You are on page 1of 122

‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫القسم األول‪:‬‬

‫بين يدي التحقيق‬


‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫الأول‪:‬‬ ‫الفصل‬
‫التعريف بالساللجي‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫‪ -1‬اسمه ونسبه وبيته‪:‬‬

‫اسم مؤلف «البرهانية» هو‪" :‬عثمان"‪ ،‬واسم والده هو‪" :‬عبد هللا"(‪ ، )1‬أما‬
‫جده فيدعى باسم‪" :‬عسلوج"(‪ ،)2‬ويكنى‪" :‬أبا عمرو" بإثبات الواو(‪ .)3‬ويُنسب إلى‬
‫"سليلجو"‪ .‬قال المديوني‪« :‬وسليلجو اسم بلد من بالد مديونة في قبلة مدينة فاس‬
‫وعملها وعلى مسيرة يوم ونصف منها»(‪ .)4‬أما صاحب «بيوتات فاس الكبرى»‬
‫فيذكر أن أبا عمرو اشتهر بالساللجي «لسكناه بجبل سليلجو وكان يتردد إليه من‬
‫فاس»(‪ . )5‬وعلى هذا يكون أصل أبي عمرو من "جبل" أو "بلدة" «سليلجو»‪،‬‬
‫وهو منطقة تابعة لمديونة(‪ .)6‬وينتمي الساللجي بالضبط إلى قبيلة مسـراتة التي‬
‫هي «فخذ من قبيلة مديونة»(‪ )7‬المذكورة‪ ،‬ولذلك يقال له أحيانا‪« :‬المسراتي»(‪.)8‬‬

‫وقد استبدل بعضهم الجيم في لفظة "الساللجي" بالقاف فأطلقوا عليه‬


‫"الساللقي" بدل "الساللجي"‪ ،‬كما فعل ذلك ابن األبار في «التكملة»(‪ ،)9‬وابن‬

‫(?) انظر التادلي‪ -‬التشوف‪ ،198 :‬وابن الزبير‪ :‬صلة الصلة ‪ /‬القسم األخير‪ ،‬ص‪ 101 :‬واليفرني‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬المباحث العقلية فـي شرح معانـي العقيدة البرهانية‪ ،1/329 :‬وابن غـازي ‪ -‬بغية الطالب‪:‬‬
‫كراسة‪ ،16/7 :‬وابن القاضي ‪ -‬الجذوة‪ ،2/758 :‬وابن عيشون ‪ -‬الروض العطر األنفاس‪،193:‬‬
‫والقادري‪ -‬اإلكليل‪ ،178 :‬والكتاني‪ -‬السلوة‪.2/183 :‬‬
‫(?) المجهول‪ -‬شرح البرهانية‪.1 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر المصادر المتقدمة‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) المديوني‪ -‬شرح العقيدة البرهانية‪.65 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) ابن األحمر‪ -‬بيوتات فاس‪.45 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) المديوني ‪ -‬الشرح‪.66 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) نفس المصدر والصفحة‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) انظر‪ :‬ابن الزبير ‪ -‬صلة الصلة‪ :‬القسم األخير‪.101 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) انظر‪ :‬التكملة‪.2/740 :‬‬ ‫‪9‬‬


‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫الزبير في «صلة الصلة»(‪ ،)1‬وابن رشيد في «ملء العيبة»(‪ .)2‬وهو تغيير من باب‬
‫قولهم‪« :‬كل ما يجمجم يقمقم ويكمكم»(‪ .)3‬ودليل ذلك أن بعض من تعرض للحديث‬
‫عن الساللجي من المشارقة قلبوا جيم "السالجي" كافا فسموه‪" :‬الساللكي" أو‬
‫"السالنكي"‪ ،‬كما فعل السخاوي(‪ )4‬والقرافي(‪ )5‬في حديثهما عن «شرح العقيدة‬
‫البرهانية» لسعيد العقباني‪.‬‬

‫أما بيت الساللجي فيقول عنه صاحب «البيوتات» بأنه‪ « :‬بيت‪ ...‬ثروة وفقه‬
‫وهم من العرب القيسيين»(‪ .)6‬وأجمع المترجمون للساللجي على تلقيبه بـ‪« :‬إمام‬
‫أهل المغرب في علم االعتقاد»(‪ ،)7‬كما لقبوه بــ‪« :‬مرجع الفاسيين في العقيدة»(‪،)8‬‬
‫وبـ ‪« :‬منقذ أهل فاس من التجسيم»‪ .‬وهذه األلقاب تدل على مركزه السامي‪ ،‬حتى‬
‫إن تلميذه أبا الحسن ابن مؤمن حكم بأنه‪« :‬فاق األقران‪ ،‬وتجمَّل به الزمان‪،‬‬
‫ن كان من كبار‬
‫وعظََمة محلِّه‪ ،‬وطِيب قلبه لِأَ ْ‬
‫واتفق الموافِق والمخالف على َقْدرِه َ‬
‫ويهتدى بنورهم»(‪.)9‬‬
‫العلماء الذين ُيقتدى بهم ُ‬

‫(?) انظر ‪ :‬ص‪ 4 :‬وص‪ 101:‬من القسم األخير‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ابن رشيد‪ -‬ملء العيبة‪ .‬ج‪ 2:‬ص‪.226 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) راجع‪ :‬كنون ‪ -‬الساللجي‪.6 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) في الضوء الالمع ألهل القرن التاسع‪.6/181:‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) في توشيح الديباج وحلية االبتهاج‪ ،‬ص‪.169 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) بيوتات فاس‪ ،‬ص‪.45 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) انظر التادلي‪ -‬التشوف‪ ،198 :‬واليفرني ‪ -‬المباحث‪ ،1/329 :‬وابن أبي زرع ‪ -‬األنيس‬ ‫‪7‬‬

‫المطرب‪ ،266 :‬وابن غازي‪ -‬بغية الطالب كراسة‪ ،16/7 :‬وابن القاضي ‪ -‬الجذوة‪2/458 :‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫(?) انظر ابن الزبير‪ -‬صلة الصلة القسم األخير‪.101 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) بغية الراغب‪ ،‬عن شرح المديوني‪ ،‬ص‪.51 :‬‬ ‫‪9‬‬


‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫‪ - 2‬التكوين والثقافة األولى‪:‬‬

‫ولد الساللجي ـ كما عرفنا ـ بمنطقة جبلية خارج فاس‪ ،‬وال شك أنـه حفـظ‬
‫القـرآن‬

‫بهذه المنطقة قبل انتقاله إلى المدينة العلمية‪ .‬فلما وصل إلى فاس توجه إلى‬
‫المساجد الصغيرة لدراسة العلوم االبتدائية‪ ،‬وانتقل بعدها إلى جامع القرويين‬
‫للتعمق في العلوم‪ ...‬يذكر راوية سيرة أبي عمرو أبو الحسن ابن مؤمن أنه درس‬
‫النحو في مدينة فاس(‪ ،)1‬ثم اتجهت همته لدراسة الفقه فقرأ «مختصـر ابن أبي‬
‫زيد الفقهي» (=الرسالة) على أبي عبد هللا محمد بن عيسى التادلي‪ ،‬كما قرأ‬
‫«موطأ» مالك وحفظه وأتقنه(‪ )2‬على يد أبي الحسن بن خليفة (ت‪560.‬هـ‪116/‬‬
‫‪4‬م)‪ .‬ثم تاقت نفسه للتعمق في الفقه العالي فاهتم بالبحث في الاصطالح في‬
‫مسائل االختالف من خالل مؤلفات أبي المظفر السمعاني(‪.)3‬‬

‫بعد ذلك اتجه لدراسة الحديث‪ ،‬ذكر أبو الحسن ابن مؤمن أن الساللجي‬
‫«درس سنن الترمذي»(‪ ،)4‬وأنه «التقى المحدث الشيخ الفاضل أبا مروان بن‬
‫مسـرة فسأله الرواية عنه فأذن له وناوله "كتاب البخاري"‪ ،‬و"كتاب السنة ألبي‬
‫داود"‪ ،‬وأجازه بجميع مروياته»(‪ ،)5‬كما ذكر أنه «سمع "كتاب الترمذي" من‬
‫الشيخ اإلمام أبي عبد هللا محمد ابن جعفر»(‪.)6‬‬

‫(?) انظر المديوني‪ -‬شرح البرهانية‪.52 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) المديوني‪ -‬الشرح‪.60 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) نفسه‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) ابن مؤمن ‪ -‬البغية‪ ،‬المديوني ‪ -‬الشرح‪.60 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) نفسه‪.62 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) نفس المصدر والصفحة‪.‬‬ ‫‪6‬‬


‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫وبعدما أتقن العلوم الحديثية أقبل على دراسة التصوف وممارسته سلوكيا‪.‬‬
‫وهكذا قام بدراسة «مسائل القلوب على طريقة المحاسبي»(‪ ،)1‬وغيره من‬
‫إنتاجات الصوفية‪ ،‬حتى بلغ أعلى المقامات والدرجات‪ ،‬مما جعل التادلي‪ ،‬وابن‬
‫يعدونه من كبار صوفية‬
‫عيشون‪ ،‬والكتاني وغيرهم من أصحاب كتب التراجم ُّ‬
‫المغرب في القرن السادس الهجري(‪.)2‬‬
‫كما أقبل على دراسة علم أصول الفقه‪ ،‬فدرس «كتاب التقريب»(‪ ،)3‬وخصص‬
‫شُّد إليه الرحـال‬
‫جزءا مهما من وقته لتعلم هذا العلم حتى أتقنه وصار ضليعا فيه تُ َ‬
‫في طلبه(‪ ،)4‬فتخرج عليه أصوليون كبارًا كانوا مرجع علماء زمانهم فيه‪ ،‬و نزل‬
‫الناس من األندلس لتعاطيه في فاس على أيديهم‪.‬‬
‫‪ -3‬دراسته لعلم الكالم‪:‬‬

‫كان الساللجي ـ وهو يتلقى دروسه بالطريقة القديمة ـ يستشعر حرج الفترة‬
‫التي كانت تمر بها الثقافة المغربية‪ ،‬كما كان يحس بعقم الدروس والمقررات‬
‫التي تلقى أمامه في القرويين‪ .‬فكان يعلن معارضته الصريحة لها‪ ،‬وأحيانا كان‬
‫يدخل في مشاداة علنية مع أساتذته الذين أحسوا منه الرفض لطرقهم ومقرراتهم‪،‬‬
‫مما دفع أحد أساتذتـه فـي الفقه ـ وهو أبو عبد هللا محمد التادلي ـ إلى معاملته‬
‫معاملة قاسية‪ ،‬والشك أن هذا الحادث كان من أهم أسباب تحوُّل أبي عمرو نهائيا‬
‫إلى دراسة علوم االعتقادات‪ .‬يقول الساللجي‪« :‬كنت أقرأ "مختصر ابن أبي‬
‫زيد" علي أبي عبد هللا محمد بن عيسى التادلي‪ ،‬فسلمت عليه ذات يوم فلم َيرَُّد‬

‫(?) المديوني ‪ -‬الشرح‪.56 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) تقدمت اإلشارة إلى مصادرهم في الترجمة‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) التادلي ‪ -‬التشوف‪.198 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) جل التالميذ الذين درسوا عليه العقائد أخذوا عنه أصول الفقه‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫علي السالم‪ ،‬فسألته عن ذلك فقال لي‪ :‬إنك ال تقصد وجه هللا ـ تعالى ـ بالعلم‪،‬‬
‫فلذلك ال ينبغي أن يُرََّد عليك السالم‪[ .‬قال الساللجي‪ ]:‬فانصـرفت عنه‬
‫مهموما‪.)1(»..‬‬
‫إن السبب الذي دفع الشيخ التادلي إلى معاقبة أبي عمرو‪ ،‬يكمن في طبيعة هذا‬
‫التلميذ وفي قناعاته العقلية وقدراته النقدية‪ .‬فالساللجي ـ كما يظهر من خالل‬
‫مواقفه وآرائه ـ‪ ،‬تبدو عليه صورة االعتزاز والثقة بالنفس‪ ،‬كما يتجلى أيضا ـ‬
‫من هذه الحادثة بصفة خاصة ـ أنه كان يرفض أن تلقى إليه العلوم واألفكار‬
‫مجردة عن أدلتها وبراهينها‪ .‬كان أبو عمرو يبحث دائما عن األسباب وينقب عن‬
‫"البراهين"‪ ،‬وال يفتأ يجد ويكد من أجل إقناع نفسه وإراحة عقله الصعب‬
‫المراس‪ .‬لهذا اضطر إلى إيقاف شيوخه ـ ومنهم التادلي ـ معترضا عليهم‪ ،‬طالبا‬
‫منهم األدلة على أقوالهم وأحكامهم‪ .‬فاعتقد شيخه التادلي بأنه من الطلبة‬
‫المشاغبين الذي ال يعبؤون بقدسية العلم‪ ،‬ويأبون إال مناقشة آراء علماء ـ هم في‬
‫نظر أبي عبد هللا محمد التادلي ـ فوق النقد‪ ،‬وأعلى من مرتبة الطعن والمناقشة؟!‬
‫لذلك قام بطرده من حلقته‪.‬‬

‫في هذا الجو يخبرنا الساللجي أنه انقطع عن حلقة الفقه التي كان يدرس فيها‬
‫على شيخه التادلي‪ .‬فلقي بعض أصدقائه ممن كان أهله يشتغلون بالعلم‪ ،‬فبات‬
‫عنده‪ ...‬قال الساللجي‪« :‬فجعلت أنظر في كتبه فوقع بيدي من علوم االعتقاد‪:‬‬
‫«التقريب» و«اإلرشاد» فأعجباني‪ ،‬وقال لي صاحبها‪ :‬هذا «اإلرشاد» هو‬
‫المدخل إلى هذا العلم‪ ،‬ثم حملته إلى ابن حرزهم وابن الرمامة واستشـرتهما في‬
‫قراءته فاستحسناه‪ ،‬وأشارا عليَّ بالنظر فيه‪ .‬فقلت البن حرزهم‪ :‬أتأذن لي في‬

‫(?) التادلي ‪ -‬التشوف‪ ،198 :‬والمديوني ‪ -‬الشرح‪ ،52 :‬ثم كنون ‪ -‬الساللجي‪.8 :‬‬ ‫‪1‬‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫قراءته عليك؟ فقال لي‪ :‬ال أجيده‪ ،‬فإن قنعت مني بتعليم ما أعلمه فانظره‪ .‬فأخذته‬
‫عليه فكان يفتر في مواضع منه‪ .‬فما أكملته بالنظر عليه حتى استظهرته‬
‫حفظا»(‪.)1‬‬
‫هكذا إذن كانت بداية أبي عمرو مع علم الكالم األشعري‪ ...‬أعجب به ألول‬
‫وتلهف إلى من يثق فيهم من شيوخ التجديد‪ ...‬وتوجه‬
‫ُّ‬ ‫وهلة‪ ،‬فحمل كتبه بسـرعة‬
‫عالمين يختلفان عن التادلي في نظرتهما إلى العلوم وإلى‬
‫ْ‬ ‫بكتابه الجديد إلى‬
‫وظيفتها وقيمتها الثقافية والعلمية؛ األول هو‪ :‬أبو الحسن بن حرزهم (ت‪559.‬هـ‪/‬‬
‫‪1163‬م) الصوفي الكبير‪ ،‬أما الثاني فهو أبو عبد هللا بن الرمامة (ت‪567.‬هـ‪/‬‬
‫‪1171‬م)‪ ،‬أحد كبار المحدثين في فاس لتلك الفترة‪ .‬وبالفعل فقد وجد أبو عمرو‬
‫في هذين الشيخين ما كان يتوقعه من تشجيع وحفز على سلوك هذا الخط الجديد‬
‫المغاير لما جرى عليه العمل عند علماء الوقت‪ ،‬فلم يبديا أي اعتراض على‬
‫اختياره الجديد‪.‬‬

‫ويبدو أن الساللجي كان يلقى معارضة من مجتمعه وأساتذته اآلخرين بعدما‬


‫شرع في دراسة علم الكالم بواسطة «اإلرشاد»‪ .‬وقد دفعته تلك المعارضة‬
‫جهُ إليه ـ إلى الشعور بصـراع حاد داخلي‪ ،‬وأخذت‬
‫والتأنيب ـ الذي كان ُيَو َّ‬
‫تتجاذبه ميوالت متناقضة وأحاسيس متعارضة‪ .‬وظلت هذه الحال القلقة مسيطرة‬
‫عليه إلى أن وقعت له حادثة نتركه يقصُّها علينا بالتفصيل إذ يقول‪« :‬نمت يوما‬
‫في المسجد الجامع فرأيت في النوم شخصين قصدا إليَّ فدفع أحدهما يده في‬
‫ح فيه وهو يلتحم إلى أن التحم الشق كله‪،‬‬
‫المْل َ‬
‫ب ِ‬ ‫يص ُّ‬
‫صدري فانفتح‪ ،‬وأخذ اآلخر ُ‬
‫فانتبهت من نومي وأنا أجد األلم في صدري‪ ،‬فقُمت إلى "مهدي الخطيب"‬

‫(?) التادلي ‪ -‬التشوف‪ 198 :‬والمديوني ‪ -‬الشرح‪.53 :‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫بالجامع فقصصت عليه الرؤيا‪ ،‬فقال لي‪ :‬ما هو العلم الذي تنظر فيه اآلن؟ فقلت‬
‫له‪ :‬أنظر علم العقائد في كتاب «اإلرشاد»‪ .‬فقال لي‪ :‬الزمه فإنه سيفتح لك‬
‫فيه»(‪.)1‬‬
‫إن هذه الرؤيا تصور حال أبي عمرو عندما انهمك في دراسة «اإلرشاد»‪،‬‬
‫حيث أخذ الخصوم يحاربونه ويصفونه بالنعوت القبيحة‪ ،‬ويشككون في عقيدته‬
‫وإخالصه الديني‪ ،‬فكان من الطبيعي أن يبحث عن وسيلة ُيخفِّف بها عن نفسه‪،‬‬
‫سعفه في ذلك‪ ،‬فقد التجأ إلى األحالم المنامية التي أمدَّته بالقوة‬
‫وبما أن اليقظة لم ُت ِ‬
‫وأثلجت صدرَه‪ ،‬وأكدت له أن اختياره للعلم الجديد سليم وقويم ـ بل واألكثر من‬
‫ْ‬
‫ذلك ـ فقد بشـرته الرؤيا بأن هذا العلم "الجديد" سيكون له وسيلة للخلود‪ ،‬وأنه‬
‫«سيفتح له فيه»‪ ،‬ولذلك ينبغي أن يلزمه ‪ ..‬وبالفعل فقد تحققت نبوءة مهدي‬
‫الخطيب (ت‪540.‬هـ‪1145/‬م)(‪ ،)2‬وصدق تأويله‪.‬‬

‫‪ -4‬رحلته البجائية‪:‬‬

‫قرر الساللجي ـ بعدما أخذ حظه من العلوم الشـرعية وبعد دراسته األولية لعلم‬
‫الكالم ـ أن يقوم برحلة إلى المشرق أوال من أجل استكمال تخصصه في العلم‬
‫الذي تعلق به (علم الكالم)‪ ،‬ومن جهة ثانية لالطالع على العلوم والفنون التي‬
‫كانت ضعيفة أو ممنوعة بالمغرب‪ .‬يقول الساللجي ـ‪« :‬عزمت على الرحلة إلى‬
‫بالد المشرق‪ ...‬فسافرت إلى مدينة بجاية وعزمت على دخول البحر في جمع‬
‫كثير»(‪ .)3‬وهذا ما حصل بالفعل فقد خرج الساللجي من فاس وقصد مدينة بجاية‬

‫(?) نفسه‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) التادلي ‪ -‬التشوف‪.199 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) المصدر السابق‪ :‬ص‪ ،‬ن‪ ،‬وانظر أيضا المديوني ‪ -‬الشرح‪.54 :‬‬ ‫‪3‬‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫ألنها الطريق التي كان المغاربة يمرون منها بحرا إما إلى األندلس أو إلى‬
‫المشـرق‪ .‬ولكن كيف انتهت رحلته أو "مغامرته" في بجاية؟‬

‫يقول الساللجي‪« :‬سافرت إلى مدينة بجاية وعزمت على دخول البحر في‬
‫جمع كثير‪ ،‬فسجن الوالي كل من عزم على التوجه إلى المشرق‪ .‬فهربت أنا‬
‫وصاحب لي في الليل من السجن ورجعت إلى فاس‪ ،‬فبلغني أنه قتل جميع‬
‫المسجونين الذين كنت معهم ببجاية»(‪.)1‬‬

‫لوال العناية الربانية‪ ،‬ولوال فرار أبي عمرو من السجن َلنَّفذ فيه الوالي‬
‫جن معه‬
‫س ِ‬
‫الموحدي عبدهللا بن عبد المؤمن الكومي اإلعدام الذي ُنفِّذ في كل من ُ‬
‫بسبب حال "حظر التنقل" التي كان الوالي يعلنها داخل واليته؛ ذلك أن الوالي‬
‫كان قد منع مواطنيه من السفر إلى الشرق‪ ،‬واعتبر مخالفة أمره في ذلك خيانة أو‬
‫فرارا من الخضوع للحكم الموحدي‪ ،‬هذا الحكم الذي تقلد خلفاؤه لقب "إمارة‬
‫المؤمنين" وصاروا يعتقدون أن دولتهم الفتية تحولت إلى القبلة المركزية للعالم‬
‫اإلسالمي‪ ،‬فإلى مغربهم ينبغي التوجه‪ ،‬وعلى أرضهم تقام المجالس العلمية‪،‬‬
‫وإلى بالدهم يلزم التوجه لطلب العلم؛ ألن المهدي جاءهم بأهم وأحسن العلوم‪،‬‬
‫وإلى المغرب ينبغي أن تصرف الهمم‪ ،‬ومن أجله يجب أن تجتمع السواعد لكي‬
‫يتم بناؤه وخدمته‪ ،‬بدال من الفرار والهروب إلى بالد المشرق "العدوة"‪.‬‬

‫هكذا إذن تنتهي رحلة صاحبنا ويرجع من سفره إلى بجاية خاوي الوفاض‬
‫محروما من نتيجة الرحلة التي تكبد مشاقها من غير طائل‪ ،‬بل كادت تذهب‬
‫بنفسه لوال حفظ هللا‪ ،‬وفسحة من العمر بقيت له ليقوم بالمهمة التي خُلق من‬
‫أجلها‪ ،‬على ما سنرى فيما بعد‪.‬‬

‫(?) انظر التادلي ‪ -‬التشوف‪ 199 :‬والمديوني ‪ -‬الشرح‪.54 :‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫‪ -5‬االنتقال إلى مراكش‪:‬‬

‫مكث الساللجي بعد رجوعه من الرحلة البجائية الفاشلة معتكفا على قراءة‬
‫«إرشاده» منكبا إلى جانب ذلك على دراسة الحديث والتصوف وعلوم اللغة‪ .‬وقد‬
‫وتمكن‬
‫َّ‬ ‫اهتم خالل ذلك بتعميق تخصصه في علوم اللغة والنحو حتى فاق أترابه‪،‬‬
‫بدوره من إعطاء دروس فيه لبعض الصغار‪ .‬فكان ذلك سببا لبداية اشتهاره‬
‫وذيوع اسمه بين طائفة "المعلمين" الشباب رغم أنه كان ال يزال في طور التعلم‪.‬‬

‫ولما عَِلَم بعض أعوان الدولة الموحدية بقدرته على تدريس اللغة استدعوه‬
‫لكي يعمل على التدريس ألبنائهم بمدينة مراكش‪ ،‬فقَِبل الدعوة بصدر رحب‪ ،‬من‬
‫ثمة اتجه إلى مراكش‪ ،‬يقول الساللجي‪« :‬ثم طلب بعض الرؤساء من أرباب‬
‫الدولة أستاذا لبنيه يقرئهم النحو‪ ،‬ويحمله معه إلى حضرة مراكش‪ ،‬فدلَّه‬
‫المستشار في ذلك عليَّ‪ ،‬فلما وصلت إلى مراكش أنزلني في دار‪.)1(»...‬‬

‫وتشاء األقدار أن تتحول مهمة الساللجي بمراكش ويتغير دوره‪ ،‬فبدال من أن‬
‫ويعكف على‬
‫ُ‬ ‫يستمر في دور المدرِّس‪ ،‬نجده يعود مرة أخرى إلى طور الطلب‪،‬‬
‫الدراسة والتحصيل من جديد‪ ،‬فكيف ولماذا وقع ذلك؟‬

‫عرفنا بأن الساللجي كان يتوق إلى الرحلة ويَُمِّني نفسه بلقاء العلماء من أجل‬
‫استكمال دراسته وخصوصا لفهم األمور الغامضة في كتاب «اإلرشاد»‪ ،‬ولكن‬
‫جهوده باءت بالفشل‪ ،‬وبذلك بقي علمه بالفكر الكالمي األشعري ناقصا غير‬
‫مكتمل‪ .‬فلما وصل إلى مراكش عاد إليه األمل لتحقيق ما فاته من الرحلة الفاشلة‪،‬‬
‫وفاجأته الظروف بلقاء شيخ كبير‪ ،‬وعالم ضليع في االعتقادات واألصول هو أبو‬

‫(?) التادلي ‪ -‬التشوف‪ 199 :‬والمديوني ‪ -‬الشرح‪.54 :‬‬ ‫‪1‬‬


‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫الحسن بن اإلشبيلي (ت‪567.‬هـ‪1171/‬م)(‪ ،)1‬هذا العالم الذي سهر على تأسيس‬


‫المدرسة األشعرية وإقامة ركائزها ببالد المغرب خالل هذا الطور‪.‬‬
‫فعوضه عن األحزان‬
‫لقد كان ألبي عمرو شرف صحبة أبي الحسن بمراكش‪َّ ،‬‬
‫صِّدق‬
‫والهموم وعن اليأس الذي سيطر عليه بسبب عجزه عن السفر‪ ،‬فلم ُي َ‬
‫الساللجي إذ لقيه أن الحياة فَتحت له أبوابها أخيرا‪ ،‬فاشتعل طموحه‪ ،‬وانتعشت‬
‫نفسه لتلقي العلم الذي طالما َح َلَم بالتبحر والتعمق فيه‪ ،‬فاتصل بهذا الشيخ‬
‫و«الزمه مدة يسيرة حصل له فيها فهم «اإلرشاد»‪ ،‬وفتح عليه كـل مـا انغلـق‪...‬‬
‫من معانيـه»(‪ .)2‬يقول أبو الحسن ابن مؤمن‪« :‬لما رحل أبو عمرو ـ ‘ ـ إلى‬
‫األبرَّ أبا الحسن علي بن‬
‫الخير َ‬
‫مراكـش ـ حرسها هللا ـ والزم الفقيه اإلمام ِّ‬
‫اإلشبيلي وانتفع به‪ ،‬وفُتح له على يده‪ ،‬وتفقه عنه في أصول الدين‪ ،‬وأصول‬
‫الفقه‪ ،‬ومسائل االتفاق واالختالف‪ ،‬وفي مسائل القلوب على طريقة الحارث‪،‬‬
‫النظار المفتين وانحاز عن‬
‫وبلغ في ذلك المنتهى حتى لحق درجة المجتهدين ُّ‬
‫رتبة المستفتين»(‪.)3‬‬
‫وبذلك يكون الساللجي قد حقَّق مراده‪ ،‬ونال بُغيته‪ ،‬واستفاد من علم الكالم ما‬
‫جعله يطمئن إلى حصيلته المعرفية‪ ،‬وينتقل نهائيا من طور التلمذة إلى طور‬
‫األستاذية التي كان يحلم بها منذ أمد بعيد‪.‬‬
‫‪ -6‬شيوخ الساللجي‪:‬‬

‫(?) انظر ترجمته مع الشيوخ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) التادلي ‪ -‬التشوف‪.200 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ابن المؤمن – البغية‪ -‬انظر‪ :‬المديوني ‪ -‬الشرح‪.56 :‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫بعد أن وقفنا مع الساللجي في مرحلة التعلم‪ ،‬نجدنا اآلن مدفوعين للتوقف مع‬
‫األساتذة الذين يرجع إليهم الفضل في تكوينه وتعليمه‪ ،‬حيث سنعمل فيما يلي على‬
‫التعريف بهم مركزين على إبراز عالقة كل واحد منهم بأبي عمرو‪:‬‬
‫‪ -6-1‬أبو الحسن بن حرزهم (ت‪559.‬هـ‪1163/‬م)(‪:)1‬‬
‫هو علي بن إسماعيل بن محمد بن عبد هللا بن حرزهم من ذرية عثمان بن‬
‫عفان‪ ،‬من أهل مدينة فاس بها ولد ونشأ وتوفي‪ .‬أخذ عن أبي بكر بن العربي‪،‬‬
‫وعن أبيه إسمـاعيل(‪ ،)2‬وعن ابن النحـوي‪ ،‬ولكنـه اختـص بعمه أبـي محمد‬
‫صالح ابن حرزهم ـ تلميذ أبي حامد الغزالي(‪ )3‬ـ وعليه كان أكبر اعتماده‪.‬‬

‫وقد أثر أبو الحسن على الفكر الشـرعي والصوفي في المغرب "بطريقته‬
‫المالمتية"(‪ )4‬أيما تأثير‪ ،‬واستطاع أن يؤسس مدرسة صوفية مغربية تخرج منها‬
‫علماء وزهاد بارزون من أمثال أبي الحسن بـن خيـار‪ ،‬وأبي عبد هللا محمـد‬
‫التادلي‪ ،‬وأبي إسحـاق المعروف بابن المرأة‪ ،‬وأبي الصـرح أيوب الفهري‪ ،‬وأبي‬
‫يعزى يلنور‪ ،‬وأبي مدين الغوث(‪ )5‬وغيرهم‪ .‬يقول ابن عيشون‪« :‬لم أر أزهد منه‪،‬‬
‫اجتمعت فيه خصال ما اجتمعت في غيره‪ :‬الفقه في المسائل‪ ،‬والفقه في الحديث‪،‬‬

‫(?) انظر ترجمته عند‪ :‬التادلي ‪ -‬التشوف‪ 168 :‬وما بعدها‪ ،‬وابن أبي زرع ‪ -‬األنيس‪ ،265 :‬ابن‬ ‫‪1‬‬

‫األحمر ‪ -‬بيوتات فاس‪ ،2/66 :‬وابن القاضي ‪ -‬الجذوة‪ ،2/464 :‬والتنبكي ‪ -‬نيل االبتهاج‪،309 :‬‬
‫والجزنائي ‪ -‬جنى زهرة اآلس‪ ،‬ص‪.97 :‬‬
‫(?) انظر‪ :‬الكتاني ‪ -‬السلوة‪ 3/73 :‬والجزنائي ‪ -‬جنى زهرة اآلس‪.1/358 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) التادلي ‪ -‬التشوف‪.95-94 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) ابن عيشون ‪ -‬الروض العطر األنفاس‪.59 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) انظر ترجمتهم عند‪ :‬التشوف وغيره‪.‬‬ ‫‪5‬‬


‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫ومعرفة التفسير للقرآن والتصوف‪ ،‬وأما الكالم على الرعاية وكالم المحاسبي فلم‬
‫يخلفه مثله في ذلك‪ ،‬مع الورع والزهد»(‪.)1‬‬

‫وقد كان الساللجي أحد األعالم الذين أخذوا عن هذا الفقيه الصوفي الكبير‬
‫وتأثروا به تأثرا واضحا في سيرتهم وفي كل مناحي حياتهم‪ ،‬فباإلضافة إلى‬
‫التأثير الصوفي الذي تركه فيه‪ ،‬كان ألبي الحسن الفضل األول في تعليم أبي‬
‫عمرو مبادئ العقيـدة األشعريـة ـ كما قد عرفنا ـ من خالل قراءة كتاب‬
‫«اإلرشاد» عليه في البداية‪.‬‬

‫‪ -6-2‬أبو الحسن بن اإلشبيلي (ت‪567.‬هـ‪1171/‬م)‪:‬‬

‫علي بن محمد بن خليل ـ أو خليد ـ أبو الحسن عرف بابن اإلشبيلي(‪ ،)2‬نشأ‬
‫بمدينة "ألمرية" باألندلس حيث أخذ العلم عن ابن ورد‪ ،‬وعن الزنقي وغيرهما‪.‬‬
‫ثم رحل إلى العدوة حيث قضى فترة زمنية بمدينة فاس‪ ،‬قبل أن يستقر نهائيا‬
‫بمدينة مراكش ضمن حاشية السالطين الموحدين‪ ،‬حيث كان شيخ "طلبة‬
‫الحضر"‪.‬‬

‫لقد كان أبو عمرو الساللجي من الطلبة الكبار الذين تخرجوا على يد هذا‬
‫العـالم‪ .‬وقد أكدت ذلك جل المصادر التي ترجمت للرجليـن‪ ،‬يقول ابن الزبير‪:‬‬
‫«أخـذ عنـه [أي عن ابن اإلشبيلي]‪ ...‬األصولي الكبير أبو عمرو عثمان بن عبد‬
‫هللا الساللقي المسرتي‪ ،‬وإلى أبي عمرو هـذا مرجـع الفاسييـن في هذا‬

‫(?) ابن عيشون ‪ -‬الروض العطر‪.59-58 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر ترجمته عند‪ :‬ابن األبار ‪ -‬التكملة‪ ،2/668 :‬وابن الزبير ‪ -‬صلة الصلة‪،101 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫والمراكشي ‪ -‬الذيل والتكملة السفر‪ 5 :‬القسم‪1 :‬ص‪ ،304 :‬وابن القاضي ‪ -‬الجذوة‪،2/479 :‬‬
‫وابن صاحب الصالة ‪ -‬المن باإلمامة‪ 160 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫العلـم»(‪.)1‬أمـا ابن مؤمـن فيثبت أن شيخه الساللجي «صحب اإلمـام األفضل أبـا‬
‫الحسن علي ابن اإلشبيلي وأخذ عنه جل ما عنده»(‪ .)2‬وهو نفس ما يؤكده ابن‬
‫القاضي(‪ ،)3‬والمراكشـي(‪ )4‬وغيرهما‪.‬‬

‫‪ -6-3‬أبو عبد هللا التادلي(‪:)5‬‬

‫الفقيه الفاسي محمد بن عيسى التادلي‪ ،‬من الشخصيات الكبيرة في عهد الدولة‬
‫المرابطية‪ ،‬كان «من حفاظ المذهب المالكي مشاورا بفاس أيام لمتونة»(‪.)6‬‬

‫درس عليـه أبـو عـمـرو «مختصـر ابن أبـي زيد»(‪ ،)7‬فكان شيخه األول في‬
‫الفقه وفـي بعض أمـور العقيدة‪ ،‬علمـا بـأن مختصـر ابن أبي زيد (=الرسالة)‬
‫الذي كان التادلي يعكف على تدريسه‪ ،‬يتضمن باإلضافة إلى األمور الفقهية‪،‬‬
‫مقدمة تتعلق بالعقيدة‪.‬‬

‫‪ -6-4‬أبو عبد هللا بن الرمامة‪( :‬ت‪567.‬هـ‪1171/‬م)(‪:)8‬‬

‫(?) صلة الصلة‪.102-101 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ابن مؤمن ‪ -‬البغية‪ ،‬انظر‪ :‬المديوني ‪ -‬الشرح‪.62 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ابن القاضي ‪ -‬الجذوة‪.2/478 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) الذيل والتكملة ‪ -‬س‪ ،5 :‬ق‪1 .‬ص‪.304 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) انظر ترجمته عند‪ :‬ابن القاضي ‪ -‬الجذوة‪ ،2/421 :‬وابن األبار ‪ -‬التكملة‪ ،1/530 :‬والتازي‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬الجامع‪.1/176 :‬‬
‫(?) ابن القاضي ‪ -‬الجذوة‪.2/421 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) التادلي ‪ -‬التشوف‪ ،198 :‬والمديوني ‪ -‬الشرح‪.52 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) انظر ترجمته عند‪ :‬ابن األبار ‪ -‬التكملة‪ ،1/370 :‬والكتاني ‪ -‬السلوة‪2/120 :‬وما بعدها‪،‬‬ ‫‪8‬‬

‫وعادل نويهض ‪ -‬معجم أعالم الجزائر‪ ،‬ص‪ ،164 :‬والزركلي ‪ -‬األعالم‪ ،7/166 :‬والتازي ‪-‬‬
‫جامع القرويين‪.1/169 :‬‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫ابن الرمامة محمد بن جعفر بن أحمد بن محمد القيسي من كبار علماء فاس‪،‬‬
‫أصله من قلعة حماد(‪ .)1‬استفاد من دراسته على كبار شيوخ عصـره كابن‬
‫النحوي‪ ،‬وابن عتاب‪ ،‬وابن رشد‪ ،‬واألسدي وغيرهم‪ .‬فصار من كبار العلماء‬
‫والمحدثين والنظار‪ ،‬وكانت له مشاركة في العلوم الفلسفية‪.‬‬

