Professional Documents
Culture Documents
( )1الصواب :أن طريقة ابن كالب أقرب إىل احلق والسنة من قول املعتزلة ،على أنه كان مبتدعا عند
السلف مبا قاله يف مسألة القرآن ،ويف إنكار الصفات الفعلية القائمة بذات هللا .ينظر :جمموع الفتاوى
( ،)555 /5الفتاوى الكربى (.)631 /6
( )2ينظر :تبيني كذب املفرتي فيما نسب إىل األشعري البن عساكر (ص.)127 :
( )3وفيات األعيان (.)285 /3
( )4ينظر :أهل السنة األشاعرة حلمد السنان وفوزي العنجري (ص 43 :وما بعدها).
القول الثاين :مر الشيخ أبو احلسن بثالث مراحل:
صرح مجع من أهل العلم والسري والتواريخ أن الشيخ أاب احلسن األشعري مر بثالث مراحل
يف حياته العلمية ،وهي:
املرحلة األوىل :اتباعه ملذهب االعتزال.
املرحلة الثانية :انتقاله إىل طريقة عبد هللا بن كالب.
املرحلة الثالثة :انتقاله إىل مذهب السلف يف الصفات.
ودونك بعض أقوال أهل العلم املثبتة لذلك األمر:
-يقول احلافظ الذهيب" :وكان معتزليا مث اتب ،ووافق أصحاب احلديث يف أشياء خيالفون
فيها املعتزلة ،مث وافق أصحاب احلديث يف أكثر ما يقولونه ،وهو ما ذكرانه عنه من أنه نقل
إمجاعهم على ذلك ،وأنه موافق هلم يف مجيع ذلك.
فله ثالثة أحوال :حال كان معتزليا ،وحال كان سنيا يف بعض دون البعض ،و[حال]
()1
كان يف غالب األصول سنيا ،وهو الذي علمناه من حاله ،فرمحه هللا وغفر له ولسائر
املسلمني"(.)2
-ويقول احلافظ ابن كثري (ت 774هـ)" :ذكروا للشيخ أيب احلسن األشعري -رمحه هللا-
ثالثة أحوال:
أوهلا :حال االعتزال ،اليت رجع عنها ال حمالة.
واحلال الثاين :إثبات الصفات العقلية السبعة ،وهي :احلياة ،والعلم ،والقدرة ،واإلرادة،
والسمع ،والبصر ،والكالم ،وأتويل اخلربية؛ كالوجه ،واليدين ،والقدم ،والساق ،وحنو ذلك.
واحلال الثالثة :إثبات ذلك كله من غري تكييف وال تشبيه ،جراي على منوال السلف،
وهي طريقته يف اإلابنة اليت صنفها آخرا ،وشرحه القاضي الباقالين ،ونقلها أبو القاسم ابن
( )1ينظر :إيثار اإلنصاف يف آاثر اخلالف لسبط ابن اجلوزي ( ،)401 /1والفروق للقرايف (،)69 /3
وشرح تنقيح الفصول له ( ،)258 /2وهناية الوصول يف دراية األصول لألرموي ( ،)3724 /8والبحر
احمليط للزركشي ( ،)154 /4والتقرير والتحبري البن أمري حاج (.)61 /3
( )2ينظر :التقريب واإلرشاد أليب بكر الباقالين (.)110 /1
( )3ينظر :بيان تلبيس اجلهمية البن تيمية (.)143 /1
فمن نظر يف كتب الشيخ أيب احلسن األشعري اليت صنفها يف أخرايت حياته -كاإلابنة،
ورسالته إىل أهل الثغر ،ومقاالت اإلسالميني ،وغريها -علم قطعا موافقة الشيخ أيب احلسن ملا
كان عليه السلف يف ابب صفات الباري -عز وجل ،-وهذا ما سنعرض له تفصيال يف املبحث
الثاين.
