي ا عنه‪ ،‬وقال‪ :‬هذا حديث غريب[‪.‬‬

‫وأوضح الرسول صلى ا عليه وسلم أن الرضا سبب عظيم من أسباب سعادة‬
‫المؤمن الدنيوية والخروية‪ ،‬كما أن السخط سبب الشقاء فأي الدنيا والخرة فأقال‪:‬‬
‫)من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى ا له‪ ،‬ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة ا‬
‫تعالى‪ ،‬ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى ا تعالى له( ]أخرجه الترمذي فأي‬
‫كتاب القدر عن سعد بن أبي وقاصا رضي ا عنه وقال‪ :‬حديث غريب[‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫ولقد كانت نعمة الرضا من العوامل فأي تلك السكينة التي شملت قلوب العارفأين‪،‬‬
‫ومن أقوى السباب فأي محق نوازع اليأس التي يوجدها التفكير فأي عدم الحصول‬
‫على حظوظ الحياة وملذاتها ؛ مما يجلب لصاحبه القلق والحيرة والضطراب‪.‬‬

‫ولقد كان من هديه صلى ا عليه وسلم أن سيعرلم أصحابه ويغرس فأي قلوبهم الرضا‬
‫ل‪ ،‬وكان‬ ‫بال تعالى رباا‪ ،‬وبالسلم ديناا‪ ،‬وبمحمد صلى ا عليه وسلم نبيا ا ورسو ا‬
‫يندبهم لتكرارها فأيقول‪) :‬من قال إذا أصبح وأمسى‪ :‬رضينا بال ربا ا وبالسلم‬
‫ل‪ ،‬كان حقاا على ا أن يرضيه(]رواه أبو داود فأي باب ما‬ ‫ديناا‪ ،‬وبمحمد رسو ا‬
‫يقول إذا أصبح عن أنس بن مالك رضي ا عنه ورواه الترمذي فأي كتاب‬
‫الدعوات[‪ ،‬فأكانوا يحرصون على تكرارها صباحا ا ومسااء‪ ،‬سيعلربون بذلك عما ستكينه‬
‫قلوبهم من نعيم الرضا بال والتسليم له‪.‬‬

‫وما أكثر من يكرر هذا القول بلسانه‪ ،‬وهو غير مطمئن القلب به‪ ،‬ول متذوق‬
‫لمعانيه السامية‪ ،‬ول متحقق بمقاصده العالية‪ ،‬خصوصا ا حين تزدحم عليه‬
‫المصائب‪ ،‬وتداهمه الخطوب‪ ،‬وتتكاثف على قلبه ظلمات الهموم والكدار‪ ،‬أو‬
‫عندما يدعى إلى حكم من أحكام الشرع يخالف هواه ويعارض مصالحه الخاصة‪.‬‬

‫لهذا نرى أن ترردارده باللسان فأحسب ل يفيد صاحبه إذا لم ينبع من قلبه‪ .‬حيث إن‬
‫من لوازم الرضا بال تعالى ربا ا ؛ الرضا بكل أفأعاله فأي شؤون خلقه ؛ من إعطاظء‬
‫ومنع وخفض ورفأع‪ ،‬وضر ونفع‪ ،‬ووصل وقطع‪.‬‬

‫ومن لوازم الرضا باللسلم ديناا أن يتمسك بأوامره ويبتعد عن نواهيه‪ ،‬ويستسلم‬
‫لحكامه ولو كان فأي ذلك مخالفة لهوى نفسه‪ ،‬ومعارضة لمصالحه الخاصة‪.‬‬

‫ومن لوازم الرضا بسيدنا محمد صلى ا عليه وسلم نبيا ا ورسولا أن يتخذ‬
‫شخصيته مث ا‬
‫ل أعلى وأسوة حسنة‪ ،‬فأيتبع هديه‪ ،‬ويقتفي أثره‪ ،‬ويتحلى بسنته‪،‬‬
‫ويجاهد هواه حتى يكون تبعاا لما جاء به‪ ،‬وحتى يكون أحب إليه من والده وولده‬
‫ونفسه والناس أجمعين‪ ،‬كما دعا إلى ذلك عليه الصلة والسلم‪" :‬ل يؤمن أحدكم‬
‫حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" ]رواه البخاري فأي صحيحه‬
‫فأي كتاب اليمان باب حب الرسول من اليمان عن أبي هريرة وأنس رضي ا‬
‫عنهما[‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫وإن عمر بن الخطاب رضي ا عنه قال للنبي صلى ا عليه وسلم‪ :‬لن ر‬
‫ت يا‬
‫ي من كل شيظء إل من نفسي فأقال‪" :‬ل والذي نفسي بيده حتى‬ ‫ب إل ف‬
‫رسول ا أح ي‬
‫ي من‬‫ب إل ف‬
‫ب إليك من نفسك"‪ .‬فأقال له عمر‪ :‬فأإنه الن وا لنت أح ي‬‫أكون أح ف‬
‫نفسي‪ ،‬فأقال النبي صلى ا عليه وسلم‪" :‬الن ياعمر" ]رواه البخاري فأي صحيحه‬
‫فأي كتاب اليمان والنذور باب كيف كانت يمين النبي صلى ا عليه وسلم ج ‪.8‬‬
‫صا ‪ ،160‬ورواه أحمد فأي المسند ج ‪.[4/233‬‬

‫ل‪،‬‬‫فأمن تحلى بالرضا بال تعالى رباا‪ ،‬وبالسلم ديناا‪ ،‬وبسيدنا محمد نبيا ا ورسو ا‬
‫ذاق طعم اليمان‪ ،‬ووجد حلوة اليقين‪ ،‬ونال السعادة البدية‪ ،‬قال عليه الصلة‬
‫والسلم‪" :‬ذاق طعم اليمان من رضي بال تعالى رباا‪ ،‬وبالسلم ديناا‪ ،‬وبمحمد‬
‫نبياا" ]رواه مسلم والترمذي فأي كتاب اليمان عن العباس بن عبد المطلب رضي‬
‫ا عنه[‪.‬‬

‫أما من سحرم لذة اليمان ونعيم الرضا‪ ،‬فأهو فأي قلق واضطراب‪ ،‬وتضجر وعذاب‪،‬‬
‫وخصوصاا حين يحل به بلء‪ ،‬أو تنزل به مصيبة‪ ،‬فأتسويد الحياة فأي عينيه‪ ،‬وتظلم‬
‫الدنيا فأي وجهه‪ ،‬وتضيق به الرض على رحبها‪ ،‬ويأتيه الشيطان ليوسوس له‪ ،‬أن‬
‫ل خلصا من همومه وأحزانه إل بالنتحار‪ .‬وكم نسمع عن حوادث النتحار‪،‬‬
‫تزداد نسبتها‪ ،‬ويتفاقم خطرها وخصوصا ا فأي البلد الكافأرة الملحدة‪ ،‬وفأي‬
‫المجتمعات المارقة التي انحسر عنها ظل اللسلم‪ ،‬وخبا فأيها نور الليمان‪ ،‬وهم‬
‫ضرنكا ا ‪.‬‬
‫ض عن لذكري فأإفن لهس معيشةا ر‬ ‫الذين عناهم ا تعالى بقوله‪} :‬ورمرن أعر ر‬
‫ونحسشسرهس يورم القياملة أعمى{ ]طه‪.[124 :‬‬
‫تصحيح الفكار في موضوع الرضا‪:‬‬
‫هناك شبهات‪ ،‬أثارها بعض الجهلة حول موضوع الرضا‪ ،‬وما سببها إل جهلهم‬
‫وعدم تذوقهم لهذا المقام الرفأيع‪ ،‬والنسان عدو ما يجهل‪ .‬أو يكون رمريدها أنهم رأوا‬
‫سأناساا من أدعياء التصوف‪ ،‬فأاعتبروا أحوالهم الفاسدة ومفاهيمهم المنحرفأة حجة‬
‫على التصوف‪ ،‬دون أن يفرقوا بين السادة الصوفأية الذين تحققوا باليمان والسلم‬
‫واللحسان‪ ،‬وبين الدخلء من أدعياء التصوف وإليك بعض هذه الشبهات مع الرد‬
‫عليها‪.‬‬

‫أو ا‬
‫ل‪ :‬أنكر جماعة الرضا من أصله فأقالوا‪ :‬ل سيتصور الرضا بما يخالف الهوى‪،‬‬
‫وإنما سيتصور الصبر فأقط‪ ،‬فأهل يعقل أن ل يحس اللنسان بألم المصائب‪ ،‬ول يشعر‬
‫بوقع الخطوب ؟!‬

‫‪100‬‬
‫والجواب‪ :‬إن الراضي قد يحس بالبلء‪ ،‬ويتألم للمصيبة بحكم الطبع‪ ،‬ولكنه يرضى‬
‫بها بعقله وإيمانه‪ ،‬لما يعتقد من عظم الجر وجزالة الثواب على البلء‪ ،‬فأل‬
‫يعترض‪ ،‬ول يتضجر‪ ،‬قال أبو علي الدقاق‪) :‬ليس الرضا أن ل تحس بالبلء‪ ،‬إنما‬
‫الرضا أن ل تعترض على الحكم والقضاء( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[89‬‬

‫ومثله فأي ذلك مثل المريض الذي يحس بألم حقنة الدواء‪ ،‬ويشعر بمرارة العلج‪،‬‬
‫ولكنه يرضى بذلك لعلمه أنه سبب الشفاء‪ ،‬حتى إنه ليفرح بمن يقدم له الدواء ولو‬
‫كان مفر المذاق كريه الرائحة‪.‬‬

‫ي فأيها أربع لنعم‪ :‬إرذ لم تكن‬ ‫قال عمر رضي ا عنه‪) :‬ما ابستلي س‬
‫ت ببلية إل كان ل عل ف‬
‫فأي ديني‪ ،‬وإذ لم أحرم الرضا‪ ،‬وإذ لم تكن أعظم‪ ،‬وإذ رجوت الثواب عليها(‬
‫]"شرح الطريقة المحمدية" ج ‪ 2‬صا ‪.[105‬‬

‫ومن ناحية أخرى‪ :‬إن الراضي قد يحس بألم المصيبة بحكم الطبع‪ ،‬ولكنه يرضى‬
‫بها حين يرجع إلى إيمانه بلطف ا تعالى وحكمته‪ ،‬وأن وراء كل فأعل من أفأعاله‬
‫تعالى لحكماا خفية‪ .‬ولطائف دقيقة‪ ،‬كما قال تعالى‪} :‬فأعسى أرن تكررهوا شيئا ا ويجرعرل‬
‫اس فأيه خيراا كثيراا{]النساء‪.[19 :‬‬

‫وبذلك يضمحل حزنه‪ ،‬ويزول تعجبه‪ ،‬ويعلم أن تعجبه كتعجب موسى عليه السلم‬
‫من الخضر عليه السلم‪ ،‬لما خرق سفينة اليتام‪ ،‬وقتل الغلم‪ ،‬وأعاد بناء الجدار‪،‬‬
‫فألما كشف الخضر عن الحكمة التي اطلع عليها‪ ،‬زال تعجب موسى عليه السلم‪،‬‬
‫وكان تعجبه بناء على ما سأخفي عنه من تلك الحكم ؛ وكذلك أفأعال ا تعالى‪.‬‬

‫ومن جهة ثالثة‪ :‬إن المؤمن الذي عمرت محبة ا تعالى قلبه‪ ،‬وأخذت عليه مجامع‬
‫لبه ل يحس بوقع المصيبة‪ ،‬ول يشعر بألمها‪ ،‬كما قيل‪:‬‬

‫ح إذا رأرضاكم ألم ول شك أن المحبة ل يحس بها إل من ذاقها‪:‬‬


‫‪ . . . . .‬فأما لسجر ظ‬

‫ل يعرف الوجد إل من يكابدهول الصبابة إل من يعانيها ولذلك ينكرها من لم‬


‫يصل إليها‪.‬‬

‫ت ا حبا ا هفون علفي كفل مصيبة‪ ،‬ور ف‬


‫ضاني بكل بلفية‪ ،‬فأل‬ ‫قال عامر بن قيس‪) :‬أحبب س‬
‫سأبالي مع حبي إياه علم أصبحت وعلم أمسيت(‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫ثانياا‪ :‬تسفررع قوم فأقالوا‪ :‬إن الرضا يورث فأي المؤمن قبولا لعمال الفاسقين‪،‬‬
‫واستحساناا لوضاع العاصين‪ ،‬وهذا يؤدي إلى ترك المر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر‪.‬‬

‫والجواب‪ :‬أن هذا الفهم خطأ ظاهر‪ ،‬وجهل برين‪ ،‬فأهل يعقل أن يهدم المؤمن حكما ا‬
‫من أحكام ربه‪ ،‬وركناا من دعائم دينه‪ ،‬وهو المر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟!‬
‫مع العلم أن ا تعالى ل يرضى عن المؤمن إل إذا أقام دينه‪ ،‬واتبع شريعته‪.‬‬

‫وهل سيتصور أن يرضى المؤمن بأفأعال الكافأر مع أن ا تعالى ل يرضى بها كما‬
‫قال تعالى‪} :‬ول يرضى لعبالدله الكفرر{ ]الزمر‪.[7 :‬‬

‫والحقيقة أنه ل تعارض بين الرضا بال تعالى وبين إنكار المنركر‪ ،‬لن المؤمن‬
‫يرضى بأفأعال ا تعالى من حيث إنها صدرت من حكيم عليم‪ ،‬وأنها بقضائه‬
‫ومشيئته‪ ،‬ول يرضى بأفأعال العصاة من حيث إنها صفتهم وكسبهم‪ ،‬ولنها دللة‬
‫على أنهم ممقوتون من ا تعالى‪.‬‬

‫ثالثاا‪ :‬ظن قوم خطأ أن من آثار الرضا بال تعالى أن يترك النسان التضرع‬
‫والدعاء‪ ،‬ويهمل اتخاذ السباب لجلب الخير ودفأع البلء‪ ،‬ويبتعد عن استعمال‬
‫الدواء عند حصول الداء‪.‬‬

‫والجواب‪ :‬أن هذا فأهم غير صحيح‪ ،‬إذ فأي الحقيقة أن من جملة الرضا بال تعالى؛‬
‫أن يعمل المؤمن أعمالا يتوصل بها إلى رضاء محبوبه سبحانه‪ ،‬وأن يترك كل ما‬
‫يخالف أمره ويناقض رضاه‪.‬‬

‫ب لسكم{‬‫ومما يوصل إلى رضاء ا تعالى استجابة أمره فأي قوله‪} :‬ادعوني أسترلج ر‬
‫]غافأر‪ .[60 :‬فأالدعاء مخ العبادة‪ ،‬وهو يورث فأي القلب صفااء وخشوعا ا ورقةا‬
‫تجعله مستعداا لقبول اللطاف والنوار‪.‬‬

‫ثم إن ترك السباب مخالف لمر ا تعالى ومناقض لرضاه‪ ،‬فأال تعالى أمر‬
‫بالعمل فأقال‪} :‬وقسلل اعمسلوا فأررسريرى اس عرملرسكم ورسوسله والمؤمنون{ ]التوبة‪:‬‬
‫‪ .[105‬ودعا إلى السعي فأي طلب الرزق فأقال‪} :‬هرو الذي رجرعرل لكم الرض ذلولا‬
‫فأامشوا فأي منالكلبها وسكسلوا لمرن لررزقلله{ ]الملك‪.[15 :‬‬

‫‪102‬‬
‫فأليس من الرضا للعطشان أن ل يمد يده للماء؛ زاعما ا أنه رضي بالعطش الذي هو‬
‫من قضاء ا ؛ بل قضاء ا وحكمه وإرادته أن سيزال العطش بالماء‬

‫وحين أراد سيدنا عمر بن الخطاب رضي ا عنه‪ ،‬أن يمنع جيش المسلمين من‬
‫دخول الشام حذراا من الطاعون‪ ،‬قال له سيدنا أبو عبيدة بن الجراح رضي ا‬
‫عنه‪) :‬أفأراراا من قدر ا ؟! فأأجابه سيدنا عمر‪ :‬لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! نحن‬
‫نلفير من قدر ا إلى قدره( ]رواه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب الطب باب ما‬
‫يذكر فأي الطاعون عن ابن عباس رضي ا عنهما‪ .‬ورواه مسلم فأي صحيحه فأي‬
‫كتاب السلم باب الطاعون[‪.‬‬

‫فأليس فأي الرضا بالقضاء ما يستلزم الخروج عن حدود الشرع‪ ،‬ولكن الرضا‬
‫بقضاء ا تعالى معناه ترك العتراض عليه تعالى ظاهراا وباطناا‪ ،‬مع بذل الوسع‬
‫للتوصل إلى ما يحبه ا تعالى ويرضاه‪ ،‬وذلك بفعل أوامره وترك نواهيه‪.‬‬

‫وختاماا‪ :‬فأإن فأي سيرة الرسول العظم صلى ا عليه وسلم وخلفائه وصحابته‬
‫الكرام رضوان ا عليهم والتابعين والصالحين فأيض من الحوادث التي تدل على‬
‫ضرب‬ ‫تحققهم بأعلى درجات الرضا‪ ،‬مما يضيق المجال عن سرد الكثير منها‪ ،‬س‬
‫رسول ا صلى ا عليه وسلم يوم الطائف بالحجارة حتى سأدمي عقبه فأتوجه إلى‬
‫ي فأل سأبالي"‪.‬‬
‫ا تعالى مخاطباا‪ :‬ومما قال‪" :‬إن لم تكن ساخطا ا عل ف‬

‫وكان الصحابة الكرام يسرعفذسبون فأي مكة ويقلب عليهم ألوان التنكيل واليذاء وهم‬
‫يتلقون ذلك كله بقلوب راضية‪ ،‬ووجوه مبتسمة‪ ،‬وألسنة ذاكرة‪.‬‬

‫وروي أن عروة بن الزبير رضي ا عنهما قطعت رجله ومات أعز أولده فأي‬
‫ليلة واحدة‪ ،‬فأدخل عليه أصحابه وعزوه فأقال‪) :‬اللهم لك الحمد‪ ،‬كان أولدي سبعة‬
‫فأأخذت واحداا وأبقيت ستة‪ ،‬وكان لي أطراف أربعة فأأخذت واحداا وأبقيت ثلثة‪،‬‬
‫ت قد ابتلي ر‬
‫ت فأقد عافأيت(‪.‬‬ ‫ت قد أخذت فألقد أعطيت‪ ،‬ولئن كن ر‬
‫فألئن كن ر‬

‫وقال عمر بن عبد العزيز رضي ا عنه‪) :‬ما بقي لي سرور إل مواقع القدر‪ ،‬قيل‬
‫له‪ :‬ما تشتهي ؟ قال‪ :‬ما يقضي ا تعالى(‪.‬‬

‫واعلم أن ا تعالى ل يرضى عن عبده إل إذا رضي العبد عن ربه فأي جميع‬

‫‪103‬‬
‫أحكامه وأفأعاله‪ ،‬وعندها يكون الرضا متبادلا كما أشار إلى ذلك الحق تعالى بقوله‪:‬‬
‫ضوا عنسه{ ]البينة‪.[8 :‬‬
‫}رضري اس عنسهم ورر س‬

‫ولقد أدرك السادة الصوفأية سر هذا التلزم والترابط بين الرضاءين‪ ،‬فأقد كان‬
‫سفيان الثوري يوماا عند رابعة العدوية فأقال‪) :‬اللهم ارض عني‪ ،‬فأقالت‪ :‬أما تستحي‬
‫من ا أن تسأله الرضا‪ ،‬وأنت عنه غير راض ؟! فأقال‪ :‬استغفر ا( ]إحياء علوم‬
‫الدين للغزالي ج ‪ .4‬صا ‪.[336‬‬

‫ورضاء ا تعالى عن العبد هو أسمى منزلة وأرفأع رتبة وأعظم منحة قال تعالى‪:‬‬
‫}ومسالكرن طيصبرةا فأي جفنا ظ‬
‫ت عردظن ورضوافن لمرن ال أكبرسر{ ]التوبة‪ .[72 :‬فأرضوان‬
‫رب الجنة أعلى من الجنة‪ ،‬بل هو غاية مطلب سكان الجنة‪ ،‬كما أخبر رسول ا‬
‫صلى ا عليه وسلم بقوله‪" :‬إن ا يقول لهل الجنة‪ :‬يا أهل الجنة! يقولون‪ :‬لبيك‬
‫ربنا وسعديك‪ ،‬فأيقول‪ :‬هل رضيتم‪ ،‬فأيقولون‪ :‬وما لنا ل نرضى وقد أعطيتنا ما لم‬
‫تعلط أحداا من خلقك فأيقول‪ :‬أنا أعطيكم أفأضل من ذلك‪ .‬قالوا‪ :‬يا رب وأي شيظء‬
‫أفأضل من ذلك ؟ فأيقول‪ :‬أسلحفل عليكم رضواني فأل أسخط عليكم بعده أبداا" ]رواه‬
‫البخاري فأي صحيحه فأي كتاب الرقاق باب صفة الجنة عن أبي سعيد الخدري‬
‫رضي ا عنه[‪.‬‬

‫التوكل‬

‫تعريفه‪ :‬قال السيد رحمه ا تعالى فأي تعريفاته‪) :‬التوكل‪ :‬هو الثقة بما عند ا‪،‬‬
‫واليأس عما فأي أيدي الناس( ]"تعريفات السيد" صا ‪.[48‬‬

‫وقال العارف بال ابن عجيبة رحمه ا تعالى‪) :‬التوكل‪ :‬ثقة القلب بال حتى ل‬
‫يعتمد على شيء سواه‪ ،‬أو التعلق بال والتعويل عليه فأي كل شيء‪ ،‬علما ا بأنه عالم‬
‫بكل شيء‪ ،‬وأن تكون فأي يد ا أوثق منك بما فأي يدك( ]"معراج التشوف" صا‬
‫‪.[8‬‬

‫‪104‬‬
‫وقال بعضهم‪) :‬هو اكتفاؤك بعلم ا فأيك عن تعلق القلب بسواه ورجوعك فأي كل‬
‫المور إلى ا( ]"دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" للعلمة محمد بن علن‬
‫الصديقي‪ .‬ج ‪ .2‬صا ‪.[2‬‬

‫وقال أبو سعيد الخراز رحمه ا تعالى‪):‬التوكل‪ :‬هو التصديق ل عز وجل‪،‬‬


‫والعتماد عليه‪ ،‬والسكون إليه‪ ،‬والطمأنينة إليه فأي كل ماضمن‪ ،‬وإخراج الهم من‬
‫القلب بأمور الدنيا والرزق وكل أمر تكفل ا به( ]"الطريق إلى ا" لبي سعيد‬
‫الخراز صا ‪.[56‬‬

‫فأالتوكل على ا تعالى تفويض المر إليه‪ ،‬والعتماد فأي جميع الحوال عليه‪،‬‬
‫والتبرؤ من الحول والقوة له‪ ،‬وهو مرتبة قلبية‪ ،‬كما يلحظ من التعاريف السابقة‬
‫وغيرها‪ ،‬ولهذا ل تعارض بين التوكل على ا تعالى وبين العمل واتخاذ السباب‪،‬‬
‫إذ التوكل محله القلب‪ ،‬والسباب محلها البدن‪ .‬وكيف يترك المؤمن العمل بعد أن‬
‫أمر ا تعالى به فأي كثير من اليات الكريمة‪ ،‬ودعا إليه الرسول صلى ا عليه‬
‫وسلم فأي أحاديث جمة‪.‬‬

‫فأقد جاء رجل إلى رسول ا صلى ا عليه وسلم على ناقة له فأقال‪ :‬يا رسول ا‬
‫أأرسل ناقتي وأتوكل ؟ فأقال صلى ا عليه وسلم‪" :‬اعقلها وتوكل" ]رواه الترمذي‬
‫فأي كتاب صفة القيامة‪ .‬وقال‪ :‬غريب[‪.‬‬

‫ولهذا اعتبر العلماء ترك السباب والتقاعس عن السعي تواكلا وتكاسلا ل يتفق‬
‫مع روح اللسلم‪ ،‬كما أكد الصوفأية هذه الناحية تصحيحا ا للفأكار‪ ،‬ورداا للشبهات‪،‬‬
‫وبيانا ا للناس أن التصوف هو الفهم الحقيقي للسلم‪.‬‬

‫قال القشيري رحمه ا تعالى‪) :‬التوكل محله القلب‪ ،‬والحركة بالظاهر لتنافأي‬
‫التوكل بالقلب‪ ،‬بعد ما تحقق العبد أن التقدير من قبل ا تعالى‪ ،‬وإن تعسر شيء‬
‫فأبتقديره‪ ،‬وإن اتفق شيء فأبتيسيره( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[76‬‬

‫وقال اللمام الغزالي رحمه ا تعالى‪) :‬قد يظن الجهال أن شرط التوكل ترك‬
‫ك التداوي والستسلسم للمهلكات‪ .‬وذلك خطأ لن ذلك حرام فأي‬ ‫الكسب وتر س‬
‫الشرع‪ ،‬والشرع قد أثنى على التوكل‪ ،‬وندب لإليه فأكيف سينال ذلك بمحظوره(‬
‫]"الربعين فأي أصول الدين" للغزالي صا ‪.[246‬‬

‫‪105‬‬
‫وقد نفبه السادة الصوفأية السالكين إلى ناحية قلبية دقيقة‪ ،‬وهي أنه يجب فأي كل عمل‬
‫من العمال أن يتخذوا أسبابه‪ ،‬مع عدم العتماد على تلك السباب أو اللتفات‬
‫إليها بقلوبهم‪.‬‬

‫قال القاضي عياض رحمه ا تعالى‪) :‬ذهب المحققون من الصوفأية إلى ضرورة‬
‫السعي فأيما ل بد منه‪ ،‬ولكن ل يصح عندهم التوكل مع اللتفات والطمأنينة إلى‬
‫السباب‪ ،‬بل فأعل السباب سنة ا وحكمته‪ ،‬والثقة بأنها ل تجلب نفعاا‪ ،‬ول تدفأع‬
‫ضراا‪ ،‬والكل من ا( ]"دليل الفالحين" ج ‪ 2‬صا ‪.[3‬‬

‫فضله وأآثاره‪:‬‬
‫التوكل نتيجة من نتائج الليمان‪ ،‬وثمرة من ثمار المعرفأة‪ ،‬فأعلى قدر معرفأة العبد‬
‫بال وصفاته يكون توكله‪ ،‬وإنما يتوكل على ا من ل يرى فأاعلا سواه‪.‬‬

‫والمتوكل على ا تعالى معتز به ل يذل إل له‪ ،‬واثق به ل يطلب إل منه‪ ،‬وقد‬
‫قالوا‪ :‬قبيح بالمريد أن يتعرض لسؤال العبيد‪ ،‬وهو يجد عند موله ما يريد‪.‬‬

‫ولهذا ربط ا تعالى التوكل باليمان فأقال‪} :‬وعلى ال فأليرترروفكلل المتوصكلورن{‬


‫]المائدة‪.[23 :‬‬

‫وقال‪} :‬وعلى ال فأليرترروفكلل المؤمنورن{ ]إبراهيم‪.[11 :‬‬

‫ومن يتوكل على ا تعالى حق التوكل ملتجئا ا إليه بصدق الحال يكررمه بالمحبة‪،‬‬
‫ويكلفه ما يهمه من محن وفأتن‪ ،‬ويمل قلبه غنى ويقيناا‪ ،‬ويزرين ظاهره بالعفة‬
‫ب المتوكليرن{ ]آل عمران‪ .[159 :‬وقال‪} :‬ورمرن‬ ‫والكرم‪ ،‬قال تعالى‪} :‬واس يسلح ي‬
‫يتوفكرل على ال فأهسرو رحرسبسسه{ ]الطلق‪.[23 :‬‬

‫والتوكل على ا تعالى يبعث فأي القلوب السكينة والطمأنينة‪ ،‬وخصوصا ا عند‬
‫الشدائد والمحن‪ .‬عن ابن عباس رضي ا عنهما قال‪) :‬حسبنا ا ونعم الوكيل‪،‬‬
‫قالها إبراهيم عليه السلم‪ ،‬حين سألقي فأي النار‪ ،‬وقالها محمد صلى ا عليه وسلم‬
‫حين قالوا‪ :‬إن الناس قد جمعوا لكم فأاخشوهم فأزادهم إيماناا‪ ،‬وقالوا‪ :‬حسبنا ا ونعم‬
‫الوكيل( ]أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب التفسير‪ ،‬تفسير سورة آل‬
‫عمران[هلل‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫ض بقضائه‪ ،‬مستسلم لفعله‪ ،‬مطمئن لحكمه‪ ،‬قال‬ ‫فأالمتوكل على ا تعالى حقيقةا را ظ‬
‫بشر الحافأي رحمه ا تعالى‪) :‬يقول أحدكم‪ :‬توكلت على ا‪ ،‬وهو يكذب على ا‬
‫تعالى‪ ،‬ولو توكل على ا تعالى لرضي بما يفعله ا تعالى به( ]الرسالة القشيرية‬
‫صا ‪.[76‬‬

‫وقد مدح رسول ا صلى ا عليه وسلم التوكل‪ ،‬وبرين أهميته فأي الحياة وقيمته فأي‬
‫إحلل الطمأنينة فأي النفوس فأقال‪" :‬لو توكلتم على ا حق توكله لرزقكم كما‬
‫يرزق الطير‪ ،‬تغدو خماصا ا وتروح لبطاناا" ]رواه الترمذي فأي كتاب الزهد وقال‪:‬‬
‫حديث حسن صحيح‪ .‬وأخرجه الحاكم فأي المستدرك )ج ‪/4‬صا ‪ (318‬عن عمر بن‬
‫الخطاب رضي ا عنه وقال‪ :‬الحديث صحيح السناد على شرط الشيخين[‪ .‬أي‬
‫تذهب صباحاا وهي جائعة‪ ،‬وتعود مسااء شباعاا‪ .‬وفأي هذا الحديث إشارة إلى أن‬
‫التوكل ل يتعارض مع السباب‪ ،‬بدليل أن الطير غادرت عشها صباحا ا باحثة عن‬
‫رزقها معتمدة على ربها‪ ،‬واثقة به‪ ،‬ولذلك فأهي ل تعرف الهم ول الحزان‪.‬‬

‫وقد ندب الرسول صلى ا عليه وسلم المة اللسلمية لإلى التوكل على ا تعالى‬
‫فأي كل حال‪ ،‬لسيما عندما يخرج المرء من بيته فأقال‪" :‬من قال حين يخرج من‬
‫بيته‪ :‬بسم ا توكلت على ا ول حول ول قوة إل بال‪ ،‬يقال له‪ :‬سهديت وسكفيت‬
‫وسوقيت‪ ،‬وتنحى عنه الشيطان‪ ،‬فأيقول الشيطان لشيطان آخر‪ :‬كيف لك برجل قد‬
‫سهدي وسكفي وسوقي" ]رواه أبو داود والنسائي والترمذي فأي كتاب الدعوات عن‬
‫أنس بن مالك وقال‪ :‬حديث صحيح غريب[‪.‬‬

‫مراتبه‪:‬‬

‫الناس فأي التوكل على مراتب‪ ،‬لن التوكل كغيره من مقامات السير إلى ا تعالى‬
‫تتدرج مراتبه‪ ،‬ويسمو المؤمن فأي معارجه على حسب معرفأته‪.‬‬

‫ولهذا عد بعض العارفأين ـ كالغزالي وابن عجيبة رحمهما ا تعالى ـ للتوكل ثلث‬
‫مراتب‪:‬‬

‫فأالولى‪ :‬وهي أدناها‪ ،‬أن تكون مع ا تعالى‪ ،‬كالموصكل مع الوكيل الشفيق‬


‫الملطف‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫والثانية‪ :‬وهي أوسطها‪ ،‬أن تكون مع ا تعالى كالطفل مع سأمه ل يرجع فأي جميع‬
‫سأموره لإل لإليها‪.‬‬

‫والثالثة‪ :‬وهي أعلها‪ ،‬أن تكون مع ا تعالى كالمريض بين يدي الطبيب‪.‬‬

‫والفرق بين هذه المقامات‪ ،‬أن الول قد يخطر بباله تهمة‪ .‬أما الثاني فأل اتهام‪،‬‬
‫ولكن يتعلق بأمه عند الحاجة‪ .‬أما الثالث فأل اتهام ول تعلق‪ ،‬لنه فأاظن عن نفسه‪،‬‬
‫ينظر كل ساعة ما يفعل ا به ]انظر "معراج التشوف" صا ‪.[8‬‬

‫الخلصة‪:‬‬
‫إن التوكل من أعظم ثمار الليمان والمعرفأة‪ ،‬وأهم أسباب السعادة والطمأنينة‪ ،‬وقد‬
‫فأهمه السادة الصوفأية على حقيقته‪ ،‬ونبهوا إلى أنه ليس بترك السباب والتخلي‬
‫عنها‪ ،‬بل هو انحصار المل فأي ا‪ ،‬واللتجاء إلى تدبيره وحكمته‪ ،‬وعدسم تعلق‬
‫القلب بالسباب‪ ،‬لنها وحدها ل تغني من ا شيئاا‪.‬‬

‫وهكذا تحقق السادة الصوفأية بأعلى مراتب التوكل‪ ،‬فأقلوبهم مطمئنة بال تعالى‪،‬‬
‫معتمدة عليه‪ ،‬واثقة به‪ ،‬متوجهة إليه‪ ،‬مستعينة به لنه ل فأاعل فأي الوجود سواه‪.‬‬

‫وأبدانهم تأخذ بالسباب امتثالا لمره‪ ،‬وتمسكاا بشرعه‪ ،‬واقتداء بهدي نبيه صلى‬
‫ا عليه وسلم وأصحابه الكرام‪.‬‬

‫الشكر‬

‫تعريفه‪ :‬أورد العلماء للشكر تعاريف كثيرة‪ ،‬وأهمها ما ورد عن بعضهم قوله‪:‬‬
‫)الشكر‪ :‬هو عكوف القلب على محبة المنلعم‪ ،‬والجوارح على طاعته وجرياسن‬
‫اللسان بذكره والثناء عليه( ]"مدارج السالكين" لبن القيم ج ‪ .2‬صا ‪.[136‬‬

‫وقال ابن عجيبة رحمه ا تعالى‪) :‬هو فأرح القلب بحصول النعمة‪ ،‬مع صرف‬
‫ف بنعمة المنعم على وجه الخضوع(‬ ‫الجوارح فأي طاعة المنعم‪ ،‬والعترا س‬
‫]"معراج التشوف" لبن عجيبة ص ‪[7‬هلل‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫وقال السيد رحمه ا تعالى فأي تعريفاته‪) :‬الشكر‪ :‬هو صرف العبد جميع ما أنعم‬
‫ا عليه من السمع والبصر وغيرهما إلى ما سخلق لجله( ]"تعريفات السيد" ص‬
‫‪[76‬هلل‪.‬‬

‫وقال العلمة ابن علن الصديقي رحمه ا تعالى‪) :‬الشكر‪ :‬العتراف بالنعمة‪،‬‬
‫والقيام بالخدمة‪ ،‬فأمن كثر ذلك منه سمي شكوراا‪ ،‬ومن ثرفم قال سبحانه‪} :‬وقليفل لمرن‬
‫ي الفشسكوسر{ ]سبأ‪"] [13 :‬دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" ج ‪ ،2‬ص‬ ‫لعبالد ر‬
‫‪[57‬هلل‪.‬‬

‫ول يخفى أن نعم ا تعالى على عباده أعظم من أن ستحصى‪ ،‬وأكثر من أن تعد‪،‬‬
‫قال ا تعالى‪} :‬وإرن ترسعيدوا لنعرمةر ال ل ستحصوها{]إبراهيم‪[34 :‬هلل‪.‬‬

‫وأيمكن تقسيم النعم إلى ثلثة أقسام رئيسية‪:‬‬


‫‪1‬ـ دنيوية‪ :‬كالصحة والعافأية والمال الحلل‪..‬‬
‫‪2‬ـ ودينية‪ :‬كالعمل والعلم والتقوى والمعرفأة بال تعالى‪.‬‬
‫‪3‬ـ وسأخروية‪ :‬كالثواب على العمل الصالح القليل بالعطاء الجزيل‪.‬‬

‫وأجيل النعم الدينية التي يتأكد الشكر عليها نعم اللسلم والليمان والمعرفأة بال‬
‫تعالى‪ ،‬ولمرن سشكرها اعتقاسد أنها منة من ا تعالى بل واسطة ول حول ول قوة‪،‬‬
‫ب إليسكسم اليمارن ورزيفنرهس فأي قلوبلسكم{ ]الحجرات‪.[7 :‬‬
‫قال ا تعالى‪} :‬ولكفن ار حبف ر‬
‫ضسل ال عليكم ورحرمتسهس ما زكا لمرنسكم لمرن أرحظد{ ]النور‪.[21 :‬‬ ‫وقال تعالى‪} :‬ولول فأ ر‬

‫وإن العبد المؤمن الذي يفكر فأي هذا الكون العظيم وما فأيه من آيات ا الكبرى‪،‬‬
‫يزداد اطلعه على نعم ا تعالى عليه‪ ،‬مما يجعله أكثر شكراا ل‪ ،‬وأعظم له حباا‪.‬‬

‫ومن نعم ا تعالى على العبد لنعفم يسوقها له بواسطة عباد ا تعالى‪ ،‬كما أجرى‬
‫لإحسان ا إلينا على يد رسوله صلى ا عليه وسلم‪ ،‬وكما ساق خيره لنا بواسطة‬
‫والردريرنا ومرصبينا من المرشدين العارفأين بال تعالى‪ .‬فأعلى المؤمن أن يشكر ا تعالى‬
‫لنه المنعم الحقيقي الذي سخر الناس لجلب الخير إليه‪ ،‬قال تعالى‪} :‬وما بلسكرم لمرن‬
‫نعرمظة فأرلمرن ل‬
‫ا{]النحل‪.[53 :‬‬

‫وعلى المؤمن أن يشكر أيضا ا من جعله ا تعالى سببا ا لنعمه‪ ،‬لذا قال رسول ا‬
‫صلى ا عليه وسلم‪" :‬ل يشكر ا من ل يشكر الناس" ]أخرجه أبو داود فأي سننه‬

‫‪109‬‬
‫فأي باب شكر المعروف عن أبي هريرة رضي ا عنه‪ ،‬وقال العلمة الخطابي‬
‫رحمه ا تعالى فأي معالم السنن ج ‪ 4‬صا ‪ ،113‬شارحا ا لهذا الحديث‪) :‬هذا الكلم‬
‫يتأول على وجهين‪ :‬أحدهما‪ :‬أن رمرن كان من طبعه وعادته كفران نعمة الناس‪،‬‬
‫ك الشكر له سبحانه‪.‬‬ ‫ك الشكر لمعروفأهم كان من عادته كفران نعمة ا وتر س‬
‫وتر س‬
‫الوجه الخر‪ :‬أن ا سبحانه ل يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد ل‬
‫يشكر إحسان الناس‪ ،‬ويكفر معروفأهم‪ ،‬لتصال أحد المرين بالخر([‪.‬‬

‫ولقد دعانا ا تعالى إلى شكره وشكر والردريرنا اللفرذرين جعلهما سببا ا فأي لإيجادنا ورسوق‬
‫ي المصيسر{ ]لقمان‪:‬‬ ‫كثير من النعم لإلينا بواسطتهما فأقال‪} :‬ألن اشكرر لي ولوالدي ر‬
‫ك إل ف‬
‫‪.[14‬‬

‫وأيسر الشكرين شكر العباد‪ ،‬فأرمرن ضفيع شكر العباد كان لشكر ا عز وجل أضيع‪.‬‬

‫أقسامه‪:‬‬
‫من تعاريف الشكر السابقة وغيرها يمكن القول بأن للشكر أقساما ا ثلثة‪ :‬شكر‬
‫اللسان‪ ،‬وشكر الركان‪ ،‬وشكر الرجنان‪.‬‬

‫‪1‬ـ أما شكر اللسان‪ :‬فأهو التحدث بنعم ا تعالى‪ ،‬امتثالا لقوله تعالى‪} :‬وأفما بنعرملة‬
‫ث{ ]الضحى‪.[11 :‬‬ ‫ك فأرحصد ر‬
‫رب ص ر‬

‫وتطبيقاا لقوله عليه الصلة والسلم‪" :‬التحدث بنعمة ا شكر" ]رواه المام أحمد‬
‫فأي مسنده عن النعمان بن بشير رضي ا عنهما ج ‪ 4‬صا ‪.[375‬‬

‫وقيل‪ :‬رمرن كتم النعمة فأقد كفرها‪ ،‬ورمرن أظهرها ونشرها فأقد شكرها‪.‬‬

‫ولذلك كانت شخصية رسول ا صلى ا عليه وسلم الشخصية المثالية فأي الشكر‬
‫ي ربي‪ ،‬ليجعل لي بطحاء‬ ‫والحمد‪ ،‬ولهذا قال صلى ا عليه وسلم‪" :‬رعرض عل ف‬
‫مكة ذهبا ا قلت‪ :‬ل يا رب‪ ،‬ولكن أشبع يوماا‪ ،‬وأجوع يوماا‪ ،‬وقال‪ :‬ثلثا ا أو نحو هذا‪،‬‬
‫ت شكرستك وحمردستك" ]رواه الترمذي‬ ‫ت إليك‪ ،‬وذكرتك‪ ،‬وإذا شبع س‬
‫ت تضرع س‬ ‫فأإذا جع س‬
‫فأي كتاب الزهد عن أبي أمامة رضي ا عنه وقال‪ :‬حديث حسن[‪.‬‬

‫وكذلك رفغب رسول ا صلى ا عليه وسلم فأي الحمد‪ .‬كما روى ابن عمر رضي‬
‫ا عنهما أن رسول ا صلى ا عليه وسلم حدثهم‪" :‬أن عبداا من عباد ا قال‪ :‬يا‬

‫‪110‬‬
‫ضلت بالملكين فألم‬
‫رب لك الحمد كما ينبغي لجلل وجهك ولعظيم سلطانك‪ ،‬فأع ف‬
‫يدريا كيف يكتبانها‪ ،‬فأصعدا إلى السماء فأقال‪ :‬يا ربنا! إن عبدك قد قال مقالة ل‬
‫ندري كيف نكتبها ؟ قال ا ـ وهو أعلم بما قال عبده ـ‪ :‬ماذا قال عبدي ؟ قال‪ :‬إنه‬
‫قد قال‪ :‬يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلل وجهك‪ ،‬ولعظيم سلطانك‪ .‬فأقال ا عز‬
‫وجل لهما‪ :‬اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأأجزيه بها" ]رواه ابن ماجه فأي‬
‫كتاب الدب[‪.‬‬

‫‪2‬ـ وأما شكر الركان‪ :‬فأهو العمل ل تعالى‪ ،‬قال تعالى مشيراا إلى أن الشكر هو‬
‫العمل‪} :‬اعملوا آرل داورد سشركراا{ ]سبأ‪ .[13 :‬وقد أوضح ذلك رسول ا صلى ا‬
‫عليه وسلم عملياا‪ ،‬حين كان يقوم الليل‪ ،‬كما روت السيدة عائشة رضي ا عنها‬
‫قالت‪ :‬كان النبي صلى ا عليه وسلم يقوم من الليل حتى تنفطر قدماه‪ ،‬فأقلت له‪ :‬للرم‬
‫تصنع هذا يا رسول ا وقد سغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال‪" :‬أفأل أكون‬
‫عبداا شكوراا" ]أخرجه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب الرقاق ومسلم فأي صحيحه‬
‫فأي كتاب صفات المنافأقين والترمذي فأي أبواب الصلة[‪.‬‬

‫‪3‬ـ وأما شكر الرجنان‪ :‬فأهو أن تشهد أن كل نعمة بك أو بأحد من العباد هي من ا‬


‫ا{ ]النحل‪ .[53 :‬فأل تحجبك رؤية‬ ‫تعالى‪ ،‬قال تعالى‪} :‬وما بلسكرم لمرن نلرعرمظة فأرلمرن ل‬
‫النعم عن رؤية المنعم‪ ،‬وقد نبه الرسول صلى ا عليه وسلم إلى هذه الحقيقة حيث‬
‫قال‪" :‬من قال حين يصبح‪ :‬اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحظد من خلقك فأمنك‬
‫وحدك ل شريك لك‪ ،‬فألك الحمد ولك الشكر‪ ،‬فأقد أدى شكر يومه‪ ،‬ومن قال مثل‬
‫ذلك حين يمسي فأقد أدى شكر ليلته" ]رواه أبو داود فأي سننه فأي باب ما يقول إذا‬
‫أصبح‪ ،‬والنسائي واللفظ له[‪.‬‬

‫وفأي الثار أن موسى عليه السلم قال‪) :‬يا رب خلق ر‬


‫ت آدم بيدك‪ ،‬ونفخت فأيه من‬
‫روحك‪ ،‬وأسجدت له ملئكتك‪ ،‬وعلمته أسماء كل شيء‪ ،‬وفأعلت‪ ،‬وفأعلت‪ ،‬فأكيف‬
‫ق شكرك ؟ قال ا عز وجل‪ :‬علم أن ذلك مني‪ ،‬فأكانت معرفأته بذلك شكراا(‬ ‫أطا ر‬
‫]"مدارج السالكين" لبن القيم ج ‪ .2‬صا ‪.[137‬‬

‫وعلى هذا فأإن المؤمن يرى أن من نعم ا عليه أررن وفأفرقه لشكره والثناء عليه‪،‬‬
‫كماقال داود عليه السلم‪) :‬يا رب كيف أشكرك وشكري نعمة علري من عندك‬
‫تستوجب بها شكراا ؟ قال‪ :‬الن شكرتني يا داود( ]"مدارج السالكين" لبن القيم ج‬
‫‪ .2‬صا ‪.[137‬‬

‫‪111‬‬
‫مراتب الشاكرين‪:‬‬
‫الناس فأي تحققهم بالشكر على مراتب متفاوتة‪:‬‬

‫ـ فأالعوام يشكرون ا على النعم فأقط‪.‬‬

‫ـ والخواصا يشكرون ا على النعم والنقم‪ ،‬ويشهدون فأضله ولإنعامه عليهم فأي‬
‫جميع أحوالهم‪ ،‬وقد أثنى رسول ا صلى ا عليه وسلم على رمرن تصيبه نقمة‬
‫فأيقابلها بالحمد باللسان‪ ،‬والرضا بالجنان دون أن يسمح للشيطان أن يقذف فأي قلبه‬
‫اليأس والقنوط من رحمة ا تعالى‪ .‬فأفي الحديث عن أبي موسى الشعري رضي‬
‫ا عنه أن رسول ا صلى ا عليه وسلم قال‪" :‬إذا مات ولد العبد‪ ،‬قال ا تعالى‬
‫لملئكته‪ :‬قبضتم ولد عبدي ؟ فأيقولون‪ :‬نعم‪ ،‬فأيقول‪ :‬فأماذا قال عبدي ؟ فأيقولون‪:‬‬
‫حمدك واسترجع ]حمدك‪ :‬قال الحمد ل‪ .‬استرجع‪ :‬قال إنا ل وإنا إليه راجعون[‪،‬‬
‫فأيقول ا تعالى‪ :‬ابنوا لعبدي بيتاا فأي الجنة وسموه بيت الحمد" ]رواه الترمذي فأي‬
‫كتاب الجنائز وقال‪ :‬حديث حسن[‪ .‬وقال صلى ا عليه وسلم‪" :‬أول ما سيدعى إلى‬
‫الجنة الذين يحمدون ا عز وجل فأي السراء والضراء" ]رواه الحاكم فأي‬
‫"المستدرك" ج ‪ .1‬صا ‪ .502‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح على شرط مسلم‪ ،‬ووافأقه‬
‫الذهبي[‪.‬‬

‫ـ وشكر خواصا الخواصا‪ :‬غيبتهم فأي المنعم عن رؤية النعم والنقم وفأي هذا‬
‫المعنى قال الشبلي رحمه ا تعالى‪) :‬الشكر رؤية المنعم ل رؤية النعمة(‬
‫]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[81‬‬

‫فضله‪:‬‬

‫الشكر من أعلى المقامات‪ ،‬لنه يشمل القلب واللسان والجوارح‪ ،‬ولنه يتضمن‬
‫الصبر والرضا والحمد وكثيراا من العبادات البدنية والقلبية‪ ،‬ولهذا أمر ا تعالى‬
‫به‪ ،‬ونهى عن ضده‪ ،‬وهو الكفر والجحود‪ ،‬فأقال‪} :‬واشكروا لي ول تكفرورن{‬
‫]البقرة‪.[152 :‬‬

‫والشكر من أعظم صفات الرسل الكرام عليهم الصلة والسلم‪ .‬قال ا تعالى فأي‬

‫‪112‬‬
‫وصف خليله سيدنا إبراهيم عليه السلم‪} :‬إفن إبراهيرم كارن أفمةا قانتا ا لل حنيفا ا ولررم‬
‫ك لمرن المشركيرن ‪ .‬شاكراا لرنسعلمله{ ]النحل‪120 :‬ـ ‪ .[121‬وقال تعالى عن سيدنا‬ ‫ير س‬
‫نوح عليه السلم‪} :‬إنفهس كارن عربداا شكوراا{ ]السراء‪ .[3 :‬أما حبيب ا ورسوله‬
‫سيدنا محمد صلى ا عليه وسلم فأقد كان يجهد نفسه فأي العبادة وإحياء الليالي‪،‬‬
‫والقيام بين يدي ربه خاشعا ا متبتلا متحققاا بمقام الشكر‪ ،‬ولهذا لما سئل عن سبب‬
‫قيامه وإجهاد نفسه‪ ،‬حتى تورمت قدماه قال‪" :‬أفأل أكون عبداا شكوراا" ]أخرجه‬
‫البخاري فأي صحيحه وقد مر صا ‪.[312‬‬

‫وقد ظن السائل أن سبب العبادة هو طلب المغفرة وقد غفر ا تعالى له صلى ا‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ولكن جواب الرسول صلى ا عليه وسلم رفأع همة السائل إلى مقام‬
‫الشكر الذي هو أعلى مقامات العبدية‪.‬‬

‫وكما أن رسول ا صلى ا عليه وسلم كان خيرر رمرن تحقق بالشكر ؛ كذلك كان‬
‫يدعو أصحابه رضي ا عنهم وسائر المؤمنين إلى التحقق بهذا المقام العظيم‬
‫والتوجه إلى ا تعالى بالدعاء عقب كل صلة‪ ،‬أن يمن ا عليهم بالعانة على‬
‫الذكر والشكر‪ ،‬فأقال صلى ا عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي ا عنه‪" :‬أوصيك‬
‫يا معاذ ل تدعن فأي دبر كل صلة تقول‪ :‬اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن‬
‫عبادتك" ]رواه أبو داود فأي سننه فأي باب الستغفار‪ ،‬ورواه النسائي فأي كتاب‬
‫الفأتتاح ورواه الحاكم فأي "المستدرك" ج ‪ .1‬صا ‪ .499‬وقال‪ :‬صحيح السناد‪،‬‬
‫ووافأقه الذهبي[‪.‬‬

‫وللسعلصو مقام الشكر ورفأعة منزلته كان مرتقاه صعباا‪ ،‬والتحقق به يحتاج إلى‬
‫مجاهدات وسلوك‪ ،‬مع الصدق والصبر والستقامة‪ ،‬ولهذا كان الشاكرون نادرين‪،‬‬
‫ي الشكوسر{‬‫لن الكرام قليل‪ ،‬وقد وصفهم ا بالقلة حين قال‪} :‬وقليفل لمرن عربالد ر‬
‫]سبأ‪.[13 :‬‬

‫ف سمعظرم الناس بعدم الشكر‪ ،‬بالرغم من نعم ا عليهم وسعة فأضله‬ ‫ص ر‬‫كما و ر‬
‫س ولكفن أكثرررسهم ل يشسكسرورن{‬ ‫وجوده‪ ،‬قال تعالى‪} :‬وإفن ربف ر‬
‫ك لذو فأضظل على النا ل‬
‫]النمل‪.[73 :‬‬

‫ولهذا فأإن ا تعالى كثيراا ما يذصكر الناس فأي القرآن الكريم بنعمه الكبرى ومننه‬
‫العظمى‪ ،‬وكثيراا ما يدعو إلى التفكر فأي الكون‪ ،‬كي ندرك ما أحاطنا به من جلئل‬
‫النعم وبدائع اللحسان‪ ،‬مما يعجز اللنسان عن تعداده والحاطة به‪ .‬كل ذلك كي‬

‫‪113‬‬
‫نشكره تعالى حق الشكر‪ ،‬قال تعالى‪} :‬واس أخرررجسكم لمرن سبطولن أسفمهاتلسكم ل تعلرسمورن‬
‫شيئا ا رورجرعرل لسكسم السمرع والبصارر والفأئردةر لررعلفسكم تشكرورن{ ]النحل‪.[77 :‬‬

‫وقد وصف ا تعالى اللنسان العاقل الذي يتمتع بالنضوج الفكري والكمال‬
‫اللنساني‪ ،‬ويبلغ سن الربعين‪ ،‬بأنه يرى نعم ا المحيطة به‪ ،‬ويشهد فأضل ا‬
‫عليه‪ ،‬فأيلجأ إلى ا تعالى ضارعا ا أن يوفأقه للشكر‪ .‬قال تعالى‪} :‬حتى إذا برلررغ أسشفدهس‬
‫ي‬
‫ي وعلى واللرد ف‬ ‫ك التي أرنرعرم ر‬
‫ت عل ف‬ ‫وبرلررغ أربعيرن سنةا قال ر ص‬
‫ب أوزعني أرن أشسكرر لنعرمتر ر‬
‫وأرن أرعرمرل صالحا ا رترضاسه{ ]الحقاف‪[15 :‬‬

‫وقد جعل رسول ا صلى ا عليه وسلم منزلة الذي يتنعم برزق ا ويشكره‬
‫بمنزلة الذي يعاني العبادات ويصبر على مشقتها‪ ،‬فأقال‪" :‬الطاعم الشاكر بمنزلة‬
‫الصائم الصابر" ]أخرجه الترمذي فأي كتاب صفة القيامة عن أبي هريرة رضي‬
‫ا عنه[‪.‬‬

‫ثم إن الشكر هو خير وسيلة لبقاء النعمة واستمرارها‪ ،‬وقد قيل‪ :‬عقال النعمة‬
‫الشكر‪ .‬وقال ابن عطاء ا رحمه ا تعالى فأي حكمه‪) :‬رمرن لم يشكر النعم فأقد‬
‫تعرض لزوالها‪ ،‬ورمرن شكرها فأقد قيفردها بعقالها( ]"إيقاظ الهمم فأي شرح الحكم"‬
‫لبن عجيبة ج ‪ .1‬صا ‪.[100‬‬

‫كما أن عدم الشكر ومقابلة النعم بالكفر والجحود يورث غضب ا تعالى وعقابه‬
‫ت آلمنرةا مطرمئلنفةا يأتيها‬
‫ب اس مثلا قريةا كانر ر‬
‫ضرر ر‬ ‫وسلب نعمته‪ ،‬كما قال تعالى‪} :‬و ر‬
‫ف بما‬‫ع والخو ل‬ ‫رزسقها رررغداا لمرن سكصل مكاظن فأرركفررر ر‬
‫ت بأرنسعلم ال فأأذارقها اس للباس السجو ل‬
‫كانوا يصنعورن{ ]النحل‪.[112 :‬‬

‫وقد وعد ا تعالى المؤمنين أن يزيد نعمه عليهم لإذا هم قابلوها بالشكر فأقال‪} :‬لئلرن‬
‫شكرتسرم لزيردنفسكرم{ ]إبراهيم‪.[7 :‬‬

‫والحقيقة أن الشاكر يجلب الخير لنفسه‪ ،‬حين يشكر ا تعالى ؛ لإذ يغنم بشكره مزيد‬
‫نعم ا تعالى عليه‪ ،‬واستمرار فأضله‪ ،‬وعظيم حبه وجميل ثنائه قال تعالى‪} :‬ورمرن‬
‫رشركرر فأإفنما يشسكسر للرنفلسله ورمرن ركفررر فأإفن رصبي غنليي كريفم{ ]النمل‪.[40 :‬‬

‫وبعد أن تحقق السادة الصوفأية بالشكر‪ ،‬وعرفأوا جليل مقامه وكبير فأضله‪ ،‬دعوا‬
‫الناس لإليه‪ ،‬ورفغبوا كل من يكرمه ا تعالى بنعمظة دنيوية أو سأخروية أن ل ينشغل‬

‫‪114‬‬
‫بها‪ ،‬بل أن يسلك طريق الشكر كي يفوز بمزيد النعم ودوام التوفأيق‪ .‬قال أبو حمزة‬
‫البغدادي رحمه ا تعالى‪) :‬إذا فأتح ا عليك طريقا ا من طرق الخير فأالزمه‪ ،‬ولإياك‬
‫أن تنظر لإليه وتفتخر به‪ ،‬ولكن اشتغل بشكر من وفأقك لذلك‪ ،‬فأإفن نظرك إليه‬
‫يسقطك عن مقامك‪ ،‬واشتغالك بالشكر يوجب لك منه المزيد لن ا تعالى يقول‪:‬‬
‫}لئلرن شكرستم لزيردنفسكم{ ]إبراهيم‪"] [7 :‬طبقات الصوفأية" للسلمي صا ‪.[298‬‬

‫ولذا طرق السادة الصوفأية باب شكر ا تعالى على جميع أحوالهم وحمدوا ا‬
‫تعالى فأي سائر شؤونهم‪ ،‬وشهدوه الفاعل المطلق والمنعم المتفضل والبر الرحيم‪،‬‬
‫والشكور الكريم‪ ،‬فأوقعوا على أعتابه متذللين‪ ،‬ولجنابه طالبين‪ ،‬فأي قلوبهم نور‬
‫المعرفأة‪ ،‬وفأي ألسنتهم آيات الحمد والثناء‪ ،‬وفأي أعمالهم أحكام الشريعة الغراء‪،‬‬
‫مقتفين بذلك أثر رسول ا صلى ا عليه وسلم وصحابته الغر الميامين‪ ،‬ومن‬
‫تبعهم فأي نهجهم القويم وطريقهم المستقيم‪.‬‬

‫تنبيه‪:‬‬

‫بنهاية بحث الشكر نكون قد أتممنا الباب الثالث المتعلق بطريق الوصول إلى ا‬
‫تعالى‪ .‬ولكن ينبغي اللشارة إلى أن هذه المقامات التي أوردناها فأي كتابنا هذا‬
‫ت كثيراة‪ ،‬فأقد ذكر شيخنا محمد‬‫ليست كل مقامات السير‪ ،‬لإذ الحقيقة أن هناك مقاما ظ‬
‫الهاشمي رحمه ا تعالى تفاصيلها‪ ،‬فأقال‪) :‬ومنهم من جعلها مائة وسماها منازل‬
‫السائرين إلى ا تعالى‪ .‬وقد ألف شيخ اللسلم أبو لإسماعيل عبد ا بن محمد‬
‫النصاري الهروي الفقيه الحنبلي المفسر الصوفأي المتوفأى سنة ‪481‬هـ فأي ذلك‬
‫رسالاة‪ ،‬ذكرر فأيها مائة منزلة‪ ،‬وأجاد فأي تقسيمها وإيضاحها‪ ،‬وأفأاد الراغبين فأي‬
‫الوقوف عليها‪ ،‬وسماها‪ :‬منازل السائرين إلى الحق عز شأنه( ]"شرح شطرنج‬
‫العارفأين" لسيدي الشيخ محمد الهاشمي رحمه ا صا ‪.[12‬‬

‫الباب الرابع‬
‫من ثمررات التصوف‬
‫‪1‬ـ الحب الللهي‪2 .‬ـ الكشف‪3 .‬ـ الللهام‪4 .‬ـ كرامات الولياء‪.‬‬

‫الحب اللهي‬

‫‪115‬‬
‫المحبة ل هي الغاية القصوى من المقامات‪ ،‬والذروة العليا من الدرجات‪ ،‬فأما بعد‬
‫لإدراك المحبة مقام إل وهو ثمرة من ثمارها‪ ،‬وتابع من توابعها‪ ،‬كالشوق والنس‬
‫والرضا‪ ..‬ول قبل المحبة مقام لإل وهو مقدمة من مقدماتها كالتوبة والصبر‬
‫والزهد‪"] ..‬الحياء" للمام الغزالي كتاب المحبة والشوق ج ‪ .13‬صا ‪.[2570‬‬

‫والمحبة ل ستحيد بحد أوضح منها‪ ،‬والتعاريف والحدود ل تزيدها لإل خفااء‪ ،‬فأتعريفها‬
‫سوجودها ؛ لإذ التعاريف للعلوم‪ .‬أما المحبة فأهي حالة ذوقية تفيض على قلوب‬
‫المحبين‪ ،‬ما لها سوى الذوق لإفأشاء‪ .‬وكل ما قيل فأي المحبة ما هو لإل بيان لثارها‪،‬‬
‫وتعبير عن ثمارها‪ ،‬وتوضيح لسبابها‪.‬‬

‫قال الشيخ الكبر ابن عربي الحاتمي رحمه ا تعالى‪) :‬واختلف الناس فأي حردها‪،‬‬
‫فأما رأيت أحداا حفدها بالحد الذاتي‪ ،‬بل ل يتصور ذلك‪ ،‬فأما حفدها رمرن حردها لإل‬
‫بنتائجها وآثارها ولوازمها‪ ،‬ولسيما وقد اتصف بها الجناب الللهي العزيز وهو‬
‫ا‪ .‬وأحسن ما سمعت فأيها ما حدثنا به غير واحد عن أبي العباس الصنهاجي‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬سمعناه وقد سئل عن المحبة‪ ،‬فأقال‪ :‬الغيرة من صفات المحبة‪ ،‬والغيرة تأبى‬
‫لإل الستر‪ ،‬فأل ستحد( ]"الفتوحات المكية" لبن عربي الحاتمي الطائي‪ .‬الباب الثامن‬
‫والسبعون بعد المئة فأي معرفأة مقام المحبة[‪.‬‬

‫وقال ابن الدباغ رحمه ا تعالى‪) :‬فأإن المحبة ل يعصبر عنها حقيقة إل رمرن ذاقها‪،‬‬
‫ومن ذاقها استولى عليه من الذهول على ما هو فأيه أمر ل يمكنه معه العبارة‪،‬‬
‫كمثل من هو طافأح سكراا‪ ،‬لإذا سئل عن حقيقة السكر الذي هو فأيه‪ ،‬لم يمكنه العبارة‬
‫فأي تلك الحال؛ لستيلئه على عقله‪ .‬والفرق بين السكرين‪ :‬أن سكر الخمر‬
‫عرضي‪ ،‬يمكن زواله‪ ،‬ويعبر عنه فأي حين الصحو‪ ،‬وسكر المحبة ذاتي ملزم‪ ،‬ل‬
‫يمكن من وصل لإليه أن يصحو عنه‪ ،‬حتى يخبر فأيه عن حقيقته‪ ،‬كما قيل‪:‬‬

‫يصحو من الخمر شاربوها والعشق سكر على الدوام ]"مشارق أنوار القلوب‬
‫ومفاتح أسرار الغيوب" لعبد الرحمن بن محمد النصاري المعروف بابن الدباغ‬
‫صا ‪ .[21‬لذلك لما سئل اللمام الجنيد رحمه ا تعالى عن المحبة‪ ،‬كان جواربه‬
‫فأيضاسن الدموع من عينيه‪ ،‬وخفقان القلب بالهيام والشوق‪ ،‬ثم عبر عما يجده من‬
‫آثار المحبة‪.‬‬

‫ت مسألةف فأي المحبة بمكة أعزها ا‬ ‫قال أبو بكر الكتاني رحمه ا تعالى‪) :‬جر ر‬
‫تعالى أيام الموسم‪ ،‬فأتكلم الشيوخ فأيها‪ ،‬وكان الجنيد أصغرهم سناا‪ ،‬فأقالوا‪ :‬هات ما‬

‫‪116‬‬
‫عندك يا عراقي! فأأطرق رأسه‪ ،‬ودمعت عيناه ثم قال‪ :‬عبفد ذاهب عن نفسه‪،‬‬
‫متصل بذكر ربه‪ ،‬قائم بأداء حقوقه‪ ،‬ناظر لإليه بقلبه‪ ،‬أحرق قلبه أنواسر هيبته‪،‬‬
‫وصفاء شربه من كأس سوصده‪ ،‬وانكشف له الجبار من أستار غيبه‪ ،‬فألإن تكلم فأبال‪،‬‬
‫ولإن نطق فأعن ا‪ ،‬ولإن تحرك فأبأمر ا‪ ،‬ولإن سكن فأمع ا‪ ،‬فأهو بال ول ومع‬
‫ا‪ ،‬فأبكى الشيوخ وقالوا‪ :‬ما على هذا مزيد‪ ،‬جزاك ا يا تاج العارفأين( ]"مدارج‬
‫السالكين" ج ‪ .3‬صا ‪.[11‬‬

‫دليلها وأفضلها‪:‬‬
‫الدلة على محبة ا لعبده‪ ،‬ومحبة العبد لربه كثيرة‪ .‬قال ا تعالى‪} :‬يسلحيبسهم‬
‫ل{ ]البقرة‪.[165 :‬‬ ‫ويسلحيبونرسه{ ]المائدة‪ .[54 :‬وقال تعالى‪} :‬والذين آمنوا أرشيد سحبرا ا ل‬
‫وقال تعالى‪} :‬قل إرن سكرنستم تسلحيبورن ار فأاتفلبعوني يسرحبلربسكسم اس ويغفلرر لسكرم ذنوبرسكم{ ]آل‬
‫عمران‪ .[31 :‬ويحببكم ا‪ :‬دليل على المحبة وفأائدتها وفأضلها‪.‬‬

‫وفأي السنة عن أنس رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪:‬‬
‫ب لإليه مما‬‫"ثلث رمرن كفن فأيه وجد حلوة الليمان‪ :‬أن يكون ا ورسوله أح ف‬
‫سواهما‪ ،‬وأن يحب المرء ل يحبه لإل ل‪ ،‬وأن يكره أن يعود فأي الكفر كما يكره أن‬
‫يقذف فأي النار" ]أخرجه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب اليمان[‪.‬‬

‫وعن أبي هريرة رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬يقول‬
‫ا تعالى‪ :‬رمرن عادى لي وليا ا فأقد آذنته بالحرب‪ ،‬وما تقرب لإلفي عبدي بشيء أح ف‬
‫ب‬
‫ي بالنوافأل حتى أحبه‪،‬‬
‫لإلفي من أداء ما افأترضته عليه‪ ،‬ول يزال عبدي يتقرب لإل ف‬
‫ت سمسعه الذي يسمع به‪ ،‬وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش‬ ‫فألإذا أحببسته كن س‬
‫بها‪ ،‬ورجله التي يمشي بها‪ ،‬ولإن سألني لعطيفنه‪ ،‬ولئن استعاذني لعيذنه"‬
‫]أخرجه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب الرقاق باب التواضع[‪.‬‬

‫وعن أبي هريرة رضي ا عنه عن النبي صلى ا عليه وسلم قال‪" :‬لإذا أحب ا‬
‫العبد دعا جبريرل فأقال‪ :‬لإني أحب فألنا ا فأأحفبه‪ ،‬فأيحبه جبريل‪ ،‬ثم ينادي فأي السماء‬
‫فأيقول‪ :‬لإن ا يحب فألنا ا فأألحيبوه‪ ،‬فأيحبه أهل السماء‪ ،‬ثم يوضع له القبول فأي‬
‫الرض" ]أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب بدء الخلق باب ذإكر الملئكة[هلل‪.‬‬

‫وعن أبي الدرداء رضي ا عنه عن النبي صلى ا عليه وسلم أنه قال‪" :‬كان من‬
‫دعاء داود عليه السلم‪ :‬اللهم لإني أسألك حبك وحب من يحبك والعمل الذي يبلغني‬
‫حبك‪ ،‬اللهم اجعل حبك أحب لإلي من نفسي وأهلي ومن الماء البارد"]أخرجه‬

‫‪117‬‬
‫الترمذي فأي كتاب الدعوات وقال‪ :‬حسن غريب[‪:‬‬

‫والقرآن والسنة مملوءان بذكر رمرن يحبه ا من عباده‪ ،‬وذكر ما يحبه من أعمالهم‬
‫ب الصابريرن{ ]آل عمران‪.[146 :‬‬ ‫وأقوالهم وأخلقهم كقوله تعالى‪} :‬واس يسلح ي‬
‫ب السمتر ر‬
‫طصهريرن{‬ ‫ب التوابيرن ويسلح ي‬‫ب المحسنيرن{ ]المائدة‪} .[93 :‬إفن ار يسلح ي‬
‫}واس يسلح ي‬
‫ب الفسارد{ ]البقرة‪ } .[205 :‬واس‬ ‫]البقرة‪ .[222 :‬وقوله فأي ضد ذلك‪} :‬واس ل يسلح ي‬
‫ب الظالميرن{ ]آل عمران‪:‬‬ ‫ب سكفل مختاظل فأخوظر { ]الحديد‪} .[23 :‬واس ل يسلح ي‬ ‫ل يسلح ي‬
‫‪.[57‬‬

‫وقد جعل رسول ا صلى ا عليه وسلم حب ا ورسوله من شرائط الليمان فأي‬
‫أحاديث كثيرة فأقال‪" :‬ل يؤمن أحدكم حتى أكون أحب لإليه من أهله وماله والناس‬
‫أجمعين" ]روأاه البخاري وأمسلم في صحيحهما في كتاب اليمان عن أنس رضي‬
‫ا عنه[هلل‪.‬‬

‫وقد وجه الرسول العظم صلى ا عليه وسلم أصحابه للمحبة‪ ،‬لما لها من الثر‬
‫العظيم والمقام الرفأيع‪ ،‬ولرفر ر‬
‫ت أنظارهم لإلى نعمه تعالى وبالغ لإفأضاله‪ ،‬ثم بفين لهم أفن‬
‫حبهم ل يقتضي حبهم لحبيبه العظم عليه الصلة والسلم‪ ،‬كما أفن حبهم لرسول‬
‫ا صلى ا عليه وسلم يوصلهم لإلى حب ا تعالى‪ .‬قال عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫"أرلحيبوا ا لما يغذوكم من نعمه‪ ،‬وأرلحربوني بحب ا" ]رواه الترمذي فأي كتاب‬
‫المناقب وقال‪ :‬حسن غريب رواه الترمذي فأي كتاب المناقب وقال‪ :‬حسن غريب[‪.‬‬

‫وقد بشر الرسول صلى ا عليه وسلم المحبين بالمعية مع محبوبهم‪ ،‬فأقد روى‬
‫أنس رضي ا عنه أن رجلا سأل النبي صلى ا عليه وسلم متى الساعة يا رسول‬
‫ت لها من كثير صلة ول صوم ول‬ ‫ت لها ؟" قال‪ :‬ما أعدد س‬
‫ا ؟ قال‪" :‬ما أعدد ر‬
‫صدقة ولكني أحب ا ورسوله‪ .‬قال‪" :‬أنت مع رمرن أحبب ر‬
‫ت"‪ .‬قال أنس‪ :‬فأقلنا ونحن‬
‫كذلك ؟ قال‪" :‬نعم"‪ .‬فأفرحنا بها فأرحا ا شديداا ]رواه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب‬
‫المناقب‪ ،‬ومسلم فأي صحيحه فأي كتاب البر عن أنس رضي ا عنه[‪.‬‬

‫والحاديث فأي المحبة كثيرة‪ ،‬وكلها تشير لإلى عظيم فأضلها‪ ،‬وبالغ أثرها‪ ،‬وحين‬
‫تحقق الصحابة الكرام رضوان ا تعالى عليهم بمحبة ا ورسوله بلغوا أوج‬
‫الكمال فأي اليمان والخلق والتضحية‪ ،‬وأنستهم حلوة المحبة مرارة البتلء‬
‫وقساوة المحن‪ ،‬وحملهم دافأع المحبة على بذل الروح والمال والوقت‪ ،‬وكصل غاظل‬
‫س فأي سبيل محبوبهم لعلهم يحوزون رضوانه وحبه‪.‬‬ ‫ونفي ظ‬

