You are on page 1of 55

‫‪2‬‬ ‫السلسلة العلمية يف العقيدة الشافعية‬

‫ومعه‬

‫الدرر العوالي‬
‫على اعتق اد اإلسماعيلي‬

‫أبو عبد الباري الصومايل الشافعي‬


‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني‪ ،‬نبينا حممد‬
‫وعلى آله وصحابته أمجعني‪ .‬وبعد‪:‬‬
‫فهذه سطور خمتصرة يف توضيح كتاب "اعتقاد أهل السنة" إلمام أيب بكر اإلمساعيلي‬
‫تـ ـ ‪371‬هـ‪.‬‬
‫وهذا الشرح للكتاب أييت ضمن سلسلة املنهج العقدي الشافعي‪ ،‬وهو الكتاب الثاين‬
‫يف هذه السلسلة اليت تشتمل على مجلة من كتب العقائد اليت صنفها فقهاء الشافعية‬
‫وحمدثوهم‪ ،‬لتكون سلما ألصحابنا الشافعية يف االرتقاء ابنتمائهم لإلمام املطليب‬
‫حممد بن إدريس الشافعي ت ـ ـ ‪204‬ه ـ‪.‬‬
‫وهذه السلسلة خمتارة م ن مؤلفات االعتقاد لعلمائنا الشافعية املتقدمني‪ ،‬أي قبل هناية‬
‫القرن اخلامس اهلجري‪.‬‬
‫وتتضمن هذه السلسلة املنهجية يف اعتقاد الشافعية الكتب التالية‪:‬‬
‫الكتاب األول‪ :‬شرح السنة لإلمام أيب إبراهيم املزين تـ ـ ‪264‬هـ‪.‬‬
‫الكتاب الثاين‪ :‬اعتقاد أهل السنة لإلمام أيب بكر اإلمساعيلي تـ ـ ‪371‬هـ‪ .‬وهو كتابنا‬
‫هذا‪.‬‬
‫الكتاب الثالث‪ :‬اعتقاد السلف لإلمام أيب عثمان الصابوين ت ـ ‪449‬هـ‪.‬‬
‫الكتاب الرابع‪ :‬املنظومة الرائية يف السنة أليب القاسم الزجناين تـ ـ ‪471‬هـ‬
‫الكتاب اخلامس‪ :‬اإلابنة عن أصول الداينة أليب احلسن األشعري ت ـ ‪324‬هـ(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬اختلف يف مذهبه الفقهي‪ ،‬فرتجم له لشافعية يف طبقاهتم كابن الصالح (‪ 604/2‬رقم ‪ )235‬والسبكي‬
‫يف طبقات الشافعية الكبى (‪ 347/3‬رقم ‪ )223‬وابن كثري يف طبقات الشافعيني (ص ‪.)208‬‬
‫قال السبكي‪ :‬وقد زعم بعض الناس أن الشيخ كان مالكي املذهب‪ ،‬وليس ذلك بصحيح‪ ،‬إمنا كان شافعيا‬
‫تفقه على أيب إسحاق املروزي‪ ،‬نص على ذلك األستاذ أبو بكر بن فورك يف طبقات املتكلمني‪ ،‬واألستاذ‬

‫‪2‬‬
‫الكتاب السادس‪ :‬خمتصر كتاب الشريعة لآلجري تـ ـ ‪360‬هـ(‪.)1‬‬
‫ووضعت هذه السلسلة املنهجية يف اعتقاد الشافعية ألمور‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن كثريا من أهل قطران ينتمون للشافعي مذهبا فقهيا‪ ،‬وللمذهب األشعري‬
‫منهجا عقداي‪ ،‬ويدرسون خمتصرات هذا املنهج العقدي‪ ،‬فرتاهم يقولون‪ :‬الشافعي‬
‫مذهبا‪ ،‬األشعري عقيدة"‪ ،‬ويظنون أن أئمة الشافعية على مذهب األشعري يف‬
‫العقيدة‪ ،‬وجيهل كثري منهم أن املذهب الشافعي والطبقات األوىل من أئمته وفقهائه‬
‫أقدم من األشعري ومذهبه‪ ،‬وأن هلم مؤلفات يف العقيدة ختالف االعتقاد األشعري‪.‬‬
‫وحيث مل أر للشا فعي مؤلفا مستقال يف العقيدة‪ ،‬وإن كانت أقواله مبثوثة يف كتب‬
‫االعتقاد السين املسندة‪ ،‬فإن مؤلفات األئمة من تالميذه وأتباعه تغين عنه‪ ،‬كما‬
‫يتضح يف اآليت‪.‬‬

‫أبو إسحاق اإلسفرايين فيما نقله عنه الشيخ أبو حممد اجلويين يف شرح الرسالة"‪ .‬وترجم له املالكيون يف تراجم‬
‫فقهائهم كابن خملوف يف شجرة النور الزكية (‪ 118/1‬رقم ‪ )175‬و د‪ .‬قاسم علي سعد يف مجهرة تراجم‬
‫الفقهاء املالكية (‪ 841/2‬رقم ‪.)795‬‬
‫قال القاضي عياض‪ :‬ذكر حممد بن موسى بن عمران يف رسالته أنه كان مالكيا‪ ،‬قال‪ :‬وذكر يل بعض‬
‫الشافعية أنه شافعي‪ ،‬حىت لقيت الشيخ الفاضل الفقيه رافعاً احلمال الشافعي فذكر يل عن شيوخه أن أاب‬
‫احلسن كان مالكيا"‪.‬‬
‫(‪ )1‬كتاب" الشريعة " لآلجري املتوىف ‪360‬هـ‪ ،‬وه كتاب نفيس يف عقيد أهل السنة‪ ،‬وفيه االستدالل ابلقرآن‬
‫والسن ة واآلاثر‪ ،‬وأييت ابألحاديث واآلاثر مسندة‪ ،‬وفيها الصحيح واحلسن والضعيف والواهي‪ ،‬اتكاال على‬
‫ذكر اإلسناد كما هي طريقة احملدثني‪ ،‬وقد اختصرته حبذف األسانيد واملكرر‪ ،‬وما مل يصح من األحاديث‬
‫واآلاثر‪ ،‬وما يستغىن عنه بغريه من النصوص واآلاثر واألقاويل‪ ،‬ومسيته " الوشيعة يف اختصار الشريعة"‪،‬‬
‫وهذا املختصر هو الكتاب السادس ضمن هذه السلسلة العقدية الشافعية‪.‬‬
‫ولو أضيف هلذه السلسلة خمتصر " نقض الدارمي" والرد على اجلهمية له‪ ،‬وخمتصر " التوحيد" البن خزمية‪،‬‬
‫وخمتصر االعتقاد للاللكائي كان جيدا للغاية‪ ،‬وإال فهي مراجع مهمة‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫الثاين‪ :‬أن أئمة الشافعية أكثر العلماء أتليفا يف العقيدة السلفية‪ ،‬ومن ذلك – غري‬
‫ما تقدم ذكره‪:-‬‬
‫‪ " .1‬الرد على اجلهمية" لإلمام أمحد بن حنبل (ت ـ ‪241‬هـ) أجل رواة القدمي عن‬
‫الشافعي‪.‬‬
‫‪" .2‬الرد على اجلهمية" أليب سعيد عثمان بن سعيد الدارمي تـ ‪280‬هـ ‪.‬‬
‫‪ " .3‬نقض الدارمي على بشر املريسي " أليب سعيد الدارمي أيضا‪.‬‬
‫‪ " .4‬صريح السنة" أليب جعفر حممد بن جرير الطبي (ت ـ ـ ‪310‬هــ)‪.‬‬
‫‪ " .5‬السنة" أليب عبد هللا حممد بن نصر املروزي ( تـ ـ ‪294‬هـ)(‪.)1‬‬
‫‪ " .6‬التوحيد" إلمام األئمة حممد بن إسحاق بن خزمية (ت ـ ‪311‬هـ)‬
‫‪ " .7‬مقاالت اإلسالميني " لإلمام أيب احلسن األشعري ت ـ ‪324‬هـ‪ ،‬وفيه جزء يف‬
‫متذهبه مبذهب أهل احلديث عند اختالف املذاهب يف املسائل االعتقادية‪.‬‬
‫‪ " .8‬التصديق ابلنظر إىل وجه هللا تعاىل" أليب بكر اآلجري (تـ ـ ـ ‪360‬هـ)‪.‬‬
‫‪" .9‬التنبيه يف الرد على أهل البدع واألهواء" أليب احلسني حممد بن أمحد بن عبد‬
‫الرمحن امللطي (ت ـ ـ ‪377‬هـ)‪.‬‬
‫‪ " .10‬الرؤية" أليب احلسن علي بن عمر الدارقطين احلافظ (ت ـ ‪385‬هــ)‪.‬‬
‫‪ " .11‬أحاديث النزول " أليب احلسن علي بن عمر الدارقطين أيضا‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫ذكره ابن الصالح يف طبقات الفقهاء الشافعية (‪ 277/1‬رقم ‪ )78‬والسبكي يف الطبقات الشافعية‬
‫الكبى (‪ 246/2‬رقم ‪ )56‬وابن كثري يف طبقات الشافعيني (ص ‪.)184‬‬
‫قال ابن الصالح‪ :‬وهو صاحب اختيار‪ ،‬ورمبا تذرع متذرع بكثرة اخياراته املخالفة ملذهب الشافعي إىل‬
‫اإلنكار على اجلماعة ال عادين له يف أصحابنا‪ ،‬وليس األمر كذلك‪ ،‬ألنه يف هذا مبنزلة ابن خزمية‪ ،‬واملزين‪،‬‬
‫وأيب ثور قبله وغريهم‪ ،‬فلقد كثرت اختياراهتم املخالفة ملذهب الشافعي‪ ،‬مث مل خيرجهم ذلك عن أن يكونوا‬
‫يف قبيل أصحاب الشافعي معدودين‪ ،‬وبوصف االعتزاء إليه موصوفني"‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪" .12‬اعتقاد أهل السنة واجلماعة" أليب القاسم الاللكائي ( ت ـ ‪418‬هـ)‬
‫‪" .13‬اعتقاد الشافعي" أليب احلسن اهلكاري الزاهد تـ ـ‪486‬هـ‪.‬‬
‫‪" .14‬االنتصار ألهل احلديث " أليب املظفر السمعاين تـ ـ ‪489‬هـ‪.‬‬
‫وغري ذلك مما ال تستوعبه هذه املقدمة املختصرة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنه انتسب للمذهب الشافعي فقها من هو من املعتزلة كالقاضي عبد‬
‫اجلبار(‪ ،)1‬وأيب بكر بن اإلخشيد املتكلم املعتزيل‪ ،‬وأيب يوسف القزويين املعتزيل املفسر‪،‬‬
‫ونسب إليهم آخرون منهم‪ :‬على بن احلسني املسعودى(‪ ،)2‬وأبو احلسن املاوردي(‪،)3‬‬
‫والقفال الكبري(‪ ،)4‬وآخرون(‪ ،)5‬كما انتسب إليه أمم من اجلهمية واملرجئة‬
‫والكالبية(‪ ،)6‬وهي مذاهب كانت منبوذة لدى متقدمي الشافعية‪.‬‬

‫(‪ )1‬قال السبكي يف الطبقات الكبى (‪ ":)97/5‬وهو الذي تلقبه املعتزلة قاضي القضاة‪ ،‬وال يطلقون هذا‬
‫اللقب على سواه‪ ،‬وال يعنون به عند اإلطالق غريه‪ ،‬كان إمام أهل االعتزال يف زمانه‪ ،‬وكان ينتحل مذهب‬
‫الشافعي يف الفروع"‪.‬‬
‫وهو مؤلف " األصول اخلمسة " للمعتزلة‪ ،‬وعلى كتبه قام مذهب املعتزلة‪ ،‬فمن شارح وانظم وخمتصر هلا‪.‬‬
‫(‪ )2‬ذكره السبكي يف طبقات الشافعية الكبى (‪ )456/3‬وقال‪ :‬وقيل إنه كان معتزىل العقيدة‪ ،‬مات سنة‬
‫مخس وأربعني أو ست وأربعني وثالمثائة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬ذكره ابن الصالح يف طبقات الفقهاء الشافعية (‪ )638/2‬وجزم مبوافقته هلم يف مسائل القدر‪ ،‬وقال يف‬
‫ت فسري املاوردي (النكت والعيون) ‪":‬وتفسريه" عظيم الضرر‪ ،‬لكونه مشحوان بكثري من أتويالت أهل الباطل‪،‬‬
‫تدسيسا وتلبيسا‪ ،‬على وجه ال يفطن لتمييزها غري أهل العلم والتحقيق‪ ،‬مع أنه أتليف رجل ال يتظاهر‬
‫ابالنتساب إىل املعتزلة حىت حيذر‪ ،‬وهو جيتهد يف كتمان موافقته هلم فيما هو هلم فيه موافق"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ذكر السبكي يف الطبقات الكبى (‪ )20/3‬أنه سئل أبو سهل الصعلوكي عن تفسري القفال الكبري‬
‫فقال‪ ":‬قدسه من وجه‪ ،‬ودنسه من وجه‪ ،‬أى دنسه من جهة نصرة مذهب االعتزال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬مثل أيب عمرو القرطيب أمحد بن عبد الوهاب بن يونس‪ ،‬وأيب القاسم الربعي علي بن احلسني بن عبد‬
‫هللا بن عربية‪ ،‬وأيب الفضل اهلمذاين الفرضي عبد امللك بن إبراهيم بن أمحد‪.‬‬
‫(‪ )6‬ذكر السبكي يف الطبقات الكبى (‪ )97/5‬أن أاب حممد عبد هللا بن سعيد بن كالب – رأس هذه‬
‫الطائفة‪ -‬كان شافعيا يف الفروع‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫ومنهم من كان ينتقد الشافعي يف عقيدته‪ ،‬ويرد عليه يف بعض أقواله املخالفة ملا‬
‫انتمى إليه من العقائد الفاسدة كما فعل الرازي يف مسائل اإلميان(‪.)1‬‬
‫وملا كثر املتنسبون للشافعي يف الفقه‪ ،‬وتفرقت هبم السبل يف االنتماء العقدي‪ ،‬لزم‬
‫بيان املنهج العقدي الصحيح للشافعي ومتقدمي أصحابه‪ ،‬وهو أصح معتقد ينسب‬
‫للشافعي‪ ،‬والذي من متسلك به يكون شافعيا يف األصول والفروع‪.‬‬
‫واملراد هبذه السلسلة املنهجية يف االعتقاد الشافعي إانرة الطريق حمليب هذا اإلمام‬
‫املطليب‪ ،‬ومتبعي مذهبه‪ ،‬وأن يكونوا أيضا على مذهبه يف االعتقادـ‪ ،‬ويكتمل انتسابه‬
‫هلذا اإلمام‪ ،‬وهللا اهلادي للصواب(‪.)2‬‬
‫وقد انتهجت يف شرح هذا الكتاب على ما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬ترمجة املؤلف وبيان مكانته العلمية ‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬ذكر أدلة املسائل اليت مل يذكر املؤلف دليلها‪ ،‬ورمبا أضيف أدلة على ما ذكره‪.‬‬

‫(‪ )1‬قال الرازي يف معامل أصول الدين (ص‪ ":)135‬قال الشافعي‪ :‬الفاسق ال خيرج عن اإلميان‪ ،‬وهذا يف غاية‬
‫الصعوبة‪ ،‬ألنه لو كان اإلميان امسا جملموع أمور‪ ،‬فعند فوات بعضها فقد فات ذلك اجملموع‪ ،‬فوجب أن ال‬
‫يبقى اإلميان " اهـ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬إمنا كان يف غاية الصعوبة بناء على مذهب الرازي وأصحابه من املرجئة يف أن اإلميان واحد ال يتجزء‪،‬‬
‫فإما أن يزول بزوال جزء منه كما هو قول اخلوارج واملعتزلة‪ ،‬أو يبقى على الكمال ببقاء جزء منه كما هو‬
‫قول املرجئة يف كمال إميان الفسقة والعصاة‪.‬‬
‫(‪ )2‬هذه هي مقدمة الكتاب األول (التعليقات السنية على العقيدة املزنية) وستتكرر يف أول كل كتاب‬
‫من هذه ا لسلسلة املنهجية‪ ،‬لرتسيخها يف أذهان الطلبة‪ ،‬والتذكري أبسباهبا وغايتها مع تعديل ما يلزم تعديله‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫اثلثا‪ :‬االعتناء أبقوال الشافعي ومتقدمي أصحابه يف توضيح مسائل الكتاب‪ ،‬لبيان‬
‫موافقته ملذاهبهم‪ .‬ومسيته" الدرر العوايل على اعتقاد اإلمساعيلي"(‪ ،)1‬وهللا اسأل أن‬
‫جيعله خالصا لوجه‪ ،‬انفعا لكاتبه وقارئه‪ ،‬إنه نعم املوىل ونعم النصري‪.‬‬
‫ترمجة اإلمام اإلمساعيلي‬
‫ترجم ل إلمساعيلي كثري من أهل العلم ابحلديث والفقه‪ ،‬واتفقت كلمتهم على مولده‬
‫ووفاته ومذهبه الشافعي‪ ،‬وعلو مرتبته يف احلديث‪.‬‬
‫امسه ونسبه ومولده‬
‫أبو بكر أمحد بن إبراهيم بن إمساعيل بن العباس اجلرجاين اإلمساعيلي الشافعي‪ ،‬ولد‬
‫اإلمساعيلي سنة سبع وسبعني ومائتني‪ ،‬وكتب احلديث وهو ابن ست سنني‪ ،‬وثبت‬
‫مساعه له سنة تسع ومثانني ومائتني‪.‬‬
‫شيوخه وتالميذه‬
‫أما شيوخه‪ :‬فقد روى عن خلق من العلماء ببغداد والكوفة والبصرة واألنبار واألهواز‬
‫واملوصل وغريها‪ ،‬ومنهم‪:‬‬
‫‪ .1‬حممد بن عبد هللا بن سليمان احلضرمى "مطني" تـ ـ ‪297‬هـ(‪.)2‬‬
‫‪ .2‬يوسف بن يعقوب القاضي مصنف السنن ت ـ ـ ـ ‪246‬هـ(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬وقد اعتىن هبذا الكتاب كل من الشيخ مجال عزون‪ ،‬والشيخ حممد عبد الرمحن اخلميس‪ ،‬فقاما بتحقيقه‬
‫والتعليق على بعض مسائله‪ ،‬فأفادا وأجادا‪.‬‬
‫(‪ )2‬قال الذهيب يف السري (‪ 41/4‬ترمجة ‪ :)15‬الشيخ‪ ،‬احلافظ‪ ،‬الصادق‪ ،‬حمدث الكوفة‪ ،‬أبو جعفر حممد‬
‫بن عبد هللا بن سليمان احلضرمي‪ ،‬امللقب‪ :‬مبطني"‬
‫(‪)3‬‬
‫قال الذهيب يف السري (‪ 85/14‬ط‪ .‬الرسالة) ‪ :‬صاحب التصانيف يف السنن‪ ،‬اإلمام‪ ،‬احلافظ‪ ،‬الفقيه‬
‫الكبري‪ ،‬الثقة‪ ،‬القاضي"‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫‪ .3‬واحلسن بن سفيان بن عامر الشيباين الشافعي تـ ـ ‪303‬هـ(‪.)1‬‬
‫‪ .4‬وأبو يعلى أمحد بن على بن املثىن املوصلي صاحب املسند واملعجم واملفاريد‬
‫وحديث حممد بن بشار تـ ـ ـ ‪307‬هـ(‪.)2‬‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ .5‬أبو بكر حممد بن إسحاق بن خزمية الشافعي ت ـ ـ ‪311‬هـ‬
‫وأما تالميذه‪ :‬فقد روى عنه خلق كثري من املشارقة واملغاربة‪ ،‬ومنهم‪:‬‬
‫‪ .1‬أبو عبد هللا احلاكم‪ ،‬صاحب املستدرك واملدخل ومعرفة علوم احلديث وغريها‬
‫من املصنفات النافعة ت ـ ـ ‪405‬هـ(‪.)4‬‬
‫‪ .2‬محزة بن يوسف السهمي‪ ،‬وهو راوي هذا الكتاب عنه وسيأيت‪.‬‬

‫(‪ )1‬قال الذهيب يف السري (‪ 157 /14‬ط‪ .‬الرسالة) ‪ :‬اإلمام‪ ،‬احلافظ‪ ،‬الثبت‪ ،‬أبو العباس الشيباين‪ ،‬اخلراساين‪،‬‬
‫النسوي‪ ،‬صاحب املسند"‪.‬‬
‫وحكى عن احلاكم أنه قال‪ :‬كان احلسن بن سفيان ‪ -‬حمدث خراسان يف عصره ‪ -‬مقدما يف الثبت‪ ،‬والكثرة‪،‬‬
‫والفهم‪ ،‬والفقه‪ ،‬واألدب"‪.‬‬
‫وترمجه السبكي يف الطبقات (‪ )263/3‬فقال‪ :‬تفقه على أىب ثور وحرملة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬قال ابن كثري يف البداية والنهاية (‪ 812/14‬ط‪ .‬الرتكي)‪ :‬مسع اإلمام أمحد بن حنبل وطبقته وكان حافظا‬
‫خريا حسن التصنيف عدال فيما يرويه ضابطا ملا حيدث به"‪.‬‬
‫وقال الذهيب يف السري (‪ 174/14‬ط‪ .‬الرسالة)‪ ":‬اإلمام احلافظ شيخ اإلسالم ‪ ...‬لقي الكبار‪ ،‬وارحتل يف‬
‫حداثته إىل األمصار"‪.‬‬
‫(‪ )3‬قال الذهيب يف السري (‪ 365/14‬ط‪ .‬الرسالة)‪ :‬احلافظ‪ ،‬احلجة‪ ،‬الفقيه‪ ،‬شيخ اإلسالم‪ ،‬إمام األئمة‪ ،‬أبو‬
‫بكر السلمي النيسابوري‪ ،‬الشافعي‪ ،‬صاحب التصانيف‪ ...‬وعين يف حداثته ابحلديث والفقه‪ ،‬حىت صار‬
‫يضرب به املثل يف سعة العلم واإلتقان"‪.‬‬
‫(‪ )4‬قال الذهيب يف السري (‪ 163/17‬ط‪ .‬الرسالة)‪ :‬اإلمام احلافظ الناقد العالمة‪ ،‬شيخ احملدثني‪ ،‬أبو عبد هللا‬
‫بن البيع الضيب‪ ،‬الطهماين‪ ،‬النيسابوري‪ ،‬الشافعي‪ ،‬صاحب التصانيف"‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ .3‬أبو بكر أمحد بن حممد بن غالب البقاين الشافعي تـ ـ ‪425‬هـ(‪.)1‬‬
‫‪ .4‬أبو بكر حممد بن إدريس اجلرجرائى احلافظ الشافعي ت ـ ‪415‬هـ(‪.)2‬‬
‫‪ .5‬أبو سعيد النقاش حممد بن علي بن عمرو احلافظ ت ـ ـ ‪414‬هـ(‪.)3‬‬
‫مؤلفاته‬
‫لإلمام اإلمساعيلي رمحه هللا مصنفات كثرية‪ ،‬ذكرها أهل العلم يف ترمجته‪ ،‬ومن هذه‬
‫املؤلفات‪:‬‬
‫‪ .1‬معجم أسامي شيوخه‪ :‬وقد ذكر لكل شيخ حديثا واحدا يستغرب أو يستفاد‬
‫أو يستحسن‪ ،‬أو حكاية واحدة ‪ ،‬فبلغ عددهم ‪ 407‬شيخا بدون تكرار‪،‬‬
‫و‪ 410‬شيخا مع التكرار‪.‬‬
‫‪ .2‬اعتقاد أهل السنة‪ :‬وهو كتابنا هذا‪ ،‬ويسمى اترة "اعتقاد أئمة احلديث"‪.‬‬
‫‪ .3‬املستخرج على صحيح البخاري‪ :‬ينقل عنه شراح البخاري كثريا‪ ،‬ويسمى‬
‫أحياان ب ـ "صحيح اإلمساعيلي"‪.‬‬
‫‪ .4‬املسند الكبري‪ :‬ذكر السبكي يف طبقات الشافعية الكبى أنه مائة جملد‪.‬‬

