Professional Documents
Culture Documents
عرض وحتليل
تأليف
د .عبداإلله بن حسني العرفج
تقريظ
د .الشريف حامت بن عارف العوني
3
4
إهداء
أهدي هذا الكتاب -سائال هللا أن يكتبه يف صحائفهم -لثالثة:
جدي الشيخ حممد بن حسني العرفج الشافعي رمحه هللا (8331-8721هـ)
كون لنا علمياً أستاذان الشيخ أمحد بن عبدهللا الدوغان.
الذي َّ
الشيخ عبدالعزيز بن صاحل العلجي املالكي رمحه هللا (8337-8791هـ)
الذي ساهم يف تكوين الشخصية العلمية ألستاذان الشيخ أمحد الدوغان,
وصاحب القصيدة امليمية اليت قال فيها -خماطبا أستاذه الشيخ إبراهيم بن
عبداللطيف آل الشيخ مبارك املالكي رمحه هللا (8358-8735هـ) :-
س ـ ـ ـ ــيج لتوفيـ ـ ـ ـ ـ ح ـ ـ ـ ــا ومغنم ـ ـ ـ ــا ـيخ ال ــذي ــد رمـ ـ
أال أيُّه ــا الش ـ هل
سـ ـ ــع النصـ ـ ـ هلـر يف مس ـ ــعاه أ َّ ن َيَّمـ ـ ــا ـر مسـ ـ ـ ــعاه النفـ ـ ـ ــي هل لربـ ـ ـ ــه
ومـ ـ ـ ـ اـن يـ ـ ـ ـ هل
أق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاموا إل راك الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـريعة هلسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلَّما وهـ ـ ـ ــد أع ـ ـ ـ ـ إال اف ـ ـ ـ ـ ع ـ ـ ـ ــن أئم ـ ـ ـ ــة
8
يص ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد س ـ ـ ـ ـ ــبيالً لر ـ ـ ـ ـ ــا هلمق َّوم ـ ـ ـ ـ ــا
هل ـالِ عــن رأي جاهــد
ِبــم هلحــرم اإلسـ هل
الشيخ أمحد بن عبدهللا الدوغان رمحه هللا (8434-8337هـ) الذي أخذ
أبيدينا إىل جا ة الصواب يف زمن كثهلر فيه املدَّعون واملتخطفون.
ي رمحهم هللا ,أهدي هذا م ولكد عامل خملص لربه ,وصا ق يف عوته ,ولوالد َّ
العمد املتواض .
.8من حني آلخر كن ألقي بعض أبيات القصيدة يف مؤمترات وحماضرات و روم علمية ,فكان تق من
علي إبخراجها للوجو م رحها وبيان مالبساهتا,
احلضور موق القبول والرضا ,وقد تكررت اإلحلاحات َّ
وع راً ذه املطالب وألمهية القصيدة يف أتصيد املنهج الفقهي املذهيب فقد خصص ا الفصد السا م.
5
3
تقريظ الدكتور الشريف حامت بن عارف العوين
بسم هللا الرمحن الرحيم
احلمد هلل رب العاملني ,والصالة والسالِ عل إماِ األعبياء واملرسلني ,وعل
آله وأصحابه والتابعني ,أما بعد:
فقد قرأت كتاب الشيخ الفاضد /عبداإلله بن حسني بن الشيخ حممد
العرفج (وفقه هللا) ,املعنون بـ(املناهج الفقهية املعاصرة :عرض وحتليد) ,والذي
كثريا مما ا ومما عليها ,مبنهج عرض فيه ملدارم الفتو و ُّ
التفقه املعاصرة ,وبني ً
علمي ها ئ ,ال إقصاء فيه وال جتريح ,بد بلغة التزم أ ب العلم ومنهج العدل.
واحلقيقة أعنا كنا حنتاج مثد هذا الكتاب؛ ألسباب:
منها أعنا حنتاجه إلحداث توازن مهم للوسط الفقهي؛ لكي ال تطغ مدرسة
فقهها الذي هلهدي بهعل مدرسة ,فتفقد األمة ترااث علميا كبريا ,بد ترااث هو هل
عل مر قرون كثرية ,منذ األئمة األربعة (رمحهم هللا تعاىل) إىل يوِ النام هذا.
ومنها أعه يؤرخ للحركة الفقهية املعاصرة من فقيه معاصر ا ,وهذا سيعطيه
قيمة علمية كبرية ,وستز ا قيمته (إبذن هللا) م امتدا الزمن؛ ألن النام
رصدا أميناً لواق املدارم الفقهية يف عصران.
والباحثني سيجدون فيه ً
ومنها أعه يهلبز وجهة ع ر ا قدرها حول بعض املدارم الفقهية املعاصرة,
ويعطي تقوَيا علميا ا ,خاصة بعد يوع وجهة الن ر املخالفة ا عل مر
عقو سابقة.
2
التفقهي يف مسائد جزئيةُّ فضالً عما يف مضامني هذه الدراسة من إاثرة احل
عديدة ,هناك ما يدعو إىل إعا ة الن ر فيها ,وتنزيلها يف منزلتها من االعتبار
وعدمه ,أو من الرجحان واملرجوحية.
ختصار :أرجو أن يهلسهم هذا الكتاب يف إعا ة التوازن إىل العقد الفقهي
املعاصر ,ويف توجيه املزاج العاِ لطلبة العلم إىل يء من االعتدال يف الن ر
للتمذهب من عدمه.
وأ كر الشيخ الفاضد /عبد اإلله العرفج سليد املدرسة الشافعية يف بلد
التنوع الفقهي الفريد (األحساء) عل هذا اجلهد املتميز ,وأسأل هللا تعاىل أن ينف
بكتابه ,وأن يهلثقـد بعموِ االعتفاع به أجره ,وأن يكون فاحتة إعتاج علمي مستمر
وعطاء فقهي مستنري.
واحلمد هلل وحده ,والصالة والسالِ عل من ال عيب بعده ,وعل أزواجه
وذريته إىل يوِ الدين.
وكتب
أ / .الشريف حامت بن عارف العوين
يف مكة املكرمة 8433/3/9هـ
1
بسم هللا الرمحن الرحيم
احلمد هلل رب العاملني ,والصالة والسالِ األمتان األكمالن عل رسوله
األمني ,سيدان وعبينا وإمامنا وقدوتنا حممد سيد األولني واآلخرين ,وعل آله
الطيبني الطاهرين ,وأصحابه الكراِ امليامني ,وعل من تبعهم واهتد ِبديهم إىل
يوِ الدين ,واجعلنا اللهم منهم وفيهم ومعهم رب العاملني ,أما بعد,,,
سبب التأليف
يسر هللا يل أن ألتح براكب طالب العلم الشرعي يف األحساء عندما َّ
-وكان عمري إذ ذاك ال يتجاوز ثالث عشرة سنة ,-وعزم عل راسة علم
الفقه ,كان أمامي منهجان فقهيان :أو ما املنهج املذهيب ,وهو املنهج الذي يتقيد
جتها ات مذهب من املذاهب الفقهية األربعة املشهورة :احلنفي واملالكي
والشافعي واحلنبلي ,أما اثعيهما فهو املنهج غري املذهيب ,وهو املنهج الذي يعتمد
عل االجتها يف عصوص الكتاب والسنة مبا رة ,وإذا جلأ أصحابه إىل املذاهب
الفقهية ,فإمنا يلجأون إليها لليجيح بينها واالعتقاء منها.
وع را ألن املنهج السائد عندان يف األحساء يف تلر الفية -وما زال -هو
املنهج املذهيب ,فقد اعت م هل يف سلر طالب املذهب الشافعي ,عند أستاذان
الشيخ أمحد بن عبدهللا الدوغان رمحه هللا ,وهو أحد تالمذة جدي الشيخ حممد بن
حسني العرفج رمحه هللا.
وملا كاع األحساء متميزة ستقرار املذاهب الفقهية األربعة فيها منذ قرون,
فقد كان علماؤان جزاهم هللا عنا خري اجلزاء -إضافةً لتعليمهم لنا مسائد العلم
والفقه -حريصني عل تنشئتنا عل أ ب اخلالف الفقهي ,فقد كاعوا متميزين
9
بفهم عمي ألسباب اخلالف الفقهي 8و واعيه وكيفية التعامد معه ,ومدركني َّ
أن
إساءة فهم أسباب اخلالف الفقهي ستؤ ي إىل عزاع و قاق بني طالب العلم
أي موقف سليب الجتماع املذاهب ينقد لنا َّ
الشرعي ,ولذلر فإن التاريخ مل هل
الفقهية األربعة يف األحساء.
بد إن التاريخ عقد لنا مواقف من واق احلياة عل املستو االجتماعي
واالقتصا ي والزراعي ,كان فقهاؤان يف األحساء حيلوهنا ويزيلون إ كاالهتا,
معتمدين عل هذا اخلالف الفقهي ,أو إن ئ قد :هذه الثروة الفقهية.7
ومن األمثلة الدالة عل ما ذكرته املسألة اليت رفع لعلماء األحساء يف
القرن الثاين عشر ا جري املتعلقة بقسمة املاء اجلاري اململوك لعد من أصحاب
الزراعات ,3وحكمها عند الشافعية واحلنابلة أن يسقي األول إىل مبدأ املاء ,مث من
يليه ,حبيث يرتف املاء إىل اجل ادر -وهو احلاجز القصري الذي يوض بني ر ت
النخد أو حول أصول النخد ,ويقدر ارتفاع املاء فيه إىل الكعبني تقريبا -وفقا
حلكم النيب للزبري بن العواِ عندما انزعه جاره األعصاري يف السقي من
.8بغية الوعاة يف طبقات اللغويني والنحاة لإلماِ جالل الدين السيوطي (.)84/8
84
ولكن ,,,آراء غريبة
ولكننا -يف تلر البيئة العلمية واليبوية -كاع تصر آذاعنا وتكدر
خواطران آراء وفتاو غريبة ,تصدر من حني آلخر ,منها ما يتعل بنقد املنهج
الفقهي الذي عسري عليه ,ومنها ما يتعل مبفر ات املسائد اليت ععتقد صحتها -
حسب مذاهبنا الفقهية .-
عبذ املذاهب الفقهية
.8فمن النوع األول الذي يتعارض م منهجنا الفقهي هل
وحترمي تقليدها ,ومن األمثلة عل ذلر أن الشيخ حممد انصر الدين األلباين عفا
هللا عنه (8471-8333هـ) سئد عن لزومية اتباع الشاب املتعلم مذهبا؛ "حىت
َّ
ويشتد عوهله ,8فيميز اخلبيث 7من الطيب". علمه
يغزر هل
فقال الشيخ األلباين" :األمر خيتلف ختالف اجملتم الذي يعيش فيه هذا
الشاب ,فإن كان يعيش يف جمتم مذهيب ,ال يعرفون الكتاب والسنة ,... ,ال
يعرفون سو أن يتمذهب أحدهم حىت لو وصد مرتبة الدكتوراه ,... ,فمن كان
بد من أن تكون راسته مذهبية ,... ,وعقيح عل من يف مثد هذا اجملتم فال َّ
ابتلي 3من الشباب مبثد هذا اجملتم الذي ال يساعده إال عل هذه الدراسة
املذهبية أن يض عصب عينيه أن ال يعتقد أن هذه الدراسة تساوي قال هللا ,قال
.8العجيب أن الذي كان يطرح األسئلة عل الشيخ األلباين قرأ السؤال كما يلي" :حىت يغزر علمه
ويشتد عو ه" ,وأتب سؤاله بضحكات ,فيا سبحان هللا ,لقد مج يف عبارته القصرية ثالث أخطاء حنوية, ُّ
فأجد ار به أن يدرم منت األجرومية يف النحو قبد اخلوض يف مسائد االجتها ,وإال فأي مقدرة لديه عل
االجتها إذا كان ال يقيم لساعه؟! وقد ا يط األصوليون لالجتها الشرعي التمكن يف علوِ اللغة العربية.
.7هد جيوز وصف أقوال الفقهاء -مهما بلغ خطؤها -خلبث؟!
.3البيئة املذهبية بالء عند الشيخ األلباين.
85
خاصتهله علماؤه ال يتبعون
رسول هللا ,... ,أما من كان يعيش يف جمتم َّ ,... ,
مذهبا معينا ,إمنا يتبعون الكتاب والسنة سواء كان م زيد أو بكر من األئمة,
فينبغي أن يكون -واحلالة هذه -راسة هذا الشاب من كتب غري مذهبية ,وهي
-م كوهنا قليلة -فهي تفتح له أبواب الفقه والفهم من الكتاب والسنة ,ولكنه
-بال ر -سيفوته الشيء الكثري من العلم؛ لقلة املصا ر اليت تساعده عل
هذه النوعية من الدراسة الفقهية ,إال أعه سيجد هناك يف كتب يخ اإلسالِ ابن
تيمية وتلميذه البار ابن قيم اجلوزية ما يوس جمال أفقه ,وجيعله واثقا يف أن يتعرف
-ولو م الزمن -عل املسائد مستنبطةً من الكتاب والسنة ,... ,إذن اجلواب
اآلن وضح أعه خيتلف من جمتم إىل آخر ,ويشيط يف اجملتم األول الذي يعيش
فيه ذلر الشاب أن جيعد راسته املذهبية وسيلة ولي غاية ,إذاً فالغاية هو أن
يصد ...إىل أن يتفقه عل الكتاب والسنة".8
إن كالِ الشيخ األلباين واضح يف اللته عل اعتقا ه أبن اجملتمعات اليت
تسري عل املنهج الفقهي املذهيب ال تفقه الكتاب والسنة ,وأهنا بالء منتشر يف
األمة اإلسالمية يف هذا العصر ,وم هذه القناعة اخلطرية فقد وصد الشيخ األلباين
إىل قناعة خطرية أخر ,مفا هلها أن اجتها اته املبنية عل الكتاب والسنة مجع
احل الذي ال يوجد جمتمعاً يف املذاهب الفقهية.7
.8التعصب ال مذهب له ,وقد انقش قضية التعصب املذهيب يف الفصد الثالث.
.7عرض يف الفصد الثالث مناذج من استدراك علماء املذهب الفقهي عل أخطاء من سبقهم من
علماء مذهبهم.
. 3املعىن الصحيح ذه العبارة هو ما قرره الدكتور عبدالع يم الديب رمحه هللا -يف مقدمة حتقي كتاب
"هناية املطلب" للجويين رمحه هللا ( - )98بقوله" :ما كان لنا ولشيوخنا أن الف أمر هللا ,فنيك اآلية أو
ترجح عندان صرفه عن ظاهره بدليد ,أو أتكد احلديث إىل الرأي ,فإذا وجدت يئا من هذا فاعلم أعه َّ
عندان أعه منسوخ ,أو أن احلديث مل يصح ,ومعاذ هللا أن عيك اآلية واحلديث لرأينا" ,وما قرره الشيخ وهيب
سليمان غاوجي رمحه هللا -يف كتابه "سهاِ طائشة عن الفقه ( - )58بقوله" :األمر أن الرجد لتبحره يف
العلم ير أن مذهبه قائم عل النصوص ,موث أل لة ,حبيث إن ما خالفها من النصوص فهو منسوخ أو
معل بقيد أو مؤول مبعىن" ,وارج إىل كتب الياجم لتعرف سرية اإلماِ أيب احلسن الكرخي احلنفي العابد
الزاهد الصواِ القواِ مستجاب الدعوة.
.4عو عريضة ,فإن اختالف املذاهب ما عشأ أساسا إال بناء عل االختالف يف فهم عصوص الكتاب
والسنة.
. 5أخش أن يكون قصد الشيخ أن تقليد املذاهب األربعة بيه ختاذ النصار أحبارهم ورهباهنم أر
بن هذه الدعو ,فقد ا عاها قبله اإلماِ الشوكاين عفا هللا عنه ,فقد قال يف كتابه
من ون هللا ,وال تستغر َّ
89
ذلر أن اختلف امللة يعا وأحزا ,حىت إهنم اختلفوا يف حكم تزوج احلنفية
لشافعي ,... ,كما كان من آاثر ذلر اعتشار البدع ,واختفاء معامل السنن,
ومخو احلركة العقلية ,ووقف النشاط الفكري ,وضياع االستقالل العلمي ,األمر
الذي أ إىل ضعف خصية األمة ,وأفقدها احلياة املنتجة ,وقعد ِبا عن السري
والنهوض ,ووجد الدخالء بذلر ثغرات ينفذون منها إىل صميم اإلسالِ,... ,
وأخريا اعته األمر لتشري اإلسالمي الذي ع َّم هللا به حياة النام مجيعا ,وجعله
سالحا ملعا هم ومعا هم ,إىل ركة مل يسب ا مثيد ,وعزل إىل هوة سحيقة,
وأصبح اال تغال به مفسدة للعقد والقلب ,ومضيعة للزمن ,ال يفيد يف ين هللا,
وال ين م حياة النام".8
إن من يقرأ متهيد السيد ساب عفا هللا عنه لكتابه املتضمن عواه اجلريئة
القيان تقليد املذاهب الفقهية األربعة بفقدان األمة اإلسالمية ا داية لكتاب
والسنة ,ووقوعها يف ر التفرق والتحزب ,وتوقف حركة النشاط الفكري ,وضعف
خصية األمة اإلسالمية ,ليكا ي ن أن املذاهب الفقهية األربعة عبارة عن قو
"القول املفيد يف أ لة االجتها والتقليد" (" :)51فال حيَّا هللا هؤالء املقلدة الذين أجلأوا األئمة األربعة إىل
التصريح بتقدمي أقوال هللا ورسوله عل أقوا م؛ ملا اهدوه عليهم من الغلو املشابه لغلو اليهو والنصار
يف أحبارهم ورهباهنم ,... ,وكأن هذه الشريعة اليت بني أظهران صارت منسوخة ,والناسخ ا ما ابتدعوه
من التقليد يف ين هللا ,فال يعمد النام بشيء مما يف الكتاب والسنة ,بد ال ريعة م إال ما قدرته يف
املذاهب ,... ,هذا حاصد قو م ومفا ه ,... ,فعدلوا عن هذه العبارة الكفرية واملقالة اجلاهلية إىل ما
يالقيها يف املرا ,ويوافقها يف املفا " ,ومن علمائنا األحسائيني الذين رُّوا عل الشوكاين الشيخ حسني بن
أمحد الدوسري الشافعي يف كتابه "القول السديد والبهان املبيد لقولر املفيد وحرمة االجتها عل
القاصرين ووجوب التقليد" ,بتحقي أخينا الشيخ فيصد اخلطيب.
.8فقه السنة للسيد ساب (.)88/8
71
ماسوعية صهيوعية صليبية استعمارية ,مزق جسد األمة اإلسالمية ,وألق ِبا يف
مهاوي الضياع ومهامه التيه ,وأعه جاء بكتابه لينقذ املسلمني من هذا الواق .8
ومن اآلراء املتعارضة م منهجنا الفقهي عو اقيان املذهبية الفقهية
بتعطيد العقد ,واحلرمان من احلكمة ,والرزء يف الدين ,ومن األمثلة عل ذلر قول
الشيخ حممد ر يد رضا عفا هللا عنه (8354-8717هـ)" :ومن هلرزئ لتقليد
كان حمروماً من مثرة العقد ,وهي احلكمة ,وحمروماً من اخلري الكثري الذي أوجبه هللا
لصاحب احلكمة ,... ,فيكون كالكرة ,تتقاذفه وسوسة ياطني اجلن وجهالة
ياطني اإلع ,يتوهم أعه قد يستغين بعقول النام عن عقله ,وبفقه النام عن
فقه القرآن" ,7وقوله" :االختالف هو أثر طبيعي للتقليد واالعتصار للرؤساء الذين
ُّاختذوا أعدا اً ,... ,إذ لوال التقليد لسهد عل األمة أن تهلرج يف كد عصر أقوال
اجملتهدين واملستنبطني إىل قول واحد ,يعرضه عل كتاب هللا وسنة رسوله".3
ومن اآلراء املتعارضة م منهجنا الفقهي املذهيب مساواة التمذهب الفقهي
لتعصب املذهيب ,ومن األمثلة عل ذلر قول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي
حف ه هللا -وهو يبني منهجه يف الفتو " :-بعد أن عرضنا ألهم املزال اليت تزل
السبب يف ختلف املسلمني وأتخرهم التمذهب ملذاهب الفقهية األربعة ,ولكنه االستبدا
هل .8لي
السياسي ,وال لم االجتماعي ,والتحكم لثروات ,واستفحال الشهوات ,وحب الدعيا ,وكراهية املوت,
وعدِ اخلوف من هللا ,ولو كان السبب يكمن يف املذهبية الفقهية ملا امتدت حدو اخلالفة العباسية
والعثماعية إىل أقص الشرق والغرب.
.7تفسري املنار (.)23/3
.3تفسري املنار ( ,)811/7وكالِ الشيخ واضح يف تومهه إمكان مج اجملتهدين يف مذهب واحد ,األمر
يتسن للصحابة الكراِ.
الذي مل َّ
78
فيها أقداِ الذين يتصدون للفتو يف هذا العصر ,... ,حيسن بنا أن ععرض هنا
ملنهج عملي معاصر ,... ,وهذا املنهج هو ما اخيته لنفسي ,... ,وهذا املنهج
يقوِ عل مجلة من األس َّ ,... ,أوالً :التحرر من العصبية املذهبية والتقليد
األعم لزيد أو عمرو من املتقدمني أو املتأخرين ,فقد قيد :ال يقلد إال عصيب أو
غيب ,وأان ال أرض لنفسي واحدا من الوصفني ,هذا هو التوقري الكامد ألئمتنا
وفقهائنا ,فعدِ تقليدهم لي حطا من أهنم ,... ,كما أن عدِ تقليدهم ال يعين
اإلعراض عن فقههم وتراثهم ,بد ينبغي الرجوع إليه واالستفا ة منه مبختلف
مدارسه ,ون حتيز وال تعصب".8
إن كالِ الشيخ القرضاوي يتضمن وصف املقلد لعصبية أو الغباء ,ويعطفه
عل العصبية املذهبية والتقليد األعم ,وهذان الوصفان -من وجهة ع ري -ال
ينطبقان إال عل من َيلر أ وات اليجيح ,واتضح لديه ضعف أ لة مذهبه يف
أصر عل التمسر مبذهبه فيها ,فهذا الذي يصح أن مسألة ما ,وم ذلر َّ
يوصف لعصبية املذهبية ,أما من مل َيلر تلر األ وات ,وبقي عل تقليد مذهبه
فإعه ال يوصف لعصبية ,وال يوصف لغباء أيضا ,فقد يكون من أذك
األذكياء ,ولكنه منصرف عن ز ة التحصيد الفقهي؛ ألي سبب من األسباب,
ولو أتيح له ال روف لرمبا كان إماما من األئمة.
مث إن احملققني من فقهاء املذاهب الفقهية األربعة متفقون عل جواز اخلروج
من املذهب الفقهي إىل مذهب فقهي آخر يف مسألة ما إذا اتضح لعامل جمتهد
رجحان تلر املسألة حسب ذلر املذهب ,أو كاع احلاجة اعية لذلر,
.8وما قصيدته املذكورة يف الفصد السا م إال واحدة من صوالته م املدرسة السلفية ,كما أن ترمجته
حتتوي عل بعض صوالته الشعرية م املدرسة العقالعية أو اإلصالحية.
.7إفا ة مكتوبة من األستاذ عبدالعزيز بن أمحد العصفور ,عقالً عن مقابلة خصية له م الشيخ أمحد
بن حجر البوطامي تلميذ الشيخ العلجي.
.3حجة النيب كما رواها عنه جابر لأللباين ( ,)81وقد انقش املسألة يف الفصد الثاين.
75
قل :ويف هذه اآلاثر الصحيحة ما يدل عل أن قص اللحية أو األخذ منها كان
أمرا معروفا عند السلف ,خالفا ل ن بعض إخواعنا من أهد احلديث الذين
يتشد ون يف األخذ منها ,متمسكني بعموِ قوله " :وأعفوا اللح " ,غري
منتبهني ملا فهموه من العموِ أعه غري مرا ؛ لعدِ جر ن عمد السلف عليه,... ,
لقد توسع قليال بذكر هذه النصوص عن بعض السلف واألئمة؛ لعزهتا ول ن
الكثري من النام أهنا خمالفة لعموِ" :وأعفوا اللح " ,ومل يتنبهوا لقاعدة أن الفر
من أفرا العموِ -إذا مل جير العمد به -ليد عل أعه غري مرا منه ,وما أكثر
البدع اليت يسميها اإلماِ الشاطيب لبدع اإلضافية إال من هذا القبيد".8
ومنها قول األلباين أيضا بوجوب االقتصار عل إحد عشرة ركعة يف صالة
الياويح ,فقد قال -خمالفا اإلمجاع " :-تبني لنا مما سب أن عد ركعات قياِ
الليد إمنا هو إحد عشرة ركعة لنص الصحيح من فعد رسول هللا ,وإذا
أتملنا فيه ي هر لنا بوضوح أعه استمر عل هذا العد طيلة حياته ,ال يزيد
عليه ,سواء ذلر يف رمضان أو يف غريه ,... ,فكذلر صالة الياويح ,ال جيوز
الز ة فيها عل العد املسنون".7
ومنها قول األلباين أيضا بعدِ وجوب الزكاة يف عروض التجارة -خمالفا
اتفاق املذاهب األربعة ,-فقال" :واحل أن القول بوجوب الزكاة عل عروض
التجارة مما ال ليد عليه يف الكتاب والسنة الصحيحة ,م منافاته لقاعدة "الباءة
.8احلديث رقم ( )7355من السلسلة الضعيفة ( ,)325/5وقال األلباين يف فتاواه (" :)35حيرِ إسبال
اللحية فوق القبضة كما حيرِ إحداث أي بدعة يف الدين" ,وقد انقش املسألة يف الفصد الثاين.
.7صالة الياويح لأللباين ( ,)77وقد انقش املسألة يف الفصد الثاين.
73
األصلية" اليت يؤيدها هنا قوله يف خطبة حجة الو اع" :فإن ماءكم وأموالكم
وأعراضكم وأبشاركم عليكم حراِ كحرمة يومكم هذا يف هركم هذا يف بلدكم
هذا ,أال هد بلغ ؟ اللهم فا هد" ,... ,ومجلة القول أن املسألة ال يصح ا عاء
اإلمجاع فيها ,... ,وقد أ ب ابن حزِ القول يف مسألتنا هذه ,وذهب إىل أعه ال
زكاة يف عروض التجارة ,... ,وقد تبعه فيما ذهب إليه الشوكاين ...وصدي
حسن خان".8
ومنها قول األلباين أيضا حبرمة الذهب احمللَّ كاخلامت والسوار والطوق عل
النساء -خمالفا اإلمجاع ,- 7فقال" :واعلم أن النساء يشيكن م الرجال يف حترمي
خامت الذهب عليهن ,ومثله السوار والطوق من الذهب؛ ألحا يث خاصة ور ت
فيهن ,فيدخلن لذلر يف بعض النصوص املطلقة اليت مل تقيد لرجال ,مثد
احلديث األول املتقدِ آعفا ,3وإلير اآلن ما صح من األحا يث املشار إليها" ,مث
ساق أربعة أحا يث خاصة بتحرمي الذهب احملل عل النساء ,مث أور األ لة اليت
حيتج ِبا مجهور العلماء عل إ حة الذهب احملل للنساء ,وأجاب عنها.4
.8فتاو عور عل الدرب يف املوق الر ي للشيخ ابن ز ,وقد وقف عل فتو للشيخ مؤرخة يف
8391/3/73هـ ,تفيد بوقوع طالق احلائض م اإلمث ,األمر الذي يرجح أن الشيخ تغري اجتها ه فيها,
وقد انقش املسألة يف الفصد الراب .
.7فتاو عور عل الدرب يف املوق الر ي للشيخ ابن عثيمني.
.3ية املرأة يف الشريعة اإلسالمية للقرضاوي ,حبث منشور يف موق الشيخ ,وفتاو معاصرة للقرضاوي
( ,)574/4وقد انقش املسألة يف الفصد الثاين.
79
عص عل أن "من مزال االجتها املعاصر جتاوز ما أمجع عليه األمة أن الشيخ َّ
يف عصور االجتها ؛ غفلة عن هذا اإلمجاع وجهال به أو إعراضا متعمدا عنه".8
ومنها قول الشيخ القرضاوي أيضا جبواز تويل املرأة مجي الوال ت العامة,
املة رائسة الدولة ,ومل َين واليتها إال يف اخلالفة الع م ,خمالفا بذلر اتفاق
مجهور الفقهاء عل ا ياط الذكورة لصحة تويل ما هو أ ىن من اخلالفة الع م
كالقضاء ,إال ما استثناه احلنفية من جواز تويل املرأة القضاء يف غري احلدو ,فقال
إمجاعا للفقهاء عل أن املرأة ال تصلح للخالفة
لكن هناك ً ضمن أحد حواراته" :و َّ
مجيعا ,ولكن هد الرائسة العامة أو اإلمامة الع م ,واليت هي خالفة املسلمني ً
اإلقليمية يف الدول القطرية احلالية تدخد يف اخلالفة ,أِ أهنا أ به بوالية األقاليم
قدَيًا"؟ فسأله حماوره" :إذن فضيلتكم تر أعه لي هناك ما َين من تر ح املرأة
لرائسة أو لتويل منصب رائسة اجلمهورية"؟ فقال الشيخ" :ععم".7
إن تلر اآلراء والفتاو اليت كاع تصطدِ مبوروثنا الفقهي كثرية ,وكاع
تسبب لنا أملاً عفسياً؛ ألهنا -م خمالفتها جلمهور العلماء -مل جير بعضها عل
طريقة فقهاء املذاهب األربعة يف تقرير املسألة م حفظ أجر االجتها للمخطئ
وإعذاره ,بد كاع بعض تلر اآلراء والفتاو أت بصيغة اجلزِ واحلزِ.
.8عرض يف الفصد الراب أرب عشرة مسألة ,حكم فيها األلباين أبن رأيه فيها هو احل ,وبعد ذلر
انقشته يف مسألة واحدة منها ,وهي مسألة اجلهر لبسملة يف الصالة اجلهرية.
.7انقش يف الفصد الثالث قضية اإلعكار يف مسائد االجتها .
38
موجه إىل معايل وزير احلج واألوقاف؛ لتعميمه
الشيخ عبدالعزيز بن ز رمحه هللاَّ ,
عل مجي أئمة املساجد ,املقتضي بدعية قنوت الفجر وعدِ مشروعيته.8
وللشيخ عبدالعزيز بن ز رمحه هللا عدة فتاو حول املداومة عل قنوت
الفجر ,فمن فتاواه قوله -إجابةً عن سؤال بشأن قنوت الفجر " :-أما الفجر فال
يشرع فيها القنوت إال لعلة انزلة من النوازل ,الفجر كان النيب يقن فيها ويف
غريها من الفرائض يف النوازل ,إذا وق عدوان من بعض النام عل املسلمني ,أو
حاصروا بال املسلمني ,... ,والغالب أعه يقن يف الفجر يف الركعة األخرية بعدما
يرف رأسه من الركوع ,يقن ويدعو عل العدو ,وقد فعد هذا كثرياً عليه الصالة
والسالِ ,ورمبا استمر هراً ,ورمبا استمر أربعني يوماً ,ورمبا كان ذلر أقد ,مث
َيسر ,ال يستمر ,... ,أما ما يفعله بعض النام من االستمرار يف قنوت الفجر
ائماً ائماً ,ولو من ون عزول انزلة ,فهذا مكروه ,وال ينبغي ,بد بدعة عل
الصحيح من أقوال العلماء؛ ألن الرسول مل يفعله يف صفة مستمرة ,وإمنا كان
يفعله لألسباب اليت ذكران ,وهي حدوث انزلة تنزل ملسلمني تضرهم ,ويدل عل
.8بسبب هذا التصرف قاِ الشيخ أمحد بن عبدالعزيز آل الشيخ مبارك املالكي رمحه هللا رئي القضاء
ولدي صورة ا -إىل الشيخ عبدالعزيز بن ز
الشرعي بدولة اإلمارات العربية املتحدة إبرسال رسالة َّ -
رمحه هللا ,مؤرخة يف 8412/81/84هـ ,يبني له فيها أ لة القائلني ستحباب قنوت الفجر ,وختمها
بقول ابن القيم رمحه هللا يف زا املعا (" :)897/8فأهد احلديث متوسطون بني هؤالء وبني من استحبه
عند النوازل وغريها ,وهم أسعد حلديث من الطائفتني ,فإهنم يقنتون حيث قن رسول هللا ,وييكوعه
حيث تركه ,فيقتدون به يف فعله وتركه ,ويقولون :فعله سنة ,وتركه سنة ,وم هذا فال ينكرون عل من
اوِ عليه ,وال يكرهون فعله ,وال يروعه بدعة ,وال فاعله خمالفا للسنة ,كما ال ينكرون عل من أعكره عند
النوازل ,وال يرون تركه بدعة ,وال اتركه خمالفا للسنة ,بد من قن فقد أحسن ,ومن تركه فقد أحسن".
37
هذا املعىن ما ثب يف احلديث الصحيح من رواية سعد بن طارق بن أ يم
األ جعي عن أبيه أعه قال ألبيه طارق :أب ,صلي خلف رسول هللا
وخلف أيب بكر وخلف عمر وخلف عثمان وخلف علي هاهنا يف الكوفة ,أفكاعوا
يقنتون يف الفجر؟ فقال له أبوه" :أي بين ,حمدث" ,أي بين يعين بين ,حمدث
يعين حمدث القنوت يف الفجر ,يعين لغري النوازل ,وقد رواه أمحد رمحه هللا -يف
مسنده -واليمذي والنسائي وابن ماجه وغريهم بسند صحيح عن سعد بن طارق
األ جعي عن أبيه ,فهذا احلديث الصحيح حجة ظاهرة عل عدِ رعية القنوت
يف الفجر بصفة مستمرة ,وإمنا يشرع يف الفجر وغريها إذا وجد انزلة للمسلمني,
,...وذهب بعض أهد العلم إىل أعه يستحب يف صالة الفجر مطلقاً ,وهو قول
له بهة يف قنوت النيب يف النوازل ,ف نوا أعه يستحب ائماً ,وتعلقوا أبحا يث
ضعيفة جاءت فيه ,أعه مل يزل يقن يف الفجر حىت فارق الدعيا ,ولكنها أحا يث
ضعيفة ,ال تصح عن النيب ,ف نها من ظنها صحيحة ,فعملوا ِبا ,فالذي
ينبغي ترك ذلر؛ ألن حديث سعد بن طارق عن أبيه صحيح صريح يف ذلر,
فينبغي لألئمة يف مثد هذا أن ال يفعلوه إال بصفة خاصة يف النوازل".8
ولعد الشيخ عبدالعزيز بن ز رمحه هللا اتب يف بدعية قنوت الفجر ومن
أئمة املساجد منه يخه احة املفيت الشيخ حممد بن إبراهيم آل الشيخ رمحه هللا
وجه الشيخ حممد خطا إىل رئي عاِ هيئات األمر (8319-8388هـ) ,فقد َّ
7
ملعروف حلجاز ,جاء فيه" :لقد ور ان من فضيلة انئبنا ملنطقة الغربية خطا ً
. 8سنية قنوت الفجر وسجو السهو لنسياعه هو مذهب الشافعية ,قال اإلماِ الشافعي رمحه هللا يف األِ
(" :)853/8وإن ترك القنوت يف الفجر سجد للسهو؛ ألعه من عمد الصالة" ,وقال أيضا (:)841/2
"ويقن يف صالة الصبح بعد الركعة الثاعية ,قن رسول هللا ,ومل ييك -فيما علمناه -القنوت يف
الصبح قط ,وإمنا قن النيب حني جاءه قتد أهد بئر معوعة مخ عشر ليلة ,يدعو عل قوِ من
املشركني يف الصلوات كلها ,مث ترك القنوت يف الصلوات كلها ,فأما يف صالة الصبح فال أعلم أعه تركه ,بد
ععلم أعه قن يف الصبح قبد قتد أهد بئر معوعة وبعد ,وقد قن بعد رسول هللا أبو بكر وعمر وعلي
بن أىب طالب ,كلهم بعد الركوع ,وعثمان يف بعض إمارته ,مث قدِ القنوت عل الركوع ,وقال:
ليدرك من سب لصالة الركعة".
. 7فتاو ورسائد احة الشيخ حممد بن إبراهيم آل الشيخ (.)747/7
34
هللا ,إال أن تركه هو األوىل ,وهو الذي ينبغي؛ عمالً حلديث الصحيح الذي
ع ,وهو أعه حمدث ,يعين االستمرار ,أما فعله يف النوازل فال أبم".
وهنا سأله املقدِ قائال" :أخوان -يقصد السائد -يقول :إذا أعكران مثد
ذلر يتهموعنا أبعنا عبدع الشافعي ,ماذا عقول م"؟ فأجابه الشيخ رمحه هللا:
"يعلَّمون أن هذا لي تبديعاً للشافعي ,ولكن من ب حتري األرجح من األقوال,
من ب حتري األرجح؛ ألن من قال :إعه بدعة ,احتج حبديث طارق بن أ يم
األ جعي ,ومن زعم أعه سنة ومستحب ,احتج أبحا يث أخر فيها ضعف,
واألخذ لشيء الثاب الصحيح أوىل وأح عند أهد العلم ,م عدِ التشني
عل من قن ,فإن هذه املسألة مسألة خفيفة ,ال ينبغي فيها التشني والنزاع ,وإمنا
يتحر فيها اإلعسان ما هو األفضد واألقرب للسنة".8
ومن الوقائ اليت تدل عل ضي صدور البعض من مسائد االجتها الفقهي
ما جرت به العا ة عندان يف األحساء من أعه إذا تقدِ رجد إل ارة املساجد
للحصول عل وظيفة إماِ مسجد ,كان خيتبه أحد القضاة؛ للتأكد من علمه
وخلقه وأهليته لإلمامة ,فتقدِ أحد إخواعنا املالكية لوظيفة إماِ مسجد ,فسأله
القاضي عن حكم القنوت يف صالة الفجر ,فأجاب جلواز ,مستدال بقول اإلماِ
مالر رمحه هللا ,فما كان من القاضي إال أن قال له مبدء الفم" :ومن مالر"7؟!
.8قال ابن اجلوزي" :رأي مجاعة من املنتسبني إىل العلم ,يعملون عمد العواِ ,فإذا صل احلنبلي يف
مسجد افعي تعصب الشافعية ,وإذا صل الشافعي يف مسجد حنبلي وجهر لبسملة تعصب احلنابلة,
وهذه مسألة اجتها ية ,والعصبية فيها جمر أهواء" ,اع ر مطالب أويل النه للرحيباين (.)334/8
.7قارن هذا املسلر بفعد أستاذان الشيخ عبدالفتاح أبو غدة رمحه هللا عندما صل صالة الفجر إماماً يف
جام يخنا الشيخ أمحد الدوغان ,فقن يف الصالة؛ أت معه ,وعلد فعله -م أعه حنفي املذهب,
وال ير سنية القنوت يف الفجر -أبعه يسد ين الشافعية عندما صل اإلماِ الشافعي الصبح قريبا من
مقبة اإلماِ أيب حنيفة ,فيك القنوت؛ أت معه ,رمحهم هللا مجيعا ,اع ر اإلعصاف للدهلوي (,)881
أولئر آ ئي فجئين مبثلهم ,إذا مجعتنا جرير اجملام ,وقد انقش مسألة اجلهر لبسملة يف الصالة
اجلهرية يف الفصد الراب .
33
للدعيا وكالعافية للنام ,فهد ذين من يقول فيه" :كان الشافعي كالشم
خلف ,أو منهما عوض"8؟!
و خل ليلة عيد الفطر يف سنة من السنوات ,فقاِ أحد أئمة املساجد من
إخواعنا الشافعية لتكبري يف مكبات الصوت بعد صالة العشاء بساعة تقريبا؛
مذكرا املسلمني بسنية التكبري تلر الليلة ,وبدون أن جيم املصلني له ,فلم يفاجأ
إال بداخد يطلب منه -أبمر من أعل سلطة رعية يف األحساء -التوقف فورا
عن التكبري؛ ألعه بدعة -حسب رأيه .-
وقد يكون هذا املنكر معتمداً عل فتو الشيخ عبدالعزيز بن ز ببدعية
التكبري اجلماعي يف العيدين ,حيث قال" :أما التكبري اجلماعي املبتدع فهو أن يرف
مجاعة -اثنان فأكثر -الصوت لتكبري مجيعاً ,يبدؤوعه مجيعاً وينهوعه مجيعاً
بصوت واحد وبصفة خاصة ,وهذا العمد ال أصد له وال ليد عليه ,فهو بدعة يف
صفة التكبري ,ما أعزل هللا ِبا من سلطان ,فمن أعكر التكبري ِبذه الصفة فهو حم ,
وذلر لقوله " :من عمد عمال لي عليه أمران فهو ر " ,أي مر و غري
مشروع ,... ,وإمنا تثب العبا ة بنص من الكتاب أو السنة أو إمجاع قطعي".7
ولكن فتو الشيخ ابن ز رمحه هللا -رغم توقفي فيها - 3تقصر بدعة
التكبري اجلماعي عل ا ياك جمموعة من النام لتكبري معا ,أما إماِ املسجد فقد
ويقرؤون عاء اخلتمة يف صالة رمضان ,... ,وهكذا كان مشائخنا م حتريهم للسنة وعنايتهم ِبا يفعلون
ذلر ,تلقاه آخرهم عن أو م ,وال خيف عل أئمة الدعوة ممن يتحر السنة وحيرص عليها ,فاحلاصد أن
هذا ال أبم به إن اء هللا ,وال حرج فيه ,بد هو مستحب؛ ملا فيه من حتري إجابة الدعاء بعد تالوة
كتاب هللا ,وكان أع إذا أكمد القرآن مج أهله و عا يف خارج الصالة ,فهكذا يف الصالة,
فالباب واحد؛ ألن الدعاء مشروع يف الصالة وخارجها ,وجن الدعاء مما يشرع يف الصالة ,فلي
مبستنكر ,ومعلوِ أن الدعاء يف الصالة مطلوب عند قراءة آية العذاب وعند آية الرمحة ,يدعو اإلعسان
عندها كما فعد النيب يف صالة الليد ,فهذا مثد ذلر مشروع بعد ختم القرآن ,وإمنا الكالِ إذا كان يف
اخد الصالة ,... ,فمن قال" :إعه منكر" فعليه الدليد" ,اع ر فتاو ومقاالت متنوعة للشيخ عبدالعزيز
بن ز (.)354/88
ففي هذه الفتو أجر الشيخ قياسني :أو ما قيام عاء اخلتم يف الصالة عليه خارج الصالة ,واثعيهما
قيام عاء اخلتم يف الصالة عل الدعاء فيها عقب قراءة آ ت الرمحة والعذاب ,مث استأع بفعد أئمة
الدعوة؛ ألهنم متمسكون لسنة ,وقد تلقاه آخرهم عن أو م.
والسؤال هو :هد عاء ختم القرآن الكرمي اخد الصالة عبا ة أِ ال؟ واجلواب عندي أعه عبا ة حمضة؛
ألعه عاء ,والدعاء عبا ة؛ لقوله " :الدعاء هو العبا ة" ,رواه أمحد وأبو او واليمذي وابن ماجه,
ويفعد مقيان العتهاء من ختم القرآن الكرمي ,وهذا االقيان عبا ة حتتاج إىل ليد ,ويفعد اخد الصالة,
وال جيوز تغيري هيئتها إال بدليد؛ لقوله " :صلوا كما رأيتموين أصلي" ,رواه البخاري ,وم ذلر اكتف
الشيخ لقيام واالستئنام ,مث زا مبطالبة املاععني بدليد ,معرضا عن قاعدته اليت قررها مرارا -ومنها
فتو التكبري اجلماعي -أبن العبا ات ال تثب إال لكتاب أو السنة أو اإلمجاع ,وقد انقش املسألة يف
كتايب "مفهوِ البدعة وأثره يف اضطراب الفتاو املعاصرة".
31
العيدين ,يف مساجدهم 8ومناز م وطرقهم ,مسافرين كاعوا أو مقيمني؛ ل اهر اآلية
املذكورة ,قال بعض أهد العلم يف تفسريها :لتكملوا عدة رمضان ,ولتكبوا هللا عند
إكماله عل ما هداكم ,ومعىن إظهار التكبري رف الصوت به ,واستحب ذلر ملا
فيه من إظهار عائر اإلسالِ وتذكري الغري ,وكان ابن عمر يكب يف قبته مبىن,
يسمعه أهد املسجد ,فيكبون ,ويكب أهد األسواق ,حىت ترتج مىن تكبريا ,قال
أمحد :كان ابن عمر يكب يف العيدين مجيعا ,ويعجبنا ذلر ,واختص الفطر مبزيد
أتكيد؛ لورو النص فيه".7
وقد تكررت أمثال هذه احلوا ث الدالة عل ضي أف بعض طلبة العلم
الذين مل يتأ بوا أب ب اخلالف الفقهي ,وعندي عل ذلر عشرات الشواهد,
ولعد آخرها -إن مل يطرأ جديد أثناء طباعة هذا الكتاب -منعي يف غرة السنة
ا جرية 8433هـ من إقامة روسي العلمية يف الفقه واحلديث بناءً عل أتليفي
لكتاب "مفهوِ البدعة وأثره يف اضطراب الفتاو املعاصرة" ,وهو الكتاب الذي
حاول فيه توضيح وتقريب وجهات الن ر املختلفة حول هذا املوضوع.3
مذاهب متعددة ال مذهب واحد
وم ذلر فإعين أؤكد تقديري الجتها ات العلماء املؤهلني ,إال أعين أعكر
محاد النام قسراً عليها ,فهذا اخلليفة الرا د عمر بن عبدالعزيز رمحه هللا أرا أن
جيعد أحكاِ النام هلح اكماً واحدا -أي حيمد النام عل رأي واحد ,-ولكنه
هذا .8رح صحيح مسلم ( ,)73/7وروضة الطالبني ( ,)789/81كالمها للنووي ,وقد انقش
القاعدة يف الفصد الثاين.
.7منها برانمج " "Real Timeالذي يقدمه بيد ماهر Bill Maherالكوميدي الساخر املؤيد
للزواج املثلي.
48
ضرورة قصر الفتو عل هيئة كبار العلماء ,م الرف للمقاِ السامي عن أهد
الكفاية واألهلية التامة لالضطالع مبهاِ الفتو .
ترسخ يف النفوم املؤمنة مفاهيم ومما جاء يف التوجيه امللكي ما يليَّ " :
مهمة يف أن الفتو وحدو الشرع احلنيف ,جيب الوقوف عند ر ها؛ تع يماً
لدين هللا من االفتئات عليه من كد من محد آلةً تساعد عل طلب العلم ,وال
تؤهد القتحاِ هذا املركب الصعب ,فضالً عمن ال َيلر آلةً وال فهماً؛ ليجا ل يف
ين هللا بغري علم وال هد وال كتاب منري ,وإمنا هو التطفد عل مائدة الشرع,
حتفه املخاطر واملهالر من كد وجه ,وقد والعجلة -خايل الوفاض -يف ميدانُّ ,
اتبعنا هذا األمر بكد اهتماِ ,ورصدان جتاوزات ,ال َيكن أن عسمح ِبا,... ,
وترتيباً عل ما سب ,وأ اءً للواجب الشرعي والوطين ,عرغب إىل احتكم قصر
الفتو عل أعضاء هيئة كبار العلماء ,والرف لنا عمن جتدون فيهم الكفاية
واألهلية التامة لالضطالع مبهاِ الفتو ؛ لإلذن م بذلر ,يف مشمول اختياران
لرائسة وعضوية هيئة كبار العلماء ,واللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء ,ومن
أنذن م لفتو ,... ,عل أن َين منعاً اتً التطرق ألي موضوع يدخد يف
مشمول واذ اآلراء ,ومفر ات أهد العلم املرجوحة ,وأقوا م املهجورة".
وم يقيين أن هذا التوجيه امللكي الكرمي جاء يف وقته ,ووق عند العلماء
والدعاة موق القبول والرضا ,وقلَّد كثرياً من فوض اإلفتاء ,إال أعه لن يقضي
عليها من جذورها ,إذ قد تصدر فتو غريبة أو اذة أو مهجورة من عامل كبري إذا
كان يعتمد يف فتواه عل اجتها ه الشخصي وقناعته الذاتية -غري مكيث أبقوال
اجلمهور واملذاهب الفقهية املعتمدة ,وغري مبصر للواق احمللي والعاملي .-
47
قال احلافظ ابن رجب رمحه هللا (295-233هـ)" :فإن قال أمح متكلف:
كيف هلحيصر النام يف أقوال علماء متعينني ,وهلَين من االجتها أو من تقليد غري
أولئر من أئمة الدين؟ قيد له :كما مج الصحابة النام من القراءة بغريه يف
سائر البلدان؛ ل َّما رأوا أن املصلحة ال تتم إال بذلر ,وأن النام إذا تهلركوا يقرؤون
عل حروف ىت وقعوا يف أع م املهالر ,فكذلر مسائد األحكاِ وفتاو
احلالل واحلراِ ,لو مل تهلضبط النام فيها أبقوال أئمة معدو ين أل َّ ذلر إىل فسا
عفسه من زمرة اجملتهدين ,وأن كد أمح متكلف طلب الر سة هل الدين ,وأن يـهلع َّد ُّ
يبتدع مقالةً ينسبها إىل بعض من سلف من املتقدمني ,فرمبا كان بتحريف هلحيرفه
عليهم كما وق ذلر كثرياً من بعض ال اهريني ,ورمبا كاع تلر املقالةهل زلةً من
بعض من سلف ,قد اجتم عل تركها مجاعة من املسلمني ,فال تقضي املصلحة
غري ما قدره هللا وقضاه من مج النام عل مذاهب هؤالء األئمة املشهورين,
رضي هللا عنهم أمجعني".8
ولذلر فإن احلد األ واألعف -من وجهة ع ري -يكمن يف االعضباط
مبذاهب األئمة اجملتهدين ,وخصوصا منها املذاهب الفقهية األربعة ,وعدِ اخلروج
وضبط ,وتوار عل هتذيبها وحتريرها كثرة هل عما اتفق عليه ,فهي اليت عـهلقح
كاثرة من العلماء الفحول املختصني يف سائر العلوِ املشيطة لالجتها ,كعلوِ
القرآن والسنة والفقه واألصول واللغة.
مث إن قرار قصر الفتو عل جمموعة حمد ة من العلماء هو أ به ما يكون
بدعوتنا اللتزاِ ملذاهب الفقهية ,فأي فرق بني االعضباط ملذهب احلنفي
.8حا ية الدسوقي عل الشرح الكبري ( ,)391/89وفيه حرمة الوصية إبقامة مولد مشتمد عل
اختالط الرجال لنساء.
.7اجملموع للنووي ( ,)881/1وفيه حرمة إيقا الشموع ليلة عرفة؛ ال تما ا عل اختالط الرجال
لنساء ,أما قوله يف اجملموع (" :)414/4وقد ثبت األحا يث الصحيحة املستفيضة أن النساء كن
يصلني خلف رسول هللا يف مسجده خلف الرجال ,وألن اختالط النساء لرجال ,إذا مل يكن خلوة,
لي حبراِ" ,فاملقصو أن النساء منعزالت عن الرجال ,كما هو احلال يف صفوف الصالة.
.3املغين البن قدامة ( ,)418/8وفيه اعت ار الرجال بعد الصالة إىل حني اعصراف النساء؛ لكيال حيدث
اختالط بينهم.
45
احلاجة ملحة للتأليف
وبناء عل ما سب عرضه فقد عزم عل أتليف هذا الكتاب الذي يهدف
إىل عرض وحتليد املناهج الفقهية املعاصرة؛ سعيا حنو حتديد مكمن اخللد وموطن
الزلد ,الذي من خالله خرج هذه الفتاو واآلراء الغريبة والشاذة ,وحدث
بسببه هذه الوقائ واألحداث القاسية واملؤملة.
وأؤكد -قبد البدء -أعين أحيِ أي رأي اجتها ي بشرط أن تتوفر يف
اجملتهد روط االجتها اليت عص عليها األصوليون ,وأبرزها علمه لكتاب والسنة
واإلمجاع واخلالف واللغة ,وأن ينضبط مبنهج اجتها ي واضح ,وأن يكون فقيه
النف ,وسيأ بيان هذه الشروط يف فصد خاص.
وقد أ ي هذا الكتاب" :املناهج الفقهية املعاصرة :عرض وحتليد",
وقسمته إىل هذه املقدمة وستة فصول وخامتة ,كما يلي:
الفصد األول :روط االجتها الشرعي وأسباب اخلالف الفقهي.
الفصد الثاين :املناهج الفقهية املعاصرة.
الفصد الثالث :املنهج املذهيب.
الفصد الراب :املنهج السلفي.
الفصد اخلام :املنهج التيسريي.
الفصد السا م :قصيدة الشيخ عبدالعزيز العلجي.
اخلامتة.
كد من ساهم يف بروز هذا الكتاب ِبذا املخب
وهللا أسأل أن جيزي خريا َّ
وامل هر ,سواء بعلم أو وق أو مال ,أخص منهم :الشيخ .أمحد بن
43
عبداللطيف العرفج ,والشيخ .عصاِ بن عبدالعزيز اخلطيب ,والشيخ .حممد بن
عبدهللا اجلغيمان ,والشيخ .حممد هشاِ اغبالوا (املغرب) ,والشيخ عا ل بن أمحد
الشعييب ,والشيخ فيصد بن عبدهللا اخلطيب ,والشيخ عبدالرمحن بن أمحد
العبدالقا ر والشيخ مبارك بن خالد املبارك.
كما أتقدِ جبزيد الشكر ووافر االمتنان لفضيلة األستاذ الدكتور الشريف
حامت بن عارف العوين عل مراجعته وتقري ه للكتاب.
وأسأله سبحاعه أن حيق الكتاب غايته ,وأن جيد طالب احل فيه بغيته ,وأن
خيلص لنا النية ,ويبارك يف األهد والذرية ,ويصلح الراعي والرعية ,وصل هللا وسلم
عل سيدان وعبينا حممد وعل آله وصحبه أمجعني ,واحلمد هلل رب العاملني.
42
41
الفصل األول :شروط االجتهاد الشرعي وأسباب اخلالف الفقهي
49
51
الفصل األول :شروط االجتهاد الشرعي وأسباب اخلالف الفقهي
مقدمة
يستعرض هذا الكتاب املناهج الفقهية املعاصرة ,فيعرض أوجه االتفاق
واالختالف بينها ,ويناقش مد ثباهتا عل قواعد أصولية واضحة ,وحيلد بعض
فتاواها املتباينة ,وع راً ألن كثريا من أسباب االختالف بني تلر املناهج الفقهية
يعو إىل فقدان روط االجتها يف بعض كبار علماء تلر املناهج رغم هرهتم,
فقد رأي افتتاح الكتاب بشروط االجتها الشرعي؛ ليتعرف طالب العلم عل
تلر الشروط اليت قررها العلماء الراسخون؛ صياعة حلم الشريعة أن يهلستباح,
ووقاية لسورها أن يهلتسل .
املبحث األول :شروط االجتهاد الشرعي
يتطلب االجتها الشرعي الستنباط األحكاِ الشرعية من أ لتها التفصيلية
حتقي روط أساسية؛ لضمان صحة االجتها أو -عل األقد -وجاهته
واعتباره ,وبدون توفر تلر الشروط يف اجملتهد فإن االجتها أ به ما يكون لعبث
يف ريعة هللا اخلامتة اليت جاء ِبا رسول هللا اخلامت ,ولذلر فإن كثريا من
اخلالف الفقهي املعاصر يعو إىل فقدان روط االجتها يف بعض املتصدرين
للفتيا والتدري والتأليف ,كما قيد" :لو سك من ال يعلم سقط االختالف".8
فاالجتها مصطلح أصويل ,وضعه علماء الفقه واألصول؛ للتعبري عن
استفراغ الوس يف استنباط األحكاِ الشرعية من أ لتها التفصيلية ,7ولكي يتحق
57
عنهم ,وكد من قصر فهمه مل يعد حجة ,وال كان قوله فيها مقبوال ,فال بد من
أن يبلغ يف العربية مبلغ األئمة فيها كاخلليد وسيبويه واألخفش واجلرمي واملازين
ومن سواهم".8
.4العلم مبواض اإلمجاع واخلالف؛ لكي ال يناقض حكما جممعا عليه ,وال أي
تقدمه؛ ألن هذه األمة ال جتتم عل بقول خمالف ملن سبقه ,وال ينكر رأ َّ
ضاللة ,فقد قال رسول هللا " :إن هللا ال جيم أميت -أو قال :أمة حممد
- عل ضاللة ,ويد هللا م اجلماعة ,ومن ذ ذ إىل النار" ,7وكذلر
لكي ال يق يف إعكار خالف معتب عند العلماء؛ ظنا منه أبن املسألة قيد
البحث ال يوجد فيها خالف معتب ,واألمر لي كذلر.
.5فقه النف أبن يكون اجملتهد صاحب ربة ومهارة وقرحية وملكة اجتها ية
وصناعة فقهية ,وأهم العلوِ اليت تعني اجملتهد عل هذا علم أصول الفقه.
إن الشروط السابقة ذكرها علماء أصول الفقه يف كتبهم كشروط الزمة
للمجتهد قبد خوضه غمار االجتها الستنباط األحكاِ الشرعية من أ لتها
التفصيلية ,وسأكتفي لنصوص التالية:
قال اإلماِ الشافعي رمحه هللا -فيما ذكره اخلطيب البغدا ي رمحه هللا
(433-397هـ)" :-ال حيد ألحد أن يفيت يف ين هللا إال رجال عارفا بكتاب
.8املوافقات للشاطيب ( ,)53/5وهذا الشرط وحده يكفي يف بيان جترؤ كثريين من املتساهلني يف
حضرت حماضرةً ملدير جامعة رعية ,فأخطأ يف اللغة العربية أخطاء ,ال يصح أن تصدر
هل االجتها ,فمثال
من أ ىن رجات اجملتهدين ,أما بعض اخلطباء والدعاة فحدث عن أخطائهم اللغوية وال حرج.
.7رواه أبو او واليمذي -وهذا لف هما -وابن ماجه.
53
هللا :بناسخه ومنسوخه ,ومبحكمه ومتشاِبه ,وأتويله وتنزيله ,ومكيه ومدعيه ,وما
أريد به وفيما أعزل ,مث يكون بعد ذلر بصريا حبديث رسول هللا :لناسخ
واملنسوخ ,ويعرف من احلديث ما عرف من القرآن ,ويكون بصريا للغة ,بصريا
لشعر ,ومبا حيتاج إليه للعلم والقرآن ,ويستعمد م هذا اإلعصاف وقلة الكالِ,
ويكون بعد هذا مشرفا عل اختالف فقهاء األمصار ,وتكون له قرحية بعد هذا,
فإن كان هكذا فله أن يتكلم ويفيت يف احلالل واحلراِ ,وإن مل يكن هكذا فلي له
أن يتكلم يف العلم وال يفيت".8
وقال اإلماِ أبو بكر اجلصاص احلنفي رمحه هللا (321-315هـ)" :ال يكون
الرجد من أهد االجتها يف طلب أحكاِ احلوا ث حىت يكون عاملا جبمد
األصول :من الكتاب ,والسنة الثابتة ,وما ور من طري أخبار اآلحا ,وما هو
اثب احلكم منها مما هو منسوخ ,وعاملا لعاِ واخلاص منها ,ويكون عاملا
بدالالت القول حلقيقة واجملاز ,ووض كد منه موضعه ,ومحله عل به ,ويكون
م ذلر عاملا أبحكاِ العقول و الالهتا ,وما جيوز فيها مما ال جيوز ,ويكون عاملا
مبواض اإلمجاعات من أقاويد الصحابة والتابعني ,ومن بعدهم من أهد األعصار
قبله ,ويكون عاملا بوجوه االستدالالت ,وطرق املقايي الشرعية ,... ,وهي طريقة
متوارثة عن الصحابة والتابعني ,ينقلها خلف عن سلف ,فسبيلها أن تؤخذ عن
أهلها من الفقهاء الذين يعرفوهنا ,... ,فمن كان ملنزلة اليت وصفنا جاز له
االجتها يف أحكاِ احلوا ث ,ور الفروع إىل أصلها ,وجاز له الفتيا ِبا إذا كان
.8الفقيه واملتفقه للخطيب ( ,)852/7واع ر البحر احمليط للزركشي ( ,)779/1والتقرير والتحبري البن
أمري احلاج ( ,)797/3وكشاف القناع للبهو ( ,)792/3ومطالب أويل النه للرحيباين (.)439/3
54
عدال ,فأما إن مج ذلر ومل يكن عدال ,فإن فتياه غري مقبولة ,كما ال يقبد خبه
إذا رواه ,وال ها ته إذا هد".8
وقال اإلماِ أبو إسحاق الشريازي الشافعي رمحه هللا (423-393هـ):
"وينبغي أن يكون املفيت عارفا بطرق األحكاِ ,وهي الكتاب ,والذي جيب أن
يعرف من ذاك ما يتعل بذكر األحكاِ واحلالل واحلراِ ,ون ما فيه من القصص
واألمثال واملواعظ واألخبار ,وحييط لسنن املروية عن رسول هللا يف بيان
األحكاِ ,ويعرف الطرق اليت يعرف ِبا ما حيتاج إليه من الكتاب والسنة من
أحكاِ اخلطاب وموار الكالِ ومصا ره ,من احلقيقة واجملاز ,والعاِ واخلاص,
واجملمد واملفصد ,واملطل واملقيد ,واملنطوق واملفهوِ ,ويعرف من اللغة والنحو ما
يعرف به مرا هللا تعاىل ومرا رسوله يف خطاِبما ,ويعرف أحكاِ أفعال رسول
هللا وما تقتضيه ,ويعرف الناسخ من ذلر من املنسوخ ,وأحكاِ النسخ وما
يتعل به ,ويعرف إمجاع السلف وخالفهم ,ويعرف ما يعتد به من ذلر وما ال
يعتد به ,ويعرف القيام واالجتها ,واألصول اليت جيوز تعليلها وما ال جيوز,
واألوصاف اليت جيوز أن يعلد ِبا وما ال جيوز ,وكيفية اعتزاع العلد ,ويعرف ترتيب
األ لة بعضها عل بعض وتقدمي األوىل منها ,ووجوه اليجيح ,وجيب أن يكون ثقة
مأموان ,ال يتساهد يف أمر الدين".7
وقال اإلماِ أبو عمرو ابن الصالح الشافعي رمحه هللا (343-522هـ) -
يف بيان روط املفيت وصفاته " :-مث ينقسم وراء هذا إىل قسمني :مستقد وغري
.8يشهد ذا القول ما ذكره ابن القيم يف إعالِ املوقعني ( )45/8و ( )715/4أن رجال سأل اإلماِ
أمحد بن حنبد :إذا حفظ الرجد مائة ألف حديث يكون فقيها؟ فقال :ال ,قال :فمائيت ألف؟ قال :ال,
قال :فثالمثائة ألف؟ قال :ال ,قال :فأربعمائة ألف؟ فقال اإلماِ بيده هكذا وحرك يده.
.7أ ب املفيت واملستفيت البن الصالح ( ,)13واع ر اجملموع للنووي ( ,)47/8فإعه عقله عنه وأقره ,وقال
اإلماِ الذهيب يف سري أعالِ النبالء ( - )97/1بعد ذ اكر عد من أئمة الفقهاء املتقدمني " :-ومل يب
اليوِ إال هذه املذاهب األربعة ,وق َّد من ينهض مبعرفتها كما ينبغي ,فضال عن أن يكون جمتهدا".
53
وأصول الفقه ,ومن كتاب هللا تعاىل ما يتضمن األحكاِ وهي مخسمائة آية,... ,
ومن السنة مبواض أحا يث األحكاِ ون حف ها ,ومواض اإلمجاع واالختالف,
والباءة األصلية ,و رائط احلد والبهان ,والنحو واللغة والتصريف وأحوال الرواة,
ويقلد من تقدِ يف ذلر ,وال يشيط عموِ الن ر ,بد جيوز أن حيصد صفة
االجتها يف فن ون فن ,ويف مسألة ون مسألة ,خالفاً لبعضهم".8
ابن النجار احلنبلي رمحه هللا (927-191هـ)(" :و رط جمتهد وقال اإلماِ هل
كوعه فقيها ,وهو) أي الفقيه يف االصطالح (العامل أبصول الفقه) أي أبن يكون له
قدرة عل استخراج أحكاِ الفقه من أ لتها( ,وما يهلستمد منه) أي من أصول
الفقه ,ويتضمن ذلر أن يكون عنده سجية وقوة ,يقتدر ِبا عل التصرف جلم
والتفري واليتيب والتصحيح واإلفسا ,فإن ذلر مالك صناعة الفقه ,... ,والذي
يستمد منه أصول الفقه هو الكتاب والسنة وما تفرع عنهما( ,و) أن يكون عاملا بـ
(األ لة السمعية مفصلة واختالف مراتبها)( ,... ,فمن الكتاب والسنة ما يتعل
ألحكاِ)( ,... ,و) يشيط يف اجملتهد أيضا أن يكون عاملا بـ (الناسخ واملنسوخ
منهما)( ,... ,و) يشيط يف اجملتهد أيضا أن يكون عاملا بـ (صحة احلديث
وضعفه) سندا ومتنا( ,... ,و) يشيط فيه أيضا أن يكون يف علمه (من النحو
واللغة ما يكفيه فيما يتعل ِبما) أي لنحو واللغة يف كتاب هللا سبحاعه وتعاىل
ومبني و) من (حقيقةوسنة رسوله ( من عص و) من (ظاهر و) من (جممد َّ
وجماز و) من (أمر وهني و) من (عاِ وخاص و) من (مستثىن ومستثىن منه و)
من (مطل ومقيد و) من ( ليد اخلطاب وحنوه) كفحو اخلطاب وحلنه ومفهومه,
37
فأما ما ة أصول الفقه فهي ما يكون منها استمدا ه ,كالقرآن والسنة
وفتاو الصحابة ,وأما صورة أصول الفقه فهي الشكد الناتج من التصرف يف
ما ته ,سواء كان ذلر تركيبا أو تبويبا أو ترتيبا أو تلقيبا أو تقريبا ,وأما غاية أصول
الفقه فهي الوصول إىل األحكاِ الشرعية طبقا لقاعون منضبط ,وأما الفاعد يف
أصول الفقه فهو العامل اجملتهد.
وبعد هذا التقسيم أخذ الشيخ عبدهللا بن بيه حف ه هللا يوضح معامل عوته
لتجديد علم أصول الفقه ,وها أان أخلصها يف النقاط التالية:8
عدِ املسام مبا ة أصول الفقه ,وهي األصول السبعة اليت يكون منها
استمدا ه ,وهي :القرآن الكرمي ,والسنة النبوية أقواال وأفعاال ,واللغة العربية
ملعرفة فحو اخلطاب وأتويد األخبار ,والفقه رغم كوعه مدلوال ,وفتاو
الصحابة ,وعلم الكالِ إذ به يتم العلم ملرسد والرسول ,واملنط إذ منه
التصورات والتصديقات واألقيسة ,وَيكن االستعاضة عن األصلني األخريين
لعقد؛ ألعه عمدة يف معرفة مدلوالت األلفاظ ومعاين النصوص ,وتبق
روط ثبوته منطقة خطرية من إعمال العقد ,وهي احلكم بر عص اكتمل
روايةً لوجو استحالة عقلية.
ال جمال للتجديد يف غاية أصول الفقه؛ ألن غايته هي الوصول إىل األحكاِ
الشرعية بطرق منضبطة ,وَيكن اختصار الغاية يف كلمتني :االستنباط
.8االعضباط يف االستنباط هو أهم ما َييز املنهج املذهيب يف التعاطي م االجتها الفقهي كما سي يف
الفصول التالية.
34
واحلاكم واحملكوِ به ,مث األ لة من كتاب وسنة وإمجاع وقيام وغريها ,واعتهاء
مبسائد االجتها والتقليد واإلفتاء ,أما اليتيب األهم فهو ترتيب األ لة حسب
رجة الدليد :قوة وضعفا ,وذلر جلم مث اليجيح.
أما التلقيب فهو وض ألقاب ملختلف مسائد األصول ,وقد خيتلف األصوليون
يف األلقاب وضعا وعدما ,وقد خيتلفون يف مضموهنا أيضا ,كفحو اخلطاب
عند اجلمهور ,وهو اللة النص عند احلنفية.