‫‪118‬‬
‫والحقيقة أن اللسلم أعمال وتكاليف وأحكام‪ ،‬وروحه المحبة‪ ،‬والعمال بل محبة‬
‫أشباح ل حياة فأيها‪.‬‬

‫السباب المورثة للمحبة‪:‬‬


‫ذكر العلماء من السباب المورثة للمحبة أموراا كثيرة‪ ،‬وأهمها عشرة‪:‬‬

‫أحدها‪ :‬قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬التقرب لإلى ا بالنوافأل بعد الفرائض‪ ،‬فألإنها توصل لإلى درجة المحبوبية‬
‫بعد المحبة‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال‪ ،‬فأنصيبه من‬
‫المحبة على قدر نصيبه من هذا التذكر‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬لإيثار محاصبه على محاصبك عند غلبة الهوى‪ ،‬والتسينسم لإلى محاصبه وإلرن صعب‬
‫المرتقى‪.‬‬

‫الخامس‪ :‬مطالعة القلب لسمائه وصفاته ومشاهدستها ومعرفأتها‪ ،‬وتقلسبه فأي رياض‬
‫هذه المعرفأة ومباديها‪ ،‬فأمن عرف ا بأسمائه وصفاته وأفأعاله أحفبه ل محالة‪.‬‬

‫السادس‪ :‬مشاهدة بره ولإحسانه وآلئه ونعمه الباطنة والظاهرة‪ ،‬فألإنها داعية لإلى‬
‫محبته‪.‬‬

‫السابع‪ :‬انكسار القلب بكليته بين يديه تعالى تذللا وتواضعاا‪.‬‬

‫الثامن‪ :‬الخلوة به وقت التجلي الللهي لمناجاته لسيما فأي السحار‪ ،‬وتلوةس كلمه‪،‬‬
‫ب بين يديه‪ ،‬ثم خرتسم ذلك بالستغفار والتوبة‪.‬‬ ‫والوقو س‬
‫ف بالقلب والتأد س‬

‫التاسع‪ :‬مجالسة المحبين الصادقين‪ ،‬والتقاط أطايب ثمرات كلمهم‪ ،‬كما ينتقي‬
‫أطايب الثمر‪ .‬ومن الدب فأي مجالستهم ألف تتكلم فأي حضرتهم لإل لإذا ترجحت‬

‫‪119‬‬
‫ت أن فأيه مزيداا لحالك ومنفعة لغيرك‪.‬‬
‫مصلحة الكلم‪ ،‬وعلم ر‬

‫العاشر‪ :‬مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين ا عز وجل ]انظر كتاب "مدارج‬
‫السالكين" صا ‪11‬ـ ‪.[12‬‬

‫فأمن هذه السباب وغيرها وصل المحبون لإلى منازل المحبة‪.‬‬

‫علمات المحبة‪:‬‬
‫كثير من الناس من يفدعي محبة ا ورسوله‪ ،‬وما أسهل دعوى اللسان‪ .‬فأل ينبغي‬
‫لنسان أن يغترفر بخداع النفس‪ ،‬بل عليه أن يعلم أن للحب علمات تدل عليه‪،‬‬ ‫ل ل‬
‫وثماراا تظهر فأي القلب واللسان والجوارح‪ ،‬فألإذا أراد ألف يغش نفسه فأرليضرعها فأي‬
‫موازين الحب‪ ،‬ورليمترحنها بعلماته‪ ،‬وهي كثيرة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪1‬ـ حب لقاء الحبيب بطريق الكشف والمشاهدة فأي دار السلم‪ ،‬فأل سيتصور أن‬
‫يحب القلب محبوبا ا لإل ويحب مشاهدته ولقاءه‪ ،‬ولإذا علم أنه ل وصول لإل‬
‫بالرتحال من الدنيا ومفارقتها بالموت‪ ،‬فأعليه أن يكون محبا ا للموت غير فأاير منه‪،‬‬
‫لن الموت مفتاح اللقاء‪ .‬قال عليه الصلة والسلم‪" :‬رمرن أحب لقاء ا أحب ا‬
‫لقاءه" ]رواه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب الرقاق‪ ،‬ومسلم فأي صحيحه فأي كتاب‬
‫الذكر‪ ،‬باب من أحب لقاء ا[‪ .‬ولهذا كان الصحابة الكرام رضوان ا عليهم‪،‬‬
‫يحبون الشهادة فأي سبيل ا‪ ،‬ويقولون حين يسردرعون للمعركة‪ :‬مرحبا ا بلقاء ا‪.‬‬

‫‪2‬ـ أن يكون مؤلثراا ما أحبه ا تعالى على ما يحبه فأي ظاهره وباطنه‪ ،‬فأيلزم‬
‫ب ا ل يعصيه‪ ،‬ولذلك قال ابن‬ ‫الطاعة‪ ،‬ويجتنب الكسل واتباع الهوى‪ ،‬ورمرن أح ف‬
‫المبارك رحمه ا تعالى‪:‬‬

‫هذا رلعمري فأي القياس بديسع‬ ‫ت ستظهر حفبه‬ ‫تعصي الللهر وأن ر‬
‫ب مطيسع‬
‫ب لمن يح ي‬ ‫إلفن المح ف‬ ‫لو كان حيبك صادقا ا لطعرته‬

‫وفأي هذا المعنى قيل أيضاا‪:‬‬


‫فأأرضى بما ترضى ولإن سخط ر‬
‫ت نفسي‬ ‫ك ما أهوى لما قد هويرته‬‫ورأتر س‬

‫فأطاعة ا تعالى ومحبته تستلزم اتباع رسوله صلى ا عليه وسلم فأي القوال‬
‫والفأعال والخلق‪ ،‬قال تعالى‪} :‬قل إرن سكرنتسرم تسلحيبون ا فأاتفلبعوني سيحبلربسكم اس ويرغفلرر‬

‫‪120‬‬
‫لكم ذنوبرسكرم{ ]آل عمران‪.[31 :‬‬

‫‪3‬ـ أن يكون مكثراا لذكر ا تعالى‪ ،‬ل يفتسسر عنه لسانه‪ ،‬ول يخلو عنه جنانه‪ ،‬فأرمرن‬
‫ب شيئا ا أكثر من ذكره‪.‬‬
‫أح ف‬

‫ك فأي قلبي فأأين ستغيف س‬


‫ب‬ ‫ك فأي فأمي ومثوا ر‬ ‫خيالس ر‬
‫ك فأي قلبي ولذكسر ر‬

‫‪4‬ـ أن يكون أنسه بالخلوة ومناجاتله ل تعالى وتلولة كتابه‪ ،‬فأيواظب على التهجد‬
‫ويغتنم هدوء الليل وصفاء الوقت‪ ،‬فأأقل درجات المحبة التلذسذ بالخلوة بالحبيب‪،‬‬
‫والتنعسم بمناجاته‪.‬‬

‫‪5‬ـ أن ل يتأسف على ما يفوته مما سوى ا عز وجل‪ ،‬وسيعظرم رتأسرفه على فأوت كل‬
‫ت عن ذكر ا وطاعته‪ ،‬فأيكثر رجوعه عند الغفلت‪ ،‬بالستعطاف‬ ‫ساعة خل ر‬
‫والتوبة‪.‬‬

‫‪6‬ـ أن يتنعم‪ ،‬ويتلذذ بالطاعة‪ ،‬ول يستثقلها‪ ،‬ويسق ر‬


‫ط عنه تعبها‪.‬‬

‫‪7‬ـ أن يكون مشفقا ا على جميع عباد ا رحيما ا بهم‪ ،‬شديداا على جميع أعداء ا‪،‬‬
‫كما قال تعالى‪} :‬أشفداسء على السكففالر سررحماسء بينرسهم{]الفتح‪.[29 :‬‬

‫‪8‬ـ أن يكون فأي حبه خائفا ا متفائلا تحت الهيبة والتعظيم‪ ،‬وقد سيظن أن الخوف ينافأي‬
‫الحب‪ ،‬وليس كذلك‪ ،‬بل لإدراك العظمة يوجب الهيبة كما أن لإدراك الجمال يوجب‬
‫الحب‪ ،‬وللمحبين مخاوف على حسب مراتبهم‪ ،‬كخوف اللعراض وخوف الحجاب‬
‫وخوف اللبعاد‪ .‬ولذا قال بعض المحبين‪:‬‬

‫ل يحبك لإل من هو بك عارف‬ ‫الحبيب عرفأته وأنا منه خائف‬

‫‪9‬ـ كتمان الحب‪ ،‬واجتناب الدعوى‪ ،‬والتوقي من لإظهار الوجد والمحبة تعظيما ا‬
‫للمحبوب ولإجللا له‪ ،‬وهيبة منه‪ ،‬ورغريرة على سره‪ ،‬وبعض المحبين عجز عن‬
‫الكتمان فأقال‪:‬‬

‫وسيظهر الوجد عليه النففر س‬


‫س‬ ‫يخفي فأيبدي الدمسع أسرارره‬

‫‪121‬‬
‫وبعضهم قال‪:‬‬
‫ورمرن قلبه مع غيره كيف حاله ؟ ورمرن سره فأي جفنه كيف يكتم ؟‬

‫‪10‬ـ النس بال والرضا به‪ .‬وعلمة النس بال عدسم الستئناس بالخلق والتلذسذ‬
‫بذكر ا‪ ،‬فألإن خالطهم فأهو كمنفرد فأي جماعة ومجتمع فأي خلوة‪ .‬قال علي كرم ا‬
‫وجهه فأي وصف المحبين المستأنسين بال‪ :‬هم قوم هجم بهم العلم على حقيقة‬
‫المر‪ ،‬فأباشروا روح اليقين‪ ،‬واستلنوا بما استوعر السمرترفأون‪ ،‬وأنسوا بما‬
‫استوحش منه الجاهلون‪ ،‬صحبوا الدنيا بأبداظن أرواسحها معلقة بالمحل العلى‪،‬‬
‫أولئك خلفاء ا فأي أرضه والدعاة لإلى دينه ]نظر كتاب المحبة والشوق من‬
‫"لإحياء علوم الدين" للغزالي‪ ،‬و"الفتوحات المكية" لبن عربي[‪.‬‬
‫مراتب المحبة‪:‬‬
‫ذكر العلماء للمحبة مراتب عشراا‪:‬‬
‫أوألها العلقة‪ :‬وسميت بذلك لتعلق القلب بالمحبوب‪.‬‬
‫الثانية اللرادة‪ :‬وهي ميل القلب لإلى محبوبه وطلبهس له‪.‬‬
‫الثالثة الصبابة‪ :‬وهي انصباب القلب لإلى المحبوب بحيث ل يملكه صاحبه‪،‬‬
‫كانصباب المالء فأي المنحدر‪.‬‬
‫الرابعة الغرام‪ :‬وهو الحب اللزم للقلب ل يفارقه‪ ،‬بل يلزمه كملزمة الغريم‬
‫لغريمه‪.‬‬
‫صفسو المحبة‪ ،‬وخالصها‪ ،‬ولبها‪.‬‬ ‫الخامسة الوداد‪ :‬وهو ر‬
‫السادسة الشغف‪ :‬وهو وصول الحب لإلى شغاف القلب‪ .‬قال اللمام الجنيد رحمه‬
‫ا تعالى‪ :‬الشغف أن ل يرى المحب جفااء‪ ،‬بل يراه عدلا منه ووفأااء‪.‬‬
‫ي بما يقضي الهوى لكسم عدسل‬ ‫ي ورجروسركم عل ف‬
‫ب لد ف‬
‫وتعذيسبكم عذ ف‬
‫السابعة العشق‪ :‬وهو الحب المفرط الذي سيخاف على صاحبه منه‪.‬‬
‫الثامنة التتييم‪ :‬وهو التعبد والتذلل‪ ،‬يقال‪ :‬تفيمه الحب أي رذفرلس وعفبده‪.‬‬
‫التاسعة التعبد‪ :‬وهو فأرق التتيم‪ ،‬فألإن العبد لم يبق له شيء من نفسه‪.‬‬
‫العاشرة الخلة‪ :‬انفرد بها الخليلن لإبراهيم ومحمد عليهما الصلة والسلم‪ ،‬وهي‬
‫ق موضع لغير المحبوب ]انظر‬ ‫المحبة التي تخللت روح المحب وقلبه‪ ،‬حتى لم يب ر‬
‫كتاب "مدارج السالكين" صا ‪.[18‬‬

‫وقد رأى الصوفأية أن سر هذه الحياة يقوم على حرفأين اثنين‪ :‬الحاء والباء‪:‬‬

‫وأكمسل وصلفه حافء وباسء‬ ‫وأحسسن حالة اللنسان صد ف‬


‫ق‬

‫‪122‬‬
‫فأالتكاليف تررسهسل وترلريذ لإذا ما سولجرد الحب‪:‬‬

‫ما طاب عيشي ول وجودي‬ ‫لولك يا لسفر الوجود‬


‫ول ركوعي ول سجودي‬ ‫ت فأي صلتي‬ ‫ول تررنفرم س‬

‫ولإذا تمكن الحب من القلب أخرج هذه الدنيا الفانية من سويدائه‪ ،‬وعاش صاحبه‬
‫حياة طيبة منعمة‪ ،‬ل يعرف الهيم سبيرله لإليه‪.‬‬

‫مر بعض الصوفأية على رجل يبكي على قبر‪ ،‬فأسأله عن سبب بكائه فأقال‪ :‬إلرن لي‬
‫ت حبيبا ا ل‬‫ت نفسك بحبك لحبيب يموت‪ ،‬فألو أحبب ر‬‫حبيبا ا قد مات‪ .‬فأقال‪ :‬لقد ظلم ر‬
‫يموت لما تعذبت بفراقه‪.‬‬

‫وفأي واقعنا أمثلة كثيرة عمن يسترخص موته عند يأسه من لقاء من يحبه‪ ،‬أو‬
‫انقطاع أمله مما تعلق قلبه به من متاع زائل‪ .‬فأالنتحار‪ ،‬وحرق النفس والترامي‬
‫على صخرة الموت‪ ..‬أمور كلنا نسمعها عن محبين بائسين خاسرين‪ ،‬وقد قيل‪:‬‬

‫فأل تتخرذ شيئا ا تخا س‬


‫ف له فأررقدا‬ ‫ت أن تحيا حياةا هنيئةا‬
‫فألإن شئ ر‬

‫فأأين هؤلء من أحباب ا ورسوله صلى ا عليه وسلم الذين أحبوا ا‪ ،‬ورضوا‬
‫ل‪ ،‬وباللسلم ديناا!‬
‫به رباا‪ ،‬وبرسوله محمد صلى ا عليه وسلم رسو ا‬

‫فأمنهم رمرن أحب الموت‪ ،‬ورحب به ليلقى لمن ورائه أحباربه‪) ..‬غداا ألقى الحبة‪،‬‬
‫محمداا وصحبه( ]قال ذلك بلل رضي ا عنه عند احتضاره‪ .‬ومفر عزوه فأي‬
‫صفحة ‪.[293‬‬

‫ومنهم رمرن ضحى بنفسه ودمه فأي ساحات الجهاد‪ ،‬لينال رضوان ا ويحظى‬
‫بلقائه‪ ،‬ومنهم ومنهم‪ ..‬وفأرق كبير بين من يضحي بنفسه فأي سبيل ا تعالى‪ ،‬وبين‬
‫من يضحي بنفسه لفقد شيء خسيس تافأه‪:‬‬

‫لنفسك فأي الهوى رمرن تصطفي‬ ‫ي رمرن أحببرته فأاخترر‬


‫أنت القتيسل بأ ص‬

‫‪123‬‬
‫وأعلى وأغلى الثمرات التي يقطفها المحب‪ ،‬هو الحب المتبادل‪} :‬يسلحيبسهم ويسلحيبونرسه{‬
‫ضوا عرنسه{ ]البينة‪.[8 :‬‬ ‫ضري اس رعرنسهم ورر س‬
‫]المائدة‪ .[54 :‬والرضى المتبادل‪} :‬رر ل‬
‫والذكر المتبادل‪} :‬فأاذكروني أذسكررسكم{ ]البقرة‪.[152 :‬‬

‫مر عيسى عليه السلم على طائفة من العفباد‪ ،‬قد وهنت أبدانهم‪ ،‬وتغيرت ألوانهم‬
‫من العبادة ؛ فأقال لهم‪ :‬من أنتم ؟ فأقالوا‪ :‬نحن عباد ا تعالى‪ .‬فأقال‪ :‬ولي شيء‬
‫تعبدتم ؟ قالوا‪ :‬رخفورفأنا ا من ناره‪ ،‬فأخفنا منها‪ .‬فأقال‪ :‬لإن ا تعالى قد أرفمنكم مما‬
‫خفتم منه‪ .‬ثم جاوزهم لخرين أشد منهم عبادة‪ ،‬فأقال‪ :‬لي شيء تعبدتم ؟ قالوا‪:‬‬
‫رشفوقنا ا جنرته وما أعد فأيها لوليائه‪ ،‬فأنحن نرجوها بعبادتنا‪ .‬فأقال‪ :‬لإن ا أعطاكم‬
‫ما رجوتم‪ .‬ثم جاوزهم ومر بآخرين يتعبدون فأقال‪ :‬من أنتم ؟ قالوا‪ :‬نحن الملحبون‬
‫ل عز وجل‪ ،‬لم نعبده خوفأا ا من ناره‪ ،‬ول شوقا ا لإلى جنته‪ ،‬ولكن حبا ا له وتعظيما ا‬
‫ت أن سأقيم معكم‪ ،‬وأقام بين أظهرهم‬ ‫لجلله ؛ فأقال أنتم أولياء ا حقاا‪ ،‬وقد أسلمرر س‬
‫]"نور التحقيق" صا ‪.[84‬‬

‫يشير هذا الشاهد لإلى أن الناس يتفاوتون باختلف هممهم ؛ فأمنهم من يريد الدنيا ؛‬
‫ومنهم من يريد الخرة‪ ،‬ومنهم من يريد ا تعالى‪.‬‬

‫سمع بعض الصوفأية قارئا ا يقرأ‪} :‬لمرنسكم رمرن يريسد اليدنيا ولمرنسكم رمرن يريسد الخرة{ ]آل‬
‫عمران‪ .[152 :‬فأقال‪ :‬وأين من يريد ا ؟!‪..‬‬

‫ولهذا قال اللمام علي رضي ا عنه‪) :‬لإن قوماا عبدوا ا رغبة فأتلك عبادة التجار‪،‬‬
‫ولإن قوماا عبدوا ا رهبة فأتلك عبادة العبيد‪ ،‬ولإن قوما ا عبدوا ا شكراا فأتلك عبادة‬
‫الحرار(‪.‬‬

‫وقيل فأي وصف الذين أرادوا ا‪ ،‬وأحبوه دون غيره‪:‬‬

‫ول الحور الحساسن ول الخياسم‬ ‫ت عدظن‬‫فأما مقصوسدهم جنا س‬


‫وهذا مقصسد القولم الكراسم‬ ‫سوى نظلر الجليلل وذا مناهم‬

‫)ل در أقوام لإذا جن عليهم الليل سمعت لهم أنين الخائف‪ ..‬ولإذا أصبحوا رأيت‬
‫عليهم تغير ألوان‪..‬‬
‫ويسفر عنهسم وهسم ركو س‬
‫ع‬ ‫لإذا ما الليل أقبل كابدوهس‬
‫وأهسل الملن فأي الدنيا خشو س‬
‫ع‬ ‫أطارر الشو س‬
‫ق نورمهسم فأقاموا‬

‫‪124‬‬
‫أجسادهم تصبر على التعبد‪ ،‬وأقدامهم ليرلها مقيمة على التهجد‪ ،‬ل يسرريد لهم صوت‬
‫ول دعاء‪ ،‬تراهم فأي ليلهم سجداا ركعاا‪ ،‬وقد ناداهم المنادي‪ ،‬وأطربهم الشادي‪:‬‬

‫ت ل يسرريد‬‫ب صو ظ‬ ‫سر ف‬ ‫يا رجارل الليل لجردوا‬


‫رمرن له رحزم ولجيد‬ ‫ل يقوم الليرل لإل‬

‫لو أرادوا فأي ليلتهم ساعة أن يناموا أقلقهم الشوق لإليه فأقاموا‪ ،‬وجذبهم الوجد‬
‫والغرام فأهاموا‪ ،‬وأنشدهم مريسد الحضرة عن لسان الحضرة وبفثهم‪ ،‬وحملهم على‬
‫المناجاة وحفثهم‪:‬‬

‫كان لي فأي القلوب رورجسد‬ ‫سحيثوا مطاياكم ولجيدوا لإن‬


‫وستنرشر الصحف فأاستعيدوا‬ ‫قد آن أن تظهرر الخبايا‬

‫الفرش مشتاقة لإليهم‪ ،‬والوسائد متأسفة عليهم‪ ،‬النوم قفرم لإلى عيونهم ]قال فأي‬
‫"القاموس"‪ .‬القررم محركة‪ :‬شدة شهوة اللحم‪ ،‬وكثر حتى قيل فأي الشوق لإلى‬
‫الحبيب‪ .‬ج ‪ .4‬صا ‪ .163‬وكأنه يقول‪ :‬النوم مشتهى لإلى عيونهم‪ ،‬لإل أن الشوق لإلى‬
‫ا تعالى أبعد النوم عن عيونهم[‪ ،‬والراحة مرتاحة لإلى جنوبهم‪ .‬الليل عندهم أجيل‬
‫الوقات فأي المراتب‪ ،‬وسمسامرهم عند تهجدهم يرعى الكواكب‪ .‬هجروا المنام فأي‬
‫الظلم‪ ،‬وقلدوا بطول المقام‪ ،‬ونارجروا ربهم بأطيب كلم‪ ،‬وألنسوا بقرب الملك‬
‫لم‪ ،‬لو احتجب عنهم فأي ليلهم لذابوا‪ ،‬ولو تغفيب عنهم لحظة لما طابوا‪ ..‬يديمون‬ ‫الع ف‬
‫التهجد لإلى السحر ويتوقعون ثمر اليقظة والسهر‪..‬‬

‫بلغنا أن ا تبارك وتعالى يتجلى للمحبين‪ ،‬فأيقول لهم‪ :‬رمرن أنا ؟ فأيقولون‪ :‬أنت مالك‬
‫رقابنا‪ ،‬فأيقول‪ :‬أنتم أحبتي‪ ،‬أنتم أهل وليتي وعنايتي هاوجهي فأشاهدوه‪ ،‬ها كلمي‬
‫طهوراا{ ]الدهر‪ ..[21 :‬لإذا‬ ‫فأاسمعوه‪ ،‬ها كأسي فأاشربوه‪} :‬ورسقاهسرم ريبهم شرابا ا ر‬
‫شربوا طابوا‪ ،‬ولإذا طابوا طربوا‪ ،‬ولإذا طربوا قاموا‪ ،‬ولإذا قاموا هاموا‪.‬‬

‫ب‪ ..‬ما عرفأه أهل‬


‫ص يوسف‪ ،‬لم يفضض ختارمه لإل يعقو س‬
‫ت ريح الصبا قمي ر‬‫لرما حمل ر‬
‫كنعان ولمرن عندهم خررج‪ ،‬ول يهوذا وهو الحامل ]كتاب "نهر الذهب فأي أخبار من‬
‫ذهب" للشيخ كامل بن حسين الحلبي الشهير بالغزي ج ‪ .2‬صا ‪ 191‬و ‪.[192‬‬

‫والحب فأطرة فأي النفس الزكية‪ ،‬تنزع بها لإلى تفهم حقيقتها والشوق لإلى التعرف‬

‫‪125‬‬
‫على خالقها‪ .‬ويزداد الحب كلما ازداد الليمان‪ ،‬وبمقدار كمال النفس يكون الحب‪،‬‬
‫وعلى قدر الحب تكون السعادة ويكون النعيم‪ .‬وحب ا تعالى يسمو بالذوق‬
‫اللنساني ؛ لإذ يحرول صاحبه لإلى لطيفة راضية مطمئنة‪.‬‬

‫ولقد جررد الصوفأية الحب عن المطامع والشهوات‪ ،‬وأخلصوا الحب ل تعالى‪،‬‬


‫فأليس فأي حبهم علة‪ ،‬ول لعشقهم دواء لإل رضى مولهم‪ ،‬تقول رابعة العدوية‬
‫رحمها ا تعالى‪:‬‬

‫ويرون النجاةر حظا ا جزيل‬ ‫كيلهم يعبدون من خو ل‬


‫ف ناظر‬
‫س ويشربوا السلبيل‬ ‫ظوا بكؤو ظ‬ ‫أرو لكي يسكنوا اللجنارن فأيح ر‬
‫أنا ل أبتغي بلحصبي بديل‬ ‫أو يقيموا بين القصولر جميعا ا‬

‫ومعنى ذلك أنها ل ترى الحياة لإل حبا ا فأي ا‪ ،‬ووقوفأاا عند أوامره ونواهيه‪ ،‬لن‬
‫المحب لمن يحب مطيع‪ .‬ولبعض المحبين‪:‬‬

‫ب‬‫وليتك ترضى والناسم غضا س‬ ‫فأليرتك تحلو والحياةس مريرةف‬


‫ب‬
‫وبيني وبين العالمين خرا س‬ ‫ت الذي بيني وبينك عامفر‬ ‫ولي ر‬
‫ب‬
‫ب ترا س‬‫ق الترا ل‬
‫وكيل الذي فأو ر‬ ‫لإذا صفح منك الويد فأالكيل هيفن‬

‫ولقد عرف الصوفأية طريق الحب فأساروا فأيه‪..‬‬

‫ي مما افأترضته‬‫ب لإل ف‬


‫ب عبدي بشيء أح ف‬ ‫قال ا تعالى فأي الحديث القدسي‪" :‬وما تقر ر‬
‫ي بالنوافأل حتى سأحفبه‪ ،‬فألإذا أحبربسته كنت سمرعهس الذي‬‫عليه‪ ،‬وما يزال عبدي يتقرب لإل ف‬
‫ش بها‪ ،‬ورجلرهس التي يمشي بها‪،‬‬ ‫يسمع به‪ ،‬وبصررهس الذي يبصر به‪ ،‬ويردهس التي يبط س‬
‫وإلرن سألني لعطيفنه‪ ،‬ولئن استعاذني لعيذفنه" ]رواه البخاري فأي صحيحه فأي‬
‫كتاب الرقاق باب التواضع عن أبي هريرة رضي ا عنه[‪.‬‬

‫وهو أصل السلوك لإلى ا تعالى‪ ،‬والوصول لإلى معرفأته‪.‬‬

‫سئل ذو النون المصري رحمه ا تعالى عن المحبة فأقال‪) :‬أن تحب ما أحب ا‪،‬‬
‫وتبغض ما أبغض ا‪ ،‬وتفعل الخير كله‪ ،‬وترفأض كل ما يشغل عن ا‪ ،‬وأن ل‬
‫تخاف فأي ا لومرة لئم‪ ،‬مع العطف على المؤمنين‪ ،‬والغلظة على الكافأرين‪،‬‬
‫ع رسول ا صلى ا عليه وسلم فأي الدين( ]"طبقات الصوفية" للسلمي‬ ‫واصتبا ل‬

‫‪126‬‬
‫ص ‪[18‬هلل‪.‬‬
‫وقال أيضاا‪) :‬من علمات المحب ل‪ ،‬متابعةس حبيب ا فأي أخلقه وأفأعاله وأمره‬
‫وسنته( ]"طبقات الصوفأية" للسلمي صا ‪.[18‬‬

‫وقال السيد أحمد الرفأاعي رحمه ا تعالى‪) :‬من أحب ا عفلم نفسه التواضع‪،‬‬
‫وقطع عنها علئق الدنيا‪ ،‬وآثر ا تعالى على جميع أحواله‪ ،‬واشتغل بذكره‪ ،‬ولم‬
‫يترك لنفسه رغبة فأيما سوى ا تعالى‪ ،‬وقام بعبادته‪"] (..‬البرهان الؤيد" للسيد‬
‫أحمج الرفأاعي صا ‪.[59‬‬

‫وقال محمد بن علي الترمذي الحكيم رحمه ا تعالى‪) :‬حقيقة محبته دوام النس‬
‫بذكره(]"طبقات الصوفأية" صا ‪.[219‬‬

‫ب ذوي العقول الكاملة والنفوس‬ ‫وقال ابن الدباغ رحمه ا تعالى‪) :‬ولما كان مطل ر‬
‫الفاضلة نرريسل السعادة القصوى التي معناها الحياة الدائمة فأي المل العلى‪ ،‬ومشاهدةس‬
‫أنوار حضرة قدس المولى‪ ،‬والتلذسذ بمطالعة الجمال الللهي السنى‪ ،‬ومعاينة مطالع‬
‫النور القدس البهى‪ .‬وهذه السعادة ل تحصل لإل لنفس زكية‪ ،‬قد سبق ر‬
‫ت لها فأي‬
‫الزل العنايةس الربانية‪ ،‬بتيسيرها لسلوك الطرق العلمية والعملية المفضيات بها لإلى‬
‫المحبة الحقيقية‪ ،‬والشوق لإلى النوار الللهية ؛ وبحصول هذه السعادة يحصل‬
‫للنفوس العارفأة من اللذة والبتهاج ما ل عين رأت‪ ،‬ول أذن سمعت‪ ،‬ول خطر‬
‫على قلب بشر‪ .‬فأيجب على كل ذي لب المبادرةس لإلى تحصيل هذا المر الجليل‪،‬‬
‫وورود هذا المورد السلسبيل الذي لم يصل لإليه من الناس لإل القليسل‪ .‬فأالعاشق يحين‬
‫لإلى هذا الموطن الجليل‪ ،‬وينجذب جملة لإلى ظله الظليل ونسيمه العليل‪ ،‬وورولد‬
‫ق لإل لنه يأتي من ذلك الجناب الرفأيع‪ ،‬ويخبر عن سر‬ ‫منهله العذب‪ ،‬فأل يشيم البر ر‬
‫جماله البديع ؛ فألهذا كان رلمعاسن السبروق يقطع بالشوق أفألذ كبد المشوق( ]"مشارق‬
‫أنوار القلوب" لبن الدباغ المتوفأى سنة ‪696‬هـ‪ .‬صا ‪.[36‬‬

‫بمثل هذا الذوق وصل الصوفأية لإلى الطمئنان والرضا فأي ظلل الحب الللهي‪،‬‬
‫ورأوا متعاا روحية دونها متع الحياة وشهواتها‪ .‬وحسبهم أنهم يسرسررون مع ا‪،‬‬
‫ضوا عرنسه{ ]البينة‪:‬‬
‫ضري اس عرنسهم ورر س‬‫وينعمون بقربه‪ ،‬ويشعرون بفضله وجوده }رر ل‬
‫‪} .[8‬يسسلحيبهم ويسلحيبونرسه{ ]المائدة‪ .[54 :‬فأاختارهم بعد ما أحربهم ورضي عنهم‪،‬‬
‫أولئك خلصة خلقه‪ ،‬وخواصا أحبابه‪ ،‬فأقيل فأيهم‪:‬‬

‫‪127‬‬
‫قوفم رأخلصوا فأي سحصبه فأاختارهم ورضي بهم سخفداما‬

‫ت قوما ا سجداا وقياما‬


‫قوفم لإذا رجفن الظلسم عليهسم أبصرر ر‬

‫يتلذذون بذكره فأي ليلهم ويكابدون به النهارر صياما‬

‫فأسيغنمون عرائسا ا بعرائ ظ‬


‫س ويسبرفوؤن من اللجنان خياما‬

‫وترقرير أعيسنهم بما سأخلفي لهم وسيسمعون من الجليل سلما‬

‫الكشف‬

‫تعريفه‪ :‬قال السيد رحمه ا تعالى فأي تعريفاته‪) :‬اللفراسة فأي اللغة‪ :‬التثبت‬
‫والنظر‪ ،‬وفأي اصطلح أهل الحقيقة‪ :‬هي مكاشفة اليقين‪ ،‬ومعاينة الغيب(‬
‫]تعريفات السيد صا ‪.[110‬‬

‫وقال العارف بال ابن عجيبة رحمه ا تعالى‪) :‬الفراسة هي خاطر يهجم على‬
‫القلب‪ ،‬أو وارد يتجلى فأيه‪ ،‬ل يخطىء غالبا ا لإذا صفا القلب‪ ،‬وفأي الحديث‪" :‬اتقوا‬
‫فأراسة المؤمن‪ ،‬فألإنه ينظر بنور ا" ]رواه الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي‬
‫ا عنه فأي كتاب التفسير[‪ .‬وهي على حسب قوة القرب والمعرفأة‪ ،‬فأكلما قوي‬
‫القرب‪ ،‬وتمكنت المعرفأة صدقت الفراسة‪ ،‬لن الروح لإذا قربت من حضرة الحق‬
‫ل يتجلى فأيها غالبا ا لإل الحق ]"معراج التشوف" صا ‪.[18‬‬

‫والكشف نور يحصل للسالكين فأي سيرهم لإلى ا تعالى ؛ يكشف لهم حجاب‬
‫الحس‪ ،‬ويزيل دونهم أسباب المادة نتيجة لما يأخذون به أنفسهم من مجاهدة وخلوة‬
‫وذكر ]قال حجة اللسلم الغزالي رحمه ا تعالى‪) :‬لإن جلء القلب ولإبصاره‬
‫يحصل بالذكر‪ ،‬ولإنه ل يتمكن منه لإل الذين اتقوا‪ ،‬فأالتقوى باب الذكر‪ ،‬والذكر باب‬
‫الكشف‪ ،‬والكشف باب الفوز الكبر‪ ،‬وهو الفوز بلقاء ا تعالى(‪" .‬لإحياء علوم‬
‫الدين" للغزالي ج ‪ .3‬صا ‪ .[11‬فأتنعكس أبصارهم فأي بصائرهم‪ ،‬فأينظرون بنور‬

‫‪128‬‬
‫طلعون على عوالرم من أمر ا‬ ‫ا وتنمحي أمامهم مقاييس الزمان والمكان‪ ،‬فأي ف‬
‫اطلعا ا ل يستطيعه رمرن ل يزال فأي قيد الشهوات والشكوك والبدع العقائدية‬
‫والوساوس الشيطانية‪ ،‬ول تتسع له لإل تلك القلوب النريرة السليمة التي زالت عنها‬
‫ظلمات الدنيا وغواشيها‪ ،‬وانقشعت عنها غيوم الشكوك ووساوسها‪ ،‬وكثافأةس‬
‫الماديات وأوضارها‪.‬‬

‫ف نفسه عن الشهوات‪ ،‬وعفمر باطنه‬ ‫نعم إلفن من غض بصره عن المحارم‪ ،‬وك ف‬


‫بمراقبة ا تعالى‪ ،‬وتعفود أكل الحلل لم يخطىء كشفه وفأراسته‪ ،‬ومن أطلق نظره‬
‫لإلى المحرمات تنفست نفسه الظلمانية فأي مرآة قلبه فأطمست نورها‪.‬‬

‫ويرجع هذا الكشف لإلى أن العبد لإذا انصرف عن الحس الظاهر لإلى الحس الباطن‬
‫تغلبت روحه على نفسه الحيوانية المتلبسة ببدنه ـ والروح لطيفة كفشافأة ـ فأيحصل‬
‫له حينئذ الكشف‪ ،‬ويتلقى واردات الللهام‪.‬‬

‫يقول المؤرخ ابن خلدون رحمه ا تعالى فأيما نحن بصدده‪) :‬ثم لإن هذه المجاهدة‬
‫والخلوة والذكر يتبعها غالباا كشف حجاب الحس‪ ،‬والطلع على عوالم من أمر‬
‫ك شيء منها ؛ والروح من تلك العوالم‪ .‬وسبب هذا‬ ‫ا ليس لصاحب الحس لإدرا س‬
‫الكشف أن الروح لإذا رجع عن الحس الظاهر لإلى الباطن‪ ،‬ضعفت أحوال الحس‪،‬‬
‫وقويت أحوال الروح‪ ،‬ورغرلب سلطانه‪ ،‬وتجدد نسسشوؤسه‪ .‬وأعان مع ذلك الذكر ؛ فألإنه‬
‫كالغذاء لتنمية الروح‪ ،‬ول يزال فأي نمو وتزايد لإلى أن يصير شهوداا‪ ،‬بعد أن كان‬
‫لعلماا‪ ،‬ويكشف حجاب الحس‪ ،‬ويتم صفاء النفس الذي لها من ذاتها‪ ،‬وهو عين‬
‫اللدراك‪ ،‬فأيتعرض حينئذ للمواهب الربانية والعلوم اللدنية والفتح الللهي‪ ..‬لإلى أن‬
‫قال‪ :‬وهذا الكشف كثيراا ما ريعلرض لهل المجاهدة ؛ فأيدركون من حقائق الوجود‬
‫ما ل يدرك سواهم‪ ..‬وقد كان الصحابة رضوان ا عليهم على مثل هذه المجاهدة‪،‬‬
‫وكان حظهم من هذه الكرامات أوفأر الحظوظ‪ ،‬لكنهم لم يقع لهم بها عناية‪ .‬وفأي‬
‫فأضائل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي ا عنهم كثير منها‪ ،‬وتبعهم فأي ذلك‬
‫أهل الطريقة ممن اشتملت الرسالة القشيرية على ذكرهم ومن تبع طريقتهم من‬
‫بعدهم( ]"مقدمة ابن خلدون" صا ‪.[329‬‬

‫وهذا الكشف وراثة محمدية صادقة‪ ،‬رولررثها أصحابه رضي ا عنهم‪ ،‬بسبب‬
‫صدقهم وتصديقهم وصفاء سريرتهم‪.‬‬

‫الكشف عند رسول ا صلى ا عليه وأسلم‪:‬‬

‫‪129‬‬
‫وقبل أن نذكر شيئاا عن هؤلء المورثين من الصحابة ورمرن بعدهم‪ ،‬نذكر نوعا ا من‬
‫كشف رسول ا صلى ا عليه وسلم الذي منحه ا لإياه‪ ،‬على أن الكشف له عليه‬
‫الصلة والسلم معجزة‪ ،‬وللصحابة والولياء من بعده كرامة‪ ،‬وكيل كرامة لولي‬
‫معجزةف لنبيه صلى ا عليه وسلم‪.‬‬

‫عن أنس رضي ا عنه قال‪ :‬سأقيمت الصلة‪ ،‬فأأقبل علينا رسول ا صلى ا عليه‬
‫صوا‪ ،‬فألإني أراكم من وراء ظهري"‬
‫وسلم بوجهه فأقال‪" :‬أقيموا صفوفأكم وترا ي‬
‫]رواه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب أبواب الجماعة‪ ،‬ومسلم فأي كتاب الصلة[‪.‬‬

‫ولما كان الكشف بعيداا عن عالم الحس‪ ،‬وينمحي أمامه المقياس الزماني والمكاني‪،‬‬
‫لذلك كان صلى ا عليه وسلم يستوي عنده فأي الرؤية القرب والبعد‪:‬‬

‫يقول أنس رضي ا عنه‪ :‬بعث رسول ا صلى ا عليه وسلم زيداا‪ ،‬وجعفراا وابن‬
‫رواحة‪ ،‬ورفأع الراية لإلى زيد‪ ،‬فأسأصيبوا جميعاا‪ ،‬فأنرعاهم رسول ا صلى ا عليه‬
‫وسلم لإلى الناس قبل أن يجيرء الخبر‪ ،‬فأقال‪" :‬أخذ الراية زيد فأسأصيب‪ ،‬ثم أخذها‬
‫جعفر فأسأصيب‪ ،‬ثم أخذها عبد ا بن رواحة فأسأصيب‪ ،‬ولإن عيني رسول ا صلى‬
‫ا عليه وسلم تذرفأان‪ ،‬ثم أخذها خالد بن الوليد من غير لإمرة‪ ،‬فأرفسلتح له" ]رواه‬
‫البخاري فأي صحيحه فأي كتاب الجنائز وكتاب المناقب[‪ .‬قاله صلى ا عليه وسلم‬
‫يوم غزوة مؤتة‪.‬‬

‫الكشف في القرآن الكريم‪:‬‬


‫ك سنري إبراهيرم رملسكو ر‬
‫ت‬ ‫قال ا تعالى فأي حق لإبراهيم خليل ا عليه السلم‪} :‬وكذلل ر‬
‫ض ولليرسكورن لمرن الموقنيرن{ ]النعام‪.[75 :‬‬
‫ت والر ل‬
‫السموا ل‬

‫وكذلك ما أخبر ا عز وجل عن الخضر عليه السلم‪ ،‬حين صحب موسى عليه‬
‫السلم فأي المسائل الثلثة‪:‬‬

‫الولى‪ :‬انكشف للخضر أن السفينة التي ركبها مجانا ا فأي طريقهم عبر البحر‪،‬‬
‫سيأخذها ملك غاشم ظلماا‪ ،‬فأخرقها ليعيبها ولينقذها من شر ذلك الغاصب مكافأأة‬
‫ت أرن‬‫ت لمساكيرن يعرمسلورن فأي البحر فأأررد س‬‫للمعروف بالمعروف‪} :‬أفما السفينرةس فأكان ر‬
‫صباا{ ]الكهف‪.[79 :‬‬ ‫ك يأسخذ كفل سفينرظة رغ ر‬ ‫أعيربها وكارن وراءهم رملل ف‬

‫الثانية‪ :‬سكشف له عن الغلم ؛ لإن بقي حيا ا فأسيقتل أبويه فأي كبره‪ ،‬ويوقعهما فأي‬

‫‪130‬‬
‫الكفر‪ ،‬فأقتله رحمة بأبويه المؤمنرين‪ ،‬واستجابة للرادة ا تعالى بلإبداله بخير منه‬
‫زكاةا ورحمة‪} :‬وأرما الغلسم فأكارن أبواهس مؤمنيلن فأخشينا أرن سيرلهرقهما س‬
‫طغيانا ا وسكفراا ‪.‬‬
‫فأأردنا أن سيبلدلرسهما رريبهما خيراا منه زكاةا وأقرب سررحماا{ ]الكهف‪80 :‬ـ ‪.[81‬‬

‫الثالثة‪ :‬كشف له الكنز الذي تحت الجدار‪ ،‬وكان لغلمين يتيمن من أب صالح‪،‬‬
‫فأأقام الجدار حفظا ا للكنز‪ ،‬ورحمةا للغلمين‪ ،‬ومحبةا لبيهما الصالح‪ ،‬بل أجر وبل‬
‫مقابل‪ ،‬مروءةا ولإخلصاا‪} :‬وأرما الجداسر فأكارن لسغلميلن يتيميلن فأي المدينة وكان‬
‫ك أرن يربسلغا أسشفدهما ويررسرتخلرجا كرنرزسهما‬
‫تحتهس كنفز لهما وكارن أبوهما صالحا ا فأأرارد ريب ر‬
‫ك{ ]الكهف‪.[82 :‬‬‫رررحرمةا لمرن رربص ر‬

‫الكشف عند الصحابة رضوان ا عليهم أجميعن‪:‬‬


‫الكشف عند أبي بكر الصديق رضي ا عنه‪:‬‬
‫ق ]رسول ا صلى ا‬ ‫صرد ل‬
‫وهو الذي شهد ا له بالصصديقية بقوله‪ } :‬والذي جاء بال ص‬
‫ق بلله ]أبو بكر رضي ا عنه[{‪ .‬ولإني أذكر واقعة واحدة من‬ ‫صفد ر‬
‫عليه وسلم[ و ر‬
‫كثير‪ ،‬تكشف لنا الغطاء عن ذلك‪ ،‬ومن أين للنساظن أن يحصري مآثلرر أبي بكر‬
‫رضي ا عنه‪.‬‬

‫عن عروة عن أبيه رضي ا عنهما‪ ،‬عن عائشة رضي ا عنها‪ :‬أن أبا بكر لما‬
‫حضرته الوفأاة‪ ،‬دعاها فأقال‪ :‬لإنه ليس فأي أهلي بعدي أحد أحب لإلفي غنى منك‪ ،‬ول‬
‫أعز علي فأقراا منك ولإني كنت نحلتك ]الفنحلة‪ :‬العطية والهبة ابتداء من غير عوض‬
‫ول استحقاق كذا فأي غريب الحديث لبن الثير ج ‪ 4‬صا ‪ [139‬من أرض بالعالية‬
‫رجدارد ]الجداد‪ :‬قال ابن الثير‪ :‬الجداد بالفتح والكسر‪ :‬صرام النخل وهو قطع‬
‫ثمرتها يقال جد الثمرة يجدها جداا ج ‪ .1‬صا ‪ [173‬ـ يعني‪ :‬صرام ـ عشرين وسقا ا‬
‫]الوسق‪ :‬قال فأي القاموس‪ :‬ستون صاعا ا أو حمل بعير‪ ،‬وأوسق البعير حمله‬
‫ت جدردتلله تمراا عاما ا واحداا انحارز لك‪ ،‬ولإنما هو مال الوارث‪ ،‬ولإنما‬ ‫حم ا‬
‫ل[‪ ،‬فألو كن ل‬
‫ت بطلن ابنلة خارجة‪ ،‬قد سألقي‬‫ت‪ :‬لإنما هي أسماء‪ ،‬فأقال‪ :‬وذا س‬ ‫هما أخواك وأختاك‪ .‬فأقل س‬
‫فأي رسوعي أنها جاريةف فأاستوصي بها خيراا‪ ،‬فأولدت أسفم كلثوم ]أخرجه ابن سعد فأي‬
‫الطبقات‪ ،‬ذكر وصية أبي بكر‪ .‬ج ‪ .3‬صا ‪.[195‬‬

‫قال التاج السبكي رحمه ا تعالى‪) :‬وفأيه كرامتان لبي بكر رضي ا عنه‪:‬‬

‫لإحداهما‪ :‬لإخباسره أنه يموت فأي ذلك المرض‪ ،‬حيث قال‪ :‬ولإنما هو اليوم ماسل وارث‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫والثانية‪ :‬لإخباسره بمولود يولد له‪ ،‬وهو جارية‪ .‬والسر فأي لإظهار ذلك استطابة قلب‬
‫عائشة رضي ا عنها فأي استرجاع ما وهبه لها ولم تقب ر‬
‫ضه‪ ،‬ولإعلمها بمقدار ما‬
‫يخصها‪ ،‬لتكون على ثقة‪ ،‬فأأخبرها بأنه مال وارث‪ ،‬وأفن معها أخوين وأختين‬
‫]"حجة ا على العالمين" للشيخ يوسف النبهاني البيروتي صا ‪.[860‬‬

‫الكشف عند عمر بن الخطاب الخليفة الثاني رضي ا عنه‪:‬‬


‫وقد شهد له رسول ا صلى ا عليه وسلم أنه من الملرهمين‪:‬‬
‫عن أبي هريرة رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬لقد كان‬
‫فأيرمرن قبلكم من المم ناس سمحفدثون‪ ،‬فألإن ي س‬
‫ك فأي أمتي أحفد فألإنه عمر" ]رواه‬
‫البخاري فأي صحيحه فأي كتاب المناقب‪ ،‬ومسلم فأي كتاب فأضائل الصحابة[‪.‬‬

‫فألإن أمته عليه الصلة والسلم أفأضسل المم‪ ،‬ولإذا ثبت أنهم سوجدوا فأي غيرها‬
‫فأوجودهم فأيها أولى‪ ،‬ولإنما أورده مورد التأكيد‪ ،‬كقول القائل‪ :‬لإن كان لي صديق‬
‫فأفلن‪ .‬يريد اختصاصا كمال الصداقة ل نفيها عن غيره‪ .‬والمحفدث‪ :‬هو الملهرسم‬
‫الصادق الظن‪ ،‬وهو رمرن سأوقلرع فأي قلبه شيفء من لقبل المل العلى‪ ،‬فأيكون كالذي‬
‫حدثه غيسره‪.‬‬

‫قال التاج السبكي رحمه ا تعالى‪) :‬كان عمر رضي ا عنه قد أفمرر سارية بن‬
‫زنيم الخلجي على جيش من جيوش المسلمين‪ ،‬وجهزه على بلد فأارس‪ ،‬فأاشتد‬
‫على عسكره الحال على باب نهوند وهو يحاصرها‪ ،‬وكثرت جموع العداء‪ ،‬وكاد‬
‫المسلمون ينهزمون‪ ،‬وعمر رضي ا عنه بالمدينة‪ ،‬فأصعد المنبر وخطب‪ ،‬ثم‬
‫استغاث فأي أثناء خطبته بأعلى صوته‪] :‬يا سارية! الجبل‪ .‬من استرعى الذئب الغنم‬
‫فأقد ظلم[ ]قال العجلوني‪ :‬ولإسناده كما قال الحافأظ ابن حجر حديث حسن ج ‪ .2‬صا‬
‫‪ .[380‬فأأسمع ا تعالى سارية وجيشه أجمعين‪ ،‬وهم على باب نهاوند صو ر‬
‫ت‬
‫عمر‪ ،‬فألجؤوا لإلى الجبل‪ ،‬وقالوا هذا صوت أمير المؤمنين‪ ،‬فأنجوا وانتصروا(‪.‬‬

‫وقال التاج السبكي رحمه ا تعالى‪) :‬لم يقصد لإظهار الكرامة‪ ،‬ولإنما سكلشف له‪،‬‬
‫ورأى القوم عياناا‪ ،‬وكان كمن هو بين أظهرهم حقيقة‪ ،‬وغاب عن مجلسه بالمدينة‬
‫واشتغلت حواسه بما دهم المسلمين‪ ،‬فأخاطب أميرهم خطاب رمرن هو معه( ]"حجة‬
‫ا على العالمين" للشيخ يوسف النبهاني البيروتي صا ‪ .[860‬فأفي هذه القصة‬
‫شيئان‪:‬‬

‫الوأل‪ :‬الكشف الصحيح والرؤية العيانية على بعد آلف الميال‪ ،‬وأين )التلفزيون(‬

‫‪132‬‬
‫فأي مثل هذه القصة الواقعة قبل أربعة عشر قرنا ا ؟‬

‫الثاني‪ :‬لإبلغ صوته ساريةر على هذا البعد الشاسع‪.‬‬

‫ورأى عمر رضي ا عنه قوماا من مذحج فأيهم الشتر فأصفعد النظر فأيه وصفوب‬
‫ثم قال‪) :‬قاتله ا لإني لرى للمسلمين منه يوما ا عصيبا ا فأكان منه ما كان( ]"فأيض‬
‫القدير شرح الجامع الصغير" للعلمة المناوي ج ‪ .1‬صا ‪.[143‬‬

‫وأخرج ابن عساكر عن طارق بن شهاب قال‪) :‬إلرن كان الرجل ليحدث عمر‬
‫بالحديث فأيركلذسبه اللكذبة فأيقول‪ :‬احبس هذه‪ ،‬ثم يحدثه بالحديث فأيقول‪ :‬احبس هذه‪،‬‬
‫فأيقول له‪ :‬كل ما حدثستك حق لإل ما أمرتني أن أحبسه( ]"تاريخ الخلفاء" للعلمة‬
‫جلل الدين السيوطي صا ‪127‬ـ ‪.[128‬‬

‫وأخرج عن الحسن قال‪) :‬لإن كان أحد يعرف الكذب لإذا سحردث فأهو عمر بن‬
‫الخطاب( ]"تاريخ الخلفاء" للعلمة جلل الدين السيوطي صا ‪127‬ـ ‪.[128‬‬

‫وأخرج البيهقي فأي الدلئل عن أبي هدية الحمصي قال‪) :‬سأخلبر عمر بأن أهل‬
‫العراق رحصربوا أميرهم‪ ،‬فأخرج غضبان‪ ،‬فأصلى فأسها فأي صلته‪ ،‬فألما سلم قال‪:‬‬
‫اللهم لإنهم قد لفبسوا علري فأالبس عليهم‪ ،‬وعصجرل عليهم بالغلم الثقفي يحكم فأيهم بحكم‬
‫الجاهلية ؛ ل يقبل من محسنهم‪ ،‬ول يتجاوز عن مسيئهم(‪.‬‬

‫قلت‪ :‬أشار به لإلى الحجاج‪ .‬قال ابن لهيعة‪ :‬وما سوللرد الحجاج يومئذ ]"تاريخ الخلفاء"‬
‫للعلمة جلل الدين السيوطي صا ‪127‬ـ ‪.[128‬‬

‫الكشف عند عثمان بن عفان رضي ا تعالى عنه‪:‬‬


‫ذكر التاج السبكي رحمه ا تعالى فأي الطبقات وغيره‪) :‬أنه دخل على عثمان‬
‫رضي ا عنه رجل‪ ،‬كان قد لقي امرأة فأي الطريق‪ ،‬فأتأملها‪ ،‬فأقال له عثمان رضي‬
‫ا عنه‪ :‬يدخل أحدكم‪ ،‬وفأي عينيه أثر الزنا ؟ فأقال الرجل‪ :‬أورحفي بعد رسول ا‬
‫صلى ا عليه وسلم ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬ولكنها فأراسة المؤمن(‪ .‬ولإنما أظهر عثمان هذا‬
‫تأديبا ا للرجل‪ ،‬وزجراا له عن شيظء فأعله ]"حجة ا على العالمين" للنبهاني صا‬
‫‪.[862‬‬

‫الكشف عند علي بن أبي طالب رضي ا عنه‪:‬‬

‫‪133‬‬
‫الذي رباه رسول ا صلى ا عليه وسلم فأي حجره‪ ،‬ولما آخى النبي صلى ا‬
‫عليه وسلم بين أصحابه قال له‪" :‬أنت أخي" ]أخرجه الترمذي فأي كتاب المناقب‬
‫عن ابن عمر‪ ،‬وقال‪ :‬حسن غريب[‪ .‬وقال له أيضاا‪" :‬أل ترضى أن تكون مني‬
‫بمنزلة هارون من موسى ؟" ]رواه البخاري فأي المغازي عن سعد بن أبي وقاصا‬
‫رضي ا عنه[‪.‬‬

‫عن الصبغ رحمه ا تعالى قال‪ :‬أتينا مع علري فأمرررنا بموضع قبر الحسين‪ ،‬فأقال‬
‫علي‪) :‬ههنا مناخ ركابهم‪ ،‬وههنا موضع رحالهم‪ ،‬وههنا مهراق دمائهم‪ .‬فأتية من‬
‫آل محمد صلى ا عليه وسلم يقتلون بهذه الرعررصة‪ ،‬تبكي عليهم السماء والرض(‬
‫]"الرياض النضرة فأي مناقب العشرة" للمحب الطبري ج ‪ .2‬صا ‪.[295‬‬

‫وقال علي رضي ا عنه لهل الكوفأة‪) :‬سينزل بكم أهسل بيت رسول ا صلى ا‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فأيستغيثون بكم فألم يغاثوا( فأكان منهم فأي شأن الحسين ما كان ]"فأيض‬
‫القدير شرح الجامع الصغير" للعلمة المناوي ج ‪ .1‬صا ‪.[143‬‬

‫ولو أردنا أن نستقصي تراجم الصحابة الكرام رضي ا عنهم فأي كشفهم‬
‫وفأراستهم‪ ،‬لخرجنا عن موضوعنا فأي رسالتنا هذه‪.‬‬

‫كشف العارفين‪:‬‬
‫روي عن اللمام الشافأعي ومحمد بن الحسن رحمهما ا تعالى‪) :‬أنهما كانا بللفناء‬
‫الكعبة‪ ،‬ورجل على باب المسجد فأقال أحدهما‪ :‬أراه نجاراا‪ ،‬وقال الخر‪ :‬بل حداداا‪،‬‬
‫فأتبادر من حضر لإلى الرجل فأسأله فأقال‪ :‬كنت نجاراا وأنا اليوم حداد( ]"تفسير‬
‫القرطبي" ج ‪ .10‬صا ‪.[44‬‬

‫وعن أبي سعيد الخراز رحمه ا تعالى قال‪) :‬دخلت المسجد الحرام‪ ،‬فأرأيت فأقيراا‬
‫عليه خرقتان‪ ،‬فأقلت فأي نفسي‪ :‬هذا وأشباهه ركيل على الناس ؛ فأناداني وقال‪:‬‬
‫ت ا فأي‬ ‫}واعلموا أفن ار يعلرسم ما فأي أرنفسلسسكم فأاحرذروسه{ ]البقرة‪ .[235 :‬فأاستغفرر س‬
‫سصري‪ ،‬فأناداني وقال‪} :‬وهرو الذي يررقبرسل التوبرةر عن عبالدله{ ]الشورى‪ .[25 :‬ثم غاب‬
‫عني‪ ،‬ولم أره( ]"اللحياء" للغزالي ج ‪ 3‬صا ‪.[21‬‬

‫ومثل هذا وقع لغيره‪ .‬يقول خير النفساج رحمه ا تعالى‪) :‬كنت جالسا ا فأي بيتي‪،‬‬

‫‪134‬‬
‫فأوقع لي أن الجنيد بالباب‪ ،‬فأنفيت عن قلبي ذلك‪ ،‬فأوقع ثانيا ا وثالثاا‪ ،‬فأخرجت‪ ،‬فألإذا‬
‫الجنيد‪ ،‬فأقال‪ :‬للرم لم تخرج مع الخاطر الول ؟( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[110‬‬

‫وسحكي عن لإبراهيم الخرواصا رحمه ا تعالى قال‪) :‬كنت فأي بغداد فأي جامع‬
‫المدينة‪ ،‬وهناك جماعة من الفقراء‪ ،‬فأأقبل شاب ظريف طيب الرائحة‪ ،‬حسن‬
‫الحرمة حسن الوجه‪ ،‬فأقلت لصحابنا‪ :‬يقع لي أنه يهودي‪ ،‬فأكلهم كرهوا ذلك‪،‬‬
‫فأخرجت وخرج الشاب‪ ،‬ثم رجع لإليهم وقال‪ :‬لإيش قال الشيخ ؟ فأاحتشموه‪ ،‬فأألح‬
‫ب على يدي وأسلم‪ ،‬فأقيل‪ :‬ما‬ ‫عليهم فأقالوا‪ :‬قال‪ :‬لإنك يهودي‪ .‬قال‪ :‬فأجاءني‪ ،‬وأك ف‬
‫ت‪ :‬أمتحسن المسلمين‪،‬‬ ‫السبب ؟ قال نجد فأي كتبنا أن الصرديق ل تخطىء فأراسته فأقل س‬
‫فأتأملتهم فأقلت‪ :‬لإن كان فأيهم صرديق‪ ،‬فأفي هذه الطائفة لنهم يقولون حديثه سبحانه‪،‬‬
‫ت أنه صرديق‪ ،‬وصار الشاب من‬ ‫ي علم س‬
‫ي وتففرس فأ ف‬ ‫ت عليهم‪ ،‬فألما ا ر‬
‫طلع عل ف‬ ‫فألفبس س‬
‫كبار الصوفأية( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[110‬‬

‫ول عجب فأي ذلك فأقد أخبر عن هذا رسول ا صلى ا عليه وسلم بقوله‪" :‬لإن ل‬
‫عباداا يعرفأون الناس بالتوسم" ]رواه البزار والطبراني فأي الوسط عن أنس بن‬
‫مالك‪ .‬ولإسناده حسن‪ ،‬كما فأي مجمع الزوائد ج ‪ 10‬صا ‪.[268‬‬

‫ووقف نصراني على الجنيد رحمه ا تعالى‪ ،‬وهو يتكلم فأي الجامع على الناس‪،‬‬
‫فأقال‪ :‬أيها الشيخ! ما معنى حديث‪" :‬اتقوا فأراسة المؤمن فألإنه ينظر بنور ا"‬
‫]روأاه الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري‪ .‬في كتاب التفسير[هلل‪ .‬فأطرق الجنيد‬
‫ثم رفع رأسه وأقال‪ :‬أسلمم فقد جاء وأقت لإسلمك‪ ،‬فأسلم الغلم ]"الفتاوأى‬
‫الحديثية" لبن حجر الهيثمي ص ‪[229‬هلل‪.‬‬

‫وحديث الفراسة أصل فأي الكشف الذي يقع لكثير من الولياء‪ ،‬تجد الواحد منهم‬
‫يكاشف الشخص بما حصل له فأي غيبته‪ ،‬كأنه حاضر معه‪ .‬وهي فأتنة فأي حق رمرن‬
‫لم يتخلق بأخلق الرحمن‪.‬‬

‫وأقد يكون الكشف عن أصحاب القبور منذعمين أوأ معذذبين‪:‬‬


‫قال العلمة عبد الرؤوف المناوي رحمه ا تعالى عند شرحه حديث رسول ا‬
‫ت ا أن سيسمعكم من عذاب القبر"‬ ‫صلى ا عليه وسلم‪" :‬لول أن ل رتدارفأنوا لدعو س‬
‫]أخرجه مسلم فأي صحيحه فأي كتاب الجنة ومتعة نعيمها‪ ،‬والنسائي عن أنس ابن‬
‫ب لإسماعهم عذاب القبر دون غيره من الهوال‬ ‫مالك رضي ا عنه[‪ .‬ولإنما رأح ف‬
‫لنه أول المنازل‪ .‬وفأيه أن الكشف بحسب الطاقة‪ ،‬ورمرن سكوشف بما ل يطيقه هلك‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫تنبيه‪ :‬قال بعض الصوفأية‪) :‬والطلع على المعفذبين والمنفعمين فأي قبورهم واقع‬
‫لكثير من الرجال‪ ،‬وهو هول عظيم‪ ،‬يموت صاحبه فأي اليوم والليلة موتات‪،‬‬
‫ويستغيث ويسأل ا أن يحجبه عنه‪ ،‬وهذا المقام ل يحصل للعبد لإل بعد غلبة‬
‫روحانيته على جسمانيته‪ ،‬حتى يكون كالروحانيين‪ .‬فأالذين خاطبهم الشارع هنا هم‬
‫الذين غلبت جسمانيتهم ل من غلبت روحانيتهم‪ ،‬والمصطفى صلى ا عليه وسلم‬
‫كان يخاطب كل قوم بما يليق بهم( ]"فأيض القدير‪ ،‬شرح الجامع الصغير" للعلمة‬
‫المناوي ج ‪ .5‬صا ‪.[342‬‬

‫وما حكي من فأراسة المشايخ ولإخبارهم عن اعتقادات الناس وضمائرهم يخرج‬


‫عن الحصر‪ ،‬لإل أن الجاحد ل تفيده هذه الشواهد والخبار مما ذكرناه من النقول‬
‫الصحيحة عن الصحابة والتابعين ورمرن بعدهم ؛ مادام ل يؤمن لإل بالمادة ول‬
‫يصصدق ما وراءها‪.‬‬

‫قال تاج الدين السبكي رحمه ا تعالى‪) :‬اعلم أن المرء لإذا صفا قلبه صار ينظر‬
‫ف لإل عرفأه‪ .‬ثم تختلف المقامات‪ ،‬فأمنهم‬ ‫بنور ا‪ ،‬فأل يقع بصره على كدظر أو صا ظ‬
‫من يعرف أن هناك كدراا ول يدري ما أصله‪ ،‬ومنهم من يكون أعلى من هذا المقام‬
‫فأيدري أصله‪ ،‬كما اتفق لعثمان رضي ا عنه‪ ،‬فأإ لفن تأيمل الرجل للمرأة أورثه كدراا‬
‫فأأبصره عثمان‪ ،‬وفأهم سببه‪.‬‬

‫وهنا دقيقة‪ :‬وهي أن كل معصية لها كدر‪ ،‬وستولرث نكتة سوداء فأي القلب فأيكون‬
‫ررريناا‪ ،‬كما قال تعالى‪} :‬كل برل رارن على قسسلوبللهرم ما كانوا ياركلسسبورن{ ]المطففين‪:‬‬
‫طربع عليه‪،‬‬‫‪ .[14‬لإلى أن يستحكم والعياذ بال‪ ،‬فأيظلم القلب وتغلق أبواب النور فأيس ر‬
‫فأل يبقى سبيل لإلى التوبة‪ .‬كما قال تعالى‪} :‬روطسبلرع على قلوبللهرم فأرهسرم ل يفقرسهورن{‬
‫]التوبة‪[87 :‬هلل‪.‬‬

‫ت هذا ؛ فأالصغيرة من المعاصي تورث كدراا صغيراا بقدرها قريب المحو‬ ‫لإذا عرفأ ر‬
‫بالستغفالر وغيره من المكفرات‪ .‬ول يدركه لإل ذو بصر حايد كعثمان رضي ا‬
‫عنه‪ ،‬حيث أدرك هذا الكدر اليسير‪ ،‬فأإ لفن تأيمل المرأة والنظر لإليها أدركه عثمان‬
‫وعرف أصله ]قال العلمة اللوسي فأي كتابه "روح المعاني" عند قوله تعالى‪:‬‬
‫ضوا لمرن أبضالرلهم{ ]النور‪) :[30 :‬ثم لإن غض البصر عما يحرم‬ ‫}قل للسمؤلمنيرن يسغ ي‬
‫النظر لإليه واجب‪ ،‬ونظرة الفجأة ـ لتررعفمد فأيها ـ معفو عنها‪ .‬فأقد أخرج أبو داود‪،‬‬
‫والترمذي وغيرهما عن بريدة رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه‬

‫‪136‬‬
‫وسلم‪" :‬ل تسرتلبع النظرة النظرة‪ ،‬فألإن لك الولى وليست لك الخرة" تفسير روح‬
‫المعاني للعلمة اللوسي ج ‪ .18‬صا ‪ .125‬وعن أبي موسى عن النبي صلى ا‬
‫عليه وسلم قال‪" :‬كل عين زانية"‪ .‬رواه البزار والطبراني ورجالهما ثقات‪ .‬وعن‬
‫علقمة عن النبي صلى ا عليه وسلم قال‪" :‬زنا العينين النظر"‪ .‬رواه الطبراني‪.‬‬
‫الحديثان فأي مجمع الزوائد‪ .‬ج ‪ .6‬صا ‪ .256‬وعن عبد ا بن مسعود رضي ا‬
‫عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ ،‬يعني عن ربه عز وجل‪" :‬النظرة‬
‫سهم مسموم من سهام لإبليس‪ ،‬رمرن تركها لمرن مخافأتي أبدلته لإيمانا ا يجد حلوته فأي‬
‫قلبه"‪ .‬رواه الطبراني والحاكم من حديث حذيفة وقال‪ :‬صحيح اللسناد‪ .‬وعن أبي‬
‫ضن أبصاركم‬ ‫أمامة رضي ا عنه عن النبي صلى ا عليه وسلم قال‪" :‬رلتغ ي‬
‫ظن فأروجكم‪ ،‬أو ليكسرفن ا وجوهكم"‪ .‬رواه الطبراني‪ .‬وعنه أيضا ا عن‬ ‫ورلتحف س‬
‫النبي صلى ا عليه وسلم قال‪" :‬ما من مسلم ينظر لإلى محاسن امرأة ثم يغض‬
‫بصره لإل أحدث له ا عبادة يجد حلوتها فأي قلبه"‪ .‬رواه اللمام أحمد‪ .‬فأي‬
‫الترغيب والترهيب ج ‪ .3‬صا ‪34‬ـ ‪ .[36‬وهذا مقام عاظل يخضع له كثير من‬
‫المقامات‪.‬‬

‫ولإذا انضم لإلى الصغيرة صغيرة أخرى ازداد الكدر‪ ،‬ولإذا تكاثرت الذنوب حتى‬
‫وصلت ـ والعياذ بال ـ لإلى ما وصفناه من ظلم القلوب صار بحيث يشاهده كل‬
‫ذي بصر‪ ،‬فأمن رأى متضمخاا بالمعاصي قد أظلم قلبه ؛ ولم يتفرس فأيه ذلك فأليعلم‬
‫أنه لإنما لم يبصره لما عنده من العمى المانع للبصار‪ ،‬وإل فألو كان بصيراا لبصر‬
‫هذا الظلم الداجي‪ ،‬فأبقدر بصره يبصر‪ ،‬فأافأهم ما نتحفك به( ]"حجة ا على‬
‫العالمين" للنبهاني البيروتي صا ‪.[862‬‬

‫فأالفراسة أمر جائز الوقوع‪ ،‬وهي منحة لإلهية يكرم ا بها عباده الصالحين الذين‬
‫تمسكوا بدينهم‪ ،‬وحفظوا جوارحهم‪ ،‬وصقلوا قلوبهم‪ ،‬وهذبوا نفوسهم‪.‬‬

‫قال المناوي فأي شرح الجامع الصغير عند قوله عليه الصلة والسلم‪" :‬إلفن لكل‬
‫قوم فأراسة‪ ،‬ولإنما يعرفأها الشراف"‪) :‬قاعدة الفراسة وأيسها‪ :‬الغض عن المحارم‪،‬‬
‫ف نفسه‬‫قال الكرماني‪ :‬من عرمر ظاهره باتباع السنة‪ ،‬وباطنه بدوم المراقبة‪ ،‬وك ف‬
‫عن الشهوات‪ ،‬وغض بصره عن المخالفات‪ ،‬واعتاد أكل الحلل لم تخطىء‬
‫فأراسته ابداا‪ .‬اهـ فأمن سوصفأق لذلك أبصر الحقائق عيانا ا بقلبه( ]"فأيض القدير شرح‬
‫الجامع الصغير" للمناوي ج ‪ .2‬صا ‪.[515‬‬

‫وعلى كظل فأالقلوب تختلف باختلف صقلها وتنظيفها من أدران الذنوب المظلمة‪،‬‬

‫‪137‬‬
‫فأهي كالزجاج كلما صقل ازداد ثمنه‪ ،‬وكشف الجراثيم التي ل ترى‪ .‬فأأين زجاج‬
‫النافأذة من زجاج المجهر الذي يكشف الجراثيم الدقيقة ؟ وكما ل يقاس زجاج‬
‫النافأذة بزجاج المجهر‪ ،‬كذلك ل تقاس القلوب الصافأية المصقولة بالقلوب المكدرة‬
‫المظلمة‪ ،‬ول تقاس الملئكة بالشياطين‪.‬‬

‫فأمن جفد وجد‪ ،‬ومن سار على الطريق وصل‪ ،‬ومن أتقن المقدمة وصل لإلى‬
‫النتيجة‪ ،‬والبدايات تدل على النهايات‪.‬‬

‫الللهام‬
‫قال الشريف الجرجاني رحمه ا تعالى فأي تعريفاته‪) :‬اللهام‪ :‬ما سيلرقى فأي اليروع‬
‫بطريق الفيض‪ .‬وقيل‪ :‬اللهام ما وقع فأي القلب من علم‪ .‬وهو يدعو إلى العمل من‬
‫غير استدلل بآية‪ ،‬ول نظر فأي حجة( ]"تعريفات الشريف" الجرجاني صا ‪.[23‬‬

‫والللهام لإما أن يكون من قلبرلل ا تعالى‪ ،‬أو من قبل ملئكته‪ ،‬يسرفرهم منه أمر أو نهي‬
‫أو ترغيب أو ترهيب‪..‬‬

‫أما الذي من لقبل ا تعالى‪:‬‬


‫فأحكى لنا حضرةس ا تعالى فأي كتابه عن مريم رضي ا عنها حينما أو ر‬
‫ت لإلى‬
‫شجرة النخل فأي أيام الشتاء‪ ،‬فأخاطبها بلإلهام ووحي من دون واسطة وقال لها‪:‬‬
‫طبا ا رجنيا ا ‪ .‬فأسكللي واشرربي وقصري عيناا{‬
‫ك سر ر‬ ‫ك بجرذع الفنخلة ستساقل ر‬
‫ط علي ل‬ ‫}وهسصزي إلي ل‬
‫ل‬
‫]مريم‪[25 :‬هلل‪.‬‬

‫قال اللمام فأخر الدين الرازي رحمه ا تعالى عند تفسير هذه الية‪) :‬إلفن ذلك كان‬
‫على سبيل النفث فأي الروع والللهام والللقاء فأي القلب‪ ،‬كما كان فأي حق سأم موسى‬
‫عليه السلم فأي قوله‪} :‬وأوحيرنا إلى أسصم موسى{ ]القصص‪[7 :‬هلل ]"التفسير الكبير"‬
‫لللمام فخر الدين الرازي ج ‪ .2‬ص ‪[669‬هلل‪.‬‬