‫عنه تلقى أبو عمرو علوم الحديث‪ ،‬وعلى يده تخرج في كتب السنن‪ ،‬السيما‬
‫«سنن الترمذي»‪ .‬يقول ابن مؤمن‪« :‬سمع [الساللجي] "[سنن] الترمذي" عن‬
‫الشيخ اإلمام أبي عبدهللا محمد بن جعفر(‪ )2‬ـ أي ابن الرمامة ـ»‪ ،‬فلذلك لما قصده‬
‫لينصحه في قراءة «اإلرشاد» علم أنه أهل لتلك الثقة وكفء لمثل تلك‬
‫االستشارة‪.‬‬

‫‪ -6-5‬أبو موسى بن الملجوم (ت‪543.‬هـ‪1148/‬م) الشيخ غير المباشر‬


‫للساللجي‪:‬‬

‫كان عيسى هذا أحد علماء فاس وعظمائها‪ ،‬وقد ولي «القضاء بفاس ومكناسة‬
‫الزيتون‪ ،‬وكان عارفا بالفقه والنوازل‪ ،‬ذاكرا للمسائل‪ ،‬متقدمـا فـي األحكـام‪،‬‬
‫عالـمـا‬

‫بالفرائض‪ ،‬محدثا‪ ،‬حافظا راوية»(‪.)3‬‬

‫من شيوخ شيخ أبي عمرو أبي عبد هللا بن خليفة الذين روى عنهم المؤلفات‬
‫الفقهية والحديثية‪ .‬يذكر ابن مؤمن أن أبا عمرو حدثه بكتاب «الموطأ» لإلمام‬

‫(?) انظر‪ :‬ابن اآلبار ‪ -‬التكملة‪ ،1/370 :‬والكتاني ‪ -‬السلوة‪.2/120 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ابن مؤمن – البغية‪ -‬انظر‪ :‬المديوني ‪ -‬الشرح‪.62 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) المصدر السابق‪ :‬ن ‪ -‬ص‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫مالك قال‪« :‬حدثني به [ابن خليفة] عن أبي موسى عيسى ابن الملجوم عن أبي‬
‫عبد هللا بن الطالع عن القاضي يونس بن عبد هللا بسنده المعروف»(‪.)1‬‬

‫‪ -6-6‬أبو محمد بن عيسى (ت‪540.‬هـ‪1145/‬م)‪:‬‬


‫من شيوخ الساللجي أيضا وهو مهدي بن عيسى ويكنى أبا محمد‪ .‬كان أول‬
‫خطيب ارتقى منبر المرابطين بالقرويين‪« :‬كان أحسن الناس خلقا وخلقا‬
‫وأفصحهم لسانا وأكثرهم بيانا‪ ...‬وكان يخطب كل جمعة خطبة ال تشبه األخرى‪،‬‬
‫فأقام يخطب عليه مدة خمسة أشهر‪ ،‬ودخل الموحدون المدينة فعزلوا مهديا»(‪.)2‬‬
‫وبقي متوليا التدريس بفاس إلى أن مات سنة‪540 :‬هـ‪.‬‬

‫وقد كان له الفضل في طمأنة أبي عمرو الختيـاره المنحـى الكالمي ـ كمـا‬
‫عرفنا سابقا ـ‪ ،‬وبسلوكه هذا الطريق الغريب ـ في الوقت الذي كان الناس‬
‫ينتقدون فيه الكالم وأهله ـ يكون توجيه هذا الشيخ ودوره حاسما في حياة أبي‬
‫عمرو العلمية‪.‬‬

‫‪ -6-7‬أبو مروان بن مسرة (ت‪552.‬هـ‪1157/‬م)‪:‬‬

‫من العلماء الذين تشرف الساللجي بالدراسـة عليهم المحـِّدث الكبيـر عبـد‬
‫الملـك‬

‫(?) ابن مؤمن – البغية‪ ،‬انظر‪ :‬المديوني ‪-‬الشرح‪.60 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ابن أبي زرع ‪ -‬األنيس المطرب‪ 62 :‬و ‪ ،71‬والجزنائي ‪ -‬جنى زهرة اآلس‪ ،56 :‬وابن‬ ‫‪2‬‬

‫القاضي ‪ -‬الجذوة‪.1/57 :‬‬


‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫ابن مسرة بن فرج بن خلف بن عزيز اليحصبي أبو مروان(‪ .)1‬أصله من‬
‫قرطبة وهو أحد مفاخرها وأعالمها‪ .‬أخذ عن أبي عبد هللا بن فرج واختص بأبي‬
‫الوليد بن رشد وسمع من أبي علي الغساني‪ ،‬ومن ابن المناصف‪ ،‬وابن عتاب‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫وقد استفاد الساللجي كثيرا من هذا الشيخ الذي تخرج على يده جيل كامل من‬
‫المحدثين واللغويين والفقهاء(‪.)2‬‬
‫‪ -6-8‬أبو الحسن بن خليفة (ت‪560.‬هـ‪1164/‬م)‪:‬‬

‫‪ )?( 1‬انظر‪ :‬ابن بشكوال ‪ -‬الصلة‪ 1/358 :‬وما بعدها‪ ،‬وابن األبار ‪ -‬المعجم‪ ،253 :‬والضبي ‪-‬‬
‫البغية‪ ،369 :‬والتجيبي ‪ -‬البرنامج‪ ،‬ص‪ ،106 :‬وعبد الحي الكتاني‪ :‬فهرس الفهارس واألثبات‬
‫ج‪= ،2 :‬‬
‫= ص‪.580 :‬‬
‫‪ )?( 2‬ذكر المديوني نقال عن ابن مؤمن في البغية ص‪ 63-62 :‬أنه أجاز أبا عمرو عن أبي إسحاق‬
‫األسدي عن أبي عمر بن عبد البر النمري ما أنشده أبو القاسم محمد بن نصير الكاتب لنفسه‪:‬‬
‫«تخير سبيل الهدى جاهدا‬
‫ودع عنك مشتبهات السبـل‬
‫وأصبح من الناس مستوفزا‬
‫فأكثرهم راصــد للزلــل‬
‫وأحسن من قد ترى منهم‬
‫لعمرك يردى الشجاع البطـل‬
‫وتصمـي المقاتل أقوالهم‬
‫بألسنة وقعهـا كاألســل‬
‫وال تحسبن إن تكن غافال‬
‫مريدك بالسـر يومـا غفـل‬
‫ومن حكم الناس في عرضه‬
‫فما جار أكثر مما عــدل»‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫أحد علماء األندلس وقضاتهـا‪ ،‬وهو عبد هللا بن خليفة‪ ،‬من جهة "بطليوس"‪،‬‬
‫يعرف بابن الموصلي نسبة إلى موصل‪ ،‬ويكنى أبا الحسن(‪ ،)1‬قال ابـن بشكـوال‪:‬‬
‫«كـان من أهل العلم والنباهـة‪ ،‬وولي قضـاء إشبيليـة فـي الدولـة اللمتونيـة بعد‬
‫أبـي بكـر ابن العربي»(‪.)2‬‬
‫وقد أخبرنا الساللجي بأنه قرأ عليه «الموطأ» حسبما أثبت ابن مؤمن قال‪:‬‬
‫«وأخبرني [الساللجي] أنه قرأ "الموطأ" على أبي الحسن بن خليفة»(‪.)3‬‬
‫‪ -6-9‬أبو عبد هللا بن جبل‪:‬‬
‫روى ابن مؤمن أن الساللجي أخبره «أن الشيخ اإلمام أبا عبد هللا بـن جبـل‬
‫أجـازه‬

‫جميع مروياته»(‪ ،)4‬وكان يروي عن سكره وغيره(‪.)5‬‬

‫هؤالء ـ إذن ـ هم أهم شيوخ أبي عمرو الذين كوَّن من خاللهم رصيده‬
‫الثقافي‪ ،‬واستطاع بواسطة العلوم التي زودوه بها أن يستكمل تكوينه‪ ،‬ويترقى‬
‫إلى أعلى المراتب والدرجات‪.‬‬

‫‪ -7‬االرتقاء واالشتهار‪:‬‬

‫(?) ابن بشكوال ‪ -‬الصلة‪.1/57 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) المصدر السابق ‪ :‬ن ‪ -‬ص‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ابن مؤمن – البغية‪ ،‬انظر المديوني ‪ -‬الشرح‪.62 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) المصدر السابق‪ :‬ن‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) ابن األبار ‪ -‬التكملة‪ ،1/374 :‬ومع ذلك‪ ،‬فإن ما ذكره ابن األبار عنه‪ ،‬يدعو إلى طرح عدة‬ ‫‪5‬‬

‫أسئلة واستفهامات‪...‬‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫ذكر أبو الحسن ابن مؤمن أن شيخه الساللجي «قرأ بكد واجتهاد ونية صادقة‬
‫وحسن اعتقاد‪ ،‬فبورك له فيما قرأ‪ ،‬وفُتح عليه في الفهم‪ ،‬فنال خيرا كثيرا في مدة‬
‫يسيرة»(‪.)1‬‬

‫وقد ساعده على ذلك وعلى تصدر المجالس العلمية ورئاسة زمالئه وأترابه‪،‬‬
‫ما كان يتمتع به من قدرة على التحكم في إرادته والسيطرة على تصـرفاته‪،‬‬
‫وإلزام نفسه باالستغراق في الدراسة والتحصيل بصورة يبدو أنها كانت غريبة‬
‫«وعلمه علم ما‬
‫َّ‬ ‫على طلبة عصـره‪ ،‬ولذلك يخبرنا ابن مؤمن أن هللا شرح صدره‬
‫لم يعلم‪ ،‬ووهبه من الفهم بخطاب الشـرع ـ × ـ‪ ،‬والتفقه فيه‪ ،‬والعلم بمقاصده‪،‬‬
‫والكشف لمعانيه‪ ،‬ومن التحقيق والتوفيق والتشقيق والتحرير والتدقيق ما يقصـر‬
‫عن وصفه اللسان‪ ،‬وتكل دون البلوغ إلى كنهه األذهان»(‪ .)2‬وبذلك «لحق درجة‬
‫المجتهدين النظار المفتين‪ ،‬وانحاز عن رتبة المستفتين»(‪.)3‬‬

‫لقد كان أبو الحسن اإلشبيلي ـ كما عرفنا ـ «شيخ طلبة الحضر»(‪ )4‬بمراكش‪،‬‬
‫صقََع بين يدي الخليفة الرضى أمير المؤمنين عند حضور‬
‫كما كان «الخطيب المِ ْ‬
‫الوفود‪ ...‬فصار عند الخليفة في العلوم والمذاكرة أول داخل وآخر خارج‪ ،‬عالم‬
‫فاضل يتكلم في المجلس العالي مسترسال بالمذاكرة متمهال على حسن أدب في‬
‫المناظرة»(‪.)5‬‬

‫(?) ابن مؤمن ‪ -‬بغية الراغب انظر‪ :‬المديوني ‪ -‬الشرح‪.52 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) نفس المصدر‪.59 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) نفسه‪.56 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) ابن صاحب الصالة ‪ -‬المن باإلمامة‪.160 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) نفس المصدر والصفحة‪.‬‬ ‫‪5‬‬


‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫وقد كان هذا العالم ـ نظرا لمركزه من السلطان‪ ،‬وبسبب رئاسته لطلبة‬
‫فيصغي‬
‫شفَُع‪ ،‬ويتكلم ُ‬
‫في ْ‬
‫شفَُّع فيهم عند األمر العالي َ‬
‫«ي َ‬
‫الحضـر وقربه منهم ـ ُ‬
‫ويسمع»(‪.)1‬‬
‫لكالمه ُ‬

‫وبما أن الساللجي كان من طلبته األوائل ـ الذين ارتقـوا إلـى مقام األستاذية ـ‬
‫فقد أحاطه بعناية خاصة‪ ،‬وأنزله منه المكانة القريبة‪ ..‬وال شك أنه كان يفتخر به‬
‫يقدمه إلى‬
‫ألنه أول ثماره‪ ،‬ودليل نجاح مدرسته الموحدية الباهر‪ .‬لذلك رأى أن ِّ‬
‫السلطان (أمير المؤمنين) ليثبت له كفاءته المهنية‪ ،‬وإخالصه لمبادئ وأوامر‬
‫دولته الغضة‪.‬‬

‫وهذا ما حصل بالفعل فقد تمكن الساللجي من الدخول على السلطان وتقرَّب‬
‫وينورون‬
‫ِّ‬ ‫يزينون حضـرته‬
‫منه‪ ،‬وأصبح بذلك واحدا من علماء البالط الموحدي ِّ‬
‫مجالسه‪ .‬يقول ابن مؤمن‪« :‬كان [الساللجي] يحضـر مجلس سيدنا أمير المؤمنين‬
‫ـ أيده هللا تعالى ـ مع جملة من الطلبة‪ ،‬فظهر حذقه وذكاؤه في المجلس‪ ،‬وعرَفه‬
‫سنية‬
‫للترقي في منازل كبيرة َّ‬
‫أمير المؤمنين عينا واسما‪ ،‬وكان ـ ÷ ـ معرَّضا َّ‬
‫ودرجات شريفة عليَّة‪.)2(»..‬‬

‫ورغم أن ابن مؤمن لم يصرح باسم هذا الخليفة الذي كان الساللجي يحضـر‬
‫مجالسه‪ ،‬فالغالب في الظن أنه عبد المؤمن بن علي الكومي (ت‪558.‬هـ‪/‬‬
‫‪1162‬م)‪ ،‬ألن الساللجي انتقل إلى مراكش بين سن الثامنة والعشرين والثالثين ـ‬
‫بعد عودته من رحلته البجائية‪ ،‬ومكثه مدة غير قصيرة بعدها في فاس ـ‪ .‬وهذا‬
‫يعني أن الساللجي قضـى سنوات‪549 :‬هـ إلى ‪554‬هـ (‪1154‬م إلى ‪1157‬م)‬

‫(?) نفسه‪.16 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) نفسه‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫بمدينة مراكش‪ .‬وفي هذه الفترة كان عبد المؤمن هو الخليفة الموحدي المتربع‬
‫على عرش المغرب‪.‬‬

‫‪ -8‬عودته إلى فاس‪:‬‬

‫كان من المنتظر أن يحافظ الساللجي على مكانته عند السلطان ويعمل على‬
‫تثبيتها من أجل استمرارية الترقي‪ ،‬ومن أجل نيل الحظوة بين علماء الحاشية‪،‬‬
‫وكذب كل التكهنات‪ ،‬وفاجأ كل قارئ لسيرته عندما‬
‫ولكن مبحوثنا خرق العادة‪َّ ،‬‬
‫أعلن رفضه القاطع للعمل ضمن علماء السلطان‪ ،‬وصرح بأنه يريد الرجوع إلى‬
‫مدينته "فاس"‪ ،‬وأنه ليست له أية تطلعات من نوع التطلعات التي تحدثنا عنها‬
‫قبل قليل‪.‬‬

‫لقد ُأشرب الساللجي حبَّ الزهد والورع‪ ،‬وتعلق بهما وهام بمنهجهما‪ ،‬مخلِّصا‬
‫نفسه األبية وروحه العالية من حمأة الفساد الذي كان يعرفه مجتمعه‪ ،‬فراح‬
‫يتسلق درجاته‪ ،‬ويسابق في مضمار آخر قاصدا نيل أعلى المراتب والمقامات‬
‫َّ‬
‫الروحية‪ ،‬فأخلص في هذا المسار أيما إخالص‪ .‬ولذلك لما أقبلت عليه الدنيا زهد‬
‫تسلق درجات الدنيا والصعود إلى‬
‫فيها‪ ،‬ولما عرض عليه أبو الحسن اإلشبيلي ُّ‬
‫كراسي الزعامة والسلطة والجاه‪ ،‬عاد به الحنين إلى أستاذه أبي الحسن بن‬
‫وتصدق بكل أمواله على أخيه(‪ )1‬مؤثرا الباقية‬
‫َّ‬ ‫حرزهم ـ الذي باع دنياه بآخرته‬
‫على الفانية‪ ،‬ومقدِّما نعيم اآلخرة على متاع الدنيا الزائل‪ .‬فخشـي الساللجي ـ إن‬
‫هو ظـل في صحبــة السلطان ـ أن يفتن في دينه‪ ،‬وأن ينقلب على ظهره فيخسر‬
‫الدنيا واآلخرة‪ ،‬كما خشي أن يفرِّط في مبادئه اإلصالحية‪ ،‬وفي وقفته الثورية‬
‫(?) ذكر التادلي أنه لما توفي والد أبي الحسن عزم على قسمة تركته مع أخيه‪ ،‬فلما قام إلى ورده‬ ‫‪1‬‬

‫اشتغل باله بذلك‪ ،‬فلما أصبح بعث إلى أخيه وأعطاه كل تركته متصدقا عليه بها‪ .‬انظر‪ :‬التشوف‪:‬‬
‫‪.170‬‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫ضد الفساد واالنحراف‪ ،‬كيفما كان وحيثما وجد ـ مع المرابطين أو الموحدين ـ‪.‬‬
‫فقرَّر أن ينجو بنفسه ويعود إلى فاس قبل فوات األوان‪.‬‬

‫‪ -9‬رسالة التدريس اإلصالحية‪:‬‬

‫ذكر ابن مؤمن أن الساللجي لما رجع من مراكش إلى مدينة فاس «التزم‬
‫اإلقراء بها لبثِّ العلم هلل ـ تعالى ـ ونشره وتدريسه‪ ،‬وألزم نفسه االنقباض‬
‫والتصاون فانتفع بنفسه وانتفع به المسلمون‪ ،‬وخرج على يده جملة من حذاق‬
‫العلماء»(‪.)1‬‬

‫اتجه أبو عمرو إذن بعد رجوعه من مراكش محمَّال برصيد معرفي جديد‪،‬‬
‫وبعدما هيأت له الظروف التاريخية والسياسيـة الجو المالئم لنشـر أفكاره‬
‫الجديدة‪ ،‬وبعدما أصبح الفكر التومرتي ـ الذي يستقي في جانب مهم من مبادئه‬
‫من المدرسة األشعرية ـ هو المتحكم في اختيارات البالد‪ ،‬فاتجه للتدريس بجـامـع‬
‫القروييـن‪ ،‬قاصدا نشـر أفكاره والترويج لمبادئه‪ ،‬آمال تطبيق رسالة اإلصالح‬
‫الثقافي التي نـذر حياتـه إلنجازها‪.‬‬

‫كان من الطبيعي أن يتكفَّل الساللجي بتدريس كتابه األثير‪« :‬اإلرشاد»‪ ،‬حيث‬


‫خصص لذلك حلقة يومية بالقرويين‪ ،‬كان الطلبة المتعددون يتلقون عنه فيها‬
‫تفاصيل اآلراء األشعرية‪ ،‬ودقائق المسائل الكالمية والفلسفية التي عالجها أبو‬
‫المعالي في ذلك الكتاب‪ .‬وقد أكد ابن مؤمن ـ تلميذ الساللجي ـ أنه قرأ «على أبي‬

‫(?) ابن مؤمن – البغية‪ ،‬انظر‪ :‬المديوني ‪ -‬الشرح‪.57 :‬‬ ‫‪1‬‬


‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫عمرو كتاب "اإلرشاد"‪...‬قراءة تدبير وبحث وتفتيش وتنقيح وتلقيح»‪ ،‬وأنه‬


‫«حضـر قراءته عليه مدة صحبته له قراءة تفقه ونظر‪.)1(»..‬‬

‫وقد وجد الساللجي الجو ميسرا لضمان قيادته للمدرسة الكالمية بحلتها‬
‫األشعرية في فاس ـ بل في المغرب كله ـ‪ ،‬ولذلك اشتهر عند المؤرخين بأنه‪:‬‬
‫«منقذ أهل فاس من التجسيم»(‪ ،)2‬وأنه «مرجع أهل فاس في علم االعتقاد»(‪،)3‬‬
‫وعرف بأنه «إمام أهل المغرب في علم االعتقاد»(‪ .)4‬فلم ينل الساللجي هذه‬
‫ُ‬
‫األلقاب وتلك األوصاف إال بسبب ما أحدثه من ثورة كالمية في فاس‪ ،‬وبما أوقع‬
‫في عقائد أهل هذه المدينة ـ ومن خاللها في أهل المغرب كله ـ من تطوير في‬
‫المناهج والقضايا التي تعالج ويستدل بها على العقيدة اإلسالمية‪.‬‬

‫وخصص الساللجي مجالس علمية لتدريس أصول الفقه‪ ،‬كما قام بتدريس علم‬
‫الحديث‪ ،‬يقول ابن مؤمن ـ تلميذه ـ‪« :‬قرأت عليه بعض كتب الترمذي قراءة تفكر‬
‫واعتبار وتفقه‪ .‬وسمعت قراءتها عليه مدة صحبتي له»(‪ ،)5‬كما قام بتدريس‬
‫«الموطأ» كتاب مالك األول‪ ،‬وبتدريس الفقه العالي‪ ،‬وألقى دروسا في كتب‬
‫االختالف الفقهية‪ ،‬يقول ابن مؤمن‪« :‬ابتدأت عليه قراءة كتاب االصطالح في‬

‫(?) نفس المصدر‪.60 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر مثال‪ :‬ابن األحمر ‪ -‬البيوتات‪ ،45 :‬والكتاني ‪ -‬السلوة‪ -2/183 :‬والزركلي ‪ -‬األعالم‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪.5/209‬‬
‫(?) انظر ابن الزبير‪ :‬صلة الصلة‪ ،101 :‬والمنوني ‪ -‬العلوم واآلداب والفنون‪.58 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) انظر مثال‪ :‬التادلي ‪ -‬التشوف‪ ،148 :‬واليفرني ‪ -‬المباحث العقلية‪ ،1/329 :‬وابن أبي زرع‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫األنيس‪ ،266 :‬وابن غازي ‪ -‬بغية الطالب‪ :‬كراسة‪ ،16/7 :‬وابن القاضي ‪ -‬الجذوة ‪،2/458‬‬
‫وابن عيشون ‪ -‬الروض العطر األنفاس‪ ،193 :‬والتستاوتي ‪ -‬نظم كتاب التشوف وشرحه‪،159 :‬‬
‫والكتاني ‪ -‬السلوة‪.2/183 :‬‬
‫(?) ابن مؤمن – البغية‪ ،‬انظر المديوني ‪ -‬الشرح‪.60 :‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫مسائل االختالف ألبي مظفر السمعاني ـ ‘ ـ قراءة تفقه ونظر وتفقه وترجيح‪،‬‬
‫وقد أكملت كتب الوضوء والصالة‪.)1(»..‬‬
‫وقد لقيت دروس الساللجي إقباال كبيرا من طرف الطلبة الذي أخذتهم موجة‬
‫التغيير واإلصالح‪ ،‬فهبوا مسـرعين إلى مجالسته كبارا وصغارا ذكورا وإناثا‬
‫مغاربة وأندلسيين‪ ،‬حتى امتألت حلقاته وغصت بالطلبة‪ .‬ونظرا لمكانته هذه‬
‫قصده الطلبة والعامة في مسائل الدين‪ ،‬فتصدر للفتوى وقام يبحث للسائلين عن‬
‫أحكام توافق تصرفاتهم في إطار ما أمر به الشـرع أو نهى عنه‪ ،‬فأحدثت آراؤه‬
‫االجتهادية وفتاويه ارتياح مجموع المستفتين‪ .‬يقول ابن مؤمن‪« :‬وسألته عن‬
‫مسائل في القرآن والحديث فأجابني بأجوبة مفيدة‪ ،‬حسنة‪ ،‬وسمعت منه كثيرا من‬
‫فتاويه ونظره‪.)2(»..‬‬
‫‪ -10‬تجربته الصوفية‪:‬‬

‫كان الساللجي يعتقد أن التصوف الذي سلكه هو سبيل الخالص من األنانية‬


‫الفردية والجشع النفسـي‪ ،‬ولذلك انتمى في سلوكه الصوفي إلى المدرسة الفاسية‬
‫التي أقام صرحها شيخه أبو الحسن بن حرزهم‪ .‬وقد مارست الطريقة‬
‫"المالمتية" التي كان أبو الحسن يسلكها قد مارست فعلها في نفس ومشاعر أبي‬
‫عمرو‪ ،‬لدرجة رفض معها كل المغريات الدنيوية وآثر السكون إلى جانب‬
‫الفقراء‪ ،‬وفضل االنكماش في زوايا الدروشة والزهد بجوار العباد والنساك‪.‬‬
‫وقد صور لنا ابن مؤمن معالم شخصيته الصوفية وآثار التوجيهات‬
‫"المالمتية" في سلوكه فقال‪« :‬خاف [الساللجي] هللا ـ تعالى ـ‪ ،‬فراقبه وعمل‬

‫(?) نفس المصدر والصفحة‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) نفسه‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫بمقتضى ما علم‪ ،‬فشـرح صدره‪ ،‬وعلمه ما لم يعلم‪ ،‬واتقى هللا فوقاه‪ ،‬وتوكل عليه‬
‫فكفاه‪ ،‬واهتدى بهديه فوفقه وهداه‪ ،‬وجعل له من أمره يسرا ومخرجا‪ ،‬ورزقه من‬
‫حيث ال يحتسب‪ ،‬ووضع البركة في علمه وعمله‪ ،‬ورزقه من الصبر واالحتمال‪،‬‬
‫وحسن الخلق والعشـرة واألدب ما ال مزيد عليه‪ ،‬وحاسب نفسه في لحظاته‬
‫تقيدت أفعاله كلها بأحكام الشـرع‪،‬‬
‫وخطراته وكلماته وحركاته وسكناته حتى َّ‬
‫وجرت على مقتضى أوامر البارئ ـ تعالى ـ وإذنه‪ ،‬واقتدى بهدي السلـف‬
‫الصـالح ـ ~ ـ‪ ،‬ففُتح له وعلى يده فتحا خرق العادة‪ ،‬وحرك النفوس وقامت به‬
‫الحجة‪.)1(»...‬‬
‫كما صورت لنا مصادر أخرى أوجها من مظاهر صوفية أبي عمرو وإغراقه‬
‫في الجانب الروحي وبعده عن الرياء‪ ،‬وأعطت أمثلة عن بعض كراماته‬
‫وعجائبه التي تثبت "واليته" منها ما رواه التادلي وغيره حيث قال‪« :‬سمعت ابن‬
‫الحجـاج يـوسف ابن موسى يقول‪ :‬رأيت أبا عمرو يحمل خبزه إلى الفرن فيريد‬
‫تالمذته أن يكفوه حمله فيأبى من ذلك إلى أن قال لهم‪ :‬ما انتصبت للتعليم إال‬
‫لوجه هللا‪ ،‬فإذا لقيني منكم أحد فال يتعرض لخدمتي بشيء فإني أخاف أن يفسد‬
‫علي نيتي‪..‬وكان يمر باألبواب فيجد النساء أخرجن الخبز لمن يحمله إلى الفرن‬
‫فيحمله لهن»(‪.)2‬‬
‫وروى التادلي أيضا عن أحمد بن عيسى األنصاري قال‪« :‬حدثني البرزالي‬
‫خديم أبي عمرو قال‪ :‬استدعيت أبا عمرو إلى منزلي وصنعت له طعاما‪ ،‬فقدمت‬
‫إليه طبق عنب فأخذ منه حبة فوضعها في فمه ساعة ثم أخرجها وردها إلى‬

‫(?) المصدر السابق‪.58 - 57 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) التادلي ‪ -‬التشوف‪ ،181 :‬وانظر أيضا‪ :‬اليفرني ‪ -‬المباحث‪ ،1/329 :‬وابن القاضي ‪ -‬الجذوة‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪.2/458‬‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫الطبق‪ .‬وقلت له‪ :‬كل‪ .‬فأبى‪ .‬فأقسمت عليه‪ .‬فقال‪ :‬ال تقسم علي‪ .‬فلما رآني متغيرا‬
‫قال لي‪ :‬من أين جاءك هذا العنب؟ فقلت له‪ :‬أهداه إلىَّ بعض جيراني‪ .‬فقال لي‪:‬‬
‫ما حرفته؟ فقلت له‪ :‬خمار‪ ،‬يشتري العنب ويعصره ويبيعه مسكرا‪ .‬ثم قلت له‪ :‬لم‬
‫تسألني عن هذا؟ فقال لي‪ :‬لما أخذت حبة من هذا العنب ووضعتها بين أسناني‬
‫وجدتها أشد من الحجر‪ ،‬فأخرجتها من فمي ورددتها إلى الطبق»(‪.)1‬‬
‫‪ -11‬تالميذ المدرسة الساللجية‪:‬‬

‫تخرج من مدرسة أبي عمرو عدد مهم من الطلبة الذين كان لهم دور بالغ في‬
‫التأثير على الحياة الفكرية والعقدية من بعده في فاس وفي المغرب كله بل وحتى‬
‫في األندلس‪ ،‬ومن أشهر هؤالء التالميذ‪:‬‬

‫‪ -11-1‬أبو الحسن ابن مؤمن (ت‪598.‬هـ‪1193/‬م)‪:‬‬

‫هو علي بن عتيـق بن عيسى بن أحمـد بن عبـد هللا بن عيسى بن عبـد هللا بن‬
‫محمد ابن مؤمن األنصاري الخزرجي(‪ )2‬من أهل قرطبة‪ ،‬نزل بآخره مدينة فاس‬
‫كان شاهدا بدار األشراف‪.‬‬

‫روى باألندلس عن أبيه‪ ،‬وعن ابن العريف‪ ،‬وابن العربي‪ ،‬وابن ورد‪ ،‬وابن‬
‫مسـرة والسلفي وغيرهم‪.‬‬

‫(?) التـادلـي ‪ -‬التشـوف‪ ،181 :‬واليفـرنـي ‪ -‬الـمبـاحـث‪ ،1/330:‬وابـن عـيـشـون ‪ -‬الـروض‬ ‫‪1‬‬

‫العطر‪.210 :‬‬
‫(?) انظر‪ :‬ابن األبـار ‪ -‬التكملة‪ ،2/674 :‬والمراكشـي ‪ -‬الذيـل والتكملـة‪ :‬السفـر‪ 5 :‬القسم‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 1/256‬وما بعدها‪ ،‬وابن الزبير ‪ -‬صلة الصلة‪ ،115 :‬وابن القاضي ‪ -‬الجذوة‪ ،2/48 :‬ومخلوف‬
‫‪ -‬شجرة النور‪.161 :‬‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫اعتنى ابن مؤمن بالرواية وقيد وكتب‪ ،‬وله في شيوخه فهارس بثالثة‪ :‬كبير‪،‬‬
‫وصغير‪ ،‬ومتوسط‪ ،‬ضمنهم في برنامجه الذي سماه‪« :‬بغية الراغب ومنية‬
‫الطالب »‪ .‬ومن الشيوخ الذين اعترف بفضلهم عليه وأستاذيتهم له في هذا الكتاب‬
‫الشيخ أبو عمرو الساللجي‪ ،‬حيث ذكر أنه قرأ عليه علم التوحيد‪ ،‬وعلم الحديث‪،‬‬
‫والفقه‪ ،‬وشيئا من علم التفسير‪ ،‬إال أنه اختص به في علم الكالم وخصوصا من‬
‫كتـاب «اإلرشـاد»‪ .‬قـال أبـو الحسن ابن مؤمن ‪« :‬قرأت على أبي عمرو كتاب‬
‫"اإلرشاد" ألبي المعالي الجويني قراءة تفقه ونظر‪ ،‬وقرأت بعض كتب‬
‫"الرعاية" للمحاسبي قراءة تفكر واعتبار وتفقه‪ ،‬وسمعت قراءتها عليه مدة‬
‫صحبتي له‪ .‬وكذلك كتب "التلقين" لعبد الوهاب»(‪ ،)1‬قال‪« :‬وسألته عن مسائل‬
‫في القرآن والحديث فأجابني بأجوبة مفيدة حسنة‪ .‬وسمعت منـه كثيرا من فتاويه‬
‫ونظره‪ ،‬وابتدأت قراءة كتب "االصطالح في مسائل الخالف" ألبـي المظفر‬
‫السمعاني ـ ‘ ـ عليه قراءة تفقه ونظر وتلقيح وترجيح‪.)2(»..‬‬
‫‪ -11-2‬أبو عبد هللا بن الكتاني (‪597‬هـ‪1293/‬م)‪:‬‬
‫أبو عبد هللا محمد بن علي بن عبد الكريم الفندالوي عرف "بابن الكتاني"(‪.)3‬‬
‫كان من أكبر أئمة فاس والمغرب علما وورعا وزهدا وعبادة‪ .‬تنقل بين فاس‬
‫والقيروان واألندلس‪...‬‬

‫(?) ابن مؤمن ‪ -‬البغية عن المديوني‪ -‬الشرح‪ 60 :‬وانظر أيضا اليفرني ‪ -‬المباحث‪-1/185 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.186‬‬
‫(?) ابن مؤمن‪ :‬ن ص‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر‪ :‬التادلي ‪ -‬التشوف‪ ،335 :‬وابن القاضي ‪ -‬الجذوة‪ ،1/220 :‬ومخلوف ‪ -‬شجرة النور‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،164‬والكتاني ‪ -‬السلوة‪ ،3/172 :‬والتازي ‪ -‬جامع القرويين‪ ،1/176 :‬وابن الزبير ‪ -‬التكملة‪:‬‬
‫‪.2/681‬‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫درس على أبي عبد هللا محمد بن يبقى وعلى أبي عمرو الساللجي‪ ،‬أخذ عنه‬
‫علم الكالم وأصول الفقه‪« ،‬وكان أهل فاس يقولون‪ :‬إنه لم يتخرج على أبي‬
‫عمرو مثله ومثل‬
‫عبد الحق السكوني»(‪.)1‬‬
‫وقد تأثر ابن الكتاني بشيخه الساللجي في تخصصه األشعري وحتى في‬
‫سلوكه الصوفي مما جعله يخلفه ـ بعد وفاته ـ على كرسي العقيدة واألصول في‬
‫القرويين‪ .‬يقول ابن العربي الحاتمي (ت‪638.‬هـ‪1240/‬م) ـ الذي التقى بابن‬
‫الكتاني في رحلته إلى فاس ـ‪« :‬رأيت أبا عبد هللا الكتاني بمدينة فاس إماما من‬
‫أئمة المسلمين في أصول الدين والفقه»(‪.)2‬‬

‫وقد كانت وفاته سنة‪596 :‬هـ‪1295/‬م‪ ،‬ونظرا لمكانته العلمية والحترام الناس‬
‫له فقد حضر جنازته أبو دبوس الموحدي أمير الوقت(‪.)3‬‬

‫‪ -11-3‬أبو محمد السكوني (ت‪580.‬هـ‪1184/‬م)‪:‬‬

‫هو عبد الحق بن خليل بن إسماعيل بن عبد الملك بن خلف بن محمد‬


‫السكوني‪ ،‬يكنى أبا محمد(‪ )4‬من أهل "لبلة" باألندلس‪ .‬بيته بيت علم ودين‪ .‬وروى‬
‫عن جماعة منهم‪ :‬أبوه أبو الحسن خليل السكوني‪ ،‬وأبو بكر بن العربي‪ ،‬وأبو‬
‫الفضل عياض وغيرهم‪ ...‬ثم رحل إلى فاس‪ ،‬وأقبل على دراسة علم الكالم‬

‫(?) الكتاني ‪ -‬السلوة‪.3/172 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ابن العربي الحاتمي ‪ -‬الفتوحات المكية‪ ،‬السفر الخامس‪ ،‬ص‪.74 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ابن القاضي ‪ -‬الجذوة‪.1/220 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) ابن الزبير‪ :‬صلة الصلة‪ ،4 :‬والتجيبي‪ -‬البرنامج‪ ،248 :‬وابن القاضي‪ -‬الجذوة‪،2/388 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫والتازي‪ -‬الجامع‪.1/172 :‬‬


‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫األشعري في حلقة أبي عمرو الساللجي ـ الذي كان في آخر أيامه ـ «فقرأ عليه‬
‫علم الكالم وأصول الفقه وأحكم عنه العلمين»(‪ ،)1‬فصارت له المكانة العالية‬
‫فيهما‪ ،‬حتى قال أهل فاس ـ كما ذكرنا آنفا ـ إنه لم يتخرج من مدرسة الساللجي‬
‫مثله ومثل أبي عبد هللا الكتاني بسبب تمكنهما من المذهب األشعري العقدي(‪.)2‬‬

‫‪ -11-4‬أبو الحجاج بن نموي (ت‪614.‬هـ‪1217/‬م)‪:‬‬

‫يوسف بن عبد الصمد بن يوسف بن علي بن عبد الرحمن بن نموي يكنى أبا‬
‫الحجاج‪ ،‬من أهل مدينة فاس‪ .‬ولد عام‪554 :‬هـ‪1159/‬م وتوفي في التاريخ‬
‫أعاله(‪.)3‬‬

