Professional Documents
Culture Documents
إعداد
احلمد هلل رب العاملني ،والصالة والسالم عىل سيد املرسلني ،وعىل آله وصحبه أمجعني ،وبعد :
وقد ألقيت معظمه عىل طالب جامعة الطائف ،ثم راجعته ،وأضفت ما تدعو احلاجة إىل إضافته ؛
ليعم نفعه بإذن اهلل تعاىل ،واهلل املوفق واهلادي إىل سواء السبيل .
2
الوحدة األوىل
معنى العقيدة
العقيدة مشتقة من العقد ؛ وهو الربط والشد .واالعتقاد :هو احلكم الذهني اجلازم ،فإن طابق
أ -عقائد صحيحة ؛ كعقيدة التوحيد ،وعقيدة ختم النبوة ،وعقيدة البعث.
موضوع العقيدة
العقيدة من حيث هي خيتلف موضوعها باختالف امللل ،وخيتلف كذلك باختالف الفرق ! فكل
ملة هلا عقيدة ،وكل فرقة هلا طريقه .ونحن واحلمد هلل ندرس العقيدة اإلسالمية عىل طريقة
السلف الصالح .وقد بني النبي هذه العقيدة وحدد موضوعها بأدق وأشفى عبارة فقال ( :
اإليامن أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر والقدر خريه ورشه) .وهذه األصول
3
س /ما كيفية اإليامن باهلل وما عالقته بالتوحيد والقدر؟
ب -اإليامن بربوبيته . أ -اإليامن بوجود اهلل . ج /اإليامن باهلل يعني اإليامن بأربعة أمور :
والتوحيد مرتبط هبذه األمور من كل وجه ؛ فاألمران األول والثاين مها توحيد الربوبية ،والثالث
أما القدر فإنه يعني اإليامن بعلم اهلل السابق ،وبكتابة املقادير ،وبعموم املشيئة واخللق ؛ وهذا يعني أنه
داخل يف توحيد الربوبية ،ويف توحيد الصفات .ويمكن كذلك أن يقال :إنه داخل يف توحيد
األلوهية ؛ باعتبار أن هذا التوحيد متضمن لتوحيد الربوبية والصفات بام يف ذلك اإليامن بالعلم
أسامء العقيدة
العقيدة أشهر أسامء هذا العلم يف هذا العرص ،وقد اشتهر هبذا االسم من عدة قرون ،ولكنه كان
يعرف عند السلف مع هذا االسم بأسامء أخرى ربام كانت أكثر شهرة منه ؛ ومنها :
-1الفقه األكرب ؛ مثل كتاب الفقه األكرب أليب حنيفة .ويقال :إن للشافعي كتابا هبذا االسم أيضا .
-2اإليامن ،مثل كتاب اإليامن أليب بكر بن أيب شيبة ،وكتاب اإليامن أليب عبيد القاسم بن سالم ،
4
-3السنة :فبعض علامء السلف كان يطلق عىل العقيدة اسم السنة مثل :كتاب السنة لعبد اهلل بن
اإلمام أمحد ،وكتاب السنة البن أيب عاصم ،وكذلك السنة للخالل ،ورشح السنة للربهباري .
- 4الرشيعة ،فمن علامء السلف من أطلق عىل العقيدة اسم الرشيعة وهو إطالق صحيح ؛ ألن
الرشيعة قد يراد هبا ما رشعه النبي من عقائد ،وقد يراد هبا ما رشعه النبي من العمل ،وقد يراد
هبا األمران كالمها ،وممن أطلق اسم الرشيعة عىل هذا العلم أبو بكر اآلجري يف كتابه الرشيعة ،
وكذلك ابن بطة يف كتابه اإلبانة عن رشيعة الفرقة الناجية ،ويسمى اإلبانة الكربى .
- 5أصول الدين ،فقد أطلق بعض علامء السلف هذا االسم عىل العقيدة ؛ ألهنا القاعدة التي يقوم
عليها الدين ،ومن ذلك كتاب الرشح واإلبانة عن أصول السنة والديانة البن بطة .ويسمى اإلبانة
الصغرى .وكذلك أبو احلسن األشعري ملا رجع إىل مذهب السلف ألف كتابه املشهور اإلبانة عن
أصول الديانة .ولكن يف القول برجوعه للسنة املحضة يف هذا الكتاب نظر ؛ ألنه سار فيه عىل طريقة
-6العقيدة ؛ فقد أطلق بعض علامء السلف عىل هذا العلم اسم العقيدة ،ككتاب عقيدة السلف
وأصحاب احلديث أليب عثامن الصابوين ،وكتاب رشح أصول اعتقاد أهل السنة واجلامعة أليب القاسم
الاللكائي .
ومن أشهر الكتب التي حتمل هذا االسم كتاب ملعة االعتقاد ،والعقيدة الواسطية ،والعقيدة
عثيمني يف كتابه رشح ملعة االعتقاد وهو من أنفع كتب العقيدة للمبتدئني.
5
وأما العقيدة الواسطية فهو متن جيد يف العقيدة أقر بجزالته ونفعه حتى املخالفني ،وقد رشح عدة
رشوح ،فرشحه زيد بن فياض يف كتابه الروضة الندية ورشحه عبد العزيز بن رشيد يف كتابه
التنبيهات السنية ورشحه حممد بن عثيمني ورشحه صالح الفوزان وغريهم من أهل العلم .
أما العقيدة الطحاوية فهو متن قديم يف العقيدة وله شهرة واسعة ويؤخذ عليه أنه عىل عقيدة مرجئة
الفقهاء وأنه ذكر يف املتن عبارات جمملة حتتمل احلق والباطل ؛ وهلذا رشح عىل طريقة السلف وعىل
طريقة اخللف ،وأفضل رشوحه عىل اإلطالق هو رشح عيل بن عيل بن أيب العز احلنفي وهو رشح
عظيم النفع عىل طريقة املحققني من السلف ،وهلذا كان هو الكتاب املقرر يف اجلامعات السعودية
-7التوحيد :فقد أطلق بعض علامء السلف عىل هذا العلم اسم التوحيد ؛ ككتاب التوحيد وإثبات
صفات الرب عز وجل البن خزيمة ،وككتاب التوحيد ومعرفة أسامء اهلل عز وجل وصفاته البن
منده.
حتمل هذا االسم كتاب التوحيد للشيخ حممد بن عبد الوهاب رمحه اهلل .وقد كثر اعتناء الناس به ؛
لعظم نفعه ،وأمهية موضوعه ،حتى أصبح من أكثر الكتب طباعة وانتشار ًا ؛ ونظر ًا لشهرة هذا
الكتاب ،وعناية الناس به ،كثرت رشوحه ،وتعددت ،وتنوعت ؛ وسنلقي نظرة عجىل عىل هذه
الرشوح.
6
س /ما أهم رشوح كتاب التوحيد؟
ج /حظي كتاب التوحيد باهتامم العلامء منذ تأليفه وإىل اليوم ومن هذه الرشوح :
[ ]1تيسري العزيز احلميد لسليامن بن عبد اهلل بن حممد بن عبد الوهاب ،وهو أقدم الرشوح وأوهلا
وأوسعها ،إال أن مؤلفه مل يكمله ،فقد وقف عىل باب ما جاء يف املصورين ،وقد وضعت تكملته من
[ ]2فتح املجيد لعبد الرمحن بن حسن بن حممد بن عبد الوهاب ،وهذا الكتاب عبارة عن هتذيب
وترتيب وتكميل لتيسري العزيز احلميد ،وقد حظي هذا الكتاب بشهرة واسعة و طبع مرات كثرية
[ ]3فتح احلميد ،لعثامن بن منصور وهو أكرب رشوح كتاب التوحيد ،وقد طبع حمقق ًا يف أربعة
جملدات ،إال أن هذا الكتاب مل حيظ بقبول أئمة الدعوة ،وهلم كالم طويل يف نقد الكتاب ومؤلفه يف
[ ]4حاشية كتاب التوحيد ،لعبد الرمحن بن حممد بن قاسم ،وهي حاشية نافعة وحمررة ،وهلذا يعول
[ ]5القول السديد ،لعبد الرمحن بن سعدي ،وهو كتاب خمترص يف قواعد وضوابط توحيد
[ ]6القول املفيد ،ملحمد بن عثيمني ،وهو يف ثالثة جملدات كبار ،وهو كتاب حافل بالعلم
والتحقيقات النافعة .وهناك رشوح أخرى لكتاب التوحيد سوى ماذكر ؛ كقرة عيون املوحدين ،
7
أمهية العقيدة
العقيدة اإلسالمية أهم العلوم اإلسالمية عىل اإلطالق وذلك ألسباب كثرية ،منها :ـ
)1أن رشف العلم برشف موضوعه وموضوع العقيدة هو العلم باهلل وأسامءه وصفاته وأفعاله وهذا
أرشف املطالب.
)2أن العقيدة هي أساس قبول األعامل فالعمل مهام كثر ونفع فإنه ال ُيقبل إذا كان عىل عقيدة غري
)4أن التوحيد أهم األوامر اإلهلية ؛ وهلذا ُيبدأ به يف آيات األمر والنهي كام قال اهلل تعاىل :ﮋ ﮗ
ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ
ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ
ﯚ ﮊ النساء ، ٢٥ :وكذلك الرشك فإنه أعظم ما هنى اهلل عنه وهلذا ُيذكر أول النواهي قال تعاىل :ﮋ ﮱ
ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ
8
ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ
ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ
ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ
ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ
؛ وهلذه األنعام١٦٢ - ١٦١ : ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮊ
املنزلة فإن اهلل عز وجل ال يغفر اإلخالل بالتوحيد ،وأما العمل فهو حتت املشيئة كام قال تعاىل :ﮋ ﮢ
؛ وذلك ألن التوحيد حق اهلل اخلالص ﮊ النساء٤٤ : ﮣﮤﮥ ﮦﮧﮨ ﮩﮪﮫ ﮬﮭﮮ
كام يف حديث معاذ ( :حق اهلل عىل العباد أن يعبدوه وال يرشكوا به شيئًا).
خالصا ونق ًيا من الرشك فإنه ُيكفر الذنوب مهام عظمت كام يف حديث البطاقة
ً )5أن التوحيد إذا كان
التي وضعت يف ميزان األعامل ،وفيها ( ال إله إال اهلل ) فطاشت بتسعة وتسعني سجال من السيئات كل
سجل منها مد البرص ،ويف احلديث القديس ( :يا بن آدم لو أتيتني بقراب األرض خطايا ثم لقيتني ال
خالصا أدخل صاحبه اجلنة بال حساب
ً ترشك يب شيئًا ألتيتك بقراهبا مغفر ًة ) .بل إن التوحيد إذا كان
كام يف حديث السبعني ألفا الذين ال يسرتقون وال يكتوون وال يتطريون وعىل رهبم يتوكلون.
وهكذا نرى األمهية القصوى لعلم العقيدة ،وهذا ال يعني إمهال بقية العلوم الرشعية بل كلها يف غاية
أدلة العقيدة
أدلة العقيدة هي :الكتاب وصحيح السنة ،وكذلك اإلمجاع ؛ مع ان عامة قضايا العقيدة ثابتة
بالكتاب والسنة.
