You are on page 1of 162

‫شـرح الــورقـــات‬

‫في أصـول الفقـــه‬

‫بقلــــــمـ‬
‫عبد اهلل بن صالح الفوزان‬
‫املدرس جبامعة اإلمام حممد بن سعودا إلسالمية‬
‫فرع القصيم‬

‫تقديم‬
‫أمحد بن عبد اهلل بن محيد‬
‫عضو هيئة التدريس‬
‫بكلية الشريعة الدراسات اإلسالمية‬
‫جبامعة أم القرى‬
‫الطبعة الثالثة‬
‫هبا زيادات كثرية‬
‫‪‬‬
‫تقــد يـم‬

‫إن احلمد هلل حنمده ونستعينه‪ 4‬ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده‬
‫اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له وأن حممداً عبده‬
‫ورسوله‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن علم أصول الفقه مما عين به املتقدمون واملتأخرون وهو املنهج الشرعي للتعرف على حكم‬
‫اهلل فيما جيد وحيدث من قضايا ونوازل‪ ،‬وحنن وهلل احلمد نعيش صحوة ما كنا نعهدها يف سنوات‬
‫خلت‪ ،‬إقبال على طلب العلم الشرعي‪ ،‬ثين للركب يف حلقات املشايخ‪ ،‬حفظ لكتاب اهلل‪ ،‬استيعاب‬
‫لسنة رسول اهلل ‪ ‬فهم ألصول االستنباط ‪ ،‬إحاطة مبا يقيم اللسان ‪ ،‬استغالل أمثل لألوقات‪ ،‬واألمثلة‬
‫من هؤالء النجباء كثرية والشواهد‪ 4‬حية ‪‬ويأىب اهلل إال أن يتم نوره ولو كره الكافرون (‪.)1( ) 32‬‬
‫إن غاية إرسال الرسل وإنزال الكتب‪ 4‬هي عبادة اهلل وحده ال شريك له وفق املنهج الذي شرعه‬
‫سبحانه‪ ،‬ومن هنا كانت معرفة حكم اهلل يف املسألة‪ 4‬هي مثرة العلوم الشرعية على خمتلف فنوهنا‪ ،‬غري أن‬
‫معرفة حكم اهلل يف املسألة‪ 4‬مل تكن ضربة هوى وال رمية حظ‪ ،‬وما كان سبيلها االنتقاء والتخرص‪ ،‬بل‬
‫كان وفق معايري وأسس صاغها علماء اإلسالم‪ 4،‬واستمدوها من كتاب اهلل وسنة رسول اهلل ‪ e‬لغة‬
‫العرب اليت نزل هبا القرآن وهبا جاءت السنة‪.‬‬
‫وكان واضع أسس هذا العلم‪ ،‬وناهر مائه اإلمام اللغوي احملدث الفقيه حممد بن إدريس الشافعي‬
‫(ت ‪204‬هـ) رمحه اهلل‪ ،‬مث تتابع العلماء بعده كل يديل بدلوه يف هذا الفن‪ ،‬فبوبوا األبواب‪ 4‬ورتبوا‬
‫الفصول وهذبوا املسائل وضبطوا التعاريف ومن هؤالء األعالم‪ 4‬اإلمام اجلليل أبو املعايل عبد امللك بن‬
‫عبد اهلل بن يوسف اجلويين (ت ‪478‬هـ) رمحه اهلل(‪ )2‬فألف يف أصول الفقه "منت الورقات" وهو رسالة‬
‫وحواش ومنظومات‪ ،‬وكلما‬‫ٍ‬ ‫خمتصرة تعترب بداية ملن يطلب العلم‪ ،‬وقد اهتم به العلماء كثرياً‪ ،‬فله شروح‬
‫كثرت الشروح احلواشي‪ 4‬على كتاب علمنا مقداره وأمهته‪.‬‬
‫واملتأمل‪ 4‬يف مؤلفات األصول يالحظ أمرين جديرين باالهتمام‪:‬‬

‫‪ )?(1‬سورة التوبة‪ 4،‬آية‪.32 :‬‬


‫(?) رجع اإلمام اجلويين عن مذهب أهل الكالم إىل مذهب السلف كما نقله شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ .‬جمموع‪ 4‬الفتاوى (‪ )73 ،4/61‬وانظر سري أعالم‬ ‫‪2‬‬

‫النبالء للذهيب ‪.18/471‬‬

‫‪2‬‬
‫األمر األول‪:‬‬
‫أن علم األصول اختلط مبنهج املتكلمني وآرائهم‪ ،‬بل حلقه شيء من منطق اليونان‪ 4،‬وهذا واضح‬
‫يف كتاب الربهان أليب املعايل اجلويين‪ ،‬واملتستصفى أليب حامد الغزايل (ت ‪505‬هـ) وبعض من جاء من‬
‫بعدهم ‪ .‬والغزايل بعد أن أدرك بنفسه وقوعه يف هذا املنهج – خلط علم األصول بالكالم‪ – 4‬اعتذر بأن‪4‬‬
‫الفطام عن املألوف‪ 4‬شديد(‪.)1‬‬
‫وهكذا سار علم األصول مثقالً بآراء املتكلمني وطرقهم مما أثر يف سريه فلم يؤد دوره املرجو‬
‫منه‪.‬‬
‫ومما جيدر ذكره أن التنبيه على خطأ هذا املسلك – إدخال علم الكالم‪ 4‬يف األصول – وتنقيه مما‬
‫علق به قام به عدد من علماء األمة قدمياً وحديثاً‪ ،‬وكان منهم اإلمام اجلليل أبو حامد اإلسفرايين (‬
‫‪406‬هـ)(‪ ،)2‬واإلمام النظار أبو إسحاق الشريازي (ت ‪476‬هـ)(‪ ،)3‬وجاء بعدهم شيخ اإلسالم‪ 4‬ابن‬
‫تيمية‪ ،‬وتلميذه ابن القيم وأبو إسحاق الشاطيب وحممد األمني الشنقيطي‪ ،‬وغريهم من األئمة رحم اهلل‬
‫اجلميع‪.‬‬
‫األمر الثاين‪:‬‬
‫أن مؤلفات علم األصول اهتمت‪ 4‬باجلانب النظري دون التطبيقي‪ – 4‬يف الغالب – مبعىن أهنم‬
‫يهتمون بتقرير القاعدة األصولية ودفع االعرتاضات الواردة عليها دون االهتمام باألمثلة اليت توضح‬
‫القاعدة وتبني كيفية استخدامها حبيث ترتبط القاعدة األصولية بنصوص الشارع ارتباطاً قوياً‪.‬‬
‫ونصيحيت ملن يطلب علم األصول أن يعود نفسه على تطبيق ما فهمه من القواعد األصولية على‬
‫ما مير به من اآليات واألحاديث‪ ،‬فيتأمل ما فيها من عموم وخصوص‪ ،‬ومنطوق ومفهوم‪ ،‬ونص وظاهر‪،‬‬
‫ونص على العلة أو إمياء إليها‪ ،‬وغري ذلك‪ ،‬ذلك أن أي آية أو حديث ال يكاد خيلو من تعلق ببعض‬
‫القواعد األصولية‪.‬‬
‫أما الكتاب الذي بني يديك فهو شرح لورقات أيب املعايل اجلويين – رمحه اهلل – وهو شرح‬
‫يستحق الوصف بالكلمة املشهورة‪" 4‬ليس بالطويل اململ وال بالقصري املخل" مجع بني جزالة اللفظ‬
‫وسهولة العبارة‪ ،‬ودقة األصوليني‪ ،‬أبرز فيه أقوال أئمة السلف كشيخ اإلسالم ابن تيمية وغريه‪ ،‬ومما‬

‫‪ )?(1‬املستصفى ‪ ،1/10‬وانظر الرد على املنطقيني لشيخ اإلسالم ابن تيمية ص‪.14‬‬
‫‪ )?( 2‬اإلسفرايين‪ ،‬بكسر اهلمزة وسكون السني املهملة‪ 4‬وفتح الفاء والراء املهملة وكسر الياء املثناة من حتتها ومن بعدها نون مث ياء‪ ،‬نسبة إىل إسفراين بلدة‬
‫خبراسان‪ ،‬وفيات األعيان البن خلكان ‪.1/74‬‬
‫‪ )?(3‬انظر اإلشارة إىل دور هؤالء األئمة يف هذا اجملال يف درء تعارض العقل والنقل لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪.2/98 4‬‬

‫‪3‬‬
‫يتميز به هذا الشرح اشتماله على عدد من األمثلة اليت تقرب املعىن من الكتاب والسنة الصحيحة قد ال‬
‫جتدها يف كتب األصول‪ ،‬وكان موفقاً يف ترجيحاته أجزل اهلل له األجر والثواب‪4.‬‬
‫أما املؤلف الشيخ عبد اهلل بن صاحل الفوزان‪ 4‬فقد زاملته يف كلية الشريعة بالرياض‪ ،‬وتوثقت صليت‬
‫إيل‪ ،‬عرفته وعرفه زمالؤه باحلرص على طلب العلم وقوة الفهم‪ ،‬وال عجب أن‬
‫به فهو من أقرب الناس َّ‬
‫كان مرجع كثري من زمالئه فيما يشكل عليهم‪ ،‬وكم كنت أراه يف أروقة الكلية آنذاك مع عدد من‬
‫الزمالء يستوضحون منه ما أشكل عليهم من مسائل علمية‪ .‬وبعد خترجه من الكلية فضل التدريس يف‬
‫املعهد العلمي‪ ،‬اعتذر عن البقاء يف الكلية معيداً فيها‪ ،‬وقد نفع اهلل به يف معهد بريدة العلمي نفعاً كبرياً‬
‫فكان مرجع مدرسي املعهد يف القضايا العلمية‪ ،‬وخترج على يديه عدد كبري من الطالب‪ ،‬وله يف‬
‫نفوسهم منـزلة كبرية‪ ،‬فقد رزقه اهلل أسلوباً حسناً يف التدريس وحمبة لدى طالبه‪ ،‬مث انتقل أخرياً‬
‫للتدريس يف كلية الشريعة واللغة العربية يف القصيم‪ ،‬وكان له دروس مستمرة يف املسجد يف فنون متنوعة‪4‬‬
‫حيضرها عدد من طلبة العلم‪.‬‬
‫اسأل اهلل أن جيزي مؤلفة خري اجلزاء‪ ،‬وأن يبارك يف علمه وجهوده‪ ،‬وأن ينفع به اإلسالم‪ 4‬وأهله‬
‫رداً مجيالً‪ ،‬وصلى اهلل على حممد‬
‫كما أسأله أن يعلي كلمته‪ ،‬وأن يعز جنده‪ ،‬وأن يرد املسلمني إىل دينه ّ‬
‫وآله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫أمحد بن عبد بن محيد‬
‫عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة‬
‫والدراسات اإلسالمية‪ 4‬جبامعة أم القرى‬
‫‪15/12/1412‬هـ‬

‫‪4‬‬
‫‪‬‬

‫مقدمة الطبعة الثانية‬

‫احلمد هلل رب الع‪44‬املني‪ .‬وأص‪44‬لي وأس‪44‬لم على خ‪44‬امت املس‪44‬لني نبينا‪ 4‬حممد وعلى آله وص‪44‬حبه والت‪44‬ابعني‬
‫هلم بإحسان إىل يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فهذه الطبعة الثانية‪ 4‬لكتابنا "شرح الورقات" تقوم [دار املسلم] بإعادة طبعه‪ ،‬لنفاد الطبعة األوىل‬
‫وطلب كثري من أصحاب املكتبات‪ .‬وقد حظي الكتاب – بفضل اهلل تعاىل – بثناء من يعترب ثناؤهم‬
‫وإقبال كثري من الطالب عليه‪ .‬وما كنت أتوقع شيئاً من ذلك‪.‬‬
‫وقد أع‪44‬دت النظر يف الكت‪44‬اب إما لزي‪44‬اد بعض الفوائد‪ 4‬اليت عرضت يل بعد طبع‪44‬ه‪ ،‬وإما لتص‪44‬حيح ما‬
‫وقع من أخطاء يف الطبعة األوىل‪.‬‬
‫وأسأل اهلل أن يوفق اجلميع لعلم نافع وعمل صاحل‪ ،‬وصلى اهلل على نبينا‪ 4‬حممد وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني‪.‬‬
‫املؤلف‬
‫يف ‪2/2/1414‬هـ‬

‫‪5‬‬
‫‪‬‬

‫مقدمة الطبعة الثالثة‬

‫احلمد هلل رب الع‪44‬املني‪ .‬وأص‪44‬لي وأس‪44‬لم على خ‪44‬امت املس‪44‬لني نبينا‪ 4‬حممد وعلى آله وص‪44‬حبه والت‪44‬ابعني‬
‫هلم بإحسان إىل يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فهذه الطبعة الثالثة‪ 4‬لكتابنا "شرح الورقات" تقوم [دار املسلم] بإعادة طبعه‪ ،‬لنفاد الطبعة الثانية‪4،‬‬
‫وقد بذلنا يف هذه الطبعة جهداً ووقتاً يظهر فيما يلي‪:‬‬
‫‪ )1‬مقابلة نص الورقات على عدد من املخطوطات اليت حصلنا عليها‪.‬‬
‫‪ )2‬زيادات مهمة يف كثري من األبواب‪.‬‬
‫‪ )3‬صياغة كثري من املوضوعات صياغة جديدة‪ .‬مصدر بكلمة‪ :‬قوله‪( :‬كذا ‪ ). . . .‬مث تأيت‬
‫عبارة الشرح‪.‬‬
‫‪ )4‬وضع املراجع املهمة يف اهلامش ليتصل الكالم‪ 4‬وقد كانت موجود يف صلب الشرح‪.‬‬
‫‪ )5‬ذكر قائمة املراجع اليت سقطت من الطبعة السابقة‪.‬‬
‫‪ )6‬تصحيح األخطاء اليت وقعت يف الطبعة الثانية‪ 4‬مع أهنا قليلة واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬

‫وصلى اهلل وسلم على نبينا حممد وعلى آله وصحبه أمجعني‬
‫مساء األحد‬
‫يف ‪3/12/1416‬هـ‬

‫‪6‬‬
‫‪‬‬

‫مقــــدمـــــة‬

‫إن احلمد هلل حنم‪44‬ده ونس‪44‬تعينه‪ 4‬ونس‪44‬تغفره‪ 4،‬ونع‪44‬وذ باهلل من ش‪44‬رور أنفس‪44‬نا ومن س‪44‬يئات أعمالن‪44‬ا‪ ،‬من‬
‫يهده اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن‬
‫حممداً عبده ورسوله‪. .‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فهذا شرح وجيز على ورقات إمام احلرمني يف أصول الفقه‪ ،‬راعيت‪ 4‬فيه سهولة األسلوب‪،‬‬
‫وإيضاح العبارة بإيراد األمثلة‪.‬‬
‫إيل عدد من األخوة أن‬
‫وأصل هذا الشرح دروس ألقيتها‪ 4‬على بعض الطلبة يف املسجد‪ ،‬فرغب ًّ‬
‫علي مبدين بعض املزايا‪،‬‬
‫أقوم بطباعتها‪ ،‬فاعتذرت هلم بكثرة شروح الورقات وحواشيها‪ ،‬ولكنهم أحلوا ّ‬
‫فاستعنت باهلل تعاىل يف تلبية هذا الطلب‪.‬‬
‫وأصول الفقه علم جليل القدر غزير الفائدة‪ ،‬يتمكن متعلمه من القدرة على استنباط األحكام‬
‫الشرعية من النصوص‪ 4‬على أسس سليمة وقواعد صحيحة‪ ،‬وعلم الفقه قائم على األصول‪ ،‬وال ميكن‬
‫للفقيه‪ ،‬وكذا احملدث واملفسر‪.‬‬
‫والعامل باألصول يشعر بالثقة واالطمئنان‪ 4‬ملا دونه فقهاء اإلسالم‪ ،‬وأن ذلك مبين على قواعد‬
‫وأسس سليمة‪.‬‬
‫وأول من ألف يف أصول الفقه ومجعه كفن مستقل اإلمام حممد بن إدريس الشافعي رمحه اهلل‬
‫املولود سنة ‪150‬هـ‪ ،‬واملتوىف سنة ‪204‬هـ‪ ،‬ذكره اإلسنوي‪ 4‬يف التمهيد ص‪ 45‬وحكى اإلمجاع فيه‪ ،‬مث‬
‫تتابع العلماء بالتأليف‪ 4‬ما بني خمتصر ومطول‪ ،‬ومنثور ومنظوم‪ ،‬حىت صار فنّاً مستقالً رتبت أبوابه‪4‬‬
‫وحررت مسائله وصار كالتوحيد والفقه واحلديث‪.‬‬
‫ومؤلف هذه الورقات هو شيخ الشافعية أبو املعايل عبد امللك بن عبد اهلل بن يوسف بن حممد‬
‫اجلويين‪ ،‬نسبة إىل (جوين) من نواحي نيسابور‪ .‬ولد سنة ‪419‬هـ وتفقه على والده يف صباه‪ ،‬ورحل إىل‬

‫‪7‬‬
‫بغداد مث إىل مكة وجاور هبا أربع سنني‪ ،‬وذهب إىل املدينة فأفىت ودرس فلقب بإمام احلرمني‪ ،‬مث عاد إىل‬
‫نيسابور فبىن له الوزير نظام امللك املدرسة النظامية فدرس فيها وكان حيضر دروسه أكابر العلماء‪.‬‬
‫وكان أبو املعايل يف بداية أمره على مذهب أهل الكالم‪ 4‬يف باب األمساء والصفات من املعتـزلة‬
‫واألشاعرة‪ ،‬وكان كثري املطالعة لكتب أيب هاشم املعتـزيل‪ ،‬قليل املعرفة باآلثار فأثر فيه جمموع األمرين‪،‬‬
‫لكنه رجع عن ذلك إىل مذهب السلف كما نقل ذلك شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل(‪.)1‬‬
‫وقد ورد عن أيب املعايل نفسه ما يدل على رجوعه حيث صرح بعقيدته يف باب األمساء‬
‫والصفات وقال يف رسالته النظامية (والذي نرتضيه رأياً‪ ،‬وندين اهلل به عقداً اتباع سلف األمة‪ ،‬فاألوىل‬
‫االتباع‪ ،‬والدليل السمعي القاطع يف ذلك أن إمجاع األمة حجة متبعة وهو مستند معظم الشريعة ‪.)2(). .‬‬
‫مات أبو املعايل سنة ‪478‬هـ بنيسابور رمحه اهلل‪ ،‬وله عدة مؤلفات يف أصول الدين والفقه‬
‫واخلالف وأصول الفقه‪.‬‬
‫وكتبه‬
‫عبد اهلل بن صاحل الفوزان‪4‬‬

‫‪ )?(1‬انظر فهارس الفتاوى (‪.)2/494‬‬


‫‪ )?(2‬انظر سري أعالم النبالء (‪.)18/468‬‬

‫‪8‬‬
‫مبادئ علم أصول الفقه‬

‫ملا كان (أصول الفقه) فناً مستقالً ناسب ذكر مبادئه العشرة اليت ينبغي‪ 4‬لقاصد كل فن أن‬
‫يعرفها‪ .‬لتصور ذلك الفن قبل الشروع فيه‪.‬‬
‫وقد مجعها بعضهم بقوله‪:‬‬
‫احل ّد واملوضـوع ثـم الثمـرة‬ ‫إن مبادئ كل علـم عشـرة‬
‫واالسم االستمداد حكم الشارع‬ ‫ونسبـة فضلـه والـواضـع‬
‫ومن درى اجلميع حـاز الشرفا‬ ‫مسائل والبعض‪ 4‬بالبعض اكتفى‪4‬‬
‫زاد بعضهم‪ :‬املبدأ احلادي عشر‪ ،‬وهو‪ :‬شرفه(‪.)1‬‬
‫وعليه فهذه مبادئ (علم أصول الفقه)‪:‬‬
‫‪ )1‬فحده‪ :‬علم يبحث يف أدلة الفقه اإلمجالية وكيفية االستفادة‪ 4‬منها‪ .‬وحال املستفيد‪ .‬وسيأيت شرح‬
‫هذا التعريف إن شاء اهلل‪.‬‬
‫‪ )2‬وموضوعه‪ :‬األدلة املوصلة إىل معرفة األحكام الشرعية وأقسامها‪ .‬واختالف مراتبها‪ .‬وكيفية‬
‫االستدال هبا‪ ،‬مع معرفة حال املستدل‪.‬‬
‫‪ )3‬ومثرته وفائدته‪ ،‬منها‪:‬‬
‫القدرة على استنباط األحكام الشرعية على أسس سليمة يقول شيخ اإلسالم‪ 4‬ابن‬ ‫‪)1‬‬
‫تيمية رمحه اهلل‪( :‬إن املقصود من أصول الفقه أن يفقه مراد اهلل ورسوله بالكتاب‬
‫والسنة)(‪.)2‬‬
‫معرفة أن الشريعة اإلسالمية صاحلة لكل زمان ومكان‪ 4.‬وأهنا قادرة على إجياد‬ ‫‪)2‬‬
‫األحكام ملا يستجد من حوادث على مر العصور‪.‬‬
‫‪ )5‬العامل باألصول يشعر بالثقة واالطمئنان‪ 4‬ملا دونه فقهاء اإلسالم‪ .‬وأنه مبين على‬
‫قواعد ثابتة مقررة شرعاً‪ ،‬ممحصة حبثاً‪.‬‬

‫‪ )?(1‬انظر (التأصيل)‪ 4‬لبكر أبوزيد ص‪.37/‬‬


‫‪ )?(2‬جمموع‪ 4‬الفتاوى (‪.)20/497‬‬

‫‪9‬‬
‫د) ليست الفائدة من علم أصول الفقه قاصرة على الفقه فقط‪ .‬بل تتعداه إىل غريه من‬
‫العلوم من التفسري واحلديث والتاريخ وغريها(‪.)1‬‬
‫‪ )4‬ونسبته إىل غريه‪ :‬أي مرتبته من العلوم األخرى‪ .‬أنه من العلوم الشرعية‪ .‬وهو للفقه‪ .‬كأصول‬
‫النحو للنحو‪ .‬وعلوم احلديث للحديث‪.‬‬
‫‪ )5‬وفضله‪ :‬ما ورد يف احلث على التفقه‪ 4‬يف دين اهلل تعاىل ومعرفة أحكام شرعه‪ .‬وهذا متوقف على‬
‫أصول الفقه‪ .‬فيثبت له ما ثبت للفقه من الفضل‪ .‬إذ هو وسيلة إليه‪.‬‬
‫‪ )6‬واضعه‪ :‬هو اإلمام حممد بن إدريس الشافعي رمحه اهلل‪ .‬وذلك بتأليف‪ 4‬كتاب (الرسالة) وقد‬
‫ذكرت ذلك يف املقدمة‪.‬‬
‫‪ )7‬امسه‪ :‬علم أصول الفقه‪.‬‬
‫‪ )8‬استمداده‪ .‬من ثالثة أشياء‪:‬‬
‫علم التوحي ‪44 4 4‬د‪ :‬وذلك لتوقف األحك ‪44 4 4‬ام الش ‪44 4 4‬رعية على معرفة اهلل تع ‪44 4‬اىل‪ .‬وص ‪44 4‬دق‬ ‫‪)1‬‬
‫رسوله ‪ ‬فيما جاء به من األحكام‪ ،‬ألنه املبلغ عن اهلل‪.‬‬
‫علم اللغة العربي‪44 4‬ة‪ :‬فالبد أن يع‪44 4‬رف األص‪44 4‬ويل ق‪44 4‬دراً ص‪44 4‬احلاً من اللغة يتمكن به من‬ ‫‪)2‬‬
‫معرفة الكتاب والسنة‪ .‬ألهنما بلسان عريب‪.‬‬
‫ج) األحك‪44 4 4 4‬ام الش‪44 4 4 4‬رعية‪ :‬فالبد أن يع‪44 4 4 4‬رف ق‪44 4 4 4‬دراً ص‪44 4 4 4‬احلاً من الفقه يتمكن من إيض‪44 4 4‬اح‬
‫املسائل‪ .‬وضرب األمثل‪.‬‬
‫(املسودة) أنه فرض عني على من أن أراد االجتهاد واحلكم‬
‫‪ )9‬حكمه‪ :‬فرض كفاية‪ .‬وذكر يف ّ‬
‫والفتوى(‪.)2‬‬
‫‪ )10‬مسائلة‪ :‬مباحثه اليت يلتزمها اجملتهد‪ .‬ويستفيد منها ويستنبط األحكام الشرعية على ضوئها‪.‬‬
‫‪ )11‬شرفه‪ :‬هو علم شريف لشرف موضوعه‪ ،‬وهو العلم بأحكامه اهلل تعاىل املتضمنة‪ 4‬للفوز بسعادة‬
‫الدارين‪.‬‬

‫‪ )?(1‬انظر مقاالً يف جملة (أضواء الشريعة) بالرياض العدد السابع‪ .‬حتدث فيه الدكتور‪ 4‬حممد البيانوين عن أمهية األصول وفوائد ص‪.411/‬‬
‫املسودة يف أصول الفقه ص‪.510/‬‬ ‫(? ) ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪10‬‬
‫‪‬‬
‫(‪)1‬‬
‫مقدمة الورقـــــــاتـ‬
‫(هذه ورقات تشتمل على معرفة فصول من أصول الفقه وذلك مؤلف من جزءين‬
‫مفردين أحدهما‪ :‬األصول‪ .‬والثاني‪ :‬الفقه)‪.‬ـ‬
‫قوله‪( :‬هذه ورقات) الورقات مجع ورقة وهو مجع مؤنث سامل من مجوع القلة(‪ )2‬عند‬
‫سيبويه(‪ ،)3‬وقد يأيت للكثرة‪ .‬وعرب بذلك لقصد التسهيل على املبتدئ‪ ،‬ليشط على قراءهتا واإلملام‪ 4‬مبا‬
‫فيها‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬تشتمل على معرفة فصول" أي على معرفة أنواع من املسائل كل نوع منها يسمى‬
‫(فصالً) النفصاله عن غريه‪.‬‬
‫والفصول‪ :‬مجع فصل وهو قطعة من الباب مستقلة بنفسها منفصلة عما سواها‪ ،‬تشتمل على‬
‫مسائل غالباً‪ ،‬والباب أعم من الفصل ألنه اسم امللة خمتصة من العلم‪ ،‬تشتمل على فصول ومسائل غالباً‪،‬‬
‫والكتاب أعم ألنه اسم جلملة خمتصة من العلم تشتمل على أبواب وفصول ومسائل غالباً‪.‬‬
‫وإمنا يفعل املصنفون‪ 4‬ذلك لتنشيط النفس وبعثها على التحصيل واالستمرار يف الطلب مبا حيصل‬
‫هلا من السرور باخلتم واالبتداء‪ ،‬كاملسافر إذا قطع مرحلة من سفره شرع يف أخرى‪.‬‬
‫قوله‪( :‬من أصول الفقه) أي من هذا الفن املسمى بأصول الفقه‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وذلك مؤلف من جزءين ‪ . . .‬إخل) اإلشارة إىل أصول الفقه فهو مؤلف من جزءين‪ .‬من‬
‫مضاف وهو كلمة (أصول) ومضاف إليه وهو كلمة‪( :‬الفقه) فهو من املركب اإلضايف‪ ،‬وهلذا البد له‬
‫من تعريفني‪:‬‬
‫األول‪ :‬باعتبار مفردية‪ .‬أي كلمة (أصول) وكلمة (الفقه)‪ ،‬ألن املركب ال متكن معرفته إال بعد معرفة ما‬
‫تركب منه‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬باعتباره علماً على هذا الفن املعني‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬مفردين) املراد باإلفراد هنا ما يقابل الرتكيب ال ما يقابل التثنية‪ 4‬واجلمع‪ ،‬ألن أحد‬
‫اجلزءين وهو لفظ (أصول) مجع‪ ،‬فدل على أن املفرد ما ليس مبركب‪.‬‬

‫(?) يف بعض نسخ الورقات جاء يف املقدمة (احلمد هلل رب العاملني وصلى اهلل على سيدنا حممد‪ 4‬وآله وصحبه‪ 4‬أمجعني) وأكثرها مل ترد فيه هذه العبارة‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) مجع القلة‪ 4:‬ما كان مدلوله عدداً حمدداً ال يقل عن ثالثة وال يزيد عن عشرة‪ .‬ومجع الكثرة‪ :‬ما وضع للعدد الكثري من أحد عشر إىل ماال هناية له‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ولكل منهما أوزان‪.‬‬


‫(?) كتاب سيبويه (‪.)578 ،3/491‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪11‬‬
‫وإمنا قال‪( :‬مفردين) ليبني أن التأليف‪ 4‬قد يكون‪ 4‬من جزءين مفردين كما هنا‪ .‬وقد يكون من‬
‫مجلتني حنو‪ :‬إن قدم الضيف أكرمته‪ .‬فإن الفعل والفاعل (قدم الضيف) مجلة و(أكرمته) مجلة أخرى‪ .‬واهلل‬
‫أعلم‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫تعريف أصول الفقه باعتبار مفردية‬

‫(فاألصل ما يبنى عليه غيره‪ ،‬والفرع ما يبني على غيره‪ .‬والفقه معرفة األحكام‬
‫الشرعية التي طريقها االجتهاد)‪.‬ـ‬
‫هذا التعريف األول ألصول الفقه وهو تعريفه باعتبار مفردية‪ ،‬فاألصول مجع أصل واألصل لغة‪:‬‬
‫ما يبين عليه غريه‪ ،‬كأصل اجلدار وهو أساسه املسترت يف األرض املبين عليه اجلدار‪ .‬وأصل الشجرة وهو‬
‫طرفها الثابت يف األرض‪ .‬قال تعاىل‪ :‬أمل تر كيف ضرب اهلل مثالً كلمة طيبة‪ 4‬كشجرة طيبة‪ 4‬أصلها ثابت‬
‫وفرعها يف السماء (‪ )1()24‬وهذا أحسن ما قيل يف تعريف األصل‪.‬‬
‫وأما يف االصطالح فيطلق على معان منها‪:‬‬
‫‪ )1‬الدليل‪ :‬كقولنا‪ :‬أصل وجوب الصوم‪ 4‬قوله تعاىل‪ :‬يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام‪ )2(‬أي‬
‫دليله‪.‬‬
‫ومنه أصول الفقه‪ :‬أي أدلته‪.‬‬
‫‪ )2‬القاعدة املستمرة‪ :‬كقولنا‪ :‬إباحة امليتة‪ 4‬للمضطر على خالف األصل‪.‬‬
‫‪ )3‬املقيس‪ 4‬عليه‪ :‬وهذا يف باب القياس حيث إن األصل أحد أركان القياس‪.‬‬
‫وأما الف‪44 4‬رع‪ :‬فهو ما يبىن على غ‪44 4‬ريه‪ ،‬مثل ف‪44 4‬روع الش‪44 4‬جرة فهي مبنية على أص‪44 4‬لها‪ ،‬وف‪44 4‬روع الفقه‬
‫مبنية على أصوله‪.‬‬
‫وإمنا عرف الفرع – مع أنه ليس أحد اجلزءين – ألنه مقابل ألحدمها وهو األصل‪ ،‬والشيء‬
‫يتضح غاية االتضاح إذا ذكر مقابله‪ .‬أو يقال‪ :‬قصد املؤلف التنبيه على أن الفقه مبين على أصوله‪ ،‬وأن‬
‫اجلزء األول وهو أصول مبين عليه‪ ،‬واجلزء الثاين وهو الفقه مبين‪ ،‬فليس ذكر الفرع استطرادا كما قال‬
‫بعضهم‪.‬‬
‫وأما اجلزء الثاين من املركب فهو (الفقه) والفقه لغة‪ :‬الفهم أي فهم غرض املتكلم من كالمه‪.‬‬
‫قال اجلوهري‪ :‬الفقه‪ :‬الفهم‪ .‬تقول‪ :‬فقه الرجل الكسر‪ ،‬وفالن ال يفقه وال ينقه(‪ ،)3‬مث خص به علم‬
‫الشريعة‪ .‬والعامل به فقيه‪ .‬وقد فقه بالضم فقاهة وفقهه اهلل وتفقه إذا تعاطى ذلك‪ .‬أ هـ‪.‬‬
‫(?) سورة إبراهيم‪ 4،‬آية‪.24 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.183 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) قال يف القاموس‪ :‬نقه احلديث‪ :‬فهمه‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪13‬‬
‫والفقه اصطالحاً‪ :‬معرفة األحكام الشرعية اليت طريقها االجتهاد‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫شرح التعريف‪:‬‬
‫قوله‪ :‬معرفة‪ :‬املعرفة تشمل اليقني – وهو ما أدرك على حقيقته كمعرفة أن الصلوات مخس‪ ،‬وأن‬
‫الزنا حمرم‪ ،‬والظن وهو ما أدرك على وجه راجح كما يف كثري من مسائل الفقه(‪ .)1‬مثل معرفة أن الوتر‬
‫سنة على مذهب اجلمهور‪ .‬وأن الزكاة غري واجبة يف احللي املباح على أحد األقوال‪ .‬واملراد باملعرفة هنا‬
‫الظن؛ لقوله‪( :‬اليت طريقها االجتهاد)‪ .‬فهو صفة للمعرفة‪ ،‬ال لألحكام الشرعية إذ لو كان صفة لألحكام‬
‫لدخل يف التعريف معرفة املقلد‪ ،‬فإذا جعلناه صفة للمعرفة خرج املقلد إذ يصري التعريف‪:‬‬
‫الفقه‪ :‬هو املعرفة اليت طريقها االجتهاد‪ .‬واملقلد ليست معرفته عن طريق االجتهاد بل عن طريق‬
‫التقليد‪ ،‬كما سيأيت إن شاء اهلل تعاىل يف آخر الورقات‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬األحكام الشرعية) أي املأخوذة من الشرع املبعوث‪ 4‬به النيب ‪ .‬كالوجوب واالستحباب‬
‫واحلرمة وغريها‪.‬‬
‫وقيد (الشرعية) خرج به األحكام العقلية‪ ،‬كمعرفة أن الواحد نصف االثنني‪ ،‬واألحكام احلسية‬
‫كمعرفة أن النار حارة‪ ،‬والعادية كنـزول املطر بعد الرعد والربق‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬اليت طريقها االجتهاد) تقدم أنه صفة للمعرفة‪ .‬واملعىن‪ :‬اليت طريق ثبوهتا وظهورها‬
‫االجتهاد الذي هو بذل اجلهد إلدراك حكم شرعي مثل‪ :‬النية واجبة يف الوضوء والفاحتة واجبة يف‬
‫الصالة السرية واجلهرية على أحد األقوال‪ ،‬وغري ذلك من مسائل اخلالف‪ .‬وأما ما طريقة القطع مثل‬
‫الصالة الواجبة والزنا حمرم وغري ذلك من املسائل املصنف‪ 4،‬ألن معرفة ذلك يشرتك فيها اخلاص والعام‪.‬‬
‫فالفقه هبذا التعريف ال يتناول إال فقه اجملتهد‪.‬‬
‫هذا هو تعريف أصول الفقه باعتبار مفردية‪ .‬وأما التعريف الثاين وهو تعريفه باعتباره علماً على‬
‫هذا الفن املعني فسيذكره املصنف‪ 4‬بعد الكالم‪ 4‬على األحكام الشرعية‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(?) انظر الربهان إلمام احلرمني (‪.)1/78‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪15‬‬
‫األحكــام الشـرعية‬

‫(واألحكام سبعة‪ :‬الواجب‪،‬ـ والمندوب‪ ،‬والمباح‪ ،‬والمحظور‪ ،‬والمكروه‪ ،‬والصحيح‪،‬‬


‫والباطل)‪.‬‬
‫املراد باألحكام‪ :‬األحكام الشرعية اليت تقدم ذكرها يف تعريف الفقه‪ ،‬واألحكام مجع حكم‪ .‬وهو‬
‫لغة‪ :‬املنع‪ .‬ومنه قيل‪ :‬للقضاء حكم‪ ،‬ألنه مينع من غري املقضى‪ .‬واحلكم‪ :‬القضاء‪ .‬قال ابن األثري‪( :‬احلكم‪:‬‬
‫العلم الفقه والقضاء بالعدل) أ هـ‪ .‬وعلى املعىن األول جاء قول جرير‪:‬‬
‫إين أخاف عليكمو أن أغضبا‪4‬‬ ‫أبين حنيفة احكموا سفهاءكم‬
‫ويظهر من هذا املعىن اللغوي أننا إذا قلنا‪ :‬حكم اهلل يف هذه املسألة الوجوب فمعناه أنه قضى‬
‫فيها بالوجوب ومنع املكلف من خمالفته‪.‬‬
‫واحلكم اصطالحاً‪ :‬ما دل(‪ )1‬عليه خطاب الشرع املتعلق بأفعال املكلفني من طلب أو ختيري أو‬
‫وضع‪.‬‬
‫ومثاله قوله تعاىل‪] :‬وأقيموا الصالة‪ [4‬فهذا خطاب من الشرع دل على وجوب إقامة الصالة‪4،‬‬
‫وهذا الوجوب هو احلكم‪.‬‬
‫واملراد خبطاب الشرع‪ :‬الكتاب‪ 4‬والسنة‪.‬‬
‫وقولنا‪ :‬بأفعال املكلفني‪ :‬املراد به‪ :‬مجيع أعمال اجلوارح وإن كانت األفعال تقابل باألقوال يف‬
‫اإلطالق العريف‪ ،‬وهذا خيرج ما تعلق بذواهتم فليس مقصوداً كقوله تعاىل‪] :‬ولقد خلقناكم مث‬
‫صورناكم[(‪ ،)2‬وخرج به ما تعلق باالعتقاد فليس حكماً هبا االصطالح‪ .‬واملكلفون‪ :‬يشم نوعني‪:‬‬
‫‪ )1‬املكلف اآلن‪ .‬ويراد به كل بالغ عاقل‪.‬‬
‫‪ )2‬ليس مكلفاً اآلن ولكنه منطبقة املكلفني‪ ،‬وهذا يراد به الصغري واجملنون‪ ،‬فكل منهما من‬
‫طبقة املكلفني‪ ،‬ولكن وجد مانع من التكليف وهو الصغر وفقدان العقل‪ ،‬فإذا زاال جرى‬
‫عليه التكليف‪.‬‬
‫والتكليف لغة‪ :‬إلزام ما فيه كلفة أي مشقة‪ .‬واصطالحاً طلب ما فيه مشقة‪.‬‬

‫(?) انظر احلكم التكليفي للدكتور حممد‪ 4‬البيانوين ص‪.31‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة األعراف‪ ،‬آية ‪.11‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪16‬‬
‫وقولنا‪ :‬من طلب‪ :‬الطلب نوعان‪:‬‬
‫‪ )1‬طلب فعل وهو األمر‪ ،‬إن كان على سبيل اإللزام فواجب وإال فمندوب‪.‬‬
‫‪ )2‬طلب ترك وهو النهي‪ ،‬إن كان على سبيل اإللزام فمحرم وإال فمكروه‪.‬‬
‫وقولنا‪ :‬أو ختيري‪ :‬يراد به املباح‪.‬‬
‫وقولنا‪ :‬أو وضع‪ :‬يراد به احلكم الوضعي‪ 4.‬وذلك أن األحكام نوعان‪4:‬‬
‫أحكام تكليفية‪ :‬وهي ما دل عليه خطاب الشرع من طلب فعل أو ترك أو ختيري‪ ،‬وهي‬ ‫‪)1‬‬
‫مخسة‪ :‬الواجب‪ ،‬واملندوب واحملظور‪ ،‬واملكروه‪ ،‬واملباح‪ ،‬وسيأيت إن شاء اهلل تعاىل بيان وجه‬
‫إدخال املباح مع األحكام التكليفية‪ 4‬مع أنه ال تكليف فيه‪.‬‬
‫أحكام وضعية‪ :‬وهي ما دل عليه خطاب الشرع من أسباب وشروط وموانع‪ .‬تعرف عند‬ ‫‪)2‬‬
‫وجودها أحكام الشرع من فعل أو ترك‪ .‬ويرتتب على ذلك الصحة والفساد‪ .‬فرؤية اهلالل‬
‫سبب وجوب الصيام‪ 4.‬والوضوء شرط للصالة‪ .‬واحليض‪ 4‬مانع منها‪ ،‬وذكر املصنف من‬
‫األحكام الوضعية‪ 4:‬الصحيح والباطل‪.‬‬
‫وأعلم أن ظاهر كالم املصنف أن الفقه هو العلم هبذه السبعة‪ ،‬ألنه ملا عرف الفقه بأنه معرفة‬
‫األحكام الشرعية قال‪ :‬واألحكام سبعة‪ .‬وأظهر يف مقام اإلضمار توضيحاً للمبتدئ‪ ،‬لكن يعلم أن الفقه‬
‫ليس معرفة حقيقة الواجب واملندوب ‪ . .‬إخل‪ ،‬ألن هذا من أصول الفقه؛ وإمنا املقصود أن الفقه معرفة‬
‫جزئياهتا‪ .‬واملراد الواجبات واملندوبات‪ 4‬واحملرمات واملكروهات‪ 4‬واألفعال الصحيحة والفاسدة واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫أقسام الحكم التكليفي‬
‫‪ )1‬الواجـــبـ‬

‫(فالواجب‪ :‬ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه)‬


‫هذا القسم األول من أقسام احلكم التكليفي وهو الواجب‪ .‬وهو لغة‪ :‬الساقط والالزم‪ ،‬ألن‬
‫الساقط يلزم مكانه‪ ،‬فسمي الالزم الذي إلخالص منه واجباً‪ .‬قال يف القاموس‪ :‬وجب جيب وجبة سقط‪.‬‬
‫والشمس وجباً ووجوباً‪ :‬غابت‪ .‬والوجبة السقطة مع اهلدة أو صوت الساقط أ هـ‪ .‬قال تعاىل‪] :‬فإذا‬
‫وجبت جنوهبا فكلوا منها[(‪ .)1‬أي سقطت قال الشاعر‪:‬‬
‫عنا لسلم حىت كان أول واجب‬ ‫أطاعت بنو عوف أمرياً هنامهو‬
‫وأما الواجب اصطالحاً‪ :‬فاكثر األصوليني يعرفه باحلد أي ببيان احلقيقة‪ 4‬واملاهية‪ 4.‬وبعضهم يعرفه‬
‫بالرسم وهو تعريفه ببيان‪ 4‬الثمرة واحلكم واألثر(‪ .)2‬واألول أدق ألن احلكم على الشيء فرع عن تصوره‪،‬‬
‫وهلذا قال يف شرح التحرير‪( :‬إن حده حبكمه يأباه احملققون) واستحسن هذا القول الفتوحي يف شرحه‬
‫على الكوكب‪ 4‬املنري(‪ )3‬وقد جرى املصنف‪ 4‬على الثاين فذكر الوصف الذي اشرتكت فيه مجيع الواجبات‪،‬‬
‫وهو الثواب على الفعل والعقاب على الرتك‪.‬‬
‫وأما على األول فالواجب‪ :‬ما طلب الشارع فعله طلباً جازماً كالصالة والزكاة وبر الوالدين‬
‫وصلة األرحام والوفاء بالوعد والصدق‪.‬‬
‫وخرج بالقيد األول احملرم واملكروه‪ 4‬واملباح‪ ،‬وبالقيد الثاين املندوب‪.‬‬
‫وحكم الواجب فعالً وتركاً ما ذكره املصنف من أن فاعله يثاب وتاركه يعاقب‪ ،‬وهذا حيتاج إىل‬
‫أمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬قيد االمتثال للثواب أي يثاب على فعله امتثاالً(‪.)4‬‬
‫الثاين‪ :‬لو عرب بقوله‪( :‬ويستحق تاركه العقاب) بدل (ويعاقب) لكان أحسن ألن من الواجبات‬
‫ماال يلزم من تركه العقاب‪ ،‬بل هو حتت املشيئة مثل بر الوالدين‪ ،‬قال تعاىل‪] :‬إن اهلل ال يغفر أن يشرك‬
‫(?) سورة احلج‪ ،‬آية ‪.36‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر شرح الكوكب املنري (‪.)1/89‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر شرح الكوكب املنري (‪.)1/349‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) وذلك كالصالة والصوم‪ ،‬وأما قضاء الدين ورد الودائع واإلنفاق على الزوجة فيصح بدون نية‪ .‬ولكن ال ثواب إال بنية‪ .‬انظر (نثر الورود على‬ ‫‪4‬‬

‫مراقي السعود ‪ )1/54‬شرح الكوكب املنري ‪.1/349‬‬

‫‪18‬‬
‫به ويغفر ما دون ذلك ملن يشاء[(‪ ،)1‬وقد أجاب بعض شراح الورقات عن استقامة‪ 4‬العبارة جبوابني‪ .‬فقد‬
‫قال جالل الدين احمللي‪( :‬ويكفي‪ 4‬يف صدق العقاب وجوده لواحد من العصاة‪ 4‬مع العفو عن غريه‪ ،‬وجيوز‬
‫أن يريد‪ :‬ويرتتب العقاب على تركه‪ .‬كما عرب به غريه فال ينايف العفو)(‪ )2‬أ هـ‪ .‬واجلواب الثاين أحسن‬
‫ألن ترتب العقاب ال يلزم فيه حصول العقاب واهلل أعلم‪.‬‬
‫وللجواب تقسيمات أمهها ثالثة‪:‬‬
‫التقسيم األول‪ :‬باعتبار الفعل‪ .‬وهو نوعان‪:‬‬
‫‪ )1‬معني‪ ،‬وهو األكثر‪ .‬وهو الواجب الذي ال يقوم غريه مقامه كالصالة والصوم‪ 4‬وحنومها‪.‬‬
‫‪ )2‬مبهم‪ .‬يف أقسام حمصورة جيزي فعل واحد منها كخصال الكفارة‪ 4‬من عتق أو إطعام أو‬
‫صوم‪.‬‬
‫التقسيم الثاين‪ :‬باعتبار الوقت‪ .‬وهو نوعان‪:‬‬
‫‪ )1‬واجب مضيق‪ .‬وهو ما تعني له وقت ال يزيد على فعله كصوم رمضان‪.‬‬
‫‪ )2‬واجب موسع‪ .‬وهو ما كن وقته املعني يزيد على فعله كالصالة‪.‬‬
‫التقسيم الثالث‪ :‬باعتبار الفاعل‪ .‬وهو نوعان‪4:‬‬
‫‪ )1‬واجب عيين‪ :‬وهو ماال تدخله النيابة‪ 4‬مع القدرة وعدم احلاجة كالصلوات اخلمس‪ ،‬فما دامت‬
‫القدرة موجودة وجب على املكلف أن يفعل بنفسه أما مع عدم القدرة ففي املسألة‪ 4‬تفصيل‬
‫حسب نوعية العبادة‪. .‬‬
‫‪ )2‬واجب كفائي‪ :‬وهو ما يسقطه فعل البعض ولو مع القدرة وعدم احلاجة كالصالة على امليت‪4‬‬
‫ودفنه فالواجب الكفائي يتحتم أداؤه على مجاعة املكلفني‪ ،‬فإذا قام به بعضهم سقط عن‬
‫الباقني(‪ .)3‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(?) سورة النساء‪ ،‬آية ‪.48‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) شرح احمللي ص‪.7‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر احلكم التكليفي للبيانوين ص‪.97‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪19‬‬
‫‪ 2-3‬المندوب والمباح‬

‫(والمندوب ما يثاب على فعله وال يعاقب على تركه‪ .‬والمباح ماال يثاب على فعله وال‬
‫يعاقب على تركه)‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬املندوب‪ .‬وهو لغة‪ :‬اسم مفعول من الندب وهو الدعاء إىل الفعل‪ ،‬وقيده بعضهم‬
‫بالدعاء إىل أمر مهم‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫يف النائبات‪ 4‬على ما قال برهانا‬ ‫ال يسألون أخاهم حني يندهبم‬
‫واصطالحاً‪ :‬ما طلب الشارع فعله طلباً غري جازم كالسواك والرواتب والتطيب‪ 4‬يوم اجلمعة‪.‬‬
‫والقيد األول إلخراج احملرم واملكروه‪ 4‬واملباح‪ .‬والقيد الثاين إلخراج الواجب‪.‬‬
‫واملندوب كما قال املصنف‪ 4‬يثاب املكلف على فعله وذلك بقصد االمتثال‪ ،‬وال يعاقب على‬
‫تركه‪.‬‬
‫واملندوب خادم للواجب فهو دافع قوي على االلتزام بالواجبات إضافة إىل أنه جيرب النقص‪ 4‬فيها‬
‫كما دلت السنة على ذلك يقول الشاطيب رمحه اهلل (املندوب إذا اعتربته اعتباراً‪ 4‬أعم وجدته خادماً‬
‫(‪)1‬‬

‫للواجب‪ ،‬ألنه إما مقدمة له أو تذكار به كان من جنسه الواجب أو ال‪ .‬فالذي من جنسه الواجب‬
‫كنوافل الصلوات مع فرائضها‪ ،‬والذي من غري جنسه كالسواك وتعجيل اإلفطار وتأخري السحور ‪). .‬‬
‫(‪ ،)2‬ومعىن كالمه – رمحه اهلل – أن من حافظ على املندوبات‪ 4‬حافظ على الواجبات ومن قصر يف‬
‫املندوبات فهو عرضة ألن يقصر يف الواجبات ‪.‬‬
‫ومجهور األصوليني على أن املندوب مأمور به حقيقة كما تقدم يف التعريف‪ ،‬ألن املندوب طاعة‪،‬‬
‫والطاعة تكون بامتثال أمر اهلل تعاىل‪ ،‬فكان املندوب مأموراً‪ 4‬به حقيقة‪ .‬قال تعاىل‪] :‬إن اهلل يأمر بالعدل‬
‫واإلحسان[(‪ )3‬وهذا أمر عام يشمل الواجب واملندوب‪ ،‬وسيأيت إن شاء اهلل تعاىل يف باب األمر انقسام‬
‫األمر إىل أمر إجياب وأمر استحباب واهلل أعلم‪.‬‬

‫(?) انظر‪ :‬حتفة األحوذي (‪.)2/462‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) املوافقات ‪.1/151‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة النحل‪ ،‬آية ‪.90‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪20‬‬
‫ويسمى املندوب‪ :‬سنة ومستحباً وتطوعاً ونفالً‪ .‬وهذا على رأي اجلمهور خالفاً لألحناف الذين‬
‫جعلوا املندوب مرادفاً للنفل وال كراهة عندهم يف تركه‪ ،‬وفرقوا بني السنة والنفل‪ ،‬فجعلوها أعلى منه‬
‫رتبة‪ .‬فإن كانت مؤكدة فرتكها مكروه حترمياً‪ ،‬وإن كانت غري مؤكدة فتنـزيها(‪.)1‬‬
‫والقسم الثالث‪ 4:‬املباح‬
‫وهو لغة‪ :‬املعلن واملأذون فيه‪ .‬يقال‪ :‬باح فالن بسره‪ :‬أظهره‪ ،‬وأباح الرجل ماله‪ :‬أذن يف األخذ‬
‫والرتك‪ .‬واستباح الناس العشب‪ :‬أقدموا على رعيه‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬ما ال يتعلق به أمر وال هني لذاته كاالغتسال للتربد‪ ،‬واملباشرة ليايل الصيام‪ 4،‬وخرج‬
‫بالقيد األول وهو ( ما ال يتعلق به أمر) الواجب واملندوب ألنه مأمور هبما‪.‬‬
‫وخرج بالقيد الثاين وهو (وال هني) احملرم واملكروه ألنه منهي عنهما‪.‬‬
‫وخرج بالقيد الثالث‪ 4‬وهو (لذاته) ما إذا كان املباح وسيلة ملأمور به‪ ،‬فإنه يتعلق به أمر لكن ال‬
‫لذات املباح‪ ،‬بل لكونه صار وسيلة‪ ،‬أو كان املباح وسيلة ملنهي‪ 4‬عنه فإنه يتعلق به هني‪ ،‬لكن ال لذاته‬
‫وإمنا لكونه صار وسيلة‪ .‬ومثال األول‪ :‬األكل فهو مباح يف األصل لكن لو توقف عليه بقاء احلياة صار‬
‫مأموراً به ملا تقدم‪ .‬ومثال الثاين‪ :‬أكل الفاكهة – مثالً – فهو مباح لكن لو أدى تفويق صالة اجلماعة‬
‫يف املسجد صار منهياً عنه كما تقدم‪.‬‬
‫ومن تعريف املباح يتضح أنه ليس مأموراً‪ 4‬به‪ ،‬ألن األمر يستلزم إجياب الفعل أو ترجيحه‪ ،‬وال‬
‫ترجيح للفعل على الرتك يف املباح‪ ،‬بل مها سواء‪.‬‬
‫وأما حكم املباح فهو كما ذكر املصنف‪ 4‬ال ثواب يف فعله وال عقاب يف تركه‪ ،‬وهذا مذهب‬
‫مجهور األصوليني‪ ،‬واملراد بذلك املباح الباقي على وصف اإلباحة‪ ،‬أما املباح الذي يكون‪ 4‬وسيلة ملأمور به‬
‫أو منهي عنه فهذا حكمه حكم ما كان وسيلة إليه كما ذكرنا‪.‬‬
‫وثبت اإلباحة بصيغ كثرية وردت يف النصوص الشرعية ومنها‪:‬‬
‫نفي اإلمث واجلناح واحلرج(‪ )2‬كقوله تعاىل‪] :‬ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضال من‬ ‫‪)1‬‬
‫ربكم[(‪ )3‬وقوله تعاىل‪] :‬ليس على األعمى حرج وال على األعرج حرج وال على املريض‬
‫(?) انظر احلكم التكليفي ص‪.171 ،163‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) هذا ليس على إطالقه‪ .‬قال الشاطيب رمحه اهلل‪( :‬إذا قال الشارع يف أمر واقع "ال حرج فيه" فال يؤخذ منه حكم اإلباحة‪ .‬إذ قد يكون كذلك وقد‬ ‫‪2‬‬

‫يكون مكروهاً‪ .‬فإن املكروه بعد الوقوع ال حرج فيه فليتفقد هذا يف األدلة) املوافقات (‪.)1/146‬‬
‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية ‪.198‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪21‬‬
‫حرج[(‪ ،)1‬وقوله تعاىل‪] :‬إمنا حرم عليكم امليتة‪ 4‬والدم وحلم اخلنزير وما أهل به لغري اهلل‬
‫فمن اضطر غري باغ وال عاد فال إمث عليه[(‪.)2‬‬
‫النص على احلل كقوله تعاىل‪] :‬أحل لكم ليلة الصيام الرفث إىل نسائكم[(‪.)3‬‬ ‫‪)2‬‬
‫عدم النص على التحرمي‪ .‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل‪( :‬انتفاء دليل التحرمي‬ ‫‪)3‬‬
‫دليل على عدم التحرمي)(‪.)4‬‬
‫االمتنان مبا يف األعيان من املنافع وما يتعلق هبا من األفعال كقوله تعاىل‪] :‬ومن‬ ‫‪)4‬‬
‫أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إىل حني[(‪.)5‬‬
‫القرائن اليت تصرف األمر من والوجوب إىل اإلباحة كقوله تعاىل‪] :‬وإذا حللتم‬ ‫‪)5‬‬
‫فاصطادوا[(‪ )6‬ويأيت هذا يف باب األمر إن شاء اهلل‪.‬‬
‫ويطلق على املباح لفظ احلالل واجلائز‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬ما وجه إدخال املباح يف األحكام التكليفية مع أنه ال كلفة فيه؟‬
‫فاجلواب‪ :‬ما قاله مجهور األصوليني من أن إدخال املباح يف األحكام التكليفية‪ 4‬إمنا هو على سبيل‬
‫التغليب‪ .‬وهذا استعمال مألوف معروف يف اللغة العربية وأساليبها‪ 4‬مثل‪( :‬األسودان) للتمر‬
‫واملاء‪ .‬و(األبوان)‪ 4‬لألم واألب(‪ )7‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(?) سورة النور‪ ،‬آية ‪.61‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية ‪.173‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية ‪.187‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) القواعد النورانية ص‪.200‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) سورة النحل‪ ،‬آية‪ ،80 :‬بدائع الفوائد (‪.)4/6‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) سورة املائدة‪ ،‬آية‪.2 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) احلكم التكليفي للبيانوين ص‪.54‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪22‬‬
‫‪ 4-5‬المحظور والمكروه‬

‫(والمحظور ما يثاب على تركه ويعاقب على فعله‪ .‬والمكروه‪ :‬ما يثاب على تركه وال‬
‫يعاقب على فعله)‪.‬‬
‫الرابع من أقسام احلكم التكليفي‪ :‬احملظور‪.‬‬
‫وهو لغة‪ :‬اسم مفعول من احلظر مبعىن املنع يقال حظرت الشيء إذا حرمته‪ ،‬وهو راجع إىل املنع‬
‫ومنه قوله تعاىل‪] :‬وما كان عطاء ربك حمظوراً[(‪.)1‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬ما طلب الشرع تركه طلباً جازماً من األفعال كعقوق الوالدين وإسبال الثياب‪ ،‬أو‬
‫األقوال كالغيبة والنميمة‪ ،‬أو أعمال القلوب كاحلقد واحلسد‪.‬‬
‫والقيد األول‪ :‬إلخراج الواجب واملندوب واملباح‪.‬‬
‫والقيد الثاين‪ :‬إلخراج املكروه‪4.‬‬
‫واحلرام ضد احلالل‪ .‬يقال‪ :‬هذا حالل وهذا حرام‪ ،‬كما قال تعاىل‪] :‬وال تقولوا ملا تصف‬
‫ألسنتكم الكذب هذا حالل وهذا حرام لتفرتوا على اهلل الكذب[(‪ .)2‬وأما قول األصوليني (احلرام ضد‬
‫فيعرف احلرام بضد تعريف الواجب كما ذكرنا‪.‬‬
‫الواجب) فإمنا هو باعتبار تقسيم أحكام التكليف ّ‬
‫وحكم احملرم ما ذكره املؤلف من أنه يثاب على تركه لكن بقصد االمتثال‪ ،‬وذلك بان يكف‬
‫نفسه عن احملرم امتثاالً لنهي الشرع قاصداً بذلك وجه اهلل تعاىل‪ ،‬فلو تركه لنحو خوف من خملوق أو‬
‫حياء أو رياء أو عجز‪َ ،‬سلِ َم من اإلمث ألنه مل يرتكب حراماً‪ ،‬ولكن ال أجر له‪ ،‬ألنه مل يقصد وجه اهلل‬
‫بالرتك للحرام(‪.)3‬‬
‫وأما فاعل احملرم بال عذر فهو مستحق للعقاب وال يلزم حتققه فهو حتت املشيئة‪ 4،‬وتقدم الكالم‪4‬‬
‫على ذلك يف الواجب‪.‬‬
‫ويسمى احملرم حمظوراً كما عرب به املصنف‪4.‬‬

‫(?) سورة اإلسراء‪ ،‬آية‪.20 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة النحل‪ ،‬آية‪.116 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) بل قال بعضهم‪ :‬يأمث ألن تقدمي خوف املخلوق على خوف اهلل تعاىل حمرم وكذا الرياء‪ .‬انظر جمموع‪ 4‬الفتاوى (‪ ،)14/22( )10/720‬ففيهما‬ ‫‪3‬‬

‫مبحث نفيس حول هذا املوضوع‪ .‬وانظر (نثر الورود ‪.)1/54‬‬

‫‪23‬‬
‫قوله‪( :‬واملكروه ما يثاب على تركه وال يعاقب على فعله) هذا اخلامس من األحكام التكليفية‬
‫وهو (املكروه) وهو لغة اسم مفعول مشتق من الكراهة وهو البغض‪ 4‬فاملكروه مبعىن املبغض بوزن اسم‬
‫املفعول‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬ما طلب الشرع تركه طلباً غري جازم كااللتفات يف الصالة‪ 4‬بالرقبة واألخذ‬
‫واإلعطاء بالشمال‪.‬‬
‫والقيد األول إلخراج ما تقدم يف احملظور‪ .‬والقيد الثاين إلخراج احملظور‪.‬‬
‫واملكروه يثاب تاركه امتثاالً وال يعاقب فاعله‪.‬‬
‫واعلم أن للمكروه ثالثة اصطالحاً عند العلماء‪:‬‬
‫األول‪ :‬ما هني عنه هني تنـزيه‪ ،‬وهو ما تقدم تعريفه ألن األحكام أربعة‪ ،‬وكل واحد قد خص‬
‫باسم غلب عليه‪ ،‬فينبغي أن املكروه‪ 4‬إذا أطلق ينصرف إىل مسماه دون غريه مما قد يستعمل فيه‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬احلرام‪ .‬وهو غالب إطالقات املتقدمني كاإلمام أمحد والشافعي رمحهما اهلل حيث يعربون‪4‬‬
‫عن احلرام بلفظ الكراهة‪ 4‬تورعاً وحذراً من الوقوع يف النهي عن القول هذا حالل وهذا حرام‪ ،‬لقوله‬
‫تعاىل‪] :‬وال تقولوا‪ 4‬ملا تصف ألسنتكم الكذب هذا حالل وهذا حرام لتفرتوا على اهلل الكذب[(‪ )1‬ولكن‬
‫كثرياً من املتأخرين غلطوا على أئمتهم ففسروا لفظ الكراهة يف كالمهم بكراهة التنـزيه وهذا مل ترده‬
‫األئمة‪ ،‬ومن كالم اإلمام أمحد رمحه اهلل‪( :‬أكره املتعة والصالة‪ 4‬يف املقابر) ومها حمرمان‪ ،‬ويف خمتصر‬
‫اخلرقي‪( :‬ويكره أن يتوضأ يف آنية الذهب والفضة)‪4.‬‬
‫قال ابن قدامة‪( :‬أراد بالكراهة التحرمي‪ ،‬وال أعلم فيه خالفاً) أ هـ(‪ .)2‬وذلك لقيام الدليل على‬
‫التحرمي‪.‬‬
‫أما إذا ورد لفظ الكراهة‪ 4‬يف كالم اإلمام أمحد من غري أن يدل دليل من خارج على إرادة التحرمي‬
‫أو التنـزيه فقيل حيمل على كراهة التحرمي‪ .‬وقيل‪ :‬على كراهة التنـزيه‪ .‬وهو قول الطويف‪ .‬قال يف شرح‬
‫الكوكب املنري‪( 4:‬واختاره أكثر األصحاب) أ هـ(‪ .)3‬ومن ذلك قول اإلمام أمحد رمحه اهلل‪( :‬أكره النفخ يف‬
‫الطعام وإدمان اللحم واخلبز الكبار) وكراهة ذلك للتنـزيه(‪ )4‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(?) سورة النحل‪ ،‬أية‪.116 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) املغين (‪.)1/101‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) شرح الكوكب املنري (‪.)1/420‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) انظر إعالم املوقعني ‪.1/39‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪24‬‬
‫والثالث من االصطالحات يف لفظ املكروه‪ 4:‬ترك األوىل‪ .‬وهذا أمهله مجهور األصوليني‪ .‬وذكره‬
‫الفقهاء وهو واسطة بني الكراهة‪ 4‬واإلباحة‪ .‬والفرق بني املكروه‪ 4‬وخالف األوىل‪ :‬أن ما ورد فيه هني‬
‫مقصود يقال فيه مكروه كما تقدم‪ .‬وما ليس فيه هني مقصود يقال فيه‪ :‬خالف األوىل‪ ،‬وال يقال مكروه‬
‫كرتك سنة الظهر – مثالً – قال يف البحر احمليط بعد أن عرض أقوال العلماء (والتحقيق أن خالف‬
‫األوىل قسم من املكروه ودرجات املكروه‪ 4‬تتفاوت كما يف السنة وال ينبغي أن يعد قسماً آخر وإال‬
‫لكانت األحكام ستة وهو خالف املعروف أو كان خالف األوىل خارجاً عن الشريعة وليس كذلك(‪.)1‬‬

‫(?) البحر احمليط (‪ )1/303‬وانظر احلكم التكليفي ص‪ ،226‬احلكم الوضعي عند األصوليني ص‪.40‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪25‬‬
‫بعض األحكام الوضعية‬

‫(والصحيح‪ :‬ما يتعلق به النفوذ ويعتد به‪ .‬والباطل‪ :‬ما ال يتعلق به النفوذ وال يعتد به)‬

‫الصحيح والباطل من أقسام احلكم الوضعي‪ 4‬ألهنما حكم من الشارع على العبادات والعقود‬
‫وتبين عليهما األحكام الشرعية‪.‬‬
‫والصحيح لغة‪ :‬السليم من املرض‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫سواء صحيحات العيون‪ 4‬وعورها‬ ‫وليل يقول املرء من ظلماته‬
‫واصطالحاً‪ :‬ما يتعلق به النفوذ ويعتد به عبادة كان أم عقداً‪.‬‬
‫فالعقود توصف توصف بالنفوذ واالعتداد‪ ،‬وأما العبادة فتوصف باالعتداد فقط‪ .‬فاالعتداد لفظ‬
‫يصدق على كل منهما‪ ،‬ولو اكتفى به املؤلف لكان أخصر إال أن يقال‪ :‬إنه مجع بينهما لقصد اإليضاح‬
‫للطالب املبتدئ‪.‬‬
‫وال يعتد بالعبادة أو العقد إال إذا توفرت الشروط وانتفت املوانع‪ ،‬فيحكم بالصحة‪ ،‬فمن صلى‬
‫صالة جمتمعة شروطها وأركاهنا منتفية‪ 4‬موانعها فهي صحيحة أي معتد هبا شرعاً‪ .‬ومن باع بيعاً كذلك‬
‫فهو نافذ ومعتد به‪.‬‬
‫والنفوذ لغة‪ :‬اجملاوزة‪ ،‬وأصله من نفوذ السهم‪ ،‬وهو بلوغ املقصود من الرمي‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬التصرف الذي ال يقدر متعاطيه‪ 4‬على رفعه‪.‬‬
‫وذلك مثل عقد البيع واإلجارة والنكاح وحنوها‪ .‬فإذا وقع العقد على وجه صحيح مل يقدر أحد‬
‫املتعاقدين على رفعه‪.‬‬
‫واعلم أن العبادة هلا أثر وهو براءة ذمة املكلف وسقوط الطلب‪ .‬والعقد له أثر وهو الثمرة‬
‫املقصودة من العقد‪ .‬فإذا حكم بصحة العبادة والعقد ترتب األثر على الفعل فربئت الذمة يف باب‬
‫العبادات وترتبت اآلثار يف باب العقود فكل عقد له مثرة خاصة‪ ،‬فالبيع – مثالً – مثرته نقل امللكية‪،‬‬
‫واإلجارة استيفاء‪ 4‬املنفعة‪ 4‬ألحد املتعاقدين‪ ،‬واستحقاق األجر لآلخر وحنو ذلك‪.‬‬
‫والباطل لغة‪ :‬الذاهب‪ 4‬ضياعاً وخسراً‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬عكس الصحيح كما ذكره املصنف‪ ،‬فهو الذي ال يتعلق به نفوذ وال اعتداد‪ ،‬وذلك‬
‫بأن خيتل شرط من الشروط أو يوجد مانع من املوانع‪.‬‬
‫ويف الباطل ال ترتتب‪ 4‬اآلثار على الفعل‪ ،‬ففي الصالة‪ 4‬ال تربأ ذمة املكلف وال يسقط الطلب‪ ،‬ويف‬
‫العقد ال ترتتب‪ 4‬الثمرة املقصودة‪ 4‬من العقد على العقد‪.‬‬
‫فإذا صلى بدون طهارة فصالته باطلة‪ ،‬وإذا باع ماالً ميلك فالبيع باطل‪ ،‬الختالل شرط الصالة‬
‫والبيع‪ .‬ولو صلى نفالً مطلقاً يف وقت هني فالصالة باطلة‪ ،‬أو باع بعد النداء الثاين يوم اجلمعة على وجه‬
‫ال يباح فالبيع باطل على القول الصحيح‪ ،‬كما نص عليه القرطيب يف تفسريه(‪ )1‬وذلك لوجود املانع من‬
‫الصحة‪.‬‬
‫والباطل والفاسد مبعىن واحد على قول اجلمهور إال يف مسائل فرقوا فيها بني الفاسد والباطل‪،‬‬
‫وأشهرها مسألتان‪:)2(4‬‬
‫يف احلج فرقوا بينهما‪ ،‬فقالوا الفاسد ما وطئ فيه احملرم قبل التحلل األول‪ ،‬والباطل ما‬ ‫‪)1‬‬
‫ارتد فيه عن اإلسالم‪ 4،‬ففي األول يفسد حجة ويلزم اإلمتام‪ ،‬ويف الثاين يبطل إحرامه‬
‫ويلزمه اخلروج منه‪.‬‬
‫يف النكاح‪ :‬فقالوا‪ :‬الفاسد‪ :‬ما اختلفت العلماء يف فساده كالنكاح بال ويل‪ ،‬والباطل‬ ‫‪)2‬‬
‫ما أمجع العلماء على بطالنه كنكاح املعتدة‪ 4‬أو نكاح خامسه‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(?) انظر تفسري القرطيب (‪.)18/108‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر التمهيد لإلسنوي ص (‪ )59‬والقواعد والفوائد األصولية البن اللحام ص(‪.)110‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪27‬‬
‫تعريف العلم والجهل‬