خالصة ما سبق :صحة انتقال الشيخ أيب احلسن األشعري إىل مذهب السلف يف ابب
الصفات:
يتضح جليا مما سبق أن الشيخ أاب احلسن األشعري -رمحه هللا -انتقل يف آخر حياته إىل
مذهب السلف يف الصفات ،ومصنفاته األخرية -كاإلابنة ،ومقاالت اإلسالميني ،واملوجز،
ورسالة إىل أهل الثغر -شاهد صدق على ذلك؛ كما أكد على هذا املعىن مجع من أهل العلم:
-يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية" :وملا رجع األشعري عن مذهب املعتزلة سلك طريق ابن
كالب ،ومال إىل أهل السنة واحلديث ،وانتسب إىل اإلمام أمحد ،كما قد ذكر ذلك يف كتبه
كلها :كاإلابنة ،واملوجز ،واملقاالت ،وغريها ،وكان القدماء من أصحاب أمحد كأيب بكر بن
عبد العزيز وأيب احلسني التميمي وأمثاهلما يذكرونه يف كتبهم على طريق املوافق للسنة يف
اجلملة ،ويذكرون رده على املعتزلة وأبدى تناقضهم"(.)1
-ويقول احلافظ الذهيب" :رأيت أليب احلسن أربعة تواليف يف األصول ،يذكر فيها قواعد
مذهب السلف يف الصفات ،وقال فيها :تر كما جاءت .مث قال :وبذلك أقول ،وبه أدين،
وال تؤول"(.)2
-وقريب من هذا قول احلافظ أيب القاسم بن عساكر -وهو من أعظم الناس انتصارا
للشيخ أيب احلسن األشعري -حيث قال بعدما ذكر طرفا من كالمه يف اإلابنة" :وتبينوا فضل
أيب احلسن ،واعرفوا إنصافه ،وامسعوا وصفه ألمحد ابلفضل واعرتافه؛ لتعلموا أهنما كاان يف
االعتقاد متفقني ،ويف أصول الدين ومذهب السنة غري مفرتقني"(.)3
( )1االنتصار ألهل السنة وكشف مذهب أدعياء السلفية أليب املعايل األزهري (ص.)171 :
( )2التمهيد ملا يف املوطأ من املعاين واألسانيد (.)145 /7
( )3اإلابنة عن أصول الداينة (ص.)139 :
أال ترى من مل يكن له فعل مل يكن فاعال يف احلقيقة ،ومن مل يكن له إحسان مل يكن
حمسنا ،ومن مل يكن له كالم مل يكن متكلما يف احلقيقة ،ومن مل يكن له إرادة مل يكن يف احلقيقة
مريدا ،وأن من وصف بشيء من ذلك مع عدم الصفات اليت توجب هذه األوصاف له ال
يكون مستحقا لذلك يف احلقيقة ،وإمنا يكون وصفه جمازا أو كذاب؟!
أال ترى أن وصف هللا -عز وجل -للجدار أبنه يريد أن ينقض ،ملا مل يكن له إرادة يف
احلقيقة كان جمازا ،وذلك أن هذه األوصاف مشتقة من أخص أمساء هذه الصفات ودالة
عليها؟! فمىت مل توجد هذه الصفات اليت وصف هبا كان وصفه بذلك تلقيبا أو كذاب.
فإذا كان هللا -عز وجل -موصوفا جبميع هذه األوصاف يف صفة احلقيقة وجب إثبات
الصفات اليت أوجبت هذه األوصاف له يف احلقيقة ،وإال كان وصفه بذلك جمازا كما وصف
اجلدار أبنه يريد ملا مل يكن له إرادة جمازا"(.)1
املسألة الرابعة :خالصة ما سبق يف محل الصفات على احلقيقة:
مما سبق يتضح لنا جليا أن األشعرية خمالفون ملا كان عليه الشيخ أبو احلسن األشعري؛
فإنه قد صرح أبن صفات هللا تعاىل جيب إثباهتا على ظاهرها وحقيقتها ،واألشعرية يعتقدون أن
ظاهر الصفات غري مراد ،فكيف يدعون -بعد ذلك البيان -انتساهبم إىل الشيخ أيب احلسن
األشعري وهم خيالفونه ،بل ويضللون ويكفرون من يقول بكالمه؟! وإن كانوا صادقني يف
انتساهبم إليه ،فهال قاموا ابتباعه والرجوع إىل مذهب السلف كما رجع شيخهم!!
املسألة اخلامسة :شبهة واجلواب عنها:
الشبهة :إثبات ظواهر النصوص يلزم منه التشبيه:
يدعي األشعرية أن إثبات ظواهر نصوص الصفات يلزم منه التشبيه بصفات املخلوقني.
