Professional Documents
Culture Documents
1
ماهو التصوف ( تعريف التصوف )
للتصوف معان كثيرة وتعريفات عديدة نستخلص منها :
قال القاضي شيخ اإلسالم ذكريا األنصاري رحمة هللا تعالـــــى:
(( التصوف علم تعرف به أحوال تزكية النفوس وتصفية األخالق
وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة األبدية ))
قال سيد الطائفتين اإلمام الجنيد رحمه هللا (( :التصوف استعمال
ي))ي وترك كل خلق دن ّ كل خلق سن ّ
وقال بعضهم (( :التصوف كله أخالق فمن زاد عليك باألخالق زاد
عليك بالتصوف ))
وقال ابن عجيبة رحمه هللا (( :التصوف هو علم يعرف به كيفية
السلوك إلى حضرة ملك الملوك وتصفية البواطن من الرذائل وتحليتها
بأنواع الفضائل ،وأوله علم سعة عمل وآخره موهبة ))
وقال بعضهم في معنى التصوف :
أهل الصفا من دواعي اللوم حقيقة التصوف عند القوم
ال غير يا مبتــــغي الخالص العالم العامل باإلخـــــــالص
وقال الشيخ الخديم في مسالك الجنان:
بعلمه حقيقة ولم يمـــل والحاصل الصوفي عالم عمل
ممتأل القــلب من األفكـــار فصار صافية من األكـــــدار
مسويا دينار عين بالمــدر منقطعا لربه من البشـــــــر
2
و قال أبو الحسن الشاذلي :التصوف تدريب النفس على العبودية
وردها ألحكام الربوبية .
فعماد التصوف تصفية القلب من أوضار المادة ،وقوامه صلة اإلنسان
بالخلق العظيم .فالصوفي من صفا قلبه هلل وصفت هلل معاملته فصفت له
من هللا تعالى كرامته ،إذا فإنكار بعض الناس على هذا اللفظ بأنه لم يسمع
في عهد الصحابة والتابعين مردود ،إذ كثير من االصطالحات أحدثت بعد
زمان الصحابة واستعملت ولم تنكر كالنحو والفقه والمنطق .
وهللا تعالى لم يخلق األمور واألشياء هباء منثورا بل جعل لكل
شيء أهمية وفائدة .ومعرفتنا ألهمية الشيء يزيدنا شوقا وحرصا
على حب ذلك الشيء ،ولذلك ال بد من معرفة أهمية التصوف .
-2أهمية التصوف :
إن التكاليف الشرعية التي أمر بها اإلنسان في خاصة نفسه ترجع
إلى قسمين :أحكام تتعلق باألعمال الظاهرة وأحكام تتعلق باألعمال
الباطنة ،أي أحكام تتعلق ببدن اإلنسان وجسمه وأعمال تتعلق بقلبه .
هذا القسم الثاني المتعلق بالقلب أهم من القسم األول عند الشارع ،
ألن الباطن أساس الظاهر ومصدره ،ولهذا كان رسول هللا صلى هللا
عليه وسلم يوجه اهتمام الصحابة إلصالح قلوبهم ويبين لهم أن صالح
اإلنسان متوقف على إصالح قلبه وشفائه من األمراض الخفية والعلل
الكامنة .وهو الذي يقول (( أال إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح
الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله أال وهي القلب ))
كما كان عليه الصالة والسالم يعلمهم أن محل نظر هللا غلى
عباده إنما هو القلب (( إن هللا ال ينظر إلى أجسادكم وال إلى صوركم
ولكن ينظر إلى قلوبكم ))
فما دام صالح اإلنسان مربوطا بصالح قلبه الذي هو مصدر
أعماله الظاهرة تعيّن عليه العمل على إصالحه بتخليته من الصفات
3
المذمومة التي نهانا هللا عنها وتحليته بالصفات الحسنة التي أمرنا هللا
بها ،وعندئذ يكون القلب سليما صحيحا ويكون صاحبه من الفائزين
الناجين .قال هللا تعالى { يوم ال ينفع مال وال ينون إال من أتى هللا
بقلب سليم } سورة الشعراء ،آية 89-88
قال اإلمام جالل الدين السيوطي رحمه هللا :وأما علم القلب
ومعرفة أمراضه من الحسد والعجب والرياء ونحوها فقال الغزالي إنها
فرض عين ،فتنقية القلب وتهذيب النفس من أهم الفرائض العينية
وأوجب األوامر اإللهية بدليل ما ورد في الكتاب وأقوال العلماء .