9
س :ما عالقة العقل والفطرة بأدلة العقيدة؟
ج :الفطرة السليمة توافق العقيدة الصحيحة ،بل إن الفطرة السليمة ال تستقر إال مع العقيدة السليمة
وكذلك العقل الرصيح فإنه موافق للنقل الصحيح وال يمكن أن يعارضه أبدً ا ،ولكن قد حيار يف
بعض ماجاء به النقل ؛ فالرشيعة تأيت بمحارات العقول ولكنها ال تأيت بمحاالت العقول أبدً ا.
الطوائف التي خالفت أهل السنة يف طريقة االستدالل عىل أنواع -:
01
ملن يتعصب ويتبع إمامه يف كل يشء حتى لو خالف الدليل كام قال بعضهم "كل دليل خيالف مذهبنا
فهو منسوخ أو متأول" ،وقد نبه العلامء خلطورة هذا املسلك ،قال اإلمام أمحد ( :عجبت لقو ٍم عرفوا
؛ أتدري ما الفتنة ؟ :الفتنة الرشك لعله إن رد شيئًا من قوله النور٥٢ : ﮕﮖ ﮗﮘﮙ ﮊ
أن يقع يف قلبه يشء من الزيغ فيهلك ) .وقبله قال ابن عباس ملن ناظره يف متعة احلج (:يوشك
أن تنزل عليكم حجارة من السامء أقول قال رسول اهلل وتقولون قال أبو بكر وعمر !! ) ؛ فإذا كان
هذا تشديد األئمة عىل من غال يف اتباع األئمة األربعة وفيمن فوقهم بمراتب ؛ كأيب بكر وعمر ريض
اهلل عنهام فكيف بمن غال يف اتباع إمامه وزعم أنه معصوم وقوله حجة وسنة كام هي عقيدة الشيعة
اإلمامية ،فإهنم يزعمون أن السنة قول املعصوم أو فعله وتقريره ويقصدون باملعصوم مجيع األئمة
اإلثني عرش ؛ وأوهلم عيل وآخرهم حممد بن احلسن العسكري ؛ الذي هو املهدي بزعمــهم !!
س :ما موقف املتكلمني ( املعتزلة واألشاعرة ) من االستدالل بالنقل يف العقيدة ؟
ج :يستدل املتكلمون بالقرآن وكذلك باملتواتر من السنة برشط أن ال خيالف العقل ،أما أخبار اآلحاد
فإهنم ال يستدلون هبا يف العقيدة ؛ ألهنا كلها ظنية بزعمهم والعقيدة ال بد فيها من القطع وهذا من
أخطر آرائهم التي ردوا هبا أكثر السنة !! والرد عليهم من وجوه كثرية ،منها :
أ) ما تواتر يف األحاديث من أن الرسول كان يرسل الدعاة ؛ وهم آحاد إىل امللوك واألمم ليبلغوا
العقيدة والدين كله ؛ كام أرسل دعاته مللوك الروم وفارس ؛ وكام أرسل معاذا ألهل اليمن.
ب) أن خرب الواحد إذا تلقته األمة بالقبول أو احتفت هبا القرائن فإنه يفيد اليقني ،ومعظم أحاديث
الصحيحني من هذا القبيل ؛ لتلقي األمة هلام بالقبول .ولو سلمنا بأنه إنام يفيد الظن فالظن الناشئ
عن نص خري من تلك األدلة العقلية التي حريت أهلها قبل غريهم ! وسنذكر شواهد من
00
قال أحدهم :
وقلبت طريف بني تلك املعامل لعمري لقد طفت املعاهد كلها
وقد تصاحبهم حتى يف أحرج حلظات العمر ؛ كام يف قول أحدهم -:
بعاجل ترحايل إىل أين ترحايل لعمرك ما أدري وقد أذن البىل
من اهليكل املنحل واجلسد البايل وأين حمل الروح عند خروجه
ج) أن أخبار اآلحاد الثابته موافقة للقرآن وهذا دليل عىل أهنا خترج من مشكاة واحدة ؛ وهلذا كان
اإلمام البخاري يذكر دليل املسألة من القرآن ثم يتبعه باألحاديث التي توافقه وتفرسه .
د) أن إنكار أخبار اآلحاد يعني رد معظم األحاديث ؛ ألن أكثر األحاديث عبارة عن أخبار آحاد
واملتواتر قليل جدً ا .بل إن الرازي اشتط فعزل النقل كله عن االستدالل العقدي ؛ فزعم يف كتابــــه
( املحصل ) أن األدلة النقلية كلها التفيد اليقني إال بعد تيقن عرشة أمور ؛ عصمة الرواة ،وعدم
االشرتاك واملجاز والنقل والتخصيص باألشخاص واألزمنة وعدم اإلضامر والتأخري والتقديم
والنسخ وعدم املعارض العقيل الذي لوكان لرجح عليه !!! ؛ وهلذا نقل ابن تيمية يف (منهاج السنة )
02
من بعد حتصيله أصل بال دين حمصل يف أصول الدين حاصـــــله
بل إن ابن القيم اعترب هذا األصل أحد أربعة أصول دك هبا املتكلمون معاقل الوحي !!
س/اذكر نبذة خمترصة عن هذه األصول األربعة التي رد هبا املتكلمون أكثرالنصوص ؟
-1اشرتاط القطعية يف أدلة العقيدة ،وهذا ال يتحقق بزعمهم إال يف األدلة العقلية ،ألن النقل حتى
لو كان قرآنا أو سنة متواترة يتطرق إليه عرشة احتامالت كل واحد منها كاف يف رفع قطعية الدليل
النقيل ؛ كاحتامل النسخ أ واإلضامر أو التخصيص أو املعارض العقيل ....اىل آخر ما ذكره الرازي يف
املحصل .
-2تقديم العقل عىل النقل عند التعارض ،وهلذا أنكروا كثريا من الصفات حتى وإن جاء هبا القرآن
والسنة املتواترة ،فاستواء اهلل مثال وإن ذكر يف سبع من آيات القرآن إال أنه ال يمكن القول بموجبها
واألخذ بداللتها ،ألهنا تعارض داللة العقل عىل تنزيه الرب عن اجلهة ،ألهنا من خصائص
األجســام !!
-3اعتبار نصوص الصفات جمازا يمكن نفيه أوتأويله بام يتسق مع داللة العقل ،وهلذا أولو صفة
اليد بالنعمة ،وصفة الرمحة باإلرادة ،وصفة النزول بنزول أمر اهلل تعاىل أو نزول ملك من مالئكته مع
أن احلديث نص يف نزول الرب تبارك وتعاىل ،فال يمكن أبدا أن يقول امللك ( :من يدعوين فأستجيب
03
-4رفض االستدالل بأخبار اآلحاد يف العقيدة حتى لو كانت يف الصحيح ،ألهنا بزعمهم إنام تفيد
الظن ،والظن ال جيوز أن يكون أساسا تبنى عليه العقيدة ،وهلذا ردوا كثريا من األحاديث الصحيحة
هبذه احلجة الباطلة مع أن أكثر ما ردوه يفيد القطع ،ألن خرب الواحد يفيد القطع اذا احتفت به القرائن
؛ كتلقي األمة له بالقبول ،وعامة أحاديث البخاري ومسلم من هذا الرضب .
وهكذا صالوا عىل النصوص حتى عزلوها عن االستدالل العقدي أو كادوا ،فال يذكروهنا يف كتبهم
إال قليال .وانظر يف ( رشح املواقف ) أو (املقاصد ) أو ( النسفية) جتد مصداق ما ذكرت مع أهنم
أقرب اخللف ألهل السنة فكيف لو طالعت ( رشح األصول اخلمسة ) أو ( املغني ) للقايض عبد
اجلبار وكتب أرضابه من املعتزلة والشيعة اإلمامية ؟! الشك أن األمر أكرب من ذلك بكثري ،فبعدهم
عن النص أظهر وأظهر وهيمنة العقل عندهم أعظم وأعظم !! فحسبنا اهلل ونعم الوكيل .ولعظم
خطورة هذه األصول أفرد ابن القيم هلا كتابه املشهور ( الصواعق املرسلة ) .
كتب العقيدة
كتب العقيدة ال تكاد حتىص فهناك كتب مؤلفة عىل طريقة الفالسفة مثل :اإلشارات والتنبيهات البن
أيضا.
سينا ومثل النجاة له ً
وهناك كتب عىل طريقة املعتزلة مثل :رشح األصول اخلمسة للقايض عبد اجلبار ومثل املحيط
بالتكليف.
وهناك كتب عىل طريقة األشاعرة ،كرشح املواقف للجرجاين ورشح املقاصد للتفتازاين.
وهناك كتب عىل طريقة الشيعة اإلمامية مثل االقتصاد يف االعتقاد للطويس ،وكتاب اإلهليات
للسبحاين.
04
وهناك كتب عىل طريقة اإلباضية كمشارق أنوار العقول للساملي ،وكتاب احلق الدامغ ألمحد اخللييل.
وهناك كتب مؤلفة عىل طريقة اإلسامعيلية ؛ وهم من أبعد الناس عن عقيدة السلف مثل :راحة العقل
وهكذا نرى أن كتب العقيدة بحر ال ساحل له ؛ وهلذا جيب عىل طالب العلم أن يتثبت يف اختيار
الكتاب الذي يقرأ ؛ فالبد أن يكون من كتب العقيدة التي ألفت عىل طريقة السلف وخاصة إذا كان
يف أول طريق طلب العلم و هو ما سنركز عليه اآلن بإذن اهلل تعاىل !
ج :هناك كتب مؤلفة يف العقيدة عىل طريقة السلف وهي كثرية ؛ وهلذا سنقسمها تقريبا للضبط إىل
جمموعات:
)1كتب السلف األوىل ؛ وهي يف الغالب كتب مسندة ،مثل :كتاب التوحيد البن خزيمة ومثل
كتاب السنة البن أيب عاصم ،وكتاب الرشيعة لآلجري ،ومن كتب السلف ما هو مؤلف يف بعض
أبواب االعتقاد أو مسائله ؛ ككتاب القدر للفريايب ،وكتاب النزول للدارقطني ،ومنها ما ألف يف
الرد عىل أهل البدع كخلق أفعال العباد للبخاري والرد عىل الزنادقة واجلهمية لإلمام أمحد ومثل رد
كثريا.
الدارمي عىل املرييس ورد الدارمي عىل اجلهمية وقد كان ابن تيمية يثني عىل هذين الكتابني ً
)2كتب املحققني من أهل السنة ؛ وهي كتب لعلامء يف القرن السابع والثامن اهلجري ؛ جاءوا بعد أن
استحكمت بدعة الكالم والتصوف والفلسفة وغريها وكاد مذهب السلف أن يندرس ؛ فأحيوا
مذهب السلف وردوا عىل أهل البدع ،ومن هؤالء ابن تيمية وابن القيم وابن رجب وابن كثري وابن
عبد اهلادي ومن أهم الكتب التي ألفها هؤالء األعالم ،كتاب درء التعارض البن تيمية ،وهو أعظم
كتبه ومثل منهاج السنة البن تيمية وهو أعظم ما ألف يف الرد عىل الشيعة ومثل بيان تلبيس اجلهمية
البن تيمية ومثل كتاب الصفدية يف الرد عىل الفالسفة ومثل جمموع الفتاوى ؛ ففيه رسائل وكتب يف
05
العقيدة عىل طريقة السلف ،ومنها أيضا الصواعق املرسلة البن القيم وله أيضا مدارج السالكني
وإغاثة اللهفان والنونية وغريها ( للنونية رشح نفيس للهراس ) .