‫أخذ عن جماعة من شيوخ بلده منهم القاضي ابن مضاء‪ ،‬كما أجازه ابن‬
‫بشكوال‪ ،‬وعبد الحق األزدي وغيرهما‪ .‬وتلقى علم الكالم عن أبي عمرو‬
‫الساللجي في بداية حياته ثم قرأ على ابن الكتاني ـ خليفة الساللجي في كرسي‬
‫العقيدة بالقرويين ـ وصحبه إلى أن مات‪.‬‬

‫وبعد اكتمال دراسته واشتداد عوده ونضج أفكاره عمل ابن نموي على‬
‫تدريس العقيدة واألصول وغيرهما من العلوم بفاس ومراكش وإشبيلية‪،‬‬
‫واستدعي للتدريس بكل المراكز العلمية الكبيرة‪ ،‬وظل على هذه الحال إلى حين‬
‫وفاته‪.‬‬

‫(?) ابن الزبير صلة الصلة‪.4 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ابن القاضي ‪ -‬الجذوة‪ 2/388 :‬والكتاني ‪ -‬السلوة‪.3/174 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظـر ترجمتـه بتوسـع عنـد‪ :‬ابـن األبـار ‪ -‬التكملـة‪ ،2/740 :‬وابن زرع ‪ -‬الذخيـرة السنيـة‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،51‬وابن القاضي ‪ -‬الجذوة‪ ،2/550 :‬والتنبكتي ‪ -‬نيل االبتهاج‪ ،‬ص‪ ،626 :‬والمنوني ‪ -‬العلوم‬
‫واآلداب والفنون‪ 118 :‬والتازي ‪ -‬الجامع‪.1/182 :‬‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫‪ -11-5‬سليمان السطي (ت‪607.‬هـ‪1210/‬م)(‪:)1‬‬

‫الشيخ سليمان بن المهدي بن النعمان المعروف بالسطي من أبرز خريجي‬


‫المدرسة الساللجية‪ .‬ينسب إلى سطة(‪ )2‬ـ قبيلة من صنهاجة ـ‪ ،‬وقد ولد بمدينة‬
‫فاس‪ ،‬ولكنه انتقل‬

‫منها إلى مراكش وعاش هناك(‪.)3‬‬

‫أخذ السطي العلم عن مجموعة من العلماء منهم ابن الرمامـة ـ شيخ الساللجي‬
‫المتقدم ـ وسليمان بن عبد الرحمن الصنهاجي‪ ،‬كما «أخذ علم الكالم عن أبي‬
‫عمرو عثمان بن محمد الساللجي»(‪.)4‬‬

‫‪ -11-6‬خيرونة (ت‪594.‬هـ‪1197/‬م)‪:‬‬

‫من النساء المتميزات لعصر الساللجي والالئي كان لهن دور بارز في‬
‫الترويـج لعلم‬

‫الكالم األشعري بالمغرب وبفـاس‪ :‬الزاهـدة "خيرونـة" أو"خدونـة" وهي من‬


‫«النساء األندلسيـات الالتـي دخلـن المغرب لهذا العصـر واتصلت بـأعالمـه‬
‫وتوفيت به‪.)5(»..‬‬

‫(?) انظر ترجمته في ‪ :‬ابن أبي زرع‪ -‬الذخيرة‪ ،46 :‬وابن القاضي ‪ -‬الجذوة‪.2/515 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) موطنها بقيادة "تروال" من دائرة "وزان" من بطون أوربة‪ ،‬انظر‪ :‬الونشريسي ‪ -‬الوفيات‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ص‪.117 :‬‬
‫(?) ابن أبي زرع ‪ -‬الذخيرة السنية‪.46 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) نفس المصدر والصفحة‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) المنوني ‪ -‬العلوم‪.35 :‬‬ ‫‪5‬‬


‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫كانت خيرونة تتقن الفقه وتبحث في أحكامه العملية‪ ،‬كما اهتمت بتزكية حياتها‬
‫الروحية فاعتنت بدراسة الكتب الصوفية وتقليد أئمة التصوف حتى صارت «من‬
‫الزاهدات العابدات»‪ ،‬واهتمت بأمور العقيدة إذ «كانت تحضر مجلس عثمان‬
‫الساللجي إمام أهل فاس في األصول»(‪.)1‬‬

‫ومما يذكر عن مفاخر خيرونة ـ التلميذة النجيبة للساللجي ـ أنها كانت السبب‬
‫الرئيس في تأليفه للكتيب الذي اشتهر به‪« :‬العقيدة البرهانية»‪ .‬فمن أجلها قام أبو‬
‫عمرو بوضع عقيدته‪ ،‬ونزوال عند رغبتها بادر إلى ذلك(‪.)2‬‬

‫‪ -11-7‬أبو القاسم األنصاري‪:‬‬

‫من تالميذ الساللجي المقربين‪ ،‬إليه يرجع الفضل في نقل أهم أطوار حياة أبي‬
‫عمرو‪ ،‬وقد اعتمد التادلي في «التشوف» على أخباره في نقله سيرة مبحوثنا‪.‬‬

‫إن كل ما نعرفه عن هذا الرجل أن اسمه أحمد واسم أبيه عيسى وكنيته هي‪:‬‬
‫أبو القاسم(‪ ،)3‬وأنه عاش بعد أبي عمرو‪ ،‬ألنه يروى سيرة أبي عبد هللا التاودي‬
‫الذي عاش بعد الساللجي‪.‬‬

‫‪ -11-8‬أبو الربيع الشرطي‪:‬‬

‫(?) المديوني عن ابن مؤمن عن البغية‪ ،‬الشرح‪ ،60 :‬واليفرني ‪ -‬المباحث‪.1/186 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ابن مؤمن المصدر السابق‪ :‬ن ص‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) المصدر المتقدم صفحات‪ ،201-198-173-170 :‬وانظر أيضا كنون ‪ -‬الساللجي‪.18 :‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫من التالميذ الفاسيين الذين أخذوا عن الساللجي‪ ،‬وقد ذكره ابن األبار في‬
‫«التكملة» وقال عنه إنـه‪« :‬من أهل فـاس مـمن شـارك [أبـا عمرو] في األخـذ‬
‫عن ابن الرمامة‪ ،‬وأخذ عنه علم الكالم»(‪.)4‬‬

‫‪ -11-9‬علي بن خيار الفاسي (كان حيا عام ‪601‬هـ‪1204/‬م)‪:‬‬

‫علي بن خيار الفاسي البلنسي األصل أبو الحسن‪ .‬ذكر صاحب «الذيل‬
‫والتكملة» أنه كان حيا سنة‪ ،601 :‬وسمع بفاس على أبي عبد هللا بن الرمامة‪،‬‬
‫وأبي عمرو الساللجي‪ .‬وكان حافظا فقيها رافضا للتقليد‪ ،‬مياال إلى النظر‬
‫واالجتهاد‪ ،‬متفننا‪ ،‬حسن المشاركة في العربية وعلم الكالم وأصول الفقه‬
‫والتصوف(‪.)2‬‬

‫‪ -12‬الوفــاة‪:‬‬

‫عاش الساللجي حياته المتبقية ـ بعد رجوعه من مراكش ـ عامـال على تكويـن‬
‫هـذا الرعيل من العلماء الجدد‪ ،‬وأشرف بنفسه على توجيههم وبناء فكرهم‬
‫العقدي والصوفي‪ .‬وكان الساللجي خالل ذلك يزداد تقوى وورعا وتقدما في‬
‫مراتب العلم والصالح حتى اعتبر عند غير واحد من المؤرخين بأنه بلغ في‬
‫أيامه األخيرة «درجة اإلمام أبي المعالي الجويني إمام الحرمين»(‪ .)3‬كل ذلك‬
‫بسبب تأسيسه للمدرسة األشعرية بالمغرب األقصى‪.‬‬

‫(?) كنون ‪ -‬الساللجي‪.19 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) انظر‪ :‬ابن عبد الملك ‪ -‬الذيل والتكملة‪ ،‬س‪ 8 :‬ق‪ 1 :‬ص‪.164 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ابن األحمر وغيره ‪ -‬البيوتات‪ ،45 :‬والكتاني ‪ -‬السلوة‪ ،2/183 :‬والتعارجي ‪ -‬األعالم‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪.9/6‬‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫قال أبو الحسن ابن مؤمن‪« :‬توفي أبو عمرو ـ ‘ وعفا عنه ـ في ليلة األحـد‬
‫لثلث‬

‫الليل األخير من ليلة إحدى وعشرين من جمادى اآلخرة سنة أربع وسبعين‬
‫وخمسمائة (‪574‬هـ)‪ ،‬ودفن خارج باب الجيزيين من مدينة فاس‪ :‬عند قبر دراس‬
‫بن إسماعيل‪ ،‬وصلى عليه الفقيه أبو محمد عبد الخالق بن عبد الرحمن بن‬
‫خنوسة‪ ،‬وحضره من الخلق جمع عظيم وحفل شنيع‪ ،‬وأسف الناس عليه لفقده‬
‫ودعوا له وتبركوا به»(‪.)1‬‬

‫وبعد فإن أهم أثر خلده التاريخ للساللجي‪ ،‬وجعل اسمه يبقى على لسان كل‬
‫عارف بعلم الكالم المغربي هو مختصره في العقيدة المسمى‪«:‬العقيدة‬
‫البرهانية»‪ ،‬وهو األثر العلمي الوحيد الذي وصلنا له‪ .‬وهو على وجازته قد‬
‫مارس فعال واضحا في العقل المغربي‪ ،‬وكتب له من الرواج واالنتشار ما لم‬
‫يكتب للمؤلفات الضخمة والمجلدات‪ .‬ألجل هذا سنخصص الفصل الثاني من هذا‬
‫التقديم للحديث عنه‪ ،‬من حيث أسباب تأليفه (الخاصة والعامة)‪ ،‬ومن حيث‬
‫مصادره‪ ،‬وشروحه‪ ،‬وتأثيره في الفكر العقدي المغربي‪.‬‬

‫(?) ابن مؤمن‪ -‬الشرح‪ ،‬عن البغية‪.63 :‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫التعريف بـ«العقيدة البرهانية»‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫تمهيد‪:‬‬

‫لم تحتفظ لنا الخزانات العامة والخاصة بكتب الساللجي‪ ،‬ولم تذكر المصادر‬
‫التاريخية وكتب التراجم أن أبا عمرو الساللجي ألف تأليفا أو ترك إنتاجا فكريا‬
‫أو علميا‪ ،‬اللهم إال ما أجمع الباحثون على نسبته إليه وهو‪« :‬العقيدة البرهانية»‬
‫وبعض أشعار منها شعره في أهل فاس‪:‬‬
‫ولو شربتم مداد الكتب بالصحـف‬ ‫»خــذوا ضماني أال تفلحوا أبـدا‬
‫(‪)1‬‬
‫بالصدف«‬ ‫أنتم صغار كبار عند أنفسكم‬

‫وعلى هذا يكون المؤلف المهم واألساس للساللجي الذي لم يختلف في نسبته‬
‫إليه اثنان هو «العقيدة البرهانية» مختصره في العقيدة(‪ .)2‬وهو »من حيث الحجم‬
‫أشبـه بـ"مقدمة ابن أجروم" في النحو‪ .‬ومن الغريب أن تقوم شهرة الرجلين على‬
‫مؤلـف بهـذه المثابـة من الصغر‪ ،‬ولكن العبرة بالكيف ال بالكم وبالنوع ال‬
‫بالعدد«‪ ،‬كما يقول عبد هللا كنون(‪.)3‬‬

‫إن هذه العقيدة المختصـرة فعلت في الفكر العقدي المغربي ما لم تفعله‬


‫المؤلفات الضخمة‪ ،‬وأثرت فيه بما لم تؤثره الكتب المطولة‪ ،‬فقد كان لحجمها‬
‫الصغير ودقة عباراتها‪ ،‬دور فعال في إقبال المغاربة عليها بكل أصنافهم وفئاتهم‬
‫وأعمارهم وتخصصاتهم‪ .‬فالتفوا حولها وقاموا بحفظها وتعلمها وشرحها كل‬
‫حسب طاقته وإمكانياته‪.‬‬

‫(?) ابن القاضي ‪ -‬الجذوة‪.2/458 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر تحقيق نص البرهانية في الملحق‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) كنون ‪ -‬عثمان الساللجي‪.27 - 26 :‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫‪ -1‬أسباب تأليف "البرهانية"ومصادرها‪:‬‬

‫‪ -1-1‬أسباب التأليف‪:‬‬

‫إن األسباب الخاصة المباشرة التي دفعت أبا عمرو لتأليف «برهانيته» كانت‬
‫متعلقة بخيرونة تلميذته؛ هذه المرأة األندلسية الزاهدة التي تعاطت للعلم‬
‫والدراسة‪ ،‬وأرادت أن تتعلم من أمور الكالم ما يجعل عقيدتها في مأمن من‬
‫االنحراف والزيغ‪ ،‬فرغبت إلى الساللجي ـ شيخ الفاسيين في علم االعتقادات ـ أن‬
‫يكتب لها عقيدة مختصـرة وافية بمطلوبها‪ .‬فكتب لها الساللجي «عقيدة» مرة‬
‫بعد مرة‪ ،‬ولكن هذه العقيدة ما لبثت أن اكتملت‪ ،‬وظهر تميزها وإحكام تأليفها‬
‫فانتشـرت بين الناس وذاع صيتها فسميت «بالبرهانية»‪ .‬يقول ابن مؤمن‪« :‬كان‬
‫بمدينة فاس امرأة تسمى خيرونة‪ ،‬وكانت من الصالحات القانتات الزاهدات‬
‫الغافالت المؤمنات‪ ،‬وكـانت تعظمـه [ـ أي أبا عمروـ] وتوقره وتلزم مجلسه‪،‬‬
‫فرغبت إليه أن يكتب لها في لوحها شيئا تقرأه على ما يلزمها من العقيدة‪ .‬فكان‬
‫يكتب لها في لوحها فصال متى كلفته ذلك‪ ،‬فكانت تحفظه‪ ،‬فإذا حفظته ومحته‬
‫كتب لها لوحا ثانيا‪ ،‬فكان ذلك دأبها حتى كملت عقيدة وكتبتها وكتبت عنها ولقبت‬
‫بـ «البرهانية» وصارت بأيدي الناس كثيرا»(‪.)1‬‬

‫فلما وصلت هذه العقيدة إلى يد أبي الحسن ابن مؤمن ـ تلميذ الساللجي وراوية‬
‫أخباره ـ جاء إلى أبي عمرو يستشيره في وضع مقدمة لها وترتيبها في فصول‬
‫لتأخذ شكل تأليف‪ .‬فلما سأل الساللجي في ذلك رفض الشيخ هذا االقتراح‬

‫(?) ابن مؤمن ‪ -‬بغية الراغب‪ ،‬عن المديوني ‪ -‬الشرح‪ ،61 -60 :‬وانظر في هذا المعنى‪ :‬ابن‬ ‫‪1‬‬

‫األحمر وغيره ‪ -‬بيوتات فاس‪ 45 :‬وابن القاضي ‪ -‬الجذوة‪ 2/458 :‬والكتاني ‪ -‬السلوة‪،2/183 :‬‬
‫والتعارجي ‪ -‬األعالم‪ 9/6 :‬والزركلي ‪ -‬األعالم‪.5/209 :‬‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫واعترض عليه بشدة مخافة السمعة والرياء‪ .‬يحكي ابن مؤمن عن هذا الخبر‬
‫فيقول‪» :‬فأخذتها [أي "البرهانية"] وقام بفكري أن أرتبها فصوال وأعمل لها‬
‫شبه الخطبة‪ ،‬ثم شاورته في ذلك فمنع منه وقال لي‪ :‬لم أتعرض فيها أن تكون‬
‫تأليفا تكتب وتنتشر‪ ،‬وإنما كتبتها لخيرونة على وجهٍ‪ ،‬فشاء هللا أن تشيع فاتركها‬
‫كما هي وال تزد فيها شيئا فتخرج عما قصد بها‪[ .‬قال أبو الحسن‪ ]:‬فتركتها كما‬
‫هي«(‪.)1‬‬

‫إن هذه الرواية توضح بجالء أن األسباب العامة التي دفعت أبا عمرو إلى‬
‫تأليف «العقيدة البرهانية» ترتبط ارتباطا وثيقا بالدور اإلصالحي التعليمي الذي‬
‫تفرغ له بعد رجوعه إلى فاس‪ ،‬فهو لم يقصد بهذا العمل أن يصبح تأليفا يفتخر به‬
‫ويستعلى به على الناس‪ ،‬وإنما أراد أن يساهم به فقط في مساعدة طلبته على‬
‫تحصيل العلم األشعري وعلى ترسيخ العقيدة في أذهانهم‪.‬‬

‫‪ -1-2‬مصادر البرهانية‪:‬‬

‫ذكر ابن رشيد السبتي (ت‪721.‬هـ‪1321/‬م) أن «"العقيدة البرهانية"‬


‫المشهورة بالساللقية‪[...‬هي] على صغر جرمها مختصر "اإلرشاد"»(‪ .)2‬وقد‬
‫تكررت هذه القولة عند غيره في مناسبات كثيرة‪ ،‬حتى لقد شاع أن «البرهانية»‬
‫عمل مركز هدف به الساللجي تلخيص مسائل كتاب «اإلرشاد» للجويني‬
‫وعرض آرائه في قضايا العقيدة األشعرية‪.‬‬

‫وهذا الكالم في اعتقادي له من الصحة الشيء الكثير‪ ،‬فال أملك إال تأييد رأي‬
‫عدد غير قليل من الباحثين الذين أعلنوا أن «البرهانية» مختصـر «اإلرشاد»‪.‬‬

‫(?) ابن مؤمن ‪ -‬بغية الراغب‪ ،‬انظر المديوني ‪ -‬الشرح‪.61 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ابن رشيد ‪ -‬ملء العيبة‪.2/226 :‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫وبذلك يكون هذا المؤلف هو المصدر األساسي ـ إن لم يكن األوحد ـ الذي اعتمده‬
‫أبو عمرو في وضعه لـ«البرهانية»‪.‬‬

‫كان أبو عمرو الساللجي رجال ناقدا وصاحب فكر ال يقنع إال باألدلة‬
‫والبرهان‪ ،‬فكان كتاب «اإلرشاد» ـ بالنسبة ألسلوبه العقلي ـ شفاء لفضوله‬
‫وإقناعا لعقله الباحث عن أدلة إثبات العقائد‪ .‬فقد اطمأن الساللجي إلى صحة‬
‫وفاعلية هذا الكتاب في إثبات القضايا الكالمية ألنه يعتمد المنهج العقلي ويسلك‬
‫السبيل المنطقي‪ ،‬فلذلك رفض أن يتراجع عن األخذ به وسلوك منهجه‪ .‬كيف ال‬
‫والجويني يقول في مطلع هذا الكتاب‪« :‬لما رأيت أدلة التوحيد عصما للتسديد‬
‫ورباطا ألسباب التأييد‪ ،‬وألفينا الكتب المبسوطة على القواطع الساطعة والبراهين‬
‫الصادعة ال تنهض لدركها همة أهل الزمان‪ ،‬وصادفنا المعتقدات عرية عن‬
‫قواطع البرهان‪ ،‬رأينا أن نسلك مسلكا يشتمل على األدلة القطعية‪ ،‬والقضايا‬
‫العقلية متعليا عن رتب المعتقدات منحطا عن جلة المصنفات»(‪ ،)1‬فلعل هذا‬
‫النص كان كافيا لكي يقبل الساللجي عن «اإلرشاد» ويعتنق آراءه ومواقفه‪.‬‬

‫‪ -2‬التسمية‪:‬‬

‫أما عن تسميتها فمعلوم أن «العقيدة» مشتقة من "العقد" وهو الربط والشد‬


‫واإلحكام‪ ،‬وهي فعيلة بمعنى مفعولة أي معقود على ما دلت عليه مما يجب هلل‬
‫تعالى وما يجوز ويستحيل(‪.)2‬‬

‫وأما نسبتها إلى «البرهان» قال أبو الحسن الطنجي ـ أحد شراحها ـ‪« :‬لم‬
‫ينسبها أبو عمرو [واألصح أنها لم تنسب] إلى الدليل ألن البرهان موضوع‬

‫(?) الجويني ‪ -‬اإلرشاد‪.23 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) اليفرني ‪ -‬المباحث العقلية‪.1/331 :‬‬ ‫‪2‬‬


‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫للقطع واليقين بخالف الدليل فإن االصطالح يختلف فيه‪ ،‬فتارة يطلق على ما أفاد‬
‫الظن وتارة يطلق على ما أفاد القطع‪ .‬واعلم أن "البرهان" في اللغة هو "الحجة‬
‫الواضحة الوثيقة"‪ .‬يقال‪ :‬برهن على كذا إذا أقام عليه حجة واضحة‪ ،‬ثم نقل في‬
‫االصطالح إلى "ما يفيد اليقين بذاته"‪ .‬ولهذا قال أهل االصطالح‪ :‬البرهان هو ما‬
‫أفاد إفادة ال تتصور بغيره‪ ،‬وإنما كانت كذلك ألن مقدمته ال تكون إال ضرورية‬
‫كقولنا‪ :‬الكل أعظم من الجزء‪ ،‬واألشياء المتساوية لشـيء واحد متساوية‪ .‬وإذا‬
‫كانت المقدمات يقينية ضرورية فالنتيجة كذلك ألن الزم الحق حق»(‪ .)1‬فهل طبق‬
‫الساللجي في برهانيته قواعد البرهان هاته؟‬

‫‪ -3‬تأثير العقيدة على الفكر األشعري بالمغرب‪:‬‬

‫لقد كان لوجازة «العقيدة البرهانية» وحسن اختزالها والتفاقها مع االتجاه‬


‫العقدي الرسمي للمغاربة‪ ،‬بالغ األثر في سرعة انتشارها باألوساط الخاصة‬
‫والعامة بالمغرب‪ .‬مما دعا غير واحد من المتخصصين في أمور العقيدة إلى‬
‫العناية الخاصة بها حفظا ودرسا وشرحا‪ ،‬سواء في عهد الدولة الموحدية أو في‬
‫العصور التي جاءت بعدها‪.‬‬

‫وإذا كانت «مرشدة» المهدي قد ضمن لها االنتشار بفضل رعاية السلطان‬
‫حيث كان ابن تومرت نفسه يعلمها الناس ويأمر بحفظها‪ ،‬كمـا أن عبد المؤمـن‬
‫أخـذ عامـة الناس بحفظها وفهمها ونشـرها وسعى إلى تحقيـق ذلك بالترغيب‬
‫والترهيب‪ .‬يقول ابن خلدون عن المهدي‪« :‬فنزل على قومه وذلك سنة خمس‬
‫عشـرة وخمسمائة وبنى رابطة للعبادة‪ ،‬فاجتمعت إليه الطلبة والقبائل يعلمهم‬

‫(?) المصدر السابق ‪ -‬ن ص‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫"المرشدة"»(‪ ،)1‬ويقول البيدق عن عبد المؤمن بأنه أصدر مرسوما «يلزم العامة‬
‫ومن في الديار بقراءة العقيدة التي أولها‪" :‬اعلم أرشدنا هللا وإياك"‬
‫وحفظها‪.)2(»...‬‬

‫إنه إذا كانت «المرشدة» التومرتية قد نالت هذه الحظوة السلطانية‬


‫والسلطوية‪ ،‬باعتبار أن الجانب العقدي شكل ركنا أساسيا في دعوة الموحدين؛‬
‫فإن «برهانية» الساللجي لقيت قبوال تلقائيا من طرف المغاربة‪ ،‬لكونها ـ على‬
‫وجازتها واختزالها ـ تعطي تصورا عاما ودقيقا عن أصول وأركان العقيدة‪،‬‬
‫بحيث يخرج قارئها بنظرة وافية عما يجب أن يعتقده في حق هللا وصفاته ورسله‬
‫واألخبار الغيبية المرتبطة بالرسالة‪ ،‬كما يخرج بموقف واضح من موضوع‬
‫الإمامة وشروطها‪..‬‬

‫إن عدد شروح «البرهانية» يربو على أربعة عشـر شرحا‪ ،‬كما أن فترات‬
‫االهتمام بهذا المصنف العقدي امتدت من عصر المؤلف (القرن السادس‬
‫الهجري) إلى حدود القرن الحادي عشر والثاني عشر الهجريين‪ ،‬مما يؤكد أن‬
‫تأثير «البرهانية الساللجية» على فكر المغاربة كان كبيرا‪ ،‬فلوال أنها كانت تلقى‬
‫قبوال واستحسانا لدى الخاصة والعامة لما حصل لها هذا الرواج‪ ،‬ولما امتد‬
‫االهتمام بها إلى المغرب األوسط واألدنى وإلى األندلس بل وإلى أعماق السودان‬
‫ـ كما سنعرف بعد قليل ـ‪.‬‬

‫فلم يخل قرن من القرون التي تلت وفاة الساللجي من تأليف يرتبط بالعقيدة‬
‫«البرهانية » شرحا لها أو اختصارا لشرح أو نظما لمسائلها‪ .‬مما يجعلنا نعلن‬
‫(?) ابن خلدون ‪ -‬العبر‪.228-6/227 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر هذه النصوص وغيرها عند النجار ‪ -‬المهدي‪ 450 :‬وغيرها‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫بكل اطمئنان أن تأثير هذه العقيدة على الفكر الكالمي بالمغرب كان يفوق تأثير‬
‫"مرشدة" المهدي وآرائه‪.‬‬

‫إننا من خالل بحثنا في أمهات كتب التراجم والسير والتاريخ‪ ،‬ومن خالل ما‬
‫حصلنا عليه من نسخ لشـروح «البرهانية» المخطوطة‪ ،‬توضح لدينا أن‬
‫«البرهانية» كانت تشكل محورا للدراسة ومنطلقا ألبحاث العقيدة في كل القرون‬
‫والمراكز الدراسية بالمغرب والشمال اإلفريقي منذ عصـر الساللجي‪ .‬فقد كانت‬
‫دراسة هذه العقيدة رائجة في المغرب بعد وفاة الساللجي بواسطة تالميذه‬
‫وتالميذهم الذين نقلوا رواياتها وتناولها بعضهم بالشـرح مثل ابن الكتاني (ت‪.‬‬
‫‪596‬هـ‪1199/‬م) والرعيني (ت‪598.‬هـ‪1201 /‬م) وابن الزق (ت‪ .‬بعد‪612 :‬هـ‪/‬‬
‫‪1215‬م)‪ ،‬وقد كان القرن السادس الهجري قرن الدعاية لهذا المختصر وفترة‬
‫إلشاعة رواياته ونسخه في األوساط الطالبية والعلمية بالمغرب وخارجه‪ .‬لذلك‬
‫بادر رجال القرن السابع باحتضان آراء الساللجي بجدية وتعرضوا لشـرحها‬
‫وتفصيلها على رأسهم الخفاف والمجهول (المنسوب شرحه للمقترح) (ق ‪7‬هـ‪/‬‬
‫‪13‬م) وابن بزيزة (ت‪673.‬هـ‪1274/‬م)‪...‬‬

‫وفي القرن الثامن أصبحت الريادة العقدية في بالد المغرب كله للعقيدة‬
‫الساللجية فها هو اليفرني (ت‪734.‬هـ‪1333/‬م) يعلن أن الحوافز التي دفعته إلى‬
‫وضع شرحه على «البرهانية» تمثلت في حاجة الناس إلى هذه العقيدة التي عم‬
‫االهتمام بها لدى كل الدارسين وطلبة العلم‪ .‬يقول‪« :‬إني لما رأيت أهل زماننا‬
‫مشتغلين بـ«العقيدة البرهانية» تأليف الشيخ أبي عمـرو الساللجي ـ ‘ ـ عزمت ـ‬
‫مستعينا باهلل تعالى ـ أن أضع عليها شرحا ليكون ذلك تهذيبا للمبتدئ وتقريبا‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫للمنتهي من مشقة مطالعة الدواويـن»(‪ .)1‬وبـالفعـل فقد كـانت «البـرهانيـة»‬


‫ويشـرف على تدريسها‬
‫تـدرَّس خالل هـذا القرن في كراسي خاصة بالقرويين ُ‬
‫كبار علمـاء تلك الفترة‪ ،‬يذكـر صاحب «نيل االبتهاج» من بينهم الخطيب أبا‬
‫حجاج يوسف األنفاسي(‪( )2‬ت‪761.‬هـ‪1360/‬م)‪ ،‬والفقيه القاضي أبا عبد هللا‬
‫محمد بن علي المليلي (ت‪734.‬هـ‪1333/‬م)(‪ )3‬وغيرهما‪.‬‬

‫وقد ازداد اهتمام المغاربة بهذه العقيدة في القرن التاسع إذ نجد اإلمام المالكي‬
‫الكبير أبا الحسن القلصادي (ت‪891.‬هـ‪1486/‬م)(‪ )4‬يذكر «الساللجية» مفتخرا‬
‫بأنها من المؤلفات التي تخرج بها على شيخه أبي عبد هللا محمد بن أحمد النجار‬
‫التلمساني (ت‪846.‬هـ‪1442/‬م)(‪ .)5‬وفي هذا القرن نفسه قام العالمة الجزائري‬
‫أبو عثمان العقباني (ت‪811.‬هـ‪1408/‬م)(‪ )6‬بوضع شرح على هـذه العقيـدة‪.‬‬
‫ومكانـة العقباني في علم الكالم والمنطق مما ال تخفي فهـو صاحب «شـرح‬

‫(?) اليفرني ‪ -‬المباحث‪.1/178 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أحد علماء القرويين وخطيبها‪ .‬كان من فقهـاء المالكية‪ .‬لـه "تقييـد علـى رسالة ابن أبي زيد"‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر ترجمته عند ابن القاضي ‪ -‬الجذوة‪ ،2/551 :‬والتنبكتي ‪ -‬نيل االبتهاج‪ 627 :‬والزركلي ‪-‬‬
‫األعالم‪.8/244 :‬‬
‫(?) من فقهاء فاس كان قاضيا في عهد المرينيين‪ .‬انظر عنه‪ :‬ابن القاضي‪ :‬الجذوة‪.1/227 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫ولقط الفرائد له أيضا‪.188:‬‬


‫(?) فقيه من المالكية وهو آخر من له التآليف الكثيرة من أهل األندلس‪ ،‬مات بباجة التونسية‪ .‬من‬ ‫‪4‬‬

‫مؤلفاته العقدية والمنطقية‪" :‬هداية األنام في مختصر قواعد اإلسالم" و"شرح ايساغوجي"‪ .‬انظر‬
‫عنه‪ :‬ابن مريم ‪ -‬البستان ‪ ،141‬والزركلي ‪ -‬األعالم‪.5/10 :‬‬
‫(?) كان عالما من علماء الكالم الكبار‪ .‬انظر ترجمته مثال عند‪ :‬ابن مريم ‪ -‬البستان‪221 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫والتنبكتي ‪ -‬نيل االبتهاج‪.525 :‬‬


‫(?) من الشراح الذين شرحوا البرهانية‪ .‬انظر ترجمته في مبحث الشراح (رقم‪.)8-4 :‬‬ ‫‪6‬‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫الخونـجي» و«التلخيـص البن البناء» وغيرهما‪ .‬إن هذه المؤثرات الكثيرة‬


‫تعكس المدى الذي بلغته «العقيدة البرهانية» واالنتشار الذي عرفته‪.‬‬

‫إن ما يؤكد سيطرة «العقيدة البرهانية» على الساحة الكالمية في المغرب‬


‫خالل هذا القرن‪ ،‬ويثبت أنها عمت كل ربوعه وتغلغلت عند المغاربة في كل‬
‫األنحاء‪ ،‬أن نجد أحد علماء سوس وهو عبد الرحمن السماللي(‪( )1‬ت‪9.‬هـ‪15/‬م)‬
‫يشارك بإصدار تأليف يشرح فيه مسائلها‪ .‬وبفضل هذا العالم وغيره عم اهتمام‬
‫أهل سوس بدراسة «البرهانية» وأصبح من الالزم على الطالب أن يطلع على‬
‫نصها ويدرسه إن هو أراد التخرج في علم الكالم‪.‬‬

‫كما يؤكد هذه األهمية أن أبا عبد هللا محمد بن يـوسف السنـوسي الحسني‬
‫التلمسـاني‬

‫(ت‪895.‬هـ‪1492/‬م) نفسه ـ رائد الفكر األشعـري في القـرن التـاسـع الهجري‬


‫وما بعده ـ جعل هذه «البرهانية» بين أهم مصادره واعتمد على آرائها ـ مثال ـ‬
‫في الرد على المغيلي (ت‪820.‬هـ‪1417/‬م)(‪ )2‬في بعض مواضيع العقيدة(‪.)3‬‬

‫وفي القرن العاشر يستمر نجم «البرهانية» في صعود‪ ،‬وتصبح دراستهـا‬


‫أمرا إلزاميا في المؤسسات والمساجد التعليمية‪ .‬فقد أثبت أبو العباس المنجور‬
‫(ت‪955.‬هـ‪1587 /‬م) الذي كان «آيـة من آيات هللا ـ تعـالى ـ فـي المعقول‪:‬‬

‫(?) من شراح البرهانية انظر ترجمته معهم (رقم‪.)6-3 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) من العلماء الصالحين بالمغرب‪ ،‬كانت له رحالت ومناقشات علمية‪ .‬انظر ابن القاضي ‪ -‬لقط‬ ‫‪2‬‬

‫الفرائد‪ 241 :‬و أحمد حمدان مقدمة تحقيق المراجعات‪ :‬رسالة جوابية من السنوسي إلى المغيلي‬
‫في «علم هللا بالجزئيات»‪ .‬تح‪ :‬أحمد العلمي حمدان ‪ -‬مجلة كلية اآلداب بفاس‪ ،‬ص‪.203 :‬‬
‫(?) انظرها ضمن المراجعات‪ :‬في الرسالة الجوابية السابقة‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫وأعرف أهل زمانه بالبيان والمنطق واألصـول»(‪ ،)1‬أنـه درس على شيخـه عبـد‬
‫العزيـز اللمطي(‪ )2‬نص هذه العقيدة وسمع شرحها منه قـال‪« :‬الزمت هذا الشيخ‬
‫نحـو إحـدى عشـرة سنة فـي أكثر دروسه التي يلقيها للطلبـة كفـرعي ابن‬
‫الحاجب‪...‬وقـرأت عليـه بلفظي أيضا قراءة تفهم جمع الجوامع للسبكي‪ :‬وبقـراءة‬
‫غيـري‪" :‬بـرهانيـة الساللجي"‪.)3(»...‬‬

‫ثم نجد المنجور يثبت أهمية دراسة «البرهانية» في تلك الفترة فيذكر في‬
‫ترجمته لشيخه علي بن موسى المطغري (ت‪951.‬هـ ‪1544/‬م) (‪ )4‬أن اإلمام‬
‫الذائع الصيت أبا عبدهللا محمد بن غازي (ت‪919.‬هـ‪1503/‬م)(‪ )5‬تولى بنفسه‬
‫تدريس هذه العقيدة بمدينة فاس بعد انتقاله إليها من مكناسة‪ .‬وكان علي بن‬
‫موسى المطغري أحد الطلبة الذين حضروا مجالس تدرسيه لها‪ .‬كما ينقل‬
‫المنجور من ثبت ابن هارون المطغري أن «البرهانية» كانت من المؤلفات التي‬
‫أجاز ابن غازي لتلميذه ابن هارون‪ .‬قال متحدثا عن المؤلفات التي أجازه شيخه‪:‬‬

‫(?) الكتاني ‪ -‬السلوة‪ 1/180 :‬و ابن القاضي ‪ -‬درة الحجال‪.1/84 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) عبد العزيز اللمطي أبو فارس فقيه متفنن كان جامعا بالعلوم والفنون وسكن بالمدينة‪ ،‬حيث‬ ‫‪2‬‬

‫حج إليها ثالثين حجة‪ ،‬وبها كانت وفاته‪ ،‬انظر‪ :‬المنجور‪ :‬الفهرس‪.35 :‬‬
‫(?) المنجور ‪ -‬الفهرس‪ .‬تح‪ :‬محمد حجي‪ ،‬ص‪.35 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) التلمساني أبو الحسن‪ ،‬الفرضي‪ ،‬الخطيب المفتي‪ ،‬والمدرس بفاس‪ .‬انظر عنه‪ :‬التنبكتي ‪ -‬نيل‬ ‫‪4‬‬

‫االبتهاج‪ ،345 :‬وابن عسكر ‪ -‬الدوحة‪.51 :‬‬


‫(?) محمد بن أحمد بن غازي العثماني المكناسي أبو عبد هللا‪ ،‬مؤرخ‪ ،‬حاسب فقيه‪ .‬استقر بفاس‬ ‫‪5‬‬

