Professional Documents
Culture Documents
بقلــــــمـ
عبد اهلل بن صالح الفوزان
املدرس جبامعة اإلمام حممد بن سعودا إلسالمية
فرع القصيم
تقديم
أمحد بن عبد اهلل بن محيد
عضو هيئة التدريس
بكلية الشريعة الدراسات اإلسالمية
جبامعة أم القرى
الطبعة الثالثة
هبا زيادات كثرية
تقــد يـم
إن احلمد هلل حنمده ونستعينه 4ونستغفره ،ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،من يهده
اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له وأن حممداً عبده
ورسوله.
أما بعد:
فإن علم أصول الفقه مما عين به املتقدمون واملتأخرون وهو املنهج الشرعي للتعرف على حكم
اهلل فيما جيد وحيدث من قضايا ونوازل ،وحنن وهلل احلمد نعيش صحوة ما كنا نعهدها يف سنوات
خلت ،إقبال على طلب العلم الشرعي ،ثين للركب يف حلقات املشايخ ،حفظ لكتاب اهلل ،استيعاب
لسنة رسول اهلل فهم ألصول االستنباط ،إحاطة مبا يقيم اللسان ،استغالل أمثل لألوقات ،واألمثلة
من هؤالء النجباء كثرية والشواهد 4حية ويأىب اهلل إال أن يتم نوره ولو كره الكافرون (.)1( ) 32
إن غاية إرسال الرسل وإنزال الكتب 4هي عبادة اهلل وحده ال شريك له وفق املنهج الذي شرعه
سبحانه ،ومن هنا كانت معرفة حكم اهلل يف املسألة 4هي مثرة العلوم الشرعية على خمتلف فنوهنا ،غري أن
معرفة حكم اهلل يف املسألة 4مل تكن ضربة هوى وال رمية حظ ،وما كان سبيلها االنتقاء والتخرص ،بل
كان وفق معايري وأسس صاغها علماء اإلسالم 4،واستمدوها من كتاب اهلل وسنة رسول اهلل eلغة
العرب اليت نزل هبا القرآن وهبا جاءت السنة.
وكان واضع أسس هذا العلم ،وناهر مائه اإلمام اللغوي احملدث الفقيه حممد بن إدريس الشافعي
(ت 204هـ) رمحه اهلل ،مث تتابع العلماء بعده كل يديل بدلوه يف هذا الفن ،فبوبوا األبواب 4ورتبوا
الفصول وهذبوا املسائل وضبطوا التعاريف ومن هؤالء األعالم 4اإلمام اجلليل أبو املعايل عبد امللك بن
عبد اهلل بن يوسف اجلويين (ت 478هـ) رمحه اهلل( )2فألف يف أصول الفقه "منت الورقات" وهو رسالة
وحواش ومنظومات ،وكلماٍ خمتصرة تعترب بداية ملن يطلب العلم ،وقد اهتم به العلماء كثرياً ،فله شروح
كثرت الشروح احلواشي 4على كتاب علمنا مقداره وأمهته.
واملتأمل 4يف مؤلفات األصول يالحظ أمرين جديرين باالهتمام:
2
األمر األول:
أن علم األصول اختلط مبنهج املتكلمني وآرائهم ،بل حلقه شيء من منطق اليونان 4،وهذا واضح
يف كتاب الربهان أليب املعايل اجلويين ،واملتستصفى أليب حامد الغزايل (ت 505هـ) وبعض من جاء من
بعدهم .والغزايل بعد أن أدرك بنفسه وقوعه يف هذا املنهج – خلط علم األصول بالكالم – 4اعتذر بأن4
الفطام عن املألوف 4شديد(.)1
وهكذا سار علم األصول مثقالً بآراء املتكلمني وطرقهم مما أثر يف سريه فلم يؤد دوره املرجو
منه.
ومما جيدر ذكره أن التنبيه على خطأ هذا املسلك – إدخال علم الكالم 4يف األصول – وتنقيه مما
علق به قام به عدد من علماء األمة قدمياً وحديثاً ،وكان منهم اإلمام اجلليل أبو حامد اإلسفرايين (
406هـ)( ،)2واإلمام النظار أبو إسحاق الشريازي (ت 476هـ)( ،)3وجاء بعدهم شيخ اإلسالم 4ابن
تيمية ،وتلميذه ابن القيم وأبو إسحاق الشاطيب وحممد األمني الشنقيطي ،وغريهم من األئمة رحم اهلل
اجلميع.
األمر الثاين:
أن مؤلفات علم األصول اهتمت 4باجلانب النظري دون التطبيقي – 4يف الغالب – مبعىن أهنم
يهتمون بتقرير القاعدة األصولية ودفع االعرتاضات الواردة عليها دون االهتمام باألمثلة اليت توضح
القاعدة وتبني كيفية استخدامها حبيث ترتبط القاعدة األصولية بنصوص الشارع ارتباطاً قوياً.
ونصيحيت ملن يطلب علم األصول أن يعود نفسه على تطبيق ما فهمه من القواعد األصولية على
ما مير به من اآليات واألحاديث ،فيتأمل ما فيها من عموم وخصوص ،ومنطوق ومفهوم ،ونص وظاهر،
ونص على العلة أو إمياء إليها ،وغري ذلك ،ذلك أن أي آية أو حديث ال يكاد خيلو من تعلق ببعض
القواعد األصولية.
أما الكتاب الذي بني يديك فهو شرح لورقات أيب املعايل اجلويين – رمحه اهلل – وهو شرح
يستحق الوصف بالكلمة املشهورة" 4ليس بالطويل اململ وال بالقصري املخل" مجع بني جزالة اللفظ
وسهولة العبارة ،ودقة األصوليني ،أبرز فيه أقوال أئمة السلف كشيخ اإلسالم ابن تيمية وغريه ،ومما
)?(1املستصفى ،1/10وانظر الرد على املنطقيني لشيخ اإلسالم ابن تيمية ص.14
)?( 2اإلسفرايين ،بكسر اهلمزة وسكون السني املهملة 4وفتح الفاء والراء املهملة وكسر الياء املثناة من حتتها ومن بعدها نون مث ياء ،نسبة إىل إسفراين بلدة
خبراسان ،وفيات األعيان البن خلكان .1/74
)?(3انظر اإلشارة إىل دور هؤالء األئمة يف هذا اجملال يف درء تعارض العقل والنقل لشيخ اإلسالم ابن تيمية.2/98 4
3
يتميز به هذا الشرح اشتماله على عدد من األمثلة اليت تقرب املعىن من الكتاب والسنة الصحيحة قد ال
جتدها يف كتب األصول ،وكان موفقاً يف ترجيحاته أجزل اهلل له األجر والثواب4.
أما املؤلف الشيخ عبد اهلل بن صاحل الفوزان 4فقد زاملته يف كلية الشريعة بالرياض ،وتوثقت صليت
إيل ،عرفته وعرفه زمالؤه باحلرص على طلب العلم وقوة الفهم ،وال عجب أن
به فهو من أقرب الناس َّ
كان مرجع كثري من زمالئه فيما يشكل عليهم ،وكم كنت أراه يف أروقة الكلية آنذاك مع عدد من
الزمالء يستوضحون منه ما أشكل عليهم من مسائل علمية .وبعد خترجه من الكلية فضل التدريس يف
املعهد العلمي ،اعتذر عن البقاء يف الكلية معيداً فيها ،وقد نفع اهلل به يف معهد بريدة العلمي نفعاً كبرياً
فكان مرجع مدرسي املعهد يف القضايا العلمية ،وخترج على يديه عدد كبري من الطالب ،وله يف
نفوسهم منـزلة كبرية ،فقد رزقه اهلل أسلوباً حسناً يف التدريس وحمبة لدى طالبه ،مث انتقل أخرياً
للتدريس يف كلية الشريعة واللغة العربية يف القصيم ،وكان له دروس مستمرة يف املسجد يف فنون متنوعة4
حيضرها عدد من طلبة العلم.
اسأل اهلل أن جيزي مؤلفة خري اجلزاء ،وأن يبارك يف علمه وجهوده ،وأن ينفع به اإلسالم 4وأهله
رداً مجيالً ،وصلى اهلل على حممد
كما أسأله أن يعلي كلمته ،وأن يعز جنده ،وأن يرد املسلمني إىل دينه ّ
وآله وصحبه وسلم.
أمحد بن عبد بن محيد
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة
والدراسات اإلسالمية 4جبامعة أم القرى
15/12/1412هـ
4
احلمد هلل رب الع44املني .وأص44لي وأس44لم على خ44امت املس44لني نبينا 4حممد وعلى آله وص44حبه والت44ابعني
هلم بإحسان إىل يوم الدين.
أما بعد:
فهذه الطبعة الثانية 4لكتابنا "شرح الورقات" تقوم [دار املسلم] بإعادة طبعه ،لنفاد الطبعة األوىل
وطلب كثري من أصحاب املكتبات .وقد حظي الكتاب – بفضل اهلل تعاىل – بثناء من يعترب ثناؤهم
وإقبال كثري من الطالب عليه .وما كنت أتوقع شيئاً من ذلك.
وقد أع44دت النظر يف الكت44اب إما لزي44اد بعض الفوائد 4اليت عرضت يل بعد طبع44ه ،وإما لتص44حيح ما
وقع من أخطاء يف الطبعة األوىل.
وأسأل اهلل أن يوفق اجلميع لعلم نافع وعمل صاحل ،وصلى اهلل على نبينا 4حممد وعلى آله وصحبه
أمجعني.
املؤلف
يف 2/2/1414هـ
5
احلمد هلل رب الع44املني .وأص44لي وأس44لم على خ44امت املس44لني نبينا 4حممد وعلى آله وص44حبه والت44ابعني
هلم بإحسان إىل يوم الدين.
أما بعد:
فهذه الطبعة الثالثة 4لكتابنا "شرح الورقات" تقوم [دار املسلم] بإعادة طبعه ،لنفاد الطبعة الثانية4،
وقد بذلنا يف هذه الطبعة جهداً ووقتاً يظهر فيما يلي:
)1مقابلة نص الورقات على عدد من املخطوطات اليت حصلنا عليها.
)2زيادات مهمة يف كثري من األبواب.
)3صياغة كثري من املوضوعات صياغة جديدة .مصدر بكلمة :قوله( :كذا ). . . .مث تأيت
عبارة الشرح.
)4وضع املراجع املهمة يف اهلامش ليتصل الكالم 4وقد كانت موجود يف صلب الشرح.
)5ذكر قائمة املراجع اليت سقطت من الطبعة السابقة.
)6تصحيح األخطاء اليت وقعت يف الطبعة الثانية 4مع أهنا قليلة واحلمد هلل رب العاملني.
وصلى اهلل وسلم على نبينا حممد وعلى آله وصحبه أمجعني
مساء األحد
يف 3/12/1416هـ
6
مقــــدمـــــة
إن احلمد هلل حنم44ده ونس44تعينه 4ونس44تغفره 4،ونع44وذ باهلل من ش44رور أنفس44نا ومن س44يئات أعمالن44ا ،من
يهده اهلل فال مضل له ،ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ،وأشهد أن
حممداً عبده ورسوله. .
أما بعد:
فهذا شرح وجيز على ورقات إمام احلرمني يف أصول الفقه ،راعيت 4فيه سهولة األسلوب،
وإيضاح العبارة بإيراد األمثلة.
إيل عدد من األخوة أن
وأصل هذا الشرح دروس ألقيتها 4على بعض الطلبة يف املسجد ،فرغب ًّ
علي مبدين بعض املزايا،
أقوم بطباعتها ،فاعتذرت هلم بكثرة شروح الورقات وحواشيها ،ولكنهم أحلوا ّ
فاستعنت باهلل تعاىل يف تلبية هذا الطلب.
وأصول الفقه علم جليل القدر غزير الفائدة ،يتمكن متعلمه من القدرة على استنباط األحكام
الشرعية من النصوص 4على أسس سليمة وقواعد صحيحة ،وعلم الفقه قائم على األصول ،وال ميكن
للفقيه ،وكذا احملدث واملفسر.
والعامل باألصول يشعر بالثقة واالطمئنان 4ملا دونه فقهاء اإلسالم ،وأن ذلك مبين على قواعد
وأسس سليمة.
وأول من ألف يف أصول الفقه ومجعه كفن مستقل اإلمام حممد بن إدريس الشافعي رمحه اهلل
املولود سنة 150هـ ،واملتوىف سنة 204هـ ،ذكره اإلسنوي 4يف التمهيد ص 45وحكى اإلمجاع فيه ،مث
تتابع العلماء بالتأليف 4ما بني خمتصر ومطول ،ومنثور ومنظوم ،حىت صار فنّاً مستقالً رتبت أبوابه4
وحررت مسائله وصار كالتوحيد والفقه واحلديث.
ومؤلف هذه الورقات هو شيخ الشافعية أبو املعايل عبد امللك بن عبد اهلل بن يوسف بن حممد
اجلويين ،نسبة إىل (جوين) من نواحي نيسابور .ولد سنة 419هـ وتفقه على والده يف صباه ،ورحل إىل
7
بغداد مث إىل مكة وجاور هبا أربع سنني ،وذهب إىل املدينة فأفىت ودرس فلقب بإمام احلرمني ،مث عاد إىل
نيسابور فبىن له الوزير نظام امللك املدرسة النظامية فدرس فيها وكان حيضر دروسه أكابر العلماء.
وكان أبو املعايل يف بداية أمره على مذهب أهل الكالم 4يف باب األمساء والصفات من املعتـزلة
واألشاعرة ،وكان كثري املطالعة لكتب أيب هاشم املعتـزيل ،قليل املعرفة باآلثار فأثر فيه جمموع األمرين،
لكنه رجع عن ذلك إىل مذهب السلف كما نقل ذلك شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل(.)1
وقد ورد عن أيب املعايل نفسه ما يدل على رجوعه حيث صرح بعقيدته يف باب األمساء
والصفات وقال يف رسالته النظامية (والذي نرتضيه رأياً ،وندين اهلل به عقداً اتباع سلف األمة ،فاألوىل
االتباع ،والدليل السمعي القاطع يف ذلك أن إمجاع األمة حجة متبعة وهو مستند معظم الشريعة .)2(). .
مات أبو املعايل سنة 478هـ بنيسابور رمحه اهلل ،وله عدة مؤلفات يف أصول الدين والفقه
واخلالف وأصول الفقه.
وكتبه
عبد اهلل بن صاحل الفوزان4
8
مبادئ علم أصول الفقه
ملا كان (أصول الفقه) فناً مستقالً ناسب ذكر مبادئه العشرة اليت ينبغي 4لقاصد كل فن أن
يعرفها .لتصور ذلك الفن قبل الشروع فيه.
وقد مجعها بعضهم بقوله:
احل ّد واملوضـوع ثـم الثمـرة إن مبادئ كل علـم عشـرة
واالسم االستمداد حكم الشارع ونسبـة فضلـه والـواضـع
ومن درى اجلميع حـاز الشرفا مسائل والبعض 4بالبعض اكتفى4
زاد بعضهم :املبدأ احلادي عشر ،وهو :شرفه(.)1
وعليه فهذه مبادئ (علم أصول الفقه):
)1فحده :علم يبحث يف أدلة الفقه اإلمجالية وكيفية االستفادة 4منها .وحال املستفيد .وسيأيت شرح
هذا التعريف إن شاء اهلل.
)2وموضوعه :األدلة املوصلة إىل معرفة األحكام الشرعية وأقسامها .واختالف مراتبها .وكيفية
االستدال هبا ،مع معرفة حال املستدل.
)3ومثرته وفائدته ،منها:
القدرة على استنباط األحكام الشرعية على أسس سليمة يقول شيخ اإلسالم 4ابن )1
تيمية رمحه اهلل( :إن املقصود من أصول الفقه أن يفقه مراد اهلل ورسوله بالكتاب
والسنة)(.)2
معرفة أن الشريعة اإلسالمية صاحلة لكل زمان ومكان 4.وأهنا قادرة على إجياد )2
األحكام ملا يستجد من حوادث على مر العصور.
)5العامل باألصول يشعر بالثقة واالطمئنان 4ملا دونه فقهاء اإلسالم .وأنه مبين على
قواعد ثابتة مقررة شرعاً ،ممحصة حبثاً.
9
د) ليست الفائدة من علم أصول الفقه قاصرة على الفقه فقط .بل تتعداه إىل غريه من
العلوم من التفسري واحلديث والتاريخ وغريها(.)1
)4ونسبته إىل غريه :أي مرتبته من العلوم األخرى .أنه من العلوم الشرعية .وهو للفقه .كأصول
النحو للنحو .وعلوم احلديث للحديث.
)5وفضله :ما ورد يف احلث على التفقه 4يف دين اهلل تعاىل ومعرفة أحكام شرعه .وهذا متوقف على
أصول الفقه .فيثبت له ما ثبت للفقه من الفضل .إذ هو وسيلة إليه.
)6واضعه :هو اإلمام حممد بن إدريس الشافعي رمحه اهلل .وذلك بتأليف 4كتاب (الرسالة) وقد
ذكرت ذلك يف املقدمة.
)7امسه :علم أصول الفقه.
)8استمداده .من ثالثة أشياء:
علم التوحي 44 4 4د :وذلك لتوقف األحك 44 4 4ام الش 44 4 4رعية على معرفة اهلل تع 44 4اىل .وص 44 4دق )1
رسوله فيما جاء به من األحكام ،ألنه املبلغ عن اهلل.
علم اللغة العربي44 4ة :فالبد أن يع44 4رف األص44 4ويل ق44 4دراً ص44 4احلاً من اللغة يتمكن به من )2
معرفة الكتاب والسنة .ألهنما بلسان عريب.
ج) األحك44 4 4 4ام الش44 4 4 4رعية :فالبد أن يع44 4 4 4رف ق44 4 4 4دراً ص44 4 4 4احلاً من الفقه يتمكن من إيض44 4 4اح
املسائل .وضرب األمثل.
(املسودة) أنه فرض عني على من أن أراد االجتهاد واحلكم
)9حكمه :فرض كفاية .وذكر يف ّ
والفتوى(.)2
)10مسائلة :مباحثه اليت يلتزمها اجملتهد .ويستفيد منها ويستنبط األحكام الشرعية على ضوئها.
)11شرفه :هو علم شريف لشرف موضوعه ،وهو العلم بأحكامه اهلل تعاىل املتضمنة 4للفوز بسعادة
الدارين.
)?(1انظر مقاالً يف جملة (أضواء الشريعة) بالرياض العدد السابع .حتدث فيه الدكتور 4حممد البيانوين عن أمهية األصول وفوائد ص.411/
املسودة يف أصول الفقه ص.510/ (? ) ّ
2
10
()1
مقدمة الورقـــــــاتـ
(هذه ورقات تشتمل على معرفة فصول من أصول الفقه وذلك مؤلف من جزءين
مفردين أحدهما :األصول .والثاني :الفقه).ـ
قوله( :هذه ورقات) الورقات مجع ورقة وهو مجع مؤنث سامل من مجوع القلة( )2عند
سيبويه( ،)3وقد يأيت للكثرة .وعرب بذلك لقصد التسهيل على املبتدئ ،ليشط على قراءهتا واإلملام 4مبا
فيها.
وقوله" :تشتمل على معرفة فصول" أي على معرفة أنواع من املسائل كل نوع منها يسمى
(فصالً) النفصاله عن غريه.
والفصول :مجع فصل وهو قطعة من الباب مستقلة بنفسها منفصلة عما سواها ،تشتمل على
مسائل غالباً ،والباب أعم من الفصل ألنه اسم امللة خمتصة من العلم ،تشتمل على فصول ومسائل غالباً،
والكتاب أعم ألنه اسم جلملة خمتصة من العلم تشتمل على أبواب وفصول ومسائل غالباً.
وإمنا يفعل املصنفون 4ذلك لتنشيط النفس وبعثها على التحصيل واالستمرار يف الطلب مبا حيصل
هلا من السرور باخلتم واالبتداء ،كاملسافر إذا قطع مرحلة من سفره شرع يف أخرى.
قوله( :من أصول الفقه) أي من هذا الفن املسمى بأصول الفقه.
قوله( :وذلك مؤلف من جزءين . . .إخل) اإلشارة إىل أصول الفقه فهو مؤلف من جزءين .من
مضاف وهو كلمة (أصول) ومضاف إليه وهو كلمة( :الفقه) فهو من املركب اإلضايف ،وهلذا البد له
من تعريفني:
األول :باعتبار مفردية .أي كلمة (أصول) وكلمة (الفقه) ،ألن املركب ال متكن معرفته إال بعد معرفة ما
تركب منه.
الثاين :باعتباره علماً على هذا الفن املعني.
وقوله( :مفردين) املراد باإلفراد هنا ما يقابل الرتكيب ال ما يقابل التثنية 4واجلمع ،ألن أحد
اجلزءين وهو لفظ (أصول) مجع ،فدل على أن املفرد ما ليس مبركب.
(?) يف بعض نسخ الورقات جاء يف املقدمة (احلمد هلل رب العاملني وصلى اهلل على سيدنا حممد 4وآله وصحبه 4أمجعني) وأكثرها مل ترد فيه هذه العبارة. 1
(?) مجع القلة 4:ما كان مدلوله عدداً حمدداً ال يقل عن ثالثة وال يزيد عن عشرة .ومجع الكثرة :ما وضع للعدد الكثري من أحد عشر إىل ماال هناية له. 2
11
وإمنا قال( :مفردين) ليبني أن التأليف 4قد يكون 4من جزءين مفردين كما هنا .وقد يكون من
مجلتني حنو :إن قدم الضيف أكرمته .فإن الفعل والفاعل (قدم الضيف) مجلة و(أكرمته) مجلة أخرى .واهلل
أعلم.
12
تعريف أصول الفقه باعتبار مفردية
(فاألصل ما يبنى عليه غيره ،والفرع ما يبني على غيره .والفقه معرفة األحكام
الشرعية التي طريقها االجتهاد).ـ
هذا التعريف األول ألصول الفقه وهو تعريفه باعتبار مفردية ،فاألصول مجع أصل واألصل لغة:
ما يبين عليه غريه ،كأصل اجلدار وهو أساسه املسترت يف األرض املبين عليه اجلدار .وأصل الشجرة وهو
طرفها الثابت يف األرض .قال تعاىل :أمل تر كيف ضرب اهلل مثالً كلمة طيبة 4كشجرة طيبة 4أصلها ثابت
وفرعها يف السماء ( )1()24وهذا أحسن ما قيل يف تعريف األصل.
وأما يف االصطالح فيطلق على معان منها:
)1الدليل :كقولنا :أصل وجوب الصوم 4قوله تعاىل :يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام )2(أي
دليله.
ومنه أصول الفقه :أي أدلته.
)2القاعدة املستمرة :كقولنا :إباحة امليتة 4للمضطر على خالف األصل.
)3املقيس 4عليه :وهذا يف باب القياس حيث إن األصل أحد أركان القياس.
وأما الف44 4رع :فهو ما يبىن على غ44 4ريه ،مثل ف44 4روع الش44 4جرة فهي مبنية على أص44 4لها ،وف44 4روع الفقه
مبنية على أصوله.
وإمنا عرف الفرع – مع أنه ليس أحد اجلزءين – ألنه مقابل ألحدمها وهو األصل ،والشيء
يتضح غاية االتضاح إذا ذكر مقابله .أو يقال :قصد املؤلف التنبيه على أن الفقه مبين على أصوله ،وأن
اجلزء األول وهو أصول مبين عليه ،واجلزء الثاين وهو الفقه مبين ،فليس ذكر الفرع استطرادا كما قال
بعضهم.
وأما اجلزء الثاين من املركب فهو (الفقه) والفقه لغة :الفهم أي فهم غرض املتكلم من كالمه.
قال اجلوهري :الفقه :الفهم .تقول :فقه الرجل الكسر ،وفالن ال يفقه وال ينقه( ،)3مث خص به علم
الشريعة .والعامل به فقيه .وقد فقه بالضم فقاهة وفقهه اهلل وتفقه إذا تعاطى ذلك .أ هـ.
(?) سورة إبراهيم 4،آية.24 : 1
13
والفقه اصطالحاً :معرفة األحكام الشرعية اليت طريقها االجتهاد.
14
شرح التعريف:
قوله :معرفة :املعرفة تشمل اليقني – وهو ما أدرك على حقيقته كمعرفة أن الصلوات مخس ،وأن
الزنا حمرم ،والظن وهو ما أدرك على وجه راجح كما يف كثري من مسائل الفقه( .)1مثل معرفة أن الوتر
سنة على مذهب اجلمهور .وأن الزكاة غري واجبة يف احللي املباح على أحد األقوال .واملراد باملعرفة هنا
الظن؛ لقوله( :اليت طريقها االجتهاد) .فهو صفة للمعرفة ،ال لألحكام الشرعية إذ لو كان صفة لألحكام
لدخل يف التعريف معرفة املقلد ،فإذا جعلناه صفة للمعرفة خرج املقلد إذ يصري التعريف:
الفقه :هو املعرفة اليت طريقها االجتهاد .واملقلد ليست معرفته عن طريق االجتهاد بل عن طريق
التقليد ،كما سيأيت إن شاء اهلل تعاىل يف آخر الورقات.
وقوله( :األحكام الشرعية) أي املأخوذة من الشرع املبعوث 4به النيب .كالوجوب واالستحباب
واحلرمة وغريها.
وقيد (الشرعية) خرج به األحكام العقلية ،كمعرفة أن الواحد نصف االثنني ،واألحكام احلسية
كمعرفة أن النار حارة ،والعادية كنـزول املطر بعد الرعد والربق.
وقوله( :اليت طريقها االجتهاد) تقدم أنه صفة للمعرفة .واملعىن :اليت طريق ثبوهتا وظهورها
االجتهاد الذي هو بذل اجلهد إلدراك حكم شرعي مثل :النية واجبة يف الوضوء والفاحتة واجبة يف
الصالة السرية واجلهرية على أحد األقوال ،وغري ذلك من مسائل اخلالف .وأما ما طريقة القطع مثل
الصالة الواجبة والزنا حمرم وغري ذلك من املسائل املصنف 4،ألن معرفة ذلك يشرتك فيها اخلاص والعام.
فالفقه هبذا التعريف ال يتناول إال فقه اجملتهد.
هذا هو تعريف أصول الفقه باعتبار مفردية .وأما التعريف الثاين وهو تعريفه باعتباره علماً على
هذا الفن املعني فسيذكره املصنف 4بعد الكالم 4على األحكام الشرعية .واهلل أعلم.
15
األحكــام الشـرعية
16
وقولنا :من طلب :الطلب نوعان:
)1طلب فعل وهو األمر ،إن كان على سبيل اإللزام فواجب وإال فمندوب.
)2طلب ترك وهو النهي ،إن كان على سبيل اإللزام فمحرم وإال فمكروه.
وقولنا :أو ختيري :يراد به املباح.
وقولنا :أو وضع :يراد به احلكم الوضعي 4.وذلك أن األحكام نوعان4:
أحكام تكليفية :وهي ما دل عليه خطاب الشرع من طلب فعل أو ترك أو ختيري ،وهي )1
مخسة :الواجب ،واملندوب واحملظور ،واملكروه ،واملباح ،وسيأيت إن شاء اهلل تعاىل بيان وجه
إدخال املباح مع األحكام التكليفية 4مع أنه ال تكليف فيه.
أحكام وضعية :وهي ما دل عليه خطاب الشرع من أسباب وشروط وموانع .تعرف عند )2
وجودها أحكام الشرع من فعل أو ترك .ويرتتب على ذلك الصحة والفساد .فرؤية اهلالل
سبب وجوب الصيام 4.والوضوء شرط للصالة .واحليض 4مانع منها ،وذكر املصنف من
األحكام الوضعية 4:الصحيح والباطل.
وأعلم أن ظاهر كالم املصنف أن الفقه هو العلم هبذه السبعة ،ألنه ملا عرف الفقه بأنه معرفة
األحكام الشرعية قال :واألحكام سبعة .وأظهر يف مقام اإلضمار توضيحاً للمبتدئ ،لكن يعلم أن الفقه
ليس معرفة حقيقة الواجب واملندوب . .إخل ،ألن هذا من أصول الفقه؛ وإمنا املقصود أن الفقه معرفة
جزئياهتا .واملراد الواجبات واملندوبات 4واحملرمات واملكروهات 4واألفعال الصحيحة والفاسدة واهلل أعلم.
17
أقسام الحكم التكليفي
)1الواجـــبـ
(?) وذلك كالصالة والصوم ،وأما قضاء الدين ورد الودائع واإلنفاق على الزوجة فيصح بدون نية .ولكن ال ثواب إال بنية .انظر (نثر الورود على 4
18
به ويغفر ما دون ذلك ملن يشاء[( ،)1وقد أجاب بعض شراح الورقات عن استقامة 4العبارة جبوابني .فقد
قال جالل الدين احمللي( :ويكفي 4يف صدق العقاب وجوده لواحد من العصاة 4مع العفو عن غريه ،وجيوز
أن يريد :ويرتتب العقاب على تركه .كما عرب به غريه فال ينايف العفو)( )2أ هـ .واجلواب الثاين أحسن
ألن ترتب العقاب ال يلزم فيه حصول العقاب واهلل أعلم.
وللجواب تقسيمات أمهها ثالثة:
التقسيم األول :باعتبار الفعل .وهو نوعان:
)1معني ،وهو األكثر .وهو الواجب الذي ال يقوم غريه مقامه كالصالة والصوم 4وحنومها.
)2مبهم .يف أقسام حمصورة جيزي فعل واحد منها كخصال الكفارة 4من عتق أو إطعام أو
صوم.
التقسيم الثاين :باعتبار الوقت .وهو نوعان:
)1واجب مضيق .وهو ما تعني له وقت ال يزيد على فعله كصوم رمضان.
)2واجب موسع .وهو ما كن وقته املعني يزيد على فعله كالصالة.
التقسيم الثالث :باعتبار الفاعل .وهو نوعان4:
)1واجب عيين :وهو ماال تدخله النيابة 4مع القدرة وعدم احلاجة كالصلوات اخلمس ،فما دامت
القدرة موجودة وجب على املكلف أن يفعل بنفسه أما مع عدم القدرة ففي املسألة 4تفصيل
حسب نوعية العبادة. .
)2واجب كفائي :وهو ما يسقطه فعل البعض ولو مع القدرة وعدم احلاجة كالصالة على امليت4
ودفنه فالواجب الكفائي يتحتم أداؤه على مجاعة املكلفني ،فإذا قام به بعضهم سقط عن
الباقني( .)3واهلل أعلم.
19
2-3المندوب والمباح
(والمندوب ما يثاب على فعله وال يعاقب على تركه .والمباح ماال يثاب على فعله وال
يعاقب على تركه).
القسم الثاين :املندوب .وهو لغة :اسم مفعول من الندب وهو الدعاء إىل الفعل ،وقيده بعضهم
بالدعاء إىل أمر مهم ،قال الشاعر:
يف النائبات 4على ما قال برهانا ال يسألون أخاهم حني يندهبم
واصطالحاً :ما طلب الشارع فعله طلباً غري جازم كالسواك والرواتب والتطيب 4يوم اجلمعة.
والقيد األول إلخراج احملرم واملكروه 4واملباح .والقيد الثاين إلخراج الواجب.
واملندوب كما قال املصنف 4يثاب املكلف على فعله وذلك بقصد االمتثال ،وال يعاقب على
تركه.
واملندوب خادم للواجب فهو دافع قوي على االلتزام بالواجبات إضافة إىل أنه جيرب النقص 4فيها
كما دلت السنة على ذلك يقول الشاطيب رمحه اهلل (املندوب إذا اعتربته اعتباراً 4أعم وجدته خادماً
()1
للواجب ،ألنه إما مقدمة له أو تذكار به كان من جنسه الواجب أو ال .فالذي من جنسه الواجب
كنوافل الصلوات مع فرائضها ،والذي من غري جنسه كالسواك وتعجيل اإلفطار وتأخري السحور ). .
( ،)2ومعىن كالمه – رمحه اهلل – أن من حافظ على املندوبات 4حافظ على الواجبات ومن قصر يف
املندوبات فهو عرضة ألن يقصر يف الواجبات .
ومجهور األصوليني على أن املندوب مأمور به حقيقة كما تقدم يف التعريف ،ألن املندوب طاعة،
والطاعة تكون بامتثال أمر اهلل تعاىل ،فكان املندوب مأموراً 4به حقيقة .قال تعاىل] :إن اهلل يأمر بالعدل
واإلحسان[( )3وهذا أمر عام يشمل الواجب واملندوب ،وسيأيت إن شاء اهلل تعاىل يف باب األمر انقسام
األمر إىل أمر إجياب وأمر استحباب واهلل أعلم.
20
ويسمى املندوب :سنة ومستحباً وتطوعاً ونفالً .وهذا على رأي اجلمهور خالفاً لألحناف الذين
جعلوا املندوب مرادفاً للنفل وال كراهة عندهم يف تركه ،وفرقوا بني السنة والنفل ،فجعلوها أعلى منه
رتبة .فإن كانت مؤكدة فرتكها مكروه حترمياً ،وإن كانت غري مؤكدة فتنـزيها(.)1
والقسم الثالث 4:املباح
وهو لغة :املعلن واملأذون فيه .يقال :باح فالن بسره :أظهره ،وأباح الرجل ماله :أذن يف األخذ
والرتك .واستباح الناس العشب :أقدموا على رعيه.
واصطالحاً :ما ال يتعلق به أمر وال هني لذاته كاالغتسال للتربد ،واملباشرة ليايل الصيام 4،وخرج
بالقيد األول وهو ( ما ال يتعلق به أمر) الواجب واملندوب ألنه مأمور هبما.
وخرج بالقيد الثاين وهو (وال هني) احملرم واملكروه ألنه منهي عنهما.
وخرج بالقيد الثالث 4وهو (لذاته) ما إذا كان املباح وسيلة ملأمور به ،فإنه يتعلق به أمر لكن ال
لذات املباح ،بل لكونه صار وسيلة ،أو كان املباح وسيلة ملنهي 4عنه فإنه يتعلق به هني ،لكن ال لذاته
وإمنا لكونه صار وسيلة .ومثال األول :األكل فهو مباح يف األصل لكن لو توقف عليه بقاء احلياة صار
مأموراً به ملا تقدم .ومثال الثاين :أكل الفاكهة – مثالً – فهو مباح لكن لو أدى تفويق صالة اجلماعة
يف املسجد صار منهياً عنه كما تقدم.
ومن تعريف املباح يتضح أنه ليس مأموراً 4به ،ألن األمر يستلزم إجياب الفعل أو ترجيحه ،وال
ترجيح للفعل على الرتك يف املباح ،بل مها سواء.
وأما حكم املباح فهو كما ذكر املصنف 4ال ثواب يف فعله وال عقاب يف تركه ،وهذا مذهب
مجهور األصوليني ،واملراد بذلك املباح الباقي على وصف اإلباحة ،أما املباح الذي يكون 4وسيلة ملأمور به
أو منهي عنه فهذا حكمه حكم ما كان وسيلة إليه كما ذكرنا.
وثبت اإلباحة بصيغ كثرية وردت يف النصوص الشرعية ومنها:
نفي اإلمث واجلناح واحلرج( )2كقوله تعاىل] :ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضال من )1
ربكم[( )3وقوله تعاىل] :ليس على األعمى حرج وال على األعرج حرج وال على املريض
(?) انظر احلكم التكليفي ص.171 ،163 1
(?) هذا ليس على إطالقه .قال الشاطيب رمحه اهلل( :إذا قال الشارع يف أمر واقع "ال حرج فيه" فال يؤخذ منه حكم اإلباحة .إذ قد يكون كذلك وقد 2
يكون مكروهاً .فإن املكروه بعد الوقوع ال حرج فيه فليتفقد هذا يف األدلة) املوافقات (.)1/146
(?) سورة البقرة ،آية .198 3
21
حرج[( ،)1وقوله تعاىل] :إمنا حرم عليكم امليتة 4والدم وحلم اخلنزير وما أهل به لغري اهلل
فمن اضطر غري باغ وال عاد فال إمث عليه[(.)2
النص على احلل كقوله تعاىل] :أحل لكم ليلة الصيام الرفث إىل نسائكم[(.)3 )2
عدم النص على التحرمي .قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل( :انتفاء دليل التحرمي )3
دليل على عدم التحرمي)(.)4
االمتنان مبا يف األعيان من املنافع وما يتعلق هبا من األفعال كقوله تعاىل] :ومن )4
أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إىل حني[(.)5
القرائن اليت تصرف األمر من والوجوب إىل اإلباحة كقوله تعاىل] :وإذا حللتم )5
فاصطادوا[( )6ويأيت هذا يف باب األمر إن شاء اهلل.
ويطلق على املباح لفظ احلالل واجلائز.
فإن قيل :ما وجه إدخال املباح يف األحكام التكليفية مع أنه ال كلفة فيه؟
فاجلواب :ما قاله مجهور األصوليني من أن إدخال املباح يف األحكام التكليفية 4إمنا هو على سبيل
التغليب .وهذا استعمال مألوف معروف يف اللغة العربية وأساليبها 4مثل( :األسودان) للتمر
واملاء .و(األبوان) 4لألم واألب( )7واهلل أعلم.
22
4-5المحظور والمكروه
(والمحظور ما يثاب على تركه ويعاقب على فعله .والمكروه :ما يثاب على تركه وال
يعاقب على فعله).
الرابع من أقسام احلكم التكليفي :احملظور.
وهو لغة :اسم مفعول من احلظر مبعىن املنع يقال حظرت الشيء إذا حرمته ،وهو راجع إىل املنع
ومنه قوله تعاىل] :وما كان عطاء ربك حمظوراً[(.)1
واصطالحاً :ما طلب الشرع تركه طلباً جازماً من األفعال كعقوق الوالدين وإسبال الثياب ،أو
األقوال كالغيبة والنميمة ،أو أعمال القلوب كاحلقد واحلسد.
والقيد األول :إلخراج الواجب واملندوب واملباح.
والقيد الثاين :إلخراج املكروه4.
واحلرام ضد احلالل .يقال :هذا حالل وهذا حرام ،كما قال تعاىل] :وال تقولوا ملا تصف
ألسنتكم الكذب هذا حالل وهذا حرام لتفرتوا على اهلل الكذب[( .)2وأما قول األصوليني (احلرام ضد
فيعرف احلرام بضد تعريف الواجب كما ذكرنا.
الواجب) فإمنا هو باعتبار تقسيم أحكام التكليف ّ
وحكم احملرم ما ذكره املؤلف من أنه يثاب على تركه لكن بقصد االمتثال ،وذلك بان يكف
نفسه عن احملرم امتثاالً لنهي الشرع قاصداً بذلك وجه اهلل تعاىل ،فلو تركه لنحو خوف من خملوق أو
حياء أو رياء أو عجزَ ،سلِ َم من اإلمث ألنه مل يرتكب حراماً ،ولكن ال أجر له ،ألنه مل يقصد وجه اهلل
بالرتك للحرام(.)3
وأما فاعل احملرم بال عذر فهو مستحق للعقاب وال يلزم حتققه فهو حتت املشيئة 4،وتقدم الكالم4
على ذلك يف الواجب.
ويسمى احملرم حمظوراً كما عرب به املصنف4.
(?) بل قال بعضهم :يأمث ألن تقدمي خوف املخلوق على خوف اهلل تعاىل حمرم وكذا الرياء .انظر جمموع 4الفتاوى ( ،)14/22( )10/720ففيهما 3
23
قوله( :واملكروه ما يثاب على تركه وال يعاقب على فعله) هذا اخلامس من األحكام التكليفية
وهو (املكروه) وهو لغة اسم مفعول مشتق من الكراهة وهو البغض 4فاملكروه مبعىن املبغض بوزن اسم
املفعول.
واصطالحاً :ما طلب الشرع تركه طلباً غري جازم كااللتفات يف الصالة 4بالرقبة واألخذ
واإلعطاء بالشمال.
والقيد األول إلخراج ما تقدم يف احملظور .والقيد الثاين إلخراج احملظور.
واملكروه يثاب تاركه امتثاالً وال يعاقب فاعله.
واعلم أن للمكروه ثالثة اصطالحاً عند العلماء:
األول :ما هني عنه هني تنـزيه ،وهو ما تقدم تعريفه ألن األحكام أربعة ،وكل واحد قد خص
باسم غلب عليه ،فينبغي أن املكروه 4إذا أطلق ينصرف إىل مسماه دون غريه مما قد يستعمل فيه.
الثاين :احلرام .وهو غالب إطالقات املتقدمني كاإلمام أمحد والشافعي رمحهما اهلل حيث يعربون4
عن احلرام بلفظ الكراهة 4تورعاً وحذراً من الوقوع يف النهي عن القول هذا حالل وهذا حرام ،لقوله
تعاىل] :وال تقولوا 4ملا تصف ألسنتكم الكذب هذا حالل وهذا حرام لتفرتوا على اهلل الكذب[( )1ولكن
كثرياً من املتأخرين غلطوا على أئمتهم ففسروا لفظ الكراهة يف كالمهم بكراهة التنـزيه وهذا مل ترده
األئمة ،ومن كالم اإلمام أمحد رمحه اهلل( :أكره املتعة والصالة 4يف املقابر) ومها حمرمان ،ويف خمتصر
اخلرقي( :ويكره أن يتوضأ يف آنية الذهب والفضة)4.
قال ابن قدامة( :أراد بالكراهة التحرمي ،وال أعلم فيه خالفاً) أ هـ( .)2وذلك لقيام الدليل على
التحرمي.
أما إذا ورد لفظ الكراهة 4يف كالم اإلمام أمحد من غري أن يدل دليل من خارج على إرادة التحرمي
أو التنـزيه فقيل حيمل على كراهة التحرمي .وقيل :على كراهة التنـزيه .وهو قول الطويف .قال يف شرح
الكوكب املنري( 4:واختاره أكثر األصحاب) أ هـ( .)3ومن ذلك قول اإلمام أمحد رمحه اهلل( :أكره النفخ يف
الطعام وإدمان اللحم واخلبز الكبار) وكراهة ذلك للتنـزيه( )4واهلل أعلم.
24
والثالث من االصطالحات يف لفظ املكروه 4:ترك األوىل .وهذا أمهله مجهور األصوليني .وذكره
الفقهاء وهو واسطة بني الكراهة 4واإلباحة .والفرق بني املكروه 4وخالف األوىل :أن ما ورد فيه هني
مقصود يقال فيه مكروه كما تقدم .وما ليس فيه هني مقصود يقال فيه :خالف األوىل ،وال يقال مكروه
كرتك سنة الظهر – مثالً – قال يف البحر احمليط بعد أن عرض أقوال العلماء (والتحقيق أن خالف
األوىل قسم من املكروه ودرجات املكروه 4تتفاوت كما يف السنة وال ينبغي أن يعد قسماً آخر وإال
لكانت األحكام ستة وهو خالف املعروف أو كان خالف األوىل خارجاً عن الشريعة وليس كذلك(.)1
(?) البحر احمليط ( )1/303وانظر احلكم التكليفي ص ،226احلكم الوضعي عند األصوليني ص.40 1
25
بعض األحكام الوضعية
(والصحيح :ما يتعلق به النفوذ ويعتد به .والباطل :ما ال يتعلق به النفوذ وال يعتد به)
الصحيح والباطل من أقسام احلكم الوضعي 4ألهنما حكم من الشارع على العبادات والعقود
وتبين عليهما األحكام الشرعية.
والصحيح لغة :السليم من املرض .قال الشاعر:
سواء صحيحات العيون 4وعورها وليل يقول املرء من ظلماته
واصطالحاً :ما يتعلق به النفوذ ويعتد به عبادة كان أم عقداً.
فالعقود توصف توصف بالنفوذ واالعتداد ،وأما العبادة فتوصف باالعتداد فقط .فاالعتداد لفظ
يصدق على كل منهما ،ولو اكتفى به املؤلف لكان أخصر إال أن يقال :إنه مجع بينهما لقصد اإليضاح
للطالب املبتدئ.
وال يعتد بالعبادة أو العقد إال إذا توفرت الشروط وانتفت املوانع ،فيحكم بالصحة ،فمن صلى
صالة جمتمعة شروطها وأركاهنا منتفية 4موانعها فهي صحيحة أي معتد هبا شرعاً .ومن باع بيعاً كذلك
فهو نافذ ومعتد به.
والنفوذ لغة :اجملاوزة ،وأصله من نفوذ السهم ،وهو بلوغ املقصود من الرمي.
واصطالحاً :التصرف الذي ال يقدر متعاطيه 4على رفعه.
وذلك مثل عقد البيع واإلجارة والنكاح وحنوها .فإذا وقع العقد على وجه صحيح مل يقدر أحد
املتعاقدين على رفعه.
واعلم أن العبادة هلا أثر وهو براءة ذمة املكلف وسقوط الطلب .والعقد له أثر وهو الثمرة
املقصودة من العقد .فإذا حكم بصحة العبادة والعقد ترتب األثر على الفعل فربئت الذمة يف باب
العبادات وترتبت اآلثار يف باب العقود فكل عقد له مثرة خاصة ،فالبيع – مثالً – مثرته نقل امللكية،
واإلجارة استيفاء 4املنفعة 4ألحد املتعاقدين ،واستحقاق األجر لآلخر وحنو ذلك.
والباطل لغة :الذاهب 4ضياعاً وخسراً.
26
واصطالحاً :عكس الصحيح كما ذكره املصنف ،فهو الذي ال يتعلق به نفوذ وال اعتداد ،وذلك
بأن خيتل شرط من الشروط أو يوجد مانع من املوانع.
ويف الباطل ال ترتتب 4اآلثار على الفعل ،ففي الصالة 4ال تربأ ذمة املكلف وال يسقط الطلب ،ويف
العقد ال ترتتب 4الثمرة املقصودة 4من العقد على العقد.
فإذا صلى بدون طهارة فصالته باطلة ،وإذا باع ماالً ميلك فالبيع باطل ،الختالل شرط الصالة
والبيع .ولو صلى نفالً مطلقاً يف وقت هني فالصالة باطلة ،أو باع بعد النداء الثاين يوم اجلمعة على وجه
ال يباح فالبيع باطل على القول الصحيح ،كما نص عليه القرطيب يف تفسريه( )1وذلك لوجود املانع من
الصحة.
والباطل والفاسد مبعىن واحد على قول اجلمهور إال يف مسائل فرقوا فيها بني الفاسد والباطل،
وأشهرها مسألتان:)2(4
يف احلج فرقوا بينهما ،فقالوا الفاسد ما وطئ فيه احملرم قبل التحلل األول ،والباطل ما )1
ارتد فيه عن اإلسالم 4،ففي األول يفسد حجة ويلزم اإلمتام ،ويف الثاين يبطل إحرامه
ويلزمه اخلروج منه.
يف النكاح :فقالوا :الفاسد :ما اختلفت العلماء يف فساده كالنكاح بال ويل ،والباطل )2
ما أمجع العلماء على بطالنه كنكاح املعتدة 4أو نكاح خامسه .واهلل أعلم.