)3كتب أئمة الدعوة ؛ وأول هؤالء األعالم الشيخ حممد بن عبد الوهاب رمحه اهلل ( 1115هـ
– 1226هـ ) ؛ فقد ظهر يف زمن رجع فيه كثري من الناس إىل علم الكالم والتصوف ،وانترشت
بدع القبور ،والتعلق بالبرش ،ووصل احلال يف بعض األقطار إىل ما يشبه اجلاهلية األوىل فأنكر
رمحه اهلل هذه البدع ،وأحيا مذهب السلف الذي كاد أن يندرس ،وأعانه عىل ذلك اإلمام حممد
بن سعود -رمحه اهلل -وأبناؤه من بعده ؛ فعادوا بالناس ملذهب السلف ،وهدموا القبور
واملشاهد ،وبعثوا املعلمني يف القرى واهلجر حتى انترش اخلري ،وعاد الناس ملنهج السلف من
جديد ؛ وقد ألف هذا اإلمام وأئمة الدعوة من بعده كثريا من الكتب يف عقيدة السلف مثل كتاب
التوحيد ،وكشف الشبهات ،وكتاب أصول اإليامن ،وفتح املجيد ،وكثري من الكتب والرسائل
و معظمها موجود يف كتاب الدرر السنية الذي بلغ ستة عرش جملدا .
)4كتب علامء السلف يف اليمن ؛ فرغم أن املذهب الزيدي هو الغالب عىل اليمن إال أنه ظهر يف هذا
القطر علامء أحيوا مذهب السلف وأنكروا البدع وأشهر هؤالء األعالم ثالثة ؛ أوهلم ابن الوزير ؛
وقد كان قبل إمام الدعوة بوقت طويل ؛ وهو صاحب كتاب العواصم والقواصم ،وكتاب إيثار
احلق عىل اخللق ،وثانيهم الصنعاين ؛ وقد كان معارصا إلمام الدعوة ،وأثنى عىل دعوته ؛ وله رسائل
يف العقيدة ؛ كتطهري االعتقاد وكتاب رفع األستار وكتاب مجع الشتيت .والثالث الشوكاين ؛ فله
رسائل يف العقيدة عىل مذهب السلف مثل :التحف يف اإلرشاد إىل مذهب السلف ،ومثل الدر
النضيد يف إخالص كلمة التوحيد ،ومثل إرشاد الثقات ،ومثل رشح الصدور ،ورسالة البغية يف
مسألة الرؤية .ويلحق بعلامء هذا القطر من تأثر هبم من خارجه ،وأبرزهم صديق حسن خان الذي
تأثرا بالشوكاين كثريا ،وهو الذي ألف كتاب الدين اخلالص ؛ وهو كتاب كبري يف العقيدة يقع يف
أربعة أجزاء .
)5كتب علامء السلف املعارصين وهي كثرية جدً ا ؛ ككتاب القائد إىل تصحيح العقائد للمعلمي ،
وتوضيح الكافية الشافية البن سعدي ،ومعارج القبول للحكمي ،وعقيدة أهل السنة واجلامعة البن
06
عثيمني ،ودعوة التوحيد للهراس ،وجدليات ابن تيمية حول النبوات والغيبيات له أيضا ،وعقيدة
التوحيد للفوزان ،ورشوح الرباك للتدمرية والطحاوية والقواعد األربع واألصول الثالثة ونواقض
اإلسالم وكشف الشبهات .
)6الرسائل العلمية ؛ وهي من مزايا العرص احلديث ؛ فهناك رسائل قيمة يف العقيدة مثل ابن تيمية
السلفي ونقده ملسالك املتكلمني يف اإلهليات للهراس ،وابن تيمية وقضية التأويل ملحمد اجلليند ،
ومثل التربك أنواعه وأحكامه للجديع ،ومثل األدلة العقلية عىل أصول االعتقاد لسعود العريفي ؛
وهناك رسائل كثرية جدً ا فيها الغث والسمني فينبغي لطالب العلم أن حيتاط فليست كل رسالة فيها
إضافة علمية أو بحث علمي جاد.
)7البحوث العلمية املحكمة ؛ كالبحوث التي تنرشها جملة البحوث اإلسالمية التابعة لدار اإلفتاء ،
وجملة جامعة أم القرى ،وجملة اجلامعة اإلسالمية ،وجملة جامعة اإلمام حممد بن سعود ،ففيها بحوث
حمكمة وقيمة يف العقيدة وغريها.
)8املواقع اإللكرتونية ؛ فهناك مواقع متخصصة لنرش كتب العقيدة وأبحاثها وبراجمها من أشهرها
اجلمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة واألديان والفرق .
07
وألهل السنة مع هذا االسم عدة أسامء منها :
)1السلف ؛ وذلك ألهنم يف مسائل العقيدة ودالئلها عىل ما كان عليه السلف الصالح من
الصحابة وتابعيهم بإحسان .
)2أهل احلديث ؛ وذلك لتعظيمهم للحديث ،وعنايتهم به ،واستدالهلم بكل ما صح عنه
متواترا وآحا ًدا ؛ وهلذا كان أئمتهم من علامء احلديث كاإلمام مالك واإلمام أمحد واإلمام البخاري .
ً
)3الفرقة الناجية ؛ ً
أخذا من قول النبي ( وستفرتق أمتي عىل ثالث وسبعني فرقة كلها يف
النار إال واحدة ) فالناجية واحدة والباقية هالكة وهذه الناجية هي كامقال اإلمام أمحد " إن مل يكونوا
أهل احلديث وإال فال أدري من هم".
)4الطائفة املنصورة ؛ ً
أخذا من قول النبي ( : ال تزال طائفة من أمتي عىل احلق ظاهرين ال
يرضهم من خذهلم إىل يوم القيامة ) ؛ فأهل السنة بمقتىض هذا الوعد الصادق منصورون ؛ إما
بالسيف والسنان ،وإما باحلجة و الربهان .وقد ورد يف بعض الروايات أهنم يف الشام وهذا واهلل أعلم
يف أخر الزمان ؛ ألن عيسى عليه السالم ينزل يف دمشق ،فتكون الفرقة هناك أما قبله فهم متفرقون يف
البلدان .
)1سالمة املصدر ووحدته ؛ وهو الكتاب والسنة ؛ وهلذا جتد عقائدهم واحدة مهام اختلفت
بلداهنم ،يقول األصبهاين ( :مما يدل عىل أن أهل احلديث هم أهل احلق أنك لو طالعت كتبهم من
أوهلم إىل آخرهم مع اختالف األزمان األقطار لوجدهتم يف العقيدة عىل وترية واحدة ولو مجعت ما
قالوه لوجدهتم عىل قلب واحد ولسان واحد فهل عىل احلق دليل أبني من هذا ) .
ال حياكم إليه فام وافقه قبل وما خالفه رد ،خال ًفا للمتكلمني
)2اعتبار الكتاب والسنة أص ً
فاألصل عندهم العقل ،وخال ًفا للمتصوفة فاألصل عندهم الكشف ،وكذلك خال ًفا ألصحاب
الرأي والتقليد والعادات الذين يقدمون العادات وآراء الرجال عىل الكتاب والسنة.
08
متواترا أو آحا ًدا ،خالفا للمتكلمني
ً )3قبول كل ما صح عن الرسول يف العقيدة سواء كان
الذين ال يقبلون أخبار اآلحاد يف العقائد.
)4أهنم ال ينتسبون ملقالة معينة وال لشخص معني غري الرسول ؛ فانتساهبم للسنة واحلديث
خالفا ألهل البدع ؛ فإهنم ينتسبون إىل املقالة كالقدرية واملرجئة ،أو إىل القائل كاهلاشمية والنجارية ،
أو إىل الفعل كاخلوارج والروافض.
)5أن عقيدهتم موافقة للفطرة يف املسائل والدالئل ،فعقيدهتم يف وجود اهلل وصفاته وأفعاله
وسائر أبواب االعتقاد موافقة للفطرة السليمة ،وكذلك أدلتهم عىل معتقداهتم فطرية غري معقدة ،
كام هو الشأن عند املتكلمني ؛ فمثال دليلهم عىل وجود اهلل الذي يسمى دليل احلدوث يف غاية التعقيد.
)6الوسطية بني الفرق فأهل السنة واجلامعة وسط بني الفرق يف :
الصفات ؛ فهم وسط يف هذا الباب بني املعطلة ؛ الذين أنكروا الصفات ،واملشبهة الذين
أثبتوا الصفات عىل وجه يامثل املخلوقات ؛ فأهل السنة أثبتوا الصفات دون متثيل كام قال
يف اآلخرة ،فقال أهل السنة ؛ إن صاحب الكبرية ناقص اإليامن ويف اآلخرة حتت املشيئة.
ويف الصحابة ؛ توسطوا بني الغالية الذين أهلوا بعض الصحابة وبني الناصبة ؛ الذين كفروا
بعض الصحابة فقال أهل السنة واجلامعة :إن الصحابة هم خري هذه األمة وما صدر عنهم ؛
إما أن يكون اجتهادا يعذرون فيه ،أو ذنبا يغفر بحسناهتم العظيمة التي ليس ألحد مثلها.
09
ويف األسباب ؛ توسطوا بني األشاعرة الذين أنكروا تأثري األسباب وقالوا إن اهلل يفعل عندها
ال هبا ،وبني الفالسفة الذين غلو يف تأثري األسباب وزعموا أهنا مبدعة فقال أهل السنة
واجلامعة :إن األسباب مؤثرة بقدر اهلل وخلقه ؛ ولكن تأثريها مرشوط بمشيئة اهلل إن شاء
أبقاها عىل تأثريها داللة عىل حكمته وإن شاء رصفها داللة عىل قدرته.
)7احلذر من البدع ،والتحذير منها ومن أسباهبا ؛ لقوله تعاىل :ﮋ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ
حمدثة بدعة وكل بدعة ضاللة وكل ضاللة يف النار) .قال االوزاعي " كان بعض هل العلم يقول :ال
الغلو ؛ فاخلوارج إنام ظهروا بسبب الغلو وهكذا الصوفية وغريهم ؛ وهلذا حذر النبي من أ)
هذا السبب بقوله ( :إياكم والغلو فإنام أهلك من كان قبلكم الغلو) ،وليس معنى هذا الدعوة إىل
التحلل والتفلت من التكاليف وإنام الدعوة إىل االستقامة عىل دين اهلل دون غلو أو تقصري.