‫وعمل بها‪ .‬من مؤلفاته‪" :‬غنية الطالب في منية الحساب"‪ .‬انظر‪ :‬ابن القاضي ‪ -‬لقط الفرائد‪:‬‬
‫‪.284‬‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫«ومن أصول الدين «البرهانية» ألبي عمرو الساللجي‪ .‬ختمتان بمسجد شوارة‬
‫من البليدة مقدمه من مكناسة‪.)1(»...‬‬

‫وخالل هذا القرن أيضا يتم شرح «البرهانية» من طرف أعالم كبار‬
‫كـالجزولي والجدميوي وغيرهما‪ .‬كما أن «البرهانية» وصلت في هذه الفترة‬
‫إلى أقاصي البالد اإلسالمية حتى صارت تدرس ـ ال في تلمسان وتونس وبجاية‬
‫فحسب ـ بل وحتى في أماكن نائية بعيدة مثل السودان وغيره‪.‬‬

‫فقد أخبرنا أحمد بابا التنبكتي (ت‪1032.‬هـ‪1622/‬م) أن «البرهانية» كانت‬


‫تدرس في "تنبكتو" ـ عاصمة السودان وقتئذ ـ وكان محمود بن عمر بن محمد‬
‫أقيت (ت‪955.‬هـ‪1548/‬م) قاضي "تنبكتو" يقوم بتلقين مبادئها للطلبة بذلك البلد‬
‫فانتفع به وبها «بشر كثير وأحيى العلم بتلك البالد‪ ،‬واستقر هناك‪ ،‬وكثر طلبته‪،‬‬
‫ونجب منهم جماعة كثيرة‪.)2(»...‬‬

‫صارت «العقيدة البرهانية» إذن المصدر األساس واألول الذي ينهل منه‬
‫طلبة العلم والباحثون في علم الكالم األشعري وقتئذ‪ ،‬فيخبرنا ابن غازي أن‬
‫«عقائد [الساللجي] هي التي كانت تدرس قبل ظهور الشيخ السنوسي»(‪ ،)3‬ولم‬
‫يعد تدريس ودراسة هذه العقيدة عمال علميا فقط‪ ،‬بـل أصبـح تدريسـها ودراستهـا‬
‫ـ عند بعضهم ـ أمرا عباديا ارتقى األمر فيه مؤخرا إلى درجة تحبيس المحسنين‬

‫(?) المنجور‪ :‬الفهرس‪.42 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) التنبكتي ‪ -‬نيل االبتهاج‪.607 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ابن غازي ‪ -‬بغية الطالب‪ :‬كراسة‪ .16/7 :‬وال يعني هذا أن دراستها توقفت مع السنوسي‬ ‫‪3‬‬

‫نهائيا‪ ،‬كال إذ الثابت أنها بقيت معتمدة في زمان السنوسي وبعده كما يؤكد على ذلك المنظومة‬
‫الهبطية التي سنتحدث عنها الحقا ونلحقها بالبرهانية في هذا الكتاب‪.‬‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫أموالهم عليها‪ ،‬فأوقفت األوقاف الخيرية الكثيرة من أجل ضمان دراستها‬


‫وشيوعها‪ .‬يقول محمد بن الطيب القادري(ت‪1187.‬هـ‪1773/‬م) نقال عن مقيد‬
‫كتاب «صالحي فاس البن عيشون»‪« :‬وكان للناس إقبال على تواليفه [=‬
‫الساللجي] في العقائد وعلى تدريس «عقيدته» بأوقاف بفاس لشدة االعتناء بها‬
‫إلى أن ظهرت تواليف الشيخ السنوسي فأقبل الناس عليها»(‪ .)1‬ويقول كنون‪« :‬إن‬
‫الناس اعتنوا بها كثيرا وأنها [أي «البرهانية»] أخذت دورا كبيرا بين أمهات‬
‫العقائد‪ ،‬فشُرحت بعدة شروح ورُويت بروايات مختلفة فضال عن اعتمادها في‬
‫الدراسة غير قليل من الزمن»(‪.)2‬‬

‫فها نحن نرى كيف استطاع هذا المؤلف العقدي المختصـر الذي وضعه‬
‫الساللجي "لخيرونة" أن يخترق اآلفاق ويصل إلى أقاصي البالد اإلسالمية ـ‬
‫حتى وجدت له نسخ بتركيا وآسيا ـ(‪ )3‬ووقفت عليه األوقاف واألحباس واعتنى‬
‫الناس به عناية بالغة‪ ...‬والواقع أن «البرهانية» لم تنل هذه الحظوة والمرتبة ولم‬
‫لدَّقة العمل الذي سلكه فيها‬
‫تحرز هذا السبق بين مؤلفات العقيدة بالمغرب إال ِ‬
‫مؤلفها من جهة‪ ،‬ثم من جهة أخرى بفضل موافقتها للخط العام الذي صارت‬
‫عليه عقيدة المغاربة منذ عصـر الساللجي واتفاقها مع توجُّههم األشعري‪ .‬فقد‬
‫كان المغاربة متشبثين بالفكر األشعري مهتمين بآرائه ألنهم ـ اعتقدوا ـ أنه يعكس‬
‫مذهب أهل السنة والجماعة‪ ،‬ولم يكن هذا األمر مقتصرا على مغرب البالد‬
‫اإلسالمية فقط بل إن العقيدة األشعريـة كانت صاحبة القول الفصل في جل بقاع‬

‫(?) القادري ‪ -‬اإلكليل والتاج‪.178 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) كنون ‪ -‬الساللجي‪.28 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر بدوي ‪ -‬مذاهب اإلسالميين‪.1/691 :‬‬ ‫‪3‬‬


‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫العالم اإلسالمي‪ .‬فال عجب أن يلقى مؤلف الساللجي المذكور هذا االهتمام‬
‫المتزايد وتلك الحفاوة البالغة التي تُرجمت إلى دراسات وشروح واختصارات‬
‫أثبتت أهمية وقيمة «العقيدة البرهانية» وركزت مبادئها في نفوس المغاربة‬
‫األشاعرة‪.‬‬

‫لهذا ومن أجل إتمام عملنا التوثيقي‪ ،‬وتأكيدا لما سبق أن أبرزناه من تميز‬
‫«العقيدة البرهانية»‪ ،‬وإجالء لقيمتها ولمدى تأثيرها في الفكر الكالمي المغربي‬
‫يلزم أن نقف وقفة خاصة عند شروحها المتعددة‪ ،‬حيث سنعمل على التعريف‬
‫بمؤلفيها ومخطوطاتها‪.‬‬

‫‪ -4‬شروح البرهانية‪:‬‬

‫‪ -4-1‬شرح أبي عبد هللا ابن الكتاني (ت‪596.‬هـ‪1199 /‬م)‪:‬‬

‫تقدم التعريف بابن الكتاني والمهم هنا أن نعلم أن مرتبته العلمية سمحت له‬
‫بأن يقوم بتأليف مجموعة من األعمال الهادفة إلى تنوير العقلية المغربية في‬
‫مجال الكالم وغيره‪ ،‬فألف «رجزا في أصول الفقه»‪ ،‬وكتابا في «تراجم‬
‫الصوفية»(‪ ،)1‬لكن أهم أعماله وأكثرها تأثيرا في المغاربة هو «شرحه للعقيدة‬
‫البرهانية»(‪ ،)2‬هذا الشـرح الذي استفاد منه جل الدارسين لفكر وعقيدة أبي عمرو‬
‫الساللجي فيما بعد‪.‬‬

‫(?) سبقت اإلشارة إلى كتاب "المستفاد في ذكر الصالحين والعباد بمدينة فاس وما يليها من‬ ‫‪1‬‬

‫البالد" انظر التحقيق الذي قام به أحمد التوفيق في مقدمة التشوف في شأن مؤلفه‪ ،‬ص‪ 15 :‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬
‫(?) ستكون لنا عودة للحديث بتوسع عن هذا الشرح في الفصل الالحق عند حديثنا عن‬ ‫‪2‬‬

‫"البرهانية" وتأثيرها وشروحها‪.‬‬


‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫إن أهم ما يمكن تسجيله عن هذا الشرح أنه رغم ثبوت نسبته إلى ابن الكتاني‬
‫إال أنه مفقود لم نستطع الحصول على نسخته‪ .‬ولكنني مع ذلك استطعت أن أجمع‬
‫عددا مهما من نصوصه استخرجتها من الشروح المتأخرة التي نقلت عنه كثيرا‪.‬‬
‫فتيسـر لي بذلك أخذ نظرة عن مجهود ومستوى ابن الكتاني في ذلك الشرح‪.‬‬
‫‪ -4-2‬شرح الرعيني (ت‪598.‬هـ‪1201/‬م)‪:‬‬
‫لقد ورد في «رسالة مخطوطة لعبد هللا الهبطي (ت‪936.‬هـ‪1556/‬م) في‬
‫األحوال» إشارة إلى شرح للساللجي منسوب إلى رجل يدعى الرعيني‪ ،‬يقول‬
‫الهبطي في هذه الرسالة‪« :‬قال اإلمام الرعيني أيضا ـ ÷ ـ في "شرح البرهانية"‪:‬‬
‫وقد اختلف الناس في األحوال فذهب أكثر األشعرية وبعض المعتزلة إلى نفيها‪،‬‬
‫وذهب أكثر المعتزلة وجماعة من أهل السنة إلى ثبوتها كأبي المعالي‬
‫وغيره‪.)1(»...‬‬
‫كما ورد عند أبي مهدي عيسى السكتاني (ت‪1062.‬هـ‪1652/‬م) في‬
‫«حاشيته على "أم البراهين"» ما أثبت وجود هذا الشرح المفقود حاليا(‪ .)2‬فتأكد‬
‫لدي جزما أن هناك «شرحا للبرهانية» من وضع الرعيني بدليل اعتماد ونقل‬
‫مقتطفات ونصوصا منه من طرف الهبطي والسكتاني اللذين اطلعا عليه‪ .‬ولكن‬
‫من يكون هذا الرعيني؟‬
‫والراجح عندي أن هذا الشارح هو محمد بن عبد الرحمن الرعيني السرقسطي‬
‫(ت‪598.‬هـ‪1201/‬م) الذي «كان فقيها متحققا بعلم الكالم متقدما فيه يناظر عليه‬

‫(?) عبد الله الهبطي ‪ -‬رسالة في األحوال‪ .‬نسخة مخطوطة بالمكتبة الخاصة لمحمد ناجي بالرباط‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫صحيفة‪.15 :‬‬
‫(?) السكتاني ‪ -‬حاشية على شرح العقيدة الصغرى للسنوسي ‪ -‬مخطوطة محمد احنانا الخاصة‬ ‫‪2‬‬

‫بتطوان (ضمن مجموعة من ص‪ 1 :‬إلى ص‪ )208 :‬صحيفة‪.118 :‬‬


‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫في "اإلرشاد" ألبي المعالي وغيره»(‪ ،)1‬والذي ولي قضاء معدن عوام بمقربة من‬
‫فاس»(‪.)2‬‬
‫‪ -4-3‬الشرح المنسوب للمقترح (ت‪612.‬هـ‪1213/‬م)‬
‫أبو العز المقترح هو مظفر بن عبد الله بن علي بن الحسين‪ ،‬ويعرف‬
‫بـ«المقتََرح» وهو اللقب الذي اشتهر به وصار يعرف به‪ ،‬نسبة إلى كتاب‪:‬‬
‫«المقترح في المصطلح» للبروي؛ ألنه كان يحفظه وقد شرحه شرحا نفيسا‪،‬‬
‫ُع رف واشتهر به حتى صار يلقب بـ«التقي المقترح»‪.‬‬

‫ترجم له السبكي في «طبقات الشافعية الكبرى» قائلا‪« :‬اإلمام تقي الدين‬


‫المصـري المقترح‪...‬كان إماما في الفقه والخالف وأصول الدين نظارا على قهر‬
‫الخصوم وإزهاقهم إلى االنقطاع‪ ،‬صنف التصانيف الكثيرة وتخرج به خلٌق »(‪.)3‬‬

‫أخذ الحديث في اإلسكندرية سماعا من أبي الطاهر بن عوف‪ ،‬وسمع منه‬


‫الحافظ عبدالعظيم‪ ،‬وحدث بمكة ومصـر‪...‬ودرس على شهاب الدين الطوسي‪،‬‬
‫وأبي منصور البروي وغيرهم‪ ،‬وتلمذ له‪ :‬عبد الله الفهري المشهور بشرف الدين‬
‫التلمساني‪ ،‬وأبو يحيى زكرياء بن يحيى اإلدريسي‪ ،‬وأبو محمد زكي الدين‬
‫المنذري وغيرهم(‪ .)4‬تولى التدريس بالمدرسة المعروفة بالسلفى باإلسكندرية مـدة‪،‬‬
‫وتوجـه إلى مكـة فأشيعت وفاتـه وأخذت المدرسة‪ ،‬فعاد ولم يتفق عوده إليها‪ .‬فأقام‬

‫(?) ابن اآلبار ‪ -‬التكملة‪.1/275 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) نفسه‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) تاج الدين السبكي‪ ،‬طبقات الشافعية الكبري‪ ،‬تح‪ :‬كمال يوسف الحوت‪ ،‬نشـر‪ :‬دار الكتب‬ ‫‪3‬‬

‫العلمية‪ ،‬بيروت‪.2/243 :1408/1987 :‬‬


‫(?) انظر ترجمة نزار حمادي له في "شرح العقيدة البرهانية والفصول اإليمانية" للمقترح‪ ،‬ط‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫دار مكتبة المعارف للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،1431/2010 :‬ص‪.19 :‬‬


‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫بجامع مصر يقرئ الناس‪ ،‬واجتمع عليه جماعة كثيرة‪ ،‬ودرس بمدرسة الشريف‬
‫ابن ثعلب وتوفي في شعبان سنة اثنتى عشرة وستمائة(‪.)1‬‬

‫ومن مؤلفاته‪« :‬شرح اإلرشاد للجويني»‪ ،‬و«األسرار العقلية في الكلمات‬


‫النبوية»‪ ،‬و«كفاية طالب علم الكالم في شرح اإلرشاد لإلمام»‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫ومن ضمن مؤلفاته التي نسبت إليه «شرحه للبرهانية» ُنشر مؤخرا ُم حققا(‪،)2‬‬
‫ورجح نزار حمادي أن تكون من آخر مؤلفاته في أصول الدين‪ ،‬استنادا إلى قول‬
‫المقترح في هذا الكتاب‪« :‬وها نحن في المائة السابعة من وقت نزوله‪ ،‬وأعداء‬
‫القرآن المكذبون من الجن واإلنس أكثر من أوليائه بأضعاف مضاعفة‪ ،‬والحرب‬
‫منصوبة‪ ،‬والقتل والقتال‪ ،‬وارتكاب األخطار واألهوال‪ ،‬وإبليس وجنوده وسائر‬
‫أتباعه يفرون ويتفرقون عند سماعه‪ ،‬قد يئسوا من معارضته‪ ،‬واستعدوا‬
‫لمحاربته»(‪.)3‬‬

‫والذي مال إليه بعض الباحثين المعتبرين ـ وظهرت لي وجاهة مالحظاتهم ـ أن‬
‫هذا الشـرح يصعب واقعيا وتاريخيا وموضوعيا وفيلولوجيا أن يكون للمقترح‬
‫بحكم قرب زمان حياته (ت‪612.‬هـ) من حياة الساللجي (ت‪574.‬هـ)‪ ،‬كما أن‬
‫مضامينه ولغته مختلفان عن «شرح اإلرشاد» الثابت نسبته إلى المقترح (وال‬
‫ننفي نسبة «شرح آخر لإلرشاد» غير شرح المقترح مذكور في هذا العمل هو من‬
‫(?) عن سيرته يمكن الرجوع أيضا إلى‪ :‬أحمد بن يوسف الفهري‪ ،‬فهرسة اللبلي‪ ،‬تح‪ :‬ياسين‬ ‫‪1‬‬

‫عياش وعواد زينة‪ ،‬ط‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،1408/1988 :‬ص‪28-27 :‬‬
‫(?) حققه الباحث المتخصص األستاذ نزار حمادي‪ ،‬حيث أعلن اعتماده في ذلك على نسخته‬ ‫‪2‬‬

‫المخطوطة الموجودة ضمن مجموع محفوظ بالمكتبة الوطنية بتونس برقم‪ 14460 :‬وأصلها من‬
‫المكتبة األحمدية تحت رقم‪ ،2121 :‬وهي قطعة وقعت في ‪ 26‬ورقة‪ .‬انظر المرجع السابق‪ ،‬ص‪:‬‬
‫‪.23‬‬
‫(?) ص‪ 19 :‬من تقديم نزار حمادي للشرح‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫صنيع المؤلف المجهول حاليا للكتاب‪ ،‬إال أننا ندعي أنه شرح آخر لمغربي وليس‬
‫لمصري أو مشرقي مصري ـ كما تدلنا على ذلك جملة من القرائن لسنا هنا بصدد‬
‫تمحيصها ـ)‪ ،‬فالثابت في نظرنا إذن أن الشرح البرهاني المنسوب إلى مظفر‬
‫المقترح هو لشارح مغربي (نسبة إلى المغرب األقصى) عاش في القرن السابع‬
‫الهجري‪ ،‬وله إلى جانب «شرح البرهانية» «شرح على اإلرشاد للجويني» ـ‬
‫وهذه كانت عادة معظم شراح البرهانية األوائل حيث إنهم كانوا يتولون الرجوع‬
‫بالشـرح إلى األصل (=اإلرشاد) عند انتهائهم من تقريب مؤلف أبي عمرو‬
‫الساللجي‪ ...‬أما هذه النسبة الواقعة في المخطوطة األصل فتحتف بها عدة‬
‫إشكاالت حال الرغبة في متابعة ناسخها الذي ربطها بقلم المقترح‪.‬‬

‫‪ -4-4‬شرح ابن الزق (ت بعد‪612 :‬هـ‪1215/‬م)‪:‬‬

‫ابن الزق هو محمد بن عبد هللا بن حسن الزرهـوني الفـاسي األصـل أبـو‬
‫القاسـم(‪ )1‬أو أبو عبد هللا بن الزق‪( .‬كان حيا سنة ‪612‬هـ‪1215/‬م) أخذ بفاس عن‬
‫جماعة‪ ،‬ثم رحل إلى األندلس طالبا للعلم‪ ،‬فأخذ عن أبي عبد هللا بن حميد وابن‬
‫حبيش وابن رشد الحفيد وغيرهم‪ .‬وكان مبرزا في النحو ذكيا متيقظا دارسا لعلوم‬
‫األوائل متقدما في علم الكالم واألصول‪ ،‬وله «تعليقات مفيدة»(‪.)2‬‬

‫وال مجال للشك في قيام ابن الزق هذا بشـرح «البرهانية» ـ رغم أن شرحه‬
‫مفقود لم أعثر عليه ـ‪ ،‬فقد نقل المديوني عنه(‪ )3‬أقواال كثيرة ونصوصا بلغت‬
‫تسعة نصوص(‪ ،)4‬كما نقل الشارح المجهول ـ الذي سيأتي الحديث عنه فيما بعد ـ‬
‫(?) انظر المجهول‪ :‬شرح البرهانية‪ 25 :‬والمديوني‪.272-226 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر‪ :‬ابن عبد الملك ‪ -‬الذيل والتكملة‪ :‬س‪.1/307 ،8 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) يؤكد ذلك كنون نفسه انظر‪ :‬عثمان الساللجي‪.27 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) المديوني ‪ -‬الشرح‪ :‬صفحات‪.403-401-358-357-343-335-272-226-178 :‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫أربعة نصوص من شـرح ابن الزق هذا أيضا‪ .‬وهذا يكفي للداللة وإلثبات نسبة‬
‫هذا الشرح لذلك الرجل‪.‬‬

‫‪ -4-5‬شرح األستاذ الخفاف (ت‪ .‬ق ‪ 7‬هـ‪13/‬م)‪:‬‬

‫أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد هللا بن أحمد األنصاري األندلسـي المعروف‬
‫بـ"الخفاف"‪ ،‬درس ببالده وانتقل إلى العدوة فاستقر بمدينة "تازة" حيث قضـى‬
‫حياته في تعليم أهلها إلى أن وافاه أجله‪.‬‬

‫إن مـمـا يثبت جاللـة علم هـذا الرجـل‪ ،‬وتمكنـه مـن علم الكـالم ما أكده‬
‫المترجم له ـ وهو المراكشـي ـ من أنه ألف شرحين مهمين‪ :‬الشـرح األول درس‬
‫في «كتاب اإلرشاد» وشرح مسائله‪ ،‬وقد سمى عمله بـ‪« :‬اقتطـاف األزهار‬
‫واستخراج نتائج األفكار لتحصيل البغية والمراد من شرح كتاب اإلرشاد»‪ .‬أمـا‬
‫الشـرح الثـاني ـ وهو الذي يهمنا هنا ـ فهو شرحه المهم والمتميز على «برهانية‬
‫الساللجي» ـ الذي لم يضع له عنوانا ـ‪.‬‬

‫إن للشرح عدة نسخ مخطوطة فـي المكـاتب الخاصة والعامة بالمغـرب‬
‫وإسبانيا اآلن‪ .‬وكل المخطوطات التي اطلعنا عليها تتفق على نسبة هذا الشـرح‬
‫ألبي بكر الخفاف‪ .‬فلهذا الشرح مخطوطة بالمكتبة العامة بالرباط(‪،)1‬‬
‫ومخطوطات أخرى بخزانة موالي يوسف بمراكش(‪ ،)2‬ونسخ بالمكتبة الخاصة‬

‫(?) سمي الشرح في هذه المخطوطة ب"إيضاح العقيدة البرهانية" ورقمه ‪.31/1‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) في ثالث نسخ أرقامها‪ 421 :‬و‪( 132‬ضمن مجموع) و‪( 281‬ضمن مجموع أيضا)‪ .‬انظـر‬ ‫‪2‬‬

‫الصديق العربي ‪ -‬فهرس المخطوطات خزانة ابن يوسف بمراكش (المختصر) نسخـة مراكش‬
‫المرقونة ‪ 1983‬ص‪.82 :‬‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫لبنيعيش في تطوان‪ .‬كما توجد له نسخة مخطوطة بمكتبة اإلسكولاير بمدريد(‪،)1‬‬


‫ولدي نسخة مصورة عن مخطوطة المكتبة الخاصة ألحمد بنيعيش‪ .‬وهي نسخة‬
‫جيدة يرجع تاريخ نسخها إلى سنة ‪1001‬هـ(‪)2‬ـ(‪.)3‬‬

‫‪ -4-6‬شرح ابن بزيزة (ت‪673.‬هـ‪1275/‬م)‪:‬‬

‫عبد العزيز بن إبراهيم بن أحمد القرشي التيمي التونسي‪ ،‬عرف بابن بزيزة‬
‫أبو محمد وأبو فارس(‪ .)4‬قال السـراج‪« :‬من السادات الذين تزينت بهم الحضـرة‬
‫التونسية‪ ..‬اإلمام العالمة المؤلف المحصل المحقق‪ ،‬نزيل تونس كان عالما‬
‫صوفيا فقيها جليال»(‪.)5‬‬

‫درس على جملة من علماء بلده الكبار‪ ،‬فتخرج على أيديهم حافظا للفقه‬
‫والحديث والكالم والشعر واألدب مشاركا مصنفا(‪ ،)6‬كما صار بفضل نبوغه‬
‫وحسن اطالعـه من‬

‫أعيان أئمة المذهب المالكي‪ ،‬فاعتمده خليل في التشهير(‪.)7‬‬

‫(?) ذكر لي ذلك بعض األصدقاء الباحثين‪ ،‬قال اطلع عليها هناك‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) عدد أوراقها‪ ،68 :‬من الحجم المتوسط‪ ،‬مكتوبة بخط مغربي جميل‪ .‬جاء في خاتمتها‪« :‬نجز‬ ‫‪2‬‬

‫وهلل الحمد‪ ...‬على يد كاتبه لنفسه ولمن شاء هللا بعده في العشرين من رجب الفرد من عام واحد‬
‫وألف بثغر تطاون حماه هللا‪ ،»...‬صحيفة‪.68 :‬‬
‫(?) يستعد الباحثان الدكتوران إكرام بولعيش ووسام رزوق إلصدار هذا الشرح برعاية مركز‬ ‫‪3‬‬

‫أبي الحسن األشعري التابع للرابطة المحمدية للعلماء قريبا بعد انتهائهما منه‪.‬‬
‫(?) انظر ترجمته عند التنبكتي ‪ -‬نيل االبتهاج‪ 268 :‬والبغدادي ‪ -‬هدية العارفين‪1/581 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫والسـراج ‪ -‬الحلل السندسية‪ .1/72 :‬وكحالة ‪ -‬معجم المؤلفين‪ 5/239 :‬وغيرهم‪.‬‬


‫(?) السراج ‪ -‬الحلل السندسية‪.1/645 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) اليفرني ‪ -‬المباحث‪.185-1/184 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) التنبكتي ‪ -‬نيل االبتهاج‪ .268 :‬ومخلوف ‪ -‬شجرة النور‪.1/190 :‬‬ ‫‪7‬‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫أما مؤلفاته فكثيرة من أهمها‪« :‬اإلسعاد في شرح اإلرشاد»‪ ،‬و«شرح األحكام‬


‫الصغرى لعبد الحق اإلشبيلي»‪ ،‬و«شرح التلقين»‪ ،‬و«شرح أسمـاء هللا‬
‫الحسنى»‪ ،‬و«منهاج المعارف إلى روح العوارف»‪ ،‬ومختصـر «إيضاح السبيل‬
‫إلى منهج التأويل»(‪.)1‬‬

‫وقد أكد جل الذين ترجموا له أن له باإلضافة إلى هذه المصنفات «شرحا‬


‫للعقيدة البرهانية»‪.‬‬

‫إن النص الكامل لهذا الشرح ـ لألسف ـ مفقود لحد اآلن وال نجد له أثرا في‬
‫أي مكتبة عامة بالمغرب‪ .‬ومع ذلك فقد قمت بجمع شتات بعض نصوصه‬
‫ومسائله من الشروح األخرى ـ أيضا ـ فحصلت على عدد ال يستهان به من آرائه‬
‫ونصوصه تمكنت من خاللها أن آخذ نظرة وافية عن ثقافة ابن بزيزة الكالمية‬
‫وعن منهجه في تناول قضايا «العقيدة البرهانية»(‪.)2‬‬

‫‪« -4-7‬المباحث العقلية في شرح معاني العقيدة البرهانية» لليفرني (ت‪.‬‬


‫‪734‬هـ‪1334/‬م)‪.‬‬

‫الشارح هو علي بن عبد الرحمن بن تميم اليفرني المكناسي الشهير بالطنجي‬


‫أبو الحسن(‪ )3‬وهو ليس «من بني يفـرن أصالة وإنمـا هـو مـن مواليهم حلفاء»(‪.)4‬‬

‫(?) المصادر المتقدمة متفقة على نسبة هذه المؤلفات إليه‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر تفاصيل ذلك في كتابنا المعنون‪" :‬عثمان الساللجي ومذهبيته األشعرية"‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ترجمته عند‪ :‬ابن القاضي ‪ -‬درة الحجال‪ 2/441 :‬والتنبكتي ‪ -‬نيل االبتهاج‪ 325 :‬ومخلوف‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫شجرة النور‪ ،1/218 :‬وكحالة ‪ -‬المعجم‪.7/119 :‬‬


‫(?) ابن القاضي ‪ -‬المنتقي المقصور على مآثر الخليفة المنصور‪ .‬تح‪ :‬زروق‪ .‬ج‪ 2 :‬ص‪- 696 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪.697‬‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫أخذ عن جماعة من الشيـوخ من أشهرهـم أبـو الحسن الزرويلـي (ت‪719.‬هـ‪/‬‬


‫‪1319‬م)(‪ ،)1‬ولذلك تفـوق فـي الفقه وصـار فقيهـا حافظـا فرضيـا حسابيا‪ .‬تخرج‬
‫علـى يـده بعض كبار األعالم كـأبي يعقوب البادسي المغـراوي (ت‪734.‬هـ‪/‬‬
‫‪ )2()133‬وغيـره‪ .‬وقـد تـرك أبـو الحسـن الطنجـي بعض التآليف التي تشهـد‬
‫بتمكنه وبـواسع اطالعـه وثقافتـه منها‪« :‬تقييـد علـى المدونة»(‪ ،)3‬وشرح على‬
‫عقيدة الساللجي سماه‪ « :‬المباحث العقلية في شرح معاني العقيدة البرهانية»(‪،)4‬‬
‫وغيرها من المؤلفات‪.‬‬

‫توجد لهذا الشرح نسختان مخطوطتان في حالة جيدة بالمغرب؛ األولى توجد‬
‫بالخزانة الحسنية بالرباط(‪ )5‬يرجع تاريخ نسخها إلى أواسط القرن الحادي عشـر‬
‫الهجري‪ /‬السابع عشر الميالدي(‪.)6‬‬

‫أما المخطوطة الثانية فتـوجـد نسختهـا بالخزانـة العامـة بالربـاط(‪ )7‬وقع‬


‫االنتهاء من نسختها في النصف الثاني من القرن الثـاني عشـر الهجـري‪/‬الثامن‬
‫عشـر الميالدي‪.‬‬

‫(?) علي بن عبد الحق الزرويلي الشهير بالصغير‪ ،‬صاحـب "شـرح المدونـة" تـولى القضاء في‬ ‫‪1‬‬

‫تـازة وفاس على عهد المرينيين‪ .‬انظر ترجمته عند‪ :‬ابن قنفذ‪ :‬أشـرف المطالب‪77 :‬‬
‫والونشريسـي ‪ -‬الوفيات‪ 102 :‬وابن القاضي ‪ -‬الجذوة‪.2/472 :‬‬
‫(?) انظر عنه‪ :‬الونشريسي ‪ -‬الوفيات‪.188 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) المصادر السابقة‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) قمت بتحقيق هذا الكتاب ونشره في ثالثة مجلدات بمركز أبي الحسن األشعري برعاية‬ ‫‪4‬‬

‫الرابطة المحمدية للعلماء سنة‪ 1438/2017 :‬عن دار األمان بالرباط‪.‬‬


‫(?) رقمها‪ .11741 :‬وعدد أوراقها ‪ 272‬صحيفة من الحجم الكبير مكتوبة بخط مغربي جيد‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) المصدر السابق‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) رقمها ‪ 52411‬عدد صفحاتها‪ 415 :‬مكتوبة بخط مغربي نسخي من الحجم الكبير‪.‬‬ ‫‪7‬‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫كمـا أن لـ«المباحث» نسختـين مـخطوطتين أقـل جودة بالخزانـة الوطنيـة‬


‫بتونس(‪.)1‬‬

‫وبالجملة فإن كتاب «المباحث العقلية» لليفرني يعتبر بجميع المقاييس أهم‬
‫وأدق شرح من شروح «البرهانية»‪ .‬ولذلك قام أحد المغاربة باختصاره‬
‫واختزال أهم قضاياه الكالمية ذلك هو المتكلم الصوفي أبو عمران الجزولي‪.‬‬

‫‪ -4-8‬مختصر "المباحث العقلية" للجزولي‪:‬‬

‫لم تمدنا كتب التراجم والسير والتواريخ بمعلومات كافية عن هذا الجزولي‬
‫الذي عثرنا على مختصره لـ «المباحث العقلية»‪ .‬وكل ما استطعنا معرفته عنه‬
‫هو أنه عاش في القرن العاشر الهجري‪ ،‬وأن كنيته هي‪ :‬أبو عمران‪ ،‬واسمه‪:‬‬
‫موسى‪ ،‬واسم أبيـه‪ :‬محمد‪،‬‬

‫وأنه ينسب إلى جزولة وشتوكة فيقال‪ :‬الجزولي الشتوكي(‪.)2‬‬

‫أخذ هذا الرجل عن شيخ جزولة أبي عبد هللا بن يعزأكي لزان الذي كان من‬
‫التالميذ غير المباشرين البن غازي‪ .‬ثم تصدر أبو عمران بعد اكتمال تعلميه‬
‫للتدريس فتخرج عليه علماء وأعالم كبار على رأسهم عبد هللا بن محمد بن‬
‫عثمان بن أبي بكر الغساني (ت‪960.‬هـ‪1552/‬م)(‪.)3‬‬

‫لقد كفانا أبو عمران بنفسه تعب البحث في أسباب قيامه باختصار «مباحث»‬
‫اليفرني فقال عن عمله‪« :‬القصد بهذا الكتاب اختصار كتاب«المباحث العقلية في‬

‫(?) األولى برقم‪ ،14934 :‬والثانية رقمها‪.3212 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ابن القاضي ‪-‬الجذوة‪.2/345 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ابن القاضي ‪ -‬درة الحجال‪.345 :‬‬ ‫‪3‬‬


‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫شرح معـاني العقيـدة البرهانيـة»‪ ،‬فـإن مؤلفـه العـالم العـالمـة أبـا الحسـن علي‬
‫عبد الرحمن ـ ‘ عليه ـ قد أجاد فيه وذكر كثيرا من أصول الكالم فيه مع إتقان‬
‫تفسير لفظ العقيدة‪ ،‬إال أنه قد أكثر فيه إلى حد يعسر ضبطه على كثيـر مـن أهـل‬
‫الوقت ألنه قد جلب أكثر كتب اإلمام فخر الدين الرازي‪ ...‬واآلمدي‪ ...‬والشـريف‬
‫زكرياء‪ ...‬واألسفراييني وغير ذلك مـن الكتب المنقولـة فيـه حتى كان مجلـدا‬
‫كبيـرا فاختصـرت عيونـه وأزلت ما ال تعلق للكتاب به ومـا ال تـمس الحاجـة إليـه‬
‫بالنسبة إلى الكتاب مستعينا بالله‪)1(»..‬ـ(‪.)2‬‬

‫إن لهذا المختصر عدة نسخ مخطوطة‪ ،‬ولعله العمل المرتبط بـ«البرهانية»‬
‫األكثر شيوعا بعد شرح الخفاف‪ .‬وقد استطعت الحصول على نسختين‬
‫مخطوطتين منه‪ .‬المخطوطة األولى عثرت عليها في المكتبة الخاصة ألحمد‬
‫بنيعيش بتطوان يـرجع تـاريـخ‬

‫االنتهاء من نسخها إلى سنة‪1001 :‬هـ‪1592/‬م نسخها الدرعي بتطوان(‪.)3‬‬

‫والمخطوطة الثانية ـ أو باألصح صورة عنها ـ توجد بـالمكتبـة الخاصـة‬


‫لمحمـد احنانا بتطوان أيضا‪ .‬إال أن هذه النسخة ال توجد بها معلومـات عن تاريخ‬
‫النسخ(‪)4‬ـ(‪.)5‬‬

‫(?) ابن القاضي‪ -‬المصدر السابق‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ابن القاضي ‪ -‬المصدر السابق‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) هو نفس الناسخ الذي نسخ شرح الخفاف المتقدم‪ .‬انتهى من نسخه سنة ‪1001‬هـ بمدينة‬ ‫‪3‬‬

‫تطوان‪ .‬ويبلغ صحائفه حسب نسخة الدرعي التي بين أيدينا‪ 136 :‬صحيفة‪.‬‬
‫(?) عدد أوراقها يصل إلى ‪ .117‬وقد نسخها المدعو‪ :‬محمد بن يحيى بن محمد بن مراوج‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) يتأهب الباحث منتصر الخطيب المنتمي لمركز أبي الحسن األشعري إلكمال إعداده للنشر‬ ‫‪5‬‬

‫محققا في القريب بحول هللا‪.‬‬


‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫‪ -4-9‬شرح العقباني (ت‪811.‬هـ‪1408/‬م)‪:‬‬

‫أبو عثمان سعيد بن محمد بن محمد العقباني التلمساني نسبة لعقبان قرية من‬
‫قرى األندلس‪ .‬ولد سنة‪720 :‬هـ‪1320/‬م بمدينة تلمسان وبها توفي في التاريخ‬
‫أعاله‪ .‬سمع العلم من ابني اإلمام زيد وأبي موسى وتفقه بهما‪ ،‬وأخذ األصول من‬
‫أبي عبد هللا األبلي والفرائض عن الحافظ السطي‪ ،‬وروى «البخاري»‬
‫و«المدونة» عن السلطان أبي عنان المريني عن عز الدين بن جماعة‪.‬‬

‫ولذلك صار العقباني أحد علماء عصره المبجلين وكبير الفقهاء المتنورين‪،‬‬
‫مما أهله إلخراج المؤلفات الكثيرة والعلوم المفيدة فألف عدة كتب منها‪« :‬شرح‬
‫الحوفي في الفرائض» و«شرح الجمل للخونجي في المنطق» و«شرح‬
‫التلخيص البن البناء» و«شرح سورة الفتح» و«شرح البردة» و«شرح ابن‬
‫الحاجب األصلي» كما ألف كتابا في «أصول الدين»(‪ )1‬و«شرح البرهانية»‪.‬‬