وأما التقريب فهو الشرح واالختصار والتحشية والن م ,وهي أعمال تعليمية
أكثر من كوهنا أعمال عملية لتوليد األحكاِ.
بعد هذا التوضيح رع الشيخ عبدهللا بن بيه يف بيان رؤيته للتجديد يف
الصورة ,واختصرها يف ثالث جماالت كب :
.8االجتها يف الالت األلفاظ أو مدلول الدليد ,وِبا حيصد اجلواب عن
"ماذا"؟ أي ما املعىن املرا من تلر األلفاظ؟ ومر ه إىل اللغة العربية وعلومها
املختلفة ,ويدخد فيه مباحث املنطوق -بدالالته الثالث :املطابقة والتضمن
وااللتزاِ -واملفهوِ -بنوعيه :مفهوِ املوافقة ومفهوِ املخالفة ,-واحلقيقة
واجملاز وغريها من املباحث ذات االرتباط الوثي للغة العربية ,وأي مقيح
الشيخ يف التجديد يف هذا الباب بدراسة ال اهرة اللغوية اعطالقا من ثالثي:
الوض واالستعمال واحلمد ,ومن الضروري أن تتضامن ثالثة علوِ لضبط
ال اهرة اللغوية ,وهي :علم اللغة :حنوا وصرفا ومفر ات ,وعلم البالغة وخباصة
علم املعاين والبيان ,وعلم أصول الفقه يف مسلكه يف الالت األلفاظ ,ومن
املناسب إضافة املعارف البشرية يف اللساعيات عموما؛ للتعم يف فهم العالقة
35
بني اللفظ واملعىن.
.7االجتها يف املصاحل واملفاسد أو من ومة التعليد ,وِبا حيصد اجلواب عن
"ملاذا"؟ أي ما العلة يف هذا احلكم؟ أو ما مناط احلكم؟ ومر ه إىل فقه
املقاصد ,ويدخد فيه مباحث القيام واالستصالح واالستحسان وسد
الذرائ ,م التأصيد للتعليد من خالل وض مقدمة عن األقيسة الثالثة:
الشمويل واالستقرائي واجلزئي ,فاألول استدالل بكلي عل جزئي ,والثاين
استدالل جبزئي عل كلي أو تصفح اجلزئيات للوصول إىل حكم كلي ,والثالث
استدالل جبزئي عل جزئي.
.3االجتها يف حتقي املناط ,وِبا حيصد اجلواب عن "كيف"؟ أي كيف عنزل
األحكاِ الشرعية عل الوقائ اجلزئية؟ فاملناط هو العلة اليت عهلل عليها احلكم
الشرعي ,والتحقي هو الثبوت ,فيكون املعىن ثبوت العلة يف الواقعة اجلزئية,
األمر الذي يؤ ي إىل ثبوت احلكم الشرعي فيها ,وإذا كاع وسائد حتقي
املناط مخسة :لغوية وعرفية وحسية وعقلية وطبيعية ,فإعه َيكن أن يضاف ا:
ميزان املصاحل واملفاسد ,والن ر يف املآالت ,واعتبار احلاجات يف إ حة
املمنوعات كاعتبار الضرورات يف إ حة احمل ورات.
املبحث الثاين :أسباب اخلالف الفقهي
رغم فقدان كثري من روط االجتها الشرعي يف بعض العلماء املعاصرين
املتصدرين للفتيا والتدري والتأليف ,األمر الذي أ إىل اتساع ائرة االختالف,
فإن حتقي العلماء لشروط االجتها ال يعين عدِ وقوع اخلالف بينهم ,ولكنه
سيكون اخلالف الوجيه املعتب الذي ال خيرج عن ائرة األجر واألجرين.
33
ومما ينبغي التنبيه إليه أن اختالف الفقهاء رمحهم هللا مل ينشأ بسبب خفاء أو
غموض يف مصا ر الشريعة اإلسالمية ,كما أعه مل ينشأ بسبب ا و أو اتباع
ح وظ النف أو الرغبة يف املخالفة من أجد ال هور ,بد كان الختالفهم أسباب
كثرية ,أبرزها:
.8طبيعة اللغة العربية اليت عزل ِبا كتاب هللا وتكلم ِبا رسوله من حيث:
حقيقتها وجمازها وا ياك ألفاظها ومعاين حروفها وطريقة إعراِبا وغري ذلر.
.7اختالفهم يف ثبوت احلديث النبوي من حيث :اختالفهم يف روط ثبوت
احلديث ,وتعديد الرواة ,وأحا يث اآلحا ,واختالف مناهج اجلم واليجيح
بني األ لة املتعارضة ظاهرا.
.3اختالف مناهجهم يف موقف السنة النبوية من القرآن الكرمي من حيث عسخها
للقرآن وختصيص النص العاِ الوار فيه.
.4اختالفهم يف حجية بعض األصول واملصا ر التشريعية ,كاملصاحل
واالستصحاب واالستحسان والعرف واالستقراء وقول الصحايب وسد الذرائ
وعمد أهد املدينة و رع من قبلنا.
.5اختالفهم يف املنهج األصويل أو القواعد األصولية اليت يسريون عليها يف ميدان
االجتها الشرعي واستنباط األحكاِ الشرعية من أ لتها التفصيلية.
وأجد من املناسب أن أعرض هذه األسباب عل سبيد التفصيد والتمثيد.8
.8أهلفر ت أسباب اختالف الفقهاء لتصنيف ,فمنها :التنبيه عل األسباب اليت أوجب االختالف بني
املسلمني لإلماِ البط اليـ اوسي ,واإلعصاف يف بيان أسباب اخلالف لويل هللا الدهلوي وغريمها.
32
أوال :طبيعة اللغة العربية
إن اخلبري يف اللغة العربية وخصائصها يدرك أن طبيعة عصوصها ومدلوالت
يفسر أبكثر من وجه ,ويفيد
ألفاظها ومفاهيم سياقها وطريقة إعراِبا مما َيكن أن َّ
كد رسول
أكثر من معىن ,وع راً ألن القرآن الكرمي عزل بلسان عريب مبني ,وألن َّ
إمنا يرسله هللا بلسان قومه ,فقد صارت اللغة العربية مصدرا خصبا الختالف
الفقهاء يف فهم معىن كتاب هللا وسنة رسوله ,وسأعرض -ختصار -
بعض اجملاالت املتعلقة للغة العربية م أمثلة موضحة ا:
.8احلقيقة واجملاز :عندما ير النص العريب فإعه قد يرا منه حقيقته ,وهو
ظاهر معىن اللفظ حبسب وض اللغة أو الشرع أو العرف ,8وقد يرا منه معىن
جمازي بقرينة تدل عليه وتصرفه عن ظاهر معناه.
ومن أبرز األمثلة الواقعة يف زمن النيب ما وق من خالف بني الصحابة
يف تفسري معىن قوله " :ال يصلني أحد العصر إال يف بين قري ة" ,فمنهم من
أخذ حبقيقة اللفظ ,فلم يصلوا العصر إال عندما وصلوا بين قري ة ,وقد خرج وقتها,
وقالوا" :ال عصلي حىت أنتيها" ,ومنهم من محد اللفظ عل جمازه مبعىن احلث عل
اإلسراع ,فصلوها يف الطري ,وقالوا" :بد عصلي ,مل ير منا ذلر" ,فلم يعنف
رسول هللا أحدا من الفريقني.7
قال اإلماِ النووي رمحه هللا" :وأما اختالف الصحابة يف املبا رة لصالة
عندهم أبن الصالة عند ضي وقتها وأتخريها فسببه أن أ لة الشرع تعارض
.8تفسري القرطيب لآلية ( )771من سورة البقرة ,وبداية اجملتهد البن ر د (.)19/7
.7بداية اجملتهد البن ر د (.)455/7
28
فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إىل املراف وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إىل الكعبني",
فرأ املالكية واحلنابلة أن الباء زائدة ,فأوجبوا مسح الرأم كله ,ورأ الشافعية أهنا
تفيد التبعيض ,فاكتفوا مبسح أقد جزء من الرأم ,ورأ احلنفية أهنا تفيد اإللصاق,
فأوجبوا مسح رب الرأم.8
.4اإلعراب :ومن طبيعة اللغة العربية إعراب آخر كلماهتا حلركات؛ لفهم
معناها ,وعندما َيكن إعراب كلمة ما إعرابني خمتلفني فإن ذلر يؤ ي إىل
اختالف يف املعىن ,ومن األمثلة عل ذلر قول النيب " :ذكاةهل اجلنني ذكاة
أمه" 7,فقد ور ت كلمة "ذكاة" الثاعية لرف -وهو األكثر واأل هر -والنصب,
فمن رفعها فاملعىن عنده أن اجلنني إذا ذهلكي ُّأمه فخرج ميتا فإعه حالل مطلقا,
وذكاة أمه كافية يف حله ,وبه قال الشافعية واحلنابلة ,ومن عصبها فاملعىن عنده أن
اجلنني جتب تذكيته كما تذك أمه ,فلو خرج ميتا بعد تذكيتها فقد فات تذكيته,
ويصبح حراما مطلقا ,وبه قال احلنفية ,وتوسط املالكية فقالوا :إذا خرج اجلنني
من بطن أمه ميتا اتِ اخللقة انب الشعر فإعه يؤكد ,وإن مل يكن اتِ اخللقة فهو
مضغة ال تؤكد ,3وهناك أمثلة كثرية ترج إىل أسباب أخر متعلقة بطبيعة اللغة
العربية اليت عزل ِبا القرآن ,وتكلم ِبا خري األانِ .
.8تفسري القرطيب لآلية ( )3من سورة املائدة ,وبداية اجملتهد وهناية املقتصد البن ر د ( ,)87/8واملغين
البن قدامة (.)93/8
.7رواه أمحد وأبو او واليمذي وابن ماجه وابن حبان واحلاكم والطباين.
املمجد عل هلموطَّأ حممد لإلماِ أيب البكات عبداحلي اللكنوي (.)841/9َّ .3التعلي
27
اثنيا :السنة النبوية
من املتف عليه عند املسلمني كافة -إال غالة الرافضة -أن القرآن الكرمي
قطعي الثبوت ,وأن الشر ال يتطرق له أب ىن احتمال ,ولكن السنة النبوية ختتلف
عن القرآن الكرمي ,فمنها -بعد صحة سنده -ما هو قطعي الثبوت ,وهي
األحا يث املتواترة اليت رواها يف كد طبقة عد من الرواة ,يؤمن تواطؤهم عل
الكذب ,و لتايل تفيد العلم اليقيين ,فإن كاع قطعية يف اللتها فإهنا ال تؤ ي
إىل خالف بني الفقهاء ,ومن أمثلة ذلر الصلوات اخلم وأعصبة زكاة األععاِ
وبعض أحكاِ القصاص ,أما إن كاع اللتها عل املرا ظنية فإن واسعا من
اخلالف يفتح أماِ الفقهاء يف حتديد املرا منها.
ومنها ما هو ظين الثبوت ,وهي أحا يث اآلحا ,أي أن رواهتا ال يبلغون
مبلغ التواتر ,و لتايل ال تفيد العلم اليقيين ,مبعىن أعه ال َيكن اجلزِ اليقيين بثبوت
عص احلديث عن رسول هلل بنف األلفاظ اليت وصلتنا ,فقد يتطرق لرواهتا
اخلطأ والتصحيف يف ألفاظها ,أو الشر فيها ,أو السهو يف عقلها ,أو رواية جزء
منها وإغفال جزء آخر يوضحه ويبينه ,أو روايتها مبعىن خمتلف ,8ومع م
األحا يث النبوية من هذا القبيد.
وهذا كله يف احلديث الصحيح بشروطه ,فإذا اعضاف إىل ذلر وجو
تعارض بني عد من األحا يث از ا األمر صعوبة يف طريقة اليجيح بينها ,مما
.8وقد يكون حديث اآلحا قطعيا يف اللته ,ولكن بعض العلماء يشيطون للعمد به روطاً إضافية.
23
يوجب مزيدا من اليوي والن ر عند إرا ة استنباط حكم رعي منها ,وإلير عد ا
من األمثلة اليت تدل عل مد أتثري السنة النبوية يف اختالف الفقهاء:8
.8تصحيح احلديث :7اتف مجهور احملدثني عل أن للحديث مخسة روط
الزمة للحكم عليه لصحة ,وهي اتصال سنده ,وعدالة الراوي وضبطه ,وسالمته
من الشذوذ والعلة القا حة ,ولكنهم اختلفوا يف تفاصيد تلر الشروط ,ففيما
يتعل تصال السند ا يط بعضهم ثبوت اللقيا بني الراوي و يخه ,ومجهورهم
يكتفون إبمكاعه ,ومن تواب رط االتصال اختالفهم يف احلديث املرسد الذي
أضافه التابعي إىل رسول هلل ,3فجمهور احملدثني يرون ضعفه ,ومجهور الفقهاء
من احلنفية واملالكية واحلنابلة يروعه حجة يف األحكاِ ,وال يضره عدِ اتصاله,
وتوسط الشافعية ,فا يطوا للعمد به أن يهلرسد من طري آخر ,أو يهلرو مسندا,
أو يهلفيت به بعض الصحابة ,أو يقول به كثري من أهد العلم ,أو يعرف أن الراوي ال
يهلرسد إال عن عدل ,واختلفوا يف روط قبول احلديث املعنعن ,واختلفوا يف أعواع
التدلي يف احلديث ,واختلفوا يف مزيد األساعيد بني إثباهتا أو إلغائها ,وغري ذلر.
وفيما يتعل بعدالة الرواة فقد اختلفوا فيما خيرِ املروءة من أقوال وأفعال,
واختلفوا يف عدالة املستور ,وهو ما ثبت عدالته ال اهرة ,ومل تثب عدالته الباطنة,
.8اع ر أثر احلديث الشريف يف اختالف األئمة الفقهاء للشيخ حممد عوامة ,فإعه مفيد للغاية.
.7اع ر أسباب اختالف احملدثني للدكتور خلدون األحدب ( ,)527-52فقد استوعب كثرياً من
أسباب اختالف احملدثني يف قبول األحا يث ور ها ,واع ر قواعد يف علوِ احلديث للعالمة ظفر أمحد
العثماين بتحقي يخنا العالمة عبدالفتاح أيب غدة ,فقد استوعب كثرياً من قواعد احملدثني املهمة.
.3اع ر لبحث احلديث املرسد :التقريب ( ,)54واجملموع ( ,)31/8كالمها لإلماِ النووي ,وعزهة الن ر
للحافظ ابن حجر ( ,)48وغريها.
24
واختلفوا يف عدالة جمهول العني الذي ال يعرفه العلماء ,ومىت ترتف عنه اجلهالة,
واختلفوا يف جمهول احلال الذي ال تعرف عدالته ال اهرة والباطنة ,واختلفوا يف
تعديد املبهم ,كقو م :حدثين الثقة ,واختلفوا يف كيفية تعديد الرواة ,فاكتف
بعضهم بتعديد إماِ واحد من أئمة اجلرح والتعديد ,وا يط بعضهم إمامني,
واكتف بعضهم برواية ثقة عنه ,واختلفوا فيما لو تعارض تعديد األئمة وجرحهم,
واختلفوا يف مسببات اجلرح ,فتوس فيها أانم وضيقها آخرون ,واختلفوا يف الرواية
عن املبتدع ,واختلفوا يف قبول حديث عـفاه راويه بعدما رواه ثقة عنه.
وأما فيما يتعل بضبط احلديث فقد اختلفوا يف جواز الرواية عمن يغلب
عليه الوهم والغلط ,واختلفوا يف الرواية عن الثقة الذي ال حيفظ كتابه الذي يقرأ
عليه منه ,وأما فيما يتعل لعلة القا حة فقد تنوع طرق احملدثني يف الكشف
عن العلة القا حة يف السند أو املنت أو فيهما معا ,فال يتهيأ ملعرفتها إال حمدث
رع حميط ألحا يث وطرقها وأخبار الرجال.
ومن هنا يتضح لنا أن تصحيح احلديث؛ ليكون جاهزا لالعتدا به يف جمال
التشري َ ,ير مبفازة من الشروط االحيازية؛ لتطمئن النف لالحتجاج به ,وأن
اختالف احملدثني يف تصحيحه له عد كبري من املبرات السائغة ,وينعك
اختالفهم يف تصحيح األحا يث عل احتجاج الفقهاء ِبا واعتما هم عليها ,مث
إذا ثب ضعف احلديث ,ولي يف الباب حديث مسند غريه ,فقد اختلف
الفقهاء يف العمد به يف أحكاِ احلالل واحلراِ ,فمنهم من يقدمه عل قول
الصحايب والقيام ,ومنهم من ير ه ,ويقدمهما عليه.
25
.7أحا يث اآلحا :اختلف العلماء يف مد قبول أحا يث اآلحا ,
وا يط بعضهم للعمد ِبا روطا؛ ألن هذه األحا يث قد يتطرق لرواهتا خطأ أو
تصحيف يف ألفاظها ,أو رواية جزء منها وإغفال جزء آخر يوضحها ويبينها ,أو
روايتها مبعىن خمتلف يغري أصد املعىن ,فاحلنفية يشيطون للعمد حبديث اآلحا
الصحيح مخسة روط :أو ا أال خيالف فعد راوي احلديث روايته ,فإن اختلفا
قدموا فعله عل روايته ,اثعيها أن ال يكون احلديث مما توافرت الدواعي عل عقله
من روا ت عدة ,وإال كان األمر م نة ريبة ,اثلثها أن ال يكون خمالفا لعمومات
القرآن وظواهره ,فإن خالفها فهي املقدمة عليه ,وال يدخد يف ذلر بيان السنة
جملمد القرآن ,رابعها أن ال خيالف السنة املشهورة؛ عمال أبقو الدليلني ,خامسها
أن ال خيالف القيام اجللي وعمد األمة إن كان الراوي غري فقيه.
أما املالكية فقد ا يطوا أال خيالف احلديث عمد أهد املدينة ,فإن خالفه
قدِ عملهم عليه ,ألن عملهم عوع من التواتر املعنوي ,وأما الشافعية فقد ا يطوا
أن ال خيالف حديث اآلحا عص القرآن أو حديث اجلماعة أو اإلمجاع ,واحلنابلة
كالشافعية ,إال أن اإلماِ أمحد يقدِ ضعيف احلديث عل رأي الرجال.8
ولنضرب مثاالً مما حدث بني الصحابة عل مد أتثري أحا يث اآلحا
يف وقوع اخلالف ,قال عبدهللا بن عبيدهللا بن أيب مليكة :توفي ابنة لعثمان
مبكة ,وجئنا لنشهدها ,وحضرها ابن عمر وابن عبام ,وإين جلال بينهما ,أو
قال :جلس إىل أحدمها ,مث جاء اآلخر فجل إىل جنيب ,فقال عبدهللا بن عمر
.8اع ر الفصول يف األصول للرازي ( ,)883/3واللم أليب إسحاق الشريازي ( ,)17و رح الكوكب
املنري البن النجار (.)345/7
23
لعمرو بن عثمان :أال تنه عن البكاء؟ فإن رسول هللا قال" :إن
املي ليعذب ببكاء أهله عليه" ,فقال ابن عبام :قد كان عمر يقول
حدث فقال :صدرت م عمر من مكة ,حىت إذا كنا لبيداء بعض ذلر ,مث َّ
إذا هو بركب حت ظد رة ,فقال :اذهب فاع ر من هؤالء الركب ,قال :فن رت
فإذا صهيب ,فأخبته ,فقال :ا عه يل ,فرجع إىل صهيب فقل :ارحتد
فاحل أمري املؤمنني ,فلما أصيب عمر ,خد صهيب يبكي ويقول :واأخاه,
علي ,وقد قال رسول هللا " :إن واصاحباه ,فقال عمر :صهيب ,أتبكي َّ
املي ليعذب ببكاء أهله عليه" ,قال ابن عبام :فلما مات عمر ,ذكرت
حدث رسول هللا ذلر لعائشة رضي هللا عنها ,فقال :رحم هللا عمر ,وهللا ما َّ
"إن هللا ليعذب املؤمن ببكاء أهله عليه" ,ولكن رسول هللا قال" :إن هللا ليزيد
الكافر عذا ببكاء أهله عليه" ,وقال :حسبكم القرآن" ,وال تزر وازرة وزر
أخر " ,قال ابن عبام عند ذلر :وهللا هو أضحر وأبك ,قال ابن أيب
ملكية :وهللا ما قال ابن عمر يئا ,8فهذا احلديث مثال واضح عل ما َيكن
.8رواه البخاري -واللفظ له -والنسائي ,وقد ثب يف روا ت أخر عن عائشة رضي هللا عنها ألفاظ
غري ذلر ,منها ما رواه اليمذي أهنا قال :يرمحه هللا -أي ابن عمر -مل يكذب ,ولكنه وهم ,إمنا قال
رسول هللا لرجد مات يهو " :إن املي ليعذب وإن أهله ليبكون عليه" ,ومنها ما رواه النسائي وأبو
مر النيب عل قب فقال" :إن صاحب القب ليعذب او أهنا قال :وهد -أي غلط وعسي -إمنا َّ
وإن أهله يبكون عليه" ,ويف رواية أخر للنسائي قال :أما وهللا ما حتدثون هذا احلديث عن كاذبني
مكذبني -تعين عمر بن اخلطاب وابنه عبدهللا -ولكن السم خيطئ ,وإن لكم يف القرآن ملا يشفيكم, َّ
"أال تزر وازرة وزر أخر " ,ولكن رسول هللا قال" :إن هللا ليزيد الكافر عذا ببكاء أهله عليه",
وللحديث روا ت أخر ال خترج عن مضمون ما ذكران سابقا ,وقد ور احلديث كذلر يف كتب السنة
جمر اً عن قصة عائشة ,وأتو ا اجلمهور عل من أوص أبن يبك عليه ويناح بعد موته ,فإعه يعذب ببكاء َّ
22
أن ينشأ من خالف بني العلماء بسبب االختالف يف عصوص السنة املشرفة اليت
ور تنا بطري اآلحا .
ولذلر فإن اإلحاطة بنص احلديث ومالبساته وسوابقه ولواحقه رط مهم
لالعتما عليه يف استنباط األحكاِ الشرعية منه؛ ألعه بذلر يرتف إِبامه ,ويندف
إيهامه ,ويتضح خفيه ,وي هر مشكله ,ويتبني جممله ,قال اإلماِ أمحد رمحه هللا
(748-834هـ)" :حنن كتبنا احلديث من ستة وجوه وسبعة مل عضبطه ,فكيف
يضبطه من كتبه من وجه واحد"8؟!
.3تعارض األحا يث النبوية ظاهرا :يعد اختالف األحا يث يف املسألة
الواحدة مصدرا رئيسا الختالف الفقهاء ,فقد ينط رسول هللا بلفظ يف
مناسبة ما ,مث ينط مبخالفته يف مناسبة أخر ,وقد يتعارض فعله م قوله,
وقد يقول قوال عاما أو مطلقا ,مث خيصصه أو يقيده بقول آخر ,وقد يقرر
حكما ,مث خيبه هللا بنسخه ,فينسخه بقوله أو فعله مصرحا لنسخ أو ون
تصريح ,ويبق الباب مفتوحا أماِ الفقهاء يف اجلم بني املختلفات يف ال اهر.
و م يف هذا الباب مسالر خمتلفة ,ولعلم أصول الفقه مدخد ع يم يف هذا
الباب ,و َّأو هلل جهد يبذله الفقيه هو حماولة اجلم بني خمتلف احلديث و ف
تعارضه ,وهذا يتطلب من الفقيه فهماً و راية ,فإن فتح هللا عليه حبكم ينت م فيه
ما اختلف من احلديث عمد به ,وإال اعتقد إىل اجلهد الثاين وهو مسلر اليجيح
أهله عليه؛ ألعه بسبه ومنسوب إليه ,وقد خرج احلديث مطلقا ,محال عل ما كان معتا ا م ,وقال
طائفة :معناه أعه يعذب بسماعه بكاء أهله ويرق م ,وللحديث توجيهات أخر .
.8سري أعالِ النبالء للذهيب (.)812/88
21
بينها ,فإن أمكن وإال اعتقد إىل اجلهد الثالث وهو عو عسخ بعضها لبعض,
وبعض الفقهاء يقدِ الثالث عل الثاين ,وعموما فإن عو النسخ تتطلب اطالعاً
ورواية ,ومسلر اليجيح يتطلب راية ورواية معا ,واليجيح والنسخ أمران خطريان
للغاية؛ ألهنما يعنيان طرح حديث أو أحا يث من ائرة االحتجاج واالستشها ,
فال بد أن يكون للفقيه مستند قوي يدعم رأيه ومذهبه ,ويف اجلملة فإن هذا الباب
حيتاج إىل فهم عمي وفقه سديد وع ر اثقب ,فال يوفَّ له إال عامل بصري مبعاين
اللغة العربية ,حميط ألحا يث النبوية ,فقيه ألحكاِ الشرعية ,عارف مبواطن
االتفاق واالختالف.8
ولعلي هنا أعبه إىل مسلر ترجيحي خاطئ يعمد إليه بعض َّ
مدعي االجتها
ترجيح حديث الصحيحني عل صحيح غريمها مما يف موطأ مالرهل يف عصران ,وهو
أو مسند أمحد أو السنن ,أو رُّ األحا يث الصحيحة؛ حبجة أهنا مل تر يف كتب
السنة املشهورة ,فهذا املسلر السهد املريح الئ بعصران املسم عصر السرعة.
أما علماء األصول فقد بذلوا جهدا مشكورا يف حتقي أوجه اليجيح ,فبلغ
عند اإلماِ احلازمي رمحه هللا (514-541هـ) مخسني وجها ,وأضرب عن ذكر
. 8تتب عف املسالر فيما لو تعارض آ ت الكتاب العزيز ,فالتعارض ال اهري وار فيها ,وقد اختلف
العلماء يف كيفية التعامد معها ,فاملرأة احلامد املتوىف عنها زوجها تنازعتها آيتان :آية "والذين يتوفون منكم
ويذرون أزواجا ييبصن أبعفسهن أربعة أ هر وعشرا" ,وآية "وأوالت األمحال أجلهن أن يضعن محلهن",
فتعتد بوض احلمد عند عمر بن اخلطاب وعبدهللا بن مسعو وزيد بن اثب ومجهور الفقهاء رمحهم
هللا؛ ختصيصا آلية األ هر آبية احلمد ,وتعتد أببعد األجلني عند علي بن أيب طالب وعبدهللا بن عبام
؛ احتياطا يف اجلم بني اآليتني.
29
وجوه أخر طلبا لالختصار ,8مث جاء احلافظ الزين العراقي رمحه هللا (-275
113هـ) فأوصلها إىل مائة وعشرة أوجه ,بدأها بذكر مخسني احلازمي ,مث أكملها,
فاحتد وجه ترجيح حديث الصحيحني عل غريمها املرتبة الثاعية بعد املائة.7
أما اإلماِ الشوكاين رمحه هللا فقد صنَّف أوجه اليجيح إىل ستة أصناف,
وبلغ عد تلر الوجوه يف مجي األصناف مائة وستني وجها ,وعندما سر مراتب
اليجيح الراجعة إىل صنف اإلسنا بلغ اثنني وأربعني وجها ,وكان وجه ترجيح
حديث الصحيحني عل صحيح غريمها هو الوجه احلا ي واألربعني ,3فاع ر الفرق
بني زعماء العلم وزاعمي العلم.4
اثلثا :موقف السنة النبوية من القرآن الكرمي
جاءت السنة النبوية مصدرا اثعيا للتشري اإلسالمي بعد القرآن الكرمي,
وترتبط السنة لقرآن ارتباطا وثيقا ,إذ كد منهما وحي من هللا ,إال أن القرآن
لف ه من هللا ,ومل يكن لرسول هللا ور يف صياغته ,بد أ اه لألمة كما تلقاه من
األمني جبيد عليه السالِ ,أما السنة فهي عص كالمه .
وتتمثد عالقة السنة لقرآن يف ثالثة جواعب:
.8أو ا توكيد ما أمر القرآن به من األحكاِ والفضائد أو هن عنه من احملرمات
والرذائد ,كاألمر لصالة والزكاة والنهي عن الر والزان.
17
ينسخ بسنة اآلحا ,ومن أمثلة عسخ القرآن بسنة اآلحا عسخ قوله تعاىل" :كتب
عليكم إذا حضر أحدكم املوت إن ترك خريا الوصية للوالدين واألقربني ملعروف"
8
بقول رسول هللا " :إن هللا قد أعط كد ذي ح حقه ,فال وصية لوارث",
والشافعي رمحه هللا -وإن كان يتف م اجلمهور يف عدِ عفوذ الوصية لوارث إال
برضا الورثة -ير أن اآلية عسخ آب ت املواريث اليت عزل بعد آية الوصية.
.7ختصيص العاِ :اختلف العلماء يف ختصيص سنة اآلحا لعموِ القرآن,
مبعىن أن ير عص يف القرآن يفيد حكما عاما ,مث أي حديث آحا يف السنة
خيصصه ,فاحلنفية يرون أن النص العاِ يشتمد عل اللة قطعية يف مجي أفرا ه,
فال خيصصه من السنة النبوية حديث اآلحا ؛ ألهنم يرون أن حقيقة التخصيص
إبطال للعمد ببعض النص العاِ ,و لتايل فإن القرآن ال خيصصه إال قرآن مثله أو
حديث متواتر أو حديث مشهور ,7أما الشافعية واحلنابلة فيجيزون ختصيص عاِ
القرآن حبديث اآلحا ,فيصري العاِ غري ال عل كد ما يشتمد عليه لف ه؛
وذلر ألن عاِ القرآن -وإن كان قطعيا يف ثبوته -صار ظنيا يف اللته عل
عموِ أفرا ه؛ لورو عص خمصص له ,أما حديث اآلحا -وإن كان ظنيا يف ثبوته
.8رواه أمحد وأبو او والنسائي واليمذي وابن ماجه ,وبـ َّوب له البخاري.
. 7هناك عوع من األحا يث يق وسطا بني عوعني ,وهو احلديث املشهور ,ويق يف الوسط بني املتواتر
واآلحا ,واحلديث املشهور هو الذي ابتدأ آحا ا ,فلم يروه يف طبقة الصحابة إال عد قليد ال يبلغ مبلغ
فتحمله يف الطبقات التالية من
التواتر ,مث رواه بعدهم طبقة أو طبقتان كذلر ,مث اعتشر احلديث وا تهرَّ ,
الرواة عد كبري يبلغ مبلغ التواتر ,وحكمه عند احلنفية أعه يفيد العلم اليقيين ,فينسخ وخيصص ويقيد,
ولكن ون رجة األحا يث املتواترة ,أما حكمه عند املالكية والشافعية واحلنابلة فكأحا يث اآلحا اليت
تفيد العلم ال ين ال العلم اليقيين ,ولكنها عندهم تفيد العمد.
13
-فإعه قطعي يف اللته عل أفرا ه ,أما املالكية فإهنم جييزون ختصيص عاِ القرآن
حبديث اآلحا إذا عضده عمد أهد املدينة.
ومن األمثلة الفقهية اليت ترج ذه القاعدة أن مجهور العلماء خصصوا قول
هللا تبارك وتعاىل" :واحملصنات من النساء إال ما ملك أَياعكم كتاب هللا عليكم
وأحد لكم ما وراء ذلكم" بقول رسول هللا " :ال جيم الرجد بني املرأة وعمتها
وال بني املرأة وخالتها" ,8فقبله احلنفية خمصصا لآلية؛ ألعه حديث مشهور ,وقبله
املالكية؛ ألن عمد أهد املدينة عليه ,وقبله الشافعية واحلنابلة لصحته وثبوته -
بغض الن ر عن كوعه غري متواتر .-
و ملقابد فقد وق خالف بني الفقهاء يف ختصيص قول هللا " :قد ال
أجد يف ما أوحي إيل حمرما عل طاعم يطعمه إال أن يكون ميتة أو ما مسفوحا
أو حلم خنزير فإعه رج أو فسقا أهد لغري هللا به" بنهي رسول هللا عن كد
ذي انب من السباع ,وعن كد ذي خملب من الطري ,7فجمهور الفقهاء متفقون
عل حرمة أكد احليواانت املفيسة أبعياِبا والطيور اجلارحة مبخالبها ,أما املالكية
فوافقوا اجلمهور يف األوىل وخالفوهم يف الثاعية ,فقالوا حبرمة احليواانت املفيسة
أبعياِبا؛ ملوافقته لعمد أهد املدينة ,وحد الطيور اجلارحة مبخالبها؛ لعموِ اآلية.3
ومما وق فيه اخلالف أيضا ختصيص قول هللا " :والنخد والزرع خمتلفا
أكله والزيتون والرمان متشاِبا وغري متشابه كلوا من مثره إذا أمثر وآتوا حقه يوِ
. 8رواه أمحد ,وقد روي بسند ضعيف يف سنن ابن ماجه :إمنا سن رسول هللا الزكاة يف هذه اخلمسة:
يف احلنطة والشعري والتمر والزبيب والذرة.
15
مصدرا للتشري يهمله إماِ آخر وال يعتبه ,أو خيالفه يف مد االحتجاج به
توسيعاً وتضييقاً ,8فعل سبيد املثال:
.8املصلحة هي املنفعة اليت قصدها الشارع احلكيم لعبا ه من حفظ ينهم
وعفوسهم وأعراضهم وعقو م وأموا م ,واملصلحة املرسلة هي اليت مل يقم ليد عل
اعتبارها أو إلغائها ,وأكثر املذاهب احتجاجا ِبا املالكية.
فلما اعتب اإلماِ مالر املصلحة ليال رعيا قبد ها ة بعض الصبيان
عل بعض؛ لئال تضي حقوقهم ,وخالفه األئمة الثالثة ,فلم يقبلوا ها ة بعضهم
عل بعض.
.7االستصحاب هو احلكم ستمرار وجو ما ثب وجو ه حىت يقوِ
الدليد عل ذهابه ,واحلكم ستمرار عدِ ما مل يثب وجو ه حىت يقوِ الدليد
عل وجو ه ,وهو حجة عند مجهور الفقهاء ,أما متأخرو احلنفية فرأوا أعه حجة يف
النفي األصلي ,وكثري منهم ال يروعه حجة.
.8اع ر أثر األ لة املختلف فيها يف الفقه اإلسالمي للدكتور مصطف البغا ,وكثري من تلر املصا ر
اتفق املذاهب األربعة عل العمد ِبا ,ولكنهم اختلفوا يف مد األخذ ِبا ,اع ر -مثال -الفروق
للقرايف ( ,)33/7فقد قرر أن سد الذرائ لي من خواص مذهب مالر كما يتومهه كثري من املالكية,
واع ر هتذيب الفروق حملمد بن علي بن حسني ( ,)843/4فقد عقد عدة تعريفات لالستحسان ,مث قال:
"وإذا كان هذا معناه عن مالر وأيب حنيفة فلي خبارج عن األ لة ألبتة؛ ألن األ لة يقيد بعضها,
وخيصص بعضها ,كما يف األ لة السنية م القرآعية ,وال ير الشافعي مثد هذا أصال" ,وقال يف ()51/4
عن املصلحة املرسلة" :وقد حقق يف رساليت اعتصار االعتصاِ وجهها ,وأن مالكا مل خيتص لقول ِبا".
13
وقد أ َّ اختالف األئمة يف استصحاب احلكم إىل اختالفهم يف بطالن
فصحح صالته اإلمامان مالر
الصالة لتيمم إذا رع فيها املصلي ,مث وجد املاءَّ ,
والشافعي؛ استصحا لصحة التيمم ,وأبطلها اإلمامان أبو حنيفة وأمحد.
.3االستحسان هو العدول ملسألة عن حكم ع ائرها إىل حكم آخر؛
لوجه أقو يقتضي هذا العدول ,واألحناف هم أكثر املذاهب عمال به.
وملا أخذ اإلماِ أبو حنيفة الستحسان مل يعتب قط الطري إال يف
الصحراء ,أما يف املدن والقر فال وجو لقط الطري ؛ لضعف وكة املعتدين
بكثرة النام وإغاثة بعضهم بعضا ,وخالفه اإلمامان مالر والشافعي ,وتوقف
اإلماِ أمحد ,وأكثر أصحابه عل اعتبار قط الطري يف أي مكان.
.4العرف هو عا ة قوِ يف قول أو فعد ,واحتج به مجهور العلماء ,واختلفوا
يف مد األخذ به ,وقد أ اختالفهم فيه إىل جتويز احلنفية لعقد االستصناع,8
وأبطله اجلمهور إال عل قاعدة السلم.
.5االستقراء هو االستدالل عل ثبوت حكم هلكلي بتتب أحكاِ جزئياته,
وقد أخذ به مجي العلماء يف إثبات األحكاِ الشرعية م اختالفهم يف مد
العمد به.
وقد أ اختالفهم يف مد االعتما عليه إىل اختالفهم يف أكثر مدة
النفام ,فرأ اإلمامان مالر والشافعي أعه ستون يوما الستقراء ,ورأ اإلمامان
أبو حنيفة وأمحد أعه أربعون يوما لعا ة النفساء عل عهد رسول هللا .
11
.9رع من قبلنا هو ما عقد إلينا من فروع أحكاِ تلر الشرائ مما مل أتت
ريعتنا إبقراره أو عقضه ,وأكثر من عمد به احلنفية واملالكية.
وملا كان اإلمامان أبو حنيفة ومالر ير ن أن رع من قبلنا رع لنا أوجبا
عل من عذر أن يذبح ولده أن يذبح مكاعه بدعة أو اة -عل خالف ,-ومل
يوجب عليه اإلماِ الشافعي يئا؛ ألعه ال ير رع من قبلنا رعا لنا ,وألعه عذر
معصية ,وملا تعد ت الرواية عن أمحد يف حجية رع من قبلنا تعد ت الرواية عنه
يف هذه املسألة بني إلزامه كفارة َيني أو ذبح كبش.
خامسا :منهج االستدالل وعلم أصول الفقه
من األسباب الرئيسية اليت أ ت إىل اخلالف الفقهي هو منهج االستدالل,
ويقصد به الطري املرسوِ الذي يسلكه اجملتهد الستنباط األحكاِ الشرعية من
أ لتها التفصيلية ,وهذا املنهج أو الطري هو عبارة عن قواعد أصولية ثبت صحتها
عند اجملتهد ,فجعلها ميزاان يرج إليه يف االستنباط واالستنتاج.
والعلم الذي يبحث يف مناهج االستدالل هو علم أصول الفقه ,وهو أ رف
صد إىل معرفة أحكاِ هللا
العلوِ بعد صحة االعتقا هلل سبحاعه؛ ألعه به يهلتو َّ
يف أفعال املكلفني.
فال يكفي للفقيه اجملتهد الذي يريد أن ينهض أبعباء استنباط األحكاِ
الشرعية من أ لتها التفصيلية أن حييط أبقوال العلماء السابقني؛ ألن اإلحاطة
جبزئيات املسائد الفرعية مما يش ويعسر ,بد إعه يتعذر م مرور األ ِ واألعواِ,
ولكن املطلوب أن َيتلر الفقيه اجملتهد ميزاان قيقا ومعيارا منضبطا ,يقي به
العامل مد قربه أو بعده من االعضباط واحليا ية.
19
وهنا تتبلور أمهية علم أصول الفقه؛ ألعه الطري املستقيم الذي يسلكه الفقيه
أثناء خوضه غمار االجتها الفقهي ,وقد تضافرت أقوال العلماء يف بيان أمهيته
للعامل اجملتهد؛ لينضبط اجتها ه ,ويسري فيه وف منهج استداليل اثب .
قال إماِ احلرمني اجلويين رمحه هللا (421-489هـ)" :والوجه لكد متصد
لإلقالل أبعباء الشريعة أن جيعد اإلحاطة ألصول وقه اآلكد ,وينص مسائد
الفقه عليها عص من حياول إبيرا ها هتذيب األصول ,وال ينزف مجاِ الذهن يف
وض الوقائ م العلم أبهنا ال تنحصر م الذهول عن األصول".8
وقال اإلماِ الرازي رمحه هللا (313-544هـ)" :حتصيد هذا العلم فرض,
والدليد عليه أن معرفة حكم هللا تعاىل يف الوقائ النازلة ملكلفني واجبة ,وال طري
إىل حتصيلها إال ِبذا العلم ,... ,وإمنا قلنا إعه ال طري إىل معرفة حكم هللا تعاىل
إال ِبذا العلم؛ ألن املكلف إما أن يكون عاميا أو ال يكون ,فإن كان عاميا
ففرضه السؤال ,... ,وإن كان عاملا فالعامل ال َيكنه أن يعرف حكم هللا تعاىل إال
بطري ؛ الععقا اإلمجاع عل أن احلكم مبجر التشهي غري جائز ,وال معىن ألصول
الفقه إال تلر الطرق ,فثب أعه ال سبيد إىل معرفة حكم هللا تعاىل إال أبصول
الفقه".7
وقال اإلماِ تقي الدين السبكي رمحه هللا (253-313هـ)" :وإن علم
أصول الفقه ملن أع م العلوِ عفعا عند من أعصف ومل يعاعد ,فإن العلوِ ثالثة
أصناف :عقلية حمضة كاحلساب وا ندسة والنجوِ والطب ,ولغوية كعلم اللغة
.8اإلِباج يف رح املنهاج للتقي السبكي وولده التاج ( ,)1/7واع ر البحر احمليط للزركشي (.)71/8
.7التمهيد يف ختريج الفروع عل األصول لإلسنوي (.)43/8
98
والتصحيح واإلفسا ,فإن ذلر مالك صناعة الفقه ,قال الغزايل" :إذا مل يتكلم
الفقيه يف مسألة مل يسمعها ككالمه يف مسألة عها ,فلي بفقيه" ,والذي يستمد
منه أصول الفقه هو الكتاب والسنة وما تفرع عنهما".8
وقال اإلماِ الشوكاين رمحه هللا" :فاجملتهد هو الفقيه املستفرغ لوسعه لتحصيد
ظن حبكم رعي ,وال بد أن يكون لغا عاقال ,قد ثب له ملكة يقتدر ِبا عل
استخراج األحكاِ من مآخذها ,وإمنا يتمكن من ذلر بشروط ,... :الشرط الراب
أن يكون عاملا بعلم أصول الفقه؛ ال تماله عل ما مت احلاجة إليه ,وعليه أن
يهلطول الباع فيه ويطل عل خمتصراته ومطوالته مبا تبلغ إليه طاقته ,فإن هذا العلم
هو عما فسطاط االجتها وأساسه الذي تقوِ عليه أركان بنائه ,وعليه أيضا أن
ين ر يف كد مسألة من مسائله ع راً يوصله إىل ما هو احل فيها ,فإعه إذا فعد ذاك
متكن من ر الفروع إىل أصو ا أبيسر علم ,وإذا قصر يف هذا الفن صعب عليه
الر ,وخبط فيه وخلط ,قال الفخر الرازي يف "احملصول" ,وما أحسن ما قال" :إن
أهم العلوِ للمجتهد علم أصول الفقه" ,اعته ,قال الغزايل" :إن أع م علوِ
االجتها يشتمد عل ثالثة فنون :احلديث واللغة وأصول الفقه"" ,7وعصوص
األصوليني يف بيان أمهية علم أصول الفقه كثرية ال ختف .
تعريف علم أصول الفقه
وعلم أصول الفقه يف جممله عبارة عن أ لة إمجالية وقواعد كلية ,يتوصد ِبا
اجملتهد إىل معرفة األحكاِ الشرعية ,وقد جاءت أكثر تعاريف علم أصول الفقه
.8رواه البخاري.
.7رواه مسلم وأمحد -واللفظ له -والنسائي.
.3رواه أمحد وأبو او واليمذي.
.4تناول كتب أصول الفقه القواعد األصولية وخالف العلماء فيها ,وأ بعوها حبثا ومتحيصا ,وكثريا ما
كاعوا يعتمدون عليها يف استدالالهتم الفقهية ,ومن الكتب األصولية اليت اعتن بتخريج الفروع الفقهية
عل القواعد األصولية كتاب التمهيد يف ختريج الفروع عل األصول لإلسنوي الشافعي ,وختريج الفروع
عل األصول للز اين ,ومن املعاصرين أثر االختالف يف القواعد األصولية يف اختالف الفقهاء ملصطف
اخلن ,وأثر األ لة املختلف فيها يف الفقه اإلسالمي ملصطف البغا.
.5رواه ابن ماجه.
95
ختطئ وال تنس وال تهلكره؛ ألن هذا خمالف للواق ,فال بد من تقدير معىن
يسم ملقتض ,بد قد تصلح أحياان عدة معان للتقدير, آخر ,وهو ما َّ
فتكثر املقتضيات ,فهد يهلؤخذ بعموِ املقتض كما هو رأي اجلمهور؟ أِ يقدَّر
مقتض واحد حسب االجتها كما هو مذهب احلنفية ,فمثال إذا تكلم
املصلي يف الصالة انسيا ,فما هو املعىن املوضوع عنه ,هد يوض عنه اإلمث
وبطالن الصالة ,فال أيمث وال تبطد صالته؟ أِ يوض عنه اإلمث فقط ,وتبطد
صالته؟ ذهب اجلمهور إىل األول ,8وذهب احلنفية إىل الثاين.7
.7ومن القواعد األصولية املتعلقة بدالالت األلفاظ عل األحكاِ قاعدة مفهوِ
املخالفة ,ومعناه اللة اللفظ عل ثبوت عقيض حكم املنطوق للمسكوت
عنه؛ العتفاء قيد معتب يف احلكم كالصفة أو الشرط أو الغاية أو العد ,3ومن
.8استدل اجلمهور -إضافة إىل قاعدة عموِ املقتض -أب لة أخر ,منها حديث ذي اليدين ,
وخالصته أن النيب صلَّ لصحابة إما ال هر أو العصر ,فسلم من ركعتني ,ويف القوِ أبو بكر
وعمر رضي هللا عنهما ,فها أن يتكلما ,فقال ذو اليدين :رسول هللا ,أقصرت الصالة أِ عسي ؟
فقال " :ما يقول ذو اليدين"؟ قالوا :صدق ,مل تصد إال ركعتني ,فقاِ وصل ركعتني ,وسجد للسهو,
رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه.
.7استدل احلنفية -إضافة إىل عدِ القول بعموِ املقتض -أب لة أخر ,منها حديث معاوية بن احلكم
,وخالصته أعه كان يصلي م رسول هللا ,فعط رجد من القوِ ,فقال له :يرمحر هللا ,فرماه
القوِ أببصارهم ,وضربوا أبيديهم عل أفخاذهم ,يصمتوعه ,فسك ,فلما قهلضي الصالة قال له " :إن
هذه الصالة ال يصلح فيها يء من كالِ النام ,إمنا هو التسبيح والتكبري وقراءة القرآن" ,رواه مسلم
وأمحد والنسائي وأبو او .
.3ا يط القائلون مبفهوِ املخالفة روطا كثرية ,منها أن ال يكون احلكم يف املسكوت عنه أظهر من
حكم املنطوق ,وأن ال يتعارض م ليد أقو منه ,وأن ال تكون صفة املنطوق خرج خمرج الغالب.
93
ذلر قول النيب " :من ابتاع ال بعد أن تهلؤبَّر فثمرهتا للبائ إال أن يشيط
املبتاع" ,8فمنطوق احلديث أن النخد إذا أهلبر مث بي فثمرته للبائ ,واملسكوت
عنه حكم النخد إذا بي قبد التأبري ,فمن أخذ مبفهوِ املخالفة ,وهم اجلمهور,
حكم أبن الثمرة للمشيي ,ومن مل أيخذ به ,وهم احلنفية ,حكم أبن الثمرة
للبائ .
.3ومن القواعد األصولية املتعلقة بدالالت األلفاظ من حيث مشو ا قاعدة
ختصيص اللفظ العاِ قطعي الثبوت بدليد خاص ظين الثبوت ,فاللفظ العاِ
صر احلكم عل بعض أفرا العاِ, هو املستغرق جلمي أفرا ه ,والتخصيص ق ا
وقطعي الثبوت هو القرآن الكرمي والسنة املتواترة ,وأحل احلنفية ِبما السنة
املشهورة ,وظين الثبوت هو حديث اآلحا والقيام ,وقد اختلف العلماء يف
هذه املسألة عل قولني رئيسني :أو ما جواز ختصيص العاِ قطعي الثبوت
بدليد ظين الثبوت؛ ألن اللة العاِ عل أفرا ه ظنية ,والقائلون بذلر هم
مجهور العلماء ,واثعيهما من ختصيص العاِ قطعي الثبوت بدليد ظين الثبوت؛
ألن اللة العاِ عل أفرا ه قطعية ,والقائلون بذلر هم احلنفية ,فإذا ور النص
القرآين حبكم عاِ ,مث ور حديث آحا خيصصه ,فإن اجلمهور من الشافعية
واحلنابلة جييزون ختصيص عاِ القرآن حبديث اآلحا ,أما احلنفية فإهنم َينعون
هذا التخصيص ,وال يقبلوعه إال إذا ور يف آية قرآعية أو حديث متواتر أو
حديث مشهور ,أما املالكية فإهنم جييزون التخصيص إذا عضد حديث اآلحا
عمد أهد املدينة ,ومن األمثلة اليت توضح مثرة هذا اخلالف قول هللا تبارك
هل
811
عفسي بيده ألقضني بينكما بكتاب هللا ,أما الغنم والوليدة فر علير ,وأما
ابنر فعليه جلد مائة وتغريب عاِ ,واغد أعي إىل امرأة هذا ,فإن اعيف
يب سنة ,7أما قول 8
فارمجها" ينص عل أن عقوبة الزاين البكر مائةهل جلدة وتغر هل
هللا " :الزاعية والزاين فاجلدوا كد واحد منهما مائة جلدة" فإعه ينص عل
أن عقوبة الزاين مائة جلدة فقط ,ومل يذكر التغريب ,فهد احلكم الزائد يعد من
قبيد النسخ أِ اإلضافة ,اختلف العلماء يف هذه املسألة عل قولني رئيسني:
أو ما أن الز ة عسخ ,فال تقبد إال إذا كان النص املتضمن ز ةً يف قوة
ثبوت النص الساب ,وإال فال يقبد عسخ قطعي الثبوت ب ين الثبوت؛
والقائلون بذلر هم احلنفية ,و لتايل حكموا أن التغريب للزاين البكر عقوبة
تعزيرية ,وليس عقوبة اثبتة؛ ألن الز ة عسخ ,واألحا يث الوار ة يف التغريب
أحا يث آحا ,فال تنسخ اآلية ,واثعيهما أن الز ة إضافة زائدة ,فتقبد ما
اِ النص صحيحا وإن مل يكن يف قوة النص الساب ,والقائلون بذلر هم
اجلمهور ,و لتايل حكموا أن التغريب للزاين البكر عقوبة اثبتة ,استفيدت من
األحا يث الوار ة يف التغريب.
.1ومن القواعد األصولية املتعلقة لسنة النبوية قاعدة العمد حبديث الواحد إذا
خالف القيام ,واملقصو حبديث الواحد احلديث النبوي الذي رواه آحا من
إحلاق فرع
النام ال يبلغون حد التواتر ولو يف طبقة واحدة ,واملقصو لقيام هل
أبصد يف حكمه لعلة جامعة بينهما ,وختتص هذه القاعدة لقيام املنصوص
.8قرار اجملم الفقهي يف ورته العا رة املنعقدة مبكة املكرمة يف الفية 8411/7/71-74هـ.
.7جام بيان العلم وفضله البن عبدالب (.)831/7
.3جام بيان العلم وفضله البن عبدالب (.)831/7
815
وقال اإلماِ السيوطي رمحه هللا (988-149هـ)" :اعلم أن اختالف
املذاهب يف هذه امللة ععمة كبرية وفضيلة ع يمة ,وله سر لطيف ,أ ركه العاملون
وعمي عنه اجلاهلون ,حىت ع بعض اجلهال يقول :النيب جاء بشرع واحد,
فمن أين مذاهب أربعة؟ ومن العجب أيضاً من أيخذ يف تفضيد بعض املذاهب
عل بعض تفضيالً يؤ ي إىل تنقيص املفضَّد عليه وسقوطه ,ورمبا أ َّ إىل اخلصاِ
منزهون عن ذلر ,وقد وق بني السفهاء ,وصارت عصبية ومحية اجلاهلية ,والعلماء َّ
االختالف يف الفروع بني الصحابة ,وهم خري األمة ,فما خاصم أحد منهم
أحداً ,وال عا أحد أحداً ,وال عسب أحد أحداً إىل خطأ وال قصور".8
والعجب أن بعض النام اليوِ يكرر ما استغربه السيوطي من ع رهتم
للمذاهب الفقهية األربعة عل أهنا تشريعات تناف الشريعة اإلسالمية ,وأن
الواجب اتباع مذهب الرسول ال اتباع مذهب فالن وفالن ,وأن اتباعهم هو
حتول من تقليد املعصوِ إىل تقليد غري املعصوِ.7
والصواب أن هذه املذاهب الفقهية هي خالصة اجتها ات وفهم العلماء
الراسخني يف علوِ الشريعة ,فمذهب أيب حنيفة هو فهم أيب حنيفة للكتاب
والسنة ,ويقال مثد ذلر يف بقية أئمة املذاهب املتبوعة وغري املتبوعة.
يدع أحد من أولئر األئمة أن قوله هو احل الذي ال ريب فيه ,بد قال ومل َّ
اإلماِ أبو حنيفة رمحه هللا" :قولنا هذا رأي ,وهو أحسن ما قدران عليه ,فمن جاءان
811
وف منهج استداليل اثب .
ع را لقصور ا مم فقد أحدث بعض املعاصرين القول بتخفيف روط
االجتها من خالل جتديد علم أصول الفقه.
كان الختالف الفقهاء أسباب كثرية ,أبرزها:
.8اللغة العربية اليت عزل ِبا كتاب هللا وعط ِبا رسوله من حيث :حقيقتها
وجمازها وا ياك ألفاظها ومعاين حروفها وطريقة إعراِبا وغري ذلر.
.7السنة النبوية من حيث :ثبوت احلديث وتعديد الرواة وأحا يث اآلحا
واختالف مناهج اجلم واليجيح بني األ لة املتعارضة ظاهرا.
.3موقف السنة النبوية من القرآن الكرمي من حيث عسخها للقرآن وختصيص
النص العاِ الوار فيه.
.4حجية بعض األصول واملصا ر التشريعية ,كاملصاحل واالستصحاب
واالستحسان والعرف واالستقراء وقول الصحايب وسد الذرائ وعمد أهد
املدينة و رع من قبلنا.
.5منهج االستدالل األصويل الذي يسري عليه الفقيه يف ميدان االجتها الشرعي
واستنباط األحكاِ الشرعية من أ لتها التفصيلية.
أوجدت املذاهب األربعة ثروة فقهية تشريعية ,جتعد األمة اإلسالمية يف سعة
من أمر ينها و ريعتها.
819
881
الفصل الثاين :املناهج الفقهية املعاصرة
888
887
الفصل الثاين :املناهج الفقهية املعاصرة
مقدمة
تتقاسم الساحة الفقهية يف عصران احلاضر ثالثةهل مناهج فقهية خمتلفة 8من
حيث طريقة بناء األحكاِ الشرعية والتوصد إليها:7
.8املنهج املذهيب الذي أسسه علماء املذاهب الفقهية األربعة املشهورة:
احلنفي واملالكي والشافعي واحلنبلي ,وير أصحاِبا جواز التزاِ مذهب معني
منها ,ويفرعون مستجدات املسائد عل أصول مذهبهم وعصوصه ,ويدخد
ضمنهم املتمذهبون غري القا رين عل الن ر يف مآخذ أقوال مذاهبهم ,والقا رون
عل الن ر واالجتها اجلزئي يف مذاهبهم ,سواء تعصبوا له م اتضاح ضعفه
ومرجوحيته يف مسألة ما ,أو جتاوزوه إىل مذهب فقهي آخر إذا ظهرت م
أرجحيته عل مذهبهم يف مسألة ما.
ومن أبرز علماء هذا املنهج يف العصر احلاضر الشيخ حممد اخلضر بن ما
أيىب اجلكين الشنقيطي رمحه هللا (8354-8715هـ) ,فإعه قال" :وأما اجملتهد
املقيد فهو املقلد إلماِ من األئمة ,قد عرف أصول مذهبه ,وأحاط ِبا ,فإذا سئد
عن حا ثة ع ر يف عصوص إمامه كن ر املطل يف أصول الشرع ,فإن مل جيد إلمامه
. 8ختتلف وجهات الن ر يف هذا التقسيم الثالثي ,فبعضهم يقسم املناهج الفقهية إىل الفقه املقاصدي يف
مقابلة الفقه ال اهري ,وبعضهم يقسمها إىل فقه التشديد يف مقابلة فقه التيسري ,وكد تلر التقسيمات ال
ختلو من وجاهة ,ولكين اخيت تقسيمي الثالثي؛ العدراج التقسيمات األخر فيه بوجه من الوجوه.
.7حرص يف اعتقاء أ اء تلر املناهج الفقهية أن تكون مقبولةً لد أصحاِبا.
883
وخرج عليها ,كبعض أصحاب مالر والشافعي, يف املسألة عصا قام عل أصولهَّ ,
وال يتعد عصوص إمامه إىل عصوص غريه عل املشهور".8
ومن أبرز علماء هذا املنهج أيضا الشيخ الدكتور حممد سعيد رمضان البوطي
رمحه هللا (8434-8342هـ) ,فقد قال" :فإن أهم ما قصدت إىل إيضاحه يف
الكتاب هو أن أن املسلمني الذين مل يبلغوا رجة األخذ من الكتاب والسنة
مبا رة يف عصر الصحابة والتابعني ومن بعدهم أن يتبعوا مذهب إماِ من األئمة
الذين بلغوا تلر الدرجة ,وللواحد منهم أن يالزِ إماما من األئمة إن اء ,وله أن
يتحول إن اء إىل غريه ,... ,أفال يكون القول -بعد هذا كله -حبرمة التزاِ
إماِ معني يف االستفتاء والتقليد بدعة طلة ,ما أعزل هللا ِبا من سلطان ,وهد
الالمذهبية يء غري هذا".7
.7املنهج السلفي الذي يعتمد عل االستنباط املبا ر من الكتاب والسنة,
ويرجح بني اآلراء واملذاهب الفقهية بناءً عل مد قرِبا من الالت النصوص
الشرعية ,وقد يؤ يهم اجتها هم وترجيحهم إىل األ د أو إىل األيسر من اآلراء
واألقوال ,وال يلتزِ أصحاِبا مذهبا معينا ,بد هلحيرِ بعضهم عل املسلم التزاِ
مذهب فقهي واحد يف مجي األحكاِ الشرعية ,وجييزوعه أحياانً يف حاالت ضيقة.
ومن أبرز علماء هذه املنهج يف العصر احلاضر الشيخ عبدالعزيز بن ز رمحه
هللا ,فقد سأله سائد عن حكم اختيار أحد األئمة األربعة لكي يتفقه عل مذهبه
ون اآلخرين ,فقال يف جوابه" :لي لر أن تقلد واحدا مطلقا ,بد علير أن
.8قم أهد الزيغ واإلحلا عن الطعن يف تقليد أئمة االجتها للخضر (.)78
.7الالمذهبية أخطر بدعة هتد الشريعة اإلسالمية للبوطي (.)81
884
تسأل أهد العلم عما أ كد علير ,فالتقليد ال جيوز ,بد جيب عل طالب العلم
أن ين ر يف األ لة الشرعية ,وخيتار ما تقتضيه األ لة ,سواء واف األئمة األربعة أِ
مل يوافقهم ,وإذا كان عاميا فإعه ال يقلد واحدا من هؤالء ,بد يسأل أهد العلم يف
زماعه ,أهد العلم لسنة ,أهد العلم والبصرية ,يسأ م عما أ كد عليه ,ويعمد مبا
يفىت به؛ ألن مثله ال يعرف أن َييز بني الصحيح والسقيم ,ال يعرف احل من
الباطد ,فالعامي حيتاج من يقو ه إىل احل ,ويدله إىل احل من علماء السنة".8
ومن أبرز علماء هذه املنهج أيضا الشيخ حممد انصر الدين األلباين رمحه
هللا ,فقد قال يف كتابه "صفة صالة النيب " :"وملا كان موضوع الكتاب إمنا هو
بيان هدي النيب يف الصالة كان من البدهي أن ال أتقيد فيه مبذهب معني
للسبب الذي مر ذكره ,وإمنا أور فيه ما ثب عنه كما هو مذهب احملدثني
قدَيا وحديثا ,... ,مث إين حني وضع هذا املنهج لنفسي ,وهو التمسر لسنة
الصحيحة ,وجري عليه يف هذا الكتاب وغريه ,كن عل علم أعه سوف ال
يرضي ذلر كد الطوائف واملذاهب ,... ,فحسيب أعين معتقد أن ذلر هو الطري
األقوِ الذي أمر هللا تعاىل به املؤمنني ,وبينه عبينا حممد سيد املرسلني ,وهو الذي
سلكه السلف الصاحل من الصحابة والتابعني ومن بعدهم ,وفيهم األئمة األربعة,
الذين ينتمي اليوِ إىل مذاهبهم مجهور املسلمني ,وكلهم متف عل وجوب
التمسر لسنة والرجوع إليها وترك كد قول خيالفها مهما كان القائد ع يما".7
.8اقيح بعض اإلخوة الفضالء إضافة منهج فقهي راب ,وهو املنهج التشديدي القائم عل التحرمي
واملن ؛ تغليباً لالحتياط والورع ,ولكين مل آخذ ِبذا االقياح؛ اكتفاءً بتلر املناهج املذكورة يف الكتاب ,إذ
إن املنهج املذهيب واملنهج السلفي ال خيلوان من ذلر.
.7االجتها يف الشريعة للقرضاوي (.)39
883
االستثنائية عمال لتوجيه القرآين" :يريد هللا بكم اليسر وال يريد بكم العسر",
والتوجيه النبوي" :يسروا وال تعسروا"".8
ومن هنا أعشأ الشيخ القرضاوي مصطلحا فقهياً جديداَّ ,اه" :فقه
التيسري" ,وأوضح مرارا أعه يتبناه ويدعو إليه ,فقد قال" :فقه التيسري منهجي الذي
أسري عليه منذ أكثر من عصف قرن ,... ,فالقرآن مليء إل ارات الدالة عل
ذلر ,يقول هللا تعاىل" :يريد هللا بكم اليسر وال يريد بكم العسر" ,... ,ويدل
عل ذلر ما جاء يف األثر النبوي" :إمنا بعثتم ميسرين ,ومل تبعثوا معسرين",... ,
و ذا فمنهجي الذي أستقيه من فهمي لإلسالِ هو التبشري يف الدعوة والتيسري يف
الفتو ,وإذا كان اليسر واللني يف الشرع مطلوبني يف كد عصر ,فهو ألزِ ما يكون
يف عصران؛ ألن عصران غلب عليه الناحية املا ية عل النام ,ومشاغد احلياة
طغ فيه عل النام ,وهو زمن ر َّق فيه الدين ,وق َّد فيه اليقني ,فأصبحنا يف
حاجة إىل أن فف عل النام وعسهد عليهم".7
.8اع ر كالِ ابن عبدالب رمحه هللا يف كتابه جام بيان العلم وفضله (.)73/7
. 7رواه أمحد وابن خزَية وابن أيب يبة والدارقطين والدارمي والبزار والطباين -يف الكبري واألوسط ,-
كلهم بدون كلمة "واحدة" ,ورواه أبو او وابن حبان عن عمار بن سر قال :سأل النيب عن
التيمم ,فأمرين ضربة واحدة للوجه والكفني.
.3إن كان الشيخ األلباين يقصد بوضوح احلجة ألذكياء العامة وملن وهنم يف الذكاء ,يقصد فـ اهم معىن
احلديث فكالمه صحيح إىل حد ما ,أما إن كان يقصد ثبوت احلديث ,فإن أذكياء اخلاصة -فضال عن
أذكياء العامة -ال يستطيعون ذلر إال بعد مراجعة الروا ت املختلفة ذا احلديث من حيث أساعيدها
ومتوهنا ,مث اليجيح بينها وف منهج واضح ,فعل سبيد املثال ,ور عن عمار بن سر حني تيمموا
م رسول هللا , فأمر املسلمني فضربوا أبكفهم الياب ,ومل يقبضوا من الياب يئا ,فمسحوا بوجوههم
مسحة واحدة ,مث عا وا فضربوا أبكفهم الصعيد مرة أخر ,فمسحوا أبيديهم ,رواه أبو او وابن ماجه -
واللفظ له ,-وقد صححه األلباين يف صحيح وضعيف أيب او برقم ( ,)381وصحيح وضعيف ابن
871
الذي جيب عليه التقليد ,وال يكلف هللا عفسا إال وسعها ,... ,كما أن العامل عفسه
قد يضطر أحياان إىل التقليد يف بعض املسائد حني ال ي فر فيها بنص عن هللا
ورسوله ,ومل جيد فيها سو قول من هو أعلم منه ,فيقلد اضطرارا".8
ومما قاله الشيخ القرضاوي حف ه هللا" :أعصح هؤالء الشباب َّأوالً أن حييموا
التخصص ,فلكد علم أهله ,ولكد فن رجاله ,... ,كذلر ال جيوز أن يكون علم
هب و رج من النام ,بدعو أن اإلسالِ لي الشريعة كألً مباحاً لكد من َّ
حكرا عل فئة من النام ,وأعه ال يعرف طبقة رجال الدين اليت عرف يف أ ن
أخر ,فالواق أن اإلسالِ ال يعرف طبقة رجال الدين ,ولكنه يعرف علماء الدين
املتخصصني ,الذين أ ارت إليهم اآلية الكرَية" :فلوال عفر من كد فرقة منهم
طائفة ليتفقهوا يف الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم حيذرون" ,وقد
علمنا القرآن والسنة أن عرج فيما ال ععلم إىل العاملني من أهد الذكر واخلبة بقوله
تعاىل" :فاسألوا أهد الذكر إن كنتم ال تعلمون" ,... ,وإن مما راعين أن أجد من
جييئ عل الفتو يف أخطر القضا ,وإصدار األحكاِ يف أهم األمور ,ون أن
ماجه برقم ( ,)528فماذا سيفعد أذكياء العامة أماِ هذا احلديث؟ هد أيخذون به ,فيثبتون ضربتني
للتيمم؟! أِ أيخذون حلديث الذي أور ه الشيخ األلباين ,فيثبتون ضربة واحدة؟! أِ سريون هذا من قبيد
التعارض ,فيؤول ِبم احلال إىل احلرية والشر؟! وإذا كان األلباين قد سب روا ت احلديث ,فثب عنده
حجية حديث "التيمم ضربة واحدة" ,فأفىت به للعامة ,فهد جيب عليه أن يبني للمستفيت كيفية وصوله إىل
حجية احلديث؟! وهد سيفهم العامة ذلر وهم غري خمتصني يف علم احلديث؟! فإذا مل يفعد األلباين ذلر,
أخ هلذ العامي بفتواه إال من قبيد تقليد
واكتف بفتواه م ذكر الدليد الذي خلص إىل ترجيحه ,فهد ا
األلباين يف تصحيح احلديث؟!
.8احلديث حجة بنفسه يف العقائد واألحكاِ لأللباين (.)18
878
تكون عنده مؤهالت الفتو ,وقد خيالف مجهور العلماء قدَيا وحديثا ,ورمبا
تطاول فخطأ اآلخرين وجهلهم ,بزعم أعه لي مقلدا ,وأن من حقه أن جيتهد ,وأن
ب االجتها مفتوح للجمي ,وهذا صحيح ,ولكن لالجتها روطا ,قد ال
َيلر أي واحد منها ,... ,ولس أمن الشباب املسلم أن يدرسوا ويتعلموا,
فطلب العلم فريضة ,وهو مطلوب من املهد إىل اللحد ,ولكين أقول :إهنم مهما
رسوا ,فسي لون يف حاجة إىل أهد االختصاص ,فإن للعلم الشرعي أ وات مل
يتوفروا عل حتصيلها ,وأصوالً مل يتمرسوا مبعرفتها واستيعاِبا ,وفروعاً ومكمالت ال
تسعفهم أوقاهتم وال أعما م أن يتفرغوا ا ,ولكد وجهة هو موليها ,وكد ميسر ملا
خل له".8
إن النصوص السابقة عن بعض علماء املناهج الفقهية املعاصرة تؤكد يف
جمموعها اتفاقهم عل التايل:
.8ال جيوز للعامل املؤهد لالجتها يف الشريعة 7أن يقلد غريه من العلماء ,بد جيب
عليه أن جيتهد يف استنباط األحكاِ الشرعية ,سواء كان يف أي مرتبة من
مراتب االجتها .