‫(‪ )1‬قال اخلطيب البغدادي يف اترخيه (‪ 26/6‬ط‪ .‬بشار)‪":‬كان ثقة ورعا متقنا متثبتا فهما‪ ،‬مل نر يف شيوخنا‬
‫أثبت منه‪ ،‬حافظا للقرآن‪ ،‬عارفا ابلفقه‪ ،‬له حظ من علم العربية‪ ،‬كثري احلديث‪ ،‬حسن الفهم له‪ ،‬والبصرية‬
‫فيه"‪.‬‬
‫وقال الذهيب يف السري (‪ 464/17‬ترمجة ‪ 306‬ط‪ .‬الرسالة)‪ ":‬اإلمام العالمة الفقيه احلافظ‪ ،‬الثبت‪ ،‬شيخ‬
‫الفقهاء واحملدثني‪ ... ،‬البقاين الشافعي‪ ،‬صاحب التصانيف"‪.‬‬
‫(‪ )2‬قال الذهيب يف السري (‪ 382/17‬الرسالة)‪ ":‬الشيخ العامل احلافظ الرحال‪ ،‬املفيد‪ ،‬أبو بكر حممد بن‬
‫إدريس بن حممد بن إدريس بن سليمان اجلرجرائي‪ ،‬الفقيه‪ ،‬الشافعي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬قال الذهيب يف السري (‪ 307/17‬ط‪ .‬الرسالة) ‪ ":‬اإلمام احلافظ البارع الثبت‪ ،‬أبو سعيد حممد بن علي‬
‫بن عمرو بن مهدي األصبهاين‪ ،‬احلنبلي‪ ،‬النقاش"‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ثناء العلماء عليه‬
‫أكثر العلماء يف الثناء على أيب بكر اإلمساعيلي‪ ،‬واتفقت كلمتهم على أنه كان عاملا‬
‫ابحلديث والفقه‪ ،‬واسع الرحلة واالطالع‪ ،‬كبري الشافعية بناحية جرجان‪ ،‬وكبري‬
‫احملدثني بتلك الناحية‪ ،‬ومن أقواهلم فيه‪:‬‬
‫• قال الشيخ أبو إسحاق الشريازي‪ :‬مجع يعىن اإلمساعيلى بني الفقه واحلديث‬
‫ورايسة الدين والدنيا"(‪.)1‬‬
‫• وقال احلاكم‪ ":‬كان اإلمساعيلي واحد عصره‪ ،‬وشيخ احملدثني والفقهاء‪ ،‬وأجلهم‬
‫يف الرائسة واملروءة والسخاء"(‪.)2‬‬
‫• وقال السمعاين‪ ":‬إمام أهل جرجان‪ ،‬واملرجوع إليه يف احلديث والفقه‪ ،‬رحل اىل‬
‫العراق واحلجاز‪ ،‬وصنف التصانيف‪ ،‬وهو أشهر من أن يذكر‪ ،‬وكذلك أوالده‬
‫وأحفاده‪ ،‬وله وجوه يف املذهب مذكورة مسطورة "(‪.)3‬‬
‫• وقال الذهيب‪ :‬اإلمام احلافظ الفقيه شيخ اإلسالم‪ ..‬وشيخ الشافعية(‪.)4‬‬
‫• وقال ابن كثري ‪ ":‬الفقيه اإلمام احلافظ‪ ،‬أحد كباء الشافعية فقها‪ ،‬وحديثا‪،‬‬
‫وتصنيفا"(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬طبقات الفقهاء له (ص ‪.)116‬‬


‫(‪)2‬‬
‫األنساب للسمعاين (‪ )240/1‬وطبقات علماء احلديث البن عبد اهلادي (‪ )142/3‬والسري للذهيب‬
‫(‪ 294/16‬ط‪ .‬الرسالة) وطبقات الشافعية الكبى للسبكي (‪ 8/3‬ترمجة ‪.)74‬‬
‫(‪ )3‬األنساب للسمعاين (‪.)239/1‬‬
‫(‪ )4‬السري (‪ 292/16‬ط‪ .‬الرسالة)‪.‬‬
‫(‪ )5‬طبقات الفقهاء الشافعيني (ص ‪.)305‬‬

‫‪10‬‬
‫• وقال أيضا‪ :‬احلافظ الكبري الرحال اجلوال‪ ،‬مسع الكثري وحدث وخرج وصنف‪،‬‬
‫فأفاد وأجاد‪ ،‬وأحسن االنتقاد واالعتقاد"(‪.)1‬‬
‫• وقال السبكي‪ ":‬إمام أهل جرجان‪ ،‬واملرجوع إليه ىف الفقه واحلديث‪ ،‬وصاحب‬
‫التصانيف"(‪.)2‬‬
‫عقيدته‬
‫ميثل هذا الكتاب عقيدة اإلمام أاب بكر اإلمساعيلي‪ ،‬ويبني أنه كان على عقيدة‬
‫الشافعي واملزين والبويطي وأئمة الشافعية قبله‪ ،‬وتلك عقيدة الصحابة والتابعني هلم‬
‫إبحسان‪ ،‬وهو التمسك ابلكتاب والسنة على منهج الصحابة وأئمة الدين‪ ،‬والتحذير‬
‫من البدع املخالفة لذلك‪ ،‬وافتتح كتابه هذا أبنه عقيد أهل السنة وأئمة احلديث‪،‬‬
‫الذين جيب التمسك هبديهم‪.‬‬
‫وفاته‬
‫تويف اإلمام اإلمساعيلي يوم السبت‪ ،‬غرة رجب‪ ،‬سنة ثالمثائة وواحد وسبعني للهجرة‪،‬‬
‫وعمره أربعة وتسعون سنة‪.‬‬

‫(‪ )1‬البداية والنهاية (‪ 405/15‬ط‪ .‬الرتكي )‪.‬‬


‫(‪ )2‬طبقات الشافعية الكبى (‪ 7/3‬ترمجة ‪.)74‬‬

‫‪11‬‬
‫سند الكتاب‪:‬‬
‫قال ابن قدامة(‪ :)1‬أخبان الشريف أبو العباس مسعود بن عبد الواحد بن مطر‬
‫اهلامشي(‪ ،)2‬قال‪ :‬أنبأان احلافظ أبو العالء صاعد بن سيار اهلروي(‪ ،)3‬قال‪ :‬أنبأ أبو‬

‫(‪ )1‬هو أبو حممد موفق الدين عبد هللا بن أمحد بن حممد بن قدامة اجلماعيلي املقدسي مث الدمشقي احلنبلي‪،‬‬
‫الشهري اببن قدامة املقدسي (ت ‪620‬هـ)‪.‬‬
‫قال الذهيب يف السري (‪ 166/22‬ط‪ .‬الرسالة)‪ :‬الشيخ‪ ،‬اإلمام‪ ،‬القدوة‪ ،‬العالمة‪ ،‬اجملتهد‪ ،‬شيخ اإلسالم"‪.‬ولد‬
‫سنة ‪541‬هـ وتويف سنة ‪620‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )2‬هو أمحد بن مسعود بن عبد الواحد بن مطر أبو العباس اهلامشي‪ ،‬ترمجه اخلطيب يف اتريخ بغداد للخطيب‬
‫(‪ 123/15‬رقم ‪ 431‬ط‪ .‬العلمية) وقال‪ :‬مسع أاب الغنائم النرسي وأاب احلسن بن مرزوق وأمحد بن حممد بن‬
‫شاكر‪ .‬مسع منه ابناه وعمر القرشي وعلي الزيدي‪ ،‬وغريهم‪ .‬ولد سنة سبع وتسعني وأربعمائة وتويف يف شعبان‬
‫سنة مخس وسبعني ومخسمائة"‪.‬‬
‫وقد بني الذهيب رمحه هللا أنه شيخ ملوفق الدين ابن قدامة كما يف اتريخ اإلسالم (‪ 160/40‬رقم ط‪ .‬تدمري)‬
‫فإنه قال ‪ :‬أمحد بن مسعود بن عبد الواحد بن مطر‪ ،‬أبو العباس اهلامشي‪ ،‬البغدادي‪ ،‬مسع‪ :‬أاب الغنائم النرسي‪،‬‬
‫وأاب احلسن حممد بن مرزوق‪ ،‬مسع منه‪ :‬ابناه‪ ،‬وعمر بن علي‪ ،‬وغري واحد‪ ،‬وروى عنه‪ :‬الشيخ موفق الدين‪،‬‬
‫والبهاء عبد الرمحن‪ ،‬وآخرون‪ ،‬تويف يف شعبان وله مثان وسبعون سنة"‪.‬‬
‫وتبني هبذا أن يف اإلسناد سقطا‪ ،‬وكأن صوبه ( أخبان الشريف أبو العباس بن مسعود بن عبد الواحد بن‬
‫مطر اهلامشي) فسقطت لفظة (ابن) من النساخ وهللا أعلم‪.‬‬
‫ووصفه املنذري يف التكلمة لوفيات النقلة (‪ )239/2‬أبنه الشريف األجل‪.‬‬
‫(‪ )3‬هو احمل ّدث احلافظ‪ ،‬صاعد بن سيّار بن حممد بن عبد هللا‪ ،‬أبو العالء اإلسكايف اهلروي قال السمعاين‬
‫يف األنساب (‪ ":)209/1‬كان حافظاً‪ ،‬متقناً‪ ،‬واسع الرواية"‪ ،‬تويف سنة ‪520‬هـ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫احلسن على بن حممد اجلرجاين(‪ ،)1‬أنبأ أبو القاسم محزة بن يوسف السهمي(‪ ،)2‬أنبأ‬
‫(‪)3‬‬
‫قال‪ ":‬اعلموا رمحنا هللا وإايكم‪ ،‬أن مذهب‬ ‫أبو بكر أمحد بن إبراهيم اإلمساعيلي‬
‫أهل احلديث أهل السنة واجلماعة‪:‬‬
‫‪ .1‬اإلقرار ابهلل ومالئكته وكتبه ورسله(‪.)4‬‬
‫‪ .2‬وقبول ما نطق به كتاب هللا تعاىل‪ ،‬وما صحت به الرواية عن رسول هللا صلى‬
‫رده‪ ،‬إذ كانوا مأمورين‬
‫هللا عليه وآله وسلّم‪ ،‬ال معدل عن ما وردا به‪ ،‬وال سبيل إىل ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫هو علي بن حممد بن عبد هللا بن احلسن بن زكراي‪ ،‬أبو احلسن اجلرجاين‪ ،‬قال السمعاين يف األنساب‬
‫(‪":)254/6‬حافظ‪ ،‬ثقة‪ ،‬صدوق"‪ ،‬تويف سنة ‪468‬هـ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫هو احلافظ احملدث املتقن املصنف‪ ،‬أبو القاسم محزة بن يوسف بن ابراهيم بن موسى السهمي‪ ،‬مؤلف‬
‫اتريخ جرجان‪ ،‬والتكملة على اتريخ اسرتاابذ‪ ،‬وسؤاالت الدارقطين يف اجلرح والتعديل‪ ،‬واألربعني يف فضائل‬
‫العباس بن عبد املطلب‪ ،‬وغريها‪ ،‬تويف ‪428‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )3‬ذم التأويل (ص ‪ 17‬حتقيق بدر بن عبد هللا البدر) ملوفق الدين ابن قدامة رمحه هللا تعاىل‪.‬‬
‫ورواه الذهيب يف السري (‪ 295/16‬ط‪ .‬الرسالة) عن موفق الدين ابن قدامة فقال‪ :‬أخبان إمساعيل بن عبد‬
‫الرمحن بن الفراءأخبان الشيخ موفق الدين عبد هللا ‪ ...‬مث ذكر هذا اإلسناد‪.‬‬
‫وحنوه يف تذكرة احلافظ له (‪ )107/3‬والعلو للعلي الغفار (رقم ‪.)549‬‬
‫(‪ )4‬كما قال تعاىل ﱡﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕﱠ البقرة ‪285.‬‬
‫وروى البخاري (رقم ‪ )50‬ومسلم (رقم ‪ )9‬عن أيب هريرة رضي االه عنه قال‪ :‬كان النيب صلى هللا عليه وسلم‬
‫ابرزا يوما للناس‪ ،‬فأاته جبيل فقال‪ :‬ما اإلميان؟ قال‪ :‬اإلميان أن تؤمن ابهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وبلقائه‪ ،‬ورسله‪،‬‬
‫وتؤمن ابلبعث ‪."...‬‬

‫‪13‬‬
‫ابتباع الكتاب والسنة(‪ ،)1‬مضموان هلم اهلدى فيهما(‪ ،)2‬مشهودا هلم أبن نبيهم‬
‫صلى هللا عليه وسلّم يهدي إىل صراط مستقيم(‪ ،)3‬حمذرين يف خمالفته الفتنة‬
‫والعذاب األليم(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬كما قال تعاىل ﱡ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ‬

‫ﱐﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱠ األحزاب‪.36 :‬‬


‫فأعلم أن معصيته يف ترك أمره وأمر رسوله‪ ،‬ومل جيعل هلم‬
‫قال الشافعي يف األم (‪ )309/7‬يف هذه اآلية‪َ ":‬‬
‫إال اتباعه"‪ .‬وقال تعاىل ﱡ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗﲘ ﱠ احلشر‪.7 :‬‬
‫قال الشافعي يف األم (‪ )16/7‬يف هذه اآلية‪ ":‬فقد بني هللا عز وجل‪ :‬أن الرسول قد يسن – السنة ليست‬
‫بنص يف كتاب ‪ ،-‬وفرض اّلل على الناس طاعته"‪.‬‬
‫(‪ )2‬روى مسلم (رقم ‪ )1218‬من حديث جابر بن عبد هللا رضي هللا عنهما عن النيب صلى هللا عليه وسلم‬
‫أنه قال – يف حديث حجة الوداع الطويل ‪ ":-‬تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به‪ :‬كتاب هللا"‪.‬‬
‫وروى البزار (رقم ‪ )8993‬والدارقطين يف سننه (رقم ‪ )4606‬واحلاكم (رقم ‪ )319‬عن أيب هريرة رضي هللا‬
‫عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ":‬إين قد خلفت فيكم اثنني لن تضلوا بعدمها أبدا‪ ،‬كتاب هللا‬
‫وسنيت‪ ،‬ولن يتفرقا حىت يردا على احلوض" وصححه األلباين يف صحيح اجلامع الصغري (رقم ‪.)2937‬‬
‫(‪ )3‬كما قال تعاىل ﱡﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝﱠ الشورى‪.52 :‬‬
‫واملراد به هداية الداللة على الصراط املستقيم‪ ،‬واالهتداء ابالقتداء به‪ ،‬وأما هداية التوفيق فلله وحده‪ ،‬فقد‬
‫نفى هللا تعاىل عن النيب صلى هللا عليه وسلم هداية التوفيق فقال تعاىل ﱡ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ‬

‫ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈﲉﱠ القصص‪.56 :‬‬


‫كما قال تعاىل ﱡﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ‬ ‫(‪)4‬‬

‫ﲈﱠ النور‪.63 :‬‬


‫وروى الشافعي يف األم (‪ )303 ،16/7‬والرسالة (رقم ‪ )1106 ،622 ،295‬وأمحد (رقم ‪ )23876‬وأبو‬
‫داود (رقم ‪ )4605‬والرتمذي (رقم ‪ )2663‬عن عبيد هللا بن أيب رافع عن أبيه أن النيب قال‪ ":‬ال ألفني‬
‫أحدكم متكئا على أريكته‪ ،‬أيتيه األمر من أمري مما أمرت به‪ ،‬أو هنيت عنه‪ ،‬فيقول‪ :‬ال أدري‪ ،‬ما وجدان يف‬
‫كتاب هللا اتبعناه" وسنده صحيح‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫‪ .3‬ويعتقدون أن هللا تعاىل مدعو أبمسائه احلسىن(‪ ،)1‬وموصوف بصفاته اليت مسى‬
‫ووصف هبا نفسه‪ ،‬ووصفه هبا نبيه صلى هللا عليه وآله وسلّم(‪.)2‬‬

‫قال الشافعي يف الرسالة (ص ‪ 226‬فقرة ‪ 623‬بعد روايته للحديث) ‪ :‬فقد ضيق رسول هللا على الناس أن‬
‫يردوا أمره‪ ،‬بفرض هللا عليهم اتباع أمره"‪.‬‬
‫(‪ )1‬كما قال تعاىل ﱡﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧﱨﱠ األعراف‪ 180 :‬وقال تعاىل ﱡ ﱽ ﱾ ﱿ‬

‫ﲀ ﲁ ﲂﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﱠ اإلسراء ‪.110‬‬
‫وهذه األمساء منها تسعة وتسعون امسا‪ ،‬من أحصاها دخل اجلنة‪ ،‬كما روى البخاري (رقم ‪ )2736‬ومسلم‬
‫(رقم ‪ )2677‬عن أيب هريرة رضي هللا عنه‪ :‬أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪ :‬إن هلل تسعة وتسعني‬
‫امسا‪ ،‬مائة إال واحدا‪ ،‬من أحصاها دخل اجلنة"‪.‬‬
‫ومل يرد يف تعدادها خب صحيح‪ ،‬وإمنا جاء يف حديث رواه الرتمذي (رقم ‪ )3507‬وغريه‪ ،‬مث قال الرتمذي‪:‬‬
‫وقد روي هذا احلديث من غري وجه عن أيب هريرة عن النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وال نعلم يف كبري شيء‬
‫من الرواايت ذكر األمساء إال يف هذا احلديث‪ ،‬وقد روى آدم بن أيب إايس‪ ،‬هذا احلديث إبسناد غري هذا‬
‫عن أيب هريرة عن النيب صلى هللا عليه وسلم وذكر فيه األمساء‪ ،‬وليس له إسناد صحيح"‪.‬‬
‫وقد ورد ما يدل على أن هلل تعاىل أكثر من مائة اسم سبحانه‪ ،‬فروى أمحد (رقم ‪ )3712‬وأبو يعلى (رقم‬
‫‪ )5297‬وابن حبان (رقم ‪ )972‬واحلاكم (رقم ‪ )1877‬وغريهم من حديث ابن مسعود مرفوعا‪ ":‬اللهم إين‬
‫عبدك‪ ،‬وابن أمتك‪ ،‬انصييت يف يدك‪ ،‬ماض يف حكمك‪ ،‬عدل يف قضاؤك‪ ،‬أسألك بكل اسم هو لك‪،‬‬
‫مسيت به نفسك‪ ،‬أو أنزلته يف كتابك‪ ،‬أو علمته أحدا من خلقك‪ ،‬أو استأثرت به يف علم الغيب عندك‬
‫‪ "...‬احلديث‪ .‬وصح حه احلاكم على شرط مسلم‪ ،‬ووافقه األلباين يف الصحيحة (رقم ‪.)199‬‬
‫(‪)2‬‬
‫هذه القاعدة مركبة من جزءين‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن أمساء هللا تعاىل وصفاته توقيفية‪ ،‬فال ي َ‬
‫وصف هللا تعاىل إال مبا ثبت يف الكتاب العزيز‪ ،‬والسنة‬
‫املطهرة الصحيحة عن املصطفى صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ألن هللا تعاىل ال يقاس على خلقه‪ ،‬والشبيه واملثيل‬
‫منفيان عنه كما قال تعاىل ﱡ ﱐ ﱑ ﱒﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱠ الشورى ‪ ،11‬فال يصح قياسه‬
‫على غريه ابالجتهاد‪ ،‬فإن القياس – أي قياس التمثيل‪ -‬إمنا هو إحلاق النظريبنظريه‪ ،‬واملثيل مبثيله‪ ،‬وقد هنى‬
‫هللا تعاىل عن ضرب األمثال له فقال تعاىل ﱡﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛﱠ‬
‫النحل‪ ،74 :‬فلم يبق إال توقُّف صحة وصفه بصفة‪ ،‬على ثبوهتا ابلكتاب والسنة‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫‪ .4‬وخلق آدم بيده(‪.)1‬‬
‫‪ .5‬ويداه مبسوطتان‪ ،‬ينفق كيف يشاء‪ ،‬بال اعتقاد كيف(‪.)2‬‬