‫(والفقه أخص من العلم‪ :‬والعلم معرفة العلوم على ما هو به في الواقع‪ .‬والجهل تصور‬
‫الشيء على خالف ما هو به في الواقع)‪.‬ـ‬

‫املراد بالفقه هنا املعىن الشرعي ال املعىن اللغوي‪ ،‬ألن الفقه يف االصطالح معرفة األحكام الشرعية‬
‫كما تقدم‪ ،‬والعلم أعم منه‪ ،‬ألنه يصدق على العلم بالتفسري واحلديث والنحو والبالغة وغري ذلك‪ ،‬فصار‬
‫الفقه أخص من العلم‪ ،‬فكل فقه علم وليس كل علم فقهاً‪.‬‬
‫قوله‪( :‬والعلم‪ :‬معرفة العلوم على ما هو به)(‪.)1‬‬
‫واملراد باملعرفة‪ :‬اإلدراك واملراد باملعلوم‪ :‬أي ما من شأنه أن يعلمن وهذا التعريف فيه قيدان وبقي‬
‫قيد ثالث وهو معرفة جازمة(‪ .)2‬فالقيد األول‪( :‬معرفة املعلوم) وهذا خيرج عدم اإلدراك أصالً وهو‬
‫عرف املندوب‪ .‬فيقول‪ :‬ال أدري‪.‬‬ ‫اجلهل البسيط‪ ،‬كأن يقال‪ّ :‬‬
‫والقيد الثاين‪( :‬على ما هو به) أي على الذي هو عليه يف الواقع‪ .‬وهذا القيد خيرج معرفة الشيء‬
‫على وجه خيالف ما هو عليه وهو اجلهل املركب‪ .‬وقد عرفه بقوله‪( :‬تصور الشيء على خالف ما هو‬
‫به) ويف بعض النسخ‪( :‬على خالف ما هو عليه يف الواقع) وهذا أوضح‪.‬‬
‫واملراد بالتصور‪ :‬اإلدراك اخلايل عن احلكم‪ ،‬وتأمل كيف عرب عن العلم بقوله‪( :‬معرفة)(‪ )3‬ويف‬
‫اجلهل بقوله‪( :‬تصور) ألن اجلهل ليس مبعرفة‪ ،‬وإمنا هو حصول الشيء يف الذهن فهو تصور‪.‬‬
‫ومثال اجلهل املركب‪ :‬هل جتوز الصالة بالتيمم عند عدم املاء؟ فيقول‪ :‬ال جتوز‪.‬‬
‫ومسي جهالً مركباً ألن صاحبه يعتقد الشيء ويتصوره على خالف ما هو عليه فهذا جهل‪،‬‬
‫باملدرك وجهل بأنه جاهل‪ ،‬وأما‬
‫ويعتقد أنه يعتقده‪ 4‬على ما هو عليه فهذا جهل آخر‪ .‬ففيه جهالن‪ :‬جهل َ‬
‫البسيط ففيه عدم اإلدراك بالكلية(‪.)4‬‬
‫وأما القيد الثالث‪ 4:‬فهو إلخراج املعرفة غري اجلازمة‪ ،‬فإن تساوي األمران فهو شك‪ ،‬وإن ترجح‬
‫أحدمها على اآلخر فالراجح ظن‪ ،‬واملرجوح وهم‪ .‬وسنذكر ذلك قريباً إن شاء اهلل‪.‬‬
‫(?) يطلق العلم – أيضاً – على جمموعة‪ 4‬معارف طنية راجعة ومنها ما هي قطعي بشرط أن تكون منظمة‪ 4‬حول موضوع ما كعلم الفقه وعلم‪ 4‬األصول‬ ‫‪1‬‬

‫وعلم النحو وعلم البالغة وغريها‪( .‬ضوابط املعرفة ص‪ .)124‬وانظر (املسائل املشرتكة‪ 4‬بني أصول الدين وأصول الفقه) ص‪.35/‬‬
‫(?) انظر األصول من علم‪ 4‬األصول ص‪.10‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) للعلماء كالم طويل يف الفرق بني العلم واملعرفة‪ .‬وهل مها مرتادفان أو خمتلفان‪ .‬فانظر مدارج السالكني البن القيم (‪ )3/335‬وبدائع‪ 4‬الفوائد (‬ ‫‪3‬‬

‫‪ .)2/61‬احلدود األنيقة لزكريا األنصاري ص‪.66/‬‬


‫(?) انظر شرح العبادي على الورقات املطبوع هبامش إرشاد الفحول ص‪ 39‬وشرح الكوكب املنري (‪.)1/77‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪28‬‬
‫أقســـام العلـــم‬

‫(والعلم الضروري ما ال يقع عن نظر واستدالل كالعلم الواقع بإحدى الحواس الخمس‬
‫وهي السمع والبصر والشم واللمس والذوق أو بالتواتر‪ .‬وأما العلم المكتسب فهو ما يقع‬
‫عن نظر واستدالل‪ .‬والنظر هو الفكر في حال المنظور فيه‪ .‬واالستدالل طلب الدليل‪.‬‬
‫والدليل هو المرشد إلى المطلوب)‪.‬ـ‬
‫ملا عرف العلم ذكر أقسامه‪ .‬واملراد علم املخلوق فهو قسمان‪:‬‬
‫‪ )1‬العلم الضروري‪ :‬وهو ما ال يقع عن نظر واستدالل‪ .‬وذلك إذا كان إدراك املعلوم ضرورياً ال‬
‫حيتاج إىل نظر واستدالل كالعلم بأن النار حارة‪ ،‬وأن الكعبة قبلة املسلمني‪،‬وأن حممداً ‪ ‬رسول‬
‫اهلل‪.‬‬
‫ومن العلم الذي ال حيتاج إىل نظر واستدالل‪ :‬العلم الواقع بإحدى احلواس اخلمس‬
‫الظ‪44 4 4 4 4‬اهرة وهي‪ :‬الس‪44 4 4 4 4‬مع والبصر واللمس والشم وال‪44 4 4 4 4‬ذوق فإنه حيصل العلم هبا ب ‪44 4 4‬دون نظر وال‬
‫استدالل‪ ،‬فلو مسع صهيل فرس علم أنه صوته أو رأى لوناً أبيض أو مس جسماً علم أنه ن‪44‬اعم أو‬
‫خشن‪ .‬أو شم رائحة علم أهنا طيبة‪ 4‬أو كريهة أو ذاق طعاماً علم أنه حامض أو حلو‪.‬‬
‫وقوله (أو بالتواتر) أي‪ :‬العلم احلاصل بالتواتر من العلم الضروري‪ .‬وأشار بذلك إىل أن‬
‫من العلم الضروري أشياء ال تدرك باحلواس بل يستند فيها إىل خرب مجاعة يستحيل تواطؤهم على‬
‫الكذب كعلمنا بوجود بلد مل نره ووقوع الوقائع يف األزمنة املاضية وحنو ذلك‪.‬‬
‫‪ )2‬العلم النظري‪ :‬ويسمى املكتسب‪ :‬وهو ما يقع عن نظر واستدالل فقوله‪( :‬ما يقع) أي ما حيصل‬
‫من العلم فـ (ما) جنس يف التعريف وقوله‪( :‬عن نظر)‪ .‬قيد خيرج العلم الضروري‪ ،‬ألنه حاصل‬
‫عن غري نظر‪ ،‬مثل العلم بأن‪ 4‬املذي جنس‪ ،‬وأن طواف الوداع واجب‪ ،‬وأن اإلجارة عقد الزم‪.‬‬
‫مث عرف النظر واالستدالل ألهنما واقعان يف تعريف العلم الضروري نفياً واملكتسب‪ 4‬إثباتاً‪.‬‬
‫فالنظر لغة‪ :‬يطلق على ٍ‬
‫معان منها‪ :‬رؤية العني‪ ،‬ومنها الفكر وهو املراد هنا‪.‬‬
‫واصطالحاً عرفه بقوله‪( :‬هو الفكر يف حال املنظور فيه) أي‪ :‬التفكري يف الشيء املنظور فيه طلباً‬
‫ملعرفة حقيقته‪ .‬ألن النظر هو الطريق إىل معرفة األحكام الشرعية إذا متت شروطه‪ ،‬وهي أن يكون الناظر‬

‫‪29‬‬
‫كامل اآللة كما سيأيت إن شاء اهلل يف االجتهاد‪ ،‬وأن يكون نظره يف دليل ال يف شبهة وأن يستويف الدليل‬
‫ويعرف شروط االستدالل‪.‬‬
‫قوله‪( :‬واالستدالل‪ :‬طلب الدليل)‪ :‬السني والتاء للطلب كاالستنصار طلب النصرة‪ ،‬واملراد‬
‫بالدليل‪ :‬ما يستدل به من نص أو إمجاع أو غريمها‪ .‬والنظر واالستدالل مبعىن واحد‪ ،‬وهو أن كال منهما‬
‫يؤدي إىل املطلوب‪ ،‬ومجع بينهما املصنف‪ 4‬يف تعريف العلم الضروري واملكتسب‪ 4‬تأكيداً‪ .‬وقال بعضهم‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫النظر أعم من االستدالل‪ ،‬ألنه يكون يف التصورات والتصديقات‪ 4،‬واالستدالل خاص بالتصديقات‬
‫واهلل اعلم‪.‬‬
‫قوله‪( :‬والدليل هو املرشد إىل املطلوب) الدليل فعيل مبعىن (فاعل) من الداللة وهي اإلرشاد‪،‬‬
‫فالدليل هو املرشد إىل املطلوب‪ .‬وهذا تعريف لغوي ألنه عام‪ .‬فقد يكون الدليل مرشداً للمطلوب‪ ،‬وال‬
‫يسمى دليالً يف االصطالح‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬ما ميكن التوصل بصحيح النظر فيه إىل مطلوب خربي‪.‬‬
‫وقولنا‪ :‬ما‪ :‬اسم موصول‪ ،‬أي الذي ميكن التوصل ‪. . .‬‬
‫بصحيح النظر‪ :‬هذا من إضافة الصفة إىل املوصوف أي النظر الصحيح‪.‬‬
‫فيه‪ :‬أي يف ذلك الشيء‪.‬‬
‫إىل مطلوب خربي‪ ،‬أي تصديقي‪ ،‬كأن يقال يف الداللة على حترمي النبيذ‪ .‬النبيذ‪ 4‬مسكر وكل‬
‫مسكر حرام لقوله ‪( e‬كل مسكر حرام)(‪ )2‬فيلزم عنه‪ :‬النبيذ‪ 4‬حرام‪.‬‬
‫واعلم أن الدليل اسم ملا كان موجباً للعلم كاملتواتر واإلمجاع وما كان موجباً للظن كالقياس‬
‫وخرب الواحد وحنو ذلك‪ ،‬وأما ما اشتهر عند كثري من مؤلفي األصول بأن الليل هو ما أفاد العلم‪ .‬وأما‬
‫ما يفيد الظن فهو أمارة‪ .‬واألمارة أضعف من الدليل‪ .‬فهو غري صحيح – والظاهر أن هذه التفرقة جاءت‬
‫من املعتـزلة ومن وافقهم من نفاة الصفات – ألن الدليل هو ما أرشدك إىل املطلوب‪ .‬فقد يرشدك مرة‬

‫(?) التصور‪ :‬إدراك معىن املفرد من غري أن حيكم عليه‪ 4‬بنفي أو إثبات كإدراك معىن اإلنسان ومعىن الكاتب ومعىن الشجر وحنو ذلك‪ ،‬والتصديق هو‬ ‫‪1‬‬

‫إثبات أمر ألمر بالفعل أو نفيه عنه بالفعل‪ .‬وهو اإلسناد اخلربي عند البالغيني‪ ،‬واجلملة االمسية عند النحويني‪ .‬حنو الكاتب إنسان‪ .‬فإدراك معىن اإلنسان‬
‫ومعىن الكاتب تصور‪ .‬وإدراك كون اإلنسان كاتباً بالفعل أو ليس كاتباً بالفعل تصديق‪ .‬ومنه العامل حادث‪ .‬العامل ليس بقدمي‪ .‬انظر آداب البحث‬
‫واملناظرة للشنقيطي ‪.9 ،1/8‬‬
‫(?) أخرجه الرتمذي برقم ‪ 1865‬والنسائي (‪ )8/297‬انظر جامع األصول (‪.)5/91‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪30‬‬
‫إىل العلم ومرة إىل الظن‪ .‬فاستحق اسم الدليل يف احلالني‪ .‬والعرب ال تفرق بني ما يوجب العلم‪ .‬وما‬
‫يوجب الظن يف إطالق اسم الدليل وقد تعبدنا اهلل بكل منهما(‪ )3‬واهلل اعلم‪.‬‬

‫(?) انظر العدة أليب يعلى (‪ )132 ،1/131‬اللمع يف أصول الفقه ص‪ .49‬املسائل املشرتكة‪ 4‬بني أصول الدين وأصول الفقه ص‪.23‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪31‬‬
‫تعريف الظن والشك‬

‫(والظن تجويز أمرين أحدهما أظهر من اآلخر‪ ،‬والشك تجويز أمرين ال مزية ألحدهما‬
‫على اآلخر)‪.‬‬
‫ملا فرغ املصنف‪ 4‬من تعريف العلم وبيان‪ 4‬أقسامه ذكر ما يقابله وهو الظن إذ ليس هو من العلم‪.‬‬
‫ألن العلم هو اإلدراك اجلازم كما تقدم‪ .‬واإلدراك غري اجلازم ال خيلو من حالني‪:‬‬
‫اجملوز (بكسر الواو)‪ 4،‬وإن كان‬
‫األول‪ :‬أن يتساوى األمران‪ 4،‬فال يرتجح أحدمها على اآلخر عند ّ‬
‫أحدمها أرجح عند غريه أو يف الواقع‪ .‬وهذا هو الشك‪ .‬كأن يقول‪ :‬ال أدري طفت ثالثة أشواط أو‬
‫أربعة‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن يرتجح عنده أحد األمرين على اآلخر‪ .‬فالراجح ظن‪ ،‬واملرجوح وهم‪ :‬كأن يقول‪:‬‬
‫طفت أربعة أشواط وحيتمل أهنا ثالثة‪ ،‬والظن درجات أعالها‪ 4‬غلبة الظن كما سيأيت إن شاء اهلل‪.‬‬
‫والشك ضد اليقني جاء يف لسان العرب(‪( )1‬اليقني العلم(‪ )2‬وإزاحة الشك وحتقيق األمر‪ .‬واليقني‬
‫ضد الشك‪ . .‬وهو يف األصل مبعىن االستقرار‪ .‬يقال‪ :‬يقن املاء يف احلوض إذا استقر ودام)‪.‬‬
‫والشك يف األصل االتصال وللزوق‪ ،‬ومنه حديث الغامدية (أمر هبا فشكت عليها ثياهبا مث‬
‫رمجت)(‪ )3‬أي شدت عليها ومجعت‪.‬‬
‫مث صار هذا اللفظ يطلق على الرتدد يف شيئني حبيث ال مييل القلب إىل أحدمها‪ .‬وقول املصنف‪4‬‬
‫رمحه اهلل‪( :‬والظن جتويز ‪ ). . .‬فيه مساحمة فإن الظن ليس هو جتويزاً‪ ،‬وإمنا هو الطرف الراجح املقابل‬
‫للطرف املرجوح‪ ،‬وهو الوهم كما ذكرنا‪.‬‬
‫وأما غلبة الظن فهو قوة الظن فإن الظن يتزايد ويكون بعض الظن أقوى من بعض‪ .‬قال أبو هالل‬
‫العسكري‪( :‬غلبة الظن عبارة عن طمأنينة الظن‪ ،‬وهي رجحان أحد اجلانبني على اجلانب اآلخر رجحاناً‬
‫مطلقاً يطرح معه اجلانب اآلخر‪ .‬أ هـ)(‪.)4‬‬

‫(?) انظر اللسان (‪.)13/457‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) فرق أبو هالل العسكري بني العلم واليقني فقال‪ :‬العلم هو اعتقاد الشيء على ما هو به على سبيل الثقة‪ .‬واليقني هو سكون النفس وثلج الصدر مبا‬ ‫‪2‬‬

‫علم‪ ،‬أ هـ الفروق يف اللغة ص‪.73‬‬


‫(?) أخرجه مسلم برقم ‪.1696‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) الفروق يف اللغة ص‪.79‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪32‬‬
‫والظن وغلبة الظن كل منهما يقوم مقام اليقني عند الفقهاء‪ ،‬وجيوز بناء األحكام الشرعية عليه‬
‫إذا فقد اليقني الذي قلما حيصل عند االجتهاد(‪ )1‬وهلذا جيب العمل خبرب الواحد إذا كان ثقة‪ ،‬وجيب‬
‫العمل بشهادة الشاهدين وخرب املقومني إذا كانا عدلني‪ .‬وجيب استصحاب حكم احلال السابق حال‬
‫الشك‪ ،‬مثل الشك يف احلدث بعد الطهارة‪ ،‬ألن الظاهر بقاؤه‪ ،‬وعدم حدوث املشكوك فيه‪ ،‬قال العالمة‪4‬‬
‫ابن فرحون يف كتابه (تبصرة احلكام)(‪( :)2‬تنبيه‪ :‬وينـزل منـزلة التحقيق الظن الغالب‪ ،‬ألن اإلنسان لو‬
‫وجد وثيقة يف تركة مورثة أو وجد ذلك خبطه‪ ،‬أو خبط من يثق به‪ ،‬أو أخربه عدل حبق‪ ،‬املنقول‪ 4‬جواز‬
‫الدعوى مبثل هذا‪ ،‬واحللف مبجرده‪ .‬وهذه األسباب ال تفيد إال الظن دون التحقيق‪ ،‬لكن غالب األحكام‬
‫والشهادات إمنا تنبين على الظن‪ ،‬وتنتـزل منـزلة التحقيق)‪ .‬أ هـ‪.‬‬
‫ويف الفقه مسائل عديدة حكم فيها بالصحة بناء على ما يف ظن املكلف(‪.)3‬‬
‫وأما ما ورد من النهي عن العمل بالظن‪ .‬فهو الظن املرجوح الذي ال يقوم عليه دليل‪ .‬بل هو‬
‫قائم على اهلوى والغرض املخالف للشرع قال تعاىل‪] :‬إن يتّبعون إال الظن وإن الظن ال يغين من احلق‬
‫شيئا[(‪ )4‬وقال تعاىل‪] :‬إن يتّبعون‪ 4‬إال الظن وما هتوى األنفس‪ 4‬ولقد جاءهم من رهبم اهلدى[(‪ )5‬واهلل‬
‫أعلم‪.‬‬

‫(?) لشيخ اإلسالم ابن تيمية – رمحه اهلل – كالم مفيد حول هذا املوضوع فراجعه يف كتابه (االستقامة) ج‪ 1‬ص‪ 47‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ص‪( 129‬هبامش كتاب فتح العلي املالك)‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر القواعد والفوائد األصولية البن اللحام ص‪ 82‬والتمهيد لإلسنوي ص‪.65‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة النجم‪ 4،‬آية‪.28 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) سورة النجم‪ 4،‬آية‪.23 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪33‬‬
‫تعريف أصول الفقه وأبوابه‬

‫(وعلم أصول الفقه‪ :‬طرقه على سبيل اإلجمال وكيفية االستدالل بها‪ .‬وأبواب أصول‬
‫الفقه‪ :‬أقسام الكالم‪ ،‬واألمر والنهي‪ ،‬والعام والخاص‪ ،‬والمجمل والمبين‪ ،‬والظاهر‬
‫والمؤول‪ ،‬واألفعال والناسخ والمنسوخ‪ ،‬واإلجماع واألخبار‪ ،‬والقياس‪ ،‬والحظر‬
‫واإلباحة‪ ،‬وترتيب األدلة‪ ،‬وصفة المفتي والمستفتي‪ ،‬وأحكام المجتهدين)‪.‬‬
‫هذا هو التعريف الثاين ألصول الفقه‪ ،‬وهو باعتباره‪ 4‬لقباً هلذا الفن‪ ،‬وقد تقدم تعريفه باعتبار‬
‫مفرديه‪.‬‬
‫قال‪( :‬علم أصول الفقه‪ :‬طرقه على سبيل اإلمجال‪ ،‬وكيفية االستدالل هبا)‪.‬‬
‫فقوله‪( :‬طرقه) أي طرق الفقه‪ .‬واملراد أدلة الفقه اإلمجالية‪ .‬وهي القواعد العامة اليت حيتاج إليها‬
‫الفقيه مثل األمر للوجوب‪ ،‬والنهي للتحرمي‪ ،‬واإلمجاع حجة‪ ،‬وحنو ذلك من املسائل الكلية اليت تبحث يف‬
‫أصول الفقه‪ .‬أما األدلة التفصيلية‪ 4‬فال تذكر يف أصول الفقه إال على سبيل التمثيل واإليضاح مثل قوله‬
‫تعاىل‪] :‬وأقيموا الصالة وءاتوا‪ 4‬الزكاة[(‪ )1‬لألمر‪ .‬مثل‪ :‬صالته ‪ ‬يف الكعبة‪ )2(4‬ميثل به للفعل يف أنه ال يعم‬
‫أقسامه‪ ،‬ومثل اإلمجاع على أن بنت االبن تأخذ السدس مع بنت الصلب حيث ال معصب‪ 4‬هلما‪.‬‬
‫وعرب املصنف كغرية بقوله‪( :‬طرق الفقه) دون قوله (أدلة الفقه) بناء على املشهور عندهم‪ ،‬وهو‬
‫التفريق بني الدليل واإلمارة وأكثر أصول الفقه ليست أدلة بل هي إمارات‪ .‬وقد ذكرنا ضعف هذا الرأي‬
‫فيما تقدم‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬وكيفية االستدالل هبا) هذا معطوف على قوله‪( :‬طرقه) أي أن موضوع أصول الفقه‬
‫أدلة الفقه اإلمجالية‪ ،‬وكيفية االستدالل هبا على األحكام‪ .‬وبقي أمر ثالث وهو معرفة حال املستدل‪ ،‬وهو‬
‫جتر إىل صفات من يستدل هبا‪ ،‬فاكتفى بذكر كيفية‬ ‫اجملتهد‪ ،‬وإمنا تركه املصنف ألن كيفية االستدالل ّ‬
‫االستدالل عن ذكر صفات من يستدل هبا وهو اجملتهد‪ .‬وسيذكر ذلك يف آخر الورقات‪ .‬حيث قال‪:‬‬
‫(ومن شروط املفيت أن يكون عاملاً بالفقه ‪ . .‬إخل)‪.‬‬
‫واملراد بقوله‪( :‬وكيفية االستدالل هبا) أي كيفية االستدالل بطرق الفقه اإلمجالية‪ ،‬وذلك مبعرفة‬
‫دالالت األلفاظ‪ ،‬وشروط االستدالل‪ .‬فمن دالالت األلفاظ العموم واخلصوص واإلطالق والتقييد‪،‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.43 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أخرجه البخاري برقم (‪ )388‬ومسلم (برقم ‪ )1329‬وغريمها‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪34‬‬
‫وشروط االستدالل كحمل املطلق على املقيد‪ ،‬وختصيص‪ 4‬العام‪ ،‬ومعرفة الرتجيح عند التعارض وحنو ذلك‬
‫مما يبحث يف أصول الفقه‪.‬‬
‫مث ذكر املص‪44‬نف األب‪44‬واب اليت تض‪44‬منها أص‪44‬ول الفق‪44‬ه‪ ،‬ألجل أن ينشط هلا الق‪44‬ارئ ويس‪44‬تعد هلا‪ ،‬ومل‬
‫يذكر املطلق واملقيد‪ 4‬ألنه سيذكرمها يف الكالم على العام واخلاص للمناسبة بينهما‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫الكــالم‬

‫(فأما أقسام الكالم فأقل ما يتركب منه الكالم‪ :‬اسمان‪ ،‬أو اسم وفعل‪ ،‬أو فعل وحرف‪ ،‬أو‬
‫اسم وحرف)‪.‬‬
‫يعىن أهل األصول مبباحث الكالم وأقسامه‪ ،‬وهي مباحث حنوية وبالغية‪ 4،‬وذلك ألهنا هي املدخل‬
‫إىل أصول الفقه حيث إن األصول يعتمد على الكتاب السنة‪ ،‬واالستدالل هبما متوقف على معرفة اللغة‬
‫العربية ألهنما بلسان عريب مبني‪ ،‬ومن ال يعرف اللغة ال ميكنه استنباط‪ 4‬األحكام من الكتاب والسنة‬
‫استنباطاً‪ 4‬صحيحاً‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فأما أقسام الكالم‪ . . 4‬إخل)‪.‬‬
‫الكالم لغة‪ :‬اللفظ املوضوع ملعىن‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬اللفظ املفيد مثل‪ :‬اهلل ربنا‪ ،‬وحممد ‪ ‬نبينا‪4.‬‬
‫ومل يذكر املصنف‪ 4‬تعريف الكالم‪ 4،‬بل اكتفى بأقل ما يرتكب منه‪ ،‬فذكر أن أقل ما يرتكب منه‬
‫الكالم امسان كما مثلنا‪ ،‬أو اسم وفعل مثل‪ :‬جاء احلق‪ ،‬وزهق الباطل‪ .‬فهذا فعل وفاعل‪ ،‬ومثل وقضي‬
‫األمر‪ .‬فعل ونائب فاعل أو فعل وحرف مثل‪ :‬ما قام ومل يقم‪ .‬وهذا أثبته‪ 4‬قوم منهم املصنف‪ ،‬فلم يعدوا‬
‫الضمري يف قام ومل يقم الراجع إىل زيد – مثالً – مل يعدوه كلمة لعدم ظهوره ووجوده‪ .‬وعده النحويون‬
‫كلمة يف حكم امللفوظ املوجود‪ ،‬وتتوقف الفائدة الكالمية‪ 4‬عليه‪ ،‬وهو ضمري مسترت‪ ،‬واملسترت كالثابت‬
‫وقوله (أو اسم وحرف) هذا يف النداء مثل‪ :‬يا اهلل‪ .‬وهذا فيه نظر‪ .‬ألن الكالم هو املقدر من الفعل‬
‫وفاعله ألن تقديره‪ :‬أدعو اهلل‪ .‬وحرف النداء نائب عنه‪ ،‬فريجع ذلك إىل صورة االسم مع الفعل‪ .‬وغرض‬
‫املصنف وغريه من األصوليني بيان أقسام اجلمل ومعرفة املفرد من املركب‪ ،‬فلذلك مل يأخذوا فيه‬
‫بالتحقيق الذي يسلكه النحويون‪.‬‬
‫والكالم مجع كلمة‪ .‬وهي اسم وفعل وحرف‪ .‬ووجه احلصر يف الثالثة‪ 4‬أن الكلمة إما أن تدل‬
‫على معىن يف نفسها أو ال‪ .‬فإن مل تدل على معىن يف نفسها بل يف غريها فهي احلرف مثل‪ :‬الطالب يف‬
‫الفصل‪ .‬وإن دلت على معىن يف نفسها وأشعرت هيئتها‪ 4‬بزمن فهي الفعل كقام ويقوم وقم‪ ،‬وإن مل تشعر‬
‫هيئتها بزمن فهي االسم مثل حممد‪.‬‬
‫واألمساء واألفعال واحلروف متس احلاجة إىل معرفتها‪ ،‬فإن األمساء من النظرة األصولية ثالثة‬
‫أنواع‪:‬‬
‫‪ )1‬ما يفيد العموم كاألمساء املوصولة والنكرة‪ 4‬يف سياق النفي‪4.‬‬

‫‪36‬‬
‫‪ )2‬ما يفيد اإلطالق‪ 4‬كالنكرة يف سياق اإلثبات‪.‬‬
‫‪ )3‬ما يفيد اخلصوص‪ 4‬كاألعالم‪ .‬وتفصيل ذلك يأيت يف حمله إن شاء اهلل وكذا ما يتعلق بالفعل‪ .‬وأما‬
‫احلروف فالفقيه حباجة إىل معرفتها كالواو والفاء وعلى اجلارة وغريها‪.‬‬
‫هذا ما يتعلق بأقسام الكالم من حيثية ما يرتكب منه‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫أقسام الكالم باعتبار مدلوله‬

‫(والكالم ينقسم إلى أمر ونهي‪ ،‬وخبر واستخبار‪ .‬وينقسم أيضاً‪:‬ـ إلى تمن وعرض‬
‫وقسم)‪.‬‬
‫ملا فرغ املصنف‪ 4‬من ذكر أقسام الكالم‪ 4‬باعتبار ما يرتكب منه شرع يف ذكر أقسامه باعتبار‬
‫مدلوله‪.‬‬
‫قوله‪( :‬والكالم‪ 4‬ينقسم إىل أمر) وهو ما يدل على طلب الفعل حنو‪ :‬أطع والديك‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وهني) وهو ما يدل على طلب الرتك‪ .‬حنو‪ :‬ال تكذب يف حديثك‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وخرب) وهو ما حيتمل الصدق والكذب حنو‪ :‬سافر خالد‪.‬‬
‫قوله‪( :‬واستخبار) وهو االستفهام‪ .‬وهو طلب العلم بشيء مل يكن معلوماً من قبل‪ .‬حنو‪ :‬هل‬
‫فهمت املسألة؟ أحضر خالد أم عاصم؟‬
‫قوله‪( :‬وينقسم أيضاً إىل مت ّـن) وهو طلب الشيء احملبوب‪ 4‬الذي ال يرجى حصوله إما لكونه‬
‫مستحيالً حنو‪ :‬ليت الشباب يعود يوماً‪ .‬أو بعيد املنال كقول منقطع الرجاء‪ :‬ليس يل ماالً فأحج به‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬وعرض) بسكون‪ 4‬الراء‪ .‬هو الطل برفق حنو‪ :‬أال تنـزل عندنا‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬وقسم) بفتح القاف والسني‪ ،‬هو احللف حنو‪ :‬واهلل ألفعلن اخلري‪.‬‬
‫وإمنا قال املصنف‪( 4‬وينقسم أيضاً ‪ ) . .‬مع أن ما قبله وما بعده تقسيم األول‪ .‬وأنه يرد عليه‬
‫التقسيم الثاين‪ .‬وأن اجلميع تقسيم واحد(‪.)1‬‬
‫وهناك تقسيم أخصر من هذا‪ ،‬كما عند البالغيني‪ ،‬وهو أن الكالم‪ 4‬قسمان‪:‬‬
‫‪ )1‬خرب‪ :‬وتقدم تعريفه‪ ،‬ويأيت شرحه إن شرحه إن شاء اهلل يف باب األخبار‪.‬‬
‫‪ )2‬إنشاء‪ :‬وهو ما ال حيتمل الصدق والكذب‪ ،‬كقولك‪ :‬اكتب‪ 4.‬ألن مدلوله ال حيصل إال بالتلفظ به‪،‬‬
‫فال يقال‪ :‬إنه صدق أو كذب‪.‬‬

‫(?) انظر الربهان إلمام احلرمني (‪.)1/146‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪37‬‬
‫ومن اإلنشاء‪ :‬األمر والنهي واالستفهام والتمين ومنه العرض‪ .‬وهذا هو اإلنشاء الطليب‪ ،‬ومنه القسم‬
‫وهو اإلنشاء غري الطليب‪.‬‬
‫وأهم هذه األنواع‪ 4:‬األمر والنهي‪ .‬وسيأيت الكالم فيهما إن شاء اهلل‪ ،‬وأما بقية األنواع‪ 4‬فال يرتتب‪4‬‬
‫عليها يف األصول كبري فائدة واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫أقسام الكالم باعتبار استعماله‬

‫(ومن وجه آخر ينقسم إلى‪ :‬حقيقة ومجاز‪ .‬فالحقيقة‪:‬ـ ما بقي في االستعمال على‬
‫موضوعه‪ ،‬وقيل‪ :‬ما استعمل فيما اصطلح عليه من المخاطبة‪ .‬والمجاز‪ :‬ما تجوز عن‬
‫موضوعه‪ .‬والحقيقة إما لغوية وإ ما شرعية وإ ما عرفية)‪.‬‬
‫ينقسم الكالم‪ 4‬باعتبار استعمال اللفظ إىل قسمني‪:‬‬
‫الثاين‪ :‬جماز‪.‬‬ ‫األول‪ :‬حقيقة‪.‬‬
‫فاحلقيقة‪ :‬ما بقي يف االستعمال على موضوعه‪.‬‬
‫مثل كلم‪44 4 4 4 4‬ة‪ :‬أسد للحي‪44 4 4 4 4‬وان املف‪44 4 4 4 4‬رتس‪ .‬ف‪44 4 4 4 4‬إذا قلت‪ :‬رأيت أس‪44 4 4 4 4‬داً‪ .‬فهي حقيقة ألهنا لفظ بقي يف‬
‫االستعمال على ما وضع له وهو احليوان‪.‬‬
‫وهذا التعريف يرد عليه أنه خاص باحلقيقة اللغوية‪ ،‬فال يشمل الشرعية والعرفية كما سيأيت‪،‬‬
‫وعليه فهما من اجملاز عند املصنف‪4.‬‬
‫مث ذكر املصنف‪ 4‬تعريفاً آخر للحقيقة وهو‪ :‬ما استعمل فيما اصطلح عليه من املخاطبة‪ .‬فقوله‪:‬‬
‫ما‪ :‬أي لفظ‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬استعمل‪ :‬مبين للمجهول‪ ،‬ونائب الفاعل ضمري مسترت يعود على ما‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬فيما‪ :‬أي يف معىن‪.‬‬
‫وقوله اصطلح عليه‪ :‬مبين للمجهول‪ .‬وما بعده نائب فاعل‪ .‬أي اصطلح على أن هذا املعىن لذلك‬
‫اللفظ‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬من املخاطبة‪ :‬بكسر الطاء على زنة اسم الفاعل‪ .‬أي من اجلماعة املخاطبة غريها‪ .‬أي‬
‫خاطبت‪ 4‬غريها بذلك اللفظ وعينته‪ 4‬للداللة على ذلك املعىن بنفسه‪ ،‬سواء بقي اللفظ على موضوعه‬
‫اللغوي أو مل يبق على موضوعه اللغوي‪ ،‬بأن‪ 4‬بقي على موضوعه الشرعي أو العريف‪.‬‬
‫واالصطالح معناه‪ :‬اتفاق قوم على استعمال شيء يف شيء معلوم عندهم‪ .‬كاتفاق أهل الشرع‬
‫على استعمال الصالة يف التعبد هلل تعاىل بأفعال وأقوال أوهلا التكبري وآخرها التسليم‪ .‬واتفاق أهل اللغة‬
‫‪39‬‬
‫على استعمال الصالة مبعىن الدعاء‪ .‬وهكذا الدابة عند أهل العرف تطلق على ذوات األربع فقط‬
‫كالفرس‪.‬‬
‫وهذا التعريف يعم أنواع احلقيقة‪ 4‬الثالثة‪ .‬وقد أثبت‪ 4‬املصنف احلقيقة‪ 4‬الشرعية والعرفية وهذا يدل‬
‫على اختياره هلذا التعريف وإن كان تقدميه للتعريف األول يقتضي ترجيحه واهلل أعلم‪.‬‬
‫وهناك تعريف أخصر وأمشل وهو‪ :‬احلقيقة‪ :‬اللفظ املستعمل فيما وضع له(‪.)1‬‬
‫فقوله‪( :‬اللفظ)‪ :‬جنس يف التعريف يشمل املعرف وغريه‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬املستعمل)‪ :‬قيد يف التعريف خيرج املهمل‪ .‬وهو الذي ليس له معىن مثل ديز مقلوب زيد‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬فيما وضع له)‪ :‬قيد ثان خيرج اجملاز‪ ،‬ألن اجملاز يف غري ما وضع له‪.‬‬
‫مث ذكر املصنف‪ 4‬أن احلقيقة ثالثة أنواع‪4:‬‬
‫‪ )1‬حقيقة لغوية‪ :‬وهي اللفظ املستعمل فيما وضع له يف اللغة‪ .‬مثل الصيام فهو يف اللغة اإلمساك‪ .‬قال‬
‫النابغة‪:‬‬
‫خيل صيام وخيل غري صائمة‬
‫حتت العجاج وأخرى تعلك اللُّجما‬
‫أي خيل ممسكة عن اجلري واحلركة‪ .‬وقيل‪ :‬عن العلف‪.‬‬
‫‪ )2‬حقيقة شرعية‪ :‬وهي اللفظ املستعمل فيما وضع له يف الشرع‪ .‬كالصالة معناها‪ :‬التعبد هلل تعاىل بأفعال‬
‫وأقوال أوهلا التكبري وآخرها التسليم على الصفة املخصوصة‪.‬‬
‫‪ )3‬حقيقة عرفية‪ :‬وهي اللفظ املستعمل فيما وضع له يف العرف‪ .‬وهي نوعان‪:‬‬
‫‪ )1‬عرفية عامة‪ :‬وهي ما تعارف عليه عامة أهل العرف‪ ،‬مثل لفظ الدابة فهي يف اللغة اسم لكل‬
‫ما يدب على األرض غري أن العرف خصصه بذوات األربع كما تقدم‪.‬‬
‫‪ )2‬عرفية خاصة‪ :‬وهي ما تعارف عليه بعض الطوائف من األلفاظ اليت وضعوها ملعىن عندهم‪.‬‬
‫مثل اجلزم فهو يف اللغة القطع كما يف القاموس‪ .‬وعند النحويني نوع من اإلعراب‪.‬‬
‫فاحلقيقة العرفية العامة هي اليت مل يتعني ناقلها من املعىن اللغوي‪ .‬واخلاصة عكسها‪.‬‬
‫(?) انظر‪ :‬اإلرشاد للشوكاين ص‪.21‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪40‬‬
‫هذا وقد أشار ابن بدران رمحه اهلل إىل الفائدة من معرفة أقسام احلقيقة فقال‪( :‬ومىت ورد اللفظ‬
‫وجب محله على احلقيقة‪ 4‬يف بابه لغة أو شرعاً أو عرفاً)(‪ )2‬أ هـ‪.‬‬
‫هذا ما يتعلق باحلقيقة‪ .‬وأما اجملاز فقد عرفه بقوله‪( :‬ما جتوز عن موضوعه)‪ :‬فقوله‪( :‬ما جتوز)‬
‫بضم التاء واجليم وتشديد الواو‪ 4‬مكسورة مبين للمجهول‪ ،‬ويصح فتح التاء مبنياً للفاعل‪ .‬أي ما تعدى به‬
‫عن موضوعه‪ .‬فنقل يف االستعمال عن معناه األصلي إىل معناه اجملازي ومثاله‪ :‬رأيت أسداً يرمي‪ ،‬فكلمة‬
‫أسد تعدى هبا عن موضوعها األول وهو احليوان‪ 4‬املفرتس‪ ،‬ونقلت إىل الرجل الشجاع‪.‬‬
‫وهذا التعريف مبين على التعريف األول للحقيقة وهو (ما بقي يف االستعمال على موضوعه) وأما‬
‫على التعريف الثاين للحقيقة فيكون اجملاز‪( :‬ما استعمل يف غري ما اصطلح عليه من املخاطبة) وعلى‬
‫التعريف الذي ذكرناه يكون اجملاز‪ :‬اللفظ املستعمل يف غري ما وضع له‪ .‬وهذا أوضح‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(?) املدخل البن بدران ص‪.174‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪41‬‬
‫أنــواع المجـــاز‬

‫(والمجاز إما أن يكون بزيادة أو نقصان أو نقل أو استعارة‪ .‬فالمجاز بالزيادة مثل قوله‬
‫(‪)2‬‬
‫تعالى‪] :‬ليس كمثله شيء[(‪ )1‬والمجاز بالنقصان مثل قوله تعالى‪] :‬وسئل القرية[‬
‫والمجاز بالنقل كالغائط فيما يخرج من اإلنسان‪ .‬والمجاز باالستعارة كقوله تعالى‪:‬‬
‫]جداراً يريد أن ينقض[(‪.))3‬‬
‫ملا ذكر املصنف‪ 4‬أنواع احلقيقة‪ 4‬بعد تعريفها ذكر هنا أنواع اجملاز بعد تعريفه‪ .‬واجملاز نوعان‪:‬‬
‫‪ )1‬جماز بالكلمة‪ :‬وهو ما تقدم تعريفه‪ .‬حيث تنقل الكلمة من معناها األصلي إىل املعىن اجملازي‪.‬‬
‫‪ )2‬جماز باإلسناد‪ :‬وهو اجملاز العقلي‪ .‬حيث يكون التجوز باإلسناد‪ ،‬فيسند الفعل أو ما يف معناه إىل‬
‫غري ما هو له يف احلقيقة‪ 4،‬والبد من عالقة مع وجود قرينة متنع من إرادة املعىن األصلي مثل‪ :‬بين‬
‫األمري قصراً‪ .‬وليس هلذا ذكر يف األصول‪ ،‬وإمنا يذكر يف علم البيان وذكرته لتكميل القسمة‪.‬‬
‫وشرط اجملاز بالكلمة وجود عالقة بني املعىن األصلي واملعىن اجملازي‪ ،‬ووجود قرينة مانعة من‬
‫إرادة املعىن األصلي‪ .‬كما يف املثال املتقدم‪ 4:‬رأيت أسداً يرمي‪.‬‬
‫قوله‪( :‬واجملاز إما أن يكون‪ 4‬بزيادة أو نقصان‪ 4‬أو نقل أو استعارة)‪ 4:‬ذكر أن اجملاز بالكلمة أربعة‬
‫أنواع‪:‬‬
‫‪ )1‬جماز بالزيادة‪ :‬ومثاله قوله تعاىل‪] :‬ليس كمثله شيء[(‪ )4‬فقالوا‪ :‬إن الكاف زائدة لتوكيد نفي‬
‫املثل‪ ،‬ولو مل تكن زائدة لكانت مبعىن (مثل) وهذا باطل ملا يلزم عليه من إثبات املثل هلل تعاىل إذ‬
‫يصري املعىن‪( :‬ليس مثل مثله شيء) واملنفي‪ 4‬مثل املثل‪ ،‬فيكون‪ 4‬املثل ثابتاً وهذا باطل ألن القصد‬
‫نفيه(‪.)5‬‬

‫(?) سورة الشورى‪ ،‬آية‪.11 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة يوسف‪ ،‬آية‪.82 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة الكهف‪ ،‬آية‪.87 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة الشورى‪ ،‬آية ‪.11‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) أما على القول بنفي اجملاز يف القرآن فال جماز يف اآلية‪ ،‬ألن العرب تقيم املثل مقام النفس‪ ،‬فيطلقون املثل ويريدون به الذات‪ .‬فأنت تقول‪ :‬مثلي ال‬ ‫‪5‬‬

‫يفعل كذا‪ .‬أي‪ :‬أنا ال أفعل كذلك‪ .‬قال تعاىل ]وشهد‪ 4‬شاهد من بين إسرائيل على مثله[[سورة األحقاف‪ ،‬آية‪ ]10 :‬أي على أن القرآن من عند اهلل‪،‬‬
‫فيكون معىن اآلية (ليس مثل ذات اهلل شيء) وإذا انتفت املماثلة يف الذات انتفت املماثلة يف الصفات‪ ،‬ألن القول يف الصفات كالقول يف الذات (انظر‬
‫رسالة الشنقيطي "منع جواز اجملاز" ص‪ ،36‬بطالن اجملاز ص‪.)134‬‬

‫‪42‬‬
‫‪ )2‬جماز بالنقصان‪ :‬أي باحلذف‪ .‬ومثاله قوله تعاىل‪] :‬واسأل القرية[ أي أهل القرية ففيه حذف‪،‬‬
‫للقطع بأن‪ 4‬املقصود سؤال أهل القرية ال سؤال القرية‪ ،‬ألهنا عبارة عن األبنية اجملتمعة وسؤاهلا‬
‫وإجابتها من احملال(‪.)1‬‬
‫فإن قيل‪ :‬تعريف اجملاز ال يصدق على اجملاز بالزيادة والنقصان‪ 4‬ألنه مل يستعمل اللفظ يف غري‬
‫موضعه‪.‬‬
‫فاجلواب‪ :‬أنه منه‪ ،‬حيث استعمل نفي مثل املثل يف نفي املثل وسؤال القرية يف سؤال أهلها‪،‬‬
‫وقال البالغيون‪ :‬إنه جماز من حيث إن الكلمة نقلت عن إعراهبا األصلي إىل نوع آخر من‬
‫اإلعراب(‪.)2‬‬
‫‪ )3‬جماز بالنقل‪ :‬ومثاله كلمة (الغائط) فهو يف أصل الوضع اسم للمكان املطمئن من األرض‪ ،‬تقضي‪4‬‬
‫فيه احلاجة طلباً للسرت‪ .‬مث نقل وصار يطلق على الفضلة اخلارجة من اإلنسان‪ 4،‬والعالقة اجملاورة‪.‬‬
‫ألهنا جتاور املكان‪ 4‬املطمئن غالباً(‪.)3‬‬
‫‪ )4‬جماز باالستعارة‪ :‬ومثاله قوله تعاىل‪] :‬جدار يريد أن ينقض[(‪ )4‬حيث شبه ميل اجلدار إىل السقوط‬
‫كل‪ .‬مث استعري اللفظ الدال‬
‫بإرادة السقوط اليت هي من صفات احلي‪ ،‬جبامع القرب من الفعل يف ٍّ‬
‫على املشبه به للمشبه‪ ،‬مث اشتق منه (يريد) مبعىن (مييل) على سبيل االستعارة التصرحيية‪ 4‬التبعية‪4..‬‬
‫وظاهر عبارة املصنف‪ 4‬يف قوله (أو نقل) توهم أن النقل قسم من اجملاز ومقابل لألقسام األخرى‬
‫وليس كذلك‪ ،‬فإن النقل يعم مجيع أنواع‪ 4‬اجملاز بالكلمة كما تقدم يف تعريفه‪.‬‬

‫دل عليه بطريق‬


‫(?) أما على القول بنفي اجملاز فإن املراد بالقرية جمتمع‪ 4‬الناس أو أن املضاف يف اآلية كأنه مذكور ألنه مدلول عليه باالقتضاء وما ّ‬ ‫‪1‬‬

‫االقتضاء فهو على احلقيقة‪ .‬أو أن لفظ القرية يدخل يف مسماه احلال واحملل‪ .‬فمن األول قوله تعاىل‪] :‬وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك اليت‬
‫مر على قرية وهي خاوية على عروشها[[انظر املصدرين السابقني]‪.‬‬
‫أخرجتك[ ومن الثاين‪] :‬أو كالذي ّ‬
‫(?) انظر التلخيص يف علوم البالغة للقزويين ص‪.336‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ليس يف اآلية جماز ألن إطالق (الغاط) على الرباز أو احلدث حقيقة عرفية ألن اإلنسان يف العادة إمنا جييء من الغاط إذا قضى حاجته فصار اللفظ‬ ‫‪3‬‬

‫حقيقة عرفية يفهم منها التغوط‪( .‬بطالن اجملاز ص‪.)138‬‬


‫(?) سورة الكهف‪ ،‬آية‪.77 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪43‬‬
‫وهذا وحمل احلقيقة‪ 4‬واجملاز كتب البالغة‪( 4‬علم البيان)‪ 4‬واألصوليون‪ 4‬يذكرون ذلك‪ ،‬ألن البحث يف‬
‫دالالت األلفاظ من أهم موضوعات علم األصول‪ ،‬وداللة اللفظ على املعىن قد تكون حقيقة وقد تكون‬
‫جمازاً‪.‬‬
‫واعلم أن تقسيم الكالم إىل حقيقة وجماز هو املشهور عند املتأخرين يف القرآن وغريه‪ ،‬ومنهم من‬
‫قال ال جماز يف القرآن‪ ،‬وهو قول ابن خويز منداد من املالكية‪ ،‬وقول الظاهرية وابن القاص من الشافعية‪،‬‬
‫ومن أهل العلم من قال ال جماز يف القرآن وال يف غريه وبه قال أبو إسحاق األسفراييين وأبو علي‬
‫الفارسي من املتقدمني كما عزاه هلما ابن السبكي‪ 4‬يف مجع اجلوامع(‪ ،)1‬ومن املتأخرين الشيخ حممد‬
‫األمني الشنقيطي‪ 4‬رمحه اهلل يف رسالة خاصة هبذا(‪ ،)2‬وقد نصر هذا القول شيخ اإلسالم ابن تيمية وابن‬
‫القيم رمحهما اهلل‪ ،‬وبني شيخ اإلسالم أن هذا التقسيم اصطالح حادث بعد القرون املفضلة مل يتكلم به‬
‫أحد من الصحابة والتابعني وال أحد من األئمة وال علماء اللغة‪ ،‬والظاهر أن اجملاز إمنا جاء من جهة‬
‫املعتزلة وحنوهم من املتكلمني ليكون سلما لنفي كثري من صفات اهلل تعاىل بإدعاء أهنا جماز‪ ،‬وهذا من‬
‫أعظم وسائل التعطيل‪.‬‬
‫كما بني الشيخ – أيضاً – بطالن هذا التقسيم‪ ،‬وأن من ذهب إىل ذلك فقد تكلم بال علم‬
‫وابتدع يف الشرع وخالف العقل‪ ،‬ومما يدل على بطالن ذلك أنه ال أحد يثبت أن العرب وضعت‬
‫ألفاظاً ملعان مث استعملت هذا الوضع يف معان أخر‪ ،‬ومن ادعى أنه يعلم وضعاً تقدم ذلك فهو مبطل(‪.)3‬‬
‫وكل ما يسميه القائلون‪ 4‬باجملاز جمازاً فهو عند من يقول بنفي‪ 4‬اجملاز أسلوب من أساليب اللغة‬
‫العربية املتنوعة‪ 4،‬بعضها يتضح املراد منه بال قيد‪ ،‬وبعضه حيتاج إىل قيد وكل منهما حقيقة يف حمله‪.‬‬

‫(?) انظر مجع اجلوامع (‪.)1/308‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر رسالة (منع جواز اجملاز) ص‪ 8‬املطبوعة ضمن اجلزء العاشر من أضواء البيان‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر فهارس فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ )2/13( 4‬وراجع كتاب (بطالن اجملاز) بقلم‪ :‬مصطفى عيد الصياصنة‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪44‬‬
‫األمــــر‬

‫(واألمر استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب‪،‬والصيغة الدالة عليه‪:‬‬
‫افعل‪ .‬وهي عند اإلطالق والتجرد عن القرينة تحمل عليه إال ما دل الدليل على أن‬
‫المراد منه الندب أو اإلباحة فيحمل عليه)‪.‬‬
‫باب األمر والنهي من األبواب‪ 4‬املهمة يف أصول الفقه‪ ،‬ألن مدار التكليف على األوامر والنواهي‪4.‬‬
‫فالبد من معرفة أحكامهما وما يرتتب‪ 4‬على خمالفتهما‪ ،‬يقول السرخسي يف أصوله(‪( :)1‬فأحق ما يبدأ به‬
‫يف البيان‪ 4‬األمر والنهي‪ 4‬ألن معظم االبتالء‪ 4‬هبما‪ ،‬ومبعرفتها تتم معرفة األحكام ويتميز احلالل من احلرام)‪ .‬أ‬
‫هـ‪.‬‬
‫قوله (األمر‪ :‬استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب) هذا تعريف األمر‪ .‬وهو‬
‫من أحسن التعاريف‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬استدعاء‪ :‬أي طلب وهذا جنس يشمل األمر والنهي‪ ،‬واملراد بالفعل‪ :‬اإلجياد ليشمل‬
‫الفعل املأمور به مثل‪] :‬وءاتوا‪ 4‬الزكاة[(‪ )2‬والقول املأمور‪ 4‬به مثل‪] :‬واذكروا اهلل كثرياً[(‪.)3‬‬
‫واملعىن أن األمر طلب إجياد فعل أو إجياد قول‪ .‬وهذا القيد خيرج النهي ألنه استدعاء الرتك كما‬
‫سيأيت‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬بالقول‪ :‬أي باللفظ الدال عليه‪ .‬واملراد صيغ األمر وهذا قيد ثان إلخراج اإلشارة فإهنا‬
‫وإن أفادت طلب الفعل‪ ،‬لكنها ال تسمى أمراً‪.‬‬
‫وقوله (ممن هو دونه) أي دون الطالب يف الرتبة‪ ،‬وهذا قيد ثالث خرج به استدعاء الفعل ممن‬
‫ساواه وهذا التماس‪ .‬أو ممن هو فوقه وهذا دعاء وسؤال‪ .‬وعلى هذا فطلب الفعل يسمى أمراً مع‬
‫العلو(‪.)4‬‬
‫قال األخضري‪:‬‬

‫(?) أصول السرخسي ص‪.11‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.43 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة اجلمعة‪ ،‬آية ‪.10‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) انظر غاية املرام يف شرح مقدمة اإلمام للتلمساين ص‪ .71‬والعلو معناه‪ :‬هيئة راجعة إىل اآلمر – بكسر امليم – وهي كونه أعلى من املأمور‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫واالستعالء‪ :‬هيئة يف األمر – بسكون امليم – وهو كون الطلب بغلظة وقهر‪ .‬انظر (نثر الورود ‪1‬م‪.)173‬‬

‫‪45‬‬
‫ويف التساوي فالتماس وقعا‬ ‫أمر مع استعال وعكسه دعا‬
‫وقول املصنف‪( :‬على سبيل الوجوب) هذا متعلق بقوله‪( :‬استدعاء) وهذا قيد رابع إلخراج‬
‫الندب واإلباحة وغريمها‪ ،‬وفيه بيان أن صيغة األمر تقتضي الوجوب‪ ،‬وهذا عند اإلطالق‪ ،‬أي التجرد من‬
‫القرائن الصارفة لألمر عن الوجوب إىل غريه‪.‬‬
‫والظاهر أن املؤلف يرى أن املندوب ليس مأموراً به لعدم وجوبه وحتتمه‪ ،‬واحملققون على أن‬
‫املندوب مأمور به ألنه طاعة إمجاعاً‪ ،‬والطاعة فعل مأمور به‪ ،‬وإن كان غري واجب‪ ،‬فيكون‪ 4‬األمر أمر‬
‫إجياب وأمر استحباب‪ .‬وتقدم ذلك يف الكالم على املندوب‪.‬‬
‫قوله‪( :‬على سبيل الوجوب) صيغة األمر إما أن تكون جمرد عن القرينة‪ ،‬وإما أن تكون مقيدة‪،‬‬
‫فإن كانت جمردة فاملختار ما ذكره املصنف‪ 4‬من أهنا تقتضي الوجوب كقوله تعاىل‪ ] :‬وأقيموا الصالة‪4‬‬
‫وءاتوا الزكاة[(‪ )1‬فهذا حيمل على الوجوب لعدم قرينة تصرفه عنه ونسب يف شرح الكوكب‪ 4‬املنري هذا‬
‫القول إىل اجلمهور من أرباب املذاهب‪ 4‬األربعة‪ ،‬وقال شيخ اإلسالم‪ 4‬ابن تيمية رمحه اهلل (وأمر اهلل ورسوله‬
‫إذا أطلق كان مقتضاه‪ 4‬الوجوب)(‪.)2‬‬
‫واألدلة على ذلك كثرية جداً منها قوله تعاىل‪] :‬فيحذر الذين خيالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة‬
‫أو يصيبهم عذاب أليم[(‪.)3‬‬
‫ووجه الداللة‪ :‬أن اهلل تعاىل توعد املخالفني ألمر الرسول ‪ ‬بالفتنة‪ 4‬وهي الزيغ‪ ،‬أو بالعذاب‬
‫األليم‪ ،‬وال يتوعد بذلك إال على ترك واجب‪ ،‬فدل على أن أمر الرسول ‪ ‬املطلق يقتضي الوجوب‪ .‬قال‬
‫القرطيب‪( :‬هبذه اآلية استدل الفقهاء على أن األمر للوجوب ‪.)4() . .‬‬
‫وقوله‪( :‬والصيغة‪ 4‬الدالة عليه‪ :‬افعل) أي أن األمر البد له من صيغة تدل عليه وهي (افعل) مثل‪:‬‬
‫]أقم الصالة لدلوك الشمس[(‪ )5‬واملراد بذلك كل ما يدل على طلب الفعل من أي صيغة‪ ،‬فيشمل افعلي‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.43 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) القواعد النورانية ص‪.26‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة النور‪ ،‬آية ‪.63‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) تفسري القرطيب (‪.)12/322‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) سورة اإلسراء‪ ،‬آية‪.78 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪46‬‬
‫وافعلوا وحنومها‪ ،‬ومما يدل على طلب الفعل اسم فعل األمر كقوله تعاىل‪] :‬عليكم أنفسكم[(‪ ،)1‬واملصدر‬
‫النائب عن فعل األمر مثل قوله تعاىل‪] :‬وبالوالدين إحساناً[(‪ )2‬واملضارع املقرون بالم األمر كقوله تعاىل‪:‬‬
‫]وليكتب‪ 4‬بينكم كاتب بالعدل[(‪.)3‬‬
‫وهناك صيغ أخرى تدل على طلب الفعل ومنها‪:‬‬
‫‪ )1‬التصريح بلفظ األمر كقوله تعاىل‪] :‬إن اهلل يأمر بالعدل واإلحسان[(‪ )4‬وحديث ابن عباس يف‬
‫وفد عبد القيس وفيه (آمركم بأربع ‪.)5() . .‬‬
‫‪ )2‬لفظ فرض أو وجب أو كتب وحنوها‪ .‬قال تعاىل‪] :‬كتب عليكم الصيام[(‪ )6‬وحديث ابن عمر‬
‫رضي اهلل عنهما قال‪( :‬فرض رسول اهلل ‪ r‬زكاة الفطر يف رمضان)(‪.)7‬‬
‫‪ )3‬وصف الفعل بأنه طاعة أو ميدح فاعله أو يذم تاركه أو يرتب على فعله ثواب أو على تركه‬
‫عقاب وغريها‪ ،‬كقوله ‪( r‬أنا وكافل اليتيم يف اجلنة هكذا‪ .‬وقال بالسبابة والوسطى)(‪.)8‬‬
‫قوله‪( :‬وهي عند اإلطالق‪ 4‬والتجرد عن القرينة حتمل عليه إال ما َّ‬
‫دل الدليل على أن املراد منه‬
‫الندب أو اإلباحة فيحمل عليه) هذا بيان النوع الثاين من األوامر وهو ما اقرتن بقرينة فيصرف األمر‬
‫حسب هذه القرينة‪ ،‬ألن صيغة األمر ال حتمل على غري الوجوب إال إذا وجد دليل صارف عن الوجوب‬
‫إىل غريه‪ .‬كالندب‪ ،‬ومثاله‪ :‬حديث عبد اهلل املزين أن النيب ‪ r‬قال‪( :‬صلوا قبل صالة املغرب‪ ،‬قال يف‬
‫الثالثة‪ :‬ملن شاء ‪.)9() . .‬‬

‫(?) سورة املائدة‪ ،‬آية‪.105 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.83 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.282 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة النحل‪ ،‬آية‪.90 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) أخرجه البخاري برقم ‪ 53‬ومسلم برقم ‪.17‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.183 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) أخرجه البخاري برقم ‪ 1423‬ومسلم برقم ‪.984‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) رواه البخاري (‪.)10/436‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) أخرجه البخاري برقم ‪.1128‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪47‬‬
‫أو اإلباحة ومثاله قول تعاىل‪] :‬وإذا حللتم فاصطادوا[(‪ .)1‬والقرينة الصارفة يف األول قوله (ملن‬
‫شاء) ويف الثاين هي أن األمر بعد احلظر لإلباحة ألن االصطياد يف اإلحرام حرام‪ ،‬لقوله تعاىل‪] :‬وحرم‬
‫عليكم صيد الرب ما دمتم حرماً[(‪ )2‬أي حمرمني‪.‬‬
‫ومن هنا قال األصوليون‪ 4:‬األمر بعد احلظر لإلباحة واحتجوا بأن هذا النوع من األمر لإلباحة يف‬
‫تطهرن فأتوهن من حيث أمركم اهلل[(‪ )3‬بعد‬
‫أغلب استعماالت الشرع‪ ،‬كما مثلنا‪ .‬وكقوله تعاىل‪] :‬فإذا ّ‬
‫تقربوهن حىت يطهرن[(‪ ،)4‬وقد يكون‪ 4‬يف مقام يتوهم فيه احلظر كقوله ‪( ‬افعل وال‬
‫ّ‬ ‫قوله تعاىل‪] :‬وال‬
‫حرج)(‪ )5‬يف جواب من سألوه‪ 4‬يف حجة الوداع عن تقدمي أفعال احلج اليت تفعل يوم العيد بعضها على‬
‫بعض وكقوله يف قصة اللديغ (اقسموا واضربوا يل بسهم)(‪.)6‬‬
‫ويرى آخرون أن األمر بعد احلظر يرجع إىل ما كان عليه قبل احلظر‪ ،‬قال ابن كثري عند تفسري‬
‫يرد احلكم إىل ما كان‬
‫آية املائدة‪] :‬وإذا حللتم فاصطادوا[(‪( :)7‬والصحيح الذي يثبت على السرب(‪ )8‬أنه ُّ‬
‫عليه قبل النهي‪ 4.‬فإن كان واجباً رده واجباً‪ ،‬وإن كان مستحباً فمستحب‪ ،‬أو مباحاً فمباح‪ ،‬ومن قال‪:‬‬
‫يرد عليه بآيات أخر‪ .‬والذي ينتظم‬
‫إنه على الوجوب ينتقض‪ 4‬عليه بآيات كثرية‪ ،‬ومن قال‪ :‬إنه لإلباحة ُّ‬
‫األدلة كلها هذا الذي ذكرناه‪ ،‬كما أختاره بعض علماء األصول واهلل أعلم)(‪ )9‬أ هـ‪.‬‬
‫فمثال‪ :‬أمر بعد هني عاد إىل الوجوب حديث‪" :‬فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصالة‪ ،‬وإذا أدبرت‬
‫فاغسلي عنك الدم‪ ،‬مث صلي"(‪.)10‬‬
‫(?) سورة املائدة‪ ،‬آية‪.2 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة املائدة‪ ،‬آية‪.96:‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.222 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪222 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) رواه البخاري رقم ‪ 83‬ومسلم ‪.1306‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) رواه البخاري ‪ 2156‬ومسلم ‪.2201‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) سورة املائدة‪ ،‬آية‪.2 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) السرب لغة االختبار ومنه مسي ما خيترب به طول اجلرح وعرضه مسباراً‪ ،‬والسرب يذكر غالباً مع التقسيم فيقال‪ :‬السرب والتقسيم‪ .‬وهو أحد مسالك العلة‬ ‫‪8‬‬

‫يف باب القياس ويراد هبما حصر األوصاف املوجودة يف األصل الصاحلة للعلية يف عدد مث إبطال بعضها بدليله فيتعني الباقي فاحلصر تقسيم واإلبطال سرب‬
‫(خمتصر ابن احلاجب بشرح العضد ‪ ،2/236‬مذكرة الشنقيطي ص‪.)257‬‬
‫(?) تفسري ابن كثري (‪.)3/9‬‬ ‫‪9‬‬

‫(?) أخرجه البخاري برقم ‪ 314 ،226‬ومسلم برقم ‪.333‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪48‬‬
‫فاألمر بالصالة للوجوب‪ ،‬ألن الصالة‪ 4‬قبل امتناعها‪ 4‬باحليض واجبة‪ ،‬ومثاله أيضاً قوله تعاىل‪] :‬فإذا‬
‫انسلخ األشهر احلرم فاقتلوا املشركني[(‪ )1‬فاألمر بقتل املشركني كان واجباً قبل دخول األشهر احلرم‬
‫فمنع من أجلها‪ ،‬مث أمر به بعد انسالخها‪ ،‬فريجع إىل ما كان عليه قبل املنع وهو الوجوب‪.‬‬
‫ومثال االستحباب حديث‪" :‬كنت هنيتكم عن زيارة القبور فزوروها"(‪ )2‬فالزيارة مستحبة قبل‬
‫املنع مث هني عنها‪ ،‬مث أمر هبا فعاد األمر إىل االستحباب‪.‬‬
‫وتقدمي مثل ما كان مباحاً مث هني عنه مث أمر به‪.‬‬
‫وهذا القول هو املختار‪ ،‬ألن احلظر كان لعارض‪ ،‬فإذا ارتفع العارض عاد األمر إىل ما كان عليه‪.‬‬
‫مث إن هذا القول فيه مجع بني األدلة‪ ،‬كما أشار إليه احلافظ ابن كثري رمحه اهلل‪ ،‬واختار هذا القول‬
‫الشيخ تقي الدين ابن تيمية رمحه اهلل‪ ،‬ورجحه الشيخ حممد األمني الشنقيطي رمحه اهلل‪ .‬ونسبه الطويف يف‬
‫خمتصر الروضة إىل األكثرين‪ .‬واهلل أعلم(‪.)3‬‬

‫(?) سورة التوبة‪ 4،‬آية‪.5 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أخرجه مسلم برقم ‪.97‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر املسودة يف أصول الفقه ص‪ ،16‬شرح الكوكب املنري (‪ )3/60‬مذكرة الشنقيطي على الروضة ص‪ ،193 ،192‬أضواء البيان (‪ )2/4‬خمتصر‬ ‫‪3‬‬

‫الروضة ص‪.86‬‬

‫‪49‬‬
‫من مسائل األمــر‬

‫(وال يقتضي التكرار على الصحيح إال إذا دل الدليل على قصد التكرار‪ ،‬وال يقتضي‬
‫الفور‪ .‬واألمر بإيجاد الفعل أمر به‪ ،‬وبما ال يتم الفل إال به كاألمر بالصالة أمر بالطهارة‬
‫المؤدية إليها‪ .‬وإ ذا فعل خرج المأمور عن العهدة)‪.‬‬
‫املسألة األوىل قوله‪( :‬وال يقتضي‪ 4‬التكرار)‪ :‬اعلم أن صيغة األمر تقتضي فعل املأمور‪ 4‬مرة واحدة‬
‫قطعاً وال خالف يف ذلك وإمنا اخلالف فيما زاد على املرة وهو التكرار‪ ،‬مبعىن فعل املأمور به كلما قدر‬
‫عليه املكلف‪ ،‬فاألمر من حيث التكرار وعدمه له ثالث صور‪:‬‬
‫‪ )1‬إما أن يقيد مبا يفيد الوحدة‪ ،‬فهذا حيمل على ما يقيد به‪ ،‬وال يقتضي‪ 4‬التكرار كقوله تعاىل‪] :‬وهلل‬
‫على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيال[(‪ )1‬فظاهر اآلية وجوب تكرار احلج بتكرار‬
‫االستطاعة‪ ،‬لكن سئل رسول اهلل ‪ :r‬أيف كل عام يا رسول اهلل؟ فأجاب مبا يدل على أنه يف‬
‫العمر مرة واحدة(‪ )2‬فيحمل األمر يف اآلية على الواحدة هلذا الدليل من السنة‪.‬‬
‫‪ )2‬أن يقيد مبا يفيد التكرار‪ ،‬وهذا فيه خالف(‪ )3‬والصحيح أنه حيمل على ما قيد به من إرادة‬
‫التكرار كما رجحه املصنف‪ .‬والقيد قيد يكون صفة وقد يكون شرطاً‪ ،‬فالشرط كقوله تعاىل‪:‬‬
‫]وإن كنتم جنبا فاطّ ّهروا[(‪ )4‬فكلما حصلت اجلنابة وجب التطهر بالغسل منها‪.‬‬
‫والصفة كقوله تعاىل‪] :‬والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما[(‪ )5‬فكلما حصلت السرقة‬
‫وجب القطع‪ ،‬ما مل يكن تكرار السرقة قبل القطع‪.‬‬
‫وهذا فيما إذا كان كل من الشرط والصفة علة ثابتة كما مثلنا‪ .‬فيكون التكرار لوجود‬
‫العلة‪ ،‬مبعىن أنه كلما وجدت العلة وجد احلكم(‪ .)6‬فإن مل يكن علة ثابتة فال تكرار مثل‪ :‬إن جاء‬
‫زيد فاعتق عبداً من عبيدي‪ .‬فإذا جاء زيد حصل ما علق عليه األمر‪ ،‬لكن ال يتكرر بتكرر جميئه‪.‬‬
‫‪ )3‬األمر املطلق الذي مل يقيد‪ .‬فهذا فيه خالف هل يقتضي التكرار أو ال؟‬