(?) انظر التمهيد لإلسنوي ص ( )59والقواعد والفوائد األصولية البن اللحام ص(.)110 2
27
تعريف العلم والجهل
(والفقه أخص من العلم :والعلم معرفة العلوم على ما هو به في الواقع .والجهل تصور
الشيء على خالف ما هو به في الواقع).ـ
املراد بالفقه هنا املعىن الشرعي ال املعىن اللغوي ،ألن الفقه يف االصطالح معرفة األحكام الشرعية
كما تقدم ،والعلم أعم منه ،ألنه يصدق على العلم بالتفسري واحلديث والنحو والبالغة وغري ذلك ،فصار
الفقه أخص من العلم ،فكل فقه علم وليس كل علم فقهاً.
قوله( :والعلم :معرفة العلوم على ما هو به)(.)1
واملراد باملعرفة :اإلدراك واملراد باملعلوم :أي ما من شأنه أن يعلمن وهذا التعريف فيه قيدان وبقي
قيد ثالث وهو معرفة جازمة( .)2فالقيد األول( :معرفة املعلوم) وهذا خيرج عدم اإلدراك أصالً وهو
عرف املندوب .فيقول :ال أدري. اجلهل البسيط ،كأن يقالّ :
والقيد الثاين( :على ما هو به) أي على الذي هو عليه يف الواقع .وهذا القيد خيرج معرفة الشيء
على وجه خيالف ما هو عليه وهو اجلهل املركب .وقد عرفه بقوله( :تصور الشيء على خالف ما هو
به) ويف بعض النسخ( :على خالف ما هو عليه يف الواقع) وهذا أوضح.
واملراد بالتصور :اإلدراك اخلايل عن احلكم ،وتأمل كيف عرب عن العلم بقوله( :معرفة)( )3ويف
اجلهل بقوله( :تصور) ألن اجلهل ليس مبعرفة ،وإمنا هو حصول الشيء يف الذهن فهو تصور.
ومثال اجلهل املركب :هل جتوز الصالة بالتيمم عند عدم املاء؟ فيقول :ال جتوز.
ومسي جهالً مركباً ألن صاحبه يعتقد الشيء ويتصوره على خالف ما هو عليه فهذا جهل،
باملدرك وجهل بأنه جاهل ،وأما
ويعتقد أنه يعتقده 4على ما هو عليه فهذا جهل آخر .ففيه جهالن :جهل َ
البسيط ففيه عدم اإلدراك بالكلية(.)4
وأما القيد الثالث 4:فهو إلخراج املعرفة غري اجلازمة ،فإن تساوي األمران فهو شك ،وإن ترجح
أحدمها على اآلخر فالراجح ظن ،واملرجوح وهم .وسنذكر ذلك قريباً إن شاء اهلل.
(?) يطلق العلم – أيضاً – على جمموعة 4معارف طنية راجعة ومنها ما هي قطعي بشرط أن تكون منظمة 4حول موضوع ما كعلم الفقه وعلم 4األصول 1
وعلم النحو وعلم البالغة وغريها( .ضوابط املعرفة ص .)124وانظر (املسائل املشرتكة 4بني أصول الدين وأصول الفقه) ص.35/
(?) انظر األصول من علم 4األصول ص.10 2
(?) للعلماء كالم طويل يف الفرق بني العلم واملعرفة .وهل مها مرتادفان أو خمتلفان .فانظر مدارج السالكني البن القيم ( )3/335وبدائع 4الفوائد ( 3
28
أقســـام العلـــم
(والعلم الضروري ما ال يقع عن نظر واستدالل كالعلم الواقع بإحدى الحواس الخمس
وهي السمع والبصر والشم واللمس والذوق أو بالتواتر .وأما العلم المكتسب فهو ما يقع
عن نظر واستدالل .والنظر هو الفكر في حال المنظور فيه .واالستدالل طلب الدليل.
والدليل هو المرشد إلى المطلوب).ـ
ملا عرف العلم ذكر أقسامه .واملراد علم املخلوق فهو قسمان:
)1العلم الضروري :وهو ما ال يقع عن نظر واستدالل .وذلك إذا كان إدراك املعلوم ضرورياً ال
حيتاج إىل نظر واستدالل كالعلم بأن النار حارة ،وأن الكعبة قبلة املسلمني،وأن حممداً رسول
اهلل.
ومن العلم الذي ال حيتاج إىل نظر واستدالل :العلم الواقع بإحدى احلواس اخلمس
الظ44 4 4 4 4اهرة وهي :الس44 4 4 4 4مع والبصر واللمس والشم وال44 4 4 4 4ذوق فإنه حيصل العلم هبا ب 44 4 4دون نظر وال
استدالل ،فلو مسع صهيل فرس علم أنه صوته أو رأى لوناً أبيض أو مس جسماً علم أنه ن44اعم أو
خشن .أو شم رائحة علم أهنا طيبة 4أو كريهة أو ذاق طعاماً علم أنه حامض أو حلو.
وقوله (أو بالتواتر) أي :العلم احلاصل بالتواتر من العلم الضروري .وأشار بذلك إىل أن
من العلم الضروري أشياء ال تدرك باحلواس بل يستند فيها إىل خرب مجاعة يستحيل تواطؤهم على
الكذب كعلمنا بوجود بلد مل نره ووقوع الوقائع يف األزمنة املاضية وحنو ذلك.
)2العلم النظري :ويسمى املكتسب :وهو ما يقع عن نظر واستدالل فقوله( :ما يقع) أي ما حيصل
من العلم فـ (ما) جنس يف التعريف وقوله( :عن نظر) .قيد خيرج العلم الضروري ،ألنه حاصل
عن غري نظر ،مثل العلم بأن 4املذي جنس ،وأن طواف الوداع واجب ،وأن اإلجارة عقد الزم.
مث عرف النظر واالستدالل ألهنما واقعان يف تعريف العلم الضروري نفياً واملكتسب 4إثباتاً.
فالنظر لغة :يطلق على ٍ
معان منها :رؤية العني ،ومنها الفكر وهو املراد هنا.
واصطالحاً عرفه بقوله( :هو الفكر يف حال املنظور فيه) أي :التفكري يف الشيء املنظور فيه طلباً
ملعرفة حقيقته .ألن النظر هو الطريق إىل معرفة األحكام الشرعية إذا متت شروطه ،وهي أن يكون الناظر
29
كامل اآللة كما سيأيت إن شاء اهلل يف االجتهاد ،وأن يكون نظره يف دليل ال يف شبهة وأن يستويف الدليل
ويعرف شروط االستدالل.
قوله( :واالستدالل :طلب الدليل) :السني والتاء للطلب كاالستنصار طلب النصرة ،واملراد
بالدليل :ما يستدل به من نص أو إمجاع أو غريمها .والنظر واالستدالل مبعىن واحد ،وهو أن كال منهما
يؤدي إىل املطلوب ،ومجع بينهما املصنف 4يف تعريف العلم الضروري واملكتسب 4تأكيداً .وقال بعضهم:
()1
النظر أعم من االستدالل ،ألنه يكون يف التصورات والتصديقات 4،واالستدالل خاص بالتصديقات
واهلل اعلم.
قوله( :والدليل هو املرشد إىل املطلوب) الدليل فعيل مبعىن (فاعل) من الداللة وهي اإلرشاد،
فالدليل هو املرشد إىل املطلوب .وهذا تعريف لغوي ألنه عام .فقد يكون الدليل مرشداً للمطلوب ،وال
يسمى دليالً يف االصطالح.
واصطالحاً :ما ميكن التوصل بصحيح النظر فيه إىل مطلوب خربي.
وقولنا :ما :اسم موصول ،أي الذي ميكن التوصل . . .
بصحيح النظر :هذا من إضافة الصفة إىل املوصوف أي النظر الصحيح.
فيه :أي يف ذلك الشيء.
إىل مطلوب خربي ،أي تصديقي ،كأن يقال يف الداللة على حترمي النبيذ .النبيذ 4مسكر وكل
مسكر حرام لقوله ( eكل مسكر حرام)( )2فيلزم عنه :النبيذ 4حرام.
واعلم أن الدليل اسم ملا كان موجباً للعلم كاملتواتر واإلمجاع وما كان موجباً للظن كالقياس
وخرب الواحد وحنو ذلك ،وأما ما اشتهر عند كثري من مؤلفي األصول بأن الليل هو ما أفاد العلم .وأما
ما يفيد الظن فهو أمارة .واألمارة أضعف من الدليل .فهو غري صحيح – والظاهر أن هذه التفرقة جاءت
من املعتـزلة ومن وافقهم من نفاة الصفات – ألن الدليل هو ما أرشدك إىل املطلوب .فقد يرشدك مرة
(?) التصور :إدراك معىن املفرد من غري أن حيكم عليه 4بنفي أو إثبات كإدراك معىن اإلنسان ومعىن الكاتب ومعىن الشجر وحنو ذلك ،والتصديق هو 1
إثبات أمر ألمر بالفعل أو نفيه عنه بالفعل .وهو اإلسناد اخلربي عند البالغيني ،واجلملة االمسية عند النحويني .حنو الكاتب إنسان .فإدراك معىن اإلنسان
ومعىن الكاتب تصور .وإدراك كون اإلنسان كاتباً بالفعل أو ليس كاتباً بالفعل تصديق .ومنه العامل حادث .العامل ليس بقدمي .انظر آداب البحث
واملناظرة للشنقيطي .9 ،1/8
(?) أخرجه الرتمذي برقم 1865والنسائي ( )8/297انظر جامع األصول (.)5/91 2
30
إىل العلم ومرة إىل الظن .فاستحق اسم الدليل يف احلالني .والعرب ال تفرق بني ما يوجب العلم .وما
يوجب الظن يف إطالق اسم الدليل وقد تعبدنا اهلل بكل منهما( )3واهلل اعلم.
(?) انظر العدة أليب يعلى ( )132 ،1/131اللمع يف أصول الفقه ص .49املسائل املشرتكة 4بني أصول الدين وأصول الفقه ص.23 3
31
تعريف الظن والشك
(والظن تجويز أمرين أحدهما أظهر من اآلخر ،والشك تجويز أمرين ال مزية ألحدهما
على اآلخر).
ملا فرغ املصنف 4من تعريف العلم وبيان 4أقسامه ذكر ما يقابله وهو الظن إذ ليس هو من العلم.
ألن العلم هو اإلدراك اجلازم كما تقدم .واإلدراك غري اجلازم ال خيلو من حالني:
اجملوز (بكسر الواو) 4،وإن كان
األول :أن يتساوى األمران 4،فال يرتجح أحدمها على اآلخر عند ّ
أحدمها أرجح عند غريه أو يف الواقع .وهذا هو الشك .كأن يقول :ال أدري طفت ثالثة أشواط أو
أربعة.
الثاين :أن يرتجح عنده أحد األمرين على اآلخر .فالراجح ظن ،واملرجوح وهم :كأن يقول:
طفت أربعة أشواط وحيتمل أهنا ثالثة ،والظن درجات أعالها 4غلبة الظن كما سيأيت إن شاء اهلل.
والشك ضد اليقني جاء يف لسان العرب(( )1اليقني العلم( )2وإزاحة الشك وحتقيق األمر .واليقني
ضد الشك . .وهو يف األصل مبعىن االستقرار .يقال :يقن املاء يف احلوض إذا استقر ودام).
والشك يف األصل االتصال وللزوق ،ومنه حديث الغامدية (أمر هبا فشكت عليها ثياهبا مث
رمجت)( )3أي شدت عليها ومجعت.
مث صار هذا اللفظ يطلق على الرتدد يف شيئني حبيث ال مييل القلب إىل أحدمها .وقول املصنف4
رمحه اهلل( :والظن جتويز ). . .فيه مساحمة فإن الظن ليس هو جتويزاً ،وإمنا هو الطرف الراجح املقابل
للطرف املرجوح ،وهو الوهم كما ذكرنا.
وأما غلبة الظن فهو قوة الظن فإن الظن يتزايد ويكون بعض الظن أقوى من بعض .قال أبو هالل
العسكري( :غلبة الظن عبارة عن طمأنينة الظن ،وهي رجحان أحد اجلانبني على اجلانب اآلخر رجحاناً
مطلقاً يطرح معه اجلانب اآلخر .أ هـ)(.)4
(?) فرق أبو هالل العسكري بني العلم واليقني فقال :العلم هو اعتقاد الشيء على ما هو به على سبيل الثقة .واليقني هو سكون النفس وثلج الصدر مبا 2
32
والظن وغلبة الظن كل منهما يقوم مقام اليقني عند الفقهاء ،وجيوز بناء األحكام الشرعية عليه
إذا فقد اليقني الذي قلما حيصل عند االجتهاد( )1وهلذا جيب العمل خبرب الواحد إذا كان ثقة ،وجيب
العمل بشهادة الشاهدين وخرب املقومني إذا كانا عدلني .وجيب استصحاب حكم احلال السابق حال
الشك ،مثل الشك يف احلدث بعد الطهارة ،ألن الظاهر بقاؤه ،وعدم حدوث املشكوك فيه ،قال العالمة4
ابن فرحون يف كتابه (تبصرة احلكام)(( :)2تنبيه :وينـزل منـزلة التحقيق الظن الغالب ،ألن اإلنسان لو
وجد وثيقة يف تركة مورثة أو وجد ذلك خبطه ،أو خبط من يثق به ،أو أخربه عدل حبق ،املنقول 4جواز
الدعوى مبثل هذا ،واحللف مبجرده .وهذه األسباب ال تفيد إال الظن دون التحقيق ،لكن غالب األحكام
والشهادات إمنا تنبين على الظن ،وتنتـزل منـزلة التحقيق) .أ هـ.
ويف الفقه مسائل عديدة حكم فيها بالصحة بناء على ما يف ظن املكلف(.)3
وأما ما ورد من النهي عن العمل بالظن .فهو الظن املرجوح الذي ال يقوم عليه دليل .بل هو
قائم على اهلوى والغرض املخالف للشرع قال تعاىل] :إن يتّبعون إال الظن وإن الظن ال يغين من احلق
شيئا[( )4وقال تعاىل] :إن يتّبعون 4إال الظن وما هتوى األنفس 4ولقد جاءهم من رهبم اهلدى[( )5واهلل
أعلم.
(?) لشيخ اإلسالم ابن تيمية – رمحه اهلل – كالم مفيد حول هذا املوضوع فراجعه يف كتابه (االستقامة) ج 1ص 47وما بعدها. 1
(?) انظر القواعد والفوائد األصولية البن اللحام ص 82والتمهيد لإلسنوي ص.65 3
33
تعريف أصول الفقه وأبوابه
(وعلم أصول الفقه :طرقه على سبيل اإلجمال وكيفية االستدالل بها .وأبواب أصول
الفقه :أقسام الكالم ،واألمر والنهي ،والعام والخاص ،والمجمل والمبين ،والظاهر
والمؤول ،واألفعال والناسخ والمنسوخ ،واإلجماع واألخبار ،والقياس ،والحظر
واإلباحة ،وترتيب األدلة ،وصفة المفتي والمستفتي ،وأحكام المجتهدين).
هذا هو التعريف الثاين ألصول الفقه ،وهو باعتباره 4لقباً هلذا الفن ،وقد تقدم تعريفه باعتبار
مفرديه.
قال( :علم أصول الفقه :طرقه على سبيل اإلمجال ،وكيفية االستدالل هبا).
فقوله( :طرقه) أي طرق الفقه .واملراد أدلة الفقه اإلمجالية .وهي القواعد العامة اليت حيتاج إليها
الفقيه مثل األمر للوجوب ،والنهي للتحرمي ،واإلمجاع حجة ،وحنو ذلك من املسائل الكلية اليت تبحث يف
أصول الفقه .أما األدلة التفصيلية 4فال تذكر يف أصول الفقه إال على سبيل التمثيل واإليضاح مثل قوله
تعاىل] :وأقيموا الصالة وءاتوا 4الزكاة[( )1لألمر .مثل :صالته يف الكعبة )2(4ميثل به للفعل يف أنه ال يعم
أقسامه ،ومثل اإلمجاع على أن بنت االبن تأخذ السدس مع بنت الصلب حيث ال معصب 4هلما.
وعرب املصنف كغرية بقوله( :طرق الفقه) دون قوله (أدلة الفقه) بناء على املشهور عندهم ،وهو
التفريق بني الدليل واإلمارة وأكثر أصول الفقه ليست أدلة بل هي إمارات .وقد ذكرنا ضعف هذا الرأي
فيما تقدم.
وقوله( :وكيفية االستدالل هبا) هذا معطوف على قوله( :طرقه) أي أن موضوع أصول الفقه
أدلة الفقه اإلمجالية ،وكيفية االستدالل هبا على األحكام .وبقي أمر ثالث وهو معرفة حال املستدل ،وهو
جتر إىل صفات من يستدل هبا ،فاكتفى بذكر كيفية اجملتهد ،وإمنا تركه املصنف ألن كيفية االستدالل ّ
االستدالل عن ذكر صفات من يستدل هبا وهو اجملتهد .وسيذكر ذلك يف آخر الورقات .حيث قال:
(ومن شروط املفيت أن يكون عاملاً بالفقه . .إخل).
واملراد بقوله( :وكيفية االستدالل هبا) أي كيفية االستدالل بطرق الفقه اإلمجالية ،وذلك مبعرفة
دالالت األلفاظ ،وشروط االستدالل .فمن دالالت األلفاظ العموم واخلصوص واإلطالق والتقييد،
34
وشروط االستدالل كحمل املطلق على املقيد ،وختصيص 4العام ،ومعرفة الرتجيح عند التعارض وحنو ذلك
مما يبحث يف أصول الفقه.
مث ذكر املص44نف األب44واب اليت تض44منها أص44ول الفق44ه ،ألجل أن ينشط هلا الق44ارئ ويس44تعد هلا ،ومل
يذكر املطلق واملقيد 4ألنه سيذكرمها يف الكالم على العام واخلاص للمناسبة بينهما .واهلل أعلم.
35
الكــالم
(فأما أقسام الكالم فأقل ما يتركب منه الكالم :اسمان ،أو اسم وفعل ،أو فعل وحرف ،أو
اسم وحرف).
يعىن أهل األصول مبباحث الكالم وأقسامه ،وهي مباحث حنوية وبالغية 4،وذلك ألهنا هي املدخل
إىل أصول الفقه حيث إن األصول يعتمد على الكتاب السنة ،واالستدالل هبما متوقف على معرفة اللغة
العربية ألهنما بلسان عريب مبني ،ومن ال يعرف اللغة ال ميكنه استنباط 4األحكام من الكتاب والسنة
استنباطاً 4صحيحاً.
قوله( :فأما أقسام الكالم . . 4إخل).
الكالم لغة :اللفظ املوضوع ملعىن.
واصطالحاً :اللفظ املفيد مثل :اهلل ربنا ،وحممد نبينا4.
ومل يذكر املصنف 4تعريف الكالم 4،بل اكتفى بأقل ما يرتكب منه ،فذكر أن أقل ما يرتكب منه
الكالم امسان كما مثلنا ،أو اسم وفعل مثل :جاء احلق ،وزهق الباطل .فهذا فعل وفاعل ،ومثل وقضي
األمر .فعل ونائب فاعل أو فعل وحرف مثل :ما قام ومل يقم .وهذا أثبته 4قوم منهم املصنف ،فلم يعدوا
الضمري يف قام ومل يقم الراجع إىل زيد – مثالً – مل يعدوه كلمة لعدم ظهوره ووجوده .وعده النحويون
كلمة يف حكم امللفوظ املوجود ،وتتوقف الفائدة الكالمية 4عليه ،وهو ضمري مسترت ،واملسترت كالثابت
وقوله (أو اسم وحرف) هذا يف النداء مثل :يا اهلل .وهذا فيه نظر .ألن الكالم هو املقدر من الفعل
وفاعله ألن تقديره :أدعو اهلل .وحرف النداء نائب عنه ،فريجع ذلك إىل صورة االسم مع الفعل .وغرض
املصنف وغريه من األصوليني بيان أقسام اجلمل ومعرفة املفرد من املركب ،فلذلك مل يأخذوا فيه
بالتحقيق الذي يسلكه النحويون.
والكالم مجع كلمة .وهي اسم وفعل وحرف .ووجه احلصر يف الثالثة 4أن الكلمة إما أن تدل
على معىن يف نفسها أو ال .فإن مل تدل على معىن يف نفسها بل يف غريها فهي احلرف مثل :الطالب يف
الفصل .وإن دلت على معىن يف نفسها وأشعرت هيئتها 4بزمن فهي الفعل كقام ويقوم وقم ،وإن مل تشعر
هيئتها بزمن فهي االسم مثل حممد.
واألمساء واألفعال واحلروف متس احلاجة إىل معرفتها ،فإن األمساء من النظرة األصولية ثالثة
أنواع:
)1ما يفيد العموم كاألمساء املوصولة والنكرة 4يف سياق النفي4.
36
)2ما يفيد اإلطالق 4كالنكرة يف سياق اإلثبات.
)3ما يفيد اخلصوص 4كاألعالم .وتفصيل ذلك يأيت يف حمله إن شاء اهلل وكذا ما يتعلق بالفعل .وأما
احلروف فالفقيه حباجة إىل معرفتها كالواو والفاء وعلى اجلارة وغريها.
هذا ما يتعلق بأقسام الكالم من حيثية ما يرتكب منه ،واهلل أعلم.
أقسام الكالم باعتبار مدلوله
(والكالم ينقسم إلى أمر ونهي ،وخبر واستخبار .وينقسم أيضاً:ـ إلى تمن وعرض
وقسم).
ملا فرغ املصنف 4من ذكر أقسام الكالم 4باعتبار ما يرتكب منه شرع يف ذكر أقسامه باعتبار
مدلوله.
قوله( :والكالم 4ينقسم إىل أمر) وهو ما يدل على طلب الفعل حنو :أطع والديك.
قوله( :وهني) وهو ما يدل على طلب الرتك .حنو :ال تكذب يف حديثك.
قوله( :وخرب) وهو ما حيتمل الصدق والكذب حنو :سافر خالد.
قوله( :واستخبار) وهو االستفهام .وهو طلب العلم بشيء مل يكن معلوماً من قبل .حنو :هل
فهمت املسألة؟ أحضر خالد أم عاصم؟
قوله( :وينقسم أيضاً إىل مت ّـن) وهو طلب الشيء احملبوب 4الذي ال يرجى حصوله إما لكونه
مستحيالً حنو :ليت الشباب يعود يوماً .أو بعيد املنال كقول منقطع الرجاء :ليس يل ماالً فأحج به.
وقوله( :وعرض) بسكون 4الراء .هو الطل برفق حنو :أال تنـزل عندنا.
وقوله( :وقسم) بفتح القاف والسني ،هو احللف حنو :واهلل ألفعلن اخلري.
وإمنا قال املصنف( 4وينقسم أيضاً ) . .مع أن ما قبله وما بعده تقسيم األول .وأنه يرد عليه
التقسيم الثاين .وأن اجلميع تقسيم واحد(.)1
وهناك تقسيم أخصر من هذا ،كما عند البالغيني ،وهو أن الكالم 4قسمان:
)1خرب :وتقدم تعريفه ،ويأيت شرحه إن شرحه إن شاء اهلل يف باب األخبار.
)2إنشاء :وهو ما ال حيتمل الصدق والكذب ،كقولك :اكتب 4.ألن مدلوله ال حيصل إال بالتلفظ به،
فال يقال :إنه صدق أو كذب.
37
ومن اإلنشاء :األمر والنهي واالستفهام والتمين ومنه العرض .وهذا هو اإلنشاء الطليب ،ومنه القسم
وهو اإلنشاء غري الطليب.
وأهم هذه األنواع 4:األمر والنهي .وسيأيت الكالم فيهما إن شاء اهلل ،وأما بقية األنواع 4فال يرتتب4
عليها يف األصول كبري فائدة واهلل أعلم.
38
أقسام الكالم باعتبار استعماله
(ومن وجه آخر ينقسم إلى :حقيقة ومجاز .فالحقيقة:ـ ما بقي في االستعمال على
موضوعه ،وقيل :ما استعمل فيما اصطلح عليه من المخاطبة .والمجاز :ما تجوز عن
موضوعه .والحقيقة إما لغوية وإ ما شرعية وإ ما عرفية).
ينقسم الكالم 4باعتبار استعمال اللفظ إىل قسمني:
الثاين :جماز. األول :حقيقة.
فاحلقيقة :ما بقي يف االستعمال على موضوعه.
مثل كلم44 4 4 4 4ة :أسد للحي44 4 4 4 4وان املف44 4 4 4 4رتس .ف44 4 4 4 4إذا قلت :رأيت أس44 4 4 4 4داً .فهي حقيقة ألهنا لفظ بقي يف
االستعمال على ما وضع له وهو احليوان.
وهذا التعريف يرد عليه أنه خاص باحلقيقة اللغوية ،فال يشمل الشرعية والعرفية كما سيأيت،
وعليه فهما من اجملاز عند املصنف4.
مث ذكر املصنف 4تعريفاً آخر للحقيقة وهو :ما استعمل فيما اصطلح عليه من املخاطبة .فقوله:
ما :أي لفظ.
وقوله :استعمل :مبين للمجهول ،ونائب الفاعل ضمري مسترت يعود على ما.
وقوله :فيما :أي يف معىن.
وقوله اصطلح عليه :مبين للمجهول .وما بعده نائب فاعل .أي اصطلح على أن هذا املعىن لذلك
اللفظ.
وقوله :من املخاطبة :بكسر الطاء على زنة اسم الفاعل .أي من اجلماعة املخاطبة غريها .أي
خاطبت 4غريها بذلك اللفظ وعينته 4للداللة على ذلك املعىن بنفسه ،سواء بقي اللفظ على موضوعه
اللغوي أو مل يبق على موضوعه اللغوي ،بأن 4بقي على موضوعه الشرعي أو العريف.
واالصطالح معناه :اتفاق قوم على استعمال شيء يف شيء معلوم عندهم .كاتفاق أهل الشرع
على استعمال الصالة يف التعبد هلل تعاىل بأفعال وأقوال أوهلا التكبري وآخرها التسليم .واتفاق أهل اللغة
39
على استعمال الصالة مبعىن الدعاء .وهكذا الدابة عند أهل العرف تطلق على ذوات األربع فقط
كالفرس.
وهذا التعريف يعم أنواع احلقيقة 4الثالثة .وقد أثبت 4املصنف احلقيقة 4الشرعية والعرفية وهذا يدل
على اختياره هلذا التعريف وإن كان تقدميه للتعريف األول يقتضي ترجيحه واهلل أعلم.
وهناك تعريف أخصر وأمشل وهو :احلقيقة :اللفظ املستعمل فيما وضع له(.)1
فقوله( :اللفظ) :جنس يف التعريف يشمل املعرف وغريه.
وقوله( :املستعمل) :قيد يف التعريف خيرج املهمل .وهو الذي ليس له معىن مثل ديز مقلوب زيد.
وقوله( :فيما وضع له) :قيد ثان خيرج اجملاز ،ألن اجملاز يف غري ما وضع له.
مث ذكر املصنف 4أن احلقيقة ثالثة أنواع4:
)1حقيقة لغوية :وهي اللفظ املستعمل فيما وضع له يف اللغة .مثل الصيام فهو يف اللغة اإلمساك .قال
النابغة:
خيل صيام وخيل غري صائمة
حتت العجاج وأخرى تعلك اللُّجما
أي خيل ممسكة عن اجلري واحلركة .وقيل :عن العلف.
)2حقيقة شرعية :وهي اللفظ املستعمل فيما وضع له يف الشرع .كالصالة معناها :التعبد هلل تعاىل بأفعال
وأقوال أوهلا التكبري وآخرها التسليم على الصفة املخصوصة.
)3حقيقة عرفية :وهي اللفظ املستعمل فيما وضع له يف العرف .وهي نوعان:
)1عرفية عامة :وهي ما تعارف عليه عامة أهل العرف ،مثل لفظ الدابة فهي يف اللغة اسم لكل
ما يدب على األرض غري أن العرف خصصه بذوات األربع كما تقدم.
)2عرفية خاصة :وهي ما تعارف عليه بعض الطوائف من األلفاظ اليت وضعوها ملعىن عندهم.
مثل اجلزم فهو يف اللغة القطع كما يف القاموس .وعند النحويني نوع من اإلعراب.
فاحلقيقة العرفية العامة هي اليت مل يتعني ناقلها من املعىن اللغوي .واخلاصة عكسها.
(?) انظر :اإلرشاد للشوكاين ص.21 1
40
هذا وقد أشار ابن بدران رمحه اهلل إىل الفائدة من معرفة أقسام احلقيقة فقال( :ومىت ورد اللفظ
وجب محله على احلقيقة 4يف بابه لغة أو شرعاً أو عرفاً)( )2أ هـ.
هذا ما يتعلق باحلقيقة .وأما اجملاز فقد عرفه بقوله( :ما جتوز عن موضوعه) :فقوله( :ما جتوز)
بضم التاء واجليم وتشديد الواو 4مكسورة مبين للمجهول ،ويصح فتح التاء مبنياً للفاعل .أي ما تعدى به
عن موضوعه .فنقل يف االستعمال عن معناه األصلي إىل معناه اجملازي ومثاله :رأيت أسداً يرمي ،فكلمة
أسد تعدى هبا عن موضوعها األول وهو احليوان 4املفرتس ،ونقلت إىل الرجل الشجاع.
وهذا التعريف مبين على التعريف األول للحقيقة وهو (ما بقي يف االستعمال على موضوعه) وأما
على التعريف الثاين للحقيقة فيكون اجملاز( :ما استعمل يف غري ما اصطلح عليه من املخاطبة) وعلى
التعريف الذي ذكرناه يكون اجملاز :اللفظ املستعمل يف غري ما وضع له .وهذا أوضح .واهلل أعلم.
41
أنــواع المجـــاز
(والمجاز إما أن يكون بزيادة أو نقصان أو نقل أو استعارة .فالمجاز بالزيادة مثل قوله
()2
تعالى] :ليس كمثله شيء[( )1والمجاز بالنقصان مثل قوله تعالى] :وسئل القرية[
والمجاز بالنقل كالغائط فيما يخرج من اإلنسان .والمجاز باالستعارة كقوله تعالى:
]جداراً يريد أن ينقض[(.))3
ملا ذكر املصنف 4أنواع احلقيقة 4بعد تعريفها ذكر هنا أنواع اجملاز بعد تعريفه .واجملاز نوعان:
)1جماز بالكلمة :وهو ما تقدم تعريفه .حيث تنقل الكلمة من معناها األصلي إىل املعىن اجملازي.
)2جماز باإلسناد :وهو اجملاز العقلي .حيث يكون التجوز باإلسناد ،فيسند الفعل أو ما يف معناه إىل
غري ما هو له يف احلقيقة 4،والبد من عالقة مع وجود قرينة متنع من إرادة املعىن األصلي مثل :بين
األمري قصراً .وليس هلذا ذكر يف األصول ،وإمنا يذكر يف علم البيان وذكرته لتكميل القسمة.
وشرط اجملاز بالكلمة وجود عالقة بني املعىن األصلي واملعىن اجملازي ،ووجود قرينة مانعة من
إرادة املعىن األصلي .كما يف املثال املتقدم 4:رأيت أسداً يرمي.
قوله( :واجملاز إما أن يكون 4بزيادة أو نقصان 4أو نقل أو استعارة) 4:ذكر أن اجملاز بالكلمة أربعة
أنواع:
)1جماز بالزيادة :ومثاله قوله تعاىل] :ليس كمثله شيء[( )4فقالوا :إن الكاف زائدة لتوكيد نفي
املثل ،ولو مل تكن زائدة لكانت مبعىن (مثل) وهذا باطل ملا يلزم عليه من إثبات املثل هلل تعاىل إذ
يصري املعىن( :ليس مثل مثله شيء) واملنفي 4مثل املثل ،فيكون 4املثل ثابتاً وهذا باطل ألن القصد
نفيه(.)5
(?) أما على القول بنفي اجملاز يف القرآن فال جماز يف اآلية ،ألن العرب تقيم املثل مقام النفس ،فيطلقون املثل ويريدون به الذات .فأنت تقول :مثلي ال 5
يفعل كذا .أي :أنا ال أفعل كذلك .قال تعاىل ]وشهد 4شاهد من بين إسرائيل على مثله[[سورة األحقاف ،آية ]10 :أي على أن القرآن من عند اهلل،
فيكون معىن اآلية (ليس مثل ذات اهلل شيء) وإذا انتفت املماثلة يف الذات انتفت املماثلة يف الصفات ،ألن القول يف الصفات كالقول يف الذات (انظر
رسالة الشنقيطي "منع جواز اجملاز" ص ،36بطالن اجملاز ص.)134
42
)2جماز بالنقصان :أي باحلذف .ومثاله قوله تعاىل] :واسأل القرية[ أي أهل القرية ففيه حذف،
للقطع بأن 4املقصود سؤال أهل القرية ال سؤال القرية ،ألهنا عبارة عن األبنية اجملتمعة وسؤاهلا
وإجابتها من احملال(.)1
فإن قيل :تعريف اجملاز ال يصدق على اجملاز بالزيادة والنقصان 4ألنه مل يستعمل اللفظ يف غري
موضعه.
فاجلواب :أنه منه ،حيث استعمل نفي مثل املثل يف نفي املثل وسؤال القرية يف سؤال أهلها،
وقال البالغيون :إنه جماز من حيث إن الكلمة نقلت عن إعراهبا األصلي إىل نوع آخر من
اإلعراب(.)2
)3جماز بالنقل :ومثاله كلمة (الغائط) فهو يف أصل الوضع اسم للمكان املطمئن من األرض ،تقضي4
فيه احلاجة طلباً للسرت .مث نقل وصار يطلق على الفضلة اخلارجة من اإلنسان 4،والعالقة اجملاورة.
ألهنا جتاور املكان 4املطمئن غالباً(.)3
)4جماز باالستعارة :ومثاله قوله تعاىل] :جدار يريد أن ينقض[( )4حيث شبه ميل اجلدار إىل السقوط
كل .مث استعري اللفظ الدال
بإرادة السقوط اليت هي من صفات احلي ،جبامع القرب من الفعل يف ٍّ
على املشبه به للمشبه ،مث اشتق منه (يريد) مبعىن (مييل) على سبيل االستعارة التصرحيية 4التبعية4..
وظاهر عبارة املصنف 4يف قوله (أو نقل) توهم أن النقل قسم من اجملاز ومقابل لألقسام األخرى
وليس كذلك ،فإن النقل يعم مجيع أنواع 4اجملاز بالكلمة كما تقدم يف تعريفه.
االقتضاء فهو على احلقيقة .أو أن لفظ القرية يدخل يف مسماه احلال واحملل .فمن األول قوله تعاىل] :وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك اليت
مر على قرية وهي خاوية على عروشها[[انظر املصدرين السابقني].
أخرجتك[ ومن الثاين] :أو كالذي ّ
(?) انظر التلخيص يف علوم البالغة للقزويين ص.336 2
(?) ليس يف اآلية جماز ألن إطالق (الغاط) على الرباز أو احلدث حقيقة عرفية ألن اإلنسان يف العادة إمنا جييء من الغاط إذا قضى حاجته فصار اللفظ 3
43
وهذا وحمل احلقيقة 4واجملاز كتب البالغة( 4علم البيان) 4واألصوليون 4يذكرون ذلك ،ألن البحث يف
دالالت األلفاظ من أهم موضوعات علم األصول ،وداللة اللفظ على املعىن قد تكون حقيقة وقد تكون
جمازاً.
واعلم أن تقسيم الكالم إىل حقيقة وجماز هو املشهور عند املتأخرين يف القرآن وغريه ،ومنهم من
قال ال جماز يف القرآن ،وهو قول ابن خويز منداد من املالكية ،وقول الظاهرية وابن القاص من الشافعية،
ومن أهل العلم من قال ال جماز يف القرآن وال يف غريه وبه قال أبو إسحاق األسفراييين وأبو علي
الفارسي من املتقدمني كما عزاه هلما ابن السبكي 4يف مجع اجلوامع( ،)1ومن املتأخرين الشيخ حممد
األمني الشنقيطي 4رمحه اهلل يف رسالة خاصة هبذا( ،)2وقد نصر هذا القول شيخ اإلسالم ابن تيمية وابن
القيم رمحهما اهلل ،وبني شيخ اإلسالم أن هذا التقسيم اصطالح حادث بعد القرون املفضلة مل يتكلم به
أحد من الصحابة والتابعني وال أحد من األئمة وال علماء اللغة ،والظاهر أن اجملاز إمنا جاء من جهة
املعتزلة وحنوهم من املتكلمني ليكون سلما لنفي كثري من صفات اهلل تعاىل بإدعاء أهنا جماز ،وهذا من
أعظم وسائل التعطيل.
كما بني الشيخ – أيضاً – بطالن هذا التقسيم ،وأن من ذهب إىل ذلك فقد تكلم بال علم
وابتدع يف الشرع وخالف العقل ،ومما يدل على بطالن ذلك أنه ال أحد يثبت أن العرب وضعت
ألفاظاً ملعان مث استعملت هذا الوضع يف معان أخر ،ومن ادعى أنه يعلم وضعاً تقدم ذلك فهو مبطل(.)3
وكل ما يسميه القائلون 4باجملاز جمازاً فهو عند من يقول بنفي 4اجملاز أسلوب من أساليب اللغة
العربية املتنوعة 4،بعضها يتضح املراد منه بال قيد ،وبعضه حيتاج إىل قيد وكل منهما حقيقة يف حمله.
(?) انظر رسالة (منع جواز اجملاز) ص 8املطبوعة ضمن اجلزء العاشر من أضواء البيان. 2
(?) انظر فهارس فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية )2/13( 4وراجع كتاب (بطالن اجملاز) بقلم :مصطفى عيد الصياصنة. 3
44
األمــــر
(واألمر استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب،والصيغة الدالة عليه:
افعل .وهي عند اإلطالق والتجرد عن القرينة تحمل عليه إال ما دل الدليل على أن
المراد منه الندب أو اإلباحة فيحمل عليه).
باب األمر والنهي من األبواب 4املهمة يف أصول الفقه ،ألن مدار التكليف على األوامر والنواهي4.
فالبد من معرفة أحكامهما وما يرتتب 4على خمالفتهما ،يقول السرخسي يف أصوله(( :)1فأحق ما يبدأ به
يف البيان 4األمر والنهي 4ألن معظم االبتالء 4هبما ،ومبعرفتها تتم معرفة األحكام ويتميز احلالل من احلرام) .أ
هـ.
قوله (األمر :استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب) هذا تعريف األمر .وهو
من أحسن التعاريف.
وقوله :استدعاء :أي طلب وهذا جنس يشمل األمر والنهي ،واملراد بالفعل :اإلجياد ليشمل
الفعل املأمور به مثل] :وءاتوا 4الزكاة[( )2والقول املأمور 4به مثل] :واذكروا اهلل كثرياً[(.)3
واملعىن أن األمر طلب إجياد فعل أو إجياد قول .وهذا القيد خيرج النهي ألنه استدعاء الرتك كما
سيأيت.
وقوله :بالقول :أي باللفظ الدال عليه .واملراد صيغ األمر وهذا قيد ثان إلخراج اإلشارة فإهنا
وإن أفادت طلب الفعل ،لكنها ال تسمى أمراً.
وقوله (ممن هو دونه) أي دون الطالب يف الرتبة ،وهذا قيد ثالث خرج به استدعاء الفعل ممن
ساواه وهذا التماس .أو ممن هو فوقه وهذا دعاء وسؤال .وعلى هذا فطلب الفعل يسمى أمراً مع
العلو(.)4
قال األخضري:
(?) انظر غاية املرام يف شرح مقدمة اإلمام للتلمساين ص .71والعلو معناه :هيئة راجعة إىل اآلمر – بكسر امليم – وهي كونه أعلى من املأمور. 4
واالستعالء :هيئة يف األمر – بسكون امليم – وهو كون الطلب بغلظة وقهر .انظر (نثر الورود 1م.)173
45
ويف التساوي فالتماس وقعا أمر مع استعال وعكسه دعا
وقول املصنف( :على سبيل الوجوب) هذا متعلق بقوله( :استدعاء) وهذا قيد رابع إلخراج
الندب واإلباحة وغريمها ،وفيه بيان أن صيغة األمر تقتضي الوجوب ،وهذا عند اإلطالق ،أي التجرد من
القرائن الصارفة لألمر عن الوجوب إىل غريه.
والظاهر أن املؤلف يرى أن املندوب ليس مأموراً به لعدم وجوبه وحتتمه ،واحملققون على أن
املندوب مأمور به ألنه طاعة إمجاعاً ،والطاعة فعل مأمور به ،وإن كان غري واجب ،فيكون 4األمر أمر
إجياب وأمر استحباب .وتقدم ذلك يف الكالم على املندوب.
قوله( :على سبيل الوجوب) صيغة األمر إما أن تكون جمرد عن القرينة ،وإما أن تكون مقيدة،
فإن كانت جمردة فاملختار ما ذكره املصنف 4من أهنا تقتضي الوجوب كقوله تعاىل ] :وأقيموا الصالة4
وءاتوا الزكاة[( )1فهذا حيمل على الوجوب لعدم قرينة تصرفه عنه ونسب يف شرح الكوكب 4املنري هذا
القول إىل اجلمهور من أرباب املذاهب 4األربعة ،وقال شيخ اإلسالم 4ابن تيمية رمحه اهلل (وأمر اهلل ورسوله
إذا أطلق كان مقتضاه 4الوجوب)(.)2
واألدلة على ذلك كثرية جداً منها قوله تعاىل] :فيحذر الذين خيالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة
أو يصيبهم عذاب أليم[(.)3
ووجه الداللة :أن اهلل تعاىل توعد املخالفني ألمر الرسول بالفتنة 4وهي الزيغ ،أو بالعذاب
األليم ،وال يتوعد بذلك إال على ترك واجب ،فدل على أن أمر الرسول املطلق يقتضي الوجوب .قال
القرطيب( :هبذه اآلية استدل الفقهاء على أن األمر للوجوب .)4() . .
وقوله( :والصيغة 4الدالة عليه :افعل) أي أن األمر البد له من صيغة تدل عليه وهي (افعل) مثل:
]أقم الصالة لدلوك الشمس[( )5واملراد بذلك كل ما يدل على طلب الفعل من أي صيغة ،فيشمل افعلي
46
وافعلوا وحنومها ،ومما يدل على طلب الفعل اسم فعل األمر كقوله تعاىل] :عليكم أنفسكم[( ،)1واملصدر
النائب عن فعل األمر مثل قوله تعاىل] :وبالوالدين إحساناً[( )2واملضارع املقرون بالم األمر كقوله تعاىل:
]وليكتب 4بينكم كاتب بالعدل[(.)3
وهناك صيغ أخرى تدل على طلب الفعل ومنها:
)1التصريح بلفظ األمر كقوله تعاىل] :إن اهلل يأمر بالعدل واإلحسان[( )4وحديث ابن عباس يف
وفد عبد القيس وفيه (آمركم بأربع .)5() . .
)2لفظ فرض أو وجب أو كتب وحنوها .قال تعاىل] :كتب عليكم الصيام[( )6وحديث ابن عمر
رضي اهلل عنهما قال( :فرض رسول اهلل rزكاة الفطر يف رمضان)(.)7
)3وصف الفعل بأنه طاعة أو ميدح فاعله أو يذم تاركه أو يرتب على فعله ثواب أو على تركه
عقاب وغريها ،كقوله ( rأنا وكافل اليتيم يف اجلنة هكذا .وقال بالسبابة والوسطى)(.)8
قوله( :وهي عند اإلطالق 4والتجرد عن القرينة حتمل عليه إال ما َّ
دل الدليل على أن املراد منه
الندب أو اإلباحة فيحمل عليه) هذا بيان النوع الثاين من األوامر وهو ما اقرتن بقرينة فيصرف األمر
حسب هذه القرينة ،ألن صيغة األمر ال حتمل على غري الوجوب إال إذا وجد دليل صارف عن الوجوب
إىل غريه .كالندب ،ومثاله :حديث عبد اهلل املزين أن النيب rقال( :صلوا قبل صالة املغرب ،قال يف
الثالثة :ملن شاء .)9() . .
47
أو اإلباحة ومثاله قول تعاىل] :وإذا حللتم فاصطادوا[( .)1والقرينة الصارفة يف األول قوله (ملن
شاء) ويف الثاين هي أن األمر بعد احلظر لإلباحة ألن االصطياد يف اإلحرام حرام ،لقوله تعاىل] :وحرم
عليكم صيد الرب ما دمتم حرماً[( )2أي حمرمني.
ومن هنا قال األصوليون 4:األمر بعد احلظر لإلباحة واحتجوا بأن هذا النوع من األمر لإلباحة يف
تطهرن فأتوهن من حيث أمركم اهلل[( )3بعد
أغلب استعماالت الشرع ،كما مثلنا .وكقوله تعاىل] :فإذا ّ
تقربوهن حىت يطهرن[( ،)4وقد يكون 4يف مقام يتوهم فيه احلظر كقوله ( افعل وال
ّ قوله تعاىل] :وال
حرج)( )5يف جواب من سألوه 4يف حجة الوداع عن تقدمي أفعال احلج اليت تفعل يوم العيد بعضها على
بعض وكقوله يف قصة اللديغ (اقسموا واضربوا يل بسهم)(.)6
ويرى آخرون أن األمر بعد احلظر يرجع إىل ما كان عليه قبل احلظر ،قال ابن كثري عند تفسري
يرد احلكم إىل ما كان
آية املائدة] :وإذا حللتم فاصطادوا[(( :)7والصحيح الذي يثبت على السرب( )8أنه ُّ
عليه قبل النهي 4.فإن كان واجباً رده واجباً ،وإن كان مستحباً فمستحب ،أو مباحاً فمباح ،ومن قال:
يرد عليه بآيات أخر .والذي ينتظم
إنه على الوجوب ينتقض 4عليه بآيات كثرية ،ومن قال :إنه لإلباحة ُّ
األدلة كلها هذا الذي ذكرناه ،كما أختاره بعض علماء األصول واهلل أعلم)( )9أ هـ.