‫الثاين‪ :‬أن الواجب قبول ما جاء عن هللا تعاىل‪ ،‬وعن نبيه صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬واإلميان به على ظاهره‪ ،‬ما‬
‫مل يكن هناك دليل يقتضي صرفه وأتويله‪.‬‬
‫فإذا ثبت األمران‪ ،‬وجب أن يوصف هللا تعاىل مبا ثبت ابلنص ابتاعا وقبوال كما ذكران‪.‬‬
‫(‪ )1‬كما قال تعاىل ﱡ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳﱠ ص‪75 :‬‬
‫وروى البخاري (رقم ‪ )4476‬ومسلم (رقم ‪ )4312‬عن أنس بن مالك – يف حديث الشفاعة الطويل‪ -‬أن‬
‫الناس أيتون إىل آدم عليه السالم فيقولون له‪ :‬أنت أبو الناس‪ ،‬خلقك هللا بيده‪ ،‬وأسجد لك مالئكته‪،‬‬
‫وعلمك أمساء كل شيء‪ ،‬فاشفع لنا عند ربك حىت يرحينا من مكاننا هذا ‪ "...‬احلديث‪.‬‬
‫واآلية واحلديث يقضيان أبن هللا عز وجل فضل آدم عليه السالم أبنه خلقه بيده‪ ،‬ولو كان املراد ابلقدرة‬
‫لكان إبليس أيضا خملوقا بقدرة هللا تعاىل‪ ،‬فال مزية آلدم عليه‪ ،‬وال عند اخللق يف احملشر‪ ،‬ألن احلديث تضمن‬
‫إتيان الناس لنوح وإبراهيم وموسى وعيسى‪ ،‬وذكر كل منهم مبا مييزه عن إخوانه من األنبياء عليهم السالم‪.‬‬
‫وكما كان اخللق بيده سبحانه مما فضل به آدم عليه السالم‪ ،‬كان خط التوراة ملوسى بيده سبحانه مما فضل‬
‫به موسى عليه السالم‪ ،‬كما روى البخاري (رقم ‪ )6614‬ومسلم (رقم ‪ )2652‬عن أيب هريرة رضي هللا عنه‬
‫عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال‪ ":‬احتج آدم وموسى فقال له موسى‪ :‬اي آدم أنت أبوان خيبتنا وأخرجتنا‬
‫من اجلنة‪ ،‬قال له آدم‪ :‬اي موسى اصطفاك هللا بكالمه‪َّ ،‬‬
‫وخط لك بيده‪ ،‬أتلومين على أمر قدره هللا علي قبل‬
‫أن خيلقين أبربعني سنة؟ فحج آدم موسى‪ ،‬فحج آدم موسى ثالاث"‪.‬‬
‫(‪ )2‬كما قال تعاىل ﱡ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃﳄﱠ املائدة‪6 :‬‬
‫ويف هذه اآلية واليت قبلها إثبات يدين هلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وقد صح تسمية أحدمها ابليمىن‪،‬‬
‫فقال تعاىل ﱡﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁﱠ الزمر ‪67‬‬
‫وروى البخاري (رقم ‪ )7419‬ومسلم (رقم ‪ )993‬عن أيب هريرة رضي هللا عنه عن النيب صلى هللا عليه وسلم‬
‫قال‪ ":‬إن ميني هللا مألى ال يغيضها نفقة‪ ،‬سحاء الليل والنهار‪ ،‬أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات واألرض‪،‬‬
‫فإنه مل ينقص ما يف ميينه‪ ،‬وعرشه على املاء‪ ،‬وبيده األخرى القبض‪ ،‬يرفع وخيفض"‪.‬‬
‫وملا كان وصف إحدى اليدين ابليمىن مومها نقص األخرى يف مفهوم الناس وعرفهم‪ ،‬نفى النيب صلى هللا‬
‫عليه وسلم ذلك عن هللا تعاىل‪ ،‬فروى مسلم (رقم ‪ )1827‬عن عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهما قال‪ :‬قال‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ":‬إن املقسطني‪ ،‬عند هللا‪ ،‬على منابر من نور‪ .‬عن ميني الرمحن عز وجل‪.‬‬
‫وكلتا يديه ميني؛ الذين يعدلون يف حكمهم وأهليهم وما ولوا"‪.‬‬
‫وهذا من ت مام‬

‫‪16‬‬
‫‪ .6‬وأنه عز وجل استوى على العرش بال كيف‪ ،‬فإن هللا تعاىل أهنى إىل أنه استوى‬
‫على العرش‪ ،‬ومل يذكر كيف كان استواؤه(‪.)1‬‬

‫وهذا من متام خمالفته خللقه‪ ،‬وعدم مشابته هلم يف صفاته‪ ،‬كما قال تعاىل ﱡ ﱐ ﱑ ﱒﱓ ﱔ ﱕ‬

‫ﱖﱠ الشورى‪.11 :‬‬


‫وأما ما ورد يف بعض األحاديث من وصف إحدى يديه جل وعال ابلشمال أو اليسار فالصواب عدم صحة‬
‫ذلك نقال‪ ،‬وأن قوله" مث يطوي األرضني بشماله" عند مسلم (رقم ‪ )2788‬ال يصح‪ ،‬ألنه مما تفرد به عمر‬
‫بن محزة العمري كما قال البيهقي يف األمساء والصفات (‪ :)139 /2‬وذكر الشمال فيه تفرد به عمر بن‬
‫محزة عن سامل‪ ،‬وقد روى هذا احلد يث انفع وعبيد هللا بن مقسم عن ابن عمر‪ ،‬مل يذكرا فيه الشمال‪ ،‬ورواه‬
‫أبو هريرة رضي هللا عنه وغريه عن النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فلم يذكر فيه أحد منهم الشمال‪ ،‬وروي ذكر‬
‫الشمال يف حديث آخر يف غري هذه القصة‪ ،‬إال أنه ضعيف مبرة؛ تفرد أبحدمها جعفر بن الزبري‪ ،‬وابآلخر‬
‫يزيد الرقاشي‪ ،‬ومها مرتوكان‪ ،‬وكيف يصح ذلك؟ وصحيح عن النيب صلى هللا عليه وسلم أنه مسى كليت يديه‬
‫ميينا"‪.‬‬
‫وقال عثمان بن سعيد الدارمي يف النقض على املريسي (‪ 697-696 /2‬حتقيق األملعي)‪ :‬وأعجب من‬
‫ذلك قول الثلجي اجلاهل فيما ادعى يف أتويل حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬املقسطون يوم‬
‫القيامة عن ميني الرمحن وكلتا يديه ميني"‪.‬‬
‫فادعى الثلجي أن النيب صلى هللا عليه وسلم أتول كلتا يديه ميني أنه خرج من أتويل الغلوليني أهنا ميني‬
‫األيدي‪ ،‬وخرج من معىن اليدين إىل النعم‪ ،‬يعين ابلغلوليني أهل السنة‪ ،‬يعين أنه ال يكون ألحد ميينان‪ ،‬وال‬
‫يوصف أحد بيمينني‪ ،‬ولكن ميني ومشال بزعمه‪.‬‬
‫قال أبو سعيد‪ :‬ويلك أيها املعارض! إمنا عىن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ابليدين فقال‪" :‬كلتا يدي‬
‫الرمحن ميني" إجالال هلل وتعظيما أن يوصف ابلشمال‪ ،‬ولومل جيز أن يقال‪ :‬كلتا يدي الرمحن ميني‪ ،‬مل يقله‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم"‪.‬‬
‫وقال ابن خزمية يف التوحيد (‪ :)191/1‬وكلتا يدي ربنا ميني‪ ،‬ال مشال فيهما جل ربنا وعز أن يكون له‬
‫يسار؛ إذ كون إحدى اليدين يسارا إمنا يكون من عالمات املخلوقني‪ ،‬جل ربنا وعز عن شبه خلقه"‪.‬‬
‫(‪ )1‬كما قال تعاىل يف طه ‪ :5‬ﱡﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱠ ‪ ،‬وقال تعاىل يف األعراف‪ :54 :‬ﱡ ﱵ‬

‫ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﱠ‪ ،‬ومثلها يف يونس‬


‫‪ ،3‬وقال تعاىل يف الرعد ‪ :2‬ﱡ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞﱟ ﱠ‪،‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ .7‬وأنه مالك خلقه(‪ ،)1‬وأنشأهم ال عن حاجة إىل ما خلق‪ ،‬وال معىن دعاه إىل أن‬
‫خلقهم(‪ ،)2‬لكنه فعال ملا ‪..................‬‬

‫وقال تعاىل يف الفرقان ‪ :59‬ﱡ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ‬

‫ﱰ ﱱﱲ ﱠ‪ ،‬ومثلها يف السجدة ‪ ،4‬وقال تعاىل يف احلديد ‪ :4‬ﱡ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬

‫ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌﱍ ﱠ‪.‬‬
‫فهذه سبع مواضع يف القرآن‪ ،‬وهي صرحية يف أن هللا عز وجل فوق عرشه‪ ،‬عال عليه‪ ،‬ابئن من خلقه‪.‬‬
‫ونفي الكيفية أو التكييف مأخوذ من قوله تعاىل ﱡﱐ ﱑ ﱒﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱠ الشورى‪:‬‬
‫‪ ، 11‬فأثبت األمساء والصفات ونفى الكيفية‪ ،‬واالستواء من صفاته اليت جتري عليها قاعدة هذه اآلية يف‬
‫نفي املماثلة واملشاهبة بني اخلالق واملخلوق‪.‬‬
‫(‪ )1‬كما قال تعاىل ﱡﲹ ﲺ ﲻ ﲼﲽ ﲾ ﲿ ﳀﱠ النور‪42 :‬‬
‫وقال تعاىل ﱡ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ‬

‫ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﱠ سبأ‪22 :‬‬
‫(‪ )2‬أكثر هللا تعاىل يف كتابه العزيز أنه غين عن عباده‪ ،‬ومل خيلقهم حلاجته إليهم‪ ،‬وال يرجع نفع عبادهتم إليه‪،‬‬
‫وإمنا يرجع إليهم‪ ،‬ومن تلك اآلايت قوله تعاىل ﱡﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ‬

‫ﲦﱠ النمل‪ ،40 :‬وقوله تعاىل ﱡﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ‬

‫ﱳ ﱴ ﱵ ﱶﱠ إبراهيم‪ ،8 :‬وقوله تعاىل ﱡ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ‬

‫ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥﲦ ﲧ‬

‫ﲨ ﲩ ﲪﱠ النساء‪131 :‬‬
‫وغريها من اآلايت الكثرية اليت مجعت بني األمر ابلعبادة‪ ،‬وبيان أن هللا غين عنها‪.‬‬
‫وروى مسلم (رقم ‪ )2577‬عن أيب ذر الغفاري رضي هللا عنه يف احلديث القدسي الطويل‪ ،‬وفيه‪ ":‬اي عبادي!‬
‫لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم‪ .‬كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم‪ .‬ما زاد ذلك يف ملكي شيئا‪.‬‬
‫اي عبادي! لو أن أولكم وآخركم‪ .‬وإنسكم وجنكم‪ .‬كانوا على أفجر قلب رجل واحد‪ .‬ما نقص ذلك من‬
‫ملكي شيئا "‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫يشاء(‪ ،)1‬وحيكم ما يريد(‪ ،)2‬ال يسأل عما يفعل‪ ،‬واخللق مسؤولون عما‬
‫يفعلون(‪.)3‬‬
‫‪ .8‬وأنه مدعو أبمسائه احلسىن(‪ ،)4‬موصوف بصفاته اليت مسى ووصف هبا نفسه‪،‬‬
‫ومساه ووصفه هبا نبيه عليه السالم‪.‬‬
‫‪ .9‬ال يعجزه شيء يف األرض وال يف السماء(‪.)5‬‬
‫‪ .10‬وال يوصف بنقص أو عيب أو آفة‪ ،‬فإنه عز وجل تعاىل عن ذلك(‪.)6‬‬
‫‪ .11‬وخلق آدم عليه السالم بيده‪.‬‬

‫(‪ )1‬كما قال تعاىل ﱡﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌﱠ احلج‪18 :‬‬


‫(‪ )2‬كما قال تعاىل ﱡﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒﱠ املائدة‪1 :‬‬
‫(‪ )3‬كما قال تعاىل ﱡﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂﱠ األنبياء‪23 :‬‬
‫(‪ )4‬كما قال تعاىل ﱡﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧﱨﱠ األعراف ‪ 180‬وقال تعاىل ﱡ ﱽ ﱾ ﱿ‬

‫ﲀ ﲁ ﲂﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﱠ اإلسراء ‪110‬‬
‫كما قال تعاىل ﱡﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﳤ ﳥﳦ ﳧ ﳨ‬ ‫(‪)5‬‬

‫ﳩ ﳪﱠ فاطر ‪44‬‬
‫وقال تعاىل ﱡﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ‬
‫ﳂ ﳃ ﳄﱠ العنكبوت‪2 :‬‬
‫وهذا خالصة اآلايت القرآنية‪ ،‬منها‪ ،‬قوله تعاىل ﱡﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙﲚ ﲛ ﲜ‬ ‫(‪)6‬‬

‫ﲝ ﲞ ﲟﲠﱠ إىل قوله ﱡﳆ ﳇ ﳈﳉﱠ البقرة‪ ،255 :‬وقوله تعاىل ﱡ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ‬

‫ﱺ ﱻ ﱼﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﱠ‬
‫سبأ ‪3‬‬
‫فنفى هللا تعاىل عن نفسه يف األوىل النوم والسنة والتعب‪ ،‬ويف الثانية اجلهل‪ ،‬ويف آايت أخرى نفي صفات‬
‫النقص عن نفسه سبحانه وتعاىل‪ ،‬فعلم أن هللا متصف بصفات الكمال‪ ،‬منزه عن صفات النقص‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫‪ .12‬ويداه مبسوطتان ينفق كيف شاء‪ ،‬بال اعتقاد كيف يداه‪ ،‬إذ مل ينطق كتاب‬
‫هللا تعاىل فيه بكيف(‪.)1‬‬
‫‪ .13‬وال يعتقد فيه األعضاء واجلوارح‪ ،‬وال الطول والعرض‪ ،‬والغلظ‪ ،‬والدقة(‪،)2‬‬
‫وحنو هذا مما يكون مثله يف اخللق‪،‬‬

‫(‪ )1‬تقدمت هذه الصفة بدليلها‪ ،‬فلعل تكرارها من الناسخ وهللا أعلم‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫اشتمل هذا الكالم على أمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬نفي األلفاظ اجململة مثل" اجلسم‪ ،‬واألعضاء‪ ،‬واجلوارح‪ ،‬والطول والعرض‪ ،‬والغلظ‪ ،‬والدقة"‪ ،‬وهي‬
‫ألفاظ مل أيت إبثباهتا كتاب وال سنة صحيحة‪ ،‬وقد تقدم أن الصفات اإلهلية توقيفة‪ ،‬ال يثبت منها إال ما‬
‫ابلنص‪ ،‬ونفيها لكوهنا مل تثبت سواء قصد معىن صحيحا أو معىن فاسدا‪ ،‬وإمنا يثبت املعىن الصحيح‬
‫ّ‬ ‫ثبت‬
‫ابللفظ الشرعي السليم‪.‬‬
‫وقد جاء يف القرآن النهي عن مثل ذلك من األلفاظ ذات الوجهني‪ ،‬فقال تعاىل ﱡﲢ ﲣ ﲤ‬

‫ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪﲫﱠ البقرة‪104 :‬‬


‫ولفظ (راعنا) حيتمل معىن فاسدا وآخر صحيحا‪ ،‬فقد يكون من الرعونة‪ ،‬وقد يكون من الرعاية‪ ،‬وملا كان‬
‫اللفظ جممال حيتمل الوجهني هنى هللا تعاىل عن استعماله‪ ،‬وهكذا يف سائر األلفاظ احملتملة للمعاىن الفاسدة‪.‬‬
‫وكذلك صنع اإلمام أمحد بن حنبل يف قوهلم " لفظي ابلقرآ ن خملوق"‪ ،‬فهو لفظ جممل حيتمل معىن فاسدا‬
‫وآخر صحيحا‪ ،‬فش ّدد اإلمام أمحد فيه وقال‪ ":‬اللفظية شر من اجلهمية" خشية إرادة املعىن الفاسد‪.‬‬
‫وهذا أبو نصر السجزي (ت ـ ‪444‬هـ) يف رسالته إىل أهل زبيد يف الرد على من أنكر احلرف والصوت يقول‬
‫(ص ‪ :)174‬واملقابلة ال تقتضي الت جسيم كما زعموا؛ ألن املرئيات يف الشاهد ال خترج عن أن تكون‬
‫جسماً أو عرضاً على أصلهم‪ ،‬وهللا سبحانه ابتفاقنا مرئي‪ .‬وليس جبسم وال عرض‪ ،‬وإذا صح ذلك‪ ،‬جاز‬
‫أن يرى عن مقابلة‪ ،‬وال جيب أن يكون جسماً‪ .‬وقد نص مالك بن أنس رمحه هللا‪ ،‬وغريه من األئمة رمحهم‬
‫هللا على أ ّن هللا سبحانه يرى يوم القيامة ابألبصار"‪.‬‬
‫وقال أيضا فيها (ص ‪ : )292‬وإثبات الصفات له على ما جاء به النص عنه وعن رسوله صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ال يوجب التجسيم والتشبيه‪ ،‬بل كل شيء يتعلق ابحملداثت مكيف‪ ،‬وصفات الباري ال كيفية هلا‪،‬‬
‫فالتجسيم والتشبيه منتفيان عنه وعن صفاته‪ .‬وابهلل التوفيق"‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫فإنه ليس كمثله شيء‪ ،‬تبارك وجه ربنا ذي اجلالل واإلكرام(‪.)1‬‬
‫‪ .14‬وال يقولون‪ :‬إن أمساء هللا غري هللا كما تقوله املعتزلة واخلوارج‪،‬‬
‫وطوائف من أهل األهواء(‪.)2‬‬

‫الثاين‪ :‬التفصيل يف النفي‪ ،‬وقد جاء يف القرآن نفي النقائص وتعدادها‪ ،‬ولو كانت متشاهبة من بعض الوجوه‬
‫كما نفى هللا تعاىل عن نفسه "النوم والسنة"‪ ،‬ونفى التعب واللغوب‪ ،‬ونفى الولد والصاحبة‪ ،‬ونفى النسيان‬
‫والعجز‪ ،‬ونفى الظلم واملوت‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬
‫ومما تقدم يعلم أنه ال مؤاخذة على اإلمساعيلي فيما قرره وذهب إليه‪ ،‬وذلك أنه جرى على إثبات ما ثبت‪،‬‬
‫ونفي ما مل يثبت أو فيه نقص وعيب‪ ،‬إمجاال وتفصيال‪ ،‬وكالمها من منهج القرآن يف نفي النقائص عن الباري‬
‫جل وعال‪.‬‬
‫(‪ )1‬اشتمل كالم املؤلف على أمرين‪:‬‬

‫األول‪ :‬نفي مشاهبة اخلالق للمخلوق وهو كما قال تعاىل ﱡﱐ ﱑ ﱒﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱠ‬
‫الشورى‪.11 :‬‬
‫الثاين‪ :‬أن هللا متصف بصفات اجلالل والكمال‪ ،‬كما قال تعاىل ﱡ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄﲅ‬
‫ﲆ ﲇ ﲈﲉ ﲊ ﲋ ﲌﱠ النحل‪60 :‬‬
‫وقال تعاىل ﱡ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ‬

‫ﱫ ﱬﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱠ الروم‪27 :‬‬
‫ومن صفاته إثبات وجهه سبحانه وتعاىل‪ ،‬وسيأيت للمؤلف ذكر ذلك قريبا‪ ،‬وما ذكره هنا هو لفظ آية جليلة‬
‫يف كتاب هللا تعاىل وهي قوله سبحانه ﱡ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱠ الرمحن‪27 :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫هذه البدعة وهي أن االسم غري املسمى‪ ،‬وأن االسم خملوق ومن ذلك أمساء هللا تعاىل انتشرت يف عهد‬
‫اإلمام أمحد بن حنبل رمحه هللا‪ ،‬ومل تكن م عروفة قبل ذلك‪ ،‬وهلذا مل يتكلم فيها أئمة السنة قبله ابلتفصيل‪،‬‬
‫وكان مقررا عند األئمة أن أمساء هللا تعاىل غري خملوقة‪.‬‬
‫روىى ابن أيب حامت يف آداب الشافعي ومناقبه (ص ‪ )148‬عن الربيع بن سليمان قال‪ :‬مسعت الشافعي‬
‫يقول‪ :‬من حلف ابسم من أمساء هللا فحنث‪ ،‬فعليه الكفارة؛ ألن اسم هللا غري خملوق‪ ،‬ومن حلف ابلكعبة‬
‫أو ابلصفا واملروة‪ ،‬فليس عليه الكفارة؛ ألنه خملوق‪ ،‬وذاك غري خملوق"‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫وأصل هذه املقولة متفرع عن خلق القرآن‪ ،‬ألنه فيه أمساء هللا احلسىن‪ ،‬فمن زعم أن القرآن خملوق‪ ،‬لزمه القول‬
‫أبن أمساء هللا تعاىل يف القرآن خملوقة‪.‬‬
‫روى البيهقي يف مناقب الشافعي (‪ )408-407/1‬وتفسري الشافعي (‪ )907/2‬من طريق أيب حممد الزبريي‬
‫قال‪ :‬قال رجل للشافعي‪ :‬أخبين عن القرآن‪ ،‬خالق هو؟ قال الشافعي‪ :‬اللهم ال‪ .‬قال‪ :‬فمخلوق؟ قال‬
‫الشافعي‪ :‬اللهم ال‪ .‬قال‪ :‬فغري خملوق؟ قال الشافعي‪ :‬اللهم نعم‪ .‬قال‪ :‬فما الدليل على أنه غري خملوق؟ فرفع‬
‫الشافعي رأسه وقال‪ :‬تقر أبن القرآن كالم هللا؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال الشافعي‪ :‬سبقت يف هذه الكلمة؛ قال هللا‬
‫تعاىل ذكره‪ :‬ﱡﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﱠ التوبة ‪،6‬‬