‫(?) سورة آل عمران‪ ،‬آية ‪.97‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أخرجه مسلم برقم ‪ 1337‬وأخرجه أصحاب السنن وأمحد‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) نقل صاحب شرح الكوكب املنري (‪ )3/46‬االتفاق على أنه للتكرار‪ .‬مع أن بعض احلنفية خالفوا فانظر كشف األسرار (‪.)1/123‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة املائدة‪ ،‬آية‪.6 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) سورة املائدة‪ ،‬آية‪.38 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) شرح الكوكب املنري (‪.)47 ،3/46‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪50‬‬
‫فمنهم من قال يقتضي‪ 4‬التكرار‪ ،‬وهذا حكاه الغزايل عن أيب حنيفة‪ ،‬وابن القصار عن مالك‪ ،‬وهو‬
‫رواية عن أمحد اختارها أكثر أصحابه(‪ ،)1‬ألن األمر كالنهي يف أن النهي‪ 4‬أفاد وجوب الرتك واألمر أفاد‬
‫وجوب الفعل‪ ،‬فإذا كان النهي‪ 4‬يفيد الرتك على االتصال أبداً‪ ،‬وجب أن يكون األمر يفيد وجوب الفعل‬
‫على االتصال أبداً وهذا معىن التكرار‪ ،‬واملراد به‪ :‬حسب اإلمكان‪.‬‬
‫والقول الثاين أن األمر املطلق ال يقتضي التكرار ألن ما قصد به من حتصيل املأمور به يتحقق‬
‫باملرة الواحدة واألصل براءة الذمة مما زاد عليها‪ ،‬بل خيرج املكلف من عهدته مبرة واحدة‪ ،‬وال يلزمه‬
‫تكراره واملداومة عليه‪ ،‬وذلك ألن صيغة األمر ال تدل إال على جمرد إدخال ما هية الفعل(‪ )2‬يف الوجود ال‬
‫على كمية الفعل‪ ،‬ولو قال السيد لعبده‪ :‬ادخل السوق واشرت متراً‪ ،‬مل يعقل منه التكرار‪ ،‬ولو كرر العبد‬
‫ذلك حلسن لومه‪ ،‬ولو سيده على عدم التكرار لعد السيد خمطئاً‪.‬‬
‫وهذا هو اختيار املصنف‪ – 4‬هنا – فإنه قال‪( :‬وال يقتضي التكرار على الصحيح) أي عند‬
‫اإلطالق كما يدل عليه ما بعده‪ ،‬وهو رواية عن اإلمام أمحد اختارها أبو يعلى وتلميذه أبو اخلطاب‪،‬‬
‫وهو الصحيح عند احلنفية‪ ،‬ورجح ذلك الطويف‪ ،‬وما إليه ابن قدامة‪ ،‬واختاره ابن احلاجب(‪.)3‬‬
‫أما ما قاله األولون‪ 4‬من أن األمر كاملنهي‪ 4‬فغري صحيح للفرق بن األمر والنهي‪ ،‬ألن االنتهاء عن‬
‫الفعل أبداً ممكن‪ ،‬أما االشتغال به أبداً فغري ممكن فظهر الفرق‪.‬‬
‫وأما ما فيه التكرار فذلك لنصوص أخر وقرائن وأسباب توجب ذلك‪ ،‬كالصالة فإن تكرارها يف‬
‫كل يوم وليلة مخس مرات ليس ألجل األمر هبا‪ ،‬وإمنا لتكرار أسباهبا وهي األوقات‪ .‬ومما يتعلق هبذا‬
‫البحث مسألة إجارة مؤذن بعد مؤذن فهل يكتفي باألول ألن األمر ال يقتضي التكرار؟ أو جييب كل‬
‫مؤذن من باب تعدد السبب؟ فيه احتمال(‪.)4‬‬
‫املسألة الثانية‪ 4:‬قوله‪( :‬وال تقتضي‪ 4‬الفور) أي عند اإلطالق‪ 4‬خبالف‪ :‬سافر اآلن‪ .‬فهي للفور‪،‬‬
‫وسافر رأس الشهر‪.‬فهي للرتاخي لوجود قرينة‪.‬‬

‫(?) انظر املنخول للغزايل ص‪ 108‬وشرح الكوكب املنري (‪.)3/43‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) املاهية مبعىن احلقيقة انظر املعترب للزركشي ص‪ 337‬معجم لغة الفقهاء ص‪.398‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر روضة الناظر مع شرحها (‪ )2/78‬خمتصر الروضة ص‪ .87‬خمتصر املنتهى (‪ )2/81‬أصول السرخسي ص‪.20‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) انظر شرح املهذب (‪ )2/119‬فتح الباري (‪ )2/92‬فتاوى العز بن عبد السالم ص‪ 87‬التمهيد‪ 4‬لإلسنوي ص‪ 283‬حاشية الصنعاين على شرح‬ ‫‪4‬‬

‫العمدة (‪.)2/188‬‬

‫‪51‬‬
‫والفور معناه‪ :‬املبادرة بالفعل عقب األمر يف أول وقت اإلمكان‪ .‬والرتاخي‪ 4:‬تأخري الفعل عن أول‬
‫وقت اإلمكان‪ 4.‬والقائلون بأن‪ 4‬األمر للتكرار يتفقون على أنه للفور‪ .‬ألن التكرار ال يتحقق بدون املبادرة‪.‬‬
‫وأما القائلون‪ 4‬بأن األمر ليس للتكرار‪ .‬فاختلفوا يف ذلك على قولني‪:‬‬
‫األول‪ :‬أهنا ال تقتضي الفور‪ ،‬وبه قال أكثر الشافعية وأكثر األحناف‪ ،‬وهو رواية عن اإلمام‬
‫أمحد‪ ،‬بل األمر جملرد الطلب فال يقتضي الفور وال الرتاخي‪ ،‬وقد يقتضي‪ 4‬ألن الغرض إجياد الفعل ولو مرة‬
‫واحدة من غري اختصاص بالزمن األول أو الثاين بل يف أي زمان وجد فيه أجزأ‪.‬‬
‫والقول الثاين‪ :‬أهنا تقتضي الفور‪ .‬وهو قول املالكية وبعض الشافعية‪ ،‬وبعض احلنفية‪ 4،‬وهو ظاهر‬
‫املذهب عند احلنابلة(‪ .)1‬وهذا هو القول الراجح إن شاء اهلل ملا يلي‪:‬‬
‫‪ )1‬آيات من كتاب اهلل تعاىل فيها األمر باملبادرة إىل امتثال أوامر اهلل تعاىل والثناء على من فعل ذلك‬
‫كقوله تعاىل‪] :‬وسارعوا إىل مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات واألرض أعدت‬
‫للمتقني[(‪ )2‬وقوله تعاىل‪] :‬فاستبقوا اخلريات[(‪ )3‬وقال تعاىل‪] :‬إهنم كانوا يسارعون يف‬
‫اخلريات[(‪.)4‬‬
‫‪ )2‬ما جاء يف قصة احلديبية‪ ،‬وفيها‪( :‬قال رسول اهلل ‪ r‬ألصحابه‪ :‬قوموا فاحنروا مث احلقوا) قال‪ :‬فو‬
‫اهلل ما قام منهم رجل حىت قال ذلك ثالث مرات‪ .‬فما مل يقم منهم أحد دخل على أم سلمة‬
‫فذكر هلاما لقي من الناس ‪ . . .‬احلديث)(‪ ،)5‬ووجه الداللة‪ :‬أنه لو مل يكن األمر للفور ما دخل‬
‫الرسول ‪ r‬على أم سلمة مغضباً وال قال هلا‪( :‬أال ترين إىل الناس! إين آمرهم باألمر فال يفعلون)‬
‫كما يف رواية ابن إسحاق‪.‬‬
‫‪ )3‬أن املبادرة بالفعل أحوط وأبرأ للذمة‪ ،‬وأدل على الطاعة‪ ،‬والتأخري له آفات‪ ،‬ويقتضي تراكم‬
‫الواجبات حىت يعجز اإلنسان‪ 4‬عنها‪.‬‬
‫‪ )4‬وكما أن الشرع دل على اقتضاء األمر الفور‪ ،‬كذلك اللغة فإن السيد لو أمر عبده بأمر فلم ميتثل‬
‫فعاقبه فاعتذر العبد بأن‪ 4‬األمر على الرتاخي مل يكن عذره مقبوالً‪.‬‬
‫(?) انظر خمتصر ابن احلاجب مع شرح العضد (‪ )2/84‬العدة (‪ )1/281‬أضواء البيان (‪.)5/112‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة آل عمران‪ ،‬آية‪.133 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.148 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة األنبياء‪ ،‬آية‪.90 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) أخرجه البخاري برقم ‪ 2581‬وانظر فتح الباري (‪.)329‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪52‬‬
‫املسألة الثالثة‪ 4:‬قوله‪( :‬واألمر بإجياد الفعل أمر به ومبا ال يتم الفعل إال به) أي‪ :‬أن ما توقف عليه‬
‫وجود الواجب بطريق شرعي لتربأ منه الذمة فهو واجب إذا كان ذلك يف مقدور املكلف‪ ،‬وحتت هذه‬
‫القاعدة صورتان‪ ،‬وذلك بناء على دخول املندوب يف األمر‪:‬‬
‫‪ )1‬ماال يتم الواجب إال به فهو واجب‪ .‬كاألمر بالصالة أمر بالطهارة‪ ،‬واألمر بسرت العورة أمر‬
‫بشراء ما يسرتها(‪.)1‬‬
‫ووجه هذه الصورة‪ :‬أنه لو مل جتب الطهارة – مثالً – لوجوب الصالة‪ 4‬جلاز تركها‪ ،‬ولو‬
‫جاز تركها جلاز ترك الواجب املتوقف عليها والالزم باطل‪.‬‬
‫‪ )2‬ما ال يتم املندوب إال به فهو مندوب‪ ،‬فاألمر بالتطيب يوم اجلمعة كما يف حديث ابن عباس‬
‫(وأصيبوا من الطيب)(‪ )2‬أمر بشراء الطيب ندباً ال وجوباً‪.‬‬
‫وهذه الصورة ال تدخل – على رأي املصنف‪ – 4‬ألنه ال يرى أن املندوب مأمور به‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫املسألة الرابعة‪ :‬قوله‪( :‬وإذا فعل خرج عن العهدة)‪( :‬فعل) بالبناء للمجهول أي‪ :‬فعل املأمور به‪،‬‬
‫والعهدة‪ :‬بضم العني تعلق األمر باملأمور‪ 4.‬واملعىن‪ :‬أن املأمور إذا فعل ما أمر به على وجه صحيح فإنه‬
‫خيرج عن عهده ذلك األمر ويوصف ذلك الفعل باإلجزاء‪ .‬واإلجزاء معناه‪ :‬براءة الذمة وسقوط الطلب‪.‬‬
‫أما اإلثابة‪ 4‬على الفعل فليست من لوازم االمتثال فقد حيصل اإلجزاء وبراءة الذمة وال حيصل الثواب‪ 4،‬وقد‬
‫يكون مثاباً وال تربأ الذمة‪.‬‬
‫فمثال األول‪ :‬قول الزور والعمل به يف الصيام‪ 4.‬فقد قال النيب ‪( r‬من مل يدع قول الزور والعمل‬
‫به فليس هلل حاجة يف أن يدع طعامه وشرابه)(‪ )3‬فقول الزور والعمل به يف الصيام‪ 4‬أوجب إمثاً يقابل‬
‫ثواب الصوم‪ .‬وقد اشتمل الصوم‪ 4‬على االمتثال املأمور‪ 4‬به والعمل املنهي‪ 4‬عنه‪ ،‬فربئت الذمة لالمتثال ووقع‬
‫احلرمان للمعصية‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬كأن يفعل فعالً ناقصاً عن الشرائط واألركان‪ ،‬فيثاب على ما فعل وال تربأ الذمة إال‬
‫بفعله كامالً‪ ،‬فإذا أخرج الزكاة ناقصة فإنه خيرج التمام وإذا ترك شيئاً من واجبات احلج كاملبيت مبزدلفة‬

‫(?) متثيل املؤلف بالطهارة فيه نظر‪ ،‬ألن فيها دليالً خيصها‪ ،‬خبالف األمر بشراء ما يسرت العورة‪ .‬واهلل أعلم‪4.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أخرجه البخاري برقم ‪.844‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) رواه البخاري (‪.)4/116‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪53‬‬
‫فإنه جيربه بالدم‪ ،‬وإذا ضحى مبعيبة وجبت عليه سليمة‪ .‬وإذا فوت اجلمعة بقي يف العهدة‪ .‬فالنقص إما أن‬
‫جيرب جبنسه أو ببدله أو بإعادته كامالً أو يبقى‪ 4‬يف العهدة فيأمث صاحبه(‪ )4‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(?) انظر جمموع‪ 4‬فتاوى شيخ اإلسالم (‪ 19/303‬وما بعدها)‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪54‬‬
‫من يدخل في األمر والنهي ومن ال يدخل‬

‫(يدخل في خطاب اهلل تعالى المؤمنون‪ .‬والساهي والصبي والمجنون غير داخلين في‬
‫الخطاب‪ ،‬والكفار مخاطبون بفروع الشرائع وبما ال تصح إال به وهو اإلسالم‪ ،‬لقوله‬
‫تعالى‪] :‬قالوا مل نك من املصلني[(‪.))1‬‬
‫ذكر املصنف يف هذا املبحث من يدخل يف أوامر الشرع ونواهيه ومن ال يدخل‪ ،‬ولو أخر هذا‬
‫املوضوع بعد مبحث النهي‪ 4‬لكان أحسن‪.‬‬
‫قوله‪( :‬يدخل يف خطاب اهلل تعاىل املؤمنون)‪ 4‬املراد خبطاب اهلل‪ :‬اخلطاب التكليفي‪ 4‬املتضمن لطلب‬
‫الفعل أو الرتك كقوله تعاىل‪] :‬وأقيموا الصالة[(‪ ،)2‬وقوله تعاىل‪] :‬وال تقربوا الزنا[(‪.)3‬‬
‫واملراد باملؤمنني‪ :‬املكلفون‪ 4‬من ذكر وأنثى ممن آمن باهلل ورسوله‪ .‬لدخول النساء يف مجع الذكور‬
‫إذا وجدت قرينة كما هنا‪ .‬واملكلف هو البالغ العاقل‪.‬‬
‫قوله‪( :‬والساهي والصيب واجملنون‪ 4‬غري داخلني يف اخلطاب) الساهي اسم فاعل من (سها يسهو‬
‫سهواً فهو ٍ‬
‫ساه) قال يف اللسان‪( :‬السهو والسهوة‪ :‬نسيان الشيء والغفلة عنه‪ .‬وذهاب القلب إىل غريه ‪.‬‬
‫‪.)4().‬‬
‫فالساهي يف حال سهوة غري مكلف ألن مقتضى التكليف فهم املكلف ملا كلف به‪ .‬وهذا ال يتم‬
‫غال باالنتباه‪ .‬وهلذا مل جيب سجود السهو على من سها يف صالته إال بعد التذكر وزوال العذر‪ ،‬وحينئذ‬
‫يكون مكلفاً‪.‬‬
‫وقوله (والصيب) هو اإلنسان‪ 4‬من الوالدة إىل أن يفطم‪ ،‬ويطلق على الصغري دون الغالم‪.)5(4‬‬
‫والصيب غري مكلف سواء كان مميزاً على القول الراجح‪ ،‬أو غري مميز وهذا باإلمجاع‪.‬‬

‫(?) سورة املدثر‪ ،‬آية‪.43 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.43 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة اإلسراء آية‪.32 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) اللسان مادة (سها) ‪.14/406‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) معجم لغة الفقهاء ص‪ 270‬القاموس مادة (صيب)‪,‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪55‬‬
‫وقوله‪( :‬واجملنون) هو فاقد العقل‪ .‬وهو من ال يطابق كالمه وأفعاله كالم وأفعال العقالء(‪.)1‬‬
‫وهو غري مكلف لقوله ‪( :r‬رفع القلم عن ثالثة‪ :‬عن النائم حىت يستيقظ‪ ،‬وعن الصيب حىت يكرب‪.‬‬
‫ويف رواية حىت حيتلم ويف رواية‪ :‬حىت يبلغ‪ .‬ويف رواية حىت يشب‪ .‬وعن اجملنون حىت يعقل)(‪.)2‬‬
‫فجعل الشارع البلوغ عالمة لظهور العقل وفهم اخلطاب ومن ال يفهم ال يصح تكليفه‪ .‬لعد‬
‫قصد االمتثال‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬كيف تقولون‪ :‬إن الصيب واجملنون غري مكلفني مع وجوب الزكاة وأوروش اجلنايات‬
‫وقيم املتلفات يف ماليهما؟‬
‫فاجلواب‪ :‬أن هذا ليس من خطاب التكليف‪ ،‬وإمنا هو من خطاب الوضع‪ ،‬وهو ال يشرتط فيه‬
‫التكليف بالبلوغ والعقل‪ .‬وتوضيحه‪ :‬أن هذا من باب ربط األحكام بأسباهبا‪ ،‬مبعىن أن الشرع وضع‬
‫أسباباً تقتضي‪ 4‬أحكاماً ترتتب عليها حتقيقاً للعدل يف خلقه ورعاية ملصاحل العباد‪ ،‬فمىت وجد السبب‪ 4‬وجد‬
‫احلكم‪ ،‬فإذا وجد النصاب وجبت الزكاة‪ ،‬سواء كان النصاب لبالغ عاقل أو لصيب أو جملنون‪ 4،‬وكذا‬
‫نقول إذا وجد اإلتالف وجب الضمان إذا مل يرض صاحب احلق بإسقاط حقه مهما كان املتلف‪ ،‬واهلل‬
‫أعلم‪.‬‬
‫قوله‪( :‬والكفار خماطبون بفروع الشرائع ‪ ). .‬املراد بالفروع األحكام العملية من األوامر‬
‫كالصالة والزكاة‪ ،‬والنواهي‪ 4‬كالزنا وشرب اخلمر‪ .‬ولو عرب به املصنف لكان أوىل(‪.)3‬‬
‫فهذه املسألة‪ 4‬فيها خالف بني أهل العلم‪ .‬وما ذكره املصنف ن أهنم خماطبون‪4.‬‬
‫هو القول الراجح لقوة دليله‪ ،‬وأما كوهنم خماطبني باإلسالم فهذا ال خالف فيه‪.‬‬
‫قال تعاىل‪ ] :‬ما سلككم يف سقر(‪ )42‬قالوا مل نك من املصلني(‪ )43‬ومل نك نطعم املسكني(‬
‫‪ )44‬وكنّا خنوض مع اخلائضني(‪ )45‬وكنّا نك ّذب بيوم الدين(‪ )46‬حىت آتانا اليقني(‪ .)4([ )47‬وقال‬
‫تعاىل‪] :‬فال ص ّدق وال صلّى(‪ )31‬ولكن ك ّذب وتوىّل (‪ ،)5([)32‬ومن األدلة أيضاً التمسك‬
‫(?) معجم لغة الفقهاء ص‪.407‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أخرجه الرتمذي برقم ‪ 1423‬وأبو داود ‪ 4403‬وابن ماجه رقم ‪ 2041‬والنسائي (‪ )6/156‬وذكره البخاري تعليقاً يف الطالق واحلدود (‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 12/120‬الفتح) وهو حديث صحيح‪.‬‬


‫(?) انظر كالم شيخ اإلسالم رمحه اهلل حول مصطلح األصول والفروع يف الفتاوى ‪.6/56‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة املدثر‪ ،‬اآليات ‪.46 – 42‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) سورة القيامة‪ ،‬اآليتان ‪.32 ،31‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪56‬‬
‫بالعمومات كقوله تعاىل‪] :‬وهلل على الناس حج البيت‪ 4‬من استطاع إليه سبيال[(‪ )1‬وقوله تعاىل‪] :‬يا بين‬
‫آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد[(‪.)2‬‬
‫ومع أن الكافر خماطب باألوامر فإنه ال يصح منه فعل املأمور به حال كفره قال تعاىل‪] :‬وما‬
‫منعهم أن تقبل منهم نفقاهتم إال أهنم كفروا باهلل وبرسوله[(‪ )3‬فاإلميان شرط لصحة الفعل‪ ،‬وال يعارض‬
‫هذا ما تقدم من أهنم خماطبون‪ 4‬حال كفرهم‪ ،‬ألن املراد هنا أهنم يعذبون‪ 4‬عليها يف اآلخرة زيادة على‬
‫عذاب الكفر‪ ،‬واملراد هنا أهنم ال يطالبون هبا يف الدنيا مع كفرهم وال تنفعهم‪.‬‬
‫وإذا أسلم الكافر ال يؤمر بقضاء املاضي لقوله تعاىل‪] :‬قل للذين كفروا إن ينتهوا‪ 4‬يغفر هلم ما قد‬
‫سلف[(‪.)4‬‬
‫ولقول النيب ‪ r‬لعمرو بن العاص‪( :‬أما علمت يا عمرو أن اإلسالم‪ 4‬يهدم ما كان قبله)(‪ )5‬وألن‬
‫يف ذلك ترغيباً له يف اإلسالم‪ ،‬فإنه إذا علم أنه ال يطالب بقضاء ما ترك فإنه يرغب يف اإلسالم‪ 4‬إذ لو‬
‫كلف بالقضاء لنفر عن اإلسالم‪ )6(4‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(?) سورة آل عمران‪ ،‬آية‪.97 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة األعراف‪ ،‬آية‪.31 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة التوبة‪ 4،‬آية‪.54 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة األنفال‪ ،‬آية ‪.38‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) أخرجه مسلم رقم ‪.192‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) ال داعي لإلطالة يف هذه املسألة ألهنا ليست من أصول الفقه‪ .‬ألن أثر اخلالف فيها إمنا يظهر يف الدار اآلخرة‪ ،‬حيث يعذب الكافر زيادة على عذاب‬ ‫‪6‬‬

‫الكفر‪ ،‬ومسائل أصول الفقه إمنا هي دالئل وقواعد تعرف هبا األحكام والتكاليف يف هذه الدار‪ .‬واخلالف يف هذه املسألة ال يظهر أثره يف الدنيا‪ ،‬ألن‬
‫الكافر ال تصح منه العبادة حال كفره‪ ،‬وإذا أسلم‪ 4‬ال يؤمر بقضاء ما فاته‪ .‬انظر احملصول (‪ ،)1413 – 2/2/399‬املسائل املشرتكة‪ 4‬بني أصول الفقه‬
‫وأصول الدين ص‪ .94‬وانظر كالماً ماتعاً للشاطيب – رمحه اهلل – يف إدخال مسائل ليست من األصول يف أصول الفقه يف املوافقات ‪.1/42‬‬

‫‪57‬‬
‫هل األمر بالشيء نهي عن ضده؟‬

‫(واألمر بالشيء نهي عن ضده‪ .‬والنهي عن الشيء أمر بضده)(‪.)1‬‬


‫ال خالف أن صيغة األمر (افعل) مغايرة الصيغة النهي‪( 4‬ال تفعل) فيكون‪ 4‬األمر بالشيء هنياً عن‬
‫ضده من جهة املعىن ال من جهة اللفظ‪ ،‬فالطلب له تعلق واحد بأمرين مها‪ :‬فعل الشيء‪ ،‬ولكف عن‬
‫ضده‪ .‬فباعتبار األول هو أمر‪ ،‬وباعتبار الثاين هو هني‪ .‬فإذا قال له‪ :‬اسكن‪ .‬فهذا أمر بالسكون‪ 4،‬هني عن‬
‫ضده وهو احلركة‪ .‬قال تعاىل‪] : :‬يا أيها الذين ءامنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا‪ 4‬واذكروا اهلل[(‪ .)2‬فاألمر‬
‫بالثبات هني عن عدم الثبات أمام الكفار‪ ،‬وقد دل على ذلك قوله تعاىل‪] : :‬يا أيها الذين ءامنوا‪ 4‬إذا لقيتم‬
‫الذي كفروا زحفا فال تولوهم األدبار[(‪ )3‬ومثاله – أيضاً – األمر بالقيام يف الصالة‪ 4‬هني عن ضده وهو‬
‫اجللوس‪ ،‬فإذا جلس من قيامه أثناء صالة الفرض عمداً لغري عذر بطلت صالته‪ ،‬ألن أمره بالقيام هني له‬
‫عن اجللوس‪.‬‬
‫والنهي عن الشيء أمر بضده من جهة املعىن ال من جهة اللفظ‪ ،‬فإذا قال له‪ :‬ال تتحرك‪ .‬فهذا‬
‫هنى عن التحرك أمر بضده وهو السكون‪4.‬‬
‫واألمر بالشيء هني عن مجيع أضداده‪ ،‬فإذا قال له‪ :‬قم‪ .‬فإن له أضداده من قعود وركوع‬
‫منهي عن ذلك كله‪.‬‬
‫وسجود واضطجاع وهو ُّ‬
‫والنهي عن الشيء أمر بأحد أضداده فقط‪ ،‬فالنهي عن القيام‪ 4‬أمر بواحد من أضداده من القعود‬
‫أو االضطجاع وغريمها حلصول االمتثال بذلك الواحد‪.‬‬
‫واعلم أن هذه املسألة من املسائل اليت كثرت فيها آراء األصوليني والفقهاء‪ ،‬وتنوعت مذاهبهم‪،‬‬
‫والصواب فيها ما قرره شيخ اإلسالم ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ورجحه الشنقيطي‪ 4‬رحم اهلل اجلميع أن‬
‫األمر بالشيء ليس هو عني النهي عن ضده‪ ،‬ولكنه يستلزمه‪ .‬ألن طلب الشيء طلب له بالذات وملا هو‬
‫(?) استظهر الشنقيطي رمحه اهلل أن هذه املسألة مبنية على قول املتكلمني ومن وافقهم من األصوليني باألمر النفسي وهو املعىن القائم بالذات اجملرد عن‬ ‫‪1‬‬

‫الصيغة‪ .‬وال ريب أنه قول باطل مبين على زعم باطل‪ ،‬وهو أن كالم اهلل تعاىل جمرد املعىن القائم بالذات فال حروف وال ألفاظ (راجع مذكرة الشنقيطي‬
‫ص‪.)27‬‬
‫(?) سورة األنفال‪ ،‬آية‪.45 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة األنفال‪ ،‬آية‪.15 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪58‬‬
‫من ضرورته باللزوم من باب (ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب) فقولك‪ :‬أسكن‪ .‬يستلزم هنيك عن‬
‫احلركة‪ ،‬ألن املأمور‪ 4‬به ال ميكن وجوده مع التلبس بضده‪.‬‬
‫والنهي عن الشيء يستلزم األمر بضده‪ .‬ألنه النهي عن الشيء طلب لرتكه بالذات ولفعل ما هو‬
‫من ضرورة الرتك باللزوم‪ ،‬فقولك‪ :‬ال تتحرك يستلزم أمرك بالسكون‪ ،‬ألن املنهي‪ 4‬عنه ال ميكن وجوده‬
‫مع التلبس بضده واهلل أعلم(‪.)1‬‬

‫(?) انظر جمموع‪ 4‬الفتاوى (‪ )10/531‬الفوائد البن القيم ص‪ 226‬مذكرة الشنقيطي ص‪.28 ،27‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪59‬‬
‫النهـــي‬
‫(والنهي‪ :‬استدعاء الترك بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب‪ ،‬ويدل على فساد‬
‫المنهي عنه‪ ،‬وترد صيغة األمر والمراد به اإلباحة أو التهديد أو التسوية أو التكوين)‪.‬‬
‫النهي‪ :‬استدعاء الرتك بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب‪ ،‬وشرح التعريف يستفاد مما تقدم‬
‫يف شرح تعريف األمر‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬على سبيل الوجوب) أي وجوب الرتك‪ .‬وهذا القيد إلخراج الصيغة املستعملة يف‬
‫الكراهة‪.‬‬
‫وللنهي صيغة واحدة هي املضارع املقرون بال الناهية‪ ،‬كقوله تعاىل‪] :‬وال تقربوا الزىن[(‪ )1‬وقد‬
‫يستفاد النهي‪ 4‬بغري هذه الصيغة‪ 4،‬وذلك مثل اجلمل اخلربية اليت وردت بلفظ التحرمي‪ ،‬كقوله تعاىل‪:‬‬
‫حرمت عليكم أمهاتكم[(‪ ،)2‬أو نفي احلل كقوله تعاىل‪] :‬يا أيها الذين آمنوا ال حيل لكم أن ترثوا‬
‫] ِّ‬
‫النساء كرها[(‪ ،)3‬أو لفظ (هنى) كحديث أيب سعيد رضي اهلل عنه قال‪( :‬هنى رسول اهلل ‪ r‬عن صوم‬
‫(‪)4‬‬
‫يوم الفطر ويوم النحر)‬
‫قوله‪( :‬على سبيل الوجوب ‪ ) . . .‬اعلم أن صيغة النهي عند اإلطالق والتجرد عن القرينة‬
‫تقتضي أمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬حترمي املنهي عنه‪ ،‬وهو معىن قول املصنف‪( 4‬على سبيل الوجوب) أي وجوب الرتك‪ ،‬ومن‬
‫الزم وجوب الرتك حترمي املنهي‪ 4‬يقتضي التكرار والفور‪ ،‬فإذا هنى الشرع عن شيء وجبت املبادرة بالرتك‬
‫وأال يفعل املنهي‪ 4‬عنه يف أي وقت من األوقات‪ ،‬قال تعاىل‪] :‬وما آتاكم الرسول فخذوه وما هناكم عنه‬
‫فانتهوا[(‪ )5‬فأمر اهلل تعاىل باالنتهاء عن املنهي عنه‪ .‬فيكون االنتهاء‪ 4‬واجباً‪ .‬ألن األمر يقتضي‪ 4‬الوجوب‬
‫كما تقدم‪.‬‬
‫يقول اإلمام الشافعي رمحه اهلل‪( :‬أصل النهي‪ 4‬من رسول اهلل ‪ r‬أن كل ما هنى عنه فهو حمرم‪ ،‬حىت‬
‫تأيت عنه داللة تدل على أنه إمنا هنى عنه ملعىن غري التحرمي)(‪.)6‬‬

‫(?) سورة اإلسراء‪ ،‬آية‪.32 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة النساء‪ ،‬آية‪.23 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة النساء‪ ،‬آية‪.19 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) رواه البخاري (‪ )1139‬ومسلم (‪.)827‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) سورة احلشر‪ ،‬آية‪.7 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) األم للشافعي (‪.)7/305‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪60‬‬
‫ومثال ذلك‪ :‬الصالة إىل القبور فهي حمرمة بدليل النهي الذي ورد يف حديث أيب مرثد الغنوي‬
‫رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪( :r‬ال تصلوا إىل القبور وال جتلسوا عليها)(‪.)1‬‬
‫ومثال جميء النهي لغري التحرمي قوله ‪( :r‬ال ميسن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول)(‪ )2‬فقد ذكر‬
‫احلافظ ابن حجر رمحه اهلل يف فتح الباري عن اجلمهور‪ :‬أن النهي للكراهة‪ ،‬ألن الذكر بضعة من اإلنسان‪4‬‬
‫حلديث (هل هو إال بضعة منك)(‪.)3‬‬
‫األمر الثاين مما تقتضيه صيغة النهي‪ :‬فساد املنهي‪ 4‬عنه‪ ،‬فال تربأ الذمة‪ ،‬وال بسقط الطلب إن كان‬
‫عبادة‪ ،‬وال يرتتب األثر املقصود من العقد على العقد إذا كان معاملة كما تقدم يف الكالم‪ 4‬على الباطل‪،‬‬
‫والقول بالفساد هو قول األئمة األربعة وغريهم حلديث عائشة رضي اهلل عنها؛ أن النيب ‪ r‬قال‪( :‬من‬
‫عمل عمالً ليس عليه أمرنا فهو رد)(‪ ،)4‬ووجه الداللة منه‪ :‬أن ما هنى عنه الشرع فليس عليه أمر النيب ‪r‬‬
‫فيكون مردوداً‪ ،‬وما كان مردوداً على فاعله فكأنه مل يوجد ألنه فاسد‪.‬‬
‫فالشارع هنى عن الصالة بال طهارة ولغري القبلة وبدون سرت العورة‪ ،‬وهنى عن بيع الغرر‪ ،‬وعن‬
‫بيع ما ال ميلك‪ ،‬فإن وقع ذلك حكم بفساده‪ ،‬وقد ال يقتضي النهي‪ 4‬الفساد إذا وجد دليل مثل حديث‬
‫تصروا اإلبل والغنم فمن ابتاعها بعد فهو خبري النظرين بعد‬
‫أيب هريرة رضي اهلل عنه عن النيب ‪ r‬قال‪" :‬ال ّ‬
‫أن حيتلبها إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاع متر"(‪ )5‬فال يدل النهي على أن البيع فاسد بدليل أنه‬
‫جعل اخليار للمشرتي(‪.)6‬‬
‫مث ذكر املؤلف أن صيغ األمر تأيت لإلباحة وقد تقدم الكالم‪ 4‬على ذلك‪ ،‬وليس هذا تكراراً‪ ،‬ألن‬
‫املقصود هناك بيان أن الصيغة ال خترج عن الوجوب إال بدليل‪ ،‬واملراد هنا بني ما استعملت فيه الصيغة‬
‫من املعاين‪.‬‬
‫وتأيت للتهديد مثل قوله تعاىل‪] :‬قل متتّعوا فإن مصريكم إىل النار[(‪ )7‬والقرينة الصارفة إىل التهديد‬
‫أن ذلك الوعيد يدل على التهديد‪.‬‬
‫(?) أخرجه مسلم رقم ‪ 972‬وأبو داود رقم ‪ 3229‬والرتمذي رقم ‪ 1050‬والنسائي (‪.)2/67‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه البخاري‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر فتح الباري (‪.)254 ،1/253‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أخرجه مسلم رقم ‪ 1718‬وأخرجه البخاري تعليقاً يف البيوع وموصوالً يف الصلح‪ ،‬انظر فتح الباري (‪ )4/355‬وأخرجه أبو داود برقم ‪4606‬‬ ‫‪4‬‬

‫وابن ماجه رقم ‪.14‬‬


‫(?) رواه البخاري برقم ‪ 2041‬ومسلم برقم ‪ 1524‬وقوله (ال تصروا)‪ :‬بضم أوله وفتح ثانية بوزن‪ :‬تزكوا والتصرية‪ :‬حبس اللنب يف الضرع حىت‬ ‫‪5‬‬

‫جيتمع‪4.‬‬
‫(?) انظر فتح الباري (‪ )4/367‬ويف طرح التثريب (‪ )6/78‬نقل اإلمجاع على أن بيع املصراة صحيح‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) سورة إبراهيم‪ 4،‬آية‪.30 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪61‬‬
‫أو للتسوية كقوله تعاىل‪] :‬فاصربوا أو ال تصربوا‪ .)1([4‬أو للتكوين وهو اإلجياد من العدم بسرعة‬
‫كقوله تعاىل‪] :‬كونوا‪ 4‬قِردة خاسئني[(‪.)2‬‬
‫واألوىل ذكر هذه املعاين يف الكالم على األمر عند ذكر اإلباحة والندب كما تقدم‪.‬‬

‫(?) سورة الطور‪ ،‬آية‪.16 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.65 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪62‬‬
‫العـــام‬

‫(وأما العام فهو ما عم شيئين فصاعداً‪ ،‬من قولك‪ :‬عممت زيداً وعمراً بالعطاء‪ .‬وعممت‬
‫جميع الناس بالعطاء وألفاظه أربعة‪ :‬االسم الواحد المعروف بالالم‪ ،‬واسم الجمع‬
‫المعرف بالالم‪ ،‬واألسماء المبهمة كمن فيمن يعقل‪ ،‬وما فيما ال يعقل‪ ،‬وأي في الجميع‪،‬‬
‫وأين في المكان‪ ،‬ومتى في الزمان‪ ،‬وما في االستفهام والجزاء وغيره‪ ،‬وال في النكرات‬
‫كقولك‪ :‬ال رجل في الدار‪ ،‬والعموم من صفاتـ النطق‪ ،‬وال تجوز دعوى العموم في‬
‫غيره من الفعل وما يجري مجراه)‪.‬‬
‫اعلم أن البحث يف دالالت األلفاظ من حيث الشمول وعدمه من املباحث األصولية املهمة‪ ،‬فإن‬
‫هناك من األلفاظ ما ال يدل إال يدل إال على فرد معني‪ ،‬ومنها ما يدل على فرد غري معني‪ ،‬ومنها ما يدل‬
‫على أفراد ال حصر هلا‪ .‬كل ذلك جاء يف نصوص الكتاب والسنة‪.‬‬
‫وإذا كان استنباط األحكام الشرعية من األدلة ال يتم إال مبعرفة شروط االستدالل كما تقدم‬
‫كان لزاماً على األصويل والفقيه أن يعين بدراسة دالالت األلفاظ‪ ،‬ويستفيد من قواعدها وضوابطها‪.‬‬
‫والعام لغة‪ :‬الشامل‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬ما عم شيئني فصاعداً‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ما‪ :‬أي لفظ‪ ،‬وهي جنس يف التعريف تشمل ما يراد تعريفه وغريه‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬عم شيئني‪ :‬أي تناول شيئني دفعة واحدة‪ ،‬وهذا قيد خيرج ما ال يتناول إال واحداً كالعلم‬
‫مثل زيد‪ ،‬والنكرة‪ 4‬املفردة يف سياق اإلثبات(‪ )1‬مثل‪( :‬رجل) فهو لفظ يصلح لكل واحد من رجال الدنيا‬
‫لكن بدون استغراق ومنه قوله تعاىل‪] :‬فتحرير رقبة[(‪.)2‬‬
‫وقوله‪ :‬فصاعداً‪ :‬حال حذف عاملها وصاحبها‪ ،‬أي فذهب املعدود صاعداً عن الشيئني‪ .‬وهذا‬
‫قيد إلخراج املثىن النكرة يف اإلثبات كرجلني‪.‬‬

‫(?) قد تفيد النكرة يف سياق اإلثبات العموم كما سيأيت إن شاء اهلل‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة اجملادلة‪ ،‬أية‪.3 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪63‬‬
‫وبقي على التعري قيد آخر وهو (بال حصر)(‪ )1‬إلخراج اسم العدد كمائة وألف‪ ،‬ألهنا تشمل‬
‫اثنني فصاعداً ولكنها حبصر‪ ،‬والعام بال حصر‪ .‬فاسم العدد والعام كل منهما يدل على الكثرة لكن‬
‫الكثرة يف العام غري حمصورة‪ ،‬ويف العدد حمصورة‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬من قولك عممت زيداً وعمراً بالعطاء ‪ . .‬إخل) أي أن العام مأخوذ من قولك‪( :‬عممت‬
‫بالعطاء) أي مشلت املذكورين‪ ،‬ففي العام مشول‪ ،‬أو يكون مثاالً للعام الذي يتناول شيئني‪ ،‬والعام الذي‬
‫يتناول مجيع اجلنس(‪.)2‬‬
‫مث ذكر املصنف‪ 4‬أن صيغ العموم أربع‪ .‬وهذا ليس على سبيل احلصر‪ ،‬ألهنا أكثر من ذلك‪ ،‬وإمنا‬
‫حصرها بأربع مراعاة للطالب املبتدئ‪ .‬وصيغ العموم كما يلي‪:‬‬
‫‪ )1‬االسم الواحد املعرف باأللف والالم‪ .‬واملراد بالواحد املفرد‪ ،‬واملراد باأللف والالم (أل)‬
‫االستغراقية‪ 4‬فإن تعاىل‪] :‬إن اإلنسان‪ 4‬لفي خسر(‪ )2‬إال الذين ءامنوا‪ )3([4‬فهذا عام بدليل االستثناء‪.‬‬
‫‪ )2‬اسم اجلمع املعرف بالالم اليت ليست للعهد‪ .‬واملراد اجلمع باملعىن اللغوي‪ ،‬وهو اللفظ الدال على‬
‫مجاعة فيشمل اجلمع وهو ماله مفرد‪ ،‬واسم اجلمع وهو ما ليس له مفرد من لفظه‪ ،‬واسم اجلنس‬
‫اجلمعي‪ .‬فاألول كقوله تعاىل‪] :‬قد أفلح املؤمنون(‪ )4([)1‬وقوله تعاىل‪] :‬وإذا بلغ األطفال منكم‬
‫احللم فيستئذنوا‪ .)5([4‬والثاين مثل كلمة (النساء) يف قوله تعاىل‪] :‬الرجال قوامون‪ 4‬على النساء[(‪.)6‬‬
‫والثالث‪ :‬اسم اجلنس اجلمعي وهو ما يدل على أكثر من اثنني‪ ،‬ويفرق بينه وبني مفرده بالتاء‬
‫(‪)8‬‬
‫كقوله تعاىل‪] :‬إن البقر تشابه علينا[(‪ )7‬ومفرد بقرة‪ ،‬أو بالياء كقوله تعاىل‪] :‬غلبت الروم(‪[)2‬‬
‫ومفرده رومي‪.‬‬

‫(?) انظر الشرح الكبري على الورقات للعبادي (‪.)2/86‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر اللمع للشريازي ص‪.87‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة العصر‪ ،‬اآليتان ‪.3 ،2‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة املؤمنون‪ ،‬آية‪.1 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) سورة النور‪ ،‬آية‪.59 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) سورة النساء‪ ،‬آية‪.34 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.70 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) سورة الروم‪ ،‬آية‪.2 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪64‬‬
‫عاماً كقوله تعاىل‪] :‬إذ قال ربُّك‬
‫عاماً إذا كان املعهود ّ‬
‫وأما املعرف بأل العهدية فيكون‪ّ 4‬‬
‫سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين(‬
‫للمالئكة إين خالق بشراً من طني(‪ )71‬فإذا ّ‬
‫خاصا فاملعرف خاص كقوله‬
‫‪ )72‬فسجد املالئكة كلهم أمجعون)(‪ [)73‬فإن كان املعود ّ‬
‫(‪)1‬‬

‫تعاىل‪] :‬كما أرسلنا إىل فرعون رسوالً(‪ )15‬فعصى فرعون الرسول[(‪.)2‬‬


‫‪ )3‬األمساء املبهمة‪ :‬وذلك كأمساء الشرط كقوله تعاىل‪] :‬من يعمل سوءاً جيز به[(‪ ،)3‬وأمساء‬
‫االستفهام‪ 4‬كقوله تعاىل‪] :‬فأين تذهبون(‪ )4([)26‬واألمساء املوصولة كقوله ‪( r‬الذي يشرب يف‬
‫آنية الفضة إمنا جيرجر يف بطنه نار جهنم)(‪.)5‬‬
‫ومن للعموم يف العاقل كما مثلنا‪ ،‬سواء كانت شرطية أو استفهامية أو موصولة‪ .‬و (ما)‬
‫للعموم يف غري العاقل كقوله تعاىل‪] :‬وما تفعلوا من خري يعلمه اهلل[(‪ )6‬وقوله تعاىل‪] :‬وما عند‬
‫اهلل خري لألبرار(‪ )7([)198‬وقوله تعاىل‪] :‬ماذا أجبتم املرسلني(‪.)8([)65‬‬
‫ومعىن اإلهبام يف أمساء الشرط واالستفهام أهنا ال تدل على معني‪ ،‬ويف األمساء املوصولة‪4‬‬
‫افتقارها إىل صلة تعني املراد‪.‬‬
‫وقول املصنف‪( :‬وأي يف اجلميع) أي أن (أيّا) تكون‪ 4‬شرطية حنو قول تعاىل‪] :‬أمّي ا األجلني‬
‫أي احلزبني أحصى ملا لبثوا‪4‬‬
‫على[ ‪ ،‬واستفهامية‪ 4‬كقوله تعاىل‪] :‬لنعلم ّ‬
‫(‪)9‬‬
‫قضيت فال عدوان ّ‬

‫(?) سورة ص‪ ،‬اآليات‪.73 – 71 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة املزمل‪ ،‬اآليتان‪.16 ،15 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة النساء‪ ،‬آية‪.123 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة التكوير‪ ،‬آية‪.26 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(? ) أخرجه البخاري رمث ‪ 5311‬ومسلم رقم ‪ 2065‬عن أم سلمة رضي اهلل عنها‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.197 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) سورة آل عمران‪ ،‬آية‪.198 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) سورة القصص‪ ،‬آية‪.65 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) سورة القصص‪ ،‬آية‪.28 :‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪65‬‬
‫ـزعن من كل شيعة أيّهم ُّ‬
‫أشد على الرمحن‬ ‫ّ‬ ‫ن‬‫لن‬ ‫مث‬
‫ّ‬ ‫]‬ ‫تعاىل‪:‬‬ ‫كقوله‬ ‫وموصولة‬ ‫‪.‬‬‫(‪) 1‬‬
‫أمدا(‪[)12‬‬
‫عتيّا(‪ )2([)69‬وتكون‪ 4‬لغري العاقل كاملثال األول‪ ،‬وللعاقل كاملثال الثاين والثالث‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬وأين يف املكان‪ 4،‬ومىت يف الزمان)‪ :‬أي أن (أين) تكون استفهامية‪ 4‬للسؤال عن‬
‫املكان كما تقدم‪ ،‬وتأيت شرطية كقوله تعاىل‪] :‬أينما تكونوا‪ 4‬يدرككم املوت[(‪)3‬؟ (ومىت)‬
‫تأيت استفهامية كقوله تعاىل‪] :‬مىت نصر اهلل[(‪)4‬؟ وشرطية حنو‪ :‬مىت تسافر أسافر‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬وما يف االستفهام‪ 4‬واجلزاء وغريه)‪ :‬أي أن (ما) تأيت استفهامية وتأيت للجزاء أي‪:‬‬
‫الشرط‪ ،‬وتقدم مثاهلما‪ .‬ويف بعض نسخ الورقات (واخلرب) يدل (واجلزاء) واملراد هبا املوصولة‪4‬‬
‫وتقدم مثاهلا أيضاً‪ .‬وقول املصنف (وغريه) أي غري املذكور الذي هو االستفهام واجلزاء على‬
‫نسختنا‪ ،‬واالستفهام واخلرب على النسخة الثانية وذلك كاخلرب على النسخة األوىل‪ ،‬واجلزاء‬
‫على الثانية‪4.‬‬
‫‪ )4‬النوع الرابع من صيغ العموم‪ :‬ال‪ .‬يف النكرات‪ ،‬واملراد أن (ال) املركبة مع النكرة تفيد العموم‬
‫كقوله تعاىل‪] :‬فال رفث وال فسوق وال جدال يف احلج[(‪ .)5‬فالنكرة يف سياق النفي‪ 4‬تفيد‬
‫العموم‪ ،‬وكذا يف سياق النهي أو الشرط أو االستفهام اإلنكاري كقوله تعاىل‪] :‬فال تدعوا مع اهلل‬
‫(‪)7‬‬
‫أحدا(‪ )6([)18‬وقوله تعاىل‪] :‬وإن أحد من املشركني استجارك فأجره حىت يسمع كالم اهلل[‬
‫وقوله تعـاىل‪] :‬من إله غري اهلل يأتيكم ٍ‬
‫بضياء[(‪.)8‬‬
‫وبقي صيغ أخرى مل يتعرض هلا املصنف ومنها‪:‬‬

‫(?) سورة الكهف‪ ،‬آية‪.12 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة مرمي‪ ،‬آية‪.69 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة النساء‪ ،‬آية‪.78 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.214 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.197 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) سورة اجلن‪ ،‬آية‪.18 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) سورة التوبة‪ 4،‬آية‪.6 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) سورة القصص‪ ،‬آية‪.71 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪66‬‬
‫لفظ‪ :‬كل ‪ .‬وهي من أقوى صيغ العموم‪ ،‬ألهنا تشمل العاقل وغريه‪ ،‬املذكر‬ ‫‪)1‬‬
‫كل نفس ذائقة املوت[(‪ )1‬وقال ‪( :r‬كل الناس يغدو‬
‫واملؤنث‪ 4،‬املفرد واملثىن واجلمع‪ .‬قال تعاىل‪ُّ ] :‬‬
‫فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها(‪.)2‬‬
‫ويلحق (بكل) ما دل على العموم مبادته مثل مجيع ومعشر ومعاشر وعامة كافة وحنوها‪.‬‬
‫املضاف ملعرفة‪ ،‬سواء كان مفرداً أو مجعاً كقوله تعاىل‪] :‬وإن تع ّدوا نعمت اهلل ال‬ ‫‪)2‬‬
‫حتصوها[(‪ )3‬وقوله تعاىل‪] :‬يوصيكم اهلل يف أوالدكم[(‪.)4‬‬
‫النكرة يف سياق اإلثبات تفيد العموم بدليل قوله تعاىل‪] :‬وأنزلنا من السماء ماء‬ ‫‪)3‬‬
‫ورمان(‪6‬‬
‫طهورا(‪ [)48‬ألن العموم يتناسب مع االمتنان وكقوله تعاىل‪] : :‬فيهما فاكهة وخنل ّ‬
‫(‪)5‬‬

‫‪.)6([)8‬‬
‫النكرة يف سياق اإلثبات تفيد العموم بدليل قوله تعاىل‪] :‬علمت نفس ما‬ ‫‪)4‬‬
‫كل نفس ّما أسلفت[(‪.)8‬‬
‫أحضرت(‪ [)14‬والدليل قوله تعاىل‪] :‬هنالك تبلوا ُّ‬
‫(‪)7‬‬

‫وقوله‪( :‬والعموم من صفات النطق)‪ :‬النطق مصدر مبعىن اسم املفعول‪ ،‬أي‪ :‬املنطوق‪ 4.‬واملنطوق هو‬
‫اللفظ ألنه ينطق به الشتماله على احلروف‪ .‬فالعموم من صفات األلفاظ‪ .‬فيقال‪ :‬لفظ عام‪ .‬ألن العام له‬
‫صيغ تستعمل يف العموم ال يستفاد بدوهنا – كما تقدم يف األمثلة – فإذا وردت الصيغة‪ 4‬جمردة عن‬
‫القرائن دلت على استغراق‪ 4‬اجلنس‪ ،‬فالعموم من مفهوم لسان العرب‪ .‬هذا مذهب السلف من صدر هذه‬
‫األمة‪ .‬ومن تابعهم ممن بعدهم‪ .‬فكانوا يستدلون وحيتجون بنصوص العموم‪ .‬فيوافق املخالف منهم على‬
‫صحة االستدالل‪ .‬ولنذكر مثالني لذلك‪:‬‬

‫(?) سورة آل عمران‪ ،‬آية‪.185 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أخرجه مسلم رقم ‪ 223‬من حديث طويل‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة إبراهيم‪ 4،‬آية‪.34 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة النساء‪ ،‬آية‪.11 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) سورة الفرقان‪ ،‬آية‪.48 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) سورة الرمحن‪ ،‬آية‪.68 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) سورة التكوير‪ ،‬آية‪.14 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) سورة يونس‪ ،‬آية‪.30 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪67‬‬
‫األول‪ :‬عن عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه قال‪ :‬ملا نزلت ]ومل يلبسوا إمياهنم بظلم[(‪ )1‬قال‬
‫أصحاب النيب ‪ :r‬وأينا مل يظلم‪ .‬فنـزلت ]إن الشرك لظلم عظيم(‪ )3( ،)2([)13‬ففهم الصحابة رضي اهلل‬
‫عنهم العموم يف اآلية إما من االسم املوصول ]والذين آمنوا‪ [4‬أو من النكرة يف سياق النفي ]يظلم[ ومل‬
‫ينكر عليهم النيب ‪ r‬ذلك الفهم‪ .‬بل جاء البيان‪ 4‬أن املراد بالظلم الشرك(‪ .)4‬قال يف فتح الباري‪( :‬وفيه‬
‫احلمل على العموم حىت يرد دليل اخلصوص)‪.)5(4‬‬
‫جر ثوبه خيالء مل‬
‫املثال الثاين‪ :‬ما رواه ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪( :r‬من ّ‬
‫ينظر اهلل إليه يوم القيامة‪ 4.‬فقالت أم سلمة رضي اهلل عنها‪ :‬فكيف تصنع النساء بذيوهلن؟ قال‪ :‬يرخينه‬
‫شرباً‪ .‬فقالت‪ :‬إذن تنكشف أقدامهن‪ :‬قال‪ :‬فريخينه ذراعاً وال يزدن عليه)(‪.)6‬‬
‫(م ْن) تفيد العموم بدون قرينة‪ .‬ألن العموم من صفات‬
‫ففهمت أم سلمة رضي اهلل عنها من لفظ َ‬
‫األلفاظ)(‪.)7‬‬
‫وقوله‪( :‬وال جيوز دعوى العموم يف غريه من الفعل وما جيري جمراه) الضمري يف قوله‪( :‬غريه) يعود‬
‫آلكلن طعاماً‪ .‬فإذا أكل طعاماً واحداً ًّبر‬
‫ّ‬ ‫إىل ليس من صيغ العموم‪ .‬وهذا يراد به الفعل املثبت حنو‪ :‬واهلل‬
‫وسر‬
‫بيمينه‪ .‬أما الفعل يف سياق النفي فهو من صيغ العموم‪ ،‬فإذا حلف ال يبيع حنث بأي بيع كان‪ّ ،‬‬
‫الفرق بني النوعني هو أن الفعل ينحل عن مصدر وزمن‪ .‬فاملصدر كامن يف معناه إمجاعاً‪ .‬فإن كان مثبتاً‬
‫فاملصدر مثبت‪ .‬والنكرة يف سياق اإلثبات ال تعم إال يف مقام االمتنان‪ 4‬كما تقدم‪ .‬وإن كان منفيّا‬
‫فاملصدر منفي‪ ،‬والنكرة‪ 4‬يف سياق النفي‪ 4‬تعم كما مضى‪ ،‬ومثال الفعل املثبت‪ 4‬قول بالل رضي اهلل عنه‬

‫(?) سورة األنعام‪ ،‬آية‪.82 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة لقمان‪ ،‬آية‪.13 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) رواه البخاري (‪1‬م‪ )87‬ومسلم برقم ‪.124‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) انظر تلقيح الفهوم للعالئي ص‪.115‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) فتح الباري (‪.)1/89‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) أخرجه البخاري (‪ )10/258‬ومسلم (‪ )14/304‬دون قوله‪( :‬فقالت ‪ ). .‬وأخرجه الرتمذي بتمامه (‪ )5/406‬والنسائي (‪ )8/209‬وإسناده‬ ‫‪6‬‬

‫صحيح‪.‬‬
‫(?) انظر تلقيح الفهوم ص‪.114‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪68‬‬
‫(صلى رسول اهلل ‪ r‬داخل الكعبة)‪ ،)1(4‬فهذا ال يعم الفرض والنفل‪ ،‬إذ ال يتصور أن هذه الصالة فرض‬
‫ونفل معاً‪ .‬ومثال الفعل املنفي قوله تعاىل‪] :‬وأخرى مل تقدروا عليها[(‪ )2‬أي ال قدرة لكم عليها‪ .‬فهو‬
‫نفي جلميع أنواع‪ 4‬القدرة(‪.)3‬‬
‫واملراد بقوله‪( :‬وما جيري جمراه) كالقضايا املعينة مثل حديث أيب رافع رضي اهلل عنه قال‪( :‬قضى‬
‫رسول اهلل ‪ r‬بالشفعة للجار)(‪.)4‬‬
‫فهذا ال يعم كل جار‪ ،‬الحتمال اخلصوصية يف ذلك اجلار‪ .‬والراوي نقل صيغة العموم لظنه عموم‬
‫احلكم‪ ،‬هكذا مثل شراح الورقات‪ ،‬وهو رأي أكثر األصوليني‪.‬‬
‫ويرى آخرون ومنهم ابن احلاجب والعضد واألمدي والشوكاين أن هذا يعم كل جار‪ ،‬ألن‬
‫الصحايب الراوي عدل عارف باللغة‪ ،‬فال ينقل صيغة العموم وهي كلمة (اجلار) املعرفة بالم اجلنس إال إذا‬
‫علم أو ظن العموم‪ .‬ومثل هذا يفيد العموم‪ ،‬ألن الالم غالباً لالستغراق فحملها على الالم العهدية‬
‫خالف الظاهر وخالف الغالب(‪ )5‬وهذا هو الراجح‪.‬‬
‫خاصا يف غاية الوضوح)(‪،)6‬‬
‫قال الشوكاين‪( :‬فرجحان عمومه وضعف دعوى احتمال كونه ّ‬
‫وألنه مؤيد بعموم الشريعة لكل الناس‪ .‬والنيب ‪ r‬إذا حكم بقضاء يف واقعة معينة‪ ،‬مث حدث لنا مثلها‬
‫وجب إحلاقها هبا‪ ،‬ألن حكم املثلني واحد‪ ،‬وهو إحلاق باللفظ ال بالقياس‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(?) تقدم خترجيه‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة الفتح‪ ،‬آية‪.21 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر أضواء البيان (‪.)3/454( )1/452‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أخرجه النسائي (‪ )7/281‬هبذا اللفظ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) انظر اإلحكام لآلمدي (‪ )2/274‬شرح العضد على خمتصر ابن احلاجب (‪ ،)2/119‬إرشاد الفحول للشوكاين ص(‪ ،)125‬شرح الكوكب املنري (‬ ‫‪5‬‬

‫‪)3/231‬‬
‫(?) إرشاد الفحول ص‪.125‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪69‬‬
‫الخـــاص‬
‫(والخـ ــاص يقابل العـ ــام‪ .‬والتخصـ ــيص‪ :‬تميـ ــيز بعض الجملـ ــة‪ .‬وهو ينقسم إلى‪ :‬متصل‬
‫ومنفصل‪،‬ـ فالمتصل‪ :‬االستثناء والشرط‪ ،‬والتقييد بالصفة)‪.‬ـ‬
‫ملا فرغ من العام ذكر اخلاص ألن العام يدخله التخصيص‪ ،‬وألن العام قد يطلق ويراد به اخلاص‪،‬‬
‫وقد ذكر أن اخلاص يقابل العام‪.‬‬
‫فاخلاص لغة‪ :‬لفظ يدل على االنفراد وقطع االشرتاك‪ 4‬يقال‪ :‬خص فالن بكذا‪ .‬انفرد به فلم‬
‫يشاركه فيه غريه‪ .‬واخلاصة ضد العامة‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬اللفظ الدال على حمصور‪.‬‬
‫فهو يقابل العام‪ ،‬فإذا كان العام هو اللفظ الشامل جلميع أفراده بال حصر‪ .‬فاخلاص يدل على‬
‫احلصر‪ :‬إما بشخص كاألعالم مثل‪ :‬جاء حممد‪ .‬أو اإلشارة حنو‪ :‬هذا خملص يف عمله‪ .‬أو بعدد كأمساء‬
‫األعداد حنو‪ :‬عندي عشرون كتاباً‪.‬‬
‫قوله‪( :‬والتخصيص‪ ،‬متييز بعض اجلملة) عرف التخصيص‪ 4‬ألنه هو املقصود هبذا البحث‪.‬‬
‫والتخصيص‪ :‬لغة‪ :‬اإلفراد‪ ،‬واصطالحا‪ :‬متييز بعض اجلملة‪ .‬فالتمييز مبعىن اإلخراج‪ .‬واملراد باجلملة‪ :‬العام‪.‬‬
‫فكأنه قال‪ :‬إخراج بعض العام‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬التخصيص‪ :‬إخراج بعض أفراد العام‪ .‬أي جعل احلكم الثابت‪ 4‬للعام مقصوراً على بعض‬
‫أفراده بإخراج البعض‪ 4‬اآلخر عنه‪ .‬وهذا التعريف أوضح فإذا قلت‪ :‬حضر الضيوف إال خالداً‪ .‬فإن‬
‫(خالداً) فرد من أفراد العام‪ .‬وقد أخرج عن حكم العام فلم يثبت له احلضور‪ ،‬وهذا اإلخراج بواسطة‬
‫االستثناء‪ .‬والعام إذا دخله التخصيص‪ 4‬يسمى العام املخصوص‪ 4‬أو املخصص‪ ،‬والدليل الذي حصل به‬
‫اإلخراج يسمى (املخصص) بزنة اسم الفاعل وهو املراد عند األصوليني‪ ،‬ويطلق املخصص أيضاً على‬
‫فاعل التخصيص وهو الشارع‪.‬‬
‫ص‪4‬ص املفه‪4‬وم من التخص‪4‬يص‪ 4‬فهو‬
‫قوله‪( :‬وهو ينقسم إىل متصل ومنفص‪4‬ل) الض‪4‬مري يع‪4‬ود على املخ ّ‬
‫نوعان‪:‬‬

‫‪70‬‬
‫واملخصص يف نص واحد‪:‬‬
‫ّ‬ ‫متصل‪ :‬وهو الذي ال يستقل بنفسه‪ ،‬بل يكون العام‬ ‫‪)1‬‬
‫حج البيت من استطاع إليه سبيال[(‪ ،)1‬فقوله (من‬
‫كقوله تعاىل‪] :‬وهلل على الناس ُّ‬
‫خاصا باملستطيع‪ ،‬وقوله ‪ r‬عن ربه (كل عمل‬
‫استطاع) بدل من الناس‪ ،‬فيكون‪ 4‬وجوب احلج ّ‬
‫ابن آدم له إال الصوم)(‪.)2‬‬
‫منفصل‪ :‬وهو الذي يستقل بنفسه بأن يكون‪ 4‬العام يف نص‪ ،‬واملخصص يف نص آخر‪،‬‬ ‫‪)2‬‬
‫كقوله تعاىل‪] :‬يوصيكم اهلل يف أوالدكم للذكر مثل حظ األنثيني[(‪ .)3‬خص بقوله ‪( :r‬ال‬
‫يرث املسلم الكافر‪ ،‬وال الكافر املسلم)(‪.)4‬‬
‫قوله‪( :‬فاملتصل االستثناء والشرط والصفة)‪ 4‬أي أن املخصص املتصل هو االستثناء حنو‪ :‬هذا وقف‬
‫على أوالدي إال الغين‪ ،‬والشرط حنو‪ :‬إن قدم بكر فأكرمه‪ ،‬والصفة‪ 4‬حنو‪ :‬أكرم العلماء العاملني‪،‬‬
‫وسنفصل القول يف ذلك إن شاء اهلل‪.‬‬

‫(?) سورة آل عمران‪ ،‬آية‪.97 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أخرجه البخاري رقم ‪ 1805‬ومسلم رقم ‪.1151‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة النساء‪ ،‬آية‪.11 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أخرجه البخاري رقم ‪ 6383‬ومسلم رقم ‪.161‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪71‬‬
‫المخصـــص المتصـــل‬
‫‪ )1‬االستثناء‬

‫(واالستثناء‪ :‬إخراج ما لواله لدخل في الكالم‪ .‬وإ نما يصح بشرط أن يبقى من المستثنى‬
‫منه شيء‪ ،‬ومن شرطه‪ :‬أن يكون متصالً بالكالم‪ .‬ويجوز تقديم االستثناء على المستثنى‬
‫منه‪ ،‬ويجوز االستثناء من الجنس ومن غيره)‪.‬‬
‫هذا النوع‪ 4‬األول من املخصص املتصل‪ 4‬وهو االستثناء‪ ،‬وهو لغة‪ :‬مأخوذ من الثين أي العطف‬
‫والصرف‪ .‬تقول‪ :‬ثنيت‪ 4‬احلبل أثنيه‪ 4:‬إذا عطفت بعضه على بعض‪ .‬وتقول‪ :‬ثنيته عن الشيء‪ :‬إذا صرفته‬
‫عنه‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬إخراج ما لواله لدخل يف الكالم‪ ،‬بإال أو إحدى أخواهتا‪.‬‬
‫حرم حالالً أو أحل حراماً‪ ،‬واملسلمون على‬
‫كقوله ‪( :r‬الصلح جائز بني املسلمني إال صلحاً ّ‬
‫حرم حالالً أو أحل حراماً)(‪.)1‬‬
‫شروطهم إال شرطاً ّ‬
‫وقوله‪( :‬إخراج)‪ :‬املراد باإلخراج‪ :‬الطرح بإسقاط ما بعد أداة االستثناء من املعىن الذي قبلها‪.‬‬
‫فيخالف ما بعدها ما قبلها فيما تقرر من حكم مثبت أو منفي‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬ما لواله) الضمري عائد على اإلخراج أي لوال ذلك اإلخراج موجود‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬لدخل يف الكالم) أي لدخل ذلك املخرج يف حكم الكالم السابق‪ ،‬حنو‪ :‬جاء القوم إال‬
‫زيداً‪ .‬فلوال االستثناء لدخل (زيد) يف حكم الكالم‪ 4‬السابق وصدق عليه اجمليء‪.‬‬
‫وقولنا‪ :‬بإال أو إحدى أخواهتا‪ :‬هذا قيد إلخراج املخصصات املتصلة األخرى كالشرط والصفة‪،‬‬
‫ألن تعريف املصنف يصدق عليها‪ ،‬ولعل املؤلف سكت عن هذا القيد لظهوره واهلل أعلم‪.‬‬
‫واعلم أن املعىن اللغوي لالستثناء‪ 4‬متحقق يف املعىن االصطالحي‪ ،‬ألن املستثىن معطوف عليه‬
‫بإخراجه من حكم املستثىن منه‪ ،‬أو ألنه مصروف عن حكم املستثىن منه‪.‬‬
‫واالستثناء‪ 4‬له شروط منها‪:‬‬

‫(?) أخرجه الرتمذي رقم ‪ 1352‬بتمامه‪ ،‬وأبو داود على قوله (على شروطهم) رقم ‪ 3594‬وهو حديث صحيح بشواهده‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪72‬‬
‫أن يبقى‪ 4‬من املستثىن منه شيء‪ .‬كأن يقول‪ :‬له علي عشرة إال مخسة‪ .‬فيلزمه مخسة‪،‬‬ ‫‪)1‬‬
‫فإن قال‪ :‬له علي عشرة إال عشرة‪ ،‬بطل االستثناء باإلمجاع‪ ،‬كما نقله الرازي يف احملصول وابن‬
‫احلاجب يف خمتصر املنتهى إلفضائه إىل العبث‪ 4،‬وكونه نقضاً كليّاً للكالم إال يف قول شاذ‪ ،‬وإذا‬
‫بطل االستثناء لزمته العشرة كلها‪.‬‬
‫أما إذا استثىن األكثر كأن يقول‪ :‬له علي عشرة إال ستة‪ .‬ففيه خالف فأكثر األصوليني‬
‫على اجلواز ورجحه الشوكاين‪ ،‬ومنعه آخرون منهم اإلمام أمحد وأصحابه‪ ،‬وهو قول‬
‫للشافعي(‪ )1‬وهذا اخلالف فيما إذا كان االستثناء من عدد‪.‬‬
‫أما إذا كان االستثناء من صفة فيصح استثناء‪ 4‬األكثر أو الكل‪ .‬ومنه قوله تعاىل إلبليس‪:‬‬
‫]إ ّن عبادي ليس لك عليهم سلطان إال من اتّبعك من الغاوين(‪ )2([)42‬فاستثىن الغاوين وهم‬
‫أكثر من غريهم بدليل قوله تعاىل‪] :‬وما أكثر الناس ولو حرصت مبؤمنني(‪ )3([)103‬ولو قال‪:‬‬
‫أعط من يف البيت إال األغنياء‪ .‬فتبني أن اجلميع أغنياء صح االستثناء ومل يعطوا شيئاً‪.‬‬
‫أما استثناء‪ 4‬أقل من النصف فهو جائز باإلمجاع‪ ،‬نقله الشوكاين يف اإلرشاد(‪ ،)4‬وأما‬
‫استثناء النصف ففيه اخلالف والصحيح‪ ،‬اجلواز كاملثال املتقدم وهو قول اجلمهور من الشافعية‬
‫واملالكية‪ 4‬واحلنفية‪ ،‬والراجح عند احلنابلة‪.‬‬
‫الشرط الثاين من شروط االستثناء أن يكون متصالً بالكالم‪ :‬إما حقيقة أو حكماً‪،‬‬ ‫‪)2‬‬
‫فاألول أن يكون املستثىن عقب املستثىن منه مباشرة بأن‪ 4‬يقول‪ :‬اعتق عبيدي إال سعيداً‪ .‬والثاين‬
‫أن حيصل فاصل اضطراري كالعطاس والسعال وحنومها فيحكم له باالتصال ويصح االستثناء‪.‬‬
‫وعلى هذا فإن حصل فاصل بينهما من سكوت أو كالم بطل االستثناء عند اجلمهور‪،‬‬
‫وقيل يصح مع السكوت أو الفاصل إذا كان الكالم‪ 4‬واحداً‪ ،‬واستدل هؤالء حبديث ابن عباس‬

‫(?) انظر إرشاد الفحول للشوكاين ص‪.149‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة احلجر‪ ،‬آية‪.42 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(? ) سورة يوسف‪ ،‬آية‪.103 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) انظر إرشاد الفحول للشوكاين ص‪.149‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪73‬‬
‫رضي اهلل عنهما‪ .‬أن النيب ‪ r‬قال يوم فتح مكة‪( :‬إن هذا البلد حرمه اهلل يوم خلق السموات‬
‫واألرض ال يعضد شوكه وال خيتلى خاله‪ .‬فقال العباس يا رسول اهلل‪ :‬إال األذخر‪ ،‬فإنه لقينهم‬
‫وبيوهتم‪ .‬فقال‪ :‬إال األذخر)(‪ )1‬وهذا قوله وجيه لقوة دليله كما ترى‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وجيوز تقدمي االستثناء على املستثىن منه) أي لوقوعه يف كالم العرب وغرض‬
‫املصنف بيان أنه ال يشرتط يف صحة االستثناء تأخري املستثىن عن املستثىن منه يف اللفظ‪ ،‬بل جيوز‬
‫تقدميه وهو قول اجلمهور‪ .‬ومنه قوله ‪( :r‬إين – واهلل – إن شاء اهلل ال أحلف على ميني فأرى‬
‫غريها خرياً منها إال كفرت عن مييين وأتيت الذي هو خري)(‪ ،)2‬هكذا ميثل بعض األصوليني‬
‫املسودة (يف أصول الفقه من أن‬
‫وليس فيه استثناء باملعىن املتقدم‪ ،‬ولعله مبين على ما جاء يف ّ‬
‫االشرتاط باملشيئة هو استثناء يف كالم النيب ‪ r‬والصحابة‪ ،‬وليس استثناء‪ 4‬يف العرف النجوى)(‪ )3‬أ‬
‫هـ‪.‬‬
‫وقد بوب البخاري رمحه اهلل يف صحيحه يف كتاب اإلميان والنذور فقال‪( :‬باب االستثناء يف‬
‫اإلميان) مث أورد احلديث‪ :‬فاالستثناء عند الفقهاء أعم‪ ،‬ومنه‪ :‬لك هذا املنـزل ويل هذه الغرفة‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وجيوز االستثناء من اجلنس ومن غريه) االستثناء من اجلنس هو االستثناء املتصل‪ 4‬حنو‪ :‬قام‬
‫القوم إال زيداً‪ .‬وهو من املخصصات‪ .‬واالستثناء من غري اجلنس هو املنقطع حنو‪ :‬جاء القوم إال فرساً‪.‬‬
‫علي ألف دينار إال ثوباً‪ .‬فيصح االستثناء وتسقط قيمة الثوب من األلف على القول بصحة االستثناء‬
‫وله ّ‬
‫املنقطع‪.‬‬
‫ووجه اشرتاط كون املستثىن من جنس املستثىن منه‪ ،‬ألن االستثناء إخراج بعض ما دخل يف‬
‫املستثىن منه‪ ،‬وغري جنسه مل يدخل حىت حيتاج إىل إخراج‪ .‬وال خالف يف جواز االستثناء من اجلنس‪.‬‬