ب) االحتجاج باالحاديث الضعيفة واملوضوعة ،كحديث (من زار قربي وجبت له شفاعتي)
وحديث ( من حج ومل يزر قربي جفاين) فهذه األحاديث الباطلة أدت إىل بدع الزيارة املعروفة
واملشهورة .مع أن املرشوع إنام هو شد الرحل للمسجد النبوي ال للقرب ؛ حلديث ( ال تشد الرحال
إال إىل ثالثة مساجد ) ؛ فعىل املسلم إذا أراد السفر للمدينة أن ينوي زيارة املسجد ال القرب فإذا وصل
زار القرب الرشيف وسلم عىل النبي وعىل صاحبيه ريض اهلل عنهام دون أن يقف أو يتحرى الدعاء
عند القرب ،أو يستقبل القرب أثناء الدعاء ؛ واألخطر من ذلك ما يفعله بعض اجلهال من دعاء الرسول
21
فيام اليقدر عليه إال اهلل ؛ فهذا رشك ناقل عن امللة .وكذلك أحاديث النور املحمدي فهي كلها
أحاديث باطلة وقد أدى االعتامد عليها إىل ظهور ما يعرف بعقيدة النور املحمدي والزعم بأنه
خلق قبل كل يشء وأن اهلل سبحانه خلق من نوره كل يشء.
وربام قال بعضهم :إن الكون إنام قد خلق ألجل حممد وهذا كله خيالف النصوص؛ فالكون خلق
لعبادة اهلل والرسول وجد عام الفيل وبعث بالدعوة إىل عباده اهلل ،وكذلك أدى هبم الغلو إىل
اعتقاد أنه يعلم مفاتيح الغيب اخلمسة كام قرر ذلك الصاوي يف حاشيته عىل تفسرياجلاللني .
؛ والزيغ هو " امليل عن احلق إتباعا للهوى" واهلوى من أكرب أسباب ﮊ آل عمران٧ : ﮰﮱ
هـ) التأثر بأصحاب الديانات السابقة ،وهذا من أكرب أسباب البدع ،وقد أشار النبي إليه بقوله :
( لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ) .وقد وقع
التشييع كان هيوديا من هيود اليمن ،وبدعة القدرية إنام وضعها معبد اجلهني الذي أخذها من
سنسويه ؛ وهو نرصاين ،وبدعة اجلهمية ؛ وهي إنكار الصفات أخذها اجلهم بن صفوان عن اجلعد
بن درهم وأخذها اجلعد عن اليهود ،و بدعة الفناء و احللول ووحدة الوجود أخذها الصوفية عن
20
اهلندوس ،كام ذكر ذلك أبو الرحيان البريوين يف كتابه .وما ذكره ابن سينا يف كتبه من املقاالت
وال زال هذا السبب يؤثر يف املسلمني بقوة ؛ فاالشرتاكية و التقدمية إنام هي بتأثري الشيوعية العاملية ،
والعلامنية والديمقراطية واحلداثة كلها من التأثر بالغرب ومن تأثري موجات التغريب والتنصري العاملية
،وهكذا موجات اإلحلاد التي تظهر بني الفينة والفينة كثريا ماتكون بتأثري اليهود والنصارى ؛ لتدمري
التوبة٢٣ : ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﮊ
22
الوحدة الثانية
معنى التوحيد وأنواعه
التوحيد لغة جعل اليشء واحدا ،أو اعتقاد اليشء واحدا .
وهو قسامن رئيسان-:
- 1توحيد ِ
املرسل :وهو اهلل عز وجل ويعني :إفراد اهلل بام خيتص به.
املرسل ويعني :إفراد الرسول بالطاعة واالتباع وتقديم قوله عىل قول غريه .
- 2توحيد َ
ويسميه بعض أهل العلم ( توحيد املتابعة ) .
وهذان التوحيدان مها مضمون الشهادة ؛ فال إله إال اهلل يف توحيد ِ
املرسل ،وحممد رسول اهلل يف
املرسل ،وعن هذين التوحيدين يسأل األولون واآلخرون كام قال أبو العالية " كلمتان يسأل
توحيد َ
عنها األولون واآلخرون ماذا كنتم تعبدون ،وماذا أجبتم املرسلني؟ "
املرسل. ِ
فالسؤال األول عن حتقيق توحيد املرسل ،والسؤال الثاين عن حتقيق توحيد َ
رشح توحيد ِ
املرسل
توحيد ِ
املرسل يعني إفراد الرب بام خيتص به وهو ينقسم باعتبارين :باعتبار املتعلق ،وباعتبار ما جيب
عىل املوحد .
أما باعتبار املتعلق فينقسم التوحيد إىل ثالثة أقسام :
أ -توحيد الربوبية ؛ وهو إفراد اهلل عز وجل باخللق وامللك والتدبري وسائر معاين الربوبية .وهذا
النوع أصل أصيل يف اإلسالم ،ولكنه ال يكفي وحده للدخول يف اإلسالم ؛ فقد كان املرشكون يف
يقرون هبذا التوحيد ؛ فيؤمنون بأن اهلل هو اخلالق املدبر إال أهنم ينكرون البعث ،كام قال
اجلاهلية ّ
23
وكام قــــال : اإلسراء٤٦ : تعـــــاىل :ﮋ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﮊ
يقرون بالربوبية فكيف يرصفون عن توحيد األلوهية ؟ ،وكام قال تعاىل :ﮋ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ
ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ
ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ
المؤمنون ٤٦ - ٤٤ :؛ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﮊ
ومع هذا اإلقرار فإن اهلل عز وجل مل يرفع عنهم وصف الرشك ال اس ًام وال حك ًام كام قال تعـــاىل :ﮋ
يوسف١٠٥ : ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﮊ
ب -توحيد األلوهية ؛ وهو الرباءة من عبادة ما سوى اهلل وإفراد اهلل بجميع أنواع العبادة فال بد يف
هذا التوحيد من أمرين ( نفي و إثبات ) ؛ فمن مل يأت هبام مع ًا فليس بموحد كام قال تعاىل :ﮋﭬ
وقــــال :ﮋ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ
24
وتوحيد األلوهية هو مضمون الشهادة ؛ فالنفي يف أوهلا واإلثبات يف آخرها فال بد من نفي واثبات ؛
وهلذا قال علامء الدعوة :من مل ينف ما نفت ( ال اله إال اهلل) ويثبت ما أثبتت فليس بموحد.
ج -توحيد األسامء والصفات ؛ وهو إفراد اهلل عز وجل بكل ما ثبت له من األسامء احلسنى والصفات
وقال : ﮊ األعراف١٤٠ : العال دون متثيل أو تعطيل كام قال اهلل تعاىل :ﮋ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ
ﭧ ﭨ ﮊ الشورى . ١١ :وهذا التوحيد هو ينبوع اإليامن ومادته وكلام ازداد العبد معرفة بأسامء
اهلل وصفاته كلام ازداد إيامنا وحبا وخوفا ورجاء ؛ وهلذا كان السلف أعظم الناس إيامنا وكان املعطلة
من أقسى الناس قلبا بل إن بعض السلف سمى املعطلة قطاع الطريق إىل اهلل وبعضهم سامهم ملشية ؛
ألن مآل قوهلم إىل إن اهلل ال يشء فالذي ال اسم له وال وصف هو املعدوم.
وألمهية هذا التوحيد كثرت نصوصه عددا وقدرا ؛ ويكفي دليال عىل ذلك أن أعظم آية يف كتاب اهلل
كلها يف توحيد الصفات ؛ وهي آية الكريس .
وأما باعتبار ما جيب عىل املوحد فتوحيد املرسل قسامن :
األول :التوحيد العلمي ؛ وهو التوحيد الذي يتطلب من املكلف علام وإيامنا بمعاين الربوبية
وصفات الكامل فيدخل يف ذلك توحيد الربوبية وتوحيد الصفات ويسمى هذا التوحيد أيضا
بالتوحيد القويل ويسمى أيضا بالتوحيد االعتقادي ويسمى أيضا بالتوحيد اخلربي ألن مبناه عىل
املخرب ( ِ
املخرب ( اهلل ) املقابل بالتصديق أو التكذيب من قبل َ اخلرب الدائر بني النفي واإلثبات من قبل
25
بني األمر والنهي من قبل الرب سبحانه ،مقابل باالمتثال أو الرتك من قبل العبد ؛ فمثال قوله
؛ هذا التوحيد العميل دائر بني األمر ﮊ النساء٢٥ : تعــــاىل :ﮋ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ
بالعبادة والنهي عن الرشك من قبل الرب سبحانه ،ويقابله املكلف إما باالمتثال فيكون موحدا وإما
بالرتك فيكون مرشك ًا كافر ًا .
وأدلة هذا التوحيد كثرية جدا من أشهرها سورة الكافرون فهي خالصة هلذا التوحيد كام أن سورة
اإلخالص خالصة للتوحيد العلمي ؛ وهلذا كان الرسول يقرأ هبام يف ركعتي الفجر وركعتي
املغرب وركعتي الطواف .
س /ما العالقة بني أنواع التوحيد ؟
- 1توحيد الربوبية يستلزم توحيد األلوهية ؛ فالربوبية بمنزلة الدليل واأللوهية بمنزلة املدلــــول ؛
وهلذا جعله اهلل دليال عىل األلوهية يف كثري من آيات القرآن كام يف قوله تعاىل :ﮋﮜ ﮝ ﮟ
ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ
البقرة٣٣ - ٣١ : ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﮊ
فجعل إنفراده سبحانه باخللق والعناية دليال عىل وجوب إفراده بالعبادة .
-2توحيد الصفات يستلزم توحيد األلوهية وهو من أدلته أيضا ؛ وهلذا جعل اهلل عز وجل أسامءه
وصفاته دليال عىل وجوب إفراده وحده بالعبادة قال تعاىل :ﮋ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ
ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ
ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ
، الحشر٣٤ - ٣٣ : ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﮊ
وقال :ﮋ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ
26
صفات النقص دليال عىل بطالن الرشك يف العبادة كام قال تعاىل :ﮋ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ
ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ
وقال حكاية عن إبراهيم : ﮋ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ األعراف١٤٤ : ﯤﮊ
؛ فجعل صفات النقص دليال عىل بطالن ألوهية ماعبد من دون اهلل تعاىل . مريم٤٣ : ﭾﭿﮀ ﮊ
املرسل
رشح توحيد َ
ويسميه بعض العلامء ( توحيد املتابعة ) ؛ وهو إفراد النبي بالطاعة واالتباع وتقديم قوله عىل قول
غريه كائن ًا من كان .والبد يف هذا التوحيد أربعة أمور-:
)1تصديق النبي فيام اخرب ؛ وهذا جوهر التوحيد وروحه فمن مل يصدق النبي يف يشء مما جاء
به فليس بموحد ومن صدقه يف كل ما جاء به فهو املؤمن حقا كام قال تعاىل :ﮋ ﭣ ﭤ ﭥ
)2طاعة النبي فيام أمر ؛ قال تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﮊ النساء ، ٤ :وقال :ﮋﯵ
؛ فمن خالف النبي يف يشء من أمره فاته آل عمران٢١ : ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﮊ
من هذا التوحيد بقدر خمالفته .
27
)3اجتناب ما هنى عنه الني وزجــر ؛ قال تعاىل :ﮋ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ
،وقال الرسول ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا هنيتكم عن يشء ﮊ الحشر٧ : ﮧ
فاجتنبــوه ) ؛ فال بد من اجتناب كل ما هنى عنه الرسول وبخاصة الكبائر .