فمثال :أمر بعد هني عاد إىل الوجوب حديث" :فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصالة ،وإذا أدبرت
فاغسلي عنك الدم ،مث صلي"(.)10
(?) سورة املائدة ،آية.2 : 1
(?) السرب لغة االختبار ومنه مسي ما خيترب به طول اجلرح وعرضه مسباراً ،والسرب يذكر غالباً مع التقسيم فيقال :السرب والتقسيم .وهو أحد مسالك العلة 8
يف باب القياس ويراد هبما حصر األوصاف املوجودة يف األصل الصاحلة للعلية يف عدد مث إبطال بعضها بدليله فيتعني الباقي فاحلصر تقسيم واإلبطال سرب
(خمتصر ابن احلاجب بشرح العضد ،2/236مذكرة الشنقيطي ص.)257
(?) تفسري ابن كثري (.)3/9 9
48
فاألمر بالصالة للوجوب ،ألن الصالة 4قبل امتناعها 4باحليض واجبة ،ومثاله أيضاً قوله تعاىل] :فإذا
انسلخ األشهر احلرم فاقتلوا املشركني[( )1فاألمر بقتل املشركني كان واجباً قبل دخول األشهر احلرم
فمنع من أجلها ،مث أمر به بعد انسالخها ،فريجع إىل ما كان عليه قبل املنع وهو الوجوب.
ومثال االستحباب حديث" :كنت هنيتكم عن زيارة القبور فزوروها"( )2فالزيارة مستحبة قبل
املنع مث هني عنها ،مث أمر هبا فعاد األمر إىل االستحباب.
وتقدمي مثل ما كان مباحاً مث هني عنه مث أمر به.
وهذا القول هو املختار ،ألن احلظر كان لعارض ،فإذا ارتفع العارض عاد األمر إىل ما كان عليه.
مث إن هذا القول فيه مجع بني األدلة ،كما أشار إليه احلافظ ابن كثري رمحه اهلل ،واختار هذا القول
الشيخ تقي الدين ابن تيمية رمحه اهلل ،ورجحه الشيخ حممد األمني الشنقيطي رمحه اهلل .ونسبه الطويف يف
خمتصر الروضة إىل األكثرين .واهلل أعلم(.)3
(?) انظر املسودة يف أصول الفقه ص ،16شرح الكوكب املنري ( )3/60مذكرة الشنقيطي على الروضة ص ،193 ،192أضواء البيان ( )2/4خمتصر 3
الروضة ص.86
49
من مسائل األمــر
(وال يقتضي التكرار على الصحيح إال إذا دل الدليل على قصد التكرار ،وال يقتضي
الفور .واألمر بإيجاد الفعل أمر به ،وبما ال يتم الفل إال به كاألمر بالصالة أمر بالطهارة
المؤدية إليها .وإ ذا فعل خرج المأمور عن العهدة).
املسألة األوىل قوله( :وال يقتضي 4التكرار) :اعلم أن صيغة األمر تقتضي فعل املأمور 4مرة واحدة
قطعاً وال خالف يف ذلك وإمنا اخلالف فيما زاد على املرة وهو التكرار ،مبعىن فعل املأمور به كلما قدر
عليه املكلف ،فاألمر من حيث التكرار وعدمه له ثالث صور:
)1إما أن يقيد مبا يفيد الوحدة ،فهذا حيمل على ما يقيد به ،وال يقتضي 4التكرار كقوله تعاىل] :وهلل
على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيال[( )1فظاهر اآلية وجوب تكرار احلج بتكرار
االستطاعة ،لكن سئل رسول اهلل :rأيف كل عام يا رسول اهلل؟ فأجاب مبا يدل على أنه يف
العمر مرة واحدة( )2فيحمل األمر يف اآلية على الواحدة هلذا الدليل من السنة.
)2أن يقيد مبا يفيد التكرار ،وهذا فيه خالف( )3والصحيح أنه حيمل على ما قيد به من إرادة
التكرار كما رجحه املصنف .والقيد قيد يكون صفة وقد يكون شرطاً ،فالشرط كقوله تعاىل:
]وإن كنتم جنبا فاطّ ّهروا[( )4فكلما حصلت اجلنابة وجب التطهر بالغسل منها.
والصفة كقوله تعاىل] :والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما[( )5فكلما حصلت السرقة
وجب القطع ،ما مل يكن تكرار السرقة قبل القطع.
وهذا فيما إذا كان كل من الشرط والصفة علة ثابتة كما مثلنا .فيكون التكرار لوجود
العلة ،مبعىن أنه كلما وجدت العلة وجد احلكم( .)6فإن مل يكن علة ثابتة فال تكرار مثل :إن جاء
زيد فاعتق عبداً من عبيدي .فإذا جاء زيد حصل ما علق عليه األمر ،لكن ال يتكرر بتكرر جميئه.
)3األمر املطلق الذي مل يقيد .فهذا فيه خالف هل يقتضي التكرار أو ال؟
(?) نقل صاحب شرح الكوكب املنري ( )3/46االتفاق على أنه للتكرار .مع أن بعض احلنفية خالفوا فانظر كشف األسرار (.)1/123 3
50
فمنهم من قال يقتضي 4التكرار ،وهذا حكاه الغزايل عن أيب حنيفة ،وابن القصار عن مالك ،وهو
رواية عن أمحد اختارها أكثر أصحابه( ،)1ألن األمر كالنهي يف أن النهي 4أفاد وجوب الرتك واألمر أفاد
وجوب الفعل ،فإذا كان النهي 4يفيد الرتك على االتصال أبداً ،وجب أن يكون األمر يفيد وجوب الفعل
على االتصال أبداً وهذا معىن التكرار ،واملراد به :حسب اإلمكان.
والقول الثاين أن األمر املطلق ال يقتضي التكرار ألن ما قصد به من حتصيل املأمور به يتحقق
باملرة الواحدة واألصل براءة الذمة مما زاد عليها ،بل خيرج املكلف من عهدته مبرة واحدة ،وال يلزمه
تكراره واملداومة عليه ،وذلك ألن صيغة األمر ال تدل إال على جمرد إدخال ما هية الفعل( )2يف الوجود ال
على كمية الفعل ،ولو قال السيد لعبده :ادخل السوق واشرت متراً ،مل يعقل منه التكرار ،ولو كرر العبد
ذلك حلسن لومه ،ولو سيده على عدم التكرار لعد السيد خمطئاً.
وهذا هو اختيار املصنف – 4هنا – فإنه قال( :وال يقتضي التكرار على الصحيح) أي عند
اإلطالق كما يدل عليه ما بعده ،وهو رواية عن اإلمام أمحد اختارها أبو يعلى وتلميذه أبو اخلطاب،
وهو الصحيح عند احلنفية ،ورجح ذلك الطويف ،وما إليه ابن قدامة ،واختاره ابن احلاجب(.)3
أما ما قاله األولون 4من أن األمر كاملنهي 4فغري صحيح للفرق بن األمر والنهي ،ألن االنتهاء عن
الفعل أبداً ممكن ،أما االشتغال به أبداً فغري ممكن فظهر الفرق.
وأما ما فيه التكرار فذلك لنصوص أخر وقرائن وأسباب توجب ذلك ،كالصالة فإن تكرارها يف
كل يوم وليلة مخس مرات ليس ألجل األمر هبا ،وإمنا لتكرار أسباهبا وهي األوقات .ومما يتعلق هبذا
البحث مسألة إجارة مؤذن بعد مؤذن فهل يكتفي باألول ألن األمر ال يقتضي التكرار؟ أو جييب كل
مؤذن من باب تعدد السبب؟ فيه احتمال(.)4
املسألة الثانية 4:قوله( :وال تقتضي 4الفور) أي عند اإلطالق 4خبالف :سافر اآلن .فهي للفور،
وسافر رأس الشهر.فهي للرتاخي لوجود قرينة.
(?) املاهية مبعىن احلقيقة انظر املعترب للزركشي ص 337معجم لغة الفقهاء ص.398 2
(?) انظر روضة الناظر مع شرحها ( )2/78خمتصر الروضة ص .87خمتصر املنتهى ( )2/81أصول السرخسي ص.20 3
(?) انظر شرح املهذب ( )2/119فتح الباري ( )2/92فتاوى العز بن عبد السالم ص 87التمهيد 4لإلسنوي ص 283حاشية الصنعاين على شرح 4
العمدة (.)2/188
51
والفور معناه :املبادرة بالفعل عقب األمر يف أول وقت اإلمكان .والرتاخي 4:تأخري الفعل عن أول
وقت اإلمكان 4.والقائلون بأن 4األمر للتكرار يتفقون على أنه للفور .ألن التكرار ال يتحقق بدون املبادرة.
وأما القائلون 4بأن األمر ليس للتكرار .فاختلفوا يف ذلك على قولني:
األول :أهنا ال تقتضي الفور ،وبه قال أكثر الشافعية وأكثر األحناف ،وهو رواية عن اإلمام
أمحد ،بل األمر جملرد الطلب فال يقتضي الفور وال الرتاخي ،وقد يقتضي 4ألن الغرض إجياد الفعل ولو مرة
واحدة من غري اختصاص بالزمن األول أو الثاين بل يف أي زمان وجد فيه أجزأ.
والقول الثاين :أهنا تقتضي الفور .وهو قول املالكية وبعض الشافعية ،وبعض احلنفية 4،وهو ظاهر
املذهب عند احلنابلة( .)1وهذا هو القول الراجح إن شاء اهلل ملا يلي:
)1آيات من كتاب اهلل تعاىل فيها األمر باملبادرة إىل امتثال أوامر اهلل تعاىل والثناء على من فعل ذلك
كقوله تعاىل] :وسارعوا إىل مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات واألرض أعدت
للمتقني[( )2وقوله تعاىل] :فاستبقوا اخلريات[( )3وقال تعاىل] :إهنم كانوا يسارعون يف
اخلريات[(.)4
)2ما جاء يف قصة احلديبية ،وفيها( :قال رسول اهلل rألصحابه :قوموا فاحنروا مث احلقوا) قال :فو
اهلل ما قام منهم رجل حىت قال ذلك ثالث مرات .فما مل يقم منهم أحد دخل على أم سلمة
فذكر هلاما لقي من الناس . . .احلديث)( ،)5ووجه الداللة :أنه لو مل يكن األمر للفور ما دخل
الرسول rعلى أم سلمة مغضباً وال قال هلا( :أال ترين إىل الناس! إين آمرهم باألمر فال يفعلون)
كما يف رواية ابن إسحاق.
)3أن املبادرة بالفعل أحوط وأبرأ للذمة ،وأدل على الطاعة ،والتأخري له آفات ،ويقتضي تراكم
الواجبات حىت يعجز اإلنسان 4عنها.
)4وكما أن الشرع دل على اقتضاء األمر الفور ،كذلك اللغة فإن السيد لو أمر عبده بأمر فلم ميتثل
فعاقبه فاعتذر العبد بأن 4األمر على الرتاخي مل يكن عذره مقبوالً.
(?) انظر خمتصر ابن احلاجب مع شرح العضد ( )2/84العدة ( )1/281أضواء البيان (.)5/112 1
52
املسألة الثالثة 4:قوله( :واألمر بإجياد الفعل أمر به ومبا ال يتم الفعل إال به) أي :أن ما توقف عليه
وجود الواجب بطريق شرعي لتربأ منه الذمة فهو واجب إذا كان ذلك يف مقدور املكلف ،وحتت هذه
القاعدة صورتان ،وذلك بناء على دخول املندوب يف األمر:
)1ماال يتم الواجب إال به فهو واجب .كاألمر بالصالة أمر بالطهارة ،واألمر بسرت العورة أمر
بشراء ما يسرتها(.)1
ووجه هذه الصورة :أنه لو مل جتب الطهارة – مثالً – لوجوب الصالة 4جلاز تركها ،ولو
جاز تركها جلاز ترك الواجب املتوقف عليها والالزم باطل.
)2ما ال يتم املندوب إال به فهو مندوب ،فاألمر بالتطيب يوم اجلمعة كما يف حديث ابن عباس
(وأصيبوا من الطيب)( )2أمر بشراء الطيب ندباً ال وجوباً.
وهذه الصورة ال تدخل – على رأي املصنف – 4ألنه ال يرى أن املندوب مأمور به ،واهلل أعلم.
املسألة الرابعة :قوله( :وإذا فعل خرج عن العهدة)( :فعل) بالبناء للمجهول أي :فعل املأمور به،
والعهدة :بضم العني تعلق األمر باملأمور 4.واملعىن :أن املأمور إذا فعل ما أمر به على وجه صحيح فإنه
خيرج عن عهده ذلك األمر ويوصف ذلك الفعل باإلجزاء .واإلجزاء معناه :براءة الذمة وسقوط الطلب.
أما اإلثابة 4على الفعل فليست من لوازم االمتثال فقد حيصل اإلجزاء وبراءة الذمة وال حيصل الثواب 4،وقد
يكون مثاباً وال تربأ الذمة.
فمثال األول :قول الزور والعمل به يف الصيام 4.فقد قال النيب ( rمن مل يدع قول الزور والعمل
به فليس هلل حاجة يف أن يدع طعامه وشرابه)( )3فقول الزور والعمل به يف الصيام 4أوجب إمثاً يقابل
ثواب الصوم .وقد اشتمل الصوم 4على االمتثال املأمور 4به والعمل املنهي 4عنه ،فربئت الذمة لالمتثال ووقع
احلرمان للمعصية.
والثاين :كأن يفعل فعالً ناقصاً عن الشرائط واألركان ،فيثاب على ما فعل وال تربأ الذمة إال
بفعله كامالً ،فإذا أخرج الزكاة ناقصة فإنه خيرج التمام وإذا ترك شيئاً من واجبات احلج كاملبيت مبزدلفة
(?) متثيل املؤلف بالطهارة فيه نظر ،ألن فيها دليالً خيصها ،خبالف األمر بشراء ما يسرت العورة .واهلل أعلم4. 1
53
فإنه جيربه بالدم ،وإذا ضحى مبعيبة وجبت عليه سليمة .وإذا فوت اجلمعة بقي يف العهدة .فالنقص إما أن
جيرب جبنسه أو ببدله أو بإعادته كامالً أو يبقى 4يف العهدة فيأمث صاحبه( )4واهلل أعلم.
54
من يدخل في األمر والنهي ومن ال يدخل
(يدخل في خطاب اهلل تعالى المؤمنون .والساهي والصبي والمجنون غير داخلين في
الخطاب ،والكفار مخاطبون بفروع الشرائع وبما ال تصح إال به وهو اإلسالم ،لقوله
تعالى] :قالوا مل نك من املصلني[(.))1
ذكر املصنف يف هذا املبحث من يدخل يف أوامر الشرع ونواهيه ومن ال يدخل ،ولو أخر هذا
املوضوع بعد مبحث النهي 4لكان أحسن.
قوله( :يدخل يف خطاب اهلل تعاىل املؤمنون) 4املراد خبطاب اهلل :اخلطاب التكليفي 4املتضمن لطلب
الفعل أو الرتك كقوله تعاىل] :وأقيموا الصالة[( ،)2وقوله تعاىل] :وال تقربوا الزنا[(.)3
واملراد باملؤمنني :املكلفون 4من ذكر وأنثى ممن آمن باهلل ورسوله .لدخول النساء يف مجع الذكور
إذا وجدت قرينة كما هنا .واملكلف هو البالغ العاقل.
قوله( :والساهي والصيب واجملنون 4غري داخلني يف اخلطاب) الساهي اسم فاعل من (سها يسهو
سهواً فهو ٍ
ساه) قال يف اللسان( :السهو والسهوة :نسيان الشيء والغفلة عنه .وذهاب القلب إىل غريه .
.)4().
فالساهي يف حال سهوة غري مكلف ألن مقتضى التكليف فهم املكلف ملا كلف به .وهذا ال يتم
غال باالنتباه .وهلذا مل جيب سجود السهو على من سها يف صالته إال بعد التذكر وزوال العذر ،وحينئذ
يكون مكلفاً.
وقوله (والصيب) هو اإلنسان 4من الوالدة إىل أن يفطم ،ويطلق على الصغري دون الغالم.)5(4
والصيب غري مكلف سواء كان مميزاً على القول الراجح ،أو غري مميز وهذا باإلمجاع.
55
وقوله( :واجملنون) هو فاقد العقل .وهو من ال يطابق كالمه وأفعاله كالم وأفعال العقالء(.)1
وهو غري مكلف لقوله ( :rرفع القلم عن ثالثة :عن النائم حىت يستيقظ ،وعن الصيب حىت يكرب.
ويف رواية حىت حيتلم ويف رواية :حىت يبلغ .ويف رواية حىت يشب .وعن اجملنون حىت يعقل)(.)2
فجعل الشارع البلوغ عالمة لظهور العقل وفهم اخلطاب ومن ال يفهم ال يصح تكليفه .لعد
قصد االمتثال.
فإن قيل :كيف تقولون :إن الصيب واجملنون غري مكلفني مع وجوب الزكاة وأوروش اجلنايات
وقيم املتلفات يف ماليهما؟
فاجلواب :أن هذا ليس من خطاب التكليف ،وإمنا هو من خطاب الوضع ،وهو ال يشرتط فيه
التكليف بالبلوغ والعقل .وتوضيحه :أن هذا من باب ربط األحكام بأسباهبا ،مبعىن أن الشرع وضع
أسباباً تقتضي 4أحكاماً ترتتب عليها حتقيقاً للعدل يف خلقه ورعاية ملصاحل العباد ،فمىت وجد السبب 4وجد
احلكم ،فإذا وجد النصاب وجبت الزكاة ،سواء كان النصاب لبالغ عاقل أو لصيب أو جملنون 4،وكذا
نقول إذا وجد اإلتالف وجب الضمان إذا مل يرض صاحب احلق بإسقاط حقه مهما كان املتلف ،واهلل
أعلم.
قوله( :والكفار خماطبون بفروع الشرائع ). .املراد بالفروع األحكام العملية من األوامر
كالصالة والزكاة ،والنواهي 4كالزنا وشرب اخلمر .ولو عرب به املصنف لكان أوىل(.)3
فهذه املسألة 4فيها خالف بني أهل العلم .وما ذكره املصنف ن أهنم خماطبون4.
هو القول الراجح لقوة دليله ،وأما كوهنم خماطبني باإلسالم فهذا ال خالف فيه.
قال تعاىل ] :ما سلككم يف سقر( )42قالوا مل نك من املصلني( )43ومل نك نطعم املسكني(
)44وكنّا خنوض مع اخلائضني( )45وكنّا نك ّذب بيوم الدين( )46حىت آتانا اليقني( .)4([ )47وقال
تعاىل] :فال ص ّدق وال صلّى( )31ولكن ك ّذب وتوىّل ( ،)5([)32ومن األدلة أيضاً التمسك
(?) معجم لغة الفقهاء ص.407 1
(?) أخرجه الرتمذي برقم 1423وأبو داود 4403وابن ماجه رقم 2041والنسائي ( )6/156وذكره البخاري تعليقاً يف الطالق واحلدود ( 2
56
بالعمومات كقوله تعاىل] :وهلل على الناس حج البيت 4من استطاع إليه سبيال[( )1وقوله تعاىل] :يا بين
آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد[(.)2
ومع أن الكافر خماطب باألوامر فإنه ال يصح منه فعل املأمور به حال كفره قال تعاىل] :وما
منعهم أن تقبل منهم نفقاهتم إال أهنم كفروا باهلل وبرسوله[( )3فاإلميان شرط لصحة الفعل ،وال يعارض
هذا ما تقدم من أهنم خماطبون 4حال كفرهم ،ألن املراد هنا أهنم يعذبون 4عليها يف اآلخرة زيادة على
عذاب الكفر ،واملراد هنا أهنم ال يطالبون هبا يف الدنيا مع كفرهم وال تنفعهم.
وإذا أسلم الكافر ال يؤمر بقضاء املاضي لقوله تعاىل] :قل للذين كفروا إن ينتهوا 4يغفر هلم ما قد
سلف[(.)4
ولقول النيب rلعمرو بن العاص( :أما علمت يا عمرو أن اإلسالم 4يهدم ما كان قبله)( )5وألن
يف ذلك ترغيباً له يف اإلسالم ،فإنه إذا علم أنه ال يطالب بقضاء ما ترك فإنه يرغب يف اإلسالم 4إذ لو
كلف بالقضاء لنفر عن اإلسالم )6(4واهلل أعلم.
(?) ال داعي لإلطالة يف هذه املسألة ألهنا ليست من أصول الفقه .ألن أثر اخلالف فيها إمنا يظهر يف الدار اآلخرة ،حيث يعذب الكافر زيادة على عذاب 6
الكفر ،ومسائل أصول الفقه إمنا هي دالئل وقواعد تعرف هبا األحكام والتكاليف يف هذه الدار .واخلالف يف هذه املسألة ال يظهر أثره يف الدنيا ،ألن
الكافر ال تصح منه العبادة حال كفره ،وإذا أسلم 4ال يؤمر بقضاء ما فاته .انظر احملصول ( ،)1413 – 2/2/399املسائل املشرتكة 4بني أصول الفقه
وأصول الدين ص .94وانظر كالماً ماتعاً للشاطيب – رمحه اهلل – يف إدخال مسائل ليست من األصول يف أصول الفقه يف املوافقات .1/42
57
هل األمر بالشيء نهي عن ضده؟
الصيغة .وال ريب أنه قول باطل مبين على زعم باطل ،وهو أن كالم اهلل تعاىل جمرد املعىن القائم بالذات فال حروف وال ألفاظ (راجع مذكرة الشنقيطي
ص.)27
(?) سورة األنفال ،آية.45 : 2
58
من ضرورته باللزوم من باب (ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب) فقولك :أسكن .يستلزم هنيك عن
احلركة ،ألن املأمور 4به ال ميكن وجوده مع التلبس بضده.
والنهي عن الشيء يستلزم األمر بضده .ألنه النهي عن الشيء طلب لرتكه بالذات ولفعل ما هو
من ضرورة الرتك باللزوم ،فقولك :ال تتحرك يستلزم أمرك بالسكون ،ألن املنهي 4عنه ال ميكن وجوده
مع التلبس بضده واهلل أعلم(.)1
(?) انظر جمموع 4الفتاوى ( )10/531الفوائد البن القيم ص 226مذكرة الشنقيطي ص.28 ،27 1
59
النهـــي
(والنهي :استدعاء الترك بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب ،ويدل على فساد
المنهي عنه ،وترد صيغة األمر والمراد به اإلباحة أو التهديد أو التسوية أو التكوين).
النهي :استدعاء الرتك بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب ،وشرح التعريف يستفاد مما تقدم
يف شرح تعريف األمر.
وقوله( :على سبيل الوجوب) أي وجوب الرتك .وهذا القيد إلخراج الصيغة املستعملة يف
الكراهة.
وللنهي صيغة واحدة هي املضارع املقرون بال الناهية ،كقوله تعاىل] :وال تقربوا الزىن[( )1وقد
يستفاد النهي 4بغري هذه الصيغة 4،وذلك مثل اجلمل اخلربية اليت وردت بلفظ التحرمي ،كقوله تعاىل:
حرمت عليكم أمهاتكم[( ،)2أو نفي احلل كقوله تعاىل] :يا أيها الذين آمنوا ال حيل لكم أن ترثوا
] ِّ
النساء كرها[( ،)3أو لفظ (هنى) كحديث أيب سعيد رضي اهلل عنه قال( :هنى رسول اهلل rعن صوم
()4
يوم الفطر ويوم النحر)
قوله( :على سبيل الوجوب ) . . .اعلم أن صيغة النهي عند اإلطالق والتجرد عن القرينة
تقتضي أمرين:
األول :حترمي املنهي عنه ،وهو معىن قول املصنف( 4على سبيل الوجوب) أي وجوب الرتك ،ومن
الزم وجوب الرتك حترمي املنهي 4يقتضي التكرار والفور ،فإذا هنى الشرع عن شيء وجبت املبادرة بالرتك
وأال يفعل املنهي 4عنه يف أي وقت من األوقات ،قال تعاىل] :وما آتاكم الرسول فخذوه وما هناكم عنه
فانتهوا[( )5فأمر اهلل تعاىل باالنتهاء عن املنهي عنه .فيكون االنتهاء 4واجباً .ألن األمر يقتضي 4الوجوب
كما تقدم.
يقول اإلمام الشافعي رمحه اهلل( :أصل النهي 4من رسول اهلل rأن كل ما هنى عنه فهو حمرم ،حىت
تأيت عنه داللة تدل على أنه إمنا هنى عنه ملعىن غري التحرمي)(.)6
60
ومثال ذلك :الصالة إىل القبور فهي حمرمة بدليل النهي الذي ورد يف حديث أيب مرثد الغنوي
رضي اهلل عنه قال :قال رسول اهلل ( :rال تصلوا إىل القبور وال جتلسوا عليها)(.)1
ومثال جميء النهي لغري التحرمي قوله ( :rال ميسن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول)( )2فقد ذكر
احلافظ ابن حجر رمحه اهلل يف فتح الباري عن اجلمهور :أن النهي للكراهة ،ألن الذكر بضعة من اإلنسان4
حلديث (هل هو إال بضعة منك)(.)3
األمر الثاين مما تقتضيه صيغة النهي :فساد املنهي 4عنه ،فال تربأ الذمة ،وال بسقط الطلب إن كان
عبادة ،وال يرتتب األثر املقصود من العقد على العقد إذا كان معاملة كما تقدم يف الكالم 4على الباطل،
والقول بالفساد هو قول األئمة األربعة وغريهم حلديث عائشة رضي اهلل عنها؛ أن النيب rقال( :من
عمل عمالً ليس عليه أمرنا فهو رد)( ،)4ووجه الداللة منه :أن ما هنى عنه الشرع فليس عليه أمر النيب r
فيكون مردوداً ،وما كان مردوداً على فاعله فكأنه مل يوجد ألنه فاسد.
فالشارع هنى عن الصالة بال طهارة ولغري القبلة وبدون سرت العورة ،وهنى عن بيع الغرر ،وعن
بيع ما ال ميلك ،فإن وقع ذلك حكم بفساده ،وقد ال يقتضي النهي 4الفساد إذا وجد دليل مثل حديث
تصروا اإلبل والغنم فمن ابتاعها بعد فهو خبري النظرين بعد
أيب هريرة رضي اهلل عنه عن النيب rقال" :ال ّ
أن حيتلبها إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاع متر"( )5فال يدل النهي على أن البيع فاسد بدليل أنه
جعل اخليار للمشرتي(.)6
مث ذكر املؤلف أن صيغ األمر تأيت لإلباحة وقد تقدم الكالم 4على ذلك ،وليس هذا تكراراً ،ألن
املقصود هناك بيان أن الصيغة ال خترج عن الوجوب إال بدليل ،واملراد هنا بني ما استعملت فيه الصيغة
من املعاين.
وتأيت للتهديد مثل قوله تعاىل] :قل متتّعوا فإن مصريكم إىل النار[( )7والقرينة الصارفة إىل التهديد
أن ذلك الوعيد يدل على التهديد.
(?) أخرجه مسلم رقم 972وأبو داود رقم 3229والرتمذي رقم 1050والنسائي (.)2/67 1
(?) أخرجه مسلم رقم 1718وأخرجه البخاري تعليقاً يف البيوع وموصوالً يف الصلح ،انظر فتح الباري ( )4/355وأخرجه أبو داود برقم 4606 4
جيتمع4.
(?) انظر فتح الباري ( )4/367ويف طرح التثريب ( )6/78نقل اإلمجاع على أن بيع املصراة صحيح. 6
61
أو للتسوية كقوله تعاىل] :فاصربوا أو ال تصربوا .)1([4أو للتكوين وهو اإلجياد من العدم بسرعة
كقوله تعاىل] :كونوا 4قِردة خاسئني[(.)2
واألوىل ذكر هذه املعاين يف الكالم على األمر عند ذكر اإلباحة والندب كما تقدم.
62
العـــام
(وأما العام فهو ما عم شيئين فصاعداً ،من قولك :عممت زيداً وعمراً بالعطاء .وعممت
جميع الناس بالعطاء وألفاظه أربعة :االسم الواحد المعروف بالالم ،واسم الجمع
المعرف بالالم ،واألسماء المبهمة كمن فيمن يعقل ،وما فيما ال يعقل ،وأي في الجميع،
وأين في المكان ،ومتى في الزمان ،وما في االستفهام والجزاء وغيره ،وال في النكرات
كقولك :ال رجل في الدار ،والعموم من صفاتـ النطق ،وال تجوز دعوى العموم في
غيره من الفعل وما يجري مجراه).
اعلم أن البحث يف دالالت األلفاظ من حيث الشمول وعدمه من املباحث األصولية املهمة ،فإن
هناك من األلفاظ ما ال يدل إال يدل إال على فرد معني ،ومنها ما يدل على فرد غري معني ،ومنها ما يدل
على أفراد ال حصر هلا .كل ذلك جاء يف نصوص الكتاب والسنة.
وإذا كان استنباط األحكام الشرعية من األدلة ال يتم إال مبعرفة شروط االستدالل كما تقدم
كان لزاماً على األصويل والفقيه أن يعين بدراسة دالالت األلفاظ ،ويستفيد من قواعدها وضوابطها.
والعام لغة :الشامل.
واصطالحاً :ما عم شيئني فصاعداً.
وقوله :ما :أي لفظ ،وهي جنس يف التعريف تشمل ما يراد تعريفه وغريه.
وقوله :عم شيئني :أي تناول شيئني دفعة واحدة ،وهذا قيد خيرج ما ال يتناول إال واحداً كالعلم
مثل زيد ،والنكرة 4املفردة يف سياق اإلثبات( )1مثل( :رجل) فهو لفظ يصلح لكل واحد من رجال الدنيا
لكن بدون استغراق ومنه قوله تعاىل] :فتحرير رقبة[(.)2
وقوله :فصاعداً :حال حذف عاملها وصاحبها ،أي فذهب املعدود صاعداً عن الشيئني .وهذا
قيد إلخراج املثىن النكرة يف اإلثبات كرجلني.
(?) قد تفيد النكرة يف سياق اإلثبات العموم كما سيأيت إن شاء اهلل. 1
63
وبقي على التعري قيد آخر وهو (بال حصر)( )1إلخراج اسم العدد كمائة وألف ،ألهنا تشمل
اثنني فصاعداً ولكنها حبصر ،والعام بال حصر .فاسم العدد والعام كل منهما يدل على الكثرة لكن
الكثرة يف العام غري حمصورة ،ويف العدد حمصورة.
وقوله( :من قولك عممت زيداً وعمراً بالعطاء . .إخل) أي أن العام مأخوذ من قولك( :عممت
بالعطاء) أي مشلت املذكورين ،ففي العام مشول ،أو يكون مثاالً للعام الذي يتناول شيئني ،والعام الذي
يتناول مجيع اجلنس(.)2
مث ذكر املصنف 4أن صيغ العموم أربع .وهذا ليس على سبيل احلصر ،ألهنا أكثر من ذلك ،وإمنا
حصرها بأربع مراعاة للطالب املبتدئ .وصيغ العموم كما يلي:
)1االسم الواحد املعرف باأللف والالم .واملراد بالواحد املفرد ،واملراد باأللف والالم (أل)
االستغراقية 4فإن تعاىل] :إن اإلنسان 4لفي خسر( )2إال الذين ءامنوا )3([4فهذا عام بدليل االستثناء.
)2اسم اجلمع املعرف بالالم اليت ليست للعهد .واملراد اجلمع باملعىن اللغوي ،وهو اللفظ الدال على
مجاعة فيشمل اجلمع وهو ماله مفرد ،واسم اجلمع وهو ما ليس له مفرد من لفظه ،واسم اجلنس
اجلمعي .فاألول كقوله تعاىل] :قد أفلح املؤمنون( )4([)1وقوله تعاىل] :وإذا بلغ األطفال منكم
احللم فيستئذنوا .)5([4والثاين مثل كلمة (النساء) يف قوله تعاىل] :الرجال قوامون 4على النساء[(.)6
والثالث :اسم اجلنس اجلمعي وهو ما يدل على أكثر من اثنني ،ويفرق بينه وبني مفرده بالتاء
()8
كقوله تعاىل] :إن البقر تشابه علينا[( )7ومفرد بقرة ،أو بالياء كقوله تعاىل] :غلبت الروم([)2
ومفرده رومي.
64
عاماً كقوله تعاىل] :إذ قال ربُّك
عاماً إذا كان املعهود ّ
وأما املعرف بأل العهدية فيكونّ 4
سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين(
للمالئكة إين خالق بشراً من طني( )71فإذا ّ
خاصا فاملعرف خاص كقوله
)72فسجد املالئكة كلهم أمجعون)( [)73فإن كان املعود ّ
()1
(? ) أخرجه البخاري رمث 5311ومسلم رقم 2065عن أم سلمة رضي اهلل عنها. 5
65
ـزعن من كل شيعة أيّهم ُّ
أشد على الرمحن ّ نلن مث
ّ ] تعاىل: كقوله وموصولة .() 1
أمدا([)12
عتيّا( )2([)69وتكون 4لغري العاقل كاملثال األول ،وللعاقل كاملثال الثاين والثالث.
وقوله( :وأين يف املكان 4،ومىت يف الزمان) :أي أن (أين) تكون استفهامية 4للسؤال عن
املكان كما تقدم ،وتأيت شرطية كقوله تعاىل] :أينما تكونوا 4يدرككم املوت[()3؟ (ومىت)
تأيت استفهامية كقوله تعاىل] :مىت نصر اهلل[()4؟ وشرطية حنو :مىت تسافر أسافر.
وقوله( :وما يف االستفهام 4واجلزاء وغريه) :أي أن (ما) تأيت استفهامية وتأيت للجزاء أي:
الشرط ،وتقدم مثاهلما .ويف بعض نسخ الورقات (واخلرب) يدل (واجلزاء) واملراد هبا املوصولة4
وتقدم مثاهلا أيضاً .وقول املصنف (وغريه) أي غري املذكور الذي هو االستفهام واجلزاء على
نسختنا ،واالستفهام واخلرب على النسخة الثانية وذلك كاخلرب على النسخة األوىل ،واجلزاء
على الثانية4.
)4النوع الرابع من صيغ العموم :ال .يف النكرات ،واملراد أن (ال) املركبة مع النكرة تفيد العموم
كقوله تعاىل] :فال رفث وال فسوق وال جدال يف احلج[( .)5فالنكرة يف سياق النفي 4تفيد
العموم ،وكذا يف سياق النهي أو الشرط أو االستفهام اإلنكاري كقوله تعاىل] :فال تدعوا مع اهلل
()7
أحدا( )6([)18وقوله تعاىل] :وإن أحد من املشركني استجارك فأجره حىت يسمع كالم اهلل[
وقوله تعـاىل] :من إله غري اهلل يأتيكم ٍ
بضياء[(.)8
وبقي صيغ أخرى مل يتعرض هلا املصنف ومنها:
66
لفظ :كل .وهي من أقوى صيغ العموم ،ألهنا تشمل العاقل وغريه ،املذكر )1
كل نفس ذائقة املوت[( )1وقال ( :rكل الناس يغدو
واملؤنث 4،املفرد واملثىن واجلمع .قال تعاىلُّ ] :
فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها(.)2
ويلحق (بكل) ما دل على العموم مبادته مثل مجيع ومعشر ومعاشر وعامة كافة وحنوها.
املضاف ملعرفة ،سواء كان مفرداً أو مجعاً كقوله تعاىل] :وإن تع ّدوا نعمت اهلل ال )2
حتصوها[( )3وقوله تعاىل] :يوصيكم اهلل يف أوالدكم[(.)4
النكرة يف سياق اإلثبات تفيد العموم بدليل قوله تعاىل] :وأنزلنا من السماء ماء )3
ورمان(6
طهورا( [)48ألن العموم يتناسب مع االمتنان وكقوله تعاىل] : :فيهما فاكهة وخنل ّ
()5
.)6([)8
النكرة يف سياق اإلثبات تفيد العموم بدليل قوله تعاىل] :علمت نفس ما )4
كل نفس ّما أسلفت[(.)8
أحضرت( [)14والدليل قوله تعاىل] :هنالك تبلوا ُّ
()7
وقوله( :والعموم من صفات النطق) :النطق مصدر مبعىن اسم املفعول ،أي :املنطوق 4.واملنطوق هو
اللفظ ألنه ينطق به الشتماله على احلروف .فالعموم من صفات األلفاظ .فيقال :لفظ عام .ألن العام له
صيغ تستعمل يف العموم ال يستفاد بدوهنا – كما تقدم يف األمثلة – فإذا وردت الصيغة 4جمردة عن
القرائن دلت على استغراق 4اجلنس ،فالعموم من مفهوم لسان العرب .هذا مذهب السلف من صدر هذه
األمة .ومن تابعهم ممن بعدهم .فكانوا يستدلون وحيتجون بنصوص العموم .فيوافق املخالف منهم على
صحة االستدالل .ولنذكر مثالني لذلك:
67
األول :عن عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه قال :ملا نزلت ]ومل يلبسوا إمياهنم بظلم[( )1قال
أصحاب النيب :rوأينا مل يظلم .فنـزلت ]إن الشرك لظلم عظيم( )3( ،)2([)13ففهم الصحابة رضي اهلل
عنهم العموم يف اآلية إما من االسم املوصول ]والذين آمنوا [4أو من النكرة يف سياق النفي ]يظلم[ ومل
ينكر عليهم النيب rذلك الفهم .بل جاء البيان 4أن املراد بالظلم الشرك( .)4قال يف فتح الباري( :وفيه
احلمل على العموم حىت يرد دليل اخلصوص).)5(4
جر ثوبه خيالء مل
املثال الثاين :ما رواه ابن عمر رضي اهلل عنهما قال :قال رسول اهلل ( :rمن ّ
ينظر اهلل إليه يوم القيامة 4.فقالت أم سلمة رضي اهلل عنها :فكيف تصنع النساء بذيوهلن؟ قال :يرخينه
شرباً .فقالت :إذن تنكشف أقدامهن :قال :فريخينه ذراعاً وال يزدن عليه)(.)6
(م ْن) تفيد العموم بدون قرينة .ألن العموم من صفات
ففهمت أم سلمة رضي اهلل عنها من لفظ َ
األلفاظ)(.)7
وقوله( :وال جيوز دعوى العموم يف غريه من الفعل وما جيري جمراه) الضمري يف قوله( :غريه) يعود
آلكلن طعاماً .فإذا أكل طعاماً واحداً ًّبر
ّ إىل ليس من صيغ العموم .وهذا يراد به الفعل املثبت حنو :واهلل
وسر
بيمينه .أما الفعل يف سياق النفي فهو من صيغ العموم ،فإذا حلف ال يبيع حنث بأي بيع كانّ ،
الفرق بني النوعني هو أن الفعل ينحل عن مصدر وزمن .فاملصدر كامن يف معناه إمجاعاً .فإن كان مثبتاً
فاملصدر مثبت .والنكرة يف سياق اإلثبات ال تعم إال يف مقام االمتنان 4كما تقدم .وإن كان منفيّا
فاملصدر منفي ،والنكرة 4يف سياق النفي 4تعم كما مضى ،ومثال الفعل املثبت 4قول بالل رضي اهلل عنه
(?) أخرجه البخاري ( )10/258ومسلم ( )14/304دون قوله( :فقالت ). .وأخرجه الرتمذي بتمامه ( )5/406والنسائي ( )8/209وإسناده 6
صحيح.
(?) انظر تلقيح الفهوم ص.114 7
68
(صلى رسول اهلل rداخل الكعبة) ،)1(4فهذا ال يعم الفرض والنفل ،إذ ال يتصور أن هذه الصالة فرض
ونفل معاً .ومثال الفعل املنفي قوله تعاىل] :وأخرى مل تقدروا عليها[( )2أي ال قدرة لكم عليها .فهو
نفي جلميع أنواع 4القدرة(.)3
واملراد بقوله( :وما جيري جمراه) كالقضايا املعينة مثل حديث أيب رافع رضي اهلل عنه قال( :قضى
رسول اهلل rبالشفعة للجار)(.)4
فهذا ال يعم كل جار ،الحتمال اخلصوصية يف ذلك اجلار .والراوي نقل صيغة العموم لظنه عموم
احلكم ،هكذا مثل شراح الورقات ،وهو رأي أكثر األصوليني.
ويرى آخرون ومنهم ابن احلاجب والعضد واألمدي والشوكاين أن هذا يعم كل جار ،ألن
الصحايب الراوي عدل عارف باللغة ،فال ينقل صيغة العموم وهي كلمة (اجلار) املعرفة بالم اجلنس إال إذا
علم أو ظن العموم .ومثل هذا يفيد العموم ،ألن الالم غالباً لالستغراق فحملها على الالم العهدية
خالف الظاهر وخالف الغالب( )5وهذا هو الراجح.
خاصا يف غاية الوضوح)(،)6
قال الشوكاين( :فرجحان عمومه وضعف دعوى احتمال كونه ّ
وألنه مؤيد بعموم الشريعة لكل الناس .والنيب rإذا حكم بقضاء يف واقعة معينة ،مث حدث لنا مثلها
وجب إحلاقها هبا ،ألن حكم املثلني واحد ،وهو إحلاق باللفظ ال بالقياس ،واهلل أعلم.
(?) انظر اإلحكام لآلمدي ( )2/274شرح العضد على خمتصر ابن احلاجب ( ،)2/119إرشاد الفحول للشوكاين ص( ،)125شرح الكوكب املنري ( 5
)3/231
(?) إرشاد الفحول ص.125 6
69
الخـــاص
(والخـ ــاص يقابل العـ ــام .والتخصـ ــيص :تميـ ــيز بعض الجملـ ــة .وهو ينقسم إلى :متصل
ومنفصل،ـ فالمتصل :االستثناء والشرط ،والتقييد بالصفة).ـ
ملا فرغ من العام ذكر اخلاص ألن العام يدخله التخصيص ،وألن العام قد يطلق ويراد به اخلاص،
وقد ذكر أن اخلاص يقابل العام.
فاخلاص لغة :لفظ يدل على االنفراد وقطع االشرتاك 4يقال :خص فالن بكذا .انفرد به فلم
يشاركه فيه غريه .واخلاصة ضد العامة.
واصطالحاً :اللفظ الدال على حمصور.
فهو يقابل العام ،فإذا كان العام هو اللفظ الشامل جلميع أفراده بال حصر .فاخلاص يدل على
احلصر :إما بشخص كاألعالم مثل :جاء حممد .أو اإلشارة حنو :هذا خملص يف عمله .أو بعدد كأمساء
األعداد حنو :عندي عشرون كتاباً.
قوله( :والتخصيص ،متييز بعض اجلملة) عرف التخصيص 4ألنه هو املقصود هبذا البحث.
والتخصيص :لغة :اإلفراد ،واصطالحا :متييز بعض اجلملة .فالتمييز مبعىن اإلخراج .واملراد باجلملة :العام.
فكأنه قال :إخراج بعض العام.
وقيل :التخصيص :إخراج بعض أفراد العام .أي جعل احلكم الثابت 4للعام مقصوراً على بعض
أفراده بإخراج البعض 4اآلخر عنه .وهذا التعريف أوضح فإذا قلت :حضر الضيوف إال خالداً .فإن
(خالداً) فرد من أفراد العام .وقد أخرج عن حكم العام فلم يثبت له احلضور ،وهذا اإلخراج بواسطة
االستثناء .والعام إذا دخله التخصيص 4يسمى العام املخصوص 4أو املخصص ،والدليل الذي حصل به
اإلخراج يسمى (املخصص) بزنة اسم الفاعل وهو املراد عند األصوليني ،ويطلق املخصص أيضاً على
فاعل التخصيص وهو الشارع.
ص4ص املفه4وم من التخص4يص 4فهو
قوله( :وهو ينقسم إىل متصل ومنفص4ل) الض4مري يع4ود على املخ ّ
نوعان:
70
واملخصص يف نص واحد:
ّ متصل :وهو الذي ال يستقل بنفسه ،بل يكون العام )1
حج البيت من استطاع إليه سبيال[( ،)1فقوله (من
كقوله تعاىل] :وهلل على الناس ُّ
خاصا باملستطيع ،وقوله rعن ربه (كل عمل
استطاع) بدل من الناس ،فيكون 4وجوب احلج ّ
ابن آدم له إال الصوم)(.)2
منفصل :وهو الذي يستقل بنفسه بأن يكون 4العام يف نص ،واملخصص يف نص آخر، )2
كقوله تعاىل] :يوصيكم اهلل يف أوالدكم للذكر مثل حظ األنثيني[( .)3خص بقوله ( :rال
يرث املسلم الكافر ،وال الكافر املسلم)(.)4
قوله( :فاملتصل االستثناء والشرط والصفة) 4أي أن املخصص املتصل هو االستثناء حنو :هذا وقف
على أوالدي إال الغين ،والشرط حنو :إن قدم بكر فأكرمه ،والصفة 4حنو :أكرم العلماء العاملني،
وسنفصل القول يف ذلك إن شاء اهلل.
71
المخصـــص المتصـــل
)1االستثناء
(واالستثناء :إخراج ما لواله لدخل في الكالم .وإ نما يصح بشرط أن يبقى من المستثنى
منه شيء ،ومن شرطه :أن يكون متصالً بالكالم .ويجوز تقديم االستثناء على المستثنى
منه ،ويجوز االستثناء من الجنس ومن غيره).
هذا النوع 4األول من املخصص املتصل 4وهو االستثناء ،وهو لغة :مأخوذ من الثين أي العطف
والصرف .تقول :ثنيت 4احلبل أثنيه 4:إذا عطفت بعضه على بعض .وتقول :ثنيته عن الشيء :إذا صرفته
عنه.
واصطالحاً :إخراج ما لواله لدخل يف الكالم ،بإال أو إحدى أخواهتا.
حرم حالالً أو أحل حراماً ،واملسلمون على
كقوله ( :rالصلح جائز بني املسلمني إال صلحاً ّ
حرم حالالً أو أحل حراماً)(.)1
شروطهم إال شرطاً ّ
وقوله( :إخراج) :املراد باإلخراج :الطرح بإسقاط ما بعد أداة االستثناء من املعىن الذي قبلها.
فيخالف ما بعدها ما قبلها فيما تقرر من حكم مثبت أو منفي.
وقوله( :ما لواله) الضمري عائد على اإلخراج أي لوال ذلك اإلخراج موجود.
وقوله( :لدخل يف الكالم) أي لدخل ذلك املخرج يف حكم الكالم السابق ،حنو :جاء القوم إال
زيداً .فلوال االستثناء لدخل (زيد) يف حكم الكالم 4السابق وصدق عليه اجمليء.
وقولنا :بإال أو إحدى أخواهتا :هذا قيد إلخراج املخصصات املتصلة األخرى كالشرط والصفة،
ألن تعريف املصنف يصدق عليها ،ولعل املؤلف سكت عن هذا القيد لظهوره واهلل أعلم.
واعلم أن املعىن اللغوي لالستثناء 4متحقق يف املعىن االصطالحي ،ألن املستثىن معطوف عليه
بإخراجه من حكم املستثىن منه ،أو ألنه مصروف عن حكم املستثىن منه.
واالستثناء 4له شروط منها:
(?) أخرجه الرتمذي رقم 1352بتمامه ،وأبو داود على قوله (على شروطهم) رقم 3594وهو حديث صحيح بشواهده. 1
72
أن يبقى 4من املستثىن منه شيء .كأن يقول :له علي عشرة إال مخسة .فيلزمه مخسة، )1
فإن قال :له علي عشرة إال عشرة ،بطل االستثناء باإلمجاع ،كما نقله الرازي يف احملصول وابن
احلاجب يف خمتصر املنتهى إلفضائه إىل العبث 4،وكونه نقضاً كليّاً للكالم إال يف قول شاذ ،وإذا
بطل االستثناء لزمته العشرة كلها.