‫(?) أخرجه البخاري رقم ‪ 1736‬ومسلم رقم ‪.1353‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أخرجه البخاري رقم ‪ 2964‬ومسلم رقم ‪.1649‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) املسودة ص‪.138‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪74‬‬
‫وأما من غري جنسه فاكثر األصوليني على جوازه لوروده يف القرآن الكرمي ويف كالم العرب‪ .‬قال‬
‫(‪)1‬‬
‫تعاىل‪] :‬يا أيها الذين ءامنوا‪ 4‬ال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إال أن تكون جتارة عن تراض منكم[‬
‫وقال تعاىل‪] :‬ال يسمعون فيها لغواً إال سالما[(‪ )2‬وقال الراجز‪:‬‬
‫إال اليعـافيـر وإال العيـس‬ ‫وبلـدة ليـس هبا أنيـس‬
‫واليعافري‪ :‬وهي أوالد بقر الوحش‪ .‬والعيس وهي اإلبل البيض‪ 4‬خيالط بياضها شيء من الشقرة‪.‬‬
‫ليس واحد منها من جنس األنيس ‪. .‬‬
‫والقول باجلواز هو الصحيح لقوة مأخذه‪ ،‬وهو قول أكثر الشافعية واملالكية وبعض احلنابلة‪ .‬وأما‬
‫الصحيح من الروايتني عند اإلمام أمحد رمحه اهلل فهو القول باملنع‪ ،‬واختار الغزايل(‪ )3‬وقال اآلمدي (ومنع‬
‫منه األكثرون)‪.)4(4‬‬
‫علي ألف دينار ثوباً‪ .‬على القول باجلواز تسقط قيمة الثوب من األلف كما‬
‫وعلى هذا فقوله‪ :‬له ّ‬
‫تقدم‪ .‬وعلى القول بعدم صحة االستثناء املنقطع يكون قوله‪ :‬إال ثوباً‪ .‬لغواً وتلزمه األلف كاملة‪ .‬جاء يف‬
‫خمتصر اخلرقي‪( :‬ومن أقر بشيء واستثىن من غري جنسه كان استثناؤه باطالً(‪ ). . )5‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(?) سورة النساء‪ ،‬آية‪.29 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة مرمي‪ ،‬آية‪.62 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) املنخول ص‪.159‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) إحكام األحكام (‪.)2/313‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) خمتصر اخلرقي ص‪ 74‬وانظر املغين (‪.)7/267‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪75‬‬
‫‪ )2‬الشـــرط‬

‫(والشرط يجوز أن يتأخر عن المشروط‪ ،‬ويجوز أن يتقدم على المشروط)‪.‬‬


‫هذا النوع‪ 4‬الثاين من املخصص املتصل‪ 4‬وهو الشرط‪ ،‬واملراد به الشرط اللغوي فهو املخصص‬
‫للعموم‪ .‬وأما الشرط الشرعي الذي يذكر يف األحكام الوضعية‪ 4‬كاشرتاط الطهارة للصالة‪ ،‬والشرط‬
‫العقلي وهو ماال ميكن املشروط يف العقل بدونه كاحلياة للعلم‪ .‬فال ختصيص هبما‪.‬‬
‫والشرط‪ :‬هو تعليق شيء بشيء بإن الشرطية أو بإحدى أخواهتا‪ .‬مثل‪ :‬إن زرتين أكرمتك‪ .‬ففيه‬
‫تعليق اإلكرام بالزيارة بإن‪ ،‬فإن وجدت الزيارة وجد اإلكرام‪.‬‬
‫والشرط املخصص جيوز أن يتأخر عن املشروط‪ ،‬ألن املخصص شأنه أن يتأخر كقوله تعاىل‪:‬‬
‫]ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن مل يكن هلن ولد[(‪ .)1‬فالشرط وهو عدم الولد قصر استحقاق‬
‫األزواج نصف املال على حالة عدم الولد‪ ،‬ولو ال هذا الشرط الستحق األزواج النصف يف كل‬
‫األحوال‪.‬‬
‫عليهن حىت يضعن‬
‫َّ‬ ‫كن أوالت محل فأنفقوا‪4‬‬
‫وجيوز أن يتقدم على املشروط كقوله تعـاىل‪] :‬وإن َّ‬
‫محلهن[(‪ )2‬واملراد التقدم والتأخر يف اللفظ‪ ،‬وأما يف الوجود اخلارجي فيجب أن يتقدم الشرط على‬
‫َّ‬
‫املشروط‪ ،‬فإذا قال‪ :‬إن دخلت الدار فأنت طالق‪ .‬فالبد من تقدم الدخول حىت يقع الطالق‪ ،‬وكالطهارة‬
‫للصالة أو يقارنه كاستقبال القبلة فيها‪.‬‬
‫وهذا النوع‪ 4‬من الشرط هو الذي يذكره الفقهاء يف الطالق والعتق وحنومها فيقولون‪ 4:‬العتق املعلق‬
‫على شرط‪ ،‬والطالق املعلق على شرط‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(?) سورة النساء‪ ،‬آية‪.12 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة الطالق‪ ،‬آية‪.6 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪76‬‬
‫المطلـق والمقيـد‬

‫(والمقيد بالصفة يحمل عليه المطلق‪ ،‬كالرقبة قيدت باإليمان في بعض المواضع‪،‬‬
‫وأطلقت في بعض المواضع‪ ،‬فيحمل المطلق على المقيد)‪.‬‬
‫هنا حبثان‪:‬‬
‫األول‪ :‬يف املخصص الثالث وهو الصفة‪ .‬الثاين‪ :‬يف املطلق واملقيد‪.‬‬
‫أما األول‪ :‬فاملراد بالصفة واملخصصة‪ 4‬للعام‪ :‬الصفة املعنوية‪ 4‬وليس النعت‪ 4‬املذكور يف علم النحو‪.‬‬
‫وهي‪ :‬ما أشعر مبعىن يتصف به بعض أفراد العام من نعت أو بدل أو حال(‪.)1‬‬
‫فمثال النعت‪ 4:‬هذا وقف على أوالدي احملتاجني‪.‬ومنه قوله ‪( :r‬من باع خنالً مؤبراً فثمرهتا للبائع‬
‫إال أن يشرتط املبتاع)(‪.)2‬‬
‫فقوله (مؤبراً) صفة للنخل‪ .‬ومفهومها‪ 4‬أن النخل إن مل تؤبر فثمرهتا للمشرتي‪ .‬ومثال البدل‪ :‬هذا‬
‫وقف على أوالدي احملتاجني منهم‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪] :‬وهلل على الناس حج البيت‪ 4‬من استطاع إليه‬
‫سبيال[(‪ )3‬فقوله ]من استطاع[ بدل من ]الناس[ فيكون وجوب احلج على املستطيع منهم‪.‬‬
‫ومثال احلال‪ :‬قوله تعاىل يف جزاء الصيد‪] :‬ومن قبله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من‬
‫النعم[(‪.)4‬‬
‫فقوله (متعمداً) حال من املضمر املرفوع يف (قتله) وهو يدل على أن اجلزاء خاص بالعامد دون‬
‫املخطئ والناسي‪ 4،‬وهذا على أحد القولني يف املسألة‪ 4‬وهو األظهر إن شاء اهلل‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫أما املبحث الثاين فهو‪ :‬يف املطلق واملقيد‪ ،‬وإمنا ذكره هنا ألن املطلق شبيه بالعام واملقيد شبيه‬
‫باخلاص‪ ،‬لكن عموم العام مشويل وعموم املطلق بديل على املشهور‪ .‬فإذا قيل‪ :‬أكرم الطالب‪ .‬فاملراد‬
‫الشمول فهذا عام‪ .‬وإذا قيل‪ :‬أكرم طالباً‪ .‬فهذا فيه عموم من جهة أنه ال خيص فرداً بعينه‪ 4‬بل هو شائع‬
‫يف مجيع األفراد‪ ،‬لكن ال اجلمع‪ .‬فإذا أكرم زيد – مثالً – مل يكرم غريه‪.‬‬
‫دل على شائع يف جنسه بال قيد‪.‬‬ ‫واملطلق لغة‪ :‬ما خال من القيد‪ .‬واصطالحاً‪ :‬ما ّ‬

‫(?) انظر املدخل ص‪.258‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أخرجه البخاري رقم ‪ 2090‬ومسلم رقم ‪ ،1543‬وأخرجه أصحاب السنن عن عبد اهلل ابن عمر رضي اهلل عنهما‪ .‬والتأبري‪ :‬تلقيح النخل‪ .‬بوضع‬ ‫‪2‬‬

‫شيء من طلع النخلة الذكر يف طلع األنثى‪.‬‬


‫(?) سورة آل عمران‪ ،‬آية‪.97 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة املائدة‪ ،‬آية‪.95 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪77‬‬
‫فقولنا‪( :‬ما) أي لفظ‪ .‬وهذا يشمل املطلق واملقيد وقولنا (على شائع يف جنسه) خيرج العلم‬
‫كزيد‪ .‬والعام ألنه يستغرق مجيع أفراد اجلنس ال على أنه شائع فقط‪ ،‬وقولنا‪ :‬بال قيد‪ :‬خيرج املقيد‪.‬‬
‫وأكثر مواضع املطلق النكرة يف سياق اإلثبات حنو‪ :‬أكرم طالباً‪ .‬ومنه قوله تعاىل‪] :‬والذين‬
‫يظهرون من نسائهم مث يعودون ملا قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا[(‪.)1‬‬
‫واملقيد لغة‪ :‬ما وضع فيه قيد من إنسان أو حيوان‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬ما دل على شائع يف جنسه مقيد بصفة من الصفات‪ .‬حنو‪ :‬أكرم طالباً مهذباً فـ‬
‫(طالباً) فرد شائع يف جنس الطالب‪ .‬قيد هنا مبا يقلل شيوعه‪ .‬فاملقيد هو مطلق حلقه قيد أخرجه عن‬
‫اإلطالق إىل التقييد‪.‬‬
‫واعلم أن األلفاظ يف هذا الباب ثالثة أقسام‪:‬‬
‫األول‪ :‬ما جاء بال قيد‪ .‬فهذا جيب العمل به على إطالقه‪ .‬كقوله تعاىل‪] :‬وأمهات نسائكم[ فهذا‬
‫نص مطلق مل يقيد بالدخول فيعمل به على إطالقه‪ ،‬فتحرم أم الزوجة مبجرد العقد على بنتها‪ ،‬سواء‬
‫دخل هبا أم مل يدخل(‪.)2‬‬
‫الثاين‪ :‬ما جاء مقيداً فيلزم العمل مبوجب القيد الوارد فيه وال يصح إلغاؤه‪ ،‬كقوله تعاىل يف‬
‫كفارة الظهار ]فمن مل جيد فصيام شهرين متتابعني من قبل أن يتماسا[ فورد الصيام مقيداً بالتتابع‬
‫وبكونه قبل التماس واالستمتاع‪ ،‬فيعمل به على تقييده‪ 4‬هبذين القيدين(‪.)3‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يرد اللفظ مطلقاً يف نص ومقيداً يف نص آخر‪ ،‬فيحمل املطلق على املقيد‪ ،‬ومعىن محل‬
‫املطلق عليه أن يقيد املطلق بقيد املقيد‪ .‬وذلك إذا كان احلكم واحداً‪ .‬ومثاله‪ :‬ما ذكره املصنف من أن‬
‫الرقبة قيدت باإلميان يف كفارة القتل يف قوله تعاىل‪] :‬فتحرير رقبة مؤمنة[(‪ )4‬وأطلقت يف كفارة الظهار‬
‫يف قوله تعاىل‪] :‬فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا[(‪ )5‬واحلكم واحد وهو حترير رقبة‪ ،‬فيحمل املطلق‬
‫على املقيد‪ ،‬ويشرتط اإلميان يف كفارة الظهار على أحد القولني يف املسألة‪4.‬‬
‫فإن اختلف احلكم عمل بكل منهما على ما ورد عليه من إطالق‪ 4‬أو تقييد‪ .‬ومثاله‪ :‬آية الوضوء‬
‫قيدت فيها األيدي إىل املرافق‪ ،‬كما قال تعاىل‪] :‬فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إىل املرافق[(‪ )6‬ويف آية‬

‫(?) سورة اجملادلة‪ ،‬آية‪.3 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر تفسري القرطيب (‪.)5/106‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) لشيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل يف هذا املوضوع انظرها يف جمموع‪ 4‬الفتاوى (‪.)19/235‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة النساء‪ ،‬آية‪.92 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) سورة اجملادلة‪ ،‬آية‪.3 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) سورة املائدة‪ ،‬آية‪.6 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪78‬‬
‫التيمم جاءت مطلقة‪ ،‬قال تعاىل‪] :‬فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه[(‪ )7‬واحلكم خمتلف ألنه يف الوضوء‬
‫غسل‪ ،‬ويف التيمم مسح‪ .‬فال حيمل املطلق على املقيد عند اجلمهور‪ ،‬وقد دلت السنة على أن املسح يف‬
‫التيمم للكفني‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫هذا وللمطلق واملقيد أحوال أخرى وقع فيها اخلالف أيضاً جتدها يف املطوالت‪.‬‬

‫(?) سورة املائدة‪ ،‬آية‪.6 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪79‬‬
‫المخصص المنفصل‬

‫(ويجوز تخصيص الكتاب الكتاب‪ ،‬وتخصيص الكتاب بالسنة‪ ،‬وتخصيص السنة‬


‫بالكتاب‪ ،‬وتخصيص السنة بالسنة‪ ،‬وتخصيص النطق بالقياس‪ ،‬ونعني بالنطق قول اهلل‬
‫تعالى وقول الرسول ‪.) r‬‬
‫ملا ف‪44‬رغ من املخصص املتصل وذكر املطلق واملقيد ض‪44‬مناً ش‪44‬رع يف بي‪44‬ان املخصص املنفص‪44‬ل‪ ،‬وهو‬
‫الذي يستقل بنفسه كما تقدم‪ ،‬واملخصص املنفصل ثالثة‪:‬‬
‫احلس‪ :‬واملراد به املشاهدة‪ 4‬واإلدراك باحلواس ومثاله‪ :‬قوله تعاىل عن ريح عاد‪] :‬تدمر كل شيء‬ ‫‪)1‬‬
‫بأمر رهبا[(‪ )1‬فاآلية عامة دخلها التخصيص باحلس حيث دل على أن الريح مل تدمر السموات‬
‫واألرض واجلبال‪.‬‬
‫العقل‪ :‬ومثاله قوله تعاىل‪] :‬اهلل خالق كل شيء[(‪ )2‬فإن العقل دل على أن ذات اهلل تعاىل غري‬ ‫‪)2‬‬
‫خملوقة مع أن لفظ شيء يتناوله سبحانه‪ ،‬قال تعاىل‪] :‬كل شيء هالك إال وجهه[(‪ )3‬وقال تعاىل‪:‬‬
‫]قل أي شيء أكرب شهادة قل اهلل[(‪.)4‬‬
‫ومنع بعض العلماء أن يكون‪ 4‬هذا وما قبله من باب التخصيص‪ 4،‬وهو إخراج بعض أفراد‬
‫العام‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن ذلك من باب العام الذي أريد اخلاص‪ ،‬وهو أن يكون املخصوص‪ 4‬غري مراد عند‬
‫املتكلم وال املخاطب‪ ،‬مبعىن أنه غري داخل يف العام أصالً حبيث حيتاج إىل إخراج‪.‬‬
‫على أن بعضهم قال‪ :‬إن التخصيص قد يفهم من قوله تعاىل‪] :‬بأمر رهبا[(‪ )5‬وقوله تعاىل‪:‬‬
‫]ما تذر من شيء أتت عليه إال جعلته كالرميم[(‪ ،)6‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪ )3‬الشرع‪ :‬وهذا هو الذي بينه املصنف‪ 4،‬وهو املراد يف أصول الفقه‪ .‬وحتته قسمان‪:‬‬
‫األول‪ :‬ختصيص الكتاب‪ .‬واملخصص‪ 4‬له أربعة‪ :‬كتاب مثله‪ ،‬أو سنة‪ ،‬أو إمجاع‪ ،‬أو قياس‪.‬‬
‫‪ )1‬ختصيص الكتاب بالكتاب‪ :‬أي ختصيص بعض آياته العامة ببعض‪ 4‬آخر‪.‬‬

‫(?) سورة األحقاف‪ ،‬آية‪.25 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة الزمر‪ ،‬آية‪.62 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة القصص‪ ،‬آية‪.88 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة األنعام‪ ،‬آية‪.19 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) سورة األحقاف‪ ،‬آية‪.25 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) سورة الذاريات‪ ،‬آية‪.42 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪80‬‬
‫وقوله (جيوز) أي بدليل وقوعه‪ .‬ومثاله قوله تعاىل‪] :‬واملطلقات يرتبصن بأنفسهن ثالثة‬
‫قروء[(‪ )1‬فهذه اآلية عامة يف املدخول هبا وغري املدخول هبا‪ ،‬فخصت بقوله تعاىل‪] :‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا‪ 4‬إذا نكحتم املؤمنات‪ 4‬مث طلقتموهن من قبل أن متسوهن فما لكم عليهن من عدة‬
‫تعتدوهنا[(‪ )2‬فخرجت غري املدخول هبا من عموم اآلية األوىل فال عدة عليها هلذه اآلية‪.‬‬
‫ختصيص الكتاب بالسنة‪ :‬ومثاله‪ :‬قوله تعاىل‪] :‬وأحل لكم ما ورآء ذلكم[(‪ .)3‬خص‬ ‫‪)2‬‬
‫حبديث‪( :‬ال تنكح املرأة على عمتها وال على خالتها)(‪.)4‬‬
‫ختصيص الكتاب باإلمجاع‪ :‬وهذا مل يذكره املصنف وإمنا كان اإلمجاع خمصصاً ألنه مبثابة‬ ‫‪)3‬‬
‫نص قاطع شرعي‪ .‬أما العام فهو ظاهر ظين عند اجلمهور‪ ،‬فيقدم القاطع‪ .‬قال ابن بدران (واحلق‬
‫أن التخصيص يكون‪ 4‬بدليل اإلمجاع ال باإلمجاع نفسه)(‪ )5‬ومثلوه بقوله تعاىل‪] :‬والذين يرمون‬
‫احملصنات مث مل يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم مثانني جلدة[(‪ )6‬فاآلية عامة يف احلر والرقيق‪،‬‬
‫فخصت باإلمجاع على أن العبد القاذف جيلد على النصف من احلر‪.‬‬
‫ولكن هذا التمثيل فيه نظر‪ ،‬ألنه ثبت اخلالف يف املسألة‪ 4‬فقد ذكر القرطيب(‪ )7‬رمحه اهلل‪.‬‬
‫أن من أهل العلم من يرى أنه جيلد مثانني كاحلر‪ ،‬ومنهم ابن مسعود رضي اهلل عنه وعمر بن‬
‫عبد العزيز رمحه اهلل‪ ،‬وإذا ثبت اخلالف فال إمجاع‪ .‬وألنه قد يكون‪ 4‬املخصص لآلية هو القياس‪،‬‬
‫ومن األمثلة‪ :‬قوله تعاىل‪] :‬يا أيها الذين ءامنوا‪ 4‬إذا نودي للصالة من يوم اجلمعة فاسعوا إىل ذكر‬
‫اهلل[ فإهنم أمجعوا على أنه ال مجعة على عبد وال امرأة(‪.)8‬‬
‫ختصيص الكتاب بالقياس‪ :‬ومثاله قوله تعاىل ]الزانية والزاين فاجلدوا كل واحد منهما مائة‬ ‫‪)4‬‬
‫جلدة[(‪ )9‬فإن عموم الزانية خص بالكتاب وهو قوله تعاىل‪] :‬فإن أتني بفاحشة فعليهن نصف ما‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.28 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة األحزاب‪ ،‬آية‪.49 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة النساء‪ ،‬آية‪.24 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أخرجه البخاري رقم ‪ 4820‬ومسلم رقم ‪.1408‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) املدخل ص‪ ،249‬إرشاد الفحول ص‪.160‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) سورة النور‪ ،‬آية‪.4 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) تفسري القرطيب (‪.)12/174‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) انظر البحر احمليط (‪.)3/363‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) سورة النور‪ ،‬آية‪.2 :‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪81‬‬
‫على احملصنات‪ 4‬من العذاب[(‪ )10‬فيقاس العبد الزاين على األمة يف تنصيف العذاب واالقتصار على‬
‫مخسني جلدة على املشهور‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬ختصيص‪ 4‬السنة‪ .‬واملخصص هلا كتاب أو سنة مثلها أو قياس‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ )1‬ختصيص السنة بالكتاب‪ :‬ومثاله قوله ‪( :r‬أمرت أن أقاتل الناس حىت يقولوا‪ 4:‬ال إله إال اهلل)‬
‫خص بقوله تعاىل‪] :‬حىت يعطوا اجلزية عن يد وهم صاغرون[(‪.)2‬‬
‫‪ )2‬ختصيص السنة بالسنة‪ :‬ومثاله قوله ‪( :r‬فيما سقت السماء العشرة)(‪ )3‬فهذا عام يف القليل‬
‫والكثري‪ .‬خص بقوله ‪( :r‬ليس فيما دون مخسة أوسق صدقة)(‪.)4‬‬
‫‪ )3‬ختصيص السنة بالقياس‪ :‬ومثاله قوله ‪( :r‬البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام)(‪ )5‬فخص من‬
‫احلديث العبد قياساً على األمة اليت ثبت تنصيف احلد عليها بالقرآن كما تقدم‪ .‬فيجلد العبد‬
‫مخسني جلدة كما ذكرنا يف ختصيص الكتاب بالقياس‪.‬‬
‫وختصيص الكتاب والسنة بالقياس هو املراد بقول املصنف (وختصيص‪ 4‬النطق بالقياس) مث‬
‫بني أن املقصود بالنطق‪ :‬الكتاب والسنة‪ .‬وإمنا جاز ختصيص الكتاب والسنة بالقياس ألن القياس‬
‫يستند إىل نص من كتاب أو سنة‪ ،‬فكأن‪ 4‬املخصص هو ذلك النص‪ ،‬فرجع األمر إىل ختصيص‬
‫الكتاب والسنة مبثلهما واهلل أعلم‪.‬‬

‫(?) سورة النساء‪ ،‬آية‪.25 :‬‬ ‫‪10‬‬

‫(?) أخرجه البخاري رقم ‪ 25‬ومسلم رقم ‪.22‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة التوبة‪ 4،‬آية‪.29 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) هذا طرف من حديث صحيح أخرجه البخاري رقم ‪ 1412‬انظر جامع األصول (‪.)4/611‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أخرجه البخاري رقم ‪ 1340‬ومسلم رقم ‪ 979‬وهو طرف من حديث أيب سعيد رضي اهلل عنه‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) أخرجه مسلم رقم ‪ 1690‬والرتمذي رقم ‪ 1434‬وأبو داود رقم ‪.4415‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪82‬‬
‫المجــمل ولمبيــن‬

‫(والمجمل ما افتقر إلى البيان‪ .‬والبيان إخراج الشيء من حيز اإلشكال إلى حيز التجلي‪.‬ـ‬
‫والنص ماال يحتمل إال معنى واحداً‪ .‬وقيل‪ :‬ما تأويله تنزيله‪ ،‬وهو مشتق من منصة‬
‫العروس وهو الكرسي)‪.‬‬
‫اعلم أن اللفظ من حيث الداللة على املعىن له حالتان‪:‬‬
‫‪ )1‬أن يدل على معىن واحد‪ .‬وهذا هو النص كما سيأيت إن شاء اهلل‪.‬‬
‫‪ )2‬أن حيتمل معنيني فأكثر‪ .‬فإن كانا على حد سواء فهذا جممل‪ ،‬وإن كان أحدمها أظهر من‬
‫اآلخر وأرجح فحمله على الراجح هو الظاهر‪ ،‬ومحله على املرجوح هو املؤول‪.‬‬
‫واجململ لغة‪ :‬اجملموع‪ ،‬ومنه أمجل احلساب إذا مجع وجعل مجلة واحدة‪ ،‬ويطلق على املبهم من‬
‫أمجل األمر أي أهبم‪ .‬واملبهم أعم من اجململ عموماً مطلقاً‪ ،‬فكل جممل مبهم‪ ،‬وليس كل مبهم جممالً‪.‬‬
‫فإذا قلت لشخص‪ :‬تصدق هبذا الدرهم على رجل‪ .‬فهذا فيه إهبام‪ .‬وليس فيه إمجال ألنه معناه ال إشكال‬
‫فيه‪.‬‬
‫واجململ اصطالحاً عرفه بقوله‪( :‬ما افتقر إىل بيان) فقوله (ما) أي لفظ (افتقر) أي احتاج إىل‬
‫بيان إما بقول أو بفعل‪ ،‬ألن املراد منه مل يتضح‪ ،‬وقيل‪ :‬ما احتمل معنيني أو أكثر ال مزية ألحدمها أو‬
‫أحدها على اآلخر‪.‬‬
‫وأسباب اإلمجال ثالثة‪:‬‬
‫‪ )1‬عدم معرفة املراد‪ ،‬ومن أسبابه االشرتاك يف الداللة‪ :‬وهذا إما يف املركب أو يف املفرد‪.‬‬
‫فاملركب‪ :‬وهو ما كان اإلمجال فيه بالنظر إىل املطلوب من الرتكيب كقوله تعاىل‪] :‬إال أن‬
‫يعفون أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح[(‪ )1‬الحتمال أن يكون‪ 4‬الزوج وأن يكون‪ 4‬الويل‪،‬‬
‫واملفرد إما اسم كقوله تعاىل‪] :‬واملطلقات يرتبص بأنفسهن‪ 4‬ثالثة قروء[(‪ )2‬فالقرء مرتدد بني‬
‫معنيني‪ :‬الطهر واحليض‪ .‬ولذا وقع اخلالف بني العلماء‪ :‬هل تكون‪ 4‬الثالثة قروء هذه حيضات‬
‫أو أطهاراً؟ وقد يكون املفرد فعالً كقوله تعاىل‪] :‬والليل إذا عسعس[(‪ )3‬لرتدده بني أقبل‬
‫وأدبر‪ ،‬أو حرفاً كقوله تعـاىل‪] :‬فتيمموا صعيداً طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم‬
‫منه[(‪ )4‬لرتدد (من) بني ابتداء الغاية أي مبدأ املسح من الصعيد الطيب فال يتعني ما له غبار‪.‬‬
‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.237 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.228 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة التكوير‪ ،‬آية‪.17 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة املائدة‪ ،‬آية‪.6 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪83‬‬
‫أو تكون‪ 4‬للتبعيض‪ ،‬فيتعني الرتاب الذي له غبار يعلق باليد‪ .‬ولذا وقع اخلالف يف ذلك‪ ،‬وال‬
‫يزول اإلمجال فيما ذكر إال بتعيني املراد‪.‬‬
‫‪ )2‬عدم معرفة الصفة‪ .‬ويزول اإلمجال ببيان‪ 4‬الصفة‪ ،‬ومثاله قوله تعاىل‪] :‬وأقيموا الصالة‪ )1([4‬فإن‬
‫صفة إقامة الصالة‪ 4‬جمهولة حتتاج إىل بيان‪ ،‬فحصل بياهنا بالقول والفعل من الرسول ‪.r‬‬
‫‪ )3‬عدم معرفة املقدر‪ .‬ويزول اإلمجال ببيان املقدار‪ .‬ومثاله قوله تعاىل‪] :‬وءاتوا‪ 4‬الزكاة[(‪ )2‬فإن‬
‫مقدار الزكاة حيتاج إىل بيان فحصل بيانه بقول الرسول ‪.r‬‬
‫واعلم أن اإلمجال وإن كان قد ورد يف الشريعة وأنه نوع من تعبد اهلل تعاىل للعباد‪ ،‬فإنه مل يبق فيها‬
‫جممل‪ ،‬ألن النيب ‪ r‬قد بني ألمته مجيع شريعته‪ ،‬كما قال ‪" r‬لقد تركتم على مثل البيضاء‪ ،‬ليلها‬
‫كنهارها ال يزيغ بعدي عنها إال هالك"(‪ )3‬ومل يرتك البيان‪ 4‬عند احلاجة إليه أبداً‪ .‬فإن وقع للمجتهد‬
‫شيء من ذلك فقد يكون لعدم اطالعه على املبنّي هلذا اإلمجال‪ .‬فيكون‪ 4‬نسبيّاً واهلل أعلم‪.‬‬
‫قوله‪( :‬والبيان‪ 4‬إخراج الشيء من حيز اإلشكال إىل حيز التجلي) ملا عرف اجململ‪ .‬عرف البيان‬
‫الفتقار اجململ إليه‪ .‬وهو لغة‪ :‬الظهور والوضوح يقال‪ :‬بان األمر وتبني مبعىن اتضح وانكشف‪.‬‬
‫وأما يف االصطالح فهو يطلق على التبيني وهو فعل املبني‪ .‬ويطلق على الدليل الذي حصل به‬
‫البيان‪ ،‬ويطلق على العلم الذي يستفاد من الدليل‪ ،‬واملصنف‪ 4‬جرى على األول وهو األشهر‪ ،‬فعرفه بأنه‬
‫إظهار املعىن للمخاطب وإيضاحه فقال (إخراج الشيء ‪ . .‬إخل)‪.‬‬
‫وهذا التعريف مبين على ما درج عليه أكثر األصوليني حيث خصوا البيان‪ 4‬بإيضاح ما فيه خفاء‪.‬‬
‫ومنهم من يطلقه على كل إيضاح‪ ،‬سواء تقدمه خفاء أم ال‪.‬‬
‫وقد انتقد املصنف نفسه هذا التعريف يف كتابه (الربهان)(‪ )4‬وذلك لورود عبارات ال ينبغي‪ 4‬إيداعها‬
‫التعاريف مثل‪ :‬احليز‪ ،‬وذلك أن التبيني أمر معنوي‪ ،‬واملعىن ال يوصف باالستقرار يف احليّز‪ ،‬ألن احليّز هو‬
‫الفراغ املتوهم الذي يشغله شيء‪ ،‬وهو من ألفاظ املتكلمني‪.‬‬
‫وممن انتقده اآلمدي(‪ )5‬ألنه غري جامع‪ ،‬فإن املبنّي ابتداء‪ :‬الذي مل يسبق بإمجال مثل‪ :‬مساء‪ ،‬أرض‪،‬‬
‫خاصاً ببيان اجململ كما ذكرنا‪.‬‬
‫جدار‪ .‬ال يدخل يف هذا التعريف مع أنه بيان‪ .‬فيكون‪ 4‬التعريف ّ‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.43 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.43 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) رواه أمحد (‪ )4/126‬واحلاكم (‪ )1/96‬وابن ماجه رقم ‪ 43‬وهو حديث صحيح له شواهد فانظر السنة البن عاصم (‪.)1/27‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) الربهان (‪.)1/124‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) إحكام األحكام (‪.)3/30‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪84‬‬
‫قوله‪( :‬إخراج الشيء)‪ :‬املراد باإلخراج إظهار معىن املبنّي للمخاطب وإيضاحه‪ ،‬وهذا على أن البيان‪4‬‬
‫يطلق على فعل املبنّي ‪ ،‬وهو التبيني كما قدمنا‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬من حيز اإلشكال)‪ :‬أي من صفة وحال اإلشكال‪ .‬واإلشكال‪ :‬هو خفاء املراد حبيث ال‬
‫يدرك املقصود من اللفظ‪.‬‬
‫قوله‪( :‬إىل حيز التجلي)‪ :‬أي الظهور والوضوح‪ .‬وذلك يتم ببيان‪ 4‬الصفة أو املقدار أو تعيني املراد‬
‫كما تقدم‪.‬‬
‫قوله‪( :‬والنص‪ 4‬ما ال حيتمل إال معىن واحداً) ملا عرف اجململ وعرف البيان‪ 4‬ذكر النص‪ ،‬ألنه هو املبني‬
‫للمجمل‪ .‬وهو لغة‪ :‬عبارة عن الظهور‪ ،‬ومنه مسي كرسي العروسة منصة‪ ،‬لظهورها عليه‪ ،‬وسيذكر‬
‫املصنف ذلك‪.‬‬
‫والنص‪ 4‬اصطالحاً عرفه بقوله‪( :‬ما حيتمل إال معىن واحداً)‪ .‬فقوله‪( :‬ما) أي لفظ‪ .‬وقوله (ال حيتمل‬
‫إال معىن واحداً) أي يدل على معىن واحد قطعاً‪ ،‬وال حيتمل غريه‪ .‬وهذا هو النص الصريح‪.‬‬
‫ومثاله قوله تعاىل‪] :‬حممد رسول اهلل[ فاآلية نص صريح يف أن حممداً ‪ r‬رسول اهلل‪ .‬وقوله تعاىل‪:‬‬
‫]للذين يؤلون‪ 4‬من نسائهم تربص أربعة أشهر[(‪ )1‬فاآلية نص يف قدرة مدة الرتبص‪4.‬‬
‫قال القاضي أبو يعلى‪( :‬والصحيح أن يقال‪ :‬النص ما كان صرحياً يف حكم األحكام وإن كان‬
‫يعز وجوده ‪ ). .‬والظاهر أن‬
‫اللفظ حمتمالً يف غريه‪ ،‬وليس من شرط أال حيتمل معىن واحداً‪ ،‬ألن هذا ّ‬
‫هذا النص غري الصريح‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ويطلق النص عند الفقهاء على كل ما ورد يف الكتاب والسنة أنه نص‪ ،‬فيقال لنا النص واملعىن‪،‬‬
‫ونصوص الشريعة متضافرة بذلك ‪ . .‬وهو هبذا االصطالح يقابل اإلمجاع والقياس(‪.)2‬‬
‫وقوله‪( :‬وقيل ما تأويله تنـزيله) هذا تعريف آخر للنص‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬تأويله)‪ :‬أي محله على معناه وفهم املراد منه‪.‬‬
‫(تنـزيله)‪ :‬أي مبجرد نزوله يفهم معناه‪ ،‬وال يتوقف فهم املراد على تأويل أي‪ :‬على تفسري‪ .‬ألنه ال‬
‫حيتمل إال معىن واحداً كما تقدم(‪.)3‬‬
‫والتعريف األول الذي ذكره املصنف‪ 4‬أدق من هذا‪ ،‬ألنه قد يدخل فيه الظاهر‪ ،‬ألنه مبجرد مساعه‬
‫يفهم منه معناه الظاهر من غري احتياج إىل شيء آخر‪ ،‬وإن احتمل غريه مرجوحاً‪.‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.226 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر العدة أليب يعلى (‪ )1/138‬رسالة يف أصول الفقه للعكربي ص‪ ،105‬وأصول الفقه للربديسي ص‪ 366‬شرح تنقيح الفصول ص‪،36‬‬ ‫‪2‬‬

‫التأسيس‪ 4‬يف أصول الفقه أليب إسالم مصطفى بن سالمة (‪.)2/10‬‬


‫(?) انظر غاية املرام ص‪.140‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪85‬‬
‫قوله‪( :‬وهو مشتق من منصة العروس وهو الكرسي) يشري بذلك إىل أن النص يف وضوحه يشبه‬
‫العروس اجلالسة على مرتفع ال ختفى على أحد‪ .‬وال حيتمل أن تكون غريها هي‪ ،‬فكذلك النص يف‬
‫ظهوره الذي ال حيتمل إال معىن واحداً‪.‬‬
‫والظاهر أن املراد بقوله‪( :‬وهو مشتق من منصة العروس) االشتقاق املعنوي‪ 4‬وهو االرتفاع والظهور‪.‬‬
‫ال االشتقاق اللغوي‪ .‬ألن (منصة) بكسر امليم اسم آلة مشتقة من املصدر وهو النص‪ .‬وليس النص مشتقاً‬
‫منها‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫الظــاهر والمــؤول‬

‫(والظاهر ما احتمل أمرين أحدهما أظهر من اآلخر‪ .‬ويؤول الظاهر بالدليل‪ ،‬ويسمى‬
‫الظاهر بالدليل)‪.‬ـ‬
‫الظاهر لغة‪ :‬الواضح‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬لفظه يغين عن تفسريه‪ .‬واصطالحاً عرفه بقوله‪( :‬ما احتمل‬
‫أمرين أحدمها أظهر من اآلخر)‪.‬‬
‫فقوله‪( :‬ما)‪ :‬أي لفظ‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬احتمل أمرين)‪ :‬أي معنيني أو أكثر‪ ،‬ألن الظاهر قد يكون له عدة احتماالت‪ ،‬هو يف‬
‫أحدمها أظهر‪ .‬وهذا خيرج النص ملا تقدم‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬أحدمها)‪ :‬أي أحد املعنيني‪ ،‬وهو املعىن الذي يتبادر إىل الذهن مبجرد السماع‪ ،‬وهذا‬
‫خيرج اجململ ألنه ال يتبادر فيه واحد من املعنيني‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬أظهر من اآلخر)‪ :‬للظهور أسباب منها‪:‬‬
‫‪ )1‬احلقيقة ويقابلها اجملاز‪ .‬حنو‪ :‬رأيت أسد‪ .‬فهو حيتمل أن يكون املراد احليوان‪ 4‬املفرتس‪ ،‬وهو‬
‫الظاهر ألنه موضوع له‪ ،‬وحيتمل الرجل الشجاع‪ ،‬ومحله عليه تأويل ال يقبل إال بقرينة‪.‬‬
‫‪ )2‬االكتفاء وعدم التقرير‪ ،‬ألن هذا هو األصل‪ ،‬فقوله تعاىل‪] :‬وجاء ربك[(‪ )1‬ظاهره أن اهلل‬
‫تعاىل جييء بنفسه‪ ،‬وادعاء أن املراد (جاء أمر ربك) تأويل على خالف الظاهر‪.‬‬
‫‪ )3‬اإلطالق وعدم التقييد كقوله تعاىل يف كفارة الظهار‪] :‬فتحرير رقبة[(‪ )2‬الظاهر أن الرقبة‬
‫غري مقيدة باإلميان‪ ،‬وتقدم ذلك يف باب املطلق واملقيد‪.‬‬

‫(?) سورة الفجر‪ ،‬آية‪.22 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة النساء‪ ،‬آية‪.92 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪86‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ )4‬العموم‪ .‬فألفاظ العموم ظاهرة فيه مع احتمال اخلصوص‪ 4.‬ومحلها على اخلصوص تأويل‬
‫ومن أمثلة الظاهر ما ورد يف حديث الرباء بن عازب رضي اهلل عنه قال‪ :‬سئل رسول اهلل ‪r‬‬
‫عن الوضوء من حلوم اإلبل‪ .‬فقال‪" :‬توضأوا‪ 4‬منها ‪ " . .‬احلديث(‪.)2‬‬
‫فإن الظاهر من احلديث أن املراد غسل األعضاء األربعة‪ ،‬ألن الوضوء حقيقة شرعية حيمل يف‬
‫كالم الشرع على مراده‪ ،‬وال يصح محله على املعىن الثاين وهو النظافة إال بدليل وال دليل‪ ،‬فيكون‪ 4‬ظاهراً‬
‫يف املعىن األول‪.‬‬
‫قوله‪( :‬ويؤول الظاهر بالدليل)‪ :‬أي يصرف اللفظ عن ظاهره بالدليل‪ .‬وهذا يفيد أن حكم الظ‪4‬اهر‬
‫أنه ال يع ‪44‬دل عنه إال ب ‪44‬دليل ص ‪44‬حيح يص ‪44‬رفه عن ظ ‪44‬اهره‪ ،‬ويك ‪44‬ون‪ 4‬ال ‪44‬دليل أق ‪44‬وى من الظ ‪44‬اهر‪ ،‬وإال فيجب‬
‫العمل بالظاهر‪.‬‬
‫ومحل اللفظ على املعىن الظ ‪44 4‬اهر ال حيت ‪44 4‬اج إىل دلي ‪44 4‬ل‪ ،‬ألن ه ‪44 4‬ذا هو األص ‪44 4‬ل‪ ،‬وألن العمل بالظ ‪44 4‬اهر‬
‫طريقة الس‪44‬لف الص‪44‬احل من ه‪44‬ذه األم‪44‬ة‪ ،‬وألنه أح‪44‬وط وأب‪44‬رأ للذم‪44‬ة‪ ،‬وأق‪44‬وى يف التعب‪44‬د‪ ،‬وأدل على االنقي‪44‬اد‪.‬‬
‫فإذا صرف اللفظ عن ظاهره بدليل صار مؤوالً‪.‬‬
‫واملؤول لغ‪44‬ة‪ :‬م‪44‬أخوذ من األول مص‪44‬در آل ي‪44‬ؤول أوالً‪ :‬إذا رج‪44‬ع‪ .‬نق‪44‬ول‪ :‬آل األمر إىل فالن‪ .‬أي‪:‬‬
‫رجع إليه‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬محل اللفظ على املعىن املرجوح‪.‬‬
‫أي‪ :‬ص‪44‬رف اللفظ عن ظ‪44‬اهره املتب‪44‬ادر منه إىل معىن مرج‪44‬وح غري متب‪44‬ادر لل‪44‬ذهن‪ .‬ومثاله قوله تع‪44‬اىل‪:‬‬
‫]فق‪44 4‬وىل إين ن‪44 4‬ذرت لل‪44 4‬رمحن ص‪44 4‬وما[(‪ )3‬فلفظ الص‪44 4‬وم‪ 4‬يف اآلية حيتمل معن‪44 4‬يني‪ :‬أح‪44 4‬دمها وهو الظ‪44 4‬اهر مبعىن‬
‫الص‪44‬وم الش‪44‬رعي وهو اإلمس‪44‬اك عن املفط‪44‬رات‪ .‬والث‪44‬اين وهو املرج‪44‬وح مبعىن اإلمس‪44‬اك عن الكالم‪ 4.‬وه‪44‬ذا هو‬
‫املراد من اآلية بدليل ]فلن أكلم اليوم‪ 4‬إنسيّا[(‪.)4‬‬
‫وهذا هو التأويل يف اصطالح األصوليني(‪ .)5‬وهو ال يكون صحيحاً مقبوالً إال بثالثة‪ 4‬شروط‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يكون اللفظ قابالً للتأويل‪ .‬بأن يكون‪ 4‬املعىن املرجوح مما حيتمله اللفظ‪ .‬فص‪44‬رف الع‪44‬ام –‬
‫مثالً – عن عمومه وإرادة بعض أفراده بدليل هو تأويل ص‪44‬حيح‪ ،‬ألن الع‪44‬ام حيتمل اخلص‪44‬وص‪ 4‬فقوله تع‪44‬اىل‪:‬‬

‫(?) انظر الواضح يف أصول الفقه ص‪.135‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أخرجه أبو داود رقم ‪ 184‬وغريه وهو حديث صحيح وملسلم مبعناه‪ .‬انظر صحيح مسلم رقم ‪.360‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة مرمي‪،‬آية‪.26 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة مرمي‪ ،‬آية‪.26 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) ويطلق‪ 4‬التأويل على التفسري وهو توضيح الكالم بذكر معناه املراد به ويطلق على مال الكالم إىل حقيقته‪ .‬فإن كان خرباً فتأويله وقوع املخرب به وإن‬ ‫‪5‬‬

‫كان طلباً فتأويله امتثال املطلوب‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫]ح ‪4ّ 4‬رمت عليكم امليتة[(‪ )1‬نص ظ ‪44‬اهر يف حترمي جلد امليت ‪44‬ة‪ .‬لكن ص ‪44‬رف ه ‪44‬ذا العم ‪44‬وم عن ظ ‪44‬اهر قوله ‪:r‬‬
‫"هال أخذمت إهاهبا فانتفعتم به"(‪.)2‬‬
‫ف ‪44‬إن ك ‪44‬ان اللفظ ال حيتمل املعىن املرج ‪44‬وح أص‪4 4‬الً فهو تأويل فاسد م ‪44‬ردود‪ ،‬كقوله تع ‪44‬اىل‪] :‬ال ‪44‬رمحن‬
‫ص‪4‬ا يليق باهلل عز وج‪44‬ل‪ .‬وه‪44‬ذا‬ ‫على الع‪44‬رش اس‪44‬توى[ ف‪44‬إن ظ‪44‬اهره أن اهلل تع‪44‬اىل عال على الع‪44‬رش عل‪4ّ 4‬واً خا ّ‬
‫(‪)3‬‬

‫وهو املراد‪ .‬وص ‪44 4‬رفه إىل معىن االس ‪44 4‬تيالء وامللك باط ‪44 4‬ل‪ ،‬ألنه ال يع ‪44 4‬رف يف اللغة االس ‪44 4‬تواء مبعىن االس‪44 4‬تيالء‬
‫وامللك‪.‬‬
‫الشرط الثاين‪ :‬أن يقوم دليل صحيح على ص‪44‬حة ص‪4‬رف اللفظ عن ظ‪44‬اهره‪ ،‬إىل املعىن املرج‪44‬وح‪ ،‬فال‬
‫يصح التأويل مبج‪44‬رد االحتم‪44‬ال‪ .‬ألن األصل العمل بالظ‪44‬اهر وع‪44‬دم ص‪44‬رف ال‪44‬دليل عن ظ‪44‬اهره – كما تق‪44‬دم‬
‫– فالع‪44‬ام على عموم‪44‬ه‪ .‬وال يقصر على بعض أف‪44‬راده إال ب‪44‬دليل‪ .‬واملطلق على إطالقة وال يع‪44‬دل عن إطالقة‬
‫إىل تقيي‪44 4‬ده إال ب‪44 4‬دليل‪ .‬وظ‪44 4‬اهر األمر الوج‪44 4‬وب فال حيمل على الن‪44 4‬دب أو غ‪44 4‬ريه إال ب‪44 4‬دليل‪ .‬وظ‪44 4‬اهر النهي‬
‫التحرمي فال حيمل على الكراهة – مثالً – إال بدليل‪.‬‬
‫ف‪44‬إن مل يوجد دليل أص ‪4‬الً فهو تأويل فاسد م‪44‬ردود‪ ،‬ألنه دع‪44‬وى بال بره‪44‬ان‪ ،‬كقول‪44‬ك‪ :‬رأيت أس‪44‬داً‪.‬‬
‫تريد رجالً شجاعاً‪.‬‬
‫وه‪44‬ذا الن‪44‬وع‪ 4‬من التأويل متتلئ به كتب الش‪44‬يعة والباطني‪44‬ة‪ 4.‬حيث فس‪44‬روا ألف‪44‬اظ الق‪44‬رآن مبا ال حتتمله‬
‫من ق ‪44‬ريب وال بعي ‪44‬د‪ .‬وحرفوها عن م ‪44‬دلوهلا احلقيقي‪ 4‬إىل م ‪44‬دلوالت ال وج ‪44‬ود هلا إال يف عق ‪44‬ول أص ‪44‬حاهبا‪،‬‬
‫فيفسرون (النور) يف قوله تعاىل‪] :‬فآمنوا باهلل ورس‪44‬وله والن‪44‬ور ال‪44‬ذي أنزلنا ‪ )4([. . .‬ب‪44‬أن املراد‪ :‬ن‪44‬ور األئمة‬
‫من آل البيت‪ .‬ويف قوله تعاىل‪] :‬ال تتخذوا إهلني اثنني إمنا هو إله واح ٌد[(‪ )5‬ق‪4‬الوا‪ :‬يعىن ب‪4‬ذلك وال تتخ‪4‬ذوا‬
‫إمامني إمنا هو إمام واحد‪ .‬وغري ذلك كثري(‪.)6‬‬
‫ومن التأويل الفاسد املردود تأويل املعطلة يف ب ‪44 4 4‬اب األمساء والص ‪44 4 4‬فات‪ ،‬ألنه تأويل ليس عليه دليل‬
‫صحيح‪.‬‬
‫الش ‪44‬رط الث ‪44‬الث‪ :‬أن يك ‪44‬ون‪ 4‬هن ‪44‬اك م ‪44‬وجب للتأوي ‪44‬ل‪ .‬ب ‪44‬أن يك ‪44‬ون ظ ‪44‬اهر النص خمالف ‪4‬اً لقاع ‪44‬دة مق ‪44‬ررة‬
‫معلومة من ال‪44 4 4 4‬دين بالض‪44 4 4 4‬رورة‪ ،‬أو خمالف‪4 4 4 4‬اً لنص أق‪44 4 4 4‬وى منه س‪44 4 4 4‬نداً‪ .‬ومث‪44 4 4 4‬ال ذل‪44 4 4 4‬ك‪ .‬قوله ‪" :r‬اجلار أحق‬

‫(?) سورة املائدة‪ ،‬آية‪.3 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه البخاري (‪ )1421‬ومسلم(‪.)363‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة طه‪ ،‬آية‪.5 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة التغابن‪ ،‬آية‪.8 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) سورة النحل‪ ،‬آية‪.51 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) انظر (مسألة التقريب بني أهل السنة والشيعة) ‪ 1/214‬للدكتور‪ 4‬ناصر القفاري‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪88‬‬
‫بص‪44‬قبه"‪ .)1(4‬والص‪44‬قب‪ 4:‬الق‪44‬رب واملالص‪44‬قة‪ 4.‬وهو املعىن ال‪44‬راجح‪ .‬وحيتمل أن املراد الش‪44‬ريك‪ .‬وهو املرج‪44‬وح‪.‬‬
‫فلما ج ‪44‬اء ح ‪44‬ديث "إذا وض ‪44‬عت احلدود وص ‪4ّ 4‬رفت الط ‪44‬رق فال ش ‪44‬فعة"(‪ )2‬منع إرادة اجلار املالص ‪44‬ق‪ ،‬وتعني‬
‫محل احلديث األول على الش‪44 4‬ريك‪ ،‬ألنه ال ض‪44 4‬رب حلدود وال ص‪44 4‬رف لط‪44 4‬رق إال يف الش‪44 4‬ركة‪ .‬أما اجلريان‪4‬‬
‫فكل على حدوده‪ ،‬وطرقه‪ .‬فمن محله على الشريك قال‪ :‬ال شفعة جلار‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫قول ‪44‬ه‪( :‬ويس ‪44‬مى الظ ‪44‬اهر بال ‪44‬دليل) أي أن املؤول يصري ظ ‪44‬اهراً بس ‪44‬بب ال ‪44‬دليل‪ ،‬ألن الظ ‪44‬اهر نوع ‪44‬ان‪4:‬‬
‫ظ ‪44‬اهر من جهة اللف ‪44‬ظ‪ ،‬وظ ‪44‬اهر من جهة ال ‪44‬دليل‪ ،‬فهو ظ ‪44‬اهر مقي ‪44‬د‪ ،‬ويفهم منه أن ال ‪44‬دليل البد أن يك ‪44‬ون‬
‫قويّاً ليكون املرجوح راجحاً‪ ،‬ألن ماال يصريه‪ 4‬الدليل راجحاً ال يكون‪ 4‬ظاهراً‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(?) رواه البخاري (‪.)2139‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه البخاري (‪ )2099‬ومسلم (‪.)1608‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪89‬‬
‫األفعـــالـ‬

‫(فعل صاحبـ الشريعة ال يخلو إما أن يكـون على وجه القربة والطاعة أو غـير ذلـك‪ ،‬فـإن‬
‫د ّل الــدليل على االختصــاص به يحمل على االختصــاص‪ ،‬وإ ن لم يــد ّل ال يختص بــه‪ ،‬ألن‬
‫اهلل تعــالى يقــول‪] :‬لقد ك ــان لكم في رس ــول اهلل أســوة حســنة[(‪ )1‬فيحمل على الوج ــوب عند‬
‫بعض أصحابنا‪ .‬ومن أصحابنا من قــال‪ :‬يحمل على النــدب‪ .‬ومنهم من قــال‪ :‬يتوقف فيــه‪.‬‬
‫فإن كان على غير وجه القربة والطاعة فيحمل على اإلباحة في حقه وحقنا)‪.‬ـ‬
‫أفع‪44‬ال الرس‪44‬ول ‪ r‬من أقس‪44‬ام الس‪44‬نة‪ ،‬ألن الس‪44‬نة هي قوله ‪ r‬وفعله وتقري‪44‬ره‪ .‬وقد ذكر هنا األفع‪44‬ال‬
‫مث اإلق ‪44‬رار وأما األق ‪44‬وال ف ‪44‬ذكرها فيما بعد يف ب ‪44‬اب (األخب ‪44‬ار) وك ‪44‬ان األوىل باملص ‪44‬نف أن جيمعها يف ب ‪44‬اب‬
‫مستقل كما هي طريقة كثري من األصوليني‪.‬‬
‫وقد عين األص‪44‬وليون باألفع‪44‬ال‪ ،‬وأف‪44‬ردوا فيها مص‪44‬نفات مس‪44‬تقلة‪ ،‬ألهنا من أدلة األحك‪44‬ام الش‪44‬رعية‪،‬‬
‫وال خالف يف ذلك‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فعل صاحب الشريعة) أي النيب ‪.r‬‬
‫قوله‪( :‬ال خيلو إما أن يكون على وجه القربة والطاعة ‪ . . .‬إخل) أي أن األفعال هلا حالتان‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬أن يكون فعلها على وجه القربة والطاعة‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أال يكون على وجه القربة والطاعة(‪.)2‬‬
‫فإن كان على وجه القربة والطاعة فال خيلو من حالني‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬أن يدل دليل على االختصاص به‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أال يدل دليل على االختصاص به‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فإن دل الدليل على االختصاص‪ 4‬به حيمل على االختصاص)‪ 4‬أي‪ :‬حيكم باخلصوصية لوجود‬
‫ال‪44‬دليل‪ ،‬وليس ألحد أن يفعله مثل‪44‬ه‪ ،‬وذلك كزيادته يف النك‪44‬اح على أربع نس‪44‬وة لقوله تع‪44‬اىل‪] :‬يا أيها النيب‬
‫إنّا أحللنا أزواجك[(‪ )3‬وكن أك ‪44‬ثر من أرب ‪44‬ع‪ ،‬وكالوص ‪44‬ال يف الص ‪44‬وم‪ 4،‬والنك ‪44‬اح بلفظ اهلب ‪44‬ة‪ ،‬وغري ذلك مما‬
‫يدل عليه القرآن أو السنة(‪.)4‬‬

‫(?) سورة األحزاب‪ ،‬آية‪.21 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر شرح الكوكب املنري (‪ )1/385‬وانظر غاية املرام ص‪.148‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة األحزاب‪ ،‬آية‪.50 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) انظر كتاب ( غاية السول يف خصائص الرسول ‪ ) r‬البن امللقِّن‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪90‬‬
‫قول‪44 4‬ه‪( :‬وإن مل ي‪44 4‬دل ال خيتص ب‪44 4‬ه) أي إن مل ي‪44 4‬دل ال‪44 4‬دليل على أن ه‪44 4‬ذا الفعل خ‪44 4‬اص به مل حيكم‬
‫باخلصوص ‪44‬ية‪ ،‬وه ‪44‬ذا هو األص ‪44‬ل‪ ،‬أعين ع ‪44‬دم اخلصوص ‪44‬ية إال ب ‪44‬دليل‪ .‬ألن األصل التأسي‪ 4‬به ‪ r‬لقوله تع ‪44‬اىل‪:‬‬
‫]لقد كان لكم يف رسول اهلل أسوة حسنة[(‪ )1‬فيك‪4‬ون‪ 4‬ه‪4‬ذا النص معم‪4‬والً به حىت يق‪44‬وم ال‪4‬دليل املانع‪ ،‬وهو‬
‫ما يوجب اخلصوصية‪.‬‬
‫وقوله تعاىل‪] :‬لقد كان لكم يف رسول اهلل أسوة حسنة[(‪ )2‬األسوة‪ 4:‬بضم اهلم‪44‬زة وكس‪44‬رها لغت‪44‬ان‪.‬‬
‫ق‪44 4 4‬رئ هبما يف الس‪44 4 4‬بعة مبعىن الق‪44 4 4‬دوة‪ .‬ق‪44 4 4‬ال ابن كثري رمحه اهلل‪( :‬ه‪44 4 4‬ذه اآلية الكرمية أصل كبري يف التأسي‬
‫برسول اهلل ‪ r‬يف أقواله وأفعاله وأحواله)(‪.)3‬‬
‫قول‪44‬ه‪( :‬فيحمل على الوج‪44‬وب عند بعض أص‪44‬حابنا ‪ . .‬إخل) أي‪ :‬ف‪44‬إذا ك‪44‬ان الفعل على وجه القربة‬
‫والطاعة وال دليل على االختص‪44‬اص‪ 4‬ففيه خالف‪ ،‬ومثاله ما ورد عن ش‪44‬ريح بن ه‪44‬انئ ق‪44‬ال‪ :‬س‪44‬ألت‪ 4‬عائشة‬
‫رضي اهلل عنها‪ :‬بأي شيء كان يبدأ الرسول ‪ r‬إذا دخل بيته‪ .‬قالت‪ :‬بالسواك(‪.)4‬‬
‫فالس ‪44‬واك عند دخ ‪44‬ول ال ‪44‬بيت‪ 4‬فعل جمرد مل ي ‪44‬رد به ق ‪44‬ول‪ ،‬وفعله على وجه القرب ‪44‬ة‪ ،‬فه ‪44‬ذا فيه خالف‬
‫على أقوال ذكر املصنف منها ثالثة‪:‬‬
‫قوله‪( :‬فيحمل على الوجوب عند بعض أصحابنا) ه‪44‬ذا الق‪44‬ول األول وهو وج‪44‬وب اتب‪44‬اع‪ 4‬األمة ل‪44‬ه‪.‬‬
‫وقوله (عند بعض أص‪44 4‬حابنا) أي الش‪44 4‬افعية‪ .‬يعين ابن س‪44 4‬ريج وابن أيب هري‪44 4‬رة – ومها من كب ‪44‬ار الش‪44 4‬افعية‪،‬‬
‫وهو رواية عن اإلم ‪44‬ام أمحد ذكرها أبو يعلى وهو ق ‪44‬ول اإلم ‪44‬ام مال ‪44‬ك‪ .‬ودليلهم قوله تع ‪44‬اىل‪] :‬وما ءات ‪44‬اكم‬
‫الرس ‪44‬ول فخ‪44 4‬ذوه[(‪ .)5‬واس‪44 4‬تبعد‪ 4‬ه‪44 4‬ذا الق‪44 4‬ول إم‪44 4‬ام احلرمني يف الربه‪44 4‬ان‪ 4.‬وأما اآلية فمعناه‪44 4‬ا‪ :‬ما أم ‪44‬ركم به‬
‫الرس‪44‬ول ‪ r‬فخ‪44‬ذوه ب‪44‬دليل ]وما هناكم عنه ف‪44‬انتهوا‪ )6([4‬وعلى الق‪44‬ول ب‪44‬أن اآلية ظ‪44‬اهرة يف غ‪44‬رض املس‪44‬تدل‪،‬‬
‫لكن تطرق االحتمال يضعف االستدالل‪.‬‬
‫وقول ‪44‬ه‪( :‬ومن أص ‪44‬حابنا من ق‪44 4‬ال‪ :‬حيمل على الن‪44 4‬دب) ه‪44 4‬ذا الق ‪44‬ول الث ‪44‬اين وهو أنه يس ‪44‬تحب لألمة‬
‫اتباعه فيما فعله على وجه القربة‪ .‬وهو قول لبعض الشافعية كما ذكر املصنف‪ 4،‬وقول الظاهرية وهو ق‪44‬ول‬

‫(?) سورة األحزاب‪ ،‬آية‪.21 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة األحزاب‪ ،‬آية‪.21 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) تفسري بان كثري (‪.)6/392‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أخرجه مسلم رقم ‪ 253‬وانظر جامع األصول (‪.)7/177‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) سورة احلشر‪ ،‬آية‪.7 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) سورة احلشر‪ ،‬آية‪.7 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪91‬‬
‫أك ‪44‬ثر احلنفي ‪44‬ة‪ 4،‬ورواية عن اإلم ‪44‬ام أمحد‪ .‬ذكرها القاضي أبو يعلى‪ .‬ورجح ه ‪44‬ذا إم ‪44‬ام احلرمني يف الربه ‪44‬ان‪4،‬‬
‫وتبعه الغ‪44‬زايل يف املنخ‪44‬ول‪ ،‬ورجحه الش‪44‬وكاين يف اإلرش ‪44‬اد‪ ،‬ألنه أقل ما يتق ‪44‬رب به هو املن ‪44‬دوب‪ ،‬وال دليل‬
‫يدل على زيادة على الندب‪ ،‬فوجب القول به(‪.)1‬‬
‫قول ‪44 4 4‬ه‪( :‬ومنهم من ق ‪44 4 4‬ال يتوقف في ‪44 4 4‬ه) ه ‪44 4 4‬ذا هو الق ‪44 4 4‬ول الث ‪44 4 4‬الث‪ ،‬وهو التوقف لع‪44 4 4‬دم معرفة املراد‬
‫ولتع‪44‬ارض األدل‪44‬ة‪ .‬وه‪44‬ذا أض‪44‬عف األق‪44‬وال‪ ،‬ق‪44‬ال الش‪44‬وكاين‪( :‬وعن‪44‬دي أنه ال معىن للوقف يف الفعل ال‪44‬ذي قد‬
‫ظهر فيه قصد القرب ‪44‬ة‪ .‬ف ‪44‬إن قصد القربة خيرجه عن اإلباحة إىل ما فوقه ‪44‬ا‪ .‬واملتيقن مما هو فوقها الن ‪44‬دب) أ‬
‫هـ(‪.)2‬‬
‫وال‪44 4‬راجح – واهلل أعلم – هو الق‪44 4‬ول بالن‪44 4‬دب‪ ،‬ألن القرب‪44 4‬ة‪ ،‬طاعة وهي غري خارجة عن ال‪44 4‬واجب‬
‫واملندوب‪ ،‬والقدر املشرتك‪ 4‬بينهما ترجيح الفعل على الرتك‪ ،‬وهذه حقيقة املندوب‪ ،‬قال شيخ اإلس‪44‬الم‪ 4‬ابن‬
‫تيمية رمحه اهلل‪( :‬وما فعله النيب ‪ r‬على وجه التعبد فهو عب‪44‬ادة‪ ،‬يش‪44‬رع التأسي‪ 4‬به في‪44‬ه‪ ،‬ف‪44‬إذا خصص زمان‪4‬اً‬
‫أو مكاناً بعبادة كان ختصيصه تلك العبادة سنة ‪.)3() . . .‬‬
‫قول‪44 4‬ه‪( :‬ف‪44 4‬إن ك‪44 4‬ان على غري وجه القربة والطاعة فيحمل على اإلباحة يف حقه وحقن ‪44‬ا)‪ .‬ه ‪44‬ذه هي‬
‫احلال الثانية لألفعال النبوية‪ 4.‬وهو الذي مل يظهر فيه قصد القربة‪ .‬ويدخل حتت هذا نوعان(‪.)4‬‬
‫‪ )1‬ما فعله مبقتضى اجلبلة والبشرية كالقيام والقعود والنوم واألكل والشرب‪ ،‬فهذا ال حكم له يف‬
‫ذاته ألنه ليس من باب التكليف‪ ،‬ألن التكليف فيما ميكن فعله وتركه‪ ،‬وه‪44‬ذه األفع‪44‬ال ليست‬
‫مش‪44 4 4‬روعة ل‪44 4 4‬ذاهتا أو مقص‪44 4 4‬وداً هبا التأس‪44 4 4‬ي‪ 4،‬ألن كل ذي روح من البشر ال خيلو عنها إال إذا‬
‫ك‪44‬ان ه‪44‬ذا الفعل له هيئة معين‪44‬ة‪ ،‬كص‪44‬فة أكله وش‪44‬ربه ونومه وحنو ذل‪44‬ك‪ ،‬فه‪44‬ذا له حكم ش‪44‬رعي‪،‬‬
‫كما دلت عليه النصوص‪4.‬‬
‫‪ )2‬ما فعله وفق الع‪4‬ادات‪ ،‬وذلك كلباسه ‪ r‬فه‪4‬ذا الن‪4‬وع‪ 4‬مب‪4‬اح مل يقصد به التش‪4‬ريع فال اس‪4‬تحباب‬
‫للمتابع ‪44‬ة‪ ،‬ألن اللب ‪44‬اس منظ ‪44‬ور فيه إىل الع ‪44‬ادة اليت اعتادها أهل البل ‪44‬د‪ ،‬وهلذا مل يغري الرس ‪44‬ول ‪r‬‬

‫(?) انظر الربهان إلمام احلرمني (‪ )1/322‬العدة يف أصول الفقه (‪ )3/734‬شرح تنقيح الفصول ص‪ 288‬املنخول ص‪ ،226‬إرشاد الفحول ص‪.36‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) اإلرشاد ص‪.38‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) جمموع‪ 4‬الفتاوى (‪.)10/409‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) انظر أصول الفقه اإلسالمي (‪.)1/480‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪92‬‬
‫لباسه ال‪44 4‬ذي ك‪44 4‬ان يلبسه قبل النب‪44 4‬وة(‪ ،)5‬وإمنا وضع اإلس‪44 4‬الم ش‪44 4‬روطاً وض‪44 4‬وابط للب ‪44‬اس الرجل‬
‫واملرأة تستفاد من الكتاب والسنة‪.‬‬
‫وبقي من األفع‪44 4‬ال ن‪44 4‬وع آخر وهو ما فعله ‪ r‬بيان ‪4 4‬اً جملم‪44 4‬ل‪ ،‬فه‪44 4‬ذا حكمه حكم اجملم ‪44‬ل‪ ،‬ف ‪44‬إن ك ‪44‬ان‬
‫واجباً فالفعل واجب‪ .‬وإن كان مندوباً فالفعل مندوب‪ .‬لكنه واجب على الرس‪44‬ول ‪ r‬مطلق‪4‬اً حىت حيصل‬
‫البالغ‪ ،‬مث يكون حكمه كحكم األمة يف ذلك‪.‬‬
‫فمثال الواجب‪ :‬مسحه الرأس كله(‪ )1‬بياناً لقوله تعاىل‪] :‬وامسحوا برءوسكم[(‪.)2‬‬
‫ومث‪44‬ال املن‪44‬دوب‪ :‬ص‪44‬الته ‪ r‬ركع‪44‬تني عند املق‪44‬ام بعد طوافه(‪ )3‬بيان‪4‬اً لقوله تع‪44‬اىل‪] :‬واختذوا من مق‪44‬ام‬
‫إبراهيم مصلى[(‪ )4‬وقد نقل احلافظ ابن حجر يف فتح الباري اإلمجاع على جواز ركعيت الط‪4‬واف على أي‬
‫جهة من جهات الكعبة(‪ )5‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(?) للشيخ سليمان بن سحمان – رمحه اهلل – كالم ماتع حول هذا املوضوع يف رسالته (إرشاد الطالب إىل أهم املطالب) ص‪ 29‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) أخرجه البخاري رقم ‪ 183‬ومسلم رقم ‪ 235‬من حديث عبد اهلل بن زيد رضي اهلل عنه‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة املائدة‪ ،‬آية‪.6 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ورد هذا يف حديث جابر عن مسلم رقم ‪.1218‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.125 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) انظر فتح الباري (‪.)1/499‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪93‬‬
‫اإلقــــرار‬