‫وكذلك أخبرنا عن سأم موسى عليه السلم‪ ،‬حينما ضاق بها الحال من أمر ابنها عليه‬
‫السلم‪ ،‬وداهمها جنود فأرعون لقتله‪ ،‬فأألهمها‪ ،‬وأوحى لإليها بل واسطة‪ ،‬فأقال‬
‫ت عليه فأأرللقيله فأي اليفلم ول‬ ‫تعالى‪} :‬وأوحيرنا إلى أسصم موسى أرن أر ل‬
‫ضعيله فأإذا لخف ل‬
‫تخافأي ول تحرزني إفنا رايدوه إليلك وجالعسلوه لمرن المرسليرن{ ]القصص‪] [7 :‬قال‬
‫العلمة اللوسي فأي تفسيره عند هذه الية ج ‪ .16‬صا ‪) :170‬والمراد بالليحاء‬
‫ك إلى النفرحلل{‬ ‫عند الجمهور ما كان بلإلهام‪ ،‬كما فأي قوله تعالى‪} :‬وأورحى ريب ر‬

‫‪138‬‬
‫]النحل‪ ..[68 :‬لإلى أن قال‪ :‬ولإلهام النفس القدسية مثل ذلك ل سبعد فأيه‪ ،‬فألإنه نوع‬
‫من الكشف([‪.‬‬

‫ألق ر‬
‫ت ابنها وفألذة كبدها بين أمواج البحر الخضم‪ .‬لإلى أين يذهب هذا الولد الكريم‬
‫بين هياج موج البحر يا ترى ؟! لإنه الهلك بعينه‪ ،‬لكنها كانت على يقين من‬
‫أمرها‪ ،‬للرما اعتادت من سماع الوحي الذي يأتيها من ربها بل واسطة‪ ،‬فأي خلوتها‬
‫وجلوتها‪.‬‬

‫هذه امرأة مؤمنة‪ ،‬وولية وليست نبية ]اتفق الكثرون على أن أم موسى لم تكن نبية‬
‫ك إل رجالا نوحي إليلهم{‬ ‫لن النبوة منحصرة فأي الرجال‪} .‬وما أررسرلنا قبلر ر‬
‫]يوسف‪ .[109 :‬والوحي جاء فأي القرآن ل بمعنى النبوة‪ ،‬بل بالللهام كما قال‬
‫ك ما‬ ‫ت إلى الحوارييرن{ ]المائدة‪ } .[111 :‬وإذ أوحينا إلى أصم ر‬ ‫تعالى‪} :‬وإذ أوحي س‬
‫سيورحى { ]طه‪ ،[[38 :‬وتلك مريم رضي ا عنها فأي سأمة لإسرائيلية‪ ،‬فأما بالك‬
‫بالمة المحمدية التي شهد ا لها بالخيرية على سائر المم ؟! قال تعالى‪} :‬سكرنستم‬
‫ف وترنرهورن عن السمرنركلر{ ]آل عمران‪:‬‬ ‫س تأسمرورن بالمعرو ل‬ ‫رخيرر أسفمظة سأخلررج ر‬
‫ت للنا ل‬
‫‪.[110‬‬

‫وأأما الللهام من قبل الملئكة‪:‬‬


‫فأالرمرلك يحصدث اللنسارن‪ ،‬كما قال صلى ا عليه وسلم‪.." :‬وأما لرفمةس الملك فألإيعافد‬
‫ق بالحق‪ ،‬فأمن وجد ذلك فأليعلم أنه من ا فأليحمد ا" ]رواه‬ ‫بالخير وتصدي ف‬
‫الترمذي فأي كتاب التفسير‪ ،‬تفسير سورة البقرة عن ابن مسعود رضي ا عنه‬
‫وقال‪ :‬حديث حسن غريب‪ .‬واللمة‪ :‬الهمة والخطرة تقع فأي القلب‪ .‬كما فأي غريب‬
‫الحديث[‪.‬‬

‫ت الملئلركةس‬ ‫قال اللمام فأخر الدين الرازي رحمه ا تعالى عند قوله تعالى‪} :‬وإرذ قال ر‬
‫طفالك على نسالء العارلميرن{ ]آل عمران‪:‬‬ ‫طهفررلك واص ر‬
‫يا مريرسم إفن ار اصطفالك و ر‬
‫‪) :[42‬اعلم أن مريم عليها السلم ما كانت من النبياء لقوله تعالى‪} :‬وما أررسرلنا‬
‫ك إل لرجالا نولحي إليلهم لمرن أرهلل القرى{ ]يوسف‪ .[109 :‬ولإذا كان كذلك ؛‬ ‫لمرن قرربلل ر‬
‫كان لإرسال جبريل عليه السلم كرامة لها‪ ،‬وكلمها شفاهاا‪ ،‬وليس هذا خاصا ا بها‪،‬‬
‫بل هناك كثير من الصالحين كلمتهم الملئكة عليهم السلم( ]"التفسير الكبير"‬
‫لمام فأخر الدين الرازي ج ‪ .2‬صا ‪ .[669‬فأقد روي أن رسول ا صلى ا عليه‬ ‫ل ل‬
‫وسلم قال‪" :‬لإن رجلا زار أخاا له فأي قرية أخرى‪ ،‬فأأرصد ا على رمردرجلته رمرلكاا‪،‬‬
‫فألما أتى عليه قال‪ :‬أين تريد ؟ قال‪ :‬سأريد أخا ا لي فأي هذه القرية‪ .‬قال‪ :‬هل لك عليه‬

‫‪139‬‬
‫من نعمة تسريبها ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬غير أني أحببته فأي ا عز وجل‪ ،‬قال‪ :‬فألإني رسول ا‬
‫لإليك بأن ا قد أحبك كما أحببته فأيه" ]رواه مسلم فأي صحيحه فأي كتاب البر‬
‫والصلة باب فأضل الحب فأي ا عن أبي هريرة رضي ا عنه[‪.‬‬

‫أرصد ا على مدرجته ملكاا‪ :‬أي وفكله بحفظ المردررجة‪ ،‬وهي الطريق وجعله‬
‫صداا‪ :‬أي حافأظا ا سمرعداا‪ .‬ترسريبها‪ :‬أي تحفظها وتربيها كما يربي الرجسل ولرده‪.‬‬
‫ر ر‬

‫لن الصديقي الشافأعي رحمه ا تعالى شارح رياض‬ ‫قال العلمة محمد بن ع ر‬
‫الصالحين عند قوله‪" :‬فأأرصد ا تعالى على مدرجته رمرلكاا‪ ،‬فألما أتى عليه قال‪ :‬أين‬
‫ك خاطبه وشافأهه( ]دليل الفالحين لطرق رياض‬ ‫تريد ؟"‪) :‬ظاهره أن الرمل ر‬
‫الصالحين ج ‪ .3‬ص ‪[232‬هلل‪.‬‬

‫وقال ا تعالى‪} :‬إفن الذين قالوا ريبنا اس ثسفم استقاموا ترترنرفزسل عليلهرم الملئلركةس أرن ل‬
‫تخافأوا ول تحرزسنوا وأربلشروا بالرجنفلة التي كنتم تورعسدورن ‪ .‬نحسن أولياؤسكم فأي الحياة‬
‫الدنيا وفأي اللخرة{ ]فأصلت‪30 :‬ـ ‪.[31‬‬

‫قال العلمة اللوسي رحمه ا تعالى مفسراا تنزل الملئكة فأي هذه الية‪) :‬تتنزل‬
‫عند الموت والقبر والبعث‪ .‬وقيل‪ :‬تتنزل عليهم‪ :‬يمدونهم فأيما يرلعين ويطرأ لهم من‬
‫المور الدينية والدنيوية‪ ،‬بما يشرح صدورهم‪ ،‬ويدفأع عنهم الخوف والحزن‪،‬‬
‫بطريق الللهام‪.‬‬

‫وهذا هو الظهر ؛ لما فأيه من اللطلق والعموم الشاملل لتنزلهم فأي المواطن‬
‫الثلثة وغيرها‪ ،‬وأن جمعاا من الناس يقولون بتنزل الملئكة على المتقين فأي كثير‬
‫من الحايين‪ ،‬ولإنهم يأخذون منهم ما يأخذون‪ ،‬فأتذكر‪.‬‬

‫ثم قال فأي قوله تعالى‪} :‬وأبلشروا بالرجفنة التي كرنستم تورعدورن{ ]فأصلت‪ .[31 :‬أي‬
‫التي كنتم توعدونها فأي الدنيا على ألسنة الرسل عليهم السلم‪ ،‬هذا من بشاراتهم فأي‬
‫أحد المواطن الثلثة‪.‬‬

‫وقال فأي قوله تعالى‪} :‬نحسن أولياؤسكرم فأي الحياة الدنيا{ ]فأصلت‪ :[31 :‬من‬
‫بشاراتهم فأي الدنيا‪ ،‬أي أعوانكم فأي أموركم‪ ،‬نلهمكم الحق ونرشدكم لإلى ما فأيه‬
‫خيركم وصلحكم‪ .‬لإلى أن قال‪ :‬لإن الملئكة تقول لبعض المتقين شفاها ا فأي غير‬
‫تلك المواطن‪ :‬نحن أولياؤكم فأي الحياة الدنيا( ]روح المعاني فأي تفسير القرآن‬

‫‪140‬‬
‫العظيم والسبع المثاني للعلمة محمود اللوسي البغدادي رحمه ا تعالى المتوفأى‬
‫سنة ‪1270‬هـ‪ .‬ج ‪ 24‬صا ‪.[107‬‬

‫وقال اللمام فأخر الدين الرازي رحمه ا تعالى فأي تفسير هذه اليات‪) :‬ثم لإنه‬
‫تعالى أخبر عن الملئكة أنهم قالوا للمؤمنين }نحسن أولياؤسكرم فأي الحياة الدنيا وفأي‬
‫اللخررلة{]فأصلت‪ : [31 :‬ومعنى كونهم أولياء للمؤمنين أن للملئكة تأثيرات فأي‬
‫الرواح البشرية بالللهامات والمكاشفات اليقينية والمقامات الحقيقية‪ ،‬كما أن‬
‫للشياطين تأثيرات فأي الرواح بلإلقاء الوساوس فأيها وتخييل الباطيل لإليها‪.‬‬

‫وبالجملة فأكون الملئكة أولياء للرواح الطيبة الطاهرة حاصل من جهات كثيرة‬
‫معلومة لرباب المكاشفات والمشاهدات‪ ،‬فأهم يقولون‪ :‬كما أن تلك الولية كانت‬
‫حاصلة فأي الدنيا‪ ،‬فأهي تكون باقية فأي الخرة‪ ،‬فألإن تلك العلئق ذاتية لزمة غير‬
‫قابلة للزوال‪ ،‬بل كأنها تصير بعد الموت أقوى وأبقى‪ ،‬وذلك لن جوهر النفس من‬
‫جنس الملئكة‪ ،‬وهي كالشعلة بالنسبة لإلى الشمس‪ ،‬والقطرة بالنسبة لإلى البحر‪.‬‬
‫والتعلقات الجسمانية هي التي تحول بينها وبين الملئكة‪ ،‬كما قال صلى ا عليه‬
‫وسلم‪" :‬لول أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا لإلى ملكوت‬
‫السماوات"‪ .‬فألإذا زالت العلئق الجسمانية والتدبيرات البدنية‪ ،‬فأقد زال الغطاء‬
‫والوطاء‪ ،‬فأيتصل الثر بالمؤثر‪ ،‬والقطرة بالبحر والشعلة بالشمس‪ ،‬فأهذا هو المراد‬
‫من قوله‪} :‬نحن أولياؤكم فأي الحياة الدنيا وفأي الخرة{ ]فأصلت‪] [31 :‬تفسير‬
‫اللمام الرازي ج ‪ .7‬صا ‪.[371‬‬

‫وقد كان عمران بن الحصين رضي ا عنه يسمع تسبيح الملئكة حتى اكتوى‪،‬‬
‫فأانحبس ذلك عنه‪ ،‬ثم أعاده ا لإليه‪ .‬وروى ابن الثير رحمه ا تعالى فأي أسد‬
‫الغابة بسنده لإليه‪ ،‬أن رسول ا صلى ا عليه وسلم نهى عن الركري‪ ،‬قال عمران‪:‬‬
‫فأاكتوينا‪ ،‬فأما أفألحنا ول نجحنا‪.‬‬

‫قال‪ :‬وكانت الملئكة فأي مرضه تسلم عليه‪ ،‬فأاكتوى فأفقد التسليم ثم عادت لإليه ]وقد‬
‫ألف العلمة الكبير جلل الدين السيوطي رسالة سماها "تنوير الحلك فأي لإمكان‬
‫رؤية النبي والملك" ننقل منها ما يهمنا فأي موضوعنا الذي نتكلم فأيه‪.‬‬

‫قال جلل الدين السيوطي رحمه ا تعالى‪) :‬أخرج مسلم فأي صحيحه عن مطرف‬
‫قال‪ :‬قال لي عمران بن حصين رضي ا عنه‪ :‬قد كان يسلم علي حتى اكتويت‬
‫فأترك ثم تركت الكي فأعاد‪ .‬وأخرج مسلم من وجه آخر عن مطرف قال‪ :‬بعث لإلي‬

‫‪141‬‬
‫عمران بن حصين فأي مرضه الذي توفأي فأيه فأقال‪ :‬لإني محدثك فألإن عش س‬
‫ت فأاكترم‬
‫ت‪ :‬لإنه قد سسصلم علري‪.‬‬ ‫ت فأحصد ر‬
‫ث بها لإن شئ ر‬ ‫عني‪ ،‬ولإن م ي‬

‫قال النووي فأي شرح مسلم‪ :‬معنى الحديث الول أن عمران بن حصين كانت به‬
‫بواسير‪ ،‬فأكان يصبر على ألمها‪ ،‬وكانت الملئكة تسلم عليه‪ ،‬واكتوى‪ ،‬وانقطع‬
‫سلمهم عليه‪ ،‬ثم ترك الكي فأعاد سلمهم عليه‪ .‬قال‪ :‬وقوله فأي الحديث الثاني‪ :‬فألإن‬
‫ت فأاكترم عني‪ ،‬أراد به اللخبار بالسلم عليه‪ ،‬لنه كره أن سيشاع عنه ذلك فأي‬‫عش س‬
‫حياته لما فأيه من التعرض للفتنة بخلف ما بعد الموت‪.‬‬

‫وقال القرطبي فأي شرح مسلم‪ :‬يعني أن الملئكة كانت تسلم عليه لإكراما ا له‬
‫واحتراماا‪ ،‬لإلى أن اكتوى فأتركت السلم عليه‪ ،‬فأفيه لإثبات كرامات الولياء‪..‬‬

‫وقال القاضي أبو بكر بن العربي أحد الئمة المالكية‪ ،‬شارح صحيح الترمذي‪ ،‬فأي‬
‫لنسان طهارة النفس فأي‬ ‫كتاب قانون التأويل‪ :‬ذهبت الصوفأية لإلى أنه لإذا حصل ل ل‬
‫تزكية القلب‪ ،‬وقطع العلئق‪ ،‬وحسم مواد أسباب الدنيا من الجاه والمال والخلطة‬
‫بالجنس‪ ،‬واللقبال على ا تعالى بالكلية‪ ،‬علما ا دائما ا وعملا مستمراا‪ ،‬كشفت له‬
‫القلوب‪ ،‬ورأى الملئكة وسمع أقوالهم‪ ،‬واطلع على أرواح النبياء‪ ،‬وسمع كلمهم‪،‬‬
‫ثم قال ابن العربي من عنده‪ :‬ورؤية النبياء والملئكة وسماع كلمهم ممكن‬
‫كرامة‪ ،‬وللكافأر عقوبة(‪ .‬الحاوي للفتاوي ج ‪ 2‬صا ‪ 258 ،257‬للعلمة جلل الدين‬
‫السيوطي المتوفأى سنة ‪911‬هـ[‪.‬‬

‫ولقد سمى الصوفأية العلم الناتج من الللهام علما ا لدنيا ا حاصلا بمحض فأضل ا‬
‫وكرمه بغير واسطلة عبارظة‪.‬‬

‫قال بعضهم‪:‬‬
‫قررأناه بل سرهظو وفأرو ل‬
‫ت‬ ‫ت‬ ‫تعلررمرنا بل حر ظ‬
‫ف وصرو ل‬

‫يعني بطريق الفيض الللهي‪ ،‬والللهام الرباني‪ ،‬ل بطريق التعليم اللفظي‪،‬‬
‫والتدريس القولي‪.‬‬

‫وقد سئل اللمام الغزالي عن الللهام فأقال‪) :‬الللهام ضوء من سراج الغيب‪ ،‬يسقط‬
‫غ( كل هذا يدل على لإمكان الكشف وصحة الللهام ؛ لإذا‬ ‫ف فأار ظ‬
‫ف لطي ظ‬ ‫ب صا ظ‬‫على قل ظ‬
‫كان القلب صافأيا ا فأارغا ا من علئق الدنيا وهمومها‪ ،‬ولمرن صدأ الذنوب وظلماتها‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫فأالشياطين الظلمانية ل تقع لإل على القلوب العفنة‪ ،‬كما يقع الذباب على الواني‬
‫ب القلوب عن مطالعة ما سحجب عنها‪ ،‬يقول صلى ا عليه وسلم‪:‬‬ ‫الوسخة‪ ،‬فأستحج س‬
‫"لول أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا لإلى ملكوت السماء" ]رواه‬
‫ف وسوسستها عن تلك القلوب‬ ‫اللمام أحمد عن أبي هريرة رضي ا عنه[‪ .‬وستصرر س‬
‫بذكر ا تعالى ومراقبته‪" :‬لإن الشيطان واضع رخطمه على قلب ابن آدم‪ ،‬فأإ لرن رذركرر‬
‫س ولإن نسي ارلتقم قلبه" ]رواه ابن أبي الدنيا‪ ،‬وأبو يعلى والبيهقي عن أنس‪،‬‬ ‫ا خن ر‬
‫كما فأي الترغيب والترهيب‪ .‬خطمه‪ :‬فأمه‪ .‬ج ‪ .2‬صا ‪ .[400‬لن القلب لإذا اعتاد‬
‫ض‪ .‬وأما لإذا اعتاد الذكر‪ ،‬وسسقري بأنواره‪،‬‬ ‫الوسوسة‪ ،‬والغفلة عن ذكر ا تعالى رملر ر‬
‫وسطعت عليه شمس تجليات ا تعالى حيلري وكان فأي عداد الحياء‪ ،‬يقول عليه‬
‫الصلة والسلم‪" :‬مثل الذي يذكر ربه‪ ،‬والذي ل يذكر رفبه مثل الحي والميت"‬
‫]رواه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب الدعوات عن أبي موسى الشعري رضي‬
‫ا عنه[‪.‬‬

‫فألإذا واظب المؤمن على ذكر ا تعالى‪ ،‬وكان مستقيما ا على شرعه متحليا ا بالتقوى‪،‬‬
‫مستأنسا ا بربه صار حياا بال‪ .‬ويقول القوم‪ :‬القلوب نوعان‪ :‬قلب ل يولد ولم يألن له‬
‫أن يولد‪ ،‬بل يظل جنينا ا فأي بطن الشهوات والغي والضلل‪ .‬وقلب سولد‪ ،‬وخرج لإلى‬
‫فأضاء التوحيد‪ ،‬وحفلق فأي سماء المعرفأة‪ ،‬وخلص من ظلمات النفس وشهواتها‬
‫واتباع هواها‪ ،‬فأقفرت عيسنه بال تعالى وأنارت جوانبرهس أشعةس اليقين‪ ،‬وجعلته مرآةا‬
‫شفافأة‪ ،‬ل سبيل للشيطان لإليه‪ ،‬ول سلطان له عليه‪ .‬وليس هذا ببعيد‪ ،‬فأالطاقة‬
‫الروحية قد انطلقت لإلى عالم الغيب‪ ،‬وصار صاحبها رحيفا ا بعد أن كان ميتاا‪ ،‬ومنوراا‬
‫بعد أن كان مظلماا‪ ،‬وملكيا ا بعد أن كان شيطانياا‪} :‬أررو رمرن كارن رمريتا ا فأأحرييناهس وجعلنا‬
‫س{ ]النعام‪.[122 :‬‬‫لهس نوراا يمشي بله فأي النا ل‬

‫ول شك أن تلك السرار الروحية‪ ،‬ل ستدرك بمجرد الكلم‪ ،‬فأمن ل نصيب له فأي‬
‫شيء منها ل يضره أن يكلها لإلى أربابها‪ ،‬وأن يعطي القوس باريها‪:‬‬

‫وللمحبلة أكبافد وأجفان‬ ‫فأللكثافألة أقوافم لها سخلقوا‬

‫وأدنى النصيب من هذا العلم التصديق به وتسليمه لهله‪ ،‬وأقل عقوبة رمرن ينكره أن‬
‫ل سيرزق منه شيئاا‪ .‬وهو علم الصديقين والمقربين ]وفأي اللحياء للغزالي بحث‬
‫مستفيض فأي الموضوع فألسيرجع لإليه[‪.‬‬

‫كرامات الوألياء‬

‫‪143‬‬
‫إثبات الكرامات ـ الحكمة من الكرامات ـ‬
‫الفرق بين الكرامة والستدراج ـ موقف الصحابة من الكرامات‬

‫كثر تساؤل الناس فأي هذا الزمان عن الكرامات ؛ هل هي ثابتة فأي الشرع ؟ هل‬
‫لها دليل من الكتاب والسنة ؟ ما هي الحكمة من لإجرائها على يد الولياء‬
‫والمتقين ؟ ‪ ..‬لإلخ‪ .‬وبما أن موجات الللحاد والمادية‪ ،‬وتيارات التشكيك والتضليل‬
‫قد كثرت فأي هذا الوقت‪ ،‬فأأثرت فأي عقول كثير من أبنائنا‪ ،‬وأضفلت العديد من‬
‫مثقفينا‪ ،‬وحملتهم على الوقوف من الكرامات موقف المنكر الجاحد‪ ،‬أو الشا ص‬
‫ك‬
‫المترصدد‪ ،‬أو المستغرب المتعجب نتيجة لضعف لإيمانهم بال وقدرته وقلة تصديقهم‬
‫بأوليائه وأحبابه‪.‬‬

‫فأل يسعنا لإل أن نعالج هذا الموضوع لإظهاراا للحق‪ ،‬ونصرة لشريعة ا تعالى‪.‬‬

‫لإثبات الكرامات‪:‬‬
‫لقد ثبتت كرامات الولياء فأي كتاب ا تعالى وفأي سنة رسوله صلى ا عليه‬
‫وسلم وفأي آثار الصحابة رضوان ا عليهم‪ ،‬ورمرن بعدهم لإلى يومنا هذا‪ ،‬وأقرها‬
‫جمهور العلمالء من أهل السنة والجماعة‪ ،‬من الفقهاء والمحصدثين والصوليين‬
‫ومشايخ الصوفأية‪ ،‬وتصانيسفهم ناطقة بذلك‪ ،‬كما ثبتت كذلك بالمشاهدة العيانية فأي‬
‫مختلف العصور اللسلمية‪ .‬فأهي ثابتة بالتواتر فأي المعنى‪ ،‬ولإن كانت التفاصيل‬
‫آحاداا ؛ ولم ينكرها لإل أهل البدع والنحراف ممن ضعف لإيمانهم بال تعالى‬
‫وبصفاته وأفأعاله ]قال العلمة اليافأعي رحمه ا تعالى‪) :‬والناس فأي لإنكار‬
‫الكرامات مختلفون‪ ،‬فأمنهم من ينكر كرامات الولياء مطلقاا‪ ،‬وهؤلء أهل مذهب‬
‫معروف‪ ،‬عن التوفأيق مصروف‪ .‬ومنهم من يكذب بكرامات أولياء زمانه ويصدق‬
‫بكرامات الولياء الذين ليسوا فأي زمانه كمعروف الكرخي واللمام الجنيد وسهل‬
‫التستري وأشباههم رضي ا عنهم‪ ،‬فأهؤلء كما قال أبو الحسن الشاذلي رضي ا‬
‫عنه‪ :‬وا ما هي لإل لإسرائيلية‪ ،‬صدقوا بموسى وكذبوا بمحمد صلى ا عليه وسلم‬
‫لنهم أدركوا زمنه‪ .‬ومنهم من يصدق بأن ل تعالى أولياء لهم كرامات ولكن ل‬
‫لمام اليافأعي صا ‪.[18‬‬ ‫يصدق بأحد معيفظن من أهل زمانه(‪ .‬روض الرياحين‪ ،‬ل ل‬

‫الدليل عليها من كتاب ا تعالى‪:‬‬


‫‪1‬ـ قصة أصحاب الكهف وبقائهم فأي النوم أحياء سالمين عن الفأات مدة ثلثمائة‬
‫طلررع ر‬
‫ت‬ ‫س إذا ر‬
‫وتسع سنين‪ ،‬وأنه تعالى كان يحفظهم من حر الشمس‪} :‬ورترى الشم ر‬
‫ت الشمالل{ ]الكهف‪.[17 :‬‬ ‫ضسهم ذا ر‬ ‫ت اليميلن وإذا رغرربر ر‬
‫ت تقلر س‬ ‫رتزاروسر عرن كهفللهم ذا ر‬

‫‪144‬‬
‫لإلى أن قال‪} :‬وتحرسبسسهم أيقاظا ر وهسرم سرقوفد وسنقلصبسسهم ذات اليمين وذات الشمال وكرلبسسهم‬
‫بالسطف ذراعيله بالوصيلد{ ]الكهف‪ .[18 :‬لإلى أن قال‪} :‬ولرلبثوا فأي ركرهفللهم ثلثمئظة‬
‫سنين وازدادوا تسعاا{ ]الكهف‪] [25 :‬قال اللمام فأخر الدين الرازي رحمه ا‬
‫تعالى فأي تفسيره الكبير عند قصة أصحاب الكهف‪) :‬احتج أصحابنا الصوفأية بهذه‬
‫الية على صحة القول بالكرامات وهو استدلل ظاهر‪ ،‬فأنقول‪ :‬الذي يدل على‬
‫جواز كرامات الولياء القرآن والخبار والثار والمعقول‪ (..‬انظره مفصلا فأي‬
‫التفسير الكبير للعلمة فأخر الدين الرازي ج ‪ 5‬صا ‪.[682‬‬

‫ب الجني فأي غير‬ ‫ط س‬‫‪2‬ـ هيز مريم جذرع النخلة اليابس‪ ،‬فأاخضفر وتساقط منه الير ر‬
‫طبا ا جنيراا{ ]مريم‪:‬‬
‫ك سر ر‬ ‫ك بجرذع النفرخلرلة ستساقل ر‬
‫ط علي ل‬ ‫أوانه‪ ،‬قال تعالى‪} :‬وهسصزي إلي ل‬
‫ل‬
‫‪.[25‬‬

‫‪3‬ـ ما قص ا علينا فأي القرآن‪ ،‬من أن زكريا عليه السلم كان كلما دخل على‬
‫مريم المحراب‪ ،‬وجد عندها رزقاا‪ ،‬وكان ل يدخل عليها أحد غيره عليه السلم‬
‫فأيقول‪ :‬يا مريم أفنى لك هذا ؟ تقول‪ :‬هو من عند ا‪ .‬قال ا تعالى‪} :‬كفلما درخرل‬
‫ت هرو لمرن عنلد‬ ‫ب رورجرد عنردها لررزقا ا قال يا مريسم أفنى ل ل‬
‫ك هذا قالر ر‬ ‫عليها زكريا المحرا ر‬
‫ا{ ]آل عمران‪.[37 :‬‬ ‫ل‬

‫‪4‬ـ قصة آصف بن برخيا مع سليمان عليه السلم على ما قاله جمهور المفسرين‬
‫ك بله قربرل أرن يرترفد إلي ر‬
‫ك‬ ‫فأي قوله تعالى‪} :‬قارل الذي لعرنردهس لعرلفم لمرن اللكتا ل‬
‫ب أنا آتي ر‬
‫ك{ ]النمل‪ .[40 :‬فأجاء بعرش بلقيس من اليمن لإلى فألسطين قبل ارتداد‬ ‫طرفأس ر‬
‫الطرف‪.‬‬

‫الدليل عليها من السنة الصحيحة‪:‬‬


‫ج العابد الذي كلمه الطفل فأي المهد‪ .‬وهو حديث صحيح أخرجاه فأي‬ ‫‪1‬ـ قصة سجررري ظ‬
‫الصحيحين ]عن أبي هريرة رضي ا عنه عن النبي صلى ا عليه وسلم قال‪:‬‬
‫"لم يتكلم فأي المهد لإل ثلثة‪ :‬عيسى‪ ،‬وكان فأي بني لإسرائيل رجل يقال له سجررريج‪،‬‬
‫كان يصلي فأجاءته أمه‪ ،‬فأدعرته‪ ،‬فأقال‪ :‬سأجيسبها أرو أصلي ؟ فأقالت‪ :‬اللهم ل تمرته حتى‬
‫تريه وجوه المومسات‪ .‬وكان جريج فأي صومعته فأتعررضت له امرأة وكلمته ؛‬
‫فأأبى‪ .‬فأأتت راعياا‪ ،‬فأأمكنته من نفسها‪ ،‬فأولدت غلماا‪ ،‬فأقالت‪ :‬من جريج‪ .‬فأأتوه‬
‫فأكسروا صومعته‪ ،‬وأنزلوه وسربوه‪ ،‬فأتوضأ وصرلى‪ ،‬ثم أتى الغلم ؛ فأقال‪ :‬رمن أبوك‬
‫يا غلم ؟ فأقال‪ :‬الراعي‪ .‬قالوا‪ :‬نبني صومعتك من ذهب ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬لإل من‬
‫طين‪.["..‬‬

‫‪145‬‬
‫‪2‬ـ قصة الغلم الذي تكلم في المهد ]وهذا تمام الحديث المذكور آنفاا‪ .." :‬وكانت‬
‫امرأة ترضع ابنا ا لها من بني لإسرائيل‪ ،‬فأمر بها رجل راكب ذو شارة‪ ،‬فأقالت‪ :‬اللهم‬
‫اجعل ابني مثله‪ ،‬فأترك ثديها وأقبل على الراكب‪ ،‬فأقال‪ :‬اللهم ل تجعلني مثله‪ ،‬ثم‬
‫أقبل على ثديها يمصه"‪ .‬قال أبو هريرة‪ :‬كأني أنظر لإلى النبي صلى ا عليه وسلم‬
‫يمص لإصبعه‪" .‬ثم مفر بأرمة‪ ،‬فأقالت‪ :‬اللهم ل تجعل ابني مثل هذه‪ ،‬فأترك ثديها‪،‬‬
‫فأقال‪ :‬اللهم اجعلني مثلها‪ .‬فأقالت‪ :‬للرم ذاك ؟ فأقال‪ :‬الراكب جبار من الجبابرة‪ ،‬وهذه‬
‫الرمة يقولون‪ :‬سرقت‪ ،‬زنت‪ ،‬ولم تفعل"‪ .‬رواه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب ذكر‬
‫بني لإسرائيل‪ ،‬واللفظ له‪ .‬ومسلم فأي كتاب بر الوالدين[‪.‬‬

‫ت عليهم‬ ‫‪3‬ـ قصة الثلثة الذين دخلوا الغار‪ ،‬وانفراج الصخرة عنهم بعد أن رسفد ر‬
‫الباب‪ .‬وهو حديث متفق عليه ]وعن أبي عبد الرحمن عبد ا بن عمر بن الخطاب‬
‫رضي ا عنهما قال‪ :‬سمعت رسول ا صلى ا عليه وسلم يقول‪" :‬انطلق ثلثة‬
‫رهط ممن كان قبلكم‪ ،‬حتى أووا المبيت لإلى غار‪ ،‬فأدخلوه‪ ،‬فأانحدرت صخرة من‬
‫الجبل‪ ،‬فأسدت عليهم الغار‪ ،‬فأقالوا‪ :‬لإنه ل ينجيكم من هذه الصخرة لإل أن تدعوا ا‬
‫بصالح أعمالكم‪ ،‬فأقال رجل منهم‪ :‬اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران‪ ،‬وكنت ل‬
‫ل‪ ،‬فأنأى بي فأي طلب شيء يوماا‪ ،‬فألم أرح عليهما حتى‬ ‫أغلبق قبلهما أهلا ول ما ا‬
‫ت لهما غسبوقهما‪ ،‬فأوجدتهما نائمين‪ ،‬فأكرهت أن أوقظهما وأن أغبق‬ ‫ناما‪ ،‬فأحلرب س‬
‫ق الفجر‪،‬‬ ‫ت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى بلر ر‬ ‫ل‪ ،‬فألبرث س‬
‫قبلهما أهلا أو ما ا‬
‫ت فأعلت ذلك ابتغاء وجهك فأرفرصرج عنا ما نحن‬ ‫فأاستيقظا‪ ،‬فأشربا غبوقهما‪ .‬اللهم لإن كن س‬
‫فأيه من هذه الصخرة‪ .‬فأانفرجت شيئاا ل يستطيعون الخروج"‪ .‬قال النبي صلى ا‬
‫ت عم‪ ،‬كانت أحب الناس لإلي‪،‬‬ ‫عليه وسلم‪" :‬وقال الخر‪ :‬اللهم لإنه كانت لي بن س‬
‫ت بها سنة من السنين فأجاءتني‪،‬‬ ‫فأأردتها على نفسها‪ ،‬فأامتنعت مني‪ :‬حتى ألفم ر‬
‫ت‪ ،‬حتى لإذا‬ ‫فأأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها‪ ،‬فأفعل ر‬
‫ت من الوقوع‬ ‫ض الخاتم لإل بحقه‪ ،‬فأتحفررج س‬ ‫ت عليها قالت‪ :‬ل أحل لك أن تف ف‬ ‫قدر س‬
‫ت عنها وهي أحب الناس لإلي‪ ،‬وتركت الذهب الذي أعطيتها‪ .‬اللهم‬ ‫عليها فأانصررفأ س‬
‫لإن كنت فأعلت ذلك ابتغاء وجهك فأافأررج عنا ما نحن فأيه‪ ،‬فأانفرجت الصخرة‪ ،‬غير‬
‫أنهم ل يستطيعون الخروج منها"‪ .‬قال النبي صلى ا عليه وسلم‪" :‬وقال الثالث‪:‬‬
‫ب‪،‬‬ ‫اللهم استأجرت أجراء‪ ،‬فأأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذه ر‬
‫ت أجرره‪ ،‬حتى كثرت منه الموال‪ ،‬فأجاءني بعد حين‪ ،‬فأقال‪ :‬يا عبد ا! أصد لإل ف‬
‫ي‬ ‫فأثفمر س‬
‫أجري‪ ،‬فأقلت له‪ :‬كيل ما ترى من أجرك من اللبل والبقر والغنم والرقيق فأقال‪ :‬يا‬
‫عبد ا‪ :‬ل تستهزىء بي‪ .‬فأقلت‪ :‬لإني ل أستهزىء بك‪ .‬فأأخذه كله‪ ،‬فأاستاقه‪ ،‬فألم‬
‫ت ذلك ابتغاء وجهك فأافأررج عنا ما نحن فأيه‪.‬‬ ‫يترك منه شيئاا‪ .‬اللهم فألإن كن س‬
‫ت فأعل س‬

‫‪146‬‬
‫فأانفرجت الصخرة‪ ،‬فأخرجوا يمشون"‪ .‬أخرجه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب‬
‫اللجارة واللفظ له‪ ،‬ومسلم فأي كتاب الذكر[‪.‬‬

‫‪4‬ـ قصة البقرة التي كلمت صاحبها‪ .‬وهو حديث صحيح مشهور ]روى سعيد بن‬
‫المسيب عن أبي هريرة رضي ا عنه عن النبي صلى ا عليه وسلم‪" :‬بينما‬
‫رجل راكب على بقرة قد حمل عليها‪ ،‬فأالتفتت لإليه البقرة فأقالت‪ :‬لإني لم سأخرلق لهذا‪،‬‬
‫ولإنما خلقت للحرث‪ ،‬فأقال الناس‪ :‬سبحان ا بقرة تتكلم! فأقال النبي صلى ا عليه‬
‫ت بهذا أنا وأبو بكر وعمر"‪ .‬رواه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب‬ ‫وسلم‪ :‬آمرن س‬
‫المزارعة‪ ،‬ومسلم فأي كتاب فأضائل الصحابة‪ ،‬والترمذي فأي كتاب المناقب[‪.‬‬

‫الدليل عليها من آثار الصحابة‪:‬‬


‫وقد نسلقل عنهم من الكرامات الشيء الكثير‪.‬‬

‫‪1‬ـ قصة أبي بكر رضي ا عنه مع أضيافأه فأي تكثير الطعام‪ ،‬حتى صار بعد‬
‫الكل أكثرر مما كان‪ .‬وهو حديث صحيح فأي البخاري ]أخرج البخاري‪ :‬أن أبا بكر‬
‫كان عنده أضياف‪ ،‬فأقدم لهم الطعام فألما أكلوا منه ربا من أسفله حتى لإذا شبعوا قال‬
‫لمرأته‪) :‬ياأخت بني فأراس ما هذا ؟ قالت‪ :‬وقرة عيني لهي ]تعني القصعة[ أكثر‬
‫منها قبل أن يأكلوا‪ ..‬لإلى آخر القصة[‪.‬‬

‫‪2‬ـ قصة عمر رضي ا عنه‪ ،‬وهو على منبر المدينة ينادي بقائده‪ :‬يا سارية‬
‫الجبل! وهو حديث حسن ]انظر الحديث صا ‪.[344‬‬

‫‪3‬ـ قصة عثمان رضي ا عنه مع الرجل الذي دخل عليه‪ ،‬فأأخبره عما أحدث فأي‬
‫طريقه من نظره لإلى المرأة الجنبية‪ .‬الحديث ]انظر الحديث صا ‪.[346‬‬

‫‪4‬ـ سماع علي بن أبي طالب رضي ا عنه كلرم الموتى‪ .‬كما أخرجه البيهقي‬
‫]أخرج البيهقي عن سعيد بن المسيب قال‪) :‬دخلنا مقابر المدينة مع علي رضي ا‬
‫عنه‪ ،‬فأنادى‪ :‬يا أهل القبور السلم عليكم ورحمة ا‪ ،‬تخبرونا بأخباركم أم‬
‫نخبركم ؟ قال‪ :‬فأسمعنا صوتاا‪ :‬وعليكم السلم ورحمة ا وبركاته يا أمير المؤمنين‬
‫خصبرنا عما كان بعدنا‪ .‬فأقال علي‪ :‬أما أزواجكم فأقد تزوجن‪ ،‬وأما أموالكم فأقد‬
‫اقستسمت‪ ،‬والولد قد سحلشروا فأي زمرة اليتامى‪ ،‬والبناء الذي شيردتم فأقد سكنه‬
‫أعداؤكم‪ ،‬فأهذه أخبار ما عندنا‪ ،‬فأما أخبار ما عندكم ؟ فأأجابه ميت‪ :‬قد تخفرقت‬
‫الكفان‪ ،‬وانتثرت الشعور‪ ،‬وتقطعت الجلورد‪ ،‬وسالت الحداق على الخدود‪ ،‬وسالت‬

‫‪147‬‬
‫المناخر بالقيح والصديد‪ ،‬وما قفدمناه وجدناه وما خفلفناه خسرناه‪ ،‬ونحن‬
‫سمرررتهنون([‪.‬‬

‫ت رلهرما‬‫‪5‬ـ قصة عفباد بن بشر وأسيد بن حضير رضي ا عنهما اللذرين أضاء ر‬
‫عصا أحدهما عندما خرجا من عند رسول ا صلى ا عليه وسلم فأي ليلة مظلمة‪.‬‬
‫وهو حديث صحيح أخرجه البخاري ]أخرج الحاكم فأي كتاب معرفأة الصحابة‬
‫وصححه والبيهقي وأبو نعيم وابن سعد‪ ،‬وهو فأي البخاري من غير تسمية‬
‫الرجلين‪" :‬أن أسيد بن حضير وعباد بن بشر رضي ا عنهما كانا عند رسول ا‬
‫صلى ا عليه وسلم فأي حاجة حتى ذهب من الليل ساعة‪ ،‬وهي ليلة شديدة الظلمة‪،‬‬
‫خرجا وبيد كل واحد منهما عصا فأأضاءت لهما عصا أحدهما فأمشيا فأي ضوئها‪،‬‬
‫حتى لإذا افأترقت بهما الطريق أضاءت للخر عصاه‪ ،‬فأمشى كل واحد منهما فأي‬
‫ضوء عصاه حتى بلغ أهله"[‪.‬‬

‫‪6‬ـ قصة خبيب رضي ا عنه فأي قطف العنب الذي سوجدفأي يده يأكله فأي غير‬
‫أوانه‪ .‬وهو حديث صحيح ]أخرج البخاري فأي صحيحه فأي باب غزوة الرجيع عن‬
‫أبي هريرة رضي ا عنه أن خبيبا ا كان أسيراا عند بني الحارث بمكة‪ ،‬فأي قصة‬
‫طويلة‪ ،‬وفأيها أن بنت الحارث كانت تقول‪) :‬ما رأيت أسيراا قط خيراا من خبيب‪،‬‬
‫لقد رأيته يأكل من قطف عنب‪ ،‬وما بمكة يومئذ ثمرة ولإنه لمورثق فأي الحديد‪ ،‬وما‬
‫كان لإل رزق رزقه ا([‪.‬‬

‫‪7‬ـ قصة سعد وسعيد رضي ا عنهما‪ ،‬وهي أن كلا منهما دعا على من كذب‬
‫عليه‪ ،‬فأاستجيب له‪ .‬أخرجه البخاري ومسلم ]الول منهما‪ :‬سعد بن أبي وقاصا‬
‫رضي ا عنه‪ ،‬فأقد أخرج الشيخان والبيهقي من طريق عبد الملك بن عمير عن‬
‫جابر رضي ا عنه قال‪ :‬شكا ناس من أهل الكوفأة سعد بن أبي وقاصا لإلى عمر‬
‫)فأبعث معه من يسأل عنه بالكوفأة‪ ،‬فألطيف به فأي مساجد الكوفأة‪ ،‬فألم سيقل له لإل خير‬
‫حتى انتهى لإلى مسجد‪ ،‬فأقال رجل يسردعى أبا سعدة‪ :‬أما لإذ أنشدتنا فألإن سعداا كان ل‬
‫يقسم بالسوية ول يسير بالسرية ول يعدل فأي القضية‪ ،‬فأقال سعد‪ :‬اللهم لإن كان‬
‫كاذبا ا فأأطرل عمره‪ ،‬وأطل فأقره وعرضه للفتن‪ ،‬قال ابن عمير‪ :‬فأرأيسته شيخا ا كبيراا‬
‫قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر وقد افأتقر يتعرض للجواري فأي الطريق‬
‫يغمزهن‪ ،‬فألإذا قيل له‪ :‬كيف أنت ؟ يقول‪ :‬شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد(‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬سعيد بن زيد رضي ا عنه‪ .‬فأقد أخرج مسلم فأي كتاب المساقاة عن‬
‫عروة بن الزبير رضي ا عنه‪) :‬أن أروى بنت أويس ادعت على سعيد بن زيد‬

‫‪148‬‬
‫أنه أخذ شيئا ا من أرضها فأخاصمته لإلى مروان بن الحكم‪ ،‬فأقال سعيد‪ :‬أنا كنت آخذ‬
‫من أرضها شيئا ا بعد الذي سمعسته من رسول ا صلى ا عليه وسلم ؟ قال‪ :‬وما‬
‫ت من رسول ا صلى ا عليه وسلم ؟ قال‪ :‬سمعت رسول ا صلى ا عليه‬ ‫سمع ر‬
‫وسلم يقول‪" :‬من أخذ شبراا من الرض ظلما ا طسصوقه لإلى سبع أرضين" فأقال له‬
‫مروان‪ :‬ل أسألك بريصنرةا بعد هذا‪ .‬فأقال‪ :‬اللهم لإن كانت كاذبة فأررعصم بصرها واقتلها فأي‬
‫أرضها‪ ،‬قال‪ :‬فأما ماتت حتى ذهب بصرها‪ ،‬ثم بينا هي تمشي فأي أرضها لإذ وقعت‬
‫فأي حفرة فأماتت([‪.‬‬

‫‪8‬ـ قصة عبور العلء بن الحضرمي رضي ا عنه البحر على فأرسه ونبع الماء‬
‫ت من العلء بن‬ ‫بدعائه‪ .‬أخرجه ابن سعد فأي الطبقات ]كان أبو هريرة يقول‪) :‬رأي س‬
‫الحضرمي ثلثةر أشياء ل أزال أحبه أبداا‪ ،‬رأيته قطع البحر على فأرسه يوم داريرن‪.‬‬
‫وقدم من المدينة يريد البحرين‪ ،‬فألما كانوا بالدهناء نفد ماؤهم‪ ،‬فأدعا ا فأنبع لهم من‬
‫تحت رملة‪ ،‬فأارتووا وارتحلوا‪ ،‬وأنسي رجل منهم بعض متاعه‪ ،‬فأرجع فأأخذه ولم‬
‫س مات ونحن‬ ‫ت معه من البحرين لإلى صف البصرة فألما كنا بلليا ظ‬ ‫يجد الماء‪ .‬وخرج س‬
‫على غير ماء‪ ،‬فأأبدى ا لنا سحابة فأسمطرنا فأغسلناه وحفرنا له بسيوفأنا ولم نسرللحرد له‪،‬‬
‫فأرجعنا لنسرللحرد له فألم نجد موضع قبره(‪ .‬الطبقات الكبرى لبن سعد‪ .‬ج ‪ .4‬صا‬
‫‪.[363‬‬

‫‪9‬ـ قصة خالد بن الوليد رضي ا عنه فأي شربه السم‪ .‬أخرجه البيهقي وأبو نعيم‬
‫والطبراني وابن سعد بلإسناد صحيح ]أخرج البيهقي وأبو نعيم عن أبي السفر قال‪:‬‬
‫نزل خالد بن الوليد الحيرة‪ ،‬فأقالوا له‪ :‬احذر السم ل تسقيكه العاجم فأقال‪ :‬ائتوني‬
‫به‪ ،‬فأأخذه بيده وقال‪ :‬بسم ا وشربه‪ ،‬فألم يضره شيئاا‪ .‬انظر تهذيب التهذيب لبن‬
‫حجر ج ‪ .3‬صا ‪.[125‬‬

‫‪10‬ـ لإضاءة أصابع حمزة السلمي رضي ا عنه فأي ليلة مظلمة‪ .‬أخرجه البخاري‬
‫فأي التاريخ ]أخرج البخاري فأي التاريخ عن حمزة السلمي رضي ا عنه قال‪:‬‬
‫)كنا مع النبي صلى ا عليه وسلم فأي سفر‪ ،‬فأتفرقنا فأي ليلة ظلماء‪ ،‬فأأضاءت‬
‫أصابعي حتى جمعوا ظهرهم وما هلك منهم ولإن أصابعي لتنير(‪ .‬انظر تهذيب‬
‫التهذيب ج ‪ .3‬صا ‪.[30‬‬

‫‪11‬ـ قصة أم أيمن وكيف عطشت فأي طريق هجرتها‪ ،‬فأنزل عليها دلو من السماء‬
‫فأشرب ر‬
‫ت‪ .‬رواه أبو نعيم فأي الحلية ]عن عثمان بن القاسم قال‪) :‬خرجت أم أيمن‬
‫مهاجرة لإلى رسول ا صلى ا عليه وسلم من مكة لإلى المدينة وهي ماشية ليس‬

‫‪149‬‬
‫معها زاد وهي صائمة فأي يوم شديد الحر‪ ،‬فأأصابها عطش شديد حتى كادت أن‬
‫تموت من شدة العطش‪ ،‬قال‪ :‬وهي بالروحاء أو قريبا ا منها‪ ،‬فألما غابت الشمس‬
‫قالت‪ :‬لإذا أنا بحفيف شيء فأوق رأسي‪ ،‬فأرفأع س‬
‫ت رأسي ؛ فألإذا أنا بدلو من السماء‬
‫مدفلى برشاء أبيض‪ ،‬قالت‪ :‬فأدنا مني حتى لإذا كان حيث أستمكن منه تناورلسته‬
‫فأشربت منه حتى رويت‪ ،‬قالت‪ :‬فألقد كنت بعد ذلك اليوم الحار أطوف فأي الشمس‬
‫ت بعدها‪ .‬أخرجه أبو نعيم فأي الحلية ج ‪ .2‬صا ‪.[67‬‬ ‫كي أعطش‪ ،‬وما عطرش س‬

‫‪12‬ـ سماع بعض الصحابة سورة الملك‪ ،‬من قبر بعد أن ضرب خباء فأوقه‪ .‬رواه‬
‫الترمذي ]عن ابن عباس رضي ا عنهما قال‪ :‬ضرب بعض أصحاب النبي صلى‬
‫ا عليه وسلم خباءه على قبر وهو ل يحسب أنه قبر‪ ،‬فألإذا فأيه لإنسان يقرأ سورة‬
‫}تبارك الذي بيده الملك{ حتى ختمها‪،‬فأأتى النبفي صلى ا عليه وسلم‪ .‬فأقال يا‬
‫رسول ا‪ :‬لإني ضربت خبائي على قبر وأنا ل أحسب أنه قبر‪ ،‬فألإذا فأيه لإنسان يقرأ‬
‫سورة تبارك الملك حتى ختمها‪ ،‬فأقال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬هي‬
‫المانعة‪ ،‬هي المنجية تنجيه من عذاب القبر"‪ .‬أخرجه الترمذي فأي كتاب فأضائل‬
‫القرآن‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن غريب[‪.‬‬

‫‪13‬ـ تسبيح القصعة التي أكل منها سلمان الفارسي وأبو الدرداء رضي ا عنهما‬
‫وسماعهما التسبيح‪ .‬رواه أبو نعيم ]أخرج البيهقي وأبو نعيم عن قيس قال‪) :‬بينما‬
‫أبو الدرداء وسلمان يأكلن من صحفة لإذا سفبح ر‬
‫ت وما فأيها([‪.‬‬

‫‪14‬ـ قصة سفينة رضي ا عنه مولى رسول ا صلى ا عليه وسلم مع السد‪.‬‬
‫أخرجه الحاكم فأي المستدرك وأبو نعيم فأي الحلية ]عن محمد بن المنكدر أن سفينة‬
‫ت سفينتي التي‬‫ت البحر فأانكسر ر‬‫مولى رسول ا صلى ا عليه وسلم قال‪) :‬ركب س‬
‫ت لوحاا من ألواحها‪ ،‬فأطرحني اللوح فأي أجمة فأيها السد‪ ،‬فأأقبل‬
‫كنت فأيها‪ ،‬فأركرب س‬
‫لإلفي يريدني‪ ،‬فأقلت‪ :‬يا أبا الحارث أنا مولى رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ ،‬فأطأطأ‬
‫رأسه وأقبل لإلفي‪ ،‬فأدفأعني بمنكبه حتى أخرجني من الجمة ووضعني على‬
‫الطريق‪ ،‬وهمهم فأظننت أنه يودعني‪ ،‬فأكان ذلك آخر عهدي به(‪ .‬أخرجه الحاكم فأي‬
‫المستدرك فأي كتاب معرفأة الصحابة ج ‪ .3‬صا ‪ ،606‬وقال‪ :‬صحيح على شرط‬
‫مسلم‪ .‬وأبو نعيم فأي الحلية ج ‪ .1‬صا ‪ 368‬وسفينة هو‪ :‬قيس بن فأروخ وكنيته أبو‬
‫عبد الرحمن‪ .‬ذكره ابن حجر فأي التهذيب ج ‪ .4‬صا ‪.[125‬‬

‫هذا غيض من فأيض‪ ،‬وقليل من كثير مما ورد عن كرامات صحابة رسول ا‬
‫صلى ا عليه وسلم‪ ،‬ثم توالى ورود الكرامات الكثيرة على يد الولياء فأي عهد‬

‫‪150‬‬
‫التابعين وتابعي التابعين لإلى يومنا هذا‪ ،‬مما يصعب عده‪ ،‬ويضيق حصره ]قال‬
‫العلمة التاج السبكي فأي الطبقات الكبرى‪ :‬للكرامة أنواع‪ :‬النوع الول لإحياء‬
‫الموتى‪2 .‬ـ كلم الموتى‪3 .‬ـ المشي على الماء‪4 .‬ـ انقلب العيان‪5 .‬ـ لإنزواء‬
‫الرض‪6 .‬ـ كلم الحيوانات والجمادات‪7 .‬ـ لإبراء العلل‪8 .‬ـ طاعة الحيوان‪9 .‬ـ‬
‫طي الزمان‪10 .‬ـ نشر الزمان‪11 .‬ـ لإمساك اللسان عن الكلم وانطلقه‪ ..‬لإلى أن‬
‫عد خمسة وعشرين نوعاا‪ .‬وذكر لكل نوع مثالا وحكاية جرت للعلماء ومشايخ‬
‫ل[‪ ،‬وقد ألف العلماء فأي ذلك مجلدات كثيرة‪،‬‬ ‫الصوفأية فأراجعه هناك تجده مفص ا‬
‫وصنف أكابر الئمة منهم مصنفات فأي لإثبات الكرامة للولياء‪ ،‬منهم‪ :‬فأخر الدين‬
‫الرازي وأبو بكر الباقلني‪ ،‬ولإمام الحرمين‪ ،‬وأبو بكر بن فأورك‪ ،‬وحجة اللسلم‬
‫الغزالي‪ ،‬وناصر الدين البيضاوي‪ ،‬وحافأظ الدين النسفي‪ ،‬وتاج الدين السبكي‪ ،‬وأبو‬
‫بكر الشعري‪ ،‬وأبو القاسم القشيري‪ ،‬والنووي‪ ،‬وعبد ا اليافأعي‪ ،‬ويوسف‬
‫النبهاني‪ ،‬وغيرهم من العلماء المحققين الذين ل يحصى عددهم‪ ،‬وصار ذلك علما ا‬
‫قويا ا يقينيا ا ثابتاا‪ ،‬ل تتطرق لإليه الشكوك أو الشبهات‪.‬‬

‫وقد يتساءل بعضهم‪ :‬لماذا كانت كرامات الصحابة على كثرتها أقل من كرامات‬
‫الولياء الذين جاؤوا بعد عصر الصحابة ؟!‪ ..‬ويجيب على ذلك تاج الدين السبكي‬
‫فأي الطبقات بقوله‪) :‬الجواب‪ :‬ما أجاب به اللمام الجليل أحمد بن حنبل رضي ا‬
‫عنه حين سئل عن ذلك‪ ،‬فأقال‪ :‬سأولئك كان لإيمانهم قوياا‪ ،‬فأما احتاجوا لإلى زيادة شيء‬
‫يقوون به‪ ،‬وغيرهم كان لإيمانهم ضعيفا ا لم يبلغوا لإيمان أولئك فأقووا بلإظهار‬
‫الكرامات لهم( ]جامع كرامات الولياء للشيخ يوسف النبهاني البيروتي ج ‪ .1‬صا‬
‫‪.[20‬‬

‫الحكمة من لإجراء الكرامات على يد الوألياء‪:‬‬


‫اقتضت حكمة ا تعالى أن يكرم أحبابه وأولياءه بأنواع من خوارق العادات‪،‬‬
‫تكريما ا لهم على لإيمانهم ولإخلصهم‪ ،‬وتأييداا لهم فأي جهادهم ونصرتهم لدين ا‪،‬‬
‫ولإظهاراا لقدرة ا تعالى‪ ،‬ليزداد الذين آمنوا لإيماناا‪ ،‬وبيانا ا للناس أن القوانين‬
‫الطبيعية والنواميس الكونية لإنما هي من صنع ا وتقديره‪ ،‬وأن السباب ل تؤثر‬
‫بذاتها ؛ بل ا تعالى يخلق النتائج عند السباب ل بها‪ ،‬كما هو مذهب أهل السنة‬
‫والجماعة‪.‬‬

‫وقد يقول معترض‪ :‬لإن تأييد الحق ونشر دين ا ل يكون بخوارق العادات‪ ،‬بل‬
‫يكون بلإقامة الدليل المنطقي والبرهان العقلي‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫فأنقول‪ :‬نعم لبد من نشر تعاليم اللسلم بتأييد العقل السليم والمنطق الصحيح‬
‫والحجة الدامغة‪ ،‬ولكن التعصب والعناد يدعوان لإلى أن تخرق العادات بالكرامات‬
‫كما اقتضت حكمة ا أن يؤيد أنبياءه ورسله بالمعجزات لإظهاراا لصدقهم‪ ،‬وتأييداا‬
‫لهم فأي دعوتهم‪ ،‬وحملا للعقول المتحجرة والقلوب المقفلة أن تخرج من جمودها‪،‬‬
‫وتتحرر من تعصبها‪ ،‬فأتفكر تفكيراا سليما ا مستقيما ا يوصلها لإلى الليمان الراسخ‪،‬‬
‫واليقين الجازم‪ .‬ومن هنا يظهر أن الكرامة والمعجزة تلتقيان فأي بعض اللحركم‬
‫والمقاصد‪ ،‬لإل أن الفارق بينهما أن المعجزة ل تكون لإل للنبياء عليهم السلم‪،‬‬
‫والكرامة ل تكون لإل للولياء‪ ،‬وكيل كرامة لولي معجزةف لنبي‪.‬‬

‫الفرق بين الكرامة وأالستدراج‪:‬‬


‫ل بد من التنبيه لإلى الفرق بين الكرامة والستدراج‪ ،‬وذلك لننا نشاهد بعض‬
‫لسلم تجري على يديهم خوارق العادات؛ مع أنهم مجاهرون‬ ‫الفسقة المنسوبين ل ل‬
‫بالمعصية‪ ،‬منحرفأون عن دين ا تعالى‪ .‬فأالكرامة ل تكون لإل على يد وليي‪ ،‬وهو‬
‫صاحب العقيدة الصحيحة‪ ،‬المواظب على الطاعات‪ ،‬المتجنب للمعاصي‪،‬‬
‫المعرض عن النهماك فأي اللذات والشهوات‪ ،‬وهو الذي قال ا تعالى فأيه‪} :‬أل‬
‫ف عليلهرم ول هسرم يحرزسنورن ‪ .‬الذيرن آمنوا وكاسنوا يفتقورن{ ]يونس‪:‬‬
‫إفن أولليارء ال ل خو ف‬
‫‪62‬ـ ‪ .[63‬وأما ما يجري على يد الزنادقة والفسقة من الخوارق كطعن الجسم‬
‫بالسيف وأكل النار والزجاج وغير ذلك‪ ،‬فأهو من قبيل الستدراج‪.‬‬

‫ثم لإن الولي ل يسكن لإلى الكرامة‪ ،‬ول يتفاخر بها على غيره‪ ،‬قال العلمة فأخر‬
‫الدين الرازي فأي تفسيره الكبير‪) :‬لإن صاحب الكرامة ل يستأنس بتلك الكرامة‪ ،‬بل‬
‫عند ظهور الكرامة يصير خوفأه من ا تعالى أشد‪ ،‬وحذره من قهر ا أقوى‪ ،‬فألإنه‬
‫يخاف أن يكون ذلك من باب الستدراج‪.‬‬
‫وأما صاحب الستدراج‪ ،‬فألإنه يستأنس بذلك الذي يظهر عليه‪ ،‬ويظن أنه لإنما وجد‬
‫تلك الكرامة لنه كان مستحقا ا لها‪ ،‬وحينئظذ يحتقر غيره‪ ،‬ويتكبر عليه‪ ،‬ويحصل له‬
‫أررمفن لمرن مركلر ا وعقابه‪ ،‬ول يخاف سوء العاقبة‪ ،‬فألإذا ظهر شيء من هذه الحوال‬
‫على صاحب الكرامة دل ذلك على أنها كانت استدراجا ا ل كرامة‪ ،‬فألهذا قال‬
‫المحققون‪ :‬أكثر ما اتفق من النقطاع عن حضرة ا لإنما وقع فأي مقام الكرامات‪،‬‬
‫فأل رجرررم أن ترى المحققين يخافأون من الكرامات‪ ،‬كما يخافأون من أنواع البلء‪،‬‬
‫والذي يدل على أن الستئناس بالكرامة قاطع عن الطريق وجوه( ثم ذكرها حتى‬
‫عفد لإحدى عشرة حجة‪ ،‬نذكر منها واحدة‪.‬‬

‫قال اللمام فأخر الدين الرازي رحمه ا تعالى‪) :‬إلفن من اعتقد فأي نفسه أنه صار‬

‫‪152‬‬
‫مستحقاا لكرامة بسبب عمله‪ ،‬حصل لعمله وقع عظيم فأي قلبه‪ ،‬ورمرن كان لعمله وقع‬
‫ل‪ ،‬ولو عرف ربه لعلم أن كل طاعات الخلق فأي جنب جلل ا‬ ‫عنده كان جاه ا‬
‫تقصير‪ ،‬وكل شكرهم فأي جنب آلئه ونعمائه قصور‪ ،‬وكيل معارفأهم وعلومهم فأي‬
‫مقابلة عزته حيرةف وجهفل‪ ،‬رأيت فأي بعض الكتب أنه قرأ المقرئِ فأي مجلس‬
‫صرعسد الركللسم الطفيص س‬
‫ب والرعرمسل الصالسح‬ ‫الستاذ أبي علي الدقاق قوله تعالى‪} :‬إليله ير ر‬
‫يرفأرسعسه{ ]فأاطر‪ .[10 :‬فأقال‪ :‬علمةس أن الحق رفأع عملك أن ل يرربقى عندك ]أي‬
‫عملك[ فألإن بقي عملك فأي نظرك فأهو مدفأوع‪ ،‬ولإن لم يبق معك فأهو مرفأوع(‬
‫]"تفسير الرازي" ج ‪ .5‬صا ‪.[692‬‬

‫وعلى هذا فألإننا حين نرى أحداا من الناس يأتي بخوارق العادات ل نستطيع أن‬
‫نحكم عليه بالولية‪ ،‬ول يمكن أن نعتبر عمله هذا كرامة حتى نرى سلوكه وتمسكه‬
‫بشريعة ا‪ .‬قال أبو يزيد رحمه ا تعالى‪) :‬لو أن رجلا بسط سمص ف‬
‫له على الماء‬
‫وتربفرع فأي الهواء فأل تغتيروا به حتى تنظروا كيف تجدونه فأي المر والنهي(‬
‫]"اللمع" للطوسي ص ‪[400‬هلل‪.‬‬

‫موقف الصوفية من الكرامات‪:‬‬


‫لإن بعض المنحرفأين عن الصوفأية يفدعي أن مقصد الصوفأية من سيرهم هو‬
‫الوصول لإلى الكرامات ]من بينهم عبد الرحمن الوكيل الذي دفأعه الحقد الدفأين‬
‫والخلق الذميم لإلى التهجم على السادة الصوفأية وتزييف كلمهم والدس عليهم‪،‬‬
‫ت على الصوفأية وجعلها فأي كتاب له[ وهم فأي هذا لإنما‬‫فأجمع الشياء التي سدفس ر‬
‫سيترجمون عما فأي نفوسهم من أمراض خبيثة وعلل دفأينة ؛ مع أننا نرى الصوفأية‬
‫يهتمون بتزكية النفس وتخليصها من صفاتها المذمومة كالرياء والنفاق‪ ،‬وتحليتها‬
‫بالصفات العالية‪ ،‬أن يكون سيره معهم بعيداا عن العلل والغايات‪ ،‬وأل يبتغي لإل‬
‫وجه ا تعالى ورضاه‪ .‬كما نراهم يستترون من الكرامة بعداا عن شبهة الرياء‪.‬‬

‫قال الشيخ أبو عبد ا القرشي رحمه ا تعالى‪) :‬من لم يكن كارها ا لظهور اليات‬
‫وخوارق العادات منه كراهية الخلق لظهور المعاصي فأهو فأي حقه حجاب‪،‬‬
‫وسترها عليه رحمة‪ ،‬فأإ لفن من خرق عوائد نفسه ل يريد ظهور شيء من اليات‬
‫وخوارق العادات له‪ ،‬بل تكون نفسه عنده أقل وأحقر من ذلك‪ ،‬فألإذا فأرنلري عن لإراداته‬
‫جملاة فأكان له تحقق فأي رؤية نفسه بعين الحقارة والذلة‪ ،‬حصلت له أهلية ورود‬
‫اللطاف‪ ،‬والتحقق بمراتب الصديقين( ]نور التحقيق لحامد صقر ص ‪[127‬هلل‪.‬‬

‫وقال علي الخواصا رحمه ا تعالى‪) :‬السكفمل يخافأون من وقوع الكرامات على‬

‫‪153‬‬
‫أيديهم‪ ،‬ويزدادون بها وجلا وخوفأا ا لحتمال أن تكون استدراجاا( ]اليواقيت‬
‫وأالجواهر لعبد الوهاب الشعراني ج ‪ 2‬ص ‪[113‬هلل‪.‬‬

‫ثم لإن الصوفأية يمنعون لإظهار الكرامة لإل لغرض صحيح ؛ كنصرة شريعة ا‬
‫أمام الكافأرين والمعاندين ]كما حدث مع الشيخ محي الدين بن عربي فأي قصته مع‬
‫الفيلسوف‪ ،‬وهو يرويها لنا بقوله‪) :‬حضر عندنا سنة ست وثمانين وخمسمائة‬
‫ف ينكر النبوة على الحد الذي يثبتها المسلمون‪ ،‬وينكر ما جاءت به النبياء‬ ‫فأيلسو ف‬
‫من خرق العوائد وأن الحقائق ل تتبدل‪ ،‬وكان زمن البرد والشتاء وبين أيدينا منقل‬
‫عظيم يشتعل ناراا‪ ،‬فأقال المنكر المكذب‪ :‬لإن العامة تقول‪ :‬لإن لإبراهيم عليه السلم‬
‫سألقي فأي النار فألم تحرقه‪ ،‬والنار محرقة بطبعها الجسوم القابلة للحتراق‪ ،‬ولإنما‬
‫كانت النار المذكورة فأي القرآن فأي قصة لإبراهيم عبارة عن غضب نمرود وحنقه‪،‬‬
‫فأهي نار الغضب‪ .‬فألما فأرغ من قوله قال له بعض الحاضرين ]أي الشيخ محي‬
‫الدين نفسه[‪ :‬فألإن أريتك أنا صدق ا فأي ظاهر ما قاله فأي النار أنها لم تحرق‬
‫لإبراهيم‪ ،‬وأن ا جعلها عليه ـ كما قال ـ برداا وسلماا‪ ،‬وأنا أقوم لك فأي هذا المقام‬
‫ب عنه ؟ فأقال المنكر‪ :‬هذا ل يكون‪ ،‬فأقال له‪ :‬أليست هذه النار‬ ‫مقام لإبراهيم فأي الذ ص‬
‫المحرقة ؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬فأقال‪ :‬تراها فأي نفسك‪ ،‬ثم ألقى النار التي فأي المنقل فأي لحرجر‬
‫ت على ثيابه مدة يقلبها المنكر بيده‪ ،‬فألما رآها لم تحرقه تعجب‪ ،‬ثم‬ ‫المنكر‪ ،‬وبقي ر‬
‫ب يدك أيضا ا منها‪ ،‬فأقفر ر‬
‫ب يده فأأحرقته‪ .‬فأقال له‪:‬‬ ‫ردها لإلى المنقل‪ ،‬ثم قال له‪ :‬قرر ر‬
‫هكذا كان المر‪ ،‬وهي مأمورة‪ ،‬تحرق بالمر وتترك اللحراق كذلك‪ ،‬وا تعالى‬
‫الفاعل لما يشاء‪ .‬فأأسلم ذلك المنلكسر واعترف(‪ .‬الباب الخامس والثمانون ومائة من‬
‫الفتوحات المكية ج ‪ .2‬صا ‪ [371‬وكلإبطال سحر الكافأرين والضالين أو الفسقة‬
‫المشعوذين الذين يريدون أن يضلوا الناس عن دينهم ويشككوهم فأي عقائدهم‬
‫ولإيمانهم ]ومن ذلك ما ذكره العلمة ابن حجر الهيثمي فأي الفتاوى الحديثية من أفن‬
‫صوفأيا ا ناظر برهمياا‪ ،‬والبراهمة قوم تظهر لهم خوارق لمزيد الرياضات‪ ،‬فأطار‬
‫البرهمي فأي الجو‪ ،‬فأارتفعت لإليه نعل الشيخ ولم تزل تضرب رأسه وتصفعه حتى‬
‫وقع على الرض منكوساا على رأسه بين يدي الشيخ والناس ينظرون‪ .‬انظر‬
‫الفتاوأى الحديثية لبن حجر ص ‪[222‬هلل‪ .‬أما لإظهارها بدون سبب مشروع فأهو‬
‫مذموم‪ ،‬لما فأيه من حظ النفس والمفاخرة والعجب‪.‬‬

‫قال الشيخ محي الدين رحمه ا تعالى‪) :‬ول يخفى أن الكرامة عند أكابر الرجال‬
‫معدودة من جملة رعونات النفس‪ ،‬لإل إلرن كانت لنصر دين أو جلب مصلحة‪ ،‬لن‬
‫ا تعالى هو الفاعل عندهم‪ ،‬ل هسرم‪ ،‬هذا مشهدهم‪ ،‬وليس وجه الخصوصية لإل‬
‫وقوع ذلك الفعل الخارق على يدهم دون غيرهم ؛ فألإذا أحيا كبشا ا مثلا أو دجاجة‬

‫‪154‬‬
‫فألإنما ذلك بقدرة ا ل بقدرتهم‪ ،‬ولإذا رجع المر لإلى القدرة فأل تعجب( ]الباب‬
‫الخامس وأالثمانون وأالمائة من الفتوحات المكية‪ .‬كذا في اليواقيت وأالجواهر‬
‫للشعراني ج ‪ .2‬ص ‪[117‬هلل‪.‬‬

‫ثم لإن الصوفأية يعتبرون أن أعظم الكرامات هي الستقامة على شرع ا تعالى‪.‬‬
‫قال أبو القاسم القشيري رحمه ا تعالى فأي رسالته‪) :‬واعلم أن من أجصل الكرامات‬
‫التي تكون للولياء دوام التوفأيق للطاعات‪ ،‬والحفظ من المعاصي والمخالفات(‬
‫]"الرسالة القشيرية" ص ‪[160‬هلل‪.‬‬

‫ت‬‫وسذكر عند سهل بن عبد ا التستري رحمه ا تعالى الكرامات فأقال‪) :‬وما اليا س‬
‫ت ؟! أشياء تنقضي لوقتها‪ ،‬ولكن أكبر الكرامات أرن ستبردرل سخسلقا ا مذموما ا‬ ‫وما الكراما س‬
‫من أخلق نفسك بسخلق محمود( ]"كتاب اللمع" للطوسي ص ‪[400‬هلل‪.‬‬
‫وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رحمه ا تعالى‪) :‬الكرامة الحقيقية لإنما هي‬
‫حصول الستقامة‪ ،‬والوصول لإلى كمالها‪ .‬ومرجعها أمران‪ :‬صحة الليمان بال عز‬
‫وجل‪ .‬واتباع ما جاء به رسول ا صلى ا عليه وسلم ظاهراا وباطنا ا ؛ فأالواجب‬
‫على العبد أن ل يحرصا إللر عليهما ول تكون له همة لإل فأي الوصول لإليهما‪ .‬وأما‬
‫ق بها من لم‬ ‫الكرامة بمعنى خرق العادة فأل عبرة بها عند المحققين‪ ،‬لإذ قد يسرررز س‬
‫تكتمل استقامته‪ ،‬وقد يسرررزق بها المستدررجون( وقال‪) :‬لإنما هي كرامتان جامعتان‬
‫محيطتان ؛ كرامة الليمان بمزيد الليقان وشهود العيان‪ ،‬وكرامة العمل على‬
‫القتداء والمتابعة ومجانبة الدعاوي والمخادعة‪ ،‬فأمن أعطيهما ثم جعل يشتاق لإلى‬
‫غيرهما فأهو عبد سمرفترظر كذاب‪ ،‬ليس ذا حظ فأي العلم والعمل بالصواب ؛ كمن سأكرم‬
‫بشهود الملك على نعت الرضا فأجعل يشتاق لإلى سياسة الدواب وخلع الرضا(‬
‫]نور التحقيق ص ‪[128‬هلل‪.‬‬

