You are on page 1of 19

‫ُروح ال َمعانى فى تفسير القرآن العظيم والسبع‬

‫المثانى (لأللوسى)‬
‫* التعريف بمؤلف هذا التفسير‪:‬‬
‫مؤلف هذا التفسير هو‪ :‬أبو الثناء‪ ،‬شهاب الدين‪ ،‬السيد‬
‫محمود أفندى األلوسى البغدادى‪ .‬ولد فى سنة ‪1217‬‬
‫هـ (سبع عشرة ومائتين بعد األلف من الهجرة النبوية)‬
‫‪ ،‬فى جانب الكرخ من بغداد‪.‬‬
‫كان رحمه هللا شيخ العلماء فى العراق‪ ،‬وآية من آيات‬
‫هللا العظام‪ ،‬ونادرة من نوادر األيام‪ .‬جمع كثيراً من‬
‫العلوم حتى أصبح عالَّمة فى المنقول والمعقول‪ ،‬فهَّامة‬
‫فى الفروع واألصول‪ُ ،‬م َح ِّدثا ً ال يُجا َرى و ُمفَسِّراً لكتاب‬
‫خالد النقشبندى‪ ،‬والشيخ على السويدى‪ ،‬وكان رحمه‬
‫هللا غاية فى الحرص على تزايد علمه‪ ،‬وتوفير نصيبه‬
‫منه‪ ،‬وكان كثيراً مما ينشد‪:‬‬
‫سهرى لتنقيح العلوم ّ‬
‫ألذ ُلى ‪ ...‬من وصل غانية وطيب‬
‫عناق‬
‫اشتغل بالتدريس والتأليف وهو ابن ثالث عشرة سنة‪،‬‬
‫ودرس فى عدة مدارس‪ ،‬وعندما قُلِّد إفتاء الحنفية‪،‬‬
‫شرع يُدَرِّ س سائر العلوم فى داره المالصقة لجامع‬
‫الشيخ عبد هللا العاقولى فى الرصافة‪ .‬وقد تتلمذ له‬
‫وأخذ عنه خلق كثير من قاصى البالد ودانيها‪ ،‬وتخرَّج‬
‫عليه جماعات من الفضالء من بالد مختلفة كثيرة‪،‬‬
‫وكان ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬يُواسى طلبته من ملبسه ومأكله‪،‬‬
‫ويُسكنهم البيوت الرفيعة من منزله‪ ،‬حتى صار فى‬
‫العراق ال َعلَ ُم المفرد‪ ،‬وانتهت إليه الرياسة لمزيد فضله‬
‫الذى ال يُجحد‪ ،‬وكان نسي ٌج وحده فى النثر وقوة‬
‫التحرير‪ ،‬وغزارة اإلمالء وجزالة التعبير‪ ،‬وقد أملى‬
‫كثيراً من الخطب والرسائل‪ ،‬والفتاوى والمسائل‪،‬‬
‫س َو َعفت‬‫ولكن أكثر ذلك ‪ -‬على قرب العهد ‪َ -‬د َر َ‬
‫آثاره‪ ،‬ولم تظفر األيدى إال بالقليل منه‪ ،‬وكان ذا‬