‫وقال ﱡﱩ ﱪ ﱫ ﱬﱠ النساء ‪.164‬‬


‫قال الشافعي‪ :‬فتقر أبن هللا كان وكان كالمه‪ ،‬أو كان هللا ومل يكن كالمه؟ فقال الرجل‪ :‬بل كان هللا‪ ،‬وكان‬
‫كالمه‪.‬‬
‫قال‪ :‬فتبسم الشافعي وقال‪ :‬اي كوفيون‪ ،‬إنكم لتأتوين بعظيم من القول‪ .‬إذا كنتم تقرون أبن هللا كان قبل‬
‫القبل‪ ،‬وكان كالمه‪ ،‬فمن أين لكم الكالم‪ :‬إن الكالم هللا‪ ،‬أو سوى هللا‪ ،‬أو غري هللا‪ .‬أو دون هللا؟ قال‪:‬‬
‫فسكت الرجل وخرج"‪.‬‬
‫وعقد الدارمي اباب هلذه املسألة يف كتابه" الرد على اجلهمية " (ص ‪ )164-163‬فقال‪( :‬الكالم على أسم‬
‫هللا يف القران هل هو خملوق؟)‪ :‬زعمت اجلهمية أن هللا ‪-‬جل ثناؤه‪ -‬يف القرآن إمنا هو اسم خملوق‪ ،‬فقلنا‪:‬‬
‫قبل أن خيلق هذا االسم‪ ،‬ما كان امسه؟ قالوا‪ :‬مل يكن له اسم‪.‬‬
‫علما؟‪ .‬وكان ال نور له حىت خيلق‬
‫فقلنا‪ :‬وكذلك قبل أن خيلق العلم أكان جاهال ال يعلم حىت خيلق لنفسه ً‬
‫نورا؟‪ .‬وكان وال قدرة له حىت خيلق لنفسه قدرة؟ فعلم اخلبيث أن هللا قد فضحه‪ ،‬وأبدى عورته حني‬
‫لنفسه ً‬
‫زعم أن هللا ‪-‬جل ثناؤه‪ -‬يف القرآن إمنا هو اسم خملوق"‪.‬‬
‫كاذاب كان ال حينث‪ ،‬ألنه حلف بشيء خملوق‪،‬‬
‫وقلنا للجهمية‪ :‬لو أن رجالً حلف ابهلل الذي ال إله إال هو ً‬
‫ومل حيلف ابخلالق‪ ،‬ففضحه هللا يف هذه"‪.‬‬
‫وقال الطبي يف صريح السنة (ص ‪ 26‬رقم ‪ : )34‬وأما القول يف االسم‪ :‬أهو املسمى أم غري املسمى؟ فإنه‬
‫من احلماقات احلادثة اليت ال أثر فيها فيتبع‪ ،‬وال قول من إمام فيستمع‪ ،‬فاخلوض فيه شني‪ ،‬والصمت عنه‬
‫زين‪ ،‬وحسب امرئ من العلم به‪ ،‬والقول فيه أن ينتهي إىل قول هللا‪ ،‬عز وجل ثناؤه‪ ،‬الصادق‪ ،‬وهو قوله‪:‬‬
‫ﱡﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﲊﱠ اإلسراء‪ ،110 :‬وقوله تعاىل‪:‬‬
‫ﱡﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧﱨﱠ األعراف‪ ،180 :‬ويعلم أن ربه هو الذي على العرش استوى‪،‬‬

‫‪22‬‬
‫‪ .15‬ويثبتون أن له وجها‪ ،‬ومسعا‪ ،‬وبصرا‪ ،‬وعلما‪ ،‬وقدرة‪ ،‬وقوة‪ ،‬وعزة‪ ،‬وكالما‪ ،‬ال‬
‫على ما يقوله أهل الزيغ من املعتزلة وغريهم‪ ،‬ولكن كما قال تبارك وتعاىل‬
‫ﱡﲸ ﲹ ﲺ ﲻ‬ ‫ﱡﱪ ﱫ ﱬﱠ وقال ﱡﲆ ﲇﲈﱠ وقال‬
‫ﱡﲿ ﳀ ﳁﱠ(‪،)1‬‬ ‫ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﳀﱠ وقال ﱡﲰ ﲱ ﲲﲳﱠ وقال‬
‫وقال ﱡﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐﲑﱠ وقال ﱡﱴ ﱵ ﱶ‬

‫ﱷ ﱸ ﱹ ﱺﱠ‪.‬‬
‫‪ .16‬فهو تعاىل ذو العلم‪ ،‬والقوة‪ ،‬والقدرة‪ ،‬والسمع‪ ،‬والبصر‪ ،‬والكالم‪ ،‬كما قال‬
‫ﱡﲹ‬ ‫تعاىل ﱡﱜ ﱝ ﱞﱠ‪ ،‬ﱡﳔ ﳕ ﳖ ﳗﱠ‪ ،‬وقال‬
‫ﱡﲹ‬ ‫ﱬﱠ‪ ،‬وقال‬ ‫ﱡﱩ ﱪ ﱫ‬ ‫ﲺ ﲻ ﲼﱠ وقال‬
‫ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﱠ‪.‬‬
‫‪ .17‬ويقولون‪ :‬ما يقوله املسلمون أبسرهم‪( :‬ما شاء هللا كان‪ ،‬وما مل‬
‫يشأ ال يكون)‪ ،‬كما قال تعاىل ﱡﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭﱮ ﱠ (‪.)2‬‬

‫ﱡﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﱠ طه‪ ،6 :‬فمن جتاوز ذلك فقد‬


‫خاب وخسر‪ ،‬وضل وهلك"‪.‬‬
‫(‪ )1‬أي بقوة كما جاءت الرواية يف ذلك عن ابن عباس وجماهد وقتادة وغريهم كما ذكره ابن جرير الطبي‬
‫يف تفسري هذه اآلية (‪ ،)438/22‬فهي كقوله تعاىل داود عليه السالم ﱡﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉﱠ ص‬
‫‪ 17‬أي ذا القوة‪.‬‬
‫(‪ )2‬حكى املؤلف اإلمجاع على ذلك‪ ،‬وقد سبقه حلكاية اإلمجاع ابن قتيبة (ت ـ ‪267‬هـ) يف خمتلف احلديث‬
‫(ص ‪ )64‬فقال‪ :‬أصحاب احلديث كلهم جممعون على أن ما شاء هللا كان‪ ،‬وما مل يشأ ال يكون" وحنوه يف‬
‫االختالف يف اللفظ له (ص ‪ .)22‬وحكى اإلمجاع أيضا أبو احلسن األشعري يف اإلابنة (ص ‪ .)15‬مث ذكر‬
‫املؤلف أن مستند اإلمجاع هو اآلية املذكورة يف الكتاب‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫وقد جاءت الرواية عن النيب صلى هللا عليه وسلم من طرق يقوي بعضها بعضا‪ ،‬فجاء عن بعض بنات النيب‬
‫وأيب هريرة وبريدة ورجل من الصحابة‪.‬‬
‫أما بعض بنات النيب‪ :‬فرواه أبو داود (رقم ‪ )5075‬والنسائي يف الكبى (رقم ‪ )9756‬عن بعض بنات‬
‫النيب رضي عنها أن النيب صلى هللا عليه وسلم كان يعلمها فيقول‪ ":‬قويل حني تصبحني سبحان هللا وحبمده‪،‬‬
‫ال قوة إال ابهلل ما شاء هللا كان‪ ،‬وما مل يشأ مل يكن‪ ،‬فإنه من قاهلن حني يصبح حفظ حىت ميسي‪ ،‬ومن‬
‫قاهلن ح ني ميسي حفظ حىت يصبح"‪ .‬وهو ضعيف يف سنده جمهوالن‪ ،‬لكنه ضعف ينجب ابلشواهد اآلتية‪.‬‬
‫وأما أبو هريرة‪ :‬فرواه العقيلي يف الضعفاء الكبري (‪ )89/4‬من طريق حممد بن عبد هللا بن مسلم – ابن‬
‫أخي الزهري – عن الزهري عن سامل عن أيب هريرة حنوه‪.‬‬
‫ورواه أبو داود يف املراسيل (رقم ‪ )58‬من طريق يونس عن الزهري به مرسال‪.‬‬
‫ورجاله ثقات‪ ،‬لكنه خمالف لألول يف وصله‪ ،‬فال يبعد تقويته به‪.‬‬
‫وأما بريدة‪ :‬فرواه ابن السين يف عمل اليوم والليلة (رقم ‪ )42‬من طريق علي بن قادم عن جعفر األمحر عن‬
‫ثعلبة بن يزيد عن عبد هللا بن بريدة عن أبيه حنوه مرفوعا‪.‬‬
‫ومن طريق ابن السين‪ ،‬رواه قوام السنة يف الرتغيب والرتهيب (رقم ‪.)1310‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر يف نتائج األفكار (‪ : )392/2‬رواته موثقون إال علي بن قادم واألمحر‪ ،‬فإهنما ضعيفان‬
‫من قبل التشيع"‪ ،‬وال يضره ما فيهما من التشيع‪ ،‬ألهنما صدوقان عنده‪.‬‬
‫وأما رجل من الصحابة‪ :‬فرواه احلارث (زوائده رقم ‪ )1052‬عن يزيد بن هارون عن معاذ أيب عبد هللا عن‬
‫رجل عن احلسن عن رجل من الصحابة حنوه‪ .‬وسنده ضعيف‪ ،‬فيه رجل مبهم‪ ،‬ومعاذ أبو عبد هللا مل أعرفه‪،‬‬
‫ومثله يتقوى ابلشواهد‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫‪ .18‬ويقولون‪ :‬ال سبيل ألحد أن خيرج عن علم هللا(‪ ،)1‬وال أن يغلب فعله وإرادته‬
‫علم هللا‪ ،‬فإنه العامل ال جيهل وال يسهو(‪ ،)2‬والقادر ال‬
‫مشيئةَ هللا‪ ،‬وال أن يب ّدل َ‬
‫يغلَب(‪.)3‬‬
‫‪ .19‬ويقولون‪ :‬القرآن كالم هللا غري خملوق(‪ ،)4‬وإنه كيفما تصرف بقراءة القارئ له‪،‬‬
‫مكتواب يف املصاحف‪ ،‬غري‬
‫ً‬ ‫متلوا ابأللسن‪،‬‬
‫وبلفظه‪ ،‬وحمفوظا يف الصدور‪ً ،‬‬
‫خملوق‪ ،‬ومن قال خبلق اللفظ ابلقرآن يريد به القرآن‪ ،‬فقد قال خبلق القرآن(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬كما قال تعاىل ﱡﳤ ﳥ ﳦ ﳧ ﳨ ﳩ ﳪﱠ الطالق ‪12‬‬


‫وقال تعاىل ﱡ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﳀﱠ البقرة‪:‬‬
‫‪ ،255‬وقال تعاىل ﱡﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻﲼﱠ األنعام ‪80‬‬
‫(‪ )2‬قال تعاىل ﱡ ﳧ ﳨ ﳩ ﳪﱠ مرمي ‪64‬‬
‫وقال تعاىل ﱡﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌﱠ طه ‪52‬‬
‫(‪ )3‬كما قال تعاىل ﱡﳑ ﳒ ﳓ ﳔﳕ ﳖ ﳗ ﳘﱠ األنعام ‪18‬‬
‫وقال تعاىل ﱡﲺ ﲻ ﲼ ﲽﱠ يوسف‪.21‬‬
‫(‪ )4‬ألنه صفة من صفات هللا تعاىل وهي الكالم‪ ،‬كما قال تعاىل ﱡ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ‬

‫ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﱠ التوبة‪6 :‬‬
‫وقال تعاىل ﱡﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍﳎﱠ الفتح ‪15‬‬

‫وقال تعاىل ﱡﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈﱠ األعراف ‪144‬‬


‫وروى ابن أيب حامت يف آداب الشافعي ومناقبه (ص ‪ )148‬والبيهقي يف مناقب الشافعي (‪ )407/1‬من‬
‫طريقني عن الربيع قا ل‪ :‬ملا كلم الشافعي رمحه هللا حفصا الفرد‪ ،‬فقال حفص‪ :‬القرآن خملوق‪ .‬قال الشافعي‪:‬‬
‫كفرت ابهلل العظيم"‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫قيد املؤلف هنا إبدارة القرآن‪ ،‬وذلك لوقوع اخلالف بني أهل احلديث والسنة يف ذلك‪ ،‬وأن الصواب‬
‫التفريق‪ ،‬وذلك أن من أراد القرآن‪ ،‬وورى هبذه العبارة فهو كمن قال خبلق القرآن‪ ،‬وهو ما كان غالبا يف عهد‬

‫‪25‬‬
‫‪ .20‬ويقولون‪ :‬إنه ال خالق على احلقيقة إال هللا عز وجل(‪،)1‬‬

‫اإلمام أمحد بن حنبل‪ ،‬وأما من أراد صوته وأفعاله دون القرآن فال يلزمه القول خبلق القرآن‪ ،‬لكن ترك ذلك‬
‫أوىل ملا يوهم من القول خبلق القرآن‪.‬‬
‫وعلى هذا‪ ،‬فالقرآن هو‪ :‬كالم هللا الذي بلغه رسوله‪ ،‬واملسلمون يقرءونه‪ ،‬ويسمع من القارئ كالم هللا‪ ،‬لكن‬
‫يقرءونه أبفعاهلم وأصواهتم‪ ،‬ويسمعونه من القارئ الذي يقرؤه بصوت نفسه‪ ،‬فالكالم كالم البارئ‪ ،‬والصوت‬
‫صوت القارئ‪ ،‬وهو قول البخاري رمحه هللا تعاىل‪.‬‬
‫قال تعاىل ﱡﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏﳐﱠ فاطر ‪ ،3‬وقوله تعاىل ﱡ ﱓ‬ ‫(‪)1‬‬

‫ﱔ ﱕ ﱖ ﱗﱠ النحل ‪.17‬‬
‫فهذه وغريها من اآلايت تدل على أن اخلالق احلقيقي هو هللا تعاىل‪ ،‬وال خالق غريه‪.‬‬
‫واخللق ابملعىن احلقيقي هو اإلجياد من العدم‪ ،‬وهو ما اختص هللا تعاىل به من معىن اخللق‪.‬‬
‫ويطلق اخللق يف اللغة أيضا على التقدير والتسوية‪ ،‬ومنه قول زهري‪:‬‬
‫وألنت تفري ما خلقت وبع ـ ــض القوم خيلق مث ال يفري‪.‬‬
‫ويف هذا املعىن جاء قوله تعاىل يف حق عيسى عليه السالم ﱡﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ‬

‫ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻﱠ املائدة‪ ،110 :‬وقوله تعاىل ﱡ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ‬


‫ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ‬

‫ﲆ ﲇﲈﱠ آل عمران‪ ،49 :‬ومن هذا الباب قوله تعاىل ﱡﲦ ﲧ ﲨ ﲩﱠ‬

‫املؤمنون‪ ،14‬وقوله ﱡ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽﱠ الصافات ‪.125‬‬


‫قال أبو احلسن األشعري يف رسالته إىل أهل الثغر (ص ‪ 144‬حتقيق عبد هللا شاكر اجلنيدي)‪ ":‬وأمجعوا على‬
‫أنه خالق جلميع احلوادث وحده‪ ،‬ال خالق لشيء منها (سواه)‪ ،‬وقد زجر هللا عز وجل من ظن ذلك بقوله‬
‫ﱡﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳐﱠ كما زجر من ادعى إهلا غريه بقوله تعاىل ﱡﱖ ﱗ ﱘ ﱙﱠ األنعام‪:‬‬
‫‪ ،46‬وإمنا مسى غريه خالقا يف قوله ﱡﲧ ﲨ ﲩﱠ وإن كان خالقا وحده على طريق االتساع‪،‬‬
‫كما يقال‪ :‬عدل العمرين على طريق االتساع‪ ،‬وإن كان عمر واحدا "‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫وأن أكساب العباد كلها خملوقة هلل(‪ ،)1‬وأن هللا يهدي من يشاء ويضل من‬
‫يشاء‪ ،‬ال حجة ملن أضله هللا عز وجل‪ ،‬وال عذر‪ ،‬كما قاله هللا‬
‫ﱡﱸ ﱹ ﱺ ﱻﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀﱠ وقال ﱡ ﳃ‬ ‫عز وجل‬
‫ﱡﱁ‬ ‫ﳄ ﳅﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌﳍﱠ وقال‬
‫ﱡﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ‬ ‫ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇﱈ ﱠ وقال‬
‫ﲫ ﲬ ﲭ ﲮﲯ ﱠ ومعىن "نبأها"‪ :‬خنلقها‬ ‫ﲥﲦﲧﲨﲩﲪ‬

‫بال خالف يف اللغة‪.‬‬

‫(‪ )1‬هذه من فروع مسائل القدر‪ ،‬واخلالف فيها مع نفاة عموم القدر اإلهلي يف مجيع الكائنات‪ ،‬وصنف‬
‫البخا ري كتابه " خلق أفعال العباد" يف هذه املسألة‪ ،‬ومجع هلا من األدلة واآلاثر ما كشف فيه عن صحة‬
‫قول أئمة السلف فيها‪.‬‬
‫ويدل على ذلك غري آية يف كتاب هللا تعاىل‪ ،‬كقوله تعاىل ﱡﲤ ﲥ ﲦ ﲧﱠ الصافات ‪،96‬‬
‫وقوله تعاىل ﱡﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟﱠ القمر ‪ ،49‬وقوله تعاىل ﱡﲻ ﲼ ﲽ ﲾ‬

‫ﲿﱠ الفرقان ‪ ،2‬وقوله تعاىل ﱡ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈﱠ الزمر ‪،62‬‬


‫ونظري هذه اآلايت يف بيان أن هللا تعاىل خالق كل شيء‪ ،‬وخالق لإلنسان وعمله‪.‬‬
‫وروى ابن أيب عاصم يف السنة (رقم ‪ )357‬والبزار (رقم ‪ )2837‬والبخاري يف خلق أفعال العباد (ص ‪)46‬‬
‫واحلاكم (رقم ‪ ) 86 ، 85‬من حديث حذيفة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ":‬إن‬
‫هللا خلق كل صانع وصنعته" وسنده صحيح‪ ،‬وصححه احلاكم ووافقه الذهيب واأللباين‪.‬‬
‫وروى البيهقي يف مناقب الشافعي (‪ )415/1‬من طريق الربيع عن الشافعي أنه قال‪ :‬إن مشيئة العباد هي‬
‫إىل هللا تعاىل وال يشاءون إال أن يشاء هللا رب العاملني؛ فإن الناس مل خيلقوا أعماهلم‪ ،‬وهي خلق من خلق‬
‫هللا تعاىل‪ ،‬وإن القدر خريه وشره من هللا عز وجل"‪.‬‬
‫وخالف يف ذلك القدرية‪ ،‬وزعموا أن أفعال العباد خملوقة هلم‪ ،‬دون مشيئة من هللا تعاىل‪ ،‬بل منهم من يزعم‬
‫أن هللا تعاىل غري قادر على أفعال العباد‪ ،‬تعاىل هللا عن قوهلم علوا كبريا‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫ﱡﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ‬ ‫خمبا عن أهل اجلنة‬
‫وقال ً‬
‫ﱡﱁ ﱂ‬ ‫وقال‬ ‫ﱡﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆﲇﱠ‬ ‫ﳈ ﳉﱠ وقال‬
‫ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐﱑﱠ‪.‬‬
‫‪ .21‬ويقولون‪ :‬إن اخلري والشر‪ ،‬واحللو واملر‪ ،‬بقضاء من هللا عز وجل‪،‬‬
‫أمضاه وقدره‪ ،‬ال ميلكون ألنفسهم ضرا وال نفعاً‪ ،‬إال ما شاء هللا(‪.)1‬‬
‫‪ .22‬وإهنم فقراء إىل هللا عز وجل‪ ،‬ال غىن هلم عنه يف كل وقت(‪.)2‬‬
‫‪ .23‬وإنه عز وجل ينزل إىل السماء الدنيا‪ ،‬على ما صح به اخلب عن رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬بال اعتقاد كيف فيه(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬قال تعاىل ﱡ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ‬

‫ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱗ ﱠ األعراف‪188 :‬‬
‫وروى الرتمذي (رقم ‪ )2516‬وأمحد (رقم ‪ )2669‬عن ابن عباس رضي هللا عنهما مرفوعا‪ ":‬واعلم أن األمة‬
‫لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء مل ينفعوك إال بشيء قد كتبه هللا لك‪ ،‬ولو اجتمعوا على أن يضروك‬
‫بشيء مل يضروك إال بشيء قد كتبه هللا عليك‪ ،‬رفعت األقالم وجفت الصحف" وصححه الرتمذي‪ ،‬ووافقه‬
‫األلباين واألرانؤط‪.‬‬
‫وروى أمحد (رقم ‪ )21611‬وابن ماجه (رقم ‪ )77‬وأبو داود (رقم ‪ )4699‬من حديث زيد بن اثبت رضي‬
‫هللا عنه عن النيب صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪ .... ":‬لو كان لك جبل أحد‪ ،‬أو مثل جبل أحد‪ ،‬ذهبا‪،‬‬
‫أنفقتَه يف سبيل هللا‪ ،‬ما قبله هللا منك حىت تؤمن ابلقدر‪ ،‬وتعلم أن ما أصابك مل يكن ليخطئك‪ ،‬وأن ما‬
‫أخطأك مل يكن ليصيبك‪ ،‬وأنك إن مت على غري هذا‪ ،‬دخلت النار "‪ .‬وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )2‬كقوله تعاىل ﱡﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠﱠ فاطر ‪15‬‬
‫(‪)3‬‬
‫مسألة نزول هللا تعاىل إىل السماء الدنيا مما تواترت به األخبار عن النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فرواه أبو‬
‫هريرة عند البخاري (رقم ‪ )1145‬ومسلم (رقم ‪ ،)758‬ورفاعة اجلهين عند ابن ماجه (رقم ‪ )1367‬والدارمي‬
‫يف الرد على اجلهمية (رقم ‪ ،)127‬وأبو سعيد اخلدري عند أمحد (رقم ‪ )11892‬وابن أيب عاصم يف السنة‬
‫(رقم ‪ ، )504‬وجبري بن مطعم عند ابن أيب عاصم يف السنة (رقم ‪ ،)507‬وعثمان بن أيب العاص عند ابن‬
‫أيب عاصم يف السنة (رقم ‪ ،)508‬وأبو بكر الصديق عند ابن أيب عاصم (رقم ‪ ،)509‬وأبو موسى األشعري‬

‫‪28‬‬
‫‪ .24‬ويعتقدون جواز الرؤية من العباد املتقني هلل عز وجل يف القيامة‬
‫ﱡﱉ‬ ‫دون الدنيا(‪ ،)1‬ووجوهبا ملن جعل ذلك ثو ًااب له يف اآلخرة‪ ،‬كما قال‬
‫ﱡﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ‬ ‫ﱊ ﱋﱌ ﱍ ﱎ ﱏﱠ وقال يف الكفار‬
‫ﲂﱠ‪ ،‬فلو كان املؤمنون كلهم‪ ،‬والكافرون كلهم ال‬