‫وقال الشيخ محي الدين بن عربي رحمه ا تعالى‪) :‬واعلم أن الكرامة على‬
‫ف العامةس لإل الحسية ؛ مثل الكلم على الخاطر‪،‬‬ ‫قسمين‪ :‬حسية ومعنوية‪ ،‬ول تعر س‬
‫واللخبار بالمغيبات الماضية والكائنة والتية‪ ،‬والخذ من الكون‪ ،‬والمشي على‬
‫الماء‪ ،‬واختراق الهواء‪ ،‬وطي الرض‪ ،‬والحتجاب عن البصار‪ ،‬ولإجابة الدعاء‬
‫فأي الحال‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬فأالعامة ل تعرف الكرامات لإل مثل هذا‪ .‬وأما الكرامة‬
‫المعنوية فأل يعرفأها لإل الخواصا من عباد ا تعالى‪ ،‬والعامة ل تعرف ذلك وهي‬
‫أن سيحفظ على العبد آداب الشريعة‪ ،‬وأن سيوففأق لفعل مكارم الخلق واجتناب‬
‫سفاسفها‪ ،‬والمحافأظة على أداء الواجبات مطلقا ا فأي أوقاتها والمسارعة لإلى‬
‫الخيرات‪ ،‬ولإزالة الغل والحقد من صدره للناس والحسد وسوء الظن‪ ،‬وطهارة‬

‫‪155‬‬
‫القلب من كل صفة مذمومة‪ ،‬وتحليته بالمراقبة مع النفاس‪ ،‬ومراعاة حقوق ا‬
‫تعالى فأي نفسه وفأي الشياء‪ ،‬وتفقد آثار ربه فأي قلبه‪ ،‬ومراعاة أنفاسه فأي دخولها‬
‫ت عليه وسيخرجها وعليه حلة الحضور مع ا‬ ‫وخروجها‪ ،‬فأيتلقاها بالدب لإذا ورد ر‬
‫تعالى‪ ،‬فأهذه كلها عندنا كرامات الولياء المعنوية التي ل يدخلها مكر ول‬
‫استدراج( ]الباب الرابع وأالثمانون وأمائة من الفتوحات المكية ج ‪ .2‬ص ‪[369‬هلل‪.‬‬

‫ثم لإن السادة الصوفأية ل يعتبرون ظهور الكرامات على يد الولي الصالح دليلا‬
‫على أفأضليته على غيره‪ .‬قال اللمام اليافأعي رحمه ا تعالى‪) :‬ل يلزم أن يكون‬
‫كيل رمرن له كرامة من الولياء أفأضرل من كل من ليس له كرامة منهم‪ ،‬بل قد يكون‬
‫بعض رمرن ليس له كرامة منهم أفأضل من بعض رمرن له كرامة‪ ،‬لن الكرامة قد‬
‫تكون لتقوية يقين صاحبها‪ ،‬ودليلا على صدقه وعلى فأضله ل على أفأضليته‪ ،‬ولإنما‬
‫الفأضلية تكون بقوة اليقين‪ ،‬وكمال المعرفأة بال تعالى( ]كتاب نشر المحاسن‬
‫الغالية لعبد ا اليافعي ص ‪[119‬هلل‪.‬‬

‫كما أن الصوفأية يعتبرون أن عدم ظهور الكرامة على يد الولي الصالح ليس دليلا‬
‫على عدم وليته‪.‬‬

‫قال اللمام القشيري رحمه ا تعالى فأي رسالته‪) :‬لو لم يكن للولي كرامة ظاهرة‬
‫عليه فأي الدنيا‪ ،‬لم يقدح عدمها فأي كونه ولياا( وقال شيخ اللسلم زكريا النصاري‬
‫فأي شرحه لرسالة القشيري عند هذا الكلم‪) :‬بل قد يكون أفأضل مفمرن ظهر له‬
‫كرامات‪ ،‬لن الفأضلية لإنما هي بزيادة اليقين ل بظهور الكرامة( ]الرسالة‬
‫القشيرية ص ‪[159‬هلل‪.‬‬

‫الباب الخامس‬
‫رتصحيح الفكار عن التصوف‬
‫‪1‬ـ بين الحقيقة والشريعة‬
‫‪2‬ـ الدس على العلوم اللسلمية أـ التفسير ‪ ,‬ب ـ الحديث ‪ ,‬جـ ـ التاريخ ‪ ,‬د ـ‬
‫التـصوف ‪.‬‬
‫‪3‬ـ تأويل كلم السادة الصوفأية ‪4‬ـ وحدة الوجود والحلول والتحاد‪.‬‬
‫‪5‬ـ بين الصوفأية وأدعياء التصوف ‪.‬‬
‫‪6‬ـ أعداء التصوف ‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫بين الحقيقة وأالشريعة‬
‫تمهيد وأتعريف‪:‬‬
‫لقد ورد فأي حديث جبريل المشهور الذي يرويه عمر بن الخطاب رضي ا عنه‬
‫تقسيسم الدين لإلى ثلثة أركان‪ ،‬بدليل قول الرسول صلى ا عليه وسلم لعمر‪" :‬فألإنه‬
‫جبريل أتاكم يعلسمسكرم ديرنكرم" ]أخرجه مسلم فأي صحيحه فأي كتاب الليمان‪ .‬واللمام‬
‫أحمد فأي مسنده فأي باب الليمان واللسلم واللحسان ج ‪ .1‬صا ‪.[64‬‬

‫‪1‬ـ فأركن اللسلم‪ :‬هو الجانب العملي ؛ من عبادات ومعاملت وسأمور تعبدية‪،‬‬
‫ومحله العضاء الظاهرة الجسمانية‪ .‬وقد اصطلح العلماء على تسميته بالشريعة‪،‬‬
‫واختص بدراسته السادة الفقهاء‪.‬‬

‫‪2‬ـ وركن الليمان‪ :‬وهو الجانب العتقادي القلبي ؛ من لإيمان بال‪ ،‬وملئكته‪،‬‬
‫وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم الخر‪ ،‬والقضاء والقدر‪ ..‬وقد اختص بدراسته السادة علماء‬
‫التوحيد‪.‬‬

‫‪3‬ـ وركن اللحسان‪ :‬وهو الجانب الروحي القلبي ؛ وهو أن تعبد ا كأنك تراه‪ ،‬فألإن‬
‫لم تكن تراه فألإنه يراك‪ ،‬وما ينتج عن ذلك من أحوال وأذواق وجدانية‪ ،‬ومقامات‬
‫عرفأانية‪ ،‬وعلوم وهبية‪ ،‬وقد اصطلح العلماء على تسميته بالحقيقة‪ ،‬واختص ببحثه‬
‫السادة الصوفأية‪.‬‬

‫ولتوضيح الصلة بين الشريعة والحقيقة نضرب لذلك مثلا الصلة‪ ،‬فأاللتيان‬
‫بحركاتها وأعمالها الظاهرة‪ ،‬والتزام أركانها وشروطها‪ ،‬وغير ذلك مما ذكره‬
‫علماء الفقه‪ ،‬يمثل جانب الشريعة‪ ،‬وهو جسد الصلة‪ .‬وحضور القلب مع ا تعالى‬
‫فأي الصلة يمثل جانب الحقيقة‪ ،‬وهو روح الصلة‪.‬‬

‫فأأعمال الصلة البدنية هي جسدها‪ ،‬والخشوع روحها‪ .‬وما فأائدة الجسد بل روح ؟!‬
‫وكما أن الروح تحتاج لإلى جسد تقوم فأيه‪ ،‬فأكذلك الجسد يحتاج لإلى روح يقوم بها‪،‬‬
‫ولهذا قال ا تعالى‪} :‬أقيسموا الصلةر وآتوا الزكارة{ ]البقرة‪ .[110 :‬ول تكون‬
‫اللقامة لإل بجسد وروح‪ ،‬ولذا لم يقل‪ :‬أوجدوا الصلة‪.‬‬

‫ومن هذا ندرك التلزم الوثيق بين الشريعة والحقيقة كتلزم الروح والجسد‪.‬‬
‫والمؤمن الكامل هو الذي يجمع بين الشريعة والحقيقة‪ ،‬وهذا هو توجيه الصوفأية‬

‫‪157‬‬
‫للناس‪ ،‬مقتفين بذلك أثر الرسول عليه الصلة والسلم وأصحابه الكرام‪.‬‬

‫وللوصول لإلى هذا المقام الرفأيع‪ ،‬والليمان الكامل‪ ،‬لبد من سلوك الطريقة‪ ،‬وهي‬
‫مجاهدة النفس‪ ،‬وتصعيد صفاتها الناقصة لإلى صفات كاملة‪ ،‬والترقي فأي مقامات‬
‫الكمال بصحبة المرشدين‪ ،‬فأهي الجسر الموصل من الشريعة لإلى الحقيقة‪.‬‬

‫قال السيد رحمه ا تعالى فأي تعريفاته‪) :‬الطريقة هي السيرة المختصة بالسالكين‬
‫لإلى ا تعالى‪ ،‬من قطع المنازل والترقي فأي المقامات( ]تعريفات السيد صا ‪.[94‬‬

‫فأالشريعة هي الساس‪ ،‬والطريقة هي الوسيلة‪ ،‬والحقيقة هي الثمرة وهذه الشياء‬


‫الثلثة متكاملة منسجمة‪ ،‬فأررمرن تمفسك بالولى منها سلك الثانية فأوصل لإلى الثالثة‪،‬‬
‫وليس بينها تعارض ول تناقض‪ .‬ولذلك يقول الصوفأية فأي قواعدهم المشهورة‪:‬‬
‫)كل حقيقة خالفت الشريعة فأهي زندقة(‪ .‬وكيف تخالف الحقيقةس الشريعةر وهي لإنما‬
‫نتجت من تطبيقها‪.‬‬

‫يقول لإمام الصوفأية أحمد زروق رحمه ا تعالى‪) :‬ل تصوف لإل بفقه‪ ،‬لإذ ل‬
‫تعرف أحكام ا الظاهرة لإل منه‪ .‬ول فأقه لإل بتصوف‪ ،‬لإذ ل عمل لإل بصدق‬
‫وتوجه ل تعالى‪ .‬ول هما ]التصوف والفقه[ لإل بلإيمان‪ ،‬لإذ ل يصح واحد منهما‬
‫دونه‪ .‬فألزم الجميع لتلزمها فأي الحكم‪ ،‬كتلزم الجسام للرواح‪ ،‬ول وجود لها لإل‬
‫فأيها‪ ،‬كما ل حياة لها لإل بها‪ ،‬فأافأهم( ]"قواعد التصوف" للشيخ أحمد زروق قاعدة‬
‫‪ .3‬صا ‪.[3‬‬

‫ويقول اللمام مالك رحمه ا تعالى‪) :‬رمرن تصوف ولم يتفقه فأقد تزندق‪ ،‬ومن تفقه‬
‫ولم يتصوف فأقد تفسق‪ ،‬ومن جمع بينهما فأقد تحقق( ]"شرح عين العلم وزين‬
‫لمام سمل علي القاري ج ‪ .1‬صا ‪.[33‬‬‫الحلم" ل ل‬

‫تزندق الول لنه نظر لإلى الحقيقة مجردة عن الشريعة‪ ،‬فأقال بالجبر وأن اللنسان‬
‫ل خيار له فأي أمر من المور‪ ،‬فأهو يتمثل قول القائل‪:‬‬

‫ألقاهس فأي اليصم مكتوفأا ا وقال له لإياك لإياك أرن تبتفل بالمالء‬
‫طل بذلك أحكام الشريعة والعمل بها‪ ،‬وأبطل حكمتها والنظر لإليها‪.‬‬ ‫فأع ف‬

‫وتففسق الثاني لنه لم يدخل قلبه نوسر التقوى‪ ،‬وسسر اللخلصا وواعظ المراقبة‪،‬‬

‫‪158‬‬
‫وطريقة المحاسبة‪ ،‬حتى يحجب عن المعصية‪ ،‬ويتمسك بأهداب السنة‪.‬‬

‫وتحقق الثالث لنه جمع كل أركان الدين‪ :‬الليمان‪ ،‬واللسلم‪ ،‬واللحسان‪ ،‬التي‬
‫اجتمعت فأي حديث جبريل عليه السلم‪.‬‬

‫وكما حفظ علماء الظاهر حدود الشريعة‪ ،‬كذلك حفظ علماء التصوف آدابها‬
‫وروحها‪ ،‬وكما أبيح لعلماء الظاهر الجتهاد فأي استنباط الدلة واستخراج الحدود‬
‫والفروع‪ ،‬والحكم بالتحليل والتحريم على ما لم يرلررد فأيه نص‪ ،‬فأكذلك للعارفأين أن‬
‫يستنبطوا آداباا ومناهج لتربية المريدين وتهذيب السالكين‪.‬‬

‫ولقد تحقق السلف الصالح والصوفأية الصادقون بالعبودية الحقة واللسلم‬


‫الصحيح‪ ،‬لإذ جمعوا بين الشريعة والطريقة والحقيقة‪ ،‬فأكانوا متشصرعين متحققين‪،‬‬
‫يهدون الناس لإلى الصراط المستقيم‪.‬‬

‫فأالدين لإن خل من حقيقته جففت أصوسله‪ ،‬وذوت أغصانه‪ ،‬وفأسدت ثمرته‪.‬‬

‫مناقشة المتحاملين على الصوفية‪:‬‬


‫أما هؤلء المعترضون على السادة الصوفأية‪:‬‬
‫ـ لإن كانوا ينكرون هذا التقسيم لإلى ]شريعة‪ ،‬وطريقة‪ ،‬وحقيقة[ على النحو الذي‬
‫بفيناه آنفاا‪ ،‬فأهم لشك يريدون بذلك أن يفصلوا روح اللسلم عن جسده‪ ،‬وأن يهدموا‬
‫ركنا ا هاماا من أركان الدين الثلثة الموضحة فأي حديث جبريل عليه السلم‪،‬‬
‫ويخالفوا علماء اللسلم وكبار فأقهائه‪.‬‬

‫يقول ابن عابدين رحمه ا تعالى فأي حاشيته المشهورة )بلررصد المحتار(‪) :‬الطريقة‪:‬‬
‫هي السيرة المختصة بالسالكين من قطع المنازل‪ ،‬والترقي فأي المقامات(‪ .‬ويقول‬
‫فأي الصفحة التي تليها‪) :‬فأالحقيقة‪ :‬هي مشاهدة الربوبية بالقلب‪ ،‬ويقال‪ :‬هي سر‬
‫معنوي ل حفد له ول جهة‪ .‬وهي والطريقة والشريعة متلزمة‪ ،‬لن الطريق لإلى ا‬
‫تعالى لها ظاهر وباطن‪ ،‬فأظاهرها الشريعة والطريقة‪ ،‬وباطنها الحقيقة‪ .‬فأبطون‬
‫الحقيقة فأي الشريعة والطريقة‪ ،‬كبطون الزربد فأي لبنه‪ ،‬ل سيظفر من اللبن بزبده‬

‫‪159‬‬
‫بدون مخ ر‬
‫ضه‪ ،‬والمراد من الثلثة ]الشريعة‪ ،‬والطريقة‪ ،‬والحقيقة[ لإقامة العبودية‬
‫على الوجه المراد من العبد( ]حاشية ابن عابدين ج ‪ .3‬صا ‪.[303‬‬

‫ويقول الشيخ عبد ا اليافأعي رحمه ا تعالى‪) :‬لإن الحقيقة هي مشاهدة أسرار‬
‫الربوبية‪ .‬ولها طريقة هي عزائم الشريعة‪ ،‬فأمن سلك الطريقة وصل لإلى الحقيقة‪.‬‬
‫فأالحقيقة نهاية عزائم الشريعة‪ .‬ونهاية الشيء غير مخالفة له‪ ،‬فأالحقيقة غير مخالفة‬
‫لعزائم الشريعة( ]نشر المحاسن الغالية ج ‪ .1‬صا ‪.[154‬‬

‫وقال صاحب كشف الظنون فأي حديثه عن علم التصوف‪) :‬ويقال‪ :‬علم التصوف‬
‫علم الحقيقة أيضاا‪ ،‬وهو علم الطريقة‪ ،‬أي تزكية النفس عن الخلق الردية‪،‬‬
‫وتصفية القلب عن الغراض الفدنية‪ .‬وعلم الشريعة بل علم الحقيقة عاطل‪ ،‬وعلم‬
‫الحقيقة بل علم الشريعة باطل‪.‬‬

‫علم الشريعة وما يتعلق بلإصلح الظاهر بمنزلة العلم بلوازم الحج‪ .‬وعلم الطريقة‬
‫وما يتعلق بلإصلح الباطن بمنزلة العلم بالمنازل‪ ،‬وعقبات الطريق‪ .‬فأكما أن مجرد‬
‫علم اللوازم‪ ،‬ومجرد علم المنازل ل يكفيان فأي الحج الصوري بدون لإعداد اللوازم‬
‫وسلوك المنازل‪ ،‬كذلك مجرد العلم بأحكام الشريعة وآداب الطريقة ل يكفيان فأي‬
‫الحج المعنوي‪ ،‬بدون العمل بموجبيهما( ]كشف الظنون عن أسامي الكتب‬
‫والفنون‪ ،‬لحاجي خليفة ج ‪ .1‬صا ‪.[413‬‬
‫ـ ولإن كان المعترضون يقررون فأكرة التقسيم السالفة الذكر‪ ،‬ولكنهم ينكرون هذه‬
‫التسمية‪] :‬الشريعة‪ ،‬والطريقة‪ ،‬والحقيقة[‪.‬‬

‫نقول لهم‪ :‬هذا تعبير درج عليه العلماء‪ ،‬وجرى عليه الفقهاء كما بفينا وهو‬
‫اصطلح‪ ،‬ول مشاحة فأي الصطلحات‪.‬‬

‫ـ ولإن كانوا يقرون التقسيم والتسمية‪ ،‬ولكنهم ينكرون على الصوفأية أحوالهم‬
‫القلبية‪ ،‬وأذواقهم الوجدانية‪ ،‬وعلومهم الوهبية‪.‬‬

‫نقول لهم‪ :‬لإن هذه أمور يكرم ا تعالى بها عباده المخلصين‪ ،‬وأحبابه الصادقين‪،‬‬
‫ول حجر على القدرة الللهية‪.‬‬

‫لإنما هي أذواق ومفاهيم‪ ،‬وكشوفأات وفأتوحات‪ ،‬منحهم ا لإياها‪ ،‬فأقد ثبت عن‬
‫رسول ا صلى ا عليه وسلم أنه قال‪" :‬العلم علمان‪ :‬علم فأي القلب‪ ،‬وفأي رواية‪:‬‬

‫‪160‬‬
‫علم ثابت فأي القلب‪ ،‬فأذلك العلم النافأع‪ .‬وعلم على اللسان‪ ،‬فأذلك حجة ا على‬
‫خلقه" ]رواه الحافأظ أبو بكر الخطيب فأي تاريخه بلإسناد حسن‪ ،‬ورواه ابن عبد البر‬
‫النمري فأي كتاب العلم عن الحسن مرسلا بلإسناد صحيح كما فأي الترغيب‬
‫والترهيب ج ‪ .1‬صا ‪.[67‬‬

‫ويدل على ذلك حديث معاذ بن جبل رضي ا عنه‪ ،‬فأقد أخرج أبو نعيم فأي الحلية‬
‫عن أنس بن مالك رضي ا عنه أن معاذ بن جبل دخل على رسول ا صلى ا‬
‫ت مؤمنا ا بال تعالى‪ .‬قال‪:‬‬
‫ت يا معاذ ؟"‪.‬قال‪ :‬أصبح س‬
‫عليه وسلم فأقال‪" :‬كيف أصبح ر‬
‫"لإن لكل قول مصداقاا‪ ،‬ولكل حق حقيقة‪ ،‬فأما مصداق ما تقول ؟"‪ .‬قال‪ :‬يا نبي ا!‬
‫ما أصبحت صباحا ا قط لإل ظننت أني ل أمسي‪ ،‬وما أمسيت مساء قط لإل ظننت‬
‫أني ل أصبح‪ ،‬ول خطوت خطوة لإل ظننت أني ل أتبعها أخرى‪ ،‬وكأني أنظر لإلى‬
‫كل أمة جاثية تدعى لإلى كتابها‪ ،‬معها نبيها وأوثانها التي كانت تعبد من دون ا‬
‫وكأني أنظر لإلى عقوبة أهل النار‪ ،‬وثواب أهل الجنة‪ .‬قال‪" :‬عرفأت فأالزم"‬
‫]أخرجه أبو نعيم فأي الحلية ج ‪ .1‬صا ‪.[242‬‬

‫فألم يصل الصالحون لإلى هذه الكشوفأات والمعارف لإل بتمسكهم بالكتاب والسنة‪،‬‬
‫واقتفائهم أثر الرسول العظم وأصحابه الكرام‪ ،‬ومجاهدتهم لنفسهم‪ ،‬من صيام‬
‫وقيام‪ ،‬وزهدهم فأي هذه الدنيا الفانية‪ ،‬كما أكرم ا معاذاا رضي ا عنه بهذا‬
‫الكشف الذي أقره عليه رسول ا صلى ا عليه وسلم بقوله‪" :‬عرفأ ر‬
‫ت فأالزم"‪.‬‬

‫وهذا اللمام الشعراني رحمه ا تعالى يتحدث عن لإكرام ا تعالى للصوفأية الذين‬
‫ساروا على نهج رسول ا صلى ا عليه وسلم وأصحابه من أمثال معاذ رضي‬
‫ا عنه فأيقول‪:‬‬

‫)اعلم يا أخي أن علم التصوف عبارة عن علم انقدح فأي قلوب الولياء حين‬
‫استنارت بالعمل بالكتاب والسنة‪ ،‬فأكل من عمل بهما انقدح له من ذلك علوم وآداب‬
‫وأسرار وحقائق‪ ،‬تعجز اللسنة عنها‪ ،‬نظير ما انقدح لعلماء الشريعة من أحكام‪،‬‬
‫حين عملوا بما علموه من أحكامها( ]"التصوف اللسلمي واللمام الشعراني لطه‬
‫عبد الباقي سرور صا ‪.[70‬‬

‫وقد كان علماء السلف الصالح رضي ا عنهم يعملون بكل ما يعلمون على وجه‬
‫اللخلصا ل تعالى‪ ،‬فأاستنارت قلوبهم‪ ،‬وخلصت من العلل القادحة أعمالهم‪ ،‬فألما‬
‫ذهبوا وخلف من بعدهم أقوام ل يعتنون باللخلصا فأي علمهم ول فأي عملهم‬

‫‪161‬‬
‫أظلمت قلوبهم‪ ،‬وسحجبت عن أحوال القوم فأأنكروها‪.‬‬

‫وهناك مغرضون يتحاملون على الصوفأية مستشهدين بكلم ابن تيمية وغيره‪،‬‬
‫ويتهمونهم زوراا وبهتاناا‪ ،‬بأنهم يهتمون بالحقيقة فأقط‪ ،‬ويهملون جانب الشريعة‪،‬‬
‫وأنهم يعتمدون على كشفهم ومفاهيمهم ولو خالفت الشريعة‪ ،‬فأهذا كله افأتراء باطل‪،‬‬
‫يشهد على بطلنه كلم ابن تيمية نفسه‪ .‬فأقد تحدث ابن تيمية رحمه ا تعالى عن‬
‫تمسك السادة الصوفأية بالكتاب والسنة فأي قسم علم السلوك من فأتاواه فأقال‪:‬‬
‫)والشيخ عبد القادر ]الجيلني رحمه ا تعالى[ ونحوه من أعظم مشائخ زمانهم‬
‫أمراا بالتزام الشرع والمر والنهي وتقديمه على الذوق والقدر‪ ،‬ومن أعظم‬
‫المشائخ أمراا بترك الهوى واللرادة النفسية‪ ،‬فألإن الخطأ فأي اللرادة من حيث هي‬
‫لإرادة لإنما تقع من هذه الجهة‪ ،‬فأهو يأمر السالك أن ل تكون له لإرادة من جهته هو‬
‫ب عز وجل ؛ لإما لإرادة شرعية لإن تبين له ذلك‪ ،‬ولإل‬‫أصلا ؛ بل يريد ما يريد الر ي‬
‫جرى مع اللرادة القدرية‪ ،‬فأهو لإما مع أمر الرب ولإما مع خلقه‪ .‬وهو سبحانه له‬
‫الخلق والمر‪ .‬وهذه طريقة شرعية صحيحة(]مجموع فأتاوى أحمد بن تيمية ج‬
‫‪ .10‬صا ‪488‬ـ ‪.[489‬‬

‫وقال أيضاا‪) :‬فأأما المستقيمون من السالكين كجمهور مشائخ السلف مثل الفضيل بن‬
‫عياض‪ ،‬ولإبراهيم بن أدهم‪ ،‬وأبي سليمان الداراني‪ ،‬ومعروف الكرخي‪ ،‬والسري‬
‫السقطي‪ ،‬والجنيد بن محمد‪ ،‬وغيرهم من المتقدمين‪ ،‬ومثل الشيخ عبد القادر‬
‫]الجيلني[‪ ،‬والشيخ حماد‪ ،‬والشيخ أبي البيان‪ ،‬وغيرهم من المتأخرين‪ ،‬فأهم ل‬
‫يسصوغون للسالك ولو طار فأي الهواء‪ ،‬أو مشى على الماء‪ ،‬أن يخرج عن المر‬
‫والنهي الشرعيين‪ ،‬بل عليه أن يفعل المأمور‪ ،‬ويدع المحظور لإلى أن يموت‪ .‬وهذا‬
‫هو الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة ولإجماع السلف وهذا كثير فأي كلمهم(‬
‫]"مجموع فأتاوى أحمد بن تيمية" ج ‪ .10‬صا ‪516‬ـ ‪.[517‬‬

‫وهذه نبذة يسيرة من أقوال أئمة السادة الصوفأية وتوجيهاتهم تشهد على‪:‬‬

‫تمسكهم بالكتاب وأالسنة‪:‬‬


‫قال الشيخ عبد القادر الجيلني رحمه ا تعالى‪) :‬كل حقيقة ل تشهد لها الشريعة‬
‫فأهي زندقة‪ .‬لطرر لإلى الحق عز وجل بجناحي الكتاب والسنة‪ ،‬ادخل عليه ويدك فأي‬
‫يد الرسول صلى ا عليه وسلم( ]"الفتح الرباني" للشيخ عبد القادري الجيلني‬
‫ص ‪[29‬هلل‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫وقال منكراا على من يعتقد أن التكاليف الشرعية تسقط عن السالك فأي حال من‬
‫الحوال‪) :‬ترك العبادات المفروضة زندقة‪ .‬وارتكاب المحظورات معصية‪ ،‬ل‬
‫تسقط الفرائض عن أحد فأي حال من الحوال( ]"الفتح الرباني" للشيخ عبد‬
‫القادري الجيلني ص ‪[29‬هلل‪.‬‬

‫ويقول سهل التستري رحمه ا تعالى‪) :‬أصولنا سبعة أشياء‪ :‬التمسك بكتاب ا‬
‫ف الذى‪،‬‬
‫تعالى‪ ،‬والقتداء بسنة رسوله صلى ا عليه وسلم‪ ،‬وأكل الحلل‪ ،‬وك ل‬
‫واجتناب الثام‪ ،‬والتوبة‪ ،‬وأداء الحقوق( ]"طبقات الصوفأية" للسلمي صا ‪.[210‬‬

‫وكان الشيخ أبو الحسن الشاذلي رحمه ا تعالى يقول‪) :‬لإذا عارض كشسفك‬
‫ب والسنة فأاعمل بالكتاب والسنة ودع الكشف‪ ،‬وقل لنفسك‪ :‬لإن ا‬
‫الصحيح الكتا ر‬
‫تعالى ضمن لي العصمة فأي الكتاب والسنة‪ ،‬ولم يضمنها لي فأي جانب الكشف‬
‫والللهام( ]"لإيقاظ الهمم" ج ‪ .2‬صا ‪302‬ـ ‪.[303‬‬

‫وقال أبو سعيد الخراز رحمه ا تعالى‪) :‬كيل باطظن يخالفه ظاهفر فأهو باطفل(‬
‫]"الرسالة القشيرية" ص ‪[27‬هلل‪.‬‬

‫وقال أبو الحسين الوراق رحمه ا تعالى‪) :‬ل يصل العبد لإلى ا لإل بال‪،‬‬
‫وبموافأقة حبيبه صلى ا عليه وسلم فأي شرائعه‪ ،‬ورمرن جعل الطريق لإلى الوصول‬
‫فأي غير القتداء يضل من حيث يظن أنه مهتد( ]"طبقات الصوفية" للسلمي ص‬
‫‪[300‬هلل‪.‬‬

‫وقال الشيخ عبد الوهاب الشعراني رحمه ا تعالى‪) :‬لإن طريق القوم محررة على‬
‫الكتاب والسنة كتحرير الذهب والجوهر‪ ،‬فأيحتاج سالكها لإلى ميزان شرعي فأي كل‬
‫حركة وسكون( ]"لطائف المنن والخلق" للشعراني ج ‪ .1‬صا ‪.[2‬‬

‫وقال أيضاا‪) :‬لإن حقيقة طريق القوم علم وعمل‪ ،‬سداها ولحمتها شريعة‪ ،‬وحقيقة‪،‬‬
‫ل أحدهما فأقط( ]"لطائف المنن والخلق" للشعراني ج ‪ 1‬صا ‪.[25‬‬

‫وقال الشعراني أيضاا‪) :‬فأررمرن دفقق النظر رعللرم أنه ل يخرج شيء من علوم أهل ا‬
‫تعالى عن الشريعة‪ .‬وكيف يخرج والشريعة صلتهم لإلى ا عز وجل فأي كل‬
‫لحظة( ]"التصوف اللسلمي واللمام الشعراني" لطه عبد الباقي سرور صا ‪.[71‬‬

‫‪163‬‬
‫وسئل أبو يزيد البسطامي رحمه ا تعالى عن الصوفأي فأقال‪) :‬هو الذي يأخذ كتاب‬
‫ا بيمينه وسنة رسوله بشماله‪ ،‬وينظر بلإحدى عينيه لإلى الجنة‪ ،‬وبالخرى لإلى‬
‫النار‪ ،‬ويأتزر بالدنيا‪ ،‬ويرتدي بالخرة‪ ،‬ويلبي من بينهما للمولى‪ :‬لبيك اللهم لبيك(‬
‫]"شطحات الصوفأية" لعبد الرحمن البدوي صا ‪.[96‬‬

‫ومن جملة توجيه أبي يزيد رحمه ا تعالى‪) :‬عشرة أشياء فأريضة على البدن‪:‬‬
‫أداء الفرائض‪ ،‬واجتناب المحارم‪ ،‬والتواضع ل‪ ،‬وكف الذى عن اللخوان‪،‬‬
‫والنصيحة للبرصر والفاجر‪ ،‬وطلب مرضاة ا فأي جميع أموره‪ ،‬وطلب المغفرة‪،‬‬
‫ي والمجادلةس من ظهور الجفا‪ ،‬وأن يكون وصي نفسه‬‫وترك الغضب‪ ،‬والكبسر والبغ س‬
‫يتهيأ س للموت( ]"شطحات الصوفأية" صا ‪.[103‬‬

‫ومع كل هذا نجد الحاقدين على التصوف لإذا سمعوا بشيء من أخلق القوم قالوا‪:‬‬
‫]هذا منزع صوفأي‪ ،‬ل شرعي[ فأيتوهم السامع أن التصوف أمر خارج عن أصل‬
‫الشريعة‪ ،‬والحال أنه لب الشريعة كما رأيت‪ .‬وإلفن رمرن يطالع كتب القوم السليمة من‬
‫الدس ؛ مثل‪ :‬كتاب الحلية لبي نعيم‪ ،‬والرسالة القشيرية‪ ،‬وكتاب التعرف لمذهب‬
‫أهل التصوف للكلباذي‪ ،‬واللمع للطوسي‪ ،‬واللحياء للغزالي‪ ،‬وطبقات الصوفأية‬
‫للسلمي‪ ،‬والرعاية لحقوق ا للمحاسبي‪ ،‬والوصايا للشيخ محي الدين بن عربي‪،‬‬
‫وغير ذلك من كتب الصوفأية‪ ،‬ل يكاد يجد سخسلقا ا مما فأيها يخالف الشريعة أبداا‪،‬‬
‫لكثرة محاسبة الصوفأية لنفسهم وأخذهم بالعزائم‪ ،‬فألإن حقيقة طريق القوم علم‬
‫وعمل‪ ،‬سداها ولحمتها شريعة وحقيقة‪.‬‬

‫التحذير من الفصل بين الحقيقة وأالشريعة‪:‬‬

‫هناك سأناس افدرعروا التصوف كذبا ا ونفاقاا‪ ،‬انحرفأوا عن اللسلم‪ ،‬وقالوا‪ :‬لإن المقصود‬
‫من الدين هو الحقيقة فأقط‪ ،‬وعطلوا أحكام الشريعة‪ ،‬فأأسقطوا عن أنفسهم التكاليف‪،‬‬
‫وأباحوا المخالفات‪ ،‬وقالوا‪ :‬لإن السمرعفول عليه صلح القلب‪ ،‬ويقولون‪] :‬نحن أهل‬
‫الباطن‪ ،‬وهم أهل الظاهر[‪ .‬فأهؤلء ضالون منحرفأون زنادقة‪ ،‬ل يجوز أن نأخذ‬
‫أعمالهم وأحوالهم حجة على السادة الصوفأية الصادقين المخلصين‪.‬‬

‫ولإن السادة أئمة الصوفأية قد نبهوا لإلى خطرهم‪ ،‬وحذروا من صحبتهم ومجالستهم‪،‬‬
‫وتبرؤوا من سيرهم وانحرافأهم‪ .‬قال أبو يزيد البسطامي رحمه ا تعالى لبعض‬
‫أصحابه‪) :‬قم بنا حتى ننظر لإلى هذا الرجل الذي قد شهر نفسه بالولية‪ ،‬وكان‬

‫‪164‬‬
‫رجلا مقصوداا مشهوراا بالزهد‪ ،‬فأمضينا لإليه‪ ،‬فألما خرج من بيته ودخل المسجد‬
‫رمى ببصاقه تجاه القبلة‪ ،‬فأانصرف أبو يزيد ولم يسرلم عليه‪ ،‬وقال‪ :‬هذا غير مأمون‬
‫على أدب من آداب رسول ا صلى ا عليه وسلم فأكيف يكون مأمونا ا على ما‬
‫يدعيه( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪ .[16‬وقال أيضاا‪) :‬لو نظرتم لإلى رجل أعطي‬
‫من الكرامات حتى يرتقي فأي الهواء فأل تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند‬
‫المر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[16‬‬

‫وقال الشيخ أحمد زروق رحمه ا تعالى فأي قواعده‪) :‬وكل شيخ لم يظهر بالسنة‬
‫فأل يصح اتباعه لعدم تحقق حاله‪ ،‬ولإن صح فأي نفسه وظهر عليه ألف ألف كرامة‬
‫من أمره( ]"قواعد التصوف" للشيخ أحمد رزوق صا ‪.[76‬‬

‫وقال سهل بن عبد ا التستري رحمه ا تعالى‪) :‬احذر صحبة ثلث من أصناف‬
‫الناس‪ :‬الجبابرة الغافألين‪ ،‬والقسفراء المداهنين‪ ،‬والمتصوفأة الجاهلين( ]"شرح‬
‫الحكم" لبن عجيبة ج ‪ .1‬صا ‪.[76‬‬

‫وقال السيد أحمد الرفأاعي رحمه ا تعالى‪) :‬ل تقولوا كما يقول بعض المتصوفأة‪:‬‬
‫]نحن أهل الباطن‪ ،‬وهم أهل الظاهر[‪ .‬هذا الدين الجامع باطنه لب ظاهره‪،‬‬
‫وظاهره ظرف باطنه‪ ،‬لول الظاهر لما بطن‪ ،‬لول الظاهر لما كان الباطن ولما‬
‫صح‪ .‬القلب ل يقوم بل جسد‪ ،‬بل لول الجسد لفسد‪ ،‬والقلب نور الجسد‪ .‬هذا العلم‬
‫الذي سماه بعضهم بعلم الباطن‪ ،‬هو لإصلح القلب‪ ،‬فأالول عمل بالركان وتصديق‬
‫ت‪ ،‬وأكل ر‬
‫ت‬ ‫ت وسررق ر‬
‫ت وزني ر‬ ‫بالرجنان‪ .‬لإذا انفرد قلبك بحسن نيته وطهارة طويته‪ ،‬وقترل ر‬
‫ت الخمر‪ ،‬وكذبت وتكبرت وأغلظت القول‪ ،‬فأما الفائدة من نيتك‬ ‫الربا‪ ،‬وشرب ر‬
‫وطهارة قلبك ؟ ولإذا عبدت ا وتعففت‪ ،‬وصمت وتصدقت وتواضعت‪ ،‬وأبطن‬
‫قلبسرك الرياء والفساد‪ ،‬فأما الفائدة من عملك ؟( ]"البرهان المؤيد" للسيد أحمد‬
‫الرفأاعي رحمه ا تعالى‪ .‬توفأي سنة ‪578‬هـ بأم عبيدة بالعراق صا ‪.[68‬‬

‫وينكر الشيخ عبد القادر الجيلني رحمه ا تعالى على من يعتقد أن التكاليف‬
‫الشرعية تسقط عن السالك فأي حال من الحوال‪ ،‬كما رمفر بك قوله‪) :‬ترك العبادات‬
‫المفروضة زندقة‪ ،‬وارتكاب المحظورات معصية‪ .‬ل تسقط الفرائض عن أحد فأي‬
‫حال من الحوال( ]"الفتح الرباني" للشيخ عبد القادر الجيلني صا ‪.[29‬‬

‫وقال شيخ الصوفأية اللمام الجنيد رحمه ا تعالى‪) :‬مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب‬
‫والسنة( ]"طبقات الصوفأية" للسلمي صا ‪.[159‬‬

‫‪165‬‬
‫وقال أيضاا‪) :‬الطرق كلها مسدودة على الخلق لإل على من اقتفى أثر الرسول عليه‬
‫الصلة والسلم‪ ،‬واتبع سنته ولزم طريقته‪ ،‬فأإ لفن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه(‬
‫]"طبقات الصوفأية" للسلمي صا ‪.[159‬‬

‫وذكر رجل عنده المعرفأة فأقال‪ :‬أهل المعرفأة بال يصلون لإلى ترك الحركات‬
‫]العمال[ من باب البر والتقرب لإلى ا عز وجل‪ .‬فأقال الجنيد رحمه ا تعالى‪:‬‬
‫)لإن هذا قول قوم تكلموا بلإسقاط العمال ]الصالحة التكليفية[ وهو عندي عظيمة‪،‬‬
‫والذي يسرق ويزني أحسن حالا من الذي يقول هذا‪ ،‬فألإن العارفأين بال تعالى‬
‫ت ألف عام لم أنقص من‬ ‫أخذوا العمال عن ا تعالى‪ ،‬ولإليه رجعوا فأيها‪ ،‬ولو بقي س‬
‫أعمال البر ذرة لإل أن يحال بي دونها( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪ .[22‬وقال أيضاا‪:‬‬
‫)ما أخذنا التصوف عن القيل والقال لكن عن الجوع ]الصوم[ وترك الدنيا وقطع‬
‫المألوفأات والمستحسنات( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[22‬‬

‫وقال لإبراهيم بن محمد النصر أباذي رحمه ا تعالى‪) :‬أصل التصوف ملزمة‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬وترك الهواء والبدع‪ ،‬وتعظيم حرمات المشايخ‪ ،‬ورؤية أعذار‬
‫الخلق‪ ،‬وحسن صحبة الرفأقاء‪ ،‬والقيام بخدمتهم‪ ،‬واستعمال الخلق الجميلة‪،‬‬
‫والمداومة على الوراد وترك ارتكاب الرخص والتأويلت‪ ،‬وما ضل أحد فأي هذا‬
‫الطريق لإل بفساد البتداء‪ ،‬فألإن فأساد البتداء يؤثر فأي النتهاء( ]طبقات الصوفأية‬
‫للسلمي صا ‪.[488‬‬
‫الفقهاء الصوفية‪:‬‬
‫لقد كان علماء الشريعة اللسلمية من الفقهاء والمحصدثين‪ ،‬يسيرون على أثر‬
‫الرسول العظم صلى ا عليه وسلم‪ ،‬فأيجمعون بين الشريعة والطريقة والحقيقة‪،‬‬
‫ويؤدون العبادات العملية متحققين بسر اللخلصا فأيها‪ ،‬متذوقين حلوتها‪ ،‬مدركين‬
‫أسرارها‪ ،‬وقد كانت لهم مجاهدات لتهذيب نفوسهم ولإصلح قلوبهم‪ .‬وللرما تحلفروا به‬
‫من صلح وتقوى ومعرفأة نالوا هذه المراتب العلمية‪ ،‬ومنحهم ا تعالى هذا الفهم‬
‫لكتابه والتعمق فأي شرعه‪ ،‬ونفع ا المة بعلومهم على مصر السنين واليام‪ ،‬فأكأنهم‬
‫أحياء بآثارهم الخالدة وجهودهم العلمية المباركة‪.‬‬

‫نقل الفقيه الحنفي الحصكفي صاحب الدر‪ :‬أن أبا علي الدقاق رحمه ا تعالى قال‪:‬‬
‫)أنا أخذ س‬
‫ت هذه الطريقة من أبي القاسم النصر أباذي‪ ،‬وقال أبو القاسم‪ :‬أنا أخذتها‬
‫من الشبلي‪ ،‬وهو من السري السقطي‪ ،‬وهو من معروف الكرخي‪ ،‬وهو من داود‬
‫الطائي‪ ،‬وهو أخذ العلم والطريقة من أبي حنيفة رضي ا عنه‪ ،‬وكفل منهم أثنى‬

‫‪166‬‬
‫عليه وأقرر بفضله‪ (..‬ثم قال صاحب الدر معلقاا‪) :‬فأيا عجبا ا لك يا أخي! ألم يكن لك‬
‫أسوة حسنة فأي هؤلء السادات الكبار ؟ أكانوا سمفتهمين فأي هذا اللقرار والفأتخار‪،‬‬
‫وهم أئمة هذه الطريقة وأرباب الشريعة والحقيقة ؟ ورمن بعدهم فأي هذا المر فألهم‬
‫تبع‪ ،‬وكل ما خالف ما اعتمدوه مردود مبتدع( ]الدر المختار ج ‪ .1‬صا ‪ .43‬وعليه‬
‫حاشية ابن عابدين وهو محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي فأقيه‬
‫الديار الشامية ولإمام الحنفية فأي عصره‪ ،‬له من التآليف ]رد المحتار على الدر‬
‫المختار[ فأي خمسة مجلدات يعرف بحاشية ابن عابدين‪ ،‬وله رفأع النظار عما‬
‫أورده الحلبي على الدر المختار‪ ،‬والعقود الدرية فأي تنقيح الفتاوى الحامدية‬
‫جزءان‪ ،‬ونسمات السحار شرح المنار‪ ،‬ومجموعة الرسائل‪ ..‬مولده ووفأاته فأي‬
‫دمشق سنة ‪1198‬ـ ‪1252‬هـ[‪.‬‬

‫ولعلك تستغرب عندما تسمع أن اللمام الكبير‪ ،‬أبا حنيفة النعمان رحمه ا تعالى‪،‬‬
‫يعطي الطريقة لمثال هؤلء الكابر من الولياء والصالحين من الصوفأية!‪.‬‬

‫فأهلف تأسى الفقهاء بهذا اللمام‪ ،‬فأساروا على نهجه‪ ،‬وجمعوا بين الشريعة والحقيقة‪،‬‬
‫لينفع ا بعلمهم‪ ،‬كما نفع بلإمامهم العظم‪ ،‬اللمام الكبير‪ ،‬معدن التقوى والورع أبي‬
‫حنيفة رحمه ا تعالى!‬

‫يقول ابن عابدين رحمه ا تعالى فأي حاشيته متحدثا ا عن أبي حنيفة رحمه ا‬
‫تعالى‪ ،‬تعليقاا على كلم صاحب الدر النف الذكر‪) :‬هو فأارس هذا الميدان‪ ،‬فألإن‬
‫مبنى علم الحقيقة على العلم والعمل وتصفية النفس‪ ،‬وقد وصفه بذلك عامة السلف‪،‬‬
‫فأقال أحمد بن حنبل ]رحمه ا تعالى[ فأي حقه‪ :‬لإنه كان من العلم والورع والزهد‬
‫ضلرب بالسياط لليرللري القضاء‪ ،‬فألم يفعل‪.‬‬‫ولإيثار الخرة بمحل ل يدركه أحد‪ ،‬ولقد س‬
‫وقال عبد ا بن المبارك ]رحمه ا تعالى[‪ :‬ليس أحد أحق من أن يسرقرتدى به من‬
‫أبي حنيفة‪ ،‬لنه كان لإماما ا تقيا ا نقيا ا ورعا ا عالما ا فأقيهاا‪ ،‬كشف العلم كشفا ا لم يكشفه‬
‫ت من عند أبي حنيفة‪:‬‬ ‫أحد ببصر وفأهم وفأطنة وتقى‪ .‬وقال الثوري لمن قال له‪ :‬جئ س‬
‫ت من عند أعبد أهل الرض( ]"حاشية ابن عابدين" ج ‪ .1‬صا ‪.[43‬‬ ‫لقد جئ ر‬

‫ومن هذا نعلم أن الئمة المجتهدين والعلماء العاملين‪ ،‬هم الصوفأية حقيقة‪.‬‬

‫فألإن قال قائل‪ :‬لو أن طريق التصوف أمر مشروع‪ ،‬لوضع فأيه الئمة المجتهدون‬
‫كتباا‪ ،‬ول نرى لهم قط كتابا ا فأي ذلك ؟‬

‫‪167‬‬
‫يجيب الشعراني رحمه ا تعالى على هذا فأيقول‪) :‬لإنما لم يضع المجتهدون فأي‬
‫ذلك كتاباا لقلة المراض فأي أهل عصرهم‪ ،‬وكثرة سلمتهم من الرياء والنفاق‪ .‬ثم‬
‫بتقدير عدم سلمة أهل عصرهم من ذلك‪ ،‬فأكان ذلك فأي بعض أناس قليلين‪ ،‬ل يكاد‬
‫يظهر لهم عيب‪ .‬وكان معظم همة المجتهدين لإذ ذاك لإنما هو فأي جمع الدلة‬
‫المنتشرة فأي المدائن والثغور مع أئمة التابعين وتابعيهم‪ ،‬التي هي مادة كل علم‪،‬‬
‫وبها سيعرف موازين جميع الحكام‪ ،‬فأكان ذلك أهم من الشتغال بمناقشة بعض‬
‫أناس فأي أعمالهم القلبية التي ل يظهر بها شعار الدين‪ ،‬وقد ل يقعون بها فأي حكم‬
‫الصل‪.‬‬

‫ول يقول عاقل قط‪ :‬لإن مثل اللمام أبي حنيفة أو مالك أو الشافأعي أو أحمد رضي‬
‫ا عنهم‪ ،‬يعلم أحدهم من نفسه ريااء أو سعجبا ا أو كبراا أو حسداا أو نفاقا ا ثم ل يجاهد‬
‫نفسه ول يناقشها أبداا‪ .‬ولول أنهم يعلمون سلمتهم من تلك الفأات والمراض‬
‫لقدموا الشتغال بعلجها على كل علم( ]"لطائف المنن والخلق" للشعراني ج ‪1‬‬
‫صا ‪25‬ـ ‪.[26‬‬

‫الدس على العلوم اللسلمية‬


‫التفسير ـ الحديث ـ التاريخ ـ التصوف‬

‫لقد تعرض اللسلم منذ انبثاق فأجره لإلى خصوم أشداء‪ ،‬وأعداء أللفداء حاولوا‬
‫تقويض بنيانه‪ ،‬وتحطيم أركانه‪ ،‬عن طريق تشويه معالمه‪ ،‬ودس الباطيل‬
‫والخرافأات فأي علومه‪ ،‬كما نرى ذلك فأي التفسير والحديث وفأي التاريخ‬
‫والتصوف‪ ..‬وغيرها‪.‬‬

‫أما التفسير‪ :‬فأكثيراا ما نقرأ فأي كتبه بعض اللسرائيليات التي ليست لإل أساطير‬
‫كاذبة‪ ،‬وعقائد غير لإسلمية‪ ،‬نقلها لإلى الدين اللسلمي اليهود الذين اعتنقوا اللسلم‬
‫غير مخلصين‪ ،‬أو مخلصين ولكن علقت بأذهانهم هذه الساطير حين كانوا على‬
‫دين اليهودية‪ ،‬فأنقلوها عن كتب أنبيائهم التي دخلها التحريف والتغيير‪ ،‬وتقفبلها‬

‫‪168‬‬
‫بعض المسلمين على أنها صحيحة‪.‬‬

‫وقد وفأق ا تعالى علماء المسلمين لإلى تمحيص هذه اللسرائيليات وتنبيه المسلمين‬
‫لإلى ضررها‪ ،‬وخصوصا ا منها ما يضر بالعقيدة‪ ،‬كاللخبار بأن أيوب عليه السلم‬
‫مرض حتى ظهر الدود على جسده‪ ،‬وكنسبة المعاصي لإلى بعض النبياء‪ ،‬فأقد‬
‫زعموا أن داود عليه السلم عشق امرأة بعض جنوده‪ ،‬ثم رأرسرل زورجها لبعض‬
‫المواقع الحربية لقتله‪ ،‬فأسقتل وتزوجها‪ .‬كما زعموا أن يوسف عليه السلم هفم بامرأة‬
‫ش وسوء‪ ،‬ولففقوا فأي ذلك قصصا ا وحكايات ل تليق بمقام الرسل‬ ‫العزيز هرفم فأسرح ظ‬
‫الكرام‪ ،‬الذين عصمهم ا من كل سوء وفأاحشة‪.‬‬

‫فأالواجب على كل مسلم نبسذ هذه اللسرائيليات‪ ،‬والعتماد على المصادر اللسلمية‬
‫الصحيحة الشهيرة‪.‬‬

‫وأأما الحديث‪ :‬فألقد حاول الدفساسون المغرضون تشويه معالم اللسلم عن طريق‬
‫وضع أحاديث مكذوبة مفتراة على لسان الرسول صلى ا عليه وسلم ؛ يقصدون‬
‫بذلك تحطيم العقيدة‪ ،‬ودس الفأكار الهفدامة ؛ كالتجسيم والتشبيه والفوقية والجهة‪،‬‬
‫وغير ذلك من العقائد الفاسدة‪.‬‬

‫كما وضعوا أحاديث فأي الترغيب والترهيب ما أنزل ا بها من سلطان‪ .‬ولإذا قيل‬
‫ي‬‫لهم‪ :‬للرم تكذبون على رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ ،‬وهو يقول‪" :‬رمرن كذب عل ف‬
‫متعمداا فأليتبورأ مقعده من النار"؟ ]أخرجه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب العلم عن‬
‫أبي هريرة رضي ا عنه‪ ،‬ومسلم فأي كتاب الليمان‪ ،‬والترمذي فأي كتاب العلم‪،‬‬
‫وابن ماجه فأي أبواب السنة[ قالوا‪ :‬نحن نكذب له ل عليه‪ .‬كما كان بعضهم يضع‬
‫الحديث تقربا ا لإلى الحكام‪ ،‬وتزلفا ا لإلى الملوك‪ ،‬رغبة فأي مطمع دنيوي ومكسب‬
‫مادي‬

‫ولكن ا تعالى قفيض لسنة رسوله صلى ا عليه وسلم علماء مخلصين غيورين‪،‬‬
‫مفحصوا تلك الحاديث‪ ،‬وبينوا الصحيحة من الضعيفة‪ ،‬والموضوعة من الحسنة‪،‬‬
‫والمشهورة من الغريبة‪ ،‬كالسمرزي والزين العراقي والذهبي وابن حجر وغيرهم‬
‫]وقد جمع بعض العلماء الغيورين على الحاديث النبوية كتبا ا بفينوا فأيها الحاديث‬
‫الموضوعة منها‪ :‬الللي المصنوعة فأي الحاديث الموضوعة للسيوطي‪ ،‬وكشف‬
‫الخفاء للعجلوني‪ ،‬وأسنى المطالب للحوت البيروتي[‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫وأما التاريخ‪ :‬فأقد كان ميدانا ا خصبا ا للدس والفأترالء ؛ حيث ألصق المضللون فأي‬
‫تاريخ اللسلم قصصاا وحوادث من نسيج خيالهم‪ .‬حاولوا بذلك تشويه سيرة الخلفاء‬
‫وملوك اللسلم‪ ،‬كما نسبوا لإلى هارون الرشيد سأموراا غريبة منكرة‪ ،‬نجدها فأي‬
‫أكاذيب ألف ليلة وليلة‪.‬‬

‫ف لرففهم فأي تاريخ‬


‫ول يخفى ما أحدثه المضللون الصليبيون والمستشرقون ورمرن ل ف‬
‫ت وأضاليل واضحة البطلن لم يقصدوا بها لإل‬ ‫اللسلم من افأتراءات وتسفررها ظ‬
‫التهديم والتشكيك‪.‬‬

‫ولكن المؤرخين المسلمين المحققين كالذهبي‪ ،‬والطبري‪ ،‬وابن كثير‪ ،‬وابن الثير‪،‬‬
‫وابن هشام وغيرهم‪ ،‬قد دفونوا التاريخ اللسلمي‪ ،‬وهذبوه ونفوا عنه الدخائل‪،‬‬
‫وأخرجوه نقيا ا سليماا‪ .‬فأعلى طالب الحقيقة أن يعود لإلى هذه المراجع الصحيحة‪ ،‬كي‬
‫يميز الخبيث من الطيب‪ ،‬والغث من السمين‪.‬‬

‫وأما التصوف‪ :‬فأكغيره من العلوم الدينية‪ ،‬لم يررسلم من الدس والتحريف من هؤلء‬
‫الدخلء والمفترين‪.‬‬

‫فأمنهم من أدخل فأي كتب الصوفأية أفأكاراا منحرفأة‪ ،‬وعبارات سيئة ما أنزل ا بها‬
‫من سلطان‪ ،‬كقولهم‪:‬‬
‫ب فأي كنيسة‬
‫ب لإل راه ف‬‫ب والخنزيسر لإل لإلهنا وما الر ي‬ ‫وما الكل س‬
‫ت ركللرمةا تخسرسج لمرن أفأروالهلهرم إرن يرسقولورن إل ركلذباا{ ]الكهف‪.[5 :‬‬ ‫}ركبسرر ر‬
‫ومنهم من أراد أن يفسد دين المسلمين بأشياء سأخر تمس عقائدهم ؛ فأنسب لإلى‬
‫بعض رجال الصوفأية أقوالا تخالف عقيدة أهل السنة ؛ كالقول بالحلول والتحاد‪،‬‬
‫وبأن الخالق عين المخلوق‪ ،‬والكون عين المكصون‪.‬‬

‫س فأي‬
‫ومنهم من حاول تشويه تاريخ رجال الصوفأية‪ ،‬ونزع ثقة الناس بهم‪ ،‬فأرد ف‬
‫كتبهم حوادث وقصصاا من نسج خياله‪ ،‬فأيها ارتكاب للمنكرات واقتراف للثام‬
‫لمام الشعراني رحمه ا‬ ‫والكبائر‪ ،‬كما نجد ذلك كثيراا فأي الطبقات الكبرى ل ل‬
‫تعالى‪ ،‬وهو منها بريء كما سيأتي‪.‬‬

‫ومنهم المبصشرون والمستشرقون‪ ،‬وأبواق الستعمار الذين درسوا كتب السادة‬


‫الصوفأية‪ ،‬وكتبوا عنهم المؤلفات لجل التحريف والتزوير والدس‪ ،‬يقصدون بذلك‬
‫أن يطعنوا اللسلم فأي صميمه‪ ،‬وأن يسلخوا روح الدين عن جسده‪ ،‬ولقد سخدع بهم‬

‫‪170‬‬
‫أقوام أرادوا أن يفهموا التصوف من كتب هؤلء المستشرقين‪ ،‬كأمثال ]نكلسون‬
‫اللنكليزي‪ ،‬وجولد زيهر اليهودي‪ ،‬وماسينيون الفرنسي وغيرهم[‪ ،‬فأوقعوا فأي‬
‫أحابيلهم‪ ،‬وتسفمسموا من أفأكارهم‪ ،‬وانجرفأوا فأي تيار محاربة الصوفأية‪ .‬ول أدري‬
‫كيف يثق مسلم صادق بأقوال عدوه المخادع الماكر ؟‬

‫ومنهم اليسفذسج الذين يصدقون هؤلء وهؤلء‪ ،‬فأيعتقدون بهذه المور المدسوسة‬
‫ويثبتونها فأي كتبهم‪ .‬وكل هذا بعيد عن الصوفأية والتصوف‪.‬‬

‫فألإن قال قائل‪ :‬إلفن ما نسب لإلى الصوفأية من أقوال مخالفة هي حقا ا من كلمهم بدليل‬
‫وجودها فأي كتبهم المطبوعة المنشورة‪.‬‬

‫نقول‪ :‬ليس كل ما فأي كتب الصوفأية لهم ؛ لنها لم ترسلم من حملت الدس‬
‫والتحريف‪ .‬وما أحوجنا لإلى تضافأر جهود المؤمنين المخلصين لتنقية هذا التراث‬
‫اللسلمي الثمين مفما لحق به من دس وتحريف‪.‬‬

‫ولو ثبت بطريق صحيح عن بعض الصوفأية كلم مخالف لحدود الشريعة فأنقول‪:‬‬
‫ليست كلمة فأرد واحد حجة على جماعة‪ ،‬شعارها ومذهبها التمسك بالكتاب والسنة‪.‬‬
‫حتى لإنهم ليقولون‪ :‬لإن أول شرط الصوفأي أن يكون واقفاا عند حدود الشريعة‪ ،‬وأل‬
‫ينحرف عنها قيد شعرة‪ .‬فألإذا هو تخطى هذا الشرط‪ ،‬ووصف نفسه بأنه صوفأي‪،‬‬
‫فأقد اختلق لنفسه صفة ليست فأيه وزعم ما ليس له‪.‬‬

‫ولإن من لإضاعة الوقت الثمين النشغارل بمثل هذه اليتفررهات والباطيل المفتراة على‬
‫هؤلء القوم فأي هذه الوقات التي يوجد ما هو أهم من المجادلة بها‪ ،‬فأهي معروفأة‬
‫لدى الصوفأية المحققين والعلماء المدققين‪ .‬وعلينا أن نعرف أن التصوف ليس علما ا‬
‫نتلقاه بقراءة الكتب ومطالعة الكراريس‪ ،‬ولكنه أخلق ولإيمان‪ ،‬وأذواق ومعارف‪،‬‬
‫ل ينال لإل بصحبة الرجال‪ ،‬الذين اهتدوا بهدي الرسول صلى ا عليه وسلم‪،‬‬
‫وورثوا عنه العلم والعمل والخلق والمعارف‪ .‬وهو علم ينتقل من الصدر لإلى‬
‫الصدر‪ ،‬ويفرغه القلب فأي القلب‪.‬‬

‫وهناك أقوام مغرضون‪ ،‬درسوا كتب السادة الصوفأية وتتبعوا ما فأيها من دس‬
‫وتشويه وتحريف واعتبروها حقائق ثابتة‪ ،‬وارتكزوا عليها فأي حملتهم العنيفة‬
‫وتهجماتهم الشديدة على السادة الصوفأية البرار‪ .‬ولو أنهم قرأوا ما يعلنه رجال‬
‫التصوف فأي جميع كتبهم من استمساكهم بالشريعة واعتصامهم بكتاب ا وسنة‬

‫‪171‬‬
‫رسوله صلى ا عليه وسلم وتقيدهم بالمذاهب اللسلمية المعتبرة‪ ،‬وتربرصنيلهرم عقيدة‬
‫أهل السنة والجماعة‪ ،‬كما بيناه آنفاا فأي بحث بين الحقيقة والشريعة‪ ،‬لدركوا تماما ا‬
‫أن ما ورد فأي كتبهم مما يناقض هذا المبدأ الواضح والمنهج السوي‪ ،‬لإنما هو‬
‫مؤول أو مدسوس‪.‬‬

‫وأ لإليك بعض أمثلة الدس المفتراة على الصوفية وأالعلماء في كتبهم‪:‬‬
‫يقول ابن الفراء فأي طبقاته نقلا عن أبي بكر المروزي ومسدد وحرب لإنهم قد‬
‫لمام أحمد بن حنبل‪ ..‬وبعد أن يفيض فأي ذكر‬ ‫رووا الكثير من المسائل‪ ،‬ونسبوها ل ل‬
‫هذه المسائل يقول‪:‬‬

‫)رجلن صالحان سبليا بأصحاب سوء‪ :‬جعفر الصادق‪ ،‬وأحمد بن حنبل‪ ،‬أما جعفر‬
‫الصادق فأقد نسبت لإليه أقوال كثيرة‪ ،‬دونت فأي فأقه الشيعة اللمامية على أنها له‪،‬‬
‫وهو بريء منها‪ .‬وأما اللمام أحمد‪ ،‬فأقد نسب لإليه بعض الحنابلة آراء فأي العقائد لم‬
‫يقل بها( ]التصوف اللسلمي واللمام الشعراني لطه عبد الباقي سرور صا ‪.[82‬‬

‫وسئل اللمام الفقيه ابن حجر الهيثمي رحمه ا تعالى ونفعنا به‪ :‬فأي عقائد الحنابلة‬
‫ما ل يخفى على شريف علمكم‪ ،‬فأهل عقيدة اللمام أحمد بن حنبل رضي ا عنه‬
‫كعقائدهم ؟‬

‫فأأجاب بقوله‪) :‬عقيدة لإمام السنة أحمد بن حنبل رضي ا عنه وأرضاه وجعل‬
‫جنان المعارف متقلبه ومأواه‪ ،‬وأفأاض علينا وعليه من سوابغ امتنانه‪ ،‬وبوأه‬
‫الفردوس العلى من جنانه‪ ،‬موافأقةف لعقيدة أهل السنة والجماعة من المبالغة التامة‬
‫فأي تنزيه ا تعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علواا كبيراا ؛ من الجهة‬
‫والجسمية وغيرها من سائر سمات النقص‪ ،‬بل وعن كل وصف ليس فأيه كمال‬
‫مطلق‪ ،‬وما اشتهر بين جهلة المنسوبين لإلى هذا اللمام العظم المجتهد من أنه قائل‬
‫بشيء من الجهة أو نحوها فأكذب وبهتان وافأتراء عليه‪ .‬فأسلعن من نسب لإليه‪ ،‬أو‬
‫رماه بشيء من هذه المثالب التي برأه ا منها‪ ،‬وقد بين الحافأظ الحجة القدوة اللمام‬
‫أبو الفرج بن الجوزي من أئمة مذهبه المبرئين من هذه الوصمة القبيحة الشنيعة‬
‫أن كل ما نسب لإليه من ذلك كذب عليه وافأتراء وبهتان‪ ،‬وأن نصوصه صريحة فأي‬
‫بطلن ذلك وتنزيه ا تعالى عنه‪ ،‬فأاعلم ذلك‪ ،‬فألإنه مهم( ]الفتاوى الحديثية لبن‬
‫حجر المكي صا ‪.[148‬‬

‫وأما اللمام علي بن أبي طالب رضي ا عنه فأقد سد ف‬


‫س عليه كتاب نهج البلغة أو‬

‫‪172‬‬
‫أكثره‪ ،‬فأقد ذكر الذهبي رحمه ا تعالى فأي ترجمة علي بن الحسين الشريف‬
‫المرتضى أنه‪) :‬هو المتهم بوضع كتاب نهج البلغة‪ ،‬ورمرن طالعه جزم بأنه‬
‫مكذوب على أمير المؤمنين علي رضي ا عنه‪ ،‬فأفيه السب الصراح والحط على‬
‫السيدين أبي بكر وعمر رضي ا عنهما‪ ،‬وفأيه من التناقض والشياء الركيكة‬
‫والعبارات التي من له معرفأة بنررفس القرشيين الصحابة‪ ،‬وبنررفس غيرهم ممن بعدهم‬
‫من المتأخرين جزم بأن الكتاب أكثره باطل( ]ميزان العتدال للذهبي ج ‪ 3‬صا‬
‫‪.[124‬‬

‫س عليه فأي‬‫س عليهم اللمام الشعراني رحمه ا تعالى‪ ،‬وأكثر ما سد ف‬ ‫وممن سد ف‬


‫الطبقات الكبرى‪ ،‬ولقد أوضح ذلك فأي كتابه لطائف المنن والخلق فأقال‪) :‬ومما‬
‫رمفن ا تبارك وتعالى به علفي‪ ،‬صبري على الحسدة والعداء‪ ،‬لما دسوا فأي كتبي‬
‫ي‬‫ي زوراا وبهتاناا‪ ،‬ومكاتبتهم فأ ف‬‫كلماا يخالف ظاهر الشريعة‪ ،‬وصاروا يستفتون عل ف‬
‫ب السلطان‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬لإعلم يا أخي أن أول ابتلء وقع لي فأي مصر من نحو‬ ‫للبا ل‬
‫ي جماعة مسألة‬ ‫ت سنة سبع وأربعين وتسعمائة‪ ،‬رزفور عل ف‬ ‫هذا النوع‪ ،‬أنني لما حجرج س‬
‫ت بعض الناس بتقديم الصلة عن‬ ‫فأيها خرق للجماع الئمة الربعة‪ ،‬وهو أنني أفأتي س‬
‫وقتها لإذا كان وراء العبد حاجة‪ ،‬قالوا‪ :‬وشاع ذلك فأي الحج‪ ،‬وأرسل بعض العداء‬
‫ت إلى مصر‪ ،‬حصل فأي لم ر‬
‫صرر رريج‬ ‫مكاتبات بذلك لإلى مصر من الجبل‪ ،‬فألما وصل س‬
‫عظيم‪ ،‬حتى وصل ذلك لإلى لإقليم الغربية والشرقية والصعيد وأكابر الدولة بمصر‪،‬‬
‫ت لإلى مصر لإل وأجد غالب الناس ينظر‬ ‫فأحصل لصحابي غاية الضرر‪ ،‬فأما رجع س‬
‫ي شذراا‪ ،‬فأقلت‪ :‬ما بال الناس ؟ فأأخبروني بالمكاتبات التي جاءتهم من مكة‪ ،‬فأل‬ ‫لإل ف‬
‫يعلم عدد من اغتابني‪ ،‬ولث بعرضي لإل ا عز وجل‪.‬‬

‫ثم لإني لما صنفت كتاب البحر المورود فأي المواثيق والعهود‪ ،‬وكتب عليه علماء‬
‫المذاهب الربعة بمصر‪ ،‬وتسارع الناس لكتابته‪ ،‬فأكتبوا منه نحو أربعين نسخة‪،‬‬
‫غار من ذلك الحسدسة‪ ،‬فأاحتالوا على بعض المغفلين من أصحابي‪ ،‬واستعاروا منه‬
‫نسخته‪ ،‬وكتبوا لهم منها بعض كراريس‪ ،‬ودسوا فأيها عقائد زائغة ومسائل خارقة‬
‫للجماع المسلمين‪ ،‬وحكايات وسخريات عن جحا‪ ،‬وابن الراوندي‪ ،‬وسبكوا ذلك‬
‫فأي غضون الكتاب فأي مواضع كثيرة‪ ،‬حتى كأنهم المؤلف‪ ،‬ثم أخذوا تلك‬
‫الكراريس‪ ،‬وأرسلوها لإلى سوق الكتبلصيين فأي يوم السوق‪ ،‬وهو مجمع طلبة العلم‪،‬‬
‫فأنظروا فأي تلك الكراريس‪ ،‬ورأوا اسمي عليها‪ ،‬فأاشتراها من ل يخشى ا تعالى‪،‬‬
‫ثم دار بها على علماء جامع الزهر‪ ،‬ممن كان كتب على الكتاب ومن لم يكتب‪،‬‬
‫فأأوقع ذلك فأتنة كبيرة‪ ،‬ومكث الناس يلوثون بي فأي المساجد والسواق وبيوت‬
‫المراء نحو سنة‪ ،‬وأنا ل أشعر‪ .‬وانتصر لي الشيخ ناصر الدين اللقاني‪ ،‬وشيخ‬

‫‪173‬‬
‫اللسلم الحنبلي‪ ،‬والشيخ شهاب الدين بن الجلبي‪ ،‬كل ذلك وأنا ل أشعر‪ ،‬فأأرسل‬
‫لي شخص من المحبين بالجامع الزهر‪ ،‬وأخبررني الخبرر فأأرسلت نسختي التي‬
‫عليها خطوط العلماء‪ ،‬فأنظروا فأيها‪ ،‬فألم يجدوا فأيها شيئا ا مما دسه هؤلء الحسدة‪،‬‬
‫فأسيبوا من فأعل ذلك‪ ،‬وهو معروف‪.‬‬

‫ي السوء لإلى وقتي هذا‪ ،‬وهذا‬‫ف بعض جماعة من المتهصورين‪ ،‬يعتقدون فأ ف‬ ‫وأعر س‬
‫بناء على ما سمعوه أولا من سأولئك الحسدة‪ ،‬ثم لإن بعض الحسدة‪ ،‬جمع تلك المسائل‬
‫التي سدفست فأي تلك الكراريس وجعلها عنده‪ ،‬وصار كلما سمع أحداا يكرهني‪ ،‬يقول‬
‫له‪ :‬لإن عندي بعض مسائل تتعلق بفلن‪ ،‬فألإن احتجت لإلى شيء منها أطلعتك عليه‪،‬‬
‫ي وأنا‬
‫ثم صار يعطي بعض المسائل لحاسد بعد حاسد لإلى وقتي هذا‪ ،‬ويستفتون عل ف‬
‫ت‪ ،‬أرسلت لجميع علماء الزهر أنني أنا المقصود بهذه‬ ‫ل أشعر‪ ،‬فألما شعر س‬
‫السئلة‪ ،‬وهي مفتراة علفي‪ ،‬فأامتنع العلماء من الكتابة عليها(]كتاب "لطائف المنن‬
‫والخلق" للشعراني ج ‪ .2‬صا ‪190‬ـ ‪.[191‬‬

‫وقد ذكر المؤرخ الكبير عبد الحي بن العماد الحنبلي رحمه ا تعالى فأي كتابه‬
‫شذرات الذهب فأي أخبار من ذهب ترجمة الشيخ عبد الوهاب الشعراني رحمه ا‬
‫تعالى وبعد أن أثنى عليه‪ ،‬وذكر مؤلفاته الكثيرة‪ ،‬وأثنى عليها أيضا ا قال فأيه‪:‬‬
‫)وحسده طوائف فأدسوا عليه كلمات يخالف ظاهرها الشرع‪ ،‬وعقائد زائغة‪،‬‬
‫ومسائل تخالف اللجماع‪ ،‬وأقاموا عليه القيامة‪ ،‬وشفنعوا وسيبوا‪ ،‬ورموه بكل‬
‫عظيمة‪ ،‬فأخذلهم ا‪ ،‬وأظهره ا عليهم وكان مواظبا ا على السنة‪ ،‬ومبالغا ا فأي‬
‫الورع‪ ،‬سمؤلثراا ذوي الفاقة على نفسه حتى بملبوسه‪ ،‬متحملا للذى‪ ،‬موزعا ا أوقاته‬
‫ف وتسليظك ولإفأادة‪ ..‬وكان سيسرمسع لزاويته دوي كدوي‬ ‫على العبادة ؛ ما بين تصني ظ‬
‫النحل ليلا ونهاراا‪ ،‬وكان يحيي ليلة الجمعة بالصلة على المصطفى صلى ا عليه‬
‫ظما ا فأي صدور الصدور‪ ،‬لإلى أن نقله ا تعالى‬ ‫وسلم‪ ،‬ولم يزل مقيما ا على ذلك‪ ،‬مع ف‬
‫لإلى دار كرامته( ]"شذرات الذهب فأي أخبار من ذهب" للمؤرخ الفقيه الديب عبد‬
‫الحي الحنبلي المتوفأى سنة ‪1089‬هـ‪ .‬ج ‪ .8‬صا ‪.[374‬‬