.7جيب عل املسلم غري املؤهد لالجتها -وهو العامي -أن يسأل العلماء
املختصني عن أحكاِ الدين ,وال جيوز له أن يعتمد عل اجتها ه القاصر.
ويف عف الوق الذي تتقاط فيه تلر املناهج الفقهية الثالثة يف بعض
أحكامها ,فإهنا تتقاط أحياان يف عسبة بعض العلماء إليها ,فعل سبيد املثال
.8مقدمة الشيخ عبدهللا بن بيه لكتاب "افعد وال حرج" للشيخ سلمان العو ة (.)88
.7قم أهد الزيغ واإلحلا حملمد اخلضر (.)881
874
عل مشروعية التقليد ,بد ووجوبه عند القصور عن رجة االستنباط واالجتها ,
فأي فرق عندئذ بني أن يكون اجملتهد املقلَّد واحدا من أفرا الصحابة ,أو واحدا
من أئمة مذهب الرأي أو احلديث ,أو واحدا من أئمة املذاهب األربعة ,ما اموا
مجيعا جمتهدين ,وما اِ هذا اآلخر مقلدا جاهال بكيفية االستدالل
واالستنباط"8؟!
ومما قاله الشيخ عبدالعزيز بن ز رمحه هللا يف هذا الشأن -ممثال املنهج
السلفي ,-جميبا عمن يقول :ال عتب املذاهب األربعة ,بد تهد مثلهم" :هذا
الكالِ قد يهلستنكر لنسبة لبعض النام ,ولكن معناه يف احلقيقة ملن أتهد
صحيح ,فال جيب عل النام أن يقلدوا أحدا ,ومن قال :إعه جيب تقليد األئمة
األربعة ,فقد غلط ,إذ ال جيب تقليدهم ,ولكن يستعان بكالمهم وكالِ غريهم من
أئمة العلم ,وين ر يف كتبهم رمحهم هللا ,وما ذكروا من أ لة ,ويستفيد من ذلر
طالب العلم املوف ,أما القاصر فإعه لي أهال ألن جيتهد ,وإمنا عليه أن يسأل
أهد الفقه ,ويتفقه يف الدين ,ويعمد مبا ير دوعه إليه ,حىت يتأهد ويفهم الطري
اليت سلكها العلماء ,ويعرف األحا يث الصحيحة والضعيفة ,والوسائد لذلر يف
مصطلح احلديث ,ومعرفة أصول الفقه ,وما قرره العلماء يف ذلر ,حىت يستفيد
من هذه األ ياء ,ويستطي اليجيح فيما تنازع فيه النام".7
ومما قاله الشيخ األلباين رمحه هللا -ممثال املنهج السلفي ,-معلقا عل
حديث "اختالف أميت رمحة"" :ال أصد له ,... ,وإن من آاثر هذا احلديث
.8االجتها يف الشريعة للقرضاوي ( ,)831وكالِ الشيخ يف من املعاملة اجلديدة اليت ال يوجد ا ع ري
يف املذهب غري قي ؛ ألهنم إن مل جيدوا ع ريا أو بيها ا فإن جمتهدي املذهب يسريون عل أصول
مذهبهم وطريقته االجتها ية ,وقد يؤ يهم هذا إىل جتويزها أو منعها.
872
إال االعضباط أبصو م والتخريج عل قواعدهم وفروعهم ,ومن هنا عشأت قضية
التمذهب ملذاهب الفقهية األربعة ,فقد قال هللا تعاىل" :وما كان املؤمنون لينفروا
كافة فلوال عفر من كد فرقة منهم طائفة ليتفقهوا يف الدين وليتذروا قومهم إذا
رجعوا إليهم لعلهم حيذرون".
أما املنهجان :السلفي والتيسريي فيؤكدان عل وجوب األخذ من املعني
الصايف الذي أخذ منه أولئر العلماء اجملتهدون؛ ألن املسلم مأمور تباع كتاب
هللا وسنة رسوله ,فلماذا يكون أولئر األئمة األربعة وسطاء بينه وبني
مصا ر التشري األصيلة؟ وملاذا ال أيخذ من حيث أخذوا؟ وملاذا تنحصر مهمة
اإلفتاء يف أفرا معدو ين ,ويضطر بقية النام إىل تقليدهم؟ فقد قال هللا تعاىل:
"فإن تنازعتم يف يء فر وه إىل هللا والرسول إن كنتم تؤمنون هلل واليوِ اآلخر
ذلر خري وأحسن أتويال".
ولئن التق املنهجان :السلفي والتيسريي يف التحرر من االلتزاِ مبذهب
فقهي معني ,فإن أوضح فرق بينهما هو أن املنهج السلفي ينطل يف اجتها ه من
النصوص الشرعية ,وال يتأثر لواق كثريا ,وال يلتف إىل اعتهائه يف اجتها ه إىل
تيسري أو تعسري ,أما املنهج التيسريي فيسع إىل التيسري يف الفتو ما أمكن إىل
ذلر سبيال ,ويتأثر يف اجتها ه لواق كثريا ,ويؤكد عل قضية تغري الفتو بتغري
الزمان واملكان واحلال ,ومن هنا عشأ "فقه التيسري" و"االجتها االعتقائي",
وسيتضح هذا الفرق يف الفصول القا مة إن اء هللا.
وأعيد التنبيه عل أن تلر املناهج الفقهية تتقاط يف بعض أحكامها
والعلماء املنتسبني إليها ,فالشيخ حممد بن عثيمني رمحه هللا ير جواز التمذهب
871
الفقهي ,فقد رم و َّرم املذهب احلنبلي ,ولكنه صاحب ترجيحات واختيارات
فقهية خارجة عن مذهبه احلنبلي ,والشيخ عبدهللا بن بيه حف ه هللا ير جواز
التمذهب الفقهي ,فإعه مالكي املذهب ,ولكنه ينحو منح التيسري يف فتاواه,
حمرراً إ ها يف صناعة توف بني املقاصد والنصوص ,وتض عصب عينيها املقاصد
الشرعية األكيدة ,ون أن تغيب عن بصرها وبصريهتا النصوص اجلزئية.
وعموماً ,فلس يف هذا املقاِ بصد اليجيح واملفاضلة بني تلر املناهج,
إال أعين أؤكد عل األمور التالية ,معتقدا صحتها وخطأ مقابلها:
.8ال جيوز للعامي -وهو املسلم غري املؤهد لالستنباط املبا ر من الكتاب
والسنة؛ لعدِ امتالكه أ وات االجتها السابقة -أن يعتمد عل قناعته الذاتية
يف فهم النصوص الشرعية؛ ألن هذا أ به مبن حياول قيا ة سفينة يف جلج
البحر ,وهو ال َيلر من مهارات القيا ة يئا ,وقد اتفق املناهج الثالثة عل
هذا احلكم.8
.7ال جيوز للعامل -وهو املسلم املؤهد لالستنباط املبا ر من الكتاب والسنة؛
المتالكه أ وات االجتها - 7أن يعطد عقله ويقلد غريه من العلماء ,بد جيب
. 8وجيب عليه يف هذه احلالة أحد أمرين :إما التمذهب مبذهب فقهي ,أو بسؤال العلماء واالعتقاء من
أقوا م ,أبن أيخذ بقول اجلمهور ,أو من ي نه أعلم ,أو األ د ,أو األيسر بشرط اجتناب :التلفي ,وتتب
الرخص ,واألخذ بزالت العلماء.
مر يف الفصد األول ,والعامل الذي توفرت فيه
.7سواء كان يف مرتبة االجتها املستقد أو ما بعدها ,كما َّ
روط االجتها يف مسألة واحدة أو ب من أبواب الفقه يسم جمتهدا جزئيا ,وحكمه أعه يسوغ له
االجتها فيما بلغ رتبة االجتها فيه ما اِ يف ائرة االجتها املعتب الذي ال خيالف القطعيات.
879
عليه أن أيخذ من حيث أخذوا ,وأن جيتهد كما اجتهدوا ,وقد اتفق املناهج
الثالثة عل هذا احلكم.
.3ال جيب عل املسلم أن يلتزِ مذهبا فقهيا معينا طيلة حياته ,بد جيب عليه أن
يسأل العلماء عما ينزل به من عوازل ,وأن يتحر يف العلماء العلم والورع
والتخصص ,وأن يتجنب التلفي وتتب الرخص والتقاط اآلراء الضعيفة ,8وقد
اتفق املناهج الثالثة عل هذا احلكم ,م مالح ة أن املنهج التيسريي
يتساهد أحياان يف قضا التلفي والرخص واألقوال الضعيفة.
.4جيوز للمسلم أن يلتزِ مذهبا فقهيا معينا طيلة حياته ,بشرط أعه مىت ما تبني له
مرجوحية مذهبه يف مسألة ما فإعه يفارق مذهبه فيها وجو ,وهذا مشروط
بشرطني :أن َيلر القدرة االجتها ية ,7وأن يعذر املخالف ,وتكا تتف
املناهج الثالثة عل هذا احلكم ,م مالح ة أن املنهج السلفي ير أن هذا
االلتزاِ مقبول لطلبة العلم املبتدئني ,ولذلر فإعه يدف طالب العلم فعا حثيثا
للتخلص من هذا االلتزاِ ,ويغلب عليه أحياان اإلعكار وعدِ اإلعذار.
.5إذا أرا العامل أن يتحرر من التزاِ املذهب الفقهي مجلة وتفصيال ,فإعه جيوز له
ذلر بشرط حتقيقه روط االجتها ,والتزاِ منهج أصويل واضح وطريقة مطر ة
يف االجتها الفقهي ,حبيث يكون له رأي حمد حول كد قاعدة أصولية ,3وأن
. 8املقصو لقواعد األصولية هي تلر األصول والقواعد اليت كاع حمد خالف معتب بني علماء
املسلمني ,وأخذت ِبا -أو ببعضها -املذاهب الفقهية األربعة ,ولي املقصو تلر القواعد األصولية
املبتدعة اليت ابتدعها بعض املنحرفني املعاصرين ,كأصد إلغاء االحتجاج لسنة ,أو إمهال االحتجاج
إلمجاع املتيقن ,أو التحرر من لزوِ الداللة اللغوية زمن عزول الوحي بدعو تغريها وتطورها ,وهو ما
يسم بتارخيية النص ,وغري ذلر من األصول املبتدعة دِ اإلسالِ وحتريفه.
838
والعلم الذي يضبط قاعون االجتها هو علم أصول الفقه ,وهذا ما قرره
علماء املنهج املذهيب ,والتزموا به يف اجتها هم ,وقد عقل عصوصا كثرية عنهم,
تبني أمهية علم أصول الفقه ,كقول الرازي رمحه هللا" :فثب أعه ال سبيد إىل معرفة
حكم هللا تعاىل إال أبصول الفقه" ,وكقول التقي السبكي رمحه هللا" :وكد العلماء
يف حضيض عنه إال من تغلغد أبصول الفقه" ,وكقول اإلسنوي رمحه هللا" :مث إعه
العمدة يف االجتها ,وأهم ما يتوقف عليه من املوا " ,وكقول ابن النجار رمحه هللا:
"(وهو) أي الفقيه يف االصطالح (العامل أبصول الفقه) أي أبن يكون له قدرة عل
استخراج أحكاِ الفقه من أ لتها" ,وكقول الشوكاين رمحه هللا" :فإن هذا العلم هو
عما فسطاط االجتها وأساسه الذي تقوِ عليه أركان بنائه".
وااللتزاِ لقاعدة األصولية يعين أن العامل إذا أ َّاه اجتها ه إىل خمالفة القاعدة
األصولية اليت استقرت صحتها عنده فإعه ينبغي له أن يعيد الن ر يف اجتها ه أو
يف القاعدة األصولية اليت يعتقد صحتها.
وألضرب عل ذلر مثاال واقعيا من اجتها اإلماِ الشافعي رمحه هللا ,فإعه
قد استقر عنده صحة قاعدة أصولية ,مفا ها أن ما اختلف فيه العلماء السابقون
اخلروج عن أقوا م حىت لو كان القيام يقتضي ذلر ,وقد التزِ هل فال جيوز للمجتهد
ِبذه القاعدة األصولية يف تشريكه اجلد م اإلخوة يف املرياث ,م أن اجتها ه
املبين عل القيام اقتضاه َّأوالً إىل حجب اجلد إلخوة ,فلما مل جيد من يقول ِبذا
الرأي أخذ أبقرب األقوال لقوله ,وهو تشرير اجلد م اإلخوة ,وإلير خالصة
اجتها ه يف هذه املسألة:
837
قال اإلماِ الشافعي رمحه هللا" :واختلفوا يف اجلد ,فقال زيد بن اثب ,وروي
ورث معه اإلخوة ,وقال أبو بكر الصديعن عمر وعثمان وعلي وابن مسعو :يهل َّ
وابن عبام ,وروي عن عائشة وابن الزبري وعبد هللا بن عتبة :أهنم جعلوه أ ً,
وأسقطوا اإلخوة معه.
فقال :فكيف صرمت إىل أن ثبَّـتُّم مرياث اإلخوة م اجلد؟ أبداللة من كتاب
هللا أو سنة؟
مبني يف كتاب هللا أو هلسنَّة فال أعلمه.
قل َّ :أما يء َّ
قال :فاألخبار متكافئة ,والدالئد لقيام م من جعله أ ً ,وحجب به
األخوة.
قل :وأين الدالئد؟
قال :وجدت اسم األبوة تلزمه ,ووجدتكم جمتمعني عل أن حتجبوا به بين
األِ ,ووجدتكم ال تنقصوعه من السدم ,وذلر كله حكم األب.
فقل له :لي سم األبوة فقط عورثه.
قال :وكيف ذلر؟
قل :أج هلد اسم األبوة يلزمه وهو ال يرث.
قال :وأين؟
قل :قد يكون وعه أب ,واسم األبوة تلزمه ,وتلزِ آ ِ ,وإذا كان ون اجلد
أب مل يرث ,ويكون مملوكا وكافرا وقاتال فال يرث ,واسم األبوة يف هذا كله الزِ له,
فلو كان سم األبوة فقط يرث ورث يف هذه احلاالت ,وأما حجبهلنا به بين األِ
فإمنا حجبناهم به خباً ال سم األبوة ,وذلر أان حنجب بين األِ ببن ابن ابن
833
متسفلة ,8وأما أان مل عنقصه من السدم فلسنا عنقص اجلدة من السدم ,وإمنا
فعلنا هذا كله اتباعا ,ال أن حكم اجلد إذ واف حكم األب يف معىن كان مثله يف
كد معىن ,ولو كان حكم اجلد إذا واف حكم األب يف بعض املعاين كان مثله يف
كد املعاين كاع بن االبن املتسفلة موافقة له ,فإان حنجب ِبا بين األِ ,وحكم
اجلدة مواف له ,فإان ال عنقصها من السدم.
قال :فما حجتكم يف ترك قولنا :حنجب جلد اإلخوة.
قل :بـهل اع هلد قولكم من القيام.
قال :فما كنا عراه إال القيام عفسه؟
قل :أرأي اجلد واألخ :أيديل واحد منهما بقرابة عفسه أِ بقرابة غريه؟
قال :وما تعين؟
قل :ألي إمنا يقول اجلد :أان أبو أيب املي ؟ ويقول األخ :أان ابن أيب
املي ؟
قال :بل .
.8أي إن اإلخوة لألِ حمجوبون جلد للدليد ,وحمجوبون أيضا ببن االبن مهما عزل للدليد أيضا,
كقوله تعاىل" :وإن كان رجد يورث كاللةً أو امرأة وله أخ أو أخ فلكد واحد منهما السدم فإن كاعوا
أكثر من ذلر فهم ركاء يف الثلث" ,والكاللة من ال والد له وال ولد ,واملقصو ألخ واألخ أي لألِ,
فا يط اآلية ملرياث اإلخوة لألِ أن ال يكون معهم والد -ويشمد األب واجلد أ األب -وال ولد -
ويشمد االبن والبن وابن االبن وبن االبن مهما عزال مبحض الذكور ,-قال اإلماِ الرحيب رمحه هللا يف
من ومته الشهرية:
احتياط عل فافهمه جلد إلسقاط األِ ابن
هل ويفضد
مجعاً ووحداانً فقد يل :ز ين االبن وبنات و لبنات
834
قل :وكالمها يديل بقرابة األب بقدر موقعه منها؟
قال :ععم.
قل :فاجعد األب املي ,وترك ابنه وأ ه ,كيف مرياثهما منه؟
قال :البنه مخسة أسدام ,وألبيه السدم.
قل :فإذا كان االبن أوىل بكثرة املرياث من األب ,وكان األخ من األب
الذي يديل األخ بقرابته ,واجلد أبو األب من األب الذي يديل بقرابته كما
وصف ,كيف حجب األخ جلد؟! ولو كان أحدمها يكون حمجو آلخر
اعاـبـغ أن هلحيجب اجلد ألخ؛ ألعه أوالمها بكثرة مرياث الذي يدليان معا بقرابته,
أو جتعد لألخ أبداً مخسة أسدام ,وللجد سدم.
قال :فما منعر من هذا القول؟
أكثر ح ا منه, قل :كد املختلفني جمتمعون عل أن َّ
اجلد م األخ مثلهله أو هل
القيام هلخمرج من مجي
فلم يكن يل عندي خالفهم ,وال الذهاب إىل القيام و هل
أقاويلهم ,وذهب إىل إثبات اإلخوة م اجلد أوىل األمرين؛ ملا وصف من الدالئد
قول األكثر من أهد الفقه لبلدان اليت أوجدعيها القيام ,م أن ما ذهب هل إليه هل
قدَيا وحديثا ,م أن مرياث اإلخوة اثب يف الكتاب ,وال مرياث للجد يف
الكتاب ,ومرياث اإلخوة أثب يف السنة من مرياث اجلد".8
صرح اإلماِ الشافعي رمحه هللا أبن قياسه املؤ ي إىل حجب فتأمد كيف َّ
اجلد إلخوة خمرج لقوله من أقاويد من سبقه من العلماء ,وهم إمنا اختلفوا يف هذه
املسألة عل قولني :حجب اإلخوة جلد أو تشريكهما ,وملا كان الشافعي ملتزماً
.8عرض يف الفصد األول بعض القواعد األصولية وآراء املذاهب الفقهية األربعة منها.
833
يف أخطاء حديثية منهجية وجزئية ,8أما اجتها اته الفقهية فقد أاثر بعضها لغطا
كبريا يف أوساط الفقهاء ,ولس بصد عرض تلر احملاورات واملناقشات.7
أما فيما يتعل مبنهج بناء احلكم الفقهي عند الشيخ األلباين رمحه هللا ,فقد
كان حيشد ما استطاع من األ لة الشرعية ,فإذا كاع أحا يث عبوية وآاثرا سلفية
عقد أساعيدها ,فتبق لديه بقية صحيحة سندا ,فيشرع يف تقرير احلكم الذي
يتوصد إليه ,ولذلر فإعه من النا ر أن يشري إىل قاعدة أصولية؛ لنستجلي منها
منهجه األصويل.
ولعد من األسباب اليت ع الشيخ لذلر أعه مل يهلعرف عنه طلب العلم
عل أيدي العلماء إال قليال ,وإمنا بىن خصيته العلمية بطريقة عصامية ,3فاجته
إىل علم احلديث ,فتمكن يف قلبه أ د التمكن ,فلم يب لعلم أصول الفقه أو علوِ
اللغة العربية إال مكان صغري.
. 8ممن تتب أحكاِ األلباين عل األحا يث :الشيخ حبيب الرمحن األع مي يف كتابه "األلباين ذوذه
وأخطاؤه" ,والسيد حسن السقاف يف كتابه "تناقضات األلباين الواضحات فيما وق له يف تصحيح
األحا يث وتضعيفها من أخطاء وغلطات" ,والشيخ حممو سعيد ممدوح يف كتابه "تنبيه املسلم إىل تعدي
األلباين عل صحيح مسلم" ,ويف كتابه اآلخر "التعريف أبوهاِ من قسم السنن إىل صحيح وضعيف".
.7من فتاو األلباين اليت أاثرت لغطا كبريا يف األوساط العلمية فتواه بوجوب هجرة أهد فلسطني منها
إىل بلدة أخر ؛ ليقيموا فيها عائر ينهم.
.3الطريقة العصامية يف التكوين هلمتدح يف تكوين الشخصية االجتماعية والشخصية االقتصا ية ,ولكنها
غري ممدوحة يف تكوين الشخصية العلمية ,إذ األصد أن يبدأ طالب العلم اللتقاء لعلماء واألخذ عنهم
وإسنا ركبته إىل ركبهم ,حىت إذا استو وا تد واصد طريقه العلمي ,وحبث و ق ,ومج وحق ,ويدل
لذلر أن هللا أرسد الرسد ,ومل يكتف إبعزال الكتب.
832
وع را لكون بعض أحكاِ املسائد اليت اجتهد فيها األلباين ختالف إمجاع
الفقهاء ,فقد أغار األلباين عل اإلمجاع -املتف عل حجيته بني الفقهاء -
لتشكير والنقض ,كقوله يف مسألة حترمي الذهب احملل -متضمنا َّ
احلط من
كتب أصول الفقه املذهبية اليت ضبط مناهج االجتها " :-ا ع بعضهم
اإلمجاع عل إ حة الذهب مطلقا للنساء ,وهذا مر و من وجوه :األول أعه ال
َيكن إثبات صحة اإلمجاع يف هذه املسألة ,... ,اإلمجاع مما ال َيكن تصوره,
فضال عن وقوعه ,... ,وتفصيد القول يف هذا املوضوع اخلطري لي هذا موضعه,
فلرياج من اء التحقي بعض كتب علم أصول الفقه اليت ال يقلد مؤلفوها من
قبلهم ,مثد "أصول األحكاِ" البن حزِ ,و"إر ا الفحول" للشوكاين ,وحنومها".8
وكالِ األلباين صريح حلط عل مئات من كتب أصول الفقه اليت ضبط
مناهج االجتها ,وحررها مؤلفوها أمت التحرير ,ومل يستثن منهم -عل سبيد
التمثيد -إال اثنني ,ومها ابن حزِ (453-314هـ) والشوكاين (-8823
8751هـ) ,وهذان العالمان رمحهما هللا ما ع ائر وأ باه ,بد هناك من العلماء
من يفوقهما ع راً وفهماً
ويكفي يف الر عل األلباين أن اإلماِ الشافعي رمحه هللا (714-851هـ)
-وهو َّأول من ألَّف يف أصول الفقه ,ومن البدهي أعه مل يقلد أحدا قبله َّ -قرر
حجية اإلمجاع كدليد رعي ,يف كتبه األصولية كالرسالة ,وكتبه الفقهية كاألِ,
حرِ إال من جهة العلم ,وجهة حد وال هل
فقال" :لي ألحد أبداً أن يقول يف يء َّ
.8الرسالة لإلماِ الشافعي ( ,)39بد وخصص ً يف الرسالة بعنوان "اإلمجاع" ,وقد خالف بعض
املعتزلة يف اإلمجاع ,فقالوا :ال يتصور اععقا ه ,وال سبيد إىل معرفته ,وخالف ال اهرية وبعض املعتزلة يف
القيام ,فأعكروه ,أما ال اهرية فزعموا أن الشرع قد منعه وح ره ,وأما بعض املعتزلة فزعموا أن العقد حييد
التعبد به ,اع ر اللم أليب إسحاق الشريازي ( )12و ( ,)92واملستصف للغزايل ( )713وغريمها.
.7األِ للشافعي ( ,)884/3وقد اخيت هذا النص لذات؛ لبيان أن اإلمجاع منعقد عل أن ية املرأة
عصف ية الرجد ,وأن رأي الشيخ يوسف القرضاوي عفا هللا عنه ملساواة بينهما خمالف لإلمجاع.
839
فقد قال الشيخ األلباين رمحه هللا -جوا عن سؤال يتعل لسلفية وموقفها
بني اجلماعات اإلسالمية " :-السلفية عسبة إىل السلف ,... ,هم أهد القرون
الثالثة الذين هد م رسول هللا خلريية ,... ,فالسلفية تنتمي إىل هذا
السلف ,والسلفيون ينتمون إىل هؤالء السلف ,إذا عرفنا معىن السلف والسلفية
حينئذ أقول أمرين اثنني :األمر األول أن هذه النسبة ليس عسبة إىل خص أو
أ خاص ,... ,بد هذه النسبة هي عسبة إىل العصمة ,ذلر ألن السلف الصاحل
يستحيد أن جيمعوا عل ضاللة ,وخبالف ذلر اخللف ,فاخللف مل أيت يف الشرع
ثناء عليهم ,بد جاء الذِ يف مجاهريهم ,... ,فإذن إذا عرفنا هذا املعىن يف
رت إليه آعفاً ,أال وهو أن كد
السلفية ,... ,حينئذ أي األمر الثاين الذي أ هل
مسلم يعرف حينذاك هذه النسبة وإىل ماذا ترمي من العصمة ,فيستحيد عليه بعد
هذا العلم والبيان -ال أقول :أن يتبأ ,هذا أمر بدهي ,لكين أقول :يستحيد عليه
-إال أن يكون سلفياً؛ ألعنا فهمنا أن االعتساب إىل السلفية يعين االعتساب إىل
العصمة".8
وقال الشيخ األلباين رمحه هللا أيضا -عصيحةً بضرورة تلقي الكتاب والسنة
عل ضوء فهم السلف الصاحل " :-أريد أن أ ير كالمي أو أ عدن حول قضية قد
ختف عل كثري ممن يشيكون معنا يف هذه الدعوة -عوة احل -أال وهي
الكتاب والسنة ,... ,أال وهي ضرورة فهم الكتاب والسنة عل منهج سلفنا
الصاحل ,... ,ذلر أن كد اجلماعات اإلسالمية املوجو ة اليوِ عل وجه
األرض ال َيكن أن يعلن عدِ اعتما عوته عل الكتاب والسنة ,ولكنهم م هذا
.8اإلماِ أمحد رمحه هللا ير أفضلية التمت ,أما األلباين فري وجوب التمت ,فتأمد.
.7حجة النيب كما رواها عنه جابر لأللباين (.)81
847
وسعي احلج بقوله" :لو استقبل من أمري ما استدبرت مل أس ا دي ,وجلعلتها
عمرة ,فمن كان منكم لي معه هدي فليحلد ,وليجعلها عمرة".8
ولكن السلف الصاحل الذين أيمر الشيخ األلباين مبتابعتهم وعدِ اخلروج عن
فهمهم مل يفهموا فهمه ,بد فهموا جواز األعساك الثالثة ,والدليد عل ذلر أهنم
كاعوا حيجون -إضافة إىل التمت -مفر ين وقارعني بعد موت النيب ,ومل
يكوعوا يعتقدون وجوب التمت فقط.
ومبراجعة سريعة ملصنف ابن أيب يبة رمحه هللا (735-859هـ) مثال عقف
عل النصوص التالية يف حج اإلفرا والقران:7
حدثنا حفص عن هشاِ عن ابن سريين قال" :أفر أصحاب رسول هللا
احلج بعده أربعني سنة ,وهم كاعوا لسنته أ د أتباعا ,أبو بكر وعمر وعثمان".
حدثنا أبو خالد األمحر عن عبة عن مغرية قال" :أفر احلج أبو بكر وعمر
وعثمان وعلقمة واألسو ".
حدثنا أبو معاوية عن عبيدهللا عن انف عن ابن عمر عن عمر أعه حج خالفته
كلها يفر احلج.
حدثنا رير بن عبدهللا عن علي بن يزيد عن سعيد بن املسيب قال " :ع
أصحاب حممد يلبون بعمرة وحجة معا".
حدثنا إ اعيد بن إبراهيم عن أيب محزة عن إبراهيم عن األسو قال :قال
إيل أن يكون لكد واحد منهما عث
حب َّ
عبدهللا بن مسعو " :عسكان أ ُّ
844
اإلماِ ابن قدامة رمحه هللا ,فقال" :وأمج
هل وممن حك اإلمجاع عل ذلر
أهد العلم عل جواز اإلحراِ أبي األعساك الثالثة اء" ,8واإلماِ النووي رمحه
هللا ,فقال" :وقد اععقد اإلمجاع بعد هذا عل جواز اإلفرا والتمت والقران من غري
كراهة ,وإمنا اختلفوا يف األفضد منها" ,7وقال أيضا" :يف مذاهب العلماء يف
اإلفرا والتمت والقران ,قد ذكران أن مذهبنا جواز الثالثة ,وبه قال العلماء وكافة
الصحابة والتابعني ومن بعدهم ,إال ما ثب يف الصحيحني عن عمر بن اخلطاب
وعثمان بن عفان رضي هللا عنهما أهنما كاان ينهيان عن التمت " ,3والزين العراقي
-أو ابنه الويل العراقي (173-237هـ) -رمحهما هللا ,فقال" :وأمجع األمة
عل جواز أت ية عسكي احلج والعمرة بكد من هذه األعواع الثالثة :اإلفرا والتمت
والقران".4
ومن اإلعصاف أن أذكر أن تلر اآلاثر عن الصحابة والتابعني مل تكن غائبة
عن الشيخ األلباين رمحه هللا ,فقد كان يعلم أن اخللفاء الرا دين مجيعا كاعوا يفر ون
احلج ,ولكنه َّبرر إفرا هم احلج أبهنم قد يكوعون ساقوا ا دي ,وكالمه يف وجوب
التمت إمنا هو عل من مل يس ا دي ,فقال" :وقد يقول قائد :إن ما ذكرته من
األ لة عل وجوب التمت وعل ر ما خيالفه واضح ومقبول ,ولكن يشكد عليه
ما يذكره البعض أن اخللفاء الرا دين مجيعا كاعوا يفر ون احلج ,فكيف التوفي ؟
841
سوق ا دي من بلده ,فإن مل يكن فمن طريقه ,وإال فمن امليقات أو ما بعده,
وإال فمن مىن" ,8وتقدم اإل ارة أيضا إىل قول احلافظ ابن حجر العسقالين
رمحه هللا يف استحباب سوق ا دي.
فتبني بعد هذا العرض أن األلباين عفا هللا عنه هلحيكم فهمه للنصوص
الشرعية ,مث يضفي عليها الصبغة السلفية ,فيتوهم البعض َّ
أن فهم األلباين هو فهم
السلف الصاحل ,واحلقيقة خبالف ذلر ,ولو التزِ األلباين بقاعدته يف االحتكاِ إىل
فهم السلف الصاحل للنصوص الشرعية ملا وق يف هذه املغالطات؛ ألن السلف
الصاحل كاعوا يرون فعد النيب ,ويسمعون قوله ,ويدركون مراميه ,أما الشيخ
األلباين فإعه حيتكم إىل عصوص ,قد تكون مبتورة عن سياقها وسباقها وظروفها
وأحوا ا ,و لتايل فال َيكن لأللباين وال لغريه أن يفهمها ح الفهم كما فهمها
السلف الصاحل رمحهم هللا.
بد إن الشيخ األلباين رمحه هللا عندما حيتكم إىل فهم السلف الصاحل
للنصوص الشرعية ,ويستضيء أبقوا م وأفعا م لفهم السنة النبوية ,فإعه يق أحياان
يف مغالطات مل يهلسب إليها.
فعل سبيد املثال عندما انقش الشيخ األلباين حديث النيب " :خذ من
حليتر ورأسر" 7قال" :ضعيف جدا ,... ,واعلم أعه مل يثب يف حديث صحيح
عن النيب األخذ من اللحية ,ال قوال كهذا وال فعال ,... ,ععم ثب ذلر عن
بعض السلف ,وإلير املتيسر منها ,... ,رأي ابن عمر يقبض عل حليته ,فيقط
851
مر و ة؛ ألهنا مل تكن من عمد السلف ,وهم أتق وأعلم من اخللف ,فريج
االعتباه ذا ,فإن األمر قي ومهم".8
إن ملخص كالِ الشيخ األلباين عفا هللا عنه أن إعفاء اللحية فوق القبضة
بدعة إضافية؛ ألن اإلعفاء فوق القبضة صورة فر ية اخلة يف عموِ األمر
إلعفاء ,فلما أخذ السلف -وبعضهم من رواة حديث اإلعفاء -من اللحية ما
زا عل القبضة َّل -حسب رأي الشيخ األلباين -عل أن هذه الصورة هي
املقصو ة ألمر إلعفاء ,أي أن األمر إلعفاء يتناول صورة واحدة ,وهي
اإلعفاء مبا ال يزيد عل القبضة.
صرح به الشيخ األلباين عفسه
وهذا التحليد الذي توصل هل إليه يتواف م ما َّ
بقوله" :حيرِ إسبال اللحية فوق القبضة كما حيرِ إحداث أي بدعة يف الدين",7
ويزيد تصريح األلباين هنا عل كالمه الساب بوصف إعفاء اللحية فوق القبضة
حلرمة والبدعة.
ولد أتملي يف اآلاثر اليت عقلها األلباين وجدهتا تصف بعض السلف
الصاحل ألخذ من حلاهم ما زا عل القبضة ,وإ حتهم ذلر ,ومل أعثر عل عص
واحد يوجب األخذ ,وحيرِ اإلعفاء فوق القبضة ,فاالحتمال الوجيه أن فعلهم
بقص ما زا عل القبضة ليد عل اجلواز ,ولي ليال عل الوجوب ,ومما يؤكد
هذا قول احلسن البصري رمحه هللا" :كاعوا يهلرخصون فيما زا عل القبضة من
صد ركعتني بركعتني بقول النيب " :صالة الليد مثىن مثىن" ,رواه البخاري ومسلم
.8استدل من من و ا
وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه ,وصالة الياويح هي بعينها صالة الليد ,أما صالة الوتر
فهي صالة ذات أعدا حمد ة ,كإحد عشرة أو ثالث عشرة ,وقد صالها النيب بكيفيات متعد ة.
.7صالة الياويح لأللباين (.)77
.3صالة الياويح لأللباين (.)35
854
إحد عشرة ركعة ,كما تبني أعه مل يصلها إال إحد عشرة ركعة ,فهذا كله مما
َيهد لنا السبيد لنقول بوجوب التزاِ هذا العد وعدِ الز ة عليه ,... ,وحنن عر
أن الز ة عليها خمالفة ا -أي لسنة النيب واخللفاء الرا دين - ؛ ألن
األمر يف العبا ات عل التوقيف واالتباع ,ال عل التحسني العقلي واالبتداع".8
وملناقشة رأي الشيخ األلباين عفا هللا عنه يف قضية عد ركعات الياويح فإن
األلباين يقرر أعه سلفي ,مبعىن أعه يفهم الكتاب والسنة بفهم السلف الصاحل ,وقد
ثب أن السلف الصاحل كاعوا يقومون رمضان وغري رمضان أبعدا تزيد عل
إحد عشرة ركعة ,األمر الذي يقتضي جواز الز ة عليها.
ولنتأمد يف مصنف ابن أيب يبة -مثالً ,-ب "كم يصلي يف رمضان
من ركعة"7؛ لنقف عل عشرات النصوص السلفية يف الز ة عل إحد عشرة
ركعة ,منها:
حدثنا غندر عن عبة عن خلف عن ربي ,وأثىن عليه خريا ,عن أيب البخيي
أعه كان يصلي مخ تروحيات يف رمضان ,ويوتر بثالث.
حدثنا ابن منري عن عبدامللر عن عطاء قال" :أ رك النام وهم يصلون ثالاث
وعشرين ركعة لوتر".
حدثنا حممد بن فضيد عن وقاء قال" :كان سعيد بن جبري يؤمنا يف رمضان,
فيصلي بنا عشرين ليلة س تروحيات ,فإذا كان العشر اآلخر اعتكف يف
املسجد ,وصل بنا سب تروحيات".
.8صالة الياويح لأللباين ( ,)25واإل ارة واضحة يف اهتاِ األلباين ملخالفيه البتداع والتحسني العقلي.
.7مصنف ابن أيب يبة ( )833/7وما بعدها
855
حدثنا ابن مهدي عن او بن قي قال" :أ رك النام ملدينة ,يف زمن
عمر بن عبدالعزيز وأ ن بن عثمان ,يصلون ستا وثالثني ركعة ,ويوترون
بثالث".
حدثنا حفص عن احلسن بن عبيدهللا قال" :كان عبدالرمحن بن األسو يصلي
بنا يف رمضان أربعني ركعة ,ويوتر بسب ".
إن تلر اآلاثر السابقة تؤكد قياِ بعض السلف الصاحل أب اء صالة الياويح
أبكثر من مثان ركعات؛ ألن صالة الياويح هي قياِ ليد رمضان املنصوص عل
استحبابه ,وقياِ الليد جيوز أ اؤه أبي عد كان ,أما صالة االستسقاء والكسوف
والسنن الرواتب فهي صلوات ذات سبب ووق حمد ين ,ال تشرع إال ِبيئات
حمد ة ,وألسباب معينة ,فهذا هو الفرق الذي طالب به األلباين للتفري بني
الياويح وبني السنن الرواتب واالستسقاء والكسوف.
مث إن العلماء -منذ عصر السلف الصاحل -اختلفوا يف عد الركعات اليت
تؤَّ ِبا صالة الياويح ,وهذا االختالف بينهم ليد عل جواز أ اء الياويح أبي
عد من الركعات.
وأكتفي بنص واحد للفقيه ابن ر د رمحه هللا ,قال" :واختلفوا يف املختار من
عد الركعات اليت يقوِ ِبا النام يف رمضان ,فاختار مالر يف أحد قوليه وأبو
حنيفة والشافعي وأمحد و وا القياِ بعشرين ركعة سو الوتر ,وذكر ابن القاسم
عن مالر أعه كان يستحسن ستا وثالثني ركعة والوتر ثالث ,وسبب اختالفهم
اختالف النقد يف ذلر ,وذلر أن مالكا رو عن يزيد بن رومان قال :كان النام
وخرج ابن أيب يبة عنيقومون يف زمان عمر بن اخلطاب بثالث وعشرين ركعةَّ ,
853
او بن قي قال :أ رك النام ملدينة يف زمان عمر بن عبد العزيز وأ ن بن
عثمان يصلون ستا وثالثني ركعة ويوترون بثالث ,وذكر ابن القاسم عن مالر أعه
األمر القدمي -يعين القياِ بس وثالثني ركعة .8"-
إن هذا االختالف الثاب بني أئمة السلف الصاحل و أكب ليد عل
جواز أ اء صالة الياويح ِبذه األعدا ,بد وبغريها ,فمن كان سلفيا مبعىن أعه
يفهم الكتاب والسنة بفهم السلف لزمه أن يوس يف األمر.
وال َيكن أن يغيب حديث عائشة رضي هللا عنها خبصوص اإلحد عشرة
ركعة عن جمموعهم ,فينبغي أن يكون اختالفهم ليال عل جواز الز ة عليها؛
ألهنم السلف الصاحل ,وهم أعلم النام مبقصو حديث عائشة ,ولو فهموا منه ما
فهمه األلباين ملا استجازوا الز ة ,خصوصا أن األلباين يصف الز ة ألوصاف
األربعة التالية :احلرمة ,واالبتداع ,وخمالفة السنة ,والتحسني العقلي.7
ولو أن اجتها الشيخ األلباين عفا هللا عنه يف هذه املسألة اعته به إىل
القول ستحباب االقتصار عل إحد عشرة ركعة يف تراويح رمضان ون الز ة
عليها لكان الجتها ه وجاهة ,ولكن أن أي ِبذا القول الغريب فهذا ما مل يسبقه
إليه -فيما أعلم -سلف وال خلف.
.8بداية اجملتهد البن ر د ( ,)781/8واع ر كذلر املغين البن قدامة ( ,)314/7واجملموع للنووي
(.)33-37/4
.7تقدَِّ قوله" :فهذا كله مما َيهد لنا السبيد لنقول بوجوب التزاِ هذا العد وعدِ الز ة عليه,... ,
وحنن عر أن الز ة عليها خمالفة ا -أي للسنة -؛ ألن األمر يف العبا ات عل التوقيف واالتباع ,ال
عل التحسني العقلي واالبتداع".
852
أما اخللف فموقف الشيخ منهم معروف أبعه ال اعتبار ِبم وال آبرائهم ,فقد
قال" :اخللف مل أيت يف الشرع ثناء عليهم ,بد جاء الذِ يف مجاهريهم" ,أما
السلف فلهم أن آخر ,إذ إعه قال فيهم" :السلفية عسبة إىل السلف ,... ,هم
أهد القرون الثالثة الذين هد م رسول هللا خلريية ,... ,فالسلفية تنتمي إىل
هذا السلف ,والسلفيون ينتمون إىل هؤالء السلف ,... ,هذه النسبة هي عسبة إىل
العصمة ,ذلر ألن السلف الصاحل يستحيد أن جيمعوا عل ضاللة".8
ولو كان الشيخ األلباين عفا هللا عنه حيا فلرمبا أقنعه قول اإلماِ ابن تيمية
رمحه هللا (271-338هـ) يف هذه املسألة ,فإعه قال" :كما أن عف قياِ رمضان
مل يوق النيب فيه عد ا معينا ,بد كان هو ال يزيد يف رمضان وال غريه عل
ثالث عشرة ركعة ,لكن كان يطيد الركعات ,فلما مجعهم عهلمر عل أيب بن كعب
كان يصلي ِبم عشرين ركعة ,مث يوتر بثالث ,وكان خيف القراءة بقدر ما زا من
الركعات؛ ألن ذلر أخف عل املأمومني من تطويد الركعة الواحدة ,مث كان طائفة
من السلف يقومون أبربعني ركعة ,ويوترون بثالث ,وآخرون قاموا بس وثالثني,
وأوتروا بثالث ,وهذا كله سائغ ,فكيفما قاِ يف رمضان من هذه الوجوه فقد
أحسن ,واألفضد خيتلف ختالف أحوال املصلني ,فإن كان فيهم احتمال لطول
القياِ فالقياِ بعشر ركعات وثالث بعدها -كما كان النيب يصلي لنفسه يف
رمضان وغريه -هو األفضد ,وإن كاعوا ال حيتملوعه فالقياِ بعشرين هو األفضد,
وهو الذي يعمد به أكثر املسلمني ,فإعه وسط بني العشر وبني األربعني ,وإن قاِ
أبربعني وغريها جاز ذلر ,وال يكره يء من ذلر ,وقد عص عل ذلر غري
.8وقد أ َّ هذا الرأي الشني من األلباين إىل عفور بعض أصحابه وتالميذه عنه ,ومن أبرزهم الشيخ
حممد عسيب الرفاعي ,ورَّ عليه مبؤلَّف "بلوغ املىن يف إثبات عصمة عساء النيب من الزىن".
.7جمموع فتاو ابن تيمية (.)373-377/85
838
الطيب أن يزوجه هللا زوجة خبيثة ,وهذا يعين أن وقوع الزان من أمهات املؤمنني
مستحيد رعا؛ لورو النص بذلر.
أما اإلماِ ابن القيم رمحه هللا (258-398هـ) فقد قال" :ومن قوي
معرفته هلل ومعرفته لرسوله وقدره عند هللا يف قلبه قال -كما قال أبو أيوب وغريه
من سا ات الصحابة ملا عوا ذلر " :-سبحاعر هذا ِبتان ع يم" ,وأتمد ما
يف تسبيحهم هلل ,وتنزيههم له يف هذا املقاِ من املعرفة به ,وتنزيهه عما ال يلي به
أن جيعد لرسوله وخليله وأكرِ اخلل عليه امرأة خبيثة بغيا ,فمن ظن به سبحاعه
هذا ال ن فقد ظن به ظن السوء ,وعرف أهد املعرفة هلل ورسوله أن املرأة اخلبيثة
ال تلي إال مبثلها كما قال تعاىل" :اخلبيثات للخبيثني" ,فقطعوا قطعا ال يشكون
فيه أن هذا ِبتان ع يم وفرية ظاهرة ,فإن قيد فما ل رسول هللا توقف يف
أمرها وسأل عنها وحبث واستشار ,وهو أعرف هلل ومبنزلته عنده ومبا يلي به,
وهالَّ قال" :سبحاعر هذا ِبتان ع يم" كما قاله فضالء الصحابة؟ فاجلواب أن
هذا من متاِ احلكم الباهرة اليت جعد هللا هذه القصة سببا ا وامتحاان وابتالء
لرسوله وجلمي األمة إىل يوِ القيامة؛ لريف ِبذه القصة أقواما ويض ِبا
آخرين ,ويزيد هللا الذين اهتدوا هد وإَياان ,وال يزيد ال املني إال خسارا,... ,
وأيضا فإن رسول هللا كان هو املقصو ألذ ,واليت رمي زوجته ,فلم يكن
يلي به أن يشهد بباءهتا م علمه أو ظنه ال ن املقارب للعلم بباءهتا ,ومل ي ن
ِبا سوءا قط ,وحا اه وحا اها ,ولذلر ملا استعذر من أهد اإلفر قال" :من
يعذرين يف رجد بلغين أذاه يف أهلي ,وهللا ما علم عل أهلي إال خريا ,ولقد
ذكروا رجال ما علم عليه إال خريا ,وما كان يدخد عل أهلي إال معي" ,فكان
837
عنده من القرائن اليت تشهد بباءة الصديقة أكثر مما عند املؤمنني ,ولكن لكمال
وىف مقاِ الصب والثبات وحسن ال ن صبه وثباته ورفقه وحسن ظنه بربه وثقته به َّ
حقه ,حىت جاءه الوحي مبا أقر عينه وسر قلبه وع م قدره ,وظهر ألمته هلل َّ
احتفال ربه به واعتناؤه بشأعه".8
إن ملخص كالِ ابن القيم رمحه هللا يفيد أن ال ن أبن هللا قد جيعد لنبيه
زوجة بغيا ظن سوء هلل ؛ ألن العارفني هلل ورسوله يعلمون أن املرأة اخلبيثة ال
كا تلي إال مبثلها ,وأن رسول هللا توقف يف أمر عائشة يف أول األمر ,لي
فيها ,ولكن لريف ِبذه احلا ثة أقواما ويض ِبا آخرين.
أما اإلماِ املفسر ابن كثري رمحه هللا (224-211هـ) فقد قال يف تفسري
اآلية" :أي ما كان هللا ليجعد عائشة زوجةً لرسول هللا إال وهي طيبة؛ ألعه
أطيب من كد طيب من البشر ,ولو كاع خبيثة ملا صلح له ,ال رعا وال
قدرا" ,7فتأمد قوله ستحالة وقوع الفاحشة منهن رعا.
وقال الطاهر بن عا ور رمحه هللا (8393-8793هـ)" :بعد أن برأ هللا
عائشة رضي هللا عنها مما قال عصبة اإلفر ,ففضحهم أبهنم ما جاءوا إال بسيء
ال ن واختالق القذف ,وتوعدهم وهد هم ,مث اتب عل الذين اتبوا ,أحن عليهم
اثعية بباءة رسول هللا من أن تكون له أزواج خبيثات؛ ألن عصمته وكرامته
. 8ملعرفة اخلطأ الذي ارتكبه الشيخ األلباين يف تكوينه العلمي بدون يوخ أكتفي بنقد هذه الفتو
لإلماِ الفقيه ابن حجر ا يتمي رمحه هللا -يف "الفتاو الفقهية الكب " ( ,- )337/4فإعه سئد عن
خص يقرأ ويطال الكتب الفقهية بنفسه ,ومل يكن له يخ يقرر له املسائد الدينية والدعيوية ,... ,هد
جيوز له ذلر؟ وإذا قلتم بعدِ اجلواز فماذا يستحقه من قبد هللا تعاىل ورسوله ؟ ,فأجاب" :ال جيوز ذا
املذكور اإلفتاء بوجه من الوجوه؛ ألعه عامي جاهد ,ال يدري ما يقول ,بد الذي أخذ العلم عن املشايخ
املعتبين ال جيوز له أن يفيت من كتاب وال من كتابني ,بد قال النووي رمحه هللا تعاىل :وال من عشرة ,فإن
العشرة والعشرين قد يعتمدون كلهم عل مقالة ضعيفة يف املذهب ,فال جيوز تقليدهم فيها ,خبالف املاهر
الذي أخذ العلم عن أهله ,وصارت له فيه ملكة عفساعية ,فإعه َييز بني الصحيح من غريه ,ويعلم املسائد
وما يتع ل ِبا عل الوجه املعتمد به ,فهذا هو الذي يفيت النام ,ويصلح أن يكون واسطة بينهم وبني هللا
تعاىل ,وأما غريه فيلزمه إذا تسور هذا املنصب الشريف التعزير البليغ والزجر الشديد الزاجر له وألمثاله عن
هذا األمر القبيح الذي يؤ ي إىل مفاسد ال حتص ".
.7يقول الشيخ عيب األرعؤوط حف ه هللا عن الشيخ األلباين رمحه هللا" :ال أعكر أن للشيخ انصر
السبَّاق إىل ذلر ,فقد
الفضد يف ف حمبيه وخصومه معاً إىل راسة علم احلديث ,... ,غري أعه مل يكن َّ
تقدَّمه لزمن يف مصر الشيخ حممد ر يد رضا ,والشيخ أمحد اكر ,وأمثا ما من علماء األزهر الشريف,
ويف الشاِ الشيخ مجال الدين القا ي ,والشيخ حممد ِبجة البيطار ,... ,بيد أعه مل يستفد من أسلوب
هؤالء الذين سبقوه ,ذلر السلوب املقن ا ا ئ ,بد استخدِ م خمالفيه أسلو ً استفزاز ً ,... ,وال أعكر
كذلر أن عوته كاع إىل الكتاب والسنة ,... ,لكنه كان يدعو إىل السنة كما يصححها هو ,ويريد مما
يصححه منها أن يقوِ مقاِ اجتها األئمة املتبوعني ,ويكون قوله هو القول الفصد ,... ,ومن األمور
اليت آخذها عليه كذلر حذفه ألساعيد السنن األربعة :أيب او واليمذي والنسائي وابن ماجه ,ملا عشر
833
املنهج التيسريي :الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي مثاال
الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حف ه هللا علم من أعالِ العلماء ,وقامة
علمية يف اء العلم والدعوة ,ورمز علمي حاضر يف أحداث األمة اإلسالمية
وعواز ا بقلبه وقالبه ,ولذلر فإن حتليد بعض آراء الشيخ ال يعين أكثر من وزهنا
مبيزان التحقي العلمي بدون أي تعرض لشخصيته العلمية.
إن الشيخ يوسف القرضاوي حف ه هللا يتبىن بكد وضوح ما يسميه" :فقه
التيسري" و"فقه االعتقاء" ,مبعىن أن من مرجحات اختياراته واعتقاءاته من األقوال
واآلراء مالح ة مد اليسر والرف فيها للنام.
إن ما عدعو إليه هنا أن عوازن بني ومن أقواله اليت تشهد ملا ذكرته قولهَّ " :
األقوال بعضها وبعض ,وعراج ما استندت إليه من أ لة عصية أو اجتها ية؛
لنختار يف النهاية ما عراه أقو حجة وأرجح ليال ,وف معايري اليجيح ,وهي
كثرية ,ومنها :أن يكون القول ألي أبهد زماعنا ,وأرف لنام ,وأقرب إىل يسر
الشريعة ,وأوىل بتحقي مقاصد الشرع ,ومصاحل اخلل ,و رء املفاسد عنهم,... ,
صحيحها وضعيفها ,وكان ينبغي لألماعة العلمية أال حيذف هذه األساعيد؛ ألن مدار معرفة الصحيح
والضعيف عليها ,وكأين به يريد أن يقول للنام :إن عليهم أن يثقوا بعمله هو ,فما وصد إليه من حكم
فهو احل الذي ال يناقش ,... ,أما يف علم الفقه فال أعلم له مسألة جتعلين أراتح إىل ليلها ,وأقبد ِبا؛
ألن الف قه لي من فنه ,ومل يتفرغ له كما تفرغ لعلم احلديث ,كد ما يف األمر أعه تلقف املسائد الشاذة
اليت قال ِبا بعض العلماء ,وحاول أن يبين منها منهجا يف الفقه ,... ,وله كذلر آراء يف الفقه تدل عل
بعده عن العصر الذي يعيش فيه ,فقد بلغين عن غري واحد من تالمذته املقربني لديه أن كان حيرِ ذهاب
الطالب أو الطالبة إىل اجلامعة حبجة حرمة االختالط ,وكأعه بذلر يريد تفريغ اجلامعة من الطلبة
املسلمني" ,اع ر "احملدث العالمة الشيخ عيب األرعؤوط" إلبراهيم الزيب (.)893
832
وقد أنخذ يف مسألة مبذهب مالر ,ويف أخر مبذهب أيب حنيفة ,ويف اثلثة
مبذهب الشافعي ,ويف رابعة مبذهب أمحد ,... ,وقد أنخذ يف جزء من املسألة
مبذهب أحدهم ,ويف جزء آخر مبذهب غريه ,ولي هذا تلفيقا كما ذهب إليه
املتأخرون ,ومنعوه يف بعض الصور؛ ألن التلفي املقصو يعين ترقي بعض األقوال
ببعض بغري ليد ,إال التقليد احملض واتباع ما يشته ,ال ما يصح وييجح,
خبالف ما عدعو إليه هنا ,فإعه اتباع للدليد حيث كان ,سواء واف هذا املذهب أِ
مل يواف ".8
ومن أقواله أيضا قوله -وهو يبني منهجه يف الفتو " :-حيسن بنا أن
ععرض هنا ملنهج عملي معاصر ,... ,وهذا املنهج هو ما اخيته لنفسي,... ,
وهذا املنهج يقوِ عل مجلة من األس ,... ,اثعياً تغليب روح التيسري والتخفيف
عل التشديد والتعسري ,وذلر ألمرين :األول أن الشريعة مبنية عل التيسري ورف
وصرح به السنة يف مناسبات عديدة, احلرج عن العبا ,وهذا ما عط به القرآنَّ ,
,...واألمر الثاين طبيعة عصران الذي ععيش فيه ,وكيف طغ فيه املا ية عل
الروحية ,واألانعية عل الغريية ,والنفعية عل األخالق ,وكيف كثرت فيه املغو ت
لشر ,والعوائ عل اخلري ,وأصبح القابض عل ينه كالقابض عل اجلمر,... ,
والفر املسلم يف هذه اجملتمعات يعيش حمنة قاسية ,بد يف معركة ائمة ,... ,و ذا
ينبغي ألهد الفتو أن ييسروا عليه ما استطاعوا ,وأن يعرضوا عليه جاعب الرخصة
أكثر من جاعب العزَية؛ ترغيبا يف الدين ,وتثبيتا ألقدامه عل طريقه القومي ,وقد
عقد اإلماِ النووي يف مقدمات "اجملموع" كلمة حكيمة لإلماِ الكبري -إماِ الفقه
. 8انقش مد اللة تلر اآل ت واألحا يث واآلاثر اليت يستدل ِبا الشيخ القرضاوي عل منهجه
التيسريي يف الفصد اخلام .
.7الفتاو الشاذة للقرضاوي (.)819
. 3إسالِ املرأة ون زوجها ,هد يفرق بينهما؟ للقرضاوي ,حبث يف اجمللة العلمية للمجل األورويب
لإلفتاء ( ,)441والفتاو الشاذة للقرضاوي ( ,)815ومن أفضد الر و اليت اطلع عليها رُّ الدكتور
عبدالع يم املطعين يف كتابه مالح ات موضوعية حول فتو إسالِ املرأة ون زوجها ,وهد يفرق بينهما؟
وهو أملر لبضعها ما ام يف بلدها؟
821
ومن آرائه وأقواله اليت رجحها؛ متأثراً لواق املعاصر:
رجم الزاين احملصن عقوبة تعزيرية ,وليس حدا اثبتا.7
مساواة ية املرأة لدية الرجد ,وليس عل النصف منها.3
جواز تويل املرأة مجي الوال ت العامة إال اخلالفة الع م .4
إلغاء جها الطلب ,وأن املساملة هي األصد يف معاملة الكفار.5
تقسيم الر ة إىل قسمني :مغل ة وخمففة ,وأن املغل ة هي اليت يكون صاحبها
اعية إليها ,وحكمها القتد إن رأ اإلماِ فيه املصلحة ,أما املخففة فهي اليت
يكون صاحبها غري اعية إليها ,وحكمها احلب .3
ولكي عدرك مد ثبات الشيخ القرضاوي حف ه هللا عل منهج اجتها ي
مطر ,فإعه جيدر بنا التأمد يف كتبه املتعلقة الجتها والفتو ؛ ألهنا ستقو ان إىل
التعرف عل معامل الطريقة االجتها ية اليت يسلكها الشيخ القرضاوي حف ه هللا,
وخالفا للشيخ األلباين رمحه هللا الذي مل يؤلف كتا مستقال يف طريقته االجتها ية,
.8قرارات وفتاو اجملل األورويب لإلفتاء والبحوث ,اجملموعتان األوىل والثاعية ( ,)843والفتاو الشاذة
للقرضاوي ( ,)885وموجبات تغري الفتو يف زماعنا للقرضاوي ( ,)29واع ر فتاواه ( ,)288/4ومن
أفضد الر و اليت اطلع عليها رُّ الدكتور صالح الصاوي يف كتابه وقفات ها ئة م فتو إ حة
القروض الربوية لتمويد راء املساكن يف اجملتمعات الغربية.
.7تعلي الشيخ القرضاوي عل فتاو الشيخ مصطف الزرقا (.)394
.3ية املرأة يف الشريعة اإلسالمية للقرضاوي ,حبث منشور يف موق الشيخ ,وفتاو معاصرة للقرضاوي
(.)574/4
.4حوار حوار منشور يف موق الشيخ.
.5القرضاوي فقيها لعصاِ تليمة (.)813
.3جرَية الر ة وعقوبة املرتد للقرضاوي (.)53
828
فإن الشيخ القرضاوي حف ه هللا قد ألَّف عدة كتب يف هذا اجملال املتعل
الجتها والفتو ,أبرزها أربعة كتب:8
.8االجتها يف الشريعة اإلسالمية ,ذكر فيه روط اجملتهد ,وقسمها إىل قسمني:
متف عليها وخمتلف فيها ,وجعد ضمن الشروط املتف عليها العلم لقرآن
الكرمي ,والعلم لسنة ,والعلم لعربية ,والعلم مبواض اإلمجاع ,وجعد ضمن
الشروط املختلف فيها العلم مبواض اخلالف ,مث أوضح أعواع االجتها
املطلوب لعصران متطرقا لنوعني من االجتها :االعتقائي واإلعشائي ,مث عقد
فصال عن مزال االجتها املعاصر ,وجعد منها الغفلة عن النصوص ,وسوء
فهم النصوص أو حتريفها عن مواضعها ,واإلعراض عن اإلمجاع املتيقن,
والقيام يف غري موضعه ,والغفلة عن واق العصر ,والغلو يف اعتبار املصلحة
ولو عل حساب النص ,مث استعرض مدارم االجتها املعاصر ,وقارن بينها
من حيث التضيي والتوسي ,وجعد املدرسة املذهبية واملدرسة ال اهرية احلديثة
ضمن مدرسة التضيي ,وجعد املدرسة الطوفية ومدرسة تبير الواق ضمن
مدرسة التوسي ,مث اختار لنفسه مدرسة التوازن والوسطية ,وعرض أبرز
معاملها ,ومنها :من االجتها يف القطعيات ,وإبقاء ال نيات يف مرتبتها واحلذر
من االرتقاء ِبا إىل مرتبة القطعيات ,واحلذر من الوقوع حت ضغط الواق .
.8للشيخ القرضاوي كتب أخر مرتبطة ملوضوع ,مثد :عوامد السعة واملروعة يف الشريعة اإلسالمية,
والفقه اإلسالمي بني األصالة والتجديد ,ولكن الكتب األربعة املذكورة أكثرها ارتباطا ببيان املنهج
االجتها ي للشيخ القرضاوي.
827
.7الفتاو الشاذة :معايريها وتطبيقاهتا وأسباِبا وكيف ععاجلها وعتوقاها ,استعرض
صرح أبن الفتاو
فيه بعض الفتاو واآلراء الشاذة يف الياث الفقهي ,مث َّ
الشاذة قليلة أو ان رة يف يف تراثنا الفقهي القدمي ,ولكنها كثرية ومنتشرة يف
واقعنا املعاصر ,مث حد عشرة معايري للفتاو الشاذة ,وهي :أن تصدر الفتو
من غري أهلها ,أو تصدر يف غري حملها ,أو تعارض عصا قرآعيا ,أو تعارض عصا
عبو متفقا عل صحته ,أو تعارض إمجاعا متيقنا ,أو تعارض قياسا جليا أو
تعتمد عل قيام خاطئ ,أو تعارض مقاصد الشريعة ,أو تصور الواق عل
غري حقيقته ,أو تستدل مبا ال يصلح ليال ,أو ال تراعي تغري الزمان واملكان
واحلال ,وضرب الشيخ أمثلة من الفتاو الشاذة املعاصرة عل كد معيار ,مث
انقش جمموعة من الفتاو اليت ال تدخد يف الشذوذ ,ومن أبرز ما ذكر أن
بعض الفتاو ال تعد اذة جملر خمالفة رأي اجلمهور ,وذكر منها جمموعة من
فتاواه وفتاو غريه اليت اعتقدت عليهم ,مث ختم أبسباب وقوع الشذوذ يف
الفتو ,ومنها :تصدي من لي أهال للفتو ,وعدِ احياِ التخصص,
والتسرع يف الفتو ,واإلعجاب لرأي ,واتباع األهواء السياسية ,والغلو يف
اعتبار املصلحة.
.3الفتو بني االعضباط والتسيب ,عبَّه فيه عل مكاعة الفتو و روطها ,مث
استعرض أبرز املزال اليت قد يق فيها املتصدون للفتو ,وأبرزها :اجلهد
لنصوص أو الغفلة عنها ,وسوء أتويد النصوص ,وعدِ فهم الواق عل
حقيقته ,واخلضوع لألهواء ,واخلضوع للواق املنحرف ,وتقليد الفكر الغريب,
واجلمو عل الفتاو القدَية ون مراعاة األحوال املتغرية ,مث َّبني منهجه الذي
823
ارتضاه لنفسه يف الفتو ,وجعد من أبرز أسسه :التحرر من العصبية والتقليد,
والتزاِ التيسري واجتناب التعسري ,وخماطبة النام بلغة العصر ,واإلعراض عما ال
ينف النام ,واالعتدال بني املتزمتني واملتحللني ,وإعطاء الفتو حقها من
الشرح واإليضاح.
.4موجبات تغري الفتو يف عصران ,افتتحه ببيان األ لة الشرعية عل تغري الفتو
من القرآن الكرمي والسنة النبوية وهدي الصحابة ,مث استعرض عشرة موجبات
لتغري الفتو ,وهي :تغري املكان ,وتغري الزمان ,وتغري احلال ,وتغري العرف,
وتغري املعلومات ,وتغري حاجات النام ,وتغري قدرات النام وإمكاانهتم ,وتغري
األوضاع االجتماعية واالقتصا ية والسياسية ,وتغري الرأي والفكر ,وعموِ
البلو ,وقد مثَّد عل كد موجب ببعض الفتاو له أو لغريه.
إن الشروط والضوابط واملعايري واملوجبات اليت ذكرها الشيخ القرضاوي
حف ه هللا يف كتبه َيكن االتفاق عليها ع ر ,ولس بصد مناقشتها ,ومنها
يتبني أن الشيخ يتبىن فقهاً تيسري منضبطاً ال منفلتاً ,ولكن بعض التطبيقات َّ
العملية ملنهج االجتها الذي سار عليها الشيخ عدَّت و َّذت عن بعض الضوابط
الن رية اليت قررها يف كتبه ,وألضرب عل ذلر عدة أمثلة.
قرر الشيخ القرضاوي أن "من مزال االجتها املعاصر جتاوز ما أمجع عليه
األمة يف عصور االجتها ؛ غفلة عن هذا اإلمجاع وجهال به أو إعراضا متعمدا
عنه ,م أن األصوليني مجيعا جعلوا من روط اجملتهد املتف عليها العلم مبواض
اإلمجاع؛ حىت ال جيهد اجملتهد عفسه يف أمر فرغ منه األمة ,وهي ال جتتم عل
ضاللة ,... ,وعؤكد هنا أعنا ال عريد جمر عو اإلمجاع ,فكم من مسائد ا ُّعي
824
فيها اإلمجاع وقد ثب فيها اخلالف ,كما تدل عل ذلر الوقائ الكثرية ,وإمنا
الذي عقصد إليه هنا هو اإلمجاع املتيقن الذي استقر عليه الفقه والعمد مجيعا,
واتفق عليه مذاهب فقهاء األمة يف عصورها كلها ,وهذا ال يكون عا ة إال يف
إمجاع له سند من النصوص ,فالنص هو احلجة واملعتمد ,ولكن اإلمجاع املستمر
عل العمد به أعطاه قوة أي قوة ,وعقله من ال نية إىل القطعية".8
إن القيو اليت وضعها الشيخ القرضاوي لإلمجاع املتيقن صحيحة يف اجلملة
إال قيداً واحداً ,وهو ا ياط اتفاق مذاهب الفقهاء يف كد العصور عليه ,وهذا
الشرط خيالف ما قرره علماء األصول أن اإلمجاع ينعقد تفاق الفقهاء اجملتهدين
يف عصر من العصور ,فإذا وق هذا االتفاق فإعه يلزِ من بعدهم من العصور
املتأخرة؛ ألعنا لو ا يطنا تواطؤ فقهاء مجي العصور ملا اععقد إمجاع يف اإلسالِ إال
يف املسائد الثابتة أب لة رعية قطعية الثبوت والداللة معاً.
قال اإلماِ الغزايل رمحه هللا (515-451هـ)" :إذا اتفق كلمة األمة ولو
يف حل ة اععقد اإلمجاع ,ووجب عصمتهم عن اخلطأ ,وقال قوِ :ال بد من
اعقراض العصر وموت اجلمي ,وهذا فاسد؛ ألن احلجة يف اتفاقهم ال يف موهتم,
وقد حصد قبد املوت ,فال يزيده املوت أتكيدا" ,7وكلمة األصوليني متفقة عل
االكتفاء إبمجاع فقهاء عصر واحد ,وإمنا وق اخلالف يف ا ياط موهتم.
.8االجتها يف الشريعة اإلسالمية للقرضاوي ( ,)817واع ر الفتاو الشاذة له ,حيث جعد خمالفة
الفتو لإلمجاع املتيقن معيارا من معايري الفتو الشاذة ,وبناء عليه فقد حكم -وقد أصاب -بشذوذ
فتو األلباين حبرمة الذهب احمللَّ عل النساء.
.7املستصف للغزايل (.)857
825
ورغم أن الشيخ القرضاوي قد ال يقصد ما ذكرته ,فقد رأي أمهية التنبيه
عليه؛ لكيال يتخذ قوله ذريعة أماِ الفقهاء املتأخرين لفتح ب االجتها يف
املسائد اليت اععقد اإلمجاع عليها.
ومثة تنبيه آخر يف قضية اععقا اإلمجاع ,وهو أن الشيخ القرضاوي َّفرق بني
عوعني من اإلمجاع :أحدمها اإلمجاع املعتمد عل عرف أو مصلحة ,فقرر الشيخ
جواز عقضه إبمجاع آخر مىت ما تبدل العرف أو تغريت املصلحة ,اثعيهما اإلمجاع
املعتمد عل عص رعي مبين عل عرف أو مصلحة ,فقرر الشيخ جواز إعا ة
االجتها فيه مىت ما تبدل العرف أو تغريت املصلحة.8
ويبدو يل أن قصد الشيخ القرضاوي أن النوع الثاين لإلمجاع جيوز إعا ة
االجتها يف ليله إذا تبدل العرف وتغريت املصلحة ,مث بعد ذلر ال جيوز عقضه
إال إبمجاع آخر؛ ألعه إذا ا يط يف النوع األول لإلمجاع أعه ال ينقض -رغم
اعتما ه فقط عل عرف أو مصلحة -إال إبمجاع آخر ,فإن من ب األوىل أن
النوع الثاين لإلمجاع ال جيوز عقضه إال إبمجاع آخر؛ العتما ه عل عص رعي.