‫(وإ قرار صاحب الشريعة على القول هو قول صاحبـ الشريعة‪ .‬وإ قراره على الفعل‬
‫كفعله‪ .‬وما فعل في وقته في غير مجلسه وعلم به ولم ينكره‪ ،‬فحكمه حكم ما فعل في‬
‫مجلسه)‪.‬‬
‫ملا بني حكم الفعل ذكر بعده اإلقرار‪ ،‬ألنه من السنة كما تقدم‪ ،‬وصورته أن يسكت النيب ‪ r‬عن‬
‫إنكار قول أو فعل بني يديه أو يف عصره وعلم به‪ ،‬فكل أمر أقر الرسول ‪ r‬عليه ومل ينكر على فاعله‪،‬‬
‫فإن كان قوالً فهو كقوله ‪ ،r‬وإن كان فعالً فهو كفعله ‪ ،r‬ألنه ‪ r‬معصوم عن أن يقر أحداً على خطأ‬
‫أو معصية‪ 4‬فيما يتعلق بالشرع‪.‬‬
‫مثال اإلقرار على الفعل‪ :‬إقراره ‪ r‬احلبشة يلعبون يف املسجد من أجل التأليف على اإلسالم‪ ،‬كما‬
‫يف حديث عائشة رضي اهلل عنها قالت‪ :‬رأيت رسول اهلل ‪ r‬يوماً على باب حجريت واحلبشة يلعبون‬
‫حبراهبم يف املسجد‪ .‬احلديث(‪.)1‬‬
‫ومثاله – أيضاً – إقراره ‪ r‬قيس بن عمرو رضي اهلل عنه على قضاء ركعيت الفجر بعد الصالة‬
‫مع أن الوقت وقت هني(‪ .)2‬ومثال اإلقرار على القول‪ :‬إقراره ‪ r‬أبا بكر رضي اهلل عنه على قوله بإعطاء‬
‫سلب القتيل لقاتله(‪.)3‬‬
‫قوله‪( :‬وما فعل يف وقته يف غري جملسه ‪ . .‬إخل) أي‪ :‬وما فعله املكلف أو قاله (يف وقته) أي زمان‬
‫حياته ‪( r‬يف غري جملسه) أي‪ :‬حبيث ال يشاهده‪ ،‬ولكنه (علم به ومل ينكره فحكمه ما فعل يف جملسه)‬
‫أي يف داللته على جواز ذلك الفعل أو القول‪ ،‬وهذا يشمله ما تقدم يف قوله (وإقرار صاحب الشريعة‬
‫‪ ). . .‬لكنه صرح به لإليضاح‪ ،‬ودفع توهم االختصاص‪ 4‬مبا يف جملسه‪ .‬ومثال ذلك‪ :‬قصة معاذ رضي اهلل‬
‫عنه حيث كان يصلي العشاء مع النيب ‪ r‬مث ينصرف إىل قومه ويصلي هبم(‪ ،)4‬فهي له تطوع وهلم‬
‫فريضة‪ ،‬وهذا ليس يف القوة كالواقع بني يديه ‪ r‬الحتمال أنه مل يبلغه ‪ r‬وإن كان الغالب على الظن أن‬
‫رسول اهلل ‪ r‬كان يعلم األئمة الذين يصلون يف قبائل املدينة‪ 4،‬ومما يؤكد ذلك قصة األعرايب الذي شكا‬
‫إىل النيب ‪ r‬تطويل معاذ‪ ،‬كما يف حديث جابر رضي اهلل عنه(‪.)5‬‬

‫(?) أخرجه البخاري رقم ‪ 443‬ومسلم رقم ‪ .892‬واحلراب‪ :‬بكسر احلاء مجع حربة وهي اآللة دون الرمح‪ .‬انظر كتاب (احلرف والصناعات يف‬ ‫‪1‬‬

‫احلجاز يف عصر الرسول ‪ ،r‬ص‪ 218‬لعبد العزيز بن إبراهيم العمري‪.‬‬


‫(?) أخرجه الرتمذي رقم ‪ 422‬وانظر األحوذي (‪ )2/487‬وهو حديث صحيح بطرقه‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أخرجه البخاري رقم ‪ 2973‬ومسلم رقم ‪.1751‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أخرجه البخاري رقم ‪ 668‬ومسلم رقم ‪.465‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) أخرجه البخاري رقم ‪ 669‬ومسلم رقم ‪.465‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪94‬‬
‫وقد استدل حبديث معاذ من أجاز صالة املفرتض خلف املتنقل‪ ،‬وهي مسألة خالفية‪ .‬واهلل أعلم‬
‫بالصواب‪.‬‬
‫النســـخ‬

‫(وأما النسخ فمعناه لغة‪ :‬اإلزالة‪ ،‬يقال‪ :‬نسخت الشمس الظل‪ :‬إذا أزالته‪ .‬وقيل معناه‪:‬‬
‫النقل‪ .‬من قولهم‪ :‬نسخت ما في هذا الكتاب أي نقلته‪.‬‬
‫وحده‪ :‬هو الخطاب الدال على رفع الحكم الثابت بالخطابـ المتقدم على وجه لواله‬
‫لكان ثابتاً مع تراخيه عنه)‪.‬‬
‫النسخ يف اللغة يطلق على معنيني‪:‬‬
‫‪ )1‬الرفع واإلزالة‪ .‬يقال‪ :‬نسخت الشمس الظل أي أزالته‪ .‬ونسخت الريح األثر‪ :‬أزالته‪ .‬قال‬
‫تعاىل‪] :‬فينسخ اهلل ما يلقى الشيطان[(‪.)1‬‬
‫‪ )2‬النقل‪ :‬يقال‪ :‬نسخت ما يف الكتاب أي نقلته مع بقائه يف نفسه‪ .‬ألن ما يف الكتاب مل ينقل‬
‫حقيقة‪ ،‬قال تعاىل‪] : :‬إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون[(‪.)2‬‬
‫قوله‪( :‬وحده‪ :‬اخلطاب الدال على رفع احلكم ‪ . .‬إخل) حده‪ :‬أي معناه االصطالحي‪،‬‬
‫وهذا تعريف الناسخ‪ ،‬ألنه هو اخلطاب‪ ،‬ال تعريف النسخ الذي هو رفع احلكم أو اللفظ‪،‬‬
‫لكن يؤخذ منه تعريف النسخ‪ ،‬ألنه يلزم من كون الناسخ هو اخلطاب الدال على الرفع أن‬
‫يكون‪ 4‬مدلول اخلطاب هو النسخ الذي هو رفع احلكم‪ ،‬فالرافع هو اخلطاب‪ .‬والرفع هو‬
‫النسخ‪ .‬فهما متالزمان‪ 4‬إذ ال رفع إال خبطاب‪.‬‬
‫قوله‪( :‬اخلطاب) املراد به‪ :‬الكتاب والسنة‪ .‬فالناسخ هو الكتاب والسنة‪ ،‬وال نسخ باإلمجاع‬
‫وال القياس‪ ،‬أما اإلمجاع فألنه ال ينعقد إال بعد وفاته ‪ ،r‬وبعد وفاته ال ميكن النسخ ألنه تشريع‪ ،‬وإمنا‬
‫يقع النسخ مبستند اإلمجاع‪ .‬وأما القياس فألن النص مقدم عليه‪ .‬وال يصار إليه إال عند عدم النص‪.‬‬
‫والناسخ يف احلقيقة هو اهلل تعاىل ويطلق على النص الناسخ‪ ،‬فيقال‪ :‬هذه اآلية ناسخة لكذا‪.‬‬
‫قوله‪( :‬الدال على رفع احلكم) املراد برفع احلكم تغيريه‪ 4‬من إجياب إىل إباحة كنسخ الصدقة‬
‫عند مناجاة الرسول ‪ r‬كما سيأيت إن شاء اهلل‪ .‬أو من إباحة إىل حترمي كنسخ إباحة اخلمر املنصوص‪ 4‬عليه‬

‫(?) سورة احلج‪ ،‬آية‪.52 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة اجلاثية‪ ،‬آية‪.29 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪95‬‬
‫يف قوله تعاىل‪] :‬تتخذون منه سكرا ورزقاً حسناً[(‪ )1‬وغري ذلك‪ .‬وقد يكون‪ 4‬النسخ برفع اللفظ – كما‬
‫سيذكره املصنف‪ 4.‬وإمنا اقتصر على نسخ احلكم ألنه هو الغالب‪.‬‬
‫قوله‪( :‬الثابت‪ 4‬باخلطاب املتقدم)‪ :‬هذا صفة للحكم املنسوخ‪ .‬وباخلطاب‪ :‬متعلق بالثابت‪.‬‬
‫واملتقدم‪ :‬أي يف الورود إىل املكلفني‪ .‬فهو متقدم على اخلطاب الدال على الرفع‪.‬‬
‫وهذا القيد إلخراج رفع احلكم الثابت‪ 4‬بالرباءة األصلية فليس بنسخ‪ ،‬ذلك أن ابتداء العبادات يف‬
‫الشرع مزيل حلكم الرباءة‪ 4‬األصلية‪ ،‬وهي عدم التكليف‪ ،‬وليس هذا نسخاً‪ ،‬ألن الرباءة‪ 4‬مل تثبت خبطاب‬
‫من الشرع‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬على وجه لواله لكان ثابتاً)‪ :‬وجه مبعىن‪ :‬حال‪ .‬والضمري يف قوله (لواله) يعود على‬
‫اخلطاب الثاين‪ .‬واسم كان‪ :‬هو احلكم‪ .‬أي حال كونه على وجه لوال ذلك اخلطاب لكان ذلك احلكم‬
‫ثابتاً‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬مع تراخيه عنه)‪ :‬أي مضي مدة بني الناسخ واملنسوخ‪ ،‬وهذا القيد إلخراج ما إذا كان‬
‫اخلطاب الثاين غري مرتاخ‪ ،‬بل كان متصالً باألول‪ ،‬فال يكون‪ 4‬نسخاً بل يكون‪ 4‬بياناً كالشرط والصفة‬
‫واالستثناء‪4.‬‬
‫فقوله تعاىل‪] :‬وهلل على الناس حج البيت‪ 4‬من استطاع إليه سبيال[(‪ )2‬فيه رفع حكم وجوب احلج‬
‫عن غري املستطيع‪ ،‬ولكنه ليس بنسخ‪ ،‬ألنه مل يرتاخ عنه‪ ،‬بل هو متصل‪ .‬هكذا قال بعض‬
‫األصوليني‪.‬وهذا فيه نظر ألن التخصيص باملخصص املتصل‪ – 4‬وهو البدل هنا – ليس رفعاً للحكم‪ ،‬وإمنا‬
‫هو بيان أن املخرج غري مراد باحلكم‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫وهذا التعريف مطول ال يليق باملختصرات‪ .‬مع ما يرد عليه من اعرتاضات‪ 4.‬منها‪ :‬أنه عرف‬
‫الناسخ دون النسخ‪ .‬ومنها‪ :‬أنه غري جامع‪ ،‬ألنه مل يذكر نسخ اللفظ – كما سيأيت – ومنها‪ :‬أن قوله‬
‫(على وجه ‪ . .‬إخل) زيادة حمضة‪ .‬وقد ذكر املصنف هذا التعريف يف كتابه (الربهان)‪ )3(4‬مث زيفه‪.‬‬
‫ولو قيل يف تعريفه‪ :‬هو رفع حكم دليل شرعي أو لفظه بدليل من الكتاب أو السنة(‪ ،)4‬لكان‬
‫أوضح وأخصر‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(?) سورة النحل‪ ،‬آية‪.67 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة آل عمران‪،‬آية‪.97 4:‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر الربهان (‪.)2/1294‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) انظر األصول من علم‪ 4‬األصول ص‪.33‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪96‬‬
‫أقسام النسخ باعتبار المنسوخ‬

‫(ويجوز نسخ الرسم وبقاء الحكم‪ .‬ونسخ الحكم وبقاء الرسم‪ .‬والنسخ إلى بدل وإ لى غير‬
‫بدل‪ ،‬وإ لى ما هو أغلظ وإ لى ما هو أخف)‪.‬ـ‬
‫املنسوخ‪ :‬هو احلكم الشرعي الذي انتهى بالدليل املتأخر‪ .‬وقد يسمى الدليل األول منسوخاً‪.‬‬
‫وهو املراد هنا‪ .‬وهذا الدليل إما قرآن‪ .‬أو سنة‪.‬‬
‫قوله (وجيوز نسخ الرسم وبقاء احلكم) هذا النوع‪ 4‬األول‪ .‬فينسخ اللفظ ويبقى‪ 4‬احلكم معموالً به‪.‬‬
‫وقد ذكر اآلمدي رمحه اهلل أن العلماء متفقون على جواز نسخ الرسم دون احلكم خالفاً لطائفة شاذة‬
‫من املعتزلة(‪.)1‬‬
‫ومثال ذلك‪ :‬آية الرجم‪ .‬فعن عمر رضي اهلل عنه أنه قال‪" :‬كان فيما أنزل آية الرجم فقرأناها‬
‫ووعيناها وعقلناها‪ .‬ورجم رسول اهلل ‪ r‬رمجنا بعده ‪ . . .‬احلديث"(‪.)2‬‬
‫فهذا يدل على نزول آية الرجم‪ .‬وأهنا نسخت‪ .‬وبقي‪ 4‬حكمها لقوله‪( :‬ورمجنا بعده)‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬ما احلكمة من نسخ الرسم وبقاء احلكم؟ فاجلواب ما نقله الزركشي يف الربهان عن ابن‬
‫اجلوزي أنه قال‪( :‬إمنا كان كذلك ليظهر به مقدار طاعة هذه األمة يف املسارعة إىل بذل النفوس‪ 4‬بطريق‬
‫الظن من غري استفصال‪ 4‬لطلب طريق مقطوع به‪ .‬فيسرعون بأيسر شيء‪ ،‬كما سارع اخلليل إىل ذبح‬
‫ولده مبنام‪ ،‬أدىن طرق الوحي)(‪ )3‬أ هـ‪.‬‬
‫قوله‪( :‬ونسخ احلكم وبقاء الرسم) هذا النوع الثاين من أنواع النسخ باعتبار املنسوخ‪ .‬وهو أن‬
‫ينسخ احلكم الشرعي ويبقى اللفظ الدال عليه غري معمول به‪ .‬وهذا أكثر أنواع النسخ‪.‬‬
‫ومثاله‪ :‬قوله تعاىل‪] :‬إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتني وإن يكن منكم مائة يغلبوا‬
‫ألفاً من الذين كفروا بأهنم قوم ال يفقهون‪ )4([4‬فقد دلت اآلية على وجوب مصابرة العشرين من‬
‫املسلمني املائتني من الكفار‪ .‬ومصابرة املائة األلف‪ .‬فنسخ هذا احلكم بقوله تعاىل‪] :‬اآلن خفف اهلل عنكم‬
‫وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتني[(‪.)5‬‬
‫فإن قيل‪ :‬ما احلكمة من بقاء التالوة‪ 4‬مع نسخ احلكم؟ فاجلواب من وجهني‪:‬‬

‫(?) اإلحكام لآلمدي (‪.)3/154‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه البخاري (‪ )6442‬ومسلم ‪ .)1691‬وهو حديث طويل‪ .‬وانظر مقاالً يف أسانيد آية الرحم‪ .‬يف جملة (احلكمة)‪ 4‬العدد السابع ص‪.235‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر الربهان يف علوم القرآن (‪.)2/37‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة األنفال‪ ،‬آية ‪.65‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) سورة األنفال‪ ،‬آية‪.66 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪97‬‬
‫األول‪ :‬بق‪44‬اء ث‪44‬واب التالوة‪ .‬ف‪44‬إن الق‪44‬رآن كما يتلى ليع‪44‬رف احلكم منه ويعمل ب‪44‬ه‪ ،‬فهو يتلى ليث‪44‬اب‬
‫عليه القارئ‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬تذكري األمة حبكمة النسخ‪ ،‬وال سيما ما فيه ختفيف ورفع املشقة‪.‬‬
‫وبقي نوع ثالث مل يذكره املصنف وهو نسخ احلكم والرسم معاً‪ ،‬ومثاله‪ :‬ما ورد عن عائشة‬
‫رضي اهلل عنها قالت‪" :‬كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات حيرمن‪ ،‬مث نسخن خبمس‬
‫معلومات فتويف رسول اهلل ‪ r‬وهن فيما يقرأ من القرآن"‪ .‬ويف رواية‪( :‬نزل يف القرآن "عشر رضعات‬
‫معلومات" مث أنزل أيضاً مخس معلومات")(‪.)1‬‬
‫فآية التحرمي بعشر رضعات منسوخ لفظها وحكمها‪ .‬وهذا معلوم عند الصحابة رضي اهلل عنهم‬
‫بدليل أهنم مل يثبتوها حني مجعوا القرآن‪ .‬وأما آية اخلمس رضعات فهي مما نسخ رمسه وبقي حكمه‪.‬‬
‫بدليل أن الصحابة رضي اهلل عنهم حني مجعوا القرآن مل يثبتوا رمسها‪ ،‬وحكمها باق عندهم‪.‬‬
‫وقول عائشة رضي اهلل عنها‪" :‬وهن فيما يقرأ من القرآن" أي يتلى حكمها دون لفظها‪ ،‬وقال‬
‫البيهقي‪ 4:‬املعىن‪ :‬أنه يتلوه من مل يبلغه نسخ تالوته(‪.)2‬‬
‫قوله‪( :‬والنسخ إىل بدل وإىل غري بدل‪ ،‬وإىل ما هو أغلظ وأخف) هذا معطوف على ما قبله‪.‬‬
‫أي‪ :‬وجيوز النسخ إىل بدل وإىل غري بدل‪ .‬ومعىن‪( :‬إىل بدل) أن يأيت حكم آخر بدل احلكم املنسوخ‪.‬‬
‫وهذا النوع‪ 4‬ال خالف فيه‪.‬‬
‫ومعىن (إىل غري بدل) أن يزول احلكم السابق وال خيلفه حكم آخر‪ .‬وهذا مذهب اجلمهور‪.‬‬
‫ومثلوه بنسخ وجوب تقدمي الصدقة بني يدي جنوى رسول اهلل ‪ r‬يف قوله تعاىل‪] :‬يا أيها الذين آمنوا إذا‬
‫ناجيتم الرسول فقدموا بني يدي جنواكم صدقة[(‪ )3‬نسخت بقوله تعاىل‪] :‬ءأشفقتم أن تقدموا بني يدي‬
‫جنواكم صدقات فإذا مل تفعلوا وتاب اهلل عليكم فٌأقيموا الصالة وءاتوا‪ 4‬الزكاة[(‪.)4‬‬
‫وقد منع هذا النوع الظاهرية‪ .‬وأيّد ذلك الشيخ حممد األمني الشنقيطي‪ 4‬رمحه اهلل‪ ،‬وقال‪ :‬إن‬
‫القول بالنسخ إىل غري بدل قول باطل‪ .‬وإن قال به مجهور العلماء‪ ،‬ألن اهلل تعاىل يقول‪] :‬ما ننسخ من‬
‫آية أو ننسها نأت خبري منها أو مثلها[(‪.)5‬‬

‫(?) رواه مسلم ‪.1452‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر إرشاد الفحول ص‪ 190 ،189‬وشرح النووي على حديث عائشة رضي اهلل عنها عند رقم ‪.1452‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة اجملادلة‪ ،‬آية‪.12 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة اجملادلة‪ ،‬آية‪.13 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.106 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪98‬‬
‫وأجاب عن آية الصدقة بأن الذي نسخ هو الوجوب‪ ،‬وأما االستحباب فهو باق مل ينسخ‪.‬‬
‫فالنسخ إىل بدل(‪ .)1‬وورد هذا اجلواب عن الكمال بن اهلمام صاحب التحرير(‪.)2‬‬
‫والقول باجلواز أظهر لقوة مأخذه‪ .‬وأما ما استدل به املانعون‪ 4‬من اآلية الكرمية‪ .‬فعنه ثالثة أجوبة‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن املراد باآلية – هنا – نظم اجلملة ولفظها‪ .‬لورود ذلك يف كتاب اهلل تعاىل يف أكثر من‬
‫موضع‪ .‬قال تعاىل‪] :‬يتلوا عليهم آياته ويزكيهم[(‪ )3‬واألصل يف اإلطالق‪ 4‬احلقيقة‪ ،‬وال يصرف اللفظ عن‬
‫ظاهره‪ .‬إال بدليل‪ .‬وال دليل هنا‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬سلمنا أن املراد نسخ احلكم‪ .‬وهذا ال يعارض النسخ إىل غري بدل‪ ،‬ألن اهلل تعاىل عليم‬
‫حكيم‪ .‬فقد يكون عدما حلكم خرياً من ذلك احلكم املنسوخ‪ .‬يف نفعه للناس‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬سلمنا أن املراد نسخ احلكم‪ .‬لكنه عام دخله التخصيص مبا نسخ إىل غري بدل‪ .‬وختصيص‬
‫العموم جائز‪ .‬واهلل أعلم(‪.)4‬‬
‫وأما إجابتهم عن آية الصدقة وأنه نسخ الوجوب وبقي االستحباب‪ .‬فهذا فيه نظر‪ .‬فإن اآلية‬
‫(أأشفقتم) مل تثبت حكماً تكليفياً آخر‪ .‬وكون التصدق مندوباً إليه‪ .‬إن كان هبذا الناسخ فال دليل فيه‪.‬‬
‫وإن كان باألدلة العامة اليت ندبت إىل التصديق فهذا مسلم‪ .‬لكنها خاصة باملوسرين وهي عامة يف مجيع‬
‫األوقات‪ .‬وتقدمي الصدقة عند املناجاة كان واجباً على األغنياء‪ 4‬والفقراء على السواء واهلل أعلم(‪.)5‬‬
‫قوله‪( :‬وإىل ما أغلظ وإىل ما هو أخف) أي‪ :‬أن النسخ على بدل‪ .‬قد يكون‪( 4‬إىل بدل أغلظ)‬
‫أي‪ :‬إىل حكم أثقل من احلكم املنسوخ‪( .‬وإىل بدل أخف) أي‪ :‬أقل مشقة من املنسوخ‪ .‬وبقي نوع‬
‫ثالث وهو‪ :‬على بدل مسا ٍو‪ .‬فاألنواع ثالثة‪.‬‬
‫أما األول‪ :‬وهو النسخ إىل بدل أثقل‪ .‬فجوزه اجلمهور لوقوعه‪ .‬ومثاله نسخ التخيري بني صيام‬
‫رمضان واإلطعام يف قوله تعاىل‪] :‬وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكني فمن تطوع خرياً فهو خري له‬
‫(‪)7‬‬
‫وأن تصوموا خري لكم إن كنتم تعلمون[(‪ .)6‬نسخ بقوله تعاىل‪] :‬فمن شهد منكم الشهر فليصمه[‬

‫(?) انظر أضواء البيان (‪ )3/362‬ومذكرة الشنقيطي على الروضة ص‪ .79‬وإرشاد الفحول ص‪.187‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) التحرير (‪.)3/386‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة آل عمران‪ ،‬آية‪.164 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) انظر اإلحكام لآلمدي (‪ ،)150 ،3/149‬احملصول للرازي (‪.)1/3/479‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) انظر كتاب (النسخ يف دراسات األصوليني) ص‪.268 ،267‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.184 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪185 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪99‬‬
‫الدال على وجوب الصيام يف حق املقيم الصحيح أداء‪ ،‬واملسافر واملريض قضاء‪ .‬وإجياب الصيام أثقل من‬
‫التخيري بينه وبني اإلطعام‪.‬‬
‫ومنع ذلك بعض الظاهرية وبعض الشافعية حمتجني بآيات التيسري والتخفيف ورفع احلرج عن‬
‫هذه األمة‪ .‬كقوله تعاىل‪] :‬يريد اهلل بكم اليسر وال يريد بكم العسر[(‪ )1‬وقوله تعاىل‪] :‬يريد اهلل أن خيفف‬
‫عنكم[(‪ )2‬وال ختفيف يف نسخ األخف إىل األثقل‪ ،‬بل هو التثقيل‪ .‬وإرادة العسر‪.‬‬
‫وال دليل يف ذلك ألن احلكم اجلديد يك ‪44 4‬ون ميس ‪44 4‬راً على املكلفني ال مش ‪44 4‬قة في ‪44 4‬ه‪ .‬وثقله وصف له‬
‫بالنسبة إىل ما قبله‪ .‬مع ما فيه من زيادة النفع‪ .‬وعظيم األجر‪.‬‬
‫وأما الثاين وهو النسخ إىل بدل أخف‪ .‬فال خالف يف جوازه‪ ،‬ومثاله‪ :‬آيتا املصابرة ]إن يكن‬
‫(‪)4‬‬
‫منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتني[(‪ )3‬مث قال سبحانه ]فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتني[‬
‫فمصابرة مسلم واحد الثنني من الكفار أخفف من مصابرة الواحد لعشرة منهم‪.‬‬
‫وأما الثالث‪ 4‬وهو النسخ إىل بدل مساو فمثاله‪ :‬نسخ استقبال بيت املقدس الثابت‪ 4‬بالسنة كما يف‬
‫حديث الرباء رضي اهلل عنه أنه ‪ r‬صلى إىل بيت املقدس بعد اهلجرة بضعة عشر شهراً(‪ .)5‬نسخ هذا‬
‫باستقبال الكعبة الثابت‪ 4‬بقوله تعاىل‪] :‬فول وجهك شطر املسجد احلرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم‬
‫شطره[(‪ )6‬فاستقبال الكعبة‪ 4‬مسا ٍو الستقبال بيت املقدس بالنسبة لفعل املكلف‪ .‬وهذا النوع‪ 4‬ال خالف فيه‬
‫كالذي قبله‪.‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.185 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة النساء‪ ،‬آية‪.28 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة األنفال‪ ،‬آية‪.65 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة األنفال‪ ،‬آية‪.66 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) أخرجه البخاري رقم (‪ )40‬ومسلم (‪.)525‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.144 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪100‬‬
‫أنواع النسخ باعتبار الناسخ‬

‫(ويجوز نسخ الكتاب بالكتاب‪ ،‬ونسخ السنة بالكتاب وبالسنة‪ ،‬ويجوز نسخ المتواتر‬
‫بالمتواتر‪ ،‬ونسخ اآلحاد باآلحاد وبالمتواتر‪ ،‬وال يجوز نسخ الكتاب بالسنة‪ .‬وال المتواتر‬
‫باآلحاد‪ ،‬ألن الشيء ينسخ بمثله وبما هو أقوى منه)‪.‬‬
‫تقدم أن الناسخ هو اهلل تعاىل ألنه هو الرافع للحكم‪ .‬دل على ذلك خطابه املتأخر الدال على‬
‫انتهاء احلكم الشرعي‪ .‬ويطلق الناسخ على الدليل نفسه – وهو املراد هنا – وهو إما كتاب أو سنة‪.‬‬
‫وقد ذكر املصنف مسائل النسخ بني الكتاب والسنة وبني ما جيوز وما ال جيوز‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وجيوز نسخ الكتاب بالكتاب) هذا النوع األول من أنواع الناسخ وهو أن يكون قرآنا‪.‬‬
‫واملنسوخ قرآن مثله‪ .‬وهذا النوع ال خالف فيه‪ .‬وتقدمت أمثلته‪.‬‬
‫قوله‪( :‬ونسخ السنة بالكتاب) هذا النوع الثاين وهو أن سكون الناسخ قرآنا واملنسوخ سنة‪.‬‬
‫وهذا قول اجلمهور‪ .‬ألن القرآن والسنة من عند اهلل تعاىل‪ .‬غري أن القرآن متعبد بتالوته‪ .‬والسنة غري‬
‫متعبد بتالوهتا‪ .‬ونسخ حكم أحد الوحيني غري ممتنع‪.‬‬
‫ومثاله‪ :‬إن املباشرة‪ 4‬واألكل والشراب يف ليايل الصيام‪ 4‬كانت حمرمة بالسنة‪ .‬ملا ورد يف حديث ابن‬
‫عباس "كان الناس على عهد رسول اهلل ‪ r‬إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء وصاموا‬
‫إىل القابلة"(‪ .)1‬فنسخ ذلك بقوله تعاىل‪] :‬أحل لكم ليلة الصيام‪ 4‬الرفث إىل نسائكم هن لباس لكم وأنتم‬
‫لباس هلن علم اهلل أنكم كنتم ختتانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فاآلن باشروهن[(‪.)2‬‬
‫ومنع الشافعي رمحه اهلل هذا النوع يف إحدى روايتيه‪ 4‬لقوله تعاىل‪] :‬وأنزلنا إليك الذكر لتبني‬
‫للناس ما نزل إليهم[(‪ )3‬والناسخ بيان للمنسوخ‪ .‬فلو كان القرآن ناسخاً للسنة لكان القرآن بياناً للسنة‪.‬‬
‫وهذا ال جيوز‪.‬‬
‫والصحيح قول اجلمهور لوقوعه‪ ،‬وأما اآلية فال يتم االستدالل هبا على املنع‪ ،‬جلواز أن يكون‪4‬‬
‫املراد من قوله (لتبني)‪ :‬لتبلغ‪ .‬والتبليغ عام‪ ،‬فحمل اآلية عليه أوىل‪.‬‬

‫(?) حترمي األكل والشرب واملباشرة ورد يف حديث ابن عباس مقيداً بصالة العشاء‪ .‬وورد يف حديث الرباء بن عازب الذي رواه البخاري (‪)4/129‬‬ ‫‪1‬‬

‫تقيد ذلك بالنوم‪ .‬وهو كذلك يف سائر األحاديث ولعل ذكر صالة العشاء لكون ما بعدها مظنة النوم غالباً وحديث ابن عباس رواه أبو داود (‬
‫‪ )6/425‬عون املعبود)‪.‬‬
‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.187 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة النحل‪ ،‬آية‪.44 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪101‬‬
‫قوله‪( :‬وبالسنة) أي وجيوز نسخ السنة بالسنة‪ ،‬وهذا هو النوع‪ 4‬الثالث‪ ،‬وهو أن يكون‪ 4‬الناسخ‬
‫سنة واملنسوخ سنة‪ ،‬ومثاله حديث بريدة رضي اهلل عنه أن النيب ‪ r‬قال‪" :‬كنت هنيتكم عن زيارة القبور‬
‫فزوروها"(‪ )1‬فقوله‪" :‬كنت هنيتكم" يدل على أن النهي ثابت بالسنة‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وجيوز نسخ املتواتر باملتواتر) أي وجيوز نسخ املتواتر من الكتاب أو السنة‪ .‬باملتواتر‪ .‬فهما‬
‫قسمان‪:‬‬
‫األول‪ :‬نسخ الكتاب بالسنة باملتواترة‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬نسخ السنة املتواترة‪ 4‬بالسنة املتواترة‪4.‬‬
‫أما األول فمذهب اجلمهور جوازه‪ .‬وذهب الشافعي وأمحد يف املشهور عنه إىل عدم اجلواز‪.‬‬
‫احتج اجلمهور بأن الكل وحي من اهلل‪ .‬واستدل الشافعي بقوله تعاىل‪] :‬ما ننسخ من آية أو ننسها نأت‬
‫خبري منها أو مثلها[(‪ )2‬والسنة ليست خرياً من القرآن وال مثله(‪.)3‬‬
‫والراجح – واهلل أعلم – اجلواز‪ ،‬ألن الناسخ حقيقة هو اهلل عز وجل على لسان رسول اهلل ‪r‬‬
‫فإن كل ما صح عن رسول اهلل ‪ r‬فأحكامه من اهلل‪ .‬قال تعاىل‪] :‬وما ينطق عن اهلوى(‪ )3‬إن هو إال‬
‫وحي يوحى(‪ )4([)4‬وحمل النـزاع احلكم وليس اللفظ‪ ،‬وعليه فإن لفظ (خبري منها أو مثلها) يكون‪ 4‬من‬
‫السنة كما يكون من القرآن‪ .‬فاألحكام كلها من اهلل تعاىل (إن احلكم إال هلل) واهلل أعلم‪.‬‬
‫وقد مثلوا لذلك بقوله تعاىل‪] :‬كتب عليكم إذا حضر أحدكم املوت إن ترك خرياً الوصية‬
‫للوالدين واألقربني[(‪ )5‬فنسخت هذه الوصية للوالدين حبديث "ال وصية لوارث"‪ .‬فإن اإلمجاع منعقد‬
‫على معىن هذا احلديث‪.‬‬
‫وهذا املثال فيه نظر‪ .‬فإن احلديث آحاد(‪ .)6‬مث أن من شروط النسخ تعذر اجلمع بني الدليلني‪،‬‬
‫وهنا ميكن اجلمع عن طريق التخصيص‪ ،‬بأن‪ 4‬خيرج من اآلية الوارث منهما فال وصية له مبقتضى احلديث‬

‫(?) تقدم خترجيه ص‪ 86‬وانظر حتفة األحوذي (‪.)4/158‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.106 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) الرسالة للشافعي (‪ )108 ،1/106‬وقد روى ذلك احلازمي عن الشافعي وأمحد بسند متصل إليهما يف كتابه (االعتبار ص‪.)57‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة النجم‪ 4،‬اآليتان‪.4 ،3 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.180 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) لكن قالوا‪ :‬إنه متواتر معىن لإلمجاع على معناه‪ ،‬انظر نظم املتناثر من احلديث املتواتر ص‪.167‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪102‬‬
‫فتكون اآلية يف حق غري الوارث‪ ،‬واحلديث يف حق الوارث‪ .‬وقد ذكر بعض احملققني أن الناسخ هو آية‬
‫املواريث‪ 4.‬واحلديث بيان للناسخ واهلل أعلم(‪.)1‬‬
‫وأما الثاين‪ :‬وهو نسخ السنة املتواترة بالسنة املتواترة‪ ،‬فهو جممع عليه بني القائلني بالنسخ‪ .‬قال يف‬
‫شرح الكوكب‪ 4‬املنري‪( :‬وأما مثال نسخ متواتر السنة مبتواترها فال يكاد يوجد ‪.)2() . .‬‬
‫قوله‪( :‬ونسخ اآلحاد باآلحاد) أي وجيوز نسخ اآلحاد باآلحاد‪ ،‬وهذا جممع عليه بني القائلني‬
‫بالنسخ‪ .‬الحتاد الناسخ واملنسوخ يف املرتبة والقوة‪ .‬ومثاله تقدم يف حديث بريدة رضي اهلل عنه‪ .‬قال يف‬
‫شرح الكوكب‪ 4‬املنري‪( :‬وله أمثله كثرية)(‪.)3‬‬
‫قوله‪( :‬وباملتواتر)‪ :‬أي جيوز نسخ اآلحاد باملتواتر‪ ،‬ألنه أقوى منه‪ .‬وهذا – أيضاً – حمل اتفاق‪.‬‬
‫قال يف شرح الكوكب‪ 4‬املنري‪( :‬ولكن مل يقع)(‪.)4‬‬
‫قوله‪( :‬وال جيوز نسخ الكتاب بالسنة) هذا هو النوع الرابع‪ ،‬وهو أن يكون الناسخ سنة‬
‫واملنسوخ قرآناً‪ .‬واملراد بالسنة هنا‪ :‬غري املتواترة‪ 4.‬ألن نسخ القرآن بالسنة املتواترة تقدم ذكره عند قوله‬
‫(وجيوز نسخ املتواتر باملتواتر)‪ .‬فيكون‪ 4‬املراد بالسنة هنا‪ :‬اآلحاد‪ .‬فاآلحاد ال ينسخ القرآن‪ ،‬ألن القوي ال‬
‫ينسخ بأضعف منه كما سيأيت‪ .‬وهذه العبارة موجودة يف بعض نسخ الورقات‪ .‬ويشكل عليه قوله (وال‬
‫جيوز نسخ املتواتر باآلحاد) ألن املتواتر يشمل الكتاب والسنة‪ ،‬فيكون تكراراً إال أن يكون‪ 4‬قوله‬
‫(املتواتر) خاصاً بالسنة‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫وقد ذهب املؤلف رمحه اهلل يف كتابه (الربهان) إىل جواز نسخ الكتاب والسنة‪ .‬وذكر ما يؤيد‬
‫ذلك(‪.)5‬‬
‫قوله‪( :‬وال املتواتر باآلحاد) أي ال جيوز شرعاً نسخ املتواتر كالقرآن والسنة املتواترة باآلحاد‪.‬‬
‫ألنه دونه يف القوة‪ ،‬ألن املتواتر قطعي واآلحاد ظين‪ ،‬والشيء إمنا ينسخ مبثله‪ ،‬أو مبا هو أقوى منه‪ .‬كما‬
‫تقدم‪.‬‬
‫وهذا مذهب اجلمهور‪ .‬وذهب مجاعة من أهل الظواهر منهم ابن حزم إىل جوازه‪ ،‬وهي رواية‬
‫عن أمحد‪ .‬وهو الراجح إن شاء اهلل‪ ،‬ألن القطعي هو اللفظ وحمل النسخ هو احلكم‪ .‬وال يشرتط يف ثبوته‬

‫(?) انظر نثر الورود (‪.)1/346‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) شرح الكوكب املنري (‪.)5613‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) املرجع السابق‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) املرجع السابق‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) الربهان (‪.)2/851‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪103‬‬
‫التواتر‪ .‬ألن الداللة باللفظ املتواتر قد تكون‪ 4‬ظنية‪ .‬جلواز أن يكون‪ 4‬املراد غري ذلك فحينئذ مل يرفع الظين‬
‫إال بالظين‪.‬‬
‫ومثال ذلك‪ :‬ما رواه عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قال‪ :‬بينما الناس بقباء يف الصالة الصبح‬
‫إذ جاءهم آت فقال‪ :‬إن رسول اهلل ‪ r‬قد أنزل عليه القرآن‪ .‬وقد أمر أن يستقبل الكعبة‪ 4‬فاستقبلوها‪.‬‬
‫وكانت وجوههم إىل الشام فاستداروا إىل الكعبة)(‪.)1‬‬
‫ووجه الداللة‪ :‬أن وجوب التوجه إىل بيت املقدس كان ثابتاً بالسنة املتواترة‪ ،‬ألنه مل يوجد يف‬
‫القرآن ما يدل عليه‪ .‬وهؤالء قبلوا خرب الواحد وعملوا به يف نسخ ما تقرر عندهم بطريق العلم‪ ،‬والنيب‬
‫‪ r‬مل ينكر عليهم‪ ،‬فدل على اجلواز‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(?) أخرجه البخاري (‪ )395‬ومسلم (‪.)526‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪104‬‬
‫التعارض بين األدلة‬

‫(إذا تعارض نطقان فال يخلو‪ :‬إما أن يكونا عامين‪ ،‬أو خاصين‪ ،‬أو أحدهما عاما واآلخر‬
‫خاصاً‪،‬ـ أو كل واحد منهما عاماً من وجه وخاصاً من وجه‪ .‬فإن كانا عامين وأمكن‬
‫الجمع بينهما جمع‪ ،‬وإ ن لم يمكن الجمع بينهما يتوقف فيهما إن لم يعلم التاريخ‪ .‬فإن علم‬
‫التاريخ فينسخ المتقدم بالمتأخر‪،‬ـ وكذلك إن كانا خاصين‪ .‬وإ ن كان أحدهما عاما واآلخر‬
‫خاصاً فيخصص العام بالخاص‪.‬ـ وإ ن كان كل واحد منهما عاماً من وجه وخاصاً من‬
‫وجه فيخصص عموم كل واحد منهما بخصوص اآلخر)‪.‬‬
‫عين األصوليون‪ 4‬مبباحث التعارض والرتجيح بعد مباحث األدلة الشرعية – الكتاب والسنة‬
‫واإلمجاع والقياس – وذلك ألن هذه األدلة قد يقع بينها تعارض وال ميكن إثبات احلكم إال بإزالة هذا‬
‫التعارض‪.‬‬
‫واعلم أن التعارض بني نصوص‪ 4‬الشريعة غري موجود يف احلقيقة‪ 4،‬لكن قد يقع ذلك حبسب نظر‬
‫اجملتهد‪ :‬إما لنقص يف علمه أو خلل يف فهمه‪ ،‬وهو تعارض يف الظاهر ال ميكن أن يقع على وجه ال ميكن‬
‫فيه اجلمع أو النسخ أو الرتجيح‪ .‬وذلك ألن األحكام الشرعية ما شرعت إال جللب املصاحل‪.‬‬
‫وكان األوىل باملصنف أن يؤخر حبث التعارض إىل هناية الكالم‪ 4‬على األدلة‪ ،‬كما جرى على‬
‫ذلك غريه من أهل األصول‪ ،‬ألن التعارض يتعلق جبميع األدلة‪ ،‬لكنه خصصه بالكتاب والسنة لقوله (إذا‬
‫تعارض نطقان) ألن املراد هبما‪ :‬قول اهلل تعاىل‪ ،‬وقول الرسول ‪ r‬كما تقدم يف املخصص املنفصل‪.‬‬
‫قوله‪( :‬إذا تعارض نطقان) التعارض لغة‪ :‬تفاعل من العرض – بضم العني – وهو الناحية واجلهة‪.‬‬
‫كأن الكالم املتعارض‪ 4‬يقف بعضه يف عرض بعض أي ناحيته وجهته‪ ،‬فيمنعه من النفوذ إىل حيث وجهه‪،‬‬
‫فهو إذن مبعىن التقابل والتمانع‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬تقابل الدليلني حبيث خيالف أحدمها اآلخر‪.‬‬
‫وذلك كأن يكون أحد الدليلني يفيد اجلواز‪ ،‬واآلخر يدل على املنع‪ ،‬فكل منهما مقابل لآلخر‬
‫وخمالف له‪.‬‬
‫قوله (فال خيلو ‪ ). .‬أي األمر والشأن‪ 4.‬من أربع حاالت‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬أن يكون بني دليلني عامني‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يكون بني دليلني خاصني‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن يكون بني دليلني أحدمها عام واآلخر خاص‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬أن يكون بني دليلني كل واحد منهما عام من وجه وخاص من وجه آخر‪.‬‬
‫واملراد بقول املصنف (إذا تعارض نطقان) أي نصان من قول اهلل تعاىل أو من قول رسول ‪.r‬‬
‫أما احلالة األوىل فللخروج من التعارض طرق‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن ميكن اجلمع بني الدليلني املتعارضني‪ ،‬فيجمع بينهما حبيث حيمل كل منهما على حال‬
‫ال يناقض اآلخر‪ .‬واجلمع أوىل من الرتجيح باتفاق أهل األصول‪ ،‬ألن فيه العمل بكال الدليلني‪.‬‬
‫ومثاله‪ :‬قوله ‪" :r‬إذا دبغ اإلهاب فقد طهر"(‪ )1‬أخرجه مسلم عن ابن عباس‪ .‬وعند أهل السنن‬
‫"أميا إهاب دبغ فقد طهر"(‪ .)2‬وقوله ‪" r‬ال تنتفعوا‪ 4‬من امليتة بإهاب وال عصب" وهو حديث عبد اهلل بن‬
‫عكيم‪ ،‬فهذا معارض يف الظاهر لألول‪.‬‬
‫فجمع بينهما بأن اإلهاب اسم ملا مل يدبغ‪ .‬وبعد الدبغ يقال له‪ :‬شن وقربه‪ .‬فيكون‪ 4‬النهي عن‬
‫االنتفاع باإلهاب ما مل يدبغ‪ ،‬فإذا دبغ مل يسم إهاباً‪ ،‬فال يدخل حتت النهي‪ 4.‬قال يف سبل السالم (وهو‬
‫مجع حسن)(‪ )3‬ويف املسألة‪ 4‬أقوال أخرى‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن جيعل أحدمها ناسخاً لآلخر‪ ،‬وهذا إذا علم التاريخ بأن علم السابق منهما‪ ،‬فيكون‬
‫املتأخر ناسخاً له‪ .‬ويعمل به دون املتقدم‪.‬‬
‫فهذه اآلية تفيد‬ ‫(‪)4‬‬
‫ومثاله‪ :‬قوله تعاىل‪] :‬فمن تطوع خرياً فهو خري له وأن تصوموا خري لكم[‬
‫التخيري بني الصيام واإلطعام‪ 4‬وترجح الصيام‪ 4.‬وقوله تعاىل‪] :‬فمن شهد منكم الشهر فليصمه[(‪ )5‬يفيد‬
‫تعيني الصيام‪ 4‬أداء يف حق غري املريض واملسافر وقضاء يف حقهما‪ ،‬وهي متأخرة عن األوىل فتكون‪ 4‬ناسخة‬
‫هلا بدليل قول سلمة بن األكوع رضي اهلل عنه‪ :‬ملا نزلت ]وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكني[‬
‫(‪)6‬‬

‫كان من أراد أن يفطر ويفتدي حىت نزلت اآلية اليت بعدها فنسختها)(‪.)7‬‬
‫الثالث‪ :‬فإن مل يعلم التاريخ يتوقف فيهما إىل أن يظهر مرجح ألحدمها على اآلخر فيعمل به‪.‬‬
‫وهذا هو الطريق الثالث وهو الرتجيح‪ ،‬وهو ال يكون إال بدليل‪ ،‬ألن الرتجيح بال مرجح باطل‪،‬‬

‫(?) أخرجه مسلم رقم ‪ 366‬وأبو داود رقم ‪ 4123‬والرتمذي رقم ‪ 1728‬والنسائي (‪.)7/173‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أخرجه أبو داود رقم ‪ 4128 ،4127‬والرتمذي رقم ‪ 1729‬والنسائي (‪ )7/175‬وهو حديث صحيح‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سبل السالم (‪.)1/52‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.184 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.185 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.184 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) أخرجه البخاري رقم ‪ 4237‬ومسلم رقم ‪.1445‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪106‬‬
‫والرتجيح هو تقوية أحد الطرفني املتعارضني بدليل‪ ،‬وللرتجيح طرق كثرية‪ ،‬بعضها يرجع إىل املـنت‪،‬‬
‫وبعضها يرجع إىل السند‪ ،‬وهي مذكورة يف املطوالت‪.‬‬
‫ومثاله قوله ‪" :r‬من مس ذكره فال يصلي حىت يتوضأ"(‪.)1‬‬
‫وهذا مروي عن بسرة بنت صفوان وأيب هريرة وجابر رضي اهلل عنهم وغريهم‪.‬‬
‫وحديث قيس بن طلق عن أبيه رضي اهلل عنه أن النيب ‪ r‬سئل عن الرجل ميس ذكره أعليه‬
‫الوضوء؟ قال‪" :‬ال‪ ،‬إمنا هو بضعة منك"(‪.)2‬‬
‫فهذان حديثان متعارضان يف الظاهر‪ ،‬األول يوجب الوضوء من مس الذكر‪ ،‬والثاين ال يوجبه‪.‬‬
‫فريجح األول على الثاين ملا يأيت‪:‬‬
‫‪ )1‬أن العمل به أحوط‪.‬‬
‫‪ )2‬ألنه أكثر طرقاً ومصححيه أكثر‪.‬‬
‫‪ )3‬ألنه ناقل عن الرباء األصلية‪ ،‬وهي عدم إجياب الوضوء والناقل يقدم على املبقي‪ 4.‬ألن مع‬
‫حكما شرعيّا ليس موجوداً عند املبقي على األصل‪ .‬وهذا عند‬
‫الناقل زيادة علم حيث أفاد ّ‬
‫اجلمهور‪.‬‬
‫والرتجيح هو أحد األقوال يف املسألة‪ ،‬ومن العلماء من قال بالنسخ‪ ،‬ومنهم من قال باجلمع(‪.)3‬‬
‫أما احلالة الثانية من أحوال التعارض فهي أن يكون‪ 4‬بني دليلني خاصني كما تقدم‪ ،‬وللخروج من‬
‫التعارض طرق‪:‬‬
‫األول‪ :‬اجلمع كما تقدم‪ .‬ومثاله‪ :‬حديث جابر يف صفة حجة النيب ‪ r‬أنه ‪ r‬صلى الظهر يوم‬
‫النحر مبكة(‪ )4‬وحديث ابن عمر رضي اهلل عنهما أنه ‪ r‬صالها مبىن(‪.)5‬‬
‫قال النووي‪( :‬ووجه اجلمع بينهما أنه ‪ r‬طاف لإلفاضة قبل الزوال‪ ،‬مث صلى الظهر مبكة يف أول‬
‫وقتها‪ ،‬مث رجع إىل مىن‪ ،‬فصلى هبا الظهر مرة أخرى بأصحابه حني سألوه‪ 4‬ذلك ‪.)6() . .‬‬
‫الثاين‪ :‬فإن مل ميكن اجلمع فالثاين ناسخ إن علم التاريخ‪ .‬ومثاله‪ :‬قوله تعاىل ]يا أيها النيب إنّا‬
‫أحللنا أزواجك اليت آتيت أجورهن[(‪ )7‬وقوله تعاىل‪] :‬ال حيل لك النساء من بعد وال أن تبدل هبن من‬
‫(?) أخرجه الرتمذي رقم ‪ 82‬وأبو داود (‪ )181‬والنسائي (‪ ،)1/100‬وهو حديث صحيح‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أخرجه أبو داود رقم ‪ 183 ،182‬والرتمذي رقم ‪ 85‬والنسائي (‪ )1/101‬وهو حديث صحيح‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر حتفة األحوذي (‪.)1/275‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أخرجه مسلم رقم ‪ 1218‬من حديث جابر رضي اهلل عنه‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) أخرجه مسلم رقم ‪ .1308‬وانظر لزاما فتح الباري (‪ )3/567‬وتغليق التعليق البن حجر (‪.)3/101‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) شرح النووي على صحيح مسلم (‪.)8/443‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) سورة األحزاب‪ ،‬آية‪.50 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪107‬‬
‫أزواج ولو أعجبك حسنهن[(‪ )1‬اآلية‪ ،‬فالثانية ناسخة لألوىل‪ .‬فحرم اهلل تعاىل على نبيه ‪ r‬أن يتزوج على‬
‫نسائه‪ ،‬واإلباحة دلت عليها اآلية األوىل‪ .‬وهذا على أحد األقوال(‪.)2‬‬
‫الطريق الثالث‪ :‬إذا مل ميكن النسخ فالرتجيح‪ .‬ومثاله حديث ميمونة رضي اهلل عنها أن النيب ‪r‬‬
‫تزوجها وهو حالل(‪ )3‬وحديث ابن عباس رضي اهلل عنهما أن النيب ‪ r‬تزوجها وهو حمرم(‪.)4‬‬
‫فريى مجع من أهل العلم ترجيح األول ملا يأيت‪:‬‬
‫أن ميمونة صاحبة القصة‪ ،‬وال شك أن صاحب القصة أدرى مبا جرى له يف نفسه‬ ‫‪)1‬‬
‫من غريه‪ .‬ومن قواعد الرتجيح أن خرب صاحب الواقعة املروية مقدم على خرب غريه‪ ،‬ألنه‬
‫أعرف باحلال من غريه‪.‬‬
‫ألن حديثها مؤيد حبديث أيب رافع رضي اهلل عنه أن النيب ‪ r‬تزوجها وهو حالل‪.‬‬ ‫‪)2‬‬
‫قال‪ :‬وكنت الرسول بينهما(‪ )5‬فأبو رافع رضي اهلل عنه هو رسوله إليها خيطبها عليه فهو‬
‫مباشر للواقعة‪ ،‬وابن عباس ليس كذلك‪.‬‬
‫أن ميمونة وأبا رافع كانا بالغني وقت حتمل احلديث املذكور‪ ،‬وابن عباس ليس ببالغ‬ ‫‪)3‬‬
‫وقت التحمل‪ ،‬وعند األصوليني ترجيح خرب الراوي املتحمل بعد البلوغ على املتحمل قبله‪،‬‬
‫ألن البالغ أضبط من الصيب ملا حتمل(‪.)6‬‬
‫احلالة الثالثة‪ 4‬من أحوال التعارض‪ :‬أن يكون بني دليلني أحدمها عام واآلخر خاص‪ ،‬فيخصص العام‬
‫باخلاص‪ .‬ومثاله‪ :‬قوله تعاىل‪] :‬والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما[(‪ )7‬فهذه اآلية دلت على وجوب‬
‫القطع يف القليل والكثري‪ .‬وحديث‪" :‬ال تقطع يد سارق إال يف ربع دينار فصاعداً"(‪ )8‬يدل على حتديد‬
‫نصاب القطع‪ ،‬فيكون‪ 4‬احلديث خمصصاً لعموم اآلية على مذهب اجلمهور واهلل أعلم‪.‬‬
‫احلالة الرابعة‪ :‬أن يكون‪ 4‬التعارض بني دليلني أحدمها أعم من اآلخر من وجه‪ ،‬وأخص من وجه‬
‫آخر‪ ،‬فيجمع بينهما بأن‪ 4‬خيصص عموم كل واحد منهما خبصوص اآلخر إن دل على ذلك دليل‪ .‬ومثاله‪:‬‬

‫(?) سورة األحزاب‪ ،‬آية‪.52 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر اإليضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ملكي ص‪.336‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أخرجه مسلم رقم ‪.1411‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أخرجه البخاري (‪ )4824‬ومسلم رقم ‪.1410‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) أخرجه الرتمذي رقم ‪ 841‬وقال‪ :‬حديث حسن‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) انظر أضواء البيان (‪.)5/367‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) سورة املائدة‪ ،‬آية‪.38 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) أخرجه البخاري رقم ‪ 6407‬ومسلم رقم ‪ ،1684‬واللفظ له عن عائشة رضي اهلل عنها‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪108‬‬
‫بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا[(‪ )1‬فهذه اآلية‬
‫ّ‪4‬‬ ‫قوله تعاىل‪] :‬والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يرتبّصن‬
‫أجلهن أن يضعن‬
‫ّ‬ ‫عامة يف احلامل وغريها‪ ،‬وخاصة باملتوىف عنها‪ .‬وقوله تعاىل‪] :‬وأوالت األمحال‬
‫محلهن[(‪ )2‬خاصة باحلامل عامة يف املتوىف عنها وغريها‪ .‬فيخصص عموم األوىل والثانية‪ 4،‬فتخرج احلامل‬
‫ّ‬
‫من عموم األوىل‪ ،‬وتكون عدهتا وبضع احلمل‪ ،‬سواء كانت متوىف عنها أم غريها‪.‬‬
‫وقد دل على هذا التخصيص‪ 4‬حديث سبيعة األسلمية أهنا وضعت بعد وفاة زوجها بليال‪ ،‬فأفتاها‬
‫النيب ‪ r‬أن تتزوج(‪ )3‬فدل ذلك على أن احلامل املتوىف عنها غري داخلة يف عموم آية البقرة‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.234 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة الطالق‪ ،‬آية‪.4 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أخرجه البخاري رقم ‪ 3770‬ومسلم رقم ‪.1484‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪109‬‬
‫اإلجمــاع‬

‫(وأما اإلجماع فهو اتفاق علماء العصر على حكم الحادثة‪ .‬ونغني بالعلماء‪:‬ـ الفقهاء‪.‬ـ‬
‫ونعني بالحادثة‪ :‬الحادثة الشرعية‪ .‬وإ جماع هذه األمة حجة دون غيرها‪ ،‬لقوله ‪( r‬ال‬
‫تجتمع أمتي على ضاللة) والشرع ورد بعصمة هذه األمة)‪.‬‬
‫هذا هو الدليل الثالث‪ 4‬من األدلة املتفق عليها‪ ،‬وهو اإلمجاع بعد الكتاب والسنة‪ .‬واإلمجاع لغة‪:‬‬
‫العزم واالتفاق‪ 4.‬واصطالحاً‪ :‬اتفاق علماء العصر على حكم احلادثة‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬اتفاق)‪ :‬هذا قيد خيرج وجود خالف ولو كان املخالف واحداً إذا كان يعتد به فال‬
‫ينعقد اإلمجاع‪.‬‬
‫قوله‪( :‬علماء العصر) فسره بأن املراد هبم الفقهاء وهم اجملتهدون‪،‬وهذا القيد خيرج املقلدين‬
‫والعوام‪ 4،‬فال عربة هبم يف اإلمجاع وفاقاً وال خالفاً‪ .‬كما خيرج العلماء غري الفقهاء كالنحويني واللغويني‬
‫وغريهم‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬على حكم احلادثة) اجلار واجملرور متعلق بقوله (اتفاق) واملراد هبا هنا احلادثة الشرعية‪،‬‬
‫ألهنا حمل نظر الفقهاء‪ ،‬وهذا القيد خيرج االتفاق‪ 4‬على حكم غري شرعي كلغوي‪ ،‬فال مدخل له يف‬
‫اإلمجاع‪ ،‬ألن الغرض البحث يف اإلمجاع‪ ،‬على أنه من األدلة الشرعية‪.‬‬
‫وبقي قيدان‪:‬‬
‫األول‪ :‬علماء العصر من هذه األمة‪ :‬إلخراج اتفاق علماء الشرائع السابقة فال يعترب كما ذكره‬
‫املصنف‪ ،‬ولعله تركه لوضوحه أو اكتفاء بذكره مستقالً‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬بعد النيب ‪ :r‬إلخراج اتفاق الصحابة يف عهد النيب ‪ r‬فال يكون إمجاعاً من حيث كونه‬
‫دليالً‪ ،‬ألن الدليل حصل بسنة النيب ‪ r‬من قول أو فعل أو تقرير‪ ،‬وإذا قال الصحايب‪ :‬كنّا نفعل أو كانوا‬
‫يفعلون كذا على عهد النيب ‪ r‬كان ذلك من املرفوع حكماً‪ ،‬وليس نقالً لإلمجاع‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وإمجاع هذه اآلية حجة دون غريها) أي‪ :‬واإلمجاع حجة شرعية‪ ،‬جيب العمل به على‬
‫كل مسلم‪ .‬واملراد اإلمجاع القويل الصريح‪ .‬وقوله‪( :‬دون غريها) أي غري هذه األمة من األمم السابقة‪،‬‬
‫فليس إمجاعهم حجة علينا جيب اتباعها‪ ،‬ومن األدلة على أن اإلمجاع حجة قوله تعاىل ]وكذلك‬
‫جعلناكم أمة وسطا[ أي عدوالً‪ ،‬ومقتضى ذلك أهنم عصموا من اخلطأ فيما أمجعوا عليه قوالً‬
‫(‪)1‬‬

‫وفعالً(‪.)2‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.143 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر فتح الباري (‪.)13/317‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪110‬‬
‫ومن األدلة‪ :‬قوله ‪" r‬ال جتتمع أميت على ضاللة)(‪ )3‬ووجه الداللة‪ :‬أن عموم احلديث ينفي وجود‬
‫الضاللة‪ ،‬واخلطأ ضاللة فال جيوز اإلمجاع عليه‪ ،‬فيكون‪ 4‬ما أمجعوا عليه ح ّقا فوجب اتباعه‪.‬‬

‫بعضا‪ ،‬وله شواهد تؤيد معناه‪.‬‬


‫(?) رواه أبو داود رقم ‪ 4253‬والرتمذي رقم ‪ 2167‬واللفظ له‪ .‬ويف سيده ضعف‪ ،‬ولكنه ورد من طرق يقوي بعضها ّ‬
‫‪3‬‬

‫انظر (املعترب) للزركشي ص‪ 57‬وانظر السنة البن أيب عاصم (‪.)1/41‬‬

‫‪111‬‬
‫من مسائل اإلجماع‬

‫(واإلجماع حجة على العصر الثاني وفي أي عصر كان‪ ،‬وال يشترط انقراض العصر‬
‫على الصحيح‪ ،‬فإن قلنا‪ :‬انقراض العصر شرط يعتبر قول من ولد في حياتهم وتفقه‬
‫وصار من أهل االجتهاد‪ ،‬ولهم أن يرجعوا عن ذلك الحكم‪ ،‬واإلجماع يصح بقولهم‬
‫وبفعلهم‪ ،‬وبقول البعض وبفعل البعض‪ ،‬وانتشار ذلك وسكوت الباقين عنه)‪.‬‬
‫ذكر املصنف بعض مسائل اإلمجاع ومنها‪:‬‬
‫قوله‪( :‬واإلمجاع حجة على العصر الثاين ‪ ) . .‬أي أن اإلمجاع حجة جيب األخذ به على أهل‬
‫العصر الثاين بالنسبة لعصر أهل االجتهاد؛ فإذا أمجع الصحابة رضي اهلل عنهم على حكم شرعي فليس‬
‫للتابعني أن خيالفوا هذا اإلمجاع‪ ،‬بل هو حجة عليهم وعلى من بعدهم يف أي عصر من العصور‪ ،‬ألن‬
‫اإلمجاع مينع من حدوث خالف‪.‬‬
‫وقول‪44 4 4 4 4 4‬ه‪( :‬ويف أي عصر ك‪44 4 4 4 4 4‬ان) أي‪ :‬وجد اإلمجاع من عصر الص‪44 4 4 4 4 4‬حابة فمن بع ‪44 4 4 4‬دهم إىل آخر‬
‫الزمان(‪.)1‬‬
‫قوله‪( :‬وال يشرتط انقراض العصر على الصحيح) أي‪ :‬ال يشرتط انق‪44‬راض عصر اجملمعني‪ ،‬ومعن‪44‬اه‪:‬‬
‫أن ميوت أهل اإلمجاع مث يبدأ االحتجاج بإمجاعهم‪ ،‬وهذه املسألة‪ 4‬فيها قوالن‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنه ال يش ‪44 4‬رتط انق ‪44 4‬راض العصر وه ‪44 4‬ذا م ‪44 4‬ذهب اجلمه ‪44 4‬ور‪ ،‬فينعقد اإلمجاع مبج ‪44 4‬رد اتف ‪44 4‬اق‬
‫اجملته ‪44‬دين ولو ك ‪44‬انوا أحي ‪44‬اء‪ ،‬فال جتوز خمالفت ‪44‬ه‪ ،‬ألن أدلة حجية اإلمجاع ال ت ‪44‬وجب انق ‪44‬راض العص ‪44‬ر‪ ،‬وألن‬
‫اإلمجاع هو االتفاق‪ 4،‬وقد حصل فما الذي مينع من قبوله؟ وألن الت‪4‬ابعني قد احتج‪4‬وا بإمجاع الص‪44‬حابة قبل‬
‫انقراض عصرهم‪ ،‬ولو كان ذلك شرطاً مل حيتجوا به‪.‬‬
‫الث‪44 4‬اين‪ :‬أنه يش‪44 4‬رتط انق‪44 4‬راض العص‪44 4‬ر‪ ،‬وهو ق‪44 4‬ول بعض الش‪44 4‬افعية ورواية عن اإلم‪44 4‬ام أمحد‪ .‬ووجه‬
‫اشرتاط‪ :‬احتمال رجوع بعض اجملتهدين عن رأيه‪ ،‬فيؤول ذلك إىل اخلالف‪.‬‬
‫والق‪44‬ول األول هو الص‪44‬حيح كما ذكر املص‪44‬نف‪ 4‬لق‪44‬وة أدلت‪44‬ه‪ ،‬وألن الق‪44‬ول باش‪44‬رتاط انق‪44‬راض العصر‬
‫ي‪44 4 4 4‬ؤدي إىل تع ‪44 4 4 4 4‬ذر اإلمجاع‪ ،‬ألنه ال يك ‪44 4 4 4 4‬اد عصر ينق ‪44 4 4 4 4‬رض حىت حيدث من أوالده من ينشأ ويبلغ درجة‬
‫االجته‪44 4‬اد‪ ،‬وله أن خيالف‪ ،‬ألن اإلمجاع مل ينعق‪44 4‬د‪ ،‬وه‪44 4‬ذا ي‪44 4‬ؤدي إىل إبط‪44 4‬ال انعق‪44 4‬اد اإلمجاع‪ ،‬وما أدى إىل‬
‫(?) اعلم أن اإلمجاع القطعي وهو ما يعلم وقوعه من األمة بالضرورة‪ .‬ال أحد ينكر ثبوته‪ .‬كاإلمجاع على وجوب الصالة وحترمي الزىن‪ .‬وأما اإلمجاع‬ ‫‪1‬‬

‫الظين وهو ما يعلم بالتتبع واالستقراء فهذا خمتلف يف ثبوته‪ 4،‬واألظهر أنه ممكن يف عصر الصحابة‪ ،‬ويف غريه متعذر غالباً‪ ،‬وهو رأي شيخ اإلسالم ابن‬
‫تيمية رمحه اهلل‪ .‬فقد قال‪( :‬وال يعلم إمجاع باملعىن الصحيح إال ما كان يف عصر الصحابة‪ ،‬أما بعدهم فقد تعذر غالباً)‪( .‬جمموع الفتاوى ‪)13/341‬‬
‫وقال‪( :‬واإلمجاع الذي ينضبط ما كان عليه‪ 4‬السلف الصاحل إذ بعدهم كثر االختالف وانتشرت األمة) (العقيدة الواسطية)‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫ذلك فهو باط‪44‬ل‪ .‬ق‪44‬ال الق‪44‬رايف‪( :‬وانق‪44‬راض‪ 4‬العصر ليس ش‪44‬رطاً خالف ‪4‬اً لق‪44‬وم من الفقه‪44‬اء واملتكلمني لتج‪44‬دد‬
‫الوالدة كل يوم فيعتذر اإلمجاع)(‪ )1‬أ هـ‪.‬‬
‫قول‪44‬ه‪( :‬ف‪44‬إن قلنا انق‪44‬راض العصر ش‪44‬رط ‪ . .‬إخل) بني ب‪44‬ذلك مثرة اخلالف‪ .‬واملع‪44‬ىن‪ .‬إن قلن‪44‬ا‪ :‬انق‪44‬راض‬
‫العصر مبوت أهله (شرط) أي يف حجية اإلمجاع‪ .‬وهذا القول مقابل للقول الصحيح‪( .‬يعت‪44‬رب) ب‪44‬اجلزم على‬
‫أنه ج‪44‬واب الش‪44‬رط‪ .‬أي‪ :‬يعترب ق‪44‬ول من ولد يف عصر اجملمعني‪ ،‬وبلغ رتبة االجته‪44‬اد يف حي‪44‬اهتم أو يف حي‪44‬اة‬
‫بعضهم‪ .‬فله أن خيالف‪ .‬وال يعد خمالفاً لإلمجاع‪ .‬ألنه مل ينعقد‪.‬‬
‫قول ‪44‬ه‪( :‬وهلم أن يرجع ‪44‬وا عن ذلك احلكم) ه ‪44‬ذه مثرة أخ ‪44‬رى‪ .‬أي‪ :‬وللمجمعني أو بعض ‪44‬هم – على‬
‫الق‪44 4‬ول باالش‪44 4‬رتاط – أن يرجع‪44 4‬وا عن احلكم ال‪44 4‬ذي أمجع‪44 4‬وا علي‪44 4‬ه‪ .‬وال يعد ذلك نقض ‪4 4‬اً لإلمجاع‪ .‬ألن مل‬
‫يستقر‪.‬‬
‫قول ‪44‬ه‪( :‬واإلمجاع يصح بق ‪44‬وهلم وبفعلهم) أي‪ :‬أن اإلمجاع ينعقد ويتحقق بق ‪44‬ول اجملمعني وبفعلهم‪،‬‬
‫أي‪ :‬بكل منهما‪ ،‬وهلذا أعاد الباء‪ ،‬فإذا قالوا جبواز شيء فه‪44‬ذا إمجاع على اجلواز‪ ،‬وك‪44‬ذلك إذا فعل‪44‬وا ش‪44‬يئاً‬
‫فيدل فعلهم على اجلواز لعصمتهم عن الباطل تقدم‪.‬‬
‫واإلمجاع البد له من مس ‪44‬تند‪ :‬إما من الكت ‪44‬اب أو الس ‪44‬نة‪ .‬س ‪44‬واء علمن ‪44‬اه أو جهلن ‪44‬اه‪ ،‬ألن الق ‪44‬ول يف‬
‫الدين بال مستند ال جيوز‪.‬‬
‫قول ‪44‬ه‪( :‬وبق ‪44‬ول البعض‪ 4‬وبفعل البعض وانتش ‪44‬ار ذلك وس ‪44‬كوت الب ‪44‬اقني) ه ‪44‬ذا إش ‪44‬ارة على اإلمجاع‬
‫الس‪44‬كويت‪ ،‬وهو أن يق‪44‬ول بعض اجملته‪44‬دين ق‪44‬والً أو يفعل فعالً مع انتش‪44‬ار ذلك يف الب‪44‬اقني وس‪44‬كوهتم‪ ،‬وه‪44‬ذا‬
‫فيه خالف‪ ،‬ف ‪44‬أكثر الش ‪44‬افعية واملالكية‪ 4‬ورواية عن أمحد أنه إمجاع تنـزيالً للس ‪44‬كوت منـزلة الرضا واملوافقة‬
‫إذا مضت م‪44‬دة كافية للنظر يف ذلك الق‪44‬ول بعد مساعه‪ ،‬وك‪44‬ان ق‪44‬ادراً على إظه‪44‬ار رأي‪44‬ه‪ ،‬وه‪44‬ذا ظ‪44‬اهر كالم‬
‫املصنف‪.‬‬
‫وقي ‪44 4‬ل‪ :‬يك ‪44 4‬ون حجة ال إمجاع‪4 4 4‬اً‪ .‬لرجح ‪44 4‬ان املوافقة بالس ‪44 4‬كوت على املخالف ‪44 4‬ة‪ ،‬وليس إمجاع ‪4 4‬اً ألن‬
‫حقيقة اإلمجاع مل تتحقق في‪44 4 4 4‬ه‪ .‬وقي‪44 4 4 4‬ل‪ :‬ليس حبجة وال إمجاع‪ ،‬ألنه ال ينسب لس‪44 4 4 4‬اكت ق‪44 4 4‬ول‪ .‬وقيل غري‬
‫ذلك(‪.)2‬‬
‫وقول املصنف (وانتشار ذلك) مفهومه أنه إذا مل ينتشر يف الباقني فليس بإمجاع‪ ،‬الحتمال ذه‪44‬وهلم‬
‫عنه وعدم اطالعهم عليه‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪ )?(1‬التنقيح ص‪.330‬‬
‫‪ ) ?(2‬انظر إرشاد الفحول ص‪.84‬‬