‫عند ابن أيب عاصم يف السنة (رقم ‪ ، )510‬وقد مجع أحاديث النزول الدارقطين يف كتابه " أحاديث النزول"‬
‫فمن رام تتبع الرواايت فلريجع إليه‪.‬‬
‫وقد جاء يف كتاب هللا تعاىل آايت تدل على هذا املعىن يف النزول‪ ،‬و ذلك‪:‬‬
‫قوله تعاىل ﱡﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅﱠ البقرة ‪، 210‬‬
‫وهذا يوم القيامة‪ ،‬إذا نزل هللا ليحكم بني العباد‪ ،‬قال الدارمي يف الرد على اجلهمية (ص ‪ ":)75‬فالذي‬
‫يقدر على النزول يوم القيامة من السموات كلها ليفصل بني عباده‪ ،‬قادر أن ينزل كل ليلة من مساء إىل‬
‫مساء‪ ،‬فإن ردوا قول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يف النزول‪ ،‬فماذا يصنعون بقول هللا عز وجل تبارك‬
‫وتعاىل؟"‪.‬‬
‫وال يصح أتويلها ابلرمحة واملالئكة‪ ،‬أو األمر وحنو ذلك‪ ،‬ألن يف صحاح األخبار أن هللا تعاىل يقول‪ ":‬من‬
‫يدعوين فأستجيب له‪ ،‬من يسألين فأعطيه‪ ،‬من يستغفرين فأغفر له"‪ ،‬وهذه عبارات ال يصح لغري هللا تعاىل‬
‫أن يقوهلا‪ ،‬فلم يبق إال تسليم نزول هللا تع اىل‪ ،‬أو رد هذه األخبار الصحيحة املتواترة‪ ،‬وليس ذلك من شأن‬
‫املؤمنني‪.‬‬
‫قال الدارمي يف النقض على املريسي (‪ 211/1‬حتقيق األملعي) ‪ ... ":‬أفبأمره ورمحته يدعو العباد إىل‬
‫االستغفار؟ أو يقدر األمر والرمحة أن يتكلما دونه فيقوال‪" :‬هل من داع فأجيب؟ هل من مستغفر فأعفر‬
‫له ؟ هل من سائل فأعطي؟" فإن قررت مذهبك لزمك أن تدعي أن الرمحة واألمر اللذين يدعوان إىل اإلجابة‬
‫واالستغفار بكالمهما دون هللا‪ .‬هذا حمال عند السفهاء‪ ،‬فكيف عند الفقهاء؟ وقد علمتم ذلك ولكن‬
‫تكابرون‪ ،‬وما ابل رمحته وأمره ينزالن من عنده شطر الليل‪ ،‬مث ال ميكثان إال إىل طلوع الفجر مث يرفعان"‪.‬‬
‫(‪ )1‬قوله (دون الدنيا) يعين أن رؤية هللا يف الدنيا ممنوعة ابلنص‪ ،‬وقد تضافرت على ذلك نصوص الكتاب‬
‫والسنة الصحيحة‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫يرونه‪ ،‬كانوا أبمجعهم عنه حمجوبني‪ ،‬وذلك من غري اعتقاد التجسيم يف هللا عز‬
‫وجل وال التحديد له‪ ،‬ولكن يرونه جل وعز أبعينهم‪ ،‬على ما يشاء هو‪ ،‬بال‬
‫كيف(‪.)1‬‬

‫فمن الكتاب قوله تعاىل ﱡﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨﲩ‬

‫ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵﲶ ﲷ ﲸ ﲹ‬

‫ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﱠ األعراف‪143 :‬‬
‫وقوله تعاىل يف عناد بين إسرائيل وتعنتهم يف السؤال ﱡ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ‬

‫ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫﱠ النساء‪153 :‬‬
‫ومن السنة قوله صلى هللا عليه وسلم ‪ ":‬تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حىت ميوت" رواه مسلم‬
‫(رقم ‪ )2931‬والرتمذي (رقم ‪ ) 2235‬وأمحد (رقم ‪ )23672‬من حديث عمر بن اثبت األنصاري عن‬
‫بعض الصحابة مرفوعا‪.‬‬
‫وإمنا اختلفوا يف رؤية النيب صلى هللا عليه وسلم لربه‪ ،‬هل كان بعينه أم بفؤاده على قولني مشهورين وهللا‬
‫أعلم‪.‬‬
‫(‪ )1‬تضمن كالم املؤلف رمحه هللا على مسألتني‪:‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬أن املؤمنني يرون رهبم يوم القيامة ويف اجلنة‪.‬‬
‫أما يوم القيامة‪ :‬فظاهر اآلايت اليت ذكرها املؤلف يدل عليها‪ ،‬وروى مسلم (رقم ‪ )191‬عن جابر بن عبد‬
‫هللا رضي هللا عنهما مرفوعا‪ ":‬تدعى األمم أبواثهنا وما كانت تعبد‪ .‬األول فاألول‪ .‬مث أيتينا ربنا بعد ذلك‬
‫فيقول‪ :‬من تنظرون؟ فيقولون‪ :‬ننظر ربنا‪ .‬فيقول‪ :‬أان ربكم‪ .‬فيقولون‪ :‬حىت ننظر إليك‪ .‬فيتجلى هلم يضحك‪.‬‬
‫قال فينطلق هبم ويتبعونه ‪ ".....‬احلديث‪.‬‬
‫وأما يف اجلنة‪ :‬فروى مسلم (رقم ‪ )181‬عن صهيب رضي هللا عنه عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال‪":‬‬
‫إذا دخل أهل اجلنة اجلنة‪ ،‬قال يقول هللا تبارك وتعاىل‪ :‬تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون‪ :‬أمل تبيض وجوهنا؟ أمل‬
‫ت دخلنا اجلنة وتنجنا من النار‪ .‬قال فيكشف احلجاب‪ .‬فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إىل رهبم عز‬
‫وجل"‪.‬‬
‫قال اإلمام أمحد يف الرد على اجلهمية (ص ‪ 134-133‬يف حديث صهيب هذا)‪ :‬فينظرون إىل هللا ال إله‬
‫إال هو‪ ،‬وإان لنرجو أن يكون اجلهم وشيعته ممن ال ينظرون إىل رهبم‪ ،‬وحيجبون عن هللا‪ ،‬ألن هللا قال للكفار‬

‫‪30‬‬
‫‪ .25‬ويقولون‪ :‬إن اإلميان قول وعمل ومعرفة(‪ ،)1‬يزيد ابلطاعة وينقص ابملعصية‪ ،‬من‬
‫إمياان ممن هو دونه يف‬
‫كثرت طاعته أزيد ً‬

‫ﱡ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﱠ املطففني‪ 15 :‬فإذا كان الكافر حيجب عن هللا‪ ،‬واملؤمن‬


‫حيجب عن هللا‪ ،‬فما فضل املؤمن على الكافر؟‪.‬‬
‫واحلمد هلل الذي مل جيعلنا مثل جهم وشيعته‪ ،‬وجعلنا ممن اتبع‪ ،‬ومل جيعلنا ممن ابتدع‪ ،‬واحلمد هلل وحده"‪.‬‬
‫وروى البيهقي يف مناقب الشافعي (‪ )419/1‬من طريقني عن الشافعي يف قول هللا جل ذكره ﱡ ﱽ ﱾ‬

‫ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﱠ‪ ":‬ملا حجب هللا قوما ابلسخط‪ّ ،‬‬


‫دل على أن قوما يرونه ابلرضا "‪.‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬أن رؤية املؤمنني لرهبم تكون أبعينهم‪ّ ،‬‬
‫ردا على نفاة العلو والرؤية‪ ،‬وذلك أن املعتزلة اجلهمية‬
‫ردت أ حاديث الرؤية‪ ،‬ونفاة العلو قالوا‪ :‬أن رؤية هللا ليس جبهة العلو وال ابلعيون‪ ،‬وإمنا بكل اجلسم وحنو‬
‫ذلك من اهلذاين‪.‬‬
‫وقد تعاضدت نصوص الكتاب والسنة على رؤية املؤمنني لرهبم تعاىل يف اآلخرة‪ ،‬وذكر املصنف آايت يف‬
‫ذلك‪ ،‬وأما األحاديث فقد تواترت حىت مجعها الدارقطين يف مؤلف خاص مساه " كتاب الرؤية"‪ ،‬وقد جاء‬
‫ذلك عن جرير بن عبد هللا البجلي وأيب هريرة وأيب سعيد اخلدري وصهيب الرومي وأيب موسى األشعري‬
‫وأيب رزين العقيلي وأيب بكر الصديق وعبادة بن الصامت وأيب أمامة الباهلي وجابر بن عبد هللا وأنس بن‬
‫مالك وابن عمر وغريهم‪.‬‬
‫(‪ )1‬قال الاللكائي يف االعتقاد (رقم ‪ ":)1593‬قال الشافعي رمحه هللا يف كتاب األم‪ ،‬يف ابب النية يف‬
‫الصالة‪ :‬حنتج أبن ال جتزئ صالة إال بنية؛ حلديث عمر بن اخلطاب عن النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ":‬إمنا‬
‫األعمال ابلنية" مث قال‪ :‬وكان اإلمجاع من الصحابة والتابعني من بعدهم أن اإلميان قول وعمل ونية‪ ،‬ال جيزئ‬
‫واحد من الثالثة ابآلخر"‪.‬‬
‫وروى ابن أيب حامت يف مناقب الشافعي وآدابه (ص ‪ )147-146‬ومن طريقه اليهقي يف مناقب الشافعي‬
‫(‪ )386/1‬عن أيب عثمان حممد بن حممد بن إدريس الشافعي أنه قال‪ :‬مسعت أيب يعين‪ :‬حممد بن إدريس‬
‫الشافعي‪ ،‬يقول ليلة للحميدي‪ :‬ما حيتج عليهم يعين‪ :‬أهل اإلرجاء آبية أحج من قوله تعاىل‪ :‬ﱡﲬ ﲭ‬

‫ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸﲹ ﲺ ﲻ ﲼﱠ‬
‫البينة ‪.5‬‬

‫‪31‬‬
‫الطاعة(‪.)1‬‬

‫وروى أيضا (ص ‪ )147‬عن حرملة بن حيىي قال‪ :‬اجتمع حفص الفرد‪ ،‬ومصالق اإلابضي عند الشافعي يف‬
‫دار اجلروي يعين‪ :‬مبصر‪ ،‬فاختصما يف اإلميان‪ ،‬فاحتج مصالق يف الزايدة والنقصان‪ ،‬واحتج حفص الفرد يف‬
‫أن اإلميان قول‪ ،‬فعال حفص الفرد على مصالق‪ ،‬وقوي عليه‪ ،‬وضعف مصالق‪ ،‬فحمي الشافعي‪ ،‬وتقلد‬
‫املسألة‪ ،‬على أن اإلميان قول وعمل‪ ،‬يزيد وينقص‪ ،‬فطحن حفصا الفرد‪ ،‬وقطعه"‪.‬‬
‫وقال تعاىل ﱡﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄﱠ البقرة‪ 143 :‬أي صالتكم‪ ،‬فسمى الصالة إمياان‪.‬‬
‫قال الشافعي يف األم (‪ ": )263/2‬وأحب له أن يكثر الصالة عليه فصلى هللا عليه يف كل احلاالت‪ ،‬ألن‬
‫ذكر هللا عز وجل والصالة عليه إميان ابهلل تعاىل وعبادة له‪ ،‬يؤجر عليها إن شاء هللا تعاىل من قاهلا"‪.‬‬
‫وروى البيهقي يف مناقب الشافعي (‪ )385/1‬من طريق الربيع بن سليمان حدثنا الشافعي ‪ -‬يعين يف مسألة‬
‫ذكرها يف كتاب السري‪ :-‬وهكذا إن صلى فالصالة من اإلميان"‪.‬‬
‫وروى البخاري (رقم ‪ )87‬ومسلم (رقم ‪ )17‬من حديث ابن عباس يف قصة وفد عبد القيس قال‪ ":‬هل‬
‫تدرون ما اإلميان ابهلل وحده؟ قالوا‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪ .‬قال‪ :‬شهادة أن ال إله إال هللا وأن حممدا رسول هللا‪،‬‬
‫وإقام الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وصوم رمضان‪ ،‬وتعطوا اخلمس من املغنم‪ .‬وهناهم عن الدابء واحلنتم واملزفت"‪.‬‬
‫(‪ )1‬عقد البيهقي يف مناقب الشافعي ابابً يف مذهب الشافعي يف اإلميان (‪ )386-385/1‬فقال‪ (:‬ابب ما‬
‫يؤثر عنه يف اإلميان)‪ ،‬مث روى من طريق الربيع بن سليمان قال‪ :‬مسعت الشافعي رضي هللا عه‪ ،‬يقول‪ :‬اإلميان‬
‫قول وعمل‪ ،‬ويزيد وينقص"‪.‬‬
‫وقال املزين يف شرح السنة (ص ‪ :)26-25‬واإلميان قول وعمل‪ ،‬ومها سيان ونظامان وقرينان‪ ،‬ال نفرق‬
‫بينهما‪ ،‬ال إميان إال بعمل‪ ،‬وال عمل إال إبميان‪ ،‬واملؤمنون يف اإلميان يتفاضلون‪ ،‬وبصاحل األعمال هم‬
‫متزايدون"‪.‬‬
‫وقال أبو احلسن األشعري يف رسالته إىل أهل الثغر (ص‪ :)155‬وأمجعوا على أن اإلميان يزيد ابلطاعة‪،‬‬
‫وينقص ابملعصية"‪.‬‬
‫والدليل على ذلك قوله تعاىل ﱡﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥﱠ التوبة‬
‫‪ ،124‬وقوله تعاىل ﱡ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎﳏ ﱠ مرمي‪.76 :‬‬
‫وقوله تعاىل ﱡ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋﱠ املدثر‪31 :‬‬
‫فهذه اآلايت وأمثاهلا تدل على زايدة اإلميان ونقصانه‪ ،‬وأن أهله متفاضلون فيه‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫أحدا من أهل التوحيد‪ ،‬ومن يصلي إىل قبلة املسلمني‪ ،‬لو ارتكب‬
‫‪ .26‬ويقولون‪ :‬إن ً‬
‫ذنواب كثرية‪ ،‬صغائر أو كبائر‪ ،‬مع اإلقامة على التوحيد هلل‪ ،‬واإلقرار‬
‫ذنبًا‪ ،‬أو ً‬
‫تعاىل ﱡﲒ‬ ‫مبا التزمه وقبله عن هللا‪ ،‬فإنه ال يكفر به‪ ،‬ويرجون له املغفرة‪ ،‬قال‬
‫ﲜ ﲝ ﲞﲟ ﱠ(‪.)1‬‬ ‫ﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛ‬

‫‪ .27‬واختلفوا يف متعمدي ترك الصالة املفروضة حىت يذهب وقتها من غري عذر‪،‬‬
‫فكفره مجاعة‪ ،‬ملا روي عن النيب صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪:‬‬

‫روى أبو نعيم يف احللية (‪ )114/9‬من طريق الربيع بن سليمان مسعت الشافعي‪ ،‬يقول‪ ":‬اإلميان قول وعمل‪،‬‬
‫يزيد ابلطاعة وينقص ابملعصية‪ ،‬مث تال هذه اآلية ﱡﲈ ﲉ ﲊ ﲋﱠ املدثر ‪.31‬‬
‫(‪ )1‬قال الشافعي يف األم (‪ ":)149/6‬أمر هللا عز وجل بقتال الفئة الباغية وهي مسماة ابسم اإلميان حىت‬
‫تفيء إىل أمر هللا"‪.‬‬
‫ويعين بذلك قول هللا تعاىل ﱡ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏﲐ ﲑ ﲒ ﲓ‬

‫ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤﲥ ﱠ ‪.‬‬
‫واحتج أيضا يف األم (‪ )226/4‬بقوله صلى هللا عليه وسلم فيمن ارتكب احلدود‪ ":‬ومن أصاب من ذلك‬
‫شيئا فعوقب‪ ،‬فهو كفارة له‪ ،‬ومن أصاب من ذلك شيئا‪ ،‬فسرته هللا عليه‪ ،‬فهو إىل هللا عز وجل‪ ،‬إن شاء‬
‫غفر له‪ ،‬وإن شاء عذبه"‪ .‬رواه البخاري (رقم ‪ )4894‬من حديث عبادة بن الصامت رضي هللا عنه‪.‬‬
‫واحتج أيضا يف األم (‪ )226/4‬بقوله صلى هللا عليه وسلم‪ ":‬من أصاب منكم من هذه القاذورات شيئا‬
‫فليسترت بسرت هللا‪ ،‬فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب هللا عز وجل"‪.‬‬
‫واحلديث رواه احلاكم يف املستدرك (رقم ‪ )8158 ،7615‬بنحوه عن ابن عمر وصححه على شرط الشيخني‬
‫ووافقه الذهيب‪ ،‬وخرجه األلباين يف الصحيحة (رقم ‪.)663‬‬
‫ويف مناقب الشافعي للبيهقي (‪ )428/1‬عن الشافعي أنه قال‪":‬من توىل عن الزحف ال متحرفا لقتال وال‬
‫متحيزا إىل فئة خفت عليه – إال أن يعفو هللا – أن يكون قد ابء بسخط من هللا"‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫" بني العبد وبني الكفر ترك الصالة"(‪ ،)1‬وقوله‪":‬من ترك الصالة فقد كفر"(‪،)2‬‬
‫و‪ ":‬من ترك الصالة فقد برأت منه ذمة هللا"(‪.)3‬‬
‫جاحدا هلا‪ ،‬كما قال يوسف عليه‬
‫ً‬ ‫وأتول مجاعة منهم‪ ،‬أنه يريد بذلك من تركها‬
‫السالم ﱡﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛﱠ ترك جحود(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (رقم ‪ )82‬عن جابر بن عبد هللا رضي هللا عنهما بلفظ‪ ":‬إن بني الرجل وبني الشرك والكفر‬
‫ترك الصالة"‪ .‬وهذا اللفظ عند املؤلف البن ماجه (رقم ‪.)1078‬‬
‫(‪ )2‬رواه الرتمذي (رقم ‪ )2621‬وابن ماجه (رقم ‪ )10799‬وأمحد (رقم ‪ )22937‬من حديث بريدة رضي‬
‫هللا عنه مرفوعا بلفظ‪ ":‬العهد الذي بيننا وبينهم الصالة‪ ،‬فمن تركها فقد كفر" وصححه الرتمذي ووافقه‬
‫األلباين‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الطباين يف الكبري (‪ 117/20‬رقم ‪ )234‬من حديث معاذ بن جبل وسنده ضعيف‪.‬‬
‫ورواه ابن بطة يف اإلابنة (رقم ‪ )1081‬من حديث أيب ذر الغفاري وسنده ضعيف أيضا‪.‬‬
‫ورواه ابن ماجه (رقم ‪ )4034‬والبزار (رقم ‪ )4148 ،4147‬من طريقني عن راشد احلماين عن شهر بن‬
‫حوشب عن أم الدرداء عن أيب الدرداء مرفوعا بلفظ‪ ":‬وال ترتك صالة مكتوبة‬
‫متعمدا‪ ،‬فمن تركها متعمدا‪ ،‬فقد برئت منه الذمة" ويف شهر ضعف‪ ،‬وحسنه األلباين‪.‬‬
‫وله شاهد من حديث معاذ بن جبل‪ ،‬رواه أمحد (رقم ‪ )22075‬ورجاله ثقات‪ ،‬لكنه منقطع بني معاذ وعبد‬
‫الرمحن بن جبري بن نفري الراوي عنه‪.‬‬
‫فاحلد يث مبجموع هذه الطرق حسن على أقل األحوال وهللا أهلم‪.‬‬
‫(‪ )4‬قال ابن جرير يف تفسريه (‪ )100/16‬يقول‪ :‬إين برئت من ملة من ال يص ّدق ابهلل‪ ،‬ويقر بوحدانيته"‪.‬‬
‫قال الشافعي يف األم (‪ : )291/1‬من ترك الصالة املكتوبة ممن دخل يف اإلسالم‪ ،‬قيل له‪ :‬مل ال تصلي؟ فإن‬
‫ذكر نسياان‪ ،‬ق لنا‪ :‬فصل إذا ذكرت‪ ،‬وإن ذكر مرضا‪ ،‬قلنا‪ :‬فصل كيف أطقت قائما أو قاعدا أو مضطجعا‬
‫أو موميا‪ ،‬فإن قال‪ :‬أان أطيق الصالة‪ ،‬وأحسنها‪ ،‬ولكن ال أصلي وإن كانت علي فرضا‪ ،‬قيل له‪ :‬الصالة‬
‫عليك شيء ال يعمله عنك غريك‪ ،‬وال تكون إال بعملك‪ ،‬فإن صليت وإال استتبناك‪ ،‬فإن تبت وإال قتلناك‪،‬‬
‫فإن الصالة أعظم من الزكاة"‪.‬‬
‫ومما احتجوا به على أن اترك الصالة من غري جحود يدخل حتت املشئية‪ ،‬ما رواه أبو داود (رقم ‪)1420‬‬
‫والنسائي (رقم ‪ )461‬وأمحد (رقم ‪ )22693‬وابن أيب عاصم يف السنة (رقم ‪ )967‬من حديث عبادة بن‬

‫‪34‬‬
‫‪ .28‬وقال كثري منهم‪ :‬إن اإلميان قول وعمل‪ ،‬واإلسالم فعل ما فرض على اإلنسان‬
‫مضموما إىل اآلخر‪ ،‬فقيل‪ :‬املؤمنون‬
‫ً‬ ‫أن يفعله‪ ،‬إذا ذكر كل اسم على حدته‬
‫واملسلمون مجيعا مفردين‪ ،‬أريد أبحدمها معىن مل يرد ابآلخر‪ ،‬وإن ذكر أحد‬
‫االمسني مشل الكل وعمهم(‪.)1‬‬
‫ﱡﱟ ﱠ‬ ‫‪ .29‬وكثري منهم(‪ )2‬قالوا‪ :‬اإلسالم واإلميان واحد‪ ،‬فقال هللا عز وجل‬
‫ﱡﱚ‬ ‫ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦﱠ فلو أن اإلميان غريه مل يقبل‪ ،‬وقال‬
‫ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧﱠ‪.‬‬

