You are on page 1of 505

‫املناهج الفقهية املعاصرة‬

‫عرض وحتليل‬

‫تأليف‬
‫د‪ .‬عبداإلله بن حسني العرفج‬

‫تقريظ‬
‫د‪ .‬الشريف حامت بن عارف العوني‬

‫‪3‬‬
4
‫إهداء‬
‫أهدي هذا الكتاب ‪ -‬سائال هللا ‪ ‬أن يكتبه يف صحائفهم ‪ -‬لثالثة‪:‬‬
‫‪ ‬جدي الشيخ حممد بن حسني العرفج الشافعي رمحه هللا (‪8331-8721‬هـ)‬
‫كون لنا علمياً أستاذان الشيخ أمحد بن عبدهللا الدوغان‪.‬‬
‫الذي َّ‬
‫‪ ‬الشيخ عبدالعزيز بن صاحل العلجي املالكي رمحه هللا (‪8337-8791‬هـ)‬
‫الذي ساهم يف تكوين الشخصية العلمية ألستاذان الشيخ أمحد الدوغان‪,‬‬
‫وصاحب القصيدة امليمية اليت قال فيها ‪ -‬خماطبا أستاذه الشيخ إبراهيم بن‬
‫عبداللطيف آل الشيخ مبارك املالكي رمحه هللا (‪8358-8735‬هـ) ‪:-‬‬
‫س ـ ـ ـ ــيج لتوفيـ ـ ـ ـ ـ ح ـ ـ ـ ــا ومغنم ـ ـ ـ ــا‬ ‫ـيخ ال ــذي ــد رمـ ـ‬
‫أال أيُّه ــا الش ـ هل‬
‫سـ ـ ــع النصـ ـ ـ هلـر يف مس ـ ــعاه أ َّ ن َيَّمـ ـ ــا‬ ‫ـر مسـ ـ ـ ــعاه النفـ ـ ـ ــي هل لربـ ـ ـ ــه‬
‫ومـ ـ ـ ـ اـن يـ ـ ـ ـ هل‬
‫أق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاموا إل راك الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـريعة هلسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلَّما‬ ‫وهـ ـ ـ ــد أع ـ ـ ـ ـ إال اف ـ ـ ـ ـ ع ـ ـ ـ ــن أئم ـ ـ ـ ــة‬
‫‪8‬‬
‫يص ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد س ـ ـ ـ ـ ــبيالً لر ـ ـ ـ ـ ــا هلمق َّوم ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫هل‬ ‫ـالِ عــن رأي جاهــد‬
‫ِبــم هلحــرم اإلسـ هل‬
‫‪ ‬الشيخ أمحد بن عبدهللا الدوغان رمحه هللا (‪8434-8337‬هـ) الذي أخذ‬
‫أبيدينا إىل جا ة الصواب يف زمن كثهلر فيه املدَّعون واملتخطفون‪.‬‬
‫ي رمحهم هللا‪ ,‬أهدي هذا‬ ‫‪ ‬م ولكد عامل خملص لربه‪ ,‬وصا ق يف عوته‪ ,‬ولوالد َّ‬
‫العمد املتواض ‪.‬‬

‫‪ .8‬من حني آلخر كن ألقي بعض أبيات القصيدة يف مؤمترات وحماضرات و روم علمية‪ ,‬فكان تق من‬
‫علي إبخراجها للوجو م رحها وبيان مالبساهتا‪,‬‬
‫احلضور موق القبول والرضا‪ ,‬وقد تكررت اإلحلاحات َّ‬
‫وع راً ذه املطالب وألمهية القصيدة يف أتصيد املنهج الفقهي املذهيب فقد خصص ا الفصد السا م‪.‬‬
‫‪5‬‬
3
‫تقريظ الدكتور الشريف حامت بن عارف العوين‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ,‬والصالة والسالِ عل إماِ األعبياء واملرسلني‪ ,‬وعل‬
‫آله وأصحابه والتابعني‪ ,‬أما بعد‪:‬‬
‫فقد قرأت كتاب الشيخ الفاضد ‪ /‬عبداإلله بن حسني بن الشيخ حممد‬
‫العرفج (وفقه هللا)‪ ,‬املعنون بـ(املناهج الفقهية املعاصرة‪ :‬عرض وحتليد)‪ ,‬والذي‬
‫كثريا مما ا ومما عليها‪ ,‬مبنهج‬ ‫عرض فيه ملدارم الفتو و ُّ‬
‫التفقه املعاصرة‪ ,‬وبني ً‬
‫علمي ها ئ‪ ,‬ال إقصاء فيه وال جتريح‪ ,‬بد بلغة التزم أ ب العلم ومنهج العدل‪.‬‬
‫واحلقيقة أعنا كنا حنتاج مثد هذا الكتاب؛ ألسباب‪:‬‬
‫‪ ‬منها أعنا حنتاجه إلحداث توازن مهم للوسط الفقهي؛ لكي ال تطغ مدرسة‬
‫فقهها الذي هلهدي به‬‫عل مدرسة‪ ,‬فتفقد األمة ترااث علميا كبريا‪ ,‬بد ترااث هو هل‬
‫عل مر قرون كثرية‪ ,‬منذ األئمة األربعة (رمحهم هللا تعاىل) إىل يوِ النام هذا‪.‬‬
‫‪ ‬ومنها أعه يؤرخ للحركة الفقهية املعاصرة من فقيه معاصر ا‪ ,‬وهذا سيعطيه‬
‫قيمة علمية كبرية‪ ,‬وستز ا قيمته (إبذن هللا) م امتدا الزمن؛ ألن النام‬
‫رصدا أميناً لواق املدارم الفقهية يف عصران‪.‬‬
‫والباحثني سيجدون فيه ً‬
‫‪ ‬ومنها أعه يهلبز وجهة ع ر ا قدرها حول بعض املدارم الفقهية املعاصرة‪,‬‬
‫ويعطي تقوَيا علميا ا‪ ,‬خاصة بعد يوع وجهة الن ر املخالفة ا عل مر‬
‫عقو سابقة‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫التفقهي يف مسائد جزئية‬‫ُّ‬ ‫‪ ‬فضالً عما يف مضامني هذه الدراسة من إاثرة احل‬
‫عديدة‪ ,‬هناك ما يدعو إىل إعا ة الن ر فيها‪ ,‬وتنزيلها يف منزلتها من االعتبار‬
‫وعدمه‪ ,‬أو من الرجحان واملرجوحية‪.‬‬
‫ختصار‪ :‬أرجو أن يهلسهم هذا الكتاب يف إعا ة التوازن إىل العقد الفقهي‬
‫املعاصر‪ ,‬ويف توجيه املزاج العاِ لطلبة العلم إىل يء من االعتدال يف الن ر‬
‫للتمذهب من عدمه‪.‬‬
‫وأ كر الشيخ الفاضد ‪ /‬عبد اإلله العرفج سليد املدرسة الشافعية يف بلد‬
‫التنوع الفقهي الفريد (األحساء) عل هذا اجلهد املتميز‪ ,‬وأسأل هللا تعاىل أن ينف‬
‫بكتابه‪ ,‬وأن يهلثقـد بعموِ االعتفاع به أجره‪ ,‬وأن يكون فاحتة إعتاج علمي مستمر‬
‫وعطاء فقهي مستنري‪.‬‬
‫واحلمد هلل وحده‪ ,‬والصالة والسالِ عل من ال عيب بعده‪ ,‬وعل أزواجه‬
‫وذريته إىل يوِ الدين‪.‬‬
‫وكتب‬
‫أ‪ / .‬الشريف حامت بن عارف العوين‬
‫يف مكة املكرمة ‪8433/3/9‬هـ‬

‫‪1‬‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ,‬والصالة والسالِ األمتان األكمالن عل رسوله‬
‫األمني‪ ,‬سيدان وعبينا وإمامنا وقدوتنا حممد سيد األولني واآلخرين‪ ,‬وعل آله‬
‫الطيبني الطاهرين‪ ,‬وأصحابه الكراِ امليامني‪ ,‬وعل من تبعهم واهتد ِبديهم إىل‬
‫يوِ الدين‪ ,‬واجعلنا اللهم منهم وفيهم ومعهم رب العاملني‪ ,‬أما بعد‪,,,‬‬
‫سبب التأليف‬
‫يسر هللا ‪ ‬يل أن ألتح براكب طالب العلم الشرعي يف األحساء‬ ‫عندما َّ‬
‫‪ -‬وكان عمري إذ ذاك ال يتجاوز ثالث عشرة سنة ‪ ,-‬وعزم عل راسة علم‬
‫الفقه‪ ,‬كان أمامي منهجان فقهيان‪ :‬أو ما املنهج املذهيب‪ ,‬وهو املنهج الذي يتقيد‬
‫جتها ات مذهب من املذاهب الفقهية األربعة املشهورة‪ :‬احلنفي واملالكي‬
‫والشافعي واحلنبلي‪ ,‬أما اثعيهما فهو املنهج غري املذهيب‪ ,‬وهو املنهج الذي يعتمد‬
‫عل االجتها يف عصوص الكتاب والسنة مبا رة‪ ,‬وإذا جلأ أصحابه إىل املذاهب‬
‫الفقهية‪ ,‬فإمنا يلجأون إليها لليجيح بينها واالعتقاء منها‪.‬‬
‫وع را ألن املنهج السائد عندان يف األحساء يف تلر الفية ‪ -‬وما زال ‪ -‬هو‬
‫املنهج املذهيب‪ ,‬فقد اعت م هل يف سلر طالب املذهب الشافعي‪ ,‬عند أستاذان‬
‫الشيخ أمحد بن عبدهللا الدوغان رمحه هللا‪ ,‬وهو أحد تالمذة جدي الشيخ حممد بن‬
‫حسني العرفج رمحه هللا‪.‬‬
‫وملا كاع األحساء متميزة ستقرار املذاهب الفقهية األربعة فيها منذ قرون‪,‬‬
‫فقد كان علماؤان جزاهم هللا عنا خري اجلزاء ‪ -‬إضافةً لتعليمهم لنا مسائد العلم‬
‫والفقه ‪ -‬حريصني عل تنشئتنا عل أ ب اخلالف الفقهي‪ ,‬فقد كاعوا متميزين‬

‫‪9‬‬
‫بفهم عمي ألسباب اخلالف الفقهي‪ 8‬و واعيه وكيفية التعامد معه‪ ,‬ومدركني َّ‬
‫أن‬
‫إساءة فهم أسباب اخلالف الفقهي ستؤ ي إىل عزاع و قاق بني طالب العلم‬
‫أي موقف سليب الجتماع املذاهب‬ ‫ينقد لنا َّ‬
‫الشرعي‪ ,‬ولذلر فإن التاريخ مل هل‬
‫الفقهية األربعة يف األحساء‪.‬‬
‫بد إن التاريخ عقد لنا مواقف من واق احلياة عل املستو االجتماعي‬
‫واالقتصا ي والزراعي‪ ,‬كان فقهاؤان يف األحساء حيلوهنا ويزيلون إ كاالهتا‪,‬‬
‫معتمدين عل هذا اخلالف الفقهي‪ ,‬أو إن ئ قد‪ :‬هذه الثروة الفقهية‪.7‬‬
‫ومن األمثلة الدالة عل ما ذكرته املسألة اليت رفع لعلماء األحساء يف‬
‫القرن الثاين عشر ا جري املتعلقة بقسمة املاء اجلاري اململوك لعد من أصحاب‬
‫الزراعات‪ ,3‬وحكمها عند الشافعية واحلنابلة أن يسقي األول إىل مبدأ املاء‪ ,‬مث من‬
‫يليه‪ ,‬حبيث يرتف املاء إىل اجل ادر ‪ -‬وهو احلاجز القصري الذي يوض بني ر ت‬
‫النخد أو حول أصول النخد‪ ,‬ويقدر ارتفاع املاء فيه إىل الكعبني تقريبا ‪ -‬وفقا‬
‫حلكم النيب ‪ ‬للزبري بن العواِ ‪ ‬عندما انزعه جاره األعصاري ‪ ‬يف السقي من‬

‫‪ .8‬خصص فصال من فصول هذا الكتاب لبيان أسباب اخلالف الفقهي‪.‬‬


‫‪ .7‬ألقي هل حماضرًة يف جامعة امللر سعو يف الر ض بتاريخ ‪ 8431/4/3‬هـ عن احلياة العلمية يف‬
‫األحساء‪ ,‬وع را ألعين تطرق ملسألة وجو املذاهب األربعة فيها‪ ,‬فقد تلقي سؤاال من أحد احلضور عن‬
‫املشاكد اليت رمبا تكون املذاهب األربعة أ َّت إليها‪ ,‬فأجبته أبن املشاكد االجتماعية واالقتصا ية والزراعية‬
‫إذا وقع فإن علماءان يلجؤون إىل املذاهب األربعة؛ حللها وإزالة آاثرها‪ ,‬وضرب مثاال عل ذلر مبسألة‬
‫قسمة املاء املشيك‪ ,‬فكاع هذه اإلجابة مثار رضا احلضور مصحو ستغراِبم‪.‬‬
‫‪ .3‬تشتهر األحساء مبياهها وكثرة بساتينها‪ ,‬وقد كان أكثرها يهلسق من أهنار مشيكة‪.‬‬
‫‪81‬‬
‫راج احلرة‪ ,8‬أما عند املالكية فتقدر مدة السقي لزمن املنضبط‪ ,‬كساعة أو‬
‫ساعتني‪ ,‬أو رب النهار أو عصفه‪ ,‬أو يوِ ويوِ‪.7‬‬
‫وقد أجاب عنها علماء املالكية كالشيخ عيس بن عبدالرمحن بن مطل‬
‫رمحه هللا (‪8891-...‬هـ) والشيخ عبدالعزيز بن مبارك بن غناِ رمحه هللا (‪-...‬‬
‫بعد‪8711‬هـ) وف مذهب املالكية‪.‬‬
‫أما القاضي الشيخ عبدهللا بن حممد العبداللطيف الشافعي رمحه هللا (‪-...‬‬
‫‪8818‬هـ) فقد أفىت فيها بقوله‪" :‬احلمد هلل سبحاعه‪ ,‬ملا استوضحنا هذا احلال‬
‫وإمامها‪,‬‬
‫مذهب إماِ ار ا جرة‪ ,‬عامل املدينة هل‬‫هل‬ ‫وتبيَّـنَّا أمره‪ ,‬وأعه ‪ -‬قوالً واحداً ‪-‬‬
‫وزمامها‪ ,‬وكد فضيلة ا سناء فهو أمامها برتوة‪,‬‬
‫الذي أهللقي إليه مقاليد األحكاِ هل‬
‫كيف وقد آواه هللا تعاىل من العلم إىل قرار مكني بربوة‪ ,‬محدان هللا تعاىل عل‬
‫ذلر‪ ,‬وجعلنا الذريعة بيننا وبينه مالر؛ لنفوز براحة رضوان وععوذ من عصب‬
‫تعني‬
‫تعذرت قسمة هذا املاء عل مذهب اإلماِ الشافعي‪َّ ,‬‬ ‫مالر‪ ,... ,‬وملا َّ‬
‫السلوك يف طريقة ذلر اإلماِ األملعي ‪ -‬يعين اإلماِ مالكاً ‪-‬؛ لكوعه الذي ترتَّب‬
‫هل‬
‫عليه البلد‪ ,‬وجر عليه العمد فتب الوالد فيه الولد‪ ,... ,‬فتعني عل القاضي‬
‫استخالف مالكي يف هذه القضية؛ ليفوز لفعلة املرضية"‪.3‬‬
‫هل‬ ‫الشافعي‬

‫‪ .8‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬


‫(أوالً)‪ ,‬أبن اجتم مجاعة‬ ‫(ملر) املاء َّ‬‫‪ .7‬قال الشيخ الدر ير رمحه هللا يف الشرح الكبري (‪(" :)24/4‬وإ ان) هل‬
‫عل إجرائه أبرض مباحة أو أرضهم املشيكة بينهم‪ ,‬أو عل حفر بئر أو عني فيما ذكر‪( ,‬قهلسم بينهم)‬
‫صد ِبا إلعطاء كد‬ ‫عل حسب أعما م‪( ,‬بقلد أو غريه)‪ ,‬والقلد لكسر الذي عبارة عن اآللة اليت يهلتو َّ‬
‫ذي ح حقَّه من املاء‪ ,‬ومنه الساعات الرملية وغريها"‪.‬‬
‫‪ .3‬فتاو علماء األحساء لألستاذ عبدالعزيز العصفور (‪.)382/7‬‬
‫‪88‬‬
‫ومبضمون هذا اجلواب أجاب الشيخ حممد بن عبدهللا بن فريوز احلنبلي رمحه‬
‫استخالف مالكي‪,‬‬
‫هل‬ ‫هللا (‪8783-8847‬هـ)‪ ,‬فقال‪" :‬يتعني عل القاضي الشافعي‬
‫يقط بني اخلصمني النزاع‪ ,‬وهو قول السا ة احلنابلة بال فاع"‪.8‬‬
‫هذا بعض ما سطَّره لنا اترخينا الناص يف األحساء‪ ,‬أما علماؤان وتعامد‬
‫بعضهم م بعض وتقريرهم ملسائد اخلالف الفقهي‪ ,‬فقد كاعوا قدوات حيةً متشي‬
‫عل األرض‪ ,‬وترسم فيها طريقاً للسائرين ومنهجاً للسالكني‪ ,‬فكثرياً ما كان‬
‫علماؤان ‪ -‬عل اختالف مذاهبهم الفقهية ‪ -‬جيتمعون ويتحاورون ويتباحثون‬
‫ويفيدون ويستفيدون‪ ,‬يف بيئة علمية تفيض بتفهم أسباب اخلالف واحياِ‬
‫املخالف‪ ,‬وقد سلكنا ‪ -‬حبمد هللا طريقهم إىل هذا اليوِ ‪.7-‬‬
‫حرصهم‬ ‫ومن اليبية اليت تلقيناها من علمائنا ‪ -‬جزاهم هللا عنا خري اجلزاء ‪ -‬هل‬
‫يف مراحد تعليمنا املبكرة عل حفظ عصوص عرية حول أ ب اخلالف الفقهي‬
‫واحياِ املخالف‪ ,‬منها قصيدة الشيخ عبدالعزيز بن صاحل العلجي املالكي رمحه‬
‫هللا‪ ,‬ومما قال فيها‪:3‬‬
‫وك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان اتب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعهل املهت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدين هدايـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةً وط ـ ـ ـ ــاعتهلهم يف الن ـ ـ ـ ــام فرض ـ ـ ـ ـ ـاً حمتَّم ـ ـ ـ ــا‬
‫قضـ ـ ا تب ــاع الن ــام م ــن ك ــان أعلم ــا‬ ‫يقـ ـ ـ ـ ـ ــول تعـ ـ ـ ـ ـ ــاىل فاسـ ـ ـ ـ ـ ــألوا أومل تكـ ـ ـ ـ ـ ـ اـن‬
‫م ـ ـ ـ ـ ــن هللا أن يهلقف ـ ـ ـ ـ ـ س ـ ـ ـ ـ ــبيالً ويهللزم ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ومـ ـ ـ ــن قـ ـ ـ ــال واجعلنـ ـ ـ ــا إمام ـ ـ ـ ـاً أمل يهلـ ـ ـ ــر‬

‫‪ .8‬فتاو علماء األحساء لألستاذ عبدالعزيز العصفور (‪.)382/7‬‬


‫‪ .7‬خصص فصالً يف كتايب "حملات من احلياة العلمية يف األحساء" لتوضيح منهج علمائنا األحسائيني‬
‫يف التعامد م اخلالف الفقهي‪ ,‬والكتاب قيد املراجعة‪.‬‬
‫‪ .3‬األبيات املختارة ليس بنف اليتيب يف أصد القصيدة‪.‬‬
‫‪87‬‬
‫املكرمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫ـافعي َّ‬
‫وععماعنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا والشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬ ‫ولك ـ ـ ـ اـن رضـ ـ ـ ــينا مالك ـ ـ ـ ـاً وابـ ـ ـ ــن حنب ـ ـ ــد‬
‫فم ــا اعطمسـ ـوا إال علـ ـ م ــن ب ــه عمـ ـ‬ ‫ـتهارهم‬ ‫أئمـ ـ ـ ـ ـةهل حـ ـ ـ ـ ـ كالش ـ ـ ـ ــموم ا ـ ـ ـ ـ هل‬
‫وإال قياس ـ ـ ـ ـ ـاً صـ ـ ـ ـ ــا ق اجلـ ـ ـ ـ ــد حمكمـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫وه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد مجعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا إال كت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ً وسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنَّةً‬
‫لن ـ ـ ـ ـ ــا س ـ ـ ـ ـ ــبباً م ـ ـ ـ ـ ــا ك ـ ـ ـ ـ ــان أن يتص ـ ـ ـ ـ ـ َّـرما‬ ‫وإمج ـ ـ ــاع أص ـ ـ ــحاب الن ـ ـ ــيب كفـ ـ ـ ـ ِب ـ ـ ـ اـم‬
‫ـاجهم ـ ـ ـ ــا‬ ‫وإن هبطـ ـ ـ ـ ـوا حل ـ ـ ـ ــداً فمنه ـ ـ ـ ـ هل‬ ‫ـريهتم حيـ ـ ـ ـ ـ ا‬‫ـتم م ـ ـ ـ ــاتوا فس ـ ـ ـ ـ هل‬ ‫ف ـ ـ ـ ــإن قل ـ ـ ـ ـ هل‬
‫ع ـ ـ ــر هنجه ـ ـ ــم للخ ـ ـ ــري أه ـ ـ ــد وألزم ـ ـ ــا‬ ‫ه ـ ـ ـ ـ ــم اخل ـ ـ ـ ـ ــريهل أحي ـ ـ ـ ـ ــاءً وبع ـ ـ ـ ـ ــد مم ـ ـ ـ ـ ــاهتم‬
‫فأض ـ ــح ع ـ ــن اجلهلَّه ـ ــال ممتنـ ـ ـ احلمـ ـ ـ‬ ‫حوطـ ـ ـ ـوا الش ـ ـ ــرع الشـ ـ ـ ـريف بفض ـ ـ ــلهم‬
‫وه ـ ـ ــم َّ‬
‫‪8‬‬
‫رآه ـ ـ ـ ـ ـ اـم لي ـ ـ ـ ـ ــواثً خ ـ ـ ـ ـ ــا رين فأحجم ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫وكـ ـ ـ ــم قاصـ ـ ـ ــد للـ ـ ـ ــدين يبغـ ـ ـ ــي فسـ ـ ـ ــا ه‬
‫ومنها التخميسان املشهوران للقاضي الشيخ عبدهللا بن علي العبدالقا ر‬
‫الشافعي األحسائي رمحه هللا (‪8344-8721‬هـ)‪ ,‬قال يف أو ما‪:‬‬
‫ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبلَّج كالص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــباح إذا ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدا بع ـ ـ ـ ـ ـ ــث اإلل ـ ـ ـ ـ ـ ــه ب ـ ـ ـ ـ ـ ــه الن ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫ـيب حمم ـ ـ ـ ـ ـ ــدا‬
‫َّ‬
‫إن املـ ـ ـ ـ ـ ــذاهب كاملناهـ ـ ـ ـ ـ ــد يف ا ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬ ‫مـ ـ ـ ـ ـ ــا زال ي هـ ـ ـ ـ ـ ــر يف ـ ـ ـ ـ ـ ــوِ االقتـ ـ ـ ـ ـ ــدا‬
‫مثد الوار ال مآن‬ ‫واملرء هل‬
‫ـبحي مبن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزل مـ ـ ـ ـ ـ ــا كـ ـ ـ ـ ـ ــان عنـ ـ ـ ـ ـ ــه التاليـ ـ ـ ـ ـ ــان مبعـ ـ ـ ـ ـ ــزل‬
‫ـاهن ام واألص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ‬
‫ععم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هل‬
‫أبول منه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫هم جتـ ـ ـ ـ ـ ــري كعـ ـ ـ ـ ـ ــذب سلسـ ـ ـ ـ ـ ــد وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنف هل إ ان رويـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ا َّ‬
‫ـار ا‬
‫أهنـ ـ ـ ـ ـ ـ هل‬
‫غري ا بال هلكره لشرب الثاين‬
‫وقال يف اثعيهما‪:‬‬
‫خـ ــذ مـ ــا تشـ ــاء فسـ ــوف أت املقصـ ــدا‬ ‫سـ ـ ـ ـ ـ ــالكاً وجـ ـ ـ ـ ـ ــد الطري ـ ـ ـ ـ ـ ـ تعـ ـ ـ ـ ـ ــد ا‬

‫‪ .8‬عرض قصيدة الشيخ العلجي رمحه هللا يف الفصد السا م‪.‬‬


‫‪83‬‬
‫َّ‬
‫إن املـ ـ ـ ـ ـ ــذاهب كاملناهـ ـ ـ ـ ـ ــد يف ا ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬ ‫واح ـ ـ ـ ـ ـ ــذر وقوف ـ ـ ـ ـ ـ ــر ح ـ ـ ـ ـ ـ ــريًة وت ـ ـ ـ ـ ـ ــر ا‬
‫مثد الوار ال مآن‬ ‫واملرء هل‬
‫فـ ـ ـ ــإذا وصـ ـ ـ ــل إىل احلم ـ ـ ـ ـ يف منـ ـ ـ ــزل ال ألفينَّـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـواه مبع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزل‬
‫أبول منه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫احلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـر ال يبق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ رهينـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة َّأول وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنف هل إ ان رويـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ا َّ‬
‫غري ا بال هلكره لشرب الثاين‬
‫الزبد يف الفقه الشافعي للشيخ أمحد بن رسالن‬ ‫ومنها أبيات من منت صفوة ُّ‬
‫رمحه هللا (‪144-223‬هـ)‪ ,‬ومما قال فيها‪:‬‬
‫ـفيان‬
‫ـان وأمحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن حنبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هل‬
‫والشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــافعي ومال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ععم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هل‬
‫وغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريهم م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائر األئمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اة عل ـ ـ ـ ـ ـ ـ هـ ـ ـ ـ ـ ــد ً واالخـ ـ ـ ـ ـ ــتالف رمح ـ ـ ـ ـ ـ ـ اة‬
‫لقد كاع أ ِ الطلب حب أ ما عامرة لفوائد والفرائد‪ ,‬واليبية والتعليم‪,‬‬
‫كما قال اإلماِ ِباء الدين ابن النحام احلليب رمحه هللا (‪391-372‬هـ)‪:‬‬
‫اليـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيء وغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداً مثلهلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه مـ ـ ـ ـ ـ ــن ـ ـ ـ ـ ـ ــب العلـ ـ ـ ـ ـ ــم الـ ـ ـ ـ ـ ــيت تهللـ ـ ـ ـ ـ ــتقط‬
‫‪8‬‬
‫وإمن ـ ـ ـ ـ ـ ــا الس ـ ـ ـ ـ ـ ــيد اجتم ـ ـ ـ ـ ـ ــاعهل ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنُّقط‬
‫هلحيص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد امل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرء ِب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا حكمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةً‬
‫وم التعليم واليبية‪ ,‬كاع أ ِ الطلب ممزوجة للذة واملتعة والبهجة‪ ,‬ويبدو‬
‫أن تلر املتعة اليت عشناها واللذة اليت ذقناها والبهجة اليت وجدانها‪ ,‬أ ركها‬
‫مشاخينا قبلنا‪ ,‬فقد ذكر يل أستاذان الشيخ أمحد الدوغان رمحه هللا أبعه ملا طلب‬
‫العلم عل يخه جدي الشيخ حممد رمحه هللا وجد للعلم لذ ًة ال مثيد ا‪ ,‬وأعه‬
‫أتسف عل فقدها ملا اضطر للسفر إىل ا ند يف حتصيد الرزق‪.‬‬

‫‪ .8‬بغية الوعاة يف طبقات اللغويني والنحاة لإلماِ جالل الدين السيوطي (‪.)84/8‬‬
‫‪84‬‬
‫ولكن‪ ,,,‬آراء غريبة‬
‫ولكننا ‪ -‬يف تلر البيئة العلمية واليبوية ‪ -‬كاع تصر آذاعنا وتكدر‬
‫خواطران آراء وفتاو غريبة‪ ,‬تصدر من حني آلخر‪ ,‬منها ما يتعل بنقد املنهج‬
‫الفقهي الذي عسري عليه‪ ,‬ومنها ما يتعل مبفر ات املسائد اليت ععتقد صحتها ‪-‬‬
‫حسب مذاهبنا الفقهية ‪.-‬‬
‫عبذ املذاهب الفقهية‬
‫‪ .8‬فمن النوع األول الذي يتعارض م منهجنا الفقهي هل‬
‫وحترمي تقليدها‪ ,‬ومن األمثلة عل ذلر أن الشيخ حممد انصر الدين األلباين عفا‬
‫هللا عنه (‪8471-8333‬هـ) سئد عن لزومية اتباع الشاب املتعلم مذهبا؛ "حىت‬
‫َّ‬
‫ويشتد عوهله‪ ,8‬فيميز اخلبيث‪ 7‬من الطيب"‪.‬‬ ‫علمه‬
‫يغزر هل‬
‫فقال الشيخ األلباين‪" :‬األمر خيتلف ختالف اجملتم الذي يعيش فيه هذا‬
‫الشاب‪ ,‬فإن كان يعيش يف جمتم مذهيب‪ ,‬ال يعرفون الكتاب والسنة‪ ,... ,‬ال‬
‫يعرفون سو أن يتمذهب أحدهم حىت لو وصد مرتبة الدكتوراه‪ ,... ,‬فمن كان‬
‫بد من أن تكون راسته مذهبية‪ ,... ,‬وعقيح عل من‬ ‫يف مثد هذا اجملتم فال َّ‬
‫ابتلي‪ 3‬من الشباب مبثد هذا اجملتم الذي ال يساعده إال عل هذه الدراسة‬
‫املذهبية أن يض عصب عينيه أن ال يعتقد أن هذه الدراسة تساوي قال هللا‪ ,‬قال‬

‫‪ .8‬العجيب أن الذي كان يطرح األسئلة عل الشيخ األلباين قرأ السؤال كما يلي‪" :‬حىت يغزر علمه‬
‫ويشتد عو ه"‪ ,‬وأتب سؤاله بضحكات‪ ,‬فيا سبحان هللا‪ ,‬لقد مج يف عبارته القصرية ثالث أخطاء حنوية‪,‬‬ ‫ُّ‬
‫فأجد ار به أن يدرم منت األجرومية يف النحو قبد اخلوض يف مسائد االجتها ‪ ,‬وإال فأي مقدرة لديه عل‬
‫االجتها إذا كان ال يقيم لساعه؟! وقد ا يط األصوليون لالجتها الشرعي التمكن يف علوِ اللغة العربية‪.‬‬
‫‪ .7‬هد جيوز وصف أقوال الفقهاء ‪ -‬مهما بلغ خطؤها ‪ -‬خلبث؟!‬
‫‪ .3‬البيئة املذهبية بالء عند الشيخ األلباين‪.‬‬
‫‪85‬‬
‫خاصتهله علماؤه ال يتبعون‬
‫رسول هللا‪ ,... ,‬أما من كان يعيش يف جمتم ‪َّ ,... ,‬‬
‫مذهبا معينا‪ ,‬إمنا يتبعون الكتاب والسنة سواء كان م زيد أو بكر من األئمة‪,‬‬
‫فينبغي أن يكون ‪ -‬واحلالة هذه ‪ -‬راسة هذا الشاب من كتب غري مذهبية‪ ,‬وهي‬
‫‪ -‬م كوهنا قليلة ‪ -‬فهي تفتح له أبواب الفقه والفهم من الكتاب والسنة‪ ,‬ولكنه‬
‫‪ -‬بال ر ‪ -‬سيفوته الشيء الكثري من العلم؛ لقلة املصا ر اليت تساعده عل‬
‫هذه النوعية من الدراسة الفقهية‪ ,‬إال أعه سيجد هناك يف كتب يخ اإلسالِ ابن‬
‫تيمية وتلميذه البار ابن قيم اجلوزية ما يوس جمال أفقه‪ ,‬وجيعله واثقا يف أن يتعرف‬
‫‪ -‬ولو م الزمن ‪ -‬عل املسائد مستنبطةً من الكتاب والسنة‪ ,... ,‬إذن اجلواب‬
‫اآلن وضح أعه خيتلف من جمتم إىل آخر‪ ,‬ويشيط يف اجملتم األول الذي يعيش‬
‫فيه ذلر الشاب أن جيعد راسته املذهبية وسيلة ولي غاية‪ ,‬إذاً فالغاية هو أن‬
‫يصد ‪ ...‬إىل أن يتفقه عل الكتاب والسنة"‪.8‬‬
‫إن كالِ الشيخ األلباين واضح يف اللته عل اعتقا ه أبن اجملتمعات اليت‬
‫تسري عل املنهج الفقهي املذهيب ال تفقه الكتاب والسنة‪ ,‬وأهنا بالء منتشر يف‬
‫األمة اإلسالمية يف هذا العصر‪ ,‬وم هذه القناعة اخلطرية فقد وصد الشيخ األلباين‬
‫إىل قناعة خطرية أخر ‪ ,‬مفا هلها أن اجتها اته املبنية عل الكتاب والسنة مجع‬
‫احل الذي ال يوجد جمتمعاً يف املذاهب الفقهية‪.7‬‬

‫‪ .8‬سلسلة ا د والنور لأللباين‪ ,‬الشريط رقم (‪.)582‬‬


‫‪ .7‬عرض يف الفصد الراب أرب عشرة مسألة‪ ,‬حكم فيها األلباين أبن رأيه فيها هو احل ‪ ,‬وبعد ذلر‬
‫انقشته يف مسألة واحدة منها‪ ,‬وهي مسألة اجلهر لبسملة يف الصالة اجلهرية‪.‬‬
‫‪83‬‬
‫ومما يؤكد هذه النتيجة اخلطرية قوله عفا هللا عنه عن كتابه "صفة صالة النيب‬
‫‪" :"‬وملا كان موضوع الكتاب إمنا هو بيان هدي النيب ‪ ‬يف الصالة‪ ,‬كان من‬
‫البدهي أن ال أتقيد فيه مبذهب معني؛ للسبب الذي مَّر ذكره‪ ,‬وإمنا أهلور فيه ما‬
‫ثب عنه ‪ ‬كما هو مذهب احملدثني قدَيا وحديثا‪ ,... ,‬ولذلر فإن الكتاب‬
‫سيكون إن اء هللا تعاىل جامعا لشتات ما تفرق يف بطون كتب احلديث والفقه‬
‫عل اختالف املذاهب مما له عالقة مبوضوعه‪ ,‬بينما ال جيم ما فيه من احل أي‬
‫كتاب أو مذهب‪ ,‬وسيكون العامد به إن اء هللا ممن قد هداه هللا "ملا اختلفوا‬
‫فيه من احل إبذعه وهللا يهدي من يشاء إىل صراط مستقيم""‪.8‬‬
‫و عو الشيخ األلباين أبن كتابه مج احل بيه بدعو الشيخ أيب بكر‬
‫جابر اجلزائري عفا هللا عنه‪ ,‬حيث قال عن كتابه "احلج املبور"‪" :‬وإن كان لكد‬
‫كتاب ميزة‪ ,‬فميزة كتاِبم هذا هي أعه مج من كد مذهب أحسنه‪ ,‬ومن كد قول‬
‫أصدقه‪ ,‬فكان بذلر جامعا لألمة ومذاهبها‪ ,‬قاضيا عل الفرقة الدينية وأسباِبا‪,‬‬
‫ممثال للحقيقة والصواب‪ ,‬جامعا دي السنة والكتاب"‪.7‬‬
‫و عو الشيخ اجلزائري أبن كتابه مج أحسن املذاهب وأصدق األقوال‬
‫بيه بدعو السيد ساب عفا هللا عنه (‪8471-...‬هـ) أبن كتابه "فقه السنة"‬
‫جيم النام عل الكتاب والسنة‪ ,‬ويرسم م الصورة الصحيحة للفقه اإلسالمي‪,‬‬

‫‪ .8‬صفة صالة النيب ‪ ‬لأللباين (‪.)43‬‬


‫‪ .7‬احلج املبور للجزائري (‪ ,)5‬والعجيب أن اجلزائري قرر يف كتابه هذا (‪ )53‬جواز أعواع النسر الثالثة‪:‬‬
‫اإلفرا والتمت والقران‪ ,‬بينما ير األلباين وجوب التمت ملن مل يس ا دي‪ ,‬اع ر كتابه حجة النيب ‪ ‬كما‬
‫رواها عنه جابر ‪ ,)81( ‬فتأمد!‬
‫‪82‬‬
‫فقال‪" :‬والكتاب يف جملداته جمتمعة يعطي صورة صحيحة للفقه اإلسالمي الذي‬
‫بعث هللا به حممدا ‪ ,‬ويفتح للنام ب الفهم عن هللا ورسوله‪ ,‬وجيمعهم عل‬
‫الكتاب والسنة‪ ,‬ويقضي عل اخلالف وبدعة التعصب للمذاهب‪ ,‬كما يقضي‬
‫عل اخلرافة القائلة أبن ب االجتها قد هلسدَّ"‪.8‬‬
‫ومن اآلراء الغريبة اليت تصطدِ مبنهجنا الفقهي املذهيب عو اقيان املذهبية‬
‫الفقهية جلمو والتعصب والفرقة والتخلف‪ ,‬ومن أبرز األ لة عل هذا قول‬
‫السيد ساب عفا هللا عنه‪" :‬إال أن النام بعدهم‪ 7‬فيت مهمهم‪ ,‬وضعف‬
‫عزائمهم‪ ,3‬وحترك فيهم غريزة احملاكاة والتقليد‪ ,4‬فاكتف كد مجاعة منهم مبذهب‬

‫‪ .8‬فقه السنة للسيد ساب (‪.)5/8‬‬


‫‪ .7‬أي األئمة األربعة‪.‬‬
‫‪ .3‬ينبغي أن يهلعلم أبن موسوعات تفاسري القرآن و روح احلديث والفقه واألصول واللغة إمنا خرج عل‬
‫أيدي أولئر الذين يزعم السيد ساب أبن مهمهم قد فيت‪ ,‬وأن عزائمهم قد ضعف ‪.‬‬
‫‪ .4‬هذا اال عاء من السيد ساب ليد واضح عل أعه مل يطل عل موسوعات الفقه املذهيب‪ ,‬وإال أل رك‬
‫حجم احلركة االجتها ية ضمن املذهب الواحد‪ ,‬واستم ا إىل ها ة خبري بكتب الياث الفقهي‪ ,‬أال وهو‬
‫الشيخ الدكتور عبدالع يم الديب رمحه هللا‪ ,‬يقول يف مقدمة حتقي كتاب "هناية املطلب يف راية املذهب"‬
‫إلماِ احلرمني اجلويين رمحه هللا (‪" :)73-77‬إن هذا البحث ‪ -‬عل تواضعه ‪ -‬قد أاتح لنا االتصال‬
‫أكد يل صدق ما كن ‪ -‬وما زل ‪-‬‬ ‫بتلر الثروة الفقهية النا رة‪ ,‬واالطالع عل ذخائرها وكنوزها‪ ,‬و َّ‬
‫أر ه ائما من أعنا مل ععرف من اترخينا إال ما أهلريد لنا أن ععرف‪ ,‬ومل عر من تراثنا إال ما أريد لنا أن عر ‪,‬‬
‫ويوِ أن تتاح الفرصة ملعرفة اترخينا كامال‪ ,‬و راسة تراثنا كامال‪ ,‬يومها سنر أية أمة هذه اليت قا ت العامل‬
‫أكثر من ألف عاِ‪ ,‬وأية ريعة هذه اليت أضاءت الدعيا‪ ,‬وبد ت جريها" اعته ‪ ,‬فقارعه ِبذا احلكم‬
‫اجلائر من السيد ساب عفا هللا عنه‪ ,‬وقد عرض يف الفصد الثالث مناذج من َيومة اجتها علماء‬
‫املذهب الواحد‪.‬‬
‫‪81‬‬
‫معني ين ر فيه‪ ,‬ويعول عليه‪ ,‬ويتعصب له‪ ,8‬ويبذل كد ما أو من قوة يف‬
‫عصرته‪ ,7‬وينزل قول إمامه منزلة قول الشارع‪ ,‬وال يستجيز لنفسه أن يفيت يف مسألة‬
‫مبا خيالف ما استنبط إمامه‪ ,‬وقد بلغ الغلو يف الثقة ِبؤالء األئمة حىت قال‬
‫الكرخي‪" :‬كد آية أو حديث خيالف ما عليه أصحابنا فهو مؤول أو منسوخ"‪,3‬‬
‫و لتقليد والتعصب للمذاهب فقدت األمة ا داية لكتاب والسنة‪ ,4‬وحدث‬
‫القول عسدا ب االجتها ‪ ,... ,‬و لعكوف عل التقليد‪ ,‬وفقد ا داية‬
‫لكتاب والسنة‪ ,‬والقول عسدا ب االجتها ‪ ,‬وقع األمة يف ر بالء‪,‬‬
‫و خل يف جحر الضب الذي حذرها رسول هللا ‪ ‬منه‪ ,... ,5‬وكان من آاثر‬

‫‪ .8‬التعصب ال مذهب له‪ ,‬وقد انقش قضية التعصب املذهيب يف الفصد الثالث‪.‬‬
‫‪ .7‬عرض يف الفصد الثالث مناذج من استدراك علماء املذهب الفقهي عل أخطاء من سبقهم من‬
‫علماء مذهبهم‪.‬‬
‫‪ . 3‬املعىن الصحيح ذه العبارة هو ما قرره الدكتور عبدالع يم الديب رمحه هللا ‪ -‬يف مقدمة حتقي كتاب‬
‫"هناية املطلب" للجويين رمحه هللا (‪ - )98‬بقوله‪" :‬ما كان لنا ولشيوخنا أن الف أمر هللا‪ ,‬فنيك اآلية أو‬
‫ترجح عندان صرفه عن ظاهره بدليد‪ ,‬أو أتكد‬ ‫احلديث إىل الرأي‪ ,‬فإذا وجدت يئا من هذا فاعلم أعه َّ‬
‫عندان أعه منسوخ‪ ,‬أو أن احلديث مل يصح‪ ,‬ومعاذ هللا أن عيك اآلية واحلديث لرأينا"‪ ,‬وما قرره الشيخ وهيب‬
‫سليمان غاوجي رمحه هللا ‪ -‬يف كتابه "سهاِ طائشة عن الفقه (‪ - )58‬بقوله‪" :‬األمر أن الرجد لتبحره يف‬
‫العلم ير أن مذهبه قائم عل النصوص‪ ,‬موث أل لة‪ ,‬حبيث إن ما خالفها من النصوص فهو منسوخ أو‬
‫معل بقيد أو مؤول مبعىن"‪ ,‬وارج إىل كتب الياجم لتعرف سرية اإلماِ أيب احلسن الكرخي احلنفي العابد‬
‫الزاهد الصواِ القواِ مستجاب الدعوة‪.‬‬
‫‪ .4‬عو عريضة‪ ,‬فإن اختالف املذاهب ما عشأ أساسا إال بناء عل االختالف يف فهم عصوص الكتاب‬
‫والسنة‪.‬‬
‫‪ . 5‬أخش أن يكون قصد الشيخ أن تقليد املذاهب األربعة بيه ختاذ النصار أحبارهم ورهباهنم أر‬
‫بن هذه الدعو ‪ ,‬فقد ا عاها قبله اإلماِ الشوكاين عفا هللا عنه‪ ,‬فقد قال يف كتابه‬
‫من ون هللا‪ ,‬وال تستغر َّ‬
‫‪89‬‬
‫ذلر أن اختلف امللة يعا وأحزا ‪ ,‬حىت إهنم اختلفوا يف حكم تزوج احلنفية‬
‫لشافعي‪ ,... ,‬كما كان من آاثر ذلر اعتشار البدع‪ ,‬واختفاء معامل السنن‪,‬‬
‫ومخو احلركة العقلية‪ ,‬ووقف النشاط الفكري‪ ,‬وضياع االستقالل العلمي‪ ,‬األمر‬
‫الذي أ إىل ضعف خصية األمة‪ ,‬وأفقدها احلياة املنتجة‪ ,‬وقعد ِبا عن السري‬
‫والنهوض‪ ,‬ووجد الدخالء بذلر ثغرات ينفذون منها إىل صميم اإلسالِ‪,... ,‬‬
‫وأخريا اعته األمر لتشري اإلسالمي الذي ع َّم هللا به حياة النام مجيعا‪ ,‬وجعله‬
‫سالحا ملعا هم ومعا هم‪ ,‬إىل ركة مل يسب ا مثيد‪ ,‬وعزل إىل هوة سحيقة‪,‬‬
‫وأصبح اال تغال به مفسدة للعقد والقلب‪ ,‬ومضيعة للزمن‪ ,‬ال يفيد يف ين هللا‪,‬‬
‫وال ين م حياة النام"‪.8‬‬
‫إن من يقرأ متهيد السيد ساب عفا هللا عنه لكتابه املتضمن عواه اجلريئة‬
‫القيان تقليد املذاهب الفقهية األربعة بفقدان األمة اإلسالمية ا داية لكتاب‬
‫والسنة‪ ,‬ووقوعها يف ر التفرق والتحزب‪ ,‬وتوقف حركة النشاط الفكري‪ ,‬وضعف‬
‫خصية األمة اإلسالمية‪ ,‬ليكا ي ن أن املذاهب الفقهية األربعة عبارة عن قو‬

‫"القول املفيد يف أ لة االجتها والتقليد" (‪" :)51‬فال حيَّا هللا هؤالء املقلدة الذين أجلأوا األئمة األربعة إىل‬
‫التصريح بتقدمي أقوال هللا ورسوله عل أقوا م؛ ملا اهدوه عليهم من الغلو املشابه لغلو اليهو والنصار‬
‫يف أحبارهم ورهباهنم‪ ,... ,‬وكأن هذه الشريعة اليت بني أظهران صارت منسوخة‪ ,‬والناسخ ا ما ابتدعوه‬
‫من التقليد يف ين هللا‪ ,‬فال يعمد النام بشيء مما يف الكتاب والسنة‪ ,‬بد ال ريعة م إال ما قدرته يف‬
‫املذاهب‪ ,... ,‬هذا حاصد قو م ومفا ه‪ ,... ,‬فعدلوا عن هذه العبارة الكفرية واملقالة اجلاهلية إىل ما‬
‫يالقيها يف املرا ‪ ,‬ويوافقها يف املفا "‪ ,‬ومن علمائنا األحسائيني الذين رُّوا عل الشوكاين الشيخ حسني بن‬
‫أمحد الدوسري الشافعي يف كتابه "القول السديد والبهان املبيد لقولر املفيد وحرمة االجتها عل‬
‫القاصرين ووجوب التقليد"‪ ,‬بتحقي أخينا الشيخ فيصد اخلطيب‪.‬‬
‫‪ .8‬فقه السنة للسيد ساب (‪.)88/8‬‬
‫‪71‬‬
‫ماسوعية صهيوعية صليبية استعمارية‪ ,‬مزق جسد األمة اإلسالمية‪ ,‬وألق ِبا يف‬
‫مهاوي الضياع ومهامه التيه‪ ,‬وأعه جاء بكتابه لينقذ املسلمني من هذا الواق ‪.8‬‬
‫ومن اآلراء املتعارضة م منهجنا الفقهي عو اقيان املذهبية الفقهية‬
‫بتعطيد العقد‪ ,‬واحلرمان من احلكمة‪ ,‬والرزء يف الدين‪ ,‬ومن األمثلة عل ذلر قول‬
‫الشيخ حممد ر يد رضا عفا هللا عنه (‪8354-8717‬هـ)‪" :‬ومن هلرزئ لتقليد‬
‫كان حمروماً من مثرة العقد‪ ,‬وهي احلكمة‪ ,‬وحمروماً من اخلري الكثري الذي أوجبه هللا‬
‫لصاحب احلكمة‪ ,... ,‬فيكون كالكرة‪ ,‬تتقاذفه وسوسة ياطني اجلن وجهالة‬
‫ياطني اإلع ‪ ,‬يتوهم أعه قد يستغين بعقول النام عن عقله‪ ,‬وبفقه النام عن‬
‫فقه القرآن"‪ ,7‬وقوله‪" :‬االختالف هو أثر طبيعي للتقليد واالعتصار للرؤساء الذين‬
‫ُّاختذوا أعدا اً‪ ,... ,‬إذ لوال التقليد لسهد عل األمة أن تهلرج يف كد عصر أقوال‬
‫اجملتهدين واملستنبطني إىل قول واحد‪ ,‬يعرضه عل كتاب هللا وسنة رسوله"‪.3‬‬
‫ومن اآلراء املتعارضة م منهجنا الفقهي املذهيب مساواة التمذهب الفقهي‬
‫لتعصب املذهيب‪ ,‬ومن األمثلة عل ذلر قول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي‬
‫حف ه هللا ‪ -‬وهو يبني منهجه يف الفتو ‪" :-‬بعد أن عرضنا ألهم املزال اليت تزل‬

‫السبب يف ختلف املسلمني وأتخرهم التمذهب ملذاهب الفقهية األربعة‪ ,‬ولكنه االستبدا‬
‫هل‬ ‫‪ .8‬لي‬
‫السياسي‪ ,‬وال لم االجتماعي‪ ,‬والتحكم لثروات‪ ,‬واستفحال الشهوات‪ ,‬وحب الدعيا‪ ,‬وكراهية املوت‪,‬‬
‫وعدِ اخلوف من هللا‪ ,‬ولو كان السبب يكمن يف املذهبية الفقهية ملا امتدت حدو اخلالفة العباسية‬
‫والعثماعية إىل أقص الشرق والغرب‪.‬‬
‫‪ .7‬تفسري املنار (‪.)23/3‬‬
‫‪ .3‬تفسري املنار (‪ ,)811/7‬وكالِ الشيخ واضح يف تومهه إمكان مج اجملتهدين يف مذهب واحد‪ ,‬األمر‬
‫يتسن للصحابة الكراِ‪.‬‬
‫الذي مل َّ‬
‫‪78‬‬
‫فيها أقداِ الذين يتصدون للفتو يف هذا العصر‪ ,... ,‬حيسن بنا أن ععرض هنا‬
‫ملنهج عملي معاصر‪ ,... ,‬وهذا املنهج هو ما اخيته لنفسي‪ ,... ,‬وهذا املنهج‬
‫يقوِ عل مجلة من األس ‪َّ ,... ,‬أوالً‪ :‬التحرر من العصبية املذهبية والتقليد‬
‫األعم لزيد أو عمرو من املتقدمني أو املتأخرين‪ ,‬فقد قيد‪ :‬ال يقلد إال عصيب أو‬
‫غيب‪ ,‬وأان ال أرض لنفسي واحدا من الوصفني‪ ,‬هذا هو التوقري الكامد ألئمتنا‬
‫وفقهائنا‪ ,‬فعدِ تقليدهم لي حطا من أهنم‪ ,... ,‬كما أن عدِ تقليدهم ال يعين‬
‫اإلعراض عن فقههم وتراثهم‪ ,‬بد ينبغي الرجوع إليه واالستفا ة منه مبختلف‬
‫مدارسه‪ ,‬ون حتيز وال تعصب"‪.8‬‬
‫إن كالِ الشيخ القرضاوي يتضمن وصف املقلد لعصبية أو الغباء‪ ,‬ويعطفه‬
‫عل العصبية املذهبية والتقليد األعم ‪ ,‬وهذان الوصفان ‪ -‬من وجهة ع ري ‪ -‬ال‬
‫ينطبقان إال عل من َيلر أ وات اليجيح‪ ,‬واتضح لديه ضعف أ لة مذهبه يف‬
‫أصر عل التمسر مبذهبه فيها‪ ,‬فهذا الذي يصح أن‬ ‫مسألة ما‪ ,‬وم ذلر َّ‬
‫يوصف لعصبية املذهبية‪ ,‬أما من مل َيلر تلر األ وات‪ ,‬وبقي عل تقليد مذهبه‬
‫فإعه ال يوصف لعصبية‪ ,‬وال يوصف لغباء أيضا‪ ,‬فقد يكون من أذك‬
‫األذكياء‪ ,‬ولكنه منصرف عن ز ة التحصيد الفقهي؛ ألي سبب من األسباب‪,‬‬
‫ولو أتيح له ال روف لرمبا كان إماما من األئمة‪.‬‬
‫مث إن احملققني من فقهاء املذاهب الفقهية األربعة متفقون عل جواز اخلروج‬
‫من املذهب الفقهي إىل مذهب فقهي آخر يف مسألة ما إذا اتضح لعامل جمتهد‬
‫رجحان تلر املسألة حسب ذلر املذهب‪ ,‬أو كاع احلاجة اعية لذلر‪,‬‬

‫‪ .8‬الفتو بني االعضباط والتسيب للقرضاوي (‪.)812‬‬


‫‪77‬‬
‫وا يطوا لذلر روطا صحيحة‪ ,‬منها اجتناب كد من‪ :‬التلفي وتتب الرخص‬
‫والتقاط زالت الفقهاء‪.8‬‬
‫ولو أن الشيخ القرضاوي زا كالمه بياانً ‪ -‬حسب ما ذكران ‪ -‬لكان كالمه‬
‫سديدا‪ ,‬وملا كان لالعياض عليه وجه‪ ,‬أما كالمه اجملمد ففيه من اإل كاالت ما‬
‫يعسر قبوله‪.‬‬
‫إن تلر اآلراء الغريبة كاع تثري عندان إ كاالت كثرية‪ ,‬فقد استقر عندان‬
‫يف بيئتنا الفقهية املذهبية أن املسلم جيوز له التمذهب أبي مذهب من املذاهب‬
‫الفقهية األربعة‪ ,‬وجيوز له أيضا أن ال يتقيد أبي مذهب فقهي بشرط أن يسأل‬
‫العلماء قبد إقدامه عل فعد ما جيهد حكمه الشرعي‪ ,‬فإذا أرا التمذهب فيجب‬
‫عليه أن خيتار مذهبا من بني املذاهب األربعة؛ ألهنا مذاهب حمررة منقحة‪ ,‬توار‬
‫عل هتذيبها وتصحيحها آالف العلماء اجلامعني بني علوِ القرآن والسنة والفقه‬
‫واألصول واللغة‪.‬‬
‫فقد قال اإلماِ اإلسنوي رمحه هللا (‪227-214‬هـ)‪" :‬قال ‪ -‬أي إماِ‬
‫احلرمني ‪ :-‬أمج احملققون عل أن العواِ لي م أن يتعلقوا مبذهب أعيان‬
‫الصحابة ‪ ,‬بد عليهم أن يتبعوا مذاهب األئمة الذين سبوا فن روا‪ ,‬وبوبوا‬
‫األبواب‪ ,‬وذكروا أوضاع املسائد‪ ,‬ومجعوها وهذبوها وثبتوها‪ ,‬وذكر ابن الصالح‬
‫أيضا ما حاصله أعه يتعني اآلن تقليد األئمة األربعة ون غريهم‪ ,‬قال‪ :‬ألهنا قد‬

‫‪ .88‬انقش ضوابط االستفا ة من الثروة الفقهية يف الفصد اخلام ‪.‬‬


‫‪73‬‬
‫اعتشرت‪ ,‬وعلم تقييد مطلقها وختصيص عامها و روط فروعها‪ ,‬خبالف مذهب‬
‫غريهم رضي هللا عنهم أمجعني"‪.8‬‬
‫وقال اإلماِ الزركشي رمحه هللا (‪294-245‬هـ)‪" :‬وقد وق االتفاق بني‬
‫املسلمني عل أن احل منحصر يف هذه املذاهب‪ ,‬وحينئذ فال جيوز العمد بغريها‪,‬‬
‫فال جيوز أن يق االجتها إال فيها"‪ ,7‬وقال أيضا‪" :‬هد جيب عل العامي التزاِ‬
‫معني يف كد واقعة؟ فيه وجهان‪ :‬قال إلكيا‪ :‬يلزمه‪ ,‬وقال ابن برهان‪ :‬ال‪,‬‬‫تقليد َّ‬
‫وتوسط ابن املنري فقال‪:‬‬ ‫ورجحه النووي يف "أوائد القضاء"‪ ,‬وهو الصحيح‪َّ ,... ,‬‬
‫الدليد يقتضي التزاِ مذهب معني بعد األئمة األربعة ال قبلهم‪ ,‬والفرق أن النام‬
‫كاعوا قبد األئمة األربعة مل يدوعوا مذاهبهم‪ ,‬وال كثرت الوقائ عليهم‪ ,‬حىت عرف‬
‫مذهب كد واحد منهم يف كد الوقائ أو يف أكثرها"‪.3‬‬
‫وقال الشيخ إبراهيم اللَّقاين رمحه هللا (‪8148-...‬هـ)‪:‬‬
‫ـائر األئمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ك ـ ـ ـ ـ ــذا أب ـ ـ ـ ـ ــو القاس ـ ـ ـ ـ ـ اـم ه ـ ـ ـ ـ ــداةهل األم ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫ومالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر وسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هل‬
‫‪4‬‬
‫ـوِ بلفـ ـ ـ ــظ يهلفهـ ـ ـ ـ هلـم‬
‫ـنهم كـ ـ ـ ــذا حك ـ ـ ـ ـ القـ ـ ـ ـ هل‬
‫فواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب تقلي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـد ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـب م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هل‬
‫لقد كان منهجنا الفقهي املذهيب يتعرض جوِ رم من مدرستني‪:‬‬
‫املدرسة السلفية واملدرسة العقالعية أو اإلصالحية‪ ,‬وكان من علمائنا الكبار الذين‬
‫عاصروا عشاط هاتني املدرستني يخ مشاخينا الشيخ عبدالعزيز العلجي رمحه هللا‪,‬‬

‫‪ .8‬التمهيد لإلسنوي (‪ ,)572‬واع ر هناية السول له (‪.)337/7‬‬


‫‪ .7‬البحر احمليط للزركشي (‪.)747/1‬‬
‫‪ .3‬البحر احمليط للزركشي (‪.)323/1‬‬
‫‪ .4‬من ومة جوهرة التوحيد للقاين‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫وكاع له م كلتا املدرستني صوالت وجوالت‪ ,8‬وقد أجا وصفهما عندما كان‬
‫احلديث أي يف روسه عن السيد صدي حسن خان القنُّوجي‪ -‬كممثد للمدرسة‬
‫السلفية ‪ -‬والشيخ حممد ر يد رضا ‪ -‬كممثد للمدرسة العقالعية أو اإلصالحية ‪-‬‬
‫بقوله عنهما وعن مدرستيهما‪" :‬إن األول ‪ -‬يعين صدي حسن خان ‪ -‬فتح ثغراً‬
‫يف جدار اإلسالِ‪ ,‬واآلخر ‪ -‬يعين حممد ر يد رضا ‪ -‬خد جبيو ه"‪.7‬‬
‫‪ .7‬أما النوع الثاين فهو فتاو جزئية‪ ,‬تتعارض م ما استقر عليه إمجاع‬
‫العلماء أو اتفاق املذاهب الفقهية األربعة‪.‬‬
‫ومن األمثلة عل ذلر قول الشيخ األلباين عفا هللا عنه بوجوب حج التمت‬
‫عل من مل يس ا دي ‪ -‬خمالفاً اإلمجاع ‪ ,-‬فقال‪" :‬وخالصة القول أن عل كد‬
‫من أرا احلج أن يليب عند إحرامه لعمرة‪ ,‬مث يتحلد منها بعد فراغه من السعي‬
‫بني الصفا واملروة بقص عره‪ ,‬ويف اليوِ الثامن من ذي احلجة حيرِ حلج‪ ,‬فمن‬
‫كان لىب لقران أو احلج املفر فعليه أن يفسخ ذلر لعمرة؛ إطاعة لنبيه ‪.3"‬‬
‫ومنها قول األلباين أيضا بوجوب قص ما زا من اللحية فوق القبضة‪,‬‬
‫وحكمه عل إعفائها فوق القبضة لبدعة واحلرمة ‪ -‬خمالفا اإلمجاع ‪ ,-‬فقال‪:‬‬
‫"واعلم أعه مل يثب يف حديث صحيح عن النيب ‪ ‬األخذ من اللحية‪ ,‬ال قوال‬
‫كهذا وال فعال‪ ,... ,‬ععم ثب ذلر عن بعض السلف‪ ,‬وإلير املتيسر منها‪,... ,‬‬

‫‪ .8‬وما قصيدته املذكورة يف الفصد السا م إال واحدة من صوالته م املدرسة السلفية‪ ,‬كما أن ترمجته‬
‫حتتوي عل بعض صوالته الشعرية م املدرسة العقالعية أو اإلصالحية‪.‬‬
‫‪ .7‬إفا ة مكتوبة من األستاذ عبدالعزيز بن أمحد العصفور‪ ,‬عقالً عن مقابلة خصية له م الشيخ أمحد‬
‫بن حجر البوطامي تلميذ الشيخ العلجي‪.‬‬
‫‪ .3‬حجة النيب ‪ ‬كما رواها عنه جابر ‪ ‬لأللباين (‪ ,)81‬وقد انقش املسألة يف الفصد الثاين‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫قل ‪ :‬ويف هذه اآلاثر الصحيحة ما يدل عل أن قص اللحية أو األخذ منها كان‬
‫أمرا معروفا عند السلف‪ ,‬خالفا ل ن بعض إخواعنا من أهد احلديث الذين‬
‫يتشد ون يف األخذ منها‪ ,‬متمسكني بعموِ قوله ‪" :‬وأعفوا اللح "‪ ,‬غري‬
‫منتبهني ملا فهموه من العموِ أعه غري مرا ؛ لعدِ جر ن عمد السلف عليه‪,... ,‬‬
‫لقد توسع قليال بذكر هذه النصوص عن بعض السلف واألئمة؛ لعزهتا ول ن‬
‫الكثري من النام أهنا خمالفة لعموِ‪" :‬وأعفوا اللح "‪ ,‬ومل يتنبهوا لقاعدة أن الفر‬
‫من أفرا العموِ ‪ -‬إذا مل جير العمد به ‪ -‬ليد عل أعه غري مرا منه‪ ,‬وما أكثر‬
‫البدع اليت يسميها اإلماِ الشاطيب لبدع اإلضافية إال من هذا القبيد"‪.8‬‬
‫ومنها قول األلباين أيضا بوجوب االقتصار عل إحد عشرة ركعة يف صالة‬
‫الياويح‪ ,‬فقد قال ‪ -‬خمالفا اإلمجاع ‪" :-‬تبني لنا مما سب أن عد ركعات قياِ‬
‫الليد إمنا هو إحد عشرة ركعة لنص الصحيح من فعد رسول هللا ‪ ,‬وإذا‬
‫أتملنا فيه ي هر لنا بوضوح أعه ‪ ‬استمر عل هذا العد طيلة حياته‪ ,‬ال يزيد‬
‫عليه‪ ,‬سواء ذلر يف رمضان أو يف غريه‪ ,... ,‬فكذلر صالة الياويح‪ ,‬ال جيوز‬
‫الز ة فيها عل العد املسنون"‪.7‬‬
‫ومنها قول األلباين أيضا بعدِ وجوب الزكاة يف عروض التجارة ‪ -‬خمالفا‬
‫اتفاق املذاهب األربعة ‪ ,-‬فقال‪" :‬واحل أن القول بوجوب الزكاة عل عروض‬
‫التجارة مما ال ليد عليه يف الكتاب والسنة الصحيحة‪ ,‬م منافاته لقاعدة "الباءة‬

‫‪ .8‬احلديث رقم (‪ )7355‬من السلسلة الضعيفة (‪ ,)325/5‬وقال األلباين يف فتاواه (‪" :)35‬حيرِ إسبال‬
‫اللحية فوق القبضة كما حيرِ إحداث أي بدعة يف الدين"‪ ,‬وقد انقش املسألة يف الفصد الثاين‪.‬‬
‫‪ .7‬صالة الياويح لأللباين (‪ ,)77‬وقد انقش املسألة يف الفصد الثاين‪.‬‬
‫‪73‬‬
‫األصلية" اليت يؤيدها هنا قوله ‪ ‬يف خطبة حجة الو اع‪" :‬فإن ماءكم وأموالكم‬
‫وأعراضكم وأبشاركم عليكم حراِ كحرمة يومكم هذا يف هركم هذا يف بلدكم‬
‫هذا‪ ,‬أال هد بلغ ؟ اللهم فا هد"‪ ,... ,‬ومجلة القول أن املسألة ال يصح ا عاء‬
‫اإلمجاع فيها‪ ,... ,‬وقد أ ب ابن حزِ القول يف مسألتنا هذه‪ ,‬وذهب إىل أعه ال‬
‫زكاة يف عروض التجارة‪ ,... ,‬وقد تبعه فيما ذهب إليه الشوكاين ‪ ...‬وصدي‬
‫حسن خان"‪.8‬‬
‫ومنها قول األلباين أيضا حبرمة الذهب احمللَّ كاخلامت والسوار والطوق عل‬
‫النساء ‪ -‬خمالفا اإلمجاع‪ ,- 7‬فقال‪" :‬واعلم أن النساء يشيكن م الرجال يف حترمي‬
‫خامت الذهب عليهن‪ ,‬ومثله السوار والطوق من الذهب؛ ألحا يث خاصة ور ت‬
‫فيهن‪ ,‬فيدخلن لذلر يف بعض النصوص املطلقة اليت مل تقيد لرجال‪ ,‬مثد‬
‫احلديث األول املتقدِ آعفا‪ ,3‬وإلير اآلن ما صح من األحا يث املشار إليها"‪ ,‬مث‬
‫ساق أربعة أحا يث خاصة بتحرمي الذهب احملل عل النساء‪ ,‬مث أور األ لة اليت‬
‫حيتج ِبا مجهور العلماء عل إ حة الذهب احملل للنساء‪ ,‬وأجاب عنها‪.4‬‬

‫‪ .8‬متاِ املنة يف التعلي عل فقه السنة لأللباين (‪.)333/8‬‬


‫‪ . 7‬اتف العلماء عل جواز لب الذهب والفضة للنساء‪ ,‬قال ابن تيمية رمحه هللا‪" :‬و ب اللبام أوس‬
‫من ب اآلعية‪ ,‬فإن آعية الذهب والفضة حترِ عل الرجال والنساء‪ ,‬وأما ب اللبام فإن لبام الذهب‬
‫والفضة يباح للنساء التفاق‪ ,‬ويباح للرجد ما حيتاج إليه من ذلر"‪ ,‬اع ر جمموع الفتاو (‪.)34/75‬‬
‫‪ .3‬يقصد حديث‪" :‬هن ‪ ‬عن خامت الذهب"‪ ,‬حيث ور النهي عاما‪ ,‬رواه البخاري ومسلم وأمحد‬
‫والنسائي واليمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫‪ .4‬آ اب الزفاف لأللباين (‪.)777‬‬
‫‪72‬‬
‫ومنها قول األلباين أيضا بقصر االعتكاف عل املساجد الثالثة ‪ -‬خمالفا‬
‫اإلمجاع ‪ ,-‬فقال‪" :‬وال يشرع إال يف املساجد؛ لقوله تعاىل‪" :‬وال تبا روهن وأعتم‬
‫عاكفون يف املساجد"‪ ,... ,‬وينبغي أن يكون مسجدا جامعا‪ ,... ,‬مث وقف عل‬
‫حديث صحيح صريح‪ ,‬خيصص املساجد املذكورة يف اآلية ملساجد الثالثة‪:‬‬
‫املسجد احلراِ واملسجد النبوي واملسجد األقص ‪ ,‬وهو قوله ‪" :‬ال اعتكاف إال‬
‫يف املساجد الثالثة"‪ ,‬وقد قال به من السلف ‪ -‬فيما اطلع ‪ -‬حذيفة بن اليمان‬
‫وسعيد بن املسيب وعطاء‪ ,‬إال أعه مل يذكر املسجد األقص ‪ ,‬وقال غريهم ملسجد‬
‫اجلام مطلقا‪ ,‬وخالف آخرون‪ ,‬فقالوا‪ :‬ولو يف مسجد بيته‪ ,‬وال خيف أن األخذ‬
‫مبا واف احلديث منها هو الذي ينبغي املصري إليه"‪.8‬‬
‫ومنها القول املمجوج لأللباين أيضا جبواز وإمكان وقوع الزان من زوجات‬
‫النيب ‪ ‬ورضي هللا عنهن‪ ,‬فقد قال بشأن حديث اإلفر‪" :‬ولكنه سبحاعه صان‬
‫السيدة عائشة رضي هللا عنها وسائر أمهات املؤمنني من ذلر كما عرف ذلر من‬
‫اتريخ حياهتن‪ ,‬وعزول التبئة خبصوص السيدة عائشة رضي هللا عنها‪ ,‬وإن كان‬
‫وقوع ذلر ممكنا من الناحية الن رية؛ لعدِ وجو عص ستحالة ذلر منهن‪,7‬‬
‫و ذا كان موقف النيب ‪ ‬يف القصة موقف املييث امليقب عزول الوحي القاط‬
‫للشر يف ذلر‪ ,... ,‬يعين أن النيب ‪ ‬مل يقط بباءة عائشة رضي هللا عنها إال‬
‫بعد عزول الوحي‪ ,‬ففيه إ عار قوي أبن األمر يف حد عفسه ممكن الوقوع"‪.3‬‬

‫‪ .8‬قياِ رمضان‪ ,‬ومعه حبث قيم عن االعتكاف لأللباين (‪.)35‬‬


‫‪ .7‬فأين قول هللا ‪" : ‬اخلبيثات للخبيثني واخلبيثون للخبيثات والطيبات للطيبني والطيبون للطيبات"‪.‬‬
‫‪ .3‬السلسلة الصحيحة لأللباين (‪ ,)73/3‬وقد انقش املسألة يف الفصد الثاين‪.‬‬
‫‪71‬‬
‫ومنها قول الشيخ عبدالعزيز بن ز رمحه هللا (‪8471-...‬هـ) بعدِ وقوع‬
‫طالق احلائض‪ ,‬فقد قال ‪ -‬خمالفا اتفاق املذاهب األربعة ‪" :-‬طالق احلائض ال‬
‫يق يف أصح قويل العلماء‪ ,‬خالفاً لقول اجلمهور‪ ,... ,‬ولكن الصحيح من قويل‬
‫العلماء‪ ,‬الذي أفىت به بعض التابعني‪ ,‬وأفىت به ابن عمر رضي هللا عنهما‪ ,‬واختاره‬
‫يخ اإلسالِ ابن تيمية وتلميذه العالمة ابن القيم ومجا من أهد العلم‪ ,‬هذا‬
‫الطالق ال يق ‪ ,... ,‬فإذا طلقها يف حيض أو عفام‪ ,‬أو يف طهر جامعها فيه‪,‬‬
‫فإن هذا الطالق بدعة‪ ,‬وال يق عل الصحيح من قويل العلماء"‪.8‬‬
‫ومنها قول الشيخ حممد بن عثيمني رمحه هللا (‪8478-...‬هـ) مبشروعية‬
‫القصر واجلم للمسافر مهما طال سفره‪ ,‬فقال ‪ -‬خمالفا اتفاق املذاهب األربعة ‪-‬‬
‫‪" :‬الذي عر يف هذه املسألة أن اإلعسان ما اِ مل يستوطن البلد‪ ,‬أو يعزِ عل‬
‫اإلقامة املطلقة‪ ,‬فإعه مسافر ولو طال مدته؛ ألعه مل يتخذ هذا البلد وطناً‪ ,‬ومل ينو‬
‫اإلقامة فيه إقامة مطلقة‪ ,... ,‬وأعه يقصر ولو بقي سنني‪ ,‬يقصر أبدا‪ ,... ,‬وهذا‬
‫الذي ذكرته هو الذي اختاره يخ اإلسالِ ابن تيمية رمحه هللا"‪.7‬‬
‫ومنها قول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حف ه هللا أبن ية املرأة مساوية‬
‫لدية الرجد‪ ,‬وليس عل النصف منها‪ ,3‬خمالفا بذلر اإلمجاع املتيقن‪ ,‬م العلم‬

‫‪ .8‬فتاو عور عل الدرب يف املوق الر ي للشيخ ابن ز‪ ,‬وقد وقف عل فتو للشيخ مؤرخة يف‬
‫‪8391/3/73‬هـ‪ ,‬تفيد بوقوع طالق احلائض م اإلمث‪ ,‬األمر الذي يرجح أن الشيخ تغري اجتها ه فيها‪,‬‬
‫وقد انقش املسألة يف الفصد الراب ‪.‬‬
‫‪ .7‬فتاو عور عل الدرب يف املوق الر ي للشيخ ابن عثيمني‪.‬‬
‫‪ .3‬ية املرأة يف الشريعة اإلسالمية للقرضاوي‪ ,‬حبث منشور يف موق الشيخ‪ ,‬وفتاو معاصرة للقرضاوي‬
‫(‪ ,)574/4‬وقد انقش املسألة يف الفصد الثاين‪.‬‬
‫‪79‬‬
‫عص عل أن "من مزال االجتها املعاصر جتاوز ما أمجع عليه األمة‬ ‫أن الشيخ َّ‬
‫يف عصور االجتها ؛ غفلة عن هذا اإلمجاع وجهال به أو إعراضا متعمدا عنه"‪.8‬‬
‫ومنها قول الشيخ القرضاوي أيضا جبواز تويل املرأة مجي الوال ت العامة‪,‬‬
‫املة رائسة الدولة‪ ,‬ومل َين واليتها إال يف اخلالفة الع م ‪ ,‬خمالفا بذلر اتفاق‬
‫مجهور الفقهاء عل ا ياط الذكورة لصحة تويل ما هو أ ىن من اخلالفة الع م‬
‫كالقضاء‪ ,‬إال ما استثناه احلنفية من جواز تويل املرأة القضاء يف غري احلدو ‪ ,‬فقال‬
‫إمجاعا للفقهاء عل أن املرأة ال تصلح للخالفة‬
‫لكن هناك ً‬ ‫ضمن أحد حواراته‪" :‬و َّ‬
‫مجيعا‪ ,‬ولكن هد الرائسة‬ ‫العامة أو اإلمامة الع م ‪ ,‬واليت هي خالفة املسلمني ً‬
‫اإلقليمية يف الدول القطرية احلالية تدخد يف اخلالفة‪ ,‬أِ أهنا أ به بوالية األقاليم‬
‫قدَيًا"؟ فسأله حماوره‪" :‬إذن فضيلتكم تر أعه لي هناك ما َين من تر ح املرأة‬
‫لرائسة أو لتويل منصب رائسة اجلمهورية"؟ فقال الشيخ‪" :‬ععم"‪.7‬‬
‫إن تلر اآلراء والفتاو اليت كاع تصطدِ مبوروثنا الفقهي كثرية‪ ,‬وكاع‬
‫تسبب لنا أملاً عفسياً؛ ألهنا ‪ -‬م خمالفتها جلمهور العلماء ‪ -‬مل جير بعضها عل‬
‫طريقة فقهاء املذاهب األربعة يف تقرير املسألة م حفظ أجر االجتها للمخطئ‬
‫وإعذاره‪ ,‬بد كاع بعض تلر اآلراء والفتاو أت بصيغة اجلزِ واحلزِ‪.‬‬

‫‪ .8‬االجتها يف الشريعة اإلسالمية للقرضاوي (‪.)817‬‬


‫‪ .7‬حوار منشور يف موق الشيخ‪ ,‬وقد انقش املسألة يف الفصد الثاين‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫فعل سبيد املثال‪ ,‬عندما كان الشيخ األلباين عفا هللا عنه يقرر ترجيحه يف‬
‫بعض املسائد الفرعية كان يصرح أبهنا احل الذي ال ريب فيه‪ ,‬وجيب اعتما ه‪,‬‬
‫واملصري إليه‪ ,‬والتعويد عليه‪.8‬‬
‫ووقائع قاسية‬
‫إن تلر الفتاو املتصا مة م موروثنا الفقهي‪ ,‬واملخالفة ملذاهب مجاهري‬
‫العلماء‪ ,‬مل تكن املكدرات الوحيدة دوء وصفاء بيئتنا العلمية‪ ,‬فقد اعضاف إليها‬
‫وقائ قاسية‪ ,‬فلقد كان من املسلَّمات عند علماء املذاهب الفقهية األربعة أعه ال‬
‫إعكار يف مسائد االجتها املعتب الصا ر من أهله‪7‬؛ ألن اجتها عامل لي أوىل‬
‫لصواب من اجتها عامل آخر‪ ,‬وم ذلر فقد كنا عهلفاجأ ‪ -‬من حني آلخر ‪-‬‬
‫بوقائ مؤملة‪ ,‬تتضمن اإلعكار واالحتساب عل أتباع املذاهب الفقهية األربعة يف‬
‫أمور‪ ,‬ثب لديهم صحتها يف مذاهبهم الفقهية أب لة معتبة‪.‬‬
‫ومن األمثلة عل ذلر إعكار بعض إ ارات املساجد يف اململكة العربية‬
‫السعو ية عل أئمة املساجد املداومني عل قنوت الفجر‪ ,‬فقد فوجئ بعض األئمة‬
‫يف عاِ ‪8412‬هـ حتديداً ستدعاءات من بعض إ ارات املساجد‪ ,‬يطلبون منهم‬
‫التوقف عن مداومة القنوت يف صالة الفجر؛ اعتما ا منهم عل خطاب لسماحة‬

‫‪ .8‬عرض يف الفصد الراب أرب عشرة مسألة‪ ,‬حكم فيها األلباين أبن رأيه فيها هو احل ‪ ,‬وبعد ذلر‬
‫انقشته يف مسألة واحدة منها‪ ,‬وهي مسألة اجلهر لبسملة يف الصالة اجلهرية‪.‬‬
‫‪ .7‬انقش يف الفصد الثالث قضية اإلعكار يف مسائد االجتها ‪.‬‬
‫‪38‬‬
‫موجه إىل معايل وزير احلج واألوقاف؛ لتعميمه‬
‫الشيخ عبدالعزيز بن ز رمحه هللا‪َّ ,‬‬
‫عل مجي أئمة املساجد‪ ,‬املقتضي بدعية قنوت الفجر وعدِ مشروعيته‪.8‬‬
‫وللشيخ عبدالعزيز بن ز رمحه هللا عدة فتاو حول املداومة عل قنوت‬
‫الفجر‪ ,‬فمن فتاواه قوله ‪ -‬إجابةً عن سؤال بشأن قنوت الفجر ‪" :-‬أما الفجر فال‬
‫يشرع فيها القنوت إال لعلة انزلة من النوازل‪ ,‬الفجر كان النيب ‪ ‬يقن فيها ويف‬
‫غريها من الفرائض يف النوازل‪ ,‬إذا وق عدوان من بعض النام عل املسلمني‪ ,‬أو‬
‫حاصروا بال املسلمني‪ ,... ,‬والغالب أعه يقن يف الفجر يف الركعة األخرية بعدما‬
‫يرف رأسه من الركوع‪ ,‬يقن ويدعو عل العدو‪ ,‬وقد فعد هذا كثرياً عليه الصالة‬
‫والسالِ‪ ,‬ورمبا استمر هراً‪ ,‬ورمبا استمر أربعني يوماً‪ ,‬ورمبا كان ذلر أقد‪ ,‬مث‬
‫َيسر‪ ,‬ال يستمر‪ ,... ,‬أما ما يفعله بعض النام من االستمرار يف قنوت الفجر‬
‫ائماً ائماً‪ ,‬ولو من ون عزول انزلة‪ ,‬فهذا مكروه‪ ,‬وال ينبغي‪ ,‬بد بدعة عل‬
‫الصحيح من أقوال العلماء؛ ألن الرسول ‪ ‬مل يفعله يف صفة مستمرة‪ ,‬وإمنا كان‬
‫يفعله لألسباب اليت ذكران‪ ,‬وهي حدوث انزلة تنزل ملسلمني تضرهم‪ ,‬ويدل عل‬

‫‪ .8‬بسبب هذا التصرف قاِ الشيخ أمحد بن عبدالعزيز آل الشيخ مبارك املالكي رمحه هللا رئي القضاء‬
‫ولدي صورة ا ‪ -‬إىل الشيخ عبدالعزيز بن ز‬
‫الشرعي بدولة اإلمارات العربية املتحدة إبرسال رسالة ‪َّ -‬‬
‫رمحه هللا‪ ,‬مؤرخة يف ‪8412/81/84‬هـ‪ ,‬يبني له فيها أ لة القائلني ستحباب قنوت الفجر‪ ,‬وختمها‬
‫بقول ابن القيم رمحه هللا يف زا املعا (‪" :)897/8‬فأهد احلديث متوسطون بني هؤالء وبني من استحبه‬
‫عند النوازل وغريها‪ ,‬وهم أسعد حلديث من الطائفتني‪ ,‬فإهنم يقنتون حيث قن رسول هللا ‪ ,‬وييكوعه‬
‫حيث تركه‪ ,‬فيقتدون به يف فعله وتركه‪ ,‬ويقولون‪ :‬فعله سنة‪ ,‬وتركه سنة‪ ,‬وم هذا فال ينكرون عل من‬
‫اوِ عليه‪ ,‬وال يكرهون فعله‪ ,‬وال يروعه بدعة‪ ,‬وال فاعله خمالفا للسنة‪ ,‬كما ال ينكرون عل من أعكره عند‬
‫النوازل‪ ,‬وال يرون تركه بدعة‪ ,‬وال اتركه خمالفا للسنة‪ ,‬بد من قن فقد أحسن‪ ,‬ومن تركه فقد أحسن"‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫هذا املعىن ما ثب يف احلديث الصحيح من رواية سعد بن طارق بن أ يم‬
‫األ جعي عن أبيه أعه قال ألبيه طارق‪ :‬أب ‪ ,‬صلي خلف رسول هللا ‪‬‬
‫وخلف أيب بكر وخلف عمر وخلف عثمان وخلف علي هاهنا يف الكوفة‪ ,‬أفكاعوا‬
‫يقنتون يف الفجر؟ فقال له أبوه‪" :‬أي بين‪ ,‬حمدث"‪ ,‬أي بين يعين بين‪ ,‬حمدث‬
‫يعين حمدث القنوت يف الفجر‪ ,‬يعين لغري النوازل‪ ,‬وقد رواه أمحد رمحه هللا ‪ -‬يف‬
‫مسنده ‪ -‬واليمذي والنسائي وابن ماجه وغريهم بسند صحيح عن سعد بن طارق‬
‫األ جعي عن أبيه‪ ,‬فهذا احلديث الصحيح حجة ظاهرة عل عدِ رعية القنوت‬
‫يف الفجر بصفة مستمرة‪ ,‬وإمنا يشرع يف الفجر وغريها إذا وجد انزلة للمسلمني‪,‬‬
‫‪ ,...‬وذهب بعض أهد العلم إىل أعه يستحب يف صالة الفجر مطلقاً‪ ,‬وهو قول‬
‫له بهة يف قنوت النيب ‪ ‬يف النوازل‪ ,‬ف نوا أعه يستحب ائماً‪ ,‬وتعلقوا أبحا يث‬
‫ضعيفة جاءت فيه‪ ,‬أعه مل يزل يقن يف الفجر حىت فارق الدعيا‪ ,‬ولكنها أحا يث‬
‫ضعيفة‪ ,‬ال تصح عن النيب ‪ ,‬ف نها من ظنها صحيحة‪ ,‬فعملوا ِبا‪ ,‬فالذي‬
‫ينبغي ترك ذلر؛ ألن حديث سعد بن طارق عن أبيه صحيح صريح يف ذلر‪,‬‬
‫فينبغي لألئمة يف مثد هذا أن ال يفعلوه إال بصفة خاصة يف النوازل"‪.8‬‬
‫ولعد الشيخ عبدالعزيز بن ز رمحه هللا اتب يف بدعية قنوت الفجر ومن‬
‫أئمة املساجد منه يخه احة املفيت الشيخ حممد بن إبراهيم آل الشيخ رمحه هللا‬
‫وجه الشيخ حممد خطا إىل رئي عاِ هيئات األمر‬ ‫(‪8319-8388‬هـ)‪ ,‬فقد َّ‬
‫‪7‬‬
‫ملعروف حلجاز‪ ,‬جاء فيه‪" :‬لقد ور ان من فضيلة انئبنا ملنطقة الغربية خطا ً‬

‫‪ .8‬فتاو عور عل الدرب يف موق الشيخ‪.‬‬


‫‪ .7‬الصحيح حنو "خطاب"؛ ألعه فاعد‪ ,‬فلعله خطأ مطبعي‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫برقم ‪ 7557‬يف ‪ 8318/3/7‬هـ‪ ,‬حول املكاتبة بشأن ما الح ه رئي هيئة األمر‬
‫ملعروف لليث عن مداومة أهايل تلر اجلهة عل القنوت يف صالة الصبح‪ ,‬وأعه‬
‫إذا سها أحدهم عن ذلر سجد للسهو‪ ,... ,8‬وحيث إن النيب ‪ ‬مل يقن إال‬
‫يف النوازل‪ ,‬ومل يداوِ عل القنوت‪ ,‬وال أحد من خلفائه الرا دين ‪ ,‬فقد أبلغنا‬
‫فضيلة انئبنا ملنطقة الغربية بوجوب منعهم عن القنوت والسجو له؛ ألن هذا‬
‫السجو مبطد للصالة‪ ,... ,‬فلذا علف ع ركم ببذل الوس يف تغيري هذه‬
‫األفعال‪ ,‬وهللا حيف كم"‪.7‬‬
‫م العلم أين وقف عل عدة فتاو للشيخ ابن ز عن القنوت‪ ,‬تتضمن‬
‫مراعا ًة ألعراف البال ‪ ,‬منها قوله ‪ -‬ضمن جوابه عن قنوت الفجر ‪" :-‬أما الدواِ‬
‫عل قنوت الفجر فاألوىل تركه‪ ,‬الذي ينبغي تركه؛ حلديث سعد بن طارق الذي‬
‫ع ‪ ,‬وإذا صلي م أانم يقنتون فال حرج؛ ألهنم قد تبعوا بعض األئمة‪ ,‬و م‬
‫بهة يف بعض األحا يث اليت فيها ذكر القنوت‪ ,‬فاألمر يف هذا واس إن اء‬

‫‪ . 8‬سنية قنوت الفجر وسجو السهو لنسياعه هو مذهب الشافعية‪ ,‬قال اإلماِ الشافعي رمحه هللا يف األِ‬
‫(‪" :)853/8‬وإن ترك القنوت يف الفجر سجد للسهو؛ ألعه من عمد الصالة"‪ ,‬وقال أيضا (‪:)841/2‬‬
‫"ويقن يف صالة الصبح بعد الركعة الثاعية‪ ,‬قن رسول هللا ‪ ,‬ومل ييك ‪ -‬فيما علمناه ‪ -‬القنوت يف‬
‫الصبح قط‪ ,‬وإمنا قن النيب ‪ ‬حني جاءه قتد أهد بئر معوعة مخ عشر ليلة‪ ,‬يدعو عل قوِ من‬
‫املشركني يف الصلوات كلها‪ ,‬مث ترك القنوت يف الصلوات كلها‪ ,‬فأما يف صالة الصبح فال أعلم أعه تركه‪ ,‬بد‬
‫ععلم أعه قن يف الصبح قبد قتد أهد بئر معوعة وبعد‪ ,‬وقد قن بعد رسول هللا ‪ ‬أبو بكر وعمر وعلي‬
‫بن أىب طالب ‪ ,‬كلهم بعد الركوع‪ ,‬وعثمان ‪ ‬يف بعض إمارته‪ ,‬مث قدِ القنوت عل الركوع‪ ,‬وقال‪:‬‬
‫ليدرك من سب لصالة الركعة"‪.‬‬
‫‪ . 7‬فتاو ورسائد احة الشيخ حممد بن إبراهيم آل الشيخ (‪.)747/7‬‬
‫‪34‬‬
‫هللا‪ ,‬إال أن تركه هو األوىل‪ ,‬وهو الذي ينبغي؛ عمالً حلديث الصحيح الذي‬
‫ع ‪ ,‬وهو أعه حمدث‪ ,‬يعين االستمرار‪ ,‬أما فعله يف النوازل فال أبم"‪.‬‬
‫وهنا سأله املقدِ قائال‪" :‬أخوان ‪ -‬يقصد السائد ‪ -‬يقول‪ :‬إذا أعكران مثد‬
‫ذلر يتهموعنا أبعنا عبدع الشافعي‪ ,‬ماذا عقول م"؟ فأجابه الشيخ رمحه هللا‪:‬‬
‫"يعلَّمون أن هذا لي تبديعاً للشافعي‪ ,‬ولكن من ب حتري األرجح من األقوال‪,‬‬
‫من ب حتري األرجح؛ ألن من قال‪ :‬إعه بدعة‪ ,‬احتج حبديث طارق بن أ يم‬
‫األ جعي‪ ,‬ومن زعم أعه سنة ومستحب‪ ,‬احتج أبحا يث أخر فيها ضعف‪,‬‬
‫واألخذ لشيء الثاب الصحيح أوىل وأح عند أهد العلم‪ ,‬م عدِ التشني‬
‫عل من قن ‪ ,‬فإن هذه املسألة مسألة خفيفة‪ ,‬ال ينبغي فيها التشني والنزاع‪ ,‬وإمنا‬
‫يتحر فيها اإلعسان ما هو األفضد واألقرب للسنة"‪.8‬‬
‫ومن الوقائ اليت تدل عل ضي صدور البعض من مسائد االجتها الفقهي‬
‫ما جرت به العا ة عندان يف األحساء من أعه إذا تقدِ رجد إل ارة املساجد‬
‫للحصول عل وظيفة إماِ مسجد‪ ,‬كان خيتبه أحد القضاة؛ للتأكد من علمه‬
‫وخلقه وأهليته لإلمامة‪ ,‬فتقدِ أحد إخواعنا املالكية لوظيفة إماِ مسجد‪ ,‬فسأله‬
‫القاضي عن حكم القنوت يف صالة الفجر‪ ,‬فأجاب جلواز‪ ,‬مستدال بقول اإلماِ‬
‫مالر رمحه هللا‪ ,‬فما كان من القاضي إال أن قال له مبدء الفم‪" :‬ومن مالر"‪7‬؟!‬

‫‪ .8‬فتاو عور عل الدرب يف موق الشيخ‪.‬‬


‫‪ .7‬إعه إماِ ار ا جرة‪ ,‬هو الذي عرض عليه ثالثة خلفاء ‪ -‬الواحد بعد اآلخر ‪ -‬أن ينشروا كتبه يف‬
‫اآلفاق‪ ,‬ويلزموا النام لعمد ِبا‪ ,‬فكان أيىب؛ مراعا ًة خلالف النام وتوسيعا عليهم‪ ,‬فأين من يفقه فقهه؟‬
‫‪35‬‬
‫إمامه يخ‬‫وزار األحساء يف عاِ ‪8485‬هـ اعية ر ي‪ ,‬وصل يف جام ‪ ,‬هل‬
‫الشافعية يف األحساء‪ :‬أستاذان الشيخ أمحد الدوغان رمحه هللا‪ ,‬فجهر يخنا‬
‫لبسملة‪ ,‬وما إن فرغ يخنا من صالته حىت اعقض ذلر الداعية‪ ,‬منكراً عليه‬
‫جهره لبسملة‪ ,8‬ون مراعاة لرأي أو فضد‪.7‬‬
‫َّ‬
‫وتوىل أحد إخواعنا الشافعية جامعاً لإلمامة واخلطابة‪ ,‬فكان جيهر لبسملة‬
‫يف الصالة اجلهرية‪ ,‬ويقن يف صالة الفجر‪ ,‬فا تك أحد املأمومني ‪ -‬لغرض يف‬
‫عفسه ‪ -‬عل اإلماِ‪ ,‬وأخذت الشكو تصعد إىل أعل وأعل ‪ ,‬فكان القرار‬
‫قاضيا بنصح اإلماِ لكف عن هذه األمور‪ ,‬فإن اتب عنها وإال يعزل‪ ,‬ولوال‬
‫لطف هللا مث تدخد بعض العقالء لعزل هذا اإلماِ‪.‬‬
‫فكان يدور يف خلدي‪ :‬لو كان اإلماِ الشافعي رمحه هللا إماما ذا اجلام ‪,‬‬
‫وكان اإلماِ أمحد رمحه هللا وزيرا لشؤون املساجد‪ ,‬أيعزله عن إمامته‪ ,‬وهو الذي‬

‫‪ .8‬قال ابن اجلوزي‪" :‬رأي مجاعة من املنتسبني إىل العلم‪ ,‬يعملون عمد العواِ‪ ,‬فإذا صل احلنبلي يف‬
‫مسجد افعي تعصب الشافعية‪ ,‬وإذا صل الشافعي يف مسجد حنبلي وجهر لبسملة تعصب احلنابلة‪,‬‬
‫وهذه مسألة اجتها ية‪ ,‬والعصبية فيها جمر أهواء"‪ ,‬اع ر مطالب أويل النه للرحيباين (‪.)334/8‬‬
‫‪ .7‬قارن هذا املسلر بفعد أستاذان الشيخ عبدالفتاح أبو غدة رمحه هللا عندما صل صالة الفجر إماماً يف‬
‫جام يخنا الشيخ أمحد الدوغان‪ ,‬فقن يف الصالة؛ أت معه‪ ,‬وعلد فعله ‪ -‬م أعه حنفي املذهب‪,‬‬
‫وال ير سنية القنوت يف الفجر ‪ -‬أبعه يسد ين الشافعية عندما صل اإلماِ الشافعي الصبح قريبا من‬
‫مقبة اإلماِ أيب حنيفة‪ ,‬فيك القنوت؛ أت معه‪ ,‬رمحهم هللا مجيعا‪ ,‬اع ر اإلعصاف للدهلوي (‪,)881‬‬
‫أولئر آ ئي فجئين مبثلهم‪ ,‬إذا مجعتنا جرير اجملام ‪ ,‬وقد انقش مسألة اجلهر لبسملة يف الصالة‬
‫اجلهرية يف الفصد الراب ‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫للدعيا وكالعافية للنام‪ ,‬فهد ذين من‬ ‫يقول فيه‪" :‬كان الشافعي كالشم‬
‫خلف‪ ,‬أو منهما عوض"‪8‬؟!‬
‫و خل ليلة عيد الفطر يف سنة من السنوات‪ ,‬فقاِ أحد أئمة املساجد من‬
‫إخواعنا الشافعية لتكبري يف مكبات الصوت بعد صالة العشاء بساعة تقريبا؛‬
‫مذكرا املسلمني بسنية التكبري تلر الليلة‪ ,‬وبدون أن جيم املصلني له‪ ,‬فلم يفاجأ‬
‫إال بداخد يطلب منه ‪ -‬أبمر من أعل سلطة رعية يف األحساء ‪ -‬التوقف فورا‬
‫عن التكبري؛ ألعه بدعة ‪ -‬حسب رأيه ‪.-‬‬
‫وقد يكون هذا املنكر معتمداً عل فتو الشيخ عبدالعزيز بن ز ببدعية‬
‫التكبري اجلماعي يف العيدين‪ ,‬حيث قال‪" :‬أما التكبري اجلماعي املبتدع فهو أن يرف‬
‫مجاعة ‪ -‬اثنان فأكثر ‪ -‬الصوت لتكبري مجيعاً‪ ,‬يبدؤوعه مجيعاً وينهوعه مجيعاً‬
‫بصوت واحد وبصفة خاصة‪ ,‬وهذا العمد ال أصد له وال ليد عليه‪ ,‬فهو بدعة يف‬
‫صفة التكبري‪ ,‬ما أعزل هللا ِبا من سلطان‪ ,‬فمن أعكر التكبري ِبذه الصفة فهو حم ‪,‬‬
‫وذلر لقوله ‪" :‬من عمد عمال لي عليه أمران فهو ر "‪ ,‬أي مر و غري‬
‫مشروع‪ ,... ,‬وإمنا تثب العبا ة بنص من الكتاب أو السنة أو إمجاع قطعي"‪.7‬‬
‫ولكن فتو الشيخ ابن ز رمحه هللا ‪ -‬رغم توقفي فيها‪ - 3‬تقصر بدعة‬
‫التكبري اجلماعي عل ا ياك جمموعة من النام لتكبري معا‪ ,‬أما إماِ املسجد فقد‬

‫‪ .8‬سري أعالِ النبالء للذهيب (‪.)45/81‬‬


‫‪ .7‬إمالءات يف موق الشيخ‪.‬‬
‫‪ . 3‬أتوقف يف فتو الشيخ ابن ز؛ ألعه مل يلتزِ مبنهجه يف التوقيف يف العبا ات يف ما هو أع م ‪-‬‬
‫عندي ‪ -‬من التكبري اجلماعي‪ ,‬ومن أمثلة ذلر إفتاؤه مبشروعية عاء اخلتم يف الصالة‪ ,‬مستدال لقيام‬
‫واالستئنام‪ ,‬ومل يستدل ملشروعيته بكتاب أو سنة أو إمجاع‪ ,‬فقال‪" :‬مل يزل السلف خيتمون القرآن‪,‬‬
‫‪32‬‬
‫قاِ لتكبري منفر ا‪ ,‬وبدون أن جيم له أحداً من النام‪ ,‬وهذا األمر ال َيكن‬
‫االرتياب يف أعه سنة مشروعة‪ ,‬فقد ثب فعله عن السلف الصاحل رمحهم هللا‪.‬‬
‫فقد قال ابن قدامة رمحه هللا (‪371-548‬هـ)‪(" :‬وي هرون التكبري يف ليايل‬
‫العيدين‪ ,‬وهو يف الفطر آكد؛ لقول هللا تعاىل‪" :‬ولتكملوا العدة ولتكبوا هللا عل‬
‫ما هداكم ولعلكم تشكرون")‪ ,‬ومجلته أعه يستحب للنام إظهار التكبري يف ليليت‬

‫ويقرؤون عاء اخلتمة يف صالة رمضان‪ ,... ,‬وهكذا كان مشائخنا م حتريهم للسنة وعنايتهم ِبا يفعلون‬
‫ذلر‪ ,‬تلقاه آخرهم عن أو م‪ ,‬وال خيف عل أئمة الدعوة ممن يتحر السنة وحيرص عليها‪ ,‬فاحلاصد أن‬
‫هذا ال أبم به إن اء هللا‪ ,‬وال حرج فيه‪ ,‬بد هو مستحب؛ ملا فيه من حتري إجابة الدعاء بعد تالوة‬
‫كتاب هللا ‪ ,‬وكان أع ‪ ‬إذا أكمد القرآن مج أهله و عا يف خارج الصالة‪ ,‬فهكذا يف الصالة‪,‬‬
‫فالباب واحد؛ ألن الدعاء مشروع يف الصالة وخارجها‪ ,‬وجن الدعاء مما يشرع يف الصالة‪ ,‬فلي‬
‫مبستنكر‪ ,‬ومعلوِ أن الدعاء يف الصالة مطلوب عند قراءة آية العذاب وعند آية الرمحة‪ ,‬يدعو اإلعسان‬
‫عندها كما فعد النيب ‪ ‬يف صالة الليد‪ ,‬فهذا مثد ذلر مشروع بعد ختم القرآن‪ ,‬وإمنا الكالِ إذا كان يف‬
‫اخد الصالة‪ ,... ,‬فمن قال‪" :‬إعه منكر" فعليه الدليد"‪ ,‬اع ر فتاو ومقاالت متنوعة للشيخ عبدالعزيز‬
‫بن ز (‪.)354/88‬‬
‫ففي هذه الفتو أجر الشيخ قياسني‪ :‬أو ما قيام عاء اخلتم يف الصالة عليه خارج الصالة‪ ,‬واثعيهما‬
‫قيام عاء اخلتم يف الصالة عل الدعاء فيها عقب قراءة آ ت الرمحة والعذاب‪ ,‬مث استأع بفعد أئمة‬
‫الدعوة؛ ألهنم متمسكون لسنة‪ ,‬وقد تلقاه آخرهم عن أو م‪.‬‬
‫والسؤال هو‪ :‬هد عاء ختم القرآن الكرمي اخد الصالة عبا ة أِ ال؟ واجلواب عندي أعه عبا ة حمضة؛‬
‫ألعه عاء‪ ,‬والدعاء عبا ة؛ لقوله ‪" :‬الدعاء هو العبا ة"‪ ,‬رواه أمحد وأبو او واليمذي وابن ماجه‪,‬‬
‫ويفعد مقيان العتهاء من ختم القرآن الكرمي‪ ,‬وهذا االقيان عبا ة حتتاج إىل ليد‪ ,‬ويفعد اخد الصالة‪,‬‬
‫وال جيوز تغيري هيئتها إال بدليد؛ لقوله ‪" :‬صلوا كما رأيتموين أصلي"‪ ,‬رواه البخاري‪ ,‬وم ذلر اكتف‬
‫الشيخ لقيام واالستئنام‪ ,‬مث زا مبطالبة املاععني بدليد‪ ,‬معرضا عن قاعدته اليت قررها مرارا ‪ -‬ومنها‬
‫فتو التكبري اجلماعي ‪ -‬أبن العبا ات ال تثب إال لكتاب أو السنة أو اإلمجاع‪ ,‬وقد انقش املسألة يف‬
‫كتايب "مفهوِ البدعة وأثره يف اضطراب الفتاو املعاصرة"‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫العيدين‪ ,‬يف مساجدهم‪ 8‬ومناز م وطرقهم‪ ,‬مسافرين كاعوا أو مقيمني؛ ل اهر اآلية‬
‫املذكورة‪ ,‬قال بعض أهد العلم يف تفسريها‪ :‬لتكملوا عدة رمضان‪ ,‬ولتكبوا هللا عند‬
‫إكماله عل ما هداكم‪ ,‬ومعىن إظهار التكبري رف الصوت به‪ ,‬واستحب ذلر ملا‬
‫فيه من إظهار عائر اإلسالِ وتذكري الغري‪ ,‬وكان ابن عمر يكب يف قبته مبىن‪,‬‬
‫يسمعه أهد املسجد‪ ,‬فيكبون‪ ,‬ويكب أهد األسواق‪ ,‬حىت ترتج مىن تكبريا‪ ,‬قال‬
‫أمحد‪ :‬كان ابن عمر يكب يف العيدين مجيعا‪ ,‬ويعجبنا ذلر‪ ,‬واختص الفطر مبزيد‬
‫أتكيد؛ لورو النص فيه"‪.7‬‬
‫وقد تكررت أمثال هذه احلوا ث الدالة عل ضي أف بعض طلبة العلم‬
‫الذين مل يتأ بوا أب ب اخلالف الفقهي‪ ,‬وعندي عل ذلر عشرات الشواهد‪,‬‬
‫ولعد آخرها ‪ -‬إن مل يطرأ جديد أثناء طباعة هذا الكتاب ‪ -‬منعي يف غرة السنة‬
‫ا جرية ‪ 8433‬هـ من إقامة روسي العلمية يف الفقه واحلديث بناءً عل أتليفي‬
‫لكتاب "مفهوِ البدعة وأثره يف اضطراب الفتاو املعاصرة"‪ ,‬وهو الكتاب الذي‬
‫حاول فيه توضيح وتقريب وجهات الن ر املختلفة حول هذا املوضوع‪.3‬‬
‫مذاهب متعددة ال مذهب واحد‬
‫وم ذلر فإعين أؤكد تقديري الجتها ات العلماء املؤهلني‪ ,‬إال أعين أعكر‬
‫محاد النام قسراً عليها‪ ,‬فهذا اخلليفة الرا د عمر بن عبدالعزيز رمحه هللا أرا أن‬
‫جيعد أحكاِ النام هلح اكماً واحدا ‪ -‬أي حيمد النام عل رأي واحد ‪ ,-‬ولكنه‬

‫‪ .8‬وهذا ما فعله إماِ املسجد متاما‪.‬‬


‫‪ .7‬املغين البن قدامة (‪.)723/7‬‬
‫‪ .3‬ما زال الكتاب يلق قبوال حبمد هللا‪ ,‬وقد طبع منه ثالث طبعات‪ ,‬وييجم اآلن إىل عدة لغات‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫عدل عن قراره‪ ,‬وقال‪" :‬إعه قد كان يف كد مصر من أمصار املسلمني وجند من‬
‫أجنا ه انم من أصحاب رسول هللا ‪ ,‬وكاع فيهم قضاة‪ ,‬قضوا أبقضية‪,‬‬
‫أجازها أصحاب رسول هللا ‪ ,‬ورضوا ِبا‪ ,‬وأمضاها أهد املصر كالصلح بينهم‪,‬‬
‫فهم عل ما كاعوا عليه من ذلر"‪.8‬‬
‫أما موقف اإلماِ مالر رمحه هللا (‪829-93‬هـ) يف رفضه محد النام عل‬
‫مذهبه أبمر من اخلليفة أيب جعفر املنصور رمحه هللا (‪851-95‬هـ) فأمر مشهور‪,‬‬
‫وكان مما قال له‪ " :‬أمري املؤمنني‪ ,‬ال تفعد هذا‪ ,‬فإن النام قد سبق م أقاويد‪,‬‬
‫و عوا أحا يث‪ ,‬ورووا روا ت‪ ,‬وأخذ كد قوِ مبا سب إليهم‪ ,‬وعملوا به‪ ,‬و اعوا به‬
‫من اختالف أصحاب رسول هللا ‪ ‬وغريهم‪ ,‬وإن رَّهم عما اعتقدوه ديد‪ ,‬فدع‬
‫النام وما هم عليه‪ ,‬وما اختار كد أهد بلد منهم ألعفسهم"‪ ,‬فقال املنصور‪:‬‬
‫"لعمري‪ ,‬لو طاوعتين عل ذلر ألمرت به"‪ ,7‬ويبدو أن قصة اإلماِ مالر تكررت‬
‫م اخلليفة حممد املهدي (‪839-872‬هـ) واخلليفة هارون الر يد (‪-849‬‬
‫‪893‬هـ)‪ ,‬ويف كلتيهما كان أيىب محد النام عل مذهبه‪.‬‬
‫وقال اإلماِ النووي رمحه هللا (‪323-338‬هـ)‪" :‬مث العلماء إمنا ينكرون ما‬
‫أهلمج عليه‪ ,‬أما املختلف فيه فال إعكار فيه‪ ,... ,‬لكن إ ان عدبه عل جهة النصيحة‬
‫إىل اخلروج من اخلالف فهو حسن حمبوب مندوب إىل فعله برف ‪ ,... ,‬وذكر‬
‫أقض القضاة أبو احلسن املاور ي البصري الشافعي يف كتابه "األحكاِ السلطاعية"‬
‫خالفا بني العلماء يف أن من قلده السلطان احلسبة‪ ,‬هد له أن حيمد النام عل‬

‫‪ .8‬التاريخ والعلد أليب زرعة الدمشقي (‪.)9‬‬


‫‪ .7‬ترتيب املدارك للقاضي عياض (‪.)31/8‬‬
‫‪41‬‬
‫مذهبه فيما اختلف فيه الفقهاء إذا كان احملتسب من أهد االجتها ‪ ,‬أِ ال يغري ما‬
‫كان عل مذهب غريه؟ واألصح أعه ال يغري"‪.8‬‬
‫فوضى اإلفتاء والقرار السامي بقصر الفتوى على هيئة كبار العلماء‬
‫ويف السنوات القريبة صدرت فتاو غريبة‪ ,‬خمالفة لرأي مجهور الفقهاء‪ ,‬وقد‬
‫متَّ توظيفها واستخدامها لإلساءة إىل العلماء والدعاة‪ ,‬منها فتو رضاع الكبري‪,‬‬
‫اليت أثريت يف منتصف عاِ ‪8479‬هـ‪ ,‬وخالصتها أن رضاع الرجد الكبري من املرأة‬
‫األجنبية حيرمها عليه‪ ,‬وجيعلها أما له‪ ,‬بشرط احلاجة الداعية إىل ذلر‪ ,‬وتزامن‬
‫هذه الفتو م فتو إ حة االختالط‪ ,‬وخالصتها جواز االختالط بني الرجد‬
‫واملرأة األجنبيني يف العمد والدراسة بشرط اعتفاء الريبة‪.‬‬
‫وقد أحدث هذه الفتاو بلبلةً ولغطاً عريضا‪ ,‬وأ َّت إىل حرج كبري للعلماء‪,‬‬
‫وجرأت عد اً من املغرضني وامليبصني عل ا مز واللمز ِبم يف الفضائيات‬ ‫َّ‬
‫والصحف ومواق اإلعيع ‪ ,‬حىت وصد االستهزاء لعلماء وفتاواهم ‪ -‬م التهكم‬
‫عل بال ان ‪ -‬إىل بعض البامج األمريكية‪.7‬‬
‫وبناء عل هذه الفوض اإلفتائية‪ ,‬صدر توجيه ملكي كرمي لسماحة مفيت‬
‫صه‬
‫ملخ هل‬
‫عاِ اململكة العربية السعو ية برقم ‪/83123‬ب بتاريخ ‪8438/9/7‬هـ‪َّ ,‬‬

‫هذا‬ ‫‪ .8‬رح صحيح مسلم (‪ ,)73/7‬وروضة الطالبني (‪ ,)789/81‬كالمها للنووي‪ ,‬وقد انقش‬
‫القاعدة يف الفصد الثاين‪.‬‬
‫‪ .7‬منها برانمج "‪ "Real Time‬الذي يقدمه بيد ماهر ‪ Bill Maher‬الكوميدي الساخر املؤيد‬
‫للزواج املثلي‪.‬‬
‫‪48‬‬
‫ضرورة قصر الفتو عل هيئة كبار العلماء‪ ,‬م الرف للمقاِ السامي عن أهد‬
‫الكفاية واألهلية التامة لالضطالع مبهاِ الفتو ‪.‬‬
‫ترسخ يف النفوم املؤمنة مفاهيم‬ ‫ومما جاء يف التوجيه امللكي ما يلي‪َّ " :‬‬
‫مهمة يف أن الفتو وحدو الشرع احلنيف‪ ,‬جيب الوقوف عند ر ها؛ تع يماً‬
‫لدين هللا من االفتئات عليه من كد من محد آلةً تساعد عل طلب العلم‪ ,‬وال‬
‫تؤهد القتحاِ هذا املركب الصعب‪ ,‬فضالً عمن ال َيلر آلةً وال فهماً؛ ليجا ل يف‬
‫ين هللا بغري علم وال هد وال كتاب منري‪ ,‬وإمنا هو التطفد عل مائدة الشرع‪,‬‬
‫حتفه املخاطر واملهالر من كد وجه‪ ,‬وقد‬ ‫والعجلة ‪ -‬خايل الوفاض ‪ -‬يف ميدان‪ُّ ,‬‬
‫اتبعنا هذا األمر بكد اهتماِ‪ ,‬ورصدان جتاوزات‪ ,‬ال َيكن أن عسمح ِبا‪,... ,‬‬
‫وترتيباً عل ما سب ‪ ,‬وأ اءً للواجب الشرعي والوطين‪ ,‬عرغب إىل احتكم قصر‬
‫الفتو عل أعضاء هيئة كبار العلماء‪ ,‬والرف لنا عمن جتدون فيهم الكفاية‬
‫واألهلية التامة لالضطالع مبهاِ الفتو ؛ لإلذن م بذلر‪ ,‬يف مشمول اختياران‬
‫لرائسة وعضوية هيئة كبار العلماء‪ ,‬واللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء‪ ,‬ومن‬
‫أنذن م لفتو ‪ ,... ,‬عل أن َين منعاً اتً التطرق ألي موضوع يدخد يف‬
‫مشمول واذ اآلراء‪ ,‬ومفر ات أهد العلم املرجوحة‪ ,‬وأقوا م املهجورة"‪.‬‬
‫وم يقيين أن هذا التوجيه امللكي الكرمي جاء يف وقته‪ ,‬ووق عند العلماء‬
‫والدعاة موق القبول والرضا‪ ,‬وقلَّد كثرياً من فوض اإلفتاء‪ ,‬إال أعه لن يقضي‬
‫عليها من جذورها‪ ,‬إذ قد تصدر فتو غريبة أو اذة أو مهجورة من عامل كبري إذا‬
‫كان يعتمد يف فتواه عل اجتها ه الشخصي وقناعته الذاتية ‪ -‬غري مكيث أبقوال‬
‫اجلمهور واملذاهب الفقهية املعتمدة‪ ,‬وغري مبصر للواق احمللي والعاملي ‪.-‬‬

‫‪47‬‬
‫قال احلافظ ابن رجب رمحه هللا (‪295-233‬هـ)‪" :‬فإن قال أمح متكلف‪:‬‬
‫كيف هلحيصر النام يف أقوال علماء متعينني‪ ,‬وهلَين من االجتها أو من تقليد غري‬
‫أولئر من أئمة الدين؟ قيد له‪ :‬كما مج الصحابة ‪ ‬النام من القراءة بغريه يف‬
‫سائر البلدان؛ ل َّما رأوا أن املصلحة ال تتم إال بذلر‪ ,‬وأن النام إذا تهلركوا يقرؤون‬
‫عل حروف ىت وقعوا يف أع م املهالر‪ ,‬فكذلر مسائد األحكاِ وفتاو‬
‫احلالل واحلراِ‪ ,‬لو مل تهلضبط النام فيها أبقوال أئمة معدو ين أل َّ ذلر إىل فسا‬
‫عفسه من زمرة اجملتهدين‪ ,‬وأن‬ ‫كد أمح متكلف طلب الر سة هل‬ ‫الدين‪ ,‬وأن يـهلع َّد ُّ‬
‫يبتدع مقالةً ينسبها إىل بعض من سلف من املتقدمني‪ ,‬فرمبا كان بتحريف هلحيرفه‬
‫عليهم كما وق ذلر كثرياً من بعض ال اهريني‪ ,‬ورمبا كاع تلر املقالةهل زلةً من‬
‫بعض من سلف‪ ,‬قد اجتم عل تركها مجاعة من املسلمني‪ ,‬فال تقضي املصلحة‬
‫غري ما قدره هللا وقضاه من مج النام عل مذاهب هؤالء األئمة املشهورين‪,‬‬
‫رضي هللا عنهم أمجعني"‪.8‬‬
‫ولذلر فإن احلد األ واألعف ‪ -‬من وجهة ع ري ‪ -‬يكمن يف االعضباط‬
‫مبذاهب األئمة اجملتهدين‪ ,‬وخصوصا منها املذاهب الفقهية األربعة‪ ,‬وعدِ اخلروج‬
‫وضبط ‪ ,‬وتوار عل هتذيبها وحتريرها كثرة‬ ‫هل‬ ‫عما اتفق عليه‪ ,‬فهي اليت عـهلقح‬
‫كاثرة من العلماء الفحول املختصني يف سائر العلوِ املشيطة لالجتها ‪ ,‬كعلوِ‬
‫القرآن والسنة والفقه واألصول واللغة‪.‬‬
‫مث إن قرار قصر الفتو عل جمموعة حمد ة من العلماء هو أ به ما يكون‬
‫بدعوتنا اللتزاِ ملذاهب الفقهية‪ ,‬فأي فرق بني االعضباط ملذهب احلنفي‬

‫‪ .8‬الر عل من اتب غري املذاهب األربعة (‪.)5‬‬


‫‪43‬‬
‫واملالكي والشافعي واحلنبلي من جهة أو االعضباط بفتو فالن وفالن وفالن من‬
‫أغزر علماً وأقو أصوالً وأ ُّق‬
‫جهة أخر ؟! إال أن علماء املذاهب الفقهية األربعة هل‬
‫أكثر حتريرا‪.‬‬
‫تقعيداً و هل‬
‫ولعد مما يؤكد وجهة ع ري أن تلر الفتاو كثبوت التحرمي برضاع الكبري‬
‫وإ حة االختالط‪ ,‬ال جتيزها املذاهب األربعة يف معتمد فتواها‪ ,‬بد هي أقوال‬
‫مرجوحة أو مهجورة‪.‬‬
‫فأما مسألة رضاع الكبري فقد اتفق كلمة فقهاء املذاهب األربعة عل أن‬
‫الرضاع الذي يثب به التحرمي هو ما كان يف احلولني‪ ,‬قال ابن ر د رمحه هللا‬
‫(‪595-571‬هـ)‪" :‬واتفقوا عل أن الرضاع هلحيرِ يف احلولني‪ ,‬واختلفوا يف رضاع‬
‫الكبري‪ ,‬فقال مالر (‪829-93‬هـ) وأبو حنيفة (‪851-11‬هـ) والشافعي‬
‫(‪714-851‬هـ) وكافة الفقهاء‪ :‬ال هلحيرِ رضاع الكبري‪ ,‬وذهب او وأهد ال اهر‬
‫إىل أعه حيرِ"‪.8‬‬
‫وأما مسألة االختالط فقد اتفق كلمة فقهاء املذاهب األربعة عل حترمي‬
‫ومن بعض األمور؛ بسبب ما تتضمنه من اختالط الرجال لنساء‪ ,7‬قال ابن‬
‫عابدين رمحه هللا (‪8757-8891‬هـ)‪" :‬مما تهلـرُّ به الشها ة اخلروج لفرجة قدوِ‬
‫أمري؛ أي ملا تشتمد عليه من املنكرات‪ ,‬ومن اختالط النساء لرجال"‪.3‬‬

‫‪ .8‬بداية اجملتهد وهناية املقتصد البن ر د (‪.)33/7‬‬


‫تفصيد حكم االختالط‪ ,‬وذلر حبرمة ما يؤ ي إىل اعدماج بعضهم يف‬ ‫هل‬ ‫‪ .7‬سيهل عصوص يهلفهم منها‬
‫بعض‪ ,‬أو يؤ ي إىل إزالة احلواجز بني اجلنسني‪ ,‬واألمر حيتاج مزيداً من البحث‪.‬‬
‫‪ .3‬حا ية ابن عابدين (‪ ,)355/3‬وفيه رُّ ها ة املتفرجني إذا ا تمل عل اختالط الرجال لنساء‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫وقال الدسوقي رمحه هللا (‪8731-...‬هـ)‪" :‬ومن أمثلته أيضا ‪ -‬أي الوصية‬
‫مبعصية ‪ -‬أن يوصي ببناء قبة عليه وهو لي من أهلها‪ ,‬أو يوصي إبقامة مولد‬
‫احملرِ"‪.8‬‬
‫عل الوجه الذي يق يف هذه األزمنة من اختالط النساء لرجال والن ر َّ‬
‫وقال النووي رمحه هللا‪" :‬من البدع القبيحة ما اعتا ه بعض العواِ يف هذه‬
‫األزمان من إيقا الشم جببد عرفة ليلة التاس أو غريها‪ ,... ,‬وهذه ضاللة‬
‫فاحشة‪ ,‬مجعوا فيها أعواعا من القبائح‪ ,... ,‬ومنها اختالط النساء لرجال‪,‬‬
‫والشموع بينهم‪ ,‬ووجوههم رزة"‪.7‬‬
‫وقال ابن قدامة رمحه هللا‪" :‬قال أِ سلمة‪ :‬إن النساء يف عهد رسول هللا ‪‬‬
‫هلك َّن إذا سلَّمن من املكتوبة قهل امن‪ ,‬وثب رسول هللا ‪ ‬ومن صل من الرجال ما‬
‫اء هللا‪ ,‬فإذا قاِ رسول هللا ‪ ‬قاِ الرجال‪ ,‬قال الزهري‪ :‬فنر ‪ -‬وهللا أعلم ‪ -‬أن‬
‫ذلر لكي يبعد من ينصرف من النساء‪ ,‬رواه البخاري؛ وألن اإلخالل بذلر من‬
‫أحدمها يفضي إىل اختالط الرجال لنساء"‪.3‬‬

‫‪ .8‬حا ية الدسوقي عل الشرح الكبري (‪ ,)391/89‬وفيه حرمة الوصية إبقامة مولد مشتمد عل‬
‫اختالط الرجال لنساء‪.‬‬
‫‪ .7‬اجملموع للنووي (‪ ,)881/1‬وفيه حرمة إيقا الشموع ليلة عرفة؛ ال تما ا عل اختالط الرجال‬
‫لنساء‪ ,‬أما قوله يف اجملموع (‪" :)414/4‬وقد ثبت األحا يث الصحيحة املستفيضة أن النساء كن‬
‫يصلني خلف رسول هللا ‪ ‬يف مسجده خلف الرجال‪ ,‬وألن اختالط النساء لرجال‪ ,‬إذا مل يكن خلوة‪,‬‬
‫لي حبراِ"‪ ,‬فاملقصو أن النساء منعزالت عن الرجال‪ ,‬كما هو احلال يف صفوف الصالة‪.‬‬
‫‪ .3‬املغين البن قدامة (‪ ,)418/8‬وفيه اعت ار الرجال بعد الصالة إىل حني اعصراف النساء؛ لكيال حيدث‬
‫اختالط بينهم‪.‬‬
‫‪45‬‬
‫احلاجة ملحة للتأليف‬
‫وبناء عل ما سب عرضه فقد عزم عل أتليف هذا الكتاب الذي يهدف‬
‫إىل عرض وحتليد املناهج الفقهية املعاصرة؛ سعيا حنو حتديد مكمن اخللد وموطن‬
‫الزلد‪ ,‬الذي من خالله خرج هذه الفتاو واآلراء الغريبة والشاذة‪ ,‬وحدث‬
‫بسببه هذه الوقائ واألحداث القاسية واملؤملة‪.‬‬
‫وأؤكد ‪ -‬قبد البدء ‪ -‬أعين أحيِ أي رأي اجتها ي بشرط أن تتوفر يف‬
‫اجملتهد روط االجتها اليت عص عليها األصوليون‪ ,‬وأبرزها علمه لكتاب والسنة‬
‫واإلمجاع واخلالف واللغة‪ ,‬وأن ينضبط مبنهج اجتها ي واضح‪ ,‬وأن يكون فقيه‬
‫النف ‪ ,‬وسيأ بيان هذه الشروط يف فصد خاص‪.‬‬
‫وقد أ ي هذا الكتاب‪" :‬املناهج الفقهية املعاصرة‪ :‬عرض وحتليد"‪,‬‬
‫وقسمته إىل هذه املقدمة وستة فصول وخامتة‪ ,‬كما يلي‪:‬‬
‫الفصد األول‪ :‬روط االجتها الشرعي وأسباب اخلالف الفقهي‪.‬‬
‫الفصد الثاين‪ :‬املناهج الفقهية املعاصرة‪.‬‬
‫الفصد الثالث‪ :‬املنهج املذهيب‪.‬‬
‫الفصد الراب ‪ :‬املنهج السلفي‪.‬‬
‫الفصد اخلام ‪ :‬املنهج التيسريي‪.‬‬
‫الفصد السا م‪ :‬قصيدة الشيخ عبدالعزيز العلجي‪.‬‬
‫اخلامتة‪.‬‬
‫كد من ساهم يف بروز هذا الكتاب ِبذا املخب‬
‫وهللا أسأل أن جيزي خريا َّ‬
‫وامل هر‪ ,‬سواء بعلم أو وق أو مال‪ ,‬أخص منهم‪ :‬الشيخ ‪ .‬أمحد بن‬

‫‪43‬‬
‫عبداللطيف العرفج‪ ,‬والشيخ ‪ .‬عصاِ بن عبدالعزيز اخلطيب‪ ,‬والشيخ ‪ .‬حممد بن‬
‫عبدهللا اجلغيمان‪ ,‬والشيخ ‪ .‬حممد هشاِ اغبالوا (املغرب)‪ ,‬والشيخ عا ل بن أمحد‬
‫الشعييب‪ ,‬والشيخ فيصد بن عبدهللا اخلطيب‪ ,‬والشيخ عبدالرمحن بن أمحد‬
‫العبدالقا ر والشيخ مبارك بن خالد املبارك‪.‬‬
‫كما أتقدِ جبزيد الشكر ووافر االمتنان لفضيلة األستاذ الدكتور الشريف‬
‫حامت بن عارف العوين عل مراجعته وتقري ه للكتاب‪.‬‬
‫وأسأله سبحاعه أن حيق الكتاب غايته‪ ,‬وأن جيد طالب احل فيه بغيته‪ ,‬وأن‬
‫خيلص لنا النية‪ ,‬ويبارك يف األهد والذرية‪ ,‬ويصلح الراعي والرعية‪ ,‬وصل هللا وسلم‬
‫عل سيدان وعبينا حممد وعل آله وصحبه أمجعني‪ ,‬واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬

‫‪ .‬عبداإلله بن حسني بن الشيخ حممد العرفج‬


‫األحساء ‪ /‬السعو ية‬
‫‪ 8433/3/87‬هـ‬

‫‪42‬‬
41
‫الفصل األول‪ :‬شروط االجتهاد الشرعي وأسباب اخلالف الفقهي‬

‫‪49‬‬
51
‫الفصل األول‪ :‬شروط االجتهاد الشرعي وأسباب اخلالف الفقهي‬
‫مقدمة‬
‫يستعرض هذا الكتاب املناهج الفقهية املعاصرة‪ ,‬فيعرض أوجه االتفاق‬
‫واالختالف بينها‪ ,‬ويناقش مد ثباهتا عل قواعد أصولية واضحة‪ ,‬وحيلد بعض‬
‫فتاواها املتباينة‪ ,‬وع راً ألن كثريا من أسباب االختالف بني تلر املناهج الفقهية‬
‫يعو إىل فقدان روط االجتها يف بعض كبار علماء تلر املناهج رغم هرهتم‪,‬‬
‫فقد رأي افتتاح الكتاب بشروط االجتها الشرعي؛ ليتعرف طالب العلم عل‬
‫تلر الشروط اليت قررها العلماء الراسخون؛ صياعة حلم الشريعة أن يهلستباح‪,‬‬
‫ووقاية لسورها أن يهلتسل ‪.‬‬
‫املبحث األول‪ :‬شروط االجتهاد الشرعي‬
‫يتطلب االجتها الشرعي الستنباط األحكاِ الشرعية من أ لتها التفصيلية‬
‫حتقي روط أساسية؛ لضمان صحة االجتها أو ‪ -‬عل األقد ‪ -‬وجاهته‬
‫واعتباره‪ ,‬وبدون توفر تلر الشروط يف اجملتهد فإن االجتها أ به ما يكون لعبث‬
‫يف ريعة هللا اخلامتة اليت جاء ِبا رسول هللا اخلامت ‪ ,‬ولذلر فإن كثريا من‬
‫اخلالف الفقهي املعاصر يعو إىل فقدان روط االجتها يف بعض املتصدرين‬
‫للفتيا والتدري والتأليف‪ ,‬كما قيد‪" :‬لو سك من ال يعلم سقط االختالف"‪.8‬‬
‫فاالجتها مصطلح أصويل‪ ,‬وضعه علماء الفقه واألصول؛ للتعبري عن‬
‫استفراغ الوس يف استنباط األحكاِ الشرعية من أ لتها التفصيلية‪ ,7‬ولكي يتحق‬

‫‪ .8‬جام بيان العلم وفضله البن عبدالب (‪.)513/8‬‬


‫‪ .7‬اع ر ‪ -‬عل سبيد املثال ‪ -‬املستصف للغزايل (‪ ,)347‬واحملصول للرازي (‪.)3/3‬‬
‫‪58‬‬
‫استفراغ الوس حقيقةً فإن اجملتهد جيب أن حيق الشروط اخلمسة التالية‪:‬‬
‫‪ .8‬العلم لقرآن الكرمي من حيث معرفة معاين اآل ت وأسباب وأوقات عزو ا‬
‫وحمكمها ومتشاِبها وعامها وخاصها ومطلقها ومقيدها وانسخها ومنسوخها‬
‫وغري ذلر مما يعني عل فهم املرا منها‪ ,‬وال يلزمه أن حيفظ القرآن عن ظهر‬
‫قلب م استيعاب تفاسريه‪ ,‬بد يكفي أن يعرف آ ت األحكاِ وما يتعل ِبا‬
‫مما ذكرانه سابقا‪.‬‬
‫‪ .7‬العلم لسنة النبوية أبن يعرف فيها ما عرفه من القرآن الكرمي‪ ,‬إضافة إىل معرفة‬
‫صحيحها وضعيفها وما بني ذلر‪ ,‬حبيث يكون عاملا أبحا يث األحكاِ اليت‬
‫ا تمل عليها واوين السنة‪ ,‬كاألمهات الس واملساعيد اليت التزِ مصنفوها‬
‫الصحة أو قاربوها‪ ,‬وال يشيط أن يست هرها يف ذهنه‪ ,‬بد أن يتمكن من‬
‫استخراجها من مواضعها‪ ,‬وأحا يث األحكاِ أكب حجما من آ هتا‪.‬‬
‫‪ .3‬العلم للغة العربية من حيث معرفة معاين مفر اهتا وصيغ تراكيبها وحقائقها‬
‫وجمازها وصرحيها وظاهرها وجمملها ومبيَّنها وإعراِبا وتصريفها‪ ,‬وال يشيط أن‬
‫حييط للسان العريب كامال‪ ,‬بد يكفيه أن يتمكن من فهم آ ت وأحا يث‬
‫األحكاِ كما يفهمها العرب األقحاح‪ ,‬فقد قال اإلماِ الشاطيب رمحه هللا‬
‫(‪291-...‬هـ)‪" :‬فإذا فرضنا مبتدائ يف فهم العربية فهو مبتدئ يف فهم‬
‫الشريعة‪ ,‬أو متوسطا فهو متوسط يف فهم الشريعة‪ ,‬واملتوسط مل يبلغ رجة‬
‫النهاية‪ ,‬فإن اعته إىل رجة الغاية يف العربية كان كذلر يف الشريعة‪ ,‬فكان‬
‫فهمه فيها حجة كما كان فهم الصحابة وغريهم من الفصحاء الذين فهموا‬
‫القرآن حجة‪ ,‬فمن مل يبلغ أوهم فقد عقصه من فهم الشريعة مبقدار التقصري‬

‫‪57‬‬
‫عنهم‪ ,‬وكد من قصر فهمه مل يعد حجة‪ ,‬وال كان قوله فيها مقبوال‪ ,‬فال بد من‬
‫أن يبلغ يف العربية مبلغ األئمة فيها كاخلليد وسيبويه واألخفش واجلرمي واملازين‬
‫ومن سواهم"‪.8‬‬
‫‪ .4‬العلم مبواض اإلمجاع واخلالف؛ لكي ال يناقض حكما جممعا عليه‪ ,‬وال أي‬
‫تقدمه؛ ألن هذه األمة ال جتتم عل‬ ‫بقول خمالف ملن سبقه‪ ,‬وال ينكر رأ َّ‬
‫ضاللة‪ ,‬فقد قال رسول هللا ‪" :‬إن هللا ال جيم أميت ‪ -‬أو قال‪ :‬أمة حممد‬
‫‪ - ‬عل ضاللة‪ ,‬ويد هللا م اجلماعة‪ ,‬ومن ذ ذ إىل النار"‪ ,7‬وكذلر‬
‫لكي ال يق يف إعكار خالف معتب عند العلماء؛ ظنا منه أبن املسألة قيد‬
‫البحث ال يوجد فيها خالف معتب‪ ,‬واألمر لي كذلر‪.‬‬
‫‪ .5‬فقه النف أبن يكون اجملتهد صاحب ربة ومهارة وقرحية وملكة اجتها ية‬
‫وصناعة فقهية‪ ,‬وأهم العلوِ اليت تعني اجملتهد عل هذا علم أصول الفقه‪.‬‬
‫إن الشروط السابقة ذكرها علماء أصول الفقه يف كتبهم كشروط الزمة‬
‫للمجتهد قبد خوضه غمار االجتها الستنباط األحكاِ الشرعية من أ لتها‬
‫التفصيلية‪ ,‬وسأكتفي لنصوص التالية‪:‬‬
‫قال اإلماِ الشافعي رمحه هللا ‪ -‬فيما ذكره اخلطيب البغدا ي رمحه هللا‬
‫(‪433-397‬هـ)‪" :-‬ال حيد ألحد أن يفيت يف ين هللا إال رجال عارفا بكتاب‬

‫‪ .8‬املوافقات للشاطيب (‪ ,)53/5‬وهذا الشرط وحده يكفي يف بيان جترؤ كثريين من املتساهلني يف‬
‫حضرت حماضرةً ملدير جامعة رعية‪ ,‬فأخطأ يف اللغة العربية أخطاء‪ ,‬ال يصح أن تصدر‬
‫هل‬ ‫االجتها ‪ ,‬فمثال‬
‫من أ ىن رجات اجملتهدين‪ ,‬أما بعض اخلطباء والدعاة فحدث عن أخطائهم اللغوية وال حرج‪.‬‬
‫‪ .7‬رواه أبو او واليمذي ‪ -‬وهذا لف هما ‪ -‬وابن ماجه‪.‬‬
‫‪53‬‬
‫هللا‪ :‬بناسخه ومنسوخه‪ ,‬ومبحكمه ومتشاِبه‪ ,‬وأتويله وتنزيله‪ ,‬ومكيه ومدعيه‪ ,‬وما‬
‫أريد به وفيما أعزل‪ ,‬مث يكون بعد ذلر بصريا حبديث رسول هللا ‪ :‬لناسخ‬
‫واملنسوخ‪ ,‬ويعرف من احلديث ما عرف من القرآن‪ ,‬ويكون بصريا للغة‪ ,‬بصريا‬
‫لشعر‪ ,‬ومبا حيتاج إليه للعلم والقرآن‪ ,‬ويستعمد م هذا اإلعصاف وقلة الكالِ‪,‬‬
‫ويكون بعد هذا مشرفا عل اختالف فقهاء األمصار‪ ,‬وتكون له قرحية بعد هذا‪,‬‬
‫فإن كان هكذا فله أن يتكلم ويفيت يف احلالل واحلراِ‪ ,‬وإن مل يكن هكذا فلي له‬
‫أن يتكلم يف العلم وال يفيت"‪.8‬‬
‫وقال اإلماِ أبو بكر اجلصاص احلنفي رمحه هللا (‪321-315‬هـ)‪" :‬ال يكون‬
‫الرجد من أهد االجتها يف طلب أحكاِ احلوا ث حىت يكون عاملا جبمد‬
‫األصول‪ :‬من الكتاب‪ ,‬والسنة الثابتة‪ ,‬وما ور من طري أخبار اآلحا ‪ ,‬وما هو‬
‫اثب احلكم منها مما هو منسوخ‪ ,‬وعاملا لعاِ واخلاص منها‪ ,‬ويكون عاملا‬
‫بدالالت القول حلقيقة واجملاز‪ ,‬ووض كد منه موضعه‪ ,‬ومحله عل به‪ ,‬ويكون‬
‫م ذلر عاملا أبحكاِ العقول و الالهتا‪ ,‬وما جيوز فيها مما ال جيوز‪ ,‬ويكون عاملا‬
‫مبواض اإلمجاعات من أقاويد الصحابة والتابعني‪ ,‬ومن بعدهم من أهد األعصار‬
‫قبله‪ ,‬ويكون عاملا بوجوه االستدالالت‪ ,‬وطرق املقايي الشرعية‪ ,... ,‬وهي طريقة‬
‫متوارثة عن الصحابة والتابعني‪ ,‬ينقلها خلف عن سلف‪ ,‬فسبيلها أن تؤخذ عن‬
‫أهلها من الفقهاء الذين يعرفوهنا‪ ,... ,‬فمن كان ملنزلة اليت وصفنا جاز له‬
‫االجتها يف أحكاِ احلوا ث‪ ,‬ور الفروع إىل أصلها‪ ,‬وجاز له الفتيا ِبا إذا كان‬

‫‪ .8‬الفقيه واملتفقه للخطيب (‪ ,)852/7‬واع ر البحر احمليط للزركشي (‪ ,)779/1‬والتقرير والتحبري البن‬
‫أمري احلاج (‪ ,)797/3‬وكشاف القناع للبهو (‪ ,)792/3‬ومطالب أويل النه للرحيباين (‪.)439/3‬‬
‫‪54‬‬
‫عدال‪ ,‬فأما إن مج ذلر ومل يكن عدال‪ ,‬فإن فتياه غري مقبولة‪ ,‬كما ال يقبد خبه‬
‫إذا رواه‪ ,‬وال ها ته إذا هد"‪.8‬‬
‫وقال اإلماِ أبو إسحاق الشريازي الشافعي رمحه هللا (‪423-393‬هـ)‪:‬‬
‫"وينبغي أن يكون املفيت عارفا بطرق األحكاِ‪ ,‬وهي الكتاب‪ ,‬والذي جيب أن‬
‫يعرف من ذاك ما يتعل بذكر األحكاِ واحلالل واحلراِ‪ ,‬ون ما فيه من القصص‬
‫واألمثال واملواعظ واألخبار‪ ,‬وحييط لسنن املروية عن رسول هللا ‪ ‬يف بيان‬
‫األحكاِ‪ ,‬ويعرف الطرق اليت يعرف ِبا ما حيتاج إليه من الكتاب والسنة من‬
‫أحكاِ اخلطاب وموار الكالِ ومصا ره‪ ,‬من احلقيقة واجملاز‪ ,‬والعاِ واخلاص‪,‬‬
‫واجملمد واملفصد‪ ,‬واملطل واملقيد‪ ,‬واملنطوق واملفهوِ‪ ,‬ويعرف من اللغة والنحو ما‬
‫يعرف به مرا هللا تعاىل ومرا رسوله ‪ ‬يف خطاِبما‪ ,‬ويعرف أحكاِ أفعال رسول‬
‫هللا ‪ ‬وما تقتضيه‪ ,‬ويعرف الناسخ من ذلر من املنسوخ‪ ,‬وأحكاِ النسخ وما‬
‫يتعل به‪ ,‬ويعرف إمجاع السلف وخالفهم‪ ,‬ويعرف ما يعتد به من ذلر وما ال‬
‫يعتد به‪ ,‬ويعرف القيام واالجتها ‪ ,‬واألصول اليت جيوز تعليلها وما ال جيوز‪,‬‬
‫واألوصاف اليت جيوز أن يعلد ِبا وما ال جيوز‪ ,‬وكيفية اعتزاع العلد‪ ,‬ويعرف ترتيب‬
‫األ لة بعضها عل بعض وتقدمي األوىل منها‪ ,‬ووجوه اليجيح‪ ,‬وجيب أن يكون ثقة‬
‫مأموان‪ ,‬ال يتساهد يف أمر الدين"‪.7‬‬
‫وقال اإلماِ أبو عمرو ابن الصالح الشافعي رمحه هللا (‪343-522‬هـ) ‪-‬‬
‫يف بيان روط املفيت وصفاته ‪" :-‬مث ينقسم وراء هذا إىل قسمني‪ :‬مستقد وغري‬

‫‪ .8‬الفصول يف األصول للجصاص (‪.)723/4‬‬


‫‪ .7‬اللم للشريازي (‪.)872‬‬
‫‪55‬‬
‫مستقد‪ ,‬القسم األول املفيت املستقد‪ ,‬و رطه أن يكون م ما ذكرانه قي ًما مبعرفة‬
‫أ لة األحكاِ الشرعية من الكتاب والسنة واإلمجاع والقيام وما التح ِبا عل‬
‫التفصيد‪ ,‬وقد فصل يف كتب الفقه‪ ,‬وغريها‪ ,‬فتيسرت واحلمد هلل‪ ,‬عاملا مبا‬
‫يشيط يف األ لة ووجوه اللتها وبكيفية اقتبام األحكاِ منها‪ ,‬وذلر يستفا من‬
‫علم أصول الفقه‪ ,‬عارفًا من علم القرآن وعلم احلديث وعلم الناسخ واملنسوخ‬
‫وعلمي النحو واللغة واختالف العلماء واتفاقهم لقدر الذي يتمكن به من الوفاء‬
‫بشروط األ لة واالقتبام منها‪ ,‬ذا ربة وارتياض يف استعمال ذلر‪ ,‬عاملا لفقه‪,‬‬
‫ضابطًا ألمهات مسائله وتفاريعه املفروغ من متهيدها‪ ,‬فمن مج هذه الفضائد فهو‬
‫جمتهدا‬
‫ً‬ ‫املفيت املطل املستقد الذي يتأ به فرض الكفاية‪ ,‬ولن يكون إال‬
‫مستقال‪ ,‬واجملتهد املستقد هو الذي يستقد إب راك األحكاِ الشرعية من األ لة‬
‫الشرعية من غري تقليد وتقيد مبذهب أحد‪ ,... ,‬القسم الثاين املفيت الذي لي‬
‫مبستقد‪ ,‬ومنذ هر طويد طهلوي بساط املفيت املستقد املطل ‪ ,‬واجملتهد املستقد‪,8‬‬
‫وأفض أمر الفتو إىل الفقهاء املنتسبني إىل أئمة املذاهب املتبوعة"‪.7‬‬
‫وقال اإلماِ القرايف املالكي رمحه هللا (‪314-373‬هـ)‪" :‬الفصد اخلام يف‬
‫رائطه‪ ,‬وهو أن يكون عاملاً مبعاين األلفاظ وعوارضها من التخصيص والنسخ‪,‬‬

‫‪ .8‬يشهد ذا القول ما ذكره ابن القيم يف إعالِ املوقعني (‪ )45/8‬و (‪ )715/4‬أن رجال سأل اإلماِ‬
‫أمحد بن حنبد‪ :‬إذا حفظ الرجد مائة ألف حديث يكون فقيها؟ فقال‪ :‬ال‪ ,‬قال‪ :‬فمائيت ألف؟ قال‪ :‬ال‪,‬‬
‫قال‪ :‬فثالمثائة ألف؟ قال‪ :‬ال‪ ,‬قال‪ :‬فأربعمائة ألف؟ فقال اإلماِ بيده هكذا وحرك يده‪.‬‬
‫‪ .7‬أ ب املفيت واملستفيت البن الصالح (‪ ,)13‬واع ر اجملموع للنووي (‪ ,)47/8‬فإعه عقله عنه وأقره‪ ,‬وقال‬
‫اإلماِ الذهيب يف سري أعالِ النبالء (‪ - )97/1‬بعد ذ اكر عد من أئمة الفقهاء املتقدمني ‪" :-‬ومل يب‬
‫اليوِ إال هذه املذاهب األربعة‪ ,‬وق َّد من ينهض مبعرفتها كما ينبغي‪ ,‬فضال عن أن يكون جمتهدا"‪.‬‬
‫‪53‬‬
‫وأصول الفقه‪ ,‬ومن كتاب هللا تعاىل ما يتضمن األحكاِ وهي مخسمائة آية‪,... ,‬‬
‫ومن السنة مبواض أحا يث األحكاِ ون حف ها‪ ,‬ومواض اإلمجاع واالختالف‪,‬‬
‫والباءة األصلية‪ ,‬و رائط احلد والبهان‪ ,‬والنحو واللغة والتصريف وأحوال الرواة‪,‬‬
‫ويقلد من تقدِ يف ذلر‪ ,‬وال يشيط عموِ الن ر‪ ,‬بد جيوز أن حيصد صفة‬
‫االجتها يف فن ون فن‪ ,‬ويف مسألة ون مسألة‪ ,‬خالفاً لبعضهم"‪.8‬‬
‫ابن النجار احلنبلي رمحه هللا (‪927-191‬هـ)‪(" :‬و رط جمتهد‬ ‫وقال اإلماِ هل‬
‫كوعه فقيها‪ ,‬وهو) أي الفقيه يف االصطالح (العامل أبصول الفقه) أي أبن يكون له‬
‫قدرة عل استخراج أحكاِ الفقه من أ لتها‪( ,‬وما يهلستمد منه) أي من أصول‬
‫الفقه‪ ,‬ويتضمن ذلر أن يكون عنده سجية وقوة‪ ,‬يقتدر ِبا عل التصرف جلم‬
‫والتفري واليتيب والتصحيح واإلفسا ‪ ,‬فإن ذلر مالك صناعة الفقه‪ ,... ,‬والذي‬
‫يستمد منه أصول الفقه هو الكتاب والسنة وما تفرع عنهما‪( ,‬و) أن يكون عاملا بـ‬
‫(األ لة السمعية مفصلة واختالف مراتبها)‪( ,... ,‬فمن الكتاب والسنة ما يتعل‬
‫ألحكاِ)‪( ,... ,‬و) يشيط يف اجملتهد أيضا أن يكون عاملا بـ (الناسخ واملنسوخ‬
‫منهما)‪( ,... ,‬و) يشيط يف اجملتهد أيضا أن يكون عاملا بـ (صحة احلديث‬
‫وضعفه) سندا ومتنا‪( ,... ,‬و) يشيط فيه أيضا أن يكون يف علمه (من النحو‬
‫واللغة ما يكفيه فيما يتعل ِبما) أي لنحو واللغة يف كتاب هللا سبحاعه وتعاىل‬
‫ومبني و) من (حقيقة‬‫وسنة رسوله ‪( ‬من عص و) من (ظاهر و) من (جممد َّ‬
‫وجماز و) من (أمر وهني و) من (عاِ وخاص و) من (مستثىن ومستثىن منه و)‬
‫من (مطل ومقيد و) من ( ليد اخلطاب وحنوه) كفحو اخلطاب وحلنه ومفهومه‪,‬‬

‫‪ .8‬رح تنقيح الفصول للقرايف (‪.)432‬‬


‫‪52‬‬
‫‪( ,...‬و) يشيط فيه أيضا أن يكون عاملا بـ (اجملم عليه واملختلف فيه) حىت ال‬
‫يفيت خبالف ما أمج عليه‪ ,‬فيكون قد خرق اإلمجاع"‪.8‬‬
‫وقال اإلماِ الشوكاين رمحه هللا (‪8751-8823‬هـ)‪" :‬فاجملتهد هو الفقيه‬
‫املستفرغ لوسعه لتحصيد ظن حبكم رعي‪ ,... ,‬وإمنا يتمكن من ذلر بشروط‪:‬‬
‫األول أن يكون عاملا بنصوص الكتاب والسنة‪ ,... ,‬واحل الذي ال ر فيه وال‬
‫بهة أن اجملتهد ال بد أن يكون عاملا مبا ا تمل عليه جمامي السنة اليت صنفها‬
‫أهد الفن‪ ,‬كاألمهات الس وما يلتح ِبا‪ ,‬مشرفا عل ما ا تمل عليه‬
‫املساعيد واملستخرجات والكتب اليت التزِ مصنفوها الصحة‪ ,‬وال يشيط يف هذا أن‬
‫تكون حمفوظة له‪ ,‬مستحضرة يف ذهنه‪ ,‬بد أن يكون ممن يتمكن من استخراجها‬
‫من مواضعها‪ ,‬لبحث عنها عند احلاجة إىل ذلر‪ ,... ,‬الشرط الثاين أن يكون‬
‫عارفا مبسائد اإلمجاع‪ ,‬حىت ال يفيت خبالف ما وق اإلمجاع عليه إن كان ممن يقول‬
‫حبجية اإلمجاع وير أعه ليد رعي‪ ,... ,‬الشرط الثالث أن يكون عاملا بلسان‬
‫العرب‪ ,‬حبيث َيكنه تفسري ما ور يف الكتاب والسنة من الغريب وحنوه‪ ,... ,‬وإمنا‬
‫يتمكن من معرفة معاعيها وخواص تراكيبها وما ا تمل عليه من لطائف املزا من‬
‫كان عاملا بعلم النحو والصرف واملعاين والبيان‪ ,‬حىت يثب له يف كد فن من هذه‬
‫الفنون ملكة‪ ,‬يستحضر ِبا كد ما حيتاج إليه عند ورو ه عليه‪ ,‬فإعه بذلر ين ر يف‬
‫الدليد ع را صحيحا‪ ,‬ويستخرج منه األحكاِ استخراجا قو ‪ ,‬ومن جعد املقدار‬
‫احملتاج إليه من هذه الفنون هو معرفة خمتصر من خمتصراهتا أو كتاب متوسط من‬
‫املؤلفات املوضوعة فيها فقد أبعد‪ ,‬بد االستكثار من املمارسة ا والتوس يف‬

‫‪ .8‬الكوكب املنري البن النجار (‪.)459/4‬‬


‫‪51‬‬
‫االطالع عل مطوالهتا مما يزيد اجملتهد قوة يف البحث وبصراً يف االستخراج وبصرية‬
‫يف حصول مطلوبه‪ ,... ,‬الشرط الراب أن يكون عاملا بعلم أصول الفقه؛ ال تماله‬
‫عل ما مت احلاجة إليه‪ ,‬وعليه أن يهلطول الباع فيه ويطل عل خمتصراته ومطوالته‬
‫مبا تبلغ إليه طاقته‪ ,‬فإن هذا العلم هو عما فسطاط االجتها وأساسه الذي تقوِ‬
‫عليه أركان بنائه‪ ,‬وعليه أيضا أن ين ر يف كد مسألة من مسائله ع راً يوصله إىل ما‬
‫هو احل فيها‪ ,‬فإعه إذا فعد ذاك متكن من ر الفروع إىل أصو ا أبيسر علم‪ ,‬وإذا‬
‫أن‬ ‫قصر يف هذا الفن صعب عليه الر ‪ ,‬وخبط فيه وخلط‪ ,... ,‬الشرط اخلام‬
‫يكون عارفا لناسخ واملنسوخ"‪.8‬‬
‫مراتب اجملتهدين‬
‫ع راً لندرة اجملتهد املستقد فإعه جيوز استفتاء العلماء املتقيدين مبذاهب األئمة‬
‫اجملتهدين‪ ,‬املنتسبني إليها‪ ,‬فقد قال اإلماِ النووي رمحه هللا‪" :‬وللمفيت املنتسب ‪-‬‬
‫أي إىل مذهب فقهي ‪ -‬أربعة أحوال‪ :‬أحدها أن ال يكون مقلدا إلمامه‪ ,‬ال يف‬
‫املذهب وال يف ليله؛ التصافه بصفة املستقد‪ ,‬وإمنا ينسب إليه؛ لسلوكه طريقه يف‬
‫االجتها ‪ ,... ,‬الثاعية أن يكون جمتهدا مقيدا يف مذهب إمامه‪ ,‬مستقال بتقرير‬
‫أصوله لدليد‪ ,‬غري أعه ال يتجاوز يف أ لته أصول إمامه وقواعده‪ ,... ,‬وال يعر‬
‫عن وب تقليد له؛ إلخالله ببعض أ وات املستقد‪ ,‬أبن خيد حلديث أو العربية‪,‬‬
‫‪ ,...‬وهذه صفة أصحابنا أصحاب الوجوه‪ ,... ,‬الثالثة أن ال يبلغ رتبة أصحاب‬
‫الوجوه‪ ,‬لكنه فقيه النف ‪ ,‬حافظ مذهب إمامه‪ ,‬عارف أب لته‪ ,‬قائم بتقريرها‪,‬‬
‫يصور وحيرر ويقرر‪ ,‬وَيهد ويزيف ويرجح‪ ,‬لكنه قصر عن أولئر؛ لقصوره عنهم يف‬

‫‪ .8‬إر ا الفحول للشوكاين (‪.)713/7‬‬


‫‪59‬‬
‫حفظ املذهب‪ ,‬أو االرتياض يف االستنباط‪ ,‬أو معرفة األصول‪ ,‬وحنوها من أ واهتم‪,‬‬
‫وهذه صفة كثري من املتأخرين إىل أواخر املائة الرابعة‪ ,... ,‬الرابعة أن يقوِ حبفظ‬
‫املذهب وعقله وفهمه يف الواضحات واملشكالت‪ ,‬ولكن عنده ضعف يف تقرير‬
‫أ لته وحترير أقيسته‪ ,‬فهذا يعتمد عقله وفتواه به"‪.8‬‬
‫تبني أن اجملتهدين الذين يتصدَّون الستنباط األحكاِ الشرعية عل‬ ‫وِبذا ي َّ‬
‫مراتب متفاوتة‪:‬‬
‫‪ .8‬أو ا وأعالها اجملتهد املستقد‪ ,‬وهو العامل املستقد بتأسي قواعد اجتها ية‬
‫أصولية خاصة به‪ ,‬مث استنباط األحكاِ الشرعية من أ لتها التفصيلية بناءً عل‬
‫تلر القواعد األصولية‪ ,‬ومن أمثلتهم األئمة األربعة وع راؤهم من أئمة‬
‫االجتها كسفيان الثوري والليث بن سعد واألوزاعي‪.‬‬
‫صح عنده القواعد االجتها ية‬ ‫‪ .7‬اثعيها اجملتهد املطل ‪ ,‬وهو العامل الذي َّ‬
‫األصولية ألحد األئمة‪ ,‬مث استقد بنفسه يف استنباط األحكاِ الشرعية من‬
‫أ لتها التفصيلية بناءً عل تلر القواعد األصولية‪ ,‬ومن أمثلتهم أصحاب‬
‫األئمة األربعة وكبار علماء مذاهبهم‪.‬‬
‫‪ .3‬اثلثها اجملتهد املقيد‪ ,‬وهو العامل الذي سلر منهج إماِ مستقد يف االجتها‬
‫تقليدا له‪ ,‬ولكنه م ذلر َيتلر القدرة عل االجتها اجلزئي‪ ,‬فتكثر‬
‫اجتها اته واختياراته يف مذهبه‪.‬‬
‫‪ .4‬رابعها جمتهد الفتو ‪ ,‬وهو الفقيه احلافظ ألقوال علماء مذهبه‪ ,‬وَيتلر القدرة‬
‫عل اليجيح بينها والتفري عليها‪.‬‬

‫‪ .8‬اجملموع للنووي (‪.)43/8‬‬


‫‪31‬‬
‫ختفيف شروط االجتهاد من خالل جتديد أصول الفقه‬
‫وع را لقصور ا مم وحاجة بعض علماء هذا العصر ‪ -‬وبعض املثقفني‬
‫واملفكرين ‪ -‬إىل اإل الء بدلوهم يف استنباط األحكاِ الشرعية استصعب بعضهم‬
‫روط االجتها ‪ ,‬ورأوا أهنا روط تعجيزية‪ ,‬وتؤ ي إىل إغالق ب االجتها ‪,‬‬
‫فأحدثوا القول بتخفيف روط االجتها من خالل جتديد علم أصول الفقه‪.‬‬
‫فمن أولئر الدعاة الدكتور حسن اليايب عفا هللا عنه‪ ,‬فقد قرر أن علم‬
‫أصول الفقه كان متطورا من جيد إىل جيد‪ ,‬وأكب ليد عل ذلر ‪ -‬حسب رأيه‬
‫ووس ائرة‬‫‪ -‬أن عمر بن اخلطاب ‪ ‬أوقف العمد ببعض النصوص الشرعية‪َّ ,‬‬
‫املصاحل‪ ,‬إال أن بعض العلماء الالحقني أوقفوا عملية التطوير‪ ,‬فأصبح هذا العلم ال‬
‫يليب حاجات العصر‪ ,‬وغلب عليه اجلدل والبحوث الكالمية‪ ,‬وأن احلد يكمن يف‬
‫تطوير علم أصول الفقه من خالل التايل‪:8‬‬
‫‪ ‬القيام الواس املتحرر من علة احلكم‪ ,‬يقول‪" :‬أما القيام اإلمجايل األوس أو‬
‫قيام املصاحل املرسلة فهو رجة أرق يف البحث عن جوهر مناطات األحكاِ‪,‬‬
‫إذ أنخذه مجلة من أحكاِ الدين منسوبة إىل مجلة الواق اليت تنزل فيه‪,‬‬
‫وعستنبط من ذلر مصاحل عامة‪ ,‬وعرتب عالقاهتا من حيث األولوية واليتيب‪,‬‬
‫وبذلر التصور ملصاحل الدين هنتدي إىل تن يم حياتنا مبا يواف الدين‪ ,‬بد يتاح‬
‫لنا أن عوس صور التدين أضعافا مضاعفة"‪.‬‬
‫‪ ‬االستصحاب الواس املعتمد عل قبول ما تعارف النام عليه‪ ,‬يقول‪" :‬ومغز‬
‫االستصحاب هو أن الدين مل ينزل بتأسي حياة كلها جديدة‪ ,‬وإلغاء احلياة‬

‫‪ .8‬اع ر كتابه جتديد أصول الفقه اإلسالمي‪.‬‬


‫‪38‬‬
‫قبد الدين أبسرها‪ ,‬بد كان املبدأ املعتمد أن ما تعارف عليه النام مقبول‪,‬‬
‫وإمنا ينزل الشرع ويتدخد ليصلح ما اعوج من أمرهم"‪.‬‬
‫‪ ‬الفقه الشعيب الذي يعطي الشعب ح إصدار األحكاِ الفقهية‪ ,‬يقول‪:‬‬
‫"ومهما تكن املؤهالت الر ية فجمهور املسلمني هو احلكم‪ ,‬وهم أصحاب‬
‫الشأن يف متييز الذي هو أعلم وأقوِ‪ ,‬ولي يف الدين كنيسة أو سلطة ر ية‬
‫حتتكر الفتو "‪.‬‬
‫‪ ‬أوامر احلكاِ التشريعية‪ ,‬يقول‪ " :‬لرغم من أن أصول القرآن الكرمي جتعد لوالة‬
‫األمر ح الطاعة من بعد طاعة هللا والرسول‪ ,‬ولقد سك الفقهاء عن هذا‬
‫احل ‪ ,‬فال تكا جتد له أثرا يف كتب أصول الفقه أو أصول األحكاِ‪ ,‬حىت لو‬
‫قرأت كتا حديثا عن أصول الفقه اإلسالمي فإعر ال تكا تق فيه عل ذكر‬
‫احلكومة ألبتة"‪ ,‬ويقول‪" :‬وَيكن بذلر أن تتغري أصول الفقه واألحكاِ‪,‬‬
‫ويصبح إمجاع األمة املسلمة أو الشعب املسلم‪ ,‬وتصبح أوامر احلكاِ كذلر‬
‫أصلني من أصول األحكاِ يف اإلسالِ"‪.‬‬
‫إن معامل جتديد أصول الفقه عند الدكتور اليايب تتمحور يف اتباع املصاحل‬
‫املرهتنة مبا يتعارف عليه مجهور الشعب املسلم واحلكومة املسلمة‪ ,‬وال خيف ما يف‬
‫هذا التجديد من املطاطية املرعة اخلاضعة للرغبات واألهواء الشخصية‪ ,‬واملؤ ية إىل‬
‫التحرر واالعفالت من النصوص الشرعية والقواعد األصولية‪.‬‬
‫فقارن هذا التجديد اخلاض لواق النام وأعرافهم ورغباهتم لتجديد املتني‬
‫الذي عا إليه العالمة الفقيه األصويل الشيخ عبدهللا بن بيه حف ه هللا‪ ,‬فقد قسم‬
‫ماهية علم أصول الفقه إىل أرب مكوانت‪ :‬املا ة والصورة والغاية والفاعد‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫فأما ما ة أصول الفقه فهي ما يكون منها استمدا ه‪ ,‬كالقرآن والسنة‬
‫وفتاو الصحابة‪ ,‬وأما صورة أصول الفقه فهي الشكد الناتج من التصرف يف‬
‫ما ته‪ ,‬سواء كان ذلر تركيبا أو تبويبا أو ترتيبا أو تلقيبا أو تقريبا‪ ,‬وأما غاية أصول‬
‫الفقه فهي الوصول إىل األحكاِ الشرعية طبقا لقاعون منضبط‪ ,‬وأما الفاعد يف‬
‫أصول الفقه فهو العامل اجملتهد‪.‬‬
‫وبعد هذا التقسيم أخذ الشيخ عبدهللا بن بيه حف ه هللا يوضح معامل عوته‬
‫لتجديد علم أصول الفقه‪ ,‬وها أان أخلصها يف النقاط التالية‪:8‬‬
‫‪ ‬عدِ املسام مبا ة أصول الفقه‪ ,‬وهي األصول السبعة اليت يكون منها‬
‫استمدا ه‪ ,‬وهي‪ :‬القرآن الكرمي‪ ,‬والسنة النبوية أقواال وأفعاال‪ ,‬واللغة العربية‬
‫ملعرفة فحو اخلطاب وأتويد األخبار‪ ,‬والفقه رغم كوعه مدلوال‪ ,‬وفتاو‬
‫الصحابة‪ ,‬وعلم الكالِ إذ به يتم العلم ملرسد والرسول‪ ,‬واملنط إذ منه‬
‫التصورات والتصديقات واألقيسة‪ ,‬وَيكن االستعاضة عن األصلني األخريين‬
‫لعقد؛ ألعه عمدة يف معرفة مدلوالت األلفاظ ومعاين النصوص‪ ,‬وتبق‬
‫روط ثبوته‬ ‫منطقة خطرية من إعمال العقد‪ ,‬وهي احلكم بر عص اكتمل‬
‫روايةً لوجو استحالة عقلية‪.‬‬
‫‪ ‬ال جمال للتجديد يف غاية أصول الفقه؛ ألن غايته هي الوصول إىل األحكاِ‬
‫الشرعية بطرق منضبطة‪ ,‬وَيكن اختصار الغاية يف كلمتني‪ :‬االستنباط‬

‫‪ .8‬اع ر كتابه إاثرات جتديدية يف حقول األصول‪.‬‬


‫‪33‬‬
‫واالعضباط‪ ,8‬فاالستنباط هو استخراج احلكم من حمد خفاء وغموض‪,‬‬
‫واالعضباط هو الوصول إىل النتيجة طبقا لقاعون حمد ‪.‬‬
‫‪ ‬من املناسب أن يكون التجديد فيما يتعل لفاعد يف أصول الفقه أبن يتم‬
‫االجتها الفقهي من خالل مؤسسات اجتها مجاعي؛ لتتضامن اخلبات‬
‫والتخصصات‪ ,‬حبيث يشيك فيه اخلباء م الفقهاء‪.‬‬
‫‪ ‬أوس أقساِ أصول الفقه جتديدا هو التجديد يف صورة أصول الفقه‪ ,‬ويقصد‬
‫لصورة ذلر امل هر أو الشكد الناتج من تصرف الفقهاء اجملتهدين يف ما ة‬
‫أصول الفقه‪ ,‬سواء كان ذلر تركيبا أو تبويبا أو ترتيبا أو تلقيبا أو تقريبا‪.‬‬
‫‪ ‬فاليكيب هو إثبات أمر هلكلي وإحلاق أجزائه به‪ ,‬أو هو ضم األجزاء املفرقة‬
‫لتكون هلكال مركبا‪ ,‬أو هو تركيب جزئي عل جزئي‪ ,‬فاألول عزول من أعل‬
‫كلي ألسفد جزئي‪ ,‬والثاين صعو من أسفد جزئي ألعل كلي‪ ,‬والثالث محد‬
‫جزئي أخف عل جزئي أظهر‪ ,‬فمن أمثلة األول األ لة اإلمجالية والقواعد‬
‫الكلية اليت يتكون منها أصول الفقه‪ ,‬كداللة األمر عل الوجوب‪ ,‬فإهنا أ لة‬
‫وقواعد اثبتة أب لة رعية أو عقلية أو لغوية‪ ,‬ومن أمثلة الثاين االستقراء والتتب‬
‫للجزئيات‪ ,‬ومن أمثلة الثالث القيام‪.‬‬
‫‪ ‬أما التبويب فهو عنوان جيم طائفة من املسائد املرتبطة ببعضها‪ ,‬وتدور عل‬
‫حمور واحد‪ ,‬وتسبح يف فلر واحد‪ ,‬كباب اإلمجاع أو القيام‪.‬‬
‫‪ ‬أما اليتيب فيدخد فيه ترتيب املوضوعات‪ ,‬ابتداء لتعريفات ومرورا حلكم‬

‫‪ .8‬االعضباط يف االستنباط هو أهم ما َييز املنهج املذهيب يف التعاطي م االجتها الفقهي كما سي يف‬
‫الفصول التالية‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫واحلاكم واحملكوِ به‪ ,‬مث األ لة من كتاب وسنة وإمجاع وقيام وغريها‪ ,‬واعتهاء‬
‫مبسائد االجتها والتقليد واإلفتاء‪ ,‬أما اليتيب األهم فهو ترتيب األ لة حسب‬
‫رجة الدليد‪ :‬قوة وضعفا‪ ,‬وذلر جلم مث اليجيح‪.‬‬
‫‪ ‬أما التلقيب فهو وض ألقاب ملختلف مسائد األصول‪ ,‬وقد خيتلف األصوليون‬
‫يف األلقاب وضعا وعدما‪ ,‬وقد خيتلفون يف مضموهنا أيضا‪ ,‬كفحو اخلطاب‬
‫عند اجلمهور‪ ,‬وهو اللة النص عند احلنفية‪.‬‬
‫‪ ‬وأما التقريب فهو الشرح واالختصار والتحشية والن م‪ ,‬وهي أعمال تعليمية‬
‫أكثر من كوهنا أعمال عملية لتوليد األحكاِ‪.‬‬
‫‪ ‬بعد هذا التوضيح رع الشيخ عبدهللا بن بيه يف بيان رؤيته للتجديد يف‬
‫الصورة‪ ,‬واختصرها يف ثالث جماالت كب ‪:‬‬
‫‪ .8‬االجتها يف الالت األلفاظ أو مدلول الدليد‪ ,‬وِبا حيصد اجلواب عن‬
‫"ماذا"؟ أي ما املعىن املرا من تلر األلفاظ؟ ومر ه إىل اللغة العربية وعلومها‬
‫املختلفة‪ ,‬ويدخد فيه مباحث املنطوق ‪ -‬بدالالته الثالث‪ :‬املطابقة والتضمن‬
‫وااللتزاِ ‪ -‬واملفهوِ ‪ -‬بنوعيه‪ :‬مفهوِ املوافقة ومفهوِ املخالفة ‪ ,-‬واحلقيقة‬
‫واجملاز وغريها من املباحث ذات االرتباط الوثي للغة العربية‪ ,‬وأي مقيح‬
‫الشيخ يف التجديد يف هذا الباب بدراسة ال اهرة اللغوية اعطالقا من ثالثي‪:‬‬
‫الوض واالستعمال واحلمد‪ ,‬ومن الضروري أن تتضامن ثالثة علوِ لضبط‬
‫ال اهرة اللغوية‪ ,‬وهي‪ :‬علم اللغة‪ :‬حنوا وصرفا ومفر ات‪ ,‬وعلم البالغة وخباصة‬
‫علم املعاين والبيان‪ ,‬وعلم أصول الفقه يف مسلكه يف الالت األلفاظ‪ ,‬ومن‬
‫املناسب إضافة املعارف البشرية يف اللساعيات عموما؛ للتعم يف فهم العالقة‬

‫‪35‬‬
‫بني اللفظ واملعىن‪.‬‬
‫‪ .7‬االجتها يف املصاحل واملفاسد أو من ومة التعليد‪ ,‬وِبا حيصد اجلواب عن‬
‫"ملاذا"؟ أي ما العلة يف هذا احلكم؟ أو ما مناط احلكم؟ ومر ه إىل فقه‬
‫املقاصد‪ ,‬ويدخد فيه مباحث القيام واالستصالح واالستحسان وسد‬
‫الذرائ ‪ ,‬م التأصيد للتعليد من خالل وض مقدمة عن األقيسة الثالثة‪:‬‬
‫الشمويل واالستقرائي واجلزئي‪ ,‬فاألول استدالل بكلي عل جزئي‪ ,‬والثاين‬
‫استدالل جبزئي عل كلي أو تصفح اجلزئيات للوصول إىل حكم كلي‪ ,‬والثالث‬
‫استدالل جبزئي عل جزئي‪.‬‬
‫‪ .3‬االجتها يف حتقي املناط‪ ,‬وِبا حيصد اجلواب عن "كيف"؟ أي كيف عنزل‬
‫األحكاِ الشرعية عل الوقائ اجلزئية؟ فاملناط هو العلة اليت عهلل عليها احلكم‬
‫الشرعي‪ ,‬والتحقي هو الثبوت‪ ,‬فيكون املعىن ثبوت العلة يف الواقعة اجلزئية‪,‬‬
‫األمر الذي يؤ ي إىل ثبوت احلكم الشرعي فيها‪ ,‬وإذا كاع وسائد حتقي‬
‫املناط مخسة‪ :‬لغوية وعرفية وحسية وعقلية وطبيعية‪ ,‬فإعه َيكن أن يضاف ا‪:‬‬
‫ميزان املصاحل واملفاسد‪ ,‬والن ر يف املآالت‪ ,‬واعتبار احلاجات يف إ حة‬
‫املمنوعات كاعتبار الضرورات يف إ حة احمل ورات‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬أسباب اخلالف الفقهي‬
‫رغم فقدان كثري من روط االجتها الشرعي يف بعض العلماء املعاصرين‬
‫املتصدرين للفتيا والتدري والتأليف‪ ,‬األمر الذي أ إىل اتساع ائرة االختالف‪,‬‬
‫فإن حتقي العلماء لشروط االجتها ال يعين عدِ وقوع اخلالف بينهم‪ ,‬ولكنه‬
‫سيكون اخلالف الوجيه املعتب الذي ال خيرج عن ائرة األجر واألجرين‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫ومما ينبغي التنبيه إليه أن اختالف الفقهاء رمحهم هللا مل ينشأ بسبب خفاء أو‬
‫غموض يف مصا ر الشريعة اإلسالمية‪ ,‬كما أعه مل ينشأ بسبب ا و أو اتباع‬
‫ح وظ النف أو الرغبة يف املخالفة من أجد ال هور‪ ,‬بد كان الختالفهم أسباب‬
‫كثرية‪ ,‬أبرزها‪:‬‬
‫‪ .8‬طبيعة اللغة العربية اليت عزل ِبا كتاب هللا وتكلم ِبا رسوله ‪ ‬من حيث‪:‬‬
‫حقيقتها وجمازها وا ياك ألفاظها ومعاين حروفها وطريقة إعراِبا وغري ذلر‪.‬‬
‫‪ .7‬اختالفهم يف ثبوت احلديث النبوي من حيث‪ :‬اختالفهم يف روط ثبوت‬
‫احلديث‪ ,‬وتعديد الرواة‪ ,‬وأحا يث اآلحا ‪ ,‬واختالف مناهج اجلم واليجيح‬
‫بني األ لة املتعارضة ظاهرا‪.‬‬
‫‪ .3‬اختالف مناهجهم يف موقف السنة النبوية من القرآن الكرمي من حيث عسخها‬
‫للقرآن وختصيص النص العاِ الوار فيه‪.‬‬
‫‪ .4‬اختالفهم يف حجية بعض األصول واملصا ر التشريعية‪ ,‬كاملصاحل‬
‫واالستصحاب واالستحسان والعرف واالستقراء وقول الصحايب وسد الذرائ‬
‫وعمد أهد املدينة و رع من قبلنا‪.‬‬
‫‪ .5‬اختالفهم يف املنهج األصويل أو القواعد األصولية اليت يسريون عليها يف ميدان‬
‫االجتها الشرعي واستنباط األحكاِ الشرعية من أ لتها التفصيلية‪.‬‬
‫وأجد من املناسب أن أعرض هذه األسباب عل سبيد التفصيد والتمثيد‪.8‬‬