-فمن الكتاب قوله تعالى { :قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر
منها وما بطن } األعراف
-وقوله تعالى { :وال تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن }
األنعام 151
والفواحش الباطنة كما قال المفسرون هي الحقد والحسد والرياء والحسد .
ومن السنة :
كل األحاديث التي وردت في النهي عن الحقد والكبر والرياء والحسد .
قال عليه السالم (( :إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل
النار الحطب ))
أما أقوال العلماء :
فقد عد العلماء األمراض القلبية من الكبائرالتي تحتاج إلى توبة
مستقلة .قال صاحب جوهرة التوحيد :
وغيبة وخصلة ذميـــمة وأمر بعرف واجتــنب نميمة
وكالمراء والجدل فاعتمد كالعجب والكبر وداء الحسد
فالتصوف هو الذي اهتم بهذا الجانب القلبي باإلضافة إلى ما يقابله
من العبادات البدنية والمالية ورسم الطريق العملي الذي يوصل
المسلم إلى أعلى درجات الكمال اإليماني والخلقي ،وليس كما يظن
4
بعض الناس قراءة أوراد وحلق أذكار فحسب ،فلقد غاب عن أذهان
الكثرين أن التصوف منهج عملي كامل يحقق انقالب اإلنسان من
شخصية منحرفة إلى شخصية مسلمة مثالية متكاملة ،وذلك من
الناحية اإليمانية السليمة والعبادة الخالصة والمعاملة الصحيحة الحسنة
واألخالق الفاضلة .
مفهوم التصوف عند السلف الصالح :
يفهم السلف الصالح بأن الصوفية ليست مذهبا وإنما هي أحد أركان
الدين الثالثة ( اإلسالم واإليمان واإلحسان ) فمثلما اهتم الفقيه
بتعاليم شريعة اإلسالم وعلم العقيدة باإليمان ....للتصوف اهتم بتحقيق
مقام اإلحسان ،مقام التربية والسلوك ،مقام تربية النفس والقلب
وتطهيرهما من الرذائل ،وتحليتهما بالفضائل التي هي الركن الثالث
من أركان الدين اإلسالمي الكامل بعد ركني اإلسالم واإليمان ،وقد
جمعها حديث جبريل عليه السالم.
قال العارف باهلل ابن عجيبة :مقام اإلسالم يعبر عنه بالشريعة ومقام
اإليمان بالطريقة ومقام اإلحسان بالحقيقة ،فالشريعة تكليف الظواهر
والطريقة تصفية الضمائر والحقيقة شهود الحق في تجليات المظاهر ،
فالشريعة أن تعبده ،والطريقة أن تقصده ،والحقيقة أن تشهده .
وزاد أيضا الصوفية (( إن العمل إذا كان حده الجوارح الظاهرة
يسمى مقام اإلحسان وإذا انتقل لتصفية البواطن بالرياضة والمجاهدة
يسمى مقام اإليمان وإذا فتح على العبد بأسرار الحقيقة يسمى مقام
اإلحسان )) ويقولون إنه يستمد أصوله وفروعه من القرآن والسنة
النبوية واجتهاد العلماء فيما لم يرد فيه نص ،فهو علم كعلم الفقه له
مذاهبه ومدارسه ومجتديه وأئمته الذين شيدوا أركانه وقواعده كغيره
من العلوم جيال بعد جيل حتى جعلوه علما سموه بعلم التصوف وعلم
التزكية وعلم األخالق وعلم السلوك أو علم السالكين إلى هللا فألفوا
فيه الكتب الكثيرة بينوا فيها أصوله وفروعه وقواعده .ومن أشهر هذه
5
الكتب الحكم العطائية البن عطاء هللا السكندري ،قواعد التصوف
للشيخ أحمد زروق ،وإحياء علوم الدين لإلمام الغزالي ،والرسالة
القشرية لإلمام القشيري ،والتعرق لمذهب أهل التصوف لإلمام أبي
بكر الكال باذي وغيرها .