فإذا ما طبقنا ع رية الشيخ القرضاوي حف ه هللا يف اإلمجاع عل رأيه مبساواة
ية املرأة لدية الرجد ,وليس عل النصف منها ,لوجدان أن إمجاع الفقهاء منعقد
عل أن ية املرأة عل النصف من ية الرجد ,فقد قال اإلماِ الشافعي رمحه هللا
يف ية املرأة" :مل أعلم خمالفا من أهد العلم قدَيا وال حديثا يف أن ية املرأة عصف
ية الرجد ,وذلر مخسون من اإلبد ,... ,فإن قال قائد :فهد يف ية املرأة سو
ما وصف من اإلمجاع أمر متقدِ؟ فنعم ,أخبان مسلم بن خالد ...عن مكحول
813
وهنا سأله املقدِ" :إذن فضيلتكم تر أعه لي هناك ما َين من تر ح املرأة
لرائسة أو لتويل منصب رائسة اجلمهورية"؟ فقال الشيخ" :ععم".8
لقد كان رأي الشيخ القرضاوي عفا هللا عنه جريئا عندما أجاز للمرأة مجي
الوال ت ,خاصة أو عامة ,ما عدا اخلالفة الع م ,وتضمن مناقشته حلديث
"لن يفلح قوِ" اإل ارة إىل قاعدة أصولية ,وعصها" :العبة بعموِ اللفظ ال
خبصوص السبب" ,ومعناها أن األحكاِ املستفا ة من النص الشرعي الوار يف
سياق سبب معني أو واقعة خاصة ,أهنا ال تقتصر عليه ,بد تعم تلر األحكاِ
مجي احلاالت املشاِبة ,وهذا رأي مجهور العلماء.
فمثال ,آ ت حترمي ال هار الوار ة يف سياق قصة خولة بن ثعلبة رضي هللا
عنها ال تقتصر أحكامها عل تلر القصة بعينها ,بد تشمد مجي وقائ ال هار
اليت حتدث مستقبال ,وعندما يقول رسول هللا " :لن يفلح قوِ ولوا أمرهم امرأة"
يف أن الفرم عندما ولَّوا بن كسر عليهم ,فإن مدلول النص ال يقتصر
عليهم ,بد يشمد أي قوِ ولَّوا أمرهم امرأة.
وملا كان تفسري حديث "لن يفلح قوِ" مرتبطا بتلر القاعدة األصولية ,فقد
أخذ الشيخ القرضاوي حف ه هللا يناقشها ,ويهون من أهنا ,ويبني أهنا غري جمم
عليها ,وأن من الضروري رعاية أسباب النزول ,وإال وق اخلطأ يف فهم النص
الشرعي ,وأن هذا احلديث يدخله التخصيص ,األمر الذي يفتح الباب أماِ
الشيخ عفا هللا عنه ليصد إىل القول جبواز تويل املرأة جلمي الوال ت إال اإلمامة
الع م كما كان يف أ ِ اخلالفة.
. 8يف الوق الذي يتف فقهاء املذاهب األربعة من املتقدمني وأكثر املعاصرين عل من املرأة من تويل
الوالية العامة ,أخذ يكثر يف زماعنا القول جبواز توليها من بعض العلماء والدعاة واملفكرين ,منهم الشيخ
حممد الغزايل عفا هللا عنه ,يقول -يف كتابه السنة النبوية بني أهد الفقه وأهد احلديث (" :- )41لو أن
األمر يف فارم ور ,وكاع املرأة احلاكمة تشبه جولدامائري اليهو ية اليت حكم إسرائيد لكان هناك
تعلي آخر ,... ,إن إ ليا بلغ عصرها الذهيب أ ِ امللكة فكتور ,وهي اآلن بقيا ة ملكة ورئيسة
وزراء" ,ومنهم يخ األزهر .حممد سيد طنطاوي عفا هللا عنه ,يقول -يف جريدة الشرق األوسط بتاريخ
" :- ِ7117/9/84إن املرأة أثبت أهنا قا رة عل تويل رائسة الدولة بنجاح ,وعندما عقرأ التاريخ د
املرأة قدَيا وحديثا قد تول الرائسة ,وأ ارهتا قتدار".
.7سب تلخيص هذه القاعدة األصولية يف الفصد األول.
.3فقه الزكاة للقرضاوي (.)34/8
813
ولذلر فقد واف الشيخ القرضاوي حف ه هللا اجلمهور يف رأيهم بتخصيص
عموِ قول هللا تعاىل " :أيها الذين آمنوا أعفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا
لكم من األرض" ,وقوله " :فيما سق السماء والعيون أو كان عثر ً العشر,
وما هلسقي لنضح عصف العشر" ,8املقتضي وجوب الزكاة يف مجي األصناف
الزراعية مهما بلغ عصاِبا ,وافقهم يف ختصيصهما بقول النيب " :لي فيما ون
مخسة أوس صدقة" ,7املقتضي حتديد عصاب النبات خبمسة أوس ,وأن الزكاة ال
جتب فيما ون ذلر.
ولكن الشيخ القرضاوي حف ه هللا خالف هذه القاعدة األصولية يف مسألة
وجوب الزكاة يف كد ما أخرجته األرض ,فأبق اآلية واحلديث السابقني عل
عمومهما ,ومل خيصصهما ألحا يث الصحيحة الوار ة يف ذلر ,مثد حديث أيب
موس األ عري ومعاذ بن جبد رضي هللا عنهما حني بعثهما رسول هللا إىل
اليمن ,يعلمان النام أمر ينهم ,فقال ما" :ال أتخذوا الصدقة إال من هذه
األربعة :الشعري واحلنطة والزبيب والتمر".3
فقال القرضاوي حف ه هللا" :وإذا كنا رجحنا قول أىب حنيفة يف إجياب الزكاة
يف كد ما أخرج األرض ,فإعنا الفه يف عدِ اعتبار النصاب ,وإجياب العهلشر يف
القليد والكثري من الزرع والثمر ,فإن هذا خمالف للحديث الصحيح الذي عف
وجوب الزكاة عما ون مخسة أوس ,وخمالف لن رية الشريعة -بصفة عامة -يف
.8القرضاوي فقيها لعصاِ تليمة ( ,)871واع ر حبث الشيخ القرضاوي يف موقعه بعنوان :غري املسلمني
يف اجملتم اإلسالمي ,فإعه َّقرر -ضمن ح احلماية -عصمة مائهم ,وأسهب يف تقرير أ لة قتد املسلم
لكافر ,ولكنه مل يصرح بيجيحه ذا الرأي.
819
إن الشيخ القرضاوي يقرر أن حديث "ال يقتد مسلم بكافر" حديث
صحيح ,ولو قرر أعه حديث صريح يف معىن الكفر ,وأعه يشمد مجي أعواع الكفر
املخالفة لدين اإلسالِ ,لو قرر هذا للزمه -حسب قاعدته يف ختصيص عمومات
القرآن بصحيح وصريح السنة -أن يقول بعدِ مكافأة ِ الكافر بدِ املسلم ,وأن
قتد املسلم للكافر -وإن كان حراما ما اِ الكافر ذميا أو معاهدا أو مستأمنا,
إال أعه -ال جييز قتد املسلم به ,بد جتب فيه عقوبة تعزيرية و ية مسلَّمة إىل أهله.
ولكن يبدو يل -وهللا أعلم -أن الشيخ القرضاوي حف ه هللا وض عصب
عينيه ر و األفعال العاملية عل هذا الرأي ,وأعه سيؤ ي إىل ترسيخ االعتقا أبن
اإلسالِ ين قائم عل السيف والدِ ,والدليد أن املسلمني ال يقيمون اعتبارا لدِ
غري املسلم ,وها هي فتاو علمائهم تؤكد ذلر ,8فوجد الشيخ يف املذهب احلنفي
بغيته؛ فرارا من اآلاثر املتوقعة من القول بعدِ قتد املسلم لكافر.
ولكن الشيخ القرضاوي عفا هللا عنه ملا تنبَّه ملخالفة رأيه هذا لقاعدته
األصولية يف ختصيص النص القرآين العاِ حلديث النبوي ما اِ صحيحا صرحيا,
فإعه جلأ إىل أمرين :أحدمها أعه مل يشر إىل هذه القاعدة األصولية من قريب وال من
بعيد ,واثعيهما أعه -ل َّما مل يقدر عل التشكير يف صحة احلديث -أخذ يناقش
.8واق الكفار املتسلطني اليوِ عل املسلمني أهنم هم الذين ال يقيمون وزان لدِ املسلم ,ولذلر فإهنم
يعيثون يف بال املسلمني فسا ا وقتال وترويعا سم فرض الدَيقراطية ,وصدق الشاعر:
ع ر فيها مسألة مسلم عب تد
لق هل
تهلغتـفر ال مسألة كافر علج وقتد
هل
ورغم هذا اجلور وال لم فإن هذه املعاملة ال جتيز للمسلمني معاملتهم ملثد.
891
مد صراحته عل مشوله جلمي أعواع الكفر ,فاضطره األمر إىل القول أبن معىن
"كافر" أي الكافر احلريب.
ومن خالل تتبعي احملدو لبعض فتاو الشيخ القرضاوي حف ه هللا ,وجدته
يتكئ أحياان عل هذا التفسري ملعىن "كافر" ,وأن املقصو به الكافر احلريب ولي
الكافر املسامل ,سواء كان ذميا أو معاهدا أو مستأمنا ,و لتايل فإن مقصو
احلديث -حسب رأيه -أن ال يهلقتد مسلم بكافر حريب.
وعند التمعن يف هذا التفسري املتكلف ملعىن "الكافر" يتبني -من وجهة
ع ري -ضعف هذا التفسري؛ لعدة أسباب :أبرزها أعه ال توجد فائدة إضافية يف
هذا احلديث إذا كان معناه أن املسلم ال يقتد لكافر احلريب؛ ألعه إذا كان
اإلسالِ أيمر جلها يف سبيد هللا ,األمر الذي يقتضي قتال الكفار احملاربني وإراقة
مائهم وإزهاق أرواحهم ,فما الفائدة من التصريح أبن املسلم ال يقتد لكافر
احلريب؟! فهد كان عند املسلمني ر يف أن املسلم إذا قتد الكافر احلريب املطلوب
جها هله يف ميدان اجلها يف سبيد هللا ,فإعه سيقتد به ,فجاء النيب ليخبهم أبعه
ال يقتد به؟!
إن تفسري معىن "الكافر" لكافر احلريب جعد الشيخ القرضاوي حف ه هللا
يق يف خمالفات أخر جلمهور الفقهاء يف عدة مسائد ,منها مسألة توريث املسلم
املسلم الكافر,
هل من تركة قريبه الكافر ,فلقد صح عن النيب أعه قال" :ال يرث
الكافر املسلم" ,8وسئد يف حجة الو اع عن مكان عزوله يف مكة ,فقال: هل وال
.8رواه البخاري ومسلم وأمحد وأبو او وابن ماجه ,وزا البيهقي يف سننه الكب " :وكان عقيد ورث أ
طالب هو وطالب ,ومل يرثه جعفر وال علي؛ ألهنما كاان مسلمني ,وكان عقيد وطالب كافرين ,من أجد
ذلر كان عمر بن اخلطاب يقول :ال يرث املؤمن الكافر".
.7الفتاو الشاذة للقرضاوي (.)881
897
احلريب ,وحنمد كلمة "الكافر" الثاعية عل مطل الكفر؟! وهد هذا إال تكلف يف
التفسري؛ للوصول إىل التيسري؟!
إن األمثلة السابقة الدالة عل اضطراب املنهج االجتها ي للشيخ القرضاوي
عفا هللا عنه تبني أعه يتكلف أَيا تكلف يف ترجيح بعض اآلراء الضعيفة املخالفة
صرح "إ ان كان هناك رأ ن متكافئان ,أحدمها لإلمجاع أو للجمهور ,م العلم أعه َّ
أحوط والثاين أيسر ,فإين أوثر اإلفتاء أليسر" ,8فأي تكافؤ بني آراء مجهور
العلماء املستندة عل األ لة الشرعية وبعض آراء الشيخ القرضاوي املتكلَّفة.
ولعد مما ساهم يف توجيه الشيخ القرضاوي حف ه هللا حنو هذا املسلر أتثره
مبنهج ما يسم ملدرسة العقالعية أو اإلصالحية ,اليت أسسها الشيخ مجال الدين
األفغاين ,مث اغيف منه الشيخ حممد عبده ,مث هند من األخري الشيخ حممد ر يد
رضا ,7وال خيف أن هؤالء الثالثة تثار حو م عالمات استفهاِ ضخمة.3
حفظ هللا العالمة الشيخ يوسف القرضاوي ,فإعه إماِ من كبار أئمة العلم
والدعوة ,ويكا يكون حاضرا بقلبه وقالبه يف مجي قضا األمة اإلسالمية ,وما
زال -رغم مقاربته التسعني من العمر وأمراضه اجلسدية -يعطي ألمته عطاء
الشباب املمتلئ مة والنشاط ,ولكن فقه التيسري واالجتها االعتقائي جعاله
894
الرأي يف العراق ,واطل عل بيئات علمية خمتلفة كبيئة مكة واملدينة واليمن والعراق
ومصر ,ولذلر فإن املذهب الشافعي مر بعدة أطوار ومراحد ,منذ حياة إمامه إىل
عهو قريبة ,8عل النحو التايل:7
َّأوالً :عشأة املذهب القدمي يف مكة والعراق (899-895هـ) ,وهي املرحلة
اليت استكمد فيها اإلماِ الشافعي رمحه هللا االطالع عل مذهب أهد احلجاز أو
مدرسة احلديث ممثال يف مذهب اإلماِ مالر بن أع رمحه هللا ,ومذهب أهد
العراق أو مدرسة الرأي ممثال يف مذهب اإلماِ أيب حنيفة رمحه هللا.
فبدأ يف االستقالل الفقهي وتكوين عواة مذهبه الفقهي يف احلجاز والعراق,
وألَّف عدة كتب يف تقرير خالصة اجتها اته وآرائه عندما كان يف مكة وبغدا ,
كاحلجة يف فروع الفقه ,والرسالة (العراقية) يف أصوله.
اثعياً :عشأة املذهب اجلديد يف مصر (714-899هـ) ,وهي املرحلة اليت
اطل فيها اإلماِ الشافعي عل فقه اإلماِ الليث بن سعد رمحه هللا واإلماِ
األوزاعي رمحه هللا عندما اعتقد إىل مصر ,فتغريت بعض آرائه االجتها ية,
فحررها َّ
وعقحها وهذِبا. وعضج آراؤه األصولية والفرعيةَّ ,
كوع آخر ومعتمد آرائه ومذهبه ,فمنها: مث رع يف أتليف عدة كتبَّ ,
.8يف فروع الفقه :األِ ,واإلمالء.
. 8قاِ العلماء من مجي املذاهب الفقهية مبجهو ات مماثلة ملا قاِ به علماء الشافعية ,بدءا منذ حياة
إمامهم إىل عهو قريبة.
. 7اع ر مقدمة حتقي الدكتور عبدالع يم الديب لكتاب هناية املطلب للجويين ( ,)851-92وكتاب
املدخد إىل مذهب اإلماِ الشافعي ألكرِ القوا ي (.)794
895
.7ويف أصول الفقه :الرسالة (املصرية) ,ومجاع العلم ,وإبطال االستحسان ,وبيان
فرائض هللا ,وصفة هني النيب .
.3ويف اجلم بني األحا يث املختلفة :اختالف احلديث.
.4ويف الفقه املقارن :اختالف العراقيني (أيب حنيفة وابن أيب ليل ) ,واختالف
علي بن أيب طالب وعبدهللا بن مسعو ,واختالف مالر والشافعي ,والر
عل حممد بن احلسن ,وسري األوزاعي.
وِبذا يكون اإلماِ الشافعي أول احملررين ملذهبه الفقهي ,وقد عشأ عن هذه
املراجعة املبكرة يف أصول املذهب الشافعي وفروعه عشأة املذهبني :القدمي واجلديد.
كد قول له يفوموقف الشافعية من مذهيب الشافعي :القدمي واجلديد أن َّ
املذهب القدمي فهو مذهبه اجلديد إال إذا عص يف املذهب اجلديد عل خالفه ,أما
قول قدمي مل خيالفه يف اجلديد ,أو مل يتعرض له لتحديد ,فهو مذهبه.
فمن املسائد اليت رج عنها اإلماِ الشافعي:
طهورية املاء املستعمد يف فرض الطهارة ,فاملذهب اجلديد أعه طاهر غري
طهور ,أما يف املذهب القدمي فهو ق عل الطهورية.
األذان للمنفر يف الصحراء ,فاجلديد استحبابه ,والقدمي عدمه.
جهله ,فاجلديد وجوِبا ,والقدمي صحتها. إعا ة الصالة ملن يف ثوبه
موض سجو السهو ,فاجلديد أعه قبد السالِ ائما ,والقدمي كاحلنابلة.
ثالث سجدات املفصد :النجم واالعشقاق والعل ,فاجلديد استحباِبا,
والقدمي عدمه.
893
اقتداء القارئ أبمي يلحن ,فاجلديد عدِ صحته يف الصالة اجلهرية والسرية,
والقدمي صحته يف السرية ون اجلهرية.
تقدِ املأموِ عل اإلماِ يف املوقف ,فاجلديد بطالن صالته ,والقدمي صحتها. ُّ
اجلم أتخريا يف احلضر بسبب املطر ,فاجلديد منعه ,والقدمي جوازه.
السفر يوِ اجلمعة قبد زوال الشم ,فاجلديد حرمته ,والقدمي جوازه.
صوِ أ ِ التشري للمتمت الفاقد للدِ ,فاجلديد حرمته ,والقدمي جوازه.
استمرت بعد وفاة اإلماِ الشافعي رمحه
َّ وع راً ألن حركة االجتها الفقهي
عدوا بعض املسائد اليت رج عنها صوا ,أي إهنم هللا فإن أصحابه وعلماء مذهبه ُّ
حكموا أبن مذهبه القدمي هو الصواب رغم رجوعه عنه؛ إما ملوافقته للدليد
الشرعي ,أو ملخالفة اجلديد ألصول الشافعي ,وتبلغ تلر املسائد اليت يفىت فيها
عل القول القدمي للشافعي مثاين عشرة مسألة ,وأوصلها بعض الشافعية إىل ثالث
وثالثني مسألة ,8منها:
التثويب – وهو قول" :الصالة خري من النوِ" -يف أذان الصبح ,فالقدمي
استحبابه ,وعليه الفتو .
آخر وق املغرب ,فالقدمي أعه إىل غروب الشف األمحر ,وقد علَّ اإلماِ
الشافعي احلكم به عل صحة احلديث.
األذان للصالة الفائتة ,فالقدمي أعه يؤذَّن ا.
أتكد غسد اجلمعة ,فالقدمي تقدَيه يف األفضلية عل غسد غاسد املي .
. 8جتد هذه املسائد مبسوطة يف كتب الشافعية كمجموع النووي و روح منهاجه واأل باه والن ائر
للسيوطي وغريها.
892
الصوِ عن املي ,فالقدمي جوازه ,وقد عل احلكم به عل صحة احلديث.
ا ياط التحلد من اإلحراِ بسبب املرض ,فالقدمي جوازه.
ومن اجلدير لذكر أعه ما من مذهب من املذاهب الفقهية األربعة إال وحركة
التجديد فيه مستمرة ,سواء قاِ بذلر إماِ املذهب أو طالبه أو العلماء احملققون
الذين أتوا بعدهم ,8ولكن اإلماِ الشافعي رمحه هللا ا تهر عنه املذهبان :القدمي
واجلديد لثالثة أسباب رئيسة:
.8أعه أس املذهبني يف مكاعني خمتلفني متمايزين.
.7أعه متكن من أتليف كتب خمتلفة لكال املذهبني.
.3أن كال مذهبيه عقله ورواه عنه أصحاب معروفون ,فمن العلماء الذين عقلوا
مذهبه القدمي اإلماِ أمحد بن حنبد رمحه هللا (748-834هـ) ,وأبو ثور
إبراهيم بن خالد رمحه هللا (741-...هـ) ,وأبو علي احلسني الكرابيسي رمحه
هللا (741-...هـ) ,وأبو علي احلسن الزعفراين (731-825هـ) ,ومن العلماء
الذين عقلوا مذهبه اجلديد أبو يعقوب البويطي (738-...هـ) ,وأبو إبراهيم
املزين (734-825هـ) ,والربي املرا ي (721-824هـ) راوية كتب الشافعي,
والربي اجليزي (753-...هـ) ,وحرملة بن حيىي (743-...هـ) ,ويوع بن
عبداألعل (734-...هـ) ,رمحهم هللا.
وعتيجة لتلر األسباب الثالثة فقد متايز مذهبا اإلماِ الشافعي متايزاً واضحا,
أما أئمة املذاهب الفقهية األخر فلم تتوفر م تلر األسباب ,ولذلر مل يشتهر
عنهم مذهبان.
.8مثد املسائد اليت يفيت فيها احلنفية بقول أيب يوسف وحممد بن احلسن وزفر بن ا ذيد.
891
اثلثاً :رواية املذهب واعتشاره ( ,)721-714وهي املرحلة اليت تل وفاة
اإلماِ الشافعي ,واستمرت إىل وفاة آخر أصحابه ومحلة مذهبه وان ري كتبه اإلماِ
الربي بن سليمان املرا ي رمحه هللا (721-824هـ) ,ومتيزت ليكيز عل رواية
كتب الشافعي وعسخها وهتذيبها وعشرها يف اآلفاق.
فمن جهو التهذيب ما قاِ به اإلماِ إ اعيد بن حيىي املزين رمحه هللا
(734-825هـ) صاحب الشافعي وتلميذه ختصار كتب الشافعي يف "املختصر
الكبري" ,مث اختصاره يف "املختصر الصغري" املعروف مبختصر املزين ,وقد خلَّص فيه
املزين مذهب الشافعي ,وزا عليه ,وخالفه يف مسائد ,ورتب أبوابه الفقهية ,ومبثد
هذا الصني قاِ اإلماِ يوسف بن حيىي البويطي رمحه هللا (738-...هـ) خليفة
الشافعي يف حلقته.
أما جهو النشر فأبرز من قاِ ِبا اإلماِ الربي بن سليمان املرا ي رمحه هللا
(721-824هـ) ,فقد عاش بعد وفاة الشافعي ستا وستني سنة ,وقد رحد إليه
النام من مجي األقطار يف اع وعسخ كتب الشافعي ,وقد قال فيه الشافعي:
"الربي راوييت" ,وقال له أيضا" :أع أعفعهم يل يف عشر الكتب".8
يضاف إىل ما سب أن أصحاب الشافعي كاملزين والبويطي مل يتقيدوا بفروع
اجتها ات الشافعي ,ولكنهم استوعبوا األصول والطريقة اليت كان يسري عليها يف
اجتها ه ,واقتنعوا ِبا ,فساروا عليها ,ولذلر فإن أصحاب اإلماِ الشافعي َيثلون
الطبقة األوىل من اجملتهدين يف املذهب ,وهم الذين عناهم اإلماِ النووي يف تعدا ه
لألحوال األربعة للمفيت املنتسب ,فقال" :أحدها أن ال يكون مقلدا إلمامه ,ال يف
718
ابن القفال الشا ي الكبري القاسم بن حممد بن علي (-...حنو399هـ).
أبو حامد اإلسفراييين أمحد بن حممد (413-344هـ).
أبو إسحاق اإلسفراييين إبراهيم بن حممد (481-...هـ) من أصحاب الوجوه.
أبو علي البندعيجي احلسن بن عبدهللا (475-...هـ).
أبو عبدهللا املروزي املسعو ي حممد بن عبدامللر (475-...هـ).
أبو علي السنجي احلسني بن عيب (431-...هـ) من أصحاب الوجوه.
أبو الطيب الطبي طاهر بن عبدهللا (451-341هـ).
إماِ احلرمني اجلويين عبدامللر بن عبدهللا (421-489هـ).
أبو بكر الشا ي القفال حممد بن أمحد (.)512-479
تلر كاع بعض القامات العلمية الشاخمة اليت خدم خمتصر املزين ,وهم
ما بني مطول ومقتصر ,ومن أهم الشروح اليت صارت إماماً ملا بعدها كتاب "هناية
املطلب يف راية املذهب" 8إلماِ احلرمني اجلويين رمحه هللا ,فقد قال يف مقدمته:
فتتاحه من مذهب م َّ
هذب لإلماِ املطليب "وأبتهد إليه يف تيسري ما مهم
الشافعي ,حيوي تقرير القواعد ,وحترير الضوابط واملعاقد ,يف تعليد األصول
املفصد منها واجملموع ,ومشتمد عل حد َّ وتبيني مآخذ الفروع ,وترتيب
املشكالت ,وإ عة املعضالت ,والتنبيه عل املعاصات واملعوصات ,ويغين عن
االرتباك يف املتاهات ,واال تباك يف العما ت ,... ,وسأجري عل أبواب
"املختصر" -أي خمتصر املزين -ومسائلها جهدي ,وال أعتين لكالِ عل ألفاظ
السوا -أي ال أقصد رح عص املنت ,-فقد تناه يف إيضاحها األئمة
.8أخرجه إىل حيز الوجو الشيخ الدكتور عبدالع يم الديب رمحه هللا يف عشرين جملدا.
717
املاضون ,ولكين أعسب النصوص اليت عقلها املزين إليه ,وأتعرض لشرح ما يتعل
لفقه منها إن اء هللا تعاىل ,وما ا تهر فيه خالف األصحاب ذكرته ,وما ذهلكر
ضعف القيام
هل فيه وجه غريب منقام ذكرت عدوره واعقياسه ,وإن اعضم إىل عدوره
عبه عليه أبن أذكر الصواب قائال" :املذهب كذا" ,فإن مل يكن له وجه قل
بعد ذكر الصواب" :وما سو هذا غلط" ,وإن ذكر أئمة اخلالف وجها مرتبكا
أعبه عليه أبن أقول" :اتف أئمة املذهب عل كذا" ,فتجري وجوه من االختصار
م احتواء املذهب عل املشهور والنا ر ,وإن جرت مسألة مل يبلغين فيها مذهب
خرجتها عل القواعد ,وذكرت مسالر االحتمال فيها عل مبلغ فهمي". األئمة َّ
إن مقدمة إماِ احلرمني اجلويين رمحه هللا تبني اجلهد الع يم الذي بذله يف
حترير املذهب الشافعي وهتذيبه ,كتأصيد القواعد والتعليد ِبا ,وحترير الفروع وكيفية
اعتزاعها ,وترتيب املسائد ,وحد اإل كاالت ,وحكاية اخلالف ,وبيان وجهه
ووجاهته ,وختريج املستجدات ,ومناقشة االحتماالت.
وبعد إماِ احلرمني اجلويين رمحه هللا هنض تلميذه حجة اإلسالِ اإلماِ حممد
بن حممد الغزايل رمحه هللا مبهمة التحرير والتهذيب ,فخدِ كتاب يخه "هناية
املطلب" يف كتبه" :البسيط" ,مث "الوسيط" ,مث "الوجيز" الختصار والتهذيب,8
وبذلر يكون إماِ احلرمني اجلويين وحجة اإلسالِ الغزايل رمحها هللا املمهدين
لعملية التحرير األول للمذهب الشافعي.
.8كما قاِ سلطان العلماء و ئ امللوك اإلماِ عبدالعزيز بن عبدالسالِ رمحه هللا (331-522هـ)
بتهذيب واختصار هناية مطلب اجلويين أيضا يف "الغاية يف اختصار النهاية".
713
ومن اخلدمات املميزة اليت ح ي ِبا املذهب الشافعي من انحية حديثية ما
قاِ به اإلماِ احلافظ أمحد بن احلسني البيهقي رمحه هللا (451-314هـ) ,فقد
ألَّف كتابه الع يم "معرفة السنن واآلاثر" ,ومج فيه ما استدل به اإلماِ الشافعي
رمحه هللا يف كتبه الفقهية من أحا يث عبوية وآاثر عن الصحابة ,ساقها بسند
الشافعي ,مث ساقها بسنده ,وانقش تلر األحا يث واملرو ت تصحيحا وتضعيفا
وتعليال ,ورتَّب ما مجعه عل ترتيب خمتصر املزين ,ويعد الكتاب موسوعة يف أ لة
املذهب الشافعي.
خامساً :التحرير األول للمذهب (323-515هـ) ,وهي املرحلة اليت اكتمد
فيها التحرير األول للمذهب الشافعي ,ومعىن التحرير " :د مصنفات أئمته
و يوخه ,وبيان ما هو مواف لقول الشافعي وأصوله ,حىت يصح أن ينسب إليه,
ويتميز عن غريه من الوجوه واالجتها ات اليت ال يصح أن تنسب إىل الشافعي,
وتعتب مذهبا له".8
فقاِ أول حمرري املذهب الشافعي يف هذه املرحلة اإلماِ أبو القاسم
عبدالكرمي بن حممد القزويين الرافعي رمحه هللا (373-552هـ) فنقَّح املذهب,
وفرع عليه ,قال
ومج تاته ,واستوعب مسائله ,واستدرك خطأه ,وأتقن سبكهَّ ,
اإلماِ أبو الفداء ابن كثري إ اعيد بن عمر رمحه هللا (224-218هـ) عنه" :أجا
وأفا ,و ق وحق ,وحرر وقرر وزين ,وصنف وألف ,ومج وحشد ,وأس
وأكد ,ومهد وأطنب ,وبني املشهور والغريب ,والبعيد والقريب ,والصحيح
واملستقيم ,والضعيف والسقيم ,وما عليه األكثرون ,وما عدر ملذهب به األقلون,
عص الدكتور عبدالع يم الديب يف مقدمة حتقيقه لكتاب هناية املطلب للجويين (.)853
.8هذا ُّ
714
املخرج ,واخلالص من احلسن واملهرج" ,8وقد اعطل اإلماِ الرافعي رمحه
واملنصوص و َّ
هللا يف حترير املذهب الشافعي مستكمال جهو من سبقه ,فخدِ كتاب "الوجيز"
للغزايل خدمتني :رحه يف كتاب "فتح العزيز" ,واختصره يف كتاب "احملرر".
مث قاِ احملرر الثاين للمذهب الشافعي يف هذه املرحلة اإلماِ حميي الدين حيىي
بن رف النووي رمحه هللا (323-338هـ) ستكمال جهو اإلماِ الرافعي,
فاختصر كتاب "الوسيط" للغزايل يف "التنقيح" ,واختصر كتاب "فتح العزيز"
للرافعي يف "روضة الطالبني" ,واختصر كتاب "احملرر" للرافعي يف كتابه "منهاج
الطالبني" ,وقد اعته هذه املرحلة بوفاة اإلماِ النووي.
واعتما ا عل كتاب "املنهاج" للنووي ألَّف مئات من علماء الشافعية كتباً
عليه ,منها املختصرات ,ومنها الشروح ,ومنها احلوا ي ,ومنها األ لة ,ومنها
الن م ,ومنها املصطلحات ,ومنها النك ,ومنها إعراب املشكد ,وغريها.
ولكي يتبني لنا بعض معامل اجلهد الذي بذله اإلمامان الرافعي والنووي
أتقن
رمحهما هللا أسوق ما قاله النووي يف مقدمة منهاجه عن حمرر الرافعي" :و هل
خمتصر "احملرر" لإلماِ أيب القاسم الرافعي ,ذي التحقيقات ,وهو كثري الفوائد,
عمدة يف حتقي املذهب ,معتمد للمفيت وغريه من أويل الرغبات ,وقد التزِ مصنفه
رمحه هللا أن ينص عل ما صححه مع م األصحابَّ ,
ووىف مبا التزمه ,وهو من أهم
أو أهم املطلو ت ,. . . ,فرأي اختصاره يف حنو عصف حجمه؛ ليسهد حف ه,
م ما أضمه إليه من النفائ املستجدات ,منها التنبيه عل قيو يف بعض املسائد
هي من األصد حمذوفات ,ومنها مواض يسرية ذكرها يف احملرر عل خالف
فبني معىن األظهر واملشهور واألصح والصحيح واملذهب والنص واجلديد والقدمي وغريها.
َّ .8
.7املنهاج للنووي ( ,)2واع ر روضة الطالبني له (.)4/8
713
التآليف ,وم ذلر مل خيد زمان من حمق ين ر يف كالِ الشيخني ,فريجح بينهما
إذا اختلفا ,بد خيالفهما أحياان".8
وقد تواصل اجلهو العلمية يف تشييد املذهب :أصوال وفروعا ,وجتل فيها
جهو أئمة كبار ,كنجم الدين ابن الرفعة رمحه هللا (281-345هـ) ,وتقي الدين
السبكي رمحه هللا (253-313هـ) ,وابنه اتج الدين رمحه هللا (228-272هـ),
ومجال الدين اإلسنوي رمحه هللا (227-214هـ) ,و هاب الدين األذرعي رمحه
هللا (213-211هـ) ,وبدر الدين الزركشي رمحه هللا (294-245هـ) ,وسراج
الدين البهللقيين رمحه هللا (115-274هـ) ,وإ اعيد ابن املقري رمحه هللا (-255
132هـ) ,وجالل الدين احمللي رمحه هللا (134-298هـ).
سابعاً :التحرير الثاين للمذهب (8114-173هـ) ,وهي املرحلة اليت مت فيها
التحرير الثاين للمذهب الشافعي من خالل خدمة كتب أئمة التحرير األول :رحا
وحتشية وتعليقا واختصارا؛ استكماال جلهو هم واستدراكا عليهم ,وقد بدأت هذه
املرحلة جبهو يخ اإلسالِ القاضي زكر األعصاري رمحه هللا (973-173ه) يف
آتليفه ,وجهو تالميذه ,مثد هاب الدين الرملي رمحه هللا (952-...هـ) ,وابنه
مش الدين حممد الرملي رمحه هللا (8114-989هـ) ,واخلطيب الشربيين رمحه هللا
(922-...هـ) ,و هاب الدين ابن حجر ا يتمي رمحه هللا (924-919ه) ,وقد
اعته هذه املرحلة بوفاة مش الدين حممد الرملي ,وهو آخر أبرز تالميذ القاضي
زكر األعصاري.
. 8عص الدكتور عبدالع يم الديب يف مقدمة حتقيقه لكتاب هناية املطلب للجويين (.)853
712
ومن أبرز اجلهو العلمية اليت قاِ ِبا أئمة التحرير الثاين خدمة "منهاج
الطالبني" لإلماِ النووي واالعتناء به ,فعل سبيد املثال:
قاِ القاضي زكر األعصاري ختصار "منهاج الطالبني" يف "منهج الطالب",
مبدال غري املعتمد يف املذهب ملعتمد ,مث رحه يف "فتح الوهاب" م حترير
العبارات وإحكاِ سبكها.
كما قاِ القاضي زكر األعصاري بتأليف كتاب "أسىن املطالب" ,وهو رح
لكتاب "روض الطالب" البن املقري ,وهو خمتصر لكتاب "روضة الطالبني"
للنووي ,وهو خمتصر لكتاب "فتح العزيز" للرافعي.
قاِ اخلطيب الشربيين بشرح "منهاج الطالبني" يف "مغين احملتاج" ,قال يف
مقدمته " :رع يف رح يوضح من معاين مباين منهاج اإلماِ النووي ما
خفا ,ويفصح عن مفهوِ منطوقه أبلفاظ تذهب عن الفهم جفا ,وتبز املكنون
من جواهره ,وت هر املضمر يف سرائره ,خال عن احلشو والتطويد ,حاو للدليد
والتعليد ,مبني ملا عليه املعول من كالِ املتأخرين واألصحاب ,عمدة للمفيت
وغريه ممن يتحر الصواب ,مهذب الفصول ,حمق الفروع واألصول ,متوسط
احلجم ,وخري األمور أوساطها ,ال تفريطها وال إفراطها".
قاِ هاب الدين ابن حجر ا يتمي بشرح "منهاج الطالبني" يف "حتفة
احملتاج" ,قال يف مقدمته" :عزم ...عل خدمة منهاجه ,الواضح ظاهره,
الكثرية كنوزه وذخائره ,ملخصا معتمدا روحه املتداولة ,وجميبا عما فيها من
اإليرا ات املتطاولة ,طاو بسط الكالِ عل الدليد ,وما فيه من اخلالف
والتعليد ,وعل عزو املقاالت واألحباث ألر ِبا؛ لتعطد ا مم عن التحقيقات
711
فكيف إبطناِبا ,ومشريا إىل املقابد -أي مقابد املعتمد -بر قياسه أو علته,
وإىل ما متيز به أصله لقلته".
كما قاِ ابن حجر بتأليف كتابني" :اإلمدا " و"فتح اجلوا " ,ومها رحان
لكتاب "اإلر ا " البن املقري ,وهو خمتصر لكتاب "احلاوي" للقزويين ,وهو
خمتصر لكتاب "فتح العزيز" للرافعي.
قاِ مش الدين الرملي بشرح "منهاج الطالبني" يف "هناية احملتاج" ,قال يف
مقدمته" :وأر فتهم بشرح َييط لثاِ خمدراته ,ويزيح ختاِ كنوزه ومستو عاته,
أعقح فيه الغث من السمني ,وأميز فيه املعمول به من غريه بتوضيح مبني ,أور
األحكاِ فيه تتبخي اتضاحا ,وأترك الشبه تتضاءل افتضاحا ,أطنب حيث
يقتضي املقاِ ,وأوجز إذا اتضح الكالِ ,خال عن اإلسهاب املمد ,وعن
االختصار املخد ,وأذكر فيه بعض القواعد ,وأضم إليه ما ظهر من الفوائد ,يف
ضمن تراكيب رائقة ,وأساليب فائقة ,ليتم بذلر األرب ,ويقبد املشتغلون
ينسلون إليه من كد حدب ,مقتصرا فيه عل املعمول به يف املذهب ,غري
معنت بتحرير األقوال الضعيفة؛ روماً لالختصار يف األغلب".
اثمناً :استكمال جهو التحرير الثاين (8114هـ 8335-هـ) ,وهي املرحلة
اليت صنف فيها احلوا ي عل كتب أئمة التحرير الثاين للمذهب الشافعي,
واستكمل الصياغة الفقهية للمذهب الشافعي ,وجتل فيها جهو أئمة كبار,
منهم -عل سبيد املثال ال احلصر :-
719
رح أمحد البهلـ هلرلُّسي امللقب بعمرية رمحه هللا (952-...ه) ,8وله حا ية عل
احمللي عل املنهاج ,وله حا ية أخر عل حتفة احملتاج البن حجر ا يتمي.
أمحد بن قاسم العبا ي رمحه هللا (994-...هـ) ,وله حا ية عل حتفة احملتاج
البن حجر ا يتمي ,وله حا ية أخر عل فتح الوهاب للقاضي زكر
األعصاري.
علي بن حيىي الز ي رمحه هللا ( )8174-...وله حا ية عل فتح الوهاب
للقاضي زكر األعصاري.
عل فتح علي بن إبراهيم احلليب رمحه هللا (8144-925هـ) ,وله حا ية
الوهاب للقاضي زكر األعصاري.
رح احمللي أمحد بن أمحد القليويب رمحه هللا (8139-...هـ) ,وله حا ية عل
جاع. عل املنهاج ,وله حا ية أخر عل رح ابن قاسم الغزي ملنت أيب
عل فتح حممد بن أمحد الشَّوبري رمحه هللا (8139-922هـ) ,وله حا ية
الوهاب للقاضي زكر األعصاري.
الشباملسي رمحه هللا (8112-992هـ) ,وله حا ية عل هناية علي بن علي َّ
احملتاج للرملي.
أمحد بن عبدالرزاق الر يدي رمحه هللا (8193-...هـ) ,وله حا ية عل هناية
احملتاج للرملي.
عطية األجهوري رمحه هللا (8891-...هـ) ,وله حا ية عل رح التحرير
للقاضي زكر األعصاري ,وله حا ية أخر عل فتح الوهاب للقاضي زكر .
.8أخبان يخنا الشيخ أمحد الدوغان رمحه هللا أن يخه جدي الشيخ حممد بن حسني العرفج رمحه هللا
كان يلقب حا ية اجلمد لبستان.
788
علوي بن أمحد السقاف رمحه هللا (8335-8755هـ) ,وله حا ية تر يح
املستفيدين عل فتح املعني للمليباري ,وهو مؤلف كتاب "الفوائد املكية فيما
حيتاجه طلبة الشافعية من املسائد والضوابط والقواعد الكلية".
وقد اتف علماء الشافعية بعد التنقيحني املميزين الذين سب ذكرمها عل أن
معتمد الفتو يف املذهب الشافعي ما اتف عليه الشيخان :الرافعي والنووي ,فإن
اختلفا فاملعتمد قول النووي ,فإن رجح الرافعي قوال ومل يوجد للنووي ترجيح فيه
فاملعتمد ترجيح الرافعي ,وهذا كله حيث مل جيم املتأخرون :القاضي زكر
وتالميذه عل خطأمها ,وإال فاملعتمد ما قاله املتأخرون ,وقد ذهب علماء احلجاز
واليمن والشاِ واألكرا واألحساء إىل تقدمي قول ابن حجر عل الرملي ,وذهب
علماء مصر إىل تقدمي قول الرملي عل ابن حجر.
تغريت فيها أمناط
اتسعاً :املرحلة املعاصرة ( ,)...-8335وهي املرحلة اليت َّ
احلياة العامة ,فقد خيَّم االستعمار عل البال اإلسالمية ,وفرض القواعني الوضعية,
وعطَّد العمد لشريعة اإلسالمية -ستثناء أحكاِ األحوال الشخصية ,-
وتغريت طريقة التعليم املتوارثة ,فأعشئ املدارم واجلامعات ,وحدث القول أبن
من أسباب ختلف املسلمني هو التمذهب ملذاهب الفقهية.
وقد أ َّت هذه العوامد إىل التأثري السليب عل مبدأ التمذهب الفقهي
عموما ,فاحنسر كثري من املتفقهني عن التمذهب ملذاهب الفقهية األربعة,
وا رطوا يف الدراسات احلديثة القائمة عل الفقه املقارن ,واليجيح واالختيار بني
اآلراء واألقوال ,وأتليف البحوث التخصصية يف بعض مسائد الفقه ,واستيعاب
املسائد املعاصرة الستفا ة من املذاهب الفقهية األربعة عل وجه العموِ.
787
وم ذلر فما زال بقية قية من الفقهاء واملتفقهني حماف ني عل تدري
الفقه وتلقيه عل الطريقة املذهبية املتوارثة منذ ظهور املذاهب الفقهية األربعة,
وظهرت عدة مؤلفات وحتقيقات ,متيزت -يف العموِ -حبسن اليتيب والتقسيم
والصياغة املناسبة للغة العصر ,وكم حنن حباجة يف هذا العصر إىل ضخ الدماء يف
اجلسد الفقهي املذهيب ,وذلر بتخريج مستجدات املسائد عل أصول املذهب
وعصوصه وقواعده.
فمن النوازل املستجدة :تصني األسلحة النووية والكيميائية واجلرثومية ,بنوك
احلليب البشري املختلط ,التحكم يف جن اجلنني ,االستنساخ البشري ,من
احلمد اجلراحي ,أطفال األانبيب ,تعريف احلياة اليت تصري النطفة إعساان ,تعريف
املوت الذي يصري اإلعسان ميتا ,التبع ألعضاء وبيعها ,جراحات التجميد ,رت
غشاء البكارة ,مصري البويضات الزائدة يف التلقيح الصناعي ,أكثر مدة احلمد,
أقد مدة احليض وأكثره ,إجهاض اجلنني املشوه ,قتد الرمحة ,زراعة خال املخ
واجلهاز العصيب ,زراعة الغد واألعضاء التناسلية ,استخداِ األجنة اجملهضة
واملولو الال ماغي مصدرا لزراعة األعضاء والتجارب ,حضاعة األِ املصابة إليدز
لوليدها السليم ,املوا احملرمة والنجسة يف صناعة الغذاء والدواء ,البصمة الوراثية
وأثرها يف إثبات النسب ,ا ندسة الوراثية ,التجارة اإللكيوعية ,معامالت
البورصات ,العقو اآلجلة ,وغريها.8
.8االختيار الفقهي وإ كالية جتديد الفقه اإلسالمي للدكتور حممو النجريي (.)13
783
وقفة مع اضطراب املناهج الفقهية
إن العرض الساب عن مد ثبات املناهج الفقهية عل قواعدها األصولية
يكشف عن متيُّز املنهج املذهيب بثبات أكب عل منهج واضح يف االستنباط
واالستدالل ,وتوضح أن املنهج املذهيب -وإن كان يق يف اضطرا ت منهجية
أثناء عملية االجتها الفقهي ,إال أعه -امتاز عضواء علماء اإلسالِ الكبار منذ
أ ِ السلف إىل أ منا هذه حت لوائه وظالله ,وامتاز هؤالء العلماء بتفوقهم يف
علوِ القرآن والسنة والفقه وأصوله واللغة وغريها ,فتتابعوا عل هتذيب مذاهبهم
وحتريرها وتنقيحها وتقوَيها ,وهي امليزة اليت مل تتوفر يف املنهجني اآلخرين مقارعةً
ملنهج املذهيب.8
ولذلر فإن املذهب الفقهي -وإن كان ينسب إىل إماِ معني ,إال أعه يف
احلقيقة -خالصة اجتها ات آالف مؤلفة من العلماء املتفننني يف علوِ الشريعة
واللغة ,ساروا عل منهج إمامهم يف االستنباط واالستدالل ,والتزموا لكثري من
اجتها اته ,وخالفوه يف بعضها؛ ع را لضعف ليد إمامهم ,أو ملخالفته منهجه
املخرجة عل منهجه.
الذي سار عليه ,وأضافوا للمذهب الكثري من املسائد َّ
وما زال فقهاء كد مذهب فقهي يهذبون ويضيفون ويستدلون ويستدركون,
وع هلمده ومسائله من عتاج إماِ
حىت بنوا بناء اخما ,كان الكثري من قواعده هل
املذهب ,أما الكم الكبري من املسائد واالجتها ات فكاع إضافات م وف
القواعد األصولية إلمامهم.
. 8ينبغي االعياف أبن العلم تناقص يف القرون األخرية مقارعة لقرون السابقة إىل القرن العا ر ا جري
تقريبا ,والدليد أن موسوعات وأمهات العلوِ الشرعية واللغوية هي من منتجات تلر القرون الذهبية.
784
وا دف من التهذيب والتحرير الذي َيارسه علماء كد مذهب -عل
اختالف طبقاهتم -هو حتقي االعضباط مبنهج اجتها ي مطر ؛ لكيال جتتم يف
املذهب مسائد متنافرة ومتناقضة من حيث طريقة البناء االجتها ي ,حبيث
يستبعد الفقيه املدق احملق عسبة تلر املسائد ملذهب فقهي واحد.
ومن املهم التنبيه إىل أن عملية التهذيب والتحرير ال يهلقصد منها االتفاق
عل رأي واحد يف مجي املسائد الفقهية اليت انقشها املذهب؛ ألن هذا مما يتعذر
كد مذهب فقهي مئات اآلالف من املسائد الفرعية ,وهذه حتقيقه ,فقد انقش ُّ
املسائد غالباً ما تكون أ لتها ظنية يف ثبوهتا أو اللتها ,و لتايل يستحيد عمليا أن
تتف مئات العقول عل رأي واحد فيها ,ولكن الغرض هو تقليص ائرة
االختالف ضمن املذهب الفقهي الواحد من خالل حترير معتمد الفتو .
وهنا قد يقول قائد :إن عو اضطراب املنهج السلفي واملنهج التيسريي
َيكن أن تهللص ملنهج املذهيب ,فها هو الشافعي يبطد االستحسان ,ولكنه
يستحسن أحياان ,وها هم األحناف َينعون ختصيص القرآن حبديث اآلحا ,
ولكنهم خيصصوعه آلحا أحياان ,وها هم املالكية حيتجون أحياان بعمد أهد
املدينة م حتق اختالفهم ,يف قائمة طويلة يثريها خصوِ املذهبية الفقهية.
واجلواب أن علماء املذاهب الفقهية ضبطوا مناهجها االجتها ية بقواعد
أصولية ,وقواعد حديثية ,وقواعد فقهية ,ومجعوا املسائد املتشاِبة واملتناظرة ,وميَّزوا
املسائد اليت تشيك م بعضها يف أحكاِ وختتلف يف أحكاِ أخر ,وغري ذلر,
فضبطوا مناهجهم االجتها ية ,واطَّر وا يف اجتها هم ,فاستنبطوا األحكاِ الشرعية,
785
تش ُّذ مسائد عن
وفرعوا واستخرجوا عليها ,يف حالة تواف الن رية م التطبي ,وقد هل
َّ
فينصون عل خروجها عن قواعدهم ألسباب معينة ,ولكد قاعدة واذ. قواعدهمُّ ,
فعل سبيد املثال ,أبطد اإلماِ الشافعي رمحه هللا االستحسان ,وألَّف يف
إبطاله كتاب "إبطال االستحسان" ,وقال كلمته املشهورة" :من استحسن فقد
َّرع" ,8ولكنه أخذ الستحسان يف عدة مسائد ,7منها استحساعه تغليظ اليمني
حللف عل املصحف ,فقال" :رأي مطرفاً بصنعاء حيلف عل املصحف ,وقد
كان من حكاِ اآلفاق من يستحلف عل املصحف ,وذلر عندي حسن".3
واجلواب عما يبدو تناقضا يف رأي اإلماِ الشافعي هو أن االستحسان الذي
أعكره هو احلكم بغري ليد من الكتاب أو السنة أو اإلمجاع أو القيام ,فقد قال:
"ال جيوز ملن استأهد أن يكون حاكما أو مفتيا أن حيكم وال أن يفيت إال من جهة
خب الزِ ,وذلر الكتاب ,مث السنة ,أو ما قاله أهد العلم ال خيتلفون فيه ,أو
قيام عل بعض هذا ,ال جيوز له أن حيكم وال يفيت الستحسان؛ إذ مل يكن
االستحسان واجبا وال يف واحد من هذه املعاين" ,4أما استحساعه احللف عل
املصحف فألن الشرع ور لتغليظ يف اليمني الفاجرة زماان ومكاان ,فكأن
الشافعي قام عليه التغليظ حللف عل املصحف.5
.8هناية املطلب للجويين ( ,)423/81واملستصف للغزايل ( ,)828واأل باه والن ائر للسبكي
(.)894/7
.7منها أعه استحسن يف املتعة أن تقدر ثالثني رمها ,ويف مدة الشفعة ثالثة أ ِ.
.3السنن الكب ( ,)799/81ومعرفة السنن واآلاثر ( ,)317/84كالمها للبيهقي.
.4األِ للشافعي (.)383/2
.5اع ر البحر احمليط للزركشي (.)813/1
783
ومن األمثلة أيضا أعه حيرِ عند األحناف اجلم يف عكاح بني املرأة وعمتها,
أو بني املرأة وخالتها ,واستدلوا بقوله " :ال تنكح املرأة عل عمتها وال عل
خالتها" ,8وخصصوا به قول هللا " :وأن جتمعوا بني األختني إال ما قد سلف
إن هللا كان غفورا رحيما ,واحملصنات من النساء إال ما ملك أَياعكم كتاب هللا
عليكم وأحد لكم ما وراء ذلكم".7
حديث آحا ,وهو ال خيصص قرآانًهل فا ُّعي عل األحناف أبن احلديث
حسب مذهبهم ,فناقش األحناف هذه الدعو ,وأثبتوا أن هذا احلديث مشهور
برواية عد من الصحابة ,منهم علي بن أيب طالب وعبدهللا بن مسعو وأبو هريرة
وأبو موس األ عري وابن عبام وابن عمر وعبدهللا بن عمرو بن العاص وجابر بن
عصوا عليه يف
عبدهللا وأبو سعيد اخلدري وأع بن مالر وعائشة وغريهم ,وقد ُّ
كتبهم ,منها قول اإلماِ العيين رمحه هللا (155-237هـ)" :وال جيم بني املرأة
وعمتها وخالتها أو ابنة أخيها أو ابنة أختها؛ لقوله عليه السالِ " :ال تنكح املرأة
عل عمتها وال عل خالتها وال عل ابنة أخيها وال عل ابنة أختها" ,وهذا
مشهور ,جتوز الز ة عل الكتاب مبثله".3
أمــا بعــض علمــاء املنهج ـني :الســلفي والتيســريي فــإهنم يضــطربون يف األصــول
اليت ينطلقون منها يف االجتها ,فلـو انقشـنا -علـ سـبيد املثـال -قضـية التوقيـف
يف العبـا ات ,لوجــدان أن الشــيخ عبــدالعزيز بــن ز رمحــه هللا قـَّـرر يف فتــاو كثــرية أن
789
يتميز املنهج الفقهي املذهيب عل املنهجني اآلخرين :السلفي والتيسريي لتزاِ
أ َّق بقاعون منضبط يف االجتها واالستنباط.
بعض علماء املنهج السلفي واملنهج التيسريي ال يلتزمون طريقة اجتها ية
مطر ة ,ولذلر يقعون يف االضطراب من حني آلخر.
يق املنهج املذهيب يف اضطرا ت اجتها ية ,ولكن علماء املذهب الفقهي
تتابعوا عل تنقيحها وحتريرها؛ لتفوقهم يف علوِ الشريعة واللغة.
مت التدليد عل ما سب ختيار منوذج لكد منهج ,فتم اختيار الشيخ األلباين
كنموذج للمنهج السلفي ,والدكتور يوسف القرضاوي كنموذج للمنهج
التيسريي ,واملذهب الشافعي كنموذج للمنهج املذهيب.
771
الفصل الثالث :املنهج املذهيب
778
777
الفصل الثالث :املنهج املذهيب
مقدمة
من املعلوِ والثاب رعاً وعقالً أن أفهاِ النام ومداركهم العقلية ختتلف من
خص آلخر ,فمنهم اثقب الن ر قي الفهم عمي الفكر ,ومنهم ضعيف الن ر
سقيم الفهم سطحي التفكري ,وقد قرر هللا هذا االختالف يف العقول بقوله
" :وإذا جاءهم أمر من األمن أو اخلوف أذاعهلوا به ,ولو رُّوه إىل الرسول وإىل
أويل األمر منهم لعلمه الذين يستنبطوعه منهم" ,أي يستخرجوعه من معا عه؛
لصحة عقو م وحسن ع رهم ,8فاالستنباط هو اجتها العلماء املؤهلني يف
استخراج األحكاِ الشرعية من مصا رها املعتبة.
وما من عصر من العصور ,إال وكان فيه أهد الن ر الثاقب والفهم الدقي ,
خيد عصر أو جيد من تلر وكان فيه أهد الن ر الضعيف والفهم السقيم ,ومل هل
الفئتني ,بد إن عصر الصحابة - وهم أقرب العصور إىل زمن النبوة والرسالة -
خيد من وجو مها ,فقد كان يف الصحابة أئمة يف العلم والفتو ,وكان فيهم مل هل
قاصرون عن تلر الرتبة العليا.
ومما يدل لذلر أن عمر بن اخلطاب ملا عزِ عل حتذير النام يف موسم
احلج مما يقال عن بيعة أيب بكر الصدي ,قال له عبدالرمحن بن عوف :
" أمري املؤمنني ال تفعد ,فإن املوسم جيم رعاع النام وغوغاءهم ,فإهنم هم
الذين يغلبون عل قربر حني تقوِ يف النام ,وأان أخش أن تقوِ ,فتقول مقالةً,
يهلطريها عنر كد هلمطري ,وأن ال يـعهلوها ,وأن ال يضعوها عل مواضعها ,فأمهد حىت
.8رواه البخاري وأمحد والنسائي واليمذي وابن ماجه ,قال احلافظ ابن حجر يف ب كتابة العلم يف
الفتح" :وإمنا سأله أبو جحيفة عن ذلر؛ ألن مجاعةً من الشيعة كاعوا يزعمون أن عند أهد البي -ال
سيما عليا - أ ياء من الوحي ,خصهم النيب ِ با ,مل يطل غريهم عليها".
.7فتح الباري البن حجر ,ب كتابة العلم.
.3فتح الباري البن حجر ,ب العاقلة.
.4رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه.
772
قال اإلماِ النووي رمحه هللا" :قال العلماء :أمج املسلمون عل أن هذا
احلديث يف حاكم عامل أهد للحكم ,فأما من لي أبهد للحكم فال حيد له
احلكم ,فإن حكم فال أجر له ,بد هو آمث ,وال ينفذ حكمه ,سواء واف احل أِ
ال؛ ألن إصابته اتفاقية ,ليس صا رة عن أصد رعي ,فهو عاص يف مجي
أحكامه ,سواء واف الصواب أِ ال ,وهي مر و ة كلها ,وال يعذر يف يء من
ذلر ,وقد جاء يف احلديث" :8القضاة ثالثة :قاض يف اجلنة ,واثنان يف النار,
قاض عرف احل ,فقض به ,فهو يف اجلنة ,وقاض عرف احل ,فقض خبالفه,
فهو يف النار ,وقاض قض عل جهد ,فهو يف النار".7
وقال اإلماِ الشاطيب رمحه هللا" :االجتها الواق يف الشريعة ضر ن :أحدمها
االجتها املعتب رعا ,وهو الصا ر عن أهله الذين اضطلعوا مبعرفة ما يفتقر إليه
االجتها ,وهذا هو الذي تقدِ الكالِ فيه ,والثاين :غري املعتب ,وهو الصا ر عمن
لي بعارف مبا يفتقر االجتها إليه؛ ألن حقيقته أعه رأي مبجر التشهي
واألغراض ,وخبط يف عماية ,واتباع للهو ,فكد رأي صدر عل هذا الوجه فال
مرية يف عدِ اعتباره؛ ألعه ضد احل الذي أعزل هللا".3
أن عقوبة النار اليت استحقها قاضي اجلهد مل تيتب وينبغي هنا مالح ةهل َّ
عل كوعه أخطأ يف قضائه ,وإال لقال " :وقاض قض عل جهد ,فأخطأ ,فهو
يف النار" ,ولكن العقوبة استحقها ذلر القاضي؛ ألعه قض عل جهد ,فهو يف
.8يعين حديث رسول هللا " :إذا حكم احلاكم فاجتهد فأصاب فله أجران ,وإذا حكم فاجتهد فأخطأ
فله أجر" ,وقد سب خترجيه.
. 7رح صحيح مسلم للنووي ,ب بيان أجر احلاكم إذا اجتهد ,فأصاب أو أخطأ ,واع ر كالِ احلافظ
ابن حجر يف ب أجر احلاكم إذا اجتهد ,فأصاب أو أخطأ ,يف فتح الباري ,فإعه عقد عن املازري أن
القول أبن املصيب واحد هو قول أكثر أهد التحقي من الفقهاء واملتكلمني ,وهو مروي عن األئمة
779
وقال اإلماِ املناوي رمحه هللا (8138-957هـ)" :والصحيح -وفاقاً
للجمهور -أن املصيب يف الفروع واحد ,وهلل تعاىل فيما حكم عليه أمارة ,وأن
اجملتهد كلف إبصابته ,وأن خمطئه ال أيمث ,بد يؤجر ,فمن أصاب فله أجران ,ومن
أخطأ فأجر ,ععم إن قصر اجملتهد أمث اتفاقا ,وعل غري اجملتهد أن يقلد مذهبا
معينا".8
وقال أبو احلسني العمراين رمحه هللا (551-419هـ)" :إذا اجتهد اثنان أو
كد واحد منهم اجتها هله إىل خالف ما أ األخر َّ أكثر يف حا ثة ,فأ َّ
اجتها هله إليه ,ع رت ,فإن كان ذلر يف أصول الدين ,مثد الرؤية وخل القرآن
وخل األفعال وما أ به ذلر ,7فإن احل واحد من األقوال؛ ألن هللا تعاىل قد
عصب ليال عليها ,كلَّف اجملتهد إصابته ,فإن أخطأه كان مذموما عند هللا ,وبه
قال عامة أهد العلم ,... ,وإن كان يف الفروع ,اختلف أهد العلم فيه عل ثالثة
مذاهب :فاألول منهم من قال :احل عند هللا يف واحد من األقوال ,... ,فمن أ اه
اجتها ه إليه كان مصيبا عند هللا ,ومصيبا يف احلكم ,وله أجران ,... ,وإن أخطأه
كان خمطئا عند هللا ,خمطئا يف احلكم ,... ,وبه قال مالر ومجاعة من أهد العلم,
واملذهب الثاين منهم من قال :احل عند هللا تعاىل يف واحد من األقوال ,فمن أ اه
اجتها ه إليه كان مصيبا عند هللا يف احلكم ,وله أجران ,فإن أخطأه كان خمطئا
األربعة ,وإن حكي عن كد منهم اختالف فيه ,اعته ,واع ر الفتاو الكب الفقهية البن حجر ا يتمي
( ,)383/4فقد توس يف حبث هذا املوضوع.
.8فيض القدير للمناوي (.)719/8
.7يعتقد أهد السنة واجلماعة أن املؤمنني يرون هللا يف اجلنة ,وأن القرآن كالِ هللا غريهل خملوق ,وأن هللا
خيل أفعال عبا ه.
731
عند هللا ,ومصيبا يف احلكم ,... ,وبه قال أبو حنيفة وأهد العراق ,واملذهب
الثالث منهم من قال :كد جمتهد مصيب ,واحل يف قول كد واحد من اجملتهدين,
,...وبه قال األ عرية واملعتزلة وأكثر املتكلمني ,واختلف أصحابنا يف حكاية
مذهب الشافعي يف ذلر ,فذهب أبو إسحاق املروزي والقاضي أبو الطيب وأكثر
أصحابنا إىل أن مذهبه هو األول".8
اجتماع الفقه يف املذاهب األربعة
من م اهر عصمة هللا لألمة اإلسالمية يف جمموعها 7أهنا مل تسلم قيا ها
مدع لالجتها ,بد أذعن وسلَّم ألهد الرسوخ يف العلم ,ومنهم وزمامها لكد َّ
األئمة األربعة املشهورون :أبو حنيفة النعمان بن اثب ,ومالر بن أع ,وحممد
بن إ ري الشافعي ,وأمحد بن حنبد ,رمحهم هللا مجيعا.
ومل تقتصر ملكة االجتها عل هؤالء األربعة ,بد وصد إىل رتبة االجتها
املطل يف الدين أئمة هلكثهلر ,فمنهم من الصحابة أئمة الفتو ,كاخللفاء األربعة
وعبدهللا بن مسعو والعبا لة األربعة 3وزيد بن اثب ومعاذ بن جبد وأيب بن كعب
.8عبيدهللا بن عبدهللا بن عتبة بن مسعو وعروة بن الزبري بن العواِ والقاسم بن حممد بن أيب بكر
الصدي وسعيد بن املسيب وأبو بكر بن عبدالرمحن بن احلارث وسليمان بن يسار وخارجة بن زيد بن
اثب ,وكلهم من التابعني .
.7قال اإلماِ الشافعي رمحه هللا" :الليث أفقه من مالر إال أن أصحابه مل يقوموا به" ,وقال حيىي بن بهلكري
ولكن احلهل وة ملالر" ,اع ر سري أعالِ النبالء للذهيب (.)853/1
رمحه هللا" :الليث أفقه من مالرَّ ,
.3راسة اترخيية للفقه وأصوله واالجتاهات اليت ظهرت فيهما للدكتور مصطف اخلن (.)882
737
التقيد مبذهب واحد بني اجلواز واحلرمة
إذا مل يصد املسلم إىل مرتبة االجتها يف الدين فإعه حيب عليه سؤال العلماء
عن أمور ينه ,والدليد عل وجوب سؤال العلماء واستفتائهم عند عدِ العلم قوله
تعاىل" :فاسألوا أهد الذكر إن كنتم ال تعلمون".
قال القرطيب رمحه هللا (328-...هـ)" :فـ ارض العامي الذي ال يشتغد
ستنباط األحكاِ من أصو ا؛ لعدِ أهليته فيما ال يعلمه من أمر ينه ,وحيتاج
إليه ,أن يقصد أعلم من يف زماعه وبلده ,فيسأله عن انزلته ,فيمتثد فيها فتواه؛
لقوله تعاىل" :فاسألوا أهد الذكر إن كنتم ال تعلمون" ,... ,وعل العامل أيضا
فرض أن يقلد عاملا مثله يف انزلة ,خفي عليه فيها وجه الدليد والن ر ,وأرا أن
جيد الفكر فيها والن ر ,حىت يقف عل املطلوب ,فضاق الوق عن ذلر,
وخاف عل العبا ة أن تفوت ,أو عل احلكم أن يذهب".8
ومن األ لة كذلر قوله تعاىل" :وما كان املؤمنون لينفروا كافَّة فلوال عفر من
كد فرقة منهم طائفة ليتفقهوا يف الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم
حيذرون".
قال القرطيب رمحه هللا" :هذه اآلية أصد يف وجوب طلب العلم؛ ألن املعىن:
وما كان املؤمنون لينفروا كافة ,والنيب مقيم ال ينفر ,فييكوه وحده" ,فلوال عفر"
بعد ما علموا أن النفري ال يس مجيعهم" ,من كد فرقة منهم طائفة" ,وتبق بقيتها
م النيب ؛ ليتحملوا عنه الدين ويتفقهوا ,فإذا رج النافرون إليهم أخبوهم مبا
عوا وعلموه ,وىف هذا إجياب التفقه يف الكتاب والسنة ,وأعه عل الكفاية ون
.8انقش تلر الضوابط يف الفصد اخلام ,واع ر املوسوعة الفقهية الكويتية (.)834/83
.7الفتاو الكب البن تيمية (.)713/8
735
-إىل كد انحية؛ حىت تكون مسئوليتهما يف الفتيا مناصفة بينهما ,وألمر
املسلمني يف كد انحية أن ال يقتصروا عل هلمف واحد ,وألمرهم أن يعد وا
مفتيهم ,وهذه الطريقة النبوية من أبرز األ لة عل جواز التزاِ عامل -أو مذهب -
معني عل سبيد الدواِ.
وأما إرسال رسول هللا أ موس األ عري ومعاذ بن جبد رضي هللا
عنهما إىل اليمن ,فقد كان كد واحد منهم عل خمالف – أي إقليم ,-وكان
اليمن خمالفني ,8وأما إرساله علي بن أيب طالب وخالد بن الوليد رضي هللا
عنهما إىل ران من أرض اليمن قبيد حجة الو اع ,فقد أوصاهم أن جيتمعا إن
حدث قتال ,وماعدا ذلر فقد جعد رسول هللا كد واحد منهما عل جند -
أي عل أرض .7-
وأرسد عمر بن اخلطاب إىل الكوفة عبدهللا بن مسعو رضي هللا عنهما
هلمعل ما ,فمألها علما وفقها وقرآان ,وملا اعتقد إليها أمري املؤمنني علي بن أيب طالب
فرح؛ لكثرة فقهائها ,وقال" :رحم هللا ابن أِ عبد ,قد مأل هذه القرية علما",3
وقد كان منا ي اخلليفة األموي ينا ي يف موسم احلج" :ال يفيت النام إال عطاء
بن أيب ر ح ,فإن مل يكن عطاء فعبدهللا بن أيب يح" ,4وكان منا ي اخلليفة
العباسي ينا ي يف موسم احلج" :ال يفيت النام إال مالر بن أع وعبدالعزيز بن
.8منهم السيد صدي حسن خان القنَّوجي ,وقد انقش بعض أقواله يف الفصد الراب ,ومنهم املعصومي
اخلجندي الذي رَّ عليه الدكتور البوطي يف كتابه الالمذهبية أخطر بدعة هتد الشريعة اإلسالمية ,ومنهم
السيد ساب يف مقدمة كتابه فقه السنة ,وقد كاع الشبه تدور حول اهتاِ املذهبية الفقهية لتعصب
والتحزب والتفرق والبدعة.
731
والتقليد ,فاكتف كد مجاعة منهم مبذهب معني ين ر فيه ,ويعول عليه ,ويتعصب
له ,ويبذل كد ما أو من قوة يف عصرته ,وينزل قول إمامه منزلة قول الشارع ,وال
يستجيز لنفسه أن يفيت يف مسألة مبا خيالف ما استنبط إمامه ,... ,و لتقليد
والتعصب للمذاهب فقدت األمة ا داية لكتاب والسنة ,وحدث القول عسدا
ب االجتها ,... ,وكان من آاثر ذلر أن اختلف امللة يعا وأحزا ,كما كان
من آاثر ذلر اعتشار البدع ,واختفاء معامل السنن ,ومخو احلركة العقلية ,ووقف
النشاط الفكري ,وضياع االستقالل العلمي".8
إن هذا الزعم حري أن يشمله حتذير النيب بقوله" :إذا قال الرجد :هلر َّ
النام ,فهو أهلكهم" ,7قال النووي رمحه هللا" :اتف العلماء عل أن هذا الذِ إمنا
هو فيمن قاله عل سبيد اإلزراء عل النام واحتقارهم وتفضيد عفسه عليهم
وتقبيح أحوا م ,قالوا :فأما من قال ذلر حتزان ملا ير يف عفسه ويف النام من
النقص يف أمر الدين فال أبم عليه ,وقال اخلطايب :معناه ال يزال الرجد يعيب
النام ,ويذكر مساويهم ,ويقول :فسد النام وهلكوا وحنو ذلر ,فإذا فعد ذلر
فهو أهلكهم ,أي أسوأ حاالً منهم مبا يلحقه من اإلمث يف عيبهم والوقيعة فيهم,
ورمبا أ اه ذلر إىل العجب بنفسه ورؤيته أعه خري منهم".3
إن مع م ا عاءات معارضي املنهج املذهيب تتلخص يف الدعاو التالية:
.8فقه السنة للسيد ساب ( ,)88/8وهذا كالِ خطري وجمازفة جريئة من السيد الساب يف ح علماء
املذاهب الفقهية وأمة اخلريية.