‫‪ .8‬أهلفر ت أسباب اختالف الفقهاء لتصنيف‪ ,‬فمنها‪ :‬التنبيه عل األسباب اليت أوجب االختالف بني‬
‫املسلمني لإلماِ البط اليـ اوسي‪ ,‬واإلعصاف يف بيان أسباب اخلالف لويل هللا الدهلوي وغريمها‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫أوال‪ :‬طبيعة اللغة العربية‬
‫إن اخلبري يف اللغة العربية وخصائصها يدرك أن طبيعة عصوصها ومدلوالت‬
‫يفسر أبكثر من وجه‪ ,‬ويفيد‬
‫ألفاظها ومفاهيم سياقها وطريقة إعراِبا مما َيكن أن َّ‬
‫كد رسول‬
‫أكثر من معىن‪ ,‬وع راً ألن القرآن الكرمي عزل بلسان عريب مبني‪ ,‬وألن َّ‬
‫إمنا يرسله هللا بلسان قومه‪ ,‬فقد صارت اللغة العربية مصدرا خصبا الختالف‬
‫الفقهاء يف فهم معىن كتاب هللا ‪ ‬وسنة رسوله ‪ ,‬وسأعرض ‪ -‬ختصار ‪-‬‬
‫بعض اجملاالت املتعلقة للغة العربية م أمثلة موضحة ا‪:‬‬
‫‪ .8‬احلقيقة واجملاز‪ :‬عندما ير النص العريب فإعه قد يرا منه حقيقته‪ ,‬وهو‬
‫ظاهر معىن اللفظ حبسب وض اللغة أو الشرع أو العرف‪ ,8‬وقد يرا منه معىن‬
‫جمازي بقرينة تدل عليه وتصرفه عن ظاهر معناه‪.‬‬
‫ومن أبرز األمثلة الواقعة يف زمن النيب ‪ ‬ما وق من خالف بني الصحابة‬
‫‪ ‬يف تفسري معىن قوله ‪" :‬ال يصلني أحد العصر إال يف بين قري ة"‪ ,‬فمنهم من‬
‫أخذ حبقيقة اللفظ‪ ,‬فلم يصلوا العصر إال عندما وصلوا بين قري ة‪ ,‬وقد خرج وقتها‪,‬‬
‫وقالوا‪" :‬ال عصلي حىت أنتيها"‪ ,‬ومنهم من محد اللفظ عل جمازه مبعىن احلث عل‬
‫اإلسراع‪ ,‬فصلوها يف الطري ‪ ,‬وقالوا‪" :‬بد عصلي‪ ,‬مل ير منا ذلر"‪ ,‬فلم يعنف‬
‫رسول هللا ‪ ‬أحدا من الفريقني‪.7‬‬
‫قال اإلماِ النووي رمحه هللا‪" :‬وأما اختالف الصحابة ‪ ‬يف املبا رة لصالة‬
‫عندهم أبن الصالة‬ ‫عند ضي وقتها وأتخريها فسببه أن أ لة الشرع تعارض‬

‫‪ .8‬وهناك تعريف آخر للحقيقة‪ ,‬وهي ما يسب إىل العقد إ راكه‪.‬‬


‫‪ .7‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫مأمور ِبا يف الوق ‪ ,‬م أن املفهوِ من قول النيب ‪" :‬ال يصلني أحد ال هر أو‬
‫العصر إال يف بين قري ة" املبا رة لذهاب إليهم‪ ,‬وأن ال يشتغد عنه بشيء‪ ,‬ال أن‬
‫أتخري الصالة مقصو يف عفسه من حيث إعه أتخري‪ ,‬فأخذ بعض الصحابة ِبذا‬
‫املفهوِ ع را إىل املعىن ال إىل اللفظ‪ ,‬فصلوا حني خافوا فوت الوق ‪ ,‬وأخذ آخرون‬
‫ب اهر اللفظ وحقيقته فأخروها‪ ,‬ومل يعنف النيب ‪ ‬واحدا من الفريقني؛ ألهنم‬
‫جمتهدون‪ ,‬ففيه اللة ملن يقول ملفهوِ والقيام ومراعاة املعىن‪ ,‬وملن يقول ل اهر‬
‫أيضا‪ ,‬وفيه أعه ال يعنف اجملتهد فيما فعله جتها ه إذا بذل وسعه يف االجتها "‪.8‬‬
‫وقال احلافظ ابن حجر العسقالين رمحه هللا (‪157-223‬هـ)‪" :‬وحاصد ما‬
‫وق يف القصة أن بعض الصحابة ‪ ‬محلوا النهي عل حقيقته‪ ,‬ومل يبالوا خبروج‬
‫الوق ؛ ترجيحا للنهي الثاين عل النهي األول‪ ,‬وهو ترك أتخري الصالة عن وقتها‪,‬‬
‫واستدلوا جبواز التأخري ملن ا تغد أبمر احلرب بن ري ما وق يف تلر األ ِ‬
‫خلندق‪ ,‬فقد تقدِ حديث جابر ‪ ‬املصرح أبهنم صلوا العصر بعدما غرب‬
‫الشم ‪ ,‬وذلر لشغلهم أبمر احلرب‪ ,‬فجوزوا أن يكون ذلر عاما يف كد غد‬
‫يتعل أبمر احلرب‪ ,‬وال سيما والزمان زمان التشري ‪ ,‬والبعض اآلخر محلوا النهي‬
‫عل غري احلقيقة‪ ,‬وأعه كناية عن احلث واالستعجال واإلسراع إىل بين قري ة‪ ,‬وقد‬
‫استدل به اجلمهور عل عدِ أتثيم من اجتهد؛ ألعه ‪ ‬مل يعنف أحدا من‬
‫الطائفتني‪ ,‬فلو كان هناك إمث لعنف من أمث"‪.7‬‬

‫‪ .8‬رح صحيح مسلم لإلماِ النووي (‪.)91/87‬‬


‫‪ .7‬فتح الباري رح صحيح البخاري البن حجر العسقالين‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫ومن اخلالف الذي يرج إلرا ة احلقيقة أو اجملاز يف القرآن اختالف العلماء‬
‫يف معىن املالمسة اليت تنقض الوضوء يف قوله تعاىل‪" :‬أو المستم النساء"‪ ,‬فحملها‬
‫بعضهم كاملالكية والشافعية واحلنابلة عل حقيقة اللفظ وهو جمر اللم ‪ -‬م‬
‫اختالفهم يف روط النقض به من حيث قصد اللم وإرا ة الشهوة أو حصو ا‬
‫‪ ,-‬ومحلها بعضهم كاحلنفية عل جماز اللفظ وهو الوطء‪.8‬‬
‫ومنه يف السنة اختالف العلماء يف خيار اجملل للمتبايعني املأخوذ من قوله‬
‫‪" :‬إذا تباي الرجالن فكد واحد منهما خليار ما مل يفيقا وكاان مجيعا أو خيري‬
‫أحدمها‪ ,‬فإن خري أحدمها اآلخر فتبايعا عل ذلر فقد وجب البي ‪ ,‬وإن تفرقا بعد‬
‫أن تبايعا ومل ييك واحد منهما البي فقد وجب البي "‪ ,7‬ومن قوله ‪" :‬البيعان‬
‫كد واحد منهما خليار عل صاحبه ما مل يتفرقا‪ ,‬إال بي اخليار"‪ ,3‬فالشافعية‬
‫واحلنابلة يرون أن خيار اجملل ق ما اِ املتعاقدان يف عف مكان إبراِ العقد‬
‫وإن طال ِبما اجملل ‪ ,‬فإن اعفصال وتفرقا فلي ألحدمها ح فسخ العقد‪ ,4‬وأما‬
‫احلنفية واملالكية فلم يثبتوا ح الفسخ ألحدمها إذا أبرِ العقد واتفقا عليه‪ ,‬مث‬
‫اعصرفا عنه للحديث إىل موضوع آخر‪ ,‬حىت لو بقيا يف مكان العقد؛ وذلر ألهنما‬
‫قد تفرقا ألقوال‪ ,‬وهو املعتب‪.5‬‬

‫‪ .8‬بداية اجملتهد البن ر د (‪.)32/8‬‬


‫‪ .7‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وابن ماجه‪ ,‬ومعىن التخيري أن خيتارا أو أحدمها إمضاء البي ‪,‬‬
‫خري صاحبه فقد سقط حقُّه يف الفسخ‪.‬‬‫فمن َّ‬
‫‪ .3‬رواه والبخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او ‪ ,‬ومعىن بي اخليار ما تقدِ من معىن التخيري‪.‬‬
‫‪ .4‬روضة الطالبني للنووي (‪ ,)437/3‬واملغين البن قدامة (‪.)417/3‬‬
‫‪ .5‬فتح القدير البن ا ماِ (‪ ,)18/5‬وبداية اجملتهد البن ر د (‪.)821/7‬‬
‫‪21‬‬
‫‪ .7‬اللفظ املشيك‪ :‬من طبيعة اللغة العربية وجو األلفاظ املشيكة اليت حتمد‬
‫القرء يف قوله تعاىل‪" :‬واملطلَّقات ييبصن أبعفسهن‬ ‫معنيني فأكثر‪ ,‬ومن ذلر لفظ هل‬
‫ثالثة قروء"‪ ,‬فقد اختلف الفقهاء يف معناه‪ ,‬فحملها املالكية والشافعية عل‬
‫األطهار‪ ,‬ومحلها احلنفية عل احليضات‪ ,‬وألمحد روايتان‪ ,‬والقرء لفظ مشيك لكال‬
‫هذين املعنيني املتضا ين‪.8‬‬
‫ومن ذلر حتديد معىن لف ة "أو" الوار ة يف آية جزاء احملاربني هلل ورسوله يف‬
‫قوله تعاىل‪" :‬إمنا جزاء الذين حياربون هللا ورسوله ويسعون يف األرض فسا ا أن‬
‫يقتلوا أو يصلبوا أو تقط أيديهم وأرجلهم من خالف أو ينفوا من األرض"‪ ,‬فقد‬
‫اختلف العلماء يف املرا منها‪ ,‬فحملها قوِ كاملالكية عل إرا ة التخيري‪ ,‬وجعلوا‬
‫لإلماِ احل يف اختيار العقاب الذي يراه مناسبا م ‪ -‬و م يف ذلر تفصيد ‪,-‬‬
‫ومحلها مجهور احلنفية والشافعية واحلنابلة عل إرا ة التفصيد والتبعيض ‪ -‬م‬
‫صلب‪ ,‬ومن قتد ومل أيخذ املال‬ ‫اختالف يسري بينهم ‪ ,-‬فمن أخذ املال وقـتد هل‬
‫يده ورجلهله من خالف‪ ,‬ومن أخاف بدون‬ ‫قهلتد‪ ,‬ومن أخذ املال ومل يقتد قهلطع هل‬
‫أخذ املال وقتد األعف فإعه يهلنف من األرض‪.7‬‬
‫‪ .3‬معاين احلروف‪ :‬ال يقتصر تعد املعاين يف اللغة العربية عل اللف ة‬
‫الواحدة كما سب ‪ ,‬بد رمبا ير حرف واحد له معان كثرية‪ ,‬فينتج عن تعد املعاين‬
‫خالف بني الفقهاء‪ ,‬ومن أبرز األمثلة عل ذلر اختالف العلماء يف معىن حرف‬
‫الباء الوار يف آية الوضوء يف قوله تعاىل‪ " :‬أيها الذين آمنوا إذا قمتم إىل الصالة‬

‫‪ .8‬تفسري القرطيب لآلية (‪ )771‬من سورة البقرة‪ ,‬وبداية اجملتهد البن ر د (‪.)19/7‬‬
‫‪ .7‬بداية اجملتهد البن ر د (‪.)455/7‬‬
‫‪28‬‬
‫فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إىل املراف وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إىل الكعبني"‪,‬‬
‫فرأ املالكية واحلنابلة أن الباء زائدة‪ ,‬فأوجبوا مسح الرأم كله‪ ,‬ورأ الشافعية أهنا‬
‫تفيد التبعيض‪ ,‬فاكتفوا مبسح أقد جزء من الرأم‪ ,‬ورأ احلنفية أهنا تفيد اإللصاق‪,‬‬
‫فأوجبوا مسح رب الرأم‪.8‬‬
‫‪ .4‬اإلعراب‪ :‬ومن طبيعة اللغة العربية إعراب آخر كلماهتا حلركات؛ لفهم‬
‫معناها‪ ,‬وعندما َيكن إعراب كلمة ما إعرابني خمتلفني فإن ذلر يؤ ي إىل‬
‫اختالف يف املعىن‪ ,‬ومن األمثلة عل ذلر قول النيب ‪" :‬ذكاةهل اجلنني ذكاة‬
‫أمه"‪ 7,‬فقد ور ت كلمة "ذكاة" الثاعية لرف ‪ -‬وهو األكثر واأل هر ‪ -‬والنصب‪,‬‬
‫فمن رفعها فاملعىن عنده أن اجلنني إذا ذهلكي ُّأمه فخرج ميتا فإعه حالل مطلقا‪,‬‬
‫وذكاة أمه كافية يف حله‪ ,‬وبه قال الشافعية واحلنابلة‪ ,‬ومن عصبها فاملعىن عنده أن‬
‫اجلنني جتب تذكيته كما تذك أمه‪ ,‬فلو خرج ميتا بعد تذكيتها فقد فات تذكيته‪,‬‬
‫ويصبح حراما مطلقا‪ ,‬وبه قال احلنفية‪ ,‬وتوسط املالكية فقالوا‪ :‬إذا خرج اجلنني‬
‫من بطن أمه ميتا اتِ اخللقة انب الشعر فإعه يؤكد‪ ,‬وإن مل يكن اتِ اخللقة فهو‬
‫مضغة ال تؤكد‪ ,3‬وهناك أمثلة كثرية ترج إىل أسباب أخر متعلقة بطبيعة اللغة‬
‫العربية اليت عزل ِبا القرآن‪ ,‬وتكلم ِبا خري األانِ ‪.‬‬

‫‪ .8‬تفسري القرطيب لآلية (‪ )3‬من سورة املائدة‪ ,‬وبداية اجملتهد وهناية املقتصد البن ر د (‪ ,)87/8‬واملغين‬
‫البن قدامة (‪.)93/8‬‬
‫‪ .7‬رواه أمحد وأبو او واليمذي وابن ماجه وابن حبان واحلاكم والطباين‪.‬‬
‫املمجد عل هلموطَّأ حممد لإلماِ أيب البكات عبداحلي اللكنوي (‪.)841/9‬‬‫َّ‬ ‫‪ .3‬التعلي‬
‫‪27‬‬
‫اثنيا‪ :‬السنة النبوية‬
‫من املتف عليه عند املسلمني كافة ‪ -‬إال غالة الرافضة ‪ -‬أن القرآن الكرمي‬
‫قطعي الثبوت‪ ,‬وأن الشر ال يتطرق له أب ىن احتمال‪ ,‬ولكن السنة النبوية ختتلف‬
‫عن القرآن الكرمي‪ ,‬فمنها ‪ -‬بعد صحة سنده ‪ -‬ما هو قطعي الثبوت‪ ,‬وهي‬
‫األحا يث املتواترة اليت رواها يف كد طبقة عد من الرواة‪ ,‬يؤمن تواطؤهم عل‬
‫الكذب‪ ,‬و لتايل تفيد العلم اليقيين‪ ,‬فإن كاع قطعية يف اللتها فإهنا ال تؤ ي‬
‫إىل خالف بني الفقهاء‪ ,‬ومن أمثلة ذلر الصلوات اخلم وأعصبة زكاة األععاِ‬
‫وبعض أحكاِ القصاص‪ ,‬أما إن كاع اللتها عل املرا ظنية فإن واسعا من‬
‫اخلالف يفتح أماِ الفقهاء يف حتديد املرا منها‪.‬‬
‫ومنها ما هو ظين الثبوت‪ ,‬وهي أحا يث اآلحا ‪ ,‬أي أن رواهتا ال يبلغون‬
‫مبلغ التواتر‪ ,‬و لتايل ال تفيد العلم اليقيين‪ ,‬مبعىن أعه ال َيكن اجلزِ اليقيين بثبوت‬
‫عص احلديث عن رسول هلل ‪ ‬بنف األلفاظ اليت وصلتنا‪ ,‬فقد يتطرق لرواهتا‬
‫اخلطأ والتصحيف يف ألفاظها‪ ,‬أو الشر فيها‪ ,‬أو السهو يف عقلها‪ ,‬أو رواية جزء‬
‫منها وإغفال جزء آخر يوضحه ويبينه‪ ,‬أو روايتها مبعىن خمتلف‪ ,8‬ومع م‬
‫األحا يث النبوية من هذا القبيد‪.‬‬
‫وهذا كله يف احلديث الصحيح بشروطه‪ ,‬فإذا اعضاف إىل ذلر وجو‬
‫تعارض بني عد من األحا يث از ا األمر صعوبة يف طريقة اليجيح بينها‪ ,‬مما‬

‫‪ .8‬وقد يكون حديث اآلحا قطعيا يف اللته‪ ,‬ولكن بعض العلماء يشيطون للعمد به روطاً إضافية‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫يوجب مزيدا من اليوي والن ر عند إرا ة استنباط حكم رعي منها‪ ,‬وإلير عد ا‬
‫من األمثلة اليت تدل عل مد أتثري السنة النبوية يف اختالف الفقهاء‪:8‬‬
‫‪ .8‬تصحيح احلديث‪ :7‬اتف مجهور احملدثني عل أن للحديث مخسة روط‬
‫الزمة للحكم عليه لصحة‪ ,‬وهي اتصال سنده‪ ,‬وعدالة الراوي وضبطه‪ ,‬وسالمته‬
‫من الشذوذ والعلة القا حة‪ ,‬ولكنهم اختلفوا يف تفاصيد تلر الشروط‪ ,‬ففيما‬
‫يتعل تصال السند ا يط بعضهم ثبوت اللقيا بني الراوي و يخه‪ ,‬ومجهورهم‬
‫يكتفون إبمكاعه‪ ,‬ومن تواب رط االتصال اختالفهم يف احلديث املرسد الذي‬
‫أضافه التابعي إىل رسول هلل ‪ ,3‬فجمهور احملدثني يرون ضعفه‪ ,‬ومجهور الفقهاء‬
‫من احلنفية واملالكية واحلنابلة يروعه حجة يف األحكاِ‪ ,‬وال يضره عدِ اتصاله‪,‬‬
‫وتوسط الشافعية‪ ,‬فا يطوا للعمد به أن يهلرسد من طري آخر‪ ,‬أو يهلرو مسندا‪,‬‬
‫أو يهلفيت به بعض الصحابة‪ ,‬أو يقول به كثري من أهد العلم‪ ,‬أو يعرف أن الراوي ال‬
‫يهلرسد إال عن عدل‪ ,‬واختلفوا يف روط قبول احلديث املعنعن‪ ,‬واختلفوا يف أعواع‬
‫التدلي يف احلديث‪ ,‬واختلفوا يف مزيد األساعيد بني إثباهتا أو إلغائها‪ ,‬وغري ذلر‪.‬‬
‫وفيما يتعل بعدالة الرواة فقد اختلفوا فيما خيرِ املروءة من أقوال وأفعال‪,‬‬
‫واختلفوا يف عدالة املستور‪ ,‬وهو ما ثبت عدالته ال اهرة‪ ,‬ومل تثب عدالته الباطنة‪,‬‬

‫‪ .8‬اع ر أثر احلديث الشريف يف اختالف األئمة الفقهاء للشيخ حممد عوامة‪ ,‬فإعه مفيد للغاية‪.‬‬
‫‪ .7‬اع ر أسباب اختالف احملدثني للدكتور خلدون األحدب (‪ ,)527-52‬فقد استوعب كثرياً من‬
‫أسباب اختالف احملدثني يف قبول األحا يث ور ها‪ ,‬واع ر قواعد يف علوِ احلديث للعالمة ظفر أمحد‬
‫العثماين بتحقي يخنا العالمة عبدالفتاح أيب غدة‪ ,‬فقد استوعب كثرياً من قواعد احملدثني املهمة‪.‬‬
‫‪ .3‬اع ر لبحث احلديث املرسد‪ :‬التقريب (‪ ,)54‬واجملموع (‪ ,)31/8‬كالمها لإلماِ النووي‪ ,‬وعزهة الن ر‬
‫للحافظ ابن حجر (‪ ,)48‬وغريها‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫واختلفوا يف عدالة جمهول العني الذي ال يعرفه العلماء‪ ,‬ومىت ترتف عنه اجلهالة‪,‬‬
‫واختلفوا يف جمهول احلال الذي ال تعرف عدالته ال اهرة والباطنة‪ ,‬واختلفوا يف‬
‫تعديد املبهم‪ ,‬كقو م‪ :‬حدثين الثقة‪ ,‬واختلفوا يف كيفية تعديد الرواة‪ ,‬فاكتف‬
‫بعضهم بتعديد إماِ واحد من أئمة اجلرح والتعديد‪ ,‬وا يط بعضهم إمامني‪,‬‬
‫واكتف بعضهم برواية ثقة عنه‪ ,‬واختلفوا فيما لو تعارض تعديد األئمة وجرحهم‪,‬‬
‫واختلفوا يف مسببات اجلرح‪ ,‬فتوس فيها أانم وضيقها آخرون‪ ,‬واختلفوا يف الرواية‬
‫عن املبتدع‪ ,‬واختلفوا يف قبول حديث عـفاه راويه بعدما رواه ثقة عنه‪.‬‬
‫وأما فيما يتعل بضبط احلديث فقد اختلفوا يف جواز الرواية عمن يغلب‬
‫عليه الوهم والغلط‪ ,‬واختلفوا يف الرواية عن الثقة الذي ال حيفظ كتابه الذي يقرأ‬
‫عليه منه‪ ,‬وأما فيما يتعل لعلة القا حة فقد تنوع طرق احملدثني يف الكشف‬
‫عن العلة القا حة يف السند أو املنت أو فيهما معا‪ ,‬فال يتهيأ ملعرفتها إال حمدث‬
‫رع حميط ألحا يث وطرقها وأخبار الرجال‪.‬‬
‫ومن هنا يتضح لنا أن تصحيح احلديث؛ ليكون جاهزا لالعتدا به يف جمال‬
‫التشري ‪َ ,‬ير مبفازة من الشروط االحيازية؛ لتطمئن النف لالحتجاج به‪ ,‬وأن‬
‫اختالف احملدثني يف تصحيحه له عد كبري من املبرات السائغة‪ ,‬وينعك‬
‫اختالفهم يف تصحيح األحا يث عل احتجاج الفقهاء ِبا واعتما هم عليها‪ ,‬مث‬
‫إذا ثب ضعف احلديث‪ ,‬ولي يف الباب حديث مسند غريه‪ ,‬فقد اختلف‬
‫الفقهاء يف العمد به يف أحكاِ احلالل واحلراِ‪ ,‬فمنهم من يقدمه عل قول‬
‫الصحايب والقيام‪ ,‬ومنهم من ير ه‪ ,‬ويقدمهما عليه‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫‪ .7‬أحا يث اآلحا ‪ :‬اختلف العلماء يف مد قبول أحا يث اآلحا ‪,‬‬
‫وا يط بعضهم للعمد ِبا روطا؛ ألن هذه األحا يث قد يتطرق لرواهتا خطأ أو‬
‫تصحيف يف ألفاظها‪ ,‬أو رواية جزء منها وإغفال جزء آخر يوضحها ويبينها‪ ,‬أو‬
‫روايتها مبعىن خمتلف يغري أصد املعىن‪ ,‬فاحلنفية يشيطون للعمد حبديث اآلحا‬
‫الصحيح مخسة روط‪ :‬أو ا أال خيالف فعد راوي احلديث روايته‪ ,‬فإن اختلفا‬
‫قدموا فعله عل روايته‪ ,‬اثعيها أن ال يكون احلديث مما توافرت الدواعي عل عقله‬
‫من روا ت عدة‪ ,‬وإال كان األمر م نة ريبة‪ ,‬اثلثها أن ال يكون خمالفا لعمومات‬
‫القرآن وظواهره‪ ,‬فإن خالفها فهي املقدمة عليه‪ ,‬وال يدخد يف ذلر بيان السنة‬
‫جملمد القرآن‪ ,‬رابعها أن ال خيالف السنة املشهورة؛ عمال أبقو الدليلني‪ ,‬خامسها‬
‫أن ال خيالف القيام اجللي وعمد األمة إن كان الراوي غري فقيه‪.‬‬
‫أما املالكية فقد ا يطوا أال خيالف احلديث عمد أهد املدينة‪ ,‬فإن خالفه‬
‫قدِ عملهم عليه‪ ,‬ألن عملهم عوع من التواتر املعنوي‪ ,‬وأما الشافعية فقد ا يطوا‬
‫أن ال خيالف حديث اآلحا عص القرآن أو حديث اجلماعة أو اإلمجاع‪ ,‬واحلنابلة‬
‫كالشافعية‪ ,‬إال أن اإلماِ أمحد يقدِ ضعيف احلديث عل رأي الرجال‪.8‬‬
‫ولنضرب مثاالً مما حدث بني الصحابة ‪ ‬عل مد أتثري أحا يث اآلحا‬
‫يف وقوع اخلالف‪ ,‬قال عبدهللا بن عبيدهللا بن أيب مليكة‪ :‬توفي ابنة لعثمان ‪‬‬
‫مبكة‪ ,‬وجئنا لنشهدها‪ ,‬وحضرها ابن عمر وابن عبام ‪ ,‬وإين جلال بينهما‪ ,‬أو‬
‫قال‪ :‬جلس إىل أحدمها‪ ,‬مث جاء اآلخر فجل إىل جنيب‪ ,‬فقال عبدهللا بن عمر‬

‫‪ .8‬اع ر الفصول يف األصول للرازي (‪ ,)883/3‬واللم أليب إسحاق الشريازي (‪ ,)17‬و رح الكوكب‬
‫املنري البن النجار (‪.)345/7‬‬
‫‪23‬‬
‫‪ ‬لعمرو بن عثمان ‪ :‬أال تنه عن البكاء؟ فإن رسول هللا ‪ ‬قال‪" :‬إن‬
‫املي ليعذب ببكاء أهله عليه"‪ ,‬فقال ابن عبام ‪ :‬قد كان عمر ‪ ‬يقول‬
‫حدث فقال‪ :‬صدرت م عمر ‪ ‬من مكة‪ ,‬حىت إذا كنا لبيداء‬ ‫بعض ذلر‪ ,‬مث َّ‬
‫إذا هو بركب حت ظد رة‪ ,‬فقال‪ :‬اذهب فاع ر من هؤالء الركب‪ ,‬قال‪ :‬فن رت‬
‫فإذا صهيب ‪ ,‬فأخبته‪ ,‬فقال‪ :‬ا عه يل‪ ,‬فرجع إىل صهيب فقل ‪ :‬ارحتد‬
‫فاحل أمري املؤمنني‪ ,‬فلما أصيب عمر‪ ,‬خد صهيب يبكي ويقول‪ :‬واأخاه‪,‬‬
‫علي‪ ,‬وقد قال رسول هللا ‪" :‬إن‬ ‫واصاحباه‪ ,‬فقال عمر ‪ :‬صهيب‪ ,‬أتبكي َّ‬
‫املي ليعذب ببكاء أهله عليه"‪ ,‬قال ابن عبام ‪ :‬فلما مات عمر ‪ ,‬ذكرت‬
‫حدث رسول هللا ‪‬‬ ‫ذلر لعائشة رضي هللا عنها‪ ,‬فقال ‪ :‬رحم هللا عمر‪ ,‬وهللا ما َّ‬
‫"إن هللا ليعذب املؤمن ببكاء أهله عليه"‪ ,‬ولكن رسول هللا ‪ ‬قال‪" :‬إن هللا ليزيد‬
‫الكافر عذا ببكاء أهله عليه"‪ ,‬وقال ‪ :‬حسبكم القرآن‪" ,‬وال تزر وازرة وزر‬
‫أخر "‪ ,‬قال ابن عبام ‪ ‬عند ذلر‪ :‬وهللا هو أضحر وأبك ‪ ,‬قال ابن أيب‬
‫ملكية‪ :‬وهللا ما قال ابن عمر ‪ ‬يئا‪ ,8‬فهذا احلديث مثال واضح عل ما َيكن‬

‫‪ .8‬رواه البخاري ‪ -‬واللفظ له ‪ -‬والنسائي‪ ,‬وقد ثب يف روا ت أخر عن عائشة رضي هللا عنها ألفاظ‬
‫غري ذلر‪ ,‬منها ما رواه اليمذي أهنا قال ‪ :‬يرمحه هللا ‪ -‬أي ابن عمر ‪ -‬مل يكذب‪ ,‬ولكنه وهم‪ ,‬إمنا قال‬
‫رسول هللا ‪ ‬لرجد مات يهو ‪" :‬إن املي ليعذب وإن أهله ليبكون عليه"‪ ,‬ومنها ما رواه النسائي وأبو‬
‫مر النيب ‪ ‬عل قب فقال‪" :‬إن صاحب القب ليعذب‬ ‫او أهنا قال ‪ :‬وهد ‪ -‬أي غلط وعسي ‪ -‬إمنا َّ‬
‫وإن أهله يبكون عليه"‪ ,‬ويف رواية أخر للنسائي قال ‪ :‬أما وهللا ما حتدثون هذا احلديث عن كاذبني‬
‫مكذبني ‪ -‬تعين عمر بن اخلطاب وابنه عبدهللا ‪ -‬ولكن السم خيطئ‪ ,‬وإن لكم يف القرآن ملا يشفيكم‪,‬‬ ‫َّ‬
‫"أال تزر وازرة وزر أخر "‪ ,‬ولكن رسول هللا ‪ ‬قال‪" :‬إن هللا ليزيد الكافر عذا ببكاء أهله عليه"‪,‬‬
‫وللحديث روا ت أخر ال خترج عن مضمون ما ذكران سابقا‪ ,‬وقد ور احلديث كذلر يف كتب السنة‬
‫جمر اً عن قصة عائشة‪ ,‬وأتو ا اجلمهور عل من أوص أبن يبك عليه ويناح بعد موته‪ ,‬فإعه يعذب ببكاء‬ ‫َّ‬
‫‪22‬‬
‫أن ينشأ من خالف بني العلماء بسبب االختالف يف عصوص السنة املشرفة اليت‬
‫ور تنا بطري اآلحا ‪.‬‬
‫ولذلر فإن اإلحاطة بنص احلديث ومالبساته وسوابقه ولواحقه رط مهم‬
‫لالعتما عليه يف استنباط األحكاِ الشرعية منه؛ ألعه بذلر يرتف إِبامه‪ ,‬ويندف‬
‫إيهامه‪ ,‬ويتضح خفيه‪ ,‬وي هر مشكله‪ ,‬ويتبني جممله‪ ,‬قال اإلماِ أمحد رمحه هللا‬
‫(‪748-834‬هـ)‪" :‬حنن كتبنا احلديث من ستة وجوه وسبعة مل عضبطه‪ ,‬فكيف‬
‫يضبطه من كتبه من وجه واحد"‪8‬؟!‬
‫‪ .3‬تعارض األحا يث النبوية ظاهرا‪ :‬يعد اختالف األحا يث يف املسألة‬
‫الواحدة مصدرا رئيسا الختالف الفقهاء‪ ,‬فقد ينط رسول هللا ‪ ‬بلفظ يف‬
‫مناسبة ما‪ ,‬مث ينط مبخالفته يف مناسبة أخر ‪ ,‬وقد يتعارض فعله ‪ ‬م قوله‪,‬‬
‫وقد يقول قوال عاما أو مطلقا‪ ,‬مث خيصصه أو يقيده بقول آخر‪ ,‬وقد يقرر ‪‬‬
‫حكما‪ ,‬مث خيبه هللا بنسخه‪ ,‬فينسخه بقوله أو فعله مصرحا لنسخ أو ون‬
‫تصريح‪ ,‬ويبق الباب مفتوحا أماِ الفقهاء يف اجلم بني املختلفات يف ال اهر‪.‬‬
‫و م يف هذا الباب مسالر خمتلفة‪ ,‬ولعلم أصول الفقه مدخد ع يم يف هذا‬
‫الباب‪ ,‬و َّأو هلل جهد يبذله الفقيه هو حماولة اجلم بني خمتلف احلديث و ف‬
‫تعارضه‪ ,‬وهذا يتطلب من الفقيه فهماً و راية‪ ,‬فإن فتح هللا عليه حبكم ينت م فيه‬
‫ما اختلف من احلديث عمد به‪ ,‬وإال اعتقد إىل اجلهد الثاين وهو مسلر اليجيح‬

‫أهله عليه؛ ألعه بسبه ومنسوب إليه‪ ,‬وقد خرج احلديث مطلقا‪ ,‬محال عل ما كان معتا ا م‪ ,‬وقال‬
‫طائفة‪ :‬معناه أعه يعذب بسماعه بكاء أهله ويرق م‪ ,‬وللحديث توجيهات أخر ‪.‬‬
‫‪ .8‬سري أعالِ النبالء للذهيب (‪.)812/88‬‬
‫‪21‬‬
‫بينها‪ ,‬فإن أمكن وإال اعتقد إىل اجلهد الثالث وهو عو عسخ بعضها لبعض‪,‬‬
‫وبعض الفقهاء يقدِ الثالث عل الثاين‪ ,‬وعموما فإن عو النسخ تتطلب اطالعاً‬
‫ورواية‪ ,‬ومسلر اليجيح يتطلب راية ورواية معا‪ ,‬واليجيح والنسخ أمران خطريان‬
‫للغاية؛ ألهنما يعنيان طرح حديث أو أحا يث من ائرة االحتجاج واالستشها ‪,‬‬
‫فال بد أن يكون للفقيه مستند قوي يدعم رأيه ومذهبه‪ ,‬ويف اجلملة فإن هذا الباب‬
‫حيتاج إىل فهم عمي وفقه سديد وع ر اثقب‪ ,‬فال يوفَّ له إال عامل بصري مبعاين‬
‫اللغة العربية‪ ,‬حميط ألحا يث النبوية‪ ,‬فقيه ألحكاِ الشرعية‪ ,‬عارف مبواطن‬
‫االتفاق واالختالف‪.8‬‬
‫ولعلي هنا أعبه إىل مسلر ترجيحي خاطئ يعمد إليه بعض َّ‬
‫مدعي االجتها‬
‫ترجيح حديث الصحيحني عل صحيح غريمها مما يف موطأ مالر‬‫هل‬ ‫يف عصران‪ ,‬وهو‬
‫أو مسند أمحد أو السنن‪ ,‬أو رُّ األحا يث الصحيحة؛ حبجة أهنا مل تر يف كتب‬
‫السنة املشهورة‪ ,‬فهذا املسلر السهد املريح الئ بعصران املسم عصر السرعة‪.‬‬
‫أما علماء األصول فقد بذلوا جهدا مشكورا يف حتقي أوجه اليجيح‪ ,‬فبلغ‬
‫عند اإلماِ احلازمي رمحه هللا (‪514-541‬هـ) مخسني وجها‪ ,‬وأضرب عن ذكر‬

‫‪ . 8‬تتب عف املسالر فيما لو تعارض آ ت الكتاب العزيز‪ ,‬فالتعارض ال اهري وار فيها‪ ,‬وقد اختلف‬
‫العلماء يف كيفية التعامد معها‪ ,‬فاملرأة احلامد املتوىف عنها زوجها تنازعتها آيتان‪ :‬آية "والذين يتوفون منكم‬
‫ويذرون أزواجا ييبصن أبعفسهن أربعة أ هر وعشرا"‪ ,‬وآية "وأوالت األمحال أجلهن أن يضعن محلهن"‪,‬‬
‫فتعتد بوض احلمد عند عمر بن اخلطاب وعبدهللا بن مسعو وزيد بن اثب ‪ ‬ومجهور الفقهاء رمحهم‬
‫هللا؛ ختصيصا آلية األ هر آبية احلمد‪ ,‬وتعتد أببعد األجلني عند علي بن أيب طالب وعبدهللا بن عبام‬
‫‪‬؛ احتياطا يف اجلم بني اآليتني‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫وجوه أخر طلبا لالختصار‪ ,8‬مث جاء احلافظ الزين العراقي رمحه هللا (‪-275‬‬
‫‪113‬هـ) فأوصلها إىل مائة وعشرة أوجه‪ ,‬بدأها بذكر مخسني احلازمي‪ ,‬مث أكملها‪,‬‬
‫فاحتد وجه ترجيح حديث الصحيحني عل غريمها املرتبة الثاعية بعد املائة‪.7‬‬
‫أما اإلماِ الشوكاين رمحه هللا فقد صنَّف أوجه اليجيح إىل ستة أصناف‪,‬‬
‫وبلغ عد تلر الوجوه يف مجي األصناف مائة وستني وجها‪ ,‬وعندما سر مراتب‬
‫اليجيح الراجعة إىل صنف اإلسنا بلغ اثنني وأربعني وجها‪ ,‬وكان وجه ترجيح‬
‫حديث الصحيحني عل صحيح غريمها هو الوجه احلا ي واألربعني‪ ,3‬فاع ر الفرق‬
‫بني زعماء العلم وزاعمي العلم‪.4‬‬
‫اثلثا‪ :‬موقف السنة النبوية من القرآن الكرمي‬
‫جاءت السنة النبوية مصدرا اثعيا للتشري اإلسالمي بعد القرآن الكرمي‪,‬‬
‫وترتبط السنة لقرآن ارتباطا وثيقا‪ ,‬إذ كد منهما وحي من هللا ‪ ,‬إال أن القرآن‬
‫لف ه من هللا‪ ,‬ومل يكن لرسول هللا ‪ ‬ور يف صياغته‪ ,‬بد أ اه لألمة كما تلقاه من‬
‫األمني جبيد عليه السالِ‪ ,‬أما السنة فهي عص كالمه ‪.‬‬
‫وتتمثد عالقة السنة لقرآن يف ثالثة جواعب‪:‬‬
‫‪ .8‬أو ا توكيد ما أمر القرآن به من األحكاِ والفضائد أو هن عنه من احملرمات‬
‫والرذائد‪ ,‬كاألمر لصالة والزكاة والنهي عن الر والزان‪.‬‬

‫‪ .8‬اع ر كتابه االعتبار يف الناسخ واملنسوخ من اآلاثر‪.‬‬


‫‪ .7‬التقييد واإليضاح ملا أهلطل وأهلغل من مقدمة ابن الصالح للحافظ الزين العراقي (‪.)728‬‬
‫‪ .3‬إر ا الفحول للشوكاين (‪.)723‬‬
‫‪ .4‬اع ر أثر احلديث الشريف يف اختالف األئمة الفقهاء للشيخ حممد عوامة (‪.)814‬‬
‫‪11‬‬
‫وعد ركعاهتا وأعصبة‬ ‫‪ .7‬اثعيها بيان ما أمجله القرآن‪ ,‬كأوقات الصلوات اخلم‬
‫الزكاة وكيفية أ اء احلج‪.‬‬
‫‪ .3‬واثلثها الز ة عل ما يف القرآن‪ ,‬فتستقد السنة بذكر حكم جديد مل ير ذكره‬
‫يف القرآن‪ ,‬كاملسح عل اخلفني ورجم احملصن يف الزان وكثري من أعواع‬
‫املعامالت‪.‬‬
‫ولذلر فإعه من العسري االستقالل ستنباط األحكاِ من القرآن ون‬
‫الرجوع إىل رحه وبياعه من السنة‪.‬‬
‫وقد وقف الفقهاء مواقف متباينة من مد أتثري السنة عل القرآن‪ ,‬ومن‬
‫أمثلة ذلر مما وق للصحابة الكراِ ‪َّ - ‬‬
‫وتعد أثره إىل الفقهاء ‪ -‬قصة فاطمة‬
‫بن قي رضي هللا عنها أهنا طهللق ثالاث‪ ,‬فلم جيعد ا رسول هللا ‪ ‬عفقةً وال‬
‫سكىن‪ ,8‬فلم يقبد عمر بن اخلطاب ‪ ‬قو ا‪ ,‬وقال‪" :‬ال عيك كتاب هللا بقول‬
‫امرأة ال عدري أحف أِ عسي "‪ ,7‬وكان عمر ‪ ‬جيعد للمطلقة ثالاث النفقة‬
‫والسكىن‪ ,3‬واآلية اليت أ ار ا سيدان عمر ‪ ‬هي قوله تعاىل‪ " :‬أيها النيب إذا‬
‫طلقتم النساء فطلقوهن لعدهتن وأحصوا العدة واتقوا هللا ربكم ال خترجوهن من‬
‫بيوهتن وال خيرجن إال أن أيتني بفاحشة مبينة"‪ ,‬وقد اختلف العلماء يف وجوب‬
‫النفقة والسكىن للمطلقة البائن عل ثالثة أقوال‪ ,‬فأمحد بن حنبد (‪-834‬‬
‫‪748‬هـ) وإسحاق بن راهويه (‪731-838‬هـ) ير ن أن ال عفقة ا وال سكىن؛‬

‫‪ .8‬رواه مسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬


‫‪ .7‬رواه النسائي‪.‬‬
‫‪ .3‬رواه مسلم واليمذي‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫عمال حبديث فاطمة‪ ,‬وير أبو حنيفة (‪851-11‬هـ) وسفيان الثوري (‪-92‬‬
‫‪838‬هـ) وجوب السكىن ا والنفقة؛ عمال حبكم عمر‪ ,‬وأوجب مالر بن أع‬
‫(‪829-93‬هـ) والليث بن سعد (‪825-94‬هـ) والشافعي (‪ )714-851‬ا‬
‫السكىن‪ ,‬ون النفقة؛ عمال آلية يف السكىن‪ ,‬وعمال حبديثها يف النفقة‪.‬‬
‫ولذلر فإن العلماء اختلفوا يف قواعد إعمال عصوص الكتاب والسنة عند‬
‫تعارضهما ظاهرا يف املسألة الواحدة‪ ,‬وإلير بعض القواعد واألمثلة‪:‬‬
‫‪ .8‬النسخ‪ :‬اختلف العلماء يف جواز عسخ القرآن لسنة‪ ,‬فمنعه اإلماِ‬
‫الشافعي؛ ألن هللا ‪ ‬قال‪" :‬ما عنسخ من آية أو عنسها أنت خبري منها أو‬
‫مثلها"‪ ,‬وقال تبارك وتعاىل‪" :‬وإذا بدلنا آية مكان آية وهللا أعلم مبا ينزل قالوا إمنا‬
‫أع مفي بد أكثرهم ال يعلمون"‪ ,‬والسنة ليس مثد القرآن‪ ,‬ولكن مجهور‬
‫العلماء يرون جواز عسخ القرآن لسنة املتواترة؛ ألن هللا ‪ ‬يقول‪" :‬وأعزلنا إلير‬
‫الذكر لتبني للنام ما عزل إليهم"‪ ,‬وألن السنة املتواترة قطعية الثبوت‪ ,‬و لتايل تفيد‬
‫العلم اليقيين‪ ,‬ولذلر فإن ا من القوة يف التشري مثد ما للقرآن الكرمي؛ ألن‬
‫مرج االثنني ومر ه إىل هللا ‪ ,‬وقد انقش الفقهاء واألصوليون هذه املسألة‪,‬‬
‫وغلب التن ري عل عقا هم‪ ,‬وصرح كثري منهم جبوازه عقال وعدِ وقوعه عا‪.‬‬
‫أما عسخ القرآن بسنة اآلحا فقد اتسع فيه ائرة اخلالف بني الفقهاء؛‬
‫وذلر ألن القرآن قطعي الثبوت‪ ,‬وسنة اآلحا ظنية الثبوت‪ ,‬فال خيصص القطعي‬
‫ل ين‪ ,‬ولكن فريقا من العلماء يرون أن سنة اآلحا ‪ -‬وإن كاع ظنية يف ثبوهتا‬
‫‪ -‬قطعية يف اللتها عل املرا إذا كان عصها حمكما‪ ,‬أما عص القرآن ‪ -‬وإن كان‬
‫قطعيا يف ثبوته ‪ -‬فإعه ظين يف اللته؛ الحتمال خول النسخ عليه‪ ,‬و لتايل فقد‬

‫‪17‬‬
‫ينسخ بسنة اآلحا ‪ ,‬ومن أمثلة عسخ القرآن بسنة اآلحا عسخ قوله تعاىل‪" :‬كتب‬
‫عليكم إذا حضر أحدكم املوت إن ترك خريا الوصية للوالدين واألقربني ملعروف"‬
‫‪8‬‬
‫بقول رسول هللا ‪" :‬إن هللا قد أعط كد ذي ح حقه‪ ,‬فال وصية لوارث"‪,‬‬
‫والشافعي رمحه هللا ‪ -‬وإن كان يتف م اجلمهور يف عدِ عفوذ الوصية لوارث إال‬
‫برضا الورثة ‪ -‬ير أن اآلية عسخ آب ت املواريث اليت عزل بعد آية الوصية‪.‬‬
‫‪ .7‬ختصيص العاِ‪ :‬اختلف العلماء يف ختصيص سنة اآلحا لعموِ القرآن‪,‬‬
‫مبعىن أن ير عص يف القرآن يفيد حكما عاما‪ ,‬مث أي حديث آحا يف السنة‬
‫خيصصه‪ ,‬فاحلنفية يرون أن النص العاِ يشتمد عل اللة قطعية يف مجي أفرا ه‪,‬‬
‫فال خيصصه من السنة النبوية حديث اآلحا ؛ ألهنم يرون أن حقيقة التخصيص‬
‫إبطال للعمد ببعض النص العاِ‪ ,‬و لتايل فإن القرآن ال خيصصه إال قرآن مثله أو‬
‫حديث متواتر أو حديث مشهور‪ ,7‬أما الشافعية واحلنابلة فيجيزون ختصيص عاِ‬
‫القرآن حبديث اآلحا ‪ ,‬فيصري العاِ غري ال عل كد ما يشتمد عليه لف ه؛‬
‫وذلر ألن عاِ القرآن ‪ -‬وإن كان قطعيا يف ثبوته ‪ -‬صار ظنيا يف اللته عل‬
‫عموِ أفرا ه؛ لورو عص خمصص له‪ ,‬أما حديث اآلحا ‪ -‬وإن كان ظنيا يف ثبوته‬

‫‪ .8‬رواه أمحد وأبو او والنسائي واليمذي وابن ماجه‪ ,‬وبـ َّوب له البخاري‪.‬‬
‫‪ . 7‬هناك عوع من األحا يث يق وسطا بني عوعني‪ ,‬وهو احلديث املشهور‪ ,‬ويق يف الوسط بني املتواتر‬
‫واآلحا ‪ ,‬واحلديث املشهور هو الذي ابتدأ آحا ا‪ ,‬فلم يروه يف طبقة الصحابة إال عد قليد ال يبلغ مبلغ‬
‫فتحمله يف الطبقات التالية من‬
‫التواتر‪ ,‬مث رواه بعدهم طبقة أو طبقتان كذلر‪ ,‬مث اعتشر احلديث وا تهر‪َّ ,‬‬
‫الرواة عد كبري يبلغ مبلغ التواتر‪ ,‬وحكمه عند احلنفية أعه يفيد العلم اليقيين‪ ,‬فينسخ وخيصص ويقيد‪,‬‬
‫ولكن ون رجة األحا يث املتواترة‪ ,‬أما حكمه عند املالكية والشافعية واحلنابلة فكأحا يث اآلحا اليت‬
‫تفيد العلم ال ين ال العلم اليقيين‪ ,‬ولكنها عندهم تفيد العمد‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫‪ -‬فإعه قطعي يف اللته عل أفرا ه‪ ,‬أما املالكية فإهنم جييزون ختصيص عاِ القرآن‬
‫حبديث اآلحا إذا عضده عمد أهد املدينة‪.‬‬
‫ومن األمثلة الفقهية اليت ترج ذه القاعدة أن مجهور العلماء خصصوا قول‬
‫هللا تبارك وتعاىل‪" :‬واحملصنات من النساء إال ما ملك أَياعكم كتاب هللا عليكم‬
‫وأحد لكم ما وراء ذلكم" بقول رسول هللا ‪" :‬ال جيم الرجد بني املرأة وعمتها‬
‫وال بني املرأة وخالتها"‪ ,8‬فقبله احلنفية خمصصا لآلية؛ ألعه حديث مشهور‪ ,‬وقبله‬
‫املالكية؛ ألن عمد أهد املدينة عليه‪ ,‬وقبله الشافعية واحلنابلة لصحته وثبوته ‪-‬‬
‫بغض الن ر عن كوعه غري متواتر ‪.-‬‬
‫و ملقابد فقد وق خالف بني الفقهاء يف ختصيص قول هللا ‪" :‬قد ال‬
‫أجد يف ما أوحي إيل حمرما عل طاعم يطعمه إال أن يكون ميتة أو ما مسفوحا‬
‫أو حلم خنزير فإعه رج أو فسقا أهد لغري هللا به" بنهي رسول هللا ‪ ‬عن كد‬
‫ذي انب من السباع‪ ,‬وعن كد ذي خملب من الطري‪ ,7‬فجمهور الفقهاء متفقون‬
‫عل حرمة أكد احليواانت املفيسة أبعياِبا والطيور اجلارحة مبخالبها‪ ,‬أما املالكية‬
‫فوافقوا اجلمهور يف األوىل وخالفوهم يف الثاعية‪ ,‬فقالوا حبرمة احليواانت املفيسة‬
‫أبعياِبا؛ ملوافقته لعمد أهد املدينة‪ ,‬وحد الطيور اجلارحة مبخالبها؛ لعموِ اآلية‪.3‬‬
‫ومما وق فيه اخلالف أيضا ختصيص قول هللا ‪" :‬والنخد والزرع خمتلفا‬
‫أكله والزيتون والرمان متشاِبا وغري متشابه كلوا من مثره إذا أمثر وآتوا حقه يوِ‬

‫‪ .8‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬


‫‪ .7‬رواه مسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫‪ .3‬حا ية الصاوي عل الشرح الصغري (‪ ,)833/4‬واع ر أصول الفقه للشيخ أيب زهرة (‪.)831‬‬
‫‪14‬‬
‫حصا ه" بكتاب معاذ بن جبد ‪ ‬عن النيب ‪ ‬أعه إمنا أخذ الصدقة من احلنطة‬
‫والشعري والزبيب والتمر‪ ,8‬فقد أخذ احلنفية بعموِ اآلية‪ ,‬فأوجبوا الزكاة يف كد ما‬
‫تنتجه األرض بقصد االستغالل واالستنبات‪ ,‬سواء أكان صاحلا للبقاء كاحلبوب أِ‬
‫غري صاحل للبقاء كالثمار والفواكه واخلضار‪ ,‬ومل أيخذوا حلديث؛ ألعه آحا ‪ ,‬أما‬
‫املالكية والشافعية واحلنابلة فقد أخذوا حلديث‪ ,‬وخصصوا به عموِ اآلية‪ ,‬وفسروا‬
‫احل الواجب يوِ احلصا دية والصدقة وما اِبهما‪ ,‬وأوجبوا الزكاة فقط يف‬
‫احلبوب والثمار؛ قياسا عل ما ور يف احلديث من األصناف‪ ,‬بشرط اقتياهتا‬
‫اختياراً وإمكان ا خارها عند املالكية والشافعية‪ ,‬وبشرط إمكان ا خارها عند‬
‫احلنابلة وإن مل يكن مأكوال‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬حجية بعض مصادر التشريع‬
‫اتف علماء اإلسالِ ‪ -‬عل اختالف مذاهبهم وطوائفهم وفرقهم ‪ -‬عل‬
‫اعتما كتاب هللا وسنة رسوله ‪ ‬مصدرين أساسيني من مصا ر التشري‬
‫اإلسالمي‪ ,‬وأحل أئمة وفقهاء املذاهب الفقهية األربعة اإلمجاع والقيام ِبما‪,‬‬
‫ولكنهم اختلفوا يف عد كبري من مصا ر التشري األخر ‪ ,‬فقد اختلفوا يف حجية‬
‫املصلحة واالستصحاب واالستحسان والعرف واالستقراء ومذهب الصحايب وسد‬
‫الذرائ وعمد أهد املدينة و رع من قبلنا‪ ,‬فما يعتبه إماِ من األئمة رمحهم هللا‬

‫‪ . 8‬رواه أمحد‪ ,‬وقد روي بسند ضعيف يف سنن ابن ماجه‪ :‬إمنا سن رسول هللا ‪ ‬الزكاة يف هذه اخلمسة‪:‬‬
‫يف احلنطة والشعري والتمر والزبيب والذرة‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫مصدرا للتشري يهمله إماِ آخر وال يعتبه‪ ,‬أو خيالفه يف مد االحتجاج به‬
‫توسيعاً وتضييقاً‪ ,8‬فعل سبيد املثال‪:‬‬
‫‪ .8‬املصلحة هي املنفعة اليت قصدها الشارع احلكيم لعبا ه من حفظ ينهم‬
‫وعفوسهم وأعراضهم وعقو م وأموا م‪ ,‬واملصلحة املرسلة هي اليت مل يقم ليد عل‬
‫اعتبارها أو إلغائها‪ ,‬وأكثر املذاهب احتجاجا ِبا املالكية‪.‬‬
‫فلما اعتب اإلماِ مالر املصلحة ليال رعيا قبد ها ة بعض الصبيان‬
‫عل بعض؛ لئال تضي حقوقهم‪ ,‬وخالفه األئمة الثالثة‪ ,‬فلم يقبلوا ها ة بعضهم‬
‫عل بعض‪.‬‬
‫‪ .7‬االستصحاب هو احلكم ستمرار وجو ما ثب وجو ه حىت يقوِ‬
‫الدليد عل ذهابه‪ ,‬واحلكم ستمرار عدِ ما مل يثب وجو ه حىت يقوِ الدليد‬
‫عل وجو ه‪ ,‬وهو حجة عند مجهور الفقهاء‪ ,‬أما متأخرو احلنفية فرأوا أعه حجة يف‬
‫النفي األصلي‪ ,‬وكثري منهم ال يروعه حجة‪.‬‬

‫‪ .8‬اع ر أثر األ لة املختلف فيها يف الفقه اإلسالمي للدكتور مصطف البغا‪ ,‬وكثري من تلر املصا ر‬
‫اتفق املذاهب األربعة عل العمد ِبا‪ ,‬ولكنهم اختلفوا يف مد األخذ ِبا‪ ,‬اع ر ‪ -‬مثال ‪ -‬الفروق‬
‫للقرايف (‪ ,)33/7‬فقد قرر أن سد الذرائ لي من خواص مذهب مالر كما يتومهه كثري من املالكية‪,‬‬
‫واع ر هتذيب الفروق حملمد بن علي بن حسني (‪ ,)843/4‬فقد عقد عدة تعريفات لالستحسان‪ ,‬مث قال‪:‬‬
‫"وإذا كان هذا معناه عن مالر وأيب حنيفة فلي خبارج عن األ لة ألبتة؛ ألن األ لة يقيد بعضها‪,‬‬
‫وخيصص بعضها‪ ,‬كما يف األ لة السنية م القرآعية‪ ,‬وال ير الشافعي مثد هذا أصال"‪ ,‬وقال يف (‪)51/4‬‬
‫عن املصلحة املرسلة‪" :‬وقد حقق يف رساليت اعتصار االعتصاِ وجهها‪ ,‬وأن مالكا مل خيتص لقول ِبا"‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫وقد أ َّ اختالف األئمة يف استصحاب احلكم إىل اختالفهم يف بطالن‬
‫فصحح صالته اإلمامان مالر‬
‫الصالة لتيمم إذا رع فيها املصلي‪ ,‬مث وجد املاء‪َّ ,‬‬
‫والشافعي؛ استصحا لصحة التيمم‪ ,‬وأبطلها اإلمامان أبو حنيفة وأمحد‪.‬‬
‫‪ .3‬االستحسان هو العدول ملسألة عن حكم ع ائرها إىل حكم آخر؛‬
‫لوجه أقو يقتضي هذا العدول‪ ,‬واألحناف هم أكثر املذاهب عمال به‪.‬‬
‫وملا أخذ اإلماِ أبو حنيفة الستحسان مل يعتب قط الطري إال يف‬
‫الصحراء‪ ,‬أما يف املدن والقر فال وجو لقط الطري ؛ لضعف وكة املعتدين‬
‫بكثرة النام وإغاثة بعضهم بعضا‪ ,‬وخالفه اإلمامان مالر والشافعي‪ ,‬وتوقف‬
‫اإلماِ أمحد‪ ,‬وأكثر أصحابه عل اعتبار قط الطري يف أي مكان‪.‬‬
‫‪ .4‬العرف هو عا ة قوِ يف قول أو فعد‪ ,‬واحتج به مجهور العلماء‪ ,‬واختلفوا‬
‫يف مد األخذ به‪ ,‬وقد أ اختالفهم فيه إىل جتويز احلنفية لعقد االستصناع‪,8‬‬
‫وأبطله اجلمهور إال عل قاعدة السلم‪.‬‬
‫‪ .5‬االستقراء هو االستدالل عل ثبوت حكم هلكلي بتتب أحكاِ جزئياته‪,‬‬
‫وقد أخذ به مجي العلماء يف إثبات األحكاِ الشرعية م اختالفهم يف مد‬
‫العمد به‪.‬‬
‫وقد أ اختالفهم يف مد االعتما عليه إىل اختالفهم يف أكثر مدة‬
‫النفام‪ ,‬فرأ اإلمامان مالر والشافعي أعه ستون يوما الستقراء‪ ,‬ورأ اإلمامان‬
‫أبو حنيفة وأمحد أعه أربعون يوما لعا ة النفساء عل عهد رسول هللا ‪.‬‬

‫رط عمله عل الصاع ‪ ,‬وال يذكر أجال‪,‬‬


‫‪ .8‬االستصناع عند األحناف هو عقد عل مبي يف الذمة‪ ,‬و هل‬
‫وسواء سلم إليه الثمن أِ ال‪ ,‬اع ر البحر الرائ البن يم (‪.)815/3‬‬
‫‪12‬‬
‫‪ .3‬مذهب الصحايب هو ما ثب عنه من قول أو فعد أو فتو أو قضاء‬
‫يف حا ثة رعية مل ير فيها عص رعي‪ ,‬وقد أخذ به مجهور الفقهاء‪ ,‬فاحلنفية‬
‫واملالكية واحلنابلة يقدموعه عل القيام‪ ,‬وذهب الشافعية إىل حجيته إن مل يوجد له‬
‫خمالف‪.‬‬
‫وقد أ اختالفهم يف مد االعتما عل رأي الصحايب و روطه إىل‬
‫اختالفهم يف زكاة مال الصيب واجملنون‪ ,‬فأسقطها اإلماِ أبو حنيفة‪ ,‬وأوجبها األئمة‬
‫الثالثة‪ ,‬وكان مما احتج به كد فري أقوال الصحابة ‪.‬‬
‫‪ .2‬سد الذرائ هو من الوسائد اجلائزة يف عفسها إذا خيف التوصد ِبا إىل‬
‫حمرِ‪ ,‬واملالكية واحلنابلة هم أكثر الفقهاء عمال به‪ ,‬وأما احلنفية والشافعية فهم‬
‫أمر َّ‬
‫أقد عمال به منهم‪.‬‬
‫وملا كان اإلماِ مالر يعتمد مبدأ سد الذرائ بشكد كبري أبطد عكاح‬
‫املريض يف مرض موته؛ خشية أن يكون قصده اإلضرار لورثة‪ ,‬وخالفه األئمة‬
‫الثالثة‪ ,‬فصححوا النكاح مبهر املثد‪.‬‬
‫‪ .1‬عمد أهد املدينة هو ما عهلقد عنهم يف القرون املفضلة من األحكاِ‬
‫الشرعية مما مل يسند إىل النيب ‪ ,‬وإمنا طريقه االجتها ‪ ,‬وأخذ به املالكية ون‬
‫غريهم من بقية املذاهب الفقهية‪.‬‬
‫وملا كان اإلماِ مالر يقدِ عمد أهد املدينة عل حديث اآلحا رأ أن‬
‫تلبية احلاج تنقط بزوال مش يوِ عرفة‪ ,‬وخالفه األئمة الثالثة‪ ,‬ورأوا أن التلبية‬
‫تنقط إذا رم احلاج مجرة العقبة؛ لفعله ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫‪ .9‬رع من قبلنا هو ما عقد إلينا من فروع أحكاِ تلر الشرائ مما مل أتت‬
‫ريعتنا إبقراره أو عقضه‪ ,‬وأكثر من عمد به احلنفية واملالكية‪.‬‬
‫وملا كان اإلمامان أبو حنيفة ومالر ير ن أن رع من قبلنا رع لنا أوجبا‬
‫عل من عذر أن يذبح ولده أن يذبح مكاعه بدعة أو اة ‪ -‬عل خالف ‪ ,-‬ومل‬
‫يوجب عليه اإلماِ الشافعي يئا؛ ألعه ال ير رع من قبلنا رعا لنا‪ ,‬وألعه عذر‬
‫معصية‪ ,‬وملا تعد ت الرواية عن أمحد يف حجية رع من قبلنا تعد ت الرواية عنه‬
‫يف هذه املسألة بني إلزامه كفارة َيني أو ذبح كبش‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬منهج االستدالل وعلم أصول الفقه‬
‫من األسباب الرئيسية اليت أ ت إىل اخلالف الفقهي هو منهج االستدالل‪,‬‬
‫ويقصد به الطري املرسوِ الذي يسلكه اجملتهد الستنباط األحكاِ الشرعية من‬
‫أ لتها التفصيلية‪ ,‬وهذا املنهج أو الطري هو عبارة عن قواعد أصولية ثبت صحتها‬
‫عند اجملتهد‪ ,‬فجعلها ميزاان يرج إليه يف االستنباط واالستنتاج‪.‬‬
‫والعلم الذي يبحث يف مناهج االستدالل هو علم أصول الفقه‪ ,‬وهو أ رف‬
‫صد إىل معرفة أحكاِ هللا ‪‬‬
‫العلوِ بعد صحة االعتقا هلل سبحاعه؛ ألعه به يهلتو َّ‬
‫يف أفعال املكلفني‪.‬‬
‫فال يكفي للفقيه اجملتهد الذي يريد أن ينهض أبعباء استنباط األحكاِ‬
‫الشرعية من أ لتها التفصيلية أن حييط أبقوال العلماء السابقني؛ ألن اإلحاطة‬
‫جبزئيات املسائد الفرعية مما يش ويعسر‪ ,‬بد إعه يتعذر م مرور األ ِ واألعواِ‪,‬‬
‫ولكن املطلوب أن َيتلر الفقيه اجملتهد ميزاان قيقا ومعيارا منضبطا‪ ,‬يقي به‬
‫العامل مد قربه أو بعده من االعضباط واحليا ية‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫وهنا تتبلور أمهية علم أصول الفقه؛ ألعه الطري املستقيم الذي يسلكه الفقيه‬
‫أثناء خوضه غمار االجتها الفقهي‪ ,‬وقد تضافرت أقوال العلماء يف بيان أمهيته‬
‫للعامل اجملتهد؛ لينضبط اجتها ه‪ ,‬ويسري فيه وف منهج استداليل اثب ‪.‬‬
‫قال إماِ احلرمني اجلويين رمحه هللا (‪421-489‬هـ)‪" :‬والوجه لكد متصد‬
‫لإلقالل أبعباء الشريعة أن جيعد اإلحاطة ألصول وقه اآلكد‪ ,‬وينص مسائد‬
‫الفقه عليها عص من حياول إبيرا ها هتذيب األصول‪ ,‬وال ينزف مجاِ الذهن يف‬
‫وض الوقائ م العلم أبهنا ال تنحصر م الذهول عن األصول"‪.8‬‬
‫وقال اإلماِ الرازي رمحه هللا (‪313-544‬هـ)‪" :‬حتصيد هذا العلم فرض‪,‬‬
‫والدليد عليه أن معرفة حكم هللا تعاىل يف الوقائ النازلة ملكلفني واجبة‪ ,‬وال طري‬
‫إىل حتصيلها إال ِبذا العلم‪ ,... ,‬وإمنا قلنا إعه ال طري إىل معرفة حكم هللا تعاىل‬
‫إال ِبذا العلم؛ ألن املكلف إما أن يكون عاميا أو ال يكون‪ ,‬فإن كان عاميا‬
‫ففرضه السؤال‪ ,... ,‬وإن كان عاملا فالعامل ال َيكنه أن يعرف حكم هللا تعاىل إال‬
‫بطري ؛ الععقا اإلمجاع عل أن احلكم مبجر التشهي غري جائز‪ ,‬وال معىن ألصول‬
‫الفقه إال تلر الطرق‪ ,‬فثب أعه ال سبيد إىل معرفة حكم هللا تعاىل إال أبصول‬
‫الفقه"‪.7‬‬
‫وقال اإلماِ تقي الدين السبكي رمحه هللا (‪253-313‬هـ)‪" :‬وإن علم‬
‫أصول الفقه ملن أع م العلوِ عفعا عند من أعصف ومل يعاعد‪ ,‬فإن العلوِ ثالثة‬
‫أصناف‪ :‬عقلية حمضة كاحلساب وا ندسة والنجوِ والطب‪ ,‬ولغوية كعلم اللغة‬

‫‪ .8‬املدارك للجويين عقال من البحر احمليط للزركشي (‪.)1/8‬‬


‫‪ .7‬احملصول للرازي (‪.)772/8‬‬
‫‪91‬‬
‫والنحو والتصريف والعروض والقوايف والبيان‪ ,‬و رعية وهي علوِ القرآن والسنة‬
‫وتوابعهما‪ ,‬وال ريبة يف أن الشريعة أ رف األصناف الثالثة يف الوسائد واملقاصد‪,‬‬
‫وأ رف العلوِ الشرعية بعد االعتقا الصحيح وأعفعها معرفةهل األحكاِ اليت جتب‬
‫للمعبو عل العابد‪ ,‬ومعرفة ذلر لتقليد وعقد الفروع اجملر ة تستفرغ مجاِ‬
‫الذهن‪ ,‬وال ينشرح الصدر له؛ لعدِ أخذه لدليد‪ ,‬وأين سام اخلب من‬
‫املشاهد؟! وأين أجر من أي لعبا ة لفتو إمامه له أهنا واجبة أو سنة من الذي‬
‫أي ِبا وقد ثلج صدره عن هللا ورسوله أبن ذلر ينه؟! اتهلل إن أجر هذا لزائد‪,‬‬
‫وهذا ال حيصد إال الجتها ‪ ,‬وال يكمد فيه إال الواحد بعد الواحد‪ ,‬وكد العلماء‬
‫يف حضيض عنه إال من تغلغد أبصول الفقه‪ ,‬وكرع من مناهله الصافية بكد‬
‫وترو من زالله‪ ,‬و ت يعهلد به وطرفه ساهد"‪.8‬‬
‫املوار ‪ ,‬وسبح يف حبره َّ‬
‫وقال اإلماِ اإلسنوي رمحه هللا‪" :‬إن أصول الفقه علم‪ ,‬ع هلم عفعه وقدره‪,‬‬
‫وعال رفه وفخره‪ ,‬إذ هو مثار األحكاِ الشرعية ومنار الفتاو الفرعية اليت ِبا‬
‫صالح املكلفني معا ا ومعا ا‪ ,‬مث إعه العمدة يف االجتها ‪ ,‬وأهم ما يتوقف عليه‬
‫من املوا ‪ ,‬كما عص عليه العلماء‪ ,‬ووصفه به األئمة الفضالء"‪.7‬‬
‫ابن النجار رمحه هللا‪(" :‬و رط جمتهد كوعه فقيها‪ ,‬وهو) أي‬ ‫وقال اإلماِ هل‬
‫الفقيه يف االصطالح (العامل أبصول الفقه) أي أبن يكون له قدرة عل استخراج‬
‫أحكاِ الفقه من أ لتها‪( ,‬وما يستمد منه) أي من أصول الفقه‪ ,‬ويتضمن ذلر أن‬
‫يكون عنده سجية وقوة‪ ,‬يقتدر ِبا عل التصرف جلم والتفري واليتيب‬

‫‪ .8‬اإلِباج يف رح املنهاج للتقي السبكي وولده التاج (‪ ,)1/7‬واع ر البحر احمليط للزركشي (‪.)71/8‬‬
‫‪ .7‬التمهيد يف ختريج الفروع عل األصول لإلسنوي (‪.)43/8‬‬
‫‪98‬‬
‫والتصحيح واإلفسا ‪ ,‬فإن ذلر مالك صناعة الفقه‪ ,‬قال الغزايل‪" :‬إذا مل يتكلم‬
‫الفقيه يف مسألة مل يسمعها ككالمه يف مسألة عها‪ ,‬فلي بفقيه"‪ ,‬والذي يستمد‬
‫منه أصول الفقه هو الكتاب والسنة وما تفرع عنهما"‪.8‬‬
‫وقال اإلماِ الشوكاين رمحه هللا‪" :‬فاجملتهد هو الفقيه املستفرغ لوسعه لتحصيد‬
‫ظن حبكم رعي‪ ,‬وال بد أن يكون لغا عاقال‪ ,‬قد ثب له ملكة يقتدر ِبا عل‬
‫استخراج األحكاِ من مآخذها‪ ,‬وإمنا يتمكن من ذلر بشروط‪ ,... :‬الشرط الراب‬
‫أن يكون عاملا بعلم أصول الفقه؛ ال تماله عل ما مت احلاجة إليه‪ ,‬وعليه أن‬
‫يهلطول الباع فيه ويطل عل خمتصراته ومطوالته مبا تبلغ إليه طاقته‪ ,‬فإن هذا العلم‬
‫هو عما فسطاط االجتها وأساسه الذي تقوِ عليه أركان بنائه‪ ,‬وعليه أيضا أن‬
‫ين ر يف كد مسألة من مسائله ع راً يوصله إىل ما هو احل فيها‪ ,‬فإعه إذا فعد ذاك‬
‫متكن من ر الفروع إىل أصو ا أبيسر علم‪ ,‬وإذا قصر يف هذا الفن صعب عليه‬
‫الر ‪ ,‬وخبط فيه وخلط‪ ,‬قال الفخر الرازي يف "احملصول"‪ ,‬وما أحسن ما قال‪" :‬إن‬
‫أهم العلوِ للمجتهد علم أصول الفقه"‪ ,‬اعته ‪ ,‬قال الغزايل‪" :‬إن أع م علوِ‬
‫االجتها يشتمد عل ثالثة فنون‪ :‬احلديث واللغة وأصول الفقه""‪ ,7‬وعصوص‬
‫األصوليني يف بيان أمهية علم أصول الفقه كثرية ال ختف ‪.‬‬
‫تعريف علم أصول الفقه‬
‫وعلم أصول الفقه يف جممله عبارة عن أ لة إمجالية وقواعد كلية‪ ,‬يتوصد ِبا‬
‫اجملتهد إىل معرفة األحكاِ الشرعية‪ ,‬وقد جاءت أكثر تعاريف علم أصول الفقه‬

‫‪ .8‬رح الكوكب املنري البن النجار (‪.)459/4‬‬


‫‪ .7‬إر ا الفحول للشوكاين (‪ ,)713/7‬واع ر املستصف للغزايل (‪.)395/7‬‬
‫‪97‬‬
‫عب ِبذا التعبري عن هذا العلم‬
‫واصفةً له أبعه األ لة أو الدالئد اإلمجالية‪ ,‬فممن َّ‬
‫اإلماِ اتج الدين السبكي رمحه هللا (‪228-272‬هـ)‪ ,‬فقال‪(" :‬أصول الفقه) أي‬
‫الفن املسم ِبذا اللقب املشعر مبدحه بتناء الفقه عليه‪ ,‬إذ األصد ما يبتين عليه‬
‫غريه‪ ( ,‬الئد الفقه اإلمجالية) أي غري املعيَّنة‪ ,‬كمطل األمر والنهي وفعد النيب‬
‫واإلمجاع والقيام واالستصحاب‪ ,‬املبحوث عن أو ا أبعه للوجوب حقيقة‪ ,‬والثاين‬
‫أبعه للحرمة‪ ,‬كذلر الباقي أبهنا حجج‪ ,‬وغري ذلر مما أي ‪ ,‬م ما يتعل به يف‬
‫الكتب اخلمسة‪ ,‬فخرج الدالئد التفصيلية حنو‪" :‬أقيموا الصالة"‪" ,‬وال تقربوا الزان"‪,‬‬
‫وصالته ‪ ‬يف الكعبة كما أخرجه الشيخان‪ ,... ,‬فليس أصول الفقه"‪.8‬‬
‫عب عن علم أصول الفقه لقواعد الكلية اإلماِ ابن النجار رمحه هللا‪,‬‬ ‫وممن َّ‬
‫فقال‪(" :‬وأصول الفقه علماً) أي من حيث كوهنا صارت لقبا ذا العلم‪( ,‬القواعد‬
‫صد) أي يهلقصد الوصول (ِبا إىل استنباط األحكاِ الشرعية الفرعية)‪,... ,‬‬ ‫اليت يهلتو َّ‬
‫فالقواعد مج قاعدة‪ ,‬وهي هنا عبارة عن صور كلية‪ ,‬تنطب كد واحدة منها عل‬
‫جزئياهتا اليت حتتها‪ ,‬ولذلر مل حيتج إىل تقييدها لكلية؛ ألهنا ال تكون إال كذلر‪,‬‬
‫‪ ,...‬وكذا قولنا ‪ -‬وهو املرا هنا ‪" :-‬األمر للوجوب والفور" وحنو ذلر‪ ,‬واحيز‬
‫بقوله‪( :‬إىل استنباط األحكاِ) عن القواعد اليت يتوصد ِبا إىل استنباط غري‬
‫األحكاِ من الصنائ والعلم يئات والصفات‪ ,‬وبـ(الشرعية) عن االصطالحية‬
‫والعقلية‪ ,‬كقواعد علم احلساب وا ندسة‪ ,‬وبـ(الفرعية) عن األحكاِ اليت تكون من‬

‫‪ .8‬رح احمللي عل مج اجلوام للسبكي (‪ ,)37/8‬واع ر اإلِباج له ولوالده (‪ ,)45/7‬واإلحكاِ‬


‫لآلمدي (‪ ,)73/8‬واحملصول للرازي (‪ ,)94/8‬وروضة الناظر البن قدامة (‪ ,)58/8‬وهناية السول‬
‫لإلسنوي (‪ ,)9/8‬والبحر احمليط للزركشي (‪.)82/8‬‬
‫‪93‬‬
‫جن األصول‪ ,‬كمعرفة وجوب التوحيد من أمره تعاىل لنبيه ‪ ‬يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫"فاعلم أعه ال إله إال هللا""‪.8‬‬
‫وبناء عل ما سب فإعين أعين مبنهج االستدالل تلر األ لة اإلمجالية‬
‫والقواعد الكلية اليت جيب أن يلتزِ ِبا الفقيه اجملتهد عندما يكابد عملية االجتها‬
‫الفقهي‪ ,‬والعلم ِبا رط أساسي خلوض غمار االجتها ‪.‬‬
‫فال يكفي أن جيم اجملتهد النصوص الشرعية حول املسألة قيد البحث‪ ,‬بد‬
‫جيب أن يسري وف منهج استداليل اثب ومطر يف التعامد معها واستنباط‬
‫األحكاِ الشرعية منها‪ ,‬وأجزِ أعه لن يصح اجتها إذا كان اجملتهد غافال عن تلر‬
‫األ لة اإلمجالية والقواعد الكلية اليت تضبط اجتها ه الفقهي‪ ,‬بد إن غفلته عنها‬
‫تلر ستقو ه إىل االضطراب والتناقض واخلبط واخللط والتفري بني املتشاِبات‬
‫واجلم بني املفيقات‪.‬‬
‫أمثلة على القواعد األصولية وأثرها الكبري يف اخلالف الفقهي‬
‫يتبني للقارئ أمهية املنهج األصويل وأثره الكبري يف اخلالف الفقهي‬ ‫ولكي َّ‬
‫سأعرض عد ا من األ لة اإلمجالية والقواعد الكلية اليت يتكون منها صلب علم‬
‫أصول الفقه‪ ,‬وسأقتصر من اآلن عل تسميتها لقواعد األصولية طلباً لالختصار‪,‬‬
‫وألن "القاعدة" عبارة عن قاعون كلي يتم تطبيقه عل األ لة التفصيلية‪ ,‬أما‬
‫"األصولية" فتميزها عن القاعدة الفقهية اليت تنت م املسائد الفقهية املتشاِبة‪.‬‬
‫فقاعدة "األمر يفيد الوجوب" قاعدة أصولية‪ ,‬يتم تطبيقها عل األ لة‬
‫التفصيلية املندرجة حتتها‪ ,‬كقوله تعاىل‪" :‬وأقيموا الصالة وآتوا الزكاة"‪ ,‬وقوله تعاىل‪:‬‬

‫‪ .8‬رح الكوكب املنري البن النجار (‪ ,)44/8‬واع ر إر ا الفحول للشوكاين (‪.)81/8‬‬


‫‪94‬‬
‫"فتيمموا صعيدا طيبا"‪ ,‬وقوله تعاىل‪ " :‬أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلوعكم من‬
‫الكفار"‪ ,‬وقول النيب ‪" :‬صلُّوا كما رأيتموين أصلي"‪ ,8‬وقوله ‪" :‬إن هللا ‪ ‬قد‬
‫فح ُّجوا"‪ ,7‬وقوله ‪" :‬أ األماعة إىل من ائتمنر‪ ,‬وال ختن من‬
‫فرض عليكم احلج هل‬
‫خاعر"‪.3‬‬
‫أما القواعد التالية كقولنا‪" :‬اليقني ال يزال لشر"‪ ,‬و"املشقة جتلب‬
‫التيسري"‪ ,‬و"ال عبة ل ن البني خطؤه"‪ ,‬فهي قواعد فقهية‪ ,‬يندرج حت كد منها‬
‫عد من املسائد الفقهية املتشاِبة‪.‬‬
‫وسأسر اآلن عد ا من القواعد األصولية‪ ,‬مبينا معناها وأبرز اآلراء اخلالفية‬
‫فيها‪ ,‬م التمثيد عل كد منها مبثال واحد‪:4‬‬
‫‪ .8‬من القواعد األصولية املتعلقة بدالالت األلفاظ عل األحكاِ قاعدة عموِ‬
‫املقتض ‪ ,‬إذ قد تعتمد صحة اللفظ عل تقدير معىن خارج عنه‪ ,‬وإال كان‬
‫الكالِ غري صحيح‪ ,‬ومن ذلر قول النيب ‪" :‬إن هللا وض عن أميت اخلطأ‬
‫والنسيان وما استكرهوا عليه"‪ ,5‬فال َيكن أن يكون املعىن أن أ َّهلمة النيب ‪ ‬ال‬

‫‪ .8‬رواه البخاري‪.‬‬
‫‪ .7‬رواه مسلم وأمحد ‪ -‬واللفظ له ‪ -‬والنسائي‪.‬‬
‫‪ .3‬رواه أمحد وأبو او واليمذي‪.‬‬
‫‪ .4‬تناول كتب أصول الفقه القواعد األصولية وخالف العلماء فيها‪ ,‬وأ بعوها حبثا ومتحيصا‪ ,‬وكثريا ما‬
‫كاعوا يعتمدون عليها يف استدالالهتم الفقهية‪ ,‬ومن الكتب األصولية اليت اعتن بتخريج الفروع الفقهية‬
‫عل القواعد األصولية كتاب التمهيد يف ختريج الفروع عل األصول لإلسنوي الشافعي‪ ,‬وختريج الفروع‬
‫عل األصول للز اين‪ ,‬ومن املعاصرين أثر االختالف يف القواعد األصولية يف اختالف الفقهاء ملصطف‬
‫اخلن‪ ,‬وأثر األ لة املختلف فيها يف الفقه اإلسالمي ملصطف البغا‪.‬‬
‫‪ .5‬رواه ابن ماجه‪.‬‬
‫‪95‬‬
‫ختطئ وال تنس وال تهلكره؛ ألن هذا خمالف للواق ‪ ,‬فال بد من تقدير معىن‬
‫يسم ملقتض ‪ ,‬بد قد تصلح أحياان عدة معان للتقدير‪,‬‬ ‫آخر‪ ,‬وهو ما َّ‬
‫فتكثر املقتضيات‪ ,‬فهد يهلؤخذ بعموِ املقتض كما هو رأي اجلمهور؟ أِ يقدَّر‬
‫مقتض واحد حسب االجتها كما هو مذهب احلنفية‪ ,‬فمثال إذا تكلم‬
‫املصلي يف الصالة انسيا‪ ,‬فما هو املعىن املوضوع عنه‪ ,‬هد يوض عنه اإلمث‬
‫وبطالن الصالة‪ ,‬فال أيمث وال تبطد صالته؟ أِ يوض عنه اإلمث فقط‪ ,‬وتبطد‬
‫صالته؟ ذهب اجلمهور إىل األول‪ ,8‬وذهب احلنفية إىل الثاين‪.7‬‬
‫‪ .7‬ومن القواعد األصولية املتعلقة بدالالت األلفاظ عل األحكاِ قاعدة مفهوِ‬
‫املخالفة‪ ,‬ومعناه اللة اللفظ عل ثبوت عقيض حكم املنطوق للمسكوت‬
‫عنه؛ العتفاء قيد معتب يف احلكم كالصفة أو الشرط أو الغاية أو العد ‪ ,3‬ومن‬

‫‪ .8‬استدل اجلمهور ‪ -‬إضافة إىل قاعدة عموِ املقتض ‪ -‬أب لة أخر ‪ ,‬منها حديث ذي اليدين ‪,‬‬
‫وخالصته أن النيب ‪ ‬صلَّ لصحابة ‪ ‬إما ال هر أو العصر‪ ,‬فسلم من ركعتني‪ ,‬ويف القوِ أبو بكر‬
‫وعمر رضي هللا عنهما‪ ,‬فها أن يتكلما‪ ,‬فقال ذو اليدين ‪ :‬رسول هللا‪ ,‬أقصرت الصالة أِ عسي ؟‬
‫فقال ‪" :‬ما يقول ذو اليدين"؟ قالوا‪ :‬صدق‪ ,‬مل تصد إال ركعتني‪ ,‬فقاِ وصل ركعتني‪ ,‬وسجد للسهو‪,‬‬
‫رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫‪ .7‬استدل احلنفية ‪ -‬إضافة إىل عدِ القول بعموِ املقتض ‪ -‬أب لة أخر ‪ ,‬منها حديث معاوية بن احلكم‬
‫‪ ,‬وخالصته أعه كان يصلي م رسول هللا ‪ ,‬فعط رجد من القوِ‪ ,‬فقال له‪ :‬يرمحر هللا‪ ,‬فرماه‬
‫القوِ أببصارهم‪ ,‬وضربوا أبيديهم عل أفخاذهم‪ ,‬يصمتوعه‪ ,‬فسك ‪ ,‬فلما قهلضي الصالة قال له ‪" :‬إن‬
‫هذه الصالة ال يصلح فيها يء من كالِ النام‪ ,‬إمنا هو التسبيح والتكبري وقراءة القرآن"‪ ,‬رواه مسلم‬
‫وأمحد والنسائي وأبو او ‪.‬‬
‫‪ .3‬ا يط القائلون مبفهوِ املخالفة روطا كثرية‪ ,‬منها أن ال يكون احلكم يف املسكوت عنه أظهر من‬
‫حكم املنطوق‪ ,‬وأن ال يتعارض م ليد أقو منه‪ ,‬وأن ال تكون صفة املنطوق خرج خمرج الغالب‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫ذلر قول النيب ‪" :‬من ابتاع ال بعد أن تهلؤبَّر فثمرهتا للبائ إال أن يشيط‬
‫املبتاع"‪ ,8‬فمنطوق احلديث أن النخد إذا أهلبر مث بي فثمرته للبائ ‪ ,‬واملسكوت‬
‫عنه حكم النخد إذا بي قبد التأبري‪ ,‬فمن أخذ مبفهوِ املخالفة‪ ,‬وهم اجلمهور‪,‬‬
‫حكم أبن الثمرة للمشيي‪ ,‬ومن مل أيخذ به‪ ,‬وهم احلنفية‪ ,‬حكم أبن الثمرة‬
‫للبائ ‪.‬‬
‫‪ .3‬ومن القواعد األصولية املتعلقة بدالالت األلفاظ من حيث مشو ا قاعدة‬
‫ختصيص اللفظ العاِ قطعي الثبوت بدليد خاص ظين الثبوت‪ ,‬فاللفظ العاِ‬
‫صر احلكم عل بعض أفرا العاِ‪,‬‬ ‫هو املستغرق جلمي أفرا ه‪ ,‬والتخصيص ق ا‬
‫وقطعي الثبوت هو القرآن الكرمي والسنة املتواترة‪ ,‬وأحل احلنفية ِبما السنة‬
‫املشهورة‪ ,‬وظين الثبوت هو حديث اآلحا والقيام‪ ,‬وقد اختلف العلماء يف‬
‫هذه املسألة عل قولني رئيسني‪ :‬أو ما جواز ختصيص العاِ قطعي الثبوت‬
‫بدليد ظين الثبوت؛ ألن اللة العاِ عل أفرا ه ظنية‪ ,‬والقائلون بذلر هم‬
‫مجهور العلماء‪ ,‬واثعيهما من ختصيص العاِ قطعي الثبوت بدليد ظين الثبوت؛‬
‫ألن اللة العاِ عل أفرا ه قطعية‪ ,‬والقائلون بذلر هم احلنفية‪ ,‬فإذا ور النص‬
‫القرآين حبكم عاِ‪ ,‬مث ور حديث آحا خيصصه‪ ,‬فإن اجلمهور من الشافعية‬
‫واحلنابلة جييزون ختصيص عاِ القرآن حبديث اآلحا ‪ ,‬أما احلنفية فإهنم َينعون‬
‫هذا التخصيص‪ ,‬وال يقبلوعه إال إذا ور يف آية قرآعية أو حديث متواتر أو‬
‫حديث مشهور‪ ,‬أما املالكية فإهنم جييزون التخصيص إذا عضد حديث اآلحا‬
‫عمد أهد املدينة‪ ,‬ومن األمثلة اليت توضح مثرة هذا اخلالف قول هللا تبارك‬
‫هل‬

‫‪ .8‬رواه البخاري ومسلم والنسائي واليمذي‪.‬‬


‫‪92‬‬
‫"حرم عليكم امليتة"‪ ,‬فإعه ليد قطعي الثبوت‪ ,‬وعاِ يف حرمة كد‬ ‫وتعاىل‪ :‬هل‬
‫ميتة‪ ,‬وقول النيب ‪ ‬عن البحر‪" :‬هو الطَّهور ماؤه‪ ,‬احل ُّد ميتته"‪ ,8‬فإعه ليد‬
‫ظين الثبوت‪ ,‬وخاص حبد ميتة البحر‪ ,‬فمن رأ جواز ختصيص العاِ قطعي‬
‫الثبوت بدليد ظين الثبوت‪ ,‬وهم اجلمهور‪ ,‬حكم حبد ميتة البحر ختصيصا ا‬
‫من عموِ حترمي امليتة‪ ,‬ومن رأ من التخصيص‪ ,‬وهم احلنفية‪ ,‬أبق اآلية عل‬
‫عمومها‪ ,‬وحكم حبرمة ميتة البحر‪ ,‬ولكنهم استثنوا ميتة السمر واجلرا من‬
‫عموِ حترمي امليتة؛ ألن احلديث الوار فيها‪ ,‬وهو قول النيب ‪" :‬أحل لنا‬
‫ميتتان و مان‪ :‬فأما امليتتان فاحلوت واجلرا ‪ ,‬وأما الدمان فالكبد والطحال"‪,7‬‬
‫حديث مشهور‪.‬‬
‫‪ .4‬ومن القواعد األصولية املتعلقة بداللة اخلاص والعاِ قاعدة منهجية التوفي‬
‫بينهما يف حالة تعارض اللتهما م تساويهما يف الثبوت واجلهد بتاريخ‬
‫ورو مها‪ ,‬فمثال قول النيب ‪" :‬فيما سق السماء والعيون أو كان عثر ً‬
‫العشر‪ ,‬وما هلسقي لنضح عصف العشر"‪ 3‬عص عاِ يف وجوب الزكاة يف‬
‫النبات مهما كان مقدار اخلارج‪ ,‬ويتعارض ظاهراً م قوله ‪" :‬لي فيما ون‬
‫مخسة أوس صدقة"‪4‬؛ ألعه عص خاص بوجوب الزكاة يف النبات بشرط كون‬
‫اخلارج مخسة أوس فأكثر‪ ,‬ومل يهلعلم الساب واملتأخر من احلديثني‪ ,‬وقد اختلف‬

‫‪ .8‬رواه أمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬


‫‪ .7‬رواه أمحد وابن ماجه‪.‬‬
‫‪ .3‬رواه البخاري أمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫‪ .4‬رواه البخاري ومسلم أمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫‪91‬‬
‫العلماء يف هذه املسألة عل قولني رئيسني‪ :‬أو ما وجوب الزكاة فيما بلغ‬
‫مخسة أوس فأكثر‪ ,‬عمالً مبنهجية ختصيص العاِ خلاص‪ ,‬وهو قول‬
‫اجلمهور‪ ,‬واثعيهما وجوب الزكاة مهما بلغ مقدار اخلارج‪ ,‬عمالً مبنهجية تقدمي‬
‫العاِ عل اخلاص؛ ألن اللة العاِ عل أفرا ه قطعية‪ ,‬أما اللة اخلاص ف نية‪,‬‬
‫وهو قول احلنفية‪ ,‬ومحلوا حديث اخلمسة أوس عل عروض التجارة‪.‬‬
‫‪ .5‬ومن القواعد األصولية املتعلقة بدالالت األلفاظ من حيث مشو ا قاعدة محد‬
‫اللفظ املطل عل املقيد إذا احتد موضوعهما وحكمهما واختلفا يف سبب‬
‫احلكم‪ ,‬فاللفظ املطل هو ما َّل عل ائ يف جنسه‪ ,‬واللفظ املقيد هو ما‬
‫حصر اإلطالق بتعيني أو صفة‪ ,‬وقد اختلف العلماء يف هذه املسألة عل‬
‫قولني رئيسني‪ :‬أو ما وجوب محد املطل عل املقيد ما اما متحدين يف‬
‫املوضوع واحلكم‪ ,‬والقائلون بذلر هم اجلمهور‪ ,‬واثعيهما من محد املطل عل‬
‫املقيد ما اما خمتلفني يف سبب احلكم‪ ,‬والقائلون بذلر هم احلنفية‪ ,‬ومن‬
‫األمثلة اليت توضح مثرة هذا اخلالف قول عبدهللا بن عمر ‪" :‬فرض رسول‬
‫هللا ‪ ‬زكاة الفطر صاعا من متر أو صاعا من عري‪ ,‬عل العبد واحلر والذكر‬
‫واألعث والصغري والكبري من املسلمني"‪ 8‬م قوله ‪" :‬فرض رسول هللا ‪‬‬
‫صدقة الفطر‪ ,‬عل الذكر واألعث واحلر واململوك‪ ,‬صاعا من متر أو صاعا من‬
‫عري"‪ ,7‬فاحتد احلديثان يف املوضوع وهو زكاة الفطر‪ ,‬واحتدا حكما وهو‬
‫وجوب إخراجها‪ ,‬ولكنهما اختلفا يف سبب احلكم‪ ,‬فاحلديث األول قيَّده‬

‫‪ .8‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي واليمذي وابن ماجه‪.‬‬


‫‪ .7‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي واليمذي‪.‬‬
‫‪99‬‬
‫ملسلمني‪ ,‬والثاين أطلقه بدون تقييد‪ ,‬فما حكم إخراج زكاة الفطر عن الرقي‬
‫غري املسلم؟ فمن رأ وجوب محد املطل عل املقيد يف هذه احلالة‪ ,‬وهم‬
‫اجلمهور‪ ,‬حكم أبن زكاة الفطر ال جتب عل السيد يف رقيقه غري املسلم‪ ,‬ومن‬
‫رأ من محد املطل عل املقيد يف هذه احلالة‪ ,‬وهم احلنفية‪ ,‬حكم بوجوب‬
‫زكاة الفطر عل السيد يف رقيقه غري املسلم‪.‬‬
‫‪ .3‬ومن القواعد األصولية املتعلقة بدالالت األلفاظ من حيث مشو ا قاعدة تعميم‬
‫اللفظ املشيك عل مجي معاعيه إذا مل توجد قرينة تدل عل حتديد معىن منها‪,‬‬
‫ومل َيتن اجلم بينها‪ ,‬واللفظ املشيك هو اللفظ الذي يطل عل عدة معاين‪,‬‬
‫وقد اختلف العلماء يف هذه املسألة عل ثالثة أقوال‪ :‬أو ا إعمال مجي املعاين‬
‫اليت يشملها اللفظ املشيك‪ ,‬وهو قول مجهور الشافعية‪ ,‬اثعيها إعمال معىن‬
‫واحد منها‪ ,‬وهو قول مجهور احلنفية‪ ,‬واثلثها إعمال مجي املعاين يف النفي ون‬
‫اإلثبات‪ ,‬وهو قول بعض احلنفية‪ ,‬ومن األمثلة اليت توضح مثرة هذا اخلالف ما‬
‫لو أوقف رجد وقفاً عل مواليه‪ ,‬ولفظ املوىل يطل يف اللغة العربية عل املوىل‬
‫األعل وهو املعت ‪ ,‬وعل املوىل األسفد وهو املعت ‪ ,‬فمذهب الشافعية تقسيم‬
‫الوقف بني اجلمي ‪ ,‬وهو مذهب احلنابلة‪ ,‬أما مذهب احلنفية فالوقف للمعت‬
‫فقط‪ ,‬ووافقهم املالكية يف كون الوقف للمعت ‪ ,‬وأحلقوا به معت أصد الواقف‬
‫ومعت فرعه‪.‬‬
‫‪ .2‬ومن القواعد األصولية املتعلقة بعالقة النصوص الشرعية وأتثري بعضها عل‬
‫بعض قاعدة العمد بنص يتضمن حكما زائدا عل ما ور يف عص ساب ‪ ,‬هد‬
‫يـهلع ُّد عسخاً له أِ إضافةً إليه‪ ,‬فمثال قول النيب ‪ ‬يف حديث العسيف‪" :‬والذي‬

‫‪811‬‬
‫عفسي بيده ألقضني بينكما بكتاب هللا‪ ,‬أما الغنم والوليدة فر علير‪ ,‬وأما‬
‫ابنر فعليه جلد مائة وتغريب عاِ‪ ,‬واغد أعي إىل امرأة هذا‪ ,‬فإن اعيف‬
‫يب سنة‪ ,7‬أما قول‬ ‫‪8‬‬
‫فارمجها" ينص عل أن عقوبة الزاين البكر مائةهل جلدة وتغر هل‬
‫هللا ‪" :‬الزاعية والزاين فاجلدوا كد واحد منهما مائة جلدة" فإعه ينص عل‬
‫أن عقوبة الزاين مائة جلدة فقط‪ ,‬ومل يذكر التغريب‪ ,‬فهد احلكم الزائد يعد من‬
‫قبيد النسخ أِ اإلضافة‪ ,‬اختلف العلماء يف هذه املسألة عل قولني رئيسني‪:‬‬
‫أو ما أن الز ة عسخ‪ ,‬فال تقبد إال إذا كان النص املتضمن ز ةً يف قوة‬
‫ثبوت النص الساب ‪ ,‬وإال فال يقبد عسخ قطعي الثبوت ب ين الثبوت؛‬
‫والقائلون بذلر هم احلنفية‪ ,‬و لتايل حكموا أن التغريب للزاين البكر عقوبة‬
‫تعزيرية‪ ,‬وليس عقوبة اثبتة؛ ألن الز ة عسخ‪ ,‬واألحا يث الوار ة يف التغريب‬
‫أحا يث آحا ‪ ,‬فال تنسخ اآلية‪ ,‬واثعيهما أن الز ة إضافة زائدة‪ ,‬فتقبد ما‬
‫اِ النص صحيحا وإن مل يكن يف قوة النص الساب ‪ ,‬والقائلون بذلر هم‬
‫اجلمهور‪ ,‬و لتايل حكموا أن التغريب للزاين البكر عقوبة اثبتة‪ ,‬استفيدت من‬
‫األحا يث الوار ة يف التغريب‪.‬‬
‫‪ .1‬ومن القواعد األصولية املتعلقة لسنة النبوية قاعدة العمد حبديث الواحد إذا‬
‫خالف القيام‪ ,‬واملقصو حبديث الواحد احلديث النبوي الذي رواه آحا من‬
‫إحلاق فرع‬
‫النام ال يبلغون حد التواتر ولو يف طبقة واحدة‪ ,‬واملقصو لقيام هل‬
‫أبصد يف حكمه لعلة جامعة بينهما‪ ,‬وختتص هذه القاعدة لقيام املنصوص‬

‫‪ .8‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬


‫‪ .7‬ور ت عدة أحا يث متضمنة اجللد والتغريب عل الزاين البكر‪.‬‬
‫‪818‬‬
‫عل علته إذا تعارض م حديث الواحد‪ ,‬فأيهما يقدِ عل اآلخر؟ اختلف‬
‫العلماء يف هذه املسألة عل قولني رئيسني‪ :‬أو ما أن حديث الواحد مقدِ‬
‫عل القيام حىت لو كان الراوي غري فقيه ما اِ عدال ضابطا‪ ,‬والقائلون‬
‫بذلر هم اجلمهور‪ ,‬واثعيهما أن القيام املنصوص عل علته مقدِ عل‬
‫حديث اآلحا إذا كان الراوي غري فقيه‪ ,‬والقائلون بذلر هم احلنفية‪ ,‬واحتج‬
‫الفريقان آباثر ور ت عن الصحابة ‪ ‬وأب لة عقلية أخر ‪ ,‬ومن فروع هذه‬
‫القاعدة اختالف العلماء يف املصَّراة‪ ,‬وهي الشاة أو الناقة اليت يهليك حلبهلها قبد‬
‫هل‬
‫بيعها‪ ,‬فيكثر حليبها ويكب ضرعها‪ ,‬فيتوهم مشييها أن ذلر عا هتا‪ ,‬مث يتبني‬
‫له بعد ذلر أهنا مصراة‪ ,‬فريغب أن يرَّها عل ئعها ل هور عيبها‪ ,‬فماذا ير‬
‫معها عوضا عن اللنب الذي حلبه؟ ير اجلمهور أعه يـ هلرُّ معها صاعاً من متر؛‬
‫عمال بقول النيب ‪" :‬ال تهلصُّروا اإلبد والغنم‪ ,‬فمن ابتاعها بعد ذلر فهو خبري‬
‫الن رين بعد أن حيلبها‪ ,‬فإن رضيها أمسكها‪ ,‬وإن سخطها ر ها وصاعاً من‬
‫متر"‪ ,8‬وير احلنفية ‪ -‬م اختالفهم يف جواز ر ها ‪ -‬أعه إن رَّها فإعه ير‬
‫معها مثد اللنب الذي حلبه أو قيمته؛ ألعه املواف للقيام املقتضي أن املتلفات‬
‫متقومة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫تضمن مبثلها إن كاع مثلية أو بقيمتها إن كاع‬
‫ومما ينبغي أن يهلعلم أن القواعد األصولية اليت اختلف فيها علماء الفقه‬
‫وأصوله كثرية جدا‪ ,‬وقد تناولتها كتب أصول الفقه‪ ,‬وأ بعتها حبثا ومتحيصا‪ ,‬فعل‬
‫سبيد املثال‪ ,‬ذكر اإلماِ اإلسنوي رمحه هللا يف كتابه "التمهيد يف ختريج الفروع عل‬
‫األصول" أكثر من مائة ومثاعني قاعدة أصولية‪ ,‬وما يتخرج عليها من فروع فقهية‪.‬‬

‫‪ .8‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او ‪.‬‬


‫‪817‬‬
‫فقال يف املقدمة‪" :‬مث إين استخرت هللا تعاىل يف أتليف كتاب‪ ,‬يشتمد عل‬
‫غالب مسائله‪ ,‬وعل املقصو منه‪ ,‬وهو كيفية استخراج الفروع منها‪ ,‬فأذكر َّأوالً‬
‫املسألة األصولية جبمي أطرافها منقحة مهذبة ملخصة‪ ,‬مث أتبعها بذكر يء مما‬
‫يتفرع عليها؛ ليكون ذلر تنبيها عل ما مل أذكره‪ ,... ,‬وقد مهدت بكتايب هذا‬
‫طري التخريج لكد ذي مذهب‪ ,‬وفتح به ب التفري لكد ذي مطلب‪,‬‬
‫فلتستحضر أر ب املذاهب قواعدها األصولية وتفاريعها‪ ,‬مث تسلر ما سلكته‪,‬‬
‫فيحصد به إن اء هللا تعاىل جلميعهم التمرن عل حترير األ لة وهتذيبها‪ ,‬والتبني‬
‫ملأخذ تضعيفها وتصويبها‪ ,‬ويتهيأ ألكثر املستعدين املالزمني للن ر فيه هناية األرب‬
‫وغاية الطلب‪ ,‬وهو متهيد الوصول إىل مقاِ استخراج الفروع من قواعد األصول‪,‬‬
‫والتعريج إىل ارتقاء مقاِ ذوي التخريج‪ ,‬حق هللا تعاىل ذلر مبنه وكرمه‪ ,‬فلذلر‬
‫يته لتمهيد"‪.8‬‬
‫فمن القواعد األصولية اليت ذكرها‪:‬‬
‫‪ .8‬الفرض والواجب عندان ميا فان‪.‬‬
‫‪ .7‬األمر أل اء هد هو أمر لقضاء عل تقدير خروج الوق ؟‬
‫‪ .3‬األمر لشيء هد هو هني عن ضده أِ ال؟‬
‫‪ .4‬ال يشيط التكليف يف خطاب الوض ‪.‬‬
‫‪ .5‬الكفار هد هم مكلفون بفروع الشريعة؟‬
‫‪ .3‬إذا أمكن إعمال اللفظ فهو أوىل من إلغائه‪.‬‬
‫‪ .2‬إذا مل َيتن اجلم بني مدلويل املشيك فهد جيوز استعماله فيهما؟‬

‫‪ .8‬التمهيد لإلسنوي (‪.)43/8‬‬


‫‪813‬‬
‫‪ .1‬مفهوِ الصفة والشرط حجة أي يدالن عل عفي احلكم عند اعتفائهما‪.‬‬
‫‪ .9‬احلكم املعل عل االسم هد يقتضي االقتصار عل أوله أو البد من آخره؟‬
‫‪ .81‬هد يدل النهي عل الفسا ؟‬
‫‪ .88‬ترك االستفصال يف حكاية احلال م قياِ االحتمال ينزل منزلة العموِ يف‬
‫املقال‪.‬‬
‫فإذا أرا العامل أن خيوض غمار االجتها فإعه سيحتاج إىل أن يتخذ بشأن‬
‫كد قاعدة أصولية رأ ً مبنيا عل اجتها صحيح‪ ,‬وقد يكون مبىن اجتها ه يف‬
‫القاعدة األصولية قائماً عل الكتاب أو السنة أو اللغة أو غريها‪.‬‬
‫فعل سبيد املثال‪ ,‬يقرر الشافعية أن الفرض والواجب ميا فان‪ ,‬و ليلهم‬
‫عل عدِ التفرقة بينهما أعه ال يوجد يف الشرع واللغة ما يقتضي التفرقة بينهما‪.‬‬
‫ويقررون أن الكفار مكلفون بفروع الشريعة‪ ,‬و ليلهم قول هللا ‪" :‬ما‬
‫سلككم يف سقر‪ ,‬قالوا مل عر من املصلني‪ ,‬ومل عر عطعم املسكني"‪.‬‬
‫ويقررون أن ترك االستفصال ينزل منزلة العموِ يف املقال‪ ,‬و ليلهم أن غيالن‬
‫بن سلمة ‪ ‬أسلم وله عشر عسوة‪ ,‬فأمره النيب ‪ ‬أن خيتار منهن أربعا‪ ,‬وأن‬
‫يفارق بقيتهن‪ ,8‬ومل يسأله‪ :‬هد عقد عليهن معا أو مرتبا؟ فدل عل أعه ال فرق يف‬
‫ذلر‪ ,‬خبالف من يقول‪ :‬إن العقد إذا ور مرتبا تعين األرب األول‪ ,‬وهكذا"‪.7‬‬

‫‪ .8‬رواه أمحد واليمذي وابن ماجه‪.‬‬


‫‪ .7‬يتبني ِبذا عدِ احنصار أسباب اخلالف الفقهي يف صحة احلديث أو ضعفه كما يتوهم البعض‪.‬‬
‫‪814‬‬
‫النظرة السديدة للخالف الفقهي‬
‫إن من يفقه حقيقة اخلالف الفقهي وأسبابه املتنوعة وطبيعة النصوص‬
‫الشرعية يدرك متاما أن خالف العلماء يف الفقه أمر سائغ‪ ,‬تقتضيه طبيعة النصوص‬
‫الشرعية واختالف املدارك العقلية‪ ,‬كما أن هلل سبحاعه يف ذلر حكمة لغة‪,‬‬
‫"منها الرمحة بعبا ه وتوسي جمال استنباط األحكاِ من النصوص‪ ,‬مث هي بعد‬
‫ذلر ععمة وثروة فقهية تشريعية جتعد األمة اإلسالمية يف سعة من أمر ينها‬
‫و ريعتها‪ ,‬فال تنحصر يف تطبي رعي واحد حصرا ال مناص ا منه إىل غريه‪,‬‬
‫بد إذا ضاق ألمة مذهب أحد األئمة الفقهاء يف وق ما أو يف أمر ما وجدت‬
‫يف املذهب اآلخر سعة ورفقا ويسرا‪ ,‬سواء أكان ذلر يف ئون العبا ة أو يف‬
‫املعامالت و ئون األسرة والقضاء واجلنا ت عل ضوء األ لة الشرعية"‪.8‬‬
‫وقد قال اخلليفة الرا د عمر بن عبدالعزيز رمحه هللا (‪818-38‬هـ)‪" :‬ما‬
‫أحب أن أصحاب رسول هللا ‪ ‬مل خيتلفوا؛ ألعه لو كان قوال واحدا كان النام يف‬
‫ضي ‪ ,‬وإهنم أئمة يقتد ِبم‪ ,‬فلو أخذ رجد بقول أحدهم كان يف سعة"‪.7‬‬
‫وقال القاسم بن حممد بن أيب بكر الصدي رمحه هللا (‪813-34‬هـ)‪" :‬لقد‬
‫عف هللا ختالف أصحاب النيب ‪ ‬يف أعما م‪ ,‬ال يعمد العامد بعمد رجد منهم‬
‫إال رأ أعه يف سعة‪ ,‬ورأ أن خريا منه قد عمله"‪.3‬‬

‫‪ .8‬قرار اجملم الفقهي يف ورته العا رة املنعقدة مبكة املكرمة يف الفية ‪8411/7/71-74‬هـ‪.‬‬
‫‪ .7‬جام بيان العلم وفضله البن عبدالب (‪.)831/7‬‬
‫‪ .3‬جام بيان العلم وفضله البن عبدالب (‪.)831/7‬‬
‫‪815‬‬
‫وقال اإلماِ السيوطي رمحه هللا (‪988-149‬هـ)‪" :‬اعلم أن اختالف‬
‫املذاهب يف هذه امللة ععمة كبرية وفضيلة ع يمة‪ ,‬وله سر لطيف‪ ,‬أ ركه العاملون‬
‫وعمي عنه اجلاهلون‪ ,‬حىت ع بعض اجلهال يقول‪ :‬النيب ‪ ‬جاء بشرع واحد‪,‬‬
‫فمن أين مذاهب أربعة؟ ومن العجب أيضاً من أيخذ يف تفضيد بعض املذاهب‬
‫عل بعض تفضيالً يؤ ي إىل تنقيص املفضَّد عليه وسقوطه‪ ,‬ورمبا أ َّ إىل اخلصاِ‬
‫منزهون عن ذلر‪ ,‬وقد وق‬ ‫بني السفهاء‪ ,‬وصارت عصبية ومحية اجلاهلية‪ ,‬والعلماء َّ‬
‫االختالف يف الفروع بني الصحابة ‪ ,‬وهم خري األمة‪ ,‬فما خاصم أحد منهم‬
‫أحداً‪ ,‬وال عا أحد أحداً‪ ,‬وال عسب أحد أحداً إىل خطأ وال قصور"‪.8‬‬
‫والعجب أن بعض النام اليوِ يكرر ما استغربه السيوطي من ع رهتم‬
‫للمذاهب الفقهية األربعة عل أهنا تشريعات تناف الشريعة اإلسالمية‪ ,‬وأن‬
‫الواجب اتباع مذهب الرسول ‪ ‬ال اتباع مذهب فالن وفالن‪ ,‬وأن اتباعهم هو‬
‫حتول من تقليد املعصوِ إىل تقليد غري املعصوِ‪.7‬‬
‫والصواب أن هذه املذاهب الفقهية هي خالصة اجتها ات وفهم العلماء‬
‫الراسخني يف علوِ الشريعة‪ ,‬فمذهب أيب حنيفة هو فهم أيب حنيفة للكتاب‬
‫والسنة‪ ,‬ويقال مثد ذلر يف بقية أئمة املذاهب املتبوعة وغري املتبوعة‪.‬‬
‫يدع أحد من أولئر األئمة أن قوله هو احل الذي ال ريب فيه‪ ,‬بد قال‬ ‫ومل َّ‬
‫اإلماِ أبو حنيفة رمحه هللا‪" :‬قولنا هذا رأي‪ ,‬وهو أحسن ما قدران عليه‪ ,‬فمن جاءان‬

‫‪ .8‬جزيد املواهب يف اختالف املذاهب للسيوطي (‪.)75‬‬


‫‪ .7‬اع ر الالمذهبية أخطر بدعة هتد الشريعة اإلسالمية للبوطي (‪.)71‬‬
‫‪813‬‬
‫أبحسن من قولنا فهو أوىل لصواب منا"‪ ,8‬ومن العبارات الشائعة قو م‪" :‬رأيي‬
‫صواب حيتمد اخلطأ‪ ,‬ورأي غريي خطأ حيتمد الصواب"‪.7‬‬
‫ولذلر فإن الواجب اعتقا ه يف املذاهب الفقهية األربعة وغريها من املذاهب‬
‫الفقهية غري املتبوعة أهنم مجيعا عل ح ‪ ,‬مبعىن أهنم اتبعوا طرقا صحيحة لالجتها‬
‫والبحث‪ ,‬فأصابوا الطريقة‪ ,‬فضمنوا أجرا واحدا‪ ,‬مث من أصاب منهم احل عند هللا‬
‫سبحاعه فقد رزقه هللا أجرا اثعيا‪.‬‬
‫فإذا تقرر لدير أن املذهب الفقهي ما هو إال حماولة اجتها ية من عامل‬
‫بصري‪ ,‬أ رك أن من ا ع الصواب يف اجتها ه‪ ,‬حبيث ال خيالطه خطأ فقد تشب‬
‫مبا مل يعط‪ ,‬وا ع ما مل يدَّعه أئمة الفقه من الصحابة ومن بعدهم‪.‬‬
‫مث ها هنا مسألة مهمة‪ ,‬وهي أن املذهب الفقهي – وإن عسب إىل إماِ‬
‫معني ‪ -‬فهو يف احلقيقة خالصة اجتها ات متتابعة من مئات من العلماء‪ ,‬جيمعون‬
‫بني علوِ القرآن والسنة والفقه وأصوله واللغة العربية‪ ,‬ساروا عل منهج إمامهم يف‬
‫االستنباط‪ ,‬والتزموا لكثري من اجتها اته‪ ,‬وخالفوه يف بعضها؛ ع را لضعف ليد‬
‫إمامهم‪ ,‬أو ملخالفته منهجه الذي سار عليه‪ ,‬وأضافوا للمذهب الكثري من املسائد‬

‫‪ .8‬اتريخ بغدا للخطيب البغدا ي (‪.)357/83‬‬


‫‪ .7‬تهلنسب هذه العبارة لإلماِ الشافعي‪ ,‬ويغلب عل ظين أهنا ليس له‪ ,‬ومما يدل لذلر أن العالمة ابن‬
‫حجر ا يتمي الشافعي سئد ‪ -‬كما يف فتاواه الفقهية (‪ - )383/4‬عن قول اإلماِ النسفي احلنفي‪:‬‬
‫"جيب علينا إذا سئلنا عن مذهبنا ومذهب خمالفنا يف الفروع‪ ,‬أن يب أبن مذهبنا صواب حيتمد اخلطأ‪,‬‬
‫صرح الشافعية مبثد ذلر؟ فأجاب مبا يقتضي تصريح‬ ‫ومذهب خمالفنا خطأ حيتمد الصواب"‪ ,‬وهد َّ‬
‫الشافعية مبفهومها‪ ,‬ومل ينسبها بلف ها لإلماِ الشافعي أو علماء الشافعية‪ ,‬األمر الذي يقوي ال ن أن‬
‫تلر العبارة تنسب للشافعي عل سبيد الشهرة‪.‬‬
‫‪812‬‬
‫املخرجة عل منهجه‪ ,‬وما زالوا يهذبون ويضيفون ويستدلون‪ ,‬حىت بنوا بناء‬
‫الفرعية َّ‬
‫اخما‪ ,‬كان الكثري من قواعده وعمده ومسائله إلماِ املذهب‪ ,‬أما الكم الكبري من‬
‫املسائد واالجتها ات فكاع إضافات م وف قواعد إمامهم‪.‬‬
‫اخلالصة‬
‫‪ ‬يناقش هذا الكتاب املناهج الفقهية املعاصرة‪ ,‬فكان من األمهية مبكان البدء‬
‫بتوضيح روط االجتها الشرعي وأسباب اخلالف الفقهي‪.‬‬
‫‪ ‬االجتها هو استفراغ الوس يف استنباط األحكاِ الشرعية من أ لتها‬
‫التفصيلية‪ ,‬وللمجتهد مخسة روط‪:‬‬
‫‪ .8‬العلم لقرآن الكرمي من حيث معرفة معاين اآل ت وأسباب وأوقات عزو ا‬
‫وحمكمها ومتشاِبها وعامها وخاصها ومطلقها ومقيدها وانسخها ومنسوخها‬
‫وغري ذلر مما يعني عل فهم املرا منها‪.‬‬
‫‪ .7‬العلم لسنة النبوية أبن يعرف فيها ما عرفه من القرآن الكرمي‪ ,‬إضافة إىل معرفة‬
‫صحيحها وضعيفها وما بني ذلر‪.‬‬
‫‪ .3‬العلم للغة العربية من حيث معرفة معاين مفر اهتا وصيغ تراكيبها وحقائقها‬
‫وجمازها وصرحيها وظاهرها وجمملها ومبيَّنها وإعراِبا وتصريفها‪.‬‬
‫‪ .4‬العلم مبواض اإلمجاع واخلالف؛ لكي ال يناقض حكما جممعا عليه‪ ,‬وال أي‬
‫بقول خمالف ملن سبقه‪ ,‬وال ينكر رأ تقدَّمه‪.‬‬
‫‪ .5‬فقه النف أبن يكون اجملتهد صاحب ملكة اجتها ية وصناعة فقهية‪.‬‬
‫‪ ‬أهم العلوِ اليت تعني اجملتهد علم أصول الفقه؛ ألعه الطري املستقيم الذي‬
‫يسلكه أثناء خوضه غمار االجتها الفقهي‪ ,‬فينضبط اجتها ه‪ ,‬ويسري فيه‬

‫‪811‬‬
‫وف منهج استداليل اثب ‪.‬‬
‫‪ ‬ع را لقصور ا مم فقد أحدث بعض املعاصرين القول بتخفيف روط‬
‫االجتها من خالل جتديد علم أصول الفقه‪.‬‬
‫‪ ‬كان الختالف الفقهاء أسباب كثرية‪ ,‬أبرزها‪:‬‬
‫‪ .8‬اللغة العربية اليت عزل ِبا كتاب هللا وعط ِبا رسوله ‪ ‬من حيث‪ :‬حقيقتها‬
‫وجمازها وا ياك ألفاظها ومعاين حروفها وطريقة إعراِبا وغري ذلر‪.‬‬
‫‪ .7‬السنة النبوية من حيث‪ :‬ثبوت احلديث وتعديد الرواة وأحا يث اآلحا‬
‫واختالف مناهج اجلم واليجيح بني األ لة املتعارضة ظاهرا‪.‬‬
‫‪ .3‬موقف السنة النبوية من القرآن الكرمي من حيث عسخها للقرآن وختصيص‬
‫النص العاِ الوار فيه‪.‬‬
‫‪ .4‬حجية بعض األصول واملصا ر التشريعية‪ ,‬كاملصاحل واالستصحاب‬
‫واالستحسان والعرف واالستقراء وقول الصحايب وسد الذرائ وعمد أهد‬
‫املدينة و رع من قبلنا‪.‬‬
‫‪ .5‬منهج االستدالل األصويل الذي يسري عليه الفقيه يف ميدان االجتها الشرعي‬
‫واستنباط األحكاِ الشرعية من أ لتها التفصيلية‪.‬‬
‫‪ ‬أوجدت املذاهب األربعة ثروة فقهية تشريعية‪ ,‬جتعد األمة اإلسالمية يف سعة‬
‫من أمر ينها و ريعتها‪.‬‬

‫‪819‬‬
881
‫الفصل الثاين‪ :‬املناهج الفقهية املعاصرة‬

‫‪888‬‬
887
‫الفصل الثاين‪ :‬املناهج الفقهية املعاصرة‬
‫مقدمة‬
‫تتقاسم الساحة الفقهية يف عصران احلاضر ثالثةهل مناهج فقهية خمتلفة‪ 8‬من‬
‫حيث طريقة بناء األحكاِ الشرعية والتوصد إليها‪:7‬‬
‫‪ .8‬املنهج املذهيب الذي أسسه علماء املذاهب الفقهية األربعة املشهورة‪:‬‬
‫احلنفي واملالكي والشافعي واحلنبلي‪ ,‬وير أصحاِبا جواز التزاِ مذهب معني‬
‫منها‪ ,‬ويفرعون مستجدات املسائد عل أصول مذهبهم وعصوصه‪ ,‬ويدخد‬
‫ضمنهم املتمذهبون غري القا رين عل الن ر يف مآخذ أقوال مذاهبهم‪ ,‬والقا رون‬
‫عل الن ر واالجتها اجلزئي يف مذاهبهم‪ ,‬سواء تعصبوا له م اتضاح ضعفه‬
‫ومرجوحيته يف مسألة ما‪ ,‬أو جتاوزوه إىل مذهب فقهي آخر إذا ظهرت م‬
‫أرجحيته عل مذهبهم يف مسألة ما‪.‬‬
‫ومن أبرز علماء هذا املنهج يف العصر احلاضر الشيخ حممد اخلضر بن ما‬
‫أيىب اجلكين الشنقيطي رمحه هللا (‪8354-8715‬هـ)‪ ,‬فإعه قال‪" :‬وأما اجملتهد‬
‫املقيد فهو املقلد إلماِ من األئمة‪ ,‬قد عرف أصول مذهبه‪ ,‬وأحاط ِبا‪ ,‬فإذا سئد‬
‫عن حا ثة ع ر يف عصوص إمامه كن ر املطل يف أصول الشرع‪ ,‬فإن مل جيد إلمامه‬

‫‪ . 8‬ختتلف وجهات الن ر يف هذا التقسيم الثالثي‪ ,‬فبعضهم يقسم املناهج الفقهية إىل الفقه املقاصدي يف‬
‫مقابلة الفقه ال اهري‪ ,‬وبعضهم يقسمها إىل فقه التشديد يف مقابلة فقه التيسري‪ ,‬وكد تلر التقسيمات ال‬
‫ختلو من وجاهة‪ ,‬ولكين اخيت تقسيمي الثالثي؛ العدراج التقسيمات األخر فيه بوجه من الوجوه‪.‬‬
‫‪ .7‬حرص يف اعتقاء أ اء تلر املناهج الفقهية أن تكون مقبولةً لد أصحاِبا‪.‬‬
‫‪883‬‬
‫وخرج عليها‪ ,‬كبعض أصحاب مالر والشافعي‪,‬‬ ‫يف املسألة عصا قام عل أصوله‪َّ ,‬‬
‫وال يتعد عصوص إمامه إىل عصوص غريه عل املشهور"‪.8‬‬
‫ومن أبرز علماء هذا املنهج أيضا الشيخ الدكتور حممد سعيد رمضان البوطي‬
‫رمحه هللا (‪8434-8342‬هـ)‪ ,‬فقد قال‪" :‬فإن أهم ما قصدت إىل إيضاحه يف‬
‫الكتاب هو أن أن املسلمني الذين مل يبلغوا رجة األخذ من الكتاب والسنة‬
‫مبا رة يف عصر الصحابة والتابعني ومن بعدهم أن يتبعوا مذهب إماِ من األئمة‬
‫الذين بلغوا تلر الدرجة‪ ,‬وللواحد منهم أن يالزِ إماما من األئمة إن اء‪ ,‬وله أن‬
‫يتحول إن اء إىل غريه‪ ,... ,‬أفال يكون القول ‪ -‬بعد هذا كله ‪ -‬حبرمة التزاِ‬
‫إماِ معني يف االستفتاء والتقليد بدعة طلة‪ ,‬ما أعزل هللا ِبا من سلطان‪ ,‬وهد‬
‫الالمذهبية يء غري هذا"‪.7‬‬
‫‪ .7‬املنهج السلفي الذي يعتمد عل االستنباط املبا ر من الكتاب والسنة‪,‬‬
‫ويرجح بني اآلراء واملذاهب الفقهية بناءً عل مد قرِبا من الالت النصوص‬
‫الشرعية‪ ,‬وقد يؤ يهم اجتها هم وترجيحهم إىل األ د أو إىل األيسر من اآلراء‬
‫واألقوال‪ ,‬وال يلتزِ أصحاِبا مذهبا معينا‪ ,‬بد هلحيرِ بعضهم عل املسلم التزاِ‬
‫مذهب فقهي واحد يف مجي األحكاِ الشرعية‪ ,‬وجييزوعه أحياانً يف حاالت ضيقة‪.‬‬
‫ومن أبرز علماء هذه املنهج يف العصر احلاضر الشيخ عبدالعزيز بن ز رمحه‬
‫هللا‪ ,‬فقد سأله سائد عن حكم اختيار أحد األئمة األربعة لكي يتفقه عل مذهبه‬
‫ون اآلخرين‪ ,‬فقال يف جوابه‪" :‬لي لر أن تقلد واحدا مطلقا‪ ,‬بد علير أن‬

‫‪ .8‬قم أهد الزيغ واإلحلا عن الطعن يف تقليد أئمة االجتها للخضر (‪.)78‬‬
‫‪ .7‬الالمذهبية أخطر بدعة هتد الشريعة اإلسالمية للبوطي (‪.)81‬‬
‫‪884‬‬
‫تسأل أهد العلم عما أ كد علير‪ ,‬فالتقليد ال جيوز‪ ,‬بد جيب عل طالب العلم‬
‫أن ين ر يف األ لة الشرعية‪ ,‬وخيتار ما تقتضيه األ لة‪ ,‬سواء واف األئمة األربعة أِ‬
‫مل يوافقهم‪ ,‬وإذا كان عاميا فإعه ال يقلد واحدا من هؤالء‪ ,‬بد يسأل أهد العلم يف‬
‫زماعه‪ ,‬أهد العلم لسنة‪ ,‬أهد العلم والبصرية‪ ,‬يسأ م عما أ كد عليه‪ ,‬ويعمد مبا‬
‫يفىت به؛ ألن مثله ال يعرف أن َييز بني الصحيح والسقيم‪ ,‬ال يعرف احل من‬
‫الباطد‪ ,‬فالعامي حيتاج من يقو ه إىل احل ‪ ,‬ويدله إىل احل من علماء السنة"‪.8‬‬
‫ومن أبرز علماء هذه املنهج أيضا الشيخ حممد انصر الدين األلباين رمحه‬
‫هللا‪ ,‬فقد قال يف كتابه "صفة صالة النيب ‪" :"‬وملا كان موضوع الكتاب إمنا هو‬
‫بيان هدي النيب ‪ ‬يف الصالة كان من البدهي أن ال أتقيد فيه مبذهب معني‬
‫للسبب الذي مر ذكره‪ ,‬وإمنا أور فيه ما ثب عنه ‪ ‬كما هو مذهب احملدثني‬
‫قدَيا وحديثا‪ ,... ,‬مث إين حني وضع هذا املنهج لنفسي‪ ,‬وهو التمسر لسنة‬
‫الصحيحة‪ ,‬وجري عليه يف هذا الكتاب وغريه‪ ,‬كن عل علم أعه سوف ال‬
‫يرضي ذلر كد الطوائف واملذاهب‪ ,... ,‬فحسيب أعين معتقد أن ذلر هو الطري‬
‫األقوِ الذي أمر هللا تعاىل به املؤمنني‪ ,‬وبينه عبينا حممد سيد املرسلني‪ ,‬وهو الذي‬
‫سلكه السلف الصاحل من الصحابة والتابعني ومن بعدهم‪ ,‬وفيهم األئمة األربعة‪,‬‬
‫الذين ينتمي اليوِ إىل مذاهبهم مجهور املسلمني‪ ,‬وكلهم متف عل وجوب‬
‫التمسر لسنة والرجوع إليها وترك كد قول خيالفها مهما كان القائد ع يما"‪.7‬‬

‫‪ .8‬فتاو عور عل الدرب يف موق الشيخ‪.‬‬


‫‪ .7‬صفة صالة النيب ‪ ‬لأللباين (‪.)43‬‬
‫‪885‬‬
‫‪ .3‬املنهج التيسريي‪ ,‬ويشيك م املنهج السلفي يف عدِ االلتزاِ أبي‬
‫مذهب فقهي‪ ,‬ولكنه خيتلف معه كون أصحابه يرجحون وينتقون من األقوال‬
‫واآلراء أكثرها تيسريا عل املسلمني ورفقا ِبم‪ ,‬وأقرِبا مراعاة للواق املعاصر وأتثرا‬
‫به‪ ,‬ما ام ‪ -‬يف ع رهم ‪ -‬قريبةً من املقاصد الشرعية وحمققةً للمصاحل البشرية‪.8‬‬
‫ومن أبرز علماء هذا املنهج يف العصر احلاضر الشيخ الدكتور يوسف‬
‫"إن ما عدعو إليه هنا أن عوازن بني األقوال بعضها‬‫القرضاوي حف ه هللا‪ ,‬فقد قال‪َّ :‬‬
‫وبعض‪ ,‬وعراج ما استندت إليه من أ لة عصية أو اجتها ية؛ لنختار يف النهاية ما‬
‫عراه أقو حجة وأرجح ليال‪ ,‬وف معايري اليجيح‪ ,‬وهي كثرية ومنها‪ :‬أن يكون‬
‫القول ألي أبهد زماعنا‪ ,‬وأرف لنام‪ ,‬وأقرب إىل يسر الشريعة‪ ,‬وأوىل بتحقي‬
‫مقاصد الشرع‪ ,‬ومصاحل اخلل ‪ ,‬و رء املفاسد عنهم"‪.7‬‬
‫وجعد الشيخ القرضاوي من العوامد املؤثرة يف اعتقاء األقوال ضرورات العصر‬
‫وحاجاته‪ ,‬فقال‪" :‬وعامد آخر له أمهيته يف جمال االجتها االعتقائي‪ ,‬وهو ضرورات‬
‫العصر وحاجاته اليت تفرض عل الفقيه املعاصر االجتاه إىل مراعاة الواق والتيسري‬
‫والتخفيف يف األحكاِ الفرعية العملية‪ ,‬سواء يف العبا ات أِ املعامالت‪ ,‬وال سيما‬
‫من كان جيتهد لعموِ النام‪ ,‬فإن املطلوب منه رعاية الضرورات واألعذار واحلاالت‬

‫‪ .8‬اقيح بعض اإلخوة الفضالء إضافة منهج فقهي راب ‪ ,‬وهو املنهج التشديدي القائم عل التحرمي‬
‫واملن ؛ تغليباً لالحتياط والورع‪ ,‬ولكين مل آخذ ِبذا االقياح؛ اكتفاءً بتلر املناهج املذكورة يف الكتاب‪ ,‬إذ‬
‫إن املنهج املذهيب واملنهج السلفي ال خيلوان من ذلر‪.‬‬
‫‪ .7‬االجتها يف الشريعة للقرضاوي (‪.)39‬‬
‫‪883‬‬
‫االستثنائية عمال لتوجيه القرآين‪" :‬يريد هللا بكم اليسر وال يريد بكم العسر"‪,‬‬
‫والتوجيه النبوي‪" :‬يسروا وال تعسروا""‪.8‬‬
‫ومن هنا أعشأ الشيخ القرضاوي مصطلحا فقهياً جديدا‪َّ ,‬اه‪" :‬فقه‬
‫التيسري"‪ ,‬وأوضح مرارا أعه يتبناه ويدعو إليه‪ ,‬فقد قال‪" :‬فقه التيسري منهجي الذي‬
‫أسري عليه منذ أكثر من عصف قرن‪ ,... ,‬فالقرآن مليء إل ارات الدالة عل‬
‫ذلر‪ ,‬يقول هللا تعاىل‪" :‬يريد هللا بكم اليسر وال يريد بكم العسر"‪ ,... ,‬ويدل‬
‫عل ذلر ما جاء يف األثر النبوي‪" :‬إمنا بعثتم ميسرين‪ ,‬ومل تبعثوا معسرين"‪,... ,‬‬
‫و ذا فمنهجي الذي أستقيه من فهمي لإلسالِ هو التبشري يف الدعوة والتيسري يف‬
‫الفتو ‪ ,‬وإذا كان اليسر واللني يف الشرع مطلوبني يف كد عصر‪ ,‬فهو ألزِ ما يكون‬
‫يف عصران؛ ألن عصران غلب عليه الناحية املا ية عل النام‪ ,‬ومشاغد احلياة‬
‫طغ فيه عل النام‪ ,‬وهو زمن ر َّق فيه الدين‪ ,‬وق َّد فيه اليقني‪ ,‬فأصبحنا يف‬
‫حاجة إىل أن فف عل النام وعسهد عليهم"‪.7‬‬

‫‪ .8‬االجتها يف الشريعة للقرضاوي (‪.)29‬‬


‫‪ .7‬حوار أجرته صحيفة "املصري اليوِ" يف عد يوِ السب ‪ ,ِ7113/1/89‬وعشر يف موق الشيخ‬
‫بعنوان "اعتصار املقاومة أعا لألمة بعض هيبتها"‪.‬‬
‫ومن فتاو الدكتور القرضاوي الدالة عل اجتاهه حنو التيسري ما أمكن رأيهله أبن الزوجة إذا أسلم فإعه‬
‫جيوز ا البقاء يف عصمة زوجها الكتايب‪ ,‬ورأيه جبواز االقياض الربوي للمسلم املقيم يف الغرب؛ لشراء‬
‫مسكنه‪ ,‬ومن فتاواه الدالة عل أتثره لواق املعاصر رأيه بتقسيم الر ة إىل قسمني‪ :‬مغل ة وخمففة‪ ,‬ورأيه‬
‫أبن رجم الزاين احملصن عقوبة تعزيرية‪ ,‬وليس حدا‪ ,‬ورأيه أبن ية املرأة مساوية لدية الرجد‪ ,‬ورأيه إبلغاء‬
‫جها الطلب‪ ,‬وأن املساملة هي األصد يف معاملة الكفار‪ ,‬وقد انقش بعض هذه املسائد يف موض‬
‫الح يف هذا الفصد‪.‬‬
‫‪882‬‬
‫نقاط االتفاق‬
‫إن هذه القسمة الثالثية ال تعىن وجو حدو فاصلة بني تلر املناهج‪ ,‬بد‬
‫إهنا تتقاط فيما بينها أحياان‪ ,‬إذ كد تلر املناهج توجب عل العامي ‪ -‬وهو‬
‫الذي ال َيلر أ وات االجتها الشرعي ‪ -‬أن يسأل العلماء عما جهله من أمر‬
‫ينه‪ ,‬وأن أيخذ أبقوا م وفتاواهم‪ ,‬وَينعوعه من االعتما عل اجتها ه الشخصي؛‬
‫ألعه غري مؤهد لذلر‪ ,‬فإذا بلغ رجة تؤهله لالستنباط من الكتاب والسنة ‪ -‬ولو‬
‫يف مسألة واحدة ‪ -‬وجب عليه االجتها ؛ بناء عل القول جبواز جتزؤه‪.‬‬
‫فمما قاله الشيخ حممد اخلضر رمحه هللا‪" :‬وأما وجوب التقليد من العامي‬
‫للعامل فعليه الكتاب والسنة‪ ,‬وإمجاع أهد القرون الثالثة املشهو م من الصا ق‬
‫املصدوق خلريية‪ ,‬وإمجاع من بعدهم‪ ,... ,‬أما الكتاب ففي آي كثرية‪ ,‬منها قوله‬
‫تعاىل‪" :‬فلوال عفر من كد فرقة منهم طائفة ليتفقهوا يف الدين"‪ ,‬إىل قوله‪" :‬لعلهم‬
‫حيذرون"‪ ,‬فأمرهم حلذر عند إعذار علمائهم‪ ,‬ولوال وجوب التقليد ملا وجب‬
‫ذلر"‪.8‬‬
‫ومما قاله الشيخ البوطي رمحه هللا‪" :‬إن املقلد ألحد املذاهب‪ ,‬لي مثة ما‬
‫يلزمه رعا الستمرار يف تقليده‪ ,‬ولي مثة ما َينعه من التحول عنه إىل غريه‪ ,‬فقد‬
‫أمج املسلمون أن للمقلد أن يقلد من اء من اجملتهدين إذا توصد إىل حقيقة‬
‫مذاهبهم وآرائهم‪ ,... ,‬إن املقلد إذا ما مترم يف فهم مسألة من املسائد‪ ,‬وتبصر‬
‫أب لتها من الكتاب والسنة وأصول االجتها ‪ ,‬وجب عليه أن يتحرر يف األخذ ِبا‬
‫من مذهب إمامه‪ ,‬وحرِ عليه التقليد طاملا أمكنه أن جيتهد فيها‪ ,‬معتمدا عل‬

‫‪ .8‬قم أهد الزيغ واإلحلا للخضر (‪.)25‬‬


‫‪881‬‬
‫طاقته العلمية املتوفرة لديه‪ ,... ,‬إن مجي األئمة األربعة عل ح ‪ ,‬مبعىن أن‬
‫اجتها كد منهم جعله معذورا عند هللا ‪ ‬إن هو مل يستيقن حقيقة احلكم الذي‬
‫أرا ه هللا ‪ ‬لعبا ه يف تلر املسائد االجتها ية‪ ,... ,‬ومن هنا كان اتباع املقلد‬
‫ملن اء منهم اتباعاً حل ومتسكاً ِبد ‪ ,‬وهو إذ خيتار اتباع واحد منهم ال ينبغي‬
‫أن يتصور أن اآلخرين عل خطأ"‪.8‬‬
‫ومما قاله الشيخ ابن ز رمحه هللا جوابه عن حكم التزاِ مذهب معني من‬
‫املذاهب األربعة‪ ,‬فقد قال‪" :‬لي ملزما‪ ,‬بد إذا أرا أن يتب مذهبا من املذاهب‪,‬‬
‫إذا كان ال يعرف الدليد‪ ,‬لي بطالب علم يعرف األ لة‪ ,‬وسار عل مذهب من‬
‫املذاهب األربعة ال حرج عليه‪ ,‬ولكن ينبغي له بد جيب عليه أن يتحر يف ذلر‬
‫سؤال أهد العلم من املتبصرين الذين هم يف ع ره ويف رأيه أقرب من غريه يف الورع‬
‫والعلم والفضد حىت يتحر لدينه‪ ,‬وال أبم لو كان افعيا أو مالكيا أو حنبليا أو‬
‫حنفيا‪ ,‬ال حرج يف ذلر‪ ,‬أما العامل الذي يعرف األ لة الشرعية‪ ,‬فالواجب عليه أن‬
‫يتحر األ لة الشرعية وأيخذ لدليد‪ ,‬وال يقلد غريه‪ ,‬هذا هو الواجب عليه إال‬
‫عند احلاجة والعجز‪ ,‬فيقلد من هو يف رأيه واجتها ه أعلم من غريه وأقرب إىل احل‬
‫من غريه"‪.7‬‬
‫أما الشيخ األلباين رمحه هللا فقد عل عل قول احلافظ أيب عمر بن عبدالب‬
‫رمحه هللا (‪433-331‬هـ)‪" :‬فإن العامة ال بد ا من تقليد علمائها عند النازلة‬
‫تنزل ِبا؛ ألهنا ال تتبني موق احلجة‪ ,‬وال تصد لعدِ الفهم إىل علم ذلر؛ ألن‬

‫‪ .8‬الالمذهبية للبوطي (‪.)34‬‬


‫‪ .7‬فتاو عور عل الدرب يف موق الشيخ‪.‬‬
‫‪889‬‬
‫العلم رجات‪ ,‬ال سبيد منها إىل أعالها إال بنيد أسفلها‪ ,‬وهذا هو احلائد بني‬
‫العامة وبني طلب احلجة‪ ,‬وهللا أعلم‪ ,‬ومل ختتلف العلماء أن العامة عليها تقليد‬
‫علمائها‪ ,‬وأهنم املرا ون بقول هللا ‪" :‬فاسألوا أهد الذكر إن كنتم ال تعلمون"‪,‬‬
‫‪ ,...‬وكذلر مل خيتلف العلماء أعه ال جيوز للعامة الفتيا‪ ,‬وذلر ‪ -‬وهللا أعلم ‪-‬‬
‫جلهلها ملعاين اليت منها جيوز التحليد والتحرمي والقول يف العلم"‪.8‬‬
‫فقال األلباين ‪ -‬معلقا ‪" :-‬عل أعين أر أن إطالق الكالِ يف العامي وأعه‬
‫ال بد له من التقليد ال خيلو من يء؛ ألعر إذا تذكرت أن التقليد هو العمد‬
‫بقول الغري من غري حجة‪ ,‬فمن السهد يف كثري من األحيان عل بعض أذكياء‬
‫العامة أن يعرف احلجة؛ لوضوحها يف النص الذي بلغه‪ ,‬فمن ذا الذي يزعم أن‬
‫مثد قوله ‪" :‬التيمم ضربة واحدة للوجه والكفني"‪ 7‬ال تبني احلجة فيه م‪ ,‬بد‬
‫وملن وهنم يف الذكاء‪ ,3‬ولذلر فاحل أن يقال‪ :‬إن من عجز عن معرفة الدليد فهو‬

‫‪ .8‬اع ر كالِ ابن عبدالب رمحه هللا يف كتابه جام بيان العلم وفضله (‪.)73/7‬‬
‫‪ . 7‬رواه أمحد وابن خزَية وابن أيب يبة والدارقطين والدارمي والبزار والطباين ‪ -‬يف الكبري واألوسط ‪,-‬‬
‫كلهم بدون كلمة "واحدة"‪ ,‬ورواه أبو او وابن حبان عن عمار بن سر ‪ ‬قال‪ :‬سأل النيب ‪ ‬عن‬
‫التيمم‪ ,‬فأمرين ضربة واحدة للوجه والكفني‪.‬‬
‫‪ .3‬إن كان الشيخ األلباين يقصد بوضوح احلجة ألذكياء العامة وملن وهنم يف الذكاء‪ ,‬يقصد فـ اهم معىن‬
‫احلديث فكالمه صحيح إىل حد ما‪ ,‬أما إن كان يقصد ثبوت احلديث‪ ,‬فإن أذكياء اخلاصة ‪ -‬فضال عن‬
‫أذكياء العامة ‪ -‬ال يستطيعون ذلر إال بعد مراجعة الروا ت املختلفة ذا احلديث من حيث أساعيدها‬
‫ومتوهنا‪ ,‬مث اليجيح بينها وف منهج واضح‪ ,‬فعل سبيد املثال‪ ,‬ور عن عمار بن سر ‪ ‬حني تيمموا‬
‫م رسول هللا ‪ , ‬فأمر املسلمني فضربوا أبكفهم الياب‪ ,‬ومل يقبضوا من الياب يئا‪ ,‬فمسحوا بوجوههم‬
‫مسحة واحدة‪ ,‬مث عا وا فضربوا أبكفهم الصعيد مرة أخر ‪ ,‬فمسحوا أبيديهم‪ ,‬رواه أبو او وابن ماجه ‪-‬‬
‫واللفظ له ‪ ,-‬وقد صححه األلباين يف صحيح وضعيف أيب او برقم (‪ ,)381‬وصحيح وضعيف ابن‬
‫‪871‬‬
‫الذي جيب عليه التقليد‪ ,‬وال يكلف هللا عفسا إال وسعها‪ ,... ,‬كما أن العامل عفسه‬
‫قد يضطر أحياان إىل التقليد يف بعض املسائد حني ال ي فر فيها بنص عن هللا‬
‫ورسوله‪ ,‬ومل جيد فيها سو قول من هو أعلم منه‪ ,‬فيقلد اضطرارا"‪.8‬‬
‫ومما قاله الشيخ القرضاوي حف ه هللا‪" :‬أعصح هؤالء الشباب َّأوالً أن حييموا‬
‫التخصص‪ ,‬فلكد علم أهله‪ ,‬ولكد فن رجاله‪ ,... ,‬كذلر ال جيوز أن يكون علم‬
‫هب و رج من النام‪ ,‬بدعو أن اإلسالِ لي‬ ‫الشريعة كألً مباحاً لكد من َّ‬
‫حكرا عل فئة من النام‪ ,‬وأعه ال يعرف طبقة رجال الدين اليت عرف يف أ ن‬
‫أخر ‪ ,‬فالواق أن اإلسالِ ال يعرف طبقة رجال الدين‪ ,‬ولكنه يعرف علماء الدين‬
‫املتخصصني‪ ,‬الذين أ ارت إليهم اآلية الكرَية‪" :‬فلوال عفر من كد فرقة منهم‬
‫طائفة ليتفقهوا يف الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم حيذرون"‪ ,‬وقد‬
‫علمنا القرآن والسنة أن عرج فيما ال ععلم إىل العاملني من أهد الذكر واخلبة بقوله‬
‫تعاىل‪" :‬فاسألوا أهد الذكر إن كنتم ال تعلمون"‪ ,... ,‬وإن مما راعين أن أجد من‬
‫جييئ عل الفتو يف أخطر القضا ‪ ,‬وإصدار األحكاِ يف أهم األمور‪ ,‬ون أن‬

‫ماجه برقم (‪ ,)528‬فماذا سيفعد أذكياء العامة أماِ هذا احلديث؟ هد أيخذون به‪ ,‬فيثبتون ضربتني‬
‫للتيمم؟! أِ أيخذون حلديث الذي أور ه الشيخ األلباين‪ ,‬فيثبتون ضربة واحدة؟! أِ سريون هذا من قبيد‬
‫التعارض‪ ,‬فيؤول ِبم احلال إىل احلرية والشر؟! وإذا كان األلباين قد سب روا ت احلديث‪ ,‬فثب عنده‬
‫حجية حديث "التيمم ضربة واحدة"‪ ,‬فأفىت به للعامة‪ ,‬فهد جيب عليه أن يبني للمستفيت كيفية وصوله إىل‬
‫حجية احلديث؟! وهد سيفهم العامة ذلر وهم غري خمتصني يف علم احلديث؟! فإذا مل يفعد األلباين ذلر‪,‬‬
‫أخ هلذ العامي بفتواه إال من قبيد تقليد‬
‫واكتف بفتواه م ذكر الدليد الذي خلص إىل ترجيحه‪ ,‬فهد ا‬
‫األلباين يف تصحيح احلديث؟!‬
‫‪ .8‬احلديث حجة بنفسه يف العقائد واألحكاِ لأللباين (‪.)18‬‬
‫‪878‬‬
‫تكون عنده مؤهالت الفتو ‪ ,‬وقد خيالف مجهور العلماء قدَيا وحديثا‪ ,‬ورمبا‬
‫تطاول فخطأ اآلخرين وجهلهم‪ ,‬بزعم أعه لي مقلدا‪ ,‬وأن من حقه أن جيتهد‪ ,‬وأن‬
‫ب االجتها مفتوح للجمي ‪ ,‬وهذا صحيح‪ ,‬ولكن لالجتها روطا‪ ,‬قد ال‬
‫َيلر أي واحد منها‪ ,... ,‬ولس أمن الشباب املسلم أن يدرسوا ويتعلموا‪,‬‬
‫فطلب العلم فريضة‪ ,‬وهو مطلوب من املهد إىل اللحد‪ ,‬ولكين أقول‪ :‬إهنم مهما‬
‫رسوا‪ ,‬فسي لون يف حاجة إىل أهد االختصاص‪ ,‬فإن للعلم الشرعي أ وات مل‬
‫يتوفروا عل حتصيلها‪ ,‬وأصوالً مل يتمرسوا مبعرفتها واستيعاِبا‪ ,‬وفروعاً ومكمالت ال‬
‫تسعفهم أوقاهتم وال أعما م أن يتفرغوا ا‪ ,‬ولكد وجهة هو موليها‪ ,‬وكد ميسر ملا‬
‫خل له"‪.8‬‬
‫إن النصوص السابقة عن بعض علماء املناهج الفقهية املعاصرة تؤكد يف‬
‫جمموعها اتفاقهم عل التايل‪:‬‬
‫‪ .8‬ال جيوز للعامل املؤهد لالجتها يف الشريعة‪ 7‬أن يقلد غريه من العلماء‪ ,‬بد جيب‬
‫عليه أن جيتهد يف استنباط األحكاِ الشرعية‪ ,‬سواء كان يف أي مرتبة من‬
‫مراتب االجتها ‪.‬‬
‫‪ .7‬جيب عل املسلم غري املؤهد لالجتها ‪ -‬وهو العامي ‪ -‬أن يسأل العلماء‬
‫املختصني عن أحكاِ الدين‪ ,‬وال جيوز له أن يعتمد عل اجتها ه القاصر‪.‬‬
‫ويف عف الوق الذي تتقاط فيه تلر املناهج الفقهية الثالثة يف بعض‬
‫أحكامها‪ ,‬فإهنا تتقاط أحياان يف عسبة بعض العلماء إليها‪ ,‬فعل سبيد املثال‬

‫‪ .8‬الصحوة اإلسالمية بني اجلحو والتطرف للقرضاوي (‪.)713‬‬


‫‪ .7‬عرض روط االجتها الشرعي يف الفصد األول‪.‬‬
‫‪877‬‬
‫َيكن ُّ‬
‫عد الشيخ حممد بن عثيمني رمحه هللا مذهبيا سلفيا‪ ,‬فإعه حنبلي يف أصد‬
‫تفقهه وتدريسه‪ ,‬ولكنه كثري اليجيحات واالختيارات الفقهية اخلارجة عن املذهب‬
‫احلنبلي‪ ,‬فقال‪" :‬فإن كتاب "زا املستقن يف اختصار املقن "‪ ,... ,‬كتاب قليد‬
‫األلفاظ‪ ,‬كثري املعاين‪ ,‬اختصره من "املقن "‪ ,‬واقتصر فيه عل قول واحد‪ ,‬وهو‬
‫الراجح من مذهب اإلماِ أمحد بن حنبد‪ ,‬ومل خيرج فيه عن املشهور من املذهب‬
‫عند املتأخرين إال قليال‪ ,‬وقد غف به املبتدئون من طالب العلم عل مذهب‬
‫احلنابلة‪ ,‬وحف ه كثري منهم عن ظهر قلب‪ ,‬وكان يخنا عبد الرمحن بن انصر بن‬
‫سعدي رمحه هللا تعاىل حيثنا عل حف ه‪ ,‬ويدرسنا فيه‪ ,‬وقد اعتفعنا به كثريا وهلل‬
‫احلمد‪ ,‬وصران عدرم الطلبة فيه جلام الكبري بعنيزة‪ ,‬حبد ألفاظه‪ ,‬وتبيني معاعيه‪,‬‬
‫وذكر القول الراجح بدليله أو تعليله"‪.8‬‬
‫عد الشيخ عبدهللا بن بيه حف ه هللا مذهبيا تيسري ‪ ,‬فإعه مالكي‬ ‫وكذلر َيكن ُّ‬
‫يف أصد تفقهه‪ ,‬ولكنه يتبىن اجتاهاً تيسري ً من خالل عوته إلعا ة حبث عد من‬
‫املسائد الفقهية؛ لتحرير الفتو فيها عل ضوء الواق ‪ ,‬توفيقاً بني الدليد الكلي‬
‫وهو املقصد‪ ,‬والدليد اجلزئي وهو النص‪ ,‬فقال‪" :‬اعلم أن هذا االختالف‪ 7‬قد‬
‫يكون سببًا للتيسري والتسهيد‪ ,‬والتيسري مقصد من مقاصد الشريعة بنص الكتاب‬
‫والسنة‪ ,... ,‬وبناءً عليه يوجد يف املذاهب كلها العدول عن القول الراجح إىل قول‬
‫مرجوح؛ جللب مصلحة ترجح ‪ ,‬أو رء مفسدة‪ ,‬أو ف مشقة عرض ‪ ,‬و ذا‬
‫تقرر عند املالكية تقدمي القول الضعيف الذي جر به العمد عل القول الراجح‬

‫‪ .8‬الشرح املمت عل زا املستقن البن عثيمني (‪.)5/8‬‬


‫‪ .7‬يقصد االختالف الفقهي بني الفقهاء واملذاهب‪.‬‬
‫‪873‬‬
‫يف زمن من األزمنة أو مكان من األمكنة؛ لتبدل عرف أو عروض جلب مصلحة‬
‫أو رء مفسدة‪ ,... ,‬وقال ابن عابدين كذلر جبواز اإلفتاء لضعيف للضرورة‪,‬‬
‫‪ ,...‬ومعىن ذلر أن مقصد التيسري يهلرجح القول الضعيف‪ ,‬فيتعني العمد به؛‬
‫لعروض املشقة‪ ,‬فمعا لة املقصد الكلي لنص اجلزئي مؤثرة يف الفتو عل مدار‬
‫األزمنة‪ ,... ,‬إن اإلبقاء عل أحكاِ اجلزئيات اليت ختالف مقاصد الشريعة‪,‬‬
‫وتؤ ي إىل مشقة وإعنات‪ ,‬خمالف لروح الشريعة وغلط"‪.8‬‬
‫نقطة االختالف‬
‫إال أن موطن االختالف بني تلر املناهج يتمحور حول أمر رئي واحد‪,‬‬
‫وهو أن املنهج املذهيب يلتزِ مذهبا فقهيا معينا من املذاهب الفقهية األربعة‪ ,‬أما‬
‫املنهجان‪ :‬السلفي والتيسريي فال يلتزمان مذهبا فقهيا حمد ا‪ ,‬وإمنا جيتهدان‬
‫ويرجحان وخيتاران‪.‬‬
‫فمما قاله الشيخ حممد اخلضر رمحه هللا ‪ -‬ممثال املنهج املذهيب ‪" :-‬إن اجملم‬
‫عليه اليوِ املذاهب األربعة‪ ,‬أعين مذهب اإلماِ مالر واإلماِ أيب حنيفة واإلماِ‬
‫الشافعي واإلماِ أمحد بن حنبد‪ ,‬فقد من مجي العلماء اتباع مذهب جمتهد غريهم‬
‫من القرن الثامن الذي اعقرض فيه مذهب او إىل هذا الزمان‪ ,‬وهلم جرا‪ ,‬سواء‬
‫كان اتباع التزاِ أو جمر تقليد يف بعض املسائد"‪.7‬‬
‫ومما قاله الشيخ البوطي رمحه هللا ‪ -‬ممثال املنهج املذهيب ‪" :-‬إذا ظهر لر‬
‫الدليد الواضح القائم عل أسام النقد الصحيح واإلمجاع القطعي والبداهة العقلية‬

‫‪ .8‬مقدمة الشيخ عبدهللا بن بيه لكتاب "افعد وال حرج" للشيخ سلمان العو ة (‪.)88‬‬
‫‪ .7‬قم أهد الزيغ واإلحلا حملمد اخلضر (‪.)881‬‬
‫‪874‬‬
‫عل مشروعية التقليد‪ ,‬بد ووجوبه عند القصور عن رجة االستنباط واالجتها ‪,‬‬
‫فأي فرق عندئذ بني أن يكون اجملتهد املقلَّد واحدا من أفرا الصحابة‪ ,‬أو واحدا‬
‫من أئمة مذهب الرأي أو احلديث‪ ,‬أو واحدا من أئمة املذاهب األربعة‪ ,‬ما اموا‬
‫مجيعا جمتهدين‪ ,‬وما اِ هذا اآلخر مقلدا جاهال بكيفية االستدالل‬
‫واالستنباط"‪8‬؟!‬
‫ومما قاله الشيخ عبدالعزيز بن ز رمحه هللا يف هذا الشأن ‪ -‬ممثال املنهج‬
‫السلفي ‪ ,-‬جميبا عمن يقول‪ :‬ال عتب املذاهب األربعة‪ ,‬بد تهد مثلهم‪" :‬هذا‬
‫الكالِ قد يهلستنكر لنسبة لبعض النام‪ ,‬ولكن معناه يف احلقيقة ملن أتهد‬
‫صحيح‪ ,‬فال جيب عل النام أن يقلدوا أحدا‪ ,‬ومن قال‪ :‬إعه جيب تقليد األئمة‬
‫األربعة‪ ,‬فقد غلط‪ ,‬إذ ال جيب تقليدهم‪ ,‬ولكن يستعان بكالمهم وكالِ غريهم من‬
‫أئمة العلم‪ ,‬وين ر يف كتبهم رمحهم هللا‪ ,‬وما ذكروا من أ لة‪ ,‬ويستفيد من ذلر‬
‫طالب العلم املوف ‪ ,‬أما القاصر فإعه لي أهال ألن جيتهد‪ ,‬وإمنا عليه أن يسأل‬
‫أهد الفقه‪ ,‬ويتفقه يف الدين‪ ,‬ويعمد مبا ير دوعه إليه‪ ,‬حىت يتأهد ويفهم الطري‬
‫اليت سلكها العلماء‪ ,‬ويعرف األحا يث الصحيحة والضعيفة‪ ,‬والوسائد لذلر يف‬
‫مصطلح احلديث‪ ,‬ومعرفة أصول الفقه‪ ,‬وما قرره العلماء يف ذلر‪ ,‬حىت يستفيد‬
‫من هذه األ ياء‪ ,‬ويستطي اليجيح فيما تنازع فيه النام"‪.7‬‬
‫ومما قاله الشيخ األلباين رمحه هللا ‪ -‬ممثال املنهج السلفي ‪ ,-‬معلقا عل‬
‫حديث "اختالف أميت رمحة"‪" :‬ال أصد له‪ ,... ,‬وإن من آاثر هذا احلديث‬

‫‪ .8‬الالمذهبية للبوطي (‪.)24‬‬


‫‪ .7‬فتاو يف موق الشيخ‪.‬‬
‫‪875‬‬
‫السيئة أن كثريا من املسلمني يقُّرون بسببه االختالف الشديد الواق بني املذاهب‬
‫األربعة‪ ,‬وال حياولون أبدا الرجوع ِبا إىل الكتاب والسنة الصحيحة‪ ,‬كما أمرهم‬
‫بذلر أئمتهم ‪ ,‬بد إن أولئر لريون مذاهب هؤالء األئمة ‪ ‬إمنا هي كشرائ‬
‫متعد ة‪ ,‬يقولون هذا م علمهم مبا بينها من اختالف وتعارض‪ ,‬ال َيكن التوفي‬
‫بينها إال بر بعضها املخالف للدليد‪ ,‬وقبول البعض اآلخر املواف له‪ ,‬وهذا ما ال‬
‫يفعلون‪ ,... ,‬وبسبب هذا احلديث وحنوه ظد أكثر املسلمني بعد األئمة األربعة‬
‫إىل اليوِ خمتلفني يف كثري من املسائد االعتقا ية والعملية‪ ,‬ولو أهنم كاعوا يرون أن‬
‫اخلالف ر كما قال ابن مسعو وغريه ‪ ‬و ل عل ذمه اآل ت القرآعية‬
‫واألحا يث النبوية الكثرية‪ ,‬لسعوا إىل االتفاق‪ ,‬وألمكنهم ذلر يف أكثر هذه‬
‫املسائد‪ ,‬مبا عصب هللا تعاىل عليها من األ لة‪ ,‬اليت يعرف ِبا الصواب من اخلطأ‪,‬‬
‫واحل من الباطد‪ ,‬مث عذر بعضهم بعضا فيما قد خيتلفون فيه‪ ,‬ولكن ملاذا هذا‬
‫السعي وهم يرون أن االختالف رمحة‪ ,‬وأن املذاهب عل اختالفها كشرائ‬
‫متعد ة‪ ,... ,‬ومجلة القول أن االختالف مذموِ يف الشريعة‪ ,‬فالواجب حماولة‬
‫التخلص منه ما أمكن؛ ألعه من أسباب ضعف األمة‪ ,‬كما قال تعاىل‪" :‬وال تنازعوا‬
‫فتفشلوا وتذهب رحيكم"‪.8‬‬
‫ومما قاله الشيخ القرضاوي حف ه هللا ‪ -‬ممثال املنهج التيسريي ‪" :-‬وإذا‬
‫ع ران إىل اجتاهات االجتها َيكننا أن عقول‪ :‬إن هناك ثالثة اجتاهات أساسية ِبذا‬
‫االعتبار‪ ,‬اجتاه التضيي والتشديد‪ ,‬وهذا َيثله مدرستان‪ :‬األوىل املدرسة املذهبية‬
‫اليت ال تزال تؤمن بوجوب اتباع مذهب معني ال جيوز اخلروج عنه‪ ,‬وجيب االجتها‬

‫‪ .8‬السلسلة الضعيفة لأللباين (‪.)848/8‬‬


‫‪873‬‬
‫للمسائد اجلديدة يف إطاره‪ ,‬وخترجياً عل أقوال علمائه‪ ,‬وخباصة املتأخرين منهم‪,‬‬
‫مثد راح ا داية والكنز والتنوير من احلنفية‪ ,‬و راح خليد والرسالة من املالكية‪,‬‬
‫و راح املنهاج وأيب جاع من الشافعية‪ ,‬و راح اإلقناع واملنته من احلنابلة‪,‬‬
‫وهؤالء إذا سئلوا عن معاملة جديدة ال بد أن يبحثوا ا عن ع ري يف كتب املذهب‬
‫أو املذاهب املتبوعة‪ ,‬فإذا مل جيدوا ا ع ريا أفتوا مبنعها كأن األصد يف املعامالت‬
‫احل ر إال ما أفىت السابقون إب حته"‪.8‬‬
‫إن النصوص السابقة متثد النقطة الرئيسة األبرز يف التفري بني املناهج‬
‫الفقهية املعاصرة‪ ,‬فلقد اف علماء كد منهج عن منهجه الفقهي‪ ,‬وأثبتوا صحتها‬
‫وسالمة طريقتها‪ ,‬فاملنهج املذهيب يؤكد أبن أئمة املذاهب األربعة بلغوا يف العلم‬
‫مبلغا ع يما‪ ,‬جعلهم َيلكون أ اة االجتها وآلته‪ ,‬فقد أحاطوا بفهم واس لكتاب‬
‫هللا ‪ ,‬واجتم لديهم قدر ع يم من سنة رسول هللا ‪ ,‬وفهموا منها ما فهموه‬
‫من القرآن الكرمي‪ ,‬وبلغوا يف اللغة العربية مبلغا عاليا‪ ,‬وأ رفوا عل إمجاع فقهاء‬
‫األمصار واختالفهم‪ ,‬وساروا يف اجتها هم عل أصول واضحة منضبطة‪ ,‬فتك َّون‬
‫عندهم ع ر قي وفهم عمي ‪.‬‬
‫وبناء عل ذلر‪ ,‬فإن إصابة احل يف اجتها هم أرجح من إصابة غريهم‪,‬‬
‫واحتمال اخلطأ يف اجتها هم أقد منه يف غريهم ممن مل يبلغ يف العلم رجتهم‪ ,‬فمن‬
‫بلغ يف العلم رجة تقارب رجتهم فليجتهد كما اجتهدوا‪ ,‬وإال فلي أمامه سبيد‬

‫‪ .8‬االجتها يف الشريعة للقرضاوي (‪ ,)831‬وكالِ الشيخ يف من املعاملة اجلديدة اليت ال يوجد ا ع ري‬
‫يف املذهب غري قي ؛ ألهنم إن مل جيدوا ع ريا أو بيها ا فإن جمتهدي املذهب يسريون عل أصول‬
‫مذهبهم وطريقته االجتها ية‪ ,‬وقد يؤ يهم هذا إىل جتويزها أو منعها‪.‬‬
‫‪872‬‬
‫إال االعضباط أبصو م والتخريج عل قواعدهم وفروعهم‪ ,‬ومن هنا عشأت قضية‬
‫التمذهب ملذاهب الفقهية األربعة‪ ,‬فقد قال هللا تعاىل‪" :‬وما كان املؤمنون لينفروا‬
‫كافة فلوال عفر من كد فرقة منهم طائفة ليتفقهوا يف الدين وليتذروا قومهم إذا‬
‫رجعوا إليهم لعلهم حيذرون"‪.‬‬
‫أما املنهجان‪ :‬السلفي والتيسريي فيؤكدان عل وجوب األخذ من املعني‬
‫الصايف الذي أخذ منه أولئر العلماء اجملتهدون؛ ألن املسلم مأمور تباع كتاب‬
‫هللا ‪ ‬وسنة رسوله ‪ ,‬فلماذا يكون أولئر األئمة األربعة وسطاء بينه وبني‬
‫مصا ر التشري األصيلة؟ وملاذا ال أيخذ من حيث أخذوا؟ وملاذا تنحصر مهمة‬
‫اإلفتاء يف أفرا معدو ين‪ ,‬ويضطر بقية النام إىل تقليدهم؟ فقد قال هللا تعاىل‪:‬‬
‫"فإن تنازعتم يف يء فر وه إىل هللا والرسول إن كنتم تؤمنون هلل واليوِ اآلخر‬
‫ذلر خري وأحسن أتويال"‪.‬‬
‫ولئن التق املنهجان‪ :‬السلفي والتيسريي يف التحرر من االلتزاِ مبذهب‬
‫فقهي معني‪ ,‬فإن أوضح فرق بينهما هو أن املنهج السلفي ينطل يف اجتها ه من‬
‫النصوص الشرعية‪ ,‬وال يتأثر لواق كثريا‪ ,‬وال يلتف إىل اعتهائه يف اجتها ه إىل‬
‫تيسري أو تعسري‪ ,‬أما املنهج التيسريي فيسع إىل التيسري يف الفتو ما أمكن إىل‬
‫ذلر سبيال‪ ,‬ويتأثر يف اجتها ه لواق كثريا‪ ,‬ويؤكد عل قضية تغري الفتو بتغري‬
‫الزمان واملكان واحلال‪ ,‬ومن هنا عشأ "فقه التيسري" و"االجتها االعتقائي"‪,‬‬
‫وسيتضح هذا الفرق يف الفصول القا مة إن اء هللا‪.‬‬
‫وأعيد التنبيه عل أن تلر املناهج الفقهية تتقاط يف بعض أحكامها‬
‫والعلماء املنتسبني إليها‪ ,‬فالشيخ حممد بن عثيمني رمحه هللا ير جواز التمذهب‬

‫‪871‬‬
‫الفقهي‪ ,‬فقد رم و َّرم املذهب احلنبلي‪ ,‬ولكنه صاحب ترجيحات واختيارات‬
‫فقهية خارجة عن مذهبه احلنبلي‪ ,‬والشيخ عبدهللا بن بيه حف ه هللا ير جواز‬
‫التمذهب الفقهي‪ ,‬فإعه مالكي املذهب‪ ,‬ولكنه ينحو منح التيسري يف فتاواه‪,‬‬
‫حمرراً إ ها يف صناعة توف بني املقاصد والنصوص‪ ,‬وتض عصب عينيها املقاصد‬
‫الشرعية األكيدة‪ ,‬ون أن تغيب عن بصرها وبصريهتا النصوص اجلزئية‪.‬‬
‫وعموماً‪ ,‬فلس يف هذا املقاِ بصد اليجيح واملفاضلة بني تلر املناهج‪,‬‬
‫إال أعين أؤكد عل األمور التالية‪ ,‬معتقدا صحتها وخطأ مقابلها‪:‬‬
‫‪ .8‬ال جيوز للعامي ‪ -‬وهو املسلم غري املؤهد لالستنباط املبا ر من الكتاب‬
‫والسنة؛ لعدِ امتالكه أ وات االجتها السابقة ‪ -‬أن يعتمد عل قناعته الذاتية‬
‫يف فهم النصوص الشرعية؛ ألن هذا أ به مبن حياول قيا ة سفينة يف جلج‬
‫البحر‪ ,‬وهو ال َيلر من مهارات القيا ة يئا‪ ,‬وقد اتفق املناهج الثالثة عل‬
‫هذا احلكم‪.8‬‬
‫‪ .7‬ال جيوز للعامل ‪ -‬وهو املسلم املؤهد لالستنباط املبا ر من الكتاب والسنة؛‬
‫المتالكه أ وات االجتها ‪ - 7‬أن يعطد عقله ويقلد غريه من العلماء‪ ,‬بد جيب‬

‫‪ . 8‬وجيب عليه يف هذه احلالة أحد أمرين‪ :‬إما التمذهب مبذهب فقهي‪ ,‬أو بسؤال العلماء واالعتقاء من‬
‫أقوا م‪ ,‬أبن أيخذ بقول اجلمهور‪ ,‬أو من ي نه أعلم‪ ,‬أو األ د‪ ,‬أو األيسر بشرط اجتناب‪ :‬التلفي ‪ ,‬وتتب‬
‫الرخص‪ ,‬واألخذ بزالت العلماء‪.‬‬
‫مر يف الفصد األول‪ ,‬والعامل الذي توفرت فيه‬
‫‪ .7‬سواء كان يف مرتبة االجتها املستقد أو ما بعدها‪ ,‬كما َّ‬
‫روط االجتها يف مسألة واحدة أو ب من أبواب الفقه يسم جمتهدا جزئيا‪ ,‬وحكمه أعه يسوغ له‬
‫االجتها فيما بلغ رتبة االجتها فيه ما اِ يف ائرة االجتها املعتب الذي ال خيالف القطعيات‪.‬‬
‫‪879‬‬
‫عليه أن أيخذ من حيث أخذوا‪ ,‬وأن جيتهد كما اجتهدوا‪ ,‬وقد اتفق املناهج‬
‫الثالثة عل هذا احلكم‪.‬‬
‫‪ .3‬ال جيب عل املسلم أن يلتزِ مذهبا فقهيا معينا طيلة حياته‪ ,‬بد جيب عليه أن‬
‫يسأل العلماء عما ينزل به من عوازل‪ ,‬وأن يتحر يف العلماء العلم والورع‬
‫والتخصص‪ ,‬وأن يتجنب التلفي وتتب الرخص والتقاط اآلراء الضعيفة‪ ,8‬وقد‬
‫اتفق املناهج الثالثة عل هذا احلكم‪ ,‬م مالح ة أن املنهج التيسريي‬
‫يتساهد أحياان يف قضا التلفي والرخص واألقوال الضعيفة‪.‬‬
‫‪ .4‬جيوز للمسلم أن يلتزِ مذهبا فقهيا معينا طيلة حياته‪ ,‬بشرط أعه مىت ما تبني له‬
‫مرجوحية مذهبه يف مسألة ما فإعه يفارق مذهبه فيها وجو ‪ ,‬وهذا مشروط‬
‫بشرطني‪ :‬أن َيلر القدرة االجتها ية‪ ,7‬وأن يعذر املخالف‪ ,‬وتكا تتف‬
‫املناهج الثالثة عل هذا احلكم‪ ,‬م مالح ة أن املنهج السلفي ير أن هذا‬
‫االلتزاِ مقبول لطلبة العلم املبتدئني‪ ,‬ولذلر فإعه يدف طالب العلم فعا حثيثا‬
‫للتخلص من هذا االلتزاِ‪ ,‬ويغلب عليه أحياان اإلعكار وعدِ اإلعذار‪.‬‬
‫‪ .5‬إذا أرا العامل أن يتحرر من التزاِ املذهب الفقهي مجلة وتفصيال‪ ,‬فإعه جيوز له‬
‫ذلر بشرط حتقيقه روط االجتها ‪ ,‬والتزاِ منهج أصويل واضح وطريقة مطر ة‬
‫يف االجتها الفقهي‪ ,‬حبيث يكون له رأي حمد حول كد قاعدة أصولية‪ ,3‬وأن‬