وفهم اإلمام النووي وهو من السلف الصالح أصول التصوف خمسة:
تقوى هللا في السر والعالنية ،واتباع السنة في األقوال واألفعال ،
واإلعراض عن الخلق في اإلقبال واإلدبار ،والرضا عن هللا في القليل
والكثير ،والرجوع إلى هللا في السراء والضراء .
ومفهوم التصوف البن تيمية كما أشار إليه في مجموع فتاويه هو :
وأولياء هللا هم المؤمنون المتقون سواء سمى أحدهم فقيرا أو صوفيا أو
فقيها أو عالما أو تاجرا أو صانعا أو أميرا أو حاكما أو غير ذلك .
قال تعالى { أال إن أولياء هللا ال خوف عليهم وال هم يحزنون الذين
آمنوا وكانوا يتقون }
وهكذا أثنى اإلمام ابن تيمية على الصوفية بأن اهتمامهم بالعمل أكثر
من اهتمامهم بالقول ( .أرباب أحوال ال أرباب أقوال ).
التعايش السلمي بين المشايخ الصوفية :
( عالقة الشيخ الخديم بالشيخ سيدي خوي الكنتي نموذجا )
األخوة في هللا نعمة جمة من هللا وفضل فيض من هللا يغدقها على
المؤمنين الصادقين ،األخوة شراب طهور يسقيه هللا للمؤمنين األصفياء
واألزكياء .قال تعالى { إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم }
وقال أيضا { واعتصموا بحبل هللا جميعا وال تفرقوا }
فاألخوة نعمة هللا امتن بها على المؤمنين فقال تعالى { فألف بين
قلوبكم }...و قال أيضا { :وألف بين قلوبكم لو أنفقت ما في األرض
جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن هللا ألف بينهم } ...
6
قال عليه الصالة والسالم (( .الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ،
فخيارهم في اإلسالم خيارهم في الجاهلية إذا فقهوا ،واألرواح جنود
مجندة ،فما تعارف منها ائتلف ،وما تناكر منها اختلف ))
فاألخوة الصادقة في الدين ،أي في اإلسالم واإليمان واإلحسان ال
تبنى إال على أواصر العقيدة وأواصر اإليمان .تلكم األواصر التي ال
تنفك عراها أبدا .فهذه األخوة هي التي كانت تربط مشايخ الصوفية في
السنغال ،كانوا يتزاورون ويتراسلون خالصا لوجه هللا .وكانوا يحرصون
جدا على تداول الهدايا لجذب روح المودة والمحبة واأللفة .وهذه األبيات
للشيخ الحاج مالك سه إلى الشيخ الخديم لخير دليل على ذلك .قال الشيخ
الحاج مالك سه :
محبة يا أيها الحــباب هدية موجبها اجتـالب
وكفنا شر عدا وصال أدام ربنا حبل الوصال
فأجابه الشيخ الخديم:
وفي صفا الوداد ال ترتاب جزاكم خير الجزا الوهاب
إمامنا والقتـــــل ال نهــاب فكيف ال والمصطفى المجاب
إن مشايخ الصوفية لم يكتفوا بإنشاء روح التعايش السلمي وجذب
العالقات الوطيدة بينهم ،بل ذهبوا إلى نصيحة جميع المسلمين وخاصة
أتباعهم على ذلك ،وعالقة الشيخ الخديم بالشيخ سيدي خوي الكنتي التي
تولدت من عالقة هذا األخير مع مام مور أنت سل امباكي لخير دليل
على ذلك .