‫حافظة عجيبة‪ .‬وفكرة غريبة‪ ،‬وكثيراً ما كان يقول‪:‬‬
‫دعوت فكرى‬‫ُ‬ ‫استودعت ذهنى شيئا ً فخاننى‪ ،‬وال‬
‫ُ‬ ‫"ما‬
‫لمعضلة إال وأجابنى"‪ .‬قُلِّد إفتاء الحنفية فى السنة‬
‫الثامنة واألربعين بعد المائتين واأللف من الهجرة‬
‫المحمدية‪ ،‬وقبل ذلك بأشهر‪ ،‬ولى أوقاف المدرسة‬
‫المرجانية‪ ،‬إذا كانت مشروطة ألعلم ألهل البلد‪،‬‬
‫وتحقق لدى الوزير الخطير عل ّى رضا باشا‪ ،‬أنه ليس‬
‫فيها َمن يدانيه من أحد‪ .‬وفى ش َّوال سنة ‪ 1263‬هـ‬
‫(ثالث وستين ومائتين بعد األلف) انفصل من منصب‬
‫اإلفتاء‪ ،‬وبقى مشتغالً بتفسير القرآن الكريم حتى أتمه‪،‬‬
‫ثم سافر القسطنطينية فى السنة السابعة والستين بعد‬
‫المائتين واأللف‪ ،‬فعرض تفسيره على السلطان عبد‬
‫المجيد خان‪ ،‬فنال إعجابه ورضاه‪ ،‬ثم رجع منها سنة‬
‫‪ 1269‬هـ (تسع وستين ومائتين بعد األلف) ‪.‬‬
‫وكان ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬عالما ً باختالف المذاهب‪ ،‬مطلعا ً‬
‫على الملل والنحل‪َ ،‬سلَفى االعتقاد‪ ،‬شافعى المذهب‪،‬‬
‫إال أنه فى كثير من المسائل يُقلِّد اإلمام األعظم أبا‬
‫حنيفة النعمان رضى هللا عنه‪ ،‬وكان فى آخر أمره‬
‫يميل إلى االجتهاد‪ .‬ولقد َخلَّف ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬للناس‬
‫ثروة علمية كبيرة ونافعة‪ ،‬فمن ذلك تفسيره لكتاب هللا‪،‬‬
‫وهو الذى نحن بصدده اآلن‪ ،‬وحاشيته على القطر‪،‬‬
‫كتب منها فى الشباب إلى موضع الحال‪ ،‬وبعد وفاته‬
‫أتمها ابنه السيد نعمان األلوسى‪،‬‬
‫وشرح السلم فى المنطق‪،‬‬
‫وقد فُقِد‪،‬‬
‫ومنها األجوبة العراقية عن األسئلة الالهورية‪،‬‬
‫واألجوبة العراقية على األسئلة اإليرانية‪،‬‬
‫و ُدرَّة الغواص فى أوهام الخواص‪،‬‬
‫والنفحات القدسية فى المباحث اإلمامية‪،‬‬
‫والفوائد السنية فى علم آداب البحث‪.‬‬