‫‪ .8‬انقش تلر القضا يف الفصد اخلام ‪.‬‬


‫‪ .7‬تهلراج مراتب اجملتهدين املذكورة يف الفصد األول‪.‬‬
‫‪ .3‬ل َّما كاع مجي القواعد األصولية أهل بع حبثا وحتقيقا‪ ,‬فإن الغالب عل الفقهاء املعاصرين اختيار‬
‫رأي فيها‪ ,‬وهذا عوع و رجة من التقليد‪ ,‬ولذلر فقد رأ بعض العلماء املعاصرين ‪ -‬كما هو قول مجهور‬
‫العلماء املتقدمني ‪ -‬أن وجو اجملتهد املستقد غري ممكن‪ ,‬وأن املمكن هو وجو اجملتهد اجلزئي‪.‬‬
‫‪831‬‬
‫يلتزِ ِبذا الرأي األصويل يف اجتها اته‪ ,8‬وال يسوغ له أمران‪ :‬أو ما أن خيوض‬
‫غمار االجتها الفقهي غري ملتف لقواعد املنهج االجتها ي الذي يسري‬
‫عليه‪ ,‬واثعيهما أن تتغري قواعده األصولية من حني آلخر بدون سبب‪ ,‬فإن‬
‫تغريت جتها صحيح فإن عليه مراجعة املسائد الفقهية اليت بناها عل تلر‬
‫القواعد األصولية‪ ,‬وقد التزِ املنهج املذهيب فقط ِبذا‪ ,‬أما املنهجان اآلخران‪:‬‬
‫السلفي والتيسريي فقد اضطر ‪ ,‬وستأ مناذج من هذا االضطراب الحقا‪.‬‬
‫مدى ثبات املناهج الفقهية على قواعدها األصولية‬
‫بعد هذا التوصيف املختصر ألبرز املناهج الفقهية املعاصرة‪ ,‬وتوضيح أبرز‬
‫أي منهج فقهي عل غريه هو‬ ‫أوجه االتفاق واالختالف بينها‪ ,‬فإن أبرز ما َييز َّ‬
‫مد التزامه بقاعون منضبط يف االجتها واالستنباط‪ ,‬وقد عرضنا يف الفصد‬
‫الساب بعض القواعد األصولية وآراء املذاهب الفقهية األربعة منها‪.‬‬
‫إن االعضباط مبنهج مطر يف االجتها الفقهي رط مهم للغاية يف صحة‬
‫االجتها ‪ ,‬وإال وق اجملتهد يف اضطرا ت وتناقضات منهجية‪ ,‬حبيث يبدو للفقيه‬
‫املدق أعه ال َيكن أن تصدر تلر الفتاو املتناقضة يف منهج بنائها والتوصد إليها‬
‫من عقد فقيه واحد‪.‬‬

‫‪ . 8‬املقصو لقواعد األصولية هي تلر األصول والقواعد اليت كاع حمد خالف معتب بني علماء‬
‫املسلمني‪ ,‬وأخذت ِبا ‪ -‬أو ببعضها ‪ -‬املذاهب الفقهية األربعة‪ ,‬ولي املقصو تلر القواعد األصولية‬
‫املبتدعة اليت ابتدعها بعض املنحرفني املعاصرين‪ ,‬كأصد إلغاء االحتجاج لسنة‪ ,‬أو إمهال االحتجاج‬
‫إلمجاع املتيقن‪ ,‬أو التحرر من لزوِ الداللة اللغوية زمن عزول الوحي بدعو تغريها وتطورها‪ ,‬وهو ما‬
‫يسم بتارخيية النص‪ ,‬وغري ذلر من األصول املبتدعة دِ اإلسالِ وحتريفه‪.‬‬
‫‪838‬‬
‫والعلم الذي يضبط قاعون االجتها هو علم أصول الفقه‪ ,‬وهذا ما قرره‬
‫علماء املنهج املذهيب‪ ,‬والتزموا به يف اجتها هم‪ ,‬وقد عقل عصوصا كثرية عنهم‪,‬‬
‫تبني أمهية علم أصول الفقه‪ ,‬كقول الرازي رمحه هللا‪" :‬فثب أعه ال سبيد إىل معرفة‬
‫حكم هللا تعاىل إال أبصول الفقه"‪ ,‬وكقول التقي السبكي رمحه هللا‪" :‬وكد العلماء‬
‫يف حضيض عنه إال من تغلغد أبصول الفقه"‪ ,‬وكقول اإلسنوي رمحه هللا‪" :‬مث إعه‬
‫العمدة يف االجتها ‪ ,‬وأهم ما يتوقف عليه من املوا "‪ ,‬وكقول ابن النجار رمحه هللا‪:‬‬
‫"(وهو) أي الفقيه يف االصطالح (العامل أبصول الفقه) أي أبن يكون له قدرة عل‬
‫استخراج أحكاِ الفقه من أ لتها"‪ ,‬وكقول الشوكاين رمحه هللا‪" :‬فإن هذا العلم هو‬
‫عما فسطاط االجتها وأساسه الذي تقوِ عليه أركان بنائه"‪.‬‬
‫وااللتزاِ لقاعدة األصولية يعين أن العامل إذا أ َّاه اجتها ه إىل خمالفة القاعدة‬
‫األصولية اليت استقرت صحتها عنده فإعه ينبغي له أن يعيد الن ر يف اجتها ه أو‬
‫يف القاعدة األصولية اليت يعتقد صحتها‪.‬‬
‫وألضرب عل ذلر مثاال واقعيا من اجتها اإلماِ الشافعي رمحه هللا‪ ,‬فإعه‬
‫قد استقر عنده صحة قاعدة أصولية‪ ,‬مفا ها أن ما اختلف فيه العلماء السابقون‬
‫اخلروج عن أقوا م حىت لو كان القيام يقتضي ذلر‪ ,‬وقد التزِ‬ ‫هل‬ ‫فال جيوز للمجتهد‬
‫ِبذه القاعدة األصولية يف تشريكه اجلد م اإلخوة يف املرياث‪ ,‬م أن اجتها ه‬
‫املبين عل القيام اقتضاه َّأوالً إىل حجب اجلد إلخوة‪ ,‬فلما مل جيد من يقول ِبذا‬
‫الرأي أخذ أبقرب األقوال لقوله‪ ,‬وهو تشرير اجلد م اإلخوة‪ ,‬وإلير خالصة‬
‫اجتها ه يف هذه املسألة‪:‬‬

‫‪837‬‬
‫قال اإلماِ الشافعي رمحه هللا‪" :‬واختلفوا يف اجلد‪ ,‬فقال زيد بن اثب ‪ ,‬وروي‬
‫ورث معه اإلخوة‪ ,‬وقال أبو بكر الصدي‬‫عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعو ‪ :‬يهل َّ‬
‫وابن عبام‪ ,‬وروي عن عائشة وابن الزبري وعبد هللا بن عتبة‪ :‬أهنم جعلوه أ ً‪,‬‬
‫وأسقطوا اإلخوة معه‪.‬‬
‫فقال‪ :‬فكيف صرمت إىل أن ثبَّـتُّم مرياث اإلخوة م اجلد؟ أبداللة من كتاب‬
‫هللا أو سنة؟‬
‫مبني يف كتاب هللا أو هلسنَّة فال أعلمه‪.‬‬
‫قل ‪َّ :‬أما يء َّ‬
‫قال‪ :‬فاألخبار متكافئة‪ ,‬والدالئد لقيام م من جعله أ ً‪ ,‬وحجب به‬
‫األخوة‪.‬‬
‫قل ‪ :‬وأين الدالئد؟‬
‫قال‪ :‬وجدت اسم األبوة تلزمه‪ ,‬ووجدتكم جمتمعني عل أن حتجبوا به بين‬
‫األِ‪ ,‬ووجدتكم ال تنقصوعه من السدم‪ ,‬وذلر كله حكم األب‪.‬‬
‫فقل له‪ :‬لي سم األبوة فقط عورثه‪.‬‬
‫قال‪ :‬وكيف ذلر؟‬
‫قل ‪ :‬أج هلد اسم األبوة يلزمه وهو ال يرث‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأين؟‬
‫قل ‪ :‬قد يكون وعه أب‪ ,‬واسم األبوة تلزمه‪ ,‬وتلزِ آ ِ‪ ,‬وإذا كان ون اجلد‬
‫أب مل يرث‪ ,‬ويكون مملوكا وكافرا وقاتال فال يرث‪ ,‬واسم األبوة يف هذا كله الزِ له‪,‬‬
‫فلو كان سم األبوة فقط يرث ورث يف هذه احلاالت‪ ,‬وأما حجبهلنا به بين األِ‬
‫فإمنا حجبناهم به خباً ال سم األبوة‪ ,‬وذلر أان حنجب بين األِ ببن ابن ابن‬

‫‪833‬‬
‫متسفلة‪ ,8‬وأما أان مل عنقصه من السدم فلسنا عنقص اجلدة من السدم‪ ,‬وإمنا‬
‫فعلنا هذا كله اتباعا‪ ,‬ال أن حكم اجلد إذ واف حكم األب يف معىن كان مثله يف‬
‫كد معىن‪ ,‬ولو كان حكم اجلد إذا واف حكم األب يف بعض املعاين كان مثله يف‬
‫كد املعاين كاع بن االبن املتسفلة موافقة له‪ ,‬فإان حنجب ِبا بين األِ‪ ,‬وحكم‬
‫اجلدة مواف له‪ ,‬فإان ال عنقصها من السدم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فما حجتكم يف ترك قولنا‪ :‬حنجب جلد اإلخوة‪.‬‬
‫قل ‪ :‬بـهل اع هلد قولكم من القيام‪.‬‬
‫قال‪ :‬فما كنا عراه إال القيام عفسه؟‬
‫قل ‪ :‬أرأي اجلد واألخ‪ :‬أيديل واحد منهما بقرابة عفسه أِ بقرابة غريه؟‬
‫قال‪ :‬وما تعين؟‬
‫قل ‪ :‬ألي إمنا يقول اجلد‪ :‬أان أبو أيب املي ؟ ويقول األخ‪ :‬أان ابن أيب‬
‫املي ؟‬
‫قال‪ :‬بل ‪.‬‬

‫‪ .8‬أي إن اإلخوة لألِ حمجوبون جلد للدليد‪ ,‬وحمجوبون أيضا ببن االبن مهما عزل للدليد أيضا‪,‬‬
‫كقوله تعاىل‪" :‬وإن كان رجد يورث كاللةً أو امرأة وله أخ أو أخ فلكد واحد منهما السدم فإن كاعوا‬
‫أكثر من ذلر فهم ركاء يف الثلث"‪ ,‬والكاللة من ال والد له وال ولد‪ ,‬واملقصو ألخ واألخ أي لألِ‪,‬‬
‫فا يط اآلية ملرياث اإلخوة لألِ أن ال يكون معهم والد ‪ -‬ويشمد األب واجلد أ األب ‪ -‬وال ولد ‪-‬‬
‫ويشمد االبن والبن وابن االبن وبن االبن مهما عزال مبحض الذكور ‪ ,-‬قال اإلماِ الرحيب رمحه هللا يف‬
‫من ومته الشهرية‪:‬‬
‫احتياط‬ ‫عل‬ ‫فافهمه‬ ‫جلد‬ ‫إلسقاط‬ ‫األِ‬ ‫ابن‬
‫هل‬ ‫ويفضد‬
‫مجعاً ووحداانً فقد يل‪ :‬ز ين‬ ‫االبن‬ ‫وبنات‬ ‫و لبنات‬

‫‪834‬‬
‫قل ‪ :‬وكالمها يديل بقرابة األب بقدر موقعه منها؟‬
‫قال‪ :‬ععم‪.‬‬
‫قل ‪ :‬فاجعد األب املي ‪ ,‬وترك ابنه وأ ه‪ ,‬كيف مرياثهما منه؟‬
‫قال‪ :‬البنه مخسة أسدام‪ ,‬وألبيه السدم‪.‬‬
‫قل ‪ :‬فإذا كان االبن أوىل بكثرة املرياث من األب‪ ,‬وكان األخ من األب‬
‫الذي يديل األخ بقرابته‪ ,‬واجلد أبو األب من األب الذي يديل بقرابته كما‬
‫وصف ‪ ,‬كيف حجب األخ جلد؟! ولو كان أحدمها يكون حمجو آلخر‬
‫اعاـبـغ أن هلحيجب اجلد ألخ؛ ألعه أوالمها بكثرة مرياث الذي يدليان معا بقرابته‪,‬‬
‫أو جتعد لألخ أبداً مخسة أسدام‪ ,‬وللجد سدم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فما منعر من هذا القول؟‬
‫أكثر ح ا منه‪,‬‬ ‫قل ‪ :‬كد املختلفني جمتمعون عل أن َّ‬
‫اجلد م األخ مثلهله أو هل‬
‫القيام هلخمرج من مجي‬
‫فلم يكن يل عندي خالفهم‪ ,‬وال الذهاب إىل القيام و هل‬
‫أقاويلهم‪ ,‬وذهب إىل إثبات اإلخوة م اجلد أوىل األمرين؛ ملا وصف من الدالئد‬
‫قول األكثر من أهد الفقه لبلدان‬ ‫اليت أوجدعيها القيام‪ ,‬م أن ما ذهب هل إليه هل‬
‫قدَيا وحديثا‪ ,‬م أن مرياث اإلخوة اثب يف الكتاب‪ ,‬وال مرياث للجد يف‬
‫الكتاب‪ ,‬ومرياث اإلخوة أثب يف السنة من مرياث اجلد"‪.8‬‬
‫صرح اإلماِ الشافعي رمحه هللا أبن قياسه املؤ ي إىل حجب‬ ‫فتأمد كيف َّ‬
‫اجلد إلخوة خمرج لقوله من أقاويد من سبقه من العلماء‪ ,‬وهم إمنا اختلفوا يف هذه‬
‫املسألة عل قولني‪ :‬حجب اإلخوة جلد أو تشريكهما‪ ,‬وملا كان الشافعي ملتزماً‬

‫‪ .8‬الرسالة لإلماِ الشافعي (‪.)598‬‬


‫‪835‬‬
‫أبن ال أي بقول مل يقد به من سبقه‪ ,‬أخذ أبقرب األقوال إىل قياسه‪ ,‬فحكم‬
‫بتشرير اجلد واإلخوة‪.‬‬
‫تبني يل ‪ -‬بعد حبث ‪ -‬أن املناهج الفقهية الثالثة‪ :‬املذهيب والسلفي‬ ‫وقد َّ‬
‫والتيسريي تضطرب أحياان يف االلتزاِ بقواعدها األصولية‪ ,‬إال أن املنهج املذهيب‬
‫يتميز عنهما عضباط أكب بقاعون االجتها واالستنباط من خالل املراجعة الذاتية‬
‫املستمرة اليت يقوِ ِبا علماء املذهب الفقهي طبقة بعد طبقة‪.8‬‬
‫أما علماء املنهج السلفي واملنهج التيسريي فإن بعضهم ‪ -‬ولي كلهم ‪-‬‬
‫ال يلتف إىل هذه القواعد األصولية‪ ,‬ولذلر يقعون يف االضطراب من حني آلخر‬
‫بسبب إعراضهم عنها‪ ,‬وسأضرب عل ذلر أمثلة لرمز من رموز كد من ذلر‬
‫املنهجني‪ ,‬ومها الشيخ حممد عصر الدين األلباين رمحه هللا والشيخ الدكتور يوسف‬
‫القرضاوي حف ه هللا‪ ,‬وأي هذا التمثيد للتدليد عل أن اإلعراض عن القواعد‬
‫األصولية عند االجتها يوق كبار العلماء ‪ -‬فضال عن طالب العلم‪ ,‬وفضال عن‬
‫املتطفلني عل ساحة العلم واالجتها ‪ -‬يف اضطرا ت منهجية‪.‬‬
‫املنهج السلفي‪ :‬الشيخ انصر الدين األلباين مثاال‬
‫َيثد الشيخ انصر الدين األلباين رمحه هللا يف هذا العصر مدرسة احلديث اليت‬
‫تتمحور اجتها اهتا الشرعية حول االستنباط املبا ر من عصوص الكتاب والسنة‪,‬‬
‫ويـهلع ُّد الشيخ األلباين قامةً يف اء احلديث النبوي رغم اجلدل الكبري حول وقوعه‬

‫‪ .8‬عرض يف الفصد األول بعض القواعد األصولية وآراء املذاهب الفقهية األربعة منها‪.‬‬
‫‪833‬‬
‫يف أخطاء حديثية منهجية وجزئية‪ ,8‬أما اجتها اته الفقهية فقد أاثر بعضها لغطا‬
‫كبريا يف أوساط الفقهاء‪ ,‬ولس بصد عرض تلر احملاورات واملناقشات‪.7‬‬
‫أما فيما يتعل مبنهج بناء احلكم الفقهي عند الشيخ األلباين رمحه هللا‪ ,‬فقد‬
‫كان حيشد ما استطاع من األ لة الشرعية‪ ,‬فإذا كاع أحا يث عبوية وآاثرا سلفية‬
‫عقد أساعيدها‪ ,‬فتبق لديه بقية صحيحة سندا‪ ,‬فيشرع يف تقرير احلكم الذي‬
‫يتوصد إليه‪ ,‬ولذلر فإعه من النا ر أن يشري إىل قاعدة أصولية؛ لنستجلي منها‬
‫منهجه األصويل‪.‬‬
‫ولعد من األسباب اليت ع الشيخ لذلر أعه مل يهلعرف عنه طلب العلم‬
‫عل أيدي العلماء إال قليال‪ ,‬وإمنا بىن خصيته العلمية بطريقة عصامية‪ ,3‬فاجته‬
‫إىل علم احلديث‪ ,‬فتمكن يف قلبه أ د التمكن‪ ,‬فلم يب لعلم أصول الفقه أو علوِ‬
‫اللغة العربية إال مكان صغري‪.‬‬

‫‪ . 8‬ممن تتب أحكاِ األلباين عل األحا يث‪ :‬الشيخ حبيب الرمحن األع مي يف كتابه "األلباين ذوذه‬
‫وأخطاؤه"‪ ,‬والسيد حسن السقاف يف كتابه "تناقضات األلباين الواضحات فيما وق له يف تصحيح‬
‫األحا يث وتضعيفها من أخطاء وغلطات"‪ ,‬والشيخ حممو سعيد ممدوح يف كتابه "تنبيه املسلم إىل تعدي‬
‫األلباين عل صحيح مسلم"‪ ,‬ويف كتابه اآلخر "التعريف أبوهاِ من قسم السنن إىل صحيح وضعيف"‪.‬‬
‫‪ .7‬من فتاو األلباين اليت أاثرت لغطا كبريا يف األوساط العلمية فتواه بوجوب هجرة أهد فلسطني منها‬
‫إىل بلدة أخر ؛ ليقيموا فيها عائر ينهم‪.‬‬
‫‪ .3‬الطريقة العصامية يف التكوين هلمتدح يف تكوين الشخصية االجتماعية والشخصية االقتصا ية‪ ,‬ولكنها‬
‫غري ممدوحة يف تكوين الشخصية العلمية‪ ,‬إذ األصد أن يبدأ طالب العلم اللتقاء لعلماء واألخذ عنهم‬
‫وإسنا ركبته إىل ركبهم‪ ,‬حىت إذا استو وا تد واصد طريقه العلمي‪ ,‬وحبث و ق ‪ ,‬ومج وحق ‪ ,‬ويدل‬
‫لذلر أن هللا ‪ ‬أرسد الرسد‪ ,‬ومل يكتف إبعزال الكتب‪.‬‬
‫‪832‬‬
‫وع را لكون بعض أحكاِ املسائد اليت اجتهد فيها األلباين ختالف إمجاع‬
‫الفقهاء‪ ,‬فقد أغار األلباين عل اإلمجاع ‪ -‬املتف عل حجيته بني الفقهاء ‪-‬‬
‫لتشكير والنقض‪ ,‬كقوله يف مسألة حترمي الذهب احملل ‪ -‬متضمنا َّ‬
‫احلط من‬
‫كتب أصول الفقه املذهبية اليت ضبط مناهج االجتها ‪" :-‬ا ع بعضهم‬
‫اإلمجاع عل إ حة الذهب مطلقا للنساء‪ ,‬وهذا مر و من وجوه‪ :‬األول أعه ال‬
‫َيكن إثبات صحة اإلمجاع يف هذه املسألة‪ ,... ,‬اإلمجاع مما ال َيكن تصوره‪,‬‬
‫فضال عن وقوعه‪ ,... ,‬وتفصيد القول يف هذا املوضوع اخلطري لي هذا موضعه‪,‬‬
‫فلرياج من اء التحقي بعض كتب علم أصول الفقه اليت ال يقلد مؤلفوها من‬
‫قبلهم‪ ,‬مثد "أصول األحكاِ" البن حزِ‪ ,‬و"إر ا الفحول" للشوكاين‪ ,‬وحنومها"‪.8‬‬
‫وكالِ األلباين صريح حلط عل مئات من كتب أصول الفقه اليت ضبط‬
‫مناهج االجتها ‪ ,‬وحررها مؤلفوها أمت التحرير‪ ,‬ومل يستثن منهم ‪ -‬عل سبيد‬
‫التمثيد ‪ -‬إال اثنني‪ ,‬ومها ابن حزِ (‪453-314‬هـ) والشوكاين (‪-8823‬‬
‫‪8751‬هـ)‪ ,‬وهذان العالمان رمحهما هللا ما ع ائر وأ باه‪ ,‬بد هناك من العلماء‬
‫من يفوقهما ع راً وفهماً‬
‫ويكفي يف الر عل األلباين أن اإلماِ الشافعي رمحه هللا (‪714-851‬هـ)‬
‫‪ -‬وهو َّأول من ألَّف يف أصول الفقه‪ ,‬ومن البدهي أعه مل يقلد أحدا قبله ‪َّ -‬قرر‬
‫حجية اإلمجاع كدليد رعي‪ ,‬يف كتبه األصولية كالرسالة‪ ,‬وكتبه الفقهية كاألِ‪,‬‬
‫حرِ إال من جهة العلم‪ ,‬وجهة‬ ‫حد وال هل‬
‫فقال‪" :‬لي ألحد أبداً أن يقول يف يء َّ‬

‫‪ .8‬آ اب الزفاف لأللباين (‪.)731‬‬


‫‪831‬‬
‫العلم اخلب يف الكتاب أو السنة أو اإلمجاع أو القيام"‪ ,8‬فهد كان الشافعي مقلدا‬
‫يف املسألة‪ ,‬وهو إماِ من أئمة االجتها ؟!‬
‫وقال اإلماِ الشافعي رمحه هللا يف ية املرأة‪" :‬مل أعلم خمالفا من أهد العلم‬
‫قدَيا وال حديثا يف أن ية املرأة عصف ية الرجد‪ ,‬وذلر مخسون من اإلبد‪,... ,‬‬
‫فإن قال قائد‪ :‬فهد يف ية املرأة سو ما وصف من اإلمجاع أمر متقدِ؟ فنعم‪,‬‬
‫أخبان مسلم بن خالد ‪ ...‬عن مكحول وعطاء قالوا‪ :‬أ ركنا النام عل أن ية‬
‫فقوِ عمر بن اخلطاب تلر‬ ‫احلر املسلم عل عهد رسول هللا ‪ ‬مائة من اإلبد‪َّ ,‬‬
‫الدية عل أهد القر ألف ينار أو اثين عشر ألف رهم‪ ,‬و ية احلرة املسلمة إذا‬
‫كاع من أهد القر مخسمائة ينار أو ستة آالف رهم"‪.7‬‬
‫وعو ةً إىل القواعد األصولية فإن من أبرز القواعد األصولية ‪ -‬إن صح أن‬
‫قعدها الشيخ األلباين رمحه هللا لنفسه قاعدة التقيد بفهم‬
‫عسميها كذلر ‪ -‬اليت َّ‬
‫السلف الصاحل رمحهم هللا للنصوص الشرعية قرآان وسنة‪ ,‬مبعىن أن الشيخ يلتزِ أال‬
‫خيرج عن فهمهم للنصوص‪ ,‬وهذه القاعدة رغم عموميتها إال أهنا تقتضي أن ال‬
‫أي ملتزمها برأي ال يقول به السلف الصاحل أو مجهورهم عل األقد‪.‬‬

‫‪ .8‬الرسالة لإلماِ الشافعي (‪ ,)39‬بد وخصص ً يف الرسالة بعنوان "اإلمجاع"‪ ,‬وقد خالف بعض‬
‫املعتزلة يف اإلمجاع‪ ,‬فقالوا‪ :‬ال يتصور اععقا ه‪ ,‬وال سبيد إىل معرفته‪ ,‬وخالف ال اهرية وبعض املعتزلة يف‬
‫القيام‪ ,‬فأعكروه‪ ,‬أما ال اهرية فزعموا أن الشرع قد منعه وح ره‪ ,‬وأما بعض املعتزلة فزعموا أن العقد حييد‬
‫التعبد به‪ ,‬اع ر اللم أليب إسحاق الشريازي (‪ )12‬و (‪ ,)92‬واملستصف للغزايل (‪ )713‬وغريمها‪.‬‬
‫‪ .7‬األِ للشافعي (‪ ,)884/3‬وقد اخيت هذا النص لذات؛ لبيان أن اإلمجاع منعقد عل أن ية املرأة‬
‫عصف ية الرجد‪ ,‬وأن رأي الشيخ يوسف القرضاوي عفا هللا عنه ملساواة بينهما خمالف لإلمجاع‪.‬‬
‫‪839‬‬
‫فقد قال الشيخ األلباين رمحه هللا ‪ -‬جوا عن سؤال يتعل لسلفية وموقفها‬
‫بني اجلماعات اإلسالمية ‪" :-‬السلفية عسبة إىل السلف‪ ,... ,‬هم أهد القرون‬
‫الثالثة الذين هد م رسول هللا ‪ ‬خلريية‪ ,... ,‬فالسلفية تنتمي إىل هذا‬
‫السلف‪ ,‬والسلفيون ينتمون إىل هؤالء السلف‪ ,‬إذا عرفنا معىن السلف والسلفية‬
‫حينئذ أقول أمرين اثنني‪ :‬األمر األول أن هذه النسبة ليس عسبة إىل خص أو‬
‫أ خاص‪ ,... ,‬بد هذه النسبة هي عسبة إىل العصمة‪ ,‬ذلر ألن السلف الصاحل‬
‫يستحيد أن جيمعوا عل ضاللة‪ ,‬وخبالف ذلر اخللف‪ ,‬فاخللف مل أيت يف الشرع‬
‫ثناء عليهم‪ ,‬بد جاء الذِ يف مجاهريهم‪ ,... ,‬فإذن إذا عرفنا هذا املعىن يف‬
‫رت إليه آعفاً‪ ,‬أال وهو أن كد‬
‫السلفية‪ ,... ,‬حينئذ أي األمر الثاين الذي أ هل‬
‫مسلم يعرف حينذاك هذه النسبة وإىل ماذا ترمي من العصمة‪ ,‬فيستحيد عليه بعد‬
‫هذا العلم والبيان ‪ -‬ال أقول‪ :‬أن يتبأ‪ ,‬هذا أمر بدهي‪ ,‬لكين أقول‪ :‬يستحيد عليه‬
‫‪ -‬إال أن يكون سلفياً؛ ألعنا فهمنا أن االعتساب إىل السلفية يعين االعتساب إىل‬
‫العصمة"‪.8‬‬
‫وقال الشيخ األلباين رمحه هللا أيضا ‪ -‬عصيحةً بضرورة تلقي الكتاب والسنة‬
‫عل ضوء فهم السلف الصاحل ‪" :-‬أريد أن أ ير كالمي أو أ عدن حول قضية قد‬
‫ختف عل كثري ممن يشيكون معنا يف هذه الدعوة ‪ -‬عوة احل ‪ -‬أال وهي‬
‫الكتاب والسنة‪ ,... ,‬أال وهي ضرورة فهم الكتاب والسنة عل منهج سلفنا‬
‫الصاحل ‪ ,... ,‬ذلر أن كد اجلماعات اإلسالمية املوجو ة اليوِ عل وجه‬
‫األرض ال َيكن أن يعلن عدِ اعتما عوته عل الكتاب والسنة‪ ,‬ولكنهم م هذا‬

‫‪ .8‬سلسلة ا د والنور لأللباين‪ ,‬الشريط رقم (‪.)8‬‬


‫‪841‬‬
‫االعتما يفسرون النصوص من الكتاب والسنة حسب ما تقتضيه تكتالهتم‬
‫وحزبياهتم‪ ,‬وال يرجعون يف ذلر إىل فهم النصوص عل ما كان فهمها سلفنا‬
‫الصاحل‪ ,... ,‬ال ينبغي أن تقتصر عوتنا عل الكتاب والسنة فقط‪ ,‬بد جيب أن‬
‫عضم إىل ذلر ‪ ...‬أال خيرجوا عن سبيد املؤمنني‪ ,... ,‬وكيف َيكن خمالفة سبيد‬
‫املؤمنني م اتباع سنة سيد املرسلني؟ األمر عند أهد العلم معروف جيدا أبن‬
‫تفسر تفسريا‪َّ ,‬‬
‫ويقدِ هذا‬ ‫عصوص الكتاب والسنة َيكن ‪ -‬يف بعض األحيان ‪ -‬أن َّ‬
‫التفسري للمؤمنني لكتاب والسنة عل أن هذا هو املعىن املرا منهما‪ ,‬ويكون هذا‬
‫التفسري خطأ؛ ألعه خالف سنة املؤمنني وسبيد املؤمنني‪ ,... ,‬ال يكف العامل أن‬
‫يكتفي عل راسة القرآن والسنة يف العصر احلاضر‪ ,‬بد البد أن يضم إىل ذلر‬
‫راسة اثلثة‪ ,‬وهي أن يعرف ما كان عليه أصحاب النيب ‪ ‬من ا د والنور‪,‬‬
‫‪ ,...‬هذه األمور ال َيكن الوصول إليها إال مبعرفة آاثر السلف الصاحل‪ ,... ,‬إذا مل‬
‫يهتم العلماء خباصة ِبذا اجلاعب الثالث مما سبق اإل ارة إليه يف هذه النصوص‬
‫صار الكتاب والسنة هو متبعا‪ ,... ,‬فمن من املسلمني يستطي إذا تنبه ملعىن‬
‫هذه الكلمة "السلف" أو "السلفي" املنسوب للسلف الصاحل‪ ,‬من من املسلمني‬
‫بعد هذا يستطي أن يتبأ من أن يكون اتبعا للسلف‪ ,‬و لتايل من أن يكون‬
‫بشخصه سلفيا"‪8‬؟‬
‫هذه بعض النصوص اليت صَّرح ِبا الشيخ األلباين رمحه هللا حول وجوب‬
‫االعتساب للسلفية‪ ,‬وضرورة فهم الكتاب والسنة بفهم السلف الصاحل؛ ألن‬
‫االعتساب للسلفية يعين االعتساب للعصمة‪.‬‬

‫‪ .8‬سلسلة ا د والنور لأللباين‪ ,‬الشريط رقم (‪.)322‬‬


‫‪848‬‬
‫إن كالِ الشيخ األلباين يقتضي أن ال أي برأي أو قول أو فهم مل ير عن‬
‫السلف الصاحل أو مجهورهم‪ ,‬إال أعه عند التطبي العملي لقاعدة الشيخ ده‬
‫خيالف قاعدته األصولية يف فتاو متعد ة‪.‬‬
‫ومنها ‪ -‬عل سبيد املثال ‪ -‬فتواه بوجوب حج التمت عل من مل يس‬
‫ا دي‪ ,‬فقال‪" :‬عنصح لكد من أرا احلج أن يدرم مناسر احلج عل ضوء‬
‫الكتاب والسنة قبد أن يبا ر أعمال احلج؛ ليكون اتما مقبوال عند هللا تبارك‬
‫وتعاىل‪ ,‬وإمنا قل ‪ :‬عل ضوء الكتاب والسنة؛ ألن املناسر قد وق فيها من‬
‫اخلالف ‪ -‬م األسف ‪ -‬ما وق يف سائر العبا ات‪ ,‬من ذلر مثال‪ ,‬هد األفضد‬
‫أن ينوي يف حجه التمت أِ القران أِ اإلفرا ؟ عل ثالثة مذاهب‪ ,‬والذي عراه من‬
‫ذلر إمنا هو التمت فقط كما هو مذهب اإلماِ أمحد وغريه‪ ,8‬بد ذهب بعض‬
‫العلماء احملققني إىل وجوبه إذا مل يس معه ا دي‪ ,‬منهم ابن حزِ وابن القيم تبعا‬
‫البن عبام وغريه من السلف‪ ,... ,‬وخالصة القول أن عل كد من أرا احلج أن‬
‫يليب عند إحرامه لعمرة‪ ,‬مث يتحلد منها بعد فراغه من السعي بني الصفا واملروة‬
‫بقص عره‪ ,‬ويف اليوِ الثامن من ذي احلجة حيرِ حلج‪ ,‬فمن كان لىب لقران أو‬
‫احلج املفر فعليه أن يفسخ ذلر لعمرة؛ إطاعة لنبيه ‪.7"‬‬
‫مث أسهب األلباين رمحه هللا يف بيان هلح َّجته‪ ,‬وخالصتها تدور حول أمر النيب‬
‫‪ ‬أصحابه ‪ ‬لتحلد من العمرة وهو عل املروة بعدما فرغ من طواف القدوِ‬

‫‪ .8‬اإلماِ أمحد رمحه هللا ير أفضلية التمت ‪ ,‬أما األلباين فري وجوب التمت ‪ ,‬فتأمد‪.‬‬
‫‪ .7‬حجة النيب ‪ ‬كما رواها عنه جابر ‪ ‬لأللباين (‪.)81‬‬
‫‪847‬‬
‫وسعي احلج بقوله‪" :‬لو استقبل من أمري ما استدبرت مل أس ا دي‪ ,‬وجلعلتها‬
‫عمرة‪ ,‬فمن كان منكم لي معه هدي فليحلد‪ ,‬وليجعلها عمرة"‪.8‬‬
‫ولكن السلف الصاحل الذين أيمر الشيخ األلباين مبتابعتهم وعدِ اخلروج عن‬
‫فهمهم مل يفهموا فهمه‪ ,‬بد فهموا جواز األعساك الثالثة‪ ,‬والدليد عل ذلر أهنم‬
‫كاعوا حيجون ‪ -‬إضافة إىل التمت ‪ -‬مفر ين وقارعني بعد موت النيب ‪ ,‬ومل‬
‫يكوعوا يعتقدون وجوب التمت فقط‪.‬‬
‫ومبراجعة سريعة ملصنف ابن أيب يبة رمحه هللا (‪735-859‬هـ) مثال عقف‬
‫عل النصوص التالية يف حج اإلفرا والقران‪:7‬‬
‫‪ ‬حدثنا حفص عن هشاِ عن ابن سريين قال‪" :‬أفر أصحاب رسول هللا ‪‬‬
‫احلج بعده أربعني سنة‪ ,‬وهم كاعوا لسنته أ د أتباعا‪ ,‬أبو بكر وعمر وعثمان"‪.‬‬
‫‪ ‬حدثنا أبو خالد األمحر عن عبة عن مغرية قال‪" :‬أفر احلج أبو بكر وعمر‬
‫وعثمان وعلقمة واألسو "‪.‬‬
‫‪ ‬حدثنا أبو معاوية عن عبيدهللا عن انف عن ابن عمر عن عمر أعه حج خالفته‬
‫كلها يفر احلج‪.‬‬
‫‪ ‬حدثنا رير بن عبدهللا عن علي بن يزيد عن سعيد بن املسيب قال‪ " :‬ع‬
‫أصحاب حممد ‪ ‬يلبون بعمرة وحجة معا"‪.‬‬
‫‪ ‬حدثنا إ اعيد بن إبراهيم عن أيب محزة عن إبراهيم عن األسو قال‪ :‬قال‬
‫إيل أن يكون لكد واحد منهما عث‬
‫حب َّ‬
‫عبدهللا بن مسعو ‪" :‬عسكان أ ُّ‬

‫‪ .8‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او وابن ماجه‪.‬‬


‫‪ .7‬مصنف ابن أيب يبة (‪ )791/3‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪843‬‬
‫وسفر"‪ ,‬قال‪ :‬فسافر األسو مثاعني ما بني حجة وعمرة‪ ,‬مل جيم بينهما‪,‬‬
‫وسافر عبد الرمحن بن األسو ستني ما بني حجة وعمرة‪ ,‬مل جيم بينهما‪.‬‬
‫‪ ‬حدثنا حممد بن فضيد عن حممد بن أيب إ اعيد قال‪ :‬خرج م إبراهيم‪,‬‬
‫وجر وا احلج‪.‬‬
‫ومعنا أصحاب لنا‪ ,‬فأحرموا مجيعا‪َّ ,‬‬
‫‪ ‬حدثنا وكي عن سفيان عن منصور عن إبراهيم أعه كره القران واملتعة‪ ,‬وقال‪:‬‬
‫"التجريد أحب إيل"‪.‬‬
‫‪ ‬حدثنا وكي عن سفيان عن صاحل العكلي عن الشعيب أعه قال‪" :‬التجريد‬
‫أحب إيل"‪.‬‬
‫‪ ‬حدثنا ابن علية عن أيوب قال‪ :‬سأل سليمان بن يسار عن اجلم بني احلج‬
‫والعمرة‪ ,‬فقال‪" :‬ال حنب أن لط حبجنا يئا"‪.‬‬
‫‪ ‬حدثنا حممد بن فضيد عن عطاء بن السائب عن كثري بن مجهان قال‪ :‬خرجنا‬
‫حجاجا‪ ,‬ومعنا رجد من أهد اجلبد‪ ,‬مل حيج قط‪ ,‬فأهد حبجة وعمرة‪ ,‬فعاب‬
‫ذلر عليه أصحابنا‪ ,‬قال‪ :‬فنزلنا قريبا من ابن عمر‪ ,‬قال‪ :‬فقلنا له‪ :‬إن معنا‬
‫فأهد حبجة وعمرة‪ ,‬فعاب ذلر عليه‬ ‫رجال من أهد اجلبد‪ ,‬مل حيج قط‪َّ ,‬‬
‫أصحابنا‪ ,‬فما كفارته؟ قال‪" :‬كفارته أن يرج أبجرين‪ ,‬وترجعون بواحد"‪.‬‬
‫إن هذه النصوص تبني بوضوح أن من السلف الصاحل من الصحابة والتابعني‬
‫من ير أفضلية اإلفرا والقران عل التمت ‪ ,‬ولذلر فقد أمج العلماء عل جواز‬
‫األعساك الثالثة‪ :‬اإلفرا والتمت والقران‪ ,‬وإمنا كان اختالفهم يف األفضد منها‪.‬‬

‫‪844‬‬
‫اإلماِ ابن قدامة رمحه هللا‪ ,‬فقال‪" :‬وأمج‬
‫هل‬ ‫وممن حك اإلمجاع عل ذلر‬
‫أهد العلم عل جواز اإلحراِ أبي األعساك الثالثة اء"‪ ,8‬واإلماِ النووي رمحه‬
‫هللا‪ ,‬فقال‪" :‬وقد اععقد اإلمجاع بعد هذا عل جواز اإلفرا والتمت والقران من غري‬
‫كراهة‪ ,‬وإمنا اختلفوا يف األفضد منها"‪ ,7‬وقال أيضا‪" :‬يف مذاهب العلماء يف‬
‫اإلفرا والتمت والقران‪ ,‬قد ذكران أن مذهبنا جواز الثالثة‪ ,‬وبه قال العلماء وكافة‬
‫الصحابة والتابعني ومن بعدهم‪ ,‬إال ما ثب يف الصحيحني عن عمر بن اخلطاب‬
‫وعثمان بن عفان رضي هللا عنهما أهنما كاان ينهيان عن التمت "‪ ,3‬والزين العراقي‬
‫‪ -‬أو ابنه الويل العراقي (‪173-237‬هـ) ‪ -‬رمحهما هللا‪ ,‬فقال‪" :‬وأمجع األمة‬
‫عل جواز أت ية عسكي احلج والعمرة بكد من هذه األعواع الثالثة‪ :‬اإلفرا والتمت‬
‫والقران"‪.4‬‬
‫ومن اإلعصاف أن أذكر أن تلر اآلاثر عن الصحابة والتابعني مل تكن غائبة‬
‫عن الشيخ األلباين رمحه هللا‪ ,‬فقد كان يعلم أن اخللفاء الرا دين مجيعا كاعوا يفر ون‬
‫احلج‪ ,‬ولكنه َّبرر إفرا هم احلج أبهنم قد يكوعون ساقوا ا دي‪ ,‬وكالمه يف وجوب‬
‫التمت إمنا هو عل من مل يس ا دي‪ ,‬فقال‪" :‬وقد يقول قائد‪ :‬إن ما ذكرته من‬
‫األ لة عل وجوب التمت وعل ر ما خيالفه واضح ومقبول‪ ,‬ولكن يشكد عليه‬
‫ما يذكره البعض أن اخللفاء الرا دين مجيعا كاعوا يفر ون احلج‪ ,‬فكيف التوفي ؟‬

‫‪ .8‬املغين البن قدامة (‪.)17/5‬‬


‫‪ .7‬رح صحيح مسلم للنووي (‪.)839/1‬‬
‫‪ .3‬اجملموع للنووي (‪.)858/2‬‬
‫‪ .4‬طرح التثريب للزين والويل العراقيني (‪.)81/5‬‬
‫‪845‬‬
‫واجلواب أعه سب أن بيَّـنَّا أن التمت إمنا جيب عل من مل يس ا دي‪ ,‬وأما من‬
‫ساق ا دي فال جيب عليه ذلر‪ ,‬بد ال جيوز له‪ ,‬وإمنا عليه أن يقرن وهو األفضد‪,‬‬
‫أو يفر ‪ ,‬فيحتمد أن ما ذكر عن اخللفاء من اإلفرا إمنا هو ألهنم كاعوا ساقوا‬
‫ا دي‪ ,‬وحينئذ فال منافاة"‪.8‬‬
‫ولن أانقش الشيخ األلباين يف هذا االحتمال‪ ,‬بد سأسلم له فيه‪ ,‬بد‬
‫وسأسلم له يف احتمال أن يكون اآلخرون الذين أفر وا احلج كعلقمة بن األسو‬
‫واألسو بن يزيد والشعيب وسليمان بن يسار وإبراهيم النخعي رمحهم هللا قد ساقوا‬
‫ا دي أيضا‪.‬‬
‫ولكن السقطة العلمية اليت وق فيها األلباين أعه قرر أن األفضد للحاج ترك‬
‫سوق ا دي؛ ألن سوقه لي مما استقر عليه هدي النيب ‪ ,‬بد إعه عليه الصالة‬
‫والسالِ عدِ عل فعله‪.‬‬
‫فعندما ساق الشيخ األلباين حديث جابر ‪ ,‬وفيه‪" :‬وساق هد "‪ ,‬عقد‬
‫قول احلافظ ابن حجر العسقالين رمحه هللا‪" :‬وفيه الندب إىل سوق ا دي من‬
‫املواقي ومن األماكن البعيدة‪ ,‬وهي من السنن اليت أغفلها كثري من النام"‪,7‬‬
‫فقال األلباين ‪ -‬معلقا عل كالِ ابن حجر ‪" :-‬كذا قال‪ ,‬وفيه ع ر؛ ألن سوق‬
‫ا دي مما مل يستقر عليه هديه ‪ ,‬بد عدِ عليه كما يف الفقرة اآلتية‪" ,‬ولو‬
‫استقبل من أمري ما استدبرت مل أس ا دي‪ ,‬فحلوا"‪ ,‬فهذا القول منه ‪َّ ‬ل‬
‫عل أمرين هامني‪َّ :‬أوالً عل أن التمت لعمرة إىل احلج لتحلد بينهما أفضد من‬

‫‪ .8‬حجة النيب ‪ ‬كما رواها عنه جابر ‪ ‬لأللباين (‪.)81‬‬


‫‪ .7‬اع ر فتح الباري البن حجر (‪.)327/5‬‬
‫‪843‬‬
‫سوق ا دي م القران؛ ألعه ‪ ‬أتسف إذ مل يفعد ذلر‪ ,‬وال َيكن أن يكون إال‬
‫عل ما هو األفضد كما هو ظاهر‪ ,‬فاألفضد إذن ترك سوق ا دي‪ ,‬اثعيا أن كد‬
‫من مل يس ا دي من احلجاج‪ ,‬سواء كان قاران أو مفر ا‪ ,‬فيجب عليه أن يتحلد‬
‫من ذلر بعمرة‪ ,‬مث يليب حلج يوِ اليوية؛ ألمره ‪ ‬كما أي "‪.8‬‬
‫فالحظ أيها املنصف كيف يبر الشيخ األلباين عفا هللا عنه أبن اخللفاء‬
‫الرا دين ‪ ‬حجوا مفر ين؛ ألهنم قد يكوعون ساقوا ا دي‪ ,‬مث اع ر كيف يقرر‬
‫كراهية سوق ا ادي؛ ألعه لي مما استقر عليه ه ادي النيب ‪ ,‬وبذلر يكون‬
‫األلباين قد وض اخللفاء الرا دين بني فعد املكروه بسوقهم ا دي‪ ,‬أو احلرمة‬
‫إبفرا هم احلج‪ ,‬فمن األعلم دي النبوي‪ :‬اخللفاء الرا دون أِ األلباين؟!‬
‫مث لر بعد ذلر أن تدرك مد التزاِ الشيخ األلباين لقاعدة األصولية اليت‬
‫قعدها لنفسه‪ ,‬وهي التقيد بفهم السلف الصاحل للنصوص الشرعية قرآان وسنة‪.‬‬ ‫َّ‬
‫لقد أخطأ الشيخ األلباين عفا هللا عنه يف هذه املسألة خطأين واضحني‪:‬‬
‫أو ما إجيابه حج التمت عل من مل يس ا دي‪ ,‬خمالفا بذلر سنة أكثر اخللفاء‬
‫الرا دين‪ ,‬وخمالفا إمجاع العلماء جبواز األعساك الثالثة كما تقدِ‪ ,‬واثعيهما تقريره‬
‫كراهية سوق ا دي‪ ,‬خمالفا بذلر سنة اخللفاء الرا دين أيضا‪ ,‬ومبراجعة سريعة‬
‫ملصنف ابن أيب يبة مثال عقف عل النصوص التالية يف سوق بعض الصحابة‬
‫والتابعني هديهم‪:7‬‬

‫‪ .8‬حجة النيب ‪ ‬كما رواها عنه جابر ‪ ‬لأللباين (‪.)49‬‬


‫‪ .7‬مصنف ابن أيب يبة (‪ )871/3‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪842‬‬
‫‪ ‬حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن جعفر بن حممد عن أبيه أن عمر وعلياً وابن‬
‫عبام كاعوا يقولون يف الرجد يرسد ببدعته‪" :‬إعه َيسر عما َيسر عنه احملرِ‪,‬‬
‫لي أن ال يليب"‪ ,‬قال جعفر‪" :‬يواعدهم يوماً‪ ,‬فإذا كان ذلر اليوِ الذي‬
‫يواعدهم أن يشعر‪ ,‬أمسر عما َيسر عنه احملرِ"‪.‬‬
‫‪ ‬حدثنا ابن علية عن أيوب عن انف أن ابن عمر كان إذا بعث دي َيسر‬
‫عما َيسر عنه احملرِ‪ ,‬غري أن ال يليب‪.‬‬
‫دي‪ ,‬مث ال‬ ‫أعه كان يبعث‬ ‫‪ ‬حدثنا غندر عن سعيد عن قتا ة عن أع‬
‫َيسر عن يء مما َيسر عنه احملرِ‪.‬‬
‫‪ ‬حدثنا غندر عن سعيد عن أيب معشر عن إبراهيم عن علقمة عن عبد هللا أعه‬
‫كان يبعث دي‪ ,‬وال َيسر عما َيسر عنه احملرِ‪.‬‬
‫‪ ‬حدثنا غندر عن سعيد عن قتا ة عن سعيد بن املسيب قال‪" :‬من بعث ِبديه‬
‫فإعه ال َيسر عن يء مما َيسر عنه احملرِ‪ ,‬إال ليلة مجا ‪ ,‬فإعه َيسر عن‬
‫النساء"‪.‬‬
‫‪ ‬حدثنا عبداألعل بن عبداألعل عن هشاِ عن حممد قال‪" :‬إذا بعث الرجد‬
‫دي أمر الذي يبعث به معه أن يقلد يوِ كذا وكذا من ذلر اليوِ‪ ,‬مث‬
‫َيسر عن أ ياء مما َيسر عنها احملرِ"‪.‬‬
‫صرح عد من العلماء بسنية سوق ا دي‪ ,‬منهم اإلماِ‬ ‫إضافة إىل ذلر فقد َّ‬
‫النووي رمحه هللا‪ ,‬فقال‪" :‬واعلم أن سوق ا دي ملن قصد مكة حاجا أو معتمرا‬
‫سنة مؤكدة‪ ,‬وقد أعرض النام أو أكثرهم عنها يف هذه األزمان‪ ,‬واألفضد أن‬
‫يكون هديه معه من امليقات مشعراً مقلَّداً‪ ,‬وال جيب ا دي إال لنذر‪ ,‬واألفضد‬

‫‪841‬‬
‫سوق ا دي من بلده‪ ,‬فإن مل يكن فمن طريقه‪ ,‬وإال فمن امليقات أو ما بعده‪,‬‬
‫وإال فمن مىن"‪ ,8‬وتقدم اإل ارة أيضا إىل قول احلافظ ابن حجر العسقالين‬
‫رمحه هللا يف استحباب سوق ا دي‪.‬‬
‫فتبني بعد هذا العرض أن األلباين عفا هللا عنه هلحيكم فهمه للنصوص‬
‫الشرعية‪ ,‬مث يضفي عليها الصبغة السلفية‪ ,‬فيتوهم البعض َّ‬
‫أن فهم األلباين هو فهم‬
‫السلف الصاحل‪ ,‬واحلقيقة خبالف ذلر‪ ,‬ولو التزِ األلباين بقاعدته يف االحتكاِ إىل‬
‫فهم السلف الصاحل للنصوص الشرعية ملا وق يف هذه املغالطات؛ ألن السلف‬
‫الصاحل كاعوا يرون فعد النيب ‪ ,‬ويسمعون قوله‪ ,‬ويدركون مراميه‪ ,‬أما الشيخ‬
‫األلباين فإعه حيتكم إىل عصوص‪ ,‬قد تكون مبتورة عن سياقها وسباقها وظروفها‬
‫وأحوا ا‪ ,‬و لتايل فال َيكن لأللباين وال لغريه أن يفهمها ح الفهم كما فهمها‬
‫السلف الصاحل رمحهم هللا‪.‬‬
‫بد إن الشيخ األلباين رمحه هللا عندما حيتكم إىل فهم السلف الصاحل‬
‫للنصوص الشرعية‪ ,‬ويستضيء أبقوا م وأفعا م لفهم السنة النبوية‪ ,‬فإعه يق أحياان‬
‫يف مغالطات مل يهلسب إليها‪.‬‬
‫فعل سبيد املثال عندما انقش الشيخ األلباين حديث النيب ‪" :‬خذ من‬
‫حليتر ورأسر"‪ 7‬قال‪" :‬ضعيف جدا‪ ,... ,‬واعلم أعه مل يثب يف حديث صحيح‬
‫عن النيب ‪ ‬األخذ من اللحية‪ ,‬ال قوال كهذا وال فعال‪ ,... ,‬ععم ثب ذلر عن‬
‫بعض السلف‪ ,‬وإلير املتيسر منها‪ ,... ,‬رأي ابن عمر يقبض عل حليته‪ ,‬فيقط‬

‫‪ .8‬اجملموع للنووي (‪.)819-811/1‬‬


‫‪ .7‬رواه البيهقي يف عب اإلَيان‪.‬‬
‫‪849‬‬
‫ما زا عل الكف‪ ,... ,‬عن ابن عبام أعه قال يف قوله تعاىل‪" :‬وليقضوا تفثهم"‪:‬‬
‫التفث حل الرأم وأخذ الشاربني وعتف اإلبط وحل العاعة وقص األظفار واألخذ‬
‫من العارضني‪ ,... ,‬رأي أ هريرة حيفي عارضيه‪ :‬أيخذ منهما‪ ,... ,‬قل ‪ :‬ويف‬
‫هذه اآلاثر الصحيحة ما يدل عل أن قص اللحية أو األخذ منها كان أمرا معروفا‬
‫عند السلف‪ ,‬خالفا ل ن بعض إخواعنا من أهد احلديث الذين يتشد ون يف‬
‫األخذ منها‪ ,‬متمسكني بعموِ قوله ‪" :‬وأعفوا اللح "‪ ,‬غري منتبهني ملا فهموه‬
‫من العموِ أعه غري مرا ؛ لعدِ جر ن عمد السلف عليه‪ ,‬وفيهم من رو العموِ‬
‫املذكور‪ ,‬وهم عبدهللا بن عمر وحديثه يف الصحيحني‪ ,‬وأبو هريرة وحديثه عند‬
‫مسلم‪ ,... ,‬وابن عبام وحديثه يف جمم الزوائد‪ ,‬ومما ال ر أن راوي احلديث‬
‫أعرف ملرا منه من الذين مل يسمعوه من النيب ‪ ,‬وأحرص عل اتباعه منهم‪,‬‬
‫‪ ,...‬وقد رو ابن القاسم عن مالر‪ :‬ال أبم أن يؤخذ ما تطاير من اللحية و ذ‪,‬‬
‫‪ ,...‬وروي عن اإلماِ أمحد أعه سئد عن األخذ من اللحية‪ ,‬قال‪:‬كان ابن عمر‬
‫أيخذ منها ما زا عل القبضة‪ ,‬وكأعه ذهب إليه‪ ,... ,‬قل ‪ :‬ومن املعلوِ أن‬
‫الراوي أ ر مبرويه من غريه‪ ,‬وال سيما إذا كان حريصا عل السنة كابن عمر‪ ,‬وهو‬
‫ير عبيه ‪ - ‬اآلمر إلعفاء ‪ -‬ليال هنارا‪ ,‬فتأمد‪ ,... ,‬قل ‪ :‬لقد توسع قليال‬
‫بذكر هذه النصوص عن بعض السلف واألئمة؛ لعزهتا ول ن الكثري من النام أهنا‬
‫خمالفة لعموِ‪" :‬وأعفوا اللح "‪ ,‬ومل يتنبهوا لقاعدة أن الفر من أفرا العموِ ‪ -‬إذا‬
‫مل جير العمد به ‪ -‬ليد عل أعه غري مرا منه‪ ,‬وما أكثر البدع اليت يسميها اإلماِ‬
‫الشاطيب لبدع اإلضافية إال من هذا القبيد‪ ,‬وم ذلر فهي عند أهد العلم‬

‫‪851‬‬
‫مر و ة؛ ألهنا مل تكن من عمد السلف‪ ,‬وهم أتق وأعلم من اخللف‪ ,‬فريج‬
‫االعتباه ذا‪ ,‬فإن األمر قي ومهم"‪.8‬‬
‫إن ملخص كالِ الشيخ األلباين عفا هللا عنه أن إعفاء اللحية فوق القبضة‬
‫بدعة إضافية؛ ألن اإلعفاء فوق القبضة صورة فر ية اخلة يف عموِ األمر‬
‫إلعفاء‪ ,‬فلما أخذ السلف ‪ -‬وبعضهم من رواة حديث اإلعفاء ‪ -‬من اللحية ما‬
‫زا عل القبضة َّل ‪ -‬حسب رأي الشيخ األلباين ‪ -‬عل أن هذه الصورة هي‬
‫املقصو ة ألمر إلعفاء‪ ,‬أي أن األمر إلعفاء يتناول صورة واحدة‪ ,‬وهي‬
‫اإلعفاء مبا ال يزيد عل القبضة‪.‬‬
‫صرح به الشيخ األلباين عفسه‬
‫وهذا التحليد الذي توصل هل إليه يتواف م ما َّ‬
‫بقوله‪" :‬حيرِ إسبال اللحية فوق القبضة كما حيرِ إحداث أي بدعة يف الدين"‪,7‬‬
‫ويزيد تصريح األلباين هنا عل كالمه الساب بوصف إعفاء اللحية فوق القبضة‬
‫حلرمة والبدعة‪.‬‬
‫ولد أتملي يف اآلاثر اليت عقلها األلباين وجدهتا تصف بعض السلف‬
‫الصاحل ألخذ من حلاهم ما زا عل القبضة‪ ,‬وإ حتهم ذلر‪ ,‬ومل أعثر عل عص‬
‫واحد يوجب األخذ‪ ,‬وحيرِ اإلعفاء فوق القبضة‪ ,‬فاالحتمال الوجيه أن فعلهم‬
‫بقص ما زا عل القبضة ليد عل اجلواز‪ ,‬ولي ليال عل الوجوب‪ ,‬ومما يؤكد‬
‫هذا قول احلسن البصري رمحه هللا‪" :‬كاعوا يهلرخصون فيما زا عل القبضة من‬

‫‪ .8‬احلديث رقم (‪ )7355‬من السلسلة الضعيفة لأللباين (‪.)325/5‬‬


‫‪ .7‬فتاو األلباين (‪.)35‬‬
‫‪858‬‬
‫اللحية أن يؤخذ منها"‪ ,8‬فتأمد وصفه أخذ الز ة لرخصة‪ ,‬األمر الذي يعين أن‬
‫إعفاء اللحية فوق القبضة جائز أو مستحب‪.‬‬
‫ولو أن الشيخ األلباين عفا هللا عنه حكم ستحباب قص ما زا عل‬
‫القبضة لكان حلكمه وجه سديد‪ ,‬أما أن يوجب قص ما زا عل القبضة من‬
‫حمرمة فهذا ما ال أر له‬
‫اللحية‪ ,‬وحيكم عل إعفائها فوق القبضة أبعه بدعة َّ‬
‫ليال‪ ,‬وال أعلم فيه للشيخ سابقا‪ ,‬وقد رجع إىل عد كبري من كتب الفقه‬
‫واحلديث‪ ,‬فتأكد يل أن قص ما زا عل القبضة من اللحية يدور حول‬
‫االستحباب واجلواز والكراهة‪ ,‬أما الشيخ األلباين فقد جاء برأي جديد‪ ,‬وهو‬
‫الوجوب‪ ,‬وأن إعفاء اللحية فوق القبضة بدعة حمرمة‪.‬‬
‫وَيكن تلخيص خالف العلماء يف هذه املسألة مبا ذكره الشيخ عبداحلي‬
‫اللكنوي رمحه هللا (‪8314-8734‬هـ) بقوله‪" :‬اختلفوا يف ما طال من اللحية عل‬
‫أقوال‪ :‬األول ييكها عل حا ا‪ ,‬وال أيخذ منها يئا‪ ,‬وهو خمتار الشافعية‪ ,‬ورجحه‬
‫النووي‪ ,‬وهو أحد الوجهني عند احلنابلة‪ ,‬الثاين كذلر إال يف حج وعمرة‪,‬‬
‫فيستحب أخذ يء منها‪ ,‬قال احلافظ‪ :‬هو املنصوص عن الشافعي‪ ,‬الثالث‬
‫يستحب أخذ ما فحش من طو ا جدا بدون التحديد لقبضة‪ ,‬وهو خمتار اإلماِ‬
‫مالر رمحه هللا‪ ,‬ورجحه القاضي عياض‪ ,‬الراب يستحب ما زا عل القبضة‪ ,‬وهو‬
‫خمتار احلنفية"‪.7‬‬

‫‪ .8‬رواه عبدالرزاق وابن أيب يبة‪.‬‬


‫‪ .7‬رح املوطأ للكنوي (‪ ,)375/7‬وأوجز املسالر للكاعدهلوي (‪.)3/85‬‬
‫‪857‬‬
‫فلر أيها املنصف أن تر كيف أثَّرت اآلاثر املوقوفة واملقطوعة اليت وقف‬
‫عليها الشيخ األلباين رمحه هللا يف حكمه بتقييد عموِ األمر إبعفاء اللحية مبا كان‬
‫يف حدو القبضة‪ ,‬مث يف حكمه غري املسبوق ‪ -‬فيما أعلم ‪ -‬حبرمة وبدعة إعفائها‬
‫فوق القبضة‪.‬‬
‫ولكن هذه الطريقة يف الرجوع إىل أقوال وأفعال السلف الصاحل لفهم السنة‬
‫النبوية مل يلتزمها الشيخ األلباين عفا هللا عنه عندما انقش قضية عد ركعات‬
‫الياويح‪ ,‬فإن من اآلراء اليت خالف فيها اإلمجاع ‪ -‬فيما أعلم ‪ -‬حرمة الز ة عل‬
‫إحد عشرة ركعة يف صالة الياويح‪ ,‬و ليله حديث عائشة رضي هللا عنها أهنا‬
‫قال ‪" :‬ما كان رسول هللا ‪ ‬يزيد يف رمضان وال يف غريه عل إحد عشرة‬
‫ركعة‪ ,‬يصلي أربعا‪ ,‬فال تسد عن حسنهن وطو ن‪ ,‬مث يصلي أربعا‪ ,‬فال تسأل عن‬
‫حسنهن وطو ن‪ ,‬مث يصلي ثالاث"‪.8‬‬
‫فقال األلباين‪" :‬تبني لنا مما سب أن عد ركعات قياِ الليد إمنا هو إحد‬
‫عشرة ركعة لنص الصحيح من فعد رسول هللا ‪ ,‬وإذا أتملنا فيه ي هر لنا‬
‫بوضوح أعه ‪ ‬استمر عل هذا العد طيلة حياته‪ ,‬ال يزيد عليه‪ ,‬سواء ذلر يف‬
‫رمضان أو يف غريه‪ ,‬فإذا استحضران يف أذهاعنا أن السنن الرواتب وغريها‪ ,‬كصالة‬
‫االستسقاء والكسوف‪ ,‬التزِ النيب ‪ ‬أيضا فيها مجيعا عد ا معينا من الركعات‪,‬‬
‫وكان هذا االلتزاِ ليالً مسلَّماً عند العلماء عل أعه ال جيوز الز ة عليها‪ ,‬فكذلر‬
‫صالة الياويح‪ ,‬ال جيوز الز ة فيها عل العد املسنون؛ ال ياكها م الصلوات‬
‫املذكورات يف التزامه ‪ ‬عد ا معينا فيها‪ ,‬ال يزيد عليه‪ ,‬فمن ا ع الفرق فعليه‬

‫‪ .8‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي‪.‬‬


‫‪853‬‬
‫الدليد‪ ,‬و ون ذلر خرط القتا ‪ ,‬وليس صالة الياويح من النوافد املطلقة‪ ,‬حىت‬
‫يكون للمصلي اخليار يف أن يصليها أبي عد اء‪ ,‬بد هي سنة مؤكدة‪ ,‬تشبه‬
‫الفرائض‪ ,‬من حيث إهنا تشرع م اجلماعة كما قال الشافعية‪ ,‬فهي من هذه‬
‫احليثية أوىل أبن ال يزا عليها من السنن الرواتب‪ ,‬و ذا منعوا من مجا أرب ركعات‬
‫من الياويح يف تسليمة واحدة؛ ظنا منهم أهنا مل تر ‪ ,‬واحتجوا أبن الياويح أ به‬
‫الفرض بطلب اجلماعة‪ ,‬فال تغري عما ور فيها‪ ,‬فتأمد كيف منعوا من وصد‬
‫ركعتني بركعتني‪ ,‬كد منهما وار ؛ ألن يف الوصد عندهم تغيريا ملا ور فيها من‬
‫الفصد‪ ,8‬أفال حي لنا حينئذ أن منن ِبذه احلجة ذاهتا من ز ة عشر ركعات ال‬
‫أصد ا يف السنة الصحيحة ألبتة؟ اللهم بل ‪ ,‬بد هذا ملن أوىل وأحر ‪ ,‬فهد‬
‫من َّ‬
‫مدكر"‪.7‬‬
‫وع را ألن الشيخ رمحه هللا متقيد بفهم السلف الصاحل للنصوص الشرعية‬
‫فقد انقش ما ور عن بعض الصحابة ‪ ‬أهنم صلوا الياويح أكثر من إحد‬
‫عشرة ركعة‪ ,‬منهم علي بن أيب طالب وأيب بن كعب وعبدهللا بن مسعو ‪,‬‬
‫وضعَّف كد الروا ت املروية عنهم أهنم كاعوا يصلون الياويح عشرين ركعة‪.3‬‬
‫مث قال األلباين‪" :‬لقد تبني لكد عاقد منصف أعه ال يصح عن أحد من‬
‫الصحابة صالة الياويح بعشرين ركعة‪ ,‬وأعه ثب عن عمر ‪ ‬األمر بصالهتا‬

‫صد ركعتني بركعتني بقول النيب ‪" :‬صالة الليد مثىن مثىن"‪ ,‬رواه البخاري ومسلم‬
‫‪ .8‬استدل من من و ا‬
‫وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه‪ ,‬وصالة الياويح هي بعينها صالة الليد‪ ,‬أما صالة الوتر‬
‫فهي صالة ذات أعدا حمد ة‪ ,‬كإحد عشرة أو ثالث عشرة‪ ,‬وقد صالها النيب ‪ ‬بكيفيات متعد ة‪.‬‬
‫‪ .7‬صالة الياويح لأللباين (‪.)77‬‬
‫‪ .3‬صالة الياويح لأللباين (‪.)35‬‬
‫‪854‬‬
‫إحد عشرة ركعة‪ ,‬كما تبني أعه ‪ ‬مل يصلها إال إحد عشرة ركعة‪ ,‬فهذا كله مما‬
‫َيهد لنا السبيد لنقول بوجوب التزاِ هذا العد وعدِ الز ة عليه‪ ,... ,‬وحنن عر‬
‫أن الز ة عليها خمالفة ا ‪ -‬أي لسنة النيب ‪ ‬واخللفاء الرا دين ‪- ‬؛ ألن‬
‫األمر يف العبا ات عل التوقيف واالتباع‪ ,‬ال عل التحسني العقلي واالبتداع"‪.8‬‬
‫وملناقشة رأي الشيخ األلباين عفا هللا عنه يف قضية عد ركعات الياويح فإن‬
‫األلباين يقرر أعه سلفي‪ ,‬مبعىن أعه يفهم الكتاب والسنة بفهم السلف الصاحل‪ ,‬وقد‬
‫ثب أن السلف الصاحل كاعوا يقومون رمضان وغري رمضان أبعدا تزيد عل‬
‫إحد عشرة ركعة‪ ,‬األمر الذي يقتضي جواز الز ة عليها‪.‬‬
‫ولنتأمد يف مصنف ابن أيب يبة ‪ -‬مثالً ‪ ,-‬ب "كم يصلي يف رمضان‬
‫من ركعة"‪7‬؛ لنقف عل عشرات النصوص السلفية يف الز ة عل إحد عشرة‬
‫ركعة‪ ,‬منها‪:‬‬
‫‪ ‬حدثنا غندر عن عبة عن خلف عن ربي ‪ ,‬وأثىن عليه خريا‪ ,‬عن أيب البخيي‬
‫أعه كان يصلي مخ تروحيات يف رمضان‪ ,‬ويوتر بثالث‪.‬‬
‫‪ ‬حدثنا ابن منري عن عبدامللر عن عطاء قال‪" :‬أ رك النام وهم يصلون ثالاث‬
‫وعشرين ركعة لوتر"‪.‬‬
‫‪ ‬حدثنا حممد بن فضيد عن وقاء قال‪" :‬كان سعيد بن جبري يؤمنا يف رمضان‪,‬‬
‫فيصلي بنا عشرين ليلة س تروحيات‪ ,‬فإذا كان العشر اآلخر اعتكف يف‬
‫املسجد‪ ,‬وصل بنا سب تروحيات"‪.‬‬

‫‪ .8‬صالة الياويح لأللباين (‪ ,)25‬واإل ارة واضحة يف اهتاِ األلباين ملخالفيه البتداع والتحسني العقلي‪.‬‬
‫‪ .7‬مصنف ابن أيب يبة (‪ )833/7‬وما بعدها‬
‫‪855‬‬
‫‪ ‬حدثنا ابن مهدي عن او بن قي قال‪" :‬أ رك النام ملدينة‪ ,‬يف زمن‬
‫عمر بن عبدالعزيز وأ ن بن عثمان‪ ,‬يصلون ستا وثالثني ركعة‪ ,‬ويوترون‬
‫بثالث"‪.‬‬
‫‪ ‬حدثنا حفص عن احلسن بن عبيدهللا قال‪" :‬كان عبدالرمحن بن األسو يصلي‬
‫بنا يف رمضان أربعني ركعة‪ ,‬ويوتر بسب "‪.‬‬
‫إن تلر اآلاثر السابقة تؤكد قياِ بعض السلف الصاحل أب اء صالة الياويح‬
‫أبكثر من مثان ركعات؛ ألن صالة الياويح هي قياِ ليد رمضان املنصوص عل‬
‫استحبابه‪ ,‬وقياِ الليد جيوز أ اؤه أبي عد كان‪ ,‬أما صالة االستسقاء والكسوف‬
‫والسنن الرواتب فهي صلوات ذات سبب ووق حمد ين‪ ,‬ال تشرع إال ِبيئات‬
‫حمد ة‪ ,‬وألسباب معينة‪ ,‬فهذا هو الفرق الذي طالب به األلباين للتفري بني‬
‫الياويح وبني السنن الرواتب واالستسقاء والكسوف‪.‬‬
‫مث إن العلماء ‪ -‬منذ عصر السلف الصاحل ‪ -‬اختلفوا يف عد الركعات اليت‬
‫تؤَّ ِبا صالة الياويح‪ ,‬وهذا االختالف بينهم ليد عل جواز أ اء الياويح أبي‬
‫عد من الركعات‪.‬‬
‫وأكتفي بنص واحد للفقيه ابن ر د رمحه هللا‪ ,‬قال‪" :‬واختلفوا يف املختار من‬
‫عد الركعات اليت يقوِ ِبا النام يف رمضان‪ ,‬فاختار مالر يف أحد قوليه وأبو‬
‫حنيفة والشافعي وأمحد و وا القياِ بعشرين ركعة سو الوتر‪ ,‬وذكر ابن القاسم‬
‫عن مالر أعه كان يستحسن ستا وثالثني ركعة والوتر ثالث‪ ,‬وسبب اختالفهم‬
‫اختالف النقد يف ذلر‪ ,‬وذلر أن مالكا رو عن يزيد بن رومان قال‪ :‬كان النام‬
‫وخرج ابن أيب يبة عن‬‫يقومون يف زمان عمر بن اخلطاب بثالث وعشرين ركعة‪َّ ,‬‬
‫‪853‬‬
‫او بن قي قال‪ :‬أ رك النام ملدينة يف زمان عمر بن عبد العزيز وأ ن بن‬
‫عثمان يصلون ستا وثالثني ركعة ويوترون بثالث‪ ,‬وذكر ابن القاسم عن مالر أعه‬
‫األمر القدمي ‪ -‬يعين القياِ بس وثالثني ركعة ‪.8"-‬‬
‫إن هذا االختالف الثاب بني أئمة السلف الصاحل و أكب ليد عل‬
‫جواز أ اء صالة الياويح ِبذه األعدا ‪ ,‬بد وبغريها‪ ,‬فمن كان سلفيا مبعىن أعه‬
‫يفهم الكتاب والسنة بفهم السلف لزمه أن يوس يف األمر‪.‬‬
‫وال َيكن أن يغيب حديث عائشة رضي هللا عنها خبصوص اإلحد عشرة‬
‫ركعة عن جمموعهم‪ ,‬فينبغي أن يكون اختالفهم ليال عل جواز الز ة عليها؛‬
‫ألهنم السلف الصاحل‪ ,‬وهم أعلم النام مبقصو حديث عائشة‪ ,‬ولو فهموا منه ما‬
‫فهمه األلباين ملا استجازوا الز ة‪ ,‬خصوصا أن األلباين يصف الز ة ألوصاف‬
‫األربعة التالية‪ :‬احلرمة‪ ,‬واالبتداع‪ ,‬وخمالفة السنة‪ ,‬والتحسني العقلي‪.7‬‬
‫ولو أن اجتها الشيخ األلباين عفا هللا عنه يف هذه املسألة اعته به إىل‬
‫القول ستحباب االقتصار عل إحد عشرة ركعة يف تراويح رمضان ون الز ة‬
‫عليها لكان الجتها ه وجاهة‪ ,‬ولكن أن أي ِبذا القول الغريب فهذا ما مل يسبقه‬
‫إليه ‪ -‬فيما أعلم ‪ -‬سلف وال خلف‪.‬‬

‫‪ .8‬بداية اجملتهد البن ر د (‪ ,)781/8‬واع ر كذلر املغين البن قدامة (‪ ,)314/7‬واجملموع للنووي‬
‫(‪.)33-37/4‬‬
‫‪ .7‬تقدَِّ قوله‪" :‬فهذا كله مما َيهد لنا السبيد لنقول بوجوب التزاِ هذا العد وعدِ الز ة عليه‪,... ,‬‬
‫وحنن عر أن الز ة عليها خمالفة ا ‪ -‬أي للسنة ‪-‬؛ ألن األمر يف العبا ات عل التوقيف واالتباع‪ ,‬ال‬
‫عل التحسني العقلي واالبتداع"‪.‬‬
‫‪852‬‬
‫أما اخللف فموقف الشيخ منهم معروف أبعه ال اعتبار ِبم وال آبرائهم‪ ,‬فقد‬
‫قال‪" :‬اخللف مل أيت يف الشرع ثناء عليهم‪ ,‬بد جاء الذِ يف مجاهريهم"‪ ,‬أما‬
‫السلف فلهم أن آخر‪ ,‬إذ إعه قال فيهم‪" :‬السلفية عسبة إىل السلف‪ ,... ,‬هم‬
‫أهد القرون الثالثة الذين هد م رسول هللا ‪ ‬خلريية‪ ,... ,‬فالسلفية تنتمي إىل‬
‫هذا السلف‪ ,‬والسلفيون ينتمون إىل هؤالء السلف‪ ,... ,‬هذه النسبة هي عسبة إىل‬
‫العصمة‪ ,‬ذلر ألن السلف الصاحل يستحيد أن جيمعوا عل ضاللة"‪.8‬‬
‫ولو كان الشيخ األلباين عفا هللا عنه حيا فلرمبا أقنعه قول اإلماِ ابن تيمية‬
‫رمحه هللا (‪271-338‬هـ) يف هذه املسألة‪ ,‬فإعه قال‪" :‬كما أن عف قياِ رمضان‬
‫مل يوق النيب ‪ ‬فيه عد ا معينا‪ ,‬بد كان هو ‪ ‬ال يزيد يف رمضان وال غريه عل‬
‫ثالث عشرة ركعة‪ ,‬لكن كان يطيد الركعات‪ ,‬فلما مجعهم عهلمر عل أيب بن كعب‬
‫كان يصلي ِبم عشرين ركعة‪ ,‬مث يوتر بثالث‪ ,‬وكان خيف القراءة بقدر ما زا من‬
‫الركعات؛ ألن ذلر أخف عل املأمومني من تطويد الركعة الواحدة‪ ,‬مث كان طائفة‬
‫من السلف يقومون أبربعني ركعة‪ ,‬ويوترون بثالث‪ ,‬وآخرون قاموا بس وثالثني‪,‬‬
‫وأوتروا بثالث‪ ,‬وهذا كله سائغ‪ ,‬فكيفما قاِ يف رمضان من هذه الوجوه فقد‬
‫أحسن‪ ,‬واألفضد خيتلف ختالف أحوال املصلني‪ ,‬فإن كان فيهم احتمال لطول‬
‫القياِ فالقياِ بعشر ركعات وثالث بعدها ‪ -‬كما كان النيب ‪ ‬يصلي لنفسه يف‬
‫رمضان وغريه ‪ -‬هو األفضد‪ ,‬وإن كاعوا ال حيتملوعه فالقياِ بعشرين هو األفضد‪,‬‬
‫وهو الذي يعمد به أكثر املسلمني‪ ,‬فإعه وسط بني العشر وبني األربعني‪ ,‬وإن قاِ‬
‫أبربعني وغريها جاز ذلر‪ ,‬وال يكره يء من ذلر‪ ,‬وقد عص عل ذلر غري‬

‫‪ .8‬سلسلة ا د والنور لأللباين‪ ,‬الشريط رقم (‪.)8‬‬


‫‪851‬‬
‫واحد من األئمة كأمحد وغريه‪ ,‬ومن ظن أن قياِ رمضان فيه عد موق عن النيب‬
‫‪ ,‬ال يزا فيه وال ينقص منه فقد أخطأ"‪.8‬‬
‫فلعلر أيها املنصف أ رك كيف َّ‬
‫حكم الشيخ األلباين عفا هللا عنه فهمه‬
‫حلديث عائشة رضي هللا عنها بشأن اإلحد عشرة ركعة‪ ,‬وأعرض عن فهم‬
‫السلف الصاحل رمحهم هللا أبن حديث عائشة يدل عل استحباب اإلحد عشرة‬
‫ركعة م طول القياِ‪ ,‬فإذا قصر القياِ استحب الز ة عليها‪.7‬‬
‫ومن املسائد املستبشعة املستشنعة عن األلباين رأيه املمجوج جبواز وإمكان‬
‫وقوع الزان من زوجات النيب ‪ ‬ورضي هللا عنهن أمجعني‪ ,‬فقد قال بشأن حديث‬
‫اإلفر‪ ,‬وفيه قوله ‪" :‬أما بعد عائشة‪ ,‬فإعه قد بلغين عنر كذا وكذا‪ ,‬إمنا أع‬
‫من بنات آ ِ‪ ,‬فإن كن بريئة فسيبئر هللا‪ ,‬وإن كن أملم بذعب‪ ,‬فاستغفري‬
‫هللا وتويب إليه‪ ,‬فإن العبد إذا اعيف بذعبه‪ ,‬مث اتب إىل هللا‪ ,‬اتب هللا عليه‪ ,‬ويف‬
‫رواية‪ :‬فإن التوبة من الذعب الندِ"‪ ,‬فقال األلباين‪" :‬ولكنه سبحاعه صان السيدة‬
‫عائشة رضي هللا عنها وسائر أمهات املؤمنني من ذلر كما عرف ذلر من اتريخ‬
‫حياهتن‪ ,‬وعزول التبئة خبصوص السيدة عائشة رضي هللا عنها‪ ,‬وإن كان وقوع‬
‫ذلر ممكنا من الناحية الن رية؛ لعدِ وجو عص ستحالة ذلر منهن‪ ,‬و ذا كان‬
‫موقف النيب ‪ ‬يف القصة موقف املييث امليقب عزول الوحي القاط للشر يف‬
‫ذلر‪ ,‬الذي ينبئ عنه قوله ‪ ‬يف حديث اليمجة‪" :‬إمنا أع من بنات آ ِ‪ ,‬فإن‬

‫‪ .8‬جمموع فتاو ابن تيمية (‪.)727/77‬‬


‫‪ .7‬هذا عل التسليم أبن اإلحد عشرة ركعة يف رمضان تعين صالة الياويح‪ ,‬م أن هناك رأ ً آخر أبهنا‬
‫حممولة عل صالة الوتر‪.‬‬
‫‪859‬‬
‫كن بريئة فسيبئر هللا‪ ,‬وإن كن أملم بذعب فاستغفري هللا"‪ ,‬ولذلر قال‬
‫احلافظ يف صد بيان ما يف احلديث من الفوائد‪" :‬وفيه أن النيب ‪ ‬كان ال حيكم‬
‫لنفسه إال بعد عزول الوحي‪ ,‬عبه عليه الشيخ أبو حممد بن أيب مجرة عف هللا به"‪,‬‬
‫يعين أن النيب ‪ ‬مل يقط بباءة عائشة رضي هللا عنها إال بعد عزول الوحي‪ ,‬ففيه‬
‫إ عار قوي أبن األمر يف حد عفسه ممكن الوقوع‪ ,‬وهو ما يدعدن حوله كد‬
‫حوا ث القصة وكالِ الشراح عليها"‪.8‬‬
‫وخالصة هذا الرأي املستبش املستشن من األلباين أن الزان مل يق من‬
‫أمهات املؤمنني يف الواق ؛ ملا ثب من اتريخ حياهتن‪ ,‬ولكنه ‪ -‬حسب رأيه ‪-‬‬
‫جيوز وَيكن ع ر ؛ لعدِ ورو عص رعي ستحالة ذلر‪ ,‬وألن النيب مل يقط‬
‫بباءة عائشة رضي هللا عنها إال بعد عزول الوحي‪.‬‬
‫وكالِ األلباين اذ‪ ,‬وال أعلم له موافقا من سلف أو خلف‪ ,‬إذ خالصته‬
‫إمكان وقوع الزان من أمهات املؤمنني رعا؛ لعدِ ورو عص رعي َينعه‪ ,‬وإمكاعه‬
‫عقال؛ ألن العقد ال َينعه‪ ,‬ولكنه مل حيدث واقعا‪ ,‬وم اتفاقنا م األلباين بعدِ‬
‫حدوثه واقعا‪ ,‬فإعنا الفه يف اجلواز الشرعي؛ ألن النص القرآين ثب بطيبهن رضي‬
‫هللا عنهن‪ ,‬قال تعاىل‪" :‬اخلبيثات للخبيثني واخلبيثون للخبيثات والطيبات للطيبني‬
‫والطيبون للطيبات أولئر مبؤون مما يقولون م مغفرة ورزق كرمي"‪ ,‬وقد عزل هذه‬

‫‪ .8‬السلسلة الصحيحة لأللباين (‪.)73/3‬‬


‫‪831‬‬
‫اآلية يف آخر آ ت تبئة أِ املؤمنني عائشة رضي هللا عنها من الزان؛ لتقرير أن هللا‬
‫‪ ‬مل يكن ليختار لنبيه ومصطفاه الطيب ‪ ‬إال امرأ ًة طيبة‪.8‬‬
‫قال يخ اإلسالِ ابن تيمية رمحه هللا‪" :‬أخب تعاىل أن النساء اخلبيثات‬
‫للرجال اخلبيثني‪ ,‬فال تكون خبيثة لطيب‪ ,‬فإن ذلر خالف احلصر‪ ,‬فال تنكح‬
‫الزاعية اخلبيثة إال زاعيا خبيثا‪ ,‬وأخب أن الطيبني للطيبات‪ ,‬فال يكون الطيب المرأة‬
‫خبيثة‪ ,‬فإن ذلر خالف احلصر‪ ,‬إذ قد ذكر أن مجي اخلبيثات للخبيثني‪ ,‬فال‬
‫تبق خبيثة لطيب وال طيب خلبيثة‪ ,‬وأخب أن مجي الطيبات للطيبني‪ ,‬فال تبق‬
‫طيبة خلبيث‪ ,‬فجاء احلصر من اجلاعبني موافقا لقوله‪" :‬الزاين ال ينكح إال زاعية أو‬
‫مشركة والزاعية ال ينكحها إال زان أو مشرك وحرِ ذلر عل املؤمنني"‪ ,‬و ذا قال‬
‫من قال من السلف‪" :‬ما بغ امرأة عيب قط"‪ ,‬فإن هذه السورة عزل صدرها بسبب‬
‫أهد اإلفر وما قالوه يف عائشة‪ ,‬و ذا ملا قيد فيها ما قيد وصارت بهة‪ ,‬استشار‬
‫النيب ‪ ‬من استشاره يف طالقها قبد أن تنزل براءهتا‪ ,‬إذ ال يصلح له أن تكون‬
‫امرأته غري طيبة"‪.7‬‬
‫إن ملخص كالِ ابن تيمية رمحه هللا يفيد أن النص الشرعي قض بباءة‬
‫عائشة رضي هللا عنها‪ ,‬والسبب أن قوله تعاىل‪" :‬اخلبيثات للخبيثني واخلبيثون‬
‫للخبيثات والطيبات للطيبني والطيبون للطيبات" يفيد احلصر‪ ,‬فال َيكن للنيب‬

‫‪ .8‬وقد أ َّ هذا الرأي الشني من األلباين إىل عفور بعض أصحابه وتالميذه عنه‪ ,‬ومن أبرزهم الشيخ‬
‫حممد عسيب الرفاعي‪ ,‬ورَّ عليه مبؤلَّف "بلوغ املىن يف إثبات عصمة عساء النيب من الزىن"‪.‬‬
‫‪ .7‬جمموع فتاو ابن تيمية (‪.)373-377/85‬‬
‫‪838‬‬
‫الطيب أن يزوجه هللا زوجة خبيثة‪ ,‬وهذا يعين أن وقوع الزان من أمهات املؤمنني‬
‫مستحيد رعا؛ لورو النص بذلر‪.‬‬
‫أما اإلماِ ابن القيم رمحه هللا (‪258-398‬هـ) فقد قال‪" :‬ومن قوي‬
‫معرفته هلل ومعرفته لرسوله وقدره عند هللا يف قلبه قال ‪ -‬كما قال أبو أيوب وغريه‬
‫من سا ات الصحابة ملا عوا ذلر ‪" :-‬سبحاعر هذا ِبتان ع يم"‪ ,‬وأتمد ما‬
‫يف تسبيحهم هلل‪ ,‬وتنزيههم له يف هذا املقاِ من املعرفة به‪ ,‬وتنزيهه عما ال يلي به‬
‫أن جيعد لرسوله وخليله وأكرِ اخلل عليه امرأة خبيثة بغيا‪ ,‬فمن ظن به سبحاعه‬
‫هذا ال ن فقد ظن به ظن السوء‪ ,‬وعرف أهد املعرفة هلل ورسوله أن املرأة اخلبيثة‬
‫ال تلي إال مبثلها كما قال تعاىل‪" :‬اخلبيثات للخبيثني"‪ ,‬فقطعوا قطعا ال يشكون‬
‫فيه أن هذا ِبتان ع يم وفرية ظاهرة‪ ,‬فإن قيد فما ل رسول هللا ‪ ‬توقف يف‬
‫أمرها وسأل عنها وحبث واستشار‪ ,‬وهو أعرف هلل ومبنزلته عنده ومبا يلي به‪,‬‬
‫وهالَّ قال‪" :‬سبحاعر هذا ِبتان ع يم" كما قاله فضالء الصحابة؟ فاجلواب أن‬
‫هذا من متاِ احلكم الباهرة اليت جعد هللا هذه القصة سببا ا وامتحاان وابتالء‬
‫لرسوله ‪ ‬وجلمي األمة إىل يوِ القيامة؛ لريف ِبذه القصة أقواما ويض ِبا‬
‫آخرين‪ ,‬ويزيد هللا الذين اهتدوا هد وإَياان‪ ,‬وال يزيد ال املني إال خسارا‪,... ,‬‬
‫وأيضا فإن رسول هللا ‪ ‬كان هو املقصو ألذ ‪ ,‬واليت رمي زوجته‪ ,‬فلم يكن‬
‫يلي به أن يشهد بباءهتا م علمه أو ظنه ال ن املقارب للعلم بباءهتا‪ ,‬ومل ي ن‬
‫ِبا سوءا قط‪ ,‬وحا اه وحا اها‪ ,‬ولذلر ملا استعذر من أهد اإلفر قال‪" :‬من‬
‫يعذرين يف رجد بلغين أذاه يف أهلي‪ ,‬وهللا ما علم عل أهلي إال خريا‪ ,‬ولقد‬
‫ذكروا رجال ما علم عليه إال خريا‪ ,‬وما كان يدخد عل أهلي إال معي"‪ ,‬فكان‬

‫‪837‬‬
‫عنده من القرائن اليت تشهد بباءة الصديقة أكثر مما عند املؤمنني‪ ,‬ولكن لكمال‬
‫وىف مقاِ الصب والثبات وحسن ال ن‬ ‫صبه وثباته ورفقه وحسن ظنه بربه وثقته به َّ‬
‫حقه‪ ,‬حىت جاءه الوحي مبا أقر عينه وسر قلبه وع م قدره‪ ,‬وظهر ألمته‬ ‫هلل َّ‬
‫احتفال ربه به واعتناؤه بشأعه"‪.8‬‬
‫إن ملخص كالِ ابن القيم رمحه هللا يفيد أن ال ن أبن هللا قد جيعد لنبيه ‪‬‬
‫زوجة بغيا ظن سوء هلل ‪‬؛ ألن العارفني هلل ورسوله يعلمون أن املرأة اخلبيثة ال‬
‫كا‬ ‫تلي إال مبثلها‪ ,‬وأن رسول هللا ‪ ‬توقف يف أمر عائشة يف أول األمر‪ ,‬لي‬
‫فيها‪ ,‬ولكن لريف ِبذه احلا ثة أقواما ويض ِبا آخرين‪.‬‬
‫أما اإلماِ املفسر ابن كثري رمحه هللا (‪224-211‬هـ) فقد قال يف تفسري‬
‫اآلية‪" :‬أي ما كان هللا ليجعد عائشة زوجةً لرسول هللا ‪ ‬إال وهي طيبة؛ ألعه‬
‫أطيب من كد طيب من البشر‪ ,‬ولو كاع خبيثة ملا صلح له‪ ,‬ال رعا وال‬
‫قدرا"‪ ,7‬فتأمد قوله ستحالة وقوع الفاحشة منهن رعا‪.‬‬
‫وقال الطاهر بن عا ور رمحه هللا (‪8393-8793‬هـ)‪" :‬بعد أن برأ هللا‬
‫عائشة رضي هللا عنها مما قال عصبة اإلفر‪ ,‬ففضحهم أبهنم ما جاءوا إال بسيء‬
‫ال ن واختالق القذف‪ ,‬وتوعدهم وهد هم‪ ,‬مث اتب عل الذين اتبوا‪ ,‬أحن عليهم‬
‫اثعية بباءة رسول هللا ‪ ‬من أن تكون له أزواج خبيثات؛ ألن عصمته وكرامته‬

‫‪ .8‬زا املعا البن القيم (‪.)713-714/3‬‬


‫‪ .7‬تفسري ابن كثري لآلية (‪ )73‬من سورة النور‪.‬‬
‫‪833‬‬
‫عل هللا أيىب هللا معها أن تكون أزواجه غري طيبات‪ ,‬فمكاعة الرسول ‪ ‬كافية يف‬
‫الداللة عل براءة زوجه وطهارة أزواجه كلهن"‪.8‬‬
‫فتأمد قول األلباين‪" :‬النيب ‪ ‬مل يقط بباءة عائشة رضي هللا عنها إال بعد‬
‫عزول الوحي‪ ,‬ففيه إ عار قوي أبن األمر يف حد عفسه ممكن الوقوع"‪ ,‬وقارعه بقول‬
‫ابن القيم‪" :‬رسول هللا ‪ ‬كان هو املقصو ألذ ‪ ,‬واليت رمي زوجته‪ ,‬فلم يكن‬
‫يلي به أن يشهد بباءهتا م علمه أو ظنه ال ن املقارب للعلم بباءهتا‪ ,‬ومل ي ن‬
‫ِبا سوءا قط‪ ,‬وحا اه وحا اها‪ ,‬ولذلر ملا استعذر من أهد اإلفر قال‪" :‬من‬
‫يعذرين يف رجد بلغين أذاه يف أهلي‪ ,‬وهللا ما علم عل أهلي إال خريا‪ ,‬ولقد‬
‫ذكروا رجال ما علم عليه إال خريا‪ ,‬وما كان يدخد عل أهلي إال معي"‪ ,‬فكان‬
‫عنده من القرائن اليت تشهد بباءة الصديقة أكثر مما عند املؤمنني"؛ أتمد هذين‬
‫النصني؛ لتدرك مد التزاِ األلباين بفهم السلف الصاحل‪.‬‬
‫إن عرض تلر املسائد ومناقشتها أوصلين إىل عتيجة مفا ها أن الشيخ‬
‫األلباين عفا هللا عنه يصبغ عل فهمه الشخصي صبغة السلفية‪ ,‬مبعىن أعه يعتقد أن‬
‫الفهم الذي توصد إليه هو فهم السلف الصاحل‪ ,‬و لتايل فإعه ينافح عنه وخياصم‬
‫عليه‪ ,‬ويعتقد أن احل ال يتعداه‪ ,‬ويكابر مكابرة مل تصدر عن الفقهاء املقلدين‬
‫املتعصبني ملذاهبهم ‪ -‬حسب زعمه ‪.-‬‬
‫ومما يدل لذلر قوله عن كتابه "صفة صالة النيب ‪ "‬أبعه‪" :‬ال جيم ما فيه‬
‫من احل أي كتاب أو مذهب"‪ ,8‬ووصفه عد ا من اجتها اته أبهنا احل الذي‬
‫جيب املصري إليه‪ ,‬والتعويد عليه‪.7‬‬

‫‪ .8‬التحرير والتنوير البن عا ور (‪.)853-855/81‬‬


‫‪834‬‬
‫فقارن أيها املنصف هذه اال عاءات العريضة بقول اإلماِ النسفي احلنفي‬
‫رمحه هللا (‪281-...‬هـ)‪" :‬إذا هلسئلنا عن مذهبنا ومذهب خمالفينا يف الفروع‪ ,‬جيب‬
‫علينا أن يب أبن مذهبنا صواب حيتمد اخلطأ‪ ,‬ومذهب خمالفينا خطأ حيتمد‬
‫الصواب؛ ألعر لو قطع القول ملا صح قولنا‪ :‬إن اجملتهد خيطئ ويصيب"‪.3‬‬
‫وقارعه أيضا بقول الفقيه ابن حجر ا يتمي الشافعي رمحه هللا (‪-911‬‬
‫‪924‬هـ) عندما سئد عن عبارة النسفي السابقة‪ ,‬وهد صرح الشافعية مبثد ذلر‪,‬‬
‫صرح أصحابنا مبا يفهم ذلر‪ ,... ,‬ففي العدة البن الصباغ‪ :‬كان أبو‬ ‫فقال‪" :‬ععم َّ‬
‫إسحاق املروزي وأبو علي الطبي يقوالن‪ :‬إن مذهب الشافعي رضي هللا تعاىل عنه‬
‫وأصحابه أن احل يف واحد‪ ,‬إال أن اجملتهد ال يعلم أعه مصيب‪ ,‬وإمنا ي ن ذلر‪,‬‬
‫اعته ‪ ,‬وإذا كان اجملتهد ال يعلم اإلصابة‪ ,‬وإمنا ي نها‪ ,‬فمقلده أوىل‪ ,... ,‬فنتج أن‬
‫خطؤه‪ ,‬وأن مقلده كذلر‪ ,... ,‬فبان مبا قررته أن‬ ‫وجي َّوز هل‬
‫اجملتهد يهل ُّن إصابتهله‪ ,‬هل‬
‫املقلد ال يلزمه أن يعتقد إال أن ما ذهب إليه إمامه حيتمد أعه احل عند هللا‬
‫سبحاعه وتعاىل‪ ,‬وأما ظنه لذلر أو القط به فال‪ ,... ,‬وهد يسوغ للمفيت إخل‪,‬‬
‫جوابه ععم‪ ,‬يسوغ له اإلفتاء مبذهبه وخالف مذهبه‪ ,‬إذا عرف ما يفيت به عل‬
‫صر املتأخرة إمنا سبيله النقد‬
‫وجهه‪ ,‬وأضافه إىل اإلماِ القائد به؛ ألن اإلفتاء يف العهل هل‬
‫والرواية؛ العقطاع االجتها بسائر مراتبه من منذ أزمنة"‪.4‬‬

‫‪ .8‬صفة صالة النيب ‪ ‬لأللباين (‪.)44‬‬


‫‪ .7‬اع ر أربعة عشر منوذجا منها يف الفصد الراب ‪.‬‬
‫‪ .3‬األ باه والن ائر البن يم احلنفي (‪.)318‬‬
‫‪ .4‬الفتاو الكب الفقهية البن حجر (‪.)383/4‬‬
‫‪835‬‬
‫رحم هللا الشيخ احملدث انصر الدين األلباين‪ ,‬لقد كان انصرا للسنة‪ ,‬غيورا‬
‫عليها‪ ,‬ولكنه مل يستوف روط االجتها الشرعي‪ ,‬ومل أيت العلم من أبوابه‪ ,‬ومل‬
‫يثن ركبه عند الشيوخ‪ ,8‬ففقد النَّـف الفقهي واألصويل يف بناء األحكاِ الشرعية‬
‫واستنباطها من أ لتها التفصيلية‪ ,‬فوق يف بعض األخطاء االجتها ية‪ :‬أصوالً‬
‫وفروعاً‪ ,‬حديثاً وفقهاً‪ ,‬أسأل هللا أن يغفرها له‪.7‬‬

‫‪ . 8‬ملعرفة اخلطأ الذي ارتكبه الشيخ األلباين يف تكوينه العلمي بدون يوخ أكتفي بنقد هذه الفتو‬
‫لإلماِ الفقيه ابن حجر ا يتمي رمحه هللا ‪ -‬يف "الفتاو الفقهية الكب " (‪ ,- )337/4‬فإعه سئد عن‬
‫خص يقرأ ويطال الكتب الفقهية بنفسه‪ ,‬ومل يكن له يخ يقرر له املسائد الدينية والدعيوية‪ ,... ,‬هد‬
‫جيوز له ذلر؟ وإذا قلتم بعدِ اجلواز فماذا يستحقه من قبد هللا تعاىل ورسوله ‪‬؟‪ ,‬فأجاب‪" :‬ال جيوز ذا‬
‫املذكور اإلفتاء بوجه من الوجوه؛ ألعه عامي جاهد‪ ,‬ال يدري ما يقول‪ ,‬بد الذي أخذ العلم عن املشايخ‬
‫املعتبين ال جيوز له أن يفيت من كتاب وال من كتابني‪ ,‬بد قال النووي رمحه هللا تعاىل‪ :‬وال من عشرة‪ ,‬فإن‬
‫العشرة والعشرين قد يعتمدون كلهم عل مقالة ضعيفة يف املذهب‪ ,‬فال جيوز تقليدهم فيها‪ ,‬خبالف املاهر‬
‫الذي أخذ العلم عن أهله‪ ,‬وصارت له فيه ملكة عفساعية‪ ,‬فإعه َييز بني الصحيح من غريه‪ ,‬ويعلم املسائد‬
‫وما يتع ل ِبا عل الوجه املعتمد به‪ ,‬فهذا هو الذي يفيت النام‪ ,‬ويصلح أن يكون واسطة بينهم وبني هللا‬
‫تعاىل‪ ,‬وأما غريه فيلزمه إذا تسور هذا املنصب الشريف التعزير البليغ والزجر الشديد الزاجر له وألمثاله عن‬
‫هذا األمر القبيح الذي يؤ ي إىل مفاسد ال حتص "‪.‬‬
‫‪ .7‬يقول الشيخ عيب األرعؤوط حف ه هللا عن الشيخ األلباين رمحه هللا‪" :‬ال أعكر أن للشيخ انصر‬
‫السبَّاق إىل ذلر‪ ,‬فقد‬
‫الفضد يف ف حمبيه وخصومه معاً إىل راسة علم احلديث‪ ,... ,‬غري أعه مل يكن َّ‬
‫تقدَّمه لزمن يف مصر الشيخ حممد ر يد رضا‪ ,‬والشيخ أمحد اكر‪ ,‬وأمثا ما من علماء األزهر الشريف‪,‬‬
‫ويف الشاِ الشيخ مجال الدين القا ي‪ ,‬والشيخ حممد ِبجة البيطار‪ ,... ,‬بيد أعه مل يستفد من أسلوب‬
‫هؤالء الذين سبقوه‪ ,‬ذلر السلوب املقن ا ا ئ‪ ,‬بد استخدِ م خمالفيه أسلو ً استفزاز ً‪ ,... ,‬وال أعكر‬
‫كذلر أن عوته كاع إىل الكتاب والسنة‪ ,... ,‬لكنه كان يدعو إىل السنة كما يصححها هو‪ ,‬ويريد مما‬
‫يصححه منها أن يقوِ مقاِ اجتها األئمة املتبوعني‪ ,‬ويكون قوله هو القول الفصد‪ ,... ,‬ومن األمور‬
‫اليت آخذها عليه كذلر حذفه ألساعيد السنن األربعة‪ :‬أيب او واليمذي والنسائي وابن ماجه‪ ,‬ملا عشر‬
‫‪833‬‬
‫املنهج التيسريي‪ :‬الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي مثاال‬
‫الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حف ه هللا علم من أعالِ العلماء‪ ,‬وقامة‬
‫علمية يف اء العلم والدعوة‪ ,‬ورمز علمي حاضر يف أحداث األمة اإلسالمية‬
‫وعواز ا بقلبه وقالبه‪ ,‬ولذلر فإن حتليد بعض آراء الشيخ ال يعين أكثر من وزهنا‬
‫مبيزان التحقي العلمي بدون أي تعرض لشخصيته العلمية‪.‬‬
‫إن الشيخ يوسف القرضاوي حف ه هللا يتبىن بكد وضوح ما يسميه‪" :‬فقه‬
‫التيسري" و"فقه االعتقاء"‪ ,‬مبعىن أن من مرجحات اختياراته واعتقاءاته من األقوال‬
‫واآلراء مالح ة مد اليسر والرف فيها للنام‪.‬‬
‫إن ما عدعو إليه هنا أن عوازن بني‬ ‫ومن أقواله اليت تشهد ملا ذكرته قوله‪َّ " :‬‬
‫األقوال بعضها وبعض‪ ,‬وعراج ما استندت إليه من أ لة عصية أو اجتها ية؛‬
‫لنختار يف النهاية ما عراه أقو حجة وأرجح ليال‪ ,‬وف معايري اليجيح‪ ,‬وهي‬
‫كثرية‪ ,‬ومنها‪ :‬أن يكون القول ألي أبهد زماعنا‪ ,‬وأرف لنام‪ ,‬وأقرب إىل يسر‬
‫الشريعة‪ ,‬وأوىل بتحقي مقاصد الشرع‪ ,‬ومصاحل اخلل ‪ ,‬و رء املفاسد عنهم‪,... ,‬‬

‫صحيحها وضعيفها‪ ,‬وكان ينبغي لألماعة العلمية أال حيذف هذه األساعيد؛ ألن مدار معرفة الصحيح‬
‫والضعيف عليها‪ ,‬وكأين به يريد أن يقول للنام‪ :‬إن عليهم أن يثقوا بعمله هو‪ ,‬فما وصد إليه من حكم‬
‫فهو احل الذي ال يناقش‪ ,... ,‬أما يف علم الفقه فال أعلم له مسألة جتعلين أراتح إىل ليلها‪ ,‬وأقبد ِبا؛‬
‫ألن الف قه لي من فنه‪ ,‬ومل يتفرغ له كما تفرغ لعلم احلديث‪ ,‬كد ما يف األمر أعه تلقف املسائد الشاذة‬
‫اليت قال ِبا بعض العلماء‪ ,‬وحاول أن يبين منها منهجا يف الفقه‪ ,... ,‬وله كذلر آراء يف الفقه تدل عل‬
‫بعده عن العصر الذي يعيش فيه‪ ,‬فقد بلغين عن غري واحد من تالمذته املقربني لديه أن كان حيرِ ذهاب‬
‫الطالب أو الطالبة إىل اجلامعة حبجة حرمة االختالط‪ ,‬وكأعه بذلر يريد تفريغ اجلامعة من الطلبة‬
‫املسلمني"‪ ,‬اع ر "احملدث العالمة الشيخ عيب األرعؤوط" إلبراهيم الزيب (‪.)893‬‬
‫‪832‬‬
‫وقد أنخذ يف مسألة مبذهب مالر‪ ,‬ويف أخر مبذهب أيب حنيفة‪ ,‬ويف اثلثة‬
‫مبذهب الشافعي‪ ,‬ويف رابعة مبذهب أمحد‪ ,... ,‬وقد أنخذ يف جزء من املسألة‬
‫مبذهب أحدهم‪ ,‬ويف جزء آخر مبذهب غريه‪ ,‬ولي هذا تلفيقا كما ذهب إليه‬
‫املتأخرون‪ ,‬ومنعوه يف بعض الصور؛ ألن التلفي املقصو يعين ترقي بعض األقوال‬
‫ببعض بغري ليد‪ ,‬إال التقليد احملض واتباع ما يشته ‪ ,‬ال ما يصح وييجح‪,‬‬
‫خبالف ما عدعو إليه هنا‪ ,‬فإعه اتباع للدليد حيث كان‪ ,‬سواء واف هذا املذهب أِ‬
‫مل يواف "‪.8‬‬
‫ومن أقواله أيضا قوله ‪ -‬وهو يبني منهجه يف الفتو ‪" :-‬حيسن بنا أن‬
‫ععرض هنا ملنهج عملي معاصر‪ ,... ,‬وهذا املنهج هو ما اخيته لنفسي‪,... ,‬‬
‫وهذا املنهج يقوِ عل مجلة من األس ‪ ,... ,‬اثعياً تغليب روح التيسري والتخفيف‬
‫عل التشديد والتعسري‪ ,‬وذلر ألمرين‪ :‬األول أن الشريعة مبنية عل التيسري ورف‬
‫وصرح به السنة يف مناسبات عديدة‪,‬‬ ‫احلرج عن العبا ‪ ,‬وهذا ما عط به القرآن‪َّ ,‬‬
‫‪ ,...‬واألمر الثاين طبيعة عصران الذي ععيش فيه‪ ,‬وكيف طغ فيه املا ية عل‬
‫الروحية‪ ,‬واألانعية عل الغريية‪ ,‬والنفعية عل األخالق‪ ,‬وكيف كثرت فيه املغو ت‬
‫لشر‪ ,‬والعوائ عل اخلري‪ ,‬وأصبح القابض عل ينه كالقابض عل اجلمر‪,... ,‬‬
‫والفر املسلم يف هذه اجملتمعات يعيش حمنة قاسية‪ ,‬بد يف معركة ائمة‪ ,... ,‬و ذا‬
‫ينبغي ألهد الفتو أن ييسروا عليه ما استطاعوا‪ ,‬وأن يعرضوا عليه جاعب الرخصة‬
‫أكثر من جاعب العزَية؛ ترغيبا يف الدين‪ ,‬وتثبيتا ألقدامه عل طريقه القومي‪ ,‬وقد‬
‫عقد اإلماِ النووي يف مقدمات "اجملموع" كلمة حكيمة لإلماِ الكبري ‪ -‬إماِ الفقه‬

‫‪ .8‬االجتها يف الشريعة للقرضاوي (‪.)39‬‬


‫‪831‬‬
‫واحلديث والورع ‪ -‬سفيان الثوري‪ ,‬قال فيها‪" :‬إمنا الفقه الرخصة من ثقة‪ ,‬أما‬
‫التشديد فيحسنه كد أحد"‪ ,... ,‬إعنا أحوج ما عكون إىل التوسعة عل النام‪,‬‬
‫وهذا ما اخيته لنفسي‪ ,‬أن أيسر يف الفروع عل حني أ د يف األصول‪... ,‬‬
‫وعل العموِ إن كان هناك رأ ن متكافئان‪ ,‬أحدمها أحوط والثاين أيسر‪ ,‬فإين أوثر‬
‫اإلفتاء أليسر؛ اقتداءً لنيب ‪ ‬الذي ما خري بني أمرين إال اختار أيسرمها ما مل‬
‫يكن إمثا"‪.8‬‬
‫من الكالِ الساب للشيخ القرضاوي حف ه هللا عستنتج احلقائ التالية‪:‬‬
‫‪ ‬الشيخ ال يلتزِ مذهبا فقهيا معينا‪.‬‬
‫‪ ‬قد يؤ ي اجتها الشيخ إىل االعتقاء واالختيار بني املذاهب األربعة‪.‬‬
‫‪ ‬بد قد يؤ ي اجتها ه إىل اجلم بني مذاهب متعد ة يف مسألة واحدة‪.‬‬
‫‪ ‬من املرجحات املعتمدة عند الشيخ كون الرأي أيسر عل النام وأرف ِبم‪.‬‬
‫فيها املا ية واألانعية‬ ‫‪ ‬من األسباب اليت عته للتيسري طبيعة العصر اليت طغ‬
‫والنفعية‪ ,‬وغلب فيها عل النام رقة الدين وقلة اليقني‪.7‬‬
‫إن الشيخ القرضاوي حف ه هللا يقرر أن عصران طغ فيه املا ية عل‬
‫الروحاعية‪ ,‬وجتذرت فيه األانعية وتغليب املصلحة الشخصية عل الغريية وتقدمي‬
‫املصاحل العامة‪ ,‬وتكرس فيه النفعية عل املبا ئ واألخالق‪ ,‬وكثرت فيه معاول‬
‫الغواية عل عوامد ا داية‪ ,‬وأصيب النام بضعف يف ينهم وهزال يف يقينهم‪ ,‬وم‬

‫‪ .8‬الفتو بني االعضباط والتسيب للقرضاوي (‪.)812‬‬


‫‪ .7‬اع ر احلوار الذي أجرته صحيفة املصري اليوِ يف عد يوِ السب ‪ ,ِ7113/1/89‬وعشر يف موق‬
‫الشيخ بعنوان‪ :‬اعتصار املقاومة أعا لألمة بعض هيبتها‪.‬‬
‫‪839‬‬
‫ذلر ير الشيخ القرضاوي أن هذا الواق املرير حتسن مراعاته عندما يتصد‬
‫املفيت إلفتاء أولئر النام‪ ,‬ويستدل ‪ -‬عفا هللا عنه ‪ -‬آل ت واألحا يث واآلاثر‬
‫الدالة عل التيسري ورف احلرج‪.8‬‬
‫وما اِ الشيخ القرضاوي حف ه هللا جعد مراعاة النام والتيسري عليهم ‪-‬‬
‫م علمه بغلبة أهوائهم واستفحال هواهتم ‪ -‬سببا وجيها لليجيح‪ ,‬فإعه من‬
‫البدهي أن يتشبث الشيخ ببعض اآلراء واألقوال املشتملة عل أقص التيسري‬
‫ومراعاة الواق املرير حىت لو كاع ختالف إمجاع فقهاء املسلمني فضال عن خمالفة‬
‫صرح بتقدمي الرأي األيسر عل الرأي األحوط عندما‬ ‫مجهورهم‪ ,‬م العلم أعه َّ‬
‫تتكافأ اآلراء‪.‬‬
‫فمن تلر اآلراء واألقوال اليت رجحها الشيخ القرضاوي؛ مراعياً التيسري عل‬
‫النام ومسايرة واقعهم قدر اإلمكان‪:‬‬
‫‪ ‬توريث املسلم من تركة قريبه الكافر‪.7‬‬
‫‪ ‬جواز بقاء الزوجة يف عصمة زوجها الكتايب إذا أسلم ‪.3‬‬
‫‪ ‬جواز االقياض الربوي للمسلم املقيم يف الغرب؛ لشراء مسكنه‪.8‬‬

‫‪ . 8‬انقش مد اللة تلر اآل ت واألحا يث واآلاثر اليت يستدل ِبا الشيخ القرضاوي عل منهجه‬
‫التيسريي يف الفصد اخلام ‪.‬‬
‫‪ .7‬الفتاو الشاذة للقرضاوي (‪.)819‬‬
‫‪ . 3‬إسالِ املرأة ون زوجها‪ ,‬هد يفرق بينهما؟ للقرضاوي‪ ,‬حبث يف اجمللة العلمية للمجل األورويب‬
‫لإلفتاء (‪ ,)441‬والفتاو الشاذة للقرضاوي (‪ ,)815‬ومن أفضد الر و اليت اطلع عليها رُّ الدكتور‬
‫عبدالع يم املطعين يف كتابه مالح ات موضوعية حول فتو إسالِ املرأة ون زوجها‪ ,‬وهد يفرق بينهما؟‬
‫وهو أملر لبضعها ما ام يف بلدها؟‬
‫‪821‬‬
‫ومن آرائه وأقواله اليت رجحها؛ متأثراً لواق املعاصر‪:‬‬
‫‪ ‬رجم الزاين احملصن عقوبة تعزيرية‪ ,‬وليس حدا اثبتا‪.7‬‬
‫‪ ‬مساواة ية املرأة لدية الرجد‪ ,‬وليس عل النصف منها‪.3‬‬
‫‪ ‬جواز تويل املرأة مجي الوال ت العامة إال اخلالفة الع م ‪.4‬‬
‫‪ ‬إلغاء جها الطلب‪ ,‬وأن املساملة هي األصد يف معاملة الكفار‪.5‬‬
‫‪ ‬تقسيم الر ة إىل قسمني‪ :‬مغل ة وخمففة‪ ,‬وأن املغل ة هي اليت يكون صاحبها‬
‫اعية إليها‪ ,‬وحكمها القتد إن رأ اإلماِ فيه املصلحة‪ ,‬أما املخففة فهي اليت‬
‫يكون صاحبها غري اعية إليها‪ ,‬وحكمها احلب ‪.3‬‬
‫ولكي عدرك مد ثبات الشيخ القرضاوي حف ه هللا عل منهج اجتها ي‬
‫مطر ‪ ,‬فإعه جيدر بنا التأمد يف كتبه املتعلقة الجتها والفتو ؛ ألهنا ستقو ان إىل‬
‫التعرف عل معامل الطريقة االجتها ية اليت يسلكها الشيخ القرضاوي حف ه هللا‪,‬‬
‫وخالفا للشيخ األلباين رمحه هللا الذي مل يؤلف كتا مستقال يف طريقته االجتها ية‪,‬‬

‫‪ .8‬قرارات وفتاو اجملل األورويب لإلفتاء والبحوث‪ ,‬اجملموعتان األوىل والثاعية (‪ ,)843‬والفتاو الشاذة‬
‫للقرضاوي (‪ ,)885‬وموجبات تغري الفتو يف زماعنا للقرضاوي (‪ ,)29‬واع ر فتاواه (‪ ,)288/4‬ومن‬
‫أفضد الر و اليت اطلع عليها رُّ الدكتور صالح الصاوي يف كتابه وقفات ها ئة م فتو إ حة‬
‫القروض الربوية لتمويد راء املساكن يف اجملتمعات الغربية‪.‬‬
‫‪ .7‬تعلي الشيخ القرضاوي عل فتاو الشيخ مصطف الزرقا (‪.)394‬‬
‫‪ .3‬ية املرأة يف الشريعة اإلسالمية للقرضاوي‪ ,‬حبث منشور يف موق الشيخ‪ ,‬وفتاو معاصرة للقرضاوي‬
‫(‪.)574/4‬‬
‫‪ .4‬حوار حوار منشور يف موق الشيخ‪.‬‬
‫‪ .5‬القرضاوي فقيها لعصاِ تليمة (‪.)813‬‬
‫‪ .3‬جرَية الر ة وعقوبة املرتد للقرضاوي (‪.)53‬‬
‫‪828‬‬
‫فإن الشيخ القرضاوي حف ه هللا قد ألَّف عدة كتب يف هذا اجملال املتعل‬
‫الجتها والفتو ‪ ,‬أبرزها أربعة كتب‪:8‬‬
‫‪ .8‬االجتها يف الشريعة اإلسالمية‪ ,‬ذكر فيه روط اجملتهد‪ ,‬وقسمها إىل قسمني‪:‬‬
‫متف عليها وخمتلف فيها‪ ,‬وجعد ضمن الشروط املتف عليها العلم لقرآن‬
‫الكرمي‪ ,‬والعلم لسنة‪ ,‬والعلم لعربية‪ ,‬والعلم مبواض اإلمجاع‪ ,‬وجعد ضمن‬
‫الشروط املختلف فيها العلم مبواض اخلالف‪ ,‬مث أوضح أعواع االجتها‬
‫املطلوب لعصران متطرقا لنوعني من االجتها ‪ :‬االعتقائي واإلعشائي‪ ,‬مث عقد‬
‫فصال عن مزال االجتها املعاصر‪ ,‬وجعد منها الغفلة عن النصوص‪ ,‬وسوء‬
‫فهم النصوص أو حتريفها عن مواضعها‪ ,‬واإلعراض عن اإلمجاع املتيقن‪,‬‬
‫والقيام يف غري موضعه‪ ,‬والغفلة عن واق العصر‪ ,‬والغلو يف اعتبار املصلحة‬
‫ولو عل حساب النص‪ ,‬مث استعرض مدارم االجتها املعاصر‪ ,‬وقارن بينها‬
‫من حيث التضيي والتوسي ‪ ,‬وجعد املدرسة املذهبية واملدرسة ال اهرية احلديثة‬
‫ضمن مدرسة التضيي ‪ ,‬وجعد املدرسة الطوفية ومدرسة تبير الواق ضمن‬
‫مدرسة التوسي ‪ ,‬مث اختار لنفسه مدرسة التوازن والوسطية‪ ,‬وعرض أبرز‬
‫معاملها‪ ,‬ومنها‪ :‬من االجتها يف القطعيات‪ ,‬وإبقاء ال نيات يف مرتبتها واحلذر‬
‫من االرتقاء ِبا إىل مرتبة القطعيات‪ ,‬واحلذر من الوقوع حت ضغط الواق ‪.‬‬

‫‪ .8‬للشيخ القرضاوي كتب أخر مرتبطة ملوضوع‪ ,‬مثد‪ :‬عوامد السعة واملروعة يف الشريعة اإلسالمية‪,‬‬
‫والفقه اإلسالمي بني األصالة والتجديد‪ ,‬ولكن الكتب األربعة املذكورة أكثرها ارتباطا ببيان املنهج‬
‫االجتها ي للشيخ القرضاوي‪.‬‬
‫‪827‬‬
‫‪ .7‬الفتاو الشاذة‪ :‬معايريها وتطبيقاهتا وأسباِبا وكيف ععاجلها وعتوقاها‪ ,‬استعرض‬
‫صرح أبن الفتاو‬
‫فيه بعض الفتاو واآلراء الشاذة يف الياث الفقهي‪ ,‬مث َّ‬
‫الشاذة قليلة أو ان رة يف يف تراثنا الفقهي القدمي‪ ,‬ولكنها كثرية ومنتشرة يف‬
‫واقعنا املعاصر‪ ,‬مث حد عشرة معايري للفتاو الشاذة‪ ,‬وهي‪ :‬أن تصدر الفتو‬
‫من غري أهلها‪ ,‬أو تصدر يف غري حملها‪ ,‬أو تعارض عصا قرآعيا‪ ,‬أو تعارض عصا‬
‫عبو متفقا عل صحته‪ ,‬أو تعارض إمجاعا متيقنا‪ ,‬أو تعارض قياسا جليا أو‬
‫تعتمد عل قيام خاطئ‪ ,‬أو تعارض مقاصد الشريعة‪ ,‬أو تصور الواق عل‬
‫غري حقيقته‪ ,‬أو تستدل مبا ال يصلح ليال‪ ,‬أو ال تراعي تغري الزمان واملكان‬
‫واحلال‪ ,‬وضرب الشيخ أمثلة من الفتاو الشاذة املعاصرة عل كد معيار‪ ,‬مث‬
‫انقش جمموعة من الفتاو اليت ال تدخد يف الشذوذ‪ ,‬ومن أبرز ما ذكر أن‬
‫بعض الفتاو ال تعد اذة جملر خمالفة رأي اجلمهور‪ ,‬وذكر منها جمموعة من‬
‫فتاواه وفتاو غريه اليت اعتقدت عليهم‪ ,‬مث ختم أبسباب وقوع الشذوذ يف‬
‫الفتو ‪ ,‬ومنها‪ :‬تصدي من لي أهال للفتو ‪ ,‬وعدِ احياِ التخصص‪,‬‬
‫والتسرع يف الفتو ‪ ,‬واإلعجاب لرأي‪ ,‬واتباع األهواء السياسية‪ ,‬والغلو يف‬
‫اعتبار املصلحة‪.‬‬
‫‪ .3‬الفتو بني االعضباط والتسيب‪ ,‬عبَّه فيه عل مكاعة الفتو و روطها‪ ,‬مث‬
‫استعرض أبرز املزال اليت قد يق فيها املتصدون للفتو ‪ ,‬وأبرزها‪ :‬اجلهد‬
‫لنصوص أو الغفلة عنها‪ ,‬وسوء أتويد النصوص‪ ,‬وعدِ فهم الواق عل‬
‫حقيقته‪ ,‬واخلضوع لألهواء‪ ,‬واخلضوع للواق املنحرف‪ ,‬وتقليد الفكر الغريب‪,‬‬
‫واجلمو عل الفتاو القدَية ون مراعاة األحوال املتغرية‪ ,‬مث َّبني منهجه الذي‬

‫‪823‬‬
‫ارتضاه لنفسه يف الفتو ‪ ,‬وجعد من أبرز أسسه‪ :‬التحرر من العصبية والتقليد‪,‬‬
‫والتزاِ التيسري واجتناب التعسري‪ ,‬وخماطبة النام بلغة العصر‪ ,‬واإلعراض عما ال‬
‫ينف النام‪ ,‬واالعتدال بني املتزمتني واملتحللني‪ ,‬وإعطاء الفتو حقها من‬
‫الشرح واإليضاح‪.‬‬
‫‪ .4‬موجبات تغري الفتو يف عصران‪ ,‬افتتحه ببيان األ لة الشرعية عل تغري الفتو‬
‫من القرآن الكرمي والسنة النبوية وهدي الصحابة‪ ,‬مث استعرض عشرة موجبات‬
‫لتغري الفتو ‪ ,‬وهي‪ :‬تغري املكان‪ ,‬وتغري الزمان‪ ,‬وتغري احلال‪ ,‬وتغري العرف‪,‬‬
‫وتغري املعلومات‪ ,‬وتغري حاجات النام‪ ,‬وتغري قدرات النام وإمكاانهتم‪ ,‬وتغري‬
‫األوضاع االجتماعية واالقتصا ية والسياسية‪ ,‬وتغري الرأي والفكر‪ ,‬وعموِ‬
‫البلو ‪ ,‬وقد مثَّد عل كد موجب ببعض الفتاو له أو لغريه‪.‬‬
‫إن الشروط والضوابط واملعايري واملوجبات اليت ذكرها الشيخ القرضاوي‬
‫حف ه هللا يف كتبه َيكن االتفاق عليها ع ر ‪ ,‬ولس بصد مناقشتها‪ ,‬ومنها‬
‫يتبني أن الشيخ يتبىن فقهاً تيسري منضبطاً ال منفلتاً‪ ,‬ولكن بعض التطبيقات‬ ‫َّ‬
‫العملية ملنهج االجتها الذي سار عليها الشيخ عدَّت و َّذت عن بعض الضوابط‬
‫الن رية اليت قررها يف كتبه‪ ,‬وألضرب عل ذلر عدة أمثلة‪.‬‬
‫قرر الشيخ القرضاوي أن "من مزال االجتها املعاصر جتاوز ما أمجع عليه‬
‫األمة يف عصور االجتها ؛ غفلة عن هذا اإلمجاع وجهال به أو إعراضا متعمدا‬
‫عنه‪ ,‬م أن األصوليني مجيعا جعلوا من روط اجملتهد املتف عليها العلم مبواض‬
‫اإلمجاع؛ حىت ال جيهد اجملتهد عفسه يف أمر فرغ منه األمة‪ ,‬وهي ال جتتم عل‬
‫ضاللة‪ ,... ,‬وعؤكد هنا أعنا ال عريد جمر عو اإلمجاع‪ ,‬فكم من مسائد ا ُّعي‬

‫‪824‬‬
‫فيها اإلمجاع وقد ثب فيها اخلالف‪ ,‬كما تدل عل ذلر الوقائ الكثرية‪ ,‬وإمنا‬
‫الذي عقصد إليه هنا هو اإلمجاع املتيقن الذي استقر عليه الفقه والعمد مجيعا‪,‬‬
‫واتفق عليه مذاهب فقهاء األمة يف عصورها كلها‪ ,‬وهذا ال يكون عا ة إال يف‬
‫إمجاع له سند من النصوص‪ ,‬فالنص هو احلجة واملعتمد‪ ,‬ولكن اإلمجاع املستمر‬
‫عل العمد به أعطاه قوة أي قوة‪ ,‬وعقله من ال نية إىل القطعية"‪.8‬‬
‫إن القيو اليت وضعها الشيخ القرضاوي لإلمجاع املتيقن صحيحة يف اجلملة‬
‫إال قيداً واحداً‪ ,‬وهو ا ياط اتفاق مذاهب الفقهاء يف كد العصور عليه‪ ,‬وهذا‬
‫الشرط خيالف ما قرره علماء األصول أن اإلمجاع ينعقد تفاق الفقهاء اجملتهدين‬
‫يف عصر من العصور‪ ,‬فإذا وق هذا االتفاق فإعه يلزِ من بعدهم من العصور‬
‫املتأخرة؛ ألعنا لو ا يطنا تواطؤ فقهاء مجي العصور ملا اععقد إمجاع يف اإلسالِ إال‬
‫يف املسائد الثابتة أب لة رعية قطعية الثبوت والداللة معاً‪.‬‬
‫قال اإلماِ الغزايل رمحه هللا (‪515-451‬هـ)‪" :‬إذا اتفق كلمة األمة ولو‬
‫يف حل ة اععقد اإلمجاع‪ ,‬ووجب عصمتهم عن اخلطأ‪ ,‬وقال قوِ‪ :‬ال بد من‬
‫اعقراض العصر وموت اجلمي ‪ ,‬وهذا فاسد؛ ألن احلجة يف اتفاقهم ال يف موهتم‪,‬‬
‫وقد حصد قبد املوت‪ ,‬فال يزيده املوت أتكيدا"‪ ,7‬وكلمة األصوليني متفقة عل‬
‫االكتفاء إبمجاع فقهاء عصر واحد‪ ,‬وإمنا وق اخلالف يف ا ياط موهتم‪.‬‬

‫‪ .8‬االجتها يف الشريعة اإلسالمية للقرضاوي (‪ ,)817‬واع ر الفتاو الشاذة له‪ ,‬حيث جعد خمالفة‬
‫الفتو لإلمجاع املتيقن معيارا من معايري الفتو الشاذة‪ ,‬وبناء عليه فقد حكم ‪ -‬وقد أصاب ‪ -‬بشذوذ‬
‫فتو األلباين حبرمة الذهب احمللَّ عل النساء‪.‬‬
‫‪ .7‬املستصف للغزايل (‪.)857‬‬
‫‪825‬‬
‫ورغم أن الشيخ القرضاوي قد ال يقصد ما ذكرته‪ ,‬فقد رأي أمهية التنبيه‬
‫عليه؛ لكيال يتخذ قوله ذريعة أماِ الفقهاء املتأخرين لفتح ب االجتها يف‬
‫املسائد اليت اععقد اإلمجاع عليها‪.‬‬
‫ومثة تنبيه آخر يف قضية اععقا اإلمجاع‪ ,‬وهو أن الشيخ القرضاوي َّفرق بني‬
‫عوعني من اإلمجاع‪ :‬أحدمها اإلمجاع املعتمد عل عرف أو مصلحة‪ ,‬فقرر الشيخ‬
‫جواز عقضه إبمجاع آخر مىت ما تبدل العرف أو تغريت املصلحة‪ ,‬اثعيهما اإلمجاع‬
‫املعتمد عل عص رعي مبين عل عرف أو مصلحة‪ ,‬فقرر الشيخ جواز إعا ة‬
‫االجتها فيه مىت ما تبدل العرف أو تغريت املصلحة‪.8‬‬
‫ويبدو يل أن قصد الشيخ القرضاوي أن النوع الثاين لإلمجاع جيوز إعا ة‬
‫االجتها يف ليله إذا تبدل العرف وتغريت املصلحة‪ ,‬مث بعد ذلر ال جيوز عقضه‬
‫إال إبمجاع آخر؛ ألعه إذا ا يط يف النوع األول لإلمجاع أعه ال ينقض ‪ -‬رغم‬
‫اعتما ه فقط عل عرف أو مصلحة ‪ -‬إال إبمجاع آخر‪ ,‬فإن من ب األوىل أن‬
‫النوع الثاين لإلمجاع ال جيوز عقضه إال إبمجاع آخر؛ العتما ه عل عص رعي‪.‬‬
‫فإذا ما طبقنا ع رية الشيخ القرضاوي حف ه هللا يف اإلمجاع عل رأيه مبساواة‬
‫ية املرأة لدية الرجد‪ ,‬وليس عل النصف منها‪ ,‬لوجدان أن إمجاع الفقهاء منعقد‬
‫عل أن ية املرأة عل النصف من ية الرجد‪ ,‬فقد قال اإلماِ الشافعي رمحه هللا‬
‫يف ية املرأة‪" :‬مل أعلم خمالفا من أهد العلم قدَيا وال حديثا يف أن ية املرأة عصف‬
‫ية الرجد‪ ,‬وذلر مخسون من اإلبد‪ ,... ,‬فإن قال قائد‪ :‬فهد يف ية املرأة سو‬
‫ما وصف من اإلمجاع أمر متقدِ؟ فنعم‪ ,‬أخبان مسلم بن خالد ‪ ...‬عن مكحول‬

‫‪ .8‬االجتها يف الشريعة اإلسالمية للقرضاوي (‪.)73‬‬


‫‪823‬‬
‫وعطاء قالوا‪ :‬أ ركنا النام عل أن ية احلر املسلم عل عهد رسول هللا ‪ ‬مائة‬
‫فقوِ عمر بن اخلطاب تلر الدية عل أهد القر ألف ينار أو اثين‬ ‫من اإلبد‪َّ ,‬‬
‫عشر ألف رهم‪ ,‬و ية احلرة املسلمة إذا كاع من أهد القر مخسمائة ينار أو‬
‫ستة آالف رهم"‪.8‬‬
‫وممن عقد اإلمجاع أيضا اإلماِ ابن قدامة رمحه هللا‪ ,‬فقال‪" :‬قال ابن املنذر‬
‫وابن عبد الب‪ :‬أمج أهد العلم عل أن ية املرأة عصف ية الرجد‪ ,‬وحك غريمها‬
‫عن ابن علية واألصم أهنما قاال‪ :‬يتها كدية الرجد؛ لقوله ‪" :‬ويف عف املؤمنة‬
‫مائة من اإلبد"‪ ,‬وهذا قول اذ‪ ,‬خيالف إمجاع الصحابة وسنة النيب ‪ ,‬فإن يف‬
‫كتاب عمرو بن حزِ‪ " :‬ية املرأة عل النصف من ية الرجد"‪ ,‬وهي أخص مما‬
‫ذكروه‪ ,‬ومها يف كتاب واحد‪ ,‬فيكون ما ذكران مفسرا ملا ذكروه‪ ,‬خمصصا له‪ ,‬و ية‬
‫عساء كد أهد ين عل النصف من ية رجا م‪ ,‬عل ما قدمناه يف موضعه"‪.7‬‬
‫وقال ابن قدامة أيضا‪" :‬قال ابن املنذر‪ :‬أمج أهد العلم عل أن ية املرأة‬
‫عصف ية الرجد‪ ,‬وألعه ملا كان ية عساء املسلمني عل النصف من هتم‪,‬‬
‫كذلر عساء أهد الكتاب عل النصف من هتم"‪.3‬‬
‫فتقرر من تلر النصوص أن اإلمجاع اععقد عل أن ية املرأة عل النصف‬
‫من ية الرجد‪ ,‬ومل خيالف يف هذا اإلمجاع إال اثنان‪ ,‬ومها‪ :‬ابن عهلليَّة واألصم‪ ,‬وجملر‬
‫خمالفتهما إلمجاع من قبلهما ومن بعدمها َّقرر الشيخ القرضاوي عفا هللا عنه أن‬

‫‪ .8‬األِ للشافعي (‪.)884/3‬‬


‫‪ .7‬املغين البن قدامة (‪.)417/1‬‬
‫‪ .3‬املغين البن قدامة (‪.)411/1‬‬
‫‪822‬‬
‫اإلمجاع ال يثب ‪ ,‬فقال‪" :‬وال َيكن أن يثب اإلمجاع‪ ,‬وقد خالف فيه هذان‬
‫اإلمامان‪ ,‬وإمنا خالفا اجلمهور يف ذلر؛ ألعه مل يثب لديهما ليد عل التمييز بني‬
‫الذكر واألعث "‪.8‬‬
‫أما ابن علية فلو سلَّمنا أعه اإلماِ احلافظ إ اعيد بن إبراهيم األسدي‬
‫البصري‪ ,‬وعهلليَّة أمه‪ ,‬ولي ابنه إبراهيم‪ ,7‬فإن إ اعيد تويف سنة ‪ 893‬هـ‪ ,‬وأما‬
‫األصم فهو إماِ املعتزلة أبو بكر األصم‪ ,‬وقد تويف سنة ‪ 718‬هـ‪ ,‬فاتفاق هذين‬
‫الرجلني ال َيكن أن ينقض إمجاع من سبقهم بقرابة قرعني من الزمان‪ ,‬وال َيكن أن‬
‫يقدح يف إمجاع من بعدهم ِبذه القرون املتطاولة‪ ,‬وإذا كاان مل يثب عندمها ليد‬
‫عل التفري بني ية الرجد واملرأة‪ ,‬فقد ثب الدليد عند مئات األئمة واجملتهدين‪.‬‬
‫واحلقيقة أن الشيخ القرضاوي عفا هللا عنه لو أعلن اعضمامه إىل ركب‬
‫رافضي حجية اإلمجاع ملا تعجب من موقفه‪ ,‬ولكن أن يصرح أبن من روط‬
‫اجملتهد العلم مبواض اإلمجاع‪ ,‬وأن من مزال االجتها املعاصر اإلعراض عن‬
‫اإلمجاع املتيقن‪ ,‬مث أي ِبذه املسألة الغريبة يف عقض اإلمجاع برجلني بعد مائيت‬
‫سنة‪ ,‬فهذا ما ال َيكنين محله إال عل أحد حمملني‪ :‬أحدمها أن الشيخ وق يف‬
‫مزل اجتها ي‪ ,‬اثعيهما أن الشيخ مل حيرر مبحث اإلمجاع حتريرا جيدا‪.‬‬
‫والذي ي هر يل جليا أن الشيخ القرضاوي عفا هللا عنه وق يف مزل‬
‫أكد يل هذا االستنتاج أن الشيخ قرر يف مسألة‬ ‫اجتها ي يف هذه املسألة‪ ,‬والذي َّ‬
‫افرضية زكاة الفطر أن اإلمجاع ال ينقضه ذوذ اثنني أو ثالثة من العلماء‪,‬‬

‫‪ .8‬ية املرأة يف الشريعة اإلسالمية للقرضاوي‪ ,‬حبث منشور يف موق الشيخ‪.‬‬


‫‪ .7‬فإن كان املقصو بن علية إبراهيم بن إ اعيد فهو أضعف من أن ينقض إمجاع من سبقه‪.‬‬
‫‪821‬‬
‫والعجيب أن ذينر االثنني اللذين خالفا يف فرضية زكاة الفطر مها ابن علية‬
‫واألصم‪ ,‬ومها عف الرجلني اللذين خالفا يف تنصيف ية املرأة‪.‬‬
‫قال الشيخ القرضاوي حف ه هللا‪" :‬قال مجهور العلماء من السلف واخللف‪:‬‬
‫معىن "فـرض" هنا‪ :‬ألزِ وأوجب‪ ,‬فزكاة الفطر فرض واجب عندهم‪ ,... ,‬وهو‬
‫فرضا؛ بناءً‬
‫ً‬ ‫مذهب مالر والشافعي وأمحد‪ ,‬وذهب احلنفية إىل أهنا واجبة‪ ,‬وليس‬
‫عل قاعدهتم يف التفرقة بني الفرض والواجب‪ ,... ,‬وقال إسحاق بن راهويه‪:‬‬
‫إجياب زكاة الفطر كاإلمجاع‪ ,‬بد عقد ابن املنذر اإلمجاع عل وجوِبا‪ ,‬وقول‬
‫إسحاق أ ق؛ لوجو خالف طفيف فيها كما ذكران‪ ,‬وألن إبراهيم بن علية وأ‬
‫بكر األصم قاال‪ :‬إن وجوِبا عهلسخ بفرض الزكاة‪ ,... ,‬ذا استقر األمر بني‬
‫املسلمني كافة عل وجوب زكاة الفطر‪ ,‬ومل يعبأ أحد بشذوذ من ذ؛ ملخالفته‬
‫لإلمجاع قبله وبعده‪ ,... ,‬فقد رأينا أن الفقهاء به جممعني عل وجوب الفطرة‪,‬‬
‫حىت عقد ابن املنذر اإلمجاع عليه‪ ,‬وإذا ذ اثنان أو ثالثة يف أعصر خمتلفة فال‬
‫عبة بشذوذهم"‪.8‬‬
‫فتأمد تصريح الشيخ القرضاوي بشذوذ اثنني أو ثالثة‪ ,‬خالفوا اإلمجاع يف‬
‫مسألة فرضية زكاة الفطر‪ ,‬وقارعه أبن اإلمجاع عل تنصيف ية املرأة ال يثب‬
‫عنده؛ ملخالفة اثنني؛ لتدرك أن الشيخ عفا هللا عنه وق فيما اه "مزال االجتها‬
‫املعاصر" يف رفضه تنصيف ية املرأة‪.‬‬
‫ومن اجلدير لذكر التنبيه عل أن تنصيف ية املرأة ال يعين التساهد يف‬
‫مها‪ ,‬بد إن املرأة لو ا يك يف قتلها مجاعة من الرجال عمداً الستحقوا القتد‬

‫‪ .8‬فقه الزكاة للقرضاوي (‪.)315/7‬‬


‫‪829‬‬
‫مجيعا‪ ,‬فليس القضية رخص مها كما قال الشيخ حممد الغزايل عفا هللا عنه‬
‫(‪8483-...‬هـ)‪" :‬فالدية يف القرآن واحدة للرجد واملرأة‪ ,‬والزعم أبن ِ املرأة‬
‫أرخص‪ ,‬وحقَّها أهون‪ ,‬زعم كاذب خمالف ل اهر الكتاب"‪ ,8‬ولكن القضية متعلقة‬
‫بدية املرأة يف حالة قتلها خطأً‪ ,‬فلما ارتبط التعويض عن قتلها ملال‪ ,‬كان مقدار‬
‫التعويض عصف مقدار التعويض عن الرجد؛ ألهنا غري مأمورة رعا الكتساب‬
‫وإعالة أسرهتا‪.‬‬
‫ومن األمثلة أيضا اليت تدل عل تناقض الشيخ القرضاوي عفا هللا عنه م‬
‫منهجه االجتها ي الذي اختطه لنفسه أعه َّقرر اختيار ‪ -‬ضمن مدارم االجتها‬
‫املعاصر ‪ -‬التوازن والوسطية‪ ,‬وجعد من أبرز معاملها احلذر من الوقوع حت ضغط‬
‫الواق ‪ ,‬فقال‪" :‬ينبغي أن حنذر من الوقوع حت ضغط الواق القائم يف جمتمعاتنا‬
‫املعاصرة‪ ,‬وهو واق مل يصنعه اإلسالِ بعقيدته و ريعته وأخالقه‪ ,‬ومل يصنعه‬
‫املسلمون إبرا هتم وعقو م وأيديهم‪ ,‬إمنا هو واق صن م وفرض عليهم‪ ,‬يف زمن‬
‫غفلة وضعف وتفكر منهم‪ ,‬وزمن قوة ويق ة ومتكن من عدوهم املستعمر‪,... ,‬‬
‫فلي معىن االجتها أن حناول تبير هذا الواق عل ما به‪ ,‬وجر النصوص من‬
‫تالبيبها لتأييده‪ ,‬وافتعال الفتاو إلضفاء الشرعية عل وجو ه‪ ,... ,‬إن هللا جعلنا‬
‫أمة وسطا؛ لنكون هداء عل النام‪ ,‬ومل يرض لنا أن عكون ذليال لغريان من‬
‫األمم‪ ,‬فال يسوغ لنا أن علغي متيزان‪ ,‬وعتب سنن من قبلنا‪ ,‬با بشب وذراعا بذراع‪,‬‬

‫‪ .8‬السنة بني أهد الفقه واحلديث للغزايل (‪.)89‬‬


‫‪811‬‬
‫وأ ه من ذلر أن حناول تبير هذا وجتويزه أبساعيد رعية‪ ,‬أي أعنا حناول اخلروج‬
‫عل الشرع مبستندات من الشرع‪ ,‬وهذا غري مقبول"‪.8‬‬
‫فإذا ما طبقنا حتذير الشيخ القرضاوي حف ه هللا من الوقوع حت ضغط‬
‫الواق ‪ ,‬والتبعية لألمم األخر ‪ ,‬لوجدان أن الشيخ أفىت جبواز تويل املرأة مجي‬
‫الوال ت العامة‪ ,‬بدءًا من أ ىن الوال ت العامة وارتقاءً إىل رائسة الدولة‪ ,‬ومل َين‬
‫واليتها إال يف اخلالفة الع م ‪ ,‬خمالفا بذلر اتفاق مجهور الفقهاء عل ا ياط‬
‫الذكورة لصحة تويل ما هو أ ىن من اخلالفة الع م كالقضاء؛ وذلر لقوله تعاىل‪:‬‬
‫"الرجال قوامون عل النساء مبا فضد هللا بعضهم عل بعض ومبا أعفقوا من‬
‫أموا م"‪ ,‬فإذا كان الرجد قائما عل زوجته يف البي ‪ ,‬فكيف تقوِ هي عليه وعل‬
‫غريه يف والية ؤون األمة؟! وملا ثب عن النيب ‪ ‬أعه قال‪" :‬لن يفلح قوِ ولَّوا‬
‫أمرهم امرأة"‪ ,7‬وألن اجلها يف سبيد هللا ال جيب عل املرأة‪ ,‬فكيف تتوىل وزارة‬
‫فاع أو رائسة ولة؟!‬
‫وقد اتفق كلمة املذاهب األربعة عل ا ياط الذكورة يف القاضي‪,3‬‬
‫واستثىن احلنفية من هذا العموِ جواز تويل املرأة القضاء يف غري حد وقـو م إمث‬

‫‪ .8‬االجتها يف الشريعة اإلسالمية للقرضاوي (‪.)833‬‬


‫‪ .7‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي واليمذي‪ ,‬والنكرة يف سياق النفي تقتضي العموِ‪.‬‬
‫‪ .3‬جاء يف املوسوعة الفقهية الكويتية (‪" :)739/78‬اختلف الفقهاء يف ا ياط الذكورة يف القضاء‪,‬‬
‫فذهب اجلمهور وهم املالكية والشافعية واحلنابلة إىل ا ياط الذكورة يف القاضي‪ ,... ,‬ومل يول النيب ‪ ‬وال‬
‫أحد من خلفائه وال من بعدهم امرأةً قضاءً وال والية بلد‪ ,‬ولو جاز ذلر مل خيد منه مجي الزمان غالبا‪,‬‬
‫وير احلنفية جواز أن تكون املرأة قاضية يف غري احلدو ؛ ألن ها هتا تقبد يف ذلر‪ ,‬وأهلية القضاء ‪-‬‬
‫عندهم ‪ -‬تدور م أهلية الشها ة"‪.‬‬
‫‪818‬‬
‫املويل ا‪ ,‬قال العالمة احلصكفي رمحه هللا (‪8111-8175‬هـ)‪(" :‬واملرأة تقضي‬
‫يف غري حد وقـو وإن أمث املويل ا)؛ خلب البخاري‪" :‬لن يفلح قوِ ولوا أمرهم‬
‫امرأة""‪.8‬‬
‫ولكن الشيخ القرضاوي عفا هللا عنه عندما َّقرر جواز أن تكون املرأة انخبة‬
‫أو عضوا يف جمل عيايب‪ ,‬انقش حديث "لن يفلح قوِ"‪ ,‬فقال ‪ -‬ر ا عل فتو‬
‫ت إليه الفتو‬‫لبعض علماء األزهر بتحرمي العمد السياسي للمرأة ‪" :-‬ومما استند ا‬
‫املذكورة يف من املرأة أن تكون انخبة أو عضوا يف جمل عيايب احلديث الذي رواه‬
‫البخاري وغريه عن أيب بكرة أن النيب ‪ ‬حني بلغه أن الفرم ولَّوا عل هلملكهم‬
‫بن كسر بعد موته‪ ,‬قال‪" :‬لن يفلح قوِ ولوا أمرهم امرأة"‪ ,‬ولنا م هذا‬
‫االستدالل وقفات‪ :‬األوىل هد يؤخذ احلديث عل عمومه أو يوقف به عند سبب‬
‫ورو ه؟ عل معىن أعه أرا أن خيب عن عدِ فالح الفرم الذين فرض عليهم ع اِ‬
‫احلكم الوراثي أن حتكمهم بن اإلمباطور‪ ,‬وإن كان يف األمة من هو أكفأ منها‬
‫وأفضد ألف مرة‪ ,‬صحيح أن أغلب األصوليني قالوا‪ :‬إن العبة بعموِ اللفظ ال‬
‫خبصوص السبب‪ ,‬ولكن هذا غري جمم عليه‪ ,‬وقد ور عن ابن عبام وابن عمر‬
‫وغريمها ضرورة رعاية أسباب النزول‪ ,‬وإال حدث التخبط يف الفهم‪ ,‬ووق سوء‬
‫التفسري‪ ,... ,‬فدل هذا عل أن سبب عزول اآلية ‪ -‬يعين آية "وقرن يف بيوتكن"‬
‫‪ ,-‬ومن ب أوىل سبب عزول احلديث‪ ,‬جيب أن يرج إليه يف فهم النص‪ ,‬وال‬
‫يؤخذ عموِ اللفظ قاعدة مسلَّمة"‪.7‬‬

‫‪ .8‬الدر املختار للحصكفي حبا ية ابن عابدين (‪.)441/5‬‬


‫‪ .7‬فتاو معاصرة للقرضاوي (‪ ,)473/7‬وهي منشورة يف موق الشيخ‪.‬‬
‫‪817‬‬
‫وقد توس الشيخ عفا هللا عنه ‪ -‬بعد ذلر ‪ -‬يف قضية عمد املرأة‪ ,‬حىت‬
‫وصد به األمر إىل القول جبواز توليها رائسة الدولة‪ ,‬وأن املنصب الوحيد الذي ال‬
‫يصح أن تتواله هو اإلمامة الكب أو اخلالفة الع م ‪ ,‬وعا ملناقشة حديث "لن‬
‫يفلح قوِ" مرة أخر ‪.‬‬
‫فقد سأل الشيخ حف ه هللا مقد هلِ برانمج "فقه احلياة" قائال‪" :‬فضيلة الشيخ‪,‬‬
‫عصد إىل قمة ا رِ كما يقولون‪ ,‬وهو تويل املرأة منصب رائسة الدولة‪ ,‬فالبعض‬
‫يقول جلواز‪ ,‬وبعضهم ال يقول بذلر‪ ,‬ويلح األمر إلمامة الكب "‪.‬‬
‫فقال الشيخ‪" :‬هذا األمر يدور الكالِ فيه حول حديث رواه البخاري عن‬
‫أيب بكرة ‪ ,‬وجاء فيه قول النيب ‪" :‬لن يفلح قوِ ولَّوا أمرهم امرأة"‪ ,‬وهذا قاله‬
‫النيب ‪ ‬فقال‪:‬‬
‫الفرم عليهم بن كسر بعد وفاة والدها‪ ,‬فبلغ ذلر َّ‬ ‫َّ‬
‫حينما وىل هل‬
‫"لن يفلح قوِ ولَّوا أمرهم امرأة"‪ ,... ,‬هناك حبث آخر‪ ,‬هد األسباب ا عالقة‬
‫بفهم ألفاظ العموِ أِ ال؟ هناك خالف يف هذه القضية‪ ,‬والرأي الراجح فيها أن‬
‫العبة بعموِ اللفظ ال خبصوص السبب‪ ,‬ولكن بعض احملققني مثد اإلماِ الشاطيب‬
‫يف "املوافقات" قال‪ :‬إعه البد أن عرج فيها إىل أسباب النزول‪ ,‬وإال وقعنا يف‬
‫إمجاعا‬
‫اخلطأ‪ ,... ,‬وأان أر أن هذا احلديث جيب أن هلخيصص‪ ,... ,‬ولكن هناك ً‬
‫للفقهاء عل أن املرأة ال تصلح للخالفة العامة أو اإلمامة الع م ‪ ,‬واليت هي‬
‫مجيعا‪ ,‬ولكن هد الرائسة اإلقليمية يف الدول القطرية احلالية تدخد‬ ‫خالفة املسلمني ً‬
‫يف اخلالفة‪ ,‬أِ أهنا أ به بوالية األقاليم قدَيًا"؟‬

‫‪813‬‬
‫وهنا سأله املقدِ‪" :‬إذن فضيلتكم تر أعه لي هناك ما َين من تر ح املرأة‬
‫لرائسة أو لتويل منصب رائسة اجلمهورية"؟ فقال الشيخ‪" :‬ععم"‪.8‬‬
‫لقد كان رأي الشيخ القرضاوي عفا هللا عنه جريئا عندما أجاز للمرأة مجي‬
‫الوال ت‪ ,‬خاصة أو عامة‪ ,‬ما عدا اخلالفة الع م ‪ ,‬وتضمن مناقشته حلديث‬
‫"لن يفلح قوِ" اإل ارة إىل قاعدة أصولية‪ ,‬وعصها‪" :‬العبة بعموِ اللفظ ال‬
‫خبصوص السبب"‪ ,‬ومعناها أن األحكاِ املستفا ة من النص الشرعي الوار يف‬
‫سياق سبب معني أو واقعة خاصة‪ ,‬أهنا ال تقتصر عليه‪ ,‬بد تعم تلر األحكاِ‬
‫مجي احلاالت املشاِبة‪ ,‬وهذا رأي مجهور العلماء‪.‬‬
‫فمثال‪ ,‬آ ت حترمي ال هار الوار ة يف سياق قصة خولة بن ثعلبة رضي هللا‬
‫عنها ال تقتصر أحكامها عل تلر القصة بعينها‪ ,‬بد تشمد مجي وقائ ال هار‬
‫اليت حتدث مستقبال‪ ,‬وعندما يقول رسول هللا ‪" :‬لن يفلح قوِ ولوا أمرهم امرأة"‬
‫يف أن الفرم عندما ولَّوا بن كسر عليهم‪ ,‬فإن مدلول النص ال يقتصر‬
‫عليهم‪ ,‬بد يشمد أي قوِ ولَّوا أمرهم امرأة‪.‬‬
‫وملا كان تفسري حديث "لن يفلح قوِ" مرتبطا بتلر القاعدة األصولية‪ ,‬فقد‬
‫أخذ الشيخ القرضاوي حف ه هللا يناقشها‪ ,‬ويهون من أهنا‪ ,‬ويبني أهنا غري جمم‬
‫عليها‪ ,‬وأن من الضروري رعاية أسباب النزول‪ ,‬وإال وق اخلطأ يف فهم النص‬
‫الشرعي‪ ,‬وأن هذا احلديث يدخله التخصيص‪ ,‬األمر الذي يفتح الباب أماِ‬
‫الشيخ عفا هللا عنه ليصد إىل القول جبواز تويل املرأة جلمي الوال ت إال اإلمامة‬
‫الع م كما كان يف أ ِ اخلالفة‪.‬‬

‫‪ .8‬حوار منشور يف موق الشيخ‪.‬‬


‫‪814‬‬
‫إال أن الشيخ القرضاوي حف ه هللا اتكأ عل هذه القاعدة يف بعض فتاواه‬
‫وآرائه‪ ,‬ومنها احلكم بشمول أحكاِ الكفر وال لم والفس لكد من مل حيكم مبا‬
‫أعزل هللا‪ ,‬فقال‪" :‬ومن أمثلة سوء التأويد ما قاله بعضهم حول اآل ت اليت ور ت‬
‫يف سورة املائدة يف أن من مل حيكم مبا أعزل هللا‪ ,‬وهو قوله تعاىل‪" :‬ومن مل حيكم‬
‫مبا أعزل هللا فأولئر هم الكافرون"‪" ,‬ومن مل حيكم مبا أعزل هللا فأولئر هم‬
‫ال املون"‪" ,‬ومن مل حيكم مبا أعزل هللا فأولئر هم الفاسقون"‪ ,‬قال هذا القائد‪ :‬إن‬
‫هذه اآل ت مل تنزل فينا ‪ -‬معشر املسلمني ‪ ,-‬وإمنا عزل يف أهد الكتاب خاصة‪,‬‬
‫ومقتض هذا ‪ -‬يف زعمه ‪ -‬أن من مل حيكم مبا أعزل هللا من اليهو والنصار فهو‬
‫كافر أو ظامل أو فاس ‪ ,‬وأما من مل حيكم مبا أعزل هللا من املسلمني فلي كافرا وال‬
‫ظاملا وال فاسقا‪ ,‬وهذا وهللا مما ال ينقضي منه العجب‪ ,‬صحيح أن سياق اآل ت‬
‫يف أهد الكتاب؛ ألهنا جاءت بعد احلديث عن التوراة واإل يد وأهلهما‪ ,‬ولكن‬
‫يالحظ أهنا جاءت أبلفاظ عامة‪ ,‬تشمد كد من اتصف ِبا من كتايب أو مسلم‪,‬‬
‫و ذا حق األصوليون من علماء املسلمني أن العبة بعموِ اللفظ ال خبصوص‬
‫السبب"‪.8‬‬
‫فتأمد كيف يهون الشيخ القرضاوي عفا هللا عنه أن قاعدة أصولية يف‬
‫مسألة جواز تويل املرأة رائسة الدولة‪ ,‬مث يستدل ِبا ‪ -‬واصفا إ ها أبهنا عتاج حتقي‬
‫األصوليني ‪ -‬يف مسألة احلكم بغري ما أعزل هللا‪ ,‬األمر الذي يقوي ال ن أبن الشيخ‬

‫‪ .8‬الفتو بني االعضباط والتسيب للقرضاوي (‪.)31‬‬


‫‪815‬‬
‫ضغط الواق الذي حذر منه عندما حد‬ ‫القرضاوي حف ه هللا كان يعيش حت‬
‫معامل مدرسة التوازن والوسطية‪.8‬‬
‫واستمراراً يف حتليد منهج الشيخ القرضاوي االجتها ي‪ ,‬عر الشيخ حف ه‬
‫هللا يضطرب يف قاعدة أصولية أخر ‪ ,‬وهي قاعدة ختصيص عاِ القرآن حبديث‬
‫اآلحا ‪ ,7‬فقال ‪ -‬مبيَّنا موقفه من هذه القاعدة األصولية ‪" :-‬أر أن العموميات‬
‫اليت جاءت يف آ ت القرآن وأحا يث الرسول جيب أن يؤخذ ِبا‪ ,‬ويعمد مبقتض‬
‫عمومها‪ ,‬ما مل خيصصها عص صحيح الثبوت صريح الداللة‪ ,‬فحينئذ عقدِ اخلاص‬
‫عل العاِ‪ ,‬فلس م الذين ير ون السنن الصحيحة احملكمة ل واهر والعمومات‬
‫القرآعية‪ ,‬وال م الذين يسارعون إىل التخصيص حلديث ولو يف سنده لني‪ ,‬أو‬
‫لصحيح ولو يف اللته ضعف أو غموض"‪ ,3‬فالشيخ ‪ -‬كما هو واضح يف كالمه‬
‫‪ -‬يواف اجلمهور يف ختصيص النصوص القرآعية العامة حلديث النبوي إذا كان‬
‫صحيحا صرحيا‪.‬‬

‫‪ . 8‬يف الوق الذي يتف فقهاء املذاهب األربعة من املتقدمني وأكثر املعاصرين عل من املرأة من تويل‬
‫الوالية العامة‪ ,‬أخذ يكثر يف زماعنا القول جبواز توليها من بعض العلماء والدعاة واملفكرين‪ ,‬منهم الشيخ‬
‫حممد الغزايل عفا هللا عنه‪ ,‬يقول ‪ -‬يف كتابه السنة النبوية بني أهد الفقه وأهد احلديث (‪" :- )41‬لو أن‬
‫األمر يف فارم ور ‪ ,‬وكاع املرأة احلاكمة تشبه جولدامائري اليهو ية اليت حكم إسرائيد لكان هناك‬
‫تعلي آخر‪ ,... ,‬إن إ ليا بلغ عصرها الذهيب أ ِ امللكة فكتور ‪ ,‬وهي اآلن بقيا ة ملكة ورئيسة‬
‫وزراء"‪ ,‬ومنهم يخ األزهر ‪ .‬حممد سيد طنطاوي عفا هللا عنه‪ ,‬يقول ‪ -‬يف جريدة الشرق األوسط بتاريخ‬
‫‪" :- ِ7117/9/84‬إن املرأة أثبت أهنا قا رة عل تويل رائسة الدولة بنجاح‪ ,‬وعندما عقرأ التاريخ د‬
‫املرأة قدَيا وحديثا قد تول الرائسة‪ ,‬وأ ارهتا قتدار"‪.‬‬
‫‪ .7‬سب تلخيص هذه القاعدة األصولية يف الفصد األول‪.‬‬
‫‪ .3‬فقه الزكاة للقرضاوي (‪.)34/8‬‬
‫‪813‬‬
‫ولذلر فقد واف الشيخ القرضاوي حف ه هللا اجلمهور يف رأيهم بتخصيص‬
‫عموِ قول هللا تعاىل‪ " :‬أيها الذين آمنوا أعفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا‬
‫لكم من األرض"‪ ,‬وقوله ‪" :‬فيما سق السماء والعيون أو كان عثر ً العشر‪,‬‬
‫وما هلسقي لنضح عصف العشر"‪ ,8‬املقتضي وجوب الزكاة يف مجي األصناف‬
‫الزراعية مهما بلغ عصاِبا‪ ,‬وافقهم يف ختصيصهما بقول النيب ‪" :‬لي فيما ون‬
‫مخسة أوس صدقة"‪ ,7‬املقتضي حتديد عصاب النبات خبمسة أوس ‪ ,‬وأن الزكاة ال‬
‫جتب فيما ون ذلر‪.‬‬
‫ولكن الشيخ القرضاوي حف ه هللا خالف هذه القاعدة األصولية يف مسألة‬
‫وجوب الزكاة يف كد ما أخرجته األرض‪ ,‬فأبق اآلية واحلديث السابقني عل‬
‫عمومهما‪ ,‬ومل خيصصهما ألحا يث الصحيحة الوار ة يف ذلر‪ ,‬مثد حديث أيب‬
‫موس األ عري ومعاذ بن جبد رضي هللا عنهما حني بعثهما رسول هللا ‪ ‬إىل‬
‫اليمن‪ ,‬يعلمان النام أمر ينهم‪ ,‬فقال ما‪" :‬ال أتخذوا الصدقة إال من هذه‬
‫األربعة‪ :‬الشعري واحلنطة والزبيب والتمر"‪.3‬‬
‫فقال القرضاوي حف ه هللا‪" :‬وإذا كنا رجحنا قول أىب حنيفة يف إجياب الزكاة‬
‫يف كد ما أخرج األرض‪ ,‬فإعنا الفه يف عدِ اعتبار النصاب‪ ,‬وإجياب العهلشر يف‬
‫القليد والكثري من الزرع والثمر‪ ,‬فإن هذا خمالف للحديث الصحيح الذي عف‬
‫وجوب الزكاة عما ون مخسة أوس ‪ ,‬وخمالف لن رية الشريعة ‪ -‬بصفة عامة ‪ -‬يف‬

‫‪ .8‬رواه البخاري أمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬


‫‪ .7‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي‪.‬‬
‫‪ .3‬رواه احلاكم والبيهقي‪.‬‬
‫‪812‬‬
‫إجياب الزكاة عل األغنياء وحدهم‪ ,‬والنصاب هو احلد األ ىن للغىن‪ ,‬و ذا اعتب‬
‫النصاب يف سائر األموال الزكوية"‪.8‬‬
‫واحلقيقة أعين أتفهم اجتها الشيخ القرضاوي حف ه هللا يف موافقة اجلمهور‬
‫يف مسألة النصاب وخمالفته م يف مسألة وجوب الزكاة يف كد ما أخرجته األرض‪,‬‬
‫إذ قد يكون حتديد األصناف الوار ة يف حديث أيب موس األ عري ومعاذ بن‬
‫جبد رضي هللا عنهما مبنيا عل أعه ال يوجد غريها‪ ,‬وَيكن أن تكون األحا يث‬
‫األخر الوار ة يف الباب ال ترق إىل رجة الصحيح‪ ,‬و لتايل فال َيكن القول أبن‬
‫الشيخ تناقض يف قاعدته األصولية‪.‬‬
‫ولكن الذي يبني بوضوح اضطراب الشيخ يف االلتزاِ ِبذه القاعدة األصولية‬
‫رأيه بقتد املسلم لذمي‪ ,‬وذلر يف معرض فاعه عن الشيخ حممد الغزايل رمحه هللا‬
‫القائد ِبذا الرأي‪ ,‬وخالصة املسألة أن اجلمهور خصصوا عموِ قول هللا تبارك‬
‫وتعاىل‪" :‬وكتبنا عليهم فيها أن النف لنف والعني لعني واألعف ألعف واألذن‬
‫ألذن والسن لسن واجلروح قصاص"‪ ,‬وقوله تعاىل‪ " :‬أيها الذين آمنوا كتب‬
‫عليكم القصاص يف القتل احلر حلر والعبد لعبد واألعث ألعث "‪ ,‬وقوله تعاىل‪:‬‬
‫"ولكم يف القصاص حياة أويل األلباب لعلكم تتقون"‪ ,‬املقتضية قتد املسلم‬
‫لذمي‪ ,‬خصصوها بقول النيب ‪" :‬ال يقتد مسلم بكافر"‪ ,7‬املقتضي أن املسلم‬
‫ال يقتد بكافر‪ ,‬وذلر بناء عل قاعدهتم األصولية بتخصيص عموِ القرآن حبديث‬
‫اآلحا ‪ ,‬أما احلنفية فخالفوا اجلمهور يف هذه املسألة‪ ,‬فرأوا قتد املسلم لذمي‪ ,‬ومل‬

‫‪ .8‬فقه الزكاة للقرضاوي (‪.)389/8‬‬


‫‪ .7‬رواه البخاري وأمحد والنسائي واليمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫‪811‬‬
‫أيخذوا لتخصيص‪ ,‬وذلر بناء عل قاعدهتم األصولية مبن التخصيص يف هذه‬
‫احلالة‪.‬‬
‫أما الشيخ القرضاوي حف ه هللا فقد تقدِ قوله املقتضي موافقته اجلمهور يف‬
‫ختصيص النص القرآين العاِ حلديث النبوي إذا كان صحيحا صرحيا‪ ,‬ولكنه مل‬
‫يلتزِ قاعدته األصولية يف هذه املسألة‪ ,‬وواف احلنفية يف رأيهم بقتد املسلم لكافر‪,‬‬
‫و اف عن الشيخ الغزايل رمحه هللا‪ ,‬مستندا عل عمومات القرآن وعل أقوال بعض‬
‫السلف‪.‬‬
‫فمما قال الشيخ القرضاوي عفا هللا عنه‪" :‬ومن اآلراء الفقهية اليت تبناها‬
‫الشيخ الغزايل‪ ,‬واعتقدها خصومه بعنف‪ ,‬اختياره مذهب األحناف يف مشروعية‬
‫قتد املسلم قصاصا إذا اعتد عل ذمي معاهد‪ ,‬وقتله عمدا‪ ,‬وإمنا اعيضوا عل‬
‫الشيخ ألعه أعرض عن احلديث الصحيح الذي رواه البخاري وغريه "ال يهلقتد مسلم‬
‫بكافر"‪ ,‬والشيخ يقول هنا‪ :‬إعنا ال حنرص عل تضعيف حديث َيكن تصحيحه‪,‬‬
‫وإمنا حنرص عل أن يعمد احلديث اخد سياج الالت القرآن‪ ,... ,‬وحديث‬
‫اآلحا يفقد صحته لشذوذ والعلة القا حة وإن صح سنده‪ ,... ,‬كما أضيف‪:‬‬
‫إن أ حنيفة ومن معه أتولوا حديث‪" :‬ال يقتد مسلم بكافر" أبن املرا لكافر‬
‫احلريب"‪.8‬‬

‫‪ .8‬القرضاوي فقيها لعصاِ تليمة (‪ ,)871‬واع ر حبث الشيخ القرضاوي يف موقعه بعنوان‪ :‬غري املسلمني‬
‫يف اجملتم اإلسالمي‪ ,‬فإعه َّقرر ‪ -‬ضمن ح احلماية ‪ -‬عصمة مائهم‪ ,‬وأسهب يف تقرير أ لة قتد املسلم‬
‫لكافر‪ ,‬ولكنه مل يصرح بيجيحه ذا الرأي‪.‬‬
‫‪819‬‬
‫إن الشيخ القرضاوي يقرر أن حديث "ال يقتد مسلم بكافر" حديث‬
‫صحيح‪ ,‬ولو قرر أعه حديث صريح يف معىن الكفر‪ ,‬وأعه يشمد مجي أعواع الكفر‬
‫املخالفة لدين اإلسالِ‪ ,‬لو قرر هذا للزمه ‪ -‬حسب قاعدته يف ختصيص عمومات‬
‫القرآن بصحيح وصريح السنة ‪ -‬أن يقول بعدِ مكافأة ِ الكافر بدِ املسلم‪ ,‬وأن‬
‫قتد املسلم للكافر ‪ -‬وإن كان حراما ما اِ الكافر ذميا أو معاهدا أو مستأمنا‪,‬‬
‫إال أعه ‪ -‬ال جييز قتد املسلم به‪ ,‬بد جتب فيه عقوبة تعزيرية و ية مسلَّمة إىل أهله‪.‬‬
‫ولكن يبدو يل ‪ -‬وهللا أعلم ‪ -‬أن الشيخ القرضاوي حف ه هللا وض عصب‬
‫عينيه ر و األفعال العاملية عل هذا الرأي‪ ,‬وأعه سيؤ ي إىل ترسيخ االعتقا أبن‬
‫اإلسالِ ين قائم عل السيف والدِ‪ ,‬والدليد أن املسلمني ال يقيمون اعتبارا لدِ‬
‫غري املسلم‪ ,‬وها هي فتاو علمائهم تؤكد ذلر‪ ,8‬فوجد الشيخ يف املذهب احلنفي‬
‫بغيته؛ فرارا من اآلاثر املتوقعة من القول بعدِ قتد املسلم لكافر‪.‬‬
‫ولكن الشيخ القرضاوي عفا هللا عنه ملا تنبَّه ملخالفة رأيه هذا لقاعدته‬
‫األصولية يف ختصيص النص القرآين العاِ حلديث النبوي ما اِ صحيحا صرحيا‪,‬‬
‫فإعه جلأ إىل أمرين‪ :‬أحدمها أعه مل يشر إىل هذه القاعدة األصولية من قريب وال من‬
‫بعيد‪ ,‬واثعيهما أعه ‪ -‬ل َّما مل يقدر عل التشكير يف صحة احلديث ‪ -‬أخذ يناقش‬

‫‪ .8‬واق الكفار املتسلطني اليوِ عل املسلمني أهنم هم الذين ال يقيمون وزان لدِ املسلم‪ ,‬ولذلر فإهنم‬
‫يعيثون يف بال املسلمني فسا ا وقتال وترويعا سم فرض الدَيقراطية‪ ,‬وصدق الشاعر‪:‬‬
‫ع ر‬ ‫فيها‬ ‫مسألة‬ ‫مسلم‬ ‫عب‬ ‫تد‬
‫لق هل‬
‫تهلغتـفر‬ ‫ال‬ ‫مسألة‬ ‫كافر‬ ‫علج‬ ‫وقتد‬
‫هل‬
‫ورغم هذا اجلور وال لم فإن هذه املعاملة ال جتيز للمسلمني معاملتهم ملثد‪.‬‬
‫‪891‬‬
‫مد صراحته عل مشوله جلمي أعواع الكفر‪ ,‬فاضطره األمر إىل القول أبن معىن‬
‫"كافر" أي الكافر احلريب‪.‬‬
‫ومن خالل تتبعي احملدو لبعض فتاو الشيخ القرضاوي حف ه هللا‪ ,‬وجدته‬
‫يتكئ أحياان عل هذا التفسري ملعىن "كافر"‪ ,‬وأن املقصو به الكافر احلريب ولي‬
‫الكافر املسامل‪ ,‬سواء كان ذميا أو معاهدا أو مستأمنا‪ ,‬و لتايل فإن مقصو‬
‫احلديث ‪ -‬حسب رأيه ‪ -‬أن ال يهلقتد مسلم بكافر حريب‪.‬‬
‫وعند التمعن يف هذا التفسري املتكلف ملعىن "الكافر" يتبني ‪ -‬من وجهة‬
‫ع ري ‪ -‬ضعف هذا التفسري؛ لعدة أسباب‪ :‬أبرزها أعه ال توجد فائدة إضافية يف‬
‫هذا احلديث إذا كان معناه أن املسلم ال يقتد لكافر احلريب؛ ألعه إذا كان‬
‫اإلسالِ أيمر جلها يف سبيد هللا‪ ,‬األمر الذي يقتضي قتال الكفار احملاربني وإراقة‬
‫مائهم وإزهاق أرواحهم‪ ,‬فما الفائدة من التصريح أبن املسلم ال يقتد لكافر‬
‫احلريب؟! فهد كان عند املسلمني ر يف أن املسلم إذا قتد الكافر احلريب املطلوب‬
‫جها هله يف ميدان اجلها يف سبيد هللا‪ ,‬فإعه سيقتد به‪ ,‬فجاء النيب ‪ ‬ليخبهم أبعه‬
‫ال يقتد به؟!‬
‫إن تفسري معىن "الكافر" لكافر احلريب جعد الشيخ القرضاوي حف ه هللا‬
‫يق يف خمالفات أخر جلمهور الفقهاء يف عدة مسائد‪ ,‬منها مسألة توريث املسلم‬
‫املسلم الكافر‪,‬‬
‫هل‬ ‫من تركة قريبه الكافر‪ ,‬فلقد صح عن النيب ‪ ‬أعه قال‪" :‬ال يرث‬
‫الكافر املسلم"‪ ,8‬وسئد ‪ ‬يف حجة الو اع عن مكان عزوله يف مكة‪ ,‬فقال‪:‬‬ ‫هل‬ ‫وال‬

‫‪ .8‬رواه البخاري ومسلم وأمحد وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬


‫‪898‬‬
‫"وهد ترك لنا عقيد منزال"‪ ,8‬وقد اتف فقهاء املذاهب األربعة عل عدِ التوارث‬
‫بني املسلم والكافر‪.‬‬
‫أما الشيخ القرضاوي حف ه هللا فقد واف اجلمهور يف عدِ توريث الكافر‬
‫من تركة قريبه املسلم‪ ,‬ولكنه خالفهم يف عدِ توريث املسلم من تركة قريبه الكافر‪,‬‬
‫فأفىت أبن املسلم يرث قريبه الكافر‪ ,‬فقال‪" :‬مجهور الفقهاء يذهبون إىل أن املسلم‬
‫ال يرث الكافر‪ ,‬كما أن الكافر ال يرث املسلم‪ ,... ,‬وهذا الرأي مروي عن اخللفاء‬
‫وروي عن‬ ‫الرا دين‪ ,‬وإليه ذهب األئمة األربعة‪ ,‬وهو قول عامة الفقهاء‪ ,... ,‬هل‬
‫ورثوا املسلم من الكافر‪ ,‬ومل يورثوا الكافر من املسلم‪,‬‬
‫عمر ومعاذ ومعاوية ‪ ‬أهنم َّ‬
‫‪ ,...‬وأان أرجح هذا الرأي وإن مل يقد به اجلمهور‪ ,... ,‬وأما حديث "ال يرث‬
‫املسلم الكافر‪ ,‬وال الكافر املسلم"‪ ,‬فنؤوله مبا َّأول به احلنفية حديث "ال يقتد‬
‫مسلم بكافر"‪ ,‬وهو أن املرا لكافر احلريب‪ ,‬فاملسلم ال يرث احلريب ‪ -‬احملارب‬
‫للمسلمني لفعد ‪-‬؛ العقطاع الصلة بينهما"‪.7‬‬
‫ولو أتملنا يف هذا التفسري املتكلف ملعىن "الكافر" أبعه الكافر احلريب‪ ,‬فهو‬
‫الذي ال يرثه قريبه املسلم‪ ,‬فماذا سيكون معىن الشطر الثاين من احلديث‪ ,‬وهو‬
‫الكافر املسلم"؟! فهد سيكون معناه أن الكافر احلريب ال يرث قريبه املسلم‪,‬‬
‫هل‬ ‫"وال‬
‫أما لو كان كافرا مساملا فإعه يرثه؟! أِ حنمد كلمة "الكافر" األوىل عل الكافر‬

‫‪ .8‬رواه البخاري ومسلم وأمحد وأبو او وابن ماجه‪ ,‬وزا البيهقي يف سننه الكب ‪" :‬وكان عقيد ورث أ‬
‫طالب هو وطالب‪ ,‬ومل يرثه جعفر وال علي؛ ألهنما كاان مسلمني‪ ,‬وكان عقيد وطالب كافرين‪ ,‬من أجد‬
‫ذلر كان عمر بن اخلطاب ‪ ‬يقول‪ :‬ال يرث املؤمن الكافر"‪.‬‬
‫‪ .7‬الفتاو الشاذة للقرضاوي (‪.)881‬‬
‫‪897‬‬
‫احلريب‪ ,‬وحنمد كلمة "الكافر" الثاعية عل مطل الكفر؟! وهد هذا إال تكلف يف‬
‫التفسري؛ للوصول إىل التيسري؟!‬
‫إن األمثلة السابقة الدالة عل اضطراب املنهج االجتها ي للشيخ القرضاوي‬
‫عفا هللا عنه تبني أعه يتكلف أَيا تكلف يف ترجيح بعض اآلراء الضعيفة املخالفة‬
‫صرح "إ ان كان هناك رأ ن متكافئان‪ ,‬أحدمها‬ ‫لإلمجاع أو للجمهور‪ ,‬م العلم أعه َّ‬
‫أحوط والثاين أيسر‪ ,‬فإين أوثر اإلفتاء أليسر"‪ ,8‬فأي تكافؤ بني آراء مجهور‬
‫العلماء املستندة عل األ لة الشرعية وبعض آراء الشيخ القرضاوي املتكلَّفة‪.‬‬
‫ولعد مما ساهم يف توجيه الشيخ القرضاوي حف ه هللا حنو هذا املسلر أتثره‬
‫مبنهج ما يسم ملدرسة العقالعية أو اإلصالحية‪ ,‬اليت أسسها الشيخ مجال الدين‬
‫األفغاين‪ ,‬مث اغيف منه الشيخ حممد عبده‪ ,‬مث هند من األخري الشيخ حممد ر يد‬
‫رضا‪ ,7‬وال خيف أن هؤالء الثالثة تثار حو م عالمات استفهاِ ضخمة‪.3‬‬
‫حفظ هللا العالمة الشيخ يوسف القرضاوي‪ ,‬فإعه إماِ من كبار أئمة العلم‬
‫والدعوة‪ ,‬ويكا يكون حاضرا بقلبه وقالبه يف مجي قضا األمة اإلسالمية‪ ,‬وما‬
‫زال ‪ -‬رغم مقاربته التسعني من العمر وأمراضه اجلسدية ‪ -‬يعطي ألمته عطاء‬
‫الشباب املمتلئ مة والنشاط‪ ,‬ولكن فقه التيسري واالجتها االعتقائي جعاله‬

‫‪ .8‬الفتو بني االعضباط والتسيب للقرضاوي (‪.)884-812‬‬


‫‪ .7‬يقول الشيخ القرضاوي يف مذكراته (؟؟؟)‪" :‬أعالِ األمة يف العلم والفقه والدعوة والفكر‪ ,‬ابتداءً من‬
‫الشيخ حممد عبده‪ ,‬ومروراً لشيخ ر يد رضا"‪.‬‬
‫‪ .3‬اع ر التشري اإلسالمي ومدارسه الفقهية املعاصرة للدكتور حممد بن إبراهيم (‪ ,)815‬ومنهج البحث‬
‫والفتو يف الفقه اإلسالمي بني اعضباط السابقني واضطراب املعاصرين للشيخ مصطف بشري الطرابلسي‬
‫(‪ ,)754‬وسهاِ طائشة عن الفقه للشيخ وهيب سليمان غاوجي (‪.)9‬‬
‫‪893‬‬
‫يتكلف يف بعض الفتاو ‪ -‬وهي قليلة ‪ -‬إىل رجة خمالفة اإلمجاع ومعارضة‬
‫اجلماهري ومناقضة األصول‪ ,‬أسأل هللا أن يغفرها له‪.‬‬
‫املنهج املذهيب‪ :‬املذهب الشافعي مثاال‬
‫املذهب الشافعي هو املذهب الفقهي الثالث ‪ -‬حسب ال هور ‪ -‬من‬
‫املذاهب الفقهية األربعة اليت اعت م فيها ‪ -‬وما زال ‪ -‬مجهور عريض من العلماء‬
‫والعامة قدَيا وحديثا‪ ,‬وقد أسسه اإلماِ حممد بن إ ري الشافعي رمحه هللا‬
‫(‪714-851‬هـ) بعد رحلة غوص عميقة يف املذاهب الفقهية السابقة له‪,‬‬
‫كاملذهب احلنفي عن طري التلقي املبا ر عن اإلماِ حممد بن احلسن رمحه هللا‬
‫(‪819-838‬هـ) صاحب اإلماِ أيب حنيفة رمحه هللا (‪851-11‬هـ) يف العراق‪,‬‬
‫واملذهب املالكي عن طري التلقي املبا ر عن إماِ املذهب مالر بن أع رمحه‬
‫هللا (‪829-93‬هـ) يف املدينة املنورة‪ ,‬ومذهب اإلماِ األوزاعي (‪852-11‬هـ) رمحه‬
‫هللا ومذهب اإلماِ الليث بن سعد رمحه هللا (‪825-94‬هـ) عن طري اطالعه‬
‫عل آرائهما وفتاوامها ولقائه بتالميذمها يف مصر‪.‬‬
‫وقبد أن ينهد اإلماِ الشافعي رمحه هللا من معني املذاهب الفقهية املتبوعة‬
‫وغري املتبوعة‪ ,‬كاع له تلمذة يف مكة املكرمة عل يد الفقهاء واحملدثني‪ ,‬ومن‬
‫أبرزهم مسلم بن خالد الز ي رمحه هللا (‪811-811‬هـ)‪ ,‬وسفيان بن عيينة رمحه‬
‫هللا (‪891-812‬هـ)‪ ,‬كما تزامن هذا التلقي م اإلحاطة للغة العربية‪ :‬مفر ات‬
‫وأساليب و عر وبالغة عن طري مالزمة قبيلة هذيد‪.‬‬
‫تعرف اإلماِ الشافعي‬
‫وعتيجة ذا التنوع املشيخي واملناطقي واملعريف فقد َّ‬
‫رمحه هللا عل عدة مناهج اجتها ية خمتلفة كمدرسة احلديث يف احلجاز ومدرسة‬

‫‪894‬‬
‫الرأي يف العراق‪ ,‬واطل عل بيئات علمية خمتلفة كبيئة مكة واملدينة واليمن والعراق‬
‫ومصر‪ ,‬ولذلر فإن املذهب الشافعي مر بعدة أطوار ومراحد‪ ,‬منذ حياة إمامه إىل‬
‫عهو قريبة‪ ,8‬عل النحو التايل‪:7‬‬
‫َّأوالً‪ :‬عشأة املذهب القدمي يف مكة والعراق (‪899-895‬هـ)‪ ,‬وهي املرحلة‬
‫اليت استكمد فيها اإلماِ الشافعي رمحه هللا االطالع عل مذهب أهد احلجاز أو‬
‫مدرسة احلديث ممثال يف مذهب اإلماِ مالر بن أع رمحه هللا‪ ,‬ومذهب أهد‬
‫العراق أو مدرسة الرأي ممثال يف مذهب اإلماِ أيب حنيفة رمحه هللا‪.‬‬
‫فبدأ يف االستقالل الفقهي وتكوين عواة مذهبه الفقهي يف احلجاز والعراق‪,‬‬
‫وألَّف عدة كتب يف تقرير خالصة اجتها اته وآرائه عندما كان يف مكة وبغدا ‪,‬‬
‫كاحلجة يف فروع الفقه‪ ,‬والرسالة (العراقية) يف أصوله‪.‬‬
‫اثعياً‪ :‬عشأة املذهب اجلديد يف مصر (‪714-899‬هـ)‪ ,‬وهي املرحلة اليت‬
‫اطل فيها اإلماِ الشافعي عل فقه اإلماِ الليث بن سعد رمحه هللا واإلماِ‬
‫األوزاعي رمحه هللا عندما اعتقد إىل مصر‪ ,‬فتغريت بعض آرائه االجتها ية‪,‬‬
‫فحررها َّ‬
‫وعقحها وهذِبا‪.‬‬ ‫وعضج آراؤه األصولية والفرعية‪َّ ,‬‬
‫كوع آخر ومعتمد آرائه ومذهبه‪ ,‬فمنها‪:‬‬ ‫مث رع يف أتليف عدة كتب‪َّ ,‬‬
‫‪ .8‬يف فروع الفقه‪ :‬األِ‪ ,‬واإلمالء‪.‬‬

‫‪ . 8‬قاِ العلماء من مجي املذاهب الفقهية مبجهو ات مماثلة ملا قاِ به علماء الشافعية‪ ,‬بدءا منذ حياة‬
‫إمامهم إىل عهو قريبة‪.‬‬
‫‪ . 7‬اع ر مقدمة حتقي الدكتور عبدالع يم الديب لكتاب هناية املطلب للجويين (‪ ,)851-92‬وكتاب‬
‫املدخد إىل مذهب اإلماِ الشافعي ألكرِ القوا ي (‪.)794‬‬
‫‪895‬‬
‫‪ .7‬ويف أصول الفقه‪ :‬الرسالة (املصرية)‪ ,‬ومجاع العلم‪ ,‬وإبطال االستحسان‪ ,‬وبيان‬
‫فرائض هللا‪ ,‬وصفة هني النيب ‪.‬‬
‫‪ .3‬ويف اجلم بني األحا يث املختلفة‪ :‬اختالف احلديث‪.‬‬
‫‪ .4‬ويف الفقه املقارن‪ :‬اختالف العراقيني (أيب حنيفة وابن أيب ليل )‪ ,‬واختالف‬
‫علي بن أيب طالب وعبدهللا بن مسعو ‪ ,‬واختالف مالر والشافعي‪ ,‬والر‬
‫عل حممد بن احلسن‪ ,‬وسري األوزاعي‪.‬‬
‫وِبذا يكون اإلماِ الشافعي أول احملررين ملذهبه الفقهي‪ ,‬وقد عشأ عن هذه‬
‫املراجعة املبكرة يف أصول املذهب الشافعي وفروعه عشأة املذهبني‪ :‬القدمي واجلديد‪.‬‬
‫كد قول له يف‬‫وموقف الشافعية من مذهيب الشافعي‪ :‬القدمي واجلديد أن َّ‬
‫املذهب القدمي فهو مذهبه اجلديد إال إذا عص يف املذهب اجلديد عل خالفه‪ ,‬أما‬
‫قول قدمي مل خيالفه يف اجلديد‪ ,‬أو مل يتعرض له لتحديد‪ ,‬فهو مذهبه‪.‬‬
‫فمن املسائد اليت رج عنها اإلماِ الشافعي‪:‬‬
‫‪ ‬طهورية املاء املستعمد يف فرض الطهارة‪ ,‬فاملذهب اجلديد أعه طاهر غري‬
‫طهور‪ ,‬أما يف املذهب القدمي فهو ق عل الطهورية‪.‬‬
‫‪ ‬األذان للمنفر يف الصحراء‪ ,‬فاجلديد استحبابه‪ ,‬والقدمي عدمه‪.‬‬
‫جهله‪ ,‬فاجلديد وجوِبا‪ ,‬والقدمي صحتها‪.‬‬ ‫‪ ‬إعا ة الصالة ملن يف ثوبه‬
‫‪ ‬موض سجو السهو‪ ,‬فاجلديد أعه قبد السالِ ائما‪ ,‬والقدمي كاحلنابلة‪.‬‬
‫‪ ‬ثالث سجدات املفصد‪ :‬النجم واالعشقاق والعل ‪ ,‬فاجلديد استحباِبا‪,‬‬
‫والقدمي عدمه‪.‬‬

‫‪893‬‬
‫اقتداء القارئ أبمي يلحن‪ ,‬فاجلديد عدِ صحته يف الصالة اجلهرية والسرية‪,‬‬ ‫‪‬‬
‫والقدمي صحته يف السرية ون اجلهرية‪.‬‬
‫تقدِ املأموِ عل اإلماِ يف املوقف‪ ,‬فاجلديد بطالن صالته‪ ,‬والقدمي صحتها‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫‪‬‬
‫اجلم أتخريا يف احلضر بسبب املطر‪ ,‬فاجلديد منعه‪ ,‬والقدمي جوازه‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫السفر يوِ اجلمعة قبد زوال الشم ‪ ,‬فاجلديد حرمته‪ ,‬والقدمي جوازه‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫صوِ أ ِ التشري للمتمت الفاقد للدِ‪ ,‬فاجلديد حرمته‪ ,‬والقدمي جوازه‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫استمرت بعد وفاة اإلماِ الشافعي رمحه‬
‫َّ‬ ‫وع راً ألن حركة االجتها الفقهي‬
‫عدوا بعض املسائد اليت رج عنها صوا ‪ ,‬أي إهنم‬ ‫هللا فإن أصحابه وعلماء مذهبه ُّ‬
‫حكموا أبن مذهبه القدمي هو الصواب رغم رجوعه عنه؛ إما ملوافقته للدليد‬
‫الشرعي‪ ,‬أو ملخالفة اجلديد ألصول الشافعي‪ ,‬وتبلغ تلر املسائد اليت يفىت فيها‬
‫عل القول القدمي للشافعي مثاين عشرة مسألة‪ ,‬وأوصلها بعض الشافعية إىل ثالث‬
‫وثالثني مسألة‪ ,8‬منها‪:‬‬
‫‪ ‬التثويب – وهو قول‪" :‬الصالة خري من النوِ" ‪ -‬يف أذان الصبح‪ ,‬فالقدمي‬
‫استحبابه‪ ,‬وعليه الفتو ‪.‬‬
‫‪ ‬آخر وق املغرب‪ ,‬فالقدمي أعه إىل غروب الشف األمحر‪ ,‬وقد علَّ اإلماِ‬
‫الشافعي احلكم به عل صحة احلديث‪.‬‬
‫‪ ‬األذان للصالة الفائتة‪ ,‬فالقدمي أعه يؤذَّن ا‪.‬‬
‫‪ ‬أتكد غسد اجلمعة‪ ,‬فالقدمي تقدَيه يف األفضلية عل غسد غاسد املي ‪.‬‬

‫‪ . 8‬جتد هذه املسائد مبسوطة يف كتب الشافعية كمجموع النووي و روح منهاجه واأل باه والن ائر‬
‫للسيوطي وغريها‪.‬‬
‫‪892‬‬
‫‪ ‬الصوِ عن املي ‪ ,‬فالقدمي جوازه‪ ,‬وقد عل احلكم به عل صحة احلديث‪.‬‬
‫‪ ‬ا ياط التحلد من اإلحراِ بسبب املرض‪ ,‬فالقدمي جوازه‪.‬‬
‫ومن اجلدير لذكر أعه ما من مذهب من املذاهب الفقهية األربعة إال وحركة‬
‫التجديد فيه مستمرة‪ ,‬سواء قاِ بذلر إماِ املذهب أو طالبه أو العلماء احملققون‬
‫الذين أتوا بعدهم‪ ,8‬ولكن اإلماِ الشافعي رمحه هللا ا تهر عنه املذهبان‪ :‬القدمي‬
‫واجلديد لثالثة أسباب رئيسة‪:‬‬
‫‪ .8‬أعه أس املذهبني يف مكاعني خمتلفني متمايزين‪.‬‬
‫‪ .7‬أعه متكن من أتليف كتب خمتلفة لكال املذهبني‪.‬‬
‫‪ .3‬أن كال مذهبيه عقله ورواه عنه أصحاب معروفون‪ ,‬فمن العلماء الذين عقلوا‬
‫مذهبه القدمي اإلماِ أمحد بن حنبد رمحه هللا (‪748-834‬هـ)‪ ,‬وأبو ثور‬
‫إبراهيم بن خالد رمحه هللا (‪741-...‬هـ)‪ ,‬وأبو علي احلسني الكرابيسي رمحه‬
‫هللا (‪741-...‬هـ)‪ ,‬وأبو علي احلسن الزعفراين (‪731-825‬هـ)‪ ,‬ومن العلماء‬
‫الذين عقلوا مذهبه اجلديد أبو يعقوب البويطي (‪738-...‬هـ)‪ ,‬وأبو إبراهيم‬
‫املزين (‪734-825‬هـ)‪ ,‬والربي املرا ي (‪721-824‬هـ) راوية كتب الشافعي‪,‬‬
‫والربي اجليزي (‪753-...‬هـ)‪ ,‬وحرملة بن حيىي (‪743-...‬هـ)‪ ,‬ويوع بن‬
‫عبداألعل (‪734-...‬هـ)‪ ,‬رمحهم هللا‪.‬‬
‫وعتيجة لتلر األسباب الثالثة فقد متايز مذهبا اإلماِ الشافعي متايزاً واضحا‪,‬‬
‫أما أئمة املذاهب الفقهية األخر فلم تتوفر م تلر األسباب‪ ,‬ولذلر مل يشتهر‬
‫عنهم مذهبان‪.‬‬

‫‪ .8‬مثد املسائد اليت يفيت فيها احلنفية بقول أيب يوسف وحممد بن احلسن وزفر بن ا ذيد‪.‬‬
‫‪891‬‬
‫اثلثاً‪ :‬رواية املذهب واعتشاره (‪ ,)721-714‬وهي املرحلة اليت تل وفاة‬
‫اإلماِ الشافعي‪ ,‬واستمرت إىل وفاة آخر أصحابه ومحلة مذهبه وان ري كتبه اإلماِ‬
‫الربي بن سليمان املرا ي رمحه هللا (‪721-824‬هـ)‪ ,‬ومتيزت ليكيز عل رواية‬
‫كتب الشافعي وعسخها وهتذيبها وعشرها يف اآلفاق‪.‬‬
‫فمن جهو التهذيب ما قاِ به اإلماِ إ اعيد بن حيىي املزين رمحه هللا‬
‫(‪734-825‬هـ) صاحب الشافعي وتلميذه ختصار كتب الشافعي يف "املختصر‬
‫الكبري"‪ ,‬مث اختصاره يف "املختصر الصغري" املعروف مبختصر املزين‪ ,‬وقد خلَّص فيه‬
‫املزين مذهب الشافعي‪ ,‬وزا عليه‪ ,‬وخالفه يف مسائد‪ ,‬ورتب أبوابه الفقهية‪ ,‬ومبثد‬
‫هذا الصني قاِ اإلماِ يوسف بن حيىي البويطي رمحه هللا (‪738-...‬هـ) خليفة‬
‫الشافعي يف حلقته‪.‬‬
‫أما جهو النشر فأبرز من قاِ ِبا اإلماِ الربي بن سليمان املرا ي رمحه هللا‬
‫(‪721-824‬هـ)‪ ,‬فقد عاش بعد وفاة الشافعي ستا وستني سنة‪ ,‬وقد رحد إليه‬
‫النام من مجي األقطار يف اع وعسخ كتب الشافعي‪ ,‬وقد قال فيه الشافعي‪:‬‬
‫"الربي راوييت"‪ ,‬وقال له أيضا‪" :‬أع أعفعهم يل يف عشر الكتب"‪.8‬‬
‫يضاف إىل ما سب أن أصحاب الشافعي كاملزين والبويطي مل يتقيدوا بفروع‬
‫اجتها ات الشافعي‪ ,‬ولكنهم استوعبوا األصول والطريقة اليت كان يسري عليها يف‬
‫اجتها ه‪ ,‬واقتنعوا ِبا‪ ,‬فساروا عليها‪ ,‬ولذلر فإن أصحاب اإلماِ الشافعي َيثلون‬
‫الطبقة األوىل من اجملتهدين يف املذهب‪ ,‬وهم الذين عناهم اإلماِ النووي يف تعدا ه‬
‫لألحوال األربعة للمفيت املنتسب‪ ,‬فقال‪" :‬أحدها أن ال يكون مقلدا إلمامه‪ ,‬ال يف‬

‫‪ .8‬وفيات األعيان البن خلكان (‪.)798/7‬‬


‫‪899‬‬
‫املذهب‪ ,‬وال يف ليله؛ التصافه بصفة املستقد‪ ,‬وإمنا ينسب إليه؛ لسلوكه طريقه‬
‫يف االجتها "‪.8‬‬
‫وبناءً عل هذا فإن أصحاب الشافعي هم افعية جمتهدون؛ ألهنم ارتضوا‬
‫طريقة الشافعي يف االجتها ‪ ,‬ومل يقبلوها تقليدا بد اجتها ا‪ ,‬مث ساروا عل منهجه‬
‫يف استنباط األحكاِ الشرعية‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬استقرار املذهب وثباته (‪515-721‬هـ)‪ ,‬وهي املرحلة اليت طار فيها‬
‫املذهب الشافعي يف األقطار املتباعدة‪ ,‬ومتذهب به العلماء واألمراء‪ ,‬ورعاه‬
‫السالطني واخللفاء‪ ,‬وحكم به القضاة‪ ,‬وأفىت به املفتون‪ ,‬وأعشأت له املدارم‪,‬‬
‫وخرج مستجدات‬ ‫ووقف عليه األوقاف‪ ,‬وكثرت فيه التآليف أصوال وفروعا‪ ,‬هل‬
‫املسائد عل أصوله وفروعه‪ ,‬وقد بدأت هذه املرحلة بوفاة آخر أصحاب اإلماِ‬
‫الشافعي‪ ,‬واستمرت حىت وفاة اإلماِ الغزايل رمحه هللا (‪515-451‬هـ)‪.‬‬
‫وقد كاع أبرز جهو فقهاء الشافعية متجهة صوب خدمة كتب الشافعي‬
‫تفرق الشافعية يف البال ‪ ,‬ومل يكوعوا جمرَّ عقلة ورواة‪ ,‬بد كان‬
‫وكتب أصحابه‪ ,‬فقد َّ‬
‫فيهم جمتهدون‪ ,‬تنزل ِبم النوازل‪ ,‬فيبحثون عن أحكامها‪ ,‬وخيرجوهنا عل عصوص‬
‫الشافعي وأصوله‪ ,‬وقد خيرجون عنها أحياان‪ ,‬ومنهم من كان يلتزِ التخريج عل‬
‫أصح و ُّ‬
‫أسد‪ ,‬وهم‬ ‫عصوص الشافعي وأصوله؛ العتقا هم أن طريقته وأصوله ُّ‬
‫أصحاب الوجوه‪.‬‬
‫وقد عتج عن تطاول الزمان وتباعد املكان واختالف الثقافات والبيئات‬
‫خترجيات وتفريعات وآراء كثرية‪ ,‬وكان فيها ما ال يتف م أصول املذهب أو‬

‫‪ .8‬اجملموع للنووي (‪.)43/8‬‬


‫‪711‬‬
‫عصوص إمامه وأصحابه‪ ,‬إذ فيها الضعيف الذي رج عنه اإلماِ الشافعي‪ ,‬وفيها‬
‫مسائد مل يتم خترجيها عل أصوله أو عصوصه‪ ,‬بد وفيها مسائد ختالف عص إماِ‬
‫املذهب وعصوص أصحابه‪ ,‬فاختلف األقوال املنسوبة للشافعي‪ ,‬وتغايرت وجوه‬
‫التخرجيات املنسوبة ألصحابه‪ ,‬وقد تفرق تلر املسائد يف مصنفات فقهاء‬
‫الشافعية املنتشرين عل رقعة جغرافية كبرية‪ ,‬فاعتهض مهة فقهاء الشافعية عل‬
‫خدمة املذهب وحتريره وهتذيبه من خالل رح أهم كتبه املعتمدة‪.‬‬
‫ولعد الكتاب الذي ح ي خلدمة الكب هو كتاب "خمتصر املزين" الذي‬
‫يقول يف مقدمته‪" :‬اختصرت هذا الكتاب من علم حممد بن إ ري الشافعي ‪-‬‬
‫رمحه هللا ‪ -‬ومن معىن قوله؛ ألقربه عل من أرا ه‪ ,‬م إعالمه هنيه عن تقليده‬
‫وتقليد غريه؛ لين ر فيه لدينه وحيتاط فيه لنفسه"‪ ,‬فجعد منه كثري من فقهاء‬
‫الشافعية منطلقا ومعتمدا لتحرير املذهب من خالله‪.‬‬
‫فمن فقهاء الشافعية ‪ -‬وكثري منهم من أصحاب الوجوه الذين برعوا يف‬
‫التخريج عل عصوص الشافعي وأصوله ‪ -‬الذين رحوا خمتصر املزين وعلقوا عليه‪:‬‬
‫‪ ‬أبو احلسن اجلوري علي بن احلسني (‪-...‬بعد‪311‬هـ) من أصحاب الوجوه‪.‬‬
‫‪ ‬أبو العبام ابن سريج أمحد بن عمر (‪313-749‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬أبو بكر الصيدالين حممد بن او (‪372-...‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬أبو إسحاق املروزي إبراهيم بن أمحد (‪341-721‬هـ) من أصحاب الوجوه‪.‬‬
‫‪ ‬أبو علي ابن أيب هريرة احلسن بن حسني (‪345-...‬هـ) من أصحاب الوجوه‪.‬‬
‫‪ ‬أبو علي الطبي احلسن بن القاسم (‪ )351-...‬من أصحاب الوجوه‪.‬‬
‫‪ ‬أبو حامد ُّ‬
‫املروروذي أمحد بن بشر (‪.)337-...‬‬

‫‪718‬‬
‫‪ ‬ابن القفال الشا ي الكبري القاسم بن حممد بن علي (‪-...‬حنو‪399‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬أبو حامد اإلسفراييين أمحد بن حممد (‪413-344‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬أبو إسحاق اإلسفراييين إبراهيم بن حممد (‪481-...‬هـ) من أصحاب الوجوه‪.‬‬
‫‪ ‬أبو علي البندعيجي احلسن بن عبدهللا (‪475-...‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬أبو عبدهللا املروزي املسعو ي حممد بن عبدامللر (‪475-...‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬أبو علي السنجي احلسني بن عيب (‪431-...‬هـ) من أصحاب الوجوه‪.‬‬
‫‪ ‬أبو الطيب الطبي طاهر بن عبدهللا (‪451-341‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬إماِ احلرمني اجلويين عبدامللر بن عبدهللا (‪421-489‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬أبو بكر الشا ي القفال حممد بن أمحد (‪.)512-479‬‬
‫تلر كاع بعض القامات العلمية الشاخمة اليت خدم خمتصر املزين‪ ,‬وهم‬
‫ما بني مطول ومقتصر‪ ,‬ومن أهم الشروح اليت صارت إماماً ملا بعدها كتاب "هناية‬
‫املطلب يف راية املذهب"‪ 8‬إلماِ احلرمني اجلويين رمحه هللا‪ ,‬فقد قال يف مقدمته‪:‬‬
‫فتتاحه من مذهب م َّ‬
‫هذب لإلماِ املطليب‬ ‫"وأبتهد إليه يف تيسري ما مهم‬
‫الشافعي ‪ ,‬حيوي تقرير القواعد‪ ,‬وحترير الضوابط واملعاقد‪ ,‬يف تعليد األصول‬
‫املفصد منها واجملموع‪ ,‬ومشتمد عل حد‬ ‫َّ‬ ‫وتبيني مآخذ الفروع‪ ,‬وترتيب‬
‫املشكالت‪ ,‬وإ عة املعضالت‪ ,‬والتنبيه عل املعاصات واملعوصات‪ ,‬ويغين عن‬
‫االرتباك يف املتاهات‪ ,‬واال تباك يف العما ت‪ ,... ,‬وسأجري عل أبواب‬
‫"املختصر" ‪ -‬أي خمتصر املزين ‪ -‬ومسائلها جهدي‪ ,‬وال أعتين لكالِ عل ألفاظ‬
‫السوا ‪ -‬أي ال أقصد رح عص املنت ‪ ,-‬فقد تناه يف إيضاحها األئمة‬

‫‪ .8‬أخرجه إىل حيز الوجو الشيخ الدكتور عبدالع يم الديب رمحه هللا يف عشرين جملدا‪.‬‬
‫‪717‬‬
‫املاضون‪ ,‬ولكين أعسب النصوص اليت عقلها املزين إليه‪ ,‬وأتعرض لشرح ما يتعل‬
‫لفقه منها إن اء هللا تعاىل‪ ,‬وما ا تهر فيه خالف األصحاب ذكرته‪ ,‬وما ذهلكر‬
‫ضعف القيام‬
‫هل‬ ‫فيه وجه غريب منقام ذكرت عدوره واعقياسه‪ ,‬وإن اعضم إىل عدوره‬
‫عبه عليه أبن أذكر الصواب قائال‪" :‬املذهب كذا"‪ ,‬فإن مل يكن له وجه قل‬
‫بعد ذكر الصواب‪" :‬وما سو هذا غلط"‪ ,‬وإن ذكر أئمة اخلالف وجها مرتبكا‬
‫أعبه عليه أبن أقول‪" :‬اتف أئمة املذهب عل كذا"‪ ,‬فتجري وجوه من االختصار‬
‫م احتواء املذهب عل املشهور والنا ر‪ ,‬وإن جرت مسألة مل يبلغين فيها مذهب‬
‫خرجتها عل القواعد‪ ,‬وذكرت مسالر االحتمال فيها عل مبلغ فهمي"‪.‬‬ ‫األئمة َّ‬
‫إن مقدمة إماِ احلرمني اجلويين رمحه هللا تبني اجلهد الع يم الذي بذله يف‬
‫حترير املذهب الشافعي وهتذيبه‪ ,‬كتأصيد القواعد والتعليد ِبا‪ ,‬وحترير الفروع وكيفية‬
‫اعتزاعها‪ ,‬وترتيب املسائد‪ ,‬وحد اإل كاالت‪ ,‬وحكاية اخلالف‪ ,‬وبيان وجهه‬
‫ووجاهته‪ ,‬وختريج املستجدات‪ ,‬ومناقشة االحتماالت‪.‬‬
‫وبعد إماِ احلرمني اجلويين رمحه هللا هنض تلميذه حجة اإلسالِ اإلماِ حممد‬
‫بن حممد الغزايل رمحه هللا مبهمة التحرير والتهذيب‪ ,‬فخدِ كتاب يخه "هناية‬
‫املطلب" يف كتبه‪" :‬البسيط"‪ ,‬مث "الوسيط"‪ ,‬مث "الوجيز" الختصار والتهذيب‪,8‬‬
‫وبذلر يكون إماِ احلرمني اجلويين وحجة اإلسالِ الغزايل رمحها هللا املمهدين‬
‫لعملية التحرير األول للمذهب الشافعي‪.‬‬

‫‪ .8‬كما قاِ سلطان العلماء و ئ امللوك اإلماِ عبدالعزيز بن عبدالسالِ رمحه هللا (‪331-522‬هـ)‬
‫بتهذيب واختصار هناية مطلب اجلويين أيضا يف "الغاية يف اختصار النهاية"‪.‬‬
‫‪713‬‬
‫ومن اخلدمات املميزة اليت ح ي ِبا املذهب الشافعي من انحية حديثية ما‬
‫قاِ به اإلماِ احلافظ أمحد بن احلسني البيهقي رمحه هللا (‪451-314‬هـ)‪ ,‬فقد‬
‫ألَّف كتابه الع يم "معرفة السنن واآلاثر"‪ ,‬ومج فيه ما استدل به اإلماِ الشافعي‬
‫رمحه هللا يف كتبه الفقهية من أحا يث عبوية وآاثر عن الصحابة‪ ,‬ساقها بسند‬
‫الشافعي‪ ,‬مث ساقها بسنده‪ ,‬وانقش تلر األحا يث واملرو ت تصحيحا وتضعيفا‬
‫وتعليال‪ ,‬ورتَّب ما مجعه عل ترتيب خمتصر املزين‪ ,‬ويعد الكتاب موسوعة يف أ لة‬
‫املذهب الشافعي‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬التحرير األول للمذهب (‪323-515‬هـ)‪ ,‬وهي املرحلة اليت اكتمد‬
‫فيها التحرير األول للمذهب الشافعي‪ ,‬ومعىن التحرير‪ " :‬د مصنفات أئمته‬
‫و يوخه‪ ,‬وبيان ما هو مواف لقول الشافعي وأصوله‪ ,‬حىت يصح أن ينسب إليه‪,‬‬
‫ويتميز عن غريه من الوجوه واالجتها ات اليت ال يصح أن تنسب إىل الشافعي‪,‬‬
‫وتعتب مذهبا له"‪.8‬‬
‫فقاِ أول حمرري املذهب الشافعي يف هذه املرحلة اإلماِ أبو القاسم‬
‫عبدالكرمي بن حممد القزويين الرافعي رمحه هللا (‪373-552‬هـ) فنقَّح املذهب‪,‬‬
‫وفرع عليه‪ ,‬قال‬
‫ومج تاته‪ ,‬واستوعب مسائله‪ ,‬واستدرك خطأه‪ ,‬وأتقن سبكه‪َّ ,‬‬
‫اإلماِ أبو الفداء ابن كثري إ اعيد بن عمر رمحه هللا (‪224-218‬هـ) عنه‪" :‬أجا‬
‫وأفا ‪ ,‬و ق وحق ‪ ,‬وحرر وقرر وزين‪ ,‬وصنف وألف‪ ,‬ومج وحشد‪ ,‬وأس‬
‫وأكد‪ ,‬ومهد وأطنب‪ ,‬وبني املشهور والغريب‪ ,‬والبعيد والقريب‪ ,‬والصحيح‬
‫واملستقيم‪ ,‬والضعيف والسقيم‪ ,‬وما عليه األكثرون‪ ,‬وما عدر ملذهب به األقلون‪,‬‬

‫عص الدكتور عبدالع يم الديب يف مقدمة حتقيقه لكتاب هناية املطلب للجويين (‪.)853‬‬
‫‪ .8‬هذا ُّ‬
‫‪714‬‬
‫املخرج‪ ,‬واخلالص من احلسن واملهرج"‪ ,8‬وقد اعطل اإلماِ الرافعي رمحه‬
‫واملنصوص و َّ‬
‫هللا يف حترير املذهب الشافعي مستكمال جهو من سبقه‪ ,‬فخدِ كتاب "الوجيز"‬
‫للغزايل خدمتني‪ :‬رحه يف كتاب "فتح العزيز"‪ ,‬واختصره يف كتاب "احملرر"‪.‬‬
‫مث قاِ احملرر الثاين للمذهب الشافعي يف هذه املرحلة اإلماِ حميي الدين حيىي‬
‫بن رف النووي رمحه هللا (‪323-338‬هـ) ستكمال جهو اإلماِ الرافعي‪,‬‬
‫فاختصر كتاب "الوسيط" للغزايل يف "التنقيح"‪ ,‬واختصر كتاب "فتح العزيز"‬
‫للرافعي يف "روضة الطالبني"‪ ,‬واختصر كتاب "احملرر" للرافعي يف كتابه "منهاج‬
‫الطالبني"‪ ,‬وقد اعته هذه املرحلة بوفاة اإلماِ النووي‪.‬‬
‫واعتما ا عل كتاب "املنهاج" للنووي ألَّف مئات من علماء الشافعية كتباً‬
‫عليه‪ ,‬منها املختصرات‪ ,‬ومنها الشروح‪ ,‬ومنها احلوا ي‪ ,‬ومنها األ لة‪ ,‬ومنها‬
‫الن م‪ ,‬ومنها املصطلحات‪ ,‬ومنها النك ‪ ,‬ومنها إعراب املشكد‪ ,‬وغريها‪.‬‬
‫ولكي يتبني لنا بعض معامل اجلهد الذي بذله اإلمامان الرافعي والنووي‬
‫أتقن‬
‫رمحهما هللا أسوق ما قاله النووي يف مقدمة منهاجه عن حمرر الرافعي‪" :‬و هل‬
‫خمتصر "احملرر" لإلماِ أيب القاسم الرافعي‪ ,‬ذي التحقيقات‪ ,‬وهو كثري الفوائد‪,‬‬
‫عمدة يف حتقي املذهب‪ ,‬معتمد للمفيت وغريه من أويل الرغبات‪ ,‬وقد التزِ مصنفه‬
‫رمحه هللا أن ينص عل ما صححه مع م األصحاب‪َّ ,‬‬
‫ووىف مبا التزمه‪ ,‬وهو من أهم‬
‫أو أهم املطلو ت‪ ,. . . ,‬فرأي اختصاره يف حنو عصف حجمه؛ ليسهد حف ه‪,‬‬
‫م ما أضمه إليه من النفائ املستجدات‪ ,‬منها التنبيه عل قيو يف بعض املسائد‬
‫هي من األصد حمذوفات‪ ,‬ومنها مواض يسرية ذكرها يف احملرر عل خالف‬

‫‪ .8‬طبقات الشافعيني البن كثري (‪.)185‬‬


‫‪715‬‬
‫املختار يف املذهب كما سياها ‪ -‬إن اء هللا ‪ -‬واضحات‪ ,‬ومنها إبدال ما كان‬
‫من ألفاظه غريبا أو مومها خالف الصواب أبوضح وأخصر منه بعبارات جليات‪,‬‬
‫ومنها بيان القولني والوجهني والطريقني والنص ومراتب اخلالف يف مجي‬
‫احلاالت‪ ,... ,8‬ومنها مسائد عفيسة أضمها إليه ينبغي أال خيل الكتاب منها‪,‬‬
‫‪ ,...‬وكذا ما وجدته من األذكار خمالفا ملا يف احملرر وغريه من كتب الفقه‪,‬‬
‫فاعتمده‪ ,‬فإين حققته من كتب احلديث املعتمدة"‪.7‬‬
‫وقد قاِ عد من علماء الشافعية بتخريج أحا يث كتاب "فتح العزيز"‬
‫للرافعي‪ ,‬فمنها‪" :‬التلخيص احلبري يف ختريج أحا يث الرافعي الكبري" للحافظ أمحد‬
‫ابن حجر العسقالين رمحه هللا (‪157-223‬هـ)‪ ,‬وأوس هذه التخاريج "البدر‬
‫املنري يف ختريج األحا يث واآلاثر الواقعة يف الشرح الكبري" للعالمة سراج الدين‬
‫عمر ابن امللقن رمحه هللا (‪114-273‬هـ)‪ ,‬مث اختصره يف "خالصة البدر املنري"‪,‬‬
‫مث اختصر املختصر يف "املنتق "‪ ,‬مث اختصره يف "اخلالصة"‪ ,‬وقد قاِ ابن امللقن‬
‫عفسه بتخريج أحا يث كتاب "الوسيط" للغزايل يف "تذكرة األخيار مبا يف الوسيط‬
‫من األخبار"‪ ,‬وقاِ الستدالل ملنهاج النووي يف "حتفة احملتاج إىل أ لة املنهاج"‪.‬‬
‫سا ساً‪ :‬استكمال جهو التحرير األول (‪173-323‬هـ)‪ ,‬وهي املرحلة اليت‬
‫انقش مرحلة التحرير األول للمذهب الشافعي‪ ,‬وكثرت املصنفات عل كتب‬
‫الرافعي والنووي‪" ,‬فقد كاع كتب الشيخني القطب الذي تدور حوله مجي‬

‫فبني معىن األظهر واملشهور واألصح والصحيح واملذهب والنص واجلديد والقدمي وغريها‪.‬‬
‫‪َّ .8‬‬
‫‪ .7‬املنهاج للنووي (‪ ,)2‬واع ر روضة الطالبني له (‪.)4/8‬‬
‫‪713‬‬
‫التآليف‪ ,‬وم ذلر مل خيد زمان من حمق ين ر يف كالِ الشيخني‪ ,‬فريجح بينهما‬
‫إذا اختلفا‪ ,‬بد خيالفهما أحياان"‪.8‬‬
‫وقد تواصل اجلهو العلمية يف تشييد املذهب‪ :‬أصوال وفروعا‪ ,‬وجتل فيها‬
‫جهو أئمة كبار‪ ,‬كنجم الدين ابن الرفعة رمحه هللا (‪281-345‬هـ)‪ ,‬وتقي الدين‬
‫السبكي رمحه هللا (‪253-313‬هـ)‪ ,‬وابنه اتج الدين رمحه هللا (‪228-272‬هـ)‪,‬‬
‫ومجال الدين اإلسنوي رمحه هللا (‪227-214‬هـ)‪ ,‬و هاب الدين األذرعي رمحه‬
‫هللا (‪213-211‬هـ)‪ ,‬وبدر الدين الزركشي رمحه هللا (‪294-245‬هـ)‪ ,‬وسراج‬
‫الدين البهللقيين رمحه هللا (‪115-274‬هـ)‪ ,‬وإ اعيد ابن املقري رمحه هللا (‪-255‬‬
‫‪132‬هـ)‪ ,‬وجالل الدين احمللي رمحه هللا (‪134-298‬هـ)‪.‬‬
‫سابعاً‪ :‬التحرير الثاين للمذهب (‪8114-173‬هـ)‪ ,‬وهي املرحلة اليت مت فيها‬
‫التحرير الثاين للمذهب الشافعي من خالل خدمة كتب أئمة التحرير األول‪ :‬رحا‬
‫وحتشية وتعليقا واختصارا؛ استكماال جلهو هم واستدراكا عليهم‪ ,‬وقد بدأت هذه‬
‫املرحلة جبهو يخ اإلسالِ القاضي زكر األعصاري رمحه هللا (‪973-173‬ه) يف‬
‫آتليفه‪ ,‬وجهو تالميذه‪ ,‬مثد هاب الدين الرملي رمحه هللا (‪952-...‬هـ)‪ ,‬وابنه‬
‫مش الدين حممد الرملي رمحه هللا (‪8114-989‬هـ)‪ ,‬واخلطيب الشربيين رمحه هللا‬
‫(‪922-...‬هـ)‪ ,‬و هاب الدين ابن حجر ا يتمي رمحه هللا (‪924-919‬ه)‪ ,‬وقد‬
‫اعته هذه املرحلة بوفاة مش الدين حممد الرملي‪ ,‬وهو آخر أبرز تالميذ القاضي‬
‫زكر األعصاري‪.‬‬

‫‪ . 8‬عص الدكتور عبدالع يم الديب يف مقدمة حتقيقه لكتاب هناية املطلب للجويين (‪.)853‬‬
‫‪712‬‬
‫ومن أبرز اجلهو العلمية اليت قاِ ِبا أئمة التحرير الثاين خدمة "منهاج‬
‫الطالبني" لإلماِ النووي واالعتناء به‪ ,‬فعل سبيد املثال‪:‬‬
‫‪ ‬قاِ القاضي زكر األعصاري ختصار "منهاج الطالبني" يف "منهج الطالب"‪,‬‬
‫مبدال غري املعتمد يف املذهب ملعتمد‪ ,‬مث رحه يف "فتح الوهاب" م حترير‬
‫العبارات وإحكاِ سبكها‪.‬‬
‫‪ ‬كما قاِ القاضي زكر األعصاري بتأليف كتاب "أسىن املطالب"‪ ,‬وهو رح‬
‫لكتاب "روض الطالب" البن املقري‪ ,‬وهو خمتصر لكتاب "روضة الطالبني"‬
‫للنووي‪ ,‬وهو خمتصر لكتاب "فتح العزيز" للرافعي‪.‬‬
‫‪ ‬قاِ اخلطيب الشربيين بشرح "منهاج الطالبني" يف "مغين احملتاج"‪ ,‬قال يف‬
‫مقدمته‪ " :‬رع يف رح يوضح من معاين مباين منهاج اإلماِ النووي ما‬
‫خفا‪ ,‬ويفصح عن مفهوِ منطوقه أبلفاظ تذهب عن الفهم جفا‪ ,‬وتبز املكنون‬
‫من جواهره‪ ,‬وت هر املضمر يف سرائره‪ ,‬خال عن احلشو والتطويد‪ ,‬حاو للدليد‬
‫والتعليد‪ ,‬مبني ملا عليه املعول من كالِ املتأخرين واألصحاب‪ ,‬عمدة للمفيت‬
‫وغريه ممن يتحر الصواب‪ ,‬مهذب الفصول‪ ,‬حمق الفروع واألصول‪ ,‬متوسط‬
‫احلجم‪ ,‬وخري األمور أوساطها‪ ,‬ال تفريطها وال إفراطها"‪.‬‬
‫‪ ‬قاِ هاب الدين ابن حجر ا يتمي بشرح "منهاج الطالبني" يف "حتفة‬
‫احملتاج"‪ ,‬قال يف مقدمته‪" :‬عزم ‪ ...‬عل خدمة منهاجه‪ ,‬الواضح ظاهره‪,‬‬
‫الكثرية كنوزه وذخائره‪ ,‬ملخصا معتمدا روحه املتداولة‪ ,‬وجميبا عما فيها من‬
‫اإليرا ات املتطاولة‪ ,‬طاو بسط الكالِ عل الدليد‪ ,‬وما فيه من اخلالف‬
‫والتعليد‪ ,‬وعل عزو املقاالت واألحباث ألر ِبا؛ لتعطد ا مم عن التحقيقات‬

‫‪711‬‬
‫فكيف إبطناِبا‪ ,‬ومشريا إىل املقابد ‪ -‬أي مقابد املعتمد ‪ -‬بر قياسه أو علته‪,‬‬
‫وإىل ما متيز به أصله لقلته"‪.‬‬
‫‪ ‬كما قاِ ابن حجر بتأليف كتابني‪" :‬اإلمدا " و"فتح اجلوا "‪ ,‬ومها رحان‬
‫لكتاب "اإلر ا " البن املقري‪ ,‬وهو خمتصر لكتاب "احلاوي" للقزويين‪ ,‬وهو‬
‫خمتصر لكتاب "فتح العزيز" للرافعي‪.‬‬
‫‪ ‬قاِ مش الدين الرملي بشرح "منهاج الطالبني" يف "هناية احملتاج"‪ ,‬قال يف‬
‫مقدمته‪" :‬وأر فتهم بشرح َييط لثاِ خمدراته‪ ,‬ويزيح ختاِ كنوزه ومستو عاته‪,‬‬
‫أعقح فيه الغث من السمني‪ ,‬وأميز فيه املعمول به من غريه بتوضيح مبني‪ ,‬أور‬
‫األحكاِ فيه تتبخي اتضاحا‪ ,‬وأترك الشبه تتضاءل افتضاحا‪ ,‬أطنب حيث‬
‫يقتضي املقاِ‪ ,‬وأوجز إذا اتضح الكالِ‪ ,‬خال عن اإلسهاب املمد‪ ,‬وعن‬
‫االختصار املخد‪ ,‬وأذكر فيه بعض القواعد‪ ,‬وأضم إليه ما ظهر من الفوائد‪ ,‬يف‬
‫ضمن تراكيب رائقة‪ ,‬وأساليب فائقة‪ ,‬ليتم بذلر األرب‪ ,‬ويقبد املشتغلون‬
‫ينسلون إليه من كد حدب‪ ,‬مقتصرا فيه عل املعمول به يف املذهب‪ ,‬غري‬
‫معنت بتحرير األقوال الضعيفة؛ روماً لالختصار يف األغلب"‪.‬‬
‫اثمناً‪ :‬استكمال جهو التحرير الثاين (‪8114‬هـ‪ 8335-‬هـ)‪ ,‬وهي املرحلة‬
‫اليت صنف فيها احلوا ي عل كتب أئمة التحرير الثاين للمذهب الشافعي‪,‬‬
‫واستكمل الصياغة الفقهية للمذهب الشافعي‪ ,‬وجتل فيها جهو أئمة كبار‪,‬‬
‫منهم ‪ -‬عل سبيد املثال ال احلصر ‪:-‬‬

‫‪719‬‬
‫رح‬ ‫‪ ‬أمحد البهلـ هلرلُّسي امللقب بعمرية رمحه هللا (‪952-...‬ه)‪ ,8‬وله حا ية عل‬
‫احمللي عل املنهاج‪ ,‬وله حا ية أخر عل حتفة احملتاج البن حجر ا يتمي‪.‬‬
‫‪ ‬أمحد بن قاسم العبا ي رمحه هللا (‪994-...‬هـ)‪ ,‬وله حا ية عل حتفة احملتاج‬
‫البن حجر ا يتمي‪ ,‬وله حا ية أخر عل فتح الوهاب للقاضي زكر‬
‫األعصاري‪.‬‬
‫‪ ‬علي بن حيىي الز ي رمحه هللا (‪ )8174-...‬وله حا ية عل فتح الوهاب‬
‫للقاضي زكر األعصاري‪.‬‬
‫عل فتح‬ ‫‪ ‬علي بن إبراهيم احلليب رمحه هللا (‪8144-925‬هـ)‪ ,‬وله حا ية‬
‫الوهاب للقاضي زكر األعصاري‪.‬‬
‫رح احمللي‬ ‫‪ ‬أمحد بن أمحد القليويب رمحه هللا (‪8139-...‬هـ)‪ ,‬وله حا ية عل‬
‫جاع‪.‬‬ ‫عل املنهاج‪ ,‬وله حا ية أخر عل رح ابن قاسم الغزي ملنت أيب‬
‫عل فتح‬ ‫‪ ‬حممد بن أمحد الشَّوبري رمحه هللا (‪8139-922‬هـ)‪ ,‬وله حا ية‬
‫الوهاب للقاضي زكر األعصاري‪.‬‬
‫الشباملسي رمحه هللا (‪8112-992‬هـ)‪ ,‬وله حا ية عل هناية‬‫‪ ‬علي بن علي َّ‬
‫احملتاج للرملي‪.‬‬
‫‪ ‬أمحد بن عبدالرزاق الر يدي رمحه هللا (‪8193-...‬هـ)‪ ,‬وله حا ية عل هناية‬
‫احملتاج للرملي‪.‬‬
‫‪ ‬عطية األجهوري رمحه هللا (‪8891-...‬هـ)‪ ,‬وله حا ية عل رح التحرير‬
‫للقاضي زكر األعصاري‪ ,‬وله حا ية أخر عل فتح الوهاب للقاضي زكر ‪.‬‬

‫‪ .8‬يالحظ تداخد يسري بني هذه املرحلة واملرحلة السابقة‪.‬‬


‫‪781‬‬
‫‪ ‬حممد بن سليمان الكر ي رمحه هللا (‪8894-8872‬هـ)‪ ,‬وله ثالث حواش‬
‫عل رح املقدمة احلضرمية البن حجر ا يتمي‪ ,‬وهو مؤلف كتاب "الفوائد‬
‫املدعية يف بيان من يهلفىت بقوله من أئمة الشافعية"‪.‬‬
‫‪ ‬سليمان بن عمر اجلمد رمحه هللا (‪8714-...‬هـ)‪ ,‬وله حا ية عل فتح‬
‫الوهاب للقاضي زكر األعصاري‪.8‬‬
‫‪ ‬سليمان بن حممد البجريمي رمحه هللا (‪8778-8838‬هـ)‪ ,‬وله حا ية عل‬
‫اإلقناع للخطيب‬ ‫فتح الوهاب للقاضي زكر األعصاري‪ ,‬وحا ية عل‬
‫الشربيين‪.‬‬
‫‪ ‬عبدهللا بن حجازي الشرقاوي رمحه هللا (‪8773-8851‬هـ)‪ ,‬وله حا ية عل‬
‫رح التحرير للقاضي زكر األعصاري‪.‬‬
‫‪ ‬إبراهيم بن حممد الباجوري رمحه هللا (‪8722-8891‬هـ)‪ ,‬وله حا ية عل‬
‫رح ابن قاسم الغزي ملنت أيب جاع‪.‬‬
‫‪ ‬عبداحلميد الشرواين رمحه هللا (‪8719-...‬هـ)‪ ,‬وله حا ية عل حتفة احملتاج‬
‫البن حجر ا يتمي‪.‬‬
‫‪ ‬أبو بكر عثمان بن حممد طا رمحه هللا (‪-...‬بعد‪8317‬هـ)‪ ,‬وله حا ية عل‬
‫إعاعة الطالبني عل فتح املعني للمليباري‪.‬‬
‫‪ ‬أمحد بر بن أمحد احلسيين رمحه هللا (‪8337-8728‬هـ)‪ ,‬وله كتاب "مر د‬
‫األانِ لب أِ اإلماِ"‪ ,‬وق رب العبا ات منه يف أربعة وعشرين جملدا‪.‬‬

‫‪ .8‬أخبان يخنا الشيخ أمحد الدوغان رمحه هللا أن يخه جدي الشيخ حممد بن حسني العرفج رمحه هللا‬
‫كان يلقب حا ية اجلمد لبستان‪.‬‬
‫‪788‬‬
‫‪ ‬علوي بن أمحد السقاف رمحه هللا (‪8335-8755‬هـ)‪ ,‬وله حا ية تر يح‬
‫املستفيدين عل فتح املعني للمليباري‪ ,‬وهو مؤلف كتاب "الفوائد املكية فيما‬
‫حيتاجه طلبة الشافعية من املسائد والضوابط والقواعد الكلية"‪.‬‬
‫وقد اتف علماء الشافعية بعد التنقيحني املميزين الذين سب ذكرمها عل أن‬
‫معتمد الفتو يف املذهب الشافعي ما اتف عليه الشيخان‪ :‬الرافعي والنووي‪ ,‬فإن‬
‫اختلفا فاملعتمد قول النووي‪ ,‬فإن رجح الرافعي قوال ومل يوجد للنووي ترجيح فيه‬
‫فاملعتمد ترجيح الرافعي‪ ,‬وهذا كله حيث مل جيم املتأخرون‪ :‬القاضي زكر‬
‫وتالميذه عل خطأمها‪ ,‬وإال فاملعتمد ما قاله املتأخرون‪ ,‬وقد ذهب علماء احلجاز‬
‫واليمن والشاِ واألكرا واألحساء إىل تقدمي قول ابن حجر عل الرملي‪ ,‬وذهب‬
‫علماء مصر إىل تقدمي قول الرملي عل ابن حجر‪.‬‬
‫تغريت فيها أمناط‬
‫اتسعاً‪ :‬املرحلة املعاصرة (‪ ,)...-8335‬وهي املرحلة اليت َّ‬
‫احلياة العامة‪ ,‬فقد خيَّم االستعمار عل البال اإلسالمية‪ ,‬وفرض القواعني الوضعية‪,‬‬
‫وعطَّد العمد لشريعة اإلسالمية ‪ -‬ستثناء أحكاِ األحوال الشخصية ‪,-‬‬
‫وتغريت طريقة التعليم املتوارثة‪ ,‬فأعشئ املدارم واجلامعات‪ ,‬وحدث القول أبن‬
‫من أسباب ختلف املسلمني هو التمذهب ملذاهب الفقهية‪.‬‬
‫وقد أ َّت هذه العوامد إىل التأثري السليب عل مبدأ التمذهب الفقهي‬
‫عموما‪ ,‬فاحنسر كثري من املتفقهني عن التمذهب ملذاهب الفقهية األربعة‪,‬‬
‫وا رطوا يف الدراسات احلديثة القائمة عل الفقه املقارن‪ ,‬واليجيح واالختيار بني‬
‫اآلراء واألقوال‪ ,‬وأتليف البحوث التخصصية يف بعض مسائد الفقه‪ ,‬واستيعاب‬
‫املسائد املعاصرة الستفا ة من املذاهب الفقهية األربعة عل وجه العموِ‪.‬‬

‫‪787‬‬
‫وم ذلر فما زال بقية قية من الفقهاء واملتفقهني حماف ني عل تدري‬
‫الفقه وتلقيه عل الطريقة املذهبية املتوارثة منذ ظهور املذاهب الفقهية األربعة‪,‬‬
‫وظهرت عدة مؤلفات وحتقيقات‪ ,‬متيزت ‪ -‬يف العموِ ‪ -‬حبسن اليتيب والتقسيم‬
‫والصياغة املناسبة للغة العصر‪ ,‬وكم حنن حباجة يف هذا العصر إىل ضخ الدماء يف‬
‫اجلسد الفقهي املذهيب‪ ,‬وذلر بتخريج مستجدات املسائد عل أصول املذهب‬
‫وعصوصه وقواعده‪.‬‬
‫فمن النوازل املستجدة‪ :‬تصني األسلحة النووية والكيميائية واجلرثومية‪ ,‬بنوك‬
‫احلليب البشري املختلط‪ ,‬التحكم يف جن اجلنني‪ ,‬االستنساخ البشري‪ ,‬من‬
‫احلمد اجلراحي‪ ,‬أطفال األانبيب‪ ,‬تعريف احلياة اليت تصري النطفة إعساان‪ ,‬تعريف‬
‫املوت الذي يصري اإلعسان ميتا‪ ,‬التبع ألعضاء وبيعها‪ ,‬جراحات التجميد‪ ,‬رت‬
‫غشاء البكارة‪ ,‬مصري البويضات الزائدة يف التلقيح الصناعي‪ ,‬أكثر مدة احلمد‪,‬‬
‫أقد مدة احليض وأكثره‪ ,‬إجهاض اجلنني املشوه‪ ,‬قتد الرمحة‪ ,‬زراعة خال املخ‬
‫واجلهاز العصيب‪ ,‬زراعة الغد واألعضاء التناسلية‪ ,‬استخداِ األجنة اجملهضة‬
‫واملولو الال ماغي مصدرا لزراعة األعضاء والتجارب‪ ,‬حضاعة األِ املصابة إليدز‬
‫لوليدها السليم‪ ,‬املوا احملرمة والنجسة يف صناعة الغذاء والدواء‪ ,‬البصمة الوراثية‬
‫وأثرها يف إثبات النسب‪ ,‬ا ندسة الوراثية‪ ,‬التجارة اإللكيوعية‪ ,‬معامالت‬
‫البورصات‪ ,‬العقو اآلجلة‪ ,‬وغريها‪.8‬‬

‫‪ .8‬االختيار الفقهي وإ كالية جتديد الفقه اإلسالمي للدكتور حممو النجريي (‪.)13‬‬
‫‪783‬‬
‫وقفة مع اضطراب املناهج الفقهية‬
‫إن العرض الساب عن مد ثبات املناهج الفقهية عل قواعدها األصولية‬
‫يكشف عن متيُّز املنهج املذهيب بثبات أكب عل منهج واضح يف االستنباط‬
‫واالستدالل‪ ,‬وتوضح أن املنهج املذهيب ‪ -‬وإن كان يق يف اضطرا ت منهجية‬
‫أثناء عملية االجتها الفقهي‪ ,‬إال أعه ‪ -‬امتاز عضواء علماء اإلسالِ الكبار منذ‬
‫أ ِ السلف إىل أ منا هذه حت لوائه وظالله‪ ,‬وامتاز هؤالء العلماء بتفوقهم يف‬
‫علوِ القرآن والسنة والفقه وأصوله واللغة وغريها‪ ,‬فتتابعوا عل هتذيب مذاهبهم‬
‫وحتريرها وتنقيحها وتقوَيها‪ ,‬وهي امليزة اليت مل تتوفر يف املنهجني اآلخرين مقارعةً‬
‫ملنهج املذهيب‪.8‬‬
‫ولذلر فإن املذهب الفقهي ‪ -‬وإن كان ينسب إىل إماِ معني‪ ,‬إال أعه يف‬
‫احلقيقة ‪ -‬خالصة اجتها ات آالف مؤلفة من العلماء املتفننني يف علوِ الشريعة‬
‫واللغة‪ ,‬ساروا عل منهج إمامهم يف االستنباط واالستدالل‪ ,‬والتزموا لكثري من‬
‫اجتها اته‪ ,‬وخالفوه يف بعضها؛ ع را لضعف ليد إمامهم‪ ,‬أو ملخالفته منهجه‬
‫املخرجة عل منهجه‪.‬‬
‫الذي سار عليه‪ ,‬وأضافوا للمذهب الكثري من املسائد َّ‬
‫وما زال فقهاء كد مذهب فقهي يهذبون ويضيفون ويستدلون ويستدركون‪,‬‬
‫وع هلمده ومسائله من عتاج إماِ‬
‫حىت بنوا بناء اخما‪ ,‬كان الكثري من قواعده هل‬
‫املذهب‪ ,‬أما الكم الكبري من املسائد واالجتها ات فكاع إضافات م وف‬
‫القواعد األصولية إلمامهم‪.‬‬

‫‪ . 8‬ينبغي االعياف أبن العلم تناقص يف القرون األخرية مقارعة لقرون السابقة إىل القرن العا ر ا جري‬
‫تقريبا‪ ,‬والدليد أن موسوعات وأمهات العلوِ الشرعية واللغوية هي من منتجات تلر القرون الذهبية‪.‬‬
‫‪784‬‬
‫وا دف من التهذيب والتحرير الذي َيارسه علماء كد مذهب ‪ -‬عل‬
‫اختالف طبقاهتم ‪ -‬هو حتقي االعضباط مبنهج اجتها ي مطر ؛ لكيال جتتم يف‬
‫املذهب مسائد متنافرة ومتناقضة من حيث طريقة البناء االجتها ي‪ ,‬حبيث‬
‫يستبعد الفقيه املدق احملق عسبة تلر املسائد ملذهب فقهي واحد‪.‬‬
‫ومن املهم التنبيه إىل أن عملية التهذيب والتحرير ال يهلقصد منها االتفاق‬
‫عل رأي واحد يف مجي املسائد الفقهية اليت انقشها املذهب؛ ألن هذا مما يتعذر‬
‫كد مذهب فقهي مئات اآلالف من املسائد الفرعية‪ ,‬وهذه‬ ‫حتقيقه‪ ,‬فقد انقش ُّ‬
‫املسائد غالباً ما تكون أ لتها ظنية يف ثبوهتا أو اللتها‪ ,‬و لتايل يستحيد عمليا أن‬
‫تتف مئات العقول عل رأي واحد فيها‪ ,‬ولكن الغرض هو تقليص ائرة‬
‫االختالف ضمن املذهب الفقهي الواحد من خالل حترير معتمد الفتو ‪.‬‬
‫وهنا قد يقول قائد‪ :‬إن عو اضطراب املنهج السلفي واملنهج التيسريي‬
‫َيكن أن تهللص ملنهج املذهيب‪ ,‬فها هو الشافعي يبطد االستحسان‪ ,‬ولكنه‬
‫يستحسن أحياان‪ ,‬وها هم األحناف َينعون ختصيص القرآن حبديث اآلحا ‪,‬‬
‫ولكنهم خيصصوعه آلحا أحياان‪ ,‬وها هم املالكية حيتجون أحياان بعمد أهد‬
‫املدينة م حتق اختالفهم‪ ,‬يف قائمة طويلة يثريها خصوِ املذهبية الفقهية‪.‬‬
‫واجلواب أن علماء املذاهب الفقهية ضبطوا مناهجها االجتها ية بقواعد‬
‫أصولية‪ ,‬وقواعد حديثية‪ ,‬وقواعد فقهية‪ ,‬ومجعوا املسائد املتشاِبة واملتناظرة‪ ,‬وميَّزوا‬
‫املسائد اليت تشيك م بعضها يف أحكاِ وختتلف يف أحكاِ أخر ‪ ,‬وغري ذلر‪,‬‬
‫فضبطوا مناهجهم االجتها ية‪ ,‬واطَّر وا يف اجتها هم‪ ,‬فاستنبطوا األحكاِ الشرعية‪,‬‬

‫‪785‬‬
‫تش ُّذ مسائد عن‬
‫وفرعوا واستخرجوا عليها‪ ,‬يف حالة تواف الن رية م التطبي ‪ ,‬وقد هل‬
‫َّ‬
‫فينصون عل خروجها عن قواعدهم ألسباب معينة‪ ,‬ولكد قاعدة واذ‪.‬‬ ‫قواعدهم‪ُّ ,‬‬
‫فعل سبيد املثال‪ ,‬أبطد اإلماِ الشافعي رمحه هللا االستحسان‪ ,‬وألَّف يف‬
‫إبطاله كتاب "إبطال االستحسان"‪ ,‬وقال كلمته املشهورة‪" :‬من استحسن فقد‬
‫َّرع"‪ ,8‬ولكنه أخذ الستحسان يف عدة مسائد‪ ,7‬منها استحساعه تغليظ اليمني‬
‫حللف عل املصحف‪ ,‬فقال‪" :‬رأي مطرفاً بصنعاء حيلف عل املصحف‪ ,‬وقد‬
‫كان من حكاِ اآلفاق من يستحلف عل املصحف‪ ,‬وذلر عندي حسن"‪.3‬‬
‫واجلواب عما يبدو تناقضا يف رأي اإلماِ الشافعي هو أن االستحسان الذي‬
‫أعكره هو احلكم بغري ليد من الكتاب أو السنة أو اإلمجاع أو القيام‪ ,‬فقد قال‪:‬‬
‫"ال جيوز ملن استأهد أن يكون حاكما أو مفتيا أن حيكم وال أن يفيت إال من جهة‬
‫خب الزِ‪ ,‬وذلر الكتاب‪ ,‬مث السنة‪ ,‬أو ما قاله أهد العلم ال خيتلفون فيه‪ ,‬أو‬
‫قيام عل بعض هذا‪ ,‬ال جيوز له أن حيكم وال يفيت الستحسان؛ إذ مل يكن‬
‫االستحسان واجبا وال يف واحد من هذه املعاين"‪ ,4‬أما استحساعه احللف عل‬
‫املصحف فألن الشرع ور لتغليظ يف اليمني الفاجرة زماان ومكاان‪ ,‬فكأن‬
‫الشافعي قام عليه التغليظ حللف عل املصحف‪.5‬‬

‫‪ .8‬هناية املطلب للجويين (‪ ,)423/81‬واملستصف للغزايل (‪ ,)828‬واأل باه والن ائر للسبكي‬
‫(‪.)894/7‬‬
‫‪ .7‬منها أعه استحسن يف املتعة أن تقدر ثالثني رمها‪ ,‬ويف مدة الشفعة ثالثة أ ِ‪.‬‬
‫‪ .3‬السنن الكب (‪ ,)799/81‬ومعرفة السنن واآلاثر (‪ ,)317/84‬كالمها للبيهقي‪.‬‬
‫‪ .4‬األِ للشافعي (‪.)383/2‬‬
‫‪ .5‬اع ر البحر احمليط للزركشي (‪.)813/1‬‬
‫‪783‬‬
‫ومن األمثلة أيضا أعه حيرِ عند األحناف اجلم يف عكاح بني املرأة وعمتها‪,‬‬
‫أو بني املرأة وخالتها‪ ,‬واستدلوا بقوله ‪" :‬ال تنكح املرأة عل عمتها وال عل‬
‫خالتها"‪ ,8‬وخصصوا به قول هللا ‪" :‬وأن جتمعوا بني األختني إال ما قد سلف‬
‫إن هللا كان غفورا رحيما‪ ,‬واحملصنات من النساء إال ما ملك أَياعكم كتاب هللا‬
‫عليكم وأحد لكم ما وراء ذلكم"‪.7‬‬
‫حديث آحا ‪ ,‬وهو ال خيصص قرآانً‬‫هل‬ ‫فا ُّعي عل األحناف أبن احلديث‬
‫حسب مذهبهم‪ ,‬فناقش األحناف هذه الدعو ‪ ,‬وأثبتوا أن هذا احلديث مشهور‬
‫برواية عد من الصحابة‪ ,‬منهم علي بن أيب طالب وعبدهللا بن مسعو وأبو هريرة‬
‫وأبو موس األ عري وابن عبام وابن عمر وعبدهللا بن عمرو بن العاص وجابر بن‬
‫عصوا عليه يف‬
‫عبدهللا وأبو سعيد اخلدري وأع بن مالر وعائشة وغريهم ‪ ,‬وقد ُّ‬
‫كتبهم‪ ,‬منها قول اإلماِ العيين رمحه هللا (‪155-237‬هـ)‪" :‬وال جيم بني املرأة‬
‫وعمتها وخالتها أو ابنة أخيها أو ابنة أختها؛ لقوله عليه السالِ ‪" :‬ال تنكح املرأة‬
‫عل عمتها وال عل خالتها وال عل ابنة أخيها وال عل ابنة أختها"‪ ,‬وهذا‬
‫مشهور‪ ,‬جتوز الز ة عل الكتاب مبثله"‪.3‬‬
‫أمــا بعــض علمــاء املنهج ـني‪ :‬الســلفي والتيســريي فــإهنم يضــطربون يف األصــول‬
‫اليت ينطلقون منها يف االجتها ‪ ,‬فلـو انقشـنا ‪ -‬علـ سـبيد املثـال ‪ -‬قضـية التوقيـف‬
‫يف العبـا ات‪ ,‬لوجــدان أن الشــيخ عبــدالعزيز بــن ز رمحــه هللا قـَّـرر يف فتــاو كثــرية أن‬

‫‪ .8‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬


‫‪ .7‬سورة النساء‪ ,‬آية (‪ )73‬و (‪.)74‬‬
‫‪ .3‬البناية رح ا داية للعيين (‪.)31/5‬‬
‫‪782‬‬
‫العب ــا ات توقيفي ــة‪ ,‬وأن املش ــروع منه ــا يقتص ــر علـ ـ م ــا ور يف الكت ــاب والس ــنة‪,8‬‬
‫وعنــدما قـ َّـرر ‪ -‬ضــمن اللجنــة الدائمــة لإلفتــاء ‪ -‬بدعيــة احتفــاالت حفــاظ القــرآن‬
‫وصــن الوليمــة ِبــذه املناســبة اســتند عل ـ أعــه "مل يعــرف عنــه ‪ ‬وال عــن أحــد مــن‬
‫اخللفــاء الرا ــدين ‪ ,7"‬وعنــدما قـ َّـرر بدعيــة الق ـراءة عنــد القبــور اســتند عل ـ عف ـ‬
‫األصـد؛ ألن "العبـا ات تهلتل َّقـ مـن الرســول ‪ ‬أو مـن القـرآن‪ ,‬وال حيـتج فيهـا بقــول‬
‫ص ـ ــاحب وال غ ـ ــريه‪ ,‬م ـ ــا ع ـ ــدا اخللف ـ ــاء الرا ـ ــدين"‪ ,3‬وعن ـ ــدما ق ـ ـ َّـرر بدعي ـ ــة التكب ـ ــري‬
‫اجلماعي‪ ,‬استند يف فتواه عل عف األصد‪ ,‬وأهنا "ال جيوز أن تؤخذ إال من القرآن‬
‫أو الس ــنة الص ــحيحة أو اإلمج ــاع"‪ ,4‬ولكن ــه عن ــدما ق ـ َّـرر اس ــتحباب ع ــاء اخل ــتم يف‬
‫الصالة استند عل فعد السلف وعمد أئمة الدعوة‪.5‬‬
‫اخلالصة‬
‫إن أبرز ما يستخلص من هذا الفصد يتمثد يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ ‬تتقاسم الساحة الفقهية يف عصران احلاضر ثالثةهل مناهج خمتلفة‪:‬‬

‫‪ .8‬جمموع فتاو العالمة عبدالعزيز بن ز (‪ )351/7‬و (‪ )357/1‬و (‪ )812/9‬و (‪ )481/88‬و‬


‫(‪ )45/83‬و (‪ )731/83‬و (‪ )382/83‬و (‪ ,)71/31‬والفتاو تناول مناقشة عدة أعواع من‬
‫العبا ات‪ ,‬وحكم عليها لتحرمي أو البدعة أو عدِ املشروعية‪ ,‬وقصرت العبا ات املشروعة عل ما ور‬
‫يف القرآن والسنة فقط‪.‬‬
‫‪ .7‬فتاو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء (‪ ,)411/7‬والفتو تزيد اخللفاء الرا دين كمصدر‬
‫للعبا ات املشروعة‪.‬‬
‫‪ .3‬فتاو عور عل الدرب (‪ ,)741/84‬والفتو تؤكد االقتصار عل اخللفاء الرا دين فقط ‪ -‬ون‬
‫غريهم من الصحابة ‪ -‬كمصدر للعبا ات املشروعة‪.‬‬
‫‪ .4‬جمموع فتاو العالمة عبدالعزيز بن ز (‪ ,)77/83‬والفتو تزيد اإلمجاع كمصدر للعبا ات املشروعة‪.‬‬
‫‪ .5‬جمموع فتاو العالمة عبدالعزيز بن ز (‪.)354/88‬‬
‫‪781‬‬
‫‪ .8‬املنهج املذهيب‪ ,‬وير أصحابه جواز التزاِ مذهب فقهي معني‪ ,‬ويفرعون‬
‫خيرجون عنه إذا ظهر‬
‫مستجدات املسائد عل عصوص مذهبهم وأصوله‪ ,‬وقد هل‬
‫م ضعفه ومرجوحيته يف مسألة ما‪.‬‬
‫‪ .7‬املنهج السلفي‪ ,‬ويعتمد عل االجتها املبا ر يف عصوص الكتاب والسنة‪ ,‬وال‬
‫يلتزِ أصحاِبا مذهبا فقهيا معينا‪ ,‬بد هلحيرِ بعضهم ذلر‪ ,‬ومنهم من يصحح‬
‫االلتزاِ ملذهب الفقهي إال إذا خالفه الدليد‪.‬‬
‫‪ .3‬املنهج التيسريي‪ ,‬ويشيك م املنهج السلفي يف عدِ االلتزاِ أبي مذهب‬
‫فقهي‪ ,‬ويتصف يف الوق عفسه لرف والتيسري يف اجتها اته وفتاواه‪.‬‬
‫‪ ‬تتقاط تلر املناهج الثالثة يف بعض أحكامها ويف اعتساب بعض العلماء‬
‫املعاصرين إليها‪ ,‬إذ كلها يوجب عل العامي ‪ -‬وهو الذي ال َيلر أ وات‬
‫االجتها الشرعي ‪ -‬أن أيخذ بفتاو العلماء فيما جهله من أمر ينه‪,‬‬
‫وتوجب عل العامل ‪ -‬وهو الذي َيلر أ وات االجتها الشرعي ‪ -‬أن جيتهد‬
‫يف استنباط األحكاِ الشرعية‪.‬‬
‫‪ ‬وتتقاط تلر املناهج الثالثة يف اعتساب بعض العلماء املعاصرين إليها‪ ,‬حبيث‬
‫َيكن وصف عامل إىل منهجني من تلر املناهج الثالثة‪.‬‬
‫‪ ‬موطن االختالف بني تلر املناهج الثالثة يتمحور حول حكم االلتزاِ‬
‫ملذاهب الفقهية‪ ,‬فبينما يلتزِ املنهج املذهيب ملذاهب الفقهية األربعة‪ ,‬فإن‬
‫املنهجني‪ :‬السلفي والتيسريي ال يلتزمان مذهبا فقهيا حمد ا‪ ,‬وإمنا جيتهدون‬
‫ويرجحون وخيتارون‪.‬‬

‫‪789‬‬
‫‪ ‬يتميز املنهج الفقهي املذهيب عل املنهجني اآلخرين‪ :‬السلفي والتيسريي لتزاِ‬
‫أ َّق بقاعون منضبط يف االجتها واالستنباط‪.‬‬
‫‪ ‬بعض علماء املنهج السلفي واملنهج التيسريي ال يلتزمون طريقة اجتها ية‬
‫مطر ة‪ ,‬ولذلر يقعون يف االضطراب من حني آلخر‪.‬‬
‫‪ ‬يق املنهج املذهيب يف اضطرا ت اجتها ية‪ ,‬ولكن علماء املذهب الفقهي‬
‫تتابعوا عل تنقيحها وحتريرها؛ لتفوقهم يف علوِ الشريعة واللغة‪.‬‬
‫‪ ‬مت التدليد عل ما سب ختيار منوذج لكد منهج‪ ,‬فتم اختيار الشيخ األلباين‬
‫كنموذج للمنهج السلفي‪ ,‬والدكتور يوسف القرضاوي كنموذج للمنهج‬
‫التيسريي‪ ,‬واملذهب الشافعي كنموذج للمنهج املذهيب‪.‬‬

‫‪771‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬املنهج املذهيب‬

‫‪778‬‬
777
‫الفصل الثالث‪ :‬املنهج املذهيب‬
‫مقدمة‬
‫من املعلوِ والثاب رعاً وعقالً أن أفهاِ النام ومداركهم العقلية ختتلف من‬
‫خص آلخر‪ ,‬فمنهم اثقب الن ر قي الفهم عمي الفكر‪ ,‬ومنهم ضعيف الن ر‬
‫سقيم الفهم سطحي التفكري‪ ,‬وقد قرر هللا ‪ ‬هذا االختالف يف العقول بقوله‬
‫‪" :‬وإذا جاءهم أمر من األمن أو اخلوف أذاعهلوا به‪ ,‬ولو رُّوه إىل الرسول وإىل‬
‫أويل األمر منهم لعلمه الذين يستنبطوعه منهم"‪ ,‬أي يستخرجوعه من معا عه؛‬
‫لصحة عقو م وحسن ع رهم‪ ,8‬فاالستنباط هو اجتها العلماء املؤهلني يف‬
‫استخراج األحكاِ الشرعية من مصا رها املعتبة‪.‬‬
‫وما من عصر من العصور‪ ,‬إال وكان فيه أهد الن ر الثاقب والفهم الدقي ‪,‬‬
‫خيد عصر أو جيد من تلر‬ ‫وكان فيه أهد الن ر الضعيف والفهم السقيم‪ ,‬ومل هل‬
‫الفئتني‪ ,‬بد إن عصر الصحابة ‪ - ‬وهم أقرب العصور إىل زمن النبوة والرسالة ‪-‬‬
‫خيد من وجو مها‪ ,‬فقد كان يف الصحابة ‪ ‬أئمة يف العلم والفتو ‪ ,‬وكان فيهم‬ ‫مل هل‬
‫قاصرون عن تلر الرتبة العليا‪.‬‬
‫ومما يدل لذلر أن عمر بن اخلطاب ‪ ‬ملا عزِ عل حتذير النام يف موسم‬
‫احلج مما يقال عن بيعة أيب بكر الصدي ‪ ,‬قال له عبدالرمحن بن عوف ‪:‬‬
‫" أمري املؤمنني ال تفعد‪ ,‬فإن املوسم جيم رعاع النام وغوغاءهم‪ ,‬فإهنم هم‬
‫الذين يغلبون عل قربر حني تقوِ يف النام‪ ,‬وأان أخش أن تقوِ‪ ,‬فتقول مقالةً‪,‬‬
‫يهلطريها عنر كد هلمطري‪ ,‬وأن ال يـعهلوها‪ ,‬وأن ال يضعوها عل مواضعها‪ ,‬فأمهد حىت‬

‫‪ .8‬اع ر تفسري الطبي وابن كثري لآلية (‪ )13‬من سورة النساء‪.‬‬


‫‪773‬‬
‫تقدِ املدينة‪ ,‬فإهنا ار ا جرة والسنة‪ ,‬فتخلص أبهد الفقه وأ راف النام‪ ,‬فتقول‬
‫ما قل متمكناً‪ ,‬فيعي أهد العلم مقالتر‪ ,‬ويضعوهنا عل مواضعها"‪.8‬‬
‫وقد كان الصحابة ‪ ‬عل مراتب متفاوتة يف فقه الدين‪ ,‬ومل يكوعوا كلهم‬
‫أهد فتيا‪ ,‬بد كان فيهم اجملتهد القا ر عل استخراج األحكاِ من النصوص‪,‬‬
‫وفيهم من مل يبلغ تلر املرتبة العليا‪ ,‬فكان يسأ م عن األحكاِ‪ ,‬وأيخذها عنهم‪.‬‬
‫وقد كان رسول هللا ‪ ‬يرسد الفقيه من الصحابة إىل القر واملدن اليت‬
‫خل يف اإلسالِ حديثا‪ ,‬أو بلغتها أصول الدعوة اإلسالمية من توحيد هللا وعبذ‬
‫الشرك‪ ,‬فيتبعوعه فيما يفتيهم به من أحكاِ احلالل واحلراِ‪ ,‬وإذا توقف أحدهم عند‬
‫حا ثة‪ ,‬ال يعلم فيها عصا صرحيا اجتهد رأيه فيها‪ ,‬فيقلده أهد تلر الناحية؛ ثقة‬
‫فيه ويف علمه‪.‬‬
‫رسول هللا ‪ ‬معاذ بن جبد ‪ ‬عندما أرسله إىل اليمن معلما‪,‬‬ ‫وقد أيد هل‬
‫فسأله ‪ :‬إن مل جيد يف كتاب هللا وال سنة رسوله ‪ ‬كيف يقضي‪ ,‬فقال معاذ‪:‬‬
‫أجتهد رأيي‪ ,‬وال آلو‪ ,‬فضرب رسول هللا ‪ ‬صدره وقال‪" :‬احلمد هلل الذي وف‬
‫رسول رسول هللا ملا يرضي رسول هللا"‪.7‬‬
‫قال اإلماِ اخلطايب رمحه هللا (‪311-389‬هـ)‪" :‬يريد االجتها يف ر القضية‬
‫من طري القيام إىل معىن الكتاب والسنة‪ ,‬ومل يهلر الرأي الذي يسنح له من قبد‬

‫‪ .8‬رواه البخاري وأمحد‪.‬‬


‫‪ .7‬رواه أمحد وأبو او واليمذي‪.‬‬
‫‪774‬‬
‫عفسه أو خيطر بباله عن غري أصد من كتاب أو سنة‪ ,‬ويف هذا إثبات القيام‬
‫وإجياب احلكم به"‪.8‬‬
‫وقد اقتض حكمة هللا ‪ ‬أن ال يكون النام عل رجة واحدة يف العلم‬
‫والفهم‪ ,‬إذ فيهم‪:‬‬
‫‪ .8‬العامل اجملتهد‪ ,‬وهو القا ر عل استنباط األحكاِ الشرعية من مصا رها املعتبة‪,‬‬
‫ككتاب هللا ‪ ‬وسنة رسوله ‪ ‬والقيام عليهما واإلمجاع وف منهج‬
‫اجتها ي صحيح‪.‬‬
‫‪ .7‬العامي الذي ال َيلر أ ىن مقدرة عل استنباط األحكاِ الشرعية بنفسه‪ ,‬ومل‬
‫يلتزِ مبذهب فقهي معني‪ ,‬وإمنا يقتصر عل سؤال العلماء يف عوازله‪ ,‬ومذهبه‬
‫مذهب مفتيه‪.‬‬
‫‪ .3‬من كان بني هاتني الدرجتني‪ ,‬كاجملتهد املنتسب ملذهب فقهي‪ ,‬وهو الذي‬
‫صح عنده أصول أحد األئمة اجملتهدين‪ ,‬فاختذها منهجا له يف استنباط‬
‫األحكاِ الشرعية‪ ,‬وكاملقلد ملذهب فقهي‪ ,‬وهو الذي التزِ مبذهب أحد األئمة‬
‫اجملتهدين يف أصوله وفروعه‪ ,‬وبني اجملتهد املنتسب واملقلد عدة مراتب‪.7‬‬
‫قال اإلماِ الزركشي رمحه هللا‪" :‬العلوِ عوعان‪ :‬عوع يشيك يف معرفته اخلاصة‬
‫والعامة‪ ,‬ويهلعلم من الدين لضرورة‪ ,‬كاملتواتر‪ ,‬فال جيوز التقليد فيه ألحد‪ ,‬كعد‬

‫‪ .8‬معامل السنن للخطايب (‪.)89/3‬‬


‫‪ . 7‬عرض مراتب اجملتهدين يف الفصد األول‪ ,‬واع ر مباحث االجتها والتقليد يف كتب األصول‪,‬‬
‫كاملستصف للغزايل (‪ ,)347‬والبحر احمليط للزركشي (‪ ,)773/1‬والتقرير والتحبري البن أمري احلاج‬
‫(‪ )798/3‬وغريها‪.‬‬
‫‪775‬‬
‫الركعات‪ ,‬وتعيني الصالة‪ ,‬وحترمي األمهات والبنات والزىن واللواط‪ ,‬فإن هذا مما ال‬
‫يش عل العامي معرفته‪ ,... ,‬وعوع خمتص معرفته خلاصة‪ ,‬والنام فيه ثالثة‬
‫ضروب‪ :‬جمتهد‪ ,‬وعامي‪ ,‬وعامل مل يبلغ رتبة االجتها ‪ ,‬أحدها العامي الصرف‪,‬‬
‫واجلمهور عل أعه جيوز له االستفتاء‪ ,‬وجيب عليه التقليد يف فروع الشريعة مجيعها‪,‬‬
‫‪ ,...‬الثاين العامل الذي حصد بعض العلوِ املعتبة‪ ,‬ومل يبلغ رتبة االجتها ‪ ,‬فاختار‬
‫ابن احلاجب وغريه أعه كالعامي الصرف؛ لعجزه عن االجتها ‪ ,‬وقال قوِ‪ :‬ال جيوز‬
‫ذلر‪ ,‬وجيب عليه معرفة احلكم بطريقه‪ ,... ,‬قال ابن املنري‪ :‬واملختار أهنم‬
‫جمتهدون‪ ,‬ملتزمون أن ال حيدثوا مذهبا‪ ,‬أما كوهنم جمتهدين؛ فألن األوصاف قائمة‬
‫ِبم‪ ,‬وأما كوهنم ملتزمني أن ال حيدثوا مذهبا؛ فألن إحداث مذهب زائد حبيث‬
‫اعد مباينة لسائر قواعد املتقدمني متعذر الوجو ‪,‬‬ ‫يكون لفروعه أصول وقو هل‬
‫الستيعاب املتقدمني سائر األساليب‪ ,... ,‬الثالث أن يبلغ املكلف رتبة االجتها ‪,‬‬
‫فإن كان اجتهد يف الواقعة فال جيوز له تقليد غريه من اجملتهدين فيها‪ ,... ,‬وإن مل‬
‫يكن قد اجتهد ففيه بضعة عشر مذهبا"‪.8‬‬
‫مكانة الفهم الصحيح يف اإلسالم‬
‫ولقد أوىل اإلسالِ مكاعةً عاليةً للفهم الصحيح إذا صدر من أهله الراسخني‬
‫علي بن أيب‬
‫يف العلم‪ ,‬واملتمكنني من االجتها ‪ ,‬فقد سأل أبو جحيفة سيدان َّ‬
‫طالب ‪ :‬هد عندكم يء من الوحي إال ما يف كتاب هللا؟ فقال علي ‪" :‬ال‬
‫والذي فل احلبة وبرأ النسمة‪ ,‬ما أعلمه إال افهماً‪ ,‬يعطيه هللا رجال يف القرآن‪ ,‬وما‬

‫‪ .8‬البحر احمليط للزركشي (‪.)337/1‬‬


‫‪773‬‬
‫يف هذه الصحيفة"‪ ,‬فقال أبو جحيفة‪ :‬وما يف هذه الصحيفة؟ فقال علي ‪:‬‬
‫"العقد‪ ,‬وفكاك األسري‪ ,‬وأن ال يهلقتد مسلم بكافر"‪.8‬‬
‫علي بن أيب طالب ‪ ‬أن من الدين افهم العلماء لنصوص‬ ‫فقد ع َّد هل‬
‫سيدان ُّ‬
‫الشريعة‪ ,‬وأن أهد الفهم الصحيح يتميزون عل من ال يتمكنون من الغوص يف‬
‫معاعيها‪ ,‬قال احلافظ ابن حجر رمحه هللا‪" :‬إ ان أعط هللا رجال افهماً يف كتابه‪ ,‬فهو‬
‫يقدر عل االستنباط‪ ,‬فتحصد عنده الز ة بذلر االعتبار"‪ ,7‬وقال أيضا‪" :‬واملرا‬
‫ما يفهم من فحو لفظ القرآن‪ ,‬ويستدل به من طن معاعيه"‪.3‬‬
‫الفهم من العلماء املؤهلني لالجتها امتدحه الشرع‪ ,‬ورتب عليه‬
‫وإذا صدر هل‬
‫الفهم الصواب عند هللا ‪‬‬
‫هل‬ ‫أجراً واحداً‪ ,‬وهو أجر االجتها الصحيح‪ ,‬فإن واف‬
‫رتَّب عليه الشرع أجرا اثعيا‪ ,‬وهو أجر إصابة احل ‪ ,‬يقول رسول هللا ‪" :‬إذا حكم‬
‫احلاكم‪ ,‬فاجتهد فأصاب‪ ,‬فله أجران‪ ,‬وإذا حكم‪ ,‬فاجتهد فأخطأ‪ ,‬فله أجر"‪.4‬‬
‫الفهم من غري أهد لالجتها فال أجر له عل اجتها ه‪ ,‬حىت‬
‫أما إن صدر هل‬
‫وإن واف الصواب؛ ألن إصابته للح أت اتفاقا‪ ,‬ولي عن حسن ع ر و قة‬
‫اجتها ‪ ,‬بد هو آمث؛ لتعديه عل الشرع بغري وجه ح ‪.‬‬

‫‪ .8‬رواه البخاري وأمحد والنسائي واليمذي وابن ماجه‪ ,‬قال احلافظ ابن حجر يف ب كتابة العلم يف‬
‫الفتح‪" :‬وإمنا سأله أبو جحيفة عن ذلر؛ ألن مجاعةً من الشيعة كاعوا يزعمون أن عند أهد البي ‪ -‬ال‬
‫سيما عليا ‪ - ‬أ ياء من الوحي‪ ,‬خصهم النيب ‪ِ ‬با‪ ,‬مل يطل غريهم عليها"‪.‬‬
‫‪ .7‬فتح الباري البن حجر‪ ,‬ب كتابة العلم‪.‬‬
‫‪ .3‬فتح الباري البن حجر‪ ,‬ب العاقلة‪.‬‬
‫‪ .4‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫‪772‬‬
‫قال اإلماِ النووي رمحه هللا‪" :‬قال العلماء‪ :‬أمج املسلمون عل أن هذا‬
‫احلديث يف حاكم عامل أهد للحكم‪ ,‬فأما من لي أبهد للحكم فال حيد له‬
‫احلكم‪ ,‬فإن حكم فال أجر له‪ ,‬بد هو آمث‪ ,‬وال ينفذ حكمه‪ ,‬سواء واف احل أِ‬
‫ال؛ ألن إصابته اتفاقية‪ ,‬ليس صا رة عن أصد رعي‪ ,‬فهو عاص يف مجي‬
‫أحكامه‪ ,‬سواء واف الصواب أِ ال‪ ,‬وهي مر و ة كلها‪ ,‬وال يعذر يف يء من‬
‫ذلر‪ ,‬وقد جاء يف احلديث‪" :8‬القضاة ثالثة‪ :‬قاض يف اجلنة‪ ,‬واثنان يف النار‪,‬‬
‫قاض عرف احل ‪ ,‬فقض به‪ ,‬فهو يف اجلنة‪ ,‬وقاض عرف احل ‪ ,‬فقض خبالفه‪,‬‬
‫فهو يف النار‪ ,‬وقاض قض عل جهد‪ ,‬فهو يف النار"‪.7‬‬
‫وقال اإلماِ الشاطيب رمحه هللا‪" :‬االجتها الواق يف الشريعة ضر ن‪ :‬أحدمها‬
‫االجتها املعتب رعا‪ ,‬وهو الصا ر عن أهله الذين اضطلعوا مبعرفة ما يفتقر إليه‬
‫االجتها ‪ ,‬وهذا هو الذي تقدِ الكالِ فيه‪ ,‬والثاين‪ :‬غري املعتب‪ ,‬وهو الصا ر عمن‬
‫لي بعارف مبا يفتقر االجتها إليه؛ ألن حقيقته أعه رأي مبجر التشهي‬
‫واألغراض‪ ,‬وخبط يف عماية‪ ,‬واتباع للهو ‪ ,‬فكد رأي صدر عل هذا الوجه فال‬
‫مرية يف عدِ اعتباره؛ ألعه ضد احل الذي أعزل هللا"‪.3‬‬
‫أن عقوبة النار اليت استحقها قاضي اجلهد مل تيتب‬ ‫وينبغي هنا مالح ةهل َّ‬
‫عل كوعه أخطأ يف قضائه‪ ,‬وإال لقال ‪" :‬وقاض قض عل جهد‪ ,‬فأخطأ‪ ,‬فهو‬
‫يف النار"‪ ,‬ولكن العقوبة استحقها ذلر القاضي؛ ألعه قض عل جهد‪ ,‬فهو يف‬

‫‪ .8‬حديث القضاة الثالثة رواه أبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬


‫‪ .7‬رح صحيح مسلم للنووي‪ ,‬ب بيان أجر احلاكم إذا اجتهد‪ ,‬فأصاب أو أخطأ‪.‬‬
‫‪ .3‬املوافقات للشاطيب (‪.)838/5‬‬
‫‪771‬‬
‫ع ر الشرع متجرؤ عل مقاِ اإلفتاء والقضاء‪ ,‬فاستح العقوبة‪ ,‬ون الن ر إىل‬
‫احتمال إصابته للح ‪.‬‬
‫ومثة مالح ة أخر تتعل حبديث حكم احلاكم‪ ,‬وإصابته للح أو اخلطأ‬
‫كد فهم صا ر من عامل‬
‫فيه‪ ,‬فإن احلديث ينص عل أعه لي لضرورة أن يكون ُّ‬
‫مؤهد لالجتها صوا ً‪ ,‬فقد جيتهد اجملتهد الكفء املؤهد‪ ,‬فيصيب أحياان‪ ,‬وخيطئ‬
‫َّ‬
‫أحياان‪ ,‬فله يف األوىل أجران‪ ,‬وله يف الثاعية أجر واحد‪ ,‬وبناء عل ذلر فإن‬
‫كد جمتهد مصيباً‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫الصحيح أن لكد جمتهد عصيباً‪ ,‬ولي‬
‫قال اإلماِ النووي رمحه هللا‪" :‬وقد اختلف العلماء يف أن كد جمتهد مصيب‪,‬‬
‫أِ املصيب واحد‪ ,‬وهو من واف احلكم الذي عند هللا‪ ,‬واآلخر خمطئ‪ ,‬ال إمث عليه؛‬
‫لعذره‪ ,‬واألصح عند الشافعي وأصحابه أن املصيب واحد‪ ,‬وقد احتج الطائفتان‬
‫ِبذا احلديث‪ ,8‬أما األولون القائلون‪ :‬كد جمتهد مصيب فقالوا‪ :‬قد هلجعد للمجتهد‬
‫أجر‪ ,‬فلوال إصابته مل يكن له أجر‪ ,‬وأما اآلخرون فقالوا‪َّ :‬اه خمطئا‪ ,‬ولو كان‬
‫مصيبا مل يسمه خمطئا‪ ,‬وأما األجر فإعه حصد له عل تعبه يف االجتها ‪ ,‬قال‬
‫األولون‪ :‬إمنا اه خمطئا؛ ألعه حممول عل من أخطأ النص‪ ,‬أو اجتهد فيما ال‬
‫يسوغ فيه االجتها ‪ ,‬كاجملم عليه وغريه‪ ,‬وهذا االختالف إمنا هو يف االجتها يف‬
‫الفروع‪ ,‬فأما أصول التوحيد فاملصيب فيها واحد إبمجاع من يعتد به"‪.7‬‬

‫‪ .8‬يعين حديث رسول هللا ‪" :‬إذا حكم احلاكم فاجتهد فأصاب فله أجران‪ ,‬وإذا حكم فاجتهد فأخطأ‬
‫فله أجر"‪ ,‬وقد سب خترجيه‪.‬‬
‫‪ . 7‬رح صحيح مسلم للنووي‪ ,‬ب بيان أجر احلاكم إذا اجتهد‪ ,‬فأصاب أو أخطأ‪ ,‬واع ر كالِ احلافظ‬
‫ابن حجر يف ب أجر احلاكم إذا اجتهد‪ ,‬فأصاب أو أخطأ‪ ,‬يف فتح الباري‪ ,‬فإعه عقد عن املازري أن‬
‫القول أبن املصيب واحد هو قول أكثر أهد التحقي من الفقهاء واملتكلمني‪ ,‬وهو مروي عن األئمة‬
‫‪779‬‬
‫وقال اإلماِ املناوي رمحه هللا (‪8138-957‬هـ)‪" :‬والصحيح ‪ -‬وفاقاً‬
‫للجمهور ‪ -‬أن املصيب يف الفروع واحد‪ ,‬وهلل تعاىل فيما حكم عليه أمارة‪ ,‬وأن‬
‫اجملتهد كلف إبصابته‪ ,‬وأن خمطئه ال أيمث‪ ,‬بد يؤجر‪ ,‬فمن أصاب فله أجران‪ ,‬ومن‬
‫أخطأ فأجر‪ ,‬ععم إن قصر اجملتهد أمث اتفاقا‪ ,‬وعل غري اجملتهد أن يقلد مذهبا‬
‫معينا"‪.8‬‬
‫وقال أبو احلسني العمراين رمحه هللا (‪551-419‬هـ)‪" :‬إذا اجتهد اثنان أو‬
‫كد واحد منهم اجتها هله إىل خالف ما أ األخر‬ ‫َّ‬ ‫أكثر يف حا ثة‪ ,‬فأ َّ‬
‫اجتها هله إليه‪ ,‬ع رت‪ ,‬فإن كان ذلر يف أصول الدين‪ ,‬مثد الرؤية وخل القرآن‬
‫وخل األفعال وما أ به ذلر‪ ,7‬فإن احل واحد من األقوال؛ ألن هللا تعاىل قد‬
‫عصب ليال عليها‪ ,‬كلَّف اجملتهد إصابته‪ ,‬فإن أخطأه كان مذموما عند هللا‪ ,‬وبه‬
‫قال عامة أهد العلم‪ ,... ,‬وإن كان يف الفروع‪ ,‬اختلف أهد العلم فيه عل ثالثة‬
‫مذاهب‪ :‬فاألول منهم من قال‪ :‬احل عند هللا يف واحد من األقوال‪ ,... ,‬فمن أ اه‬
‫اجتها ه إليه كان مصيبا عند هللا‪ ,‬ومصيبا يف احلكم‪ ,‬وله أجران‪ ,... ,‬وإن أخطأه‬
‫كان خمطئا عند هللا‪ ,‬خمطئا يف احلكم‪ ,... ,‬وبه قال مالر ومجاعة من أهد العلم‪,‬‬
‫واملذهب الثاين منهم من قال‪ :‬احل عند هللا تعاىل يف واحد من األقوال‪ ,‬فمن أ اه‬
‫اجتها ه إليه كان مصيبا عند هللا يف احلكم‪ ,‬وله أجران‪ ,‬فإن أخطأه كان خمطئا‬

‫األربعة‪ ,‬وإن حكي عن كد منهم اختالف فيه‪ ,‬اعته ‪ ,‬واع ر الفتاو الكب الفقهية البن حجر ا يتمي‬
‫(‪ ,)383/4‬فقد توس يف حبث هذا املوضوع‪.‬‬
‫‪ .8‬فيض القدير للمناوي (‪.)719/8‬‬
‫‪ .7‬يعتقد أهد السنة واجلماعة أن املؤمنني يرون هللا ‪ ‬يف اجلنة‪ ,‬وأن القرآن كالِ هللا غريهل خملوق‪ ,‬وأن هللا‬
‫‪ ‬خيل أفعال عبا ه‪.‬‬
‫‪731‬‬
‫عند هللا‪ ,‬ومصيبا يف احلكم‪ ,... ,‬وبه قال أبو حنيفة وأهد العراق‪ ,‬واملذهب‬
‫الثالث منهم من قال‪ :‬كد جمتهد مصيب‪ ,‬واحل يف قول كد واحد من اجملتهدين‪,‬‬
‫‪ ,...‬وبه قال األ عرية واملعتزلة وأكثر املتكلمني‪ ,‬واختلف أصحابنا يف حكاية‬
‫مذهب الشافعي يف ذلر‪ ,‬فذهب أبو إسحاق املروزي والقاضي أبو الطيب وأكثر‬
‫أصحابنا إىل أن مذهبه هو األول"‪.8‬‬
‫اجتماع الفقه يف املذاهب األربعة‬
‫من م اهر عصمة هللا ‪ ‬لألمة اإلسالمية يف جمموعها‪ 7‬أهنا مل تسلم قيا ها‬
‫مدع لالجتها ‪ ,‬بد أذعن وسلَّم ألهد الرسوخ يف العلم‪ ,‬ومنهم‬ ‫وزمامها لكد َّ‬
‫األئمة األربعة املشهورون‪ :‬أبو حنيفة النعمان بن اثب ‪ ,‬ومالر بن أع ‪ ,‬وحممد‬
‫بن إ ري الشافعي‪ ,‬وأمحد بن حنبد‪ ,‬رمحهم هللا مجيعا‪.‬‬
‫ومل تقتصر ملكة االجتها عل هؤالء األربعة‪ ,‬بد وصد إىل رتبة االجتها‬
‫املطل يف الدين أئمة هلكثهلر‪ ,‬فمنهم من الصحابة أئمة الفتو ‪ ,‬كاخللفاء األربعة‬
‫وعبدهللا بن مسعو والعبا لة األربعة‪ 3‬وزيد بن اثب ومعاذ بن جبد وأيب بن كعب‬

‫‪ .8‬البيان للعمراين (‪.)59/83‬‬


‫‪ .7‬قال رسول هللا ‪" :‬إن هللا أجاركم من ثالث خالل‪ :‬أن ال يدعو عليكم عبيكم‪ ,‬فتهلكوا مجيعا‪ ,‬وأن‬
‫ال ي هر أهد الباطد عل أهد احل ‪ ,‬وأن ال جتتمعوا عل ضاللة"‪ ,‬رواه أبـو او ‪ ,‬وقال ‪" :‬إن هللا ال‬
‫جيم أميت ‪ -‬أو قال أمة حممد ‪ - ‬عل ضاللة‪ ,‬ويد هللا عل اجلماعة‪ ,‬ومن ذ ذ إىل النار"‪ ,‬رواه‬
‫اليمذي‪ ,‬وقال‪" : ‬إن أميت ال جتتم عل ضاللة‪ ,‬فإذا رأيتم اختالفا‪ ,‬فعليكم لسوا األع م"‪ ,‬رواه ابن‬
‫ماجه‪.‬‬
‫‪ .3‬عبدهللا بن عبام وعبدهللا بن عمر وعبدهللا بن الزبري وعبدهللا بن عمرو بن العاص ‪.‬‬
‫‪738‬‬
‫وعائشة أِ املؤمنني ‪ ,‬ومن التابعني فقهاء املدينة السبعة‪ 8‬وسامل بن عبدهللا وزين‬
‫العابدين علي بن احلسني وعطاء بن أيب ر ح وعمرو بن ينار وسعيد بن جبري‬
‫وعلقمة بن قي واألسو بن يزيد وعبيدة السلماين واحلسن البصري وحممد بن‬
‫سريين وعامر بن راحيد الشعيب وطاووم بن كيسان وحممد الباقر ومسروق بن‬
‫األجدع رمحهم هللا‪ ,‬وممن بعدهم جعفر الصا ق والليث بن سعد وسفيان بن عيينة‬
‫وسفيان الثوري واألوزاعي وإسحاق بن راهويه وأبو ثور و او بن علي ال اهري‬
‫والبخاري وابن جرير الطبي وغريهم‪ ,‬رمحهم هللا مجيعا‪.‬‬
‫لكن كثرياً من فتاو أولئر األئمة مل يتهيأ ا من يدوهنا؛ إما لعدِ وجو‬
‫و َّ‬
‫التالميذ الفقهاء الذين ينصرون املذهب ويدوعوعه وينشروعه‪ ,7‬أو لعدِ وجو من‬
‫يتمذهب به من ذوي اجلاه والسلطان‪ ,‬أو لطبيعة املذهب املتشد ة‪ ,‬أو لغري ذلر‬
‫من األسباب‪ ,3‬فضاع هذه الثروة االجتها ية الع يمة‪ ,‬وقض عليها عا ت‬
‫الزمن‪ ,‬وحفظ هللا مذاهب األئمة األربعة‪ ,‬فاتبعتهم األمة اإلسالمية املعصومة يف‬
‫جمموعها منذ قرون إىل يومنا هذا‪ ,‬وبقي بقية من اجتها ات غريهم من الفقهاء‬
‫حمفوظةً يف كتب الفقه والتفسري واحلديث‪.‬‬

‫‪ .8‬عبيدهللا بن عبدهللا بن عتبة بن مسعو وعروة بن الزبري بن العواِ والقاسم بن حممد بن أيب بكر‬
‫الصدي وسعيد بن املسيب وأبو بكر بن عبدالرمحن بن احلارث وسليمان بن يسار وخارجة بن زيد بن‬
‫اثب ‪ ,‬وكلهم من التابعني ‪.‬‬
‫‪ .7‬قال اإلماِ الشافعي رمحه هللا‪" :‬الليث أفقه من مالر إال أن أصحابه مل يقوموا به"‪ ,‬وقال حيىي بن بهلكري‬
‫ولكن احلهل وة ملالر"‪ ,‬اع ر سري أعالِ النبالء للذهيب (‪.)853/1‬‬
‫رمحه هللا‪" :‬الليث أفقه من مالر‪َّ ,‬‬
‫‪ .3‬راسة اترخيية للفقه وأصوله واالجتاهات اليت ظهرت فيهما للدكتور مصطف اخلن (‪.)882‬‬
‫‪737‬‬
‫التقيد مبذهب واحد بني اجلواز واحلرمة‬
‫إذا مل يصد املسلم إىل مرتبة االجتها يف الدين فإعه حيب عليه سؤال العلماء‬
‫عن أمور ينه‪ ,‬والدليد عل وجوب سؤال العلماء واستفتائهم عند عدِ العلم قوله‬
‫تعاىل‪" :‬فاسألوا أهد الذكر إن كنتم ال تعلمون"‪.‬‬
‫قال القرطيب رمحه هللا (‪328-...‬هـ)‪" :‬فـ ارض العامي الذي ال يشتغد‬
‫ستنباط األحكاِ من أصو ا؛ لعدِ أهليته فيما ال يعلمه من أمر ينه‪ ,‬وحيتاج‬
‫إليه‪ ,‬أن يقصد أعلم من يف زماعه وبلده‪ ,‬فيسأله عن انزلته‪ ,‬فيمتثد فيها فتواه؛‬
‫لقوله تعاىل‪" :‬فاسألوا أهد الذكر إن كنتم ال تعلمون"‪ ,... ,‬وعل العامل أيضا‬
‫فرض أن يقلد عاملا مثله يف انزلة‪ ,‬خفي عليه فيها وجه الدليد والن ر‪ ,‬وأرا أن‬
‫جيد الفكر فيها والن ر‪ ,‬حىت يقف عل املطلوب‪ ,‬فضاق الوق عن ذلر‪,‬‬
‫وخاف عل العبا ة أن تفوت‪ ,‬أو عل احلكم أن يذهب"‪.8‬‬
‫ومن األ لة كذلر قوله تعاىل‪" :‬وما كان املؤمنون لينفروا كافَّة فلوال عفر من‬
‫كد فرقة منهم طائفة ليتفقهوا يف الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم‬
‫حيذرون"‪.‬‬
‫قال القرطيب رمحه هللا‪" :‬هذه اآلية أصد يف وجوب طلب العلم؛ ألن املعىن‪:‬‬
‫وما كان املؤمنون لينفروا كافة‪ ,‬والنيب ‪ ‬مقيم ال ينفر‪ ,‬فييكوه وحده‪" ,‬فلوال عفر"‬
‫بعد ما علموا أن النفري ال يس مجيعهم‪" ,‬من كد فرقة منهم طائفة"‪ ,‬وتبق بقيتها‬
‫م النيب ‪‬؛ ليتحملوا عنه الدين ويتفقهوا‪ ,‬فإذا رج النافرون إليهم أخبوهم مبا‬
‫عوا وعلموه‪ ,‬وىف هذا إجياب التفقه يف الكتاب والسنة‪ ,‬وأعه عل الكفاية ون‬

‫‪ .8‬تفسري القرطيب لآلية (‪ )821‬من سورة البقرة‪.‬‬


‫‪733‬‬
‫األعيان‪ ,‬ويدل عليه أيضا قوله تعاىل‪" :‬فاسألوا أهد الذكر إن كنتم ال تعلمون"‪,‬‬
‫فدخد يف هذا من ال يعلم الكتاب والسنن"‪.8‬‬
‫وقال ابن كثري رمحه هللا‪" :‬وقد يقال‪ :‬إن هذا بيان ملرا ه تعاىل من عفري‬
‫األحياء كلها و رذمة من كد قبيلة إن مل خيرجوا كلهم؛ ليتفقه اخلارجون م الرسول‬
‫مبا ينزل من الوحي عليه‪ ,‬وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم مبا كان من أمر العدو‪,‬‬
‫فيجتم م األمران يف هذا النفري‪ ,‬وبعده ‪ ‬تكون الطائفة النافرة من احلي إما‬
‫للتفقه وإما للجها ‪ ,‬فإعه فرض كفاية عل األحياء"‪.7‬‬
‫ومن األ لة كذلر قوله تعاىل‪" :‬واجعلنا للمتقني إماما"‪ ,‬أي قدوة وأئمة‬
‫يقتد بنا يف اخلري‪ ,‬وال يتأت ذلر إال أن يكون الداعي ِبذا الدعاء متقيا قدوة‪,‬‬
‫وهذه اآلية عامة يف االقتداء لعلماء الراسخني واالهتداء لصاحلني املتقني‪.3‬‬
‫وقد ل واق الصحابة ‪ ‬أهنم كاعوا يف مراتب متفاوتة يف فقه الدين‪ ,‬ومل‬
‫يكوعوا كلهم أهد فتيا‪ ,‬بد كان فيهم اجملتهد القا ر عل استخراج األحكاِ من‬
‫النصوص‪ ,‬وفيهم من مل يبلغ تلر املرتبة العليا‪ ,‬فكان يسأ م عن األحكاِ‪,‬‬
‫وأيخذها عنهم‪.‬‬
‫فإذا اتضح لدينا وجوب سؤال العلماء واألخذ عنهم‪ ,‬فإن سؤاال يطرح عفسه‬
‫عن حكم التزاِ عامل ‪ -‬أو مذهب ‪ -‬واحد بعينه يف كد مسائد احلالل واحلراِ‪,‬‬
‫واجلواب أعه قد ثب لدليد الواضح وجوب سؤال العلماء عند اجلهد حلكم‪ ,‬ومل‬

‫‪ .8‬تفسري القرطيب لآلية (‪ )877‬من سورة التوبة‪.‬‬


‫‪ .7‬تفسري ابن كثري لآلية (‪ )877‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫‪ .3‬تفسري القرطيب وابن كثري لآلية (‪ )24‬من سورة الفرقان‪.‬‬
‫‪734‬‬
‫أيت ليد بعد ذلر عل وجوب التزاِ عامل بعينه‪ ,‬وكذلر مل أيت ليد عل‬
‫حرمته‪ ,‬حبيث جيب سؤال عد من العلماء‪ ,‬وإمنا الواجب فقط سؤال العلماء‬
‫الراسخني؛ لقوله تعاىل‪" :‬فاسألوا أهد الذكر إن كنتم ال تعلمون"‪.‬‬
‫وبناء عل ذلر فإعه ال جيب وال حيرِ التزاِ عامل ‪ -‬أو تقليد مذهب ‪ -‬عل‬
‫سبيد الدواِ واالستمرار‪ ,‬بد جيوز التزاِ عامل ‪ -‬أو تقليد مذهب ‪ -‬معني‪ ,‬وجيوز‬
‫عدِ التزامه أيضا‪ ,‬وجيوز كذلر التنقد من عامل ‪ -‬أو مذهب ‪ -‬آلخر كليا أو‬
‫جزئيا بضوابط حمد ة‪.8‬‬
‫قال يخ اإلسالِ ابن تيمية رمحه هللا‪" :‬إذا عزل ملسلم انزلة فإعه يستفيت‬
‫من اعتقد أعه يفتيه بشرع هللا ‪ ‬ورسوله ‪ ,‬من أي مذهب كان‪ ,‬وال جيب عل‬
‫أحد من املسلمني تقليد خص بعينه من العلماء يف كد ما يقول‪ ,... ,‬واتباع‬
‫الشخص ملذهب خص بعينه؛ لعجزه عن معرفة الشرع من غري جهته إمنا هو مما‬
‫يسوغ له‪ ,‬ولي هو مما جيب عل كد أحد‪ ,‬إذا أمكنه معرفة الشرع بغري ذلر‬
‫الطري "‪.7‬‬
‫وملخص ما تقدِ أعه جيوز للمسلم التزاِ عامل ‪ -‬أو مذهب ‪ -‬بعينه‪ ,‬وجيوز‬
‫عدِ االلتزاِ أيضا‪ ,‬أبن يستفيت املسلم عدة علماء يف مسألة واحدة أو مسائد‬
‫عدة‪ ,‬وقد ل سنة رسول هللا ‪ ‬وواق الصحابة والتابعني عل ذلر‪ ,‬فقد أرسد‬
‫رسول هللا ‪ ‬الرسد للقر والنواحي‪ ,‬فكان الرسول مرج أهد انحيته يف أحكاِ‬
‫الدين‪ ,‬ولو وجب تعد سؤال العلماء ألرسد رسول هللا ‪ ‬رسولني ‪ -‬عل األقد‬

‫‪ .8‬انقش تلر الضوابط يف الفصد اخلام ‪ ,‬واع ر املوسوعة الفقهية الكويتية (‪.)834/83‬‬
‫‪ .7‬الفتاو الكب البن تيمية (‪.)713/8‬‬
‫‪735‬‬
‫‪ -‬إىل كد انحية؛ حىت تكون مسئوليتهما يف الفتيا مناصفة بينهما‪ ,‬وألمر ‪‬‬
‫املسلمني يف كد انحية أن ال يقتصروا عل هلمف واحد‪ ,‬وألمرهم أن يعد وا‬
‫مفتيهم‪ ,‬وهذه الطريقة النبوية من أبرز األ لة عل جواز التزاِ عامل ‪ -‬أو مذهب ‪-‬‬
‫معني عل سبيد الدواِ‪.‬‬
‫وأما إرسال رسول هللا ‪ ‬أ موس األ عري ومعاذ بن جبد رضي هللا‬
‫عنهما إىل اليمن‪ ,‬فقد كان كد واحد منهم عل خمالف – أي إقليم ‪ ,-‬وكان‬
‫اليمن خمالفني‪ ,8‬وأما إرساله ‪ ‬علي بن أيب طالب وخالد بن الوليد رضي هللا‬
‫عنهما إىل ران من أرض اليمن قبيد حجة الو اع‪ ,‬فقد أوصاهم أن جيتمعا إن‬
‫حدث قتال‪ ,‬وماعدا ذلر فقد جعد رسول هللا ‪ ‬كد واحد منهما عل جند ‪-‬‬
‫أي عل أرض ‪.7-‬‬
‫وأرسد عمر بن اخلطاب إىل الكوفة عبدهللا بن مسعو رضي هللا عنهما‬
‫هلمعل ما‪ ,‬فمألها علما وفقها وقرآان‪ ,‬وملا اعتقد إليها أمري املؤمنني علي بن أيب طالب‬
‫‪ ‬فرح؛ لكثرة فقهائها‪ ,‬وقال‪" :‬رحم هللا ابن أِ عبد‪ ,‬قد مأل هذه القرية علما"‪,3‬‬
‫وقد كان منا ي اخلليفة األموي ينا ي يف موسم احلج‪" :‬ال يفيت النام إال عطاء‬
‫بن أيب ر ح‪ ,‬فإن مل يكن عطاء فعبدهللا بن أيب يح"‪ ,4‬وكان منا ي اخلليفة‬
‫العباسي ينا ي يف موسم احلج‪" :‬ال يفيت النام إال مالر بن أع وعبدالعزيز بن‬

‫‪ .8‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي‪.‬‬


‫‪ .7‬رواه أمحد واليمذي‪.‬‬
‫‪ .3‬اع ر املبسوط للسرخسي (‪ ,)31/83‬وفقه أهد العراق وحديثهم للكوثري (‪.)47‬‬
‫‪ .4‬سري أعالِ النبالء للذهيب (‪ ,)17/5‬بد جاء يف ذرات الذهب البن العما (‪ :)841/8‬أن ال يفيت‬
‫أحد إال عطاء‪.‬‬
‫‪733‬‬
‫أيب سلمة املاجشون"‪ ,8‬فهد هذا إال جتويز من أهد القرون الفاضلة التباع عامل‬
‫واحد أو مذهب معني!؟‬
‫وقال ابن القيم رمحه هللا‪" :‬والدين والفقه والعلم اعتشر يف األمة عن أصحاب‬
‫ابن مسعو وأصحاب زيد بن اثب وأصحاب عبدهللا بن عمر وأصحاب عبدهللا‬
‫بن عبام ‪ ,‬فعلم النام عامته عن أصحاب هؤالء األربعة‪ ,‬فأما أهد املدينة‬
‫فعلمهم عن أصحاب زيد بن اثب وعبدهللا بن عمر‪ ,‬وأما أهد مكة فعلمهم عن‬
‫أصحاب عبدهللا بن عبام‪ ,‬وأما أهد العراق فعلمهم عن أصحاب عبدهللا بن‬
‫مسعو ‪.7"‬‬
‫وقال العز بن عبدالسالِ رمحه هللا (‪331-521‬هـ)‪" :‬إن ويل ‪ -‬أي توىل‬
‫القضاء ‪ -‬مقلد؛ لعدِ اجملتهد‪ ,‬فهد يلزمه االقتصار عل قول إمامه أو ال يلزمه‬
‫ذلر؟ األصد عدِ اللزوِ‪ ,‬وهو األقرب إىل عا ة املتقدمني‪ ,‬فإهنم ما كاعوا حيجرون‬
‫عل العواِ اتباع عامل واحد‪ ,‬وال أيمرون من سأل أحدهم عن مسألة أن ال يسأل‬
‫غريه‪ ,‬لكن األوىل عندي يف ح القاضي لزوِ طريقة واحدة‪ ,‬وأعه إذا قلد إماما ال‬
‫يعدل عنه لغريه"‪.3‬‬

‫‪ .8‬سري أعالِ النبالء للذهيب (‪ )388/2‬و (‪.)819/1‬‬


‫‪ .7‬إعالِ املوقعني البن القيم (‪.)51/8‬‬
‫‪ .3‬مواهب اجلليد للحطاب (‪ ,)93/3‬واع ر التاج واإلكليد للمواق (‪ ,)32/1‬ومنح اجلليد للشيخ‬
‫عليش (‪ ,)734/1‬وكلها روح ملنت خليد‪.‬‬
‫‪732‬‬
‫ملاذا املذاهب الفقهية األربعة؟‬
‫وقد اختلف وجهات الن ر يف األسباب اليت ع علماء املسلمني الكبار‬
‫منذ القرن الراب ا جري إىل االعضواء حت م لة املذاهب الفقهية األربعة‪ ,‬إذ إن‬
‫سوغ للفقهاء الكبار أن‬ ‫تقليد العامة ا أمر مقبول ومفهوِ‪ ,‬ولكن ما الذي َّ‬
‫ينتسبوا للمذاهب األربعة؟ وملاذا مل جيتهدوا كما اجتهد الذين من قبلهم؟ فهد كاعوا‬
‫مقصرين عتساِبم للمذاهب األربعة وتقليدهم ا؟ أِ إهنم اعتسبوا ا ألسباب‬
‫وجيهة عتهم لذلر؟‬
‫لقد اعضو حت راية كد مذهب فقهي علماء كبار وقامات اخمة يف اء‬
‫العلم والفقه والتقو والورع‪ ,‬وقد كن أرغب يف تعدا بعضهم‪ ,‬ولكن القائمة‬
‫كد أولئر الفقهاء بلغ ِبم الكسد والفتور واحملاكاة‬
‫ستطول جدا‪ ,‬فهد يعقد أن َّ‬
‫والتقليد والتعصب مبلغاً‪ ,‬جعلهم يعطلون عقو م‪ ,‬ويكتفون بي يد عبارات من‬
‫سبقهم‪ ,‬يدورون يف فلكها‪ ,‬ويتمحورون حو ا‪ ,‬ويتعصبون ا‪ ,‬وينافحون عنها ‪-‬‬
‫كما يزعم بعض العلماء غري املذهبيني ‪-‬؟‬
‫ولألسف الشديد فقد قال ِبذه املزاعم املفياة عاة وعلماء مشهورون‪,8‬‬
‫فمنهم السيد ساب عفا هللا عنه‪ ,‬وقد قدَّمنا قوله‪" :‬إالَّ أن النام بعدهم ‪ -‬أي بعد‬
‫األئمة األربعة ‪ -‬فيت مهمهم‪ ,‬وضعف عزائمهم‪ ,‬وحترك فيهم غريزة احملاكاة‬

‫‪ .8‬منهم السيد صدي حسن خان القنَّوجي‪ ,‬وقد انقش بعض أقواله يف الفصد الراب ‪ ,‬ومنهم املعصومي‬
‫اخلجندي الذي رَّ عليه الدكتور البوطي يف كتابه الالمذهبية أخطر بدعة هتد الشريعة اإلسالمية‪ ,‬ومنهم‬
‫السيد ساب يف مقدمة كتابه فقه السنة‪ ,‬وقد كاع الشبه تدور حول اهتاِ املذهبية الفقهية لتعصب‬
‫والتحزب والتفرق والبدعة‪.‬‬
‫‪731‬‬
‫والتقليد‪ ,‬فاكتف كد مجاعة منهم مبذهب معني ين ر فيه‪ ,‬ويعول عليه‪ ,‬ويتعصب‬
‫له‪ ,‬ويبذل كد ما أو من قوة يف عصرته‪ ,‬وينزل قول إمامه منزلة قول الشارع‪ ,‬وال‬
‫يستجيز لنفسه أن يفيت يف مسألة مبا خيالف ما استنبط إمامه‪ ,... ,‬و لتقليد‬
‫والتعصب للمذاهب فقدت األمة ا داية لكتاب والسنة‪ ,‬وحدث القول عسدا‬
‫ب االجتها ‪ ,... ,‬وكان من آاثر ذلر أن اختلف امللة يعا وأحزا ‪ ,‬كما كان‬
‫من آاثر ذلر اعتشار البدع‪ ,‬واختفاء معامل السنن‪ ,‬ومخو احلركة العقلية‪ ,‬ووقف‬
‫النشاط الفكري‪ ,‬وضياع االستقالل العلمي"‪.8‬‬
‫إن هذا الزعم حري أن يشمله حتذير النيب ‪ ‬بقوله‪" :‬إذا قال الرجد‪ :‬هلر‬ ‫َّ‬
‫النام‪ ,‬فهو أهلكهم"‪ ,7‬قال النووي رمحه هللا‪" :‬اتف العلماء عل أن هذا الذِ إمنا‬
‫هو فيمن قاله عل سبيد اإلزراء عل النام واحتقارهم وتفضيد عفسه عليهم‬
‫وتقبيح أحوا م‪ ,‬قالوا‪ :‬فأما من قال ذلر حتزان ملا ير يف عفسه ويف النام من‬
‫النقص يف أمر الدين فال أبم عليه‪ ,‬وقال اخلطايب‪ :‬معناه ال يزال الرجد يعيب‬
‫النام‪ ,‬ويذكر مساويهم‪ ,‬ويقول‪ :‬فسد النام وهلكوا وحنو ذلر‪ ,‬فإذا فعد ذلر‬
‫فهو أهلكهم‪ ,‬أي أسوأ حاالً منهم مبا يلحقه من اإلمث يف عيبهم والوقيعة فيهم‪,‬‬
‫ورمبا أ اه ذلر إىل العجب بنفسه ورؤيته أعه خري منهم"‪.3‬‬
‫إن مع م ا عاءات معارضي املنهج املذهيب تتلخص يف الدعاو التالية‪:‬‬

‫‪ .8‬فقه السنة للسيد ساب (‪ ,)88/8‬وهذا كالِ خطري وجمازفة جريئة من السيد الساب يف ح علماء‬
‫املذاهب الفقهية وأمة اخلريية‪.‬‬
‫‪ .7‬رواه مسلم وأبو او ‪ ,‬وقد هلروي "أهلكهم" عل وجهني‪ :‬رف الكاف وفتحها‪ ,‬والرف أ هر‪ ,‬ومعناه‬
‫أ دُّهم هالكاً‪ ,‬وأما رواية الفتح فمعناها هو جعلهم هالكني‪ ,‬ال أهنم هلكوا يف احلقيقة‪.‬‬
‫‪ .3‬رح النووي عل صحيح مسلم‪.‬‬
‫‪739‬‬
‫‪ .8‬أمهل املذاهب الفقهية االستدالل لكتاب والسنة‪ ,‬ومل هتتد ِبما‪.‬‬
‫‪ .7‬عطَّل املذاهب الفقهية حركة االجتها ‪ ,‬فصار فقهاء كد مذهب ير ون‬
‫أقوال علمائهم‪ ,‬وال يضيفون عليها جديدا‪.‬‬
‫‪ .3‬أ َّت املذاهب الفقهية إىل التعصب املذموِ‪ ,‬واالعتصار لقول املذهب‪.‬‬
‫‪ .4‬عشرت املذاهب الفقهية روح التحزب والتفرق‪.‬‬
‫تكوع املذاهب الفقهية عتيجةً للكسد والفتور وضعف ا مة‪.‬‬ ‫‪َّ .5‬‬
‫وأجدين مضطرا لتفنيدها بهة بهة؛ ألهنا حمض ا عاءات وافياءات‪ ,‬ال‬
‫يدعمها ليد‪ ,‬وال يؤيدها برهان‪ ,‬وحيوِ حو ا سوءهل ال ن بعلماء املسلمني‬
‫وصاحليهم‪ ,‬ولكين ‪ -‬قبد ذلر ‪ -‬أؤكد أن املنهج املذهيب عشأ ألسباب أخر ‪,‬‬
‫وسأعرضها بعد عسف هذه اخليوط العنكبوتية؛ مدافعا عن هلحَّرام الشريعة‬
‫اإلسالمية رمحهم هللا مجيعا‪ ,‬وسأقتصر يف التدليد والتمثيد عل املذهب الشافعي‪.‬‬
‫تفنيد شبهات حول املنهج املذهيب‬
‫مر مبراحد‬
‫إن الفقه ‪ -‬مبعىن معرفة األحكاِ الشرعية للمسائد الفرعية ‪َّ -‬‬
‫متعد ة‪ ,‬فقد كان رسول هللا ‪ ‬بني ظهراين أصحابه ‪ ,‬يعلمهم ويفقههم‬
‫ويفتيهم‪ ,‬وكان الصحابة ‪ ‬يقتدون بفعله‪ ,‬وأيمترون أبمره‪ ,‬وينتهون بنهيه‪ ,‬وكان‬
‫مدوان‪,‬‬
‫رسلهله جيتهدون إذا أعوزهم النص الشرعي من كتاب أو سنة‪ ,‬ومل يكن الفقه َّ‬
‫ومل تكن النوازل كثرية‪.‬‬
‫فلما مات رسول هللا ‪ ‬كان فقهاء الصحابة ‪ ‬جيتهدون فيما عزل ِبم من‬
‫عوازل‪ ,‬وكاعوا أحياان خيتلفون َّأوالً مث يتفقون آخراً‪ ,‬كما حدث يف قضية حروب‬
‫الر ة ومج القرآن الكرمي‪ ,‬ولكنهم أحياان كاعوا خيتلفون فيستقر خالفهم ويستمر‪,‬‬

‫‪741‬‬
‫وينتقد إىل من بعدهم‪ ,‬كاختالفهم يف مرياث اجلد واإلخوة ومعىن األقراء وعدة‬
‫احلامد املتوىف عنها زوجها وغريها‪.‬‬
‫فأخذت ائرة االختالف تتس يئا فشيئا‪ ,‬ولعد مما ساعد عل هذا‬
‫التوس املطَّر لدائرة اخلالف الفقهي اتساع رقعة الدولة اإلسالمية‪ ,‬واعتقال‬
‫الصحابة ‪ ‬يف األمصار واألصقاع‪ ,‬وعزول النوازل الكثرية‪ ,‬وتفاوت العلماء يف‬
‫االطالع عل السنة إذ مل تكن قد هلوع بعد‪ ,‬واختالفهم يف فهم النصوص‬
‫يدون علم الفقه‪ ,‬وإمنا كان ينقد لرواية واألساعيد‪.‬‬
‫الشرعية‪ ,‬ورغم ذلر فلم َّ‬
‫وقد اتسع ائرة اخلالف يف أ ِ التابعني رمحهم هللا اتساعا أكب مما كان‬
‫يف عهد الصحابة ‪ ,‬وعشأت مدرستان متمايزاتن‪ :‬مدرسة احلديث يف احلجاز‬
‫ومدرسة الرأي يف العراق‪ ,‬ومتتد جذورمها إىل الصحابة ‪ ,‬فمدرسة احلديث متتد‬
‫جذورها إىل عد من الصحابة كعبدهللا بن عمر‪ ,‬ومدرسة الرأي متتد إىل عد‬
‫منهم كعبدهللا بن مسعو ‪ ,‬والنسبة للحديث والرأي عسبة أغلبية‪ ,‬وإال فإن كال‬
‫املدرستني يقوِ عل احلديث والرأي‪.‬‬
‫مث ظهرت يف عصر أتباع التابعني مدارم االجتها الفقهي‪ ,‬وبدأت حركة‬
‫التأليف والتدوين؛ ع را لكثرة املسائد الفقهية وصعوبة حف ها وخشية ضياعها‪,‬‬
‫ومتيزت املذاهب األربعة أبئمتها وأصحاِبم ومنهجيتهم‪ ,‬فكتب هللا ا البقاء‪.‬‬
‫وها هنا أي موض اخلالف بني املذهبيني وخمالفيهم‪ ,‬فقد رأ علماء‬
‫املسلمني منذ منتصف القرن الثالث ا جري تقريبا االلتزاِ ملذاهب الفقهية‬
‫األربعة‪ ,‬وهو أ به ما يكون إلمجاع العملي عل التمسر مبدارسها واجتها اهتا‪.‬‬

‫‪748‬‬
‫فما الذي جعد فقهاء املسلمني ‪ -‬وفيهم املفسرون واحملدثون واألصوليون‬
‫واللغويون ‪ -‬يتمسكون ملذاهب األربعة‪ ,‬ويعضون عليها لنواجذ؟! وملاذا مل‬
‫جيتهدوا كما اجتهد الذين من قبلهم؟! أهو الكسد والفتور أِ العجز والضعف أِ‬
‫احملاكاة والتقليد أِ التعصب والتحزب؟! أِ إهنم اعتسبوا ا ألسباب وجيهة غري ما‬
‫يذكره خصومهم؟!‬
‫‪ .1‬دعوى إمهال االستدالل ابلكتاب والسنة‬
‫من الدعاو اليت زعمها خصوِ املنهج املذهيب إمهال علمائها لالستدالل‬
‫لكتاب والسنة عل املسائد الفقهية‪ ,‬وأكب ليد عل ذلر ‪ -‬حسب زعمهم ‪-‬‬
‫أن بعض الكتب الفقهية تكا ختلو من الدليد‪.‬‬
‫واحلقيقة أن هذه الدعو تؤكد أن خصوِ املنهج املذهيب ال يعرفون كيف‬
‫تكوع املذاهب الفقهية‪ ,‬وال يدركون منهجية التأليف فيها‪ ,‬وال يدركون أغراض‬
‫الفقهاء يف مؤلَّفاهتم‪.‬‬
‫فقد جرت عا ة الفقهاء رمحهم هللا أن يسريوا عل منهج حمد يف آتليفهم‪,‬‬
‫فمنهم من يؤلف قاصداً مناقشة املسائد الفقهية مناقشة مقارعة‪ ,‬املة تقرير األ لة‬
‫وذكر اخلالف ومآخذ األقوال‪ ,‬حبيث تبين هذه املؤلفات ملكة فقهية عند طالِبا‪,‬‬
‫ومن أبرز الكتب الفقهية اليت تسري عل هذا املنهج كتاب "األِ" لإلماِ الشافعي‬
‫رمحه هللا‪.‬‬
‫ومن أبرزها أيضا كتاب "هناية املطلب" إلماِ احلرمني اجلويين رمحه هللا‪ ,‬قال‬
‫مهذب لإلماِ‬‫يف املقدمة‪" :‬وأبتهد إليه يف تيسري ما مهم فتتاحه من مذهب َّ‬
‫املطليب الشافعي ‪ ,‬حيوي تقرير القواعد وحترير الضوابط واملعاقد‪ ,‬يف تعليد‬

‫‪747‬‬
‫املفصد منها واجملموع‪ ,‬ومشتمد عل حد‬‫األصول وتبيني مآخذ الفروع وترتيب َّ‬
‫املشكالت وإ عة املعضالت والتنبيه عل املعاصات واملعوصات‪ ,‬ويغين عن‬
‫هل‬
‫االرتباك يف املتاهات واال تباك يف العما ت"‪ ,8‬وقد استدل يف كتابه مبا يقرب من‬
‫ألف ومخسمائة حديث عبوي‪ ,‬فكيف يهلزعم أبن املذاهب الفقهية أمهل‬
‫االستدالل لكتاب والسنة‪ ,‬ومل هتتد ِبما؟!‬
‫املوس ‪ ,‬بد يكون قصده اختصار‬‫ومن الفقهاء من ال يقصد هذا القصد َّ‬
‫الفقه يف أخصر الكلمات وأوجز العبارات‪ ,‬ومن أبرز الكتب الفقهية يف ذلر منت‬
‫أيب جاع أمحد بن احلسني األصفهاين رمحه هللا (‪593-533‬هـ)‪ ,‬قال يف‬
‫مقدمته‪" :‬سألين بعض األصدقاء حف هم هللا تعاىل أن أعمد خمتصرا يف الفقه عل‬
‫مذهب اإلماِ الشافعي رمحة هللا تعاىل عليه ورضواعه‪ ,‬يف غاية االختصار وهناية‬
‫اإلجياز؛ ليقرب عل املتعلم رسه‪ ,‬ويسهد عل املبتدي حف ه‪ ,‬وأن أكثر فيه من‬
‫التقسيمات وحصر اخلصال"‪.‬‬
‫ومن الفقهاء من يقرر املسائد الفقهية عل مذهبه‪ ,‬ويتوس فيها‪ ,‬وخيرج‬
‫عليها‪ ,‬ويناقش فقهاء مذهبه فيها‪ ,‬ولكنه يكتفي يف األ لة بعرضها ون مناقشة‬
‫م بيان صالحيتها لالحتجاج‪ ,‬ومن أبرز من سلر هذا املنهج الفقيه ابن حجر‬
‫ا يتمي رمحه هللا‪ ,‬فقد قال يف مقدمة كتابه "فتح اجلوا "‪" :‬وحيث قل هل فيه‪" :‬قال‬
‫صل هللا عليه وسلم"‪ ,‬أو "لقوله صل هللا عليه وسلم"‪ ,‬فاحلديث صحيح أو‬
‫حسن‪ ,‬وغريمها أبينه؛ لئال يغيَّ به من مل خيض حبار السنن"‪.7‬‬

‫‪ .8‬هناية املطلب للجويين (‪.)3/8‬‬


‫‪ .7‬فتح اجلوا البن حجر ا يتمي (‪.)3/8‬‬
‫‪743‬‬
‫وقد كان العلماء يدركون هذا االختالف يف مناهج الفقهاء املؤلفني‪ ,‬فلم‬
‫يكوعوا يعيضون عل مؤلَّف َّ‬
‫خلوه من ليد وتعليد‪ ,‬أو مناقشة وحماورة‪ ,‬إال أن‬
‫بعض املعاصرين ذهلوا عن تلر املناهج‪ ,‬فوصموا علماء املذاهب جبهلهم لكتاب‬
‫والسنة‪ ,‬وكتبهم خبلوها منهما‪.‬‬
‫وقد أ ار اإلماِ السخاوي رمحه هللا (‪917-138‬هـ) إىل هذه احلقيقة‪,‬‬
‫فقال‪" :‬وقد كاع ‪ -‬كما قرأته خبط الزين العراقي احلافظ خبطبة خترجيه األكب‬
‫لإلحياء ‪ -‬عا ة املتقدمني السكوت عل ما أور وه من األحا يث يف تصاعيفهم‪,‬‬
‫من غري بيان ملن أخرج ذلر احلديث من أئمة احلديث‪ ,‬ومن غري بيان للصحيح‬
‫من الضعيف‪ ,‬إال ان را‪ ,‬وإن كاعوا من أئمة احلديث‪ ,‬ولكنهم مشوا عل عا ة من‬
‫تقدمهم من الفقهاء‪ ,‬حىت جاء الشيخ حميي الدين النووي‪ ,‬فصار يسلر يف‬
‫تصاعيفه الفقهية الكالِ عل احلديث‪ ,‬وبيان من خرجه‪ ,‬وبيان صحته من ضعفه‪,‬‬
‫وهذا أمر مهم مفيد‪ ,‬فجزاه هللا خريا؛ ألعه حتمد عن انظر كتابه التطلب لذلر يف‬
‫كتب احلديث‪ ,‬واملتقدمون حييلون كد علم عل كتبه؛ حىت ال يغفد النام الن ر‬
‫يف كد علم من كتب أهله وم اعه‪ ,‬وهذا اإلماِ أبو القاسم الرافعي َيشي عل‬
‫طريقة الفقهاء م سعة علمه حلديث‪ ,‬حىت عنا يخنا احلافظ أ سعيد‬
‫العالئي يقول‪ :‬إن الرافعي أعرف حلديث من الشيخ حميي الدين‪ ,‬فتوقف يف‬
‫ذلر‪ ,‬فقال يل‪ :‬هذه أماليه تدل عل ذلر وعل معرفته مبصطلحات أهله‪,‬‬
‫وكذلر رح "مسند الشافعي" له‪ ,‬ولكد من العلماء قصد وعية عل حسب ما‬
‫وف له وأ م"‪.8‬‬

‫‪ .8‬املنهد العذب الروي يف ترمجة قطب األولياء النووي (‪.)88‬‬


‫‪744‬‬
‫ولذلر فال خيلو أي مذهب فقهي من املذاهب األربعة من التمسر‬
‫وصح عندهم‪ ,‬فمن‬
‫بدالالت الكتاب والسنة وف قواعد أصولية ثبت لديهم َّ‬
‫كتب املذهب الشافعي ‪ -‬عل سبيد املثال ‪:-‬‬
‫‪" ‬معرفة السنن واآلاثر" للبيهقي رمحه هللا (‪451-314‬هـ) يف مخسة عشر‬
‫جملداً‪ ,‬مج فيها ما وصد إليه من أ لة اإلماِ الشافعي عفسه‪.‬‬
‫‪" ‬حتفة احملتاج يف أ لة املنهاج" البن امللقن رمحه هللا (‪114-273‬هـ) يف‬
‫جملدين‪.‬‬
‫‪" ‬البدر املنري يف ختريج أحا يث رح الرافعي الكبري" البن امللقن يف جملدين‪.‬‬
‫‪" ‬التلخيص احلبري يف ختريج أحا يث رح الرافعي الكبري" للحافظ ابن حجر‬
‫العسقالين رمحه هللا (‪157-223‬هـ) يف جملدين‪.‬‬
‫‪ ‬كتب املذهب املوسعة ال تكا ختلو صفحة منها عن إ ارة لدليد‪ ,‬ولو بقو م‬
‫بعد املسألة الفقهية‪ :‬لالتباع رواه مسلم (مثالً)‪.‬‬
‫‪ ‬بعض كتب املذهب هتتم بذكر اخلالف يف املسألة م ذكر ومناقشة أ لة كد‬
‫مذهب‪ ,‬مثد "احلاوي الكبري" للماور ي رمحه هللا (‪451-334‬هـ)‪ ,‬و"البحر"‬
‫للرو ين رمحه هللا (‪517-485‬هـ) وغريمها‪.‬‬
‫وفقهاء املذاهب األربعة يسلكون مسلكا متوسطا وع را متوازان بني وجهيت‬
‫ع ر متناقضتني‪ :‬األوىل رُّ العامل املتمذهب للدليد الشرعي م قدرته عل الن ر يف‬
‫هجوِ من مل يتمكن من أ وات االجتها الشرعي عل تطبي‬ ‫هل‬ ‫األ لة‪ ,‬والثاعية‬
‫حديث صحيح‪ ,‬جاهالً مبا ور يف املسألة من أ لة أخر ‪ ,‬وغافالً عما قد ير‬
‫عل احلديث من ذوذ أو علة‪.‬‬

‫‪745‬‬
‫قال اإلماِ النووي رمحه هللا‪" :‬صح عن الشافعي رمحه هللا أعه قال‪" :‬إذا‬
‫وجدمت يف كتايب خالف سنة رسول هللا ‪ ‬فقولوا بسنة رسول هللا ‪ ,‬و عوا‬
‫قويل"‪ ,‬وروي عنه‪" :‬إذا صح احلديث خالف قويل فاعملوا حلديث‪ ,‬واتركوا قويل‪,‬‬
‫أو قال‪ :‬فهو مذهيب"‪ ,‬وروي هذا املعىن أبلفاظ خمتلفة‪ ,‬وقد عمد ِبذا أصحابنا‬
‫يف مسألة التثويب وا ياط التحلد من اإلحراِ بعذر املرض وغريمها مما هو معروف‬
‫يف كتب املذهب‪ ,‬وقد حك املصنف ذلر عن األصحاب فيهما‪ ,‬وممن هلحكي‬
‫عنه أعه أفىت حلديث من أصحابنا أبو يعقوب البويطي وأبو القاسم الداركي‪ ,‬وممن‬
‫عص عليه أبو احلسن إلكيا الطبي يف كتابه يف أصول الفقه‪ ,‬وممن استعمله من‬
‫أصحابنا احملدثني اإلماِ أبو بكر البيهقي وآخرون‪ ,‬وكان مجاعة من متقدمي‬
‫أصحابنا إذا رأوا مسألة فيها حديث‪ ,‬ومذهب الشافعي خالفه‪ ,‬عملوا حلديث‬
‫وأفتوا به قائلني‪ :‬مذهب الشافعي ما واف احلديث‪ ,‬ومل يتف ذلر إال ان را‪ ,‬ومنه‬
‫ما عقد عن الشافعي فيه قول عل وف احلديث‪ ,‬وهذا الذي قاله الشافعي لي‬
‫معناه أن كد أحد رأ حديثا صحيحا قال‪ :‬هذا مذهب الشافعي‪ ,‬وعمد‬
‫ب اهره‪ ,‬وإمنا هذا فيمن له رتبة االجتها يف املذهب عل ما تقدِ من صفته أو‬
‫قريب منه‪ ,‬و رطه أن يغلب عل ظنه أن الشافعي رمحه هللا مل يقف عل هذا‬
‫احلديث‪ ,‬أو مل يعلم صحته‪ ,‬وهذا إمنا يكون بعد مطالعة كتب الشافعي كلها‬
‫قد من‬‫وحنوها من كتب أصحابه اآلخذين عنه وما أ بهها‪ ,‬وهذا رط صعب‪َّ ,‬‬
‫يتصف به‪ ,‬وإمنا ا يطوا ما ذكران؛ ألن الشافعي رمحه هللا ترك العمد ب اهر‬
‫أحا يث كثرية‪ ,‬رآها وعلمها‪ ,‬لكن قاِ الدليد عنده عل طعن فيها أو عسخها أو‬
‫ختصيصها أو أتويلها أو حنو ذلر‪ ,‬قال الشيخ أبو عمرو رمحه هللا‪ :‬لي العمد‬

‫‪743‬‬
‫ب اهر ما قاله الشافعي ني‪ ,‬فلي كد فقيه يسوغ له أن يستقد لعمد مبا يراه‬
‫حجة من احلديث‪ ,‬وفيمن سلر هذا املسلر من الشافعيني من عمد حبديث تركه‬
‫الشافعي رمحه هللا عمداً م علمه بصحته؛ ملاع اطل عليه‪ ,‬وخفي عل غريه‪,‬‬
‫كأيب الوليد موس بن أيب اجلارو ممن صحب الشافعي‪ ,‬قال صح حديث‪" :‬أفطر‬
‫احلاجم واحملجوِ"‪ ,‬فأقول‪ :‬قال الشافعي‪ :‬أفطر احلاجم واحملجوِ‪ ,‬فر وا ذلر عل‬
‫وبني‬
‫أىب الوليد؛ ألن الشافعي تركه م علمه بصحته؛ لكوعه منسوخا عنده‪َّ ,‬‬
‫الشافعي عسخه‪ ,‬واستدل عليه‪ ,‬وسياه يف كتاب الصياِ إن اء هللا تعاىل‪ ,‬وقد‬
‫قدمنا عن ابن خزَية أعه قال‪ :‬ال أعلم سنة لرسول هللا ‪ ‬يف احلالل واحلراِ مل‬
‫يو عها الشافعي كتبه‪ ,‬وجاللة ابن خزَية وإمامته يف احلديث والفقه ومعرفته‬
‫بنصوص الشافعي حملد املعروف‪ ,‬قال الشيخ أبو عمرو‪ :‬فمن وجد من الشافعية‬
‫حديثا خيالف مذهبه‪ ,‬ع ر‪ ,‬إن كمل آالت االجتها فيه مطلقا أو يف ذلر‬
‫الباب أو املسألة كان له االستقالل لعمد به‪ ,‬وإن مل يكن و عليه خمالفة‬
‫احلديث بعد أن حبث فلم جيد ملخالفته عنه جوا افيا‪ ,‬فله العمد به إن كان‬
‫عمد به إماِ مستقد غري الشافعي‪ ,‬ويكون هذا عذرا له يف ترك مذهب إمامه هنا‪,‬‬
‫وهذا الذي قاله حسن متعني"‪.8‬‬
‫‪ .2‬دعوى تعطيل العقل وحركة االجتهاد الفقهي واستيعاب النوازل املستجدة‬
‫ا َّع خصوِ املنهج املذهيب أن التمذهب الفقهي عطَّد حركة العقد‪,‬‬
‫ب االجتها ‪ ,‬وعجز عن استيعاب واحتواء النوازل‬ ‫وأوقف عجلة التفكري‪ ,‬وأغل‬

‫‪ .8‬اجملموع للنووي (‪.)33/8‬‬


‫‪742‬‬
‫املستجدة‪ ,‬واكتف علماء كد مذهب فقهي لعكوف عل أقوال إمامهم‪ ,‬يدورون‬
‫يف فلكه‪ ,‬وال خيرجون عنه‪.‬‬
‫إن هذا الكالِ قد ينطلي عل من مل هلحيط خباً بكتب املذاهب الفقهية؛‬
‫ألعه لو اطل عليها فإعه سيدرك حجم اجلهد العقلي الذي قاِ به علماء كد‬
‫مذهب‪ ,‬وسيتيقن من قدرة أولئر العلماء عل االجتها يف معرفة أحكاِ النوازل‬
‫اجلديدة وتفريعها عل أصول صحيحة‪ ,‬بد وسيعثر عل عصوص متينة‪ ,‬صارت يف‬
‫هذا العصر مفتاحا لالجتها املعاصر‪.8‬‬
‫لقد اطلع عل عشرات البحوث اليت تناول النوازل املعاصرة يف جمال‬
‫االقتصا والطب‪ ,‬فكن أر عصوص الفقهاء مبثابة منارات ضوئية يهتدي ِبا‬
‫الباحثون يف سريهم صوب تكييف تلر النوازل وحتديد أحكامها الشرعية‪.‬‬
‫وأكتفي لتدليد عل ما أقول بنقد النصوص التالية‪ ,‬مكتفيا بنص واحد‬
‫فقط عل كد مسألة‪:‬‬
‫‪ ‬قال الشيخ علي احلليب رمحه هللا (‪8144-925‬هـ)‪" :‬وقد جيب يف اليوِ‬
‫والليلة أكثر من ألف صالة‪ ,‬فقد ثب يف احلديث الصحيح أن بعض أ ِ‬
‫الدجال كسنة‪ ,‬وهو أو ا‪ ,‬واثعيها كشهر‪ ,‬واثلثها كجمعة‪ ,‬وسئد النيب ‪ ‬عن‬
‫ذلر اليوِ‪ ,‬هد يكفينا فيه صالة يوِ وليلة؟ فقال‪" :‬ال‪ ,‬اقدروا له قدره"‪,‬‬

‫‪ .8‬زرت فضيلة الشيخ الدكتور عل حميي الدين القره اغي حف ه هللا يف منزله يف قطر يوِ الثالاثء‬
‫‪ 8433/4/83‬هـ‪ ,‬وتذاكرت معه قضية اجلمو العقلي وتعطيد حركة االجتها املنسوب ‪ -‬جهال ‪-‬‬
‫للمذاهب األربعة‪ ,‬فأخبين ‪ -‬وهو الباحث االقتصا ي ‪ -‬أبهنم يستفيدون من اجتها ات املذاهب يف‬
‫حبوثهم املعاصرة بنسبة ‪ ,% 11‬وقد استأذع منه يف عقد هذه الكلمة عنه فأذن‪.‬‬
‫‪741‬‬
‫واألمر يف اليوِ األول لتقدير‪ ,‬ويقام به األخريان‪ ,‬أبن يقدر قدر أوقات‬
‫الصالة وتصل ‪ ,‬وهو جار يف سائر األحكاِ‪ ,‬كإقامة األعيا وصوِ رمضان‪,‬‬
‫فيصلي الوتر والياويح‪ ,‬ويسر يف املغرب والعشاء والصبح‪ ,‬ومواقي احلج ويوِ‬
‫عرفة وأ ِ مىن‪ ,‬وكذا العدة‪ ,‬وحينئذ يقال‪ :‬لنا امرأة مات زوجها وليس‬
‫حبامد‪ ,‬واعقض عدهتا من طلوع الشم إىل الزوال‪ ,‬وجيري ذلر فيما لو‬
‫مكث الشم عند قوِ مدة"‪.8‬‬
‫‪ ‬قال اإلماِ النووي رمحه هللا‪" :‬وأما كون السفر طويال فال بد منه ‪ -‬أي جلواز‬
‫القصر ‪ ,-‬والطويد مثاعية وأربعون ميال امشي‪ ,... ,‬واملسافة يف البحر مثد‬
‫املسافة يف الب وإن قطعها يف حل ة"‪.7‬‬
‫‪ ‬قال الشم حممد الرملي رمحه هللا‪" :‬وجيوز االعتما عل بي اإلبرة يف‬
‫خول الوق والقبلة؛ إلفا هتا ال ن بذلر كما يفيده االجتها ‪ ,‬أفىت به الوالد‬
‫رمحه هللا تعاىل‪ ,‬وهو ظاهر"‪ ,3‬ووالده هو الشهاب أمحد الرملي رمحه هللا (‪-...‬‬
‫‪952‬هـ)‪ ,‬فقد سئد عن حكم االعتما عل بي اإلبرة يف خول الوق‬

‫‪ .8‬حا ية البجريمي عل اخلطيب (‪ ,)318-8‬وقد أفا النص وجوب مخ صلوات يف كد أرب‬


‫وعشرين ساعة يف األقطار اليت متكث الشم فيها طالعة أو تغيب عنها ملدة أ هر‪ ,‬وكذلر حساب‬
‫صوِ هر رمضان من حيث عد األ ِ ووق اإلمساك واإلفطار وغري ذلر‪.‬‬
‫‪ .7‬روضة الطالبني للنووي (‪ ,)315/8‬وقد أفا النص أن من قط مسافة القصر ‪ -‬برا أو حبرا ‪ -‬يف‬
‫حل ة بطائرة أو صاروخ أو خرة أو غواصة جاز له اليخص‪.‬‬
‫‪ .3‬هناية احملتاج للرملي (‪.)443/8‬‬
‫‪749‬‬
‫والقبلة‪ ,‬فقال‪" :‬جيوز اعتما ها فيهما؛ إلفا هتا ال ن بذلر كما يفيده‬
‫االجتها "‪.8‬‬
‫‪ ‬قال الشيخ إبراهيم البماوي رمحه هللا (‪8813-...‬هـ)‪" :‬وأما هواها ‪ -‬أي‬
‫عرفات ‪ -‬كنحو سحاب أو غصن جرة أصلها خارج عنها أو عكسه فال‬
‫ومر عليها يف ا واء فإن وقف‬
‫يكفي ‪ -‬أي الوقوف عليه ‪ ,-‬ولو كان وليا َّ‬
‫عل غصن يف هوائها وأصله يف أرضها كف ؛ ألن االعتبار هنا ألرض‪,‬‬
‫وبذلر فارق ما يف االعتكاف من االكتفاء بذلر كله"‪.7‬‬
‫‪ ‬قال الشيخ حممد العناين رمحه هللا (‪8191-...‬هـ)‪" :‬ولو كان راكبا عل ابة‬
‫يف أرضها ‪ -‬أي عرفات فإعه يصح الوقوف ‪ ,-‬بد وقوفه راكبا أفضد‪ ,‬أو كان‬
‫عائما يف املاء يف أرضها أو عل جرة بعرفة ‪ -‬أي فيصح الوقوف ‪ ,-‬خبالف‬
‫ما إذا ركب عل طري طائر يف هواء عرفات‪ ,‬أو ركب عل السحاب‪ ,‬فال‬
‫يكفي‪ ,‬فلي وائها حكمها‪ ,‬فلو طار فيه مل جيزه‪ ,‬وكذلر لو سع طائرا أو‬
‫طاف طائرا فإعه ال يعتد ِبما"‪.3‬‬

‫‪ .8‬فتاو الشهاب الرملي (‪ ,)872/8‬وقد أفا ت الفتو جواز االعتما عل البوصلة يف حتديد القبلة‪,‬‬
‫وهي املقصو ة ببي اإلبرة‪ ,‬ويدخد يف معناها ‪ -‬بد أبلغ منها ‪ -‬ع اِ املواق العاملي ‪.GPS‬‬
‫مر يف هواء عرفة بطائرة مثال ال‬
‫‪ .7‬حا ية اجلمد عل رح املنهج (‪ ,)459/7‬وقد أفا النص أن من َّ‬
‫يعد مروره وقوفا رعيا‪ ,‬وقد تصور الشيخ احتمال املرور يف هواء عرفة للويل الذي يطري يف ا واء‪ ,‬أما‬
‫النص التايل فيتصور يئا آخر‪.‬‬
‫‪ .3‬حا ية البجريمي عل اخلطيب (‪ ,)448/7‬وقد أفا النص عدِ إجزاء الوقوف بعرفة يف حال املرور‬
‫يف هوائها‪ ,‬وقد تصور الشيخ حصول ذلر مبا إذا ركب عل طري طائر أو عل السحاب‪ ,‬وأفا النص‬
‫أيضا أن أرض عرفات لو غطي ملاء يوما ما فإعه يكفي السباحة عليها‪ ,‬وأفا أيضا عف األحكاِ يف‬
‫الطواف والسعي‪.‬‬
‫‪751‬‬
‫‪ ‬قال الشيخ سليمان البجريمي رمحه هللا (‪8778-8838‬هـ)‪" :‬الثاين ‪ -‬أي من‬
‫روط صيغة البي ‪ -‬أن يتلفظ حبيث يسمعه من بقربه وإن مل يسمعه صاحبه‪,‬‬
‫أبن بلَّغه ذلر فورا‪ ,‬أو محلته الريح إليه‪ ,‬فقبد"‪.8‬‬
‫‪ ‬قال القاضي زكر األعصاري رمحه هللا‪(" :‬اخلام يشيط) يف صحة البي‬
‫(رؤية) للمبي (تلي ) به‪( ,... ,‬ويتسامح يف فهلـ َّقاع الكوز)‪ ,‬فال تشيط رؤية‬
‫يء منه؛ ألن بقاءه فيه من مصلحته‪ ,‬وألعه تش رؤيته‪ ,‬وألعه قدر يسري‬
‫يتسامح به يف العا ة‪ ,‬ولي فيه غرر يفوت به مقصو معتب"‪.7‬‬
‫‪ ‬قال الشيخ أبو إسحاق الشريازي رمحه هللا‪" :‬إذا كتب طالق امرأته بلفظ‬
‫صريح ومل ينو ‪ -‬أي الطالق ‪ -‬مل يق الطالق؛ ألن الكتابة حتتمد إيقاع‬
‫الطالق‪ ,‬وحتتمد امتحان اخلط‪ ,‬فلم يق الطالق مبجر ها‪ ,‬وإن عو ِبا‬
‫الطالق ففيه قوالن‪ :‬قال ‪ -‬أي الشافعي ‪ -‬يف اإلمالء ‪ -‬وهو من كتب‬
‫املذهب القدمي ‪ :-‬ال يق به الطالق؛ ألعه فعد ممن يقدر عل القول‪ ,‬فلم يق‬
‫به الطالق كاإل ارة‪ ,‬وقال يف األِ ‪ -‬وهو من كتب املذهب اجلديد ‪ :-‬هو‬

‫‪ .8‬حا ية البجريمي عل اخلطيب (‪ ,)87/3‬وقد أفا النص صحة العقو إذا محل الريح كالِ‬
‫املتعاقدين‪ ,‬و لتايل يفيد صحة إجراء العقو بوسائد االتصال احلديثة اليت يسم بواسطتها املتعاقدان‬
‫كالمهما‪ ,‬مثد ا اتف وبرامج احملا ثة الصوتية‪.‬‬
‫الفقَّاع هو‬
‫‪ .7‬أسىن املطالب للقاضي زكر األعصاري (‪ ,)71-89/7‬والكوز هو إانء فخار صغري‪ ,‬و هل‬
‫الشراب الذي يباع فيه‪ ,‬وال َيكن بيعه إال إبغالق الكوز؛ ألعه لو فتح لفسد الشراب‪ ,‬وقد أفا النص‬
‫جواز بي املعلبات اليت حتتوي عل األ ربة واألطعمة‪ ,‬فال يشيط لصحة البي رؤية ما بداخلها‪.‬‬
‫‪758‬‬
‫طالق‪ ,‬وهو الصحيح؛ ألهنا حروف يفهم منها الطالق‪ ,‬فجاز أن يق ِبا‬
‫الطالق كالنط "‪.8‬‬
‫‪ ‬قال الشيخ علي الشباملسي رمحه هللا (‪8112-992‬هـ)‪" :‬لو ألق امرأة‬
‫مضغةً أو علقة‪ ,‬فاستدخلتها امرأة أخر حرة أو أمة‪ ,‬فحلَّتها احلياة‪,‬‬
‫واستمرت حىت وضعتها املرأة ولدا‪ ,‬ال يكون ابنا للثاعية‪ ,‬وال تصري مستولدة‬
‫للواطئ لو كاع أمة؛ ألن الولد مل ينعقد من مين الواطئ ومنيها‪ ,‬بد من مين‬
‫الواطئ واملوطوءة‪ ,‬فهو ولد ما‪ ,‬وينبغي أن ال تصري األوىل مستولدة به أيضا؛‬
‫مصورا"‪.7‬‬
‫حيث مل خيرج منها َّ‬

‫‪ .8‬املهذب للشريازي (‪ ,)812-813/7‬وقد أفا النص أن كتابة الطالق كناية‪ ,‬فإن عواه الزوج وق ‪,‬‬
‫وإن مل ينوه فال يق ‪ ,‬وقد أفا النص أن كتابة الطالق ستخداِ الوسائد احلديثة ‪ -‬كالبيد اإللكيوين‬
‫و بكات التواصد االجتماعي كالفي بوك والتويي ‪ -‬كناية‪ ,‬وملسألة كتابة لفظ الطالق قصة طريفة‪ ,‬ففي‬
‫عاِ ‪8471‬هـ تقريبا كن يف أمريكا للدراسات العليا‪ ,‬وكاع اإلعيع قد خل الدول العربية حديثا‪,‬‬
‫فأاثرت إحد اجملالت قضية وقوع الطالق لبيد اإللكيوين‪ ,‬مبعىن أن يقوِ الزوج إبرسال بريد إلكيوين‬
‫فوجه املركز اإلسالمي يف مدينتنا (أثنز‪/‬أوهايو) للمسلمني يف املدينة أن يفيدوا حول‬
‫لزوجته‪ ,‬يطلقها فيه‪َّ ,‬‬
‫هذا املوضوع‪ ,‬وكان هذا ‪ -‬فيما أذكر ‪ -‬يوِ ثالاثء‪ ,‬وكان مقررا أن أخطب يوِ اجلمعة‪ ,‬فخصص‬
‫اخلطبة للحديث حول هذا املوضوع‪ ,‬وذكرت فيه أن العلماء فصلوا يف املوضوع منذ ألف سنة‪ ,‬فتعجب‬
‫عرج للحديث عن استشراف‬ ‫املصلون‪ ,‬فذكرت م بعض النصوص يف أن كتابة الطالق كناية‪ ,‬مث َّ‬
‫الفقهاء للمستقبد من خالل بعض النصوص اليت صارت مرجعا لالجتها املعاصر‪ ,‬وما هذه النصوص‬
‫اليت تراها يف هذا املوض من الكتاب إال بعضها‪.‬‬
‫‪ .7‬حا ية الشباملسي عل هناية احملتاج للرملي (‪ ,)438/1‬وقد أفا النص أعه إذا مت تلقيح بويضة‬
‫الزوجة مبين زوجها‪ ,‬مث مت غرسها يف رحم امرأة أجنبية‪ ,‬فإن أمه هي صاحبة البويضة‪ ,‬وليس صاحبة‬
‫الرحم‪ ,‬و ذا النص قصة طريفة‪ ,‬فقد كان من ضمن روسنا الفقهية الشافعية يف األحساء رم يبحث يف‬
‫القضا الفقهية املعاصرة‪ ,‬وكنا عطل عل البحوث املعاصرة املتعلقة بنازلة اقتصا ية أو طبية‪ ,‬مث عناقش ما‬
‫‪757‬‬
‫وإن مما يهلؤخذ عل بعض علماء املنهج املذهيب املعاصر – رغم بلوغهم رجةً‬
‫علميةً عالية ‪ -‬مجو هم عل مذاهبهم بدون حماولة االستفا ة منها والتفري عليها‬
‫الستيعاب النوازل املعاصرة‪ ,‬فأظهروا مذاهبهم الفقهية يف صورة الفقه العاجز عن‬
‫تلبية حاجات األمة ومواكبة املستجدات‪.‬‬
‫‪ .3‬دعوى تعصب أتباع املذاهب األربعة ألقوال أئمتهم على حساب الدليل‬
‫من الدعاو اليت زعمها خصوِ املنهج املذهيب تعصب أتباع املذهب‬
‫الفقهي ألئمتهم واالعتصار ألقوا م عل حساب احل ‪ ,‬مبعىن أن العامل املذهيب‬
‫يكافح وينافح عن أقوال أئمة املذهب‪ ,‬ويصول وجيول يف الدفاع عنها؛ تعصبا ا‬
‫واحنيازا معها‪ ,‬ومن أجد ذلر يدف ويرفض أقوال املذاهب األخر ‪.‬‬
‫واحلقيقة أن هذه الدعو ال َيكن أن تصدر إال ممن مل يعرف ما يدور اخد‬
‫البي املذهيب‪ ,‬إذ إن علماء املذهب الفقهي يتدرجون يف طبقات متفاوتة‪ ,‬ففيهم‬
‫اجملتهد املطل ‪ ,‬وهو الذي سلر منهج إماِ يف االجتها من غري تقليد له‪ ,‬وفيهم‬
‫اجملتهد املقيد الذي سلر منهج إماِ يف االجتها تقليدا له‪ ,‬ولكنه م ذلر َيتلر‬
‫القدرة عل االجتها ‪ ,‬وفيهم الفقيه احلافظ ألقوال علماء املذهب‪ ,‬وَيتلر القدرة‬

‫اطلعنا عليه‪ ,‬وحناول خترجيه عل قواعد الشافعية‪ ,‬وذات مرة وق االختيار عل مسألة طفد األانبيب‪,‬‬
‫وقرأان فيها حبواث‪ ,‬واطلعنا عل قرارات بعض اجملام الفقهية‪ ,‬وكان ملخصها يدور حول الصور اجلائزة‬
‫والصور احملرمة ‪ ,‬وكان من ضمن الصور احملرمة ما لو مت تلقيح بويضة الزوجة مبين زوجها‪ ,‬مث مت غرسها يف‬
‫رحم امرأة أجنبية‪ ,‬إما خطأ أو تفاق‪ ,‬وهو ما يسم بتأجري الرحم‪ ,‬فإذا ولدت املرأة األجنبية‪ ,‬فمن‬
‫تكون أمه‪ ,‬فوق اختالف بيننا‪ ,‬ورجعنا إىل الكتب الصفراء املباركة‪ ,‬فعثران عل هذا النص الذي يفيد أن‬
‫األِ هي صاحبة البويضة‪ ,‬وليس صاحبة الرحم‪.‬‬
‫‪753‬‬
‫عل اليجيح بينها والتفري عليها‪ ,‬وفيهم الفقيه العارف مبعتمد الفتو يف املذهب‪,‬‬
‫وقد قدَّمنا قول اإلماِ النووي رمحه هللا بشأن أحوال املفيت املنتسب‪.8‬‬
‫وبناء عل ذلر فإن علماء املذهب الفقهي الواحد يناقش بعضهم بعضا‪,‬‬
‫ويتعقب بعضهم بعضا‪ ,‬وينبه بعضهم عل أخطاء بعض‪ ,‬ويستدرك بعضهم عل‬
‫بعض‪ ,‬ويضيف بعضهم إىل ما غفد عنه اآلخر‪ ,‬ويقيد بعضهم ما أطلقه اآلخر‪.‬‬
‫وعموما فإن تلر الدعو َيكن رُّها أبمرين‪ :‬أحدمها التن ري والتأصيد‪,‬‬
‫واثعيهما التطبي والتمثيد‪.‬‬
‫التنظري والتأصيل‬
‫ولنبدأ لتن ري والتأصيد عل تنزيه العلماء عن التعصب للمذهب عل‬
‫حساب الدليد الشرعي‪ ,‬يقول الفقيه ابن حجر ا يتمي رمحه هللا‪" :‬عدِ احملا ة يف‬
‫الدين حىت ألكابر اجملتهدين هو أب سا اتنا العلماء العاملني‪ ,‬كما يعلمه من‬
‫وقف عل النهاية ‪ -‬أي هناية املطلب إلماِ احلرمني اجلويين ‪ -‬وأحاط بقو ا‪ :‬هذه‬
‫زلة من الشيخ ‪ -‬أي والد إماِ احلرمني ‪ ,-‬م بلوغه يف االجتها والوالية الغاية‪,‬‬
‫حىت قيد يف ترمجته‪ :‬لو جاز أن يبعث هللا عبيا يف زمن أيب حممد اجلويين لكان هو‬
‫ذلر النيب‪ ,‬ومن هنا قال بعض أكابر أئمتنا‪ :‬إن عدِ حما ة العلماء بعضهم لبعض‬
‫من أع م مزا هذه األمة اليت أع م هللا ِبا عليهم النعمة‪ ,‬حيث حف هم عن‬
‫وصمة حما ة أهد الكتابني‪ ,‬املؤ ية إىل حتريف ما فيهما‪ ,‬واعدرام تينر امللتني‪,‬‬
‫فلم ييكوا لقائد قوال فيه أ ىن خد إال بينوه‪ ,‬وال لفاعد فعال فيه حتريف إال‬
‫قوموه‪ ,‬حىت اتضح اآلراء‪ ,‬واععدم األهواء‪ ,‬و ام الشريعة الواضحة البيضاء‬