أما إذا استثىن األكثر كأن يقول :له علي عشرة إال ستة .ففيه خالف فأكثر األصوليني
على اجلواز ورجحه الشوكاين ،ومنعه آخرون منهم اإلمام أمحد وأصحابه ،وهو قول
للشافعي( )1وهذا اخلالف فيما إذا كان االستثناء من عدد.
أما إذا كان االستثناء من صفة فيصح استثناء 4األكثر أو الكل .ومنه قوله تعاىل إلبليس:
]إ ّن عبادي ليس لك عليهم سلطان إال من اتّبعك من الغاوين( )2([)42فاستثىن الغاوين وهم
أكثر من غريهم بدليل قوله تعاىل] :وما أكثر الناس ولو حرصت مبؤمنني( )3([)103ولو قال:
أعط من يف البيت إال األغنياء .فتبني أن اجلميع أغنياء صح االستثناء ومل يعطوا شيئاً.
أما استثناء 4أقل من النصف فهو جائز باإلمجاع ،نقله الشوكاين يف اإلرشاد( ،)4وأما
استثناء النصف ففيه اخلالف والصحيح ،اجلواز كاملثال املتقدم وهو قول اجلمهور من الشافعية
واملالكية 4واحلنفية ،والراجح عند احلنابلة.
الشرط الثاين من شروط االستثناء أن يكون متصالً بالكالم :إما حقيقة أو حكماً، )2
فاألول أن يكون املستثىن عقب املستثىن منه مباشرة بأن 4يقول :اعتق عبيدي إال سعيداً .والثاين
أن حيصل فاصل اضطراري كالعطاس والسعال وحنومها فيحكم له باالتصال ويصح االستثناء.
وعلى هذا فإن حصل فاصل بينهما من سكوت أو كالم بطل االستثناء عند اجلمهور،
وقيل يصح مع السكوت أو الفاصل إذا كان الكالم 4واحداً ،واستدل هؤالء حبديث ابن عباس
73
رضي اهلل عنهما .أن النيب rقال يوم فتح مكة( :إن هذا البلد حرمه اهلل يوم خلق السموات
واألرض ال يعضد شوكه وال خيتلى خاله .فقال العباس يا رسول اهلل :إال األذخر ،فإنه لقينهم
وبيوهتم .فقال :إال األذخر)( )1وهذا قوله وجيه لقوة دليله كما ترى.
قوله( :وجيوز تقدمي االستثناء على املستثىن منه) أي لوقوعه يف كالم العرب وغرض
املصنف بيان أنه ال يشرتط يف صحة االستثناء تأخري املستثىن عن املستثىن منه يف اللفظ ،بل جيوز
تقدميه وهو قول اجلمهور .ومنه قوله ( :rإين – واهلل – إن شاء اهلل ال أحلف على ميني فأرى
غريها خرياً منها إال كفرت عن مييين وأتيت الذي هو خري)( ،)2هكذا ميثل بعض األصوليني
املسودة (يف أصول الفقه من أن
وليس فيه استثناء باملعىن املتقدم ،ولعله مبين على ما جاء يف ّ
االشرتاط باملشيئة هو استثناء يف كالم النيب rوالصحابة ،وليس استثناء 4يف العرف النجوى)( )3أ
هـ.
وقد بوب البخاري رمحه اهلل يف صحيحه يف كتاب اإلميان والنذور فقال( :باب االستثناء يف
اإلميان) مث أورد احلديث :فاالستثناء عند الفقهاء أعم ،ومنه :لك هذا املنـزل ويل هذه الغرفة.
قوله( :وجيوز االستثناء من اجلنس ومن غريه) االستثناء من اجلنس هو االستثناء املتصل 4حنو :قام
القوم إال زيداً .وهو من املخصصات .واالستثناء من غري اجلنس هو املنقطع حنو :جاء القوم إال فرساً.
علي ألف دينار إال ثوباً .فيصح االستثناء وتسقط قيمة الثوب من األلف على القول بصحة االستثناء
وله ّ
املنقطع.
ووجه اشرتاط كون املستثىن من جنس املستثىن منه ،ألن االستثناء إخراج بعض ما دخل يف
املستثىن منه ،وغري جنسه مل يدخل حىت حيتاج إىل إخراج .وال خالف يف جواز االستثناء من اجلنس.
74
وأما من غري جنسه فاكثر األصوليني على جوازه لوروده يف القرآن الكرمي ويف كالم العرب .قال
()1
تعاىل] :يا أيها الذين ءامنوا 4ال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إال أن تكون جتارة عن تراض منكم[
وقال تعاىل] :ال يسمعون فيها لغواً إال سالما[( )2وقال الراجز:
إال اليعـافيـر وإال العيـس وبلـدة ليـس هبا أنيـس
واليعافري :وهي أوالد بقر الوحش .والعيس وهي اإلبل البيض 4خيالط بياضها شيء من الشقرة.
ليس واحد منها من جنس األنيس . .
والقول باجلواز هو الصحيح لقوة مأخذه ،وهو قول أكثر الشافعية واملالكية وبعض احلنابلة .وأما
الصحيح من الروايتني عند اإلمام أمحد رمحه اهلل فهو القول باملنع ،واختار الغزايل( )3وقال اآلمدي (ومنع
منه األكثرون).)4(4
علي ألف دينار ثوباً .على القول باجلواز تسقط قيمة الثوب من األلف كما
وعلى هذا فقوله :له ّ
تقدم .وعلى القول بعدم صحة االستثناء املنقطع يكون قوله :إال ثوباً .لغواً وتلزمه األلف كاملة .جاء يف
خمتصر اخلرقي( :ومن أقر بشيء واستثىن من غري جنسه كان استثناؤه باطالً( ). . )5واهلل أعلم.
75
)2الشـــرط
76
المطلـق والمقيـد
(والمقيد بالصفة يحمل عليه المطلق ،كالرقبة قيدت باإليمان في بعض المواضع،
وأطلقت في بعض المواضع ،فيحمل المطلق على المقيد).
هنا حبثان:
األول :يف املخصص الثالث وهو الصفة .الثاين :يف املطلق واملقيد.
أما األول :فاملراد بالصفة واملخصصة 4للعام :الصفة املعنوية 4وليس النعت 4املذكور يف علم النحو.
وهي :ما أشعر مبعىن يتصف به بعض أفراد العام من نعت أو بدل أو حال(.)1
فمثال النعت 4:هذا وقف على أوالدي احملتاجني.ومنه قوله ( :rمن باع خنالً مؤبراً فثمرهتا للبائع
إال أن يشرتط املبتاع)(.)2
فقوله (مؤبراً) صفة للنخل .ومفهومها 4أن النخل إن مل تؤبر فثمرهتا للمشرتي .ومثال البدل :هذا
وقف على أوالدي احملتاجني منهم ،ومنه قوله تعاىل] :وهلل على الناس حج البيت 4من استطاع إليه
سبيال[( )3فقوله ]من استطاع[ بدل من ]الناس[ فيكون وجوب احلج على املستطيع منهم.
ومثال احلال :قوله تعاىل يف جزاء الصيد] :ومن قبله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من
النعم[(.)4
فقوله (متعمداً) حال من املضمر املرفوع يف (قتله) وهو يدل على أن اجلزاء خاص بالعامد دون
املخطئ والناسي 4،وهذا على أحد القولني يف املسألة 4وهو األظهر إن شاء اهلل ،واهلل أعلم.
أما املبحث الثاين فهو :يف املطلق واملقيد ،وإمنا ذكره هنا ألن املطلق شبيه بالعام واملقيد شبيه
باخلاص ،لكن عموم العام مشويل وعموم املطلق بديل على املشهور .فإذا قيل :أكرم الطالب .فاملراد
الشمول فهذا عام .وإذا قيل :أكرم طالباً .فهذا فيه عموم من جهة أنه ال خيص فرداً بعينه 4بل هو شائع
يف مجيع األفراد ،لكن ال اجلمع .فإذا أكرم زيد – مثالً – مل يكرم غريه.
دل على شائع يف جنسه بال قيد. واملطلق لغة :ما خال من القيد .واصطالحاً :ما ّ
(?) أخرجه البخاري رقم 2090ومسلم رقم ،1543وأخرجه أصحاب السنن عن عبد اهلل ابن عمر رضي اهلل عنهما .والتأبري :تلقيح النخل .بوضع 2
77
فقولنا( :ما) أي لفظ .وهذا يشمل املطلق واملقيد وقولنا (على شائع يف جنسه) خيرج العلم
كزيد .والعام ألنه يستغرق مجيع أفراد اجلنس ال على أنه شائع فقط ،وقولنا :بال قيد :خيرج املقيد.
وأكثر مواضع املطلق النكرة يف سياق اإلثبات حنو :أكرم طالباً .ومنه قوله تعاىل] :والذين
يظهرون من نسائهم مث يعودون ملا قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا[(.)1
واملقيد لغة :ما وضع فيه قيد من إنسان أو حيوان.
واصطالحاً :ما دل على شائع يف جنسه مقيد بصفة من الصفات .حنو :أكرم طالباً مهذباً فـ
(طالباً) فرد شائع يف جنس الطالب .قيد هنا مبا يقلل شيوعه .فاملقيد هو مطلق حلقه قيد أخرجه عن
اإلطالق إىل التقييد.
واعلم أن األلفاظ يف هذا الباب ثالثة أقسام:
األول :ما جاء بال قيد .فهذا جيب العمل به على إطالقه .كقوله تعاىل] :وأمهات نسائكم[ فهذا
نص مطلق مل يقيد بالدخول فيعمل به على إطالقه ،فتحرم أم الزوجة مبجرد العقد على بنتها ،سواء
دخل هبا أم مل يدخل(.)2
الثاين :ما جاء مقيداً فيلزم العمل مبوجب القيد الوارد فيه وال يصح إلغاؤه ،كقوله تعاىل يف
كفارة الظهار ]فمن مل جيد فصيام شهرين متتابعني من قبل أن يتماسا[ فورد الصيام مقيداً بالتتابع
وبكونه قبل التماس واالستمتاع ،فيعمل به على تقييده 4هبذين القيدين(.)3
الثالث :أن يرد اللفظ مطلقاً يف نص ومقيداً يف نص آخر ،فيحمل املطلق على املقيد ،ومعىن محل
املطلق عليه أن يقيد املطلق بقيد املقيد .وذلك إذا كان احلكم واحداً .ومثاله :ما ذكره املصنف من أن
الرقبة قيدت باإلميان يف كفارة القتل يف قوله تعاىل] :فتحرير رقبة مؤمنة[( )4وأطلقت يف كفارة الظهار
يف قوله تعاىل] :فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا[( )5واحلكم واحد وهو حترير رقبة ،فيحمل املطلق
على املقيد ،ويشرتط اإلميان يف كفارة الظهار على أحد القولني يف املسألة4.
فإن اختلف احلكم عمل بكل منهما على ما ورد عليه من إطالق 4أو تقييد .ومثاله :آية الوضوء
قيدت فيها األيدي إىل املرافق ،كما قال تعاىل] :فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إىل املرافق[( )6ويف آية
(?) لشيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل يف هذا املوضوع انظرها يف جمموع 4الفتاوى (.)19/235 3
78
التيمم جاءت مطلقة ،قال تعاىل] :فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه[( )7واحلكم خمتلف ألنه يف الوضوء
غسل ،ويف التيمم مسح .فال حيمل املطلق على املقيد عند اجلمهور ،وقد دلت السنة على أن املسح يف
التيمم للكفني ،واهلل أعلم.
هذا وللمطلق واملقيد أحوال أخرى وقع فيها اخلالف أيضاً جتدها يف املطوالت.
79
المخصص المنفصل
80
وقوله (جيوز) أي بدليل وقوعه .ومثاله قوله تعاىل] :واملطلقات يرتبصن بأنفسهن ثالثة
قروء[( )1فهذه اآلية عامة يف املدخول هبا وغري املدخول هبا ،فخصت بقوله تعاىل] :يا أيها
الذين آمنوا 4إذا نكحتم املؤمنات 4مث طلقتموهن من قبل أن متسوهن فما لكم عليهن من عدة
تعتدوهنا[( )2فخرجت غري املدخول هبا من عموم اآلية األوىل فال عدة عليها هلذه اآلية.
ختصيص الكتاب بالسنة :ومثاله :قوله تعاىل] :وأحل لكم ما ورآء ذلكم[( .)3خص )2
حبديث( :ال تنكح املرأة على عمتها وال على خالتها)(.)4
ختصيص الكتاب باإلمجاع :وهذا مل يذكره املصنف وإمنا كان اإلمجاع خمصصاً ألنه مبثابة )3
نص قاطع شرعي .أما العام فهو ظاهر ظين عند اجلمهور ،فيقدم القاطع .قال ابن بدران (واحلق
أن التخصيص يكون 4بدليل اإلمجاع ال باإلمجاع نفسه)( )5ومثلوه بقوله تعاىل] :والذين يرمون
احملصنات مث مل يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم مثانني جلدة[( )6فاآلية عامة يف احلر والرقيق،
فخصت باإلمجاع على أن العبد القاذف جيلد على النصف من احلر.
ولكن هذا التمثيل فيه نظر ،ألنه ثبت اخلالف يف املسألة 4فقد ذكر القرطيب( )7رمحه اهلل.
أن من أهل العلم من يرى أنه جيلد مثانني كاحلر ،ومنهم ابن مسعود رضي اهلل عنه وعمر بن
عبد العزيز رمحه اهلل ،وإذا ثبت اخلالف فال إمجاع .وألنه قد يكون 4املخصص لآلية هو القياس،
ومن األمثلة :قوله تعاىل] :يا أيها الذين ءامنوا 4إذا نودي للصالة من يوم اجلمعة فاسعوا إىل ذكر
اهلل[ فإهنم أمجعوا على أنه ال مجعة على عبد وال امرأة(.)8
ختصيص الكتاب بالقياس :ومثاله قوله تعاىل ]الزانية والزاين فاجلدوا كل واحد منهما مائة )4
جلدة[( )9فإن عموم الزانية خص بالكتاب وهو قوله تعاىل] :فإن أتني بفاحشة فعليهن نصف ما
81
على احملصنات 4من العذاب[( )10فيقاس العبد الزاين على األمة يف تنصيف العذاب واالقتصار على
مخسني جلدة على املشهور.
القسم الثاين :ختصيص 4السنة .واملخصص هلا كتاب أو سنة مثلها أو قياس.
()1
)1ختصيص السنة بالكتاب :ومثاله قوله ( :rأمرت أن أقاتل الناس حىت يقولوا 4:ال إله إال اهلل)
خص بقوله تعاىل] :حىت يعطوا اجلزية عن يد وهم صاغرون[(.)2
)2ختصيص السنة بالسنة :ومثاله قوله ( :rفيما سقت السماء العشرة)( )3فهذا عام يف القليل
والكثري .خص بقوله ( :rليس فيما دون مخسة أوسق صدقة)(.)4
)3ختصيص السنة بالقياس :ومثاله قوله ( :rالبكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام)( )5فخص من
احلديث العبد قياساً على األمة اليت ثبت تنصيف احلد عليها بالقرآن كما تقدم .فيجلد العبد
مخسني جلدة كما ذكرنا يف ختصيص الكتاب بالقياس.
وختصيص الكتاب والسنة بالقياس هو املراد بقول املصنف (وختصيص 4النطق بالقياس) مث
بني أن املقصود بالنطق :الكتاب والسنة .وإمنا جاز ختصيص الكتاب والسنة بالقياس ألن القياس
يستند إىل نص من كتاب أو سنة ،فكأن 4املخصص هو ذلك النص ،فرجع األمر إىل ختصيص
الكتاب والسنة مبثلهما واهلل أعلم.
(?) هذا طرف من حديث صحيح أخرجه البخاري رقم 1412انظر جامع األصول (.)4/611 3
(?) أخرجه البخاري رقم 1340ومسلم رقم 979وهو طرف من حديث أيب سعيد رضي اهلل عنه. 4
(?) أخرجه مسلم رقم 1690والرتمذي رقم 1434وأبو داود رقم .4415 5
82
المجــمل ولمبيــن
(والمجمل ما افتقر إلى البيان .والبيان إخراج الشيء من حيز اإلشكال إلى حيز التجلي.ـ
والنص ماال يحتمل إال معنى واحداً .وقيل :ما تأويله تنزيله ،وهو مشتق من منصة
العروس وهو الكرسي).
اعلم أن اللفظ من حيث الداللة على املعىن له حالتان:
)1أن يدل على معىن واحد .وهذا هو النص كما سيأيت إن شاء اهلل.
)2أن حيتمل معنيني فأكثر .فإن كانا على حد سواء فهذا جممل ،وإن كان أحدمها أظهر من
اآلخر وأرجح فحمله على الراجح هو الظاهر ،ومحله على املرجوح هو املؤول.
واجململ لغة :اجملموع ،ومنه أمجل احلساب إذا مجع وجعل مجلة واحدة ،ويطلق على املبهم من
أمجل األمر أي أهبم .واملبهم أعم من اجململ عموماً مطلقاً ،فكل جممل مبهم ،وليس كل مبهم جممالً.
فإذا قلت لشخص :تصدق هبذا الدرهم على رجل .فهذا فيه إهبام .وليس فيه إمجال ألنه معناه ال إشكال
فيه.
واجململ اصطالحاً عرفه بقوله( :ما افتقر إىل بيان) فقوله (ما) أي لفظ (افتقر) أي احتاج إىل
بيان إما بقول أو بفعل ،ألن املراد منه مل يتضح ،وقيل :ما احتمل معنيني أو أكثر ال مزية ألحدمها أو
أحدها على اآلخر.
وأسباب اإلمجال ثالثة:
)1عدم معرفة املراد ،ومن أسبابه االشرتاك يف الداللة :وهذا إما يف املركب أو يف املفرد.
فاملركب :وهو ما كان اإلمجال فيه بالنظر إىل املطلوب من الرتكيب كقوله تعاىل] :إال أن
يعفون أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح[( )1الحتمال أن يكون 4الزوج وأن يكون 4الويل،
واملفرد إما اسم كقوله تعاىل] :واملطلقات يرتبص بأنفسهن 4ثالثة قروء[( )2فالقرء مرتدد بني
معنيني :الطهر واحليض .ولذا وقع اخلالف بني العلماء :هل تكون 4الثالثة قروء هذه حيضات
أو أطهاراً؟ وقد يكون املفرد فعالً كقوله تعاىل] :والليل إذا عسعس[( )3لرتدده بني أقبل
وأدبر ،أو حرفاً كقوله تعـاىل] :فتيمموا صعيداً طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم
منه[( )4لرتدد (من) بني ابتداء الغاية أي مبدأ املسح من الصعيد الطيب فال يتعني ما له غبار.
(?) سورة البقرة ،آية.237 : 1
83
أو تكون 4للتبعيض ،فيتعني الرتاب الذي له غبار يعلق باليد .ولذا وقع اخلالف يف ذلك ،وال
يزول اإلمجال فيما ذكر إال بتعيني املراد.
)2عدم معرفة الصفة .ويزول اإلمجال ببيان 4الصفة ،ومثاله قوله تعاىل] :وأقيموا الصالة )1([4فإن
صفة إقامة الصالة 4جمهولة حتتاج إىل بيان ،فحصل بياهنا بالقول والفعل من الرسول .r
)3عدم معرفة املقدر .ويزول اإلمجال ببيان املقدار .ومثاله قوله تعاىل] :وءاتوا 4الزكاة[( )2فإن
مقدار الزكاة حيتاج إىل بيان فحصل بيانه بقول الرسول .r
واعلم أن اإلمجال وإن كان قد ورد يف الشريعة وأنه نوع من تعبد اهلل تعاىل للعباد ،فإنه مل يبق فيها
جممل ،ألن النيب rقد بني ألمته مجيع شريعته ،كما قال " rلقد تركتم على مثل البيضاء ،ليلها
كنهارها ال يزيغ بعدي عنها إال هالك"( )3ومل يرتك البيان 4عند احلاجة إليه أبداً .فإن وقع للمجتهد
شيء من ذلك فقد يكون لعدم اطالعه على املبنّي هلذا اإلمجال .فيكون 4نسبيّاً واهلل أعلم.
قوله( :والبيان 4إخراج الشيء من حيز اإلشكال إىل حيز التجلي) ملا عرف اجململ .عرف البيان
الفتقار اجململ إليه .وهو لغة :الظهور والوضوح يقال :بان األمر وتبني مبعىن اتضح وانكشف.
وأما يف االصطالح فهو يطلق على التبيني وهو فعل املبني .ويطلق على الدليل الذي حصل به
البيان ،ويطلق على العلم الذي يستفاد من الدليل ،واملصنف 4جرى على األول وهو األشهر ،فعرفه بأنه
إظهار املعىن للمخاطب وإيضاحه فقال (إخراج الشيء . .إخل).
وهذا التعريف مبين على ما درج عليه أكثر األصوليني حيث خصوا البيان 4بإيضاح ما فيه خفاء.
ومنهم من يطلقه على كل إيضاح ،سواء تقدمه خفاء أم ال.
وقد انتقد املصنف نفسه هذا التعريف يف كتابه (الربهان)( )4وذلك لورود عبارات ال ينبغي 4إيداعها
التعاريف مثل :احليز ،وذلك أن التبيني أمر معنوي ،واملعىن ال يوصف باالستقرار يف احليّز ،ألن احليّز هو
الفراغ املتوهم الذي يشغله شيء ،وهو من ألفاظ املتكلمني.
وممن انتقده اآلمدي( )5ألنه غري جامع ،فإن املبنّي ابتداء :الذي مل يسبق بإمجال مثل :مساء ،أرض،
خاصاً ببيان اجململ كما ذكرنا.
جدار .ال يدخل يف هذا التعريف مع أنه بيان .فيكون 4التعريف ّ
(?) رواه أمحد ( )4/126واحلاكم ( )1/96وابن ماجه رقم 43وهو حديث صحيح له شواهد فانظر السنة البن عاصم (.)1/27 3
84
قوله( :إخراج الشيء) :املراد باإلخراج إظهار معىن املبنّي للمخاطب وإيضاحه ،وهذا على أن البيان4
يطلق على فعل املبنّي ،وهو التبيني كما قدمنا.
وقوله( :من حيز اإلشكال) :أي من صفة وحال اإلشكال .واإلشكال :هو خفاء املراد حبيث ال
يدرك املقصود من اللفظ.
قوله( :إىل حيز التجلي) :أي الظهور والوضوح .وذلك يتم ببيان 4الصفة أو املقدار أو تعيني املراد
كما تقدم.
قوله( :والنص 4ما ال حيتمل إال معىن واحداً) ملا عرف اجململ وعرف البيان 4ذكر النص ،ألنه هو املبني
للمجمل .وهو لغة :عبارة عن الظهور ،ومنه مسي كرسي العروسة منصة ،لظهورها عليه ،وسيذكر
املصنف ذلك.
والنص 4اصطالحاً عرفه بقوله( :ما حيتمل إال معىن واحداً) .فقوله( :ما) أي لفظ .وقوله (ال حيتمل
إال معىن واحداً) أي يدل على معىن واحد قطعاً ،وال حيتمل غريه .وهذا هو النص الصريح.
ومثاله قوله تعاىل] :حممد رسول اهلل[ فاآلية نص صريح يف أن حممداً rرسول اهلل .وقوله تعاىل:
]للذين يؤلون 4من نسائهم تربص أربعة أشهر[( )1فاآلية نص يف قدرة مدة الرتبص4.
قال القاضي أبو يعلى( :والصحيح أن يقال :النص ما كان صرحياً يف حكم األحكام وإن كان
يعز وجوده ). .والظاهر أن
اللفظ حمتمالً يف غريه ،وليس من شرط أال حيتمل معىن واحداً ،ألن هذا ّ
هذا النص غري الصريح ،واهلل أعلم.
ويطلق النص عند الفقهاء على كل ما ورد يف الكتاب والسنة أنه نص ،فيقال لنا النص واملعىن،
ونصوص الشريعة متضافرة بذلك . .وهو هبذا االصطالح يقابل اإلمجاع والقياس(.)2
وقوله( :وقيل ما تأويله تنـزيله) هذا تعريف آخر للنص.
وقوله( :تأويله) :أي محله على معناه وفهم املراد منه.
(تنـزيله) :أي مبجرد نزوله يفهم معناه ،وال يتوقف فهم املراد على تأويل أي :على تفسري .ألنه ال
حيتمل إال معىن واحداً كما تقدم(.)3
والتعريف األول الذي ذكره املصنف 4أدق من هذا ،ألنه قد يدخل فيه الظاهر ،ألنه مبجرد مساعه
يفهم منه معناه الظاهر من غري احتياج إىل شيء آخر ،وإن احتمل غريه مرجوحاً.
(?) انظر العدة أليب يعلى ( )1/138رسالة يف أصول الفقه للعكربي ص ،105وأصول الفقه للربديسي ص 366شرح تنقيح الفصول ص،36 2
85
قوله( :وهو مشتق من منصة العروس وهو الكرسي) يشري بذلك إىل أن النص يف وضوحه يشبه
العروس اجلالسة على مرتفع ال ختفى على أحد .وال حيتمل أن تكون غريها هي ،فكذلك النص يف
ظهوره الذي ال حيتمل إال معىن واحداً.
والظاهر أن املراد بقوله( :وهو مشتق من منصة العروس) االشتقاق املعنوي 4وهو االرتفاع والظهور.
ال االشتقاق اللغوي .ألن (منصة) بكسر امليم اسم آلة مشتقة من املصدر وهو النص .وليس النص مشتقاً
منها .واهلل أعلم.
الظــاهر والمــؤول
(والظاهر ما احتمل أمرين أحدهما أظهر من اآلخر .ويؤول الظاهر بالدليل ،ويسمى
الظاهر بالدليل).ـ
الظاهر لغة :الواضح .وقال بعضهم :لفظه يغين عن تفسريه .واصطالحاً عرفه بقوله( :ما احتمل
أمرين أحدمها أظهر من اآلخر).
فقوله( :ما) :أي لفظ.
وقوله( :احتمل أمرين) :أي معنيني أو أكثر ،ألن الظاهر قد يكون له عدة احتماالت ،هو يف
أحدمها أظهر .وهذا خيرج النص ملا تقدم.
وقوله( :أحدمها) :أي أحد املعنيني ،وهو املعىن الذي يتبادر إىل الذهن مبجرد السماع ،وهذا
خيرج اجململ ألنه ال يتبادر فيه واحد من املعنيني.
وقوله( :أظهر من اآلخر) :للظهور أسباب منها:
)1احلقيقة ويقابلها اجملاز .حنو :رأيت أسد .فهو حيتمل أن يكون املراد احليوان 4املفرتس ،وهو
الظاهر ألنه موضوع له ،وحيتمل الرجل الشجاع ،ومحله عليه تأويل ال يقبل إال بقرينة.
)2االكتفاء وعدم التقرير ،ألن هذا هو األصل ،فقوله تعاىل] :وجاء ربك[( )1ظاهره أن اهلل
تعاىل جييء بنفسه ،وادعاء أن املراد (جاء أمر ربك) تأويل على خالف الظاهر.
)3اإلطالق وعدم التقييد كقوله تعاىل يف كفارة الظهار] :فتحرير رقبة[( )2الظاهر أن الرقبة
غري مقيدة باإلميان ،وتقدم ذلك يف باب املطلق واملقيد.
86
()1
)4العموم .فألفاظ العموم ظاهرة فيه مع احتمال اخلصوص 4.ومحلها على اخلصوص تأويل
ومن أمثلة الظاهر ما ورد يف حديث الرباء بن عازب رضي اهلل عنه قال :سئل رسول اهلل r
عن الوضوء من حلوم اإلبل .فقال" :توضأوا 4منها " . .احلديث(.)2
فإن الظاهر من احلديث أن املراد غسل األعضاء األربعة ،ألن الوضوء حقيقة شرعية حيمل يف
كالم الشرع على مراده ،وال يصح محله على املعىن الثاين وهو النظافة إال بدليل وال دليل ،فيكون 4ظاهراً
يف املعىن األول.
قوله( :ويؤول الظاهر بالدليل) :أي يصرف اللفظ عن ظاهره بالدليل .وهذا يفيد أن حكم الظ4اهر
أنه ال يع 44دل عنه إال ب 44دليل ص 44حيح يص 44رفه عن ظ 44اهره ،ويك 44ون 4ال 44دليل أق 44وى من الظ 44اهر ،وإال فيجب
العمل بالظاهر.
ومحل اللفظ على املعىن الظ 44 4اهر ال حيت 44 4اج إىل دلي 44 4ل ،ألن ه 44 4ذا هو األص 44 4ل ،وألن العمل بالظ 44 4اهر
طريقة الس44لف الص44احل من ه44ذه األم44ة ،وألنه أح44وط وأب44رأ للذم44ة ،وأق44وى يف التعب44د ،وأدل على االنقي44اد.
فإذا صرف اللفظ عن ظاهره بدليل صار مؤوالً.
واملؤول لغ44ة :م44أخوذ من األول مص44در آل ي44ؤول أوالً :إذا رج44ع .نق44ول :آل األمر إىل فالن .أي:
رجع إليه.
واصطالحاً :محل اللفظ على املعىن املرجوح.
أي :ص44رف اللفظ عن ظ44اهره املتب44ادر منه إىل معىن مرج44وح غري متب44ادر لل44ذهن .ومثاله قوله تع44اىل:
]فق44 4وىل إين ن44 4ذرت لل44 4رمحن ص44 4وما[( )3فلفظ الص44 4وم 4يف اآلية حيتمل معن44 4يني :أح44 4دمها وهو الظ44 4اهر مبعىن
الص44وم الش44رعي وهو اإلمس44اك عن املفط44رات .والث44اين وهو املرج44وح مبعىن اإلمس44اك عن الكالم 4.وه44ذا هو
املراد من اآلية بدليل ]فلن أكلم اليوم 4إنسيّا[(.)4
وهذا هو التأويل يف اصطالح األصوليني( .)5وهو ال يكون صحيحاً مقبوالً إال بثالثة 4شروط:
األول :أن يكون اللفظ قابالً للتأويل .بأن يكون 4املعىن املرجوح مما حيتمله اللفظ .فص44رف الع44ام –
مثالً – عن عمومه وإرادة بعض أفراده بدليل هو تأويل ص44حيح ،ألن الع44ام حيتمل اخلص44وص 4فقوله تع44اىل:
(?) أخرجه أبو داود رقم 184وغريه وهو حديث صحيح وملسلم مبعناه .انظر صحيح مسلم رقم .360 2
(?) ويطلق 4التأويل على التفسري وهو توضيح الكالم بذكر معناه املراد به ويطلق على مال الكالم إىل حقيقته .فإن كان خرباً فتأويله وقوع املخرب به وإن 5
87
]ح 4ّ 4رمت عليكم امليتة[( )1نص ظ 44اهر يف حترمي جلد امليت 44ة .لكن ص 44رف ه 44ذا العم 44وم عن ظ 44اهر قوله :r
"هال أخذمت إهاهبا فانتفعتم به"(.)2
ف 44إن ك 44ان اللفظ ال حيتمل املعىن املرج 44وح أص4 4الً فهو تأويل فاسد م 44ردود ،كقوله تع 44اىل] :ال 44رمحن
ص4ا يليق باهلل عز وج44ل .وه44ذا على الع44رش اس44توى[ ف44إن ظ44اهره أن اهلل تع44اىل عال على الع44رش عل4ّ 4واً خا ّ
()3
وهو املراد .وص 44 4رفه إىل معىن االس 44 4تيالء وامللك باط 44 4ل ،ألنه ال يع 44 4رف يف اللغة االس 44 4تواء مبعىن االس44 4تيالء
وامللك.
الشرط الثاين :أن يقوم دليل صحيح على ص44حة ص4رف اللفظ عن ظ44اهره ،إىل املعىن املرج44وح ،فال
يصح التأويل مبج44رد االحتم44ال .ألن األصل العمل بالظ44اهر وع44دم ص44رف ال44دليل عن ظ44اهره – كما تق44دم
– فالع44ام على عموم44ه .وال يقصر على بعض أف44راده إال ب44دليل .واملطلق على إطالقة وال يع44دل عن إطالقة
إىل تقيي44 4ده إال ب44 4دليل .وظ44 4اهر األمر الوج44 4وب فال حيمل على الن44 4دب أو غ44 4ريه إال ب44 4دليل .وظ44 4اهر النهي
التحرمي فال حيمل على الكراهة – مثالً – إال بدليل.
ف44إن مل يوجد دليل أص 4الً فهو تأويل فاسد م44ردود ،ألنه دع44وى بال بره44ان ،كقول44ك :رأيت أس44داً.
تريد رجالً شجاعاً.
وه44ذا الن44وع 4من التأويل متتلئ به كتب الش44يعة والباطني44ة 4.حيث فس44روا ألف44اظ الق44رآن مبا ال حتتمله
من ق 44ريب وال بعي 44د .وحرفوها عن م 44دلوهلا احلقيقي 4إىل م 44دلوالت ال وج 44ود هلا إال يف عق 44ول أص 44حاهبا،
فيفسرون (النور) يف قوله تعاىل] :فآمنوا باهلل ورس44وله والن44ور ال44ذي أنزلنا )4([. . .ب44أن املراد :ن44ور األئمة
من آل البيت .ويف قوله تعاىل] :ال تتخذوا إهلني اثنني إمنا هو إله واح ٌد[( )5ق4الوا :يعىن ب4ذلك وال تتخ4ذوا
إمامني إمنا هو إمام واحد .وغري ذلك كثري(.)6
ومن التأويل الفاسد املردود تأويل املعطلة يف ب 44 4 4اب األمساء والص 44 4 4فات ،ألنه تأويل ليس عليه دليل
صحيح.
الش 44رط الث 44الث :أن يك 44ون 4هن 44اك م 44وجب للتأوي 44ل .ب 44أن يك 44ون ظ 44اهر النص خمالف 4اً لقاع 44دة مق 44ررة
معلومة من ال44 4 4 4دين بالض44 4 4 4رورة ،أو خمالف4 4 4 4اً لنص أق44 4 4 4وى منه س44 4 4 4نداً .ومث44 4 4 4ال ذل44 4 4 4ك .قوله " :rاجلار أحق
(?) انظر (مسألة التقريب بني أهل السنة والشيعة) 1/214للدكتور 4ناصر القفاري. 6
88
بص44قبه" .)1(4والص44قب 4:الق44رب واملالص44قة 4.وهو املعىن ال44راجح .وحيتمل أن املراد الش44ريك .وهو املرج44وح.
فلما ج 44اء ح 44ديث "إذا وض 44عت احلدود وص 4ّ 4رفت الط 44رق فال ش 44فعة"( )2منع إرادة اجلار املالص 44ق ،وتعني
محل احلديث األول على الش44 4ريك ،ألنه ال ض44 4رب حلدود وال ص44 4رف لط44 4رق إال يف الش44 4ركة .أما اجلريان4
فكل على حدوده ،وطرقه .فمن محله على الشريك قال :ال شفعة جلار ،واهلل أعلم.
قول 44ه( :ويس 44مى الظ 44اهر بال 44دليل) أي أن املؤول يصري ظ 44اهراً بس 44بب ال 44دليل ،ألن الظ 44اهر نوع 44ان4:
ظ 44اهر من جهة اللف 44ظ ،وظ 44اهر من جهة ال 44دليل ،فهو ظ 44اهر مقي 44د ،ويفهم منه أن ال 44دليل البد أن يك 44ون
قويّاً ليكون املرجوح راجحاً ،ألن ماال يصريه 4الدليل راجحاً ال يكون 4ظاهراً .واهلل أعلم.
89
األفعـــالـ
(فعل صاحبـ الشريعة ال يخلو إما أن يكـون على وجه القربة والطاعة أو غـير ذلـك ،فـإن
د ّل الــدليل على االختصــاص به يحمل على االختصــاص ،وإ ن لم يــد ّل ال يختص بــه ،ألن
اهلل تعــالى يقــول] :لقد ك ــان لكم في رس ــول اهلل أســوة حســنة[( )1فيحمل على الوج ــوب عند
بعض أصحابنا .ومن أصحابنا من قــال :يحمل على النــدب .ومنهم من قــال :يتوقف فيــه.
فإن كان على غير وجه القربة والطاعة فيحمل على اإلباحة في حقه وحقنا).ـ
أفع44ال الرس44ول rمن أقس44ام الس44نة ،ألن الس44نة هي قوله rوفعله وتقري44ره .وقد ذكر هنا األفع44ال
مث اإلق 44رار وأما األق 44وال ف 44ذكرها فيما بعد يف ب 44اب (األخب 44ار) وك 44ان األوىل باملص 44نف أن جيمعها يف ب 44اب
مستقل كما هي طريقة كثري من األصوليني.
وقد عين األص44وليون باألفع44ال ،وأف44ردوا فيها مص44نفات مس44تقلة ،ألهنا من أدلة األحك44ام الش44رعية،
وال خالف يف ذلك.
قوله( :فعل صاحب الشريعة) أي النيب .r
قوله( :ال خيلو إما أن يكون على وجه القربة والطاعة . . .إخل) أي أن األفعال هلا حالتان:
األوىل :أن يكون فعلها على وجه القربة والطاعة.
الثانية :أال يكون على وجه القربة والطاعة(.)2
فإن كان على وجه القربة والطاعة فال خيلو من حالني:
األوىل :أن يدل دليل على االختصاص به.
الثانية :أال يدل دليل على االختصاص به.
قوله( :فإن دل الدليل على االختصاص 4به حيمل على االختصاص) 4أي :حيكم باخلصوصية لوجود
ال44دليل ،وليس ألحد أن يفعله مثل44ه ،وذلك كزيادته يف النك44اح على أربع نس44وة لقوله تع44اىل] :يا أيها النيب
إنّا أحللنا أزواجك[( )3وكن أك 44ثر من أرب 44ع ،وكالوص 44ال يف الص 44وم 4،والنك 44اح بلفظ اهلب 44ة ،وغري ذلك مما
يدل عليه القرآن أو السنة(.)4
(?) انظر شرح الكوكب املنري ( )1/385وانظر غاية املرام ص.148 2
(?) انظر كتاب ( غاية السول يف خصائص الرسول ) rالبن امللقِّن. 4
90
قول44 4ه( :وإن مل ي44 4دل ال خيتص ب44 4ه) أي إن مل ي44 4دل ال44 4دليل على أن ه44 4ذا الفعل خ44 4اص به مل حيكم
باخلصوص 44ية ،وه 44ذا هو األص 44ل ،أعين ع 44دم اخلصوص 44ية إال ب 44دليل .ألن األصل التأسي 4به rلقوله تع 44اىل:
]لقد كان لكم يف رسول اهلل أسوة حسنة[( )1فيك4ون 4ه4ذا النص معم4والً به حىت يق44وم ال4دليل املانع ،وهو
ما يوجب اخلصوصية.
وقوله تعاىل] :لقد كان لكم يف رسول اهلل أسوة حسنة[( )2األسوة 4:بضم اهلم44زة وكس44رها لغت44ان.
ق44 4 4رئ هبما يف الس44 4 4بعة مبعىن الق44 4 4دوة .ق44 4 4ال ابن كثري رمحه اهلل( :ه44 4 4ذه اآلية الكرمية أصل كبري يف التأسي
برسول اهلل rيف أقواله وأفعاله وأحواله)(.)3
قول44ه( :فيحمل على الوج44وب عند بعض أص44حابنا . .إخل) أي :ف44إذا ك44ان الفعل على وجه القربة
والطاعة وال دليل على االختص44اص 4ففيه خالف ،ومثاله ما ورد عن ش44ريح بن ه44انئ ق44ال :س44ألت 4عائشة
رضي اهلل عنها :بأي شيء كان يبدأ الرسول rإذا دخل بيته .قالت :بالسواك(.)4
فالس 44واك عند دخ 44ول ال 44بيت 4فعل جمرد مل ي 44رد به ق 44ول ،وفعله على وجه القرب 44ة ،فه 44ذا فيه خالف
على أقوال ذكر املصنف منها ثالثة:
قوله( :فيحمل على الوجوب عند بعض أصحابنا) ه44ذا الق44ول األول وهو وج44وب اتب44اع 4األمة ل44ه.
وقوله (عند بعض أص44 4حابنا) أي الش44 4افعية .يعين ابن س44 4ريج وابن أيب هري44 4رة – ومها من كب 44ار الش44 4افعية،
وهو رواية عن اإلم 44ام أمحد ذكرها أبو يعلى وهو ق 44ول اإلم 44ام مال 44ك .ودليلهم قوله تع 44اىل] :وما ءات 44اكم
الرس 44ول فخ44 4ذوه[( .)5واس44 4تبعد 4ه44 4ذا الق44 4ول إم44 4ام احلرمني يف الربه44 4ان 4.وأما اآلية فمعناه44 4ا :ما أم 44ركم به
الرس44ول rفخ44ذوه ب44دليل ]وما هناكم عنه ف44انتهوا )6([4وعلى الق44ول ب44أن اآلية ظ44اهرة يف غ44رض املس44تدل،
لكن تطرق االحتمال يضعف االستدالل.
وقول 44ه( :ومن أص 44حابنا من ق44 4ال :حيمل على الن44 4دب) ه44 4ذا الق 44ول الث 44اين وهو أنه يس 44تحب لألمة
اتباعه فيما فعله على وجه القربة .وهو قول لبعض الشافعية كما ذكر املصنف 4،وقول الظاهرية وهو ق44ول
91
أك 44ثر احلنفي 44ة 4،ورواية عن اإلم 44ام أمحد .ذكرها القاضي أبو يعلى .ورجح ه 44ذا إم 44ام احلرمني يف الربه 44ان4،
وتبعه الغ44زايل يف املنخ44ول ،ورجحه الش44وكاين يف اإلرش 44اد ،ألنه أقل ما يتق 44رب به هو املن 44دوب ،وال دليل
يدل على زيادة على الندب ،فوجب القول به(.)1
قول 44 4 4ه( :ومنهم من ق 44 4 4ال يتوقف في 44 4 4ه) ه 44 4 4ذا هو الق 44 4 4ول الث 44 4 4الث ،وهو التوقف لع44 4 4دم معرفة املراد
ولتع44ارض األدل44ة .وه44ذا أض44عف األق44وال ،ق44ال الش44وكاين( :وعن44دي أنه ال معىن للوقف يف الفعل ال44ذي قد
ظهر فيه قصد القرب 44ة .ف 44إن قصد القربة خيرجه عن اإلباحة إىل ما فوقه 44ا .واملتيقن مما هو فوقها الن 44دب) أ
هـ(.)2
وال44 4راجح – واهلل أعلم – هو الق44 4ول بالن44 4دب ،ألن القرب44 4ة ،طاعة وهي غري خارجة عن ال44 4واجب
واملندوب ،والقدر املشرتك 4بينهما ترجيح الفعل على الرتك ،وهذه حقيقة املندوب ،قال شيخ اإلس44الم 4ابن
تيمية رمحه اهلل( :وما فعله النيب rعلى وجه التعبد فهو عب44ادة ،يش44رع التأسي 4به في44ه ،ف44إذا خصص زمان4اً
أو مكاناً بعبادة كان ختصيصه تلك العبادة سنة .)3() . . .
قول44 4ه( :ف44 4إن ك44 4ان على غري وجه القربة والطاعة فيحمل على اإلباحة يف حقه وحقن 44ا) .ه 44ذه هي
احلال الثانية لألفعال النبوية 4.وهو الذي مل يظهر فيه قصد القربة .ويدخل حتت هذا نوعان(.)4
)1ما فعله مبقتضى اجلبلة والبشرية كالقيام والقعود والنوم واألكل والشرب ،فهذا ال حكم له يف
ذاته ألنه ليس من باب التكليف ،ألن التكليف فيما ميكن فعله وتركه ،وه44ذه األفع44ال ليست
مش44 4 4روعة ل44 4 4ذاهتا أو مقص44 4 4وداً هبا التأس44 4 4ي 4،ألن كل ذي روح من البشر ال خيلو عنها إال إذا
ك44ان ه44ذا الفعل له هيئة معين44ة ،كص44فة أكله وش44ربه ونومه وحنو ذل44ك ،فه44ذا له حكم ش44رعي،
كما دلت عليه النصوص4.
)2ما فعله وفق الع4ادات ،وذلك كلباسه rفه4ذا الن4وع 4مب4اح مل يقصد به التش4ريع فال اس4تحباب
للمتابع 44ة ،ألن اللب 44اس منظ 44ور فيه إىل الع 44ادة اليت اعتادها أهل البل 44د ،وهلذا مل يغري الرس 44ول r
(?) انظر الربهان إلمام احلرمني ( )1/322العدة يف أصول الفقه ( )3/734شرح تنقيح الفصول ص 288املنخول ص ،226إرشاد الفحول ص.36 1
92
لباسه ال44 4ذي ك44 4ان يلبسه قبل النب44 4وة( ،)5وإمنا وضع اإلس44 4الم ش44 4روطاً وض44 4وابط للب 44اس الرجل
واملرأة تستفاد من الكتاب والسنة.
وبقي من األفع44 4ال ن44 4وع آخر وهو ما فعله rبيان 4 4اً جملم44 4ل ،فه44 4ذا حكمه حكم اجملم 44ل ،ف 44إن ك 44ان
واجباً فالفعل واجب .وإن كان مندوباً فالفعل مندوب .لكنه واجب على الرس44ول rمطلق4اً حىت حيصل
البالغ ،مث يكون حكمه كحكم األمة يف ذلك.
فمثال الواجب :مسحه الرأس كله( )1بياناً لقوله تعاىل] :وامسحوا برءوسكم[(.)2
ومث44ال املن44دوب :ص44الته rركع44تني عند املق44ام بعد طوافه( )3بيان4اً لقوله تع44اىل] :واختذوا من مق44ام
إبراهيم مصلى[( )4وقد نقل احلافظ ابن حجر يف فتح الباري اإلمجاع على جواز ركعيت الط4واف على أي
جهة من جهات الكعبة( )5واهلل أعلم.
(?) للشيخ سليمان بن سحمان – رمحه اهلل – كالم ماتع حول هذا املوضوع يف رسالته (إرشاد الطالب إىل أهم املطالب) ص 29وما بعدها. 5
(?) أخرجه البخاري رقم 183ومسلم رقم 235من حديث عبد اهلل بن زيد رضي اهلل عنه. 1
93
اإلقــــرار
(وإ قرار صاحب الشريعة على القول هو قول صاحبـ الشريعة .وإ قراره على الفعل
كفعله .وما فعل في وقته في غير مجلسه وعلم به ولم ينكره ،فحكمه حكم ما فعل في
مجلسه).