.7رواه مسلم وأبو او ,وقد هلروي "أهلكهم" عل وجهني :رف الكاف وفتحها ,والرف أ هر ,ومعناه
أ دُّهم هالكاً ,وأما رواية الفتح فمعناها هو جعلهم هالكني ,ال أهنم هلكوا يف احلقيقة.
.3رح النووي عل صحيح مسلم.
739
.8أمهل املذاهب الفقهية االستدالل لكتاب والسنة ,ومل هتتد ِبما.
.7عطَّل املذاهب الفقهية حركة االجتها ,فصار فقهاء كد مذهب ير ون
أقوال علمائهم ,وال يضيفون عليها جديدا.
.3أ َّت املذاهب الفقهية إىل التعصب املذموِ ,واالعتصار لقول املذهب.
.4عشرت املذاهب الفقهية روح التحزب والتفرق.
تكوع املذاهب الفقهية عتيجةً للكسد والفتور وضعف ا مة. َّ .5
وأجدين مضطرا لتفنيدها بهة بهة؛ ألهنا حمض ا عاءات وافياءات ,ال
يدعمها ليد ,وال يؤيدها برهان ,وحيوِ حو ا سوءهل ال ن بعلماء املسلمني
وصاحليهم ,ولكين -قبد ذلر -أؤكد أن املنهج املذهيب عشأ ألسباب أخر ,
وسأعرضها بعد عسف هذه اخليوط العنكبوتية؛ مدافعا عن هلحَّرام الشريعة
اإلسالمية رمحهم هللا مجيعا ,وسأقتصر يف التدليد والتمثيد عل املذهب الشافعي.
تفنيد شبهات حول املنهج املذهيب
مر مبراحد
إن الفقه -مبعىن معرفة األحكاِ الشرعية للمسائد الفرعية َّ -
متعد ة ,فقد كان رسول هللا بني ظهراين أصحابه ,يعلمهم ويفقههم
ويفتيهم ,وكان الصحابة يقتدون بفعله ,وأيمترون أبمره ,وينتهون بنهيه ,وكان
مدوان,
رسلهله جيتهدون إذا أعوزهم النص الشرعي من كتاب أو سنة ,ومل يكن الفقه َّ
ومل تكن النوازل كثرية.
فلما مات رسول هللا كان فقهاء الصحابة جيتهدون فيما عزل ِبم من
عوازل ,وكاعوا أحياان خيتلفون َّأوالً مث يتفقون آخراً ,كما حدث يف قضية حروب
الر ة ومج القرآن الكرمي ,ولكنهم أحياان كاعوا خيتلفون فيستقر خالفهم ويستمر,
741
وينتقد إىل من بعدهم ,كاختالفهم يف مرياث اجلد واإلخوة ومعىن األقراء وعدة
احلامد املتوىف عنها زوجها وغريها.
فأخذت ائرة االختالف تتس يئا فشيئا ,ولعد مما ساعد عل هذا
التوس املطَّر لدائرة اخلالف الفقهي اتساع رقعة الدولة اإلسالمية ,واعتقال
الصحابة يف األمصار واألصقاع ,وعزول النوازل الكثرية ,وتفاوت العلماء يف
االطالع عل السنة إذ مل تكن قد هلوع بعد ,واختالفهم يف فهم النصوص
يدون علم الفقه ,وإمنا كان ينقد لرواية واألساعيد.
الشرعية ,ورغم ذلر فلم َّ
وقد اتسع ائرة اخلالف يف أ ِ التابعني رمحهم هللا اتساعا أكب مما كان
يف عهد الصحابة ,وعشأت مدرستان متمايزاتن :مدرسة احلديث يف احلجاز
ومدرسة الرأي يف العراق ,ومتتد جذورمها إىل الصحابة ,فمدرسة احلديث متتد
جذورها إىل عد من الصحابة كعبدهللا بن عمر ,ومدرسة الرأي متتد إىل عد
منهم كعبدهللا بن مسعو ,والنسبة للحديث والرأي عسبة أغلبية ,وإال فإن كال
املدرستني يقوِ عل احلديث والرأي.
مث ظهرت يف عصر أتباع التابعني مدارم االجتها الفقهي ,وبدأت حركة
التأليف والتدوين؛ ع را لكثرة املسائد الفقهية وصعوبة حف ها وخشية ضياعها,
ومتيزت املذاهب األربعة أبئمتها وأصحاِبم ومنهجيتهم ,فكتب هللا ا البقاء.
وها هنا أي موض اخلالف بني املذهبيني وخمالفيهم ,فقد رأ علماء
املسلمني منذ منتصف القرن الثالث ا جري تقريبا االلتزاِ ملذاهب الفقهية
األربعة ,وهو أ به ما يكون إلمجاع العملي عل التمسر مبدارسها واجتها اهتا.
748
فما الذي جعد فقهاء املسلمني -وفيهم املفسرون واحملدثون واألصوليون
واللغويون -يتمسكون ملذاهب األربعة ,ويعضون عليها لنواجذ؟! وملاذا مل
جيتهدوا كما اجتهد الذين من قبلهم؟! أهو الكسد والفتور أِ العجز والضعف أِ
احملاكاة والتقليد أِ التعصب والتحزب؟! أِ إهنم اعتسبوا ا ألسباب وجيهة غري ما
يذكره خصومهم؟!
.1دعوى إمهال االستدالل ابلكتاب والسنة
من الدعاو اليت زعمها خصوِ املنهج املذهيب إمهال علمائها لالستدالل
لكتاب والسنة عل املسائد الفقهية ,وأكب ليد عل ذلر -حسب زعمهم -
أن بعض الكتب الفقهية تكا ختلو من الدليد.
واحلقيقة أن هذه الدعو تؤكد أن خصوِ املنهج املذهيب ال يعرفون كيف
تكوع املذاهب الفقهية ,وال يدركون منهجية التأليف فيها ,وال يدركون أغراض
الفقهاء يف مؤلَّفاهتم.
فقد جرت عا ة الفقهاء رمحهم هللا أن يسريوا عل منهج حمد يف آتليفهم,
فمنهم من يؤلف قاصداً مناقشة املسائد الفقهية مناقشة مقارعة ,املة تقرير األ لة
وذكر اخلالف ومآخذ األقوال ,حبيث تبين هذه املؤلفات ملكة فقهية عند طالِبا,
ومن أبرز الكتب الفقهية اليت تسري عل هذا املنهج كتاب "األِ" لإلماِ الشافعي
رمحه هللا.
ومن أبرزها أيضا كتاب "هناية املطلب" إلماِ احلرمني اجلويين رمحه هللا ,قال
مهذب لإلماِيف املقدمة" :وأبتهد إليه يف تيسري ما مهم فتتاحه من مذهب َّ
املطليب الشافعي ,حيوي تقرير القواعد وحترير الضوابط واملعاقد ,يف تعليد
747
املفصد منها واجملموع ,ومشتمد عل حداألصول وتبيني مآخذ الفروع وترتيب َّ
املشكالت وإ عة املعضالت والتنبيه عل املعاصات واملعوصات ,ويغين عن
هل
االرتباك يف املتاهات واال تباك يف العما ت" ,8وقد استدل يف كتابه مبا يقرب من
ألف ومخسمائة حديث عبوي ,فكيف يهلزعم أبن املذاهب الفقهية أمهل
االستدالل لكتاب والسنة ,ومل هتتد ِبما؟!
املوس ,بد يكون قصده اختصارومن الفقهاء من ال يقصد هذا القصد َّ
الفقه يف أخصر الكلمات وأوجز العبارات ,ومن أبرز الكتب الفقهية يف ذلر منت
أيب جاع أمحد بن احلسني األصفهاين رمحه هللا (593-533هـ) ,قال يف
مقدمته" :سألين بعض األصدقاء حف هم هللا تعاىل أن أعمد خمتصرا يف الفقه عل
مذهب اإلماِ الشافعي رمحة هللا تعاىل عليه ورضواعه ,يف غاية االختصار وهناية
اإلجياز؛ ليقرب عل املتعلم رسه ,ويسهد عل املبتدي حف ه ,وأن أكثر فيه من
التقسيمات وحصر اخلصال".
ومن الفقهاء من يقرر املسائد الفقهية عل مذهبه ,ويتوس فيها ,وخيرج
عليها ,ويناقش فقهاء مذهبه فيها ,ولكنه يكتفي يف األ لة بعرضها ون مناقشة
م بيان صالحيتها لالحتجاج ,ومن أبرز من سلر هذا املنهج الفقيه ابن حجر
ا يتمي رمحه هللا ,فقد قال يف مقدمة كتابه "فتح اجلوا "" :وحيث قل هل فيه" :قال
صل هللا عليه وسلم" ,أو "لقوله صل هللا عليه وسلم" ,فاحلديث صحيح أو
حسن ,وغريمها أبينه؛ لئال يغيَّ به من مل خيض حبار السنن".7
745
قال اإلماِ النووي رمحه هللا" :صح عن الشافعي رمحه هللا أعه قال" :إذا
وجدمت يف كتايب خالف سنة رسول هللا فقولوا بسنة رسول هللا ,و عوا
قويل" ,وروي عنه" :إذا صح احلديث خالف قويل فاعملوا حلديث ,واتركوا قويل,
أو قال :فهو مذهيب" ,وروي هذا املعىن أبلفاظ خمتلفة ,وقد عمد ِبذا أصحابنا
يف مسألة التثويب وا ياط التحلد من اإلحراِ بعذر املرض وغريمها مما هو معروف
يف كتب املذهب ,وقد حك املصنف ذلر عن األصحاب فيهما ,وممن هلحكي
عنه أعه أفىت حلديث من أصحابنا أبو يعقوب البويطي وأبو القاسم الداركي ,وممن
عص عليه أبو احلسن إلكيا الطبي يف كتابه يف أصول الفقه ,وممن استعمله من
أصحابنا احملدثني اإلماِ أبو بكر البيهقي وآخرون ,وكان مجاعة من متقدمي
أصحابنا إذا رأوا مسألة فيها حديث ,ومذهب الشافعي خالفه ,عملوا حلديث
وأفتوا به قائلني :مذهب الشافعي ما واف احلديث ,ومل يتف ذلر إال ان را ,ومنه
ما عقد عن الشافعي فيه قول عل وف احلديث ,وهذا الذي قاله الشافعي لي
معناه أن كد أحد رأ حديثا صحيحا قال :هذا مذهب الشافعي ,وعمد
ب اهره ,وإمنا هذا فيمن له رتبة االجتها يف املذهب عل ما تقدِ من صفته أو
قريب منه ,و رطه أن يغلب عل ظنه أن الشافعي رمحه هللا مل يقف عل هذا
احلديث ,أو مل يعلم صحته ,وهذا إمنا يكون بعد مطالعة كتب الشافعي كلها
قد منوحنوها من كتب أصحابه اآلخذين عنه وما أ بهها ,وهذا رط صعبَّ ,
يتصف به ,وإمنا ا يطوا ما ذكران؛ ألن الشافعي رمحه هللا ترك العمد ب اهر
أحا يث كثرية ,رآها وعلمها ,لكن قاِ الدليد عنده عل طعن فيها أو عسخها أو
ختصيصها أو أتويلها أو حنو ذلر ,قال الشيخ أبو عمرو رمحه هللا :لي العمد
743
ب اهر ما قاله الشافعي ني ,فلي كد فقيه يسوغ له أن يستقد لعمد مبا يراه
حجة من احلديث ,وفيمن سلر هذا املسلر من الشافعيني من عمد حبديث تركه
الشافعي رمحه هللا عمداً م علمه بصحته؛ ملاع اطل عليه ,وخفي عل غريه,
كأيب الوليد موس بن أيب اجلارو ممن صحب الشافعي ,قال صح حديث" :أفطر
احلاجم واحملجوِ" ,فأقول :قال الشافعي :أفطر احلاجم واحملجوِ ,فر وا ذلر عل
وبني
أىب الوليد؛ ألن الشافعي تركه م علمه بصحته؛ لكوعه منسوخا عندهَّ ,
الشافعي عسخه ,واستدل عليه ,وسياه يف كتاب الصياِ إن اء هللا تعاىل ,وقد
قدمنا عن ابن خزَية أعه قال :ال أعلم سنة لرسول هللا يف احلالل واحلراِ مل
يو عها الشافعي كتبه ,وجاللة ابن خزَية وإمامته يف احلديث والفقه ومعرفته
بنصوص الشافعي حملد املعروف ,قال الشيخ أبو عمرو :فمن وجد من الشافعية
حديثا خيالف مذهبه ,ع ر ,إن كمل آالت االجتها فيه مطلقا أو يف ذلر
الباب أو املسألة كان له االستقالل لعمد به ,وإن مل يكن و عليه خمالفة
احلديث بعد أن حبث فلم جيد ملخالفته عنه جوا افيا ,فله العمد به إن كان
عمد به إماِ مستقد غري الشافعي ,ويكون هذا عذرا له يف ترك مذهب إمامه هنا,
وهذا الذي قاله حسن متعني".8
.2دعوى تعطيل العقل وحركة االجتهاد الفقهي واستيعاب النوازل املستجدة
ا َّع خصوِ املنهج املذهيب أن التمذهب الفقهي عطَّد حركة العقد,
ب االجتها ,وعجز عن استيعاب واحتواء النوازل وأوقف عجلة التفكري ,وأغل
.8زرت فضيلة الشيخ الدكتور عل حميي الدين القره اغي حف ه هللا يف منزله يف قطر يوِ الثالاثء
8433/4/83هـ ,وتذاكرت معه قضية اجلمو العقلي وتعطيد حركة االجتها املنسوب -جهال -
للمذاهب األربعة ,فأخبين -وهو الباحث االقتصا ي -أبهنم يستفيدون من اجتها ات املذاهب يف
حبوثهم املعاصرة بنسبة ,% 11وقد استأذع منه يف عقد هذه الكلمة عنه فأذن.
741
واألمر يف اليوِ األول لتقدير ,ويقام به األخريان ,أبن يقدر قدر أوقات
الصالة وتصل ,وهو جار يف سائر األحكاِ ,كإقامة األعيا وصوِ رمضان,
فيصلي الوتر والياويح ,ويسر يف املغرب والعشاء والصبح ,ومواقي احلج ويوِ
عرفة وأ ِ مىن ,وكذا العدة ,وحينئذ يقال :لنا امرأة مات زوجها وليس
حبامد ,واعقض عدهتا من طلوع الشم إىل الزوال ,وجيري ذلر فيما لو
مكث الشم عند قوِ مدة".8
قال اإلماِ النووي رمحه هللا" :وأما كون السفر طويال فال بد منه -أي جلواز
القصر ,-والطويد مثاعية وأربعون ميال امشي ,... ,واملسافة يف البحر مثد
املسافة يف الب وإن قطعها يف حل ة".7
قال الشم حممد الرملي رمحه هللا" :وجيوز االعتما عل بي اإلبرة يف
خول الوق والقبلة؛ إلفا هتا ال ن بذلر كما يفيده االجتها ,أفىت به الوالد
رمحه هللا تعاىل ,وهو ظاهر" ,3ووالده هو الشهاب أمحد الرملي رمحه هللا (-...
952هـ) ,فقد سئد عن حكم االعتما عل بي اإلبرة يف خول الوق
.8فتاو الشهاب الرملي ( ,)872/8وقد أفا ت الفتو جواز االعتما عل البوصلة يف حتديد القبلة,
وهي املقصو ة ببي اإلبرة ,ويدخد يف معناها -بد أبلغ منها -ع اِ املواق العاملي .GPS
مر يف هواء عرفة بطائرة مثال ال
.7حا ية اجلمد عل رح املنهج ( ,)459/7وقد أفا النص أن من َّ
يعد مروره وقوفا رعيا ,وقد تصور الشيخ احتمال املرور يف هواء عرفة للويل الذي يطري يف ا واء ,أما
النص التايل فيتصور يئا آخر.
.3حا ية البجريمي عل اخلطيب ( ,)448/7وقد أفا النص عدِ إجزاء الوقوف بعرفة يف حال املرور
يف هوائها ,وقد تصور الشيخ حصول ذلر مبا إذا ركب عل طري طائر أو عل السحاب ,وأفا النص
أيضا أن أرض عرفات لو غطي ملاء يوما ما فإعه يكفي السباحة عليها ,وأفا أيضا عف األحكاِ يف
الطواف والسعي.
751
قال الشيخ سليمان البجريمي رمحه هللا (8778-8838هـ)" :الثاين -أي من
روط صيغة البي -أن يتلفظ حبيث يسمعه من بقربه وإن مل يسمعه صاحبه,
أبن بلَّغه ذلر فورا ,أو محلته الريح إليه ,فقبد".8
قال القاضي زكر األعصاري رمحه هللا(" :اخلام يشيط) يف صحة البي
(رؤية) للمبي (تلي ) به( ,... ,ويتسامح يف فهلـ َّقاع الكوز) ,فال تشيط رؤية
يء منه؛ ألن بقاءه فيه من مصلحته ,وألعه تش رؤيته ,وألعه قدر يسري
يتسامح به يف العا ة ,ولي فيه غرر يفوت به مقصو معتب".7
قال الشيخ أبو إسحاق الشريازي رمحه هللا" :إذا كتب طالق امرأته بلفظ
صريح ومل ينو -أي الطالق -مل يق الطالق؛ ألن الكتابة حتتمد إيقاع
الطالق ,وحتتمد امتحان اخلط ,فلم يق الطالق مبجر ها ,وإن عو ِبا
الطالق ففيه قوالن :قال -أي الشافعي -يف اإلمالء -وهو من كتب
املذهب القدمي :-ال يق به الطالق؛ ألعه فعد ممن يقدر عل القول ,فلم يق
به الطالق كاإل ارة ,وقال يف األِ -وهو من كتب املذهب اجلديد :-هو
.8حا ية البجريمي عل اخلطيب ( ,)87/3وقد أفا النص صحة العقو إذا محل الريح كالِ
املتعاقدين ,و لتايل يفيد صحة إجراء العقو بوسائد االتصال احلديثة اليت يسم بواسطتها املتعاقدان
كالمهما ,مثد ا اتف وبرامج احملا ثة الصوتية.
الفقَّاع هو
.7أسىن املطالب للقاضي زكر األعصاري ( ,)71-89/7والكوز هو إانء فخار صغري ,و هل
الشراب الذي يباع فيه ,وال َيكن بيعه إال إبغالق الكوز؛ ألعه لو فتح لفسد الشراب ,وقد أفا النص
جواز بي املعلبات اليت حتتوي عل األ ربة واألطعمة ,فال يشيط لصحة البي رؤية ما بداخلها.
758
طالق ,وهو الصحيح؛ ألهنا حروف يفهم منها الطالق ,فجاز أن يق ِبا
الطالق كالنط ".8
قال الشيخ علي الشباملسي رمحه هللا (8112-992هـ)" :لو ألق امرأة
مضغةً أو علقة ,فاستدخلتها امرأة أخر حرة أو أمة ,فحلَّتها احلياة,
واستمرت حىت وضعتها املرأة ولدا ,ال يكون ابنا للثاعية ,وال تصري مستولدة
للواطئ لو كاع أمة؛ ألن الولد مل ينعقد من مين الواطئ ومنيها ,بد من مين
الواطئ واملوطوءة ,فهو ولد ما ,وينبغي أن ال تصري األوىل مستولدة به أيضا؛
مصورا".7
حيث مل خيرج منها َّ
.8املهذب للشريازي ( ,)812-813/7وقد أفا النص أن كتابة الطالق كناية ,فإن عواه الزوج وق ,
وإن مل ينوه فال يق ,وقد أفا النص أن كتابة الطالق ستخداِ الوسائد احلديثة -كالبيد اإللكيوين
و بكات التواصد االجتماعي كالفي بوك والتويي -كناية ,وملسألة كتابة لفظ الطالق قصة طريفة ,ففي
عاِ 8471هـ تقريبا كن يف أمريكا للدراسات العليا ,وكاع اإلعيع قد خل الدول العربية حديثا,
فأاثرت إحد اجملالت قضية وقوع الطالق لبيد اإللكيوين ,مبعىن أن يقوِ الزوج إبرسال بريد إلكيوين
فوجه املركز اإلسالمي يف مدينتنا (أثنز/أوهايو) للمسلمني يف املدينة أن يفيدوا حول
لزوجته ,يطلقها فيهَّ ,
هذا املوضوع ,وكان هذا -فيما أذكر -يوِ ثالاثء ,وكان مقررا أن أخطب يوِ اجلمعة ,فخصص
اخلطبة للحديث حول هذا املوضوع ,وذكرت فيه أن العلماء فصلوا يف املوضوع منذ ألف سنة ,فتعجب
عرج للحديث عن استشراف املصلون ,فذكرت م بعض النصوص يف أن كتابة الطالق كناية ,مث َّ
الفقهاء للمستقبد من خالل بعض النصوص اليت صارت مرجعا لالجتها املعاصر ,وما هذه النصوص
اليت تراها يف هذا املوض من الكتاب إال بعضها.
.7حا ية الشباملسي عل هناية احملتاج للرملي ( ,)438/1وقد أفا النص أعه إذا مت تلقيح بويضة
الزوجة مبين زوجها ,مث مت غرسها يف رحم امرأة أجنبية ,فإن أمه هي صاحبة البويضة ,وليس صاحبة
الرحم ,و ذا النص قصة طريفة ,فقد كان من ضمن روسنا الفقهية الشافعية يف األحساء رم يبحث يف
القضا الفقهية املعاصرة ,وكنا عطل عل البحوث املعاصرة املتعلقة بنازلة اقتصا ية أو طبية ,مث عناقش ما
757
وإن مما يهلؤخذ عل بعض علماء املنهج املذهيب املعاصر – رغم بلوغهم رجةً
علميةً عالية -مجو هم عل مذاهبهم بدون حماولة االستفا ة منها والتفري عليها
الستيعاب النوازل املعاصرة ,فأظهروا مذاهبهم الفقهية يف صورة الفقه العاجز عن
تلبية حاجات األمة ومواكبة املستجدات.
.3دعوى تعصب أتباع املذاهب األربعة ألقوال أئمتهم على حساب الدليل
من الدعاو اليت زعمها خصوِ املنهج املذهيب تعصب أتباع املذهب
الفقهي ألئمتهم واالعتصار ألقوا م عل حساب احل ,مبعىن أن العامل املذهيب
يكافح وينافح عن أقوال أئمة املذهب ,ويصول وجيول يف الدفاع عنها؛ تعصبا ا
واحنيازا معها ,ومن أجد ذلر يدف ويرفض أقوال املذاهب األخر .
واحلقيقة أن هذه الدعو ال َيكن أن تصدر إال ممن مل يعرف ما يدور اخد
البي املذهيب ,إذ إن علماء املذهب الفقهي يتدرجون يف طبقات متفاوتة ,ففيهم
اجملتهد املطل ,وهو الذي سلر منهج إماِ يف االجتها من غري تقليد له ,وفيهم
اجملتهد املقيد الذي سلر منهج إماِ يف االجتها تقليدا له ,ولكنه م ذلر َيتلر
القدرة عل االجتها ,وفيهم الفقيه احلافظ ألقوال علماء املذهب ,وَيتلر القدرة
اطلعنا عليه ,وحناول خترجيه عل قواعد الشافعية ,وذات مرة وق االختيار عل مسألة طفد األانبيب,
وقرأان فيها حبواث ,واطلعنا عل قرارات بعض اجملام الفقهية ,وكان ملخصها يدور حول الصور اجلائزة
والصور احملرمة ,وكان من ضمن الصور احملرمة ما لو مت تلقيح بويضة الزوجة مبين زوجها ,مث مت غرسها يف
رحم امرأة أجنبية ,إما خطأ أو تفاق ,وهو ما يسم بتأجري الرحم ,فإذا ولدت املرأة األجنبية ,فمن
تكون أمه ,فوق اختالف بيننا ,ورجعنا إىل الكتب الصفراء املباركة ,فعثران عل هذا النص الذي يفيد أن
األِ هي صاحبة البويضة ,وليس صاحبة الرحم.
753
عل اليجيح بينها والتفري عليها ,وفيهم الفقيه العارف مبعتمد الفتو يف املذهب,
وقد قدَّمنا قول اإلماِ النووي رمحه هللا بشأن أحوال املفيت املنتسب.8
وبناء عل ذلر فإن علماء املذهب الفقهي الواحد يناقش بعضهم بعضا,
ويتعقب بعضهم بعضا ,وينبه بعضهم عل أخطاء بعض ,ويستدرك بعضهم عل
بعض ,ويضيف بعضهم إىل ما غفد عنه اآلخر ,ويقيد بعضهم ما أطلقه اآلخر.
وعموما فإن تلر الدعو َيكن رُّها أبمرين :أحدمها التن ري والتأصيد,
واثعيهما التطبي والتمثيد.
التنظري والتأصيل
ولنبدأ لتن ري والتأصيد عل تنزيه العلماء عن التعصب للمذهب عل
حساب الدليد الشرعي ,يقول الفقيه ابن حجر ا يتمي رمحه هللا" :عدِ احملا ة يف
الدين حىت ألكابر اجملتهدين هو أب سا اتنا العلماء العاملني ,كما يعلمه من
وقف عل النهاية -أي هناية املطلب إلماِ احلرمني اجلويين -وأحاط بقو ا :هذه
زلة من الشيخ -أي والد إماِ احلرمني ,-م بلوغه يف االجتها والوالية الغاية,
حىت قيد يف ترمجته :لو جاز أن يبعث هللا عبيا يف زمن أيب حممد اجلويين لكان هو
ذلر النيب ,ومن هنا قال بعض أكابر أئمتنا :إن عدِ حما ة العلماء بعضهم لبعض
من أع م مزا هذه األمة اليت أع م هللا ِبا عليهم النعمة ,حيث حف هم عن
وصمة حما ة أهد الكتابني ,املؤ ية إىل حتريف ما فيهما ,واعدرام تينر امللتني,
فلم ييكوا لقائد قوال فيه أ ىن خد إال بينوه ,وال لفاعد فعال فيه حتريف إال
قوموه ,حىت اتضح اآلراء ,واععدم األهواء ,و ام الشريعة الواضحة البيضاء
.8أسىن املطالب للقاضي زكر ( ,)831/8والفتاو الكب الفقهية البن حجر ا يتمي (.)851/8
.7اجملموع للنووي (.)317/9
753
يقتضي أن الواجب ا التوبة واجتناب الكبائر ,وخالفه ابنه املصنف -يعين
التاج السبكي -فقال :الذي أراه وجوب التوبة ا عينا عل الفور".8
ير السراج البلقيين رمحه هللا (115-274هـ) أن الصالتني إذا مجعتا مج
تقدمي ,فخرج الوق قبد االعتهاء من الصالة الثاعية ,أهنا تبطد أو تنعقد عفال,
وخالفه ابنه اجلالل البلقيين رمحه هللا (174-233هـ) ,فرأ صحتها ,عقد
هذا الشرواين رمحه هللا (8719-...هـ) ,فقال" :وهد يشيط جلواز اجلم بقاء
الوق إىل فراغ الثاعية ,أو إىل عقدها فقط كالسفر ,فيه ع ر ,... ,قال يف
رح العباب :وحبث البلقيين أعه لو خرج وق األوىل أو ر يف خروجه وهو
يف الثاعية بطد اجلم ,وتبطد الثاعية أو تق عفال عل اخلالف يف ع ائره ,ورَّ
عليه ولده اجلالل ,فقال :الذي يقتضيه إطالقهم جواز اجلم وإن مل يب من
وق األوىل إال ما يس ركعة من الثاعية ,بد ينبغي جوازه وإن مل يب إال ما
يس بعض ركعة ,وتكون أ اء قطعاً؛ ألن ا يف اجلم وقتني ,فلم خترج عن
وقتها".7
ج .أمثلة من استدراك التالميذ على مشاخيهم
وإليكم بعض النماذج:
ير العالمة ابن حجر ا يتمي رمحه هللا أن من عليه جنابة ,فاغتسد انو
الوضوء أو رف احلدث األصغر ,أن احلدث األصغر يرتف عنه ولو غسلها
733
رأي آخر ,رأ أبو بكر أن يقسم لسوية ,ورأي أن أفضد املهاجرين واألعصار,
وال أجعد من قاتد رسول هللا كمن قاتد معه" ,ففضد املهاجرين واألعصار,
وفضد البدريني عل غريهم ,وجعد للنام عل قدر إسالمهم ومناز م.8
.7ومنها قاعدة" :ال إعكار يف مسائد االجتها " ,وهي قاعدة أعل من
سابقتها ,وتعين أن ال ينكر بعض العلماء اجملتهدين عل بعض ,فضال عن عقض
أقضيتهم وأحكامهم.
وع را إىل أن مع م اخلالف الفقهي بني فقهاء املذاهب األربعة هو مما يسوغ
فيه اخلالف؛ ألن لكد قول منها ليالً عند أصحاِبا ,فإن اال تغال إلعكار يف
هذا النوع من اخلالف يناقض هذه القاعدة الذهبية ,فضال عن كوعه مضيعة
للوق واجلهد فيما ال مبر له.
وألضرب عل هذا مثاال واحدا مما اختلف فيه املذاهب األربعة عل
عد ها ,أال وهي مسألة قراءة الفاحتة للمأموِ.7
فقد رأ الشافعية أعه جيب عل املأموِ قراءهتا يف السرية واجلهرية؛ ألن قراءة
الفاحتة ركن3؛ لقوله " :ال صالة ملن مل يقرأ بفاحتة الكتاب".4
ورأ املالكية أن املأموِ تكفيه قراءة اإلماِ يف اجلهرية والسرية؛ اكتفاءً بقراءة
اإلماِ؛ ألن النيب اعصرف من صالة جهر فيها لقراءة ,فقال" :هد قرأ معي
739
يكون اخلالف قو ,فإن كان ضعيفا فهو هفوة أو زلة ,فال تستحب مراعاته ,ومن
مث فإعه يستحب الصوِ يف السفر ملن ال يش عليه ,وال يراع خالف ال اهرية يف
منعهم الصوِ يف السفر؛ لضعف اخلالف.8
.5دعوى الكسل والفتور وقصور اهلمة
كسد
من الدَّعاو اليت ا عاها خصوِ املنهج املذهيب -سبباً لنشوئه -هل
املقلدين وضعف عزائمهم وفتور مهمهم ,ولذلر -حسب عواهم -جلأوا إىل
املذاهب الفقهية؛ اعتما ا عل اجتها من سبقهم من العلماء ,وإراحةً لعقو م من
التفكري واالجتها .
ولقد متلَّكين أ د العجب من هذه الدعو السقيمة املتضمنة سوء ال ن
لعلماء واحلط من أقدارهم ,وقد كن أحياان أفكر يف مقدار عقول أصحاب هذه
الدعو ,هد قالوها يف حالة حضور فكر واكتمال عقد ,أِ كان أصحاِبا
يعيشون حالةً من غياب الفكر وعقص العقد.
إن امل نون لكساىل وضعيفي العزائم وقاصري ا مة أن يعكفوا عل متون
خمتصرة ,يلوكوهنا ويكرروهنا وير وهنا ,فهد اقتصر علماء املنهج الفقهي املذهيب
عل ذلر؟!
إن من أيسر الوسائد لنقض تلر الدعو الن ر يف النتاج الفكري للعلماء,
والتعرف عل مؤلفاهتم من حيث الكم والكيف ,ولو ذهبنا عستقرأ لطال املقاِ
جدا ,ولكن سأكتفي ببعض علماء الشافعية الذين يزعم البعض كسلهم وفتور
عزائمهم وقصور مهمهم ,مقتصرا عل بعض مؤلفاهتم الفقهية فقط:
.8اع ر األ باه والن ائر للسيوطي ( ,)833واملوسوعة الفقهية الكويتية (.)791/7
721
احلسن بن القاسم الطبي رمحه هللا (351-733هـ) ,من مؤلفاته العدة يف
عشرة أجزاء ,ومنها اإلفصاح ,ومنها احملرر يف اخلالف.
أمحد بن حممد بن سهد أبو احلسني الطَّبسي رمحه هللا (355-...هـ) ,من
مؤلفاته رح خمتصر املزين يف ألف جزء ,قال احلاكم" :كن أقدر أهنا أجزاء
خفاف حىت قصدته وسألته أن خيرج يل منها يئا ,فأخرج فإذا هي خبط أ ق
ما يكون ,ويف كد جزء ستجة أو قريب منها".
أمحد بن حممد بن أمحد أبو حامد اإلسفراييين رمحه هللا (413-344هـ) ,من
مؤلفاته تعليقه عل خمتصر املزين يف مخسني جملدا ,ذكر فيها خالف العلماء
وأقوا م ومآخذهم ومناظراهتم حىت كان يقال له :الشافعي الثاين.
طاهر بن عبدهللا بن طاهر الطبي أبو الطيب رمحه هللا (451-341هـ) ,من
مؤلفاته رح خمتصر املزين يف أحد عشر جزءا ,ومنها التعليقة الكب .
علي بن حممد بن حبيب املاور ي رمحه هللا (451-334هـ) ,من مؤلفاته
احلاوي الكبري يف أكثر من عشرين جملدا ,ومنها األحكاِ السلطاعية واإلقناع
وقاعون الوزارة وسياسة امللر ,وغريها.
عبدالرمحن بن حممد بن أمحد الفوراين رمحه هللا (438-311هـ) ,من مؤلفاته
اإل عة عن أحكاِ فروع الد عة يف عشرة أجزاء.
عصر بن إبراهيم بن عصر أبو الفتح املقدسي رمحه هللا (491-322هـ) ,من
مؤلفاته التهذيب يف عشر جملدات ,ومنها التقريب قريب من هذا احلجم,
ومنها املقصو وهو أحكاِ جمر ة يف جزأين متوسطني ,ومنها الكايف يف جملد,
728
ومنها االعتخاب الدمشقي ,قال النووي :يف بضعة عشر جملدا ,وهو عل هيئة
تعلي القاضي أيب الطيب.
إماِ احلرمني عبدامللر بن عبدهللا بن يوسف اجلويين رمحه هللا (-489
421هـ) ,من مؤلفاته هناية املطلب يف راية املذهب يف عشرين جملدا ,ومنها
البهان والغياثي والورقات يف أصول الفقه ,وغريها.
عبدالواحد بن إ اعيد بن أمحد الرو ين رمحه هللا (517-485هـ) ,وقد بلغ
من متكنه يف الفقه أن قال" :لو احيق كتب الشافعي ألمليتها من حف ي",
من مؤلفاته حبر املذهب يف ثالثة عشر جملدا ,وهو من أكب كتب الشافعية.
حممد بن أمحد بن احلسني فخر اإلسالِ أبو بكر الشا ي القفال رمحه هللا
(512-479هـ) ,من مؤلفاته الشايف يف رح الشامد -ولعله رح ملختصر
املزين -يف عشرين جملدا ,ومات وقد بقي فيه حنو اخلم ,ومنها حلية
العلماء يف معرفة مذاهب الفقهاء يف جملدين ,ومنها املعتمد وهو كالشرح
للحلية ,وهو قريب من حجم وسيط الغزايل ,وغريها.
حيىي بن سامل بن أسعد العمراين رمحه هللا (551-419هـ) ,من مؤلفاته البيان
رح املهذب يف ثالثة عشر جملدا ,ومنها الزوائد ,و رح وسائد الغزايل,
وغرائب وسيط الغزايل ,وغريها.
حممد بن املوف بن سعيد م الدين اخلبو اين رمحه هللا (512-581هـ) ,من
مؤلفاته حتقي احمليط يف ستة عشر جملدا.
إبراهيم بن منصور بن املسلم اخلطيب رمحه هللا (593-581هـ) ,من مؤلفاته
رح املهذب يف أكثر من عشرة أجزاء.
727
عثمان بن عيس بن ر م ضياء الدين أبو عمرو الكر ي رمحه هللا (-583
317هـ) ,من مؤلفاته االستقصاء ملذاهب الفقهاء يف رح املهذب يف عشرين
جملدا إىل كتاب الشها ات.
أمحد بن موس بن يوع املوصلي رمحه هللا (377-525هـ) ,من مؤلفاته
كتاب يف الفقه يدخد يف مخسة عشر جملدا ,ومن مؤلفاته رح التنبيه.
اإلماِ عبدالكرمي بن حممد بن عبدالكرمي أبو القاسم الرافعي رمحه هللا (-552
373هـ) ,من مؤلفاته رح وجيز الغزايل يف بضعة عشر جملدا.
اإلماِ حيىي بن رف بن مري حميي الدين النووي رمحه هللا (323-338هـ),
من مؤلفاته روضة الطالبني يف اثين عشر جملدا ,ومنها اجملموع يف رح املهذب
يف سب جملدات ,وصد فيه إىل أثناء ب الر ,ومات وقد بقي منه أكثر من
النصف ,ومنها التنقيح واإليضاح ,وغريها.
أمحد بن عيس بن رضوان كمال الدين العسقالين رمحه هللا (319-372هـ),
من مؤلفاته رح التنبيه يف اثين عشر جملدا.
أمحد بن حممد بن علي األعصاري م الدين أبو العبام ابن الرفعة املصري
رمحه هللا (281-345هـ) ,من مؤلفاته الكفاية يف رح التنبيه يف مخسة عشر
جملدا ,ومنها املطلب يف رح الوسيط يف حنو أربعني جملدا ,ومل يكمله.
خليد بن كيكلدي صالح الدين العالئي رمحه هللا (238-394هـ) ,من
مؤلفاته التعليقات األرب :الكب والوسط والصغر واملصرية يف اثين عشر
جملدا ,ومنها هناية اإلحكاِ يف راية األحكاِ.
723
أمحد بن محدان بن أمحد هاب الدين أبو العبام األذرعي رمحه هللا (-211
213هـ) ,من مؤلفاته قوت احملتاج يف رح املنهاج يف ثالثة عشر جملدا ,ومنها
غنية احملتاج وهو أصغر من القوت يف مثاعية جملدات ,ويف كد منهما ما لي
يف اآلخر ,ومنها التوسط والفتح بني الروضة والشرح يف حنو عشرين جملدا,
ومنها التنبيهات عل أوهاِ املهمات يف حنو ثالث جملدات وصد فيه إىل
الطالق.
حممو بن أمحد بن حممد ا مذاين ابن خطيب الدهشة رمحه هللا (-251
134هـ) ,من مؤلفاته تكلمة رح منهاج السبكي يف ثالثة عشر جملدا ,ومنها
إغاثة احملتاج إىل رح املنهاج يف أربعة أجزاء.
علي بن أمحد بن عمر البو ي رمحه هللا (153-291هـ) ,من مؤلفاته رح
أعوار األر بيلي ,كمد منه -ما عدا رب العبا ات -يف أحد عشر جملدا
ضخمة.
حممد بن الفخر عثمان بن علي املار يين رمحه هللا (128-...هـ) ,من مؤلفاته
رح املنهاج يف أربعة عشر جملدا ,وبقي منه حنو جملد.
إن تلر األ اء الساب ذكرها تشكد عسبة قليلة من علماء املنهج املذهيب,
وقد اقتصرت عل بعض مؤلفاهتم الفقهية ,أما لو سر ت بعض مؤلفاهتم يف العلوِ
األخر لطال القائمة ,بد لو سر ت أ اء علماء ألفوا جملدات يف غري علم
الباعث م عل اتباع املنهج
هل الفقه لطال القائمة جدا ,فهد يعقد أن يكون
املذهيب الكسد والفتور وضعف العزَية وقصور ا مة؟!
724
السبب املنطقي والصحيح للمذاهب األربعة
بعد هذا العرض الساب أعتقد أعه اتضح لكد منصف أن املنهج الفقهي
املذهيب و لتحديد املذاهب األربعة مل هتمد االهتداء لكتاب والسنة ,ومل تعطد
حركة االجتها الفقهي ,ومل يكن التقيد ِبا سببا للتعصب والتفرق والتحزب ,ومل
تنشأ بسبب الكسد والفتور وضعف ا مة.
وهنا ععو لسؤالنا الساب :ما الذي جعد فقهاء املسلمني -وفيهم املفسرون
واحملدثون واألصوليون واللغويون -يتمسكون ملذاهب األربعة ,ويعضون عليها
لنواجذ؟! وملاذا مل جيتهدوا كما اجتهد الذين من قبلهم؟!
إن السبب الوحيد الذي يفرضه علينا ما عرفناه عن علماء األمة اإلسالمية,
املتصفني بتنوع العلوِ الشرعية واللغوية والتعم فيها ,واملتحلني لتقو والورع
واخلوف من هللا ,ويوجبه علينا إحسان ال ن بصفوة األمة اإلسالمية املعصومة يف
جمموعها ,ويقبله العقد املنصف البصري املطل عل حركة تطور العلوِ ,يتلخص يف
التحليد التايل:
إن أئمة املذاهب األربعة متيزوا بضبط طريقة االجتها وأصوله وقواعده,
وانقشوا الفروع الفقهية بناءً عليها ,مث جاء أصحاِبم فزا وا األمر حتريرا وتنقيحا
ووضوحا ,فاعضبط مناهجهم االجتها ية ,وحررت الفروع الفقهية املخرجة
عليها ,و وع مذاهبهم بدقة وعناية ,فنضج الرأي يف املسألة الواحدة ببيان
إلينا لتواتر ,األمر الذي مل يتوفر لغري روطها وقيو ها وضوابطها ,مث وصل
املذاهب األربعة.
725
مث خشي العلماء أن ينفرط عقد االجتها ,ويدعيه من ال حيسنه ,فلما
صح األصول واعضبط القواعد مل يب للمتأخرين من العلماء إال اليجيح بينها َّ
واالختيار منها ,وتفري مستجدات الفروع الفقهية عليها؛ ألن احلركة العلمية عملية
تراكمية ,يبين األواخر عل قواعد األوائد ,وال يصح عقال أن ينقض املتأخر بناء
املتقدِ ,أبن يفين اجملتهد عمره يف إعا ة االجتها يف ما تقدِ من األصول
والفروع ,وبذلر تبلورت فكرة االعضباط ملذاهب األربعة.
وِبذا املعىن تضافرت عصوص عد كبري من العلماء ,فها هو إماِ احلرمني
اجلويين رمحه هللا يقول" :أمج احملققون عل أن العواِ لي م أن يتعلقوا مبذاهب
أعيان الصحابة رضي هللا تعاىل عنهم ,بد عليهم أن يتبعوا مذاهب األئمة الذين
سبوا وع روا ,وبوبوا األبواب ,وذكروا أوضاع املسائد ,وتعرضوا للكالِ عل
مذاهب األولني ,والسبب فيه أن الذين رجوا وإن كاعوا قدوة يف الدين وأسوة
للمسلمني فإهنم مل يهلفتنوا بتهذيب مسالر االجتها ,وإيضاح طرق الن ر واجلدال
وضبط املقال ,ومن خلفهم من أئمة الفقه كفوا من بعدهم الن ر يف مذاهب
الصحابة ,فكان العامي مأمورا تباع مذاهب السابرين".8
وقال ابن أمري احلاج رمحه هللا (232-...هـ) -بعد عقله كالِ إماِ احلرمني
" :-ألهنم أوضحوا طرق الن ر ,وهذبوا املسائد ,وبينوها ومجعوها ,خبالف جمتهدي
الصحابة ,فإهنم مل يعتنوا بتهذيب مسائد االجتها ,ومل يقرروا ألعفسهم أصوال تفي
أبحكاِ احلوا ث كلها ,وإال فهم أع م وأجد قدرا".7
.8سري أعالِ النبالء للذهيب ( ,)823/83وطبقات الشافعية للسبكي ( ,)383/5وهذه القصة ال ختلو
من غرابة ,وفيها عدة إ كاالت.
.7البداية والنهاية البن كثري (.)785/87
.3الكامد يف التاريخ البن األثري (.)879/1
715
حتول الفقيه
ومنها الفتنة اليت وقع مبدينة مرو بني احلنفية والشافعية عندما َّ
منصور بن حممد السمعاين (419-...هـ) مذهبه من احلنفي إىل الشافعي بعد
ثالثني سنة من كوعه حنفيا ,وينتمي إىل أسرة علمية حنفية ,فاضطرب مرو
لذلر ,وهاج فتنة بني الشافعية واحلنفية ,و خلوا يف قتال ديد ,فاضطر
السمعاين إىل اخلروج من مرو إىل طوم مث إىل عيسابور ,مث عا إىل مرو بعد
سكون الفتنة.8
ومنها الفتنة اليت وقع مبدينة مرو أيضا بني احلنفية والشافعية يف أ ِ الوزير
مسعو بن علي اخلوارزمي (593-...هـ) ,فقد كان هذا الوزير متعصبا للشافعية,
فبىن م جامعا مبرو مرتفعاً عل جام للحنفية ,فتعصب احلنفية ,وأحرقوا جام
الشافعية ,فاعدلع فتنة عنيفة بني أتباع املذهبني ,فلما توقف أغرمهم السلطان
صرف يف بناء اجلام الذي أحرقوه.7 هلخوارزِ اه احلنفي أمواالً مبقدار ما هل
إن األ لة واألمثلة عل التعصب املذهيب كثرية ,ولي من الغرض إحصاؤها
واستقصاؤها؛ ألهنا حصيلة اتريخ مياكم ,غلب فيه األهواء النفسية ,وحتكم
فيه النزعات الشخصية ,ولن أبرر أ منها ,بد إهنا مرفوضة مجلةً وتفصيال.
لكن رفض هذا التعصب املذهيب ال يعين إلغاء التمذهب الفقهي ,بد يعين و َّ
ضرورة التزاِ أ ب الرأي ,وإ راك أسباب اخلالف ,واستحالة الرأي الواحد يف
مسائد االجتها ,وأمهية االطالع عل مناذج فقه االئتالف ,ورؤية التعد ية
الفقهية كثروة فكرية ثرية لألمة اإلسالمية.
712
مث إن أولئر الذين ي ادعون إىل إلغاء التمذهب الفقهي وق بعضهم فيما
عابوا به التمذهب الفقهي ,فقد كان الشيخ األلباين -عل سبيد املثال -ينع
بعض كتبه أبهنا مجع احل الذي ال يوجد يف غريه من الكتب واملذاهب ,ويصف
بعض اجتها اته أبهنا احل الذي جيب املصري إليه والتعويد عليه ,8وكثريا ما كان
يلمز بعض آراء خمالفيه ,بد ويصفها لبدعة ,7وكم من معركة فكرية أاثرهتا
اجتها اته وآراؤه ,غفر هللا له.
بد وصد األمر ببعض آرائه الشاذة إىل أن يهجره بعض أصحابه وتالميذه
بسببها ,وأن يؤلَّفوا يف الر عليه ,ومن تلر اآلراء الشاذة رأيه إبمكان وقوع الزان
من أمهات املؤمنني ,فقاِ صاحبه الشيخ حممد عسيب الرفاعي رمحه هللا مبناقشته
فأصر األلباين عل رأيه ,فهجره ورَّ عليه مبؤلَّف "بلوغ املىن يف إثبات
ومراجعتهَّ ,
عصمة عساء النيب من الزىن".
ولذلر فإن من املهم التنبيه إىل أن التمذهب الفقهي -وإن كان يقو
أحياان إىل التعصب املذهيب -ال يؤ ي لضرورة إىل التعصب ,فقد يكون املسلم
متمذهبا بال تعصب ,وقد يكون متعصبا بال متذهب.
. 8عرض يف الفصد الراب أرب عشرة مسألة ,حكم فيها األلباين أبن رأيه فيها هو احل ,وبعد ذلر
انقشته يف مسألة واحدة منها ,وهي مسألة اجلهر لبسملة يف الصالة اجلهرية.
. 7منها مسألة قبض اليدين بعد الركوع ,فقد وصفه لبدعة ,وحكم عل االستدالل حبديث املسيء
صالته أبعه استدالل طد ,فقال يف "أصد صفة صالة النيب " :)211/7( "إن املرا من هذا احلديث
بني واضح ,وهو االطمئنان يف هذا القياِ .وأما استدالل بعض إخواعنا من أهد احلجاز وغريها ِبذا
احلديث عل مشروعية وض اليمىن عل اليسر يف هذا القياِ فبعيد جدا ,... ,بد هو استدالل طد,
,...ولس أ ر يف أن وض اليدين عل الصدر يف هذا القياِ بدعة ضاللة".
711
مث إن م اهر التعصب املذهيب -مهما حاول البعض رصدها ومجعها -
قليلة لنسبة إىل م اهر التعاون والتكامد املذهيب ,وهتوين أمر اخلالف الفقهي,
بد إن بعض من صدرت منهم م اهر التعصب ثب عنهم ما يناقضها.
فعل سبيد املثال ,حيتج بعضهم عل التعصب املذهيب بقصة اإلماِ القفال
الشافعي املتقدمة ,ولكنه رمحه هللا ثب عنه يف فتاواه ما يناقض ذلر ,فقد جاء
فيها أن القاضي أ عاصم العامري احلنفي رمحه هللا عب عل ب املسجد الذي
يؤمه القفال ,واملؤذن يؤذن للمغرب ,فدخد العامري املسجد ,فلما أبصره القفال
أمر املؤذن أن يـهلثـين اإلقامة عل مذهب األحناف ,وقاِ القفال بتقدمي العامري
إماما للصالة ,فتقدِ العامري فجهر لبسملة يف القراءة عل مذهب الشافعية,
وأت بشعار الشافعية يف الصالة ,وكان قصدمها هتوين أمر اخلالف يف الفروع.8
مث إن عد ا من علماء املذاهب الفقهية أولوا عنايةً لتأليف يف مناقب أئمة
املذاهب الفقهية األخر ,فقد ألَّف اإلماِ ابن عبدالب املالكي رمحه هللا (-331
433هـ) كتاب "االعتقاء يف فضائد األئمة الثالثة الفقهاء" يعين أ حنيفة ومالكا
والشافعي ,وألَّف الشيخ يوسف بن املب الصاحلي احلنبلي رمحه هللا (-141
919هـ) كتاب "مناقب مالر" وكتاب "مناقب الشافعي" وكتاب "مناقب اإلماِ
أمحد" ,وألَّف اإلماِ السيوطي الشافعي رمحه هللا (988-149هـ) كتاب "مناقب
أيب حنيفة" وكتاب "مناقب مالر" ,وألَّف الشيخ حممد بن يوسف الصاحلي
الشافعي رمحه هللا (947-...هـ) كتاب "عقو اجلمان يف مناقب اإلماِ األع م
.8اع ر أثر األ لة املختلف فيها يف الفقه اإلسالمي للدكتور مصطف البغا.
.7أي بناءً عل مرجح ألحد القولني.
.3النك أليب إسحاق الشريازي (.)24/8
791
جاءان عن التابعني زامحناهم" ,8وقال أيضا" :كذب -وهللا -وافي علينا من
يقول :إعنا عقدِ القيام عل النص ,وهد حيتاج بعد النص إىل قيام"7؟!
وقال اإلماِ مالر رمحه هللا" :احلكم الذي حيكم به النام حكمان :ما يف
كتاب هللا أو أحكمته السنة ,فذلر احلكم الواجب ,وذلر الصواب ,واحلكم
الذي جيتهد فيه العامل برأيه ,فلعله يوفَّ ".3
وقال اإلماِ الشافعي رمحه هللا" :العلم طبقات ىت ,األوىل الكتاب والسنة
إذا ثبت ,مث الثاعية اإلمجاع فيما لي فيه كتاب وال سنة ,والثالثة أن يقول بعض
أصحاب رسول هللا قوال ,وال ععلم له خالفا منهم ,والرابعة اختالف أصحاب
النيب يف ذلر ,واخلامسة القيام ,وال يصار إىل يء غري الكتاب والسنة ومها
موجو ان ,وإمنا يؤخذ العلم من أعل ".4
وقال اإلماِ أمحد رمحه هللا" :إمنا هو السنة واالتباع ,وإمنا القيام أن يقي
عل أصد ,أما أن جتيء إىل األصد فتهدمه مث تقول :هذا قيام ,فعل أي يء
كان هذا القيام"5؟ وقد ذكر ابن القيم رمحه هللا مخسة أصول بىن اإلماِ أمحد
مذهبه عليها :أو ا عصوص الكتاب والسنة ,اثعيها فتو الصحابة إذا مل يهلعلم
قرب من الكتاب ا خمالف ,اثلثها االعتقاء من أقوال الصحابة عند اختالفهم ما ي هل
. 8من أفضد املؤلفات يف هذا الباب كتاب "أثر احلديث الشريف يف اختالف األئمة الفقهاء" لشيخنا
العالمة حممد عوامة ,فراجعه.
793
ولكن قد حيدث أن يصد املتمذهب مبذهب ما إىل رجة من العلم ,متكنه
من الن ر يف األ لة الشرعية من قرآن وسنة وغريمها ,وقد يعثر أحياان عل عص
رعي خيالف ما تقرر عنده يف مذهبه الذي متذهب به ,وسار عليه ر حاً من
الزمن ,فيثور السؤال عنده يف كيفية التعامد م هذا التعارض بني الدليد الشرعي
واملذهب الفقهي خصوصا أن أئمة املذاهب األربعة متفقون عل مقولة" :إذا صح
احلديث فهو مذهيب".8
واجلواب عل ذلر هو ما قرره اإلماِ النووي رمحه هللا يف معرض توضيحه
ملقولة اإلماِ الشافعي رمحه هللا املشهورة" :إذا وجدمت يف كتايب خالف سنة رسول
هللا فقولوا بسنة رسول هللا و عوا قويل" ,فقد قال النووي" :وهذا الذي قاله
الشافعي لي معناه أن كد أحد رأ حديثا صحيحا قال :هذا مذهب الشافعي,
وعمد ب اهره ,وإمنا هذا فيمن له رتبة االجتها يف املذهب عل ما تقدِ من
صفته أو قريب منه ,و رطه أن يغلب عل ظنه أن الشافعي رمحه هللا مل يقف عل
هذا احلديث ,أو مل يعلم صحته ,وهذا إمنا يكون بعد مطالعة كتب الشافعي كلها
وحنوها من كتب أصحابه اآلخذين عنه وما أ بهها ,وهذا رط صعب قد من
يتصف به ,وإمنا ا يطوا ما ذكران ألن الشافعي رمحه هللا ترك العمد ب اهر
أحا يث كثرية رآها وعلمها ,لكن قاِ الدليد عنده عل طعن فيها أو عسخها أو
ختصيصها أو أتويلها أو حنو ذلر ,... ,قال الشيخ أبو عمرو :فمن وجد من
الشافعية حديثا خيالف مذهبه ع ر ,إن كمل له آالت االجتها فيه مطلقا أو يف
الباب أو املسألة كان له االستقالل لعمد به ,وإن مل يكمد و عليه خمالفة
793
ومما يؤيد وجوب الييث قبد العمد حبديث صحيح سندا ,إذا مل يعمد به
أحد من العلماء املتقدمني ما ذكره اإلماِ الذهيب رمحه هللا تعليقا عل قول أيب
القاسم عبدالعزيز بن عبدهللا الداركي الشافعي رمحه هللا (325-...هـ)" :واألخذ
حلديث أوىل من األخذ بقول الشافعي وأيب حنيفة" ,قل -أي الذهيب :-
"هذا جيد ,لكن بشرط أن يكون قد قال بذلر احلديث إماِ من ع راء اإلمامني,
مثد مالر أو سفيان أو األوزاعي ,وأبن يكون احلديث اثبتا ساملا من علة ,وأبن
ال يكون حجة أيب حنيفة والشافعي حديثا صحيحا معارضا لآلخر ,أما من أخذ
حبديث صحيح ,وقد تنكبه سائر أئمة االجتها ,فال ,كخب" :فإن رب يف
الرابعة فاقتلوه" ,وكحديث" :لعن هللا السارق ,يسرق البيضة ,فتقط يده"".8
وقضية املسارعة يف العمد حلديث مسألة خطرية إذا صدرت ممن مل يتهيأ
ملرتبة االجتها يف الدين ,وال أ ر أن كثريا من فوض اإلفتاء يف زماعنا ترج إىل
هذا السبب ,وهو األخذ جبزئية حديث ,م الغفلة عن كلية املسألة.
ومن النصوص الصا رة من علماء سلفنا رمحهم هللا:
قال ابن أيب ليل رمحه هللا" :ال يفقه الرجد يف احلديث حىت أيخذ منه ويدع".
احلديث ,فأع ر إىل ما يؤخذ به, قال إبراهيم النخعي رمحه هللا" :إين أل
فآخذ به ,وأ ع سائره".
قال عبدالرمحن بن مهدي رمحه هللا" :ال جيوز أن يكون الرجد إماما حىت يعلم
ما يصح وما ال يصح ,وحىت ال حيتج بكد يء ,وحىت يعلم مبخارج العلم".
. 8اع ر تلر األقوال ومصا رها وقضية العمد حلديث يف أثر احلديث الشريف يف اختالف األئمة
الفقهاء للشيخ حممد عوامة ( )39وما بعدها.
791
هذا احلديث ,وهو حديث صحيح ال معارض له ,فيتعني العمد به ,السيما وقد
أوصاان الشافعي رمحه هللا أبعه إذا صح احلديث فهو مذهبه".8
وخالصة األمر أن العامل املتمذهب مبذهب فقهي إذا وجد حديثاً صحيحاً
خيالف مذهبه الفقهي فإعه يلزمه العمد حلديث لشروط التالية:
أن يكون من أهد االجتها املقيد يف مذهبه ولو يف هذه املسألة.
أن يكون احلديث صحيحا سندا ومتناً.
أال جيد سببا مقبوال ملذهبه ملخالفة هذا احلديث.
أال خيالف إمجاع العلماء املتقدمني يف املسألة.
أن أيخذ ِبذا احلديث إماِ جمتهد مستقد.
أال ميكن توحيد املذاهب األربعة يف مذهب واحد؟
بعد أن اتضح لدير فيما سب األسباب القوية للخالف الفقهي علم أعه
ال َيكن حسم هذا اخلالف يف مذهب واحد ,بد إن السعي فيه خمالف إلرا ة هللا
يف تشريعه ,فقد اء هللا أن جيعد كثريا من عصوص كتابه ذات الالت ظنية,
مث فارق بني مدارك العقول البشرية ,وهو م ذلر خمالف لرسوله ولصحابته
الكراِ وللسلف الصاحل؛ ألن اخلالف وق يف حمضر الرسول وأقره ,واتس
اخلالف الفقهي يف عهد الصحابة والقرون الفاضلة ,وهم أحرص النام عل
الشريعة ,ولو كان توحيد اخلالف ممكنا لسبقوان إليه ,بد هو خمالف للعقد أيضا؛
ألن حسم اخلالف ال يتحق إال بنصوص قطعية الثبوت والداللة معا ,مما ال جيعد
318
اهتم املذاهب الفقهية األربعة أبهنا أمهل االهتداء لكتاب والسنة ,وأهنا
عطَّل حركة االجتها ,وأهنا أ َّت إىل التعصب املذموِ ,وأهنا عشرت روح
تكوع إال عتيجةً للكسد والفتور وضعف ا مة, التحزب والتفرق ,وأهنا ما َّ
وقد مت تفنيد مجي تلر الدعاو .
السبب الصحيح واملنطقي العضواء مجهور الفقهاء حت م لة املذاهب األربعة
هو متيزها بضبط طريقة االجتها وأصوله وقواعده ,وختريج الفروع الفقهية بناءً
عليها ,ووصو ا إلينا بطري التواتر.
حد مشكلة االختالف الفقهي املذهيب يكمن يف التخل أب ب الرأي.
اتفق املذاهب األربعة عل اعتما كتاب هللا وسنة رسوله وإمجاع
املسلمني والقيام كأصول لالجتها ,واختلفوا يف أصول أخر كاالستحسان
وعمد أهد املدينة واملصلحة املرسلة واالستصحاب واالستقراء وسد الذرائ
وأقوال الصحابة والعرف و رع من قبلنا.
لي صحيحا أن أتباع املذاهب الفقهية يقدمون آراء علمائهم عل السنة
النبوية ,ولكنهم يقدمون وجهة ع رهم يف احلديث عل غريها.
من وجد حديثا صحيحا خيالف مذهبه فيجب عليه العمد حلديث إن كان
أهال لالجتها ,وإال فلري األمر إىل أهله.
ال َيكن توحيد املذاهب األربعة يف مذهب واحد؛ الختالف مناهجهم يف
االجتها ,وطبيعة النصوص الشرعية ,واختالف املدارك العقلية.
317
الفصل الرابع :املنهج السلفي
313
314
الفصل الرابع :املنهج السلفي
مقدمة
مصطلح السلفية -حسب تعريف علمائها -يعين االعتصاِ لكتاب
والسنة بفهم السلف الصاحل ,ويفسر علماء السلفية تفضيلهم هذا االسم ومتسكهم
به عل غريه من األ اء األخر أبعه ال توجد فرقة ضالة أو طائفة مبتدعة إال
وهي تصرح عتساِبا إىل اإلسالِ ,وتؤكد اعتما ها عل الكتاب والسنة ,ولكن
الذي يفرق السلفية عن غريها من الفرق الضالة والطوائف املبتدعة أن تلر الفرق
والطوائف ختوض يف الكتاب والسنة أبفهامهم املنحرفة ,أما السلفية فتعتمد يف
فهمها للكتاب والسنة عل فهم السلف الصاحل رمحهم هللا.
وممن َّ
أكد هذا املعىن الشيخ انصر الدين األلباين رمحه هللا ,فمن ذلر قوله:
" عوتنا إمنا هي قائمة عل الكتاب والسنة ,وعل منهج السلف الصاحل,... ,
حنن ععتقد أن الفرق اإلسالمية اليت مشلها النيب لوعيد لنار إال الواحدة منها,
كلها إال من خرج عن ائرة اإلسالِ لكلية ,... ,كد تلر الفرق الضالة
كاملعتزلة واخلوارج واملرجئة وحنو ذلر كالرافضة ,ما فيهم فرقة تنكر اعتساِبا إىل
الكتاب والسنة ,إذن ما الفرق بني هذه الفرق الكثرية ,وكلها تدعي هذا االعتساب
إىل الكتاب والسنة؟ الفرق ما ذكره الرسول عليه الصالة والسالِ يف صفة الفرقة
الناجية حيث قال جوا لذاك السائد :من هي رسول هللا؟ قال" :هي اليت عل
ما أان عليه وأصحايب" ,إذن ما قال الرسول عليه الصالة والسالِ" :هي اليت عل
ما أان عليه" فقط ,هذه الدعو يدعيها كد تلر الفرق ,... ,حيث يتفقون معنا
إعه البد من الرجوع إىل الكتاب والسنة ,... ,إذن حنن يف عوتنا عتميز بشيء
315
اثلث عن كد تلر الطوائف ,فنقول :هو ما كان عليه سلفنا الصاحل ,هذا لي
بدعاً من األمر وإحدااثً يف الدين ,بد هذا هو الدين ,... ,لي مستندان فيما
ذكرت آعفا عل هذا احلديث فقط ,بد هناك عندكم حديث العر ض بن سارية,
الذي فيه قال عليه الصالة والسالِ" :فعليكم بسنيت وسنة اخللفاء الرا دين
املهديني من بعدي ,عضوا عليها لنواجذ" ,... ,كذلر هنا د النيب يضيف
إىل سنته سنة اخللفاء الرا دين ,فإذن حنن ععتمد يف هذه اإلضافة عل حديثني
اثنني ,ولي هذا فقط ,فهناك أ ياء وأ ياء أخر ,وأمهها تلر اآلية الصرحية يف
القرآن الكرمي ,قال " :ومن يشاق الرسول من بعد تبني له ا د ويتب غري
سبيد املؤمنني عوله ما توىل وعصله جهنم وساءت مصريا" ,... ,فسبيد املؤمنني هنا
-مما ال ر وال ريب فيه -أعه لي املقصو ملؤمنني يف هذه اآلية هم اخللف,
وإمنا املقصو ِبم السلف الصاحل ,حينئذ إذا قلنا :مذهب السلف الصاحل ,ما هو
االعتساب إىل هذا املذهب لغةً؟ لي هو إال "سلفي" ,هذه النسبة إذن -أان يف
اعتقا ي -ال يستطي أن يتبأ منها من كان معنا عل املنهج املذكور آعفا,
الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصاحل".8
هذا هو كالِ الشيخ األلباين ,وخالصته أن السلفية تعين التقيد لكتاب
والسنة بفهم السلف الصاحل ,وأعه ال توجد أي فرقة أو طائفة تشيك م السلفية
يف التقيد بفهم السلف الصاحل ,وقد مت مناقشة هذه الفكرة يف الفصد الثاين,
وتبني أن األلباين عفا هللا عنه يصبغ عل فهمه الشخصي صبغة السلفية ,و لتايل
فإعه ينافح عنه وخياصم عليه ,ويعتقد أن احل ال يتعداه.
.8ما زل َّأهتم افهمي ذا النص اخلطري ,فلن أعل عل اهتاِ صدي حسن خان املقلدة لشرك.
.7الدين اخلالص لصدي حسن خان (.)841/8
.3الدين اخلالص لصدي حسن خان (.)723/7
.4أتمد كيف يصف فقهاء املذاهب األربعة ألحبار والرهبان.
381
لو بدا لكم موس فاتبعتموه وتركتموين ,لضللتم عن سواء السبيد ,ولو كان حيا
وأ رك عبو التبعين" رواه الدارمي ,... ,وفيه القضاء لضالل عل من تب غري
رسول هللا ,ولو كان يف أعل مرتبة من النبوة ,فكيف تباع من لي بنيب وال
رسول ,بد من آحا األمة ,ومتعبد بكتاب هللا وسنة رسوله كغريه من العبا ,مثد
أئمة امللة األربعة وغريهم من األحبار والرهبان ,وهذا يفيد أن تقليد الرجال ,واتباع
القيد والقال ,ضالل وجهد وو ل".8
وقال صدي حسن خان أيضا" :وع ريه اليوِ بدعة التقليد ,فإعه منذ أحدثه
األقواِ عزع هللا منهم سنة االتباع الذي أهلمروا به ,مث مل يهلعده إليهم إىل اآلن ,وال عبة
بشرذمة قليلة من القبائد الشاذة الفاذة ,فإن احلكم لألكثر ,ولألكثر حكم الكد,
وال ر أن املقلدين أكثر ,واحملدثني أقد" ,وقليد من عبا ي الشكور" ,وال
تعجبر كثرة اخلبيث.3"7
وقال صدي حسن خان أيضا" :وذِ هللا سبحاعه يف كتابه التقليد واملقلدين
يف مواض عديدة ,فتقرر أن علومهم املبنية عل اآلراء ,املؤسسة عل احليد
واألهواء ,لي مما يستح التبليغ والتدوين ,وما أحقها أبن هلمتح من بطون
الدفاتر إلحراق واإلغراق ,ويعف أثرها من صفحات اآلفاق.5"4
.8أتمد كيف يطعن صدي حسن خان يف عيات بعض علماء املذاهب األربعة ,وأهنم مل يتمذهبوا إال
للمكاسب الدعيوية.