‫‪ .8‬اجملموع للنووي (‪ ,)43/8‬واع ر اإلعصاف للمر اوي (‪.)759/87‬‬


‫‪754‬‬
‫عل امتالء اآلفاق أبضوائها‪ ,‬و فاء القلوب ِبا من أ وائها‪ ,‬مأموعة من كيد‬
‫احلاسدين وسفه امللحدين‪ ,‬فضراعةً إلير اللهم أن تدمي ا ذلر عل توايل‬
‫األعصار‪ ,‬وأن تؤيد أهلها بدواِ اجلاللة الباهرة واحلفظ من األغيار‪ ,‬إعر اجلوا‬
‫الكرمي الرءوف الرحيم"‪.8‬‬
‫التطبيق والتمثيل‬
‫إن التطبي خري اهد‪ ,‬ولو ذهب أتتب استدراك بعض علماء املذهب‬
‫عل بعض لطال املقاِ جدا‪ ,‬ولكنين سأستشهد أبربعة أعواع من االستدراكات‪:‬‬
‫أو ا استدراك علماء املذهب عل إمامه‪ ,‬اثعيها استدراك األبناء عل‬
‫آ ئهم‪ ,‬اثلثها استدراك التالميذ عل يوخهم‪ ,‬ورابعها استدراك بعض علماء‬
‫املذهب عل بعض‪ ,‬وقد اخيت هذا اليتيب؛ ألن مكاعة إماِ املذهب واألب‬
‫والشيخ أوق وأرسخ يف النف من مكاعة غريهم‪ ,‬وإليكم بعض النماذج‪:‬‬
‫أ‪ .‬أمثلة من استدراك علماء املذهب على إمامهم‬
‫اإلماِ الشافعي رمحه هللا ‪ -‬كغريه ‪ -‬إماِ متجد ‪ ,‬وقد قدَّمنا يف فصد ساب‬
‫أعه رج عن عد من املسائد اليت قال ِبا يف مذهبه القدمي‪ ,‬ورغم رجوعه عنها إال‬
‫عدوا بعض ما رج عنه صوا ‪ ,‬وقد أ ران أيضا إىل بعضها سابقا‪,‬‬ ‫أن أصحابه ُّ‬
‫وَيكن إضافة عد من املسائد اليت انقشها الشافعية‪ ,‬ومنها‪:‬‬
‫‪ ‬ير اإلماِ الشافعي رمحه هللا أعه يستحب أن يكون الذكر والدعاء بعد الصالة‬
‫املكتوبة سرا للمأموِ واملنفر ‪ ,‬أما اإلماِ فإعه يستحب أن جيهر ِبما إذا كان‬
‫املأمومون حباجة إىل التعليم‪ ,‬فإذا تعلموا األذكار واأل عية املستحبة بعد الصالة‬

‫‪ .8‬الفتاو الكب الفقهية البن حجر (‪.)3/3‬‬


‫‪755‬‬
‫أسر اإلماِ‪ ,‬ولكن اإلماِ األذرعي رمحه هللا عقد عن اإلماِ املتويل رمحه هللا‬
‫َّ‬
‫(‪421-473‬هـ) ما يقتضي استحباب رف اجلماعة الصوت لذكر ائما‪,‬‬
‫وهو ظاهر األحا يث‪ ,‬مث قال‪" :‬ويف النف من محلها عل ما ذكره ‪ -‬أي‬
‫اإلماِ الشافعي ‪  -‬يء"‪.8‬‬
‫ب‪ .‬أمثلة من استدراك األبناء على آابئهم‬
‫وإليكم بعض النماذج‪:‬‬
‫‪ ‬ير إماِ احلرمني اجلويين رمحه هللا أن الصفقة اليت حتتوي عل بي ما جيوز وما‬
‫ال جيوز‪ ,‬كبي خد ومخر‪ ,‬أو بي اة وخنزير‪ ,‬جيري اخلالف يف جواز تفريقها‪,‬‬
‫سواء كان املشيي عاملا أو جاهال‪ ,‬ولكن والده و يخه أ حممد عبدهللا بن‬
‫يوسف رمحه هللا (‪431-...‬هـ) ير أن البي يبطد يف حالة علم املشيي ببي‬
‫ما ال جيوز بيعه‪ ,‬أما يف حالة جهله فيجري اخلالف‪ ,‬فقال‪" :‬هذا الذي قاله‬
‫يخي أبو حممد غري سديد‪ ,‬بد الوجه طر القولني"‪ ,‬مث عقَّب النووي رمحه‬
‫هللا عل هذا بقوله‪" :‬واختار الغزايل قول أىب حممد‪ ,‬وهو اذ"‪.7‬‬
‫‪ ‬ير التقي السبكي رمحه هللا عدِ وجوب التوبة من الصغائر ما اِ جمتنبا‬
‫للكبائر؛ ألهنا تكفرها‪ ,‬عقد هذا البناين رمحه هللا (‪8891-...‬هـ)‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫"وتوقَّف السبكي يف وجوِبا من الصغرية عينا؛ لتكفريها جتناب الكبائر‪ ,‬وهو‬

‫‪ .8‬أسىن املطالب للقاضي زكر (‪ ,)831/8‬والفتاو الكب الفقهية البن حجر ا يتمي (‪.)851/8‬‬
‫‪ .7‬اجملموع للنووي (‪.)317/9‬‬
‫‪753‬‬
‫يقتضي أن الواجب ا التوبة واجتناب الكبائر‪ ,‬وخالفه ابنه املصنف ‪ -‬يعين‬
‫التاج السبكي ‪ -‬فقال‪ :‬الذي أراه وجوب التوبة ا عينا عل الفور"‪.8‬‬
‫‪ ‬ير السراج البلقيين رمحه هللا (‪115-274‬هـ) أن الصالتني إذا مجعتا مج‬
‫تقدمي‪ ,‬فخرج الوق قبد االعتهاء من الصالة الثاعية‪ ,‬أهنا تبطد أو تنعقد عفال‪,‬‬
‫وخالفه ابنه اجلالل البلقيين رمحه هللا (‪174-233‬هـ)‪ ,‬فرأ صحتها‪ ,‬عقد‬
‫هذا الشرواين رمحه هللا (‪8719-...‬هـ)‪ ,‬فقال‪" :‬وهد يشيط جلواز اجلم بقاء‬
‫الوق إىل فراغ الثاعية‪ ,‬أو إىل عقدها فقط كالسفر‪ ,‬فيه ع ر‪ ,... ,‬قال يف‬
‫رح العباب‪ :‬وحبث البلقيين أعه لو خرج وق األوىل أو ر يف خروجه وهو‬
‫يف الثاعية بطد اجلم ‪ ,‬وتبطد الثاعية أو تق عفال عل اخلالف يف ع ائره‪ ,‬ورَّ‬
‫عليه ولده اجلالل‪ ,‬فقال‪ :‬الذي يقتضيه إطالقهم جواز اجلم وإن مل يب من‬
‫وق األوىل إال ما يس ركعة من الثاعية‪ ,‬بد ينبغي جوازه وإن مل يب إال ما‬
‫يس بعض ركعة‪ ,‬وتكون أ اء قطعاً؛ ألن ا يف اجلم وقتني‪ ,‬فلم خترج عن‬
‫وقتها"‪.7‬‬
‫ج‪ .‬أمثلة من استدراك التالميذ على مشاخيهم‬
‫وإليكم بعض النماذج‪:‬‬
‫‪ ‬ير العالمة ابن حجر ا يتمي رمحه هللا أن من عليه جنابة‪ ,‬فاغتسد انو‬
‫الوضوء أو رف احلدث األصغر‪ ,‬أن احلدث األصغر يرتف عنه ولو غسلها‬

‫‪ .8‬حا ية البناين عل رح احمللي جلم اجلوام (‪.)434/7‬‬


‫‪ .7‬حتفة احملتاج البن حجر ا يتمي (‪.)418/7‬‬
‫‪752‬‬
‫خمالفا اليتيب‪ ,‬مث قال‪" :‬خالفا لشيخنا ومن تبعه"‪ ,‬يعين به القاضي زكر‬
‫األعصاري رمحه هللا‪ ,‬حيث ير وجوب غسد أعضاء الوضوء ليتيب‪.8‬‬
‫‪ ‬ير الشيخ زين الدين املليباري رمحه هللا (‪912-...‬هـ) استحباب جلسة‬
‫االسياحة للمأموِ وإن تركها اإلماِ‪ ,‬مث قال‪" :‬خالفا لشيخنا"‪ ,‬يعين به‬
‫العالمة ابن حجر ا يتمي رمحه هللا‪ ,‬حيث ير كراهية فعلها للمأموِ إن تركها‬
‫اإلماِ‪.7‬‬
‫‪ ‬ير العالمة حممد الرملي رمحه هللا أن من صلَّ خلف الصف منفر ا فإعه‬
‫يستحب له إعا ة الصالة ولو منفر ا‪ ,‬ذكر ذلر القليويب رمحه هللا‪ ,‬مث قال‪:‬‬
‫"كما قاله يخنا وفيه ع ر"‪ ,‬حيث يرجح القليويب أن إعا ة الصالة منفر ا ال‬
‫تندب إال ملن جر خالف يف بطالن صالته‪.3‬‬
‫د‪ .‬أمثلة من استدراك بعض علماء املذهب على بعض‬
‫وإليكم بعض النماذج‪:‬‬
‫‪ ‬عقد اإلماِ النووي رمحه هللا مناقشة فكرية موسعة حول املتيمم إذا وجد املاء‬
‫أثناء صالته‪ ,‬واملذهب أن صالته صحيحة‪ ,‬ولكن السؤال يق عن حكم‬
‫اخلروج منها؛ أل ائها لوضوء‪ ,‬فقال‪" :‬إذا ثب أعه ال تبطد صالته برؤية املاء‬
‫يف أثنائها فهد يباح اخلروج منها أِ يستحب أِ حيرِ‪ ,‬فيه أوجه‪ ,‬الصحيح‬

‫‪ .8‬رح البهجة للقاضي زكر (‪.)717/8‬‬


‫‪ .7‬حا ية إعاعة الطالبني للسيد بكري طا (‪ ,)831/8‬وقول ابن حجر هو كما يف بعض كتبه‪ ,‬ويف‬
‫بعضها اآلخر االستحباب‪.‬‬
‫‪ .3‬حا ية القليويب وعمريه عل رح اجلالل للمنهاج (‪.)739/8‬‬
‫‪751‬‬
‫األ هر وقول أكثر األصحاب أعه يستحب اخلروج منها والوضوء؛ للخروج من‬
‫خالف العلماء يف بطالهنا‪ ,... ,‬والوجه الثاين جيوز اخلروج منها‪ ,‬لكن‬
‫األفضد االستمرار فيها؛ لقول هللا تعاىل‪" :‬وال تبطلوا أعمالكم"‪ ,‬والثالث حيرِ‬
‫اخلروج منها؛ لآلية‪ ,‬وهذا ضعيف‪ ,‬قال إماِ احلرمني‪ :‬لس أراه من املذهب‪,‬‬
‫مث إن األصحاب أطلقوا األوجه‪ ,‬وقال إماِ احلرمني‪ :‬الذي أراه أن املتيمم إذا‬
‫رأ املاء يف الصالة يف آخر الوق ‪ ,‬وقد ضاق الوق ‪ ,‬ال جيوز له اخلروج‬
‫أصال‪ ,‬وهذا الذي قاله اإلماِ متعني‪ ,‬وال أعلم أحدا خيالفه‪ ,‬وقال القاضي‬
‫حسني والشيخ أبو حممد اجلويين‪ :‬اخلالف يف هذه املسألة إمنا هو يف أن‬
‫األفضد أن يقلب فرضه عفال ويسلم من ركعتني‪ ,‬أِ األفضد أن يتمها فريضة‪,‬‬
‫قاال‪ :‬فأما اخلروج املطل فلي أبفضد بال ر‪ ,‬وزا القاضي حسني فقال‪:‬‬
‫اخلروج عندي مكروه وجها واحدا‪ ,‬وهذا الذي ذكره خالف املذهب الصحيح‬
‫املعروف يف مجي الطرق ‪ ,‬قال الشا ي‪ :‬وال معىن لقو ما‪ :‬جيعلها انفلة‪ ,‬فإن‬
‫أتثري رؤية املاء يف النفد كتأثريها يف الفرض"‪.8‬‬
‫‪ ‬عقد النووي رمحه هللا مناقشة فكرية موسعة أخر حول اجملتهد يف طهارة املاء‬
‫يف إانءين ا تبها عليه‪ ,‬فغلب عل ظنه طهارة أحدمها‪ ,‬فتوضأ وصل ‪ ,‬مث أعا‬
‫االجتها اثعية‪ ,‬فغلب عل ظنه طهارة الثاين‪ ,‬فاملذهب أعه ال يتوضأ به‪,‬‬
‫ولكن يتيمم ويصلي‪ ,‬وخالف أبو العبام بن سريج‪ ,‬فذهب إىل وجوب‬
‫الوضوء من الثاين‪ ,‬فقال النووي‪" :‬واتف مجهور أصحابنا املصنفني يف‬
‫الطريقتني عل أن الصواب واملذهب ما عقله املزين وحرملة‪ ,‬وأن ما قاله أبو‬

‫‪ .8‬اجملموع للنووي (‪.)387/7‬‬


‫‪759‬‬
‫العبام ضعيف‪ ,‬وضعفوه مبا ضعفه به املصنف‪ ,‬وهو ظاهر‪ ,‬قال الشيخ أبو‬
‫حامد يف تعليقه‪ :‬أىب أصحابنا أمجعون ما قاله أبو العبام‪ ,‬قال‪ :‬وقالوا‪ :‬هذا‬
‫من زالت أيب العبام‪ ,‬قال‪ :‬قال أبو الطيب بن سلمة‪ :‬ما غلط املزين؛ ألن‬
‫الشافعي عص عل هذا يف حرملة‪ ,‬قال أبو حامد‪ :‬ال حيتاج إىل حرملة‪ ,‬فإن‬
‫الشافعي عص عليها يف األِ يف ب "املاء يشر فيه"‪ ,‬وقال صاحب احلاوي‪:‬‬
‫مذهب الشافعي وما عليه مجهور أصحابه أعه ال جيوز استعمال بقية األول‪,‬‬
‫وال جيوز استعمال الثاين‪ ,‬وخالفهم أبو العبام‪ ,‬وكذا قال احملاملي‪ :‬خالف‬
‫سائر أصحابنا أ العبام يف هذا‪ ,‬وقالوا‪ :‬املذهب أعه ال يتوضأ لثاين‪ ,‬فهذا‬
‫كالِ أعالِ األصحاب‪ ,‬وقد جزِ مجاعة من املصنفني ملنصوص‪ ,‬منهم‬
‫القاضي حسني والبغوي وآخرون‪ ,‬ومل يعرجوا عل قول أيب العبام؛ لشدة‬
‫ضعفه‪ ,‬و ذ الغزايل عن األصحاب أمجعني‪ ,‬فرجح قول أيب العبام‪ ,‬ولي‬
‫بشي‪ ,‬فال يغي به"‪.8‬‬
‫‪ ‬استحب الشيخ أبو طالب املكي رمحه هللا (‪313-...‬هـ) واإلماِ الغزايل رمحه‬
‫هللا صالة الرغائب وصالة ليلة النصف من عبان‪ ,‬وقد استدرك عليهما اإلماِ‬
‫النووي رمحه هللا‪ ,‬وحكم ببدعيتهما‪ ,‬فقال‪" :‬الصالة املعروفة بصالة الرغائب‪,‬‬
‫وهي ثنتا عشرة ركعة‪ ,‬تصلَّ بني املغرب والعشاء‪ ,‬ليلة أول مجعة يف رجب‪,‬‬
‫وصالة ليلة عصف عبان‪ ,‬مائة ركعة‪ ,‬وهااتن الصالاتن بدعتان ومنكران‬
‫قبيحتان‪ ,‬وال يغي بذكرمها يف كتاب "قوت القلوب" و "إحياء علوِ الدين"‪,‬‬
‫وال حلديث املذكور فيهما‪ ,‬فإن كد ذلر طد‪ ,‬وال يغي ببعض من ا تبه‬

‫‪ .8‬اجملموع للنووي (‪.)819/8‬‬


‫‪731‬‬
‫عليه حكمهما من األئمة‪ ,‬فصنف ورقات يف استحباِبما‪ ,‬فإعه غالط يف‬
‫ذلر‪ ,‬وقد صنف الشيخ اإلماِ أبو حممد عبدالرمحن بن إ اعيد املقدسي‬
‫كتا عفيسا يف إبطا ما‪ ,‬فأحسن فيه وأجا "‪.8‬‬
‫وعموما فلو تتبعنا استدراك بعض علماء املذهب الواحد عل بعضهم لطال‬
‫املقاِ جدا‪ ,‬ولطاملا قرأان يف كتب الفقه و روحها وحوا يها عبارات الة عل تتب‬
‫الصواب والتنبيه عل اخلطأ‪ ,‬مثد قو م‪" :‬خالفا لشيخنا" أو "وفيه ع ر" أو "فال‬
‫تغي به" أو "هو قول اذ" أو "هذه زلة"‪.‬‬
‫‪ .4‬دعوى التفرق والتحزب‬
‫من الدعاو اليت أاثرها خصوِ املنهج املذهيب أعه قسم املسلمني إىل فرق‬
‫وأحزاب بعد أن كان الدين واحدا والشرع واحدا واألمة واحدة‪ ,‬ويبدو أن هذه‬
‫املقولة ليس حديثة‪ ,‬وقد تقدَّم كلمة اإلماِ السيوطي رمحه هللا‪" :‬اعلم أن‬
‫اختالف املذاهب يف هذه امللة ععمة كبرية وفضيلة ع يمة‪ ,‬وله سر لطيف‪ ,‬أ ركه‬
‫بعض اجلهال يقول‪ :‬النيب ‪ ‬جاء‬ ‫العاملون وعمي عنه اجلاهلون‪ ,‬حىت ع‬
‫بشرع واحد‪ ,‬فمن أين مذاهب أربعة"‪7‬؟‬
‫مناذج من نصوص تلك الدعوى‬
‫ومن األخطاء العلمية املتعلقة ِبذا املوضوع تنزيد آ ت التفرق عل‬
‫املتمذهبني ملذاهب األربعة‪ ,‬وممن سلر هذا املسلر اإلماِ ابن القيم عفا هللا‬
‫ذِ هللا الذين فرقوا ينهم‪ ,‬الوجه احلا ي والعشرون أن هللا سبحاعه ذِ‬
‫عنه‪ ,‬فقال‪َّ " :‬‬

‫‪ .8‬اجملموع للنووي (‪.)549/3‬‬


‫‪ .7‬جزيد املواهب يف اختالف املذاهب للسيوطي (‪.)75‬‬
‫‪738‬‬
‫"الذين فرقوا ينهم وكاعوا يعا كد حزب مبا لديهم فرحون"‪ ,‬وهؤالء هم أهد‬
‫التقليد أبعياهنم‪ ,‬خبالف أهد العلم؛ فإهنم وإن اختلفوا مل يفرقوا ينهم ومل يكوعوا‬
‫يعا‪ ,‬بد يعة واحدة‪ ,‬متفقة عل طلب احل ‪ ,‬وإيثاره عند ظهوره‪ ,‬وتقدَيه عل‬
‫كد ما سواه‪ ,‬فهم طائفة واحدة قد اتفق مقاصدهم وطريقهم‪ ,‬فالطري واحد‪,‬‬
‫والقصد واحد‪ ,‬واملقلدون لعك ‪ ,‬مقاصدهم ىت‪ ,‬وطرقهم خمتلفة‪ ,‬فليسوا م‬
‫األئمة يف القصد وال يف الطري "‪.8‬‬
‫وملخص كالِ ابن القيم أن اختالف أهد العلم مقبول‪ ,‬ولي من تفري‬
‫الدين يف يء؛ ألهنم يقصدون ويطلبون احل ‪ ,‬أما أهد التقليد فاتباعهم ملذاهبهم‬
‫غري مقبول؛ ألهنم ال يقصدون احل ‪.‬‬
‫وكالِ ابن القيم عفا هللا عنه غري مقبول؛ ألن مقلدي املذاهب األربعة‬
‫ومتبعيهم إن كاعوا غري مؤهلني لالجتها فإهنم ال يسعهم إال التمسر مبذاهبهم‪,‬‬
‫وإن كاعوا من أهد االجتها فال جيوز م تقليد أي مذهب‪ ,‬وإن كاعوا يف رجات‬
‫بينهما فلهم أن يرجحوا ضمن املذهب الواحد تباع أصوله وقواعده؛ لضرورة‬
‫االعضباط بقواعد منهجية حمد ة‪.‬‬
‫مث إن ابن القيم تكلم عن أهد العلم‪ ,‬وأهنم وإن اختلفوا فلم يفرقوا ينهم‪,‬‬
‫والسؤال‪ :‬عندما خيتلف أهد العلم‪ ,‬فيقوِ طالِبم وتالميذهم ألخذ عنهم وعشر‬
‫علمهم ومج فتاواهم‪ ,‬ألن ينتج عن هذا مدارم ومذاهب ألولئر العلماء؟!‬
‫فال يبق أماِ ابن القيم إال أن يقصد علماء قا رين عل االجتها‬
‫واليجيح‪ ,‬وم ذلر يصرون عل التقيد أبقوال أئمتهم املخالفة – حسب رأيه –‬

‫‪ .8‬إعالِ املوقعني البن القيم (‪.)831/7‬‬


‫‪737‬‬
‫للكتاب أو السنة‪ ,‬وقد بيَّنا يف املسألة املتعلقة بشبهة التعصب املذموِ واالعتصار‬
‫للمذهب ما يفند هذه الدعو ‪.‬‬
‫ومن النصوص أيضا أن الشيخ مقبد الوا عي عفا هللا عنه (‪-8353‬‬
‫‪8477‬هـ) سئد عن املذاهب األربعة‪ ,‬فقال‪" :‬املذاهب األربعة ما أعزل هللا ِبا من‬
‫سلطان‪ ,‬وما ور يف كتاب هللا وال يف سنة رسول هللا ‪ ‬أن ذاك يكون افعيا‬
‫وذاك يكون حنبليا إىل آخر ذلكم‪ ,‬بد قال هللا سبحاعه وتعاىل‪" :‬وما اختلفتم فيه‬
‫من يء فحكمه إىل هللا"‪ ,... ,‬فهذه املذاهب فرق النام‪ ,‬وقد حتدينا غري‬
‫واحد من املتعصبني ذه املذاهب أن أيتوا بدليد من كتاب هللا أو من سنة رسول‬
‫هللا ‪ ‬يدل عل أن املسلم ملزِ لتعبد مبذهب من هذه املذاهب‪ ,‬بد جاء القرآن‬
‫عل كراهة هذا‪ ,‬فقال سبحاعه‪" :‬إن الذين فرقوا ينهم وكاعوا يعا لس منهم يف‬
‫يء"‪ ,‬وعبينا حممد ‪ ‬يقول‪" :‬افيق اليهو عل إحد وسبعني فرقة‪ ,‬وافيق‬
‫النصار عل اثنتني وسبعني فرقة‪ ,‬وستفيق هذه األمة عل ثالث وسبعني فرقة‪,‬‬
‫كلها يف النار إال واحدة"‪ ,... ,‬فهذه املذاهب فرق النام‪ ,‬وأ خل بينهم‬
‫العداوة والبغضاء‪ ,... ,‬وإعنا حنمد هللا سبحاعه وتعاىل فإن هذه اليق ة اإلسالمية‬
‫أصبح ال ترف رأسا ذه املذاهب‪ ,‬وقد عرف رجال اليق ة اإلسالمية أن هذه‬
‫املذاهب هي اليت فرق املسلمني‪ ,‬وهي اليت جعلتهم يعا وأحزا ‪ ,‬وهي اليت‬
‫صدهتم عن كتاب هللا وعن سنة رسول هللا ‪.8"‬‬
‫وكالِ الوا عي يدل عل تشويش يف ذهنه عن صورة التشري اإلسالمي‬
‫وغياب الرحلة التارخيية اليت َّ‬
‫تنقد فيها الفقه يوماً بعد يوِ‪ ,‬فهو يريد ليال عل‬

‫‪ .8‬إجابة السائد عل أهم املسائد للشيخ مقبد الوا عي (‪.)382‬‬


‫‪733‬‬
‫وجوب التزاِ املذهب الشافعي مثال‪ ,‬غري مدرك أن املذاهب الفقهية ما هي إال‬
‫امتدا ملدارم فقهاء الصحابة ‪ ,‬كمدرسة عبدهللا بن مسعو ومدرسة عبدهللا‬
‫بن عبام ومدرسة عبدهللا بن عمر وغريهم‪ ,‬واألمر اخلطري أعه جيعد املذاهب‬
‫األربعة ضمن الثالث والسبعني فرقة اليت ستكون يف النار إال واحدة منها!‬
‫نصوص أتصيلية تدل على تكامل املذاهب الفقهية‬
‫وأجد من املناسب أن أسوق عصوصا تؤكد حرص العلماء – مهما اختلف‬
‫مذاهبهم الفقهية – عل تعزيز الوحدة اإلسالمية وترسيخ الروابط األخوية‪ ,‬وعدِ‬
‫التعصب للمذهب الفقهي عل حساب أخوة املسلمني‪ ,‬م التأكيد عل أن‬
‫املذاهب الفقهية عل خري وهد ‪.‬‬
‫ومن أمثلة تلر النصوص أن العالمة ابن حجر ا يتمي رمحه هللا سئد عن‬
‫افعي حيرص عل تدري املذهب احلنفي لصيب مميز‪ ,‬ويوصيه لتمسر به‪ ,‬وإذا‬
‫سئد افعي عن تقليد مذهب‪ ,‬فهد عليه األمر لتزاِ مذهب إمامه أو يدله إىل‬
‫مذهب آخر؟ فقال‪" :‬الشافعي وأبو حنيفة ومالر وأمحد وسائر أئمة املسلمني‬
‫عل هد من رِبم‪ ,... ,‬وإذا كاعوا كلهم عل هد من هللا سبحاعه وتعاىل فال‬
‫حرج عل من أر د غريه إىل التمسر أبي مذهب من املذاهب األربعة وإن‬
‫خالف مذهبه واعتقا ه؛ ألعه أر ده إىل ح وهد ‪ ,‬تدري الشافعي لكتب غري‬
‫مذهبه ال يسوغ له إال إن قرأ ذلر الذي يدرسه عل عامل موثوق به من أئمة ذلر‬
‫املذهب‪ ,‬هذا إن أريد به تدري املعتمد يف ذلر املذهب‪ ,‬وأما إن أريد منه جمر‬
‫فهم العبارة وتفهيمها فهذا ال حمذور فيه"‪.8‬‬

‫‪ .8‬الفتاو الكب الفقهية البن حجر (‪.)375/4‬‬


‫‪734‬‬
‫وقال اإلماِ األسيوطي املنهاجي رمحه هللا (‪111-...‬هـ)‪" :‬ال جيوز أن يهل َّ‬
‫وىل‬
‫القضاء من لي من أهد االجتها كاجلاهد بطرق األحكاِ عند مالر والشافعي‬
‫وأمحد‪ ,‬وقال أبو حنيفة‪ :‬جيوز والية من لي مبجتهد‪ ,... ,‬وقال ابن هلهبرية يف‬
‫اإلفصاح‪ :‬والصحيح من هذه املسألة أ َّن من رط االجتها إمنا عىن به ما كان‬
‫احلال عليه قبد استقرار هذه املذاهب األربعة اليت أمجع األمة عل أن كد واحد‬
‫منها جيوز العمد به؛ ألعه مستند إىل سنة رسول هللا ‪ ,... ,‬واعته األمر من‬
‫هؤالء األئمة اجملتهدين إىل تقرير ما أراحوا به من بعدهم‪ ,‬واحنصر احل يف‬
‫أقاويلهم"‪.8‬‬
‫وقال اإلماِ النفراوي رمحه هللا (‪8875-8144‬هـ)‪" :‬جيب اعتقا أن مجي‬
‫اجملتهدين عل هدي حىت من هجر مذهبه‪ ,‬وامتناع تقليد غري األربعة إمنا هو لعدِ‬
‫حفظ مذاهبهم‪ ,‬فال ينايف أن مجيعهم عل خري من هللا وهد ‪ ,‬وليسوا عل ضالل‬
‫وال بدعة‪ ,... ,‬حكم التقليد لواحد من أصحاب املذاهب األربعة الوجوب حيث‬
‫مل يكن يف هذا املقلد أهلية االجتها ‪ ,‬وقيدان املذاهب األربعة؛ ألن غريهم مل‬
‫يهلضبط مذهبه‪ ,‬وإال جلاز تقليده؛ ألن اجلمي عل هد "‪.7‬‬

‫‪ .8‬جواهر العقو لألسيوطي املنهاجي (‪ ,)719-711/7‬واع ر املبدع البن مفلح (‪,)854/1‬‬


‫واإلعصاف للمر اوي (‪ ,)821/88‬و رح املنته وكشاف القناع (‪ )795/3‬كالمها للبهو (‪,)497/3‬‬
‫ومطالب أويل النه للسيوطي الرحيباين (‪.)443/3‬‬
‫‪ .7‬الفواكه الدواين للنفراوي (‪.)75-74/8‬‬
‫‪735‬‬
‫قواعد فقهية لضبط التعامل مع اخلالف الفقهي‬
‫مل يكتف فقهاء املذاهب األربعة بتقرير خريية املذاهب األربعة ومتسكها‬
‫أل لة الشرعية يف فتاواهم أو مؤلفاهتم‪ ,‬بد زا وا األمر أتكيدا بتقرير عد من‬
‫القواعد الفقهية اليت تتعامد م اخلالف الفقهي أبرحيية وإجيابية‪ ,‬والقاعدة الفقهية‬
‫أ به ما تكون لقاعون الفقهي الذي يسري عليه الفقيه‪.‬‬
‫‪ .8‬فمن هذه القواعد قاعدة‪" :‬االجتها ال ينقض الجتها "‪ ,‬وتعين أن‬
‫اجتها القضاة ووالة األمر املبين عل أ لة ظنية يف ثبوهتا أو الالهتا أو عل أ لة‬
‫أصولية خمتلف فيها ال يصح أن ينقضه قاض أو ويل أمر آخر‪ ,‬وإمنا يستأعف فيما‬
‫أي ‪ ,‬ولي يف ما مض ‪.‬‬
‫واملقصو الجتها هو االجتها الذي يبىن عل أ لة ظنية يف ثبوهتا أو‬
‫الالهتا أو عل أ لة أصولية خمتلف فيها‪ ,‬أما األ لة القطعية يف ثبوهتا و الالهتا‬
‫كآية قرآعية أو حديث متواتر يفيدان القط يف اللتهما فإن اخلالف فيها غري‬
‫سائغ‪ ,‬األمر الذي يقتضي مشروعية اإلعكار عل من خالف اآلية أو احلديث‬
‫املتواتر إذا كاان يدالن عل املقصو اللة قطعية‪.‬‬
‫ومن أ لة هذه القاعدة الفقهية واق اخللفاء الرا دين ‪ ,‬فقد كان بعضهم‬
‫حيكم حبكم رعي‪ ,‬مث أي من بعده فيخالفه فيه‪ ,‬ولكنه ال ينقض ما ترتب عل‬
‫اجتها من سبقه‪ ,‬فعل سبيد املثال كان أبو بكر ‪ ‬يقسم أموال بي املال‬
‫لسوية‪ ,‬وملا طلب منه تفضيد املهاجرين واألعصار قال‪" :‬إمنا أجورهم عل هللا‪,‬‬
‫وإمنا هذه مغامن‪ ,‬واألسوة يف املغامن أفضد من األثرة"‪ ,‬أما عمر ‪ ‬فكان يفاضد‬
‫بني النام لقرابة والسابقية‪ ,‬وقال‪" :‬كان أليب بكر ‪ ‬يف هذا املال رأي‪ ,‬ويل‬

‫‪733‬‬
‫رأي آخر‪ ,‬رأ أبو بكر أن يقسم لسوية‪ ,‬ورأي أن أفضد املهاجرين واألعصار‪,‬‬
‫وال أجعد من قاتد رسول هللا ‪ ‬كمن قاتد معه"‪ ,‬ففضد املهاجرين واألعصار‪,‬‬
‫وفضد البدريني عل غريهم‪ ,‬وجعد للنام عل قدر إسالمهم ومناز م‪.8‬‬
‫‪ .7‬ومنها قاعدة‪" :‬ال إعكار يف مسائد االجتها "‪ ,‬وهي قاعدة أعل من‬
‫سابقتها‪ ,‬وتعين أن ال ينكر بعض العلماء اجملتهدين عل بعض‪ ,‬فضال عن عقض‬
‫أقضيتهم وأحكامهم‪.‬‬
‫وع را إىل أن مع م اخلالف الفقهي بني فقهاء املذاهب األربعة هو مما يسوغ‬
‫فيه اخلالف؛ ألن لكد قول منها ليالً عند أصحاِبا‪ ,‬فإن اال تغال إلعكار يف‬
‫هذا النوع من اخلالف يناقض هذه القاعدة الذهبية‪ ,‬فضال عن كوعه مضيعة‬
‫للوق واجلهد فيما ال مبر له‪.‬‬
‫وألضرب عل هذا مثاال واحدا مما اختلف فيه املذاهب األربعة عل‬
‫عد ها‪ ,‬أال وهي مسألة قراءة الفاحتة للمأموِ‪.7‬‬
‫فقد رأ الشافعية أعه جيب عل املأموِ قراءهتا يف السرية واجلهرية؛ ألن قراءة‬
‫الفاحتة ركن‪3‬؛ لقوله ‪" :‬ال صالة ملن مل يقرأ بفاحتة الكتاب"‪.4‬‬
‫ورأ املالكية أن املأموِ تكفيه قراءة اإلماِ يف اجلهرية والسرية؛ اكتفاءً بقراءة‬
‫اإلماِ؛ ألن النيب ‪ ‬اعصرف من صالة جهر فيها لقراءة‪ ,‬فقال‪" :‬هد قرأ معي‬

‫‪ .8‬رواه الطحاوي يف معاين اآلاثر‪.‬‬


‫‪ .7‬اع ر بداية اجملتهد البن ر د (‪.)834/8‬‬
‫‪ .3‬اع ر أسىن املطالب للقاضي زكر (‪.)849/8‬‬
‫‪ .4‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫‪732‬‬
‫أحد منكم آعفاً"؟ فقال رجد‪ :‬ععم رسول هللا‪ ,‬فقال‪" :‬فإين أقول‪ :‬ما يل أانزع‬
‫القرآن"‪ ,‬فاعته النام عن القراءة م رسول هللا ‪ ‬فيما جيهر فيه من الصلوات‬
‫لقراءة حني عوا ذلر من رسول هللا ‪ ,8‬إال أعه يستحب للمأموِ قراءهتا يف‬
‫الصالة السرية‪.7‬‬
‫ورأ احلنابلة أعه يستحب للمأموِ قراءهتا يف السرية‪ ,‬ويف أثناء سكتات‬
‫اإلماِ يف اجلهرية‪3‬؛ لقوله ‪" :‬من كان له إماِ فقراءته له قراءة"‪.4‬‬
‫ورأ احلنفية كراهية قراءهتا للمأموِ يف السرية واجلهرية‪5‬؛ لقول النيب ‪:‬‬
‫"من صل خلف إماِ‪ ,‬فإن قراءة اإلماِ له قراءة"‪.3‬‬
‫فينبغي يف مثد هذه احلالة أن ال يتحرج املسلمون من صالة بعضهم خلف‬
‫بعض مهما اختلف مذاهبهم الفقهية؛ ألن اجلماعة الواحدة مقصد رعي‪ ,‬وال‬
‫جيوز التفرق ملثد هذا اخلالف‪.‬‬
‫‪ .3‬ومنها قاعدة‪" :‬اخلروج من اخلالف مستحب"‪ ,‬وهي قاعدة يف التعامد‬
‫م اخلالف الفقهي أكب إجيابية من جمر ترك اإلعكار فيه‪ ,‬إذ إن هذه القاعدة‬
‫تعين أمهية مراعاة اخلالف الفقهي خلروج منه‪ ,‬اعية إىل أ اء العبا ات‬
‫واملعامالت حبيث تصح عل أقوال مجي الفقهاء إن أمكن‪.‬‬

‫‪ .8‬رواه أمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬


‫‪ .7‬اع ر رح خمتصر خليد للخر ي (‪.)739/8‬‬
‫‪ .3‬اع ر الروض املرب للبهو (‪.)873/8‬‬
‫‪ .4‬رواه أمحد وابن ماجه‪.‬‬
‫‪ .5‬اع ر تبيني احلقائ للزيلعي (‪.)838/8‬‬
‫‪ .3‬رواه أبو حنيفة يف مسنده وعبدالرزاق ووالطباين ‪ -‬يف األوسط ‪.-‬‬
‫‪731‬‬
‫و ذه القاعدة تطبيقات كثرية‪ ,‬منها أعه يستحب ملن ارتكب انقضا للوضوء‬
‫عل مذاهب بعض الفقهاء‪ ,‬لكنه غري انقض عل مذهبه‪ ,‬أن يعيد الوضوء؛‬
‫خروجا من خالف العلماء‪ ,‬خصوصا إذا كان إماما يف الصلوات‪ ,‬فلو أكد حنفي‬
‫أو مالكي أو افعي حلم جزور‪ ,‬فإعه يستحب له إعا ة الوضوء؛ مراعاة خلالف‬
‫احلنابلة‪ ,‬رمحهم هللا مجيعا‪.‬‬
‫ومثله املتوضئ الذي يعتقد استحباب بعض أفعال الوضوء‪ ,‬لكنها روط‬
‫عل مذاهب بعض الفقهاء‪ ,‬فإعه يستحب له اإلتيان ِبا؛ خروجا من اخلالف‪,‬‬
‫ومن أمثلة ذلر لر أعضاء الوضوء واملواالة‪ ,‬فاألول رط عند املالكية‪ ,‬والثاين‬
‫رط عند احلنابلة‪ ,‬وكالمها مستحب عند الشافعية‪ ,‬فيستحب له أن أي ِبما؛‬
‫مراعاة خلالفهما‪.‬‬
‫ومثال اثلث وهو استيعاب الرأم ملسح يف الوضوء‪ ,‬فإعه ركن عند املالكية‬
‫واحلنابلة‪ ,‬أما الشافعية فيكفي عندهم مسح أقد جزء من الرأم ولو بعض عرة يف‬
‫حدو الرأم‪ ,‬فيستحب للمتوضئ الشافعي أن يستوعب رأسه؛ مراعاة خلالفهما‪,‬‬
‫واألمثلة كثرية جدا‪.‬‬
‫وقد ا يط الفقهاء إلعمال هذه القاعدة ثالثة روط‪ :‬أحدها أن ال تؤ ي‬
‫مراعاة اخلالف إىل خمالفة السنة الثابتة‪ ,‬فإن خالف السنة فالتمسر ِبا هو‬
‫الصحيح‪ ,‬ومن مث فإعه يستحب رف اليدين يف املواض املعروفة يف الصالة‪ ,‬وال‬
‫صح لرف ‪ ,‬اثعيها أن ال تؤ ي مراعاة‬ ‫يراع اخلالف يف ذلر؛ ألن السنة َّ‬
‫اخلالف إىل الوقوع يف خالف آخر‪ ,‬ومن مث فإعه يستحب فصد ركعات الوتر‪ ,‬وال‬
‫يراع خالف من من الفصد؛ ألن من العلماء من ال جييز الوصد‪ ,‬واثلثها أن‬

‫‪739‬‬
‫يكون اخلالف قو ‪ ,‬فإن كان ضعيفا فهو هفوة أو زلة‪ ,‬فال تستحب مراعاته‪ ,‬ومن‬
‫مث فإعه يستحب الصوِ يف السفر ملن ال يش عليه‪ ,‬وال يراع خالف ال اهرية يف‬
‫منعهم الصوِ يف السفر؛ لضعف اخلالف‪.8‬‬
‫‪ .5‬دعوى الكسل والفتور وقصور اهلمة‬
‫كسد‬
‫من الدَّعاو اليت ا عاها خصوِ املنهج املذهيب ‪ -‬سبباً لنشوئه ‪ -‬هل‬
‫املقلدين وضعف عزائمهم وفتور مهمهم‪ ,‬ولذلر ‪ -‬حسب عواهم ‪ -‬جلأوا إىل‬
‫املذاهب الفقهية؛ اعتما ا عل اجتها من سبقهم من العلماء‪ ,‬وإراحةً لعقو م من‬
‫التفكري واالجتها ‪.‬‬
‫ولقد متلَّكين أ د العجب من هذه الدعو السقيمة املتضمنة سوء ال ن‬
‫لعلماء واحلط من أقدارهم‪ ,‬وقد كن أحياان أفكر يف مقدار عقول أصحاب هذه‬
‫الدعو ‪ ,‬هد قالوها يف حالة حضور فكر واكتمال عقد‪ ,‬أِ كان أصحاِبا‬
‫يعيشون حالةً من غياب الفكر وعقص العقد‪.‬‬
‫إن امل نون لكساىل وضعيفي العزائم وقاصري ا مة أن يعكفوا عل متون‬
‫خمتصرة‪ ,‬يلوكوهنا ويكرروهنا وير وهنا‪ ,‬فهد اقتصر علماء املنهج الفقهي املذهيب‬
‫عل ذلر؟!‬
‫إن من أيسر الوسائد لنقض تلر الدعو الن ر يف النتاج الفكري للعلماء‪,‬‬
‫والتعرف عل مؤلفاهتم من حيث الكم والكيف‪ ,‬ولو ذهبنا عستقرأ لطال املقاِ‬
‫جدا‪ ,‬ولكن سأكتفي ببعض علماء الشافعية الذين يزعم البعض كسلهم وفتور‬
‫عزائمهم وقصور مهمهم‪ ,‬مقتصرا عل بعض مؤلفاهتم الفقهية فقط‪:‬‬

‫‪ .8‬اع ر األ باه والن ائر للسيوطي (‪ ,)833‬واملوسوعة الفقهية الكويتية (‪.)791/7‬‬
‫‪721‬‬
‫‪ ‬احلسن بن القاسم الطبي رمحه هللا (‪351-733‬هـ)‪ ,‬من مؤلفاته العدة يف‬
‫عشرة أجزاء‪ ,‬ومنها اإلفصاح‪ ,‬ومنها احملرر يف اخلالف‪.‬‬
‫‪ ‬أمحد بن حممد بن سهد أبو احلسني الطَّبسي رمحه هللا (‪355-...‬هـ)‪ ,‬من‬
‫مؤلفاته رح خمتصر املزين يف ألف جزء‪ ,‬قال احلاكم‪" :‬كن أقدر أهنا أجزاء‬
‫خفاف حىت قصدته وسألته أن خيرج يل منها يئا‪ ,‬فأخرج فإذا هي خبط أ ق‬
‫ما يكون‪ ,‬ويف كد جزء ستجة أو قريب منها"‪.‬‬
‫‪ ‬أمحد بن حممد بن أمحد أبو حامد اإلسفراييين رمحه هللا (‪413-344‬هـ)‪ ,‬من‬
‫مؤلفاته تعليقه عل خمتصر املزين يف مخسني جملدا‪ ,‬ذكر فيها خالف العلماء‬
‫وأقوا م ومآخذهم ومناظراهتم حىت كان يقال له‪ :‬الشافعي الثاين‪.‬‬
‫‪ ‬طاهر بن عبدهللا بن طاهر الطبي أبو الطيب رمحه هللا (‪451-341‬هـ)‪ ,‬من‬
‫مؤلفاته رح خمتصر املزين يف أحد عشر جزءا‪ ,‬ومنها التعليقة الكب ‪.‬‬
‫‪ ‬علي بن حممد بن حبيب املاور ي رمحه هللا (‪451-334‬هـ)‪ ,‬من مؤلفاته‬
‫احلاوي الكبري يف أكثر من عشرين جملدا‪ ,‬ومنها األحكاِ السلطاعية واإلقناع‬
‫وقاعون الوزارة وسياسة امللر‪ ,‬وغريها‪.‬‬
‫‪ ‬عبدالرمحن بن حممد بن أمحد الفوراين رمحه هللا (‪438-311‬هـ)‪ ,‬من مؤلفاته‬
‫اإل عة عن أحكاِ فروع الد عة يف عشرة أجزاء‪.‬‬
‫‪ ‬عصر بن إبراهيم بن عصر أبو الفتح املقدسي رمحه هللا (‪491-322‬هـ)‪ ,‬من‬
‫مؤلفاته التهذيب يف عشر جملدات‪ ,‬ومنها التقريب قريب من هذا احلجم‪,‬‬
‫ومنها املقصو وهو أحكاِ جمر ة يف جزأين متوسطني‪ ,‬ومنها الكايف يف جملد‪,‬‬

‫‪728‬‬
‫ومنها االعتخاب الدمشقي‪ ,‬قال النووي‪ :‬يف بضعة عشر جملدا‪ ,‬وهو عل هيئة‬
‫تعلي القاضي أيب الطيب‪.‬‬
‫‪ ‬إماِ احلرمني عبدامللر بن عبدهللا بن يوسف اجلويين رمحه هللا (‪-489‬‬
‫‪421‬هـ)‪ ,‬من مؤلفاته هناية املطلب يف راية املذهب يف عشرين جملدا‪ ,‬ومنها‬
‫البهان والغياثي والورقات يف أصول الفقه‪ ,‬وغريها‪.‬‬
‫‪ ‬عبدالواحد بن إ اعيد بن أمحد الرو ين رمحه هللا (‪517-485‬هـ)‪ ,‬وقد بلغ‬
‫من متكنه يف الفقه أن قال‪" :‬لو احيق كتب الشافعي ألمليتها من حف ي"‪,‬‬
‫من مؤلفاته حبر املذهب يف ثالثة عشر جملدا‪ ,‬وهو من أكب كتب الشافعية‪.‬‬
‫‪ ‬حممد بن أمحد بن احلسني فخر اإلسالِ أبو بكر الشا ي القفال رمحه هللا‬
‫(‪512-479‬هـ)‪ ,‬من مؤلفاته الشايف يف رح الشامد ‪ -‬ولعله رح ملختصر‬
‫املزين ‪ -‬يف عشرين جملدا‪ ,‬ومات وقد بقي فيه حنو اخلم ‪ ,‬ومنها حلية‬
‫العلماء يف معرفة مذاهب الفقهاء يف جملدين‪ ,‬ومنها املعتمد وهو كالشرح‬
‫للحلية‪ ,‬وهو قريب من حجم وسيط الغزايل‪ ,‬وغريها‪.‬‬
‫‪ ‬حيىي بن سامل بن أسعد العمراين رمحه هللا (‪551-419‬هـ)‪ ,‬من مؤلفاته البيان‬
‫رح املهذب يف ثالثة عشر جملدا‪ ,‬ومنها الزوائد‪ ,‬و رح وسائد الغزايل‪,‬‬
‫وغرائب وسيط الغزايل‪ ,‬وغريها‪.‬‬
‫‪ ‬حممد بن املوف بن سعيد م الدين اخلبو اين رمحه هللا (‪512-581‬هـ)‪ ,‬من‬
‫مؤلفاته حتقي احمليط يف ستة عشر جملدا‪.‬‬
‫‪ ‬إبراهيم بن منصور بن املسلم اخلطيب رمحه هللا (‪593-581‬هـ)‪ ,‬من مؤلفاته‬
‫رح املهذب يف أكثر من عشرة أجزاء‪.‬‬

‫‪727‬‬
‫‪ ‬عثمان بن عيس بن ر م ضياء الدين أبو عمرو الكر ي رمحه هللا (‪-583‬‬
‫‪317‬هـ)‪ ,‬من مؤلفاته االستقصاء ملذاهب الفقهاء يف رح املهذب يف عشرين‬
‫جملدا إىل كتاب الشها ات‪.‬‬
‫‪ ‬أمحد بن موس بن يوع املوصلي رمحه هللا (‪377-525‬هـ)‪ ,‬من مؤلفاته‬
‫كتاب يف الفقه يدخد يف مخسة عشر جملدا‪ ,‬ومن مؤلفاته رح التنبيه‪.‬‬
‫‪ ‬اإلماِ عبدالكرمي بن حممد بن عبدالكرمي أبو القاسم الرافعي رمحه هللا (‪-552‬‬
‫‪373‬هـ)‪ ,‬من مؤلفاته رح وجيز الغزايل يف بضعة عشر جملدا‪.‬‬
‫‪ ‬اإلماِ حيىي بن رف بن مري حميي الدين النووي رمحه هللا (‪323-338‬هـ)‪,‬‬
‫من مؤلفاته روضة الطالبني يف اثين عشر جملدا‪ ,‬ومنها اجملموع يف رح املهذب‬
‫يف سب جملدات‪ ,‬وصد فيه إىل أثناء ب الر ‪ ,‬ومات وقد بقي منه أكثر من‬
‫النصف‪ ,‬ومنها التنقيح واإليضاح‪ ,‬وغريها‪.‬‬
‫‪ ‬أمحد بن عيس بن رضوان كمال الدين العسقالين رمحه هللا (‪319-372‬هـ)‪,‬‬
‫من مؤلفاته رح التنبيه يف اثين عشر جملدا‪.‬‬
‫‪ ‬أمحد بن حممد بن علي األعصاري م الدين أبو العبام ابن الرفعة املصري‬
‫رمحه هللا (‪281-345‬هـ)‪ ,‬من مؤلفاته الكفاية يف رح التنبيه يف مخسة عشر‬
‫جملدا‪ ,‬ومنها املطلب يف رح الوسيط يف حنو أربعني جملدا‪ ,‬ومل يكمله‪.‬‬
‫‪ ‬خليد بن كيكلدي صالح الدين العالئي رمحه هللا (‪238-394‬هـ)‪ ,‬من‬
‫مؤلفاته التعليقات األرب ‪ :‬الكب والوسط والصغر واملصرية يف اثين عشر‬
‫جملدا‪ ,‬ومنها هناية اإلحكاِ يف راية األحكاِ‪.‬‬

‫‪723‬‬
‫‪ ‬أمحد بن محدان بن أمحد هاب الدين أبو العبام األذرعي رمحه هللا (‪-211‬‬
‫‪213‬هـ)‪ ,‬من مؤلفاته قوت احملتاج يف رح املنهاج يف ثالثة عشر جملدا‪ ,‬ومنها‬
‫غنية احملتاج وهو أصغر من القوت يف مثاعية جملدات‪ ,‬ويف كد منهما ما لي‬
‫يف اآلخر‪ ,‬ومنها التوسط والفتح بني الروضة والشرح يف حنو عشرين جملدا‪,‬‬
‫ومنها التنبيهات عل أوهاِ املهمات يف حنو ثالث جملدات وصد فيه إىل‬
‫الطالق‪.‬‬
‫‪ ‬حممو بن أمحد بن حممد ا مذاين ابن خطيب الدهشة رمحه هللا (‪-251‬‬
‫‪134‬هـ)‪ ,‬من مؤلفاته تكلمة رح منهاج السبكي يف ثالثة عشر جملدا‪ ,‬ومنها‬
‫إغاثة احملتاج إىل رح املنهاج يف أربعة أجزاء‪.‬‬
‫‪ ‬علي بن أمحد بن عمر البو ي رمحه هللا (‪153-291‬هـ)‪ ,‬من مؤلفاته رح‬
‫أعوار األر بيلي‪ ,‬كمد منه ‪ -‬ما عدا رب العبا ات ‪ -‬يف أحد عشر جملدا‬
‫ضخمة‪.‬‬
‫‪ ‬حممد بن الفخر عثمان بن علي املار يين رمحه هللا (‪128-...‬هـ)‪ ,‬من مؤلفاته‬
‫رح املنهاج يف أربعة عشر جملدا‪ ,‬وبقي منه حنو جملد‪.‬‬
‫إن تلر األ اء الساب ذكرها تشكد عسبة قليلة من علماء املنهج املذهيب‪,‬‬
‫وقد اقتصرت عل بعض مؤلفاهتم الفقهية‪ ,‬أما لو سر ت بعض مؤلفاهتم يف العلوِ‬
‫األخر لطال القائمة‪ ,‬بد لو سر ت أ اء علماء ألفوا جملدات يف غري علم‬
‫الباعث م عل اتباع املنهج‬
‫هل‬ ‫الفقه لطال القائمة جدا‪ ,‬فهد يعقد أن يكون‬
‫املذهيب الكسد والفتور وضعف العزَية وقصور ا مة؟!‬

‫‪724‬‬
‫السبب املنطقي والصحيح للمذاهب األربعة‬
‫بعد هذا العرض الساب أعتقد أعه اتضح لكد منصف أن املنهج الفقهي‬
‫املذهيب و لتحديد املذاهب األربعة مل هتمد االهتداء لكتاب والسنة‪ ,‬ومل تعطد‬
‫حركة االجتها الفقهي‪ ,‬ومل يكن التقيد ِبا سببا للتعصب والتفرق والتحزب‪ ,‬ومل‬
‫تنشأ بسبب الكسد والفتور وضعف ا مة‪.‬‬
‫وهنا ععو لسؤالنا الساب ‪ :‬ما الذي جعد فقهاء املسلمني ‪ -‬وفيهم املفسرون‬
‫واحملدثون واألصوليون واللغويون ‪ -‬يتمسكون ملذاهب األربعة‪ ,‬ويعضون عليها‬
‫لنواجذ؟! وملاذا مل جيتهدوا كما اجتهد الذين من قبلهم؟!‬
‫إن السبب الوحيد الذي يفرضه علينا ما عرفناه عن علماء األمة اإلسالمية‪,‬‬
‫املتصفني بتنوع العلوِ الشرعية واللغوية والتعم فيها‪ ,‬واملتحلني لتقو والورع‬
‫واخلوف من هللا‪ ,‬ويوجبه علينا إحسان ال ن بصفوة األمة اإلسالمية املعصومة يف‬
‫جمموعها‪ ,‬ويقبله العقد املنصف البصري املطل عل حركة تطور العلوِ‪ ,‬يتلخص يف‬
‫التحليد التايل‪:‬‬
‫إن أئمة املذاهب األربعة متيزوا بضبط طريقة االجتها وأصوله وقواعده‪,‬‬
‫وانقشوا الفروع الفقهية بناءً عليها‪ ,‬مث جاء أصحاِبم فزا وا األمر حتريرا وتنقيحا‬
‫ووضوحا‪ ,‬فاعضبط مناهجهم االجتها ية‪ ,‬وحررت الفروع الفقهية املخرجة‬
‫عليها‪ ,‬و وع مذاهبهم بدقة وعناية‪ ,‬فنضج الرأي يف املسألة الواحدة ببيان‬
‫إلينا لتواتر‪ ,‬األمر الذي مل يتوفر لغري‬ ‫روطها وقيو ها وضوابطها‪ ,‬مث وصل‬
‫املذاهب األربعة‪.‬‬

‫‪725‬‬
‫مث خشي العلماء أن ينفرط عقد االجتها ‪ ,‬ويدعيه من ال حيسنه‪ ,‬فلما‬
‫صح األصول واعضبط القواعد مل يب للمتأخرين من العلماء إال اليجيح بينها‬ ‫َّ‬
‫واالختيار منها‪ ,‬وتفري مستجدات الفروع الفقهية عليها؛ ألن احلركة العلمية عملية‬
‫تراكمية‪ ,‬يبين األواخر عل قواعد األوائد‪ ,‬وال يصح عقال أن ينقض املتأخر بناء‬
‫املتقدِ‪ ,‬أبن يفين اجملتهد عمره يف إعا ة االجتها يف ما تقدِ من األصول‬
‫والفروع‪ ,‬وبذلر تبلورت فكرة االعضباط ملذاهب األربعة‪.‬‬
‫وِبذا املعىن تضافرت عصوص عد كبري من العلماء‪ ,‬فها هو إماِ احلرمني‬
‫اجلويين رمحه هللا يقول‪" :‬أمج احملققون عل أن العواِ لي م أن يتعلقوا مبذاهب‬
‫أعيان الصحابة رضي هللا تعاىل عنهم‪ ,‬بد عليهم أن يتبعوا مذاهب األئمة الذين‬
‫سبوا وع روا‪ ,‬وبوبوا األبواب‪ ,‬وذكروا أوضاع املسائد‪ ,‬وتعرضوا للكالِ عل‬
‫مذاهب األولني‪ ,‬والسبب فيه أن الذين رجوا وإن كاعوا قدوة يف الدين وأسوة‬
‫للمسلمني فإهنم مل يهلفتنوا بتهذيب مسالر االجتها ‪ ,‬وإيضاح طرق الن ر واجلدال‬
‫وضبط املقال‪ ,‬ومن خلفهم من أئمة الفقه كفوا من بعدهم الن ر يف مذاهب‬
‫الصحابة‪ ,‬فكان العامي مأمورا تباع مذاهب السابرين"‪.8‬‬
‫وقال ابن أمري احلاج رمحه هللا (‪232-...‬هـ) ‪ -‬بعد عقله كالِ إماِ احلرمني‬
‫‪" :-‬ألهنم أوضحوا طرق الن ر‪ ,‬وهذبوا املسائد‪ ,‬وبينوها ومجعوها‪ ,‬خبالف جمتهدي‬
‫الصحابة‪ ,‬فإهنم مل يعتنوا بتهذيب مسائد االجتها ‪ ,‬ومل يقرروا ألعفسهم أصوال تفي‬
‫أبحكاِ احلوا ث كلها‪ ,‬وإال فهم أع م وأجد قدرا"‪.7‬‬

‫‪ .8‬البهان إلماِ احلرمني (‪.)244/7‬‬


‫‪ .7‬التقرير والتحبري البن أمري احلاج (‪.)733/3‬‬
‫‪723‬‬
‫وقال احلافظ ابن رجب رمحه هللا‪" :‬فإن قيد‪ :‬حنن عهلسلم من عموِ النام من‬
‫سلوك طري االجتها ؛ ملا يفضي ذلر أع م الفسا ‪ ,‬لكن ال عهلسلم من تقليد‬
‫إماِ متب من أئمة اجملتهدين غري هؤالء األئمة املشهورين‪ ,‬قيد‪ :‬قد عبهنا عل علة‬
‫املن من ذلر‪ ,‬وهو أن مذاهب غري هؤالء مل تشتهر‪ ,‬ومل تنضبط‪ ,‬فرمبا عهلسب‬
‫إليهم ما مل يقولوه‪ ,‬أو فهلهم عنهم ما مل يريدوه‪ ,‬ولي ملذاهبهم من ي هلذب عنها‪,‬‬
‫وينبه عل ما يق من اخللد فيها‪ ,‬خبالف هذه املذاهب املشهورة‪ ,‬فإن قيد‪ :‬فما‬
‫تقولون يف مذهب إماِ غريهم‪ ,‬قد هلون مذهبه‪ ,‬وضبط وحفظ كما حفظ مذاهب‬
‫وسلم جواز‬‫هؤالء؟ قيد‪َّ :‬أوالً هذا ال يهلعلم وجو ه اآلن‪ ,‬وإن فهلرض وقوعه اآلن‪ ,‬هل‬
‫اتباعه واالعتساب إليه‪ ,‬فإعه ال جيوز ذلر إال ملن أظهر االعتساب إليه‪ ,‬والفتيا‬
‫بقوله‪ ,‬والذب عن مذهبه"‪.8‬‬
‫وقال ابن خلدون رمحه هللا (‪111-237‬هـ)‪" :‬وقف التقليد يف األمصار‬
‫عند هؤالء األربعة‪ ,‬و رم املقلدون ملن سواهم‪ ,‬وسد النام ب اخلالف وطرقه؛‬
‫ملا كثر تشعب االصطالحات يف العلوِ‪ ,‬وملا عاق عن الوصول إىل رتبة االجتها ‪,‬‬
‫وملا خشي من إسنا ذلر إىل غري أهله ومن ال يوث برأيه وال بدينه‪ ,‬فصرحوا‬
‫لعجز واإلعواز‪ ,‬ور وا النام إىل تقليد هؤالء‪ ,‬كد من اختص به من املقلدين‪,‬‬
‫وح روا أن يتداول تقليدهم؛ ملا فيه من التالعب‪ ,‬ومل يب إال عقد مذاهبهم‪ ,‬وعمد‬
‫كد مقلد مبذهب من قلده منهم بعد تصحيح األصول واتصال سندها لرواية‪ ,‬ال‬

‫‪ .8‬الر عل من اتب غري املذاهب األربعة (‪.)3‬‬


‫‪722‬‬
‫حمصول اليوِ للفقه غري هذا‪ ,‬ومدعي االجتها ذا العهد مر و عل عقبه‪,‬‬
‫مهجور تقليده‪ ,‬وقد صار أهد اإلسالِ اليوِ عل تقليد هؤالء األئمة األربعة"‪.8‬‬
‫وقال اإلماِ الزركشي رمحه هللا ‪ -‬حمررا رأي اإلماِ ابن الصالح رمحه هللا ‪:-‬‬
‫"وأما ابن الصالح فجزِ يف كتاب الفتيا مبا قاله اإلماِ ‪ -‬أي إماِ احلرمني ‪ -‬وزا‬
‫يدون مذهبه‪ ,‬وإمنا يقلد الذين هلوع‬
‫أعه ال يقلد التابعني أيضا‪ ,‬وال من مل َّ‬
‫مذاهبهم واعتشرت‪ ,‬حىت ظهر منها تقييد مطلقها وختصيص عامها‪ ,‬خبالف‬
‫غريهم‪ ,‬فإعه عقل عنهم الفتاو جمر ة‪ ,‬فلعد ا مكمال أو مقيدا أو خمصصا‪ ,‬لو‬
‫اعبسط كالِ قائله‪ ,‬فامتناع التقليد إمنا هو لتعذر عقد حقيقة مذهبهم‪ ,‬وعل هذا‬
‫فينحصر التقليد يف األئمة األربعة واألوزاعي وسفيان‪ ,‬وإسحاق و او ‪ ,‬عل‬
‫خالف يف او حكاه ابن الصالح وغريه؛ ألن هؤالء هم ذوو األتباع‪ ,‬وأليب ثور‬
‫وابن جرير أتباع قليلة جدا"‪.7‬‬
‫وقال ابن احلطاب الرعيين رمحه هللا (‪954-917‬هـ)‪" :‬قال القرايف يف رح‬
‫احملصول‪ :‬قال إماِ احلرمني‪ :‬أمج احملققون عل أن العواِ لي م أن يتعلقوا‬
‫مبذاهب الصحابة ‪ ,‬بد عليهم أن يتبعوا مذاهب األئمة الذين سبوا وع روا‬
‫وبوبوا؛ ألن الصحابة ‪ ‬مل يعتنوا بتهذيب املسائد واالجتها وإيضاح طرق الن ر‬
‫خبالف من بعدهم‪ ,‬مث قال القرايف‪ :‬ورأي للشيخ تقي الدين بن الصالح ما‬
‫معناه‪ :‬أن التقليد يتعني ذه األئمة األربعة ون غريهم؛ ألن مذاهبهم اعتشرت‬
‫واعبسط حىت ظهر فيها تقييد مطلقها وختصيص عامها و روط فروعها‪ ,‬فإذا‬

‫‪ .8‬مقدمة ابن خلدون (‪.)314‬‬


‫‪ .7‬البحر احمليط للزركشي (‪ ,)339/1‬واع ر هناية السول لإلسنوي (‪.)337/7‬‬
‫‪721‬‬
‫مكمال يف موض آخر‪ ,‬وأما غريهم فتنقد عنه‬ ‫أطلقوا حكما يف موض هلوجد َّ‬
‫الفتاو جمر ة‪ ,‬فلعد ا مكمال أو مقيدا أو خمصصا‪ ,‬لو اعضبط كالِ قائله ل هر‪,‬‬
‫فيصري يف تقليده عل غري ثقة خبالف هؤالء األربعة‪ ,‬قال‪ :‬وهذا توجيه حسن‪ ,‬فيه‬
‫ما لي يف كالِ إماِ احلرمني"‪.8‬‬
‫وسئد الفقيه ابن حجر ا يتمي رمحه هللا‪" :‬هد جيوز تقليد الصحابة رضوان‬
‫هللا تعاىل عليهم أِ ال؟ وما الدليد عليه؟ فأجاب ‪ -‬عفعنا هللا تعاىل بعلومه ‪-‬‬
‫بقوله‪ :‬عقد إماِ احلرمني عن احملققني امتناعه عل العواِ؛ الرتفاع الثقة مبذاهبهم؛‬
‫دون وحترر‪ ,‬وجزِ به ابن الصالح‪ ,‬وأحل لصحابة التابعني وغريمها ممن مل‬ ‫إذ مل تهل َّ‬
‫يدون مذهبه‪ ,‬وأبن التقليد متعني لألئمة األربعة فقط‪ ,‬قال‪ :‬ألن مذاهبهم اعتشرت‬
‫حىت ظهر تقييد مطلقها وختصيص عامها خبالف غريهم‪ ,‬ففيه فتاو جمر ة‪ ,‬لعد‬
‫ا مكمال أو مقيدا‪ ,‬لو اعبسط كالمه فيها ل هر خالف ما يبدو منه‪ ,‬فامتن‬
‫التقليد إذاً؛ لتعذر الوقوف عل حقيقة مذاهبهم‪ ,‬اعته والقول الثاين جواز‬
‫تقليدهم كسائر اجملتهدين‪ ,‬قال ابن السبكي‪ :‬وهو الصحيح عندي غري أين أقول‪:‬‬
‫ال خالف يف احلقيقة‪ ,‬بد إ ان حتق مذهب م جاز وفاقا وإال فال‪ ,‬اعته ‪ ,‬ويؤيده‬
‫ما عقله الزركشي عن مج من العلماء احملققني أهنم ذهبوا إىل جواز تقليدهم‬
‫واستدل له‪ ,‬مث قال‪ :‬وهذا هو الصحيح إن علم ليله وصح طريقه‪ ,‬و ذا قال ابن‬
‫عبد السالِ يف فتاويه‪ :‬إذا صح عن صحايب ثبوت مذهب جاز تقليده وفاقا وإال‬

‫‪ .8‬مواهب اجلليد يف رح خمتصر خليد البن احلطاب (‪.)99/8‬‬


‫‪729‬‬
‫كد الثبوت‪ ,‬اعته كالِ‬ ‫فال‪ ,‬ال لكوعه ال يقلد‪ ,‬بد ألن مذهبه مل يثب‬
‫الزركشي"‪.8‬‬
‫وقال الشيخ عبدالعزيز العلجي املالكي األحسائي رمحه هللا يف من ومته‪:‬‬
‫ول ـ ـ ـ اـو ملا جي ـ ـ ــي التَّـ اقلي ـ ـ ـ هلـد عص ـ ـ ــا بل اف ـ ـ ــه وصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيَّـ ارهلمتهلوههل ب ادعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةً ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـن يهلسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلَّما‬
‫ر يف األصـ ـ ـ ــل اني‪ 7‬عـ اهج ـ ـ ـ ـاً هلموَّمهـ ـ ـ ــا‬ ‫فـ هلهـ اـم حــني خــافهلوا يــدَّعي الع الــم جاهــد ويس ـ ـ ـ ـلهل هل‬
‫‪3‬‬
‫لـ ـ ــي اخلهلص مـ ـ ـ اـن أ اهـ ـ ــد الفسـ ـ ــا وي اسـ ـ ــلما‬ ‫الشـ اـرع عانــد أهلويل التهلـق ـ‬
‫أحبُّ ـوا هلوقهلــوف َّ‬
‫الر هلسـ ـ ـ ــول هلمق َّسـ ـ ـ ــما‬
‫وكـ ـ ـ ــان عل ـ ـ ـ ـ ع اهـ ـ ـ ــد َّ‬
‫آن خ ـ ـ ـ اـوف هل هلراوس ـ ـ ــه‬
‫القـ ـ ـ اـر هل‬
‫كمـ ـ ــا هلمج ـ ـ ـ هل‬
‫مناذج مشرقة من تعامل بعض أتباع املذاهب الفقهية مع بعض‬
‫بعد أن أ ركنا فيما سب معىن اخلالف الفقهي‪ ,‬وأسبابه اليت اقتض‬
‫وجو ه‪ ,‬فإن ذلر يقتضي أن حيسن أتباع هذه املذاهب الفقهية التعامد فيما‬
‫بينهم‪ ,‬وأن يتأ بوا أب ب الرأي‪ ,‬وأن يبثوا روح فقه االئتالف يف ظد اخلالف‪ ,‬وأن‬
‫ال أيطروا النام عل مذهب واحد أطرا‪ ,‬وأن ال يقصروهم عليه قصرا‪ ,‬فإن‬
‫التعد ية الفقهية ثروة ع يمة لألمة اإلسالمية‪ ,‬تغرف منها طيلة قرون‪.‬‬
‫وقد أ رك أئمة املذاهب وكباء أصحاِبم والعقالء من املتمذهبني مبذاهبهم‬
‫رمحهم هللا أمجعني أمهية األ ب يف التعامد م أتباع املذاهب األخر ‪ ,‬وقد كاعوا يف‬
‫هذا األ ب مقتدين مبن سبقهم‪ ,‬فقد لقي اخلليفة عمر بن اخلطاب ‪ ‬رجال‪,‬‬

‫‪ .8‬الفتاو الكب الفقهية البن حجر (‪.)312/4‬‬


‫‪ .7‬أي الكتاب والسنة‪.‬‬
‫‪ .3‬يشري الشيخ إىل ما قدَّمناه أن من أسباب االلتزاِ ملذاهب الفقهية هو خشية ولوج اجلهال وأعصاف‬
‫العلماء ميدان االجتها ‪.‬‬
‫‪711‬‬
‫فقال‪ :‬ما صنع ؟ فقال‪ :‬قض علي وزيد ‪ ‬بكذا‪ ,‬فقال عمر‪" :‬لو كن أان‬
‫لقضي بكذا‪ ,‬فقال‪ :‬فما َينعر واألمر إلير؟ قال‪ :‬لو كن أر ك إىل كتاب هللا‬
‫أو إىل سنة رسول هللا ‪ ‬لفعل ‪ ,‬ولكين أر ك إىل رأيي‪ ,‬والرأي مشيك"‪.8‬‬
‫وهذا اإلماِ أمحد يتناظر م علي بن املديين يف مسألة يف الشها ة‪ ,‬وارتفع‬
‫أصواهتما‪ ,‬حىت خشي أن يق بينهما جفاء‪ ,‬فلما أرا علي أن ينصرف قاِ أمحد‬
‫فأخذ بركابه‪.7‬‬
‫وتناظر اإلماِ الشافعي م تلميذه يوع بن عبداألعل ‪ ,‬فلما افيقا أخذ‬
‫الشافعي بيده وقال‪ " :‬أ موس ‪ ,‬أال يستقيم أن عكون إخواانً وإن مل عتف يف‬
‫مسألة"‪.3‬‬
‫واحتجم اخلليفة هارون الر يد‪ ,‬فأفتاه اإلماِ مالر بن أع بعدِ وجوب‬
‫الوضوء‪ ,‬فصل وخلفه القاضي أبو يوسف‪ ,‬ومذهبه عقض الوضوء حلجامة‬
‫وخبروج كد ِ سائد‪ ,‬فقيد أليب يوسف‪ :‬أتصلي خلفه؟ فقال‪" :‬سبحان هللا‪ ,‬أمري‬
‫املؤمنني‪َّ ,‬‬
‫فإن اترك الصالة خلف األئمة ملثد ذلر من عائر أهد البدع"‪.4‬‬
‫وملا سئد اإلماِ أمحد بن حنبد عن الصالة خلف احملتجم‪ ,‬ومذهبه عقض‬
‫الوضوء حلجامة‪ ,‬قال‪" :‬سبحان هللا! أال تصلي خلف سعيد بن املسيب ومالر‬
‫بن أع "‪.5‬‬

‫‪ .8‬جام بيان العلم وفضله البن عبدالب (‪.)59/7‬‬


‫‪ .7‬جام بيان العلم وفضله البن عبدالب (‪.)812/7‬‬
‫‪ .3‬سري أعالِ النبالء للذهيب (‪.)83/81‬‬
‫‪ .4‬جمموع فتاو ابن تيمية (‪.)335/71‬‬
‫‪ .5‬جمموع فتاو ابن تيمية (‪.)333/71‬‬
‫‪718‬‬
‫ولعد من أكب الشواهد عل أ ب العلماء يف اخلالف أن كثريا من كتب‬
‫الفقه املذهيب وأصوله تنص عل جواز تقليد املذاهب األخر عند احلاجة ون‬
‫تتب للرخص أو وقوع يف التلفي أو التقاط لزالت العلماء‪.8‬‬
‫بد اتفق كلمة فقهاء املذاهب األربعة عل استحباب اخلروج من خالف‬
‫مذاهب الفقهاء‪ ,‬وحيصد ذلر أبن ال يرتكب إماِ الصالة ‪ -‬مثال ‪ -‬فعال مبطال‬
‫عل مذهب غريه‪ ,‬وإن مل يكن مبطال يف مذهبه‪ ,‬وقد عصوا عل ذلر يف القاعدة‬
‫املشهورة‪" :‬اخلروج من اخلالف مستحب"‪.7‬‬
‫وعموما فإعه من العسري جدا استقصاء قصص العلماء الدالة عل ع رهتم‬
‫اإلجيابية للخالف الفقهي وتفهمهم لطبيعته وأسبابه‪ ,‬وقد خلص القاضي اجملاهد‬
‫أسد بن الفرات اختالف املذاهب بقوله‪" :‬بلغين أن قوما كاعوا يتناظرون لعراق يف‬
‫العلم‪ ,‬فقال قائد‪ :‬من هؤالء؟ فقيد‪ :‬قوِ يقتسمون مرياث رسول هللا ‪ ,3"‬فرضي‬
‫هللا عن تلر النفوم الكبرية والعقول البصرية والصدور السليمة‪.‬‬
‫وقفة مع التعصب املذهيب‬
‫خالل مسرية املذاهب الفقهية‪ ,‬ومتذهب علماء املسلمني ِبا‪ ,‬وتقليد مجهرة‬
‫تعصباً مذهبيا‪ ,‬وقد جتل يف‬
‫عريضة من النام ا‪ ,‬أفرز هذا التمذهب الفقهي ُّ‬

‫‪ .8‬انقش ضوابط االستفا ة من الثروة الفقهية يف الفصد اخلام ‪.‬‬


‫‪ .7‬انقش هذه القاعدة وقواعد أخر يف ضبط التعامد م اخلالف الفقهي يف موض ساب يف هذا‬
‫الفصد‪ ,‬أما احلوا ث التارخيية الناجتة عن اخلالف الفقهي فهي أقد من أن يستدل ِبا إللغاء املذاهب‬
‫الفقهية؛ لتداخلها م عوامد أخر ‪.‬‬
‫‪ .3‬جام بيان العلم وفضله البن عبدالب (‪.)811/7‬‬
‫‪717‬‬
‫ثالثة م اهر‪ ,‬أحدها تفضيد املذهب الفقهي عل غريه‪ ,‬اثعيها ملز املذاهب‬
‫الفقهية األخر ‪ ,‬واثلثها وقوع أحداث توتر وتشنج مذهيب‪.‬‬
‫فمن أمثلة امل هر األول املتعل بتفضيد املذهب الفقهي عل غريه قول‬
‫اإلماِ احلصكفي رمحه هللا يف تفضيد املذهب احلنفي‪" :‬وعنه عليه الصالة‬
‫والسالِ‪" :‬إن آ ِ افتخر يب‪ ,‬وأان أفتخر برجد من أميت‪ ,‬ا ه ععمان‪ ,‬وكنيته أبو‬
‫حنيفة‪ ,‬هو سراج أميت"‪ ,‬وعنه عليه الصالة والسالِ‪" :‬إن سائر األعبياء يفتخرون‬
‫يب‪ ,‬وأان أفتخر أبيب حنيفة‪ ,‬من أحبه فقد أحبين‪ ,‬ومن أبغضه فقد أبغضين"‪ ,‬كذا‬
‫يف التقدمة رح مقدمة أيب الليث‪ ,‬قال يف الضياء املعنوي‪ :‬وقول ابن اجلوزي‪ :‬إعه‬
‫موضوع‪ ,‬تعصب؛ ألعه هلروي بطرق خمتلفة‪ ,‬ورو اجلرجاين يف مناقبه بسنده لسهد‬
‫أميت موس وعيس مثد أيب حنيفة ملا‬ ‫بن عبد هللا التسيي أعه قال‪ :‬لو كان يف ا‬
‫هتو وا وملا تنصروا‪ ,... ,‬واحلاصد أن أ حنيفة النعمان من أع م معجزات‬
‫املصطف بعد القرآن‪ ,‬وحسبر من مناقبه ا تهار مذهبه‪ ,‬ما قال قوال إال أخذ به‬
‫إماِ من األئمة األعالِ‪ ,‬وقد جعد هللا احلكم ألصحابه وأتباعه من زمنه إىل هذه‬
‫األ ِ‪ ,‬إىل أن حيكم مبذهبه عيس عليه السالِ"‪.8‬‬
‫ومنها قول القاضي عياض رمحه هللا (‪544-423‬هـ) يف تفضيد املذهب‬
‫املالكي‪ " :‬ب ترجيح مذهب مالر‪ ,‬واحلجة يف وجوب تقليده‪ ,‬وتقدَيه عل غريه‬
‫تعرف الصواب واحل أن يعرف‬ ‫من األئمة‪ ,... ,‬فح عل طالب العلم ومريد ُّ‬
‫أ اوالهم لتقليد؛ ليعمد عل مذهبه‪ ,‬ويسلر يف التفقه سبيله‪ ,‬وها حنن عبني أن‬
‫مالكاً رمحه هللا تعاىل هو ذلر؛ جلمعه أ وات اإلمامة‪ ,‬وحتصيله رجة االجتها ‪,‬‬

‫‪ .8‬الدر املختار للحصكفي حبا ية ابن عابدين (‪.)57/8‬‬


‫‪713‬‬
‫وكوعه أعلم القوِ أبهد زماعه‪ ,‬وأطباق أهد وقته عل ها هتم له بذلر وتقدَيه‪,‬‬
‫وهو القدوة والنام إذ ذاك انم والزمان زمان‪ ,‬مث لألثر الوار يف عامل املدينة اليت‬
‫هي اره‪ ,‬واعطالق هذا الوصف‪ ,‬وإلضافة عل ألسنة اجلماهري‪ ,‬وموافقة أحواله‬
‫احلال اليت أخب يف احلديث عنه‪ ,‬وأتويد السلف الصاحل أعه املرا به"‪.8‬‬
‫ومنها قول اتج الدين السبكي رمحه هللا يف تفضيد املذهب الشافعي‪" :‬وقد‬
‫ذكر أهد العلم أن هللا تعاىل مح اسم عبينا حممد ‪ ‬أن يتسم به من يدعي‬
‫قدر بعد‬‫النبوة قبد زماعه ويف إ ن خروجه ملثد ما ذكرانه‪ ,‬ولعله سبحاعه وتعاىل َّ‬
‫اعقراض عصر الصحابة أن ال خيرج من قريش متبوع يف العلم والدين غري الشافعي؛‬
‫ليستقيم هذا املنهاج‪ ,‬وال خيالط القلوب يء من االختالج‪ ,‬مث عهلركب من هذا‬
‫ليالً عل أعه اإلماِ املصيب‪ ,‬وسنشري إليه يف حديث‪" :‬يبعث هللا عل رأم كد‬
‫مائة"‪ ,... ,‬ولكن هنا قيقة عنبهر عليها‪ ,‬فنقول‪ :‬ملا مل د بعد املائة الثاعية من‬
‫أهد البي من هو ِبذه املثابة‪ ,‬ووجدان مجي من قيد‪ :‬إعه املبعوث يف رأم كد‬
‫مائة‪ ,‬ممن متذهب مبذهب الشافعي‪ ,‬واعقا لقوله‪ ,‬علمنا أعه اإلماِ املبعوث الذي‬
‫استقر أمر النام عل قوله‪ ,‬وبهلعث بعده يف رأم كد مائة من يقرر مذهبه"‪.7‬‬
‫حتول‬
‫ومن أمثلة امل هر الثاين املتعل بلمز املذاهب الفقهية األخر قصة ُّ‬
‫السلطان حممو بن سبكتكني رمحه هللا (‪478-338‬هـ) من املذهب احلنفي إىل‬
‫املذهب الشافعي‪ ,‬وكان سبب حتوله أعه وجد يف املذهب احلنفي مسائد ختالف‬
‫احلديث‪ ,‬فجم الفقهاء مبدينة مرو ملناقشة األمر‪ ,‬فاتفقوا أن يصلَّ عنده ركعتني‪,‬‬

‫‪ .8‬ترتيب املدارك وتقريب املسالر للقاضي عياض (‪.)59/8‬‬


‫‪ .7‬طبقات الشافعية للسبكي (‪.)892/8‬‬
‫‪714‬‬
‫مرًة عل مذهب الشافعية‪ ,‬ومرة عل مذهب احلنفية‪ ,‬يف أقد صورة جائزة عندمها‪,‬‬
‫فصلَّ اإلماِ أبو بكر القفال الشافعي رمحه هللا (‪482-372‬هـ) عل املذهبني‪,‬‬
‫فتحول السلطان إىل املذهب الشافعي‪.8‬‬
‫ومنها قول حممد بن موس البالساغهلوين الالمشي احلنفي عفا هللا عنه (‪-...‬‬
‫‪513‬هـ)‪" :‬لو كاع يل الوالية ألخذت من أصحاب الشافعي اجلزية"‪ ,‬وكان‬
‫مبغضا للمالكية أيضا‪ ,‬وقد ويل قضاء بي املقدم‪ ,‬مث عزل عنه‪ ,‬مث ويل قضاء‬
‫مش ‪ ,‬وكان قد عزِ عل عصب إماِ حنفي جلام ‪ ,‬فامتن أهد مش من‬
‫ذلر‪ ,‬وامتنعوا من الصالة خلفه‪ ,‬ومل تكن سريته يف القضاء حممو ة‪.7‬‬
‫ومن أمثلة امل هر الثالث املتعل أبحداث التوتر والتشنج املذهيب الفتنة اليت‬
‫وقع بني الشافعية واحلنابلة سنة ‪ 442‬هـ عندما اعيض مجاعة من احلنابلة‬
‫ببغدا عل الشافعية اجلهر لبسملة يف الصالة اجلهرية‪ ,‬والقنوت يف صالة الفجر‪,‬‬
‫واليجي يف األذان‪ ,‬وهنوا أئمة املساجد عن ذلر‪ ,‬فقال م أحد أئمة مساجد‬
‫الشافعية‪" :‬أزيلوا البسملة من املصحف حىت ال أتلوها"‪ ,‬مث تطور إىل عزاع واقتتال‪,‬‬
‫فقوي فيه أمر احلنابلة‪ ,‬ولزِ الشافعية بيوهتم‪ ,‬ومل حيضروا مجعة وال مجاعة حىت‬
‫هدأت الفتنة‪.3‬‬

‫‪ .8‬سري أعالِ النبالء للذهيب (‪ ,)823/83‬وطبقات الشافعية للسبكي (‪ ,)383/5‬وهذه القصة ال ختلو‬
‫من غرابة‪ ,‬وفيها عدة إ كاالت‪.‬‬
‫‪ .7‬البداية والنهاية البن كثري (‪.)785/87‬‬
‫‪ .3‬الكامد يف التاريخ البن األثري (‪.)879/1‬‬
‫‪715‬‬
‫حتول الفقيه‬
‫ومنها الفتنة اليت وقع مبدينة مرو بني احلنفية والشافعية عندما َّ‬
‫منصور بن حممد السمعاين (‪419-...‬هـ) مذهبه من احلنفي إىل الشافعي بعد‬
‫ثالثني سنة من كوعه حنفيا‪ ,‬وينتمي إىل أسرة علمية حنفية‪ ,‬فاضطرب مرو‬
‫لذلر‪ ,‬وهاج فتنة بني الشافعية واحلنفية‪ ,‬و خلوا يف قتال ديد‪ ,‬فاضطر‬
‫السمعاين إىل اخلروج من مرو إىل طوم مث إىل عيسابور‪ ,‬مث عا إىل مرو بعد‬
‫سكون الفتنة‪.8‬‬
‫ومنها الفتنة اليت وقع مبدينة مرو أيضا بني احلنفية والشافعية يف أ ِ الوزير‬
‫مسعو بن علي اخلوارزمي (‪593-...‬هـ)‪ ,‬فقد كان هذا الوزير متعصبا للشافعية‪,‬‬
‫فبىن م جامعا مبرو مرتفعاً عل جام للحنفية‪ ,‬فتعصب احلنفية‪ ,‬وأحرقوا جام‬
‫الشافعية‪ ,‬فاعدلع فتنة عنيفة بني أتباع املذهبني‪ ,‬فلما توقف أغرمهم السلطان‬
‫صرف يف بناء اجلام الذي أحرقوه‪.7‬‬ ‫هلخوارزِ اه احلنفي أمواالً مبقدار ما هل‬
‫إن األ لة واألمثلة عل التعصب املذهيب كثرية‪ ,‬ولي من الغرض إحصاؤها‬
‫واستقصاؤها؛ ألهنا حصيلة اتريخ مياكم‪ ,‬غلب فيه األهواء النفسية‪ ,‬وحتكم‬
‫فيه النزعات الشخصية‪ ,‬ولن أبرر أ منها‪ ,‬بد إهنا مرفوضة مجلةً وتفصيال‪.‬‬
‫لكن رفض هذا التعصب املذهيب ال يعين إلغاء التمذهب الفقهي‪ ,‬بد يعين‬ ‫و َّ‬
‫ضرورة التزاِ أ ب الرأي‪ ,‬وإ راك أسباب اخلالف‪ ,‬واستحالة الرأي الواحد يف‬
‫مسائد االجتها ‪ ,‬وأمهية االطالع عل مناذج فقه االئتالف‪ ,‬ورؤية التعد ية‬
‫الفقهية كثروة فكرية ثرية لألمة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ .8‬طبقات الشافعية للسبكي (‪.)331/5‬‬


‫‪ .7‬طبقات الشافعية للسبكي (‪.)793/2‬‬
‫‪713‬‬
‫ومن اخلطأ واخلطورة مبكان الدعوة إىل إلغاء التمذهب الفقهي بدعو اقياعه‬
‫لعصبية املذهبية‪ ,‬ولو ساغ تلر الدعوة لكان من السائغ أيضا الدعوة إىل‬
‫إلغاء كثري من األمور املشروعة بسبب اقيان بعضها ملشكالت واألزمات‬
‫والنزاعات واخلصومات‪.‬‬
‫فعل سبيد املثال‪ ,‬رع اإلسالِ الزواج‪ ,‬وأمر ملعا رة ملعروف‪ ,‬وقرر‬
‫اإلمساك ملعروف أو التسريح إبحسان‪ ,‬وع َّم التعامد م اخلالف بني الزوجني‪,‬‬
‫وم ذلر كله فما ختلو بعض العالقات الزوجية من خالف و جار وخصاِ‪ ,‬فلو‬
‫طبَّقنا منط اإللغاء لساغ الدعوة إىل إلغاء الزواج‪ ,‬والتعويض عنه لصداقات‬
‫استقر عند بعض من مل يرتض رع هللا إلغاءهل رابطة‬ ‫اجلنسية املؤقتة‪ ,‬ولذلر فقد َّ‬
‫الزواج‪ ,‬واالكتفاء لعالقات العابرة؛ فرارا من املشاكد الزوجية‪.‬‬
‫وكذلر ع َّم اإلسالِ عالقات اجلوار‪ ,‬وأوص إلحسان إىل اجلار‪ ,‬وقرن‬
‫اإلساءة للجار بنقص اإلَيان‪ ,‬وم ذلر كله فما ختلو عالقات بعض اجلريان من‬
‫عزاعات وخصومات ومشكالت‪ ,‬فلو طبَّقنا منط اإللغاء لساغ الدعوة إىل إلغاء‬
‫التجاور بني النام‪ ,‬وفصد كد جار عن جاره مبسافة متن من حدوث النزاع‬
‫واخلصومات بني اجلريان‪.‬‬
‫وكذلر أ ح اإلسالِ ع اِ الشركات التجارية بني النام‪ ,‬وقرر أن هللا يعني‬
‫الشركاء‪ ,‬وحيوطهم لبكة إذا صدقوا م بعضهم‪ ,‬فإذا خاعوا فإن هللا يكلهم إىل‬
‫أعفسهم‪ ,‬وم ذلر كله فما ختلو بعض الشركات من خياعة واختالم وتدلي‬
‫وغش‪ ,‬فلو طبَّقنا منط اإللغاء لساغ الدعوة إىل إلغاء الشركات‪ ,‬واالقتصار‬
‫عل التجارة الفر ية‪.‬‬

‫‪712‬‬
‫مث إن أولئر الذين ي ادعون إىل إلغاء التمذهب الفقهي وق بعضهم فيما‬
‫عابوا به التمذهب الفقهي‪ ,‬فقد كان الشيخ األلباين ‪ -‬عل سبيد املثال ‪ -‬ينع‬
‫بعض كتبه أبهنا مجع احل الذي ال يوجد يف غريه من الكتب واملذاهب‪ ,‬ويصف‬
‫بعض اجتها اته أبهنا احل الذي جيب املصري إليه والتعويد عليه‪ ,8‬وكثريا ما كان‬
‫يلمز بعض آراء خمالفيه‪ ,‬بد ويصفها لبدعة‪ ,7‬وكم من معركة فكرية أاثرهتا‬
‫اجتها اته وآراؤه‪ ,‬غفر هللا له‪.‬‬
‫بد وصد األمر ببعض آرائه الشاذة إىل أن يهجره بعض أصحابه وتالميذه‬
‫بسببها‪ ,‬وأن يؤلَّفوا يف الر عليه‪ ,‬ومن تلر اآلراء الشاذة رأيه إبمكان وقوع الزان‬
‫من أمهات املؤمنني‪ ,‬فقاِ صاحبه الشيخ حممد عسيب الرفاعي رمحه هللا مبناقشته‬
‫فأصر األلباين عل رأيه‪ ,‬فهجره ورَّ عليه مبؤلَّف "بلوغ املىن يف إثبات‬
‫ومراجعته‪َّ ,‬‬
‫عصمة عساء النيب من الزىن"‪.‬‬
‫ولذلر فإن من املهم التنبيه إىل أن التمذهب الفقهي ‪ -‬وإن كان يقو‬
‫أحياان إىل التعصب املذهيب ‪ -‬ال يؤ ي لضرورة إىل التعصب‪ ,‬فقد يكون املسلم‬
‫متمذهبا بال تعصب‪ ,‬وقد يكون متعصبا بال متذهب‪.‬‬

‫‪ . 8‬عرض يف الفصد الراب أرب عشرة مسألة‪ ,‬حكم فيها األلباين أبن رأيه فيها هو احل ‪ ,‬وبعد ذلر‬
‫انقشته يف مسألة واحدة منها‪ ,‬وهي مسألة اجلهر لبسملة يف الصالة اجلهرية‪.‬‬
‫‪ . 7‬منها مسألة قبض اليدين بعد الركوع‪ ,‬فقد وصفه لبدعة‪ ,‬وحكم عل االستدالل حبديث املسيء‬
‫صالته أبعه استدالل طد‪ ,‬فقال يف "أصد صفة صالة النيب ‪" :)211/7( "‬إن املرا من هذا احلديث‬
‫بني واضح‪ ,‬وهو االطمئنان يف هذا القياِ‪ .‬وأما استدالل بعض إخواعنا من أهد احلجاز وغريها ِبذا‬
‫احلديث عل مشروعية وض اليمىن عل اليسر يف هذا القياِ فبعيد جدا‪ ,... ,‬بد هو استدالل طد‪,‬‬
‫‪ ,...‬ولس أ ر يف أن وض اليدين عل الصدر يف هذا القياِ بدعة ضاللة"‪.‬‬
‫‪711‬‬
‫مث إن م اهر التعصب املذهيب ‪ -‬مهما حاول البعض رصدها ومجعها ‪-‬‬
‫قليلة لنسبة إىل م اهر التعاون والتكامد املذهيب‪ ,‬وهتوين أمر اخلالف الفقهي‪,‬‬
‫بد إن بعض من صدرت منهم م اهر التعصب ثب عنهم ما يناقضها‪.‬‬
‫فعل سبيد املثال‪ ,‬حيتج بعضهم عل التعصب املذهيب بقصة اإلماِ القفال‬
‫الشافعي املتقدمة‪ ,‬ولكنه رمحه هللا ثب عنه يف فتاواه ما يناقض ذلر‪ ,‬فقد جاء‬
‫فيها أن القاضي أ عاصم العامري احلنفي رمحه هللا عب عل ب املسجد الذي‬
‫يؤمه القفال‪ ,‬واملؤذن يؤذن للمغرب‪ ,‬فدخد العامري املسجد‪ ,‬فلما أبصره القفال‬
‫أمر املؤذن أن يـهلثـين اإلقامة عل مذهب األحناف‪ ,‬وقاِ القفال بتقدمي العامري‬
‫إماما للصالة‪ ,‬فتقدِ العامري فجهر لبسملة يف القراءة عل مذهب الشافعية‪,‬‬
‫وأت بشعار الشافعية يف الصالة‪ ,‬وكان قصدمها هتوين أمر اخلالف يف الفروع‪.8‬‬
‫مث إن عد ا من علماء املذاهب الفقهية أولوا عنايةً لتأليف يف مناقب أئمة‬
‫املذاهب الفقهية األخر ‪ ,‬فقد ألَّف اإلماِ ابن عبدالب املالكي رمحه هللا (‪-331‬‬
‫‪433‬هـ) كتاب "االعتقاء يف فضائد األئمة الثالثة الفقهاء" يعين أ حنيفة ومالكا‬
‫والشافعي‪ ,‬وألَّف الشيخ يوسف بن املب الصاحلي احلنبلي رمحه هللا (‪-141‬‬
‫‪919‬هـ) كتاب "مناقب مالر" وكتاب "مناقب الشافعي" وكتاب "مناقب اإلماِ‬
‫أمحد"‪ ,‬وألَّف اإلماِ السيوطي الشافعي رمحه هللا (‪988-149‬هـ) كتاب "مناقب‬
‫أيب حنيفة" وكتاب "مناقب مالر"‪ ,‬وألَّف الشيخ حممد بن يوسف الصاحلي‬
‫الشافعي رمحه هللا (‪947-...‬هـ) كتاب "عقو اجلمان يف مناقب اإلماِ األع م‬

‫‪ .8‬فتاو القفال (‪.)13‬‬


‫‪719‬‬
‫أيب حنيفة النعمان"‪ ,‬وألَّف الفقيه ابن حجر ا يتمي الشافعي رمحه هللا (‪-911‬‬
‫‪924‬هـ) كتاب "اخلريات احلسان يف مناقب اإلماِ أيب حنيفة النعمان"‪ ,‬وغريها‪.‬‬
‫أصول املذاهب األربعة‬
‫لقد اعتمد األئمة األربعة وأتباعهم عد ا من األصول املتف عليها‪ ,‬وهي‬
‫كتاب هللا ‪ ‬وسنة رسوله ‪ ‬وإمجاع املسلمني والقيام‪ ,‬واختلفوا يف حيثيات‬
‫االستنباط منها‪ ,‬كما اعتمدوا عد ا من األصول املختلف فيها‪ ,‬فمن أبرزها عند‬
‫احلنفية االستحسان‪ ,‬وعند املالكية عمد أهد املدينة واملصلحة املرسلة وسد‬
‫الذرائ ‪ ,‬وعند الشافعية االستصحاب واالستقراء‪ ,‬وعند احلنابلة سد الذرائ ‪ ,‬وقد‬
‫أخذ األئمة أبقوال الصحابة والعرف و رع من قبلنا‪ ,‬م تفاوت بينهم يف مد‬
‫األخذ ِبا‪.8‬‬
‫وقد قال اإلماِ أبو حنيفة رمحه هللا ‪ -‬مبينا األصول اليت يعتمد عليها ‪:-‬‬
‫"آخذ بكتاب هللا‪ ,‬فإن مل أجد فبسنة رسول هللا ‪ ,‬فإن مل أجد يف كتاب هللا وال‬
‫سنة رسول هللا ‪ ‬أخذت بقول أصحابه‪ ,‬آخذ بقول من ئ منهم‪ ,‬وأ ع من‬
‫ئ منهم‪ ,7‬وال أخرج من قو م إىل قول غريهم‪ ,‬فإذا اعته ‪ -‬أو جاء ‪ -‬األمر‬
‫إىل إبراهيم – النخعي ‪ -‬والشعيب وابن سريين واحلسن وعطاء وسعيد بن املسيب‬
‫‪ -‬وعد رجاال ‪ -‬فقوِ اجتهدوا‪ ,‬فأجتهد كما اجتهدوا"‪ ,3‬وقال أيضا‪" :‬إذا جاء‬
‫احلديث عن رسول هللا ‪ ‬أخذان به‪ ,‬وإذا جاءان عن الصحابة ‪ ‬ختريان‪ ,‬وإذا‬

‫‪ .8‬اع ر أثر األ لة املختلف فيها يف الفقه اإلسالمي للدكتور مصطف البغا‪.‬‬
‫‪ .7‬أي بناءً عل مرجح ألحد القولني‪.‬‬
‫‪ .3‬النك أليب إسحاق الشريازي (‪.)24/8‬‬
‫‪791‬‬
‫جاءان عن التابعني زامحناهم"‪ ,8‬وقال أيضا‪" :‬كذب ‪ -‬وهللا ‪ -‬وافي علينا من‬
‫يقول‪ :‬إعنا عقدِ القيام عل النص‪ ,‬وهد حيتاج بعد النص إىل قيام"‪7‬؟!‬
‫وقال اإلماِ مالر رمحه هللا‪" :‬احلكم الذي حيكم به النام حكمان‪ :‬ما يف‬
‫كتاب هللا أو أحكمته السنة‪ ,‬فذلر احلكم الواجب‪ ,‬وذلر الصواب‪ ,‬واحلكم‬
‫الذي جيتهد فيه العامل برأيه‪ ,‬فلعله يوفَّ "‪.3‬‬
‫وقال اإلماِ الشافعي رمحه هللا‪" :‬العلم طبقات ىت‪ ,‬األوىل الكتاب والسنة‬
‫إذا ثبت ‪ ,‬مث الثاعية اإلمجاع فيما لي فيه كتاب وال سنة‪ ,‬والثالثة أن يقول بعض‬
‫أصحاب رسول هللا ‪ ‬قوال‪ ,‬وال ععلم له خالفا منهم‪ ,‬والرابعة اختالف أصحاب‬
‫النيب ‪ ‬يف ذلر‪ ,‬واخلامسة القيام‪ ,‬وال يصار إىل يء غري الكتاب والسنة ومها‬
‫موجو ان‪ ,‬وإمنا يؤخذ العلم من أعل "‪.4‬‬
‫وقال اإلماِ أمحد رمحه هللا‪" :‬إمنا هو السنة واالتباع‪ ,‬وإمنا القيام أن يقي‬
‫عل أصد‪ ,‬أما أن جتيء إىل األصد فتهدمه مث تقول‪ :‬هذا قيام‪ ,‬فعل أي يء‬
‫كان هذا القيام"‪5‬؟ وقد ذكر ابن القيم رمحه هللا مخسة أصول بىن اإلماِ أمحد‬
‫مذهبه عليها‪ :‬أو ا عصوص الكتاب والسنة‪ ,‬اثعيها فتو الصحابة ‪ ‬إذا مل يهلعلم‬
‫قرب من الكتاب‬ ‫ا خمالف‪ ,‬اثلثها االعتقاء من أقوال الصحابة عند اختالفهم ما ي هل‬

‫‪ .8‬أصول السرخسي (‪.)383/8‬‬


‫‪ .7‬رح مسند اإلماِ أيب حنيفة للمال علي القاري (‪.)3‬‬
‫‪ .3‬التمهيد البن عبدالب (‪.)732/4‬‬
‫‪ .4‬األِ لإلماِ الشافعي (‪.)711/2‬‬
‫‪ .5‬مناقب اإلماِ أمحد بن حنبد البن اجلوزي (‪.)731‬‬
‫‪798‬‬
‫والسنة‪ ,‬فإن مل يتبني له قرب القول من النص حك اخلالف بدون ترجيح‪ ,‬رابعها‬
‫األخذ ملرسد والضعيف إذا مل يوجد يف املسألة غريه‪ ,‬وخامسها وآخرها القيام‪.8‬‬
‫مث إن أئمة املذاهب األربعة هم من كبار فقهاء السلف الصاحل‪ ,‬فقد تويف‬
‫أبو حنيفة سنة ‪ 851‬هـ‪ ,‬ومالر سنة ‪ 829‬هـ‪ ,‬والشافعي سنة ‪ 714‬هـ‪ ,‬وأمحد‬
‫سنة ‪ 748‬هـ‪ ,‬رمحهم هللا مجيعا‪.‬‬
‫وأ هر من تفقه اإلماِ أبو حنيفة به محا بن أيب سليمان‪ ,‬عن إبراهيم بن‬
‫يزيد النخعي وعامر بن راحيد الشعيب‪ ,‬عن علقمة بن قي النخعي واألسو بن‬
‫يزيد النخعي وعبيدة بن عمرو السلماين والقاضي ريح بن احلارث الكندي‬
‫ومسروق بن األجدع رمحهم هللا‪ ,‬عن عبدهللا بن مسعو وعلي بن أيب طالب ‪.‬‬
‫وتفقه اإلماِ مالر بربيعة الرأي بن أيب عبدالرمحن وحيىي بن سعيد األعصاري‬
‫وحممد ابن هاب الزهري‪ ,‬عن فقهاء املدينة السبعة رمحهم هللا‪ ,‬عن عبدهللا بن‬
‫عمر وأع بن مالر وزيد بن اثب وعائشة وغريهم من الصحابة ‪.‬‬
‫وتفقه اإلماِ الشافعي إلماِ مالر (وتقدِ سنده)‪ ,‬وتفقه مبحمد بن‬
‫احلسن الشيباين‪ ,‬عن اإلماِ أيب حنيفة (وتقدِ سنده)‪ ,‬وتفقه مبسلم بن خالد‬
‫الز ي املخزومي‪ ,‬عن عبدامللر بن عبدالعزيز بن جريج‪ ,‬عن عطاء بن أيب ر ح‬
‫وعمرو بن ينار رمحهم هللا‪ ,‬عن عبدهللا بن عبام وعبدهللا بن عمر وأع بن‬
‫مالر وجابر بن عبدهللا وغريهم من الصحابة ‪.‬‬
‫وتفقه اإلماِ أمحد بن حنبد يف بدايته لقاضي أيب يوسف‪ ,‬عن اإلماِ أيب‬
‫حنيفة (وتقدِ سنده)‪ ,‬وتفقه إلماِ الشافعي (وتقدِ سنده)‪ ,‬وتفقه بشيوخ‬

‫‪ .8‬إعالِ املوقعني البن القيم (‪.)73/8‬‬


‫‪797‬‬
‫الشافعي‪ ,‬كسفيان بن عيينة‪ ,‬عن عمرو بن ينار (وتقدِ سنده) رمحهم هللا‪ ,‬وأخذ‬
‫عن مئات من احملدثني والفقهاء‪ ,‬وحسبر أن تعلم أعه كان حيفظ ألف ألف‬
‫حديث من املرفوع واملوقوف واملقطوع‪ ,‬يرويها أبساعيدها‪.‬‬
‫إذا صح احلديث فهو مذهيب‬
‫سب احلديث عن أسباب اخلالف بني الفقهاء‪ ,‬واتضح أن السنة النبوية‬
‫سبب خصب من أسباب اخلالف بينهم؛ ألن بعض اختالفهم فيها ان ئ عن‬
‫اختالف مناهج احملدثني يف قبول األحا يث ور ها‪ ,‬بد ال أجاعب الصواب إن‬
‫قل ‪ :‬إن أوس أبواب اختالف الفقهاء هو السنة النبوية‪ ,8‬وأن ما يتوهم من‬
‫تقدمي املذهب الفقهي عل السنة النبوية إمنا هو تقدمي وجهة ع ر يف فهم احلديث‬
‫عل وجهة ع ر أخر ‪ ,‬حيتملها احلديث عفسه أو حديث آخر أو مصا ر أخر ‪,‬‬
‫وأن الوصول إىل احلكم املناسب عل صحة احلديث وعل املرا منه مهمة اقة‪,‬‬
‫وال بد ملن أرا أن خيوضها أن َيلر األ وات املناسبة‪.‬‬
‫فإذا ثب ذلر علم أن اال عاء أبن "اتباع الدليد من الكتاب والسنة أوىل‬
‫من اتباع املذهب الفقهي" قول غري قي يف اجلملة‪ ,‬فهذه املذاهب قام عل‬
‫كتاب هللا وسنة رسوله ‪ ,‬وتوار عل هتذيبها وتذهيبها أئمة التفسري واحلديث‬
‫والفقه واللغة‪ ,‬وما من مذهب منها إال وقد اتبعه أساطني العلماء يف خمتلف‬
‫الفنون‪ ,‬فقوموا اعوجاجه وسدوا خلله وأصلحوا خطأه‪.‬‬

‫‪ . 8‬من أفضد املؤلفات يف هذا الباب كتاب "أثر احلديث الشريف يف اختالف األئمة الفقهاء" لشيخنا‬
‫العالمة حممد عوامة‪ ,‬فراجعه‪.‬‬
‫‪793‬‬
‫ولكن قد حيدث أن يصد املتمذهب مبذهب ما إىل رجة من العلم‪ ,‬متكنه‬
‫من الن ر يف األ لة الشرعية من قرآن وسنة وغريمها‪ ,‬وقد يعثر أحياان عل عص‬
‫رعي خيالف ما تقرر عنده يف مذهبه الذي متذهب به‪ ,‬وسار عليه ر حاً من‬
‫الزمن‪ ,‬فيثور السؤال عنده يف كيفية التعامد م هذا التعارض بني الدليد الشرعي‬
‫واملذهب الفقهي خصوصا أن أئمة املذاهب األربعة متفقون عل مقولة‪" :‬إذا صح‬
‫احلديث فهو مذهيب"‪.8‬‬
‫واجلواب عل ذلر هو ما قرره اإلماِ النووي رمحه هللا يف معرض توضيحه‬
‫ملقولة اإلماِ الشافعي رمحه هللا املشهورة‪" :‬إذا وجدمت يف كتايب خالف سنة رسول‬
‫هللا ‪ ‬فقولوا بسنة رسول هللا ‪ ‬و عوا قويل"‪ ,‬فقد قال النووي‪" :‬وهذا الذي قاله‬
‫الشافعي لي معناه أن كد أحد رأ حديثا صحيحا قال‪ :‬هذا مذهب الشافعي‪,‬‬
‫وعمد ب اهره‪ ,‬وإمنا هذا فيمن له رتبة االجتها يف املذهب عل ما تقدِ من‬
‫صفته أو قريب منه‪ ,‬و رطه أن يغلب عل ظنه أن الشافعي رمحه هللا مل يقف عل‬
‫هذا احلديث‪ ,‬أو مل يعلم صحته‪ ,‬وهذا إمنا يكون بعد مطالعة كتب الشافعي كلها‬
‫وحنوها من كتب أصحابه اآلخذين عنه وما أ بهها‪ ,‬وهذا رط صعب قد من‬
‫يتصف به‪ ,‬وإمنا ا يطوا ما ذكران ألن الشافعي رمحه هللا ترك العمد ب اهر‬
‫أحا يث كثرية رآها وعلمها‪ ,‬لكن قاِ الدليد عنده عل طعن فيها أو عسخها أو‬
‫ختصيصها أو أتويلها أو حنو ذلر‪ ,... ,‬قال الشيخ أبو عمرو‪ :‬فمن وجد من‬
‫الشافعية حديثا خيالف مذهبه ع ر‪ ,‬إن كمل له آالت االجتها فيه مطلقا أو يف‬
‫الباب أو املسألة كان له االستقالل لعمد به‪ ,‬وإن مل يكمد و عليه خمالفة‬

‫‪ .8‬اع ر اجملموع للنووي (‪ )97/8‬و (‪ )741/3‬و (‪ )321/3‬و (‪.)95/81‬‬


‫‪794‬‬
‫احلديث بعد أن حبث فلم جيد ملخالفته عنه جوا افيا فله العمد به إن كان عمد‬
‫به إماِ مستقد غري الشافعي‪ ,‬ويكون هذا عذرا له يف ترك مذهب إمامه هنا‪ ,‬مث‬
‫قال النووي‪ :‬وهذا الذي قاله حسن متعني"‪.8‬‬
‫وقال اإلماِ الذهيب رمحه هللا (‪241-323‬هـ) يف تعليقه عل كلمة ابن حزِ‬
‫رمحه هللا‪" :‬أان أتب احل ‪ ,‬وأجتهد وال أتقيد مبذهب"‪ ,‬قل ‪ -‬أي الذهيب‪" :-‬ععم‪,‬‬
‫من بلغ رتبة االجتها ‪ ,‬و هد له بذلر عدة من األئمة‪ ,‬مل يسغ له أن يقلد‪ ,‬كما‬
‫أن الفقيه املبتدئ والعامي الذي حيفظ القرآن أو كثريا منه ال يسوغ له االجتها‬
‫أبدا‪ ,‬فكيف جيتهد؟ وما الذي يقول؟ وعالِ يبين؟ وكيف يطري وملا يريش؟ والقسم‬
‫الثالث‪ :‬الفقيه املنتهي اليقظ الفهم احملدث‪ ,‬الذي قد حفظ خمتصرا يف الفروع‪,‬‬
‫وكتا يف قواعد األصول‪ ,‬وقرأ النحو‪ ,‬و ارك يف الفضائد‪ ,‬م حف ه لكتاب هللا‪,‬‬
‫وتشاغله بتفسريه‪ ,‬وقوة مناظرته‪ ,‬فهذه رتبة من بلغ االجتها املقيد‪ ,‬وأتهد للن ر‬
‫يف الئد األئمة‪ ,‬فمىت وضح له احل يف مسألة‪ ,‬وثب فيها النص‪ ,‬وعمد ِبا أحد‬
‫األئمة األعالِ كأيب حنيفة مثال أو كمالر أو الثوري أو األوزاعي أو الشافعي وأيب‬
‫عبيد وأمحد وإسحاق‪ ,‬فليتب فيها احل ‪ ,‬وال يسلر الرخص‪ ,‬وليتورع‪ ,‬وال يسعه‬
‫فيها بعد قياِ احلجة عليه تقليد"‪.7‬‬
‫وهذا الن ر املتوازن من أولئر العلماء يسلر مسلكا وسطا بني طريف‬
‫عقيض‪ :‬األول أن يرَّ عامل متمذهب الدليد الشرعي م قدرته عل الن ر يف‬
‫األ لة‪ ,‬ولكنه ال َيلر مقدرة كافية عل استنباط النصوص منها‪ ,‬والثاين أن يهجم‬

‫‪ .8‬اجملموع للنووي (‪.)33/8‬‬


‫‪ .7‬سري أعالِ النبالء للذهيب (‪.)898/81‬‬
‫‪795‬‬
‫من مل يتمكن من أ وات االجتها الشرعي عل العمد حبديث‪ ,‬مل يستوعب مد‬
‫اللته عل املسألة‪ ,‬را اً بذلر قول العلماء الراسخني يف العلم‪ ,‬وجاهالً مبا ور يف‬
‫املسألة من عصوص أخر ‪ ,‬وغافالً عما قد ير عل احلديث من ذوذ ‪-‬‬
‫مبخالفته حديث اجلماعة ‪ -‬أو علة قا حة تقتضي ر ه‪.‬‬
‫والصواب هو ما استحسنه النووي من كالِ يخ يوخه أيب عمرو ابن‬
‫الصالح وذكره الذهيب‪ :‬أن من بلغ رجة االجتها يف املسألة فله أن يعمد لدليد‬
‫استقالال ال تقليدا‪ ,‬بشرط أال خيالف إمجاع العلماء قبله‪ ,‬أما من مل يبلغ تلر‬
‫الدرجة‪ ,‬وحبث يف كتب مذهبه‪ ,‬فلم جيد سببا وجيها ملخالفتهم الدليد‪ ,‬و عليه‬
‫خمالفته؛ رغبة منه يف عدِ خمالفة أصد الشريعة‪ ,‬ع ر‪ ,‬إن عمد به إماِ مستقد غري‬
‫إماِ مذهبه‪ ,‬فله العمد به‪ ,‬وله أن خيرج عن تقليد مذهبه يف هذه احلالة‪ ,‬أما إذا مل‬
‫يعمد به أحد من أئمة املسلمني فعليه أن يييث من اخلروج عن تقليد مذهبه‪ ,‬وأن‬
‫يسأل ثقات العلماء؛ عمال بقول هللا تعاىل‪" :‬فاسألوا أهد الذكر إن كنتم ال‬
‫تعلمون"‪.‬‬
‫وينبغي التنبيه إىل أن ا ياط عمد إماِ من األئمة املعتبين حلديث لي‬
‫معناه أن عمد ذلر اإلماِ يهيمن عل حديث رسول هللا ‪ ,‬ولي معناه أن‬
‫حديث رسول هللا ‪ ‬يهلعرض عل األئمة‪ ,‬فيأخذون ما اءوا‪ ,‬وييكون ما اءوا‪,‬‬
‫بد املعىن الصحيح أن عمد إماِ حلديث وأخذه به يدل عل عدِ إمجاع السلف‬
‫عل تركه ور ه؛ ألن السلف من العلماء ال ييكون العمد حبديث إال ملخالفته ما‬
‫هو أقو منه‪ ,‬أو لوجو علة قا حة فيه‪.‬‬

‫‪793‬‬
‫ومما يؤيد وجوب الييث قبد العمد حبديث صحيح سندا‪ ,‬إذا مل يعمد به‬
‫أحد من العلماء املتقدمني ما ذكره اإلماِ الذهيب رمحه هللا تعليقا عل قول أيب‬
‫القاسم عبدالعزيز بن عبدهللا الداركي الشافعي رمحه هللا (‪325-...‬هـ)‪" :‬واألخذ‬
‫حلديث أوىل من األخذ بقول الشافعي وأيب حنيفة"‪ ,‬قل ‪ -‬أي الذهيب ‪:-‬‬
‫"هذا جيد‪ ,‬لكن بشرط أن يكون قد قال بذلر احلديث إماِ من ع راء اإلمامني‪,‬‬
‫مثد مالر أو سفيان أو األوزاعي‪ ,‬وأبن يكون احلديث اثبتا ساملا من علة‪ ,‬وأبن‬
‫ال يكون حجة أيب حنيفة والشافعي حديثا صحيحا معارضا لآلخر‪ ,‬أما من أخذ‬
‫حبديث صحيح‪ ,‬وقد تنكبه سائر أئمة االجتها ‪ ,‬فال‪ ,‬كخب‪" :‬فإن رب يف‬
‫الرابعة فاقتلوه"‪ ,‬وكحديث‪" :‬لعن هللا السارق‪ ,‬يسرق البيضة‪ ,‬فتقط يده""‪.8‬‬
‫وقضية املسارعة يف العمد حلديث مسألة خطرية إذا صدرت ممن مل يتهيأ‬
‫ملرتبة االجتها يف الدين‪ ,‬وال أ ر أن كثريا من فوض اإلفتاء يف زماعنا ترج إىل‬
‫هذا السبب‪ ,‬وهو األخذ جبزئية حديث‪ ,‬م الغفلة عن كلية املسألة‪.‬‬
‫ومن النصوص الصا رة من علماء سلفنا رمحهم هللا‪:‬‬
‫‪ ‬قال ابن أيب ليل رمحه هللا‪" :‬ال يفقه الرجد يف احلديث حىت أيخذ منه ويدع"‪.‬‬
‫احلديث‪ ,‬فأع ر إىل ما يؤخذ به‪,‬‬ ‫‪ ‬قال إبراهيم النخعي رمحه هللا‪" :‬إين أل‬
‫فآخذ به‪ ,‬وأ ع سائره"‪.‬‬
‫‪ ‬قال عبدالرمحن بن مهدي رمحه هللا‪" :‬ال جيوز أن يكون الرجد إماما حىت يعلم‬
‫ما يصح وما ال يصح‪ ,‬وحىت ال حيتج بكد يء‪ ,‬وحىت يعلم مبخارج العلم"‪.‬‬

‫‪ .8‬سري أعالِ النبالء (‪.)415/83‬‬


‫‪792‬‬
‫‪ ‬قال األوزاعي رمحه هللا‪" :‬كنا عسم احلديث‪ ,‬فنعرضه عل أصحابنا كما‬
‫يعرض الدرهم الزائف‪ ,‬فما عرفوا منه أخذان به‪ ,‬وما أعكروا تركناه"‪.‬‬
‫‪ ‬قال سفيان بن عيينة رمحه هللا‪" :‬احلديث مضلة إال للفقهاء"‪.‬‬
‫‪ ‬قال عبدهللا بن وهب رمحه هللا‪" :‬احلديث مضلة إال للعلماء"‪.‬‬
‫‪ ‬وقال ابن وهب أيضا‪" :‬لوال أن هللا أعقذين مبالر والليث لضلل "‪ ,‬فقيد له‪:‬‬
‫كيف ذلر؟ فقال‪" :‬أكثرت من احلديث‪ ,‬فحريين‪ ,‬فكن أعرض ذلر عل‬
‫مالر والليث‪ ,‬فيقوالن يل‪ :‬خذ هذا‪ ,‬و ع هذا"‪.‬‬
‫‪ ‬وقال ابن وهب أيضا‪" :‬كد صاحب حديث لي له إماِ يف الفقه فهو ضال‪,‬‬
‫ولوال أن هللا أعقذان مبالر والليث لضلل "‪.‬‬
‫‪ ‬سئد ابن املاجشون رمحه هللا‪ :‬مل رويتم احلديث‪ ,‬مث تركتموه‪ ,‬فقال‪" :‬ليهلعلم َّأان‬
‫عل علم تركناه"‪.8‬‬
‫ومن األمثلة التطبيقية عل تقدمي احلديث عل املذهب تقرير اإلماِ النووي‬
‫رمحه هللا جواز اختاذ الدابة سيًة يف الصالة م علمه بنص اإلماِ الشافعي رمحه هللا‬
‫عل النهي عنه‪ ,‬فقال النووي‪" :‬قال الشافعي رمحه هللا يف البويطي‪" :‬وال يستي‬
‫مرأة وال ابة"‪ ,‬فأما قوله يف املرأة ف اهر؛ ألهنا رمبا غل ذهنه‪ ,‬وأما الدابة ففي‬
‫الصحيحني عن ابن عمر رضي هللا عنهما أن النيب ‪ ‬كان يعرض راحلته‪ ,‬فيصلي‬
‫إليها‪ ,‬زا البخاري يف روايته‪ :‬وكان ابن عمر يفعله‪ ,‬ولعد الشافعي رمحه هللا مل يبلغه‬

‫‪ . 8‬اع ر تلر األقوال ومصا رها وقضية العمد حلديث يف أثر احلديث الشريف يف اختالف األئمة‬
‫الفقهاء للشيخ حممد عوامة (‪ )39‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪791‬‬
‫هذا احلديث‪ ,‬وهو حديث صحيح ال معارض له‪ ,‬فيتعني العمد به‪ ,‬السيما وقد‬
‫أوصاان الشافعي رمحه هللا أبعه إذا صح احلديث فهو مذهبه"‪.8‬‬
‫وخالصة األمر أن العامل املتمذهب مبذهب فقهي إذا وجد حديثاً صحيحاً‬
‫خيالف مذهبه الفقهي فإعه يلزمه العمد حلديث لشروط التالية‪:‬‬
‫‪ ‬أن يكون من أهد االجتها املقيد يف مذهبه ولو يف هذه املسألة‪.‬‬
‫‪ ‬أن يكون احلديث صحيحا سندا ومتناً‪.‬‬
‫‪ ‬أال جيد سببا مقبوال ملذهبه ملخالفة هذا احلديث‪.‬‬
‫‪ ‬أال خيالف إمجاع العلماء املتقدمني يف املسألة‪.‬‬
‫‪ ‬أن أيخذ ِبذا احلديث إماِ جمتهد مستقد‪.‬‬
‫أال ميكن توحيد املذاهب األربعة يف مذهب واحد؟‬
‫بعد أن اتضح لدير فيما سب األسباب القوية للخالف الفقهي علم أعه‬
‫ال َيكن حسم هذا اخلالف يف مذهب واحد‪ ,‬بد إن السعي فيه خمالف إلرا ة هللا‬
‫‪ ‬يف تشريعه‪ ,‬فقد اء هللا أن جيعد كثريا من عصوص كتابه ذات الالت ظنية‪,‬‬
‫مث فارق بني مدارك العقول البشرية‪ ,‬وهو م ذلر خمالف لرسوله ‪ ‬ولصحابته‬
‫الكراِ ‪ ‬وللسلف الصاحل؛ ألن اخلالف وق يف حمضر الرسول ‪ ‬وأقره‪ ,‬واتس‬
‫اخلالف الفقهي يف عهد الصحابة ‪ ‬والقرون الفاضلة‪ ,‬وهم أحرص النام عل‬
‫الشريعة‪ ,‬ولو كان توحيد اخلالف ممكنا لسبقوان إليه‪ ,‬بد هو خمالف للعقد أيضا؛‬
‫ألن حسم اخلالف ال يتحق إال بنصوص قطعية الثبوت والداللة معا‪ ,‬مما ال جيعد‬

‫‪ .8‬اجملموع للنووي (‪ ,)741/3‬و ذا املسلر ع ائر كثرية‪.‬‬


‫‪799‬‬
‫لالجتها يف النص سبيال‪ ,‬مما يعين تساوي العقول وإلغاء تفاوهتا وا ياك مجي‬
‫النام يف فهم كتاب هللا عل رجة واحدة‪.‬‬
‫وهذه احلقيقة ‪ -‬أعين استحالة توحيد النام يف مذهب فقهي واحد ‪-‬‬
‫أ ركها الراسخون يف العلم‪ ,‬فهذا اخلليفة الرا د عمر بن عبدالعزيز رمحه هللا يعزِ‬
‫عل أن جيعد أحكاِ النام حكما واحدا‪ ,‬ولكنه يعدل عن قراره‪ ,‬ويقول‪" :‬إعه قد‬
‫كان يف كد مصر من أمصار املسلمني وجند من أجنا ه انم من أصحاب رسول‬
‫هللا ‪ ,‬وكاع فيهم قضاة قضوا أبقضية‪ ,‬أجازها أصحاب رسول هللا ‪ ‬ورضوا‬
‫ِبا‪ ,‬وأمضاها أهد املصر كالصلح بينهم‪ ,‬فهم عل ما كاعوا عليه من ذلر"‪.8‬‬
‫أما موقف اإلماِ مالر رمحه هللا يف رفضه محد النام عل مذهبه أبمر من‬
‫اخلليفة أيب جعفر املنصور فأمر مشهور‪ ,‬وكان مما قال له‪ " :‬أمري املؤمنني ال تفعد‬
‫هذا‪ ,‬فإن النام قد سبق م أقاويد‪ ,‬و عوا أحا يث‪ ,‬ورووا روا ت‪ ,‬وأخذ كد‬
‫قوِ مبا سب إليهم‪ ,‬وعملوا به و اعوا به من اختالف النام وغريهم‪َّ ,‬‬
‫وإن رَّهم عما‬
‫اعتقدوه ديد‪ ,‬فدع النام وما هم عليه‪ ,‬وما اختار كد أهد بلد منهم ألعفسهم"‪,‬‬
‫فقال املنصور‪" :‬لعمري لو طاوعتين عل ذلر ألمرت به"‪ ,7‬ويبدو أن قصة اإلماِ‬
‫مالر تكررت م املهدي والر يد‪ ,‬ويف كلها أيىب محد النام عل مذهبه‪ ,‬فأين‬
‫من يعي فقه اإلماِ مالر اليوِ؟!‬
‫ولذلر فإعه بدالً من السعي الفا د يف توحيد املسلمني عل مذهب فقهي‬
‫واحد فإن الصواب أن يتعو اجملتم عل التعد ية الفقهية وبث روح فقه االئتالف‬

‫‪ .8‬التاريخ وعلد الرجال أليب زرعة (‪.)9‬‬


‫‪ .7‬ترتيب املدارك للقاضي عياض (‪.)31/8‬‬
‫‪311‬‬
‫يف ظد اخلالف‪ ,‬وأن يتعلم اجملتم أ ب الرأي‪ ,‬واملهم هو االعطالق يف االجتها‬
‫املنضبط من النقطة اليت توقف عندها السابقون‪ ,‬وأن عسهم يف تعمي الن ر‬
‫الفقهي خصوصا فيما يستجد من حوا ث عصرية‪ ,‬حبيث تكون خطواتنا الفقهية‬
‫متوافقة م اجلديد من احلوا ث‪ ,‬وأن هنتم بنوعية الفقه ومتاعته فضال عن االعشغال‬
‫مبسائد اخلالف الفقهي القدمي‪ ,‬فضال عن تضيي اجلهد يف حماولة ئسة يف صياغة‬
‫اجملتم يف قالب فقهي واحد‪.‬‬
‫اخلالصة‬
‫إن أبرز ما يستخلص من هذا الفصد يتمثد يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ ‬آراء العلماء هي اجتها هم يف استنباط األحكاِ الشرعية‪ ,‬وحتتمد الصواب‬
‫واخلطأ‪ ,‬فإن أخطأ العامل فله أجر‪ ,‬وإن أصاب فله أجران‪ ,‬أما اجلاهد فهو آمث‬
‫يف اجتها ه وإن أصاب احل عند هللا‪.‬‬
‫‪ ‬إذا اختلف آراء العلماء يف مسألة‪ ,‬فاجلمي مأجور‪ ,‬وله عصيب من األجر‪,‬‬
‫ولكن مصيب احل منهم واحد غري متعني‪.‬‬
‫‪ ‬العلماء املؤهلون لالجتها كثر‪ ,‬وقد ضاع مع م اجتها اهتم الفقهية‪ ,‬وحف‬
‫اجتها ات األئمة األربعة ألسباب معينة‪.‬‬
‫‪ ‬إذا مل يصد املسلم ملرتبة االجتها فقد وجب عليه استفتاء العلماء عند اجلهد‬
‫حبكم رعي‪.‬‬
‫‪ ‬جيوز التزاِ عامل ‪ -‬أو تقليد مذهب ‪ -‬عل سبيد الدواِ واالستمرار‪ ,‬وجيوز‬
‫عدِ التزامه أيضا‪ ,‬وجيوز التنقد بني العلماء واملذاهب بضوابط معينة‪.‬‬

‫‪318‬‬
‫‪ ‬اهتم املذاهب الفقهية األربعة أبهنا أمهل االهتداء لكتاب والسنة‪ ,‬وأهنا‬
‫عطَّل حركة االجتها ‪ ,‬وأهنا أ َّت إىل التعصب املذموِ‪ ,‬وأهنا عشرت روح‬
‫تكوع إال عتيجةً للكسد والفتور وضعف ا مة‪,‬‬ ‫التحزب والتفرق‪ ,‬وأهنا ما َّ‬
‫وقد مت تفنيد مجي تلر الدعاو ‪.‬‬
‫‪ ‬السبب الصحيح واملنطقي العضواء مجهور الفقهاء حت م لة املذاهب األربعة‬
‫هو متيزها بضبط طريقة االجتها وأصوله وقواعده‪ ,‬وختريج الفروع الفقهية بناءً‬
‫عليها‪ ,‬ووصو ا إلينا بطري التواتر‪.‬‬
‫‪ ‬حد مشكلة االختالف الفقهي املذهيب يكمن يف التخل أب ب الرأي‪.‬‬
‫‪ ‬اتفق املذاهب األربعة عل اعتما كتاب هللا ‪ ‬وسنة رسوله ‪ ‬وإمجاع‬
‫املسلمني والقيام كأصول لالجتها ‪ ,‬واختلفوا يف أصول أخر كاالستحسان‬
‫وعمد أهد املدينة واملصلحة املرسلة واالستصحاب واالستقراء وسد الذرائ‬
‫وأقوال الصحابة والعرف و رع من قبلنا‪.‬‬
‫‪ ‬لي صحيحا أن أتباع املذاهب الفقهية يقدمون آراء علمائهم عل السنة‬
‫النبوية‪ ,‬ولكنهم يقدمون وجهة ع رهم يف احلديث عل غريها‪.‬‬
‫‪ ‬من وجد حديثا صحيحا خيالف مذهبه فيجب عليه العمد حلديث إن كان‬
‫أهال لالجتها ‪ ,‬وإال فلري األمر إىل أهله‪.‬‬
‫‪ ‬ال َيكن توحيد املذاهب األربعة يف مذهب واحد؛ الختالف مناهجهم يف‬
‫االجتها ‪ ,‬وطبيعة النصوص الشرعية‪ ,‬واختالف املدارك العقلية‪.‬‬

‫‪317‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬املنهج السلفي‬

‫‪313‬‬
314
‫الفصل الرابع‪ :‬املنهج السلفي‬
‫مقدمة‬
‫مصطلح السلفية ‪ -‬حسب تعريف علمائها ‪ -‬يعين االعتصاِ لكتاب‬
‫والسنة بفهم السلف الصاحل‪ ,‬ويفسر علماء السلفية تفضيلهم هذا االسم ومتسكهم‬
‫به عل غريه من األ اء األخر أبعه ال توجد فرقة ضالة أو طائفة مبتدعة إال‬
‫وهي تصرح عتساِبا إىل اإلسالِ‪ ,‬وتؤكد اعتما ها عل الكتاب والسنة‪ ,‬ولكن‬
‫الذي يفرق السلفية عن غريها من الفرق الضالة والطوائف املبتدعة أن تلر الفرق‬
‫والطوائف ختوض يف الكتاب والسنة أبفهامهم املنحرفة‪ ,‬أما السلفية فتعتمد يف‬
‫فهمها للكتاب والسنة عل فهم السلف الصاحل رمحهم هللا‪.‬‬
‫وممن َّ‬
‫أكد هذا املعىن الشيخ انصر الدين األلباين رمحه هللا‪ ,‬فمن ذلر قوله‪:‬‬
‫" عوتنا إمنا هي قائمة عل الكتاب والسنة‪ ,‬وعل منهج السلف الصاحل‪,... ,‬‬
‫حنن ععتقد أن الفرق اإلسالمية اليت مشلها النيب ‪ ‬لوعيد لنار إال الواحدة منها‪,‬‬
‫كلها إال من خرج عن ائرة اإلسالِ لكلية‪ ,... ,‬كد تلر الفرق الضالة‬
‫كاملعتزلة واخلوارج واملرجئة وحنو ذلر كالرافضة‪ ,‬ما فيهم فرقة تنكر اعتساِبا إىل‬
‫الكتاب والسنة‪ ,‬إذن ما الفرق بني هذه الفرق الكثرية‪ ,‬وكلها تدعي هذا االعتساب‬
‫إىل الكتاب والسنة؟ الفرق ما ذكره الرسول عليه الصالة والسالِ يف صفة الفرقة‬
‫الناجية حيث قال جوا لذاك السائد‪ :‬من هي رسول هللا؟ قال‪" :‬هي اليت عل‬
‫ما أان عليه وأصحايب"‪ ,‬إذن ما قال الرسول عليه الصالة والسالِ‪" :‬هي اليت عل‬
‫ما أان عليه" فقط‪ ,‬هذه الدعو يدعيها كد تلر الفرق‪ ,... ,‬حيث يتفقون معنا‬
‫إعه البد من الرجوع إىل الكتاب والسنة‪ ,... ,‬إذن حنن يف عوتنا عتميز بشيء‬

‫‪315‬‬
‫اثلث عن كد تلر الطوائف‪ ,‬فنقول‪ :‬هو ما كان عليه سلفنا الصاحل‪ ,‬هذا لي‬
‫بدعاً من األمر وإحدااثً يف الدين‪ ,‬بد هذا هو الدين‪ ,... ,‬لي مستندان فيما‬
‫ذكرت آعفا عل هذا احلديث فقط‪ ,‬بد هناك عندكم حديث العر ض بن سارية‪,‬‬
‫الذي فيه قال عليه الصالة والسالِ‪" :‬فعليكم بسنيت وسنة اخللفاء الرا دين‬
‫املهديني من بعدي‪ ,‬عضوا عليها لنواجذ"‪ ,... ,‬كذلر هنا د النيب ‪ ‬يضيف‬
‫إىل سنته سنة اخللفاء الرا دين‪ ,‬فإذن حنن ععتمد يف هذه اإلضافة عل حديثني‬
‫اثنني‪ ,‬ولي هذا فقط‪ ,‬فهناك أ ياء وأ ياء أخر ‪ ,‬وأمهها تلر اآلية الصرحية يف‬
‫القرآن الكرمي‪ ,‬قال ‪" :‬ومن يشاق الرسول من بعد تبني له ا د ويتب غري‬
‫سبيد املؤمنني عوله ما توىل وعصله جهنم وساءت مصريا"‪ ,... ,‬فسبيد املؤمنني هنا‬
‫‪ -‬مما ال ر وال ريب فيه ‪ -‬أعه لي املقصو ملؤمنني يف هذه اآلية هم اخللف‪,‬‬
‫وإمنا املقصو ِبم السلف الصاحل‪ ,‬حينئذ إذا قلنا‪ :‬مذهب السلف الصاحل‪ ,‬ما هو‬
‫االعتساب إىل هذا املذهب لغةً؟ لي هو إال "سلفي"‪ ,‬هذه النسبة إذن ‪ -‬أان يف‬
‫اعتقا ي ‪ -‬ال يستطي أن يتبأ منها من كان معنا عل املنهج املذكور آعفا‪,‬‬
‫الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصاحل"‪.8‬‬
‫هذا هو كالِ الشيخ األلباين‪ ,‬وخالصته أن السلفية تعين التقيد لكتاب‬
‫والسنة بفهم السلف الصاحل‪ ,‬وأعه ال توجد أي فرقة أو طائفة تشيك م السلفية‬
‫يف التقيد بفهم السلف الصاحل‪ ,‬وقد مت مناقشة هذه الفكرة يف الفصد الثاين‪,‬‬
‫وتبني أن األلباين عفا هللا عنه يصبغ عل فهمه الشخصي صبغة السلفية‪ ,‬و لتايل‬
‫فإعه ينافح عنه وخياصم عليه‪ ,‬ويعتقد أن احل ال يتعداه‪.‬‬

‫‪ .8‬سلسلة ا د والنور لأللباين‪ ,‬الشريط رقم (‪.)335‬‬


‫‪313‬‬
‫وهذا التعريف الذي اختاره األلباين للسلفية َيكن قبوله إن كان مقابالً للفرق‬
‫الضالة اليت مشلها وعيد النيب ‪ ‬لنار‪ ,‬ولكن املشكلة أن بعض علماء املنهج‬
‫السلفي جعلوا السلفية مقابلةً كذلر للمذاهب الفقهية األربعة‪ ,‬م أهنا اعت م‬
‫علماء أهد السنة واجلماعة عب القرون املتعاقبة‪.‬‬
‫فعل سبيد املثال‪ ,‬قال السيد صدي حسن خان القنُّوجي عفا هللا عنه‬
‫(‪8312-8741‬هـ)‪" :‬إعر إذا أتمل يف أحوال النام‪ ,‬أيقن أن من أع م‬
‫الفنت يف اإلسالِ فتنتني‪ :‬فتنة القبور‪ ,‬وفتنة تقليد الرجال‪ ,‬وكد بالء يف الدين فإمنا‬
‫تولَّد من هاتني الفتنتني‪ ,... ,‬أما فتنة التقليد املذهيب الشخصي فقد أ ت إىل‬
‫هجران الكتاب العزيز والسنة املطهرة‪ ,‬وهجرمها أ َّ إىل اختيار كد طد زاه‬
‫عل كد ح اثب فيهما‪ ,‬وصار النام بسببه أحزا متحزبة‪ ,‬ومجوعا متفرقة‪,‬‬
‫‪ ,...‬وتفرق مجاعة املسلمني يف الد ر العربية والعجمية كلها‪ ,‬وجاء مصداق‬
‫احلديث املستفيض‪" :‬ستفيق أميت عل ثالث وسبعني فرقة‪ ,‬كلهم يف النار إال ملة‬
‫واحدة" احلديث‪ ,‬وهي مجاعة أهد السنة‪ ,‬واملرا لسنة حديثه ‪ ‬املروي يف‬
‫واوين اإلسالِ بواسطة الرواة الثقات‪ ,‬ون أهد املذاهب األربعة‪ ,‬املقلدة يف‬
‫األصول والفروع ألئمتهم اجملتهدين‪ ,‬فإهنم ليسوا مصداق ذلر ليقني؛ لعدِ‬
‫صدق األحا يث الوار ة يف تعيني الفرقة الناجية عليهم كما ينبغي"‪.8‬‬
‫فإذا علمنا أن مجي املذاهب الفقهية األربعة تتف عل االعتما عل كتاب‬
‫هللا ‪ ‬وسنة عبيه ‪ ‬كمصا ر رئيسية للتشري اإلسالمي‪ ,‬وتنهد من معني‬

‫‪ .8‬الدين اخلالص لصدي حسن خان (‪.)431/3‬‬


‫‪312‬‬
‫الصحابة والتابعني والسلف الصاحل‪ ,‬أ ركنا أن احتكار وصف السلفية قد يؤ ي‬
‫أبصحابه إىل رمي من عداهم يف سلة البدعة والضالل‪.‬‬
‫صرح فقهاء املسلمني عل اختالف مذاهبهم الفقهية عل اعتصامهم‬ ‫لقد َّ‬
‫بكتاب هللا ‪ ‬وسنة عبيه حممد ‪ ,‬مستجيبني لقوله تعاىل‪ " :‬أيها الذين آمنوا‬
‫أطيعوا هللا وأطيعوا الرسول وأويل األمر منكم فإن تنازعتم يف يء فر وه إىل هللا‬
‫والرسول إن كنتم تؤمنون هلل واليوِ اآلخر ذلر خري وأحسن أتويال"‪ ,8‬وقوله‬
‫تعاىل‪ " :‬أيها الذين آمنوا استجيبوا هلل وللرسول إذا عاكم ملا حيييكم"‪.7‬‬
‫وقد اعتمد أئمة املذاهب الفقهية األربعة عل الكتاب والسنة كمصدرين‬
‫رئيسني يف اجتها هم الفقهي‪ ,‬وتقيدوا أبقوال الصحابة والتابعني ما أمكنهم‪ ,‬وقد‬
‫قدَّمنا عصوصهم املصرحة بذلر‪ ,‬فها هو اإلماِ أبو حنيفة رمحه هللا يقول‪" :‬آخذ‬
‫بكتاب هللا‪ ,‬فإن مل أجد فبسنة رسول هللا ‪ ,‬فإن مل أجد يف كتاب هللا وال سنة‬
‫رسول هللا ‪ ‬أخذت بقول أصحابه‪ ,‬آخذ بقول من ئ منهم‪ ,‬وأ ع من ئ‬
‫منهم‪ ,‬وال أخرج من قو م إىل قول غريهم ‪ ,"...‬وها هو اإلماِ مالر رمحه هللا‬
‫يتقيد بعمد أهد املدينة من الصحابة والتابعني إىل زماعه؛ ألعه عوع من التواتر‬
‫املعنوي‪ ,‬ويقدمه عل حديث اآلحا ‪ ,‬وها هو اإلماِ الشافعي رمحه هللا يقول‪:‬‬
‫"العلم طبقات ىت‪ ,‬األوىل الكتاب والسنة إذا ثبت ‪ ,‬مث الثاعية اإلمجاع فيما لي‬
‫فيه كتاب وال سنة‪ ,‬والثالثة أن يقول بعض أصحاب رسول هللا ‪ ‬قوال‪ ,‬وال ععلم‬
‫له خالفا منهم‪ ,‬والرابعة اختالف أصحاب النيب ‪ ‬يف ذلر‪ ,‬واخلامسة القيام"‪,‬‬

‫‪ .8‬سورة النساء‪ ,‬آية (‪.)59‬‬


‫‪ .7‬سورة األعفال‪ ,‬آية (‪.)74‬‬
‫‪311‬‬
‫وها هو اإلماِ أمحد رمحه هللا يبين مذهبه عل أصول مخسة مرتبة‪ :‬أو ا عصوص‬
‫الكتاب والسنة‪ ,‬اثعيها فتو الصحابة ‪ ‬إذا مل يهلعلم ا خمالف‪ ,‬اثلثها االعتقاء‬
‫قرب من الكتاب والسنة‪ ,‬رابعها األخذ‬ ‫من أقوال الصحابة عند اختالفهم ما ي هل‬
‫ملرسد والضعيف‪ ,‬وخامسها القيام‪.8‬‬
‫مث سار كد إماِ من األئمة األربعة يف إعشاء مدرسته الفقهية منطلقاً من‬
‫الكتاب والسنة‪ ,‬يهتدي ِبديهما‪ ,‬ويستضيء بنورمها‪ ,‬وتبعه أصحابه وأتباعه جيال‬
‫بعد جيد‪ ,‬فتكوع املذاهب األربعة‪ ,‬ومتايزت مناهجها وطرقها‪ ,‬واعضبط حت‬
‫راية كد مذهب منها كثرة كاثرة من الفقهاء واألصوليني واحملدثني واملفسرين‬
‫واملتكلمني واللغويني والعامة‪.‬‬
‫وم مرور الزمن واعضباط فقهاء كد مذهب فقهي أبصول مذهبه وقواعده‪,‬‬
‫وتفري النوازل عليها‪ ,‬تصور بعض علماء املنهج الفقهي السلفي أن املذاهب‬
‫الفقهية ال تقيم وزانً للكتاب والسنة‪ ,‬وأن علماء املذاهب الفقهية يعتمدون عل‬
‫عصوص أئمتهم‪ ,‬بد وجيعلوهنا كنصوص الكتاب والسنة‪.7‬‬
‫السيد صديق حسن خان منوذجا‬
‫ولنضرب مثاالً عل هذا من كالِ السيد صدي حسن خان القنُّوجي عفا‬
‫هللا عنه‪ ,3‬ومن كتاب واحد فقط من كتبه‪ ,‬وهو كتاب "الدين اخلالص"‪ ,‬فإعه قال‪:‬‬

‫‪ .8‬اع ر توثي تلر النصوص يف الفصد الثالث‪.‬‬


‫‪ .7‬قدَّمنا ‪ -‬عل سبيد املثال ‪ -‬قول السيد ساب ‪" :‬و لتقليد والتعصب للمذاهب فقدت األمة ا داية‬
‫لكتاب والسنة"‪.‬‬
‫‪ .3‬اخيت صدي حسن خان عل وجه اخلصوص؛ ألعه أحد أركان قصيدة الشيخ العلجي اآلتية أبسباِبا‬
‫ومالبساهتا يف الفصد السا م‪.‬‬
‫‪319‬‬
‫"تقليد املذاهب من الشرك‪ ,8‬أتمد يف مقلدة املذاهب كيف أقروا عل أعفسهم‬
‫بتقليد األموات من العلماء واألولياء‪ ,‬واعيفوا أبن فهم الكتاب والسنة كان خاصا‬
‫ِبم‪ ,... ,‬ومن صار أسرياً للتقليد‪ ,‬وعبداً للعبيد‪ ,‬وقن من اإلسالِ السم‪ ,‬ومن‬
‫الدين لرسم‪ ,‬واعتقد أن اإلَيان هو الذي يف كتب املقلدة واملتكلمة‪ ,‬وملفوظات‬
‫الصوفية‪ ,‬وصحائف الفروع الفقهية املختلفة‪ ,‬اليت ال سند ا من أ لة احلديث‬
‫والكتاب‪ ,‬فعل عفسها براقش جتين"‪.7‬‬
‫وقال صدي حسن خان أيضا‪" :‬إمجاع أهد العلم عل بطالن إطالق لفظ‬
‫"عامل" عل املقلد‪ ,‬وال يدري هذا املسكني أن املقلد ال يكون عاملا أبدا‪ ,‬فضال‬
‫عن أن يكون جمد ا أو جمتهدا‪ ,... ,‬ولعد املرا ألئمة املضلني يف احلديث هؤالء‬
‫املقلدون الذين ي نون أهنم جمد ون جمتهدون‪ ,‬وهم عن مدارك الشرع ومعامل السنة‬
‫والكتاب مبراحد اسعة‪ ,‬ويزعمون أهنم لفنون مجيعها عاملون"‪.3‬‬
‫وقال صدي حسن خان أيضا‪" :‬ال تقليد يف الدين اإلسالمي‪ ,... ,‬وإذا‬
‫أتمل يف صنائ أهد الرأي وا و أ رك أن كد آفة وقع يف اإلسالِ‪ ,‬وكد‬
‫غربة جاءت فيه‪ ,‬إمنا عشأت من عدِ الر إىل هللا ورسوله‪ ,‬والر إىل األحبار‬
‫والرهبان‪ ,4‬وتقدمي أقوا م عل اآل ت البينات واألحا يث الصحيحات بنوع من‬
‫التحريف والتأويد واالعتحال‪ ... ,‬وقال رسول هللا ‪" :‬والذي عف حممد بيده‪,‬‬

‫‪ .8‬ما زل َّأهتم افهمي ذا النص اخلطري‪ ,‬فلن أعل عل اهتاِ صدي حسن خان املقلدة لشرك‪.‬‬
‫‪ .7‬الدين اخلالص لصدي حسن خان (‪.)841/8‬‬
‫‪ .3‬الدين اخلالص لصدي حسن خان (‪.)723/7‬‬
‫‪ .4‬أتمد كيف يصف فقهاء املذاهب األربعة ألحبار والرهبان‪.‬‬
‫‪381‬‬
‫لو بدا لكم موس فاتبعتموه وتركتموين‪ ,‬لضللتم عن سواء السبيد‪ ,‬ولو كان حيا‬
‫وأ رك عبو التبعين" رواه الدارمي‪ ,... ,‬وفيه القضاء لضالل عل من تب غري‬
‫رسول هللا ‪ ,‬ولو كان يف أعل مرتبة من النبوة‪ ,‬فكيف تباع من لي بنيب وال‬
‫رسول‪ ,‬بد من آحا األمة‪ ,‬ومتعبد بكتاب هللا وسنة رسوله كغريه من العبا ‪ ,‬مثد‬
‫أئمة امللة األربعة وغريهم من األحبار والرهبان‪ ,‬وهذا يفيد أن تقليد الرجال‪ ,‬واتباع‬
‫القيد والقال‪ ,‬ضالل وجهد وو ل"‪.8‬‬
‫وقال صدي حسن خان أيضا‪" :‬وع ريه اليوِ بدعة التقليد‪ ,‬فإعه منذ أحدثه‬
‫األقواِ عزع هللا منهم سنة االتباع الذي أهلمروا به‪ ,‬مث مل يهلعده إليهم إىل اآلن‪ ,‬وال عبة‬
‫بشرذمة قليلة من القبائد الشاذة الفاذة‪ ,‬فإن احلكم لألكثر‪ ,‬ولألكثر حكم الكد‪,‬‬
‫وال ر أن املقلدين أكثر‪ ,‬واحملدثني أقد‪" ,‬وقليد من عبا ي الشكور"‪ ,‬وال‬
‫تعجبر كثرة اخلبيث‪.3"7‬‬
‫وقال صدي حسن خان أيضا‪" :‬وذِ هللا سبحاعه يف كتابه التقليد واملقلدين‬
‫يف مواض عديدة‪ ,‬فتقرر أن علومهم املبنية عل اآلراء‪ ,‬املؤسسة عل احليد‬
‫واألهواء‪ ,‬لي مما يستح التبليغ والتدوين‪ ,‬وما أحقها أبن هلمتح من بطون‬
‫الدفاتر إلحراق واإلغراق‪ ,‬ويعف أثرها من صفحات اآلفاق‪.5"4‬‬

‫‪ .8‬الدين اخلالص لصدي حسن خان (‪.)34/3‬‬


‫‪ .7‬أتمد كيف يصف املتمذهبني ملذاهب األربعة خلبيث‪.‬‬
‫‪ .3‬الدين اخلالص لصدي حسن خان (‪.)48/3‬‬
‫‪ .4‬بدالً من اإلعجاب ملنتج الفقهي اإلسالمي ‪ -‬كما تفعد كد أمة مبنتجها الفكري والثقايف ‪ -‬يتمىن‬
‫صدي حسن خان لو هلحمي فقه املذاهب األربعة إلحراق واإلغراق‪.‬‬
‫‪ .5‬الدين اخلالص لصدي حسن خان (‪.)839/3‬‬
‫‪388‬‬
‫وقال صدي حسن خان أيضا‪" :‬بيان األسباب اليت فع العلماء إىل‬
‫تقليد املذاهب‪ ,‬وال أقول‪ :‬إهنم كلهم ضالل ومبتدعة‪ ,‬فإن منهم من كان عل‬
‫حجاب‬
‫هل‬ ‫هد مستقيم‪ ,‬ومنهم تفطن للح ‪ ,‬ولكنه اتق تقاةً‪ ,‬وعاقه عن إظهاره‬
‫الرسم أو الطب أو القوِ‪ ,‬ومنهم من عهلسب أو عسبوه إىل مذهب من هذه‬
‫املذاهب‪ ,‬فصب عليه مصلحةً ووقايةً عن اآلفات‪ ,‬ومل يكن ‪ -‬يف احلقيقة ‪ -‬من‬
‫أر ب التقليد‪ ,‬وال سيما أوائد أهد هذه املذاهب األربعة‪ ,‬فإهنم مل يقلدوا أحدا من‬
‫اجملتهدين إال تسمية فقط‪ ,‬وكاعوا يتحرون احل يف كد ب من أبواب الدين‪,‬‬
‫ويفتون مبا ن م من الصواب‪ ,‬ومتابعة السنة والكتاب‪ ,‬غري مبالني أبحد من‬
‫املخالفني‪ ,‬ومنهم من يقول يف العالعية‪ :‬إعه حنفي أو افعي أو غريمها‪ ,‬ومنهم من‬
‫حتول من مذهب إىل مذهب‪ ,‬واعتقد من مشرب إىل مشرب؛ ملا رأ أن القضاء‬
‫واإلفتاء والتدري ال حيصد إال أبن يكون يف املذهب الفالين‪ ,8‬وهذا ليد واضح‬
‫أن تقليد املذهب اخلاص واملشرب املخصوص مل يكن عنده يئا وإال مل يتحول مما‬
‫عهلسب إليه قدَيا إىل ما عهلسب إليه حديثا؛ ألن التالعب لدين حراِ‪ ,‬إىل غري‬
‫ذلر من الوجوه الصا قة‪ ,‬واألسباب الباعثة عل اختيار التقليد‪ ,‬واالعتماء إىل‬
‫أحد من املذاهب املعروفة‪ ,‬أو احلاملة عل تركه يف السر والباطن‪ ,‬وعدِ اإلعكار‬
‫منه يف ال اهر والعالعية؛ ملصلحة عارضة‪ ,‬أو لفتنة أرا احلفظ عنها"‪.7‬‬

‫‪ .8‬أتمد كيف يطعن صدي حسن خان يف عيات بعض علماء املذاهب األربعة‪ ,‬وأهنم مل يتمذهبوا إال‬
‫للمكاسب الدعيوية‪.‬‬
‫‪ .7‬الدين اخلالص لصدي حسن خان (‪.)431/3‬‬
‫‪387‬‬
‫وقال صدي حسن خان أيضا‪" :‬وقال تعاىل‪" :‬فاسألوا أهد الذكر إن كنتم‬
‫ال تعلمون"‪ ,‬الذكر اسم من أ اء القرآن‪ ,‬أي اسألوا أهد القرآن‪ ,‬وهم التالون له‪,‬‬
‫العاملون به‪ ,‬قال يف "فتح البيان"‪ :‬قد استدل جموزو التقليد ِبذه اآلية‪ ,‬وقالوا‪ :‬أمر‬
‫سبحاعه من ال علم له أن يسأل من له علم‪ ,‬واجلواب أن هذه اآلية وار ة يف‬
‫جواب سؤال خاص‪ ,‬خارج عن حمد النزاع‪ ,... ,‬وعل فرض أن املرا السؤال‬
‫العاِ فاملرا بسؤا م هم أهد الذكر‪ ,‬والذكر هو كتاب هللا وسنة رسوله ‪ ‬ال‬
‫غريمها‪ ,... ,‬وإذا كان املأمور بسؤا م هم أهد القرآن واحلديث‪ ,‬فاآلية الكرَية‬
‫حجة عل املقلدة يف ر التقليد‪ ,‬ال م عل إثباته؛ ألن املرا سؤال أهد الذكر‪,‬‬
‫فيخبوهنم مبا فيهما‪ ,‬واجلواب من املسؤولني أن يقولوا‪ :‬قال هللا‪ :‬كذا‪ ,‬وقال رسول‬
‫هللا ‪ :‬كذا‪ ,‬فيعمد السائلون بذلر‪ ,‬وهذا هو غري ما يريده املقلدة املستدلة ِبا‪,‬‬
‫فإهنم إمنا استدلوا ِبا عل جواز ما هو فيه من األخذ أبقوال الرجال من ون سؤال‬
‫عن الدليد‪ ,‬فإن هذا هو التقليد‪ ,‬و ذا ر وه أبعه قبول قول الغري من ون مطالبة‬
‫حبجة‪ ,‬فحاصد التقليد أن املقلد ال يسأل عن كتاب هللا‪ ,‬وال عن سنة رسوله ‪,‬‬
‫بد يسأل عن مذهب إمامه فقط‪ ,‬فإذا جاوز ذلر إىل السؤال عن الكتاب والسنة‬
‫فلي مبقلد‪ ,‬وهذا يسلمه كد مقلد عاقد‪ ,‬وال ينكره إال جاهد صرف‪ ,‬وإذا تقرر‬
‫أن املقلد إذا سأل أهد الذكر عن كتاب هللا وسنة رسوله ‪ ,‬وأجابه املسؤول مبا‬
‫فيهما‪ ,‬أو ما يف أحدمها‪ ,‬مل يكن مقلدا‪ ,‬علم أن هذه اآلية الشريفة ‪ -‬عل‬
‫تسليم أن السؤال لي عن الشيء اخلاص الذي يدل عليه السياق‪ ,‬بد عن كد‬
‫يء يف الشريعة‪ ,‬كما يزعمه املقلد ‪ -‬تدف يف وجهه‪ ,‬وترغم أعفه‪ ,‬وتكسر ظهره‪,‬‬
‫فإن معىن هذا السؤال الذي رعه هللا تعاىل هو السؤال عن احلجة الشرعية‪,‬‬

‫‪383‬‬
‫وطلبها من العامل‪ ,‬فيكون هو اتلياً أو راو ً‪ ,‬وهذا السائد مسيو ‪ ,‬واملقلد يقر عل‬
‫عفسه أبعه يقبد قول العامل‪ ,‬وال يطالبه حلجة‪ ,‬فاآلية هي ليد االتباع‪ ,‬ال ليد‬
‫التقليد‪ ,‬وِبذا ظهر لر أن هذه احلجة اليت احتج ِبا املقلد هي حجة احضة‬
‫عل فرض أن املرا املعىن اخلاص‪ ,‬وهي عليه ال له عل فرض أن املرا املعىن العاِ"‬
‫اعته ‪ ,‬وسيأ الكالِ عل هذه اآلية الشريفة ا ا ية إىل االتباع‪ ,‬الناهية مبفهومها‬
‫املخالف عن التقليد واالبتداع يف ضمن عقد كالِ "القول املفيد"‪.7"8‬‬
‫فتلخص من كالِ صدي حسن خان أن املقلد يعتقد أن فـ اهم الكتاب‬
‫والسنة خاص أبئمة املذاهب‪ ,‬وأن الفروع الفقهية اليت أعتجتها املذاهب الفقهية ال‬
‫مستند ألكثرها من أ لة الكتاب والسنة‪ ,‬وأن املقلدين هم األئمة املضلون‪ ,‬وأن‬
‫تقليد الرجال من أع م الفنت يف اإلسالِ‪ ,‬وأن اإلسالِ مكث مدةً طويلة حت‬
‫أطباق الثر ‪ ,‬وأن فتنة التقليد املذهيب أ ت إىل هجران الكتاب والسنة‪ ,‬فصار‬
‫النام أحزا متحزبة ومجوعا متفرقة‪ ,‬وأن حديث افياق األمة إىل ثالث وسبعني‬
‫فرقة يصدق عل مقلدة املذاهب األربعة‪ ,‬وأن الفرقة الناجية هي مجاعة أهد السنة‬
‫املتمسكني حبديثه ‪ ‬املروي يف واوين اإلسالِ‪ ,‬وأن بعض العلماء املقلدين‬
‫تفطنوا للح ‪ ,‬ولكنهم مل يتمكنوا من إظهار استقال م العلمي؛ بسبب البيئة‬
‫العلمية واالجتماعية احمليطة‪ ,‬وأن بعضهم اعتقد من مذهب إىل مذهب؛ رغبة يف‬
‫تويل مناصب القضاء واإلفتاء والتدري ‪ ,‬وأن تقليد املذاهب ال يندرج يف قوله‬
‫أهد‬
‫تعاىل‪" :‬فاسألوا أهد الذكر إن كنتم ال تعلمون"؛ ألن املقصو أبهد الذكر هل‬

‫‪ .8‬يقصد كتاب القول املفيد للشوكاين‪.‬‬


‫‪ .7‬الدين اخلالص لصدي حسن خان (‪.)814/4‬‬
‫‪384‬‬
‫الكتاب والسنة‪ ,‬الذين خيبون السائلني مبا فيهما‪ ,‬أما املقلدة فإهنم يسألون عن‬
‫أقوال الرجال من ون سؤال عن الدليد‪ ,‬فلو جاوز ذلر إىل السؤال عن الكتاب‬
‫والسنة فلي مبقلد‪.8‬‬
‫هل يلزم تضمني الدليل يف الفتوى‬
‫ذِ التقليد ذما‬
‫هذا هو ملخص كالِ السيد صدي حسن خان‪ ,‬فقد َّ‬
‫نيعا‪ ,‬مث َّبني أن معىن التقليد هو السؤال عن رأي الرجال بدون سؤال عن‬
‫الدليد‪ ,‬مبعىن أن املقلد ال يسأل عن كتاب هللا‪ ,‬وال عن سنة رسوله ‪ ,‬بد يسأل‬
‫عن مذهب إمامه فقط‪ ,‬وأعه لو سأل عن الدليد من الكتاب والسنة فلي مبقلد‪.‬‬
‫وكالِ السيد صدي حسن خان ضعيف مر و ‪ ,‬ويكفي يف ر ه إثبات‬
‫اتفاق مجهور علماء املسلمني عل جواز اإلفتاء بدون ذكر الدليد ولو كان‬
‫منصوصا يف الكتاب والسنة‪ ,‬واتفاقهم عل جواز األخذ بفتو العامل ولو مل يذكر‬
‫ليله من الكتاب والسنة‪.‬‬
‫فقد اتفق كلمة علماء أصول الفقه من خمتلف املذاهب الفقهية عل جواز‬
‫وعرفوا التقليد بعدة تعريفات‪ ,‬تدور حول قبول قول‬
‫التقليد يف الفروع الفقهية‪َّ ,‬‬
‫العامل أو فتواه اجملر ة عن ليله‪.7‬‬

‫‪ .8‬مبعرفة هذه اآلراء املتطرفة اليت يعتقدها صدي حسن خان يف املتمذهبني ملذاهب األربعة يزول‬
‫العجب من تلر الغضبة والغرية الواضحة يف قصيدة الشيخ العلجي اآلتية يف الفصد السا م‪.‬‬
‫‪ . 7‬سأكتفي لنصوص املذكورة‪ ,‬م مالح ة اععكام تسلسلها اترخييا من األحدث لألقدِ؛ لغاية‬
‫ظاهرة‪.‬‬
‫‪385‬‬
‫قال آل تيمية رمحهم هللا‪" :‬العامي الذي لي معه آلة االجتها يف الفروع‬
‫جيوز له التقليد فيها عند الشافعية واجلمهور‪ ,‬قال أبو اخلطاب‪ :‬وجيوز له الرجوع‬
‫إىل أهد احلديث يف اخلب وكون سنده صحيحا أو فاسدا‪ ,‬وال يلزمه أن يتعلم ذلر‬
‫إلمجاع‪ ,‬فأوىل أن جيوز له تقليد العامل‪ ,‬وذكره القاضي وسائر أصحابنا وإمامنا‪:‬‬
‫وسواء يف ذلر ما يسوغ فيه االجتها وما ال يسوغ فيه االجتها ‪ ,‬وصرح به ابن‬
‫عقيد‪ ,‬قال‪ :‬وهو قول األكثرين‪ ,‬وقال قوِ من املعتزلة البغدا يني‪ :‬ال جيوز له أن‬
‫يقلد يف ينه‪ ,‬وعليه أن يقف عل طري احلكم‪ ,‬فإذا سأل العامل فإمنا يسأله أن‬
‫يعرفه طري احلكم‪ ,‬فإذا عرفه عمد به‪ ,‬وقال أبو علي من الشافعية‪ :‬ال جيوز له‬
‫التقليد فيما ال يسوغ فيه االجتها خاصة‪ ,‬وكذلر حك ابن برهان‪ ,‬املذهب‬
‫الثاين عن أيب علي اجلبائي أن عليه أن يعلم كد مسألة بدليلها‪ ,‬قال‪ :‬ومن النام‬
‫من قال‪ :‬جيب عليه ذلر يف املسائد ال اهرة ون اخلفية"‪ ,8‬مث قالوا يف تعريف‬
‫التقليد‪" :‬التقليد قبول القول بغري ليد‪ ,‬فلي املصري إىل اإلمجاع تقليدا؛ ألن‬
‫اإلمجاع ليد"‪.7‬‬
‫إن حاصد كالِ آل تيمية ‪ -‬واحلفيد يخ اإلسالِ َيثد الرمز األبرز للمنهج‬
‫الفقهي السلفي املعاصر‪ - 3‬يصرح أبن قبول القول بدون معرفة الدليد املستند‬
‫عليه هو التقليد‪ ,‬وأعه جائز للعامي يف الفروع عند اجلمهور‪ ,‬وجيوز له ‪ -‬بدون‬

‫‪ .8‬املسو ة يف أصول الفقه آلل تيمية‪ :‬جمد الدين عبدالسالِ (‪357-591‬هـ) وابنه عبداحلليم (‪-372‬‬
‫‪317‬هـ) وحفيده يخ اإلسالِ أمحد (‪271-338‬هـ) (‪.)451‬‬
‫‪ .7‬املسو ة يف أصول الفقه آلل تيمية (‪.)437‬‬
‫‪ .3‬االستشها أبقوال يخ اإلسالِ ابن تيمية خيتصر مسافات إقناع فقهاء املنهج السلفي‪.‬‬
‫‪383‬‬
‫وجوب ‪ -‬إلمجاع السؤال عن الدليد‪ ,‬وتشمد الفروع اليت جيوز التقليد فيها ما‬
‫يسوغ فيه االجتها وما ال يسوغ‪ ,‬وأن القائلني بوجوب معرفة الدليد أو طري‬
‫احلكم هم بعض املعتزلة‪.‬‬
‫وقال اإلماِ ابن قدامة رمحه هللا‪" :‬فصد يف التقليد‪ ,... ,‬وهو يف عرف‬
‫الفقهاء‪ :‬قبول قول الغري من غري حجة‪ ,... ,‬قال أبو اخلطاب‪ :‬العلوِ عل‬
‫ضربني‪ :‬منها ما ال يسوغ التقليد فيه‪ ,‬وهو معرفة هللا ووحداعيته وصحة الرسالة‬
‫وحنو ذلر؛ ألن املقلد يف ذلر إما أن هلجيوز اخلطأ عل من يقلده‪ ,‬أو حييله‪ ,‬فإن‬
‫أجازه فهو اك يف صحة مذهبه‪ ,‬وإن أحاله فبم عرف استحالته وال ليد عليها؟‬
‫وإن قلَّده يف أن أقواله ح ‪ ,‬فبم عرف صدقه؟ وإن قلَّد غريه يف تصديقه‪ ,‬فبم‬
‫عول عل سكون النف يف صدقه‪ ,‬فما الفرق بينه وبني‬ ‫عرف صدق اآلخر؟ وإن َّ‬
‫سكون أعف النصار واليهو املقلدين؟ وما الفرق بني قول مقلَّده أعه صا ق‬
‫وبني قول خمالفه؟ وأما التقليد يف الفروع فهو جائز إمجاعاً‪ ,‬فكاع احلجة فيه‬
‫اإلمجاع‪ ,‬وألن اجملتهد يف الفروع إما مصيب وإما خمطئ مثاب غري مأثوِ‪ ,‬خبالف‬
‫ما ذكرانه‪ ,‬فلهذا جاز التقليد فيها‪ ,‬بد وجب عل العامي ذلر‪ ,‬وذهب بعض‬
‫القدرية إىل أن العامة يلزمهم الن ر يف الدليد يف الفروع أيضا‪ ,‬وهو طد إبمجاع‬
‫الصحابة؛ فإهنم كاعوا يفتون العامة‪ ,‬وال أيمروهنم بنيد رجة االجتها ‪ ,... ,‬فلم‬
‫يب إال سؤال العلماء‪ ,‬وقد أمر هللا تعاىل بسؤال العلماء يف قوله تعاىل‪" :‬فاسألوا‬
‫أهد الذكر إن كنتم ال تعلمون"‪ ,‬قال أبو اخلطاب‪ :‬وال جيوز التقليد يف أركان‬

‫‪382‬‬
‫اإلسالِ اخلم وحنوها مما ا تهر‪ ,‬وعقد عقال متواترا؛ ألن العامة اركوا العلماء يف‬
‫ذلر‪ ,‬فال وجه للتقليد"‪.8‬‬
‫إن حاصد كالِ ابن قدامة يصرح أبن التقليد هو قبول قول الغري من غري‬
‫حجة‪ ,‬وأعه ال يسوغ يف أصول الدين كمعرفة هللا ووحداعيته وصحة الرسالة‪ ,‬ولكنه‬
‫جائز يف الفروع إمجاعاً‪ ,‬بد واجب عل العامي‪ ,‬واستدل عل رأيه بقوله تعاىل‪:‬‬
‫"فاسألوا أهد الذكر إن كنتم ال تعلمون"‪ ,‬وهي اآلية اليت عدن حو ا صدي‬
‫حسن خان مبا َّ‬
‫قدمناه‪.‬‬
‫وقال إماِ احلرمني اجلويين رمحه هللا ‪ -‬مقروان بشرح احمللي رمحه هللا ‪:-‬‬
‫"(ومن روط املستفيت أن يكون من أهد التقليد)‪ ,‬فيقلد املفيت يف الفتيا‪ ,‬فإن مل‬
‫يكن الشخص من أهد التقليد‪ ,‬أبن كان من أهد االجتها فلي له أن يستفيت‬
‫كما قال‪( ,‬ولي للعامل) أي اجملتهد (أن يقلد)؛ لتمكنه من االجتها ‪( ,‬والتقليد‬
‫قبول قول القائد بال حجة) يذكرها‪( ,... ,‬ومنهم من قال‪ :‬التقليد قبول قول‬
‫القائد وأع ال تدري من أين قاله) أي ال تعلم مأخذه يف ذلر"‪.7‬‬
‫إن النصوص السابقة تؤكد ما ذكره صدي حسن خان من أن املقلد يكتفي‬
‫مبعرفة احلكم الشرعي من غري معرفة ليله‪ ,‬وهو سبب الذِ الشني الذي كاله‬
‫صدي حسن خان ملقلدة املذاهب الفقهية يف الفروع‪ ,‬أما العلماء الذين بيَّنوا معىن‬
‫ينصون عل جواز األخذ برأي العامل يف معرفة احلكم الشرعي بدون‬ ‫التقليد فإهنم ُّ‬
‫معرفة ليله من الكتاب والسنة‪.‬‬