ملا بني حكم الفعل ذكر بعده اإلقرار ،ألنه من السنة كما تقدم ،وصورته أن يسكت النيب rعن
إنكار قول أو فعل بني يديه أو يف عصره وعلم به ،فكل أمر أقر الرسول rعليه ومل ينكر على فاعله،
فإن كان قوالً فهو كقوله ،rوإن كان فعالً فهو كفعله ،rألنه rمعصوم عن أن يقر أحداً على خطأ
أو معصية 4فيما يتعلق بالشرع.
مثال اإلقرار على الفعل :إقراره rاحلبشة يلعبون يف املسجد من أجل التأليف على اإلسالم ،كما
يف حديث عائشة رضي اهلل عنها قالت :رأيت رسول اهلل rيوماً على باب حجريت واحلبشة يلعبون
حبراهبم يف املسجد .احلديث(.)1
ومثاله – أيضاً – إقراره rقيس بن عمرو رضي اهلل عنه على قضاء ركعيت الفجر بعد الصالة
مع أن الوقت وقت هني( .)2ومثال اإلقرار على القول :إقراره rأبا بكر رضي اهلل عنه على قوله بإعطاء
سلب القتيل لقاتله(.)3
قوله( :وما فعل يف وقته يف غري جملسه . .إخل) أي :وما فعله املكلف أو قاله (يف وقته) أي زمان
حياته ( rيف غري جملسه) أي :حبيث ال يشاهده ،ولكنه (علم به ومل ينكره فحكمه ما فعل يف جملسه)
أي يف داللته على جواز ذلك الفعل أو القول ،وهذا يشمله ما تقدم يف قوله (وإقرار صاحب الشريعة
). . .لكنه صرح به لإليضاح ،ودفع توهم االختصاص 4مبا يف جملسه .ومثال ذلك :قصة معاذ رضي اهلل
عنه حيث كان يصلي العشاء مع النيب rمث ينصرف إىل قومه ويصلي هبم( ،)4فهي له تطوع وهلم
فريضة ،وهذا ليس يف القوة كالواقع بني يديه rالحتمال أنه مل يبلغه rوإن كان الغالب على الظن أن
رسول اهلل rكان يعلم األئمة الذين يصلون يف قبائل املدينة 4،ومما يؤكد ذلك قصة األعرايب الذي شكا
إىل النيب rتطويل معاذ ،كما يف حديث جابر رضي اهلل عنه(.)5
(?) أخرجه البخاري رقم 443ومسلم رقم .892واحلراب :بكسر احلاء مجع حربة وهي اآللة دون الرمح .انظر كتاب (احلرف والصناعات يف 1
94
وقد استدل حبديث معاذ من أجاز صالة املفرتض خلف املتنقل ،وهي مسألة خالفية .واهلل أعلم
بالصواب.
النســـخ
(وأما النسخ فمعناه لغة :اإلزالة ،يقال :نسخت الشمس الظل :إذا أزالته .وقيل معناه:
النقل .من قولهم :نسخت ما في هذا الكتاب أي نقلته.
وحده :هو الخطاب الدال على رفع الحكم الثابت بالخطابـ المتقدم على وجه لواله
لكان ثابتاً مع تراخيه عنه).
النسخ يف اللغة يطلق على معنيني:
)1الرفع واإلزالة .يقال :نسخت الشمس الظل أي أزالته .ونسخت الريح األثر :أزالته .قال
تعاىل] :فينسخ اهلل ما يلقى الشيطان[(.)1
)2النقل :يقال :نسخت ما يف الكتاب أي نقلته مع بقائه يف نفسه .ألن ما يف الكتاب مل ينقل
حقيقة ،قال تعاىل] : :إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون[(.)2
قوله( :وحده :اخلطاب الدال على رفع احلكم . .إخل) حده :أي معناه االصطالحي،
وهذا تعريف الناسخ ،ألنه هو اخلطاب ،ال تعريف النسخ الذي هو رفع احلكم أو اللفظ،
لكن يؤخذ منه تعريف النسخ ،ألنه يلزم من كون الناسخ هو اخلطاب الدال على الرفع أن
يكون 4مدلول اخلطاب هو النسخ الذي هو رفع احلكم ،فالرافع هو اخلطاب .والرفع هو
النسخ .فهما متالزمان 4إذ ال رفع إال خبطاب.
قوله( :اخلطاب) املراد به :الكتاب والسنة .فالناسخ هو الكتاب والسنة ،وال نسخ باإلمجاع
وال القياس ،أما اإلمجاع فألنه ال ينعقد إال بعد وفاته ،rوبعد وفاته ال ميكن النسخ ألنه تشريع ،وإمنا
يقع النسخ مبستند اإلمجاع .وأما القياس فألن النص مقدم عليه .وال يصار إليه إال عند عدم النص.
والناسخ يف احلقيقة هو اهلل تعاىل ويطلق على النص الناسخ ،فيقال :هذه اآلية ناسخة لكذا.
قوله( :الدال على رفع احلكم) املراد برفع احلكم تغيريه 4من إجياب إىل إباحة كنسخ الصدقة
عند مناجاة الرسول rكما سيأيت إن شاء اهلل .أو من إباحة إىل حترمي كنسخ إباحة اخلمر املنصوص 4عليه
95
يف قوله تعاىل] :تتخذون منه سكرا ورزقاً حسناً[( )1وغري ذلك .وقد يكون 4النسخ برفع اللفظ – كما
سيذكره املصنف 4.وإمنا اقتصر على نسخ احلكم ألنه هو الغالب.
قوله( :الثابت 4باخلطاب املتقدم) :هذا صفة للحكم املنسوخ .وباخلطاب :متعلق بالثابت.
واملتقدم :أي يف الورود إىل املكلفني .فهو متقدم على اخلطاب الدال على الرفع.
وهذا القيد إلخراج رفع احلكم الثابت 4بالرباءة األصلية فليس بنسخ ،ذلك أن ابتداء العبادات يف
الشرع مزيل حلكم الرباءة 4األصلية ،وهي عدم التكليف ،وليس هذا نسخاً ،ألن الرباءة 4مل تثبت خبطاب
من الشرع.
وقوله( :على وجه لواله لكان ثابتاً) :وجه مبعىن :حال .والضمري يف قوله (لواله) يعود على
اخلطاب الثاين .واسم كان :هو احلكم .أي حال كونه على وجه لوال ذلك اخلطاب لكان ذلك احلكم
ثابتاً.
وقوله( :مع تراخيه عنه) :أي مضي مدة بني الناسخ واملنسوخ ،وهذا القيد إلخراج ما إذا كان
اخلطاب الثاين غري مرتاخ ،بل كان متصالً باألول ،فال يكون 4نسخاً بل يكون 4بياناً كالشرط والصفة
واالستثناء4.
فقوله تعاىل] :وهلل على الناس حج البيت 4من استطاع إليه سبيال[( )2فيه رفع حكم وجوب احلج
عن غري املستطيع ،ولكنه ليس بنسخ ،ألنه مل يرتاخ عنه ،بل هو متصل .هكذا قال بعض
األصوليني.وهذا فيه نظر ألن التخصيص باملخصص املتصل – 4وهو البدل هنا – ليس رفعاً للحكم ،وإمنا
هو بيان أن املخرج غري مراد باحلكم ،واهلل أعلم.
وهذا التعريف مطول ال يليق باملختصرات .مع ما يرد عليه من اعرتاضات 4.منها :أنه عرف
الناسخ دون النسخ .ومنها :أنه غري جامع ،ألنه مل يذكر نسخ اللفظ – كما سيأيت – ومنها :أن قوله
(على وجه . .إخل) زيادة حمضة .وقد ذكر املصنف هذا التعريف يف كتابه (الربهان) )3(4مث زيفه.
ولو قيل يف تعريفه :هو رفع حكم دليل شرعي أو لفظه بدليل من الكتاب أو السنة( ،)4لكان
أوضح وأخصر ،واهلل أعلم.
96
أقسام النسخ باعتبار المنسوخ
(ويجوز نسخ الرسم وبقاء الحكم .ونسخ الحكم وبقاء الرسم .والنسخ إلى بدل وإ لى غير
بدل ،وإ لى ما هو أغلظ وإ لى ما هو أخف).ـ
املنسوخ :هو احلكم الشرعي الذي انتهى بالدليل املتأخر .وقد يسمى الدليل األول منسوخاً.
وهو املراد هنا .وهذا الدليل إما قرآن .أو سنة.
قوله (وجيوز نسخ الرسم وبقاء احلكم) هذا النوع 4األول .فينسخ اللفظ ويبقى 4احلكم معموالً به.
وقد ذكر اآلمدي رمحه اهلل أن العلماء متفقون على جواز نسخ الرسم دون احلكم خالفاً لطائفة شاذة
من املعتزلة(.)1
ومثال ذلك :آية الرجم .فعن عمر رضي اهلل عنه أنه قال" :كان فيما أنزل آية الرجم فقرأناها
ووعيناها وعقلناها .ورجم رسول اهلل rرمجنا بعده . . .احلديث"(.)2
فهذا يدل على نزول آية الرجم .وأهنا نسخت .وبقي 4حكمها لقوله( :ورمجنا بعده).
فإن قيل :ما احلكمة من نسخ الرسم وبقاء احلكم؟ فاجلواب ما نقله الزركشي يف الربهان عن ابن
اجلوزي أنه قال( :إمنا كان كذلك ليظهر به مقدار طاعة هذه األمة يف املسارعة إىل بذل النفوس 4بطريق
الظن من غري استفصال 4لطلب طريق مقطوع به .فيسرعون بأيسر شيء ،كما سارع اخلليل إىل ذبح
ولده مبنام ،أدىن طرق الوحي)( )3أ هـ.
قوله( :ونسخ احلكم وبقاء الرسم) هذا النوع الثاين من أنواع النسخ باعتبار املنسوخ .وهو أن
ينسخ احلكم الشرعي ويبقى اللفظ الدال عليه غري معمول به .وهذا أكثر أنواع النسخ.
ومثاله :قوله تعاىل] :إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتني وإن يكن منكم مائة يغلبوا
ألفاً من الذين كفروا بأهنم قوم ال يفقهون )4([4فقد دلت اآلية على وجوب مصابرة العشرين من
املسلمني املائتني من الكفار .ومصابرة املائة األلف .فنسخ هذا احلكم بقوله تعاىل] :اآلن خفف اهلل عنكم
وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتني[(.)5
فإن قيل :ما احلكمة من بقاء التالوة 4مع نسخ احلكم؟ فاجلواب من وجهني:
(?) رواه البخاري ( )6442ومسلم .)1691وهو حديث طويل .وانظر مقاالً يف أسانيد آية الرحم .يف جملة (احلكمة) 4العدد السابع ص.235 2
97
األول :بق44اء ث44واب التالوة .ف44إن الق44رآن كما يتلى ليع44رف احلكم منه ويعمل ب44ه ،فهو يتلى ليث44اب
عليه القارئ.
الثاين :تذكري األمة حبكمة النسخ ،وال سيما ما فيه ختفيف ورفع املشقة.
وبقي نوع ثالث مل يذكره املصنف وهو نسخ احلكم والرسم معاً ،ومثاله :ما ورد عن عائشة
رضي اهلل عنها قالت" :كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات حيرمن ،مث نسخن خبمس
معلومات فتويف رسول اهلل rوهن فيما يقرأ من القرآن" .ويف رواية( :نزل يف القرآن "عشر رضعات
معلومات" مث أنزل أيضاً مخس معلومات")(.)1
فآية التحرمي بعشر رضعات منسوخ لفظها وحكمها .وهذا معلوم عند الصحابة رضي اهلل عنهم
بدليل أهنم مل يثبتوها حني مجعوا القرآن .وأما آية اخلمس رضعات فهي مما نسخ رمسه وبقي حكمه.
بدليل أن الصحابة رضي اهلل عنهم حني مجعوا القرآن مل يثبتوا رمسها ،وحكمها باق عندهم.
وقول عائشة رضي اهلل عنها" :وهن فيما يقرأ من القرآن" أي يتلى حكمها دون لفظها ،وقال
البيهقي 4:املعىن :أنه يتلوه من مل يبلغه نسخ تالوته(.)2
قوله( :والنسخ إىل بدل وإىل غري بدل ،وإىل ما هو أغلظ وأخف) هذا معطوف على ما قبله.
أي :وجيوز النسخ إىل بدل وإىل غري بدل .ومعىن( :إىل بدل) أن يأيت حكم آخر بدل احلكم املنسوخ.
وهذا النوع 4ال خالف فيه.
ومعىن (إىل غري بدل) أن يزول احلكم السابق وال خيلفه حكم آخر .وهذا مذهب اجلمهور.
ومثلوه بنسخ وجوب تقدمي الصدقة بني يدي جنوى رسول اهلل rيف قوله تعاىل] :يا أيها الذين آمنوا إذا
ناجيتم الرسول فقدموا بني يدي جنواكم صدقة[( )3نسخت بقوله تعاىل] :ءأشفقتم أن تقدموا بني يدي
جنواكم صدقات فإذا مل تفعلوا وتاب اهلل عليكم فٌأقيموا الصالة وءاتوا 4الزكاة[(.)4
وقد منع هذا النوع الظاهرية .وأيّد ذلك الشيخ حممد األمني الشنقيطي 4رمحه اهلل ،وقال :إن
القول بالنسخ إىل غري بدل قول باطل .وإن قال به مجهور العلماء ،ألن اهلل تعاىل يقول] :ما ننسخ من
آية أو ننسها نأت خبري منها أو مثلها[(.)5
(?) انظر إرشاد الفحول ص 190 ،189وشرح النووي على حديث عائشة رضي اهلل عنها عند رقم .1452 2
98
وأجاب عن آية الصدقة بأن الذي نسخ هو الوجوب ،وأما االستحباب فهو باق مل ينسخ.
فالنسخ إىل بدل( .)1وورد هذا اجلواب عن الكمال بن اهلمام صاحب التحرير(.)2
والقول باجلواز أظهر لقوة مأخذه .وأما ما استدل به املانعون 4من اآلية الكرمية .فعنه ثالثة أجوبة:
األول :أن املراد باآلية – هنا – نظم اجلملة ولفظها .لورود ذلك يف كتاب اهلل تعاىل يف أكثر من
موضع .قال تعاىل] :يتلوا عليهم آياته ويزكيهم[( )3واألصل يف اإلطالق 4احلقيقة ،وال يصرف اللفظ عن
ظاهره .إال بدليل .وال دليل هنا.
الثاين :سلمنا أن املراد نسخ احلكم .وهذا ال يعارض النسخ إىل غري بدل ،ألن اهلل تعاىل عليم
حكيم .فقد يكون عدما حلكم خرياً من ذلك احلكم املنسوخ .يف نفعه للناس.
الثالث :سلمنا أن املراد نسخ احلكم .لكنه عام دخله التخصيص مبا نسخ إىل غري بدل .وختصيص
العموم جائز .واهلل أعلم(.)4
وأما إجابتهم عن آية الصدقة وأنه نسخ الوجوب وبقي االستحباب .فهذا فيه نظر .فإن اآلية
(أأشفقتم) مل تثبت حكماً تكليفياً آخر .وكون التصدق مندوباً إليه .إن كان هبذا الناسخ فال دليل فيه.
وإن كان باألدلة العامة اليت ندبت إىل التصديق فهذا مسلم .لكنها خاصة باملوسرين وهي عامة يف مجيع
األوقات .وتقدمي الصدقة عند املناجاة كان واجباً على األغنياء 4والفقراء على السواء واهلل أعلم(.)5
قوله( :وإىل ما أغلظ وإىل ما هو أخف) أي :أن النسخ على بدل .قد يكون( 4إىل بدل أغلظ)
أي :إىل حكم أثقل من احلكم املنسوخ( .وإىل بدل أخف) أي :أقل مشقة من املنسوخ .وبقي نوع
ثالث وهو :على بدل مسا ٍو .فاألنواع ثالثة.
أما األول :وهو النسخ إىل بدل أثقل .فجوزه اجلمهور لوقوعه .ومثاله نسخ التخيري بني صيام
رمضان واإلطعام يف قوله تعاىل] :وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكني فمن تطوع خرياً فهو خري له
()7
وأن تصوموا خري لكم إن كنتم تعلمون[( .)6نسخ بقوله تعاىل] :فمن شهد منكم الشهر فليصمه[
(?) انظر أضواء البيان ( )3/362ومذكرة الشنقيطي على الروضة ص .79وإرشاد الفحول ص.187 1
99
الدال على وجوب الصيام يف حق املقيم الصحيح أداء ،واملسافر واملريض قضاء .وإجياب الصيام أثقل من
التخيري بينه وبني اإلطعام.
ومنع ذلك بعض الظاهرية وبعض الشافعية حمتجني بآيات التيسري والتخفيف ورفع احلرج عن
هذه األمة .كقوله تعاىل] :يريد اهلل بكم اليسر وال يريد بكم العسر[( )1وقوله تعاىل] :يريد اهلل أن خيفف
عنكم[( )2وال ختفيف يف نسخ األخف إىل األثقل ،بل هو التثقيل .وإرادة العسر.
وال دليل يف ذلك ألن احلكم اجلديد يك 44 4ون ميس 44 4راً على املكلفني ال مش 44 4قة في 44 4ه .وثقله وصف له
بالنسبة إىل ما قبله .مع ما فيه من زيادة النفع .وعظيم األجر.
وأما الثاين وهو النسخ إىل بدل أخف .فال خالف يف جوازه ،ومثاله :آيتا املصابرة ]إن يكن
()4
منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتني[( )3مث قال سبحانه ]فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتني[
فمصابرة مسلم واحد الثنني من الكفار أخفف من مصابرة الواحد لعشرة منهم.
وأما الثالث 4وهو النسخ إىل بدل مساو فمثاله :نسخ استقبال بيت املقدس الثابت 4بالسنة كما يف
حديث الرباء رضي اهلل عنه أنه rصلى إىل بيت املقدس بعد اهلجرة بضعة عشر شهراً( .)5نسخ هذا
باستقبال الكعبة الثابت 4بقوله تعاىل] :فول وجهك شطر املسجد احلرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم
شطره[( )6فاستقبال الكعبة 4مسا ٍو الستقبال بيت املقدس بالنسبة لفعل املكلف .وهذا النوع 4ال خالف فيه
كالذي قبله.
100
أنواع النسخ باعتبار الناسخ
(ويجوز نسخ الكتاب بالكتاب ،ونسخ السنة بالكتاب وبالسنة ،ويجوز نسخ المتواتر
بالمتواتر ،ونسخ اآلحاد باآلحاد وبالمتواتر ،وال يجوز نسخ الكتاب بالسنة .وال المتواتر
باآلحاد ،ألن الشيء ينسخ بمثله وبما هو أقوى منه).
تقدم أن الناسخ هو اهلل تعاىل ألنه هو الرافع للحكم .دل على ذلك خطابه املتأخر الدال على
انتهاء احلكم الشرعي .ويطلق الناسخ على الدليل نفسه – وهو املراد هنا – وهو إما كتاب أو سنة.
وقد ذكر املصنف مسائل النسخ بني الكتاب والسنة وبني ما جيوز وما ال جيوز.
قوله( :وجيوز نسخ الكتاب بالكتاب) هذا النوع األول من أنواع الناسخ وهو أن يكون قرآنا.
واملنسوخ قرآن مثله .وهذا النوع ال خالف فيه .وتقدمت أمثلته.
قوله( :ونسخ السنة بالكتاب) هذا النوع الثاين وهو أن سكون الناسخ قرآنا واملنسوخ سنة.
وهذا قول اجلمهور .ألن القرآن والسنة من عند اهلل تعاىل .غري أن القرآن متعبد بتالوته .والسنة غري
متعبد بتالوهتا .ونسخ حكم أحد الوحيني غري ممتنع.
ومثاله :إن املباشرة 4واألكل والشراب يف ليايل الصيام 4كانت حمرمة بالسنة .ملا ورد يف حديث ابن
عباس "كان الناس على عهد رسول اهلل rإذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء وصاموا
إىل القابلة"( .)1فنسخ ذلك بقوله تعاىل] :أحل لكم ليلة الصيام 4الرفث إىل نسائكم هن لباس لكم وأنتم
لباس هلن علم اهلل أنكم كنتم ختتانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فاآلن باشروهن[(.)2
ومنع الشافعي رمحه اهلل هذا النوع يف إحدى روايتيه 4لقوله تعاىل] :وأنزلنا إليك الذكر لتبني
للناس ما نزل إليهم[( )3والناسخ بيان للمنسوخ .فلو كان القرآن ناسخاً للسنة لكان القرآن بياناً للسنة.
وهذا ال جيوز.
والصحيح قول اجلمهور لوقوعه ،وأما اآلية فال يتم االستدالل هبا على املنع ،جلواز أن يكون4
املراد من قوله (لتبني) :لتبلغ .والتبليغ عام ،فحمل اآلية عليه أوىل.
(?) حترمي األكل والشرب واملباشرة ورد يف حديث ابن عباس مقيداً بصالة العشاء .وورد يف حديث الرباء بن عازب الذي رواه البخاري ()4/129 1
تقيد ذلك بالنوم .وهو كذلك يف سائر األحاديث ولعل ذكر صالة العشاء لكون ما بعدها مظنة النوم غالباً وحديث ابن عباس رواه أبو داود (
)6/425عون املعبود).
(?) سورة البقرة ،آية.187 : 2
101
قوله( :وبالسنة) أي وجيوز نسخ السنة بالسنة ،وهذا هو النوع 4الثالث ،وهو أن يكون 4الناسخ
سنة واملنسوخ سنة ،ومثاله حديث بريدة رضي اهلل عنه أن النيب rقال" :كنت هنيتكم عن زيارة القبور
فزوروها"( )1فقوله" :كنت هنيتكم" يدل على أن النهي ثابت بالسنة.
قوله( :وجيوز نسخ املتواتر باملتواتر) أي وجيوز نسخ املتواتر من الكتاب أو السنة .باملتواتر .فهما
قسمان:
األول :نسخ الكتاب بالسنة باملتواترة.
الثاين :نسخ السنة املتواترة 4بالسنة املتواترة4.
أما األول فمذهب اجلمهور جوازه .وذهب الشافعي وأمحد يف املشهور عنه إىل عدم اجلواز.
احتج اجلمهور بأن الكل وحي من اهلل .واستدل الشافعي بقوله تعاىل] :ما ننسخ من آية أو ننسها نأت
خبري منها أو مثلها[( )2والسنة ليست خرياً من القرآن وال مثله(.)3
والراجح – واهلل أعلم – اجلواز ،ألن الناسخ حقيقة هو اهلل عز وجل على لسان رسول اهلل r
فإن كل ما صح عن رسول اهلل rفأحكامه من اهلل .قال تعاىل] :وما ينطق عن اهلوى( )3إن هو إال
وحي يوحى( )4([)4وحمل النـزاع احلكم وليس اللفظ ،وعليه فإن لفظ (خبري منها أو مثلها) يكون 4من
السنة كما يكون من القرآن .فاألحكام كلها من اهلل تعاىل (إن احلكم إال هلل) واهلل أعلم.
وقد مثلوا لذلك بقوله تعاىل] :كتب عليكم إذا حضر أحدكم املوت إن ترك خرياً الوصية
للوالدين واألقربني[( )5فنسخت هذه الوصية للوالدين حبديث "ال وصية لوارث" .فإن اإلمجاع منعقد
على معىن هذا احلديث.
وهذا املثال فيه نظر .فإن احلديث آحاد( .)6مث أن من شروط النسخ تعذر اجلمع بني الدليلني،
وهنا ميكن اجلمع عن طريق التخصيص ،بأن 4خيرج من اآلية الوارث منهما فال وصية له مبقتضى احلديث
(?) الرسالة للشافعي ( )108 ،1/106وقد روى ذلك احلازمي عن الشافعي وأمحد بسند متصل إليهما يف كتابه (االعتبار ص.)57 3
(?) لكن قالوا :إنه متواتر معىن لإلمجاع على معناه ،انظر نظم املتناثر من احلديث املتواتر ص.167 6
102
فتكون اآلية يف حق غري الوارث ،واحلديث يف حق الوارث .وقد ذكر بعض احملققني أن الناسخ هو آية
املواريث 4.واحلديث بيان للناسخ واهلل أعلم(.)1
وأما الثاين :وهو نسخ السنة املتواترة بالسنة املتواترة ،فهو جممع عليه بني القائلني بالنسخ .قال يف
شرح الكوكب 4املنري( :وأما مثال نسخ متواتر السنة مبتواترها فال يكاد يوجد .)2() . .
قوله( :ونسخ اآلحاد باآلحاد) أي وجيوز نسخ اآلحاد باآلحاد ،وهذا جممع عليه بني القائلني
بالنسخ .الحتاد الناسخ واملنسوخ يف املرتبة والقوة .ومثاله تقدم يف حديث بريدة رضي اهلل عنه .قال يف
شرح الكوكب 4املنري( :وله أمثله كثرية)(.)3
قوله( :وباملتواتر) :أي جيوز نسخ اآلحاد باملتواتر ،ألنه أقوى منه .وهذا – أيضاً – حمل اتفاق.
قال يف شرح الكوكب 4املنري( :ولكن مل يقع)(.)4
قوله( :وال جيوز نسخ الكتاب بالسنة) هذا هو النوع الرابع ،وهو أن يكون الناسخ سنة
واملنسوخ قرآناً .واملراد بالسنة هنا :غري املتواترة 4.ألن نسخ القرآن بالسنة املتواترة تقدم ذكره عند قوله
(وجيوز نسخ املتواتر باملتواتر) .فيكون 4املراد بالسنة هنا :اآلحاد .فاآلحاد ال ينسخ القرآن ،ألن القوي ال
ينسخ بأضعف منه كما سيأيت .وهذه العبارة موجودة يف بعض نسخ الورقات .ويشكل عليه قوله (وال
جيوز نسخ املتواتر باآلحاد) ألن املتواتر يشمل الكتاب والسنة ،فيكون تكراراً إال أن يكون 4قوله
(املتواتر) خاصاً بالسنة .واهلل أعلم.
وقد ذهب املؤلف رمحه اهلل يف كتابه (الربهان) إىل جواز نسخ الكتاب والسنة .وذكر ما يؤيد
ذلك(.)5
قوله( :وال املتواتر باآلحاد) أي ال جيوز شرعاً نسخ املتواتر كالقرآن والسنة املتواترة باآلحاد.
ألنه دونه يف القوة ،ألن املتواتر قطعي واآلحاد ظين ،والشيء إمنا ينسخ مبثله ،أو مبا هو أقوى منه .كما
تقدم.
وهذا مذهب اجلمهور .وذهب مجاعة من أهل الظواهر منهم ابن حزم إىل جوازه ،وهي رواية
عن أمحد .وهو الراجح إن شاء اهلل ،ألن القطعي هو اللفظ وحمل النسخ هو احلكم .وال يشرتط يف ثبوته
103
التواتر .ألن الداللة باللفظ املتواتر قد تكون 4ظنية .جلواز أن يكون 4املراد غري ذلك فحينئذ مل يرفع الظين
إال بالظين.
ومثال ذلك :ما رواه عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قال :بينما الناس بقباء يف الصالة الصبح
إذ جاءهم آت فقال :إن رسول اهلل rقد أنزل عليه القرآن .وقد أمر أن يستقبل الكعبة 4فاستقبلوها.
وكانت وجوههم إىل الشام فاستداروا إىل الكعبة)(.)1
ووجه الداللة :أن وجوب التوجه إىل بيت املقدس كان ثابتاً بالسنة املتواترة ،ألنه مل يوجد يف
القرآن ما يدل عليه .وهؤالء قبلوا خرب الواحد وعملوا به يف نسخ ما تقرر عندهم بطريق العلم ،والنيب
rمل ينكر عليهم ،فدل على اجلواز .واهلل أعلم.
104
التعارض بين األدلة
(إذا تعارض نطقان فال يخلو :إما أن يكونا عامين ،أو خاصين ،أو أحدهما عاما واآلخر
خاصاً،ـ أو كل واحد منهما عاماً من وجه وخاصاً من وجه .فإن كانا عامين وأمكن
الجمع بينهما جمع ،وإ ن لم يمكن الجمع بينهما يتوقف فيهما إن لم يعلم التاريخ .فإن علم
التاريخ فينسخ المتقدم بالمتأخر،ـ وكذلك إن كانا خاصين .وإ ن كان أحدهما عاما واآلخر
خاصاً فيخصص العام بالخاص.ـ وإ ن كان كل واحد منهما عاماً من وجه وخاصاً من
وجه فيخصص عموم كل واحد منهما بخصوص اآلخر).
عين األصوليون 4مبباحث التعارض والرتجيح بعد مباحث األدلة الشرعية – الكتاب والسنة
واإلمجاع والقياس – وذلك ألن هذه األدلة قد يقع بينها تعارض وال ميكن إثبات احلكم إال بإزالة هذا
التعارض.
واعلم أن التعارض بني نصوص 4الشريعة غري موجود يف احلقيقة 4،لكن قد يقع ذلك حبسب نظر
اجملتهد :إما لنقص يف علمه أو خلل يف فهمه ،وهو تعارض يف الظاهر ال ميكن أن يقع على وجه ال ميكن
فيه اجلمع أو النسخ أو الرتجيح .وذلك ألن األحكام الشرعية ما شرعت إال جللب املصاحل.
وكان األوىل باملصنف أن يؤخر حبث التعارض إىل هناية الكالم 4على األدلة ،كما جرى على
ذلك غريه من أهل األصول ،ألن التعارض يتعلق جبميع األدلة ،لكنه خصصه بالكتاب والسنة لقوله (إذا
تعارض نطقان) ألن املراد هبما :قول اهلل تعاىل ،وقول الرسول rكما تقدم يف املخصص املنفصل.
قوله( :إذا تعارض نطقان) التعارض لغة :تفاعل من العرض – بضم العني – وهو الناحية واجلهة.
كأن الكالم املتعارض 4يقف بعضه يف عرض بعض أي ناحيته وجهته ،فيمنعه من النفوذ إىل حيث وجهه،
فهو إذن مبعىن التقابل والتمانع.
واصطالحاً :تقابل الدليلني حبيث خيالف أحدمها اآلخر.
وذلك كأن يكون أحد الدليلني يفيد اجلواز ،واآلخر يدل على املنع ،فكل منهما مقابل لآلخر
وخمالف له.
قوله (فال خيلو ). .أي األمر والشأن 4.من أربع حاالت:
األوىل :أن يكون بني دليلني عامني.
الثانية :أن يكون بني دليلني خاصني.
105
الثالثة :أن يكون بني دليلني أحدمها عام واآلخر خاص.
الرابعة :أن يكون بني دليلني كل واحد منهما عام من وجه وخاص من وجه آخر.
واملراد بقول املصنف (إذا تعارض نطقان) أي نصان من قول اهلل تعاىل أو من قول رسول .r
أما احلالة األوىل فللخروج من التعارض طرق:
األول :أن ميكن اجلمع بني الدليلني املتعارضني ،فيجمع بينهما حبيث حيمل كل منهما على حال
ال يناقض اآلخر .واجلمع أوىل من الرتجيح باتفاق أهل األصول ،ألن فيه العمل بكال الدليلني.
ومثاله :قوله " :rإذا دبغ اإلهاب فقد طهر"( )1أخرجه مسلم عن ابن عباس .وعند أهل السنن
"أميا إهاب دبغ فقد طهر"( .)2وقوله " rال تنتفعوا 4من امليتة بإهاب وال عصب" وهو حديث عبد اهلل بن
عكيم ،فهذا معارض يف الظاهر لألول.
فجمع بينهما بأن اإلهاب اسم ملا مل يدبغ .وبعد الدبغ يقال له :شن وقربه .فيكون 4النهي عن
االنتفاع باإلهاب ما مل يدبغ ،فإذا دبغ مل يسم إهاباً ،فال يدخل حتت النهي 4.قال يف سبل السالم (وهو
مجع حسن)( )3ويف املسألة 4أقوال أخرى.
الثاين :أن جيعل أحدمها ناسخاً لآلخر ،وهذا إذا علم التاريخ بأن علم السابق منهما ،فيكون
املتأخر ناسخاً له .ويعمل به دون املتقدم.
فهذه اآلية تفيد ()4
ومثاله :قوله تعاىل] :فمن تطوع خرياً فهو خري له وأن تصوموا خري لكم[
التخيري بني الصيام واإلطعام 4وترجح الصيام 4.وقوله تعاىل] :فمن شهد منكم الشهر فليصمه[( )5يفيد
تعيني الصيام 4أداء يف حق غري املريض واملسافر وقضاء يف حقهما ،وهي متأخرة عن األوىل فتكون 4ناسخة
هلا بدليل قول سلمة بن األكوع رضي اهلل عنه :ملا نزلت ]وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكني[
()6
كان من أراد أن يفطر ويفتدي حىت نزلت اآلية اليت بعدها فنسختها)(.)7
الثالث :فإن مل يعلم التاريخ يتوقف فيهما إىل أن يظهر مرجح ألحدمها على اآلخر فيعمل به.
وهذا هو الطريق الثالث وهو الرتجيح ،وهو ال يكون إال بدليل ،ألن الرتجيح بال مرجح باطل،
(?) أخرجه مسلم رقم 366وأبو داود رقم 4123والرتمذي رقم 1728والنسائي (.)7/173 1
(?) أخرجه أبو داود رقم 4128 ،4127والرتمذي رقم 1729والنسائي ( )7/175وهو حديث صحيح. 2
106
والرتجيح هو تقوية أحد الطرفني املتعارضني بدليل ،وللرتجيح طرق كثرية ،بعضها يرجع إىل املـنت،
وبعضها يرجع إىل السند ،وهي مذكورة يف املطوالت.
ومثاله قوله " :rمن مس ذكره فال يصلي حىت يتوضأ"(.)1
وهذا مروي عن بسرة بنت صفوان وأيب هريرة وجابر رضي اهلل عنهم وغريهم.
وحديث قيس بن طلق عن أبيه رضي اهلل عنه أن النيب rسئل عن الرجل ميس ذكره أعليه
الوضوء؟ قال" :ال ،إمنا هو بضعة منك"(.)2
فهذان حديثان متعارضان يف الظاهر ،األول يوجب الوضوء من مس الذكر ،والثاين ال يوجبه.
فريجح األول على الثاين ملا يأيت:
)1أن العمل به أحوط.
)2ألنه أكثر طرقاً ومصححيه أكثر.
)3ألنه ناقل عن الرباء األصلية ،وهي عدم إجياب الوضوء والناقل يقدم على املبقي 4.ألن مع
حكما شرعيّا ليس موجوداً عند املبقي على األصل .وهذا عند
الناقل زيادة علم حيث أفاد ّ
اجلمهور.
والرتجيح هو أحد األقوال يف املسألة ،ومن العلماء من قال بالنسخ ،ومنهم من قال باجلمع(.)3
أما احلالة الثانية من أحوال التعارض فهي أن يكون 4بني دليلني خاصني كما تقدم ،وللخروج من
التعارض طرق:
األول :اجلمع كما تقدم .ومثاله :حديث جابر يف صفة حجة النيب rأنه rصلى الظهر يوم
النحر مبكة( )4وحديث ابن عمر رضي اهلل عنهما أنه rصالها مبىن(.)5
قال النووي( :ووجه اجلمع بينهما أنه rطاف لإلفاضة قبل الزوال ،مث صلى الظهر مبكة يف أول
وقتها ،مث رجع إىل مىن ،فصلى هبا الظهر مرة أخرى بأصحابه حني سألوه 4ذلك .)6() . .
الثاين :فإن مل ميكن اجلمع فالثاين ناسخ إن علم التاريخ .ومثاله :قوله تعاىل ]يا أيها النيب إنّا
أحللنا أزواجك اليت آتيت أجورهن[( )7وقوله تعاىل] :ال حيل لك النساء من بعد وال أن تبدل هبن من
(?) أخرجه الرتمذي رقم 82وأبو داود ( )181والنسائي ( ،)1/100وهو حديث صحيح. 1
(?) أخرجه أبو داود رقم 183 ،182والرتمذي رقم 85والنسائي ( )1/101وهو حديث صحيح. 2
(?) أخرجه مسلم رقم 1218من حديث جابر رضي اهلل عنه. 4
(?) أخرجه مسلم رقم .1308وانظر لزاما فتح الباري ( )3/567وتغليق التعليق البن حجر (.)3/101 5
107
أزواج ولو أعجبك حسنهن[( )1اآلية ،فالثانية ناسخة لألوىل .فحرم اهلل تعاىل على نبيه rأن يتزوج على
نسائه ،واإلباحة دلت عليها اآلية األوىل .وهذا على أحد األقوال(.)2
الطريق الثالث :إذا مل ميكن النسخ فالرتجيح .ومثاله حديث ميمونة رضي اهلل عنها أن النيب r
تزوجها وهو حالل( )3وحديث ابن عباس رضي اهلل عنهما أن النيب rتزوجها وهو حمرم(.)4
فريى مجع من أهل العلم ترجيح األول ملا يأيت:
أن ميمونة صاحبة القصة ،وال شك أن صاحب القصة أدرى مبا جرى له يف نفسه )1
من غريه .ومن قواعد الرتجيح أن خرب صاحب الواقعة املروية مقدم على خرب غريه ،ألنه
أعرف باحلال من غريه.
ألن حديثها مؤيد حبديث أيب رافع رضي اهلل عنه أن النيب rتزوجها وهو حالل. )2
قال :وكنت الرسول بينهما( )5فأبو رافع رضي اهلل عنه هو رسوله إليها خيطبها عليه فهو
مباشر للواقعة ،وابن عباس ليس كذلك.
أن ميمونة وأبا رافع كانا بالغني وقت حتمل احلديث املذكور ،وابن عباس ليس ببالغ )3
وقت التحمل ،وعند األصوليني ترجيح خرب الراوي املتحمل بعد البلوغ على املتحمل قبله،
ألن البالغ أضبط من الصيب ملا حتمل(.)6
احلالة الثالثة 4من أحوال التعارض :أن يكون بني دليلني أحدمها عام واآلخر خاص ،فيخصص العام
باخلاص .ومثاله :قوله تعاىل] :والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما[( )7فهذه اآلية دلت على وجوب
القطع يف القليل والكثري .وحديث" :ال تقطع يد سارق إال يف ربع دينار فصاعداً"( )8يدل على حتديد
نصاب القطع ،فيكون 4احلديث خمصصاً لعموم اآلية على مذهب اجلمهور واهلل أعلم.
احلالة الرابعة :أن يكون 4التعارض بني دليلني أحدمها أعم من اآلخر من وجه ،وأخص من وجه
آخر ،فيجمع بينهما بأن 4خيصص عموم كل واحد منهما خبصوص اآلخر إن دل على ذلك دليل .ومثاله:
(?) أخرجه البخاري رقم 6407ومسلم رقم ،1684واللفظ له عن عائشة رضي اهلل عنها. 8
108
بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا[( )1فهذه اآلية
ّ4 قوله تعاىل] :والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يرتبّصن
أجلهن أن يضعن
ّ عامة يف احلامل وغريها ،وخاصة باملتوىف عنها .وقوله تعاىل] :وأوالت األمحال
محلهن[( )2خاصة باحلامل عامة يف املتوىف عنها وغريها .فيخصص عموم األوىل والثانية 4،فتخرج احلامل
ّ
من عموم األوىل ،وتكون عدهتا وبضع احلمل ،سواء كانت متوىف عنها أم غريها.
وقد دل على هذا التخصيص 4حديث سبيعة األسلمية أهنا وضعت بعد وفاة زوجها بليال ،فأفتاها
النيب rأن تتزوج( )3فدل ذلك على أن احلامل املتوىف عنها غري داخلة يف عموم آية البقرة ،واهلل أعلم.
109
اإلجمــاع
(وأما اإلجماع فهو اتفاق علماء العصر على حكم الحادثة .ونغني بالعلماء:ـ الفقهاء.ـ
ونعني بالحادثة :الحادثة الشرعية .وإ جماع هذه األمة حجة دون غيرها ،لقوله ( rال
تجتمع أمتي على ضاللة) والشرع ورد بعصمة هذه األمة).
هذا هو الدليل الثالث 4من األدلة املتفق عليها ،وهو اإلمجاع بعد الكتاب والسنة .واإلمجاع لغة:
العزم واالتفاق 4.واصطالحاً :اتفاق علماء العصر على حكم احلادثة.
وقوله( :اتفاق) :هذا قيد خيرج وجود خالف ولو كان املخالف واحداً إذا كان يعتد به فال
ينعقد اإلمجاع.
قوله( :علماء العصر) فسره بأن املراد هبم الفقهاء وهم اجملتهدون،وهذا القيد خيرج املقلدين
والعوام 4،فال عربة هبم يف اإلمجاع وفاقاً وال خالفاً .كما خيرج العلماء غري الفقهاء كالنحويني واللغويني
وغريهم.
وقوله( :على حكم احلادثة) اجلار واجملرور متعلق بقوله (اتفاق) واملراد هبا هنا احلادثة الشرعية،
ألهنا حمل نظر الفقهاء ،وهذا القيد خيرج االتفاق 4على حكم غري شرعي كلغوي ،فال مدخل له يف
اإلمجاع ،ألن الغرض البحث يف اإلمجاع ،على أنه من األدلة الشرعية.
وبقي قيدان:
األول :علماء العصر من هذه األمة :إلخراج اتفاق علماء الشرائع السابقة فال يعترب كما ذكره
املصنف ،ولعله تركه لوضوحه أو اكتفاء بذكره مستقالً.
الثاين :بعد النيب :rإلخراج اتفاق الصحابة يف عهد النيب rفال يكون إمجاعاً من حيث كونه
دليالً ،ألن الدليل حصل بسنة النيب rمن قول أو فعل أو تقرير ،وإذا قال الصحايب :كنّا نفعل أو كانوا
يفعلون كذا على عهد النيب rكان ذلك من املرفوع حكماً ،وليس نقالً لإلمجاع.
قوله( :وإمجاع هذه اآلية حجة دون غريها) أي :واإلمجاع حجة شرعية ،جيب العمل به على
كل مسلم .واملراد اإلمجاع القويل الصريح .وقوله( :دون غريها) أي غري هذه األمة من األمم السابقة،
فليس إمجاعهم حجة علينا جيب اتباعها ،ومن األدلة على أن اإلمجاع حجة قوله تعاىل ]وكذلك
جعلناكم أمة وسطا[ أي عدوالً ،ومقتضى ذلك أهنم عصموا من اخلطأ فيما أمجعوا عليه قوالً
()1
وفعالً(.)2
110
ومن األدلة :قوله " rال جتتمع أميت على ضاللة)( )3ووجه الداللة :أن عموم احلديث ينفي وجود
الضاللة ،واخلطأ ضاللة فال جيوز اإلمجاع عليه ،فيكون 4ما أمجعوا عليه ح ّقا فوجب اتباعه.
111
من مسائل اإلجماع
(واإلجماع حجة على العصر الثاني وفي أي عصر كان ،وال يشترط انقراض العصر
على الصحيح ،فإن قلنا :انقراض العصر شرط يعتبر قول من ولد في حياتهم وتفقه
وصار من أهل االجتهاد ،ولهم أن يرجعوا عن ذلك الحكم ،واإلجماع يصح بقولهم
وبفعلهم ،وبقول البعض وبفعل البعض ،وانتشار ذلك وسكوت الباقين عنه).
ذكر املصنف بعض مسائل اإلمجاع ومنها:
قوله( :واإلمجاع حجة على العصر الثاين ) . .أي أن اإلمجاع حجة جيب األخذ به على أهل
العصر الثاين بالنسبة لعصر أهل االجتهاد؛ فإذا أمجع الصحابة رضي اهلل عنهم على حكم شرعي فليس
للتابعني أن خيالفوا هذا اإلمجاع ،بل هو حجة عليهم وعلى من بعدهم يف أي عصر من العصور ،ألن
اإلمجاع مينع من حدوث خالف.
وقول44 4 4 4 4 4ه( :ويف أي عصر ك44 4 4 4 4 4ان) أي :وجد اإلمجاع من عصر الص44 4 4 4 4 4حابة فمن بع 44 4 4 4دهم إىل آخر
الزمان(.)1
قوله( :وال يشرتط انقراض العصر على الصحيح) أي :ال يشرتط انق44راض عصر اجملمعني ،ومعن44اه:
أن ميوت أهل اإلمجاع مث يبدأ االحتجاج بإمجاعهم ،وهذه املسألة 4فيها قوالن:
األول :أنه ال يش 44 4رتط انق 44 4راض العصر وه 44 4ذا م 44 4ذهب اجلمه 44 4ور ،فينعقد اإلمجاع مبج 44 4رد اتف 44 4اق
اجملته 44دين ولو ك 44انوا أحي 44اء ،فال جتوز خمالفت 44ه ،ألن أدلة حجية اإلمجاع ال ت 44وجب انق 44راض العص 44ر ،وألن
اإلمجاع هو االتفاق 4،وقد حصل فما الذي مينع من قبوله؟ وألن الت4ابعني قد احتج4وا بإمجاع الص44حابة قبل
انقراض عصرهم ،ولو كان ذلك شرطاً مل حيتجوا به.
الث44 4اين :أنه يش44 4رتط انق44 4راض العص44 4ر ،وهو ق44 4ول بعض الش44 4افعية ورواية عن اإلم44 4ام أمحد .ووجه
اشرتاط :احتمال رجوع بعض اجملتهدين عن رأيه ،فيؤول ذلك إىل اخلالف.
والق44ول األول هو الص44حيح كما ذكر املص44نف 4لق44وة أدلت44ه ،وألن الق44ول باش44رتاط انق44راض العصر
ي44 4 4 4ؤدي إىل تع 44 4 4 4 4ذر اإلمجاع ،ألنه ال يك 44 4 4 4 4اد عصر ينق 44 4 4 4 4رض حىت حيدث من أوالده من ينشأ ويبلغ درجة
االجته44 4اد ،وله أن خيالف ،ألن اإلمجاع مل ينعق44 4د ،وه44 4ذا ي44 4ؤدي إىل إبط44 4ال انعق44 4اد اإلمجاع ،وما أدى إىل
(?) اعلم أن اإلمجاع القطعي وهو ما يعلم وقوعه من األمة بالضرورة .ال أحد ينكر ثبوته .كاإلمجاع على وجوب الصالة وحترمي الزىن .وأما اإلمجاع 1
الظين وهو ما يعلم بالتتبع واالستقراء فهذا خمتلف يف ثبوته 4،واألظهر أنه ممكن يف عصر الصحابة ،ويف غريه متعذر غالباً ،وهو رأي شيخ اإلسالم ابن
تيمية رمحه اهلل .فقد قال( :وال يعلم إمجاع باملعىن الصحيح إال ما كان يف عصر الصحابة ،أما بعدهم فقد تعذر غالباً)( .جمموع الفتاوى )13/341
وقال( :واإلمجاع الذي ينضبط ما كان عليه 4السلف الصاحل إذ بعدهم كثر االختالف وانتشرت األمة) (العقيدة الواسطية).