واجلواب عن هذه الشبهة:
أنه ال تالزم بني إثبات نصوص الصفات على ظاهرها وبني التشبيه واملماثلة؛ فقد مجع هللا
تعاىل بني اإلثبات ونفي التشبيه يف آية واحدة؛ فقال سبحانه{ :ليس كمثله شيء وهو السميع
( )1ينظر :احلجة يف بيان احملجة لقوام السنة أيب القاسم األصبهاين (.)260 /1
( )2ينظر :سنن الرتمذي (.)42 /3
( )3االستذكار (.)528 /2
( )4يف مركزان ورقة علمية بعنوان" :قاعدة :القول يف صفات هللا تعاىل كالقول يف الذات -دراسة وحتليل"،
وهذا رابطها/2356https://salafcenter.org/ :
السمع والبصر والعلم والقدرة وال نعلم كيفية ذلك ،ونعلم معىن الرمحة والغضب والرضا
والفرح والضحك وال نعلم كيفية ذلك"(.)1
-4االشرتاك يف مطلق االسم ال يقتضي التشبيه؛ يقول أبو نصر السجزي احلنفي (ت
444ه)" :واألصل الذي جيب أن يعلم :أن اتفاق التسميات ال يوجب اتفاق املسمني
هبا ،فنحن إذا قلنا :إن هللا موجود ،رؤوف ،واحد ،حي ،عليم ،بصري ،متكلم ،وقلنا :إن
النيب صلى هللا عليه وسلم كان موجودا ،حيا ،عالـما ،مسيعا ،بصريا ،متكلما ،مل يكن ذلك
تشبيها ،وال خالفنا به أحدا من السلف واألئمة ،بل هللا موجود مل يزل ،واحد حي قدي
قيوم عامل مسيع بصري متكلم فيما مل يزل ،وال جيوز أن يوصف أبضداد هذه الصفات،
واملوجود منا إمنا وجد عن عدم ،وحيي مبعىن حله ،مث يصري ميتا بزوال ذلك املعىن ،وعلم
بعد أن مل يعلم ،وقد ينسى ما علم ،ومسع وأبصر وتكلم جبوارح قد تلحقها اآلفات ،فلم
يكن فيما أطلق للخلق تشبيه مبا أطلق للخالق سبحانه وتعاىل ،وإن اتفقت مسميات
هذه الصفات"(.)2
املطلب الثاين :إثبات صفة االستواء:
املسألة األوىل :مذهب األشعرية يف صفة االستواء:
الذي استقر عليه مذهب األشعرية هو أتويل صفة االستواء ،أو تفويض الكيف واملعىن،
وهلم يف هذا مقاالت متعددة؛ فقد أوهلا ابن فورك (ت 406هـ) بقوله" :مث ذكر صاحب
التصنيف [يعين :ابن خزمية يف التوحيد] اباب ترمجه ابستوائه على العرش ،وأوهم معىن التمكني
واالستقرار .وذلك منه خطأ؛ ألن استواءه على العرش سبحانه ليس على معىن التمكني
واالستقرار ،بل هو على معىن العلو ابلقهر والتدبري وارتفاع الدرجة ابلصفة على الوجه الذي
يقتضي مباينة اخللق"( .)3وهلم أتويالت أخر ،ال نطيل البحث بذكرها.
املسألة الثانية :معتقد السلف يف إثبات صفة االستواء:
( )1يف مركز سلف للبحوث والدراسات تفصيل مهم ألهم الشبهات الواردة على هذه الصفة بعنوان" :ما
قيل يف أتويل اإلمام مالك حلديث النزول ..شبهة ورد" ،ودونك رابطه:
/2702https://salafcenter.org/
( )2ينظر :القول التمام إبثبات التفويض مذهبا للسلف الكرام ،لسيف بن علي (ص.)83-82 :
( )3يعين :حديث« :إن هللا يقبل الصدقة وأيخذها بيمينه».
( )4سنن الرتمذي (.)41 /3
القرآن والسنن ،دون كيفية ،فيقولون :ينزل ،وال يقولون :كيف النزول؟ وال يقولون :كيف
االستواء؟ وال كيف اجمليء؟"(.)1
املسألة الثالثة :موافقة أيب احلسن األشعري ملا كان عليه السلف:
يقول الشيخ أبو احلسن األشعري" :وقال أهل السنة وأصحاب احلديث :ليس جبسم ،وال
يشبه األشياء ...وأنه ينزل إىل السماء الدنيا كما جاء يف احلديث ،ومل يقولوا شيئا إال ما
وجدوه يف الكتاب ،أو جاءت به الرواية عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم"(.)2
ويقول أيضا" :ونصدق جبميع الرواايت اليت يثبتها أهل النقل عن النزول إىل مساء الدنيا،
وأن الرب عز وجل يقول :هل من سائل؟ هل من مستغفر؟ وسائر ما نقلوه وأثبتوه ،خالفا ملا
قاله أهل الزيغ والتضليل"(.)3
املسألة الرابعة :خالصة القول يف صفة النزول:
يظهر جليا لكل ذي عينني أن األشعرية خالفوا شيخهم الذي ينتسبون إليه -الشيخ أاب
احلسن األشعري -فقد أتولوا صفة النزول ،بينما نرى أن شيخهم ال يتأوهلا ويثبتها على وجهها
من غري تكييف ،بل وقد مسى الشيخ أبو احلسن من أتوهلا أبهل الزيغ والتضليل!!
املطلب الرابع :إثبات الصفات اخلربية:
الصفات اخلربية السمعية هي :اليت ال سبيل إىل إثباهتا إال بطريق السمع :كالوجه ،واليدين،
والعينني ،وحنوها(.)4
املسألة األوىل :معتقد األشعرية يف الصفات اخلربية:
( )1كذا على الصواب ،ووقع يف املطبوع" :نعص مليه" ،وكأنه خطأ يف أثناء الطباعة ،وهللا أعلم.
( )2غرائب االغرتاب (ص.)386-385 :
( )3درء تعارض العقل والنقل (.)160 /9