‫‪ .8‬روضة الناظر وجنة املناظر البن قدامة (‪)311/7‬‬


‫‪ .7‬رح الورقات للمحلي (‪.)732‬‬
‫‪381‬‬
‫فتاوى سلفية بدون دليل‬
‫ويشهد الواق العملي لطريقة إفتاء السلف الصاحل من الصحابة والتابعني‬
‫وأتباعهم ‪ -‬رغم اقيان كثري من فتاواهم لدليد ‪ -‬أن كثريا من فتاواهم كاع ختلو‬
‫من ذكر الدليد من الكتاب والسنة‪ ,‬واألمثلة عل هذا كثرية جدا‪ ,‬وسأكتفي إبيرا‬
‫بعض فتاو الصحابة والتابعني واتبعيهم يف بعض أحكاِ الوضوء من مصنف ابن‬
‫أيب يبة رمحه هللا‪:‬‬
‫‪ ‬عن أيب بكر قال‪" :‬إذا توضأ العبد‪ ,‬فذكر اسم هللا يف وضوئه‪ ,‬طهر جسده‬
‫كله‪ ,‬وإذا توضأ‪ ,‬ومل يذكر اسم هللا‪ ,‬مل يطهر إال ما أصابه املاء"‪.‬‬
‫‪ ‬عن احلسن قال‪" :‬يسمي إذا توضأ‪ ,‬فإن مل يفعد أجزأه"‪.‬‬
‫‪ ‬عن أيب بكر الصدي قال‪" :‬لتخللن أصابعكم ملاء‪ ,‬أو ليخللنها هللا لنار"‪.‬‬
‫‪ ‬عن احلسن قال‪" :‬جيزئر ما سال من وجهر عل حليتر‪ ,‬وال ختلد"‪.‬‬
‫أن تبلغ ملاء أصول اللحية‬ ‫‪ ‬عن عبدالرمحن بن أيب ليل قال‪" :‬إن استطع‬
‫فافعد"‪.‬‬
‫‪ ‬عن عطاء قال‪َ" :‬يسح الرأم مرة واحدة"‪.‬‬
‫‪ ‬كان ابن عمر َيسح أذعيه‪ ,‬ويقول‪" :‬مها من الرأم"‪.‬‬
‫‪ ‬عن عثمان قال‪" :‬اعلموا أن األذعني من الرأم"‪.‬‬
‫‪ ‬عن علي قال‪" :‬إذا توضأ الرجد‪ ,‬فنسي أن َيسح برأسه‪ ,‬فوجد يف حليته بلال‪,‬‬
‫أخذ من حليته‪ ,‬فمسح رأسه"‪.‬‬
‫‪ ‬عن إبراهيم قال‪" :‬إذا توضأت املرأة‪ ,‬فلتنزع مخارها‪ ,‬ولتمسح برأسها"‪.‬‬
‫‪ ‬عن احلسن قال‪" :‬املرأة متسح عل انصيتها وعل مخارها"‪.‬‬
‫‪389‬‬
‫‪ ‬سئد احلسن عن الوضوء ملاء الساخن‪ ,‬قال‪" :‬ال أبم به"‪.‬‬
‫‪ ‬عن عكرمة قال‪" :‬النبيذ وضوء ملن مل جيد املاء"‪.‬‬
‫‪ ‬عن سعيد بن املسيب قال‪" :‬الوضوء من غري حدث اعتداء"‪.‬‬
‫‪ ‬عن عكرمة قال‪" :‬كد ابة أهلكد حلمها‪ ,‬فال أبم لوضوء من سؤرها"‪.‬‬
‫‪ ‬عن احلسن أعه كان يقول يف الدجاجة تشرب من اإلانء‪" :‬يكره أن يتوضأ به"‪.‬‬
‫‪ ‬سئد ابن عبام عن سؤر املرأة‪ ,‬قال‪" :‬هي ألطف بناانً وأطيب رحيا"‪.‬‬
‫‪ ‬عن عطاء أعه سئد عن احلائض تشرب من املاء‪ ,‬أيتوضأ به؟ فقال‪" :‬ععم‪ ,‬ال‬
‫أبم به"‪.‬‬
‫‪ ‬عن الشعيب قال‪" :‬يغتسد الرجد وامرأته من إانء واحد"‪.‬‬
‫‪ ‬عن أيب هريرة أعه هن أن تغتسد املرأة والرجد من إانء واحد"‪.‬‬
‫‪ ‬عن عطاء قال‪" :‬ال أبم لوضوء يف املسجد ما مل يغسد الرجد فرجه"‪.‬‬
‫‪ ‬عن علي قال‪" :‬ما أ يل إذا متم وضوئي أبي أعضائي بدأت"‪.‬‬
‫‪ ‬عن عبدهللا قال‪" :‬ال أبم أن تبدأ برجلير قبد يدير يف الوضوء"‪.‬‬
‫‪ ‬عن القاسم وسامل قاال‪" :‬يف القل وضوء"‪.‬‬
‫‪ ‬عن عطاء قال‪" :‬لي يف القل وضوء"‪.‬‬
‫‪ ‬عن أيب الربي قال‪ :‬كن م عبد الرمحن بن أيب ليل ‪ ,‬فمر مباء ختوض به‬
‫الدواب‪ ,‬وتبول فيه‪ ,‬فقال‪" :‬ال أبم لوضوء منه"‪.‬‬
‫‪ ‬عن عطاء قال‪" :‬القليد من املاء أحب إيل من الياب"‪.‬‬
‫‪ ‬سئد محا عن املاء القليد الذي ال يبلغ الطهور‪ ,‬قال‪" :‬الصعيد أحب إيل‬
‫منه"‪.‬‬
‫‪371‬‬
‫‪ ‬عن احلسن وابن سريين قاال‪" :‬اغسد أثر احملاجم"‪.‬‬
‫‪ ‬عن ابن عبام قال‪" :‬الغسد من احلجامة"‪.‬‬
‫‪ ‬سئد علي عن الرجد حيتجم‪ ,‬أو حيل عاعته‪ ,‬أو ينتف إبطيه‪ ,‬قال‪" :‬يغتسد"‪.‬‬
‫‪ ‬عن عطاء قال‪" :‬لي يف القبلة وضوء"‪.‬‬
‫‪ ‬عن عبدهللا قال‪" :‬القبلة من اللم ‪ ,‬ومنها الوضوء"‪.‬‬
‫‪ ‬سئد الزهري عن القبلة‪ ,‬قال‪" :‬كان العلماء يقولون‪ :‬فيها الوضوء"‪.‬‬
‫‪ ‬عن محا قال‪" :‬إذا قبد الرجد امرأته‪ ,‬وهي ال تريد ذلر‪ ,‬فإمنا جيب عليه‬
‫الوضوء‪ ,‬ولي عليها وضوء‪ ,‬فإن قبلته هي‪ ,‬فإمنا جيب الوضوء عليها‪ ,‬وال‬
‫جيب عليه‪ ,‬فإن وجد هوة‪ ,‬وجب عليه الوضوء‪ ,‬وإن قبلها‪ ,‬وهي ال تريد‬
‫ذلر‪ ,‬فوجدت هوة‪ ,‬وجب عليها الوضوء"‪.‬‬
‫‪ ‬عن عبدالرمحن بن أيب ليل قال‪" :‬إذا مل الرجد امرأته بشهوة توضأ‪ ,‬ما مل‬
‫ينزل"‪.‬‬
‫‪ ‬عن إبراهيم قال‪" :‬لي يف حلم اإلبد والبقر والغنم وضوء"‪.‬‬
‫‪ ‬عن ابن عبام قال‪" :‬الوضوء مما خرج‪ ,‬ولي مما خد"‪.‬‬
‫‪ ‬قيد جلبلة‪ :‬أ ع ابن عمر يقول‪" :‬آلكد اللحم‪ ,‬وأ رب اللنب‪ ,‬وأصلي‪ ,‬وال‬
‫أتوضأ"؟ قال‪ :‬ععم‪.‬‬
‫‪ ‬عن أيب ز قال‪ :‬هدت ابن عبام وأ هريرة‪ ,‬وهم ينت رون جد م يف‬
‫التنور‪ ,‬فقال ابن عبام‪" :‬أخرجوه لنا‪ ,‬ال يفتنا يف الصالة"‪ ,‬فأخرجوه‪ ,‬فأكلوا‬
‫منه‪ ,‬مث إن أ هريرة توضأ‪ ,‬فقال له ابن عبام‪" :‬أأكلنا رجسا"؟ قال‪" :‬أع‬
‫خري مين‪ ,‬وأعلم"‪ ,‬مث صلوا‪.‬‬
‫‪378‬‬
‫‪ ‬عن أع قال‪" :‬توضأوا من السكر‪ ,‬فإن له ثقال"‪.‬‬
‫‪ ‬عن احلسن قال‪" :‬توضأ مما غريت النار"‪.‬‬
‫‪ ‬عن عمر قال‪" :‬من عق أعفه‪ ,‬أو حر إبطه‪ ,‬توضأ"‪.‬‬
‫‪ ‬عن علي أعه سئد عن الرجد‪ ,‬أيخذ من عره ومن أظفاره‪ ,‬قال‪" :‬يعيد‬
‫الوضوء"‪.‬‬
‫‪ ‬سئد ابن عبام عن رجد خرج إىل الصالة‪ ,‬فوطئ عل عذرة‪ ,‬قال‪" :‬إن‬
‫كاع رطبة غسد ما أصابه‪ ,‬وإن كاع بسة مل تضره"‪.‬‬
‫‪ ‬عن عائشة أهنا سئل عن الرجد َير ملكان القذر‪ ,‬وهو عل طهارة‪,‬‬
‫فقال ‪" :‬إعه قد َير ملكان الن يف‪ ,‬فيطهر بعضه بعضا"‪.‬‬
‫‪ ‬عن احلسن أعه كان أيمر ملضمضة من اللنب‪.‬‬
‫‪ ‬عن أيب سعيد قال‪" :‬ال وضوء إال من اللنب‪ ,‬ألعه خيرج من بني فرث و ِ"‪.‬‬
‫‪ ‬كان أبو عبدالرمحن يف املسجد‪ ,‬فأاته مدرك بن عمارة بلنب‪ ,‬فشربه‪ ,‬فقال‬
‫مدرك‪ :‬هذا ماء فمضمض‪ ,‬قال‪" :‬من أي يء‪ ,‬من السائغ الطيب"؟‬
‫‪ ‬عن جابر بن عتير قال‪ :‬أاتان ابن عمر يف اران‪ ,‬فأتيناه بوضوء يف حنام‪,‬‬
‫فكرهه‪ ,‬وقال‪" :‬ائتوين حبجر أو خشب"‪.‬‬
‫‪ ‬سأل رجد ابن عبام قال‪ :‬إان عنتج الكأل‪ ,‬وال د املاء‪ ,‬فنتوضأ للنب؟‬
‫قال‪" :‬ال‪ ,‬عليكم لتيمم"‪.‬‬
‫‪ ‬عن احلسن قال‪" :‬ال يتوضأ بنبيذ وال لنب"‪.‬‬
‫تلر كاع بعض فتاو الصحابة والتابعني يف ب واحد من أبواب الفقه‪,‬‬
‫وهو ب الوضوء‪ ,‬يف كتاب واحد من كتب السنة‪ ,‬وهو مصنف ابن أيب يبة‪,‬‬
‫‪377‬‬
‫وكلها ختلو من االستدالل أل لة الشرعية من الكتاب والسنة‪ ,‬األمر الذي يؤكد‬
‫أن السلف كان يشي يف علمائهم اإلفتاء بدون االستدالل‪ ,‬ومل يكوعوا يرون يف‬
‫ذلر تقليدا أعم يستوجب الذِ‪.‬‬
‫ومما يؤكد هذه احلقيقة وهذا الواق أن أئمة املذاهب األربعة جعلوا فتاو‬
‫الصحابة مصدرا من مصا ر اجتها اهتم وترجيحاهتم الفقهية‪ ,‬خيتارون منها ما ال‬
‫يعلمون فيه خالفا بينهم‪ ,‬أما ما اختلفوا فيه فإهنم يفاضلون بني فتاواهم بناء عل‬
‫مد اعسجامها م الكتاب والسنة‪ ,‬األمر الذي يؤكد أن بعض فتاو الصحابة‬
‫والتابعني تصدر غري مقروعة لدليد الشرعي‪ ,‬وأن األئمة ينتقون منها ما يروعه‬
‫أقرب إىل الكتاب والسنة‪ ,‬فإذا اعتشر قول الصحايب‪ ,‬ومل يعلم له خمالف من‬
‫الصحابة‪ ,‬فإهنم يعضون عليه لنواجذ‪.‬‬
‫املوقوف واملقطوع‬
‫وع راً لكثرة فتاو الصحابة والتابعني وأقوا م غري املقيعة بدليد من الكتاب‬
‫أو السنة فقد ابتكر علماء احلديث ذا النوع من الفتاو واألقوال مصطلحا‬
‫خاصا ِبا‪ ,‬فإذا كان القول منسو لصحايب فقد أطلقوا عليه "املوقوف"‪ ,‬وإذا كان‬
‫منسو لتابعي فقد أطلقوا عليه "املقطوع"‪ ,‬وجعلوا من عوع املوقوف واملقطوع‬
‫الذي له حكم املرفوع إىل رسول هللا ‪ ‬ما ال جمال لالجتها فيه مما لي مصدره‬
‫اإلسرائيليات‪ ,‬وقد اتفق كلمة علماء احلديث عل هذه القاعدة‪ ,‬وَيكن‬
‫االكتفاء لنصني التاليني عن إمامني حمققني من أئمة هذا الفن‪.‬‬
‫قال اإلماِ ابن الصالح رمحه هللا‪" :‬النوع الساب معرفة املوقوف‪ ,‬وهو ما‬
‫يرو عن الصحابة ‪ ‬من أقوا م أو أفعا م وحنوها‪ ,‬فيوقف عليهم‪ ,‬وال يتجاوز به‬

‫‪373‬‬
‫إىل رسول هللا ‪ ,... ,‬النوع الثامن معرفة املقطوع‪ ,... ,‬وهو ما جاء عن‬
‫التابعني موقوفا عليهم من أقوا م أو أفعا م‪ ,‬تفريعات‪ :‬أحدها قول الصحايب‪:‬‬
‫"كنا عفعد كذا"‪ ,‬أو "كنا عقول كذا"‪ ,‬إن مل يضفه إىل زمان رسول هللا ‪ ‬فهو‬
‫من قبيد املوقوف‪ ,‬وإن أضافه إىل زمان رسول هللا ‪ ... ‬أن ذلر من قبيد‬
‫املرفوع‪ ,... ,‬ومن هذا القبيد قول الصحايب‪" :‬كنا ال عر أبسا بكذا ورسول هللا‬
‫‪ ‬فينا"‪ ,‬أو "كان يقال‪ :‬كذا وكذا" عل عهده"‪ ,‬أو "كاعوا يفعلون كذا وكذا يف‬
‫حياته ‪ ,"‬فكد ذلر و بهه مرفوع مسند‪ ,... ,‬الثاين قول الصحايب‪" :‬أمران‬
‫بكذا"‪ ,‬أو "هنينا عن كذا" من عوع املرفوع واملسند عند أصحاب احلديث‪ ,‬وهو‬
‫قول أكثر أهد العلم‪ ,... ,‬وهكذا قول الصحايب‪" :‬من السنة كذا"‪ ,‬فاألصح أعه‬
‫مسند مرفوع‪ ,... ,‬الثالث ما قيد من أن تفسري الصحايب حديث مسند‪ ,‬فإمنا‬
‫ذلر يف تفسري يتعل بسبب عزول آية‪ ,‬خيب به الصحايب أو حنو ذلر‪ ,... ,‬فأما‬
‫سائر تفاسري الصحابة اليت ال تشتمد عل إضافة يء إىل رسول هللا ‪‬‬
‫فمعدو ة يف املوقوفات‪ ,... ,‬الراب من قبيد املرفوع األحا يث اليت قيد يف‬
‫أساعيدها عند ذكر الصحايب‪" :‬يرف احلديث"‪ ,‬أو "يبلغ به"‪ ,‬أو "ينميه"‪ ,‬أو‬
‫"رواية"‪ ,... ,‬فكد ذلر وأمثاله كناية عن رف الصحايب احلديث إىل رسول هللا‬
‫‪ ,‬وحكم ذلر عند أهد العلم حكم املرفوع صرحيا"‪.8‬‬
‫وقال احلافظ ابن حجر العسقالين رمحه هللا‪" :‬مث اإلسنا وهو الطري املوصلة‬
‫إىل املنت‪ ,‬واملنت هو غاية ما ينتهي إليه اإلسنا من الكالِ‪ ,‬وهو إما أن ينتهي إىل‬
‫النيب ‪ ,‬ويقتضي لف ه ‪ -‬إما تصرحيا أو حكما ‪ -‬أن املنقول بذلر اإلسنا من‬

‫‪ .8‬مقدمة ابن الصالح (‪.)43‬‬


‫‪374‬‬
‫قوله ‪ ‬أو من فعله أو من تقريره‪ ,‬مثال املرفوع من القول تصرحيا أن يقول‬
‫الصحايب‪ :‬ع النيب ‪ ‬يقول‪ :‬كذا‪ ,... ,‬ومثال املرفوع من الفعد تصرحيا أن‬
‫يقول الصحايب‪ :‬رأي رسول هللا ‪ ‬فعد كذا‪ ,... ,‬ومثال املرفوع من التقرير‬
‫تصرحيا أن يقول الصحايب‪ :‬فعل حبضرة النيب ‪ ‬كذا‪ ,... ,‬ومثال املرفوع من‬
‫القول حكما ال تصرحيا أن يقول الصحايب الذي مل أيخذ عن اإلسرائيليات ما ال‬
‫جمال لالجتها فيه‪ ,‬وال له تعل ببيان لغة أو رح غريب‪ ,‬كاإلخبار عن األمور‬
‫املاضية من بدء اخلل وأخبار األعبياء عليهم الصالة والسالِ‪ ,‬أو اآلتية كاملالحم‬
‫والفنت وأحوال يوِ القيامة‪ ,‬وكذا اإلخبار عما حيصد بفعله ثواب خمصوص أو‬
‫عقاب خمصوص‪ ,... ,‬ومثال املرفوع من الفعد حكما أن يفعد الصحايب ما ال‬
‫جمال لالجتها فيه‪ ,... ,‬ومثال املرفوع من التقرير حكما أن خيب الصحايب أهنم‬
‫كاعوا يفعلون يف زمان النيب ‪ ‬كذا‪ ,... ,‬ويلتح بقويل‪" :‬حكما" ما ور بصيغة‬
‫الكناية يف موض الصيغ الصرحية لنسبة إليه ‪ ,‬كقول التابعي عن الصحايب‪:‬‬
‫يرف احلديث‪ ,‬أو‪ :‬يرويه‪ ,‬أو‪ :‬ينميه‪ ,‬أو‪ :‬رواية‪ ,‬أو‪ :‬يبلغ به‪ ,‬أو‪ :‬رواه‪ ,... ,‬ومن‬
‫الصيغ احملتملة قول الصحايب‪ :‬من السنة كذا‪ ,‬فاألكثر عل أن ذلر مرفوع‪,... ,‬‬
‫ومن ذلر قوله‪ :‬كنا عفعد كذا‪ ,‬فله حكم الرف أيضا كما تقدِ‪ ,‬ومن ذلر أن‬
‫حيكم الصحايب عل فعد من األفعال أبعه طاعة هلل تعاىل أو لرسوله ‪ ,‬أو‬
‫معصية‪ ,... ,‬فلهذا حكم الرف أيضا"‪.8‬‬
‫فتلخص مما سب أن الصحابة والتابعني ومن بعدهم من علماء السلف‬
‫الصاحل تصدر منهم الفتاو واألقوال الكثرية‪ ,‬ورغم كون بعضها يصدر مقيان‬

‫‪ .8‬عزهة الن ر يف توضيح بة الفكر للحافظ ابن حجر (‪.)813‬‬


‫‪375‬‬
‫بدليله‪ ,‬فإن بعضها اآلخر ال يقين أبي ليد‪ ,‬فما صدر من الفتاو بغري ليد‬
‫فقد يكون لبعضها حكم الرف إىل النيب ‪ ,‬وهي تلر الفتاو واألقوال اليت ال‬
‫مدخد لالجتها فيها‪ ,‬ولي مصدرها اإلسرائيليات‪ ,‬وما كان خبالف ذلر فإعه‬
‫ينسب الجتها صاحبه‪ ,‬سواء كان صحابيا أو اتبعيا‪.‬‬
‫فإذا أخذ املستفيت بفتو الصحايب أو التابعي اجملر ة من أي ليد فإعه‬
‫منت م يف سلر قوله تعاىل‪" :‬فاسألوا أهد الذكر إن كنتم ال تعلمون"‪ ,‬خبالف ما‬
‫يزعم صدي حسن خان عفا هللا عنه من أن العمد لفتو من غري معرفة ليلها‬
‫عوع من التقليد‪ ,‬وأن تقليد املذاهب ال يندرج يف قوله تعاىل‪" :‬فاسألوا أهد الذكر‬
‫أهد الكتاب والسنة‪ ,‬الذين خيبون‬
‫إن كنتم ال تعلمون"؛ ألن املقصو أبهد الذكر هل‬
‫السائلني مبا فيهما ‪ -‬حسب ومهه ‪.-‬‬
‫رجرد الدليل‬ ‫العربة ابلعال ولي‬
‫تكتسب الفتاو واألقوال واآلراء قوهتا من قوة ليلها ورجاحته‪ ,‬ويتطلب‬
‫الوصول إىل الدليد القوي والراجح قوةً وأهليةً علمية لد العامل الذي يهلعمد عقله‬
‫يف األ لة الستنتاج مدلوالهتا‪ ,‬ولذلر فإن الفتو تكتسب قوهتا ورجاحتها من قوة‬
‫العامل العلمية املستمدة من قوة ع ره ورجاحة اجتها ه يف األ لة الشرعية‪.‬‬
‫ولكي تز ا هذه احلقيقة وضوحاً فسيتم استعراض جمموعة من األسئلة‬
‫االفياضية‪ ,‬م إجا ت ضعيفة و اذة ا‪ ,‬م اقيان كد منها بدليد رعي من‬
‫الكتاب أو السنة‪ ,‬مث سيتم إتباعها بنف األسئلة‪ ,‬م إجا ت صحيحة ومعتمدة‬
‫ا‪ ,‬ولكنها ستكون جمر ة عن أ لتها‪ ,‬ولنبدأ جملموعة األوىل كالتايل‪:‬‬
‫م‪ :‬ما حكم استقبال الكعبة يف الصالة املفروضة؟‬

‫‪373‬‬
‫ج‪ :‬ال جيب استقبال الكعبة فيها؛ لقوله تعاىل‪" :‬وهلل املشرق واملغرب فأينما تولوا‬
‫فثم وجه هللا"‪.‬‬
‫م‪ :‬ما حكم صوِ رمضان للمسلم البالغ العاقد القا ر عليه؟‬
‫ج‪ :‬املسلم البالغ العاقد القا ر عل الصوِ خمري بني الصوِ واإلطعاِ؛ لقوله تعاىل‪:‬‬
‫"وعل الذين يطيقوعه فدية طعاِ مسكني فمن تطوع خريا فهو خري له وأن تصوموا‬
‫خري لكم إن كنتم تعلمون"‪.‬‬
‫م‪ :‬ما حكم إمساك حلوِ األضاحي وا خارها؟‬
‫ج‪ :‬ال جيوز إمساك حلوِ األضاحي وا خارها أكثر من ثالثة أ ِ؛ ألن النيب ‪‬‬
‫هن أن أتكد حلوِ األضاحي بعد ثالث‪ ,‬رواه مسلم وأمحد والنسائي‪.‬‬
‫م‪ :‬ما حكم الر القليد الذي ال يصد إىل الضعف؟‬
‫ج‪ :‬الر غري املضاعف جائز؛ لقوله تعاىل‪ " :‬أيها الذين آمنوا ال أتكلوا الر‬
‫أضعافا مضاعفة"‪.‬‬
‫م‪ :‬ما حكم الوصية للوالدين واألقارب؟‬
‫ج‪ :‬الوصية للوالدين واألقارب واجبة؛ لقوله تعاىل‪" :‬كتب عليكم إذا حضر‬
‫أحدكم املوت إن ترك خريا الوصية للوالدين واألقربني ملعروف حقا عل املتقني"‪.‬‬
‫م‪ :‬كم عد البنات الال يستحققن الثلثني من اليكة؟‬
‫ج‪ :‬عد البنات الال يستحققن الثلثني ثالث بنات فأكثر؛ لقوله تعاىل‪:‬‬
‫"يوصيكم هللا يف أوال كم للذكر مثد حظ األعثيني فإن كن عساءً فوق اثنتني فلهن‬
‫ثلثا ما ترك وإن كاع واحدة فلها النصف"‪.‬‬
‫م‪ :‬ما حكم الزواج املؤق املسم زواج املتعة؟‬

‫‪372‬‬
‫ج‪ :‬الزواج املؤق املسم زواج املتعة جائز؛ لقوله تعاىل‪" :‬فما استمتعتم به منهن‬
‫فآتوهن أجورهن فريضة"‪.‬‬
‫م‪ :‬ما عدة املرأة املتوىف عنها زوجها؟‬
‫ج‪ :‬عدهتا سنة كاملة؛ لقوله تعاىل‪" :‬والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية‬
‫ألزواجهم متاعا إىل احلول غري إخراج"‪.‬‬
‫م‪ :‬ما حكم ارب اخلمر إذا تكرر ربه وإقامة احلد عليه؟‬
‫ج‪ :‬إذا أقيم احلد عل ارب اخلمر ثالث مرات‪ ,‬مث رب الرابعة فإعه يقتد؛ لقوله‬
‫‪" :‬من رب اخلمر فاجلدوه‪ ,‬فإن عا فاجلدوه‪ ,‬فإن عا فاجلدوه‪ ,‬فإن عا‬
‫الرابعة فاقتلوه" رواه أمحد وأبو او واليمذي‪.‬‬
‫م‪ :‬هد للسرقة عصاب؟‬
‫ج‪ :‬لي للسرقة عصاب‪ ,‬فإذا سرق ماال قليال قطع يده؛ لقوله ‪" :‬لعن هللا‬
‫السارق‪ ,‬يسرق البيضة فتقط يده‪ ,‬ويسرق احلبد فتقط يده" رواه البخاري‬
‫ومسلم وأمحد والنسائي وابن ماجه‪.‬‬
‫م‪ :‬ما حكم مرتكب الكبرية غري الكفر هلل؟‬
‫ج‪ :‬مرتكب الكبرية خملَّد يف النار؛ لقوله ‪" :‬ال يزين الزاين حني يزين وهو مؤمن‪,‬‬
‫وال يسرق السارق حني يسرق وهو مؤمن‪ ,‬وال يشرب اخلمر حني يشرِبا وهو‬
‫مؤمن" رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫أما اجملموعة الثاعية من اإلجا ت الصحيحة املعتمدة غري املقروعة أب لتها‬
‫الشرعية فهي كالتايل‪:‬‬
‫م‪ :‬ما حكم استقبال الكعبة يف الصالة املفروضة؟‬

‫‪371‬‬
‫ج‪ :‬استقبال الكعبة رط لصحة الصالة‪.‬‬
‫م‪ :‬ما حكم صوِ رمضان للمسلم البالغ العاقد القا ر عليه؟‬
‫ج‪ :‬املسلم البالغ العاقد القا ر عل الصوِ جيب عليه الصوِ‪.‬‬
‫م‪ :‬ما حكم إمساك حلوِ األضاحي وا خارها؟‬
‫ج‪ :‬جيوز إمساك حلوِ األضاحي وا خارها أكثر من ثالثة أ ِ‪.‬‬
‫م‪ :‬ما حكم الر القليد الذي ال يصد إىل الضعف؟‬
‫ج‪ :‬حيرِ الر قليله وكثريه‪.‬‬
‫م‪ :‬ما حكم الوصية للوالدين واألقارب؟‬
‫ج‪ :‬الوصية للوالدين واألقارب جائزة يف حدو الثلث برضا بقية الورثة‪.‬‬
‫م‪ :‬كم عد البنات الال يستحققن الثلثني من اليكة؟‬
‫ج‪ :‬عد البنات الال يستحققن الثلثني بنتان فأكثر‪.‬‬
‫م‪ :‬ما حكم الزواج املؤق املسم زواج املتعة؟‬
‫حمرِ‪.‬‬
‫ج‪ :‬الزواج املؤق املسم زواج املتعة َّ‬
‫م‪ :‬ما عدة املرأة املتوىف عنها زوجها؟‬
‫ج‪ :‬عدهتا أربعة أ هر وعشرة أ ِ‪.‬‬
‫م‪ :‬ما حكم ارب اخلمر إذا تكرر ربه وإقامة احلد عليه؟‬
‫ج‪ :‬جيب إقامة احلد عل ارب اخلمر مهما تكرر ربه وإقامة احلد عليه‪.‬‬
‫م‪ :‬هد للسرقة عصاب؟‬
‫ج‪ :‬ععم‪ ,‬وعصاِبا رب ينار أو ما يعا ل قيمته‪.‬‬
‫م‪ :‬ما حكم مرتكب الكبرية غري الكفر هلل؟‬

‫‪379‬‬
‫ج‪ :‬مرتكب الكبرية غري الكفر مؤمن عاص مستح للنار بدون ختليد فيها‪.‬‬
‫إن العرض الساب يكشف أمهية سؤال العلماء الراسخني يف العلم‪,‬‬
‫واالطمئنان إىل فتاواهم ولو مل يقرعوها بدليد؛ ألهنم ذوو مقدرة عل اعتزاع احلكم‬
‫الشرعي من أ لته املعتبة ولو مل يصرحوا ِبا‪ ,‬ويبني ‪ -‬يف الوق ذاته ‪ -‬خطورة‬
‫استفتاء أ عياء العلم‪ ,‬والركون إىل فتاواهم ولو قرعوها بدليد؛ ألهنم قد جيتزئون ليال‬
‫بدون معرفة سباقه وسياقه ولواحقه‪.‬‬
‫الدليل الشرعي ال مينع اخلالف الفقهي‬
‫ي ن بعض علماء املنهج الفقهي السلفي أن أكب سبب للخالف الفقهي‬
‫هو عدِ وصول الدليد الشرعي لبعض العلماء املختلفني‪ ,‬وم اتفاقي أبن أحد‬
‫أسباب اخلالف الفقهي هو عدِ وصول الدليد‪ ,‬إال إعه لي السبب األكب يف‬
‫عشوء اخلالف‪ ,‬بد إن أكب سبب للخالف الفقهي هو اختالف وجهات الن ر‬
‫يف ثبوت الدليد وبيان معناه وحتديد مد اللته عل املسألة قيد البحث‪ ,‬وقد‬
‫مت اإل ارة إىل هذا املعىن يف فصد ساب ‪.‬‬
‫ومما يؤكد هذه احلقيقة أن بعض رموز املنهج السلفي اختلفوا يف مسائد‬
‫فقهية كثرية‪ ,8‬ومل يكن السبب فيها غياب الدليد عن بعضهم‪ ,‬بد كان السبب‬
‫األساسي للخالف فيها هو اختالف وجهات ع رهم يف معىن الدليد ومد اللته‬
‫عل املسألة املختلف فيها‪.‬‬

‫‪ . 8‬هناك جمموعة أخر من املسائد املتعلقة حلكم عل بعض األمور لبدعة‪ ,‬وقد استعرض كثريا منها‬
‫يف كتايب مفهوِ البدعة وأثره يف اضطراب الفتاو املعاصرة‪ ,‬ومل أتطرق ا يف هذا العرض‪.‬‬
‫‪331‬‬
‫وممن مج بعض املسائد الفقهية اليت وق اخلالف فيها بني الشيخ عبدالعزيز‬
‫بن ز والشيخ حممد بن عثيمني والشيخ حممد انصر الدين األلباين رمحهم هللا‬
‫الشيخ الدكتور سعد بن عبدهللا البير حف ه هللا يف كتابه "اإلجياز يف بعض ما‬
‫اختلف فيه األلباين وابن عثيمني وابن ز"‪ ,‬فمن تلر املسائد‪:8‬‬
‫‪ .8‬استخداِ الذهب والفضة يف األواين وغريها‪ ,‬فقد رأ الشيخ ابن ز حرمة‬
‫استخدامهما يف األواين وغريها‪ ,‬أما الشيخ ابن عثيمني فقد قصر حرمة‬
‫وتوسط‬
‫استخدامهما عل األواين فقط‪ ,‬وأ ح استخدامهما فيما عدا ذلر‪َّ ,‬‬
‫وحرِ استخداِ‬ ‫فحرِ استخداِ الذهب يف األواين وغريها‪َّ ,‬‬‫الشيخ األلباين‪َّ ,‬‬
‫الفضة يف األواين فقط‪ ,‬وأ حه فيما عداها (ص‪.)29‬‬
‫‪ .7‬استقبال القبلة واستد رها عند قضاء احلاجة‪ ,‬فقد رأ الشيخ ابن ز حرمة‬
‫االستقبال واالستد ر يف الفضاء‪ ,‬وجوازه يف البنيان‪ ,‬أما الشيخ األلباين فقد‬
‫فحرمهما يف‬
‫وتوسط الشيخ ابن عثيمني‪َّ ,‬‬ ‫رأ حرمتهما يف الفضاء والبنيان‪َّ ,‬‬
‫وحرِ االستقبال يف البنيان‪ ,‬وأ ح االستد ر فيه (ص‪.)11‬‬‫الفضاء فقط‪َّ ,‬‬
‫‪ .3‬التسمية عند الوضوء‪ ,‬فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ األلباين وجوِبا‪ ,‬ورأ‬
‫الشيخ ابن عثيمني سنيتها (ص‪.)813‬‬
‫‪ .4‬اليتيب يف الوضوء‪ ,‬فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ ابن عثيمني وجوبه‪ ,‬ورأ‬
‫الشيخ األلباين سنيته (ص‪.)813‬‬

‫‪ .8‬زا ت املسائد الفقهية اليت عرضها املؤلف عل مائة وستني مسألة‪ ,‬وقد اخيت ثالثني مسألة منها‬
‫للتمثيد‪ ,‬م اإلحالة عل كتابه لالختصار‪.‬‬
‫‪338‬‬
‫‪ .5‬تكرار مسح الرأم يف الوضوء‪ ,‬فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ ابن عثيمني‬
‫عدِ استحباب تكراره‪ ,‬ورأ الشيخ األلباين سنيته (ص‪.)811‬‬
‫‪ .3‬غسد الكافر إذا أسلم‪ ,‬فقد رأ الشيخ ابن ز سنيته‪ ,‬ورأ الشيخ ابن‬
‫عثيمني والشيخ األلباين وجوبه (ص‪.)834‬‬
‫‪ .2‬غسد يوِ اجلمعة‪ ,‬فقد رأ الشيخ ابن ز سنيته‪ ,‬ورأ الشيخ ابن عثيمني‬
‫والشيخ األلباين وجوبه (ص‪.)833‬‬
‫‪ .1‬اترك الصالة هتاوانً وكسال‪ ,‬فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ ابن عثيمني أعه‬
‫كافر كفراً أكب خمرجاً عن اإلسالِ‪ ,‬ورأ الشيخ األلباين أعه ال يكفر‬
‫(ص‪.)825‬‬
‫‪ .9‬متابعة مقيم الصالة يف ألفاظ اإلقامة‪ ,‬فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ األلباين‬
‫استحباب متابعته‪ ,‬ورأ الشيخ ابن عثيمني عدِ متابعته (ص‪.)771‬‬
‫‪ .81‬االستعاذة قبد قراءة الفاحتة يف الركعة األوىل‪ ,‬فقد رأ الشيخ ابن ز‬
‫والشيخ ابن عثيمني سنيتها‪ ,‬ورأ الشيخ األلباين وجوِبا (ص‪.)743‬‬
‫‪ .88‬جلسة االسياحة يف الصالة‪ ,‬فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ األلباين‬
‫سنيتها يف كد حال‪ ,‬ورأ الشيخ ابن عثيمني سنيتها عند احلاجة إليها ككب‬
‫أو مرض أو عجز يف الركبتني (ص‪.)792‬‬
‫‪ .87‬التكبري لسجو التالوة خارج الصالة‪ ,‬فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ ابن‬
‫عثيمني مشروعيته‪ ,‬ورأ الشيخ األلباين عدِ مشروعيته (ص‪.)338‬‬
‫‪ .83‬حتية املسجد‪ ,‬فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ ابن عثيمني سنيتها‪ ,‬ورأ‬
‫الشيخ األلباين وجوِبا (ص‪.)333‬‬

‫‪337‬‬
‫‪ .84‬صالة التسابيح‪ ,‬فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ ابن عثيمني عدِ‬
‫مشروعيتها‪ ,‬ورأ الشيخ األلباين مشروعيتها (ص‪.)331‬‬
‫‪ .85‬قراءة املأموِ للفاحتة‪ ,‬فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ ابن عثيمني وجوِبا‬
‫عليه يف السرية واجلهرية‪ ,‬ورأ الشيخ األلباين وجوِبا يف السرية فقط‬
‫(ص‪.)331‬‬
‫‪ .83‬صالة املأموِ املنفر خلف الصف‪ ,‬فقد رأ الشيخ ابن ز بطالن‬
‫صالته‪ ,‬ورأ الشيخ ابن عثيمني والشيخ األلباين صحتها (ص‪.)393‬‬
‫‪ .82‬قصر الصالة يف السفر‪ ,‬فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ ابن عثيمني‬
‫سنيته‪ ,‬ورأ الشيخ األلباين وجوبه (ص‪.)488‬‬
‫‪ .81‬صالة اجلمعة عل أهد البا ية‪ ,‬فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ ابن‬
‫صرح الشيخ ابن عثيمني بعدِ صحتها‪ ,‬ورأ الشيخ‬ ‫عثيمني عدِ وجوِبا‪ ,‬بد َّ‬
‫األلباين وجوِبا عليهم (ص‪.)433‬‬
‫‪ .89‬الصالة عل النيب ‪ ‬عندما يذكره خطيب اجلمعة‪ ,‬فقد رأ الشيخ ابن‬
‫ز والشيخ ابن عثيمني مشروعيتها‪ ,‬ورأ الشيخ األلباين أهنا لغو منهي عنه‬
‫(ص‪.)457‬‬
‫‪ .71‬خروج النساء لصالة العيد‪ ,‬فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ ابن عثيمني‬
‫سنيته‪ ,‬ورأ الشيخ األلباين وجوبه (ص‪.)453‬‬
‫‪ .78‬صالة الكسوف‪ ,‬فقد رأ الشيخ ابن ز سنيتها‪ ,‬ورأ الشيخ األلباين‬
‫وتوسط الشيخ ابن عثيمني‪ ,‬فرأ فرضيتها كفائيا (ص‪.)432‬‬
‫وجوِبا‪َّ ,‬‬

‫‪333‬‬
‫‪ .77‬إفطار املسافر الذي مل جيد مشقةً للصوِ‪ ,‬فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ‬
‫األلباين استحباب اإلفطار‪ ,‬ورأ الشيخ ابن عثيمني استحباب الصوِ‬
‫(ص‪.)583‬‬
‫‪ .73‬أتثري احلجامة عل الصوِ‪ ,‬فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ ابن عثيمني‬
‫أهنا من املفطرات‪ ,‬ورأ الشيخ األلباين أهنا ال تفطر (ص‪.)575‬‬
‫‪ .74‬إفرا يوِ اجلمعة بصوِ تطوع‪ ,‬فقد رأ الشيخ ابن ز حرمته إال إذا‬
‫صا ف يوما فاضال كعرفة وعا وراء‪ ,‬أما الشيخ األلباين فقد رأ حرمته ولو‬
‫وتوسط الشيخ ابن عثيمني‪ ,‬فرأ كراهته (ص‪.)552‬‬‫صا ف يوما فاضال‪َّ ,‬‬
‫‪ .75‬صوِ يوِ عرفة للحاج‪ ,‬فقد رأ الشيخ ابن ز حرمته‪ ,‬ورأ الشيخ ابن‬
‫عثيمني والشيخ األلباين كراهته (ص‪.)521‬‬
‫‪ .73‬االعتكاف يف غري رمضان‪ ,‬فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ األلباين‬
‫سنيته‪ ,‬ورأ الشيخ ابن عثيمني كراهته إال يف العشر األواخر من رمضان‬
‫(ص‪.)523‬‬
‫‪ .72‬ا ياط الطهارة للطواف‪ ,‬فقد رأ الشيخ ابن ز ا ياطه‪ ,‬ورأ الشيخ‬
‫ابن عثيمني والشيخ األلباين عدِ ا ياطه (ص‪.)311‬‬
‫‪ .71‬املبي يف مىن ليلة عرفة‪ ,‬فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ ابن عثيمني‬
‫سنيته‪ ,‬ورأ الشيخ األلباين وجوبه (ص‪.)333‬‬
‫‪ .79‬األضحية والعقيقة ووليمة العرم‪ ,‬فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ ابن‬
‫عثيمني سنيتها‪ ,‬ورأ الشيخ األلباين وجوِبا (ص‪.)278 ,331 ,331‬‬

‫‪334‬‬
‫‪ .31‬أخذ األجرة عل تعليم القرآن‪ ,‬فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ ابن‬
‫عثيمني جوازه‪ ,‬ورأ الشيخ األلباين حرمته (ص‪.)398‬‬
‫تلر كاع بعض املسائد الفقهية اليت اختلف فيها أبرز رموز املنهج السلفي‬
‫املعاصر‪ ,‬ومل يكن السبب يف اختالفهم غياب الدليد عن بعضهم‪ ,‬بد كان السبب‬
‫األساسي الختالفهم فيها هو اختالف وجهات ع رهم يف معىن الدليد ومد‬
‫اللته عل املسألة املختلف فيها‪.‬‬
‫فعل سبيد املثال‪ ,‬اختلف املشايخ الثالثة رمحهم هللا يف حكم غسد اجلمعة‪,‬‬
‫فاستحبه الشيخ عبدالعزيز بن ز‪ ,‬وأوجبه الشيخ حممد بن عثيمني والشيخ‬
‫األلباين‪ ,‬وقد احتجوا مجيعا بقوله ‪" :‬غسد اجلمعة واجب عل كد حمتلم"‪ ,‬مث‬
‫استدل الشيخ ابن ز عل أن الوجوب لي الوجوب الذي أيمث اتركه‪ ,‬ولكنه‬
‫مبعىن التأكيد‪ ,‬بقوله ‪" :‬من توضأ يوِ اجلمعة‪ ,‬مث أت املسجد‪ ,‬فصل ما ما‬
‫قدر له‪ ,‬مث أعص حىت يفرغ اإلماِ من خطبته‪ ,‬غفر له ما بينه وبني اجلمعة‬
‫األخر ‪ ,‬وفضد ثالثة أ ِ"‪ ,‬وبقوله ‪" :‬من توضأ يوِ اجلمعة فبها وععم ‪ ,‬ومن‬
‫اغتسد فالغسد أفضد"‪.‬‬
‫أما الشيخ األلباين فقد استدل عل وجوب الغسد أبحا يث أخر ‪-‬‬
‫إضافة عل ما تقدِ ‪ ,-‬منها قوله ‪" :‬ح عل كد مسلم أن يغتسد يف كد‬
‫سبعة أ ِ"‪.‬‬
‫مث انقش األلباين استدالل القائلني بسنية غسد اجلمعة بقوله ‪" :‬من توضأ‬
‫يوِ اجلمعة‪ ,‬مث أت املسجد" احلديث‪ ,‬أبن الوضوء ال ينفي الغسد‪ ,‬وأعه ور يف‬

‫‪335‬‬
‫رواية أخر ‪" :‬من اغتسد يوِ اجلمعة"‪ ,‬فيحتمد أن يكون الوضوء ملن اغتسد‪ ,‬مث‬
‫أحدث‪ ,‬فاحتاج إىل إعا ة الوضوء‪.‬‬
‫كما انقش األلباين استدال م عل سنية غسد اجلمعة بقوله ‪" :‬من توضأ‬
‫يوِ اجلمعة فبها وععم ‪ ,‬ومن اغتسد فالغسد أفضد"‪ ,‬أبن أفضلية الغسد تصدق‬
‫عل الغسد الواجب والغسد املسنون أتكيدا والغسد املستحب‪ ,‬وأن احلديث رمبا‬
‫ور يف بداية تشري غسد اجلمعة؛ متهيدا إلجيابه‪ ,‬أما الشيخ ابن عثيمني فقد‬
‫ضعَّف احلديث من جهة سنده‪ ,‬وأ ار إىل ركاكة متنه‪.‬‬
‫كما انقش األلباين استدال م عل سنية غسد اجلمعة حبديث عمر بن‬
‫عرض بعثمان بن عفان ‪ ‬عندما أتخر يف احلضور خلطبة‬ ‫اخلطاب ‪ ‬عندما َّ‬
‫اجلمعة‪ ,‬فأجابه عثمان بقوله‪" :‬ما ز ت حني ع النداء أن توضأت‪ ,‬مث‬
‫أقبل "‪ ,‬فقال له عمر‪" :‬والوضوء أيضا"‪ ,‬مث رو له حديث رسول هللا ‪" :‬إذا‬
‫جاء أحدكم اجلمعة فليغتسد"‪ ,‬فقد استدل القائلون بسنية غسد اجلمعة كتفاء‬
‫عثمان لوضوء‪ ,‬ولكن األلباين قلب الدليد عليهم‪ ,‬وجعد إعكار عمر عليه ‪ -‬م‬
‫إقرار الصحابة ‪ - ‬ليال عل وجوب غسد اجلمعة‪ ,‬ولذلر فإن هذا الدليد‬
‫احتج به الشيخ ابن عثيمني عل وجوب غسد اجلمعة‪.‬‬
‫إن املناقشة السابقة بني أولئر العلماء السلفيني تبني أن اختالفهم يف حكم‬
‫غسد اجلمعة مل ينشأ بسبب خفاء بعض األ لة عليهم‪ ,‬وإمنا عشأ بسبب اختالف‬
‫وجهات ع رهم يف جمموع األحا يث الوار ة يف هذه املسألة‪ ,‬وهكذا كان مع م‬
‫اخلالف الفقهي بني فقهاء املسلمني ‪ -‬وخصوصا املذاهب األربعة ‪ ,-‬األمر الذي‬
‫يؤكد أن اخلالف الفقهي فيما بينهم مل حيدث بسبب ابتعا هم عن الكتاب والسنة‪,‬‬

‫‪333‬‬
‫أو بسبب تعصبهم ألئمتهم‪ ,‬بد كان بسبب اختالف أع ارهم يف معاين األ لة‬
‫الشرعية وطريقة تناو ا والتعامد معها‪.‬‬
‫العصمة واحتكار احلق "األلباين منوذجا"‬
‫ينتسب املنهج السلفي ‪ -‬كما يقول أصحابه ‪ -‬إىل السلف الصاحل رمحهم‬
‫هللا‪ ,‬ويزيدون األمر وضوحا أبهنم اختاروا هذه التسمية ملنهجهم؛ ألهنم متمسكون‬
‫لكتاب والسنة يف إطار فهم السلف الصاحل؛ ألن التمسر بفهمهم للكتاب‬
‫والسنة ‪ -‬وهم أهد القرون الفاضلة ‪ -‬يعين االعتساب للعصمة‪.‬‬
‫صرح الشيخ األلباين رمحه هللا ِبذا املعىن بقوله‪" :‬السلفية عسبة إىل‬
‫وقد َّ‬
‫السلف‪ ,... ,‬هم أهد القرون الثالثة الذين هد م رسول هللا ‪ ‬خلريية‪,... ,‬‬
‫فالسلفية تنتمي إىل هذا السلف‪ ,‬والسلفيون ينتمون إىل هؤالء السلف‪ ,... ,‬هذه‬
‫النسبة ليس عسبة إىل خص أو أ خاص‪ ,... ,‬بد هذه النسبة هي عسبة إىل‬
‫العصمة‪ ,‬ذلر ألن السلف الصاحل يستحيد أن جيمعوا عل ضاللة‪... ,‬؛ ألعنا‬
‫فهمنا أن االعتساب إىل السلفية يعين االعتساب إىل العصمة"‪.8‬‬
‫صرح‬
‫وقد فعد هذا التصور فعله يف الشيخ األلباين عفا هللا عنه‪ ,‬فكثرياً ما َّ‬
‫يف بعض فتاواه وتقريراته أبهنا احل الذي ال ريب فيه‪ ,‬وجيب املصري إليه‪ ,‬ويلزِ‬
‫االعتما عليه‪ ,‬م العلم أن بعضها خيالف ما اتف عليه مجهور العلماء‪ ,‬فمن تلر‬
‫صرح األلباين فيها أبهنا احل ‪:‬‬
‫املسائد اليت َّ‬
‫‪ .8‬قوله بعدِ كفر اترك الصالة كسالً وهتاوان‪ ,‬فقد قال‪" :‬واعلم أخي املسلم أن‬
‫هذه الرواية عن اإلماِ أمحد وما يف معناها هو الذي ينبغي أن يعتمد عليه كد‬

‫‪ .8‬سلسلة ا د والنور لأللباين‪ ,‬الشريط رقم (‪.)8‬‬


‫‪332‬‬
‫مسلم؛ لذات عفسه َّأوالً‪ ,‬وخلصوص اإلماِ أمحد اثعيا؛ لقوله رمحه هللا‪" :‬إذا‬
‫صح احلديث فهو مذهيب"‪ ,‬وخباصة أن األقوال األخر املروية عنه عل‬
‫خالف ما تقدِ مضطربة جدا كما تراها يف "اإلعصاف" وغريه من الكتب‬
‫املعتمدة‪ ,‬وم اضطراِبا فلي يف يء منها التصريح أبن املسلم يكفر مبجر‬
‫ترك الصالة‪ ,‬وإذ األمر كذلر فيجب محد الروا ت املطلقة عنه عل الروا ت‬
‫املقيدة واملبينة ملرا ه رمحه هللا‪ ,... ,‬ولو فرضنا أن هناك رواية صرحية عنه يف‬
‫التكفري مبجر اليك وجب تركها والتمسر لروا ت األخر ؛ ملوافقتها ذا‬
‫احلديث الصحيح الصريح يف خروج اترك الصالة من النار إبَياعه ولو مقدار‬
‫ذرة‪ ,‬وِبذا صرح كثري من علماء احلنابلة احملققني‪ ,... ,‬وهو احل الذي ال‬
‫ريب فيه"‪.8‬‬
‫‪ .7‬قوله إلسرار لبسملة يف الصالة اجلهرية‪ ,‬فقد قال‪" :‬واحل أعه لي يف اجلهر‬
‫لبسملة حديث صريح صحيح‪ ,‬بد صح عنه ‪ ‬اإلسرار ِبا من حديث‬
‫أع ‪ ,... ,‬وهو مذهب مجهور الفقهاء وأكثر أصحاب احلديث‪ ,‬وهو احل‬
‫الذي ال ريب فيه"‪.7‬‬
‫‪ .3‬قوله بوجوب تكبريات االعتقاالت يف الصالة‪ ,‬فقد قال‪" :‬ولكنهم اختلفوا يف‬
‫حكم هذه التكبريات عدا تكبرية اإلحراِ‪ ,‬قال احلافظ‪" :‬فاجلمهور عل‬
‫عدبيتها‪ ,‬وعن أمحد وبعض أهد العلم ل اهر‪ :‬جيب كله"‪ ,‬قل ‪ :‬واحتجوا‬
‫بقوله ‪" :‬صلوا كما رأيتموين أصلي"‪ ,‬واحتج اجلمهور عليهم حبديث املسيء‬

‫‪ .8‬حكم اترك الصالة لأللباين (‪ ,)52‬وسلسلة األحا يث الصحيحة لأللباين (‪.)842/2‬‬


‫‪ .7‬متاِ املنة يف التعلي عل فقه السنة لأللباين (‪.)839‬‬
‫‪331‬‬
‫صالته‪ ,... ,‬وهذه حجة ضعيفة‪ ,... ,‬فقد ثب التكبري يف احلديث‪ ,‬وثب‬
‫بذلر وجوبه‪ ,... ,‬وهو احل الذي جيب املصري إليه"‪.8‬‬
‫‪ .4‬قوله بسنية رف اليدين عند الركوع وعند الرف منه‪ ,‬فقد قال عن حديث "من‬
‫رف يديه يف الصالة فال صالة له"‪" :‬موضوع‪ ,‬أور ه ابن طاهر يف "تذكرة‬
‫املوضوعات"‪ ,‬وقال‪" :‬فيه مأمون بن أمحد ا روي‪ ,‬جال يض احلديث"‪,‬‬
‫وقال الذهيب فيه‪" :‬أت بطامات وفضائح‪ ,‬وض عل الثقات أحا يث‪ ,‬هذا‬
‫منها"‪ ,... ,‬قل ‪ ,... :‬األحا يث اليت أور ها يف ترمجته كلها تدور عل‬
‫االعتصار لإلماِ أيب حنيفة‪ ,‬والطعن يف اإلماِ الشافعي‪ ,‬فمنها هذا احلديث‪,‬‬
‫فهو طعن صريح يف املذهب الشافعي الذي يقول مبشروعية رف اليدين عند‬
‫الركوع والرف منه‪ ,‬وهو احل الذي ال ريب فيه"‪.7‬‬
‫‪ .5‬قوله ستحباب جلسة االسياحة عل كد حال‪ ,‬فقد علَّ عل قول السيد‬
‫ساب ‪" :‬وقد اختلف العلماء يف حكمها تبعا الختالف األحا يث"‪ ,‬بقوله‪:‬‬
‫"قل ‪ :‬هذا يوهم أن يف هذه املسألة أحا يث متعارضة‪ ,‬ولي كذلر‪ ,‬بد كد‬
‫ما ور فيها مثب ا‪ ,‬ومل ير مطلقا أي حديث ينفيها‪ ,‬غاية األمر أهنا مل‬
‫تذكر يف بعض األحا يث‪ ,... ,‬وهي سنة‪ ,‬وليس بواجب‪ ,‬فكيف تذكر يف‬
‫حديث املسيء صالته الذي علمه ‪ ‬فيه الواجبات ون السنن واملستحبات‪,‬‬
‫‪ ,...‬وكأعه لضعف هذه احلجة رج اإلماِ أمحد رمحه هللا إىل العمد حبديث‬
‫ابن احلويرث‪ ,‬وهو احل الذي ال ر فيه‪ ,... ,‬وإذ األمر كذلر فيجب‬

‫‪ .8‬أصد صفة صالة النيب ‪ ‬لأللباين (‪.)811/8‬‬


‫‪ .7‬سلسلة األحا يث الضعيفة واملوضوعة لأللباين (‪.)41/7‬‬
‫‪339‬‬
‫االهتماِ ِبذه اجللسة‪ ,‬واملواظبة عليها‪ ,‬رجاال وعساء‪ ,‬وعدِ االلتفات إىل من‬
‫يدعي أعه ‪ ‬فعلها ملرض أو سن‪ ,... ,‬وهو احل الذي ال ريب فيه"‪.8‬‬
‫‪ .3‬قوله ستحباب قنوت الوتر عل الدواِ قبد الركوع‪ ,‬فقد قال‪" :‬وكذلر كان‬
‫ال خيصه لنصف األخري من رمضان‪ ,‬واحلجة يف ذلر أن األحا يث الوار ة‬
‫فيه مطلقة غري مقيدة‪ ,... ,‬وقد اعتضدت هذه املطلقات أبعمال الصحابة‪,‬‬
‫‪ ,...‬قال اليمذي‪" :‬وهو قول أهد العلم‪ ,‬وبه يقول سفيان الثوري وابن املبارك‬
‫وإسحاق وأهد الكوفة"‪ ,... ,‬وذلر يدل عل أن القنوت لي ألمر احلتم‪,‬‬
‫بد هو سنة‪ ,‬وعليه مجهور العلماء من الصحابة والتابعني ومن بعدهم‪,... ,‬‬
‫وكون قنوت الوتر قبد الركوع هو مذهب احلنفية‪ ,‬وهو احل الذي ال ريب فيه؛‬
‫إذ مل يصح عنه‪ ‬خالفه"‪.7‬‬
‫‪ .2‬قوله بوجوب غسد اجلمعة‪ ,‬فقد علَّ عل قول السيد ساب ‪" :‬وقد ذهب‬
‫مجاعة من العلماء إىل القول بوجوب الغسد للجمعة"‪ ,‬بقوله‪" :‬قل ‪ :‬وهو‬
‫احل الذي ال ينبغي العدول عنه ألن األحا يث الدالة عليه أقو إسنا ا‬
‫وأصرح يف الداللة من األحا يث اليت استدل ِبا املخالفون عل‬
‫االستحباب"‪.3‬‬
‫‪ .1‬قوله بعدِ مشروعية سنة اجلمعة القبلية‪ ,‬وأن املشروع عفد مطل قبد خول‬
‫اإلماِ‪ ,‬فقد قال‪" :‬سنة اجلمعة القبلية ال تثب ‪ ,‬ومما سب تعلم اجلواب عن‬

‫‪ .8‬متاِ املنة يف التعلي عل فقه السنة لأللباين (‪.)781‬‬


‫‪ .7‬أصد صفة صالة النيب ‪ ‬لأللباين (‪.)939/3‬‬
‫‪ .3‬متاِ املنة يف التعلي عل فقه السنة لأللباين (‪.)871‬‬
‫‪341‬‬
‫السؤال الثاين الوار يف الفقرة الرابعة‪" :‬فمىت تصل السنة القبلية إذا ثب "؟‬
‫وهو أعه ال أصد ذه السنة الصحيحة وال مكان ا فيها‪ ,‬فقد علم من‬
‫األحا يث املتقدمة أن الزوال فاألذان فاخلطبة فالصالة سلسلة متصلة‪ ,‬آخذ‬
‫بعضها برقاب بعض‪ ,‬فأين وق هذه السنة؟ ‪ ,...‬فهذا اعياف ضمين أبن‬
‫السنة القبلية املزعومة مل تكن معروفة يف العهد النبوي‪ ,‬وأن الصحابة كاعوا ال‬
‫يصلوهنا؛ ألعه مل يكن آعئذ الوق الذي يتمكنون فيه من أ ائها‪ ,‬وهذا أمر‬
‫صحيح‪ ,... ,‬و ذا مجاهري األئمة متفقون عل أعه لي قبد اجلمعة سنة‬
‫موقتة بوق ‪ ,‬مقدرة بعد ؛ ألن ذلر إمنا يثب بقول النيب ‪ ‬أو فعله‪ ,‬وهو مل‬
‫يسن يف ذلر يئا‪ ,‬ال بقوله وال بفعله‪ ,‬وهذا مذهب الشافعي وأكثر‬
‫أصحابه‪ ,‬وهو املشهور يف مذهب أمحد‪ ,... ,‬فهو ليد صريح أو كالصريح‬
‫عل جواز الصالة قبد الزوال يوِ اجلمعة‪ ,‬وذلر من خصوصيات هذا اليوِ‬
‫كما بينه احملق ابن القيم يف "الزا "‪ ,‬واحتج له ِبذا احلديث‪ ,... ,‬مث ذكر‬
‫مذاهب العلماء يف الصالة قبد الزوال‪ ,‬وهي ثالثة‪ :‬مباح مطلقا يوِ اجلمعة‬
‫وغريه‪ ,‬ومكروه مطلقا‪ ,‬والثالث أعه وق كراهة إال يوِ اجلمعة‪ ,‬وهو مذهب‬
‫الشافعي‪ ,‬وهو احل الذي اختاره مجاعة من احلنفيني وغريهم"‪.8‬‬
‫‪ .9‬قوله بوجوب الصوِ عل من بلغته رؤية ا الل مهما اختلف املطال ‪ ,‬فقد‬
‫علَّ عل ترجيح السيد ساب بوجوب الصوِ حسب اختالف املطال بقوله‪:‬‬
‫"وهذا كالِ عجيب غريب؛ ألعه إن صح أعه مشاهد مواف للواق ‪ ,‬فلي فيه‬
‫أعه مواف للشرع َّأوالً‪ ,‬وألن اجلهات ‪ -‬كاملطال ‪ -‬أمور عسبية‪ ,‬لي ا حدو‬

‫‪ .8‬األجوبة النافعة عن أسئلة جلنة مسجد اجلامعة لأللباين (‪.)43‬‬


‫‪348‬‬
‫ما ية‪َ ,‬يكن للنام أن يتبينوها‪ ,‬ويقفوا عندها اثعياً‪ ,‬وأان ‪ -‬وهللا ‪ -‬ال أ ري ما‬
‫الذي محد املؤلف عل اختيار هذا الرأي الشاذ‪ ,‬وأن يعرض عن األخذ بعموِ‬
‫احلديث الصحيح‪ ,‬وخباصة أعه مذهب اجلمهور كما ذكره هو عفسه‪ ,‬وقد‬
‫اختاره كثري من العلماء احملققني‪ ,... ,‬فهو احل الذي ال يصح سواه‪ ,‬وال‬
‫يعارضه حديث ابن عبام؛ ألمور ذكرها الشوكاين رمحه هللا‪ ,‬ولعد األقو أن‬
‫يقال‪ :‬إن حديث ابن عبام ور فيمن صاِ عل رؤية بلده‪ ,‬مث بلغه يف أثناء‬
‫رمضان أهنم رأوا ا الل يف بلد آخر قبله بيوِ‪ ,‬ففي هذه احلالة يستمر يف‬
‫الصياِ م أهد بلده حىت يكملوا ثالثني أو يروا هال م‪ ,‬وبذلر يزول‬
‫اإل كال‪ ,‬ويبق حديث أيب هريرة وغريه عل عمومه‪ ,‬يشمد كد من بلغه‬
‫رؤية ا الل‪ ,‬من أي بلد أو إقليم‪ ,‬من غري حتديد مسافة أصال"‪.8‬‬
‫‪ .81‬قوله بعدِ وجوب قضاء صوِ رمضان إذا مل يعلم بدخوله إال هناراً‪ ,‬فقد‬
‫قال عن حديث "أذن يف قومر أو يف النام يوِ عا وراء‪ :‬من أكد فليصم‬
‫بقية يومه‪ ,‬ومن مل يكن أكد فليصم"‪" :‬ور من حديث سلمة بن األكوع‪,‬‬
‫والربي بن معوذ‪ ,‬وحممد بن صيفي‪ ,‬وهند بن أ اء‪ ,‬وأيب هريرة‪ ,‬وعبدهللا بن‬
‫عبام‪ ,‬ورجال مل يسموا من أسلم‪ ,‬ومعبد القر ي‪ ,‬وحممد بن سريين مرسال‪,‬‬
‫‪ ,...‬من وجب عليه الصوِ هنارا‪ ,‬كاجملنون يفي ‪ ,‬والصيب حيتلم‪ ,‬والكافر يسلم‪,‬‬
‫وكمن بلغه اخلب أبن هالل رمضان رؤي البارحة‪ ,‬فهؤالء جيزيهم النية من النهار‬
‫حني الوجوب‪ ,‬ولو بعد أن أكلوا أو ربوا‪ ,‬فتكون هذه احلالة مستثناة من‬
‫عموِ قوله ‪" :‬من مل جيم الصياِ قبد الفجر فال صياِ له"‪ ,... ,‬وإىل هذا‬

‫‪ .8‬متاِ املنة يف التعلي عل فقه السنة لأللباين (‪.)391‬‬


‫‪347‬‬
‫الذي أفا ه حديث اليمجة ذهب ابن حزِ وابن تيمية والشوكاين وغريهم من‬
‫احملققني‪ ,... ,‬قل ‪ :‬وهذا هو احل الذي به جتتم النصوص"‪.8‬‬
‫‪ .88‬قوله بوجوب فسخ احلج إىل عمرة ملن مل يس ا دي‪ ,‬فقد علَّ عل قوله‬
‫‪ " :‬خل العمرة يف احلج إىل يوِ القيامة" بقوله‪" :‬قال النووي‪" :‬معناه عند‬
‫اجلمهور‪ :‬أن العمرة جيوز فعلها يف أ هر احلج؛ إبطاال ملا كان عليه أهد‬
‫اجلاهلية‪ ,‬وقيد معناه جواز القران‪ ,‬أي خل أفعال العمرة يف أفعال احلج‪,‬‬
‫وقيد‪ :‬معناه سقط وجوب العمرة‪ ,‬وهذا ضعيف؛ ألعه يقتضي النسخ بغري‬
‫ليد‪ ,‬وقيد‪ :‬معناه جواز فسخ احلج إىل العمرة‪ ,‬قال‪ :‬وهو ضعيف"‪ ,‬كذا قال‪,‬‬
‫ورَّ احلافظ يف "الفتح" بقوله‪" :‬وتهلـعهلقب أبن سياق السؤال يقوي هذا التأويد‬
‫ل اهر أن السؤال وق عن الفسخ‪ ,‬واجلواب وق عما هو أعم من ذلر‪,‬‬
‫حىت يتناول التأويالت املذكورة إال الثالث‪ ,‬وهللا أعلم‪ ,‬قل ‪ :‬وقد رو عنه ‪‬‬
‫األمر بفسخ احلج إىل العمرة أربعة عشر من أصحابه‪ ,‬وأحا يثهم كلها‬
‫صحاح‪ ,‬وقد ساقها ابن القيم يف "الزا "‪ ,‬وذكر أعه قول ابن عبام ومذهب‬
‫أمحد وأهد احلديث‪ ,‬وهو احل الذي ال ريب فيه عندان‪ ,‬وقد أجاب ابن القيم‬
‫عن بهات املخالفني فراجعه"‪.7‬‬
‫‪ .87‬قوله جبواز االعتفاع بشحوِ امليتة‪ ,‬فقد عقد السيد صدي حسن خان قول‬
‫حرِ بي اخلمر‬ ‫اإلماِ ابن القيم يف بيان معىن قول النيب ‪" :‬إن هللا ورسوله َّ‬
‫وامليتة واخلنزير واألصناِ" فقيد‪ :‬رسول هللا‪ ,‬أرأي حوِ امليتة‪ ,‬فإهنا يهلطل‬

‫‪ .8‬سلسلة األحا يث الصحيحة لأللباين (‪.)743/3‬‬


‫‪ .7‬حجة النيب ‪ ‬كما رواها عنه جابر ‪.)38( ‬‬
‫‪343‬‬
‫ِبا السفن‪ ,‬ويهلدهن ِبا اجللو ‪ ,‬ويستصبح ِبا النام‪ ,‬فقال‪" :‬ال‪ ,‬هو حراِ"‪,‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬ويف قوله‪" :‬حراِ" قوالن‪ :‬أحدمها أن هذه األفعال حراِ‪,‬‬
‫والثاين أن البي حراِ‪ ,‬وإن كان املشيي يشييه لذلر‪ ,‬والقوالن مبنيان عل‬
‫أن السؤال هد وق عن البي ذا االعتفاع املذكور‪ ,‬أو عن االعتفاع املذكور؟‬
‫واألول اختاره يخنا‪ ,‬وهو األظهر"‪ ,‬فعلَّ األلباين قائالً‪" :‬بد هو احل ؛ ألن‬
‫حديث جابر عند أمحد بلفظ‪ :‬قال رجد‪ :‬رسول هللا‪ ,‬فما تر يف بي‬
‫حوِ امليتة‪ ,‬فإهنا تهلدهن ِبا السفن؟ احلديث‪ ,‬وسند صحيح"‪.8‬‬
‫‪ .83‬قوله أبن اللعان بني الزوجني فسخ لنكاحهما‪ ,‬فقد قال عن حديث‬
‫"املتالعنان إذا تفرقا ال جيتمعان أبدا"‪" :‬ور من حديث ابن عمر وسهد بن‬
‫سعد وعبد هللا بن مسعو وعلي بن أيب طالب‪ ,... ,‬إذا علم ما تقدِ‬
‫فاحلديث صاحل لالحتجاج به عل أن فرقة اللعان إمنا هي فسخ‪ ,‬وهو مذهب‬
‫الشافعي وأمحد وغريمها‪ ,‬وذهب أبو حنيفة إىل أعه طالق ئن‪ ,‬واحلديث هليرُّ‬
‫عليه‪ ,‬وبه أخذ مالر أيضا والثوري وأبو عبيدة وأبو يوسف‪ ,‬وهو احل الذي‬
‫يقتضيه الن ر السليم يف احلكمة من التفري بينهما"‪.7‬‬
‫‪ .84‬قوله بوجوب قط رأم الصورة أو تفري هيئتها وإن كاع ممتهنة‪ ,‬فقد قال‬
‫رخص فيما كان يوطأ‪ ,‬وكره ما كان منصو "‪:‬‬ ‫عن حديث "يف التماثيد‪َّ ,‬‬
‫"ضعيف جدا‪ ,‬أخرجه الطباين يف "األوسط"‪ ,‬عن سليمان بن أرقم‪ ,‬عن حممد‬
‫بن سريين‪ ,‬عن أيب هريرة‪ ,‬يرف احلديث إىل النيب ‪ ,‬وقال‪" :‬مل يروه عن حممد‬

‫‪ .8‬التعليقات الرضية عل الروضة الندية لأللباين (‪.)743/3‬‬


‫‪ .7‬سلسلة األحا يث الصحيحة لأللباين (‪.)591/5‬‬
‫‪344‬‬
‫بن سريين إال سليمان بن أرقم"‪ ,‬قل ‪ :‬وهو ضعيف جدا‪ ,... ,‬والشطر الثاين‬
‫من احلديث صحيح‪ ,‬يدل عليه حديث عائشة رضي هللا عنها يف هتكه ‪‬‬
‫للقراِ (السي الرقي )‪ ,... ,‬وأما الشطر األول منه فباطد عندي؛ حلديث‬
‫عائشة اآلخر قال ‪ :‬وحشوت وسا ًة للنيب ‪ ‬فيها متاثيد‪ ,‬كأهنا منرقة‪ ,‬فقاِ‬
‫بني البابني‪ ,‬وجعد يتغري وجهه‪ ,‬فقل ‪ :‬ما لنا رسول هللا؟ قال‪ :‬ما ل هذه‬
‫الوسا ة؟ قال ‪ :‬قل ‪ :‬وسا ة جعلتها لر؛ لتضطج عليها‪ ,‬قال‪ :‬أما علم‬
‫أن املالئكة ال تدخد بيتا فيه صورة؟! احلديث‪ ,... ,‬ويؤيده حديث جبيد‪,‬‬
‫وقوله للنيب ‪" :‬إن يف البي سياً يف احلائط‪ ,‬فيه متاثيد‪ ,‬فاقطعوا رؤوسها‪,‬‬
‫فاجعلوها بسائط أو وسائد‪ ,‬فأوطئوه؛ فإان ال عدخد بيتاً فيه متاثيد"‪ ,‬فهذان‬
‫احلديثان صرحيان يف الداللة عل أعه ال فرق بني ما َيتهن وما ال َيتهن من‬
‫الصور‪ ,‬وأن كد ذلر حيرِ صنعا وقنية‪ ,‬وهو ما ذهب إليه ابن العريب رمحه هللا‪,‬‬
‫فقد ذكر احلافظ عنه يف "الفتح" أعه صحح أن الصورة اليت ال ظد ا‪ ,‬إذا‬
‫بقي عل هيئتها حرم ‪ ,‬سواء كاع مما َيتهن أِ ال‪ ,‬وإن قط رأسها أو‬
‫فرق هيئتها جاز‪ ,... ,‬وهو احل الذي ال معارض له"‪.8‬‬
‫مناقشة األلباين يف بعض احلق الذي اعتمده‬
‫تلر كاع بعض املسائد اليت حكم عليها الشيخ األلباين رمحه هللا أبهنا‬
‫احل الذي ال ريب فيه‪ ,‬وجيب املصري إليه‪ ,‬وبعض تلر املسائد مرجوح عند‬
‫مجهور العلماء‪ ,‬وم ذلر فقد حكم فيها الشيخ األلباين ِبذا احلكم اليقيين‪.‬‬

‫‪ .8‬سلسلة األحا يث الضعيفة واملوضوعة لأللباين (‪.)993/87‬‬


‫‪345‬‬
‫إن احلكم عل املسائد الفرعية أبهنا احل يتضمن احلكم عل الرأي املقابد‬
‫أبعه طد وضالل‪ ,‬ولذلر فإن األوىل أن يصف العامل حكمه فيها أبعه الراجح أو‬
‫األصح؛ ألن العامل قد يكون اجتها ه خاطئاً؛ لنقص األ لة اليت اعتمد عليها‪ ,‬أو‬
‫لضعف وجهة ع ره فيها‪ ,‬ورمبا لو أعا الن ر يف اجتها ه الحقاً لياج عن رأيه‬
‫الساب املتضمن الثقة الكبرية فيه‪ ,‬وأعه احل الذي ال ريب فيه‪.‬‬
‫ولعد أوىل من يشرح خطأ هذه الطريقة اليت سلكها الشيخ األلباين يف بعض‬
‫اجتها اته هو األلباين عفسه‪ ,‬فقد أ َّاه اجتها ه يف مسألة الصالة عل النيب ‪ ‬يف‬
‫آخر القنوت إىل عدِ مشروعيته‪ ,‬ووصف اجتها ه أبعه احل الذي يشهد به‬
‫العلماء‪ ,‬مث جتد ت عنده أ لة أخر فياج عن احل األول‪ ,‬وحكم مبشروعيته‪,‬‬
‫وهذا الياج مما يشكر عليه‪.‬‬
‫قال الشيخ األلباين رمحه هللا‪" :‬حديث احلسن بن عل الساب ‪ ,‬وىف آخره‪:‬‬
‫"وصل هللا عل حممد"‪ ,‬رواه النسائي‪ ,‬ضعيف‪ ,... ,‬قل ‪ :‬وهذا سند ضعيف‬
‫وإن قال النووي يف "اجملموع"‪ :‬إعه صحيح أو حسن‪ ,‬فقد تعقبه احلافظ ابن حجر‬
‫يف "التلخيص"‪ ,... ,‬قل ‪ :‬ولذلر قال العز بن عبدالسالِ يف "الفتاو "‪" :‬ومل‬
‫تصح الصالة عل رسول هللا ‪ ‬يف القنوت‪ ,‬وال ينبغي أن يزا عل صالة رسول‬
‫هللا ‪ ‬يء"‪ ,‬وهذا هو احل الذي يشهد به كد من علم كمال الشريعة ومتامها‪,‬‬
‫وأعه ‪ ‬ما ترك يئاً يقربنا إىل هللا إال وأمران به‪ ,‬قل ‪ :‬مث اطلع عل بعض‬
‫اآلاثر الثابتة عن بعض الصحابة‪ ,‬وفيها صالهتم عل النيب ‪ ‬يف آخر قنوت‬
‫الوتر‪ ,‬فقل مبشروعية ذلر"‪.8‬‬

‫‪ .8‬إرواء الغليد يف ختريج أحا يث منار السبيد لأللباين (‪.)823/7‬‬


‫‪343‬‬
‫كما َيكن مناقشة األلباين يف بعض تلر املسائد اليت منح فيها اجتها ه‬
‫وصف احل ‪ ,‬وسيتم اختيار مسألة واحدة منها؛ طلباً لالختصار‪ ,‬وستكون هذه‬
‫املسألة مما واف فيها مجهور العلماء‪ ,‬أال وهي مسألة اإلسرار لبسملة يف الصالة‬
‫اجلهرية‪ ,‬فقد قال‪" :‬واحل أعه لي يف اجلهر لبسملة حديث صريح صحيح‪,‬‬
‫‪ ,...‬وهو مذهب مجهور الفقهاء وأكثر أصحاب احلديث‪ ,‬وهو احل الذي ال‬
‫ريب فيه"‪.8‬‬
‫أما قول األلباين‪" :‬لي يف اجلهر لبسملة حديث صحيح صريح"‪ ,‬فغري‬
‫مسلَّم له‪ ,‬فقد ثب عن ععيم الا هلمجمر أعه قال‪ :‬صلي وراء أيب هريرة ‪ ,‬فقرأ‪:‬‬
‫"بسم هللا الرمحن الرحيم"‪ ,‬مث قرأ أبِ القرآن‪ ,‬حىت إذا بلغ "غري املغضوب عليهم وال‬
‫الضالني"‪ ,‬فقال‪" :‬آمني"‪ ,‬فقال النام‪" :‬آمني" ويقول كلما سجد‪" :‬هللا أكب"‪,‬‬
‫وإذا قاِ من اجللوم يف االثنتني قال‪" :‬هللا أكب"‪ ,‬وإذا سلم قال‪" :‬والذي عفسي‬
‫بيده‪ ,‬إين أل بهكم صال ًة برسول هللا ‪.7"‬‬
‫وقد انقش األلباين هذا احلديث من جهتني‪ :‬أوالمها تضعيف احلديث‪,‬‬
‫واثعيتهما التشكير يف عسبة اجلهر لرسول هللا ‪.‬‬
‫أما تضعيف احلديث فقد استند األلباين فيه عل تضعيف أحد رواته‪ ,‬وهو‬
‫سعيد بن أيب هالل الليثي املصري‪ ,‬فقال األلباين‪" :‬إعه عند ابن خزَية وغريه من‬

‫‪ .8‬متاِ املنة يف التعلي عل فقه السنة لأللباين (‪ ,)839‬وقد اخيت هذه املسألة لذات؛ بسبب إعكار‬
‫كثريين عل الشافعية استحباِبم اجلهر لبسملة يف الصالة اجلهرية‪ ,‬ومنها ما ذكرته يف مقدمة الكتاب‪.‬‬
‫‪ .7‬رواه النسائي وابن خزَية وابن حبان واحلاكم والبيهقي والدارقطين وقال‪" :‬صحيح‪ ,‬ورواته كلهم ثقات"‪,‬‬
‫وقال احلافظ ابن حجر العسقالين يف تغلي التعلي (‪" :)378/7‬هذا حديث صحيح"‪.‬‬
‫‪342‬‬
‫طري ابن أيب هالل‪ ,‬وا ه سعيد‪ ,‬وكان اختلط‪ ,‬وبه أعلل احلديث"‪ ,8‬وقد‬
‫اعتمد األلباين يف تضعيف سعيد بن أيب هالل عل عسبة اإلماِ أمحد بن حنبد له‬
‫الختالط‪ ,‬فقد قال اإلماِ أمحد‪" :‬ما أ ري أي يء حديثه‪ ,‬خيلط يف‬
‫األحا يث"‪ ,‬وقال ابن حزِ‪" :‬لي لقوي"‪ ,‬ولعله اعتمد قول اإلماِ أمحد فيه‪.‬‬
‫لكن كثريا من علماء اجلرح والتعديد وثَّقوه‪ ,‬فقد أخرج أحا يثه أصحاب‬
‫و َّ‬
‫الكتب الستة‪ ,‬وقال أبو حامت‪" :‬ال أبم به"‪ ,‬وقال ابن سعد‪" :‬كان ثقة إن اء‬
‫هللا تعاىل"‪ ,‬وقال العجلي‪" :‬مصري ثقة"‪ ,‬وقال الساجي‪" :‬صدوق"‪.‬‬
‫خرج ابن خزَية حديثه يف اجلهر لبسملة قال‪" :‬هذا إسنا اثب ‪ ,‬ال‬ ‫وملا َّ‬
‫ارتياب يف صحته"‪ ,‬وقال ابن عبدالب يف كتاب "اإلعصاف"‪" :‬هذا حديث حمفوظ‬
‫من حديث خالد بن يزيد عن سعيد بن أيب هالل‪ ,‬ومها مجيعا ثقتان من ثقات‬
‫املصريني"‪ ,‬وقال الدارقطين‪" :‬رواته ثقات"‪ ,‬وقال البيهقي‪" :‬رواته ثقات‪ ,‬جمم‬
‫عل عدالتهم‪ ,‬وحمتج ِبم"‪ ,‬وقال اخلطيب يف "هنج الصواب"‪" :‬هذا إسنا اثب‬
‫صحيح‪ ,‬ال يتوجه عليه تعليد؛ التصال إسنا ه‪ ,‬وثقة رجاله"‪.‬‬
‫وقال الذهيب‪" :‬ثقة معروف‪ ,‬حديثه يف الكتب الستة‪ ,... ,‬قال ابن حزِ‬
‫وحده‪ :‬لي لقو "‪ ,‬وقال احلافظ ابن حجر أيضا‪" :‬صدوق‪ ,‬مل أر البن حزِ يف‬
‫تضعيفه سلفا‪ ,‬إال أن الساجي حك عن أمحد أعه اختلط"‪ ,‬وقال السخاوي‪:‬‬
‫"أحد أوعية العلم"‪.7‬‬

‫‪ .8‬متاِ املنة يف التعلي عل فقه السنة لأللباين (‪.)831‬‬


‫‪ .7‬اع ر اجلرح والتعديد البن أيب حامت (‪ ,)28/4‬والثقات البن حبان (‪ ,)324/3‬والثقات للعجلي‬
‫(‪ ,)819‬والطبقات الكب البن سعد (‪ ,)584/2‬والتعديد والتجريح ملن خرج له البخاري يف اجلام‬
‫‪341‬‬
‫مث إن راوي احلديث عن سعيد بن أيب هالل هو خالد بن يزيد اجلمحي‬
‫املصري‪ ,‬وهو ثقة‪ ,‬وأخرج أحا يثه أصحاب الكتب الستة‪ ,‬ومما يدل عل أعه من‬
‫الثقات أن الليث بن سعد ‪ -‬رغم روايته عن سعيد بن أيب هالل مبا رة إال أعه ‪-‬‬
‫استوث لروايته عنه بواسطة خالد بن يزيد‪ ,‬قال أبو او ‪ " :‬ع أمحد يقول‪:‬‬
‫سعيد بن أيب هالل‪ ,‬عوا منه مبصر القدماء‪ ,‬فخرج‪ ,‬زعموا إىل املدينة‪ ,‬فجاءهم‬
‫بعدل أو قال‪ :‬بوس كتب‪ ,‬كتب عن الصغار‪ ,‬وعن كد‪ ,‬وكان الليث بن سعد‬
‫منه‪ ,‬مث ر يف بعضه‪ ,‬فجعد بينه وبني سعيد خالداً‪ ,‬قال‪ :‬خالد بن يزيد‬
‫ثقة‪ ,‬قاله أبو او "‪.8‬‬
‫فاتضح بذلر أن مجهور املتكلمني يف اجلرح والتعديد يوثقون سعيد بن أيب‬
‫هالل‪ ,‬وقد أخرج له البخاري ومسلم وغريمها‪ ,‬ومل ينسبه للتخليط إال اإلماِ أمحد‪,‬‬
‫مث إن رواية خالد بن يزيد عنه تزيد احتمال ختليطه يف رواية حديث البسملة‪ ,‬فمثد‬
‫هذا الرجد ال َيكن أن يكون سببا يف تضعيف احلديث‪.‬‬
‫أما التشكير يف عسبة اجلهر لرسول هللا ‪ ,‬فقد قال األلباين‪" :‬مث إن‬
‫احلديث لو صح فلي فيه التصريح جلهر ِبا وال برفعها إىل النيب ‪ ,‬وقول أيب‬

‫الصحيح للباجي (‪ ,)8191/3‬وهتذيب الكمال للمزي (‪ ,)94/88‬وإكمال هتذيب الكمال ملغلطاي‬


‫(‪ ,)334/5‬وسري أعالِ النبالء (‪ ,)333/3‬وميزان االعتدال كالمها للذهيب (‪ ,)837/7‬وهتذيب‬
‫التهذيب (‪ ,)94/4‬ولسان امليزان كالمها للحافظ ابن حجر (‪ ,)737/2‬والتحفة اللطيفة يف اتريخ املدينة‬
‫الشريفة للسخاوي (‪ ,)412/8‬والكواكب النريات يف معرفة من اختلط من الرواة الثقات البن الكيال‬
‫(‪ ,)431/8‬واملعجم الصغري لرواة اإلماِ ابن جرير الطبي ألكرِ الفالوجي (‪.)717/8‬‬
‫‪ .8‬سؤاالت أيب او لإلماِ أمحد بن حنبد يف جرح الرواة وتعديلهم (‪ ,)745‬واع ر ترمجة يزيد بن خالد‬
‫يف الثقات للعجلي (‪ ,)847‬وهتذيب التهذيب البن حجر (‪.)879/3‬‬
‫‪349‬‬
‫هريرة يف آخره‪" :‬إين أل بهكم صالة برسول هللا ‪ "‬ال يلزِ منه رف كد ما فعله‬
‫أبو هريرة فيه"‪.8‬‬
‫أما عفيه التصريح جلهر لبسملة فغري مسلَّم‪ ,‬فإن ععيم اجملمر وصف قراءة‬
‫أيب هريرة ‪ ‬للبسملة والفاحتة بنف الوصف‪ ,‬وهو القراءة‪ ,‬فقال‪" :‬فقرأ‪" :‬بسم‬
‫هللا الرمحن الرحيم"‪ ,‬مث قرأ أبِ القرآن"‪ ,‬فلو كاع البسملة سرا والفاحتة جهراً لغاير‬
‫بينهما يف الوصف‪ ,‬فقال‪" :‬فقرأ‪" :‬بسم هللا الرمحن الرحيم" سرا‪ ,‬مث قرأ أبِ القرآن‬
‫أسر‪" :‬بسم هللا الرمحن الرحيم"‪ ,‬مث جهر أبِ القرآن"‪.‬‬
‫جهرا"‪ ,‬أو قال‪" :‬ف َّ‬
‫وأما عواه عدِ رف كد ما فعله أبو هريرة ‪ ‬إىل النيب ‪ ‬رغم قوله‪" :‬إين‬
‫أل بهكم صالة برسول هللا ‪ ,"‬فهذا مما ال ينقضي منه العجب‪ ,‬ولو فتحنا هذا‬
‫الباب لكاع مجي هل السنن الفعلية اليت تلقاها التابعون عن الصحابة‪ ,‬وتلقاها اتبعو‬
‫التابعني عن التابعني‪ ,‬وهكذا كد خلف عن سلف‪ ,‬قابلةً للتشكير‪.‬‬
‫إن أ هر حديث يف كيفية وضوء رسول هللا ‪ ,‬إمنا‬ ‫فعل سبيد املثال‪َّ ,‬‬
‫تلقاه املسلمون من فعد عثمان بن عفان ‪ ,‬فإعه عا بوضوء‪ ,‬فأفرغ عل يديه‬
‫من إانئه‪ ,‬فغسلهما ثالث مرات‪ ,‬مث أ خد َيينه يف الوضوء‪ ,‬مث متضمض واستنش‬
‫واستنثر‪ ,‬مث غسد وجهه ثالاث‪ ,‬ويديه إىل املرفقني ثالاث‪ ,‬مث مسح برأسه‪ ,‬مث غسد‬
‫كد رجد ثالاث‪ ,‬مث قال‪" :‬رأي النيب ‪ ‬يتوضأ حنو وضوئي هذا"‪ ,7‬فلو أ خلنا‬
‫فيه احتمال أن ما فعله عثمان ‪ ‬ال يلزِ أن يكون من فعد رسول هللا ‪‬‬
‫الهنارت كثري من السنن الفعلية يف الوضوء‪ ,‬وعل هذا يقام‪.‬‬

‫‪ .8‬متاِ املنة يف التعلي عل فقه السنة لأللباين (‪.)839‬‬


‫‪ .7‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او وابن ماجه‪.‬‬
‫‪351‬‬
‫مث إن أ هريرة ‪ ‬كان يصرح كثريا أعه قي يف اتباع النيب ‪ ‬يف اجلهر‬
‫واإلسرار‪ ,‬فقال ‪" :‬يف كد صالة قراءة‪ ,‬فما أ عنا النيب ‪ ‬أ اعناكم‪ ,‬وما‬
‫أخف منا أخفيناه منكم"‪.8‬‬
‫ومما يدل عل حرص السلف الصاحل عل تلقي السنن الفعلية حبذافريها أن‬
‫املعتمر بن سليمان رمحه هللا كان جيهر لبسملة يف صالة الصبح واملغرب‪ ,‬قبد‬
‫الفاحتة وبعدها‪ ,‬وقال املعتمر‪" :‬ما آلو أن أقتدي بصالة أيب‪ ,‬وقال أيب‪ :‬ما آلو أن‬
‫أقتدي بصالة أع بن مالر ‪ ,‬وقال أع بن مالر‪ :‬ما آلو أن أقتدي بصالة‬
‫رسول هللا ‪.7"‬‬
‫بد إن اجلهر لبسملة يف الصالة اجلهرية كان عاراً مرفوعاً بني املهاجرين‬
‫واألعصار‪ ,‬ويدل لذلر أن معاوية بن أيب سفيان ‪ ‬صلَّ ملدينة صالةً‪ ,‬فجهر‬
‫فيها لقراءة‪ ,‬فقرأ‪" :‬بسم هللا الرمحن الرحيم" ألِ القرآن‪ ,‬ومل يقرأ ِبا للسورة اليت‬
‫بعدها‪ ,‬حىت قض تلر القراءة‪ ,‬ومل يكب حني يهوي‪ ,‬حىت قض تلر الصالة‪,‬‬
‫فلما سلَّم ان اه من ذلر من املهاجرين واألعصار من كد مكان‪ " :‬معاوية‪,‬‬
‫أسرق الصالة أِ عسي "؟ فلما صل بعد ذلر قرأ‪" :‬بسم هللا الرمحن الرحيم"‬
‫للسورة اليت بعد أِ القرآن‪ ,‬وكب حني يهوي ساجدا‪.3‬‬
‫هذه بعض أحا يث اجلهر لبسملة يف الصلوات اجلهرية‪ ,‬ويقابلها جمموعة‬
‫أحا يث صحيحة يف اإلسرار ِبا‪ ,‬منها أن رسول هللا ‪ ‬كان يستفتح الصالة‬

‫‪ .8‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او ‪.‬‬


‫‪ .7‬رواه احلاكم‪ ,‬وقال‪ :‬رواة هذا احلديث عن آخرهم ثقات‪ ,‬وقال الذهيب‪ :‬رواته ثقات‪.‬‬
‫‪ .3‬رواه الشافعي وعبدالرزاق واحلاكم‪.‬‬
‫‪358‬‬
‫لتكبري‪ ,‬والقراءة حلمد هلل رب العاملني‪ ,8‬ومنها أن رسول هللا ‪ ‬وأ بكر وعمر‬
‫رضي هللا عنهما كاعوا يفتتحون الصالة حلمد هلل رب العاملني‪ ,7‬ومنها أن أع بن‬
‫مالر ‪ ‬قال‪" :‬صلي م رسول هللا ‪ ‬وأيب بكر وعمر وعثمان ‪ ,‬فلم أ‬
‫أحدا منهم يقرأ‪ :‬بسم هللا الرمحن الرحيم"‪ ,3‬ومنها أن أع بن مالر ‪ ‬قال‪:‬‬
‫"صلي خلف النيب ‪ ‬وأيب بكر وعمر وعثمان ‪ ,‬فكاعوا يستفتحون حلمد‬
‫هلل رب العاملني‪ ,‬ال يذكرون‪ :‬بسم هللا الرمحن الرحيم‪ ,‬يف أول قراءة وال يف آخرها"‪,4‬‬
‫ومنها أن ابن عبدهللا بن مغفد قال‪ " :‬عين أيب وأان أقول يف الصالة‪ :‬بسم هللا‬
‫الرمحن الرحيم‪ ,‬فقال‪ :‬أي بين‪ ,‬حمدث‪ ,‬إ ك واحلدث‪ ,... ,‬فإين قد صلي م‬
‫رسول هللا ‪ ,‬وم أيب بكر وعمر وعثمان ‪ ,‬فلم أ أحدا منهم يقو ا‪ ,‬فال‬
‫تقلها‪ ,‬إذا أع قرأت فقد‪ :‬احلمد هلل رب العاملني"‪.5‬‬
‫وقد أجاب من ير اجلهر لبسملة يف الصالة اجلهرية عن هذه األحا يث‬
‫املفيدة لإلسرار ِبا أن معىن افتتاح القراءة حلمد هلل رب العاملني يعين االفتتاح‬
‫بقراءة سورة الفاحتة‪ ,‬ال بسورة غريها‪ ,‬وال َيكن التمييز بني الفاحتة وأي سورة‬
‫أخر إال بذكر اآلية اليت بعد البسملة‪ ,‬ولي يف األحا يث ما ينفي قراءهتا‪.‬‬
‫وأما أحا يث عفي قراءة البسملة فهي عفسها أحا يث افتتاح القراءة حلمد‬
‫تصرف يف الرواية‪ ,‬فرواها ملعىن الذي فهمه‪ ,‬فأخطأ‬ ‫هلل رب العاملني‪ ,‬ولكن الراوي َّ‬

‫‪ .8‬رواه مسلم وأمحد وأبو او ‪.‬‬


‫‪ .7‬رواه البخاري‪.‬‬
‫‪ .3‬رواه مسلم وأمحد والنسائي‪.‬‬
‫‪ .4‬رواه مسلم وأمحد‪.‬‬
‫‪ .5‬رواه أمحد والنسائي واليمذي‪.‬‬
‫‪357‬‬
‫يف تصرفه‪ ,‬ولو بلَّغ احلديث بلف ه ألصاب‪ ,‬فإن لفظ االفتتاح حلمد هلل رب‬
‫العاملني هو اللفظ الذي اتف عليه احلفاظ‪ ,‬وأما حديث عبدهللا بن مغفد فهو‬
‫حديث ضعيف؛ جلهالة حال ابن عبدهللا بن مغفد‪.‬‬
‫تلر كاع بعض املناقشات بني أصحاب الرأيني يف مسألة اجلهر واإلسرار‬
‫لبسملة يف الصالة اجلهرية‪ ,‬ومل ‪ -‬ولن ‪ -‬ينحسم اخلالف يف املسألة‪ ,‬واألوىل عند‬
‫ترجيح أحد الرأيني أن يصفه صاحبه لراجح أو األصح‪ ,‬أما أن يصفه أبعه احل‬
‫الذي ال ريب فيه‪ ,‬فهذا ما ال يتجرأ عليه إال األلباين عفا هللا عنه‪.‬‬
‫التفريع الفقهي بني السطحية والعمق‬
‫من روط االجتها الشرعي اليت أمج عليها العلماء أن يكون اجملتهد فقيه‬
‫النف ‪ ,‬مبعىن أن تكون لديه قدرة قوية عل استنباط األحكاِ الشرعية من أ لتها‬
‫التفصيلية‪ ,‬قال املر اوي رمحه هللا‪" :‬وأن يكون فقيه النف ‪ ,‬أي له قدرة عل‬
‫استخراج أحكاِ الفقه من أ لتها‪ ,... ,‬فتضمن ذلر أن يكون عنده سجية وقوة‪,‬‬
‫يقتدر ِبا عل التصرف جلم والتفري واليتيب والتصحيح واإلفسا ‪ ,‬فإن ذلر‬
‫مالك صناعة الفقه‪ ,‬قال الغزايل‪ :‬إذا مل يتكلم الفقيه يف مسألة مل يسمعها ككالمه‬
‫يف مسألة عها فلي بفقيه"‪.8‬‬
‫تكون الفقه اإلسالمي منذ أ ِ السلف الصاحل إىل العصور األخرية‬ ‫وقد َّ‬
‫عتيجة جهد عقلي مميز‪ ,‬قاِ به فقهاء اإلسالِ الكبار عب العصور‪ ,‬فأعتجوا ثروة‬
‫فقهية تشريعية ضخمة‪" ,‬جتعد األمة اإلسالمية يف سعة من أمر ينها و ريعتها‪,‬‬
‫فال تنحصر يف تطبي رعي واحد حصرا ال مناص ا منه إىل غريه‪ ,‬بد إذا ضاق‬

‫‪ .8‬التحبري رح التحرير للمر اوي (‪ ,)3121/1‬واع ر رح الكوكب املنري البن النجار (‪.)431/4‬‬
‫‪353‬‬
‫ألمة مذهب أحد األئمة الفقهاء يف وق ما أو يف أمر ما‪ ,‬وجدت يف املذهب‬
‫اآلخر سعة ورفقا ويسرا‪ ,‬سواء أكان ذلر يف ؤون العبا ة أِ يف املعامالت‬
‫و ؤون األسرة والقضاء واجلنا ت عل ضوء األ لة الشرعية"‪.8‬‬
‫وقد كاع طريقة أولئر الفقهاء الكبار أن يعمدوا إىل ليد أو جمموعة أ لة‬
‫من الكتاب والسنة‪ ,‬فيعملون عليها عقو م الرصينة وأفهامهم املتينة‪ ,‬فينتجون‬
‫أحكاما فقهية‪ ,‬مث ينطلقون منها يف إعتاج أحكاِ فقهية أخر ‪ ,‬فيتشعب من‬
‫أ لتهم األولية مئات الفروع الفقهية‪ ,‬ويعد هذا التصرف قمة التمكن الفقهي‪.‬‬
‫قال حممد بن عبدهللا بن احلكم رمحه هللا‪" :‬لي فالن عندان بفقيه؛ ألعه‬
‫جيم أقوال النام وخيتار بعضها"‪ ,‬قيد‪ :‬فمن الفقيه؟ قال‪" :‬الذي يستنبط أصالً‬
‫من كتاب أو سنة‪ ,‬مل يسب إليه‪ ,‬مث يشعب يف ذلر األصد مائة عب"‪ ,‬قيد‪:‬‬
‫فمن يقو عل هذا؟ قال‪" :‬حممد بن إ ري "‪.7‬‬
‫إال أن بعض علماء املنهج الفقهي السلفي ع روا إىل تلر الفروع الفقهية‬
‫الضخمة ع رة سيئة‪ ,‬ووصفوها أبوصاف منكرة‪ ,‬ومتنَّوا لو أهنا تعرض لإلحراق‬
‫واإلغراق؛ اعتقا اً منهم أبهنا مبنية عل ا و والرأي الفاسد‪ ,‬وأهنا مبتورة االستنا‬
‫إىل الكتاب والسنة‪.‬‬
‫قال صدي حسن خان‪" :‬بيان أن التمسر آبراء املتأخرين من الفقهاء‬
‫ضالل وخروج عن صراط هللا املستقيم‪ ,‬وال ر أن ما قسمه ‪ ‬فينا‪ ,‬هو هذا‬
‫القرآن وهذه السنة‪ ,‬ون ما مجعه أهد الرأي من الفتاو الضخيمة والطوامري‬

‫‪ .8‬قرار اجملم الفقهي يف ورته العا رة املنعقدة مبكة املكرمة يف الفية ‪8411/7/71-74‬هـ‪.‬‬
‫‪ .7‬هتذيب األ اء واللغات للنووي (‪)37/8‬ـ‪.‬‬
‫‪354‬‬
‫الفرعية‪ ,‬اليت ال مستند ألكثر ما فيها من احلالل واحلراِ واجلائز وغري اجلائز‪ ,‬وقد‬
‫ابتلي ِبذه البلية كثري من متأخري املقلدة للمذاهب األربعة املشهورة‪ ,‬فأبرزوا من‬
‫التفريعات والتخرجيات ما ال ت له السماء وال تقله األرض"‪.8‬‬
‫ويبدو يل ‪ -‬وهللا أعلم ‪ -‬أن الذي ف صدي حسن خان ذا االعتقا‬
‫السيء يف الفروع الفقهية هو سطحية علمه وضعف فقهه‪ ,‬واعتقا ه أن السلف‬
‫الصاحل مل يكوعوا يعرفون التفري الفقهي العمي ‪ ,‬فلو كان صاحب صنعة فقهية‬
‫لعلم أن التفري الفقهي سلسلة ميابطة احللقات‪ ,‬كد حلقة منها ترتبط حبلقة‬
‫أخر ‪ ,‬فإذا أتسس احللقة األوىل أتسيساً صحيحا متيناً‪ ,‬فإن احللقات املرتبطة‬
‫ِبا أتخذ عف احلكم‪.‬‬
‫ولنضرب عل ذلر مثاال إلماِ الشافعي رمحه هللا‪ ,‬فإعه عامل جمتهد‪ ,‬وإماِ‬
‫مذهب متبوع‪ ,‬وقد لهلقَّب يف العراق بناصر احلديث؛ ألعه اعتصر ألحا يث اآلحا ‪,‬‬
‫وم ذلر فإعه صاحب تفريعات فقهية ال تكا تنتهي‪ ,‬ومع م تلر التفريعات‬
‫الفقهية ختلو من عص رعي‪ ,‬ولعلي أكتفي بنقد واحد من كتاب صالة اخلوف‬
‫يف كتابه "األِ"‪.‬‬
‫قال اإلماِ الشافعي رمحه هللا ‪ -‬يف ب "احلال اليت جيوز للنام أن يصلوا‬
‫‪7‬‬
‫فيها صالة اخلوف" ‪ " :-‬وال جيوز ألحد أن يصلي صالة اخلوف إال أبن يعاين‬
‫عدوا قريبا غري مأمون أن حيمد عليه‪ ,3‬يتخوف محله عليه من موض ‪ ,‬أو أيتيه من‬

‫‪ .8‬الدين اخلالص لصدي حسن خان (‪.)833/3‬‬


‫‪ .7‬ير بعينيه‪.‬‬
‫‪ .3‬يهجم عليه‪.‬‬
‫‪355‬‬
‫يصدقه مبثد ذلر من قرب العدو منه‪ ,8‬أو مسريهم جا ين إليه‪ ,‬فيكوعون هم‬
‫خموفني‪ ,‬فإذا كان واحد من هذين املعنيني‪ 7‬فله أن يصلي صالة اخلوف‪ ,‬وإذا مل‬
‫يكن واحد منهما مل يكن له ذلر‪ ,‬وإذا جاءه اخلب عن العدو فصل صالة‬
‫اخلوف‪ ,‬مث ذهب العدو‪ ,‬مل يهلعد صالة اخلوف‪ ,‬وهذا كله إذا كان إبزاء العدو‪,3‬‬
‫فإن كان يف حصن ال يوصد إليه إال بتعب‪ ,‬أو غلبة عل ب‪ ,‬أو كان يف خندق‬
‫عمي عريض ال يوصد إليه إال بدفن يطول‪ ,‬مل يصد صالة اخلوف‪ ,‬وإن كان يف‬
‫قرية حصينة فكذلر‪ ,‬وإن كان يف قرية غري ممتنعة من الدخول‪ ,‬أو خندق صغري‬
‫غري ممتن ‪ ,‬صل صالة اخلوف‪ ,‬وإن رأوا سوا اً‪ 4‬مقبال‪ ,‬وهم ببال عدو أو بغري‬
‫بال عدو‪ ,‬ف نوه عدوا‪ ,‬أحبب أن ال يصلوا صالة اخلوف‪ ,5‬وكد حال أحبب‬
‫أن ال يصلوا فيه صالة اخلوف‪ ,‬إذا كان اخلوف يسرع إليهم‪ ,‬أمرت اإلماِ أن‬
‫يصلي بطائفة‪ ,‬فيكمد كما يصلي يف غري خوف‪ ,‬وحترسه أخر ‪ ,‬فإذا فرغ من‬
‫صالته حرم ومن معه الطائفة األخر ‪ ,‬وأمر بعضهم فأمهم‪ ,‬وهكذا آمر‬
‫الام اسلحة‪ 3‬يف بال املسلمني تناظر املسلحة للمشركني أن تصن إذا تراخ ما بني‬
‫املسلحتني يئا‪ ,‬وكاع املسلحتان يف غري حصن‪ ,‬أو كان األغلب أهنم إمنا‬

‫‪ . 8‬إن مل يكن ير العدو بعينيه فيكفي أن يعتمد عل ثقة يف إخباره أن العدو قريب منه‪.‬‬
‫‪ .7‬قرب العدو م عدِ األمن من هجومهم‪ ,‬أو سريهم اجلا حنوهم‪.‬‬
‫‪ .3‬مقابالً له بدون حائد‪.‬‬
‫‪ .4‬خوصاً بعيدة‪.‬‬
‫‪ .5‬لعدِ حتق اخلوف الذي تشرع بسببه صالة اخلوف‪.‬‬
‫‪ .3‬مجاعة من اجليش موكلني ملراقبة‪.‬‬
‫‪353‬‬
‫يتناظرون بناظر الربيئة‪ ,8‬ال يتحاملون‪ ,‬فإن صلوا صالة اخلوف كصالة النيب ‪‬‬
‫يوِ ذات الرقاع‪ 7‬يف حال كره م فيها صالة اخلوف‪ ,‬أحبب للطائفة األوىل أن‬
‫يعيدوا‪ ,3‬ومل أحب ذلر لإلماِ وال للطائفة األخر ‪ ,4‬وال يبني أن عل الطائفة‬
‫األوىل إعا ة صالة؛ ألهنا قد صل بسبب من خوف وإن مل يكن خوفا‪ ,‬وإن‬
‫الرجد قد يصلي يف غري خوف بعض صالته م اإلماِ‪ ,‬وبعضها منفر ا‪ ,‬فال‬
‫يكون عليه إعا ة‪ ,5‬ومىت ما رأوا سوا اً‪ ,‬ف نوه عدوا‪ ,‬مث كان غري عدو‪ ,‬وقد صل‬
‫كصالة النيب ‪ ‬يوِ ذات الرقاع‪ ,‬مل يعد اإلماِ‪ ,‬وال واحدة من الطائفتني؛ ألن‬
‫كال منهما مل ينحرف عن القبلة حىت أكمل الصالة‪ ,‬وقد صلي بسبب‬
‫خوف‪ ,3‬وكذلر إن صل كصالة النيب ‪ ‬ببطن د‪ ,2‬وإن صل كصالة النيب‬

‫‪ .8‬املراقبة‪.‬‬
‫‪ .7‬كان العدو يف غري جهة القبلة‪ ,‬فقسمهم رسول هللا ‪ ‬فرقتني‪ ,‬فرقة يف وجه العدو‪ ,‬وصلي بفرقة ركعة‪,‬‬
‫فلما قاِ إىل الثاعية أكملوا صالهتم‪ ,‬وذهبوا إىل وجه العدو‪ ,‬مث جاءت الفرقة الثاعية‪ ,‬والنيب ‪ ‬قائم يف‬
‫الركعة الثاعية‪ ,‬فأحرموا خلفه‪ ,‬وصل ِبم ركعة‪ ,‬فلما جل للتشهد قاموا وأمتوا ألعفسهم‪ ,‬وسلم ِبم‪.‬‬
‫‪ .3‬الختالل صالهتم مبفارقة اإلماِ يف الركعة الثاعية‪.‬‬
‫‪ .4‬ألهنم كاملسبوقني‪.‬‬
‫‪ .5‬هذا سبب عدِ وجوب إعا ة الصالة عل الفرقة األوىل؛ ألهنم كاملصلي الذي اقتد إلماِ َّأول‬
‫صالته‪ ,‬مث فارقه يف بقيتها‪.‬‬
‫‪ . 3‬هذا سبب عدِ وجوب إعا ة الصالة عل الفرقتني؛ ألن كال منهما مل ينحرف عن القبلة‪.‬‬
‫‪ .2‬قسمهم رسول هللا ‪ ‬فرقتني‪ ,‬وصل بكد فرقة صالة كاملة‪.‬‬
‫‪352‬‬
‫‪ ‬بعسفان‪ ,8‬أحبب للحارسة أن تعيد‪ ,7‬ومل أوجب ذلر عليها‪ ,3‬وال يعيد‬
‫اإلماِ‪ ,‬وال اليت مل حترم‪ ,4‬وإمنا تقد املسائد يف هذا الباب علينا‪5‬؛ أان ال أنمر‬
‫بصالة خوف حبال إال يف غاية من دة اخلوف‪ ,‬إال صالة لو صلي يف غري‬
‫خوف مل يتبني أن عل مصليها إعا ة"‪.3‬‬
‫لقد أس اإلماِ الشافعي رمحه هللا كتاب صالة اخلوف عل اآل ت‬
‫واألحا يث الوار ة يف صالة اخلوف‪ ,‬كقوله تعاىل‪" :‬وإذا كن فيهم فأقم م‬
‫الصالة فلتقم طائفة منهم معر وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكوعوا من‬
‫ورائكم ولتأت طائفة أخر مل يصلوا فليصلوا معر وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم"‪,2‬‬
‫وصالته ‪ ‬عندما كان العدو يف غري جهة القبلة‪ ,1‬أو عندما كان العدو يف‬
‫جهتها‪.9‬‬

‫‪ .8‬كان العدو يف جهة القبلة‪ ,‬فقسمهم رسول هللا ‪ ‬صفني‪ ,‬وأحرِ ورك ورف بكليهما‪ ,‬فلما سجد‬
‫سجد معه الصف الذي يليه‪ ,‬واستمر الصف اآلخر قائما‪ ,‬فلما رفعوا من السجدتني سجد الصف اآلخر‬
‫سجدتيه‪ ,‬وفعلوا مثد ذلر يف الركعة الثاعية‪ ,‬مث تشهد ِبم وسلم‪.‬‬
‫‪ .7‬ألهنم ختلفوا عن اإلماِ أبركان كثرية‪.‬‬
‫‪ .3‬ألهنم معذورون ب نهم اخلوف‪.‬‬
‫‪ .4‬ألهنم متابعون لإلماِ يف كد صالهتم‪.‬‬
‫‪ . 5‬بعد هذا التفري الفقهي العمي يبر اإلماِ الشافعي قلة املسائد؛ ألن صالة اخلوف ال تشرع إال يف‬
‫اخلوف املتحق أو امل نون‪.‬‬
‫‪ .3‬األِ للشافعي (‪.)751/8‬‬
‫‪ .2‬سورة النساء‪ ,‬آية (‪.)817‬‬
‫‪ .1‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫‪ .9‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او وابن ماجه‪.‬‬
‫‪351‬‬
‫ولكن وصف احلال اليت تشرع فيها صالة اخلوف كاع حباجة إىل فقيه‬
‫عف كاإلماِ الشافعي؛ لكي يفيض حاالت خمتلفة‪ ,‬تشرع يف بعضها صالة‬
‫اخلوف‪ ,‬وال تشرع يف بعضها اآلخر‪ ,‬فاعطل هذا اإلماِ يف ميدان التفري الفقهي‪,‬‬
‫فأعتج مئات املسائد الفرعية املعتمدة عل عقد رصني وفكر متني‪ ,‬ورغم أعه مل‬
‫يدر يف خلده أعه حيرِ ما‬
‫يستدل عل تلر التفريعات أبي عص رعي‪ ,‬فإعه مل هل‬
‫أحد هللا‪ ,‬أو حيد ما حرِ هللا‪.‬‬
‫ذِ التفريعات الفقهية الكثرية‪ ,‬ومتىن لو تعرض‬
‫أما صدي حسن خان فقد َّ‬
‫لإلحراق واإلغراق‪ ,‬فقال‪" :‬وذِ هللا سبحاعه يف كتابه التقليد واملقلدين يف مواض‬
‫عديدة‪ ,‬فتقرر أن علومهم املبنية عل اآلراء‪ ,‬املؤسسة عل احليد واألهواء‪ ,‬لي مما‬
‫يستح التبليغ والتدوين‪ ,‬وما أحقها أبن هلمتح من بطون الدفاتر إلحراق‬
‫واإلغراق‪ ,‬ويعف أثرها من صفحات اآلفاق"‪.8‬‬
‫إسرار االجتهاد حرصاً على مكاسب التقليد‬
‫من املطاعن اليت ا َّعاها بعض علماء املنهج السلفي يف علماء املذاهب‬
‫األربعة أهنم تفطنوا للح يف وجوب االجتها وعبذ التقليد‪ ,‬ولكنهم مل يتمكنوا من‬
‫إظهار استقال م العلمي؛ بسبب ضغط البيئة العلمية واالجتماعية احمليطة ِبم‪ ,‬وأن‬
‫بعضهم اعتقد من مذهب فقهي إىل مذهب آخر؛ رغبة يف تويل مناصب القضاء‬
‫واإلفتاء والتدري ‪.‬‬
‫قال صدي حسن خان‪" :‬بيان األسباب اليت فع العلماء إىل تقليد‬
‫املذاهب‪ ,... ,‬ومنهم من تفطن للح ‪ ,‬ولكنه اتق تقاة‪ ,‬وعاقه عن إظهاره‬

‫‪ .8‬الدين اخلالص لصدي حسن خان (‪.)839/3‬‬


‫‪359‬‬
‫حجاب الرسم أو الطب أو القوِ‪ ,... ,‬ومنهم من حتول من مذهب إىل مذهب‪,‬‬ ‫هل‬
‫واعتقد من مشرب إىل مشرب؛ ملا رأ أن القضاء واإلفتاء والتدري ال حيصد إال‬
‫أبن يكون يف املذهب الفالين"‪.8‬‬
‫وإذا كان صدي حسن خان أ ار ذه الدعو عل سبيد اإلمجال‪ ,‬فإن‬
‫السيد ساب استشهد عل هذه الدعو بقصة‪ ,‬فقال‪" :‬وصارت الشريعة هي‬
‫أقوال الفقهاء‪ ,‬وأقوال الفقهاء هي الشريعة‪ ,‬واعتب كد من خيرج عن أقوال الفقهاء‬
‫مبتدعاً‪ ,‬ال يوث أبقواله‪ ,‬وال يعتد بفتاويه‪ ,‬وكان مما ساعد عل اعتشار هذه الروح‬
‫صر التدري فيها عل‬
‫الرجعية‪ ,‬ما قاِ به احلكاِ واألغنياء من إعشاء املدارم‪ ,‬وق ا‬
‫مذهب أو مذاهب معينة‪ ,‬فكان ذلر من أسباب اإلقبال عل تلر املذاهب‪,‬‬
‫واالعصراف عن االجتها ؛ حماف ةً عل األرزاق اليت رتب م‪ ,‬سأل أبو زرعة‬
‫يخه البلقيين قائال‪ :‬ما تقصري الشيخ تقي الدين السبكي عن االجتها وقد‬
‫استكمد آلته؟ فسك البلقيين‪ ,‬فقال أبو زرعة‪ :‬فما عندي أن االمتناع عن ذلر‬
‫إال للوظائف اليت قدرت للفقهاء عل املذاهب األربعة‪ ,‬وأن من خرج عن ذلر مل‬
‫ينله يء من ذلر‪ ,‬وحرِ والية القضاء‪ ,‬وامتن النام عن إفتائه‪ ,‬وعسب إليه‬
‫البدعة‪ ,‬فابتسم البلقيين‪ ,‬ووافقه عل ذلر"‪.7‬‬
‫ولإلجابة عن هذه الدعو املتضمنة سوء ال ن يف العلماء املتمذهبني‬
‫ملذاهب األربعة‪ ,‬خصوصا من بلغ منهم رتبة االجتها املطل ‪ ,‬وأن احلرص عل‬

‫‪ .8‬الدين اخلالص لصدي حسن خان (‪.)431/3‬‬


‫‪ .7‬فقه السنة للسيد ساب (‪.)87/8‬‬
‫‪331‬‬
‫مناصب القضاء والتدري واألرزاق هو الذي فعهم للتمذهب م علمهم بوجوب‬
‫االجتها عليهم‪ ,‬ينبغي إعا ة توضيح رجيت اجملتهد‪ :‬املستقد واملطل ‪.‬‬
‫أما الدرجة األوىل فهي اإلماِ اجملتهد املستقد‪ ,‬وهو العامل املستقد بتأسي‬
‫قواعد اجتها ية أصولية خاصة به‪ ,‬مث استنباط األحكاِ الشرعية من أ لتها‬
‫التفصيلية بناءً عل تلر القواعد األصولية‪ ,‬ومن أمثلتهم األئمة األربعة وع راؤهم‬
‫من أئمة االجتها كسفيان الثوري والليث بن سعد واألوزاعي‪.‬‬
‫صح عنده‬ ‫أما الدرجة الثاعية فهي اإلماِ اجملتهد املطل ‪ ,‬وهو العامل الذي َّ‬
‫القواعد االجتها ية األصولية ألحد األئمة‪ ,‬مث استقد بنفسه يف استنباط األحكاِ‬
‫الشرعية من أ لتها التفصيلية بناءً عل تلر القواعد األصولية‪ ,‬ومن أمثلتهم‬
‫أصحاب األئمة األربعة وكبار علماء مذاهبهم‪.‬‬
‫واإلماِ سراج الدين البهللقيين رمحه هللا (‪115-274‬هـ) هو أحد كبار علماء‬
‫املذهب الشافعي‪ ,‬وقد بلغ رجة االجتها املطل ‪ ,‬فكان جيتهد‪ ,‬وخيالف الراجح‬
‫يف املذهب الشافعي أحياان‪ ,‬ومل َينعه هذا االجتها من اعتسابه للمذهب‬
‫الشافعي؛ ألعه يسري يف ميدان االجتها عل طريقة اإلماِ الشافعي رمحه هللا‪.‬‬
‫وسؤال اإلماِ ويل الدين أيب زرعة العراقي (‪173-237‬هـ) لشيخه البلقيين‬
‫عن سبب تقصري التقي السبكي يف االجتها ‪ ,‬كان القصد منه السؤال عن تقصري‬
‫البلقيين عفسه يف االجتها ‪ ,‬ولكن التلميذ أ زرعة استحيا من يخه البلقيين أن‬
‫يوجه له السؤال مبا رة‪.‬‬
‫ومما يدل ملا ذكرانه أن الفقيه وجيه الدين عبدالرمحن ابن ز اليمين رمحه هللا‬
‫(‪925-911‬هـ) سئد عن مسألتني‪ ,‬أجاب فيهما السراج البلقيين خبالف مذهب‬

‫‪338‬‬
‫الشافعي‪ ,‬فقال ابن ز ‪" :‬إعر ال تعرف توجيه كالِ البلقيين ما مل تعرف رجته‬
‫يف العلم‪ ,‬فإعه إماِ جمتهد مطل منتسب غري مستقد‪ ,‬من أهد التخريج واليجيح‪,‬‬
‫وأعين ملنتسب من له اختيار وترجيح‪ ,‬خيالف الراجح يف مذهب اإلماِ الذي‬
‫ينتسب إليه‪ ,‬وهذا حال كثري من جهابذة أكابر أصحاب الشافعي من املتقدمني‬
‫واملتأخرين‪ ,‬وسيأ ذكرهم وترتيب رجاهتم‪ ,‬وممن ع م البلقيين يف سلر اجملتهدين‬
‫املطلقني املنتسبني تلميذه الويل أبو زرعة‪ ,‬فقال‪ :‬قل مرة لشيخنا اإلماِ البلقيين‪,‬‬
‫ما تقصري الشيخ تقي الدين السبكي عن االجتها ‪ ,‬وقد استكمد آلته‪ ,‬وكيف‬
‫يقلد؟ قال‪ :‬ومل أذكره هو‪ ,‬أي يخه البلقيين؛ استحياءً منه ملا أر ت أن أرتب‬
‫عل ذلر‪ ,‬فسك ‪ ,‬فقل ‪ :‬فما عندي أن االمتناع من ذلر إال للوظائف اليت‬
‫قهلدرت للفقهاء عل املذاهب األربعة‪ ,‬وأن من خرج عن ذلر واجتهد‪ ,‬مل ينله‬
‫يء من ذلر‪ ,‬وحرِ والية القضاء‪ ,‬وامتن النام من استفتائه‪ ,‬وعسب إليه‬
‫البدعة‪ ,‬فتبسم‪ ,‬ووافقين عل ذلر"‪.‬‬
‫فعلَّ ابن ز عل جواب أيب زرعة بقوله‪" :‬قل ‪ :‬أما أان فال أعتقد أن‬
‫املاع م من االجتها ما أ ار إليه‪ ,‬حا ا منصبهم العلي عل ذلر‪ ,‬وأن ييكوا‬
‫االجتها م قدرهتم عليه؛ لغرض القضاء أو األسباب‪ ,‬هذا ما ال جيوز ألحد أن‬
‫يعتقده فيهم‪ ,‬وقد تقدِ أن الراجح عند اجلمهور وجوب االجتها يف مثد ذلر‪,‬‬
‫كيف ساغ للويل عسبتهم إىل ذلر‪ ,‬وعسبة البلقيين إىل موافقته عل ذلر‪ ,‬وقد‬
‫قال اجلالل السيوطي يف رح التنبيه يف ب الطالق ما لف ه‪" :‬وما وق لألئمة‬
‫من االختالف من تغري االجتها ‪ ,‬فيصححون يف كد موض ما أ إليه‬
‫اجتها هم يف ذلر الوق ‪ ,‬وقد كان املصنف يعين صاحب التنبيه من االجتها‬

‫‪337‬‬
‫حملد الذي ال ينكر‪ ,‬وصرح غري واحد من األئمة أبعه وابن الصباغ وإماِ احلرمني‬
‫والغزايل بلغوا رتبة االجتها املطل ‪ ,‬وما وق يف فتاو ابن الصالح من أهنم بلغوا‬
‫رتبة االجتها يف املذهب ون املطل فمرا ه أهنم كاع م رجة االجتها‬
‫املنتسب ون املستقد‪ ,‬وأن املطل كما قرره هو يف كتابه آ اب الفتيا والنووي يف‬
‫رح املهذب عوعان‪ :‬مستقد وقد فقد من رأم األربعمائة‪ ,‬فلم َيكن وجو ه‪,‬‬
‫ومنتسب وهو ق إىل أن أت أ راط الساعة الكب ‪ ,‬وال جيوز اعقطاعه رعا؛‬
‫قصر أهد عصر حىت تركوه أمثوا كلهم وعصوا أبسرهم كما‬ ‫ألعه فرض كفاية‪ ,‬ومىت َّ‬
‫صرح به األصحاب‪ ,... ,‬وال هلخيرج هؤالء عن االجتها املطل املنتسب من كوهنم‬
‫افعية كما صرح به النووي وابن الصالح يف الطبقات وتبعه ابن السبكي‪ ,‬و ذا‬
‫صنفوا يف املذهب كتبا‪ ,‬وأفتوا وتداولوا وولوا وظائف الشافعية‪ ,‬كما ويل املصنف‬
‫وابن الصباغ تدري الن امية ببغدا ‪ ,‬وويل إماِ احلرمني والغزايل تدري الن امية‬
‫بنيسابور‪ ,‬وويل ابن عبد السالِ اجلابية وال اهرية لقاهرة‪ ,‬وويل ابن قي العيد‬
‫الصالحية اجملاورة ملشهد إمامنا الشافعي ‪ ‬والفاضلية والكاملية وغري ذلر‪,‬‬
‫‪ ,"...‬اعته ‪ ,‬وهي عندي أحسن مما سلر الويل أبو زرعة ‪.8"‬‬
‫ظن أن اعصراف بعض العلماء‬ ‫تبني أن الويل أ زرعة َّ‬‫إن خالصة ما تقدِ َّ‬
‫كالتقي السبكي عن االجتها هو بسبب التمسر لوظائف املرتبة لفقهاء‬
‫تبسم يخه البلقيين له ظن أبو زرعة أعه وافقه عل رأيه‪.7‬‬
‫املذاهب األربعة‪ ,‬وملا َّ‬

‫‪ .8‬اإلعصاف يف بيان أسباب اخلالف للدهلوي (‪.)23‬‬


‫تبسم البلقيين انجتاً عن إ راكه أعه هو املقصو بسؤال تلميذه أيب زرعة‪ ,‬من ب "إ ك أعين‬
‫‪ .7‬قد يكون ُّ‬
‫تبسم استغراب من سؤاله‪.‬‬
‫وا عي جارة"‪ ,‬أو قد يكون َّ‬
‫‪333‬‬
‫ولكن الوجيه ابن ز استدرك عل أيب زرعة أبن البلقيين إماِ جمتهد مطل‬
‫منتسب غري مستقد‪ ,‬وأعه من أهد اليجيح‪ ,‬وخيالف الراجح يف مذهب الشافعية‬
‫أحياان‪ ,‬وهذا حال كثري من علماء الشافعية‪ ,‬وال جيوز أن يعتقد فيهم أهنم تركوا‬
‫االجتها م قدرهتم عليه؛ حرصا عل مناصب القضاء واإلفتاء والتدري وأرزاقها‪,‬‬
‫م علمهم بوجوب االجتها عليهم‪ ,‬ولكن الصحيح أهنم جمتهدون منتسبون‬
‫للمذهب الشافعي‪ ,‬وقد اجتهدوا لفعد يف عد من املسائد‪ ,8‬وخالفوا فيها‬
‫الراجح يف املذهب‪ ,‬وال خيرجون بذلر االجتها عن اعتساِبم ملذهبهم؛ ألهنم‬
‫متمسكون أبصول املذهب وقواعده‪ ,‬وبذلر هلولُّوا وظائف الشافعية‪.‬‬
‫صرح يف‬‫بد إن التقي السبكي رمحه هللا املنسوب إليه التقصري يف االجتها َّ‬
‫بعض فتاواه مبخالفة مذهبه الشافعي‪ ,‬منها رأيه جبواز املزارعة واملخابرة‪ ,‬وجواز‬
‫املساقاة من غري توقي ‪ ,‬فقال‪" :‬ذكرت يف رح املنهاج عن أمحد أن املساقاة‬
‫تصح غري موقتة كالقراض‪ ,‬وإين كن أو لو قال به أحد من أصحابنا حىت‬
‫أوافقه‪ ,‬فإين ال أعرف ال ياط التوقي ليال قو إال اللزوِ‪ ,‬مث قل يف اللزوِ‪:‬‬
‫إين مل ينب يل ليد قوي عل أهنا ال تكون إال الزمة‪ ,... ,‬وذكرت عن بعضهم أعه‬
‫حك اإلمجاع عل جواز إجارة األرض لذهب والفضة‪ ,‬ولي بصحيح؛ ألن‬
‫مجاعة كرهوها‪ ,... ,‬ومل أجسر عل خمالفة األئمة األربعة يف املخابرة إىل جوازها‬
‫وجواز املزارعة من غري تصريح الختيار‪ ,‬وقل ‪ :‬إعه ال ليد عل ا ياط توقي‬
‫املساقاة‪ ,‬وال عل لزومها‪ ,‬ومل أصرح ختيار فيها؛ ألين كن مل أتتب مجلة‬

‫‪ .8‬تقدَِّ يف الفصد الثالث مناذج من استدراك بعض علماء الشافعية عل بعض‪ ,‬بد عل إماِ املذهب‬
‫أحياان‪ ,‬ومل جيدوا حرجا من التصريح بتلر االستدراكات‪ ,‬ومل خيرجوا بذلر عن اعتساِبم ملذاهبهم‪.‬‬
‫‪334‬‬
‫األحا يث وأقوال السلف وحتقيقها‪ ,‬وال ر أن اإلعسان بتتب ذلر هلحيدث هللا‬
‫يف قوة اآلن الختيار بعض ذلر‪ ,‬وهو أن املساقاة‬‫فيه قوة ملن يشاء‪ ,‬وقد حدث َّ‬
‫غري الزمة‪ ,‬وأعه جيوز توقيتها وإطالقها من غري توقي ‪ ,‬وأن املزارعة‪ ,‬واملخابرة‬
‫الصطالح اليوِ‪ ,‬وهو أن يدف األرض ملن يزرعها إما ببذر من عنده وإما من‬
‫املالر‪ ,‬واملال بينهما‪ ,‬جائزاتن"‪.8‬‬
‫التفاف املنهج السلفي على التمذهب الفقهي‬
‫يتف كثري من علماء املنهج السلفي عل من التمذهب الفقهي‪ ,‬فال جيوز‬
‫عند كثري منهم أن يلتزِ املسلم مبذهب فقهي يف سائر عبا اته ومعامالته‪ ,‬وإذا‬
‫أجازه بعضهم فإهنم يهلكثرون اخلروج عنه؛ ترجيحاً ألقوال أخر ‪ ,‬وقد تقدَّم بعض‬
‫عصوصهم ِبذا اخلصوص كقول الشيخ عبدالعزيز بن ز رمحه هللا‪" :‬لي لر أن‬
‫تقلد واحدا مطلقا‪ ,‬بد علير أن تسأل أهد العلم عما أ كد علير‪ ,‬فالتقليد ال‬
‫جيوز‪ ,‬بد جيب عل طالب العلم أن ين ر يف األ لة الشرعية‪ ,‬وخيتار ما تقتضيه‬
‫األ لة‪ ,‬سواء واف األئمة األربعة أِ مل يوافقهم‪ ,‬وإذا كان عاميا فإعه ال يقلد واحدا‬
‫من هؤالء‪ ,‬بد يسأل أهد العلم يف زماعه‪ ,‬أهد العلم لسنة"‪.7‬‬
‫وقد قدَّمنا أن املذهب الفقهي ‪ -‬وإن كان منسو إلمامه‪ ,‬إال أعه ‪ -‬عتيجة‬
‫اجتها مئات العقول العلمية املختصة يف علوِ الشريعة اإلسالمية واللغة العربية‪,‬‬

‫‪ .8‬فتاو السبكي (‪ ,)474/8‬وهذه الفتو وحدها كافية يف ر مجي الشبهات اليت يثريها خصوِ‬
‫املذهبية الفقهية؛ ألهنا ا تمل عل إعا ة االجتها يف فروع املذهب‪ ,‬واعته مبخالفة معتمد الفتو ‪,‬‬
‫وصرح لرجوع إىل السنة وأقوال السلف‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪ .7‬فتاو عور عل الدرب يف موق الشيخ‪.‬‬
‫‪335‬‬
‫فإن كان الشيخ ابن ز ي ن أن املذهب الفقهي ال جيوز تقليده؛ ألعه عتاج عقد‬
‫واحد‪ ,‬فقد وهم وأخطأ‪ ,‬وإن كان يعلم أن املذهب الفقهي عتاج عقول متعد ة‬
‫ومدرسة متكاملة يف سائر العلوِ الشرعية‪ ,‬فقد انقض عفسه؛ ألعه ير جواز هذا‬
‫املسلر‪ ,‬ويدعو إليه‪.‬‬
‫ومن األ لة عل ذلر أن الشيخ عبدالعزيز بن ز رمحه هللا سئد عن كتب‬
‫السنة اليت ينصح قتنائها‪ ,‬فقال‪" :‬كتب السنة كثرية واحلمد هلل‪ ,‬منها الكتب‬
‫الستة كالصحيحني وأيب او واليمذي والنسائي وابن ماجة وموطأ مالر رمحه هللا‬
‫ومسند أمحد‪ ,‬هذه كتب احلديث املعروفة‪ ,‬وهناك كتب أخر معروفة‪ ,‬ومن كتب‬
‫السنة ما ألَّفه أهد العلم املعروفون مثد ما ألفه الشافعي رمحه هللا‪ ,‬كتاب األِ‬
‫للشافعي‪ ,‬واملوطأ ملالر رمحه هللا‪ ,‬ومنها ما ألفه الفقهاء بعد ذلر يف أحكاِ‬
‫الشرع املطهر‪ ,‬ومن أحسن ما ألف يف ذلر مؤلفات يخ اإلسالِ ابن تيمية رمحه‬
‫هللا وابن القيم رمحه هللا‪ ,‬فإن كتبهم جيدة‪ ,‬تعتين لدليد‪ ,‬وتؤ ي احلقائ يف‬
‫مسائد اخلالف‪ ,‬فهي كتب ع يمة‪ ,‬وهكذا كتب أئمة الدعوة الذين عشطوا يف‬
‫الدعوة‪ ,‬وعشروها يف النصف الثاين من القرن الثاين عشر وما بعده‪ ,‬وهم الشيخ‬
‫حممد بن عبد الوهاب رمحه هللا وأحفا ه وأوال ه وأعصاره من عاة السنة‪ ,‬فإن‬
‫كتبهم مفيدة وع يمة‪ ,‬مثد فتاو الشيخ الفتاو النجدية‪ ,‬فتح اجمليد عل كتاب‬
‫التوحيد‪ ,‬مثد كتاب كشف الشبهات‪ ,‬مثد آ اب املشي إىل الصالة‪ ,‬وهكذا يف‬
‫العقيدة‪ ,‬العقيدة الواسطية لشيخ اإلسالِ ابن تيمية‪ ,‬والتدمرية له أيضاً‪ ,‬واحلموية‪,‬‬
‫كد هذه كتب ع يمة ومفيدة"‪.8‬‬

‫‪ .8‬فتاو عور عل الدرب يف موق الشيخ‪.‬‬


‫‪333‬‬
‫وسألته رمحه هللا امرأة عن قائمة أب اء الكتب اليت ينصحها الشيخ بشرائها‬
‫وتوزيعها‪ ,‬فقال‪" :‬ومن أحسنها فيما ععلم كتاب التوحيد للشيخ حممد بن‬
‫عبدالوهاب‪ ,‬كتاب ثالثة األصول‪ ,‬كشف الشبهات‪ ,‬آ اب املشي إىل الصالة‪,‬‬
‫زا املعا البن القيم يف هدي خري العبا ‪ ,‬فتح اجمليد للشيخ عبدالرمحن بن حسن‪,‬‬
‫تيسري العزيز احلميد للشيخ سليمان بن عبد هللا‪ ,‬وكالمها حفيد للشيخ حممد بن‬
‫عبد الوهاب‪ ,‬الصحيحان البخاري ومسلم‪ ,‬سنن أيب او ‪ ,‬سنن اليمذي‪ ,‬سنن‬
‫النسائي‪ ,‬سنن ابن ماجه‪ ,‬سنن الدارمي‪ ,‬موطأ مالر‪ ,‬مسند أمحد‪ ,... ,‬فتاو‬
‫يخ اإلسالِ ابن تيمية‪ ,‬الدرر السنية فتاو أئمة الدعوة اإلسالمية يف د‪ ,‬كد‬
‫هذه كتب ع يمة انفعة‪ ,‬اقتضاء الصراط املستقيم خمالفة أصحاب اجلحيم لشيخ‬
‫اإلسالِ ابن تيمية‪ ,‬العقيدة الواسطية لشيخ اإلسالِ ابن تيمية‪ ,‬الرسالة احلموية‬
‫لشيخ اإلسالِ ابن تيمية‪ ,‬الرسالة التدمرية لشيخ اإلسالِ ابن تيمية‪ ,... ,‬وهكذا‬
‫رح الطحاوية لإلماِ العز‪ ,... ,‬من كتب التفسري تفسري ابن كثري‪ ,‬تفسري ابن‬
‫جرير‪ ,‬تفسري البغوي‪ ,‬تفسري الشوكاين‪ ,‬تفسري القرطيب‪ ,... ,‬مؤلفات أخينا‬
‫العالمة الشيخ عبدهللا بن محيد رمحه هللا‪ ,... ,‬وبعض املؤلفات اليت لنا ويعرفها‬
‫النام‪ ,... ,‬بعض مؤلفات الشيخ صاحل الفوزان"‪.8‬‬
‫أما الشيخ األلباين رمحه هللا فقد سئد عن التزاِ الشاب املتعلم مذهبا فقهيا‪,‬‬
‫فقال‪" :‬األمر خيتلف ختالف اجملتم الذي يعيش فيه هذا الشاب‪ ,‬فإن كان‬
‫بد من أن تكون‬ ‫يعيش يف جمتم مذهيب‪ ,‬ال يعرفون الكتاب والسنة‪ ,... ,‬فال َّ‬
‫راسته مذهبية‪ ,... ,‬أما من كان يعيش يف جمتم ‪ ...‬ال يتبعون مذهبا معينا‪ ,‬إمنا‬

‫‪ .8‬فتاو عور عل الدرب يف موق الشيخ‪.‬‬


‫‪332‬‬
‫يتبعون الكتاب والسنة‪ ,‬سواء كان م زيد أو بكر من األئمة‪ ,‬فينبغي أن يكون ‪-‬‬
‫واحلالة هذه ‪ -‬راسة هذا الشاب من كتب غري مذهبية‪ ,‬وهي ‪ -‬م كوهنا قليلة ‪-‬‬
‫فهي تفتح له أبواب الفقه والفهم من الكتاب والسنة‪ ,‬ولكنه ‪ -‬بال ر ‪-‬‬
‫سيفوته الشيء الكثري من العلم‪ ,... ,‬إال أعه سيجد هناك يف كتب يخ اإلسالِ‬
‫ابن تيمية وتلميذه البار ابن قيم اجلوزية ما يوس جمال أفقه"‪.8‬‬
‫إن تلر اإلجا ت السابقة تبني ثقة علماء املنهج السلفي يف كتب‬
‫واجتها ات يخ اإلسالِ ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وأئمة الدعوة النجدية رمحهم‬
‫هللا مجيعا‪ ,‬وهذا هو عف املبدأ الذي يلتزِ به املنهج املذهيب‪ ,‬فإن كد متمذهب‬
‫مبذهب فقهي يث ‪ -‬إضافة إىل كتب السنة والتفسري املشهورة ‪ -‬يف كتب علماء‬
‫مذهبه يف سائر العلوِ الشرعية‪.‬‬
‫ولذلر فإن عوة علماء املنهج السلفي إىل االستفا ة والتمسر جتها ات‬
‫وكتب يخ اإلسالِ وابن القيم وأئمة الدعوة بيه بدعوة علماء املنهج املذهيب إىل‬
‫االلتزاِ جتها ات علماء مذاهبهم‪ ,‬فعالِ أبيح األول‪ ,‬ومن الثاين؟!‬
‫صرحوا عتمائهم‬‫ويكمن الفرق بني املنهجني أن علماء املنهج املذهيب َّ‬
‫ملذاهبهم الفقهية م إعالن تقديرهم الجتها ات املذاهب الفقهية األخر ‪ ,‬أما‬
‫صرحوا أبهنم يتبعون ما تدل عليه األ لة الشرعية بغض‬ ‫علماء املنهج السلفي فقد َّ‬
‫الن ر عن قائله‪.‬‬
‫ولكن التطبي الفعلي يشهد بتأثر املنهج السلفي الكبري مبدرسة يخ‬
‫اإلسالِ وابن القيم وأئمة الدعوة‪ ,‬ومن األ لة عل ذلر فتو الشيخ عبدالعزيز بن‬

‫‪ .8‬سلسلة ا د والنور لأللباين‪ ,‬الشريط رقم (‪.)582‬‬


‫‪331‬‬
‫ز رمحه هللا بعدِ وقوع طالق احلائض؛ اختيارا منه لرأي يخ اإلسالِ ابن تيمية‬
‫املخالف لرأي مجهور العلماء‪ ,‬فإعه ملا سئد عن هذه املسألة قال‪" :‬طالق احلائض‬
‫ال يق يف أصح قويل العلماء‪ ,‬خالفاً لقول اجلمهور‪ ,‬مجهور أهد العلم يقولون‪ :‬إعه‬
‫يق ‪ ,‬طالق احلائض يق ‪ ,‬وطالق النفساء يق ‪ ,‬ولكن الصحيح من قويل‬
‫العلماء‪ ,8‬الذي أفىت به بعض التابعني‪ ,‬وأفىت به ابن عمر رضي هللا عنهما‪ ,‬واختاره‬
‫يخ اإلسالِ ابن تيمية وتلميذه العالمة ابن القيم ومجا من أهد العلم‪ ,‬هذا‬
‫الطالق ال يق ؛ ألعه خالف رع هللا؛ ألن هللا رع أن تطلَّ املرأة يف حال الطهر‬
‫من النفام واحليض‪ ,‬ويف حال مل يكن جامعها زوجها فيها‪ ,‬هذا هو الطالق‬
‫الشرعي‪ ,‬فإذا طلقها يف حيض أو عفام أو يف طهر جامعها فيه‪ ,‬فإن هذا الطالق‬
‫بدعة‪ ,‬وال يق عل الصحيح من قويل العلماء"‪.7‬‬
‫فالحظ ترجيح الشيخ ابن ز عفا هللا عنه للرأي الذي قال به ابن تيمية‬
‫وابن القيم م معرفته أبن القول بوقوع طالق احلائض هو قول مجهور العلماء‪ ,‬ومل‬
‫صرح أبعه الصحيح من قويل العلماء‪ ,‬فهد كان الشيخ غافال‬ ‫يكتف ليجيح‪ ,‬بد َّ‬
‫أن مقابد الصحيح هو اخلطأ؟! وهد فتواه تلر ختطئة جلمهور العلماء؟!‬
‫ومما حيسن التنبيه إليه أن مجهور العلماء يرون وقوع طالق احلائض‪ ,‬ومل‬
‫خيالف يف ذلر إال فرق مبتدعة‪ ,‬قال ابن قدامة رمحه هللا‪" :‬فإن طل للبدعة‪ ,‬وهو‬

‫‪ . 8‬يكثر يف فتاو الشيخ ابن ز وصف ترجيحاته لصحيح‪ ,‬ويف النف منها يء‪ ,‬إذ كيف يكون‬
‫الصحيح خالف ما عليه اجلمهور كما يف فتو طالق احلائض‪ ,‬ولو أن هذا الوصف ور يف فتاو الشيخ‬
‫قليالً ملا كان مثَّ اعياض؛ الحتمال أن يصيب احل َّ فر واحد‪ ,‬ولكن كثرة تر يده حيوج إىل حتليد الفتاو‬
‫الوار ة يف ثنا ها‪.‬‬
‫‪ .7‬فتاو عور عل الدرب يف موق الشيخ‪.‬‬
‫‪339‬‬
‫أن يطلقها حائضا أو يف طهر أصاِبا فيه‪ ,‬أمث ووق طالقه يف قول عامة أهد‬
‫العلم‪ ,‬قال ابن املنذر وابن عبدالب‪" :‬مل خيالف يف ذلر إال أهد البدع والضالل"‪,‬‬
‫وحكاه أبو عصر عن ابن علية وهشاِ بن احلكم والشيعة‪ ,‬قالوا‪ :‬ال يق طالقه؛‬
‫ألن هللا تعاىل أمر به يف قهلـبهلد العدة‪ ,‬فإذا طل يف غريه مل يق "‪.8‬‬
‫وقال اإلماِ أبو احلسن القطان رمحه هللا (‪371-...‬هـ)‪" :‬وطلَّ ابن عمر‬
‫امرأته حائضا‪ ,‬واحتسب لتطليقة‪ ,‬وكد من حيفظ عنه من أهد العلم يقول‪ :‬إن‬
‫احلائض يق ِبا الطالق إال انسا من أهد البدع ال يعتد بقو م"‪.7‬‬
‫ومن األمثلة التطبيقية لتأثُّر الشيخ ابن ز رمحه هللا مبدرسة ابن تيمية وابن‬
‫القيم رمحهما هللا فتواه بعدِ وقوع احللف لطالق‪ ,‬فقال‪" :‬وأما احللف لطالق‬
‫فقد كن فيما مض أفيت لوقوع‪ ,‬مث ظهر يل أخرياً من حنو سنة أو أكثر قليال‬
‫عدِ الوقوع‪ ,‬وأفتي بذلر مرات كثرية إذا كان املطل مل ير إيقاع الطالق عند‬
‫وقوع الشرط‪ ,‬وإمنا أرا معىن آخر من حث أو من أو تصدي أو تكذيب‪ ,‬وال‬
‫خيف أن هذا هو اختيار يخ اإلسالِ ابن تيمية وتلميذه العالمة ابن القيم رمحة‬
‫هللا عليهما"‪.3‬‬

‫‪ .8‬املغين البن قدامة (‪.)372/81‬‬


‫‪ .7‬اإلقناع يف مسائد اإلمجاع للقطان (‪ ,)8732/3‬قال حمققه الدكتور فاروق محا ة‪" :‬واعتصر ذا الرأي‬
‫‪ -‬أي عدِ وقوع طالق احلائض ‪ -‬ابن حزِ‪ ,‬و اف عنه بقوة‪ ,‬وتبعه عليها ابن تيمية وتلميذه ابن القيم‬
‫من املتأخرين‪ ,‬واتبعهم عل ذلر كثري من املعاصرين ألسباب اجتماعية وإعساعية كما يدَّعون‪ ,‬وبذلر‬
‫ركبوا الصعب والذلول يف أبضاع النساء وأعساب النام"‪.‬‬
‫‪ .3‬فتاو يف موق الشيخ‪.‬‬
‫‪321‬‬
‫ومن األمثلة التطبيقية لتأثر الشيخ حممد بن عثيمني رمحه هللا مبدرسة ابن‬
‫تيمية فتواه مبشروعية القصر واجلم للمسافر ولو أقاِ يف جهة سفره سنني‪ ,‬فإعه ملا‬
‫سئد عن القول الراجح يف مسألة القصر لنسبة لطالب اجلامعة الوافدين إىل‬
‫اململكة‪ ,‬وبعد كد عاِ يسافرون إىل بال هم يف اإلجازة‪ ,‬مث يعو ون وهكذا حىت‬
‫تنتهي مدة الدراسة‪ ,‬قال‪" :‬الذي عر يف هذه املسألة أن اإلعسان ما اِ مل‬
‫يستوطن البلد أو يعزِ عل اإلقامة املطلقة فإعه مسافر ولو طال مدته؛ ألعه مل‬
‫يتخذ هذا البلد وطناً‪ ,‬ومل ينو اإلقامة فيه إقامة مطلقة‪ ,‬وإمنا عو إقامة مقيدة إما‬
‫بزمن وإما بعمد‪ ,... ,‬فاملسألة الثاعية ‪ -‬أعين حتديد اإلقامة لعمد ‪ -‬عص‬
‫الفقهاء كلهم عل أعه ما اِ مل يعزِ إقامة مطلقة فإعه له أن يقصر الصالة‪ ,‬وهو‬
‫موجو يف خمتصرات املتون ومطوالهتا‪ ,8‬وأعه يقصر ولو بقي سنني‪ ,‬يقصر أبدا‪ ,‬فلو‬
‫فرض أعه أقاِ للعالج‪ ,‬وطال عالجه سنوات‪ ,‬فله أن يقصر؛ ألعه مل ينو إقامة‬
‫مطلقة‪ ,‬إمنا عو إقامة مقيدة ِبذا العمد أو ِبذا الغرض‪ ,‬وكذلر لو أقاِ ما اِ‬
‫هذا العامل موجوًا‪ ,‬وعمر العامل مخسني سنة أو ستني سنة‪ ,‬فإعه يقصر‪ ,‬بقينا يف‬
‫اإلقامة احملد ة مبدة‪ ,... ,‬والذي تدل عليه األ لة الشرعية فيما أر أعه ما اِ مل‬
‫يعزِ إقامة مطلقة أو استيطاانً‪ ,‬فإن له حكم املسافر؛ ألن هذا الدارم مثالً يف‬
‫اجلامعة يقول‪ :‬لو أعطي الشها ة اليوِ لسافرت‪ ,‬أان لس من أهد البلد‪ ,‬وال‬
‫أريد اإلقامة يف البلد‪ ,‬أان أتي لغرض الدراسة‪ ,‬لكن الدراسة حمد ة أبربعة سنوات‬

‫‪ .8‬هذا الكالِ غري قي ‪ ,‬وسأانقشه بعد قليد‪.‬‬


‫‪328‬‬
‫أو أكثر‪ ,‬فما م مل أخترج فأان مقيم ِبذا البلد‪ ,... ,‬وهذا الذي ذكرته هو الذي‬
‫اختاره يخ اإلسالِ ابن تيمية رمحه هللا"‪.8‬‬
‫فالحظ تعويد الشيخ ابن عثيمني عفا هللا عنه عل اختيار ابن تيمية؛ لتقوية‬
‫وغرب ‪ ,‬حىت صار املبتعثون‬ ‫قوله وإقناع املستفيت به‪ ,‬وقد َّرق فتو الشيخ َّ‬
‫للدراسة يقصرون الصالة مدة ابتعاثهم‪ ,‬وهم يعلمون أهنم سيقيمون سنوات طويلة‬
‫حتماً‪ ,‬وينوون تلر اإلقامة الطويلة جزماً‪ ,‬فال حول وال قوة إال هلل‪.‬‬
‫ومما حيسن التنبيه إليه أن الشيخ ابن عثيمني خمالف بفتواه جلماهري العلماء‪,‬‬
‫قال اإلماِ ابن القطان رمحه هللا‪" :‬وأمج كد من هلحيفظ عنه من أهد العلم عل أن‬
‫املسافر إذا أمج أن يقيم ما أقاِ النيب ‪ ‬قصر‪ ,‬وإذا أمج عل أكثر من ذلر‬
‫أمت‪ ,‬وأمجعوا عل ما ون األرب أعه يقصر‪ ,‬وأمج أهد العلم عل من عزِ عل‬
‫مقاِ مخ عشرة ليلة أن عليه اإلمتاِ‪ ,‬وال أعلم خالفا يف أن املسافر ال يلزمه‬
‫اإلمتاِ ما مل جيم عية عل اإلقامة"‪.7‬‬
‫وأما تصريح الشيخ ابن عثيمني أبن خمتصرات املتون ومطوالهتا تنص عل‬
‫جواز القصر للمسافر ما اِ مل يعزِ إقامة مطلقة‪ ,‬فإن هذا الكالِ غري قي ‪ ,‬بد‬
‫املنصوص عليه يف مذهب احلنابلة أن من جهد مدة إقامته فله القصر أبدا إذا كان‬
‫ال يعلم أهنا تنتهي بعد أكثر من أربعة أ ِ‪ ,‬مبعىن أعه يتوق اعتهاءها يف يوِ أو‬
‫يومني أو ثالثة أو أربعة‪ ,‬ال أكثر من ذلر‪ ,‬فلم ينو إقامة أكثر من أربعة أ ِ‪ ,‬أما‬

‫‪ .8‬فتاو عور عل الدرب يف املوق الر ي للشيخ ابن عثيمني‪.‬‬


‫‪ .7‬اإلقناع يف مسائد اإلمجاع البن القطان (‪.)424/7‬‬
‫‪327‬‬
‫من غلب عل ظنه أهنا تنتهي بعد أكثر من أربعة أ ِ حتما‪ ,‬فنو إقامتها‪,‬‬
‫فيجب عليه اإلمتاِ‪.‬‬
‫قال الشيخ منصور البهو رمحه هللا (‪8158-8111‬هـ)‪(" :‬أو عو إقامة‬
‫أكثر من أربعة أ ِ) أمت‪ ,‬وإن أقاِ أربعة أ ِ فقط قصر‪( ,... ,‬وإن حب ) ظلما‬
‫أو مبرض أو مطر وحنوه‪( ,‬ومل ينو إقامة) قصر أبدا‪( ,... ,‬أو أقاِ لقضاء حاجة‬
‫بال عية إقامة)‪ ,‬ال يدري مىت تنقضي‪( ,‬قصر أبدا)‪ ,‬غلب عل ظنه كثرة ذلر أو‬
‫قلته‪ ,... ,‬وإن ظن أن ال تنقضي إال فوق أربعة أ ِ أمت"‪.8‬‬
‫وقد يقول قائد‪ :‬إن الشيخ ابن ز والشيخ ابن عثيمني وافقا يخ اإلسالِ‬
‫ابن تيمية يف عدة مسائد؛ اجتها اً ال تقليداً‪ ,‬والدليد عل ذلر أهنما خالفاه يف‬
‫مسائد أخر ‪ ,‬فاجلواب‪ :‬وكذلر علماء كد مذهب‪ ,‬وخصوصا طبقة أصحاب‬
‫إماِ املذهب‪ ,‬فقد خالفوا إمامهم يف عدة مسائد‪ ,‬األمر الذي يؤكد أهنم وافقوه‬
‫اجتها اً ال تقليداً‪ ,‬وأن طبقات أتباع املذاهب الفقهية تتفاوت‪ ,‬وقد قدَّمنا هذا‬
‫سابقا يف الفصد الثالث‪.‬‬
‫إنكار مسائل اخلالف‬
‫من القواعد الفقهية اليت تكا تتف عليها كلمة فقهاء املسلمني قاعدة‪" :‬ال‬
‫إعكار يف مسائد اخلالف"‪ ,‬وهي قاعدة تضبط التعامد م اخلالف الفقهي‪ ,‬وقد‬
‫تقدَِّ احلديث عنها سابقا‪.‬‬
‫صرح برفضه لعموِ هذه القاعدة‪,‬‬
‫إال أن يخ اإلسالِ ابن تيمية رمحه هللا َّ‬
‫فقال‪" :‬وقو م‪ :‬مسائد اخلالف ال إعكار فيها‪ ,‬لي بصحيح‪ ,‬فإن اإلعكار إما أن‬

‫‪ .8‬رح زا املستقن للبهو (‪.)391/7‬‬


‫‪323‬‬
‫يتوجه إىل القول حلكم أو العمد‪ ,‬أما األول فإذا كان القول خيالف سنة أو إمجاعا‬
‫قدَيا وجب إعكاره وفاقا‪ ,‬وإن مل يكن كذلر فإعه ينكر‪ ,‬مبعىن بيان ضعفه‪ ,‬عند‬
‫من يقول‪ :‬املصيب واحد‪ ,‬وهم عامة السلف والفقهاء‪ ,‬وأما العمد فإذا كان عل‬
‫خالف سنة أو إمجاع وجب إعكاره أيضا حبسب رجات اإلعكار كما ذكرانه من‬
‫حديث ارب النبيذ املختلف فيه‪ ,‬وكما ينقض حكم احلاكم إذا خالف سنة‪ ,‬وإن‬
‫كان قد اتب بعض العلماء‪ ,‬وأما إذا مل يكن يف املسألة سنة وال إمجاع‪ ,‬ولالجتها‬
‫فيها مساغ‪ ,‬مل ينكر عل من عمد ِبا جمتهدا أو مقلدا"‪.8‬‬
‫فهذا القول من ابن تيمية يدل عل من اإلعكار يف العمد ملسائد اليت مل‬
‫أيت فيها عص‪ ,‬أو مل يثب فيها إمجاع‪ ,‬ولالجتها فيها وجه‪ ,‬وما عدا ذلر فإن‬
‫اإلعكار مشروع‪ ,‬ويشمد ذلر القول ملسائد اليت ال ختالف سنة أو إمجاعا عند‬
‫مجهور السلف والفقهاء؛ ألهنم يقولون‪ :‬إن املصيب واحد‪.‬‬
‫ولكن مجهور الفقهاء يستدركون عل ابن تيمية‪ ,‬ويقولون‪ :‬إن املصيب‬
‫معني‪ ,‬ولذلر ال يتوجه اإلعكار عل اجملتهدين وال عل‬ ‫واحد‪ ,‬ولكنه غري َّ‬
‫مقلديهم‪ ,‬ال يف أقوا م وال يف أعما م‪.‬‬
‫وممن َّ‬
‫أكد هذا املعىن اإلماِ البهو احلنبلي رمحه هللا حيث قال‪" :‬وال إعكار‬
‫يف مسائد االجتها ‪ ,‬أي لي ألحد أن ينكر عل جمتهد أو مقلد فيما يسوغ فيه‬
‫االجتها ‪ ,‬ولو قلنا‪ :‬املصيب واحد؛ لعدِ القط بعينه"‪ ,7‬وممن عص عليه أيضا‬

‫‪ .8‬الفتاو الكب البن تيمية (‪.)93/3‬‬


‫‪ .7‬رح منته اإلرا ات للبهو (‪.)725/8‬‬
‫‪324‬‬
‫العالمة ابن ضو ن رمحه هللا (‪8353-...‬هـ) حيث قال‪" :‬وال إعكار يف مسائد‬
‫االجتها ؛ لعدِ الدليد‪ ,‬ولو قلنا املصيب واحد"‪.8‬‬
‫ولذلر فإعه من اخلطأ التعصب واالحتساب عل أتباع املذاهب الفقهية‬
‫األربعة فيما اختلفوا فيه من مسائد االجتها ‪ ,‬وال يفعد هذا إال اجلهال‪ ,‬قال‬
‫العالمة السيوطي الرحيباين رمحه هللا (‪8743-...‬هـ)‪(" :‬وال إعكار يف مسائد‬
‫االجتها )‪ ,‬قال ابن اجلوزي يف السر املصون‪ :‬رأي مجاعة من املنتسبني إىل العلم‪,‬‬
‫يعملون عمد العواِ‪ ,‬فإذا صل احلنبلي يف مسجد افعي تعصب الشافعية‪ ,‬وإذا‬
‫صل الشافعي يف مسجد حنبلي وجهر لبسملة تعصب احلنابلة‪ ,‬وهذه مسألة‬
‫اجتها ية‪ ,‬والعصبية فيها جمر أهواء َين منها العلم"‪.7‬‬
‫بد إن ابن تيمية رمحه هللا له عصوص أخر ‪ ,‬تدل عل عدِ اإلعكار يف‬
‫مسائد االجتها ‪ ,‬فإعه سئد عمن يقلد بعض العلماء يف مسائد االجتها ‪ ,‬فهد‬
‫ينكر عليه أِ يهجر؟ وكذلر من يعمد أبحد القولني؟ فقال‪" :‬مسائد االجتها‬
‫من عمد فيها بقول بعض العلماء مل ينكر عليه‪ ,‬ومل يهجر‪ ,‬ومن عمد أبحد‬
‫القولني مل ينكر عليه‪ ,‬وإذا كان يف املسألة قوالن‪ :‬فإن كان اإلعسان ي هر له‬
‫رجحان أحد القولني عمد به‪ ,‬وإال قلد بعض العلماء الذين يعتمد عليهم يف بيان‬
‫أرجح القولني"‪.3‬‬

‫‪ .8‬منار السبيد البن ضو ن (‪.)875/8‬‬


‫‪ .7‬مطالب أويل النه للسيوطي الرحيباين (‪.)333/8‬‬
‫‪ .3‬جمموع الفتاو البن تيمية (‪.)712/71‬‬
‫‪325‬‬
‫وسئد ابن تيمية أيضا عن املتمذهبني ملذاهب األربعة‪ :‬هد تصح صالة‬
‫بعضهم خلف بعض أِ ال؟ وهد قال أحد مـن السلف‪ :‬إعه ال يصلي بعضهم‬
‫خلف بعض؟ ومن قال ذلر‪ ,‬فهد هو مبتدع أِ ال؟‬
‫فأجاب بقوله‪" :‬ععم‪ ,‬جتوز صالة بعضهم خلف بعض‪ ,‬كما كان الصحابة‪,‬‬
‫والتابعون م إبحسان‪ ,‬ومن بعدهم من األئمة األربعة‪ ,‬يصلي بعضهم خلف‬
‫بعض‪ ,‬م تنازعهم يف هذه املسائد املذكورة وغريها‪ ,‬ومل يقد أحد من السلف‪ :‬إعه‬
‫ال يصلي بعضهم خلف بعض‪ ,‬ومن أعكر ذلر فهو مبتدع ضال‪ ,‬خمالف للكتاب‬
‫والسنة‪ ,‬وإمجاع سلف األمة وأئمتها‪ ,‬وقد كان الصحابة والتابعون ومن بعدهم‪:‬‬
‫منهم من يقرأ البسملة‪ ,‬ومنهم من ال يقرأها‪ ,‬ومنهم من جيهر ِبا‪ ,‬ومنهم من ال‬
‫جيهر ِبا‪ ,‬وكان منهم من يقن يف الفجر‪ ,‬ومنهم من ال يقن ‪ ,‬ومنهم من يتوضأ‬
‫من احلجامة والرعاف والقيء‪ ,‬ومنهم من ال يتوضأ من ذلر‪ ,‬ومنهم من يتوضأ‬
‫من م الذكر‪ ,‬وم النساء بشهوة‪ ,‬ومنهم من ال يتوضأ من ذلر‪ ,‬ومنهم من‬
‫يتوضأ من القهقهة يف صالته‪ ,‬ومنهم من ال يتوضأ من ذلر‪ ,‬ومنهم من يتوضأ‬
‫من أكد حلم اإلبد‪ ,‬ومنهم من ال يتوضأ من ذلر‪ ,‬وم هذا‪ ,‬فقد كان بعضهم‬
‫يصلي خلف بعض"‪.8‬‬
‫ومن النصوص الراقية يف التعامد م اخلالف الفقهي ما قاله اإلماِ النووي‬
‫رمحه هللا‪" :‬مث العلماء إمنا ينكرون ما أهلمج عليه‪ ,‬أما املختلف فيه فال إعكار فيه؛‬
‫ألن عل أحد املذهبني‪ :‬كد جمتهد مصيب‪ ,‬وهذا هو املختار عند كثريين من‬

‫‪ .8‬الفتاو الكب البن تيمية (‪ ,)382/7‬وجمموع الفتاو له (‪ ,)323/73‬واع ر الفتاو اليت بعد‬
‫فتواه تلر‪.‬‬
‫‪323‬‬
‫احملققني أو أكثرهم‪ ,‬وعل املذهب اآلخر‪ :‬املصيب واحد‪ ,‬واملخطئ غري متعني‬
‫لنا‪ ,‬واإلمث مرفوع عنه‪ ,‬لكن إن عدبه عل جهة النصيحة إىل اخلروج من اخلالف‬
‫فهو حسن حمبوب مندوب إىل فعله برف ‪ ,‬فإن العلماء متفقون عل احلث عل‬
‫اخلروج من اخلالف إذا مل يلزِ منه إخالل بسنة أو وقوع يف خالف آخر‪ ,‬وذكر‬
‫أقض القضاة أبو احلسن املاور ي البصري الشافعي يف كتابه "األحكاِ السلطاعية"‬
‫خالفا بني العلماء يف أن من قلده السلطان احلسبة‪ ,‬هد له أن حيمد النام عل‬
‫مذهبه فيما اختلف فيه الفقهاء إذا كان احملتسب من أهد االجتها ‪ ,‬أِ ال يغري ما‬
‫كان عل مذهب غريه؟ واألصح أعه ال يغري؛ ملا ذكرانه‪ ,‬ومل يزل اخلالف يف الفروع‬
‫بني الصحابة والتابعني فمن بعدهم ‪ ‬أمجعني‪ ,‬وال ينكر حمتسب وال غريه عل‬
‫غريه‪ ,‬وكذلر قالوا‪ :‬لي للمفيت وال للقاضي أن يعيض عل من خالفه إذا مل‬
‫خيالف عصا أو إمجاعا أو قياسا جليا"‪.8‬‬
‫اجلرأة على منصب االجتهاد‬
‫من احلقائ املشيكة بني كثري من علماء املنهج السلفي تيسريهل االجتها‬
‫الشرعي‪ ,7‬وتعويد صغار طلبة العلم عل اليجيح واالجتها منذ بداية أ مهم يف‬
‫طلب العلم‪ ,‬األمر الذي أ َّ إىل جرأة عجيبة عل اليبُّ عل كرسي االجتها‬
‫وتسلُّ أسواره العالية‪.‬‬
‫قال الشيخ حممد بن عبدالوهاب رمحه هللا (‪8713-8885‬هـ)‪" :‬األصد‬
‫السا م‪ :‬رُّ الشبهة اليت وضعها الشيطان يف ترك القرآن والسنة‪ ,‬واتباع اآلراء‬

‫‪ .8‬رح صحيح مسلم للنووي (‪.)73/7‬‬


‫‪ .7‬عرض روط االجتها الشرعي يف الفصد األول‪.‬‬
‫‪322‬‬
‫واألهواء املتفرقة املختلفة‪ ,‬وهي أن القرآن والسنة ال يعرفهما إال اجملتهد املطل ‪,‬‬
‫واجملتهد هو املوصوف بكذا وكذا‪ ,‬أوصافاً لعلها ال توجد اتمةً يف أيب بكر وعمر‪,‬‬
‫ر وال إ كال فيه‪,‬‬ ‫فإن مل يكن اإلعسان كذلر فليعرض عنهما فرضاً حتماً ال َّ‬
‫ومن طلب ا د منهما فهو إما زعدي وإما جمنون؛ ألجد صعوبة فهمها‪,‬‬
‫فسبحان هللا وحبمده‪ ,‬كم َّبني هللا سبحاعه رعاً وقدراً‪ ,‬خلقاً وأمراً‪ ,‬يف ر هذه‬
‫الشبهة امللعوعة من وجوه ىت‪ ,‬بلغ إىل حد الضرور ت العامة"‪.8‬‬
‫كمد‬
‫وقال الشيخ الصنعاين رمحه هللا (‪8817-8199‬هـ)‪" :‬إن هللا سبحاعه َّ‬
‫وفهم رسول هللا ‪ ,‬وحفظ تعاىل كتابه‬ ‫عقول العبا ‪ ,‬ورزقهم فهم كالمه وما أرا ‪ ,‬ا‬
‫وسنة رسوله إىل يوِ التنا ‪ ,‬أبن كثريا من اآل ت القرآعية واألحا يث النبوية ال‬
‫حيتاج يف معناها إىل علم النحو وإىل علم األصول‪ ,‬بد يف األفهاِ والطباع والعقول‬
‫ما سارع به إىل معرفة املرا منها عند قرعها األ اع‪ ,‬من ون ع ر إىل يء من‬
‫فإن من قرع عه قولهله تعاىل‪" :‬وما‬ ‫تلر القواعد األصولية واألصول النحوية‪َّ ,‬‬
‫تقدموا ألعفسكم من خري جتدوه عند هللا"‪ ,‬يفهم معناه من ون أن يعرف أن "ما"‬
‫كلمة رط‪ ,‬و"تقدموا" جمزوِ ِبا؛ ألعه رطها‪ ,‬و"جتدوه" جمزوِ ِبا؛ ألعه جزاؤه‪,‬‬
‫‪ ,...‬يهلفهم من الكد ما أريد منها من غري أن يعرف أسرار العلوِ العربية و قائ‬
‫القواعد األصولية‪ ,... ,‬بد تراهم يسمعون القرآن‪ ,‬فيفهمون معناه‪ ,‬ويبكون‬
‫عري ما‬ ‫لقوارعه وما حواه‪ ,‬وال يعرفون إعرا وال غريه مما سقناه‪ ,... ,‬فلي‬
‫الذي خص الكتاب والسنة ملن عن معرفة معاعيها‪ ,‬وفهم تراكيبها ومباعيها‪,‬‬
‫واإلعراض عن استخراج ما فيها‪ ,‬حىت جعل معاعيها كاملقصورات يف اخلياِ‪ ,‬قد‬

‫‪ .8‬الدرر السنية يف األجوبة النجدية (‪.)824/8‬‬


‫‪321‬‬
‫ضرب وهنا السجوف‪ ,‬ومل يب لنا إليها إال تر يد ألفاظها واحلروف‪ ,‬وإن استنباط‬
‫معاهنيا قد صار حجرا حمجورا‪ ,‬وحرما حمرما حمصورا"‪.8‬‬
‫وقال الشيخ األلباين رمحه هللا‪" :‬من السهد يف كثري من األحيان عل بعض‬
‫أذكياء العامة أن يعرف احلجة؛ لوضوحها يف النص الذي بلغه‪ ,‬فمن ذا الذي يزعم‬
‫أن مثد قوله ‪" :‬التيمم ضربة واحدة للوجه والكفني"‪ ,‬ال تبني احلجة فيه م‪ ,‬بد‬
‫وملن وهنم يف الذكاء‪ ,‬ولذلر فاحل أن يقال‪ :‬إن من عجز عن معرفة الدليد فهو‬
‫الذي جيب عليه التقليد‪ ,‬وال يكلف هللا عفسا إال وسعها"‪.7‬‬
‫إن هذه النصوص وأ باهها كثرية‪ ,‬وهي تشري يف جمملها إىل ختفيف روط‬
‫االجتها ‪ ,‬وتدعو إىل الن ر املبا ر يف الكتاب والسنة‪ ,‬وإغفال القواعد األصولية‬
‫والنحوية ولو لعواِ املسلمني حبجة أهنم يفهمون القرآن والسنة مبا رة‪ ,‬والدليد‬
‫عل ذلر أهنم يتأثرون آب ت الوعد والوعيد ‪ -‬كما ذكر الصنعاين ‪ ,-‬وَيكنهم‬
‫فهم ليد املسألة – كما ذكر األلباين ‪.-‬‬
‫وملناقشة هذا الكالِ ينبغي توضيح أن القرآن الكرمي والسنة النبوية يتضمنان‬
‫عدة معاين‪ ,‬و ما عدة أغراض‪ ,‬منها بيان أصول الدين كأركان اإلَيان واإلسالِ‪,‬‬
‫وأحكاِ العبا ات واملعامالت وغريها من األحكاِ الفقهية‪ ,‬والقصص واملواعظ‪,‬‬
‫وقد أ ار العلماء إىل تلر املعاين اليت يتضمنها القرآن – ومثله السنة – يف قو م‪:‬‬
‫س ـ ـأهلعابيكها يف بي ـ ـ ـ ــعر بـ ــال خلـ ــد‬ ‫أال إمن ـ ـ ـ ـ ــا الق ـ ـ ـ ـ ــرآن تس ـ ـ ـ ـ ــعةهل أحـ ـ ـ ـ ـ ــرف‬
‫بشـ ـ ـ ـ ــري ع ـ ـ ـ ـ ــذير قص ـ ـ ـ ـ ــة ع ـ ـ ـ ـ ــة مث ـ ـ ـ ـ ــد‬ ‫ح ـ ـ ـ ـ ـ ــالل حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراِ حمك ـ ـ ـ ـ ـ ــم متش ـ ـ ـ ـ ـ ــابه‬

‫‪ .8‬إر ا النقا إىل تيسري االجتها للصنعاين (‪.)851‬‬


‫‪ .7‬احلديث حجة بنفسه يف العقائد واألحكاِ لأللباين (‪.)18‬‬
‫‪329‬‬
‫فعموِ املسلمني َيكنهم فهم بعض اآل ت واألحا يث مبا رة‪ ,‬سواء منها‬
‫ما يتعل أبصول الدين أو أحكاِ الفقه أو قصص األعبياء أو املواعظ واألخالق أو‬
‫غريها‪ ,‬فعل سبيد املثال َيكن ألي مسلم يقرأ قول هللا تعاىل‪" :‬قد إمنا أان منذر‬
‫وما من إله إال هللا الواحد القهار" أن يفهم وحداعية هللا وقهره ملخلوقاته‪ ,‬ويقرأ قوله‬
‫تعاىل‪" :‬اقيب للنام حساِبم وهم يف غفلة معرضون" أن يفهم اقياب قياِ الساعة‬
‫يف غفلة من النام عنها‪ ,‬ويقرأ قوله تعاىل‪ " :‬أيها الذين آمنوا كتب عليكم‬
‫الصياِ كما كتب عل الذين من قبلكم لعلكم تتقون" أن يفهم وجوب الصوِ‪,‬‬
‫ويقرأ قوله تعاىل‪" :‬قد أفلح املؤمنون الذين هم يف صالهتم خا عون" أن يفهم أمهية‬
‫اخلشوع يف الصالة‪ ,‬ويقرأ قوله تعاىل‪ " :‬أيها الذين آمنوا ال يسخر قوِ من قوِ‬
‫عس أن يكوعوا خريا منهم" أن يفهم حرمة االستهزاء لنام‪ ,‬وغري ذلر‪.‬‬
‫لكن كثرياً من اآل ت واألحا يث حتتاج علماً وعقالً لفهمها واستنباط‬ ‫و َّ‬
‫معاعيها‪ ,‬فعل سبيد املثال‪ ,‬هد َيكن لعموِ املسلمني أن يستنبطوا أحكاِ احلج‬
‫والعمرة يف قول هللا تعاىل‪" :‬وأمتوا احلج والعمرة هلل فإن أحصرمت فما استيسر من‬
‫ا دي وال حتلقوا رءوسكم حىت يبلغ ا دي حمله فمن كان منكم مريضا أو به أذ‬
‫من رأسه ففدية من صياِ أو صدقة أو عسر فإذا أمنتم فمن متت لعمرة إىل احلج‬
‫فما استيسر من ا دي فمن مل جيد فصياِ ثالثة أ ِ يف احلج وسبعة إذا رجعتم‬
‫تلر عشرة كاملة ذلر ملن مل يكن أهله حاضري املسجد احلراِ واتقوا هللا واعلموا‬
‫أن هللا ديد العقاب"‪ ,‬وأن يستنبطوا أحكاِ اإليالء يف قوله تعاىل‪" :‬للذين يؤلون‬
‫من عسائهم تربص أربعة أ هر فإن فاءوا فإن هللا غفور رحيم ‪ ,‬وإن عزموا الطالق‬
‫فإن هللا ي عليم"‪ ,‬وغري ذلر‪.‬‬

‫‪311‬‬
‫علي بن أيب طالب ‪ ‬عندما سألة أبو‬ ‫وهذا هو ما بيَّنه أمري املؤمنني سيدان ُّ‬
‫جحيفة‪ :‬هد عندكم يء من الوحي إال ما يف كتاب هللا؟ فقال علي ‪" :‬ال‬
‫والذي فل احلبة وبرأ النسمة‪ ,‬ما أعلمه إال افهماً‪ ,‬يعطيه هللا رجالً يف القرآن"‪.8‬‬
‫وقد كان رسول هللا ‪ ‬ينتقي علماء أصحابه ‪ ‬لريسلهم إىل املدن والقر ‪,‬‬
‫فقد أرسد معاذ بن جبد ‪ ‬إىل خمالف يف اليمن‪ ,7‬وأرسد أ موس األ عري‬
‫‪ ‬إىل خمالف آخر‪ ,‬وكان اليمن خمالفني‪.3‬‬
‫وأرسد عمر بن اخلطاب إىل الكوفة عبدهللا بن مسعو رضي هللا عنهما‬
‫هلمعلما‪ ,‬فمألها علما وفقها وقرآان‪ ,‬وملا اعتقد إليها أمري املؤمنني علي بن أيب طالب‬
‫‪ ‬فرح؛ لكثرة فقهائها‪ ,‬وقال‪" :‬رحم هللا ابن أِ عبد‪ ,‬قد مأل هذه القرية علما"‪.4‬‬
‫وقد اتفق كلمة العلماء الراسخني يف العلم واملدركني حلقيقة االجتها‬
‫الشرعي عل خطورته وصعوبته ومن غري احملققني لشروطه من اقتحامه واعتالء‬
‫منصبه‪ ,‬فعل سبيد املثال قال اإلماِ الشاطيب رمحه هللا‪" :‬االجتها الواق يف‬
‫الشريعة ضر ن‪ :‬أحدمها االجتها املعتب رعا‪ ,... ,‬والثاين‪ :‬غري املعتب‪ ,‬وهو‬