‫س الزنادقة‬
‫وقال الشعراني رحمه ا تعالى فأي كتابه اليواقيت والجواهر‪) :‬وقد د ف‬
‫تحت وسادة اللمام أحمد بن حنبل فأي مرض موته‪ ،‬عقائد زائغة‪ ،‬ولول أن أصحابه‬
‫يعلمون منه صحة العتقاد‪ ،‬لفأتتنوا بما وجوده تحت وسادته( ]اليواقيت والجواهر‬
‫فأي بيان عقائد الكابر للشيخ عبد الوهاب الشعراني ج ‪ .1‬صا ‪.[8‬‬

‫وكذلك ذكر الشيخ مجد الدين الفيروز أبادي صاحب القاموس فأي اللغة‪ :‬أن بعض‬

‫‪174‬‬
‫الملحدة صنف كتابا ا فأي تنقيص اللمام العظم أبي حنيفة رضي ا تعالى عنه‬
‫وأضافأه لإليه‪ ،‬ثم أوصله لإلى الشيخ جمال الدين بن الخياط اليمني‪ ،‬فأشفنع على الشيخ‬
‫أشد التشنيع‪ ،‬فأأرسل لإليه الشيخ مجد الدين يقول له‪) :‬لإني معتقد فأي اللمام أبي‬
‫حنيفة غاية العتقاد‪ ،‬وصنفت فأي مناقبه كتابا ا حافألا وبالغ س‬
‫ت فأي تعظيمه لإلى الغاية‪،‬‬
‫ي( ]لطائف المنن‬ ‫فأأحلررق هذا الكتاب الذي عندك‪ ،‬أو اغسله‪ ،‬فألإنه كذب وافأتراء عل ف‬
‫والخلق للشعراني ج ‪ .1‬صا ‪.[127‬‬

‫وقال الفقيه الكبير أحمد بن حجر الهيثمي المكي رحمه ا تعالى‪) :‬ولإياك أن تغتفر‬
‫بما وقع فأي كتاب الغنية للمام العارفأين‪ ،‬وقطب اللسلم والمسلمين‪ ،‬الشيخ عبد‬
‫القادر الجيلني‪ .‬فألإنه دسه عليه فأيها رمرن سينتقم ا منه‪ ،‬ولإل فأهو بريء من ذلك‪.‬‬
‫ب والسنلة وفأقله الشافأعيلة‬
‫وكيف تروج عليه هذه المسألة الواهية مع تضلعه من الكتا ل‬
‫والحنابللة‪ ،‬حتى كان يفتي على المذهبين‪ .‬هذا مع ما انضم لذلك من أن ا رمفن عليه‬
‫من المعارف والخوارق الظاهرة والباطنة‪ .‬وما أنبأ عنه ما ظهر عليه وتواتر من‬
‫أحواله‪ ..‬لإلى أن قال‪ :‬فأكيف سيتصور أو سيتوهم أنه قائل بتلك القبائح التي ل يصدر‬
‫مثلها لإل عن اليهود وأمثالهم ممن استحكم فأيهم الجهل بال وصفاته وما يجب له‬
‫وما يجوز وما يستحيل‪ .‬سبحانك هذا بهتان عظيم( ]"الفتاوى الحديثية" لبن حجر‬
‫صا ‪.[149‬‬

‫وكذلك دسوا على اللمام الغزالي عدة مسائل فأي كتاب اللحياء‪ ،‬وظفر القاضي‬
‫عياض بنسخة من تلك النسخ فأأمر بلإحراقها ]"اليواقيت والجواهر" ج ‪ .1‬صا ‪.[8‬‬

‫قال الشعراني رحمه ا تعالى‪) :‬ومفما ديسوا على الغزالي‪ ،‬وأشاعه بعضهم عنه‪،‬‬
‫قولهم عنه لإنه قال‪] :‬لإن ل عباداا لو سألوه أن ل يقيم الساعة لم يقمها‪ ،‬ولإن ل عباداا‬
‫لو سألوه أن يقيم الساعة الن لقامها[‪ .‬فألإن مثل ذلك كذب وزور على اللمام حجة‬
‫اللسلم رضي ا تعالى عنه وأرضاه‪ ،‬يجب على كل عاقل تنزيه اللمام عنه‪ ،‬لنه‬
‫يريد النصوصا القاطعة الواردة فأي مقدمات الساعة‪ ،‬فأيؤدي ذلك لإلى تكذيب الشارع‬
‫صلى ا عليه وسلم فأيما أخبر‪ ،‬وإلرن سوجد ذلك فأي بعض مؤلفات اللمام فأذلك‬
‫مدسوس عليه من بعض الملحدة‪ ،‬وقد رأيت كتابا ا كاملا مشحونا ا بالعقائد المخالفة‬
‫لهل السنة والجماعة‪ ،‬صفنفه بعض الملحدين ونسبه لإلى اللمام الغزالي‪ ،‬فأاطلع‬
‫ب وا وافأترى رمرن أضا ر‬
‫ف هذا‬ ‫عليه الشيخ بدر الدين ابن جماعة‪ ،‬فأكتب عليه‪ :‬كذ ر‬
‫الكتاب لإلى حجة اللسلم( ]"لطائف المنن والخلق" للشعراني ج ‪ .1‬صا ‪.[127‬‬

‫وقال أيضاا‪) :‬وكذلك دسوا علفي أنا فأي كتابي المسمى بالبحر المورود جملةا من‬

‫‪175‬‬
‫العقائد الزائغة‪ ،‬وأشاعوا تلك العقائد فأي مصر ومكة نحو ثلث سنين‪ ،‬وأنا بريء‬
‫منها كما بريفرن س‬
‫ت فأي خطبة الكتاب لفما غيرتها‪ ،‬وكان العلماء كتبوا عليه وأجازوه‪،‬‬
‫فأما سكنت الفتنة حتى أرسلت لإليهم النسخة التي عليها خطوطهم( ]"اليواقيت‬
‫والجواهر" ج ‪ .1‬صا ‪.[8‬‬

‫هذا وقد مل خصوسمه الدنيا حوله حقداا وحسداا‪ ،‬وافأتراء وكذبا ا وتضلي ا‬
‫ل‪ ،‬لسيما فأي‬
‫كتبه المعروفأة‪ ،‬وأشهرها الطبقات الكبرى‪.‬‬

‫ف بين كلم الشعراني رحمه ا تعالى الذي يعلن فأيه تمسك‬ ‫فألو قارن السمرن ل‬
‫ص س‬
‫الصوفأية بالشريعة‪ ،‬وقد مر بك فأي بحث بين الحقيقة والشريعة ]انظر بحث بين‬
‫الحقيقة والشريعة صا ‪ 381‬من هذا الكتاب[ وبين كلمه فأي الطبقات الكبرى لرأى‬
‫تباينا ا ظاهراا‪ ،‬ولظهر له كذب ما فأي الطبقات‪.‬‬

‫وكذلك دسوا على الشيخ محي الدين بن عربي رحمه ا تعالى‪ ،‬قال الشعراني‪:‬‬
‫)كان رضي ا عنه متقيداا بالكتاب والسنة‪ ،‬ويقول‪ :‬كل رمرن رمى ميزان الشريعة‬
‫من يده لحظة هلك‪ ..‬لإلى أن قال‪ :‬وهذا اعتقاد الجماعة لإلى قيام الساعة‪ ،‬وجميع ما‬
‫لم يفهمه الناس من كلمه لإنما هو للسعصلو مراقيه‪ ،‬وجميع ما عارض من كلمه ظاهر‬
‫الشريعة وما عليه الجمهور فأهو مدسوس عليه‪ ،‬كما أخبرني بذلك سيدي أبو طاهر‬
‫المغربي نزيل مكة المشرفأة‪ ،‬ثم أخرج لي نسخة الفتوحات التي قابلها على نسخة‬
‫الشيخ التي بخطه فأي مدينة قونيه‪ ،‬فألم أر فأيها شيئا ا مما كنت توقفت فأيه وحذفأته‬
‫حين اختصرت الفتوحات‪ ..‬ثم قال الشعراني رحمه ا تعالى‪ :‬لإذا علمت ذلك‪،‬‬
‫فأيحتمل أن الحسدة دسوا على الشيخ فأي كتبه‪ ،‬كما دسوا فأي كتبي أنا‪ ،‬فألإنه أمر قد‬
‫شاهدته عن أهل عصري فأي حقي‪ ،‬فأال يغفر لنا ولهم آمين( ]"اليواقيت‬
‫والجواهر" للشعراني ج ‪ 1‬صا ‪.[9‬‬

‫ذكر الفقيه الحنفي صاحب الدر المختار أن‪) :‬من قال عن فأصوصا الحكم للشيخ‬
‫لضلل‪ ،‬ورمرن طالعه‬ ‫محي الدين بن عربي‪ ،‬لإنه خارج عن الشريعة‪ ،‬وقدصنفه ل ل‬
‫ملحد‪ ،‬ماذا يلزمه ؟ أجاب‪ :‬نعم‪،‬فأيه كلمات تباين الشريعة‪ ،‬وتكلف بعض المتصصلفين‬
‫للرجاعها لإلى الشرع‪ ،‬لكن الذي تيقرنسته أن بعض اليهود افأتراها على الشيخ قدس‬
‫ا سره‪،‬فأيجب الحتياط بترك مطالعة تلك الكلمات‪ .‬قال العلمة ابن عابدين رحمه‬
‫ا تعالى فأي حاشيته على الدر المختار عندقوله‪] :‬لكن الذي تيقرنسته[‪ :‬وذلك بدليظل‬
‫ب عدلم اطلعه على مراد الشيخ فأيها‪ ،‬وأنه ل يمكن تأويلها‪،‬‬ ‫ثبت عنده‪ ،‬أو لسب ل‬
‫فأتعفين عنده أنها مفتراة عليه‪ ،‬كما وقع للشيخ الشعراني أنه افأترى عليه بعض‬

‫‪176‬‬
‫الحساد فأي بعض كتبه أشياء مكفرة‪ ،‬وأشاعها عنه‪ ،‬حتى اجتمع بعلماء عصره‪،‬‬
‫ي عليه‪.‬‬‫فأأخرج لهم مسودة كتابه التي عليها خطوط العلماء فألإذا هي خالية عما ارفأتسلر ر‬
‫وقال ابن عابدين أيضاا عند قوله‪] :‬فأيجب الحتياط[‪ :‬لنه لإن ثبت افأتراؤها فأالمر‬
‫ظاهر‪ ،‬ولإل فأل يفهم كيل أحد مرارده فأيها‪ ،‬فأسيخشى على الناظر فأيها من اللنكار‬
‫عليه‪ ،‬أو فأهم خلف المراد( ]حاشية ابن عابدين ج ‪ .3‬صا ‪ ،303‬وصاحب الدر‬
‫المختار الشيخ محمد علء الدين الحصكفي المتوفأى سنة ‪1088‬هـ[‪.‬‬

‫ومن المدسوس على الشيخ محي الدين رحمه ا تعالى أيضاا‪ :‬القول بأن أهل النار‬
‫يتلذذون بدخولهم النار‪ ،‬وأنهم لو أخرجوا منها‪ ،‬تعذبوا بذلك الخروج‪.‬‬

‫قال الشعراني رحمه ا تعالى‪) :‬ولإن سوجد نحو ذلك فأي شيء من كتبه فأهو‬
‫مدسوس عليه‪ ،‬فألإني مررت على كتاب الفتوحات المكية جميعه فأرأيته مشحونا ا‬
‫بالكلم على عذاب أهل النار( ]"الكبريت الحمر" صا ‪ 276‬طبعة ‪ .1277‬كذا فأي‬
‫مجلة العشيرة المحمدية عدد محرم ‪ 1381‬صا ‪.[21‬‬

‫س فأي كتاب الفصوصا والفتوحات‪ ،‬أن الشيخ محي الدين‬ ‫وقال أيضاا‪) :‬كذب رمرن د ف‬
‫بن عربي قال بأن أهل النار يتلذذون بالنار‪ ،‬وأنهم لو سأخرجوا منها لستغاثوا‪،‬‬
‫وطلبوا الرجوع لإليها‪ ،‬كما رأيت ذلك فأي هذين الكتابين‪ .‬وقد حذفأت ذلك من‬
‫الفتوحات حال اختصاري لها‪ .‬حتى ورد عن الشيخ شمس الدين الشريف‪ ،‬بأنهم‬
‫دسوا على الشيخ فأي كتبه كثيراا من العقائد الزائغة التي نقلت عن غير الشيخ‪ ،‬فألإن‬
‫الشيخ لمرن سكفمل العارفأين بلإجماع أهل الطريق‪ ،‬وكان جليس رسول ا صلى ا‬
‫عليه وسلم على الدوام‪ ،‬فأكيف يتكلم بما يهدم شيئاا من أركان شريعته‪ ،‬ويساوي بين‬
‫دينه وبين جميع الديان الباطلة‪ ،‬ويجعل أهل الدارين سواء ؟! هذا ل يعتقده فأي‬
‫الشيخ لإل من عزرل عنه عقله‪ .‬فألإياك يا أخي أن تصدق‪ ،‬من يضيف شيئا ا من العقائد‬
‫الزائغة لإلى الشيخ‪ ،‬واحلم سمعك وبصرك وقلبك‪ ،‬وقد نصحستك والسلم‪ .‬وقد رأيت‬
‫فأي عقائد الشيخ محي الدين الواسطي ما نصه‪ :‬ونعتقد أن أهل الجنة والنار‬
‫مخلدون فأي داررريلهما‪ ،‬ل يخرج أحد منهم من داره أبد البدين ودهر الداهرين‪..‬‬
‫قال‪ :‬ومرادنا بأهل النار الذين هم أهلها من الكفار والمشركين والمنافأقين‬
‫طلين‪ ،‬ل عصاة الموحدين فألإنهم يخرجون من النار بالنصوصا( ]"اليواقيت‬ ‫والمع ص‬
‫والجواهر" للشعراني ج ‪ .2‬صا ‪.[205‬‬

‫ويؤيد ما ذكرنا بأن هذا القول مدسوس على الشيخ محي الدين ما ذكره الشيخ نفسه‬
‫فأي الباب الحادي والسبعين وثلثمائة من الفتوحات‪ ،‬عندما تغلق أبواب النار‪ ،‬كيف‬

‫‪177‬‬
‫يصير أهلها كقطع اللحم حينما تغلي بهم النار ويصير أعلهاأسفلها‪ .‬وكذلك ما‬
‫ذكره اللمام الباجوري الشافأعي فأي شرحه على جوهرة التوحيد‪) :‬وما يقال بتمرن‬
‫أهل النار بالعذاب‪ ،‬حتى لو أسرلسقوا فأي الجنة لتألموا مدسوس على القوم ]الصوفأية[‬
‫كيف وقد قال تعالى‪} :‬فأسذوسقوا فأرلررن رنزيردسكم إل رعذاباا{ ]النبأ‪] [30 :‬حاشية العلمة‬
‫شيخ اللسلم لإبراهيم الباجوري صا ‪.[108‬‬

‫فأكيف يعتقد مسلم هذه العقيدة الفاسدة التي تخالف عقيدة أهل السنة والجماعة ؟ وقد‬
‫نص على ذلك الشيخ محمد بن يوسف الكافأي‪ ،‬بعد أن ذكر فأريق الجنة‪ ،‬وأنهم‬
‫مخلدون فأيها ومنعمون‪ ،‬ذكر فأريق أهل النار فأقال‪) :‬وفأريق السعير خالدون فأيه‬
‫أبداا‪ ،‬ل ينقطع عنهم ألم العذاب‪ ،‬وقال بعضهم‪] :‬ينقطع عنهم‪ ،‬وينقلب فأي حقهم‬
‫لبروها‪ ،‬لما هم فأيه من الستلذاذ[‪ .‬ومعتقد‬ ‫استلذاذاا‪ ،‬بحيث لو سعرضت عليهم الجنة ر‬
‫هذا كافأر بل شك ول ريب‪ ،‬لتكذيبه ا تعالى فأي خبره‪} :‬إفن الذيرن ركرفروا وماتوا‬
‫س أجمعيرن ‪ .‬خالديرن فأيها ل يخفف س‬
‫ف‬ ‫ك عليلهم لعنرةس ال والملئركلة والنا ل‬ ‫وسهم سكففافر أولئ ر‬
‫ب ول هسرم يسرنظرسرورن{ ]البقرة‪161 :‬ـ ‪ .[162‬وفأي خبره أيضاا‪} :‬إفن الذيرن‬ ‫عنهسسم العذا س‬
‫ت سجسلودسهم برفدرلناسهم سجلوداا غيرها‬
‫ضرج ر‬‫صليهم ناراا سكفلما نر ل‬
‫كفسروا بآيالتنا سوف نس ر‬
‫ب{ ]النساء‪ .[56 :‬وغير ذلك من اليات الدالة على استمرار عذابهم(‬ ‫ليذوقوا العذا ر‬
‫]المسائل الكافأية للشيخ محمد بن يوسف الكافأي التونسي صا ‪.[19‬‬

‫ومما نسب لإلى الشيخ محي الدين رحمه ا تعالى أيضا ا افأترااء عليه القوسل‪ :‬بسقوط‬
‫التكليف‪.‬‬

‫يقول العلمة الشعراني رحمه ا تعالى‪) :‬وقد ذكر الشيخ محي الدين أنه ل يجوز‬
‫لولي قط المبادرة لإلى فأعل معصية اطلع من طريق كشفه على تقديرها عليه‪ ،‬كما‬
‫ل يجوز لمن سكشف له أن يمرض فأي اليوم الفلني من رمضان‪ ،‬أن يبادر للفطر‬
‫فأي ذلك اليوم‪ ،‬بل يجب عليه الصبر حتى يتلبس بالمرض‪ ،‬لن ا تعالى ما شرع‬
‫الفطر لإل مع الترليبس بالمرض أو غيره من العذار‪ ،‬قال‪ :‬وهذا مذهبنا ومذهب‬
‫المحققين من أهل ا عز وجل( ]مجلة العشيرة المحمدية عدد محرم ‪ 1381‬صا‬
‫‪.[21‬‬

‫س على العارف الكبير الشيخ لإبراهيم الدسوقي رحمه ا تعالى قوله‪) :‬أذن‬ ‫ومما سد ف‬
‫لي ربي أن أتكلم وأقول أنا ا‪ ،‬فأقال لي‪ :‬قل‪ :‬أنا ا ول تبالل( وفأي هذا من الشناعة‬
‫والجتراء‪ ،‬ما يغني عن اللطالة ]مجلة العشيرة المحمدية عدد محرم ‪ 1381‬صا‬
‫‪.[23‬‬

‫‪178‬‬
‫س على رابعة العدوية رحمها ا تعالى‪ ،‬قولها عن الكعبة‪] :‬هذا الصنم‬ ‫ومما سد ف‬
‫المعبود فأي الرض[ ]وقد عمد بعض المغرضين الدساسين لإلى تقصي جميع‬
‫النصوصا المدسوسة والمكذوبة على الصوفأية ليتخذها ذريعة فأي حملته‬
‫المغرضة‪ ،‬وتهجمه الشنيع على الصوفأية بأسلوب مقذع وعبارات منحطة بعيدة‬
‫عن أخلق اللسلم وصفات المؤمنين ل يدفأعه لإلى ذلك لإل حقد دفأين وهوى نفسي‬
‫ومآرب شخصية[‪ .‬وهذا ابن تيمية نفسه سيكصذب نسبة هذا القول لإليها ويبين أنه‬
‫مدسوس ومكذوب عليها‪ ،‬فأقد قال حين سئل عن ذلك‪) :‬وأما ما ذكر عن رابعة من‬
‫قولها عن البيت‪ :‬لإنه الصنم المعبود فأي الرض‪ ،‬فأهو كذب على رابعة المؤمنة‬
‫التقية‪ ،‬ولو قال هذا من قال لكان كافأراا يستتاب‪ ،‬فألإن تاب ولإل قتل‪ ،‬وهو كذب‪ .‬فألإن‬
‫البيت ل يعبده المسلمون ؛ ولكنهم يعبدون رب البيت بالطواف به والصلة لإليه(‬
‫]"مجموعة الرسائل والمسائل" لبن تيمية ج ‪ 1‬صا ‪80‬ـ ‪.[81‬‬

‫ولو ذهبنا نستقصي ألوان التزييف فأي التاريخ اللسلمي والتصوف لما رولسرعرتنا هذه‬
‫الرسالة‪ ،‬لإذ التصوف كان نصيبه من الدس والفأتراء أعظم من غيره‪ ،‬لن‬
‫المزيفين أدركوا أن التصوف هو روح اللسلم‪ ،‬وأن الصوفأية هم قوته النافأذة‬
‫الضخمة وشعلته الوضاءة المشرقة‪ ،‬فأأرادوا أن يطفئوا هذا النور‪ .‬قال تعالى‪:‬‬
‫}سيريدورن لليس ر‬
‫طلفئوا نورر ال بأفأوالهلهم واس سمتليم نولرله ولو ركلرهر الكافأرورن{ ]الصف‪:‬‬
‫‪.[8‬‬

‫ولإننا ل ننسى أن الذي ساعد على الدس والتضليل والفأتراء عدم الطباعة الفنية‬
‫والمراقبة الشديدة فأي الماضي‪ ،‬كما هي عليه اليوم فأي عصرنا الحاضر من الطبع‬
‫المنظم‪ ،‬ومن العقوبات القانونية لمن يتجرأ على طبع شيء من الكتب بغير لإذن‬
‫مؤلفها‪ ،‬بخلف عصر النرسخ للكتب الخطية‪ ،‬فأقد كان الدساسون والكذابون‬
‫يروجون كتباا فأيها ما فأيها من الدجل والكذب ما ا به عليم‪ ،‬وسيدخلون على كتب‬
‫العلماء وخصوصاا الصوفأية الدسائس والباطيل‪.‬‬

‫ض لهذا الدين رجالا سهروا على تنقية الكتب‬


‫ولكن ا تعالى ـ وله الحمد ـ قيف ر‬
‫اللسلمية‪ ،‬وبفينوا المدسوس فأيها من الصحيح‪.‬‬

‫ونحن بهذا الكتاب المتواضع نساهم فأي تنقية التصوف اللسلمي مما علق به من‬
‫دسائس وأمور دخيلة عليه‪ ،‬لنعيد له صفاءه وبريقه ولينتفع الناس من طاقاته‬

‫‪179‬‬
‫الروحية ونفحته الليمانية فأي هذا العصر الذي خفيمت عليه ظلمات المادية وآثام‬
‫اللباحية وتيارات الللحاد والوجودية‪..‬‬

‫صوفية‬‫سادة ال ي‬
‫تأوأيل كلم ال ذ‬
‫لإن ما نراه فأي كتب الصوفأية من المور التي يخالف ظاهرها نصوصا الشريعة‬
‫وأحكامها‪ ،‬هي‪:‬‬

‫ـ لإما أن تكون مدسوسة عليهم من قبل الزنادقة والحسدة وأعداء اللسلم كما بيففنا‪.‬‬

‫ـ ولإما أن يكون كلما ا قابلا للتأويل‪ ،‬تحدثوا به من باب اللشارة أو الكناية أو‬
‫المجاز‪ ،‬كما نرى ذلك فأي كثير من الكلم العربي‪ ،‬ونجده بارزاا فأي كتاب ا‬
‫تعالى فأي مواطن عديدة‪ ،‬كما فأي قوله تعالى‪} :‬وسأشلرسبوا فأي سقلوبللهسم اللعرجرل{‬
‫]البقرة‪ .[93 :‬أي حب العجل‪.‬‬

‫وقوله تعالى‪} :‬واسألل القريررة{ ]يوسف‪ .[82 :‬أي أهل القرية‪.‬‬

‫وقوله عز وجل‪} :‬أرو رمرن كارن مريتا ا فأأرحيرريرناسه{ ]النعام‪ .[122 :‬أي كان ميت القلب‪،‬‬
‫فأأحياه ا تعالى‪.‬‬

‫ت إلى النولر{ ]لإبراهيم‪ .[1 :‬أي من‬ ‫س لمرن ال ي‬


‫ظسلما ل‬ ‫وقوله تعالى‪} :‬لستخلررج النا ر‬
‫ظلمات الكفر لإلى نور الليمان‪.‬‬

‫كما نلحظ فأي بعض اليات القرآنية الكريمة تعارضا ا فأي الظاهر‪ ،‬ولكنا لو تعمقنا‬
‫فأي فأهمها‪ ،‬ودققنا فأي مدلولها ومتعلقها‪ ،‬لوجدناها قابلة للتأويل‪ ،‬وبذلك ل نستطيع‬
‫أن نقول‪ :‬لإن فأي القرآن تعارضا ا أو تصادماا‪.‬‬

‫ت{ ]القصص‪ .[56 :‬ويقول فأي‬ ‫فأمثلا ؛ يقول ا تعالى‪} :‬إنف ر‬


‫ك ل تهلدي رمرن أحبررب ر‬
‫ك لررتهلدي إلى صراظط سمسرتقيظم{ ]الشورى‪.[52 :‬‬ ‫موطن آخر‪} :‬وإنف ر‬

‫صرين تعارضا ا ؛ لن الول ينفي‬ ‫فأقد يرى رمرن ليس عنده علم فأي التفسير أن بين الن ف‬
‫عن الرسول صلى ا عليه وسلم الهداية‪ ،‬والثاني يثبت له الهداية‪ .‬ولكنه لو سأل‬
‫أهل الذكر لخبروه أن الهداية فأي الية الولى بمعنى خرل ل‬
‫ق الهداية‪ ،‬وأن معناها فأي‬
‫صين عند أهلل الفهم‪.‬‬ ‫الية الثانية الدللة واللرشاد‪ .‬فأل تعارض بين الن ف‬

‫‪180‬‬
‫وكذلك نجد أن بعض الحاديث النبوية الشريفة ل يصح حملها على ظاهرها‪ ،‬بل‬
‫لبد من تأويلها على معان تلئم باقي نصوصا الشرع‪ ،‬وتطابق صريح القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬وفأي هذا المعنى يقول اللمام الشعراني رحمه ا تعالى‪) :‬وقد أجمع أهل‬
‫الحق على وجوب تأويل أحاديث الصفات‪ ،‬كحديث‪" :‬ينزل ربنا تبارك وتعالى كل‬
‫ليلة لإلى سماء الدنيا حتى يبقى ثلث الليل الرخر ؛ فأيقول‪ :‬من يدعوني فأأستجيب‬
‫له ؟ من يسألني فأأعطريه ؟ من ريستغفرني فأأغفرر له ؟" ]أخرجه البخاري فأي‬
‫صحيحه فأي كتاب أبواب التهجد عن أبي هريرة رضي ا عنه‪ ،‬ومسلم فأي كتاب‬
‫الذكر والدعاء[‪ .‬وقد بلغ بأحد الضالين أن يقول‪ ،‬وكان على منبر‪ ،‬فأنزل درجة منه‬
‫وقال للناس‪ :‬ينزل ربكم عن كرسيه لإلى السماء ؛ كنزولي عن منبري هذا‪ ،‬وهذا‬
‫جهل ليس فأوقه جهل( ]"التصوف اللسلمي واللمام الشعراني" لطه عبد الباقي‬
‫سرور صا ‪.[105‬‬

‫ومن جملة التأويل فأي الحديث‪ ،‬تأويل حديث "لإن ا خلق آدم على صورته" ]رواه‬
‫مسلم فأي صحيحه فأي كتاب البر والصلة عن أبي هريرة رضي ا عنه وأول‬
‫الحديث‪" :‬لإذا قاتل أحدكم أخاه فأليجتنب الوجه‪ .["..‬قال العلمة ابن حجر الهيثمي‬
‫رحمه ا تعالى مؤولا ذلك‪) :‬ويصح أن يكون الضمير ل تعالى كما هو ظاهر‬
‫السياق‪ ،‬وحينئظذ يتعين أن المراد بالصورة الصفة‪ ،‬أي أن ا تعالى خلق آدم على‬
‫ث الصحيح عن عائشة‬ ‫أوصافأه‪ .‬من العلم والقدرة وغيرهما‪ ،‬ويؤيد هذا الحدي س‬
‫رضي ا عنها‪" :‬كان صلى ا عليه وسلم سخلسسقه القرآن" ]هذا الحديث فأقرة من‬
‫حديث طويل ولفظه‪" :‬قال سعد بن هشام‪ :‬يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول‬
‫ت تقرأ القرآن ؟ قلت‪ :‬بلى‪ ،‬قالت‪ :‬فألإن سخلس ر‬
‫ق نبي‬ ‫ا صلى ا عليه وسلم قالت‪ :‬ألرس ر‬
‫ا صلى ا عليه وسلم كان القرآن"‪ .‬رواه مسلم فأي صحيحه فأي كتاب صلة‬
‫المسافأرين وقصرها‪ ،‬باب جامع صلة الليل[‪ ،‬وحديث‪" :‬تخلقوا بأخلق ا‬
‫تعالى"‪.‬‬

‫ع‬ ‫فأالمطلوب من الكامل أن يطصهر أخلقه‪ ،‬وأوصافأه من كل نقص‪ ،‬ليحصل له نو س‬


‫س بأخلق ربه‪ ،‬أي صفاته‪ ،‬ولإل فأشفتان ما بين أوصاف القديم والحادث‪ .‬وبهذا‬ ‫تأ ي‬
‫التقرير سيعرلم أن هذا الحديث غاية المدح لدم عليه السلم‪ ،‬حيث أوجد ا فأيه‬
‫ت كصفاته تعالى بالمعنى الذي قررته‪ ..‬لإلى أن قال‪ :‬والحاصل أن الحديث لإن‬ ‫صفا ظ‬
‫أعيرد الضمير فأيه ل تعالى‪ ،‬وجب تأويله على ما هو المعروف من مذهب الخلف‬
‫الذي هو أحكسم وأعلسم‪ ،‬خلفأا ا لفرقة ضلوا عن الحق‪ ،‬وارتكبوا عظالئم من الجهة‬
‫والتجسيم اللذرين هما كفر عند كثير من العلماء‪ ،‬أعاذنا ا من ذلك بمصنه وكرمه(‬

‫‪181‬‬
‫]الفتاوأى الحديثية لبن حجر الهيثمي ص ‪[214‬هلل‪.‬‬

‫قال العلمة المناوي فأي شرحه على الجامع الصغير‪ ،‬عند قوله صلى ا عليه‬
‫ت فألم تعدني‪ .‬قال‪ :‬يا رب‪ ،‬كيف‬ ‫وسلم‪" :‬لإن ا يقول يوم القيامة‪ ،‬يا ابن آدم مرض س‬
‫ت أفن عبدي فألنا ا مرض فألم تعده ؟ أما‬
‫أعودك وأنت رب العالمين ؟ قال‪ :‬أرما علم ر‬
‫ت أنك لو سعدرته لوجدتني عنده" ؟ ]أخرجه مسلم فأي صحيحه فأي كتاب البر‬ ‫علم ر‬
‫والصلة عن أبي هريرة رضي ا عنه[‪ ...‬لإلخ الحديث‪) :‬سئل بعض العارفأين عن‬
‫ت الحق فأي لإضافأة الجوع والظمأ لنفسه ؛ هل الررولى لإبقاسؤها على ما وردت‪،‬‬ ‫ترنريزل ل‬
‫أو تأويلها كما أفولها الحق لعبده حين قال‪ :‬كيف أطعمك‪ ..‬لإلخ ؟ فأقال‪ :‬الواجب‬
‫تأويلها للعوام لئل يقعوا فأي جانب الحق بارتكاب محظور وانتهاك حرمة‪ ،‬وأما‬
‫العارف فأعليه الليمان بها على حد ما يعلمه ا‪ ،‬ل على حد نسبتها للخلق‬
‫لستحالته‪ ،‬وحقيقته تعالى مخالفة لسائر الحقائق‪ ،‬فأل يجتمع قط مع خلقه فأي جنس‬
‫ول نوع ول شخص‪ ،‬ول تلحقه صفةس تشبيه ؛ لنها ل تكون لإل لمن يجتمع مع‬
‫خلقه فأي حال من الحوال‪ .‬ولذا أبقاها السلف على ظاهرها لئل يفورتهم كمال‬
‫الليمان‪ ،‬لنه ما كلفهم لإل بالليمان به ل بماأولوه‪ ،‬فأقد ل يكون مراداا للحق‪ ،‬فأالدب‬
‫لإضافأتنا لإليه كفل ما أضافأه لنفسه تعالى‪ ..‬لإلخ( ]فيض القدير شرح الجامع الصغير‬
‫للعلمة المناوأي ج ‪ 2‬ص ‪[313‬هلل‪.‬‬

‫فألإذا كان كلم سيد المرسلين صلى ا عليه وسلم وقد أوتي الفصاحة والبلغة‬
‫ووضوح اللفظ ولإشراق التعبير وجوامع الكلم ؛ قد احتاج فأي بعض الحيان لإلى‬
‫التأويل ؛ بحمل معانيه على غير ما يفيده ظاهر لفظه‪ ،‬فألإن كلم غيره من أمته‬
‫ممن لم يبلغ شأوه فأي البيان والفصاحة قابل للتأويل محتمل للتفسير من باب أولى‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬فألإن لكل فأن من الفنون أو علم من العلوم كالفقه والحديث‬
‫والمنطق والنحو والهندسة والجبر والفلسفة اصطلحات خاصة به‪ ،‬ل يعلمها لإل‬
‫أرباب ذلك العلم‪ ،‬فأهل يفهم الطبيب اصطلح المهندس‪ ،‬أو يفهم المهندس اصطلح‬
‫الطبيب حين يعبر كل منهما عن آلته ومسميات فأنه ؟‬

‫ومن قرأ كتب علم من العلوم دون أن يعرف اصطلحاته‪ ،‬أو يطلع على رموزه‬
‫ولإشاراته‪ ،‬فألإنه يؤول الكلم تأويلت شتى مغايرة لما يقصده العلماء‪ ،‬ومناقضة لما‬
‫يريده الكاتبون فأيتيه ويضل‪.‬‬

‫وللصوفأية اصطلحاتهم التي قامت بعض الشيء مقام العبارة فأي تصوير‬

‫‪182‬‬
‫مدركاتهم ومواجيدهم‪ ،‬حين عجزت اللغة عن ذلك‪ .‬فألبد لمن يريد الفهم عنهم من‬
‫صحبتهم حتى تتضح له عباراتهم‪ ،‬ويتعرف على لإشاراتهم ومصطلحاتهم ؛‬
‫فأيستبين له أنهم لم يخرجوا عن الكتاب والسنة‪ ،‬ولم ينحرفأوا عن الشريعة الغراء‪،‬‬
‫وأنهم هم الفاهمون لروحها‪ ،‬الواقفون على حقيقتها‪ ،‬الحارسون لتراثها‪.‬‬

‫قال بعض العارفأين‪) :‬نحن قوم يحرم النظر فأي كتبنا على من لم يكن من أهل‬
‫طريقنا( ]"اليواقيت والجواهر" للشعراني ج ‪ .1‬صا ‪ .[22‬لن الغاية من تدوين‬
‫هذه العلوم لإيصالها لهلها‪ ،‬فألإذا اطلع عليها رمرن ليس من أهلها جهلها‪ ،‬ثم عاداها‪،‬‬
‫لن اللنسان عدو لما جهل‪ .‬ولذلك قال السيد علي بن وفأا رحمه ا تعالى‪) :‬إلفن من‬
‫ردفورن المعارف والسرار لرم يدصونها للجمهور‪ ،‬بل لو رأى رمرن يطالع فأيها مفمن ليس‬
‫هو بأهلها لنهاهس عنها( ]نفس المصدر السابق[‪.‬‬

‫وأتوضيحا ا للموضوع نقول‪:‬‬


‫لإن كلم السادة الصوفأية فأي تحذير من ل يفهم كلمهم ول يعرف اصطلحاتهم من‬
‫قراءة هذه الكتب ليس من قبيل كتم العلم‪ ،‬ولكن خوفأا ا من أن يفهم الناس من كتبهم‬
‫غير ما يقصدون‪ ،‬وخشية أن يؤولوا كلمهم على غير حقيقته‪ ،‬فأيقعوا فأي اللنكار‬
‫والعتراض‪ ،‬شأن من يجهل علماا من العلوم‪ .‬لن المطلوب من المؤمن أن‬
‫يخاطب الناس بما يناسبهم من الكلم وما يتفق مع مستواهم فأي العلم والفهم‬
‫والستعداد‪ ،‬ولهذا أفأرد البخاري فأي صحيحه بابا ا فأي ذلك فأقال‪" :‬باب من خص‬
‫بالعلم قوماا دون قوم كراهية أن ل يفهموا‪ ،‬وقال علي رضي ا عنه‪) :‬حدثوا‬
‫ب ا ورسولهس ؟" ]"صحيح البخاري" كتاب‬ ‫الناس بما يعرفأون‪ ،‬أتحبون أن سيكفذ ر‬
‫العلم[‪ .‬قال العلمة العيني رحمه ا تعالى فأي شرحه لهذا الحديث‪) :‬ترك بعض‬
‫الناس من التخصيص بالعلم لقصور فأهمهم‪ ،‬والمراد كلموهم على قدر عقولهم‪،‬‬
‫وفأي كتاب العلم لدم بن لإياس عن عبد ا بن داود عن معروف فأي آخره‪" :‬ودعوا‬
‫ما ينكرون"‪ .‬أي ما يشتبه عليهم فأهمه‪ ،‬وفأيه دليل على أن المتشابه ل ينبغي أن‬
‫سيذركر عند العامة‪ .‬ومثله قول ابن مسعود رضي ا عنه‪ ،‬ذكره مسلم فأي مقدمة‬
‫ث قوما ا حديثا ا ل تبلغه عقولهم لإل كان‬
‫ت بمحد ظ‬ ‫كتابه بسند صحيح قال‪" :‬ما أن ر‬
‫لبعضهم فأتنة"‪ .‬لن الشخص لإذا سمع ما ل يفهمه‪ ،‬وما ل يتصور لإمكانه يعتقد‬
‫ل‪ ،‬فأل يصدق وجوده‪ ،‬فألإذا سأسنلرد لإلى ا ورسوله يلزم تكذيبهما(‬ ‫استحالته جه ا‬
‫لمام العيني ج ‪ .2‬صا ‪204‬ـ ‪.[205‬‬ ‫]"عمدة القاري شرح صحيح البخاري" ل ل‬

‫وقال الشيخ أحمد زروق رحمه ا تعالى فأي قواعده‪) :‬فأي كل علم ما يخص وما‬
‫يعم‪ ،‬فأليس التصوف بأولى من غيره فأي عمومه وخصوصه‪ ،‬بل يلزم بذل أحكام‬

‫‪183‬‬
‫ا المتعلقة بالمعاملت من كظل عموماا‪ ،‬وما وراء ذلك على حسب قالبله ل قدر‬
‫قالئله‪ ،‬لحديث‪" :‬حدثوا الناس بما يعرفأون‪ ،‬أتحبون أن سيكفذب ا ورسوله ؟" ]رواه‬
‫البخاري تعليقا ا فأي كتاب العلم باب من خص قوماا دون آخرين عن علي رضي ا‬
‫عنه[‪ .‬وقيل للجنيد رحمه ا تعالى‪ :‬يسألك الرجلن عن المسألة الواحدة فأتجيب‬
‫هذا بخلف ما تجيب هذا ؟ فأقال‪ :‬الجواب على قدر السائل‪ .‬قال عليه السلم‪:‬‬
‫"أسلمررنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم"] رواه الديلمي بسند ضعيف عن ابن‬
‫عباس رضي ا عنهما[( ]قواعد التصوف للشيخ زروق صا ‪.[7‬‬

‫ولهذا ذكر الشيخ محي الدين بن عربي رحمه ا تعالى فأي الباب الرابع والخمسين‬
‫من الفتوحات ما نصه‪) :‬اعلم أن أهل ا لم يضعوا اللشارات التي اصطلحوا‬
‫عليها فأيما بينهم لنفسهم‪ ،‬فألإنهم يعلمون الحق الصريح فأي ذلك‪ ،‬ولإنما وضعوها‬
‫منعاا للدخيل بينهم‪ ،‬حتى ل يعرف ما هم فأيه‪ ،‬شفقةا عليه أن يسمع شيئا ا لم يصل لإليه‬
‫ب بحرمانه‪ ،‬فأل يناله بعد ذلك أبداا‪ ،‬قال‪ :‬ومن أعجب‬ ‫فأينكره على أهل ا‪ ،‬فأسيعاقر س‬
‫الشياء فأي هذه الطريق‪ ،‬بل ل يوجد لإل فأيها‪ ،‬أنه ما من طائفة تحمل علما ا من‬
‫المنطقصيين والنحاة وأهل الهندسة والحساب والمتكلمين والفلسفة ؛ لإل ولهم‬
‫اصطلح ل يعلمه الدخيل فأيهم لإل بتوقيف منهم‪ ،‬لبد من ذلك‪ .‬لإل أهل هذه‬
‫الطريقة خاصة‪ ،‬فألإن المريد الصادق لإذا دخل طريقهم‪ ،‬وما عنده خبر بما‬
‫اصطلحوا عليه‪ ،‬وجلس معهم‪ ،‬وسمع منهم ما يتكلمون به من اللشارات‪ ،‬فأرلهرم‬
‫جميع ما تكلموا به‪ ،‬حتى كأنه الواضع لذلك الصطلح‪ ،‬ويشاركهم فأي الخوض‬
‫فأي ذلك العلم‪ .‬ول يستغرب هو ذلك من نفسه‪ ،‬بل يجد علم ذلك ضروريا ا ل يقدر‬
‫على دفأعه‪ ،‬فأكأنه ما زال يعلمه‪ ،‬ول يدري كيف حصل له ذلك‪ .‬هذا شأن المريد‬
‫الصادق‪ ،‬وأما الكاذب فأل يعرف ما يسمع‪ ،‬ول يدري ما يقرأ‪ ،‬ولم يزل علماء‬
‫الظاهر فأي كل عصر يستوقون فأي فأهم كلم القوم‪ .‬وناهيك باللمام أحمد بن سريج‪،‬‬
‫ت من كلمه ؟ فأقال‪ :‬ل أدري ما يقول‪،‬‬ ‫حضر يوما ا مجلس الجنيد‪ ،‬فأقيل له‪ :‬ما فأهم ر‬
‫ولكن أجد لكلمه صولة فأي القلب ظاهرة‪ .‬تدل على عمل فأي الباطن ولإخلصا فأي‬
‫الضمير‪ ،‬وليس كلمه كلم مبطل‪ .‬ثم لإن القوم ل يتكلمون باللشارة لإل عند‬
‫حضور رمرن ليس منهم‪ ،‬أو فأي تأليفهم ل غير‪ ..‬ثم قال‪ :‬ول يخفى أن أصل اللنكار‬
‫من العداء المبطلين لإنما ينشأ من الحسد‪ ،‬ولو أن أولئك المنكرين تركوا الحسد‪،‬‬
‫وسلكوا طريق أهل ا‪ ،‬لم يظهر منهم لإنكار ول حسد‪ ،‬وازدادوا علما ا لإلى علمهم‪.‬‬
‫ولكن هكذا كان المر‪ ،‬ول حول ول قوة لإل بال العلي العظيم( ]اليواقيت‬
‫والجواهر للشعراني صا ‪.[19‬‬

‫وقال العلمة ابن عابدين رحمه ا تعالى فأي حاشيته شارحا ا كلم صاحب الدر‬

‫‪184‬‬
‫المختار‪ ،‬حين سئل عن فأصوصا الحكم للشيخ محي الدين بن عربي‪) :‬يجب‬
‫الحتياط ؛ لنه لإن ثبت افأتراؤها فأالمر ظاهر‪ ،‬ولإل فأل يفهم كل واحد مراده فأيها‪،‬‬
‫فأسيخشى على الناظر فأيها من اللنكار عليه‪ ،‬أو فأهم خلف المراد‪ .‬وللحافأظ‬
‫السيوطي رسالة سماها‪] :‬تنبيه الغبي بتبرئة ابن عربي[‪ ،‬ذكر فأيها أن الناس‬
‫افأترقوا فأيه فأرقتين‪ :‬الفرقة المصيبة تعتقد وليته‪ ،‬والخرى بخلفأها‪ .‬ثم قال‪:‬‬
‫والقول الفصل عندي فأيه طريقة ل يرضاها الفرقتان ؛ وهي اعتقاد وليته وتحريم‬
‫النظر فأي كتبه‪ ،‬وقد سنقل عنه أنه قال‪] :‬نحن قوفم يحرم النظر فأي كتبنا[‪ ،‬وذلك أن‬
‫الصوفأية تواطؤوا على ألفاظ‪ ،‬اصطلحوا عليها‪ ،‬وأرادوا بها معاني غير المعاني‬
‫المتعارفأة منها بين الفقهاء‪ ،‬فأمن حملها على معانيها المتعارفأة كفر‪ ،‬نص على ذلك‬
‫الغزالي فأي بعض كتبه وقال‪ :‬لإنه شبيه بالمتشابه فأي القرآن والسنة‪ ،‬كالوجه واليد‬
‫والعين والستواء‪ .‬ولإذا ثبت أصل الكتاب عنه ]عن الشيخ محي الدين[ فألبرد من‬
‫ت كصل كلمة لحتمال أن سيدس فأيه ما ليس منه‪ ،‬من قلبرلل عدو أو ملحد أو زنديق‪،‬‬ ‫ثبو ل‬
‫ت أنه قصد بهذه الكلمة المعنى المتعارف‪ ،‬وهذا ل سبيل لإليه‪ ،‬ومن افدعاه كفر‬ ‫وثبو ل‬
‫ض أكابر العلماء‬ ‫لنه من أمور القلب التي ل يطلع عليها لإل ا تعالى‪ .‬وقد سأل بع س‬
‫ض الصوفأية‪ :‬ما حملكم على أنكم اصطلحتم على هذه اللفاظ التي سيستشنع‬ ‫بع ر‬
‫ظاهرها ؟ فأقال‪ :‬غيرة على طريقنا هذا أن يفدعريه من ل يسرحسنه ويدخل فأيه من ليس‬
‫أهله( ]حاشية ابن عابدين ج ‪ 3‬صا ‪.[303‬‬

‫وسئل العلمة ابن حجر الهيثمي رحمه ا تعالى‪ :‬ما حكم مطالعة كتب ابن عربي‬
‫وابن الفارض ؟ فأأجاب بقوله‪) :‬حكمها أنها جائزة مطالعة كتبهما‪ ،‬بل مستحبة‪ ،‬فأكم‬
‫اشتملت تلك الكتب على فأائدة ل توجد فأي غيرها‪ ،‬وعائدة ل تنقطع هواطل خيرها‪،‬‬
‫وعجيبة من عجائب السرار الللهية التي ل ينتهي مدسد خيرها‪ ،‬وكم رترجمت عن‬
‫مقاظم عجز عن الترجمة عنه من سواها‪ ،‬ورمزت برموز ل يفهمها لإل العارفأون‪،‬‬
‫ول يحوم حول حومة حماها لإل الربانيون‪ ،‬الذين هم بين مواطن الشريعة الغراء‬
‫وأحكام ظواهرها على أكمل ما ينبغي جامعون‪ ،‬ولذلك كانوا بفضل مؤلفيها‬
‫معترفأين‪ ..‬لإلى أن قال‪ :‬هذا ولإنه قد طالع هذه الكتب أقوام عوام جهلة طغام‪،‬‬
‫فأأدمنوا مطالعتها‪ ،‬مع دقة معانيها ورقة لإشاراتها وغموض مبانيها‪ ،‬وبنائها على‬
‫اصطلح القوم السالمين عن المحذور واللوم‪ ،‬وتوقف فأهمها بكمالها على لإتقان‬
‫ت‬ ‫العلوم الظاهرة‪ ،‬والتحلي بحقائق الحوال والخلق الباهرة‪ ،‬فألذلك ضسعف ر‬
‫أفأهامهم‪ ،‬وزلف ر‬
‫ت أقدامهم‪ ،‬وفأهموا منها خلف المراد‪ ،‬واعتقدوه صوابا ا فأباؤوا‬
‫بخسار يوم التناد‪ ،‬وألحدوا فأي العتقاد‪ ،‬وهوت بهم أفأهامهم القاصرة لإلى هفوة‬
‫ت شيئا ا من هذه المفاسد القبيحة‪ ،‬والمكفرات‬
‫الحلول والتحاد‪ ،‬حتى لقد سمع س‬
‫الصريحة‪ ،‬من بعض من أدمن مطالعة تلك الكتب‪ ،‬مع جهله بأساليبها وعظم ما لها‬

‫‪185‬‬
‫من الخطب‪ .‬وهذا هو الذي أوجب لكثير من الئمة الحط عليها‪ ،‬والمبادرة باللنكار‬
‫لإليها‪ ،‬ولهم فأي ذلك نوع عذر‪ ،‬لن قصدهم فأطم أولئك الجهلة عن تلك السموم‬
‫القاتلة لهم‪ ،‬ل اللنكار على مؤلفيها من حيث ذاتهم وحالهم( ]الفتاوى الحديثية لبن‬
‫حجر الهيثمي المكي صا ‪.[216‬‬

‫وقال الشعراني رحمه ا تعالى‪) :‬وبالجملة فأل ترلحيل قراءة كتب التوحيد الخاصا‪،‬‬
‫وكتب العارفأين لإل لعالم كامل‪ ،‬أو من سلك طريق القوم‪ .‬وأما من لم يكن واحداا‬
‫من هذين الرجلين‪ ،‬فأل ينبغي له مطالعة شيء من ذلك‪ ،‬خوفأا ا عليه من لإدخال السشبرله‬
‫التي ل يكاد الفرلطسن أن يخرج منها‪ ،‬فأضلا عن غير الفطن‪ ،‬ولكن من شأن النفس‬
‫كثرة الفضول‪ ،‬ومحبة الخوض فأيما ل يعنيها( ]التصوف اللسلمي واللمام‬
‫الشعراني لطه عبد الباقي سرور صا ‪104‬ـ ‪.[105‬‬

‫وقال الشيخ عبد الكريم الجيلي رحمه ا تعالى فأي كتابه اللنسان الكامل‪) :‬ثم‬
‫ألتمس من الناظر فأي هذا الكتاب‪ ،‬بعد أن أعلمه أني ما وضعت شيئا ا فأي هذا‬
‫الكتاب لإل وهو مؤفيد بكتاب ا وسنة رسوله صلى ا عليه وسلم‪ ،‬وأنه لإذا لح له‬
‫شيء من كلمه بخلف الكتاب والسنة‪ ،‬فأليعلم أن ذلك من حيث مفهومه‪ ،‬ل من‬
‫ت الكلم لجله‪ ،‬فأليتوقف عن العمل به مع التسليم‪ ،‬لإلى أن‬ ‫حيث مرادي الذي وضع س‬
‫يفتح ا عليه بمعرفأته‪ ،‬ويحصل له شاهد ذلك من كتاب ا وسنة نبيه صلى ا‬
‫عليه وسلم‪ ..‬لإلى أن قال‪ :‬واعلم أن كل علم ل يؤيده الكتاب والسنة فأهو ضللة‪ ،‬ل‬
‫لجل ما ل تجد أنت له ما يؤيده‪ ،‬فأقد يكون العلم فأي نفسه مؤفيداا بالكتاب والسنة‪،‬‬
‫ولكن قلة استعدادك منعك من فأهمه‪ ،‬فألم تستطع أن تتناوله بيدك من محله‪ ،‬فأتظن‬
‫أنه غير مؤيد بالكتاب والسنة‪ ،‬والطري س‬
‫ق فأي هذا التسليسم(] اللنسان الكامل لعبد‬
‫الكريم الجيلي صا ‪ .5‬وليحذر القارىء من مطالعة هذا الكتاب لن فأيه كلمات‬
‫مخالفة لعقيدة أهل السنة‪ ،‬ول تقبل التأويل بحال مع أنه قد ألف كتابه مؤيداا بالكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬كما نص عليه مؤلفه فأي مقدمة كتابه‪ .‬ونحن متأكدون أن الكثير مما فأيه‬
‫مدسوس عليه‪ .‬انظر بحث الدس من هذا الكتاب صا ‪.[398‬‬

‫يتبين لنا من هذه النصوصا التي نقلناها عن الفقهاء العلم والسادة الصوفأية أمور‬
‫أهمها‪:‬‬
‫أـ أنه ل يصح لغير السالك فأي طريق الصوفأية‪ ،‬أن يطالع كتبهم‪ ،‬خشية أن يفهمها‬
‫على غير حقيقتها‪ ،‬وخلف ما يريده مؤلفوها ؛ لنه بعيد عن فأهم اصطلحاتهم‪،‬‬
‫ومعرفأة لإشاراتهم‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫غير أن كتب الصوفية لإجمالا تنقسم لإلى ثلثة أقسام‪:‬‬
‫‪1‬ـ القسم الول‪ :‬يبحث عن تصحيح العبادات‪ ،‬وحسن لإقامتها بصورتها وروحها‪،‬‬
‫من الخشوع والحضور فأيها مع ا تعالى‪ ،‬مع مراعاة آدابها الظاهرة كذلك‪.‬‬

‫‪2‬ـ القسم الثاني‪ :‬يبحث فأي مجاهدة النفس وتزكيتها‪ ،‬والقلب وأحواله ؛ من تخليته‬
‫عن صفاته الناقصة كالشكوك والوساوس والرياء والحقد والغل والسمعة والجاه‬
‫والحسد وغيرها من الصفات المذمومة‪ .‬وتحليته بالصفات الكاملة كالتوبة والتوكل‬
‫والرضا والتسليم والمحبة واللخلصا‪ ،‬والصدق والخشوع والمراقبة وغيرها من‬
‫الصفات الحسنة‪.‬‬

‫لمام الغزالي‪ ،‬وقوت القلوب لبي‬ ‫وهذان القسمان مذكوران فأي كتاب اللحياء ل ل‬
‫طالب المكي‪ ،‬وأمثالهما‪ .‬وتسمى هذه العلوم علورم المعاملة‪.‬‬

‫‪3‬ـ القسم الثالث‪ :‬يبحث عن المعارف الربانية والعلوم الوهبية والذواق الوجدانية‬
‫والحقائق الكشفية‪ .‬ومعظم كتب الشيخ محي الدين ابن عربي رحمه ا تعالى من‬
‫هذا القسم ؛ كالفتوحات المكية والفصوصا‪ .‬وكذلك كتاب اللنسان الكامل للشيخ عبد‬
‫ب التحذير من قراءتها‬ ‫الكريم الجيلي رحمه ا تعالى‪ .‬وعلى أمثال هذه الكتب ينص ي‬
‫لغير السالكين العارفأين من الصوفأية‪ .‬وتسمى هذه العلوم علورم المكاشفة‪.‬‬

‫ب ـ أن التصوف ل سينال بقراءة الكتب‪ ،‬ول بمعرفأة الصطلحات بل لبد من‬


‫السلوك مع رجاله ومجالسة أهله‪ .‬قال الشيخ الشعراني رحمه ا تعالى‪) :‬سمعت‬
‫سيدي عليا ا الخواصا رضي ا عنه يقول‪ :‬لإياك أن تعتقد يا أخي لإذا طالعت كتب‬
‫القوم‪ ،‬وعرفأت مصطلحهم فأي ألفاظهم أنك صرت صوفأياا‪ ،‬لإنما التصوف التخلق‬
‫بأخلقهم‪ ،‬ومعرفأة طرق استنباطهم لجميع الداب والخلق التي تحلفروا بها من‬
‫الكتاب والسنة( ]لطائف المنن والخلق للشعراني ج ‪ 2‬صا ‪.[149‬‬

‫ج ـ أن السادة الصوفأية لإنما وضعوا هذه الرموز واللشارات كي ل يأخذ علمهم لإل‬
‫رمرن سار فأي طريقهم‪ .‬وقد بينا أن التصوف ل ينال بقراءة الوراق‪ ،‬بل بصحبة‬
‫أهل الذواق‪.‬‬

‫د ـ أن النصوصا التي فأيها الكفر والزيغ والسمسروق من الدين مدسوسة على القوم‬
‫ت من تمسكهم بالكتاب والسنة مما مر معك لمرن نسسقول‪.‬‬‫حتماا‪ ،‬لما رأي ر‬

‫‪187‬‬
‫هـ ـ أن ما ثبت عنهم بالتأكيد‪ ،‬ويمكن تأويله وحمله على وجه صحيح من عقيدة‬
‫أهل الحق ؛ أهل السنة والجماعة‪ ،‬وجب تأويله عليها‪ ،‬لنها هي عقيدتهم التي‬
‫يعتقدونها ويصرحون بها‪ ،‬وسيثبتونها دائماا فأي مقدمات كتبهم كما هي سنتهم‪،‬‬
‫ف لمذهب أهل‬ ‫وانظر لإن شئت مقدمة الرسالة القشيرية‪ ،‬والفتوحات المكية‪ ،‬والتعير ر‬
‫التصوف‪ ،‬ولإحياء علوم الدين وغيرها من الكتب‪.‬‬

‫و ـ أن ما نسب لإليهم مما ل يمكن تأويله على وجه صحيح‪ ،‬لإن صح عنهم فأهو‬
‫مردود على صاحبه‪ ،‬ل نسلمه له ول نعتقده‪ ،‬بل نقول بكفر سمرعترقرلده‪ ،‬ولكنا ل نكفر‬
‫شخصا ا معيناا‪ ،‬لنا ل ندري خاتمته‪ ،‬ولننا مسؤولون أولا وآخراا عن عقيدة أهل‬
‫الحق‪ ،‬أهل السنة والجماعة‪ ،‬ل عن عقيدة أي لإنسان آخر‪.‬‬

‫ولإليك أيها القارىء الكريم بعض المثلة عن سأمور وعبارات أنكرها الجاهلون‪،‬‬
‫صموهم بالخروج عن الشريعة‪ ،‬ولكنك حين تفهم‬ ‫فأتحاملوا على الصوفأية وو ر‬
‫مرادهم‪ ،‬وتطلع على قصدهم‪ ،‬يتبين لك أن لإنكار المنكرين كان لإما عن جهل‬
‫وتسرع‪ ،‬أوعن حسد وتحامل‪.‬‬

‫‪1‬ـ يقول اللمام الشعراني رحمه ا تعالى‪) :‬مما نسقلرل عن القوم قولهم‪] :‬دخلنا‬
‫حضرةر ا‪ ،‬وخرجنا عن حضرلة ا[‪ .‬ليس مرادهم بحضرة ا عز وجل مكانا ا‬
‫معيناا‪ ،‬فألإن ذلك ربما سيفهم منه التحييسز للحق‪ ،‬تعالى ا عن ذلك علواا كبيراا‪ ،‬ولإنما‬
‫مرادهم بالحضرة حيث أطلقوا شهوسد أحدهم أنه بين يدي ربه عز وجل‪ ،‬فأما دام‬
‫ي ربه عز وجل فأهو فأي حضرته‪ ،‬فألإذا سحجب خرج عن حضرته(‬ ‫يشهد أنه بين يد ر‬
‫]لطائف المنن والخلق للشعراني ج ‪ .1‬صا ‪.[127‬‬

‫‪2‬ـ وقال الشيخ الكبر محي الدين بن عربي رحمه ا تعالى‪) :‬كنت ذات يوم مع‬
‫ل‪:‬‬‫بعض لإخواني فأأنشدت قائ ا‬

‫كم ذا أراهس ول يراني‬ ‫يا رمرن يراني ول أراه‬

‫فأقال ذلك الخ الذي كان معي لما سمع هذا البيت‪ :‬كيف تقول لإنه ل يراك‪ ،‬وأنت‬
‫تعلم أنه يراك ؟ قال‪ :‬فأقلت مرتج ا‬
‫ل‪:‬‬

‫ول أراه آخذاا‬ ‫يا رمرن يراني مذنبا ا‬

‫‪188‬‬
‫ول يراني للئذاا‬ ‫كم ذا أراه منلعما ا‬
‫]كتاب النصرة النبوية للشيخ مصطفى المدني على هامش الرائية ص ‪[82‬هلل‪.‬‬

‫‪3‬ـ وقال الشعراني رحمه ا تعالى‪) :‬ومما نقل عن الغزالي أنه قال‪] :‬ليس فأي‬
‫اللمكان أبدع مما كان[‪ .‬ولعل مراده رضي ا تعالى عنه أن جميع الممكنات‬
‫أبرزها ا على صورلة ما كانت فأي علمه تعالى القديم‪ ،‬وعلمه القديم ل يقبل‬
‫طى سكفل شيظء رخرلقرهس ثسفم هدى{ ]طه‪ .[50 :‬فألو‬
‫الزيادة‪ ،‬وفأي القرآن العظيم‪} :‬أرع ر‬
‫صح أن فأي اللمكان أبدع مما كان‪ ،‬ولم يسبق به علم ا تعالى للزم عليه تقدم‬
‫جهل‪ ،‬تعالى ا عن ذلك علواا كبيراا‪،‬وهذا هو معنى قول الشيخ محي الدين بن‬
‫عربي رحمه ا تعالى فأي تأويل ذلك‪ :‬لإن كلم حجة اللسلم فأي غاية التحقيق‪،‬‬
‫لنه ما ثرفم لإل رتبتان‪ :‬قلردفم وحدوث ؛ فأالحق تعالى له رتبة القلردم‪ ،‬والحادث له رتبة‬
‫ل‪ ،‬فأل يرقى عن رتبة‬ ‫الحدوث‪ ،‬فألو خلق ا تعالى ما خلق لإلى ما ل يتناهى عق ا‬
‫الحدوث لإلى رتبة القدم أبداا( ]"لطائف المنن وأالخلق" للشعراني ج ‪ .1‬ص‬
‫‪[126‬هلل‪.‬‬

‫‪4‬ـ وقال محمد أبو المواهب الشاذلي رحمه ا تعالى مؤولا كلم أبي يزيد رحمه‬
‫ت النبياء بساحله[‪) .‬قلنا‪ :‬خاض العارفأون بحر‬‫ضنا بحراا وقف ر‬
‫ا تعالى‪] :‬خ ر‬
‫التوحيد أولا بالدليل ؛ وبعد ذلك وصلوا لإلى مرتبة الشهود والعيان‪ ،‬والنبياء عليهم‬
‫السلم وقفوا بأول وهلة على ساحل العيان‪ ،‬ثم وصلوا لإلى ما ل يعبر عنه‬
‫بالعرفأان‪ .‬فأكانت بدايتهم عليهم السلم نهاية العارفأين( ]قوانين حكم اللشراق لإلى‬
‫كافة الصوفية في جميع الفاق‪ ،‬قانون الولية الخاصة ص ‪[58‬هلل‪.‬‬

‫‪5‬ـ ومما نقل عن أبي الحسن الشاذلي رحمه ا تعالى قوله‪] :‬يصل الولي لإلى رتبة‬
‫يزول عنه فأيها كلفة التكليف[‪ .‬فأأجاب أبو المواهب بقوله‪) :‬قلنا‪ :‬يكون الولي أولا‬
‫يجد كلفة التعب‪ ،‬فألإذا وصل‪،‬وجد بالتكليف الراحة والطرب‪ ،‬من باب قوله صلى‬
‫ا عليه وسلم‪" :‬أررحنا بها يا بلل" ]يا بلل أرحنا بالصلة‪ .‬رواه اللمام أحمد فأي‬
‫مسنده‪ .‬ورواه أبو داود فأي كتاب الدب‪ :‬باب فأي صلة العتمة يا بلل أقم الصلة‬
‫أرحنا بها عن سالم بن أبي الجعد[‪ .‬ذلك مقصد الرجال( ]"قوانين حكم اللشراق"‬
‫ص ‪[59‬هلل‪.‬‬

‫‪6‬ـ ومن الكلمات التي لها تأويل شرعي صحيح كلمة ]مدد[ التي سيرصددها بعض‬
‫الصوفأية‪ ،‬فأينادي بها أحدهم رسول ا صلى ا عليه وسلم أو يخاطب بها شيخه‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫وحجة المعتلرض عليهم أن هذه الكلمة هي سؤال لغير ا واستعانة بسواه ول‬
‫يجوز السؤال لإل له ول الستعانة لإل به ؛ حيث قال الرسول صلى ا عليه وسلم‪:‬‬
‫"لإذا سألت فأاسأل ا‪ ،‬ولإذا استعنت فأاستعن بال" ]أخرجه الترمذي فأي كتاب صفة‬
‫القيامة عن عبد ا بن عباس رضي ا عنهما‪ .‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح[‪ ،‬ثم لإن‬
‫ا تعالى بفين فأي كتابه العزيز أنه هو مصدر اللمداد حين قال‪} :‬سكلا نسلميد هؤلء‬
‫وهؤلء لمرن عطالء رصبك‪] {...‬اللسراء‪.[20 :‬‬

‫وقد جهل هؤلء المعترضون أن السادة الصوفأية هم أهل التوحيد الخالص‪ ،‬الذين‬
‫يأخذون بيد مريديهم ليذيقوهم حلوة الليمان‪ ،‬وصفاء اليقين ؛ ويخلصوهم من‬
‫شوائب الشرك فأي جميع صوره وأنواعه‪.‬‬

‫ولتوضيح المراد من كلمة ]مدد[ نقول‪ :‬لبد للمؤمن فأي جميع أحواله أن تكون له‬
‫نظرتان‪:‬‬

‫ـ نظرية توحيدية ل تعالى‪ ،‬بأنه وحده مسبب السباب‪ ،‬والفاعل المطلق فأي هذا‬
‫الكون‪ ،‬المنفرسد بالليجاد واللمداد‪ ،‬ول يجوز للعبد أن يشرك معه أحداا من خلقه‪،‬‬
‫مهما عل قدره أو سمت رتبته من نبي أو ولي‪.‬‬

‫ـ ونظرة للسباب التي أثبتها ا تعالى بحكمته‪ ،‬حيث جعل لكل شيء سبباا‪.‬‬

‫فأالمؤمن يتخذ السباب ولكنه ل يعتمد عليها ول يعتقد بتأثيرها الستقللي‪ ،‬فألإذا‬
‫نظر العبد لإلى السبب واعتقد بتأثيره المستقل عن ا تعالى فأقد أشرك‪ ،‬لنه جعل‬
‫اللله الواحد آلهة متعددين‪ .‬ولإذا نظر للمسصبب وأهمل اتخاذ السباب‪ ،‬فأقد خالف سنة‬
‫ب ول‬‫ا الذي جعل لكل شيء سبباا‪ .‬والكمال هو النظر بالعينين معاا‪ ،‬فأنشهد المسبص ر‬
‫نهمل السبب‪ .‬ولتوضيح هذه الفكرة نسوق بعض المثلة عليها‪:‬‬

‫ـ لإن ا تعالى وحده هو خالق البشر ؛ ومع ذلك فأقد جعل لخلقهم سببا ا عادياا‪ ،‬وهو‬
‫التقاء الزوجين‪ ،‬وتكيوسن الجنين فأي رحم الم‪ ،‬وخروجه منه فأي أحسن تقويم‪.‬‬

‫ـ وكذلك فألإن ا تعالى هو وحده المميت ؛ ولكنه جعل للماتة سببا ا هو ملك‬
‫س‪]{...‬الزمر‪.[42 :‬‬ ‫الموت‪ ،‬فألإذا لحظنا المسبب قلنا‪} :‬اس يرترروففأى الرنفس ر‬

‫ولإذا قلنا‪ :‬لإن فألناا قد توفأاه ملك الموت‪ ،‬ل نكون قد أشركنا مع ا لإلها ا آخر ؛ لننا‬

‫‪190‬‬
‫ت الذي سوصكرل‬ ‫لحظنا السبب‪ ،‬كما بينه ا تعالى فأي قوله‪} :‬قسرل يتروفأاسكرم رملر س‬
‫ك المو ل‬
‫بلسكم{ ]السجدة‪.[11 :‬‬

‫ـ وكذلك فألإن ا تعالى هو الرزاق‪ ،‬ولكنه جعل للرزق أسبابا ا عادية كالتجارة‬
‫والزراعة‪ ..‬فألإذا لحظنا المسبب فأي معرض التوحيد‪ ،‬أدركنا قوله تعالى‪} :‬إفن ار‬
‫ق ذو القفولة الملتيسن{ ]الذاريات‪ .[58 :‬ولإذا لحظنا السبب وقلنا‪ :‬لإن فألنا ا‬
‫هرو الفرفزا س‬
‫ق من كسبله‪ ،‬ل نكون بذلك قد أشركنا‪ ،‬فأرسول ا صلى ا عليه وسلم يقول‪:‬‬ ‫سيررز س‬
‫"ما أكل أحد طعاما ا قط خيراا من أن يأكل من عمل يده" ]أخرجه البخاري فأي‬
‫صحيحه فأي كتاب البيوع‪ ،‬باب كسب الرجل وعمله بيده‪ ،‬عن المقدام رضي ا‬
‫عنه[‪ .‬وقد جمع الرسول صلى ا عليه وسلم بين النظرتين توضيحا ا للمر وبيانا ا‬
‫للكمال فأي قوله‪" :‬ولإنما أنا قاسم وا يعطي" ]أخرجه البخاري فأي صحيحه فأي‬
‫كتاب العلم‪ ،‬باب من يرد ا به خيراا‪ ،‬عن معاوية رضي ا عنه[‪.‬‬

‫لنعام‪ ،‬فأفي معرض التوحيد قوله تعالى‪} :‬وما بلسكم لمرن‬ ‫ـ وكذلك المر بالنسبة ل ل‬
‫ا{ ]النحل‪ .[53 :‬لنه المنعم الحقيقي وحده‪ .‬وفأي معرض الجمع بين‬ ‫لنعرمظة فأرلمرن ل‬
‫ت‬ ‫ملحظة المسصبب والسبب قوله تعالى‪} :‬وإرذ رتقوسل للذي أررنرعرم اس عليله وأرنرعرم ر‬
‫عليه‪] {...‬الحزاب‪ .[37 :‬فأليس الرسول صلى ا عليه وسلم شريكا ا ل فأي‬
‫عطائه‪ ،‬ولإنما سيقت النعم لزيد بن حارثة رضي ا عنه بسببه صلى ا عليه‬
‫ق بفضله‪ ،‬وتزوج باختياره‪..‬‬ ‫وسلم‪ ،‬فأقد أسلم على يديه‪ ،‬وسأعتل ر‬

‫ت فأاستعن بال"‪.‬‬ ‫ـ وكذلك بالنسبة للستعانة‪ ،‬لإذا نظرنا للمسبب قلنا‪" :‬لإذا استعرن ر‬
‫ولإذا نظرنا للسبب قلنا‪} :‬وتعاونوا على البصر والتقوى{ ]المائدة‪" .[2 :‬وا فأي‬
‫عون العبد ما كان العبد فأي عون أخيه" ]أخرجه مسلم فأي كتاب الذكر‪ ،‬باب فأضل‬
‫الجتماع على تلوة القرآن‪ ،‬عن أبي هريرة رضي ا عنه[‪ .‬فألإذا قال المؤمن‬
‫لخيه‪ :‬أرلعصني على حمل هذا المتاع ؛ ل يكون مشركا ا مع ا تعالى أحداا أو مستعينا ا‬
‫بغير ا‪ ،‬لن المؤمن ينظر بعينيه‪ ،‬فأيرى المسصبب والسبب‪ ،‬وكل من يتهمه‬
‫بالشرك فأهو ضال مضل‪.‬‬