)4أال يعبد اهلل عز وجل إال بام رشعه رسوله ؛ كام قال ( : من عمل عمال ليس عليه أمرنا فهو
رد ) ؛ وكام قال ( كل حمدثة بدعة وكل بدعة ضاللة وكل ضاللة يف النار ) ؛ فالبدع تنايف توحيد
املتابعة بل إن اإلمام مالك ذكر أهنا تقدح يف اعتقاد كامل الدين ؛ وهلذا ع ّظم أهل العلم شأن البدع
وذكر بعضهم أهنا أكرب من الكبائر .
ومن أعظم ما ينايف توحيد املتابعة اعتقاد أن هناك طريقا للعبادة سوى اإلسالم ؛ كمن يعتقد انه يصح
،وقال ( : والذي نفيس بيده ال يسمع يب هيودي وال آل عمران٤٦ : ﭹﭺﭻﭼ ﮊ
نرصاين ثم ال يؤمن بالذي جئت به إال ادخله اهلل النار) .ومما ينايف توحيد املتابعة تقديم قول غري
الرسول عىل قوله أو حكمه عىل حكمه كام قال تعاىل :ﮋ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ
28
الوحدة الثالثة
أصول االعتقاد هي :اإليامن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر والقدر خريه ورشه .وفيام ييل
هذا أصل األصول ،وقد ذكر أهل العلم أنه البد يف اإليامن باهلل من اجتامع أربعة أمور -:
- 1اإليامن بوجود اهلل تعاىل ،وهو فطري يف حق أصحاب الفطر السليمة ،وأما من طرأ عىل
فطرته انحراف فيحتاج إىل استدالل عىل هذا األصل ،وأدلته كثرية ،منها - :
دليل اخللق واالخ رتاع ،فام يعلمه كل عاقل من وجود املخلوقات بعد العدم دليل قاطع عىل
وجود اخلالق ؛ الفتقار املخلوق إىل اخلالق ،واحتياج املحدث للمحدث ،قال تعاىل :ﮋ ﭪ ﭫ
الطور٢٥ - ٢٦ : ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﮊ
،قال ابن تيمية ( :معلوم برضورة العقل أن املحدث البد له من حمدث ،وأنه يمتنع تسلسل
املحدثات باتفاق العقالء ،وذلك بأن يكون للمحدث حمدث وللمحدث حمدث إىل غري غاية ) .
29
دليل اإلتقان ؛ فكل خملوق حيمل من كامل اإلتقان ما يدل عىل خالقه ،قال تعاىل :ﮋﰀ ﰁ
دليل التناسق ؛ فاملخلوقات كلها متوافقة توافقا دقيقا يدل عىل اخلالق وكامله ،قال تعاىل :ﮋ ﯴ
وقال :ﮋ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ
دليل اهلداية العامة ،فهداية كل خملوق إىل ما خلق له من أعظم األدلة عىل اخلالق ،قال تعاىل :
ابن القيم ( :اهلداية العامة قرينة اخللق يف الداللة عىل الرب ،ومعنى اآلية :أن اهلل أعطى كل
يشء من اخللق ما يصلح له ،ثم هداه ملا خلق له ) أ .هـ خمترصا .
وهناك أدلة أخرى كثرية سوى ما ذكر ؛ كآيات األنبياء ،وكرامات األولياء ،وإجابة الدعوات
- 2اإليامن بربوبيته ؛ وهو قدر زائد عىل جمرد اإلقرار بوجود اهلل تعاىل ؛ ألنه يعني اإليامن بانفراده
سبحانه بجميع معاين الربوبية ؛ كاخللق والتدبري وامللك .قال تعاىل :ﮋ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮊ
ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ
ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ
31
.وانتظام أمر العامل كله أدل آل عمران٣٧ - ٣٥ : ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﮊ
ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﮊ المؤمنون. ٦١ :
- 3اإليامن بألوهيته ؛ وذلك بالرباءة من عبادة ما سوى اهلل تعاىل وإفراده بجميع أنواع العبادة ؛
وبراهني هذا التوحيد كثرية يف القرآن إال أن معظمها يرجع ألربعة أنواع -:
ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ
ﮔ ﮕ ﮊ يونس. ٢ :
االستدالل بتوحيد الصفات ؛ فجميع صفات الكامل أدلة عىل توحيد العبادة ؛ سواء رصح
بذكر الزمها ؛ كقوله تعاىل :ﮋ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮊ البقرة ، ٣٦٦ :أو ذكرت جمردة
،كقوله تعاىل :ﮋﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮊ طه ٦ :؛ قال ابن تيمية – رمحه اهلل ( : -اهلل
سبحانه مل يذكر هذه النصوص ملجرد تقرير الكامل له ،بل ذكرها لبيان أنه املستحق للعبادة
30
االستدالل بأوصاف اآلهلة الباطلة من حدوث وعجز وفقر عىل بطالن ألوهيتها واستحقاق
ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ
ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏﮐ ﮑ ﮒ
- 4اإليامن بأسامئه وصفاته ؛ وذلك بإفراد اهلل تعاىل بكل ما ثبت له من األسامء احلسنى والصفات
العال دون متثيل أو تعطيل ؛ قال تعاىل :ﮋ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﮊ األعراف ١٤٠ :وقال :ﮋ
منها ما يدل عىل صفة أو أكثر من صفات الكامل ؛ وهي غالب األسامء احلسنى ؛ كالعليم
ومنها ما يدل عىل مجيع صفات الكامل ؛ كالصمد واملجيد والعظيـم والواسع .
ومنها م ا يدل عىل الكامل حال االقرتان أو اإلضافة ؛ كالقابض والباسط ،وذي اجلالل
واإلكرام .
32
ومنها األسامء املركبة ؛ ك رب العاملني وأرحم الرامحني وخري الرازقني ؛ وهي أظهر يف الداللة
عىل الرب من بعض األسامء املفردة ؛ ألهنا ال تطلق إال عىل اهلل وحده ؛ وهلذا قال علامء
السلف :إن أخص أوصاف اإلله ماال يطلق إال عىل اهلل وحده ؛ كهذه األسامء وما يشبهها من
الصفات ؛ ككونه بكل يشء عليم ؛ وعىل كل يشء قدير ؛ فهذه أخص أوصاف اإلله ؛ ألهنا
ال تطلق عىل غريه ؛ خالفا ملن جعله القدم أو اخللق .
وأما صفات الكامل فتنقسم باعتب ار مدلوهلا إىل ثبوتية وسلبية ؛ فالسلبية هي مانفاه اهلل تعاىل عن نفسه
من النقائص املتصلة ؛ كاللغوب والظلم والعبث .أو النقائص املنفصلة ؛ كاملثل والصاحبة والولد
؛ فيجب تنزيه اهلل تعاىل عن مجيع هذه الصفات مع إثبات ضدها عىل الوجه األكمل .
والصفات الثبوتية هي كل ما أثبته اهلل لنفسه يف كتابه أو عىل لسان رسوله من صفات الكامل ؛ كاحلياة
وقد توسع أهل السنة واجلامعة يف الكالم يف بعض الصفات ؛ لكثرة الشبهات حوهلا ،ومن ذلك
صفة العلو ؛ فقد أمجع أهل السنة واجلامعة عىل إثبات العلو بجميع مراتبه ؛ علو الذات والقهر
والقدر ؛ خالفا ملن أنكر علو الذات ،وزعم أن اهلل ال داخل العامل و الخارجه !!
وقد استدل السلف عىل علو الذات بالفطرة والعقل و اإلمجاع والنقل الذي بلغت أنواعه
عرشين دليال ،وزادت آحاده عىل ألف دليل ؛ كنصوص الفوقية ،والعلو ،واالستواء ،
33
والعلو عند السلف اليناقض املعية ؛ فاهلل فوق العرش وعلمه يف كل مكان ؛ خالفا ملن قال
بوحدة الوجود ،أو زعم أن اهلل بذاته يف كل مكان وليس بمستو عىل عرشه ،أو تناقض ؛ فزعم
صفة الكالم ؛ فاهلل تعاىل مل يزل متكل ًام إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء وبكالم يقوم به ،وهو
يتكلم به بحرف وصوت يسمع ،وأن نوع الكالم قديم وإن مل يكن الصوت املعني قدي ًام ؛
فصفة الكالم أزلية النوع كسائر صفات اهلل خالف ًا للكرامية الذين قالوا بحدوثها فرار ًا من
إثبات حوادث ال أول هلا ( التسلسل ) .والكالم من الصفات التابعة ملشيئة اهلل خالف ًا
لألشاعرة الذين جعلوها صفة ذاتية ،فالكالم وإن كان أزيل النوع إال أن آحاده متجددة تبع ًا
ملشيئة اهلل .وكذلك الكالم من الصفات القائمة بذات اهلل خالف ًا للمعتزلة الذين جعلوا
الكالم خملوقا منفصال عن اهلل ال وصفا قائام به ؛ وهلذا قالوا بخلق الكالم والقرآن .
والصوت عند السلف داخل يف مسمى الكالم ،فاللفظ كاملعنى كالمها يمثالن حقيقة الكالم
،وعىل هذا تدل النصوص كحديث« :إن اهلل ينادي بصوت يسمعه من بعد كام يسمعه من
قرب».
صفة الرؤية ؛ فقد أمجع أهل السنة عىل اإليامن بأن أهل اجلنة يرون اهلل تعاىل رؤية برصية ؛
خالفا للجهمية واملعتزلة الذين زعموا أهنا رؤية علمية ال برصية ؛ قال تعاىل :ﮋ ﭙ ﭚ
يونس ، ٣٥ :وقال ( : إنكم سرتون ربكم عيـــــانا ) .وقد وافق األشاعرة أهل السنة عىل
إثبات الرؤية ووافقوا املعتزلة عىل نفي العلو ؛ فقالوا :إن اهلل يرى ال يف جهة ! وهو كالم غري
34
معقول ؛ وهلذا جنح الرازي وغريه من األشاعرة إىل تفسريها بزيادة العلم ؛ فصار خالفهم
أما رؤية اهلل تعاىل يف الدنيا فهي حمالة ؛ لعجز العباد عنها ال الستحالتها يف ذاتــها ؛ قال تعاىل :ﮋ
( : لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت ) ؛ وقد أمجع أهل السنة عىل ذلك ،مل يتنازعوا إال يف
رؤية النبي ليلة املعراج ،والنصوص عىل النفي أدل من اإلثبات واهلل تعاىل أعلم .وكذلك
اختلف أهل السنة يف رؤية اهلل تعاىل يف عرصات القيامة ؛ هل حتصل جلميع أهل املوقف ،أو حتصل
للمؤمن واملنافق ،أو خيتص هبا املؤمنون ؟ النصوص تدل لألول ولكنها يف حق املؤمن رؤية نعيم
- 1اإليامن بأهنم خملوقات نورانية األصل ،مربوبة حمسوسة ؛ خالفا ملن زعم من الفالسفة بأهنا
من جنس املجردات التي ختيلوها ،وأن العقول العرشة هم الكروبيون ،واملالئكة الساموية هي
النفوس الفلكية ،واملالئكة األرضية املوكلة باإلنسان عبارة عن قوى اخلري املحمودة كام أن
- 2اإليامن بأصناف املالئكة املوكلني بأصناف املخلوقات ؛ فوكل سبحانه باجلبال مالئكة ،
ووكل بالسحاب مالئكة ،ووكل بالرحم مالئكة ،ووكل بالعبد مالئكة حلفظه ومالئكة حلفظ
عمله وكتابته ،ووكل باملوت مالئكة ،ووكل بالنار وإيقادها وتعذيب أهلها مالئكة ،ووكل باجلنة
35
وعامرهتا وغراسها مالئكة إىل غري ذلك من أصناف املالئكة التي ال حيصيها إال اهلل تعاىل :ﮋ ﯞ ﯟ
،قال ابن القيم – رمحه اهلل ( : -اهلل سبحانه وكل بالعامل العلوي ﮊ المدثر٢١ : ﯠ ﯡ ﯢﯣ
والسفيل مالئكة ؛ فهي تدبر أمر العامل بإذنه ومشيئته ؛ فلهذا يضيف التدبري إىل املالئكة تارة لكوهنم
هم املبارشون للتدبري ،كقوله :ﮋ ﮮ ﮯ ﮰ ﮊ النازعات ٦ :ويضيف التدبري إليه كـــقوله :
ﮋ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮊ يونس ٢ :؛
فهو املدبر أمرا وإذنا ومشيئة ،واملالئكة املدبرات مبارشة وامتثاال ) .وقال ( :لفظ امللك يشعر بأنه
رسول منفذ ألمر غريه ،فليس له من األمر يشء ،بل األمر هلل الواحد القهار ،وهم ينفذون أمره
- 3اإليامن بمن علمنا اسمه منهم باسمه ،؛ كجربيل وميكائيل وإرسافيل ،وهؤالء هم املوكلون
باحلياة ؛ فجربيل موكل بالوحي الذي به حياة القلوب ،وميكائيل موكل بالقطر الذي به حياة
األرض والنبات واحليوان ،وإرسافيل موكل بالنفخ يف الصور الذي به حياة اخللق بعد مماهتم .