112
ذلك فهو باط44ل .ق44ال الق44رايف( :وانق44راض 4العصر ليس ش44رطاً خالف 4اً لق44وم من الفقه44اء واملتكلمني لتج44دد
الوالدة كل يوم فيعتذر اإلمجاع)( )1أ هـ.
قول44ه( :ف44إن قلنا انق44راض العصر ش44رط . .إخل) بني ب44ذلك مثرة اخلالف .واملع44ىن .إن قلن44ا :انق44راض
العصر مبوت أهله (شرط) أي يف حجية اإلمجاع .وهذا القول مقابل للقول الصحيح( .يعت44رب) ب44اجلزم على
أنه ج44واب الش44رط .أي :يعترب ق44ول من ولد يف عصر اجملمعني ،وبلغ رتبة االجته44اد يف حي44اهتم أو يف حي44اة
بعضهم .فله أن خيالف .وال يعد خمالفاً لإلمجاع .ألنه مل ينعقد.
قول 44ه( :وهلم أن يرجع 44وا عن ذلك احلكم) ه 44ذه مثرة أخ 44رى .أي :وللمجمعني أو بعض 44هم – على
الق44 4ول باالش44 4رتاط – أن يرجع44 4وا عن احلكم ال44 4ذي أمجع44 4وا علي44 4ه .وال يعد ذلك نقض 4 4اً لإلمجاع .ألن مل
يستقر.
قول 44ه( :واإلمجاع يصح بق 44وهلم وبفعلهم) أي :أن اإلمجاع ينعقد ويتحقق بق 44ول اجملمعني وبفعلهم،
أي :بكل منهما ،وهلذا أعاد الباء ،فإذا قالوا جبواز شيء فه44ذا إمجاع على اجلواز ،وك44ذلك إذا فعل44وا ش44يئاً
فيدل فعلهم على اجلواز لعصمتهم عن الباطل تقدم.
واإلمجاع البد له من مس 44تند :إما من الكت 44اب أو الس 44نة .س 44واء علمن 44اه أو جهلن 44اه ،ألن الق 44ول يف
الدين بال مستند ال جيوز.
قول 44ه( :وبق 44ول البعض 4وبفعل البعض وانتش 44ار ذلك وس 44كوت الب 44اقني) ه 44ذا إش 44ارة على اإلمجاع
الس44كويت ،وهو أن يق44ول بعض اجملته44دين ق44والً أو يفعل فعالً مع انتش44ار ذلك يف الب44اقني وس44كوهتم ،وه44ذا
فيه خالف ،ف 44أكثر الش 44افعية واملالكية 4ورواية عن أمحد أنه إمجاع تنـزيالً للس 44كوت منـزلة الرضا واملوافقة
إذا مضت م44دة كافية للنظر يف ذلك الق44ول بعد مساعه ،وك44ان ق44ادراً على إظه44ار رأي44ه ،وه44ذا ظ44اهر كالم
املصنف.
وقي 44 4ل :يك 44 4ون حجة ال إمجاع4 4 4اً .لرجح 44 4ان املوافقة بالس 44 4كوت على املخالف 44 4ة ،وليس إمجاع 4 4اً ألن
حقيقة اإلمجاع مل تتحقق في44 4 4 4ه .وقي44 4 4 4ل :ليس حبجة وال إمجاع ،ألنه ال ينسب لس44 4 4 4اكت ق44 4 4ول .وقيل غري
ذلك(.)2
وقول املصنف (وانتشار ذلك) مفهومه أنه إذا مل ينتشر يف الباقني فليس بإمجاع ،الحتمال ذه44وهلم
عنه وعدم اطالعهم عليه .واهلل أعلم.
)?(1التنقيح ص.330
) ?(2انظر إرشاد الفحول ص.84
113
قول الصحابي
(وقــول الواحد من الصــحابة ليس بحجة على غــيره على القــول الجديــد ،وفي القــول القــديم
حجة).
قول الصحايب من األدلة املختلفة يف حجيتها.
واملراد به :ما أثر عن أحد من أصحاب النيب rمن قول أو فعل أو تقرير يف أمر من أمور الدين.
والصحايب :من صحب النيب rولو ساعة ،أو رآه مؤمناً به وما ت على ذلك.
وقول الصحايب إن ثبت له حكم الرفع كقوله أمرنا أو هنينا أو من السنة كذا فهو مرفوع حكماً،
وهو حجة كما هو مق44 4 4رر يف علم احلديث ،وإن مل يثبت له حكم الرفع فقد أمجع العلم44 4 4اء على أن ق44 4ول
الصحايب يف مسائل االجتهاد ليس حبجة على صحايب آخر ،ألن الص44حابة رضي اهلل عنهم اختل44وا يف كثري
من املس44ائل ،ولو ك44ان ق44ول أح44دهم حجة على غ 44ريه ملا ت 44أيت منهم ه44ذا اخلالف .كما أمجع44وا عل األخذ
بقول الصحايب فيما ال جمال للرأي أو االجتهاد في4ه ،ألنه من قبيل اخلرب الت4وقيفي عن ص4احب الرس4الة .r
كما أنه ال خالف فيما أمجع عليه الص44 4 4حابة ص44 4 4راحة أو ك44 4 4ان مما ال يع44 4 4رف له خمالف ،كما يف ت 44 4وريث
اجلدات الس44دس .ومن العلم44اء من اس44تثىن من الص44حايب املع44روف باألخذ عن اإلس44رائيليات 4.وإمنا اخلالف
يف قول الصحايب العاري عن كل ما سبق .ففيه قوالن:
الق 44ول األول :إنه حج 44ة .وهو م 44ذهب اإلم 44ام مالك وأيب حنيفة والش 44افعي 4يف أحد قولي 44ه ،ورواية
عن اإلم44 4 4ام أمحد ،رجحها ابن القيم ،وذكر أن اإلم44 4 4ام أمحد يأخذ بق44 4 4ول الص44 4 4حايب ،ويعت 44 4ربه 4بعد الس 44 4نة
الصحيحة(.)1
ومن أدلة ه 44 4ؤالء قوله تع 44 4اىل] :كنتم خري أمة أخ 44 4رجت للن 44 4اس ت 44 4أمرون ب 44 4املعروف وتنه 44 4ون عن
املنكر[( )2قالوا :هو خطاب مع الصحابة بأن ما يأمرون به معروف ،واملعروف جيب قبوله.
ومن األدلة أن اهلل تع44اىل م44دح الص44حابة والت44ابعني هلم بإحس44ان ،وإمنا اس44تحق الت44ابعون ذلك ألهنم
اتبع44وهم يف كل ش44يء س44واء من حيث الرج44وع إىل الكت44اب والس44نة ،أو اجته44ادهم ،أو االقت44داء هبم ،ألن
االتب44اع جيب محله على ف44رده الكام44ل ،ق44ال تع44اىل] :والس44ابقون 4األول44ون من امله44اجرين واألنص44ار وال44ذين
اتبع 44وهم بإحس 44ان رضي اهلل عنهم ورض 44وا عنه[( )3وألن اجته 44اد الص 44حايب أقر إىل الص 44واب من اجته 44اد
114
غ44ريه ملش44اهدته ال44وحي وقربه من الرس44ول ،rكيف والظ44اهر من حاله أن ال يق44ول ما ق44ال إال مساعاً من
رسول اهلل rال سيما فيما خيالف القياس.
الق 44ول الث 44اين :أنه ليس حبج 44ة .وهو ق 44ول الش 44افعي يف اجلديد( )1ورواية عن اإلم 44ام أمحد ،واختي 44ار
الغ 44زايل واآلم44 4دي وابن احلاجب واملص44 4نف .وذلك ألن اهلل تع44 4اىل مل جيعل ق44 4ول أحد من الن 44اس حجة إال
قول رسول اهلل .rوالصحايب من أهل االجتهاد ،واجملتهد غري معصوم ،فيجوز عليه اخلطأ والسهو.
نص يف الكت 44 4اب والس44 4نة وال
وال 44 4ذي يظهر واهلل أعلم .أنه جيوز األخذ بق 44 4ول الص 44 4حايب حيث ال ّ
إمجاع .الحتم44 4ال أن يك44 4ون مسع ذلك الق44 4ول من النيب rولكونه أعلم باهلل وكتابه ورس44 4وله من الت 44ابعني
فمن بعدهم ،فاحتمال الصواب 4يف اجتهاده كثرياً جداً .ألنه شاهد التنـزيل ،ووقف على حكمة التش4ريع.
وأس44باب النـزول .والزم النيب .rق44ال ابن القيم( :مل ي44زل أهل العلم يف كل عصر ومصر حيتج44ون مبا ه44ذا
سبيله من فتاوى الصحابة وأقواهلم وال ينكره منكر منهم .وتصانيف العلماء شاهدة بذلك .)2() . .
ويشرتط لألخذ بقول الصحايب شرطان:
ص 4اً أخذ ب44النص .ومثاله ق44ول عمر رضي اهلل عن44ه :إن اجلنب ال ص 4اً .ف44إن خ44الف ن ّ
أال خيالف ن ّ )1
يتمم ،مع أنه ورد يف تيمم اجلنب حديث عمار رضي اهلل عنه(.)3
أال خيالف ق 44ول ص 44حايب آخ 44ر .ف 44إن خ 44الف ق 44ول ص 44حايب آخر أخذ ب 44الراجح منهم 44ا ،ومثال 44ه: )2
ص 44يام ي 44وم الثالثني من ش 44عبان إذا ح 44ال دون رؤية اهلالل غيم وحنوه ،فقد روي ص 44يامه عن مجاعة
من الص 44حابة منهم ابن عمر رضي اهلل عن اجلمي 44ع ،وروي عن آخ 44رين ع 44دم ص 44يامه ،وهو ال 44راجح
حلديث ابن عمر رضي اهلل عنهما "ف44إن غم عليكم ف44أكملوا ع44دة ش44عبان ثالثني" فاجته44اد ابن عمر
رضي اهلل عنه وتفسريه (فاقدوا له) مبعىن :ضيقوا 4،ال يعارض به ما ثبت من قول الرسول .r
وق44 4ول املانعني :إنه غري معص44 4وم كغ44 4ريه .نق44 4ول :ه44 4ذا ص44 4حيح ،ولكن انتف44 4اء العص44 4مة ال ينفي إال
احلجية القطعية .وحنن ال نقول بقطعية حجية قول الصحايب .وإمنا هو حجة ظنية(.)4
ومن أمثلة قول الصحايب قول ال4راوي ،ق4ال علي رضي اهلل عن4ه( :ح4دثوا الن4اس مبا يعرف4ون ،أحتب4ون
أن يكذب اهلل ورسوله؟)(.)5
(?) لقد نفى ابن القيم نسبة هذا القول للشافعي يف كالم ماتع جتده يف أعالم املوقعني ( )4/120وللزركششي – من بعده – كالم مفادة أن الشافعي 1
يف مذهبه اجلديد يرى أن قول الصحايب حجة .فيكون له قوالن يف اجلديد واحد موافق للقدمي .فانظر البحر احمليط (.)6/53
(?) انظر أعالم املوقعني ( )4/152مذكرة الشنقيطي ص 165حجية قول الصحايب يف جملة( 4أضواء الشريعة) العدد الثامن ص 365جمموع فتاوى ابن 2
تيمية (.)20/582
(?) انظر أعالم املوقعني ( )1/29وانظر طرح التثريب (.)1/103 3
115
ومن أمثلة الفعل قول البخاري رمحه اهلل( :وأم ابن عباس وهو متيمم)( )6واهلل أعلم.
116
األخبــــارـ
(وأما األخب ـ ــار :ف ـ ــالحبر ما يدخله الص ـ ــدق والك ـ ــذب .والخ ـ ــبر ينقسم على قس ـ ــمين :آح ـ ــاد
ومت ــواتر .ف ــالمتواتر ما ي ــوجب العلم ،وهو أن ي ــروي جماعة ال يقع التواطؤ على الك ــذب
من مثلهم إلى أن ينتهي إلى المخبر عنه ،ويكون في األصل عن مشاهدة أو ســماع ال عن
اجتهاد).
اعلم أنه ج 44رت ع 44ادة األص 44وليني ب 44إيراد مب 44احث من عل 44وم احلديث يف أص 44ول الفق 44ه ،وذلك ألن
الكتاب والسنة مها مدار البحث يف علم األصول .وملا كان القرآن ال حيتاج إىل نظر يف س44نده ،ألنه ث44ابت
ثبوتاً قطعياً بالنقل املتواتر لفظاً ومعىن صار البحث مقتصراً على النظر يف داللة النص على احلكم.
أما السنة فإن املستدل هبا حيتاج إىل نظرين:
)1نظر يف ثبوهتا.
)2ونظر يف داللة النص على احلكم.
لذا أورد األصوليون هذه الشذرات من علوم احلديث.
قول 44ه( :وأما األخب 44ار :ف 44اخلرب ما يدخله الص 44دق والك 44ذب) :األخب 44ار :مجع خ 44رب .وه 44و :ما يدخله
الص44 4دق والك 44 4ذب .أي :حيتمل الص 44 4دق والك44 4ذب ،لكن أورد على ه44 4ذا التعريف أن من األخب44 4ار ما ال
يدخله الك 44ذب ،ومنها ما ال يدخله الص 44دق ،ف 44إذا زيد على التعريف كلمة (لذات 44ه) زال ه 44ذا اإلي 44راد ،إذ
خيرج هبذا القيد اخلرب الذي ال حيتمل الصدق أو ال حيتمل الكذب باعتبار املخرب ب44ه ،ف44األول كخرب م4دعي
الرس44الة بعد الرس44ول ،rوالث44اين كخرب اهلل تع44اىل وخرب رس44ول اهلل rالث44ابت عن44ه ،ف44إذا ق44ال إنس44ان :ق44دم
أخ 44وك .فه 44ذا خرب حيتمل الص 44دق والك 44ذب ل 44ذات اخلرب ،ف 44إن ط 44ابق الواقع فهو ص 44دق ،وإن خالفه فهو
ك44 4ذب .وذلك إما على الس 44 4واء إن ك 44 4ان القائل جمه 44 4ول احلال ،أو مع رجح 44 4ان الص 44 4دق إن ك44 4ان املخرب
عدالً ،أو الكذب إن كان فاسقاً.
قوله( :واخلرب ينقسم إىل قسمني :آحاد ومتواتر) ملا عرف اخلرب ذكر أقسامه.
)2متواتر. فاخلرب باعتبار وصوله إلينا قسمان )1 :آحاد.
قول 44ه( :ف 44املتواتر ما ي 44وجب العلم ،وهو أن ي 44روي مجاعة . . .إخل) ذكر تعريف املت 44واتر وبي 44ان ما
يفيد ،وبدأ املصنف باملتواتر لطول الكالم على اآلحاد والعتباره 4يف معىن اآلحاد نفي معىن املتواتر.
117
فاملتواتر لغة :اسم فاعل من تواتر الشيء أي :ج4اء بعضه يف إثر بعض ،ومنه ت4واتر املطر أي :تت4ابع نـزوله.
قال األشياء إال إذا وقعت بينهما فرتة ،وإال فهي مداركة ومواصلة .)1(). . .
واصطالحاً :أن يروي مجاعة ال يقع التواطؤ 4على الكذب من مثلهم إىل أن ينتهي إىل املخرب عنه.
ه 44ذا تعريف املص 44نف ،وهو تعريف حيت 44اج إىل تق 44دير ،ألن املت 44واتر ليس هو رواية اجلماع 44ة ،بل ما
يرويه مجاعة ،والرواية نفسها هي التواتر فيقدر :ح4ال املت44واتر أن يرويه مجاع44ة .ولو ق44ال( :ما رواه مجاع44ة)
لكان أحسن.
ومن هذا التعريف وما بعده يتبني أن شروط املتواتر أربعة:
)1أن يرويه ع44 4دد ،وقد أش44 4ار املص 44نف 4إىل ذلك بقول44 4ه( :أن ي44 4روي مجاع 44ة) وقد اختلف العلم 44اء يف
الع44دد املطل44وب على أق44وال كث44رية ،كلها ض44عيفة لتكافئها يف ال44دعوى ،وألن أدلتها ال تعلق لش44يء
منها باألخبار ،والصحيح ما قاله شيخ اإلسالم 4ابن تيمية رمحه اهلل ،ونسبه إىل األكثرين املخ44ربين،
وقد حيصل بص44 4فاهتم لض44 4بطهم ودينهم ،وقد حيصل بق44 4رائن حتتف ب44 4اخلرب حيصل مبجموعها العلم.
وقد حيصل بتلقي األمة له ب44 4 4 4 4 4 4 4 4 4القبول ،واألمة ال جتتمع على ض44 4 4 4 4 4 4 4 4 4اللة ،وقد حيصل إذا أمجع أهل
احلديث على صحته وحنو ذلك(.)2
)2أن حتيل الع44 4 4 4 4ادة تواط44 4 4 4 4ؤهم على الك44 4 4 4 4ذب ،وأش44 4 4 4 4ار إليه بقول44 4 4 4 4ه( :ال يقع التواطؤ 4من مثلهم على
الكذب).
)3أن يس44 4توي مجيع طبق44 4ات الس44 4ند بالش44 4رطني الس44 4ابقني على أن ينتهي إىل املخرب عن 44ه .وأش 44ار إليه
بقوله( :إىل أن ينتهي 4إىل املخرب عنه).
)4أن يك44 4ون 4مس44 4تند خ44 4ربهم عن مش44 4اهدة أو مساع كق44 4وهلم" :مسعنا أو رأين44 4ا" ال عن اجته44 4اد ،ألن
االجتهاد ميكن فيه الغلط خبالف املشاهدة ،فإن من أخرب عن وجود حادثة إخباراً عن مشاهدة مل
جيز عليه الغلط .وأشار إليه بقوله( :ويكون يف األصل عن مشاهدة أو مساع ال عن اجتهاد).
قوله (ف44املتواتر ما ي44وجب العلم) أي أن املت44واتر يفيد العلم .وهل هو العلم الض44روري أو النظ44ري؟
ق 44 4والن :أرجحهما أن املت 44 4واتر يفيد العلم الض 44 4روري أي اليقيين ال 44 4ذي يض 44 4طر اإلنس 44 4ان 4إىل التص 44 4ديق به
تص 44 4ديقاً جازم 4 4 4اً ،كوج 44 4 4ود األئمة األربع44 4 4ة ،ووج 44 4 4ود مكة ودمشق مثالً بالنس44 4 4بة ملن مل يرمها ،ولو أراد
التخلص من العلم بذلك مل يستطع ،وقد نسب الشوكاين هذا القول إىل اجلمهور ،وقال :إنه احلق(.)3
118
وكما يفيد املتواتر العمل يفيد العمل مبا دل عليه بتصديقه إن كان خ44رباً ،وتطبيقه عن ك44ان طلب4اً.
علي متعم 44داً فليتب 44وأ
ومث 44ال املت 44واتر :عن أيب هري 44رة رضي اهلل عنه ق 44ال :ق 44ال رس 44ول اهلل ( rمن ك 44ذب ّ
مقعده من النار)(.)1
ف44ال املن44ذري :وه44ذا احلديث قد روي عن غري واحد من الص44حابة يف الص44حاح والس44نن واملس44انيد4
وغريمها ،حىت بلغ مبلغ التواتر ،واهلل أعلم(.)2
اآلحــــاد
(واآلحــاد :هو الــذي يــوجب العمل وال يــوجب العلم .وينقسم إلى مرسل ومســند ،فالمســند
ما اتصل إسـ ــناده ،والمرسل ما لم يتصل إسـ ــناده .فـ ــإن كـ ــان من مراسـ ــيل غـ ــير الصـ ــحابة
فليس بحجة إال مراسيل سعيد بن المسيب ،فإنها فتشت فوجدت مسانيد عن النبي .)r
هذا هو النوع الثاين من أنواع اخلرب باعتبار وصوله إلينا وهو اآلحاد.
واآلح44 4اد لغ44 4ة :مجع أحد كأجل وآج44 4ال مبعىن واح44 4د .ومهزته مبدلة من واو فأص44 4له وح44 4د ،وخرب
اآلحاد ما يرويه الواحد.
واصطالحاً :ما مل يتواتر
أي مل تبلغ نقلته مبلغ اخلرب املتواتر ،س4واء ك4ان املخرب به واح4داً أو اث4نني أو أربعة أو مخسة أو غري
ذلك من األعداد اليت ال تشعر بأن اخلرب دخل يف حد التواتر.
قوله (يوجب العمل) أي جيب العمل مبا تضمنه خرب اآلح4اد بتص4ديقه 4إن ك4ان خ4رباء ،وتطبيقه إن
كان طلباً ،بشرط ص44حته عن رس44ول اهلل rال ف44رق يف ذلك بني األحك44ام والعقائد على الق44ول الص44حيح،
لعم 44 4وم األدلة يف وج44 4 4وب العمل خبرب الواح44 4 4د ،ومن ذلك ح44 4 4ديث ابن عمر رضي اهلل عنهما ق 44 4ال :بينما
الن 44اس بقب 44اء يف ص 44الة الص 44بح إذ ج 44اءهم آت ،فق 44ال :إن النيب rقد أن 44زل عليه الليلة ق 44رآن ،وقد أمر أن
يستقبل الكعبة فاستقبلوها ،وكانت وجوههم إىل الشام ،فاستداروا إىل الكعبة.)3(4
فه 44ذا دليل ظ 44اهر يف العمل خبرب الواح 44د ،ف 44إن الص 44حابة رضي اهلل عنهم حتول 44وا عن بيت املق 44دس
على الكعبة 4خبرب الواحد ،فصدقوا خربه ،وعملوا به.
ومن األدلة أن النيب rكان يبعث 4اآلحاد إىل النواحي 4والقبائل لتبليغ األحكام الش44رعية ،فل44وال أنه
جيب العمل خبربهم مل يكن لبعثهم فائدة.
(?) الرتغيب والرتهيب ( )1/111وانظر نظم املتناثر من احلديث املتواتر للكتاين. 2
119
ومن األدلة أن الص44حابة رضي اهلل عنهم قد أمجع44وا على قب44ول خرب الواحد والعمل به يف وق44ائع ال
ميكن حص 44 4رها ،فقد رجع44 4وا إىل الغسل من ال44 4وطء من غري إن 44 4زال إىل ق 44 4ول عائشة رضي اهلل عنه44 4ا .ويف
توريث اجلدة إىل قول املغرية 4بن شعبة وحممد بن مسلمة وغري ذلك كثري(.)1
يق44ول الن44ووي( :وقد تظ44اهرت دالئل النص44وص الش44رعية واحلجج العقلية على وج44وب العمل خبرب
الواح44د ،وقد ق44رر العلم44اء يف كتب الفقه واألص44ول ذلك بدالئل44ه ،وأبلغ44وه أبلغ إيض44اح ،وص44نف مجاع44ات
من أهل احلديث وغريهم مصنفات مستكثرات 4يف خرب الواحد ووجوب العمل به ،واهلل أعلم)(.)2
وق44 4 4ال أيض4 4 4 4اً( :فال44 4 4ذي عليه مجاهري املس44 4 4لمني من الص44 4 4حابة والت44 4 4ابعني فمن بع44 4 4دهم من احملدثني
والفقه 44اء وأص 44حاب األص 44ول أن خرب الواحد الثقة حجة من حجج الش 44رع ،يل 44زم العمل هبا ويفيد الظن
وال يفيد العلم ،وأن وجوب العمل به عرفناه بالشرع ال بالعقل .)3() . .
واعلم أن التفريق بني العقائد واألحك 44ام يف االس 44تدالل بأح 44اديث اآلح 44اد ق 44ول غ 44ريب حمدث ،ال
دليل عليه من كت 44 4 4اب وال س 44 4 4نة .بل هو خمالف ملا عليه س 44 4 4لف األم 44 4 4ة ،ف 44 4 4إن األدلة اليت يس 44 4تدل هبا على
وج4وب األخذ حبديث اآلح4اد يف األحك44ام الش4رعية هي أدلة على وج4وب األخذ هبا يف العقائد لعمومه44ا،
ومن أدعى ختصيصها 4باألحكام فعليه الدليل(.)4
قول44 4 4ه( :وال ي44 4 4وجب العلم) ه44 4 4ذا ق44 4 4ول اجلمه44 4 4ور :أن اآلح44 4 4اد ال تفيد العلم ،بل تفيد الظن ،وهو
رجح 44ان ص 44حة نس 44بتها إىل من نقلت عن 44ه ،وخيتلف ه 44ذا ب 44اختالف رتبتها فالص 44حيح لذاته ليس كاحلسن
لغريه .وهكذا.
وذلك بأنه لو أف44 4 4 4اد خرب كل واحد العلم لص44 4 4 4دقنا كل خرب نس44 4 4 4معه ،وحنن ال تص44 4 4دق كل خرب
نس 44معه ،ف44 4دل على أنه ال يفيد العلم ،وألن أع44 4دل رواة اآلح44 4اد جيوز يف حقه الك44 4ذب والغل44 4ط ،ف44 4القطع
بصدقه مع جتويز الكذب والغلط عليه ال معىن له.
وهن44 4اك ق44 4ول آخ44 4ر ،وهو أن أخب44 4ار اآلح44 4اد تفيد العلم ،وهو م44 4ذهب الظاهري44 4ة ،وقد نص44 4ره ابن
ح 44زم( .)5وهو ق 44ول مجاعة من أهل احلديث ،وهلم أدلة ذكرها ابن القيم يف كتابه (الص 44واعق املرس 44لة على
اجلهمية واملعطلة)(.)6
(?) انظر أصل االعتقاد ص 57رسالة احلديث حجة بنفسه يف العقائد واألحكام لأللباين. 4
120
واملخت 44ار أن أخب 44ار اآلح44 4اد تفيد الظن ،ورمبا أف44 4ادت العلم ب44 4القرائن مثل أن تتلق 44اه األمة ب 44القبول
تصديقاً له وعمالً به ،أو كونه مروياً يف الصحيحني ،وحنو ذلك ،واهلل أعلم.
قول44ه( :وينقسم إىل مرسل ومس44ند) أي أن أخب44ار اآلح44اد تنقسم إىل مرسل ومس44ند ،وه44ذا باعتب44ار
اتص44ال الس44ند وانقطاع44ه .فاملس44ند لغ44ة :اسم مفع44ول من اإلس44ناد ،وهو ضم جسم إىل آخ44ر ،مث اس44تعمل يف
املعاين يقال :أسند اخلرب إىل فالن إذا نسبه إليه.
قوله( :فاملسند ما اتصل إسناده) هذا تعريف املسند.
اصطالحاً :وهو ما اتصل إسناده ،واملراد باالتصال أن يروي شخص عن شخص إىل املخرب عنه.
ومثاله :قول البخاري رمحه اهلل يف صحيحه :حدثنا عبد اهلل بن يوسف قال :أخربنا مالك عن ابن
ش 44هاب عن أيب س 44لمة بن عبد ال 44رمحن عن أيب هري 44رة رضي اهلل عن 44ه ،أن رس 44ول اهلل rق 44ال( :من أدرك
ركعة من الصالة 4فقد أدرك الصالة)(.)1
وتعريف املص44نف للمس44ند فيه عم44وم ،ألنه يش44مل كل ما اتصل إس44ناده من رواية إىل منته44اه 4،ب44أن4
ذكر يف السند رواته كلهم فيدخل فيه املوقوف إذا جاء بسند متصل(.)2
وأكثر ما يستعمل املسند يف املرفوع إىل النيب rدون ما جاء عن الصحابة وغريهم.
قوله( :واملرسل ما مل يتصل إسناده)
املرسل لغة :اسم مفعول مشتق من اإلرسال :وهو اإلطالق فكأن 4املرسل أطلق اإلس44ناد ومل يقي44ده
جبميع رواته.
وأما يف االصطالح :فذكره بقوله (ما مل يتصل إسناده) وهذا عند األصوليني.
ومعناه :أن يسقط بعض الرواة ،سواء كان الساقط واحداً أو أكثر من أي موضع يف السند ،ففيه
رواية ال44 4راوي عمن مل يس44 4مع من44 4ه .وعليه فاملرسل يف اص44 4طالح أهل األص44 4ول يش44 4مل أن44 4واع االنقط44 4اع،
فيدخل فيه املنقطع واملعضل ،كما يدخل فيه مرسل الصحايب.
قال ابن األثري( :املرسل من احلديث هو أن يروي الرجل حديثاً عمن مل يعاصره) أ هـ(.)3
واملنقطع هو الذي سقط من إسناده رجل غري الصحايب .واملعضل هو الذي سقط منه اثنان4.
121
وأما املرسل عند احملدثني فهو ما رفعه الت44ابعي 4إىل النيب ،rوذلك ب44أن 4يس44قط منه الص44حايب .ومن
أمثلته ما أخرجه مس44لم يف ص44حيحه يف كت44اب ال44بيوع 4ق44ال :ح44دثن حممد بن رافع ثنا حجني ثنا الليث عن
عقيل عن ابن شهاب عن سعيد بن املسيب 4أن رسول اهلل rهنى عن املزابنة واحملاقلة(.)1
فس44عيد بن املس44يب 4ت44ابعي 4كبري روى ه44ذا احلديث عن النيب rب44دون أن ي44ذكر الواس44طة بينه وبني
الرسول rوهو الصحايب.
قوله( :فإن كان من مراس4يل غري الص44حابة فليس حبج4ة) ه44ذا بي44ان حكم االحتج4اج باملرس4ل .وقد
ذكر املص44 4 4نف حكم مرسل غري الص44 4 4حايب ،وس44 4 4كت عن مرسل الص44 4 4حايب وذلك ألنه حجة عند مجاهري
أهل العلم قال احلافظ( :وهو الذي عليه عمل أئمة احلديث) أ هـ(.)2
وذلك ألن مرسل الص44حايب موص44ول مس44ند ،ألن روايتهم غالب4اً عن الص44حابة ،واجلهالة بالص44حابة
ال تضر ،ألهنم كلهم عدول.
وهلذا مل يعد ابن الص 44 4الح مرسل الص 44 4حايب من احلديث املرس 44 4ل ،ألنه يف حكم املوص44 4ول املس44 4ند
فق44 4ال( :مل نعد يف أن 44 4واع 4املرسل وحنوه ما يس 44 4مى يف أص 44 4ول الفق 44 4ه :مرسل الص 44 4حايب ،مثل ما يرويه ابن
عب44 4اس وغ44 4ريه من أح44 4داث الص44 4حابة عن رس44 4ول اله rومل يس44 4معوه من44 4ه ،ألن ذلك يف حكم املوص44 4ول
املس44 4ند ،ألن روايتهم عن الص 44 4حابة ،واجلهالة بالص 44 4حايب غري قادح 44 4ة ،ألن الص 44 4حابة كلهم ع44 4دول ،واهلل
أعلم)(.)3
ومرسل الصحايب :هو ما أخرب به الصحايب عن ق4ول النيب rأو فعله ومل يس4معه أو يش4اهده ،ألنه
مل ي 44درك زمانه إما البخ 44اري يف ص 44حيحه بس 44نده عن عائشة رضي اهلل عنها ق 44الت :ك 44ان أول ما ب 44دئ به
رس4ول اهلل rالرؤيا الص4ادقة يف الن4وم 4،فك4ان ال ي4رى رؤيا إال ج4اءت مثل فلق الص4بح . . .احلديث )
()4
فه 44ذا من مراس 44يل الص 44حابة ،ألن عائشة مل ت 44درك ه 44ذه القص 44ة ،ألهنا ول 44دت بعد املبعث ب 44أربع أو مخس
سنني(.)5
(?) النكت على ابن الصالح ( )2/548وانظر اجملموع شرح املهذب (.)1/62 2
122
ومثاله – أيض4اً – ما أخرجه البخ44اري بس44نده عن ابن الزبري أنه خطب فق44ال :ق44ال حممد ( :rمن
لبس احلرير يف ال44 4 4 4 4دنيا لن يلبسه يف اآلخ44 4 4 4 4رة)( )1فه44 4 4 4 4ذا مرسل ص44 4 4 4 4حايب ألن عبد اهلل بن الزبري ولد ع 44 4 4ام
اهلجرة(.)2
وقد ذكر احلافظ يف الفتح( )3أنه تبني من الروايتني اللتني أوردمها البخاري بعد ه44ذا املرسل أن ابن
الزبري إمنا محله عن النيب rبواس 44 4طة عمر رضي اهلل عن 44 4ه ،وذكر احلافظ أنه مل يقف يف ش 44 4يء من الط44 4رق
املتفقة 4عن عمر أنه رواه بلفظ (لن) بل احلديث عنه يف مجيع الطرق بلفظ (مل) واهلل أعلم.
قال السيوطي يف ت4دريب ال4راوي( :ويف الص44حيحني من مراس4يل الص4حابة ما ال حيص4ى ،ألن أك4ثر
رواياهتم عن الصحابة ،وكلهم عدول ،ورواياهتم عن غ44ريهم ن44ادرة ،وإذا رووها بينوه4ا 4،بل أك4ثر ما رواه
الصحابة عن التابعني ليس أحاديث مرفوعة ،بل إسرائيليات أو حكايات أو موقوفات) أ هـ(.)4
ه 44ذا هو مراس 44يل الص 44حابة .وأما مراس 44يل غري الص 44حابة كمرسل الت 44ابعي ففيه خالف ،وقد ذكر
املص44نف 4أهنا ليست حبج44ة ،وذلك للجهل بالس44اقط يف اإلس44ناد الحتم44ال أنه ت44ابعي 4،مث حيتمل أنه ض44عيف.
وبتق44 4دير كونه ثقة حيتمل أنه روى عن ت 44 4ابعي أيض4 4 4اً ،وحيتمل أنه ض 44 4عيف وهك 44 4ذا ،وه 44 4ذا ق44 4ول مجه44 4ور
احملدثني ،وكثري من أهل األص 44ول والفقه 44اء .يق 44ول اإلم 44ام مس 44لم رمحه اهلل يف مقدمة ص 44حيحه( :واملرسل
من الرواي44ات يف أصل قولنا وق44ول أهل العلم باألخب44ار ليس حبج44ة)( )5ومثل ذلك حكى ابن عبد الرب وابن
الص44 4الح والن 44 4ووي 4وغ 44 4ريهم .ق 44 4ال ابن حجر يف ش 44 4رح النخبة (وإمنا ذكر املرسل يف قسم املردود للجهل
احملذوف) أ هـ(.)6
وذهب األئمة الثالث 44ة :مالك وأبو حنيفة وأمحد يف املش 44هور عنه إىل قب 44ول املرسل إذا ك 44ان املرسل
ثق44ة ،وال يرسل إال عن ثق44ة ،وحجتهم أن الت44ابعي الثقة ال يس44تحل أن يق44ول :ق44ال رس44ول اهلل . . . rإال
إذا مسعه من ثقة.
(?) فتح الباري ( )10/289وقد ذكر احلافظ ثالثة من مراسيل ابن الزبري فمن أرادها رجع إهلا. 3
123
وق 44 4ال بعض أهل العلم ومنهم الش 44 4افعي :حيتج مبراس 44 4يل كب 44 4ار الت 44 4ابعني ال 44 4ذين أك44 4ثر روايتهم عن
الص44حابة كس44عيد بن املس44يب وع44روة بن الزب44ري ،وذلك بش44رط أن يعض44ده مرسل آخر أو ق44ول ص44حايب أو
قياس أو يفيت مبقتضاه 4أكثر أهل العلم(.)7
وقد مشى املص 44نف 4على الق 44ول ب 44املنع ومل يس 44تثن إال مراس 44يل س 44عيد بن املس 44يب ،وعلل ذلك بأنه
فتش عنها فوجد أن س44عيدا أس44قط الص44حايب ،وعزاها للنيب rوالغ44الب أن يك44ون الص44حايب هو ص44هره أبو
زوجته أبو هري44 4 4 4 4رة رضي اهلل عن 44 4 4 4 4ه .واملفتش هلا هو الش44 4 4 4 4افعي رمحه اهلل على ما نقله املص44 4 4 4نف 4يف كتابه
(الربهان)( )2واهلل أعلم.
واعلم أن املص 44 4نف 4ملا نص على أن مرسل غري الص 44 4حايب ليس حبجة فهم منه أن مرسل الص44 4حايب
حجة ،كما تقدم فيكون ذكر حكم النوعني ،واهلل أعلم.
(?) انظر الرسالة للشافعي ص 461وانظر تفصيل هذه الشروط يف كتاب (احلديث املرسل) للدكتور حممد حسن هيتو ص 36وما بعدها. 7
124
صيغ أداء الحديث
(والعنعنة ت ـ ــدخل على األس ـ ــانيد .وإ ذا ق ـ ــرأ الش ـ ــيخ يج ـ ــوز لل ـ ــراوي أن يق ـ ــول :ح ـ ــدثني أو
أخبرني .وإ ذا قرأ هو على الشيخ يقول :أخبرني وال يقول حدثني .وإ ن أجازه الشــيخ من
غير قراءة فيقول :أجازني وأخبرني إجازة).ـ
ملا ف 44رغ املص 44نف 4من بي 44ان أقس 44ام اخلرب ش 44رع يف ذكر كيفية حتمله وأدائه وللح 44ديث حتمل وأداء.
فالتحمل :أخذ احلديث عن الغري .واألداء :إبالغ احلديث إىل الغري.
قول 44 4ه( :والعنعنة 4ت 44 4دخل على األس 44 4انيد) العنعنة 4من ص 44 4يغ أداء احلديث ،وهي رواية احلديث بلفظ
عن فالن عن فالن دون تصريح بالتحديث أو السماع.
وقوله (ت 44 4دخل األس 44 4انيد) أي على األح 44 4اديث املس 44 4ندة ،وه 44 4ذا يفيد أن احلديث املعنعن 4يف حكم
احلديث املس44ند يف القب44ول والعمل ب44ه ،ال يف حكم املرسل يف رده وع44دم العمل ب44ه ،وذلك التص44ال س44نده
يف الظ 44 4 4 4اهر ،وإمنا نبه عليه دون غ 44 4 4 4ريه لوق 44 4 4 4وع اخلالف يف حكم املعنعن ،ف 44 4 4 4اجلمهور على أن املعنعن 4من
املتصل ،كما ذكر املصنف 4بشرطني:
األول متفق علي44ه :وهو س44المة معنعنه وبراءته من الت44دليس ،فال حيكم باالتص44ال من م44دلس إال أن
يصرح بالتحديث.
الثاين خمتلف فيه :وهو لقاء الراوي ملن روى عنه واجتماعهما ولو مرة واحدة ،وبه ق44ال البخ44اري
وشيخه ابن املديين وغريمها من أئمة احلديث .وهذا الرأي هو املختار الص44حيح ال44ذي عليه أئمة ه4ذا الفن،
ما ق44ال الن44ووي يف ش44رح مس44لم( :)1ومنهم من اكتفى 4بإمك44ان 4اللق44اء واملعاص44رة كاإلم44ام مس44لم ،واملعنعن
كثري يف الصحيحني وغريمها.
ومثال 44ه :ما أخرجه البخ 44اري يف ص 44حيحه ق 44ال :ح 44دثنا عبد اهلل بن يوسف ق 44ال :أخربنا مالك عن
ابن شهاب عن حممد بن جبري بن مطعم عن أبيه قال :مسعت رسول اهلل rقرأ يف املغرب بالطور(.)2
فه 44 4ذا احلديث ص 44 4حيح وس 44 4نده متص44 4 4ل .وأما العنعنة 4فهي حممولة على االتص 44 4ال ،ألن رواته غري
مدلس44 4ني ،فمالك إم44 4ام حاف44 4ظ ،وابن ش44 4هاب الزه44 4ري فقيه حافظ متفق على جاللته وإتقان44 4ه 4،وحممد بن
جبري ثقة.
مث ذكر املؤلف ألفاظ الرواية من غري الصحايب ،وهلا مراتب بعضها أقوى من بعض ،ومنها:
125
ق44راءة الش44يخ على التلميذ ل44ريوي عن44ه ،فيق44رأ الش44يخ على ال44رواة وهم يس44معون .وه44ذه )1
املرتبة هي الغابة يف التحمل ،وللراوي يف هذه املرتبة أن يقول :حدثين فالن أو أخربين.
ق 44 4راء التلميذ على الش 44 4يخ وهو يس 44 4مع .فيق 44 4ول :نعم أو يس 44 4كت .فتج44 4وز الرواية عنه )2
بذلك فيقول التلميذ :أخربين أو حدثين قراءة عليه .وهل يسوغ له ترك (قراءة عليه)؟
ق44والن :املص44نف ومن وافقه ي44رى املن44ع ،ألنه مل حيدث44ه ،والق44ول الث44اين :اجلواز ألن القصد
اإلعالم بالرواية عن الش44 4يخ ،وكل من الص44 4يغتني ص44 4احل ل44 4ذلك .واألول ق44 4ال به مس44 4لم وهو
مذهب الشافعي وأصحابه ورواية عن أمحد ،وبالثاين قال البخاري وبعض أهل العلم.
اإلج44ازة :وهي أن ي44أذن الش44يخ للتلميذ أن ي44روي عنه ما رواه ،ك44أن يق44ول ل44ه :أج44زت )3
لك أن تروي عين صحيح البخاري .فيقول التلميذ :أجازين ،أو أخربين إجازة.
وقوله( :من غري ق4راءة) أي من غري ق4راءة من الش4يخ على ال4راوي وال من ال4راوي على
الشيخ .واهلل أعلم.
126
القيـــاس
(وأما القي ــاس:ـ فهو رد الف ــرع إلى األصل في الحكم بعلة تجمعهم ــا .وهو ينقسم إلى ثالثة
أقس ــام :قي ــاس عل ــة ،وقيسا دالل ــة ،وقي ــاس ش ــبه .فقي ــاس العل ــة :ما ك ــانت العلة فيه موجبة
للحكم .وقي ــاس الدالل ــة :هو االس ــتدالل بأحد النظ ــيرين على اآلخ ــر ،وهو أن تك ــون العلة
دالة على الحكم ،وال تك ــون موجبة للحكم .وقي ــاس الش ــبه هو الف ــرع الم ــتردد بين أص ــلين
فيلحق بأكثرهما شبهاً به ،وال يصار إليه مع إمكان ما قبله).
ه 44ذا هو األصل الرابع من األص 44ول اليت يس 44تدل هبا وهو القي 44اس ،وخ 44الف يه الظاهرية وآخ 44رون،
وقالوا :ليس من األصول ألنه ال يفيد إال الظن.
والصواب مع اجلمهور ،فإن القياس يثري ظنّاً غالباً يعمل به يف األحكام الشرعية ،وق44وهلم :ال يفيد
إال الظن ،نقول :خرب الواحد وحنوه ال يفيد إال الظن يف األصل ،ومع هذا يستدل به.
وقد دل على اعتب44ار القي44اس دليالً كت44اب اهلل تع44اىل وس44نة رس44وله rوأق44وال الص44حابة ،ق44ال تع44اىل:
]لقد أرس 44لنا رس 44لنا بالبين 44ات 4وأنزلنا معهم الكت 44اب وامليزان ليق 44وم الن 44اس بالقسط[( ،)1امليزان ما ت 44وزن به
األم 44ور ويق 44ايس به بينه 44ا .ق 44ال ش 44يخ اإلس 44الم 4ابن تيمي 44ة( :والقي 44اس الص 44حيح من الع 44دل .فإنه تس 44وية بني
متماثلني .وتفريق بني املختلفني .)2(). .
ومن الس 44نة ما ورد عن أيب هري 44رة رضي اهلل عنه أن رجالً أتى النيب rفق 44ال( :يا رس 44ول اهلل ولد
يل غالم أس44ود .فق44ال :هل لك من إب44ل؟ ق44ال :نعم .ق44ال .ما ألواهنا؟ ق44ال :محر .ق44ال :هل فيها من أورق؟
قال :نعم .قال :فأىن ذلك؟ قال :لعله نزعه عرق .قال :فلعل ابنك هذا نزعه عرق)( )3متفق عليه.
قال ابن العريب( :فيه دليل على صحة القياس واالعتبار بالنظري)(.)4
ومن أق44 4 4وال الص44 4 4حابة ما ورد يف كت44 4 4اب عمر بن اخلط44 4 4اب رضي اهلل عنه إىل قاض 44 4يه أيب موسى
األش 44 4 4عري رضي اهلل عنه وفيه (مث الفهم فيما أدىل عليك مما ورد عليك مما ليس يف ق44 4 4 4 4رآن وال س 44 4 4نة ،مث
قياس األمور عندك واعرف األمثال .مث اعمد فيما ترى إىل أحبها إىل اهلل وأشبهها باحلق .)5() . .
(?) هذا الكتاب من عمر رضي اهلل عنه كتاب جليل القدر تلقاه العلماء بالقبول .وقد شرحه ابن القيم رمحه اهلل يف أعالم املوقعني .ويف جملة البحوث 5
اإلسالمية العدد السابع عشر حتقيق هذا الكتاب وبيان ما تضمنه من توجيهات للقضاة للدكتور ناصر الطريفي ص.254 – 196
127
ونقل ابن القيم يف أعالم املوقعني عن املزين من كبار الشافعية أنه قال( :الفقهاء من عصر الرسول
rإىل يومنا وهلم ج44را اس44تعملوا املق44اييس 4يف الفقه يف مجيع األحك44ام يف أمر دينهم) وق44ال( :وأمجع44وا على
أن نظري احلق حق ،ونظري الباطل باطل)(.)1
قوله( :وأما القياس فهو رد الفرع على األصل .). .
القي4اس لغ4ة :التق4دير واملس4اواة .تق4ول :قست الث4وب بال4ذراع إذا قدرته ب4ه ،وفالن ال يق4اس بفالن
أي ال يساوي به.
واص 44طالحاً( :رد الف 44رع إىل األصل يف احلكم بعلة جتمعهم 44ا) ،والب 44اء يف قول 44ه( :بعل 44ة) س 44ببية أي
بس44بب عل44ة ،ومعىن رد الف44رع إىل األصل جعله مس44اوياً له وراجع4اً إليه يف احلكم ،حيث إن الف44رع مل ي44رد
يف بي44ان حكمه نص وال إمجاع ،ألن موض44وع القي44اس طلب أحك44ام الف44روع املس44كوت عنه44ا ،اليت مل ي44رد
فيها نص وال إمجاع ،فإذا وجدت علة األصل يف الفرع أعطي حكم األصل.
ومثال 44 4 4 4ه :قي 44 4 4 4اس األرز على الرب يف جري 44 4 4 4ان الربا( ،)2والعلة اليت جتمعهما هي الطعم والكيل مثالً.
وقي44اس العبد على األمة يف تنص44يف حد الزنا جبامع ال44رق يف كل منهم44ا .ودليل األصل آية س44ورة النس44اء.
كما تقدم يف التخصيص.