‫ـ وهكذا المر بالنسبة للهداية ؛ لإذا نظرنا للمسبب‪ ،‬رأينا أن الهادي هو ا وحده‪،‬‬
‫ت{‬ ‫لهذا قال ا تعالى لرسوله صلى ا عليه وسلم‪} :‬إنف ر‬
‫ك ل تهلدي رمرن أحبررب ر‬
‫]القصص‪ .[56 :‬ولإذا لحظنا السبب‪ ،‬نرى قول ا تعالى لرسوله صلى ا عليه‬
‫ك لررتهدي إلى صراظط سمسرتقيظم{ ]الشورى‪ .[52 :‬أي تكون سببا ا فأي هداية‬ ‫وسلم‪} :‬وإنف ر‬
‫من أراد ا هدايته‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫والعلماء العارفأون المرشدون هم ورثة الرسول صلى ا عليه وسلم فأي هداية‬
‫الخلق ودللتهم على ا تعالى‪ .‬فألإذا استرشد مريد بشيخه‪ ،‬فأقد اتخذ سببا ا من أسباب‬
‫الهداية التي أمر ا بها‪ ،‬وجعل لها أئمة يدلون عليها }ورجرعرلنا لمرنسهم أرئلفمةا ريهسدورن‬
‫صربروا وكانوا بآيالتنا يولقنورن{ ]السجدة‪.[24 :‬‬
‫بأملرنا لفما ر‬

‫وصلة المريد هي صلة روحية‪ ،‬ل تفصلها المسافأات ول الحواجز المادية‪ ،‬ولإذا‬
‫كانت السجسدر والمسافأات ل تفصل أصوات الثير فأكيف تفصل بين الرواح‬
‫المطلقة ؟! لذا قالوا‪) :‬شيخك هو الذي ينفعك سبعسده كما ينفعك قرسبه( وبما أن الشيخ‬
‫هو سبب هداية المريد ؛ فألإن المريد لإذا تعلق بشيخه‪ ،‬وطلب منه المدد‪ ،‬ل يكون قد‬
‫أشرك بال تعالى‪ ،‬لنه يلحظ هنا السبب‪ ،‬كما أوضحناه سابقاا‪ ،‬مع اعتقاده أن‬
‫ي والسملمفد هو ا تعالى‪ ،‬وأن الشيخ ليس لإل سبباا‪ ،‬أقامه ا لهداية خلقه‪،‬‬
‫الهاد ر‬
‫ولإمدادهم بالنفحات القلبية‪ ،‬والتوجيهات الشرعية‪ .‬ورسول ا صلى ا عليه وسلم‬
‫هو البحر الزاخر الذي يستمد منه هؤلء الشيوخ وعنه يصدرون‪.‬‬

‫فألإذا سلمنا بقيام الصلة الروحية بين المريد وشيخه‪ ،‬سلمنا بقيام المدد المترتب‬
‫عليها‪ ،‬لن ا يرزق البعض بالبعض فأي أمر الدين والدنيا‪.‬‬

‫ولعل القارىء الكريم بعد هذا‪ ،‬قد اكتفى بهذه المثلة من كلم القوم‪ ،‬وبتلك النقول‬
‫الصريحة من عباراتهم‪ ،‬حتى لإذا ما رأى كلما ا مشتبها ا يحتمل ويحتمل‪ ،‬أحسن‬
‫الظن بهم‪ ،‬والتمس سبلا لتأويل كلمهم بعد أن تبين له أن التأويل جائز فأي كلم ا‬
‫تعالى وسنة رسوله صلى ا عليه وسلم وكلم الفقهاء والمحدثين والصوليين‬
‫والنحويين وغيرهم‪ .‬ولهذا قال اللمام النووي رحمه ا تعالى‪) :‬يحرم على كل‬
‫عاقل أن يسيء الظن بأحد من أولياء ا عز وجل‪ ،‬ويجب عليه أن يؤول أقوالهم‬
‫وأفأعالهم مادام لم يلحق بدرجتهم‪ ،‬ول يعجز عن ذلك لإل قليل التوفأيق( ]"اليواقيت‬
‫وأالجواهر" ج ‪ .1‬ص ‪[11‬هلل‪.‬‬

‫وأحدة الوجود وأالحلول وأالتحاد‬

‫الحلول وأالتحاد‪:‬‬
‫لإن من أهم ما يتحامل به المغرضون على السادة الصوفأية اتهامهم جهلا وزوراا‬
‫بأنهم يقولون بالحلول والتحاد‪ ،‬بمعنى أن ا سبحانه وتعالى قد حفل فأي جميع‬
‫أجزاء الكون ؛ فأي البحار والجبال والصخور والشجار واللنسان والحيوان‪ ..‬لإلخ‪،‬‬

‫‪192‬‬
‫أو بمعنى أن المخلوق عين الخالق‪ ،‬فأكل الموجودات المحسوسة والمشاهدة فأي هذا‬
‫الكون هي ذات ا تعالى وعينه‪ .‬تعالى ا عن ذلك علواا كبيراا‪.‬‬

‫ولشك أن هذا القول كفر صريح يخالف عقائد المة‪ .‬وما كان للصوفأية وهم‬
‫المتحققون باللسلم والليمان واللحسان أن ينزلقوا لإلى هذا الدرك من الضلل‬
‫والكفر‪ ،‬وما ينبغي لمؤمن منصف أن يرميهم بهذا الكفر جزافأا ا دون تمحيص أو‬
‫تثبت‪ ،‬ومن غير أن يفهم مرادهم‪ ،‬ويطلع على عقائدهم الحقة التي ذكروها‬
‫صريحة واضحة فأي سأمهات كتبهم‪ ،‬كالفتوحات المكية‪ ،‬ولإحياء علوم الدين‪،‬‬
‫والرسالة القشيرية وغيرها‪..‬‬

‫ولعل بعض المغرضين المتحاملين على الصوفأية يقولون‪ :‬لإن هذا القول بتبرئة‬
‫السادة الصوفأية من فأكرة الحلول والتحاد‪ ،‬لإنما هو تهرب من الواقع أو دفأاع‬
‫مغرض عن الصوفأية بدافأع التعصب والهوى‪ ،‬فأهلف تأتون بدليل من كلمهم يبرىء‬
‫ساحتهم من هذه التهم ؟!‪.‬‬

‫فألبيان الحقيقة الناصعة نورد نبذاا من كلم السادة الصوفأية تثبت براءرتهم مما‬
‫س من الوقوع فأي هذه العقيدة‬ ‫ايتهموا به من القول بالحلول والتحاد‪ ،‬وتحذيررهم النا ر‬
‫الزائغة‪ ،‬وستظلهر بوضوح أن ما نسب لإليهم من أقوال تفيد الحلول أو التحاد لإما‬
‫مدسوسة عليهم‪ ،‬أو مؤولة ]انظر موضوعي الدس صا ‪ 398‬والتأويل صا ‪415‬‬
‫فأي هذا الكتاب[ بما يلئم هذه النصوصا الصريحة التالية الموافأقة لعقيدة أهل السنة‬
‫والجماعة‪.‬‬

‫يقول الشعراني رحمه ا تعالى‪) :‬ولعمري لإذا كان سعفباد الوثان لم يتجرؤوا على‬
‫أن يجعلوا آلهتهم عين ا ؛ بل قالوا‪ :‬ما نعبدهم لإل ليقربونا لإلى ا زلفى‪ ،‬فأكيف‬
‫ظن بأولياء ا تعالى أنهم يفدعون التحاد بالحق على حيد ما تتعقله العقول‬ ‫يس ر‬
‫الضعيفة ؟! هذا كالمحال فأي حقهم رضي ا تعالى عنهم‪ ،‬لإذ ما لمن وليي لإل وهو‬
‫يعلم أن حقيقته تعالى مخالفة لسائر الحقائق‪ ،‬وأنها خارجة عن جميع معلومات‬
‫الخلئق‪ ،‬لن ا بكل شيء محيط( ]اليواقيت والجواهر ج ‪ 1‬صا ‪.[83‬‬

‫والحلول والتحاد ل يكون لإل بالجناس‪ ،‬وا تعالى ليس بجنس حتى يحفل‬
‫بالجناس‪ ،‬وكيف يحل القديم فأي الحادث‪ ،‬والخالق فأي المخلوق! ؟ لإن كان حلورل‬
‫رعررض فأي جوهر فأال تعالى ليس عرضاا‪ ،‬ولإن كان حلورل جوهر فأي جوهر فأليس‬
‫ا تعالى جوهراا‪ ،‬وبما أن الحلول والتحاد بين المخلوقات محال ؛ لإذ ل يمكن أن‬

‫‪193‬‬
‫يصير رجلن رجلا واحداا لتباينهما فأي الذات ؛ فأالتباين بين الخالق والمخلوق‪،‬‬
‫وبين الصانع والصنعة‪ ،‬وبين الواجب الوجود والممكن الحادث أعظم وأولى لتباين‬
‫الحقيقتين‪.‬‬

‫وما زال العلماء‪ ،‬ومحققو الصوفأية يبينون بطلن القول بالحلول والتحاد‪،‬‬
‫وينبهون على فأساده‪ ،‬ويحذرون من ضلله‪ .‬قال الشيخ محي الدين بن عربي‬
‫رحمه ا تعالى فأي عقيدته الصغرى‪) :‬تعالى الحق أن تحله الحوادث أو يحلها(‬
‫]الفتوحات المكية للشيخ الكبر محي الدين بن عربي‪ ،‬كما في اليواقيت‬
‫وأالجواهر ج ‪ .1‬ص ‪[81-80‬هلل‪.‬‬

‫وقال فأي عقيدته الوسطى‪) :‬اعلم أن ا تعالى واحد باللجماع‪ ،‬ومقام الواحد يتعالى‬
‫أن يحل فأيه شيء‪ ،‬أو يحل هو فأي شيء‪ ،‬أو يتحد فأي شيء( ]الفتوحات المكية‬
‫للشيخ الكبر محي الدين بن عربي‪ ،‬كما في اليواقيت وأالجواهر ج ‪ .1‬ص ‪-80‬‬
‫‪[81‬هلل‪.‬‬

‫وقال فأي باب السرار‪) :‬ل يجوز لعارف أن يقول‪ :‬أنا ا ‪ ،‬ولو بلغ أقصى‬
‫درجات القرب‪ ،‬وحاشا العارف من هذا القول حاشاه‪ ،‬لإنما يقول‪ :‬أنا العبد الذليل‬
‫فأي المسير والمقيل( ]الفتوحات المكية للشيخ الكبر محي الدين بن عربي‪ ،‬كما‬
‫في اليواقيت وأالجواهر ج ‪ .1‬ص ‪[81-80‬هلل‪.‬‬

‫وقال فأي الباب التاسع والستين ومائة‪) :‬القديم ل يكون قط محلا للحوادث‪ ،‬ول‬
‫يكون حالا فأي المحردث( ]الفتوحات المكية للشيخ الكبر محي الدين بن عربي‪،‬‬
‫كما في اليواقيت وأالجواهر ج ‪ .1‬ص ‪[81-80‬هلل‪.‬‬

‫وقال فأي باب السرار‪) :‬من قال بالحلول فأهو معلول‪ ،‬فألإن القول بالحلول مرض ل‬
‫يزول‪ ،‬وما قال بالتحاد لإل أهل الللحاد‪ ،‬كما أن القائل بالحلول من أهل الجهل‬
‫والفضول ( ]الفتوحات المكية للشيخ الكبر محي الدين بن عربي‪ ،‬كما في‬
‫اليواقيت وأالجواهر ج ‪ .1‬ص ‪[81-80‬هلل‪.‬‬

‫وقال فأي باب السرار أيضاا‪) :‬الحادث ل يخلو عن الحوادث‪ ،‬ولو حل بالحاد ل‬
‫ث‬
‫القديسم لصح قول أهل التجسيم‪ ،‬فأالقديم ل يحل ول يكون مح ا‬
‫ل( ]الفتوحات المكية‬
‫للشيخ الكبر محي الدين بن عربي‪ ،‬كما في اليواقيت وأالجواهر ج ‪ .1‬ص ‪-80‬‬
‫‪[81‬هلل‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫وقال فأي الباب التاسع والخمسين وخمسمائة بعد كلم طويل‪) :‬وهذا يدلك على أن‬
‫العالم ما هو عين الحق‪ ،‬ول حل فأيه الحق‪ ،‬لإذ لو كان عيرن الحق‪ ،‬أو حفل فأيه لما‬
‫كان تعالى قديما ا ول بديعاا( ]الفتوحات المكية للشيخ الكبر محي الدين بن عربي‪،‬‬
‫كما في اليواقيت وأالجواهر ج ‪ .1‬ص ‪[81-80‬هلل‪.‬‬

‫وقال فأي الباب الرابع عشر وثلثمائة‪) :‬لو صفح أن يرقى اللنسان عن لإنسانيته‪،‬‬
‫ك عن ملكيته‪ ،‬ويتحد بخالقه تعالى‪ ،‬لصفح انقلب الحقائق‪ ،‬وخرج اللله عن‬ ‫والرمل س‬
‫كونه لإلهاا‪ ،‬وصار الحق خلقاا‪ ،‬والخلق حقاا‪ ،‬وما وثق أحد بعلم‪ ،‬وصار المحال‬
‫واجباا‪ ،‬فأل سبيل لإلى قلب الحقائق أبداا( ]الفتوحات المكية للشيخ الكبر محي‬
‫الدين بن عربي‪ ،‬كما في اليواقيت وأالجواهر ج ‪ .1‬ص ‪[81-80‬هلل‪.‬‬

‫وكذلك جاء فأي شعره ما ينفي الحلول والتحاد كقوله‪:‬‬


‫ودرع مقالةر قوم قال عالسمهم بأفنه باللله الواحد اترحدا‬
‫التحاسد سمسحافل ل يقول به لإل جهوفل به عن عقلله رشررردا‬
‫وعن حقيقلته وعن شريعلته فأاعبرد لإلرهك ل تشررك به أررحدا‬

‫وقال أيضاا فأي الباب الثاني والتسعين ومائتين‪) :‬من أعظم دليل على نفي الحلول‬
‫والتحاد الذي يتوهمه بعضهم‪ ،‬أن تعلم عقلا أن القمر ليس فأيه من نور الشمس‬
‫شيء‪ ،‬وأن الشمس ما انتقلت لإليه بذاتها‪ ،‬ولإنما كان القمر محلا لها‪ ،‬فأكذلك العبد‬
‫ليس فأيه من خالقه شيء ول حل فأيه( ]الفتوحات المكية للشيخ الكبر محي الدين‬
‫بن عربي‪ ،‬كما في اليواقيت وأالجواهر ج ‪ .1‬ص ‪[81-80‬هلل‪.‬‬

‫قال صاحب كتاب نهج الرشاد فأي الرد على أهل الوحدة والحلول والتحاد‪:‬‬
‫ت‪ ،‬بالشيخ أبي العباس المرسي ـ‬‫)حدثني الشيخ كمال الدين المراغي قال‪ :‬اجتمع س‬
‫ضته فأي هؤلء التحادية‪ ،‬فأوجدته‬‫تلميذ الشيخ الكبير أبي الحسن الشاذلي ـ وفأاو ر‬
‫شديد اللنكار عليهم‪ ،‬والنهي عن طريقهم‪ ،‬وقال‪ :‬أتكون الصنعة هي عين‬
‫الصانع ؟!( ]الحاوأي للفتاوأي في الفقه وأعلوم التفسير للعلمة جلل الدين‬
‫السيوطي ج ‪ .2‬ص ‪[134‬هلل‪.‬‬

‫وأما ما ورد من كلم السادة الصوفأية فأي كتبهم مما يفيد ظاهره الحلول والتحاد‪،‬‬
‫فأهو لإما مدسوس عليهم‪ ،‬بدليل ما سبق من صريح كلمهم فأي نفي هذه العقيدة‬
‫الضالة‪ .‬ولإما أنهم لم يقصدوا به القول بهذه الفكرة الخبيثة والنحلة الدخيلة‪ ،‬ولكن‬

‫‪195‬‬
‫المغرضين حملوا المتشابه من كلمهم على هذا الفهم الخاطىء‪ ،‬ورموهم بالزندقة‬
‫والكفر‪.‬‬

‫أما الراسخون فأي العلم والمدققون المنصفون من العلماء فأقد فأهموا كلمهم على‬
‫معناه الصحيح الموافأق لعقيدة أهل السنة والجماعة‪ ،‬وأدركوا تأويله بما يناسب ما‬
‫عرف عن الصوفأية من لإيمان وتقوى‪.‬‬

‫قال العلمة جلل الدين السيوطي رحمه ا تعالى فأي كتابه الحاوي للفتاوي‪:‬‬
‫)واعلم أنه وقع فأي عبارة بعض المحققين لفظ التحاد‪ ،‬لإشارة منهم لإلى حقيقة‬
‫التوحيد‪ ،‬فألإن التحاد عندهم هو المبالغة فأي التوحيد‪ .‬والتوحيد معرفأة الواحد‬
‫والحد‪ ،‬فأاشتبه ذلك على من ل يفهم لإشاراتلهم‪ ،‬فأحملوه على غير محمله ؛ فأغلطوا‬
‫وهلكوا بذلك‪ ..‬لإلى أن قال‪ :‬فألإذن أصل التحاد باطل محال‪ ،‬مردود شرعا ا وعقلا‬
‫وعرفأا ا بلإجماع النبياء ومشايخ الصوفأية وسائر العلماء والمسلمين‪ ،‬وليس هذا‬
‫مذهب الصوفأية‪ ،‬ولإنما قاله طائفة غلة لقلة علمهم وسوء حظهم من ا تعالى‪،‬‬
‫فأشابهوا بهذا القولل النصارى الذين قالوا فأي عيسى عليه السلم‪ :‬اتفرحد ناسوتسهس‬
‫ل‪ ،‬ولإن‬‫بلهوتلله‪ .‬وأما رمرن حفظه ا تعالى بالعناية‪ ،‬فألإنهم لم يعتقدوا اتحاداا ول حلو ا‬
‫وقع منهم لفظ التحاد فألإنما يريدون به محو أنفسهم‪ ،‬ولإثبات الحق سبحانه‪.‬‬

‫قال‪ :‬وقد يسرذركر التحاد بمعنى فأناء المخالفات ‪ ،‬وبقاء الموافأقات‪ ،‬وفأناء حظوظ‬
‫النفس من الدنيا‪ ،‬وبقاء الرغبة فأي الخرة‪ ،‬وفأناء الوصاف الذميمة‪ ،‬وبقاء‬
‫الوصاف الحميدة‪ ،‬وفأناء الشك‪ ،‬وبقاء اليقين‪ ،‬وفأناء الغفلة وبقاء الذكر‪.‬‬

‫قال‪ :‬وأما قول أبي يزيد البسطامي رحمه ا تعالى‪] :‬سبحاني‪ ،‬ما أعظم شأني[‬
‫فأهو فأي معرض الحكاية عن ا‪ ،‬وكذلك قول من قال‪] :‬أنا الحق[ محمول على‬
‫الحكاية‪ ،‬ول يسظرين بهؤلء العارفأين الحلول والتحاد‪،‬لن ذلك غير مظنون بعاقل‪،‬‬
‫ظين بالعقلء‬‫فأضلا عن المتميزين بخصوصا المكاشفات واليقين والمشاهدات‪ .‬ول يس ر‬
‫المتميزين على أهل زمانهم بالعلم الراجح والعمل الصالح والمجاهدة وحفظ حدود‬
‫ط بالحلول والتحاد‪ ،‬كما غلط النصارى فأي ظنهم ذلك فأي حق عيسى‬ ‫الشرع الغل س‬
‫ت جهللة المتصوفأة‪ ،‬وأما العلماء‬
‫عليه السلم‪ .‬ولإنما حدث ذلك فأي اللسلم من واقعا ل‬
‫العارفأون المحققون فأحاشاهم من ذلك‪ ..‬لإلى أن قال‪:‬‬

‫والحاصل أن لفظ التحاد مشترك‪ ،‬فأيطلق على المعنى المذموم الذي هو أخو‬
‫الحلول‪ ،‬وهو كفر‪ .‬ويطلق على مقام الفناء اصطلحا ا اصطلح عليه الصوفأية‪ ،‬ول‬

‫‪196‬‬
‫مشاحة فأي الصطلح‪ ،‬لإذ ل يمنع أحد من استعمال لفظ فأي معنى صحيح‪ ،‬ل‬
‫محذور فأيه شرعاا‪ ،‬ولو كان ذلك ممنوعاا لم يجز لحد أن يتفوه بلفظ التحاد‪ ،‬وأنت‬
‫تقول‪ :‬بيني وبين صاحبي زيد اتحاد‪.‬‬

‫وكم استعمل المحصدثون والفقهاء والنحاة وغيرهم لفظ التحاد فأي معان حديثية‬
‫وفأقهية ونحوية‪.‬‬

‫كقول المحصدثين‪ :‬اتحد مخرج الحديث‪.‬‬


‫وقول الفقهاء‪ :‬اتحد نوع الماشية‪.‬‬
‫وقول النحاة‪ :‬اتحد العامل لفظا ا أو معنى‪.‬‬

‫وحيث وقع لفظ التحاد من محققي الصوفأية‪ ،‬فألإنما يريدون به معنى الفناء الذي هو‬
‫محو النفس‪ ،‬ولإثبات المر كله ل سبحانه‪ ،‬ل ذلك المعنى المذموم الذي يقشعر له‬
‫الجلد‪ .‬وقد أشار لإلى ذلك سيدي علي بن وفأا‪ ،‬فأقال من قصيدة له‪:‬‬

‫يظينوا بي حلولا واتحاداا وقلبي لمرن سوى التوحيد خالي‬


‫فأتبرأ من التحاد بمعنى الحلول‪ ،‬وقال فأي أبيات أسرخرر‪:‬‬
‫وعلسمك أفن كفل الملر أرمري هو المعنى المسمى باتحاد‬

‫فأذكر أن المعنى الذي يريدونه بالتحاد لإذا أطلقوه‪ ،‬هو تسليم المر كله ل‪ ،‬وترك‬
‫ي على مواقع أقداره من غير اعتراض‪ ،‬وترك نسبة‬ ‫اللرادة معه والختيار‪ ،‬والجر س‬
‫شيظء ما لإلى غيره( ]الحاوأي للفتاوأي في الفقه وأعلوم التفسير وأالحديث‬
‫وأالصول وأالنحو وأاللعراب وأسائر الفنون للعلمة جلل الدين السيوطي صاحب‬
‫التآليف الكثيرة المتوفى سنة ‪911‬هـ‪ .‬ج ‪ .2‬ص ‪[134‬هلل‪.‬‬

‫ونقل الشعراني عن سيدي علي بن وفأا رحمهما ا تعالى قوله‪) :‬المراد بالتحاد‬
‫حيث جاء فأي كلم القوم فأناء العبد فأي مراد الحق تعالى‪ ،‬كما يقال‪ :‬بين فألن‬
‫وفألن اتحاد‪ ،‬لإذا عمل كل منهما بمراد صاحبه‪ ،‬ثم أنشد‪:‬‬
‫وعلسمك أفن كفل الملر أمري هو المعنى المسفمى باتحاد‬
‫]اليواقيت وأالجواهر للشعراني ج ‪ .1‬ص ‪[83‬هلل‪.‬‬

‫وقال العلمة ابن قيم الجوزية رحمه ا تعالى فأي كتابه مدارج السالكين شرح‬
‫منازل السائرين‪) :‬الدرجة الثالثة من درجات الفناء‪ :‬فأناء خواصا الولياء وأئمة‬

‫‪197‬‬
‫المقربين‪ ،‬وهو الفناء عن لإرادة السوى‪ ،‬شائما ا برق الفنالء عن لإرادة ما سواه‪ ،‬سالكا ا‬
‫سبيل الجمع على ما يحبه ويرضاه‪ ،‬فأانياا بمراد محبوبه منه‪ ،‬عن مراده هو من‬
‫محبوبه‪ ،‬فأضلا عن لإرادة غيره‪ ،‬قد اتحد مراده بمراد محبوبه‪ ،‬أعني المراد الديني‬
‫المري‪ ،‬ل المراد الكوني القدري‪ ،‬فأصار المرادان واحداا‪ ..‬ثم قال‪ :‬وليس فأي‬
‫العقل اتحاد صحيح لإل هذا‪ ،‬والتحاد فأي العلم والخبر‪ .‬فأيكون المرادان والمعلومان‬
‫والمذكوران واحداا مع تباين اللرادتين والعلمين والخبرين‪ ،‬فأغاية المحبة اتحاد‬
‫مراد المحب بمراد المحبوب‪ ،‬وفأناء لإرادة المحب فأي مراد المحبوب‪ .‬فأهذا التحاد‬
‫والفناء هو اتحاد خواصا المحبين وفأناؤهم ؛ قد فأرنرروا بعبادة محبوبهم‪ ،‬عن عبادة ما‬
‫سواه‪ ،‬وبحبه وخوفأه ورجائه والتوكل عليه والستعانة به والطلب منه عن حب ما‬
‫سواه‪ .‬ورمرن تحقق بهذا الفناء ل يحب لإل فأي ا‪ ،‬ول يبغض لإل فأيه‪ ،‬ول يوالي لإل‬
‫فأيه‪ ،‬ول يعادي لإل فأيه‪ ،‬ول يعطي لإل ل‪ ،‬ول يمنع لإل ل‪ ،‬ول يرجو لإل لإياه‪ ،‬ول‬
‫ب لإليه مما‬ ‫يستعين لإل به‪ ،‬فأيكون دينه كله ظاهراا وباطنا ا ل‪ ،‬ويكون ا ورسولهس أح ف‬
‫سواهما‪ ،‬فأل يوايد من حافد ا ورسوله ولو كان أقرب الخلق لإليه‪،‬‬

‫س كصلهم جميعا ا ولو كارن الحبي ر‬


‫ب المصافأيا‬ ‫بل سعادي الذي عادى لمن النا ل‬

‫وحقيقة ذلك فأناؤه عن هوى نفسه‪ ،‬وحظوظها بمراضي ربه تعالى وحقوقه‪،‬‬
‫والجامع لهذا كله تحقيق شهادة أن ل لإله لإل ا علما ا ومعرفأة وعملا وحالا‬
‫وقصداا‪ ،‬وحقيقة هذا النفي واللثبات الذي تضمنرتهس هذه الشهادة هو الفناء والبقاء‪،‬‬
‫فأيفنى عن تأله ما سواه علما ا ولإقراراا وتعبداا‪ ،‬ويبقى بتألهه وحده‪ ،‬فأهذا الفناء وهذا‬
‫البقاء هو حقيقة التوحيد‪ ،‬الذي اتفقت عليه المرسلون صلوات ا عليهم‪ ،‬وسأنزلت‬
‫به الكتب‪ ،‬وخلقت لجله الخليقة‪ ،‬وشرعت له الشرائع‪ ،‬وقامت عليه سوق الجنة‪،‬‬
‫وأسس عليه الرخرلق والمر‪ ..‬لإلى أن قال‪ :‬وهذا الموضع مما غلط فأيه كثير من‬
‫أصحاب اللرادة‪ .‬والمعصوم من عصمه ا‪ ،‬وبال المستعان والتوفأيق والعصمة(‬
‫]مدارج السالكين شرح منازل السائرين ج ‪ .1‬ص ‪ 90‬وأ ‪ 91‬للعلمة الشهير ابن‬
‫قيم الجوزية المتوفى ‪751‬هـ[هلل‪.‬‬

‫وقال فأي موضع آخر‪) :‬ولإن كان مشمراا للفناء العالي‪ ،‬وهو الفناء عن لإرادة‬
‫السوى‪ ،‬لم يبق فأي قلبه مرافد‪ ،‬يزاحم مراده الديني الشرعي النبوي القرآني‪ ،‬بل‬
‫يتحد المرادان ؛ فأيصير عين مراد الرب تعالى هو عين مراد العبد‪ ،‬وهذا حقيقة‬
‫المحبة الخالصة‪ ،‬وفأيها يكون التحاد الصحيح‪ ،‬وهو التحاد فأي المراد‪ ،‬ل فأي‬
‫المريد ول فأي اللرادة( ]مدارج السالكين شرح منازل السائرين ج ‪ .1‬ص ‪ 90‬وأ‬
‫‪ 91‬للعلمة الشهير ابن قيم الجوزية المتوفى ‪751‬هـ[هلل‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫ورغم أن ابن تيمية مخاصم للسادة الصوفأية‪ ،‬وشديد العداوة لهم‪ ،‬فألإنه يبصرىسء‬
‫ساحتهم من تهمة القول بالتحاد‪ ،‬ويؤول كلمهم تأويلا صحيحا ا سليماا‪ .‬أما تبرئته‬
‫لساحتهم‪ ،‬فأقد قال فأي فأتاويه‪) :‬ليس أحد من أهل المعرفأة بال‪ ،‬يعتقد حلول الرب‬
‫تعالى به أو بغيره من المخلوقات‪ ،‬ول اتحاده به‪ ،‬ولإن سسمع شيء من ذلك منقول‬
‫عن بعض أكابر الشيوخ فأكثير منه مكذوب‪ ،‬اختلقه الفأاكون من التحادية‬
‫المباحية‪ ،‬الذين أضلهم الشيطان وألحقهم بالطائفة النصرانية( ]مجموع فأتاوى ابن‬
‫تيمية قسم التصوف ج ‪ .11‬صا ‪74‬ـ ‪.[75‬‬

‫وقال أيضاا‪) :‬كل المشايخ الذين سيقتردى بهم فأي الدين متفقون على ما اتفق عليه‬
‫سلف المة وأئمتها من أن الخالق سبحانه مباين للمخلوقات‪ .‬وليس فأي مخلوقاته‬
‫شيء من ذاته‪ ،‬ول فأي ذاته شيء من مخلوقاته‪ ،‬وأنه يجب لإفأراد القديم عن‬
‫الحادث‪ ،‬وتمييز الخالق عن المخلوق‪ ،‬وهذا فأي كلمهم أكثر من أن يمكن ذكره‬
‫هنا( ]مجموع فأتاوى ابن تيمية قسم علم السلوك ج ‪ .10‬صا ‪.[223‬‬

‫وأما تأويله لكلمهم فأقد قال فأي مجموعة رسائله‪) :‬وأما قول الشاعر فأي شعره‪:‬‬

‫أنا رمرن أهوى ورمرن أهوى أنا‬

‫فأهذا لإنما أراد به الشاعر التحاد المعنوي‪ ،‬كاتحاد أحد المحربين بالخر‪ ،‬الذي يحب‬
‫أحدهما ما يحب الخر‪ ،‬ويبغض ما يبغضه‪ ،‬ويقول مثل ما يقول‪ ،‬ويفعل مثل ما‬
‫يفعل ؛ وهذا تشابه وتماثل‪ ،‬ل اتحاد العين بالعين‪ ،‬لإذا كان قد استغرق فأي محبوبه‪،‬‬
‫حتى فأني به عن رؤية نفسه‪ ،‬كقول الخر‪:‬‬

‫ك عصني فأظنرن س‬
‫ت أفنك أصني‬ ‫غب س‬
‫تب ر‬

‫فأهذه الموافأقة هي التحاد السائغ( ]مجموع رسائل ابن تيمية صا ‪.[52‬‬

‫من هذه النصوصا المتعددة تبين لنا أن كل ما ورد فأي كلم السادة الصوفأية من‬
‫كلمة ]اتحاد[ لإنما يراد بها هذا الفهم السليم الذي يوافأق عقيدة أهل السنة والجماعة‪،‬‬
‫ول يصح أن نحمل كلمهم على معان تخالف ما صرحوا به من تبصنيهم لعقيدة أهل‬
‫السنة والجماعة‪ .‬وما على المنصف لإل أن يحسن الظن بالمؤمنين‪ ،‬ويؤول كلمهم‬
‫على معنى شرعي مستقيم ]انظر بحث تأويل كلم السادة الصوفأية صا ‪.[415‬‬

‫‪199‬‬
‫وأحدة الوجود‪:‬‬
‫اختلف علماء النظر فأي موقفهم من العارفأين المحققين القائلين بوحدة الوجود‪،‬‬
‫فأمنهم من تسرع باتهامهم بالكفر والضلل‪ ،‬وفأهم كلمهم على غير المراد‪ .‬ومنهم‬
‫من لم يتورط بالتهجم عليهم‪ ،‬فأتثبت فأي المر ورجع لإليهم ليعرف مرادهم‪ .‬لن‬
‫هؤلء العارفأين مع توسعهم فأي هذه المسألة لم يبحثوا فأيها بحثا ا يزيل لإشكال علماء‬
‫النظر‪ ،‬لنهم تكلموا فأي ذلك ودفونوا لنفسهم وتلميذهم ل لمن لم يشهد تلك الوحدة‬
‫ليضاح لتطمئن به قلوب أهل التسليم من علماء‬ ‫من غيرهم‪ ،‬لذلك احتاج المر ل ل‬
‫النظر‪.‬‬

‫ومن العلماء الذين حققوا فأي هذه المسألة‪ ،‬وفأهموا المراد منها السيد مصطفى كمال‬
‫الشريف‪ .‬حيث قال‪) :‬الوجود واحد‪ ،‬لنه صفة ذاتية للحق سبحانه وتعالى‪ ،‬وهو‬
‫واجب فأل يصح تعدده‪ ،‬والموجود هو الممكن‪ ،‬وهو العالرسم فأصح تعدده باعتبار‬
‫حقائقه‪ .‬وقياسمه لإنما هو بذلك الوجود الواجب لذاته‪ ،‬فألإذا زال بقي الوجود كما هو‪،‬‬
‫فأالموجود غير الوجود‪ ،‬فأل يصح أن يقال الوجود اثنان‪ :‬وجود قديم ووجود‬
‫حادث‪ ،‬لإل أن يراد بالوجود الثاني الموجود من لإطلق المصدر على المفعول‪،‬‬
‫فأعلى هذا ل يترتب شيء من المحاذير التي ذكرها أهل النظر على وحدة الوجود‬
‫س ل يرى لإل الهياكل أي الموجود‪،‬‬ ‫القائل بها أهل التحقيق‪ ..‬لإلى أن قال‪ :‬اللح ي‬
‫والروسح ل تشهد لإل الوجود‪ ،‬ولإذا شهدت الموجود فأل تشهده لإل ثانياا‪ ،‬على حصد رمرن‬
‫قال‪ :‬ما رأيت شيئا ا لإل ورأيت ا قبله‪ ،‬وأراد بهذه الرؤية الشهورد ل رؤية البصر‪،‬‬
‫لن الرؤية من خصائص البصر‪ ،‬والشهود من خصائص البصيرة‪ ،‬لذلك ورد‪:‬‬
‫أشهد أن ل لإله لإل ا‪ ،‬ولم يرد أرى ؛ بل ول يصح أن يقال‪ :‬أرى( ]رسالة وحدة‬
‫الوجود للعلمة مصطفى كمال الشريف صا ‪27‬ـ ‪.[28‬‬

‫وهكذا شأن العلماء المنصفين‪ ،‬يغارون على الشريعة الغراء‪ ،‬ويتثفبتون فأي‬
‫المور‪ ،‬دون أن يتسرعوا بتكفير أحد من المؤمنين‪ ،‬ويرجعون فأي فأهم كل حقيقة‬
‫لإلى أهل الختصاصا بها‪.‬‬

‫ونظراا لن مسألة وحدة الوجود أخذت حظا ا كبيراا من اهتمام بعض العلماء‪،‬‬
‫وشغلت أذهان الكثير منهم‪ ،‬أردنا أن نزيد الموضوع لإيضاحا ا وتبسيطا ا خدمة‬

‫‪200‬‬
‫للشريعة وتنويراا للفأهام فأنقول‪:‬‬

‫لإن الوجود نوعان‪ :‬وجود قديم أزلي ؛ وهو واجب‪ ،‬وهو الحق سبحانه وتعالى‪ ،‬قال‬
‫ق{ ]الحج‪ .[22 :‬أي الثابت الوجود‪ ،‬المرحفقق‪.‬‬
‫ك بأفن ار هسرو الرح ي‬
‫تعالى‪} :‬ذلل ر‬

‫ووجود جائز عرضي ممكن‪ ،‬وهو وجود من عداه من السمرحردثات‪.‬‬

‫ولإن القول بوحدة الوجود‪ ،‬وأن الوجود واحد هو الحق تعالى يحتمل معنيين‪:‬‬
‫أحدهما حق‪ ،‬والثاني كفر‪ ،‬ولهذا فأالقائلون بوحدة الوجود فأريقان‪:‬‬

‫‪1‬ـ الفريق الول‪ :‬أرادوا به اتحاد الحق بالخلق‪ ،‬وأنه ل شيء فأي هذا الوجود سوى‬
‫الحق‪ ،‬وأن الكل هو‪ ،‬وأنه هو الكل‪ ،‬وأنه عين الشياء‪ ،‬وفأي كل شيء له آية تدل‬
‫على أنه عينه‪ ..‬فأقوله هذا كفر وزندقة وأشد ضللة من أباطيل اليهود والنصارى‬
‫وعبدة الوثان‪.‬‬

‫وقد شفدد الصوفأية النكير على قائله‪ ،‬وأفأترروا بكفره‪ ،‬وحفذروا الناس من مجالسته‪.‬‬
‫قال العارف بال أبو بكر محمد بناني رحمه ا تعالى‪) :‬فأاحذر يا أخي كفل الحذر‬
‫من الجلوس مع من يقول‪ :‬ما ثرفم لإل ا‪ ،‬ويسترسل مع الهوى‪ ،‬فألإن ذلك هو الزندقة‬
‫المحضة‪ ،‬لإذ العارف المحقق لإذا صح قدمه فأي الشريعة‪ ،‬ورسخ فأي الحقيقة‪ ،‬وترفرفوهر‬
‫ط الشرائع ولإهمال التكاليف‪،‬‬ ‫بقوله‪ :‬ما ثرفم لإل ا‪ ،‬لم يكن قصدهس من هذه العبارة لإسقا ر‬
‫حاش ل أن يكون هذا قصده( ]مدارج السلوك لإلى ملك الملوك للعارف الكبير‬
‫محمد بناني المتوفأى ‪1284‬هـ[‪.‬‬

‫‪2‬ـ الفريق الثاني‪ :‬قالوا ببطلن وكفر ما سذلكرر ؛ من أن الخالق عين المخلوق‪ ،‬ولإنما‬
‫أرادوا بوحدة الوجود وحدة الوجود القديم الزلي‪ ،‬وهو الحق سبحانه‪ ،‬فأهو لشك‬
‫واحد منزه عن التعدد‪ .‬ولم يقصدوا بكلمهم الوجود العرضي المتعدد‪ .‬وهو الكون‬
‫الحادث‪ ،‬نظراا لن وجوده مجازي‪ ،‬وفأي أصله رعردلميي ل يضر ول ينفع‪ .‬فأالكون‬
‫ك إل روجهرسه{‬ ‫معدوم فأي نفسه‪ ،‬هالك فأاظن فأي كل لحظة‪ .‬قال تعالى‪} :‬سكيل رشيظء هالل ف‬
‫]القصص‪ .[88 :‬ولإنما سيظهره الليجاد‪ ،‬ويسرثبسته اللمداد‪ .‬الكائنات ثابتة بلإثباته‪،‬‬
‫وممحوةف برأحصدرية ذاته‪ ،‬ولإنما يسرمسكه سر القيومية فأيه‪ .‬وهؤلء قسمان‪:‬‬

‫‪1‬ـ قسم أخذ هذا الفهم بالعتقاد والبرهان‪ ،‬ثم بالذوق والرعيان‪ ،‬وغلب عليه الشهود‪،‬‬
‫فأاستغرق فأي سلجج بحار التوحيد‪ ،‬فأفني عن نفسه فأضلا عن شهود غيره‪ ،‬مع‬

‫‪201‬‬
‫استقامته على شرع ا تعالى وهذا قوله حق‪.‬‬

‫‪2‬ـ وقسم ظن أن ذلك علم لفظي‪ ،‬فأتوغل فأي تلوة عباراته‪ ،‬وتمفسك بظواهر‬
‫لإشاراته‪ ،‬وغاب فأي شهودها عن شهود الحق‪ ،‬فأربما هانت الشريعة فأي عينيه‪ ،‬لما‬
‫يلتذ به من حلوة تلك اللفاظ‪ ،‬فأيقع على أم رأسه‪ ،‬ويتكلم بما ظاهره أن الشريعة‬
‫فأي جهة يختص بها أهل الغفلة‪ ،‬والحقيقة فأي جهة أخرى يختص بها أهل العرفأان‪،‬‬
‫ورلعمري لإن هذا لهو عين الزور والبهتان‪ ،‬وما ثرفم لإل شريعةف ومقاسم لإحسان‪.‬‬

‫وعلى كيل فأالررولى بالصوفأي فأي هذا الزمان أن يبتعد عن اللفاظ والتعابير التي‬
‫فأيها لإيهام أو غموض أو اشتباه ]انظر بحث بين الحقيقة والشريعة صا ‪ 381‬من‬
‫هذا الكتاب[ لئل يوقع الناس بسوء الظن به‪ ،‬أو تأويل كلمه على غير ما يقصده‪،‬‬
‫ولن كثيراا من الزنادقة والدخلء على الصوفأية قد تكلموا بمثل هذه العبارات‬
‫الموهمة واللفاظ المتشابهة‪ ،‬للير ر‬
‫ظهروا ما يسلكينورنه فأي قلوبهم من عقائد فأاسدة‪،‬‬
‫ولليصلوا بذلك لإلى لإباحة المحرمات‪ ،‬ولليبصرسروا ما يقعون فأيه من المنكرات‬
‫والفواحش‪ ،‬فأاختلط الحق بالباطل‪ ،‬وأسلخرذ المؤمن الصادق بجريرة الفاسق‬
‫المنحرف‪.‬‬

‫صروا تلمذتهم‬
‫لهذا سيفرج الصوفأية بواطنهم وظواهرهم بالشريعة الغفراء‪ ،‬وأرو ر‬
‫ل‪ ،‬فأهي عندهم باب الدخول وسلم الوصول‪ ،‬ورمرن حاد‬ ‫بالتمسك بها قولا وعملا وحا ا‬
‫عنها كان من الهالكين‪ ،‬وقد مر بك كلم الصوفأية فأي التمسك بالشريعة فأارجع لإليه‬
‫فأي هذا الكتاب ]أما ما ثبت من كلم أعلم الصوفأية مما فأيه غموض أو اشتباه‬
‫فأمريده أحد سببين‪:‬‬

‫ت ورموزاا ولإشارا ظ‬
‫ت ل يفهمها غيرهم كما أشرنا‬ ‫أ ـ لإما لنهم التزموا اصطلحا ظ‬
‫لإلى ذلك فأي بحث التأويل‪.‬‬

‫ب ـ ولإما لنهم تكلموا بها فأي حالت الغلبة والشطح‪ .‬ولذلك ل يجوز لمن لم يذق‬
‫مذاقهم ولم يبلغ مراتبهم أن يقلدهم فأي هذه العبارات ويتشدق بها أمام الناس[‪.‬‬

‫وختاما ا نقول‪ :‬لإن تلك النقول عن العلماء العلم‪ ،‬وعن الصوفأية أنفسهم‪ ،‬تكشف‬
‫للقارىء الكريم أن الصوفأية سمربرفؤسون مما سنسب لإليهم من القول بالحلول والتحاد‪،‬‬
‫ووحدة الوجود‪ ،‬وأن كلمهم مؤفول على وجه شرعي‪ ،‬وموافأق لما عليه أهل السنة‬
‫والجماعة‪ ،‬من العقيدة الصحيحة السليمة‪ ،‬وأنهم ما نالوا هذه المواهب العرفأانية لإل‬

‫‪202‬‬
‫بالتمسك بالكتاب والسنة‪ ،‬وأنهم حقيقة رجال السلف الصالح ـ رضي ا عنهم ـ‬
‫الذين تمسكوا بهدي رسول ا صلى ا عليه وسلم ‪ ،‬فأأفألحوا وتحققوا بالتباع‬
‫الكامل له عليه الصلة والسلم‪ ،‬فأنالوا الرضى من ا تعالى‪ ،‬وفأازوا بسعادة‬
‫صصديقيرن والشهدالء والصالحيرن‬ ‫الدارين‪} .‬رورمرن يسلطلع ار والرسورل فأأولئل ر‬
‫ك مرع ال ص‬
‫ك رفأيقاا{ ]النساء‪.[69 :‬‬ ‫ورحسسرن أولئ ر‬

‫بين الصوفية وأأدعياء التصوف‬

‫ف رجافل مغلرضورن تررزيفروا بزيه‪ ،‬وانتسبوا له‪ ،‬فأأساؤوا لإليه بأقوالهم‬


‫لقد شفوهر التصو ر‬
‫وأفأعالهم وسيرتهم‪ ،‬والتصوف منهم براء‪.‬‬

‫فأمن أجل خدمة الحق ولإظهاره علينا أن نفرق بين أدعياء التصوف المنحرفأين‪،‬‬
‫وبين السادة الصوفأية الصادقين العارفأين‪ ،‬وخصوصا ا الئمة منهم الذين كانت لهم‬
‫درجات عليا فأي الليمان والتقوى والورع‪ ،‬وآثار كبرى فأي نشر الخلق والدين‬
‫والدعوة لإلى ا تعالى فأي سائر العصور والبلدان‪ ،‬وعلينا أن نقف وقفة رجل‬
‫متمسك بشرعه ودينه ونقول‪ :‬هناك فأرق كبير بين التصوف والصوفأي‪ ،‬وليس‬
‫المتصوف بانحرافأه وشذوذه ممثلا للتصوف‪ ،‬كما أن المسلم بأفأعاله المنركرة ليس‬
‫ممثلا للسلمه ودينه‪.‬‬

‫ومتى كان فأي شريعة الحق والدين أن يسرؤاخذ الجار بظلم الجار ؟ وأن يتحمل‬
‫اللسلسم فأي جوهره النقي أخطارء المسلمين المنحرفأين ؟ وأن تنسب لإلى هذه الفئة‬
‫الطيبة النقية أخطاسء المتصوفأة الشاذين ؟‪.‬‬

‫ولإنكار بعض العلماء على أفأعال شاذة منسوبة لإلى الصوفأية لإنما يستهدف هؤلء‬
‫س منهم‪.‬‬ ‫الغلة المنحرفأين من أدعياء التصوف‪ .‬ولطالما حفذر مرشدو الصوفأية النا ر‬
‫قال الشيخ أحمد زروق رحمه ا تعالى فأي كتابه قواعد التصوف‪) :‬فأغلةس‬
‫المتصوفأة كأهل الهواء من الصوليين‪ ،‬وكالمطعون عليهم من المتفقهين‪ ،‬يسرريد‬
‫ك المذهب الحق الثابت بنسبتهم له وظهورهم فأيه(‬ ‫ب فأعسلهم‪ ،‬ول سيترر س‬
‫قوسلهم‪ ،‬وسيجتنر س‬
‫لإلخ ]قواعد التصوف للشيخ أحمد زروق قاعدة ‪ ،35‬صا ‪.[13‬‬

‫لإن الخير والشر موجود فأي كل طائفة من الناس لإلى يوم القيامة‪ ،‬فأليس كل‬

‫‪203‬‬
‫الصوفأية سواء‪ ،‬كما أنه ليس كل العلماء والفقهاء والمدرسين والقضاة والتجار‬
‫والمراء سواء ؛ لإذ فأيهم الصالح وفأيهم الصلح‪ ،‬وفأيهم الفاسد وفأيهم الفأسد‪ ،‬هذا‬
‫ف أهرله‪ ،‬ويعرف الرجال‬ ‫ق تعر ر‬ ‫ف الح ف‬
‫أمر ظاهر ل شبهة فأيه عند الجمهور اعر ل‬
‫بالحق ل الحق بالرجال‪.‬‬

‫ونحن ننكر ما أنكره العلماء على هؤلء الدعياء من المتصوفأة المنحرفأين‪،‬‬


‫الشاذين عن دين ا تعالى‪ ،‬وأما المتمسكون بالكتاب والسنة‪ ،‬المستقيمون على‬
‫شرع ا تعالى فأهم الذين رنعنيهم‪ ،‬ونقتفي أثرهم‪ ،‬وسنعرض لك فأي الفصل التالي‬
‫شهادة علماء المة اللسلمية من سلفها لإلى خلفها بهم‪.‬‬

‫أعداء التصيوف‬
‫لإن الذين طعنوا فأي التصوف اللسلمي‪ ،‬وتهجموا عليه‪ ،‬واتهموه بشتى أنواع‬
‫الكاذيب والفأتراءات‪ ،‬ورموه بالنحراف والزيغ ؛ لإما أن يكون باعثهم على ذلك‬
‫لسلم‪ ،‬ولإما أن يكون سبب وقولعهم فأي هذا اللثم جهلهم‬
‫الحقد والعداوة المتأصلة ل ل‬
‫المطبق بحقيقة التصوف‪.‬‬

‫‪1‬ـ أما الصنف الول‪ :‬فأهم أعداء اللسلم من الزنادقة المستشرقين وأذنابهم‬
‫وعملئهم الذين صنعرتهم الصليبية الماكرة والستعمار البغيض‪ ،‬لطعن اللسلم‬
‫ودك حصونه‪ ،‬وتشويه معالمه‪ ،‬وبث سموم الفرقة والخصام بين صفوف أبنائه‪.‬‬

‫وقد كشفهم السيسد محمد أسد‪ ،‬فأي كتابه‪ :‬اللسلم على مفترق الطرق فأي بحث‪ :‬شبح‬
‫الحروب الصليبية ]انظر كتاب اللسلم على مفترق الطرق صا ‪ .52‬أما المؤلف‬
‫فأنمساوي الصل وكان اسمه ليوبولدفأايس‪ ،‬فأاعتنق اللسلم وتسمى باسم "محمد‬
‫أسد" وينصرف فأي الوقت الحاضر لإلى ترجمة معاني القرآن الكريم وصحيح‬
‫البخاري لإلى اللغة اللنكليزية[‪.‬‬

‫وقد عكف هؤلء المغرضون على دراسة اللسلم دراسة دقيقة مستفيضة كي‬
‫يعرفأوا سفر قفوته‪ ،‬ولليعلموا من أي باب يلجون‪ ،‬وفأي أي طريق يسيرون للوصول‬
‫لإلى أهدافأهم الماكرة ومآربهم الخبيثة‪ .‬ومن أشهر كفتابهم‪ :‬نكلسون اللنكليزي‪،‬‬
‫وجولدزيهر اليهودي‪ ،‬وماسينيون الفرنسي وغيرهم‪.‬‬

‫فأتارة يسديسون السم فأي الدسم‪ ،‬ويمدحون اللسلم فأي بعض كتبهم كي ينالوا ثقة‬

‫‪204‬‬
‫القارىء‪ ،‬فألإذا اطمأفن لإليهم‪ ،‬وركن لإلى أقوالهم شككوه فأي عقائده‪ ،‬وحشوا قلبه‬
‫بأباطيل ألصقوها باللسلم زوراا وبهتاناا‪.‬‬

‫وتارة يرنتحلون صفة الباحث العلمي المتجرد‪ ،‬أو يلبسون ثوب الغيور على الدين‪،‬‬
‫المتباكي على تراثه‪ ،‬فأيشنون حملةا شرعواء على التصوف‪ ،‬وقد عرفأوا أنه روح‬
‫اللسلم وقلبه النابض‪ ،‬فأيردعون أنه مقتبس من اليهودية أو النصرانية أو البوذية‪،‬‬
‫ويتهمون رجاله بعقائد مكفرة وأفأكار منحرفأة ضالة‪ ،‬كالقول بالحلول والتحاد‪،‬‬
‫ووحدة الوجود‪ ،‬ووحدة الديان‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬

‫ب عليهم لنهم أعداء‪ ،‬وهذا شأن العدو الماكر‪ ،‬ول ندخل فأي تفاصيل‬ ‫ونحن ل نعتل س‬
‫الرصد عليهم‪ ،‬وتفنيد افأتراءاتهم بعد أرن علمنا أغراضهم ومآربهم الخبيثة‪ .‬ولكننا‬
‫نعتب على جماعة يردعون اللسلم ثم يتبفنون آرارء هؤلء الخصوم اللداء‬
‫صح‬‫وخصوصا ا فأي طعن اللسلم فأي روحه وجوهره‪ ،‬أل وهو التصوف‪ .‬فأهل ي ل‬
‫لمسلم عاقل أن يتخذ أقوال العداء المتحاملين المغرضين الكافأرين حجة لطعن‬
‫لإخوته المؤمنين ؟! سبحانك هذا بهتان عظيم‪.‬‬

‫ولو كان هؤلء المستشرقون صادقين فأي دفأاعهم عن اللسلم مخلصين فأي زعمهم‬
‫بتنقيته من الشوائب وغيرتهم عليه وحبهم له‪ ،‬فألماذا لم يعتنقوه ؟! وللرم لم يتخذوه‬
‫منهجا ا لهم فأي حياتهم ؟!‬

‫‪2‬ـ وأما الصنف الثاني‪ :‬فأهم الذين جهلوا حقيقة التصوف اللسلمي ولم يأخذوه عن‬
‫رجاله الصادقين وعلمائه المخلصين ؛ بل نظروا لإليه نظرة سطحية بعيدة عن‬
‫التمحيص والتبين‪ ،‬وهؤلء أقسام‪:‬‬

‫أـ قسم أخذوا فأكرتهم عن التصوف من خلل أعمال وسلوك بعض الدخلء‬
‫والمنحرفأين من أدعياء التصوف ؛ دون أن سيفصرقوا بين التصوف الحقيقي الناصع‪،‬‬
‫وبين بعض الوقائع المشوهة التي تصدر عن الدخلء على الصوفأية والتي ل ترسم ي‬
‫ت‬
‫لإلى اللسلم بصلة ]انظر بحث بين الصوفأية وأدعياء التصوف صا ‪ 449‬فأي هذا‬
‫الكتاب[‪.‬‬

‫ب ـ وقسم سخدعوا بما وجدوه فأي كتب السادة الصوفأية من أمور مدسوسة أو مسائل‬
‫دخيلة ؛ فأأخذوها على أنها حقائق ثابتة‪ ،‬دون تحقيق أو تثبت ]انظر بحث الدس‬
‫على العلوم اللسلمية صا ‪ 398‬فأي هذا الكتاب[ أو لإنهم أخذوا الكلم الثابت فأي‬

‫‪205‬‬
‫كتب الصوفأية فأفهموه على غير مراده‪ ،‬حسب فأهمهم السطحي وعلمهم المحدود‪،‬‬
‫وأهوائهم الخاصة‪ ،‬دون أن يرجعوا لإلى كلم الصوفأية الواضح الذي ل يحيد عن‬
‫لب الشريعة‪ ،‬والذي يعطي الضوء الناصع والنور الكاشف لتأويل هذا الكلم‬
‫المتشابه ]انظر بحث التأويل صا ‪ 415‬فأي هذا الكتاب[‪.‬‬

‫مثلهم فأي ذلك كمثل الذي فأي قلبه زيغ ومرض ؛ فأأخذ اليات القرآنية المتشابهة‬
‫فأي القرآن الكريم فأأفولها حسب هواه وانحرافأه‪ ،‬دون أن يلتفت لإلى سائر اليات‬
‫القرآنية السمرحركرمة التي تسرلقي النور على معاني هذه اليات المتشابهة وتوضح‬
‫ب‬ ‫معانيها‪ ،‬وتبين أغراضها‪ .‬قال ا تعالى فأي حقهم‪} :‬هسرو الذي أرنرزرل علي ر‬
‫ك اللكتا ر‬
‫ب وأسرخسر سمتشابها ف‬
‫ت فأأفما الذيرن فأي سقلوبللهم زيفغ‬ ‫ت هسفن أسيم الكتا ل‬ ‫لمرنهس آيا ف‬
‫ت سمحركما ف‬
‫فأيتفلبعورن ما تشابرهر منهس ابتغارء الفتنرلة وابتغارء تأويللله{]آل عمران‪.[7 :‬‬

‫لهذا ولئل يلتبس المر على جاهل أحمق أو مغرض متحامل‪ ،‬وضع علماء‬
‫الصوفأية عقائدهم صريحة واضحة ل تحيد عن مذهب أهل السنة والجماعة‪،‬‬
‫ومنهم الشيخ محي الدين رحمه ا تعالى‪ ،‬فأقد ذكر عقيدته واضحة مفصلة فأي‬
‫مطلع كتابه الفتوحات المكية‪ ،‬وكذلك صاحب الرسالة القشيرية وغيرهما‪..‬‬

‫ج ـ وقسم هم المغشوشون المخدوعون الذين أخذوا ثقافأتهم وعلومهم عن‬


‫المستشرقين كما بيففنا سابقاا‪ ،‬ورتبفنوا مزاعمهم وأباطيلهم كأنها برردهيا ف‬
‫ت ل تقبل‬
‫الجدل‪ ،‬أو تنزيل من حكيم حميد‪ .‬ولم تسعفهم الفطانة والذكاء لإلى لإدراك حقيقة‬
‫صسبوا أنفسهم وجفندوا ثقافأتهم لهدم اللسلم‪ ،‬بتشويه‬ ‫هؤلء المستشرقين الذين نر ر‬
‫معالمه‪ ،‬وطعنه فأي جوهره وروحه‪.‬‬

‫لإل أن هذه المة اللسلمية ل تزال فأيها طائفة ظاهرة على الحق ل يضرهم من‬
‫خذلهم ول من خالفهم حتى يأتي أمر ا ]أخرج البخاري فأي صحيحه فأي كتاب‬
‫العتصام أن رسول ا صلى ا عليه وسلم قال‪" :‬ل تزال طائفة من أمتي‬
‫ظاهرين حتى يأتيهم أمر ا وهم ظاهرون" ومفر الحديث وعزوه صا ‪ ،[42‬ولو‬
‫اجتمع الثقلن على حربهم قبي ا‬
‫ل‪ ،‬يدعورن رمرن ضل لإلى الهدى‪ ،‬ويصبرون منهم‬
‫على الذى‪ ،‬ويبصرون بنور ا أهرل الضلل والعمى‪ ،‬اهتدوا بهدي النبي الكريم‬
‫صلوات ا وسلمه عليه‪ ،‬واستضاءوا بنوره على مر الزمان والدهور‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫الباب السادس‬

‫شهادات علماء المة اللسلمية‬


‫من سلفها لإلى خلفها للتصوف ورجاله‬

‫ختاما ا لهذه الرسالة أنقل لك طرفأا ا يسيراا من القوال والشهادات عن التصوف‬


‫لبعض أكابر علماء المة‪ ،‬ورجال الفكر والدعوة منذ الصدر الول لإلى يومنا هذا‪.‬‬

‫ول أراك محتاجا ا لإلى هذه الشهادات‪ ،‬بعد أن عرفأت جوهر التصوف وتبين لك أنه‬
‫روح اللسلم‪ ،‬وأحد أركان الدين الثلثة‪ :‬اللسلم والليمان واللحسان‪.‬‬

‫ولكن هناك بعض النفوس قد عميت عن رؤية النور‪ ،‬وتجاهلت حقائق اللسلم‪،‬‬
‫وحكمت على الصوفأية من خلل أعمال بعض المنحرفأين والمبتدعين من أدعياء‬
‫التصوف دون تبييظن ول تمحيص‪ ،‬فألإلى هؤلء ولإلى كل جاهل بحقيقة التصوف‬
‫نسوق هذه القوال ؛ كي يدركوا أثر التصوف وضرورته للحياء القلوب‪ ،‬وتهذيب‬
‫النفوس‪ ،‬وكي يطلعوا على ثمرات التصوف ونتائجه فأي انتشار اللسلم فأي‬
‫مختلف الديار وشتى المصار‪.‬‬

‫‪1‬ـ اللمام أبو حنيفة رحمه ا تعالى‪:‬‬


‫وقد مر بك فأي بحث بين الشريعة والحقيقة الكلم المفصل عن اللمام الكبر أبي‬
‫حنيفة النعمان رحمه ا تعالى‪ ،‬وكيف أنه كان يعطي الشريعة والطريقة‪ ،‬وأنه كان‬
‫فأارس هذا الميدان‪ ،‬كما ذكر العلمة ابن عابدين فأي حاشيته المشهورة ]أبو حنيفة‬

‫‪207‬‬
‫أحد الئمة الربعة‪ ،‬أشهر من أن يعرف‪ ،‬توفأي فأي بغداد سنة ‪150‬هـ‪ .‬انظر )‬
‫‪395‬ـ ‪ (396‬من هذا الكتاب[‪.‬‬

‫‪2‬ـ اللمام مالك رحمه ا تعالى‪:‬‬


‫يقول اللمام مالك رحمه ا تعالى‪) :‬رمرن تفقفهر ولم يتصوف فأقد تفسق‪ ،‬ورمرن تصفوف‬
‫ولم يتفقه فأقد تزندق‪ ،‬ومن جمرع بينهما فأقد تحفقق( ]حاشية العلمة علي العدوي‬
‫على شرح اللمام الزرقاني على متن العزية فأي الفقه المالكي ج ‪ .3‬صا ‪.195‬‬
‫لمام مل علي القاري المتوفأى ‪1014‬هـ‪ .‬ج ‪ .1‬صا‬ ‫وشرح عين العلم وزين الحلم ل ل‬
‫‪ .33‬واللمام مالك رحمه ا تعالى أحد الئمة الربعة المشهورين توفأي سنة‬
‫‪179‬هـ فأي المدينة المنورة[‪.‬‬

‫‪3‬ـ اللمام الشافعي رحمه ا تعالى‪:‬‬


‫قال اللمام الشافأعي رحمه ا تعالى ]اللمام الشافأعي رحمه ا تعالى أحد الئمة‬
‫الربعة المشهورين توفأي فأي مصر سنة ‪204‬هـ[‪) :‬صحبت الصوفأية فألم أستفد‬
‫منهم سوى حرفأين‪ ،‬وفأي رواية سوى ثلث كلمات‪:‬‬

‫قولهم‪ :‬الوقت سيف لإن لم تقطعه قطعك‪.‬‬


‫وقولهم‪ :‬نفرسك لإن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل‪.‬‬
‫لمام جلل الدين السيوطي صا ‪.[15‬‬
‫وقولهم‪ :‬العدم عصمة( ]تأييد الحقيقة العلية ل ل‬

‫طف‪،‬‬‫ك التكلف‪ ،‬ولعشرةس الخلق بالتل ي‬ ‫وقال أيضاا‪) :‬سحبص ر‬


‫ب لإلفي من دنياكم ثلث‪ :‬تر س‬
‫والقتداء بطريق أهل التصوف( ]"كشف الخفاء ومزيل الللباس عما اشتهر من‬
‫لمام العجلوني المتوفأى سنة ‪1162‬هـ‪ .‬ج ‪ .1‬صا‬ ‫الحاديث على ألسنة الناس" ل ل‬
‫‪.[341‬‬

‫‪4‬ـ اللمام أحمد رحمه ا تعالى‪:‬‬


‫كان اللمام أحمد رحمه ا تعالى ]اللمام أحمد رحمه ا تعالى أحد الئمة الربعة‬
‫المشهورين توفأي سنة ‪241‬هـ[ قبل مصاحبته للصوفأية يقول لولده عبد ا رحمه‬
‫ا تعالى‪) :‬يا ولدي عليك بالحديث‪ ،‬ولإياك ومجالسة هؤلء الذين سموا أنفسهم‬
‫صوفأية‪ ،‬فألإنهم ربما كان أحدهم جاهلا بأحكام دينه‪ .‬فألفما صحب أبا حمزة البغدادي‬
‫الصوفأي‪ ،‬وعرف أحوال القوم‪ ،‬أصبح يقول لولده‪ :‬يا ولدي عليك بمجالسة هؤلء‬
‫القوم‪ ،‬فأللإنهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة(‬
‫]"تنوير القلوب" صا ‪ 405‬للعلمة الشيخ أمين الكردي المتوفأى سنة ‪1332‬هـ[‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫ونقل العلمة محمد السفاريني الحنبلي رحمه ا تعالى عن لإبراهيم بن عبد ا‬
‫القلنسي رحمه ا تعالى أن اللمام أحمد رحمه ا تعالى قال عن الصوفأية‪) :‬ل‬
‫أعلم أقواما ا أفأضل منهم‪ .‬قيل‪ :‬لإنهم يستمعون ويتواجدون‪ ،‬قال‪ :‬دعوهم يفرحوا مع‬
‫ا ساعة‪"] (..‬غذاء اللباب شرح منظومة الداب" ج ‪ .1‬صا ‪.[120‬‬

‫‪5‬ـ اللمام المحاسبي رحمه ا تعالى‪:‬‬


‫ويقول اللمام المحاسبي رحمه ا تعالى‪ ،‬متحدثا ا عن جهاده المرير للوصول لإلى‬
‫الحق حتى اهتدى لإلى التصوف ورجاله‪ ،‬وهو من أروع ما كتب فأي وصف الحياة‬
‫الصوفأية والخلقية والليمانية‪) :‬أما بعد‪ ،‬فأقد انتهى البيان لإلى أن هذه المة تفترق‬
‫على بضع وسبعين فأرقة‪ ،‬منها فأرقة ناجية‪ ،‬وا أعلم بسائرها ؛ فألم أزل برهة من‬
‫عمري‪ ،‬أنظر اختلف المة‪ ،‬وألتمس المنهاج الواضح والسبيل القاصد‪ ،‬وأطلب‬
‫من العلم والعمل‪ ،‬وأستدل على طريق الخرة بلإرشاد العلماء‪ ،‬وعقلت كثيراا من‬
‫كلم ا عز وجل بتأويل الفقهاء‪ ،‬وتدبرت أحوال المة‪ ،‬ونظرت فأي مذاهبها‬
‫وأقاويلها‪ ،‬فأعقلت من ذلك ما قردر لي‪ ،‬ورأيت اختلفأهم بحراا عميقاا‪ ،‬غرق فأيه ناس‬
‫كثير‪ ،‬وسلم منه عصابة قليلة‪ ،‬ورأيت كل صنف منهم‪ ،‬يزعم أن النجاة لمن تبعهم‪،‬‬
‫وأن المهالك لمن خالفهم‪ ،‬ثم رأيت الناس أصنافأاا‪:‬‬

‫فأمنهم العالم بأمر الخرة‪ ،‬لقاؤه عسير‪ ،‬ووجوده عزيز‪.‬‬


‫ومنهم الجاهل‪ ،‬فأالبعد عنه غنيمة‪.‬‬
‫ومنهم المتشبه بالعلماء‪ ،‬مشغوف بدنياه‪ ،‬مؤثر لها‪.‬‬
‫ومنهم حامل علم‪ ،‬منسوب لإلى الدين‪ ،‬ملتمس بعلمه التعظيم والعلو‪ ،‬ينال بالدين من‬
‫عرض الدنيا‪.‬‬
‫ومنهم حامل علم‪ ،‬ل يعلم تأويل ما حمل‪.‬‬
‫ومنهم متشبه بالينفساك‪ ،‬متحير للخير‪ ،‬ل غناء عنده‪ ،‬ول نفاذ لعلمه ]لإلى قلوب‬
‫السامعين[‪ ،‬ول معترمد على رأيه‪.‬‬
‫ومنهم منسوب لإلى العقل والدهاء‪ ،‬مفقود الورع والتقى‪.‬‬
‫ومنهم متوايدون‪ ،‬على الهوى والفأقون‪ ،‬وللدنيا يلذلون‪ ،‬ورياسرتها يطلبون‪.‬‬

‫ومنهم شياطين اللنس‪ ،‬عن الخرة يصدون‪ ،‬وعلى الدنيا يتكالبون‪ ،‬ولإلى جمعها‬
‫سيهرعون‪ ،‬وفأي الستكثار منها يرغبون‪ ،‬فأهم فأي الدنيا أحياء‪ ،‬وفأي السعرف موتى‪،‬‬
‫بل السعرف عندهم منكر‪ ،‬والستواء ]بين الحي والميت[ معروف‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫ت بذلك ذرعاا‪ ،‬فأقصدت لإلى هدى المهتدين‪،‬‬ ‫ضق س‬
‫فأتفقردت فأي الصناف نفسي‪ ،‬و ل‬
‫بطلب السداد والهدى‪ ،‬واسترشدت العلم‪ ،‬ورأعمرلت الفكر‪ ،‬وأطلت النظر‪ ،‬فأتبفين لي‬
‫من كتاب ا تعالى وسنة نبيه ولإجماع المة‪ ،‬أن اتباع الهوى يعمي عن الرشد‪،‬‬
‫ويضل عن الحق‪ ،‬ويطيل المكث فأي العمى‪.‬‬

‫ت بلإسقاط الهوى عن قلبي‪ ،‬ووقفت عند اختلف المة مرتاداا لطلب الفرقة‬ ‫فأبدأ س‬
‫الناجية‪ ،‬حلذراا من الهواء السمرردية والفرقة الهالكة‪ ،‬متحرزاا من القتحام قبل‬
‫البيان‪ ،‬وألتمس سبيل النجاة للسمرهجلة نفسي‪.‬‬

‫ت باجتماع المة فأي كتاب ا المنزل أن سبيل النجاة فأي التمسك بتقوى ا‬ ‫ثم وجرد س‬
‫وأداء فأرائضه‪ ،‬والورع فأي حلله وحرامه وجميع حدوده‪ ،‬واللخلصا ل تعالى‬
‫بطاعته‪ ،‬والتأصسي برسوله صلى ا عليه وسلم‪ .‬فأطلبت معرفأة الفرائض والسنن‬
‫ت جميعهم مجتمعين على‬ ‫عند العلماء فأي الثار‪ ،‬فأرأيت اجتماعا ا واختلفأاا‪ ،‬ووجد س‬
‫أن علم الفرائض والسنن عند العلماء بال وأمره‪ ،‬الفقهاء عن ا العاملين‬
‫برضوانه الورعين عن محارمه المتأسين برسوله صلى ا عليه وسلم والمؤثرين‬
‫الخرة على الدنيا ؛ سأولئك المتمسكون بأمر ا وسنن المرسلين‪.‬‬

‫فأالتمست من بين المة هذا الصنف المجترمرع عليهم والموصوفأين بآثارهم‪،‬‬


‫واقتبست من علمهم‪ ،‬فأرأيتهم أقل من القليل‪ ،‬ورأيت علمهم مندرسا ا كما قال رسول‬
‫ا صلى ا عليه وسلم ‪" :‬بدأ اللسلم غريباا‪ ،‬وسيعود غريبا ا كما بدأ فأطوبى‬
‫للغرباء" ]أخرجه مسلم فأي صحيحه فأي كتاب الليمان عن أبي هريرة رضي ا‬
‫ت‬‫ت مصيبتي لفقد الولياء التقياء‪ ،‬وخشي س‬ ‫عنه[‪ ،‬وهم المتفصردون بدينهم‪ ،‬فأعظم ر‬
‫ب من عمري لختلف المة‪ ،‬فأانكمشت فأي‬ ‫بغتة الموت أن يفاجئني على اضطرا ظ‬
‫صر فأي الحتياط ول فأي النصح‪.‬‬ ‫طلب عالم لم أجد لي من معرفأته بسرداا‪ ،‬ولم أق ر‬
‫ض لي الرؤوف بعباده قوماا وجدت فأيهم دلئل التقوى وأعلم الورع ولإيثار‬ ‫فأقيف ر‬
‫الخرة على الدنيا‪ ،‬ووجدت لإرشادهم ووصاياهم موافأقة لفأاعيل أئمة الهدى‪،‬‬
‫]ووجدتهم[ مجتمعين على نصح المة‪ ،‬ل يسرريجون أبداا فأي معصيته‪ ،‬ول يسقرصنطون‬
‫أبداا من رحمته‪ ،‬يرضون أبداا بالصبر على البأساء والضراء والرضا بالقضاء‬
‫والشكر على النعماء‪ ،‬سيحصببون ا تعالى لإلى العباد بذكرهرم أياديه ولإحسانه‪،‬‬
‫ويحيثون العباد على اللنابة لإلى ا تعالى‪ ،‬علماء بعظمة ا تعالى‪ ،‬علماء بعظيم‬
‫قدرته‪ ،‬وعلماء بكتابه وسنته‪ ،‬فأقهاء فأي دينه‪ ،‬علماء بما يحب ويكره‪ ،‬رولرعين عن‬
‫البدع والهواء‪ ،‬تاركين التعمق واللغلء‪ ،‬مبغضين للجدال والمراء‪ ،‬متوصرعين‬
‫عن الغتياب والظلم مخالفين لهوائهم‪ ،‬محاسبين لنفسهم‪ ،‬مالكين لجوارحهم‪،‬‬