عالقة الشيخ سيدي األمين خوي مع الشيخ الخديم :
تولدت هذه العالقة من عالقة الشيخ سيدي خوي بمام مور أنت سل
امباكي ألن مام مور أنت سل كان مريدا للشيخ تسلم جابي ،وكان هذا
األخير من تالميذ الحاج عبد هللا والد الشيخ سيدي خوي ،وكان مام مور
7
أنت سل يعرف ذلك .وكان يعتبره شيخا ألن ولده هو شيخ شيخه .ولذلك
كانت عالقتهما متينة جدا ،ومام مور أنت سل كان يزوره في اندير
باستمرار .وفي بعض الزيارات كان يأتي مع الشيخ أحمد بمب في وقت
صغره وهو في سن التعلم .وكان الشيخ سيدي خوي يخبر مام مور أنت
سل بأمور الشيخ الخديم وهو صغير السن .وذات يوم رأى مام مور أنت
سل رؤية عجيبة فتحدث به للشيخ سيدي خوي فأخبره بأنه من ذريته .
ومن األمور التي قالها الشيخ سيدي خوي عن الشيخ الخديم أنه جلس ذات
يوم يتحدث مع أبيه مام مور أنت سل في اندير فمر الشيخ الخديم فقال له
هل تالحظ ما في ولدنا هذا ؟ فقال مام مور أنت سل ما هو ؟ فقال الشيخ
سيدي خوي :وجدته واضعا قدمه على قدم رسول هللا وال يتركها حتى
يصل .ولما توفي مام مور أنت سل ما زال الشيخ يحيي هذه العالقة
الوطيدة التي كانت بينها وبين الشيخ سيدي خوي .ومن بين القصص
المشهورة زار الشيخ الخديم الشيخ سيدي خوي في اندير وأرسل هذا
األخير إلى عبد هللا سل لكي يأتي بأكبر ثور لقرى وضيافة الشيخ .ولما
أتى به كان الناس يعجبون به ويقولون كيف يذبح الشيخ هذا الثور الكبير
لضيافة هذا الولد الصغير ولم يحدث أي مناسبة كبيرة ؟ فأجاب الشيخ
سيدي خوي للناس :لو كان قتل اإلنسان إكراما إلنسان جائزا لفعلته .
وأخبرهم بأنه سيأتي على الناس زمان يذبحون بقرات كثيرة إكراما
وتعظيما له .وكان الشيخ سيدي خوي يقول أشياء كثيرة في أمور الشيخ
الخديم ال يجوز إبرازها لكونها أسرارا إلهية .
وكتب الشيخ الخديم هذه الرسالة إلى الشيخ سيدي خوي مجددا فيها
عالقته معه ومع أبيه مام مور أنت سل امباكي :
قال الشيخ الخديم :بسم هللا الرحمن الرحيم وصلى هللا تعالى على
نبيه الكريم ،أما بعد ،فمن كاتب هذه الحروف أمنه هللا تعالى من كل
مخوف إلى قرة عينه وأحبة سره شيخ سيدي األمين ال زلنا متحابين في
ذات رب العالمين بسالم تام مشيع بزيارة واحترام موجبه أن تعلم بأني
8
رددت إليك الطرائف ليمكث أيضا عندك أيضا ما شئت امتثاال ويؤثرون
على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة .اآلية .قال اإلمام السيوطي رحمه
هللا تعالى :
وشأنه إيثار ال في القرب نعم على الصوفي ترك اللعب
ونيتي أن نكون فوق كل متحابين سرا وعالنية .وما أصدق قول من قال :
هللا يعلم إني لم أقل فـنـــدا ما أكثر الناس ال بل ما أقلمهم
على كثير ولكن ال أرى أحـــدا إني ألفتح عيني حين أفتحها
هذا أطلب منك أن تجمع لي جميع ما عندك من أحزاب شيخنا الكبير بخط
يمينك في يد حامل البراوة ،وأما مالقاة األشباح فتكفي عنها مالقاة
األرواح ،فطب نفسا وقر عينا .فسالم عليكم كلكم .محبك في هللا هلل أحمد
بن أحمد البكي.
وما زالت عالقة الشيخ الخديم مع الشيخ سيدي خوي وطيدة حتى توفي
هذا األخير سنة 1895م حيث ذهب الشيخ إلى منفى .وعند رجوعه
وهو ماكث في جربل جدد هذه العالقات التي ما زالت موجودة بين األحفاد
حتى يومنا هذا .
9