.7الدين اخلالص لصدي حسن خان (.)431/3
387
وقال صدي حسن خان أيضا" :وقال تعاىل" :فاسألوا أهد الذكر إن كنتم
ال تعلمون" ,الذكر اسم من أ اء القرآن ,أي اسألوا أهد القرآن ,وهم التالون له,
العاملون به ,قال يف "فتح البيان" :قد استدل جموزو التقليد ِبذه اآلية ,وقالوا :أمر
سبحاعه من ال علم له أن يسأل من له علم ,واجلواب أن هذه اآلية وار ة يف
جواب سؤال خاص ,خارج عن حمد النزاع ,... ,وعل فرض أن املرا السؤال
العاِ فاملرا بسؤا م هم أهد الذكر ,والذكر هو كتاب هللا وسنة رسوله ال
غريمها ,... ,وإذا كان املأمور بسؤا م هم أهد القرآن واحلديث ,فاآلية الكرَية
حجة عل املقلدة يف ر التقليد ,ال م عل إثباته؛ ألن املرا سؤال أهد الذكر,
فيخبوهنم مبا فيهما ,واجلواب من املسؤولني أن يقولوا :قال هللا :كذا ,وقال رسول
هللا :كذا ,فيعمد السائلون بذلر ,وهذا هو غري ما يريده املقلدة املستدلة ِبا,
فإهنم إمنا استدلوا ِبا عل جواز ما هو فيه من األخذ أبقوال الرجال من ون سؤال
عن الدليد ,فإن هذا هو التقليد ,و ذا ر وه أبعه قبول قول الغري من ون مطالبة
حبجة ,فحاصد التقليد أن املقلد ال يسأل عن كتاب هللا ,وال عن سنة رسوله ,
بد يسأل عن مذهب إمامه فقط ,فإذا جاوز ذلر إىل السؤال عن الكتاب والسنة
فلي مبقلد ,وهذا يسلمه كد مقلد عاقد ,وال ينكره إال جاهد صرف ,وإذا تقرر
أن املقلد إذا سأل أهد الذكر عن كتاب هللا وسنة رسوله ,وأجابه املسؤول مبا
فيهما ,أو ما يف أحدمها ,مل يكن مقلدا ,علم أن هذه اآلية الشريفة -عل
تسليم أن السؤال لي عن الشيء اخلاص الذي يدل عليه السياق ,بد عن كد
يء يف الشريعة ,كما يزعمه املقلد -تدف يف وجهه ,وترغم أعفه ,وتكسر ظهره,
فإن معىن هذا السؤال الذي رعه هللا تعاىل هو السؤال عن احلجة الشرعية,
383
وطلبها من العامل ,فيكون هو اتلياً أو راو ً ,وهذا السائد مسيو ,واملقلد يقر عل
عفسه أبعه يقبد قول العامل ,وال يطالبه حلجة ,فاآلية هي ليد االتباع ,ال ليد
التقليد ,وِبذا ظهر لر أن هذه احلجة اليت احتج ِبا املقلد هي حجة احضة
عل فرض أن املرا املعىن اخلاص ,وهي عليه ال له عل فرض أن املرا املعىن العاِ"
اعته ,وسيأ الكالِ عل هذه اآلية الشريفة ا ا ية إىل االتباع ,الناهية مبفهومها
املخالف عن التقليد واالبتداع يف ضمن عقد كالِ "القول املفيد".7"8
فتلخص من كالِ صدي حسن خان أن املقلد يعتقد أن فـ اهم الكتاب
والسنة خاص أبئمة املذاهب ,وأن الفروع الفقهية اليت أعتجتها املذاهب الفقهية ال
مستند ألكثرها من أ لة الكتاب والسنة ,وأن املقلدين هم األئمة املضلون ,وأن
تقليد الرجال من أع م الفنت يف اإلسالِ ,وأن اإلسالِ مكث مدةً طويلة حت
أطباق الثر ,وأن فتنة التقليد املذهيب أ ت إىل هجران الكتاب والسنة ,فصار
النام أحزا متحزبة ومجوعا متفرقة ,وأن حديث افياق األمة إىل ثالث وسبعني
فرقة يصدق عل مقلدة املذاهب األربعة ,وأن الفرقة الناجية هي مجاعة أهد السنة
املتمسكني حبديثه املروي يف واوين اإلسالِ ,وأن بعض العلماء املقلدين
تفطنوا للح ,ولكنهم مل يتمكنوا من إظهار استقال م العلمي؛ بسبب البيئة
العلمية واالجتماعية احمليطة ,وأن بعضهم اعتقد من مذهب إىل مذهب؛ رغبة يف
تويل مناصب القضاء واإلفتاء والتدري ,وأن تقليد املذاهب ال يندرج يف قوله
أهد
تعاىل" :فاسألوا أهد الذكر إن كنتم ال تعلمون"؛ ألن املقصو أبهد الذكر هل
.8مبعرفة هذه اآلراء املتطرفة اليت يعتقدها صدي حسن خان يف املتمذهبني ملذاهب األربعة يزول
العجب من تلر الغضبة والغرية الواضحة يف قصيدة الشيخ العلجي اآلتية يف الفصد السا م.
. 7سأكتفي لنصوص املذكورة ,م مالح ة اععكام تسلسلها اترخييا من األحدث لألقدِ؛ لغاية
ظاهرة.
385
قال آل تيمية رمحهم هللا" :العامي الذي لي معه آلة االجتها يف الفروع
جيوز له التقليد فيها عند الشافعية واجلمهور ,قال أبو اخلطاب :وجيوز له الرجوع
إىل أهد احلديث يف اخلب وكون سنده صحيحا أو فاسدا ,وال يلزمه أن يتعلم ذلر
إلمجاع ,فأوىل أن جيوز له تقليد العامل ,وذكره القاضي وسائر أصحابنا وإمامنا:
وسواء يف ذلر ما يسوغ فيه االجتها وما ال يسوغ فيه االجتها ,وصرح به ابن
عقيد ,قال :وهو قول األكثرين ,وقال قوِ من املعتزلة البغدا يني :ال جيوز له أن
يقلد يف ينه ,وعليه أن يقف عل طري احلكم ,فإذا سأل العامل فإمنا يسأله أن
يعرفه طري احلكم ,فإذا عرفه عمد به ,وقال أبو علي من الشافعية :ال جيوز له
التقليد فيما ال يسوغ فيه االجتها خاصة ,وكذلر حك ابن برهان ,املذهب
الثاين عن أيب علي اجلبائي أن عليه أن يعلم كد مسألة بدليلها ,قال :ومن النام
من قال :جيب عليه ذلر يف املسائد ال اهرة ون اخلفية" ,8مث قالوا يف تعريف
التقليد" :التقليد قبول القول بغري ليد ,فلي املصري إىل اإلمجاع تقليدا؛ ألن
اإلمجاع ليد".7
إن حاصد كالِ آل تيمية -واحلفيد يخ اإلسالِ َيثد الرمز األبرز للمنهج
الفقهي السلفي املعاصر - 3يصرح أبن قبول القول بدون معرفة الدليد املستند
عليه هو التقليد ,وأعه جائز للعامي يف الفروع عند اجلمهور ,وجيوز له -بدون
.8املسو ة يف أصول الفقه آلل تيمية :جمد الدين عبدالسالِ (357-591هـ) وابنه عبداحلليم (-372
317هـ) وحفيده يخ اإلسالِ أمحد (271-338هـ) (.)451
.7املسو ة يف أصول الفقه آلل تيمية (.)437
.3االستشها أبقوال يخ اإلسالِ ابن تيمية خيتصر مسافات إقناع فقهاء املنهج السلفي.
383
وجوب -إلمجاع السؤال عن الدليد ,وتشمد الفروع اليت جيوز التقليد فيها ما
يسوغ فيه االجتها وما ال يسوغ ,وأن القائلني بوجوب معرفة الدليد أو طري
احلكم هم بعض املعتزلة.
وقال اإلماِ ابن قدامة رمحه هللا" :فصد يف التقليد ,... ,وهو يف عرف
الفقهاء :قبول قول الغري من غري حجة ,... ,قال أبو اخلطاب :العلوِ عل
ضربني :منها ما ال يسوغ التقليد فيه ,وهو معرفة هللا ووحداعيته وصحة الرسالة
وحنو ذلر؛ ألن املقلد يف ذلر إما أن هلجيوز اخلطأ عل من يقلده ,أو حييله ,فإن
أجازه فهو اك يف صحة مذهبه ,وإن أحاله فبم عرف استحالته وال ليد عليها؟
وإن قلَّده يف أن أقواله ح ,فبم عرف صدقه؟ وإن قلَّد غريه يف تصديقه ,فبم
عول عل سكون النف يف صدقه ,فما الفرق بينه وبني عرف صدق اآلخر؟ وإن َّ
سكون أعف النصار واليهو املقلدين؟ وما الفرق بني قول مقلَّده أعه صا ق
وبني قول خمالفه؟ وأما التقليد يف الفروع فهو جائز إمجاعاً ,فكاع احلجة فيه
اإلمجاع ,وألن اجملتهد يف الفروع إما مصيب وإما خمطئ مثاب غري مأثوِ ,خبالف
ما ذكرانه ,فلهذا جاز التقليد فيها ,بد وجب عل العامي ذلر ,وذهب بعض
القدرية إىل أن العامة يلزمهم الن ر يف الدليد يف الفروع أيضا ,وهو طد إبمجاع
الصحابة؛ فإهنم كاعوا يفتون العامة ,وال أيمروهنم بنيد رجة االجتها ,... ,فلم
يب إال سؤال العلماء ,وقد أمر هللا تعاىل بسؤال العلماء يف قوله تعاىل" :فاسألوا
أهد الذكر إن كنتم ال تعلمون" ,قال أبو اخلطاب :وال جيوز التقليد يف أركان
382
اإلسالِ اخلم وحنوها مما ا تهر ,وعقد عقال متواترا؛ ألن العامة اركوا العلماء يف
ذلر ,فال وجه للتقليد".8
إن حاصد كالِ ابن قدامة يصرح أبن التقليد هو قبول قول الغري من غري
حجة ,وأعه ال يسوغ يف أصول الدين كمعرفة هللا ووحداعيته وصحة الرسالة ,ولكنه
جائز يف الفروع إمجاعاً ,بد واجب عل العامي ,واستدل عل رأيه بقوله تعاىل:
"فاسألوا أهد الذكر إن كنتم ال تعلمون" ,وهي اآلية اليت عدن حو ا صدي
حسن خان مبا َّ
قدمناه.
وقال إماِ احلرمني اجلويين رمحه هللا -مقروان بشرح احمللي رمحه هللا :-
"(ومن روط املستفيت أن يكون من أهد التقليد) ,فيقلد املفيت يف الفتيا ,فإن مل
يكن الشخص من أهد التقليد ,أبن كان من أهد االجتها فلي له أن يستفيت
كما قال( ,ولي للعامل) أي اجملتهد (أن يقلد)؛ لتمكنه من االجتها ( ,والتقليد
قبول قول القائد بال حجة) يذكرها( ,... ,ومنهم من قال :التقليد قبول قول
القائد وأع ال تدري من أين قاله) أي ال تعلم مأخذه يف ذلر".7
إن النصوص السابقة تؤكد ما ذكره صدي حسن خان من أن املقلد يكتفي
مبعرفة احلكم الشرعي من غري معرفة ليله ,وهو سبب الذِ الشني الذي كاله
صدي حسن خان ملقلدة املذاهب الفقهية يف الفروع ,أما العلماء الذين بيَّنوا معىن
ينصون عل جواز األخذ برأي العامل يف معرفة احلكم الشرعي بدون التقليد فإهنم ُّ
معرفة ليله من الكتاب والسنة.
373
إىل رسول هللا ,... ,النوع الثامن معرفة املقطوع ,... ,وهو ما جاء عن
التابعني موقوفا عليهم من أقوا م أو أفعا م ,تفريعات :أحدها قول الصحايب:
"كنا عفعد كذا" ,أو "كنا عقول كذا" ,إن مل يضفه إىل زمان رسول هللا فهو
من قبيد املوقوف ,وإن أضافه إىل زمان رسول هللا ... أن ذلر من قبيد
املرفوع ,... ,ومن هذا القبيد قول الصحايب" :كنا ال عر أبسا بكذا ورسول هللا
فينا" ,أو "كان يقال :كذا وكذا" عل عهده" ,أو "كاعوا يفعلون كذا وكذا يف
حياته ,"فكد ذلر و بهه مرفوع مسند ,... ,الثاين قول الصحايب" :أمران
بكذا" ,أو "هنينا عن كذا" من عوع املرفوع واملسند عند أصحاب احلديث ,وهو
قول أكثر أهد العلم ,... ,وهكذا قول الصحايب" :من السنة كذا" ,فاألصح أعه
مسند مرفوع ,... ,الثالث ما قيد من أن تفسري الصحايب حديث مسند ,فإمنا
ذلر يف تفسري يتعل بسبب عزول آية ,خيب به الصحايب أو حنو ذلر ,... ,فأما
سائر تفاسري الصحابة اليت ال تشتمد عل إضافة يء إىل رسول هللا
فمعدو ة يف املوقوفات ,... ,الراب من قبيد املرفوع األحا يث اليت قيد يف
أساعيدها عند ذكر الصحايب" :يرف احلديث" ,أو "يبلغ به" ,أو "ينميه" ,أو
"رواية" ,... ,فكد ذلر وأمثاله كناية عن رف الصحايب احلديث إىل رسول هللا
,وحكم ذلر عند أهد العلم حكم املرفوع صرحيا".8
وقال احلافظ ابن حجر العسقالين رمحه هللا" :مث اإلسنا وهو الطري املوصلة
إىل املنت ,واملنت هو غاية ما ينتهي إليه اإلسنا من الكالِ ,وهو إما أن ينتهي إىل
النيب ,ويقتضي لف ه -إما تصرحيا أو حكما -أن املنقول بذلر اإلسنا من
373
ج :ال جيب استقبال الكعبة فيها؛ لقوله تعاىل" :وهلل املشرق واملغرب فأينما تولوا
فثم وجه هللا".
م :ما حكم صوِ رمضان للمسلم البالغ العاقد القا ر عليه؟
ج :املسلم البالغ العاقد القا ر عل الصوِ خمري بني الصوِ واإلطعاِ؛ لقوله تعاىل:
"وعل الذين يطيقوعه فدية طعاِ مسكني فمن تطوع خريا فهو خري له وأن تصوموا
خري لكم إن كنتم تعلمون".
م :ما حكم إمساك حلوِ األضاحي وا خارها؟
ج :ال جيوز إمساك حلوِ األضاحي وا خارها أكثر من ثالثة أ ِ؛ ألن النيب
هن أن أتكد حلوِ األضاحي بعد ثالث ,رواه مسلم وأمحد والنسائي.
م :ما حكم الر القليد الذي ال يصد إىل الضعف؟
ج :الر غري املضاعف جائز؛ لقوله تعاىل " :أيها الذين آمنوا ال أتكلوا الر
أضعافا مضاعفة".
م :ما حكم الوصية للوالدين واألقارب؟
ج :الوصية للوالدين واألقارب واجبة؛ لقوله تعاىل" :كتب عليكم إذا حضر
أحدكم املوت إن ترك خريا الوصية للوالدين واألقربني ملعروف حقا عل املتقني".
م :كم عد البنات الال يستحققن الثلثني من اليكة؟
ج :عد البنات الال يستحققن الثلثني ثالث بنات فأكثر؛ لقوله تعاىل:
"يوصيكم هللا يف أوال كم للذكر مثد حظ األعثيني فإن كن عساءً فوق اثنتني فلهن
ثلثا ما ترك وإن كاع واحدة فلها النصف".
م :ما حكم الزواج املؤق املسم زواج املتعة؟
372
ج :الزواج املؤق املسم زواج املتعة جائز؛ لقوله تعاىل" :فما استمتعتم به منهن
فآتوهن أجورهن فريضة".
م :ما عدة املرأة املتوىف عنها زوجها؟
ج :عدهتا سنة كاملة؛ لقوله تعاىل" :والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية
ألزواجهم متاعا إىل احلول غري إخراج".
م :ما حكم ارب اخلمر إذا تكرر ربه وإقامة احلد عليه؟
ج :إذا أقيم احلد عل ارب اخلمر ثالث مرات ,مث رب الرابعة فإعه يقتد؛ لقوله
" :من رب اخلمر فاجلدوه ,فإن عا فاجلدوه ,فإن عا فاجلدوه ,فإن عا
الرابعة فاقتلوه" رواه أمحد وأبو او واليمذي.
م :هد للسرقة عصاب؟
ج :لي للسرقة عصاب ,فإذا سرق ماال قليال قطع يده؛ لقوله " :لعن هللا
السارق ,يسرق البيضة فتقط يده ,ويسرق احلبد فتقط يده" رواه البخاري
ومسلم وأمحد والنسائي وابن ماجه.
م :ما حكم مرتكب الكبرية غري الكفر هلل؟
ج :مرتكب الكبرية خملَّد يف النار؛ لقوله " :ال يزين الزاين حني يزين وهو مؤمن,
وال يسرق السارق حني يسرق وهو مؤمن ,وال يشرب اخلمر حني يشرِبا وهو
مؤمن" رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه.
أما اجملموعة الثاعية من اإلجا ت الصحيحة املعتمدة غري املقروعة أب لتها
الشرعية فهي كالتايل:
م :ما حكم استقبال الكعبة يف الصالة املفروضة؟
371
ج :استقبال الكعبة رط لصحة الصالة.
م :ما حكم صوِ رمضان للمسلم البالغ العاقد القا ر عليه؟
ج :املسلم البالغ العاقد القا ر عل الصوِ جيب عليه الصوِ.
م :ما حكم إمساك حلوِ األضاحي وا خارها؟
ج :جيوز إمساك حلوِ األضاحي وا خارها أكثر من ثالثة أ ِ.
م :ما حكم الر القليد الذي ال يصد إىل الضعف؟
ج :حيرِ الر قليله وكثريه.
م :ما حكم الوصية للوالدين واألقارب؟
ج :الوصية للوالدين واألقارب جائزة يف حدو الثلث برضا بقية الورثة.
م :كم عد البنات الال يستحققن الثلثني من اليكة؟
ج :عد البنات الال يستحققن الثلثني بنتان فأكثر.
م :ما حكم الزواج املؤق املسم زواج املتعة؟
حمرِ.
ج :الزواج املؤق املسم زواج املتعة َّ
م :ما عدة املرأة املتوىف عنها زوجها؟
ج :عدهتا أربعة أ هر وعشرة أ ِ.
م :ما حكم ارب اخلمر إذا تكرر ربه وإقامة احلد عليه؟
ج :جيب إقامة احلد عل ارب اخلمر مهما تكرر ربه وإقامة احلد عليه.
م :هد للسرقة عصاب؟
ج :ععم ,وعصاِبا رب ينار أو ما يعا ل قيمته.
م :ما حكم مرتكب الكبرية غري الكفر هلل؟
379
ج :مرتكب الكبرية غري الكفر مؤمن عاص مستح للنار بدون ختليد فيها.
إن العرض الساب يكشف أمهية سؤال العلماء الراسخني يف العلم,
واالطمئنان إىل فتاواهم ولو مل يقرعوها بدليد؛ ألهنم ذوو مقدرة عل اعتزاع احلكم
الشرعي من أ لته املعتبة ولو مل يصرحوا ِبا ,ويبني -يف الوق ذاته -خطورة
استفتاء أ عياء العلم ,والركون إىل فتاواهم ولو قرعوها بدليد؛ ألهنم قد جيتزئون ليال
بدون معرفة سباقه وسياقه ولواحقه.
الدليل الشرعي ال مينع اخلالف الفقهي
ي ن بعض علماء املنهج الفقهي السلفي أن أكب سبب للخالف الفقهي
هو عدِ وصول الدليد الشرعي لبعض العلماء املختلفني ,وم اتفاقي أبن أحد
أسباب اخلالف الفقهي هو عدِ وصول الدليد ,إال إعه لي السبب األكب يف
عشوء اخلالف ,بد إن أكب سبب للخالف الفقهي هو اختالف وجهات الن ر
يف ثبوت الدليد وبيان معناه وحتديد مد اللته عل املسألة قيد البحث ,وقد
مت اإل ارة إىل هذا املعىن يف فصد ساب .
ومما يؤكد هذه احلقيقة أن بعض رموز املنهج السلفي اختلفوا يف مسائد
فقهية كثرية ,8ومل يكن السبب فيها غياب الدليد عن بعضهم ,بد كان السبب
األساسي للخالف فيها هو اختالف وجهات ع رهم يف معىن الدليد ومد اللته
عل املسألة املختلف فيها.
. 8هناك جمموعة أخر من املسائد املتعلقة حلكم عل بعض األمور لبدعة ,وقد استعرض كثريا منها
يف كتايب مفهوِ البدعة وأثره يف اضطراب الفتاو املعاصرة ,ومل أتطرق ا يف هذا العرض.
331
وممن مج بعض املسائد الفقهية اليت وق اخلالف فيها بني الشيخ عبدالعزيز
بن ز والشيخ حممد بن عثيمني والشيخ حممد انصر الدين األلباين رمحهم هللا
الشيخ الدكتور سعد بن عبدهللا البير حف ه هللا يف كتابه "اإلجياز يف بعض ما
اختلف فيه األلباين وابن عثيمني وابن ز" ,فمن تلر املسائد:8
.8استخداِ الذهب والفضة يف األواين وغريها ,فقد رأ الشيخ ابن ز حرمة
استخدامهما يف األواين وغريها ,أما الشيخ ابن عثيمني فقد قصر حرمة
وتوسط
استخدامهما عل األواين فقط ,وأ ح استخدامهما فيما عدا ذلرَّ ,
وحرِ استخداِ فحرِ استخداِ الذهب يف األواين وغريهاَّ ,الشيخ األلباينَّ ,
الفضة يف األواين فقط ,وأ حه فيما عداها (ص.)29
.7استقبال القبلة واستد رها عند قضاء احلاجة ,فقد رأ الشيخ ابن ز حرمة
االستقبال واالستد ر يف الفضاء ,وجوازه يف البنيان ,أما الشيخ األلباين فقد
فحرمهما يف
وتوسط الشيخ ابن عثيمنيَّ , رأ حرمتهما يف الفضاء والبنيانَّ ,
وحرِ االستقبال يف البنيان ,وأ ح االستد ر فيه (ص.)11الفضاء فقطَّ ,
.3التسمية عند الوضوء ,فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ األلباين وجوِبا ,ورأ
الشيخ ابن عثيمني سنيتها (ص.)813
.4اليتيب يف الوضوء ,فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ ابن عثيمني وجوبه ,ورأ
الشيخ األلباين سنيته (ص.)813
.8زا ت املسائد الفقهية اليت عرضها املؤلف عل مائة وستني مسألة ,وقد اخيت ثالثني مسألة منها
للتمثيد ,م اإلحالة عل كتابه لالختصار.
338
.5تكرار مسح الرأم يف الوضوء ,فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ ابن عثيمني
عدِ استحباب تكراره ,ورأ الشيخ األلباين سنيته (ص.)811
.3غسد الكافر إذا أسلم ,فقد رأ الشيخ ابن ز سنيته ,ورأ الشيخ ابن
عثيمني والشيخ األلباين وجوبه (ص.)834
.2غسد يوِ اجلمعة ,فقد رأ الشيخ ابن ز سنيته ,ورأ الشيخ ابن عثيمني
والشيخ األلباين وجوبه (ص.)833
.1اترك الصالة هتاوانً وكسال ,فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ ابن عثيمني أعه
كافر كفراً أكب خمرجاً عن اإلسالِ ,ورأ الشيخ األلباين أعه ال يكفر
(ص.)825
.9متابعة مقيم الصالة يف ألفاظ اإلقامة ,فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ األلباين
استحباب متابعته ,ورأ الشيخ ابن عثيمني عدِ متابعته (ص.)771
.81االستعاذة قبد قراءة الفاحتة يف الركعة األوىل ,فقد رأ الشيخ ابن ز
والشيخ ابن عثيمني سنيتها ,ورأ الشيخ األلباين وجوِبا (ص.)743
.88جلسة االسياحة يف الصالة ,فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ األلباين
سنيتها يف كد حال ,ورأ الشيخ ابن عثيمني سنيتها عند احلاجة إليها ككب
أو مرض أو عجز يف الركبتني (ص.)792
.87التكبري لسجو التالوة خارج الصالة ,فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ ابن
عثيمني مشروعيته ,ورأ الشيخ األلباين عدِ مشروعيته (ص.)338
.83حتية املسجد ,فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ ابن عثيمني سنيتها ,ورأ
الشيخ األلباين وجوِبا (ص.)333
337
.84صالة التسابيح ,فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ ابن عثيمني عدِ
مشروعيتها ,ورأ الشيخ األلباين مشروعيتها (ص.)331
.85قراءة املأموِ للفاحتة ,فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ ابن عثيمني وجوِبا
عليه يف السرية واجلهرية ,ورأ الشيخ األلباين وجوِبا يف السرية فقط
(ص.)331
.83صالة املأموِ املنفر خلف الصف ,فقد رأ الشيخ ابن ز بطالن
صالته ,ورأ الشيخ ابن عثيمني والشيخ األلباين صحتها (ص.)393
.82قصر الصالة يف السفر ,فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ ابن عثيمني
سنيته ,ورأ الشيخ األلباين وجوبه (ص.)488
.81صالة اجلمعة عل أهد البا ية ,فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ ابن
صرح الشيخ ابن عثيمني بعدِ صحتها ,ورأ الشيخ عثيمني عدِ وجوِبا ,بد َّ
األلباين وجوِبا عليهم (ص.)433
.89الصالة عل النيب عندما يذكره خطيب اجلمعة ,فقد رأ الشيخ ابن
ز والشيخ ابن عثيمني مشروعيتها ,ورأ الشيخ األلباين أهنا لغو منهي عنه
(ص.)457
.71خروج النساء لصالة العيد ,فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ ابن عثيمني
سنيته ,ورأ الشيخ األلباين وجوبه (ص.)453
.78صالة الكسوف ,فقد رأ الشيخ ابن ز سنيتها ,ورأ الشيخ األلباين
وتوسط الشيخ ابن عثيمني ,فرأ فرضيتها كفائيا (ص.)432
وجوِباَّ ,
333
.77إفطار املسافر الذي مل جيد مشقةً للصوِ ,فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ
األلباين استحباب اإلفطار ,ورأ الشيخ ابن عثيمني استحباب الصوِ
(ص.)583
.73أتثري احلجامة عل الصوِ ,فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ ابن عثيمني
أهنا من املفطرات ,ورأ الشيخ األلباين أهنا ال تفطر (ص.)575
.74إفرا يوِ اجلمعة بصوِ تطوع ,فقد رأ الشيخ ابن ز حرمته إال إذا
صا ف يوما فاضال كعرفة وعا وراء ,أما الشيخ األلباين فقد رأ حرمته ولو
وتوسط الشيخ ابن عثيمني ,فرأ كراهته (ص.)552صا ف يوما فاضالَّ ,
.75صوِ يوِ عرفة للحاج ,فقد رأ الشيخ ابن ز حرمته ,ورأ الشيخ ابن
عثيمني والشيخ األلباين كراهته (ص.)521
.73االعتكاف يف غري رمضان ,فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ األلباين
سنيته ,ورأ الشيخ ابن عثيمني كراهته إال يف العشر األواخر من رمضان
(ص.)523
.72ا ياط الطهارة للطواف ,فقد رأ الشيخ ابن ز ا ياطه ,ورأ الشيخ
ابن عثيمني والشيخ األلباين عدِ ا ياطه (ص.)311
.71املبي يف مىن ليلة عرفة ,فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ ابن عثيمني
سنيته ,ورأ الشيخ األلباين وجوبه (ص.)333
.79األضحية والعقيقة ووليمة العرم ,فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ ابن
عثيمني سنيتها ,ورأ الشيخ األلباين وجوِبا (ص.)278 ,331 ,331
334
.31أخذ األجرة عل تعليم القرآن ,فقد رأ الشيخ ابن ز والشيخ ابن
عثيمني جوازه ,ورأ الشيخ األلباين حرمته (ص.)398
تلر كاع بعض املسائد الفقهية اليت اختلف فيها أبرز رموز املنهج السلفي
املعاصر ,ومل يكن السبب يف اختالفهم غياب الدليد عن بعضهم ,بد كان السبب
األساسي الختالفهم فيها هو اختالف وجهات ع رهم يف معىن الدليد ومد
اللته عل املسألة املختلف فيها.
فعل سبيد املثال ,اختلف املشايخ الثالثة رمحهم هللا يف حكم غسد اجلمعة,
فاستحبه الشيخ عبدالعزيز بن ز ,وأوجبه الشيخ حممد بن عثيمني والشيخ
األلباين ,وقد احتجوا مجيعا بقوله " :غسد اجلمعة واجب عل كد حمتلم" ,مث
استدل الشيخ ابن ز عل أن الوجوب لي الوجوب الذي أيمث اتركه ,ولكنه
مبعىن التأكيد ,بقوله " :من توضأ يوِ اجلمعة ,مث أت املسجد ,فصل ما ما
قدر له ,مث أعص حىت يفرغ اإلماِ من خطبته ,غفر له ما بينه وبني اجلمعة
األخر ,وفضد ثالثة أ ِ" ,وبقوله " :من توضأ يوِ اجلمعة فبها وععم ,ومن
اغتسد فالغسد أفضد".
أما الشيخ األلباين فقد استدل عل وجوب الغسد أبحا يث أخر -
إضافة عل ما تقدِ ,-منها قوله " :ح عل كد مسلم أن يغتسد يف كد
سبعة أ ِ".
مث انقش األلباين استدالل القائلني بسنية غسد اجلمعة بقوله " :من توضأ
يوِ اجلمعة ,مث أت املسجد" احلديث ,أبن الوضوء ال ينفي الغسد ,وأعه ور يف
335
رواية أخر " :من اغتسد يوِ اجلمعة" ,فيحتمد أن يكون الوضوء ملن اغتسد ,مث
أحدث ,فاحتاج إىل إعا ة الوضوء.
كما انقش األلباين استدال م عل سنية غسد اجلمعة بقوله " :من توضأ
يوِ اجلمعة فبها وععم ,ومن اغتسد فالغسد أفضد" ,أبن أفضلية الغسد تصدق
عل الغسد الواجب والغسد املسنون أتكيدا والغسد املستحب ,وأن احلديث رمبا
ور يف بداية تشري غسد اجلمعة؛ متهيدا إلجيابه ,أما الشيخ ابن عثيمني فقد
ضعَّف احلديث من جهة سنده ,وأ ار إىل ركاكة متنه.
كما انقش األلباين استدال م عل سنية غسد اجلمعة حبديث عمر بن
عرض بعثمان بن عفان عندما أتخر يف احلضور خلطبة اخلطاب عندما َّ
اجلمعة ,فأجابه عثمان بقوله" :ما ز ت حني ع النداء أن توضأت ,مث
أقبل " ,فقال له عمر" :والوضوء أيضا" ,مث رو له حديث رسول هللا " :إذا
جاء أحدكم اجلمعة فليغتسد" ,فقد استدل القائلون بسنية غسد اجلمعة كتفاء
عثمان لوضوء ,ولكن األلباين قلب الدليد عليهم ,وجعد إعكار عمر عليه -م
إقرار الصحابة - ليال عل وجوب غسد اجلمعة ,ولذلر فإن هذا الدليد
احتج به الشيخ ابن عثيمني عل وجوب غسد اجلمعة.
إن املناقشة السابقة بني أولئر العلماء السلفيني تبني أن اختالفهم يف حكم
غسد اجلمعة مل ينشأ بسبب خفاء بعض األ لة عليهم ,وإمنا عشأ بسبب اختالف
وجهات ع رهم يف جمموع األحا يث الوار ة يف هذه املسألة ,وهكذا كان مع م
اخلالف الفقهي بني فقهاء املسلمني -وخصوصا املذاهب األربعة ,-األمر الذي
يؤكد أن اخلالف الفقهي فيما بينهم مل حيدث بسبب ابتعا هم عن الكتاب والسنة,
333
أو بسبب تعصبهم ألئمتهم ,بد كان بسبب اختالف أع ارهم يف معاين األ لة
الشرعية وطريقة تناو ا والتعامد معها.
العصمة واحتكار احلق "األلباين منوذجا"
ينتسب املنهج السلفي -كما يقول أصحابه -إىل السلف الصاحل رمحهم
هللا ,ويزيدون األمر وضوحا أبهنم اختاروا هذه التسمية ملنهجهم؛ ألهنم متمسكون
لكتاب والسنة يف إطار فهم السلف الصاحل؛ ألن التمسر بفهمهم للكتاب
والسنة -وهم أهد القرون الفاضلة -يعين االعتساب للعصمة.
صرح الشيخ األلباين رمحه هللا ِبذا املعىن بقوله" :السلفية عسبة إىل
وقد َّ
السلف ,... ,هم أهد القرون الثالثة الذين هد م رسول هللا خلريية,... ,
فالسلفية تنتمي إىل هذا السلف ,والسلفيون ينتمون إىل هؤالء السلف ,... ,هذه
النسبة ليس عسبة إىل خص أو أ خاص ,... ,بد هذه النسبة هي عسبة إىل
العصمة ,ذلر ألن السلف الصاحل يستحيد أن جيمعوا عل ضاللة... ,؛ ألعنا
فهمنا أن االعتساب إىل السلفية يعين االعتساب إىل العصمة".8
صرح
وقد فعد هذا التصور فعله يف الشيخ األلباين عفا هللا عنه ,فكثرياً ما َّ
يف بعض فتاواه وتقريراته أبهنا احل الذي ال ريب فيه ,وجيب املصري إليه ,ويلزِ
االعتما عليه ,م العلم أن بعضها خيالف ما اتف عليه مجهور العلماء ,فمن تلر
صرح األلباين فيها أبهنا احل :
املسائد اليت َّ
.8قوله بعدِ كفر اترك الصالة كسالً وهتاوان ,فقد قال" :واعلم أخي املسلم أن
هذه الرواية عن اإلماِ أمحد وما يف معناها هو الذي ينبغي أن يعتمد عليه كد
.8متاِ املنة يف التعلي عل فقه السنة لأللباين ( ,)839وقد اخيت هذه املسألة لذات؛ بسبب إعكار
كثريين عل الشافعية استحباِبم اجلهر لبسملة يف الصالة اجلهرية ,ومنها ما ذكرته يف مقدمة الكتاب.
.7رواه النسائي وابن خزَية وابن حبان واحلاكم والبيهقي والدارقطين وقال" :صحيح ,ورواته كلهم ثقات",
وقال احلافظ ابن حجر العسقالين يف تغلي التعلي (" :)378/7هذا حديث صحيح".
342
طري ابن أيب هالل ,وا ه سعيد ,وكان اختلط ,وبه أعلل احلديث" ,8وقد
اعتمد األلباين يف تضعيف سعيد بن أيب هالل عل عسبة اإلماِ أمحد بن حنبد له
الختالط ,فقد قال اإلماِ أمحد" :ما أ ري أي يء حديثه ,خيلط يف
األحا يث" ,وقال ابن حزِ" :لي لقوي" ,ولعله اعتمد قول اإلماِ أمحد فيه.
لكن كثريا من علماء اجلرح والتعديد وثَّقوه ,فقد أخرج أحا يثه أصحاب
و َّ
الكتب الستة ,وقال أبو حامت" :ال أبم به" ,وقال ابن سعد" :كان ثقة إن اء
هللا تعاىل" ,وقال العجلي" :مصري ثقة" ,وقال الساجي" :صدوق".
خرج ابن خزَية حديثه يف اجلهر لبسملة قال" :هذا إسنا اثب ,ال وملا َّ
ارتياب يف صحته" ,وقال ابن عبدالب يف كتاب "اإلعصاف"" :هذا حديث حمفوظ
من حديث خالد بن يزيد عن سعيد بن أيب هالل ,ومها مجيعا ثقتان من ثقات
املصريني" ,وقال الدارقطين" :رواته ثقات" ,وقال البيهقي" :رواته ثقات ,جمم
عل عدالتهم ,وحمتج ِبم" ,وقال اخلطيب يف "هنج الصواب"" :هذا إسنا اثب
صحيح ,ال يتوجه عليه تعليد؛ التصال إسنا ه ,وثقة رجاله".
وقال الذهيب" :ثقة معروف ,حديثه يف الكتب الستة ,... ,قال ابن حزِ
وحده :لي لقو " ,وقال احلافظ ابن حجر أيضا" :صدوق ,مل أر البن حزِ يف
تضعيفه سلفا ,إال أن الساجي حك عن أمحد أعه اختلط" ,وقال السخاوي:
"أحد أوعية العلم".7
.8التحبري رح التحرير للمر اوي ( ,)3121/1واع ر رح الكوكب املنري البن النجار (.)431/4
353
ألمة مذهب أحد األئمة الفقهاء يف وق ما أو يف أمر ما ,وجدت يف املذهب
اآلخر سعة ورفقا ويسرا ,سواء أكان ذلر يف ؤون العبا ة أِ يف املعامالت
و ؤون األسرة والقضاء واجلنا ت عل ضوء األ لة الشرعية".8
وقد كاع طريقة أولئر الفقهاء الكبار أن يعمدوا إىل ليد أو جمموعة أ لة
من الكتاب والسنة ,فيعملون عليها عقو م الرصينة وأفهامهم املتينة ,فينتجون
أحكاما فقهية ,مث ينطلقون منها يف إعتاج أحكاِ فقهية أخر ,فيتشعب من
أ لتهم األولية مئات الفروع الفقهية ,ويعد هذا التصرف قمة التمكن الفقهي.
قال حممد بن عبدهللا بن احلكم رمحه هللا" :لي فالن عندان بفقيه؛ ألعه
جيم أقوال النام وخيتار بعضها" ,قيد :فمن الفقيه؟ قال" :الذي يستنبط أصالً
من كتاب أو سنة ,مل يسب إليه ,مث يشعب يف ذلر األصد مائة عب" ,قيد:
فمن يقو عل هذا؟ قال" :حممد بن إ ري ".7
إال أن بعض علماء املنهج الفقهي السلفي ع روا إىل تلر الفروع الفقهية
الضخمة ع رة سيئة ,ووصفوها أبوصاف منكرة ,ومتنَّوا لو أهنا تعرض لإلحراق
واإلغراق؛ اعتقا اً منهم أبهنا مبنية عل ا و والرأي الفاسد ,وأهنا مبتورة االستنا
إىل الكتاب والسنة.
قال صدي حسن خان" :بيان أن التمسر آبراء املتأخرين من الفقهاء
ضالل وخروج عن صراط هللا املستقيم ,وال ر أن ما قسمه فينا ,هو هذا
القرآن وهذه السنة ,ون ما مجعه أهد الرأي من الفتاو الضخيمة والطوامري
.8قرار اجملم الفقهي يف ورته العا رة املنعقدة مبكة املكرمة يف الفية 8411/7/71-74هـ.
.7هتذيب األ اء واللغات للنووي ()37/8ـ.
354
الفرعية ,اليت ال مستند ألكثر ما فيها من احلالل واحلراِ واجلائز وغري اجلائز ,وقد
ابتلي ِبذه البلية كثري من متأخري املقلدة للمذاهب األربعة املشهورة ,فأبرزوا من
التفريعات والتخرجيات ما ال ت له السماء وال تقله األرض".8
ويبدو يل -وهللا أعلم -أن الذي ف صدي حسن خان ذا االعتقا
السيء يف الفروع الفقهية هو سطحية علمه وضعف فقهه ,واعتقا ه أن السلف
الصاحل مل يكوعوا يعرفون التفري الفقهي العمي ,فلو كان صاحب صنعة فقهية
لعلم أن التفري الفقهي سلسلة ميابطة احللقات ,كد حلقة منها ترتبط حبلقة
أخر ,فإذا أتسس احللقة األوىل أتسيساً صحيحا متيناً ,فإن احللقات املرتبطة
ِبا أتخذ عف احلكم.
ولنضرب عل ذلر مثاال إلماِ الشافعي رمحه هللا ,فإعه عامل جمتهد ,وإماِ
مذهب متبوع ,وقد لهلقَّب يف العراق بناصر احلديث؛ ألعه اعتصر ألحا يث اآلحا ,
وم ذلر فإعه صاحب تفريعات فقهية ال تكا تنتهي ,ومع م تلر التفريعات
الفقهية ختلو من عص رعي ,ولعلي أكتفي بنقد واحد من كتاب صالة اخلوف
يف كتابه "األِ".
قال اإلماِ الشافعي رمحه هللا -يف ب "احلال اليت جيوز للنام أن يصلوا
7
فيها صالة اخلوف" " :-وال جيوز ألحد أن يصلي صالة اخلوف إال أبن يعاين
عدوا قريبا غري مأمون أن حيمد عليه ,3يتخوف محله عليه من موض ,أو أيتيه من
. 8إن مل يكن ير العدو بعينيه فيكفي أن يعتمد عل ثقة يف إخباره أن العدو قريب منه.
.7قرب العدو م عدِ األمن من هجومهم ,أو سريهم اجلا حنوهم.
.3مقابالً له بدون حائد.
.4خوصاً بعيدة.
.5لعدِ حتق اخلوف الذي تشرع بسببه صالة اخلوف.
.3مجاعة من اجليش موكلني ملراقبة.
353
يتناظرون بناظر الربيئة ,8ال يتحاملون ,فإن صلوا صالة اخلوف كصالة النيب
يوِ ذات الرقاع 7يف حال كره م فيها صالة اخلوف ,أحبب للطائفة األوىل أن
يعيدوا ,3ومل أحب ذلر لإلماِ وال للطائفة األخر ,4وال يبني أن عل الطائفة
األوىل إعا ة صالة؛ ألهنا قد صل بسبب من خوف وإن مل يكن خوفا ,وإن
الرجد قد يصلي يف غري خوف بعض صالته م اإلماِ ,وبعضها منفر ا ,فال
يكون عليه إعا ة ,5ومىت ما رأوا سوا اً ,ف نوه عدوا ,مث كان غري عدو ,وقد صل
كصالة النيب يوِ ذات الرقاع ,مل يعد اإلماِ ,وال واحدة من الطائفتني؛ ألن
كال منهما مل ينحرف عن القبلة حىت أكمل الصالة ,وقد صلي بسبب
خوف ,3وكذلر إن صل كصالة النيب ببطن د ,2وإن صل كصالة النيب
.8املراقبة.
.7كان العدو يف غري جهة القبلة ,فقسمهم رسول هللا فرقتني ,فرقة يف وجه العدو ,وصلي بفرقة ركعة,
فلما قاِ إىل الثاعية أكملوا صالهتم ,وذهبوا إىل وجه العدو ,مث جاءت الفرقة الثاعية ,والنيب قائم يف
الركعة الثاعية ,فأحرموا خلفه ,وصل ِبم ركعة ,فلما جل للتشهد قاموا وأمتوا ألعفسهم ,وسلم ِبم.
.3الختالل صالهتم مبفارقة اإلماِ يف الركعة الثاعية.
.4ألهنم كاملسبوقني.
.5هذا سبب عدِ وجوب إعا ة الصالة عل الفرقة األوىل؛ ألهنم كاملصلي الذي اقتد إلماِ َّأول
صالته ,مث فارقه يف بقيتها.
. 3هذا سبب عدِ وجوب إعا ة الصالة عل الفرقتني؛ ألن كال منهما مل ينحرف عن القبلة.
.2قسمهم رسول هللا فرقتني ,وصل بكد فرقة صالة كاملة.
352
بعسفان ,8أحبب للحارسة أن تعيد ,7ومل أوجب ذلر عليها ,3وال يعيد
اإلماِ ,وال اليت مل حترم ,4وإمنا تقد املسائد يف هذا الباب علينا5؛ أان ال أنمر
بصالة خوف حبال إال يف غاية من دة اخلوف ,إال صالة لو صلي يف غري
خوف مل يتبني أن عل مصليها إعا ة".3
لقد أس اإلماِ الشافعي رمحه هللا كتاب صالة اخلوف عل اآل ت
واألحا يث الوار ة يف صالة اخلوف ,كقوله تعاىل" :وإذا كن فيهم فأقم م
الصالة فلتقم طائفة منهم معر وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكوعوا من
ورائكم ولتأت طائفة أخر مل يصلوا فليصلوا معر وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم",2
وصالته عندما كان العدو يف غري جهة القبلة ,1أو عندما كان العدو يف
جهتها.9
.8كان العدو يف جهة القبلة ,فقسمهم رسول هللا صفني ,وأحرِ ورك ورف بكليهما ,فلما سجد
سجد معه الصف الذي يليه ,واستمر الصف اآلخر قائما ,فلما رفعوا من السجدتني سجد الصف اآلخر
سجدتيه ,وفعلوا مثد ذلر يف الركعة الثاعية ,مث تشهد ِبم وسلم.
.7ألهنم ختلفوا عن اإلماِ أبركان كثرية.
.3ألهنم معذورون ب نهم اخلوف.
.4ألهنم متابعون لإلماِ يف كد صالهتم.
. 5بعد هذا التفري الفقهي العمي يبر اإلماِ الشافعي قلة املسائد؛ ألن صالة اخلوف ال تشرع إال يف
اخلوف املتحق أو امل نون.
.3األِ للشافعي (.)751/8
.2سورة النساء ,آية (.)817
.1رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه.
.9رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او وابن ماجه.
351
ولكن وصف احلال اليت تشرع فيها صالة اخلوف كاع حباجة إىل فقيه
عف كاإلماِ الشافعي؛ لكي يفيض حاالت خمتلفة ,تشرع يف بعضها صالة
اخلوف ,وال تشرع يف بعضها اآلخر ,فاعطل هذا اإلماِ يف ميدان التفري الفقهي,
فأعتج مئات املسائد الفرعية املعتمدة عل عقد رصني وفكر متني ,ورغم أعه مل
يدر يف خلده أعه حيرِ ما
يستدل عل تلر التفريعات أبي عص رعي ,فإعه مل هل
أحد هللا ,أو حيد ما حرِ هللا.
ذِ التفريعات الفقهية الكثرية ,ومتىن لو تعرض
أما صدي حسن خان فقد َّ
لإلحراق واإلغراق ,فقال" :وذِ هللا سبحاعه يف كتابه التقليد واملقلدين يف مواض
عديدة ,فتقرر أن علومهم املبنية عل اآلراء ,املؤسسة عل احليد واألهواء ,لي مما
يستح التبليغ والتدوين ,وما أحقها أبن هلمتح من بطون الدفاتر إلحراق
واإلغراق ,ويعف أثرها من صفحات اآلفاق".8
إسرار االجتهاد حرصاً على مكاسب التقليد
من املطاعن اليت ا َّعاها بعض علماء املنهج السلفي يف علماء املذاهب
األربعة أهنم تفطنوا للح يف وجوب االجتها وعبذ التقليد ,ولكنهم مل يتمكنوا من
إظهار استقال م العلمي؛ بسبب ضغط البيئة العلمية واالجتماعية احمليطة ِبم ,وأن
بعضهم اعتقد من مذهب فقهي إىل مذهب آخر؛ رغبة يف تويل مناصب القضاء
واإلفتاء والتدري .
قال صدي حسن خان" :بيان األسباب اليت فع العلماء إىل تقليد
املذاهب ,... ,ومنهم من تفطن للح ,ولكنه اتق تقاة ,وعاقه عن إظهاره
338
الشافعي ,فقال ابن ز " :إعر ال تعرف توجيه كالِ البلقيين ما مل تعرف رجته
يف العلم ,فإعه إماِ جمتهد مطل منتسب غري مستقد ,من أهد التخريج واليجيح,
وأعين ملنتسب من له اختيار وترجيح ,خيالف الراجح يف مذهب اإلماِ الذي
ينتسب إليه ,وهذا حال كثري من جهابذة أكابر أصحاب الشافعي من املتقدمني
واملتأخرين ,وسيأ ذكرهم وترتيب رجاهتم ,وممن ع م البلقيين يف سلر اجملتهدين
املطلقني املنتسبني تلميذه الويل أبو زرعة ,فقال :قل مرة لشيخنا اإلماِ البلقيين,
ما تقصري الشيخ تقي الدين السبكي عن االجتها ,وقد استكمد آلته ,وكيف
يقلد؟ قال :ومل أذكره هو ,أي يخه البلقيين؛ استحياءً منه ملا أر ت أن أرتب
عل ذلر ,فسك ,فقل :فما عندي أن االمتناع من ذلر إال للوظائف اليت
قهلدرت للفقهاء عل املذاهب األربعة ,وأن من خرج عن ذلر واجتهد ,مل ينله
يء من ذلر ,وحرِ والية القضاء ,وامتن النام من استفتائه ,وعسب إليه
البدعة ,فتبسم ,ووافقين عل ذلر".
فعلَّ ابن ز عل جواب أيب زرعة بقوله" :قل :أما أان فال أعتقد أن
املاع م من االجتها ما أ ار إليه ,حا ا منصبهم العلي عل ذلر ,وأن ييكوا
االجتها م قدرهتم عليه؛ لغرض القضاء أو األسباب ,هذا ما ال جيوز ألحد أن
يعتقده فيهم ,وقد تقدِ أن الراجح عند اجلمهور وجوب االجتها يف مثد ذلر,
كيف ساغ للويل عسبتهم إىل ذلر ,وعسبة البلقيين إىل موافقته عل ذلر ,وقد
قال اجلالل السيوطي يف رح التنبيه يف ب الطالق ما لف ه" :وما وق لألئمة
من االختالف من تغري االجتها ,فيصححون يف كد موض ما أ إليه
اجتها هم يف ذلر الوق ,وقد كان املصنف يعين صاحب التنبيه من االجتها
337
حملد الذي ال ينكر ,وصرح غري واحد من األئمة أبعه وابن الصباغ وإماِ احلرمني
والغزايل بلغوا رتبة االجتها املطل ,وما وق يف فتاو ابن الصالح من أهنم بلغوا
رتبة االجتها يف املذهب ون املطل فمرا ه أهنم كاع م رجة االجتها
املنتسب ون املستقد ,وأن املطل كما قرره هو يف كتابه آ اب الفتيا والنووي يف
رح املهذب عوعان :مستقد وقد فقد من رأم األربعمائة ,فلم َيكن وجو ه,
ومنتسب وهو ق إىل أن أت أ راط الساعة الكب ,وال جيوز اعقطاعه رعا؛
قصر أهد عصر حىت تركوه أمثوا كلهم وعصوا أبسرهم كما ألعه فرض كفاية ,ومىت َّ
صرح به األصحاب ,... ,وال هلخيرج هؤالء عن االجتها املطل املنتسب من كوهنم
افعية كما صرح به النووي وابن الصالح يف الطبقات وتبعه ابن السبكي ,و ذا
صنفوا يف املذهب كتبا ,وأفتوا وتداولوا وولوا وظائف الشافعية ,كما ويل املصنف
وابن الصباغ تدري الن امية ببغدا ,وويل إماِ احلرمني والغزايل تدري الن امية
بنيسابور ,وويل ابن عبد السالِ اجلابية وال اهرية لقاهرة ,وويل ابن قي العيد
الصالحية اجملاورة ملشهد إمامنا الشافعي والفاضلية والكاملية وغري ذلر,
,"...اعته ,وهي عندي أحسن مما سلر الويل أبو زرعة .8"
ظن أن اعصراف بعض العلماء تبني أن الويل أ زرعة َّإن خالصة ما تقدِ َّ
كالتقي السبكي عن االجتها هو بسبب التمسر لوظائف املرتبة لفقهاء
تبسم يخه البلقيين له ظن أبو زرعة أعه وافقه عل رأيه.7
املذاهب األربعة ,وملا َّ
.8تقدَِّ يف الفصد الثالث مناذج من استدراك بعض علماء الشافعية عل بعض ,بد عل إماِ املذهب
أحياان ,ومل جيدوا حرجا من التصريح بتلر االستدراكات ,ومل خيرجوا بذلر عن اعتساِبم ملذاهبهم.
334
األحا يث وأقوال السلف وحتقيقها ,وال ر أن اإلعسان بتتب ذلر هلحيدث هللا
يف قوة اآلن الختيار بعض ذلر ,وهو أن املساقاةفيه قوة ملن يشاء ,وقد حدث َّ
غري الزمة ,وأعه جيوز توقيتها وإطالقها من غري توقي ,وأن املزارعة ,واملخابرة
الصطالح اليوِ ,وهو أن يدف األرض ملن يزرعها إما ببذر من عنده وإما من
املالر ,واملال بينهما ,جائزاتن".8
التفاف املنهج السلفي على التمذهب الفقهي
يتف كثري من علماء املنهج السلفي عل من التمذهب الفقهي ,فال جيوز
عند كثري منهم أن يلتزِ املسلم مبذهب فقهي يف سائر عبا اته ومعامالته ,وإذا
أجازه بعضهم فإهنم يهلكثرون اخلروج عنه؛ ترجيحاً ألقوال أخر ,وقد تقدَّم بعض
عصوصهم ِبذا اخلصوص كقول الشيخ عبدالعزيز بن ز رمحه هللا" :لي لر أن
تقلد واحدا مطلقا ,بد علير أن تسأل أهد العلم عما أ كد علير ,فالتقليد ال
جيوز ,بد جيب عل طالب العلم أن ين ر يف األ لة الشرعية ,وخيتار ما تقتضيه
األ لة ,سواء واف األئمة األربعة أِ مل يوافقهم ,وإذا كان عاميا فإعه ال يقلد واحدا
من هؤالء ,بد يسأل أهد العلم يف زماعه ,أهد العلم لسنة".7
وقد قدَّمنا أن املذهب الفقهي -وإن كان منسو إلمامه ,إال أعه -عتيجة
اجتها مئات العقول العلمية املختصة يف علوِ الشريعة اإلسالمية واللغة العربية,
.8فتاو السبكي ( ,)474/8وهذه الفتو وحدها كافية يف ر مجي الشبهات اليت يثريها خصوِ
املذهبية الفقهية؛ ألهنا ا تمل عل إعا ة االجتها يف فروع املذهب ,واعته مبخالفة معتمد الفتو ,
وصرح لرجوع إىل السنة وأقوال السلف.
َّ
.7فتاو عور عل الدرب يف موق الشيخ.
335
فإن كان الشيخ ابن ز ي ن أن املذهب الفقهي ال جيوز تقليده؛ ألعه عتاج عقد
واحد ,فقد وهم وأخطأ ,وإن كان يعلم أن املذهب الفقهي عتاج عقول متعد ة
ومدرسة متكاملة يف سائر العلوِ الشرعية ,فقد انقض عفسه؛ ألعه ير جواز هذا
املسلر ,ويدعو إليه.
ومن األ لة عل ذلر أن الشيخ عبدالعزيز بن ز رمحه هللا سئد عن كتب
السنة اليت ينصح قتنائها ,فقال" :كتب السنة كثرية واحلمد هلل ,منها الكتب
الستة كالصحيحني وأيب او واليمذي والنسائي وابن ماجة وموطأ مالر رمحه هللا
ومسند أمحد ,هذه كتب احلديث املعروفة ,وهناك كتب أخر معروفة ,ومن كتب
السنة ما ألَّفه أهد العلم املعروفون مثد ما ألفه الشافعي رمحه هللا ,كتاب األِ
للشافعي ,واملوطأ ملالر رمحه هللا ,ومنها ما ألفه الفقهاء بعد ذلر يف أحكاِ
الشرع املطهر ,ومن أحسن ما ألف يف ذلر مؤلفات يخ اإلسالِ ابن تيمية رمحه
هللا وابن القيم رمحه هللا ,فإن كتبهم جيدة ,تعتين لدليد ,وتؤ ي احلقائ يف
مسائد اخلالف ,فهي كتب ع يمة ,وهكذا كتب أئمة الدعوة الذين عشطوا يف
الدعوة ,وعشروها يف النصف الثاين من القرن الثاين عشر وما بعده ,وهم الشيخ
حممد بن عبد الوهاب رمحه هللا وأحفا ه وأوال ه وأعصاره من عاة السنة ,فإن
كتبهم مفيدة وع يمة ,مثد فتاو الشيخ الفتاو النجدية ,فتح اجمليد عل كتاب
التوحيد ,مثد كتاب كشف الشبهات ,مثد آ اب املشي إىل الصالة ,وهكذا يف
العقيدة ,العقيدة الواسطية لشيخ اإلسالِ ابن تيمية ,والتدمرية له أيضاً ,واحلموية,
كد هذه كتب ع يمة ومفيدة".8
. 8يكثر يف فتاو الشيخ ابن ز وصف ترجيحاته لصحيح ,ويف النف منها يء ,إذ كيف يكون
الصحيح خالف ما عليه اجلمهور كما يف فتو طالق احلائض ,ولو أن هذا الوصف ور يف فتاو الشيخ
قليالً ملا كان مثَّ اعياض؛ الحتمال أن يصيب احل َّ فر واحد ,ولكن كثرة تر يده حيوج إىل حتليد الفتاو
الوار ة يف ثنا ها.
.7فتاو عور عل الدرب يف موق الشيخ.
339
أن يطلقها حائضا أو يف طهر أصاِبا فيه ,أمث ووق طالقه يف قول عامة أهد
العلم ,قال ابن املنذر وابن عبدالب" :مل خيالف يف ذلر إال أهد البدع والضالل",
وحكاه أبو عصر عن ابن علية وهشاِ بن احلكم والشيعة ,قالوا :ال يق طالقه؛
ألن هللا تعاىل أمر به يف قهلـبهلد العدة ,فإذا طل يف غريه مل يق ".8
وقال اإلماِ أبو احلسن القطان رمحه هللا (371-...هـ)" :وطلَّ ابن عمر
امرأته حائضا ,واحتسب لتطليقة ,وكد من حيفظ عنه من أهد العلم يقول :إن
احلائض يق ِبا الطالق إال انسا من أهد البدع ال يعتد بقو م".7
ومن األمثلة التطبيقية لتأثُّر الشيخ ابن ز رمحه هللا مبدرسة ابن تيمية وابن
القيم رمحهما هللا فتواه بعدِ وقوع احللف لطالق ,فقال" :وأما احللف لطالق
فقد كن فيما مض أفيت لوقوع ,مث ظهر يل أخرياً من حنو سنة أو أكثر قليال
عدِ الوقوع ,وأفتي بذلر مرات كثرية إذا كان املطل مل ير إيقاع الطالق عند
وقوع الشرط ,وإمنا أرا معىن آخر من حث أو من أو تصدي أو تكذيب ,وال
خيف أن هذا هو اختيار يخ اإلسالِ ابن تيمية وتلميذه العالمة ابن القيم رمحة
هللا عليهما".3
.8الفتاو الكب البن تيمية ( ,)382/7وجمموع الفتاو له ( ,)323/73واع ر الفتاو اليت بعد
فتواه تلر.
323
احملققني أو أكثرهم ,وعل املذهب اآلخر :املصيب واحد ,واملخطئ غري متعني
لنا ,واإلمث مرفوع عنه ,لكن إن عدبه عل جهة النصيحة إىل اخلروج من اخلالف
فهو حسن حمبوب مندوب إىل فعله برف ,فإن العلماء متفقون عل احلث عل
اخلروج من اخلالف إذا مل يلزِ منه إخالل بسنة أو وقوع يف خالف آخر ,وذكر
أقض القضاة أبو احلسن املاور ي البصري الشافعي يف كتابه "األحكاِ السلطاعية"
خالفا بني العلماء يف أن من قلده السلطان احلسبة ,هد له أن حيمد النام عل
مذهبه فيما اختلف فيه الفقهاء إذا كان احملتسب من أهد االجتها ,أِ ال يغري ما
كان عل مذهب غريه؟ واألصح أعه ال يغري؛ ملا ذكرانه ,ومل يزل اخلالف يف الفروع
بني الصحابة والتابعني فمن بعدهم أمجعني ,وال ينكر حمتسب وال غريه عل
غريه ,وكذلر قالوا :لي للمفيت وال للقاضي أن يعيض عل من خالفه إذا مل
خيالف عصا أو إمجاعا أو قياسا جليا".8
اجلرأة على منصب االجتهاد
من احلقائ املشيكة بني كثري من علماء املنهج السلفي تيسريهل االجتها
الشرعي ,7وتعويد صغار طلبة العلم عل اليجيح واالجتها منذ بداية أ مهم يف
طلب العلم ,األمر الذي أ َّ إىل جرأة عجيبة عل اليبُّ عل كرسي االجتها
وتسلُّ أسواره العالية.
قال الشيخ حممد بن عبدالوهاب رمحه هللا (8713-8885هـ)" :األصد
السا م :رُّ الشبهة اليت وضعها الشيطان يف ترك القرآن والسنة ,واتباع اآلراء
311
علي بن أيب طالب عندما سألة أبو وهذا هو ما بيَّنه أمري املؤمنني سيدان ُّ
جحيفة :هد عندكم يء من الوحي إال ما يف كتاب هللا؟ فقال علي " :ال
والذي فل احلبة وبرأ النسمة ,ما أعلمه إال افهماً ,يعطيه هللا رجالً يف القرآن".8
وقد كان رسول هللا ينتقي علماء أصحابه لريسلهم إىل املدن والقر ,
فقد أرسد معاذ بن جبد إىل خمالف يف اليمن ,7وأرسد أ موس األ عري
إىل خمالف آخر ,وكان اليمن خمالفني.3
وأرسد عمر بن اخلطاب إىل الكوفة عبدهللا بن مسعو رضي هللا عنهما
هلمعلما ,فمألها علما وفقها وقرآان ,وملا اعتقد إليها أمري املؤمنني علي بن أيب طالب
فرح؛ لكثرة فقهائها ,وقال" :رحم هللا ابن أِ عبد ,قد مأل هذه القرية علما".4
وقد اتفق كلمة العلماء الراسخني يف العلم واملدركني حلقيقة االجتها
الشرعي عل خطورته وصعوبته ومن غري احملققني لشروطه من اقتحامه واعتالء
منصبه ,فعل سبيد املثال قال اإلماِ الشاطيب رمحه هللا" :االجتها الواق يف
الشريعة ضر ن :أحدمها االجتها املعتب رعا ,... ,والثاين :غري املعتب ,وهو
. 8رواه البخاري وأمحد والنسائي واليمذي وابن ماجه ,قال احلافظ ابن حجر يف ب كتابة العلم يف
الفتح" :وإمنا سأله أبو جحيفة عن ذلر؛ ألن مجاعةً من الشيعة كاعوا يزعمون أن عند أهد البي -ال
سيما عليا - أ ياء من الوحي ,خصهم النيب ِ با ,مل يطل غريهم عليها".
.7رواه أمحد وأبو او واليمذي.
.3رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي.
.4اع ر املبسوط للسرخسي ( ,)31/83وفقه أهد العراق وحديثهم للكوثري (.)47
318
الصا ر عمن لي بعارف مبا يفتقر االجتها إليه؛ ألن حقيقته أعه رأي مبجر
التشهي واألغراض ,وخبط يف عماية ,واتباع للهو ".8
قصدهم
لقد َّقرر علماء املنهج املذهيب روط االجتها ,وأفاضوا فيها ,وكان هل
لكن بعض علماءمن ذلر محاية الشريعة من اقتحاِ حصوهنا واعتالء أسوارها ,و َّ
املنهج السلفي اعيضوا عل تلر الشروط ,ورأوا أهنا قد ال توجد اتمةً يف أيب بكر
وعمر رضي هللا عنهما ,وأخذوا جيرئون طالب العلم عل اليجيح واالختيار
ومعارضة املذاهب األربعة وغريها.
وقد عتج عن هذه اجلرأة خروج فتاو اذة ,وعشوء مناهج منحرفة,
واعشقاق فئات ضالة ,أطلق سهاِ التكفري والتبدي عل اجملتم ,وعند ذلر
تعال النداءات تلو النداءات ,تطالب أولئر املتسرعني يف آرائهم الشاذة إىل
الرجوع إىل العلماء واالعضباط بفتاو العلماء السابقني.7
اخلالصة
إن أبرز ما يستخلص من هذا الفصد يتمثد يف النقاط التالية:
اختار علماء املنهج الفقهي السلفي مصطلح السلفية؛ أتكيدا العتصامهم
لكتاب والسنة بفهم السلف الصاحل ,األمر الذي َييزهم عن أي منهج آخر.
يشكد عل هذا االختيار أن مجي املناهج الفقهية تتف عل االعتما عل
الكتاب والسنة ,وتنهد من معني الصحابة والتابعني والسلف الصاحل.
.8املوافقات للشاطيب ( ,)838/5وقد بيَّن يف الفصد الثالث حقيقة اختالف أفهاِ النام.
.7االستطرا يف هذه القضية يقو للحديث عن عشوء اإلرهاب والتطرف واجلماعات ,ولي من مقصو
هذا الكتاب التشعب يف تلر األو ية.
317
ظن بعض علماء املنهج الفقهي السلفي أن املذاهب الفقهية ال تقيم وزانً
للكتاب والسنة ,وأن علماء املذاهب الفقهية يقدمون عصوص أئمتهم عليهما.
يعتقد بعض علماء املنهج السلفي أن املسائد الفرعية اليت أعتجتها املذاهب
الفقهية ال مستند ألكثرها من أ لة الكتاب والسنة ,وأن حديث افياق األمة
إىل ثالث وسبعني فرقة يصدق عل مقلدة املذاهب األربعة.
يؤكد بعض علماء املنهج السلفي أن الفتو ال تصح إال إذا اقيع بدليلها
الشرعي ,وهذا الرأي ضعيف؛ التفاق اجلمهور عل جواز اإلفتاء بدون ذكر
ليد ,واتفاقهم عل جواز األخذ بفتو العامل بدون ليد.
َّ
صرح مجهور العلماء جبواز التقليد للعامي يف الفروع ,وهو قبول القول بدون
معرفة الدليد ,م أتكيدهم عل جواز طلبه.
يشهد الواق العملي لطريقة إفتاء السلف الصاحل َّ
خلو كثري من فتاواهم من
ذكر الدليد من الكتاب والسنة.
ع راً لكثرة فتاو الصحابة والتابعني وأقوا م غري املقيعة لدليد فقد ابتكر
علماء احلديث ذا النوع من الفتاو واألقوال مصطلحي املوقوف واملقطوع.
تكتسب الفتاو واألقوال واآلراء قوهتا ورجاحتها من قوة العامل العلمية
املستمدة من قوة ع ره ورجاحة اجتها ه يف األ لة الشرعية.
ي ن بعض علماء املنهج الفقهي السلفي أن أكب سبب للخالف الفقهي هو
عدِ وصول الدليد الشرعي ,والصحيح أعه اختالف وجهات الن ر يف ثبوت
الدليد وبيان معناه وحتديد مد اللته.
313
مما يؤكد هذه احلقيقة أن بعض رموز املنهج السلفي اختلفوا يف مسائد فقهية
كثرية ,وكان السبب األساسي للخالف فيها هو اختالف وجهات ع رهم يف
معىن الدليد ومد اللته.
َّ
صرح بعض علماء املنهج السلفي يف بعض فتاواهم وتقريراهتم أبهنا احل الذي
ال ريب فيه ,وجيب املصري إليه ,ويلزِ االعتما عليه ,م العلم أن بعضها
خيالف ما اتف عليه مجهور العلماء.
ع ر بعض علماء املنهج السلفي إىل الفروع الفقهية الضخمة ع رة سيئة,
ووصفوها أبوصاف منكرة؛ اعتقا اً منهم أبهنا مبنية عل ا و والرأي الفاسد.
يبدو يل أن الذي ف بعضهم ذا التصور هو سطحية العلم وضعف الفقه,
واعتقا أن السلف الصاحل مل يكوعوا يعرفون التفري الفقهي العمي .
من املطاعن اليت ا َّعاها بعض علماء املنهج السلفي يف علماء املذاهب األربعة
أهنم متسكوا لتمذهب؛ بسبب ضغط البيئة العلمية واالجتماعية احمليطة ِبم,
ورغبة يف تويل مناصب القضاء واإلفتاء والتدري .
تضمن هذه الدعو سوء ال ن يف العلماء املتمذهبني ,خصوصا من بلغ
منهم رتبة االجتها املطل ,وويشهد الواق أهنم قد اجتهدوا لفعد يف بعض
املسائد ,وخالفوا فيها الراجح يف مذاهبهم ,وال خيرجون بذلر عن اعتساِبم
إليها؛ ألهنم متمسكون أبصو ا وقواعدها.
يف الوق الذي َين فيه علماء املنهج السلفي االعتساب ملذهب فقهي ,فإهنم
ينتسبون -فعليا -إىل مدرسة ابن تيمية وابن القيم وأئمة الدعوة ,األمر الذي
يشبه التزاِ علماء املنهج املذهيب مبذاهبهم الفقهية.
314
اتفق الفقهاء عل قاعدة" :ال إعكار يف مسائد اخلالف" ,ولكن ابن تيمية
رفض عموِ هذه القاعدة ,و ملقابد فله عصوص أخر تشعر مبوافقته عليها.
يشيك كثري من علماء املنهج السلفي يف تيسري االجتها الشرعي ,األمر الذي
أ َّ إىل جرأة عجيبة عل اليبُّ عل كرسي االجتها وتسلُّ أسواره العالية.
315
313
الفصل اخلام :املنهج التيسريي
312
311
الفصل اخلام :املنهج التيسريي
مقدمة
تشيك الشريعة اإلسالمية اليت بعث هللا ِ با عبيَّه املصطف حممداً م
الشرائ السماوية السابقة أبهنا رائ جاءت لبشارة والنذارة كما قال تعاىل" :إان
أوحينا إلير كما أوحينا إىل عوح والنبيني من بعده ,وأوحينا إىل إبراهيم وإ اعيد
وإسحاق ويعقوب واألسباط وعيس وأيوب ويوع وهارون وسليمان وآتينا او
زبورا ,ورسال قد قصصناهم علير من قبد ورسال مل عقصصهم علير ,وكلم هللا
موس تكليما ,رسال مبشرين ومنذرين لئال يكون للنام عل هللا حجة بعد الرسد
وكان هللا عزيزا حكيما".