وأركان القياس أربعة:
)1الف 44رع ،وهو احملل ال 44ذي ي 44راد إثب 44ات احلكم في 44ه ،ويس 44مى املقيس .وهو األرز يف املث 44ال األول
والعبد يف املثال الثاين.
)2األصل ،وهو احملل املعلوم بثبوت احلكم فيه ،ويسمى املقيس عليه ،وهو الرب ،واألمة.
)3واحلكم ،وهو األمر املقص 44 4ود إحلاق الف 44 4رع باألصل في 44 4ه .وهو جري 44 4ان الربا يف املث 44 4ال األول.
وتنصيف احلد يف الثاين.
)4العل 44ة ،وهي املعىن املش 44رتك 4بني األصل والف 44رع املقتضي 4إثب 44ات احلكم يف الف 44رع .وهي الطعم
والكيل مثالً يف األول ،والرق يف الثاين.
قول44ه( :وهو ينقسم إىل ثالثة أقس44ام) ملا ذكر تعريف القي44اس ش44رع يف تقس44يمه حبسب علت44ه .ف44ذكر
أنه ثالثة :قياس العلة وقياس الداللة ،وقياس الشبه .وعرف كل قسم منها.
قوله (فقياس العلة :هو ما كانت العلة فيه موجبة احلكم).
128
أي :هو ما كانت العلة اليت جتمع الفرع واألصل يف احلكم (موجبة احلكم) أي :مقتضية 4للحكم،
مبعىن أنه ال حيسن ختلف احلكم عنها يف الف44رع ب44أن توجد هي يف الف44رع وال يوجد احلكم .ومثال44ه :قي44اس
ُأف[( )1واحلكم هو ضرب الوالدين أو أحدمها على الت44أفيف 4املنص44وص عليه يف قوله تع44اىل] :فال تقل هلما ّ
التح4رمي ،والعلة هي اإلي4ذاء .فال حيسن عقالً ختلف احلكم يف الف4رع ب4أن يب4اح الض4رب ،ومينع الت4أفيف 4مع
وجود العلة يف الفرع على أمت وجه( .)2وهذا على قول من يرى أن ثب4وت احلكم يف الف4رع يف ه4ذا القسم
بطريق القي44اس فيك44ون 4بطريق املنط44وق ونقل يف الربه44ان( )3عن أك44ثر األص44وليني أنه بطريق مفه44وم املوافق44ة،
وهو أن يوافق املس44 4كوت 4عنه املنط44 4وق يف احلكم ،وقد يك44 4ون 4أوىل وقد يك44 4ون مس44 4اوياً والض44 4رب أوىل
بالتحرمي من التأفيف.
واملش 44هور أن قي 44اس العلة هو اجلمع بني الف 44رع واألصل بنفس العل 44ة ،كما إذا قلن 44ا :جيري الربا يف
األرز قياساً على الرب جبامع الطعم والكيل مثالً .وهو إما جلي أو خفي ،وما ذك4ره املص4نف 4هو من قي44اس
العلة اجللي ،وهو ما علم من غري معاناة وفكر(.)4
قول44ه( :وقي44اس الدالل44ة :هو االس44تدالل بأحد النظ44ريين على اآلخ44ر ،وهو أن تك44ون 4العلة دالة على
احلكم وال تك 44ون 4موجبة للحكم) قول44 4ه( :هو االس 44تدالل) أي هو أن يس 44تدل بأحد النظ44 4ريين على النظري
اآلخ 44ر .واملراد ب 44النظريين :الش 44يئان 4املتش 44اركان يف األوص 44اف كاش 44رتاك 4األش 44نان والرب يف وصف الكي 44ل،
وقوله( :أن تكون العلة دالة على احلكم) أي على ثبوت احلكم يف الفرع.
وقوله( :وال تكون 4موجبة للحكم) أي ال تكون مقتضية 4لثبوت احلكم كما يف قياس العلة.
ومثال 44 4 4ه :قي 44 4 4اس األش 44 4 4نان )5(4على الرب يف جري 44 4 4ان الربا جبامع الكي 44 4 4ل .فالعلة وهي الكيل دالة على
احلكم ،وهو جري 44ان الربا يف األش 44نان 4،ولكنها ليست موجبة لثب 44وت احلكم يف الف 44رع ،جلواز خلو الف 44رع
عن هذا احلكم ،الحتمال إجياد فرق بني األصل والفرع ،بأن 4الرب مطعوم واألشنان 4غري مطعوم.
واملشهور أن قي44اس الدالة هو اجلمع بني األصل والف44رع ب44دليل العل44ة ،ال بالعلة نفس44ها :كالش44دة يف
اخلمر أو الرائحة ،فإن الشدة أو الرائحة ليست هي العلة .مسي بذلك ألن املذكور دليل العلة .وقد يك44ون
أثر العلة ك44 4أن يق44 4ال :القتل مبثقل ي44 4وجب القص44 4اص :كالقتل مبح44 4دد جبامع اإلمث ،وهو أثر العلة اليت هي:
(?) ويسمى هذا قياس األوىل وهو أن يكون ثبوت احلكم يف الفرع أوىل منه يف األصل كهذا املثال أو مساوياً له كقياس حترمي إتالف اليتيم باللبس على 2
(?) األشنان :بفتح اهلمزة وكسرها شجر معروف كان يستعمل قدمياً يف غسل الثياب. 5
129
القتل العمد الع 44دوان 4.وقد يك 44ون 4حكم العلة ك 44أن يق 44ال :تقطع اجلماعة بالواح 44د ،كما يقتل 44ون به جبامع
وجوب الدية .وهو حكم العل44ة ،وال مناف44اة بني ه44ذا وما ذكر املص44نف 4جلواز تع44دد االص44طالح أو اختالفه
واهلل أعلم(.)1
قوله( :وقياس الشبه :هو الفرع املرتدد بني أصلني).
مثاله( :)2العبد .هل ميلك بالتمليك أو ال؟ وهل إذا قتل فيه الدية أو القيمة؟ فهو مرتدد بني أصلني
خمتلفي احلكم.
األول احلر فالعبد يش 44به احلر من حيث إنه إنس 44ان مكلف يث 44اب ويع 44اقب وينكح ويطل 44ق ،وتلزمه
أوامر الشرع ونواهيه4.
األصل الث 44 4 4 4اين :املال أو البهيمة كما عرب بعض 44 4 4 4هم ،فهو يش 44 4 4 4به ه 44 4 4 4ذا األصل من حيث إنه يب44 4 4اع
ويوهب ويوصى به ويرهن ويورث وغري ذلك من أحوال املال.
فالعبد ف 44رع أش 44به احلر فيملك بالتمليك وفيه الدي 44ة ،وه 44ذا األصل األول ،وأش 44به البهيمة فال ميلك
بالتمليك وفيه القيمة .وهذا األصل الثاين.
قول44ه( :فيلحق بأكثرمها ش44بهاً ب44ه) أي يلحق ه44ذا الف44رع ب44أكثر األص44لني ش44بهاً به يف ص44فات من44اط
احلكم .وهو املال .فيأخذ حكمه . .ألنه يشبهه يف احلكم والصفة معاً أكثر مما يشبه احلر فيهما.
قول 44ه( :وال يص 44ار إليه مع إمك 44ان ما قبل 44ه) ه 44ذه العب 44ارة ثابتة يف بعض النس 44خ ،ومعناه 44ا :أن ه 44ذا
الن44وع من القي44اس أض44عف من ال44ذي قبل44ه ،فال يص44ار إليه مع إمك44ان 4القس44مني األولني ،إذ ليس بني الف44رع
واألصل علة مناسبة ،سوى أنه يشبهه يف أكثر األحكام ،مع أنه ينازعه أصل آخر .واهلل أعلم.
(?) انظر أمثلة أخرى يف شرح الروضة البن بدران ( )2/296ومذكرة الشنقيطي ص.266 2
130
من شروط القيــاسـ
(ومن ش ــرط الف ــرع أن يك ــون مناس ــباً لألص ــل .ومن ش ــرط األصل أن يك ــون ثابتـ ـاً ب ــدليل
متفق عليه بين الخصــمين .ومن شــرط العلة أن تطــرد في معلوماتها فال تنتقض لفظـاً وال
مع ـ ـ ــنى .ومن ش ـ ـ ــرط الحكم أن يك ـ ـ ــون مثل العلة في النفي واإلثب ـ ـ ــات .والعلة هي الجالبة
للحكم ،والحكم هو المجلوب للعلة).
ملا ذكر تعريف القياس وأقسامه ذكر بعض شروط أركان القياس.
قول44ه( :ومن ش44رط الف44رع أن يك44ون 4مناس44باً لألص44ل) أي :ومن ش44روط الف44رع ألنه مف44رد مض44اف
ِ
4وم(.وم ْن) للتبعيض 4،ألن له ش44 4روطاً أخ44 4رى .واألظهر أن املراد باملناس44 4بة :املناس44 4بة يف العلة ب 44أنفهو للعم4 4
تك44 4ون علة احلكم وص44 4فاً مناس44 4باً لكل من األصل والف44 4رع ،مثل تش44 4ويش الفكر وانش44 4غال القلب وصف
مناسب ملنع احلاقن من القض44 4اء قياس4 4 4اً على منع الغض44 4بان 4من 44 4ه ،وكاالس 44 4تعجال يف قي44 4اس قتل املوصى 4له
للموصي على قتل ال44وارث مورث44ه ،وكاإلس44كار وصف مناسب لتح44رمي النبيذ قياس 4اً على اخلمر( ،)1وعلى
هذا فيغين عن ذكره ما تقدم يف التعريف من قوله (بعلة جتمعهما) إال أن يقال :إن الش4رطية قد ال تس4تفاد
من التعري44ف؛ ألن ه44ذه الورق44ات وض44عت للط44الب املبت44دئ ال44ذي هو ق44ريب الغفلة عن اس44تفادة ذلك من
التعريف.
وحيتمل أن ي44راد باملناس44بة ك44ون حكم الف44رع مماثالً حلكم األص44ل ،كقي44اس القتل باملثقل على القتل
باحملدد يف وجوب القصاص 4.فاحلكم يف األصل هو عني احلكم يف الفرع ،ذكره يف غاية املرام(.)2
وقد ذكر الش44 4 4وكاين أن من ش44 4 4روط الف44 4 4رع مس44 4 4اواة علته لعلة األص44 4 4ل ،ومس44 4 4اواة 4حكمه حلكم
األص 44ل ،فه44 4ذا يفسر به كالم املص44 4نف .)3(4فال يق44 4اس التف44 4اح على الرب يف جري44 4ان الرب44 4ا ،ألن الف 44رع ليس
مساوياً لألصل يف العلة ،وهي الكيل مثالً حيث إن التفاح ليس مكيالً واهلل أعلم.
قوله( :ومن شرط األصل أن يكون 4ثابتاً بدليل متفق عليه بني اخلص44مني) ه44ذا ش44رط حلكم األصل
كما عرب به غريه ،ومعىن ذلك أن يكون 4حكم األصل ال44ذي ي4راد إثباته للف4رع ثابت4اً ب44دليل نص أو إمجاع،
متفق عليه بني اخلصمني املتن4ازعني ،ألن البحث بينهما ف4إذا ذكر املس4تدل احلكم مقرتن4اً بدليله من نص أو
إمجاال مل يشرتط موافقة اخلصم ،ألن داللة النص الصريح أو اإلمجاع على احلكم يؤمن معه االنتشار.
(?) يكثر يف كتب األصول ذكر هذا املثال .وفيه نظر ألن النيب rصرح بأن كل مسكر حرام .ومن شرط الفرع أال يكون منصوصاً على حكمه .ومن 1
ال يشرتط ذلك جييز هذا القياس فانظر الشرح الكبري (( )2/287أضواء البيان (.))3/312
(?) غاية املرام ص.198 2
(?) انظر إرشاد الفحول ص ،209غاية املرام شرح مقدمة اإلمام للتلمساين ص.197 3
131
وإمنا ش 44رط ذلك لئال مينع اخلصم احلكم فيحت 44اج اآلخر على إثباته فيك 44ون 4انتق 44االً 4من مس 44ألة على
مسألة أخرى ،وينتشر الكالم فيفوت املقصود.
ومثاله ق 44 4ول احلنبلي :جلد امليتة جنس فال يطهر بال 44 4دباغ كجلد الكلب .فيق 44 4ول احلنفي 4:ال أس44 4لم
حكم األصل ،وهو أن جلد الكلب ال يطهر بالدباغ ،بل هو يطهر به عندي.
فحكم األصل املقيس عليه ليس متفق4اً عليه بينهم44ا ،فال يصح القي44اس ،وه44ذا من الق44وادح يف ب44اب
القياس ،ويسمى (املنع).
ف44 4إن مل يكن خص44 4م ،بل أريد جمرد إثب44 4ات ذلك احلكم يف الف44 4رع ،فالش44 4رط ثب44 4وت حكم األصل
بدليل يقول به القائس وهو املثبت 4للقياس.
قوله( :ومن شرط العلة أن تطرد يف معلوالهتا).
أي ومن شرط العلة من حيث إحلاق الفرع باألصل بواسطتها 4أن تطرد ،ومعىن االطراد :أنه كلما
وج 44دت العلة يف ص 44ورة من الص 44ور وجد معها احلكم كاإلكس 44ار ،فكلما وجد اإلكس 44ار يف ش 44يء وجد
التحريك فيه ،كالكيل والطعم – مثالً – فكلما وجد الكيل والطعم يف شيء حرم الربا فيه.
واملراد مبعلوالهتا األحكام املعللة هبا كتحرمي الربا يف الرب معلل بالكيل والطعم على أحد األقوال.
وقول44 4 4ه( :فال تنتقض لفظ 4 4 4اً وال مع44 4 4ىن) ه44 4 4ذا تفريع على ش44 4 4رطية االط44 4 4راد ،واالنتف 44 4اض 4أن يوجد
الوصف يف ص 44 4ورة من الص 44 4ور ،وال يوجد معه احلكم ،وه 44 4ذا من الق 44 4وادح اليت تبطل القي 44 4اس ويس 44 4مى
(النقض).
وال حاجة لق 44ول املص 44نف( 4لفظ4 4اً) ألنه إذا انتقض معىن انتقض 4لفظ4 4اً ،بل لو اقتصر املص 44نف على
قوله (فال تنتقض) لكفى ،ألن العلة ال تك44ون إال مع44ىن ،واأللف44اظ دالة عليه44ا ،ولعله مجع بينهما لإليض44اح
والتأكي44د ،أي فال ينتقض 4لفظ العلة وال معناها( )1أو يق44ال :إن ك44انت العلة مركبة من ع44دة أوص44اف نظر
إىل اللفظ ،وإن كانت أمراً واحداً نظر على معىن .وسيأيت إن شاء اهلل مثال ذلك(.)2
واعلم أن املص44 4 4 4 4نف عمم النقض 4،وهو ختلف احلكم ،س44 4 4 4 4واء ك44 4 4 4 4ان املانع أو لغري م44 4 4 4انع ،فيفسد
القي44 4اس ،وهو ما مشى عليه يف مجع اجلوامع( .)3ونقله عن الش44 4افعي واخت44 4اره مجاع44 4ة .وي44 4رى آخ44 4رون أن
ختلف احلكم عن الوصف فيه تفصيل :فإن كان ألجل مانع منع من تأثري العلة أو لفقد شرط تأثريه44ا 4،فال
132
يك44 4ون ذلك مبطالً للعل 44 4ة ،بل هو ختص 44 4يص هلا ،وإال فهو نقض وإبط 44 4ال .وبه ق 44 4ال التلمس44 4اين يف مفت44 4اح
الوصول ،ونسبة الشنقيطي 4ألكثر العلماء(.)1
ومث 44ال النقض أن يق 44ال :القتل العمد الع 44دوان 4علة لوج 44وب القص 44اص إمجاع4 4اً ،لكن ينتقض ذلك
بقتل الوالد ول 44ده ،فإنه ال جيب القص 44اص ،فال يقتل به مع وج 44ود العل 44ة ،وهي األوص 44اف الثالث 44ة 4:القت 44ل،
والعم44 4د ،والع 44 4دوان 4.فيق 44 4ال :إن العلة ختلفت ملانع وهو األب 44 4وة ،ألهنا مانعة من ت 44 4أثري العلة يف احلكم ،فال
يقال هذه العلة منقوضة لتخلف احلكم عنها يف هذه الصورة ،بل هي علة منع من تأثريها مانع ،فال تبطل
يف غري األب ،فكلما وجد القتل العمد الع44دوان 4من غري األب وحنوه وجب القص44اص 4،حيث ال م44انع من
تأثريها .وهذا نقض على رأي األولني ،وختصيص على القول الثاين.
ومثال فقد الشرط :الزنا علة الرجم إمجاعاً .وشرطه :اإلحصان .ف44إذا ختلف احلكم – وهو ال44رجم
– مع وجود العلة – وهي الزنا – فال يقال :إهنا علة منقوضة ،بل علة ختتلف شرط تأثريها4.
وإن ك44ان ختلفها لغري ذلك مل يصح التعليل هبا ،كما لو قي44ل :جتب الزك44اة يف املواشي 4قياس 4اً على
األم 44وال جبامع دفع احلكم عنها يف اجلواهر ك 44الآليل لص 44الحيتها ل 44دفع حاجة الفق 44ري ،ومع ه 44ذا فال زك 44اة
فيه 44 4 4 4ا ،فهي علة منقوضة حيث وجد املعىن املعلل ب44 4 4 4 4 4ه ،وهو دفع حاجة الفق44 4 4 4 4 4ري ،ومل يوجد احلكم وهو
وجوب الزكاة.
قول44ه( :ومن ش44رط احلكم أن يك44ون 4مثل العلة يف النفي 4واإلثب44ات) املراد ب44احلكم حكم األصل من
حيث ص 44 4حة إحلاق الف 44 4رع فيه بس 44 4بب علت 44 4ه ،أي :ومن ش 44 4روط احلكم أن يك 44 4ون 4تابع4 4 4اً للعلة يف النفي
واإلثبات أي يف الوجود والعدم ،فإن وجدت العلة وجد احلكم ،وإن انتفت انتفى .وهذا الشرط أعم من
الش44رط املذكور يف العل44ة ،ألن ذاك خ44اص بوج44ود احلكم عند وج44ود العل44ة ،وه44ذا ع44ام للوج44ود واالنتف44اء4،
ف44 4األول هو الط 44 4رد ،والث 44 4اين هو العكس .وه 44 4ذا إن ك 44 4ان احلكم معلالً بعلة واح 44 4دة :كتح44 4رمي اخلمر لعلة
اإلس44كار ،فمىت وجد اإلس44كار وجد التح44رمي ،ومىت انتفى اإلس44كار انتفى التح44رمي ،ف44إن كلن للحكم علل
متع44 4ددة مل يل44 4زم من انتف44 4اء علة معينة منها انتف44 4اء احلكم ،فيثبت 4بالعلة األخ44 4رى ك44 4البول والغائط والن44 4وم4
لنقض الوضوء ،فلو عدم البول والغائط ثبت النقض بالنوم.
واعلم أن ظاهر كالم املصنف 4اشرتاط االنعكاس يف العلة ،ومعن44اه 4كلما انتفت العلة انتفى 4احلكم،
ومن يش 44 4 4رتط ذلك مينع تعليل احلكم بعل 44 4 4تني ،ألنه إذا انتفت 4علة مل ينتف احلكم لوج44 4 4ود العلة األخ 44 4رى
وقيامها مقامها.
133
والص44 4 4حيح أن ذلك ال يش44 4 4رتط وإن ك44 4 4ان هو الغ44 4 4الب .ونس44 4 4به يف الش44 4 4رح الكرب للورق 44 4ات إىل
اجلمهور( ،)2فيجوز تعليل احلكم الواحد بعل44تني وذلك لوقوع4ه ،وألن العلة عالمة على وج44ود احلكم ،وال
مانع من تعدد العالمات.
ومثاله ما تق44دم من تعليل إجياب الوض44وء ب44البول والغائط وال44ريح والن44وم 4،ومثاله أيض4اً تعليل حرمة
النكاح بالقرابة والصهر والرضاع.
قول44ه( :والعلة هي اجلالبة للحكم) ه44ذا أحد تع44اريف العل44ة ،وهي ال44ركن الرابع من أرك44ان القي44اس
كما تقدم.
مث إن أريد باجلالبة للحكم أي ب 44 4 4ذاهتا فغري ص44 4 4 4حيح ،ألن اهلل تع 44 4 4اىل ال حيمله على ش 44 4 4رع احلكم
سوى إرادته جل وعال ،خيلق ما يشاء وخيتار.
وإن أريد أن الش 44ارع جعلها جالبة للحكم فه 44ذا ال ب 44أس ب 44ه .ولكن التعبري (باملعرفة للحكم) أوىل
من اجلالبة للحكم لالحتم 44 4ال املذكور ،وذلك ألن العلة معرفة لوج 44 4ود احلكم ،فمىت ع 44 4رفت العلة ع 44 4رف
ثب 44وت احلكم معه 44ا ،بس 44بب أن بينهما مناس44 4بة تقتضي ت44 4رتيب احلكم عليه44 4ا ،فاإلس44 4كار علة أي أن ه 44ذا
معرفة على حرمة املسكر كاخلمر والنبي4ذ 4.فاخلل قبل أن يصري مس4كراً مب4اح ،ف4إذا ظه4رت الوصف عالمة ّ
فيه القوة 4املسكرة وصار مخراً حرم .فعلة التحرمي وهي اإلسكار ت44دل على ت44رتب احلكم عليها وتعلقه هبا،
فإن وجدت وجد ،وإن مل توجد مل يوجد احلكم.
قوله( :واحلكم هو اجمللوب للعلة) هذا تعريف احلكم وهو أحد أركان القياس كما تقدم.
ومعىن ذلك أن احلكم هو ما جلبته العلة واقتض 44 4 4 4ته 4من حترمي وحتليل وص 44 4 4 4حة وفس 44 4 4اد ووج 44 4 4وب
وانتفاء وحنو ذلك ،فتحرمي اخلمر حكم شرعي اقتض4ته 4العلة وهي اإلس4كار .وإمنا ك4ان احلكم جملوب4اً للعلة
ملناسبتها له ،فإنه ما ثبت حكم األصل يف الفرع إال بسبب هذه العلة واهلل أعلم.
134
الحظــر واإلباحــة
(وأما الحظر واإلباحة فمن الن ــاس من يق ــول :إن أصل األش ــياء على الحظر إال ما أباحته
الش ــريعة .فـــإن لم يوجد في الشـــريعة ما يـــدل على اإلباحة يتمسك باألصل وهو الحظـــر.
ومن الن ـ ــاس من يق ـ ــول :بض ـ ــده ،وهو أن األصل في األش ـ ــياء على اإلباحة إال ما حظ ـ ــره
الشرع [ومنهم من قال بالتوقف]).
ق44 4ول (وأما احلظر واإلباح44 4ة) معط44 4وف على قوله يف أول الورق44 4ات (وأما أقس44 4ام الكالم) 4فهو من
مجلة ما أراد تفصيله بعد إمجاله.
واملراد باحلظر :املنع .واإلباحة ضده .وهذه املسألة( )1وهي مسألة األعيان املنتفع هبا ذكر املص44نف
فيها ثالثة أقوال:
األول :أن األشياء املنتفع هبا على احلظر إال ما دلت الشريعة على إباحته فهو مباح ،فإن مل يوجد
يف الش44 4 4ريعة ما ي44 4 4دل على اإلباحة فإنه يتمسك باألصل وهو احلظ44 4 4ر ،واحتج الق44 4 4ائلون ب44 4 4ذلك ب 44 4أن 4مجيع
األشياء مملوكة هلل جل وعال ،واألصل يف ملك الغري منع التصرف فيه إال بإذنه.
الق44ول الث44اين :أن األصل يف املن44افع اإلباحة إال ما حظ44ره الش44رع .ومن أدلة قوله تع44اىل] :هو ال44ذي
خلق لكم ما يف األرض مجيعا[( )2ووجه الدالل44 4ة :أن اهلل تع44 4اىل امنت على خلقه مبا يف األرض مجيع 4 4اً ،وال
مينت إال مبب 44اح إذ ال منة يف حمرم ،وخص من ذلك بعض األش 44ياء وهي اخلب 44ائث 4ملا فيها من الض 44رر هلم يف
معاشهم أو معادهم ،فيبقى ما عدها مباحاً مبوجب اآلية.
واحلب ذو
ّ وق44ال تع44اىل] :واألرض وض44عها لألن44ام ( )10فيها فاكهة والنخل ذات األكم44ام ()11
العصف والرحيان ( )3([ 4 )12ف44امنت اهلل تع44اىل على األن44ام ب44أن 4وضع هلم األرض ،وجعل هلم فيها أرزاقهم
من القوت والتفكه.
وعن س44عد بن أيب وق44اص رضي اهلل عنه أن النيب rق44ال( :إن أعظم املس44لمني جرم4اً من س44أل عن
خيرم فحرم من أجل مسألته)(.)4
شيء مل ّ
ووجه الداللة من وجهني:
حترم إال بتحرمي خاص لقوله( :مل حيرم). )1أن األشياء ال ّ
(?) انظر كتاب (املسائل املشرتكة بني أصول بني أصول الدين وأصول الفقه) للدكتور حممد العروسي ص.84 1
(?) أخرجه البخاري رقم 6859ومسلم رقم 2358وأبو داود رقم .4610 4
135
)2أن التحرمي قد يكون ألجل املسألة .فبني هبذا أهنا بدون ذلك ليست حمرمة.
والق 44 4ول الث 44 4الث :التوقف (وه 44 4ذا ث 44 4ابت يف بعض النس 44 4خ) ودليله أن املب 44 4اح ما أذن فيه ص 44 4احب
الش 44رع ،واحملظ 44ور ما حرمه ص 44احب الش 44رع ،ف 44إذا مل ي 44رد الش 44رع وجب أال يك 44ون مباح 4اً وال حمظ 44وراً،
فوجب أن يكون 4على التوقف.
والقول الثاين أرجح األقوال يف املسألة 4لق4وة أدلت44ه .وما علل به األول4ون 4ض4عيف ال يقف يف مقابلة
النص44وص .وأما الث44الث 4ففيه نظ44ر ،ف44إن اهلل تع44اىل خلق لنا وس44خر ]ما يف الس44موات وما يف األرض مجيع4اً
منه[( )1نس44تفيد منه44ا ،فالتص44رف فيها ينبغي أن يك44ون مباح 4اً هبذا األصل الع44ام ،وقد نصر الق44ول باإلباحة
شيخ اإلسالم 4ابن تيمية رمحه اهلل(.)2
واعلم أن املسألة 4خاصة باألعيان 4املنتفع هبا ،وكالم املصنف عام حيث عرب باألشياء ،وهي تشمل
املن44افع واملض44ار ،كما تش44مل األق44وال واألفع44ال ،وقد فصل ش44ارح الورق44ات جالل ال44دين احمللى وبني حكم
املنافع وأنه احلل ،واملضار وأنه التحرمي ،وقال :إن هذا هو الصحيح( .)3واهلل أعلم.
136
استصحــابـ الحــالـ
137
وه44 4 4ذا الن44 4 4وع 4ال خالف يف وج 44 4 4وب العمل به عند األص44 4 4وليني على أن يثبت 4مع44 4 4ارض ل 44 4ه .قاله
الزركشي(.)1
النوع الثالث 4:استصحاب الدليل مع احتمال املعارض .ف44العموم يستص44حب إىل أن ي44رد ختص44يص.
خمصص تعطيل للش44ريعة .والنص يستص44حب إىل أن ي44رد نس44خ .ومن أمثلة ألن تعطيله بدعوى البحث عن ّ
ذلك أن فريق 4 4اً من أهل العلم ق 44 4الوا جبواز نك 44 4اح الزانية قبل وضع محله 44 4ا .والص 44 4حيح ع 44 4دم اجلواز لقوله
محلهن[( )2فيجب استصحاب هذا العم44وم حىت يثبت ختصيصه ّ أجلهن أن يضعن ّ تعاىل] :وأوالت األمحال
مبا يدل على جواز الصورة املذكورة(.)3
الن 44وع 4الراب 44ع :استص 44حاب احلكم الث 44ابت باإلمجاع يف حمل اخلالف ،وه 44ذا الن 44وع 4راجع إىل حكم
الش44رع .ب44أن يتفق على حكم يف حال44ة ،مث تتغري ص44فة اجملمع علي44ه .وخيتلف اجملمع44ون في44ه .فيس44تدل من مل
يغري احلكم باستصحاب احلال.
ومث 44ال ذل 44ك :اس 44تدالل من يق 44ول :إن املتيمم إذا رأى املاء يف أثن 44اء ص 44الته ال تبطل ص 44الته .ألن
اإلمجاع منعقد على ص 44 4حتها قبل ذل 44 4ك .فاستص 44 4حب ه 44 4ذا اإلمجاع إىل أن ي 44 4دل دليل على أن رؤية املاء
مبطلة.
وه44ذا الن44وع 4هو حمل اخلالف .ف44أكثر احلنابلة وأص44حاب أيب حنيفة والش44افعي على أنه ليس حبج44ة.
دل على دوام الص44 4الة 4ح44 4ال الع44 4دم .فأما مع وج44 4ود املاء فهو خمتلف في44 4ه ،وال إمجاع مع ألن اإلمجاع إمنا ّ
االختالف.
وق 44 4ال بعض األص 44 4وليني والفقه 44 4اء :إنه حج 44 4ة .وبه ق 44 4ال داود الظ 44 4اهري واخت 44 4اره اآلم 44 4دي وابن
احلاجب وابن القيم وغ 44ريهم .ق 44ال الش 44وكاين( :والق 44ول الث 44اين هو ال 44راجح ،ألن املتمسك باالستص 44حاب
باق على أصل قائم يف مقام املنع ،فال جيب عليه االنتقال عنه إال بدليل يصلح لذلك ،فمن ادعاه جاء به) ٍ
(.)4
لكن ن44 4وقش ذلك ب44 4أن 4البق44 4اء على األصل الق44 4ائم إمنا يك44 4ون مع النص أو العق44 4ل .أما حني يك 44ون4
دليله اإلمجاع فال .ألن اإلمجاع يف مس 44 4 4 4ألة ال 44 4 4 4تيمم – مثالً – مش 44 4 4 4روط بالع 44 4 4 4دم .فال يك 44 4 4ون دليالً عند
الوجود .واهلل أعلم.
(?) البحر احمليط ( )6/20وانظر أصول الفقه اإلسالمي للزحيلي (.)2/863 1
(?) انظر أعالم املوقعني ( )1/341رسالة يف أصول الفقه للعكربي ص 136إرشاد الفحول ص 238أدلة التشريع املختلف يف االحتجاج هبا للدكتور4 4
عبد العزيز الربيعة ص 303وانظر الشرح املمتع على الزاد للشيخ حممد بن عثيمني (.)1/341
138
ومن األدلة على ص 44حة االس 44تدالل باالستص 44حاب ما ع 44دا الن 44وع 4الرابع قوله تع 44اىل] :فمن ج 44اءه
موعظة من ربه ف 44انتهى فله ما س 44لف وأم 44ره إىل اهلل[( .)1ووجه الدالل 44ة :أنه ملا ن 44زل حترمي الربا خ 44افوا من
األموال املكتس4بة 4من الربا قبل التح4رمي ،ف4بينت اآلية أن ما اكتس4بوا قبل التح4رمي على ال4رباءة 4األص4لية ،فهو
حالل وال حرج عليهم فيه(.)2
ومن األدلة أن ما ثبت يف الزم44 4 4 4 4ان األول من وج44 4 4 4 4ود أمر أو عدمه ومل يظهر زوال 44 4 4ه ،فإنه يل 44 4 4زم
بالضرورة والبداهة 4أن حيصل الظن ببقائه كما كان .والعمل بالظن واجب(.)3
ومن األدلة – أيض4اً – قي44ام اإلمجاع على اعتب44ار االستص44حاب يف كثري من الف44روع الفقهية كبق44اء
الوضوء واحلدث والزوجية وامللك – ما تقدم – مع وجود الشك يف رافعها(.)4
هذا وقد استنبط 4الفقهاء بعض القواعد من االستصحاب وأدلته ومن ذلك:
)1األصل بقاء ما كان على ما كان حىت يثبت 4تغيريه.
)2األصل يف األشياء النافعة اإلباحة.
)3األصل يف األشياء الضارة التحرمي.
)4اليقني ال يزول بالشك.
)5األصل براءة الذمة من التكاليف 4واحلقوق.
)6األصل يف الذبائح التحرمي.
)7األصل يف العقود والشروط الصحة إال ما أبطله الشارع.
وتفصيل ذلك ال يتسع له املقام واهلل أعلم.
139
ترتيــب األدلـــة
(وأما األدلة فيق ــدم الجلي منها على الخفي ،والم ــوجب للعلم على الم ــوجب للظن ،والنطق
على القيـ ـ ـ ــاس ،والقيـ ـ ـ ــاس الجلي على الخفي .فـ ـ ـ ــإن وجد في النطق ما يغـ ـ ـ ــير األصل وإ ال
فيستصحب الحال).
قوله( :وأما األدلة) أي وأما ترتيب األدلة كما ذكر ذلك يف أول الورقات.
واألدلة مجع دلي 44 4 4ل ،واملراد به هنا ما تثبت 4به األحك 44 4 4ام الش44 4 4رعية من الكت 44 4 4اب والس 44 4نة واإلمجاع
والقي 44اس ،وك 44ذا ق 44ول الص 44حايب على أحد الق 44ولني ،واالستص 44حاب على الق 44ول املخت 44ار .ومن املعل 44وم أن
األدلة الش 44رعية متفاوتة يف الق 44وة 4فيحت 44اج إىل معرفة األق 44وى ليق 44دم على غ 44ريه عند التع 44ارض ،وهلذا ك 44ان
األوىل باملص44نف أن ي44ذكر ه44ذه الكلم44ات اليس44رية 4مع التع44ارض املتق44دم حبث44ه ،ألن ت44رتيب األدلة حيت44اج إليه
عند التعارض ،وهذا ما فعله املؤلف4ون 4يف أص4ول الفق4ه ،ولعل املص4نف أخر موض4وع ال4رتتيب 4إىل هن4ا ،ألنه
جيري يف األدلة األربعة اليت آخرها القياس .فلما فرغ من األدلة شرع يف بيان الرتجيح بينها.
قوله( :فيقدم اجللي منها على اخلفي) أي يقدم من أدلة الكتاب والسنة (اجللي) وهو ما اتضح منه
املراد (اخلفي) .وهو ما خفي املراد من44 4ه ،وذلك كالظ44 4اهر واملؤول ،س44 4واء ك44 4ان الظ44 4اهر ظ 44اهراً بنفسه أو
بالدليل كما تقدم يف بابه ،يف معناه اجملازي ،ألن احلقيقي هو الظاهر من اللفظ.
وهذا على القول بوقوع اجملاز يف القرآن ،وتقدم بيان ذلك.
قول 44 4 4 4 4 4ه( :واملوجب للعلم على املوجب للظن) أي ويق 44 4 4 4 4 4دم ما يفيد العلم وهو اليقني على ما يفيد
عام 4اً
الظن ،وذلك ك44املتواتر واآلح44اد ،ف44إن املت44واتر يفيد العلم ،واآلح44اد يفيد الظن ،إال أن يك44ون املت44واتر ّ
ص4 4 4اً .ف 44 4إن اآلح 44 4اد خيصص املت 44 4واتر ،كما يف قوله تع 44 4اىل] :يوص 44 4يكم اهلل يف أوالدكم[( )1مع
واآلح 44 4اد خا ّ
حديث "ال يرث املسلم الكافر ،وال الكافر املسلم" وتقدم ذلك يف اخلاص.
قول 44ه( :والنطق على القي 44اس) أي ويق 44دم النطق على القي 44اس ،واملراد ب 44النطق ق 44ول اهلل تع 44اىل وق 44ول
خيص
عاما فإنه ّ الرس44ول ،rكما تق44دم تعريفه يف التخص44يص 4،فيق44دم ذلك على القي44اس إال إن ك44ان النص ّ
بالقياس ،ومثاله تقدم يف التخصيص.
قول44ه( :والقي44اس اجللي على القي44اس اخلفي) القي44اس اجللي ما نص على علته أو أمجع عليها أو ك44ان
مقطوعاً فيه بنفي الفارق بني الفرع واألصل.
140
ومن أمثلته قي 44اس إح 44راق م44 4ال الي 44تيم على أكله املنص 44وص عليه يف آية س 44ورة النس 44اء يف التح 44رمي
جبامع اإلتالف إذ ال فرق بينهما.
والقي44اس اخلفي ما ثبتت 4علته باالس44تنباط ،ومل يقطع بنفي 4الف44ارق بني الف44رع واألص44ل ،كما تق44دم
يف قي44اس األش44نان على الرب يف حترمي الربا جبامع الكيل مثالً ،فإنه مل يقطع بنفي الف44ارق الحتم44ال أن يق44ال:
إن الرب مطعوم ،واألشنان 4غري مطعوم.
قول 44 4 4ه( :ف44 4 4 4إن وجد يف النطق ما يغري األصل وإال فيستص44 4 4 4حب احلال) :أي أن وجد يف الكت 44 4 4اب
ص 4 4اً فإننا نعمل
والس 44 4نة ما يغري األصل وهو ال44 4 4رباءة 4األص44 4 4لية عمل ب44 4 4النص وت44 4 4رك األص44 4 4ل ،وإن مل جند ن ّ
باالستصحاب ،وهو العدم األصلي كما تقدم ،واهلل أعلم.
141
شــروط المفتــي
(ومن شـرط المفـتي أن يكـون عالمـاً بالفقه أصـالً وفرعـاً ،خالفـاً ومـذهباً ،وأن يكـون كامل
اآللة في االجته ــاد ،عارفـ ـاً بما يحت ــاج إليه في اس ــتنباط األحك ــام من النحو واللغة ومعرفة
الرجال وتفسير اآليات الواردة في األحكام واألخبار الواردة فيها).
ملا ف44رغ املص44نف 4من الكالم على األدلة ش44رع يتكلم على ص44فات من يش44تغل باألدلة وهو اجملته44د،
ف 44 4ذكر ش 44 4روطه ،وه 44 4ذا مس 44 4لك لبعض األص44 4 4وليني ،وهو ت44 4 4أخري مبحث االجته 44 4اد عن مبحث األدل 44 4ة،
واألكثرون قدموا باب االجتهاد على مباحث األدلة ،ألهنا من عمل اجملتهد.
قوله( :ومن شرط املف44يت) أي اجملته44د ،واملف44يت :اسم فاعل من أفىت الرب44اعي ،ومص44دره اإلفت44اء .ق44ال
يف القاموس( :أفتاه يف األمر :أبانه له .والفتيا والفتوى( 4وتفتح) ما أفىت به الفقيه) 4أهـ.
واملراد هنا :املخرب عن حكم شرعي.
وللمفيت شروط ال يكون صاحلاً لإلفتاء إال هبا ذكر بعضاً منها.
قوله( :أن يكون عاملاً بالفقه أصالً وفرعاً ،خالفاً وم44ذهباً) ه44ذا الش44رط األول من ش44روط اجملته44د،
وإمنا اش 44 4 4رتط علمه بالفقه ألنه املقص 44 4 4ود ،واملراد بالفقه هنا مس 44 4 4ائل الفق 44 4 4ه ،وليس املراد ما تق 44 4دم يف أول
الورقات ،وهو معرفة األحكام الشرعية لئال يصري املعىن :أن يكون 4عاملاً مبعرفة األحكام وهذا غري مراد.
واملراد بقول 44ه :أص4 4الً وفرع4 4اً :أي أص 44ول الفقه وفروع 44ه .فأص 44ول الفقه أدلة الفقه اإلمجالية وكيفية4
االستفادة منها وفروعه :مسائله اجلزئية.
ويف إدخ44ال أص44ول الفقه يف الفقه كما ي44دل عليه قوله (أن يك44ون عاملاً بالفقه أص4الً) مس44احمة ،ألن
أص44 4ول الفقه ليس داخالً يف الفق44 4ه ،إال إن ك44 4ان يريد باألصل أمه44 4ات املس44 4ائل اليت هي كالقواع44 4د ،لكن
يفوته التنبيه 4على معرفة أص 44ول الفقه للمجته 44د ،إال أن ي 44دخل يف قوله (كامل اآلل 44ة) كما س 44يأيت إن ش 44اء
اهلل(.)1
ق44 4ال ابن اجلوزي( :ق44 4ال العلم44 4اء :من ال44 4واجب على الفقيه 4الالزم له طلب الوق44 4وف على حق44 4ائق
األدلة وأوضاعها اليت هي مباين قواعد الشرع) أ هـ(.)2
وقول44ه( :وفرع4اً) أي يع44رف املس44ائل الفقهية التابعة 4هلذه القواعد وغريه44ا ،وليس املراد حفظه44ا ،إمنا
املقصود أن حيفظ مجلة منها ،ليتمكن من معرفة ما يرد عليه أثناء الفتوى ،إذ ال يتصور العلم جبميعها.
142
وقول 44 4ه( :خالف4 4 4اً وم 44 4ذهباً) أي يش 44 4رتط يف املفيت مع علمه بالفقه وأص 44 4وله أن يك 44 4ون 4مطلع 4 4اً على
خالف العلماء من الصحابة والت44ابعني ومن بع44دهم ،لي44ذهب إىل ق44ول من أق44واهلم .كما أنه البد من معرفة
اإلمجاع ،لئال يفيت خبالف ما أمجع عليه .فيكون قد خرق اإلمجاع.
واملراد بقوله (وم44ذهباً) ما يس44تقر عليه رأي44ه ،وما يس44وغ ال44ذهاب إليهن ألن العلم ب44اخلالف س44بب
للعلم مبا يس44وغ ال44ذهاب إليه وه44ذا إن محل كالمه على اجملتهد املطل44ق .ف44إن محل على اجملتهد املقيد ف44املراد
باملذهب ما يس44 4تقر عليه رأي إمام44 4ه .فيجب أن يك44 4ون عاملاً بقواعد م44 4ذهب إمام44 4ه ،ليجتهد يف التخ 44ريج
على أص44 4وله ،أو جيتهد يف ت44 4رجيح بعض أق44 4وال إمامه على بعض ،وذكر يف مجع اجلوامع( )1أنه ال يش 44رتط
علم اجملتهد بتف 44 4اريع الفق 44 4ه ،ألهنا إمنا حتصل بعد االجته 44 4اد فكيف تش 44 4رتط في 44 4ه؟! وه 44 4ذا خالف ما عليه
املصنف .والظاهر بعض القواعد الفقهية كما تقدم.
وقول44ه( :وأن يك44ون 4كامل اآللة يف االجته44اد) ه44ذا الش44رط الث44اين من ش44روط املف44يت ،واملراد بكم44ال
اآللة :صحة الذهن ،وجودة الفهم بعده ،فيكون 4ما بعده شرطاً آخر .أو يريد بكمال اآللة ما ذكره بع44ده
فيكون تفسرياً .وهذا على أنه ال يفيت إال جمته44د ،وبه ق44ال مجع من أهل العلم ،وي44رى آخ44رون أن املفيت إذا
ك 44ان متبح44 4راً يف م44 4ذهب إمام44 4ه ،فامها لكالم44 4ه ،عاملا لراجحه من مرجوحه كفى ،ولو مل يكن مس 44تطيعاً
اس44 4 4تنباط 4األحك44 4 4 4ام من أدلته44 4 4 4ا ،وذلك ألن اش44 4 4 4رتاط االجته44 4 4 4اد املطلق يف املفيت يفضي إىل ح44 4 4رج عظيم
واسرتس 44 4ال اخللق يف أه 44 4وائهم ،ويض 44 4اف إىل ذلك ما نش 44 4اهده يف واقع األمة اإلس 44 4المية 4من ك44 4ثرة اجلهل
بأحك 44ام ال 44دين يف كثري من أفراده 44ا ،وك 44ثرة مش 44اغل املتخصصني يف أحك 44ام الش 44ريعة مما قد حيول بينهم
وبني بلوغ درجة االجتهاد .والقض4اء مع أنه مركز عظيم ال يش4رتط فيه االجته4اد ،فليكن املفيت كالقاضي
الذي ينفذ األحكام( )2واهلل أعلم.
قوله( :عارف4اً مبا حيت44اج إليه يف اس44تنباط 4األحك44ام من النحو اللغ44ة) أي :البد أن يك44ون اجملتهد عاملاً
بالق44در الالزم لفهم الكالم من اللغة والنح44و .أما اللغة فألن الق44رآن والس44نة بلس44ان الع44رب وردا ،فال يفهم
نصوص44 4هما من جيهل اللغ44 4ة .وأما النحو فألن املع44 4اين ختتلف ب44 4اختالف اإلع44 4راب .فالبد من معرفة النحو
واإلعراب.
قوله( :ومعرفة الرجال) أي :رواة احلديث ليأخذ برواية املقبول 4منهم دون اجملروح.
(?) انظر أعالم املوقعني ( )4/212وقد رأي هذا الرأي مجع منهم ابن السبكي فيما نقله عنه حممد 4علي بن حسني املالكي يف كتابه (هتذيب الفروق) ج 2
143
قول44 4ه( :وتفسري اآلي44 4ات ال44 4واردة يف األحك44 4ام واألخب44 4ار ال44 4واردة فيه44 4ا) أي ومن ش44 4رط اجملتهد أن
يك 44ون 4عاملاً بنص44 4وص الكت44 4اب والس 44نة اليت هلا تعلق مبا جيتهد فيه من األحك 44ام .فيع44 4رف آي 44ات األحك 44ام
وتفس 44 4 4ريها واألح44 4 4 4اديث اليت تتعلق هبا األحك44 4 4 4ام .وال يش44 4 4 4رتط حفظها بل يكفي 4معرفة مظاهنا يف أبواهبا
لرياجعها وقت احلاجة إليها.
ومن كما اآللة عند اجملتهد أن يك44 4 4 4ون 4على علم بأص44 4 4 4ول الفق44 4 4 4ه ،ألن ه44 4 4 4ذا الفن هو الدعامة اليت
يعتمد عليها االجتهاد ،وتقدمت اإلش44ارة إىل ذل44ك .ومن ش44روط االجته44اد أن يك44ون اجملتهد عاملاً بالناسخ
واملنسوخ لئال يعمل ويفيت باملنسوخ واهلل أعلم.
144
ما يشترط في المستفتي
(ومن شــرط المس ــتفتي أن يكــون من أهل التقليــد ،فيقلد المفــتي في الفتيــا.ـ وليس للعــالم أن
يقلد [وقيل يقلد]).
ملا فرغ املص4نف 4رمحه اهلل من بي4ان ش4روط املفيت ش4رع يف بي4ان ما يش4رتط يف املس4تفيت ،واملس4تفيت:
اسم فاعل من االس44 4 4 4تفتاء مبعىن طلب الفت44 4 4 4وى ،فالسني والت44 4 4 4اء للطلب ،واملراد هن44 4 4 4ا :الس44 4 4ائل عن حكم
شرعي.