‫‪210‬‬
‫ورعين فأي مطاعمهم وملبسهم وجميع أحوالهم‪ ،‬سمجانبين للشبهات‪ ،‬تاركين‬
‫للشهوات‪ ،‬مجتزئين بالبسرلغة من القوات‪ ،‬متقللين من المباح‪ ،‬زاهدين فأي الحلل‪،‬‬
‫مشلفقين من الحساب‪ ،‬رولجلين من المعاد‪ ،‬مشغولين بينهم‪ ،‬سمرزلرين على أنفسهم من‬
‫دون غيرهم‪ ،‬لكل امرىء منهم شأن يغنيه‪ ،‬علماء بأمر الخرة وأقاويل القيامة‬
‫وجزيل الثواب وأليم العقاب‪ .‬ذلك أورثهم الحزن الدائم والهرفم المقيم‪ ،‬فأشغلوا عن‬
‫سرور الدنيا ونعيمها‪ .‬ولقد وصفوا من آداب الدين صفات‪ ،‬وحيدوا للورع حدوداا‬
‫ضاق لها صدري‪ ،‬وعلمت أن آداب الدين وصدق الورع بحر ل ينجو من الغرق‬
‫ت‬‫فأيه شبهي‪ ،‬ول يقوم بحدوده مثلي‪ ،‬فأتبين لي فأضلهم‪ ،‬واتضح لي نصحهم‪ ،‬وأيقن س‬
‫أنهم العاملون بطريق الخرة والمتأسون بالمرسلين‪ ،‬والمصابيح لمن استضاء بهم‪،‬‬
‫والهادون لمن استرشد‪.‬‬

‫فأأصبحت راغبا ا فأي مذهبهم مقتبسا ا من فأوائدهم قابلا لدابهم محبا ا لطاعتهم‪ ،‬ل‬
‫أعدل بهم شيئاا‪ ،‬ول أوثر عليهم أحداا‪ ،‬فأفتح ا لي علما ا اتضح لي برهانه‪ ،‬وأنار‬
‫لي فأضله‪ ،‬ورجوت النجاة لمن أقفر به أو انتحله‪ ،‬وأيقنت بالغوث لمن عمل به‪،‬‬
‫ورأيت العوجاج فأيمن خالفه‪ ،‬ورأيت الفررين متراكما ا على قلب من جهله وجحده‪،‬‬
‫ورأيت الحجة العظمى لمن فأهمه‪ ،‬ورأيت انتحاله والعمل بحدوده واجبا ا عل ف‬
‫ي‪،‬‬
‫فأاعتقدته فأي سريرتي‪ ،‬وانطويت عليه بضميري‪ ،‬وجعلته أساس ديني‪ ،‬وبنيت عليه‬
‫أعمالي‪ ،‬وتقلفربت فأيه بأحوالي‪ .‬وسألت ا عز وجل أن يولزرعني شكرر ما أنعم به‬
‫علفي‪ ،‬وأن يقويني على القيام بحدود ما عفرفأني به‪ ،‬مع معرفأتي بتقصيري فأي ذلك‪،‬‬
‫لمام أبي عبد ا الحارث‬ ‫وأني ل أدرك شكره أبداا( ]كتاب الوصايا صا ‪27‬ـ ‪ .32‬ل ل‬
‫المحاسبي المتوفأى ‪243‬هـ‪ .‬وهو من أمهات الكتب الصوفأية المعتمدة[‪.‬‬

‫‪6‬ـ عبد القاهر البغدادي رحمه ا تعالى‪:‬‬


‫قال اللمام الكبير حجة المتكلمين عبد القاهر البغدادي رحمه ا تعالى فأي كتابه‬
‫ق‪) :‬الفصل الول من فأصول هذا الباب فأي بيان أصناف أهل السنة‬ ‫الفررر س‬
‫ق بين الفلرر ل‬
‫والجماعة‪ .‬اعلموا أسعدكم ا أن أهل السنة والجماعة ثمانية أصناف من الناس‪:‬‬

‫‪1‬ـ صنف منهم أحاطوا علماا بأبواب التوحيد والنبوة وأحكام الوعد والوعيد‬
‫والثواب والعقاب وشروط الجتهاد واللمامة والزعامة‪..‬‬

‫‪2‬ـ والصنف الثاني منهم‪ :‬أئمة الفقه من فأريقي الرأي والحديث من الذين اعتقدوا‬
‫فأي سأصول الدين مذاهب الصفاتية فأي ا وفأي صفاته الزلية وتبفرسؤا من القدر‬
‫والعتزال‪ ،‬وقالوا بدوام نعيم الجنة على أهلها‪ ،‬ودوام عذاب النار على الكفرة‪،‬‬

‫‪211‬‬
‫وقالوا بلإمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي‪ ،‬وأحسنوا الثناء على السلف الصالح‬
‫من المة‪ ،‬ورأوا وجوب الجمعة خلف الئمة الذين تبرؤا من أهل الهواء الضالة‪،‬‬
‫ورأرروا وجوب استنباط أحكام الشريعة من القرآن والسنة ومن لإجماع الصحابة‪،‬‬
‫ويدخل فأي هذه الجماعة أصحاب مالك والشافأعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل‬
‫رضي ا عنهم‪.‬‬

‫‪3‬ـ والصنف الثالث منهم‪ :‬هم الذين أحاطوا علماا بطرق الخبار والسنن المأثورة‬
‫عن النبي عليه الصلة والسلم‪ ،‬وميزوا بين الصحيح والسقيم منها‪ ،‬وعرفأوا‬
‫أسباب الجرح والتعديل‪ ،‬ولم يخلطوا علمهم بذلك بشيء من بدع أهل الهواء‬
‫الضالة‪.‬‬
‫‪4‬ـ والصنف الرابع منهم‪ :‬قوم أحاطوا علما ا بأكثر أبواب الدب والنحو‬
‫ت أئمة اللغة كالخليل وأبي عمرو بن العلء‬ ‫والتصريف‪ ،‬رورجرروا على رسرم ل‬
‫وسيبويه‪.‬‬
‫‪5‬ـ والصنف الخامس منهم‪ :‬هم الذين أحاطوا علماا بوجوه قراءات القرآن وبوجوه‬
‫تفسير آيات القرآن وتأويلها على وفأق مذاهب أهل السنة دون تأويلت أهل‬
‫الهواء الضالة‪.‬‬
‫‪6‬ـ والصنف السادس منهم‪ :‬الزهاد الصوفأية الذين أبصروا فأأقصروا‪ ،‬واخرتبروا‬
‫فأاعتبروا‪ ،‬ورضوا بالمقدور وقنعوا بالميسور‪ ،‬وعلموا أن السمع والبصر والفؤاد‬
‫كل سأولئك مسؤول عن الخير والشر‪ ،‬ومحاسب على مثاقيل الذر‪ ،‬فأأعيدوا خير‬
‫ت أهل‬‫اللعداد ليوم المعاد‪ ،‬وجرى كلمهم فأي طريقرري العبارة واللشارة على رسرم ل‬
‫الحديث دون من يشتري لهو الحديث‪ ،‬ل يعملون الخير رياء‪ ،‬ول يتركونه حياء‪،‬‬
‫ض لإلى ا تعالى‪ ،‬والتوكسل عليه‬‫ديسنهم التوحيد ونفي التشبيه‪ ،‬ومذهبهم التفوي س‬
‫ك‬
‫ض عن العتراض عليه‪} .‬ذل ر‬ ‫والتسليسم لمره‪ ،‬والقناعةس بما رزقوا‪ ،‬واللعرا س‬
‫فأضسل ال يؤلتيله رمرن يشاسء واس ذو الفضلل العظيلم{ ]الجمعة‪.[4 :‬‬

‫‪7‬ـ والصنف السابع منهم‪ :‬قوم مرابطون فأي ثغور المسلمين فأي وجوه الكفرة‪،‬‬
‫يجاهدون أعداء المسلمين ويحمون حمى المسلمين‪.‬‬

‫‪8‬ـ والصنف الثامن منهم‪ :‬عامة البلدان التي غلب فأيها شعائر أهل السنة‪ ،‬دون‬
‫لمام‬
‫قل ل‬ ‫عامة البقاع التي ظهر فأيها شعار أهل الهواء الضالة‪] (..‬الفررر س‬
‫ق بين الفلرر ل‬
‫عبد القاهر البغدادي المتوفأى سنة ‪429‬هـ‪ .‬صا ‪.[189‬‬

‫‪7‬ـ اللمام القشيري رحمه ا تعالى‪:‬‬

‫‪212‬‬
‫وقال اللمام أبو القاسم القشيري رحمه ا تعالى فأي مقدمة رسالته المشهورة‬
‫ضلهم على الكافأة‬‫متحدثاا عن الصوفأية‪) :‬جعل ا هذه الطائفة صفوة أوليائه‪ ،‬وفأر ف‬
‫من عباده بعد رسله وأنبيائه صلوات ا وسلمه عليهم‪ ،‬وجعل قلوبهم معادن‬
‫صهم من بين المة بطوالع أنواره‪ ،‬فأهم الغياث للخلق‪ ،‬والدائرون فأي‬ ‫أسراره‪ ،‬واخت ف‬
‫عموم أحوالهم مع الحق بالحق‪ .‬صففاهم من كدورات البشرية‪ ،‬ورفقاهم لإلى محل‬
‫المشاهدات بما تجلى لهم من حقائق الحدية‪ ،‬ووفأقهم للقيام بآداب العبودية‪،‬‬
‫وأشهدهم مجاري أحكام الربوبية‪ ،‬فأقاموا بأداء ما عليهم من واجبات التكليف‪،‬‬
‫وتحققوا بما رمفنه سبحانه لهم من التقليب والتصريف‪ ،‬ثم رجعوا لإلى ا سبحانه‬
‫وتعالى بصدق الفأتقار ونعت النكسار‪ ،‬ولم يتفلكلوا على ما حصل منهم من‬
‫العمال أو صفا لهم من الحوال‪ ،‬علماا منهم بأنه جفل وعل يفعل ما يريد‪ ،‬ويختار‬
‫من يشاء من العبيد‪ ،‬ل يحكم عليه خلق‪ ،‬ول يتوجه عليه لمخلوق حق‪ ،‬ثوابه ابتداء‬
‫لمام أبي‬
‫فأضل‪ ،‬وعذابه حكم بعدل‪ ،‬وأمره قضاء فأصل( ]الرسالة القشيرية ل ل‬
‫القاسم القشيري المتوفأى سنة ‪465‬هـ‪ .‬صا ‪.[2‬‬

‫‪8‬ـ اللمام الغزالي رحمه ا تعالى‪:‬‬


‫وها هو ذا حجة اللسلم اللمام أبو حامد الغزالي رحمه ا تعالى يتحدث فأي كتابه‬
‫المنقذ من الضلل عن الصوفأية وعن سلوكهم وطريقتهم الحقة الموصلة لإلى ا‬
‫تعالى فأيقول‪:‬‬

‫)ولقد علمت يقيناا أن الصوفأية هم السالكون لطريق ا تعالى خاصة وأن سيرتهم‬
‫أحسن السيرة‪ ،‬وطريقتهم أصوب الطرق‪ ،‬وأخلقهم أزكى الخلق‪ ..‬ثم يقول رداا‬
‫على من أنكر على الصوفأية وتهفجم عليهم‪ :‬وبالجملة فأماذا يقول القائلون فأي طريقظة‬
‫طهارستها ـ وهي أول شروطها ـ تطهيسر القلب بالكلية عما سوى ا تعالى‪،‬‬
‫ومفتاحها الجاري منها مجرى التحريم من الصلة استغرا س‬
‫ق القلب بالكلية بذكر‬
‫ا‪ ،‬وآخرها الفناء بالكلية فأي ا( ]المنقذ من الضلل لحجة اللسلم الغزالي‬
‫المتوفأى سنة ‪505‬هـ‪ .‬صا ‪.[131‬‬

‫‪9‬ـ اللمام فخر الدين الرازي رحمه ا تعالى‪:‬‬


‫قال العلمة الكبير والمفسر الشهير اللمام فأخر الدين الرازي رحمه ا تعالى فأي‬
‫كتابه اعتقادات فأرق المسلمين والمشركين‪) :‬الباب الثامن فأي أحوال الصوفأية‪:‬‬
‫صرر فأرق المة‪ ،‬لم يذكر الصوفأية وذلك خطأ‪ ،‬لن حاصل قول‬ ‫اعلم أن أكثر رمرن رح ر‬
‫الصوفأية أن الطريق لإلى معرفأة ا تعالى هو التصفية والتجرد من العلئق البدنية‪،‬‬
‫وهذا طريق حسن‪ ..‬وقال أيضاا‪ :‬والمتصوفأة قوم يشتغلون بالفكر وتجرد النفس عن‬

‫‪213‬‬
‫العلئق الجسمانية‪ ،‬ويجتهدون ألف يخلو سفرهم وبارلهم عن ذكر ا تعالى فأي سائر‬
‫تصرفأاتهم وأعمالهم‪ ،‬منطبعون على كمال الدب مع ا عز وجل‪ ،‬وهؤلء هم‬
‫لمام فأخر الدين‬ ‫خير فأرق الدميين( ]اعتقادات فأرق المسلمين والمشركين ل ل‬
‫الرازي صا ‪72‬ـ ‪ 73‬توفأي سنة ‪606‬هـ بمدينة هراة‪ .‬يقول محرر كتاب اعتقادات‬
‫فأرق المسلمين علي سامي النشار‪) :‬وفأي أواخر أيامه ]فأخر الدين الرازي[ وقد بلغ‬
‫ت ثقته بالعقل‬ ‫أوج كماله العلمي حدث له ما حدث لبي حامد الغزالي من قبل‪ ،‬فأقلف ر‬
‫س عجزه‪ ،‬وأدرك تماما ا أنه ل يستطيع اللحاطة بالوجود فأي ذاته‪،‬‬ ‫اللنساني‪ ،‬وأح ف‬
‫ت فأيصرخ‬ ‫فأأدركرته حالة صوفأية كانت تنتابه منها فأي بعض مجالس وعظه نوبا ف‬
‫مستغيثاا‪.‬‬

‫وعظ يوماا بحضرة السلطان شهاب الدين الغوري‪ ،‬وحصلت له حال فأاستغاث‪) :‬يا‬
‫سلطان العالم ل سلطانك يبقى‪ ،‬ول تلبيس الرازي يبقى(‪.‬‬

‫ونظم أشعاراا تغلب عليها النزعة الصوفأية كقوله‪:‬‬

‫نهايةس لإقدام العقول عقاسل وأكثسر سعي العالميرن ضلسل‬


‫وأرواسحنا فأي روحشظة من لجسومنا وحاصسل دنيانا أذى ووباسل‬
‫ولم نستفد من بحثنا طورل عمرنا سوى أرن جمعنا فأيه قيرل وقالوا‬

‫لمام فأخر الدين الرازي صلة قوية بالشيخ الكبر محي الدين بن عربي‬ ‫وكان ل ل‬
‫على أثر لإرسال رسالة جاءته من الشيخ محي الدين بن عربي‪ ،‬بين له فأيها قيمة‬
‫العلوم العرفأانية الوهبية وشفورقه لها‪ ،‬وهذه الرسالة مطبوعة بالمطبعة السلفية‬
‫بمصر وتسمى "رسالة شيخ الطريقة محي الدين بن عربي لإلى اللمام ابن الخطيب‬
‫الري المعروف بفخر الرازي" نسخها وأبرزها وصححها عبد العزيز الميمني‬
‫الراجقوتي الثري المقرىء بالجامعة اللسلمية فأي عليكرة بالهند عام ‪ 1334‬فأي‬
‫مجموعة ثلث رسائل[‪.‬‬

‫‪10‬ـ العز بن عبد السلم رحمه ا تعالى‪:‬‬


‫قال سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلم رحمه ا تعالى ]عز الدين بن عبد‬
‫السلم يلقب بشيخ العلماء وبسلطان العلماء ولد سنة ‪577‬هـ‪ ،‬وتوفأي سنة ‪660‬هـ‪.‬‬
‫انتهت لإليه اللمامة‪ ،‬وبلغ منزلة الجتهاد مع الزهد والورع‪ .‬ولد بالشام‪ ،‬ووفأد‬
‫مصر فأأقام بها أكثر من عشرين عاماا‪ ،‬ناشراا للعلم آمراا بالمعروف ناهيا ا عن‬
‫ف كتباا كثيرة‪ ،‬وأخذ التصوف عن شهاب الدين السهروردي‪ ،‬وسلك‬ ‫المنكر‪ .‬وألف ر‬

‫‪214‬‬
‫على يد الشيخ أبي الحسن الشاذلي رحمه ا تعالى‪ ،‬وكان يقول لإذا حضر مجلسه‬
‫وسمع كلمه‪ :‬هذا كلم قريب العهد بال[‪:‬‬

‫)قعد القوم من الصوفأية على قواعد الشريعة التي ل تنهدم دنيا وأخرى ‪ ،‬وقعد‬
‫غيرهم على الرسوم‪ ،‬ومما يدلك على ذلك‪ ،‬ما يقع على يد القوم من الكرامات‬
‫وخوارق العادات‪ ،‬فألإنه فأرع عن قربات الحق لهم‪ ،‬ورضاه عنهم‪ ،‬ولو كان العلم‬
‫من غير عمل‪ ،‬يرضي الحق تعالى كل الرضى‪ ،‬لجرى الكرامات على أيدي‬
‫أصحابهم‪ ،‬ولو لم يعملوا بعلمهم‪ ،‬هيهات هيهات( ]نور التحقيق للشيخ حامد صقر‬
‫صا ‪.[96‬‬

‫‪11‬ـ اللمام النووأي رحمه ا تعالى‪:‬‬


‫قال اللمام النووي رحمه ا تعالى فأي رسالته المقاصد‪ :‬أصول طريق التصوف‬
‫خمسة‪:‬‬
‫‪1‬ـ تقوى ا فأي السر والعلنية‪.‬‬
‫‪2‬ـ اتباع السنة فأي القوال والفأعال‪.‬‬
‫‪3‬ـ اللعراض عن الخلق فأي اللقبال واللدبار‪.‬‬
‫‪4‬ـ الرضى عن ا فأي القليل والكثير‪.‬‬
‫‪5‬ـ الرجوع لإلى ا فأي السراء والضراء( ]مقاصد اللمام النووي فأي التوحيد‬
‫والعبادة وأصول التصوف صا ‪ 20‬توفأي اللمام النووي سنة ‪676‬هـ فأي قرية من‬
‫قرى الشام تسمى‪ :‬نوى[‪.‬‬
‫‪12‬ـ ابن تيمية رحمه ا تعالى‪:‬‬
‫تحدث أحمد بن تيمية رحمه ا تعالى عن تمسك الصوفأية بالكتاب والسنة فأي‬
‫الجزء العاشر من مجموع فأتاويه فأقال‪) :‬فأأما المستقيمون من السالكين كجمهور‬
‫مشايخ السلف مثل الفضيل بن عياض‪ ،‬وإبراهيم بن أدهم‪ ،‬وأبي سليمان الداراني‪،‬‬
‫ومعروف الكرخي‪ ،‬والسري السقطي‪ ،‬والجنيد بن محمد‪ ،‬وغيرهم من المتقدمين‪،‬‬
‫ومثل الشيخ عبد القادر ]الجيلني[ والشيخ حماد‪ ،‬والشيخ أبي البيان‪ ،‬وغيرهم من‬
‫المتأخرين‪ ،‬فأهم ل يسوغون للسالك ولو طار فأي الهواء‪ ،‬أو مشى على الماء‪ ،‬أن‬
‫يخرج عن المر والنهي الشرعيين‪ ،‬بل عليه أن يعمل المأمور ويدع المحظور لإلى‬
‫أن يموت‪ .‬وهذا هو الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة ولإجماع السلف‪ ،‬وهذا كثير‬
‫فأي كلمهم( ]مجموع فأتاوى أحمد بن تيمية ج ‪ .10‬صا ‪516‬ـ ‪.[517‬‬

‫‪13‬ـ اللمام الشاطبي رحمه ا تعالى‪:‬‬


‫رذركر ر‬
‫ت "المسلم مجلة العشيرة المحمدية" تحت عنوان‪ :‬اللمام الشاطبي ]الشاطبي‬

‫‪215‬‬
‫هو لإبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي المتوفأى سنة ‪790‬هـ[‪ .‬صوفأي‬
‫سلفي للسيد أبي النقى أحمد خليل‪) :‬كتاب العتصام من الكتب التي يعتبرها‬
‫السمتسصلفة مرجعا ا أساسياا لبعض آرائهم‪ ،‬ويرون فأي الشيخ أبي لإسحاق الشاطبي‬
‫لإماما ا لهم‪ ،‬وقد عقد اللمام الشاطبي فأي كتابه هذا فأصولا كريمة عن التصوف‬
‫اللسلمي‪ ،‬وأثبت أنه من صميم الدين‪ ،‬وليس هو مبتردعاا‪ ،‬ووففأى المقام هناك بما‬
‫تخرس له اللسن‪ ،‬وتسلم له العقول والقلوب‪ ،‬فأاستمرع لإلى اللمام الشاطبي يقول‪:‬‬

‫لإن كثيراا من الجهال‪ ،‬يعتقدون فأي الصوفأية أنهم متساهلون فأي التباع والتزام ما‬
‫لم يأت فأي الشرع التزامه‪ ،‬مما يقولون به ويعملون عليه‪ ،‬وحاشاهم من ذلك أن‬
‫يعتقدوه أو يقولوا به‪ .‬فأأول شيء برنرروا عليه طريقهم اتباع السنة واجتناب ما خالفها‪،‬‬
‫حتى زعم سمذصكسرسهم وحافأظ مأخذهم‪ ،‬وعمود نحلتهم أبو القاسم القشيري‪ :‬لإنهم لإنما‬
‫اختصوا باسم التصوف انفراداا به عن أهل البدع‪ .‬فأذكر أن المسلمين بعد رسول ا‬
‫صلى ا عليه وسلم لم يترسفم أفأاضلهم فأي عصرهم باسم رعلرظم سوى الصحبة‪ ،‬لإذ ل‬
‫فأضيلرة فأوقها‪ ،‬ثم سمي من يليهم التابعون‪ ،‬ثم اختلف الناس‪ ،‬وتباينت المراتب‪،‬‬
‫فأقيل لخواصا الناس ممن لهم شدة عناية فأي الدين‪ :‬الزهاد والعفباد‪ .‬قال‪ :‬ثم ظهرت‬
‫البدع وافدعى كل فأريق أن فأيهم زهاداا وسعفباداا‪ ،‬فأانفرد خواصا أهل السنة‪،‬‬
‫المراعون أنفسهم مع ا‪ ،‬والحافأظون قلوبهم عن الغفلة باسم التصوف‪ ،‬فأتأمل‬
‫تغنم‪ ،‬وا أعلم( ]المسلم مجلة العشيرة المحمدية‪ ،‬عدد ذي القعدة سنة ‪1373‬هـ[‪.‬‬
‫‪14‬ـ ابن خلدوأن رحمه ا تعالى‪:‬‬
‫وقال ابن خلدون رحمه ا تعالى فأي كلمه عن علم التصوف‪) :‬هذا العلم من‬
‫العلوم الشرعية الحادثة فأي الملة‪ ،‬وأصله أن طريقة هؤلء القوم لم تزل عند سلف‬
‫المة وكبارها من الصحابة والتابعين ورمن بعردهم طريقةر الحق والهداية‪ ،‬وأصسلها‬
‫ض عن زخرف الدنيا‬ ‫ف على العبادة والنقطاع لإلى ا تعالى‪ ،‬واللعرا س‬ ‫العكو س‬
‫وزينتها‪ ،‬والزهسد فأيما سيقلبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه‪ ،‬والنفراسد عن الخلق‬
‫فأي الخلوة للعبادة‪ .‬وكان ذلك عارما ا فأي الصحابة والسلف‪ ،‬فألفما فأشا اللقبال على‬
‫الدنيا فأي القرن الثاني وما بعده‪ ،‬وجنح الناس لإلى مخالطة الدنيا‪ ،‬اختص المقبلون‬
‫على العبادة باسم الصوفأية( ]مقدمة ابن خلدون صا ‪ .328‬وهو عبد الرحمن بن‬
‫الشيخ أبي بكر محمد بن خلدون الحضرمي ولد عام ‪732‬هـ وتوفأي سنة ‪808‬هـ[‪.‬‬

‫‪15‬ـ تاج الدين السبكي رحمه ا تعالى‪:‬‬


‫وقال الشيخ تاج الدين السبكي رحمه ا تعالى فأي كتابه معيد النعم ومبيد النقم‪،‬‬
‫تحت عنوان الصوفأية‪) :‬رحفياهسم ا وبفياهم وجمعنا فأي الجنة نحن ولإياهم‪ .‬وقد‬
‫تشعبت القوال فأيهم تشعبا ا ناشئا ا عن الجهل بحقيقتهم لكثرة السمتلصبسين بها‪ ،‬بحيث‬

‫‪216‬‬
‫قال الشيخ أبو محمد الجويني‪ :‬ل يصح الوقف عليهم لنه ل حفد لهم‪ .‬والصحيح‬
‫صحته‪ ،‬وأنهم المعرضون عن الدنيا المشتغلون فأي أغلب الوقات بالعبادة‪ ..‬ثم‬
‫تحدث عن تعاريف التصوف لإلى أن قال‪ :‬والحاصل أنهم أهل ا وخاصته الذين‬
‫ترتجى الرحمة بذكرهم‪ ،‬وسيستنزل الغيث بدعائهم‪ ،‬فأرضي ا عنهم وعفنا بهم(‬
‫لمام تاج الدين عبد الوهاب السبكي‬‫]كتاب معيد النعم ومبيد النقم صا ‪ 119‬ل ل‬
‫المتوفأى سنة ‪771‬هـ[‪.‬‬

‫‪16‬ـ جلل الدين السيوطي رحمه ا تعالى‪:‬‬


‫وقال العلمة المشهور جلل الدين السيوطي رحمه ا تعالى فأي كتابه تأييد‬
‫الحقيقة العلفية‪) :‬لإن التصوف فأي نفسه علم شريف‪ ،‬ولإن مداره على اتباع السنة‬
‫وترك البدع ‪ ،‬والتبصري من النفس وعوائدها وحظوظها وأغراضها ومراداتها‬
‫ب محبته‪ ،‬واحتقالر ما سواه‪..‬‬ ‫واختياراتها‪ ،‬والتسليلم ل‪ ،‬والرضى به وبقضائه‪ ،‬وطل ل‬
‫ت أيضاا أنه قد كثر فأيه الدخيل من قوم تشبهوا بأهله وليسوا منهم‪ ،‬فأأدخلوا‬ ‫وعلم س‬
‫فأيه ما ليس منه‪ ،‬فأأدى ذلك لإلى لإساءة الظن بالجميع‪ ،‬فأوفجه أهسل العلم للتمييز بين‬
‫ت المور التي أنكرها أئمة‬ ‫الصنفين لسيعلرم أهل الحق من أهل الباطل‪ ،‬وقد تأمل س‬
‫الشرع على الصوفأية فألم أرر صوفأيا ا محقصقرا ا يقول بشيء منها‪ ،‬ولإنما يقول بها أهل‬
‫البدع والغلةس الذين افدرعروا أنهم صوفأية وليسوا منهم( ]تأييد الحقيقة العلية صا ‪.57‬‬
‫للعلمة جلل الدين السيوطي المتوفأى سنة ‪911‬هـ[‪.‬‬
‫‪17‬ـ ابن عابدين رحمه ا تعالى‪:‬‬
‫ث خاتمة المحققين العلمة الكبير والفقيه الشهير الشيخ محمد أمين المشهور‬ ‫وتحفد ر‬
‫بابن عابدين رحمه ا تعالى فأي كتابه المسمى مجموعة رسائل ابن عابدين‬
‫الرسالة السابعة ]شفاء العليل وبريل الغليل فأي سحركلم الوصية بالختمات والتهاليل[ عن‬
‫البدع الدخيلة على الدين مما يجري فأي المآتم والختمات‪ ،‬من لقبل أشخاصا تزيفروا‬
‫بلزي العلم‪ ،‬وانتحلوا اسم الصوفأية‪ ،‬ثم استدرك الكلم عن الصوفأية الصادقين حتى‬
‫ق من ساداتنا الصوفأية‬ ‫صفد ل‬‫ل سيظن أنه يتكلم عنهم عامة فأقال‪) :‬ول كلم لنا مع ال س‬
‫المبرئين عن كل خصلة ردفية‪ ،‬فأقد سسئل لإماسم الطائفتين سيدنا الجنيد‪ :‬لإن أقواما ا‬
‫طعت‬ ‫يتواجدون ويتمايلون ؟ فأقال‪ :‬دعوهم مع ا تعالى يفرحون‪ ،‬فألإنهم قوم ق ف‬
‫ب فأؤاردهم‪ ،‬وضاقوا ذرعا ا فأل حرج عليهم لإذا تنفسوا‬ ‫ق أكباردهم‪ ،‬ومفزق النص س‬ ‫الطري س‬
‫ت مذاقهم عذرتهم فأي صياحهم‪ ..‬وبمثل ما ذكره اللمام‬ ‫مداواةا لحالهم‪ ،‬ولو سذرق ر‬
‫الجنيد‪ ،‬أجاب العلمة النحرير ابن كمال باشا لما استفتي عن ذلك حيث قال‪:‬‬

‫س‬
‫ت من ربا ل‬ ‫ج ول التمايلل لإن أخرل ر‬
‫ص ر‬ ‫ت من حر ظ‬ ‫ما فأي الفتواسجلد لإن حقفرق ر‬
‫ق للرمرن دعاه موله أن يسعى على الصرا ل‬
‫س‬ ‫ت تسعى على لررجظل وسح ف‬ ‫فأقم ر‬

‫‪217‬‬
‫الرخصة فأيما ذكر من الوضاع عند الذكر والسماع للعارفأين الصارفأين أوقاتهم‬
‫لإلى أحسن العمال‪ ،‬السالكين المالكين لضبط أنفسهم عن قبائح الحوال‪ ،‬فأهم ل‬
‫يستمعون لإل من اللله‪ ،‬ول يشتاقون إللف له ؛ إلرن ذكروه ناحوا‪ ،‬ولإن شكروه باحوا‪،‬‬
‫ولإن وجدوه صاحوا‪ ،‬ولإن شهدوه استراحوا‪ ،‬ولإن سرحوا فأي حضرات قربه‬
‫ساحوا‪ .‬لإذا غلب عليهم الوجد بغلباته‪ ،‬وشربوا من موارد لإراداته‪ ،‬فأمنهم رمرن طرقرته‬
‫ت له بوارق اللطف فأتحفرك وطاب‪،‬‬ ‫طوارق الهيبة فأخفر وذاب‪ ،‬ومنهم من بلرق ر‬
‫ب من مطلع القرب فأسكر وغاب‪ .‬هذا ما رعفن لي فأي‬ ‫ومنهم من طلع عليهم اللح ي‬
‫الجواب‪ ،‬وا أعلم بالصواب‪.‬‬

‫وأيضا ا فألإن سماعهم ينتج المعارف الللهية‪ ،‬والحقائق الربانية‪ ،‬ول يكون لإل‬
‫بوصف الذات العلية والمواعظ اللحركلمفية‪ ،‬والمدايح النبوية‪.‬‬

‫ول كلم لنا أيضاا مع من اقتدى بهم‪ ،‬وذاق من مشربهم‪ ،‬ووجد من نفسه الشوق‬
‫لم‪ ،‬بل كلمنا مع هؤلء العوام‪ ،‬الفسقة اللئام‪ ..‬لإلخ(‬ ‫والهيام فأي ذات الملك الع ف‬
‫]الرسالة السابعة‪ ،‬شفاء العليل وبل الغليل فأي حكم الوصية بالختمات والتهاليل صا‬
‫‪172‬ـ ‪ 173‬للفقيه الكبير ابن عابدين ولد سنة ‪ 1198‬وتوفأي ‪1252‬هـ وقد ذكرنا‬
‫سابقا ا شيئا ا من ترجمته[‪.‬‬
‫‪18‬ـ الشيخ محمد عبده رحمه ا تعالى‪:‬‬
‫ذكرت مجلة المسلم مقالة تحت عنوان رأي الشيخ محمد عبده فأي التصوف‪ ،‬نقلها‬
‫عنه المرحوم الشيخ علي محفوظ فأي رسالة اللبداع فأقال‪) :‬قال الشيخ محمد عبده‬
‫رحمه ا تعالى‪ :‬قد اشتبه على بعض الباحثين فأي تاريخ اللسلم وما حدث فأيه من‬
‫ب فأي سقوط المسلمين فأي الجهل‪ ،‬فأظنوا‬ ‫ت جماله‪ ،‬السب س‬‫البدع والعادات التي شوه ر‬
‫أن التصوف من أقوى السباب لوقوع المسلمين فأي الجهل بدينهم وسبعدهم عن‬
‫س النجاة‪ ،‬ومدار صحة العمال‪ ،‬وليس المر كما‬ ‫التوحيد الخالص الذي هو أس ي‬
‫ظنوا‪ ،‬فأنذكر لك الغرض منه على وجه اللجمال‪ ،‬وما آل لإليه أمره بعد ذلك‪.‬‬

‫لسلم‪ ،‬فأكان له شأن عظيم‪ ،‬وكان المقصود‬ ‫ظهر التصوف فأي القرون الولى ل ل‬
‫منه فأي أول المر تقويم الخلق وتهذيب النفوس‪ ،‬وترويضها بأعمال الدين‬
‫وجذبها لإليه‪ ،‬وجعله وجدانا ا لها‪ ،‬وتعريفها بلحركمه وأسراره بالتدريج‪ .‬وكان الفقهاء‬
‫الذين وقفوا عند ظواهر الحكام المتعلقة بأعمال الجوارح والمعاملت ينكرون‬
‫عليهم معرفأة أسرار الدين‪ ،‬ويرمونهم بالزيغ والللحاد‪ ،‬وكانت السلطة للفقهاء‬
‫ضع‬‫لحاجة المراء والسلطين لإليهم‪ ،‬فأاضطر الصوفأية لإلى لإخفاء أمرهم‪ ،‬وو ر‬

‫‪218‬‬
‫الرموز والصطلحات الخاصة بهم‪ ،‬وعدم قبول أحد معهم لإل بشروط واختبار‬
‫طويل‪ ،‬فأقالوا‪ :‬لبد فأيمن يحب أن يكون معنا أن يكون أولا طالبا ا فأمريداا فأسالكاا‪،‬‬
‫وبعد السلوك لإما أن يصل ولإما أن ينقطع‪ ،‬فأكانوا يختبرون أخلق الطالب وأطواره‬
‫ل‪ ،‬ليعلموا أنه صحيح اللرادة صادق العزيمة‪ ،‬ل يقصد مجرد الوقوف‬ ‫زمنا ا طوي ا‬
‫على أسرارهم‪ ،‬وبعد الثقة يأخذونه بالتدريج شيئا ا فأشيئاا( ]مجلة المسلم ـ العدد‬
‫السادس ـ غرة المحرم ‪1378‬هـ‪ .‬صا ‪ .24‬ولد الشيخ محمد عبده ‪1266‬هـ‪ .‬وتوفأي‬
‫‪1323‬هـ فأي مصر[‪.‬‬

‫‪19‬ـ المير شكيب أرسلن رحمه ا تعالى‪:‬‬


‫جاء فأي كتاب حاضر العالم اللسلمي للمير شكيب أرسلن رحمه ا تعالى تحت‬
‫عنوان‪ :‬نهضة اللسلم فأي أفأريقيا وأسبابها‪) :‬وفأي القرن الثامن عشر والتاسع‬
‫عشر حصلت نهضة جديدة عند أتباع الطريقتين‪ :‬القادرية والشاذلية‪ ،‬وسوجدت‬
‫طريقتان‪ ،‬هما‪ :‬التيجانية والسنوسية‪.‬‬

‫س مبشري الدين اللسلمي فأي غربي أفأريقيا من السنيغال لإلى‬ ‫فأالقادرية هم أحم س‬
‫بنين التي بقرب مصب النيجر‪ .‬وهم ينشرون اللسلم بطريقة سلمية بالتجارة‬
‫والتعليم‪ ،‬وتجد التجار الذين من السونينكة والماندجولة المنتشرين على مدن النيجر‬
‫وفأي بلد كارتا وماسينة‪ ،‬كلهم من مريدي الطريقة القادرية‪ .‬ولمرن مريديهم من‬
‫يخدمون فأي مهنة الكتابة والتعليم‪ ،‬ويفتحون كتاتيب ليس فأي زوايا الطريقة فأقط‪،‬‬
‫بل فأي كل القرى‪ ،‬فأيلصقنون صغار الزنج الدين اللسلمي أثناء التعليم‪ ،‬ويرسلون‬
‫النجباء من تلميذهم على نفقة الزوايا لإلى مدارس طرابلس والقيروان وجامع‬
‫القرويين بفاس والجامع الزهر بمصر‪ .‬فأسيخفرجون من هناك طلبة مجازين‪ ،‬أي‬
‫أساتذة‪ ،‬ويعودون لإلى تلك البلد لجل مقاومة التبشير المسيحي فأي السودان(‬
‫]"حاضر العالم اللسلمي" ج ‪ .2‬صا ‪.[396‬‬

‫وتحدث عن شيخ الطريقة القادرية فأقال‪) :‬وكان عبد القادر الجيلني الموجود فأي‬
‫جيلن من فأارس متصوفأا ا عظيماا زكي النشأة‪ ،‬وله أتباع ل سيحصى عددهم‪،‬‬
‫ووصلت طريقته لإلى أسبانيا‪ ،‬فألما زالت دولة العرب من غرناطة انتقل مركز‬
‫الطريقة القادرية لإلى فأاس‪ ،‬وبواسطة أنوار هذه الطريقة زالت البدع من بين‬
‫البربر‪ ،‬وتمسكوا بالسنة والجماعة‪ ،‬كما أن هذه الطريقة هي التي فأي القرن‬
‫الخامس عشر‪ ،‬اهتدى على يدها زنوج غربي أفأريقيا‪.‬‬

‫وتحدث عن السنوسية فأقال‪ :‬فأالسنوسية نشروا طريقتهم فأي وادي والبافأيرمي‬

‫‪219‬‬
‫وبوركو‪ ،‬وتبعوا نهر بينوى لإلى أن بلغوا النيجر الدنى حيث نجدهم ريهدون تلك‬
‫القبائل لإلى اللسلم‪ .‬وبواسطة السنوسية صارت نواحي بحيرة تشاد هي مركز‬
‫اللسلم العام فأي أواسط أفأريقيا‪ ،‬وسيقفوم عدد مريدي الطريقة السنوسية بأربعة‬
‫مليين‪ ،‬وطريقة هؤلء الجماعة فأي التبشير هي أن يشتروا الرقاء صغاراا من‬
‫السودان‪ ،‬ويريبوهم فأي جغبوب وغذامس وغيرها‪ ،‬ثم متى بلغوا أشفدهم وأكملوا‬
‫تحصيل العلم أعتقوهم‪ ،‬وسرحوهم لإلى أطراف السودان‪ ،‬ريهدون أبناء جلدتهم‬
‫الباقين على الفتيشية‪.‬‬

‫ث دعاية اللسلم فأي جميع‬‫وهكذا يرحل كل سنة مئات من مبشري السنوسية للبر ص‬
‫أفأريقيا الداخلية‪ ،‬من سواحل الصومال شرقاا‪ ،‬لإلى سواحل السينغامبية غرباا‪ ،‬ولقد‬
‫رحرذا سيدي محمد المهدي وأخوه سيدي محمد الشريف حذو والدهما فأي السعي لإلى‬
‫الغرض الذي توخاه‪ ،‬أل وهو تخليص اللسلم من النفوذ الجنبي‪ ،‬ولإعادة اللمامة‬
‫العامة كما كانت فأي عصر الخلفاء‪ .‬وباللجمال‪ :‬فألإن مريدي هذه الطرق هم الذين‬
‫سعوا فأي نشر اللسلم‪ ،‬روسوفأصسقوا لإليه فأي أفأريقيا( ]"حاضر العالم اللسلمي" ج ‪.2‬‬
‫صا ‪.[400‬‬

‫ي دليل أقطع من المبشرين السنوسين‬ ‫وتحدث عن السنوسية أيضاا بقوله‪) :‬وأ ي‬


‫السحفمس السغفير الذين خفرجتهم زوايا الصحراء‪ ،‬وهم سيعيدون باللوف المؤفلفلة‪ ،‬وما‬
‫انفكوا يجوبون كل بلد وثنية مبشرين بالوحدانية داعين لإلى اللسلم‪ .‬وهذه‬
‫العمال التي قام بها المبشرون المسلمون فأي غربي أفأريقيا وأوسطها خلل القرن‬
‫التاسع عشر لإلى اليوم رلعجيبةف من العجائب الكبرى‪ ،‬وقد اعترف عدد كبير من‬
‫الغربيين بهذا المر‪ ،‬فأقد قال أحد اللنكليز فأي هذا الصدد منذ عشرين سنة‪ :‬لإن‬
‫اللسلم ليفوز فأي أواسط أفأريقيا فأوزاا عظيماا‪ ،‬حيث الوثنية تختفي لمن أمامه اختفاء‬
‫الظلم من فألق الصباح‪ ،‬وحيث الدعوة النصرانية كأنها خرافأة من الخرافأات‪(..‬‬
‫]"حاضر العالم اللسلمي" ج ‪ .1‬صا ‪.[301‬‬

‫وتحفد ر‬
‫ث عن الطريقة الشاذلية فأقال‪) :‬وأما الشاذلية فأنسبتها لإلى أبي الحسن الشاذلي‪،‬‬
‫أخذ عن عبد السلم بن مشيش‪ ،‬الذي أخذ عن أبي مدين وكانت ولدة أبي مدين فأي‬
‫لإشبيلية سنة ‪ 1127‬ميلدية‪ ،‬وقرأ فأي فأاس‪ ،‬وحفج البيت الحرام‪ ،‬ثم استقر يعلم‬
‫ق كثير‪ ..‬وهي من أوليات الطرق التي أدخلت‬ ‫التصوف فأي بجاية‪ ،‬وتبعه خل ف‬
‫التصوف فأي المغرب‪ ،‬ومركزها بوبريت فأي مراكش‪ .‬وكان من أشياخها سيدي‬
‫العربي الدرقاوي المتوفأى سنة ‪1823‬م الذي أوجد عند مريديه حماسة دينية شديدة‬
‫امتدت لإلى المغرب الوسط‪ ،‬وكان للدرقاوية دور فأعال فأي مقاومة الفتح الفرنسي(‬

‫‪220‬‬
‫]"حاضر العالم اللسلمي" ج ‪ .1‬صا ‪.[301‬‬

‫وختم المير شكيب أرسلن موضوعه عن نهضة اللسلم فأي أفأريقيا فأقال‪) :‬وأكثر‬
‫أسباب هذه النهضة الخيرة راجعة لإلى التصوف والعتقاد بالولياء( ]"حاضر‬
‫العالم اللسلمي" ج ‪ .1‬صا ‪.[301‬‬

‫‪20‬ـ الشيخ رشيد رضا رحمه ا تعالى‪:‬‬


‫قال الشيخ رشيد رضا رحمه ا تعالى‪) :‬لقد انفرد الصوفأية بركن عظيم من أركان‬
‫الدين‪ ،‬ل يطاولهم فأيه مطاول‪ ،‬وهو التهذيب علما ا وتخلقا ا وتحققاا‪ ،‬ثم لما دونت‬
‫العلوم فأي الملة‪ ،‬كتب شيوخ هذه الطائفة فأي الخلق ومحاسبة النفس‪] (..‬مجلة‬
‫المنار السنة الولى صا ‪.[726‬‬

‫‪21‬ـ الشيخ محمد راغب الطباخ رحمه ا تعالى‪:‬‬


‫قال الستاذ والمؤرخ محمد راغب الطباخ رحمه ا تعالى فأي كتابه الثقافأة‬
‫اللسلمية‪) :‬فألإذا كان التصوف عبارة عن تزكية النفوس وتصفية الخلق‪ ،‬فأنعرم‬
‫ب ونعرم المقصسد‪ ،‬وذلك هو الغاية من بعثة النبياء عليهم الصلة والسلم‪،‬‬ ‫المذه س‬
‫ت لتمم مكارم الخلق" ]رواه‬ ‫فأفي الحديث عنه عليه الصلة والسلم‪" :‬لإنما سبعث س‬
‫البخاري فأي الدب المفرد فأي باب حسن الخلق عن أبي هريرة رضي ا عنه‪،‬‬
‫وأخرجه اللمام أحمد والبيهقي والحاكم فأي الترجمة النبوية وقال‪ :‬صحيح على‬
‫شرط مسلم[‪ .‬وقد تأملنا سيرة الصوفأية فأي القرون الولى من اللسلم‪ ،‬فأوجدناها‬
‫سيرة حسنة جميلة مبنية على مكارم الخلق والزهد والورع والعبادة‪ ،‬منطبقة‬
‫على الكتاب والسنة‪ .‬وقد صفرح بذلك سيد هذه الطائفة أبو القاسم الجنيد رحمه ا‬
‫تعالى كما فأي ترجمته فأي تاريخ ابن رخلصركارن حيث قال‪ :‬مذهبنا هذا مقيد بأصول‬
‫الكتاب والسنة‪.‬‬

‫وفأي شرح اللحياء للعلمة الزبيدي ج ‪ 1‬صا ‪ :174‬وقال الجنيد‪ :‬الطرق كلها‬
‫مسدودة على الخلق‪ ،‬لإل على من اقتفى أثر الرسول صلى ا عليه وسلم‪ .‬وهي فأي‬
‫ترجمته فأي الرسالة ]القشيرية[ صا ‪ .19‬وفأيها‪ :‬قال الجنيد‪ :‬من لم يحفظ القرآن‪،‬‬
‫ولم يكتب الحديث‪ ،‬ل يقتدى به فأي هذا المر‪ ،‬لن علمنا مقيد بالكتاب والسنة‪ .‬ثم‬
‫قال بعد السند عن الجنيد‪ :‬مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة‪ .‬وقال الجنيد‪:‬‬
‫لعرلسمنا هذا مشفيد بحديث رسول ا صلى ا عليه وسلم ‪.‬‬

‫وقال سري السقطي‪ :‬التصوف اسم لثلثة معان‪ :‬وهو الذي ل يطفئ نوسر معرفأته‬

‫‪221‬‬
‫نورر ورعه‪ ،‬ول يتكلم بباطلن علظم ينقضه عليه ظاهسر الكتاب‪ ،‬ول تحمله الكرامات‬
‫على هتك محارم ا تعالى‪.‬‬

‫وفأي شذرات الذهب ج ‪ .5‬صا ‪ 279‬فأي ترجمة أبي الحسن الشاذلي‪ ،‬ومن كلمه‪:‬‬
‫كل علم تسبق لإليك فأيه الخواطر‪ ،‬وتميل النفس وتلتذ به فأارم به‪ ،‬وخذ بالكتاب‬
‫والسنة‪.‬‬

‫ولغيرهم فأي هذا الباب عبارات كثيرة‪ ،‬تجدها منثورة فأي كتاب التعرف لمذهب‬
‫لمام الكلباذي‪ ،‬وفأي الرسالة القشيرية وغيرهما‪..‬‬
‫أهل التصوف ل ل‬

‫وهؤلء فأوق ما اتصفوا به من تهذيب النفس والورع والزهد والعبادة‪ ،‬قد قاموا فأي‬
‫عصورهم بالواجب عليهم ؛ من لإرشاد الخلق لإلى الحق‪ ،‬والدعوة لإليه‪ ،‬وصردهم‬
‫س عن التكالب على الدنيا وجمع حطامها من أي وجه كان‪ ،‬والسترسال فأي‬ ‫النا ر‬
‫الشهوات والملذات مما يؤدي لإلى النهماك فأي المحرمات والغفلة عن الواجبات‬
‫وما سخللق اللنسان له‪ ،‬وتكون نتيجة ذلك انتشار الفوضى‪ ،‬وظهور الفساد‪ ،‬وكثرة‬
‫البغي والهرج‪.‬‬

‫فأكان هؤلء بوعظهم ولإرشادهم‪ ،‬واللحركلم والحقائق التي تفجرت من ينابيع قلوبهم‪،‬‬
‫هم حراس الخلق‪ ،‬والخذين بيد المة لإلى مناهج الحق وسبل الرشاد‪ ،‬والدعاة‬
‫لإلى السعادة الحقيقية‪ ،‬وهي قيام اللنسان بجميع ما سأمر به مع عدم نسيانه نصيربه‬
‫من الدنيا‪ ،‬فأكانوا فأي جملة السامعين فأي هذه المة والمجيبين لقوله تعالى‪} :‬رورلترسكرن‬
‫ك هم‬ ‫منسكرم أسفمةف ريدعورن إلى الخيلر ويأسمرورن بالمعرو ل‬
‫ف ويرنرهورن علن المنكلر وأولئ ر‬
‫السمرفللسحورن{ ]آل عمران‪.[104 :‬‬
‫ف الصوفأية هم أعلم الملة وسادة المة وسراجها الوهاج ونورها الوضاح‪،‬‬ ‫فأسل س‬
‫وبهم وبأمثالهم من المحصدثين والفقهاء اهتدت المة لإلى الصراط المستقيم‪ ،‬وسلكت‬
‫المنهاج القويم‪ ،‬وانتظمت أحوال معاشهم‪ ،‬وصلحت سأمور معادهم‪ ،‬وفأازوا فأوزاا‬
‫عظيماا‪.‬‬

‫ولإذا تتبعنا آثار الصوفأية وتراجمهم‪ ،‬نجد أن الكثير منهم قد كان للواحد منهم أتباع‬
‫ت بين‬‫يعدون باللوف‪ ،‬كلما انتسب لإليه شخص آخى بينه وبين سابقيه ؛ فأتمكن ر‬
‫أتباعه والمنتسبين لإليه أواصر ا س‬
‫للفة وروابط المحبة‪ ،‬وتواسوا فأيما بينهم‪،‬‬
‫وتواصوا بالحق‪ ،‬وعطف غنييهم على فأقيرهم‪ ،‬ورحم كبيسرهم صغيررهم‪ ،‬فأأصبحوا‬
‫بنعمة ا لإخواناا‪ ،‬وصاروا كالجسد الواحد‪ ،‬وكانوا فأي منتهى الطاعة والنقياد‬

‫‪222‬‬
‫لشيخهم‪ ،‬يقومون لقيامه‪ ،‬ويقعدون لقعوده‪ ،‬ويمتثلون أوامره‪ ،‬ويتبادرون لدنى‬
‫لإشاراته‪.‬‬

‫ومن جليل أعمال الصوفأية وآثارهم الحسنة فأي المة اللسلمية أن الملوك‬
‫والمراء متى قصدوا الجهاد‪ ،‬كان الكثير من هؤلء بلإيعاز‪ ،‬وبغير لإيعاز‬
‫سيحصرضون أتباعهم على الخروج لإلى الجهاد‪ .‬ولعظيم اعتقادهم فأيهم‪ ،‬وانقيادهم لهم‬
‫كانوا يبتدرون لإلى النتظام فأي سلك المجاهدين‪ ،‬فأيجتمع بذلك عدد عظيم من‬
‫أطراف ممالكهم‪ ،‬وكثيراا ما كان أولئك يرافأقون الجيوش بأنفسهم‪،‬ويدافأعون‬
‫ويحصرضون ؛ فأيكون ذلك سببا ا للظفر والنصر‪.‬‬

‫ت من ذلك شيئا ا كثيراا‪ ،‬على أننا ل ننسى أن مثل‬


‫ت بطون التاريخ وجرد ر‬‫ولإذا رتتبفرع ر‬
‫هذا العمل قد كان فأي كثير من المحصدثين والعلماء العاملين‪.‬‬

‫ومن آثار الصوفأية أنه لإذا حصل اختلف بين الناس فأي أمور دنياهم وخصوصا ا‬
‫بين لإخوانهم المنسوبين لإليهم‪ ،‬فألإنهم يرجعون لإلى شيخهم‪ ،‬فأيفصل بينهم بما أنزل‬
‫ا‪ ،‬ويعودون وهم راضون‪ ،‬ويستغنون عن الترافأع لإلى الحكام لفصل ما بينهم من‬
‫الخصومات‪.‬‬

‫وهذا مما شاهدناه بأعيننا‪ ،‬وسمعناه بآذاننا فأي أوائل هذا القرن من بعض بقاياهم‪،‬‬
‫بل كان بعض الناس سينذر أخاه بالشكوى لإلى الشيخ لإن لم ينصفه‪ ،‬فأيعود هذا لإلى‬
‫حظيرة الحق خشية أن يبلغ الشيخ عنه شيئاا‪ ،‬وهو يحرصا أن تبقى سمعته لديه‬
‫طيبة وسيرته حسنة( ]الثقافأة اللسلمية للمؤرخ الكبير الستاذ محمد راغب‬
‫الطباخ صا ‪302‬ـ ‪ 304‬ولد ‪1293‬هـ وتوفأي ‪1370‬هـ فأي حلب[‪.‬‬
‫‪22‬ـ أحمد الشرباصي‪:‬‬
‫قال الستاذ الشيخ أحمد الشرباصي الكاتب اللسلمي المعروف والمدصرس فأي‬
‫الزهر الشريف فأي مجلة اللصلح الجتماعي تحت عنوان‪ :‬الخلق عند‬
‫الصوفأية‪ ،‬بعد أن تحدث عن التصوف وتعريفه واشتقاقه‪) :‬وأنا أعتقد أن حقيقة‬
‫التصوف الكاملة‪،‬هي مرتبة اللحسان الذي حدده رسول اللسلم محمد عليه‬
‫الصلة والسلم فأي حديث جبريل حين قال‪" :‬اللحسان أن تعبد ا كأنك تراه‪ ،‬فألإن‬
‫لم تكن تراه فألإنه يراك" ]رواه مسلم فأي صحيحه فأي كتاب الليمان عن عمر رضي‬
‫ا عنه[‪ .‬ومن هذا تفهم أن كثيراا من أدعياء التصوف ل ينطبق عليهم ذلك القانون‬
‫الدقيق العميق‪ ،‬فأهم عن حقيقته خارجون‪.‬‬

‫‪223‬‬
‫وأساس التصوف فأي الواقع هو تربية الذوق‪ .‬والسخسلق الكريم ليس لإل ذوقا ا سليماا‪،‬‬
‫تتغلب به شخصية اللنسان على شخصية الحيوان فأي حياة الناس‪.‬‬

‫وقد اهتم الصوفأية أكبر الهتمام بالخلق‪ ،‬بل لقد جعلوا الخلق فأي مناهجهم‪،‬هي‬
‫ت كلمة التصوف‪ ،‬ووضع ر‬
‫ت‬ ‫العماد والسناد‪،‬وهي عمود أمرهم كله‪ ،‬بحيث لو رفأع ر‬
‫ت الواقع فأي قليل أو كثير‪ ،‬لن‬‫ت الحقيقة‪ ،‬ولما جانب ر‬
‫بدلها كلمة الخلق لما فأارق ر‬
‫العمدة فأي التصوف على مجاهدة النفس وتطهيرها‪ ،‬وتحليتها بكل جمال وكمال‪،‬‬
‫وهذا جماع مكارم الخلق‪.‬‬

‫ولقد كان من مظاهر اهتمام الصوفأية بالجوانب الخلقية أنهم تبنفروا حركة الفتوة‬
‫ومبادىء الفروسية‪ ،‬ومزجوا بين مبادئهم ومبادىء الفتيان‪ ،‬حتى تكفون من ذلك فأي‬
‫تاريخ الفتوة فأصل مستقل‪،‬اتخذ عنوان فأتوة الصوفأية‪ .‬ومن هذا أخذ الصوفأية مبدأ‬
‫صسل الفتوة أن يكون العبد‬ ‫الليثار‪،‬وتقديم الغير على النفس‪ ،‬حتى قال القشيري‪ :‬أ ر‬
‫أبداا فأي أمر غيره‪ .‬وقال ابن أبي بكر الهوازي‪ :‬أصل الفتوة أل ترى لنفسك فأضلا‬
‫أبداا‪.‬‬

‫ف الذى‪ ،‬وبذلل الندى‪ ،‬وك ص‬


‫ف الشكوى‪ ،‬وستلر البلوى‪ ،‬والعفلو‬ ‫وأخذوا بمبادىء ك ص‬
‫عن اللعدا‪ ،‬والسصمو لإلى السعل‪.‬‬

‫طوبى للرمرن شغله عيسبه عن عيوب‬ ‫وهم يأخذون بالمبدأ الخلقي المحمدي‪ " :‬س‬
‫الناس" ]رواه الديلمي فأي الفردوس عن أنس رضي ا عنه[‪ .‬ولذلك يقول ابن‬
‫عطاء ا السكندري‪ ،‬وهو ممن جمع بين عمق التفكير وروعة التعبير‪ :‬تشيوسفأك‬
‫ب عنك من الغيوب‪.‬‬ ‫لإلى ما بطررن فأيك من العيوب خيفر من تشوفأك لإلى ما سحلج ر‬

‫ومن منهاج الصوفأية الخلقي عملهم بمختلف الوسائل والسباب على لإماتة‬
‫المطامع‪،‬لتقوى الشخصية الروحية فأي نفس اللنسان‪ .‬ولذا قال أبو بكر الوراق‬
‫وهو من أعلم القوم‪ :‬لو قيل للطمع من أبوك ؟ لجاب‪ :‬الشك فأي المقدور‪ .‬فألو قيل‬
‫له‪ :‬فأما هي حرفأتك ؟ لجاب‪ :‬اكتساب الذل‪ ،‬فألو قيل له‪ :‬فأما هي غايتك ؟ لجاب‪:‬‬
‫ت أغصاسن ذصل لإل‬ ‫الحرمان‪ .‬وفأي هذا المجال يقول ابن عطاء ا السكندري‪ :‬ما بررسقر ر‬
‫على بذر طمع‪.‬‬

‫وقد قرلدرم اللمام علي بن أبي طالب رضي ا عنه البصرة‪ ،‬فأدخل جامعها‪ ،‬فأوجد‬
‫صاصا يقصون على الناس‪ ،‬فأأقامهم‪ ،‬حتى لإذا جاء لإلى الحسن البصري‪ ،‬وهو‬‫القس ف‬

‫‪224‬‬
‫سيد الفتيان عند الصوفأية‪ ،‬فأقال له علي‪ :‬يا فأتى! لإني سائلك عن أمر ؛ فألإن أجبتني‬
‫أبقريستك‪ ،‬ولإل أقمتك كما أقمت أصحابك ـ وكان قد رأى عليه رسرمتا ا وهديا ا ـ فأقال‬
‫ك الدين ؟ فأقال الحسن‪ :‬الورع‪ .‬قال‪ :‬فأما‬ ‫الحسن‪ :‬سل ما شئت‪ .‬فأقال علي‪ :‬ما لمل س‬
‫فأساد الدين ؟ قال‪ :‬الطمع‪ .‬قال‪ :‬اجلس‪ ،‬فأمثلك من يتكلم على الناس‪.‬‬

‫وهفم ابن عطاء ا السكندري يوما ا بشيء من الطمع‪ ،‬فأسمع هاتفا ا يقول له‪ :‬السلمةس‬
‫فأي الدين بترك الطمع فأي المخلوقين‪.‬‬

‫وصاحب الطمع ل يشبع أبداا‪ ،‬أل ترى أن حروفأه كلها مجوفأة‪ ،‬الطاء والميم‬
‫والعين ؟!‪ .‬ولما عفلم الصوفأيةس أتبارعهم القناعة والستغناء فأتحوا أمامهم الباب لإلى‬
‫لنفلة والعفزلة‪ ،‬ومن هنا نراهم يتحدثون كثيراا عن استخفافأهم بالبغي والبغاة‪ ،‬وعدم‬ ‫ا ر‬
‫اكتراثهم بالطغيان أو الطغاة‪ ،‬وعدم اغترارهم بالجاه أو أصحاب الجاه‪.‬‬

‫ومن منهاج الصوفأية الخلقي الدعوة لإلى التضحية والجهاد‪ ،‬والتحريض على‬
‫استجابة داعي الكفاح والستشهاد‪.‬‬

‫ت أقول واللسراف فأيه‪،‬‬ ‫ومن منهاجهم الخلقي تعليسم الصبر والمبالغة فأيه‪ ،‬ولكرد س‬
‫فألقد دخل ذو النون على أخ له صوفأي مريض‪ ،‬واشتد الداء به فأأفن أنفاة‪ ،‬فأقال له ذو‬
‫ك‪:‬‬
‫النون‪ :‬ليس بصادق فأي حبه من لم يصبر على ضربه‪ .‬فأقال المريض كالمستدر ل‬
‫بل ليس بصادق فأي حبه من لم يتلذذ بضربه‪..‬‬

‫ومن منهاجهم الخلقي التنشئةس على المراقبة ل‪ ،‬حتى يرث العبد من وراء هذه‬
‫المراقبة صلة بال وقرباا منه‪ .‬ومن لطائفهم فأي التربية الخلقية‪ ،‬أنهم يطالبون‬
‫لإخوانهم باليسر والسهولة والمطاوعة فأي الصداقة‪ ،‬حتى ل تكون هناك سكلففة‪ ،‬وما‬
‫دام الصوفأي قد وثق بأخيه دينا ا وسخسلقا ا وتصرفأا ا ؛ فأل محل لعتراضه عليه فأي‬
‫شيء‪ .‬ويتصل بهذا تنفيسرهم من الغترار بالطاعة‪ ،‬ولإبعاسدهم عن اليأس من‬
‫المغفرة‬

‫ومن منهاجهم الخلقي تعليسم الثبات والرزانة وعدم الستجابة لدواعي‬


‫الستخفاف( ]مجلة اللصلح الجتماعي صا ‪.[4‬‬

‫وقال الستاذ أحمد الشرباصي أيضاا فأي تقدمته لكتاب نور التحقيق‪) :‬هذا هو‬
‫ف عليه أعداؤه الصرحاء‪ ،‬وشفوه جماله‬‫التصوف الجليل النبيل‪ ،‬أضاعه أهلسه‪ ،‬وحا ر‬

‫‪225‬‬
‫أدعياؤه الخبثاء‪ ،‬وتطاول عليه الزمن‪ ،‬وهو مجهول منكور‪ ،‬أو مذموم محذور‪،‬‬
‫على الرغم من جماله وعظم رجاله الماضين وأبطاله‪ ،‬واتساع اختصاصه‬
‫ومجاله‪ ،‬وخطورة أقواله وأعماله‪ ،‬فأغدا كالدرة الثمينة حجبتها اللفائف السود ؛‬
‫فأظنها الجاهلون سوداء بسواد لفائفها‪ ،‬وهم لو وصلوا لإليها‪ ،‬وجلرروا عنها ما حاق‬
‫ت أعينهم من ساطع الضياء وفأريد البهاء‪.‬‬ ‫بها أو حاطها من أستار لنبهر ر‬

‫لهفي على التصوف الحق الناطق بنقائه وصفائه‪ ،‬أين الذين سيطللعون الحيارى من‬
‫أبناء الكون على ما فأيه من أخبار وأسرار ؟! أين الذين يصرخون بين القطعان‬
‫الضالة من البشر‪ ،‬ليقولوا لها‪ :‬لإن التصوف جزء من اللسلم وجانب من هدي‬
‫الرسول عليه الصلة والسلم‪ ،‬وأن التصوف مظلوم‪ ،‬فأقد أضيف لإليه كثير مما‬
‫ليس منه عن حسن نية أو سوء قصد‪ ،‬وقد كتم أدعياؤه كثيراا من أموره‪ ،‬وقد‬
‫تطاول عليه بالتحريف قفوم نرلكسل حسابهم لإلى ا‪ ،‬وقد تسرع بالسخرية منه رمرن لم‬
‫يطرقوا بابه‪ ،‬ولم يذوقوا شرابه‪ ،‬ولم يطالعوا كتابه‪ ..‬ولم يجد التصوف الكريم الذي‬
‫ب‬‫أضاعه الناس مع هذه العوامل الهدامة كلها من يأخذ بناصره‪ ،‬أو يجلو الغياه ر‬
‫عن مآثره‪ ،‬أو يعرض على الشانئين أو الخاطئين سلسل مفاخره‪ .‬وقد علمرترنا‬
‫ل‪ ،‬ولم يفز بمؤيد أو مستجيب انطوى‬ ‫الدراسات والتجارب أن الحق لإذا لم يجد أه ا‬
‫وتوارى‪ ،‬حتى يهيء ا له بعد قليل أو طويل من سيذصكر به أو يدعو لإليه‪ ،‬أو يحمل‬
‫الناس رغبة أو رهبة عليه‪ ،‬فألإذا هو بعد انطوائه السيد المطاع‪.‬‬

‫أرأيت لإلى كنز وسيع عجيب‪ ،‬فأيه المال الغزير الذي ل يحصى‪ ،‬وفأيه أدوية الجسم‬
‫الشافأية التي لتخون‪ ،‬وفأيه علج النفس الذي يهدي‪ ،‬وفأيه نور القلب الذي ل‬
‫يخبو‪ ..‬ماذا يكون من شأنك لو أن لإنسانا ا أخبرك بوجود هذا الكنز فأي مكان ما‪،‬‬
‫ورسم لك الطريق لإليه‪ ،‬وذكر لك ما تحتاجه الرحلةس نحوه من مجهود وتكاليف ؟‪..‬‬
‫أل تحاول أن تبذل جهدك وتستنفذ طاقتك‪ ،‬وتعمل وسعك حتى تصل لإلى هذا الكنز‬
‫الذي ستجد عنده جاه الدنيا وعز الخرة ؟‪..‬‬

‫كذلك شأن التصوف يا صاح‪ ،‬لإنه الدواء المخفي والكنز المطوي والسر العلمي‪،‬‬
‫لإنه الدواء الذي يحتاج لإليه جسمك وفأهمك وخلقك‪ ،‬ولكنك لن تصل لإليه ولن تنتفع‬
‫به حتى تتجه بمشاعرك نحوه‪ ،‬وحتى ستقبل ببصرك وبصيرتك عليه‪ ،‬وحتى تبذل‬
‫من ذات يدك‪ ،‬وذات نفسك ومن وقتك وبحثك ما يهيء لك البلوغ لإليه والوقوف‬
‫عليه‪ ،‬فأهل فأعلت من ذلك شيئا ا وقد عرفأت الطريق لإلى النعيم ؟‪.‬‬

‫لإنه ل يعنيني أبداا أن تكون صوفأيا ا أرو ل تكون‪ ،‬ول يهمني كثيراا أن تكون من‬

‫‪226‬‬
‫أعداء الصوفأية أو من أوليائهم‪ ،‬ولكن يهمني أولا وقبل كل شيء أن تكون على‬
‫بصيرة من أمرك‪ ،‬وأن ل تجهل شيئا ا جليلا يطالبك ديسنك وعرقسلك بأن تعرفأه‪ ،‬ومن‬
‫هنا يتحتم عليك أن تدرس التصوف لتتصوره وتفهمه وتفقهه‪ ،‬وبعد ذلك تحكم له‬
‫أو عليه‪ ،‬وأزيدك بيانا ا فأأقول لك‪ :‬لإنه قد يكون فأي التصوف وتاريخه وسير رجاله‬
‫ما أضيف لإليه أو افأتراه المفترون عليه‪ ،‬ومن هنا يستتر حق وراء باطل‪ ،‬ومن هنا‬
‫أيضاا يطالبك دينك بأن تقوم لتهتك حجاب الباطل‪ ،‬وتستضيء بنور الحق‪ ..‬فأهلف‬
‫يكفي ذلك لتحريضك على دراسة التصوف ؟‪.‬‬

‫وكم أويد فأي النهاية أن تقوم حركةف علمية واسعة بيننا‪ ،‬تدور حول دراسة التصوف‬
‫ونشر أسفاره‪ ،‬وتمحيص سأموره وموضوعاته‪ ،‬بل وبسط ما سيلحق به من شطحات‬
‫نابية وخرافأات منكرة ودسائس خبيثة‪ ،‬حتى نعرف الباطل ونتبين جذوره‪ ،‬ثم نرسكفر‬
‫عليه بالحجة الدامغة‪ ،‬فألإذا الباطل زاهق‪ ،‬ولإذا الحق سيد مطاع‪.‬‬

‫يا أبنارء اللسلم! إلفن التصوف يحتل من أخلقكم وتاريخكم جانبا ا كبيراا‪ ،‬وقد‬
‫ل‪ ،‬فأحرسسبكم ما كان‪ ،‬وأقبلوا على التصوف فأفيه غذاء ودواء‪،‬‬‫ضيعتموه أزمانا ا طوا ا‬
‫وا الهادي لإلى سبيل السواء( ]تصدير كتاب نور التحقيق للشيخ حامد لإبراهيم‬
‫محمد صقر صا ‪1‬ـ ‪.[3‬‬

‫‪23‬ـ أبو الحسن الندوأي‪:‬‬


‫يقول أبو الحسن علي الحسني الندوي عضو المجمع العلمي العربي بدمشق‬
‫ومعتمد ندوة العلماء بالهند فأي بحث الصوفأية فأي الهند وتأثيرهم فأي المجتمع‪ ،‬من‬
‫كتابه المسلمون فأي الهند‪) :‬لإن هؤلء الصوفأية كانوا يبايعون الناس على التوحيد‬
‫واللخلصا واتباع السنة‪ ،‬والتوبة عن المعاصي وطاعة ا ورسوله‪ ،‬ويحصذرون‬
‫من الفحشاء والمنكر والخلق السيئة والظلم والقسوة ويرصغبونهم فأي التحلي‬
‫بالخلق الحسنة‪ ،‬والتخلي عن الرذائل مثل الكبر والحسد والبغضاء والظلم وحب‬
‫الجاه‪ ،‬وتزكية النفس ولإصلحها‪ ،‬ويعلمونهم ذكر ا والنصح لعباده والقناعة‬
‫والليثار‪ ،‬وعلوة على هذه البيعة التي كانت رمز الصلة العميقة الخاصة بين‬
‫الشيخ ومريديه لإنهم كانوا يلعظون الناس دائماا‪ ،‬ويحاولون أن يسرللهبوا فأيهم عاطفة‬
‫الحب ل سبحانه‪ ،‬والحنين لإلى رضاه‪ ،‬ورغبة شديدة للصلح النفس وتغيير‬
‫الحال‪..‬‬

‫ثم تحدث عن مدى تأثير أخلقهم ولإخلصهم وتعليمهم وتربيتهم‪ ،‬ومجالسهم فأي‬
‫المجتمع والحياة‪ ،‬وضرب بعض المثلة التي ستلقي الضوء على هذا الواقع‬

‫‪227‬‬
‫التاريخي فأتحدث عن الشيخ أحمد الشهيد رحمه ا تعالى فأقال‪ :‬لإن الناس أقبلوا‬
‫عليه لإقبالا منقطع النظير‪ ،‬ولإنه لم يمر ببلدة لإل وتاب عليه‪ ،‬وبايعه عدد كبير من‬
‫الناس‪ ،‬ولإنه أقام فأي ركرلسكفتا شهرين‪ ،‬ويقدر أن الذين كانوا يدخلون فأي البيعة ل يقل‬
‫عددهم عن ألف نسمة يومياا‪ ،‬وتستمر البيعة لإلى نصف الليل‪ ،‬وكان من شدة‬
‫الزحام ل يتمكن من مبايعتهم واحداا واحداا فأكان يمد سبعة أو ثمانية من العمائم‪،‬‬
‫والناس يمسكونها ويتوبون ويعاهدون ا‪ ،‬وكان هذا دأبه كل يوم سبع عشرة أو‬
‫ثماني عشرة مرة‪..‬‬

‫وتحفدث عن شيخ اللسلم علء الدين رحمه ا تعالى فأقال‪ :‬لإن السنوات الخيرة‬
‫ق المنكرات من الخمر والغرام‪ ،‬والفسق‬ ‫من عهده‪ ،‬تمتاز بأن كسرد ر‬
‫ت فأيها سو س‬
‫والفجور‪ ،‬والميسر والفحشاء بجميع أنواعها‪ ،‬ولم تنطق اللسن بهذه الكلمات لإل‬
‫ل‪ ،‬وأصبحت الكبائر تشبه الكفر فأي أعين الناس‪ ،‬وظفل الناس يستحيون من‬ ‫قلي ا‬
‫ث الكذب‬‫ت فأي السوق حواد س‬‫التعامل بالربا والدخار والكتناز علناا‪ ،‬وندر ر‬
‫والتطفيف والغش‪ ..‬ثم قال‪ :‬لإن تربية هؤلء الصوفأية والمشايخ ومجالسهم كانت‬
‫تنشىء فأي اللنسان رغبة فأي لإفأادة الناس وحرصا ا على خدمتهم ومساعدتهم‪..‬‬