- 4اإليامن بام علمنا من صفاهتم ؛ كالقوة عىل تنفيذ أمر اهلل ،واألمانة ،وعظمة اخللق ،والكثرة
والطاعة ؛ فهم الصافون ،وهم املسبحون ؛ قد أطت هبم السامء وحق هلا أن تئط ،مافيها موضع إال
36
ثالثا :اإليامن بالكتب
- 1اإليامن بأهنا منزلة من عند اهلل حقا بوساطة امللك املوكل بالوحي ؛ وهو جربيل ؛ خالفا
ملن أنكر هذه الوساطة ،وزعم أهنا جمرد فيض فاض عىل النبي من العقل الفعال ،أو أهنا خملوقة
- 2اإليامن بأهنا كالم اهلل حقا ؛ سمعها امللك املوكل بالوحي من اهلل تعاىل لفظا ومعنى ،ثم نقلها
للنبي كام سمعها ؛ خالفا ملن زعم أن كالم اهلل تعاىل جمرد املعنى ،وأن الرسول امللكي أو البرشي
- 3اإليامن بام علمنا اسمه منها باسمه ؛ كالتوراة واإلنجيل والقرآن ،مع اجلزم بأن اهلل تعاىل صان
- 4اإليامن بأن القرآن أرشف الكتب وأكملها واملهيمن عليها ؛ وهلذا ال حيل ألحد بعد نزوله إال
اتباعه ظاهرا وباطنا وإال كان كافرا حتى برسوله الذي يزعم أنه متبع لرشيعته ؛ قال تعاىل :ﮋ ﮛ
ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ
ﯠ ﮊ آل عمران ٤١ :؛ قال ابن عباس :مل يبعث اهلل نبيا إال أخذ عليه امليثاق لئن بعث حممد وهو
حي ليؤمنن به ولينرصنه ،وأمره أن يأخذ امليثاق عىل أمته لئن بعث حممد وهم أحياء ليؤمنن نبه
ولينرصنه .
37
رابعا :اإليامن بالرسل
- 1اإليامن بحاجة البرش إىل الرسالة ،وأهنا فوق كل حاجة ،خالفا ملن زعم بأن يف العقل كفاية
عنها ؛ فالرسالة رضورية للعبد يف إصالح معاشه ومعاده ؛ وال طريق ملعرفة الرب بأسامئه وصفاته ،
ومعرفة مواقع رضاه وسخطه ،ومعرفة ثوابه وعقابه إال عن طريق الرسل .والعقل وإن اهتدى
لذلك فعىل وجه اإلمجال والظن .أما معرفة ذلك عىل سبيل التفصيل واليقني فسبيله الرسالة ليس
غري .
؛ فاهلل تعاىل خيتص برسالته من يشاء من خرية خلقه يف عقله ودينه وخلقه ؛ ﮊ الحج٧٦ : ﮂ
خالفا ملن زعم من الفالسفة أهنا اكتساب طريقه كامل القوة القدسية واخليالية والنفسية ،ومن زعم
من املعتزلة أهنا جزاء عىل عمل سابق ؛ بناء عىل أصلهم يف التعديل و التجوير ،وأن اهلل ال يفضل
أحدا عىل أحد برمحة بل بعمل سابق .وخالفا ملن قابلهم من األشاعرة ؛ فزعم أن النبوة جمرد صفة
إضافية ؛ هي جمرد اإلعالم بالوحي واألمر بالتبليغ ،وال ترتبط بصفة ثبوتية يف النبي ؛ وذلك بناء
عىل أصلهم يف نفي احلكم يف األفعال اإلهلية ،و جتويز فعل كل ممكن !
،وأن اهلل ال يعذب أحــدا إال بعد قيـام احلجة الرسالية ؛ كام قال تعاىل :ﮋ ﯨ ﯩ النحل٢٥ :
38
،وقال :ﮋ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ اإلسراء١٦ : ﯪﯫﯬ ﯭﯮﮊ
ﯶ ﯷ ﮊ القصص. ٦٦ :
- 4اإليامن بمن علمنا اسمه منهم باسمه ؛ كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى وحممد عليهم
السـالم .واإليامن بأن هلل تعاىل رسال وأنبياء سواهم ال يعلمهم إال اهلل وحده ؛ قال تعاىل :ﮋ ﭑ
ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﮊ غافر. ٧٤ :
- 5اإليامن بام كانوا عليه من الصفات احلميدة ؛ كالصدق والرب والرشد واألمانة والنصح يف تبليغ
الرسالة .وكذلك اإل يامن بام ثبت من أخبارهم ؛ كقصة إبراهيم مع قومه ،ويوسف مع إخوته ،
- 6اإليامن بأن اهلل تعاىل أيد كل نبي بآيـــة تدل عىل صدقه ،قال تعــــاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ
؛ أي باألدلة والرباهني التي تدل عىل صدقهم وتبني صحـــة دينهم ،وقال الحديد٣٦ : ﭔﮊ
( : ما من األنبياء نبي إال أويت من اآليـات ما عىل مثله آمن البرش ) .وهذه اآليات برهانية الداللة
عىل صدقهم وصحة دينهم .وتكذيب من كذب مرجعه إىل اتباع اهلوى ال لقصور يف داللة اآليات
.،وآيات األنبياء كثرية جدا منها اخلاص ؛ كناقة صالح ،وعصا ﮊ النمل١٤ : ﭔﭕﭖ
موسى ،ومنها املشرتك ؛ وهو حسن العاقبة ؛ فالرسل تبتىل ثم تكون العاقبة هلا ،قال تعاىل :ﮋ ﭥ
ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﮊ غافر.٦١ :
وقد آتى اهلل رسوله حممدا أكثر اآليات حتى زادت آياته عىل األلف ؛ منها ماهو من البشارات ،
39
، ١٦٧ -ومنها ماهو من اإلرهاصات ؛ كشق صدره وتطهريه من حظ الشيطان ،وهو طفل يف
الرابعة من عمره ،وكتسليم احلجر عليه قبل نبوته ، ومنها ماهو من اآليات احلسية ،كانشقاق
القمر ،ونبع املاء من بني أصابعه ومنها ماهو من املسلك الشخيص ؛ كصفاته احلميده ،وأخباره
الصادقة ،ونور وجهه وهباء منظره وخاتم النبوة الذي كان بني كتفيه ، ومنها ما هو من املسلك
النوعي ؛ وهو موافقة رشعه لرشع من قبله يف أصوله ومقاصده الكلية ؛ وهلذا قال النجايش ( :إن
هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة ) !! وأعظم آياته القرآن الكريم ؛ وهلذا
قال ( : ما من األنبياء نبي إال أعطي من اآليات ما مثله آمن عليه البرش وإنام كان الذي أوتيته
وحيا أوحاه اهلل إيل فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة ) ؛ قال ابن حـجر ( :ليس املراد حرص
- 7اإليامن بام خصهم اهلل به من الوحي ؛ وهو إما أن يكون إهلاما أو مناما ؛ قال تعاىل :ﮋ ﯹ ﯺ
ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ
؛ والوحي إما أن يكون مبارشا دون رؤية ؛ وقد حصل ملوسى الشورى٦١ : ﰏﰐ ﮊ
وحممد عليهام السالم ،وإما أن يكون بوساطة ملك ،وهو غالب الوحي ؛ فيتمثل امللك يف صورة
رجل فيكلم النبي فيعي عنه ما يقول ،أو يكون كصلصلة جرس ،وهو األشد ،ويبدو أنه
الذي كان يسمعه من حوله كدوي النحل عند وجهه الرشيف .واإلهلام إما أن يكون نفثا يف
الروع ( القلب ) أو رؤيا منام ؛ وإهلام األنبياء معصوم بخالف إهلام غريهم ؛ فقد يكون من قبل املأل
األعىل ،وقد يكون حديث نفس ،أو تلبيسا من الشيطان ؛ وهلذا ال جيوز اعتباره إذا خالف دليال
رشعيا ؛ فإن مل خيالف جاز اعتباره يف حق امللهم وحده يف مواطن االشتباه ،والرتجيح بني األقوال
املتكافئة ،ونحو ذلك .واإلحياء بالقرآن الكريم مل يكن بكل طرق الوحي ،وإنام كان بوساطة ملك
41
الوحي ؛ قال تعاىل :ﮋ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ
ومعصوم يف تبليغه ؛ فال يكتم وال يكذب و ال حيرف ،وال يقر عىل خطأ ،ومعصوم من الكبائر
ومن االقرار عىل ما قد يقع من اللمم .وهذه العصمة ال تعني اخلروج عن طبيعتهم البرشية ؛ فهم
برش تلحقهم اخلصائص البرشية ؛ فيمرضون ،وينسون ،ويموتون ،وال يعلمون من الغيب إال ما
،وقال :ﮋ ﭑ ﭒ الكهف١١٠ : أعلمهم اهلل تعاىل ؛ قال تعاىل :ﮋ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﮊ
ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ
واأللوهية يشء ؛ فهم رسل ال يكذبون وعباد ال يعبدون ؛ وقد وصفهم اهلل بالعبودية يف آيات كثرية
،ووصف سيدهم بالعبودية يف أعىل مقاماته ؛ وهي التنزيل واإلرساء والدعوة والشفاعة ؛ لئال
يظن خاطئ أو خمطئ أن هذه الكامالت تعني إرشاكهم يف يشء من معاين الربوبية أو األلوهية .