‫اتفق جل المترجمين له على نسبة شرح لـ«البرهانية» إليه بدءاً من ابن‬


‫فرحون(‪ )2‬ومرورا بالتنبكتـي(‪ )3‬وبالسخـاوي(‪ )4‬والونشريسـي(‪ )5‬والقرافـي(‪ )6‬وابن‬

‫(?) ابن فرحون ‪ -‬الديباج‪ 124 :‬الونشريسي‪ -‬الوفيات‪ 137 :‬والسخاوي ‪ -‬الضوء الالمع‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ .6/181‬التنبكتي ‪ -‬نيل االبتهاج ‪.189‬‬


‫(?) الديباج‪ 124 :‬قال‪« :‬وله شرح العقيدة البرهانية في أصول الدين»‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) نقال عن الديباج‪ .‬انظر نيل االبتهاج‪.189 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سماه‪« :‬شرح البرهانية للساللكي في أصول الدين»‪ ،‬انظر الضوء الالمع‪.6/181 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) وذكر أن هذا التأليف أنجزه العقباني بمدينة بجاية‪ .‬انظر الوفيات‪.137 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) نقل ذلك القرافي عن السخاوي‪ .‬انظر توشيح الديباج‪.19 :‬‬ ‫‪6‬‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫مريم(‪ )1‬وابن القاضي(‪ ،)2‬ووصوال إلى مخلوف(‪ )3‬وكحالة(‪ )4‬ونويهض(‪ )5‬ثم‬


‫الزركلي(‪ ،)6‬كل هؤالء أثبتوا للعقباني «شرحا على البرهانية»‪ .‬وقد ُع ِثر على‬
‫مخطوطته‪ ،‬وأخرجه للمهتمين المحقق نزار حمادي(‪.)7‬‬
‫‪ -4-10‬شرح العبادي‪:‬‬
‫وهو علي بن محمد بن أحمد العبادي‪ ،‬الذي لم أقف على ترجمته إلى اآلن(‪،)8‬‬
‫والراجح أنه من الجزائر‪ ،‬وقد حصلت مؤخرا على نسخة مخطوطة من هذا‬
‫الشـرح(‪ .)9‬ويظهر عن ميوالت الشارح فيه أنها صوفية؛ إذ نجده في البداية‬
‫يكشف عن أسباب تأليفه لهذا العمـل فيقـول‪« :‬وبعـد ـ كـان هللا لي ولك‪ ،‬وبلغـك‬
‫من رضـا هللا أملي وأملك ـ‪ ،‬فإنـك سألتني لـدى قبـر الولـي القطب العـارف‪،‬‬
‫شيخ الشيـوخ‪َ ،‬م ْن قبـُره للُعَّباد معهد مشهـود‪ ،‬وحوض مورود‪ :‬أبو مديـن شعيب‬
‫بن الحسـن األندلسـي ـ أفاض هللا علينـا من بركتـه‪ ،‬ونفعنـا إن شـاء هللا‬
‫بمجاورتـه ـ أن أضع شرحا يحل أقفال فصول «البرهانية» المنسوبة إلى الفقيـه‬

‫(?) انظر البستان‪.106 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سمي ابن القاضي هذا الشرح‪« :‬القاعدة البرهانية»‪ ،‬انظر درة الحجال‪.1/474 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) شجرة النور‪.1/250 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) معجم المؤلفين‪.4/230 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) معجم أعالم الجزائر‪.75 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) األعالم‪.3/101 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) طبعة‪ :‬مؤسسة المعارف‪-‬لبنان‪ ،‬ط‪2008 ،1 :‬م‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) وإن كان الدكتور خالد زهري قد عده من تالميذ العقباني‪ ،‬كما وقعت اإلشارة إلى ذلك في‬ ‫‪8‬‬

‫بعض ثنايا الشرح‪.‬‬


‫(?) في ‪ 110‬صحيفة‪ ،‬أمدتني بها مشكورة الباحثة نبيلة زكري صَّورتها بدورها من مؤسسة‬ ‫‪9‬‬

‫عالل الفاسي بالرباط‪ ،‬رقم‪ ،165 :‬وهي تعمل اآلن على تحقيقه بقصد النشر‪.‬‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫العالمـة الولي أبي عمـرو عثمـان بـن عبد هللا الساللجي ـ ÷ ـ فأجبتك لذلك؛ لما‬
‫أرجو كبيرا ـ إن شاء هللا ـ من األجر الجزيل واألمر الجميل»(‪. )1‬‬

‫أما عن عمله في الشرح فيخبرنا عنه فـي المقدمـة بقولـه‪« :‬وُك ـْن جديرا على‬
‫تحقيق ما نقلته في هذا الشرح؛ إذ سلكت فـي ذلك سبيـل المحققيـن‪ ،‬معتمـدا على‬
‫أقوال العلمـاء المرجوع إليهم في هذا الشأن‪ ،‬على أنني موقن بالقصور بين أهل‬
‫العصور؛ فالبضاعة مزجاة‪ ،‬والحسن من اإلخوان مرتجى‪ ،‬وقد قال الشيخ أبو‬
‫مدين ـ ÷ ـ‪« :‬العلو على الناس يسبب االنتكاس»‪ .‬فاهلل ينفع المسلمين بهذا‬
‫الكتاب‪ ،‬وتكون "البرهانية" ـ إن شاء هللا ـ بسببه واضعة الجلبان؛ إذ فوضت‬
‫أمري إليه‪ ،‬وتوكلت في جميع أحوالي عليه»(‪.)2‬‬

‫‪« -4-11‬تقييد البيان لمعاني مسائل عقيدة البرهان» للسماللي (ت‪ .‬ق ‪9‬هـ‪/‬‬
‫‪15‬م)‪:‬‬
‫(‪)5‬‬
‫الشارح هو عبد الرحمن بن سليمان آكرام(‪ )3‬أوالكرامي(‪ )4‬أو الكـزامي‬
‫السمـاللي‪.‬‬

‫وتعتبر أسرة الكراميين أسرة عريقة في العلم‪ ،‬يرتفع نسبها إلى ابن العربي‬
‫المعافري‪ .‬قال المختار السوسي عن آل أكرام‪ :‬إن «مسكنهم في تازموت‬

‫(?) شرح العبادي للبرهانية‪ ،‬ص‪.1 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) شرح العبادي للبرهانية‪ ،‬ص‪.1 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر ابن القاضي ‪ -‬درة الحجال‪ 2/472 :‬والمختار السوسي ‪ -‬المعسول‪ :‬ط‪ :‬مطابع النجاح‬ ‫‪3‬‬

‫البيضاء ‪1382‬هـ‪1963/‬م ج‪ 7 :‬ص‪ 23 :‬وما بعدها‪.‬‬


‫(?) نفسه‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) حسب ما في النسخة المخطوطة بالمكتبة العامة بتطوان‪.‬‬ ‫‪5‬‬


‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫سماللة‪ ،‬وال تزال هناك قبور األولين ظاهرة إلى اآلن كما يوجد أحفادهم في‬
‫رسموكة»(‪.)1‬‬

‫لقد عثرت على نسختين مخطوطتين لشـرح السماللي على «البرهانية»‪.‬‬


‫النسخة األولى مخطوطة المكتبة العامة بتطوان(‪.)2‬‬

‫باإلضافة إلى هذه النسخة توجد لهذا الشـرح نسخة أخرى بالخزانة الحسنية‬
‫بالرباط(‪.)3‬‬

‫إنه بالرجوع إلى مقدمة هذا الشرح نجد المؤلف يقص علينا سبب إقدامه على‬
‫تأ ليفه‪ ،‬ويحكى أن الدافع إلى ذلك كان هو إلحاح مجموعة من طلبته في القيام‬
‫بشـرح وتوضيح قضايا هذه العقيدة فأجابهم إلى ذلك بعد تردد يقول السماللي‪:‬‬
‫«رغب منـا بعـض اإلخوان تقييـد مسائـل«العقيدة البرهانية» ألبي عمرو‬
‫الساللجي ـ ‘ ـ‪ ،‬وألح في الطلب فوعدته مرارا حتى خلصت النية في ذلك هلل‬
‫الواحد القهار‪ .‬فأجبته مستعينا باهلل في جميع ما أروم»(‪ )4‬وقد أخبر في هذا التقديم‬
‫أنه سمي شرحه ب‪« :‬تقييد البيان لمعاني مسائل البرهان»(‪)5‬ـ(‪.)6‬‬

‫(?) انظر السوسي ‪ -‬المعسول ‪.7/23‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) مخطوطة المكتبة العامة بتطوان رقم‪( 449 :‬ضمن مجموع) عدد صحائفها ‪( 167‬من ص‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 44‬إلى ‪ )211‬مكتوبة بخط مغربي رديء أوراقها من القطع المتوسط‪.‬‬


‫(?) رقمها بهذه المكتبة ‪.9465‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) السماللي ‪ -‬مخطوطة المكتبة العامة بتطوان‪ :‬صحيفة ‪.44-43‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) المصدر السابق‪.44 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) قام بتحقيقه أوال الطالب الماليزي أحمد عارف بن ذي الكفل‪ ،‬وناقشه لنيل ماستر علم العقائد‬ ‫‪6‬‬

‫واألديان فـي تـراث الغرب اإلسـالمي وأثـره فـي الحـوار بكلية اآلداب بعيـن الشـق بـالدار‬
‫البيضاء سنـة‪= :‬‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫‪ -4-12‬شرح المديوني والغربي‪:‬‬

‫يسود االعتقاد عند القالئل الذين اطلعوا على شرح القرويين (المخطوط)‬
‫لـ«البرهانية» ـ مثل ابن سودة(‪ )1‬ومحمد العابد الفـاسي(‪ )2‬ـ بـأنـه مـن تأليـف عبد‬
‫هللا ا بن عبد الرحمن المديوني‪ .‬وهذا أمر غريب ألن الكتاب أو الشرح في األصل‬
‫ليس من وضع هذا المديوني وإنما هو من إمالء شيخه أبي عبد هللا الغربي‬
‫النالي‪ .‬والدليل على ذلك قول المديوني في مستهل الشرح‪« :‬إنه قد انتهى جماعة‬
‫من الطلبة إلى الفقيه أبي عبد هللا محمد بن سليمان النالي العمراني الشريف‬
‫النسب المعروف بالغربي‪ ...‬فرغبناه في شرح عقيدة «البرهانية» لنكون بها‬
‫على يقين في اعتقادنا وعلى بينة من ديننا‪ ،‬فتعذر عليه ذلك بضيق وقته‬
‫واستغراق زمانه في جمع العلوم وبثها وأنواع العبادات وأسبابها‪ ،‬فاستأذنته في‬
‫كتابة ما كان يمليه علينا في مجلس إقرائه وتقييد ذلك وجمعه‪ ،‬فأذن لي في ذلك‪،‬‬
‫فاستخرت هللا ـ ‪ ,‬ـ في جمعه واستعنته على العمل بمقتضاه‪ .)3(»...‬فهذا النص ال‬
‫يدع مجاال للشك في أن الشارح األصلي لهذا العمل هو أبو عبد هللا العمراني‬
‫المعروف بالغربي‪ ،‬وأن دور المديوني في هذا الشـرح اقتصـر أساسا على جمعه‬
‫وتنظيمه وتأليفه في كتاب واحد‪.‬‬

‫أما بخصوص ترجمة الشارح فالحق أننا ال نملك أية معلومات عنه اللهم إال‬
‫ما ذكره المديوني من أن اسمه‪ :‬محمد‪ ،‬وكنيته‪ :‬أبو عبد هللا‪ ،‬وأن أباه يدعى‪:‬‬

‫= ‪ ،1435-1436/2014-2015‬ثم قام بمناقشته محققا أيضا الطالب الجياللي قدوري بكلية أصول‬
‫الدين بتطوان من أجل نيل شهادة الدكتوراه سنة‪.2019 :‬‬
‫(?) انظر‪ :‬دليل مؤرخ المغرب األقصى‪.326 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) راجع‪ :‬فهرس مخطوطات القرويين‪ :‬ج‪ 4:‬ص‪.43-42-41 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) شرح المديوني ‪ -‬صحيفة‪.3-2 :‬‬ ‫‪3‬‬


‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫سليمان‪ ،‬وأن كنيته هي‪ :‬النالي العمراني‪ ،‬ولقبه هو‪ :‬الغربي‪ .‬وقد ذكر المديوني‬
‫أن هذا الشيخ كان من فضالء زمانه فوصفه بــ‪« :‬الفقيه‪ ،‬الفاضل‪ ،‬األصولي‪،‬‬
‫المقرئ‪ ،‬الزاهد الورع»(‪ .)1‬هذه هي كل المعلومات التي نملكها عن أبي عبد هللا‬
‫الغربي‪.‬‬

‫أما التلميذ المؤلف فإنه ليس أفضل حاال من شيخه في هذا الباب‪ ،‬فكل ما‬
‫وجدت في موضوعه هو ما أشار إليه ابن مريم الذي ذكر أن شخصا بنفس اسم‬
‫هذا الرجل ونسبه‪ ،‬كان يعيش بتلمسان الجزائرية في أواخر القرن العاشر‬
‫الهجري‪/‬السادس عشر الميالدي‪ .‬قال ابن مريم عن هذا المديوني ـ الذي ترجح‬
‫لدي أنه هو صاحب الشرح المذكور ـ‪« :‬يسمى محمد بن عبد هللا [وفي نسخة‪:‬‬
‫عبد الرحمن] المديوني‪ .‬من جهة مديونة‪ .‬الفقيه العالم المحدث الخطيب‪ ،‬أخذ عن‬
‫سيدي العطفاني وسيدي أحمد أبركان وسيدي علي بن رحو الزكوطي الورنيدي‬
‫ـ مات بعد الستين وتسعمائة ـ له باع في العلوم العقلية والنقلية‪.)2(»..‬‬

‫ورغم أهمية هذا الشرح العلمية والتاريخية ألنه يقدم معلومات مفيدة عن‬
‫الساللجي وشراح «البرهانية»‪ ،‬ورغم أنه من الشروح المتأخرة زمانيا‪ ،‬إال أن‬
‫نسخه المخطوطة مع ذلك نادرة وقليلة‪ .‬بحيث لم أعثر إال على نسخة واحدة من‬
‫المخطوطة له بخزانة جامع القرويين(‪ .)3‬ويرجع سبب هذه الندرة ـ وال شك ـ إلى‬

‫(?) المصدر السابق‪.3 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ابن مريم ‪ -‬البستان‪.280 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) رقمها كما قلت من قبل‪ 1337 :‬في مجلد ضخم مكتوبة بخط مغربي نسخي وأوراقها من‬ ‫‪3‬‬

‫الحجم المتوسط‪ ،‬وقد عثرت الباحثة إكرام بولعيش على نسخة أخرى للشـرح بخزانة المسجد‬
‫األعظم بمكناس‪.‬‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫طول هذا الشـرح وضخامة حجمه‪ ،‬فيكفي أن أذكر أن عدد صفحاته‪811 :‬‬
‫صفحة لنعرف الصعوبة التي يمكن أن يالقيها أي ناسخ يريد كتابته(‪.)1‬‬

‫‪ -4-13‬شرح المجهول‪:‬‬
‫يرجع الفضل إلى محمد العابد الفاسي في تنبيهنا إلى أنه هناك شرحا لـ‬
‫«البرهانية» بخزانة القرويين ينسب لمؤلف «البرهانية» أبي عمرو‬
‫الساللجي(‪ .)2‬وبالفعل استطعت أن أطلع على هذا المخطوط فوجدته كما أخبر‬
‫عنه الفاسي في فهرسته‪ ،‬ولكنني استغربت من قول هذا المحقق‪« :‬يظهر من‬
‫صنيع الناسخ أنه للمصنف وربما كان األمر على خالف ذلك»(‪ .)3‬استغربت من‬
‫هذا القول ألنه كان على الفاسي أن يحكم يقينا بأن هذا المؤلف ليس من تأليف‬
‫أبي عمرو ما دام أنه يعتمد مصادر وقع تأليفها في فترات جد متأخرة عن فترة‬
‫الساللجي‪ ،‬وما دام أنه ينقل عن ابن دهاق (ت‪611.‬هـ‪1214/‬م) وغيره ممن‬
‫جاؤوا بعد مؤلف «البرهانية»‪ .‬ولذلك فيكون الصواب أن هذا المؤلف هو‬
‫لشخص مجهول وليس للساللجي‪.‬‬

‫والسبب في كون مؤلفه مجهوال هو أن النسخ المخطوطـة لهذا الشـرح‪ ،‬لم‬


‫تذكر ال اسم المؤلف وال اسم الناسـخ ولـم تعطنـا أي معلومة مساعـدة لـمعرفة‬
‫شيء من ذلك‪.‬‬

‫(?) قامت الباحثة السابقة (=إكرام بولعيش) بتحقيقه وإخراجه في إطار إعداد أطروحتها لنيل‬ ‫‪1‬‬

‫الدكتوراه من كلية أصول الدين بتطوان سنة‪.2018 :‬‬


‫(?) انظر محمد العابد الفاسي ‪ -‬فهرس مخطوطات خزانة القرويين‪ ،‬حيث ذكر أن رقمه في‬ ‫‪2‬‬

‫الخزانة‪ ،71 :‬وهو سفر متوسط بخط مغربي (ضمن مجموع من‪ 4 :‬إلى ‪ 71‬ب) وينقصه من‬
‫آخره ورقة أو ورقتان‪ .‬غطيت بعض سطوره بسبب إصالح قديم‪.‬‬
‫(?) الفهرس المذكور‪.3 :‬‬ ‫‪3‬‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫‪ -4-14‬شرح الجدميوي‪:‬‬

‫لم يقع الحديث عن «شرح للجدميوي» إال في «رسالة الهبطي» المتقدمة‪،‬‬


‫حيـن قـال مؤلفها‪« :‬قال الجدميوي في شرح «البرهانية»‪ :‬وأما الحال فالكالم‬
‫فيها في حقيقتها وفي ذكر المذاهب المقولة فيها وفي االحتجاج لكل فريق من‬
‫المفكرين والمثبتين لها‪ ،)1(»...‬وهكذا مضى الهبطي ينقل لنا نصا طويال من‬
‫شرح هذا الجدميوي يدل على أن صاحبه مطَّلع على تفاصيل الخالف بين‬
‫األشاعرة والمعتزلة في موضوع الحال‪ .‬وأهم ما سجلناه انطالقا من ذلك النص‬
‫أن الجدميوي ينقل فيه عن اآلمدي (المتوفى عام‪631 :‬هـ‪ ،)1233/‬وهذا دليل‬
‫على أنه عاش في الفترة ما بين القرن الثامن والقرن العاشر الهجريين‪ ،‬ألن‬
‫الهبطي الذي نقل كالمه عاش كما قلنا إلى حدود سنة‪963 :‬هـ‪1556 /‬م)‪.‬‬

‫‪ -4-15‬شرح التنبكتي للبرهانية‪:‬‬

‫التنبكتي هو أحمد بابا السوداني التنبكتي أبو العباس (ت‪1032.‬هـ‪1622/‬م)‬


‫أحد العلماء السودانيين الكبار الذي تربى في أسرة علمية مسلمة متدينة‪ ،‬وكان‬
‫والده قاضيا من قضاة تنبكتو‪ ،‬وقد استطاع أحمد التنبكتي أن يصير من كبار‬
‫مجتهدي المذهب المالكي‪ ،‬بل صار من أعلم علماء أهل زمانه خصوصا في‬
‫السودان والمغرب(‪.)2‬‬

‫(?) الهبطي الرسالة‪.14 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر عنه المقري ‪ -‬روضة اآلس العاطرة األنفاس‪ .‬ط‪ :‬المطبعة الملكية الرباط ‪.1962‬‬ ‫‪2‬‬

‫ص‪303 :‬وما بعدها وانظر أيضا عبد الحميد هرامة وغيره ‪ -‬مقدمة نيل االبتهاج‪ .‬ط‪ :‬كلية الدعوة‬
‫اإلسالمية ‪ -‬طرابلس ‪ 1989‬ص‪ 11 :‬وما بعدها‪ .‬وانظر‪ :‬شوقي الجمل ‪ -‬أحمد بابا التنبكتي‬
‫السوداني في ضوء بعض مخطوطاته بدار الوثائق بالرباط‪ .‬دراسة بمجلة " المناهل" ع‪ 6 :‬س‪:‬‬
‫‪ 3‬رجب ‪1396‬هـ‪/‬يوليو ‪1976‬م‪ :‬ص‪ 144 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫وقد عمل السلطان السعدي على أسره ونفاه من بالده إلى المغرب حيث عاش‬
‫بمراكش مدة إلى أن توفي هذا السلطان فعاد إلى بالده‪ .‬وقد مكنته إقامته في‬
‫البالد المغربية من التدريس ألبناء هذا البلد ومن االطالع على مؤلفات بعض‬
‫علماء المغرب وشرح بعضها ومن بينها كتاب «العقيدة البرهانية»‪.‬‬
‫إن ما يثبت قيام التنبكتي بشرح «البرهانية» أن تلميذه المعروف أبا العباس‬
‫المقري (ت‪1041.‬هـ‪1631/‬م) ذكر أن شيخه كتب له ورقة يجيزه فيها جميع ما‬
‫جمعه من الفنون قال‪« :‬وذكر حفظه هللا في هذه اإلجازة جميع التآليف‪...‬وزاد‬
‫الحواشي على خليل‪ ...‬و"شرح العقيدة البرهانية" للساللجي لم يكمل ‪.)1(»...‬‬
‫فالمقري يثبت ـ إذن ـ أن شيخه أجازه شرحا على «برهانية» الساللجي من تأليفه‬
‫إال أنه شرح غير كامل‪ .‬ولكن أين هو هذا الشرح؟ هل ضاع ضمن ما ضاع من‬
‫مؤلفات أبي العباس الكثيرة؟ أم أن الباحثين لم يهتموا به لعدم إكماله؟ الحق أننا‬
‫ال نملك أي جواب عن هذا اآلن‪.‬‬
‫‪ -5‬النسخ المخطوطة المعتمدة في التحقيق‪:‬‬

‫اعتمدت في تحقيق نص «البرهانية» على عشر نسخ مخطوطة وهي‪:‬‬


‫‪ -5-1‬نســخة مكتبــة محمــد بوخــبزة الخاصــة بتطــوان‪ ،‬وهي نســخة وضــعها‬
‫صاحبها على أساس مخطوطات قديمة‪ ،‬وقد علَّق عليها صاحبها بألفاظ وعبارات‬
‫في الهامش‪ ،‬مما يوحي بأنه رجع في تحقيقه إلى ثالث نسخ مخطوطة أخرى‪ ،‬إال‬
‫أنه لم يذكر المصادر التي اعتمد عليها‪ .‬وتوجد هذه النسـخة ضـمن مجمـوع لديـه‬
‫(من ص‪ 93 :‬إلى ص‪ )100‬عدد صفحاتها سبع‪ ،‬في كل صفحة ‪ 21‬سطرا‪ .‬وقــد‬

‫(?) المقري ‪ -‬روضة اآلس‪.303 :‬‬ ‫‪1‬‬


‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫رمــزت لهــا في التحقيــق بحــرف (ب)‪ ،‬وجعلتهــا األصــل المعتمــد في التحقيــق‬


‫باعتبارها أول محاولة لتحقيق «البرهانية»‪.‬‬
‫‪ -5-2‬نســخة مصــورة عن مخطوطــة اإلســكولاير بإســبانيا‪ ،‬توجــد بالمكتبــة‬
‫الخاصــة لعبــد هللا كنــون بطنجــة‪ ،‬ذكــر كنــون في صــفحتها األولى أنــه صــورها‬
‫بتاريخ ‪ .30/9/1948‬عدد صفحاتها ثمان‪ .‬وهي من الحجم الصغير مكتوبة بخط‬
‫مغربي جميل‪ .‬أسطرها ‪ 18‬سطرا‪ ،‬وال توجـد فيهــا إشـارة إلى تـاريخ النسـخ وال‬
‫إلى اسم الناسخ‪ .‬وقد رمزت لها بحرف (ك)‪.‬‬
‫‪ -5-3‬نسخة الخزانة العامة بالرباط‪ .‬رقمها‪ 2885 :‬ضــمن مجمــوع (من ص‪:‬‬
‫‪ 188‬إلى ص‪ ،)193 :‬تشغل ســت صــفحات‪ ،‬في كــل صــفحة ‪ 25‬ســطرا خطهــا‬
‫أندلســي جميــل‪ .‬جــاء في أســطرها األولى‪« :‬العقيــدة الدينيــة [هكــذا!!] البرهانيــة‬
‫للشــيخ أبي عمــرو عثمـــان ابن عبــد هللا الســاللجي الفارســي [هكــذا!!] « وفي‬
‫آخرها‪ « :‬انتهت العقيدة الدينية [هكذا!!] البرهانية للشــيخ أبي عمــرو عثمــان بن‬
‫عبد هللا‪ ...‬على يدي عبده وابن عبده منصور بن مبارك عرف بوصــاع وفقــه هللا‬
‫تعالى للعلم والعمل‪ .»...‬أما تاريخ النسخ فيعود ـ كما جاء في آخر المجموع ـ إلى‬
‫سنة هـ ‪1075‬هـ‪ ،‬وقد رمزت لها في التحقيق بحرف (ص)‪.‬‬

‫‪ -5-4‬نسخة مخطوطة ثانيــة بالخزانــة العامــة بالربــاط رقمهــا ‪( 2787‬ضــمن‬


‫مجموع أيضا من ص‪ 33 :‬إلى ص‪ )41 :‬عدد صفحاتها تســع صــفحات‪ ،‬في كــل‬
‫صفحة ‪ 16‬سطرا‪ ،‬كتبت بخط مغربي رديء وعلى هوامشها تعليقات بخط قارئ‬
‫مجهول أولها‪« :‬العقيدة البرهانية في علم األلوهية‪ »...‬وآخرها‪« :‬نجزت العقيدة‬
‫المعروفة بالبرهانية في علم األلوهية بحمد هللا وحسن عونه‪ »...‬وليس فيهــا ذكــر‬
‫السم الناسخ وال لتاريخ النسخ‪ .‬رمزت لها في التحقيق بحرف (ر)‪.‬‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫‪ -5-5‬متن البرهانية ضمن شرح الخفاف (ت‪ .‬ق ‪ 7‬هـ‪13/‬م)‪ ،‬عدد أوراق‬
‫هذا الشرح‪ ،68 :‬من الحجم المتوسط‪ ،‬مكتوبة بخط مغربي جميل‪ .‬جاء في خاتمة‬
‫الشـرح‪(( :‬نجز وهلل الحمد‪ ...‬على يد كاتبه لنفسه ولمن شاء نسخها حسين بن أبي‬
‫القاسم الدرعي الجوزي في العشرين من رجب الفرد من عام واحد وألف بثغر‬
‫تطاون حماه هللا‪ ))...‬صحيفة ‪ ..68 :‬رمزت لها بحرف (خ)‪.‬‬

‫‪ -5-6‬متن البرهانية ضمن شرح اليفرني الطنجي (ت‪734.‬هـ‪1334/‬م) وهي‬


‫مخطوطــة الخزانــة الحســنية بالربــاط‪ .‬رقم‪ .11741 :‬ونســخها قاســم بن علي‬
‫الطليطلي األندلسي التيطاوني سنة‪1057 :‬هـ‪ ،‬خطهــا جيــد‪ ،‬مسطـ ـرة‪ ،29 :‬وقـ ـد‬
‫رمـزت لها بحرف (ي)‪.‬‬

‫‪ -5-7‬متن البرهانية ضمن مختصر شـرح الجـزولي‪ ،‬نسـخة حسـين بن أبي‬


‫القاسم الدرعي المذكور آنفا‪ .‬وقد رمزت لها بحرف (ج)‪.‬‬

‫‪ -5-8‬متن البرهانية ضمن شرح السماللي (المتــوفى في أواخــر ق‪9‬هـ) وهي‬


‫مخطوطة المكتبة العامة بتطوان رقمــه‪( 449 :‬ضــمن مجمــوع من ص‪ 44 :‬إلى‬
‫‪ )211‬عــدد صــحائفها‪ ،167:‬مكتوبــة بخــط مغــربي رديء أوراقهــا من القطــع‬
‫المتوسط‪ ..‬ولم يذكر في خاتمة الكتاب تاريخ النسخ وال اسم الناسخ‪ .‬وقــد رمــزت‬
‫لها بحرف (س)‪.‬‬

‫‪ -5-9‬متن البرهانية ضمن شرح المديوني ( المتوفى في ق ‪10‬هـ)‪ ،‬والشــرح‬


‫مخطوطة خزانة القرويين بفاس رقم‪ ،1337:‬جاء في مجلـد ضخـم مكتـوب بخط‬
‫مغربي نسخي‪ ،‬وأوراقه من الحجم المتوسط‪ ،‬وليس في خاتمة الشـرح ذكر الســم‬
‫الناسخ وال لتاريخ النسخ‪ .‬ويشير المديوني إلى أنه انتهى من تأليفها عــام ‪955‬هـ‪،‬‬
‫وقد رمزت لها بحرف (د)‪.‬‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫‪ -5-10‬متن البرهانية ضمن شرح المجهول‪ .‬وهو مخطوطة القرويين بفاس‬


‫رقم‪ ،710:‬ناقصة من آخرها بضع صفحات‪ ،‬والشـرح مخطوط في سفر متوسط‬
‫بخط مغربي (ضمن مجموع من‪ 4 :‬إلى ‪ 71‬ب)‪ ،‬غطيت بعض سطوره بسبب‬
‫إصالح قديم‪ ،‬وينقصه من آخره ورقة أو ورقتان‪ ،‬ولذلك ال نجد فيها اسم الشارح‬
‫وال المؤلف وال تاريخ التأليف والنسخ‪ .‬وقد رمزت لها بحرف (م)‪.‬‬

‫أما بخصوص «نظم البرهانية للهبطي» الذي سننشـره ألول مرة ضمن هذا‬
‫الكتاب فليست هناك ـ على حد علمي ـ إال نسخة فريدة توجد بمكتبة المرحوم عبد‬
‫هللا المرابط الترغي الخاصة بمدينة طنجة‪ .‬عدد صفحات المخطوطة‪،10 :‬‬
‫مكتوبة بخط مغربي مشكول وواضح‪ ،‬إال أنها تعاني من بعض المحو في األبيات‬
‫األولى من صفحاتها بعامل الرطوبة‪.‬‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫‪ -‬التعريف بناظم «البرهانية»‬
‫و«منظومته»‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫‪ -1‬حول نسبة «النظم» إلى صاحبه‪:‬‬

‫وثق المغربي "الدكتور عبد هللا المرابط الترغي" ُقبيل وفاته ـ ‘ ـ‬


‫مكنني الم ِّ‬
‫من نص مصَّو ر لمخطوطة ضمن مجموع حسب الصورة الملونة الملتقطة‬
‫إلكترونيا له تتضمن مجموعة من المؤلفات من بينها «نظم العقيدة البرهانية»(‪.)1‬‬

‫إال أن المخطوطة تجَّر دت من ذكر ناظمها؛ إذ ُ‬


‫افتتح النظم بسطر ممحو بفعل‬
‫الرطوبة (أو باألصح بسبب تسرب الماء إلى طرفها العلوي)‪ ،‬فلم تظهر فيه إال‬
‫بعض الكلمات‪.‬‬

‫(?) النسخة المعتمدة‪ ،‬ومن خالل الصورة التي بين أيدينا يمكن الجزم بكونها تقع ضمن مجموع‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫وذلك لكون فم المخطوط الذي يكون بإزاء اللسان التقط مع الصورة وهو ضخم ومن خالل النظر‬
‫في جانبي الصورة التي تقسم فم الكتاب إلى اليمين والشمال يمكن أن نقول إنه يقع في حوالي‪:‬‬
‫‪ 250‬إلى ‪ 300‬ورقة‪.‬‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫وُيصَّنف هذا النظم ضمن المنظومات الشعرية التي تعد من "الشعر‬


‫التعليمی"(‪ )1‬الذي يحمل علی َأعجازه حضارة وثقافة عظيمة الخطر لألمة‬
‫العربية خاصة واإلسالمية عمومًا‪.‬‬

‫ومن المثير في موضوع اكتشاف ناظم هذا العمل‪ ،‬وعمال على استكناه كالم‬
‫الناظم في مطلع القصيدة الرجزية عندما أخبر بأنه سيسلك في عمله منهج الشيخ‬
‫«‬ ‫أبي عمرو الساللجي حيث قال‪:‬‬
‫سبيَل شيِخ نا الَبِهِّي الساللجي»‬ ‫َس َلْك ُت في ذاك من المناِهِج‬

‫فالبيت يطرح احتمال أن يكون الناظم من تالميذ الساللجي لوصفه له‬


‫بـ"شيخنا" ووصفه له بـ"البهي"‪ ،‬فعلى هذا المحمل من يكون هذا التلميذ؟‬

‫رَّجح عبد هللا الترغي أن يكون النظم من إبداع بعض تالمذة الساللجي‬
‫المباشرين وخص منهم‪ :‬أبا الحسن ابن مؤمن‪ ...‬بيد أنني لم أجد في المخطوطة‬

‫(?) يذكر شوقي ضيف أن الشعر التعليمي هو‪« :‬لون ال يراد به التعبير عن الوجدان والعواطف‬ ‫‪1‬‬

‫الشخصية‪ ،‬وإنما يراد به إلی المعرفة والثقافة وأن تضّم مسائل علمية خاصة ال بين دّفتي کتاب‪،‬‬
‫ولکن في قصيدة طويلة من القصائد»‪ .‬دراسات في الشعر العربي المعاصر‪ ،‬الطبعة الخامسة‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬دار المعارف (د‪-‬ت)‪ ،‬ص‪ .72 :‬ويقول بطرس البستاني‪ :‬إنك «لن تجد في هذا الشعر ما‬
‫يروقک‪ ،‬ألنه غث بارد اصطنعه أصحابه لنظم أنواع شتی من العلوم‪ ،‬تسهيًال لحفظها بعد أن‬
‫أصبح اإلقبال علی العلم عظيمًا‪ .‬والناظم في هذا الفن اليسمو بنفسه إلی الخلق واإلبداع‪ ،‬فاألفکار‬
‫ماثلة أمامه‪ ،‬فما عليه إال أن يجمعها في کالم موزون مقّفی‪ ،‬خال من الّروعة والرونق‪ ،‬وليس في‬
‫هذا کبير أمر علی من يحسن النظم‪ .....‬ونصـرف النظر عن الفن التعليمي‪ ،‬ألنه خارج عن صفه‬
‫الشعر الحقيقية‪ ،‬فما نعد نظم کليلة ودمنة وغيرها من النوع القصصي لضعف الميزة األدبية فيها‪،‬‬
‫وخلّو ها من الروعة والطالوة»‪ .‬أدباء العرب في األعصـر العباسية‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الجيل (د‪-‬ت)‪:‬‬
‫‪ .2/31‬ومهما قيل عن القيمة الفنية للشعر التعليمي فليس من الحق تجريده من کل الفضائل؛ بل ال‬
‫بد من استحضار ما أداه الشعر التعليمي من حفظ للکثير من التراث الديني واللغوي والعلمي في‬
‫األمم المتعددة‪.‬‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫قرينة قاطعة ـ وال حتى ظنية ـ إلثبات هذه النسبة‪ ،‬ولم أجد أدلة أخرى في‬
‫الموضوع اللهم إال ما ذكره المراكشـي في «الذيل والتكملة»؛ حيث أثبت البن‬
‫مؤمن الخزرجي ـ تلميذ الساللجي ـ «نظما في العقيدة» قال عنه بالتمام‪« :‬ونظم‬
‫[ابن مؤمن] في العقائد قصيدة جامعة كبيرة وقفت عليها‪ ،‬وفيها بخطه إلحاق‬
‫بيوت كثيرة وتصحيح‪ ،‬ورأيتها أيضا منسوبة إلى غيره‪ ،‬فاهلل أعلم»(‪.)1‬‬