‫‪ . 8‬رواه البخاري وأمحد والنسائي واليمذي وابن ماجه‪ ,‬قال احلافظ ابن حجر يف ب كتابة العلم يف‬
‫الفتح‪" :‬وإمنا سأله أبو جحيفة عن ذلر؛ ألن مجاعةً من الشيعة كاعوا يزعمون أن عند أهد البي ‪ -‬ال‬
‫سيما عليا ‪ - ‬أ ياء من الوحي‪ ,‬خصهم النيب ‪ِ ‬با‪ ,‬مل يطل غريهم عليها"‪.‬‬
‫‪ .7‬رواه أمحد وأبو او واليمذي‪.‬‬
‫‪ .3‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي‪.‬‬
‫‪ .4‬اع ر املبسوط للسرخسي (‪ ,)31/83‬وفقه أهد العراق وحديثهم للكوثري (‪.)47‬‬
‫‪318‬‬
‫الصا ر عمن لي بعارف مبا يفتقر االجتها إليه؛ ألن حقيقته أعه رأي مبجر‬
‫التشهي واألغراض‪ ,‬وخبط يف عماية‪ ,‬واتباع للهو "‪.8‬‬
‫قصدهم‬
‫لقد َّقرر علماء املنهج املذهيب روط االجتها ‪ ,‬وأفاضوا فيها‪ ,‬وكان هل‬
‫لكن بعض علماء‬‫من ذلر محاية الشريعة من اقتحاِ حصوهنا واعتالء أسوارها‪ ,‬و َّ‬
‫املنهج السلفي اعيضوا عل تلر الشروط‪ ,‬ورأوا أهنا قد ال توجد اتمةً يف أيب بكر‬
‫وعمر رضي هللا عنهما‪ ,‬وأخذوا جيرئون طالب العلم عل اليجيح واالختيار‬
‫ومعارضة املذاهب األربعة وغريها‪.‬‬
‫وقد عتج عن هذه اجلرأة خروج فتاو اذة‪ ,‬وعشوء مناهج منحرفة‪,‬‬
‫واعشقاق فئات ضالة‪ ,‬أطلق سهاِ التكفري والتبدي عل اجملتم ‪ ,‬وعند ذلر‬
‫تعال النداءات تلو النداءات‪ ,‬تطالب أولئر املتسرعني يف آرائهم الشاذة إىل‬
‫الرجوع إىل العلماء واالعضباط بفتاو العلماء السابقني‪.7‬‬
‫اخلالصة‬
‫إن أبرز ما يستخلص من هذا الفصد يتمثد يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ ‬اختار علماء املنهج الفقهي السلفي مصطلح السلفية؛ أتكيدا العتصامهم‬
‫لكتاب والسنة بفهم السلف الصاحل‪ ,‬األمر الذي َييزهم عن أي منهج آخر‪.‬‬
‫‪ ‬يشكد عل هذا االختيار أن مجي املناهج الفقهية تتف عل االعتما عل‬
‫الكتاب والسنة‪ ,‬وتنهد من معني الصحابة والتابعني والسلف الصاحل‪.‬‬

‫‪ .8‬املوافقات للشاطيب (‪ ,)838/5‬وقد بيَّن يف الفصد الثالث حقيقة اختالف أفهاِ النام‪.‬‬
‫‪ .7‬االستطرا يف هذه القضية يقو للحديث عن عشوء اإلرهاب والتطرف واجلماعات‪ ,‬ولي من مقصو‬
‫هذا الكتاب التشعب يف تلر األو ية‪.‬‬
‫‪317‬‬
‫‪ ‬ظن بعض علماء املنهج الفقهي السلفي أن املذاهب الفقهية ال تقيم وزانً‬
‫للكتاب والسنة‪ ,‬وأن علماء املذاهب الفقهية يقدمون عصوص أئمتهم عليهما‪.‬‬
‫‪ ‬يعتقد بعض علماء املنهج السلفي أن املسائد الفرعية اليت أعتجتها املذاهب‬
‫الفقهية ال مستند ألكثرها من أ لة الكتاب والسنة‪ ,‬وأن حديث افياق األمة‬
‫إىل ثالث وسبعني فرقة يصدق عل مقلدة املذاهب األربعة‪.‬‬
‫‪ ‬يؤكد بعض علماء املنهج السلفي أن الفتو ال تصح إال إذا اقيع بدليلها‬
‫الشرعي‪ ,‬وهذا الرأي ضعيف؛ التفاق اجلمهور عل جواز اإلفتاء بدون ذكر‬
‫ليد‪ ,‬واتفاقهم عل جواز األخذ بفتو العامل بدون ليد‪.‬‬
‫‪َّ ‬‬
‫صرح مجهور العلماء جبواز التقليد للعامي يف الفروع‪ ,‬وهو قبول القول بدون‬
‫معرفة الدليد‪ ,‬م أتكيدهم عل جواز طلبه‪.‬‬
‫‪ ‬يشهد الواق العملي لطريقة إفتاء السلف الصاحل َّ‬
‫خلو كثري من فتاواهم من‬
‫ذكر الدليد من الكتاب والسنة‪.‬‬
‫‪ ‬ع راً لكثرة فتاو الصحابة والتابعني وأقوا م غري املقيعة لدليد فقد ابتكر‬
‫علماء احلديث ذا النوع من الفتاو واألقوال مصطلحي املوقوف واملقطوع‪.‬‬
‫‪ ‬تكتسب الفتاو واألقوال واآلراء قوهتا ورجاحتها من قوة العامل العلمية‬
‫املستمدة من قوة ع ره ورجاحة اجتها ه يف األ لة الشرعية‪.‬‬
‫‪ ‬ي ن بعض علماء املنهج الفقهي السلفي أن أكب سبب للخالف الفقهي هو‬
‫عدِ وصول الدليد الشرعي‪ ,‬والصحيح أعه اختالف وجهات الن ر يف ثبوت‬
‫الدليد وبيان معناه وحتديد مد اللته‪.‬‬

‫‪313‬‬
‫‪ ‬مما يؤكد هذه احلقيقة أن بعض رموز املنهج السلفي اختلفوا يف مسائد فقهية‬
‫كثرية‪ ,‬وكان السبب األساسي للخالف فيها هو اختالف وجهات ع رهم يف‬
‫معىن الدليد ومد اللته‪.‬‬
‫‪َّ ‬‬
‫صرح بعض علماء املنهج السلفي يف بعض فتاواهم وتقريراهتم أبهنا احل الذي‬
‫ال ريب فيه‪ ,‬وجيب املصري إليه‪ ,‬ويلزِ االعتما عليه‪ ,‬م العلم أن بعضها‬
‫خيالف ما اتف عليه مجهور العلماء‪.‬‬
‫ع ر بعض علماء املنهج السلفي إىل الفروع الفقهية الضخمة ع رة سيئة‪,‬‬ ‫‪‬‬
‫ووصفوها أبوصاف منكرة؛ اعتقا اً منهم أبهنا مبنية عل ا و والرأي الفاسد‪.‬‬
‫يبدو يل أن الذي ف بعضهم ذا التصور هو سطحية العلم وضعف الفقه‪,‬‬ ‫‪‬‬
‫واعتقا أن السلف الصاحل مل يكوعوا يعرفون التفري الفقهي العمي ‪.‬‬
‫من املطاعن اليت ا َّعاها بعض علماء املنهج السلفي يف علماء املذاهب األربعة‬ ‫‪‬‬
‫أهنم متسكوا لتمذهب؛ بسبب ضغط البيئة العلمية واالجتماعية احمليطة ِبم‪,‬‬
‫ورغبة يف تويل مناصب القضاء واإلفتاء والتدري ‪.‬‬
‫تضمن هذه الدعو سوء ال ن يف العلماء املتمذهبني‪ ,‬خصوصا من بلغ‬ ‫‪‬‬
‫منهم رتبة االجتها املطل ‪ ,‬وويشهد الواق أهنم قد اجتهدوا لفعد يف بعض‬
‫املسائد‪ ,‬وخالفوا فيها الراجح يف مذاهبهم‪ ,‬وال خيرجون بذلر عن اعتساِبم‬
‫إليها؛ ألهنم متمسكون أبصو ا وقواعدها‪.‬‬
‫‪ ‬يف الوق الذي َين فيه علماء املنهج السلفي االعتساب ملذهب فقهي‪ ,‬فإهنم‬
‫ينتسبون ‪ -‬فعليا ‪ -‬إىل مدرسة ابن تيمية وابن القيم وأئمة الدعوة‪ ,‬األمر الذي‬
‫يشبه التزاِ علماء املنهج املذهيب مبذاهبهم الفقهية‪.‬‬

‫‪314‬‬
‫‪ ‬اتفق الفقهاء عل قاعدة‪" :‬ال إعكار يف مسائد اخلالف"‪ ,‬ولكن ابن تيمية‬
‫رفض عموِ هذه القاعدة‪ ,‬و ملقابد فله عصوص أخر تشعر مبوافقته عليها‪.‬‬
‫‪ ‬يشيك كثري من علماء املنهج السلفي يف تيسري االجتها الشرعي‪ ,‬األمر الذي‬
‫أ َّ إىل جرأة عجيبة عل اليبُّ عل كرسي االجتها وتسلُّ أسواره العالية‪.‬‬

‫‪315‬‬
313
‫الفصل اخلام ‪ :‬املنهج التيسريي‬

‫‪312‬‬
311
‫الفصل اخلام ‪ :‬املنهج التيسريي‬
‫مقدمة‬
‫تشيك الشريعة اإلسالمية اليت بعث هللا ‪ِ ‬با عبيَّه املصطف حممداً ‪ ‬م‬
‫الشرائ السماوية السابقة أبهنا رائ جاءت لبشارة والنذارة كما قال تعاىل‪" :‬إان‬
‫أوحينا إلير كما أوحينا إىل عوح والنبيني من بعده‪ ,‬وأوحينا إىل إبراهيم وإ اعيد‬
‫وإسحاق ويعقوب واألسباط وعيس وأيوب ويوع وهارون وسليمان وآتينا او‬
‫زبورا‪ ,‬ورسال قد قصصناهم علير من قبد ورسال مل عقصصهم علير‪ ,‬وكلم هللا‬
‫موس تكليما‪ ,‬رسال مبشرين ومنذرين لئال يكون للنام عل هللا حجة بعد الرسد‬
‫وكان هللا عزيزا حكيما"‪.‬‬
‫إال أن ريعتنا اإلسالمية اخلامتة متيزت عل غريها من الشرائ السماوية‬
‫السابقة أبهنا ريعة التيسري‪ ,‬فكان من خصائصها أن هللا سبحاعه وتعاىل رف عنهم‬
‫اإلصر واألغالل اليت كاع عل األمم السابقة‪ ,‬قال تعاىل‪" :‬ورمحيت وسع كد‬ ‫ا‬
‫يء‪ ,‬فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم آب تنا يؤمنون‪ ,‬الذين‬
‫يتبعون الرسول النيب األمي الذي جيدوعه مكتو عندهم يف التوراة واإل يد‪ ,‬أيمرهم‬
‫ملعروف وينهاهم عن املنكر‪ ,‬وحيد م الطيبات وحيرِ عليهم اخلبائث‪ ,‬ويض‬
‫عنهم إصرهم واألغالل اليت كاع عليهم‪ ,‬فالذين آمنوا به وعزروه وعصروه واتبعوا‬
‫النور الذي أعزل معه أولئر هم املفلحون"‪.‬‬
‫وقد صح أعه ملا عزل قوله تعاىل‪" :‬هلل ما يف السموات وما يف األرض‪ ,‬وإن‬
‫تبدوا ما يف أعفسكم أو ختفوه حياسبكم به هللا‪ ,‬فيغفر ملن يشاء ويعذب من يشاء‪,‬‬
‫وهللا عل كد يء قدير"‪ ,‬ا تد ذلر عل أصحاب رسول هللا ‪ ,‬فأتوا رسول‬

‫‪319‬‬
‫هللا ‪ ‬مث بركوا عل الركب‪ ,‬فقالوا‪ :‬أي رسول هللا‪ ,‬هلكلفنا من األعمال ما عطي ‪,‬‬
‫الصالة والصياِ واجلها والصدقة‪ ,‬وقد أعزل علير هذه اآلية‪ ,‬وال عطيقها‪ ,‬فقال‬
‫رسول هللا ‪" :‬أتريدون أن تقولوا كما قال أهد الكتابني من قبلكم‪ :‬عنا‬
‫وعصينا‪ ,‬بد قولوا‪ :‬عنا وأطعنا غفراعر ربنا وإلير املصري"‪ ,‬فقالوا‪ :‬عنا وأطعنا‬
‫غفراعر ربنا وإلير املصري‪ ,‬فلما اقيأها القوِ ذل ِبا ألسنتهم‪ ,‬فأعزل هللا يف‬
‫إثرها‪" :‬آمن الرسول مبا أعزل إليه من ربه واملؤمنون‪ ,‬كد آمن هلل ومالئكته وكتبه‬
‫ورسله‪ ,‬ال عفرق بني أحد من رسله‪ ,‬وقالوا عنا وأطعنا غفراعر ربنا وإلير‬
‫املصري"‪ ,‬فلما فعلوا ذلر عسخها هللا تعاىل‪ ,‬فأعزل هللا ‪" :‬ال يكلف هللا عفسا‬
‫إال وسعها‪ ,‬ا ما كسب وعليها ما اكتسب ‪ ,‬ربنا ال تؤاخذان إن عسينا أو‬
‫أخطأان"‪ ,‬قال‪" :‬ععم"‪" ,‬ربنا وال حتمد علينا إصرا كما محلته عل الذين من قبلنا"‪,‬‬
‫قال‪" :‬ععم"‪" ,‬ربنا وال حتملنا ما ال طاقة لنا به"‪ ,‬قال‪" :‬ععم"‪" ,‬واعف عنا واغفر‬
‫لنا وارمحنا أع موالان فاعصران عل القوِ الكافرين"‪ ,‬قال‪" :‬ععم"‪.8‬‬
‫ص به أمته عل غريها من‬ ‫وقد أخب رسول هللا ‪ ‬عن التيسري الذي هلخ َّ‬
‫األمم ‪ -‬م خصائص أخر ‪ -‬يف قوله ‪" :‬أهلعطي هل مخساً مل يهلعطهن أحد قبلي‪:‬‬
‫وجعل يل األرض مسجدا وطهورا‪ ,‬فأَيا رجد من‬ ‫عصرت لرعب مسرية هر‪ ,‬هل‬
‫أميت أ ركته الصالة فليصد‪ ,‬وأحل يل الغنائم‪ ,‬ومل حتد ألحد قبلي‪ ,‬وأعطي‬
‫الشفاعة‪ ,‬وكان النيب يبعث إىل قومه خاصة‪ ,‬وبعث إىل النام عامة"‪.7‬‬

‫‪ .8‬رواه مسلم ‪ -‬واللفظ له ‪ -‬وأمحد واليمذي‪.‬‬


‫‪ .7‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي‪.‬‬
‫‪391‬‬
‫التيسري مقصد شرعي‬
‫اليسر ة رزة يف الشريعة اإلسالمية‪ ,‬يتجل للعيان يف أصو ا وفروعها‪ ,‬يف‬
‫كلياهتا وجزئياهتا‪ ,‬وقد تضافرت عصوص الكتاب والسنة عل أن التيسري مقصد‬
‫من مقاصد الشريعة‪ ,‬وأن احلرج مرفوع عنها‪ ,‬فقد قال تعاىل‪" :‬يريد هللا بكم اليسر‬
‫وال يريد بكم العسر"‪ ,‬وقال تعاىل‪" :‬يريد هللا ليخفف عنكم وخل اإلعسان‬
‫ضعيفا"‪ ,‬وقال تعاىل‪" :‬ال يكلف هللا عفسا إال ما آاتها سيجعد هللا بعد عسر‬
‫يسرا"‪ ,‬وقال تعاىل‪" :‬هو اجتباكم وما جعد عليكم يف الدين من حرج ملة أبيكم‬
‫إبراهيم هو اكم املسلمني"‪.‬‬
‫وقال رسول هللا ‪" :‬يسروا وال تعسروا‪ ,‬وبشروا – ويف رواية‪ :‬وسكنوا ‪ -‬وال‬
‫تنفروا"‪ ,8‬وقال ‪ ‬ملعاذ بن جبد ‪ ‬وأيب موس األ عري ‪ ‬ملا بعثهما إىل‬
‫اليمن‪" :‬يسرا وال تعسرا‪ ,‬وبشرا وال تنفرا‪ ,‬وتطاوعا وال ختتلفا"‪ ,7‬وقال ‪" :‬إن‬
‫هذا الدين يهل اسر‪ ,‬ولن يشا َّ الدين أحد إال غلبه‪ ,‬فسد وا وقاربوا وأبشروا ويسروا"‪,3‬‬
‫وقال ‪" :‬إن خري ينكم أيسره‪ ,‬إن خري ينكم أيسره"‪ ,4‬وقال ‪" :‬بعث‬
‫حلنيفية السمحة"‪ ,5‬وقال ‪" :‬لو جاء العسر فدخد هذا اجلهلحر جلاء اليسر‬
‫فدخد عليه فأخرجه"‪ ,‬فأعزل هللا تعاىل‪" :‬فإن م اليسر يسرا‪ ,‬إن م اليسر‬

‫‪ .8‬رواه البخاري ومسلم وأمحد‪.‬‬


‫‪ .7‬رواه البخاري ومسلم وأمحد‪.‬‬
‫‪ .3‬رواه البخاري والنسائي ‪ -‬واللفظ له ‪.-‬‬
‫‪ .4‬رواه أمحد‪.‬‬
‫‪ .5‬رواه أمحد‪.‬‬
‫‪398‬‬
‫‪8‬‬
‫وروي أعه ملا عزل هذه اآلية خرج رسول هللا ‪ ‬فرحا مسرورا وهو يقول‪:‬‬ ‫يسرا" ‪ ,‬هل‬
‫"لن يغلب عسر يسرين"‪.7‬‬
‫قال القرطيب رمحه هللا ‪ -‬يف معىن قوله تعاىل‪" :‬وما جعد عليكم يف الدين من‬
‫حرج" ‪" :-‬من حرج أي من ضي ‪ ,... ,‬وهذه اآلية تدخد يف كثري من األحكاِ‪,‬‬
‫وهي مما خص هللا ِبا هذه األمة‪ ,‬رو معمر عن قتا ة قال‪ :‬أعطي هذه األمة‬
‫ثالاث‪ ,‬مل يعطها إال عيب‪ ,‬كان يقال للنيب‪ :‬اذهب فال حرج علير‪ ,‬وقيد ذه األمة‪:‬‬
‫"وما جعد عليكم يف الدين من حرج"‪ ,‬والنيب هيد عل أمته‪ ,‬وقيد ذه األمة‪:‬‬
‫"لتكوعوا هداء عل النام"‪ ,‬ويقال للنيب‪ :‬سد تعطه‪ ,‬وقيد ذه األمة‪" :‬ا عوين‬
‫أستجب لكم"‪ ,‬واختلف العلماء يف هذا احلرج الذي رفعه هللا تعاىل‪ ,‬فقال عكرمة‪:‬‬
‫هو ما أحد من النساء‪ ,‬مثىن وثالث ور ع وما ملك َيينر‪ ,‬وقيد‪ :‬املرا قصر‬
‫الصالة‪ ,‬واإلفطار للمسافر‪ ,‬وصالة اإلَياء ملن ال يقدر عل غريه‪ ,‬وحط اجلها‬
‫عن األعم واألعرج واملريض والعدمي الذي ال جيد ما ينف يف غزوه والغرمي ومن له‬
‫والدان‪ ,‬وحط اإلصر الذي كان عل بين إسرائيد‪ ,‬وقد مض تفصيد أكثر هذه‬
‫األ ياء"‪.3‬‬

‫‪ .8‬رواه احلاكم‪.‬‬
‫‪ .7‬رواه احلاكم والبيهقي مرسال‪.‬‬
‫‪ .3‬تفسري القرطيب لآلية (‪ )21‬من سورة احلج‪.‬‬
‫‪397‬‬
‫أقسام التيسري يف اإلسالم‬
‫ينقسم التيسري يف الشريعة اإلسالمية إىل ثالثة أقساِ‪َّ :‬أوهل ا تيسري معرفة‬
‫الشريعة والعلم ِبا وسهولة إ راك أحكامها ومراميها‪ ,‬ويدل ذا قوله تعاىل‪" :‬ولقد‬
‫مدكر" وقوله تعاىل‪" :‬فإمنا يسرانه بلساعر لتبشر به‬ ‫يسران القرآن للذكر فهد من َّ‬
‫املتقني وتنذر به قوما لهلدَّا"‪.‬‬
‫و ذا اليسر والسهولة أسباب متعد ة‪ ,‬منها أن َّأول محلة للشريعة اإلسالمية‬
‫كاعوا قوما أميني‪ ,‬ومل يكن م معرفة بكتب األقدمني وال بعلومهم‪ ,‬وقد جاءت‬
‫هذه احلقيقة واضحة يف كتاب هللا ‪ ,‬قال تعاىل‪" :‬هو الذي بعث يف األميني‬
‫رسوال منهم يتلو عليهم آ ته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب واحلكمة وإن كاعوا من قبد‬
‫لفي ضالل مبني"‪ ,‬أما عيب هذه األمة ‪ ‬فقد كاع أميته ليال قو عل صدقه‬
‫يف تبليغ كتاب ربه‪ ,‬وأعه مل خيتلقه من تلقاء عفسه‪ ,‬قال تعاىل‪" :‬وما كن تتلو من‬
‫قبله من كتاب وال ختطه بيمينر إذا الراتب املبطلون"‪.‬‬
‫ومن أسباب اليسر والسهولة أن هذه الشريعة املباركة هي خامتة الشرائ‬
‫السماوية‪ ,‬وهي الشريعة الباقية إىل قياِ الساعة‪ ,‬وهي الشريعة الواجبة عل مجي‬
‫البشر يف مشارق األرض ومغارِبا‪ ,‬فاقتض احلكمة اإل ية أن تكون األحكاِ‬
‫الشرعية ميسورة الفهم معقولة املعىن سهلة املأخذ‪.‬‬
‫ومن القصص الدالة عل سهولة فهم النصوص الشرعية واستيعاِبا وإ راك‬
‫معاعيها ما حكاه األصمعي رمحه هللا (‪783-877‬هـ) قال‪ :‬كن أقرأ "والسارق‬
‫والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء مبا كسبا عكاال من هللا وهللا غفور رحيم" وجبنيب‬
‫أعرايب‪ ,‬فقال‪ :‬كالِ م ان هذا؟ فقل ‪ :‬كالِ هللا‪ ,‬فقال‪ :‬أعد‪ ,‬فأعدت‪ ,‬فقال‪ :‬لي‬

‫‪393‬‬
‫هذا كالِ هللا‪ ,‬فاعتبه فقرأت‪" :‬وهللا عزيز حكيم" بدل "وهللا غفور رحيم"‪ ,‬فقال‬
‫أصب ‪ ,‬هذا كالِ هللا‪ ,‬فقل له‪ :‬أتقرأ القرآن؟ فقال‪ :‬ال‪ ,‬فقل ‪ :‬فمن أين‬
‫عز فحكم فقط ‪ ,‬فلو غفر ورحم ملا قط ‪.8‬‬
‫علم ؟ فقال‪ :‬هذا‪َّ ,‬‬
‫اثين األقساِ تيسري العمد لتكاليف الشرعية الكثرية‪ ,‬فقد تناول الشريعة‬
‫حياة اإلعسان بكد تفاصيلها و قائقها‪ ,‬و رع له من أعمال اخلري ما يعجز عن‬
‫العمد به كله‪ ,‬فأر دته الشريعة إىل التيسري عل عفسه وعل غريه يف اإلتيان ِبا‪,‬‬
‫فمما أر د إليه رسول الرمحة ‪ ‬قوله‪" :‬خذوا من األعمال ما تطيقون‪ ,‬فإن هللا ال‬
‫َيد حىت متلوا"‪ ,7‬وقوله ‪" :‬إن هذا الدين متني‪ ,‬فأوغلوا فيه برف "‪.3‬‬
‫وال يتعارض هذا التوجيه واإلر ا م آ ت وأحا يث كقوله تعاىل‪" :‬كاعوا‬
‫قليال من الليد ما يهجعون‪ ,‬و ألسحار هم يستغفرون"‪ ,‬وكقيامه ‪ ‬حىت تتفطر‬
‫أو تتورِ قدماه‪ ,4‬ولكن املعىن أن ال حيمد اإلعسان عفسه فوق طاقتها‪ ,‬بد يتعبد ما‬
‫ملشقة والتعب أراح عفسه ويسر عليها‪ ,‬ويدل‬ ‫اِ عشيطا لذلر‪ ,‬فإذا أح‬
‫لذلر أعه النيب ‪ ‬خد املسجد‪ ,‬وحبد مربوط بني ساريتني‪ ,‬فقال‪" :‬ما هذا‬
‫احلبد"؟ قالوا‪ :‬حبد لزينب تصلي‪ ,‬فإذا كسل أو فيت أمسك به‪ ,‬فقال ‪:‬‬

‫‪ .8‬الوسيط يف تفسري القرآن اجمليد للواحدي (‪.)815/7‬‬


‫‪ .7‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وابو او وابن ماجه‪.‬‬
‫‪ .3‬رواه أمحد‪.‬‬
‫‪ .4‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي واليمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫‪394‬‬
‫"حلُّوه‪ ,‬ليصد أحدكم عشاطه‪ ,‬فإذا كسد أو في قعد"‪ ,8‬وجاء ا دي النبوي‬ ‫هل‬
‫‪7‬‬
‫موضحا أن أحب األعمال ما اوِ عليه صاحبه وإن قد ‪.‬‬
‫وقد كان عبينا ‪ ‬يتفا ما يش عل املسلمني‪ ,‬فمن ذلر قوله ‪" :‬لوال‬
‫أن أ عل أميت ألمرهتم لسواك م كد صالة"‪ ,3‬وقوله ‪" :‬لوال أن أ‬
‫عل أميت ألحبب أن ال أختلف عن سرية خترج يف سبيد هللا‪ ,‬ولكين ال أجد ما‬
‫أمحلهم عليه‪ ,‬وال جيدون ما يتحملون عليه‪ ,‬ويش عليهم أن يتخلفوا بعدي‪,‬‬
‫فو ت أين أقاتد يف سبيد هللا فأقتد‪ ,‬مث أحيا فأقتد مث أحيا فأقتد"‪.4‬‬
‫بد كان رسول هللا ‪ ‬أحياان ييك ما هتواه عفسه من أعمال اخلري؛ خشية أن‬
‫يهلفرض عل أمته‪ ,‬قال أِ املؤمنني عائشة رضي هللا عنها‪" :‬إ ان كان رسول هللا ‪‬‬
‫ليدع العمد وهو حيب أن يعمد به؛ خشية أن يعمد به النام‪ ,‬فيفرض عليهم"‪.5‬‬
‫ومن أبرز األمثلة عل ذلر تركه ‪ ‬قياِ رمضان؛ خشية أن يفرضه هللا ‪‬‬
‫عل أمته‪ ,‬فيش عليها فتعجز عنه‪ ,3‬ومنه قول رسول هللا ‪" :‬إن هللا كتب‬
‫عليكم احلج"‪ ,‬فقاِ األقرع بن حاب فقال‪ :‬أيف كد عاِ رسول هللا؟ فقال‪" :‬لو‬
‫قلتها لوجب ‪ ,‬ولو وجب مل تعملوا ِبا"‪ ,2‬ويف رواية أن رسول هللا ‪ ‬زا ‪" :‬ذروين‬

‫‪ .8‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وابن ماجه‪.‬‬


‫‪ .7‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي‪.‬‬
‫‪ .3‬رواه البخاري وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫‪ .4‬رواه البخاري وأمحد والنسائي‪.‬‬
‫‪ .5‬رواه البخاري ومسلم وأمحد وأبو او ‪.‬‬
‫‪ .3‬رواه البخاري ومسلم وأمحد وأبو او ‪.‬‬
‫‪ .2‬رواه مسلم وأمحد والنسائي وأبو او وابن ماجه‪.‬‬
‫‪395‬‬
‫ما تركتكم‪ ,‬فإمنا هلر من كان قبلكم بكثرة سؤا م واختالفهم عل أعبيائهم‪ ,‬فإذا‬
‫أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم‪ ,‬وإذا هنيتكم عن يء فدعوه"‪ ,8‬ومنها قوله‬
‫فأجتوز يف‬
‫‪" :‬إين ألقوِ يف الصالة أريد أن أطول فيها‪ ,‬فأ بكاء الصيب‪َّ ,‬‬
‫صال ؛ كراهية أن أ عل أمه"‪ ,7‬وقال ‪" :‬إذا َّأِ أحدكم النام فليخفف؛‬
‫فإن فيهم الصغري والكبري والضعيف واملريض"‪.3‬‬
‫أما اثلث أقساِ التيسري فهو الرخص الشرعية‪ ,‬وهي مقصو هذا الفصد‪,‬‬
‫فإن أحكاِ الشريعة اإلسالمية يسرية يف عفسها‪ ,‬مقدور عليها‪ ,‬ولذلر فإن الصفة‬
‫املشيكة يف مجي األحكاِ الشرعية قدرةهل املسلم عل فعد ما فرض هللا عليه‪,‬‬
‫وقدرتهله عل ترك ما هن هللا عنه‪ ,‬وهذا من معاين قول هللا ‪" :‬ال يكلف هللا‬
‫عفسا إال وسعها" وقوله تعاىل يف صفة عبينا حممد ‪" :‬ويض عنهم إصرهم‬
‫واألغالل اليت كاع عليهم"‪.‬‬
‫قال القرطيب رمحه هللا يف تفسري هذه اآلية‪" :‬وقد مجع هذه اآلية املعنـيني ‪-‬‬
‫أي ثقد األعمال‪ ,‬والعهد لقياِ ِبا ‪ ,-‬فإن بين إسرائيد قد كان أخذ عليهم عهد‬
‫أن يقوموا أبعمال ثقال‪ ,‬فوض عنهم مبحمد ‪ ‬ذلر العهد وثقد تلر األعمال‪,‬‬
‫كغسد البول وحتليد الغنائم وجمالسة احلائض ومؤاكلتها ومضاجعتها‪ ,‬فإهنم كاعوا‬
‫وروي‪ :‬جلد أحدهم‪ ,‬وإذا مجعوا الغنائم عزل‬
‫إذا أصاب ثوب أحدهم بول قرضه‪ ,‬هل‬

‫‪ .8‬رواه مسلم وأمحد والنسائي وابن ماجه‪.‬‬


‫‪ .7‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫‪ .3‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫‪393‬‬
‫انر من السماء فأكلتها‪ ,‬وإذا حاض املرأة مل يقربوها‪ ,‬إىل غري ذلر مما ثب يف‬
‫احلديث الصحيح وغريه"‪.8‬‬
‫وقال ابن كثري رمحه هللا يف تفسريها‪" :‬وقد كاع األمم الذين كاعوا قبلنا يف‬
‫رائعهم ضي عليهم‪ ,‬فوس هللا عل هذه األمة أمورها‪ ,‬وسهلها م‪ ,‬و ذا قال‬
‫رسول هللا ‪" :‬إن هللا جتاوز ألميت ما حدث به أعفسها‪ ,‬ما مل تقد أو تعمد"‬
‫"رف عن أميت اخلطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" اعته ‪ ,‬وهذا التجاوز‬ ‫وقال‪ :‬هل‬
‫والرف يدل عل أن األمم السابقة كاع مؤاخذة حبديث النف ‪ ,‬وكاع مؤاخذة‬
‫ملعاصي الناجتة عن اخلطأ والنسيان واإلكراه"‪.7‬‬
‫وقد تكرر معىن اقيان التكليف هلبوس املكلف يف عد من اآل ت القرآعية‬
‫ضمن تضاعيف األحكاِ الشرعية‪ ,‬وكد هذا للداللة عل أن احلرج واملشقة‬
‫والعن منفي عن أحكاِ الشريعة ومرفوع عن املسلمني‪ ,‬فعل سبيد املثال قال‬
‫تعاىل‪" :‬والوالدات يرضعن أوال هن حولني كاملني ملن أرا أن يتم الرضاعة‪ ,‬وعل‬
‫املولو له رزقهن وكسوهتن ملعروف‪ ,‬ال تكلَّف عف إال وسعها‪ ,‬ال َّ‬
‫تضار والدة‬
‫بولدها وال مولو له بولده"‪ ,‬وقال تعاىل‪" :‬لينف ذو سعة من سعته‪ ,‬ومن قهلدر‬
‫عليه رزقه فلينف مما آاته هللا‪ ,‬ال يكلف هللا عفسا إال ما آاتها‪ ,‬سيجعد هللا بعد‬
‫عسر يسرا"‪ ,‬وقال تعاىل‪" :‬وال تقربوا مال اليتيم إال ليت هي أحسن حىت يبلغ‬
‫أ ده‪ ,‬وأوفوا الكيد وامليزان لقسط‪ ,‬ال عكلف عفسا إال وسعها‪ ,‬وإذا قلتم‬
‫فاعدلوا ولو كان ذا قرىب‪ ,‬وبعهد هللا أوفوا‪ ,‬ذلكم وصاكم به لعلكم َّ‬
‫تذكرون"‪.‬‬

‫‪ .8‬تفسري القرطيب لآلية (‪ )852‬من سورة األعراف‪.‬‬


‫‪ .7‬تفسري ابن كثري لآلية (‪ )852‬من سورة األعراف‪.‬‬
‫‪392‬‬
‫مث جاءت اآلية اجلامعة وهي قوله تعاىل‪" :‬أولئر يسارعون يف اخلريات وهم‬
‫ا سابقون‪ ,‬وال عكلف عفسا إال وسعها‪ ,‬ولدينا كتاب ينط حل وهم ال‬
‫ي لمون"‪ ,‬ومثلها اآلية اجلامعة‪" :‬والذين آمنوا وعملوا الصاحلات‪ ,‬ال عكلف عفسا‬
‫إال وسعها‪ ,‬أولئر أصحاب اجلنة هم فيها خالدون"؛ لتدل عل أن ريعتنا‬
‫اإلسالمية هي ريعة التيسري والرف ‪ ,‬قال ابن كثري يف تفسري اآلية‪" :‬ينبه تعاىل‬
‫عل أن اإلَيان والعمد به سهد"‪.8‬‬
‫ولو أتملنا آية "وال تقربوا مال اليتيم إال ليت هي أحسن" مقارعةً م قوله‬
‫تعاىل‪" :‬ويسألوعر عن اليتام قد إصالح م خري‪ ,‬وإن ختالطوهم فإخواعكم‪,‬‬
‫وهللا يعلم املفسد من املصلح‪ ,‬ولو اء هللا ألعنتكم‪ ,‬إن هللا عزيز حكيم"‪ ,‬التضح‬
‫لدينا مبا ال ر فيه أن التيسري وعفي العن مقصد رعي أصيد‪ ,‬وذلر أن هللا‬
‫ل َّما هن يف اآلية األوىل عن مقاربة أموال اليتام إال وف مصاحلهم‪ ,‬ول َّما أمر‬
‫األولياء يف اآلية الثاعية برعاية أموال اليتام وف مصاحلهم‪ ,‬أذن م بعد ذلر يف‬
‫خلط أموا م أبموا م؛ ألن يف عزل مال اليتيم وحده عسراً وعنتاً عل وليه‪ ,‬ولكنه‬
‫عبهه إىل علمه سبحاعه ملفسد منهم ملصلح‪.‬‬
‫فتلخص لنا أن اليسر يف الشريعة اإلسالمية يشمد ثالثة جواعب‪:‬‬
‫‪ .8‬سهولة معرفة الشريعة اإلسالمية وحكمها وأحكامها ومقاصدها‪.‬‬
‫‪ .7‬العمد لتكاليف الشرعية الكثرية وف القدرة والطاقة‪.‬‬
‫‪ .3‬بناء األحكاِ الشرعية عل التخفيف‪ ,‬وهو ما يسم لرخص الشرعية‪ ,‬وهو‬
‫مقصو هذا الفصد‪.‬‬

‫‪ .8‬تفسري ابن كثري لآلية (‪ )47‬من سورة األعراف‪.‬‬


‫‪391‬‬
‫مظاهر التيسري يف الشريعة‬
‫م اهر التيسري يف الشريعة اإلسالمية كثرية جدا‪ ,‬وتنتشر يف كثري من معاملة‬
‫املسلم م هللا ومعاملته م النام‪ ,‬وهي منة امنت هللا ِبا عل عبا ه املسلمني‪ ,‬فال‬
‫جيوز التنزه عنها حبجة أهنا رخص للضعفاء العاجزين‪ ,‬بد إن هللا ‪ ‬حيب أن ير‬
‫عبا ه آخذين برخصه‪ ,‬اكرينه عليها‪ ,‬مستشعرين منَّـته عليهم‪ ,‬يقول رسول هللا‬
‫‪" :‬إن هللا حيب أن تؤت رخصه كما يكره أن تؤت معصيته"‪.8‬‬
‫فمن الرخص الشرعية الثابتة بنصوص الكتاب أو السنة أو كليهما التيمم‬
‫لياب عند فقد املاء‪ ,‬قال تعاىل‪ " :‬أيها الذين آمنوا إذا قمتم إىل الصالة‬
‫فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إىل املراف وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إىل الكعبني‬
‫وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرض أو عل سفر أو جاء أحد منكم من‬
‫الغائط أو المستم النساء فلم جتدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم‬
‫وأيديكم منه ما يريد هللا ليجعد عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم ععمته‬
‫عليكم لعلكم تشكرون"‪ ,‬وقال النيب ‪" :‬إمنا كان يكفير هكذا"‪ ,‬فضرب بكفيه‬
‫األرض‪ ,‬وعفخ فيهما‪ ,‬مث مسح ِبما وجهه وكفيه‪.7‬‬
‫ومنها املسح عل اخلفني بدل غسد الرجلني‪ ,‬فعن جرير بن عبدهللا ‪ ‬أعه‬
‫ل‪ ,‬مث توضأ‪ ,‬ومسح عل خفيه‪ ,‬فقيد له‪ :‬تفعد هذا؟ فقال‪ :‬ععم‪ ,‬رأي رسول‬

‫‪ .8‬رواه أمحد‪.‬‬
‫‪ .7‬رواه البخاري وأمحد والنسائي وابن ماجه‪.‬‬
‫‪399‬‬
‫هللا ‪ ‬ل‪ ,‬مث توضأ‪ ,‬ومسح عل خفيه‪ ,‬وكان يعجبهم هذا احلديث؛ ألن إسالِ‬
‫جرير كان بعد عزول آية الوضوء يف سورة املائدة‪.8‬‬
‫ومنها الصالة قاعدا للعاجز عن القياِ‪ ,‬فقد قال عمران بن حصني ‪:‬‬
‫كاع يب بواسري‪ ,‬فسأل النيب ‪ ‬عن الصالة فقال‪" :‬صد قائما‪ ,‬فإن مل تستط‬
‫فقاعدا‪ ,‬فإن مل تستط فعل جنب"‪.7‬‬
‫ومنها قصر الصالة الر عية للمسافر‪ ,‬قال تعاىل‪" :‬وإذا ضربتم يف األرض‬
‫فلي عليكم جناح أن تقصروا من الصالة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا"‪ ,‬قال‬
‫يعل بن أمية‪ :‬قل لعمر بن اخلطاب ‪ :‬إمنا قال هللا تعاىل‪" :‬إن خفتم أن‬
‫يفتنكم الذين كفروا"‪ ,‬وقد أمن النام‪ ,‬فقال عمر‪ :‬عجب هل مما عجب منه‪,‬‬
‫فسأل النيب ‪ ,‬فقال‪" :‬صدقة تصدق هللا ِبا عليكم‪ ,‬فاقبلوا صدقته"‪.3‬‬
‫ومنها مج الصالتني‪ ,‬ال هر م العصر‪ ,‬واملغرب م العشاء للمسافر‪,‬‬
‫وللمقيم بعذر‪ ,‬فقد قال عبدهللا بن عبام ‪ :‬كان رسول هللا ‪ ‬جيم بني صالة‬
‫ال هر والعصر إذا كان عل ظهر سري‪ ,‬وجيم بني املغرب والعشاء‪ ,4‬وقال ابن‬
‫عبام أيضا‪ :‬مج رسول هللا ‪ ‬بني ال هر والعصر‪ ,‬واملغرب والعشاء‪ ,‬ملدينة من‬
‫غري خوف وال مطر‪ ,‬فقيد البن عبام‪ :‬ما أرا إىل ذلر؟ قال‪ :‬أرا أن ال حيرج‬
‫أمته‪ ,5‬ويف رواية‪ :‬من غري خوف وال سفر‪.8‬‬

‫‪ .8‬رواه البخاري ومسلم وأمحد واليمذي وابن ماجه‪.‬‬


‫‪ .7‬رواه البخاري وأمحد وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫‪ .3‬رواه مسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫‪ .4‬رواه البخاري ‪ -‬واللفظ له ‪ -‬وأمحد وابن ماجه‪.‬‬
‫‪ .5‬رواه أمحد والنسائي وأبو او واليمذي‪.‬‬
‫‪411‬‬
‫ومنها اإلفطار يف رمضان للمريض واملسافر واحلامد واملرض ‪ ,‬فقد قال‬
‫تعاىل‪" :‬فمن كان منكم مريضا أو عل سفر فعدة من أ ِ أخر"‪ ,‬وقال رسول هللا‬
‫‪" :‬إن هللا تعاىل وض عن املسافر الصوِ و طر الصالة‪ ,‬وعن احلامد واملرض‬
‫الصوِ أو الصياِ"‪.7‬‬
‫ولبعض هذه الرخص أسباب جاءت يف كتب األحا يث والسرية‪ ,‬ي هر‬
‫فيها بوضوح إرا ةهل هللا ‪ ‬تيسريه عل عبا ه‪ ,‬ورف احلرج عنهم‪ ,‬فمثال يف تشري‬
‫التيمم تقول أِ املؤمنني عائشة رضي هللا عنها‪ :‬خرجنا م رسول هللا ‪ ‬يف بعض‬
‫أسفاره‪ ,‬حىت إذا كنا لبيداء أو بذات اجليش اعقط عقد يل‪ ,‬فأقاِ رسول هللا ‪‬‬
‫عل التماسه‪ ,‬وأقاِ النام معه‪ ,‬وليسوا عل ماء‪ ,‬ولي معهم ماء‪ ,‬فأت النام‬
‫إىل أيب بكر ‪ ,‬فقالوا‪ :‬أال تر إىل ما صنع ا عائشة‪ ,‬أقام برسول هللا ‪‬‬
‫و لنام معه‪ ,‬وليسوا عل ماء‪ ,‬ولي معهم ماء‪ ,‬فجاء أبو بكر ورسول هللا ‪‬‬
‫واض رأسه عل فخذي قد انِ‪ ,‬فقال‪ :‬حبس رسول هللا ‪ ‬والنام‪ ,‬وليسوا‬
‫عل ماء‪ ,‬ولي معهم ماء‪ ,‬قال ‪ :‬فعاتبين أبو بكر‪ ,‬وقال ما اء هللا أن يقول‪,‬‬
‫وجعد يطعن بيده يف خاصر ‪ ,‬فال َينعين من التحرك إال مكان رسول هللا ‪‬‬
‫عل فخذي‪ ,‬فناِ رسول هللا ‪ ‬حىت أصبح عل غري ماء‪ ,‬فأعزل هللا آية التيمم‬
‫فتيمموا‪ ,‬فقال أسيد بن احلضري وهو أحد النقباء‪ :‬ما هي أبول بركتكم آل أيب‬
‫بكر‪ ,‬فقال عائشة‪ :‬فبعثانا البعري الذي كن عليه‪ ,‬فوجدان العقد حتته‪ ,3‬فتأمد‬

‫‪ .8‬رواه النسائي‪.‬‬
‫‪ .7‬رواه أمحد والنسائي واليمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫‪ .3‬رواه مالر والبخاري ومسلم وأمحد والنسائي‪.‬‬
‫‪418‬‬
‫وصف أسيد بن احلضري ذه الرخصة أبهنا بركة‪ ,‬وأن آل أيب بكر بركة عل‬
‫املسلمني‪ ,‬وأهنا ليس أبول بركاهتم ‪.‬‬
‫وقد هن اإلسالِ أن يبلغ التنط ملسلم إىل أن يتنزه عن األخذ لرخص‬
‫فرخص فيه‪ ,‬فتنزه عنه قوِ‪ ,‬فبلغ ذلر‬
‫الشرعية‪ ,‬فقد صح أن النيب ‪ ‬صن يئا َّ‬
‫النيب ‪ ‬فخطب فحمد هللا مث قال‪" :‬ما ل أقواِ يتنزهون عن الشيء أصنعه‪,‬‬
‫فوهللا إين ألعلمهم هلل وأ دهم له خشية"‪ ,8‬واحلديث واضح ظاهر يف َّ‬
‫أن‬
‫اليخص لرخص الشرعية ال يقدح يف مقاِ خشية هللا سبحاعه‪.‬‬
‫وقد وصف رسول هللا ‪ ‬الرخص اليت امنت هللا ِبا عل عبا ه أبهنا صدقة‬
‫منه سبحاعه إليهم‪ ,‬فقد فهم عمر بن اخلطاب ‪ ‬عندما عزل قوله تعاىل‪" :‬لي‬
‫عليكم جناح أن تقصروا من الصالة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا" أبن رخصة‬
‫القصر منوطة خلوف‪ ,‬فسأل رسول هللا ‪ ‬عن ذلر فقال‪" :‬صدقة َّ‬
‫تصدق هللا‬
‫ِبا عليكم‪ ,‬فاقبلوا صدقته"‪.7‬‬
‫بني الرخص الشرعية ورخص الفقهاء‬
‫عند احلديث عن م اهر التيسري يف الشريعة اإلسالمية‪ ,‬كالتيمم‪ ,‬واملسح‬
‫عل اخلفني‪ ,‬والصالة قاعدا للعاجز عن القياِ‪ ,‬وقصر الصالة ومجعها للمسافر‪,‬‬
‫والفطر يف رمضان للمريض واملسافر واحلامد واملرض ‪ ,‬وغري ذلر من الرخص‬
‫الشرعية الثابتة لنصوص الصرحية‪ ,‬ير التبام بشأن رخص الفقهاء اجملتهدين‪ ,‬اليت‬
‫ترجح لديهم جتها هم يف عصوص الوحيني وغريمها من مصا ر االجتها ‪.‬‬

‫‪ .8‬رواه البخاري‪.‬‬
‫‪ .7‬رواه مسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫‪417‬‬
‫ولذلر فإعه من املهم التنبيه إىل أن املقصو برخص الفقهاء هي تلر اآلراء‬
‫اليسرية والسهلة اليت يصدرها الفقيه املؤهد لالجتها ‪ ,‬بناء عل اجتها ه وحبثه‬
‫وع ره يف األ لة الشرعية‪ ,‬و لتايل فإن هذه الرخصة اليت صدرت من هذا الفقيه‬
‫هي خالصة فهمه واجتها ه يف عصوص الكتاب والسنة‪ ,‬ويبق رأيه حمتمال للخطأ‬
‫والصواب‪ ,‬فإن كان رأيه خطأ فقد ضمن أجر اجتها ه‪ ,‬وسقط عنه عهدة‬
‫اخلطأ؛ ألعه وإن كان عاملا لشرع إال أعه غري معصوِ‪ ,‬أما إن كان رأيه صوا فقد‬
‫أضاف ألجره األول أجر إصابة احل ‪ ,‬فاجتم له أجران‪ ,‬وكد خالف الفقهاء‬
‫اجملتهدين اخد يف هذه القاعدة‪ ,‬ما اِ خالفهم حمصورا يف الفروع‪ ,‬ومبنيا عل‬
‫األ لة ال نية يف ثبوهتا أو اللتها‪.‬‬
‫فعل سبيد املثال‪ ,‬فإن التيمم لياب عند فقد املاء رخصة رعية متف‬
‫عليها‪ ,‬ولكن عدِ ا ياط خول وق الصالة لفعله رخصة فقهية يف مذهب‬
‫احلنفية‪ ,8‬واملسح عل اخلفني رخصة رعية متف عليها‪ ,‬ولكن املسح عليهما‬
‫بدون أتقي بيوِ وليلة للمقيم وثالثة أ ِ بلياليها للمسافر رخصة فقهية يف‬
‫مذهب املالكية‪ ,7‬واجلم للمقيم بسبب املطر رخصة رعية متف عليها ‪ -‬إال‬
‫احلنفية ‪ ,-‬ولكن مج ال هر م العصر رخصة فقهية يف مذهب الشافعية‪.3‬‬
‫فقد اعتقد بعض املسلمني ‪ -‬بد بعض العلماء ‪ -‬أن رخص الفقهاء هي‬
‫من الرخص الشرعية اليت جيوز تتبعها واعتقاؤها والتقاطها للعمد ِبا‪ ,‬وأن هللا حيب‬

‫‪ .8‬بداية اجملتهد وهناية املقتصد البن ر د (‪.)23/8‬‬


‫‪ .7‬بداية اجملتهد وهناية املقتصد البن ر د (‪.)72/8‬‬
‫‪ .3‬بداية اجملتهد وهناية املقتصد البن ر د (‪.)814/8‬‬
‫‪413‬‬
‫أن ييخص عبده املسلم ِبا؛ ألن الشريعة اإلسالمية مبنية عل التيسري‪ ,‬وأن التنزه‬
‫عن تلر الرخص مكروه؛ ألعه عوع من التشديد واحلرج يف الدين‪.8‬‬
‫ومن أبرز الفقهاء الذين يذهبون إىل هذا الرأي يف هذا العصر الشيخ الدكتور‬
‫يوسف القرضاوي عفا هللا عنه‪ ,‬فقد قدمنا أعه ير أمهية مراعاة الفقيه لواق‬
‫العصر‪ ,‬حبيث ينتقي من أقوال الفقهاء ما فيه تيسري وختفيف عل املسلمني؛ ألن‬
‫هللا تعاىل قال‪" :‬يريد هللا بكم اليسر وال يريد بكم العسر"‪ ,‬ورسوله ‪ ‬قال‪" :‬يسروا‬
‫وال تعسروا"‪ ,7‬ومن مثَّ تبلور عنده مصطلح "فقه التيسري"‪ ,‬مستدال بنصوص‬
‫الكتاب والسنة الدالة عل التيسري وعفي التعسري‪ ,‬خصوصا يف هذا العصر الذي‬
‫ر َّق فيه الدين‪ ,‬وق َّد فيه اليقني‪.3‬‬
‫مث اعقض الشيخ القرضاوي عفا هللا عنه عل املنهج املذهيب‪ ,‬متهما إ ه أبعه‬
‫َيثد اجتاه التضيي والتشديد‪ ,4‬وكان من ضمن استدالالته عل منهجه التيسريي‬
‫كلمة اإلماِ سفيان الثوري رمحه هللا‪" :‬إمنا الفقه الرخصة من ثقة‪ ,‬أما التشديد‬
‫فيحسنه كد أحد"‪ ,‬والعجيب أعه عقلها عن اإلماِ النووي املنضبط ملذهب‬
‫الشافعي‪ ,‬واستدل ِبدي النيب ‪ ‬يف اختيار أيسر األمرين ما مل يكن إمثا‪.5‬‬

‫‪ .8‬القول الشاذ وأثره يف الفتيا للشيخ ‪ .‬أمحد سري املباركي (‪.)833‬‬


‫‪ .7‬االجتها يف الشريعة للقرضاوي (‪.)11-29‬‬
‫‪ .3‬حوار أجرته صحيفة "املصري اليوِ" يف عد يوِ السب ‪ ,ِ7113/1/89‬وعشر يف موق الشيخ‬
‫بعنوان "اعتصار املقاومة أعا لألمة بعض هيبتها"‪.‬‬
‫‪ .4‬االجتها يف الشريعة للقرضاوي (‪.)831‬‬
‫‪ .5‬الفتو بني االعضباط والتسيب للقرضاوي (‪.)812‬‬
‫‪414‬‬
‫هذا هو ملخص منهج الشيخ القرضاوي املمثد للمنهج التيسريي‪ ,‬وهو‬
‫منهج يتعارض م منهج مجهور الفقهاء ‪ -‬بد يكا يكون إمجاعا م ‪ -‬القائلني‬
‫حبرمة تتب واعتقاء والتقاط الرخص االجتها ية؛ ألهنا ليس الرخص الشرعية‬
‫الثابتة لكتاب والسنة‪ ,‬بد هي رخص توصد إليها بعض الفقهاء جتها هم يف‬
‫عصوص الكتاب والسنة‪ ,‬وقد تصيب احل عند هللا‪ ,‬فيثب لصاحبها أجران‪ ,‬وقد‬
‫ختطئه‪ ,‬ويثب لصاحبها أجر واحد‪.‬‬
‫وقد تواطأت كلمة العلماء عل النهي عن تتب الرخص واعتقائها والتقاطها‪,‬‬
‫قال سليمان التيمي رمحه هللا (‪843-43‬هـ)‪" :‬لو أخذت برخصة كد عامل اجتم‬
‫فير الشر كله"‪ ,‬فقال ابن عبدالب رمحه هللا ‪ -‬معلقا عل قول سليمان التيمي ‪:-‬‬
‫"هذا إمجاع ال أعلم فيه خالفا"‪.8‬‬
‫وقال النووي رمحه هللا‪" :‬لو جاز اتباع أي مذهب اء ألفض إىل أن يلتقط‬
‫رخص املذاهب؛ متبعا هواه‪ ,‬ويتخري بني التحليد والتحرمي‪ ,‬والوجوب واجلواز‪,‬‬
‫وذلر يؤ ي إىل االحنالل من ربقة التكليف"‪ ,7‬وقال الذهيب رمحه هللا‪" :‬ومن تتب‬
‫رخص املذاهب وزالت اجملتهدين فقد َّ‬
‫رق ينه"‪.3‬‬
‫وسيأ مزيد تفصيد يف حكم العمد لرخص الفقهية بناء عل التزاِ اآلخذ‬
‫لرخصة مبذهب فقهي أو ال‪ ,‬وبناء عل احتياجه لألخذ ِبا أو جملر التشهي‪,‬‬
‫وبناء عل اإلكثار من الرخصة من عدمه‪.‬‬

‫‪ .8‬جام بيان العلم وفضله البن عبدالب (‪.)887/7‬‬


‫‪ .7‬اجملموع للنووي (‪.)55/8‬‬
‫‪ .3‬سري أعالِ النبالء للذهيب (‪.)91/1‬‬
‫‪415‬‬
‫ومما استدل به العلماء عل حرمة تتب الرخص الصا رة عن الفقهاء أن‬
‫الشرع احلنيف أمر املسلم تباع ما يطمئن إليه قلبه‪ ,‬وتسكن إليه عفسه الباحثة عن‬
‫احل ‪ ,‬فقد قال رسول هللا ‪" :‬الب ما اطمأن إليه القلب‪ ,‬واطمأع إليه النف ‪,‬‬
‫واإلمث ما حاك يف القلب‪ ,‬وتر يف الصدر‪ ,‬وإن أفتاك النام وأفتوك"‪ ,8‬أي إن‬
‫النف ال تستقر مىت َّك يف أمر‪ ,‬أما إذا أيقنته سكن واطمأع ‪ ,‬وقال ‪:‬‬
‫" ع ما يريبر إىل ما ال يريبر"‪ ,7‬أي اترك ما يشككر ويؤ ي بر إىل قل‬
‫النف واضطراِبا إىل ما يقو إىل طمأعينتها وسكوهنا‪.‬‬
‫أما الرخص الثابتة لنصوص الشرعية املعتبة‪ ,‬كالتيمم لفاقد املاء‪ ,‬واملسح‬
‫عل اخلفني‪ ,‬والصالة قاعدا للعاجز عن القياِ‪ ,‬وقصر الصالة ومجعها للمسافر‪,‬‬
‫واجلم للمقيم بعذر‪ ,‬والفطر يف رمضان للمعذور‪ ,‬وغريها‪ ,‬فليس اخلة فيما‬
‫حنن فيه؛ ألن هذه الرخص الشرعية اثبتة لنصوص الصحيحة‪ ,‬وال جمال للخطأ‬
‫فيها‪ ,‬ومل خيتلف العلماء يف أصلها‪ ,‬وإمنا اختلفوا يف بعض تفاصيلها‪ ,‬كصفة اخلف‬
‫الذي جيوز املسح عليه‪ ,‬وصفة التيمم و روطه‪ ,‬وصفة السفر املبيح للقصر واجلم ‪,‬‬
‫واألعذار اليت جيوز اجلم للمقيم بسببها‪ ,‬وبعض األعذار املبيحة للفطر يف‬
‫رمضان‪ ,‬فهذه هي الرخص والتيسريات اليت حيب هللا ‪ ‬من عبده املسلم أن‬
‫ييخص ِبا؛ ليشهد فضد هللا عليه ورمحته به‪.3‬‬

‫‪ .8‬رواه البخاري ‪ -‬يف التاريخ ‪ -‬وأمحد‪.‬‬


‫‪ .7‬رواه أمحد والنسائي واليمذي‪.‬‬
‫‪ .3‬اع ر املوسوعة الفقهية الكويتية (‪.)834/83‬‬
‫‪413‬‬
‫وهذه الرخص والتيسريات هي املقصو ة بقول هللا ‪" :‬يريد هللا بكم اليسر‬
‫وال يريد بكم العسر"‪ ,‬وقوله‪" :‬ما يريد هللا ليجعد عليكم من حرج"‪ ,‬وقوله‪" :‬وما‬
‫جعد عليكم يف الدين من حرج"‪ ,‬وغري ذلر من األ لة الكثرية اليت تبني مبا ال يدع‬
‫جماال للشر أن احلرج والعسر والتشديد منفي عن هذه الشريعة السمحة اليت يقول‬
‫عنها رسول هللا ‪" :‬إين مل أبعث ليهو ية وال لنصراعية‪ ,‬ولكين بعث حلنيفية‬
‫السمحة"‪.8‬‬
‫ما بني األخذ برخص الفقهاء وتتبعها‬
‫احملرِ أن يتتب‬
‫ومن املهم التنبيه عل أمر آخر يتعل ِبذا املوضوع وهو أن َّ‬
‫املسلم رخص الفقهاء‪ ,‬ولي املقصو حرمة األخذ ِبا عل اإلطالق‪ ,‬ومعىن التتب‬
‫الذي هن عنه العلماء هو أن يتحر املستفيت رخص الفقهاء واملذاهب الفقهية‬
‫احملتملة للصواب واخلطأ‪ ,‬فتارة أيخذ بقول أيب حنيفة‪ ,‬واترة بقول مالر‪ ,‬واترة‬
‫بقول الشافعي‪ ,‬واترة بقول أمحد‪ ,‬أو قول غريهم من األئمة والعلماء؛ تتبعا‬
‫لرخصهم‪ ,‬والتقاطا لتسهيالهتم‪ ,‬وتطلبا لتيسرياهتم‪ ,‬وهرو من التكاليف‪ ,‬وختلصا‬
‫من املسؤولية؛ حبيث يكون افعه إىل ذلر تغليب هو النف ورغباهتا و هواهتا‪,‬‬
‫ومل يبعثه عل تقليد أحد من أولئر العلماء أي مرجح‪ ,‬كاعتقا ه أعه أعلم من‬
‫غريه‪ ,‬أو أورع‪ ,‬أو أقرب‪ ,‬أو ‪ -‬عل األقد ‪ -‬جمر احملبة والعاطفة؛ ألعه لو كان‬
‫األمر كذلر التبعه يف كد ‪ -‬أو مع م ‪ -‬فتاواه‪ ,‬سواء يف ذلر يسريها و ديدها‪.‬‬

‫‪ .8‬رواه أمحد‪.‬‬
‫‪412‬‬
‫ولكن متتب الرخص ال جيعد ألي عامل منزلة يف قلبه إال مبقدار ما يرخص له‬
‫وييسر عليه‪ ,‬فال أيخذ من املذاهب إال أسهلها‪ ,‬وال من األقوال إال أيسرها‪ ,‬فهذا‬
‫هو معىن التتب الذي هن عنه العلماء‪ ,‬وحذروا منه‪.‬‬
‫ولكي ال يطول املوضوع فإن العمد لرخصة خيتلف حسب اإلكثار منها‬
‫من عدمه‪ ,‬وحسب كون العامد ِبا متمذهبا مبذهب فقهي أو غري متمذهب‪,‬‬
‫وبني كوعه َيلر أهلية اليجيح أو ال َيلكها‪.‬‬
‫ومن أفضد من بسط القول ‪ -‬فيما علم هل ‪ -‬يف قضية األخذ برخص‬
‫املذاهب وتتبُّعها اإلماِ تقي الدين السبكي رمحه هللا‪ ,‬فإعه سئد عن املتعبد مبذهب‬
‫الشافعي مثال‪ ,‬هد حيد له أن يقلد يف بعض املسائد غريه أو ال؟ فقال‪" :‬املتعبد‬
‫مبذهب الشافعي أو غريه من األئمة إذا أرا أن يقلد غريه يف مسألة فله أحوال‪:‬‬
‫إحداها أن يعتقد حبسب حاله رجحان مذهب ذلر الغري يف تلر املسألة‪,‬‬
‫فيجوز؛ اتباعا للراجح يف ظنه‪ ,‬الثاعية أن يعتقد رجحان مذهب إمامه‪ ,‬أو ال يعتقد‬
‫رجحاان أصال‪ ,‬ولكن يف كال األمرين‪ :‬أعين اعتقا ه رجحان مذهب إمامه‪ ,‬وعدِ‬
‫االعتقا للرجحان أصال‪ ,‬يقصد تقليده؛ احتياطا لدينه وما أ به ذلر مما تقدِ‬
‫متثيله‪ ,‬فهو جائز أيضا‪ ,‬وهذا كاحليلة إذا قصد ِبا اخلالص من الر ‪ ,‬كبي اجلم‬
‫لدراهم‪ ,‬و راء اخلبيث ِبا‪ ,‬فلي حبراِ وال مكروه‪ ,‬خبالف احليلة عل غري هذا‬
‫الوجه‪ ,‬حيث حنكم بكراهتها‪ ,‬الثالثة أن يقصد بتقليده الرخصة فيما هو حمتاج‬
‫إليه؛ حلاجة حلقته أو ضرورة أرهقته‪ ,‬فيجوز أيضا‪ ,‬إال أن يعتقد رجحان إمامه‪,‬‬
‫ويعتقد تقليد األعلم‪ ,‬فيمتن ‪ ,‬وهو صعب‪ ,‬واألوىل اجلواز‪ ,‬الرابعة أن ال تدعوه إىل‬
‫ذلر ضرورة وال حاجة‪ ,‬بد جمر قصد اليخص‪ ,‬من غري أن يغلب عل ظنه‬

‫‪411‬‬
‫رجحاعه‪ ,‬فيمتن ؛ ألعه حينئذ متب واه ال للدين‪ ,‬اخلامسة أن يكثر منه ذلر‪,‬‬
‫وجيعد اتباع الرخص يدعه‪ ,‬فيمتن ؛ ملا قلناه وز ة فحشه‪ ,‬السا سة أن جيتم من‬
‫ذلر حقيقة مركبة ممتنعة إلمجاع‪ ,‬فيمتن ‪ ,8‬السابعة أن يعمد بتقليده األول‪,‬‬
‫كاحلنفي يدعي بشفعة اجلوار‪ ,‬فيأخذها مبذهب أيب حنيفة‪ ,‬مث تستح عليه‪,‬‬
‫فرييد أن يقلد الشافعي‪ ,‬فيمتن منها‪ ,‬فيمتن ؛ لتحق خطئه إما يف األول وإما يف‬
‫الثاين‪ ,7‬وهو خص واحد مكلف"‪.3‬‬
‫وملخص ما تقدِ يف حكم األخذ لرخص الفقهية يتمثد يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ .8‬أن يكون اآلخذ لرخصة عاميا‪ ,‬مل يتمذهب مبذهب معني‪ ,‬وإمنا أيخذ أبقوال‬
‫العلماء حسبما اتف له‪ ,‬بدون تتب لرخصهم‪ ,‬فيجوز له األخذ لرخصة‪ ,‬أما‬
‫إن كان يتتب رخصهم فيحرِ عليه‪.‬‬
‫‪ .7‬أن يكون اآلخذ لرخصة متمذهبا مبذهب معني‪ ,‬وكاع الرخصة يف مذهبه‪,‬‬
‫فيجوز له األخذ ِبا‪ ,‬ما مل يعتقد مرجوحيتها‪.‬‬
‫‪ .3‬أن تكون الرخصة يف غري مذهبه‪ ,‬ولكنه اعتقد رجحاهنا؛ لقوة ليلها مثال‪,‬‬
‫فيجوز له األخذ ِبا أيضا‪.‬‬
‫‪ .4‬أن تكون الرخصة يف غري مذهبه‪ ,‬واحتاج إىل األخذ ِبا؛ لضرورة أو حاجة‪,‬‬
‫فيجوز له األخذ ِبا أيضا‪.‬‬

‫‪ .8‬تقدِ احلديث عل قضية تلفي التقليد‪.‬‬


‫‪ .7‬تقدِ احلديث أيضا عل قضية العمد لرأي وضده يف مسألة واحدة بعينها‪.‬‬
‫‪ .3‬فتاو تقي الدين السبكي (‪ ,)844/8‬واع ر البحر احمليط للزركشي (‪ ,)321/1‬واملوسوعة الفقهية‬
‫الكويتية (‪.)794/83‬‬
‫‪419‬‬
‫‪ .5‬أن تكون الرخصة يف غري مذهبه‪ ,‬ومل تدعه حاجة أو ضرورة لألخذ ِبا‪ ,‬بد‬
‫قصد مطل اليخص‪ ,‬فيحرِ عليه األخذ ِبا؛ ألعه حينئذ متب واه‪.‬‬
‫‪ .3‬أن تكون الرخصة يف غري مذهبه‪ ,‬ويكثر من األخذ لرخص‪ ,‬وجيعد تتبعها‬
‫يدعه‪ ,‬فيحرِ عليه ذلر‪ ,‬ويفس به؛ لتغليب هواه عل حكم الشرع‪.‬‬
‫أمثلة على تتبع الرخص‬
‫وإذا أر ت أن تتصور ناعة تتب رخص الفقهاء فتصور رجال تتب الرخص‬
‫التالية من املذاهب األربعة ‪ -‬م العلم أبهنا أقوال معتمدة فيها ‪:-‬‬
‫‪ .8‬أخذ بقول مجهور العلماء ‪ -‬إال احلنابلة ‪ -‬يف أن صالة اجلماعة سنة مؤكدة أو‬
‫فرض كفاية‪ ,‬فأخذ يؤ ي صالة الفريضة منفر ا يف بيته ائما‪.‬‬
‫‪ .7‬وأخذ بقول احلنفية أن صالة اجلمعة ال جتب إال عل أهد بلد يوجد فيها أمري‬
‫وقاض‪ ,‬فكان يف بلد ال يوجد فيها أمري‪ ,‬فلم يؤ صالة اجلمعة م املسلمني‪ ,‬وقد‬
‫يبلغون آالفا‪.‬‬
‫‪ .3‬وأخذ بقول اجلمهور أن صالة العيدين سنة مؤكدة أو فرض كفاية‪ ,‬فلم‬
‫يشهدها م املسلمني‪.‬‬
‫‪ .4‬وأخذ بقول اجلمهور ‪ -‬إال احلنفية ‪ -‬يف عدِ وجوب زكاة احللي‪ ,‬فأقن زوجته‬
‫أن ال خترج زكا ًة عن حليها‪.‬‬
‫‪ .5‬وأخذ بقول اجلمهور ‪ -‬إال احلنفية ‪ -‬يف عدِ وجوب زكاة الفواكه‬
‫واخلضروات‪ ,‬فلم يؤ زكاة عتاج مزرعته من فواكه وخضروات‪.‬‬
‫‪ .3‬مث رج إىل األخذ بقول احلنفية يف عدِ وجوب الزكاة يف مال الصيب واجملنون‪,‬‬
‫فلم خيرج زكاة األموال غري النامية ألوال ه الصغار‪.‬‬

‫‪481‬‬
‫‪ .2‬وأخذ بقول اجلمهور ‪ -‬إال املالكية ‪ -‬يف عدِ وجوب زكاة األععاِ غري‬
‫السائمة‪.‬‬
‫‪ .1‬وأخذ بقول احلنفية واملالكية بسنية العمرة‪ ,‬فلم يؤ ها طيلة حياته رغم علمه‬
‫بفرضيتها عل مذهيب الشافعية واحلنابلة‪.8‬‬
‫فهذا عد قليد من رخص الفقهاء‪ ,‬وينتج من تتبعها أ اء صالة الفريضة‬
‫منفر ا يف البي ‪ ,‬ومثلها أ اء صالة اجلمعة ظهرا‪ ,‬وترك صالة العيدين‪ ,‬وعدِ أ اء‬
‫زكاة احللي والفواكه واخلضروات واألععاِ غري السائمة وأموال الصيب واجملنون‪ ,‬وعدِ‬
‫اإلتيان لعمرة‪ ,... ,‬إخل‪.‬‬
‫وينبغي أن يعلم أن كد تلر الرخص الفقهية السابقة أقوال صحيحة معتمدة‬
‫يف مذاهب أصحاِبا‪ ,‬وليس أقواال مرجوحة أو اذة أو ضعيفة أو مهملة‪ ,‬كما‬
‫أن األخذ ِبا ال ينتج عنه تلفي يف التقليد‪ ,‬بد إن كد رخصة منفكة عن األخر ‪,‬‬
‫وم ذلر فإن تتبعها ينتج عنه احنالل عن التكاليف الشرعية‪ ,‬وبناء عل هذا فقد‬
‫اتف مجهور العلماء عل حرمة تتب رخص العلماء‪ ,‬وعقد بعضهم اإلمجاع عليه‪,‬‬
‫وقد قدمنا سابقا بعض عصوصهم‪.‬‬
‫اختار أيسرمها ما ل يكن إمثا‬
‫من األ لة اليت يستدل ِبا أصحاب املنهج التيسريي ‪ -‬وعل رأسهم الشيخ‬
‫القرضاوي‪ - 7‬احلديث الصحيح الوار عن أِ املؤمنني عائشة رضي هللا عنها أهنا‬

‫‪ .8‬لالستزا ة اع ر كتب الفقه املذهيب املقارن‪ ,‬ككتاب بداية اجملتهد البن ر د وجمموع النووي ومغين ابن‬
‫قدامة وغريها‪.‬‬
‫‪ .7‬اع ر كتابه الفتو بني االعضباط والتسيب (‪.)812‬‬
‫‪488‬‬
‫قال ‪" :‬ما هلخري رسول هللا ‪ ‬بني أمرين إال أخذ أيسرمها ما مل يكن إمثا‪ ,‬فإن كان‬
‫إمثا كان أبعد النام منه"‪ ,8‬ففهموا أن تتب األيسر واألسهد من اآلراء الفقهية‬
‫االجتها ية منهج عبوي صحيح‪.‬‬
‫خيري النيب ‪‬‬
‫ولكن التخيري املذكور يف هذا احلديث لي املقصو منه أن َّ‬
‫بني رأيني فقهيني اجتها يني مما اختلف فيه الفقهاء‪ :‬أحدمها حراِ واآلخر حالل‪,‬‬
‫أو أحدمها واجب واآلخر جائز‪ ,‬أو أن يف املسألة عدة أقوال‪ ,‬فيختار النيب ‪‬‬
‫أسهلها وأيسرها عل عفسه‪ ,‬وذلر ألن النيب ‪ ‬هو املشرع الذي ينهد الفقهاء‬
‫من معينه وسنته‪ ,‬وهو الذي يقرر ويهلشرع األحكاِ بوحي هللا ‪ ‬إليه‪ ,‬ومل تكن‬
‫أمامه أقوال للفقهاء‪ ,‬ينتقي منها األيسر واألسهد‪ ,‬كما فهم متتبعو الرخص‪.‬‬
‫ولكن املقصو من ختيري النيب ‪ ‬املذكور يف حديث عائشة رضي هللا عنها‬
‫ثالثة أمور‪:‬‬
‫‪ .8‬التخيري يف أمور الدعيا‪ ,‬كأن أيكد ‪ ‬من الطعاِ ما تيسر‪ ,‬فقد قال ‪‬‬
‫أليب ا يثم بن التيهان ‪ - ‬ملا جاءه بعذق‪ ,‬فيه بسر ورطب ومتر ‪" :-‬أال كن‬
‫اجتني " – أي اعتقي من العذق ما تيسر‪ ,‬فقال‪ :‬أحبب أن تكوعوا الذين‬
‫ختتارون عل أعينكم‪ ,‬مث أخذ الشفرة‪ ,‬فقال له النيب ‪" :‬إ ك واحللوب"‪.7‬‬
‫‪ .7‬التخيري الذي ي هر فيه حسن اخلل والرمحة لنام‪ ,‬ومن أبرز م اهره‬
‫عفوه ‪ ‬عن جهلة املسلمني‪ ,‬كعفوه ‪ ‬عمن تكلم يف الصالة‪ ,3‬وعفوه ‪ ‬عمن‬

‫‪ .8‬رواه البخاري ومسلم وأمحد وأبو او ‪.‬‬


‫‪ .7‬رواه مسلم واليمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫‪ .3‬رواه مسلم وأمحد والنسائي وأبو او ‪.‬‬
‫‪487‬‬
‫ل يف املسجد‪ ,8‬وغري ذلر‪ ,‬وكالتخفيف يف أفعال الصالة وأقوا ا عل قدر‬
‫صالة الضعفاء واملرض وكبار السن كما تقدِ‪ ,‬فكان النيب ‪ ‬خيتار األيسر‬
‫واألسهد عل أمته‪ ,‬وصدق هللا ‪ ‬حني قال عنه ‪" :‬لقد جاءكم رسول من‬
‫أ هلعفسكم عزيز عليه ما عنتُّم حريص عليكم ملؤمنني رؤوف رحيم"‪.‬‬
‫‪ .3‬أن خيريه هللا ‪ ‬بني عد من األمور املشروعة؛ ليختار منها ‪ ‬ما‬
‫اء‪ ,‬فيختار النيب ‪ ‬األيسر عل النام واألرف واألرحم ِبم‪ ,‬فقد اختار ‪‬‬
‫العفو عمن آذاه من املشركني بعد رجوعه من الطائف عل أن يهلكهم هللا إبطباق‬
‫األخشبني عليهم‪ ,7‬واختار فداء أسار قريش عل قتلهم يف غزوة بدر‪ ,3‬واختار‬
‫االستغفار لرأم املنافقني عبدهللا بن أيب بن سلول‪ ,‬والصالة عليه عل عدمه‪.4‬‬
‫قال اإلماِ النووي رمحه هللا يف رح قول عائشة رضي هللا عنها "أيسرمها"‪:‬‬
‫"فيه استحباب األخذ أليسر واألرف ما مل يكن حراما أو مكروها‪ ,‬قال القاضي‪:‬‬
‫وحيتمد أن يكون ختيريه ‪ ‬هنا من هللا تعاىل‪ ,‬فيخريه فيما فيه عقوبتان‪ ,‬أو فيما‬
‫بينه وبني الكفار من القتال وأخذ اجلزية‪ ,‬أو يف ح أمته يف اجملاهدة يف العبا ة أو‬
‫االقتصار‪ ,‬وكان خيتار األيسر يف كد هذا‪ ,‬قال‪ :‬وأما قو ا‪" :‬ما مل يكن إمثا"‬

‫‪ .8‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬


‫‪ .7‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫‪ .3‬رواه مسلم وأمحد واليمذي‪.‬‬
‫‪ .4‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي واليمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫‪483‬‬
‫فيتصور إذا خريه الكفار واملنافقون‪ ,‬فأما إن كان التخيري من هللا تعاىل أو من‬
‫املسلمني فيكون االستثناء منقطعا"‪.8‬‬
‫وقال احلافظ ابن حجر العسقالين رمحه هللا يف رح قول عائشة رضي هللا‬
‫عنها " ابني أمرين"‪" :‬أي من أمور الدعيا‪ ,‬يدل عليه قوله‪" :‬ما مل يكن إمثا"؛ ألن‬
‫"خري" ليكون أعم من أن يكون من قبد هللا أو‬‫فاعد هل‬
‫أمور الدين ال إمث فيها‪ ,‬وأهلِبم هل‬
‫من قبد املخلوقني‪ ,‬وقوله‪" :‬إال أخذ أيسرمها " أي أسهلهما‪ ,‬وقوله‪" :‬ما مل يكن‬
‫إمثا" أي ما مل يكن األسهد مقتضيا لإلمث‪ ,‬فإعه حينئذ خيتار األ د‪ ,... ,‬ووقوع‬
‫التخيري بني ما فيه إمث وما ال إمث فيه من قبد املخلوق واضح‪ ,‬وأما من قبد هللا ففيه‬
‫إ كال؛ ألن التخيري إمنا يكون بني جائزين‪ ,‬لكن إذا محلناه عل ما يفضي إىل‬
‫اإلمث أمكن ذلر‪ ,‬أبن خيريه بني أن يفتح عليه من كنوز األرض ما خيش من‬
‫اال تغال به أن ال يتفرغ للعبا ة مثال‪ ,‬وبني أن ال يؤتيه من الدعيا إال الكفاف‪,‬‬
‫فيختار الكفاف‪ ,‬وإن كاع السعة أمهد منه‪ ,‬واإلمث عل هذا أمر عسيب‪ ,‬ال يرا‬
‫منه معىن اخلطيئة؛ لثبوت العصمة له ‪.7"‬‬
‫وقد أر د رسول هللا ‪ ‬إىل هذا املنهج التيسريي بقوله عليه الصالة‬
‫والسالِ‪" :‬يسروا وال تعسروا‪ ,‬وبشروا وال تنفروا"‪ ,‬قال النووي رمحه هللا‪" :‬ويف هذا‬
‫احلديث األمر لتبشري بفضد هللا‪ ,‬وع يم ثوابه‪ ,‬وجزيد عطائه‪ ,‬وسعة رمحته‪,‬‬
‫والنهي عن التنفري بذكر التخويف‪ ,‬وأعواع الوعيد حمضة من غري ضمها إىل التبشري‪,‬‬

‫‪ .8‬رح صحيح مسلم للنووي‪ ,‬ب مباعدته ‪ ,‬واختياره من املباح أسهله‪ ,‬واعتقامه هلل عند اعتهاك‬
‫حرماته‪.‬‬
‫‪ .7‬فتح الباري البن حجر‪ ,‬ب صفة النيب ‪.‬‬
‫‪484‬‬
‫وفيه أتليف من قـ هلرب إسالمه‪ ,‬وترك التشديد عليهم‪ ,‬وكذلر من قارب البلوغ من‬
‫الصبيان‪ ,‬ومن بلغ‪ ,‬ومن اتب من املعاصي‪ ,‬كلهم يتلطف ِبم‪ ,‬ويهلد َّرجون يف أعواع‬
‫الطاعة قليال قليال‪ ,‬وقد كاع أمور اإلسالِ يف التكليف عل التدريج‪ ,‬فمىت يسر‬
‫عل الداخد يف الطاعة أو املريد للدخول فيها سهل عليه‪ ,‬وكاع عاقبته غالبا‬
‫التزايد منها‪ ,‬ومىت عسرت عليه أو ر أن ال يدخد فيها‪ ,‬وإن خد أو ر أن ال‬
‫يدوِ أو ال يستحليها"‪.8‬‬
‫ضوابط علمية لالستفادة من املذاهب الفقهية‬
‫قرران يف فصد ساب أعه جيوز للمسلم التزاِ عامل ‪ -‬أو مذهب ‪ -‬بعينه‪,‬‬
‫وجيوز له عدِ االلتزاِ أيضا‪ ,‬وحيصد ذلر أبن ال يلتزِ بعامل ‪ -‬أو مذهب ‪ -‬معني‪,‬‬
‫وإمنا يستفيت عدة علماء فيما ينزل به من عوازل‪.‬‬
‫فإذا تعد العلماء ‪ -‬أو املذاهب ‪ -‬أماِ املستفيت فإعه جيوز له التزاِ عامل ‪-‬‬
‫أو مذهب ‪ -‬بعينه؛ إما لعلمه وعدالته وورعه‪ ,‬أو ألعه األقرب واأليسر له‪,‬‬
‫واألفضد استفتاء األفقه واألورع؛ ألمهية التوث يف أن الفتو ‪.‬‬
‫قال اإلماِ أبو إسحاق الشريازي رمحه هللا ‪ -‬بعد أن عبه عل وجوب معرفة‬
‫حال املفيت يف الفقه واألماعة ‪" :-‬فإذا عرف أعه فقيه ع ر‪ ,‬فإن كان ‪ -‬أي املفيت‬
‫‪ -‬وحده قلده‪ ,‬وإن كان هناك غريه فهد جيب عليه ‪ -‬أي املستفيت ‪ -‬االجتها ؟‬
‫فيه وجهان‪ :‬من أصحابنا من قال‪ :‬يقلد من اء منهم‪ ,‬وقال أبو العبام والقفال‪:‬‬

‫‪ .8‬رح صحيح مسلم للنووي‪ ,‬ب "أتمري اإلماِ األمراء عل البعوث‪ ,‬ووصيته إ هم آب اب الغزو‬
‫وغريها"‪.‬‬
‫‪485‬‬
‫يلزمه االجتها يف أعيان املفتني‪ ,‬فيقلد أعلمهم وأورعهم‪ ,‬واألول أصح؛ ألن الذي‬
‫جيب عليه أن يرج إىل قول عامل ثقة‪ ,‬وقد فعد ذلر‪ ,‬فيجب أن يكفيه"‪.8‬‬
‫وقد قرر الفقهاء أن عل املستفيت أن خيتار من أقوال املفتني قوال جتتم فيه‬
‫بقية أقوا م إن أمكنه‪ ,‬وإال فليأخذ أل د؛ احتياطا لدينه‪ ,‬وله أن أيخذ أليسر‬
‫عليه‪ ,‬قال اخلطيب البغدا ي رمحه هللا‪" :‬وإذا اختلف جواب املفتني عل وجهني‪,‬‬
‫فينبغي للمستفيت أن جيم بني الوجهني إذا أمكنه ذلر؛ لالحتياط واخلروج من‬
‫اخلالف‪ ,‬مثاله أن يفتيه بعض الفقهاء أن الفرض عليه يف الطهارة مسح مجي‬
‫رأسه‪ ,‬ويفتيه بعضهم أعه جيزئه مسح بعض الرأم وإن قد‪ ,‬فإذا مسح مجيعه كان‬
‫مؤ فرضه عل القولني مجيعا‪ ,‬وأما إذا مل َيكنه اجلم بني وجهي اخلالف؛‬
‫لتنافيهما‪ ,‬مثد أن يكون أحدمها حيد ويبيح‪ ,‬واآلخر حيرِ وحي ر‪ ,‬فقد قيد‪ :‬يلزمه‬
‫أن أيخذ أبغلظ القولني وأ ده؛ ألن احل ثقيد‪ ,... ,‬قال بعض احلكماء‪ :‬إذا‬
‫أ كد علير أمران‪ ,‬فلم تدر أيهما أ ىن إىل الصواب والسدا ‪ ,‬فاع ر أثقلهما‬
‫علير‪ ,‬فاتبعه‪ ,‬و ع ا و الذي هتو ‪ ,‬فإعر ال تدري‪ ,‬لعد ا و هو الذي زينه‬
‫يف قلبر‪ ,‬وحسنه عندك‪ ,‬وقيد‪ :‬أيخذ أبسهد القولني وأيسر األمرين؛ ألن هللا‬
‫بكم العهلسر"‪ ,... ,‬وقيد‪ :‬أيخذ بفتو‬
‫بكم اليهلسر وال يهلريد هل‬
‫يد هللا هل‬
‫تعاىل قال‪" :‬يهلر هل‬
‫أفضلهما عنده يف الدين والعلم وأورعهما"‪.7‬‬
‫وقد فهم بعض النام من جواز عدِ التزاِ عامل أو مذهب معني أن م حرية‬
‫التنقد من عامل أو مذهب آلخر‪ ,‬حسب رغباهتم و هواهتم‪ ,‬حىت لو كان ذلر‬

‫‪ .8‬اللم أليب إسحاق الشريازي (‪.)871‬‬


‫‪ .7‬الفقيه واملتفقه للخطيب (‪.)713/7‬‬
‫‪483‬‬
‫التنقد بقصد التشهي واتباع الرخص‪ ,‬وتتبعا للزالت والسقطات‪ ,‬مبعىن أن يعمد‬
‫أحدهم إىل عد من العلماء أو املذاهب الفقهية‪ ,‬فيجم فتاواهم املختلفة‪ ,‬فيأخذ‬
‫ألسهد واأليسر عليه‪ ,‬ويتصيد واذ الفتاو ‪ ,‬ويقتنص زالت العلماء‪ ,‬ويلف بني‬
‫أقوا م‪ ,‬حبيث يكون هذا أعه و يدعه‪.‬‬
‫بد إن بعض العلماء املتأثرين ب روف الزمان واملكان والداعني ‪ -‬فيما‬
‫يعتقدون ‪ -‬للتجديد واإلصالح يف اإلسالِ سلر منهج حتديد اجلواب املطلوب‬
‫قبد البحث يف أ لته املوصلة إليه‪ ,‬أي تطوي النصوص للتأقلم م الواق ‪ ,‬فقد قال‬
‫يخ األزهر حممد مصطف املراغي عفا هللا عنه (‪8334-8791‬هـ) ‪ -‬موجها‬
‫كالمه للجنة تن يم األحوال الشخصية ‪" :-‬ضعوا من املوا ما يبدو لكم أعه يواف‬
‫الزمان واملكان‪ ,‬وأان ال يعوزين بعد ذلر أن آتيكم بنص من املذاهب اإلسالمية‬
‫يطاب ما وضعتم"‪.8‬‬
‫وهذا املسلر اخلطري ب فتحه الشيطان عل بعض جهلة املسلمني؛ تلبيسا‬
‫عليهم‪ ,‬ومكرا ِبم‪ ,‬واستدراجا م‪ ,‬فيكوا بسببه الواجبات‪ ,‬وارتكبوا احملرمات‪,‬‬
‫وهتربوا من تكاليف الشرع‪.‬‬
‫ومن دة خديعة الشيطان‬
‫مسلكهم يف تتب الرخص واقتناص‬ ‫هل‬ ‫ِبم‪ ,‬واستحكاِ هواهتم‪ ,‬أهنم إذا أهلعكر عليهم‬
‫الزالت وتلفي األقوال‪ ,‬تعللوا أبهنم مل يهلقدموا عل أي أمر من تلقاء أعفسهم‪ ,‬وإمنا‬
‫أخذوا فيه بفتاو علماء موثوقني يف علمهم وعقلهم و عتهم‪ ,‬فإن كان مثَّ عهدة‬

‫‪ .8‬اجملد ون يف اإلسالِ للشيخ عبداملتعال الصعيدي (‪ ,)541‬وحسبر أن تعلم أن الشيخ الصعيدي‬


‫عفا هللا عنه أ رج مصطف كمال أاتتورك ومريزا علي حممد (الباب) ضمن اجملد ين يف اإلسالِ‪.‬‬
‫‪482‬‬
‫ومسؤولية فإمنا يتحملها أولئر العلماء الذين أفتوا لرخص أو الزالت والسقطات‪,‬‬
‫ولي عليهم ‪ -‬فيما يعتقدون ‪ -‬حرج وال إمث؛ ألهنم ‪ -‬حسب زعمهم ‪ -‬ال‬
‫يستطيعون اليجيح بني أقوال العلماء واملفاضلة بينها‪.‬‬
‫تتحر سؤال ‪ -‬أو تقليد ‪ -‬األعلم أو األورع من‬ ‫فهذه الفئة من النام مل َّ‬
‫العلماء‪ ,‬ومل أتخذ ألحوط من الفتاو ‪ ,‬ومل يبعثها عل األخذ أليسر واألسهد‬
‫منها ضرورة أو حاجة‪ ,‬ومل تقتن بعامل ‪ -‬أو مذهب ‪ -‬واحد‪ ,‬حبيث تلتزِ تيسرياته‬
‫وتشديداته‪ ,‬وإمنا معيارها الوحيد الذي تتحاكم إليه هو هو النف ورغباهتا‬
‫و هواهتا‪ ,‬فإذا عزل أبحدهم أمر ما‪ ,‬توجه مبسألته إىل عد من العلماء‪ ,‬مث أيخذ‬
‫وهتر من التكاليف‪.‬‬ ‫أبسهد فتو تروق له؛ تتبُّعا للرخص‪ ,‬وتصيُّدا للزالت‪ُّ ,‬‬
‫وقد ذِ هللا ‪ ‬من يتبعون هو األعف ورغباهتا‪ ,‬فقال سبحاعه‪" :‬أرأي‬
‫ضد ممن اتَّب هواه‬
‫من اختذ إ ه هواه‪ ,‬أفأع تكون عليه وكيال"‪ ,‬وقال‪" :‬ومن أ ُّ‬
‫بغري هلهد من هللا"‪ ,‬وقال رسول هللا ‪" :‬إذا رأي حا مطاعا‪ ,‬وهو متبعا‪,‬‬
‫و عيا مؤثرة‪ ,‬وإعجاب كد ذي رأي برأيه‪ ,‬فعلير خباصة عفسر‪ ,‬و ع عنر‬
‫العواِ"‪ ,8‬وقال ‪" :‬إن مما أخش عليكم هوات الغي يف بطوعكم وفروجكم‪,‬‬
‫ومضالت ا و "‪ ,7‬وغريها من اآل ت الشريفة واألحا يث املنيفة‪.‬‬
‫وع را خلطورة هذا املسلر املشعر بتهرب صاحبه من التكاليف الشرعية‪,‬‬
‫وتتبعه لنفسه األمارة لسوء‪ ,‬وتغليب هواه عل مرا الشرع‪ ,‬فقد وض العلماء ‪-‬‬

‫‪ .8‬رواه أبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬


‫‪ .7‬رواه أمحد والطباين يف معامجه الثالثة‪ ,‬قال ا يثمي يف اجملم (‪ :)443/8‬ورجاله رجال الصحيح‪.‬‬
‫‪481‬‬
‫أعل هللا رايتهم ورف منارهم ‪ -‬ضوابط قيقة لتقليد املذاهب واملفتني‪ ,‬وذكروا‬
‫مخسة روط لصحة التقليد‪:‬‬
‫‪ ‬األول أن يعتقد فضد مقلَّده عل غريه‪ ,‬وهو رط مرجوح‪.‬‬
‫‪ ‬الثاين أن جيتنب زالت العلماء وسقطاهتم‪.‬‬
‫‪ ‬الثالث أال يؤ ي تقليده لعد من العلماء إىل التلفي ‪.‬‬
‫‪ ‬الراب أال يعمد لقول وضده يف مسألة واحدة‪.‬‬
‫‪ ‬اخلام أال يتتب رخص العلماء‪.‬‬
‫أوال‪ :‬أن يعتقد فضل مقلده على غريه‪ ,‬وهو شرط مرجوح‬
‫أوجب هللا ‪ ‬عل اجلاهد‬
‫أن يسأل عاملا عما حيتاجه من أحكاِ الدين‪ ,‬فقال سبحاعه‪" :‬فاسألوا أهد الذكر‬
‫إن كنتم ال تعلمون"‪ ,‬وأر د رسول هللا ‪ ‬إىل وجوب سؤال العلماء‪ ,‬فقد ور عن‬
‫فشجه‬
‫جابر بن عبدهللا ‪ ‬أعه قال‪ :‬خرجنا يف سفر‪ ,‬فأصاب رجال منا حجر‪َّ ,‬‬
‫يف رأسه‪ ,‬مث احتلم‪ ,‬فسأل أصحابه فقال‪ :‬هد جتدون يل رخصة يف التيمم؟ فقالوا‪:‬‬
‫ما د لر رخصة‪ ,‬وأع تقدر عل املاء‪ ,‬فاغتسد فمات‪ ,‬فلما قدمنا عل رسول‬
‫هللا ‪ ‬أهلخب بذلر‪ ,‬فقال ‪" :‬قتلوه قتلهم هللا‪ ,‬أال سألوا إذ مل يعلموا؟ فإمنا فاء‬
‫العي السؤال‪ ,‬إمنا كان يكفيه أن يتيمم‪ ,‬ويعصب عل جرحه خرقة‪ ,‬مث َيسح‬
‫عليها‪ ,‬ويغسد سائر جسده"‪ ,8‬فقد ل هذه النصوص وغريها عل وجوب‬
‫سؤال العلماء عند اجلهد أبحكاِ الدين‪.‬‬

‫‪ .8‬رواه أبو او ‪ ,‬ورواه أمحد وأبو او وابن ماجه عن ابن عبام ‪.‬‬
‫‪489‬‬
‫وقد وق اخلالف يف صفة العامل الذي جيب أن يهلسأل‪ ,‬أهو األعلم‪ ,‬أِ‬
‫يكفي سؤال عامل أهد لإلفتاء ‪ -‬م وجو أعلم منه ‪ ,-‬قال اخلطيب البغدا ي‬
‫رمحه هللا‪" :‬إذا مل َيكنه ‪ -‬أي املستفيت ‪ -‬اجلم بني وجهي اخلالف؛ لتنافيهما‪,‬‬
‫‪ ,...‬فقد قيد‪ :‬يلزمه أن أيخذ أبغلظ القولني وأ ده‪ ,... ,‬وقيد‪ :‬أيخذ أبسهد‬
‫القولني وأيسر األمرين‪ ,... ,‬وقيد‪ :‬أيخذ بفتو أفضلهما عنده يف الدين والعلم‪,‬‬
‫وأورعهما‪ ,‬ويلزمه االجتها يف تعريف ذلر من حا ما"‪.8‬‬
‫فمن العلماء من ا يط أن يكون املفيت أعلم أهد زماعه؛ خلطورة أن‬
‫الفتو ‪ ,‬فقد قال اجلصاص رمحه هللا (‪321-315‬هـ)‪" :‬فإذ قد ثب أن عل‬
‫العامي مسألة أهد العلم بذلر‪ ,‬فلي خيلو إذا كان عليه ذلر من أن يكون له أن‬
‫يسأل من اء منهم‪ ,‬أو أن جيتهد‪ ,‬فيسأل أوثقهم يف عفسه وأعلمهم عنده‪ ,‬فقال‬
‫بعض أهد العلم‪ :‬له أن يسأل من اء منهم من غري اجتها يف أوثقهم يف عفسه‬
‫وأعلمهم عنده‪ ,‬وقال آخرون‪ :‬ال جيوز له اإلقداِ عل مسألة من اء منهم إال‬
‫بعد االجتها منه يف حا م‪ ,‬مث يقلد أوثقهم لديه وأعلمهم عنده‪ ,‬فإن تساووا عنده‬
‫أخذ بقول من اء منهم‪ ,‬وهذا القول هو الصحيح عندان؛ وذلر ألن عليه‬
‫االحتياط لدينه‪ ,‬وهو قد َيكنه االجتها يف تغليب األفضد واألعلم يف ظنه‪,‬‬
‫وأوثقهم يف عفسه‪ ,‬فغري جائز إذا أمكنه االحتياط مبثله أن يعدل عنه‪ ,‬فيقلد بغري‬
‫اجتها منه"‪.7‬‬

‫‪ .8‬الفقيه واملتفقه للخطيب (‪.)713/7‬‬


‫‪ .7‬الفصول يف األصول للجصاص (‪.)717/4‬‬
‫‪471‬‬
‫وقال القرطيب رمحه هللا‪" :‬عليه ‪ -‬أي العامي الذي ال يشتغد ستنباط‬
‫األحكاِ من أصو ا ‪ -‬االجتها يف أعلم أهد وقته‪ ,‬لبحث عنه‪ ,‬حىت يق عليه‬
‫االتفاق من األكثر من النام"‪.8‬‬
‫وقال ابن القيم رمحه هللا‪" :‬هد يلزِ املستفيت أن جيتهد يف أعيان املفتني‪,‬‬
‫ويسأل األعلم واأل ين‪ ,‬أِ ال يلزمه ذلر‪ ,‬فيه مذهبان كما سب ‪ ,‬وبيَّـنَّا مأخذمها‪,‬‬
‫والصحيح أعه يلزمه؛ ألعه املستطاع من تقو هللا تعاىل‪ ,‬املأمور ِبا كد أحد"‪.7‬‬
‫ورأ أكثر العلماء أعه ال جيب أن يكون املفيت أعلم أهد زماعه‪ ,‬بد يكفي‬
‫أن يكون عاملا أهال لإلفتاء‪ ,‬فإذا تعد العلماء ‪ -‬أو املذاهب ‪ -‬أماِ املستفيت فإعه‬
‫جيوز له سؤال من اء منهم‪ ,‬فله أن يسأل من يعتقده أعلمهم‪ ,‬وله أن يسأل‬
‫أقرِبم له‪.‬‬
‫قال اإلماِ النووي رمحه هللا‪" :‬إذا اختلف عليه ‪ -‬أي العامي ‪ -‬فتو‬
‫مفتيني‪ ,‬ففيه مخسة أوجه لألصحاب‪ :‬أحدها أيخذ أبغل هما‪ ,‬والثاين أبخفهما‪,‬‬
‫والثالث جيتهد يف األوىل‪ ,‬فيأخذ بفتو األعلم األورع‪ ,... ,‬والراب يسأل مفتيا‬
‫آخر‪ ,‬فيأخذ بفتو من وافقه‪ ,‬واخلام يتخري‪ ,‬فيأخذ بقول أيهما اء‪,... ,‬‬
‫وال اهر أن اخلام أظهرها؛ ألعه ‪ -‬أي العامي ‪ -‬لي من أهد االجتها ‪ ,‬وإمنا‬
‫فرضه أن يقلد عاملا أهال لذلر‪ ,‬وقد فعد ذلر أبخذه بقول من اء منهما"‪.3‬‬

‫‪ .8‬تفسري القرطيب لآلية (‪ )821‬من سورة البقرة‪.‬‬


‫‪ .7‬إعالِ املوقعني البن القيم (‪.)718/4‬‬
‫‪ .3‬اجملموع للنووي (‪. )55/8‬‬
‫‪478‬‬
‫وقال القاضي زكر األعصاري رمحه هللا‪(" :‬واختالف املفتيني) يف ح‬
‫املستفيت (كاجملتهدين)‪ ,‬أي كاختالفهما يف ح املقلد‪ ,‬وسيأ أعه يقلد من اء‬
‫األولني كاعوا يسألون علماء الصحابة ‪ ,‬م تفاوهتم يف العلم‬
‫منهما‪... ,‬؛ ألن َّ‬
‫والفضد‪ ,‬ويعملون بقول من سألوه من غري إعكار‪ ,‬وألن كال منهما ‪ -‬أي املفتيني‬
‫‪ -‬أهد"‪.8‬‬
‫إال أن اإلماِ الغزايل رمحه هللا ير أن للمستفيت أن يتخري من اء من‬
‫العلماء ما مل يعتقد أن أحدهم هو األعلم‪ ,‬فإن اعتقده وجب االقتصار عليه‪,‬‬
‫فقال‪" :‬وإن كاعوا ‪ -‬أي املفتون ‪ -‬مجاعة فله أن يسأل من اء‪ ,‬وال يلزمه مراجعة‬
‫األعلم‪ ,‬كما فعد يف زمان الصحابة ‪ ,‬إذ سأل العواِ الفاضد واملفضول‪ ,‬ومل‬
‫حيجر عل اخلل يف سؤال غري أيب بكر ‪ ‬وعمر ‪ ‬وغري اخللفاء‪ ,... ,‬أما إذا‬
‫كان أحدمها أفضد وأعلم يف اعتقا ه اختار القاضي أعه يتخري أيضا؛ ألن املفضول‬
‫أيضا من أهد االجتها لو اعفر ‪ ,‬فكذلر إذا كان معه غريه‪ ,‬فز ة الفضد ال‬
‫تؤثر‪ ,‬واألوىل عندي أعه يلزمه اتباع األفضد"‪.7‬‬
‫وقد عقد ابن حجر ا يتمي قول الغزايل رمحهما هللا‪ ,‬مث انقشه فقال‪" :‬األصح‬
‫عند اجلمهور كما يف أصد الروضة أعه ‪ -‬أي املستفيت ‪ -‬يتخري؛ أخذا مما كان عليه‬
‫الصحابة ‪ ,‬وحمله ‪ -‬كما قاله الغزايل ‪ -‬ما مل يعتقد أن أحدمها أعلم‪ ,‬وإال مل جيز‬

‫‪ .8‬أسىن املطالب للقاضي زكر األعصاري (‪ ,)718/4‬واع ر البحر احمليط للزركشي (‪,)335/1‬‬
‫واإلعصاف للمر اوي (‪ ,)895/88‬واملوسوعة الفقهية الكويتية (‪.)833/83‬‬
‫‪ .7‬املستصف لإلماِ الغزايل (‪.)323‬‬
‫‪477‬‬
‫تقليد غريه‪ ,‬وإن كان ال يلزمه البحث عن األعلم‪ ,... ,‬واعيض أبن العامي ال‬
‫عبة عتقا ه؛ إذ قد يعتقد املفضول فاضال؛ إذ ال متييز له"‪.8‬‬
‫واألصح أن القول بوجوب سؤال األعلم أمر عسري من الناحية العملية؛ ألن‬
‫العامي ال يعرف العلم الشرعي وأعواعه وميا ينه‪ ,‬فكيف سيعرف األعلم من بني‬
‫عد كبري من العلماء؟!‬
‫قال الزركشي رمحه هللا‪" :‬واعلم أان حيث قلنا جلواز ‪ -‬أي جواز االعتقال‬
‫من مذهب آلخر يف مسألة معينة ‪ ,-‬فشرطه أن يعتقد ‪ -‬أي املقلد ‪ -‬رجحان‬
‫ذلر املذهب الذي قلد يف هذه املسألة‪ ,‬وعل هذا فلي للعامي ذلر مطلقا؛ إذ‬
‫ال طري له إليه"‪.7‬‬
‫وقال الكمال ابن ا ماِ رمحه هللا (‪138-291‬هـ)‪" :‬والعامي ال عبة مبا‬
‫يق يف قلبه من صواب احلكم وخطئه‪ ,‬وعل هذا إذا استفىت فقيهني‪ ,‬أعين‬
‫جمتهدين‪ ,‬فاختلفا عليه‪ ,‬األوىل أن أيخذ مبا َييد إليه قلبه منهما‪ ,‬وعندي أعه لو‬
‫أخذ بقول الذي ال َييد إليه قلبه جاز؛ ألن ميله وعدمه سواء‪ ,‬والواجب عليه‬
‫تقليد جمتهد‪ ,‬وقد فعد‪ ,‬أصاب ذلر اجملتهد أو أخطأ"‪.3‬‬
‫كما أن االقتصار عل سؤال األعلم فقط ‪ -‬يف حالة االتفاق عليه ‪-‬‬
‫سيؤ ي إىل مشقة كبرية عل ذلر العامل‪ ,‬إذ سيتوجه عامة النام أبسئلتهم‬

‫‪ .8‬الفتاو الكب الفقهية البن حجر ا يتمي (‪.)317/4‬‬


‫‪ .7‬البحر احمليط للزركشي (‪.)323/1‬‬
‫‪ .3‬فتح القدير البن ا ماِ (‪.)752/2‬‬
‫‪473‬‬
‫واستفتاءاهتم إليه‪ ,‬منصرفني عن بقية العلماء املؤهلني لإلفتاء والقضاء والتصنيف‬
‫والتأليف والدعوة والتدري ‪.‬‬
‫أما من الناحية الشرعية فلم يثب ليد صحيح عل وجوب تتب أعلم‬
‫العلماء؛ لسؤاله عن األحكاِ الشرعية‪ ,‬بد الواجب عل العامي سؤ هلال أهد الذكر‪,‬‬
‫وقد كان عامة الصحابة ‪ ‬يستفتون علماءهم بدون تتب لألعلم منهم‪ ,‬فكاعوا‬
‫يسألون هذا اترة‪ ,‬وهذا اترة أخر ‪ ,‬فهذا أبو موس األ عري ‪ ‬يهلسأل عن‬
‫مرياث بن وبن ابن وأخ ‪ ,‬فقال‪" :‬لالبنة النصف‪ ,‬ولألخ النصف"‪ ,‬مث أمر‬
‫السائد أن أي عبدهللا بن مسعو ‪‬؛ ليسأله‪ ,‬فأاته السائد‪ ,‬وأخبه بقول أيب‬
‫موس ‪ ,‬فقال عبدهللا بن مسعو ‪" :‬لقد ضلل إذا وما أان من املهتدين‪ ,‬أقضي‬
‫فيها مبا قض رسول هللا ‪ ,‬لالبنة النصف‪ ,‬والبنة االبن السدم‪ ,‬تكملة الثلثني‪,‬‬
‫وما بقي فلألخ "‪ ,‬فرج السائد إىل أيب موس ‪ ,‬فأخبه بقول ابن مسعو ‪ ,‬فقال‬
‫أبو موس ‪" :‬ال تسألوين ما اِ هذا احلب فيكم"‪.8‬‬
‫والشاهد أن أ موس أجاب السائد‪ ,‬وأر ده أن أي ابن مسعو ‪ ,‬فيسأله‬
‫أيضا‪ ,‬فلو كان الواجب سؤال األعلم ألجاب فيها أبو موس وحده إن كان ير‬
‫أعه األعلم‪ ,‬أو ألر ده إىل أن يقتصر عل ابن مسعو إن كان ير أعه أعلم منه‪,‬‬
‫ولوجب عل ابن مسعو أن ينكر عل السائد إتياعه غريه‪.‬‬
‫بد كان علماء الصحابة ‪ ‬يسألون عما خفي عليهم‪ ,‬ويقبلوعه ممن هو‬
‫أ ىن منهم‪ ,‬فقد جاءت اجلدة إىل أيب بكر الصدي ‪ ,‬تسأله مرياثها‪ ,‬فقال‪" :‬ما‬
‫علم لر يف كتاب هللا حقا‪ ,‬وال ع من رسول هللا ‪ ‬فيه يئا‪ ,‬وسأسأل‬

‫‪ .8‬رواه البخاري وأمحد وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬


‫‪474‬‬
‫النام"‪ ,‬فسأ م‪ ,‬فشهد املغرية بن عبة ‪ ‬أن رسول هللا ‪ ‬أعطاها السدم‪,‬‬
‫فقال‪" :‬من ذلر معر"؟ فشهد حممد بن مسلمة ‪ ,‬فأعطاها أبو بكر ‪‬‬
‫السدم"‪.8‬‬
‫وقاِ عمر بن اخلطاب ‪ ‬عل املنب‪ ,‬فنشد قضاء رسول هللا ‪ ‬يف اجلنني‪,‬‬
‫فقاِ محد بن مالر ‪ ,‬فقال‪ :‬أمري املؤمنني‪ ,‬كن بني امرأتني ‪ -‬أي زوجتني‬
‫‪ ,-‬فضرب إحدامها األخر بعو أو حجر‪ ,‬فقتلتها‪ ,‬وقتل ما يف بطنها‪ ,‬فقض‬
‫النيب ‪ ‬يف اجلنني بغهلرة‪ ,‬عبد أو أمة‪.7‬‬
‫واألمثلة كثرية من واق الصحابة والتابعني ومن بعدهم‪ ,‬وكلها تدل عل‬
‫وجوب سؤال العلماء‪ ,‬وأعه ال يلزِ أن يكون املسؤول أعلم أهد زماعه‪ ,‬ولعد من‬
‫ا يط ذلر أرا مزيد االستيثاق؛ ألمهية االحتياط يف الدين‪.3‬‬
‫بد إن هناك عد ا من الصحابة ‪ ‬أفتوا يف حياة رسول هللا ‪ ,‬فقد أرسد‬
‫رسول هللا ‪ ‬إىل البال والقبائد اليت خل يف اإلسالِ أ بكر الصدي وعلي‬
‫بن أيب طالب ومعاذ بن جبد وأ موس األ عري وأ هريرة وأ عبيدة بن اجلراح‬
‫وغريهم ‪ ,‬أرسلهم مفتني وقضاة ومعلمني‪ ,‬فأفتوا وقضوا وعلموا يف حياة رسول‬
‫هللا ‪ ,‬بد وأر دهم ‪ ‬أن جيتهدوا ويقيسوا إذا عرض م من النوازل ما لي‬
‫عندهم فيه عص عنه ‪.‬‬

‫‪ .8‬رواه أمحد وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬


‫‪ .7‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫‪ .3‬اع ر التقرير والتحبري البن أمري احلاج (‪ ,)349/3‬واملوسوعة الفقهية الكويتية (‪ )799/7‬و‬
‫(‪.)833/83‬‬
‫‪475‬‬
‫بد قد اجتهد بعض الصحابة ‪ ‬يف حياة النيب ‪ ‬ويف حضرته وإبذعه‪,‬‬
‫ومن أمثلة ذلر اجتها الصحابة ‪ ‬يف تفسري قوله ‪" :‬ال يصلني أحد العصر‬
‫إال يف بين قري ة"‪ ,‬فمنهم من أخذ حبقيقة اللفظ‪ ,‬فلم يصلوا العصر إال عندما‬
‫وصلوا بين قري ة‪ ,‬وقد خرج وقتها‪ ,‬ومنهم من محد اللفظ عل جمازه مبعىن احلث‬
‫عل اإلسراع‪ ,‬فصلوها يف الطري ‪ ,‬فلم يعنف رسول هللا ‪ ‬أحدا منهم‪.8‬‬
‫ومن األمثلة أيضا حكم سعد بن معاذ ‪ ‬يف يهو بين قري ة أبن تقتد‬
‫مقاتلتهم‪ ,‬وتسىب ذراريهم وعساؤهم‪ ,‬وقد أيده رسول هللا ‪ ‬يف حكمه‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫"لقد حكم فيهم حبكم امللر"‪.7‬‬
‫ومن األمثلة أيضا اجتها سيدان أيب بكر الصدي ‪ ‬يف استحقاق سيدان‬
‫أيب قتا ة ‪ ‬سلبه من قتيله يوِ حنني‪ ,‬وخالصة احلديث أن أ قتا ة قتد رجال‬
‫من املشركني يف غزوة حنني‪ ,‬فلما اعته الغزوة حكم رسول هللا ‪ ‬أبن من قتد‬
‫قتيال له عليه بينة فله سلبه‪ ,‬فقاِ أبو قتا ة ثالاثً يطلب اهدا يشهد له بقتله‬
‫لذلر الرجد‪ ,‬فلم يقم أحد‪ ,‬فلما كاع الثالثة هد رجد أبن أ قتا ة صا ق‪,‬‬
‫وأن سلب القتيد عنده‪ ,‬وطلب من النيب ‪ ‬أن يرضيه بشيء‪ ,‬فقال أبو بكر ‪:‬‬
‫ال ها هللا إذن‪ ,‬ال يعمد إىل أسد من أسد هللا‪ ,‬يقاتد عن هللا ورسوله ‪ ‬فيعطير‬
‫سلبه‪ ,‬فقال النيب ‪" :‬صدق‪ ,‬فأعطه"‪ ,‬فأعطاه‪.3‬‬

‫‪ .8‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬


‫‪ .7‬رواه البخاري ومسلم وأمحد‪.‬‬
‫‪ .3‬رواه البخاري ومسلم وأبو او ‪.‬‬
‫‪473‬‬
‫فلوال أعه ال يتعني سؤال أعلم العلماء ملا أفىت أو اجتهد أحد من الصحابة‬
‫‪ ‬يف حياة رسول هللا ‪.8‬‬
‫اثنيا‪ :‬أن جيتنب زالت العلماء وسقطاهتم‬
‫اتف أهد السنة واجلماعة عل أن العصمة منفية عن البشر إال أعبياء هللا‬
‫‪‬؛ ألهنم الصفوة الذين اختارهم هللا ‪ ‬لتبليغ رسالته‪ ,‬وأمر أممهم تباعهم‬
‫واالقتداء ِبم‪ ,‬أما غريهم من النام فال عصمة م‪ ,‬مهما ارتفع رتبهم‪ ,‬وعل‬
‫مقاماهتم‪ ,‬فوقوع اخلطأ منهم وار وحمتمد‪ ,‬وصدق اإلماِ مالر رمحه هللا يف قوله‪:‬‬
‫"كد أحد يؤخذ من قوله‪ ,‬وير عليه‪ ,‬إال صاحب هذا القب ‪.7"‬‬
‫ورغم أن العلماء هم ورثة األعبياء‪ ,3‬وِبم يتبني احلالل من احلراِ‪ ,‬إال أهنم قد‬
‫تصدر من بعضهم زالت وهنات يف أفعا م واجتها اهتم‪ ,‬فيخالفون عصا صرحيا‪,‬‬
‫أو إمجاعا صحيحا‪ ,‬أو قياسا جليا‪ ,‬أو قاعدة كلية‪ ,‬فيأ من بعدهم من العلماء‬
‫فيتفقون عل خطأ ذلر العامل أل لة الصحيحة اليت ال تقبد خالفا‪ ,‬فيصري ذلر‬
‫القول اذا‪ ,‬ويهجره العلماء‪ ,‬وال يبق له ذكر إال يف الكتب‪ ,‬وال جيوز العمد به‪,‬‬
‫سواء يف اإلفتاء أو القضاء أو عمد النف ‪.‬‬

‫‪ .8‬اع ر البحر احمليط للزركشي (‪.)755/1‬‬


‫‪ .7‬سري أعالِ النبالء للذهيب (‪ ,)93/1‬والبداية والنهاية البن كثري (‪ ,)831/84‬وقال العجلوين يف‬
‫كشف اخلفاء‪ :‬هو من قول مالر‪ ,‬بد يف الطباين عن ابن عبام ‪ ,‬رفـعه‪" :‬ما من أحد إال يؤخذ من‬
‫قوله أو يدع"‪.‬‬
‫‪ .3‬قال ‪" :‬من سلر طريقا يطلب فيه علما سلر هللا به طريقا من طرق اجلنة‪ ,... ,‬وإن فضد العامل‬
‫عل العابد كفضد القمر ليلة البدر عل سائر الكواكب‪ ,‬وإن العلماء ورثة األعبياء‪ ,‬وإن األعبياء مل يورثوا‬
‫ينارا وال رمها‪ ,‬إمنا ورثوا العلم‪ ,‬فمن أخذه أخذ حبظ وافر"‪ ,‬رواه أمحد وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫‪472‬‬
‫وقد حذر الشرع احلنيف من زلة العامل‪ ,‬هلفروي عن النيب ‪ ‬أعه قال‪" :‬إين‬
‫أخاف عليكم ثالاث‪ :‬زلة عامل‪ ,‬وجدال مناف لقرآن‪ ,‬و عيا تفتح عليكم"‪,8‬‬
‫والسبب يف ذلر ما أوضحه املناوي رمحه هللا بقوله‪" :‬فإعه ‪ -‬أي زلة العامل يف فعله‬
‫أو رأيه ‪ -‬ع يم املفسدة؛ ألن النام مرتقبون ألفعاله؛ ليقتدوا به‪ ,‬ومن تناول يئا‪,‬‬
‫وقال للنام‪" :‬ال تتناولوه‪ ,‬فإعه سم قاتد"‪ ,‬سخروا منه‪ ,‬واهتموه‪ ,‬وزا حرصهم عل‬
‫الزلة؛‬
‫ما هناهم عنه‪ ,‬فيقولون‪" :‬لوال أعه أع م األ ياء وألذها ملا استأثر به"‪ ,‬وأفر َّ‬
‫وقدِ زلة العامل؛ ألهنا تسبب يف اخلصلتني‬ ‫لندرة وقوعها منه‪ ,... ,‬قال الطييب‪َّ :‬‬
‫األخريتني‪ ,‬فال حيصالن إال من زلته"‪.7‬‬
‫وقال عمر بن اخلطاب ‪" :‬ثالث يهدمن الدين‪ :‬زلة عامل‪ ,‬وجدال مناف‬
‫لقرآن‪ ,‬وأئمة مضلون"‪ ,3‬وقال معاذ بن جبد ‪" :‬أحذركم زيغة احلكيم‪ ,‬فإن‬
‫الشيطان قد يقول كلمة الضاللة عل لسان احلكيم‪ ,‬وقد يقول املناف كلمة‬
‫احل "‪ ,‬فقال يزيد بن عمرية‪ :‬وما يدريين ‪ -‬رمحر هللا ‪ -‬أن احلكيم قد يقول كلمة‬
‫الضاللة‪ ,‬وأن املناف قد يقول كلمة احل ؟ قال‪" :‬بل ‪ ,‬اجتنب من كالِ احلكيم‬

‫‪ . 8‬رواه الطباين يف معامجه الثالثة‪ ,‬ويف رواية‪" :‬و عيا تقط أعناقكم"‪ ,‬قال ا يثمي يف اجملم (‪)444/8‬‬
‫عنها‪ :‬وفيه عبد احلكيم بن منصور‪ ,‬وهو ميوك احلديث‪ ,‬اعته ‪ ,‬ويف رواية‪" :‬والتكذيب لقدر"‪ ,‬بدل‬
‫الثالثة‪ ,‬قال ا يثمي يف اجملم (‪ ) 485/2‬عنها‪ :‬فيه معاوية بن حيىي الصديف‪ ,‬وهو ضعيف‪ ,‬واع ر الفتاو‬
‫الكب البن تيمية (‪ ,)94/3‬وإعالِ املوقعني البن القيم (‪.)837/7‬‬
‫‪ .7‬فيض القدير للمناوي (‪.)717/8‬‬
‫‪ .3‬رواه الدارمي‪ ,‬واع ر فتح العلي املالر للشيخ عليش (‪.)21/8‬‬
‫‪471‬‬
‫املشتهرات ‪ -‬أو املشبهات ‪ -‬اليت يقال ا‪ :‬ما هذه!؟ وال يثنينر ‪ -‬أو ينئينر ‪-‬‬
‫ذلر عنه؛ فإعه لعله أن يراج ‪ ,‬وتل َّ احل إذا عته‪ ,‬فإن عل احل عورا"‪.8‬‬
‫وقد اتفق كلمة العلماء عل أعه ال جيوز اتباع العلماء يف زالهتم‬
‫وسقطاهتم؛ ألن اخلطأ الواضح ال يكون صوا إذا صدر من أي عامل‪ ,‬قال اإلماِ‬
‫األوزاعي رمحه هللا‪ " :‬هلجيتنب أو ييك من قول أهد العراق مخ ‪ ,‬ومن قول أهد‬
‫احلجاز مخ ‪ ,‬من قول أهد العراق‪ :‬رب املسكر‪ ,‬واألكد عند الفجر يف‬
‫رمضان‪ ,‬وال مجعة إال يف سبعة أمصار‪ ,‬وأتخري صالة العصر حىت يكون ظد كد‬
‫يء أربعة أمثاله‪ ,‬والفرار يوِ الزحف‪ ,‬ومن قول أهد احلجاز‪ :‬استماع املالهي‪,‬‬
‫واجلم بني الصالتني من غري عذر‪ ,‬واملتعة لنساء‪ ,‬والدرهم لدرمهني والدينار‬
‫لدينارين يدا بيد‪ ,‬وإتيان النساء يف أ رهن"‪.7‬‬
‫وقال اإلماِ أمحد رمحه هللا‪" :‬لو أن رجال عمد بقول أهد الكوفة يف النبيذ‪,‬‬
‫وأهد املدينة يف السماع‪ ,‬وأهد مكة يف املتعة‪ ,‬كان فاسقا"‪ ,3‬وقال القاضي‬
‫إ اعيد بن إسحاق رمحه هللا (‪713-899‬هـ))‪ " :‬خل مرة عل اخلليفة‬
‫العباسي املعتضد هلل‪ ,‬فدف إيل كتا ‪ ,‬فن رت فيه‪ ,‬فإذا قد مج له فيه الرخص‬
‫من زلد العلماء‪ ,‬فقل ‪ :‬مصنف هذا زعدي ‪ ,‬فقال‪ :‬أمل تصح هذه األحا يث؟‬
‫قل ‪ :‬بل ‪ ,‬ولكن من أ ح املسكر مل يبح املتعة‪ ,‬ومن أ ح املتعة مل يبح الغناء‪,‬‬

‫‪ .8‬رواه أبو او ‪ ,‬واع ر مصنف ابن أيب يبة (‪ ,)784/2‬وإعالِ املوقعني البن القيم (‪.)778/3‬‬
‫‪ .7‬معرفة علوِ احلديث للحاكم (‪.)35‬‬
‫‪ .3‬إر ا الفحول للشوكاين (‪.)727‬‬
‫‪479‬‬
‫وما من عامل إال وله زلة‪ ,‬ومن أخذ بكد زلد العلماء ذهب ينه‪ ,‬فأمر املعتضد‬
‫لكتاب‪ ,‬فأحرق"‪.8‬‬
‫وقال اإلماِ ابن الصالح رمحه هللا‪" :‬لي كد خالف يهلسيوح إليه‪ ,‬ويهلعتمد‬
‫عليه‪ ,‬ومن يتَّب ما اختلف فيه العلماء وأخذ لرخص من أقاويلهم‪ ,‬تزعدق أو‬
‫كا "‪.7‬‬
‫وقال الذهيب رمحه هللا‪" :‬ومن تتب رخص املذاهب وزالت اجملتهدين فقد َّ‬
‫رق‬
‫ينه‪ ,‬كما قال األوزاعي أو غريه‪" :‬من أخذ بقول املكيني يف املتعة‪ ,‬والكوفيني يف‬
‫النبيذ‪ ,‬واملدعيني يف الغناء‪ ,‬والشاميني يف عصمة اخللفاء‪ ,‬فقد مج الشر"‪ ,‬وكذا من‬
‫أخذ يف البيوع الربوية مبن يتحيد عليها‪ ,‬ويف الطالق وعكاح التحليد مبن توس‬
‫فيه‪ ,‬و به ذلر‪ ,‬فقد تعرض لالحنالل"‪.3‬‬
‫وقد اعتمد العلماء يف حترمي اتباع زالت العلماء وسقطاهتم عل عصوص‬
‫صحيحة صرحية‪ ,‬فمن ذلر حديث النوام بن عان ‪ ‬أن رجال سأل رسول‬
‫هللا ‪ ‬عن الب واإلمث‪ ,‬فقال النيب ‪" :‬الب حسن اخلل ‪ ,‬واإلمث ما حاك يف‬
‫عفسر ‪ -‬أو صدرك ‪ ,-‬وكره أن يطل عليه النام"‪.4‬‬

‫‪ .8‬سري أعالِ النبالء للذهيب (‪ ,)435/83‬والبداية والنهاية البن كثري (‪ ,)811/88‬والفروع البن مفلح‬
‫(‪ ,)783/3‬واع ر املوسوعة الفقهية الكويتية (‪ )834/77‬و (‪.)35/37‬‬
‫‪ .7‬فتاو ابن الصالح (‪.)511‬‬
‫‪ .3‬سري أعالِ النبالء للذهيب (‪.)91/1‬‬
‫‪ .4‬رواه البخاري ‪ -‬يف األ ب ‪ -‬ومسلم وأمحد واليمذي واحلاكم‪ ,‬قال املناوي‪" :‬استدركه احلاكم‪ ,‬فوهم‪,‬‬
‫وعجب ذهول الذهيب عنه يف اختصاره"‪ ,‬اع ر فيض القدير (‪.)781/3‬‬
‫‪431‬‬
‫ومنها حديث أيب ثعلبة اخلشين ‪ ‬قال‪ :‬رسول هللا‪ ,‬أخبين مبا حيد يل‬
‫وصوب فيه البصر‪ ,‬فقال ‪" :‬الب ما سكن‬ ‫وما حيرِ علي‪ ,‬فصعَّد النيب ‪َّ ,‬‬
‫إليه النف ‪ ,‬واطمأن إليه القلب‪ ,‬واإلمث ما مل تسكن إليه النف ‪ ,‬ومل يطمئن إليه‬
‫القلب‪ ,‬وإن أفتاك املفتون"‪.8‬‬
‫ومنها حديث وابصة بن معبد ‪ ‬قال‪ :‬أتي رسول هللا ‪ ,‬وأان أريد أن ال‬
‫أ ع يئا من الب واإلمث إال سألته عنه‪ ,... ,‬فقال‪ " :‬وابصة‪ ,‬أخبك ما جئ‬
‫تسألين عنه‪ ,‬أو تسألين"؟ فقل ‪ :‬رسول هللا‪ ,‬فأخبين‪ ,‬قال‪" :‬جئ تسألين عن‬
‫الب واإلمث"‪ ,‬قل ‪ :‬ععم‪ ,‬فجم أصابعه الثالث‪ ,‬فجعد ينك ِبا يف صدري‪,‬‬
‫ويقول‪ " :‬وابصة‪ ,‬استف عفسر‪ ,‬الب ما اطمأن إليه القلب‪ ,‬واطمأع إليه‬
‫النف ‪ ,‬واإلمث ما حاك يف القلب‪ ,‬وتر يف الصدر‪ ,‬وإن أفتاك النام وأفتوك"‪.7‬‬
‫فقد ل هذه األحا يث عل أن املستفيت قد جيد يف جواب املفيت ما يبيح‬
‫حمرما‪ ,‬أو يسقط عنه فرضا‪ ,‬ولكنه جيد يف قلبه حرجا وضيقا وقلقا وعدِ ارتياح‬ ‫له َّ‬
‫لفتواه؛ ملعارضته عصا يعرفه‪ ,‬أو ملخالفته ملا هو متعارف عليه عند النام‪ ,‬أو ملنافاته‬
‫للفطرة السليمة‪ ,‬أو لتناقضه م املبا ئ األساسية‪ ,‬أو لغري ذلر‪ ,‬ويعلم أن أماثد‬
‫النام لو اطلعوا عليه ألعكروه‪ ,‬ولتعجبوا منه‪ ,‬ولتساءلوا عنه‪ ,‬فيجب عليه الييث‬

‫‪ .8‬رواه أمحد والطباين‪ ,‬قال ا يثمي يف اجملم (‪ :)474/8‬ورجاله ثقات‪.‬‬


‫‪ .7‬رواه البخاري ‪ -‬يف التاريخ ‪ -‬وأمحد والطباين يف الكبري‪ ,‬قال ا يثمي يف اجملم (‪ :)473/8‬فيه أيوب‬
‫بن عبد هللا بن مكرز‪ ,‬قال ابن عدي‪ :‬ال يتاب عل حديثه‪ ,‬ووثقه ابن حبان‪ ,‬اعته ‪ ,‬وحسنه النووي يف‬
‫األذكار (‪.)335‬‬
‫‪438‬‬
‫واليوي‪ ,‬فإن اإلمث ال يكون براً بزلة عامل‪ ,‬وإال وق املستفيت يف احلرج والضي‬
‫وخما عة النف ‪.8‬‬
‫فمن املسائد اليت سبق اإل ارة إليها‪ 7‬عكاح املتعة‪ ,‬وهو عقد عكاح‬
‫مؤق ‪ ,‬يقول الزوج فيه للزوجة‪ :‬تزوجتهلر ملدة أسبوع مثال‪ ,‬فتقبد الزوجة‪ ,‬ولي‬
‫فيه طالق وال مرياث‪ ,‬وقد كان مباحا يف صدر اإلسالِ‪ ,‬مث حرِ يوِ خيب‪ ,‬مث‬
‫أبيح ثالثة أ ِ يف فتح مكة‪ ,‬مث حرِ إىل يوِ الدين‪ ,‬قال النيب ‪ ‬يف فتح مكة ‪-‬‬
‫وهو بني الركن والباب‪ " :-‬أيها النام‪ ,‬إين قد كن أذع لكم يف االستمتاع‬
‫من النساء‪ ,‬وإن هللا قد حرِ ذلر إىل يوِ القيامة‪ ,‬فمن كان عنده منهن يء‬
‫فليخد سبيله‪ ,‬وال أتخذوا مما آتيتموهن يئا"‪.3‬‬
‫وقد ا تهرت إ حته عن عبدهللا بن عبام ‪ ,‬حىت قال الشاعر‪:‬‬
‫صاح هد لـر يف فتيـا ابـن عبـام‬ ‫قــد قــال يل الشــيخ ملــا طــال جملســه‬
‫تكـ ــون مث ـ ـواك حـ ــىت مصـ ــدر النـ ــام‬ ‫هــد لــر يف رخصــة األط ـراف آعســة‬

‫‪ .8‬اع ر أثر احلديث يف اختالف األئمة الفقهاء (‪ ,)93‬وأ ب الرأي (‪ ,)15‬كالمها للشيخ حممد عوامة‪,‬‬
‫فقد حتدث فيهما عن عوا ر العلماء‪ ,‬وسهاِ طائشة عن الفقه للشيخ وهيب سليمان غاوجي (‪ ,)59‬فقد‬
‫تطرق لزالت العلماء وتتب الرخص‪.‬‬
‫‪ .7‬للتوس يف معرفة بعض زالت العلماء واملسائد الشاذة اع ر كتاب القول الشاذ وأثره يف الفتيا للشيخ‬
‫‪ .‬أمحد سري املباركي‪ ,‬فقد ذكر منها‪ :‬القول بتقدمي املصلحة عل النص‪ ,‬وإ حة الغناء واملعازف‪ ,‬وإ حة‬
‫تصوير التماثيد‪ ,‬والقول أبن ية املرأة تساوي ية الرجد‪ ,‬والقول حبد املطلقة ثالاث لزوجها األول مبجر‬
‫العقد عل الثاين‪ ,‬والقول جبواز تويل املرأة منصب القضاء‪ ,‬وإ حة ر الفضد‪ ,‬وإ حة عكاح املتعة‪.‬‬
‫‪ .3‬رواه مسلم وأمحد وابن ماجه‪.‬‬
‫‪437‬‬
‫وقد كاع إ حته ‪ ‬للمتعة؛ استنا ا عل اإل حة املتقدمة قبد النسخ ‪-‬‬
‫ومل يبلغه النسخ ‪ ,-‬وقياسا عل أكد امليتة للمضطر‪ ,‬وقد حكم العلماء بعدِ‬
‫صحة قياسه ‪‬؛ ألن أكد امليتة أبيح لقياِ احلياة‪ ,‬وبدوعه تتلف النف ‪ ,‬أما‬
‫الشهوة فيمكن كسرها لصوِ وحنوه‪.‬‬
‫مث رج ‪ ‬عن فتواه بعد ذلر ملا روج فيها‪ ,‬وقال‪" :‬إان هلل وإان إليه‬
‫راجعون‪ ,‬وهللا ما ِبذا أفتي ‪ ,‬وال هذا أر ت‪ ,‬وال أحلل منها إال ما أحد هللا من‬
‫امليتة والدِ وحلم اخلنزير"‪ ,8‬وقد أمج علماء أهد السنة واجلماعة عل حرمته‪ ,‬ومل‬
‫يشذ إال بعض فرق املبتدعة‪.7‬‬
‫أما رب النبيذ فاملقصو به عصري غري العنب‪ ,‬فقد قصر الكوفيون حرمة‬
‫اخلمر عل عصري العنب‪ ,‬قليال كان أو كثريا‪ ,‬أسكر أو مل يسكر‪ ,‬وأ حوا ما سواه‬
‫حمرِ عندهم‪.‬‬
‫إذا كان قليال ال يسكر‪ ,‬إما إذا كان كثريا مسكرا فإعه َّ‬
‫وقد خالفهم مجهور العلماء؛ لقوله ‪" :‬كد راب أسكر فهو حراِ"‪,3‬‬
‫ولقوله ‪" :‬كد مسكر مخر‪ ,‬وكد مسكر حراِ"‪ ,4‬ولقوله ‪" :‬ما أسكر كثريه‬

‫‪ .8‬رواه الطباين يف الكبري‪ ,‬قال ا يثمي يف اجملم (‪:)412/4‬وفيه احلجاج بن أرطاة‪ ,‬وهو ثقة‪ ,‬ولكنه‬
‫مدل ‪ ,‬وبقية رجاله رجال الصحيح‪.‬‬
‫‪ . 7‬رح صحيح مسلم للنووي‪ ,‬ب عكاح املتعة‪ ,‬وفتح الباري البن حجر‪ ,‬ب هني رسول هللا ‪ ‬عن‬
‫عكاح املتعة آخرا‪ ,‬وتفسري القرطيب والسيوطي لآلية (‪ )74‬من سورة النساء‪ ,‬وبداية اجملتهد البن ر د‬
‫(‪ ,)51/7‬وزا املعا البن القيم (‪ ,)91/5‬وغريها من كتب الفقه‪.‬‬
‫‪ .3‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫‪ .4‬رواه مسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫‪433‬‬
‫فقليله حراِ"‪ ,8‬فهذه األحا يث الصحيحة وأ باهها مصرحة بتحرمي مجي األعبذة‬
‫املسكرة‪ ,‬قلَّ أو كثرت‪ ,‬أسكرت أو مل تسكر‪ ,‬وأهنا كلها تسم مخرا‪ ,‬سواء يف‬
‫ذلر عبيذ التمر أو الرطب أو البسر أو الزبيب أو الشعري أو الذرة أو العسد أو‬
‫غريها‪ ,‬وهو قول مجاهري العلماء من السلف واخللف‪.7‬‬
‫أما اع الغناء فقد اتف العلماء عل حرمة ما يشي الفواحش‪ ,‬أو يصف‬
‫حماسن النساء‪ ,‬أو يرغب يف رب اخلمر‪ ,‬أو يستهني بشعائر الدين‪ ,‬وما اِبها‪,‬‬
‫واتفقوا عل جواز الغناء يف األعرام للنساء‪ ,‬أو اإلعشا مبعاين الزهد واجلها وما‬
‫اِبها‪.‬‬
‫أما الغناء املختلف فيه فهو الذي مج الصفات األرب التالية‪:‬‬
‫‪ ‬األوىل أن يذكر فيه ا و والشوق والغراِ‪ ,‬حبيث ال يثري الشهوات والغرائز‪ ,‬وال‬
‫تذكر فيه النساء‪ ,‬وإال كان حراما‪.‬‬
‫‪ ‬الثاعية أن يكون فيه أحلان وأوزان ومتديد ومتطيط‪ ,‬فإن كان حداء وإعشا ا فهو‬
‫عوع كالِ‪ ,‬فله حكمه‪.‬‬
‫‪ ‬الثالثة أن يؤ يه من جتوز رؤيته و اع صوته كالرجال واجلواري الصغار‪ ,‬فإن‬
‫أ اه النساء فهو حراِ‪.‬‬
‫‪ ‬الرابعة أن ال يكون مبصاحبة آالت و‪ ,‬وإال فهو حراِ‪ ,‬إال الدف‪.‬‬

‫‪ .8‬رواه أمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬


‫‪ .7‬رح صحيح مسلم للنووي‪ ,‬ب حد اخلمر‪ ,‬وفتح الباري البن حجر‪ ,‬كتاب األ ربة‪ ,‬وحيسن مطالعة‬
‫مجي أبوابه‪ ,‬وتفسري القرطيب لآلية (‪ )93‬من سورة املائدة‪ ,‬وبداية اجملتهد البن ر د (‪ ,)428/8‬وفيض‬
‫القدير للمناوي (‪ ,)37/3‬وغريها من كتب الفقه‪.‬‬
‫‪434‬‬
‫فما كان ِبذه الصفات األرب فقد اختلف فيه العلماء‪ ,‬فنسب جواز اعه‬
‫إىل أهد املدينة كعبدهللا بن عمر وعبدهللا بن جعفر ‪ ‬وعد من التابعني ومن‬
‫بعدهم‪ ,‬وكرهه مجهور العلماء‪ ,‬ولعلهم سبب ذلر أهنم رأوا فيه تساهال عند‬
‫اجملوزين له‪.‬‬
‫وعندي أن الغناء ‪ -‬م استجماع هذه الصفات األرب ‪ -‬مباح وجائز إن مل‬
‫يكثر منه‪ ,‬حبيث ال يشتغد به عل الدواِ‪ ,‬وإال كان سفها وعبثا‪ ,‬وال جيوز‬
‫التكسب به‪ ,‬وال أخذ األجر عليه‪.8‬‬
‫أما ر الفضد‪ ,‬وهو بي الربوي جبنسه متفاضال‪ ,‬كدرهم بدرمهني‪ ,‬م‬
‫التقابض يف جمل العقد‪ ,‬فقد أمجع األمة عل حرمته‪ ,‬حمتجني أب لة صحيحة‬
‫صرحية‪ ,‬منها قول النيب ‪" :‬ال تبيعوا الذهب لذهب إال مثال مبثد‪ ,‬وال تهل ُّ‬
‫شفوا ‪-‬‬
‫أي تفضلوا ‪ -‬بعضها عل بعض‪ ,‬وال تبيعوا الورق لورق إال مثال مبثد‪ ,‬وال تشفوا‬
‫بعضها عل بعض‪ ,‬وال تبيعوا منها يئا غائبا بناجز"‪.7‬‬

‫‪ .8‬األِ للشافعي (‪ ,)773/3‬واحملل البن حزِ (‪ ,)312/3‬و رح صحيح مسلم للنووي‪ ,‬ب الرخصة‬
‫يف اللعب الذي ال معصي ة فيه يف أ ِ العيد‪ ,‬وفتح الباري البن حجر‪ ,‬ب احلراب والدرق يوِ العيد‪,‬‬
‫و ب من مل يتغن لقرآن‪ ,‬و ب ضرب الدف يف النكاح والوليمة‪ ,‬و ب ما جيوز من الشعر والرجز‬
‫واحلداء وما يكره منه‪ ,‬وتفسري الطبي والقرطيب لآلية (‪ )27‬من سورة الفرقان‪ ,‬واآلية (‪ )3‬من سورة‬
‫لقمان‪ ,‬والفتاو الكب الفقهية البن حجر ا يتمي (‪ ,)353/4‬وبريقة حممو ية للخا مي (‪,)57/4‬‬
‫وحا ية العدوي عل الكفاية (‪ ,)433/7‬واملوسوعة الفقهية الكويتية (‪ ,)13/4‬وغريها‪.‬‬
‫‪ .7‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي واليمذي‪.‬‬
‫‪435‬‬
‫ومنها قوله ‪" :‬الذهب لذهب‪ ,‬والفضة لفضة‪ ,‬والب لب‪ ,‬والشعري‬
‫لشعري‪ ,‬والتمر لتمر‪ ,‬وامللح مللح‪ ,‬مثال مبثد‪ ,‬يدا بيد‪ ,‬فمن زا أو استزا فقد‬
‫أرىب‪ ,‬واآلخذ واملعطي سواء"‪.8‬‬
‫ومنها قوله ‪" :‬الذهب لذهب‪ ,‬والفضة لفضة‪ ,‬والب لب‪ ,‬والشعري‬
‫لشعري‪ ,‬والتمر لتمر‪ ,‬وامللح مللح‪ ,‬مثال مبثد‪ ,‬سواء بسواء‪ ,‬يدا بيد‪ ,‬فإذا‬
‫‪7‬‬
‫اختلف هذه األصناف فبيعوا كيف ئتم‪ ,‬إذا كان يدا بيد"‪.‬‬
‫وأ هر من خالف فيه قبد اععقا اإلمجاع عل حرمته عبدهللا بن عبام ‪‬‬
‫وعد من التابعني يف احلجاز‪ ,‬فقد كان ‪ ‬ال ير أبسا بصرف الذهب لذهب‬
‫متفاضال‪ ,‬زماان من عمره‪ ,‬ما كان منه يدا بيد‪ ,‬وكان يقول‪" :‬إمنا الر يف‬
‫النسيئة"‪.3‬‬
‫وقد رج ‪ ‬عن قوله جبوازه‪ ,‬فقد لقيه أبو سعيد اخلدري ‪ ,‬فقال له‪:‬‬
‫" ابن عبام‪ ,‬أال تتقي هللا‪ ,‬إىل مىت توكد النام الر ‪ ,‬أما بلغر أن رسول هللا ‪‬‬
‫قال ذات يوِ ‪ -‬وهو عند زوجته أِ سلمة رضي هللا عنها ‪" :-‬أين أل تهي متر‬
‫عجوة"‪ ,‬فبعث صاعني من متر إىل رجد من األعصار‪ ,‬فجاء بدل صاعني صاعا‬
‫من متر عجوة‪ ,‬فقدمته إىل رسول هللا ‪ ,‬فلما رآه أعجبه‪ ,‬فتناول مترة‪ ,‬مث أمسر‪,‬‬
‫فقال‪" :‬من أين لكم هذا"؟ فقال أِ سلمة‪ :‬بعث صاعني من متر إىل رجد من‬
‫األعصار‪ ,‬فأاتان بدل صاعني هذا الصاع الواحد‪ ,‬وهاهو هلكد‪ ,‬فألق التمرة بني‬

‫‪ .8‬رواه مسلم وأمحد والنسائي واليمذي‪.‬‬


‫‪ .7‬رواه مسلم وأمحد والنسائي وأبو او وابن ماجه‪.‬‬
‫‪ .3‬رواه مرفوعا البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وابن ماجه‪.‬‬
‫‪433‬‬
‫يديه‪ ,‬فقال‪" :‬ر وه‪ ,‬ال حاجة يل فيه‪ ,‬التمر لتمر‪ ,‬واحلنطة حلنطة‪ ,‬والشعري‬
‫لشعري‪ ,‬والذهب لذهب‪ ,‬والفضة لفضة‪ ,‬يدا بيد‪ ,‬عينا بعني‪ ,‬مثال مبثد‪ ,‬فمن‬
‫زا فهو ر "‪ ,‬مث قال‪" :‬كذلر ما يكال ويوزن أيضا""‪ ,‬فقال ابن عبام‪" :‬جزاك‬
‫هللا أ سعيد اجلنة‪ ,‬فإعر ذكرتين أمرا كن عسيته‪ ,‬أستغفر هللا‪ ,‬وأتوب إليه"‪,‬‬
‫فكان ينه عنه بعد ذلر أ د النهي‪ ,8‬وبعد رجوعه فال جيوز ألحد بعد اععقا‬
‫اإلمجاع أن يتعاط ر الفضد‪.7‬‬
‫أما عصمة اخللفاء واألمراء فهي بدعة أموية مرواعية‪ ,‬رفعوا رايتها ملا رأوا كثرة‬
‫اخلارجني عليهم‪ ,‬فأرا وا إخضاع النام لطاعتهم إب اعة هذه العقيدة الباطلة‪ ,‬قال‬
‫احلجاج بن يوسف (‪95-41‬هـ)‪" :‬طاعتنا أوجب من طاعة هللا؛ ألعه رط يف‬
‫فاتقوا هللا ما استطعتم"‪ ,‬وأطل طاعتنا‪ ,‬فقال‪" :‬وأويل األمر‬ ‫طاعته‪ ,‬فقال‪ " :‬هل‬
‫منكم"‪.3‬‬
‫وعقد عن بعض خلفاء بين مروان أعه قال ألحد العلماء ‪ -‬الزهري (‪-51‬‬
‫‪874‬هـ) أو غريه ‪" :-‬بلغنا أن اخلليفة ال جيري عليه القلم‪ ,‬وال تكتب عليه‬
‫معصية"‪ ,‬فقال‪ " :‬أمري املؤمنني‪ ,‬اخللفاء أفضد أو األعبياء؟! قال تعاىل‪ " :‬او‬

‫‪ .8‬رواه احلاكم‪.‬‬
‫‪ .7‬سنن اليمذي‪ ,‬ب ما جاء يف الصرف‪ ,‬و رح املوطأ ‪ -‬برواية حممد بن احلسن ‪ -‬للكنوي‪ ,‬كتاب‬
‫الصرف وأبواب الر ‪ ,‬و رح صحيح مسلم للنووي‪ ,‬ب بي الطعاِ مثال مبثد‪ ,‬وفتح الباري البن حجر‪,‬‬
‫ب الدينار لدينار عساء‪ ,‬وبداية اجملتهد البن ر د (‪ ,)893-895/7‬واملغين البن قدامة (‪,)57/3‬‬
‫والفروق للقرايف (‪ ,)759/3‬وغريها من كتب الفقه واحلديث‪.‬‬
‫‪ .3‬فيض القدير للمناوي (‪.)489/7‬‬
‫‪432‬‬
‫إ َّان جعلناك خليفة يف األرض فاحكم بني النام حل وال تتَّب ا و فيهلضلَّر عن‬
‫سبيد هللا"‪.8‬‬
‫وملا مات عمر بن عبد العزيز رمحه هللا أرا اخلليفة من بعده أن َيشي عل‬
‫سنته‪ ,‬حىت هد له أربعون يخا أبن اخلليفة ال حساب عليه وال عقاب‪.7‬‬
‫وقال مسلمة بن عبدامللر (‪871-...‬هـ) أليب حازِ رمحه هللا (‪-...‬‬
‫‪841‬هـ)‪" :‬ألستم أهلمرمت بطاعتنا بقوله تعاىل‪" :‬وأهلوىل األمر منكم"؟ فقال‪" :‬ألي قد‬
‫عزع عنكم إذا خالفتم احل بقوله تعاىل‪" :‬فإن تنازعتم يف يء هلفرُّوه إىل هللا‬
‫والرسول"‪3‬؟!‬
‫والصحيح أعه ال عصمة للخلفاء‪ ,‬وال لغريهم من البشر‪ ,‬إال ألعبياء هللا ‪,‬‬
‫ولذلر فإن طاعة اخللفاء مشروطة أبن ال تكون يف معصية هللا ‪ ,‬فقد قال‬
‫‪":‬السم والطاعة عل املرء املسلم فيما أحب وكره‪ ,‬ما مل يؤمر مبعصية‪ ,‬فإن أهلمر‬
‫مبعصية فال عليه وال طاعة"‪ ,4‬وقال ‪" :‬ال طاعة ألحد يف معصية هللا‪ ,‬إمنا‬
‫الطاعة يف املعروف"‪.5‬‬

‫‪ .8‬فيض القدير للمناوي (‪.)489/7‬‬


‫‪ .7‬فيض القدير للمناوي (‪.)489/7‬‬
‫‪ .3‬فيض القدير للمناوي (‪ ,)437/3‬وقد ضرب املثد لطاعة الشامية‪ ,‬فقال سليمان بن موس ‪" :‬إذا‬
‫وخلهلقه عراقيا‪ ,‬وطاعته امية‪ ,‬فقد كمد"‪ ,‬اع ر الفروع البن مفلح (‪.)789/7‬‬
‫كان علم الرجد حجاز ‪ ,‬هل‬
‫‪ .4‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫‪ .5‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او واحلاكم‪.‬‬
‫‪431‬‬
‫فهذه بعض الزالت وا فوات واألقوال الضعيفة‪ ,‬وقد صدر مع مها من‬
‫علماء معتمدين موثوقني‪ ,‬ولكن مجهور العلماء خالفوهم فيها؛ ألهنم خالفوا‬
‫عصوصا صحيحة صرحية‪.‬‬
‫وقد قرر العلماء أن القاضي لو حكم بزالت العلماء وسقطاهتم لنقض‬
‫عص الكتاب‬
‫احلكم َّ‬
‫هل‬ ‫حكمه‪ ,‬فقد قال إماِ احلرمني اجلويين رمحه هللا‪" :‬إذا خالف‬
‫ر يف النقض‪ ,‬فإن خالف خباً‬ ‫عص السنة املنقولة قطعاً أو إمجاع األمة‪ ,‬فال َّ‬
‫أو َّ‬
‫صحيحاً عقله اآلحا أو خالف القيام اجللي‪ ,‬فقد يفضي األمر إىل النقض"‪.8‬‬
‫وقال التقي السبكي رمحه هللا‪" :‬القاعدة املقررة أن حكم القاضي يف‬
‫اجملتهدات ال ينقض‪ ,‬إال إذا خالف النص‪ ,‬أو اإلمجاع‪ ,‬أو القيام اجللي‪ ,‬أو‬
‫القواعد الكلية"‪.7‬‬
‫وقال ابن حجر ا يتمي رمحه هللا‪" :‬جيوز تقليد كد من األئمة األربعة‪ ,‬وكذا‬
‫روطه وسائر‬ ‫من عداهم ممن هلحفظ مذهبه يف تلر املسألة وهلون حىت عرف‬
‫معتباته‪ ,... ,‬ويشيط لصحة التقليد أيضا أن ال يكون مما ينقض فيه قضاء‬
‫القاضي‪ ,‬هذا لنسبة لعمد عفسه‪ ,‬ال إلفتاء أو قضاء‪ ,‬فيمتن تقليد غري األربعة‬
‫فيه إمجاعا"‪.3‬‬

‫‪ .8‬هناية املطلب يف راية املذهب للجويين (‪.)427/81‬‬


‫‪ .7‬فتاو تقي الدين السبكي (‪ ,)339/8‬واع ر الفواكه الدواين للنفراوي (‪ ,)352/7‬ومطالب أويل‬
‫النه للرحيباين (‪ ,)382/3‬واأل باه والن ائر للسيوطي (‪ ,)817‬وفيض القدير للمناوي (‪,)719/8‬‬
‫واملوسوعة الفقهية الكويتية (‪.)831/77‬‬
‫‪ .3‬حتفة احملتاج البن حجر ا يتمي (‪.)819/81‬‬
‫‪439‬‬
‫اثلثا‪ :‬أال يؤدي تقليده لعدد من العلماء إىل التلفيق‬
‫من النتائج اليت قد تق ‪ -‬عند تقليد عد من العلماء أو املذاهب يف مسألة‬
‫واحدة ‪ -‬أن تنتج طاعة أو معاملة ال تصح ‪ -‬عتبار مجي متعلقاهتا وسائر‬
‫معتباهتا من روط وأركان ‪ -‬عل مذهب أحد من أئمة املسلمني‪ ,‬وهو ما يسم‬
‫بتلفي التقليد‪.‬‬
‫وألضرب عل ذلر مثاال للتوضيح والتقريب‪ ,‬فلو أن افعيا توضأ‪ ,‬فمسح‬
‫عرات قليلة من رأسه؛ جلواز مسح أقد الرأم عند الشافعية‪ ,‬مث مل زوجته‪,‬‬
‫فبطد وضوءه عل مذهبه‪ ,‬فقلد احلنفية يف عدِ بطالن الوضوء به‪ ,‬فهذه صورة‬
‫وضوء‪ ,‬ال يصح عل مذهب الشافعية؛ ألن اللم يبطله‪ ,‬وال يصح عل مذهب‬
‫احلنفية؛ ألن أقد ما جيزئ مسح رب الرأم‪ ,‬فبطد تقليده‪ ,‬واعتقض وضوءه عل‬
‫املذهبني‪ ,‬فهذا التلفي يف التقليد طد عند مجاهري العلماء؛ ألعه يف قضية واحدة‪.‬‬
‫ومثله ما لو توضأ افعي وضوءا صحيحا عل مذهبه‪ ,‬مث مل زوجته‪,‬‬
‫فبطد وضوءه عل مذهبه‪ ,‬فقلد أ حنيفة يف عدِ النقض به‪ ,‬مث احتجم‪ ,‬فبطد‬
‫وضوءه عند احلنفية؛ ألن الدِ السائد ينقض الوضوء عندهم‪ ,‬فقلد الشافعية يف‬
‫عدِ النقض به‪ ,‬فهذا وضوء واحد‪ ,‬ال يصح عند أحد املذهبني‪ ,‬فاللم ينقضه‬
‫عند الشافعية‪ ,‬وخروج الدِ ينقضه عند احلنفية‪.‬‬
‫قال ابن حجر ا يتمي رمحه هللا‪" :‬يلزِ من قلد إماما يف مسألة أن يعرف‬
‫مجي ما يتعل بتلر املسألة يف مذهب ذلر اإلماِ‪ ,‬وال جيوز له التلفي ‪ ,‬مثال‬
‫ذلر من قلد مالكا ‪ ‬يف طهارة الكلب‪ ,‬يلزمه أن جيري عل مذهبه يف مراعاة‬

‫‪441‬‬
‫سائر ما يقول به من النجاسات‪ ,‬كاملين‪ ,8‬ويلزمه أن يراعي مذهبه يف الطهارة‪,‬‬
‫كالوضوء والغسد‪ ,‬فيمسح رأسه كله يف وضوئه‪ ,‬ويوايل يف وضوئه وغسله‪ ,‬ويدلر‬
‫أعضاءه فيهما‪ ,7‬وكذلر يلزمه أن يراعي مذهبه يف الصالة‪ ,‬فيأ جبمي ما يوجبه‬
‫فيها‪ ,‬ومىت مل يفعد ذلر‪ ,‬كأن مسه كلب فلم يسب ‪ ,‬مث مسح بعض رأسه يف‬
‫وضوئه وصل ‪ ,‬كاع صالته طلة إلمجاع؛ ألعه مل جير عل ما قاله الشافعي‬
‫وحده ‪ ,‬وال عل ما قاله مالر وحده ‪ ,‬وإمنا لف بني املذهبني‪ ,‬فكاع‬
‫طهارته من النجاسة عل مذهب مالر‪ ,‬ووضوؤه عل مذهب الشافعي‪ ,‬وكد من‬
‫الطهارتني مشيط للصالة‪ ,‬فلم يهلصد عل واحد من املذهبني‪ ,‬ألعه مىت حصد‬
‫تلفي يف التقليد كان التقليد طال‪ ,‬وكذا املأ به ملفقا طد إلمجاع كما مر‪,‬‬
‫فليتفطن ذه القاعدة‪ ,‬فإن كثريين يقلدون األئمة يف بعض املسائد‪ ,‬وال يراعون‬
‫ذلر‪ ,‬فيقعون يف ورطة التلفي ‪ ,‬فتبطد أفعا م إلمجاع"‪.3‬‬
‫وقد عقد اإلماِ القرايف رمحه هللا (‪314-373‬هـ) عن اإلماِ الزان رمحه هللا‬
‫(‪381-...‬هـ) أعه قال‪" :‬جيوز تقليد املذاهب يف النوازل واالعتقال من مذهب إىل‬
‫مذهب بثالثة روط‪ :‬أحدها أن ال جيم بينهما عل وجه خيالف اإلمجاع‪ ,‬كمن‬
‫تزوج بال صداق وال ويل وال هو ‪ ,‬فإن هذه الصورة مل يقد ِبا أحد‪ ,‬وأن يعتقد‬

‫‪ .8‬ير املالكية طهارة الكلب‪ ,‬ويرون اسة املين‪ ,‬فمن أصابه أثر كلب فقلَّدهم لزمه أن ال يصيبه أثر‬
‫مين‪ ,‬اع ر بلغة السالر للصاوي (‪ )54/8‬و (‪.)15/8‬‬
‫‪ . 7‬ير املالكية يف الوضوء وجوب مسح مجي الرأم واملواالة و لر األعضاء‪ ,‬علما أبن املواالة والدلر‬
‫ليس حمد إمجاع علماء املذهب‪ ,‬اع ر حا ية الدسوقي عل الشرح الكبري (‪.)15/8‬‬
‫‪ .3‬الفتاو الكب الفقهية البن حجر ا يتمي (‪ ,)23/4‬واع ر كذلر (‪ )873/8‬و (‪ )758/8‬و‬
‫(‪ ,)375/4‬وحتفة احملتاج له (‪ ,)741/2‬واملوسوعة الفقهية الكويتية (‪.)793/83‬‬
‫‪448‬‬
‫يف مقلَّده الفضد بوصول أخباره إليه‪ ,‬وال يقلده رمياً يف عماية‪ ,‬وأال يتتب رخص‬
‫املذاهب"‪.8‬‬
‫ومعىن كالمه أن الزواج جائز بدون ويل عند احلنفية‪ ,‬وجائز بدون هو ‪-‬‬
‫عند إجراء العقد ‪ -‬عند املالكية‪ ,7‬أما بدوهنما فإن عقد النكاح غري جائز تفاق‬
‫العلماء‪ ,‬و لتايل فإن تقليد عامل يف جزء من عقد النكاح‪ ,‬وتقليد عامل آخر يف جزء‬
‫آخر منه‪ ,‬يهلنتج صورة عقد عكاح خمالف إلمجاع العلماء‪.‬‬
‫وقد أجاز بعض العلماء تلفي التقليد يف القضية الواحدة إذا حصد اتفاقا‪,‬‬
‫ون أن يكون الباعث عليه تتب رخص العلماء‪ ,‬فقد عقد الدسوقي رمحه هللا عن‬
‫الشبخييت رمحه هللا (‪8813-...‬هـ) أعه َيتن تتب رخص املذاهب‪ ,‬مث قال‬
‫الدسوقي‪" :‬وفيه ‪ -‬أي تتب الرخص ‪ -‬أيضا امتناع التلفي ‪ ,‬والذي عناه من‬
‫يخنا ‪ -‬أي العدوي ‪ ,-‬عقال عن يخه الصغري وغريه أن الصحيح جوازه‪ ,‬وهو‬
‫فسحة‪ ,‬اعته ‪ ,‬و جلملة ففي التلفي يف العبا ة الواحدة من مذهبني طريقتان‪:‬‬
‫املن وهو طريقة املصاروة ‪ -‬أي املصريني ‪ ,-‬واجلواز وهو طريقة املغاربة‪ ,‬ورجح‬
‫‪ -‬أي طريقة املغاربة اجملوزة التلفي يف قضية واحدة ‪.3-‬‬

‫‪ .8‬رح تنقيح الفصول للقرايف (‪ ,)823/7‬واع ر البحر احمليط للزركشي (‪ ,)321/1‬وفيض القدير‬
‫للمناوي (‪.)719/8‬‬
‫‪ . 7‬ير املالكية أن الشها ة يف النكاح ليس ركنا‪ ,‬بد رط صحة‪ ,‬فتجب قبد الدخول‪ ,‬وتسن عند‬
‫ا لعقد‪ ,‬فلو وجدت عنده مل حيتج إليها عند الدخول‪ ,‬اع ر حا ية العدوي عل الكفاية (‪.)39/7‬‬
‫‪ .3‬حا ية الدسوقي عل الشرح الكبري (‪ ,)71/8‬واع ر بلغة السالر للصاوي (‪ ,)89/8‬ومنح اجلليد‬
‫للشيخ عليش (‪.)71/8‬‬
‫‪447‬‬
‫وأجاز علماء آخرون تلفي التقليد يف القضية الواحدة للعامي الذي مل يتقيد‬
‫مبذهب فقهي معني‪ ,‬بشرط أن ال يتتب رخص العلماء‪ ,‬وإمنا أعه أن يسأل أي‬
‫عامل إذا عزل به انزلة‪ ,‬فيتف له أحياان رخصة‪ ,‬حبيث مل يتعمدها‪ ,‬ومل يقصدها‪.‬‬
‫قال الشيخ مرعي بن يوسف الكرمي رمحه هللا (‪8133-...‬هـ)‪" :‬اعلم أعه‬
‫قد ذهب كثري من العلماء إىل من جواز التقليد حيث أ إىل التلفي من كد‬
‫مذهب؛ ألعه حينئذ كد من املذهبني أو املذاهب ير البطالن‪ ,‬كمن توضأ مثال‬
‫ومسح عرة من رأسه؛ مقلدا للشافعي‪ ,‬مث مل ذكره بيده؛ مقلدا أليب حنيفة‪ ,‬فال‬
‫التعليد فيه‬
‫يصح التقليد حينئذ‪ ,... ,‬وهذا وإن كان ظاهرا من حيث العقد‪ ,‬و هل‬
‫واضح‪ ,‬لكنه فيه حرج ومشقة‪ ,‬خصوصا عل العواِ الذين عص العلماء عل أعه‬
‫لي م مذهب معني‪ ,... ,‬والذي أذهب إليه وأختاره القول جبواز التقليد يف‬
‫التلفي ال بقصد تتب ذلر؛ ألن من تتب الرخص فس ‪ ,‬بد حيث وق ذلر‬
‫اتفاقا‪ ,‬خصوصا من العواِ الذين ال يسعهم غري ذلر‪ ,‬فلو توضأ خص‪ ,‬ومسح‬
‫جزءا من رأسه؛ مقلدا للشافعي‪ ,‬فوضوءه صحيح بال ريب‪ ,‬فلو مل ذكره بعد‬
‫ذلر؛ مقلدا أليب حنيفة‪ ,‬جاز ذلر؛ ألن وضوء هذا املقلد صحيح‪ ,‬ومل الفرج‬
‫غري انقض عند أيب حنيفة‪ ,‬فإذا قلده يف عدِ عقض ما هو صحيح عند الشافعي‬
‫استمر الوضوء عل حاله بتقليده أليب حنيفة‪ ,‬وهذا هو فائدة التقليد‪ ,‬وحينئذ فال‬
‫يقال‪ :‬الشافعي ير بطالن هذا الوضوء؛ بسبب م الفرج‪ ,‬واحلنفي ير‬
‫البطالن؛ لعدِ مسح رب الرأم فأكثر؛ ألهنما قضيتان منفصلتان‪8‬؛ ألن الوضوء‬
‫قد مت صحيحا بتقليد الشافعي‪ ,‬ويستمر صحيحا بعد اللم بتقليد احلنفي‪,‬‬

‫‪ .8‬الصحيح أهنا قضية واحدة‪ ,‬ولكن التلفي وق يف وقتني خمتلفني‪.‬‬


‫‪443‬‬
‫فالتقليد أليب حنيفة إمنا هو يف استمرار الصحة ال يف ابتدائها‪ ,‬وأبو حنيفة ممن‬
‫يقول بصحة وضوء هذا املقلد قطعا‪ ,‬فقد قلد أ حنيفة فيما هو حاكم بصحته‪,‬‬
‫‪ ,...‬وهنا التقليد انف عند هللا تعاىل‪ ,‬هلمنج لصاحبه‪ ,‬وال يس النام غري هذا"‪.8‬‬
‫فملخص ما تقدِ أن مجهور العلماء ير أن تلفي التقليد يف قضية واحدة‬
‫طد‪ ,‬وأجازه بعضهم بشرط عدِ قصد تتب الرخص‪ ,‬وأضاف بعضهم رطا آخر‬
‫جلوازه‪ ,‬وهو أن يكون امللف عاميا‪ ,‬غري منتسب إىل مذهب معني‪.‬‬
‫وَيكن اجلم بني أقوال العلماء إذا ع ران إىل وق تلفي التقليد‪ ,‬فإن تلفي‬
‫أقوال العلماء إذا وق يف وق واحد ابتداء‪ ,‬كمن تزوج بدون ويل ‪ -‬تقليدا‬
‫للحنفية ‪ -‬وال هو ‪ -‬تقليدا للمالكية ‪ ,-‬أو كمن توضأ مباء مستعمد ‪ -‬تقليدا‬
‫للمالكية ‪ -‬ومسح بعض الرأم ‪ -‬تقليدا للشافعية ‪ ,-‬فإن التلفي حاصد أثناء‬
‫النكاح يف األوىل‪ ,‬وأثناء الوضوء يف الثاعية‪ ,‬فهذا تلفي طد؛ ألعه وق يف وق‬
‫واحد‪ ,‬أما إذا حصد التلفي يف وقتني خمتلفني‪ ,‬كمن مسح عرات من رأسه ‪-‬‬
‫تقليدا للشافعية ‪ ,-‬مث مل زوجته ‪ -‬تقليدا للحنفية ‪ ,-‬فإن هذا التلفي حصد‬
‫يف وقتني خمتلفني‪ ,‬فهذا هو التلفي الذي يعذر فيه ‪ -‬عل رأي بعض العلماء ‪-‬‬
‫العامي‪ ,‬غري املنتسب ملذهب معني‪ ,‬إذا حصد منه التلفي اتفاقا ون قصد وتتب ‪.‬‬
‫أما إذا كاع الطاعات مرتبطا بعضها ببعض‪ ,‬مثد روط العبا ات‪,‬‬
‫كالوضوء وطهارة الثوب واستقبال القبلة وسي العورة‪ ,‬فإن بعضها مرتبط ببعض؛‬
‫ألهنا روط للصالة‪ ,‬فقد اختلف كلمة العلماء يف جواز تقليد مذهب يف أحد‬

‫‪ .8‬مطالب أويل النه للرحيباين (‪.)391/8‬‬


‫‪444‬‬
‫الشروط ‪ -‬كالوضوء ‪ ,-‬مث تقليد مذهب آخر يف رط آخر ‪ -‬كطهارة الثوب ‪,-‬‬
‫حبيث ال يصح الشرطان جمتمعني عند واحد من املذهبني‪.‬‬
‫ولنضرب عل ذلر مثاال‪ ,‬فلو أن حنبليا أكد حلم جزور‪ ,‬فبطد وضوءه‬
‫بول ما‬
‫عل مذهبه‪ ,‬فقلد الشافعية يف عدِ عقض الوضوء أبكله‪ ,‬مث أصاب ثوبه هل‬
‫عند الشافعية‪ ,‬فقد عتج من هذا‬ ‫يؤكد حلمه‪ ,‬وهو طاهر يف مذهبه‪ ,‬ولكنه‬
‫التلفي صورة وضوء صحيح عند الشافعية‪ ,‬ولكنه غري صحيح عند احلنابلة‪ ,‬ويلزِ‬
‫تطهري البول عند الشافعية‪ ,‬وال يلزِ تطهريه عند احلنابلة‪ ,‬فلو حكمنا بصحة‬
‫وضوئه عند الشافعية ‪ -‬ون الن ر إىل اسة ثوبه عندهم؛ لنجاسة بول ما يؤكد‬
‫حلمه ‪ ,-‬وحكمنا بطهارة ثوبه عند احلنابلة ‪ -‬ون الن ر إىل اعتقاض وضوئه‬
‫عندهم؛ لنقض الوضوء أبكد حلم اجلزور ‪ -‬فإن احلكم بصحة صالته يف هذه‬
‫احلالة مما اختلف فيه العلماء عل رأيني؛ لتعلقها بكد من الشرطني‪ ,‬ومها الطهارة‬
‫من احلدث والطهارة من النج ‪.‬‬
‫فري أصحاب الرأي األول أن الصالة طلة؛ ع را الرتباطها بكد من‬
‫الوضوء وطهارة الثوب‪ ,‬و لتايل فإن صالته ال تصح عل أي من املذهبني إذا‬
‫اعتبان روطهما يف الطهارة من احلدث والطهارة من النج ‪ ,‬أما أصحاب الرأي‬
‫الثاين فريون صحة الصالة؛ لصحة الوضوء عل أحد املذهبني‪ ,‬ولطهارة ثوبه من‬
‫النج عل املذهب اآلخر‪ ,‬فيكب التقليد من قضيتني خمتلفتني‪ ,‬ومل يتف‬
‫اإلمامان عل بطالن وضوئه‪ ,‬ومل يتفقا عل اسة ثوبه‪ ,‬وإن لزِ اتفاقهما عل‬
‫بطالن صالته‪ ,‬ولكن احلكم ببطالهنا يرج إىل قضيتني‪ ,‬وال يرج إىل قضية‬
‫واحدة‪.‬‬

‫‪445‬‬
‫ومن املسائد املتعلقة لعبا ات ما لو مسح افعي بعض رأسه يف وضوئه‪,‬‬
‫فقلد الشافعية يف صحة الوضوء‪ ,‬مث أصابه أثر كلب‪ ,‬فقلد املالكية يف طهارته‪,‬‬
‫فنتج من ذلر أن وضوءه صحيح عند الشافعية‪ ,‬ولكنه يلزمه إزالة أثر الكلب؛‬
‫عندهم‪ ,‬أما عند املالكية فرغم عدِ احلاجة إىل إزالة أثر الكلب؛‬ ‫ألعه‬
‫لطهارته عندهم‪ ,‬فإن وضوءه غري صحيح عندهم؛ لوجوب مسح كامد الرأم عل‬
‫مذهبهم‪.‬‬
‫ومن املسائد أيضا ما لو توضأ افعي وضوءا صحيحا‪ ,‬مث سال منه ِ‪,‬‬
‫ومذهبه عدِ النقض به‪ ,‬ولكنه احنرف قليال عن عني جهة الكعبة يف الصالة‪,‬‬
‫فقلد احلنفية يف صحة االحنراف اليسري عنها‪ ,‬فوضوءه صحيح عند الشافعية‪,‬‬
‫ولكنه طد عند احلنفية؛ ألن خروج الدِ ينقض الوضوء عندهم‪ ,‬أما استقباله فهو‬
‫صحيح عند احلنفية‪ ,‬ولكنه طد عند الشافعية؛ لوجوب استقبال عني جهة‬
‫الكعبة عندهم بدون احنراف ولو يسريا‪ ,‬ففي هذه الصور وأ باهها تر العلماء يف‬
‫صحة الصالة ‪ -‬أو الطاعة واملعاملة ‪-‬؛ الرتباط الشروط ِبا‪ ,‬وهاك بعض‬
‫عصوصهم‪ ,‬ومنها يتبني بعض القائلني بكد من الرأيني‪.‬‬
‫فممن ير بطالن تلفي التقليد يف القضا املرتبط بعضها ببعض الفقيه ابن‬
‫حجر ا يتمي رمحه هللا‪ ,‬فإعه عقد االتفاق عل ذلر‪ ,‬فقال‪" :‬تقليد غري األئمة‬
‫األربعة ال جيوز يف اإلفتاء وال يف القضاء‪ ,‬وأما يف عمد اإلعسان لنفسه فيجوز‪,‬‬
‫‪ ,...‬ويشيط معرفته مبذهب املقلَّد‪ ,... ,‬وعدِ التلفي لو أرا أن يضم إليها أو‬