‫‪113‬‬
‫قول الصحابي‬

‫(وقــول الواحد من الصــحابة ليس بحجة على غــيره على القــول الجديــد‪ ،‬وفي القــول القــديم‬
‫حجة)‪.‬‬
‫قول الصحايب من األدلة املختلفة يف حجيتها‪.‬‬
‫واملراد به‪ :‬ما أثر عن أحد من أصحاب النيب ‪ r‬من قول أو فعل أو تقرير يف أمر من أمور الدين‪.‬‬
‫والصحايب‪ :‬من صحب النيب ‪ r‬ولو ساعة‪ ،‬أو رآه مؤمناً به وما ت على ذلك‪.‬‬
‫وقول الصحايب إن ثبت له حكم الرفع كقوله أمرنا أو هنينا أو من السنة كذا فهو مرفوع حكماً‪،‬‬
‫وهو حجة كما هو مق‪44 4 4‬رر يف علم احلديث‪ ،‬وإن مل يثبت له حكم الرفع فقد أمجع العلم‪44 4 4‬اء على أن ق‪44 4‬ول‬
‫الصحايب يف مسائل االجتهاد ليس حبجة على صحايب آخر‪ ،‬ألن الص‪44‬حابة رضي اهلل عنهم اختل‪44‬وا يف كثري‬
‫من املس‪44‬ائل‪ ،‬ولو ك‪44‬ان ق‪44‬ول أح‪44‬دهم حجة على غ ‪44‬ريه ملا ت ‪44‬أيت منهم ه‪44‬ذا اخلالف‪ .‬كما أمجع‪44‬وا عل األخذ‬
‫بقول الصحايب فيما ال جمال للرأي أو االجتهاد في‪4‬ه‪ ،‬ألنه من قبيل اخلرب الت‪4‬وقيفي عن ص‪4‬احب الرس‪4‬الة ‪.r‬‬
‫كما أنه ال خالف فيما أمجع عليه الص‪44 4 4‬حابة ص‪44 4 4‬راحة أو ك‪44 4 4‬ان مما ال يع‪44 4 4‬رف له خمالف‪ ،‬كما يف ت ‪44 4‬وريث‬
‫اجلدات الس‪44‬دس‪ .‬ومن العلم‪44‬اء من اس‪44‬تثىن من الص‪44‬حايب املع‪44‬روف باألخذ عن اإلس‪44‬رائيليات‪ 4.‬وإمنا اخلالف‬
‫يف قول الصحايب العاري عن كل ما سبق‪ .‬ففيه قوالن‪:‬‬
‫الق ‪44‬ول األول‪ :‬إنه حج ‪44‬ة‪ .‬وهو م ‪44‬ذهب اإلم ‪44‬ام مالك وأيب حنيفة والش ‪44‬افعي‪ 4‬يف أحد قولي ‪44‬ه‪ ،‬ورواية‬
‫عن اإلم‪44 4 4‬ام أمحد‪ ،‬رجحها ابن القيم‪ ،‬وذكر أن اإلم‪44 4 4‬ام أمحد يأخذ بق‪44 4 4‬ول الص‪44 4 4‬حايب‪ ،‬ويعت ‪44 4‬ربه‪ 4‬بعد الس ‪44 4‬نة‬
‫الصحيحة(‪.)1‬‬
‫ومن أدلة ه ‪44 4‬ؤالء قوله تع ‪44 4‬اىل‪] :‬كنتم خري أمة أخ ‪44 4‬رجت للن ‪44 4‬اس ت ‪44 4‬أمرون ب ‪44 4‬املعروف وتنه ‪44 4‬ون عن‬
‫املنكر[(‪ )2‬قالوا‪ :‬هو خطاب مع الصحابة بأن ما يأمرون به معروف‪ ،‬واملعروف جيب قبوله‪.‬‬
‫ومن األدلة أن اهلل تع‪44‬اىل م‪44‬دح الص‪44‬حابة والت‪44‬ابعني هلم بإحس‪44‬ان‪ ،‬وإمنا اس‪44‬تحق الت‪44‬ابعون ذلك ألهنم‬
‫اتبع‪44‬وهم يف كل ش‪44‬يء س‪44‬واء من حيث الرج‪44‬وع إىل الكت‪44‬اب والس‪44‬نة‪ ،‬أو اجته‪44‬ادهم‪ ،‬أو االقت‪44‬داء هبم‪ ،‬ألن‬
‫االتب‪44‬اع جيب محله على ف‪44‬رده الكام‪44‬ل‪ ،‬ق‪44‬ال تع‪44‬اىل‪] :‬والس‪44‬ابقون‪ 4‬األول‪44‬ون من امله‪44‬اجرين واألنص‪44‬ار وال‪44‬ذين‬
‫اتبع ‪44‬وهم بإحس ‪44‬ان رضي اهلل عنهم ورض ‪44‬وا عنه[(‪ )3‬وألن اجته ‪44‬اد الص ‪44‬حايب أقر إىل الص ‪44‬واب من اجته ‪44‬اد‬

‫‪ )?(1‬انظر أعالم املوقعني (‪.)4/120‬‬


‫‪ )?(2‬سورة آل عمران‪ ،‬آية‪.110 :‬‬
‫‪ )?(3‬سورة التوبة‪ 4،‬آية‪.100 :‬‬

‫‪114‬‬
‫غ‪44‬ريه ملش‪44‬اهدته ال‪44‬وحي وقربه من الرس‪44‬ول ‪ ،r‬كيف والظ‪44‬اهر من حاله أن ال يق‪44‬ول ما ق‪44‬ال إال مساعاً من‬
‫رسول اهلل ‪ r‬ال سيما فيما خيالف القياس‪.‬‬
‫الق ‪44‬ول الث ‪44‬اين‪ :‬أنه ليس حبج ‪44‬ة‪ .‬وهو ق ‪44‬ول الش ‪44‬افعي يف اجلديد(‪ )1‬ورواية عن اإلم ‪44‬ام أمحد‪ ،‬واختي ‪44‬ار‬
‫الغ ‪44‬زايل واآلم‪44 4‬دي وابن احلاجب واملص‪44 4‬نف‪ .‬وذلك ألن اهلل تع‪44 4‬اىل مل جيعل ق‪44 4‬ول أحد من الن ‪44‬اس حجة إال‬
‫قول رسول اهلل ‪ .r‬والصحايب من أهل االجتهاد‪ ،‬واجملتهد غري معصوم‪ ،‬فيجوز عليه اخلطأ والسهو‪.‬‬
‫نص يف الكت ‪44 4‬اب والس‪44 4‬نة وال‬
‫وال ‪44 4‬ذي يظهر واهلل أعلم‪ .‬أنه جيوز األخذ بق ‪44 4‬ول الص ‪44 4‬حايب حيث ال ّ‬
‫إمجاع‪ .‬الحتم‪44 4‬ال أن يك‪44 4‬ون مسع ذلك الق‪44 4‬ول من النيب ‪ r‬ولكونه أعلم باهلل وكتابه ورس‪44 4‬وله من الت ‪44‬ابعني‬
‫فمن بعدهم‪ ،‬فاحتمال الصواب‪ 4‬يف اجتهاده كثرياً جداً‪ .‬ألنه شاهد التنـزيل‪ ،‬ووقف على حكمة التش‪4‬ريع‪.‬‬
‫وأس‪44‬باب النـزول‪ .‬والزم النيب ‪ .r‬ق‪44‬ال ابن القيم‪( :‬مل ي‪44‬زل أهل العلم يف كل عصر ومصر حيتج‪44‬ون مبا ه‪44‬ذا‬
‫سبيله من فتاوى الصحابة وأقواهلم وال ينكره منكر منهم‪ .‬وتصانيف العلماء شاهدة بذلك ‪.)2() . .‬‬
‫ويشرتط لألخذ بقول الصحايب شرطان‪:‬‬
‫ص ‪4‬اً أخذ ب‪44‬النص‪ .‬ومثاله ق‪44‬ول عمر رضي اهلل عن‪44‬ه‪ :‬إن اجلنب ال‬ ‫ص ‪4‬اً‪ .‬ف‪44‬إن خ‪44‬الف ن ّ‬
‫أال خيالف ن ّ‬ ‫‪)1‬‬
‫يتمم‪ ،‬مع أنه ورد يف تيمم اجلنب حديث عمار رضي اهلل عنه(‪.)3‬‬
‫أال خيالف ق ‪44‬ول ص ‪44‬حايب آخ ‪44‬ر‪ .‬ف ‪44‬إن خ ‪44‬الف ق ‪44‬ول ص ‪44‬حايب آخر أخذ ب ‪44‬الراجح منهم ‪44‬ا‪ ،‬ومثال ‪44‬ه‪:‬‬ ‫‪)2‬‬
‫ص ‪44‬يام ي ‪44‬وم الثالثني من ش ‪44‬عبان إذا ح ‪44‬ال دون رؤية اهلالل غيم وحنوه‪ ،‬فقد روي ص ‪44‬يامه عن مجاعة‬
‫من الص ‪44‬حابة منهم ابن عمر رضي اهلل عن اجلمي ‪44‬ع‪ ،‬وروي عن آخ ‪44‬رين ع ‪44‬دم ص ‪44‬يامه‪ ،‬وهو ال ‪44‬راجح‬
‫حلديث ابن عمر رضي اهلل عنهما "ف‪44‬إن غم عليكم ف‪44‬أكملوا ع‪44‬دة ش‪44‬عبان ثالثني" فاجته‪44‬اد ابن عمر‬
‫رضي اهلل عنه وتفسريه (فاقدوا له) مبعىن‪ :‬ضيقوا‪ 4،‬ال يعارض به ما ثبت من قول الرسول ‪.r‬‬
‫وق‪44 4‬ول املانعني‪ :‬إنه غري معص‪44 4‬وم كغ‪44 4‬ريه‪ .‬نق‪44 4‬ول‪ :‬ه‪44 4‬ذا ص‪44 4‬حيح‪ ،‬ولكن انتف‪44 4‬اء العص‪44 4‬مة ال ينفي إال‬
‫احلجية القطعية‪ .‬وحنن ال نقول بقطعية حجية قول الصحايب‪ .‬وإمنا هو حجة ظنية(‪.)4‬‬
‫ومن أمثلة قول الصحايب قول ال‪4‬راوي‪ ،‬ق‪4‬ال علي رضي اهلل عن‪4‬ه‪( :‬ح‪4‬دثوا الن‪4‬اس مبا يعرف‪4‬ون‪ ،‬أحتب‪4‬ون‬
‫أن يكذب اهلل ورسوله؟)(‪.)5‬‬
‫(?) لقد نفى ابن القيم نسبة هذا القول للشافعي يف كالم ماتع جتده يف أعالم املوقعني (‪ )4/120‬وللزركششي – من بعده – كالم مفادة أن الشافعي‬ ‫‪1‬‬

‫يف مذهبه اجلديد يرى أن قول الصحايب حجة‪ .‬فيكون له قوالن يف اجلديد واحد موافق للقدمي‪ .‬فانظر البحر احمليط (‪.)6/53‬‬
‫(?) انظر أعالم املوقعني (‪ )4/152‬مذكرة الشنقيطي ص‪ 165‬حجية قول الصحايب يف جملة‪( 4‬أضواء الشريعة) العدد الثامن ص‪ 365‬جمموع فتاوى ابن‬ ‫‪2‬‬

‫تيمية (‪.)20/582‬‬
‫(?) انظر أعالم املوقعني (‪ )1/29‬وانظر طرح التثريب (‪.)1/103‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) انظر أصول الفقه للربديسي ص‪.329‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) انظر فتح الباري (‪.)1/225‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪115‬‬
‫ومن أمثلة الفعل قول البخاري رمحه اهلل‪( :‬وأم ابن عباس وهو متيمم)(‪ )6‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(?) انظر فتح الباري (‪.)1/446‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪116‬‬
‫األخبــــارـ‬

‫(وأما األخب ـ ــار‪ :‬ف ـ ــالحبر ما يدخله الص ـ ــدق والك ـ ــذب‪ .‬والخ ـ ــبر ينقسم على قس ـ ــمين‪ :‬آح ـ ــاد‬
‫ومت ــواتر‪ .‬ف ــالمتواتر ما ي ــوجب العلم‪ ،‬وهو أن ي ــروي جماعة ال يقع التواطؤ على الك ــذب‬
‫من مثلهم إلى أن ينتهي إلى المخبر عنه‪ ،‬ويكون في األصل عن مشاهدة أو ســماع ال عن‬
‫اجتهاد)‪.‬‬
‫اعلم أنه ج ‪44‬رت ع ‪44‬ادة األص ‪44‬وليني ب ‪44‬إيراد مب ‪44‬احث من عل ‪44‬وم احلديث يف أص ‪44‬ول الفق ‪44‬ه‪ ،‬وذلك ألن‬
‫الكتاب والسنة مها مدار البحث يف علم األصول‪ .‬وملا كان القرآن ال حيتاج إىل نظر يف س‪44‬نده‪ ،‬ألنه ث‪44‬ابت‬
‫ثبوتاً قطعياً بالنقل املتواتر لفظاً ومعىن صار البحث مقتصراً على النظر يف داللة النص على احلكم‪.‬‬
‫أما السنة فإن املستدل هبا حيتاج إىل نظرين‪:‬‬
‫‪ )1‬نظر يف ثبوهتا‪.‬‬
‫‪ )2‬ونظر يف داللة النص على احلكم‪.‬‬
‫لذا أورد األصوليون هذه الشذرات من علوم احلديث‪.‬‬
‫قول ‪44‬ه‪( :‬وأما األخب ‪44‬ار‪ :‬ف ‪44‬اخلرب ما يدخله الص ‪44‬دق والك ‪44‬ذب)‪ :‬األخب ‪44‬ار‪ :‬مجع خ ‪44‬رب‪ .‬وه ‪44‬و‪ :‬ما يدخله‬
‫الص‪44 4‬دق والك ‪44 4‬ذب‪ .‬أي‪ :‬حيتمل الص ‪44 4‬دق والك‪44 4‬ذب‪ ،‬لكن أورد على ه‪44 4‬ذا التعريف أن من األخب‪44 4‬ار ما ال‬
‫يدخله الك ‪44‬ذب‪ ،‬ومنها ما ال يدخله الص ‪44‬دق‪ ،‬ف ‪44‬إذا زيد على التعريف كلمة (لذات ‪44‬ه) زال ه ‪44‬ذا اإلي ‪44‬راد‪ ،‬إذ‬
‫خيرج هبذا القيد اخلرب الذي ال حيتمل الصدق أو ال حيتمل الكذب باعتبار املخرب ب‪44‬ه‪ ،‬ف‪44‬األول كخرب م‪4‬دعي‬
‫الرس‪44‬الة بعد الرس‪44‬ول ‪ ،r‬والث‪44‬اين كخرب اهلل تع‪44‬اىل وخرب رس‪44‬ول اهلل ‪ r‬الث‪44‬ابت عن‪44‬ه‪ ،‬ف‪44‬إذا ق‪44‬ال إنس‪44‬ان‪ :‬ق‪44‬دم‬
‫أخ ‪44‬وك‪ .‬فه ‪44‬ذا خرب حيتمل الص ‪44‬دق والك ‪44‬ذب ل ‪44‬ذات اخلرب‪ ،‬ف ‪44‬إن ط ‪44‬ابق الواقع فهو ص ‪44‬دق‪ ،‬وإن خالفه فهو‬
‫ك‪44 4‬ذب‪ .‬وذلك إما على الس ‪44 4‬واء إن ك ‪44 4‬ان القائل جمه ‪44 4‬ول احلال‪ ،‬أو مع رجح ‪44 4‬ان الص ‪44 4‬دق إن ك‪44 4‬ان املخرب‬
‫عدالً‪ ،‬أو الكذب إن كان فاسقاً‪.‬‬
‫قوله‪( :‬واخلرب ينقسم إىل قسمني‪ :‬آحاد ومتواتر) ملا عرف اخلرب ذكر أقسامه‪.‬‬
‫‪ )2‬متواتر‪.‬‬ ‫فاخلرب باعتبار وصوله إلينا قسمان‪ )1 :‬آحاد‪.‬‬
‫قول ‪44‬ه‪( :‬ف ‪44‬املتواتر ما ي ‪44‬وجب العلم‪ ،‬وهو أن ي ‪44‬روي مجاعة ‪ . . .‬إخل) ذكر تعريف املت ‪44‬واتر وبي ‪44‬ان ما‬
‫يفيد‪ ،‬وبدأ املصنف باملتواتر لطول الكالم على اآلحاد والعتباره‪ 4‬يف معىن اآلحاد نفي معىن املتواتر‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫فاملتواتر لغة‪ :‬اسم فاعل من تواتر الشيء أي‪ :‬ج‪4‬اء بعضه يف إثر بعض‪ ،‬ومنه ت‪4‬واتر املطر أي‪ :‬تت‪4‬ابع نـزوله‪.‬‬
‫قال األشياء إال إذا وقعت بينهما فرتة‪ ،‬وإال فهي مداركة ومواصلة ‪.)1(). . .‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬أن يروي مجاعة ال يقع التواطؤ‪ 4‬على الكذب من مثلهم إىل أن ينتهي إىل املخرب عنه‪.‬‬
‫ه ‪44‬ذا تعريف املص ‪44‬نف‪ ،‬وهو تعريف حيت ‪44‬اج إىل تق ‪44‬دير‪ ،‬ألن املت ‪44‬واتر ليس هو رواية اجلماع ‪44‬ة‪ ،‬بل ما‬
‫يرويه مجاعة‪ ،‬والرواية نفسها هي التواتر فيقدر‪ :‬ح‪4‬ال املت‪44‬واتر أن يرويه مجاع‪44‬ة‪ .‬ولو ق‪44‬ال‪( :‬ما رواه مجاع‪44‬ة)‬
‫لكان أحسن‪.‬‬
‫ومن هذا التعريف وما بعده يتبني أن شروط املتواتر أربعة‪:‬‬
‫‪ )1‬أن يرويه ع‪44 4‬دد‪ ،‬وقد أش‪44 4‬ار املص ‪44‬نف‪ 4‬إىل ذلك بقول‪44 4‬ه‪( :‬أن ي‪44 4‬روي مجاع ‪44‬ة) وقد اختلف العلم ‪44‬اء يف‬
‫الع‪44‬دد املطل‪44‬وب على أق‪44‬وال كث‪44‬رية‪ ،‬كلها ض‪44‬عيفة لتكافئها يف ال‪44‬دعوى‪ ،‬وألن أدلتها ال تعلق لش‪44‬يء‬
‫منها باألخبار‪ ،‬والصحيح ما قاله شيخ اإلسالم‪ 4‬ابن تيمية رمحه اهلل‪ ،‬ونسبه إىل األكثرين املخ‪44‬ربين‪،‬‬
‫وقد حيصل بص‪44 4‬فاهتم لض‪44 4‬بطهم ودينهم‪ ،‬وقد حيصل بق‪44 4‬رائن حتتف ب‪44 4‬اخلرب حيصل مبجموعها العلم‪.‬‬
‫وقد حيصل بتلقي األمة له ب‪44 4 4 4 4 4 4 4 4 4‬القبول‪ ،‬واألمة ال جتتمع على ض‪44 4 4 4 4 4 4 4 4 4‬اللة‪ ،‬وقد حيصل إذا أمجع أهل‬
‫احلديث على صحته وحنو ذلك(‪.)2‬‬
‫‪ )2‬أن حتيل الع‪44 4 4 4 4‬ادة تواط‪44 4 4 4 4‬ؤهم على الك‪44 4 4 4 4‬ذب‪ ،‬وأش‪44 4 4 4 4‬ار إليه بقول‪44 4 4 4 4‬ه‪( :‬ال يقع التواطؤ‪ 4‬من مثلهم على‬
‫الكذب)‪.‬‬
‫‪ )3‬أن يس‪44 4‬توي مجيع طبق‪44 4‬ات الس‪44 4‬ند بالش‪44 4‬رطني الس‪44 4‬ابقني على أن ينتهي إىل املخرب عن ‪44‬ه‪ .‬وأش ‪44‬ار إليه‬
‫بقوله‪( :‬إىل أن ينتهي‪ 4‬إىل املخرب عنه)‪.‬‬
‫‪ )4‬أن يك‪44 4‬ون‪ 4‬مس‪44 4‬تند خ‪44 4‬ربهم عن مش‪44 4‬اهدة أو مساع كق‪44 4‬وهلم‪" :‬مسعنا أو رأين‪44 4‬ا" ال عن اجته‪44 4‬اد‪ ،‬ألن‬
‫االجتهاد ميكن فيه الغلط خبالف املشاهدة‪ ،‬فإن من أخرب عن وجود حادثة إخباراً عن مشاهدة مل‬
‫جيز عليه الغلط‪ .‬وأشار إليه بقوله‪( :‬ويكون يف األصل عن مشاهدة أو مساع ال عن اجتهاد)‪.‬‬
‫قوله (ف‪44‬املتواتر ما ي‪44‬وجب العلم) أي أن املت‪44‬واتر يفيد العلم‪ .‬وهل هو العلم الض‪44‬روري أو النظ‪44‬ري؟‬
‫ق ‪44 4‬والن‪ :‬أرجحهما أن املت ‪44 4‬واتر يفيد العلم الض ‪44 4‬روري أي اليقيين ال ‪44 4‬ذي يض ‪44 4‬طر اإلنس ‪44 4‬ان‪ 4‬إىل التص ‪44 4‬ديق به‬
‫تص ‪44 4‬ديقاً جازم ‪4 4 4‬اً‪ ،‬كوج ‪44 4 4‬ود األئمة األربع‪44 4 4‬ة‪ ،‬ووج ‪44 4 4‬ود مكة ودمشق مثالً بالنس‪44 4 4‬بة ملن مل يرمها‪ ،‬ولو أراد‬
‫التخلص من العلم بذلك مل يستطع‪ ،‬وقد نسب الشوكاين هذا القول إىل اجلمهور‪ ،‬وقال‪ :‬إنه احلق(‪.)3‬‬

‫(?) الصحاح للجوهري (‪.)2/843‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر جمموع‪ 4‬الفتاوى (‪.)148 ،18/16‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) إرشاد الفحول ص‪.46‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪118‬‬
‫وكما يفيد املتواتر العمل يفيد العمل مبا دل عليه بتصديقه إن كان خ‪44‬رباً‪ ،‬وتطبيقه عن ك‪44‬ان طلب‪4‬اً‪.‬‬
‫علي متعم ‪44‬داً فليتب ‪44‬وأ‬
‫ومث ‪44‬ال املت ‪44‬واتر‪ :‬عن أيب هري ‪44‬رة رضي اهلل عنه ق ‪44‬ال‪ :‬ق ‪44‬ال رس ‪44‬ول اهلل ‪( r‬من ك ‪44‬ذب ّ‬
‫مقعده من النار)(‪.)1‬‬
‫ف‪44‬ال املن‪44‬ذري‪ :‬وه‪44‬ذا احلديث قد روي عن غري واحد من الص‪44‬حابة يف الص‪44‬حاح والس‪44‬نن واملس‪44‬انيد‪4‬‬
‫وغريمها‪ ،‬حىت بلغ مبلغ التواتر‪ ،‬واهلل أعلم(‪.)2‬‬
‫اآلحــــاد‬

‫(واآلحــاد‪ :‬هو الــذي يــوجب العمل وال يــوجب العلم‪ .‬وينقسم إلى مرسل ومســند‪ ،‬فالمســند‬
‫ما اتصل إسـ ــناده‪ ،‬والمرسل ما لم يتصل إسـ ــناده‪ .‬فـ ــإن كـ ــان من مراسـ ــيل غـ ــير الصـ ــحابة‬
‫فليس بحجة إال مراسيل سعيد بن المسيب‪ ،‬فإنها فتشت فوجدت مسانيد عن النبي ‪.)r‬‬
‫هذا هو النوع الثاين من أنواع اخلرب باعتبار وصوله إلينا وهو اآلحاد‪.‬‬
‫واآلح‪44 4‬اد لغ‪44 4‬ة‪ :‬مجع أحد كأجل وآج‪44 4‬ال مبعىن واح‪44 4‬د‪ .‬ومهزته مبدلة من واو فأص‪44 4‬له وح‪44 4‬د‪ ،‬وخرب‬
‫اآلحاد ما يرويه الواحد‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬ما مل يتواتر‬
‫أي مل تبلغ نقلته مبلغ اخلرب املتواتر‪ ،‬س‪4‬واء ك‪4‬ان املخرب به واح‪4‬داً أو اث‪4‬نني أو أربعة أو مخسة أو غري‬
‫ذلك من األعداد اليت ال تشعر بأن اخلرب دخل يف حد التواتر‪.‬‬
‫قوله (يوجب العمل) أي جيب العمل مبا تضمنه خرب اآلح‪4‬اد بتص‪4‬ديقه‪ 4‬إن ك‪4‬ان خ‪4‬رباء‪ ،‬وتطبيقه إن‬
‫كان طلباً‪ ،‬بشرط ص‪44‬حته عن رس‪44‬ول اهلل ‪ r‬ال ف‪44‬رق يف ذلك بني األحك‪44‬ام والعقائد على الق‪44‬ول الص‪44‬حيح‪،‬‬
‫لعم ‪44 4‬وم األدلة يف وج‪44 4 4‬وب العمل خبرب الواح‪44 4 4‬د‪ ،‬ومن ذلك ح‪44 4 4‬ديث ابن عمر رضي اهلل عنهما ق ‪44 4‬ال‪ :‬بينما‬
‫الن ‪44‬اس بقب ‪44‬اء يف ص ‪44‬الة الص ‪44‬بح إذ ج ‪44‬اءهم آت‪ ،‬فق ‪44‬ال‪ :‬إن النيب ‪ r‬قد أن ‪44‬زل عليه الليلة ق ‪44‬رآن‪ ،‬وقد أمر أن‬
‫يستقبل الكعبة فاستقبلوها‪ ،‬وكانت وجوههم إىل الشام‪ ،‬فاستداروا إىل الكعبة‪.)3(4‬‬
‫فه ‪44‬ذا دليل ظ ‪44‬اهر يف العمل خبرب الواح ‪44‬د‪ ،‬ف ‪44‬إن الص ‪44‬حابة رضي اهلل عنهم حتول ‪44‬وا عن بيت املق ‪44‬دس‬
‫على الكعبة‪ 4‬خبرب الواحد‪ ،‬فصدقوا خربه‪ ،‬وعملوا به‪.‬‬
‫ومن األدلة أن النيب ‪ r‬كان يبعث‪ 4‬اآلحاد إىل النواحي‪ 4‬والقبائل لتبليغ األحكام الش‪44‬رعية‪ ،‬فل‪44‬وال أنه‬
‫جيب العمل خبربهم مل يكن لبعثهم فائدة‪.‬‬

‫(?) أخرجه البخاري رقم ‪ 110‬ومسلم رقم ‪.3‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) الرتغيب والرتهيب (‪ )1/111‬وانظر نظم املتناثر من احلديث املتواتر للكتاين‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أخرجه البخاري رقم ‪ 395‬ومسلم رقم ‪ .526‬وتقدم ذكره‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪119‬‬
‫ومن األدلة أن الص‪44‬حابة رضي اهلل عنهم قد أمجع‪44‬وا على قب‪44‬ول خرب الواحد والعمل به يف وق‪44‬ائع ال‬
‫ميكن حص ‪44 4‬رها‪ ،‬فقد رجع‪44 4‬وا إىل الغسل من ال‪44 4‬وطء من غري إن ‪44 4‬زال إىل ق ‪44 4‬ول عائشة رضي اهلل عنه‪44 4‬ا‪ .‬ويف‬
‫توريث اجلدة إىل قول املغرية‪ 4‬بن شعبة وحممد بن مسلمة وغري ذلك كثري(‪.)1‬‬
‫يق‪44‬ول الن‪44‬ووي‪( :‬وقد تظ‪44‬اهرت دالئل النص‪44‬وص الش‪44‬رعية واحلجج العقلية على وج‪44‬وب العمل خبرب‬
‫الواح‪44‬د‪ ،‬وقد ق‪44‬رر العلم‪44‬اء يف كتب الفقه واألص‪44‬ول ذلك بدالئل‪44‬ه‪ ،‬وأبلغ‪44‬وه أبلغ إيض‪44‬اح‪ ،‬وص‪44‬نف مجاع‪44‬ات‬
‫من أهل احلديث وغريهم مصنفات مستكثرات‪ 4‬يف خرب الواحد ووجوب العمل به‪ ،‬واهلل أعلم)(‪.)2‬‬
‫وق‪44 4 4‬ال أيض‪4 4 4 4‬اً‪( :‬فال‪44 4 4‬ذي عليه مجاهري املس‪44 4 4‬لمني من الص‪44 4 4‬حابة والت‪44 4 4‬ابعني فمن بع‪44 4 4‬دهم من احملدثني‬
‫والفقه ‪44‬اء وأص ‪44‬حاب األص ‪44‬ول أن خرب الواحد الثقة حجة من حجج الش ‪44‬رع‪ ،‬يل ‪44‬زم العمل هبا ويفيد الظن‬
‫وال يفيد العلم‪ ،‬وأن وجوب العمل به عرفناه بالشرع ال بالعقل ‪.)3() . .‬‬
‫واعلم أن التفريق بني العقائد واألحك ‪44‬ام يف االس ‪44‬تدالل بأح ‪44‬اديث اآلح ‪44‬اد ق ‪44‬ول غ ‪44‬ريب حمدث‪ ،‬ال‬
‫دليل عليه من كت ‪44 4 4‬اب وال س ‪44 4 4‬نة‪ .‬بل هو خمالف ملا عليه س ‪44 4 4‬لف األم ‪44 4 4‬ة‪ ،‬ف ‪44 4 4‬إن األدلة اليت يس ‪44 4‬تدل هبا على‬
‫وج‪4‬وب األخذ حبديث اآلح‪4‬اد يف األحك‪44‬ام الش‪4‬رعية هي أدلة على وج‪4‬وب األخذ هبا يف العقائد لعمومه‪44‬ا‪،‬‬
‫ومن أدعى ختصيصها‪ 4‬باألحكام فعليه الدليل(‪.)4‬‬
‫قول‪44 4 4‬ه‪( :‬وال ي‪44 4 4‬وجب العلم) ه‪44 4 4‬ذا ق‪44 4 4‬ول اجلمه‪44 4 4‬ور‪ :‬أن اآلح‪44 4 4‬اد ال تفيد العلم‪ ،‬بل تفيد الظن‪ ،‬وهو‬
‫رجح ‪44‬ان ص ‪44‬حة نس ‪44‬بتها إىل من نقلت عن ‪44‬ه‪ ،‬وخيتلف ه ‪44‬ذا ب ‪44‬اختالف رتبتها فالص ‪44‬حيح لذاته ليس كاحلسن‬
‫لغريه‪ .‬وهكذا‪.‬‬
‫وذلك بأنه لو أف‪44 4 4 4‬اد خرب كل واحد العلم لص‪44 4 4 4‬دقنا كل خرب نس‪44 4 4 4‬معه‪ ،‬وحنن ال تص‪44 4 4‬دق كل خرب‬
‫نس ‪44‬معه‪ ،‬ف‪44 4‬دل على أنه ال يفيد العلم‪ ،‬وألن أع‪44 4‬دل رواة اآلح‪44 4‬اد جيوز يف حقه الك‪44 4‬ذب والغل‪44 4‬ط‪ ،‬ف‪44 4‬القطع‬
‫بصدقه مع جتويز الكذب والغلط عليه ال معىن له‪.‬‬
‫وهن‪44 4‬اك ق‪44 4‬ول آخ‪44 4‬ر‪ ،‬وهو أن أخب‪44 4‬ار اآلح‪44 4‬اد تفيد العلم‪ ،‬وهو م‪44 4‬ذهب الظاهري‪44 4‬ة‪ ،‬وقد نص‪44 4‬ره ابن‬
‫ح ‪44‬زم(‪ .)5‬وهو ق ‪44‬ول مجاعة من أهل احلديث‪ ،‬وهلم أدلة ذكرها ابن القيم يف كتابه (الص ‪44‬واعق املرس ‪44‬لة على‬
‫اجلهمية واملعطلة)(‪.)6‬‬

‫(?) انظر روضة الناظر مع شرحها (‪.)1/268‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) شرح النووي على صحيح مسلم (‪.)1/177‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) املصدر السابق (‪.)1/246‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) انظر أصل االعتقاد ص‪ 57‬رسالة احلديث حجة بنفسه يف العقائد واألحكام لأللباين‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) اإلحكام يف أصول األحكام البن حزم (‪.)1/107‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) انظر أصل االعتقاد للدكتور‪ 4‬عمر األشقر ص‪.42‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪120‬‬
‫واملخت ‪44‬ار أن أخب ‪44‬ار اآلح‪44 4‬اد تفيد الظن‪ ،‬ورمبا أف‪44 4‬ادت العلم ب‪44 4‬القرائن مثل أن تتلق ‪44‬اه األمة ب ‪44‬القبول‬
‫تصديقاً له وعمالً به‪ ،‬أو كونه مروياً يف الصحيحني‪ ،‬وحنو ذلك‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫قول‪44‬ه‪( :‬وينقسم إىل مرسل ومس‪44‬ند) أي أن أخب‪44‬ار اآلح‪44‬اد تنقسم إىل مرسل ومس‪44‬ند‪ ،‬وه‪44‬ذا باعتب‪44‬ار‬
‫اتص‪44‬ال الس‪44‬ند وانقطاع‪44‬ه‪ .‬فاملس‪44‬ند لغ‪44‬ة‪ :‬اسم مفع‪44‬ول من اإلس‪44‬ناد‪ ،‬وهو ضم جسم إىل آخ‪44‬ر‪ ،‬مث اس‪44‬تعمل يف‬
‫املعاين يقال‪ :‬أسند اخلرب إىل فالن إذا نسبه إليه‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فاملسند ما اتصل إسناده) هذا تعريف املسند‪.‬‬
‫اصطالحاً‪ :‬وهو ما اتصل إسناده‪ ،‬واملراد باالتصال أن يروي شخص عن شخص إىل املخرب عنه‪.‬‬
‫ومثاله‪ :‬قول البخاري رمحه اهلل يف صحيحه‪ :‬حدثنا عبد اهلل بن يوسف قال‪ :‬أخربنا مالك عن ابن‬
‫ش ‪44‬هاب عن أيب س ‪44‬لمة بن عبد ال ‪44‬رمحن عن أيب هري ‪44‬رة رضي اهلل عن ‪44‬ه‪ ،‬أن رس ‪44‬ول اهلل ‪ r‬ق ‪44‬ال‪( :‬من أدرك‬
‫ركعة من الصالة‪ 4‬فقد أدرك الصالة)(‪.)1‬‬
‫وتعريف املص‪44‬نف للمس‪44‬ند فيه عم‪44‬وم‪ ،‬ألنه يش‪44‬مل كل ما اتصل إس‪44‬ناده من رواية إىل منته‪44‬اه‪ 4،‬ب‪44‬أن‪4‬‬
‫ذكر يف السند رواته كلهم فيدخل فيه املوقوف إذا جاء بسند متصل(‪.)2‬‬
‫وأكثر ما يستعمل املسند يف املرفوع إىل النيب ‪ r‬دون ما جاء عن الصحابة وغريهم‪.‬‬
‫قوله‪( :‬واملرسل ما مل يتصل إسناده)‬
‫املرسل لغة‪ :‬اسم مفعول مشتق من اإلرسال‪ :‬وهو اإلطالق فكأن‪ 4‬املرسل أطلق اإلس‪44‬ناد ومل يقي‪44‬ده‬
‫جبميع رواته‪.‬‬
‫وأما يف االصطالح‪ :‬فذكره بقوله (ما مل يتصل إسناده) وهذا عند األصوليني‪.‬‬
‫ومعناه‪ :‬أن يسقط بعض الرواة‪ ،‬سواء كان الساقط واحداً أو أكثر من أي موضع يف السند‪ ،‬ففيه‬
‫رواية ال‪44 4‬راوي عمن مل يس‪44 4‬مع من‪44 4‬ه‪ .‬وعليه فاملرسل يف اص‪44 4‬طالح أهل األص‪44 4‬ول يش‪44 4‬مل أن‪44 4‬واع االنقط‪44 4‬اع‪،‬‬
‫فيدخل فيه املنقطع واملعضل‪ ،‬كما يدخل فيه مرسل الصحايب‪.‬‬
‫قال ابن األثري‪( :‬املرسل من احلديث هو أن يروي الرجل حديثاً عمن مل يعاصره) أ هـ(‪.)3‬‬
‫واملنقطع هو الذي سقط من إسناده رجل غري الصحايب‪ .‬واملعضل هو الذي سقط منه اثنان‪4.‬‬

‫(?) أخرجه البخاري رقم ‪ 555‬ومسلم رقم ‪.607‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر شرح النخبة‪ 4‬للحافظ ابن حجر ص‪.58‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) جامع األصول (‪.)1/115‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪121‬‬
‫وأما املرسل عند احملدثني فهو ما رفعه الت‪44‬ابعي‪ 4‬إىل النيب ‪ ،r‬وذلك ب‪44‬أن‪ 4‬يس‪44‬قط منه الص‪44‬حايب‪ .‬ومن‬
‫أمثلته ما أخرجه مس‪44‬لم يف ص‪44‬حيحه يف كت‪44‬اب ال‪44‬بيوع‪ 4‬ق‪44‬ال‪ :‬ح‪44‬دثن حممد بن رافع ثنا حجني ثنا الليث عن‬
‫عقيل عن ابن شهاب عن سعيد بن املسيب‪ 4‬أن رسول اهلل ‪ r‬هنى عن املزابنة واحملاقلة(‪.)1‬‬
‫فس‪44‬عيد بن املس‪44‬يب‪ 4‬ت‪44‬ابعي‪ 4‬كبري روى ه‪44‬ذا احلديث عن النيب ‪ r‬ب‪44‬دون أن ي‪44‬ذكر الواس‪44‬طة بينه وبني‬
‫الرسول ‪ r‬وهو الصحايب‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فإن كان من مراس‪4‬يل غري الص‪44‬حابة فليس حبج‪4‬ة) ه‪44‬ذا بي‪44‬ان حكم االحتج‪4‬اج باملرس‪4‬ل‪ .‬وقد‬
‫ذكر املص‪44 4 4‬نف حكم مرسل غري الص‪44 4 4‬حايب‪ ،‬وس‪44 4 4‬كت عن مرسل الص‪44 4 4‬حايب وذلك ألنه حجة عند مجاهري‬
‫أهل العلم قال احلافظ‪( :‬وهو الذي عليه عمل أئمة احلديث) أ هـ(‪.)2‬‬
‫وذلك ألن مرسل الص‪44‬حايب موص‪44‬ول مس‪44‬ند‪ ،‬ألن روايتهم غالب‪4‬اً عن الص‪44‬حابة‪ ،‬واجلهالة بالص‪44‬حابة‬
‫ال تضر‪ ،‬ألهنم كلهم عدول‪.‬‬
‫وهلذا مل يعد ابن الص ‪44 4‬الح مرسل الص ‪44 4‬حايب من احلديث املرس ‪44 4‬ل‪ ،‬ألنه يف حكم املوص‪44 4‬ول املس‪44 4‬ند‬
‫فق‪44 4‬ال‪( :‬مل نعد يف أن ‪44 4‬واع‪ 4‬املرسل وحنوه ما يس ‪44 4‬مى يف أص ‪44 4‬ول الفق ‪44 4‬ه‪ :‬مرسل الص ‪44 4‬حايب‪ ،‬مثل ما يرويه ابن‬
‫عب‪44 4‬اس وغ‪44 4‬ريه من أح‪44 4‬داث الص‪44 4‬حابة عن رس‪44 4‬ول اله ‪ r‬ومل يس‪44 4‬معوه من‪44 4‬ه‪ ،‬ألن ذلك يف حكم املوص‪44 4‬ول‬
‫املس‪44 4‬ند‪ ،‬ألن روايتهم عن الص ‪44 4‬حابة‪ ،‬واجلهالة بالص ‪44 4‬حايب غري قادح ‪44 4‬ة‪ ،‬ألن الص ‪44 4‬حابة كلهم ع‪44 4‬دول‪ ،‬واهلل‬
‫أعلم)(‪.)3‬‬
‫ومرسل الصحايب‪ :‬هو ما أخرب به الصحايب عن ق‪4‬ول النيب ‪ r‬أو فعله ومل يس‪4‬معه أو يش‪4‬اهده‪ ،‬ألنه‬
‫مل ي ‪44‬درك زمانه إما البخ ‪44‬اري يف ص ‪44‬حيحه بس ‪44‬نده عن عائشة رضي اهلل عنها ق ‪44‬الت‪ :‬ك ‪44‬ان أول ما ب ‪44‬دئ به‬
‫رس‪4‬ول اهلل ‪ r‬الرؤيا الص‪4‬ادقة يف الن‪4‬وم‪ 4،‬فك‪4‬ان ال ي‪4‬رى رؤيا إال ج‪4‬اءت مثل فلق الص‪4‬بح ‪ . . .‬احلديث )‬
‫(‪)4‬‬

‫فه ‪44‬ذا من مراس ‪44‬يل الص ‪44‬حابة‪ ،‬ألن عائشة مل ت ‪44‬درك ه ‪44‬ذه القص ‪44‬ة‪ ،‬ألهنا ول ‪44‬دت بعد املبعث ب ‪44‬أربع أو مخس‬
‫سنني(‪.)5‬‬

‫(?) أخرجه مسلم رقم ‪.1539‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) النكت على ابن الصالح (‪ )2/548‬وانظر اجملموع شرح املهذب (‪.)1/62‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) مقدمة ابن الصالح ص‪.26‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) انظر فتح الباري (‪.)1/23‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) انظر اإلصابة البن حجر (‪.)12/38‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪122‬‬
‫ومثاله – أيض‪4‬اً – ما أخرجه البخ‪44‬اري بس‪44‬نده عن ابن الزبري أنه خطب فق‪44‬ال‪ :‬ق‪44‬ال حممد ‪( :r‬من‬
‫لبس احلرير يف ال‪44 4 4 4 4‬دنيا لن يلبسه يف اآلخ‪44 4 4 4 4‬رة)(‪ )1‬فه‪44 4 4 4 4‬ذا مرسل ص‪44 4 4 4 4‬حايب ألن عبد اهلل بن الزبري ولد ع ‪44 4 4‬ام‬
‫اهلجرة(‪.)2‬‬
‫وقد ذكر احلافظ يف الفتح(‪ )3‬أنه تبني من الروايتني اللتني أوردمها البخاري بعد ه‪44‬ذا املرسل أن ابن‬
‫الزبري إمنا محله عن النيب ‪ r‬بواس ‪44 4‬طة عمر رضي اهلل عن ‪44 4‬ه‪ ،‬وذكر احلافظ أنه مل يقف يف ش ‪44 4‬يء من الط‪44 4‬رق‬
‫املتفقة‪ 4‬عن عمر أنه رواه بلفظ (لن) بل احلديث عنه يف مجيع الطرق بلفظ (مل) واهلل أعلم‪.‬‬
‫قال السيوطي يف ت‪4‬دريب ال‪4‬راوي‪( :‬ويف الص‪44‬حيحني من مراس‪4‬يل الص‪4‬حابة ما ال حيص‪4‬ى‪ ،‬ألن أك‪4‬ثر‬
‫رواياهتم عن الصحابة‪ ،‬وكلهم عدول‪ ،‬ورواياهتم عن غ‪44‬ريهم ن‪44‬ادرة‪ ،‬وإذا رووها بينوه‪4‬ا‪ 4،‬بل أك‪4‬ثر ما رواه‬
‫الصحابة عن التابعني ليس أحاديث مرفوعة‪ ،‬بل إسرائيليات أو حكايات أو موقوفات) أ هـ(‪.)4‬‬
‫ه ‪44‬ذا هو مراس ‪44‬يل الص ‪44‬حابة‪ .‬وأما مراس ‪44‬يل غري الص ‪44‬حابة كمرسل الت ‪44‬ابعي ففيه خالف‪ ،‬وقد ذكر‬
‫املص‪44‬نف‪ 4‬أهنا ليست حبج‪44‬ة‪ ،‬وذلك للجهل بالس‪44‬اقط يف اإلس‪44‬ناد الحتم‪44‬ال أنه ت‪44‬ابعي‪ 4،‬مث حيتمل أنه ض‪44‬عيف‪.‬‬
‫وبتق‪44 4‬دير كونه ثقة حيتمل أنه روى عن ت ‪44 4‬ابعي أيض‪4 4 4‬اً‪ ،‬وحيتمل أنه ض ‪44 4‬عيف وهك ‪44 4‬ذا‪ ،‬وه ‪44 4‬ذا ق‪44 4‬ول مجه‪44 4‬ور‬
‫احملدثني‪ ،‬وكثري من أهل األص ‪44‬ول والفقه ‪44‬اء‪ .‬يق ‪44‬ول اإلم ‪44‬ام مس ‪44‬لم رمحه اهلل يف مقدمة ص ‪44‬حيحه‪( :‬واملرسل‬
‫من الرواي‪44‬ات يف أصل قولنا وق‪44‬ول أهل العلم باألخب‪44‬ار ليس حبج‪44‬ة)(‪ )5‬ومثل ذلك حكى ابن عبد الرب وابن‬
‫الص‪44 4‬الح والن ‪44 4‬ووي‪ 4‬وغ ‪44 4‬ريهم‪ .‬ق ‪44 4‬ال ابن حجر يف ش ‪44 4‬رح النخبة (وإمنا ذكر املرسل يف قسم املردود للجهل‬
‫احملذوف) أ هـ(‪.)6‬‬
‫وذهب األئمة الثالث ‪44‬ة‪ :‬مالك وأبو حنيفة وأمحد يف املش ‪44‬هور عنه إىل قب ‪44‬ول املرسل إذا ك ‪44‬ان املرسل‬
‫ثق‪44‬ة‪ ،‬وال يرسل إال عن ثق‪44‬ة‪ ،‬وحجتهم أن الت‪44‬ابعي الثقة ال يس‪44‬تحل أن يق‪44‬ول‪ :‬ق‪44‬ال رس‪44‬ول اهلل ‪ . . . r‬إال‬
‫إذا مسعه من ثقة‪.‬‬

‫(?) انظر فتح الباري (‪.)1/23‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) اإلصابة (‪.)6/83‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) فتح الباري (‪ )10/289‬وقد ذكر احلافظ ثالثة من مراسيل ابن الزبري فمن أرادها رجع إهلا‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) تدريب الراوي (‪.)1/207‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) صحيح مسلم (‪.)1/245‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) شرح النخبة‪ 4‬ص‪.41‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪123‬‬
‫وق ‪44 4‬ال بعض أهل العلم ومنهم الش ‪44 4‬افعي‪ :‬حيتج مبراس ‪44 4‬يل كب ‪44 4‬ار الت ‪44 4‬ابعني ال ‪44 4‬ذين أك‪44 4‬ثر روايتهم عن‬
‫الص‪44‬حابة كس‪44‬عيد بن املس‪44‬يب وع‪44‬روة بن الزب‪44‬ري‪ ،‬وذلك بش‪44‬رط أن يعض‪44‬ده مرسل آخر أو ق‪44‬ول ص‪44‬حايب أو‬
‫قياس أو يفيت مبقتضاه‪ 4‬أكثر أهل العلم(‪.)7‬‬
‫وقد مشى املص ‪44‬نف‪ 4‬على الق ‪44‬ول ب ‪44‬املنع ومل يس ‪44‬تثن إال مراس ‪44‬يل س ‪44‬عيد بن املس ‪44‬يب‪ ،‬وعلل ذلك بأنه‬
‫فتش عنها فوجد أن س‪44‬عيدا أس‪44‬قط الص‪44‬حايب‪ ،‬وعزاها للنيب ‪ r‬والغ‪44‬الب أن يك‪44‬ون الص‪44‬حايب هو ص‪44‬هره أبو‬
‫زوجته أبو هري‪44 4 4 4 4‬رة رضي اهلل عن ‪44 4 4 4 4‬ه‪ .‬واملفتش هلا هو الش‪44 4 4 4 4‬افعي رمحه اهلل على ما نقله املص‪44 4 4 4‬نف‪ 4‬يف كتابه‬
‫(الربهان)(‪ )2‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫واعلم أن املص ‪44 4‬نف‪ 4‬ملا نص على أن مرسل غري الص ‪44 4‬حايب ليس حبجة فهم منه أن مرسل الص‪44 4‬حايب‬
‫حجة‪ ،‬كما تقدم فيكون ذكر حكم النوعني‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(?) انظر الرسالة للشافعي ص‪ 461‬وانظر تفصيل هذه الشروط يف كتاب (احلديث املرسل) للدكتور حممد حسن هيتو ص‪ 36‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) الربهان (‪.)1/411‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪124‬‬
‫صيغ أداء الحديث‬

‫(والعنعنة ت ـ ــدخل على األس ـ ــانيد‪ .‬وإ ذا ق ـ ــرأ الش ـ ــيخ يج ـ ــوز لل ـ ــراوي أن يق ـ ــول‪ :‬ح ـ ــدثني أو‬
‫أخبرني‪ .‬وإ ذا قرأ هو على الشيخ يقول‪ :‬أخبرني وال يقول حدثني‪ .‬وإ ن أجازه الشــيخ من‬
‫غير قراءة فيقول‪ :‬أجازني وأخبرني إجازة)‪.‬ـ‬
‫ملا ف ‪44‬رغ املص ‪44‬نف‪ 4‬من بي ‪44‬ان أقس ‪44‬ام اخلرب ش ‪44‬رع يف ذكر كيفية حتمله وأدائه وللح ‪44‬ديث حتمل وأداء‪.‬‬
‫فالتحمل‪ :‬أخذ احلديث عن الغري‪ .‬واألداء‪ :‬إبالغ احلديث إىل الغري‪.‬‬
‫قول ‪44 4‬ه‪( :‬والعنعنة‪ 4‬ت ‪44 4‬دخل على األس ‪44 4‬انيد) العنعنة‪ 4‬من ص ‪44 4‬يغ أداء احلديث‪ ،‬وهي رواية احلديث بلفظ‬
‫عن فالن عن فالن دون تصريح بالتحديث أو السماع‪.‬‬
‫وقوله (ت ‪44 4‬دخل األس ‪44 4‬انيد) أي على األح ‪44 4‬اديث املس ‪44 4‬ندة‪ ،‬وه ‪44 4‬ذا يفيد أن احلديث املعنعن‪ 4‬يف حكم‬
‫احلديث املس‪44‬ند يف القب‪44‬ول والعمل ب‪44‬ه‪ ،‬ال يف حكم املرسل يف رده وع‪44‬دم العمل ب‪44‬ه‪ ،‬وذلك التص‪44‬ال س‪44‬نده‬
‫يف الظ ‪44 4 4 4‬اهر‪ ،‬وإمنا نبه عليه دون غ ‪44 4 4 4‬ريه لوق ‪44 4 4 4‬وع اخلالف يف حكم املعنعن‪ ،‬ف ‪44 4 4 4‬اجلمهور على أن املعنعن‪ 4‬من‬
‫املتصل‪ ،‬كما ذكر املصنف‪ 4‬بشرطني‪:‬‬
‫األول متفق علي‪44‬ه‪ :‬وهو س‪44‬المة معنعنه وبراءته من الت‪44‬دليس‪ ،‬فال حيكم باالتص‪44‬ال من م‪44‬دلس إال أن‬
‫يصرح بالتحديث‪.‬‬
‫الثاين خمتلف فيه‪ :‬وهو لقاء الراوي ملن روى عنه واجتماعهما ولو مرة واحدة‪ ،‬وبه ق‪44‬ال البخ‪44‬اري‬
‫وشيخه ابن املديين وغريمها من أئمة احلديث‪ .‬وهذا الرأي هو املختار الص‪44‬حيح ال‪44‬ذي عليه أئمة ه‪4‬ذا الفن‪،‬‬
‫ما ق‪44‬ال الن‪44‬ووي يف ش‪44‬رح مس‪44‬لم(‪ :)1‬ومنهم من اكتفى‪ 4‬بإمك‪44‬ان‪ 4‬اللق‪44‬اء واملعاص‪44‬رة كاإلم‪44‬ام مس‪44‬لم‪ ،‬واملعنعن‬
‫كثري يف الصحيحني وغريمها‪.‬‬
‫ومثال ‪44‬ه‪ :‬ما أخرجه البخ ‪44‬اري يف ص ‪44‬حيحه ق ‪44‬ال‪ :‬ح ‪44‬دثنا عبد اهلل بن يوسف ق ‪44‬ال‪ :‬أخربنا مالك عن‬
‫ابن شهاب عن حممد بن جبري بن مطعم عن أبيه قال‪ :‬مسعت رسول اهلل ‪ r‬قرأ يف املغرب بالطور(‪.)2‬‬
‫فه ‪44 4‬ذا احلديث ص ‪44 4‬حيح وس ‪44 4‬نده متص‪44 4 4‬ل‪ .‬وأما العنعنة‪ 4‬فهي حممولة على االتص ‪44 4‬ال‪ ،‬ألن رواته غري‬
‫مدلس‪44 4‬ني‪ ،‬فمالك إم‪44 4‬ام حاف‪44 4‬ظ‪ ،‬وابن ش‪44 4‬هاب الزه‪44 4‬ري فقيه حافظ متفق على جاللته وإتقان‪44 4‬ه‪ 4،‬وحممد بن‬
‫جبري ثقة‪.‬‬
‫مث ذكر املؤلف ألفاظ الرواية من غري الصحايب‪ ،‬وهلا مراتب بعضها أقوى من بعض‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫(?) شرح صحيح مسلم (‪.)1/242‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أخرجه البخاري رقم ‪ 731‬وأخرجه مسلم رقم ‪.463‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪125‬‬
‫ق‪44‬راءة الش‪44‬يخ على التلميذ ل‪44‬ريوي عن‪44‬ه‪ ،‬فيق‪44‬رأ الش‪44‬يخ على ال‪44‬رواة وهم يس‪44‬معون‪ .‬وه‪44‬ذه‬ ‫‪)1‬‬
‫املرتبة هي الغابة يف التحمل‪ ،‬وللراوي يف هذه املرتبة أن يقول‪ :‬حدثين فالن أو أخربين‪.‬‬
‫ق ‪44 4‬راء التلميذ على الش ‪44 4‬يخ وهو يس ‪44 4‬مع‪ .‬فيق ‪44 4‬ول‪ :‬نعم أو يس ‪44 4‬كت‪ .‬فتج‪44 4‬وز الرواية عنه‬ ‫‪)2‬‬
‫بذلك فيقول التلميذ‪ :‬أخربين أو حدثين قراءة عليه‪ .‬وهل يسوغ له ترك (قراءة عليه)؟‬
‫ق‪44‬والن‪ :‬املص‪44‬نف ومن وافقه ي‪44‬رى املن‪44‬ع‪ ،‬ألنه مل حيدث‪44‬ه‪ ،‬والق‪44‬ول الث‪44‬اين‪ :‬اجلواز ألن القصد‬
‫اإلعالم بالرواية عن الش‪44 4‬يخ‪ ،‬وكل من الص‪44 4‬يغتني ص‪44 4‬احل ل‪44 4‬ذلك‪ .‬واألول ق‪44 4‬ال به مس‪44 4‬لم وهو‬
‫مذهب الشافعي وأصحابه ورواية عن أمحد‪ ،‬وبالثاين قال البخاري وبعض أهل العلم‪.‬‬
‫اإلج‪44‬ازة‪ :‬وهي أن ي‪44‬أذن الش‪44‬يخ للتلميذ أن ي‪44‬روي عنه ما رواه‪ ،‬ك‪44‬أن يق‪44‬ول ل‪44‬ه‪ :‬أج‪44‬زت‬ ‫‪)3‬‬
‫لك أن تروي عين صحيح البخاري‪ .‬فيقول التلميذ‪ :‬أجازين‪ ،‬أو أخربين إجازة‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬من غري ق‪4‬راءة) أي من غري ق‪4‬راءة من الش‪4‬يخ على ال‪4‬راوي وال من ال‪4‬راوي على‬
‫الشيخ‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫القيـــاس‬

‫(وأما القي ــاس‪:‬ـ فهو رد الف ــرع إلى األصل في الحكم بعلة تجمعهم ــا‪ .‬وهو ينقسم إلى ثالثة‬
‫أقس ــام‪ :‬قي ــاس عل ــة‪ ،‬وقيسا دالل ــة‪ ،‬وقي ــاس ش ــبه‪ .‬فقي ــاس العل ــة‪ :‬ما ك ــانت العلة فيه موجبة‬
‫للحكم‪ .‬وقي ــاس الدالل ــة‪ :‬هو االس ــتدالل بأحد النظ ــيرين على اآلخ ــر‪ ،‬وهو أن تك ــون العلة‬
‫دالة على الحكم‪ ،‬وال تك ــون موجبة للحكم‪ .‬وقي ــاس الش ــبه هو الف ــرع الم ــتردد بين أص ــلين‬
‫فيلحق بأكثرهما شبهاً به‪ ،‬وال يصار إليه مع إمكان ما قبله)‪.‬‬
‫ه ‪44‬ذا هو األصل الرابع من األص ‪44‬ول اليت يس ‪44‬تدل هبا وهو القي ‪44‬اس‪ ،‬وخ ‪44‬الف يه الظاهرية وآخ ‪44‬رون‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬ليس من األصول ألنه ال يفيد إال الظن‪.‬‬
‫والصواب مع اجلمهور‪ ،‬فإن القياس يثري ظنّاً غالباً يعمل به يف األحكام الشرعية‪ ،‬وق‪44‬وهلم‪ :‬ال يفيد‬
‫إال الظن‪ ،‬نقول‪ :‬خرب الواحد وحنوه ال يفيد إال الظن يف األصل‪ ،‬ومع هذا يستدل به‪.‬‬
‫وقد دل على اعتب‪44‬ار القي‪44‬اس دليالً كت‪44‬اب اهلل تع‪44‬اىل وس‪44‬نة رس‪44‬وله ‪ r‬وأق‪44‬وال الص‪44‬حابة‪ ،‬ق‪44‬ال تع‪44‬اىل‪:‬‬
‫]لقد أرس ‪44‬لنا رس ‪44‬لنا بالبين ‪44‬ات‪ 4‬وأنزلنا معهم الكت ‪44‬اب وامليزان ليق ‪44‬وم الن ‪44‬اس بالقسط[(‪ ،)1‬امليزان ما ت ‪44‬وزن به‬
‫األم ‪44‬ور ويق ‪44‬ايس به بينه ‪44‬ا‪ .‬ق ‪44‬ال ش ‪44‬يخ اإلس ‪44‬الم‪ 4‬ابن تيمي ‪44‬ة‪( :‬والقي ‪44‬اس الص ‪44‬حيح من الع ‪44‬دل‪ .‬فإنه تس ‪44‬وية بني‬
‫متماثلني‪ .‬وتفريق بني املختلفني ‪.)2(). .‬‬
‫ومن الس ‪44‬نة ما ورد عن أيب هري ‪44‬رة رضي اهلل عنه أن رجالً أتى النيب ‪ r‬فق ‪44‬ال‪( :‬يا رس ‪44‬ول اهلل ولد‬
‫يل غالم أس‪44‬ود‪ .‬فق‪44‬ال‪ :‬هل لك من إب‪44‬ل؟ ق‪44‬ال‪ :‬نعم‪ .‬ق‪44‬ال‪ .‬ما ألواهنا؟ ق‪44‬ال‪ :‬محر‪ .‬ق‪44‬ال‪ :‬هل فيها من أورق؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فأىن ذلك؟ قال‪ :‬لعله نزعه عرق‪ .‬قال‪ :‬فلعل ابنك هذا نزعه عرق)(‪ )3‬متفق عليه‪.‬‬
‫قال ابن العريب‪( :‬فيه دليل على صحة القياس واالعتبار بالنظري)(‪.)4‬‬
‫ومن أق‪44 4 4‬وال الص‪44 4 4‬حابة ما ورد يف كت‪44 4 4‬اب عمر بن اخلط‪44 4 4‬اب رضي اهلل عنه إىل قاض ‪44 4‬يه أيب موسى‬
‫األش ‪44 4 4‬عري رضي اهلل عنه وفيه (مث الفهم فيما أدىل عليك مما ورد عليك مما ليس يف ق‪44 4 4 4 4‬رآن وال س ‪44 4 4‬نة‪ ،‬مث‬
‫قياس األمور عندك واعرف األمثال‪ .‬مث اعمد فيما ترى إىل أحبها إىل اهلل وأشبهها باحلق ‪.)5() . .‬‬

‫(?) سورة احلديد‪ 4،‬آية‪.25 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) جمموع‪ 4‬الفتاوى (‪.)19/288‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أخرجه البخاري رقم ‪ 4999‬ومسلم رقم ‪.1500‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) فتح الباري (‪.)9/444‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) هذا الكتاب من عمر رضي اهلل عنه كتاب جليل القدر تلقاه العلماء بالقبول‪ .‬وقد شرحه ابن القيم رمحه اهلل يف أعالم املوقعني‪ .‬ويف جملة البحوث‬ ‫‪5‬‬

‫اإلسالمية العدد السابع عشر حتقيق هذا الكتاب وبيان ما تضمنه من توجيهات للقضاة للدكتور ناصر الطريفي ص‪.254 – 196‬‬

‫‪127‬‬
‫ونقل ابن القيم يف أعالم املوقعني عن املزين من كبار الشافعية أنه قال‪( :‬الفقهاء من عصر الرسول‬
‫‪ r‬إىل يومنا وهلم ج‪44‬را اس‪44‬تعملوا املق‪44‬اييس‪ 4‬يف الفقه يف مجيع األحك‪44‬ام يف أمر دينهم) وق‪44‬ال‪( :‬وأمجع‪44‬وا على‬
‫أن نظري احلق حق‪ ،‬ونظري الباطل باطل)(‪.)1‬‬
‫قوله‪( :‬وأما القياس فهو رد الفرع على األصل ‪.). .‬‬
‫القي‪4‬اس لغ‪4‬ة‪ :‬التق‪4‬دير واملس‪4‬اواة‪ .‬تق‪4‬ول‪ :‬قست الث‪4‬وب بال‪4‬ذراع إذا قدرته ب‪4‬ه‪ ،‬وفالن ال يق‪4‬اس بفالن‬
‫أي ال يساوي به‪.‬‬
‫واص ‪44‬طالحاً‪( :‬رد الف ‪44‬رع إىل األصل يف احلكم بعلة جتمعهم ‪44‬ا)‪ ،‬والب ‪44‬اء يف قول ‪44‬ه‪( :‬بعل ‪44‬ة) س ‪44‬ببية أي‬
‫بس‪44‬بب عل‪44‬ة‪ ،‬ومعىن رد الف‪44‬رع إىل األصل جعله مس‪44‬اوياً له وراجع‪4‬اً إليه يف احلكم‪ ،‬حيث إن الف‪44‬رع مل ي‪44‬رد‬
‫يف بي‪44‬ان حكمه نص وال إمجاع‪ ،‬ألن موض‪44‬وع القي‪44‬اس طلب أحك‪44‬ام الف‪44‬روع املس‪44‬كوت عنه‪44‬ا‪ ،‬اليت مل ي‪44‬رد‬
‫فيها نص وال إمجاع‪ ،‬فإذا وجدت علة األصل يف الفرع أعطي حكم األصل‪.‬‬
‫ومثال ‪44 4 4 4‬ه‪ :‬قي ‪44 4 4 4‬اس األرز على الرب يف جري ‪44 4 4 4‬ان الربا(‪ ،)2‬والعلة اليت جتمعهما هي الطعم والكيل مثالً‪.‬‬
‫وقي‪44‬اس العبد على األمة يف تنص‪44‬يف حد الزنا جبامع ال‪44‬رق يف كل منهم‪44‬ا‪ .‬ودليل األصل آية س‪44‬ورة النس‪44‬اء‪.‬‬
‫كما تقدم يف التخصيص‪.‬‬
‫وأركان القياس أربعة‪:‬‬
‫‪ )1‬الف ‪44‬رع‪ ،‬وهو احملل ال ‪44‬ذي ي ‪44‬راد إثب ‪44‬ات احلكم في ‪44‬ه‪ ،‬ويس ‪44‬مى املقيس‪ .‬وهو األرز يف املث ‪44‬ال األول‬
‫والعبد يف املثال الثاين‪.‬‬
‫‪ )2‬األصل‪ ،‬وهو احملل املعلوم بثبوت احلكم فيه‪ ،‬ويسمى املقيس عليه‪ ،‬وهو الرب‪ ،‬واألمة‪.‬‬
‫‪ )3‬واحلكم‪ ،‬وهو األمر املقص ‪44 4‬ود إحلاق الف ‪44 4‬رع باألصل في ‪44 4‬ه‪ .‬وهو جري ‪44 4‬ان الربا يف املث ‪44 4‬ال األول‪.‬‬
‫وتنصيف احلد يف الثاين‪.‬‬
‫‪ )4‬العل ‪44‬ة‪ ،‬وهي املعىن املش ‪44‬رتك‪ 4‬بني األصل والف ‪44‬رع املقتضي‪ 4‬إثب ‪44‬ات احلكم يف الف ‪44‬رع‪ .‬وهي الطعم‬
‫والكيل مثالً يف األول‪ ،‬والرق يف الثاين‪.‬‬
‫قول‪44‬ه‪( :‬وهو ينقسم إىل ثالثة أقس‪44‬ام) ملا ذكر تعريف القي‪44‬اس ش‪44‬رع يف تقس‪44‬يمه حبسب علت‪44‬ه‪ .‬ف‪44‬ذكر‬
‫أنه ثالثة‪ :‬قياس العلة وقياس الداللة‪ ،‬وقياس الشبه‪ .‬وعرف كل قسم منها‪.‬‬
‫قوله (فقياس العلة‪ :‬هو ما كانت العلة فيه موجبة احلكم)‪.‬‬

‫(?) أعالم املوقعني (‪.)1/205‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر نثر الورود على مراقي السعود (‪.)2/451‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪128‬‬
‫أي‪ :‬هو ما كانت العلة اليت جتمع الفرع واألصل يف احلكم (موجبة احلكم) أي‪ :‬مقتضية‪ 4‬للحكم‪،‬‬
‫مبعىن أنه ال حيسن ختلف احلكم عنها يف الف‪44‬رع ب‪44‬أن توجد هي يف الف‪44‬رع وال يوجد احلكم‪ .‬ومثال‪44‬ه‪ :‬قي‪44‬اس‬
‫ُأف[(‪ )1‬واحلكم هو‬ ‫ضرب الوالدين أو أحدمها على الت‪44‬أفيف‪ 4‬املنص‪44‬وص عليه يف قوله تع‪44‬اىل‪] :‬فال تقل هلما ّ‬
‫التح‪4‬رمي‪ ،‬والعلة هي اإلي‪4‬ذاء‪ .‬فال حيسن عقالً ختلف احلكم يف الف‪4‬رع ب‪4‬أن يب‪4‬اح الض‪4‬رب‪ ،‬ومينع الت‪4‬أفيف‪ 4‬مع‬
‫وجود العلة يف الفرع على أمت وجه(‪ .)2‬وهذا على قول من يرى أن ثب‪4‬وت احلكم يف الف‪4‬رع يف ه‪4‬ذا القسم‬
‫بطريق القي‪44‬اس فيك‪44‬ون‪ 4‬بطريق املنط‪44‬وق ونقل يف الربه‪44‬ان(‪ )3‬عن أك‪44‬ثر األص‪44‬وليني أنه بطريق مفه‪44‬وم املوافق‪44‬ة‪،‬‬
‫وهو أن يوافق املس‪44 4‬كوت‪ 4‬عنه املنط‪44 4‬وق يف احلكم‪ ،‬وقد يك‪44 4‬ون‪ 4‬أوىل وقد يك‪44 4‬ون مس‪44 4‬اوياً والض‪44 4‬رب أوىل‬
‫بالتحرمي من التأفيف‪.‬‬
‫واملش ‪44‬هور أن قي ‪44‬اس العلة هو اجلمع بني الف ‪44‬رع واألصل بنفس العل ‪44‬ة‪ ،‬كما إذا قلن ‪44‬ا‪ :‬جيري الربا يف‬
‫األرز قياساً على الرب جبامع الطعم والكيل مثالً‪ .‬وهو إما جلي أو خفي‪ ،‬وما ذك‪4‬ره املص‪4‬نف‪ 4‬هو من قي‪44‬اس‬
‫العلة اجللي‪ ،‬وهو ما علم من غري معاناة وفكر(‪.)4‬‬
‫قول‪44‬ه‪( :‬وقي‪44‬اس الدالل‪44‬ة‪ :‬هو االس‪44‬تدالل بأحد النظ‪44‬ريين على اآلخ‪44‬ر‪ ،‬وهو أن تك‪44‬ون‪ 4‬العلة دالة على‬
‫احلكم وال تك ‪44‬ون‪ 4‬موجبة للحكم) قول‪44 4‬ه‪( :‬هو االس ‪44‬تدالل) أي هو أن يس ‪44‬تدل بأحد النظ‪44 4‬ريين على النظري‬
‫اآلخ ‪44‬ر‪ .‬واملراد ب ‪44‬النظريين‪ :‬الش ‪44‬يئان‪ 4‬املتش ‪44‬اركان يف األوص ‪44‬اف كاش ‪44‬رتاك‪ 4‬األش ‪44‬نان والرب يف وصف الكي ‪44‬ل‪،‬‬
‫وقوله‪( :‬أن تكون العلة دالة على احلكم) أي على ثبوت احلكم يف الفرع‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬وال تكون‪ 4‬موجبة للحكم) أي ال تكون مقتضية‪ 4‬لثبوت احلكم كما يف قياس العلة‪.‬‬
‫ومثال ‪44 4 4‬ه‪ :‬قي ‪44 4 4‬اس األش ‪44 4 4‬نان‪ )5(4‬على الرب يف جري ‪44 4 4‬ان الربا جبامع الكي ‪44 4 4‬ل‪ .‬فالعلة وهي الكيل دالة على‬
‫احلكم‪ ،‬وهو جري ‪44‬ان الربا يف األش ‪44‬نان‪ 4،‬ولكنها ليست موجبة لثب ‪44‬وت احلكم يف الف ‪44‬رع‪ ،‬جلواز خلو الف ‪44‬رع‬
‫عن هذا احلكم‪ ،‬الحتمال إجياد فرق بني األصل والفرع‪ ،‬بأن‪ 4‬الرب مطعوم واألشنان‪ 4‬غري مطعوم‪.‬‬
‫واملشهور أن قي‪44‬اس الدالة هو اجلمع بني األصل والف‪44‬رع ب‪44‬دليل العل‪44‬ة‪ ،‬ال بالعلة نفس‪44‬ها‪ :‬كالش‪44‬دة يف‬
‫اخلمر أو الرائحة‪ ،‬فإن الشدة أو الرائحة ليست هي العلة‪ .‬مسي بذلك ألن املذكور دليل العلة‪ .‬وقد يك‪44‬ون‬
‫أثر العلة ك‪44 4‬أن يق‪44 4‬ال‪ :‬القتل مبثقل ي‪44 4‬وجب القص‪44 4‬اص‪ :‬كالقتل مبح‪44 4‬دد جبامع اإلمث‪ ،‬وهو أثر العلة اليت هي‪:‬‬