إال أن ريعتنا اإلسالمية اخلامتة متيزت عل غريها من الشرائ السماوية
السابقة أبهنا ريعة التيسري ,فكان من خصائصها أن هللا سبحاعه وتعاىل رف عنهم
اإلصر واألغالل اليت كاع عل األمم السابقة ,قال تعاىل" :ورمحيت وسع كد ا
يء ,فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم آب تنا يؤمنون ,الذين
يتبعون الرسول النيب األمي الذي جيدوعه مكتو عندهم يف التوراة واإل يد ,أيمرهم
ملعروف وينهاهم عن املنكر ,وحيد م الطيبات وحيرِ عليهم اخلبائث ,ويض
عنهم إصرهم واألغالل اليت كاع عليهم ,فالذين آمنوا به وعزروه وعصروه واتبعوا
النور الذي أعزل معه أولئر هم املفلحون".
وقد صح أعه ملا عزل قوله تعاىل" :هلل ما يف السموات وما يف األرض ,وإن
تبدوا ما يف أعفسكم أو ختفوه حياسبكم به هللا ,فيغفر ملن يشاء ويعذب من يشاء,
وهللا عل كد يء قدير" ,ا تد ذلر عل أصحاب رسول هللا ,فأتوا رسول
319
هللا مث بركوا عل الركب ,فقالوا :أي رسول هللا ,هلكلفنا من األعمال ما عطي ,
الصالة والصياِ واجلها والصدقة ,وقد أعزل علير هذه اآلية ,وال عطيقها ,فقال
رسول هللا " :أتريدون أن تقولوا كما قال أهد الكتابني من قبلكم :عنا
وعصينا ,بد قولوا :عنا وأطعنا غفراعر ربنا وإلير املصري" ,فقالوا :عنا وأطعنا
غفراعر ربنا وإلير املصري ,فلما اقيأها القوِ ذل ِبا ألسنتهم ,فأعزل هللا يف
إثرها" :آمن الرسول مبا أعزل إليه من ربه واملؤمنون ,كد آمن هلل ومالئكته وكتبه
ورسله ,ال عفرق بني أحد من رسله ,وقالوا عنا وأطعنا غفراعر ربنا وإلير
املصري" ,فلما فعلوا ذلر عسخها هللا تعاىل ,فأعزل هللا " :ال يكلف هللا عفسا
إال وسعها ,ا ما كسب وعليها ما اكتسب ,ربنا ال تؤاخذان إن عسينا أو
أخطأان" ,قال" :ععم"" ,ربنا وال حتمد علينا إصرا كما محلته عل الذين من قبلنا",
قال" :ععم"" ,ربنا وال حتملنا ما ال طاقة لنا به" ,قال" :ععم"" ,واعف عنا واغفر
لنا وارمحنا أع موالان فاعصران عل القوِ الكافرين" ,قال" :ععم".8
ص به أمته عل غريها من وقد أخب رسول هللا عن التيسري الذي هلخ َّ
األمم -م خصائص أخر -يف قوله " :أهلعطي هل مخساً مل يهلعطهن أحد قبلي:
وجعل يل األرض مسجدا وطهورا ,فأَيا رجد من عصرت لرعب مسرية هر ,هل
أميت أ ركته الصالة فليصد ,وأحل يل الغنائم ,ومل حتد ألحد قبلي ,وأعطي
الشفاعة ,وكان النيب يبعث إىل قومه خاصة ,وبعث إىل النام عامة".7
.8رواه احلاكم.
.7رواه احلاكم والبيهقي مرسال.
.3تفسري القرطيب لآلية ( )21من سورة احلج.
397
أقسام التيسري يف اإلسالم
ينقسم التيسري يف الشريعة اإلسالمية إىل ثالثة أقساَِّ :أوهل ا تيسري معرفة
الشريعة والعلم ِبا وسهولة إ راك أحكامها ومراميها ,ويدل ذا قوله تعاىل" :ولقد
مدكر" وقوله تعاىل" :فإمنا يسرانه بلساعر لتبشر به يسران القرآن للذكر فهد من َّ
املتقني وتنذر به قوما لهلدَّا".
و ذا اليسر والسهولة أسباب متعد ة ,منها أن َّأول محلة للشريعة اإلسالمية
كاعوا قوما أميني ,ومل يكن م معرفة بكتب األقدمني وال بعلومهم ,وقد جاءت
هذه احلقيقة واضحة يف كتاب هللا ,قال تعاىل" :هو الذي بعث يف األميني
رسوال منهم يتلو عليهم آ ته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب واحلكمة وإن كاعوا من قبد
لفي ضالل مبني" ,أما عيب هذه األمة فقد كاع أميته ليال قو عل صدقه
يف تبليغ كتاب ربه ,وأعه مل خيتلقه من تلقاء عفسه ,قال تعاىل" :وما كن تتلو من
قبله من كتاب وال ختطه بيمينر إذا الراتب املبطلون".
ومن أسباب اليسر والسهولة أن هذه الشريعة املباركة هي خامتة الشرائ
السماوية ,وهي الشريعة الباقية إىل قياِ الساعة ,وهي الشريعة الواجبة عل مجي
البشر يف مشارق األرض ومغارِبا ,فاقتض احلكمة اإل ية أن تكون األحكاِ
الشرعية ميسورة الفهم معقولة املعىن سهلة املأخذ.
ومن القصص الدالة عل سهولة فهم النصوص الشرعية واستيعاِبا وإ راك
معاعيها ما حكاه األصمعي رمحه هللا (783-877هـ) قال :كن أقرأ "والسارق
والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء مبا كسبا عكاال من هللا وهللا غفور رحيم" وجبنيب
أعرايب ,فقال :كالِ م ان هذا؟ فقل :كالِ هللا ,فقال :أعد ,فأعدت ,فقال :لي
393
هذا كالِ هللا ,فاعتبه فقرأت" :وهللا عزيز حكيم" بدل "وهللا غفور رحيم" ,فقال
أصب ,هذا كالِ هللا ,فقل له :أتقرأ القرآن؟ فقال :ال ,فقل :فمن أين
عز فحكم فقط ,فلو غفر ورحم ملا قط .8
علم ؟ فقال :هذاَّ ,
اثين األقساِ تيسري العمد لتكاليف الشرعية الكثرية ,فقد تناول الشريعة
حياة اإلعسان بكد تفاصيلها و قائقها ,و رع له من أعمال اخلري ما يعجز عن
العمد به كله ,فأر دته الشريعة إىل التيسري عل عفسه وعل غريه يف اإلتيان ِبا,
فمما أر د إليه رسول الرمحة قوله" :خذوا من األعمال ما تطيقون ,فإن هللا ال
َيد حىت متلوا" ,7وقوله " :إن هذا الدين متني ,فأوغلوا فيه برف ".3
وال يتعارض هذا التوجيه واإلر ا م آ ت وأحا يث كقوله تعاىل" :كاعوا
قليال من الليد ما يهجعون ,و ألسحار هم يستغفرون" ,وكقيامه حىت تتفطر
أو تتورِ قدماه ,4ولكن املعىن أن ال حيمد اإلعسان عفسه فوق طاقتها ,بد يتعبد ما
ملشقة والتعب أراح عفسه ويسر عليها ,ويدل اِ عشيطا لذلر ,فإذا أح
لذلر أعه النيب خد املسجد ,وحبد مربوط بني ساريتني ,فقال" :ما هذا
احلبد"؟ قالوا :حبد لزينب تصلي ,فإذا كسل أو فيت أمسك به ,فقال :
.8رواه أمحد.
.7رواه البخاري وأمحد والنسائي وابن ماجه.
399
هللا ل ,مث توضأ ,ومسح عل خفيه ,وكان يعجبهم هذا احلديث؛ ألن إسالِ
جرير كان بعد عزول آية الوضوء يف سورة املائدة.8
ومنها الصالة قاعدا للعاجز عن القياِ ,فقد قال عمران بن حصني :
كاع يب بواسري ,فسأل النيب عن الصالة فقال" :صد قائما ,فإن مل تستط
فقاعدا ,فإن مل تستط فعل جنب".7
ومنها قصر الصالة الر عية للمسافر ,قال تعاىل" :وإذا ضربتم يف األرض
فلي عليكم جناح أن تقصروا من الصالة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا" ,قال
يعل بن أمية :قل لعمر بن اخلطاب :إمنا قال هللا تعاىل" :إن خفتم أن
يفتنكم الذين كفروا" ,وقد أمن النام ,فقال عمر :عجب هل مما عجب منه,
فسأل النيب ,فقال" :صدقة تصدق هللا ِبا عليكم ,فاقبلوا صدقته".3
ومنها مج الصالتني ,ال هر م العصر ,واملغرب م العشاء للمسافر,
وللمقيم بعذر ,فقد قال عبدهللا بن عبام :كان رسول هللا جيم بني صالة
ال هر والعصر إذا كان عل ظهر سري ,وجيم بني املغرب والعشاء ,4وقال ابن
عبام أيضا :مج رسول هللا بني ال هر والعصر ,واملغرب والعشاء ,ملدينة من
غري خوف وال مطر ,فقيد البن عبام :ما أرا إىل ذلر؟ قال :أرا أن ال حيرج
أمته ,5ويف رواية :من غري خوف وال سفر.8
.8رواه النسائي.
.7رواه أمحد والنسائي واليمذي وابن ماجه.
.3رواه مالر والبخاري ومسلم وأمحد والنسائي.
418
وصف أسيد بن احلضري ذه الرخصة أبهنا بركة ,وأن آل أيب بكر بركة عل
املسلمني ,وأهنا ليس أبول بركاهتم .
وقد هن اإلسالِ أن يبلغ التنط ملسلم إىل أن يتنزه عن األخذ لرخص
فرخص فيه ,فتنزه عنه قوِ ,فبلغ ذلر
الشرعية ,فقد صح أن النيب صن يئا َّ
النيب فخطب فحمد هللا مث قال" :ما ل أقواِ يتنزهون عن الشيء أصنعه,
فوهللا إين ألعلمهم هلل وأ دهم له خشية" ,8واحلديث واضح ظاهر يف َّ
أن
اليخص لرخص الشرعية ال يقدح يف مقاِ خشية هللا سبحاعه.
وقد وصف رسول هللا الرخص اليت امنت هللا ِبا عل عبا ه أبهنا صدقة
منه سبحاعه إليهم ,فقد فهم عمر بن اخلطاب عندما عزل قوله تعاىل" :لي
عليكم جناح أن تقصروا من الصالة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا" أبن رخصة
القصر منوطة خلوف ,فسأل رسول هللا عن ذلر فقال" :صدقة َّ
تصدق هللا
ِبا عليكم ,فاقبلوا صدقته".7
بني الرخص الشرعية ورخص الفقهاء
عند احلديث عن م اهر التيسري يف الشريعة اإلسالمية ,كالتيمم ,واملسح
عل اخلفني ,والصالة قاعدا للعاجز عن القياِ ,وقصر الصالة ومجعها للمسافر,
والفطر يف رمضان للمريض واملسافر واحلامد واملرض ,وغري ذلر من الرخص
الشرعية الثابتة لنصوص الصرحية ,ير التبام بشأن رخص الفقهاء اجملتهدين ,اليت
ترجح لديهم جتها هم يف عصوص الوحيني وغريمها من مصا ر االجتها .
.8رواه البخاري.
.7رواه مسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه.
417
ولذلر فإعه من املهم التنبيه إىل أن املقصو برخص الفقهاء هي تلر اآلراء
اليسرية والسهلة اليت يصدرها الفقيه املؤهد لالجتها ,بناء عل اجتها ه وحبثه
وع ره يف األ لة الشرعية ,و لتايل فإن هذه الرخصة اليت صدرت من هذا الفقيه
هي خالصة فهمه واجتها ه يف عصوص الكتاب والسنة ,ويبق رأيه حمتمال للخطأ
والصواب ,فإن كان رأيه خطأ فقد ضمن أجر اجتها ه ,وسقط عنه عهدة
اخلطأ؛ ألعه وإن كان عاملا لشرع إال أعه غري معصوِ ,أما إن كان رأيه صوا فقد
أضاف ألجره األول أجر إصابة احل ,فاجتم له أجران ,وكد خالف الفقهاء
اجملتهدين اخد يف هذه القاعدة ,ما اِ خالفهم حمصورا يف الفروع ,ومبنيا عل
األ لة ال نية يف ثبوهتا أو اللتها.
فعل سبيد املثال ,فإن التيمم لياب عند فقد املاء رخصة رعية متف
عليها ,ولكن عدِ ا ياط خول وق الصالة لفعله رخصة فقهية يف مذهب
احلنفية ,8واملسح عل اخلفني رخصة رعية متف عليها ,ولكن املسح عليهما
بدون أتقي بيوِ وليلة للمقيم وثالثة أ ِ بلياليها للمسافر رخصة فقهية يف
مذهب املالكية ,7واجلم للمقيم بسبب املطر رخصة رعية متف عليها -إال
احلنفية ,-ولكن مج ال هر م العصر رخصة فقهية يف مذهب الشافعية.3
فقد اعتقد بعض املسلمني -بد بعض العلماء -أن رخص الفقهاء هي
من الرخص الشرعية اليت جيوز تتبعها واعتقاؤها والتقاطها للعمد ِبا ,وأن هللا حيب
.8رواه أمحد.
412
ولكن متتب الرخص ال جيعد ألي عامل منزلة يف قلبه إال مبقدار ما يرخص له
وييسر عليه ,فال أيخذ من املذاهب إال أسهلها ,وال من األقوال إال أيسرها ,فهذا
هو معىن التتب الذي هن عنه العلماء ,وحذروا منه.
ولكي ال يطول املوضوع فإن العمد لرخصة خيتلف حسب اإلكثار منها
من عدمه ,وحسب كون العامد ِبا متمذهبا مبذهب فقهي أو غري متمذهب,
وبني كوعه َيلر أهلية اليجيح أو ال َيلكها.
ومن أفضد من بسط القول -فيما علم هل -يف قضية األخذ برخص
املذاهب وتتبُّعها اإلماِ تقي الدين السبكي رمحه هللا ,فإعه سئد عن املتعبد مبذهب
الشافعي مثال ,هد حيد له أن يقلد يف بعض املسائد غريه أو ال؟ فقال" :املتعبد
مبذهب الشافعي أو غريه من األئمة إذا أرا أن يقلد غريه يف مسألة فله أحوال:
إحداها أن يعتقد حبسب حاله رجحان مذهب ذلر الغري يف تلر املسألة,
فيجوز؛ اتباعا للراجح يف ظنه ,الثاعية أن يعتقد رجحان مذهب إمامه ,أو ال يعتقد
رجحاان أصال ,ولكن يف كال األمرين :أعين اعتقا ه رجحان مذهب إمامه ,وعدِ
االعتقا للرجحان أصال ,يقصد تقليده؛ احتياطا لدينه وما أ به ذلر مما تقدِ
متثيله ,فهو جائز أيضا ,وهذا كاحليلة إذا قصد ِبا اخلالص من الر ,كبي اجلم
لدراهم ,و راء اخلبيث ِبا ,فلي حبراِ وال مكروه ,خبالف احليلة عل غري هذا
الوجه ,حيث حنكم بكراهتها ,الثالثة أن يقصد بتقليده الرخصة فيما هو حمتاج
إليه؛ حلاجة حلقته أو ضرورة أرهقته ,فيجوز أيضا ,إال أن يعتقد رجحان إمامه,
ويعتقد تقليد األعلم ,فيمتن ,وهو صعب ,واألوىل اجلواز ,الرابعة أن ال تدعوه إىل
ذلر ضرورة وال حاجة ,بد جمر قصد اليخص ,من غري أن يغلب عل ظنه
411
رجحاعه ,فيمتن ؛ ألعه حينئذ متب واه ال للدين ,اخلامسة أن يكثر منه ذلر,
وجيعد اتباع الرخص يدعه ,فيمتن ؛ ملا قلناه وز ة فحشه ,السا سة أن جيتم من
ذلر حقيقة مركبة ممتنعة إلمجاع ,فيمتن ,8السابعة أن يعمد بتقليده األول,
كاحلنفي يدعي بشفعة اجلوار ,فيأخذها مبذهب أيب حنيفة ,مث تستح عليه,
فرييد أن يقلد الشافعي ,فيمتن منها ,فيمتن ؛ لتحق خطئه إما يف األول وإما يف
الثاين ,7وهو خص واحد مكلف".3
وملخص ما تقدِ يف حكم األخذ لرخص الفقهية يتمثد يف النقاط التالية:
.8أن يكون اآلخذ لرخصة عاميا ,مل يتمذهب مبذهب معني ,وإمنا أيخذ أبقوال
العلماء حسبما اتف له ,بدون تتب لرخصهم ,فيجوز له األخذ لرخصة ,أما
إن كان يتتب رخصهم فيحرِ عليه.
.7أن يكون اآلخذ لرخصة متمذهبا مبذهب معني ,وكاع الرخصة يف مذهبه,
فيجوز له األخذ ِبا ,ما مل يعتقد مرجوحيتها.
.3أن تكون الرخصة يف غري مذهبه ,ولكنه اعتقد رجحاهنا؛ لقوة ليلها مثال,
فيجوز له األخذ ِبا أيضا.
.4أن تكون الرخصة يف غري مذهبه ,واحتاج إىل األخذ ِبا؛ لضرورة أو حاجة,
فيجوز له األخذ ِبا أيضا.
481
.2وأخذ بقول اجلمهور -إال املالكية -يف عدِ وجوب زكاة األععاِ غري
السائمة.
.1وأخذ بقول احلنفية واملالكية بسنية العمرة ,فلم يؤ ها طيلة حياته رغم علمه
بفرضيتها عل مذهيب الشافعية واحلنابلة.8
فهذا عد قليد من رخص الفقهاء ,وينتج من تتبعها أ اء صالة الفريضة
منفر ا يف البي ,ومثلها أ اء صالة اجلمعة ظهرا ,وترك صالة العيدين ,وعدِ أ اء
زكاة احللي والفواكه واخلضروات واألععاِ غري السائمة وأموال الصيب واجملنون ,وعدِ
اإلتيان لعمرة ,... ,إخل.
وينبغي أن يعلم أن كد تلر الرخص الفقهية السابقة أقوال صحيحة معتمدة
يف مذاهب أصحاِبا ,وليس أقواال مرجوحة أو اذة أو ضعيفة أو مهملة ,كما
أن األخذ ِبا ال ينتج عنه تلفي يف التقليد ,بد إن كد رخصة منفكة عن األخر ,
وم ذلر فإن تتبعها ينتج عنه احنالل عن التكاليف الشرعية ,وبناء عل هذا فقد
اتف مجهور العلماء عل حرمة تتب رخص العلماء ,وعقد بعضهم اإلمجاع عليه,
وقد قدمنا سابقا بعض عصوصهم.
اختار أيسرمها ما ل يكن إمثا
من األ لة اليت يستدل ِبا أصحاب املنهج التيسريي -وعل رأسهم الشيخ
القرضاوي - 7احلديث الصحيح الوار عن أِ املؤمنني عائشة رضي هللا عنها أهنا
.8لالستزا ة اع ر كتب الفقه املذهيب املقارن ,ككتاب بداية اجملتهد البن ر د وجمموع النووي ومغين ابن
قدامة وغريها.
.7اع ر كتابه الفتو بني االعضباط والتسيب (.)812
488
قال " :ما هلخري رسول هللا بني أمرين إال أخذ أيسرمها ما مل يكن إمثا ,فإن كان
إمثا كان أبعد النام منه" ,8ففهموا أن تتب األيسر واألسهد من اآلراء الفقهية
االجتها ية منهج عبوي صحيح.
خيري النيب
ولكن التخيري املذكور يف هذا احلديث لي املقصو منه أن َّ
بني رأيني فقهيني اجتها يني مما اختلف فيه الفقهاء :أحدمها حراِ واآلخر حالل,
أو أحدمها واجب واآلخر جائز ,أو أن يف املسألة عدة أقوال ,فيختار النيب
أسهلها وأيسرها عل عفسه ,وذلر ألن النيب هو املشرع الذي ينهد الفقهاء
من معينه وسنته ,وهو الذي يقرر ويهلشرع األحكاِ بوحي هللا إليه ,ومل تكن
أمامه أقوال للفقهاء ,ينتقي منها األيسر واألسهد ,كما فهم متتبعو الرخص.
ولكن املقصو من ختيري النيب املذكور يف حديث عائشة رضي هللا عنها
ثالثة أمور:
.8التخيري يف أمور الدعيا ,كأن أيكد من الطعاِ ما تيسر ,فقد قال
أليب ا يثم بن التيهان - ملا جاءه بعذق ,فيه بسر ورطب ومتر " :-أال كن
اجتني " – أي اعتقي من العذق ما تيسر ,فقال :أحبب أن تكوعوا الذين
ختتارون عل أعينكم ,مث أخذ الشفرة ,فقال له النيب " :إ ك واحللوب".7
.7التخيري الذي ي هر فيه حسن اخلل والرمحة لنام ,ومن أبرز م اهره
عفوه عن جهلة املسلمني ,كعفوه عمن تكلم يف الصالة ,3وعفوه عمن
.8رح صحيح مسلم للنووي ,ب مباعدته ,واختياره من املباح أسهله ,واعتقامه هلل عند اعتهاك
حرماته.
.7فتح الباري البن حجر ,ب صفة النيب .
484
وفيه أتليف من قـ هلرب إسالمه ,وترك التشديد عليهم ,وكذلر من قارب البلوغ من
الصبيان ,ومن بلغ ,ومن اتب من املعاصي ,كلهم يتلطف ِبم ,ويهلد َّرجون يف أعواع
الطاعة قليال قليال ,وقد كاع أمور اإلسالِ يف التكليف عل التدريج ,فمىت يسر
عل الداخد يف الطاعة أو املريد للدخول فيها سهل عليه ,وكاع عاقبته غالبا
التزايد منها ,ومىت عسرت عليه أو ر أن ال يدخد فيها ,وإن خد أو ر أن ال
يدوِ أو ال يستحليها".8
ضوابط علمية لالستفادة من املذاهب الفقهية
قرران يف فصد ساب أعه جيوز للمسلم التزاِ عامل -أو مذهب -بعينه,
وجيوز له عدِ االلتزاِ أيضا ,وحيصد ذلر أبن ال يلتزِ بعامل -أو مذهب -معني,
وإمنا يستفيت عدة علماء فيما ينزل به من عوازل.
فإذا تعد العلماء -أو املذاهب -أماِ املستفيت فإعه جيوز له التزاِ عامل -
أو مذهب -بعينه؛ إما لعلمه وعدالته وورعه ,أو ألعه األقرب واأليسر له,
واألفضد استفتاء األفقه واألورع؛ ألمهية التوث يف أن الفتو .
قال اإلماِ أبو إسحاق الشريازي رمحه هللا -بعد أن عبه عل وجوب معرفة
حال املفيت يف الفقه واألماعة " :-فإذا عرف أعه فقيه ع ر ,فإن كان -أي املفيت
-وحده قلده ,وإن كان هناك غريه فهد جيب عليه -أي املستفيت -االجتها ؟
فيه وجهان :من أصحابنا من قال :يقلد من اء منهم ,وقال أبو العبام والقفال:
.8رح صحيح مسلم للنووي ,ب "أتمري اإلماِ األمراء عل البعوث ,ووصيته إ هم آب اب الغزو
وغريها".
485
يلزمه االجتها يف أعيان املفتني ,فيقلد أعلمهم وأورعهم ,واألول أصح؛ ألن الذي
جيب عليه أن يرج إىل قول عامل ثقة ,وقد فعد ذلر ,فيجب أن يكفيه".8
وقد قرر الفقهاء أن عل املستفيت أن خيتار من أقوال املفتني قوال جتتم فيه
بقية أقوا م إن أمكنه ,وإال فليأخذ أل د؛ احتياطا لدينه ,وله أن أيخذ أليسر
عليه ,قال اخلطيب البغدا ي رمحه هللا" :وإذا اختلف جواب املفتني عل وجهني,
فينبغي للمستفيت أن جيم بني الوجهني إذا أمكنه ذلر؛ لالحتياط واخلروج من
اخلالف ,مثاله أن يفتيه بعض الفقهاء أن الفرض عليه يف الطهارة مسح مجي
رأسه ,ويفتيه بعضهم أعه جيزئه مسح بعض الرأم وإن قد ,فإذا مسح مجيعه كان
مؤ فرضه عل القولني مجيعا ,وأما إذا مل َيكنه اجلم بني وجهي اخلالف؛
لتنافيهما ,مثد أن يكون أحدمها حيد ويبيح ,واآلخر حيرِ وحي ر ,فقد قيد :يلزمه
أن أيخذ أبغلظ القولني وأ ده؛ ألن احل ثقيد ,... ,قال بعض احلكماء :إذا
أ كد علير أمران ,فلم تدر أيهما أ ىن إىل الصواب والسدا ,فاع ر أثقلهما
علير ,فاتبعه ,و ع ا و الذي هتو ,فإعر ال تدري ,لعد ا و هو الذي زينه
يف قلبر ,وحسنه عندك ,وقيد :أيخذ أبسهد القولني وأيسر األمرين؛ ألن هللا
بكم العهلسر" ,... ,وقيد :أيخذ بفتو
بكم اليهلسر وال يهلريد هل
يد هللا هل
تعاىل قال" :يهلر هل
أفضلهما عنده يف الدين والعلم وأورعهما".7
وقد فهم بعض النام من جواز عدِ التزاِ عامل أو مذهب معني أن م حرية
التنقد من عامل أو مذهب آلخر ,حسب رغباهتم و هواهتم ,حىت لو كان ذلر
.8رواه أبو او ,ورواه أمحد وأبو او وابن ماجه عن ابن عبام .
489
وقد وق اخلالف يف صفة العامل الذي جيب أن يهلسأل ,أهو األعلم ,أِ
يكفي سؤال عامل أهد لإلفتاء -م وجو أعلم منه ,-قال اخلطيب البغدا ي
رمحه هللا" :إذا مل َيكنه -أي املستفيت -اجلم بني وجهي اخلالف؛ لتنافيهما,
,...فقد قيد :يلزمه أن أيخذ أبغلظ القولني وأ ده ,... ,وقيد :أيخذ أبسهد
القولني وأيسر األمرين ,... ,وقيد :أيخذ بفتو أفضلهما عنده يف الدين والعلم,
وأورعهما ,ويلزمه االجتها يف تعريف ذلر من حا ما".8
فمن العلماء من ا يط أن يكون املفيت أعلم أهد زماعه؛ خلطورة أن
الفتو ,فقد قال اجلصاص رمحه هللا (321-315هـ)" :فإذ قد ثب أن عل
العامي مسألة أهد العلم بذلر ,فلي خيلو إذا كان عليه ذلر من أن يكون له أن
يسأل من اء منهم ,أو أن جيتهد ,فيسأل أوثقهم يف عفسه وأعلمهم عنده ,فقال
بعض أهد العلم :له أن يسأل من اء منهم من غري اجتها يف أوثقهم يف عفسه
وأعلمهم عنده ,وقال آخرون :ال جيوز له اإلقداِ عل مسألة من اء منهم إال
بعد االجتها منه يف حا م ,مث يقلد أوثقهم لديه وأعلمهم عنده ,فإن تساووا عنده
أخذ بقول من اء منهم ,وهذا القول هو الصحيح عندان؛ وذلر ألن عليه
االحتياط لدينه ,وهو قد َيكنه االجتها يف تغليب األفضد واألعلم يف ظنه,
وأوثقهم يف عفسه ,فغري جائز إذا أمكنه االحتياط مبثله أن يعدل عنه ,فيقلد بغري
اجتها منه".7
.8أسىن املطالب للقاضي زكر األعصاري ( ,)718/4واع ر البحر احمليط للزركشي (,)335/1
واإلعصاف للمر اوي ( ,)895/88واملوسوعة الفقهية الكويتية (.)833/83
.7املستصف لإلماِ الغزايل (.)323
477
تقليد غريه ,وإن كان ال يلزمه البحث عن األعلم ,... ,واعيض أبن العامي ال
عبة عتقا ه؛ إذ قد يعتقد املفضول فاضال؛ إذ ال متييز له".8
واألصح أن القول بوجوب سؤال األعلم أمر عسري من الناحية العملية؛ ألن
العامي ال يعرف العلم الشرعي وأعواعه وميا ينه ,فكيف سيعرف األعلم من بني
عد كبري من العلماء؟!
قال الزركشي رمحه هللا" :واعلم أان حيث قلنا جلواز -أي جواز االعتقال
من مذهب آلخر يف مسألة معينة ,-فشرطه أن يعتقد -أي املقلد -رجحان
ذلر املذهب الذي قلد يف هذه املسألة ,وعل هذا فلي للعامي ذلر مطلقا؛ إذ
ال طري له إليه".7
وقال الكمال ابن ا ماِ رمحه هللا (138-291هـ)" :والعامي ال عبة مبا
يق يف قلبه من صواب احلكم وخطئه ,وعل هذا إذا استفىت فقيهني ,أعين
جمتهدين ,فاختلفا عليه ,األوىل أن أيخذ مبا َييد إليه قلبه منهما ,وعندي أعه لو
أخذ بقول الذي ال َييد إليه قلبه جاز؛ ألن ميله وعدمه سواء ,والواجب عليه
تقليد جمتهد ,وقد فعد ,أصاب ذلر اجملتهد أو أخطأ".3
كما أن االقتصار عل سؤال األعلم فقط -يف حالة االتفاق عليه -
سيؤ ي إىل مشقة كبرية عل ذلر العامل ,إذ سيتوجه عامة النام أبسئلتهم
. 8رواه الطباين يف معامجه الثالثة ,ويف رواية" :و عيا تقط أعناقكم" ,قال ا يثمي يف اجملم ()444/8
عنها :وفيه عبد احلكيم بن منصور ,وهو ميوك احلديث ,اعته ,ويف رواية" :والتكذيب لقدر" ,بدل
الثالثة ,قال ا يثمي يف اجملم ( ) 485/2عنها :فيه معاوية بن حيىي الصديف ,وهو ضعيف ,واع ر الفتاو
الكب البن تيمية ( ,)94/3وإعالِ املوقعني البن القيم (.)837/7
.7فيض القدير للمناوي (.)717/8
.3رواه الدارمي ,واع ر فتح العلي املالر للشيخ عليش (.)21/8
471
املشتهرات -أو املشبهات -اليت يقال ا :ما هذه!؟ وال يثنينر -أو ينئينر -
ذلر عنه؛ فإعه لعله أن يراج ,وتل َّ احل إذا عته ,فإن عل احل عورا".8
وقد اتفق كلمة العلماء عل أعه ال جيوز اتباع العلماء يف زالهتم
وسقطاهتم؛ ألن اخلطأ الواضح ال يكون صوا إذا صدر من أي عامل ,قال اإلماِ
األوزاعي رمحه هللا " :هلجيتنب أو ييك من قول أهد العراق مخ ,ومن قول أهد
احلجاز مخ ,من قول أهد العراق :رب املسكر ,واألكد عند الفجر يف
رمضان ,وال مجعة إال يف سبعة أمصار ,وأتخري صالة العصر حىت يكون ظد كد
يء أربعة أمثاله ,والفرار يوِ الزحف ,ومن قول أهد احلجاز :استماع املالهي,
واجلم بني الصالتني من غري عذر ,واملتعة لنساء ,والدرهم لدرمهني والدينار
لدينارين يدا بيد ,وإتيان النساء يف أ رهن".7
وقال اإلماِ أمحد رمحه هللا" :لو أن رجال عمد بقول أهد الكوفة يف النبيذ,
وأهد املدينة يف السماع ,وأهد مكة يف املتعة ,كان فاسقا" ,3وقال القاضي
إ اعيد بن إسحاق رمحه هللا (713-899هـ)) " :خل مرة عل اخلليفة
العباسي املعتضد هلل ,فدف إيل كتا ,فن رت فيه ,فإذا قد مج له فيه الرخص
من زلد العلماء ,فقل :مصنف هذا زعدي ,فقال :أمل تصح هذه األحا يث؟
قل :بل ,ولكن من أ ح املسكر مل يبح املتعة ,ومن أ ح املتعة مل يبح الغناء,
.8رواه أبو او ,واع ر مصنف ابن أيب يبة ( ,)784/2وإعالِ املوقعني البن القيم (.)778/3
.7معرفة علوِ احلديث للحاكم (.)35
.3إر ا الفحول للشوكاين (.)727
479
وما من عامل إال وله زلة ,ومن أخذ بكد زلد العلماء ذهب ينه ,فأمر املعتضد
لكتاب ,فأحرق".8
وقال اإلماِ ابن الصالح رمحه هللا" :لي كد خالف يهلسيوح إليه ,ويهلعتمد
عليه ,ومن يتَّب ما اختلف فيه العلماء وأخذ لرخص من أقاويلهم ,تزعدق أو
كا ".7
وقال الذهيب رمحه هللا" :ومن تتب رخص املذاهب وزالت اجملتهدين فقد َّ
رق
ينه ,كما قال األوزاعي أو غريه" :من أخذ بقول املكيني يف املتعة ,والكوفيني يف
النبيذ ,واملدعيني يف الغناء ,والشاميني يف عصمة اخللفاء ,فقد مج الشر" ,وكذا من
أخذ يف البيوع الربوية مبن يتحيد عليها ,ويف الطالق وعكاح التحليد مبن توس
فيه ,و به ذلر ,فقد تعرض لالحنالل".3
وقد اعتمد العلماء يف حترمي اتباع زالت العلماء وسقطاهتم عل عصوص
صحيحة صرحية ,فمن ذلر حديث النوام بن عان أن رجال سأل رسول
هللا عن الب واإلمث ,فقال النيب " :الب حسن اخلل ,واإلمث ما حاك يف
عفسر -أو صدرك ,-وكره أن يطل عليه النام".4
.8سري أعالِ النبالء للذهيب ( ,)435/83والبداية والنهاية البن كثري ( ,)811/88والفروع البن مفلح
( ,)783/3واع ر املوسوعة الفقهية الكويتية ( )834/77و (.)35/37
.7فتاو ابن الصالح (.)511
.3سري أعالِ النبالء للذهيب (.)91/1
.4رواه البخاري -يف األ ب -ومسلم وأمحد واليمذي واحلاكم ,قال املناوي" :استدركه احلاكم ,فوهم,
وعجب ذهول الذهيب عنه يف اختصاره" ,اع ر فيض القدير (.)781/3
431
ومنها حديث أيب ثعلبة اخلشين قال :رسول هللا ,أخبين مبا حيد يل
وصوب فيه البصر ,فقال " :الب ما سكن وما حيرِ علي ,فصعَّد النيب َّ ,
إليه النف ,واطمأن إليه القلب ,واإلمث ما مل تسكن إليه النف ,ومل يطمئن إليه
القلب ,وإن أفتاك املفتون".8
ومنها حديث وابصة بن معبد قال :أتي رسول هللا ,وأان أريد أن ال
أ ع يئا من الب واإلمث إال سألته عنه ,... ,فقال " :وابصة ,أخبك ما جئ
تسألين عنه ,أو تسألين"؟ فقل :رسول هللا ,فأخبين ,قال" :جئ تسألين عن
الب واإلمث" ,قل :ععم ,فجم أصابعه الثالث ,فجعد ينك ِبا يف صدري,
ويقول " :وابصة ,استف عفسر ,الب ما اطمأن إليه القلب ,واطمأع إليه
النف ,واإلمث ما حاك يف القلب ,وتر يف الصدر ,وإن أفتاك النام وأفتوك".7
فقد ل هذه األحا يث عل أن املستفيت قد جيد يف جواب املفيت ما يبيح
حمرما ,أو يسقط عنه فرضا ,ولكنه جيد يف قلبه حرجا وضيقا وقلقا وعدِ ارتياح له َّ
لفتواه؛ ملعارضته عصا يعرفه ,أو ملخالفته ملا هو متعارف عليه عند النام ,أو ملنافاته
للفطرة السليمة ,أو لتناقضه م املبا ئ األساسية ,أو لغري ذلر ,ويعلم أن أماثد
النام لو اطلعوا عليه ألعكروه ,ولتعجبوا منه ,ولتساءلوا عنه ,فيجب عليه الييث
.8اع ر أثر احلديث يف اختالف األئمة الفقهاء ( ,)93وأ ب الرأي ( ,)15كالمها للشيخ حممد عوامة,
فقد حتدث فيهما عن عوا ر العلماء ,وسهاِ طائشة عن الفقه للشيخ وهيب سليمان غاوجي ( ,)59فقد
تطرق لزالت العلماء وتتب الرخص.
.7للتوس يف معرفة بعض زالت العلماء واملسائد الشاذة اع ر كتاب القول الشاذ وأثره يف الفتيا للشيخ
.أمحد سري املباركي ,فقد ذكر منها :القول بتقدمي املصلحة عل النص ,وإ حة الغناء واملعازف ,وإ حة
تصوير التماثيد ,والقول أبن ية املرأة تساوي ية الرجد ,والقول حبد املطلقة ثالاث لزوجها األول مبجر
العقد عل الثاين ,والقول جبواز تويل املرأة منصب القضاء ,وإ حة ر الفضد ,وإ حة عكاح املتعة.
.3رواه مسلم وأمحد وابن ماجه.
437
وقد كاع إ حته للمتعة؛ استنا ا عل اإل حة املتقدمة قبد النسخ -
ومل يبلغه النسخ ,-وقياسا عل أكد امليتة للمضطر ,وقد حكم العلماء بعدِ
صحة قياسه ؛ ألن أكد امليتة أبيح لقياِ احلياة ,وبدوعه تتلف النف ,أما
الشهوة فيمكن كسرها لصوِ وحنوه.
مث رج عن فتواه بعد ذلر ملا روج فيها ,وقال" :إان هلل وإان إليه
راجعون ,وهللا ما ِبذا أفتي ,وال هذا أر ت ,وال أحلل منها إال ما أحد هللا من
امليتة والدِ وحلم اخلنزير" ,8وقد أمج علماء أهد السنة واجلماعة عل حرمته ,ومل
يشذ إال بعض فرق املبتدعة.7
أما رب النبيذ فاملقصو به عصري غري العنب ,فقد قصر الكوفيون حرمة
اخلمر عل عصري العنب ,قليال كان أو كثريا ,أسكر أو مل يسكر ,وأ حوا ما سواه
حمرِ عندهم.
إذا كان قليال ال يسكر ,إما إذا كان كثريا مسكرا فإعه َّ
وقد خالفهم مجهور العلماء؛ لقوله " :كد راب أسكر فهو حراِ",3
ولقوله " :كد مسكر مخر ,وكد مسكر حراِ" ,4ولقوله " :ما أسكر كثريه
.8رواه الطباين يف الكبري ,قال ا يثمي يف اجملم (:)412/4وفيه احلجاج بن أرطاة ,وهو ثقة ,ولكنه
مدل ,وبقية رجاله رجال الصحيح.
. 7رح صحيح مسلم للنووي ,ب عكاح املتعة ,وفتح الباري البن حجر ,ب هني رسول هللا عن
عكاح املتعة آخرا ,وتفسري القرطيب والسيوطي لآلية ( )74من سورة النساء ,وبداية اجملتهد البن ر د
( ,)51/7وزا املعا البن القيم ( ,)91/5وغريها من كتب الفقه.
.3رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه.
.4رواه مسلم وأمحد والنسائي وأبو او واليمذي وابن ماجه.
433
فقليله حراِ" ,8فهذه األحا يث الصحيحة وأ باهها مصرحة بتحرمي مجي األعبذة
املسكرة ,قلَّ أو كثرت ,أسكرت أو مل تسكر ,وأهنا كلها تسم مخرا ,سواء يف
ذلر عبيذ التمر أو الرطب أو البسر أو الزبيب أو الشعري أو الذرة أو العسد أو
غريها ,وهو قول مجاهري العلماء من السلف واخللف.7
أما اع الغناء فقد اتف العلماء عل حرمة ما يشي الفواحش ,أو يصف
حماسن النساء ,أو يرغب يف رب اخلمر ,أو يستهني بشعائر الدين ,وما اِبها,
واتفقوا عل جواز الغناء يف األعرام للنساء ,أو اإلعشا مبعاين الزهد واجلها وما
اِبها.
أما الغناء املختلف فيه فهو الذي مج الصفات األرب التالية:
األوىل أن يذكر فيه ا و والشوق والغراِ ,حبيث ال يثري الشهوات والغرائز ,وال
تذكر فيه النساء ,وإال كان حراما.
الثاعية أن يكون فيه أحلان وأوزان ومتديد ومتطيط ,فإن كان حداء وإعشا ا فهو
عوع كالِ ,فله حكمه.
الثالثة أن يؤ يه من جتوز رؤيته و اع صوته كالرجال واجلواري الصغار ,فإن
أ اه النساء فهو حراِ.
الرابعة أن ال يكون مبصاحبة آالت و ,وإال فهو حراِ ,إال الدف.
.8األِ للشافعي ( ,)773/3واحملل البن حزِ ( ,)312/3و رح صحيح مسلم للنووي ,ب الرخصة
يف اللعب الذي ال معصي ة فيه يف أ ِ العيد ,وفتح الباري البن حجر ,ب احلراب والدرق يوِ العيد,
و ب من مل يتغن لقرآن ,و ب ضرب الدف يف النكاح والوليمة ,و ب ما جيوز من الشعر والرجز
واحلداء وما يكره منه ,وتفسري الطبي والقرطيب لآلية ( )27من سورة الفرقان ,واآلية ( )3من سورة
لقمان ,والفتاو الكب الفقهية البن حجر ا يتمي ( ,)353/4وبريقة حممو ية للخا مي (,)57/4
وحا ية العدوي عل الكفاية ( ,)433/7واملوسوعة الفقهية الكويتية ( ,)13/4وغريها.
.7رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي واليمذي.
435
ومنها قوله " :الذهب لذهب ,والفضة لفضة ,والب لب ,والشعري
لشعري ,والتمر لتمر ,وامللح مللح ,مثال مبثد ,يدا بيد ,فمن زا أو استزا فقد
أرىب ,واآلخذ واملعطي سواء".8
ومنها قوله " :الذهب لذهب ,والفضة لفضة ,والب لب ,والشعري
لشعري ,والتمر لتمر ,وامللح مللح ,مثال مبثد ,سواء بسواء ,يدا بيد ,فإذا
7
اختلف هذه األصناف فبيعوا كيف ئتم ,إذا كان يدا بيد".
وأ هر من خالف فيه قبد اععقا اإلمجاع عل حرمته عبدهللا بن عبام
وعد من التابعني يف احلجاز ,فقد كان ال ير أبسا بصرف الذهب لذهب
متفاضال ,زماان من عمره ,ما كان منه يدا بيد ,وكان يقول" :إمنا الر يف
النسيئة".3
وقد رج عن قوله جبوازه ,فقد لقيه أبو سعيد اخلدري ,فقال له:
" ابن عبام ,أال تتقي هللا ,إىل مىت توكد النام الر ,أما بلغر أن رسول هللا
قال ذات يوِ -وهو عند زوجته أِ سلمة رضي هللا عنها " :-أين أل تهي متر
عجوة" ,فبعث صاعني من متر إىل رجد من األعصار ,فجاء بدل صاعني صاعا
من متر عجوة ,فقدمته إىل رسول هللا ,فلما رآه أعجبه ,فتناول مترة ,مث أمسر,
فقال" :من أين لكم هذا"؟ فقال أِ سلمة :بعث صاعني من متر إىل رجد من
األعصار ,فأاتان بدل صاعني هذا الصاع الواحد ,وهاهو هلكد ,فألق التمرة بني
.8رواه احلاكم.
.7سنن اليمذي ,ب ما جاء يف الصرف ,و رح املوطأ -برواية حممد بن احلسن -للكنوي ,كتاب
الصرف وأبواب الر ,و رح صحيح مسلم للنووي ,ب بي الطعاِ مثال مبثد ,وفتح الباري البن حجر,
ب الدينار لدينار عساء ,وبداية اجملتهد البن ر د ( ,)893-895/7واملغين البن قدامة (,)57/3
والفروق للقرايف ( ,)759/3وغريها من كتب الفقه واحلديث.
.3فيض القدير للمناوي (.)489/7
432
إ َّان جعلناك خليفة يف األرض فاحكم بني النام حل وال تتَّب ا و فيهلضلَّر عن
سبيد هللا".8
وملا مات عمر بن عبد العزيز رمحه هللا أرا اخلليفة من بعده أن َيشي عل
سنته ,حىت هد له أربعون يخا أبن اخلليفة ال حساب عليه وال عقاب.7
وقال مسلمة بن عبدامللر (871-...هـ) أليب حازِ رمحه هللا (-...
841هـ)" :ألستم أهلمرمت بطاعتنا بقوله تعاىل" :وأهلوىل األمر منكم"؟ فقال" :ألي قد
عزع عنكم إذا خالفتم احل بقوله تعاىل" :فإن تنازعتم يف يء هلفرُّوه إىل هللا
والرسول"3؟!
والصحيح أعه ال عصمة للخلفاء ,وال لغريهم من البشر ,إال ألعبياء هللا ,
ولذلر فإن طاعة اخللفاء مشروطة أبن ال تكون يف معصية هللا ,فقد قال
":السم والطاعة عل املرء املسلم فيما أحب وكره ,ما مل يؤمر مبعصية ,فإن أهلمر
مبعصية فال عليه وال طاعة" ,4وقال " :ال طاعة ألحد يف معصية هللا ,إمنا
الطاعة يف املعروف".5
441
سائر ما يقول به من النجاسات ,كاملين ,8ويلزمه أن يراعي مذهبه يف الطهارة,
كالوضوء والغسد ,فيمسح رأسه كله يف وضوئه ,ويوايل يف وضوئه وغسله ,ويدلر
أعضاءه فيهما ,7وكذلر يلزمه أن يراعي مذهبه يف الصالة ,فيأ جبمي ما يوجبه
فيها ,ومىت مل يفعد ذلر ,كأن مسه كلب فلم يسب ,مث مسح بعض رأسه يف
وضوئه وصل ,كاع صالته طلة إلمجاع؛ ألعه مل جير عل ما قاله الشافعي
وحده ,وال عل ما قاله مالر وحده ,وإمنا لف بني املذهبني ,فكاع
طهارته من النجاسة عل مذهب مالر ,ووضوؤه عل مذهب الشافعي ,وكد من
الطهارتني مشيط للصالة ,فلم يهلصد عل واحد من املذهبني ,ألعه مىت حصد
تلفي يف التقليد كان التقليد طال ,وكذا املأ به ملفقا طد إلمجاع كما مر,
فليتفطن ذه القاعدة ,فإن كثريين يقلدون األئمة يف بعض املسائد ,وال يراعون
ذلر ,فيقعون يف ورطة التلفي ,فتبطد أفعا م إلمجاع".3
وقد عقد اإلماِ القرايف رمحه هللا (314-373هـ) عن اإلماِ الزان رمحه هللا
(381-...هـ) أعه قال" :جيوز تقليد املذاهب يف النوازل واالعتقال من مذهب إىل
مذهب بثالثة روط :أحدها أن ال جيم بينهما عل وجه خيالف اإلمجاع ,كمن
تزوج بال صداق وال ويل وال هو ,فإن هذه الصورة مل يقد ِبا أحد ,وأن يعتقد
.8ير املالكية طهارة الكلب ,ويرون اسة املين ,فمن أصابه أثر كلب فقلَّدهم لزمه أن ال يصيبه أثر
مين ,اع ر بلغة السالر للصاوي ( )54/8و (.)15/8
. 7ير املالكية يف الوضوء وجوب مسح مجي الرأم واملواالة و لر األعضاء ,علما أبن املواالة والدلر
ليس حمد إمجاع علماء املذهب ,اع ر حا ية الدسوقي عل الشرح الكبري (.)15/8
.3الفتاو الكب الفقهية البن حجر ا يتمي ( ,)23/4واع ر كذلر ( )873/8و ( )758/8و
( ,)375/4وحتفة احملتاج له ( ,)741/2واملوسوعة الفقهية الكويتية (.)793/83
448
يف مقلَّده الفضد بوصول أخباره إليه ,وال يقلده رمياً يف عماية ,وأال يتتب رخص
املذاهب".8
ومعىن كالمه أن الزواج جائز بدون ويل عند احلنفية ,وجائز بدون هو -
عند إجراء العقد -عند املالكية ,7أما بدوهنما فإن عقد النكاح غري جائز تفاق
العلماء ,و لتايل فإن تقليد عامل يف جزء من عقد النكاح ,وتقليد عامل آخر يف جزء
آخر منه ,يهلنتج صورة عقد عكاح خمالف إلمجاع العلماء.
وقد أجاز بعض العلماء تلفي التقليد يف القضية الواحدة إذا حصد اتفاقا,
ون أن يكون الباعث عليه تتب رخص العلماء ,فقد عقد الدسوقي رمحه هللا عن
الشبخييت رمحه هللا (8813-...هـ) أعه َيتن تتب رخص املذاهب ,مث قال
الدسوقي" :وفيه -أي تتب الرخص -أيضا امتناع التلفي ,والذي عناه من
يخنا -أي العدوي ,-عقال عن يخه الصغري وغريه أن الصحيح جوازه ,وهو
فسحة ,اعته ,و جلملة ففي التلفي يف العبا ة الواحدة من مذهبني طريقتان:
املن وهو طريقة املصاروة -أي املصريني ,-واجلواز وهو طريقة املغاربة ,ورجح
-أي طريقة املغاربة اجملوزة التلفي يف قضية واحدة .3-
.8رح تنقيح الفصول للقرايف ( ,)823/7واع ر البحر احمليط للزركشي ( ,)321/1وفيض القدير
للمناوي (.)719/8
. 7ير املالكية أن الشها ة يف النكاح ليس ركنا ,بد رط صحة ,فتجب قبد الدخول ,وتسن عند
ا لعقد ,فلو وجدت عنده مل حيتج إليها عند الدخول ,اع ر حا ية العدوي عل الكفاية (.)39/7
.3حا ية الدسوقي عل الشرح الكبري ( ,)71/8واع ر بلغة السالر للصاوي ( ,)89/8ومنح اجلليد
للشيخ عليش (.)71/8
447
وأجاز علماء آخرون تلفي التقليد يف القضية الواحدة للعامي الذي مل يتقيد
مبذهب فقهي معني ,بشرط أن ال يتتب رخص العلماء ,وإمنا أعه أن يسأل أي
عامل إذا عزل به انزلة ,فيتف له أحياان رخصة ,حبيث مل يتعمدها ,ومل يقصدها.
قال الشيخ مرعي بن يوسف الكرمي رمحه هللا (8133-...هـ)" :اعلم أعه
قد ذهب كثري من العلماء إىل من جواز التقليد حيث أ إىل التلفي من كد
مذهب؛ ألعه حينئذ كد من املذهبني أو املذاهب ير البطالن ,كمن توضأ مثال
ومسح عرة من رأسه؛ مقلدا للشافعي ,مث مل ذكره بيده؛ مقلدا أليب حنيفة ,فال
التعليد فيه
يصح التقليد حينئذ ,... ,وهذا وإن كان ظاهرا من حيث العقد ,و هل
واضح ,لكنه فيه حرج ومشقة ,خصوصا عل العواِ الذين عص العلماء عل أعه
لي م مذهب معني ,... ,والذي أذهب إليه وأختاره القول جبواز التقليد يف
التلفي ال بقصد تتب ذلر؛ ألن من تتب الرخص فس ,بد حيث وق ذلر
اتفاقا ,خصوصا من العواِ الذين ال يسعهم غري ذلر ,فلو توضأ خص ,ومسح
جزءا من رأسه؛ مقلدا للشافعي ,فوضوءه صحيح بال ريب ,فلو مل ذكره بعد
ذلر؛ مقلدا أليب حنيفة ,جاز ذلر؛ ألن وضوء هذا املقلد صحيح ,ومل الفرج
غري انقض عند أيب حنيفة ,فإذا قلده يف عدِ عقض ما هو صحيح عند الشافعي
استمر الوضوء عل حاله بتقليده أليب حنيفة ,وهذا هو فائدة التقليد ,وحينئذ فال
يقال :الشافعي ير بطالن هذا الوضوء؛ بسبب م الفرج ,واحلنفي ير
البطالن؛ لعدِ مسح رب الرأم فأكثر؛ ألهنما قضيتان منفصلتان8؛ ألن الوضوء
قد مت صحيحا بتقليد الشافعي ,ويستمر صحيحا بعد اللم بتقليد احلنفي,
445
ومن املسائد املتعلقة لعبا ات ما لو مسح افعي بعض رأسه يف وضوئه,
فقلد الشافعية يف صحة الوضوء ,مث أصابه أثر كلب ,فقلد املالكية يف طهارته,
فنتج من ذلر أن وضوءه صحيح عند الشافعية ,ولكنه يلزمه إزالة أثر الكلب؛
عندهم ,أما عند املالكية فرغم عدِ احلاجة إىل إزالة أثر الكلب؛ ألعه
لطهارته عندهم ,فإن وضوءه غري صحيح عندهم؛ لوجوب مسح كامد الرأم عل
مذهبهم.
ومن املسائد أيضا ما لو توضأ افعي وضوءا صحيحا ,مث سال منه ِ,
ومذهبه عدِ النقض به ,ولكنه احنرف قليال عن عني جهة الكعبة يف الصالة,
فقلد احلنفية يف صحة االحنراف اليسري عنها ,فوضوءه صحيح عند الشافعية,
ولكنه طد عند احلنفية؛ ألن خروج الدِ ينقض الوضوء عندهم ,أما استقباله فهو
صحيح عند احلنفية ,ولكنه طد عند الشافعية؛ لوجوب استقبال عني جهة
الكعبة عندهم بدون احنراف ولو يسريا ,ففي هذه الصور وأ باهها تر العلماء يف
صحة الصالة -أو الطاعة واملعاملة -؛ الرتباط الشروط ِبا ,وهاك بعض
عصوصهم ,ومنها يتبني بعض القائلني بكد من الرأيني.
فممن ير بطالن تلفي التقليد يف القضا املرتبط بعضها ببعض الفقيه ابن
حجر ا يتمي رمحه هللا ,فإعه عقد االتفاق عل ذلر ,فقال" :تقليد غري األئمة
األربعة ال جيوز يف اإلفتاء وال يف القضاء ,وأما يف عمد اإلعسان لنفسه فيجوز,
,...ويشيط معرفته مبذهب املقلَّد ,... ,وعدِ التلفي لو أرا أن يضم إليها أو
443
إىل بعضها تقليد غري ذلر اإلماِ؛ ملا تقرر أن تلفي التقليد ,كتقليد مالر يف عدِ
اسة الكلب ,والشافعي يف مسح بعض الرأم ,فمتتن اتفاقا ,بد قيد إمجاعا".8
ووافقه الفقيه عبدهللا أبو خمرمة رمحه هللا (913-133هـ) ,وزا فقال" :قد
صرح ِبذا الشرط الذي ذكرانه -أي عدِ تلفي التقليد -غري واحد من احملققني َّ
من أهد األصول والفقه ,منهم ابن قي العيد والسبكي ,وعقله اإلسنوي يف
التمهيد عن العراقي ,قل :بد عقله الرافعي يف "العزيز" عن القاضي حسني".7
ومبثله قال العالمة ابن عابدين رمحه هللا ,تعليقا عل قول الشيخ قاسم" :وأن
الرجوع عن التقليد بعد العمد طد اتفاقا" ,فقال ابن عابدين" :صرح بذلر
احملق ابن ا ماِ يف حتريره ,ومثله يف أصول اآلمدي وابن احلاجب ومج اجلوام ,
وهو حممول كما قال ابن حجر والرملي يف رحيهما عل املنهاج وابن قاسم يف
حا يته عل ما إذا بقي من آاثر الفعد الساب أثر يؤ ي إىل تلفي العمد بشيء,
ال يقول به كد من املذهبني".3
مث ع َّر ابن عابدين يف عو االتفاق -أي عل بطالن التقليد بعد العمد
,-فقال" :عل أن يف عو االتفاق ع را ,فقد هلحكي اخلالف ,فيجوز اتباع
القائد جلواز ,كذا أفا ه العالمة الشرعباليل يف العقد الفريد ,مث قال بعد ذكر فروع
من أهد املذهب ,صرحية جلواز ,وكالِ طويد :فتحصد مما ذكرانه أعه لي عل
.8الفتاو الكب الفقهية البن حجر ا يتمي ( ,)375/4واع ر كذلر ( )751/8و (,)371/4
وحتفة احملتاج له (.)42/8
.7فتح املعني للمليباري (.)781/4
.3حا ية ابن عابدين ( ,)25/8واع ر أيضا ( )511/3و ( ,)333/4فإعه عقد أن احلكم امللف طد
إلمجاع.
442
اإلعسان التزاِ مذهب معني ,وأعه جيوز له العمد مبا خيالف ما عمله عل مذهبه؛
مقلدا فيه غري إمامه ,مستجمعا روطه".8
وممن رأ صحة التلفي يف القضا املرتبط بعضها ببعض الفقيه وجيه الدين
ابن ز رمحه هللا ,فقد قال" :إن الذي فهمناه من أمثلتهم أن اليكيب القا ح إمنا
َيتن إذا كان يف قضية واحدة ,فمن أمثلتهم إذا توضأ ومل ؛ تقليدا أليب حنيفة,
وافتصد؛ تقليدا للشافعي ,مث صلَّ فصالته طلة؛ التفاق اإلمامني عل بطالن
ذلر ,وكذا إذا توضأ وم بال هوة؛ تقليدا لإلماِ مالر ,ومل يدلر؛ تقليدا
لإلماِ الشافعي ,مث صل فصالته طلة؛ التفاق اإلمامني عل بطالن طهارته,
خبالف ما إذا كان اليكيب من قضيتني ,فالذي ي هر أن ذلر غري قا ح يف
التقليد ,كما إذا توضأ ومسح بعض رأسه ,مث صل إىل اجلهة؛ تقليدا أليب حنيفة,
فالذي ي هر صحة صالته؛ ألن اإلمامني مل يتفقا عل بطالن طهارته ,فإن
اخلالف فيها حباله ,ال يقال :اتفقا عل بطالن صالته؛ ألان عقول :هذا االتفاق
عشأ من اليكيب يف قضيتني ,والذي فهمناه أعه غري قا ح يف التقليد ,... ,وقد
رأي يف فتاو البلقيين ما يقتضي أن اليكيب بني القضيتني غري قا ح".7
وقد قصر بعض العلماء هذا اخلالف يف املقلد املنتسب ملذهب إماِ معني,
أما العامي الذي مل يلتزِ ذلر فإعه جيوز له تلفي التقليد يف قضيتني -وإن كاعتا
ميابطتني ,-إذا مل يقصد ذلر ,ومل يتتبعه ,وممن عص عل ذلر الشيخ مرعي بن
.8حا ية ابن عابدين ( ,)25/8وقوله "مستجمعا روطه" يؤكد بطالن التلفي يف قضيتني مرتبطتني,
فبطالعه يف قضية واحدة أظهر.
.7فتح املعني للمليباري (.)781/4
441
يوسف رمحه هللا ,فإعه عص -كما تقدِ -عل جواز تلفي التقليد يف قضية
واحدة للعامي غري املنتسب ملذهب معني لشروط السابقة ,وعص كذلر عل
جواز تلفي التقليد يف قضيتني ,فقال" :الذي أذهب إليه وأختاره القول جبواز
التقليد يف التلفي ,ال بقصد تتب ذلر؛ ألن من تتب الرخص فس ,بد حيث
وق ذلر اتفاقا ,خصوصا من العواِ الذين ال يسعهم غري ذلر ,... ,وكذا لو قلد
العامي مالكاً وأمحد يف طهارة بول وروث ما يؤكد حلمه ,وكان قد ترك التدلير يف
مسح مجي الرأم م األذعني الواجب عند أمحد؛ وضوئه الواجب عند مالر ,أو ا
ألن الوضوء صحيح عند أيب حنيفة والشافعي ,والتقليد يف ذلر صحيح ,والروث
املذكور طاهر عند مالر وأمحد".8
ومهما يكن من خالف يف قضية تلفي التقليد يف قضيتني ,فإن االحتياط
يف األبضاع قضية مهمة للغاية ,أبن ال يلف بني مذهبني يف قضية تتعل
ستحالل أبضاع النساء ,فقد عقد الصاوي رمحه هللا (8748-8825هـ) عن
الشبخييت رمحه هللا أعه َيتن تتب رخص املذاهب ,مث قال" :وفيه أيضا من التلفي ,
والذي قاله يخنا األمري عن يخه العدوي عن يخه الصغري وغريه أن الصحيح
جوازه ,وهو فسحة ,لكن ال ينبغي فعلها يف النكاح؛ ألعه حيتاط يف الفروج ما ال
حيتاط يف غريها".7
وقد رفع مسألة إىل الشهاب الرملي رمحه هللا ,حاصلها أن رجال طل
زوجته ثالاث مكرها ,مث عكح أختها؛ اختيارا منه لقول اإلماِ أيب حنيفة بوقوع
.8حتفة احملتاج البن حجر ا يتمي ( ,)887/81واع ر البحر احمليط للزركشي (.)321/1
.7حا ية ابن عابدين (.)25/8
458
مذهب إماِ من أئمة املسلمني ,خصوصا إذا وق التلفي ابتداء ,أو كان بقصد
تتب الرخص ,واملقبول ما كان يف قضيتني خمتلفتني ,ال ارتباط بينهما ,كأن يقلد
مذهبا -أو يسأل عاملا -يف مسألة ,مث يقلد -أو يسأل -آخر يف مسألة
أخر ال ترتبط ألوىل ,أما التلفي يف قضيتني مرتبطتني فممنوع إن كان بقصد
تتب الرخص ,أو كان يف األبضاع ,وإال فاألوىل اجتنابه والبعد عنه ,وخصوصا
ألهد العزائم واالحتياط يف الدين.
رابعا :أال يعمل ابلقول وضده يف مسألة واحدة
يغلب هو النف ورغباهتا عل اإلعسان أحياان لدرجة يصد فيها إىل
التناقض يف األحكاِ واملواقف ,فيبيح لنفسه ما حيرمه عل اآلخرين ,مث تصد
األمور إىل ذروهتا مبحاولة تبير تناقضه وفسا مسلكه العتما عل فتاو
العلماء ,فيعمد يف عني مسألة واحدة برأيني متضا َّين صا رين من عاملني خمتلفني.
ومن أمثلة ذلر أن يقوِ إعسان ببي منزله ,فيقوِ جاره ملطالبة حبقه يف
الشفعة عل مذهب أيب حنيفة؛ ألعه جييز فعة اجلار ,فيأخذ املنزل لشفعة,
وحيوزه إىل ملكه ,مث يقوِ ببيعه بعد حني ,فيقوِ أحد جرياعه ملطالبة حبقه يف
الشفعة ,فيمتن من ذلر؛ تقليدا منه يف هذه املرة للشافعي يف عدِ جتويزه الشفعة
إال يف املشاع ,فهذه مسألة عمد فيها هذا اجلار بقولني متضا َّين يف عني مسألة
واحدة ,فمثد ذلر ممنوع عند العلماء؛ ألعه من التالعب أبحكاِ الدين؛ ملا
يشتمد عليه من التناقض يف مسألة واحدة من مكلف واحد.
457
ومثلها ما لو أخذ بشفعة اجلوار منزال؛ تقليدا أليب حنيفة ,مث عه بعد فية,
مث ا ياه ,فطالبه أحد جرياعه بشفعة اجلوار ,فأرا التمسر مبذهب الشافعي,
فلي له ذلر؛ ألعه عمد بقولني متضا ين يف عني مسألة واحدة.8
أما لو كان له منزالن ,فبي منزل جياور أحدمها ,فأخذه بشفعة اجلوار؛
تقليدا أليب حنيفة ,مث ع منزله اآلخر ,فأرا جاره أخذه لشفعة؛ تقليدا أليب
حنيفة ,فله التمسر مبذهب الشافعي يف من أخذ جاره لشفعة؛ ألهنما منزالن
خمتلفان ,وقد عمد يف كد واحد منهما بقول إماِ خمتلف.7
قال القليويب رمحه هللا" :جيوز العمد ملرجوح -أي مرجوح مذهبه الذي
يقلده -يف ح عفسه ,ال يف اإلفتاء والقضاء ,إذا مل جيم بني متناقضني ,كحد
وحرمة يف مسألة واحدة" ,3وعقد ابن عابدين رمحه هللا عن العالمة الشرعباليل رمحه
هللا (8139-994هـ) أعه جيوز ملقلد مذهب ما أن يعمد أبمرين متضا ين يف
حا ثتني ,ال تعل لواحدة منهما ألخر .4
خامسا :أال يتتبع رخص الفقهاء
هذا الضابط من أكثر ضوابط االستفا ة من الثروة الفقهية إ كاال؛ ألعه
يصرح لنهي عن تتب رخص الفقهاء ,فقد يتبا ر إىل الذهن -قبد التأمد -أعه
.8حتفة احملتاج البن حجر ا يتمي ( ,)42/8وفيض القدير للمناوي ( ,)787-719/8وحا ية ابن
عابدين (.)25/8
.7ينبغي مالح ة أن ال يكون يدعه تتب رخص العلماء؛ ليعمد ِبا وف مصلحته ,بد ينبغي أن يكون
عثه عليها ضرورة أو حاجة.
.3حا ية القليويب عل رح احمللي للمنهاج (.)83/8
.4حا ية ابن عابدين (.)25/8
453
يقتضي االبتعا عن الرخص الشرعية اليت أ حها الشرع احلنيف ,كالتيمم ,واملسح
عل اخلفني ,والصالة قاعدا للعاجز عن القياِ ,وقصر الصالة ومجعها للمسافر,
وللمقيم بعذر ,والفطر يف رمضان للمعذور ,وغري ذلر من الرخص الثابتة
لنصوص الصرحية.
ومن الثاب أن هذه الشريعة هي ريعة التيسري ,وأن احلرج والعسر
والتشديد منفي عنها ,فيتسرع بعض النام متسائال :كيف حترمون علينا ما أ حه
الرخص!؟ هللا لنا من اليسر و ُّ
ولذلر فإعه من املهم إعا ة توضيح معىن الرخصة املنهي عن تتبعها,
فاملقصو لرخصة الفقهية هي الرأي األيسر واألسهد الذي يصدره أحد الفقهاء
املؤهلني ,بناء عل اجتها ه وحبثه وع ره يف األ لة الشرعية ,ويبق رأيه حمتمال
للخطأ والصواب ,وكد خالف الفقهاء املتمكنني اخد يف هذه القاعدة ,ما اِ
خالفهم حمصورا يف الفروع ,ومبنيا عل األ لة ال نية يف ثبوهتا أو اللتها.
وقد مدح العلماء اإلفتاء لرخصة إذا صدر من عامل فقيه متمكن ,قال
سفيان الثوري رمحه هللا" :إمنا العلم عندان الرخصة من ثقة ,أما التشديد فيحسنه
كد أحد" ,8ومعىن كالمه أن اإلفتاء لرخصة أ د عل الفقيه من اإلفتاء
لتشديد؛ ألن املفيت إذا مل يتيقن من احلكم الشرعي ,إما لتكافؤ األ لة أو لعدِ
وجو ليد عص أو ألي سبب آخر ,فإعه -رمبا -يفىت لتشديد؛ ألعه يتضمن
.8جام بيان العلم وفضله ( ,)715واجملموع للنووي ( ,)43/8واع ر طرح التثريب للزين والويل العراقيني
(.)781/2
454
االحتياط يف الدين غالبا ,وقد حيجم عن اإلفتاء لرخصة؛ خوفا من تبعة فتواه
عليه يوِ القيامة.
فإن تساو املفتون فإعه جيوز للعامي أن أيخذ بفتو من اء منهم ,فقد
خيتار القول األغلظ؛ احتياطا لدينه ,وقد أيخذ أليسر؛ حلاجته ,وقد أيخذ برأي
األعلم أو األورع؛ القتناعه به ,وقد خيتار رأي أحبهم إليه ,وقد يي ,فيسأل
آخرين؛ لتز ا طمأعينته ,8وال يتصور عمليا -من وجهة ع ري -أن خيتار العامي
رأ من بني عدة آراء بدون سبب مرجح.
يسرة -احملتملة
وقد اختلف العلماء يف جواز األخذ ُّلرخص االجتها ية امل َّ
للصواب واخلطأ -اليت عتج عن اجتها ات العلماء املتمكنني ,مفرقني بني
العامي غري املتمذهب مبذهب فقهي معني واملتمذهب به ,وبني كون الرخصة يف
مذهبه أو يف غري مذهبه ,وبني كوعه يعتقد رجحاهنا أو يعتقد مرجوحيتها ,وبني أن
تدعوه حاجة لألخذ ِبا أو يكون قصده اليخص والتشهي ,وبني كوعه يكثر من
تتبعها أو يقد منه.