‫ومع قوة هذا النص في إمكانية ترجيح تخمين الترغي إال أن هناك ُم َنِّغ صات‬
‫تحول دون القطع في نسبة المتن إلى أبي الحسن منها‪ :‬وصف المراكشـي‬
‫لـ«نظم ابن مؤمن» في «الذيل» بأنه «جامع» و«كبير»‪ ،‬والحال أن القصيدة‬
‫المعنية لم تجمع مباحث العقيدة كلها أو جلها‪ ،‬واقتصـرت على جانب اإللهيات‬
‫منها خصوصا‪ ،‬وهو ما صرح به الناظم نفسه في بداية قصيدته‪ ،‬ولذلك يكون‬
‫وصف المراكشي السابق ال يطابق مضمون نظمنا‪...‬كما أن وصف القصيدة‬
‫بكونها "كبيرة" ُيدخل الكثير من الشك في النسبة؛ ألن قصيدتنا ال تصل في كِّم ها‬
‫إلى هذا الوصف المضِّخ م الممِّيز‪.‬‬
‫ومن المنِّغ صات على هذا االحتمال أيضا ما ذكره ابن مؤمن نفسه في‬
‫«بغيته» حيث قال‪« :‬أخذتها [أي "البرهانية"] وقام بفكري أن أرتبها فصوال‬
‫وأعمل لها شبه الخطبة‪ ،‬ثم شاورته [=الساللجي] في ذلك فمنع منه وقال لي‪ :‬لم‬
‫جهٍ(‪.)2‬‬
‫أتعرض فيها أن تكون تأليفا ُتكتب وتنتشر‪ ،‬وإنما كتبتها لخيرونة على َو ْ‬
‫فشاء هللا أن تشيع فاتركها كما هي وال تزد فيها شيئا فتخرج عما قُصد بها‪[ .‬قال‬

‫(? ) الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة‪ ،‬السفر الخامس‪.1/261 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أي على وجه من الوجوه ال يعلمها غيري كأن يكون ذلك تقربا بها إلى هللا تعالى‪...‬واقترح‬ ‫‪2‬‬

‫علي د‪ .‬زهري أن أغير كلمة "وجه" بكلمة‪" :‬وجل" ألنها في نظره أدل على مراد الساللجي‪.‬‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫أبو الحسن‪ ]:‬فتركتها كما هي«(‪ .)1‬فإذا كان تركه للمتن الساللجي قد حصل لتنبيه‬
‫الشيخ ومنعه إياه من إبراز «العقيدة» وإشهارها‪ ،‬فيبعد أن يكون هو الناظم لها‬
‫لتعُّلق النهي بكل ما يمكن أن يرِّو ج لـ «البرهانية» ويذيع ذكرها تنظيما أو نظما‪.‬‬
‫بقي احتمال آخر يتعلق بتلميذ آخر للساللجي تحدثنـا عنـه سابقـا وهـو عبد‬
‫الحق ابن خليل السكوني الَّلبلي‪ ،‬فقد ذكر عنه ابن القاضي بأنه «رحل إلى فاس‬
‫فأخذ‪..‬بها‪..‬علم الكالم وأصول الفقه عن أبي عمرو عثمان بن عبد هللا الساللجي‪،‬‬
‫وكان أهل فاس يقولون‪ :‬إنه لم يتخرج على أبي عمرو مثله ومثل أبي عبد هللا ابن‬
‫الكتاني لتمكنه‪...‬وكان مع ذلك من مجيدي الكالم نظما ونثرا»(‪ .)2‬فهل نبادر إلى‬
‫القول بأنه هو الذي نَظم «برهانية» شيخه البهي؟ الواقع أن ترجيح هذه الفرضية‬
‫وارد بقوة‪ ،‬ولكنه ال يصل لدينا إلى درجة القطع‪ ،‬بل يبقى األمر مستبعدا في ظل‬
‫فقدان المرجحات‪ .‬ونفضل أن نبتعد عن تالميذ الساللجي في نسبة القصيدة‬
‫ألحدهم للعجز عن حسم النسبة إلى أي منهم‪ ،‬وما دام أن بقية تالميذ الساللجي‬
‫(باستثناء ابن مؤمن والسكوني) لم يصلنا ما يؤكد َش اِع رَّيتهم(‪ ،)3‬وما دام أن‬
‫وصف الناظم للساللجي بـ"شيخنا" ال يسمح جزما بأن يكون الناظم تلميذا‬
‫مباشرا ألبي عمرو؛ إذ كثيرا ما يصف المتأخرون من قرأوا عليهم بالوسائط‬
‫بأنهم من شيوخهم‪ ،‬فيبقى االحتمال متعلقا بغيرهم من المتأخرين‪...‬‬
‫وإذا كانت المعطيات تدفع إمكانية نسبة النظم إلى خريجي مدرسة أبي عمرو‪،‬‬
‫فالحاصل أن هناك معطيات أخرى قوية ترجح أن يكون مؤلف هذا النظم هو أبو‬
‫محمد عبد هللا الهبطي‪ ،‬فضال عما أثبته بعض المعِّلقين على مخطوطة «دوحة‬

‫(?) ابن مؤمن ‪ -‬بغية الراغب‪ ،‬انظر المديوني ‪ -‬الشرح‪.61 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) الجذوة‪.389-2/388 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أي تمرسهم على نظم الشعر‪...‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫نظم العقيدة البرهانية»‬


‫الناشر» البن عساكر(‪ )1‬الذي أكد أن عبد هللا الهبطي « َ‬
‫ضمن ما نظَمه من المؤلفات العقدية‪ ،‬ومن أهم هذه المرجحات ما سنذكره فيما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬من القرائن الخارجية التي نستأنس بها أوال في نسبتنا هذا النظم إلى‬
‫الهبطي األب الُغ ماري الَّطْن جي أن معظم رسائله ومنظوماته بقيت في مكتبته‬
‫العامرة ببلده إلى حين وفاته‪ ،‬ثم تكّفل بها بعده تلميذه بنخجو‪ ،‬ولكن مصيرها بعد‬
‫ذلك أي في حوالي األلفية ستغيب وستضمحل المعلومات المتعلقة بها بعد توُّز ع‬
‫ذخائرها‪ ،‬والذي نعلمه أن مؤلفات الهبطي ظلت منتشرة بين مكتبات خاصة‬
‫بغمارة وفي شمال المغرب السيما في مدينة تطوان وطنجة وشفشاون‪ ،‬ولما‬
‫كانت النسخة التي اعتمدناها في التحقيق تعود بدورها إلى مكتبة الدكتور عبد هللا‬
‫المرابط الترغي الشمالي بطنجة وهي من الخزائن المعتبرة والمتميزة بالمدينة‪،‬‬
‫حيث تحتفظ بالمؤلفات الكثيرة ألبناء المنطقة الشمالية والغمارية منها على وجه‬
‫الخصوص ومنهم صاحبنا ومنظومته‪ ،‬فقد يدل ذلك على أن هناك احتماال قويا‬
‫في أن تكون من أنظامه التي يوجد بعضها بمكتبة الترغي والكثير منها في‬
‫الخزانة العامة بتطوان‪ ،‬وأيضا في مكتبة األستاذ عبد القادر العافية المنتمي إلى‬
‫منطقة شفشاون ـ وإن كان مقامه قد انتقل إلى تطوان في شبابه ودراسته قبل أن‬
‫يستقر نهائيا بمدينة الرباط إلى اآلن ـ‪.‬‬

‫‪ -2‬ومن المرجحات لهاته النسبة أيضا أن نَفس الكتابة في هذا النظم يتوافق‬
‫مع الَّنَفس الذي ُك تبت به معظم أنظام أبي محمد الهبطي ال سيما «َز َج ِلّيته في‬

‫(? ) عثر على ذلك يوسف احنانة في مكتبة خاله محمد احنانة ضمن نسخة مخطوطة من "دوحة‬ ‫‪1‬‬

‫الناشر "‪ ،‬وال ندري مصير هذه المخطوطة بعد وفاة صاحب الخزانة وتبدد رصيدها المخطوط‪.‬‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫التوحيد»‪ ،‬و«رسائله في التوحيد والهيللة»(‪ ،)1‬ويكفي القارئ الرجوع إلى‬


‫أقرب منظوماته المشار إليها المطبوعة منها أو المخطوطة لمالحظة ذلك بنفسه‪.‬‬

‫‪ -3‬ومنها أن بعض األلفاظ والعبارات التي يستعملها الناظم في هذا العمل‬


‫ويكررها‪ ،‬أو التي يستعملها إلكمال المعاني وضبط الوزن في هذا الرجز يعود‬
‫فيستعملها بنفسها أو بشبيهة بها أو قريبة منها في بعض أبيات منظوماته‬
‫األخرى‪ ...‬مثال نجده يستعمل في منظومتنا صيغة األمر (في البيت‪ 8 :‬وفي‬
‫البيت‪ 121 :‬ثم في البيت‪ ،)130 :‬قائال‪« :‬فحققن(×‪ -)2‬فحقق»‪ ،‬كما نجده ُيكمل‬
‫الوزن في نظمنا بقوله‪« :‬فلتصـرف الهمة»(في البيت‪ ،)13 :‬وقوله‪« :‬فاعلم(×‬
‫‪( »)2‬في البيتين‪ ،)94+8 :‬وقوله‪« :‬ع الخبر» (في البيت‪ ،)15 :‬وقوله‪:‬‬
‫«فافهم»(×‪( »)3‬في األبيات‪ ،)58+27+17 :‬وقوله‪ُ« :‬هديت(×‪( »)2‬في‬
‫البيتين‪ ،)58-17 :‬وقوله‪َ« :‬م ِّيزْ» (في البيت‪ ،)22 :‬وقوله‪« :‬يا إخوان» (في‬
‫البيت‪ ،)23 :‬وقوله‪« :‬يا ذوي األفهام‪-‬ذا فهم» (في البيتين‪ ،)120-25 :‬وقوله‪:‬‬
‫«يا أخي(×‪( »)2‬في البيتين‪ ،)156-28 :‬وقوله‪« :‬فخذ منصوصي» (في البيت‪:‬‬
‫‪« ،)48‬خذ الدليل‪-‬خذ دليال‪-‬خذ تقديره» (في األبيات‪ ،)143-129-126 :‬وقوله‪:‬‬
‫«يا ِنْع َم الخليل» (في البيت‪ ،)54 :‬وقوله‪« :‬يا ماهر‪-‬يا ذا الماهر» (في البيتين‪:‬‬
‫‪ ،)68-50‬وقوله‪« :‬يا صاحب» (في البيت‪ ،)56 :‬وقوله‪« :‬ع العلل‪-‬ع التحرير»‬
‫(في البيتين‪ ،)167-57 :‬وقوله‪« :‬يا خليلي» (في البيت‪ ،)8 :‬وقوله‪« :‬صحح‬
‫النظر» (في البيت‪ ،)116 :‬وقوله‪« :‬خذ التعلق» (في البيت‪ ،)118 :‬وقوله‪« :‬يا‬
‫ذوي الذكاء» (في البيت‪ ،)125 :‬وقوله‪« :‬اجتن الفنون» (في البيت‪،)162 :‬‬

‫(? ) حققها خالد زهري وتم نشرها بدار الكتب العلمية ببيروت سنة‪.2002 :‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫وقوله‪« :‬ما لتلك العين؟» (في البيت‪ ،)163 :‬وقوله‪« :‬يا قاصد» (في البيت‪:‬‬
‫‪ ،)174‬وقوله‪« :‬يا غالم» (في البيت‪...)185 :‬إلخ‪.‬‬

‫وعند المقارنة نجد الهبطي يستعمل األلفاظ والصيغ واإلكماالت نفسها أو‬
‫قريبة منها في «زجليته» المخطوطة فنعثر على قوله‪« :‬اعلم وافهم» (في‬
‫البيتين‪ ،)20-7 :‬وقوله‪« :‬يا لبيب(×‪( »)2‬في البيتين‪ ،) 64-7 :‬وقوله‪« :‬يا‬
‫صحيب» (في البيت‪ ،)7 :‬وقوله‪« :‬يا عقالء» (في البيت‪ ،)18 :‬وقوله‪« :‬اسأل‬
‫من هللا هداك» (في البيت‪ ،)26 :‬وقوله‪« :‬حققها» (في البيت‪ ،)28 :‬وقوله‪:‬‬
‫«اتقن» (في البيت‪ ،)28 :‬وقوله‪« :‬يا سادات» (في البيت‪ ،)29 :‬وقوله‪« :‬كن به‬
‫عالما» (في البيت‪ ،)33 :‬وقوله‪« :‬طوبى للممتثل» (في البيت‪ ،)50 :‬وقوله‪« :‬يا‬
‫سائل» (في البيت‪ ،)54 :‬وقوله‪« :‬يا إنسان» (في البيت‪ ،)57 :‬وقوله‪« :‬يا‬
‫فقراء» (في البيت ‪ ،)67‬وقوله‪« :‬يا يقظان» (في البيت ‪ ،)73‬وقوله‪َ « :‬نِّز ه»‬
‫(في البيت‪ ،)84:‬وقوله‪« :‬اسمع لي» (في البيت‪.)88 :‬‬

‫وعند االنتقال إلى «رسالة جواب عن معنى ال إله إال هللا وعن مقصود ما‬
‫احتوت عليه من نفي وإثبات»(‪ ،)1‬نجد مما يماثل أو يشابه ما سبق في قوله‪« :‬يا‬
‫فتى» (البيت‪ ،)3 :‬وفي قوله‪« :‬وانتبه» (البيت‪ ،)16 :‬وفي قوله‪« :‬فاذعن»‬
‫(البيت‪« ،)15 :‬واقبل العلم» (البيت‪ ،)15 :‬وفي قوله‪« :‬فخذ شهادة» (البيت‪:‬‬
‫‪ ،)30‬وفي قوله‪« :‬فحز إليك يا مريد الفائدة» (البيت‪ ،)37 :‬وفي قوله‪« :‬ودع‬
‫مقالة الغبي» (البيت‪.)38 :‬‬

‫(?) ضمن رسائل التوحيد والهيللة للهبطي‪ ،‬بدءا من ص‪.35 :‬‬ ‫‪1‬‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫وفي «رسالة تقييد في معنى ال إله إال هللا نظما ونثرا»(‪ ،)1‬يرد بعض من ذلك‬
‫في قوله‪« :‬اعرف» (البيت‪ ،)5 :‬وفي قوله‪« :‬هديت» (البيت‪ ،)5 :‬وفي قوله‪:‬‬
‫«استدركن» (البيت‪ ،)5 :‬وفي قوله‪« :‬ميز ما ورد» (البيـت‪ ،)9 :‬وفـي قولـه‪:‬‬
‫«تدبـر قصدهـا‪-‬دبـر‪-‬فدبر» (األبيات‪ ،)37-13-10:‬وفي قوله‪« :‬ال تمل عنها»‬
‫(البيت‪ ،)10 :‬وفي قوله‪« :‬يا أخي» (البيت‪ ،)11 :‬وفي قوله‪« :‬فحِّقق» (البيت‪:‬‬
‫‪ ،)13‬وفي قوله‪« :‬اعَج ب وزد من هؤالء عجبا» (البيت‪ ،)14 :‬وفي قوله‪« :‬خذ‬
‫تنصصي» (البيت‪ ،)22 :‬وفي قوله‪« :‬أين تهرب؟» (البيت‪ ،)34 :‬وفي قوله‪« :‬يا‬
‫بني» (البيت‪ ،)36 :‬وفي قوله‪ِ« :‬د ن بالصدق» (البيت‪ ،)37 :‬وفي قوله‪« :‬حِّو ل‬
‫فهما» (البيت‪ ،)44 :‬وفي قوله‪« :‬فخذ إليك واغسلن القلب» (البيت‪ ،)55 :‬وفي‬
‫قوله‪« :‬ال تدع لديه ريبا» (البيت‪ ،)55 :‬وفي قوله‪« :‬يا فتى» (البيت‪ ،)59 :‬وفي‬
‫قوله‪« :‬يا صاحبي» (البيت‪ ،)68 :‬وفي قوله‪« :‬أال استمع!» (البيت‪ ،)72 :‬وفي‬
‫قوله‪« :‬أيها اللهفان» (البيت‪ ،)74 :‬وفي قوله‪« :‬يا صديق» (البيت‪ ،)83 :‬وفي‬
‫قوله‪« :‬لقد نصحتك» (البيت‪ ،)87 :‬وفي قوله‪« :‬اقبل نصيحتي» (البيت‪،)88 :‬‬
‫وفي قوله‪« :‬يا لبيب» (البيت‪ ،)100 :‬وفي قوله‪« :‬ال تنازع» (البيت‪،)110 :‬‬
‫وفي قوله‪« :‬فزت باإلفادة» (البيت‪ ،)111 :‬وفي قوله‪« :‬خذها إليك» (البيت‪:‬‬
‫‪ ،)135‬وفي قوله‪« :‬فادع» (البيت‪.)136 :‬‬

‫وفي «رسالة أرجوزة "شمس الضحى"»(‪ ،)2‬يرد بعض من ذلك في‬


‫قوله‪«:‬فاعرف» (البيت‪ ،)14 :‬وفي قوله‪« :‬هديت(×‪( »)2‬البيت‪،)236-14 :‬‬
‫وفي قوله‪« :‬يا فتى» (البيت‪ ،)16 :‬وفي قوله‪« :‬فخذ» (البيت‪ ،)17 :‬وفي قوله‪:‬‬
‫«عليك بالتوحيد» (البيت‪ ،)46 :‬وفي قوله‪« :‬يا خليل» (البيت‪ ،)46 :‬وفي قوله‪:‬‬

‫(?) ضمن رسائل التوحيد والهيللة للهبطي‪ ،‬بدءا من ص‪.75 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ضمن رسائل التوحيد والهيللة‪ ،‬بدءا من ص‪.111 :‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫«يا نديم» (البيت‪ ،)76 :‬وفي قوله‪« :‬بادر (×‪( »)3‬األبيات‪،)232 -131-96:‬‬
‫وفي قوله‪« :‬نافس في حبها» (البيت‪ ،)116 :‬وفي قوله‪« :‬يا فتى» (البيت‪:‬‬
‫‪ ،)131‬وفي قوله‪« :‬يا أيها المريد» (البيت‪ ،)135 :‬وفي قوله‪« :‬سددن وحاول»‬
‫(البيت‪ ،)136 :‬وفي قوله‪« :‬واحذر» (البيت‪ ،)142 :‬وفي قوله‪« :‬فحقق»‬
‫(البيت‪ ،)143 :‬وفي قوله‪« :‬زاحم‪/‬كابد‪/‬بادر» (األبيات‪ ،)232-203:‬وفي قوله‪:‬‬
‫«يا فالن» (البيت‪ ،)203 :‬وفي قوله‪« :‬اعرف» (البيت‪ ،)216 :‬وفي قوله‪:‬‬
‫«أيها الخديم» (البيت‪ ،)216 :‬وفي قوله‪« :‬يا أيها المريد» (البيت‪ ،)231 :‬وفي‬
‫قوله‪« :‬يا أيها المحب» (البيت‪.)247 :‬‬

‫وهذا جدول تتبعي مقارن الستعماالت الهبطي المذكورة ُتيسر على القارئ‬
‫إمكانية المقارنة بين مؤلفات الهبطي في الجانب الذي أشرنا إليه‪ ،‬وليستخلص‬
‫(=القارئ) أن االستعماالت تستمد من نفس المشكاة‪:‬‬

‫جواب عن‬
‫تقييد في معنى أرجوزة شمس‬
‫الزجلية‬ ‫معنى ال إله‬ ‫نظم البرهانية‬
‫الضحى‬ ‫ال إله إال هللا‬
‫إال هللا‬
‫حققها‬ ‫حقق‬ ‫فحققن(×‪)2‬‬
‫‪ -‬فحقق‬
‫نافس‬ ‫فلتصرف الهمة‬
‫فاعرف(×‪)2‬‬ ‫اعرف‬ ‫انتبه‪-‬اقبل العلم‬ ‫فاعلم(×‪)2‬‬
‫ع الخبر‬
‫‪ -‬ع العلل‬
‫‪-‬ع التحرير‬
‫اعلم وافهم‬ ‫حول فهما‬ ‫حز إليك الفائدة‬ ‫فافهم(×‪)3‬‬
‫‪-‬اسمع لي‬ ‫‪-‬تدبر(×‪)3‬‬
‫اسأل من هللا‬ ‫ُهديت‬ ‫ُهديت‬ ‫ُهديت(×‪)2‬‬
‫هداك‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫َنِّز ه‬ ‫بادر‪-‬زاحم‪ -‬كابد‬ ‫َم ِّيْز‬ ‫انتبه‬ ‫َم ِّيْز‬

‫يا بني‬ ‫يا أخي(×‪)2‬‬


‫خذ تنصصي‬ ‫فخذ منصوصي‬
‫فخذ‬ ‫خذ إليك‬ ‫خذ شهادة‬ ‫خذ الدليل‬
‫‪-‬خذ دليال‬
‫‪-‬خذ تقديره‬
‫‪ -‬خذ التعلق‬
‫يا خليل‬ ‫يا ِنْع َم الخليل‪-‬‬
‫ياخليلي‬
‫يا لبيب (×‪)2‬‬ ‫يا لبيب‬ ‫يا ماهر‬
‫‪ -‬يا ذا الماهر‬
‫يا صحيب‬ ‫يا نديم‬ ‫يا صديق‬ ‫يا صاحب‬
‫‪-‬يا فالن‬ ‫يا صاحبي‬
‫يا صديق‬
‫اغسلن القلب‬ ‫صحح النظر‬
‫يا عقالء‬ ‫دع مقالة الغبي‬ ‫يا ذوي الذكاء‬
‫‪-‬يا يقظان‬
‫اتقن‬ ‫استدركن‬ ‫اجتن الفنون‬
‫‪ -‬كن به عالما‬
‫يا سائل‬ ‫أيها المريد‪-‬أيها‬ ‫يا قاصد‬
‫‪ -‬يا فقراء‬ ‫الخديم‪-‬أيها‬
‫المحب‬
‫يا سادات‬ ‫يا فتى(×‪)3‬‬ ‫يا فتى‬ ‫يا فتى‬ ‫يا غالم‬
‫‪-‬يا إنسان‬

‫‪ -4‬ومن جهة رابعة عثرنا على نصين يكادان يتطابقان في معالجتهما‬


‫لـ"دليل الممانعة" (الـُم ثٍبت وحدانيته تعالى عند المتكلمين ومنهم األشاعرة‬
‫وبينهم الهبطي)‪ ،‬وقد َخ َّط الرجل النصين بقلم واحد وإن كان أحدهما منظوما‬
‫والثاني منثورا‪ ،‬فاألول مأخوذ من «منظومة شرح البرهانية» ـ موضوِع البحث‬
‫والتحقيق ـ‪ ،‬والثاني نقلناه من «رسالة الهيللة» التي ثبتت نسبتها للغماري أبي‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫محمد ـ كما يؤكد على ذلك محققها ـ‪ ،‬وأعتقد أن القارئ سيزداد يقينا بعد اطالعه‬
‫على هاته المقارنة بما نحاول تأكيده في هاته المرحلة من البحث بخصوص‬
‫صحة نسبة المنظومة إلى أبي محمد عبد هللا الهبطي‪ ...‬ولنترك للقارئ الحصيف‬
‫إجراء الموازنة للتأُّك د ولتأكيد أو نفي طرحنا المذكور‪ ،‬فقد جاء في «المنظومة»‬
‫قوله في إثبات وحدانية هللا تعالى‪:‬‬
‫ُخ ِذ الَّد ليل القاِط َع الُم َؤ ِّيْد‬ ‫‪-126‬فصل‪ :‬على أَّن اِإل َلـَه واِح ْد‬
‫هما إلهاِن َو ُح َّد ِت الُحدوْد‬ ‫‪َ-127‬لو ُقِّد َر الفَّعال في هذا الُو جوْد‬
‫لواِح ِد الَّذ اِت وواِح ِد الَّز ماْن‬ ‫‪-128‬ثم اْنَتهى َتْقديُرنا على الِع ياْن‬
‫واآلخـُر الَّتحريــك ـ ُخ ـْذ تقـديـَر ْه‪:‬ـ‬ ‫‪-129‬ثم أراد واحٌد ُسكوَنْه‬
‫أو َع ْك ُسُه َفَح ِّقَقَّن الحاَلَتْيْن‬ ‫‪-130‬إما ُحصوُل الَع ْج ِز لِإل راَد َتْيْن‬
‫واآلخر الَع ْج ُز عليه جاِئُز‬ ‫‪-131‬أو واحٌد َيُحُّل فيه الَع ْج ُز‬
‫ِم ْن غير َتْج ويٍز في َح ِّقِه الَعَج ْز‬ ‫‪-132‬أْو واِح ٌد ُم راُد ُه له َنَج ْز‬
‫أربعٍة ُتْعزى إلى الُم حاِل ‪:‬‬ ‫‪ِ-133‬ح يَنِئٍذ ال بد من أْح واٍل‬
‫أو فيه يحُصل اجتماع الِّض َّد ْيْن‬ ‫‪َ-134‬س ْلُب الذي قَّد ْر نا من نِقيضْيْن‬
‫بالَع ْج ِز والَع جُز من الَبرَّيْه‬ ‫‪َ-135‬أْو َو ْص ُفنا َح قيَقة األلوهيْه‬
‫لمْثِلِه وذاَك ُك ُّلُه ُم حاْل‬ ‫‪-136‬أو َم ْنُعنا ِم ْثًال من الذي‬
‫َح َص ْل‬
‫نْفُي اإللهين الَّلذْيِن ُقِّدرا‬ ‫‪-137‬كاَّل ولِكن اْقَتضـى ما ُقِّر َر ا‬
‫وشْر ُطُه َنفيُهما الـَم ْبسوُط‬ ‫‪َ-138‬ك ذاَك االِّتفاُق ُقْل ‪َ :‬م شْـروُط‬
‫فإَّنه يكون في الـُم واَفَقْه‬ ‫‪-139‬إْذ كُل ما يكون في الُم خاَلَفْه‬
‫[‪]...................................‬‬ ‫‪/ -140‬مع زيادة من‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫نفى ِإلـَهْيِن ِبُك ِّل [حاِل ]‬ ‫‪-141‬وما رأيَتُه ِم َن األْفعاِل‬


‫ِبَك ْو ِن َر ِّبِه الَع ظيِم واِح دا‬ ‫‪-142‬بل قام هذا الَك ْو ُن َد ْأبًا َش اِهدا‬

‫وجاء في «رسالة الهيللة» ضمن «رسائل التوحيد والهيللة» بخصوص‬


‫نفس الدليل‪« :‬حين صح لك اعتقاد وحدة الواحد األحد‪ ،‬الفرد الصمد‪ ،‬المنزه عن‬
‫الصاحبة والوالد والولد‪ ،‬المقدس عن الشركاء والنظراء واألمثال واألنداد‪،‬‬
‫فدونك البرهان على ذلك بأقرب المسالك [قارن مع قوله‪" :‬خذ الدليل القاطع‬
‫المؤيد"]‪ :‬وذلك لو قدرنا وجود إلهين اثنين‪ ،‬كل واحد منهما مستوٍ في الصفات‬
‫المتوقف عليها صدور الفعل‪ ،‬وهي‪ :‬القدرة واإلرادة والعلم والحياة [يشير إليها‬
‫في «النظم» بقوله‪" :‬ثم انتهى تقديرنا على العيان‪ ‬لواحد الذات‪ ،]"...‬وقدرنا‬
‫تعلق إرادة أحدهما بتحريك جسم واحد في زمان واحد [يشير إلى المعنى في‬
‫«المنظومة» بقوله‪" :‬وواحد الزمان"]‪ ،‬وقدرنا تعلق إرادة اآلخر بتسكينه في‬
‫ذلك الزمان [جاء في "النظم"‪ :‬ثم أراد واحد سكونه‪‬واآلخر التحريك‪،]...‬‬
‫فحينئذ ال يخلو األمر من أربعة أوجه [عبر عن ذلك في "النظم" بقوله‪" :‬خذ‬
‫تقديره"]‪ ،‬وكلها محال؛ وهي إما أن تنفذ إرادتهما معا‪ ،‬فيكون الجسم ساكنا‬
‫متحركا في زمان واحد‪ ،‬وذلك محال الجتماع النقيضين‪ ،‬أو ال تنفذ إرادتهما معا‬
‫فيبقى الجسم ال متحركا وال ساكنا‪ ،‬وذلك محال الرتفاع النقيضين [عبر عنه في‬
‫"النظم" بقوله‪" :‬إما حصول العجز لإلرادتين‪‬أو عكسه فحققن الحالتين"]‪ ،‬وإما‬
‫أن تنفذ إرادة أحدهما ويعجز اآلخر‪ ،‬وذلك محال التصافهما بالعجز‪ ،‬ألن ما وقع‬
‫للمثل جاز على مماثله‪ ،‬والجائز كالواقع في قضاء العقول‪ ،‬والعجز ينافي وصف‬
‫األلوهية [يماثلها في "النظم" قوله‪ :‬أو واحد يحل فيه العجز‪‬واآلخر العجز عليه‬
‫جائز]‪ .‬وإما أن تنفذ إرادة أحدهما من غير تجويز العجز عليه [يماثلها في‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫"النظم" قوله‪ :‬أو واحد مراده له نجز‪‬من غير تجويز في حقه العجز]‪ ،‬وذلك‬
‫محال أيضا‪ ،‬ألن المثلين هما اللذان يستويان في جميع ما يجب ويستحيل ويجوز‬
‫[فّص ل هذا في "المنظومة" أكثر حيث خاض في أوجه المحاالت]‪ .‬وقد أدت هذه‬
‫الوجوه كلها إلى عدم وجود إلهين مقدرين [يطابقها قوله في "النظم"‪ :‬كال ولكن‬
‫اقتضـى ما قررا‪‬نفي اإللهين اللذين قدرا]‪ .‬وهذا كله مع االختالف والتضاد‪،‬‬
‫وذلك إذا قررنا اتفاقهما جائزا عاد الكالم إلى ما تقدم من بطالنهما [وجاء في‬
‫"النظم"‪ :‬كذلك االتفاق قل مشروط‪‬وشرطه نفيهما المبسوط‪/‬إذ ما يكون في‬
‫المخالفة‪‬فإنه يكون في الموافقة]‪ .‬وإن كان اتفاقهما واجبا وجب اضطرار كل‬
‫منهما إلى صاحبه‪ ،‬بحيث ال ينفرد عنه بإيقاع أثر ما‪ ،‬وذلك مؤد إلى‬
‫بطالنهما‪.)1(»....‬‬

‫والنتيجة كما نالحظ أن النظم يكاد يكون معتمدا على ما جاء في هذا النص‬
‫النثري‪ ،‬وهذا طبيعي ألن مؤلفهما كاتب واحد هو الشيخ الغماري‪.‬‬

‫‪ -5‬ومن المثير المرجح لفرضيتنا المتعلقة بالنسبة أيضا ما ورد في «نظم»‬


‫الهبطي المقصود من حديث عن مواضيع وقضايا استغرقت مشـروعه‬
‫اإلصالحي‪ ،‬ومنها موضوع "الجهل" الذي استأثر باهتمامه في جل أعماله‪،‬‬
‫وهكذا نجده يوجه خطابه وتأنيبه لمن يسميهم «جهاال» في غير ما نظم من‬
‫أنظامه ومنها «نظمه للبرهانية»‪ ،‬فقد جاء فيه قوله‪:‬‬
‫ِبِه ُم شيرًا ِال ْر ِتفاِع الَغْيِب‬ ‫‪-193‬وَم ْن يُقْل ‪َ :‬ر َأْيُت ذاَت َرِّبي‬

‫َفُهَو ِإَلٌه َقاِئٌم بنفِس ِه‬ ‫‪-194‬وَأَّن َم ا َبدا ِلَعْين ِسِّر ِه‬

‫(?) ضمن رسائل التوحيد والهيللة للهبطي‪ ،‬بدءا من ص‪.30-29 :‬‬ ‫‪1‬‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫ُم ْنَس ِبحًا في َأْبُح ِر الُّض الِل‬ ‫‪-195‬فإَّنُه ِم ْن ُج ْم َلِة الُج َّهاِل‬

‫وفيها يشير إلى "الجهل" العقدي الذي يسقط فيه بعض المتصوفة؛ حيث‬
‫يصفون هللا بأوصاف مخالفة لما تسمح به التأويالت العقدية كما يرى الناظم‪...‬‬
‫وفي نفس هذا الخط الذي اعتنى به الهبطي في رسالته اإلصالحية يعلن في‬
‫«رسالة الهيللة» بعدما شدد على ضرورة معرفة معنى "ال إله إال هللا" أن «من‬
‫جهل معناها ُيخاف عليه من الخلود في النار كما نص عليه العلماء األخيار»(‪.)1‬‬

‫وقال في نفس النظم مخاطبا ومحذرا الطلبة من فقراء الصوفية موجها إياهم لتصحيح اعتقاداتهم‬

‫بصيغة المفرد ال سيما إن كانوا متلبسين باعتقادات أهل الجهالة‪:‬‬


‫ُم َح ِّققًا ِلكِّل ما َقْد ُقْلُت‬ ‫‪-183‬فاْس ُلَك َس بيَل ما ِإَلْيِه ِج ْئُت‬

‫َج ْه ًال ُم َر َّك بًا وللَفْقِر [اْنَتَسْب ]‬ ‫‪-184‬ال ِسَّيما ِإن ُك ْنَت مَّمِن اْر َتَك ْب‬

‫وجاء في «رسالة جواب عن معنى ال إله إال هللا وعن مقصود ما احتوت‬
‫عليه من معرفة بنفي وإثبات»(‪ )2‬قوله في نفس االتجاه‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫عبادة من جاهل بالمعبود»‬ ‫«كيف تصح يا بني في الوجود‬

‫أي أن العبادة ال تعد صحيحة مقبولة إال إذا ارتفع العابد في عبادته إلى مرتبة‬
‫معرفة المعبود‪ ،‬فإن قصر عن تحقيق المعرفة المطلوبة فال تقبل عبادته‪،‬‬
‫والنتيجة أن الجاهل بأحكام العقيدة عبادته باطلة‪.‬‬

‫(?) ضمن رسائل التوحيد والهيللة للهبطي‪ ،‬بدءا من ص‪.60-59 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ضمن رسائل التوحيد والهيللة للهبطي‪ ،‬ص‪.47 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) المصدر السابق‪ ،‬ص‪.47 :‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫وقال‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫يكفيك يا هذا من الجهالة»‬ ‫«وحقق الرسول والرسالة‬

‫هنا إشارة وتنبيه على التقصير الحاصل لدى الطلبة ولدى عموم المخاطبين‬
‫بالشريعة في معرفة مقتضيات الرسول والرسالة‪ ،‬فإذا غابت المعرفة بهذا الركن‬
‫العقدي سقطت صحة العقيدة وصار المخاطب خارج المجال الديني السليم‪ .‬وكل‬
‫ذلك حاصل في نظر الهبطي بسبب الجهل الحاصل في الموضوع‪.‬‬

‫وقال عن الجهال كذلك‪:‬‬


‫(‪)2‬‬
‫فالحق ظاهر لكل عاقل»‬ ‫«ودع مقالة الغبي الجاهل‬

‫مرة أخرى يتحدث عن الجهل‪ ،‬ولكن في هذه المناسبة يحذر من اتباع أقوال‬
‫من ال علم كامل أو دقيق لهم‪ ...‬فقد كثر المتبجحون بالعلم‪ ،‬ولكن حقيقتهم مخالفة‬
‫لدعاويهم‪ .‬والهبطي بهذا يحذر من أدعياء العلم الموردين أتباعهم مهاوي‬
‫الضالل‪.‬‬

‫الجهل‪:‬‬ ‫وجاء في «رسالة أخرى في الهيللة» عن‬


‫(‪)3‬‬
‫فوهللا ما بقي للخير نصيب»‬ ‫«إذا جهل التهليل قال هداتنا‬

‫(?) نفسه‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) نفسه‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ضمن الرسائل ص‪.60 :‬‬ ‫‪3‬‬


‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫يعني أن الجهل بمعنى "ال إله إال هللا" ال يبقى معه للمتدين نصيب في نوال‬
‫الخير‪ ،‬وهذا يرفع معنى التهليل إلى المراتب األولى في بناء عقيدة المؤمن‪،‬‬
‫بدونها تفتقد المعرفة السليمة بحقيقة العقيدة‪.‬‬

‫ونثرا»(‪ )1‬قوله في نفس الموضوع‪:‬‬ ‫وورد في «تقييد في معنى ال إله إال هللا نظما‬
‫(‪)2‬‬
‫قد عددوا اإلله دون عقل»‬ ‫«وعندما قالوا لمحض الجهل‬

‫وهذا البيت متعلق بقضية النفي واإلثبات في اإلخالص‪ ،‬وسنفصل الحديث‬


‫عنها في مبحث الحق بحول هللا‪.‬‬

‫الموضوع‪:‬‬ ‫وجاء في «أرجوزة شمس الضحى» في‬


‫مستنكرا في أهل هذا الجبل‬ ‫«والصوت بالتسبيح والتهليل‬
‫معناه ال تلقي سوى من جهال‬ ‫من تركهم للذكر والبحث على‬
‫(‪)3‬‬
‫وال درى شيئا من التأويل»‬ ‫القصد بالتسبيح والتهليل‬