‫الصامت رضي هللا عنه عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪ ":‬مخس صلوات كتبهن هللا على العباد‪،‬‬
‫من أتى هبن مل يضيع منهن شيئا‪ ،‬استخفافا حبقهن‪ ،‬كان له عند هللا عهد أن يدخله اجلنة‪ ،‬ومن مل أيت هبن‪،‬‬
‫فليس له عند هللا عهد‪ ،‬إن شاء عذبه‪ ،‬وإن شاء غفر له "‪.‬‬
‫فقوله " ومن مل أيت هبن ‪ "...‬صريح يف املقصود‪ ،‬ويكون دليال على دخوله فيما يغفر من الذنوب اليت هي‬
‫دون الشرك املذكور يف اآلية وهللا أعلم‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وهذا من ابب" إذا افرتقا اجتمع‪ ،‬وغذا اجتمعا افرتقا "‪ ،‬ومعناه إذا اجتمعا يف الذكر كان لكل منهما‬
‫معىن غري معىن اآلخر‪ ،‬فيكون اإلسالم لألعمال الظاهرة‪ ،‬واإلميان لألعمال الباطنة‪ ،‬ودليل ذلك يف حديث‬
‫جبيل عند البخاري (رقم ‪ )50‬ومسلم (رقم ‪ )9‬من حديث أيب هريرة رضي هللا عنه‪ ،‬وفيه‪ ":‬اإلسالم أن‬
‫تعبد هللا وال تشرك به‪ ،‬وتقيم الصالة‪ ،‬وتؤدي الزكاة املفروضة‪ ،‬وتصوم رمضان" هذا يف اإلسالم‪ ،‬وهو يف‬
‫األعمال الظاهرة عند اجتماع اللفظني‪.‬‬
‫وفيه‪ ":‬اإل ميان أن تؤمن ابهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وبلقائه‪ ،‬ورسله‪ ،‬وتؤمن ابلبعث"‪ ،‬وهذا يف اإلميان‪ ،‬وهو يف األعمال‬
‫الباطنة عند اجتماع اللفظني‪.‬‬
‫(‪ )2‬وقد انتصر هلذا القول حممد بن نصر املروزي يف كتابه"تعظيم قدر الصالة" وعز َي لسفيان الثوري والبخاري‬
‫واملزين وابن عبد الب وآخرين‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫‪ .30‬ومنهم من ذهب إىل أن اإلسالم خمتص ابالستسالم هلل واخلضوع‬
‫قال ﱡﱽ ﱾ ﱿﲀ ﲁ‬ ‫له‪ ،‬واالنقياد حلكمه فيما هو مؤمن به‪ ،‬كما‬
‫ﱡﳂ‬ ‫ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋﲌﱠ‪ ،‬وقال‬ ‫ﲂﲃﲄ‬

‫ﳃ ﳄ ﳅﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ‬

‫أيضا دليل ملن قال مها واحد‪.‬‬


‫ﳓﱠ‪ ،‬وهذا ً‬
‫‪ .31‬ويقولون‪ :‬إن هللا خيرج من النار قوما من أهل التوحيد بشفاعة الشافعني‬
‫برمحته(‪.)1‬‬
‫‪ .32‬وإن الشفاعة حق(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬روى مسلم (رقم ‪ )183‬عن أيب سعيد اخلدري رضي هللا عنه حديث الشفاعة الطويل‪ ،‬وفيه‪ ":‬فيقول هللا‬
‫عز وجل‪ :‬شفعت املالئكة‪ ،‬وشفع النبيون‪ ،‬وشفع املؤمنون‪ ،‬ومل يبق إال أرحم الرامحني‪ .‬فيقبض قبضة من‬
‫النار‪ ،‬فيخرج منها قوما مل يعملوا خريا قط‪ ،‬قد عادوا محما‪ .‬فيلقيهم يف هنر يف أفواه اجلنة‪ ،‬يقال له هنر احلياة‪،‬‬
‫فيخرجون كما خترج احلبة يف محيل السيل"‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أحاديث الشفاعة متواترة‪ ،‬وردت عن مجع غفري من الصحابة منهم أبو هريرة وأبو سعيد اخلدري وأنس‬
‫بن مالك وأبو الدرداء وابن عمر وابن عباس وعوف بن مالك األشجعي وجابر بن عبد هللا وأبو أمامة‬
‫الباهلي وعقبة بن عامر والعباس بن عبد املطلب وأيب بن كعب وسلمان الفارسي واملقدام بن معد يكرب‬
‫وعبادة بن الصامت وأبو النضر السلمي وحذيفة بن اليمان وعبد هللا بن أيب اجلدعاء‪.‬‬
‫وذكر هللا للشفاعة شرطني‪:‬‬
‫األول‪ :‬أهنا ال تكون إال ملن رضي هللا عنه‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬أهنا التكون إال إبذن هللا تعاىل وحده‪.‬‬
‫قال تعاىل ﱡﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱠ األنبياء ‪28‬‬
‫وقال تعاىل ﱡﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯﱠ البقرة ‪255‬‬
‫وقال تعاىل ﱡﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭﱠ طه ‪109‬‬

‫‪36‬‬
‫‪ .33‬وإن احلوض حق(‪.)1‬‬
‫‪ .34‬وامليزان حق(‪.)2‬‬
‫‪ .35‬واحلساب حق(‪.)3‬‬
‫‪ .36‬وال يقطعون على أحد من أهل امللة أنه من أهل اجلنة‪ ،‬أو أنه من‬
‫لم ذلك مغيب عنهم‪ ،‬ال يدرون على ماذا ميوت؟ أعلى‬ ‫أهل النار‪ ،‬أل ّن ع َ‬
‫اإلسالم؟ أم على الكفر؟(‪ ،)4‬ولكن يقولون‪ :‬إن من مات على اإلسالم‪ ،‬جمتنبا‬
‫ﱡﱓ ﱔ ﱕ‬ ‫للكبائر واألهواء واآلاثم‪ ،‬فهو من أهل اجلنة‪ ،‬لقوله تعاىل‬
‫ﱡﱘ ﱙ ﱚ ﱛ‬ ‫ﱗﱠ ‪ ،‬ومل يذكر عنهم ذنبا‬ ‫ﱖ‬

‫ﱜﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡﱠ‪.‬‬

‫وقال تعاىل ﱡﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﳤ‬
‫ﳥ ﳦﱠ النجم ‪.26‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وأحاديث احلوض متواترة وردت ع ن مجع غفري من الصحابة منهم سهل بن سعد وأبو هريرة وعائشة‬
‫وأنس بن مالك وابن مسعود وثوابن وابن عمر وحذيفة وجابر بن مسرة وأبو سعيد اخلدري وحارثة بن وهب‬
‫وأبو ذر الغفاري وآخرون‪.‬‬
‫(‪ )2‬كما قال تعاىل ﱡ ﲈ ﲉ ﲊ ﱠ األعراف‪8 :‬‬
‫(‪ )3‬قال تعاىل ﱡ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱠ الغاشية‪26 - 25 :‬‬
‫(‪ )4‬روى البخاري (رقم ‪ )1243‬من حديث أم العالء األنصارية أنه قالت عند موت عثمان بن مظعون‪:‬‬
‫رمحة هللا عليك أاب السائب‪ ،‬فشهاديت عليك‪ :‬لقد أكرمك هللا‪ .‬فقال النيب صلى هللا عليه وسلم‪ :‬وما يدريك‬
‫أن هللا أكرمه؟‪ .‬فقلت‪ :‬أبيب أنت اي رسول هللا‪ ،‬فمن يكرمه هللا؟ فقال‪ :‬أما هو فقد جاءه اليقني‪ ،‬وهللا إين‬
‫ألرجو له اخلري‪ ،‬وهللا ما أدري‪ ،‬وأان رسول هللا‪ ،‬ما يفعل يب‪ .‬قالت‪ :‬فوهللا ال أزكي أحدا بعده أبدا "‪.‬‬
‫وروى مسلم (رقم ‪ )2621‬عن جندب رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حدث "أن رجال‬
‫قال‪ :‬وهللا! ال يغفر هللا لفالن‪ .‬وإن هللا تعاىل قال‪ :‬من ذا الذي يتأىل علي أن أغفر لفالن‪ .‬فإين قد غفرت‬
‫لفالن‪ .‬وأحبطت عملك" أو كما قال‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫صلى هللا َعلَْيه َو َسل َم بعينه أنه من أهل اجلنة‪ ،‬وصح له‬
‫‪ .37‬ومن شهد له النيب َ‬
‫صلى هللا َعلَْيه َو َسل َم‬
‫ذلك عنه‪ ،‬فإهنم يشهدون له بذلك‪ ،‬اتباعا لرسول هللا َ‬
‫وتصديقا لقوله(‪.)1‬‬
‫‪ .38‬ويقولون‪ :‬إن عذاب القب حق‪ ،‬يعذب هللا من استحقه إن شاء‪ ،‬وإن شاء عفا‬
‫ﱡ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒﲓ ﲔ ﲕ‬ ‫عنه(‪ ،)2‬لقوله تعاىل‬
‫فأثبت هلم ما بقيت الدنيا‬ ‫ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛﱠ‬

‫(‪ )1‬روى أبو داود (رقم ‪ )4649‬والرتمذي (رقم ‪ )3747‬وابن ماجه (رقم ‪ )133‬وأمحد (رقم ‪1631‬واللفظ‬
‫له) بسند صحيح عن سعيد بن زيد عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪ ":‬النيب يف اجلنة‪ ،‬وأبو بكر‬
‫يف اجلنة‪ ،‬وعمر يف اجلنة‪ ،‬وعثمان يف اجلنة‪ ،‬وعلي يف اجلنة‪ ،‬وطلحة يف اجلنة‪ ،‬والزبري يف اجلنة‪ ،‬وعبد الرمحن‬
‫بن عوف يف اجلنة‪ ،‬وسعد يف اجلنة " ولو شئت أن أمسي العاشر "‪ .‬يعين نفسه‪.‬‬
‫وقد ورد التبشري ابجلنة لغري هؤالء منهم عكاشة بن حمصن واثبت بن قيس بن مشاس وبالل بن رابح وزيد‬
‫بن حارثة وحذيفة بن اليمان وسلمان الفارسي وخدجية بنت خويلد وأبو خالد الدحداح وحارثة بن سراقة‬
‫وعبد هللا بن رواحة وأبو سعيد اخلدري وحفصة بنت عمر ومسية أم عمار وعبد هللا بن عمرو بن حرام‬
‫والرميضاء بنت ملحان وعائشة بنت أيب بكر وفاطمة بنت حممد وأم زفر احلبشية وايسر والد عمار وذكوان‬
‫بن عبد قيس األنصاري واحلسن واحلسني ابين علي بن أيب طالب وعمرو بن اجلموح وجعفر بن أيب طالب‬
‫وسعد بن معاذ وعمرو بن اثبت األنصاري وعبد هللا بن سالم‪ ،‬فهؤالء سبعة وعشرون نفسا‪ ،‬وأكثرهم‬
‫صحت األخبار فيهم‪.‬‬
‫(‪ )2‬قال البيهقي يف مناقب الشافعي (‪ :)416/1‬ويف دعاء الشافعي رمحه هللا يف الصالة على اجلنازة داللة‬
‫على مذهبه يف فتنة القب وعذابه؛ فإنه قال يف كتاب اجلنائز يف دعائه للميت‪ :‬وقه عذاب القب‪ ،‬وكل هول‬
‫دون القيامة"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الذي ذكره البيهقي من دعاء الشافعي هو يف األم (‪.)309/1‬‬
‫وروى يف مناقب الشافعي (‪ )415/1‬من طريق الربيع عن الشافعي أنه قال‪ :‬وإن عذاب القب حق‪ ،‬ومساءلة‬
‫أهل القبور حق‪ ،‬والبعث حق‪ ،‬واحلساب حق‪ ،‬واجلنة والنار‪ ،‬وغري ذلك مما جاءت به السنن فظهرت على‬
‫ألسنة العلماء وأتباعهم من بالد املسلمني – حق"‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫عذااب ابلغدو والعشي دون ما بينهما‪ ،‬حىت إذا قامت القيامة عذبوا أشد‬
‫ﱡﳂ ﳃ ﳄ‬ ‫العذاب‪ ،‬بال ختفيف عنهم كما كان يف الدنيا‪ ،‬وقال‬
‫يعين قبل فناء الدنيا‪ ،‬لقوله بعد ذلك‬ ‫ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉﱠ‬

‫ﱡﳊ ﳋ ﳌ ﳍﱠ‪ ،‬بني أن املعيشة الضنك قبل يوم القيامة‪ ،‬ويف‬


‫معاينتنا اليهود والنصارى واملشركني يف العيش الرغد‪ ،‬والرفاهية يف املعيشة‪ ،‬ما‬
‫يعلَم به أنه مل يرد به ضيق الرزق يف احلياة الدنيا‪ ،‬لوجود مشركني يف سعة من‬
‫أرزاقهم‪ ،‬وإمنا أراد به بعد املوت قبل احلشر(‪.)1‬‬
‫‪ .39‬ويؤمنون مبسألة منكر ونكري(‪ ،)2‬على ما ثبت به اخلب عن رسول‬

‫(‪ )1‬يريد به أن ذلك يف القب‪ ،‬وقد جاء ذلك عن غري واحد‬


‫‪ -‬فروى عبد الرزاق (رقم ‪ )6741‬وسعيد بن منصور يف سننه (رقم ‪ 1442‬واللفظ له) وابن أيب شيبة‬
‫(رقم ‪ )37567‬بسند صحيح عن أيب سعيد اخلدري يف قوله عز وجل ﱡﳈ ﳉﱠ؛ قال‪:‬‬
‫هو عذاب القب‪.‬‬
‫‪ -‬وروى عبد الرزاق(رقم ‪ )6703‬وابن أيب شيبة (رقم ‪ )12062‬بسند حسن عن أيب هريرة حنوه‬
‫ولفظه‪ ":‬ويضيق عليه قبه حىت تلتقي أضالعه"‪ ،‬فذلك قول هللا عز وجل ﱡﳈ ﳉﱠ‪.‬‬
‫‪ -‬وجاء عن ابن مسعود وجماهد وأيب صاحل والسدي‪ ،‬واختاره ابن جرير الطبي يف تفسريه (‪)394/18‬‬
‫فقال‪ :‬وأوىل األقوال يف ذلك ابلصواب قول من قال‪ :‬هو عذاب القب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ورد تسمية امللكني يف سؤال القب مبنكر ونكري من طرق أكثرها ضعيفة‪ ،‬لكنها تتقوى مبجموعها‪ ،‬ومن‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬رواه الطبي يف هتذيب اآلاثر (رقم ‪ 723‬مسند عمر) والبيهقي يف شعب اإلميان (رقم ‪ )396‬من‬
‫حديث الباء بن عازب مرفوعا‪ ،‬وفيه عيسى بن املسيب البجلي القاضي‪ ،‬وهو ضعيف عند اجلمهور‪.‬‬
‫‪ -‬رواه الطباين يف األوسط (رقم ‪ )4629‬من حديث أيب هريرة مرفوعا‪ ،‬وفيه ابن هليعة‪ ،‬وهو ضعيف‪،‬‬
‫وليس هذا من رواية العبادلة عنه‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫ﱡﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ‬ ‫هللا صلى هللا عليه وسلم(‪ ،)1‬مع قوله تعاىل‬
‫ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧﱨ ﱩ ﱪ ﱫﱬ ﱭ ﱮ ﱯ‬

‫ﱰﱠ‪ ،‬وما ورد تفسريه عن النيب(‪.)2‬‬

‫‪ -‬ورواه ابن أيب داود يف البعث (رقم ‪ )7‬وأبو أمحد احلاكم يف األسامي (رقم ‪ )33776‬من طريق‬
‫مفضل بن صاحل األسدي أيب مجيلة عن إمساعيل بن أيب خالد عن أيب شهر عن عمر به‪ ،‬وأبو‬
‫شهر ال يعرف‪.‬‬
‫‪ -‬ورواه البزار (رقم ‪ )2655‬من طريق بسطام بن خالد احلراين عن نصر بن عبد هللا أيب الفتح عن‬
‫ثور بن زيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل به‪ ،‬وخالد مل يسمع من معاذ بن جبل شيئا‪،‬‬
‫فهو منقطع‪.‬‬
‫‪ -‬ورواه ابن األعرايب يف معجمه (رقم ‪ )1870‬من طريق عقبة بن مكرم عن عمرو بن سفيان عن‬
‫احلسن بن أيب جعفر عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن املسيب عن عائشة به‪ ،‬وابن‬
‫جدعان ضعيف‪.‬‬
‫‪ -‬ورواه احلارث (زوائده رقم ‪ )281‬واآلجري يف الشريعة (رقم ‪ )861‬من طريقني عن إبراهيم بن‬
‫سعد عن أبيه عن عطاء بن يسار به مرسال‪ ،‬ورجاله ثقات‪.‬‬
‫‪ -‬ورواه الطباين يف األوسط (رقم ‪ )2703‬من طريق يعقوب بن إسحاق احلضرمي عن عيسى بن‬
‫موسى غنجارعن عبد هللا بن كيسان عن ابن عباس به موقوفا‪ ،‬وله حكم الرفع‪.‬‬
‫‪ -‬ورواه ابن املبارك يف الزهد (رقم ‪ )1590‬عن أيب معشر املدين عن قيس بن حممد‪ ،‬وابن أيب شيبة‬
‫(رقم ‪ )12424‬واآلجري يف الشريعة (رقم ‪ )860‬من طريق يعلى بن عطاء عن متيم بن غيالن‬
‫بن سلمة كالمها عن أيب الدرداء به موقوفا‪ ،‬وله حكم الرفع‪.‬‬
‫وجزم ابن أيب عاصم يف السنة (‪ )419 /2‬واأللباين يف حتقيق اآلايت البينات (ص ‪ )80‬هامش‬
‫(رقم ‪ :)3‬ثبوت ذكر منكر ونكري ابمسيهما يف هذه األحاديث‪.‬‬
‫(‪ )1‬روى البخاري (رقم ‪ )832‬ومسلم (رقم ‪ )589‬عن عائشة رضي هللا عنها أن رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم كان يدعو يف الصالة‪ :‬اللهم إين أعوذ بك من عذاب القب ‪."...‬‬
‫(‪ )2‬روى البخاري (رقم ‪ )1369‬ومسلم (رقم ‪ )2871‬عن الباء بن عازب رضي هللا عنه عن النيب صلى هللا‬
‫يت‪ ،‬مث شهد أن ال إله إال هللا‪ ،‬وأن حممدا رسول هللا‪ ،‬فذلك قوله‬
‫عليه وسلم قال‪ ":‬إذا أقعد املؤمن يف قبه أ َ‬
‫ﱡﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢﱠ إبراهيم ‪.27‬‬

‫‪40‬‬
‫ﱡﱯ ﱰ‬ ‫‪ .40‬ويرون ترك اخلصومات واملراء يف القرآن وغريه‪ ،‬لقول هللا عز وجل‬
‫ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶﱠ يعين جيادل فيها تكذيبا هبا وهللا أعلم(‪.)1‬‬

‫وروى حنوه ابن أيب شيبة يف املصنف (رقم ‪ )12434‬وهناد يف الزهد (رقم ‪ )338‬عن أيب هريرة بسند حسن‪،‬‬
‫وأمحد (رقم ‪ )11000‬وابن أيب عاصم يف السنة (رقم ‪ )865‬عن أيب سعيد اخلدري بسند حسن‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫قال سهل بن عبد هللا التسرتي يف تفسريه (ص ‪ :)19‬يف القرآن آيتان ما أش ّدمها على من جيادل يف‬
‫القرآن‪ ،‬ومها قوله تعاىل ﱡﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶﱠ غافر‪ ، 4 :‬أي مياري يف آايت هللا‪،‬‬
‫وخياصم هبوى نفسه وطبع جبلّة عقله‪ ،‬قال تعاىل ﱡﱍ ﱎ ﱏ ﱐﱑﱠ البقرة ‪ ،197‬أي ال مراء‬
‫يف احلج‪ .‬والثانية قوله ﱡ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑﱠ البقرة ‪.176‬‬
‫وقال تعاىل ﱡ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨﱠ احلج ‪8‬‬
‫وروى الرتمذي (رقم ‪ )3253‬وابن ماجه (رقم ‪ )48‬وأمحد (رقم ‪ )22164‬عن أيب أمامة الباهلي رضي هللا‬
‫عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ":‬ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إال أوتوا اجلدل"‪ ،‬مث تال‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم هذه اآلية‪ :‬ﱡ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾﱠ‬
‫الزخرف‪ ،58 :‬وصححه الرتمذي‪ ،‬وحسنه األلباين‪.‬‬
‫ورى البخاري (رقم ‪ )2457‬ومسلم (رقم ‪ )2668‬عن عائشة رضي هللا عنها عن النيب صلى هللا عليه وسلم‬
‫قال‪ ":‬إن أبغض الرجال إىل هللا األلد اخلَصم"‪.‬‬
‫واجلدال املنهي عنه يف هذه النصوص هو ما كان على جهل‪ ،‬أو سوء قصد‪ ،‬أو اعتياد مراء‪ ،‬قال تعاىل‬
‫ﱡ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡﲢ ﲣ ﲤ‬

‫ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﱠ النحل‪125 :‬‬
‫وقال تعاىل ﱡ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱠ العنكبوت‪46 :‬‬
‫فتضمنت اآليتان جواز اجلدال ابحلسىن‪ ،‬وهو ما كان طلبا للحق وبياان له‪ ،‬وكان على علم وصحة نية‪.‬‬
‫وكذلك أيضا يف جمادلة من ال يقبل احلق كما يف حديث أيب أمامة الباهلي رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ":‬أان زعيم ببيت يف ربض اجلنة ملن ترك املراء وإن كان حمقا ‪ "....‬رواه أبو داود‬
‫(رقم ‪ )4800‬وحسنه األلباين يف صحيحته (رقم ‪.)273‬‬
‫وله شاهد من حديث أيب هريرة بلفظ‪ ":‬ويرتك املراء وإن كان صادقا" رواه أمحد (رقم ‪ )8630‬وفيه انقطاع‪،‬‬
‫لكنه يتقوى ابلذي قبله‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫صلى هللا َعلَْيه َو َسل َم‪،‬‬
‫‪ .41‬ويثبتون خالفة أيب بكر رضي هللا عنه بعد رسول هللا َ‬
‫ابختيار الصحابة إايه(‪.)1‬‬
‫مث خالفة عمر بعد أيب بكر رضي هللا عنه ابستخالف أيب بكر إايه(‪.)2‬‬
‫مث خالفة عثمان رضي هللا عنه ابجتماع أهل الشورى‪ ،‬وسائر املسلمني عليه عن‬
‫أمر عمر(‪.)3‬‬