- 9اإليامن بفضل األنبياء وتفاضلهم ؛ فهم أفضل اخللق ؛ قال تعاىل :ﮋ ﮖ ﮗ ﮘ
ﮙ ﮚ ﮊ األنعام ٤٥ :؛ خالفا ملن فضل املالئكة عليهم ،وخالفا ملن ضل ؛ ففضل الفيلسوف
أو الويل عىل النبي ؛ ألنه يأخذ من املشكاة التي يأخذ منها امللك !! وهم عىل فضلهم متفاضلون
،فأفضلهم أولو العزم ،وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وحممد عليهم السالم ؛ البقرة٣٦٢ :
وأفضل أويل العزم سيد ولد آدم حممد ؛ فضل بالقرآن ،والشفاعة العظمى ،وعموم الرسالة
40
وغري ذلك ؛ وهو خاتــم النبيني ،قال تعاىل :ﮋ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ
؛ فمن كذب واحدا منهم فقد كذب اجلميع ؛ قال تعاىل :ﮋ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﮊ ٣٤٦
؛ فجعل تكذيبه تكذيبا جلميع الرسل ،مع أهنم مل يكذبوا غريه ؛ فهو أول رسول إىل الشعراء١٠٦ :
- 11اإليامن بأن النبوة إنام تكون يف الرجال دون غريهم من النساء واجلن ؛ قال تعاىل :ﮋ ﮔ
نبيا من أهل البادية وال من النساء وال من اجلن ) .وقال ابن عباس :الرسل من بني آدم ،ومن
- 12اإليامن بوحدة الرساالت يف أصول العقائد والرشائع ،واختالفها يف تفاصيل الرشائع ،قال
وقـــال :ﮋ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ
42
- 13اإليامن برضورة اتباع سيد املرسلني ؛ فكل من بلغته دعوته وجب عليه اتباعه وإال كان كافرا
حتى بالرسول الذي يزعم أنه يؤمن به ! وهذا مقتىض امليثاق الذي أخذه اهلل عىل أنبيائه وأتباعهم ؛
ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ
؛ قال عيل بن أيب طالب ( : ما بعث اهلل نبيا من آل عمران٤١ : ﯜﯝﯞﯟﯠ ﮊ
األنبياء إال أخذ عليه امليثاق لئن بعث اهلل حممدا وهو حي ليؤمن به ولينرصنه وأمره أن يأخذ
امليثاق عىل أمته ؛ لئن بعث حممد وهم أحياء ليؤمن نبه ولينرصنه ) ؛ وقال تعاىل :ﮋ ﮢ ﮣ
وختم يب النبيون ) وقـال ( : والذي نفس حممد بيده ال يسمع يب أحد من هذه األمة ؛ هيودي وال
نرصاين ثم يموت ومل يؤمن بالذي أرسلت به إال كان من أصحاب النار ) .
اإليامن باليوم اآلخر أصل من أصول اإليامن ،ومباحثه كثرية وهامة ؛ كأرشاط الساعة ،وعذاب
القرب ونعيمه ،وأدلة البعث وأحواله وأهواله ،وصفة اجلنة ونعيم أهلها وصفة النار وعقوبات
أهلها .
فأرشاط الساعة هي العالمات التي تدل عىل قرب وقوعها ؛ وهي إما صغرى أو كربى ؛ فالصغرى
كثرية جدا ؛ كموت النبي وفتح بيت املقدس وطاعون عمواس واستفاضة املال وفتنة ال تدع
بيتا من العرب إال دخلته وغدر بني األصفر .والكربى عرش ؛ الدخان والدجال والدابة وطلوع
43
الشمس من مغرهبا ونزول عيسى بن مريم ويأجوج ومأجوج وخسف باملرشق وخسف
باملغرب وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار خترج من اليمن تطرد الناس إىل حمرشهم.
وعذاب القرب ونعيمه يراد به عذاب الربزخ ونعيمه وإنام خص بالقرب باعتبار األعم األغلب وإال
فكل من مات ناله نصيبه منه قرب أو مل يقرب .وقد دل عىل ثبوته القرآن والسنة املتواترة وأدلته
التفصيلية مشهورة معلومة للخاص والعام .وهو غيب إذ لو كان شهادة لزالت حكمة التكليف
واإليامن بالغيب وملا تدافن الناس ؛ ففي احلديث الصحيح ( :لوال أن تدافنوا لدعوت اهلل أن
يسمعكم من عذاب القرب ما أسمع ) .وقد يطلع اهلل عليه بعض عباده حلكمة معينة ؛ والشواهد
عىل ذلك كثرية ذكر ابن القيم طرفا منها يف كتابه ( الروح ) .وقد عني العلامء بذكر ما دلت عليه
النصوص الصحيحة من أسباب عذاب القرب وموانعه ؛ فمن أسبابه ؛ عدم االسترباء والتطهر التام
من البول ،والغلول ،والنميمة ،والغيبة ،ومن موانعه املوت مرابطا ،أوشهيدا ،أو مبطونا ،
واملحافظة عىل قراءة سورة امللك كل ليلة حلديث ( :هي املانعة هي املنجية من عذاب القرب).
وأما أدلة البعث بعد املوت فهي كثرية جدا منها -:
-1االستدالل عىل البعث بوقوعه يف الدنيا ،وهو أعظم أدلة البعث إذ ال شئ أدل عىل إمكان الفعل
من وجوده يف العيان .وقد ذكر اهلل تعاىل يف سورة البقرة وحدها مخسا من هذه الوقائع ؛ كام يف قوله
تعـاىل :ﮋ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ
ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﮊ البقرة ٦٥ - ٦٦ :؛
فقد ذكر أكثر املفرسين أن هؤالء هم السبعون الذين خرج هبم موسى إىل طور سيناء ليعتذروا
44
من عبادة العجل فلام أتوا املكان املوعود طلبوا رؤية اهلل جهرة فأهلكهم اهلل لتعنتهم ثم أحياهم
رجال رجال ؛ إكراما ملوسى وآية للعاملني عىل القدرة التامة عىل البعث .
القياس يف أصل اإلحياء وكيفيته ،حلديث ( :ينزل اهلل من السامء ماء فينبتون كام ينبت البقل ،ليس
شئ من االنسان إال يبىل إال عظام واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب اخللق يوم القيامة ) رواه
يس٧٦ - ٧٤ : ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮊ
-4قياس القدرة عىل البعث عىل القدرة عىل خلق السموات واألرض ؛ ألن من قدر عىل األجل
األعظم فقدرته عىل األيرس األصغر من باب أوىل ،قال تعاىل :ﮋ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ
ثم بعد البعث حيرش الناس كافة إىل أرض املحرش املبدلة ؛ وهي أرض بيضاء كالفضة ،مل يسفك
عل يها دم حرام ،ومل يظلم عىل ظهرها أحد ،تطهر لنزول احلكم العدل جل جالله ليقيض بني عباده
45
ﮋﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﮊ الزمر ٧٢ :ويف اجلنة والنار يكون الزمر٧١ : ﮈﮊ
االستقرار األبدي واجلزاء التام ،وقد ذكر اهلل يف كتابه نامذج كثرية مما يكون يف دار اخللود ؛ ليستعد
كل عاقل ملا بني يديه من خري ال رش فيه ورش ال خري فيه .
.والزقوم شجرة نارية مرة أصل منبتها يف قرار النار الدخان٤٥ - ٤٢ : ﭷﭸ ﭹﭺﮊ
وفروعها تصل إىل كل حمل من دركات النار وطلعها قبيح يشبه رؤوس الشياطني .ويطلق عىل
الزقوم اسامن آخران مها الغسلني والرضيع ،وقيل إن الغسلني صديد أهل النار والرضيع شجر من
-3التعذيب باحلم يم ؛ وهو ماء نتن مر حار يشبه يف حرارته املهل ؛ وهو ما أذيب من املعادن حتى
-4الرضب باملقامع ؛ وهي آالت هائلة يرضب هبا أهل النار يف رؤوسهم ؛ قال تعاىل :ﮋﯙ ﯚ
46
-5العذاب املعنوي ؛ كالذل والندم واحلرمان من رؤية اهلل تعاىل ؛ قال تعاىل :ﮋ ﯷ ﯸ
ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ
العود .
ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﮊ
٧٣؛ واملساكن يف اجلنة ثالثة أنواع ؛ قصور وغرف وخيام ،وبعضها خاص بمن أطعم التوبة:
ﭳ ﮊ البقرة .٣٦ :ولكل واحد من أهل اجلنة زوجتان كام ثبت يف الصحيح ( :لكل امرئ
منهم زوجتان ) .وقد ورد يف بعض األحاديث ختصيص الشهيد من هذا العموم وأن له اثنتان
47
-5النعيــــم املعنوي ،كجامل اخللقة وكامل القوة وطهارة القلب واللسان ودوام العافية والشباب
،و قال ( : أول زمرة تدخل اجلنة من أمتي عىل صورة القمر ليلة البدر ثم الذين األعراف٤٢ :
يلوهنم عىل أشد نجم يف السامء إضاءة ثم هم بعد ذلك منازل ) ،وقال ( :ينادي مناد :إن لكم أن
تصحوا فال تسقموا أبدا ،وإن لكم أن حتيوا فال متوتوا أبدا ،وإن لكم أن تشبوا فال هترموا أبدا ،
وإن لكم أن تنعموا فال تبأسوا أبدا ) ،وقال ( :إن اهلل يقول :يا أهل اجلنة فيقولون :لبيك
وسعديك واخلري يف يديك .فيقول :هل رضيتم ؟ فيقولون :ومالنا ال نرىض وقد أعطيتنا مامل تعط
أحدا من خلقك ! فيقول :أال أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون :وأي شئ أفضل من ذلك ؟
فيقول :أحل عليكم رضواين فال أسخط عليكم بعده أبدا ) .
ومما اجتمع فيه النعيم احليس واملعنوي رؤية اهلل تعاىل ،وهي أعىل نعيم أهل اجلنة ،قال تعـــــاىل :
ﭕ ﮊ يونس ، ٣٥ :والزيادة هي النظر إىل وجه اهلل الكريم ،قال ( : إذا دخل أهل اجلنة اجلنة
...يقول اهلل تعاىل :تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون :أمل تبيض وجوهنا أمل تدخلنا اجلنة وتنجنا من
النار ؟ فيكشف احلجاب ،فام أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إىل رهبم عز وجل ) ،وقال (
إنكم سرتون ربكم كام ترون هذا القمر ،ال تضامون يف رؤيته ،فإن استطعتم أال تغلبوا عىل صالة
قبل طلوع الشمس وصالة قبل غروب الشمس فافعلوا ) ،ووجه مناسبة ذكر هاتني الصالتني أن
الرؤية حتصل يف مثل وقتهام ؛ وهلذا أوىص النبي باحلرص عىل أدائهام يف وقتهام دون تأخري .وقد
وردت أحاديث أخرى تدل عىل حصول الرؤية أيضا يف مثل وقت صالة اجلمعة والعيد ،وهي
48
أحاديث ال ختلو من مقال إال أن كثرة طرق أحاديث اجلمعة خاصة وما يعضدها من آثار يورث
العلامء بتقرير هذا األصل العظيم وحتريره لكثرة الشبهات حوله ،وأفردوا ألدلته كتبا خاصة ،
ككتاب القدر من صحيح البخاري وكتاب القدر للفريايب .وللقدر مراتب ال يتحقق إيامن عبد إال
-1مرتبة العلم ؛ بمعنى اإليامن بسبق علم اهلل تعاىل بحال كل خملوق وعمله ومآله قبل وجوده .