‫وفي األبيات إشارة إلى مظاهر الجهل المنتشرة في بيئته‪ ،‬حيث يقع استنكار‬
‫التسبيح والذكر والعبادة على طريقة القوم‪ ،‬ومن هنا كان ضروريا نصب راية‬
‫اإلصالح تقويما ومعالجة لهاته األدواء الجهلية ـ كما سنعرف ـ‪.‬‬

‫وفي موضع آخر من األرجوزة نقف على عتابه لصوفية الضالل بسبب‬
‫يقول‪:‬‬ ‫انحرافهم‪ ،‬منكرا عليهم جهلهم باهلل وإضاللهم للفقراء واألتباع حيث‬

‫(?) ضمن الرسائل‪ ،‬ص‪.75 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ضمن الرسائل ص‪.82 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ضمن الرسائل‪ ،‬أرجوزة شمس الضحى‪ ،‬ص‪.123:‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫عن الصـراط مال بالفقيـر‬ ‫«أف لهذا الزائل الحقير‬


‫وال بقرب من حماه نازل‬ ‫حتى ادعى ما ليس فيه حاصل‬
‫من رفعة له على سواه‬ ‫الطبع غره لما رآه‬
‫لجهله باهلل رب الممالك»(‪.)1‬‬ ‫وغاب عنه ما وراء ذلك‬

‫‪ -6‬ومن المسائل التي استأثرت باهتمام الهبطي في مشـروعه العقدي‬


‫التصحيحي موضوع التكفير حيث تظهر عنايته الكبيرة بتجنيب الناس الوقوع‬
‫في أحابيله‪ ...‬واحترازا من ذلك اجتهد في تنبيهات على المسائل المسقطة في‬
‫أسباب الخروج من الدين اجتهادا تبدو عليه الكثير من المبالغة والتشدد‪ ،‬وقد‬
‫انتشـرت آراؤه بهذا الخصوص في معظم منظوماته ومنها «منظومة شرح‬
‫البرهانية» ولنتابع االرتباط في ذلك اكتفاء بنموذج من «نظم البرهانية» وآخر‬
‫من "رسالة" أخرى للهبطي‪:‬‬

‫قال في «منظومة البرهانية» محذرا من االقتناع باصطالحات المنحرفين من‬


‫أهل التصوف‪« :‬‬
‫ما اْص َطَلَح الَقْو ُم عليِه من كالْم‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ -185‬وقد َسِم ْعـَت أْو َر َأْيَت ـ ياغـالْم ـ‬

‫وَغ يِر ها ِم ـما َبياُنُه يطوْل‬ ‫‪ -186‬مثُل الَّتجالي والُّطهوِر والُو صوْل‬

‫ُم ْع َتِقدًا َلُه فَأْنَت كافْر »‬ ‫‪ُ -187‬ثَّم حَم ْلَتُه على الَّظواِهْر‬

‫(?) المصدر السابق‪ ،‬ص‪.125 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) يقصد‪ :‬الصوفية‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫وحكم بالتكفير أيضا على من لم يفرق بين هللا والرسول في «رسالة جواب‬
‫(‪)1‬‬
‫قائال‪:‬‬ ‫عن معنى ال إله إال هللا وعن مقصود ما احتوت عليه من نفي وإثبات»‬
‫من النبي المصطفــى محمد‬ ‫«من لم يميز ربه الموحــد‬
‫فكفره عن الشيوخ منقول»‬ ‫وال درى معنى اإلله والرسول‬

‫‪ -7‬ومن مرجحات نسبة هذه المنظومة إلى الهبطي أيضا أنها مكتوبة بَنَفِس‬
‫أحد علماء فترة أبي عبد هللا محمد السنوسي (ت‪895.‬هـ‪1490/‬م)‪ ...‬ولكننا‬
‫مطالبون أيضا باالعتراف ألبي بكر الخفاف (ت‪.‬ق ‪ 7/13‬م) الشارح المتقدم‬
‫لـ«البرهانية» و«اإلرشاد» بكون نَفسه واختياراته اإلبداعية في الدرس‬
‫األشعري كانت رائدة في هذا الباب وحاضرة مع الهبطي فيما نحن بصدده‪ ،‬ومن‬
‫أهم إضافاته(‪ )2‬التي سيتلقفها بعد ذلك السنوسي وسيجعلها من سمات مدرسته‬

‫(?) ضمن نفس الرسائل السابقة‪ ،‬ص‪ ،‬ن‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) جاء في «شرح الخفاف للبرهانية » بهذا الخصوص‪« :‬وأما المقدمة الثالثة [من المقدمات‬ ‫‪2‬‬

‫الست] وهي ما مبدؤها؟ فنقول أما مبدؤها فمعرفة األحكام العقلية الكلية الضرورية التي هي‬
‫الوجوب والجواز واالستحالة‪ ،‬واستحقت هذه أن تكون مبدأ لهذه الطريقة‪ ،‬ألن غاية المتكلم أن‬
‫يثبت الوجوب لواجب ما‪ ،‬والجواز لجائز ال ما‪ ،‬واالستحالة لمستحيل ما‪ ،‬فمن ضرورة من ينسب‬
‫إحدى هذه األحكام لمحكوم عليه أن يعقل حقيقة الحكم مطلقا‪ ،‬وأن يكون ضروريا عنده‪ ،‬وإال‬
‫تسلسل‪ .‬فإذا تقرر االحتياج إلى معرفة األحكام العقلية كما قلناه‪ ،‬فالبد من تعريف كل واحد منهما‬
‫تعريفا كليا‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫الواجب من األحكام العقلية حُّد ه أنه كل معقول ثبت وتحقق‪ ،‬واستحال مقابله نفيا كان أو إثباتا؛‬
‫فأما الوجود الواجب فوجود هللا تعالى‪ ،‬وأما العدم الواجب فعدم الضدين والشريك والصاحبة‬
‫والولد في حق هللا تعالى‪.‬‬
‫وأما المستحيل من األحكام فحده أنه كل معقول امتنع تصوره نفيا كان أو إثباتا؛ فالمستحيل من‬
‫معقول النفي انتفاء القديم‪ ،‬وانتفاء الشرط مع تحقق المشروط‪ ،‬كفقد الحياة من المتصف بالعلم‬
‫حال اتصافه به‪ ،‬والمستحيل من معقول اإلثبات كوجود الضدين وغير ذلك مما تقدم في [حد‬
‫الواجب أنه واجب القدم‪.‬‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫الكالمية ـ كما يعرف المختصون في األشعرية بالمغرب ـ بدؤه بالحديث عن‬


‫أقسام الحكم العقلي (الواجبة والمستحيلة ثم الجائزة) في مقدمات مؤلفاته كما هو‬
‫حاصل في كتاب «أم البراهين» وغيره‪ .‬وعليه فإن مؤشرا جديدا وقويا ينتصب‬
‫أمامنامن داخل «نظم البرهانية» ـ موضوع البحث ـ يدفعنا إلى االنتباه‪ ،‬وإلى‬
‫اعتبار هذا العمل من مؤلفات الفترة السنوسية أو بعدها‪ ،‬كما يدفع ـ في رأي آخر‬
‫ـ إلى اعتبار أن الناظم ظل متشبثا ومعتزا بتقديم عمل المغربي الساللجي في‬
‫نظمه والترويج لمنهجه العقدي بإزاء عمل غير المغاربة‪ ،‬وأن إضافاته الجديدة‬
‫على المضامين التي بسطها الساللجي مستوحاة من أعمال المغاربة أو‬
‫األندلسيين الذين يتقدمهم في هذا االتجاه المتكلم األندلسي‪/‬المغربي أبو بكر‬
‫الخفاف المشار إليه قبل قليل‪ .‬وفي كال الحالين (أي مع تقليد الناظم للسنوسي أو‬
‫اتباعه للخفاف) تبقى فرضية نسبة النظم للهبطي (ت‪9.‬هـ) أقوى االحتماالت‬

‫وأما] الجائز من األحكام فحده أنه كل معقول ال يلزم من تقدير مقابليه على البدل محال‪ ،‬كنزول‬
‫المطر‪ ،‬ووجود العالم عوضا من استمرار عدمه‪.‬‬
‫والدليل على حصر األحكام العقلية في الثالثة المذكورة أن الزائد عليها ال يخلو أن يكون مما‬
‫يتصور ثبوته‪ ،‬أو ال يتصور ثبوته‪ ،‬فإن كان مما ال يتصور ثبوته فهو المستحيل‪ ،‬وإن كان [مما]‬
‫يتصور ثبوته‪ ،‬فال يخلو أن يجوز مقابله أو ال يجوز مقابله‪ ،‬فإن تصور ثبوته ولم يجز مقابله فهو‬
‫الواجب‪ ،‬وإن تصور ثبوته‪ ،‬وجاز مقابله فهو الجائز‪ ،‬فصح أن األحكام العقلية ثالثة كما قدمنا‪.‬‬
‫وينبغي [أن يعلم] أوال حد الحكم العقلي ما هو؟ قبل الكالم في أقسامه‪ ،‬وهذا [يجُّر إلى] معرفة‬
‫الحكم على اإلطالق‪[ ،‬فالحكم على اإلطالق] وهو قضية الشـيء والزمه‪ ،‬أو تقول هو المعقول‬
‫الذي ال تفهم له حقيقة إال باإلضافة إلى محكوم به عليه‪ ،‬وهذا يشتمل على كل محكوم به عليه‬
‫وجودا كان أو عدما‪ ،‬وهو ينقسم ثالثة أقسام‪ ،‬عقلي وشرعي وعادي‪:‬‬
‫فالعقلُّي حُّد ه‪ :‬كل معقول يلزم من تقدير تبدله في الذهن‪ ،‬قلُب حقيقة المحكوم عليه بـه‪ ،‬وهـو‬
‫ينقسـم =‬
‫= إلى الواجب والجائز والمستحيل كما تقدم»‪" ،‬شرح العقيدة البرهانية" ألبي بكر الخفاف‬
‫اإلشبيلي‪( ،‬مخطوط) نسخة مكتبة اإلسكولاير ‪ ،1273‬الورقة ‪.3‬‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫عندنا لتأثر هذا األخير في معظم منظوماته ورسائله بالخط العقدي للساللجي مع‬
‫تجديده وتطعيمه بالبحوث المستحدثة في ا لكالم األشعري الجديد المتأثر بالروح‬
‫الفلسفية للمدرسة المتأخرة التي ُيدرج السنوسي ضمنها‪.‬‬

‫‪ -8‬لقد اكتفى مؤلف هذا النظم بمعالجة مباحث "الطبيعيات" و"اإللهيات"‬


‫دون غيرها من مباحث العقيدة كما صرَّح بذلك هو نفسه في بداية العمل اعتقادا‬
‫ب العمل التصحيحي في حياة الناس‪ ،‬ألنه كان يرى‬
‫منه أن اإلصالح العقدي هو لُ ُّ‬
‫أن جهل الناس بالتوحيد الخالص يضعف من إيمانهم باهلل‪ ،‬وإذا ضعُف اإليمان‬
‫باهلل ضعُف معه االمتثال ألوامره‪ ،‬وتالشى في النفوس وازع االبتعاد عن‬
‫محارمه ونواهيه‪ .‬وهذا الذي فعله الناظم (=الهبطي في نظرنا) في نظمه‬
‫ديدن‬
‫لـ«البرهانية» (أقصد بالتركيز على مباحث اإللهيات والطبيعيات) كان َ‬
‫المؤلفين في العقيدة على عهده‪ ،‬باعتبار المنهج العام الذي سلكته البحوث‬
‫الكالمية الوقتية وعلى رأس اآلخذين بذلك مدرسة السنوسي التي نهجت هذا‬
‫النهج ابتداء في التأليف؛ حيث تركت الحديث عن موضوع "اإلمامة" والبحث‬
‫في القضايا السياسية المرتبطة بالعقيدة خالفا لما كان شائعا في فترات األشعرية‬
‫األولى والمتوسطة بالمغرب وفي المشرق قديما وحتى عند المتأخرين‪.‬‬

‫‪ -9‬نظم الهبطي «البرهانية»‪ ،‬ثم قام بترقيعها وذلك بإتمام ما نقص منها‬
‫اعتمادا على «شرح الخفاف للبرهانية أو لإلرشاد»‪ ،‬أو ارتكازا على «صغرى‬
‫السنوسي» كما تجلى ذلك فيما أشرنا إليه قبل بخصوص تقسيم الحكم العقلي‪ ،‬ثم‬
‫أثبت االختيار الكالمي المعتَم د عند الخفاف ثم السنوسي من أجل تحيين المباحث‬
‫العقدية للبرهانية وترجيح اختيارات أخرى لهما عند مخالفته الختيارات‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫الساللجي الكالمية‪ ...‬وهذا لعمري دليل قوي على انتماء الناظم لالتجاه الجديد‬
‫المرتبط بالمدرسة السنوسية التي يعد الهبطي من أبرز رجاالتها‪...‬‬

‫‪ -10‬وبالرجوع إلى «زجلية الهبطي في التوحيد» يالحظ أنها و«نظم‬


‫البرهانية» هذا تجمعهما وحدة المصدر والتأليف‪ ،‬فرغم أن «الزجلية» موَّجهة‬
‫للعامة وكتبت بلهجة مغربية متفِّص حة إال أنها في عناصر موضوعاتها وفي‬
‫بنائها‪ ،‬ثم في أحكامها ومضامينها (تضم ‪110‬بيتا) تكاد تكون اختصارا للنظم‪،‬‬
‫كما أنها تتطابق مع نظم الهبطي الذي نحن بصدد التأكد من نسبته إلى ناظمه‪.‬‬
‫ولما كانت نسبة «الزجلية» ثابتة للهبطي األب بحكم التنصيص على ذلك في‬
‫كالم الناسخ بالمخطوطة ‪ -‬نقال عن خالد زهري الذي يملك مصورتها عن‬
‫الخزانة الحسنية‪ ،‬فقد ترجحت لدينا نسبة هذا النظم ألبي محمد الهبطي‬
‫الغماري‪....‬‬

‫‪ -11‬وهناك مؤكدات مضمونية بالنظم تساير التقرير الذي تبنيناه بخصوص‬


‫نسبته إلى الهبطي‪ ،‬منها المواقف الصادرة عن الرجل فيما يتعلق بمواجهة‬
‫العرفان المنحرف عقديا بمنطقته‪ ،‬فقد كان هذا من أبرز ما ميز مشروعه الفكري‬
‫والديني في محاربته للبدع واالنحرافات والطرق الصوفية الضالة في منطقته‬
‫أوال وفي المغرب عموما‪ ،‬وظهرت مطابقة ما جاء في الشرح لما تضمنته كتب‬
‫الهبطي األخرى في هذا الصدد وخصوصا في منظومته الطويلة المسماة‪:‬‬
‫«األلفية السنية في تنبيه العامة والخاصة على ما أوقعوا من التغيير في الملة‬
‫اإلسالمية »(‪.)1‬‬

‫وعليه فإن هذه القرائن تمدنا بنتيجتين مهمتين‪:‬‬

‫(?) نشرت سنة ‪ 1994‬بمدينة وجدة‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫‪ -‬أولهما‪ :‬أنها بمجموعها تمثل دليال كافيا ومقنعا ـ في نظرنا ـ على نسبته إلى‬
‫عبد هللا الهبطي‪ .‬على أننا لن نكابر ولن نتعنت في التشبث باستنتاجاتنا هاته في‬
‫حال ظهور أدلة أقوى أو مستندات وثقية تطعن في اجتهادنا هذا أو تقدم الدليل‬
‫القاطع على نسبته لعالم آخر من علماء العقيدة‪ ،‬بل لن نملك عندئذ إال االنصياع‬
‫لما سيثبته الدليل العلمي الحاسم‪.‬‬

‫‪ -‬ثانيهما‪ :‬أن تصحيح نسبة هذا النظم إلى عبد هللا الهبطي‪ ،‬وهو من رواد‬
‫المدرسة السنوسية في القرن العاشر للهجرة ينسف دعوى أن عقائد السنوسي‬
‫َنَس َخ ت اعتماد «العقيدة البرهانية» ونسفت سلطتها المعرفية؛ حيث نجد الهبطي‬
‫المنتمي إلى مدارس‪" :‬الساللجي" و"الخفاف" و"السنوسي" يعيد لها الحياة في‬
‫القرن العاشر الهجري من خالل تقديمها بصيغة جديدة تالئم المرحلة التي يعيش‬
‫فيها‪...‬‬

‫‪ -2‬من هو عبد هللا الهبطي (ت‪963 .‬هـ‪1587/‬م)؟‬

‫الشيخ أبو محمد عبد هللا الهبطي من رجال اإلصالح الديني واالجتماعي في‬
‫القرن العاشر الهجري‪ 16/‬م بشمال المغرب‪ .‬ارتبط اسمه بالدعوة الصوفية‪،‬‬
‫وبالحركة الجهادية ضد االستعمار مما فتح عليه باب المتابعات المتنوعة من‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫طرف الحكام والمستفيدين من أوضاع الركود ببالده(‪ .)1‬وكان يلقب بـ«جنيدي‬


‫زمانه»(‪ ،)2‬وكان الشيخ أبو القاسم بن خجو يقول‪« :‬هو غزالي هذا الزمان»(‪.)3‬‬

‫ولد عبد هللا الهبطي بضواحي مدينة العرائش المغربية بقرية اهباطة من قبيلة‬
‫سماته أيام حكم الوطاسيين‪ ،‬وصادف مولده زحف البرتغاليين وتوسعهم في‬
‫منطقة طنجة‪ ،‬مما دفع أسرته للهجرة بتوجيه من أخيه مسعود ـ المحرر أخيرا‬

‫(? ) معلومات ترجمته مأخوذة من المصادر والمراجع التالية‪ :‬ابن عسكر الحسني الشفشاوني‬ ‫‪1‬‬

‫(ت‪986.‬هـ)‪ ،‬دوحة الناشـر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد‬
‫حجي‪ ،‬مطبعة دار المغرب للتأليف والترجمة والنشـر ‪ 1976-1396‬ص‪ 7 :‬وما بعدها‪ ،‬وابن‬
‫القاضي المكناسي (ت‪1025.‬هـ)‪ :‬جذوة االقتباس فيمن حل من األعالم مدينة فاس‪ ،‬ط‪ :‬دار‬
‫المنصور‪ ،‬الرباط‪ ،1973 :‬ص‪ ،89-88 :‬ودرة الحجال في أسماء الرجال‪ ،‬تح‪ :‬محمد األحمادي‬
‫أبو النور‪ ،‬الناشر‪ :‬دار التراث القاهرة‪ -‬المكتبة العتيقة تونس‪ ،‬القاهرة مطبعة دار النصر‬
‫للطباعة‪ ،‬الطبعة ‪ 3/60 ،1970 -1390 :1‬تر‪ ،975 .‬ومحمد العربي الفاسي(ت‪1052.‬هـ)‪،‬‬
‫مرآة المحاسن من أخبار الشيخ أبي المحاسن ونبذة عن نشأة التصوف والطريقة الشاذلية‬
‫بالمغرب‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬الشريف محمد حمزة بن علي الكتاني‪ ،‬منشورات رابطة أبي المحاسن‬
‫بن المجد ‪ ،3‬مطبعة النجاح الجديدة‪ -‬الدار البيضاء‪ -‬الطبعة‪ ،2003-1424 :1‬ص‪ 80 :‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬واليوسي (ت‪1102.‬هـ) في المحاضرات تح‪ :‬محمد حجي‪ ،‬ط‪ :4‬دار الغرب‪ ،‬بيروت‪:‬‬
‫‪ ،2006‬ومحمد بن الطيب القادري (ت‪1187.‬هـ) في اإلكليل والتاج‪ ،‬تح‪ :‬مارية دادي‪ ،‬ط‪:‬‬
‫مطبعة شمس‪ ،‬وجدة‪ ،2009 :‬رقم الترجمة‪ ،468 :‬ص‪ ،396-395 :‬وفي نشـر المثاني‪ ،‬تح‪:‬‬
‫محمد حجي وأحمد التوفيق‪ ،‬منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشـر‪ ،‬مكتبة‬
‫الطالب‪ ،‬الرباط (د‪-‬ت)‪ ،‬ص‪ ،1001 :‬والحضيكي (ت‪1189.‬هـ) في طبقاته‪ ،‬تح‪ :‬أحمد بومزكو‪،‬‬
‫ترجمة رقم‪ ،731 :‬ط‪ ،1 :‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬البيضاء‪ ،2006 :‬ص‪ ،561-556 :‬وأحمد بن‬
‫عجيبة (ت‪1224.‬هـ) في أزهار البستان في طبقات األعيان‪ ،‬وغيرهم‪ .‬وانظر أيضا من المراجع‪:‬‬
‫عبد القادر العافية‪ ،‬الحياة السياسية والفكرية بشفشاون وأحوازها‪ ،‬ط‪ :‬األوقاف المغربية‪:‬‬
‫‪ ،1402/1982‬ص‪ ،367 :‬وجمال بامي‪ ،‬عبد هللا الهبطي‪ ،‬نشر في ميثاق الرابطة بتاريخ‪- 29 :‬‬
‫‪.2012 - 06‬‬
‫(?) ابن عسكر‪ ،‬دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر‪ -‬ص‪.8 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) المصدر السابق‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫من سجن البرتغاليين بعد أن قضى فيه ‪ 20‬سنة ـ إلى جبال الغمارية‪...‬كانت‬
‫غمارة في هذا اإلبان تؤسس لعمل جهادي ولحركة مقاومة ضد االستعمار‪...‬‬
‫فاستقرت أسرة الهبطي في البداية بقرية تيجساس من قبيلة بني زيان‪ .‬وهناك‬
‫أكمل عبد هللا الهبطي حفظ القرآن الكريم وشرع يدرس مبادئ العلوم‪ ،‬إال أنه‬
‫وبعد وقت قصير ستنتقل الأسرة من تيجساس إلى قرية تلمبوط بقبيلة بني زجل‪،‬‬
‫وهناك ستنطلق مرحلة تتلمذه على الشيوخ‪.‬‬

‫كان على رأس شيوخه عبد هللا القسطالي الشدادي الزجلي األندلسـي (أستاذه‬
‫في القراءات والتفسير وعلوم القرآن الكريم)‪ ،‬والحاج زروق الزياني (ت‪.‬‬
‫‪931‬هـ) شارح «الرقعي»(درس عليه الفقه بــ«الرسالة»)‪ ...‬ثم رحل الهبطي في‬
‫رحلة علمية إلى مدينة فاس فاستقبله الشيخ أبو العباس أحمد الزقاق (ت‪920.‬هـ)‬
‫(فأخذ عنه علم الفقه والتوحيد وتوطدت بينهما وشائج العلم)‪ .‬كما درس على أبي‬
‫العباس أحمد بن محمد العبادي التلمساني (ت‪931.‬هـ) ـ الوارد على فاس أيام‬
‫السلطان محمد الشيخ الملقب بالبرتغالي ـ الطرق العقليات وجملة من العلوم‬
‫بالقرويين‪ ،‬وقرأ على الشيخ الصوفي عبدالرحيم بن يجبش التازي(ت‪920.‬هـ)‬
‫علوم الحقيقة واتخذه شيخا في طريقة القوم بتازة خالل المدة القصيرة التي‬
‫قضاها معه قبيل وفاته‪ .‬ثم اتصل بعد ذلك بشيخه الروحي الكبير أبي محمد عبد‬
‫هللا الغزواني الذي كان من أعالم الطريقة الكبار‪ ،‬فتتلمذ له‪ ،‬وصحبه وأخذ عنه‪،‬‬
‫بل رافقه مدة طويلة في الحضـر والسفر‪ ،‬وتشبع بأفكاره الصوفية‪ ،‬فسمت نفسه‪،‬‬
‫وصفت روحه‪ ،‬وجال في عالم األذواق واألشواق والوجد‪ ...‬واستفاد من المربين‬
‫والمريدين‪.‬‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫وبعد رحلته العلمية سيعود عبد هللا الهبطي إلى غمارة وسينضم إليه صديقه‬
‫أبو القاسم بن خجو (ت‪956‬هـ) في طريقة القوم ليخرجا معا طائفْين على‬
‫القبائل والمداشر‪ ،‬آمرْين بالمعروف ناهيْين عن المنكر‪ ،‬وقبل خروجهما للوعظ‬
‫واإلرشاد عين الشيخ الهبطي زوجته ـ أخت ابن خجو ـ بالمواهب لتعليم النساء‬
‫ودعوتهن إلى هللا وإرشادهن إلى الطريق المستقيم‪.‬‬
‫قال ابن عسكر‪« :‬لما استولى السلطان أمير المؤمنين [يقصد السلطان محمد‬
‫المهدي الشيخ الذي دخل فاسا ألول مرة في ‪955‬هـ] على ملك المغرب وتغلب‬
‫على كرسي الملك بفاس‪ ،‬بعث إلى الشيخ ليفاوضه في أمر الدين وشأن األمة‪،‬‬
‫فقدم فاسا لهذا القصد‪ .‬وكان السلطان يجل قدره‪ ،‬ويمتثل أمره»(‪.)1‬‬
‫تمتع الشيخ الهبطي برؤية ومنهج دعوي مضبوط ولم يشرع في عمله‬
‫الدعوي إال بعد تسطير الأساليب المتنوعة المعينة على القيام بالمهمة‪ .‬ومن هذه‬
‫األساليب‪:‬‬
‫‪ -‬اتصاله بأعيان القبائل في المساجد القائمة (أو التي كان يبنيها بمساعدة أهل‬
‫المنطقة إن كانت مفقودة) عند وصوله إليها‪،‬‬
‫‪-‬وعقده الجلسات الطويلة معهم بحضور جمهور من الناس‪،‬‬
‫‪-‬ثم قيامه بسؤال الناس بصفة خاصة عن اإلسالم ومبادئه‪ ،‬وقواعده‪ ،‬وعن‬
‫اإليمان‪ ،‬والتوحيد‪ ،‬وعن الطهارة الكبرى والصغرى‪ ،‬وعن أحكام الحيض‬
‫والنفاس والعدة‪ ،‬وغير ذلك من األحكام الفقهية الضرورية‪.‬‬

‫(?) ابن عسكر‪ ،‬دوحة الناشر‪ ،‬ص‪.9 :‬‬ ‫‪1‬‬


‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫‪-‬وبعد هذا االختبار التشخيصـي كان ينطلق في التعليم والتوجيه والتصحيح‬


‫وااللتزام بتفاصيل الدعوة بناًء للعقائد وتسديدا للسلوكات العبادية والمعامالتية‬
‫واألخالقية‪...‬‬
‫‪-‬وكان ال يغادر هو وصاحبه ابن خجو مكان وفضاء الدعوة المحَّد د حتى‬
‫يأخذا العهد من األعيان والوجهاء على التزام الطريق المستقيم وعلى إقامة‬
‫الصلوات في أوقاتها‪ ،‬وفي نفس الوقت كانا يطلبان منهم أن يبتعدوا عن استعمال‬
‫الربا في المعامالت التجارية وغيرها‪ ،‬وكانا ال يكتفيان بالكالم الشفوي‪ ،‬بل كان‬
‫الهبطي يكتب وثيقة التزام في نسختين‪ ،‬يأخذ هو واحدة‪ ،‬ويترك الثانية عند أعيان‬
‫الجماعة‪.‬‬

‫وهكذا استمر هذا الداعية الصوفي في "تطهير" الشمال المغربي مما اعتبره‬
‫«عوائد ضالة كانت منتشرة فيه‪ ،‬كظاهرة الوشم التي كانت متفشية في المجتمع‬
‫الغماري في ذلك العصر‪ .»...‬وكان يستعين ديداكتيكيا في عمله بالمحتويات‬
‫العقدية األشعرية‪ ،‬ووسائليا بــ"أنظامه" التي قصد فيها فضح الأخالق المنحرفة‬
‫والسلوكات الضالة‪ ...‬وباإلضافة إلى "منظومات" الهبطي التي كانت تشخص‬
‫األمراض االجتماعية وتحذر منها وتصف الدواء الناجع لها‪ ،‬كان يبعث‬
‫بـ"رسائله" إلى مختلف الجهات يحث فيها على جهاد الصليبيين وينادي بوجوب‬
‫جمع الشمل ووحدة الكلمة والرجوع إلى كتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬كما كان يبعث بهذه الرسائل إلى الفقهاء واألعيان وإلى الطلبة طالبا منهم‬
‫قراءتها في المساجد على مسامع الناس وبحضورهم ليكون تأثيرها في قلوبهم‬
‫أبلغ(‪. )1‬‬

‫(?) راجع‪ ،‬جمال بامي‪ ،‬عبد هللا الهبطي‪ ،‬ميثاق الرابطة بتاريخ‪.2012-06-29 :‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫وقد لقي الهبطي في طريق دعوته وإصالحه الكثير من العقبات‪ ،‬كما ووجه‬
‫بالعداوات من طرف العلماء ومن أمراء بني راشد حكام شفشاون السيما القائد‬
‫محمد ابن علي بن راشد الذي كان وراء إشعال المناظرة الشهيرة بينه وبين‬
‫الفقيه الشهير اليسيثني‪ ...‬والراجح أن الهبطي ُأهين وُضرب وُحبس كما يذكر‬
‫ذلك ولده محمد بن عبد هللا الهبطي في «منظومته» في ترجمة والده حيث‬
‫يقول‪:‬‬

‫«كم سامه بالضرب والتهاون والي وقاضي(‪ )1‬الجور بشفشاون‬

‫سجنه القاضي عدو نفسه من غير جرم‬


‫موجب لحبسه»(‪.)2‬‬

‫ويذكرأبو الحسن علي اليوسي في كتاب «المحاضرات» أن الشيخ عبد هللا‬


‫الهبطي لقي بسبب موقفه ورأيه في النفي في التهليل مضايقات من بعض‬
‫معاصريه‪ ،‬قال‪« :‬حتى امتحنوه بالسياط»(‪ ...)3‬وهكذا فتن الشيخ عبد هللا الهبطي‬
‫كما يفتن الدعاة والمصلحون في كل زمان ومكان؛ إال أنه بالرغم من ذلك ظل‬
‫صامدا صابرا محتسبا‪ ،‬وواصل المضي في رسالته اإلصالحية إلى أن شل في‬

‫(? ) يقصد القاضي الشفشاوني محمد بن أحمد بن الحاج الذي تولى القضاء بمدينة شفشاون مدة‬ ‫‪1‬‬

‫طويلة‪.‬‬
‫(?) محمد الهبطي‪ ،‬منظومة "المعرب الفصيح في ترجمة الشيخ النصيح"‪ ،‬وهي منظومة في‬ ‫‪2‬‬

‫ترجمة والده في أزيد من ألف وثالثمائة بيت‪ ،‬مخطوط خاص في مكتبة األستاذ عبد القادر العافية‬
‫الخاصة‪.‬‬
‫(?) اليوسي‪ -‬المحاضرات في اللغة واألدب‪ ،‬تح‪ :‬محمد حجي‪ ،‬ط‪ :4‬دار الغرب‪ ،‬بيروت‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،2006‬ص‪.92 :‬‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫آخر عمره وعجز عن المشي‪ ،‬لكنه لم ينقطع عن عقد حلقات الدرس وال عن‬
‫مجالسه العلمية بفضل من هللا‪..‬‬

‫‪ -3‬في إصالحه العقدي‪:‬‬

‫كان الهبطي يعتقد ـ كما ذكرنا آنفا ـ أن "جهل" الناس بالعقيدة وتوحيد اإلله‬
‫عائد في أساسه‬
‫ٌ‬ ‫ُيضعف إيمانهم‪ ،‬فكان يرى أن ما يتخبط فيه مجتمعه من انحراف‬
‫إلى نقص وضعف اإليمان باهلل وما يتفرع عنه‪ ،‬مما يترتب عليه سقوط الناس في‬
‫حضيض الممنوعات ويفقدهم مكارم األخالق وجميل الفضائل‪ ...‬لذلك ألف‬
‫"رسائله" و"منظوماته" العديدة لتوجيه الفئات المتعددة والمستويات المتنوعة‪:‬‬
‫أمراء‪ ،‬وحكاما‪ ،‬وطبقات الفقهاء‪ ،‬والقضاة‪ ،‬والعدول‪ ،‬وطبقة المتصوفة‪،‬‬
‫وطبقات العوام من نساء ورجال‪.‬‬

‫وقد أرجع عبد هللا الهبطي سبب ضعف اإليمان لدى أهل زمانه وبلده إلى‬
‫الغزو االستعماري البرتغالي الذي فتك بالبالد والعباد‪ ،‬ونتج عنه سقوط أهم‬
‫الثغور المغربية في يد العدو‪ ،‬من هنا كان الرجوع إلى تنقية العقيدة وتقويتها في‬
‫القلوب أمرا أساسيا ضمن مشروعه اإلصالحي بغية إيقاظ الوازع اإليماني‬
‫المحرض على مواجهة الظلمة والصليبيين والتحريض على الجهاد‪ ...‬وبمعرفة‬
‫هذه الحقيقة يتمكن المتابع من فهم مغزى دعوة هذا المصلح وأمثاله إلى وجوب‬
‫غرس العقيدة الصحيحة في نفوس الناس وعقولهم‪ ...‬وإلى جانب مواجهة التسلط‬
‫الصليبي اضطلع الغماري في عمله التصحيحي العقدي بمواجهة وتجاوز الجهل‬
‫المتوارث الذي كان منتشـرا في بعض مناطق غمارة‪ ،‬حيث ضعف واضمحل‬
‫االطالع على مبادئ الدين وتعاليمه وعلى الثقافة بمختلف جوانبها‪ ،‬فكان‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫(=الجهل) عامال حاسما يَّسر تفشي االنحراف وطغيان العوائد الضالة مما‬
‫أضعف البيضة وهون أمر المسلمين أمام أعدائهم‪...‬‬

‫وبخصوص الجانب العقدي دائما يستوقف الباحث في شخصية وفكر عبد هللا‬
‫الهبطي صدامه العنيف مع أبي عبد هللا محمد بن عبد الرحمن اليسيثني (ت‪.‬‬
‫‪959‬هـ) في شأن قضية "النفي في كلمة اإلخالص"‪ ،‬والتي تعود أحداثها إلى‬
‫رسالة «ذي اإلفالس إلى خواص أهل مدينة فاس» التي بعث بها الشيخ أبو عبد‬
‫هللا محمد الخروبي (ت‪963.‬هـ) العالم الطرابلسي المقيم بالجزائر إلى علماء‬
‫فاس‪ ،‬وهي رسالة ذكر فيها الخروبي آدابا على القواعد الخمس‪ ،‬وجاء في‬
‫القاعدة األولى وهي‪" :‬ال إله إال هللا"‪« ،‬ومن الأدب أن ال يتناول نفيك عند النطق‬
‫بحرف النفي إال ما ادعاه المشـركون من الآلهة سوى هللا تعالى‪ ،‬وليكن الحق جل‬
‫جالله ثابتا عندك في حال النفي واإلثبات‪ .‬وإلى هذا أشار بعض العلماء حيث‬
‫قال‪ :‬النفي لما يستحيل كونه‪ ،‬واإلثبات لما يستحيل عدمه»‪ .‬فنقم عليه الناس عليه‬
‫عباراته لما يترتب عليها من الكذب في الخبر اإللهي(‪ .)1‬فلما اطلع عليها الهبطي‬
‫أمر كاتبه بالكتابة إلى الخروبي مالطفا إياه لتصحيح عبارته‪ ،‬وأمر الكاتب أن‬
‫يطلع الفقيه المفتي أبا عبد هللا محمد اليسيثني على الرسالة‪ ...‬فلما اطلع عليها هذا‬
‫األخير كتب في طرتها مخاطبا الخروبي ومشنعا عليه ومخطئا كالمه إلى أن‬
‫قال‪ « :‬إنما يتسلط النفي على اآللهة المعبودة بالباطل بوجه واعتبار‪ ،‬وهي ثابتة‬
‫بوجه واعتبار»(‪ .)2‬فلم يرق ذلك الهبطي وأعلن أن اليسيثني وقع في خطأ أعظم؛‬
‫إذ كيف يتصور في ذهن عاقل أن يكون الشيء الواحد في حال وجوده منفيا من‬

‫(?) ابن عسكر‪ ،‬دوحة الناشر‪ ،‬ص‪.9 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ابن عسكر‪ ،‬دوحة الناشر‪ ،‬ص‪.10-9 :‬‬ ‫‪2‬‬


‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫وجه وثابتا من آخر‪ ،‬وفيه اجتماع الضدين؟ وإنما يصح نفي صفة األلوهية عنها‬
‫وعن كل ما سوى هللا وإثباتها هلل تبارك وتعالى‪ ...‬وأمر الكاتب بمراجعة اليسيثني‬
‫الذي امتنع عن التراجع وبقي متشبثا برأيه‪ ...‬فأعرض عنه الهبطي ورجع إلى‬
‫بالده من فاس‪.‬‬