‫وروى البيهقي يف مناقب الشافعي (‪ )460/1‬من طريق زكراي بن حيىي عن حممد بن عبد هللا بن عبد احلكم‬
‫يقول‪ :‬قال الشافعي‪ :‬اي حممد‪ ،‬إن سألك رجل عن شيء من الكالم‪ ،‬فال جتبه‪ ،‬فإنه إن سألك عن دية‬
‫فقلت‪ :‬درمها أو دانقا قال لك‪ :‬أخطأت‪ ،‬وإن سألك عن شيء من الكالم فزللت قال‪ :‬كفرت"‪.‬‬
‫وروى ابن عبد الب يف اجلامع (‪ 929/2‬رقم ‪ )1789‬من طريق الطحاوي يونس بن عبد األعلى عن الشافعي‬
‫أنه قال له‪ ":‬اعلم أين اطلعت من أهل الكالم على شيء ما ظننته قط‪ ،‬ولئن يبتلى املرء بكل ما هنى هللا‬
‫عنه ما عدا الشرك خري له من أن ينظر يف الكالم"‪.‬‬
‫(‪ )1‬روى مسلم (رقم ‪ )2387‬عن عائشة رضي هللا عنها قالت‪ :‬قال يل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬يف‬
‫مرضه‪ ":‬ادعي يل أاب بكر‪ ،‬وأخاك‪ ،‬حىت أكتب كتااب‪ .‬فإين أخاف أن يتمىن متمن ويقول قائل‪ :‬أان أوىل‪.‬‬
‫وأيىب هللا واملؤمنون إال أاب بكر"‪ .‬فهذا يدل على أن خالفة أيب بكر رضي هللا عنه كانت إبشارة من النيب‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬واختيار من املؤمنني‪ ،‬وهم الصحابة رضي هللا عنهم‪.‬‬
‫(‪ )2‬روى البخاري (رقم ‪ )3633‬ومسلم (رقم ‪ )2393‬عن عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما أن رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم قال‪ ":‬رأيت الناس جمتمعني يف صعيد‪ ،‬فقام أبو بكر فنزع ذنواب أو ذنوبني‪ ،‬ويف بعض‬
‫نزعه ضعف‪ ،‬وهللا يغفر له‪ ،‬مث أخذها عمر فاستحالت بيده غراب‪ ،‬فلم أر عبقراي يف الناس يفري فريه‪ ،‬حىت‬
‫ضرب الناس بعطن"‪ .‬ففي هذا احلديث إشارة إىل خالفة عمر بن اخلطاب رضي هللا‪ ،‬وأهنا أطول مدة‪،‬‬
‫وأكثر فتحا من خالفة أيب بكر رضي هللا عنه‪ ،‬فكان استخالف أيب بكر له عمال إبشارة النيب صلى هللا‬
‫عليه وسلم يف هذا احلديث وغريه‪.‬‬
‫(‪ )3‬روى الرتمذي (رقم ‪ )3705‬وابن ماجه (رقم ‪ )112‬وأمحد (رقم ‪ 24566‬واللفظ له) عن عائشة رضي‬
‫هللا عنها قالت‪ :‬أرسل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إىل عثمان بن عفان‪ ،‬فأقبل عليه رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فلما رأينا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬أقبلت إحداان على األخرى‪ ،‬فكان من آخر كالم‬

‫‪42‬‬
‫مث خالفة علي بن أيب طالب رضي هللا عنه ببيعة من ابيع من البدريني‪،‬‬
‫عمار بن ايسر وسهل بن حنيف ومن تبعهما من سائر الصحابة مع سابقته‬
‫ّ‬
‫وفضله(‪.)1‬‬
‫ﱡﱿ ﲀ ﲁ ﲂ‬ ‫‪ .42‬ويقولون‪ :‬بتفضيل الصحابة الذين رضي هللا عنهم‪ ،‬لقوله‬
‫ﱡﱁ ﱂ ﱃ‬ ‫وقوله‬ ‫ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇﱠ‬

‫ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱠ‪.‬‬ ‫ﱄﱅﱆ‬

‫ومن أثبت هللا رضاه عنه مل يكن منه بعد ذلك ما يوجب سخط هللا عز وجل‪،‬‬
‫ومل يوجب ذلك للتابعني إال بشرط اإلحسان‪ ،‬فمن كان من التابعني من بعدهم‬
‫مل أيت ابإلحسان‪ ،‬فال مدخل له يف ذلك(‪.)2‬‬

‫كلمه‪ ،‬أن ضرب منكبه وقال‪ ":‬اي عثمان‪ ،‬إن هللا عز وجل عسى أن يلبسك قميصا‪ ،‬فإن أرادك املنافقون‬
‫على خلعه‪ ،‬فال ختلعه حىت تلقاين" وصححه األلباين‪.‬‬
‫ففي هذا احلديث إشارة من ا لنيب صلى هللا عليه وسلم أن عثمان بن عفان رضي هللا عنه سيكون خليفة‪،‬‬
‫وأنه سيبتلى فيها‪ ،‬ويطالب برتكها‪ ،‬وأوصاه ابلتمسك ابخلالفة حىت يلقاه‪ ،‬أي يتوىف عليها رضي هللا عنه‪.‬‬
‫وقد أشار النيب صلى هللا عليه وسلم أنه سيقتل ويكون شهيدا‪ ،‬كما روى البخاري (رقم ‪ )3675‬عن أنس‬
‫بن مالك رضي هللا عنه أن النيب صلى هللا عليه وسلم صعد أحدا‪ ،‬وأبو بكر وعمر وعثمان‪ ،‬فرجف هبم‪،‬‬
‫فقال‪ :‬اثبت أحد‪ ،‬فإمنا عليك نيب وصديق‪ ،‬وشهيدان"‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫روى البخاري (رقم ‪ )2975‬ومسلم (رقم ‪ )2407‬عن سلمة بن األكوع رضي هللا عنه عن النيب صلى‬
‫هللا عليه وسلم أنه قال يف خيب‪ ":‬ألعطني الراية أو قال ليأخذن غدا رجل حيبه هللا ورسوله أو قال‪ :‬حيب‬
‫هللا ورسوله‪ ،‬يفتح هللا عليه‪ ،‬فإذا حنن بعلي وما نرجوه‪ ،‬فقالوا‪ :‬هذا علي‪ ،‬فأعطاه رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم ففتح هللا عليه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬روى أمحد (رقم ‪ )15849 ،15847‬وابن أيب عاصم يف اآلحاد واملثاين (رقم ‪ )1404‬والطحاوي يف‬
‫املشكل (رقم ‪ )2618‬عن جماشع بن مسعود رضي هللا عنه أنه أتى النيب صلى هللا عليه وسلم اببن أخ له‬
‫يبايعه على اهلجرة‪ ،‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ":‬ال بل يبايع على اإلسالم‪ ،‬فإنه ال هجرة بعد‬

‫‪43‬‬
‫ومن غاظه مكاهنم من هللا‪ ،‬فهو خموف عليه ما ال شيء أعظم منه‪ ،‬لقوله عز‬
‫ﱡﱢ ﱣ ﱤ ﱥ‬ ‫إىل قوله‬ ‫ﱡﱁ ﱂ ﱃﱄ ﱅ ﱆﱠ‬ ‫وجل‬
‫ﱦﱧﱨﱩﱪ ﱫﱬﱭﱮﱯﱰ‬

‫ﱱﱲﱠ‪ ،‬فأخب أنه جعلهم غيظا للكافرين(‪.)1‬‬


‫ﱡﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ‬ ‫وقالوا خبالفتهم لقول هللا عز وجل‬
‫ﱢﱠ فخاطب بقوله ﱡﱠ ﱠ من نزلت اآلية وهو مع النيب صلى هللا‬
‫ﱡﱣ ﱤ ﱥ ﱦ‬ ‫عليه وسلم على دينه‪ ،‬فقال بعد ذلك‬
‫ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ‬

‫ﱻﱼﱠ فمكن هللا أبيب‬ ‫ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ‬


‫غزون‪ ،‬وخييفون العدو‬ ‫بكر وعمر وعثمان الدين ‪-‬وعد هللا‪ -‬آمنني يغزون وال ي َ‬
‫وال خييفهم العدو‪.‬‬
‫وقال عز وجل لقوم ختلفوا عن نبيّه عليه السالم يف الغزوة اليت ندهبم هللا عز‬
‫ﱡﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ‬ ‫وجل بقوله‬
‫ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ‬

‫ﲜ ﲝﱠ‪ ،‬فلما لقوا النّيب صلى هللا عليه وسلم يسألونه اإلذن يف اخلروج‬

‫الفتح‪ ،‬ويكون من التابعني إبحسان" وسنده صحيح‪ .‬فقوله " من التابعني إبحسان " نص على شرط‬
‫االتباع‪.‬‬
‫(‪ )1‬روى عبد الرزاق يف تفسريه (‪ )2916‬عن معمر عن الزهري وقتادة أهنما قاال‪ :‬ليغيظ هللا ابلنيب وأصحابه‬
‫الكفار" وسنده صحيح‪.‬‬
‫وقال اإلمام مالك كما يف املوطأ (‪ 255/1‬رقم ‪ 9‬حتقيق األعظمي)‪ :‬من أصبح يف قلبه غيظ على أحد من‬
‫أصحاب رسول اّلل صلى هللا عليه وسلم فقد أصابته اآلية"‪.‬‬
‫وروى اخلالل يف السنة (رقم ‪ )666‬عن اإلمام أمحد بن حنبل أنه قال‪ ":‬من كان يف قلبه غيظ فهو كافر "‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫ﱡﲶ ﲷ ﲸ ﲹ‬ ‫للعدو فلم أيذن هلم‪ ،‬أنزل هللا عز وجل‬
‫ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄﳅ ﳆ ﳇ ﳈ‬

‫ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍﳎ ﳏ ﳐ ﳑﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ‬

‫ﱡﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ‬ ‫ﳘﱠ‪ .‬وقال هلم‬


‫ﱋ ﱌ ﱍﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ‬

‫ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱠ‪.‬‬
‫والذين كانوا يف عهد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أحياء خوطبوا بذلك ملا‬
‫ختل فوا عنه‪ ،‬وبقي منهم يف خالفة أيب بكر وعمر وعثمان رضي هللا عنهم ما‬
‫أوجب هلم بطاعتهم إايهم األجر‪ ،‬وبرتك طاعتهم العذاب األليم‪ ،‬إيذاان من هللا‬
‫عز وجل خبالفتهم رضي هللا عنهم‪ ،‬وال جعل يف قلوبنا غال ألحد منهم‪ ،‬فإذا‬
‫ثبتت خالفة واحد منهم‪ ،‬انتظم منها خالفة األربعة‪.‬‬
‫‪ .43‬ويرون الصالة ‪-‬اجلمعة وغريها‪ -‬خلف كل إمام مسلم‪ ،‬براً كان أو فاجراً‪ ،‬فإن‬
‫هللا عز وجل فرض اجلمعة وأمر إبتياهنا فرضا مطلقا‪ ،‬مع علمه تعاىل أبن القائمني‬
‫يكون منهم الفاجر والفاسق‪ ،‬ومل يستثن وقتا دون وقت‪ ،‬وال أمرا ابلنداء للجمعة‬
‫دون أمر(‪.)1‬‬
‫‪ .44‬ويرون جهاد الكفار معهم‪ ،‬وإن كانوا َج َوَرًة (‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬قال تعاىل ﱡ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ‬

‫ﱏﱠ اجلمعة‪9 :‬‬


‫(‪ )2‬روى البخاري (رقم ‪ )2957‬ومسلم (رقم ‪ )1841‬عن أيب هريرة رضي هللا عنه عن النيب صلى هللا عليه‬
‫وسلم قال‪ ":‬إمنا اإلمام جنة‪ .‬يقاتل من ورائه‪ ،‬ويتقى به‪ ،‬فإن أمر بتقوى هللا عز وجل وعدل‪ ،‬كان له بذلك‬
‫أجر‪ ،‬وإن أيمر بغريه‪ ،‬كان عليه منه"‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫‪ .45‬ويرون الدعاء هلم ابلصالح والعطف إىل العدل(‪.)1‬‬

‫وظاهره أن اإلمام يبقى جنةً يقاتل من ورائه سواء اتق ى وعدل‪ ،‬أو جار وفسق‪ ،‬وأن فسقه إمنا هو على‬
‫نفسه‪.‬‬
‫وروى البخاري (رقم ‪ )2852‬ومسلم (رقم ‪ )1873‬عن عروة بن اجلعد عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال‪:‬‬
‫اخليل معقود يف نواصيها اخلري إىل يوم القيامة‪ :‬األجر واملغنم "‪.‬‬
‫وأجاد البيهقي يف سننه‪ ،‬فعقد هلذا احلديث اباب فقال (‪ 262/9‬ط‪ .‬العلمية)‪( :‬ابب الغزو مع أئمة اجلور)‪،‬‬
‫وهذا احلديث يدل عليه بطريق اللزوم‪.‬‬
‫ويؤيد هذا املعىن ما رواه أبو داود (رقم ‪ )2533‬بسند رجاله ثقات عن مكحول عن أيب هريرة قال‪ :‬قال‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ":‬اجلهاد واجب عليكم مع كل أمري‪ ،‬برا كان أو فاجرا‪ ،‬والصالة واجبة‬
‫عليكم خلف كل مسلم برا كان أو فاجرا‪ ،‬وإن عمل الكبائر‪ ،‬والصالة واجبة على كل مسلم برا كان أو‬
‫فاجرا‪ ،‬وإن عمل الكبائر"‪.‬‬
‫وهو منقطع بني مكحول وأيب هريرة‪ ،‬لكنه صحيح املعىن‪ ،‬ألن ترك اجلهاد مع الفاجر يفضي إىل قطع اجلهاد‬
‫‪ ،‬وظهور الكفار على امل سلمني واستئصاهلم‪ ،‬وظهور كلمة الكفر‪ ،‬وفيه فساد عظيم" كما قال ابن قدامة يف‬
‫املغين (‪ 14/13‬ط‪ .‬الرتكي)‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وهذا من مجلة النصيحة إلمام املسلمني‪ ،‬ويف حديث متيم الداري عند مسلم (رقم ‪ )55‬أن النيب صلى‬
‫هللا عليه وسلم قال‪ ":‬الدين النصيحة‪ ،‬قلنا‪ :‬ملن؟ قال‪ :‬هلل ولكتابه ولرسوله وألئمة املسلمني وعامتهم"‪.‬‬
‫وألن الدعاء للإلمام أنفع من غريها‪ ،‬وصالحه صالح الرعية واستقامة أمورها‪ ،‬فكان أوىل ابلدعاء ابلصالح‬
‫والعدل من غريه‪.‬‬
‫قال اإلمام الفضيل بن عياض‪ ":‬لو أن يل دعوة مستجابة‪ ،‬ما جعلتها إال يف إمام‪ ،‬فصالح اإلمام صالح‬
‫البالد والعباد" ذكره الذهيب يف سري أعالم النبالء (‪ 434/8‬ط‪ .‬الرسالة)‪.‬‬
‫وقال اإلمام أمحد بن حنبل‪ ":‬وإين ألرى له السمع والطاعة يف عسري ويسري‪ ،‬ومنشطي ومكرهي‪ ،‬وأثرة‬
‫علي‪ ،‬وإين ألدعو هللا له ابلتسديد والتوفيق يف الليل والنهار" ذكره الذهيب يف سري أعالم النبالء (‪267/11‬‬
‫ط‪ .‬الرسالة) وابن كثري يف البداية والنهاية (‪ 413/14‬ط‪ .‬الرتكي)‪.‬‬
‫وقال ابن الصالح يف صيانة صحيح مسلم (ص ‪ ":)222‬والنصيحة ألئمة املسلمني أي خللفائهم وقادهتم‬
‫معاونتهم على احلق‪ ،‬وطاعتهم فيه‪ ،‬وتنبيههم وتذكريهم يف رفق ولطف‪ ،‬وجمانبة اخلروج عليهم‪ ،‬والدعاء هلم‬
‫ابلتوفيق‪ ،‬وحث األغيار على ذلك"‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫‪ .46‬وال يرون اخلروج ابلسيف عليهم (‪.)1‬‬
‫‪ .47‬وال القتال يف الفتنة(‪.)2‬‬
‫‪ .48‬ويرون قتال ا لفئة الباغية مع اإلمام العادل‪ ،‬إذا كان ووجد على شرطهم يف‬
‫ذلك(‪.)3‬‬
‫‪ .49‬ويرون الدار دار إسالم‪ ،‬ال دار كفر كما رأته املعتزلة‪ ،‬ما دام النداء ابلصالة‬
‫واإلقامة ظاهرين‪ ،‬وأهلها ممكنني منها آمنني(‪.)4‬‬

‫وقال النووي يف اجملموع (‪ ":)521/4‬فأما الدعاء ألئمة املسلمني‪ ،‬ووالة أمورهم ابلصالح‪ ،‬واإلعانة على‬
‫احلق‪ ،‬والقيام ابلعدل وحنو ذلك‪ ،‬وجليوش اإلسالم فمستحب ابالتفاق"‪.‬‬
‫(‪ )1‬روى البخاري (رقم ‪ )7054‬ومسلم (رقم ‪ )1849‬من حديث ابن عباس رضي هللا عنهما عن النيب‬
‫صلى هللا عليه وسلم قال‪ ":‬من رأى من أمريه شيئا يكرهه فليصب عليه‪ ،‬فإنه من فارق اجلماعة شبا فمات‪،‬‬
‫إال مات ميتة جاهلية"‪.‬‬
‫وروى البخاري (رقم ‪ )3603‬من حديث ابن مسعود عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال‪ ":‬ستكون أثرة‬
‫وأمور تنكروهنا‪ ،‬قالوا‪ :‬اي رسول هللا فما أتمران؟ قال‪ ":‬تؤدون احلق الذي عليكم‪ ،‬وتسألون هللا الذي لكم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬روى البخاري يف صحيحه (رقم ‪ )4651‬سعيد بن جبري قال‪ :‬خرج علينا أو‪ :‬إلينا ابن عمر‪ ،‬فقال رجل‪:‬‬
‫كيف ترى يف قتال الفتنة؟ فقال‪ :‬وهل تدري ما الفتنة؟ كان حممد صلى هللا عليه وسلم يقاتل املشركني‪،‬‬
‫وكان الدخول عليهم فتنة‪ ،‬وليس كقتالكم على امللك"‪.‬‬
‫وروى البخاري (رقم ‪ )31‬ومسلم (رقم ‪ )2888‬عن أيب بكرة رضي هللا عنه عن رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم قال‪ ":‬إذا التقى املسلمان بسيفيهما‪ ،‬فالقاتل واملقتول يف النار‪ .‬فقلت‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬هذا القاتل‪ ،‬فما‬
‫ابل املقتول؟ قال‪ :‬إنه كان حريصا على قتل صاحبه"‪.‬‬
‫ﲝ ﱠ احلجرات‪9 :‬‬
‫(‪ )3‬كما قال تعاىل ﱡ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲞ‬
‫وروى مسلم (رقم ‪ )1844‬من حديث عبد هللا بن عمرو بن العاص رضي هللا عنهما‪":‬من ابيع إماما‪،‬‬
‫فأعطاه صفقة يده ومثرة قلبه‪ ،‬فليطعه إن استطاع‪ .‬فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق اآلخر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ذكر املؤلف هنا ثالثة شروط لدار اإلسالم‪ ،‬إذا توفرت صارت الدار دار إسالم‪:‬‬
‫الشرط األول‪ :‬أن يتمكن املسلمون من إظهار دينهم أبن يكون النداء واإلقامة لصالة اجلمعة واجلماعة‬
‫ظاهرين‪ ،‬ويقاس على ذلك ما هو من شعائر الدين وعالمات ظهوره‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫‪ .50‬ويرون أن أحدا ال ختلص له اجلنة‪ ،‬وإن عمل أي عمل‪ ،‬إال بفضل‬
‫خيص هبما من يشاء‪ ،‬فإن عمله للخري وتناوله الطاعات إمنا‬
‫هللا ورمحته اليت ُّ‬
‫عن فضل هللا الذي لو مل يتفضل به عليه مل يكن ألحد على هللا حجة وال‬
‫ﱡﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ‬ ‫عتب‪ ،‬كما قال هللا‬
‫ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢﱠ‪ ،‬ﱡﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ‬

‫ﱡﳂ ﳃ ﳄ‬ ‫ﲙﱠ‪ ،‬وقال‬ ‫ﲖ ﲗ ﲘ‬

‫ﳅﱠ(‪.)1‬‬
‫ﳆ‬

‫الشرط الثاين‪ :‬أن يكونوا آمنني أي يف دينهم‪ ،‬حبيث ال خيافون الفتنة فيها ابلكفر‪ ،‬وهو مأخوذ من قوله‬
‫(آمنني)‪ ،‬وإمنا قيدان األمان ابلدين‪ ،‬ألنه املختص ابلكفار غالبا‪ ،‬وال يشرتط لدار اإلسالم أن أيمن يف نفسه‬
‫وماله وعرضه‪ ،‬إلمكان وجود سلطان جائر عليهم‪ ،‬أو عصاابت ولصوص‪ ،‬وذلك ال خيرجها عن كوهنا دار‬
‫إسالم‪.‬‬
‫الشرط الثالث‪ :‬أن يكونوا غالبني مسلطني عليها‪ ،‬وهو مأخوذ من قوله (ممكنني) أي أن الغلبة فيها‬
‫للمسلمني‪ ،‬فقد يكون األمان يف دار العهد والصلح‪ ،‬وتكون الغلبة لغري املسلمني‪.‬‬
‫وهذا الذي ذكره اإلمساعيلي يف ضابط دار اإلسالم‪ ،‬هو الذي جرى عليه فقهاء الشافعية من بعده كما يف‬
‫احلاوي للماوردي (‪ )104/14‬فإنه جعل القدرة على االمتناع ابالعتزال‪ ،‬والدعاء لإلسالم يف دار احلرب‬
‫دليال على أهنا دار إسالم"‪ ،‬وكذلك ابن حجر اهليتمي يف حتفة احملتاج (‪ )248/9‬فإنه عرفها بقوله‪ ":‬وهي‬
‫ما يف قبضتنا وإن سكنها أهل ذمة أو عهد"‪.‬‬
‫واعلم أن ضابط الدار من مسائل الفقه االجتهادية اليت مل يرد فيها نص قاطع يف ضابطها‪ ،‬وهلذا اختلف‬
‫العلماء يف ذلك‪ ،‬وليس هنا موضع بسطها‪.‬‬
‫وإمنا ذكرها املؤلف خالفا للمتعزلة يف دعواهم أن جور السلطان من الكبائر‪ ،‬وهو موجب لكفره‪ ،‬فتكون‬
‫دار حكمه وسلطانه دار كفر‪ ،‬وهو عموم بالد املسلمني يف زمان اإلمساعيلي مع ظهور النداء واإلقامة‬
‫للجمعة واجلماعات‪ ،‬وكون املسلمني آمنني فيها بدينهم‪ ،‬وممكنني يف دايرهم‪.‬‬
‫(‪ )1‬وروى مسلم (رقم ‪ )2816‬عن أيب هريرة رضي هللا عنه عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪":‬‬
‫لن ينجي أحد منكم عمله" قال رجل‪ :‬وال إايك؟ اي رسول هللا! قال "وال إايي‪ .‬إال أن يتغمدين هللا منه‬
‫برمحة‪ .‬ولكن سددوا"‬