‫(?) سورة اإلسراء‪ ،‬آية‪.23 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ويسمى هذا قياس األوىل وهو أن يكون ثبوت احلكم يف الفرع أوىل منه يف األصل كهذا املثال أو مساوياً له كقياس حترمي إتالف اليتيم باللبس على‬ ‫‪2‬‬

‫حترمي إتالفه باألكل انظر حاشية البناين (‪.)2/224‬‬


‫(?) الربهان (‪.)2/573‬‬ ‫‪3‬‬

‫(? ) انظر تفصيل ذلك يف البحر احمليط (‪.)5/36‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) األشنان‪ :‬بفتح اهلمزة وكسرها شجر معروف كان يستعمل قدمياً يف غسل الثياب‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪129‬‬
‫القتل العمد الع ‪44‬دوان‪ 4.‬وقد يك ‪44‬ون‪ 4‬حكم العلة ك ‪44‬أن يق ‪44‬ال‪ :‬تقطع اجلماعة بالواح ‪44‬د‪ ،‬كما يقتل ‪44‬ون به جبامع‬
‫وجوب الدية‪ .‬وهو حكم العل‪44‬ة‪ ،‬وال مناف‪44‬اة بني ه‪44‬ذا وما ذكر املص‪44‬نف‪ 4‬جلواز تع‪44‬دد االص‪44‬طالح أو اختالفه‬
‫واهلل أعلم(‪.)1‬‬
‫قوله‪( :‬وقياس الشبه‪ :‬هو الفرع املرتدد بني أصلني)‪.‬‬
‫مثاله(‪ :)2‬العبد‪ .‬هل ميلك بالتمليك أو ال؟ وهل إذا قتل فيه الدية أو القيمة؟ فهو مرتدد بني أصلني‬
‫خمتلفي احلكم‪.‬‬
‫األول احلر فالعبد يش ‪44‬به احلر من حيث إنه إنس ‪44‬ان مكلف يث ‪44‬اب ويع ‪44‬اقب وينكح ويطل ‪44‬ق‪ ،‬وتلزمه‬
‫أوامر الشرع ونواهيه‪4.‬‬
‫األصل الث ‪44 4 4 4‬اين‪ :‬املال أو البهيمة كما عرب بعض ‪44 4 4 4‬هم‪ ،‬فهو يش ‪44 4 4 4‬به ه ‪44 4 4 4‬ذا األصل من حيث إنه يب‪44 4 4‬اع‬
‫ويوهب ويوصى به ويرهن ويورث وغري ذلك من أحوال املال‪.‬‬
‫فالعبد ف ‪44‬رع أش ‪44‬به احلر فيملك بالتمليك وفيه الدي ‪44‬ة‪ ،‬وه ‪44‬ذا األصل األول‪ ،‬وأش ‪44‬به البهيمة فال ميلك‬
‫بالتمليك وفيه القيمة‪ .‬وهذا األصل الثاين‪.‬‬
‫قول‪44‬ه‪( :‬فيلحق بأكثرمها ش‪44‬بهاً ب‪44‬ه) أي يلحق ه‪44‬ذا الف‪44‬رع ب‪44‬أكثر األص‪44‬لني ش‪44‬بهاً به يف ص‪44‬فات من‪44‬اط‬
‫احلكم‪ .‬وهو املال‪ .‬فيأخذ حكمه ‪ . .‬ألنه يشبهه يف احلكم والصفة معاً أكثر مما يشبه احلر فيهما‪.‬‬
‫قول ‪44‬ه‪( :‬وال يص ‪44‬ار إليه مع إمك ‪44‬ان ما قبل ‪44‬ه) ه ‪44‬ذه العب ‪44‬ارة ثابتة يف بعض النس ‪44‬خ‪ ،‬ومعناه ‪44‬ا‪ :‬أن ه ‪44‬ذا‬
‫الن‪44‬وع من القي‪44‬اس أض‪44‬عف من ال‪44‬ذي قبل‪44‬ه‪ ،‬فال يص‪44‬ار إليه مع إمك‪44‬ان‪ 4‬القس‪44‬مني األولني‪ ،‬إذ ليس بني الف‪44‬رع‬
‫واألصل علة مناسبة‪ ،‬سوى أنه يشبهه يف أكثر األحكام‪ ،‬مع أنه ينازعه أصل آخر‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(?) انظر الشرح الكبري للورقات للعبادي (‪.)2/474‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر أمثلة أخرى يف شرح الروضة البن بدران (‪ )2/296‬ومذكرة الشنقيطي ص‪.266‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪130‬‬
‫من شروط القيــاسـ‬

‫(ومن ش ــرط الف ــرع أن يك ــون مناس ــباً لألص ــل‪ .‬ومن ش ــرط األصل أن يك ــون ثابتـ ـاً ب ــدليل‬
‫متفق عليه بين الخصــمين‪ .‬ومن شــرط العلة أن تطــرد في معلوماتها فال تنتقض لفظـاً وال‬
‫مع ـ ـ ــنى‪ .‬ومن ش ـ ـ ــرط الحكم أن يك ـ ـ ــون مثل العلة في النفي واإلثب ـ ـ ــات‪ .‬والعلة هي الجالبة‬
‫للحكم‪ ،‬والحكم هو المجلوب للعلة)‪.‬‬
‫ملا ذكر تعريف القياس وأقسامه ذكر بعض شروط أركان القياس‪.‬‬
‫قول‪44‬ه‪( :‬ومن ش‪44‬رط الف‪44‬رع أن يك‪44‬ون‪ 4‬مناس‪44‬باً لألص‪44‬ل) أي‪ :‬ومن ش‪44‬روط الف‪44‬رع ألنه مف‪44‬رد مض‪44‬اف‬
‫ِ‬
‫‪4‬وم‪(.‬وم ْن) للتبعيض‪ 4،‬ألن له ش‪44 4‬روطاً أخ‪44 4‬رى‪ .‬واألظهر أن املراد باملناس‪44 4‬بة‪ :‬املناس‪44 4‬بة يف العلة ب ‪44‬أن‬‫فهو للعم‪4 4‬‬
‫تك‪44 4‬ون علة احلكم وص‪44 4‬فاً مناس‪44 4‬باً لكل من األصل والف‪44 4‬رع‪ ،‬مثل تش‪44 4‬ويش الفكر وانش‪44 4‬غال القلب وصف‬
‫مناسب ملنع احلاقن من القض‪44 4‬اء قياس‪4 4 4‬اً على منع الغض‪44 4‬بان‪ 4‬من ‪44 4‬ه‪ ،‬وكاالس ‪44 4‬تعجال يف قي‪44 4‬اس قتل املوصى‪ 4‬له‬
‫للموصي على قتل ال‪44‬وارث مورث‪44‬ه‪ ،‬وكاإلس‪44‬كار وصف مناسب لتح‪44‬رمي النبيذ قياس ‪4‬اً على اخلمر(‪ ،)1‬وعلى‬
‫هذا فيغين عن ذكره ما تقدم يف التعريف من قوله (بعلة جتمعهما) إال أن يقال‪ :‬إن الش‪4‬رطية قد ال تس‪4‬تفاد‬
‫من التعري‪44‬ف؛ ألن ه‪44‬ذه الورق‪44‬ات وض‪44‬عت للط‪44‬الب املبت‪44‬دئ ال‪44‬ذي هو ق‪44‬ريب الغفلة عن اس‪44‬تفادة ذلك من‬
‫التعريف‪.‬‬
‫وحيتمل أن ي‪44‬راد باملناس‪44‬بة ك‪44‬ون حكم الف‪44‬رع مماثالً حلكم األص‪44‬ل‪ ،‬كقي‪44‬اس القتل باملثقل على القتل‬
‫باحملدد يف وجوب القصاص‪ 4.‬فاحلكم يف األصل هو عني احلكم يف الفرع‪ ،‬ذكره يف غاية املرام(‪.)2‬‬
‫وقد ذكر الش‪44 4 4‬وكاين أن من ش‪44 4 4‬روط الف‪44 4 4‬رع مس‪44 4 4‬اواة علته لعلة األص‪44 4 4‬ل‪ ،‬ومس‪44 4 4‬اواة‪ 4‬حكمه حلكم‬
‫األص ‪44‬ل‪ ،‬فه‪44 4‬ذا يفسر به كالم املص‪44 4‬نف‪ .)3(4‬فال يق‪44 4‬اس التف‪44 4‬اح على الرب يف جري‪44 4‬ان الرب‪44 4‬ا‪ ،‬ألن الف ‪44‬رع ليس‬
‫مساوياً لألصل يف العلة‪ ،‬وهي الكيل مثالً حيث إن التفاح ليس مكيالً واهلل أعلم‪.‬‬
‫قوله‪( :‬ومن شرط األصل أن يكون‪ 4‬ثابتاً بدليل متفق عليه بني اخلص‪44‬مني) ه‪44‬ذا ش‪44‬رط حلكم األصل‬
‫كما عرب به غريه‪ ،‬ومعىن ذلك أن يكون‪ 4‬حكم األصل ال‪44‬ذي ي‪4‬راد إثباته للف‪4‬رع ثابت‪4‬اً ب‪44‬دليل نص أو إمجاع‪،‬‬
‫متفق عليه بني اخلصمني املتن‪4‬ازعني‪ ،‬ألن البحث بينهما ف‪4‬إذا ذكر املس‪4‬تدل احلكم مقرتن‪4‬اً بدليله من نص أو‬
‫إمجاال مل يشرتط موافقة اخلصم‪ ،‬ألن داللة النص الصريح أو اإلمجاع على احلكم يؤمن معه االنتشار‪.‬‬
‫(?) يكثر يف كتب األصول ذكر هذا املثال‪ .‬وفيه نظر ألن النيب ‪ r‬صرح بأن كل مسكر حرام‪ .‬ومن شرط الفرع أال يكون منصوصاً على حكمه‪ .‬ومن‬ ‫‪1‬‬

‫ال يشرتط ذلك جييز هذا القياس فانظر الشرح الكبري (‪( )2/287‬أضواء البيان (‪.))3/312‬‬
‫(?) غاية املرام ص‪.198‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر إرشاد الفحول ص‪ ،209‬غاية املرام شرح مقدمة اإلمام للتلمساين ص‪.197‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪131‬‬
‫وإمنا ش ‪44‬رط ذلك لئال مينع اخلصم احلكم فيحت ‪44‬اج اآلخر على إثباته فيك ‪44‬ون‪ 4‬انتق ‪44‬االً‪ 4‬من مس ‪44‬ألة على‬
‫مسألة أخرى‪ ،‬وينتشر الكالم فيفوت املقصود‪.‬‬
‫ومثاله ق ‪44 4‬ول احلنبلي‪ :‬جلد امليتة جنس فال يطهر بال ‪44 4‬دباغ كجلد الكلب‪ .‬فيق ‪44 4‬ول احلنفي‪ 4:‬ال أس‪44 4‬لم‬
‫حكم األصل‪ ،‬وهو أن جلد الكلب ال يطهر بالدباغ‪ ،‬بل هو يطهر به عندي‪.‬‬
‫فحكم األصل املقيس عليه ليس متفق‪4‬اً عليه بينهم‪44‬ا‪ ،‬فال يصح القي‪44‬اس‪ ،‬وه‪44‬ذا من الق‪44‬وادح يف ب‪44‬اب‬
‫القياس‪ ،‬ويسمى (املنع)‪.‬‬
‫ف‪44 4‬إن مل يكن خص‪44 4‬م‪ ،‬بل أريد جمرد إثب‪44 4‬ات ذلك احلكم يف الف‪44 4‬رع‪ ،‬فالش‪44 4‬رط ثب‪44 4‬وت حكم األصل‬
‫بدليل يقول به القائس وهو املثبت‪ 4‬للقياس‪.‬‬
‫قوله‪( :‬ومن شرط العلة أن تطرد يف معلوالهتا)‪.‬‬
‫أي ومن شرط العلة من حيث إحلاق الفرع باألصل بواسطتها‪ 4‬أن تطرد‪ ،‬ومعىن االطراد‪ :‬أنه كلما‬
‫وج ‪44‬دت العلة يف ص ‪44‬ورة من الص ‪44‬ور وجد معها احلكم كاإلكس ‪44‬ار‪ ،‬فكلما وجد اإلكس ‪44‬ار يف ش ‪44‬يء وجد‬
‫التحريك فيه‪ ،‬كالكيل والطعم – مثالً – فكلما وجد الكيل والطعم يف شيء حرم الربا فيه‪.‬‬
‫واملراد مبعلوالهتا األحكام املعللة هبا كتحرمي الربا يف الرب معلل بالكيل والطعم على أحد األقوال‪.‬‬
‫وقول‪44 4 4‬ه‪( :‬فال تنتقض لفظ ‪4 4 4‬اً وال مع‪44 4 4‬ىن) ه‪44 4 4‬ذا تفريع على ش‪44 4 4‬رطية االط‪44 4 4‬راد‪ ،‬واالنتف ‪44 4‬اض‪ 4‬أن يوجد‬
‫الوصف يف ص ‪44 4‬ورة من الص ‪44 4‬ور‪ ،‬وال يوجد معه احلكم‪ ،‬وه ‪44 4‬ذا من الق ‪44 4‬وادح اليت تبطل القي ‪44 4‬اس ويس ‪44 4‬مى‬
‫(النقض)‪.‬‬
‫وال حاجة لق ‪44‬ول املص ‪44‬نف‪( 4‬لفظ‪4 4‬اً) ألنه إذا انتقض معىن انتقض‪ 4‬لفظ‪4 4‬اً‪ ،‬بل لو اقتصر املص ‪44‬نف على‬
‫قوله (فال تنتقض) لكفى‪ ،‬ألن العلة ال تك‪44‬ون إال مع‪44‬ىن‪ ،‬واأللف‪44‬اظ دالة عليه‪44‬ا‪ ،‬ولعله مجع بينهما لإليض‪44‬اح‬
‫والتأكي‪44‬د‪ ،‬أي فال ينتقض‪ 4‬لفظ العلة وال معناها(‪ )1‬أو يق‪44‬ال‪ :‬إن ك‪44‬انت العلة مركبة من ع‪44‬دة أوص‪44‬اف نظر‬
‫إىل اللفظ‪ ،‬وإن كانت أمراً واحداً نظر على معىن‪ .‬وسيأيت إن شاء اهلل مثال ذلك(‪.)2‬‬
‫واعلم أن املص‪44 4 4 4 4‬نف عمم النقض‪ 4،‬وهو ختلف احلكم‪ ،‬س‪44 4 4 4 4‬واء ك‪44 4 4 4 4‬ان املانع أو لغري م‪44 4 4 4‬انع‪ ،‬فيفسد‬
‫القي‪44 4‬اس‪ ،‬وهو ما مشى عليه يف مجع اجلوامع(‪ .)3‬ونقله عن الش‪44 4‬افعي واخت‪44 4‬اره مجاع‪44 4‬ة‪ .‬وي‪44 4‬رى آخ‪44 4‬رون أن‬
‫ختلف احلكم عن الوصف فيه تفصيل‪ :‬فإن كان ألجل مانع منع من تأثري العلة أو لفقد شرط تأثريه‪44‬ا‪ 4،‬فال‬

‫(?) انظر الشرح الكبري (‪.)2/493‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر قرة العني للحطاب ص‪.75‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) مجع اجلوامع حباشية البناين (‪.)2/294‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪132‬‬
‫يك‪44 4‬ون ذلك مبطالً للعل ‪44 4‬ة‪ ،‬بل هو ختص ‪44 4‬يص هلا‪ ،‬وإال فهو نقض وإبط ‪44 4‬ال‪ .‬وبه ق ‪44 4‬ال التلمس‪44 4‬اين يف مفت‪44 4‬اح‬
‫الوصول‪ ،‬ونسبة الشنقيطي‪ 4‬ألكثر العلماء(‪.)1‬‬
‫ومث ‪44‬ال النقض أن يق ‪44‬ال‪ :‬القتل العمد الع ‪44‬دوان‪ 4‬علة لوج ‪44‬وب القص ‪44‬اص إمجاع‪4 4‬اً‪ ،‬لكن ينتقض ذلك‬
‫بقتل الوالد ول ‪44‬ده‪ ،‬فإنه ال جيب القص ‪44‬اص‪ ،‬فال يقتل به مع وج ‪44‬ود العل ‪44‬ة‪ ،‬وهي األوص ‪44‬اف الثالث ‪44‬ة‪ 4:‬القت ‪44‬ل‪،‬‬
‫والعم‪44 4‬د‪ ،‬والع ‪44 4‬دوان‪ 4.‬فيق ‪44 4‬ال‪ :‬إن العلة ختلفت ملانع وهو األب ‪44 4‬وة‪ ،‬ألهنا مانعة من ت ‪44 4‬أثري العلة يف احلكم‪ ،‬فال‬
‫يقال هذه العلة منقوضة لتخلف احلكم عنها يف هذه الصورة‪ ،‬بل هي علة منع من تأثريها مانع‪ ،‬فال تبطل‬
‫يف غري األب‪ ،‬فكلما وجد القتل العمد الع‪44‬دوان‪ 4‬من غري األب وحنوه وجب القص‪44‬اص‪ 4،‬حيث ال م‪44‬انع من‬
‫تأثريها‪ .‬وهذا نقض على رأي األولني‪ ،‬وختصيص على القول الثاين‪.‬‬
‫ومثال فقد الشرط‪ :‬الزنا علة الرجم إمجاعاً‪ .‬وشرطه‪ :‬اإلحصان‪ .‬ف‪44‬إذا ختلف احلكم – وهو ال‪44‬رجم‬
‫– مع وجود العلة – وهي الزنا – فال يقال‪ :‬إهنا علة منقوضة‪ ،‬بل علة ختتلف شرط تأثريها‪4.‬‬
‫وإن ك‪44‬ان ختلفها لغري ذلك مل يصح التعليل هبا‪ ،‬كما لو قي‪44‬ل‪ :‬جتب الزك‪44‬اة يف املواشي‪ 4‬قياس ‪4‬اً على‬
‫األم ‪44‬وال جبامع دفع احلكم عنها يف اجلواهر ك ‪44‬الآليل لص ‪44‬الحيتها ل ‪44‬دفع حاجة الفق ‪44‬ري‪ ،‬ومع ه ‪44‬ذا فال زك ‪44‬اة‬
‫فيه ‪44 4 4 4‬ا‪ ،‬فهي علة منقوضة حيث وجد املعىن املعلل ب‪44 4 4 4 4 4‬ه‪ ،‬وهو دفع حاجة الفق‪44 4 4 4 4 4‬ري‪ ،‬ومل يوجد احلكم وهو‬
‫وجوب الزكاة‪.‬‬
‫قول‪44‬ه‪( :‬ومن ش‪44‬رط احلكم أن يك‪44‬ون‪ 4‬مثل العلة يف النفي‪ 4‬واإلثب‪44‬ات) املراد ب‪44‬احلكم حكم األصل من‬
‫حيث ص ‪44 4‬حة إحلاق الف ‪44 4‬رع فيه بس ‪44 4‬بب علت ‪44 4‬ه‪ ،‬أي‪ :‬ومن ش ‪44 4‬روط احلكم أن يك ‪44 4‬ون‪ 4‬تابع‪4 4 4‬اً للعلة يف النفي‬
‫واإلثبات أي يف الوجود والعدم‪ ،‬فإن وجدت العلة وجد احلكم‪ ،‬وإن انتفت انتفى‪ .‬وهذا الشرط أعم من‬
‫الش‪44‬رط املذكور يف العل‪44‬ة‪ ،‬ألن ذاك خ‪44‬اص بوج‪44‬ود احلكم عند وج‪44‬ود العل‪44‬ة‪ ،‬وه‪44‬ذا ع‪44‬ام للوج‪44‬ود واالنتف‪44‬اء‪4،‬‬
‫ف‪44 4‬األول هو الط ‪44 4‬رد‪ ،‬والث ‪44 4‬اين هو العكس‪ .‬وه ‪44 4‬ذا إن ك ‪44 4‬ان احلكم معلالً بعلة واح ‪44 4‬دة‪ :‬كتح‪44 4‬رمي اخلمر لعلة‬
‫اإلس‪44‬كار‪ ،‬فمىت وجد اإلس‪44‬كار وجد التح‪44‬رمي‪ ،‬ومىت انتفى اإلس‪44‬كار انتفى التح‪44‬رمي‪ ،‬ف‪44‬إن كلن للحكم علل‬
‫متع‪44 4‬ددة مل يل‪44 4‬زم من انتف‪44 4‬اء علة معينة منها انتف‪44 4‬اء احلكم‪ ،‬فيثبت‪ 4‬بالعلة األخ‪44 4‬رى ك‪44 4‬البول والغائط والن‪44 4‬وم‪4‬‬
‫لنقض الوضوء‪ ،‬فلو عدم البول والغائط ثبت النقض بالنوم‪.‬‬
‫واعلم أن ظاهر كالم املصنف‪ 4‬اشرتاط االنعكاس يف العلة‪ ،‬ومعن‪44‬اه‪ 4‬كلما انتفت العلة انتفى‪ 4‬احلكم‪،‬‬
‫ومن يش ‪44 4 4‬رتط ذلك مينع تعليل احلكم بعل ‪44 4 4‬تني‪ ،‬ألنه إذا انتفت‪ 4‬علة مل ينتف احلكم لوج‪44 4 4‬ود العلة األخ ‪44 4‬رى‬
‫وقيامها مقامها‪.‬‬

‫(?) مفتاح الوصول ص‪ ،142‬أضواء البيان (‪.)3/479 ،2/258‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪133‬‬
‫والص‪44 4 4‬حيح أن ذلك ال يش‪44 4 4‬رتط وإن ك‪44 4 4‬ان هو الغ‪44 4 4‬الب‪ .‬ونس‪44 4 4‬به يف الش‪44 4 4‬رح الكرب للورق ‪44 4‬ات إىل‬
‫اجلمهور(‪ ،)2‬فيجوز تعليل احلكم الواحد بعل‪44‬تني وذلك لوقوع‪4‬ه‪ ،‬وألن العلة عالمة على وج‪44‬ود احلكم‪ ،‬وال‬
‫مانع من تعدد العالمات‪.‬‬
‫ومثاله ما تق‪44‬دم من تعليل إجياب الوض‪44‬وء ب‪44‬البول والغائط وال‪44‬ريح والن‪44‬وم‪ 4،‬ومثاله أيض‪4‬اً تعليل حرمة‬
‫النكاح بالقرابة والصهر والرضاع‪.‬‬
‫قول‪44‬ه‪( :‬والعلة هي اجلالبة للحكم) ه‪44‬ذا أحد تع‪44‬اريف العل‪44‬ة‪ ،‬وهي ال‪44‬ركن الرابع من أرك‪44‬ان القي‪44‬اس‬
‫كما تقدم‪.‬‬
‫مث إن أريد باجلالبة للحكم أي ب ‪44 4 4‬ذاهتا فغري ص‪44 4 4 4‬حيح‪ ،‬ألن اهلل تع ‪44 4 4‬اىل ال حيمله على ش ‪44 4 4‬رع احلكم‬
‫سوى إرادته جل وعال‪ ،‬خيلق ما يشاء وخيتار‪.‬‬
‫وإن أريد أن الش ‪44‬ارع جعلها جالبة للحكم فه ‪44‬ذا ال ب ‪44‬أس ب ‪44‬ه‪ .‬ولكن التعبري (باملعرفة للحكم) أوىل‬
‫من اجلالبة للحكم لالحتم ‪44 4‬ال املذكور‪ ،‬وذلك ألن العلة معرفة لوج ‪44 4‬ود احلكم‪ ،‬فمىت ع ‪44 4‬رفت العلة ع ‪44 4‬رف‬
‫ثب ‪44‬وت احلكم معه ‪44‬ا‪ ،‬بس ‪44‬بب أن بينهما مناس‪44 4‬بة تقتضي ت‪44 4‬رتيب احلكم عليه‪44 4‬ا‪ ،‬فاإلس‪44 4‬كار علة أي أن ه ‪44‬ذا‬
‫معرفة على حرمة املسكر كاخلمر والنبي‪4‬ذ‪ 4.‬فاخلل قبل أن يصري مس‪4‬كراً مب‪4‬اح‪ ،‬ف‪4‬إذا ظه‪4‬رت‬ ‫الوصف عالمة ّ‬
‫فيه القوة‪ 4‬املسكرة وصار مخراً حرم‪ .‬فعلة التحرمي وهي اإلسكار ت‪44‬دل على ت‪44‬رتب احلكم عليها وتعلقه هبا‪،‬‬
‫فإن وجدت وجد‪ ،‬وإن مل توجد مل يوجد احلكم‪.‬‬
‫قوله‪( :‬واحلكم هو اجمللوب للعلة) هذا تعريف احلكم وهو أحد أركان القياس كما تقدم‪.‬‬
‫ومعىن ذلك أن احلكم هو ما جلبته العلة واقتض ‪44 4 4 4‬ته‪ 4‬من حترمي وحتليل وص ‪44 4 4 4‬حة وفس ‪44 4 4‬اد ووج ‪44 4 4‬وب‬
‫وانتفاء وحنو ذلك‪ ،‬فتحرمي اخلمر حكم شرعي اقتض‪4‬ته‪ 4‬العلة وهي اإلس‪4‬كار‪ .‬وإمنا ك‪4‬ان احلكم جملوب‪4‬اً للعلة‬
‫ملناسبتها له‪ ،‬فإنه ما ثبت حكم األصل يف الفرع إال بسبب هذه العلة واهلل أعلم‪.‬‬

‫(?) الشرح الكبري (‪.)2/497‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪134‬‬
‫الحظــر واإلباحــة‬

‫(وأما الحظر واإلباحة فمن الن ــاس من يق ــول‪ :‬إن أصل األش ــياء على الحظر إال ما أباحته‬
‫الش ــريعة‪ .‬فـــإن لم يوجد في الشـــريعة ما يـــدل على اإلباحة يتمسك باألصل وهو الحظـــر‪.‬‬
‫ومن الن ـ ــاس من يق ـ ــول‪ :‬بض ـ ــده‪ ،‬وهو أن األصل في األش ـ ــياء على اإلباحة إال ما حظ ـ ــره‬
‫الشرع [ومنهم من قال بالتوقف])‪.‬‬
‫ق‪44 4‬ول (وأما احلظر واإلباح‪44 4‬ة) معط‪44 4‬وف على قوله يف أول الورق‪44 4‬ات (وأما أقس‪44 4‬ام الكالم)‪ 4‬فهو من‬
‫مجلة ما أراد تفصيله بعد إمجاله‪.‬‬
‫واملراد باحلظر‪ :‬املنع‪ .‬واإلباحة ضده‪ .‬وهذه املسألة(‪ )1‬وهي مسألة األعيان املنتفع هبا ذكر املص‪44‬نف‬
‫فيها ثالثة أقوال‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن األشياء املنتفع هبا على احلظر إال ما دلت الشريعة على إباحته فهو مباح‪ ،‬فإن مل يوجد‬
‫يف الش‪44 4 4‬ريعة ما ي‪44 4 4‬دل على اإلباحة فإنه يتمسك باألصل وهو احلظ‪44 4 4‬ر‪ ،‬واحتج الق‪44 4 4‬ائلون ب‪44 4 4‬ذلك ب ‪44 4‬أن‪ 4‬مجيع‬
‫األشياء مملوكة هلل جل وعال‪ ،‬واألصل يف ملك الغري منع التصرف فيه إال بإذنه‪.‬‬
‫الق‪44‬ول الث‪44‬اين‪ :‬أن األصل يف املن‪44‬افع اإلباحة إال ما حظ‪44‬ره الش‪44‬رع‪ .‬ومن أدلة قوله تع‪44‬اىل‪] :‬هو ال‪44‬ذي‬
‫خلق لكم ما يف األرض مجيعا[(‪ )2‬ووجه الدالل‪44 4‬ة‪ :‬أن اهلل تع‪44 4‬اىل امنت على خلقه مبا يف األرض مجيع ‪4 4‬اً‪ ،‬وال‬
‫مينت إال مبب ‪44‬اح إذ ال منة يف حمرم‪ ،‬وخص من ذلك بعض األش ‪44‬ياء وهي اخلب ‪44‬ائث‪ 4‬ملا فيها من الض ‪44‬رر هلم يف‬
‫معاشهم أو معادهم‪ ،‬فيبقى ما عدها مباحاً مبوجب اآلية‪.‬‬
‫واحلب ذو‬
‫ّ‬ ‫وق‪44‬ال تع‪44‬اىل‪] :‬واألرض وض‪44‬عها لألن‪44‬ام (‪ )10‬فيها فاكهة والنخل ذات األكم‪44‬ام (‪)11‬‬
‫العصف والرحيان (‪ )3([ 4 )12‬ف‪44‬امنت اهلل تع‪44‬اىل على األن‪44‬ام ب‪44‬أن‪ 4‬وضع هلم األرض‪ ،‬وجعل هلم فيها أرزاقهم‬
‫من القوت والتفكه‪.‬‬
‫وعن س‪44‬عد بن أيب وق‪44‬اص رضي اهلل عنه أن النيب ‪ r‬ق‪44‬ال‪( :‬إن أعظم املس‪44‬لمني جرم‪4‬اً من س‪44‬أل عن‬
‫خيرم فحرم من أجل مسألته)(‪.)4‬‬
‫شيء مل ّ‬
‫ووجه الداللة من وجهني‪:‬‬
‫حترم إال بتحرمي خاص لقوله‪( :‬مل حيرم)‪.‬‬ ‫‪ )1‬أن األشياء ال ّ‬
‫(?) انظر كتاب (املسائل املشرتكة بني أصول بني أصول الدين وأصول الفقه) للدكتور حممد العروسي ص‪.84‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.29 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة الرمحن‪ ،‬اآليات‪.12 – 10 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أخرجه البخاري رقم ‪ 6859‬ومسلم رقم ‪ 2358‬وأبو داود رقم ‪.4610‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪135‬‬
‫‪ )2‬أن التحرمي قد يكون ألجل املسألة‪ .‬فبني هبذا أهنا بدون ذلك ليست حمرمة‪.‬‬
‫والق ‪44 4‬ول الث ‪44 4‬الث‪ :‬التوقف (وه ‪44 4‬ذا ث ‪44 4‬ابت يف بعض النس ‪44 4‬خ) ودليله أن املب ‪44 4‬اح ما أذن فيه ص ‪44 4‬احب‬
‫الش ‪44‬رع‪ ،‬واحملظ ‪44‬ور ما حرمه ص ‪44‬احب الش ‪44‬رع‪ ،‬ف ‪44‬إذا مل ي ‪44‬رد الش ‪44‬رع وجب أال يك ‪44‬ون مباح ‪4‬اً وال حمظ ‪44‬وراً‪،‬‬
‫فوجب أن يكون‪ 4‬على التوقف‪.‬‬
‫والقول الثاين أرجح األقوال يف املسألة‪ 4‬لق‪4‬وة أدلت‪44‬ه‪ .‬وما علل به األول‪4‬ون‪ 4‬ض‪4‬عيف ال يقف يف مقابلة‬
‫النص‪44‬وص‪ .‬وأما الث‪44‬الث‪ 4‬ففيه نظ‪44‬ر‪ ،‬ف‪44‬إن اهلل تع‪44‬اىل خلق لنا وس‪44‬خر ]ما يف الس‪44‬موات وما يف األرض مجيع‪4‬اً‬
‫منه[(‪ )1‬نس‪44‬تفيد منه‪44‬ا‪ ،‬فالتص‪44‬رف فيها ينبغي أن يك‪44‬ون مباح ‪4‬اً هبذا األصل الع‪44‬ام‪ ،‬وقد نصر الق‪44‬ول باإلباحة‬
‫شيخ اإلسالم‪ 4‬ابن تيمية رمحه اهلل(‪.)2‬‬
‫واعلم أن املسألة‪ 4‬خاصة باألعيان‪ 4‬املنتفع هبا‪ ،‬وكالم املصنف عام حيث عرب باألشياء‪ ،‬وهي تشمل‬
‫املن‪44‬افع واملض‪44‬ار‪ ،‬كما تش‪44‬مل األق‪44‬وال واألفع‪44‬ال‪ ،‬وقد فصل ش‪44‬ارح الورق‪44‬ات جالل ال‪44‬دين احمللى وبني حكم‬
‫املنافع وأنه احلل‪ ،‬واملضار وأنه التحرمي‪ ،‬وقال‪ :‬إن هذا هو الصحيح(‪ .)3‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(?) سورة اجلاثية‪ ،‬آية‪.13 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر جمموع‪ 4‬الفتاوى (‪.)21/535‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) شرح الورقات ص‪.29‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪136‬‬
‫استصحــابـ الحــالـ‬

‫(ومعنى استصحابـ الحال‪:‬ـ أن يستصحب األصل عند عدم الدليل الشرعي)‪.‬‬


‫االستص‪44 4‬حاب من األدلة املختلف فيه‪44 4‬ا‪ .‬وق‪44 4‬ول املصنـف ( ومعىن استص‪44 4‬حاب احلال ) يشعـر ب‪44 4‬أن‪4‬‬
‫االستص ‪44‬حاب تق ‪44‬دم له ذكر كغ ‪44‬ريه من املب ‪44‬احث الس ‪44‬ابقة‪ .‬وليس ك ‪44‬ذلك ألن املص ‪44‬نف‪ 4‬مل ي ‪44‬ذكره يف جممل‬
‫األبواب أول الورقات‪ ،‬وكان األنسب أن يعنون‪ 4‬له مبسألة وحنوها‪.‬‬
‫واالستصحاب لغة‪ :‬طلب الصحبة كاالستسقاء طلب السقيا‪ ،‬والصحبة مقارنة الشيء ومقاربته‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬هو احلكم بأن ما ثبت يف الزمن املاضي‪ ،‬فاألصل بقاؤه يف الزمن املستقبل‪.‬‬
‫فإذا ثبت شيء فاملستدل يطلب صحبته يف احلال واالستقبال حىت يدل دليل على رفعه‪.‬‬
‫فلو ادعى ش‪44 4‬خص على آخر دين ‪4 4‬اً مل تقبل دع‪44 4‬واه‪ .‬ويك‪44 4‬ون‪ 4‬الق‪44 4‬ول ق‪44 4‬ول املدعى عليه استص‪44 4‬حاباً‬
‫للحال‪ .‬إذ األصل براءة الذمة من احلقوق املالية حىت يدل دليل على خالف ذلك‪.‬‬
‫واالستصحاب أنواع‪:‬‬
‫األول‪ :‬استص ‪44‬حاب الع ‪44‬دم األص ‪44‬لي‪ ،‬حىت ي ‪44‬رد ال ‪44‬دليل الناقل عن ‪44‬ه‪ ،‬وه ‪44‬ذا الن ‪44‬وع هو ال ‪44‬ذي ذك ‪44‬ره‬
‫املص‪44‬نف بقول‪44‬ه‪( :‬أن يستص‪44‬حب األصل عند ع‪44‬دم ال‪44‬دليل الش‪44‬رعي)‪ .‬واملراد باألص‪44‬ل‪ :‬الع‪44‬دم األص‪44‬لي‪ .‬وهو‬
‫ما يسمى ب‪4‬الرباءة‪ 4‬األص‪4‬لية‪ .‬فاألصل ب‪4‬راءة الذمة من التك‪4‬اليف الش‪4‬رعية حىت ي‪4‬رد دليل ش‪4‬رعي على تغي‪4‬ريه‪4:‬‬
‫كنفي صالة سادسة‪ .‬وعدم وجوب صوم رجب‪.‬‬
‫وقول‪44‬ه‪( :‬عند ع‪44‬دم ال‪44‬دليل الش‪44‬رعي) املراد بع‪44‬دم ال‪44‬دليل باعتب‪44‬ار ما يظهر للمجتهد ال ب‪44‬النظر للواقع‬
‫ونفس األمر‪ .‬فإذا حبث اجملتهد ومل جيد الدليل استصحب الرباءة‪ 4‬األصلية‪.‬‬
‫وه‪44‬ذا الن‪44‬وع‪ 4‬حج‪44‬ة‪ .‬ق‪44‬ال الس‪44‬بكي‪ 4‬يف اإلهباج ش‪44‬رح املنه‪44‬اج‪( :‬واجلمه‪44‬ور على العمل هبذا‪ ،‬وادعى‬
‫بعضهم االتفاق) أ هـ(‪ )1‬وقد ذكر املصنف‪ 4‬أنه حجة يف كالمه على ترتيب األدلة كما سيأيت إن شاء اهلل‪.‬‬
‫دل الش‪44 4‬رع على ثبوته ودوامه كاستص‪44 4‬حاب الطه‪44 4‬ارة بن‪44 4‬اءً على ما‬ ‫الث‪44 4‬اين‪ :‬االستص‪44 4‬حاب ال‪44 4‬ذي ّ‬
‫مضى من الوض‪44‬وء حىت يثبت‪ 4‬ن‪44‬اقض‪ ،‬واستص‪44‬حاب بق‪44‬اء النك‪44‬اح بن‪44‬اء على عقد ال‪44‬زواج الص‪44‬حيح ش‪44‬رعاً‪،‬‬
‫وبق ‪44‬اء امللك يف املبيع بن ‪44‬اء على عقد ال ‪44‬بيع الص ‪44‬حيح ش ‪44‬رعاً‪ ،‬وبق ‪44‬اء ش ‪44‬غل ذمة من أتلف ش ‪44‬يئاً بن ‪44‬اء على ما‬
‫ص ‪44‬در منه من إتالف‪ .‬ف ‪44‬احلكم ب ‪44‬ذلك استص ‪44‬حاب للحكم ال ‪44‬ذي دل ال ‪44‬دليل الش ‪44‬رعي على ثبوته ودوام ‪44‬ه‪.‬‬
‫ومل يقم دليل على تغيريه‪4.‬‬

‫(?) اإلهباج (‪.)3/168‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪137‬‬
‫وه‪44 4 4‬ذا الن‪44 4 4‬وع‪ 4‬ال خالف يف وج ‪44 4 4‬وب العمل به عند األص‪44 4 4‬وليني على أن يثبت‪ 4‬مع‪44 4 4‬ارض ل ‪44 4‬ه‪ .‬قاله‬
‫الزركشي(‪.)1‬‬
‫النوع الثالث‪ 4:‬استصحاب الدليل مع احتمال املعارض‪ .‬ف‪44‬العموم يستص‪44‬حب إىل أن ي‪44‬رد ختص‪44‬يص‪.‬‬
‫خمصص تعطيل للش‪44‬ريعة‪ .‬والنص يستص‪44‬حب إىل أن ي‪44‬رد نس‪44‬خ‪ .‬ومن أمثلة‬ ‫ألن تعطيله بدعوى البحث عن ّ‬
‫ذلك أن فريق ‪4 4‬اً من أهل العلم ق ‪44 4‬الوا جبواز نك ‪44 4‬اح الزانية قبل وضع محله ‪44 4‬ا‪ .‬والص ‪44 4‬حيح ع ‪44 4‬دم اجلواز لقوله‬
‫محلهن[(‪ )2‬فيجب استصحاب هذا العم‪44‬وم حىت يثبت ختصيصه‬ ‫ّ‬ ‫أجلهن أن يضعن‬ ‫ّ‬ ‫تعاىل‪] :‬وأوالت األمحال‬
‫مبا يدل على جواز الصورة املذكورة(‪.)3‬‬
‫الن ‪44‬وع‪ 4‬الراب ‪44‬ع‪ :‬استص ‪44‬حاب احلكم الث ‪44‬ابت باإلمجاع يف حمل اخلالف‪ ،‬وه ‪44‬ذا الن ‪44‬وع‪ 4‬راجع إىل حكم‬
‫الش‪44‬رع‪ .‬ب‪44‬أن يتفق على حكم يف حال‪44‬ة‪ ،‬مث تتغري ص‪44‬فة اجملمع علي‪44‬ه‪ .‬وخيتلف اجملمع‪44‬ون في‪44‬ه‪ .‬فيس‪44‬تدل من مل‬
‫يغري احلكم باستصحاب احلال‪.‬‬
‫ومث ‪44‬ال ذل ‪44‬ك‪ :‬اس ‪44‬تدالل من يق ‪44‬ول‪ :‬إن املتيمم إذا رأى املاء يف أثن ‪44‬اء ص ‪44‬الته ال تبطل ص ‪44‬الته‪ .‬ألن‬
‫اإلمجاع منعقد على ص ‪44 4‬حتها قبل ذل ‪44 4‬ك‪ .‬فاستص ‪44 4‬حب ه ‪44 4‬ذا اإلمجاع إىل أن ي ‪44 4‬دل دليل على أن رؤية املاء‬
‫مبطلة‪.‬‬
‫وه‪44‬ذا الن‪44‬وع‪ 4‬هو حمل اخلالف‪ .‬ف‪44‬أكثر احلنابلة وأص‪44‬حاب أيب حنيفة والش‪44‬افعي على أنه ليس حبج‪44‬ة‪.‬‬
‫دل على دوام الص‪44 4‬الة‪ 4‬ح‪44 4‬ال الع‪44 4‬دم‪ .‬فأما مع وج‪44 4‬ود املاء فهو خمتلف في‪44 4‬ه‪ ،‬وال إمجاع مع‬ ‫ألن اإلمجاع إمنا ّ‬
‫االختالف‪.‬‬
‫وق ‪44 4‬ال بعض األص ‪44 4‬وليني والفقه ‪44 4‬اء‪ :‬إنه حج ‪44 4‬ة‪ .‬وبه ق ‪44 4‬ال داود الظ ‪44 4‬اهري واخت ‪44 4‬اره اآلم ‪44 4‬دي وابن‬
‫احلاجب وابن القيم وغ ‪44‬ريهم‪ .‬ق ‪44‬ال الش ‪44‬وكاين‪( :‬والق ‪44‬ول الث ‪44‬اين هو ال ‪44‬راجح‪ ،‬ألن املتمسك باالستص ‪44‬حاب‬
‫باق على أصل قائم يف مقام املنع‪ ،‬فال جيب عليه االنتقال عنه إال بدليل يصلح لذلك‪ ،‬فمن ادعاه جاء به)‬ ‫ٍ‬
‫(‪.)4‬‬
‫لكن ن‪44 4‬وقش ذلك ب‪44 4‬أن‪ 4‬البق‪44 4‬اء على األصل الق‪44 4‬ائم إمنا يك‪44 4‬ون مع النص أو العق‪44 4‬ل‪ .‬أما حني يك ‪44‬ون‪4‬‬
‫دليله اإلمجاع فال‪ .‬ألن اإلمجاع يف مس ‪44 4 4 4‬ألة ال ‪44 4 4 4‬تيمم – مثالً – مش ‪44 4 4 4‬روط بالع ‪44 4 4 4‬دم‪ .‬فال يك ‪44 4 4‬ون دليالً عند‬
‫الوجود‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(?) البحر احمليط (‪ )6/20‬وانظر أصول الفقه اإلسالمي للزحيلي (‪.)2/863‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة الطالق‪ ،‬آية‪.4 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر أضواء البيان (‪.)6/83‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) انظر أعالم املوقعني (‪ )1/341‬رسالة يف أصول الفقه للعكربي ص‪ 136‬إرشاد الفحول ص‪ 238‬أدلة التشريع املختلف يف االحتجاج هبا للدكتور‪4‬‬ ‫‪4‬‬

‫عبد العزيز الربيعة ص‪ 303‬وانظر الشرح املمتع على الزاد للشيخ حممد بن عثيمني (‪.)1/341‬‬

‫‪138‬‬
‫ومن األدلة على ص ‪44‬حة االس ‪44‬تدالل باالستص ‪44‬حاب ما ع ‪44‬دا الن ‪44‬وع‪ 4‬الرابع قوله تع ‪44‬اىل‪] :‬فمن ج ‪44‬اءه‬
‫موعظة من ربه ف ‪44‬انتهى فله ما س ‪44‬لف وأم ‪44‬ره إىل اهلل[(‪ .)1‬ووجه الدالل ‪44‬ة‪ :‬أنه ملا ن ‪44‬زل حترمي الربا خ ‪44‬افوا من‬
‫األموال املكتس‪4‬بة‪ 4‬من الربا قبل التح‪4‬رمي‪ ،‬ف‪4‬بينت اآلية أن ما اكتس‪4‬بوا قبل التح‪4‬رمي على ال‪4‬رباءة‪ 4‬األص‪4‬لية‪ ،‬فهو‬
‫حالل وال حرج عليهم فيه(‪.)2‬‬
‫ومن األدلة أن ما ثبت يف الزم‪44 4 4 4 4‬ان األول من وج‪44 4 4 4 4‬ود أمر أو عدمه ومل يظهر زوال ‪44 4 4‬ه‪ ،‬فإنه يل ‪44 4 4‬زم‬
‫بالضرورة والبداهة‪ 4‬أن حيصل الظن ببقائه كما كان‪ .‬والعمل بالظن واجب(‪.)3‬‬
‫ومن األدلة – أيض‪4‬اً – قي‪44‬ام اإلمجاع على اعتب‪44‬ار االستص‪44‬حاب يف كثري من الف‪44‬روع الفقهية كبق‪44‬اء‬
‫الوضوء واحلدث والزوجية وامللك – ما تقدم – مع وجود الشك يف رافعها(‪.)4‬‬
‫هذا وقد استنبط‪ 4‬الفقهاء بعض القواعد من االستصحاب وأدلته ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ )1‬األصل بقاء ما كان على ما كان حىت يثبت‪ 4‬تغيريه‪.‬‬
‫‪ )2‬األصل يف األشياء النافعة اإلباحة‪.‬‬
‫‪ )3‬األصل يف األشياء الضارة التحرمي‪.‬‬
‫‪ )4‬اليقني ال يزول بالشك‪.‬‬
‫‪ )5‬األصل براءة الذمة من التكاليف‪ 4‬واحلقوق‪.‬‬
‫‪ )6‬األصل يف الذبائح التحرمي‪.‬‬
‫‪ )7‬األصل يف العقود والشروط الصحة إال ما أبطله الشارع‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك ال يتسع له املقام واهلل أعلم‪.‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬آية‪.275 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) مذكرة الشنقيطي ص‪.159‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أصول الفقه اإلسالمي (‪.)2/869‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) املصدر السابق (‪.)2/870‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪139‬‬
‫ترتيــب األدلـــة‬

‫(وأما األدلة فيق ــدم الجلي منها على الخفي‪ ،‬والم ــوجب للعلم على الم ــوجب للظن‪ ،‬والنطق‬
‫على القيـ ـ ـ ــاس‪ ،‬والقيـ ـ ـ ــاس الجلي على الخفي‪ .‬فـ ـ ـ ــإن وجد في النطق ما يغـ ـ ـ ــير األصل وإ ال‬
‫فيستصحب الحال)‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وأما األدلة) أي وأما ترتيب األدلة كما ذكر ذلك يف أول الورقات‪.‬‬
‫واألدلة مجع دلي ‪44 4 4‬ل‪ ،‬واملراد به هنا ما تثبت‪ 4‬به األحك ‪44 4 4‬ام الش‪44 4 4‬رعية من الكت ‪44 4 4‬اب والس ‪44 4‬نة واإلمجاع‬
‫والقي ‪44‬اس‪ ،‬وك ‪44‬ذا ق ‪44‬ول الص ‪44‬حايب على أحد الق ‪44‬ولني‪ ،‬واالستص ‪44‬حاب على الق ‪44‬ول املخت ‪44‬ار‪ .‬ومن املعل ‪44‬وم أن‬
‫األدلة الش ‪44‬رعية متفاوتة يف الق ‪44‬وة‪ 4‬فيحت ‪44‬اج إىل معرفة األق ‪44‬وى ليق ‪44‬دم على غ ‪44‬ريه عند التع ‪44‬ارض‪ ،‬وهلذا ك ‪44‬ان‬
‫األوىل باملص‪44‬نف أن ي‪44‬ذكر ه‪44‬ذه الكلم‪44‬ات اليس‪44‬رية‪ 4‬مع التع‪44‬ارض املتق‪44‬دم حبث‪44‬ه‪ ،‬ألن ت‪44‬رتيب األدلة حيت‪44‬اج إليه‬
‫عند التعارض‪ ،‬وهذا ما فعله املؤلف‪4‬ون‪ 4‬يف أص‪4‬ول الفق‪4‬ه‪ ،‬ولعل املص‪4‬نف أخر موض‪4‬وع ال‪4‬رتتيب‪ 4‬إىل هن‪4‬ا‪ ،‬ألنه‬
‫جيري يف األدلة األربعة اليت آخرها القياس‪ .‬فلما فرغ من األدلة شرع يف بيان الرتجيح بينها‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فيقدم اجللي منها على اخلفي) أي يقدم من أدلة الكتاب والسنة (اجللي) وهو ما اتضح منه‬
‫املراد (اخلفي)‪ .‬وهو ما خفي املراد من‪44 4‬ه‪ ،‬وذلك كالظ‪44 4‬اهر واملؤول‪ ،‬س‪44 4‬واء ك‪44 4‬ان الظ‪44 4‬اهر ظ ‪44‬اهراً بنفسه أو‬
‫بالدليل كما تقدم يف بابه‪ ،‬يف معناه اجملازي‪ ،‬ألن احلقيقي هو الظاهر من اللفظ‪.‬‬
‫وهذا على القول بوقوع اجملاز يف القرآن‪ ،‬وتقدم بيان ذلك‪.‬‬
‫قول ‪44 4 4 4 4 4‬ه‪( :‬واملوجب للعلم على املوجب للظن) أي ويق ‪44 4 4 4 4 4‬دم ما يفيد العلم وهو اليقني على ما يفيد‬
‫عام‪ 4‬اً‬
‫الظن‪ ،‬وذلك ك‪44‬املتواتر واآلح‪44‬اد‪ ،‬ف‪44‬إن املت‪44‬واتر يفيد العلم‪ ،‬واآلح‪44‬اد يفيد الظن‪ ،‬إال أن يك‪44‬ون املت‪44‬واتر ّ‬
‫ص‪4 4 4‬اً‪ .‬ف ‪44 4‬إن اآلح ‪44 4‬اد خيصص املت ‪44 4‬واتر‪ ،‬كما يف قوله تع ‪44 4‬اىل‪] :‬يوص ‪44 4‬يكم اهلل يف أوالدكم[(‪ )1‬مع‬
‫واآلح ‪44 4‬اد خا ّ‬
‫حديث "ال يرث املسلم الكافر‪ ،‬وال الكافر املسلم" وتقدم ذلك يف اخلاص‪.‬‬
‫قول ‪44‬ه‪( :‬والنطق على القي ‪44‬اس) أي ويق ‪44‬دم النطق على القي ‪44‬اس‪ ،‬واملراد ب ‪44‬النطق ق ‪44‬ول اهلل تع ‪44‬اىل وق ‪44‬ول‬
‫خيص‬
‫عاما فإنه ّ‬ ‫الرس‪44‬ول ‪ ،r‬كما تق‪44‬دم تعريفه يف التخص‪44‬يص‪ 4،‬فيق‪44‬دم ذلك على القي‪44‬اس إال إن ك‪44‬ان النص ّ‬
‫بالقياس‪ ،‬ومثاله تقدم يف التخصيص‪.‬‬
‫قول‪44‬ه‪( :‬والقي‪44‬اس اجللي على القي‪44‬اس اخلفي) القي‪44‬اس اجللي ما نص على علته أو أمجع عليها أو ك‪44‬ان‬
‫مقطوعاً فيه بنفي الفارق بني الفرع واألصل‪.‬‬

‫(?) سورة النساء‪ ،‬آية‪.11 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪140‬‬
‫ومن أمثلته قي ‪44‬اس إح ‪44‬راق م‪44 4‬ال الي ‪44‬تيم على أكله املنص ‪44‬وص عليه يف آية س ‪44‬ورة النس ‪44‬اء يف التح ‪44‬رمي‬
‫جبامع اإلتالف إذ ال فرق بينهما‪.‬‬
‫والقي‪44‬اس اخلفي ما ثبتت‪ 4‬علته باالس‪44‬تنباط‪ ،‬ومل يقطع بنفي‪ 4‬الف‪44‬ارق بني الف‪44‬رع واألص‪44‬ل‪ ،‬كما تق‪44‬دم‬
‫يف قي‪44‬اس األش‪44‬نان على الرب يف حترمي الربا جبامع الكيل مثالً‪ ،‬فإنه مل يقطع بنفي الف‪44‬ارق الحتم‪44‬ال أن يق‪44‬ال‪:‬‬
‫إن الرب مطعوم‪ ،‬واألشنان‪ 4‬غري مطعوم‪.‬‬
‫قول ‪44 4 4‬ه‪( :‬ف‪44 4 4 4‬إن وجد يف النطق ما يغري األصل وإال فيستص‪44 4 4 4‬حب احلال)‪ :‬أي أن وجد يف الكت ‪44 4 4‬اب‬
‫ص ‪4 4‬اً فإننا نعمل‬
‫والس ‪44 4‬نة ما يغري األصل وهو ال‪44 4 4‬رباءة‪ 4‬األص‪44 4 4‬لية عمل ب‪44 4 4‬النص وت‪44 4 4‬رك األص‪44 4 4‬ل‪ ،‬وإن مل جند ن ّ‬
‫باالستصحاب‪ ،‬وهو العدم األصلي كما تقدم‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫شــروط المفتــي‬

‫(ومن شـرط المفـتي أن يكـون عالمـاً بالفقه أصـالً وفرعـاً‪ ،‬خالفـاً ومـذهباً‪ ،‬وأن يكـون كامل‬
‫اآللة في االجته ــاد‪ ،‬عارفـ ـاً بما يحت ــاج إليه في اس ــتنباط األحك ــام من النحو واللغة ومعرفة‬
‫الرجال وتفسير اآليات الواردة في األحكام واألخبار الواردة فيها)‪.‬‬
‫ملا ف‪44‬رغ املص‪44‬نف‪ 4‬من الكالم على األدلة ش‪44‬رع يتكلم على ص‪44‬فات من يش‪44‬تغل باألدلة وهو اجملته‪44‬د‪،‬‬
‫ف ‪44 4‬ذكر ش ‪44 4‬روطه‪ ،‬وه ‪44 4‬ذا مس ‪44 4‬لك لبعض األص‪44 4 4‬وليني‪ ،‬وهو ت‪44 4 4‬أخري مبحث االجته ‪44 4‬اد عن مبحث األدل ‪44 4‬ة‪،‬‬
‫واألكثرون قدموا باب االجتهاد على مباحث األدلة‪ ،‬ألهنا من عمل اجملتهد‪.‬‬
‫قوله‪( :‬ومن شرط املف‪44‬يت) أي اجملته‪44‬د‪ ،‬واملف‪44‬يت‪ :‬اسم فاعل من أفىت الرب‪44‬اعي‪ ،‬ومص‪44‬دره اإلفت‪44‬اء‪ .‬ق‪44‬ال‬
‫يف القاموس‪( :‬أفتاه يف األمر‪ :‬أبانه له‪ .‬والفتيا والفتوى‪( 4‬وتفتح) ما أفىت به الفقيه)‪ 4‬أهـ‪.‬‬
‫واملراد هنا‪ :‬املخرب عن حكم شرعي‪.‬‬
‫وللمفيت شروط ال يكون صاحلاً لإلفتاء إال هبا ذكر بعضاً منها‪.‬‬
‫قوله‪( :‬أن يكون عاملاً بالفقه أصالً وفرعاً‪ ،‬خالفاً وم‪44‬ذهباً) ه‪44‬ذا الش‪44‬رط األول من ش‪44‬روط اجملته‪44‬د‪،‬‬
‫وإمنا اش ‪44 4 4‬رتط علمه بالفقه ألنه املقص ‪44 4 4‬ود‪ ،‬واملراد بالفقه هنا مس ‪44 4 4‬ائل الفق ‪44 4 4‬ه‪ ،‬وليس املراد ما تق ‪44 4‬دم يف أول‬
‫الورقات‪ ،‬وهو معرفة األحكام الشرعية لئال يصري املعىن‪ :‬أن يكون‪ 4‬عاملاً مبعرفة األحكام وهذا غري مراد‪.‬‬
‫واملراد بقول ‪44‬ه‪ :‬أص‪4 4‬الً وفرع‪4 4‬اً‪ :‬أي أص ‪44‬ول الفقه وفروع ‪44‬ه‪ .‬فأص ‪44‬ول الفقه أدلة الفقه اإلمجالية وكيفية‪4‬‬
‫االستفادة منها وفروعه‪ :‬مسائله اجلزئية‪.‬‬
‫ويف إدخ‪44‬ال أص‪44‬ول الفقه يف الفقه كما ي‪44‬دل عليه قوله (أن يك‪44‬ون عاملاً بالفقه أص‪4‬الً) مس‪44‬احمة‪ ،‬ألن‬
‫أص‪44 4‬ول الفقه ليس داخالً يف الفق‪44 4‬ه‪ ،‬إال إن ك‪44 4‬ان يريد باألصل أمه‪44 4‬ات املس‪44 4‬ائل اليت هي كالقواع‪44 4‬د‪ ،‬لكن‬
‫يفوته التنبيه‪ 4‬على معرفة أص ‪44‬ول الفقه للمجته ‪44‬د‪ ،‬إال أن ي ‪44‬دخل يف قوله (كامل اآلل ‪44‬ة) كما س ‪44‬يأيت إن ش ‪44‬اء‬
‫اهلل(‪.)1‬‬
‫ق‪44 4‬ال ابن اجلوزي‪( :‬ق‪44 4‬ال العلم‪44 4‬اء‪ :‬من ال‪44 4‬واجب على الفقيه‪ 4‬الالزم له طلب الوق‪44 4‬وف على حق‪44 4‬ائق‬
‫األدلة وأوضاعها اليت هي مباين قواعد الشرع) أ هـ(‪.)2‬‬
‫وقول‪44‬ه‪( :‬وفرع‪4‬اً) أي يع‪44‬رف املس‪44‬ائل الفقهية التابعة‪ 4‬هلذه القواعد وغريه‪44‬ا‪ ،‬وليس املراد حفظه‪44‬ا‪ ،‬إمنا‬
‫املقصود أن حيفظ مجلة منها‪ ،‬ليتمكن من معرفة ما يرد عليه أثناء الفتوى‪ ،‬إذ ال يتصور العلم جبميعها‪.‬‬

‫(?) انظر شرح احلطاب ص‪.80‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) اإليضاح ص‪.7‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪142‬‬
‫وقول ‪44 4‬ه‪( :‬خالف‪4 4 4‬اً وم ‪44 4‬ذهباً) أي يش ‪44 4‬رتط يف املفيت مع علمه بالفقه وأص ‪44 4‬وله أن يك ‪44 4‬ون‪ 4‬مطلع ‪4 4‬اً على‬
‫خالف العلماء من الصحابة والت‪44‬ابعني ومن بع‪44‬دهم‪ ،‬لي‪44‬ذهب إىل ق‪44‬ول من أق‪44‬واهلم‪ .‬كما أنه البد من معرفة‬
‫اإلمجاع‪ ،‬لئال يفيت خبالف ما أمجع عليه‪ .‬فيكون قد خرق اإلمجاع‪.‬‬
‫واملراد بقوله (وم‪44‬ذهباً) ما يس‪44‬تقر عليه رأي‪44‬ه‪ ،‬وما يس‪44‬وغ ال‪44‬ذهاب إليهن ألن العلم ب‪44‬اخلالف س‪44‬بب‬
‫للعلم مبا يس‪44‬وغ ال‪44‬ذهاب إليه وه‪44‬ذا إن محل كالمه على اجملتهد املطل‪44‬ق‪ .‬ف‪44‬إن محل على اجملتهد املقيد ف‪44‬املراد‬
‫باملذهب ما يس‪44 4‬تقر عليه رأي إمام‪44 4‬ه‪ .‬فيجب أن يك‪44 4‬ون عاملاً بقواعد م‪44 4‬ذهب إمام‪44 4‬ه‪ ،‬ليجتهد يف التخ ‪44‬ريج‬
‫على أص‪44 4‬وله‪ ،‬أو جيتهد يف ت‪44 4‬رجيح بعض أق‪44 4‬وال إمامه على بعض‪ ،‬وذكر يف مجع اجلوامع(‪ )1‬أنه ال يش ‪44‬رتط‬
‫علم اجملتهد بتف ‪44 4‬اريع الفق ‪44 4‬ه‪ ،‬ألهنا إمنا حتصل بعد االجته ‪44 4‬اد فكيف تش ‪44 4‬رتط في ‪44 4‬ه؟! وه ‪44 4‬ذا خالف ما عليه‬
‫املصنف‪ .‬والظاهر بعض القواعد الفقهية كما تقدم‪.‬‬
‫وقول‪44‬ه‪( :‬وأن يك‪44‬ون‪ 4‬كامل اآللة يف االجته‪44‬اد) ه‪44‬ذا الش‪44‬رط الث‪44‬اين من ش‪44‬روط املف‪44‬يت‪ ،‬واملراد بكم‪44‬ال‬
‫اآللة‪ :‬صحة الذهن‪ ،‬وجودة الفهم بعده‪ ،‬فيكون‪ 4‬ما بعده شرطاً آخر‪ .‬أو يريد بكمال اآللة ما ذكره بع‪44‬ده‬
‫فيكون تفسرياً‪ .‬وهذا على أنه ال يفيت إال جمته‪44‬د‪ ،‬وبه ق‪44‬ال مجع من أهل العلم‪ ،‬وي‪44‬رى آخ‪44‬رون أن املفيت إذا‬
‫ك ‪44‬ان متبح‪44 4‬راً يف م‪44 4‬ذهب إمام‪44 4‬ه‪ ،‬فامها لكالم‪44 4‬ه‪ ،‬عاملا لراجحه من مرجوحه كفى‪ ،‬ولو مل يكن مس ‪44‬تطيعاً‬
‫اس‪44 4 4‬تنباط‪ 4‬األحك‪44 4 4 4‬ام من أدلته‪44 4 4 4‬ا‪ ،‬وذلك ألن اش‪44 4 4 4‬رتاط االجته‪44 4 4 4‬اد املطلق يف املفيت يفضي إىل ح‪44 4 4‬رج عظيم‬
‫واسرتس ‪44 4‬ال اخللق يف أه ‪44 4‬وائهم‪ ،‬ويض ‪44 4‬اف إىل ذلك ما نش ‪44 4‬اهده يف واقع األمة اإلس ‪44 4‬المية‪ 4‬من ك‪44 4‬ثرة اجلهل‬
‫بأحك ‪44‬ام ال ‪44‬دين يف كثري من أفراده ‪44‬ا‪ ،‬وك ‪44‬ثرة مش ‪44‬اغل املتخصصني يف أحك ‪44‬ام الش ‪44‬ريعة مما قد حيول بينهم‬
‫وبني بلوغ درجة االجتهاد‪ .‬والقض‪4‬اء مع أنه مركز عظيم ال يش‪4‬رتط فيه االجته‪4‬اد‪ ،‬فليكن املفيت كالقاضي‬
‫الذي ينفذ األحكام(‪ )2‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫قوله‪( :‬عارف‪4‬اً مبا حيت‪44‬اج إليه يف اس‪44‬تنباط‪ 4‬األحك‪44‬ام من النحو اللغ‪44‬ة) أي‪ :‬البد أن يك‪44‬ون اجملتهد عاملاً‬
‫بالق‪44‬در الالزم لفهم الكالم من اللغة والنح‪44‬و‪ .‬أما اللغة فألن الق‪44‬رآن والس‪44‬نة بلس‪44‬ان الع‪44‬رب وردا‪ ،‬فال يفهم‬
‫نصوص‪44 4‬هما من جيهل اللغ‪44 4‬ة‪ .‬وأما النحو فألن املع‪44 4‬اين ختتلف ب‪44 4‬اختالف اإلع‪44 4‬راب‪ .‬فالبد من معرفة النحو‬
‫واإلعراب‪.‬‬
‫قوله‪( :‬ومعرفة الرجال) أي‪ :‬رواة احلديث ليأخذ برواية املقبول‪ 4‬منهم دون اجملروح‪.‬‬

‫(?) مجع اجلوامع (‪.)2/385‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر أعالم املوقعني (‪ )4/212‬وقد رأي هذا الرأي مجع منهم ابن السبكي فيما نقله عنه حممد‪ 4‬علي بن حسني املالكي يف كتابه (هتذيب الفروق) ج‬ ‫‪2‬‬

‫‪2‬ص‪ 117‬وانظر املفيت يف الشريعة للدكتور‪ 4‬عبد العزيز الربيعة ص‪.12‬‬

‫‪143‬‬
‫قول‪44 4‬ه‪( :‬وتفسري اآلي‪44 4‬ات ال‪44 4‬واردة يف األحك‪44 4‬ام واألخب‪44 4‬ار ال‪44 4‬واردة فيه‪44 4‬ا) أي ومن ش‪44 4‬رط اجملتهد أن‬
‫يك ‪44‬ون‪ 4‬عاملاً بنص‪44 4‬وص الكت‪44 4‬اب والس ‪44‬نة اليت هلا تعلق مبا جيتهد فيه من األحك ‪44‬ام‪ .‬فيع‪44 4‬رف آي ‪44‬ات األحك ‪44‬ام‬
‫وتفس ‪44 4 4‬ريها واألح‪44 4 4 4‬اديث اليت تتعلق هبا األحك‪44 4 4 4‬ام‪ .‬وال يش‪44 4 4 4‬رتط حفظها بل يكفي‪ 4‬معرفة مظاهنا يف أبواهبا‬
‫لرياجعها وقت احلاجة إليها‪.‬‬
‫ومن كما اآللة عند اجملتهد أن يك‪44 4 4 4‬ون‪ 4‬على علم بأص‪44 4 4 4‬ول الفق‪44 4 4 4‬ه‪ ،‬ألن ه‪44 4 4 4‬ذا الفن هو الدعامة اليت‬
‫يعتمد عليها االجتهاد‪ ،‬وتقدمت اإلش‪44‬ارة إىل ذل‪44‬ك‪ .‬ومن ش‪44‬روط االجته‪44‬اد أن يك‪44‬ون اجملتهد عاملاً بالناسخ‬
‫واملنسوخ لئال يعمل ويفيت باملنسوخ واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫ما يشترط في المستفتي‬