‫وبعد عدة مكاتبات بين العالمين سيبلغ الخالف إلى السلطان الذي جمعهما‬
‫للمناظرة‪ ،‬فغلبت على اليسيثني نفاسة الرياسة وحب العلو والجاه ـ كما يذكر ابن‬
‫عسكر ـ فكاد للشيخ الغماري متواطئا مع القائد الشفشاوني ابن راشد الذي لم يكن‬
‫على ما يرام مع الهبطي بسبب مطالبته إياه بالتزام العدل في أحكامه‪ ،‬فاتفق‬
‫الرجالن (=اليسيثني وابن راشد) بالتواطؤ مع الكاتب ابن عيسى على السعي‬
‫بالهبطي إلى السلطان زاعمين له بأنهم يخشون منه على الملك‪ ...‬وطافوا على‬
‫علماء فاس يستحثونهم عدم مناصرة الهبطي بين يدي السلطان‪ ...‬ولكن الفقهاء‬
‫تخلفوا عن حضور المناظرة التي افتتحها اليسيثني بالمطالبة بقتل الهبطي‬
‫بدعوى أنه مبتدع‪ ...‬فوقف الهبطي ودعا إلى قراءة الفاتحة عسى أن ُيظهر هللا‬
‫الحق‪ ،‬ثم انصرف إلى مسجد القصر‪ ...‬فتكلم اليسيثني وأصحابه مع السلطان في‬
‫شأن معاقبة الهبطي‪ ،‬ولكن السلطان لم يجبهم إلى مقصودهم‪ ،‬بل انتهى إلى‬
‫االعتذار للهبطي وإكرامه(‪.)1‬‬

‫وعموما فقد نذر الهبطي حياته للعمل اإلصالحي وكافح من أجل ذلك‪ ،‬وواجه‬
‫من أجل أداء هذا الواجب الكثير من اإلذايات فاحتسب وتحمل إلى آخر أيامه‬
‫وهو معوق الرجلين‪ ،‬وتعذب كثيرا من أجل رسالته وتنزيل مشروعه حتى قال‬
‫بعضهم‪ :‬إنه مات متأثرا بالتعذيب الذي ناله من طرف بعض الحكام المتسلطين‪.‬‬

‫(?) المصدر السابق‪ ،‬ص‪.11 :‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫وباإلضافة إلى هذه االستماتة في سبيل رسالته اإلصالحية كان عبد هللا‬
‫الهبطي كثير العلم غزير المعرفة‪ ،‬مشاركا في جملة من العلوم والفنون؛ فكان‬
‫مبَِّر زا في علم البيان‪ ،‬واألصول‪ ،‬والعقائد‪ ،‬والقرآن وعلومه‪ ،‬والمنطق‪ ،‬وعلم‬
‫التصوف والعرفان‪ ،‬كما جعل من بيته مدرسة علمية تخرج بها كثير من النجباء‬
‫والعلماء على رأسهم ولداه المحمدان (ألف أحد ابنيه المسمى محمدا في موضوع‬
‫الشهادة كتابه‪« :‬كنز السعادة في معرفة بيان ما يحتاج إليه من نطق بالشهادة»‪،‬‬
‫وكتاب «تقييد في معنى كلمة التوحيد وتحقيق نفيها وإثباتها بطريقة الحد‬
‫والبرهان»)‪ ،‬ومن تالميذه الذيـن ُيعتـُّز بهم أيضـا‪ :‬محمد بن علي ابن عسكر‬
‫صاحب «الدوحة» (الذي أفادنا أهم المعلومات التي كتبناها عن سيرته)‪ ،‬ومنهم‬
‫أيضا‪ :‬أبو عمران موسى الوزاني وغيرهم‪.‬‬

‫‪ -4‬مؤلفات الهبطي العلمية‪:‬‬

‫من الدواعي المعلنة عن مكانة هذا المصلح الغماري االنتباه إلى عدد‬
‫المؤلفات العلمية التي كتبها إما في إطار الترويج للعلم وطرح جديد اإلبداعات‬
‫في المجاالت العقدية واالجتماعية أوالفقهيات التي حذقها‪ ،‬أو في اتجاه النهوض‬
‫بمشـروعه اإلصالحي الدعوي الذي أشرنا إلى أهدافه‪ ،‬وعّرفنا ببعض أساليبه‬
‫فيه ومنهجه‪ ،‬ويهمنا أن نقوم بسرد ألهم ما كتبه الهبطي مما بلغنا عن مترجميه‬
‫أو اطلعنا عليه مطبوعا أو ُأعِلمنا به مخطوطا‪ ،‬فمن هذه األعمال‪:‬‬

‫‪«-‬أرجوزة في أقسام العدة وأحكامها والحيض والرضاع»‬

‫‪ «-‬األلفية السنية في تنبيه العامة والخاصة على ما أوقعوا من التغيير في‬


‫الملة اإلسالمية»‪.‬‬

‫‪«-‬كتاب اإلشادة بمعرفة مدلول كلمة الشهادة»‪.‬‬


‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫‪«-‬تقييد في معنى ال إله إال هللا نظما ونثرا»‪.‬‬

‫‪«-‬تقييد في الهيللة»‪.‬‬

‫‪«-‬جواب عن سؤال يتعلق بشرح كالم الغزالي»‪.‬‬

‫‪ «-‬جواب عن معنى ال إله إال هللا وعن مقصود ما احتوت عليه من نفي‬
‫وإثبات»‪.‬‬

‫‪«-‬رسالة أخرى في الهيللة»‪.‬‬

‫‪«-‬شرح القواعد اإلسالمية واإليمانية وغيرها من األذكار الشرعية»‪.‬‬

‫‪«-‬عقيدة مباركة في معنى ال إله إال هللا»‪.‬‬

‫‪«-‬عقيدة وجيزة»‪.‬‬

‫‪«-‬قصيدة برهان االختصار في إحياء دين النبي المختار»‪.‬‬

‫‪«-‬المناجاة»‪.‬‬

‫‪« -‬منظومة في بيان عدة المطلقة والمستحاضة والنفساء والمستبرأة»‪.‬‬

‫‪«-‬منظومة في التوحيد والطريقة والحقيقة»‪ ،‬وسمها بـ«شمس الضحى»‪.‬‬

‫‪«-‬وصية جامعة وأدعية نافعة»(‪.)1‬‬

‫‪«-‬كاشف األحوال» أرجوزة في شروط الفقر والسلوك إلى هللا‪.‬‬

‫‪ -5‬وصف مخطوطة النظم‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) وقد جمع معظم األعمال العقدية الدكتور خالد زهري في كتابه المعنون بـ‪« :‬رسائل التوحيد‬
‫والهيللة للهبطي»‪.‬‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫ضمت مخطوطة النظم ‪ 10‬صحائف (تضم كل صحيفة ‪ 20‬بيتا)‪ ،‬مكتوبة‬


‫بخط مغربي ُمَج ْو َهر واضح ومشكول مع استعمال اللون األحمر للعنوانات‬
‫والفصول‪ ،‬أما استعمال الخط الواضح في كتابتها فهذا أمر يسِّو غه المقصد من‬
‫هذا النظم‪ ،‬وهو مقصد تعليمي ـ كما قلنا سابقا ـ‪ ،‬ومعلوم أن من عادة النساخ أنهم‬
‫يكتبون المتون التعليمية بهذا النوع من الخط ألنه يحِّو ل الكلمة إلى صورة يتيسـر‬
‫بها ترسيخها في الذاكرة حفظا واستذكارا‪.‬‬

‫وقد بلغ عدد أبيات المنظومة‪ 198 :‬بيتا من بحر الرجز(‪ )1‬استفاد ناظمها من‬
‫كل اإلمكانات التي يسمح بها هذا البحر (مستفعلن = صحيحة‪ ،‬مستعلن =‬
‫مطوية‪ ،‬متفعلن = مخبونة‪ ،‬متعلن = مخبولة)‪.‬‬

‫‪ -6‬مضامين النظم العقدية‪:‬‬

‫أما ما يتعلق بالمحاور والعناوين التي وضعت في (‪ )16‬فصال‪ ،‬فاحتوت على‬


‫المضامين التي وضعناها ـ اجتهادا منا ـ في العنوانات التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬الخطبة‪.‬‬

‫(?) بخصوص الشعر التعليمي ُيذكر أن أکثر ما قد أنشأه الشعراء بهذا الصدد جاء في قالب‬ ‫‪1‬‬

‫األراجيز‪ ،‬والرجز بحر معروف من بحور الشعر‪ ،‬و تسمي قصائده األراجيز‪ ،‬وواحدتها أرجوزة‬
‫ويسمي قائله راجزاً‪ .‬و الرجز ديوان العرب في الجاهلية واإلسالم‪ ،‬وکتاب لسانهم‪ ،‬وخزانة‬
‫أنسابهم وأحسابهم‪.‬‬
‫وکان الرجز والمزدوج منه في الغالب هو الشکل الذي اعتمدت عليه المنظومات التعليمية‬
‫اعتمادًا کليًا في القرن الثاني الذي راج فيه نظم العلوم والمعارف‪ .‬يقول محمد صادق الرافعي في‬
‫هذا الشأن‪« :‬وهم مجمعون علي استعمال هذا النمط من الرجز الذي يستقل فيه کل مصراعين‬
‫بقافية‪ ،‬حتي لقبوه بحمار الشعر لسهولة الحمل عليه»‪ ،‬تاريخ آداب العرب‪ ،‬ط‪ ،5:‬بيروت‪ ،‬دار‬
‫الکتاب العربي‪1999،‬م‪.3/152 :‬‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫‪ -2‬حكم العقل‪.‬‬

‫‪ -3‬تعريف العالم‪.‬‬

‫‪ -4‬حدود اصطالحية‪.‬‬
‫‪ -5‬الدليل على ثبوت الجوهر‪.‬‬

‫‪ -6‬الدليل على ثبوت األعراض‪.‬‬

‫‪ -7‬دليل حدوث األعراض‪.‬‬

‫‪ -8‬دليل حدوث الجواهر‪.‬‬

‫‪ -9‬الحجة على ثبوت صانع الخليقة‪.‬‬

‫‪ -10‬دليل قدم الصانع‪.‬‬

‫‪-11‬الدليل على قيامه ‪-‬تعالى‪ -‬بنفسه‪.‬‬

‫‪-12‬وجوب نفي المثلية بين الخالق والمخلوق‪.‬‬

‫‪-13‬إثبات أحكام المعاني‪.‬‬

‫‪-14‬تعّلق الصفات‪.‬‬

‫‪-15‬دليل وحدانيته ـ تعالى ـ‪.‬‬

‫‪ -16‬استحالة المدى والغايات عليه ـ سبحانه ـ‪.‬‬

‫‪,‬‬
‫‪-17‬جواز ُرؤية اإلله ـ ـ‪.‬‬

‫‪-18‬إثبات الصفات المعنوية‪.‬‬

‫‪ -19‬إقامة الحجة على قيام الصفات القديمة به ـ تعالى ـ‪.‬‬


‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫ُأَذِّك ر إذن بأن هذه هي العنوانات التي وضعتها للفصول الواردة في النظم‪ ،‬وال‬
‫شك أن القارئ سيالحظ ـ كما ذكرت آنفا ـ أن هذه المنظومة لم تغط في محاورها‬
‫جميع ما تناولته «العقيدة البرهانية» من المباحث العقدية‪ ،‬فاكتفت مما ورد في‬
‫مختصـر الساللجي بمحوري الطبيعيات واإللهيات‪( ،‬وهو ما أكده الناظم نفسه‬
‫في مطلعها)‪ ،‬بينما غضت الطرف عن بقية المحاور المتعلقة بــ‪ :‬النبوات‪،‬‬
‫واإلنسانية‪ ،‬والسمعيات‪ ،‬واإلمامة‪.‬‬

‫أما عن مضامين هذه المنظومة فيمكن الوقوف بعد قراءتها على القضايا‬
‫والمسائل التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬أن القصد من نظمها ـ كما صرح بذلك الناظم في بدايتها ـ هو‪« :‬معرفة‬
‫اإلله بالبرهان»‪ ،‬وقد سلك الناظم في تحقيق ذلك نفس منهج أبي عمرو‬
‫الساللجي‪ ،‬ولكنه اعترف بالزيادات التي أضافها في بعض المواضع أخذا من‬
‫مستجدات مضامين الخفاف األندلسي ومن مدرسته السنوسية لمزيد توضيح‬
‫وإشباع وإقناع‪.‬‬

‫‪ -2‬من األمور المضافة في "النظم" ـ كما ذكرنا آنفا ـ زيادة على ما تضمنته‬
‫«البرهانية»‪ :‬الحديث في المدخل عن "أحكام العقل"‪( :‬الواجب‪ ،‬والمستحيل‪،‬‬
‫والجائز)‪ ،‬وهو أمر لم يتعرض له الساللجي لقصده االختصار‪ ،‬كما أن هذا‬
‫الوقوف لم يكن أوليا في الكتابات الكالمية على عهد أبي عمرو‪ ،‬بل سيصير ـ‬
‫كما قلت آنفا ـ ضربة الزب في األعمال العقدية بعد ذلك ـ السيما في مدرسة‬
‫السنوسي كما قلنا ـ حتى عندما يتعلق األمر بالمختصرات‪.‬‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫‪ -3‬الواجب عند الناظم هو‪« :‬كل ما وجوده مقرر وال يتصور في العقل‬
‫ذهابه»‪ ،‬أما المستحيل فهو‪« :‬الممتنع تصوره في العقل»‪ ،‬والجائز هو‪« :‬الذي‬
‫يصح في العقل وجوده بما له من أصل‪ ،‬كما يصح منه عدمه ضرورة أو نظرا»‪.‬‬

‫‪ -4‬عرف الناظم "العالم" بنفس تعريف الساللجي فهو عنده‪« :‬عبارة عما‬
‫سوى هللا‪ ،‬وسوى صفات الذات»‪.‬‬

‫‪ -5‬حصـر "العالم" في‪" :‬الجواهر" و"األعراض"‪ ،‬وهو صنيع الساللجي‬


‫في «البرهانية»‪ ،‬ولكنه أشار إلى قسم جديد لم يذكره أبو عمرو صراحة (وإن‬
‫كان قد اعتمده في اختياراته ومباحثه المتعلقة بالصفات) وهو "األحوال"‪.‬‬

‫‪ -6‬حد الهبطي "الجوهر" بـ«الذي تحيز ‪ ،‬واستحال انقسامه»‪ ،‬وهو يشير‬


‫إلى "الجوهر الفرد"‪.‬‬

‫حُّد "الجسم" عنده هو‪« :‬المؤلف من جوهرين»‪ ،‬وهذا تعريف لم‬


‫‪ -7‬و َ‬
‫يتعرض له الساللجي في «برهانيته»‪.‬‬

‫العَرض" هو «المعنى الذي بالجوهر»‪ ،‬وهو تعريف مطابق لما أورد‬


‫‪ -8‬و" َ‬
‫أبو عمرو في «مختصره»‪.‬‬

‫‪ -9‬أما حد "الحال" عنده فهو‪« :‬صفة موجود تؤول لحالة بين الوجود‬
‫والعدم ليس لها إال الثبوت»‪.‬‬

‫‪-10‬استدل الناظم على "ثبوت الجوهر" ـ كما فعل الساللجي ـ بتناهي األجسام‬
‫في انقسامها إلى حدود ينتفي افتراقها (انقسامها في «البرهانية»)‪ .‬ولما كان الجوهر‬
‫غير قابل للقسمة ألن الشيء الواحد ال يفارق نفسه‪ ،‬فكل ما تألف معه فهو على‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫حكمه‪ ،‬وبهذا االئتالف تفُضل األجسام بعُضها على بعض في الوحدات العددية‬
‫المؤلفة‪ ،‬ولما تفاضلت وجب لها الحد والغايات‪ .‬ولو كانت هذه الوحدات والذرات‬
‫غير متناهية‪ ،‬لما أمكن الحديث عن أفضلية؛ ألن ما ال يتناهى ال يفضل ما ال‬
‫يتنـاهى‪ ،‬ومـا ال يتنــاهى ـ كما يرى الساللجي ـ يستحيل دخوله في الوجود‪ ،‬وأيضا‬
‫ـ كما يذكر الناظم ـ فروعه ممتنع وجودها‪.‬‬

‫‪-11‬يذهب الناظم إلى أن األحكام المتعاقبة على الجواهر (=الـَم َح اّل) ُقِض ـَي‬
‫لها بالجواز ال باالستحالة وال بالوجوب‪ ،‬فلو كانت واجبة لها لما تبَّد لت‪ ،‬وللِزم‬
‫أن تتساوى الجواهر فيها‪ .‬فعندما يختص كل جوهر بما هو جائز على مثله‪ ،‬يلزم‬
‫العلم أن التخصص المتعين لم يكن إال لمعنى جعله يقوم بالجوهر المخصوص‬
‫دون غيره‪ ،‬ولو لم تقم بذاته لما كان بإيجاب الحكم له أولى من إيجابه لغيره من‬
‫سائر الجواهر‪.‬‬

‫ثم أضاف إلى استدالل الساللجي اإلشارة إلى أن المقتضِـي مع المقتَض ـى‬
‫مَّطرد ومنعِك س نفيا وإثباتا لما بينهما من التالزم‪.‬‬

‫وسواء كان المتكلم مثِبتا لألحوال أو نافيا لها‪ ،‬فباالضطرار يحصل له العلم‬
‫باألعراض عند شهود الشيء بحكمة من الجليل‪ ،‬فهذا دليل ثبوت األعراض‪.‬‬

‫ثم بيـن الناظم أن المعـاني ملزَم ـات للَم حـاّل ‪ ،‬فبالنسبـة لمثبتي األحـوال يكـون‬
‫ذلك تسميـة مع التصـاق‪ ،‬أمـا بالنسبة لمنكريهـا (=األحوال) فـإنهم يكتفـون‬
‫بالتسمية‪.‬‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫‪-12‬أما "دليل حدوث األعراض" فقد سلك فيه الناظم مسلك الساللجي بأن بَّين‬
‫أن العرض يزول بعد طروئه على المحل ووجوده فيه‪ ،‬وهذا دليل حدوثه؛ ألنه‬
‫لو كان له صفة القدم لما تحول إلى العدم بعد الوجود‪.‬‬

‫‪"-13‬حدوث جملة الجواهر" استدل عليها صاحب النظم باألكوان (وهي‪:‬‬


‫االجتماع واالفتراق والحركة والسكون)‪ ،‬فبما أن األكوان حوادث‪ ،‬والجواهر ال‬
‫تعرى عنها وال تتقدمها‪ ،‬وجب لها بالتالي الحدوث مثلها‪.‬‬

‫‪-14‬ولما ثبت الحدوث عند الهبطي للجواهر واألعراض ـ التي يتكون منهما‬
‫العالم بال إنكار ـ‪ ،‬فقد صح أن العالم بجميعه وبما حواه حادث‪.‬‬

‫‪-15‬تحول أبو محمد بعد انتهائه من اإلثباتات المتعلقة بالمجال الطبيعي إلى‬
‫المجال اإللهي وبدأ فيه بإثبات الصانع‪ ،‬فخصَّص لذلك فصال أعلن فيه أنه لما‬
‫بانت عالمة الجواز في العالَـم ـ إذ هو جائز وجوده وجائز عدمه ـ‪ ،‬ولما ثبت أن‬
‫وجوده غير مرَّج ح بنفسه على عدمه‪ ،‬ألن الراجح المساوي بال سبب ال يتصور‬
‫في العقل‪ ،‬ولذلك افتقر إلى مرجح فاعل مختار؛ ألن اختالف الفعل مقرر‪.‬‬

‫‪-16‬أما "دليل ِقَدم الصانع" فسلك فيه الناظم مسلك الساللجي‪ ،‬ولكنه أضاف‬
‫إلى دليل أبي عمرو إضافات استداللية‪ .‬وُم ضمن الدليل عنده أنه لو لم يكن قديما‬
‫لكان حادثا فقيرا يحتاج مثلنا إلى ُم ـخِّص ص‪ ،‬ثم إن ذلك المحِد ث نفسه سيحتاج‬
‫بدوره إلى مخِّص ص ُيـخِّص صه‪...‬ويتسلسل األمر‪ .‬والتسلسل والدور باطالن؛‬
‫ألنهما لم يحصال؛ إذ العاَلـم المصنوع قد َح َص َل وَتَقَّرر وجوُد ه بالحس بال‬
‫امتراء‪.‬‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫ثم أضاف موضحا أن ذلك يؤدي أيضا إلى مقاٍل فاسٍد ؛ ألنه يقتضي النفي‬
‫واإلثبات للشيء الواحد‪ ،‬ويقتضي أيضا الحكم بالمحال وبالجواز للمحكوم‬
‫الواحد‪ ...‬وهذه كلها أمور ُتَع ُّد من المحال الواضح المعنى بال إشكال‪ ،‬وما أفضى‬
‫إلى المحال فهو محال‪.‬‬

‫وما يلزم على حدوثه ـ تعالى ـ من المحال ـ يرى الهبطي ـ دورا وتسلسال فهو‬
‫ن له وصٌف صريٌح بالِقَدم‪ ،‬فوجوُد ه ُم َنَّز ٌه‬
‫الزم على تقدير فنائه ـ سبحانه ـ‪ ،‬بل مَ ْ‬
‫عن العدم‪.‬‬

‫‪"-17‬صفة قيامه ـ تعالى ـ بنفسه" (عدم احتياجه إلى المحِّل والمخِّص ص)‬
‫استدل عليها الناظم الطنجي بدليل الساللجي نفسه‪ ،‬وهو أنه ـ سبحانه ـ متصف‬
‫بأحكام قد وجبت على المعاني؛ كاتصافه بأنه‪ :‬عالم‪ ،‬حي‪ ،‬قادر‪ ،‬مريد؛ ألنها‬
‫مالِز مة لها (أي للمعاني)‪ ،‬والصفـة ال تتصف باألحكـام التي توجبها المعـاني‪،‬‬
‫مما يـؤكـد بالبرهان أنه ـ تعالى ـ ذاٌت غنية جليلة موصوفة‪.‬‬

‫‪-18‬ومن أجل "نفي المثلية بين الخالق والمخلوق" استـدل الهبطي بدليـل‬
‫مخالفتـه ـ تعالى ـ للجواهر واألعراض ولكل الحوادث؛ ألن حقيقة الجوهر‪:‬‬
‫التحيز‪ .‬والمتحيز يجوز عليه االختصاص ببعض الممكنات مثل الجهات‬
‫والمحاذاة‪ ،‬ويجوز عليه التأليف واالفتراق‪ ...‬وهذه كلها حوادث تدل على حدوث‬
‫ما به تحُّل ‪ ،‬واللـه ـ سبحانه ـ القديُم منزٌه عن حالة الحوادث‪.‬‬

‫ثم إن العرض ـ الذي هو معنى بالجوهر ـ يقوم على التغُّير‪ ،‬وهللا القديم له‬
‫البقاء الكلي على اإلطالق ال يتغير وال يتبدل‪.‬‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫وبالمقارنة مع ما استدل به الساللجي في هذا الشأن نالحظ اختزال الناظم‬


‫للدليل‪ ،‬وَعَدم تفصيله فيه كما فعل أبو عمرو الذي أطال نسبيا في بسط هذا الدليل‬
‫في «البرهانية»‪ ،‬وهذا عائد في نظري إلى قصده االختصار ودمج المعاني في‬
‫العبارات الجامعة ليتسنى له التوسع في القضايا الجديدة التي لم يشر إليها أبو‬
‫عمرو في «برهانيته»‪.‬‬

‫‪-19‬ومن أهم القضايا المميزة للفكر األشعري التي تضمنتها «البرهانية»‬


‫قضية "إثبات صفات المعاني" التي خالف فيها أهل السنة مذهب أهل االعتزال‪،‬‬
‫ولذلك وقف الساللجي معها بالكثير من التفصيل وعدد فيها فصول "عقيدته"‪،‬‬
‫ولكن الهبطي جمع االستدالل على إثبات أحكام المعاني في فصل واحد مؤكدا‬
‫على لزوم وصفه ـ تعالى ـ بما ثبت من أحكام تالزم المعاني؛ ألنها لو لم تقم بذاته‬
‫ما اختَّصت بالمعلول دون غيره‪ ،‬وَلَك ان هللا ـ سبحانه ـ ُد ِع َي ـ في صفة الِع لم ـ‬
‫عاِلـما مجازًا ال على الحقيقة‪ .‬فدَّل هذا على أن هللا عالٌم بِع لٍم ُم َنَّز ٍه عن الحدوث‪،‬‬
‫بل هو قديم كذاته‪.‬‬

‫وما جرى على العلم من داللة عنه يجري على القدرة واإلرادة والسمع‬
‫والكالم والبصر‪ ،‬واإلدراك (صفة ذكرها الساللجي موافقا لبعض األشاعرة‬
‫الذين أثبتوها مستقلة)‪ ،‬والحياة (التي يرى الهبطي أنها مشروطة في كل‬
‫الصفات)‪.‬‬

‫‪-20‬ومن المباحث والمسائل الكالمية التي لم تصرح بها «البرهانية» مسألة‬


‫"تعلق الصفات "؛ حيث تجاوزها الساللجي وأمسك عن الخوض فيها تفصيال‪.‬‬
‫أما ناظمنا فخصص لها ـ شأن علماء العقيدة في الفترة السنوسية ـ فصال ذكر فيه‬
‫تعلقات صفات المعاني عند غالبية األشاعرة‪:‬‬
‫ُّ‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫‪ -‬فصفة العلم القديم تتعلق بالواجب والجائز والمستحيل‪ ،‬وكذلك الشأن بالنسبة‬
‫لصفة الكالم‪.‬‬

‫‪-‬وتتعلق صفتا السمع والبصر بالموجودات(‪.)1‬‬

‫‪-‬أما القدرة واإلرادة فتتعلقان بالممكنات(‪.)2‬‬

‫‪-‬ويتعلق اإلدراك ـ عند القائلين به ـ بالطعوم والملموسات والروائح‪.‬‬

‫‪-‬وأخيرا الحياة فال تعلق لها بشيء‪.‬‬

‫‪-21‬ومن أجل إثبات "وحدانيته ـ تعالى ـ" اعتمد الهبطي الدليل الذي اعتمد‬
‫فعاال‬
‫الساللجي (بله معظم األشاعرة) وهو "دليل الممانعة"؛ وهو أنه لو قدرنا َّ‬
‫في الوجود إلهين‪ ،‬وانتهى تقديرنا إلى تماثلهما في الذات واشتراكهما في الزمان‪،‬‬
‫فلو أراد أحدهما سكون أمر ما واآلخر تحريكه‪ ،‬فإما أن يحصل عجز إرادتهما‬
‫أو عكسه‪ ،‬أو واحد يحُّل فيه العجز واآلخر العجز عليه جائز‪ ،‬أو واحد مراده‬
‫تحَّقق دون تجويز العجز في حقه‪ ،‬فال بد من أحوال أربعة ُتعزى كلها إلى‬
‫الـُم حال‪:‬‬

‫‪-‬إما سلب المقدر من النقيضين‪.‬‬

‫‪-‬أو اجتماع الضدين‪.‬‬

‫‪-‬أو وصف حقيقة األلوهية بالعجز (والعجز من الحوادث)‪.‬‬

‫(?) تعلق العلم تعلق انكشاف‪ ،‬بينما تعلق الكالم تعلق داللة وإخبار‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) والقدرة واإلرادة وإن تماثال في التعلق بجميع الممكنات‪ ،‬إال أنهما يختلفان من حيث جهة‬ ‫‪2‬‬

‫التعلق فالقدرة تتعلق بالممكنات تعلق إيجاد وعدم‪ ،‬بينما اإلرادة تتعلق بالممكنات تعلق تخصيص‪.‬‬
‫أي أنها تخصص كل ممكن ببعض ما يجوز عليه من الممكنات‪.‬‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫‪-‬أو منع المثل مما حصل لمثيله وهو محال‪.‬‬

‫وهذا يؤدي إلى الحكم بنفي اإللهين اللذين ُقِّدرا‪.‬‬

‫أما إذا قدرنا اتفاقهما‪ ،‬فننتهي إلى الحكم نفسه؛ ألن اتفاقهما مشروط بنفيهما‪.‬‬

‫‪ -22‬نفى الهبطي أن يكون للمقدورات مدى أو غايات‪ ،‬ألنها من الجائزات‪،‬‬


‫والجائز وجوده بنفسه محال‪ ،‬فإذا قصرنا القدرة المرجحة عليه أدى ذلك إلى‬
‫استحالة وقوعه‪ ،‬مما يؤدي إلى جمع اإلمكان باالستحالة‪ ،‬وهو محال‪.‬‬

‫وما يقال عن المقدورات يقال كذلك عن المعلومات والمرادات وما تعلق به‬
‫الكالم‪.‬‬

‫‪ -23‬وبعدما أنهى الناظم كالمه عما وجب له ـ تعالى ـ‪ ،‬ونفى ما استحال عليه‬
‫انتقل ـ كما فعل الساللجي ـ للحديث عن "جواز رؤيته ـ سبحانه ـ"‪ ،‬فبين أن‬
‫اإلدراك في الشاهد متعلق بالمختلفات (=األلوان والذوات)‪ ،‬واختالفها ال يؤول‬
‫إلى وجودها‪ ،‬ولكن يؤول إلى أحوالها‪ ،‬وليس لإلدراك تعلق باألحوال؛ إذ كل ما‬
‫يرى ُم ـَم َّيزًا عن غيره في حكم اإلدراك الذي نرى به‪ ،‬فهو ذات على الحقيقة‪،‬‬
‫والحال ليست ذات وجود بتة‪ ،‬قال الساللجي‪« :‬فإذا ُرئي موجود لزم تجويز‬
‫رؤية كل موجود»‪.‬‬

‫‪ -24‬وبعد أن أثبت الهبطي جواز رؤية هللا ـ تعالى ـ عاد إلى موضوع‬
‫الصفات‪ ،‬واعتني بإثبات المعنوية منها‪ ،‬فذكر أن هللا عالم‪ ،‬ومريد‪ ،‬وقادر‪،‬‬
‫وحي على الدوام‪ ،‬وبَّين أن كل حي يجوز أن يكون سميعا أو مؤوفا؛ ألن كل‬
‫قابل ِلـُح كمين مناقضين ال يخلو عن أحدهما عقال‪ ،‬والخالق ـ تعالى ـ ال يليق به‬
‫إال الكماالت على اإلطالق‪ ،‬فأوجب البرهان أن يكون غير مؤوف‪.‬‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫وما ينطبـق على السمع ينطبـق أيضا علـى كـونـه متكلمـا بصيـرا ومـدركـا؛‬
‫ألنـه ـ تعالى ـ متنزه عن كل نقص وليس شيء مثله‪.‬‬

‫‪-25‬وإلقامة الحجة على "قيام الصفات القديمة بذاته ـ تعالى ـ" ارتكز الناظم‬
‫على دليل "العلة" و"الحقيقة"‪ ،‬فـ "العلة" العقلية مع المعلول مربوطة نفيا وإثباتا‬
‫بغير مراعاة لواجب أو جائز؛ ألن ذلك االلتزام واجب ومطرد شاهدا وغائبا‪ .‬وقد‬
‫تقرر في الشاهد كوَن العالِـم عالما معلَّل بالعلم ال محالة‪ ،‬فوجب اطراد تلك‬
‫الحالة‪ ،‬وكون الرب ـ تعالى ـ عالما معلوم دليله وهو إتقانه المرسوم‪ ،‬فوجب له ـ‬
‫تعالى ـ العلم ألجل ما عنه له تعلل‪.‬‬

‫وكذلك األمر بالنسبة لـ "الحقيقة" الذهنية فهي مطردة في العقول جملة‪.‬‬

‫وبخصوص علمه ـ تعالى ـ مقارنة بعلم المخلوق وقف الناظم ليبين أن العلم‬
‫الحقيقي الشامل هو علم الحق ـ جل وعال ـ‪ ،‬أما العلم المستند إلى عقل المخلوق‬
‫فهو مجرد اجتهاد يصيب ويخطئ‪ ،‬والعلم الحقيقي هو الذي جاء به النقل‪.‬‬

‫وفي خصوص العلم البشري توقف المؤلف في آخر نظمه ـ زيادة على ما‬
‫ورد في «برهانية» الساللجي ـ لينبه المسترشدين والطلبة من الوقوع في‬
‫اعتقادات منحرفة‪ ،‬السيما أولئك الذين لبسوا حلل التصوف وركبوا طريق أهل‬
‫الفقر‪ ،‬فحذرهم مما يمكن أن تشوش به عليهم مصطلحات يتداولونها مثل‬
‫مصطلحات‪" :‬التجلي"‪ ،‬و"الوصول"‪ ،‬و"الظهور"‪...‬وغيرها‪ ،‬والتي قد يفهم‬
‫منها البعض ـ إن حملت على ظاهرها ـ معتقدات تسقط أصحابها في الكفر‬
‫واالنحرافات العقدية وفي القول بالحلول ووحدة الوجود‪.‬‬

‫ومن هذا التشويش خرج الناظم ليعلن أن السالمة في الموضوع تكمن في‬
‫اعتقاد أن ما يلزم فهمه من هذه االصطالحات هو مجرد العلم بال زيادة عليه‪،‬‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

‫والدليل على ذلك ما تضمنه الكتاب الكريم من أمر النبي ـ × ـ باالستزادة في‬
‫العلم ليزداد قربا من ربه‪ ...‬أما الذي يزعم أنه وصل إلى رؤية ذات ربه ـ‬
‫سبحانه ـ مدعيا ارتفاع الغيب‪ ،‬وأن هللا ـ تعالى ـ ظهر له‪ ،‬ـ قال الناظم ـ فهو من‬
‫جملة الجهال‪ ،‬منسحبا في أبحر الضالل؛ ألن كل ما للسر مشهود ليس له في‬
‫غيره وجود‪ ،‬ال يبتغي منه جميع الواصلين إال زيادة العلوم واليقين‪.‬‬

‫‪ -7‬عملي في التحقيق‪:‬‬

‫بالنسبة لـ«العقيدة البرهانية»اعتمدت في التحقيق على نسخة بوخــبزة كأصــل‬


‫باعتبارها أول محاولة لتحقيق نص «البرهانية»؛ بحيث إن صاحبها ـ كمــا قلت ـ‬
‫قابل فيهــا ثالث نســخ مخطوطــة‪ ،‬ومــع ذلــك فقــد عــدلت في بعض عبــارات هــذا‬
‫األصل وأضفت إليه أو غيرت ما وجدت أن بقية النسخ قد اتفقت على نقله‪.‬‬

‫وقد أشرت في الهــامش إلى اختالف روايــات «البرهانيــة» وإلى كــل األلفــاظ‬
‫والتعابير المغايرة الـتي انفـردت بهـا كـل نسـخة أو مخطوطـة‪ ،‬مسـتعينا في هـذا‬
‫بالدرجة األولى بشـرح المديوني وشرح المجهول اللذين كانت لهما عناية خاصة‬
‫بروايات «البرهانية»‪ .‬كما اســتعنت بشــرح اليفــرني في مناســبات قليلــة لتحقيــق‬
‫بعض األلفاظ‪.‬‬

‫وأهم ما أستطيع تسجيله في هذا المقــام هــو أن لــ«البرهانيــة» روايــة خاصــة‬


‫انفرد بها "أبو الثناء" أو " أبو العبـاس" أحمــد بن أبي الربيـع المعــروف بـــ"ابن‬
‫ناهض"‪ ،‬وهو الذي يعود إليه الفضل في وضع خطبة «البرهانية»‪ ،‬هذه الخطبـة‬
‫التي وقع إثباتها في جل النسخ والشروح بدءا من الخفاف واليفرني وغيرهما‪.‬‬
‫‪131‬‬ ‫القسم األول‪ :‬بين يدي التحقيق‬

‫كمــا أن لـــ«البرهانيــة» روايــة أخــرى اصــطلح على تســميتها بـــ"روايــة‬


‫الجماعــة"‪ ،‬وهي الروايــة الــتي اعتمــدها وشــرح على أساســها بعض التالميــذ‬
‫األوائل والشـراح من أمثال أبي عبدهللا الكتاني‪ ،‬وابن بزيزة‪ ،‬وابن الزق‪.‬‬

‫أما بالنسبة لـ ـ«نظم الهبطي لـــلبرهانية» فقــد قمت بتخريجــه وإتمــام ضــبطه‪،‬‬
‫وكان طبيعيا أن أتابع النص بالتعليق على الجوانب التوثيقية فيه‪ ،‬فضال عن تقديم‬
‫توضيحات لغوية وعقدية مميزة للنص‪...‬‬
‫العقيدة البرهانية لعثمان الساللجي الفاسي ونظمها لعبد هللا الهبطي الغماري الطنجي‬ ‫‪132‬‬

You might also like