‫ثم بفين الستاذ الندوي أفن تأثير هذه المواعظ‪ ،‬ودخول الناس فأي الدين‪ ،‬وانقيادهم‬
‫للشرع أدى لإلى أن تعطلت تجارة الخمر فأي ركرلسكفتا وهي كبرى مدن الهند ومركز‬
‫اللنجليز‪ ،‬وكسدت سوسقها‪ ،‬وأرقفرت الحانات‪ ،‬واعتذر الخمارون عن دفأع الضرائب‬
‫للحكومة‪ ،‬متعصللين بكساد السوق‪ ،‬وتعطلل تجارة الخمر‪ ..‬ثم قال‪ :‬لإن هذه الحالة‬
‫كانت نتيجة أخلق هؤلء المصلحين والدعاة والصوفأية والمشايخ وروحانيتهم‪ ،‬أن‬
‫اهتدى بهم فأي هذه البلد الواسعة عدد هائل من الناس‪ ،‬وتابوا عن المعاصي‬
‫والمنكرات واتباع الهوى‪ .‬لم يكن بوسع حكومة أو مؤسسة أو قانون أن يؤثر فأي‬
‫هذه المجموعة البشرية الضخمة ويحيطها بسياج من الخلق والمبادىء الشريفة‬
‫لزمظن طويل‪..‬‬

‫وفأي ختام البحث قال الستاذ الندوي حفظه ا تعالى‪ :‬لقد كانت هناك بجهود‬
‫هؤلء الصوفأية أشجار كثيرة وارفأة الظلل فأي مئات من بلد الهند‪ ،‬استراحت فأي‬
‫ظلها القوافأل التائهة والمسافأرون السمرترعبون‪ ،‬ورجعوا بنشاط جديد وحياة جديدة(‬
‫]المسلمون فأي الهند صا ‪140‬ـ ‪ 146‬للعلمة الكبير أبي الحسن الندوي[‪.‬‬

‫وتحدث الستاذ أبو الحسن الندوي فأي كتابه رجال الفكر والدعوة فأي اللسلم عن‬
‫الصوفأية وأثرها فأي نشر اللسلم بصدد حديثه عن الصوفأي الشهير والمرشد‬

‫‪228‬‬
‫الكبير سيدي عبد القادر الجيلني قدس ا روحه‪ ،‬فأقال‪) :‬وكان يحضر مجلسه‬
‫نحو من سبعين ألفاا‪ ،‬وأسلم على يديه أكثر من خمسة آلف من اليهود والنصارى‪،‬‬
‫وتاب على يديه من العيارين والمسالحة ]المسالح‪ :‬الجماعة أو القوم ذووا السلح[‬
‫أكثر من مائة ألف‪ ،‬وفأتح باب البيعة والتوبة على مصراعيه‪ ،‬فأدخل فأيه خلق ل‬
‫يحصيهم لإل ا‪ ،‬وصلحت أحوالهم‪ ،‬وحسن لإسلمهم‪ ،‬وظفل الشيخ يربيهم‬
‫ويحاسبهم‪ ،‬ويشرف عليهم وعلى تقدمهم‪ .‬وأصبح هؤلء التلميذ الروحانيون‬
‫يشعرون بالمسؤولية بعد البيعة والتوبة وتجديد الليمان‪ ،‬ثم يجيز الشيخ كثيراا منهم‬
‫ممن يرى فأيه النبوغ والستقامة والمقدرة على التربية‪ ،‬فأينتشرون فأي الفأاق‬
‫يدعون الخلق لإلى ا‪ ،‬ويربون النفوس‪ ،‬ويحاربون الشرك والبدع والجاهلية‬
‫والنفاق‪ ،‬فأتنتشر الدعوة الدينية وتقوم ثكنات الليمان ومدارس اللحسان‪ ،‬ومرابط‬
‫الجهاد ومجامع الخوة فأي أنحاء العالم اللسلمي‪.‬‬

‫وقد كان لخلفائه وتلميذه‪ ،‬ولرمرن سار سيرتهم فأي الدعوة وتهذيب النفوس من‬
‫أعلم الدعوة وأئمة التربية فأي القرون التي تلررته فأضل كبير فأي المحافأظة على‬
‫روح اللسلم وشعلة الليمان‪ ،‬وحماسة الدعوة والجهاد وقوة التمرد على الشهوات‬
‫والسلطات‪ .‬ولولهم لبتلعت الماديةس التي كانت تسير فأي رحاب الحكومات‬
‫ت شرارة الحياة والحب فأي صدور أفأرادها‪ .‬وقد كان‬ ‫والمدنيات هذه المة‪ ،‬وانطفأ ر‬
‫لهؤلء فأضل كبير لنشر اللسلم فأي المصار البعيدة التي لم تغزها جيوش‬
‫المسلمين‪ ،‬أو لم تستطع لإخضاعها للحكم اللسلمي وانتشر بهم اللسلم فأي أفأريقيا‬
‫السوداء وفأي أندونيسيا وجزر المحيط الهندي وفأي الصين وفأي الهند( ]رجال‬
‫الفكر والدعوة فأي اللسلم لبي الحسن الندوي صا ‪248‬ـ ‪.[250‬‬

‫وتحدث الستاذ أبو الحسن الندوي فأي كتابه روائع لإقبال عن زيارته للشاعر بعد‬
‫ف ورجاله والتجديد اللسلمي فأي الهند بواسطتهم‪ ،‬وبعد أن‬ ‫أن ذكر لإقبافل التصو ر‬
‫أثنى على الشيخ أحمد السرهندي والشيخ ولي ا الدهلوي والسلطان محي الدين‬
‫أورنك زيب رحمهم ا تعالى‪ ،‬قال‪ :‬لإنني أقول دائماا‪ :‬لول وجوسدهم وجهادهم‬
‫لبتلعت الهنسد وحضارستها وفألسفستها اللسلرم( ]روائع لإقبال للستاذ أبي الحسن‬
‫الندوي صا ‪.[7‬‬

‫‪24‬ـ أبو العلى المودوأدي‪:‬‬


‫قال العلمة الكبير الستاذ أبو العلى الرمرودودي فأي كتابه مبادىء اللسلم تحت‬
‫عنوان التصوف‪) :‬لإن علقة الفقه لإنما هي بظاهر عمل اللنسان فأقط‪ ،‬ول ينظر لإل‬
‫ت فأل تهمه حاسل قلبك‬ ‫ت بما سأملر ر‬
‫ت به على الوجه المطلوب‪ ،‬أم ل ؟ فألإن قم ر‬ ‫هل قم ر‬

‫‪229‬‬
‫وكيفيته‪ .‬أما الشيء الذي يتعلق بالقلب ويبحث عن كيفيته فأهو التصوف‪ ،‬لإن الفقه‬
‫ت وضوءك على الوجه الصحيح أم ل ؟‬ ‫ل ينظر فأي صلتك مثلا لإل هل قد أتمرم ر‬
‫ت أركان الصلة‬ ‫ت موليا ا وجهك شطر المسجد الحرام أم ل ؟ وهل أفدري ر‬ ‫وهل صلفري ر‬
‫ت‬‫ت فأي صلتك بكل ما يجب أن تقرأ فأيها أرم ل ؟ فألإن قم ر‬ ‫كلها‪ ،‬أم ل ؟ وهل قرأ ر‬
‫بكل ذلك فأقد صحت صلتك بحكم الفقه‪.‬‬

‫إللف أن الذي يهم التصوف هو ما يكون عليه قلبك حين أدائك هذه الصلة من‬
‫الحالة‪ .‬هل رأنرب ر‬
‫ت فأيها لإلى ربك أم ل ؟ وهل تجفرد رقلسبك فأيها عن هموم الدنيا‬
‫ت فأيك هذه الصلة خشيةر ا واليقين بكونه خبيراا‬ ‫وشؤونها أم ل ؟ وهل أنشأ ر‬
‫ي حيد نزهت هذه‬ ‫بصيراا‪ ،‬وعاطفة‪ ،‬ابتغاء وجهه العلى وحده أرم ل ؟ ولإلى أ ص‬
‫ت أخلقه ؟ ولإلى أي حد جعلته مؤمنا ا صادقا ا‬ ‫الصلة روحه ؟ ولإلى أي حد أصلح ر‬
‫عاملا بمقتضيات لإيمانه ؟‪ .‬فأعلى قدر ما تحصل له هذه المور‪ ،‬وهي من غايات‬
‫الصلة وأغراضها الحقيقية‪ ،‬فأي صلته تكون صلته كاملة فأي نظر التصوف‪،‬‬
‫وعلى قدر ما ينقصها الكمال من هذه الوجهة‪ ،‬تكون ناقصة فأي نظر التصوف‪.‬‬

‫فأهكذا ل يهم الفقه فأي سائر الحكام الشرعية لإل هل أدى المرء العمال على‬
‫الوجه الذي أمره به لدائها أم ل ؟ أما التصوف فأيبحث عما كان فأي قلبه من‬
‫اللخلصا وصفاء النية وصدق الطاعة عند قيامه بهذه العمال‪.‬‬

‫ويمكنك أن ستدرك هذا الفرق بين الفقه والتصوف بمثظل أ ر‬


‫ضربه لك‪ :‬لإنك لإذا أتاك‬
‫رجل‪ ،‬نظرت فأيه من وجهتين‪ :‬لإحداهما‪ :‬هل هو صحيح البدن كامل العضاء ؟ أم‬
‫فأي بدنه شيء من العرج أو العمى ؟ وهل هو جميل الوجه أو دميمه ؟ وهل هو‬
‫لبس زيا ا فأاخراا أو ثيابا ا بالية ؟‬

‫والوجهة الخرى‪ :‬لإنك تريد أن تعرف أخلقه وعاداته وخصاله ومبلغه من العلم‬
‫والعقل والصلح‪ .‬فأالوجهة الولى وجهة الفقه‪ ،‬والوجهة الثانية وجهة التصوف‪.‬‬

‫ت أن تتخذ أحداا صديقا ا لك‪ ،‬فألإنك تتأمل فأي شخصه من كل‬


‫وكذلك لإذا أررد ر‬
‫الوجهتين‪ ،‬وتحب أن يكون جميل المنظر وجميل الباطن معاا‪.‬‬

‫كذلك ل تررجسمسل فأي عين اللسلم لإل الحياة التي فأيها اتبافع كامل صحيح لحكام‬
‫الشريعة من الوجهتين الظاهرة والباطنة‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫ومثل الذي طاعته صحيحة فأي الظاهر‪ ،‬ولكن يعوزه روح الطاعة الحقيقية فأي‬
‫الباطن‪ ،‬كمثل جسد جميل قد فأارقه روسحه‪.‬‬

‫ومثل الذي فأي عمله الكمالت الباطنة كلها‪ ،‬وليست طاعته صحيحة على حسب‬
‫الوجه المراد فأي الظاهر‪ ،‬كمثل رجل صالح دميم الوجه مطموس العينين أعرج‬
‫القدمين‪ .‬وسهل عليك بهذا المثال أن تعرف العلقة بين الفقه والتصوف‪.‬‬

‫ثم تحدث الستاذ المودودي عن الدخلء الذين تشبهوا بالصوفأية بلباسهم وكلمهم‪،‬‬
‫وباينوهم بأفأعالهم وأخلقهم وقلوبهم‪ ،‬والتصوف منهم براء‪ .‬وهكذا شأن كل‬
‫ف غيور على دينه‪ .‬ثم حذر الستاذ المودودي من هؤلء المفدعين فأقال‪) :‬ول‬ ‫منص ظ‬
‫يستحق من ل يتبع الرسول صلى ا عليه وسلم اتباعا ا صحيحاا‪ ،‬ول يتقيد بما أرشد‬
‫لإليه من صراط الحق‪ ،‬أن سيسمري نفسه صوفأيا ا لإسلمياا‪ ،‬فألإن مثل هذا التصوف ليس‬
‫من اللسلم فأي شيء أبداا‪ ..‬ثم بين حقيقة الصوفأي الصادق وحالته المثالية التي‬
‫تطابق تعاليم التصوف السامية فأقال‪ :‬لإنما التصوف عبارة ـ فأي حقيقة المر ـ عن‬
‫حب ا ورسوله الصادق بل الولوع بهما والتفاني فأي سبيلهما‪ ،‬والذي يقتضيه هذا‬
‫ل ينحرف المسلم قيد شعرة عن اتباع أحكام ا ورسوله صلى‬ ‫الولوع والتفاني أ ر‬
‫ا عليه وسلم‪ .‬فأليس التصوف اللسلمي الخالص بشيء مستقل عن الشريعة‪،‬‬
‫ولإنما هو القيام بأحكامها بغاية من اللخلصا‪ ،‬وصفاء النية وطهارة القلب(‬
‫]مبادىء اللسلم لبي العلى المودودي‪ ،‬موضوع التصوف‪ .‬صا ‪114‬ـ ‪.[117‬‬

‫‪25‬ـ صبري عابدين‪:‬‬


‫قال الستاذ صبري عابدين فأي حديثه فأي ندولة لواء اللسلم فأي موضوع الصوفأية‬
‫ت بنفسي كيف حال الصوفأية فأي السودان وأريتريا‬ ‫وعلقتها بالدين‪) :‬شهرد س‬
‫والحبشة والصومال‪ .‬لإن السلطة الصوفأية للسيد الميرغني لها اعتبارها‪ ،‬وبصورة‬
‫خاصة ولية القاضي فأي أريتريا ل توليها الحكومة‪ ،‬لإنما هو يولي القاضي‬
‫والخطيب والمؤذن‪ ،‬وله حق الولية الدينية بصفته رئيس الطريقة الصوفأية‪.‬‬

‫والواقع أن الصوفأية ينشرون اللسلم فأي العالم‪ ،‬وأذكر لكم أنه منذ خمسين عاماا‪،‬‬
‫كتب الشيخ البكري كتابا ا ذكر فأيه نقلا عن المبشرين يقول‪ :‬لإن هؤلء يقولون‪ :‬ما‬
‫ذهبنا لإلى أقاصي المناطق البعيدة عن الحضارة والمدنية فأي أفأريقيا وأقاصي آسيا‬
‫ي يسبقنا لإليها‪ ،‬وينتصر علينا‪.‬‬
‫لإل وجدنا الصوفأ ف‬

‫‪231‬‬
‫ت المسلمين يفهمون مافأي الصوفأية من قوة روحية ومادية‪ ،‬فأجنودهم مجندون‬ ‫لي ر‬
‫ت على حدود الحبشة والسودان وأريتريا بعثة سويدية للتبشير‪،‬‬ ‫لسلم‪ .‬رأي س‬ ‫ل ل‬
‫ت لإلى جانبهم أكواخاا أقامها الصوفأيون‪ ،‬وأفأسدوا على المبشرين السويدريين‬ ‫ووجرد س‬
‫لإقامتهم أربعين سنة‪ .‬ولذلك أرجو أن نتعاون للخماد هذه الحركات التي تؤذينا‪،‬‬
‫دينيا ا وسياسياا‪ ،‬ولإن الذين يحملون على الصوفأية ليسوا فأوق مستوى الشبهات‪ ،‬بل‬
‫هم غارقون فأي الشبهات‪ ..‬لإلى أن قال‪ :‬أكبسر المصائب التي أصابت المسلمين أنهم‬
‫لم يأخذوا باللسلم كله‪ ،‬أما الصوفأية فأقد ألزموا أنفسهم أن يأخذوا باللسلم كله‪ ،‬بل‬
‫زادوا عليه‪ .‬لإنهم ألزموا أنفسهم ألف يأخذوا بالرخص بل بالعزائم‪ ،‬مع أن ا يحب‬
‫أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه‪ .‬لماذا ؟ لن مذهبهم يقوم على الزهد بالمعنى‬
‫الذي يفهمه العلم‪ ،‬وأزيد على ذلك أن أساس الزهد جاء عن النبي صلى ا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فأقد كان الرسول صلى ا عليه وسلم زاهداا فأي هذه الحياة ولذائذها‪ .‬عاش‬
‫الرسول صلى ا عليه وسلم وانتقل لإلى الرفأيق العلى ولم يأكل رغيفا ا مرقفقراا‪ ،‬ول‬
‫أكل على خوان‪.‬‬

‫فأرسول ا صلى ا عليه وسلم هو المثل العلى للخلفاء الراشدين وللرمرن تبعه‬
‫وللمسلمين كافأة‪ .‬والصوفأية قد ألزموا أنفسهم‪ ،‬كما نصوا على ذلك فأي كتبهم‪ ،‬على‬
‫أرن ل يكون بينهم صوفأيا ا لإل من استمسك بالكتاب والسنة‪ ،‬ووضعوا لذلك سأصولا‬
‫فأي كتبهم‪ :‬الرسالة القشيرية لبي القاسم القشيري ولإحياء علوم الدين للغزالي‪،‬‬
‫وكتاب حلية الولياء لبي نعيم الصفهاني‪ ،‬وكتاب قواعد التصوف لحمد زروق‪.‬‬

‫ولإنا نقول‪ :‬لإن الذين يبحثون فأي بعض العلوم وينتقدونها‪ ،‬وينكرونها وهم لم يطلعوا‬
‫عليها‪ ،‬مثلهم مثل رجل ل يفهم فأي الطب شيئا ا فأينكر الطب‪ ،‬وكاللسكافأي الذي ينكر‬
‫الهندسة‪.‬‬

‫وفأي مصر هنا‪ ،‬فأي الوقت الذي جاءت جيوش الصليبية لإلى دمياط‪ ،‬كان للصوفأية‬
‫أمثال أبي الحسن الشاذلي وعز الدين بن عبد السلم‪ ،‬وأبي الفتح ابن دقيق العيد‪،‬‬
‫وآخرين من العلماء خدمة جليلة فأي مقاومة الصليبيين( ]مجلة لواء اللسلم ـ العدد‬
‫العاشر ـ السنة التاسعة ‪1375‬هـ ـ ‪1956‬م ندوأة لواء اللسلم‪ :‬الصوفية‬
‫وأعلقتها بالدين ص ‪645‬ـ ‪[647‬هلل‪.‬‬

‫‪26‬ـ محمد أبو زهرة‪:‬‬


‫قال الستاذ العلمة محمد أبو زهرة فأي حديثه عن التصوف فأي ندوة لواء اللسلم‪:‬‬
‫)لإن التصوف فأي ظاهره يتضمن ثلث حقائق‪:‬‬

‫‪232‬‬
‫الحقيقة الولى‪ :‬محاربة الهوى والشهوة‪ ،‬والسيطرةس على النفس‪ .‬وكان المتصوفأة‬
‫يأخذون بقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي ا عنه لإذ يقول‪ :‬أيها الناس‬
‫ارقردعوا ]اقدعوا‪ :‬من قدع بمعنى‪ :‬منع وكف‪ ،‬وقدع فأرسه كبحه‪ ،‬كذا فأي القاموس[‬
‫هذه النفوس عن شهواتها‪ ،‬فألإنها مريئة وبيئة‪ .‬أي لإن اللنسان يستمرؤها‪ ،‬ولكن‬
‫عاقبتها وخيمة‪.‬‬

‫والحقيقة الثانية التي تتضمنها ظاهرة التصوف هي‪ :‬التصال الروحي ومخاطبة‬
‫الوجدان والنفس‪.‬‬

‫والحقيقة الثالثة‪ :‬أن التصوف يقتضي فأي وقائعه التي نراها تابعا ا ومتبوعاا‪ ،‬شيخا ا‬
‫ومريداا‪ ،‬يقتضي موجها ا وشخصا ا يوفجه‪ ،‬يقتضي استهوااء نفسيا ا وتوجيها ا نفسياا‪.‬‬

‫وهذه الظواهر‪ ،‬بصرف النظر عن أن اللسلم قررها نظاماا‪ ،‬أولم يقررها‪ .‬هذه‬
‫لصلح‪ ،‬أو أنها ضرر محض ؟‬ ‫الوقائع الثابتة‪ ،‬هل يمكن أن تتخذ سبيلا ل ل‬

‫أما أنها ضرر محض‪ ،‬فأما أظن أحداا يوافأق على ذلك‪ ،‬لن التصوف حقيقة واقعة‬
‫ككل الشياء‪ ،‬يقبل أن يكون ضاراا ويقبل أن يكون نافأعاا‪ ،‬يقبل أن يكون ممدوحاا‪،‬‬
‫ت‪ ،‬فأقال ا‬ ‫ت وسذم ر‬ ‫ويقبل أن يكون مذموماا‪ .‬وحسبنا أن نقول‪ :‬لإن الصلة ذاتها سمدح ر‬
‫تعالى‪} :‬فأويفل للسمصصليرن ‪ .‬الذيرن هسرم رعرن صللتهم ساهورن{ ]الماعون‪4 :‬ـ ‪ .[5‬وقال‬
‫سبحانه فأي وصف المؤمنين‪} :‬الذين يقيمون الصلةر ويؤستورن الزكاةر وهسرم باللخررلة‬
‫لستاذ فأودة ـ فأي‬ ‫هسرم يوقنورن{ ]لقمان‪ .[4 :‬وكذلك التصوف التصوف ـ كما قال ا س‬
‫عصورنا المتأخرة كان له مزايا‪ ،‬وكانت له آثار واضحة‪ ،‬فأالمسلمون فأي غرب‬
‫أفأريقيا وفأي وسطها وفأي جنوبها كان لإيمانهم ثمرةا من ثمرات التصوف‪.‬‬

‫واللمام السنوسي الكبير عندما أراد أن يصلح بين المسلمين‪ ،‬اتجه أول ما اتجه لإلى‬
‫أن نهج منهاجا ا صوفأياا‪ ،‬وكان منهاجه فأي ذاته عجيبا ا غريباا‪ ،‬فألإنه اتخذ المريدين‪،‬‬
‫ثم أراد أن يجعل من هؤلء المريدين رجال أعمال كأحسن ما يكون رجال‬
‫العمال‪ ،‬ولذلك أنشأ الزوايا‪ .‬وأوسل زاوية أنشأها فأي جبل حول مكة‪ ،‬ثم انتقل‬
‫بزواياه فأي الصحراء‪ ،‬وهذه الزوايا كانت واحات عامرة فأي وسط الصحراء‪،‬‬
‫وبعمل رجالهم وقواتهم وتوجيههم‪ ،‬استنبط الماء وجعل فأيها زرعا ا وغراسا ا‬
‫ضوا مضاجع الليطاليين أكثر‬ ‫وثماراا‪ ،‬ووفجههم وعفلمهم الحرب والرماية حتى أق ي‬
‫من عشرين سنة‪ ،‬عندما عجزت الدولة العثمانية عن أن تعين أهل ليبيا‪ .‬واستمرت‬

‫‪233‬‬
‫المقاومة السنوسية بهذه الزوايا‪ ،‬لإلى أن أذفل ا الدولة الليطالية‪ ،‬ولإذا السنوسية‬
‫تحيا من جديد‪ ،‬وكنا نويد أن تحيا كما ابتدأت طريقة صوفأية عاملة قوية‬

‫ل أويد أن أتعرض لنشأة التصوف فأي اللسلم وقبل اللسلم‪ ،‬ولكني ل أستطيع أن‬
‫أقول لإن عمر بن الخطاب لم يكن متصوفأاا‪ ،‬وهو الذي قال فأيه محمد بن عبد ا‬
‫لمة محفدثون لكان عمر بن الخطاب" ]"لإن‬ ‫صلى ا عليه وسلم‪" :‬لو كان فأي هذه ا س‬
‫من أمتي محدثين ومكلمين ولإن عمر منهم" أخرجه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب‬
‫المناقب عن أبي هريرة رضي ا عنه‪ ،‬وأخرج مسلم فأي صحيحه‪" :‬لقد كان فأيما‬
‫قبلكم من المم محدثون فألإن يك فأي أمتي أحد فألإنه عمر" من حديث عائشة رضي‬
‫ا عنها فأي كتاب فأضائل الصحابة[‪ .‬والذي كان يعتقد فأيه رسول ا صلى ا‬
‫عليه وسلم أنه كان من أقرب أصحابه لإلى ا‪ ،‬حتى لإنه عندما كان ذهب لإلى‬
‫العمرة وفجهر لإليه القول‪ ،‬وقال له‪" :‬ل تنسنا من سدعائك يا أخي" ]رواه أبو داود فأي‬
‫باب الدعاء عن عمر رضي ا عنه‪ ،‬والترمذي فأي كتاب الدعوات وقال‪ :‬حديث‬
‫حسن صحيح‪ ،‬ولفظه‪" :‬أي سأخ ف‬
‫ي أشلركنا فأي دعائك ول تنسنا"[‪.‬‬

‫ول أستطيع أن أقول‪ :‬لإن أبا بكر الصديق الذي كان يركب الصعب من المور‬
‫ضابطا ا نفسه‪ ،‬والذي سأثر عنه أنه قال كلما ا نسب لإلى النبي صلى ا عليه وسلم‪،‬‬
‫واختلفت الرواية فأي قائله‪" :‬رجعنا من الجهاد الصغر ]وهو القتال[ لإلى الجهاد‬
‫الكبر ]وهو مجاهدة النفس[ ]بل هو من حديث رسول ا صلى ا عليه وأسلم‬
‫وأروأاه الديلمي عن جابر رضي ا عنه‪ .‬راجع كشف الخفاء للعجلوني ج ‪ .1‬ص‬
‫‪[424‬هلل"‪ .‬وأبو بكر الذي يقول‪ :‬لفأفر من الشرف يتبرعك الشرف‪.‬‬

‫وقد كان وما زال هناك موجهون وشيوخ لهم مريدون ولهم أتباع وهؤلء هم الذين‬
‫نرجو أن يعود التصوف على أيديهم كما ابتدأ‪.‬‬

‫هل نحن الن في حاجة لإلى التصوف المصلح المثمر ؟‬


‫أقول‪ :‬لإذا كان الماضون لم يكونوا فأي حاجة لإليه‪ ،‬بل كان المتصوف يعمل ل‬
‫ولنفسه ولمريديه‪ ،‬فأنحن فأي عصرنا هذا أشد الناس حاجة لإلى متصوف يعمل‬
‫بنظام التصوف الحقيقي‪ ،‬وذلك لن شباربنا قد استهوته الهواء‪ ،‬وسيطرت على‬
‫قلبه ؛ فأأصبحت دور السينما أشد المغريات وأشد الوسائل جلبا ا لها‪ ،‬والمجلت‬
‫الفارغة‪ ،‬واللذاعة اللهية اللعبة‪ ،‬أصبح كيل هذا يستهويه‪ ،‬ولإذا سيطرت الهواء‬
‫ب الخطباء ل ستجدي‪ ،‬وكتابة الكفتاب‬‫والشهوات على جيل من الجيال أصبحت سخط س‬
‫ل ستجدي‪ ،‬ومواعظس الوعاظ ل تجدي‪ ،‬ولحكم العلماء ل تجدي‪ ،‬وأصبحت كل‬

‫‪234‬‬
‫وسائل الهداية ل تجدي شيئاا‪ .‬وحسبك أن ترى المجلت الدينية توزع بأقل من‬
‫نصف العشر أو ربع العشر مما توزعه المجلت اللهية العابثة‪.‬‬

‫لصلح‪ ،‬هذا الطريق أرن نتجه لإلى الستيلء على‬ ‫لإذن ل بد لنا من طريق آخر ل ل‬
‫نفوس الشباب‪ ،‬وهذا الستيلء يكون بطريق الشيخ ومريديه‪ ،‬بحيث يكون فأي كل‬
‫قرية‪ ،‬وفأي كل حيي من أحياء المدن‪ ،‬وفأي كل بيئة علمية أو اجتماعية أو سياسية‪،‬‬
‫رجال يقفون موقف الشيخ الصوفأي من مريديه‪.‬‬

‫لإن العلقة بين المريد والشيخ‪ ،‬وبين مراتب هذا المريد هي التي يمكن أن تهذب‬
‫وأن توجه‪ .‬يقول الشاطبي فأي كتابه الموافأقات‪ :‬إلفن بين المعلم والمتعلم روحانية‬
‫تجعله ينطبع بفكره‪ ،‬وينطبع بكل ما يلقنه من معلومات‪ .‬نحن فأي حاجة لإلى هؤلء‬
‫الذين يستهوون الشباب ليصرفأوهم عن هذا الهوى الماجن‪ ،‬وليوجهوهم‪.‬‬

‫كان هنا منذ بضع سنين أو عشر سنين رجفل اتجه لإلى الشباب‪ ،‬وحاول أن يتخذ‬
‫معهم فأي لإصلحهم ما يتخذه الصوفأي مع المريدين‪ ،‬وقد نجح لإلى حد كبير‪ ،‬ولول‬
‫اشتغاله بالسياسة ما فأسد أمره قط‪.‬‬

‫ولذلك سأوج س‬
‫ب أن نتجه لإلى الصوفأية كعلج أخير لوقاية الشباب من الفساد‪ ،‬ول‬
‫أعتقد أن هناك علجا ا أجدى منها(‪.‬‬

‫وخلصة الحديث عن التصوف فأي ندوة لواء اللسلم‪ :‬أن التصوف كأمر واقع‪،‬‬
‫كان فأيه خير‪ ،‬وخالطه بعض الشر‪ ،‬ولإذا خلص من شره‪ ،‬واتجه لإلى المعاني‬
‫الروحية‪ ،‬كان سبيل لإصلح للمجتمع اللسلمي‪ .‬ولإن الشباب المسلم وقع تحت‬
‫استهواءات مختلفة تؤدي لإلى النحراف‪ ،‬ول سبيل لإلى رده لإلى الستقامة‬
‫اللسلمية لإل باستهواء يكون كاستهواء الشيخ الصوفأي لمريديه‪ ،‬وحينئظذ تعمل‬
‫الصوفأية أفأضل العمال للصلح الشباب ]مجلة لواء اللسلم‪ ،‬العدد الثاني عشر‪،‬‬
‫شعبان ‪1379‬هـ الموافأق ‪1960‬م ندوة لواء اللسلم‪ ،‬التصوف فأي اللسلم‪ .‬صا‬
‫‪ 758‬و ‪766‬‬

‫‪235‬‬
‫الباب السابع‬

‫شيخنا محذمد الهاشمي رحمه ا تعالى‬

‫هذا ويسعدني فأي نهاية هذا البحث أن أنوه بفضل شيخنا المربي الكبير‪ ،‬والعارف‬
‫بال‪ ،‬المرشد سيدي محمد الهاشمي رحمه ا تعالى فأي نقله هذه المعاني الروحية‪،‬‬
‫والحقائق الربانية التي تكلمنا عنها لإلى هذا البلد الكريم‪ ،‬وتجسيدها فأي صورة‬
‫واقعية‪ ،‬ستحصدسثنا عنها أرواح مريديه وتلمذته‪ ،‬وستشلهدنا لإياها حياستهم الذاخرة بذكر‬
‫ا وحق عبادته‪ ،‬كما شهد له بذلك معاصروه من أكابر السادة العلماء‪ .‬لذا أختم‬
‫ب ذكراه‪ ،‬وسرد نبظذ عن حياته الطيبة‪.‬‬‫كتابي بطيص ل‬

‫وألدته‪:‬‬
‫ولد سماحة الستاذ المرشد الكبير سيدي محمد بن الهاشمي قدس ا روحه من‬
‫أبوين صالحين‪ ،‬كلهما من آل بيت النبوة‪ ،‬يرجع نسبهما لإلى الحسن بن علي‬
‫رضي ا عنهما‪ ،‬يوم السبت ‪ 22‬شوال ‪1298‬هـ فأي مدينة سبدة التابعة لمدينة‬
‫تلمسان‪ ،‬وهي من أشهر المدن الجزائرية‪ .‬وكان والده من علمائها وقاضيا ا فأيها‪،‬‬
‫فألما توفأي ترك أولداا صغاراا‪ ،‬والشيخ أكبرهم سناا‪.‬‬

‫بقي الشيخ مدة من الزمن ملزما ا للعلماء‪ ،‬قد انتظم فأي سلكهم جاداا فأي الزدياد من‬
‫العلم‪ ،‬ثم هاجر مع شيخه محمد بن يرصلس لإلى بلد الشام فأاراا من ظلم الستعمار‬
‫اللفأرنسي‪ ،‬الذي منع الشعب الجزائري من حضور حلقات العلماء وتوجيههم‪.‬‬
‫وكانت هجرتهما فأي ‪ 20‬رمضان سنة ‪1329‬هـ عن طريق طنجة ومرسيليا‪،‬‬
‫ت الحكومة التركية‬ ‫متوجهين لإلى بلد الشام‪ .‬فأمكثا فأي دمشق أياما ا قلئل‪ ،‬وعلملر ر‬
‫آنذاك على تفريق جميع المغاربة الجزائريين‪ ،‬وكان نصيبه رحمه ا تعالى أن‬
‫ذهب لإلى تركيا وأقام فأي أضنة‪ ،‬وبقي شيخه ابن يرصلس فأي دمشق‪ .‬وعاد بعد سنتين‬
‫صحبه ولرزمه‪.‬‬ ‫لإلى دمشق ؛ فأالتقى بشيخه ابن يرصلس رو ر‬

‫وفأي بلد الشام تابع أخذ العلم عن أكابر علمائها‪ .‬ومن أشهرهم المحصدث الكبير بدر‬
‫الدين الرحرسني‪ ،‬والشيخ أمين سويد‪ ،‬والشيخ جعفر الكتاني‪ ،‬والشيخ نجيب كيوان‪،‬‬
‫والشيخ توفأيق اليوبي‪ ،‬والشيخ محمود العطار وأخذ عنه علم سأصول الفقه‪،‬‬
‫والشيخ محمد بن يوسف المعروف بالكافأي وأخذ عنه الفقه المالكي‪ ،‬وقد أجازه‬
‫أشياخه بالعلوم العقلية والنقلية‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫أما من ناحية التصوف فأقد أذن له شيخه محمدبن يرصلس بالورد العام لما رأى من‬
‫تفوقه على تلمذته‪ ،‬من حيث العلسم والمعرفأةس والنصسح لهم وخدمستهم‪ .‬ولما قدم‬
‫المرشد الكبير أحمد بن مصطفى العلوي من الجزائر لداء فأريضة الحج ؛ نزل‬
‫فأي دمشق بعد وفأاة سيدي محمد بن يرصلس سنة ‪1350‬هـ‪ ،‬وأذن له بالورد الخاصا‬
‫]تلقين السم العظم[ واللرشاد العام‪.‬‬

‫أخلقه وأسيرته‪:‬‬
‫كان رحمه ا تعالى متخلقاا بأخلق النبي صلى ا عليه وسلم‪ ،‬متابعا ا له فأي جميع‬
‫أقواله وأحواله وأخلقه وأفأعاله‪ ،‬فأقد نال الوراثة الكاملة عن الرسول صلى ا‬
‫عليه وسلم‪.‬‬

‫وكان متواضعاا حتى اشتهر بذلك ولم يسبقه أحد من رجال عصره فأي تواضعه‪.‬‬

‫وكان يعامل الناس كما يحب أن يعاملوه‪ .‬دخل عليه رجل فأقفبل يد الشيخ رحمه ا‬
‫تعالى؛ وأراد الشيخ أن يقبل يده‪ ،‬فأامتنع الرجل عن ذلك وقال‪ :‬أستغفسر ا يا سيدي‬
‫أنا لست أهلا لذلك‪ ،‬أنا رأقبل رجلكم‪ .‬فأقال الشيخ رحمه ا تعالى‪ :‬لإذا قرفبلت لررجلررنا‬
‫فأنحن نقبل رجرلكم‪.‬‬

‫وكان يحب أن يخدم لإخوانه بنفسه‪ ،‬فأيأتي الزائر‪ ،‬ويأتي التلميذ فأيبيت عنده فأيقصدم له‬
‫الطعام‪ ،‬ويحمل له الفراش مع ضعف جسمه‪ .‬وكم جئناه فأي منتصف الليل‪،‬‬
‫وطرقنا بابه‪ ،‬فأيفتح الباب وهو بثيابه التي يقابل بها الناس‪ ،‬كأنه جندي مستعد‪ .‬فأما‬
‫رأيناه فأي ثوب نوم أبداا‪.‬‬

‫وكان حليما ا ل يغضب لإل ل‪ .‬رحردث أن جاءه رجل من دمشق لإلى بيته وأخذ يتهجم‬
‫عليه‪ ،‬ويتهكم به‪ ،‬ويتكلم بكلمات يقشعر لها جلد المسلم ؛ ولكن الشيخ رضي ا‬
‫عنه لم يزد على قوله له‪ :‬ا يجزيك الخير‪ ،‬لإنك ستبين عيوبنا‪ ،‬وسوف نترك ذلك‬
‫ونتحلى بالخلق الفاضلة‪ .‬وما أن طال المقام بالرجل لإل وأقبل على الشيخ‪ ،‬يقبل‬
‫قدميه ويديه‪ ،‬ويطلب منه المعذرة‪.‬‬

‫ل‪ .‬وكم رأينا أشخاصا ا يأتون لإليه فأيعطيهم ويكرمهم‪،‬‬


‫وكان كريما ا ل يرد سائ ا‬
‫ولسيما فأي مواسم الخير ؛ حيث يأتي الناس لبيته‪ ،‬وترى موائد الطعام يأتيها‬
‫الناس أفأواجا ا أفأواجاا يأكلون منها‪ ،‬ول تزال ابتسامته فأي وجهه‪ ،‬وقد بلغ من كرمه‬
‫أنه بنى داره التي فأي حي المهاجرين بدمشق قسمين‪ :‬قسم لهله‪ ،‬وقسم لتلميذه‬

‫‪237‬‬
‫ومريديه‪.‬‬

‫وكان من صفاته رضي ا عنه واسع الصدر وتحمل المشقة والتوجيه‪ ،‬وشدة‬
‫الصبر مع بشاشة الوجه ؛ حتى لإني استغربت مرة صبره فأقال لي‪ :‬يا سيدي!‬
‫مشربسرنا هذا جمالي‪ .‬وكان يأتي لإليه الرجل العاصي فأل يرى لإل البشاشة من وجهه‬
‫وسعة الصدر‪ ،‬وكم تاب على يديه عصاة منحرفأون‪ ،‬فأانقلبوا بفضل صحبته‬
‫مؤمنين عارفأين بال تعالى‪.‬‬

‫رحردث أنه كان سائراا فأي الطريق بعد انتهاء الدرس‪ ،‬فأمر به سكران ؛ فأما كان من‬
‫الشيخ رحمه ا تعالى لإل أن أزال الغبار عن وجهه‪ ،‬ودعا له ونصحه‪ ،‬وفأي اليوم‬
‫الثاني كان ذلك السكران أول رجل يحضر درس الشيخ‪ ،‬وتاب بعد ذلك وحسن ر‬
‫ت‬
‫توبته‪.‬‬

‫وكان رحمه ا تعالى يهتم بأحوال المسلمين ويتألم لما يصيبهم‪ ،‬وكان يحضر‬
‫جمعية العلماء التي تقام فأي الجامع الموي‪ ،‬يبحث فأي أمور المسلمين ويحصذر من‬
‫تفرقتهم‪ ،‬وقد طبع رسالة تبين سبب التفرقة وضررها‪ ،‬وفأائدة الجتماع على ا‬
‫والعتصام بحبل ا سماها‪ :‬القول الفصل القويم فأي بيان المراد من وصية الحكيم‪.‬‬

‫وكان رحمه ا تعالى يكره الستعمار بكل أساليبه‪ ،‬ويبحث فأي توجيهه عن مدى‬
‫ت الحكومة الشعب‬ ‫صلة الحوادث مع الستعمار وكيفية الخلصا من ذلك‪ .‬ولما رندب ر‬
‫ظمت المقاومة الشعبية‪ ،‬سارع الشيخ لتسجيل اسمه‬ ‫لإلى التديرب على الرماية‪ ،‬ون ف‬
‫بالمقاومة الشعبية‪ ،‬فأكان يتدرب على أنواع السلحة مع ضعف جسمه ونحوله‬
‫وكبر سنه‪ .‬وبهذا ضرب للشعب المثل العلى لقوة الليمان والعقيدة والجهاد فأي‬
‫سبيل ا‪ ،‬وذفكرنا بلرمرن قبله من المرشدين السكفمل الذين جاهدوا الستعمار‬
‫وحاربوه ؛ أمثال عمر المختار والسنوسي وعبد القادر الجزائري‪ .‬وما المجاهدون‬
‫الذين قاموا فأي المغرب‪ ،‬للخراج الستعمار وأذنابهم لإل الصوفأية‪.‬‬

‫وكان رحمه ا تعالى حسن السيرة والمعاملة‪ ،‬مما جعل الناس‪ ،‬سيقبلون عليه‬
‫ويأخذون عنه التصوف الحقيقي‪ ،‬حتى قيل‪ :‬لم يشتهر الهاشمي بعلمه مع كونه‬
‫عالماا‪ ،‬ولم يشتهر بكراماته مع أن له كرامات كثيرة‪ ،‬ولكنه اشتهر بأخلقه‪،‬‬
‫وتواضعه‪ ،‬ومعرفأته بال تعالى‪.‬‬

‫وكان رحمه ا تعالى لإذا حضرر ر‬


‫ت مجلسه‪ ،‬شعرت كأنك فأي روضة من رياض‬

‫‪238‬‬
‫الجنة ؛ لن مجلسه ليس فأيه ما يشوبه من المكدرات والمنكرات‪ .‬فأكان رحمه ا‬
‫تعالى يتحاشى أن سيذكر فأي حضرته رجل من المسلمين وينقص‪ .‬ول يحب أن‬
‫يذكر فأي مجلسه الفساق وغيرهم‪ ،‬ويقول‪ :‬عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة‪.‬‬

‫وبقي رحمه ا تعالى دائبا ا فأي جهاده مستقيما ا فأي توجيهه للمسلمين ولإخراجهم مما‬
‫وقعوا فأيه من الضلل والزيغ‪ .‬فأقد كانت حلقاته العلمية متوالية من الصباح حتى‬
‫المساء ؛ ولسيما علم التوحيد الذي هو من سأصول الدين‪ ،‬فأيبيصرن العقائد الفاسدة‬
‫والللحادية‪ ،‬مع بيان عقيدة أهل السنة والجماعة‪ ،‬والرجوع لإلى ا تعالى؛ والتعلق‬
‫به دون سواه‪.‬‬

‫نشاطه في الدعوة وأاللرشاد‪:‬‬


‫كان بيته قبلة للعلماء والمتعلمين والزوار‪ ،‬ل يضجر من مقابلتهم‪ ،‬ويقيم ـ مع‬
‫ضعف جسمه ـ حلقات منظمة دورية للعلم والذكر فأي المساجد والبيوت‪ ،‬ويطوف‬
‫فأي مساجد دمشق‪ ،‬يجمع الناس على العلم وذكر ا والصلة على رسول ا صلى‬
‫ا عليه وسلم‪ .‬ولم يزل مثابراا على همته ونشاطه ودعوته حتى أيامه الخيرة‪.‬‬

‫تترلمرذ عليه نخبةف طيبةف صالحة من العلماء وطلب العلم‪ ،‬ومن مختلف طبقات المة‬
‫يهتدون بلإرشاداته‪ ،‬ويغترفأون من علومه‪ ،‬ويقتبسون من لإيمانه ومعارفأه الذوقية‪،‬‬
‫ويرجعون لإليه فأي سأمورهم‪.‬‬

‫وقد أذن للمستفيدين منهم بالدعوة واللرشاد‪ ،‬وبذا انتشرت هذه الطاقة الروحية‬
‫الكبرى فأي دمشق وحلب‪ ،‬وفأي مختلف المدن السورية والبلدان اللسلمية‪.‬‬

‫مؤلفاته‪:‬‬
‫‪1‬ـ مفتاح الجنة شرح عقيدة أهل السنة‪.‬‬
‫‪2‬ـ الرسالة الموسومة بعقيدة أهل السنة مع ن ر‬
‫ظمها‪.‬‬
‫‪3‬ـ البحث الجامع والبرق اللمع والغيث الهامع فأيما يتعلق بالصنعة والصانع‪.‬‬
‫‪4‬ـ الرسالة الموسومة بسبيل السعادة فأي معنى كلمتي الشهادة مع نظمها‪.‬‬
‫‪5‬ـ الدرة البهية‪.‬‬
‫‪6‬ـ الحل السديد لما استشكله المريد من جواز الخذ عن مرشدين‪.‬‬
‫‪7‬ـ القول الفصل القويم فأي بيان المراد من وصية الحكيم‪.‬‬
‫‪8‬ـ شرح شطرنج العارفأين للشيخ محي الدين بن عربي‪.‬‬
‫‪9‬ـ الجوبة العشرة‪.‬‬

‫‪239‬‬
‫‪10‬ـ شرح نظم عقيدة أهل السنة‪.‬‬
‫وغير ذلك من الرسائل‪.‬‬

‫وقد أخذ التصوف عن سيدي الهاشمي رحمه ا تعالى كثيفر من العلماء وغيرهم ل‬
‫يعلم عددهم لإل ا‪.‬‬

‫وهكذا قضى الشيخ الهاشمي حياته فأي جهاد وتعليم‪ ،‬يربي النفوس‪ ،‬ويزكي القلوب‬
‫الراغبة فأي التعرف على مولها‪ ،‬ل يعتريه ملل ول كسل‪ .‬واستقامته على شريعة‬
‫رسول ا صلى ا عليه وسلم قولا وعملا وحا ا‬
‫ل‪ ،‬ووصيسته فأي آخر حياته‪ :‬عليكم‬
‫بالكتاب والسنة‪ ،‬تشهد له بكمال وراثته‪.‬‬

‫وهكذا رحل الشيخ الكبير لإلى رضوان ا تعالى وقربه يوم الثلثاء ‪ 12‬من رجب‬
‫صلي عليه بالجامع الموي‪ ،‬ثم‬ ‫‪1381‬هـ الموافأق ‪ 19‬كانون الول ‪1961‬م‪ ،‬و س‬
‫شيعرته دمشق تحمله على الكف لإلى مقبرة الدحداح‪ ،‬حيث سوولري مثواه‪ ،‬وهو‬
‫معروف وسمرزار‪ .‬ولئن وارى القبسر جسرده الطاهر الكريم‪ ،‬فأما وارى علمه وفأضله‬
‫ومعارفأه وما أسدى للناس من معروف ولإحسان‪ ،‬فأللمرثل هذا فأليعملل العاملون‪ .‬وهذا‬
‫ض ونقطة من بحر‪ ،‬ولإل فأسيرة‬ ‫ض من فأي ظ‬ ‫من بعض سيرته الكريمة‪ ،‬وما قدمناه غي ف‬
‫لنسان أن يحيط بما تكنه صدوسرهم‬ ‫العارفأين منطوية فأي تلمذتهم‪ ،‬ومن أين ل ل‬
‫وأسرارهم ؟‬

‫وفأي مثله قال القائل‪:‬‬

‫إلرن تسرل أين قبوسر العظما فأعلى الفأواه أو فأي النفس‬


‫وبمثل هذه الشخصيات الحية نقتدي وبمثلهم نتشفبه‪.‬‬
‫فأتشبفسهوا لإن لم تكونوا مثرلهم إلفن التشيبهر بالكرالم فألسح‬

‫وقد قيل‪:‬‬

‫ت التقي حياةف ل انقطارع لها قرد مات قوفم وهرم فأي الناس أحياسء‬
‫مو س‬

‫وقد أذن لنا رحمه ا تعالى‪ ،‬قبل رحيله عن دار الدنيا‪ ،‬بالورد العام والخاصا‪،‬‬
‫والتربية واللرشاد‪ ،‬كما هو مبفين فأي نص اللجازة التي نقدمها لك على الصفحات‬
‫التالية‪.‬‬

‫‪240‬‬
‫اللجازة‬
‫أعوذ بال من الشيطان الرجيم‪ ،‬بسم ا الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد ل المنعم المجيد‪،‬‬
‫المنزه عن التقيد باللطلق والتقييد‪ ،‬الذي نور بصائر العارفأين بنور معرفأته‪،‬‬
‫وقذف فأي قلوبهم أنواراا وصلوا بها لإلى ميادين مكاشفته‪ ،‬وجعل القتداء بهم سببا ا‬
‫لنيل المال‪ ،‬والرضا منه عنهم سسفلما ا موصلا لإلى اللخلصا فأي العمال‪ ،‬والصلة‬
‫ك إفنما‬
‫والسلم على سيدنا محمد رسول ا‪ ،‬المنزل عليه‪} :‬إفن الذيرن سيبايسعونر ر‬
‫ث العلم ونشره فأي‬ ‫ا{ ]الفتح‪ ،[10 :‬وعلى آله وأصحابه الذين رأذن لهم لبب ص‬ ‫يبايعورن ر‬
‫المة المحمدية‪ ،‬حتى صار اللذن سنة نبوية‪ ،‬تداولها أهل الهمم العلية‪ ،‬وعلى‬
‫التابعين لهم بلإحسان‪ ،‬الداعين لإلى ا بلإذنه‪ ،‬الذين ل تزال شمسهم على الفأاق‬
‫طالعة‪ ،‬وأنوارهم فأي السرائر والقلوب لمعة‪ ،‬الذين يحافأظون على أمانة ا حتى‬
‫سيبصلغونها لإلى نظرائهم فأي التقوى والعلم بال‪.‬‬

‫ت أفأراداا من لإخواننا فأي طريقتنا الشاذلية‬ ‫ت وأجز س‬‫أما بعد‪ :‬فألإني لهذه المناسبة أذرن س‬
‫الدرقاوية العلية للرما تفررسسته فأي أخلقهم‪ ،‬واعتمدته من أحوالهم‪ ،‬لإذنا ا عاما ا مطلقا ا‬
‫فأي سائر الوراد والحزاب الشاذلية‪ ،‬وفأي الورد الخاصا‪ ،‬الذي هو ذكر السم‬
‫المفرد ]ا[ الذي هو السم العظم عند أهل ا‪ ،‬بشروطه المعروفأة عندهم‪،‬‬
‫فأيتأكد على كل واحد منهم أن سيرربي كل من اتخذه شيخاا له فأي طريق ا‪ ،‬وأرجو‬
‫ا أن ينفعهم وينفع بهم‪ ،‬ومن جملتهم‪ :‬أخونافأي ا البر الود‪ ،‬الفقيه العارف‬
‫بال‪ ،‬التقي المجد ولي ا‪ ،‬الصادق فأي المحبة والعهد‪ ،‬سيدي الشيخ عبد القادر‬
‫بن عبد ا عيسى عزيزي الحلبي‪ ،‬كما أذن لي سأستاذي سيدي أحمد بن مصطفى‬
‫العلوي المستغانمي رضي ا عنه‪ ،‬وأرجو ا أن أكون مأذونا ا من ا تعالى‪ ،‬ومن‬
‫رسوله صلى ا عليه وسلم‪ ،‬وأرجو له مثل ذلك‪ ،‬ثم أقول‪:‬‬

‫فأاعر ر‬
‫ف يا أخي فأضل اللذن وسره‪ ،‬ول تجهله‪ ،‬لإذ المأذوسن مأموفن‪ ،‬لإذ هو فأي‬
‫ضمان ا تعالى‪ ،‬ثم فأي ضمان رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ ،‬ثم فأي ضمان‬
‫شيوخ الطريقة رضي ا عنهم‪.‬‬

‫فأاعرف هذا‪ ،‬واعتقده ول تجهله‪ ،‬واعلم أن اللذن الحقيقي واللجازة الحقيقية هي ما‬
‫حصل لكم من اللذن الشفهي الباطني واللجازة القلبية الحقيقية‪ ،‬فأهي التي سيعمل‬
‫بها‪ ،‬وهي التي ترنفعل لها القلوب‪ ،‬وتنقاد لها النفوس‪ ،‬ولول الضرورة لما اعتاد‬
‫عليه الناس من اللجازة بالكتابة‪ ،‬لررما كتب أهل ا لإجازة لمأذون من ا ومن‬
‫الرسول ثم منهم لإجازة شفوية قلبية حقيقية‪ .‬وكن ذا حزظم وعزظم فأي تربية كل من‬

‫‪241‬‬
‫ح من أحد فأي حق ا‪ ،‬وأوصيك بالنصيحة‬ ‫اتخذك شيخا ا له من عباد ا‪ ،‬ول تست ل‬
‫لخوان بقدر اللمكان‪ ،‬وبالمحافأظة على حدود ا فأي السر واللعلن‪ ،‬وكن‬ ‫ل ل‬
‫بالمؤمنين رؤوفأا ا رحيماا‪ ،‬محبةا فأي ا واقتدااء برسول ا صلى ا عليه وسلم‪،‬‬
‫وأرجو ا للجميع التوفأيق‪ ،‬وأن يقينا ولإياهم من سوء الطوارق‪ ،‬ويسلك بنا وبهم‬
‫أحسن الطرائق‪ ،‬ويحمينا ولإياهم من كل عائق‪ ،‬ونسأل ا بكل رمرن ررارم النتظام فأي‬
‫سلك أهل ا نفحة خير من نفحات ا‪ ،‬نسلك بها سبيل النجاة‪ ،‬ونصل بها لإلى‬
‫حقيقة تقوى ا بجاه صاحب الجاه‪ ،‬سيدنا محمد صلى ا عليه وسلم‪ ،‬يوم يتجلى‬
‫الحق تعالى لعباده برضاه‪ ،‬والظن فأي ا جميل‪ ،‬وهو حسبنا ونعم الوكيل‪ ،‬والحمد‬
‫ل رب العالمين‪.‬‬

‫قاله وكتبه العبد الفقير لإلى ا تعالى‪ :‬محمد بن أحمد بن الهاشمي بن عبد الرحمن‬
‫ل‪ ،‬الدمشقي سكناا‪ ،‬الشاذلي الدرقاوي طريقة‪ .‬عامله ا والمسلمين‬‫التلمساني أص ا‬
‫باللطف واللحسان‪ .‬آمين‪.‬‬

‫حررت هذه اللجازة المباركة فأي ‪ 16‬ربيع الول ‪.1377‬‬

‫خادم الطريقة القادرية الشاذلية الدرقاوية العلوية‬

‫عبد ا محمد بن الهاشمي التلمساني‬

‫دمشق‬

‫صورة الجازة‬

‫سند الطريقة الشاذإلية‬


‫لما كان اللسناد من الدين‪ ،‬ولول اللسناد لقال رمرن شاء ما شاء‪ .‬ولما كان مشرب‬
‫القوم رضوان ا عليهم أجمعين أبلغ المشارب فأي التحقيق‪ ،‬وأسنى المعارج فأي‬
‫التدقيق‪ ،‬رتعفين على كل منتسب لإليهم أن يحقق مستنده على الوجه الحق‪ ،‬لن‬
‫الحقائق ل تؤخذ من كل ذي دعوى‪ ،‬لإل بعد تحقق صحة دعواه على الوجه‬
‫الكمل‪.‬‬

‫ولما كان سند طريق القوم مسلسلا لإلى رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ ،‬فأقد أثبرتنا‬

‫‪242‬‬
‫هذا السند على الصفحات التالية متسلسلا شيخا ا عن شيخ لإلى سيدنا الحسن‬
‫البصري‪ ،‬ثم سيدنا علي بن أبي طالب رضي ا عنه‪ ،‬ثم لإلى حضرة سيدنا رسول‬
‫ا صلى ا عليه وسلم‪.‬‬

‫لإل أن بعض العلماء أنكر سماع الحسن البصري من اللمام علي بن أبي طالب‬
‫رضي ا عنه وكرم وجهه‪ ،‬ولكن الحافأظ المحدث الفقيه جلل الدين السيوطي‬
‫رحمه ا تعالى‪ ،‬أثبت سماع الحسن البصري من علي بن أبي طالب رضي ا‬
‫عنهما‪ ،‬وتبعه فأي ذلك الفقيه المحدث الحجة أحمد بن حجر الهيثمي المكي رحمه‬
‫ا تعالى‪.‬‬

‫ولإليك تحقيق كل منهما فأي هذا الموضوع‪:‬‬

‫أولا ـ قال الحافأظ المحدث جلل الدين السيوطي رحمه ا تعالى فأي كتابه الحاوي‬
‫للفتاوي‪) :‬أنكر جماعة من الحفاظ سماع الحسن البصري من علي بن أبي طالب‬
‫رضي ا عنه‪ ،‬وتمفسرك بهذا بعض المتأخرين ؛ فأخدش به طريق لبس الخرقة‪.‬‬
‫وأثبته جماعة‪ ،‬وهو الراجح عندي لوجوه‪ ،‬وقد رجحه أيضا ا الحافأظ ضياء الدين‬
‫المقدسي فأي المختارة‪ .‬وتبعه على ذلك الحافأظ ابن حجر ]العسقلني[ فأي أطراف‬
‫المختارة ]وكذلك أثبت الحافأظ ابن حجر العسقلني سماع الحسن البصري من‬
‫علي كرم ا وجهه فأي كتابه تهذيب التهذيب ج ‪ .2‬صا ‪.[264‬‬

‫الوجه الول‪ :‬لإن العلماء ذكروا فأي الصول فأي وجوه الترجيح أن المرثبل ر‬
‫ت مقفدم‬
‫على النافأي‪ ،‬لن معه زيادة علم‪.‬‬

‫الوجه الثاني‪ :‬لإن الحسن ولد لسنتين بقيتا من خلفأة عمر باتفاق‪ .‬وكانت سأمه رخريررةس‬
‫مولةر أسصم سلمة رضي ا عنها‪ ،‬فأكانت سأم سلمة تخرجه لإلى الصحابة يباركون‬
‫عليه‪ ،‬وأخرجته لإلى عمر‪ ،‬فأدعا له‪ :‬اللهم فأقهه فأي الدين وحبربه لإلى الناس‪ .‬ذكره‬
‫الحافأظ جمال الدين المزي فأي التهذيب‪ ،‬وأخرجه العسكري فأي كتاب المواعظ‬
‫بسنده‪ .‬وذكر المزي أنه ]الحسن البصري[ حضر يوم الدار‪ ،‬وله أربع عشرة سنة‪.‬‬
‫ومن المعلوم أنه من حين بلغ سبع سنين أسلمر بالصلة‪ ،‬فأكان يحضر الجماعة‬
‫ويصلي خلف عثمان لإلى أن قتل عثمان‪ ،‬وعلي لإذ ذاك بالمدينة‪ ،‬فألإنه لم يخرج منها‬
‫لإلى الكوفأة لإل بعد قتل عثمان‪ .‬فأكيف سيستنكر سماعهس منه وهو كل يوم يجتمع به فأي‬
‫المسجد خمس مرات من حين ميفرز لإلى أن بلغ أربع عشرة سنة ؟‬

‫‪243‬‬
‫وزيادة على ذلك‪ :‬لإن عليا ا كان يزور سأمهات المؤمنين‪ ،‬ومنهن سأم سلمة‪ ،‬والحسن‬
‫فأي بيتها هو وسأمه‪.‬‬

‫الوجه الثالث‪ :‬لإنه ورد عن الحسن ما يدل على سماعه منه‪ .‬أورد المزي فأي‬
‫التهذيب من طريق أبي نعيم قال‪ :‬حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن العباس بن عبد‬
‫الرحمن بن زكريا حدثنا أبو حنيفة محمد بن صفية الواسطي حدثنا محمد بن‬
‫موسى الجرشي حدثنا سثمامة بن عبيدة حدثنا عطية بن محارب عن يونس بن عبيد‬
‫قال‪ :‬سألت الحسن قلت‪ :‬يا أبا سعيد! لإنك تقول‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ولإنك لم تدركه ؟ قال‪ :‬يا ابن أخي! لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد‬
‫قبلك‪ ،‬ولول منزلتك مني ما أخبرتك‪ .‬لإني فأي زمان كما ترى ـ وكان فأي عمل‬
‫الحجاج ـ كل شيء سمعتني أقول‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم فأهو عن‬
‫علي بن أبي طالب‪ ،‬غير أني فأي زمان ل أستطيع أن أذكر علياا‪.‬‬

‫ثم ساق الحافأظ السيوطي عدة أحاديث رواها الحسن عن علي رضي ا عنهما‪.‬‬
‫منها‪ :‬قال أحمدفأي مسنده‪ :‬حدثنا سهشيم أخبرنا يونس عن الحسن عن علي قال‪:‬‬
‫سمعت رسول ا صلى ا عليه وسلم يقول‪" :‬سرفأع القلسم عن ثلثة‪ :‬عن الصغير‬
‫حتى يبلغ‪ ،‬وعن النائم حتى يستيقظ‪ ،‬وعن المصاب حتى يكشف عنه"‪ .‬أخرجه‬
‫الترمذي وحسنه ]راجع تحفة الحوذي بشرح جامع الترمذي عند شرحه لهذا‬
‫الحديث )ج ‪/4‬صا ‪ ،[(686‬والنسائي‪ ،‬والحاكم وصححه‪ ،‬والضياء المقدسي فأي‬
‫المختارة‪ .‬قال الحافأظ زين الدين العراقي فأي شرح الترمذي عند الكلم على هذا‬
‫الحديث‪ :‬قال علي بن المديني‪ :‬الحسن رأى علياا بالمدينة وهو غلم‪ .‬وقال أبو‬
‫زرعة‪ :‬كان الحسن البصري يوم سبويلرع لعلي ابن أربع عشرة سنة‪ ،‬ورأى عليا ا‬
‫بالمدينة ثم خرج ]علي رضي ا عنه[ لإلى الكوفأة والبصرة ولم يلقه الحسن بعد‬
‫ذلك‪ .‬وقال الحسن‪ :‬رأيت الزبير يبايع علياا‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وفأي هذا القدر كفاية‪ ،‬وسيحمل قوسل النافأي على ما بعد خروج علي من‬
‫المدينة( ]الحاوي للفتاوي للحافأظ المحدث الفقيه جلل الدين السيوطي‪ .‬ج ‪ .2‬صا‬
‫‪102‬ـ ‪.[103‬‬

‫ثانياا ـ وسئل الحافأظ ابن حجر الهيثمي ـ نفع ا بعلومه ـ هل سمع الحسن البصري‬
‫من كلم علي كرم ا وجهه‪ ،‬حتى يتم للسادة الصوفأية سند خرقتهم وتلقينهم الذكر‬
‫المروي عنه عن علي كرم ا وجهه ؟‬

‫‪244‬‬
‫فأأجاب بقوله‪) :‬اختلف الناس فأيه‪ ،‬فأأنكره الكثرون‪ ،‬وأثبته جماعة‪ .‬قال الحافأظ‬
‫السيوطي‪ :‬وهو الراجح عندي كالحافأظ ضياء الدين المقدسي فأي المختارة‪،‬‬
‫والحافأظ شيخ اللسلم ابن حجر ]العسقلني[ فأي أطراف المختارة لوجوه‪:‬‬

‫ت مقفدم على النافأي‪.‬‬


‫الول‪ :‬لإن السمثبل ر‬

‫الثاني‪ :‬لإنه ولد لسنتين بقيتا من خلفأة عمر‪ ،‬وميفرز لسبظع وسأمر بالصلة ؛ فأكان‬
‫يحضر الجماعة ويصلي خلف عثمان لإلى أن قسلتل‪ ،‬وعلي لإذ ذاك بالمدينة يحضر‬
‫الجماعة كل فأرض‪ ،‬ولم يخرج منها لإل بعد قتل عثمان‪ ،‬وسن الحسن لإذ ذاك أربع‬
‫عشرة سنة‪ .‬فأكيف سينكر سماعه منه مع ذلك‪ ،‬وهو يجتمع معه كل يوم بالمسجد‬
‫خمس مرات مدة سبع سنين ؟! ومن ثرفم قال علي بن المديني‪ :‬رأى الحسن عليا ا‬
‫بالمدينة وهو غلم‪ .‬وزيادة على ذلك‪ :‬لإن عليا ا كان يزور سأمهات المؤمنين‪ ،‬ومنهن‬
‫سأم سلمة والحسن فأي بيتها‪ ،‬هو وسأمه خريرة لإذ هي مولة لها‪ .‬وكانت سأم سلمة رضي‬
‫ا عنها تخرجه لإلى الصحابة يباركون عليه‪ .‬وأخرجته لإلى عمر رضي ا عنه‬
‫فأدعا له‪ :‬اللهم فأقرهه فأي الدين وعلصرمهس وحبصربهس لإلى الناس‪ .‬ذكره المزي‪ ،‬وأسنده‬
‫العسكري‪ ،‬وقد أورد المزي فأي التهذيب من طريق أبي نعيم‪ :‬أنه سئل عن قوله‪:‬‬
‫قال رسول ا صلى ا عليه وسلم ولم يدركه ؟ فأقال‪ :‬كل شيظء قلته فأيه فأهو عن‬
‫ي زمان الحجاج‪ .‬ثم ذكر‬ ‫علي ؛ غير أني فأي زماظن ل أستطيع أن أذكر علياا‪ ،‬أ ر‬
‫الحافأظ أحاديث كثيرة‪ ،‬وقعت له من رواية الحسن عن علي كرم ا وجهه‪ .‬وفأي‬
‫بعضها ورجاله ثقات قول الحسن‪ :‬سمعت علياا يقول‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه‬
‫وسلم‪" :‬مثل سأمتي مثل المطر‪ "..‬الحديث( ]الفتاوى الحديثية لخاتمة الفقهاء‬
‫والمحدثين الشيخ أحمد بن حجر الهيثمي المكي‪ .‬صا ‪ .129‬وتمام الحديث‪.." :‬ل‬
‫يدرى أوله خير أم آخره" رواه الترمذي فأي كتاب المثال وقال‪ :‬حسن غريب[‪.‬‬

‫وبعد أن ثبت سماع الحسن البصري من علي رضي ا عنهما‪ ،‬وصح سند السادة‬
‫الصوفأية لإلى رسول ا صلى ا عليه وسلم من غير ريبة ول شك‪ ،‬ول أدنى‬
‫شبهة أقول‪:‬‬

‫قد أخذ العبد الفقير الطريق عن سيدي ومولي الشيخ محمد الهاشمي صاحب‬
‫ب ا ثراه‪ ،‬وجزاه عنا خير الجزاء‪ .‬وقد لقرنررنا وأذرن لنا‬
‫الخلق المحمدية طيف ر‬
‫بالورد العام والورد الخاصا وهو تلقين السم المفرد‪ :‬ا‪.‬‬

‫وشيخنا محمد الهاشمي أخذ عن شيخه السيد محمد بن يرصلس وعن شيخه أحمد بن‬

‫‪245‬‬
‫مصطفى العلوي ]حين ترى فأي السند أن أحد المرشدين قد أخذ الطريق عن‬
‫شيخين فأالمراد أنه ابتدأ سيره عند أحدهما‪ ،‬وبعد وفأاة الشيخ الول التقى بالشيخ‬
‫الثاني فألقنه الطريق وأذن له باللرشاد[‪ ،‬وهما عن الشيخ محمد بن الحبيب‬
‫البوزيدي الشريف المستغانمي‪ ..‬لإلى آخر السند كما هو مذكور فأي شجرة السند‬
‫التي أثبتناها على الصفحة التالية‪.‬‬

‫وقد رسمنا هذه الشجرة عن الكتب التالية‪:‬‬

‫‪1‬ـ لإرشاد الراغبين للشيخ حسن بن عبد العزيز أحد مريدي الشيخ أحمد بن‬
‫مصطفى العلوي المستغانمي رحمه ا تعالى‪.‬‬

‫‪2‬ـ النوار القدسية للشيخ محمد ظافأر المدني‪.‬‬

‫‪3‬ـ أوراد السادة الشاذلية الدرقاوية التلمسانية‪.‬‬

‫‪4‬ـ مجموع الوراد المسمى‪ :‬الدرة البهية فأي أوراد الطائفة العلوية للعارف بال‬
‫سيدي عدة بن تونس المستغانمي‪.‬‬

‫والحمد ل الذي شفرفأنا بالنضمام فأي سلك هذه السلسلة الذهبية للطريقة الشاذلية‬
‫الدرقاوية‪ ،‬ونسأله تعالى أن يكرمنا بما أكرم به رجالها‪ ،‬وأن يحشرنا فأي زمرتهم‬
‫تحت لواء سيد المرسلين صلى ا عليه وسلم‪ ،‬وأن يجعلنا معهم ومنهم‪ ،‬لإنه سميع‬
‫مجيب‪ .‬آمين‪.‬‬
‫الختام‬

‫ت التصوف الحق‪ ،‬واطلعت على كلم الئمة‬ ‫وبعد‪ .‬فألعلك أيها القارىء ـ وقد عرفأ ر‬
‫العلم‪ ،‬وما ذكروه عنه‪ ،‬وعرفأت صحة نسبته وتسلسله لإلى رسول ا صلى ا‬
‫عليه وسلم ـ أن تتخذ التصوف لك منهجاا‪ ،‬وستحصلق فأي أجوائه الصافأية‪ ،‬وتتعبد فأي‬
‫محاريبه‪ ،‬وتسبح فأي أنواره وتعرج فأي معارجه‪ ،‬فأتكون صورة مثالية عن هؤلء‬
‫الصوفأية‪ ،‬الذين ورثوا الوراثة الكاملة من رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ .‬لإذ هم‬
‫العلماء بال تعالى‪ ،‬الداعون لإلى ا على هدي رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ ،‬فأهو‬
‫لإمامهم فأي جميع حالتهم‪ ،‬والعلم بال تعالى صفتهم‪ ،‬والعبادة حليتهم‪ ،‬والتقوى‬
‫شعارهم‪ ،‬وحقائق الحقيقة أسرارهم‪ .‬لهم من الساعات من لإمداد فأضل ا مزيد‪،‬‬
‫ولهيب شوقهم يتأجج ويقول‪ :‬هل من مزيد ؟!‬

‫‪246‬‬
‫لقد تفانى الصوفأية فأي حب مولهم‪ ،‬وعاشوا فأي ذكره ومناجاته‪ ،‬فأعفلمهم وطهرهم‪،‬‬
‫وزكاهم وأدبهم‪ ،‬واصطفاهم واجتباهم‪ ،‬وأحبهم ورضي عنهم‪ ،‬فأفتح لقلوبهم ملكوت‬
‫السموات‪ ،‬وأراهم عجائب كونه وبدائع قدرته وأسرار خليقته‪ ،‬وأفأاض عليهم‬
‫هداياه وعطاياه علوما ا وأذواقاا‪.‬‬

‫فأما أجدر الباحثين والمفكرين ورواد الحقيقة بالبحث عن ذلك التراث اللسلمي‬
‫العظيم الذي تركه لهم أسلفأهم من قبسل وديعة فأي أيديهم‪ ،‬وأمانة فأي أعناقهم‪،‬‬
‫ق قدره‪ ،‬ثم بعد ذلك يخلصوه من كل شائبة تعكر‬ ‫فأيأخذوه عن أهله‪ ،‬وريقدروه ح ف‬
‫صفوه‪ ،‬أو تهبط به لإلى المكان الذي ل يليق به‪.‬‬

‫فأهل فأفكرر المنصفون من سأولي الرأي والفكر والقلم‪ ،‬أن يشحذوا هممهم فأيسيروا فأي‬
‫قافألة أهله‪ ،‬حتى ينهلوا من منهله العذب‪ ،‬فأينفوا عن التصوف تسفرهالته ودخيله‪ ،‬كما‬
‫نفى أهل الحديث عن الحديث أكاذيبه‪ ،‬وأهل التفسير عن التفسير لإسرائيلياته‪ ،‬حتى‬
‫يتسنى لناشد الحقيقة أن يجدها سليمة صحيحة‪ ،‬ويميزها عما سواها ؟‬

‫هذا ما وفأقنا ا للثباته فأي هذا الكتاب‪ ،‬وهو الموفأق للهداية والمرشد لإلى الصواب‪.‬‬
‫جعله ا خالصا ا لوجهه الكريم‪ ،‬ونفع به رمرن قرأه وهداه لإلى الصراط المستقيم‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد ل رب العالمين‪.‬‬

‫‪http://www.shazly.com/arabic/books/haqaeq/haqaeq1.asp‬‬

‫‪247‬‬

You might also like