وهذه املرتبة حمل إمجاع بني املسلمني إال ما يذكر عن القدرية األوىل فإهنم أنكروها وزعموا أن األمر
ُأن ٌ
ُف ؛ أي أن اهلل تعاىل ال يعلم الكائنات إال بعد وجودها .وقد أنكر مقالتهم ابن عمر وعلامء
السلف ورصح بعضهم بكفرهم هبذه املقالة املنكرة .وممن ضل يف هذه املرتبة غالة الشيعة؛ فإهنم
يصفون اهلل تعاىل بالبداء ؛ وهو ظهور أمر خفي عىل اهلل من قبل !! وكذلك ضل يف هذه املرتبة
الفالسفة اإلهليون ؛ فإهنم يزعمون أن علم اهلل تعاىل إنام يتعلق بالكليات الثابتة دون اجلزئيات
املتغرية .وهذا يعني أن اهلل تعاىل ال يعلم شيئا عن هذا العامل كله ،وأن علمه إنام يتعلق بالعقول
-2مرتبة الكتابة ؛ وذلك باإليامن بأن اهلل تعاىل كتب مقادير اخلالئق قبل وجودهم ،وأن أعامهلم
وأحواهلم ومآهلم جتري عىل ما سبق يف علم اهلل تعاىل وكتابه ،قال تعاىل :ﮋ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ
49
مقادير اخلالئق قبل أن خيلق السموات واألرض بخمسني ألف سنة وكان عرشه عىل املاء ) ،وقال :
(إن أول ما خلق اهلل القلم فقال له أكتب قال رب وماذا أكتب قال اكتب مقادير كل شئ حتى تقوم
الساعة ) .وهذه الكتابة هي أصل التقادير ؛ فال يدخلها حمو وال إثبات ألبتة ،قال تعاىل :ﮋ ﯕ
اللوح املحفوظ ؛ فإنه أصل مجيع كتب التقادير العامة واخلاصة ؛ وهي التقدير احلويل العام ليلة
القدر والتقدير اخلاص ببني آدم يوم امليثاق أوال ثم التقدير اخلاص بكل واحد منهم بعينه ؛ وهو
الذي حيصل لكل جنني يف أول األربعني الثانية أوهناية األربعني الثالثة ؛ ( فريسل امللك فينفخ فيه
الروح ،ويؤمر بأربع كلامت بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ) .وهذه الكتابة تقبل املحو
واإلثبات بأسباب معينة جاءت هبا النصوص ؛ كصلة الرحم ،ففي احلديث ( من رسه أن يبسط له
يف رزقه وأن ينسأ له يف أثره فليصل رمحه ) ،وكحسن اجلوار وحسن اخللق ففي احلديث (حسن
اخللق وحسن اجلوار يعمران الديار ويزيدان يف األعامر ) ،وكرب الوالدين حلديث ( من رسه أن يمد
له يف عمره ويزاد له يف رزقه فليرب والديه وليصل رمحه ) ،وكأفعال اخلري واملعروف ففي احلديث
(صنائع املعروف تقي مصارع السوء ) ،وكالدعاء فإنه ينفع مما نزل ومما مل ينزل ،ففي احلديث ( ال
يرد القضاء إال الدعاء ) .فعىل املسلم أن حيرص عىل هذه األسباب حتى يبارك له فيام قدر له من
اخلري ،ويدرأ عنه ما شاء اهلل مما قدر عليه من الرش .
-3مرتبة املشيئة ؛ فحركات الكون وسكناته بام يف ذلك أفعال العباد خريها ورشها كلها واقعة
ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ
51
،وقال :ﮋ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ األنعام١٢٧ : ﯦﯧ ﯨ ﮊ
األنعام.١٣٦ : ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﮊ
-4مرتبة اخللق ؛فالعامل كله علويه وسفليه باميف ذلك العباد وأفعاهلم كلهم من خلق اهلل تعاىل وحده
وقد خالف السلف يف هذا املعتقد طائفتان مشهورتان ؛ القدرية الثانية واجلربية ؛ فأنكرت القدرية
الثانية ( املعتزلة ) ؛ وكذلك الزيدية والشيعة اإلمامية عموم املشيئة واخللق ؛ وزعموا أن العبد خيلق
فعله ؛ وهلذا قالوا باختيار العباد اختيارا مطلقا .وهذا املعتقد يناقض األدلة املذكورة آنفا يف مرتبة
املشيئة واخللق ويستلزم الوقوع يف رشك الربوبية ؛ ألن كل عبد بزعمهم مستقل بإجياد فعله بمعزل
عن قدرة الرب ومشيئته ؛ وهلذا سامهم السلف بمجوس األمة لشبه قوهلم بمذهب املجوس يف
القول باخلالقني !
ويف املقابل غلت اجلربية يف التعلق بنصوص القدر حتى أنكرت أثر العبد يف فعله ،وزعمت أنه مع
القدر كالشجرة يف مهب الريح .وهذا يناقض الرشع والواقع ؛ فقد دل الرشع عىل ثبوت مشيئة
العبد وقدرته ووقوع أفعاله االختيارية تبعا هلا ،قال تعاىل :ﮋ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮊ
النبأ ،٢٦ :وقال :ﮋ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﮊ البقرة ، ٣٣٢ :ولكنها ليست مشيئة مستقلة وإنام هى
الصحيح أن اإلنسان مع القدر ليس بمخري كام قالت القدرية وليس بمسري كام قالت اجلربية وإنام
هو ميرس ؛ فمن كان أهال للخري يرسه اهلل له بفضله تعاىل ورمحته وإال خذله وحرمه بعدله سبحانه
50
وحكمته .وهذا هو الذي نطقت به النصوص ،قال تعاىل ﮋ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ
وقال (:ما منكم من نفس منفوسة إال قد علم اهلل مكاهنا من اجلنة والنار شقية أم سعيدة .فقال
رجل من القوم :يا رسول اهلل أفال ندع العمل فنتكل عىل كتابنا فمن كان من أهل السعادة صار إىل
السعادة ومن كان من أهل الشقاوة يعني صار إىل الشقاوة ؟ فقال رسول اهلل (: اعملوا فكل
ميرس من كان من أهل السعادة يرس لعملها ومن كان من أهل الشقاوة يرس لعملها ) .وقال عمر بن
اخلطاب (قلت :يارسول اهلل أرأيت عملنا هذا عىل أمر قد ُف ِر َغ منه أم عىل أمر نستقبله ؟ فقال
رسول اهلل (:بل عىل ٍ
أمر قد ُفر َغ منه) .فقال عمر :ففيم العمل؟ فقـــال رسول اهلل ( :كال .
ال ُي ُ
نال إال بعمل) .فقال عمر ريض اهلل عنه إذن نجتهد ).
َجــد ،اآلن َنــــ ِ
جد ) ؛ فلم َجــد ،اآلن ن ِ
وكذلك قال رساقة بن مالك ريض اهلل عنه ( :فاآلن ن ِ
يفهموا من اإليامن بالقدر تعطيل األسباب وإنام فهموا اجلد واالجتهاد يف مبارشهتا ؛ ألهنا من قدر
وينبغي للمسلم أن يعتصم بالنصوص يف دينه عامة ويف اإليامن بالقدر خاصة ؛ فإن الضالالت يف
القدر ال تكاد تنحرص ،وبعضها من إرث اجلاهلية األوىل ؛ كاختاذ القدر حجة يف تعطيل الرشع
؛ فذمهم عىل احتجاجهم بالقدر لتربير االستمرار فيام هم فيه من رشك الزخرف٣٠ : ﯰﮊ
وضاللة ،وهكذا كل من اختذ القدر حجة لدفع احلق أوتربير ماهو فيه من باطل .ويذكر عن عمر
52
ابن اخلطاب أنه أمر بقطع يد سارق فقال يا أمري املؤمنني :رسقت بقدر اهلل .فقال عمر :ونحن
وأما ما ثبت من احتجاج آدم عىل موسى بالقدر ،وأنه حجه بذلك فإنام احتج به عىل مصيبة اخلروج
من اجلنة ،والقدر حيتج به يف املصائب ال يف املعائب .وكذلك فإنه احتج به عىل الذنب بعد التوبة
53
الوحدة الرابعة
54
ومن مراجع هذه املرحلة - :
55
ثانيا :الدراسة املفصلة
- 1صفة العلو واملباينة والصفات املرتبطة هبا ؛ كاملعية واالستواء والنزول .
- 2صفة الكالم .
- 5صفة الوجه ،وباقي الصفات العرش التي بسط القول فيها يف خمترص الصواعق املرسلة .
56
الثالثة :يف النبوات والغيبيات .
أوال :النبوات
57
ثانيا :الغيبيات
- 1حقيقة اإليامن باملالئكة ،وأدلته ،والرد عىل من انحرف يف هذا األصل من الفالسفة.
- 2وجود اجلن ،وتكليفهم ،مع دراسة أهم أحكامهم ،وطرق الوقاية من رشهم .
- 3حقيقة الروح ،ومستقرها يف الربزخ ،وإبطال دعوى التناسخ وحتضري األرواح.
- 4عذاب القرب ونعيمه والرد عىل من أنكره .
- 5إهداء ثواب األعامل ألهل الربزخ .
- 6أرشاط الساعة .
- 7أدلة البعث وصفته ،والرد عىل من أنكره أو خصه باألرواح أو األجساد.
- 8العرض واحلساب ،والرصاط وامليزان وأهوال القيامة .
- 9وجود اجلنة والنار ،وأبديتهام ،وصفاهتام.
ومن مراجع هذه املرحلة :
58
- 12أرشاط الساعة للوابل .
59
- 12أثر الكبائر عىل اسم اإليامن وحكمه :
معنى الكبرية والصغرية .
61
- 12االستطاعة ،تكليف ماال يطاق ،طريقة السلف يف التنزيه عن ظلم العباد مع بيان الطرق املخالفة
وردها .
- 11حقيقة اجلمع بني الرشع والقدر دون معارضة بينهام أو تعظيم ألحدمها وإمهال لآلخر .
- 12االحتجاج بالقدر ،أدلة ما يرشع منه وما يمنع مع استيفاء طرق أهـل العلـم يف توجيـه حـديث
املحاجة بني آدم وموسى عليهام السالم .
- 13دالالت القدر اإليامنية وآثاره االجيابية مع الرد عىل من اختذه وسيلة لتعطيل األسباب .
ومن مراجع هذه املرحلة :
60
فهرس املوضوعات
املقدمة 2 ......................................................................................
مبادئ علم العقيدة ( الوحدة األوىل ) 22 -3 ....................................................
62
خمترص أصول االعتقاد ( الوحدة الثالثة ) 53 -29 ....................................... .......
63