‫‪48‬‬
‫ﱡﲒ ﲓ‬ ‫حي خملوق أجال هو ابلغه‪،‬‬
‫‪ .51‬ويقولون‪ :‬إن هللا عز وجل أجل لكل ّ‬
‫ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙﱠ‪ ،‬وإن مات أو قتل فهو عند انتهاء‬
‫ﱡﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ‬ ‫أجله املسمى له‪ ،‬كما قال هللا عز وجل‬
‫ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄﱠ ‪.‬‬
‫حي خملوق رزق الغذاء الذي به قوام احلياة‪ ،‬وهو ما‬
‫‪ .52‬وإن هللا تعاىل يرزق كل ّ‬
‫يضمنه هللا ملن أبقاه من خلقه‪ ،‬وهو الذي رزقه من حالل أو من حرام‪ ،‬وكذلك‬
‫رْزق الزينة الفاضل عما حييا به(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬قال تعاىل ﱡﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺﱠ الذارايت‪58 :‬‬


‫ﱡ ﱣ ﱤﱠ سبأ‪24 :‬‬
‫ﱢ‬ ‫وقال تعاىل ﱡ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ‬
‫صح االنتفاع به‪ ،‬فإن كان‬
‫قال الثعليب (ت ـ ‪427‬هـ) يف تفسريه (‪:)148/1‬والرزق عند أهل السنّة‪ :‬ما ّ‬
‫طعاما فليتغ ّدى به‪ ،‬وان كان لباسا فلينقى والتوقي‪ ،‬وإن كان مسكنا فلالنتفاع به سكىن‪ ،‬وقد ينتفع املنتفع‬
‫مبا هيّئ االنتفاع به على الوجهني‪ :‬حالال وحراما‪ ،‬فلذلك قلنا إ ّن هللا رزق احلالل واحلرام"‪.‬‬
‫وذلك خالفا للمعتزلة‪ ،‬فإهنم يقولون‪ :‬الرزق ما يصح متلكه‪ ،‬واحلرام ال يصح متلكه‪ ،‬فاحلرام ليس برزق‪،‬‬
‫كما ذكر ابن عطية (ت ـ ‪542‬هـ) يف تفسريه (‪ )85/1‬وابن الفرس (ت ـ يف‪597‬هـ) تفسريه (‪)456/2‬‬
‫والقرطيب (ت ـ ـ ‪671‬هـ) يف تفسريه (‪.)177/1‬‬
‫وأجاد القرطيب يف الرد عليهم‪ ،‬وبيان ضعف قوهلم فقال‪ :‬قالوا‪ :‬لو نشأ صيب مع اللصوص‪ ،‬ومل أيكل شيئا‬
‫إال ما أطعمه اللصوص‪ ،‬إىل أن بلغ وقوي وصار لصا‪ ،‬مث مل يزل يتلصص وأيكل ما تلصصه إىل أن مات‪،‬‬
‫فإن هللا مل يرزقه شيئا إذ مل ميلكه‪ ،‬وإنه ميوت ومل أيكل من رزق هللا شيئا‪.‬‬
‫وهذا فاسد‪ ،‬والدليل عليه أن الرزق لو كان مبعىن التمليك لوجب أال يكون الطفل مرزوقا‪ ،‬وال البهائم اليت‬
‫ترتع يف الصحراء‪ ،‬وال السخال من البهائم‪ ،‬ألن لنب أمهاهتا ملك لصاحبها دون السخال‪.‬‬
‫وملا اجتمعت األمة على أن الطفل والسخال والبهائم مرزوقون‪ ،‬وأن هللا تعاىل يرزقهم مع كوهنم غري مالكني‬
‫علم أن الرزق هو الغذاء وألن األمة جممعة على أن العبيد واإلماء مرزوقون وأن هللا تعاىل يرزقهم مع كوهنم‬
‫غري مالكني‪ ،‬فعلم أن الرزق ما قلناه ال ما قالوه‪ .‬والذي يدل على أنه ال رازق سواه قوله احلق‬

‫‪49‬‬
‫‪ .53‬ويؤمنون أبن هللا تعاىل خلق شياطني توسوس لآلدميني‪ ،‬وخيتدعوهنم ويغروهنم(‪.)1‬‬
‫‪ .54‬وأن الشيطان يتخبط اإلنسان(‪.)2‬‬
‫‪ .55‬وأن يف الدنيا سحرا وسحرة‪ ،‬وأن السحر واستعماله كفر من فاعله‪ ،‬معتقدا له‪،‬‬
‫انفعا ضارا بغري إذن هللا(‪.)3‬‬

‫ﳏ ﱠ فاطر ‪ ،3‬وقال‪ :‬ﱡﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ‬


‫ﳐ‬ ‫ﱡﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ‬

‫ﱹ ﱺﱠ الذارايت‪ ،58 :‬وقال‪ :‬ﱡ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱠ‬


‫هود‪ ،6 :‬وهذا قاطع"‪.‬‬
‫(‪ )1‬كما قال تعاىل ﱡ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ‬

‫ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱠ الزخرف‪37 - 36 :‬‬
‫وقال تعاىل ﱡ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌﱠ فصلت‪25 :‬وقال‬
‫تعاىل ﱡ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﱠ‬
‫طه‪120 :‬‬
‫وروى البخاري (رقم ‪ )608‬ومسلم (رقم ‪ )389‬عن أيب هريرة رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم قال‪ ":‬إذا نودي للصالة‪ ،‬أدبر الشيطان وله ضراط‪ ،‬حىت ال يسمع التأذين‪ ،‬فإذا قضى النداء أقبل‪،‬‬
‫حىت إذا ثوب ابلصالة أدبر‪ ،‬حىت إذا قضى التثويب أقبل‪ ،‬حىت خيطر بني املرء ونفسه‪ ،‬يقول‪ :‬اذكر كذا‪،‬‬
‫اذكر كذا‪ ،‬ملا مل يكن يذكر‪ ،‬حىت يظل الرجل ال يدري كم صلى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬كما قال تعاىل‪ :‬ﱡ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ‬

‫ﱌ ﱍﱠ البقرة‪.275 :‬‬
‫وروى البخاري (رقم ‪ )4548‬ومسلم (رقم ‪ )2366‬عن أيب هريرة رضي هللا عنه أن النيب صلى هللا عليه‬
‫وسلم قال‪ ":‬ما من مولود يولد إال والشيطان ميسه حني يولد‪ ،‬فيستهل صارخا من مس الشيطان إايه‪ ،‬إال‬
‫مرمي وابنها‪ ،‬مث يقول أبو هريرة‪ :‬واقرءوا إن شئتم‪ :‬ﱡﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽﱠ‬
‫آل عمران ‪ " 36‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫(‪ )3‬قال تعاىل ﱡ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ‬

‫ﱘ ﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢ‬
‫ﱙ‬ ‫ﱓﱔﱕﱖﱗ‬

‫‪50‬‬
‫ﱭ ﱯﱰﱱﱲ‬
‫ﱮ‬ ‫ﱤ ﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬ‬
‫ﱥ‬ ‫ﱣ‬

‫ﱽﱿﲀﲁﲂﲃ‬
‫ﱾ‬ ‫ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ‬

‫ﲈ ﱠ البقرة‪102 :‬‬
‫ﲉ‬ ‫ﲄﲅﲆﲇ‬
‫فتضمنت هذه اآلية أمورا منها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن السحر حقيقة موجودة يف الكون‪ ،‬ميكن تعلمها وتعليمها‪ ،‬كما يف قوله ﱡ ﱏ ﱐ‬

‫ﱑ ﱠ‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬أن تعلم السحر وتعليمه كفر‪ ،‬وال خالق لصاحبه يف اآلخرة‪ ،‬وأقل ما فيه أن يكون من الكبائر كما‬
‫يف حديث أيب هريرة رضي هللا عنه عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال‪ ":‬اجتنبوا السبع املوبقات قالوا‪ :‬اي‬
‫رسول هللا وما هن قال‪ :‬الشرك ابهلل والسحر ‪ ...‬احلديث‪.‬‬
‫رواه البخاري (رقم ‪ )2766‬ومسلم (رقم ‪.)89‬‬
‫اثلثا‪ :‬أن السحر ال يضر إال إبذن هللا تعاىل‪ ،‬وموافقة قدره السابق‪ ،‬فقال ﱡﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ‬

‫ﱴ ﱵ ﱶ ﱷﱸ ﱠ ‪ ،‬فمن اعتقد أنه يضر وينفع بغري إذن هللا تعاىل‪ ،‬فقد أشرك ابهلل غريه يف قضائه‬
‫وقدره سبحانه‪.‬‬
‫قال الشافعي يف األم (‪ :)293/1‬والسحر اسم جامع ملعان خمتلفة‪ ،‬فيقال للساحر‪ :‬صف السحر الذي‬
‫تسحر به‪ ،‬فإن كان ما يسحر به كالم كفر صريح استتيب منه‪ ،‬فإن اتب وإال قتل‪ ،‬وأخذ ماله فيئا‪ ،‬وإن‬
‫كان ما يسحر به كالما ال يكون كفرا‪ ،‬وكان غري معروف‪ ،‬ومل يضر به أحدا‪ ،‬هني عنه‪ ،‬فإن عاد عزر"‪.‬‬
‫قال‪ ":‬وأمر عمر أن يقتل السحار عندان‪ ،‬وهللا تعاىل أعلم إن كان السحر كما وصفنا شركا‪ ،‬وكذلك أمر‬
‫حفصة‪ ،‬وأما بيع عائشة اجلارية‪ ،‬ومل أتمر بقتلها‪ ،‬فيشبه أن تكون مل تعرف ما السحر‪ ،‬فباعتها‪ ،‬ألن هلا‬
‫بيعها عندان وإن مل تسحرها‪ ،‬ولو أقرت عند عائشة أن السحر شرك ما تركت قتلها إن مل تتب‪ ،‬أو دفعتها‬
‫إىل اإلمام ليقتلها إن شاء هللا تعاىل‪ ،‬وحديث عائشة عن النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬على أحد هذه‬
‫املعاين عندان"‪.‬‬
‫وقال ابن املنذر الشافعي (تـ ـ ‪319‬هــ) يف اإلشراف (‪ :)242/8‬إن كان الكالم الذي ذكر أنه سحر به ليس‬
‫بكفر‪ ،‬مل جيز قتله " مث قال بعد ذكر اختالف الصحابة يف قتل الساحر كما ذكر الشافعي‪ ":‬وإذا اختلف‬
‫أصحاب رسول هللا‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬يف املسألة وجب اتباع أشبههم قوال ابلكتاب والسنة‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫التكبوالعجب‪ ،‬واخليانة والدغل‪ ،‬واالغتيال‬
‫‪ .56‬ويرون جمانبة البدعة واآلاثم‪ ،‬والفخر و ُّ‬
‫والسعاية(‪.)1‬‬
‫‪ .57‬ويرون كف األذى وترك الغيبة(‪ ،)2‬إال ملن أظهر بدعة وهوى يدعو إليها‪ ،‬فالقول‬
‫فيه ليس بغيبة عندهم(‪.)3‬‬

‫وقد جيوز أن يكون السحر الذي أمر من أمر منهم بقتل الساحر سحرا يكون كفرا‪ ،‬فيكون ذلك موافقا‬
‫لسنة رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ،-‬وحي تمل أن تكون عائشة أمرت ببيع ساحرة مل يكن سحرها‬
‫كفرا"‪.‬‬
‫ﳓ‬ ‫ﳒ‬ ‫(‪ )1‬كما قال تعاىل ﱡﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ‬

‫ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝﱠ األنعام ‪68‬‬
‫وإذا كان الشرع قد أمر ابلفرار من اجملذوم كالفرار من األسد كما روى البخاري معلقا (رقم ‪ )5707‬عن‬
‫أيب هريرة‪ ،‬ووصله البغوي يف شرح السنة (رقم ‪ )3247‬وغريه بسند صحيح‪.‬‬
‫وهنى الشرع عن خلط األصحاء ابملرضى من احليواانت‪ ،‬كما روى البخاري (رقم ‪ )5771‬ومسلم (رقم‬
‫‪ )2221‬عن أيب هريرة مرفوعا‪ ":‬ال يورد ممرض على مصح"‪ ،‬وكل ذلك حلماية األبدان من اإلنس والبهائم‬
‫من عدوى األمراض‪ ،‬فحماية األداين والقلوب من عدوى البدع والشبهات واملعصية من ابب أوىل‪ ،‬ففيها‬
‫داللة األوىل يف جمانبة البدعة وأهلها‪ ،‬مع ما يف اآلية من اشتماهلا على النهي عن حضور مواطن الفسق‬
‫والفنت وهللا أعلم‪.‬‬
‫والدغل‪ :‬ابتغاء الشر‪ ،‬والسعاية‪ :‬النميمة بني الناس‪ ،‬واالغتيال‪ :‬اخلدعة‪ ،‬والغائلة‪ :‬الشر‪.‬‬
‫ﱛﱠ‬
‫ﱜ‬ ‫ﱒﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚ‬
‫ﱓ‬ ‫كما قال تعاىل ﱡ ﱏ ﱐ ﱑ‬ ‫(‪)2‬‬

‫احلجرات‪12 :‬‬
‫وجاء يف بيان ضابط الغيبة ما رواه مسلم (رقم ‪ )2589‬عن أيب هريرة رضي هللا عنه إن رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم قال‪ ":‬أتدرون ما الغيبة؟" قالوا‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪ .‬قال‪ ":‬ذكرك أخاك مبا يكره"‪ ،‬قيل‪ :‬أفرأيت إن‬
‫كان يف أخي ما أقول؟ قال‪ ":‬إن كان فيه ما تقول‪ ،‬فقد اغتبته‪ ،‬وإن مل يكن فيه‪ ،‬فقد هبته"‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫هكذا جاءت اآلاثر عن األئمة منهم احلسن البصري وإبراهيم النخعي وكثري أيب سهل‪.‬‬
‫فروى حرب الكرماين يف مسائله (‪ )883/2‬والاللكائي يف االعتقاد (رقم ‪ )280‬والبيهقي يف الشعب (رقم‬
‫‪ )9675‬عن احلسن البصري أنه قال‪ :‬ليس ألهل البدع غيبة"‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫‪ .58‬ويرون تعلم العلم وطلبه من مظانه‪ ،‬واجلد يف تعلم القرآن وعلومه وتفسريه‪ ،‬ومساع‬
‫سنن الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ومجعها والتفقه فيها‪ ،‬وطلب آاثر أصحابه(‪،)1‬‬
‫والكف عن الوقيعة فيهم‪ ،‬وأتول القبيح عليهم‪ ،‬ويكلوهنم فيما جرى بينهم على‬
‫عز وجل(‪.)2‬‬
‫التأويل إىل هللا ّ‬

‫وروى الاللكائي يف االعتقاد (رقم ‪ )281‬عن كثري أيب سهل قال‪ :‬يقال‪ :‬أهل األهواء ال حرمة هلم"‪.‬‬
‫وروى الاللكائي يف االعتقاد (رقم ‪ )276‬عن األعمش عن إبراهيم النخعي قال‪ :‬ليس لصاحب البدعة‬
‫غيبة"‪ .‬وروى أبو إمساعيل اهلروي يف ذم الكالم وأهله (رقم ‪ )683‬عن حممد بن بشار أنه قال‪ :‬ليس ألهل‬
‫البدع غيبة"‪ .‬وهذا املعىن كثري يف أقوال العلماء‪ ،‬وذ لك أن النُّصح يف اإلسالم‪ ،‬يوجب التحذير من البدعة‬
‫وصاحبها‪ ،‬وبيان ضالله واحنرافه‪ ،‬وذلك مما فيه وهو يكرهه‪ ،‬فيقدم النصح واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر‬
‫على كره صاحب البدعة ذكر ما فيه‪.‬‬
‫(‪ )1‬روى البخاري (رقم ‪ )71‬ومسلم (رقم ‪ )1037‬عن معاوية بن أيب سفيان رضي هللا عنهما عن النيب‬
‫صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪ ":‬من يرد هللا به خريا يفقهه يف الدين‪ ،‬وإمنا أان قاسم وهللا يعطي‪."...‬‬
‫وروى الرتمذي (رقم ‪ )2685‬عن أيب أمامة الباهلي رضي هللا عنه قال‪ :‬ذكر لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫رجالن‪ :‬أحدمها عابد‪ ،‬واآلخر عامل‪ ،‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ":‬فضل العامل على العابد كفضلي‬
‫على أدانكم"‪ .‬وصححه الرتمذي ووافقه األلباين‪.‬‬
‫وروى أمحد (رقم ‪ )18100‬والرتمذي (رقم ‪ )3535‬عن صفوان بن عسال املرادي رضي هللا عنه عن النيب‬
‫صلى هللا عليه وسلم قال‪ ":‬إن املالئكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا مبا طلب " وسنده حسن‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫روى البخاري (رقم ‪ )3673‬ومسلم (رقم ‪ )2541‬عن أيب سعيد اخلدري رضي هللا عنه قال‪ :‬قال النيب‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ":‬ال تسبوا أصحايب‪ ،‬فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا‪ ،‬ما بلغ مد أحدهم وال‬
‫نصيفه"‪ .‬وروى أمحد (رقم ‪ )13812‬عن أنس بن مالك رضي هللا عنه عن النيب صلى هللا عليه وسلم أنه‬
‫قال‪ ":‬دعوا يل أصحايب‪ ،‬فوالذي نفسي بيده‪ ،‬لو أنفقتم مثل أحد ‪-‬أو مثل اجلبال‪ -‬ذهبا‪ ،‬ما بلغتم أعماهلم‬
‫" وسنده صحيح‪ .‬وروى الطباين يف الكبري (رقم ‪ )1427‬عن ثوابن رضي هللا عنه عن النيب صلى هللا عليه‬
‫وسلم قال‪ ":‬إذا ذكر أصحايب فأمسكوا‪ ،‬وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا‪ ،‬وإذا ذكر القدر فأمسكوا" وخرجه‬
‫األلباين يف الصحيحة (رقم ‪.)34‬‬

‫‪53‬‬
‫‪ .59‬مع لزوم اجلماعة(‪.)1‬‬
‫‪ .60‬والتعفف يف املأكل واملشرب وامللبس(‪.)2‬‬
‫‪ .61‬والسعي يف عمل اخلري(‪.)3‬‬
‫‪ .62‬واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬واإلعراض عن اجلاهلني حىت يعلموهم ويبينوا‬
‫هلم احلق(‪ ،)4‬مث اإلنكار والعقوبة من بعد البيان‪ ،‬وإقامة العذر بينهم وبينهم(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬روى الرتمذي (رقم ‪ )2165‬من حديث ابن عمر رضي هللا عنهما مرفوعا‪ ":‬عليكم ابجلماعة وإايكم‬
‫والفرقة فإن الشيطان مع الواحد‪ ،‬وهو من االثنني أبعد‪ ،‬من أراد حببوحة اجلنة فليلزم اجلماعة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬روى مسلم يف صحيحه (رقم ‪ )1015‬عن أيب هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ":‬أيها الناس! إن هللا طيب ال يقبل إال طيبا‪ .‬وإن هللا أمر املؤمنني مبا أمر به املرسلني‪ .‬فقال ﱡ ﲑ‬

‫ﲗ ﱠ املؤمنون‪ ،51 :‬وقال ﱡ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ‬


‫ﲘ‬ ‫ﲒﲓﲔﲕﲖ‬

‫ﱲ ﱳ ﱴ ﱠ البقرة‪ ،"172 :‬مث ذكر الرجل يطيل السفر‪ .‬أشعث أغب‪ .‬ميد يديه إىل السماء‪.‬‬
‫اي رب! اي رب! ومطعمه حرام‪ ،‬ومشربه حرام‪ ،‬وملبسه حرام‪ ،‬وغذي ابحلرام‪ .‬فأىن يستجاب لذلك؟ "‪.‬‬

‫كما قال تعاىل ﱡ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒﱠ املؤمنون‪61 :‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫وقال تعاىل ﱡ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ‬

‫ﱌﱠ آل عمران‪133 :‬‬


‫كما قال تعاىل ﱡ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱠ األعراف ‪199‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫ﲐﲒ‬
‫ﲑ‬ ‫وقال تعاىل ﱡ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ‬

‫ﲓ ﲔﱠ آل عمران ‪104‬‬
‫ﲍ‬ ‫ﲌ‬ ‫(‪ )5‬كما قال تعاىل ﱡ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ‬
‫ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﱠ التوبة‪115 :‬‬

‫‪54‬‬
‫هذا أصل الدين واملذهب‪ ،‬واعتقاد أئمة أهل احلديث‪ ،‬الذين مل تشنهم بدعة‪ ،‬ومل‬
‫تلبسهم فتنة‪ ،‬ومل ُّ‬
‫خيفوا إىل مكروه يف دين‪ ،‬فتمسكوا معتصمني حببل هللا مجيعا‪،‬‬
‫وال تفرقوا عنه(‪.)1‬‬
‫واعلموا أن هللا تعاىل أوجب حمبته ومغفرته ملتبعي رسوله صلى هللا عليه وسلم يف‬
‫وجل ملن ادعى أنه حيب‬
‫عز ّ‬‫كتابه‪ ،‬وجعلهم الفرقة الناجية‪ ،‬واجلماعة املتبعة‪ ،‬فقال ّ‬
‫ﱡﱞﱟﱠﱡ ﱢ ﱣﱤﱥ ﱦ ﱧ‬ ‫هللا عز وجل‬
‫ﱨ ﱠ‪.‬‬
‫نفعنا هللا وإايكم ابلعلم‪ ،‬وعصمنا ابلتقوى من الزيغ والضاللة مبنه ورمحته(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬كما قال تعاىل ﱡ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦﱠ آل عمران‪103 :‬‬


‫(‪ )2‬جنزت "الدرر العوايل على اعتقاد اإلمساعيلي"‪ ،‬وذلك يوم األحد‪ ،‬العشرين من ذي القعدة‪ ،‬سنة ألف‬
‫وأربعمائه وثالثة وأربعني للهجرة‪ ،‬واملوافق للتاسع عشر‪ ،‬من يونيو‪ ،‬سنة ألفني واثنني وعشرين امليالدية‪ ،‬مبدينة‬
‫نريويب‪ ،‬عاصمة كينيا‪ ،‬الواقعة يف شرق أفريقيا‪.‬‬
‫وهللا أسأل أن جيعله انفعا لكاتبه وقارئه‪ ،‬وأن يكتب له القبول واالنتفاع به‪ ،‬إنه نعم املوىل ونعم النصري‪.‬‬

‫د‪ .‬محمود محمد الشبلي‬


‫أبو عبد الباري الصومالي‬

‫‪55‬‬

You might also like