‫(ومن شــرط المس ــتفتي أن يكــون من أهل التقليــد‪ ،‬فيقلد المفــتي في الفتيــا‪.‬ـ وليس للعــالم أن‬
‫يقلد [وقيل يقلد])‪.‬‬
‫ملا فرغ املص‪4‬نف‪ 4‬رمحه اهلل من بي‪4‬ان ش‪4‬روط املفيت ش‪4‬رع يف بي‪4‬ان ما يش‪4‬رتط يف املس‪4‬تفيت‪ ،‬واملس‪4‬تفيت‪:‬‬
‫اسم فاعل من االس‪44 4 4 4‬تفتاء مبعىن طلب الفت‪44 4 4 4‬وى‪ ،‬فالسني والت‪44 4 4 4‬اء للطلب‪ ،‬واملراد هن‪44 4 4 4‬ا‪ :‬الس‪44 4 4‬ائل عن حكم‬
‫شرعي‪.‬‬
‫قول‪44 4 4 4‬ه‪( :‬ومن ش‪44 4 4 4‬رط املس‪44 4 4 4‬تفيت أن يك‪44 4 4 4‬ون من أهل التقلي‪44 4 4 4‬د) أي‪ :‬أهل ج‪44 4 4 4‬واز التقليد ال من أهل‬
‫االجتهاد‪ ،‬فيدخل فيه العامي واملتعلم الذي مل يبلغ درجة االجتهاد‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فيقلد املفيت يف الفتيا) أي‪ :‬أن املقلد جيب عليه تقليد املفيت لقصوره عن إدراك األحكام من‬
‫أدلته‪44‬ا‪ .‬وقوله (يف الفتي‪44‬ا) أي‪ :‬يف ج‪44‬واب املفيت عن الس‪44‬ؤال املوجه إليه من املس‪44‬تفيت‪ .‬ومعىن تقلي‪44‬ده‪ :‬قب‪44‬ول‬
‫قوله والعمل به كما س‪44‬يأيت‪ ،‬وظ‪44‬اهر قوله يف (الفتي‪44‬ا) أنه يقل‪44‬ده يف الفت‪44‬وى‪ ،‬وال يقل‪44‬ده يف الفع‪44‬ل‪ ،‬فلو رأى‬
‫اجلاهل العامل يفعل فعال مل جيز له تقليده فيه حىت يسأله‪ ،‬إذ لعله فعله ألمر مل يظهر للمقلد‪.‬‬
‫قول‪44 4 4‬ه‪( :‬وليس للع‪44 4 4‬امل أن يقل ‪44 4‬د) أي‪ :‬وليس للمجتهد أن يقلد غ ‪44 4‬ريه لتمكنه من االجته ‪44 4‬اد إال إذا‬
‫اجتهد بالفعل ومل يظهر له احلكم‪ ،‬أو ن‪44‬زلت به حادثة تقتضي الفوري ‪44‬ة‪ ،‬فيج‪44‬وز أن يقلد حينئذ للض ‪44‬رورة‪.‬‬
‫أما إذا اجتهد وأداه اجتهاده إىل حكم مل جيز له أن ينتقل عنه‪ ،‬ويقلد غريه من اجملتهدين باتفاق‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬وقيل‪ :‬يقل‪44‬د) ه‪44‬ذا ث‪44‬ابت يف بعض النس‪44‬خ‪ .‬والظ‪44‬اهر أن اخلالف فيمن مل جيته‪44‬د‪ ،‬فهل له أن‬
‫يقلد غريه؟ األرجح أنه ممنوع من التقليد إال يف احلالتني املذكورتني واهلل أعلم(‪.)1‬‬
‫واعلم أنه جيب على املس‪44‬تفيت أن يريد باس‪44‬تفتائه احلق والعمل ب‪44‬ه‪ .‬فال يس‪44‬أل عما ال يع‪44‬ين‪ .‬أو يتتبع‬
‫الرخص أو يقصد إفحام املفيت‪ ،‬أو يقول‪ :‬أفتاين غريك بكذا‪ .‬أو حنو ذلك من املقاصد السيئة‪.‬‬
‫وال يس‪44 4‬تفيت إال من يعلم أو يغلب على ظنه أنه أهل للفت‪44 4‬وى‪ ،‬مبا ي‪44 4‬راه من انتص‪44 4‬ابه‪ 4‬للفتيا واح ‪44‬رتام‬
‫الن‪44‬اس له وأخ‪44‬ذهم عن‪44‬ه‪ ،‬أو خبرب ع‪44‬دل عن‪44‬ه‪ .‬وينبغي‪ 4‬أن خيت‪44‬ار أوثق املف‪44‬تني علم‪4‬اً وورع‪4‬اً‪ .‬وقي‪44‬ل‪ :‬جيب ذلك‬
‫ألن الغرض حصول ظن اإلصابة‪ ،‬وهي إىل األفضل أقرب‪ ،‬واهلل أعلم(‪.)2‬‬

‫(?) انظر غاية املرام ص‪.216‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر األصول من علم‪ 4‬األصول ص‪.56‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪145‬‬
‫التقلـــيد‬

‫(والتقليــد‪ :‬قبــول قــول القائل بال حجــة‪ .‬فعلى هــذا قبــول قــول النــبي ‪ r‬يســمى تقليــداً‪ ،‬ومنهم‬
‫من قال‪ :‬التقليد‪ :‬قبول قول القائل وأنت ال تدري من أين قاله‪ .‬فإن قلنــا‪ :‬إن النــبي ‪ r‬كــان‬
‫يقول بالقياس فيجوز أن يسمى قبول قوله تقليداً)‪.‬‬
‫ملا بنّي املصنف‪ 4‬أن اجملتهد ال يقلد بني حقيقة التقليد‪.‬‬
‫والتقليد لغة‪ :‬وضع الش‪4‬يء يف العنق حميط‪4‬اً ب‪44‬ه‪ .‬وذلك الش‪4‬يء (قالدة) واجلمع (قالئ‪44‬د) ويطلق على‬
‫تفويض األمر إىل الشخص كأن األمر جعل يف عنقه كالقالدة‪.‬‬
‫واصطالحاً عرفه بقوله‪( :‬قبول قول القائل بال حجة) أي بال حجة يذكرها القائل للسائل‪.‬‬
‫قوله (فعلى ه‪4‬ذا قب‪4‬ول ق‪4‬ول النيب ‪ r‬يس‪4‬مى تقلي‪4‬داً) أي‪ :‬فعلى ه‪44‬ذا التعريف يك‪44‬ون قب‪44‬ول ق‪44‬ول النيب‬
‫‪ r‬تقليداً النطباق التعريف عليه‪ ،‬ألنه ‪ r‬يذكر احلكم‪ ،‬وال ي‪4‬ذكر دليل احلكم‪ ،‬لكن ج‪4‬اء عن املص‪4‬نف يف‬
‫(الربهان) خالف ذلك‪ ،‬فإنه قال‪( :‬وذهب بعضهم إىل أن التقليد قبول قول القائل بال حج‪4‬ة‪ ،‬ومن س‪44‬لك‬
‫ه ‪44‬ذا املس ‪44‬لك منع أن يك ‪44‬ون قب ‪44‬ول ق ‪44‬ول النيب ‪ r‬تقلي ‪44‬داً فإنه حجة يف نفس ‪44‬ه) أ هـ(‪ .)1‬ويظهر أن من أطلق‬
‫عليه تقلي‪44‬داً قصد اجملاز والتوس‪44‬ع‪ ،‬ق‪44‬ال اآلم‪44‬دي‪ ( :‬وإن مسي ذلك تقلي‪44‬داً بع‪44‬رف االس‪44‬تعمال فال مش‪44‬احة يف‬
‫اللفظ) أ هـ(‪.)2‬‬
‫قول‪44 4‬ه‪( :‬ومنهم من ق‪44 4‬ال‪ :‬التقلي‪44 4‬د‪ :‬قب‪44 4‬ول ق‪44 4‬ول القائل وأنت ال ت‪44 4‬دري من أي قال‪44 4‬ه) أي ال تع ‪44‬رف‬
‫مأخذه‪ .‬وهذا خيرج أخذ القول مع معرفة دليله فهذا اجتهاد‪.‬‬
‫ولو قيل يف تعريفه ه‪44 4 4‬و‪( :‬اتب‪44 4 4‬اع من ليس قوله حج‪44 4 4‬ة) لك‪44 4 4‬ان أخصر وأمشل وأوض‪44 4‬ح‪ .‬ألن معظم‬
‫األص‪44‬وليني خصص‪44‬وا ح‪44‬دودهم ب‪44‬القول‪ ،‬وال معىن لالختص‪44‬اص ب‪44‬ه‪ ،‬ف‪44‬إن االتب‪44‬اع‪ 4‬يف األفع‪44‬ال املبينة‪ 4‬كاالتب‪44‬اع‬
‫يف األقوال(‪.)3‬‬
‫وخيرج به اتب‪44 4 4‬اع‪ 4‬الرس‪44 4 4‬ول ‪ r‬فليس تقلي ‪44 4‬داً ألنه اتب ‪44 4‬اع للحج‪44 4 4‬ة‪ ،‬وك‪44 4 4‬ذا اتب‪44 4 4‬اع‪ 4‬أهل اإلمجاع ألن‬
‫اإلمجاع حجة‪ ،‬وكذا اتباع قول الصحايب على القول بأنه حجة‪.‬‬
‫قول‪4‬ه‪( :‬ف‪44‬إن قلن‪44‬ا‪ :‬إن النيب ‪ r‬ك‪44‬ان يق‪44‬ول بالقي‪44‬اس‪ ،‬فيج‪4‬وز أن يس‪44‬مى قب‪44‬ول قوله تقلي‪4‬داً) ه‪4‬ذا تفريع‬
‫على احلد الثاين الذي ذكره للتقليد‪ .‬وهو أننا إذا قلنا إن الرسول ‪ r‬جيوز له أن حيكم بالقي‪44‬اس أي‪ :‬جيتهد‬

‫(?) الربهان (‪.)2/888‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) اإلحكام (‪.)4/227‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر الشرح الكبري (‪.)2/562‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪146‬‬
‫وال يقتصر على ال‪44 4 4‬وحي‪ ،‬وليس املراد خص‪44 4 4‬وص القي‪44 4 4‬اس‪ ،‬بل املراد ج‪44 4 4‬واز مطلق االجته‪44 4 4‬اد كما عرّب يف‬
‫الربهان(‪.)1‬‬
‫قول‪44 4‬ه‪( :‬فيج‪44 4‬وز أن يس‪44 4‬مى قب‪44 4‬ول قوله تقلي‪44 4‬داً) أي‪ :‬ألننا ال نعلم مأخذ قوله من االجته‪44 4‬اد أو من‬
‫ال‪44‬وحي‪ ،‬وإن قلنا إنه ال جيوز له أن جيتهد فال يس‪44‬مى قبوله تقلي‪44‬داً‪ ،‬ألنا نعلم أن ما يقوله يقوله عن وحي‪.‬‬
‫فال ينطبق عليه هذا التعريف‪.‬‬
‫والصحيح أن الرسول ‪ r‬جيوز له االجتهاد‪ ،‬وال يسمى قبول قوله تقليداً كما تقدم‪.‬‬
‫أما االجته ‪44‬اد يف أمر ال ‪44‬دنيا فهو ج ‪44‬ائز وواقع باإلمجاع‪ ،‬كما حك ‪44‬اه ابن ح ‪44‬زم وغ ‪44‬ريه(‪ )2‬مثل قصة‬
‫(‪)4‬‬
‫اجته ‪44‬اده ‪ r‬يف ت ‪44‬أبري النخل(‪ )3‬وأما أمر الش ‪44‬رع فعلى أصح األق ‪44‬وال لقوله تع ‪44‬اىل‪] :‬وش ‪44‬اورهم يف األمر[‬
‫وطريق املشاورة‪ :‬االجتهاد‪ .‬وألنه قد وقع كما يف قصة أس‪4‬ارى ب‪44‬در(‪ )5‬وكما يف رجوعه ‪ r‬لق‪44‬ول العب‪4‬اس‬
‫يف قول ‪44‬ه‪( :‬إال األذخ ‪44‬ر) كما تق ‪44‬دم يف مب ‪44‬احث االس ‪44‬تثناء يف ب ‪44‬اب التخص ‪44‬يص‪ ،‬ولو ك ‪44‬ان ذلك ب ‪44‬وحي مل‬
‫يتغري‪ ،‬فدل على أنه باجتهاد واهلل أعلم‪.‬‬

‫(?) انظر الربهان (‪.)2/888‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر األحكام البن حزم (‪ )2/703‬وإرشاد الفحول (ص‪.)255‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أخرجه مسلم رقم ‪.2363‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة آل عمران‪ ،‬آية‪.159 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) أخرجه مسلم رقم ‪.1763‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪147‬‬
‫االجتهـــاد‬
‫(وأما االجته ـ ــاد فهو ب ـ ــذل الوسع في بل ـ ــوغ الغ ـ ــرض‪ .‬فالمجتهد إن ك ـ ــان كامل اآللة في‬
‫االجته ــاد ف ــإن اجتهد في الف ــروع فأص ــاب فله أج ــران‪ ،‬وإ ن اجتهد وأخطأ فله أجر واح ــد‪.‬‬
‫ومنهم من ق ـ ـ ــال‪ :‬كل مجتهد في الف ـ ـ ــروع مص ـ ـ ــيب‪ .‬وال يج ـ ـ ــوز أن يق ـ ـ ــال‪ :‬كل مجتهد في‬
‫األص ــول [الكالمي ــة] مص ــيب‪ ،‬ألن ذلك ي ــؤدي إلى تص ــويب أهل الض ــاللة من النص ــارى‬
‫والمجــوس والكفــار والملحــدين‪ .‬ودليل من قــال‪ :‬ليس كل مجتهد في الفــروع مصــيباً قوله‬
‫‪" r‬من اجتهد فأصـ ــابـ فله أجـ ــران‪ ،‬ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحـ ــد"‪ .‬وجه الـ ــدليل‪ :‬أن‬
‫النبي ‪ r‬خطّا المجتهد تارة وصوبه أخرى [واهلل سبحانه أعلم])‪.‬‬
‫ملا تكلم عن التقليد وش ‪44 4 4‬روط اجملته ‪44 4 4‬د‪ ،‬وأن االجته ‪44 4 4‬اد جيب على من اجتمعت فيه ش ‪44 4‬روطه ذكر‬
‫تعريف االجته‪44 4‬اد‪ ،‬ألن االجته‪44 4‬اد يقابل التقلي‪44 4‬د‪ .‬وهو لغ‪44 4‬ة‪ :‬ب‪44 4‬ذل اجلهد(‪ )1‬واس‪44 4‬تفراغ‪ 4‬الوسع إلدراك أمر‬
‫شاق‪ .‬وال يستعمل إال فيما فيه مشقة‪ .‬تقول‪ :‬اجتهد يف محل الصخرة‪ .‬وال تقول‪ :‬اجتهد يف محل العصا‪.‬‬
‫واصطالحاً عرفه بقوله‪( :‬بذل الوسع يف بلوغ الغرض) والوسع‪ :‬بضم الواو‪ 4:‬الطاقة والقوة(‪.)2‬‬
‫وه‪44 4‬ذا تعريف ع ‪44 4‬ام‪ ،‬هو التعريف اللغ‪44 4‬وي أق‪44 4‬رب‪ ،‬فالبد من تقيي‪44 4‬ده‪ 4‬ب‪44 4‬احلكم الش‪44 4‬رعي‪ ،‬ألن املراد‬
‫البحث يف االجته ‪44 4‬اد ال ‪44 4‬ذي هو طريق إلثب ‪44 4‬ات حكم ش ‪44 4‬رعي‪ .‬فيك ‪44 4‬ون‪ 4‬املراد ب ‪44 4‬الغرض‪ :‬احلكم الش ‪44 4‬رعي‬
‫املطلوب‪ .‬ولو قيده بالفقيه وقال‪ :‬بذل الفقيه‪ 4‬وسعه لبلوغ الغرض لكان كافياً‪ ،‬كما يف مجع اجلوام‪44‬ع‪ ،‬ألن‬
‫الفقيه ال يتكلم إال يف األحكام الشرعية‪ .‬وللمجتهد شروط تقدم أكثرها يف الكالم على املفيت‪.‬‬
‫قول‪44 4‬ه‪( :‬فاجملتهد إن ك‪44 4‬ان كامل اآللة يف االجته‪44 4‬اد ‪ ) . .‬أي‪ :‬حمص ‪4 4‬الً جلميع آالت االجته‪44 4‬اد كما‬
‫تقدم بيانه‪ ،‬فيكون‪ 4‬مستقال مبعرفة األحكام‪ .‬والظ‪44‬اهر أن م‪44‬راده اجملتهد املطل‪44‬ق‪ .‬ألنه هو ال‪44‬ذي يك‪44‬ون‪ 4‬كامل‬
‫اآللة‪ ،‬ويكون بذلك اح‪44‬رتز من جمتهد املذهب‪ 4‬وجمتهد الفت‪44‬وى(‪ )3‬وإن مل يتق‪4‬دم هلما ذك‪4‬ر‪ ،‬وإن ك‪4‬ان ال‪4‬ذي‬
‫يظهر جريان احلكم املذكور فيهما‪ ،‬أو يكون‪ 4‬لدفع توهم بعض املساحمة يف بعض شروط االجتهاد‪ ،‬وعلى‬
‫كل فلو أسقط قوله (إن كان كامل اآللة) لكان أوىل واهلل أعلم‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فإن اجتهد يف الف‪44‬روع) املراد هبا املس‪44‬ائل الفقهية الظنية اليت ليس فيها دليل ق‪4‬اطع‪ .‬ألن ه‪4‬ذا‬
‫هو موضع االجتهاد‪.‬‬

‫(?) اجلهد بالضم اجليم‪ :‬الطاقة‪ .‬وبفتحها‪ :‬املشقة‪ .‬انظر اللسان (‪ )3/133‬مادة (جهد)‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) املصباح املنري (‪.)2/659‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) اجملتهد املطلق من توفرت فيه شروط االجتهاد‪ .‬وجمتهد‪ 4‬املذهب هو العامل مبذهب‪ 4‬إمامه املتمكن من ختريج ما مل ينص عليه إمامه على منصوصه‬ ‫‪3‬‬

‫وجمتهد الفتوى‪ .‬من قصر اجتهاده على ما صح عن إمامه ومل يتمكن من ختريج غري املنصوص [انظر أعالم املوقعني ‪.]4/212‬‬

‫‪148‬‬
‫قول‪44 4‬ه‪( :‬فأص‪44 4‬اب فله أج‪44 4‬ران‪ ،‬وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واح‪44 4‬د) املراد باإلص‪44 4‬ابة أن يوافق ما أداه‬
‫إليه اجتهاده ما هو احلكم يف الواقع‪ .‬وقوله‪( :‬أجران) أي‪ :‬نصيبان من الثواب‪ 4‬يعلمهما اهلل كمية وكيفي‪44‬ة‪:‬‬
‫أجر على اجته‪44 4‬اده‪ ،‬وأجر على إص‪44 4‬ابته احلق‪ ،‬لكونه س‪4ّ 4 4‬ن س‪44 4‬نة يقت‪44 4‬دي هبا فيتبعه املقل‪44 4‬دون‪ ،‬ويظهر احلق‪.‬‬
‫وإن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد على اجته‪44 4‬اده‪ ،‬وخط‪44 4‬ؤه مغف‪44 4‬ور ل‪44 4‬ه‪ ،‬ألنه غري مقص‪44 4‬ود إال إن قصر يف‬
‫االجتهاد‪.‬‬
‫وه ‪44‬ذا هو الق ‪44‬ول الص ‪44‬حيح يف املس ‪44‬ألة‪ 4،‬أنه ليس كل جمتهد نص ‪44‬يباً‪ ،‬بل املص ‪44‬يب‪ 4‬واح ‪44‬د‪ ،‬ومن ع ‪44‬داه‬
‫خمطئ‪ .‬وهو قول مالك وأيب حنيفة يف قول‪ ،‬والشافعية‪ 4‬واحلنابلة‪.‬‬
‫قول ‪44‬ه‪( :‬ومنهم من ق ‪44‬ال‪ :‬كل جمتهد يف الف ‪44‬روع مص ‪44‬يب) ه ‪44‬ذا الق ‪44‬ول الث ‪44‬اين يف املس ‪44‬ألة‪ ،‬وهو ق ‪44‬ول‬
‫آخر أليب حنيفة وبعض الشافعية وبعض املالكية‪ 4‬وبعض املتكلمني‪ .‬فيكون‪ 4‬له على هذا القول أجران‪.‬‬
‫ومنشأ اخلالف هل هلل تع‪44‬اىل يف كل واقعة حكم معني يف نفس األمر قبل اجته‪44‬اد اجملته‪44‬د؟ أو ليس‬
‫له حكم معني‪ ،‬وإمنا احلكم فيها ما وصل إليه اجملتهد باجته‪44 4 4 4‬اده؟ فأص‪44 4 4 4‬حاب حكمه ما أدى إليه اجته‪44 4 4‬اد‬
‫اجملتهد‪ ،‬فما غلب على ظنه فهو حكم اهلل‪.‬‬
‫وق ‪44‬ال اجلمه ‪44‬ور‪ :‬إن هلل تع ‪44‬اىل يف كل مس ‪44‬ألة حكم ‪4‬اً معين ‪4‬اً قبل االجته ‪44‬اد فمن وافقه فهو مص ‪44‬يب‪4،‬‬
‫ومن مل يوافقه فهو خمطئ‪.‬‬
‫قول‪44 4‬ه‪( :‬وال جيوز أن يق‪44 4‬ال‪ :‬كل جمتهد يف األص‪44 4‬ول الكالمية مص‪44 4‬يب) املراد باألص‪44 4‬ول الكالمي‪44 4‬ة‪4:‬‬
‫مس ‪44‬ائل العقي‪44 4‬دة‪ 4‬املنس‪44 4‬وبة إىل علم الكالم‪ .‬وهو ما أحدثه املتكلم‪44 4‬ون‪ 4‬يف أص‪44 4‬ول ال‪44 4‬دين من إثب ‪44‬ات العقائد‬
‫بالطرق اليت ابتكروها وأعرضوا هبا عما جاء يف الكتاب والس‪44‬نة(‪ .)1‬واملع‪44‬ىن‪ :‬أنه ال يصح أن يق‪44‬ال كل من‬
‫اجتهد يف أمور العقائد فهو مصيب‪ .‬بل املصيب واحد‪ ،‬ومن ع‪4‬داه خمطئ‪ ،‬وقد نقل بعض‪4‬هم اإلمجاع على‬
‫ذلك‪ .‬وخمالفة بعضهم ال يعتد هبا(‪.)2‬‬
‫قوله‪( :‬ألن ذلك يؤدي إىل تص‪44‬ويب أهل الض‪4‬اللة‪ 4‬من النص‪4‬ارى واجملوس والكف‪44‬ار وامللح‪4‬دين) ه‪44‬ذا‬
‫تعليل ملا تق‪4‬دم‪ .‬أي‪ :‬ألن ه‪44‬ذا الق‪44‬ول ي‪44‬ؤدي إىل تص‪4‬ويب‪ 4‬من أخطأ من أهل الض‪44‬اللة‪ .‬وأن كل ما أدى إليه‬
‫اجتهادهم فهو موافق ملا هو احلق‪ .‬وتصويبهم باطل‪ .‬وما أدى إىل الباطل فهو باطل‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬أهل الضاللة) أي‪ :‬أهل الباطل‪.‬‬

‫(?) فتح رب الربية بتلخيص احلموية البن عثيمني ص‪.50‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر غابة املرام ص‪.323‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪149‬‬
‫وقول‪4‬ه‪( :‬من النص‪4‬ارى) وهم من ينتس‪4‬بون يف دي‪4‬انتهم إىل ش‪4‬ريعة عيسى عليه الس‪4‬الم‪ .‬وأص‪4‬لها دين‬
‫منـزل من اهلل‪ .‬لكنها ح‪44‬رفت وب‪44‬دلت‪ .‬وهم يقول‪44‬ون ب‪44‬التثليث‪ .‬ومعن‪44‬اه‪ :‬أن اهلل عن‪44‬دهم ثالث‪44‬ة‪ :‬اإلله األب‪.‬‬
‫واإلله االبن‪ ،‬واإلله الروح القدس‪ .‬تعاىل اهلل عما يقولون‪4.‬‬
‫وقول‪44‬ه‪( :‬واجملوس) هم ق‪44‬وم يعب‪44‬دون الن‪44‬ور والن‪44‬ار‪ ،‬والظلمة والش‪44‬مس والقمر ويزعم‪44‬ون أن للك‪44‬ون‬
‫إهلني‪ .‬أحدمها‪ :‬النور‪ .‬والثاين‪:‬الظلمة‪.‬‬
‫وقول ‪44 4‬ه‪( :‬والكف ‪44 4‬ار) مجع ك ‪44 4‬افر‪ .‬والكف ‪44 4‬ر‪ :‬كفر أكرب خمرج من املل ‪44 4‬ة‪ .‬وهو كفر التك‪44 4‬ذيب‪ 4،‬وكفر‬
‫االس‪44‬تكبار‪ ،‬وكفر اإلع‪44‬راض‪ ،‬وكفر الش‪44‬ك‪ ،‬وكفر النف‪44‬اق‪ .‬وكفر أص‪44‬غر ال خيرج من املل‪44‬ة‪ .‬ويتن‪44‬اول مجيع‬
‫املعاصي(‪.)1‬‬
‫وقوله‪( :‬وامللحدين) مفرده‪ :‬ملحد وهو من كفر باألديان كلها‪.‬‬
‫قول‪44 4 4‬ه‪( :‬ودليل من ق‪44 4 4‬ال‪ :‬ليس كل جمتهد يف الف‪44 4 4‬روع مص‪44 4 4‬يباً‪ .‬قوله ‪" :r‬من اجتهد فأص ‪44 4‬اب فله‬
‫أج‪44 4 4‬ران ‪ . .‬إخل"(‪ )2‬أي من مجلة ما اس‪44 4 4 4‬تدل به الق‪44 4 4 4‬ائلون بأنه ليس كل جمتهد يف الف‪44 4 4 4‬روع مص‪44 4 4‬يباً‪ .‬ه‪44 4 4‬ذا‬
‫احلديث‪ .‬ووجه الدالل‪44‬ة‪ :‬أن الرس‪44‬ول ‪ r‬جعل اجملته‪44‬دين قس‪44‬مني‪ :‬قس‪44‬ماً مص‪44‬يباً‪ .‬وقس‪44‬ماً خمطئ ‪4‬اً‪ ،‬ولو ك‪44‬ان‬
‫كل منهم مص ‪44 4‬يباً مل يكن هلذا التقس ‪44 4‬يم مع ‪44 4‬ىن‪ ،‬واهلل أعلم‪ .‬وص ‪44 4‬لى اهلل على نبينا حممد وعلى آله وص‪44 4‬حبه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫(?) انظر تفصيل ذلك يف كتاب (الغلو يف الدين) ص‪.252‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه البخاري برقم ‪ 6919‬ومسلم برقم ‪ 1716‬عن عمرو بن العاص رضي اهلل عنه واللفظ املذكور مل أقف يف الكتب الستة‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪150‬‬
‫أسمــاء المراجـــع‬

‫‪ )1‬اإلهباج يف ش‪44‬رح املنه‪44‬اج‪ ،‬لتقي ال‪44‬دين علي بن عبد الك‪44‬ايف الس‪44‬بكي‪ 4‬املت‪44‬وىف س‪44‬نة ‪ 756‬هـ وول‪44‬ده عبد‬
‫الوهاب املتوىف سنة ‪771‬هـ‪ .‬دار الكتب العلمية يف بريوت‪ .‬توزيع مكتبة‪ 4‬دار الباز‪.‬‬
‫‪ )2‬اإلحك‪44 4‬ام يف أص‪44 4‬ول األحك‪44 4‬ام‪ .‬أليب حممد علي بن حممد بن ح‪44 4‬زم األندلسي الظ‪44 4‬اهري املت‪44 4‬وىف س‪44 4‬نة‬
‫‪456‬هـ أشرف على طبعه أمحد شاكر‪ .‬توزيع دار االعتصام‪4.‬‬
‫‪ )3‬اإلحك‪44‬ام يف أص‪44‬ول األحك‪44‬ام‪ .‬لس‪44‬يف ال‪44‬دين علي بن أيب علي بن حممد اآلم‪44‬دي املت‪44‬وىف س‪44‬نة ‪631‬هـ‪.‬‬
‫حتقيق د‪ .‬سيد اجلميلي‪ .‬الناشر دار الكتاب العريب الطبعة األوىل سنة ‪1404‬هـ‪.‬‬
‫‪ )4‬آداب البحث واملن ‪44 4‬اظرة‪ .‬للش ‪44 4‬يخ حممد األمني الش ‪44 4‬نقيطي‪ 4‬املت ‪44 4‬وىف س ‪44 4‬نة ‪1393‬هـ‪ .‬الناشر مكتبة‪ 4‬ابن‬
‫تيمية القاهرة‪ ،‬ومكتبة العلم جبدة‪.‬‬
‫‪ )5‬أدلة التشريع املختلف فيها‪ .‬د‪ .‬عبد العزيز الربيعة (معاصر)‪ .‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫‪ )6‬احلدود األنيقة‪ 4‬والتعريف ‪44‬ات‪ 4‬الدقيقة للقاضي الش ‪44‬يخ زكريا بن حممد األنص ‪44‬اري املت ‪44‬وىف س ‪44‬نة ‪926‬هـ‪.‬‬
‫حتقيق د‪ .‬مازن املبارك‪ 4،‬دار الفكر املعاصر‪ .‬بريوت‪.‬‬
‫‪ )7‬إرشاد الفحول إىل حتقيق احلق من علم األصول‪ .‬حملمد بن علي الشوكاين املتوىف سنة ‪1250‬هـ‪ .‬دار‬
‫املعرفة يف بريوت‪.‬‬
‫‪ )8‬االستدالل عند األصوليني‪ .‬د‪.‬علي بن عبد العزيز العمرييين (معاصر)‪ .‬مكتبة التوبة‪.‬‬
‫‪ )9‬االستقامة أليب العباس أمحد بن عبد احلليم بن تيمية املتوىف سنة ‪748‬هـ‪ ،‬حتقيق د‪ .‬حممد رشاد سامل‪.‬‬
‫طبعة جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ )10‬اإلصابة يف متييز الصحابة‪ .‬أليب الفضل أمحد بن علي بن حجر العسقالين املتوىف سنة ‪852‬هـ حتقي‪44‬ق‪.‬‬
‫د‪ .‬طه حممد الزيين‪ .‬الناشر مكتبة الكليات األزهرية‪.‬‬
‫‪ )11‬أصل االعتقاد‪ .‬د‪ .‬عمر بن سليمان االشقر‪( .‬معاصر)‪.‬‬
‫‪ )12‬أص ‪44‬ول السرخس ‪44‬ي‪ .‬أليب بكر حممد بن أيب س ‪44‬هل السرخسي املت ‪44‬وىف س ‪44‬نة ‪490‬هـ حتقيق أيب الوف ‪44‬اء‬
‫األفغاين‪ .‬مطابع دار الكتاب العريب بالقاهرة (‪1372‬هـ)‪.‬‬
‫‪ )13‬أصول الفقه حملمد زكريا الربديسي (معاصر) املكتبة الفيصلية‪ 4‬مبكة‪ .‬الطبعة الثالثة‪.‬‬
‫‪ )14‬أصول الفقه اإلسالمي‪ 4.‬د‪ .‬وهبة الزحيلي (معاصر) دار الفكر‪.‬‬
‫‪ )15‬األصول من علم األصول‪ .‬للشيخ حممد بن صاحل العثيمني‪ .‬ط‪ :‬جامعة اإلمام‪.‬‬
‫‪ )16‬أضواء البيان‪ 4‬يف إيضاح القرآن بالقرآن‪ .‬للشيخ حممد األمني الشنقيطي‪ 4‬املتوىف سنة ‪1393‬هـ‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫‪ )17‬أعالم املوقعني عن رب العاملني‪ .‬مشس الدين أيب عبد اهلل حممد بن أيب بكر املعروف ب‪44‬ابن قيم اجلوزية‬
‫املتوىف سنة ‪751‬هـ‪.‬‬
‫‪ )18‬األم‪ ،‬أليب عبد اهلل حممد بن إدريس الشافعي املتوىف سنة ‪204‬هـ‪ .‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ )19‬األجنم الزاه‪44‬رات على حل ألف‪44‬اظ الورق‪44‬ات‪ .‬حملمد بن عثم‪44‬ان املارديين املت‪44‬وىف س‪44‬نة ‪871‬هـ‪ .‬حتقيق د‪.‬‬
‫عبد الكرمي بن علي النملة‪ .‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫‪ )20‬اإليضاح يف علوم البالغة‪ 4.‬للخطيب القزويين املتوىف سنة ‪739‬هـ املكتبة التجارية الكربى مبصر‪.‬‬
‫‪ )21‬اإليض ‪44 4‬اح لق ‪44 4‬وانني االص ‪44 4‬طالح أليب حممد يوسف بن عبد ال ‪44 4‬رمحن بن اجلوزي احلنبلي املت ‪44 4‬وىف س ‪44 4‬نة‬
‫‪656‬هـ حتقيق‪ .‬د‪ .‬فهد السدحان‪ .‬مكتبة‪ 4‬العبيكان‪.‬‬
‫‪ )22‬اإليض‪44‬اح لناسخ الق‪44‬رآن ومنس‪44‬وخه‪ .‬ملكي بن أيب ط‪44‬الب القيسي املت‪44‬وىف س‪44‬نة ‪437‬هـ حتقي‪44‬ق‪ .‬د‪ .‬أمحد‬
‫حسن فرحات‪ .‬الطبعة األوىل مطابع الرياض‪.‬‬
‫‪ )23‬البحر احمليط يف أص‪44‬ول الفق‪44‬ه‪ .‬لب‪44‬در ال‪44‬دين حممد بن هبادر بن عبد اهلل الزركشي املت‪44‬وىف س‪44‬نة ‪794‬هـ‬
‫الطبعة الثانية وزارة األوقاف والشئون‪ 4‬اإلسالمية‪ 4‬بالكويت‪.‬‬
‫‪ )24‬ب ‪44‬دائع الفوائد‪ 4‬أليب عبد اهلل حممد بن أيب بكر املع ‪44‬روف ب ‪44‬ابن القيم اجلوزية املت ‪44‬وىف ‪751‬هـ‪ .‬الناش ‪44‬ر‪:‬‬
‫مكتبة القاهرة‪ .‬الطبعة الثانية‪1392 4‬هـ‪.‬‬
‫‪ )25‬الربه‪44‬ان يف أص‪44‬ول الفقه إلم‪44‬ام احلرمني أيب املع‪44‬ايل عبد امللك بن عبد اهلل اجلويين املت‪44‬وىف س‪44‬نة ‪478‬هـ‬
‫حتقيق عبد العظيم الديب‪ .‬مطابع دار الوفاء مبصر‪.‬‬
‫‪ )26‬بطالن اجملاز‪ .‬ملصطفى عبد الصياصنة‪( .‬معاصر) دار املعراج للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫‪ )27‬تبصرة احلك‪4‬ام إلب‪4‬راهيم بن علي بن حممد بن فرح‪4‬ون املت‪4‬وىف س‪4‬نة ‪799‬هـ مطب‪4‬وع هبامش (فتح العلي‬
‫املالك) ومطبوع وحده يف جملد‪ .‬كتبة دار الباز‪.‬‬
‫‪ )28‬التأس ‪44‬يس‪ 4‬يف أص ‪44‬ول الفق ‪44‬ه‪ .‬ت ‪44‬أليف أيب إس ‪44‬الم مص ‪44‬طفى بن س ‪44‬المة (معاص ‪44‬ر) الناشر مكتبة خالد بن‬
‫الوليد مبيت عقبة‪.‬‬
‫‪ )29‬حتفة األح‪44 4 4‬وذي ش‪44 4 4‬رح ج‪44 4 4‬امع الرتم‪44 4 4‬ذي‪ .‬لعبد ال‪44 4 4‬رمحن بن عبد ال‪44 4 4‬رحيم املب‪44 4 4‬اركفوري املت ‪44 4‬وىف س ‪44 4‬نة‬
‫‪1353‬هـ‪ .‬دار الفكر بريوت‪.‬‬
‫‪ )30‬تدريب الراوي يف شرح تقريب النووي‪ .‬جلالل ال‪44‬دين عبد ال‪44‬رمحن بن أيب بكر الس‪44‬يوطي‪ 4‬املت‪44‬وىف س‪44‬نة‬
‫‪911‬هـ حتقيق عبد الوهاب عبد اللطيف‪ .‬دار الكتب العلمية‪ .‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪ )31‬تسهيل املنطق‪ .‬لعبد الكرمي بن مراد األثري (معاصر) دار مصر للطباعة‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫‪ )32‬التعريفات‪ .‬لعلي بن حممد الش‪4‬ريف اجلرج‪4‬اين املت‪4‬وىف س‪44‬نة ‪816‬هـ دار الكتب‪ 4‬العلمية ب‪44‬ريوت‪ .‬الطبعة‬
‫األوىل ‪1403‬هـ‪.‬‬
‫‪ )33‬تفسري القرط ‪44‬يب‪ :‬اجلامع األحك ‪44‬ام الق ‪44‬رآن أليب عبد اهلل حممد بن أمحد األنص ‪44‬اري القرطيب املت ‪44‬وىف س ‪44‬نة‬
‫‪671‬هـ‪ .‬دار إحياء الرتاث العريب‪ .‬بريوت‪.‬‬
‫‪ )34‬تفسري ابن كث ‪44‬ري‪ :‬تفسري الق ‪44‬رآن العظيم إلمساعيل بن عمر املع ‪44‬روف ب ‪44‬ابن كثري الدمش ‪44‬قي املت ‪44‬وىف س ‪44‬نة‬
‫‪774‬هـ دار الشعب‪.‬‬
‫‪ )35‬التقييد واإليضاح‪ .‬ش‪4‬رح مقدمة ابن الص‪4‬الح ل‪4‬زين ال‪4‬دين عبد ال‪4‬رحيم بن احلسني الع‪4‬راقي املت‪4‬وىف س‪4‬نة‬
‫‪806‬هـ‪ .‬دار الفكر العريب‪.‬‬
‫‪ )36‬تلقيح الفه‪44‬وم يف تنقيح ص‪44‬يغ العم‪44‬وم للحافظ خليل بن كيكل‪44‬دي العالئي املت‪44‬وىف س‪44‬نة ‪761‬هـ حتقيق‬
‫د‪ .‬عبد اهلل آل الشيخ‪ .‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫‪ )37‬التمهيد يف أص ‪44 4‬ول الفقه أليب اخلط ‪44 4‬اب حمف ‪44 4‬وظ بن أمحد بن احلسن الكل ‪44 4‬وذاين احلنبلي املت ‪44 4‬وىف س ‪44 4‬نة‬
‫‪510‬هـ دراسة وحتقي ‪44 4‬ق‪ :‬مفيد حممد أبو عمشة (ج‪ )2 ،1‬وحممد بن علي بن إب ‪44 4‬راهيم (ج‪)4 ،3‬‬
‫منشورات مركز البحث العلمي جبامعة أم القرى الطبعة األوىل ‪1406‬هـ‪.‬‬
‫‪ )38‬التمهيد يف ختريج الف‪44‬روع علي األص‪44‬ول‪ .‬جلم‪44‬ال ال‪44‬دين عبد ال‪44‬رحيم بن احلسن األس‪44‬نوي املت‪44‬وىف س‪44‬نة‬
‫‪72‬هـ‪ .‬حتقيق حممد حسن هيتو‪ .‬طبع مؤسسة الرسالة‪ .‬بريوت‪.‬‬
‫‪ )39‬ج‪44‬امع األص‪44‬ول يف أح‪44‬اديث الرس‪44‬ول ص‪44‬لى اهلل عليه وس‪44‬لم أليب الس‪44‬عادات املب‪44‬ارك‪ 4‬بن حممد بن األثري‬
‫اجلزري املت ‪44 4‬وىف س ‪44 4‬نة ‪606‬هـ‪ .‬حتقيق عبد الق ‪44 4‬ادر األرن ‪44 4‬اؤوط‪ .‬طبع مكتبة‪ 4‬احلل ‪44 4‬واين‪ .‬مطبعة املالح‪.‬‬
‫مكتبة دار البيان ‪1389‬هـ‪.‬‬
‫‪ )40‬مجع اجلوامع‪ .‬لتاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي‪ 4‬املتوىف سنة ‪771‬هـ‪ .‬طبع مع (حاش‪44‬ية البن‪44‬اين‬
‫على شرح احمللي عليه) طباعة مصطفى البايب احلليب مبصر‪.‬‬
‫‪ )41‬حاشية النفحات على شرح الورقات ألمحد اخلطيب اجلاوي‪ .‬طباعة مصطفى احلليب ‪1357‬هـ‪.‬‬
‫‪ )42‬احلديث املرسل‪ .‬حملمد حسن هيتو‪( 4‬معاصر) دار البشائر اإلسالمية‪4.‬‬
‫‪ )43‬احلكم التكليفي‪ .‬د‪ :‬حممد أبو الفتح البانوين (معاصر) دار القلم دمشق‪.‬‬
‫‪ )44‬احلكم الوضعي‪ 4‬عند األصوليني‪ .‬سعيد بن علي احلمريي‪ .‬املكتبة‪ 4‬الفيصلية مكة املكرمة‪ .‬ط األوىل‪.‬‬
‫‪ )45‬الرسالة لإلمام أيب عبد اهلل حممد بن إدريس الشافعي املتوىف سنة ‪204‬هـ‪ .‬حتقيق أمحد حممد شاكر‪.‬‬
‫‪ )46‬رس‪44‬الة يف أص‪44‬ول الفقه لإلم‪44‬ام العالمة‪ 4‬أيب علي احلسن بن ش‪44‬هاب بن احلسن العك‪44‬ربي احلنبلي املت‪44‬وىف‬
‫سنة ‪428‬هـ حتقيق د‪ .‬موفق بن عبد القادر‪ .‬ط األوىل‪.‬‬
‫‪153‬‬
‫‪ )47‬روضة الن‪44 4‬اظر وجنة املن‪44 4‬اظر‪ .‬ملوفق ال‪44 4‬دين عبد اهلل بن أمحد بن قدامة املقدسي‪ 4‬املت‪44 4‬وىف س‪44 4‬نة ‪620‬هـ‬
‫(ومعها شرحها نزهة اخلاطر العاطر) لعبد القادر بن بدران‪ .‬املطبعة السلفية مبصر ‪1342‬هـ‪.‬‬
‫‪ )48‬سنن أيب داود‪ .‬أليب داود سليمان بن األشعث‪ 4‬األزدي السجس‪44‬تاين املت‪44‬وىف س‪44‬نة ‪275‬هـ‪ .‬حتقيق حممد‬
‫حميي الدين عبد احلميد‪ .‬املكتبة‪ 4‬العصرية‪.‬‬
‫‪ )49‬س‪44‬نن ابن ماج‪44‬ه‪ .‬أليب عبد اهلل حممد بن يزيد من ماجه القزويين املت‪44‬وىف س‪44‬نة ‪275‬هـ حتقي حممد ف‪44‬ؤاد‬
‫عبد الباقي‪ .‬طباعة‪ 4‬مصطفى البايب احلليب‪ .‬مصر‪.‬‬
‫‪ )50‬سنن الرتمذي (جامع الرتمذي) أليب عيسى حممد بن عيسى بن س‪4‬ورة الرتم‪4‬ذي املت‪4‬وىف س‪44‬نة ‪289‬هـ‪.‬‬
‫حتقيق حممد أمحد ش ‪44‬اكر وتكملة حممد ف ‪44‬ؤاد عبد الب ‪44‬اقي وراجعه إب ‪44‬راهيم عط ‪44‬وة‪ .‬الناشر دار احلديث‬
‫بالقاهرة‪.‬‬
‫‪ )51‬س‪44‬نن النس‪44‬ائي‪ 4.‬أليب عبد ال‪44‬رمحن أمحد بن ش‪44‬عيب بن علي النس‪44‬ائي املت‪44‬وىف س‪44‬نة ‪303‬هـ باعتن‪44‬اء عبد‬
‫الفت‪44 4‬اح أبو غ‪44 4‬دة‪ .‬الطبعة األوىل املفهرسة دار البش‪44 4‬ائر ب‪44 4‬ريوت ‪1406‬هـ‪ .‬وهي مص‪44 4‬ورة عن الطبعة‬
‫األوىل املص ‪44 4 4‬رية يف الق ‪44 4 4‬اهرة ‪1348‬هـ‪ .‬مع ش ‪44 4 4‬رح احلافظ جالل ال ‪44 4 4‬دين عبد ال ‪44 4 4‬رمحن بن أيب بكر‬
‫السيوطي‪ 4‬املت‪4‬وىف س‪44‬نة ‪911‬هـ‪ .‬وحاش‪4‬ية أيب احلسن ن‪44‬ور ال‪44‬دين بن عبد اهلادي الس‪4‬ندي احلنفي املت‪44‬وىف‬
‫سنة ‪1138‬هـ‪.‬‬
‫‪ )52‬الس‪44 4 4‬نة للحافظ أيب بكر عمر بن أيب عاصم الض‪44 4 4‬حاكنب خملد الش‪44 4 4‬يباين املت‪44 4 4‬وىف س‪44 4 4‬نة ‪287‬هـ‪.‬حتقيق‬
‫األلباين‪ .‬املكتب اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ )53‬سري أعالم النبالء‪ 4.‬لش ‪44 4‬مس ال ‪44 4‬دين أيب عبد اهلل بن أمحد بن قامياز ال ‪44 4‬ذهيب املت ‪44 4‬وىف س ‪44 4‬نة ‪74‬هـ حتقيق‬
‫جمموعة من األساتذة بإشراف شعيب األرناؤوط‪ .‬مؤسسة الرسالة بريوت ‪1402‬هـ‪.‬‬
‫‪ )54‬ش‪44 4‬رح تنقيح الفص‪44 4‬ول يف اختص‪44 4‬ار احملص‪44 4‬ول‪ .‬لش‪44 4‬هاب ال‪44 4‬دين أمحد بن إدريس الق‪44 4‬رايف املت‪44 4‬وىف س‪44 4‬نة‬
‫‪684‬هـ‪ .‬حتقيق طه عبد الرؤوف سعد ‪ . .‬طبعة مكتبة‪ 4‬الكليات األزهرية‪ .‬ودار الفكر ‪1393‬هـ‪.‬‬
‫‪ )55‬ش ‪44‬رح ص ‪44‬حيح مس ‪44‬لم‪ .‬حملي ال ‪44‬دين أيب زكريا حيىي بن ش ‪44‬رف الن ‪44‬ووي املت ‪44‬وىف س ‪44‬نة ‪676‬هـ‪ .‬مراجعة‬
‫خليل امليس‪ 4.‬دار القلم بريوت‪.‬‬
‫‪ )56‬ش‪4‬رح العب‪4‬ادي‪ .‬أمحد بن قاسم العب‪4‬ادي الش‪4‬افعي املت‪4‬وىف س‪4‬نة ‪922‬هـ على ش‪4‬رح اجلالل احمللي املت‪4‬وىف‬
‫سنة ‪864‬هـ‪ .‬على الورقات هبامش (إرشاد الفحول للشوكاين)‪ .‬دار املعرفة يف بريوت‪.‬‬
‫‪ )57‬شرح العضد على خمتصر ابن احلاجب‪ .‬للقاضي عضد الدين عبد ال‪44‬رمحن بن أمحد اإلجيي املت‪44‬وىف س‪44‬نة‬
‫‪756‬هـ‪ .‬وهبامشه حاش ‪44‬ية التفت ‪44‬ازاين املت ‪44‬وىف س ‪44‬نة ‪791‬هـ‪ .‬وحاش ‪44‬ية الش ‪44‬ريف اجلرج ‪44‬اين املت ‪44‬وىف س ‪44‬نة‬
‫‪816‬هـ‪ .‬دار الكتب‪ 4‬العلمية بريوت‪.‬‬
‫‪154‬‬
‫‪ )58‬ش‪44‬رح الك‪44‬وكب‪ 4‬املن‪44‬ري‪ .‬حملمد بن أمحد بن عبد العزيز بن علي الفت‪44‬وحي احلنبلي املع‪44‬روف ب‪44‬ابن النج‪44‬ار‬
‫املت ‪44 4‬وىف س ‪44 4‬نة ‪972‬هـ حتقيق حممد ال ‪44 4‬زحيلي ونزيه محاد‪ .‬طبع مركز البحث العلمي مبك‪44 4‬ة‪ .‬جامعة أم‬
‫القرى‪ .‬الطبعة األوىل ‪1408‬هـ‪.‬‬
‫‪ )59‬شرح خمتصر الروضة‪ .‬لنجم الدين أيب الربيع سليمان بن عبد القوي بن عبد الكرمي بن س‪4‬عيد الط‪4‬ويف‬
‫احلنبلي املتوىف سنة ‪716‬هـ‪ .‬حتقيق د‪ .‬عبد اهلل الرتكي‪ .‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫‪ )60‬ش ‪44‬رح الورق ‪44‬ات‪ .‬جلالل ال ‪44‬دين حممد بن أمحد احمللي املت ‪44‬وىف س ‪44‬نة ‪864‬هـ‪ .‬املطبعة الس ‪44‬لفية ومكتبته ‪44‬ا‪.‬‬
‫مصر‪ .‬وينظر طبعة مكتبة الرياض احلديثة بالرياض‪.‬‬
‫‪ )61‬الص‪4‬حاح إلمساعيل بن محاد اجلوهري املت‪4‬وىف س‪4‬نة ‪393‬هـ حتقيق أمحد عبد الغف‪4‬ور عط‪4‬ار‪ .‬مط‪4‬ابع دار‬
‫الكتاب العريب بالقاهرة ‪1377‬هـ‪.‬‬
‫‪ )62‬صحيح البخاري‪ .‬اعتين به د‪ .‬مصطفى ديب البغا‪ .‬دار ابن كثري ودار اليمامة يف بريوت ودمشق‪.‬‬
‫‪ )63‬صحيح مس‪4‬لم أليب احلسني مس‪4‬لم بن احلج‪4‬اج القش‪4‬ريي النيس‪4‬ابوري‪ 4‬املت‪4‬وىف س‪4‬نة ‪261‬هـ حتقيق حممد‬
‫فؤاد عبد الباقي‪ .‬دار إحياء الرتاث العريب‪.‬‬
‫‪ )64‬ص ‪44‬فة الفت ‪44‬وى واملفيت واملس ‪44‬تفيت ألمحد بن محدان احلراين احلنبلي املت ‪44‬وىف س ‪44‬نة ‪695‬هـ خ ‪44‬رج أحاديثه‬
‫حممد ناصر الدين األلباين‪ .‬املكتب‪ 4‬اإلسالمي‪ 4‬بدمشق الطبعة الثالثة ‪1397‬هـ‪.‬‬
‫‪ )65‬ضوابط املعرفة لعبد الرمحن حسن حبنكة امليداين‪ .‬دار القلم بدمشق الطبعة الثالثة ‪1408‬هـ‪.‬‬
‫‪ )66‬ط‪44‬رح الت‪44‬ثريب‪ 4‬يف ش‪44‬رح التق‪44‬ريب أليب الفضل عبد ال‪44‬رحيم الع‪44‬راقي املت‪44‬وىف س‪44‬نة ‪806‬هـ وأكمله ول‪44‬ده‬
‫أبو زرعة أمحد بن عبد الرحيم املتوىف سنة ‪826‬هـ‪ .‬دار إحياء الرتاث العريب‪.‬‬
‫‪ )67‬الع‪44‬دة يف أص‪44‬ول الفق‪44‬ه‪ .‬للقاضي أيب يعلى حممد بن احلسني الف‪44‬راء احلنبلي املت‪44‬وىف س‪44‬نة ‪458‬هـ حتقيق‬
‫أمحد سري املباركي‪ 4‬ط الثانية ‪1410‬هـ‪.‬‬
‫‪ )68‬غاية املرام يف ش ‪44‬رح مقدمة اإلم ‪44‬ام‪ .‬أليب العب ‪44‬اس أمحد بن حممد بن زك ‪44‬ري التلمس ‪44‬اين املالكي املت ‪44‬وىف‬
‫سنة ‪899‬هـ‪ .‬دراسة وحتقيق األخ‪ /‬خالد بن شجاع العتييب (رسالة ما جستري)‪.‬‬
‫‪ )69‬غاية الوص ‪44 4‬ول ش ‪44 4‬رح لب األص ‪44 4‬ول‪ .‬لش ‪44 4‬يخ اإلس ‪44 4‬الم زكريا األنص ‪44 4‬اري املت ‪44 4‬وىف س ‪44 4‬نة ‪926‬هـ طبعة‬
‫مصطفى البايب احلليب مبصر ‪1360‬هـ‪.‬‬
‫‪ )70‬فت ‪44‬اوى العز بن عبد الس ‪44‬الم‪ .‬عز ال ‪44‬دين عبد العزيز بن عبد الس ‪44‬الم عبد ال ‪44‬رمحن بن عبد الفت ‪44‬اح‪ .‬دار‬
‫املعرفة‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫‪ )71‬فتح الب‪44‬اري ش‪44‬رح ص‪44‬حيح البخ‪44‬اري‪ .‬ألمحد بن علي بن حجر العس‪44‬قالين املت‪44‬وىف س‪44‬نة ‪852‬هـ‪ .‬علق‬
‫على األج ‪44 4‬زاء الثالثة األوىل فض ‪44 4‬يلة الش ‪44 4‬يخ عبد العزيز بن ب ‪44 4‬از‪ .‬توزيع رئاسة إدارة البح‪44 4‬وث العلمية‬
‫واإلفتاء بالرياض‪.‬‬
‫‪ )72‬الف‪44 4 4‬روق يف اللغ‪44 4 4‬ة‪ .‬أليب هالل احلسن بن عبد اهلل بن س‪44 4 4‬هل العس‪44 4 4‬كري املت‪44 4 4‬وىف بعد س ‪44 4‬نة ‪395‬هـ‪.‬‬
‫منشورات دار اآلفاق اجلديدة ببريوت‪.‬‬
‫‪ )73‬الفوائد لش‪44 4 4‬مس ال‪44 4 4‬دين أيب عبد اهلل حممد بن قيم اجلوزية املت‪44 4 4‬وىف ‪751‬هـ حتقيق بشري حممد عي‪44 4‬ون‪4.‬‬
‫الناشر‪ :‬مكتبة‪ 4‬دار البيان‪ 4.‬الطبعة األوىل ‪1407‬هـ‪.‬‬
‫‪ )74‬القاموس احمليط جملد الدين حممد بن يعقوب الفريوز آبادي املتوىف سنة ‪817‬هـ والرج‪4‬وع إىل (ت‪4‬رتيب‬
‫القاموس) لألستاذ‪ .‬الطاهر أمحد الزاوي‪ .‬دار الكتب‪ 4‬العلمية‪ .‬ودار املعرفة‪ .‬بريوت‪.‬‬
‫‪ )75‬قرة العني يف شرح ورقات إمام احلرمني للشيخ حممد بن حممد الرعيين املعروف باحلطاب املت‪44‬وىف س‪44‬نة‬
‫‪954‬هـ دار ابن خزمية‪ .‬ومطب‪44‬وع هبامش (لط‪44‬ائف اإلش‪44‬ارات على تس‪44‬هيل الطرق‪44‬ات لنظم الورق‪44‬ات)‬
‫طباعة احلليب‪.‬‬
‫‪ )76‬القواعد النورانية الفقهية‪ 4‬لتقي ال‪44 4‬دين أيب العب‪44 4‬اس أمحد بن عبد احلليم ابن تيمية املت‪44 4‬وىف س ‪44‬نة ‪728‬هـ‬
‫مطبعة السنة احملمدية بالقاهرة ‪1370‬هـ‪.‬‬
‫‪ )77‬القواعد والفوائد األص ‪44‬ولية أليب احلسن علي بن حممد بن عب ‪44‬اس احلنبلي الش ‪44‬هري ب ‪44‬ابن اللح ‪44‬ام املت ‪44‬وىف‬
‫سنة ‪803‬هـ حتقيق حممد حامد الفقي مطبعة السنة احملمدية بالقاهرة ‪1375‬هـ‪.‬‬
‫‪ )78‬كشف األس‪44‬رار عن أص‪44‬ول فخر اإلس‪44‬الم ال‪44‬زدوي‪ ،‬لعالء ال‪44‬دين عبد العزيز بن أمحد البخ‪44‬اري املت‪44‬وىف‬
‫سنة ‪730‬هـ الناشر دار الكتاب اإلسالمي بالقاهرة‪.‬‬
‫‪ )79‬لسان العرب جلمال الدين حممد بن مكرم بن منظور اإلفريقي املص‪4‬ري املت‪4‬وىف س‪4‬نة ‪711‬هـ طبعة دار‬
‫صادر بريوت ‪14‬هـ‬
‫‪ )80‬لط‪44‬ائف اإلش‪44‬ارات‪ .‬ش‪44‬رح منظومة العم‪44‬ريطي للورق‪44‬ات‪ .‬لعبد احلميد بن حممد بن علي ق‪44‬دس‪ .‬طباعة‪4‬‬
‫مصطفى البايب احلليب ‪1369‬هـ‪.‬‬
‫‪ )81‬اللمع يف أص‪44 4‬ول الفقه أليب إس‪44 4‬حاق إب‪44 4‬راهيم بن علي ال‪44 4‬ريازي املت‪44 4‬وىف س‪44 4‬نة ‪476‬هـ‪ .‬حتقيق يوسف‬
‫املرعشلي ومعه كتاب (ختريج أحاديث اللمع)‪ .‬عامل الكتب ببريوت‪ .‬الطبعة األوىل ‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ )82‬جمم ‪44 4‬وع الفت ‪44 4‬اوى لتقي ال‪44 4 4‬دين أيب العب‪44 4 4‬اس أمحد بن عبد احلليم بن عبد الس ‪44 4‬الم احلراين املت‪44 4‬وىف س ‪44 4‬نة‬
‫‪748‬هـ‪ .‬مجع وترتيب عبد الرمحن بن قاسم الطبعة األوىل بالرياض ‪1381‬هـ‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫‪ )83‬احملص ‪44 4 4‬ول يف علم األص ‪44 4 4‬ول لفخر ال ‪44 4 4‬دين أيب عبد اهلل بن حممد بن عمر بن حسن ال ‪44 4 4‬رازي الش ‪44 4‬افعي‬
‫املتوىف سنة ‪606‬هـ‪ ،‬حتقيق طه جابر العل‪4‬واين‪ ،‬نشر جامعة اإلم‪4‬ام حممد بن س‪4‬عود اإلس‪4‬المية‪ 4‬بالري‪4‬اض‬
‫‪1399‬هـ‪.‬‬
‫‪ )84‬خمتصر الروضة وقد طبع باسم (البلبل يف أصول الفقه) لنجم الدين أيب الربيع سليمان بن عبد الق‪44‬وي‬
‫الطويف املتوىف سنة ‪716‬هـ‪ ،‬مكتبة‪ 4‬اإلمام الشافعي بالرياض‪.‬‬
‫‪ )85‬م ‪44‬دارج الس ‪44‬الكني‪ .‬لش ‪44‬مس ال ‪44‬دين أيب عبد اهلل حممد بن أيب بكر املع ‪44‬روف ب ‪44‬ابن القيم اجلوزية املت ‪44‬وىف‬
‫سنة ‪751‬هـ حتقيق حممد حامد الفقي‪ .‬دار الكتاب العريب‪ .‬بريوت‪.‬‬
‫‪ )86‬املدخل إىل م ‪44‬ذهب اإلم ‪44‬ام أمحد بن حنب ‪44‬ل‪ .‬لعبد الق ‪44‬ادر بن أمحد املع ‪44‬روف ب ‪44‬ابن ب ‪44‬دران املت ‪44‬وىف س ‪44‬نة‬
‫‪1346‬هـ حتقيق د‪ .‬عبد اهلل الرتكي‪ 4‬مؤسسة الرسالة ببريوت الطبعة الثالثة‪1405 4‬هـ‪.‬‬
‫‪ )87‬م ‪44 4‬ذكرة أص ‪44 4‬ول الفقه للش ‪44 4‬يخ حممد األمني بن حممد املخت ‪44 4‬ار الش ‪44 4‬نقيطي‪ 4‬املت ‪44 4‬وىف س ‪44 4‬نة ‪1393‬هـ‪ .‬ط‬
‫اجلامعة اإلسالمية‪ 4‬باملدينة النبوية‪4.‬‬
‫‪ )88‬املسائل املش‪44‬رتكة بني أص‪44‬ول الفق‪44‬ه‪ .‬وأص‪44‬ول ال‪44‬دين‪ ،‬حملمد العروسي عبد الق‪44‬ادر (معاص‪44‬ر)‪ .‬دار حافظ‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1410‬هـ‪.‬‬
‫‪ )89‬املستصفى‪ 4‬من علم أصول الفقه أليب حامد بن حممد الغزايل املتوىف سنة ‪505‬هـ دار صادر‪.‬‬
‫‪ )90‬مسند اإلمام أمحد بن حممد بن حنبل املتوىف سنة ‪241‬هـ‪ ،‬دار صادر‪.‬‬
‫‪ )91‬املس‪44 4 4 4‬ودة يف أص‪44 4 4 4‬ول الفقه آلل تيمي‪44 4 4 4‬ة‪ .‬حتقيق حممد حمي ال‪44 4 4 4‬دين عبد احلمي‪44 4 4 4‬د‪ .‬مطبعة املدين الق‪44 4 4‬اهرة‬
‫‪1384‬هـ‪.‬‬
‫‪ )92‬املعترب يف ختريج أح‪44 4‬اديث املنه‪44 4‬اج واملختص‪44 4‬ر‪ .‬لب‪44 4‬در ال‪44 4‬دين حممد بن عبد اهلل الزركشي املت‪44 4‬وىف س‪44 4‬نة‬
‫‪794‬هـ حتقيق محدي عبد اجمليد السلفي‪ .‬دار األرقم الكويت‪ 4.‬الطبعة األوىل ‪1404‬هـ‪.‬‬
‫‪ )93‬معجم لغة الفقه‪44 4 4‬اء‪ .‬وضع حممد رواس قلعة جي‪ ،‬حامد ص ‪44 4‬ادق قنييب ج‪44 4 4‬ار النف ‪44 4‬ائس‪ .‬الطبعة الثانية‪4‬‬
‫‪1408‬هـ‬
‫‪ )94‬املغين ش‪44 4‬رح خمتصر اخلرقي‪ .‬ملوفق ال‪44 4‬دين عبد اهلل بن أمحد بن قدامة املقدسي‪ 4‬املت‪44 4‬وىف س‪44 4‬نة ‪620‬هـ‪.‬‬
‫حتقيق عبد اهلل الرتكي وعبد الفتاح احللو‪ .‬هجر للطباعة والنشر الطبعة األوىل ‪1409‬هـ‪.‬‬
‫‪ )95‬مفت ‪44 4‬اح الوص ‪44 4‬ول إىل بن ‪44 4‬اء الف ‪44 4‬روع على األص ‪44 4‬ول‪ .‬أليب عبد اهلل حممد بن أمحد املع ‪44 4‬روف بالش‪44 4‬ريف‬
‫التلمس‪44 4 4 4‬اين املت‪44 4 4 4‬وىف س‪44 4 4 4‬نة ‪771‬هـ‪ ،‬حتقيق عبد الوه‪44 4 4 4‬اب عبد اللطي‪44 4 4 4‬ف‪ ،‬دار الكتب‪ 4‬العلمية ب‪44 4 4‬ريوت‬
‫‪1403‬هـ‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫‪ )96‬املنخ‪44‬ول من تعليق‪44‬ات األص‪44‬ول‪ .‬أليب حامد بن حممد الغ‪44‬زايل املت‪44‬وىف س‪44‬نة ‪505‬هـ‪ .‬حتقيق حممد حسن‬
‫هيتو‪ .‬دار الفكر بدمشق الطبعة الثانية‪1400 4‬هـ‪.‬‬
‫‪ )97‬منع ج‪44 4 4‬واز اجملاز يف املنـزل للتعبد واإلعج‪44 4 4‬از‪ .‬للش‪44 4 4‬نقيطي‪ .‬رس‪44 4 4‬الة مطبوعة ض‪44 4 4‬من اجلزء العاشر من‬
‫أضواء البيان‪4.‬‬
‫‪ )98‬املنه ‪44‬اج يف ت ‪44‬رتيب احلج ‪44‬اج‪ .‬أليب الوليد س ‪44‬ليمان بن خلف الب ‪44‬اجي املت ‪44‬وىف س ‪44‬نة ‪ 474‬هـ حتقيق عبد‬
‫اجمليد تركي‪.‬‬
‫‪ )99‬املوافق‪44‬ات يف أص‪44‬ول الش‪44‬ريعة‪ .‬أليب إس‪44‬حاق إب‪44‬راهيم بن موسى اللخمي الش‪44‬اطيب املت‪44‬وىف س‪44‬نة ‪790‬هـ‬
‫تعليق عبد اهلل دراز‪ .‬دار املعرفة بريوت‪.‬‬
‫‪ )100‬ن‪44 4‬ثر ال‪44 4‬ورود على م‪44 4‬راقي الس‪44 4‬عود‪ .‬للش‪44 4‬يخ حممد األمني بن حممد املخت‪44 4‬ار الش‪44 4‬نقيطي‪ 4‬املت‪44 4‬وىف س‪44 4‬نة‬
‫‪1393‬هـ‪ .‬حتقيق وإكمال تلمي‪4‬ذه حممد ولد س‪4‬يدي ولد ح‪4‬بيب الش‪4‬نقيطي‪ .‬توزيع دار املن‪4‬ارة‪ 4.‬الطبعة‬
‫األوىل ‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪ )101‬نزهة النظر ش ‪44‬رح خنبة الفكر يف مص ‪44‬طلح أهل األث ‪44‬ر‪ .‬لش ‪44‬هاب ال ‪44‬دين أيب الفضل أمحد بن علي بن‬
‫حجر العسقالين املتوىف سنة ‪852‬هـ طبع املكتبة العلمية‪.‬‬
‫‪ )102‬النسخ يف دراسات األصوليني‪ .‬نادية شريف العمري‪ .‬مؤسسة الرسالة‪ .‬الطبعة األوىل ‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ )103‬نظم املتن ‪44‬اثر من احلديث املت ‪44‬واتر‪ .‬أليب عبد اهلل حممد بن جعفر الكت ‪44‬اين املت ‪44‬وىف س ‪44‬نة ‪1345‬هـ دار‬
‫الكتب السلفية مبصر‪ .‬الطبعة الثانية‪4.‬‬
‫‪ )104‬النكت على كت‪44 4 4‬اب ابن الص ‪44 4 4‬الح‪ .‬أليب الفضل أمحد بن علي بن حجر العس‪44 4 4‬قالين املت ‪44 4‬وىف س ‪44 4‬نة‬
‫‪852‬هـ‪ .‬حتقيق ربيع بن هادي عمري‪ .‬دار الراية‪ .‬الطبعة الثانية ‪1408‬هـ‪.‬‬
‫‪ )105‬النهاية يف غ‪44‬ريب احلديث واألث‪44‬ر‪ .‬جملد ال‪44‬دين أيب الس‪44‬عادات املب‪44‬ارك ب‪44‬ان حممد املع‪44‬روف ب‪44‬ابن األثري‬
‫اجلزري املت‪44‬وىف س‪44‬نة ‪606‬هـ حتقيق ط‪44‬اهر أمحد ال‪44‬زاوي وحمم‪44‬ود الطن‪44‬احي‪ .‬املكتبة اإلس‪44‬المية‪ .‬الطبعة‬
‫األوىل ‪1383‬هـ‪.‬‬
‫‪ )106‬نواسخ القرآن أليب الفرج عبد الرمحن بن اجلوزي احلنبلي املتوىف ‪597‬هـ حتقيق حممد أشرف علي‬
‫امللباري‪ .‬طبع اجمللس العلمي إلحياء الرتاث اإلسالمي‪ 4‬باملدينة النبوية‪4.‬‬
‫‪ )107‬الواضح يف أصول الفقه‪ .‬حممد بن سليمان األشقر (معاصر) الدار السلفية‪ .‬الكويت‪4.‬‬
‫‪ )108‬عدد من املخطوطات للورقات‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫فهـــرس الموضـوعـات‬

‫الصفحة‬ ‫املوضــوع‬
‫تقدمي‬
‫مقدمة الطبعة الثانية‪4‬‬
‫مقدمة الطبعة الثالثة‪4‬‬
‫مقدمة الطبعة األوىل‬
‫مبادئ علم أصول الفقه‬
‫مقدمة الورقات‬
‫تعريف أصول الفقه باعتبار مفرديه‬
‫األحكام الشرعية‬
‫الواجب‬
‫املندوب‬
‫املباح‬
‫احملظور‬
‫املكروه‬
‫الصحيح والباطل‬
‫الفقه‪ ،‬العلم‪ ،‬اجلهل‬
‫أقسام العلم‬
‫النظر‪ ،‬االستدالل‪ ،‬الدليل‬
‫الظن‪ ،‬الشك‬
‫تعريف أصول الفقه باعتباره‪ 4‬علماً‬
‫أبواب أصول الفقه‬

‫‪159‬‬
‫الكالم‬
‫أقسام الكالم‪ 4‬من حيث مدلوله‬
‫أقسام الكالم‪ 4‬من حيث استعماله‬
‫احلقيقة وأنواعها‬
‫اجملاز وأنواعه‬
‫األمر‬
‫من مسائل األمر‬
‫من يدخل يف األمر والنهي‪ 4‬ومن ال يدخل؟‬
‫هل األمر بالشيء هني عن ضده؟‬
‫النهي‬
‫العام‬
‫اخلاص‬
‫املخصص املتصل‬
‫‪ )1‬االستثناء‬
‫‪ )2‬الشرط‬
‫‪ )3‬الصفة‬
‫املطلق واملفيد‬
‫املخصص املنفصل‬
‫اجململ واملبني‬
‫الظاهر واملؤول‬
‫األفعال‬
‫اإلقرار‬

‫‪160‬‬
‫النسخ‬
‫أقسام النسخ باعتبار املنسوخ‬
‫أقسام النسخ باعتبار الناسخ‬
‫التعارض بني األدلة‬
‫اإلمجاع‬
‫من مسائل اإلمجاع‬
‫قول الصحايب‬
‫األخبار‬
‫‪ )1‬املتواتر‬
‫‪ )2‬اآلحاد‬
‫صيغ أداء احلديث‬
‫القياس‬
‫من شروط القياس‬
‫احلظر واإلباحة‬
‫االستصحاب‬
‫ترتيب األدلة‬
‫شروط املفيت‬
‫شروط املستفيت‬
‫التقليد‬
‫االجتهاد‬
‫أهم املراجع‬

‫‪161‬‬
162

You might also like