قول44 4 4 4ه( :ومن ش44 4 4 4رط املس44 4 4 4تفيت أن يك44 4 4 4ون من أهل التقلي44 4 4 4د) أي :أهل ج44 4 4 4واز التقليد ال من أهل
االجتهاد ،فيدخل فيه العامي واملتعلم الذي مل يبلغ درجة االجتهاد.
قوله( :فيقلد املفيت يف الفتيا) أي :أن املقلد جيب عليه تقليد املفيت لقصوره عن إدراك األحكام من
أدلته44ا .وقوله (يف الفتي44ا) أي :يف ج44واب املفيت عن الس44ؤال املوجه إليه من املس44تفيت .ومعىن تقلي44ده :قب44ول
قوله والعمل به كما س44يأيت ،وظ44اهر قوله يف (الفتي44ا) أنه يقل44ده يف الفت44وى ،وال يقل44ده يف الفع44ل ،فلو رأى
اجلاهل العامل يفعل فعال مل جيز له تقليده فيه حىت يسأله ،إذ لعله فعله ألمر مل يظهر للمقلد.
قول44 4 4ه( :وليس للع44 4 4امل أن يقل 44 4د) أي :وليس للمجتهد أن يقلد غ 44 4ريه لتمكنه من االجته 44 4اد إال إذا
اجتهد بالفعل ومل يظهر له احلكم ،أو ن44زلت به حادثة تقتضي الفوري 44ة ،فيج44وز أن يقلد حينئذ للض 44رورة.
أما إذا اجتهد وأداه اجتهاده إىل حكم مل جيز له أن ينتقل عنه ،ويقلد غريه من اجملتهدين باتفاق.
وقوله( :وقيل :يقل44د) ه44ذا ث44ابت يف بعض النس44خ .والظ44اهر أن اخلالف فيمن مل جيته44د ،فهل له أن
يقلد غريه؟ األرجح أنه ممنوع من التقليد إال يف احلالتني املذكورتني واهلل أعلم(.)1
واعلم أنه جيب على املس44تفيت أن يريد باس44تفتائه احلق والعمل ب44ه .فال يس44أل عما ال يع44ين .أو يتتبع
الرخص أو يقصد إفحام املفيت ،أو يقول :أفتاين غريك بكذا .أو حنو ذلك من املقاصد السيئة.
وال يس44 4تفيت إال من يعلم أو يغلب على ظنه أنه أهل للفت44 4وى ،مبا ي44 4راه من انتص44 4ابه 4للفتيا واح 44رتام
الن44اس له وأخ44ذهم عن44ه ،أو خبرب ع44دل عن44ه .وينبغي 4أن خيت44ار أوثق املف44تني علم4اً وورع4اً .وقي44ل :جيب ذلك
ألن الغرض حصول ظن اإلصابة ،وهي إىل األفضل أقرب ،واهلل أعلم(.)2
145
التقلـــيد
(والتقليــد :قبــول قــول القائل بال حجــة .فعلى هــذا قبــول قــول النــبي rيســمى تقليــداً ،ومنهم
من قال :التقليد :قبول قول القائل وأنت ال تدري من أين قاله .فإن قلنــا :إن النــبي rكــان
يقول بالقياس فيجوز أن يسمى قبول قوله تقليداً).
ملا بنّي املصنف 4أن اجملتهد ال يقلد بني حقيقة التقليد.
والتقليد لغة :وضع الش4يء يف العنق حميط4اً ب44ه .وذلك الش4يء (قالدة) واجلمع (قالئ44د) ويطلق على
تفويض األمر إىل الشخص كأن األمر جعل يف عنقه كالقالدة.
واصطالحاً عرفه بقوله( :قبول قول القائل بال حجة) أي بال حجة يذكرها القائل للسائل.
قوله (فعلى ه4ذا قب4ول ق4ول النيب rيس4مى تقلي4داً) أي :فعلى ه44ذا التعريف يك44ون قب44ول ق44ول النيب
rتقليداً النطباق التعريف عليه ،ألنه rيذكر احلكم ،وال ي4ذكر دليل احلكم ،لكن ج4اء عن املص4نف يف
(الربهان) خالف ذلك ،فإنه قال( :وذهب بعضهم إىل أن التقليد قبول قول القائل بال حج4ة ،ومن س44لك
ه 44ذا املس 44لك منع أن يك 44ون قب 44ول ق 44ول النيب rتقلي 44داً فإنه حجة يف نفس 44ه) أ هـ( .)1ويظهر أن من أطلق
عليه تقلي44داً قصد اجملاز والتوس44ع ،ق44ال اآلم44دي ( :وإن مسي ذلك تقلي44داً بع44رف االس44تعمال فال مش44احة يف
اللفظ) أ هـ(.)2
قول44 4ه( :ومنهم من ق44 4ال :التقلي44 4د :قب44 4ول ق44 4ول القائل وأنت ال ت44 4دري من أي قال44 4ه) أي ال تع 44رف
مأخذه .وهذا خيرج أخذ القول مع معرفة دليله فهذا اجتهاد.
ولو قيل يف تعريفه ه44 4 4و( :اتب44 4 4اع من ليس قوله حج44 4 4ة) لك44 4 4ان أخصر وأمشل وأوض44 4ح .ألن معظم
األص44وليني خصص44وا ح44دودهم ب44القول ،وال معىن لالختص44اص ب44ه ،ف44إن االتب44اع 4يف األفع44ال املبينة 4كاالتب44اع
يف األقوال(.)3
وخيرج به اتب44 4 4اع 4الرس44 4 4ول rفليس تقلي 44 4داً ألنه اتب 44 4اع للحج44 4 4ة ،وك44 4 4ذا اتب44 4 4اع 4أهل اإلمجاع ألن
اإلمجاع حجة ،وكذا اتباع قول الصحايب على القول بأنه حجة.
قول4ه( :ف44إن قلن44ا :إن النيب rك44ان يق44ول بالقي44اس ،فيج4وز أن يس44مى قب44ول قوله تقلي4داً) ه4ذا تفريع
على احلد الثاين الذي ذكره للتقليد .وهو أننا إذا قلنا إن الرسول rجيوز له أن حيكم بالقي44اس أي :جيتهد
146
وال يقتصر على ال44 4 4وحي ،وليس املراد خص44 4 4وص القي44 4 4اس ،بل املراد ج44 4 4واز مطلق االجته44 4 4اد كما عرّب يف
الربهان(.)1
قول44 4ه( :فيج44 4وز أن يس44 4مى قب44 4ول قوله تقلي44 4داً) أي :ألننا ال نعلم مأخذ قوله من االجته44 4اد أو من
ال44وحي ،وإن قلنا إنه ال جيوز له أن جيتهد فال يس44مى قبوله تقلي44داً ،ألنا نعلم أن ما يقوله يقوله عن وحي.
فال ينطبق عليه هذا التعريف.
والصحيح أن الرسول rجيوز له االجتهاد ،وال يسمى قبول قوله تقليداً كما تقدم.
أما االجته 44اد يف أمر ال 44دنيا فهو ج 44ائز وواقع باإلمجاع ،كما حك 44اه ابن ح 44زم وغ 44ريه( )2مثل قصة
()4
اجته 44اده rيف ت 44أبري النخل( )3وأما أمر الش 44رع فعلى أصح األق 44وال لقوله تع 44اىل] :وش 44اورهم يف األمر[
وطريق املشاورة :االجتهاد .وألنه قد وقع كما يف قصة أس4ارى ب44در( )5وكما يف رجوعه rلق44ول العب4اس
يف قول 44ه( :إال األذخ 44ر) كما تق 44دم يف مب 44احث االس 44تثناء يف ب 44اب التخص 44يص ،ولو ك 44ان ذلك ب 44وحي مل
يتغري ،فدل على أنه باجتهاد واهلل أعلم.
147
االجتهـــاد
(وأما االجته ـ ــاد فهو ب ـ ــذل الوسع في بل ـ ــوغ الغ ـ ــرض .فالمجتهد إن ك ـ ــان كامل اآللة في
االجته ــاد ف ــإن اجتهد في الف ــروع فأص ــاب فله أج ــران ،وإ ن اجتهد وأخطأ فله أجر واح ــد.
ومنهم من ق ـ ـ ــال :كل مجتهد في الف ـ ـ ــروع مص ـ ـ ــيب .وال يج ـ ـ ــوز أن يق ـ ـ ــال :كل مجتهد في
األص ــول [الكالمي ــة] مص ــيب ،ألن ذلك ي ــؤدي إلى تص ــويب أهل الض ــاللة من النص ــارى
والمجــوس والكفــار والملحــدين .ودليل من قــال :ليس كل مجتهد في الفــروع مصــيباً قوله
" rمن اجتهد فأصـ ــابـ فله أجـ ــران ،ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحـ ــد" .وجه الـ ــدليل :أن
النبي rخطّا المجتهد تارة وصوبه أخرى [واهلل سبحانه أعلم]).
ملا تكلم عن التقليد وش 44 4 4روط اجملته 44 4 4د ،وأن االجته 44 4 4اد جيب على من اجتمعت فيه ش 44 4روطه ذكر
تعريف االجته44 4اد ،ألن االجته44 4اد يقابل التقلي44 4د .وهو لغ44 4ة :ب44 4ذل اجلهد( )1واس44 4تفراغ 4الوسع إلدراك أمر
شاق .وال يستعمل إال فيما فيه مشقة .تقول :اجتهد يف محل الصخرة .وال تقول :اجتهد يف محل العصا.
واصطالحاً عرفه بقوله( :بذل الوسع يف بلوغ الغرض) والوسع :بضم الواو 4:الطاقة والقوة(.)2
وه44 4ذا تعريف ع 44 4ام ،هو التعريف اللغ44 4وي أق44 4رب ،فالبد من تقيي44 4ده 4ب44 4احلكم الش44 4رعي ،ألن املراد
البحث يف االجته 44 4اد ال 44 4ذي هو طريق إلثب 44 4ات حكم ش 44 4رعي .فيك 44 4ون 4املراد ب 44 4الغرض :احلكم الش 44 4رعي
املطلوب .ولو قيده بالفقيه وقال :بذل الفقيه 4وسعه لبلوغ الغرض لكان كافياً ،كما يف مجع اجلوام44ع ،ألن
الفقيه ال يتكلم إال يف األحكام الشرعية .وللمجتهد شروط تقدم أكثرها يف الكالم على املفيت.
قول44 4ه( :فاجملتهد إن ك44 4ان كامل اآللة يف االجته44 4اد ) . .أي :حمص 4 4الً جلميع آالت االجته44 4اد كما
تقدم بيانه ،فيكون 4مستقال مبعرفة األحكام .والظ44اهر أن م44راده اجملتهد املطل44ق .ألنه هو ال44ذي يك44ون 4كامل
اآللة ،ويكون بذلك اح44رتز من جمتهد املذهب 4وجمتهد الفت44وى( )3وإن مل يتق4دم هلما ذك4ر ،وإن ك4ان ال4ذي
يظهر جريان احلكم املذكور فيهما ،أو يكون 4لدفع توهم بعض املساحمة يف بعض شروط االجتهاد ،وعلى
كل فلو أسقط قوله (إن كان كامل اآللة) لكان أوىل واهلل أعلم.
قوله( :فإن اجتهد يف الف44روع) املراد هبا املس44ائل الفقهية الظنية اليت ليس فيها دليل ق4اطع .ألن ه4ذا
هو موضع االجتهاد.
(?) اجلهد بالضم اجليم :الطاقة .وبفتحها :املشقة .انظر اللسان ( )3/133مادة (جهد). 1
(?) اجملتهد املطلق من توفرت فيه شروط االجتهاد .وجمتهد 4املذهب هو العامل مبذهب 4إمامه املتمكن من ختريج ما مل ينص عليه إمامه على منصوصه 3
وجمتهد الفتوى .من قصر اجتهاده على ما صح عن إمامه ومل يتمكن من ختريج غري املنصوص [انظر أعالم املوقعني .]4/212
148
قول44 4ه( :فأص44 4اب فله أج44 4ران ،وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واح44 4د) املراد باإلص44 4ابة أن يوافق ما أداه
إليه اجتهاده ما هو احلكم يف الواقع .وقوله( :أجران) أي :نصيبان من الثواب 4يعلمهما اهلل كمية وكيفي44ة:
أجر على اجته44 4اده ،وأجر على إص44 4ابته احلق ،لكونه س4ّ 4 4ن س44 4نة يقت44 4دي هبا فيتبعه املقل44 4دون ،ويظهر احلق.
وإن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد على اجته44 4اده ،وخط44 4ؤه مغف44 4ور ل44 4ه ،ألنه غري مقص44 4ود إال إن قصر يف
االجتهاد.
وه 44ذا هو الق 44ول الص 44حيح يف املس 44ألة 4،أنه ليس كل جمتهد نص 44يباً ،بل املص 44يب 4واح 44د ،ومن ع 44داه
خمطئ .وهو قول مالك وأيب حنيفة يف قول ،والشافعية 4واحلنابلة.
قول 44ه( :ومنهم من ق 44ال :كل جمتهد يف الف 44روع مص 44يب) ه 44ذا الق 44ول الث 44اين يف املس 44ألة ،وهو ق 44ول
آخر أليب حنيفة وبعض الشافعية وبعض املالكية 4وبعض املتكلمني .فيكون 4له على هذا القول أجران.
ومنشأ اخلالف هل هلل تع44اىل يف كل واقعة حكم معني يف نفس األمر قبل اجته44اد اجملته44د؟ أو ليس
له حكم معني ،وإمنا احلكم فيها ما وصل إليه اجملتهد باجته44 4 4 4اده؟ فأص44 4 4 4حاب حكمه ما أدى إليه اجته44 4 4اد
اجملتهد ،فما غلب على ظنه فهو حكم اهلل.
وق 44ال اجلمه 44ور :إن هلل تع 44اىل يف كل مس 44ألة حكم 4اً معين 4اً قبل االجته 44اد فمن وافقه فهو مص 44يب4،
ومن مل يوافقه فهو خمطئ.
قول44 4ه( :وال جيوز أن يق44 4ال :كل جمتهد يف األص44 4ول الكالمية مص44 4يب) املراد باألص44 4ول الكالمي44 4ة4:
مس 44ائل العقي44 4دة 4املنس44 4وبة إىل علم الكالم .وهو ما أحدثه املتكلم44 4ون 4يف أص44 4ول ال44 4دين من إثب 44ات العقائد
بالطرق اليت ابتكروها وأعرضوا هبا عما جاء يف الكتاب والس44نة( .)1واملع44ىن :أنه ال يصح أن يق44ال كل من
اجتهد يف أمور العقائد فهو مصيب .بل املصيب واحد ،ومن ع4داه خمطئ ،وقد نقل بعض4هم اإلمجاع على
ذلك .وخمالفة بعضهم ال يعتد هبا(.)2
قوله( :ألن ذلك يؤدي إىل تص44ويب أهل الض4اللة 4من النص4ارى واجملوس والكف44ار وامللح4دين) ه44ذا
تعليل ملا تق4دم .أي :ألن ه44ذا الق44ول ي44ؤدي إىل تص4ويب 4من أخطأ من أهل الض44اللة .وأن كل ما أدى إليه
اجتهادهم فهو موافق ملا هو احلق .وتصويبهم باطل .وما أدى إىل الباطل فهو باطل.
وقوله( :أهل الضاللة) أي :أهل الباطل.
149
وقول4ه( :من النص4ارى) وهم من ينتس4بون يف دي4انتهم إىل ش4ريعة عيسى عليه الس4الم .وأص4لها دين
منـزل من اهلل .لكنها ح44رفت وب44دلت .وهم يقول44ون ب44التثليث .ومعن44اه :أن اهلل عن44دهم ثالث44ة :اإلله األب.
واإلله االبن ،واإلله الروح القدس .تعاىل اهلل عما يقولون4.
وقول44ه( :واجملوس) هم ق44وم يعب44دون الن44ور والن44ار ،والظلمة والش44مس والقمر ويزعم44ون أن للك44ون
إهلني .أحدمها :النور .والثاين:الظلمة.
وقول 44 4ه( :والكف 44 4ار) مجع ك 44 4افر .والكف 44 4ر :كفر أكرب خمرج من املل 44 4ة .وهو كفر التك44 4ذيب 4،وكفر
االس44تكبار ،وكفر اإلع44راض ،وكفر الش44ك ،وكفر النف44اق .وكفر أص44غر ال خيرج من املل44ة .ويتن44اول مجيع
املعاصي(.)1
وقوله( :وامللحدين) مفرده :ملحد وهو من كفر باألديان كلها.
قول44 4 4ه( :ودليل من ق44 4 4ال :ليس كل جمتهد يف الف44 4 4روع مص44 4 4يباً .قوله " :rمن اجتهد فأص 44 4اب فله
أج44 4 4ران . .إخل"( )2أي من مجلة ما اس44 4 4 4تدل به الق44 4 4 4ائلون بأنه ليس كل جمتهد يف الف44 4 4 4روع مص44 4 4يباً .ه44 4 4ذا
احلديث .ووجه الدالل44ة :أن الرس44ول rجعل اجملته44دين قس44مني :قس44ماً مص44يباً .وقس44ماً خمطئ 4اً ،ولو ك44ان
كل منهم مص 44 4يباً مل يكن هلذا التقس 44 4يم مع 44 4ىن ،واهلل أعلم .وص 44 4لى اهلل على نبينا حممد وعلى آله وص44 4حبه
وسلم.
(?) رواه البخاري برقم 6919ومسلم برقم 1716عن عمرو بن العاص رضي اهلل عنه واللفظ املذكور مل أقف يف الكتب الستة. 2
150
أسمــاء المراجـــع
)1اإلهباج يف ش44رح املنه44اج ،لتقي ال44دين علي بن عبد الك44ايف الس44بكي 4املت44وىف س44نة 756هـ وول44ده عبد
الوهاب املتوىف سنة 771هـ .دار الكتب العلمية يف بريوت .توزيع مكتبة 4دار الباز.
)2اإلحك44 4ام يف أص44 4ول األحك44 4ام .أليب حممد علي بن حممد بن ح44 4زم األندلسي الظ44 4اهري املت44 4وىف س44 4نة
456هـ أشرف على طبعه أمحد شاكر .توزيع دار االعتصام4.
)3اإلحك44ام يف أص44ول األحك44ام .لس44يف ال44دين علي بن أيب علي بن حممد اآلم44دي املت44وىف س44نة 631هـ.
حتقيق د .سيد اجلميلي .الناشر دار الكتاب العريب الطبعة األوىل سنة 1404هـ.
)4آداب البحث واملن 44 4اظرة .للش 44 4يخ حممد األمني الش 44 4نقيطي 4املت 44 4وىف س 44 4نة 1393هـ .الناشر مكتبة 4ابن
تيمية القاهرة ،ومكتبة العلم جبدة.
)5أدلة التشريع املختلف فيها .د .عبد العزيز الربيعة (معاصر) .مؤسسة الرسالة.
)6احلدود األنيقة 4والتعريف 44ات 4الدقيقة للقاضي الش 44يخ زكريا بن حممد األنص 44اري املت 44وىف س 44نة 926هـ.
حتقيق د .مازن املبارك 4،دار الفكر املعاصر .بريوت.
)7إرشاد الفحول إىل حتقيق احلق من علم األصول .حملمد بن علي الشوكاين املتوىف سنة 1250هـ .دار
املعرفة يف بريوت.
)8االستدالل عند األصوليني .د.علي بن عبد العزيز العمرييين (معاصر) .مكتبة التوبة.
)9االستقامة أليب العباس أمحد بن عبد احلليم بن تيمية املتوىف سنة 748هـ ،حتقيق د .حممد رشاد سامل.
طبعة جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية.
)10اإلصابة يف متييز الصحابة .أليب الفضل أمحد بن علي بن حجر العسقالين املتوىف سنة 852هـ حتقي44ق.
د .طه حممد الزيين .الناشر مكتبة الكليات األزهرية.
)11أصل االعتقاد .د .عمر بن سليمان االشقر( .معاصر).
)12أص 44ول السرخس 44ي .أليب بكر حممد بن أيب س 44هل السرخسي املت 44وىف س 44نة 490هـ حتقيق أيب الوف 44اء
األفغاين .مطابع دار الكتاب العريب بالقاهرة (1372هـ).
)13أصول الفقه حملمد زكريا الربديسي (معاصر) املكتبة الفيصلية 4مبكة .الطبعة الثالثة.
)14أصول الفقه اإلسالمي 4.د .وهبة الزحيلي (معاصر) دار الفكر.
)15األصول من علم األصول .للشيخ حممد بن صاحل العثيمني .ط :جامعة اإلمام.
)16أضواء البيان 4يف إيضاح القرآن بالقرآن .للشيخ حممد األمني الشنقيطي 4املتوىف سنة 1393هـ.
151
)17أعالم املوقعني عن رب العاملني .مشس الدين أيب عبد اهلل حممد بن أيب بكر املعروف ب44ابن قيم اجلوزية
املتوىف سنة 751هـ.
)18األم ،أليب عبد اهلل حممد بن إدريس الشافعي املتوىف سنة 204هـ .دار الفكر.
)19األجنم الزاه44رات على حل ألف44اظ الورق44ات .حملمد بن عثم44ان املارديين املت44وىف س44نة 871هـ .حتقيق د.
عبد الكرمي بن علي النملة .الطبعة األوىل.
)20اإليضاح يف علوم البالغة 4.للخطيب القزويين املتوىف سنة 739هـ املكتبة التجارية الكربى مبصر.
)21اإليض 44 4اح لق 44 4وانني االص 44 4طالح أليب حممد يوسف بن عبد ال 44 4رمحن بن اجلوزي احلنبلي املت 44 4وىف س 44 4نة
656هـ حتقيق .د .فهد السدحان .مكتبة 4العبيكان.
)22اإليض44اح لناسخ الق44رآن ومنس44وخه .ملكي بن أيب ط44الب القيسي املت44وىف س44نة 437هـ حتقي44ق .د .أمحد
حسن فرحات .الطبعة األوىل مطابع الرياض.
)23البحر احمليط يف أص44ول الفق44ه .لب44در ال44دين حممد بن هبادر بن عبد اهلل الزركشي املت44وىف س44نة 794هـ
الطبعة الثانية وزارة األوقاف والشئون 4اإلسالمية 4بالكويت.
)24ب 44دائع الفوائد 4أليب عبد اهلل حممد بن أيب بكر املع 44روف ب 44ابن القيم اجلوزية املت 44وىف 751هـ .الناش 44ر:
مكتبة القاهرة .الطبعة الثانية1392 4هـ.
)25الربه44ان يف أص44ول الفقه إلم44ام احلرمني أيب املع44ايل عبد امللك بن عبد اهلل اجلويين املت44وىف س44نة 478هـ
حتقيق عبد العظيم الديب .مطابع دار الوفاء مبصر.
)26بطالن اجملاز .ملصطفى عبد الصياصنة( .معاصر) دار املعراج للنشر والتوزيع.
)27تبصرة احلك4ام إلب4راهيم بن علي بن حممد بن فرح4ون املت4وىف س4نة 799هـ مطب4وع هبامش (فتح العلي
املالك) ومطبوع وحده يف جملد .كتبة دار الباز.
)28التأس 44يس 4يف أص 44ول الفق 44ه .ت 44أليف أيب إس 44الم مص 44طفى بن س 44المة (معاص 44ر) الناشر مكتبة خالد بن
الوليد مبيت عقبة.
)29حتفة األح44 4 4وذي ش44 4 4رح ج44 4 4امع الرتم44 4 4ذي .لعبد ال44 4 4رمحن بن عبد ال44 4 4رحيم املب44 4 4اركفوري املت 44 4وىف س 44 4نة
1353هـ .دار الفكر بريوت.
)30تدريب الراوي يف شرح تقريب النووي .جلالل ال44دين عبد ال44رمحن بن أيب بكر الس44يوطي 4املت44وىف س44نة
911هـ حتقيق عبد الوهاب عبد اللطيف .دار الكتب العلمية .الطبعة الثانية.
)31تسهيل املنطق .لعبد الكرمي بن مراد األثري (معاصر) دار مصر للطباعة.
152
)32التعريفات .لعلي بن حممد الش4ريف اجلرج4اين املت4وىف س44نة 816هـ دار الكتب 4العلمية ب44ريوت .الطبعة
األوىل 1403هـ.
)33تفسري القرط 44يب :اجلامع األحك 44ام الق 44رآن أليب عبد اهلل حممد بن أمحد األنص 44اري القرطيب املت 44وىف س 44نة
671هـ .دار إحياء الرتاث العريب .بريوت.
)34تفسري ابن كث 44ري :تفسري الق 44رآن العظيم إلمساعيل بن عمر املع 44روف ب 44ابن كثري الدمش 44قي املت 44وىف س 44نة
774هـ دار الشعب.
)35التقييد واإليضاح .ش4رح مقدمة ابن الص4الح ل4زين ال4دين عبد ال4رحيم بن احلسني الع4راقي املت4وىف س4نة
806هـ .دار الفكر العريب.
)36تلقيح الفه44وم يف تنقيح ص44يغ العم44وم للحافظ خليل بن كيكل44دي العالئي املت44وىف س44نة 761هـ حتقيق
د .عبد اهلل آل الشيخ .الطبعة األوىل.
)37التمهيد يف أص 44 4ول الفقه أليب اخلط 44 4اب حمف 44 4وظ بن أمحد بن احلسن الكل 44 4وذاين احلنبلي املت 44 4وىف س 44 4نة
510هـ دراسة وحتقي 44 4ق :مفيد حممد أبو عمشة (ج )2 ،1وحممد بن علي بن إب 44 4راهيم (ج)4 ،3
منشورات مركز البحث العلمي جبامعة أم القرى الطبعة األوىل 1406هـ.
)38التمهيد يف ختريج الف44روع علي األص44ول .جلم44ال ال44دين عبد ال44رحيم بن احلسن األس44نوي املت44وىف س44نة
72هـ .حتقيق حممد حسن هيتو .طبع مؤسسة الرسالة .بريوت.
)39ج44امع األص44ول يف أح44اديث الرس44ول ص44لى اهلل عليه وس44لم أليب الس44عادات املب44ارك 4بن حممد بن األثري
اجلزري املت 44 4وىف س 44 4نة 606هـ .حتقيق عبد الق 44 4ادر األرن 44 4اؤوط .طبع مكتبة 4احلل 44 4واين .مطبعة املالح.
مكتبة دار البيان 1389هـ.
)40مجع اجلوامع .لتاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي 4املتوىف سنة 771هـ .طبع مع (حاش44ية البن44اين
على شرح احمللي عليه) طباعة مصطفى البايب احلليب مبصر.
)41حاشية النفحات على شرح الورقات ألمحد اخلطيب اجلاوي .طباعة مصطفى احلليب 1357هـ.
)42احلديث املرسل .حملمد حسن هيتو( 4معاصر) دار البشائر اإلسالمية4.
)43احلكم التكليفي .د :حممد أبو الفتح البانوين (معاصر) دار القلم دمشق.
)44احلكم الوضعي 4عند األصوليني .سعيد بن علي احلمريي .املكتبة 4الفيصلية مكة املكرمة .ط األوىل.
)45الرسالة لإلمام أيب عبد اهلل حممد بن إدريس الشافعي املتوىف سنة 204هـ .حتقيق أمحد حممد شاكر.
)46رس44الة يف أص44ول الفقه لإلم44ام العالمة 4أيب علي احلسن بن ش44هاب بن احلسن العك44ربي احلنبلي املت44وىف
سنة 428هـ حتقيق د .موفق بن عبد القادر .ط األوىل.
153
)47روضة الن44 4اظر وجنة املن44 4اظر .ملوفق ال44 4دين عبد اهلل بن أمحد بن قدامة املقدسي 4املت44 4وىف س44 4نة 620هـ
(ومعها شرحها نزهة اخلاطر العاطر) لعبد القادر بن بدران .املطبعة السلفية مبصر 1342هـ.
)48سنن أيب داود .أليب داود سليمان بن األشعث 4األزدي السجس44تاين املت44وىف س44نة 275هـ .حتقيق حممد
حميي الدين عبد احلميد .املكتبة 4العصرية.
)49س44نن ابن ماج44ه .أليب عبد اهلل حممد بن يزيد من ماجه القزويين املت44وىف س44نة 275هـ حتقي حممد ف44ؤاد
عبد الباقي .طباعة 4مصطفى البايب احلليب .مصر.
)50سنن الرتمذي (جامع الرتمذي) أليب عيسى حممد بن عيسى بن س4ورة الرتم4ذي املت4وىف س44نة 289هـ.
حتقيق حممد أمحد ش 44اكر وتكملة حممد ف 44ؤاد عبد الب 44اقي وراجعه إب 44راهيم عط 44وة .الناشر دار احلديث
بالقاهرة.
)51س44نن النس44ائي 4.أليب عبد ال44رمحن أمحد بن ش44عيب بن علي النس44ائي املت44وىف س44نة 303هـ باعتن44اء عبد
الفت44 4اح أبو غ44 4دة .الطبعة األوىل املفهرسة دار البش44 4ائر ب44 4ريوت 1406هـ .وهي مص44 4ورة عن الطبعة
األوىل املص 44 4 4رية يف الق 44 4 4اهرة 1348هـ .مع ش 44 4 4رح احلافظ جالل ال 44 4 4دين عبد ال 44 4 4رمحن بن أيب بكر
السيوطي 4املت4وىف س44نة 911هـ .وحاش4ية أيب احلسن ن44ور ال44دين بن عبد اهلادي الس4ندي احلنفي املت44وىف
سنة 1138هـ.
)52الس44 4 4نة للحافظ أيب بكر عمر بن أيب عاصم الض44 4 4حاكنب خملد الش44 4 4يباين املت44 4 4وىف س44 4 4نة 287هـ.حتقيق
األلباين .املكتب اإلسالمي.
)53سري أعالم النبالء 4.لش 44 4مس ال 44 4دين أيب عبد اهلل بن أمحد بن قامياز ال 44 4ذهيب املت 44 4وىف س 44 4نة 74هـ حتقيق
جمموعة من األساتذة بإشراف شعيب األرناؤوط .مؤسسة الرسالة بريوت 1402هـ.
)54ش44 4رح تنقيح الفص44 4ول يف اختص44 4ار احملص44 4ول .لش44 4هاب ال44 4دين أمحد بن إدريس الق44 4رايف املت44 4وىف س44 4نة
684هـ .حتقيق طه عبد الرؤوف سعد . .طبعة مكتبة 4الكليات األزهرية .ودار الفكر 1393هـ.
)55ش 44رح ص 44حيح مس 44لم .حملي ال 44دين أيب زكريا حيىي بن ش 44رف الن 44ووي املت 44وىف س 44نة 676هـ .مراجعة
خليل امليس 4.دار القلم بريوت.
)56ش4رح العب4ادي .أمحد بن قاسم العب4ادي الش4افعي املت4وىف س4نة 922هـ على ش4رح اجلالل احمللي املت4وىف
سنة 864هـ .على الورقات هبامش (إرشاد الفحول للشوكاين) .دار املعرفة يف بريوت.
)57شرح العضد على خمتصر ابن احلاجب .للقاضي عضد الدين عبد ال44رمحن بن أمحد اإلجيي املت44وىف س44نة
756هـ .وهبامشه حاش 44ية التفت 44ازاين املت 44وىف س 44نة 791هـ .وحاش 44ية الش 44ريف اجلرج 44اين املت 44وىف س 44نة
816هـ .دار الكتب 4العلمية بريوت.
154
)58ش44رح الك44وكب 4املن44ري .حملمد بن أمحد بن عبد العزيز بن علي الفت44وحي احلنبلي املع44روف ب44ابن النج44ار
املت 44 4وىف س 44 4نة 972هـ حتقيق حممد ال 44 4زحيلي ونزيه محاد .طبع مركز البحث العلمي مبك44 4ة .جامعة أم
القرى .الطبعة األوىل 1408هـ.
)59شرح خمتصر الروضة .لنجم الدين أيب الربيع سليمان بن عبد القوي بن عبد الكرمي بن س4عيد الط4ويف
احلنبلي املتوىف سنة 716هـ .حتقيق د .عبد اهلل الرتكي .مؤسسة الرسالة.
)60ش 44رح الورق 44ات .جلالل ال 44دين حممد بن أمحد احمللي املت 44وىف س 44نة 864هـ .املطبعة الس 44لفية ومكتبته 44ا.
مصر .وينظر طبعة مكتبة الرياض احلديثة بالرياض.
)61الص4حاح إلمساعيل بن محاد اجلوهري املت4وىف س4نة 393هـ حتقيق أمحد عبد الغف4ور عط4ار .مط4ابع دار
الكتاب العريب بالقاهرة 1377هـ.
)62صحيح البخاري .اعتين به د .مصطفى ديب البغا .دار ابن كثري ودار اليمامة يف بريوت ودمشق.
)63صحيح مس4لم أليب احلسني مس4لم بن احلج4اج القش4ريي النيس4ابوري 4املت4وىف س4نة 261هـ حتقيق حممد
فؤاد عبد الباقي .دار إحياء الرتاث العريب.
)64ص 44فة الفت 44وى واملفيت واملس 44تفيت ألمحد بن محدان احلراين احلنبلي املت 44وىف س 44نة 695هـ خ 44رج أحاديثه
حممد ناصر الدين األلباين .املكتب 4اإلسالمي 4بدمشق الطبعة الثالثة 1397هـ.
)65ضوابط املعرفة لعبد الرمحن حسن حبنكة امليداين .دار القلم بدمشق الطبعة الثالثة 1408هـ.
)66ط44رح الت44ثريب 4يف ش44رح التق44ريب أليب الفضل عبد ال44رحيم الع44راقي املت44وىف س44نة 806هـ وأكمله ول44ده
أبو زرعة أمحد بن عبد الرحيم املتوىف سنة 826هـ .دار إحياء الرتاث العريب.
)67الع44دة يف أص44ول الفق44ه .للقاضي أيب يعلى حممد بن احلسني الف44راء احلنبلي املت44وىف س44نة 458هـ حتقيق
أمحد سري املباركي 4ط الثانية 1410هـ.
)68غاية املرام يف ش 44رح مقدمة اإلم 44ام .أليب العب 44اس أمحد بن حممد بن زك 44ري التلمس 44اين املالكي املت 44وىف
سنة 899هـ .دراسة وحتقيق األخ /خالد بن شجاع العتييب (رسالة ما جستري).
)69غاية الوص 44 4ول ش 44 4رح لب األص 44 4ول .لش 44 4يخ اإلس 44 4الم زكريا األنص 44 4اري املت 44 4وىف س 44 4نة 926هـ طبعة
مصطفى البايب احلليب مبصر 1360هـ.
)70فت 44اوى العز بن عبد الس 44الم .عز ال 44دين عبد العزيز بن عبد الس 44الم عبد ال 44رمحن بن عبد الفت 44اح .دار
املعرفة.
155
)71فتح الب44اري ش44رح ص44حيح البخ44اري .ألمحد بن علي بن حجر العس44قالين املت44وىف س44نة 852هـ .علق
على األج 44 4زاء الثالثة األوىل فض 44 4يلة الش 44 4يخ عبد العزيز بن ب 44 4از .توزيع رئاسة إدارة البح44 4وث العلمية
واإلفتاء بالرياض.
)72الف44 4 4روق يف اللغ44 4 4ة .أليب هالل احلسن بن عبد اهلل بن س44 4 4هل العس44 4 4كري املت44 4 4وىف بعد س 44 4نة 395هـ.
منشورات دار اآلفاق اجلديدة ببريوت.
)73الفوائد لش44 4 4مس ال44 4 4دين أيب عبد اهلل حممد بن قيم اجلوزية املت44 4 4وىف 751هـ حتقيق بشري حممد عي44 4ون4.
الناشر :مكتبة 4دار البيان 4.الطبعة األوىل 1407هـ.
)74القاموس احمليط جملد الدين حممد بن يعقوب الفريوز آبادي املتوىف سنة 817هـ والرج4وع إىل (ت4رتيب
القاموس) لألستاذ .الطاهر أمحد الزاوي .دار الكتب 4العلمية .ودار املعرفة .بريوت.
)75قرة العني يف شرح ورقات إمام احلرمني للشيخ حممد بن حممد الرعيين املعروف باحلطاب املت44وىف س44نة
954هـ دار ابن خزمية .ومطب44وع هبامش (لط44ائف اإلش44ارات على تس44هيل الطرق44ات لنظم الورق44ات)
طباعة احلليب.
)76القواعد النورانية الفقهية 4لتقي ال44 4دين أيب العب44 4اس أمحد بن عبد احلليم ابن تيمية املت44 4وىف س 44نة 728هـ
مطبعة السنة احملمدية بالقاهرة 1370هـ.
)77القواعد والفوائد األص 44ولية أليب احلسن علي بن حممد بن عب 44اس احلنبلي الش 44هري ب 44ابن اللح 44ام املت 44وىف
سنة 803هـ حتقيق حممد حامد الفقي مطبعة السنة احملمدية بالقاهرة 1375هـ.
)78كشف األس44رار عن أص44ول فخر اإلس44الم ال44زدوي ،لعالء ال44دين عبد العزيز بن أمحد البخ44اري املت44وىف
سنة 730هـ الناشر دار الكتاب اإلسالمي بالقاهرة.
)79لسان العرب جلمال الدين حممد بن مكرم بن منظور اإلفريقي املص4ري املت4وىف س4نة 711هـ طبعة دار
صادر بريوت 14هـ
)80لط44ائف اإلش44ارات .ش44رح منظومة العم44ريطي للورق44ات .لعبد احلميد بن حممد بن علي ق44دس .طباعة4
مصطفى البايب احلليب 1369هـ.
)81اللمع يف أص44 4ول الفقه أليب إس44 4حاق إب44 4راهيم بن علي ال44 4ريازي املت44 4وىف س44 4نة 476هـ .حتقيق يوسف
املرعشلي ومعه كتاب (ختريج أحاديث اللمع) .عامل الكتب ببريوت .الطبعة األوىل 1405هـ.
)82جمم 44 4وع الفت 44 4اوى لتقي ال44 4 4دين أيب العب44 4 4اس أمحد بن عبد احلليم بن عبد الس 44 4الم احلراين املت44 4وىف س 44 4نة
748هـ .مجع وترتيب عبد الرمحن بن قاسم الطبعة األوىل بالرياض 1381هـ.
156
)83احملص 44 4 4ول يف علم األص 44 4 4ول لفخر ال 44 4 4دين أيب عبد اهلل بن حممد بن عمر بن حسن ال 44 4 4رازي الش 44 4افعي
املتوىف سنة 606هـ ،حتقيق طه جابر العل4واين ،نشر جامعة اإلم4ام حممد بن س4عود اإلس4المية 4بالري4اض
1399هـ.
)84خمتصر الروضة وقد طبع باسم (البلبل يف أصول الفقه) لنجم الدين أيب الربيع سليمان بن عبد الق44وي
الطويف املتوىف سنة 716هـ ،مكتبة 4اإلمام الشافعي بالرياض.
)85م 44دارج الس 44الكني .لش 44مس ال 44دين أيب عبد اهلل حممد بن أيب بكر املع 44روف ب 44ابن القيم اجلوزية املت 44وىف
سنة 751هـ حتقيق حممد حامد الفقي .دار الكتاب العريب .بريوت.
)86املدخل إىل م 44ذهب اإلم 44ام أمحد بن حنب 44ل .لعبد الق 44ادر بن أمحد املع 44روف ب 44ابن ب 44دران املت 44وىف س 44نة
1346هـ حتقيق د .عبد اهلل الرتكي 4مؤسسة الرسالة ببريوت الطبعة الثالثة1405 4هـ.
)87م 44 4ذكرة أص 44 4ول الفقه للش 44 4يخ حممد األمني بن حممد املخت 44 4ار الش 44 4نقيطي 4املت 44 4وىف س 44 4نة 1393هـ .ط
اجلامعة اإلسالمية 4باملدينة النبوية4.
)88املسائل املش44رتكة بني أص44ول الفق44ه .وأص44ول ال44دين ،حملمد العروسي عبد الق44ادر (معاص44ر) .دار حافظ
للنشر والتوزيع ،الطبعة األوىل 1410هـ.
)89املستصفى 4من علم أصول الفقه أليب حامد بن حممد الغزايل املتوىف سنة 505هـ دار صادر.
)90مسند اإلمام أمحد بن حممد بن حنبل املتوىف سنة 241هـ ،دار صادر.
)91املس44 4 4 4ودة يف أص44 4 4 4ول الفقه آلل تيمي44 4 4 4ة .حتقيق حممد حمي ال44 4 4 4دين عبد احلمي44 4 4 4د .مطبعة املدين الق44 4 4اهرة
1384هـ.
)92املعترب يف ختريج أح44 4اديث املنه44 4اج واملختص44 4ر .لب44 4در ال44 4دين حممد بن عبد اهلل الزركشي املت44 4وىف س44 4نة
794هـ حتقيق محدي عبد اجمليد السلفي .دار األرقم الكويت 4.الطبعة األوىل 1404هـ.
)93معجم لغة الفقه44 4 4اء .وضع حممد رواس قلعة جي ،حامد ص 44 4ادق قنييب ج44 4 4ار النف 44 4ائس .الطبعة الثانية4
1408هـ
)94املغين ش44 4رح خمتصر اخلرقي .ملوفق ال44 4دين عبد اهلل بن أمحد بن قدامة املقدسي 4املت44 4وىف س44 4نة 620هـ.
حتقيق عبد اهلل الرتكي وعبد الفتاح احللو .هجر للطباعة والنشر الطبعة األوىل 1409هـ.
)95مفت 44 4اح الوص 44 4ول إىل بن 44 4اء الف 44 4روع على األص 44 4ول .أليب عبد اهلل حممد بن أمحد املع 44 4روف بالش44 4ريف
التلمس44 4 4 4اين املت44 4 4 4وىف س44 4 4 4نة 771هـ ،حتقيق عبد الوه44 4 4 4اب عبد اللطي44 4 4 4ف ،دار الكتب 4العلمية ب44 4 4ريوت
1403هـ.
157
)96املنخ44ول من تعليق44ات األص44ول .أليب حامد بن حممد الغ44زايل املت44وىف س44نة 505هـ .حتقيق حممد حسن
هيتو .دار الفكر بدمشق الطبعة الثانية1400 4هـ.
)97منع ج44 4 4واز اجملاز يف املنـزل للتعبد واإلعج44 4 4از .للش44 4 4نقيطي .رس44 4 4الة مطبوعة ض44 4 4من اجلزء العاشر من
أضواء البيان4.
)98املنه 44اج يف ت 44رتيب احلج 44اج .أليب الوليد س 44ليمان بن خلف الب 44اجي املت 44وىف س 44نة 474هـ حتقيق عبد
اجمليد تركي.
)99املوافق44ات يف أص44ول الش44ريعة .أليب إس44حاق إب44راهيم بن موسى اللخمي الش44اطيب املت44وىف س44نة 790هـ
تعليق عبد اهلل دراز .دار املعرفة بريوت.
)100ن44 4ثر ال44 4ورود على م44 4راقي الس44 4عود .للش44 4يخ حممد األمني بن حممد املخت44 4ار الش44 4نقيطي 4املت44 4وىف س44 4نة
1393هـ .حتقيق وإكمال تلمي4ذه حممد ولد س4يدي ولد ح4بيب الش4نقيطي .توزيع دار املن4ارة 4.الطبعة
األوىل 1415هـ.
)101نزهة النظر ش 44رح خنبة الفكر يف مص 44طلح أهل األث 44ر .لش 44هاب ال 44دين أيب الفضل أمحد بن علي بن
حجر العسقالين املتوىف سنة 852هـ طبع املكتبة العلمية.
)102النسخ يف دراسات األصوليني .نادية شريف العمري .مؤسسة الرسالة .الطبعة األوىل 1405هـ.
)103نظم املتن 44اثر من احلديث املت 44واتر .أليب عبد اهلل حممد بن جعفر الكت 44اين املت 44وىف س 44نة 1345هـ دار
الكتب السلفية مبصر .الطبعة الثانية4.
)104النكت على كت44 4 4اب ابن الص 44 4 4الح .أليب الفضل أمحد بن علي بن حجر العس44 4 4قالين املت 44 4وىف س 44 4نة
852هـ .حتقيق ربيع بن هادي عمري .دار الراية .الطبعة الثانية 1408هـ.
)105النهاية يف غ44ريب احلديث واألث44ر .جملد ال44دين أيب الس44عادات املب44ارك ب44ان حممد املع44روف ب44ابن األثري
اجلزري املت44وىف س44نة 606هـ حتقيق ط44اهر أمحد ال44زاوي وحمم44ود الطن44احي .املكتبة اإلس44المية .الطبعة
األوىل 1383هـ.
)106نواسخ القرآن أليب الفرج عبد الرمحن بن اجلوزي احلنبلي املتوىف 597هـ حتقيق حممد أشرف علي
امللباري .طبع اجمللس العلمي إلحياء الرتاث اإلسالمي 4باملدينة النبوية4.
)107الواضح يف أصول الفقه .حممد بن سليمان األشقر (معاصر) الدار السلفية .الكويت4.
)108عدد من املخطوطات للورقات.
158
فهـــرس الموضـوعـات
الصفحة املوضــوع
تقدمي
مقدمة الطبعة الثانية4
مقدمة الطبعة الثالثة4
مقدمة الطبعة األوىل
مبادئ علم أصول الفقه
مقدمة الورقات
تعريف أصول الفقه باعتبار مفرديه
األحكام الشرعية
الواجب
املندوب
املباح
احملظور
املكروه
الصحيح والباطل
الفقه ،العلم ،اجلهل
أقسام العلم
النظر ،االستدالل ،الدليل
الظن ،الشك
تعريف أصول الفقه باعتباره 4علماً
أبواب أصول الفقه
159
الكالم
أقسام الكالم 4من حيث مدلوله
أقسام الكالم 4من حيث استعماله
احلقيقة وأنواعها
اجملاز وأنواعه
األمر
من مسائل األمر
من يدخل يف األمر والنهي 4ومن ال يدخل؟
هل األمر بالشيء هني عن ضده؟
النهي
العام
اخلاص
املخصص املتصل
)1االستثناء
)2الشرط
)3الصفة
املطلق واملفيد
املخصص املنفصل
اجململ واملبني
الظاهر واملؤول
األفعال
اإلقرار
160
النسخ
أقسام النسخ باعتبار املنسوخ
أقسام النسخ باعتبار الناسخ
التعارض بني األدلة
اإلمجاع
من مسائل اإلمجاع
قول الصحايب
األخبار
)1املتواتر
)2اآلحاد
صيغ أداء احلديث
القياس
من شروط القياس
احلظر واإلباحة
االستصحاب
ترتيب األدلة
شروط املفيت
شروط املستفيت
التقليد
االجتهاد
أهم املراجع
161
162