‫‪443‬‬
‫إىل بعضها تقليد غري ذلر اإلماِ؛ ملا تقرر أن تلفي التقليد‪ ,‬كتقليد مالر يف عدِ‬
‫اسة الكلب‪ ,‬والشافعي يف مسح بعض الرأم‪ ,‬فمتتن اتفاقا‪ ,‬بد قيد إمجاعا"‪.8‬‬
‫ووافقه الفقيه عبدهللا أبو خمرمة رمحه هللا (‪913-133‬هـ)‪ ,‬وزا فقال‪" :‬قد‬
‫صرح ِبذا الشرط الذي ذكرانه ‪ -‬أي عدِ تلفي التقليد ‪ -‬غري واحد من احملققني‬ ‫َّ‬
‫من أهد األصول والفقه‪ ,‬منهم ابن قي العيد والسبكي‪ ,‬وعقله اإلسنوي يف‬
‫التمهيد عن العراقي‪ ,‬قل ‪ :‬بد عقله الرافعي يف "العزيز" عن القاضي حسني"‪.7‬‬
‫ومبثله قال العالمة ابن عابدين رمحه هللا‪ ,‬تعليقا عل قول الشيخ قاسم‪" :‬وأن‬
‫الرجوع عن التقليد بعد العمد طد اتفاقا"‪ ,‬فقال ابن عابدين‪" :‬صرح بذلر‬
‫احملق ابن ا ماِ يف حتريره‪ ,‬ومثله يف أصول اآلمدي وابن احلاجب ومج اجلوام ‪,‬‬
‫وهو حممول كما قال ابن حجر والرملي يف رحيهما عل املنهاج وابن قاسم يف‬
‫حا يته عل ما إذا بقي من آاثر الفعد الساب أثر يؤ ي إىل تلفي العمد بشيء‪,‬‬
‫ال يقول به كد من املذهبني"‪.3‬‬
‫مث ع َّر ابن عابدين يف عو االتفاق ‪ -‬أي عل بطالن التقليد بعد العمد‬
‫‪ ,-‬فقال‪" :‬عل أن يف عو االتفاق ع را‪ ,‬فقد هلحكي اخلالف‪ ,‬فيجوز اتباع‬
‫القائد جلواز‪ ,‬كذا أفا ه العالمة الشرعباليل يف العقد الفريد‪ ,‬مث قال بعد ذكر فروع‬
‫من أهد املذهب‪ ,‬صرحية جلواز‪ ,‬وكالِ طويد‪ :‬فتحصد مما ذكرانه أعه لي عل‬

‫‪ .8‬الفتاو الكب الفقهية البن حجر ا يتمي (‪ ,)375/4‬واع ر كذلر (‪ )751/8‬و (‪,)371/4‬‬
‫وحتفة احملتاج له (‪.)42/8‬‬
‫‪ .7‬فتح املعني للمليباري (‪.)781/4‬‬
‫‪ .3‬حا ية ابن عابدين (‪ ,)25/8‬واع ر أيضا (‪ )511/3‬و (‪ ,)333/4‬فإعه عقد أن احلكم امللف طد‬
‫إلمجاع‪.‬‬
‫‪442‬‬
‫اإلعسان التزاِ مذهب معني‪ ,‬وأعه جيوز له العمد مبا خيالف ما عمله عل مذهبه؛‬
‫مقلدا فيه غري إمامه‪ ,‬مستجمعا روطه"‪.8‬‬
‫وممن رأ صحة التلفي يف القضا املرتبط بعضها ببعض الفقيه وجيه الدين‬
‫ابن ز رمحه هللا‪ ,‬فقد قال‪" :‬إن الذي فهمناه من أمثلتهم أن اليكيب القا ح إمنا‬
‫َيتن إذا كان يف قضية واحدة‪ ,‬فمن أمثلتهم إذا توضأ ومل ؛ تقليدا أليب حنيفة‪,‬‬
‫وافتصد؛ تقليدا للشافعي‪ ,‬مث صلَّ فصالته طلة؛ التفاق اإلمامني عل بطالن‬
‫ذلر‪ ,‬وكذا إذا توضأ وم بال هوة؛ تقليدا لإلماِ مالر‪ ,‬ومل يدلر؛ تقليدا‬
‫لإلماِ الشافعي‪ ,‬مث صل فصالته طلة؛ التفاق اإلمامني عل بطالن طهارته‪,‬‬
‫خبالف ما إذا كان اليكيب من قضيتني‪ ,‬فالذي ي هر أن ذلر غري قا ح يف‬
‫التقليد‪ ,‬كما إذا توضأ ومسح بعض رأسه‪ ,‬مث صل إىل اجلهة؛ تقليدا أليب حنيفة‪,‬‬
‫فالذي ي هر صحة صالته؛ ألن اإلمامني مل يتفقا عل بطالن طهارته‪ ,‬فإن‬
‫اخلالف فيها حباله‪ ,‬ال يقال‪ :‬اتفقا عل بطالن صالته؛ ألان عقول‪ :‬هذا االتفاق‬
‫عشأ من اليكيب يف قضيتني‪ ,‬والذي فهمناه أعه غري قا ح يف التقليد‪ ,... ,‬وقد‬
‫رأي يف فتاو البلقيين ما يقتضي أن اليكيب بني القضيتني غري قا ح"‪.7‬‬
‫وقد قصر بعض العلماء هذا اخلالف يف املقلد املنتسب ملذهب إماِ معني‪,‬‬
‫أما العامي الذي مل يلتزِ ذلر فإعه جيوز له تلفي التقليد يف قضيتني ‪ -‬وإن كاعتا‬
‫ميابطتني ‪ ,-‬إذا مل يقصد ذلر‪ ,‬ومل يتتبعه‪ ,‬وممن عص عل ذلر الشيخ مرعي بن‬

‫‪ .8‬حا ية ابن عابدين (‪ ,)25/8‬وقوله "مستجمعا روطه" يؤكد بطالن التلفي يف قضيتني مرتبطتني‪,‬‬
‫فبطالعه يف قضية واحدة أظهر‪.‬‬
‫‪ .7‬فتح املعني للمليباري (‪.)781/4‬‬
‫‪441‬‬
‫يوسف رمحه هللا‪ ,‬فإعه عص ‪ -‬كما تقدِ ‪ -‬عل جواز تلفي التقليد يف قضية‬
‫واحدة للعامي غري املنتسب ملذهب معني لشروط السابقة‪ ,‬وعص كذلر عل‬
‫جواز تلفي التقليد يف قضيتني‪ ,‬فقال‪" :‬الذي أذهب إليه وأختاره القول جبواز‬
‫التقليد يف التلفي ‪ ,‬ال بقصد تتب ذلر؛ ألن من تتب الرخص فس ‪ ,‬بد حيث‬
‫وق ذلر اتفاقا‪ ,‬خصوصا من العواِ الذين ال يسعهم غري ذلر‪ ,... ,‬وكذا لو قلد‬
‫العامي مالكاً وأمحد يف طهارة بول وروث ما يؤكد حلمه‪ ,‬وكان قد ترك التدلير يف‬
‫مسح مجي الرأم م األذعني الواجب عند أمحد؛‬ ‫وضوئه الواجب عند مالر‪ ,‬أو ا‬
‫ألن الوضوء صحيح عند أيب حنيفة والشافعي‪ ,‬والتقليد يف ذلر صحيح‪ ,‬والروث‬
‫املذكور طاهر عند مالر وأمحد"‪.8‬‬
‫ومهما يكن من خالف يف قضية تلفي التقليد يف قضيتني‪ ,‬فإن االحتياط‬
‫يف األبضاع قضية مهمة للغاية‪ ,‬أبن ال يلف بني مذهبني يف قضية تتعل‬
‫ستحالل أبضاع النساء‪ ,‬فقد عقد الصاوي رمحه هللا (‪8748-8825‬هـ) عن‬
‫الشبخييت رمحه هللا أعه َيتن تتب رخص املذاهب‪ ,‬مث قال‪" :‬وفيه أيضا من التلفي ‪,‬‬
‫والذي قاله يخنا األمري عن يخه العدوي عن يخه الصغري وغريه أن الصحيح‬
‫جوازه‪ ,‬وهو فسحة‪ ,‬لكن ال ينبغي فعلها يف النكاح؛ ألعه حيتاط يف الفروج ما ال‬
‫حيتاط يف غريها"‪.7‬‬
‫وقد رفع مسألة إىل الشهاب الرملي رمحه هللا‪ ,‬حاصلها أن رجال طل‬
‫زوجته ثالاث مكرها‪ ,‬مث عكح أختها؛ اختيارا منه لقول اإلماِ أيب حنيفة بوقوع‬

‫‪ .8‬مطالب أويل النه للرحيباين (‪.)391/8‬‬


‫‪ .7‬بلغة السالر للصاوي (‪.)89/8‬‬
‫‪449‬‬
‫طالق املكره‪ ,‬مث أفتاه بعضهم جبواز وطء مطلقته أيضا؛ تقليدا لقول اإلماِ‬
‫فاعيض عل ذلر املفيت أبن هذا تلفي‬ ‫الشافعي بعدِ وقوع طالق املكره‪ ,‬هل‬
‫للتقليد‪ ,‬فأجاب أبن هذا لي من التلفي يف يء؛ ألن رط التلفي الباطد أن‬
‫يكون يف حالة واحدة‪ ,‬كما لو مسح بعض رأسه‪ ,‬وصل بنجاسة كلبية؛ ألن فعله‬
‫اآلن مل يقد به أحد اإلمامني ‪ -‬أي مالر والشافعي ‪ ,-‬وأما يف مسألة املطلقة‬
‫وأختها فإعه حال وطئه األوىل؛ تقليدا للشافعي منفر عن وطء الثاعية؛ تقليدا أليب‬
‫حنيفة‪ ,‬وعكسه‪ ,‬فلم يق منه صورة اتف اإلمامان عل بطالهنا أو حرمتها‪,‬‬
‫فأجاب الرملي أبن ذلر املفيت قد أخطأ يف فتواه املذكورة قطعا؛ ملخالفتها لقوله‬
‫تعاىل‪" :‬وأن جتمعوا بني األختني"‪ ,‬ولإلمجاع عل حترمي اجلم بينهما‪ ,‬وقد قال‬
‫القرايف يف رحه للمحصول‪ :‬رط التقليد أن ال يفعد أمرا‪ ,‬هلجيم عل إبطاله‬
‫إمامه األول وإمامه الثاين‪ ,‬اعته ‪ ,‬وقال ابن قي العيد‪ :‬للتقليد روط‪ :‬أحدها أن‬
‫ال جيتم يف صورة‪ ,‬يق اإلمجاع عل بطالهنا‪ ,‬اعته ‪ ,‬وجواب املفيت عما ذكر من‬
‫التلفي طد‪ ,‬ال مستند له فيه وال ليد عليه‪.8‬‬
‫ولعد األوف ‪ -‬يف تلفي التقليد يف قضيتني مرتبطتني ‪ -‬األخذ لرأي األول‬
‫‪ -‬املقتضي لبطالعه ‪ -‬للخاصة من العلماء وطلبة العلم وأهد العزائم ومتطليب‬
‫االحتياط واملتقيدين مبذاهبهم الفقهية‪ ,‬أما عامة النام واملتساهلني ومن خيش من‬
‫الوسوسة فاألرف ِبم أن أيخذوا لرأي الثاين ‪ -‬املقتضي جلوازه ‪.-‬‬

‫‪ .8‬فتاو الشهاب الرملي (‪ ,)319/4‬واع ر حا ية ابن عابدين (‪.)25/8‬‬


‫‪451‬‬
‫فقد قال ابن حجر ا يتمي رمحه هللا‪" :‬ويف اخلا ِ عن بعض احملتاطني‪:‬‬
‫األوىل ملن بلي بوسوام األخذ ألخف والرخص؛ لئال يز ا ‪ ,‬فيخرج عن الشرع‪,‬‬
‫ولضده األخذ ألثقد؛ لئال خيرج عن اإل حة"‪.1‬‬
‫أما القضا غري املرتبط بعضها ببعض فال خالف عند العلماء يف جواز‬
‫تقليد عدة علماء خمتلفني فيها‪ ,‬فعل سبيد املثال لو أن افعيا توضأ يف هنار‬
‫رمضان‪ ,‬فتمضمض و لغ يف الغرغرة‪ ,‬فسب يء إىل حلقه‪ ,‬فبطد صومه عل‬
‫مذهبه‪ ,‬فقلد احلنابلة يف صحة الصوِ؛ ألن وصول املاء بدون قصد ال يبطد‬
‫الصوِ عندهم ولو م املبالغة‪ ,‬مث أفطر عل حلم جزور‪ ,‬وهو مبطد للوضوء عند‬
‫احلنابلة‪ ,‬ولكنه بقي عل مذهبه الشافعي يف الوضوء‪ ,‬فإن صومه صحيح عل‬
‫مذهب احلنابلة‪ ,‬ووضوءه صحيح عل مذهب الشافعية‪ ,‬وال ارتباط بني القضيتني‪,‬‬
‫فيصح تقليده‪ ,‬وينتج عنه صحة صومه ‪ -‬عند احلنابلة ‪ -‬وصحة وضوئه ‪ -‬عند‬
‫الشافعية ‪-‬؛ ألعه ال ارتباط بني القضيتني‪.‬‬
‫وأوىل من ذلر يف اجلواز ما لو صل ؛ تقليدا ألحد املذاهب‪ ,‬مث حج م‬
‫عامل متقيد مبذهب آخر‪ ,‬فالتزِ أقواله‪ ,‬مث ملا أرا الزكاة توجه أبسئلته إىل عامل قريب‬
‫منه متقيد مبذهب آخر‪ ,‬فإن هذا جائز ‪ -‬إن اء هللا ‪ ,-‬بشرط أن ال يقصد به‬
‫اليخص والتشهي‪ ,7‬كما سيأ يف مبحث تتب الرخص‪.‬‬
‫وملخص تلفي التقليد أن منه ما هو ممنوع‪ ,‬ومنه ما هو مقبول‪ ,‬فاملمنوع ‪-‬‬
‫عند اجلمهور ‪ -‬هو ما ينتج عنه طاعة أو معاملة واحدة‪ ,‬ال تصح بكاملها عل‬

‫‪ .8‬حتفة احملتاج البن حجر ا يتمي (‪ ,)887/81‬واع ر البحر احمليط للزركشي (‪.)321/1‬‬
‫‪ .7‬حا ية ابن عابدين (‪.)25/8‬‬
‫‪458‬‬
‫مذهب إماِ من أئمة املسلمني‪ ,‬خصوصا إذا وق التلفي ابتداء‪ ,‬أو كان بقصد‬
‫تتب الرخص‪ ,‬واملقبول ما كان يف قضيتني خمتلفتني‪ ,‬ال ارتباط بينهما‪ ,‬كأن يقلد‬
‫مذهبا ‪ -‬أو يسأل عاملا ‪ -‬يف مسألة‪ ,‬مث يقلد ‪ -‬أو يسأل ‪ -‬آخر يف مسألة‬
‫أخر ال ترتبط ألوىل‪ ,‬أما التلفي يف قضيتني مرتبطتني فممنوع إن كان بقصد‬
‫تتب الرخص‪ ,‬أو كان يف األبضاع‪ ,‬وإال فاألوىل اجتنابه والبعد عنه‪ ,‬وخصوصا‬
‫ألهد العزائم واالحتياط يف الدين‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أال يعمل ابلقول وضده يف مسألة واحدة‬
‫يغلب هو النف ورغباهتا عل اإلعسان أحياان لدرجة يصد فيها إىل‬
‫التناقض يف األحكاِ واملواقف‪ ,‬فيبيح لنفسه ما حيرمه عل اآلخرين‪ ,‬مث تصد‬
‫األمور إىل ذروهتا مبحاولة تبير تناقضه وفسا مسلكه العتما عل فتاو‬
‫العلماء‪ ,‬فيعمد يف عني مسألة واحدة برأيني متضا َّين صا رين من عاملني خمتلفني‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلر أن يقوِ إعسان ببي منزله‪ ,‬فيقوِ جاره ملطالبة حبقه يف‬
‫الشفعة عل مذهب أيب حنيفة؛ ألعه جييز فعة اجلار‪ ,‬فيأخذ املنزل لشفعة‪,‬‬
‫وحيوزه إىل ملكه‪ ,‬مث يقوِ ببيعه بعد حني‪ ,‬فيقوِ أحد جرياعه ملطالبة حبقه يف‬
‫الشفعة‪ ,‬فيمتن من ذلر؛ تقليدا منه يف هذه املرة للشافعي يف عدِ جتويزه الشفعة‬
‫إال يف املشاع‪ ,‬فهذه مسألة عمد فيها هذا اجلار بقولني متضا َّين يف عني مسألة‬
‫واحدة‪ ,‬فمثد ذلر ممنوع عند العلماء؛ ألعه من التالعب أبحكاِ الدين؛ ملا‬
‫يشتمد عليه من التناقض يف مسألة واحدة من مكلف واحد‪.‬‬

‫‪457‬‬
‫ومثلها ما لو أخذ بشفعة اجلوار منزال؛ تقليدا أليب حنيفة‪ ,‬مث عه بعد فية‪,‬‬
‫مث ا ياه‪ ,‬فطالبه أحد جرياعه بشفعة اجلوار‪ ,‬فأرا التمسر مبذهب الشافعي‪,‬‬
‫فلي له ذلر؛ ألعه عمد بقولني متضا ين يف عني مسألة واحدة‪.8‬‬
‫أما لو كان له منزالن‪ ,‬فبي منزل جياور أحدمها‪ ,‬فأخذه بشفعة اجلوار؛‬
‫تقليدا أليب حنيفة‪ ,‬مث ع منزله اآلخر‪ ,‬فأرا جاره أخذه لشفعة؛ تقليدا أليب‬
‫حنيفة‪ ,‬فله التمسر مبذهب الشافعي يف من أخذ جاره لشفعة؛ ألهنما منزالن‬
‫خمتلفان‪ ,‬وقد عمد يف كد واحد منهما بقول إماِ خمتلف‪.7‬‬
‫قال القليويب رمحه هللا‪" :‬جيوز العمد ملرجوح ‪ -‬أي مرجوح مذهبه الذي‬
‫يقلده ‪ -‬يف ح عفسه‪ ,‬ال يف اإلفتاء والقضاء‪ ,‬إذا مل جيم بني متناقضني‪ ,‬كحد‬
‫وحرمة يف مسألة واحدة"‪ ,3‬وعقد ابن عابدين رمحه هللا عن العالمة الشرعباليل رمحه‬
‫هللا (‪8139-994‬هـ) أعه جيوز ملقلد مذهب ما أن يعمد أبمرين متضا ين يف‬
‫حا ثتني‪ ,‬ال تعل لواحدة منهما ألخر ‪.4‬‬
‫خامسا‪ :‬أال يتتبع رخص الفقهاء‬
‫هذا الضابط من أكثر ضوابط االستفا ة من الثروة الفقهية إ كاال؛ ألعه‬
‫يصرح لنهي عن تتب رخص الفقهاء‪ ,‬فقد يتبا ر إىل الذهن ‪ -‬قبد التأمد ‪ -‬أعه‬

‫‪ .8‬حتفة احملتاج البن حجر ا يتمي (‪ ,)42/8‬وفيض القدير للمناوي (‪ ,)787-719/8‬وحا ية ابن‬
‫عابدين (‪.)25/8‬‬
‫‪ .7‬ينبغي مالح ة أن ال يكون يدعه تتب رخص العلماء؛ ليعمد ِبا وف مصلحته‪ ,‬بد ينبغي أن يكون‬
‫عثه عليها ضرورة أو حاجة‪.‬‬
‫‪ .3‬حا ية القليويب عل رح احمللي للمنهاج (‪.)83/8‬‬
‫‪ .4‬حا ية ابن عابدين (‪.)25/8‬‬
‫‪453‬‬
‫يقتضي االبتعا عن الرخص الشرعية اليت أ حها الشرع احلنيف‪ ,‬كالتيمم‪ ,‬واملسح‬
‫عل اخلفني‪ ,‬والصالة قاعدا للعاجز عن القياِ‪ ,‬وقصر الصالة ومجعها للمسافر‪,‬‬
‫وللمقيم بعذر‪ ,‬والفطر يف رمضان للمعذور‪ ,‬وغري ذلر من الرخص الثابتة‬
‫لنصوص الصرحية‪.‬‬
‫ومن الثاب أن هذه الشريعة هي ريعة التيسري‪ ,‬وأن احلرج والعسر‬
‫والتشديد منفي عنها‪ ,‬فيتسرع بعض النام متسائال‪ :‬كيف حترمون علينا ما أ حه‬
‫الرخص!؟‬ ‫هللا ‪ ‬لنا من اليسر و ُّ‬
‫ولذلر فإعه من املهم إعا ة توضيح معىن الرخصة املنهي عن تتبعها‪,‬‬
‫فاملقصو لرخصة الفقهية هي الرأي األيسر واألسهد الذي يصدره أحد الفقهاء‬
‫املؤهلني‪ ,‬بناء عل اجتها ه وحبثه وع ره يف األ لة الشرعية‪ ,‬ويبق رأيه حمتمال‬
‫للخطأ والصواب‪ ,‬وكد خالف الفقهاء املتمكنني اخد يف هذه القاعدة‪ ,‬ما اِ‬
‫خالفهم حمصورا يف الفروع‪ ,‬ومبنيا عل األ لة ال نية يف ثبوهتا أو اللتها‪.‬‬
‫وقد مدح العلماء اإلفتاء لرخصة إذا صدر من عامل فقيه متمكن‪ ,‬قال‬
‫سفيان الثوري رمحه هللا‪" :‬إمنا العلم عندان الرخصة من ثقة‪ ,‬أما التشديد فيحسنه‬
‫كد أحد"‪ ,8‬ومعىن كالمه أن اإلفتاء لرخصة أ د عل الفقيه من اإلفتاء‬
‫لتشديد؛ ألن املفيت إذا مل يتيقن من احلكم الشرعي‪ ,‬إما لتكافؤ األ لة أو لعدِ‬
‫وجو ليد عص أو ألي سبب آخر‪ ,‬فإعه ‪ -‬رمبا ‪ -‬يفىت لتشديد؛ ألعه يتضمن‬

‫‪ .8‬جام بيان العلم وفضله (‪ ,)715‬واجملموع للنووي (‪ ,)43/8‬واع ر طرح التثريب للزين والويل العراقيني‬
‫(‪.)781/2‬‬
‫‪454‬‬
‫االحتياط يف الدين غالبا‪ ,‬وقد حيجم عن اإلفتاء لرخصة؛ خوفا من تبعة فتواه‬
‫عليه يوِ القيامة‪.‬‬
‫فإن تساو املفتون فإعه جيوز للعامي أن أيخذ بفتو من اء منهم‪ ,‬فقد‬
‫خيتار القول األغلظ؛ احتياطا لدينه‪ ,‬وقد أيخذ أليسر؛ حلاجته‪ ,‬وقد أيخذ برأي‬
‫األعلم أو األورع؛ القتناعه به‪ ,‬وقد خيتار رأي أحبهم إليه‪ ,‬وقد يي ‪ ,‬فيسأل‬
‫آخرين؛ لتز ا طمأعينته‪ ,8‬وال يتصور عمليا ‪ -‬من وجهة ع ري ‪ -‬أن خيتار العامي‬
‫رأ من بني عدة آراء بدون سبب مرجح‪.‬‬
‫يسرة ‪ -‬احملتملة‬
‫وقد اختلف العلماء يف جواز األخذ ُّلرخص االجتها ية امل َّ‬
‫للصواب واخلطأ ‪ -‬اليت عتج عن اجتها ات العلماء املتمكنني‪ ,‬مفرقني بني‬
‫العامي غري املتمذهب مبذهب فقهي معني واملتمذهب به‪ ,‬وبني كون الرخصة يف‬
‫مذهبه أو يف غري مذهبه‪ ,‬وبني كوعه يعتقد رجحاهنا أو يعتقد مرجوحيتها‪ ,‬وبني أن‬
‫تدعوه حاجة لألخذ ِبا أو يكون قصده اليخص والتشهي‪ ,‬وبني كوعه يكثر من‬
‫تتبعها أو يقد منه‪.‬‬
‫أوال‪ :‬أما العامي غري املتمذهب مبذهب فقهي معني‪ ,‬فله أن أيخذ برخص‬
‫العلماء الذين يفتوعه‪ ,‬بشرط أن ال يتتب رخصهم‪ ,‬أبن يكون أعه و يدعه ائما‬
‫أن يسأل عد ا من العلماء‪ ,‬مث أيخذ أبيسر قول منهم عليه‪.‬‬

‫‪ .8‬اجملموع للنووي (‪.)55/8‬‬


‫‪455‬‬
‫وقد عص عل ذلر عد من العلماء‪ ,‬فقد قال ابن عبدالب رمحه هللا ‪ -‬بعد‬
‫‪8‬‬
‫روايته قول سليمان التيمي‪" :‬لو أخذت برخصة كد عامل اجتم فير الشر كله"‬
‫‪ -‬قال‪" :‬هذا إمجاع ال أعلم فيه خالفا"‪.7‬‬
‫وقال النووي رمحه هللا‪" :‬لو جاز ‪ -‬أي للعامي ‪ -‬اتباع أي مذهب اء‬
‫ألفض إىل أن يلتقط رخص املذاهب؛ متبعا هواه‪ ,‬ويتخري بني التحليد والتحرمي‪,‬‬
‫والوجوب واجلواز‪ ,‬وذلر يؤ ي إىل االحنالل من ربقة التكليف"‪ ,3‬وقال الذهيب‬
‫رمحه هللا‪" :‬ومن تتب رخص املذاهب وزالت اجملتهدين فقد رق ينه"‪.4‬‬
‫وقال ابن مفلح رمحه هللا (‪233-211‬هـ)‪" :‬وذكر بعض أصحابنا يف فس‬
‫من أخذ لرخص روايتني‪ ,‬وإن قوي ليد ‪ -‬أي عل جوازها ‪ -‬أو كان ‪ -‬أي‬
‫اآلخذ ِبا ‪ -‬عاميا فال ‪ -‬أي فال يفس ‪ ,5-‬وقال املر اوي رمحه هللا (‪-182‬‬
‫‪115‬هـ)‪" :‬وال جيوز للعامي تتب الرخص‪ ,‬ذكره ابن عبدالب إمجاعا‪ ,‬ويفس عند‬
‫اإلماِ أمحد وغريه"‪.3‬‬
‫وقال ابن النجار رمحه هللا‪(" :‬وحيرِ عليه) أي عل العامي (تتب الرخص)‪,‬‬
‫وهو أعه كلما وجد رخصة يف مذهب عمد ِبا‪ ,‬وال يعمد بغريها يف ذلر املذهب‪,‬‬
‫(ويفس به)‪ ,‬أي بتتب الرخص؛ ألعه ال يقول إب حة مجي الرخص أحد من‬

‫‪ .8‬سري أعالِ النبالء للذهيب (‪.)891/3‬‬


‫‪ .7‬جام بيان العلم وفضله البن عبدالب (‪.)887/7‬‬
‫‪ .3‬اجملموع للنووي (‪.)55/8‬‬
‫‪ .4‬سري أعالِ النبالء للذهيب (‪.)91/1‬‬
‫‪ .5‬الفروع البن مفلح (‪.)527/3‬‬
‫‪ .3‬اإلعصاف للمر اوي (‪.)893/88‬‬
‫‪453‬‬
‫علماء املسلمني‪ ,‬فإن القائد لرخصة يف هذا املذهب ال يقول لرخصة األخر‬
‫اليت يف غريه"‪ ,8‬وقال البهو رمحه هللا ‪ -‬ارحا كالِ ابن النجار ‪(" :-‬ومن أخذ‬
‫لرخص)‪ ,‬أي تتبعها من املذاهب‪ ,‬فعمد ِبا‪( ,‬فس ) عصا‪ ,‬وذكر القاضي‪ :‬غري‬
‫متأول وال مقلد"‪.7‬‬
‫وقال ابن حجر ا يتمي رمحه هللا‪" :‬جيوز للعامي‪ ,‬أي من مل يتأهد ملعرفة‬
‫األ لة عل قواعينها‪ ,‬تقليد من اء من الشافعي ومالر وغريمها‪ ,‬ما مل يتتب‬
‫الرخص‪ ,‬أو حيصد تلفي ال يقول به أحد ممن قلدهم"‪ ,3‬وقال ابن عابدين رمحه‬
‫هللا‪" :‬والصحيح عندان أن احل ‪ -‬أي عند هللا ‪ -‬واحد‪ ,‬وأن تتب الرخص فس "‪.4‬‬
‫اثعيا‪ :‬أما املتمذهب مبذهب معني فإعه جيوز له األخذ برخص مذهبه؛ ألعه‬
‫متقيد به‪ ,‬فكما أعه أيخذ بعزائمه وتشديداته‪ ,‬فله أن أيخذ برخصه وتيسرياته‪ ,‬قال‬
‫ابن حجر ا يتمي رمحه هللا‪" :‬ولي العمد برخص املذاهب ‪ -‬أي ملقلديها ‪-‬‬
‫مقتضيا له ‪ -‬أي تتب الرخص ‪-‬؛ لصدق األخذ ِبا م األخذ لعزائم أيضا‪,‬‬
‫‪ ,...‬ألن من عمد لعزائم والرخص ال يقال فيه‪ :‬إعه متتب للرخص"‪.5‬‬
‫أما إذا ظهر للمتمذهب مبذهب ما مرجوحيةهل رخصة يف مذهبه‪ ,‬فإعه جيب‬
‫عليه ترك العمد ِبا‪ ,‬واألخذ مبا ظهر له من الصواب‪ ,‬إذا كان أهال للن ر يف‬

‫‪ .8‬رح الكوكب املنري البن النجار (‪.)522/4‬‬


‫‪ .7‬رح منته اإلرا ات للبهو (‪.)598/3‬‬
‫‪ .3‬الفتاو الكب الفقهية البن حجر ا يتمي (‪ ,)758/8‬وكالِ ابن حجر يقتضي أن تتب الرخص‬
‫فس وإن مل يؤ إىل التلفي ‪.‬‬
‫‪ .4‬حا ية ابن عابدين (‪.)328/8‬‬
‫‪ .5‬حتفة احملتاج البن حجر ا يتمي (‪.)819/81‬‬
‫‪452‬‬
‫النصوص الشرعية؛ اتباعا للح والدليد‪ ,‬بد لو ظهر له مرجوحية أي حكم يف‬
‫مذهبه‪ ,‬رخصة كان أو عزَية‪ ,‬فإعه يلزمه العمد مبا ظهر له‪ ,8‬فقد قال عد من‬
‫األئمة‪ ,‬كأيب حنيفة والشافعي رمحهما هللا‪" :‬إذا صح احلديث فهو مذهيب"‪.7‬‬
‫اثلثا‪ :‬وجيوز للمتمذهب مبذهب ما أن أيخذ لرخص يف غري مذهبه إذا‬
‫عته لذلر ضرورة أو حاجة‪ ,‬أو اعتقد صواِبا؛ لقوة ليلها وما أ بهه‪ ,‬أما إذا مل‬
‫تدعه الضرورة واحلاجة لألخذ لرخصة‪ ,‬أو مل ييجح عنده صواِبا‪ ,‬فال جيوز له‬
‫اخلروج عن مذهبه الفقهي بدون سبب‪ ,‬فإن خرج عن مذهبه الفقهي‪ ,‬وأخذ‬
‫برخصة من مذهب آخر بدون مسوغ إال قصد اليخص والتشهي‪ ,‬فال جيوز له‬
‫ذلر‪.‬‬
‫وقد عص ابن مفلح رمحه هللا ‪ -‬كما تقدِ ‪ -‬عل فس متتب الرخص‪ ,‬وأعه‬
‫إن كان ليلها قو فال يفس العامد ِبا‪ ,3‬وقال النفراوي رمحه هللا‪" :‬ما قدمناه من‬
‫وجوب املتابعة ألحد األئمة إمنا هو يف ح من ال أهلية فيه لالجتها ‪ -‬أي أن‬
‫من له أهلية لالجتها ال جيوز له تقليد غريه ‪ ,-‬ولكن بشرط أن ال يتتب رخص‬
‫املذاهب‪ ,‬وإال امتن إمجاعا‪ ,‬إال أن يضطر لتقليد الرخصة يوما‪ ,‬فيجوز للضرورة"‪.4‬‬

‫‪ .8‬الفتاو الكب البن تيمية (‪ ,)93/5‬واآل اب الشرعية البن مفلح (‪ ,)834/8‬وكشاف القناع‬
‫للبهو (‪ ,)793/3‬ومطالب أويل النه للرحيباين (‪ ,)445/3‬واع ر لزاما تنقيح الفتاو احلامدية البن‬
‫عابدين (‪ ,)372/7‬فإعه عقد عن السيوطي كالما قيقا يف أغراض التحول من مذهب آلخر‪.‬‬
‫‪ .7‬اجملموع للنووي (‪ ,)33/8‬وإحكاِ األحكاِ البن قي العيد (‪ ,)732/8‬وإعالِ املوقعني البن القيم‬
‫(‪ ,)718/7‬وحا ية ابن عابدين (‪ ,)32/8‬وغريها‪.‬‬
‫‪ .3‬الفروع البن مفلح (‪.)527/3‬‬
‫‪ .4‬الفواكه الدواين للنفراوي (‪.)352/7‬‬
‫‪451‬‬
‫رابعا‪ :‬فإ ان أكثر املتمذهب مبذهب معني األخذ لرخص يف غري مذهبه‬
‫بقصد اليخص والتشهي‪ ,‬حبيث صار يتتب الرخص‪ ,‬فإضافةً إىل حرمة فعله‪ ,‬فقد‬
‫رأ بعض العلماء فسقه بشروط وضوابط‪.‬‬
‫فمن أقوال األئمة احلنفية يف ذلر ما قاله أبو البكات النسفي رمحه هللا‪" :‬وله‬
‫االعتقال ‪ -‬أي مقلد مذهب ما ‪ -‬من مذهبه‪ ,‬لكن ال يتب الرخص‪ ,‬فإن تتبعها‬
‫من املذاهب فهد يفس ‪ ,‬وجهان‪ ,‬قال الشارح‪ :‬أوجههما ال"‪ ,8‬وعقد ابن أمري‬
‫احلاج رمحه هللا عن صالح الدين العالئي رمحه هللا (‪238-394‬هـ) قوله‪" :‬والذي‬
‫صرح به الفقهاء يف مشهور كتبهم جواز االعتقال ‪ -‬أي ملقلد مذهب ما ‪ -‬يف‬ ‫َّ‬
‫آحا املسائد‪ ,‬والعمد فيها خبالف مذهب إمامه الذي يقلد مذهبه‪ ,‬إذا مل يكن‬
‫عل وجه التتب للرخص"‪.7‬‬
‫ومن أقوال األئمة املالكية ما قاله الشيخ عليش رمحه هللا (‪-8782‬‬
‫‪8799‬هـ)‪" :‬وأما تتب أخف املذاهب وأوفقها لطب الصائر إليها والذاهب فمما‬
‫ال جيوز‪ ,‬فضال عن كوعه حمبو مطلو ‪ ,... ,‬وعن أيب حممد بن أيب زيد‪ :‬من أخذ‬
‫بقول بعض األمصار مل أجرحه‪ ,‬إال أن يكون اذا‪ ,3‬ما مل أيخذ بكد ما وافقه من‬

‫‪ .8‬البحر الرائ البن يم املصري (‪ ,)797/3‬والنص واضح يف من تتب الرخص‪ ,‬وأن اخلالف حمصور‬
‫يف تفسيقه‪.‬‬
‫‪ .7‬التقرير والتحبري البن أمري احلاج (‪.)358/3‬‬
‫‪ .3‬أي كان زلة عامل‪ ,‬وقد تقدِ الكالِ عن زالت العلماء‪ ,‬وأعه ال جيوز اتباعهم فيها‪.‬‬
‫‪459‬‬
‫كد قائد‪ ,‬وعلد ما ذكره ابن حزِ وأبو عمر من اإلمجاع عل من تتب رخص‬
‫املذاهب أبعه مؤ إىل إسقاط التكليف يف كد مسألة خمتلف فيها"‪.8‬‬
‫ومن أقوال األئمة الشافعية ما قاله الشهاب الرملي رمحه هللا‪" :‬إن املذهب‬
‫من هل تتب الرخص‪ ,‬أبن أيخذ من كد مذهب ما هو أهون عليه"‪ ,7‬وقال القليويب‬
‫رمحه هللا‪" :‬جيوز ‪ -‬أي ملقلد مذهب ما ‪ -‬تقليد بقية األئمة األربعة‪ ,‬وكذا غريهم‪,‬‬
‫ما مل يلزِ تلفي مل يقد به واحد‪ ,‬كمسح بعض الرأم م اسة كلبية يف صالة‬
‫واحدة‪ ,‬وما مل يتب الرخص‪ ,‬حبيث تنحد ربقة التكليف من عنقه‪ ,‬فإن فعد ذلر‬
‫أمث"‪.3‬‬
‫ومن أقوال األئمة احلنابلة ما قاله ابن مفلح رمحه هللا‪" :‬وذكر بعض أصحابنا‬
‫يف فس من أخذ لرخص روايتني‪ ,‬وإن قوي ليد ‪ -‬أي عل جوازها ‪ -‬أو كان‬
‫عاميا فال"‪ ,4‬أي إن غري العامي ال جيوز له تتب الرخص إال إن قوي ليلها‪ ,‬وقال‬
‫مرعي بن يوسف رمحه هللا‪" :‬ومن تتب الرخص بال حكم حاكم ‪ -‬أي قضاء قاض‬
‫‪ -‬فس عصا"‪.5‬‬

‫‪ .8‬فتح العلي املالر للشيخ عليش (‪ ,)22/8‬واع ر كذلر (‪ ,)31/8‬والفواكه الدواين للنفراوي‬
‫(‪ )74/8‬و (‪ ,)352/7‬وحا ية الدسوقي عل الشرح الكبري للدر ير (‪ ,)71/8‬وبلغة السالر للصاوي‬
‫(‪.)89/8‬‬
‫‪ .7‬فتاو الشهاب الرملي (‪.)321/4‬‬
‫‪ .3‬حا ية القليويب عل رح احمللي للمنهاج (‪.)83/8‬‬
‫‪ .4‬الفروع البن مفلح (‪ ,)527/3‬واع ر اإلعصاف للمر اوي (‪ )893/88‬و (‪.)51/87‬‬
‫‪ .5‬مطالب أويل النه للرحيباين (‪.)382/3‬‬
‫‪431‬‬
‫وقد انقش بعض العلماء روط احلكم عل متتب الرخص لفس ‪ ,‬فقال‬
‫القاضي زكر األعصاري رمحه هللا‪(" :‬جيوز) لغري اجملتهد (تقليد من اء من‬
‫اجملتهدين‪ ,‬إن وع املذاهب كاليوِ)‪ ,‬فله أن يقلد كال يف مسائد؛ ألن الصحابة‬
‫‪ ‬كاعوا يسألون اترة من هذا‪ ,‬واترة من هذا‪ ,‬من غري عكري‪( ,‬وله االعتقال من‬
‫مذهبه) إىل مذهب آخر‪( ,... ,‬لكن ال يتب الرخص)؛ ملا يف تتبعها من احنالل‬
‫ربقة التكليف‪ ( ,‬فإن تتبعها من املذاهب املدوعة فهد يفس ) أو ال؟ (فيه‬
‫وجهان)‪ ,‬أوجههما ال‪ ,‬خبالف تتبعها من املذاهب غري املدوعة‪ ,... ,‬في هر أعه‬
‫يفس قطعا"‪ ,8‬أي أن من تتب رخص املذاهب املدوعة فاألوجه عدِ فسقه‪ ,‬أما‬
‫رخص املذاهب غري املدوعة فاألظهر فس متتبعها‪.‬‬
‫وقال ابن حجر ا يتمي رمحه هللا‪" :‬وقول بعضهم‪" :‬إن ابن حزِ حك‬
‫اإلمجاع عل الفس " حممول عل متتبعها من غري تقليد‪ ,‬وإال فقد أفىت ابن‬
‫عبدالسالِ جبوازه‪ ,‬وقال‪" :‬إن إعكاره ‪ -‬أي اليخص ‪ -‬جهد"‪.7‬‬
‫وقال ابن حجر ا يتمي أيضا‪" :‬وحمد ذلر وغريه من سائر صور التقليد ما‬
‫مل يتتب الرخص‪ ,‬حبيث تنحد ربقة التكليف من عنقه‪ ,‬وإال أمث به‪ ,‬بد قيد‪ :‬فس ‪,‬‬
‫وهو وجيه‪ ,‬قيد‪ :‬وحمد ضعفه ‪ -‬أي القول بفسقه ‪ -‬إن تتبعها من املذاهب‬
‫املدوعة‪ ,‬وإال فس قطعا"‪ ,3‬فقد أضاف ابن حجر رطا آخر لفس متتب‬
‫الرخص‪ ,‬وهو أن يتتبعها هجوما عليها من غري تقليد للقائد جبوازها‪.‬‬

‫‪ .8‬أسىن املطالب للقاضي زكر األعصاري (‪.)713/4‬‬


‫‪ .7‬الفتاو الكب الفقهية البن حجر ا يتمي (‪.)315/4‬‬
‫‪ .3‬حتفة احملتاج البن حجر ا يتمي (‪.)42/8‬‬
‫‪438‬‬
‫وجه ابن حجر ا يتمي كالِ العز بن عبدالسالِ املقتضي جواز تتب‬
‫مث َّ‬
‫الرخص‪ ,‬ور أيضا كالِ ابن ا ماِ املقتضي جواز تتبعها‪ ,‬فقال‪" :‬ويشيط أيضا‬
‫أن ال يتتب الرخص‪ ,‬أبن أيخذ من كد مذهب ألسهد منه؛ الحنالل ربقة‬
‫التكليف من عنقه حينئذ‪ ,‬ومن مث كان األوجه أعه يفس به‪ ,... ,‬وقول ابن‬
‫عبدالسالِ‪" :‬للعامد أن يعمد برخص املذاهب‪ ,‬وإعكاره جهد"‪ ,‬ال ينايف حرمة‬
‫التتب ‪ ,‬وال الفس به‪ ,‬خالفا ملن وهم فيه؛ ألعه مل يعب لتتب ‪ ,‬ولي العمد برخص‬
‫املذاهب مقتضيا له؛ لصدق األخذ ِبا م األخذ لعزائم أيضا‪ ,‬ولي الكالِ يف‬
‫هذا؛ ألن من عمد لعزائم والرخص ال يقال فيه‪ :‬إعه متتب للرخص‪ ,‬ال سيما م‬
‫الن ر لضبطهم للتتب مبا مر‪ ,8‬فتأمله‪ ,‬والوجه احملكي جبوازه ‪ -‬أي تتب الرخص ‪-‬‬
‫ير ه عقد ابن حزِ اإلمجاع عل من تتب الرخص‪ ,‬وكذا يـهلرُّ به قول حمق احلنفية‬
‫ابن ا ماِ‪" :7‬ال أ ري ما َين ذلر ‪ -‬أي التتب ‪ -‬من العقد والنقد‪ ,‬م أعه اتباع‬
‫قول جمتهد متبوع‪ ,‬وقد كان ‪ ‬حيب ما خفف عل أمته‪ ,‬والنام يف عصر‬
‫الصحابة ‪ ‬ومن بعدهم يسألون من اءوا‪ ,‬من غري تقييد بذلر"‪ ,‬اعته ‪,‬‬
‫وظاهره جواز التلفي أيضا‪ ,‬وهو خالف اإلمجاع أيضا‪ ,‬فتفطن له‪ ,‬وال تغي مبن‬
‫أخذ بكالمه هذا املخالف لإلمجاع كما تقرر"‪.3‬‬
‫فأفا جمموع كالِ ابن حجر ا يتمي والقاضي زكر أن احلكم بفس متتب‬
‫رخص املذاهب له رطان‪ :‬األول أن تكون هذه املذاهب غري مدوعة‪ ,‬أبن تكون‬

‫‪ .8‬وهو أن أيخذ من كد مذهب ألسهد‪.‬‬


‫‪ .7‬تقدِ أن كالِ ابن ا ماِ متوجه إىل العامي الذي مل يتقيد مبذهب‪.‬‬
‫‪ .3‬حتفة احملتاج البن حجر ا يتمي (‪ ,)819/81‬واع ر البحر الرائ البن يم (‪.)719/3‬‬
‫‪437‬‬
‫فإن متتب رخصها ‪ -‬أي‬ ‫أقواال منثورة يف كتب الفقه‪ ,‬أما مذاهب األئمة األربعة‪َّ ,‬‬
‫لغري حاجة أو اعتقا رجحان ‪ -‬آمث‪ ,‬وال يفس ‪ ,‬والثاين أن يكون التتب بغري‬
‫تقليد‪ ,‬بد وق افتئاات عل الشرع‪ ,‬هذا من انحية احلكم بفسقه‪ ,‬أما حرمة تتب‬
‫الرخص وأتثيم متتبعها فال حيتاج إىل هذين الشرطني‪ ,‬بد إن من تتب رخص‬
‫أخذ املقلد برخص‬ ‫املذاهب املدوعة بقصد التشهي وطرح التكاليف فهو آمث‪ ,‬أما ا‬
‫املذهب الذي ينتسب إليه‪ ,‬م أخذه ‪ -‬يف عف الوق ‪ -‬بعزائمه وتشديداته‪,‬‬
‫فجائز ال إمث فيه؛ ألعه لي مقصو ه التقاط الرخص؛ جملر اليخص والتشهي‬
‫والتهرب من التكاليف‪ ,‬وَيكن أن يكون مقصو العز بن عبدالسالِ من جواز‬
‫األخذ لرخص إذا مل يصد لدرجة االحنالل عن ربقة التكليف‪ ,‬أو كان أخذه ا‬
‫لضرورة قاضية أو حاجة اعية‪.‬‬
‫فهذه ضوابط االستفا ة من املذاهب الفقهية‪ ,‬فمن اعتمدها وأخذ ِبا‬
‫صح كد طاعة ومعاملة له عل رأي إماِ ‪ -‬أو أكثر ‪ -‬من أئمة املسلمني‪,‬‬
‫عرض عفسه للخطر‪ ,‬واتب هواه و هواته‪ ,‬فيكون قد‬ ‫ومن أمهلها وأهدرها فقد َّ‬
‫أوب عفسه‪ ,‬وأوقعها فيما ال طاقة له به‪ ,‬إذ قد يكون ممن قال هللا ‪ ‬فيهم‪:‬‬
‫"أفرأي من اختذ إ ه هواه وأضله هللا عل علم وختم عل عه وقلبه وجعد عل‬
‫بصره غشاوة فمن يهديه من بعد هللا أفال تذ َّكرون"‪.‬‬
‫مناقشة بعض العلماء يف جتويزهم العمل ابلرخص الفقهية وتتبعها‬
‫من املهم التنبيه إىل أن اإلماِ القرايف رمحه هللا ذكر أن الرخصة اليت حيرِ‬
‫األخذ ِبا هي ما ضعف مدركه‪ ,‬حبيث ينقض فيه احلكم‪ ,‬وهو ما خالف اإلمجاع‬

‫‪433‬‬
‫أو النص أو القيام اجللي أو خالف القواعد‪ ,‬أو ما ينتج عنه تلفي يف التقليد‪,8‬‬
‫أما ما فيه سهولة وتيسري عل املكلف فيجوز له األخذ به‪.7‬‬
‫ومن التوضيح أعه ال يوجد تعارض بني كالمه وما قدمناه‪ ,‬فإن مسألة األخذ‬
‫بزالت العلماء ومسألة تلفي التقليد تقدِ الكالِ عليهما سابقا‪ ,‬وذكران أن زالت‬
‫العلماء وسقطاهتم ال جيوز اتباعهم فيها‪ ,‬وفصلنا القول يف أحكاِ التلفي ‪ ,‬وأن منه‬
‫ما هو مقبول‪ ,‬ومنه ما هو ممنوع‪ ,‬أما األخذ برخص العلماء وتيسرياهتم ‪ -‬حبيث ال‬
‫ينقض حكم القاضي ِبا ‪ ,-‬أو ال ينتج عن العمد ِبا تلفي يف التقليد‪ ,‬فهو‬
‫جائز‪ ,‬وكالمنا إمنا هو يف تتبعها‪ ,‬ولي يف جمر األخذ ِبا‪ ,‬إذ قد أيخذ املكلف‬
‫يف بعض املسائد لرخص والتيسريات‪ ,‬وأيخذ يف الوق عفسه يف مسائد أخر‬
‫لعزائم والتشديدات‪.‬‬
‫وما أوضحنا به كالِ القرايف عوضح به كالِ السيد اه رمحه هللا (‪-...‬‬
‫‪927‬هـ)‪ ,‬فقد ذكر أعه جيوز اتباع رخص املذاهب‪ ,‬وال َين منه ماع رعي؛ إذ‬
‫لإلعسان أن يسلر املسلر األخف عليه إن كان له إليه سبيد‪ ,‬أبن مل يكن عمد‬
‫بقول آخر خمالف لذلر األخف‪ ,3‬فإعه يفهم من كالمه أن تتب الرخص مشروط‬
‫أبن ال ينتج عنه تلفي يف التقليد‪ ,‬وأبن ال يعمد لقول وضده يف مسألة واحدة‪,‬‬

‫‪ . 8‬يقصد القرايف أن الرخصة اليت حيرِ األخذ ِبا هي زالت العلماء وسقطاهتم‪ ,‬أو تلفي رخص من عدة‬
‫مذاهب‪ ,‬حبيث ينتج عن تلفيقه صورة عبا ة أو معاملة‪ ,‬ال تصح عند أحد بتمامها‪ ,‬وقد تقدِ احلديث‬
‫عن كال األمرين‪ :‬الزالت والتلفي ‪.‬‬
‫‪ .7‬اع ر مطالب أويل النه للرحيباين (‪ ,)382/3‬والتقرير والتحبري البن أمري احلاج (‪.)358/3‬‬
‫‪ .3‬اع ر حا ية العطار عل رح احمللي جلم اجلوام (‪.)448/7‬‬
‫‪434‬‬
‫وقد قدمنا الكالِ عن هاتني املسألتني مبا يغين عن تكراره‪ ,‬مث إن كالمه يفيد جواز‬
‫اتباع الرخص ‪ -‬أي األخذ والعمد ِبا ‪ ,-‬وال يفيد جواز تتبعها‪.‬‬
‫أما العز بن عبدالسالِ رمحه هللا فقد ذكر أعه ال يتعني عل العامي إذا قلد‬
‫إماما يف مسألة أن يقلده يف سائر مسائد اخلالف‪ ,‬سواء اتب الرخص يف ذلر أو‬
‫العزائم‪ ,‬وأن ما حكاه بعضهم عن ابن حزِ من حكايته اإلمجاع عل من تتب‬
‫الرخص من املذاهب حممول عل من تتبعها عن غري تقليد ملن قال ِبا‪ ,‬أو عل‬
‫الرخص املركبة يف الفعد الواحد ‪ -‬أي الذي ينتج عنه تلفي التقليد ‪.8-‬‬
‫وَيكن توجيه كالمه أبعه يقتضي عدِ وجوب التقيد مبذهب فقهي معني‬
‫ائما‪ ,‬أي أن املسلم ال جيب عليه أن يكون حنفيا أو مالكيا أو افعيا أو حنبليا‪,‬‬
‫بد جيوز له أن ال يتقيد مبذهب واحد عل سبيد الدواِ‪ ,‬فله أن أيخذ برخصة من‬
‫مذهب‪ ,‬وأن أيخذ بعزَية من مذهب آخر‪ ,‬ومل يتطرق إىل حكم تتب الرخص‬
‫ائما‪ ,‬فإذا أرا العامي أن يعمد برخصة ما فله ذلر‪ ,‬ولكن بشرطني‪ :‬األول أن ال‬
‫يقدِ عل العمد أبي رخصة إال بعد تقليد القائد ِبا‪ ,‬والثاين أن ال ينتج عن‬
‫تقليده عد اً من العلماء تلفي يف التقليد‪ ,‬وال يقتضي كالمه جواز تتب الرخص‬
‫عل سبيد الدواِ‪.‬‬
‫ومما ينبغي التنبيه إليه أيضا أن الكمال ابن ا ماِ رمحه هللا رأ جواز تتب‬
‫الرخص للعامي غري املنتسب ملذهب‪ ,‬فقد قال‪" :‬والغالب أن مثد هذه ‪ -‬أي‬
‫روط االعتقال من مذهب آلخر ‪ -‬إلزامات منهم؛ لكف النام عن تتب‬
‫الرخص‪ ,‬وإال أخذ العامي يف كد مسألة بقول جمتهد‪ ,‬قوله أخف عليه‪ ,‬وأان ال‬

‫رح احمللي جلم اجلوام (‪.)448/7‬‬ ‫‪ .8‬اع ر حا ية العطار عل‬


‫‪435‬‬
‫أ ري ما َين هذا من النقد أو العقد‪ ,‬وكون اإلعسان يتب ما هو أخف عل عفسه‬
‫من قول جمتهد مسوغ له االجتها ‪ ,‬ما علم من الشرع ذمه عليه‪ ,‬وكان ‪ ‬حيب‬
‫ما خفف عن أمته"‪.8‬‬
‫فعلَّ عليه اإلماِ ابن أمري احلاج رمحه هللا قائال‪" :‬قال الرو ين‪ :‬جيوز تقليد‬
‫املذاهب واالعتقال إليها بثالثة روط‪ :‬أن ال جيم بينهما عل صورة ختالف‬
‫اإلمجاع‪ ,... ,‬وأن يعتقد فيمن يقلده الفضد بوصول أخباره إليه‪ ,... ,‬وأال يتتب‬
‫رخص املذاهب‪ ,‬وتعقب القرايف هذا أبعه إن أرا لرخص ما ينقض فيه قضاء‬
‫القاضي‪ ,‬وهو أربعة‪ :‬ما خالف اإلمجاع أو القواعد أو النص أو القيام اجللي‪ ,‬فهو‬
‫حسن متعني‪ ,... ,‬وإن أرا لرخص ما فيه سهولة عل املكلف كيفما كان يلزمه‬
‫أن يكون من قلد مالكا يف املياه واألرواث وترك األلفاظ يف العقو خمالفا لتقو‬
‫هللا‪ ,‬ولي كذلر‪ ,... ,‬وواف ابن قي العيد الرو ين عل ا ياط أن ال جيتم‬
‫يف صورة يق اإلمجاع عل بطالهنا‪ ,‬وأبدل الشرط الثالث أبن ال يكون ما قلد فيه‬
‫مما ينقض فيه احلكم لو وق ‪ ,‬واقتصر الشيخ عز الدين بن عبد السالِ عل‬
‫ا ياط هذا‪ ,... ,‬والشرط الثاين اعشراح صدره للتقليد املذكور‪ ,‬وعدِ اعتقا ه‬
‫لكوعه متالعبا لدين متساهال فيه‪ ,... ,‬قل ‪ :‬أما عدِ اعتقا كوعه متالعبا‬
‫لدين متساهال فيه‪ ,‬فال بد منه‪ ,‬وأما اعشراح صدره للتقليد فلي عل إطالقه"‪.7‬‬

‫‪ .8‬فتح القدير البن ا ماِ (‪ ,)751/2‬واع ر التقرير والتحبري البن أمري احلاج (‪ ,)358/3‬وتيسري‬
‫اه (‪ ,)754/4‬والبحر الرائ البن يم (‪ ,)719/3‬وقد سب رُّ ابن حجر ا يتمي‬ ‫التحرير ألمري‬
‫كالِ ابن ا ماِ أبعه خمالف لإلمجاع الذي عقله ابن حزِ‪.‬‬
‫‪ .7‬التقرير والتحبري البن أمري احلاج (‪.)357/3‬‬
‫‪433‬‬
‫وع را العتما بعض متتبعي الرخص عل كالِ ابن ا ماِ يف جتويزه التتب‬
‫فإعه حيسن مناقشة أ لته اليت اعتمد عليها يف حكمه‪ ,‬فقد استدل عل جواز تتب‬
‫رخص العلماء أل لة التالية‪ :‬أن النقد والعقد ال َينعه‪ ,‬وأعه مل ير يف الشرع ذِ‬
‫األخذ بتيسريات اجملتهدين‪ ,‬وأن النيب ‪ ‬كان حيب التخفيف عل أمته‪.‬‬
‫أما كون النقد ال َين اتباع رخص العلماء فهو ليد غري منضبط؛ ألن‬
‫الشرع احلنيف أمر بسؤال العلماء‪ ,‬فقال ‪" :‬فاسألوا أهد الذكر إن كنتم ال‬
‫تعلمون"‪ ,‬فإذا كان الشرع مل َين اتباع رخصهم ومل يذمه‪ ,‬فإعه مل َيدحه أيضا ومل‬
‫أيمر به‪ ,‬بد أمر تباع ما يطمئن إليه القلب‪ ,‬وتسكن إليه النف الباحثة عن‬
‫احل ‪ ,‬فقال ‪" :‬الب ما اطمأن إليه القلب‪ ,‬واطمأع إليه النف ‪ ,‬واإلمث ما حاك‬
‫يف القلب‪ ,‬وتر يف الصدر‪ ,‬وإن أفتاك النام وأفتوك"‪ ,8‬أي إن النف ال تستقر‬
‫مىت َّك يف أمر‪ ,‬أما إذا أيقنته سكن واطمأع ‪ ,‬وقال ‪ " :‬ع ما يريبر إىل‬
‫ما ال يريبر"‪ ,7‬أي اترك ما يشككر‪ ,‬ويؤ ي بر إىل قل النف واضطراِبا‪ ,‬إىل‬
‫ما يقو إىل طمأعينتها وسكوهنا‪.‬‬
‫بد إن الشرع امتدح األخذ الحتياط يف الدين‪ ,‬وأمر تقاء الشبهات‪ ,‬ما‬
‫مل يصد به إىل حد الوسوسة‪ ,‬فقال ‪" :‬فمن اتق الشبهات فقد استبأ لدينه‬
‫وعرضه‪ ,‬ومن وق يف الشبهات وق يف احلراِ"‪ ,3‬وقال ‪" :‬ال يبلغ العبد أن‬

‫‪ .8‬رواه البخاري ‪ -‬يف التاريخ ‪ -‬وأمحد‪ ,‬وقد سب خترجيه‪.‬‬


‫‪ .7‬رواه أمحد والنسائي واليمذي واحلاكم‪.‬‬
‫‪ .3‬رواه مسلم وأمحد وأبو او وابن ماجه‪.‬‬
‫‪432‬‬
‫يكون من املتقني حىت يدع ما ال أبم به؛ حذرا مما به أبم"‪ ,8‬وقال ‪" :‬إذا‬
‫استيقظ أحدكم من عومه فليغسد يده قبد أن يدخلها يف وضوئه‪ ,‬فإن أحدكم ال‬
‫يدري أين ت يده"‪ ,7‬وذِ الشرع اتباع هو النف الباحثة عن الشهوات‬
‫واالعفالت‪ ,‬فقال ‪" :‬إن مما أخش عليكم هوات الغي‪ ,‬يف بطوعكم‬
‫وفروجكم‪ ,‬ومضالت ا و "‪ ,3‬وعل هذا فلو قيد حبرمة تتب الرخص رعا مل‬
‫يكن بعيدا‪ ,‬فإن النار هلح َّف ‪ -‬أو حجب ‪ -‬لشهوات‪ ,‬واجلنة حف ‪ -‬أو‬
‫‪4‬‬
‫حجب ‪ -‬ملكاره‪.‬‬
‫أما كون العقد ال َين اتباع رخص العلماء فهو بهة ليد‪ ,‬فإن العلماء مل‬
‫يـعهل ُّدوا حتسني العقد أو تقبيحه ليال صحيحا‪ ,‬فقد اتفق كلمة أهد السنة‬
‫واجلماعة عل أن العقد ال ييتب عليه حكم بثواب أو عقاب‪ ,‬ولي للعقد جمال‬
‫يف إجياب أمر ما أو حترَيه‪ ,‬أو عدبه أو كراهته‪.‬‬
‫وغاية األمر أن أهد السنة واجلماعة اختلفوا يف احلسن الذا والقبح الذا‬
‫لأل ياء‪ ,‬فنفاه األ اعرة‪ ,‬أما املاتريدية فقد أثبتوه‪ ,‬مث اتفق كلمتهم أعه ال تكليف‬
‫انتج عن حتسني العقد أو تقبيحه‪ ,‬وإمنا مدار التكليف عل النصوص الشرعية وما‬
‫يلح ِبا‪ ,‬فالعقد قد يدرك احلكم‪ ,‬ولكنه ال حيكم‪.5‬‬

‫‪ .8‬رواه اليمذي وابن ماجه واحلاكم‪.‬‬


‫‪ .7‬رواه مالر والبخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫‪ .3‬رواه أمحد والطباين يف معامجه الثالثة‪ ,‬وقد سب خترجيه‪.‬‬
‫‪ .4‬رواه البخاري ومسلم وأمحد واليمذي‪.‬‬
‫‪ . 5‬حيكم العقد بتحسني أمر ما أو تقبيحه عتبار مالءمة الطب ومنافرته‪ ,‬كحكمنا عقال أبن ريح الور‬
‫حسن‪ ,‬وريح اجليفة قبيح‪ ,‬و عتباره صفة كمال أو صفة عقص‪ ,‬كحكمنا عقال أبن العلم حسن‪ ,‬واجلهد‬
‫‪431‬‬
‫وبناء عل هذا فإن العقد ال مدخد له يف جتويز تتب رخص العلماء أو‬
‫منعه؛ ألن تتب الرخصة ال يتصف حبسن أو قبح ذاتيني‪ ,‬بد هلحسنه أو قهلبحه يستند‬
‫إىل عصوص الشرع‪.‬‬
‫بد لو قيد أبن العقد َين تتب الرخص والتقاط التيسريات ملا كان بعيدا‪,‬‬
‫قال اجلصاص رمحه هللا‪" :‬واعتبار االحتياط واألخذ لثقة أصد كبري من أصول‬
‫الفقه‪ ,‬قد استعمله الفقهاء كلهم‪ ,‬وهو يف العقد كذلر أيضا؛ ألن من قيد له‪ :‬إن‬
‫يف طريقر سبعا أو لصوصا‪ ,‬كان الواجب عليه األخذ حلزِ‪ ,‬وترك اإلقداِ عل‬
‫سلوكها‪ ,‬حىت يتبني أمرها"‪.8‬‬
‫أما عدِ ورو ذِ األخذ بتيسريات اجملتهدين يف الشرع فإن هذا ال يعد ليال‬
‫أيضا‪ ,‬فإن الشرع إمنا ور لرجوع إىل كتاب هللا ‪ ‬وسنة رسوله ‪ ,‬فقال عز‬
‫من قائد‪" :‬فإن تنازعتم يف يء هلفرُّوه إىل هللا والرسول"‪ ,‬فإن كان املسلم قا را‬
‫عل استنباط احلكم من الدليد فقد وجب عليه األخذ مبا ظهر له‪ ,‬سواء أكان‬
‫عزَية أو رخصة‪ ,‬وإن كان املسلم غري قا ر عل ذلر فقد وجب عليه أن يسأل‬
‫العلماء‪ ,‬وأيخذ مبا يطمئن إليه قلبه ويسلم له ينه‪ ,‬أما أن يعمد إىل التقاط‬
‫التيسريات والتسهيالت‪ ,‬ويدور معها حيث ارت‪ ,‬فهذا مسلر يدل عل اتباع‬
‫ا و والشهوات‪ ,‬وهو أمر مذموِ رعا كما تقدِ‪.‬‬

‫قبيح‪ ,‬أما عتبار ترتب الثواب والعقاب الشرعيني عليه فإن العقد ال هلحيسن وال يـهلقبح‪ ,‬وال يوجب وال‬
‫هلحيرِ‪ ,‬وإال ملا بعث هللا الرسد‪ ,‬وملا اختلف النام يف الشرائ ‪ ,‬ولكاع عقو م كافية يف إ راك احلسن‬
‫والقبيح‪ ,‬واع ر كتب أصول الفقه‪ ,‬كاملستصف للغزايل (‪ ,)45‬والبحر احمليط للزركشي (‪ ,)825/8‬والتقرير‬
‫والتحبري البن أمري احلاج (‪ ,)19/7‬وحا ية العطار عل رح احمللي جلم اجلوام (‪.)12/8‬‬
‫‪ .8‬الفصول يف األصول للجصاص (‪.)818/7‬‬
‫‪439‬‬
‫قرار رجمع الفقه اإلسالمي بشأن األخذ ابلرخصة وحكمه‬
‫"إن جمل جمم الفقه اإلسالمي املنعقد يف ورة مؤمتره الثامن ببندر سريي‬
‫بيجوان برواني ار السالِ من ‪ 2-8‬حمرِ ‪ 8484‬هـ املواف ‪ 72-78‬حزيران‬
‫(يوعيو) ‪ ,ِ 8993‬بعد اطالعه عل البحوث الوار ة إىل اجملم خبصوص موضوع‬
‫األخذ لرخصة وحكمه‪ ,‬وبعد استماعه إىل املناقشات اليت ارت حوله‪ ,‬قرر ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ .8‬الرخصة الشرعية هي ما هل رع من األحكاِ لعذر؛ ختفيفا عن املكلفني‪ ,‬م قياِ‬
‫السبب املوجب للحكم األصلي‪ ,‬وال خالف يف مشروعية األخذ لرخص‬
‫الشرعية إذا وجدت أسباِبا‪ ,‬بشرط التحق من واعيها‪ ,‬واالقتصار عل‬
‫مواضعها‪ ,‬م مراعاة الضوابط الشرعية املقررة لألخذ ِبا‪.‬‬
‫‪ .7‬املرا لرخص الفقهية ما جاء من االجتها ات املذهبية‪ ,‬مبيحا ألمر يف مقابلة‬
‫اجتها ات أخر حت ره‪ ,‬واألخذ برخص الفقهاء ‪ -‬مبعىن اتباع ما هو أخف‬
‫من أقوا م ‪ -‬جائز رعا لضوابط اآلتية يف البند (‪.)4‬‬
‫‪ .3‬الرخص يف القضا العامة تهلعامد معاملة املسائد الفقهية األصلية إذا كاع‬
‫هلحمققة ملصلحة معتبة رعا‪ ,‬وصا رة عن اجتها مجاعي ممن تتوافر فيهم أهلية‬
‫االختيار‪ ,‬ويتصفون لتقو واألماعة العلمية‪.‬‬
‫‪ .4‬ال جيوز األخذ برخص املذاهب الفقهية جملر ا و ؛ ألن ذلر يؤ ي إىل‬
‫التحلد من التكليف‪ ,‬وإمنا جيوز األخذ لرخص مبراعاة الضوابط التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن تكون أقوال الفقهاء اليت يـهليخص ِبا هلمعتبة رعا‪ ,‬ومل توصف أبهنا‬
‫من واذ األقوال‪.‬‬

‫‪421‬‬
‫ب‪ -‬أن تقوِ احلاجة إىل األخذ لرخصة؛ فعا للمشقة‪ ,‬سواء أكاع‬
‫حاجة عامة للمجتم أِ خاصة أِ فر ية‪.‬‬
‫ت‪ -‬أن يكون اآلخذ لرخص ذا قدرة عل االختيار‪ ,‬أو أن يعتمد عل‬
‫من هو أهد لذلر‪.‬‬
‫ث‪ -‬أال ييتب عل األخذ لرخص الوقوع يف التلفي املمنوع اآل بياعه يف‬
‫البند (‪.)3‬‬
‫ج‪ -‬أال يكون األخذ بذلر القول ذريعة للوصول إىل غرض غري مشروع‪.‬‬
‫ح‪ -‬أن تطمئن عف امليخص لألخذ لرخصة‪.‬‬
‫‪ .5‬حقيقة التلفي يف تقليد املذاهب هي أن أي املقلد يف مسألة واحدة ذات‬
‫فرعني ميابطني فأكثر بكيفية ال يقول ِبا جمتهد ممن قلدهم يف تلر املسألة‪.‬‬
‫‪ .3‬يكون التلفي ممنوعا يف األحوال التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬إذا أ إىل األخذ لرخص؛ جملر ا و أو اإلخالل أبحد الضوابط‬
‫املبينة يف مسألة األخذ لرخص‪.‬‬
‫ب‪ -‬إذا أ َّ إىل عقض حكم القضاء‪.‬‬
‫ت‪ -‬إذا أ إىل عقض ما عمد به تقليدا يف واقعة واحدة‪.‬‬
‫ث‪ -‬إذا أ إىل خمالفة اإلمجاع أو ما يستلزمه‪.‬‬
‫ج‪ -‬إذا أ إىل حالة مركبة ال يقرها أحد من اجملتهدين‪ ,‬وهللا أعلم"‪.‬‬
‫اخلالصة‬
‫إن أبرز ما يستخلص من هذا الفصد يتمثد يف النقاط التالية‪:‬‬

‫‪428‬‬
‫‪ ‬متيزت ريعتنا اإلسالمية عن غريها من الشرائ السماوية السابقة أبهنا ريعة‬
‫التيسري‪ ,‬فهو ة رزة فيها‪ ,‬ومقصد من مقاصدها‪.‬‬
‫‪ ‬ينقسم التيسري يف الشريعة اإلسالمية إىل ثالثة أقساِ‪:‬‬
‫‪ .8‬تيسري معرفة الشريعة والعلم ِبا وسهولة إ راك أحكامها ومراميها‪.‬‬
‫‪ .7‬تيسري العمد لتكاليف الشرعية الكثرية‪.‬‬
‫‪ .3‬الرخص الشرعية‪ ,‬كالتيمم واملسح عل اخلفني والصالة قاعدا للعاجز عن‬
‫القياِ‪ ,‬واإلفطار يف رمضان للمريض واملسافر‪ ,‬وهي مقصو هذا الفصد‪.‬‬
‫‪ ‬التيسري يف الشريعة اإلسالمية منَّة من هللا عل عبا ه املسلمني‪ ,‬فال جيوز التنزه‬
‫عنها حبجة أهنا رخص للضعفاء العاجزين‪.‬‬
‫‪ ‬التب ‪ -‬عل بعض املسلمني ‪ -‬الرخص الشرعية الثابتة لنصوص الصرحية‬
‫برخص الفقهاء اجملتهدين‪ ,‬اليت ترجح لديهم جتها هم الشرعي‪.‬‬
‫‪ ‬املقصو برخص الفقهاء هي تلر اآلراء اليسرية والسهلة اليت يصدرها الفقيه‬
‫املؤهد لالجتها ‪.‬‬
‫‪ ‬جيوز للمسلم أن أيخذ برخص الفقهاء‪ ,‬ولكن ال جيوز له تتبعها وتطلبها‬
‫واعتقاؤها والتقاطها‪.‬‬
‫‪ ‬ي ن بعض املسلمني أعه جيوز م حرية التنقد من عامل أو مذهب آلخر‪,‬‬
‫حسب رغباهتم و هواهتم‪.‬‬
‫‪ ‬وض العلماء مخ ضوابط لألخذ بفتاو العلماء وآراء املذاهب‪:‬‬
‫‪ .8‬األول أن يعتقد فضد مقلَّده عل غريه‪ ,‬وهو رط مرجوح‪.‬‬
‫‪ .7‬الثاين أن جيتنب زالت العلماء وسقطاهتم‪.‬‬

‫‪427‬‬
‫‪ .3‬الثالث أال يؤ ي تقليده لعد من العلماء إىل التلفي ‪.‬‬
‫‪ .4‬الراب أال يعمد لقول وضده يف مسألة واحدة‪.‬‬
‫‪ .5‬اخلام أال يتتب رخص العلماء‪.‬‬

‫‪423‬‬
424
‫الفصل السادس‪ :‬قصيدة الشيخ العلجي‬

‫‪425‬‬
423
‫الفصل الثامن‪ :‬قصيدة الشيخ العلجي‬
‫ترمجة العلجي‬
‫هو اإلماِ العالمة الشيخ عبدالعزيز بن صاحل بن عبدالعزيز العلجي املالكي‪,‬‬
‫ولد سنة ‪ 8791‬هـ تقريبا‪ ,‬وحفظ القرآن الكرمي يف صغره‪ ,‬وتعلم مبا ئ القراءة‬
‫والكتابة‪ ,‬وأساسيات الفقه والعربية‪ ,‬وقد ا تغد لتجارة يف مقتبد عمره‪ ,‬إال أعه‬
‫ح ه يف التجارة كان عاثرا‪ ,‬فلم يكتب له التوفي يف حماوالته التجارية‪.‬‬
‫اجلزر‪,‬‬
‫ا‬ ‫ويف تلر الفية من حياته رأ يف منامه كأعه عل اطئ البحر وق‬
‫وقد ضاق وق الصالة‪ ,‬ومل يستط الوصول للماء‪ ,‬مث رأ كأعه يف منزله عند بئر‬
‫املاء‪ ,‬وأمامه جاره‪ ,‬وا ه ابن خري هللا أو ابن عطاء هللا‪ ,‬فوقع هذه الرؤ منه‬
‫موقعا بليغا‪ ,‬و َّأو ا عل أن بئر املاء هو العلم‪ ,‬ويدل اسم جاره عل أن هللا‬
‫سيمنحه خريا وعطاء‪ ,‬فاجته مهته إىل حتصيد العلم والتمكن فيه‪ ,‬وقد حصد‬
‫ذلر‪ ,‬فما إن مض وق قصري إال وقد بلغ الشيخ يف العلم مبلغا ع يما‪ ,‬فبع يف‬
‫الفقه وأصوله وعلوِ العربية وغريها‪.‬‬
‫وقد تتلمذ الشيخ العلجي عل عد من كبار علماء األحساء‪ ,‬منهم‪:‬‬
‫‪ ‬الشيخ إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ مبارك (‪8358-8735‬هـ)‪.1‬‬
‫‪ ‬الشيخ عبدالعزيز بن محد آل الشيخ مبارك (‪8359-8729‬هـ)‪.1‬‬

‫‪ .8‬هو الشيخ إبراهيم بن عبداللطيف بن مبارك‪ ,‬وهو الذي تنسب إليه أسرة آل الشيخ مبارك‪ ,‬تلق العلم‬
‫عن والده وأعمامه وغريهم‪ ,‬وقد انل مكاعة مرموقة بني علماء األحساء‪ ,‬واتَّصف لعبا ة والورع‪ ,‬وقد‬
‫تتلمذ عليه الكثري من العلماء‪ ,‬اع ر التسهيد للدكتور عبداحلميد آل الشيخ مبارك (‪,)33-35/8‬‬
‫و خصيات رائدة من األحساء لألستاذ معاذ آل الشيخ مبارك (‪.)71‬‬
‫‪422‬‬
‫‪ ‬الشيخ علي بن عبدالرمحن آل الشيخ مبارك (‪8338-8721‬هـ)‪.2‬‬
‫‪ ‬الشيخ عيس بن عبدهللا العكام (‪8331-8731‬هـ)‪.3‬‬
‫الشيخ العلم عن هؤالء العلماء‪ ,‬وأخذ م العلم مثرته وغايته وهي تقو‬
‫هل‬ ‫أخذ‬
‫هللا ‪ ‬والعمد لعلم‪ ,‬فكان عل قدِ عال من العمد الصاحل ومراقبة هللا ‪‬‬
‫والغرية لدينه والصدع حل واالعتصار للفضائد والر عل املتأثرين لفكر الغريب‪,‬‬
‫وله يف ذلر صوالت وجوالت وجماِبات ومنازالت‪.‬‬
‫فمن الدالئد عل كثرة عبا ته أعه كان يصوِ يوما ويفطر يوما‪ ,‬وكان خيتم‬
‫غريه بلساعه وبياعه‪,‬‬
‫القرآن الكرمي كد مجعة يف صالة التهجد‪ ,‬وكان إذا رأ منكرا َّ‬
‫م غرية للحرمات وقوة يف الصدع حل ‪.‬‬
‫وكان يتتب مقاالت املتأثرين لفكر الغريب‪ ,‬فري عليهم الر و العلمية‬
‫احملكمة عرا وعثرا‪ ,‬فمن ر و ه عل بهات العصراعيني املفتوعني حلضارة الغربية‬

‫‪ . 8‬هو الشيخ عبدالعزيز بن محد بن عبداللطيف آل الشيخ مبارك‪ ,‬أخذ العلم عن والده وأعمامه‪ ,‬وقد‬
‫ظهرت عليه عالمات النجابة والذكاء منذ صغره‪ ,‬رحد معلما إىل اإلمارات والكوي والعراق‪ ,‬وكان له‬
‫خترج به عد كبري من الطلبة يف األحساء وخارجها‪ ,‬اع ر‬
‫إسهاِ كبري يف عشر العلم يف تلر املناط ‪ ,‬وقد َّ‬
‫حتفة املستفية للشيخ حممد العبدالقا ر (‪ ,)489/7‬و عراء هجر للدكتور عبدالفتاح احللو (‪-793‬‬
‫‪ ,)477‬والتسهيد للدكتور عبداحلميد آل الشيخ مبارك (‪ ,)27-21/8‬و خصيات رائدة من األحساء‬
‫لألستاذ معاذ آل الشيخ مبارك (‪.)33‬‬
‫‪ . 7‬هو الشيخ علي بن عبدالرمحن بن عبداللطيف آل الشيخ مبارك‪ ,‬تلق العلم عن علماء أسرته‪ ,‬ورحد‬
‫م والده إىل البحرين‪ ,‬مث عا إىل األحساء‪ ,‬و ارك يف التدري واخلطابة والوعظ‪ ,‬اع ر عراء هجر‬
‫للدكتور عبدالفتاح احللو (‪ ,)331‬والتسهيد للدكتور عبداحلميد آل الشيخ مبارك (‪.)31/8‬‬
‫‪ . 3‬هو الشيخ عيس بن عبدهللا بن عيس العكام‪ ,‬توىل القضاء واإلفتاء والتدري ‪ ,‬اع ر خصيات‬
‫رائدة من األحساء لألستاذ معاذ آل الشيخ مبارك (‪.)72‬‬
‫‪421‬‬
‫قصيدته اليت رَّ فيها عل أمني الرحياين الذي زعم أن حجاب املرأة عالمة عل‬
‫التخلف والرجعية‪ ,‬فقال‪:8‬‬
‫‪7‬‬
‫م ـ ــن فريـ ـ ــة ج ـ ــاءت ع ـ ــن الرحي ـ ــاين‬ ‫ـب مجَّـ ـ ـ ــة‬
‫ولق ـ ـ ـ ــد عجبن ـ ـ ـ ــا والعجائ ـ ـ ـ ـ هل‬
‫مـ ـ ـ ــن موجبـ ـ ـ ــات الـ ـ ـ ــذِ والنُّقصـ ـ ـ ــان‬ ‫ـول َّ‬
‫أبن إخف ـ ـ ــاء النس ـ ـ ــا‬ ‫زع ـ ـ ــم اجله ـ ـ ـ هل‬
‫ي ـ ـ ـ ــروي خراف ـ ـ ـ ــات ع ـ ـ ـ ــن الش ـ ـ ـ ــيطان‬ ‫فـ ـ ــإذ ان أقـ ـ ــول خماطب ـ ـ ـاً هـ ـ ــذا الـ ـ ــذي‬
‫مـ ــن أ ان أجيـ ــب ِبـ ــا ذوي الطغيـ ــان‬ ‫أص ـ ـ ـ ـ ــون آي الكت ـ ـ ـ ـ ــاب وق ـ ـ ـ ـ ــدرها‬
‫و هل‬
‫رت لش ـ ـ ـ ـ ــرع والبه ـ ـ ـ ـ ــان‬
‫ق ـ ـ ـ ـ ــد عـهل ـ ـ ـ ـ ــو ا‬ ‫لكـ ـ ـ ـ اـن مبعقـ ـ ـ ــول أت ـ ـ ـ ـ عـ ـ ـ ــن فطـ ـ ـ ــرة‬
‫عهلطـ ـ ــف تك ـ ـ ــون أل ـ ـ ــرف األك ـ ـ ـوان‬ ‫َّ‬
‫إن النسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء مواض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ لو ائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ض ـ ـ ــاع ا ل ـ ـ ــديها عس ـ ـ ــبةهل اإلعس ـ ـ ــان‬ ‫ف ــإذا بـ ــرازن وخالط ـ ـ ا م ــن تش ــتهي‬
‫ال م ـ ـ ـ ـ ــا تق ـ ـ ـ ـ ــول جبهل ـ ـ ـ ـ ــر الفتَّ ـ ـ ـ ـ ــان‬ ‫صـ ـان ال ــور‬
‫ـافهم حلكم ــة حمس ــن هل‬
‫فـ ا‬
‫ـال غرائ ـ ـ ــب اإلحس ـ ـ ــان‬ ‫أباـ ـ ــد املث ـ ـ ـ هل‬ ‫وا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ا مث ـ ـ ـ ـ ـ ــاالً واعت ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـب فل هلرَّمب ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫ختـ ـ ـ ــت ام عليهـ ـ ـ ــا خيف ـ ـ ـ ـةً مـ ـ ـ ــن جـ ـ ـ ــان‬ ‫حص ـ ــباً لؤل ـ ـ ـؤاً‬ ‫ا‬ ‫عهللفي ـ ــر إ ان أ او ع ـ ـ ـ‬
‫ويهلصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان ذ َّ ك احلقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريهل الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدَّاين‬ ‫أتهلض ـ ـ ـ ـ ــاعهل ك ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد كرَي ـ ـ ـ ـ ــة يف قومه ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫كم س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيَّان‬
‫ـوم ا‬‫كم وعل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هل‬
‫وطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعهل ا‬ ‫مـ ــا كـ ــان أ ا ـ ــبه جهلك ـ اـم بطبـ ــاعكم‬
‫طيـ ـ ـ ــب الـ ـ ـ ــروائح أو سـ ـ ـ ــىن الن ـ ـ ـ ـريان‬ ‫وجع ـ ـ ـ ــالن علـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ـتم خف ـ ـ ـ ــافيش هل‬
‫أع ـ ـ ـ ـ ا‬

‫‪ .8‬عراء هجر للدكتور عبدالفتاح احللو (‪.)428‬‬


‫‪ .7‬هو أمني بن فارم الرحياين‪ ,‬ماروين لبناين‪ ,‬ولد يف ‪ ,ِ8123‬وتويف يف ‪.ِ8941‬‬
‫‪429‬‬
‫ومنها قصيدته اليت رَّ فيها عل مقال يف جملة "املنار" اليت يصدرها الشيخ‬
‫حممد ر يد رضا‪ ,‬وقد تضمن املقال إعكار وجو السماوات السب ‪ ,‬وأتويلها أبهنا‬
‫الكواكب السبعة‪ ,‬فقال‪:8‬‬
‫كش ـ ـ ـ ـ ـافهلها كقلوِبـ ـ ـ ـ ــا ذات العم ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫َّ‬ ‫كــذب ا أورو حــني أعكــرت الســما‬
‫ختفـ ـ ل ــد اجل ــاري فج ــرب تعلم ــا‬ ‫إن السـ ـ ـ ـ ـ ــماء للهلطفهـ ـ ـ ـ ـ ــا كزجاج ـ ـ ـ ـ ـ ـة‬
‫سـ ـ َّـو سـ ــليمان عل ـ ـ هلح ـ ـوت ومـ ــا‬ ‫واقـ ـ ـرأ لتهله ـ ــد آي ـ ــة الص ـ ــرح ال ـ ــذي‬
‫فكي ـ ــف ال ختفـ ـ ـ علـ ـ ـ بهلع ـ ــد ـ ــا‬ ‫واع ــر إىل الصــرح اختف ـ م ـ قربــه‬
‫‪.....‬‬ ‫‪.....‬‬
‫ماس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلما‬
‫للك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــافرين معارض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً هل‬ ‫أم ـ ـ ـ ــا املن ـ ـ ـ ــار وحزب ـ ـ ـ ــه ق ـ ـ ـ ــد سـ ـ ـ ـ ـلَّموا‬
‫خ ـ ـ ـ ــري األانِ حمم ـ ـ ـ ــداً م ـ ـ ـ ــا أع م ـ ـ ـ ــا‬ ‫وجهل ـ ـوا‬
‫بـ ــد كـ ــذبوا الرسـ ــد الك ـ ـراِ َّ‬
‫ـرهم طم ـ ـ ــا‬ ‫يف عا ـ ـ ــر األجـ ـ ـ ـزاء كف ـ ـ ـ هل‬ ‫مبجل ـ ـ ـ ـ ــد العش ـ ـ ـ ـ ـ ـرين بع ـ ـ ـ ـ ــد مثاهنـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫آي الكت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب تعنُّتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً وتع ُّم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫حرفـ ـ ـ ـوا‬
‫فكالمه ـ ـ ــم كف ـ ـ ــر لم ـ ـ ــا ق ـ ـ ــد َّ‬
‫س ـ ـ ــحروا مب ـ ـ ــا أب ـ ـ ــدوا غبي ـ ـ ـاً مس ـ ـ ــلما‬ ‫مـ ـ ـ ـ ــا مثـ ـ ـ ـ ــد هـ ـ ـ ـ ــذي فرقـ ـ ـ ـ ــة ـ ـ ـ ـ ـريرة‬
‫واس ـ ـ ـ ـ ـ ــتبدلوا ع ـ ـ ـ ـ ـ ــاراً ِب ـ ـ ـ ـ ـ ــا واملأمث ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ع ـ ـ ـوا الشـ ـ ـ ـريعة لألع ـ ـ ــا ي ل ـ ـ ــدان‬
‫ق ــد كـ ــان عقض ــهم الش ـ ـريعة أع م ـ ـا‬ ‫ف ـ ـ ـ ـال تع ـ ـ ـ ــم زخرف ـ ـ ـ ـاً خـ ـ ـ ــدعوا بـ ـ ـ ــه‬
‫َّ‬
‫إن الـ ـ ـ ــدفاع عـ ـ ـ ــن الش ـ ـ ـ ـريعة هلحتمـ ـ ـ ــا‬
‫ـدهم إن كن ـ ـ ـ عبـ ـ ــداً مؤمن ـ ـ ـاً‬
‫جاهـ ـ ـ هل‬
‫لقد كان الشيخ العلجي متابعاً لنشاط وأتثري ما يسم مبدرسة اإلصالح‬
‫الديين يف مصر‪ ,‬و عوهتا إلعا ة االجتها يف عقيدة اإلسالِ وفروعه‪ ,‬و ذوذ‬

‫‪ .8‬عراء هجر للدكتور عبدالفتاح احللو (‪ ,)421‬وخمطوطة القصيدة خبط الشيخ‪.‬‬


‫‪411‬‬
‫فصرح إبعكاره عليهم وعل منهجهم يف‬ ‫بعض آرائهم يف العقيدة والتفسري والفقه‪َّ ,‬‬
‫قصيدة‪ ,‬فمما قال فيها‪:8‬‬
‫يعطـ ـ ـ ــي وَين ـ ـ ـ ـ مـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ــه مـ ـ ـ ــن اثين‬ ‫محـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداً ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرب قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاهر من ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان‬
‫وأم ـ ـ ـ ـ ــات قل ـ ـ ـ ـ ــب من ـ ـ ـ ـ ــاف ل ـ ـ ـ ـ ـ َّـران‬ ‫وه ـ ــب احلي ـ ــاة لقل ـ ــب عب ـ ــد م ـ ــؤمن‬
‫أبراه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــط يف س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائر البل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدان‬ ‫ولقـ ـ ـ ــد بهللينـ ـ ـ ــا وه ـ ـ ـ ــو وعـ ـ ـ ــد اثب ـ ـ ـ ـ‬
‫جملـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا م يف سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاحة األ ن‬ ‫حلُّـ ـ ـ ـوا ال ـ ـ ــبال وأفس ـ ـ ــدوا يف حيه ـ ـ ــا‬
‫أو جاه ـ ـ ـ ـ ـ ــد ج ـ ـ ـ ـ ـ ــاراه يف اإلفت ـ ـ ـ ـ ـ ــان‬ ‫إم ـ ـ ـ ـ ـ ــا مس ـ ـ ـ ـ ـ ــيحي عرفن ـ ـ ـ ـ ـ ــا حال ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫وجـ ــب الـ ــدفاع عل ـ ـ ذوي العرفـ ــان‬ ‫وإذا الفس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أملَّ يف أجن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ه‬
‫ـيهم ببي ـ ـ ـ ـ ـ ــان‬
‫أخـ ـ ـ ـ ـ ــذ العه ـ ـ ـ ـ ـ ــو علـ ـ ـ ـ ـ ـ هل‬ ‫ولق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد أ ن كت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب ريب أع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫قب ـ ـ ـ ــد النص ـ ـ ـ ــيحة غاي ـ ـ ـ ــة اإلمك ـ ـ ـ ــان‬ ‫فل ـ ـ ــذا أق ـ ـ ــول حم ـ ـ ــذراً ألخ ـ ـ ــي هلهن ـ ـ ـ ـ‬
‫م ـ ـ ـ ـ ــا تل ـ ـ ـ ـ ــر إال فتن ـ ـ ـ ـ ــة الش ـ ـ ـ ـ ــيطان‬ ‫ع ـ ـ ــذ مله ـ ـ ــيمن م ـ ـ ــن ه ـ ـ ــو فت ـ ـ ــان‬
‫م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا قيدت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ربق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة اإلَي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان‬ ‫م ـ ـ ــن ك ـ ـ ــد عص ـ ـ ــري ه ـ ـ ـ ـواه مرس ـ ـ ــد‬
‫لس ـ ـ ـ ـ ـ ــخافة األح ـ ـ ـ ـ ـ ــالِ واألذه ـ ـ ـ ـ ـ ــان‬ ‫ععق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــياطني فلبَّ ـ ـ ـ ـ صـ ـ ـ ــوهتا‬
‫ولس ـ ـ ـ ـ ــنة املخت ـ ـ ـ ـ ــار م ـ ـ ـ ـ ــن ع ـ ـ ـ ـ ــدانن‬ ‫عب ـ ــذوا كت ـ ــاب هللا خل ـ ــف ظه ـ ــورهم‬
‫‪.....‬‬ ‫‪.....‬‬
‫آالت ح ـ ـ ـ ـ ـ ــرب أِ عل ـ ـ ـ ـ ـ ــوِ هـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوان‬ ‫أتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر أور علَّم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ أمثـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالكم‬
‫َّهري والنصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراين‬
‫أن خت ـ ـ ـ ـ ـ ــدِ ال ـ ـ ـ ـ ـ ــد َّ‬ ‫إين أخافـ ـ ـ ـ ــر إن بهللي ـ ـ ـ ـ ـ بعلمه ـ ـ ـ ــم‬
‫ل َّم ـ ـ ــا بهللي ـ ـ ـ ـ م ـ ـ ــن الضـ ـ ـ ــالل ب ـ ـ ـ ـران‬ ‫وهلمت ـ ـ ـ ـ ــدح الكف ـ ـ ـ ـ ــار تفخيم ـ ـ ـ ـ ــا ـ ـ ـ ـ ــم‬

‫‪ .8‬عراء هجر للدكتور عبدالفتاح احللو (‪ ,)427‬وخمطوطة القصيدة خبط الشيخ‪ ,‬واملسطور بعضها‪.‬‬
‫‪418‬‬
‫وقد تتلمذ عل الشيخ عد كبري من طلبة العلم من األحساء وخارجها‪,‬‬
‫فمن األحساء‪:‬‬
‫‪ ‬الشيخ عبدالعزيز بن عبداللطيف بن إبراهيم (‪8343-8381‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬الشيخ عبدهللا بن عبدالعزيز (‪8391-8381‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬الشيخ حممد بن إبراهيم (‪8414-8371‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬الشيخ مبارك بن عبداللطيف (‪8414-8377‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬الشيخ أمحد بن عبدالعزيز (‪8419-...‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬الشيخ يوسف بن را د (‪8483-8385‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬الشيخ عبدالرمحن بن علي (‪8471-8374‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬الشيخ أمحد بن علي (‪8431-...‬هـ)‪ ,‬وكلهم من أسرة آل الشيخ مبارك‪.‬‬
‫‪ ‬الشيخ عبدهللا بن عبداللطيف اخلطيب (‪8394-...‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬الشيخ حممد بن أمحد العبداللطيف (‪8395-8384‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬الشيخ حممد بن أيب بكر املال (‪8395-8377‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬الشيخ عبداللطيف بن عبدهللا العبداللطيف (‪8419-8337‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬الشيخ عبدالرمحن بن أيب بكر املال (‪8478-8373‬هـ)‪.‬‬
‫يخنا الشيخ أمحد بن عبدهللا الدوغان (‪8434-8337‬هـ)‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬الشيخ عبدهللا بن عبدالرمحن بو عيس العمري‪ ,‬وغريهم‪.‬‬
‫ومن خارج األحساء‪:‬‬
‫‪ ‬من قطر الشيخ عبدهللا بن إبراهيم األعصاري والشيخ أمحد بن حجر البوطامي‬
‫والشيخ علي بن صاحل بن ماجد اخلليفي‪.‬‬
‫‪417‬‬
‫‪ ‬من الكوي الشيخ عبدالعزيز محا ة والشيخ عبدالرمحن بن حسني اليكي‬
‫والشيخ حممد بن صاحل اليكي والشيخ حممد بن سليمان اجلراح والشيخ أمحد‬
‫عطية األثري‪.‬‬
‫‪ ‬من البحرين الشيخ أمحد بن عبدالرمحن بن مهزع والشيخ حممد بن أمحد بن‬
‫مهزع‪.‬‬
‫وقد ا تغد الشيخ لتصنيف يف العلوِ عرا وعثرا‪ ,‬فمن مؤلفاته‪:‬‬
‫‪ .8‬من ومة بغية الطالب النبيد بن م عبا ات خليد‪ ,‬يف الفقه املالكي‪ ,‬وقد زا ت‬
‫عل أربعة آالف بي ‪.‬‬
‫‪ .7‬من ومة مباسم الغواين يف تقريب عزية الز اين‪ ,‬يف الصرف‪ ,‬وقد بلغ أربعمائة‬
‫ومخسني بيتا‪.‬‬
‫‪ .3‬من ومة يف األخالق واآل اب‪ ,‬وللشيخ عد من القصائد العلمية‪ ,‬وعد من‬
‫القصائد األ بية يف فنون املديح واملواعظ والراثء‪.‬‬
‫وقد اتصف الشيخ العلجي بتفاعله اإلجيايب م الشأن العاِ‪ ,‬ومن أبرز‬
‫األ لة عل ذلر وفا ته ‪ -‬بتنسي من علماء ووجهاء األحساء ‪ -‬عل مأمور‬
‫احلكومة العثماعية يف البصرة؛ لرف الضرائب الباه ة اليت فرضتها احلكومة عل‬
‫بعض احملاصيد الزراعية‪.‬‬
‫وقد سافر الشيخ العلجي إىل البصرة عل رأم وفد‪ ,‬وعزل ضيفاً عل السيد‬
‫طالب رئي عشرية النقباء‪ ,‬وهو أحد الوجهاء البارزين‪ ,‬وله كلمة مسموعة عند‬
‫احلكومة العثماعية؛ ليكون وسيطاً للوفد عند احلكومة‪ ,‬وقد حق الوفد هدفه‪,‬‬

‫‪413‬‬
‫ورفع الضرائب‪ ,‬ويف تلر الرحلة أعشأ الشيخ العلجي قصيدتني للسيد طالب‪,‬‬ ‫هل‬
‫‪8‬‬
‫يستحثه فيهما عل سرعة إ از مهمة الوفد‪ ,‬فقال يف القصيدة األوىل ‪:‬‬
‫فه ـ ـ ـ ـ ـ ــد األحبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةهل آذعـهل ـ ـ ـ ـ ـ ـوا فيهلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـز هلاروا‬ ‫م ـ ــا للمحـ ـ ــب عـ ـ ــن الصـ ـ ــدو ق ـ ـ ـرار‬
‫ت ِب ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ــن بع ـ ـ ـ ــدان اآلاثر‬
‫ـ ـ ـ ــهد ا‬ ‫م ـ ــا ـ ــم جهلهلـ ـ ـوا عه ـ ــو اً حلمـ ـ ـ‬
‫‪.....‬‬ ‫‪.....‬‬
‫جيش ـ ـ ـ ـ ــه اجل ـ ـ ـ ـ ـ َّـرار‬
‫بي ـ ـ ـ ـ ــد احلـ ـ ـ ـ ـ ـوا ث هل‬ ‫أ ـ ــكو هلمصـ ــارمة الزمـ ــان ومـ ــا رم ـ ـ‬
‫مجاـ ـ ـ ـ ـ هل الع ـ ـ ـ ــائم يف يدي ـ ـ ـ ــه ص ـ ـ ـ ــغار‬ ‫كشـ ـ ــكاية األحسـ ـ ــاء عنـ ـ ــد هلمسـ ـ ـ َّـو‬
‫ـاِ واإليس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار‬
‫ـال واإلع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هل‬
‫إقب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هل‬ ‫ق ـ ـ ـ اـرِ إذا م ـ ـ ــا ح ـ ـ ـ َّـد اراً حلَّه ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ‬
‫هلجن ـ ـ ـ ـ ـ ــداً فه ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـن جلن ـ ـ ـ ـ ـ ــده أعص ـ ـ ـ ـ ـ ــار‬ ‫مجـ ـ ـ ـ ـ الس ـ ـ ـ ــعا ة واملهاب ـ ـ ـ ــة والبه ـ ـ ـ ــا‬
‫ـاروا‬
‫ك ـ ـ ـ ــرِ األص ـ ـ ـ ــيد وللكـ ـ ـ ـ ـراِ أع ـ ـ ـ ـ هل‬ ‫متول ـ ـ ـوا ال ـ ـ ـ ـ‬
‫م ـ ـ ــن آل ها ـ ـ ــم ال ـ ـ ــذين َّ‬
‫‪ .4‬وقال يف القصيدة الثاعية‪:7‬‬
‫وعيد اصـطباري يف ا ـو وتكتُّمـي‬ ‫لق ـ ــد ط ـ ــال لهلبث ـ ــي حلمـ ـ ـ مل أهلكلَّـ ــم‬
‫إىل خـ ــري أصـ ــد يف العشـ ــرية تنتمـ ــي‬ ‫ويف ذلـ ـ ـ ـ ــر الام اغ ـ ـ ـ ـ ــىن فتـ ـ ـ ـ ــاة كرَي ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫التبســم‬
‫وتفق هلـد منهـا الشـم هل هلح اسـن ُّ‬ ‫هــي الشــم هل يف عــور ورفعــة منصــب‬
‫‪.....‬‬ ‫‪.....‬‬
‫لن ـ ـ ـ ــا معقـ ـ ـ ـ ـالً أنوي إلي ـ ـ ـ ــه وحنتم ـ ـ ـ ــي‬ ‫و لبصـ ـ ـ ــرة الفيحـ ـ ـ ــاء قـ ـ ـ ــوِ ععهلـ ـ ـ ــدُّهم‬
‫الس ـ ـ ـ ــفني امل ـ ـ ـ ــن َّم‬
‫مط ـ ـ ـ ــا وأل ـ ـ ـ ـ ـواح َّ‬ ‫رح الن ـ ــا عل ـ ـ مستحس ـ ــنات س ـ ـواب‬

‫‪ .8‬عراء هجر للدكتور عبدالفتاح احللو (‪.)449‬‬


‫‪ .7‬عراء هجر للدكتور عبدالفتاح احللو (‪.)457‬‬
‫‪414‬‬
‫مــىت جــاء ان يهـ اـم أخــو البهلــؤم يــنعم‬ ‫فجئنـ ـ ـ ـ ــا إىل أكنـ ـ ـ ـ ــاف قـ ـ ـ ـ ــوِ أعـ ـ ـ ـ ـ َّـزة‬
‫فه ـ ـ ــد مث ـ ـ ـ هلـد ه ـ ـ ــذا األص ـ ـ ــد أص ـ ـ ــد‬ ‫ف ـ ــروعهل ا ـ ــداة الغهلـ ــر م ـ ــن آل ها ـ ــم‬
‫ـر ـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـاــوـ ـ ـ ـاـً ـ ـ ـ ـ ـوأـ ـ ـ ـ ـك ـ ــرـيِ‬
‫للمـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫لفـ ـهلمانـأعتم ـ ـ ـ ـامـ ـ ـ ـ ـ ـِبـ ـ ـ ـ ـ ــمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫ـف عر هل ــه‬ ‫ـر إ ان خ ـ َّ‬ ‫ـتقر املل ـ هل‬
‫ِب ــم يس ـ ُّ‬
‫ـامهم جـ ـ ــار عل ـ ـ ـ كـ ـ ــد هلمـ ـ ــنعم‬
‫وإععـ ـ ـ هل‬ ‫وه ـ ـ ــم لف ـ ـ ــروع اجمل ـ ـ ــد أص ـ ـ ــد مؤثَّـ ـ ــد‬
‫لوقاـ ـ ـ ع ـ ــيم هائ ـ ــد اخلط ـ ــب مـ ـ ـؤمل‬ ‫ـاه هلم ك ـ ـ ـ ــي عس ـ ـ ـ ــتجري وحنتم ـ ـ ـ ــي‬
‫أتين ـ ـ ـ ـ هل‬
‫مه ـ ـ ـ ــاِ أىب يف اجمل ـ ـ ـ ــد غ ـ ـ ـ ــري التق ـ ـ ـ ــدُِّ‬ ‫فقابلن ـ ـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـ ــنهم بش ـ ـ ـ ـ ـ ــري و ـ ـ ـ ـ ـ ــدة‬
‫‪.....‬‬ ‫‪.....‬‬
‫ـتجهم‬
‫بش ـ ــر وج ـ ــههل املل ـ ــر بع ـ ــد ال ـ ـ ُّ‬
‫وي هل‬ ‫ـور احه ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫آبرائ ـ ـ ـ ـ ــه تلقـ ـ ـ ـ ـ ـ األم ـ ـ ـ ـ ـ هل‬
‫وك ــان ل ــه عط ــف علـ ـ ك ــد مس ــلم‬ ‫ومــذ ــك األحســاءهل عنــد إمامهــا‬
‫وبعد أن عا الوفد إىل األحساء حمققاً الغاية اليت ذهب من أجلها‪ ,‬مل متض‬
‫مدة إال وقام الدولة العثماعية بتعيني السيد طالب متصرفا عل األحساء‪ ,‬وكان‬
‫له ور كبري يف ترسيخ األمن‪ ,‬فمدحه صديقه الشيخ العلجي بقصيدة‪ ,‬قال فيها‪:8‬‬
‫وع ـ ــا ـ ــا ألروع الش ـ ــهم عي ـ ـ هلـدها‬ ‫هلر لـ ـ ـ ـ ــوا ـ ـ ـ ـ ــد أاتهـ ـ ـ ـ ــا سـ ـ ـ ـ ــعوهلها‬
‫يهل ـ ـ ـ ـ ُّـن ِبـ ـ ـ ــا أن الشـ ـ ـ ــفا ال يعو هـ ـ ـ ــا‬ ‫هلمهـ ــاِ أت ـ ـ األحسـ ــاء وهـ ــي مريضـ ــة‬
‫هلم َّنعم ـ ـ ـ ـ ـةً يـ ارب ـ ـ ـ ـ ُّـد غي ـ ـ ـ ـ ـاً حس ـ ـ ـ ــوهلها‬ ‫فع ــا ــفاها م ــذ أاته ــا وأص ــبح ا‬
‫أج ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد مناه ـ ـ ـ ـ ــا أن تهل ـ ـ ـ ـ ـزا قيوهله ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ـياطني الل ـ ـوا مـ ــن خمافـ ــة‬
‫وصـ ــارت ـ ـ هل‬
‫ك ـ ـ ـ ـ َّـد ي ـ ـ ـ ــوِ جدي ـ ـ ـ ـ هلـدها‬ ‫أ ي ـ ـ ـ ــه‬ ‫فنشـ ـ ـ ـ ــكر بعـ ـ ـ ـ ــد هللا اقرم ـ ـ ـ ـ ـاً هلم َّتوج ـ ـ ـ ـ ـاً‬
‫ت جنوهلهـ ـ ـ ــا‬
‫ـار ا‬
‫وص ـ ـ ـ ـولته الكفـ ـ ـ ـ هل‬ ‫إم ــاِ ا ـ ــد عبداحلميـ ــد الـ ــذي بـ ــه‬

‫‪ .8‬عراء هجر للدكتور عبدالفتاح احللو (‪.)455‬‬


‫‪415‬‬
‫ـاكره هلل تعلـ ـ ـ ـ ـ ــو حـ ـ ـ ـ ـ ــدوهلها‬ ‫عسـ ـ ـ ـ ـ ـ هل‬ ‫خليفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة يـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن هللا أ َّ ن َيَّم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ا‬
‫ظـ ـ ـ ــالالً تقيهـ ـ ـ ــا أو غيـ ـ ـ ــااثً جيهلو هـ ـ ـ ــا‬ ‫إمام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً يهلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوايل أم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةً أمحدي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةً‬
‫ب العـ ــدا عـ ــن أرضـ ــنا ويـ ــذو ها‬ ‫يـ ـ هلـذ ُّ‬ ‫خصـ ــنا بـ ــن األكـ ــارِ طالـ ــب‬
‫وق ــد َّ‬
‫ات الـور وأهلسـوهلها‬ ‫ـيد سـا هل‬ ‫هله هلم الص هل‬ ‫ـامشي األص ــد مـ ــن خ ــري عـ ــية‬
‫أ ه ـ َّ‬
‫ـديدها‬ ‫َّت فهــان ـ هل‬ ‫علـ غــريك ا ــتد ا‬ ‫ـلطان ال ـ ـ ـبا هلمه َّم ـ ـ ـةً‬
‫رم ـ ـ ـ بـ ـ ــر سـ ـ ـ هل‬
‫قلي ـ ـ ــد إذا يهلنمـ ـ ـ ـ إل ـ ـ ــيكم وجوهله ـ ـ ــا‬ ‫ومــا األكرمــون اســتكثـ هلروه مــن العهلــال‬
‫عل ـ ـ ــي وس ـ ـ ــبطاه الكـ ـ ـ ـراِ ج ـ ـ ــدو ها‬
‫وم ـ ـ ـ ــن ذا يض ـ ـ ـ ــاهي ع ـ ـ ـ ــيةً هامشي ـ ـ ـ ـةً‬
‫وبعد عمر حافد لبذل والعطاء والعلم والعبا ة والنصيحة اخلاصة والعامة‬
‫اعتقد الشيخ عبدالعزيز العلجي إىل جوار ربه سنة ‪8337‬هـ عن عمر يقارب‬
‫الثماعني عاما‪ ,‬رمحه هللا رمحة واسعة‪.8‬‬
‫سبب القصيدة‬
‫تتنوع األسباب اليت تدعو الشعراء لصياغة قصائدهم‪ ,‬فمنهم من يبعثه‬
‫الفخر واالعتدا لنف ‪ ,‬ومنهم من تلهب مشاعره املآسي واألحزان‪ ,‬ومنهم من‬
‫جييش صدره عند الراثء‪ ,‬ومنهم من تنقدح قرحيته إذا بعد احلبيب عنه واز ا وقه‬
‫إليه‪ ,‬وعموما فإن أغراض الشعر كثرية وجماالته عديدة‪.‬‬
‫وهذه القصيدة اليت بني أيدينا تتفجر مبعاين الغرية واالعتصار للعلماء‪,‬‬
‫وأتصيد املنهج الفقهي املذهيب‪ ,‬واالعتدا ألحساء وذكر فضائلها‪ ,‬والسبب يف‬

‫‪ . 8‬لالستزا ة من ترمجة الشيخ عبدالعزيز العلجي اع ر عراء هجر للدكتور عبدالفتاح احللو (‪-473‬‬
‫‪ ,)419‬وحتفة املستفيد للشيخ حممد العبدالقا ر (‪ ,)477/7‬و خصيات رائدة من بال ي لألستاذ معاذ‬
‫آل الشيخ مبارك (‪.)73‬‬
‫‪413‬‬
‫ذلر أن الشيخ العلجي رمحه هللا هلجرح جرحا عميقا يف مشاخيه ومنهجه وأحسائه‪,‬‬
‫فأ َّاه ذلر إىل أن ينتفض اعتفاضة اجلريح املكلوِ‪.‬‬
‫ومبا أن الشيخ قد تواترت عنه معاين الغرية واإل ء‪ ,‬كان ال بد أن يقوِ‬
‫الشيخ بواجب الدفاع عن مشاخيه ومنهجه وأحسائه بسالح العلم واحلجة‪ ,‬فما‬
‫سبب هذه القصيدة؟ وما اجلرح الذي أصيب به الشيخ؟‬
‫لقد سبـق ا هذه القصيدة ثالثةهل أحداث متوالية‪ ,‬كد حدث يقو إىل‬
‫اآلخر‪ ,‬أما َّأو ا فقد بدأ من مملكة ِبو ل ند عندما تناقد بعض أهد األحساء‬
‫القا مني من ا ند كلمةً للشيخ صدي حسن خان القنُّوجي عفا هللا عنه أبن اتباع‬
‫املذاهب األربعة ما هو إال تفري للدين إىل أحزاب و ي ‪ ,‬وأن التمذهب‬
‫ملذاهب األربعة بيه ختاذ النصار أحبارهم أر من ون هللا‪ ,‬حيلون ما حرِ‬
‫هللا‪ ,‬وحيرمون ما أحد هللا‪ ,‬مث أخذت كتبه تصد إىل األحساء م القا مني إليها‪,‬‬
‫مثد‪ :‬فتح البيان يف مقاصد القرآن‪ ,‬والدين اخلالص‪ ,‬والروضة الندية‪ ,‬وأجبد العلوِ‪,‬‬
‫والتاج املكلد‪ ,‬وغريها‪ ,‬فاطل العلماء فيها عل ما عهلقد عنه‪.8‬‬
‫أما احلدث الثاين فقد اعطل من األحساء عندما أخذ علماؤها يف إعكار‬
‫كالِ الشيخ صدي خان‪ ,‬وبيان أن هذه املذاهب الفقهية هي خالصة اجتها ات‬
‫أئمة كبار راسخني يف علوِ الشريعة والعربية‪ ,‬قاموا بتيسري عصوص الكتاب والسنة‬
‫لعموِ املسلمني‪ ,‬وتقريب معاعيهما إليهم‪.‬‬
‫وقد اقتصر علماء األحساء عل املنهج العلمي الذي ينتقد الفكرة وال َي‬
‫األ خاص‪ ,‬وكان من أبرز العلماء الذين تصدوا لتصحيح مفهوِ املنهج الفقهي‬

‫‪ .8‬تقدَِّ يف الفصد الراب مناذج من عصوص صدي حسان خان يف التمذهب الفقهي‪ ,‬م مناقشة ا‪.‬‬
‫‪412‬‬
‫املذهيب الشيخ عبدهللا بن أيب بكر بن حممد بن عمر املال احلنفي (‪-8743‬‬
‫‪8319‬هـ)‪ ,8‬والشيخ إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ مبارك املالكي (‪-8735‬‬
‫أجد مشايخ الشيخ العلجي‪.‬‬
‫‪8358‬هـ)‪ ,‬وهو ُّ‬
‫أما احلدث الثالث فقد كان رَّة فعد نيعة من بعض العلماء املعارضني‬
‫للتمذهب الفقهي‪ ,‬املتبعني للمنهج السلفي‪ ,‬فاعتصروا لصدي حسن خان‪ ,‬وكان‬
‫من أبرز املتصدين ذا األمر الشيخ الشاعر سليمان بن سحمان (‪-8732‬‬
‫‪8349‬هـ)‪ ,‬وقد ارتفع حدة املواجهة العلمية عندما أخذ هذا الشاعر املندف‬
‫لنيد من األ خاص وم ذواهتم‪ ,‬ومل يقتصر رُّ ه عل جترحيهم وتبديعهم‪ ,‬بد‬
‫وصد األمر به إىل تكفري الشيخ إبراهيم واهتامه لزعدقة‪ ,‬وانل من األحساء عيالً‬
‫نيعا‪ ,‬وقد سطَّر ذلر يف قصيدة‪.‬‬
‫بعد هذا التصاعد غري املتوق يف املواجهة العلمية حول هذه املسألة‪ ,‬وبعد‬
‫أن وصد الطعن إىل علماء األحساء‪ ,‬وإىل الشيخ إبراهيم لذات‪ ,‬اعب كثري من‬
‫علماء األحساء و عرائهم لالعتصار للشيخ إبراهيم عرا وعثرا‪ ,‬ومنهم تلميذه الويف‬
‫الشيخ عبدالعزيز العلجي‪ ,‬فأمر الشيخ إبراهيم بعدِ عشر تلر الر و ؛ حرصا عل‬
‫هتدئة وترية املواجهة‪ ,‬واعصرافا عن اجملا لة واملماراة‪ ,‬واكتف بقصيدة تلميذه‬
‫العلجي‪ ,‬وتبلغ أبيات القصيدة مخسة وتسعني بيتا من حبر الطويد‪ ,‬وها هي كاملة‬
‫بني يدير‪.‬‬

‫‪ .8‬وله يف هذا املوضوع كتاب "رع ذي اجلهد املركب والعنا عن من التقليد و عو االجتها "‪.‬‬
‫‪411‬‬
‫نص القصيدة‬
‫سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ارج هل لتَّوفيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وم اغنم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫الش ـ ـ ـ اـي هلخ‪ 8‬الَّـ ـ ــذي هلـ ـ ــد رمـ ـ ـ ـ‬ ‫أال أيـُّه ـ ـ ــا َّ‬
‫َّص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـر يف م اس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعاههل أ َّ ن َيَّم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع الن ا‬ ‫ـر م اس ـ ـ ـ ـ ـ ــعاههل النَّف ـ ـ ـ ـ ـ ــي هل لرب ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـن ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ هل‬
‫الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريعة هلس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلَّما؟‬
‫أقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاموا إل ا راك َّ‬ ‫وه ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـد أعاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ إال اف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـن أئ َّمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبيالً َّلر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا هلمق َّوم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫ي هل‬ ‫ـالِ ع ـ ـ ـ اـن رأاي جاه ـ ـ ــد‬
‫ِب ـ ـ ـ اـم هلح ـ ـ ــرم اإل اس ـ ـ ـ هل‬
‫‪7‬‬
‫أتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ا ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـن ر هلس ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا في ـ ـ ـ ـ ـ ــه فـ هلق ـ ـ ـ ـ ـ ــدما‬ ‫ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـانـ هله هلم إال عهلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــين بفضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيلة‬
‫أ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا هلوا بن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءً للفس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا فـ هله ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدما‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ــد اع عانـ ـ ـ ـ ـ ــر لف ـ ـ ـ ـ ـ ـاً حَّررتاـ ـ ـ ـ ـ ــههل عصـ ـ ـ ـ ـ ــابة‬
‫ولك ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـن ه ـ ـ ـ ـ ـ ــو ً ف ـ ـ ـ ـ ـ ــيهم طغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ وحت َّكم ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫صـ ـ ـ ـ ـ ــر هلس ـ ـ ـ ـ ـ ـنَّة‬
‫فمـ ـ ـ ـ ـ ــا قصـ ـ ـ ـ ـ ــدوا ين ـ ـ ـ ـ ـ ـاً وال ع ا‬
‫‪4‬‬
‫أغ ـ ـ ـ ـ ـ ــار عل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ثـ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب الكـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراِ وأقاـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدما‬ ‫‪3‬‬
‫وهـ ـ ـ ـ ـ ـ اـد غض ـ ـ ـ ـ ـ ــبهلوا إالَّ لتش ـ ـ ـ ـ ـ ــني هلمرج ـ ـ ـ ـ ـ ــف‬
‫أىب هللاهل إالَّ أ ان يهلك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫ـف ويهلكتم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ول َّم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أرا هلوا ع اش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرههل وظهل هله ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورههل‬
‫أبي عهل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًـال أ اوليتهل هلم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوه التـَّق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّما؟!‬ ‫أأعاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدي ‪ 5‬هب الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتهلم وخاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتهل هلم‬
‫أله ـ ـ ـ ـ ــد التـُّقـ ـ ـ ـ ـ ـ ص ـ ـ ـ ـ ــار اجللي ـ ـ ـ ـ ــد الا هلمف َّخم ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫أب ان ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـرِ التَّقلي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد يف هذ ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫‪3‬‬
‫وأ َّو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيمن أانب وأ اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلما‬ ‫ت ـ ـ ـ ــال هلس ـ ـ ـ ــوراً يف عاب ـ ـ ـ ــد اجلاب ـ ـ ـ ـ واحلص ـ ـ ـ ـ‬

‫‪ .8‬املقصو لشيخ هنا الشيخ إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ مبارك‪.‬‬


‫‪ .7‬ور ت إ ارت عبوية‪ ,‬محلها بعض العلماء عل أئمة املذاهب األربعة‪.‬‬
‫‪ .3‬املقصو ملرجف هنا صدي حسن خان القنوجي ملر ِبو ل‪ ,‬والثلب‪ :‬اللوِ والعيب‪.‬‬
‫‪ .4‬الثـَّ الب‪ :‬اللوِ والعيب‪.‬‬
‫‪ .5‬املقصو صدي حسن خان عفا هللا عنه‪.‬‬
‫‪ .3‬مثد تنزيد قوله تعاىل‪" :‬وال تكوعوا من املشركني من الذين َّفرقوا ينهم وكاعوا يعا كد حزب مبا لديهم‬
‫فرحون"‪ ,‬وقوله تعاىل‪" :‬اختذوا أحبارهم ورهباهنم أر من ون هللا"‪ ,‬وقوله تعاىل‪" :‬أِ م ركاء رعوا م‬
‫من الدين ما مل أيذن به هللا"‪ ,‬تنزيد هذه اآل ت وأ باهها عل املذاهب األربعة‪.‬‬
‫‪419‬‬
‫ـحقاً ـ ـ ـ ــذا ال ـ ـ ـ ـ َّـرأاي م ـ ـ ـ ــا ك ـ ـ ـ ــان أ اس ـ ـ ـ ــقما‬ ‫ف هلس ـ ـ ـ ـ ا‬ ‫أتـ اقليـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـدان األ اسـ ـ ـ ـ ـ ــالف صـ ـ ـ ـ ـ ــار عبـ ـ ـ ـ ـ ــا ةً؟!‬
‫لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ارء اخلطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا منـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا فـع النـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا هلحمَّرمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا؟!‬ ‫أح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــني اتـَّبـ اعن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا امل اهت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدين تـوُّرع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً‬
‫هل‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد أ اوىف وأقاـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدما‬
‫ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـو هلام يف األ ا‬ ‫وهابـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا بـل اغن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا اال اجته ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا و ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـرطههل‬
‫وط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعتهلـ هله ام يف النَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام فـ ارضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً هلحمتَّم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫وك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان اتبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعهل امل اهت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدين هداي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةً‬
‫هل‬
‫وعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص عل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ تـ اقليـ ـ ـ ـ ـ ـ ــده ام لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـن يهلكتَّمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫وكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـم هلسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـورة تـاتـلهلوعـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا يف اتبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعه ام‬
‫قض ـ ـ ـ ـ ا تب ـ ـ ــاع النَّ ـ ـ ــام م ـ ـ ـ اـن ك ـ ـ ــان أ اعلم ـ ـ ــا؟‬ ‫اس ـ ـ ـ ـ ـئـلهلوا"‪ 8‬أوملا ت هلك ـ ـ ـ ـ ـ اـن‬ ‫ـول تـع ـ ـ ـ ـ ــاىل‪" :‬ف ا‬ ‫يـ هلق ـ ـ ـ ـ ـ هل‬
‫‪7‬‬
‫م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن هللا أ ان يـهل اقفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبيالً ويـهلالزم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا؟‬ ‫اجع الن ـ ـ ـ ــا إمامـ ـ ـ ـ ـاً" أملا يهلـ ـ ـ ــرا‬
‫وم ـ ـ ـ ـ اـن ق ـ ـ ـ ــال "و ا‬
‫وصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـرح لتَّـ اقلي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ل اف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً وأفاـهم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫السـ ـ ـ ـ ـنَّة الغ ـ ـ ـ ـ َّـراء م ـ ـ ـ ــا ج ـ ـ ـ ــاء هلم افص ـ ـ ـ ــحاً‬
‫ويف ُّ‬
‫أح ـ ـ ـ ـ ـ ــال عل ـ ـ ـ ـ ـ ـ التَّـ اقلي ـ ـ ـ ـ ـ ــد ف ـ ـ ـ ـ ـ ــاعا هلار لتـ اعلم ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ُّجوِ‪ 3‬أبيه ـ ـ ـ ـ ـ اـم‬ ‫يث‪ :‬ص ـ ـ ـ ـ ــحايب ك ـ ـ ـ ـ ــالن هل‬ ‫ح ـ ـ ـ ـ ــد هل‬
‫وص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيَّـ ارهلمتهلوههل ب ادع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةً ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـن يهلس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلَّما‬ ‫ولـ ـ ـ ـ ـ ـ اـو ملا جيـ ـ ـ ـ ـ ــي التَّـ اقلي ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلد عصـ ـ ـ ـ ـ ــا بل اف ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫ر يف األصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل اني‪ 4‬عـ اهج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً هلموَّمهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫ويس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلهل هل‬ ‫فـ هله ـ ـ اـم ح ـ ــني خ ـ ــافهلوا ي ـ ــدَّعي الع ال ـ ــم جاه ـ ــد‬
‫‪5‬‬
‫ل ـ ـ ـ ـ ــي اخلهلص م ـ ـ ـ ـ ـ اـن أ اه ـ ـ ـ ـ ــد الفس ـ ـ ـ ـ ــا وي اس ـ ـ ـ ـ ــلما‬ ‫الش ـ ـ ـ اـرع عان ـ ـ ــد أهلويل التهلـقـ ـ ـ ـ‬
‫أحبُّـ ـ ـ ـوا هلوقهلـ ـ ــوف َّ‬
‫الر هلس ـ ـ ـ ـ ـ ــول هلمق َّس ـ ـ ـ ـ ـ ــما‬
‫وك ـ ـ ـ ـ ـ ــان علـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ع اه ـ ـ ـ ـ ـ ــد َّ‬ ‫آن خ ـ ـ ـ ـ ـ اـوف هل هلراوس ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫الق ـ ـ ـ ـ ـ اـر هل‬
‫كم ـ ـ ـ ـ ــا هلمجـ ـ ـ ـ ـ ـ هل‬

‫‪ .8‬املقصو قول هللا تعاىل‪" :‬فاسألوا أهد الذكر إن كنتم ال تعلمون"‪.‬‬


‫‪ . 7‬املقصو قول هللا‪" :‬والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذر تنا قرة أعني واجعلنا للمتقني إماما"‪.‬‬
‫‪ .3‬يشري الشيخ إىل ما هلروي عن النيب ‪ ‬أعه قال‪" :‬أصحايب كالنجوِ‪ ,‬فبأيهم اقتديتم اهتديتم"‪ ,‬واحلديث‬
‫ضعيف‪ ,‬وممن عص عل ضعفه ابن امللقن يف البدر املنري (‪ )511-514/9‬ويف تذكرة احملتاج (‪-32/8‬‬
‫‪ ,)39‬وابن كثري يف حتفة الطالب (‪.)32-33/8‬‬
‫‪ .4‬أي الكتاب والسنة‪.‬‬
‫‪ .5‬يشري الشيخ إىل ما قدَّمناه أن من أسباب االلتزاِ ملذاهب الفقهية هو خشية ولوج اجلهال وأعصاف‬
‫العلماء ميدان االجتها ‪.‬‬
‫‪491‬‬
‫ورَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أل لَّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة هلس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلما‬ ‫فم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا هلل ذا ا ان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدي ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب أئ َّم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةً‬
‫وص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـريهلمتهل الا هلمع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َّج من ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــههل هلمق َّوم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ــا لهل هلكـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أع ـ ـ ـ ـ ـ ــتهلم هلولعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتهلم‪ 8‬جبهلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫‪3‬‬ ‫‪7‬‬
‫غض ـ ـ ـ ـ ـ ــبتهل ام وح ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـبهلامت م ـ ـ ـ ـ ـ ــن الق ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـول أ اومخ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ـيخ يلطـهل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـم جهلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــههل‬
‫الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هل‬
‫ول َّم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أرا َّ‬
‫‪4‬‬
‫أرتاـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا بـهلويانيه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن العق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد هلمع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدما‬ ‫وقهللـ ـ ـ ـ ــتهل ام مـ ـ ـ ـ ــن ا ا اجـ ـ ـ ـ ــو القبـ ـ ـ ـ ــيح قصـ ـ ـ ـ ــيدةً‬
‫ت إىل الاعم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫أرا ِب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا فـاتح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأ َّ ا‬ ‫ـات جاهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫رسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالتهل هلك ام هـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي هلخرافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هل‬
‫‪5‬‬
‫وهلكنَّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا األهلىل مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـن ذاك أباـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر وأ اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلما‬ ‫عس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـابـتهل ام إلينـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ل ال هلقبهلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور عب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ًة‬
‫‪3‬‬
‫وحا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاههل زع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــديقاً طغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ وجت َّهم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫الش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيخ األج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـد مق هلام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــههل‬
‫وص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـريهلمتهل َّ‬

‫‪ .8‬الول ‪ :‬دة احملبة‪.‬‬


‫‪ .7‬يقصد الشيخ إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ مبارك‪.‬‬
‫‪ .3‬أي قوالً ثقيالً ر يئا‪.‬‬
‫‪ .4‬من أبيات القصيدة املشار إليها قول سليمان بن سحمان ‪ -‬خماطبا ومكفرا الشيخ إبراهيم آل الشيخ‬
‫مبارك ‪" :-‬صدي زعدي أتق وأعلما"‪.‬‬
‫تعرض له علماء األحساء عسبتهم لعبا ة القبور وإقرار وسائد‬‫‪ .5‬من ال لم الشني واالفياء القبيح الذي َّ‬
‫الشرك‪ ,‬ومن عصوص ال لم واالفياء قول الشيخ عبدهللا البساِ يف كتابه علماء د خالل مثاعية قرون‬
‫(‪" :)715/8‬وملا استوىل اإلماِ فيصد ‪ -‬أي بن تركي ‪ -‬عل األحساء‪ ,‬وكان فيها خليط من العقائد‬
‫واآلراء‪ ,‬فالرافضة م وكة‪ ,‬وعلماء الشافعية واملالكية أ اعرة‪ ,‬وعلماء األحناف ماتريدية‪ ,‬وتشيك هذه‬
‫الطوائف كلها يف إقرار وسائد الشرك من حنو تع يم القبور والغلو يف الصاحلني والبدع من حنو املوالد‬
‫ومراسم املوت واجلنائز‪ ,‬فكان الشيخ عبداللطيف ‪ -‬أي بن عبدالرمحن بن حسن بن الشيخ حممد بن‬
‫عبدالوهاب ‪ -‬هو املختار ملقابلة مثد هؤالء وحماربة أمثال هذه األمور‪ ,‬فبعثه اإلماِ إليهم‪ ,‬وراح يناقش‬
‫هؤالء العلماء بلسان فصيح وعلم صحيح وصدر فسيح‪ ,‬وقابد احلجة أبقو منها‪ ,‬ور الشبهة أبوضح‬
‫منها‪ ,‬فأذعنوا له وسلموا‪ ,‬فزال ما يف عفوسهم من رواسب الشبه و طد التأويد"‪.‬‬
‫‪ .3‬املقصو لشيخ هنا الشيخ إبراهيم آل الشيخ مبارك‪ ,‬وقد اهتمه سليمان بن سحمان لزعدقة‪.‬‬
‫‪498‬‬
‫‪7‬‬ ‫‪8‬‬
‫وملا عـ اع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـد ين ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً للنبي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــني قـيم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫وكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان وهلكنَّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا عهل ا‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبةً سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلفيَّةً‬
‫وال هلَياـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن إال م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاض وأعاـعم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ع ـ ـ ـ ـ ــر النَّـ اف ـ ـ ـ ـ ـ عان ـ ـ ـ ـ ــد هللا و ُّ‬
‫الض ـ ـ ـ ـ ـ َّـر عان ـ ـ ـ ـ ــدههل‬
‫‪3‬‬
‫علي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه إل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــههل الع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـرش صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلَّ وسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلَّما‬ ‫ومنانـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هل ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـد َّ‬
‫الر اح ـ ـ ـ ـ ـ ــد إال لق ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـب م ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـن‬
‫إذا ملا يـهلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرا هلل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيئاً هلحمَّرم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫وهلكنَّـ ـ ـ ـ ـ ــا عـعهلـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـذباح والنَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اذر وال ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّعا‬
‫الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــافع َّي املكَّرمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫وعـهل اعماعـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا و َّ‬ ‫ولك ـ ـ ـ ـ ـ اـن رض ـ ـ ـ ـ ــينا مالك ـ ـ ـ ـ ـ ـاً وابا ـ ـ ـ ـ ــن حانـب ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫هل‬
‫ولك ـ ـ ـ ـ ـ اـن لم ـ ـ ـ ـ ــا ك ـ ـ ـ ـ ــاعهلوا عل ـ ـ ـ ـ ـ احل ـ ـ ـ ـ ـ أ هلم ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫وملا عـتَّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب اع هله ام عابـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدين لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذاهت ام‬
‫اجته ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا اً حتتَّم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬‫عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراههل علـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ العاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ا‬ ‫وكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد ااعتقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا يف صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــفات إ نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫‪4‬‬
‫أت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائالً عانـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــههل النَّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫ـيب ليهلـ اعلمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ك ـ ـ ـ ــذاك الَّـ ـ ـ ــذي ج ابي ـ ـ ـ ـ هلـد ع ـ ـ ـ ـ اـن أ ام ـ ـ ـ ــر رب ـ ـ ـ ــه‬
‫و احترَيهلنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا مثَّ أ ان عـتكلَّمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اذهبهلـنا ت اس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلاي هلم‪ 5‬آي ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــفاته‬

‫‪ .8‬أي الشيخ إبراهيم آل الشيخ مبارك‪.‬‬


‫‪ .7‬أي حنن احلقيقون العتساب للسلف الصاحل رمحهم هللا‪.‬‬
‫‪ .3‬أي هذا القول من الشيخ العلجي من ب املناكفة؛ ألن أولئر القوِ يزعمون أن د الرحد لز رة‬
‫قب النيب ‪ ‬حراِ‪ ,‬وأن ذلر السفر سفر معصية‪ ,‬وملا كان مجهور العلماء عل خالف هذا الرأي انكفهم‬
‫الشيخ ِبذا البي ‪.‬‬
‫‪ .4‬يشري الشيخ العلجي إىل حديث سيدان عمر بن اخلطاب ‪ ‬يف سؤال األمني جبيد عليه السالِ‬
‫رسول هللا ‪ ‬عن اإلسالِ واإلَيان واإلحسان‪ ,‬مث سؤاله له عن القيامة وعالماهتا‪ ,‬رواه البخاري ومسلم‬
‫وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫‪ . 5‬ويف بعض النسخ‪ :‬ومذهبنا تفويض آي صفاته‪ ,‬ومها مبعىن واحد‪ ,‬وخالصة القول يف مسألة صفات‬
‫هللا ‪ ‬إثباهتا واإلَيان ِبا ملعىن الالئ هلل سبحاعه‪ ,‬وطلبا لالختصار أكتفي بقول يخ اإلسالِ ابن‬
‫تيمية رمحه هللا يف فتاواه (‪" :)7/4‬فمن سبيلهم يف االعتقا ‪ -‬أي الصحابة والتابعني ‪ -‬اإلَيان بصفات‬
‫هللا تعاىل وأ ائه اليت وصف ِبا عفسه‪ ,‬و َّ ِبا عفسه يف كتابه وتنزيله أو عل لسان رسوله‪ ,‬من غري‬
‫ز ة عليها‪ ,‬وال عقص منها‪ ,‬وال جتاوز ا‪ ,‬وال تفسري ا‪ ,‬وال أتويد ا مبا خيالف ظاهرها‪ ,‬وال تشبيه ا‬
‫‪497‬‬
‫أىب هللاهل أ ان عـابغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـي س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ذاك هلم ارمت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ـالف ذاك ااعتق ـ ـ ـ ـ ـ ــا هلان‬
‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ــا قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـرر األ اس ـ ـ ـ ـ ـ ـ هل‬
‫أبب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ لس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان رَّههل احلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ أباكم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـم ع الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتهل هلم منَّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا هـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ً وجهال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةً‬
‫‪8‬‬
‫وك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال األ ام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرين ذعاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً هلحمَّرم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫أإفاك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً أتيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتهل ام أ اِ بفس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ أخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اذ هلمتهل‬
‫ل هلك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوي جاه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد أيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن َيَّمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫جعل ـ ـ ـ ـ ــتهل ام ك ـ ـ ـ ـ ــراِ النَّ ـ ـ ـ ـ ــام ات هلهـ ـ ـ ـ ـ ـوا وقـلَّ ـ ـ ـ ـ ـ هلـدوا‬
‫رأ اوهله ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـم ِب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أتاـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ وأزك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ وأ اعلم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـن قـلَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـدوا إال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريعة‬
‫فمـ ـ ـ ــا اعاطم هلس ـ ـ ـ ـوا إال عل ـ ـ ـ ـ مـ ـ ـ ـ اـن ب ـ ـ ـ ــه عم ـ ـ ـ ـ‬ ‫الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـموم ا ا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــته هلارهله ام‬
‫أئ َّمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ك ُّ‬
‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـوا خبص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال يـ اقتض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـني التـَّق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّما‬ ‫ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا قـلَّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـدوا أهلوالك إال ألعـ هلَّهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـم‬
‫وعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور رأ اوههل سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاطعاً هلمتـب َّسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــما‬ ‫ص ـ ـ ـ ــطف يف ص ـ ـ ـ ــفاهت ام‬ ‫صـ ـ ـ ــوص تاله ـ ـ ـ ــا املهل ا‬ ‫عهل هل‬
‫َّص أهلِبمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫أب اعمالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه حين ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً إذا ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ُّ‬ ‫الق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـرون وأ اخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـذ هله ام‬
‫وإ ا ر هلاك هلهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـم خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري هل‬
‫وحكم ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫ـام في ـ ـ ـ ـ ـ ــه هل‬
‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ــا ااعتهلم ـ ـ ـ ـ ـ ــد الق ارط ـ ـ ـ ـ ـ ـ هل‬ ‫ص ـ ـ ـ ــطف ع ـ ـ ـ ـ اـن أئ َّم ـ ـ ـ ــة‬
‫ص ـ ـ ـ ــوص املهل ا‬‫تـل َّقـ ـ ـ ـ ـوا عهل هل‬
‫ـث وأظلمـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـر اخلبيـ ـ ـ ـ ـ ـ هل‬
‫ومـ ـ ـ ـ ـ ــا غلـ ـ ـ ـ ـ ــب الع ا‬ ‫رأوا ف اعل ـ ـ ـ ـ ــههل غض ـ ـ ـ ـ ــا مـ ـ ـ ـ ـ ـ النَّ ـ ـ ـ ـ ــام ـ ـ ـ ـ ــائعاً‬
‫وإال قياس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ق اجل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد هلاحمكم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا؟‬ ‫وهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـد مجعهل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا إال كتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ً و هلس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنَّةً‬
‫لن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبباً م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان أ ان يـهلتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـرما‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ــحاب النَّـ ـ ـ ـ ــيب كفـ ـ ـ ـ ـ ـ ِب ـ ـ ـ ـ ـ اـم‬
‫وإ امج ـ ـ ـ ـ ــاع أ ا‬
‫ـاج هله ام أ اوىل أب ان يـتـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدَّما‬
‫ومانـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هل‬ ‫اجتهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا القـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوِ ذاك كفايـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬ ‫أمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا يف ا‬
‫وه ـ ـ ـ ـ ـ ــذا ب هلس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ الطان ا هلـ ـ ـ ـ ـ ــد ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـن يـهلت َّمم ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫وأعاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتهل ام تهلري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـدون الفس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرأاي هلك ام‬

‫أمروها كما جاءت‪ ,‬ورُّوا علمها إىل قائلها‪ ,‬ومعناها إىل املتكلم‬
‫بصفات املخلوقني وال ات احملدثني‪ ,‬بد ُّ‬
‫ِبا‪ ,... ,‬وعلموا أن املتكلم ِبا صا ق‪ ,‬ال ر يف صدقه‪ ,‬فصدَّقوه‪ ,‬ومل يعلموا حقيقة معناها‪ ,‬فسكتوا‬
‫عما مل يعلموه"‪ ,‬اعته كالمه‪ ,‬وأرجو أن يكون هذا آخر رأييه يف مسألة الصفات‪.‬‬
‫‪ .8‬اإلفر‪ :‬الكذب‪ ,‬أما الفس فيشري إىل قوله تعاىل‪ " :‬أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاس بنبأ فتبينوا أن‬
‫حمرِ‪.‬‬
‫تصيبوا قوما جبهالة فتصبحوا عل ما فعلتم ان مني"‪ ,‬وكال األمرين َّ‬
‫‪493‬‬
‫الس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـما‬
‫وطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاولاتهل هلم هل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـهباً مقاعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـدها َّ‬ ‫س ـ ــكانـتهل ام م ـ ـ ـ ال ـ ـ ُّـدعاـيا احلض ـ ــيض حب ارص ـ ـ هلـك ام‬
‫لتـ ـ ـ ـ ـ ـ اـرووا وإ ان أتاب ـ ـ ـ ـ ـ ـوا حتهلولهلـ ـ ـ ـ ـ ـوا عل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ال َّم ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫فـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ل هلك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـم إال اقات ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداء بنهل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوره ام‬
‫‪8‬‬
‫علـ ـ ـ ـ ـ ـ طل ـ ـ ـ ـ ــب األهلخ ـ ـ ـ ـ ــر قـهلعهل ـ ـ ـ ـ ــو اً وقـهل َّوم ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫أهلولئ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوِ قاص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـرون حي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاتـ هله ام‬
‫تطلُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبهل هلك ام أ ام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرين جاه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً و ارمه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫يك ام‬
‫وأعاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتهل ام قهلصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار هلاك ام وغاي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةهل سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـع هل‬
‫ـاج هله ام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫وإ ان هبطـهل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا حلاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداً فمانـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هل‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ــإ ان قهلـ الـ ـ ـ ـ ـ ــتهل هلم مـ ـ ـ ـ ـ ــاتهلوا فسـ ـ ـ ـ ـ ــريتـهل هله ام حي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ا‬
‫ولكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـن أرا ان مانـهج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان أ احكمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ولايس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ا هلمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدارا ًة فمات ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ا مب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوهت ام‬
‫عهلوه ـ ـ ـ ـ ــا فـق ـ ـ ـ ـ ـ اد ت ـ ـ ـ ـ ـ ادعهلوا اجل ـ ـ ـ ـ ــدال الا هلمحَّرم ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫و اعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو هلاك هلم أ َّن املـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذاهب هلحرف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ا‬
‫الش ـ ــريف ـ ــا محـ ـ ـ‬
‫ص ـ ــد َّ‬
‫وم ـ ـ اـن قـ ـ ـ اد محـ ـ ـ األ ا‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلها‬
‫م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذاهبهلـ هله ام احم هلروس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة مثاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـد أ ا‬
‫فخلُّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا عبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا هللا ظنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا هلمر َّمجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ــد مثاـله ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫وإ ان حَّرفهلوه ـ ـ ـ ـ ـ ــا حَّرفهل ـ ـ ـ ـ ـ ـوا األ ا‬
‫ع ـ ـ ـ ـ ـ ــر عـ اهج هلهـ ـ ـ ـ ـ ـ اـم ل الخـ ـ ـ ـ ـ ــري أ اهـ ـ ـ ـ ـ ــد وألازمـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫هله ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـم اخل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريهل أ احي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءً وبـ اع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد مم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاهت ام‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ــح ع ـ ـ ـ ـ ــن اجلهلَّهـ ـ ـ ـ ـ ــال ممهلاتن ـ ـ ـ ـ ـ ـ احلم ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫وأ ا‬ ‫ضـ ـ ــله ام‬‫الشـ ـ ــريف بف ا‬ ‫الشـ ـ ـ اـرع َّ‬ ‫وهلهـ ـ ـ اـم ح َّوطهلـ ـ ـوا َّ‬
‫آهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـم لهليهل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـواثً خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا رين فأ احجمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫ر هل‬ ‫وكـ ـ ـ ـ ـ ـ اـم قاصـ ـ ـ ـ ـ ــد للـ ـ ـ ـ ـ ــدين يـابغـ ـ ـ ـ ـ ــي فسـ ـ ـ ـ ـ ــا ههل‬
‫علـ ـ ـ ـ ـ حس ـ ـ ـ ــد ح ـ ـ ـ ـ َّـىت تـ َّولَّـ ـ ـ ـ ـوا علـ ـ ـ ـ ـ العمـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـن سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبيله ام‬
‫ب أهلانم أ اعر هل‬
‫وهلر َّ‬
‫و هلخلُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا عل ـ ـ ـ ـ ـ ـ قـ افـ ـ ـ ـ ـ ــر َّ‬
‫الضـ ـ ـ ـ ـ ــالالت هله َّومـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫كم ـ ــا ف ـ ــرق ضـ ـ ـلَّ ا وج ـ ــار ا‬
‫ت ع ـ ــن ا هلـ ــد‬
‫االجته ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا هلحمتَّم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو هلاه ام وخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالهلوا ا‬ ‫أب ان تـرهلكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا عـ اه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــج األئ َّم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة و اارتض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا‬
‫إىل أ ان أعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا هلوا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدين هناج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً هلمق َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــما‬ ‫اجتهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا هل هله ام‬
‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأ َّتاـ هله هلم آر هلاؤهلهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـم و ا‬

‫ذكرهم‪ ,‬رمبا كان‬


‫‪ .8‬قال اإلماِ الذهيب بعد أن ذكر من الطبقة اخلامسة ‪ 11‬عاملاً‪" :‬وخل كثري ال حيضرين هل‬
‫جيتم يف الرحلة منهم املئتان والثالمثائة لبلد الواحد‪ ,‬فأقلُّهم معرفةً كأحفظ من يف عصران"‪ ,‬اع ر كتابه‬
‫ذكر م ان يهلعتمد عليه يف اجلرح والتعديد (‪.)813‬‬
‫‪494‬‬
‫وحتتم ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫فـق ـ ـ ـ ـ ـ اد كاع ـ ـ ـ ـ ـ األ احسـ ـ ـ ـ ــاءهل هلاحتم ـ ـ ـ ـ ـ هلا‬ ‫أحسـ ـ ــائنا ذه ـ ـ ـي‬
‫ضـ ـ ــعهلوا ج اهل هلكـ ـ ـ اـم يف غـ ـ ــري ا‬
‫إىل حلب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب أ اه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد وأقاـوم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫هلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـم عـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأ أعب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدَياً بك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوهن ام‬
‫‪7‬‬ ‫‪8‬‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب َّجل هله ام ‪ -‬أ اع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــين النَّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫ـيب ‪ -‬وكَّرم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫هله ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـم وفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـدوا لل ـ ـ ـ ـ ـ ــدين هلحبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ور اغب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةً‬
‫‪3‬‬
‫أت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا ال خـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزا أ او ِبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـم مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـن تنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدَّما‬ ‫ـول هللا‪ :‬لوفا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد م ارحبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً‬
‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ر هلس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هل‬
‫عل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ يـاتـلهلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون عهلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوراً هلمت َّممـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ـاؤوا إلي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه راغب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــني ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ هله ام‬
‫وج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هل‬
‫‪4‬‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأثىن عل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيه ام هلاحمس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــناً وهلمفخم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ــال هلـ ـ ـ ـ ـ ـ اـم ‪ :‬إين وطائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هل بال هلكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـم‬
‫مناب هلره ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا خلهلطابـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــني‪ 8‬وع اع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫وأ َّو هلل ار بـ اعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد طايـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة أ ا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرق ا‬

‫‪ .8‬قال رسول هللا ‪ ‬لوفد عبدالقي ملا وفدوا عليه من األحساء‪" :‬اللهم اغفر لعبد القي ؛ إذ أسلموا‬
‫طائعني‪ ,‬غري كارهني‪ ,‬غري خزا وال موتورين‪ ,‬إذ بعض قومنا ال يسلمون حىت خيزوا ويوتروا"‪ ,‬رواه أمحد‬
‫والطباين ‪ -‬يف الكبري ‪ ,-‬وقال ا يثمي يف جمم الزوائد (‪ :)889/7‬إسنا ه حسن‪.‬‬
‫‪ .7‬قال رسول هللا ‪ ‬عن وفد عبدالقي ‪" :‬إن خري أهد املشرق عبد القي "‪ ,‬رواه أمحد والطباين ‪ -‬يف‬
‫الكبري واألوسط ‪ ,-‬وقال ا يثمي يف جمم الزوائد (‪ :)24/5‬رجاله ثقات‪.‬‬
‫‪ .3‬قال رسول هللا ‪ ‬لوفد عبدالقي ملا أتوه‪" :‬من الوفد ‪ -‬أو القوِ ‪"-‬؟ قالوا‪ :‬ربيعة‪ ,‬فقال ‪" :‬مرحباً‬
‫لوفد ‪ -‬أو القوِ ‪ -‬غري خزا وال عدام "‪ ,‬رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي‪.‬‬
‫رسول هللا ‪ ‬لوفد عبدالقي ‪" :‬إين وطئ بال كم‪ ,‬وفهلسح يل فيها"‪ ,‬رواه أمحد‪ ,‬وقال ا يثمي يف‬
‫‪ .4‬قال هل‬
‫"أي هجر أعز"؟‪ ,‬قلنا‪:‬‬
‫جمم الزوائد (‪ :)813/1‬رجاله ثقات‪ ,‬وجاء يف رواية أن رسول هللا ‪ ‬قال م‪ُّ :‬‬
‫املشقَّر‪ ,‬فقال ‪" :‬فوهللا لقد خلتها‪ ,‬وأخذت إقليدها ‪ -‬أي مفتاحها ‪ ,"-‬مث قال‪" :‬وقف عل عني‬
‫الزارة"‪ ,‬رواه أمحد‪ ,‬وقال ا يثمي يف جمم الزوائد (‪ :)24/5‬رجاله ثقات‪ ,‬وجاء يف رواية أن رسول هللا ‪‬‬
‫رت من أ انها إىل أقصاها‪ ,‬فخري متراتكم‬‫إيل‪ ,‬فن هل‬
‫قال لوفد عبدالقي ‪" :‬إن أرضكم هلرفع ا يل منذ قعدمت َّ‬
‫البـ ارين؛ يهلذهب الداء وال اء فيه"‪ ,‬رواه احلاكم وصححه‪ ,‬ورواه الطباين ‪ -‬يف األوسط ‪ ,-‬وحكم الذهيب‬
‫عليه لنكارة‪ ,‬وضعَّف ا يثمي أحد رواته‪ ,‬هذا من حيث جمموع الرواية‪ ,‬أما قوله ‪ ‬عن البين‪" :‬إعه خري‬
‫متركم وأعفعه لكم" فقد رواه البخاري ‪ -‬يف األ ب ‪ -‬وأمحد والطباين ‪ -‬يف الكبري واألوسط ‪ ,-‬قال‬
‫ا يثمي يف جمم الزوائد (‪ :)813/1‬رجاله ثقات‪.‬‬
‫‪495‬‬
‫‪7‬‬
‫ـب النَّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيب تـع َّمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫َّ‬
‫ومك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةهل إ اذ خطاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هل‬ ‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ثـبـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ا ار س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواها وطايـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫وص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيَّـر اعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو هلاك ام أقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـد وأ اعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدما‬ ‫وممـَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا كفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاان أ امـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرهلك ام و ااعتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزال هلك ام‬
‫وكـ ـ ـ ـ ـ ــاعهلوا هله ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـم يف م ـ ـ ـ ـ ـ ـانـهج ال ـ ـ ـ ـ ـ ــدين أ احزم ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫أب َّن ك ـ ـ ـ ـ ــراِ النَّ ـ ـ ـ ـ ــام م ـ ـ ـ ـ ـ اـن ألا ـ ـ ـ ـ ــف ح َّج ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـانـ هله هلم إال وس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وقهلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدما‬ ‫كـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراِ ِبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـم ع الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتهل ام وع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـانـ هله ام أخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اذ هلمتهل‬
‫‪4‬‬
‫أب ان أيارز ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد هل‬
‫ين احلج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاز ويـ اق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـدما‬ ‫‪3‬‬
‫وأ َّن احلج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــازيني وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ُّ‬
‫َّص هلمثاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫علـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون تـ اقلي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد األئ َّم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة أ اس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلما‬ ‫أهلولئ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوِ قـلَّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـد هل‬
‫وه ام وأ امجعهلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا‬
‫وحا ـ ـ ـ ـ ــا وم ـ ـ ـ ـ ــا س ـ ـ ـ ـ ــاو عهلال هله ـ ـ ـ ـ ـ اـم وال ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا كـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدي أبعلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـانـ هله هلم‬
‫‪5‬‬
‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أظاه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر التَّقلي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد إالَّ لي اس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلما‬ ‫اجته ـ ـ ـ ـ ــا ههل‬ ‫وإ ان قـ ـ ـ ـ ــال ف ـ ـ ـ ـ ــيه ام مـ ـ ـ ـ ـ اـن أس ـ ـ ـ ـ ـ َّـر ا‬

‫‪ .8‬قال عبدهللا بن عبام رضي هللا عنهما‪" :‬أول مجعة هلمجع ‪ -‬بعد مجعة يف مسجد رسول هللا ‪ - ‬يف‬
‫مسجد عبدالقي جبهلوااث من البحرين"‪ ,‬رواه البخاري ‪ -‬واللفظ له ‪ -‬وأبو او ‪.‬‬
‫‪ .7‬عقد اإلماِ النووي يف رح مسلم عن اإلماِ اخلطايب رمحهما هللا قوله‪" :‬فلم يكن يهلسجد هلل تعاىل يف‬
‫بسيط األرض إال يف ثالثة مساجد‪ :‬مسجد مكة ومسجد املدينة ومسجد عبدالقي يف البحرين يف قرية‬
‫يقال ا هلجوااث‪ ,‬ففي ذلر يقول األعور الشين يفتخر بذلر‪ :‬واملسجد الثالث الشرقي كان لنا‪ ,‬واملنبان‬
‫وفصد القول يف اخلطب‪ ,‬أ ِ ال مسجد للنام ععرفه‪ ,‬إال بطيبة واحملجوب ذي احلجب"‪.‬‬
‫‪ .3‬أيرز ‪ -‬بتثليث الراء ‪ -‬أي ينضم وجيتم بعضه إىل بعض‪.‬‬
‫‪ .4‬قال رسول هللا ‪" :‬إن اإلَيان ليأرز إىل املدينة كما أترز احليَّة إىل هلجحرها"‪ ,‬رواه البخاري ومسلم‬
‫وأمحد وابن ماجه‪ ,‬وجاء يف رواية‪" :‬إن اإلسالِ بدأ غريبا‪ ,‬وسيعو غريبا كما بدأ‪ ,‬وهو أيرز بني املسجدين‬
‫كما أترز احلية يف جحرها"‪ ,‬رواه مسلم ‪ -‬واللفظ له ‪ -‬وأمحد‪ ,‬وجاء يف رواية‪" :‬إن الدين ليأرز إىل‬
‫احلجاز"‪ ,‬رواه اليمذي‪.‬‬
‫‪ .5‬يشري الشيخ إىل ا عاء صدي حسن خان وجو علماء مذهبيني‪ ,‬بلغوا رجة االجتها املطل ‪,‬‬
‫أسروه وأظهروا التقليد؛ ليسلموا من اعتقا العلماء‪ ,‬وأقبح منه ا عاء إخفاء االجتها وإظهار‬ ‫ولكنهم ُّ‬
‫التقليد؛ لتجري عليهم أرزاق املدارم واألوقاف‪ ,‬وقد سبق اإلجابة عن هذه الدعو ‪.‬‬
‫‪493‬‬
‫فـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد آن للمغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـرور أ ان يـتـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدَّما‬ ‫ـر ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـانـ هله ام مبع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزل‬
‫هلمداهن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاحلني فمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـن ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫إذا ملا ي هلكوعهلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا َّ‬ ‫ـالح هله ام‬
‫وح اسـ ـ ـ ــيب كـ ـ ـ ــراِ لـ ـ ـ ــي خياف ـ ـ ـ ـ صـ ـ ـ ـ هل‬
‫ص ـ ـ ـ ـوا ال ـ ـ ـ ــدين م اعلم ـ ـ ـ ــا‬
‫ض ـ ـ ـ ـوا ل ـ ـ ـ ـ اـن تـانـ هلق هل‬
‫وإ ان تـهل اعر هل‬ ‫اسـ ـ ـ ـ ـتـق هلاموا فحبَّ ـ ـ ـ ــذا‬
‫يموا م ـ ـ ـ ــا ا‬
‫ف ـ ـ ـ ــإ ان ت اس ـ ـ ـ ــتق هل‬
‫ـيك ام خالفهلـ هله ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـم عمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫احـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً ويكاف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هل‬ ‫و احن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـن كف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاان عـ اه هلج هله ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـم واتب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعهل هله ام‬
‫فـه ـ ـ ـ ـ ــاج هليه هلم م ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ َّـد م ـ ـ ـ ـ ـ اـن غاي ـ ـ ـ ـ ــه ظم ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـن أ اج ـ ـ ـ ـ ـ ــد أ اع ـ ـ ـ ـ ـ ــالِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا وتـرفَّـعهلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا‬
‫ـث إذا قالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ا هلمج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاانً هلمن َّم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫تـبهل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ‬ ‫ـوت عـ ـ ـ ـ ــن األ اذهـ ـ ـ ـ ــان ب اك ـ ـ ـ ـ ـراً مليح ـ ـ ـ ـ ـةً‬
‫جلـ ـ ـ ـ ـ هل‬
‫ـ ـ ـ ـ ــا التابـ ـ ـ ـ ـ ــر هلس ـ ـ ـ ـ ـ ـلَّما‬ ‫عل ـ ـ ـ ـ ـ ـ مل ـ ـ ـ ـ ــر ألاق ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫قهلـريش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيَّةً ه اجري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةً جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـد ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اد هلرها‬
‫‪8‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أ ان تـهلف َّخم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫فـتاراخيهله ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‪ :‬حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫فخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم‬
‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا غايـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرة يف هلك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب هلم َّ‬

‫‪ .8‬اتريخ إعشاء القصيدة عاِ ‪ 8385‬هـ‪ ,‬وإليه أ ار الشيخ عل حساب اجلهل َّمد‪.‬‬
‫‪492‬‬
491
‫اخلامتة‬
‫الفقه اإلسالمي ثروة تشريعية غالية‪ ,‬وعتاج فكري عمي ‪ ,‬أعتجه جهابذة‬
‫العلماء املختصني يف سائر علوِ الشريعة اإلسالمية واللغة العربية‪ ,‬وقد مجعوا بني‬
‫ثالثة أمور‪ :‬اإلخالص هلل ‪ ,‬واجتناب ا و ‪ ,‬والقوة العلمية املؤهلة خلوض‬
‫غمار االجتها الفقهي‪.‬‬
‫وم مرور الزمن ومتايز وجهات ع ر أولئر العلماء الراسخني احنصرت‬
‫مناهج االجتها والفروع الفقهية الناجتة عنه يف أربعة مذاهب فقهية معروفة‪,‬‬
‫فاعت م يف سلكها العلماء جيالً بعد جيد‪ ,‬يصححون ويصوبون ويقومون‪.‬‬
‫ظن بعض العلماء أن‬‫وع راً للتخلف الذي يعاين منه املسلمون منذ قرون‪َّ ,‬‬
‫السبب يرج إىل التمذهب الفقهي‪ ,‬فاعصرفوا عن املذاهب الفقهية‪ ,‬واعطلقوا يف‬
‫ميدان االجتها بدون أهلية كاملة‪ ,‬مصحوبة بسوء ظن فيها عند بعضهم‪ ,‬وغلبة‬
‫هو عند بعض اثن‪ ,‬وإعجاب لرأي عند بعض اثلث‪ ,‬وهزَية حضارية عند‬
‫ممارسات متشنجة‬ ‫اذة وآراء مضطربة‪ ,‬وطف‬ ‫بعض راب ‪ ,‬ف هرت فتاو‬
‫وسلوكيات متطرفة‪.‬‬
‫مث مل يكتف أولئر العلماء الرافضون للتمذهب الفقهي الذي اتفق عليه‬
‫كلمة فقهاء املسلمني عب العصور‪ ,‬بد زا وا الطني بلةً عتقا هم أن اجتها اهتم‬
‫امتدا دي السلف الصاحل‪ ,‬فوصفوها حل املعتمد والقول الصحيح‪ ,‬اعني‬
‫بلسان احلال أو املقال إىل اخلروج من التمذهب الفقهي إىل تقليدهم‪.‬‬

‫‪499‬‬
‫وعتيجةً ذا التخبُّط والتفلُّ ‪َّ ,‬‬
‫جترأ أ عياء العلم عل االجتها ‪ ,‬واقتحموا‬
‫أسوار الشريعة‪ ,‬حىت صار ما يسم ملفكر أو املثقف ‪ -‬فضالً عن مبتدئي‬
‫طالب العلم ‪ -‬ال يتحرج من ختطئة جهابذة العلماء بكد راحة وأرحيية‪.‬‬
‫ويف اعتقا ي أن هذا الواق الفوضوي سيستمر ما مل حيزِ علماء املسلمني‬
‫كلمتهم‪ ,‬أبن يعلنوا اعتماءهم واعتساِبم للمذاهب الفقهية األربعة‪ ,‬ويكملوا مسرية‬
‫االجتها الشرعي العضباط أبصو ا وقواعدها‪ ,‬والتخريج والتفري عل مسائلها‪.‬‬
‫وال ماع من أن يستفيدوا من املذاهب الفقهية جمتمعة‪ ,‬ما مل ينتج تلفي ‪ ,‬أو‬
‫أخذ بقول اذ‪ ,‬أو تتبُّ لرخص‪.‬‬
‫وهنا يهلوقف مدا هل القلم تدفقه‪ ,‬ويهلقفد الكتاب صفحاته‪ ,‬وخيتم املؤلف قوله‬
‫مبا ابتدأ به إهداءه‪:‬‬
‫س ـ ـ ـ ــيج لتوفيـ ـ ـ ـ ـ ح ـ ـ ـ ــا ومغنم ـ ـ ـ ــا‬ ‫ـيخ ال ــذي ــد رمـ ـ‬
‫أال أيُّه ــا الش ـ هل‬
‫سـ ـ ــع النصـ ـ ـ هلـر يف مس ـ ــعاه أ َّ ن َيَّمـ ـ ــا‬ ‫ـر مسـ ـ ـ ــعاه النفـ ـ ـ ــي هل لربـ ـ ـ ــه‬
‫ومـ ـ ـ ـ اـن يـ ـ ـ ـ هل‬
‫أق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاموا إل راك الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـريعة هلسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلَّما‬ ‫وهـ ـ ـ ــد أع ـ ـ ـ ـ إال اف ـ ـ ـ ـ ع ـ ـ ـ ــن أئم ـ ـ ـ ــة‬
‫يص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد س ـ ـ ـ ـ ـ ــبيالً لر ـ ـ ـ ـ ـ ــا هلمق َّوم ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫هل‬ ‫ـالِ عــن رأي جاهــد‬
‫ِبــم هلحــرم اإلسـ هل‬
‫وهللا أســأل أن يقـ هــذا الكتــاب عنــد هللا موقـ القبــول والرضــا‪ ,‬وعنــدك أيهــا‬
‫القارئ موق االقتناع واالستحسان‪ ,‬أو عل األقد موقـ التقـدير واإلعـذار‪" ,‬ولكـد‬
‫وجهة هو موليها"‪.‬‬
‫ويف ك ــال احل ــالتني أرج ــو ع ــوًة ص ــاحلة يف ظه ــر الغي ــب م ــن إخ ــوة يل يف هللا‪,‬‬
‫عدت بيين وبينهم املسافات‪ ,‬ومجعتين ِبم املقاصد والغا ت‪ ,‬وأوصيهم الستزا ة‬
‫من العلوِ الشرعية واللغوية‪ ,‬وتوقري علمائها أكمد التوقري‪ ,‬وتقديرهم أمت التقدير‪.‬‬
‫‪511‬‬
‫اللهم ألف بني قلوب املسلمني‪ ,‬وامج كلمتهم حت راية احل والدين‪,‬‬
‫ور هم إىل ينر وكتابر وسنة عبير ر ا مجيال أرحم الرامحني‪ ,‬واحلمد هلل رب‬
‫العاملني‪ ,‬وصل هللا وسلم عل رسوله األمني‪ ,‬وعل آله وصحابته واتبعيه إبحسان‬
‫إىل يوِ الدين‪ ,‬واجعلنا اللهم منهم وفيهم ومعهم أكرِ األكرمني‪.‬‬

‫عبداإلله بن حسني العرفج‬


‫األحساء ‪ /‬السعو ية‬
‫‪aharfaj@yahoo.com‬‬

‫‪518‬‬
517
‫الفهرس‬
‫إهداء ‪5 ...........................................................................‬‬
‫تقريظ الدكتور الشريف حامت بن عارف العوين ‪2 .......................................‬‬
‫سبب التأليف ‪9 .................................................................‬‬
‫ولكن‪ ,,,‬آراء غريبة ‪85 ..........................................................‬‬
‫ووقائ قاسية ‪38 ................................................................‬‬
‫مذاهب متعد ة ال مذهب واحد ‪39 ..............................................‬‬
‫فوض اإلفتاء والقرار السامي بقصر الفتو عل هيئة كبار العلماء ‪48 ................‬‬
‫احلاجة هلمل َّحة للتأليف‪43 .........................................................‬‬
‫الفصد األول‪ :‬روط االجتها الشرعي وأسباب اخلالف الفقهي ‪49 ....................‬‬
‫مقدمة ‪58 ......................................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬روط االجتها الشرعي‪58 ........................................‬‬
‫مراتب اجملتهدين‪59 ...........................................................‬‬
‫ختفيف روط االجتها من خالل جتديد أصول الفقه ‪38 .........................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬أسباب اخلالف الفقهي‪33 .........................................‬‬
‫أوال‪ :‬طبيعة اللغة العربية ‪31 ....................................................‬‬
‫اثعيا‪ :‬السنة النبوية ‪23 .........................................................‬‬
‫اثلثا‪ :‬موقف السنة النبوية من القرآن الكرمي‪11 ...................................‬‬
‫رابعا‪ :‬حجية بعض مصا ر التشري ‪15 ..........................................‬‬
‫خامسا‪ :‬منهج االستدالل وعلم أصول الفقه ‪19 .................................‬‬
‫تعريف علم أصول الفقه ‪97 .................................................‬‬
‫أمثلة عل القواعد األصولية وأثرها الكبري يف اخلالف الفقهي ‪94 ................‬‬

‫‪513‬‬
‫الن رة السديدة للخالف الفقهي ‪815...........................................‬‬
‫اخلالصة ‪811...................................................................‬‬
‫الفصد الثاين‪ :‬املناهج الفقهية املعاصرة ‪888...........................................‬‬
‫مقدمة ‪883.....................................................................‬‬
‫عقاط االتفاق‪881...............................................................‬‬
‫عقطة االختالف ‪874............................................................‬‬
‫مد ثبات املناهج الفقهية عل قواعدها األصولية‪838..............................‬‬
‫املنهج السلفي‪ :‬الشيخ انصر الدين األلباين مثاال‪833.............................‬‬
‫املنهج التيسريي‪ :‬الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي مثاال ‪832......................‬‬
‫املنهج املذهيب‪ :‬املذهب الشافعي مثاال ‪894......................................‬‬
‫وقفة م اضطراب املناهج الفقهية‪784.............................................‬‬
‫اخلالصة ‪781...................................................................‬‬
‫الفصد الثالث‪ :‬املنهج املذهيب‪778...................................................‬‬
‫مقدمة ‪773.....................................................................‬‬
‫مكاعة الفهم الصحيح يف اإلسالِ‪773.............................................‬‬
‫اجتماع الفقه يف املذاهب األربعة ‪738.............................................‬‬
‫التقيد مبذهب واحد بني اجلواز واحلرمة ‪733........................................‬‬
‫ملاذا املذاهب الفقهية األربعة؟ ‪731................................................‬‬
‫بهات حول املنهج املذهيب ‪741............................................‬‬ ‫تفنيد‬
‫عو إمهال االستدالل لكتاب والسنة ‪747................................‬‬ ‫‪.8‬‬
‫عو تعطيد العقد وحركة االجتها الفقهي واستيعاب النوازل املستجدة ‪742...‬‬ ‫‪.7‬‬
‫عو تعصب أتباع املذاهب األربعة ألقوال أئمتهم عل حساب الدليد ‪753....‬‬ ‫‪.3‬‬
‫التن ري والتأصيد‪754.......................................................‬‬
‫‪514‬‬
‫التطبي والتمثيد ‪755.......................................................‬‬
‫أ‪ .‬أمثلة من استدراك علماء املذهب عل إمامهم‪755..........................‬‬
‫ب‪ .‬أمثلة من استدراك األبناء عل آ ئهم ‪753................................‬‬
‫ج‪ .‬أمثلة من استدراك التالميذ عل مشاخيهم‪752.............................‬‬
‫‪ .‬أمثلة من استدراك بعض علماء املذهب عل بعض ‪751.....................‬‬
‫‪ .4‬عو التفرق والتحزب ‪738................................................‬‬
‫مناذج من عصوص تلر الدعو ‪738.........................................‬‬
‫عصوص أتصيلية تدل عل تكامد املذاهب الفقهية ‪734........................‬‬
‫قواعد فقهية لضبط التعامد م اخلالف الفقهي ‪733...........................‬‬
‫‪ .5‬عو الكسد والفتور وقصور ا مة ‪721.....................................‬‬
‫السبب املنطقي والصحيح للمذاهب األربعة‪725....................................‬‬
‫مناذج مشرقة من تعامد بعض أتباع املذاهب الفقهية م بعض ‪711...................‬‬
‫وقفة م التعصب املذهيب ‪717.................................................‬‬
‫أصول املذاهب األربعة‪791.......................................................‬‬
‫صح احلديث فهو مذهيب ‪793.................................................‬‬‫إذا َّ‬
‫أال َيكن توحيد املذاهب األربعة يف مذهب واحد؟ ‪799.............................‬‬
‫اخلالصة ‪318...................................................................‬‬
‫الفصد الراب ‪ :‬املنهج السلفي‪313....................................................‬‬
‫مقدمة ‪315.....................................................................‬‬
‫السيد صدي حسن خان منوذجا ‪319.............................................‬‬
‫هد يلزِ تضمني الدليد يف الفتو ‪385.............................................‬‬
‫فتاو سلفية بدون ليد ‪389..................................................‬‬
‫املوقوف واملقطوع‪373.........................................................‬‬
‫‪515‬‬
‫العبة لعامل ولي جمر الدليد ‪373................................................‬‬
‫الدليد الشرعي ال َين اخلالف الفقهي ‪331........................................‬‬
‫العصمة واحتكار احل "األلباين منوذجا" ‪332.......................................‬‬
‫مناقشة األلباين يف بعض احل الذي اعتمده ‪345.................................‬‬
‫التفري الفقهي بني السطحية والعم ‪353..........................................‬‬
‫إسرار االجتها حرصاً عل مكاسب التقليد ‪359...................................‬‬
‫التفاف املنهج السلفي عل التمذهب الفقهي‪335..................................‬‬
‫إعكار مسائد اخلالف ‪323.......................................................‬‬
‫اجلرأة عل منصب االجتها ‪322.................................................‬‬
‫اخلالصة ‪317...................................................................‬‬
‫الفصد اخلام ‪ :‬املنهج التيسريي ‪312................................................‬‬
‫مقدمة ‪319.....................................................................‬‬
‫التيسري مقصد رعي‪398........................................................‬‬
‫أقساِ التيسري يف اإلسالِ ‪393....................................................‬‬
‫م اهر التيسري يف الشريعة‪399....................................................‬‬
‫بني الرخص الشرعية ورخص الفقهاء ‪417..........................................‬‬
‫ما بني األخذ برخص الفقهاء وتتبعها‪412..........................................‬‬
‫أمثلة عل تتب الرخص ‪481...................................................‬‬
‫اختار أيسرمها ما مل يكن إمثا‪488..................................................‬‬
‫ضوابط علمية لالستفا ة من املذاهب الفقهية ‪485..................................‬‬
‫َّأوال‪ :‬أن يعتقد فضد مقلَّده عل غريه‪ ,‬وهو رط مرجوح ‪489.....................‬‬
‫اثعيا‪ :‬أن جيتنب زالت العلماء وسقطاهتم‪472....................................‬‬
‫اثلثا‪ :‬أال يؤ ي تقليده لعد من العلماء إىل التلفي ‪441..........................‬‬
‫‪513‬‬
‫رابعا‪ :‬أال يعمد لقول وضده يف مسألة واحدة ‪457..............................‬‬
‫خامسا‪ :‬أال يتتب رخص الفقهاء ‪453...........................................‬‬
‫مناقشة بعض العلماء يف جتويزهم العمد لرخص الفقهية وتتبعها ‪433............‬‬
‫قرار جمم الفقه اإلسالمي بشأن األخذ لرخصة وحكمه ‪421..................‬‬
‫اخلالصة ‪428...................................................................‬‬
‫الفصد السا م‪ :‬قصيدة الشيخ العلجي‪425..........................................‬‬
‫ترمجة العلجي‪422...............................................................‬‬
‫سبب القصيدة ‪413.............................................................‬‬
‫عص القصيدة‪419...............................................................‬‬
‫اخلامتة ‪499........................................................................‬‬
‫الفهرم‪513.......................................................................‬‬

‫‪512‬‬

You might also like