أوال :أما العامي غري املتمذهب مبذهب فقهي معني ,فله أن أيخذ برخص
العلماء الذين يفتوعه ,بشرط أن ال يتتب رخصهم ,أبن يكون أعه و يدعه ائما
أن يسأل عد ا من العلماء ,مث أيخذ أبيسر قول منهم عليه.
.8الفتاو الكب البن تيمية ( ,)93/5واآل اب الشرعية البن مفلح ( ,)834/8وكشاف القناع
للبهو ( ,)793/3ومطالب أويل النه للرحيباين ( ,)445/3واع ر لزاما تنقيح الفتاو احلامدية البن
عابدين ( ,)372/7فإعه عقد عن السيوطي كالما قيقا يف أغراض التحول من مذهب آلخر.
.7اجملموع للنووي ( ,)33/8وإحكاِ األحكاِ البن قي العيد ( ,)732/8وإعالِ املوقعني البن القيم
( ,)718/7وحا ية ابن عابدين ( ,)32/8وغريها.
.3الفروع البن مفلح (.)527/3
.4الفواكه الدواين للنفراوي (.)352/7
451
رابعا :فإ ان أكثر املتمذهب مبذهب معني األخذ لرخص يف غري مذهبه
بقصد اليخص والتشهي ,حبيث صار يتتب الرخص ,فإضافةً إىل حرمة فعله ,فقد
رأ بعض العلماء فسقه بشروط وضوابط.
فمن أقوال األئمة احلنفية يف ذلر ما قاله أبو البكات النسفي رمحه هللا" :وله
االعتقال -أي مقلد مذهب ما -من مذهبه ,لكن ال يتب الرخص ,فإن تتبعها
من املذاهب فهد يفس ,وجهان ,قال الشارح :أوجههما ال" ,8وعقد ابن أمري
احلاج رمحه هللا عن صالح الدين العالئي رمحه هللا (238-394هـ) قوله" :والذي
صرح به الفقهاء يف مشهور كتبهم جواز االعتقال -أي ملقلد مذهب ما -يف َّ
آحا املسائد ,والعمد فيها خبالف مذهب إمامه الذي يقلد مذهبه ,إذا مل يكن
عل وجه التتب للرخص".7
ومن أقوال األئمة املالكية ما قاله الشيخ عليش رمحه هللا (-8782
8799هـ)" :وأما تتب أخف املذاهب وأوفقها لطب الصائر إليها والذاهب فمما
ال جيوز ,فضال عن كوعه حمبو مطلو ,... ,وعن أيب حممد بن أيب زيد :من أخذ
بقول بعض األمصار مل أجرحه ,إال أن يكون اذا ,3ما مل أيخذ بكد ما وافقه من
.8البحر الرائ البن يم املصري ( ,)797/3والنص واضح يف من تتب الرخص ,وأن اخلالف حمصور
يف تفسيقه.
.7التقرير والتحبري البن أمري احلاج (.)358/3
.3أي كان زلة عامل ,وقد تقدِ الكالِ عن زالت العلماء ,وأعه ال جيوز اتباعهم فيها.
459
كد قائد ,وعلد ما ذكره ابن حزِ وأبو عمر من اإلمجاع عل من تتب رخص
املذاهب أبعه مؤ إىل إسقاط التكليف يف كد مسألة خمتلف فيها".8
ومن أقوال األئمة الشافعية ما قاله الشهاب الرملي رمحه هللا" :إن املذهب
من هل تتب الرخص ,أبن أيخذ من كد مذهب ما هو أهون عليه" ,7وقال القليويب
رمحه هللا" :جيوز -أي ملقلد مذهب ما -تقليد بقية األئمة األربعة ,وكذا غريهم,
ما مل يلزِ تلفي مل يقد به واحد ,كمسح بعض الرأم م اسة كلبية يف صالة
واحدة ,وما مل يتب الرخص ,حبيث تنحد ربقة التكليف من عنقه ,فإن فعد ذلر
أمث".3
ومن أقوال األئمة احلنابلة ما قاله ابن مفلح رمحه هللا" :وذكر بعض أصحابنا
يف فس من أخذ لرخص روايتني ,وإن قوي ليد -أي عل جوازها -أو كان
عاميا فال" ,4أي إن غري العامي ال جيوز له تتب الرخص إال إن قوي ليلها ,وقال
مرعي بن يوسف رمحه هللا" :ومن تتب الرخص بال حكم حاكم -أي قضاء قاض
-فس عصا".5
.8فتح العلي املالر للشيخ عليش ( ,)22/8واع ر كذلر ( ,)31/8والفواكه الدواين للنفراوي
( )74/8و ( ,)352/7وحا ية الدسوقي عل الشرح الكبري للدر ير ( ,)71/8وبلغة السالر للصاوي
(.)89/8
.7فتاو الشهاب الرملي (.)321/4
.3حا ية القليويب عل رح احمللي للمنهاج (.)83/8
.4الفروع البن مفلح ( ,)527/3واع ر اإلعصاف للمر اوي ( )893/88و (.)51/87
.5مطالب أويل النه للرحيباين (.)382/3
431
وقد انقش بعض العلماء روط احلكم عل متتب الرخص لفس ,فقال
القاضي زكر األعصاري رمحه هللا(" :جيوز) لغري اجملتهد (تقليد من اء من
اجملتهدين ,إن وع املذاهب كاليوِ) ,فله أن يقلد كال يف مسائد؛ ألن الصحابة
كاعوا يسألون اترة من هذا ,واترة من هذا ,من غري عكري( ,وله االعتقال من
مذهبه) إىل مذهب آخر( ,... ,لكن ال يتب الرخص)؛ ملا يف تتبعها من احنالل
ربقة التكليف ( ,فإن تتبعها من املذاهب املدوعة فهد يفس ) أو ال؟ (فيه
وجهان) ,أوجههما ال ,خبالف تتبعها من املذاهب غري املدوعة ,... ,في هر أعه
يفس قطعا" ,8أي أن من تتب رخص املذاهب املدوعة فاألوجه عدِ فسقه ,أما
رخص املذاهب غري املدوعة فاألظهر فس متتبعها.
وقال ابن حجر ا يتمي رمحه هللا" :وقول بعضهم" :إن ابن حزِ حك
اإلمجاع عل الفس " حممول عل متتبعها من غري تقليد ,وإال فقد أفىت ابن
عبدالسالِ جبوازه ,وقال" :إن إعكاره -أي اليخص -جهد".7
وقال ابن حجر ا يتمي أيضا" :وحمد ذلر وغريه من سائر صور التقليد ما
مل يتتب الرخص ,حبيث تنحد ربقة التكليف من عنقه ,وإال أمث به ,بد قيد :فس ,
وهو وجيه ,قيد :وحمد ضعفه -أي القول بفسقه -إن تتبعها من املذاهب
املدوعة ,وإال فس قطعا" ,3فقد أضاف ابن حجر رطا آخر لفس متتب
الرخص ,وهو أن يتتبعها هجوما عليها من غري تقليد للقائد جبوازها.
433
أو النص أو القيام اجللي أو خالف القواعد ,أو ما ينتج عنه تلفي يف التقليد,8
أما ما فيه سهولة وتيسري عل املكلف فيجوز له األخذ به.7
ومن التوضيح أعه ال يوجد تعارض بني كالمه وما قدمناه ,فإن مسألة األخذ
بزالت العلماء ومسألة تلفي التقليد تقدِ الكالِ عليهما سابقا ,وذكران أن زالت
العلماء وسقطاهتم ال جيوز اتباعهم فيها ,وفصلنا القول يف أحكاِ التلفي ,وأن منه
ما هو مقبول ,ومنه ما هو ممنوع ,أما األخذ برخص العلماء وتيسرياهتم -حبيث ال
ينقض حكم القاضي ِبا ,-أو ال ينتج عن العمد ِبا تلفي يف التقليد ,فهو
جائز ,وكالمنا إمنا هو يف تتبعها ,ولي يف جمر األخذ ِبا ,إذ قد أيخذ املكلف
يف بعض املسائد لرخص والتيسريات ,وأيخذ يف الوق عفسه يف مسائد أخر
لعزائم والتشديدات.
وما أوضحنا به كالِ القرايف عوضح به كالِ السيد اه رمحه هللا (-...
927هـ) ,فقد ذكر أعه جيوز اتباع رخص املذاهب ,وال َين منه ماع رعي؛ إذ
لإلعسان أن يسلر املسلر األخف عليه إن كان له إليه سبيد ,أبن مل يكن عمد
بقول آخر خمالف لذلر األخف ,3فإعه يفهم من كالمه أن تتب الرخص مشروط
أبن ال ينتج عنه تلفي يف التقليد ,وأبن ال يعمد لقول وضده يف مسألة واحدة,
. 8يقصد القرايف أن الرخصة اليت حيرِ األخذ ِبا هي زالت العلماء وسقطاهتم ,أو تلفي رخص من عدة
مذاهب ,حبيث ينتج عن تلفيقه صورة عبا ة أو معاملة ,ال تصح عند أحد بتمامها ,وقد تقدِ احلديث
عن كال األمرين :الزالت والتلفي .
.7اع ر مطالب أويل النه للرحيباين ( ,)382/3والتقرير والتحبري البن أمري احلاج (.)358/3
.3اع ر حا ية العطار عل رح احمللي جلم اجلوام (.)448/7
434
وقد قدمنا الكالِ عن هاتني املسألتني مبا يغين عن تكراره ,مث إن كالمه يفيد جواز
اتباع الرخص -أي األخذ والعمد ِبا ,-وال يفيد جواز تتبعها.
أما العز بن عبدالسالِ رمحه هللا فقد ذكر أعه ال يتعني عل العامي إذا قلد
إماما يف مسألة أن يقلده يف سائر مسائد اخلالف ,سواء اتب الرخص يف ذلر أو
العزائم ,وأن ما حكاه بعضهم عن ابن حزِ من حكايته اإلمجاع عل من تتب
الرخص من املذاهب حممول عل من تتبعها عن غري تقليد ملن قال ِبا ,أو عل
الرخص املركبة يف الفعد الواحد -أي الذي ينتج عنه تلفي التقليد .8-
وَيكن توجيه كالمه أبعه يقتضي عدِ وجوب التقيد مبذهب فقهي معني
ائما ,أي أن املسلم ال جيب عليه أن يكون حنفيا أو مالكيا أو افعيا أو حنبليا,
بد جيوز له أن ال يتقيد مبذهب واحد عل سبيد الدواِ ,فله أن أيخذ برخصة من
مذهب ,وأن أيخذ بعزَية من مذهب آخر ,ومل يتطرق إىل حكم تتب الرخص
ائما ,فإذا أرا العامي أن يعمد برخصة ما فله ذلر ,ولكن بشرطني :األول أن ال
يقدِ عل العمد أبي رخصة إال بعد تقليد القائد ِبا ,والثاين أن ال ينتج عن
تقليده عد اً من العلماء تلفي يف التقليد ,وال يقتضي كالمه جواز تتب الرخص
عل سبيد الدواِ.
ومما ينبغي التنبيه إليه أيضا أن الكمال ابن ا ماِ رمحه هللا رأ جواز تتب
الرخص للعامي غري املنتسب ملذهب ,فقد قال" :والغالب أن مثد هذه -أي
روط االعتقال من مذهب آلخر -إلزامات منهم؛ لكف النام عن تتب
الرخص ,وإال أخذ العامي يف كد مسألة بقول جمتهد ,قوله أخف عليه ,وأان ال
.8فتح القدير البن ا ماِ ( ,)751/2واع ر التقرير والتحبري البن أمري احلاج ( ,)358/3وتيسري
اه ( ,)754/4والبحر الرائ البن يم ( ,)719/3وقد سب رُّ ابن حجر ا يتمي التحرير ألمري
كالِ ابن ا ماِ أبعه خمالف لإلمجاع الذي عقله ابن حزِ.
.7التقرير والتحبري البن أمري احلاج (.)357/3
433
وع را العتما بعض متتبعي الرخص عل كالِ ابن ا ماِ يف جتويزه التتب
فإعه حيسن مناقشة أ لته اليت اعتمد عليها يف حكمه ,فقد استدل عل جواز تتب
رخص العلماء أل لة التالية :أن النقد والعقد ال َينعه ,وأعه مل ير يف الشرع ذِ
األخذ بتيسريات اجملتهدين ,وأن النيب كان حيب التخفيف عل أمته.
أما كون النقد ال َين اتباع رخص العلماء فهو ليد غري منضبط؛ ألن
الشرع احلنيف أمر بسؤال العلماء ,فقال " :فاسألوا أهد الذكر إن كنتم ال
تعلمون" ,فإذا كان الشرع مل َين اتباع رخصهم ومل يذمه ,فإعه مل َيدحه أيضا ومل
أيمر به ,بد أمر تباع ما يطمئن إليه القلب ,وتسكن إليه النف الباحثة عن
احل ,فقال " :الب ما اطمأن إليه القلب ,واطمأع إليه النف ,واإلمث ما حاك
يف القلب ,وتر يف الصدر ,وإن أفتاك النام وأفتوك" ,8أي إن النف ال تستقر
مىت َّك يف أمر ,أما إذا أيقنته سكن واطمأع ,وقال " :ع ما يريبر إىل
ما ال يريبر" ,7أي اترك ما يشككر ,ويؤ ي بر إىل قل النف واضطراِبا ,إىل
ما يقو إىل طمأعينتها وسكوهنا.
بد إن الشرع امتدح األخذ الحتياط يف الدين ,وأمر تقاء الشبهات ,ما
مل يصد به إىل حد الوسوسة ,فقال " :فمن اتق الشبهات فقد استبأ لدينه
وعرضه ,ومن وق يف الشبهات وق يف احلراِ" ,3وقال " :ال يبلغ العبد أن
قبيح ,أما عتبار ترتب الثواب والعقاب الشرعيني عليه فإن العقد ال هلحيسن وال يـهلقبح ,وال يوجب وال
هلحيرِ ,وإال ملا بعث هللا الرسد ,وملا اختلف النام يف الشرائ ,ولكاع عقو م كافية يف إ راك احلسن
والقبيح ,واع ر كتب أصول الفقه ,كاملستصف للغزايل ( ,)45والبحر احمليط للزركشي ( ,)825/8والتقرير
والتحبري البن أمري احلاج ( ,)19/7وحا ية العطار عل رح احمللي جلم اجلوام (.)12/8
.8الفصول يف األصول للجصاص (.)818/7
439
قرار رجمع الفقه اإلسالمي بشأن األخذ ابلرخصة وحكمه
"إن جمل جمم الفقه اإلسالمي املنعقد يف ورة مؤمتره الثامن ببندر سريي
بيجوان برواني ار السالِ من 2-8حمرِ 8484هـ املواف 72-78حزيران
(يوعيو) ,ِ 8993بعد اطالعه عل البحوث الوار ة إىل اجملم خبصوص موضوع
األخذ لرخصة وحكمه ,وبعد استماعه إىل املناقشات اليت ارت حوله ,قرر ما
يلي:
.8الرخصة الشرعية هي ما هل رع من األحكاِ لعذر؛ ختفيفا عن املكلفني ,م قياِ
السبب املوجب للحكم األصلي ,وال خالف يف مشروعية األخذ لرخص
الشرعية إذا وجدت أسباِبا ,بشرط التحق من واعيها ,واالقتصار عل
مواضعها ,م مراعاة الضوابط الشرعية املقررة لألخذ ِبا.
.7املرا لرخص الفقهية ما جاء من االجتها ات املذهبية ,مبيحا ألمر يف مقابلة
اجتها ات أخر حت ره ,واألخذ برخص الفقهاء -مبعىن اتباع ما هو أخف
من أقوا م -جائز رعا لضوابط اآلتية يف البند (.)4
.3الرخص يف القضا العامة تهلعامد معاملة املسائد الفقهية األصلية إذا كاع
هلحمققة ملصلحة معتبة رعا ,وصا رة عن اجتها مجاعي ممن تتوافر فيهم أهلية
االختيار ,ويتصفون لتقو واألماعة العلمية.
.4ال جيوز األخذ برخص املذاهب الفقهية جملر ا و ؛ ألن ذلر يؤ ي إىل
التحلد من التكليف ,وإمنا جيوز األخذ لرخص مبراعاة الضوابط التالية:
أ -أن تكون أقوال الفقهاء اليت يـهليخص ِبا هلمعتبة رعا ,ومل توصف أبهنا
من واذ األقوال.
421
ب -أن تقوِ احلاجة إىل األخذ لرخصة؛ فعا للمشقة ,سواء أكاع
حاجة عامة للمجتم أِ خاصة أِ فر ية.
ت -أن يكون اآلخذ لرخص ذا قدرة عل االختيار ,أو أن يعتمد عل
من هو أهد لذلر.
ث -أال ييتب عل األخذ لرخص الوقوع يف التلفي املمنوع اآل بياعه يف
البند (.)3
ج -أال يكون األخذ بذلر القول ذريعة للوصول إىل غرض غري مشروع.
ح -أن تطمئن عف امليخص لألخذ لرخصة.
.5حقيقة التلفي يف تقليد املذاهب هي أن أي املقلد يف مسألة واحدة ذات
فرعني ميابطني فأكثر بكيفية ال يقول ِبا جمتهد ممن قلدهم يف تلر املسألة.
.3يكون التلفي ممنوعا يف األحوال التالية:
أ -إذا أ إىل األخذ لرخص؛ جملر ا و أو اإلخالل أبحد الضوابط
املبينة يف مسألة األخذ لرخص.
ب -إذا أ َّ إىل عقض حكم القضاء.
ت -إذا أ إىل عقض ما عمد به تقليدا يف واقعة واحدة.
ث -إذا أ إىل خمالفة اإلمجاع أو ما يستلزمه.
ج -إذا أ إىل حالة مركبة ال يقرها أحد من اجملتهدين ,وهللا أعلم".
اخلالصة
إن أبرز ما يستخلص من هذا الفصد يتمثد يف النقاط التالية:
428
متيزت ريعتنا اإلسالمية عن غريها من الشرائ السماوية السابقة أبهنا ريعة
التيسري ,فهو ة رزة فيها ,ومقصد من مقاصدها.
ينقسم التيسري يف الشريعة اإلسالمية إىل ثالثة أقساِ:
.8تيسري معرفة الشريعة والعلم ِبا وسهولة إ راك أحكامها ومراميها.
.7تيسري العمد لتكاليف الشرعية الكثرية.
.3الرخص الشرعية ,كالتيمم واملسح عل اخلفني والصالة قاعدا للعاجز عن
القياِ ,واإلفطار يف رمضان للمريض واملسافر ,وهي مقصو هذا الفصد.
التيسري يف الشريعة اإلسالمية منَّة من هللا عل عبا ه املسلمني ,فال جيوز التنزه
عنها حبجة أهنا رخص للضعفاء العاجزين.
التب -عل بعض املسلمني -الرخص الشرعية الثابتة لنصوص الصرحية
برخص الفقهاء اجملتهدين ,اليت ترجح لديهم جتها هم الشرعي.
املقصو برخص الفقهاء هي تلر اآلراء اليسرية والسهلة اليت يصدرها الفقيه
املؤهد لالجتها .
جيوز للمسلم أن أيخذ برخص الفقهاء ,ولكن ال جيوز له تتبعها وتطلبها
واعتقاؤها والتقاطها.
ي ن بعض املسلمني أعه جيوز م حرية التنقد من عامل أو مذهب آلخر,
حسب رغباهتم و هواهتم.
وض العلماء مخ ضوابط لألخذ بفتاو العلماء وآراء املذاهب:
.8األول أن يعتقد فضد مقلَّده عل غريه ,وهو رط مرجوح.
.7الثاين أن جيتنب زالت العلماء وسقطاهتم.
427
.3الثالث أال يؤ ي تقليده لعد من العلماء إىل التلفي .
.4الراب أال يعمد لقول وضده يف مسألة واحدة.
.5اخلام أال يتتب رخص العلماء.
423
424
الفصل السادس :قصيدة الشيخ العلجي
425
423
الفصل الثامن :قصيدة الشيخ العلجي
ترمجة العلجي
هو اإلماِ العالمة الشيخ عبدالعزيز بن صاحل بن عبدالعزيز العلجي املالكي,
ولد سنة 8791هـ تقريبا ,وحفظ القرآن الكرمي يف صغره ,وتعلم مبا ئ القراءة
والكتابة ,وأساسيات الفقه والعربية ,وقد ا تغد لتجارة يف مقتبد عمره ,إال أعه
ح ه يف التجارة كان عاثرا ,فلم يكتب له التوفي يف حماوالته التجارية.
اجلزر,
ا ويف تلر الفية من حياته رأ يف منامه كأعه عل اطئ البحر وق
وقد ضاق وق الصالة ,ومل يستط الوصول للماء ,مث رأ كأعه يف منزله عند بئر
املاء ,وأمامه جاره ,وا ه ابن خري هللا أو ابن عطاء هللا ,فوقع هذه الرؤ منه
موقعا بليغا ,و َّأو ا عل أن بئر املاء هو العلم ,ويدل اسم جاره عل أن هللا
سيمنحه خريا وعطاء ,فاجته مهته إىل حتصيد العلم والتمكن فيه ,وقد حصد
ذلر ,فما إن مض وق قصري إال وقد بلغ الشيخ يف العلم مبلغا ع يما ,فبع يف
الفقه وأصوله وعلوِ العربية وغريها.
وقد تتلمذ الشيخ العلجي عل عد من كبار علماء األحساء ,منهم:
الشيخ إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ مبارك (8358-8735هـ).1
الشيخ عبدالعزيز بن محد آل الشيخ مبارك (8359-8729هـ).1
.8هو الشيخ إبراهيم بن عبداللطيف بن مبارك ,وهو الذي تنسب إليه أسرة آل الشيخ مبارك ,تلق العلم
عن والده وأعمامه وغريهم ,وقد انل مكاعة مرموقة بني علماء األحساء ,واتَّصف لعبا ة والورع ,وقد
تتلمذ عليه الكثري من العلماء ,اع ر التسهيد للدكتور عبداحلميد آل الشيخ مبارك (,)33-35/8
و خصيات رائدة من األحساء لألستاذ معاذ آل الشيخ مبارك (.)71
422
الشيخ علي بن عبدالرمحن آل الشيخ مبارك (8338-8721هـ).2
الشيخ عيس بن عبدهللا العكام (8331-8731هـ).3
الشيخ العلم عن هؤالء العلماء ,وأخذ م العلم مثرته وغايته وهي تقو
هل أخذ
هللا والعمد لعلم ,فكان عل قدِ عال من العمد الصاحل ومراقبة هللا
والغرية لدينه والصدع حل واالعتصار للفضائد والر عل املتأثرين لفكر الغريب,
وله يف ذلر صوالت وجوالت وجماِبات ومنازالت.
فمن الدالئد عل كثرة عبا ته أعه كان يصوِ يوما ويفطر يوما ,وكان خيتم
غريه بلساعه وبياعه,
القرآن الكرمي كد مجعة يف صالة التهجد ,وكان إذا رأ منكرا َّ
م غرية للحرمات وقوة يف الصدع حل .
وكان يتتب مقاالت املتأثرين لفكر الغريب ,فري عليهم الر و العلمية
احملكمة عرا وعثرا ,فمن ر و ه عل بهات العصراعيني املفتوعني حلضارة الغربية
. 8هو الشيخ عبدالعزيز بن محد بن عبداللطيف آل الشيخ مبارك ,أخذ العلم عن والده وأعمامه ,وقد
ظهرت عليه عالمات النجابة والذكاء منذ صغره ,رحد معلما إىل اإلمارات والكوي والعراق ,وكان له
خترج به عد كبري من الطلبة يف األحساء وخارجها ,اع ر
إسهاِ كبري يف عشر العلم يف تلر املناط ,وقد َّ
حتفة املستفية للشيخ حممد العبدالقا ر ( ,)489/7و عراء هجر للدكتور عبدالفتاح احللو (-793
,)477والتسهيد للدكتور عبداحلميد آل الشيخ مبارك ( ,)27-21/8و خصيات رائدة من األحساء
لألستاذ معاذ آل الشيخ مبارك (.)33
. 7هو الشيخ علي بن عبدالرمحن بن عبداللطيف آل الشيخ مبارك ,تلق العلم عن علماء أسرته ,ورحد
م والده إىل البحرين ,مث عا إىل األحساء ,و ارك يف التدري واخلطابة والوعظ ,اع ر عراء هجر
للدكتور عبدالفتاح احللو ( ,)331والتسهيد للدكتور عبداحلميد آل الشيخ مبارك (.)31/8
. 3هو الشيخ عيس بن عبدهللا بن عيس العكام ,توىل القضاء واإلفتاء والتدري ,اع ر خصيات
رائدة من األحساء لألستاذ معاذ آل الشيخ مبارك (.)72
421
قصيدته اليت رَّ فيها عل أمني الرحياين الذي زعم أن حجاب املرأة عالمة عل
التخلف والرجعية ,فقال:8
7
م ـ ــن فريـ ـ ــة ج ـ ــاءت ع ـ ــن الرحي ـ ــاين ـب مجَّـ ـ ـ ــة
ولق ـ ـ ـ ــد عجبن ـ ـ ـ ــا والعجائ ـ ـ ـ ـ هل
مـ ـ ـ ــن موجبـ ـ ـ ــات الـ ـ ـ ــذِ والنُّقصـ ـ ـ ــان ـول َّ
أبن إخف ـ ـ ــاء النس ـ ـ ــا زع ـ ـ ــم اجله ـ ـ ـ هل
ي ـ ـ ـ ــروي خراف ـ ـ ـ ــات ع ـ ـ ـ ــن الش ـ ـ ـ ــيطان فـ ـ ــإذ ان أقـ ـ ــول خماطب ـ ـ ـاً هـ ـ ــذا الـ ـ ــذي
مـ ــن أ ان أجيـ ــب ِبـ ــا ذوي الطغيـ ــان أص ـ ـ ـ ـ ــون آي الكت ـ ـ ـ ـ ــاب وق ـ ـ ـ ـ ــدرها
و هل
رت لش ـ ـ ـ ـ ــرع والبه ـ ـ ـ ـ ــان
ق ـ ـ ـ ـ ــد عـهل ـ ـ ـ ـ ــو ا لكـ ـ ـ ـ اـن مبعقـ ـ ـ ــول أت ـ ـ ـ ـ عـ ـ ـ ــن فطـ ـ ـ ــرة
عهلطـ ـ ــف تك ـ ـ ــون أل ـ ـ ــرف األك ـ ـ ـوان َّ
إن النسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء مواض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ لو ائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
ض ـ ـ ــاع ا ل ـ ـ ــديها عس ـ ـ ــبةهل اإلعس ـ ـ ــان ف ــإذا بـ ــرازن وخالط ـ ـ ا م ــن تش ــتهي
ال م ـ ـ ـ ـ ــا تق ـ ـ ـ ـ ــول جبهل ـ ـ ـ ـ ــر الفتَّ ـ ـ ـ ـ ــان صـ ـان ال ــور
ـافهم حلكم ــة حمس ــن هل
فـ ا
ـال غرائ ـ ـ ــب اإلحس ـ ـ ــان أباـ ـ ــد املث ـ ـ ـ هل وا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ا مث ـ ـ ـ ـ ـ ــاالً واعت ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـب فل هلرَّمب ـ ـ ـ ـ ـ ــا
ختـ ـ ـ ــت ام عليهـ ـ ـ ــا خيف ـ ـ ـ ـةً مـ ـ ـ ــن جـ ـ ـ ــان حص ـ ــباً لؤل ـ ـ ـؤاً ا عهللفي ـ ــر إ ان أ او ع ـ ـ ـ
ويهلصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان ذ َّ ك احلقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريهل الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدَّاين أتهلض ـ ـ ـ ـ ــاعهل ك ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد كرَي ـ ـ ـ ـ ــة يف قومه ـ ـ ـ ـ ــا
كم س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيَّان
ـوم اكم وعل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هل
وطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعهل ا مـ ــا كـ ــان أ ا ـ ــبه جهلك ـ اـم بطبـ ــاعكم
طيـ ـ ـ ــب الـ ـ ـ ــروائح أو سـ ـ ـ ــىن الن ـ ـ ـ ـريان وجع ـ ـ ـ ــالن علـ ـ ـ ـ ـ
ـتم خف ـ ـ ـ ــافيش هل
أع ـ ـ ـ ـ ا
.8عراء هجر للدكتور عبدالفتاح احللو ( ,)427وخمطوطة القصيدة خبط الشيخ ,واملسطور بعضها.
418
وقد تتلمذ عل الشيخ عد كبري من طلبة العلم من األحساء وخارجها,
فمن األحساء:
الشيخ عبدالعزيز بن عبداللطيف بن إبراهيم (8343-8381هـ).
الشيخ عبدهللا بن عبدالعزيز (8391-8381هـ).
الشيخ حممد بن إبراهيم (8414-8371هـ).
الشيخ مبارك بن عبداللطيف (8414-8377هـ).
الشيخ أمحد بن عبدالعزيز (8419-...هـ).
الشيخ يوسف بن را د (8483-8385هـ).
الشيخ عبدالرمحن بن علي (8471-8374هـ).
الشيخ أمحد بن علي (8431-...هـ) ,وكلهم من أسرة آل الشيخ مبارك.
الشيخ عبدهللا بن عبداللطيف اخلطيب (8394-...هـ).
الشيخ حممد بن أمحد العبداللطيف (8395-8384هـ).
الشيخ حممد بن أيب بكر املال (8395-8377هـ).
الشيخ عبداللطيف بن عبدهللا العبداللطيف (8419-8337هـ).
الشيخ عبدالرمحن بن أيب بكر املال (8478-8373هـ).
يخنا الشيخ أمحد بن عبدهللا الدوغان (8434-8337هـ).
الشيخ عبدهللا بن عبدالرمحن بو عيس العمري ,وغريهم.
ومن خارج األحساء:
من قطر الشيخ عبدهللا بن إبراهيم األعصاري والشيخ أمحد بن حجر البوطامي
والشيخ علي بن صاحل بن ماجد اخلليفي.
417
من الكوي الشيخ عبدالعزيز محا ة والشيخ عبدالرمحن بن حسني اليكي
والشيخ حممد بن صاحل اليكي والشيخ حممد بن سليمان اجلراح والشيخ أمحد
عطية األثري.
من البحرين الشيخ أمحد بن عبدالرمحن بن مهزع والشيخ حممد بن أمحد بن
مهزع.
وقد ا تغد الشيخ لتصنيف يف العلوِ عرا وعثرا ,فمن مؤلفاته:
.8من ومة بغية الطالب النبيد بن م عبا ات خليد ,يف الفقه املالكي ,وقد زا ت
عل أربعة آالف بي .
.7من ومة مباسم الغواين يف تقريب عزية الز اين ,يف الصرف ,وقد بلغ أربعمائة
ومخسني بيتا.
.3من ومة يف األخالق واآل اب ,وللشيخ عد من القصائد العلمية ,وعد من
القصائد األ بية يف فنون املديح واملواعظ والراثء.
وقد اتصف الشيخ العلجي بتفاعله اإلجيايب م الشأن العاِ ,ومن أبرز
األ لة عل ذلر وفا ته -بتنسي من علماء ووجهاء األحساء -عل مأمور
احلكومة العثماعية يف البصرة؛ لرف الضرائب الباه ة اليت فرضتها احلكومة عل
بعض احملاصيد الزراعية.
وقد سافر الشيخ العلجي إىل البصرة عل رأم وفد ,وعزل ضيفاً عل السيد
طالب رئي عشرية النقباء ,وهو أحد الوجهاء البارزين ,وله كلمة مسموعة عند
احلكومة العثماعية؛ ليكون وسيطاً للوفد عند احلكومة ,وقد حق الوفد هدفه,
413
ورفع الضرائب ,ويف تلر الرحلة أعشأ الشيخ العلجي قصيدتني للسيد طالب, هل
8
يستحثه فيهما عل سرعة إ از مهمة الوفد ,فقال يف القصيدة األوىل :
فه ـ ـ ـ ـ ـ ــد األحبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةهل آذعـهل ـ ـ ـ ـ ـ ـوا فيهلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـز هلاروا م ـ ــا للمحـ ـ ــب عـ ـ ــن الصـ ـ ــدو ق ـ ـ ـرار
ت ِب ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ــن بع ـ ـ ـ ــدان اآلاثر
ـ ـ ـ ــهد ا م ـ ــا ـ ــم جهلهلـ ـ ـوا عه ـ ــو اً حلمـ ـ ـ
..... .....
جيش ـ ـ ـ ـ ــه اجل ـ ـ ـ ـ ـ َّـرار
بي ـ ـ ـ ـ ــد احلـ ـ ـ ـ ـ ـوا ث هل أ ـ ــكو هلمصـ ــارمة الزمـ ــان ومـ ــا رم ـ ـ
مجاـ ـ ـ ـ ـ هل الع ـ ـ ـ ــائم يف يدي ـ ـ ـ ــه ص ـ ـ ـ ــغار كشـ ـ ــكاية األحسـ ـ ــاء عنـ ـ ــد هلمسـ ـ ـ َّـو
ـاِ واإليس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار
ـال واإلع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هل
إقب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هل ق ـ ـ ـ اـرِ إذا م ـ ـ ــا ح ـ ـ ـ َّـد اراً حلَّه ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ
هلجن ـ ـ ـ ـ ـ ــداً فه ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـن جلن ـ ـ ـ ـ ـ ــده أعص ـ ـ ـ ـ ـ ــار مجـ ـ ـ ـ ـ الس ـ ـ ـ ــعا ة واملهاب ـ ـ ـ ــة والبه ـ ـ ـ ــا
ـاروا
ك ـ ـ ـ ــرِ األص ـ ـ ـ ــيد وللكـ ـ ـ ـ ـراِ أع ـ ـ ـ ـ هل متول ـ ـ ـوا ال ـ ـ ـ ـ
م ـ ـ ــن آل ها ـ ـ ــم ال ـ ـ ــذين َّ
.4وقال يف القصيدة الثاعية:7
وعيد اصـطباري يف ا ـو وتكتُّمـي لق ـ ــد ط ـ ــال لهلبث ـ ــي حلمـ ـ ـ مل أهلكلَّـ ــم
إىل خـ ــري أصـ ــد يف العشـ ــرية تنتمـ ــي ويف ذلـ ـ ـ ـ ــر الام اغ ـ ـ ـ ـ ــىن فتـ ـ ـ ـ ــاة كرَي ـ ـ ـ ـ ــة
التبســم
وتفق هلـد منهـا الشـم هل هلح اسـن ُّ هــي الشــم هل يف عــور ورفعــة منصــب
..... .....
لن ـ ـ ـ ــا معقـ ـ ـ ـ ـالً أنوي إلي ـ ـ ـ ــه وحنتم ـ ـ ـ ــي و لبصـ ـ ـ ــرة الفيحـ ـ ـ ــاء قـ ـ ـ ــوِ ععهلـ ـ ـ ــدُّهم
الس ـ ـ ـ ــفني امل ـ ـ ـ ــن َّم
مط ـ ـ ـ ــا وأل ـ ـ ـ ـ ـواح َّ رح الن ـ ــا عل ـ ـ مستحس ـ ــنات س ـ ـواب
. 8لالستزا ة من ترمجة الشيخ عبدالعزيز العلجي اع ر عراء هجر للدكتور عبدالفتاح احللو (-473
,)419وحتفة املستفيد للشيخ حممد العبدالقا ر ( ,)477/7و خصيات رائدة من بال ي لألستاذ معاذ
آل الشيخ مبارك (.)73
413
ذلر أن الشيخ العلجي رمحه هللا هلجرح جرحا عميقا يف مشاخيه ومنهجه وأحسائه,
فأ َّاه ذلر إىل أن ينتفض اعتفاضة اجلريح املكلوِ.
ومبا أن الشيخ قد تواترت عنه معاين الغرية واإل ء ,كان ال بد أن يقوِ
الشيخ بواجب الدفاع عن مشاخيه ومنهجه وأحسائه بسالح العلم واحلجة ,فما
سبب هذه القصيدة؟ وما اجلرح الذي أصيب به الشيخ؟
لقد سبـق ا هذه القصيدة ثالثةهل أحداث متوالية ,كد حدث يقو إىل
اآلخر ,أما َّأو ا فقد بدأ من مملكة ِبو ل ند عندما تناقد بعض أهد األحساء
القا مني من ا ند كلمةً للشيخ صدي حسن خان القنُّوجي عفا هللا عنه أبن اتباع
املذاهب األربعة ما هو إال تفري للدين إىل أحزاب و ي ,وأن التمذهب
ملذاهب األربعة بيه ختاذ النصار أحبارهم أر من ون هللا ,حيلون ما حرِ
هللا ,وحيرمون ما أحد هللا ,مث أخذت كتبه تصد إىل األحساء م القا مني إليها,
مثد :فتح البيان يف مقاصد القرآن ,والدين اخلالص ,والروضة الندية ,وأجبد العلوِ,
والتاج املكلد ,وغريها ,فاطل العلماء فيها عل ما عهلقد عنه.8
أما احلدث الثاين فقد اعطل من األحساء عندما أخذ علماؤها يف إعكار
كالِ الشيخ صدي خان ,وبيان أن هذه املذاهب الفقهية هي خالصة اجتها ات
أئمة كبار راسخني يف علوِ الشريعة والعربية ,قاموا بتيسري عصوص الكتاب والسنة
لعموِ املسلمني ,وتقريب معاعيهما إليهم.
وقد اقتصر علماء األحساء عل املنهج العلمي الذي ينتقد الفكرة وال َي
األ خاص ,وكان من أبرز العلماء الذين تصدوا لتصحيح مفهوِ املنهج الفقهي
.8تقدَِّ يف الفصد الراب مناذج من عصوص صدي حسان خان يف التمذهب الفقهي ,م مناقشة ا.
412
املذهيب الشيخ عبدهللا بن أيب بكر بن حممد بن عمر املال احلنفي (-8743
8319هـ) ,8والشيخ إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ مبارك املالكي (-8735
أجد مشايخ الشيخ العلجي.
8358هـ) ,وهو ُّ
أما احلدث الثالث فقد كان رَّة فعد نيعة من بعض العلماء املعارضني
للتمذهب الفقهي ,املتبعني للمنهج السلفي ,فاعتصروا لصدي حسن خان ,وكان
من أبرز املتصدين ذا األمر الشيخ الشاعر سليمان بن سحمان (-8732
8349هـ) ,وقد ارتفع حدة املواجهة العلمية عندما أخذ هذا الشاعر املندف
لنيد من األ خاص وم ذواهتم ,ومل يقتصر رُّ ه عل جترحيهم وتبديعهم ,بد
وصد األمر به إىل تكفري الشيخ إبراهيم واهتامه لزعدقة ,وانل من األحساء عيالً
نيعا ,وقد سطَّر ذلر يف قصيدة.
بعد هذا التصاعد غري املتوق يف املواجهة العلمية حول هذه املسألة ,وبعد
أن وصد الطعن إىل علماء األحساء ,وإىل الشيخ إبراهيم لذات ,اعب كثري من
علماء األحساء و عرائهم لالعتصار للشيخ إبراهيم عرا وعثرا ,ومنهم تلميذه الويف
الشيخ عبدالعزيز العلجي ,فأمر الشيخ إبراهيم بعدِ عشر تلر الر و ؛ حرصا عل
هتدئة وترية املواجهة ,واعصرافا عن اجملا لة واملماراة ,واكتف بقصيدة تلميذه
العلجي ,وتبلغ أبيات القصيدة مخسة وتسعني بيتا من حبر الطويد ,وها هي كاملة
بني يدير.
.8وله يف هذا املوضوع كتاب "رع ذي اجلهد املركب والعنا عن من التقليد و عو االجتها ".
411
نص القصيدة
سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ارج هل لتَّوفيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وم اغنم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا الش ـ ـ ـ اـي هلخ 8الَّـ ـ ــذي هلـ ـ ــد رمـ ـ ـ ـ أال أيـُّه ـ ـ ــا َّ
َّص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـر يف م اس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعاههل أ َّ ن َيَّم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا
س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع الن ا ـر م اس ـ ـ ـ ـ ـ ــعاههل النَّف ـ ـ ـ ـ ـ ــي هل لرب ـ ـ ـ ـ ـ ــه
وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـن ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ هل
الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريعة هلس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلَّما؟
أقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاموا إل ا راك َّ وه ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـد أعاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ إال اف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـن أئ َّمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبيالً َّلر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا هلمق َّوم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا
ي هل ـالِ ع ـ ـ ـ اـن رأاي جاه ـ ـ ــد
ِب ـ ـ ـ اـم هلح ـ ـ ــرم اإل اس ـ ـ ـ هل
7
أتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ا ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـن ر هلس ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا في ـ ـ ـ ـ ـ ــه فـ هلق ـ ـ ـ ـ ـ ــدما ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـانـ هله هلم إال عهلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــين بفضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيلة
أ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا هلوا بن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءً للفس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا فـ هله ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدما فـ ـ ـ ـ ـ ــد اع عانـ ـ ـ ـ ـ ــر لف ـ ـ ـ ـ ـ ـاً حَّررتاـ ـ ـ ـ ـ ــههل عصـ ـ ـ ـ ـ ــابة
ولك ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـن ه ـ ـ ـ ـ ـ ــو ً ف ـ ـ ـ ـ ـ ــيهم طغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ وحت َّكم ـ ـ ـ ـ ـ ــا صـ ـ ـ ـ ـ ــر هلس ـ ـ ـ ـ ـ ـنَّة
فمـ ـ ـ ـ ـ ــا قصـ ـ ـ ـ ـ ــدوا ين ـ ـ ـ ـ ـ ـاً وال ع ا
4
أغ ـ ـ ـ ـ ـ ــار عل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ثـ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب الكـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراِ وأقاـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدما 3
وهـ ـ ـ ـ ـ ـ اـد غض ـ ـ ـ ـ ـ ــبهلوا إالَّ لتش ـ ـ ـ ـ ـ ــني هلمرج ـ ـ ـ ـ ـ ــف
أىب هللاهل إالَّ أ ان يهلك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّ
ـف ويهلكتم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ول َّم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أرا هلوا ع اش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرههل وظهل هله ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورههل
أبي عهل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًـال أ اوليتهل هلم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوه التـَّق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّما؟! أأعاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدي 5هب الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتهلم وخاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتهل هلم
أله ـ ـ ـ ـ ــد التـُّقـ ـ ـ ـ ـ ـ ص ـ ـ ـ ـ ــار اجللي ـ ـ ـ ـ ــد الا هلمف َّخم ـ ـ ـ ـ ــا أب ان ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـرِ التَّقلي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد يف هذ ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه
3
وأ َّو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيمن أانب وأ اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلما ت ـ ـ ـ ــال هلس ـ ـ ـ ــوراً يف عاب ـ ـ ـ ــد اجلاب ـ ـ ـ ـ واحلص ـ ـ ـ ـ
أمروها كما جاءت ,ورُّوا علمها إىل قائلها ,ومعناها إىل املتكلم
بصفات املخلوقني وال ات احملدثني ,بد ُّ
ِبا ,... ,وعلموا أن املتكلم ِبا صا ق ,ال ر يف صدقه ,فصدَّقوه ,ومل يعلموا حقيقة معناها ,فسكتوا
عما مل يعلموه" ,اعته كالمه ,وأرجو أن يكون هذا آخر رأييه يف مسألة الصفات.
.8اإلفر :الكذب ,أما الفس فيشري إىل قوله تعاىل " :أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاس بنبأ فتبينوا أن
حمرِ.
تصيبوا قوما جبهالة فتصبحوا عل ما فعلتم ان مني" ,وكال األمرين َّ
493
الس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـما
وطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاولاتهل هلم هل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـهباً مقاعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـدها َّ س ـ ــكانـتهل ام م ـ ـ ـ ال ـ ـ ُّـدعاـيا احلض ـ ــيض حب ارص ـ ـ هلـك ام
لتـ ـ ـ ـ ـ ـ اـرووا وإ ان أتاب ـ ـ ـ ـ ـ ـوا حتهلولهلـ ـ ـ ـ ـ ـوا عل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ال َّم ـ ـ ـ ـ ــا فـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ل هلك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـم إال اقات ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداء بنهل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوره ام
8
علـ ـ ـ ـ ـ ـ طل ـ ـ ـ ـ ــب األهلخ ـ ـ ـ ـ ــر قـهلعهل ـ ـ ـ ـ ــو اً وقـهل َّوم ـ ـ ـ ـ ــا أهلولئ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوِ قاص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـرون حي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاتـ هله ام
تطلُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبهل هلك ام أ ام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرين جاه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً و ارمه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا يك ام
وأعاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتهل ام قهلصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار هلاك ام وغاي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةهل سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـع هل
ـاج هله ام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا
وإ ان هبطـهل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا حلاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداً فمانـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هل فـ ـ ـ ـ ـ ــإ ان قهلـ الـ ـ ـ ـ ـ ــتهل هلم مـ ـ ـ ـ ـ ــاتهلوا فسـ ـ ـ ـ ـ ــريتـهل هله ام حي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ا
ولكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـن أرا ان مانـهج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان أ احكمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ولايس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ا هلمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدارا ًة فمات ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ا مب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوهت ام
عهلوه ـ ـ ـ ـ ــا فـق ـ ـ ـ ـ ـ اد ت ـ ـ ـ ـ ـ ادعهلوا اجل ـ ـ ـ ـ ــدال الا هلمحَّرم ـ ـ ـ ـ ــا و اعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو هلاك هلم أ َّن املـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذاهب هلحرف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ا
الش ـ ــريف ـ ــا محـ ـ ـ
ص ـ ــد َّ
وم ـ ـ اـن قـ ـ ـ اد محـ ـ ـ األ ا ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلها
م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذاهبهلـ هله ام احم هلروس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة مثاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـد أ ا
فخلُّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا عبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا هللا ظنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا هلمر َّمجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ص ـ ـ ـ ـ ـ ــد مثاـله ـ ـ ـ ـ ـ ــا
وإ ان حَّرفهلوه ـ ـ ـ ـ ـ ــا حَّرفهل ـ ـ ـ ـ ـ ـوا األ ا
ع ـ ـ ـ ـ ـ ــر عـ اهج هلهـ ـ ـ ـ ـ ـ اـم ل الخـ ـ ـ ـ ـ ــري أ اهـ ـ ـ ـ ـ ــد وألازمـ ـ ـ ـ ـ ــا هله ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـم اخل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريهل أ احي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءً وبـ اع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد مم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاهت ام
ض ـ ـ ـ ـ ــح ع ـ ـ ـ ـ ــن اجلهلَّهـ ـ ـ ـ ـ ــال ممهلاتن ـ ـ ـ ـ ـ ـ احلم ـ ـ ـ ـ ـ ـ
وأ ا ضـ ـ ــله امالشـ ـ ــريف بف ا الشـ ـ ـ اـرع َّ وهلهـ ـ ـ اـم ح َّوطهلـ ـ ـوا َّ
آهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـم لهليهل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـواثً خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا رين فأ احجمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا
ر هل وكـ ـ ـ ـ ـ ـ اـم قاصـ ـ ـ ـ ـ ــد للـ ـ ـ ـ ـ ــدين يـابغـ ـ ـ ـ ـ ــي فسـ ـ ـ ـ ـ ــا ههل
علـ ـ ـ ـ ـ حس ـ ـ ـ ــد ح ـ ـ ـ ـ َّـىت تـ َّولَّـ ـ ـ ـ ـوا علـ ـ ـ ـ ـ العمـ ـ ـ ـ ـ ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـن سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبيله ام
ب أهلانم أ اعر هل
وهلر َّ
و هلخلُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا عل ـ ـ ـ ـ ـ ـ قـ افـ ـ ـ ـ ـ ــر َّ
الضـ ـ ـ ـ ـ ــالالت هله َّومـ ـ ـ ـ ـ ــا كم ـ ــا ف ـ ــرق ضـ ـ ـلَّ ا وج ـ ــار ا
ت ع ـ ــن ا هلـ ــد
االجته ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا هلحمتَّم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا
ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو هلاه ام وخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالهلوا ا أب ان تـرهلكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا عـ اه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــج األئ َّم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة و اارتض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا
إىل أ ان أعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا هلوا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدين هناج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً هلمق َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــما اجتهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا هل هله ام
فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأ َّتاـ هله هلم آر هلاؤهلهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـم و ا
.8قال رسول هللا لوفد عبدالقي ملا وفدوا عليه من األحساء" :اللهم اغفر لعبد القي ؛ إذ أسلموا
طائعني ,غري كارهني ,غري خزا وال موتورين ,إذ بعض قومنا ال يسلمون حىت خيزوا ويوتروا" ,رواه أمحد
والطباين -يف الكبري ,-وقال ا يثمي يف جمم الزوائد ( :)889/7إسنا ه حسن.
.7قال رسول هللا عن وفد عبدالقي " :إن خري أهد املشرق عبد القي " ,رواه أمحد والطباين -يف
الكبري واألوسط ,-وقال ا يثمي يف جمم الزوائد ( :)24/5رجاله ثقات.
.3قال رسول هللا لوفد عبدالقي ملا أتوه" :من الوفد -أو القوِ "-؟ قالوا :ربيعة ,فقال " :مرحباً
لوفد -أو القوِ -غري خزا وال عدام " ,رواه البخاري ومسلم وأمحد والنسائي.
رسول هللا لوفد عبدالقي " :إين وطئ بال كم ,وفهلسح يل فيها" ,رواه أمحد ,وقال ا يثمي يف
.4قال هل
"أي هجر أعز"؟ ,قلنا:
جمم الزوائد ( :)813/1رجاله ثقات ,وجاء يف رواية أن رسول هللا قال مُّ :
املشقَّر ,فقال " :فوهللا لقد خلتها ,وأخذت إقليدها -أي مفتاحها ,"-مث قال" :وقف عل عني
الزارة" ,رواه أمحد ,وقال ا يثمي يف جمم الزوائد ( :)24/5رجاله ثقات ,وجاء يف رواية أن رسول هللا
رت من أ انها إىل أقصاها ,فخري متراتكمإيل ,فن هل
قال لوفد عبدالقي " :إن أرضكم هلرفع ا يل منذ قعدمت َّ
البـ ارين؛ يهلذهب الداء وال اء فيه" ,رواه احلاكم وصححه ,ورواه الطباين -يف األوسط ,-وحكم الذهيب
عليه لنكارة ,وضعَّف ا يثمي أحد رواته ,هذا من حيث جمموع الرواية ,أما قوله عن البين" :إعه خري
متركم وأعفعه لكم" فقد رواه البخاري -يف األ ب -وأمحد والطباين -يف الكبري واألوسط ,-قال
ا يثمي يف جمم الزوائد ( :)813/1رجاله ثقات.
495
7
ـب النَّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيب تـع َّمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َّ
ومك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةهل إ اذ خطاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هل وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ثـبـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ا ار س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواها وطايـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
وص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيَّـر اعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو هلاك ام أقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـد وأ اعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدما وممـَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا كفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاان أ امـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرهلك ام و ااعتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزال هلك ام
وكـ ـ ـ ـ ـ ــاعهلوا هله ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـم يف م ـ ـ ـ ـ ـ ـانـهج ال ـ ـ ـ ـ ـ ــدين أ احزم ـ ـ ـ ـ ـ ــا أب َّن ك ـ ـ ـ ـ ــراِ النَّ ـ ـ ـ ـ ــام م ـ ـ ـ ـ ـ اـن ألا ـ ـ ـ ـ ــف ح َّج ـ ـ ـ ـ ــة
وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـانـ هله هلم إال وس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وقهلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدما كـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراِ ِبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـم ع الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتهل ام وع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـانـ هله ام أخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اذ هلمتهل
4
أب ان أيارز ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد هل
ين احلج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاز ويـ اق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـدما 3
وأ َّن احلج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــازيني وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ُّ
َّص هلمثاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
علـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون تـ اقلي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد األئ َّم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة أ اس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلما أهلولئ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوِ قـلَّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـد هل
وه ام وأ امجعهلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا
وحا ـ ـ ـ ـ ــا وم ـ ـ ـ ـ ــا س ـ ـ ـ ـ ــاو عهلال هله ـ ـ ـ ـ ـ اـم وال ـ ـ ـ ـ ــا ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا كـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدي أبعلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـانـ هله هلم
5
وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أظاه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر التَّقلي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد إالَّ لي اس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلما اجته ـ ـ ـ ـ ــا ههل وإ ان قـ ـ ـ ـ ــال ف ـ ـ ـ ـ ــيه ام مـ ـ ـ ـ ـ اـن أس ـ ـ ـ ـ ـ َّـر ا
.8قال عبدهللا بن عبام رضي هللا عنهما" :أول مجعة هلمجع -بعد مجعة يف مسجد رسول هللا - يف
مسجد عبدالقي جبهلوااث من البحرين" ,رواه البخاري -واللفظ له -وأبو او .
.7عقد اإلماِ النووي يف رح مسلم عن اإلماِ اخلطايب رمحهما هللا قوله" :فلم يكن يهلسجد هلل تعاىل يف
بسيط األرض إال يف ثالثة مساجد :مسجد مكة ومسجد املدينة ومسجد عبدالقي يف البحرين يف قرية
يقال ا هلجوااث ,ففي ذلر يقول األعور الشين يفتخر بذلر :واملسجد الثالث الشرقي كان لنا ,واملنبان
وفصد القول يف اخلطب ,أ ِ ال مسجد للنام ععرفه ,إال بطيبة واحملجوب ذي احلجب".
.3أيرز -بتثليث الراء -أي ينضم وجيتم بعضه إىل بعض.
.4قال رسول هللا " :إن اإلَيان ليأرز إىل املدينة كما أترز احليَّة إىل هلجحرها" ,رواه البخاري ومسلم
وأمحد وابن ماجه ,وجاء يف رواية" :إن اإلسالِ بدأ غريبا ,وسيعو غريبا كما بدأ ,وهو أيرز بني املسجدين
كما أترز احلية يف جحرها" ,رواه مسلم -واللفظ له -وأمحد ,وجاء يف رواية" :إن الدين ليأرز إىل
احلجاز" ,رواه اليمذي.
.5يشري الشيخ إىل ا عاء صدي حسن خان وجو علماء مذهبيني ,بلغوا رجة االجتها املطل ,
أسروه وأظهروا التقليد؛ ليسلموا من اعتقا العلماء ,وأقبح منه ا عاء إخفاء االجتها وإظهار ولكنهم ُّ
التقليد؛ لتجري عليهم أرزاق املدارم واألوقاف ,وقد سبق اإلجابة عن هذه الدعو .
493
فـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد آن للمغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـرور أ ان يـتـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدَّما ـر ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـانـ هله ام مبع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزل
هلمداهن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّ
الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاحلني فمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـن ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا
إذا ملا ي هلكوعهلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا َّ ـالح هله ام
وح اسـ ـ ـ ــيب كـ ـ ـ ــراِ لـ ـ ـ ــي خياف ـ ـ ـ ـ صـ ـ ـ ـ هل
ص ـ ـ ـ ـوا ال ـ ـ ـ ــدين م اعلم ـ ـ ـ ــا
ض ـ ـ ـ ـوا ل ـ ـ ـ ـ اـن تـانـ هلق هل
وإ ان تـهل اعر هل اسـ ـ ـ ـ ـتـق هلاموا فحبَّ ـ ـ ـ ــذا
يموا م ـ ـ ـ ــا ا
ف ـ ـ ـ ــإ ان ت اس ـ ـ ـ ــتق هل
ـيك ام خالفهلـ هله ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـم عمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
احـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً ويكاف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هل و احن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلـن كف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاان عـ اه هلج هله ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـم واتب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعهل هله ام
فـه ـ ـ ـ ـ ــاج هليه هلم م ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ َّـد م ـ ـ ـ ـ ـ اـن غاي ـ ـ ـ ـ ــه ظم ـ ـ ـ ـ ــا وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ اـن أ اج ـ ـ ـ ـ ـ ــد أ اع ـ ـ ـ ـ ـ ــالِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا وتـرفَّـعهلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا
ـث إذا قالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ا هلمج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاانً هلمن َّم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا
تـبهل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ ـوت عـ ـ ـ ـ ــن األ اذهـ ـ ـ ـ ــان ب اك ـ ـ ـ ـ ـراً مليح ـ ـ ـ ـ ـةً
جلـ ـ ـ ـ ـ هل
ـ ـ ـ ـ ــا التابـ ـ ـ ـ ـ ــر هلس ـ ـ ـ ـ ـ ـلَّما عل ـ ـ ـ ـ ـ ـ مل ـ ـ ـ ـ ــر ألاق ـ ـ ـ ـ ـ ـ قهلـريش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيَّةً ه اجري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةً جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـد ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اد هلرها
8
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أ ان تـهلف َّخم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا فـتاراخيهله ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا :حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ فخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا غايـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرة يف هلك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب هلم َّ
.8اتريخ إعشاء القصيدة عاِ 8385هـ ,وإليه أ ار الشيخ عل حساب اجلهل َّمد.
492
491
اخلامتة
الفقه اإلسالمي ثروة تشريعية غالية ,وعتاج فكري عمي ,أعتجه جهابذة
العلماء املختصني يف سائر علوِ الشريعة اإلسالمية واللغة العربية ,وقد مجعوا بني
ثالثة أمور :اإلخالص هلل ,واجتناب ا و ,والقوة العلمية املؤهلة خلوض
غمار االجتها الفقهي.
وم مرور الزمن ومتايز وجهات ع ر أولئر العلماء الراسخني احنصرت
مناهج االجتها والفروع الفقهية الناجتة عنه يف أربعة مذاهب فقهية معروفة,
فاعت م يف سلكها العلماء جيالً بعد جيد ,يصححون ويصوبون ويقومون.
ظن بعض العلماء أنوع راً للتخلف الذي يعاين منه املسلمون منذ قرونَّ ,
السبب يرج إىل التمذهب الفقهي ,فاعصرفوا عن املذاهب الفقهية ,واعطلقوا يف
ميدان االجتها بدون أهلية كاملة ,مصحوبة بسوء ظن فيها عند بعضهم ,وغلبة
هو عند بعض اثن ,وإعجاب لرأي عند بعض اثلث ,وهزَية حضارية عند
ممارسات متشنجة اذة وآراء مضطربة ,وطف بعض راب ,ف هرت فتاو
وسلوكيات متطرفة.
مث مل يكتف أولئر العلماء الرافضون للتمذهب الفقهي الذي اتفق عليه
كلمة فقهاء املسلمني عب العصور ,بد زا وا الطني بلةً عتقا هم أن اجتها اهتم
امتدا دي السلف الصاحل ,فوصفوها حل املعتمد والقول الصحيح ,اعني
بلسان احلال أو املقال إىل اخلروج من التمذهب الفقهي إىل تقليدهم.
499
وعتيجةً ذا التخبُّط والتفلُّ َّ ,
جترأ أ عياء العلم عل االجتها ,واقتحموا
أسوار الشريعة ,حىت صار ما يسم ملفكر أو املثقف -فضالً عن مبتدئي
طالب العلم -ال يتحرج من ختطئة جهابذة العلماء بكد راحة وأرحيية.
ويف اعتقا ي أن هذا الواق الفوضوي سيستمر ما مل حيزِ علماء املسلمني
كلمتهم ,أبن يعلنوا اعتماءهم واعتساِبم للمذاهب الفقهية األربعة ,ويكملوا مسرية
االجتها الشرعي العضباط أبصو ا وقواعدها ,والتخريج والتفري عل مسائلها.
وال ماع من أن يستفيدوا من املذاهب الفقهية جمتمعة ,ما مل ينتج تلفي ,أو
أخذ بقول اذ ,أو تتبُّ لرخص.
وهنا يهلوقف مدا هل القلم تدفقه ,ويهلقفد الكتاب صفحاته ,وخيتم املؤلف قوله
مبا ابتدأ به إهداءه:
س ـ ـ ـ ــيج لتوفيـ ـ ـ ـ ـ ح ـ ـ ـ ــا ومغنم ـ ـ ـ ــا ـيخ ال ــذي ــد رمـ ـ
أال أيُّه ــا الش ـ هل
سـ ـ ــع النصـ ـ ـ هلـر يف مس ـ ــعاه أ َّ ن َيَّمـ ـ ــا ـر مسـ ـ ـ ــعاه النفـ ـ ـ ــي هل لربـ ـ ـ ــه
ومـ ـ ـ ـ اـن يـ ـ ـ ـ هل
أق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاموا إل راك الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـريعة هلسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلَّما وهـ ـ ـ ــد أع ـ ـ ـ ـ إال اف ـ ـ ـ ـ ع ـ ـ ـ ــن أئم ـ ـ ـ ــة
يص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد س ـ ـ ـ ـ ـ ــبيالً لر ـ ـ ـ ـ ـ ــا هلمق َّوم ـ ـ ـ ـ ـ ــا
هل ـالِ عــن رأي جاهــد
ِبــم هلحــرم اإلسـ هل
وهللا أســأل أن يقـ هــذا الكتــاب عنــد هللا موقـ القبــول والرضــا ,وعنــدك أيهــا
القارئ موق االقتناع واالستحسان ,أو عل األقد موقـ التقـدير واإلعـذار" ,ولكـد
وجهة هو موليها".
ويف ك ــال احل ــالتني أرج ــو ع ــوًة ص ــاحلة يف ظه ــر الغي ــب م ــن إخ ــوة يل يف هللا,
عدت بيين وبينهم املسافات ,ومجعتين ِبم املقاصد والغا ت ,وأوصيهم الستزا ة
من العلوِ الشرعية واللغوية ,وتوقري علمائها أكمد التوقري ,وتقديرهم أمت التقدير.
511
اللهم ألف بني قلوب املسلمني ,وامج كلمتهم حت راية احل والدين,
ور هم إىل ينر وكتابر وسنة عبير ر ا مجيال أرحم الرامحني ,واحلمد هلل رب
العاملني ,وصل هللا وسلم عل رسوله األمني ,وعل آله وصحابته واتبعيه إبحسان
إىل يوِ الدين ,واجعلنا اللهم منهم وفيهم ومعهم أكرِ األكرمني.
518
517
الفهرس
إهداء 5 ...........................................................................
تقريظ الدكتور الشريف حامت بن عارف العوين 2 .......................................
سبب التأليف 9 .................................................................
ولكن ,,,آراء غريبة 85 ..........................................................
ووقائ قاسية 38 ................................................................
مذاهب متعد ة ال مذهب واحد 39 ..............................................
فوض اإلفتاء والقرار السامي بقصر الفتو عل هيئة كبار العلماء 48 ................
احلاجة هلمل َّحة للتأليف43 .........................................................
الفصد األول :روط االجتها الشرعي وأسباب اخلالف الفقهي 49 ....................
مقدمة 58 ......................................................................
املبحث األول :روط االجتها الشرعي58 ........................................
مراتب اجملتهدين59 ...........................................................
ختفيف روط االجتها من خالل جتديد أصول الفقه 38 .........................
املبحث الثاين :أسباب اخلالف الفقهي33 .........................................
أوال :طبيعة اللغة العربية 31 ....................................................
اثعيا :السنة النبوية 23 .........................................................
اثلثا :موقف السنة النبوية من القرآن الكرمي11 ...................................
رابعا :حجية بعض مصا ر التشري 15 ..........................................
خامسا :منهج االستدالل وعلم أصول الفقه 19 .................................
تعريف علم أصول الفقه 97 .................................................
أمثلة عل القواعد األصولية وأثرها الكبري يف اخلالف الفقهي 94 ................
513
الن رة السديدة للخالف الفقهي 815...........................................
اخلالصة 811...................................................................
الفصد الثاين :املناهج الفقهية املعاصرة 888...........................................
مقدمة 883.....................................................................
عقاط االتفاق881...............................................................
عقطة االختالف 874............................................................
مد ثبات املناهج الفقهية عل قواعدها األصولية838..............................
املنهج السلفي :الشيخ انصر الدين األلباين مثاال833.............................
املنهج التيسريي :الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي مثاال 832......................
املنهج املذهيب :املذهب الشافعي مثاال 894......................................
وقفة م اضطراب املناهج الفقهية784.............................................
اخلالصة 781...................................................................
الفصد الثالث :املنهج املذهيب778...................................................
مقدمة 773.....................................................................
مكاعة الفهم الصحيح يف اإلسالِ773.............................................
اجتماع الفقه يف املذاهب األربعة 738.............................................
التقيد مبذهب واحد بني اجلواز واحلرمة 733........................................
ملاذا املذاهب الفقهية األربعة؟ 731................................................
بهات حول املنهج املذهيب 741............................................ تفنيد
عو إمهال االستدالل لكتاب والسنة 747................................ .8
عو تعطيد العقد وحركة االجتها الفقهي واستيعاب النوازل املستجدة 742... .7
عو تعصب أتباع املذاهب األربعة ألقوال أئمتهم عل حساب الدليد 753.... .3
التن ري والتأصيد754.......................................................
514
التطبي والتمثيد 755.......................................................
أ .أمثلة من استدراك علماء املذهب عل إمامهم755..........................
ب .أمثلة من استدراك األبناء عل آ ئهم 753................................
ج .أمثلة من استدراك التالميذ عل مشاخيهم752.............................
.أمثلة من استدراك بعض علماء املذهب عل بعض 751.....................
.4عو التفرق والتحزب 738................................................
مناذج من عصوص تلر الدعو 738.........................................
عصوص أتصيلية تدل عل تكامد املذاهب الفقهية 734........................
قواعد فقهية لضبط التعامد م اخلالف الفقهي 733...........................
.5عو الكسد والفتور وقصور ا مة 721.....................................
السبب املنطقي والصحيح للمذاهب األربعة725....................................
مناذج مشرقة من تعامد بعض أتباع املذاهب الفقهية م بعض 711...................
وقفة م التعصب املذهيب 717.................................................
أصول املذاهب األربعة791.......................................................
صح احلديث فهو مذهيب 793.................................................إذا َّ
أال َيكن توحيد املذاهب األربعة يف مذهب واحد؟ 799.............................
اخلالصة 318...................................................................
الفصد الراب :املنهج السلفي313....................................................
مقدمة 315.....................................................................
السيد صدي حسن خان منوذجا 319.............................................
هد يلزِ تضمني الدليد يف الفتو 385.............................................
فتاو سلفية بدون ليد 389..................................................
املوقوف واملقطوع373.........................................................
515
العبة لعامل ولي جمر الدليد 373................................................
الدليد الشرعي ال َين اخلالف الفقهي 331........................................
العصمة واحتكار احل "األلباين منوذجا" 332.......................................
مناقشة األلباين يف بعض احل الذي اعتمده 345.................................
التفري الفقهي بني السطحية والعم 353..........................................
إسرار االجتها حرصاً عل مكاسب التقليد 359...................................
التفاف املنهج السلفي عل التمذهب الفقهي335..................................
إعكار مسائد اخلالف 323.......................................................
اجلرأة عل منصب االجتها 322.................................................
اخلالصة 317...................................................................
الفصد اخلام :املنهج التيسريي 312................................................
مقدمة 319.....................................................................
التيسري مقصد رعي398........................................................
أقساِ التيسري يف اإلسالِ 393....................................................
م اهر التيسري يف الشريعة399....................................................
بني الرخص الشرعية ورخص الفقهاء 417..........................................
ما بني األخذ برخص الفقهاء وتتبعها412..........................................
أمثلة عل تتب الرخص 481...................................................
اختار أيسرمها ما مل يكن إمثا488..................................................
ضوابط علمية لالستفا ة من املذاهب الفقهية 485..................................
َّأوال :أن يعتقد فضد مقلَّده عل غريه ,وهو رط مرجوح 489.....................
اثعيا :أن جيتنب زالت العلماء وسقطاهتم472....................................
اثلثا :أال يؤ ي تقليده لعد من العلماء إىل التلفي 441..........................
513
رابعا :أال يعمد لقول وضده يف مسألة واحدة 457..............................
خامسا :أال يتتب رخص الفقهاء 453...........................................
مناقشة بعض العلماء يف جتويزهم العمد لرخص الفقهية وتتبعها 433............
قرار جمم الفقه اإلسالمي بشأن األخذ لرخصة وحكمه 421..................
اخلالصة 428...................................................................
الفصد السا م :قصيدة الشيخ العلجي425..........................................
ترمجة العلجي422...............................................................
سبب القصيدة 413.............................................................
عص القصيدة419...............................................................
اخلامتة 499........................................................................
الفهرم513.......................................................................
512