‫وقد توفى رحمه هللا فى يوم الجمعة الخامس والعشرين‬


‫من ذى القعدة سنة ‪ 1270‬هـ (سبعين ومائتين بعد‬
‫األلف من الهجرة) ‪ ،‬و ُدفن مع أهله فى مقبرة الشيخ‬
‫معروف الكرخى فى الكرخ‪ ،‬فرضى هللا عنه وأرضاه‪.‬‬
‫**‬
‫التَّعريف بهذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه‪:‬‬
‫ذكر مؤلف هذا التفسير فى مقدمته أنه منذ عهد‬
‫الصغر‪ ،‬لم يزل متطلبا ً الستكشاف سر كتاب هللا‬
‫المكتوم‪ ،‬مترقبا ً الرتشاف رحيقه المختوم‪ ،‬وأنه طالما‬
‫فرق نومه لجمع شوارده‪ ،‬وفارق قومه لوصال‬
‫خرائده‪ ،‬ال يرفل فى مطارف اللهو كما يرفل أقرانه‪،‬‬
‫وال يهب نفائس األوقات لخسائس الشهوات كما يفعل‬
‫إخوانه‪ ،‬وبذلك وفَّقه هللا للوقوف على كثير من حقائقه‪،‬‬
‫وحل وفير من دقائقه‪ ،‬وذكر أنه قبل أن يكمل سنه‬
‫العشرين‪ ،‬شرع يدفع كثيراً من اإلشكاالت التى ترد‬
‫على ظاهر النظم الكريم‪ ،‬ويتجاهر بما لم يظفر به فى‬
‫كتاب من دقائق التفسير‪ ،‬ويعلق على ما أغلق مما لم‬
‫تعلق به ظفر كل ذى ذهن خطير‪ ،‬وذكر أنه استفاد من‬
‫علماء عصره‪ ،‬واقتطف من أزهارهم‪ ،‬واقتبس من‬
‫أنوارهم‪ ،‬وأودع علمهم صدره‪ ،‬وأفنى فى كتابة‬
‫فوائدهم حبره ‪ ...‬ثم ذكر أنه كثيراً ما خطر له أن‬
‫يحرر كتابا ً يجمع فيه ما عنده من ذلك وأنه كان يتردد‬
‫فى ذلك‪ ،‬إلى أن رأى فى بعض ليالى الجمعة من شهر‬
‫رجب سنة ‪ 1252‬هـ (اثنتين وخمسين ومائتين بعد‬
‫األلف من الهجرة) ‪ ،‬أن هللا َج ّل شأنه أمره بطى‬
‫السماوات واألرض‪ ،‬ورتق فتقهما على الطول‬
‫والعرض‪ ،‬فرفع يداً إلى السماء‪ ،‬وخفض األخرى إلى‬
‫مستقر الماء‪ ،‬ثم انتبه من نومه وهو مستعظم لرؤيته‪،‬‬
‫فجعل يفتش لها عن تعبير‪ ،‬فرأى فى بعض الكتب أنها‬
‫إشارة إلى تأليف تفسير‪ ،‬فشرع فيه فى الليلة السادسة‬
‫عشرة من شهر شعبان من السنة المذكورة‪ ،‬وكان‬
‫عمره إذ ذاك أربعا ً وثالثين سنة‪ ،‬وذلك فى عهد‬
‫السلطان محمود خان بن السلطان عبد الحميد خان‪،‬‬
‫وذكر فى خاتمته أنه انتهى منه ليلة الثالثاء ألربع‬
‫خلون من شهر ربيع اآلخر سنة ‪ 1267‬هـ (سبع‬
‫وستين ومائتين بعد األلف) ‪ ،‬ولما انتهى منه جعل‬
‫يفكر ما اسمه؟ وبماذا يدعوه؟ فلم يظهر له اسم تهتش‬
‫له الضمائر‪ ،‬وتبتش من سماعه الخواطر‪ ،‬فعرض‬
‫األمر على وزير الوزراء عل ّى رضا باشا‪ .‬فس َّماه على‬
‫الفور‪" :‬روح المعانى‪ ،‬فى تفسير القرآن العظيم‬
‫والسبع المثانى"‪.‬‬
‫هذه هى قصة تأليف هذا التفسير‪ ،‬كما ذكرها صاحبه‬
‫عليه رضوان هللا‪.‬‬
‫وقد ذكروا أن سلوكه فى تفسيره هذا كان أمراً عظيماً‪،‬‬
‫وسراً من األسرار غريباً‪ ،‬فإن نهاره كان لإلفتاء‬
‫والتدريس وأول ليلة لمنادمة مستفيد وجليس‪ ،‬فيكتب‬
‫بأواخر الليل منه ورقات‪ ،‬فيعطيها صباحا ً لل ُكتَّاب‬
‫الذين وظَّفهم فى داره فال يكملونها تبييضا ً إال فى نحو‬
‫عشر ساعات‪.‬‬

‫* مكانة هذا التفسير من التفاسير التى تقدمته‪:‬‬


‫ثم إن هذا التفسير ‪ -‬والحق يقال ‪ -‬قد أفرغ فيه مؤلفه‬
‫وسعه‪ ،‬وبذل مجهوده حتى أخرجه للناس كتابا ً جامعا ً‬
‫آلراء ال َسلَف رواية ودراية‪ ،‬مشتمالً على أقوال ال َخلَف‬
‫بكل أمانة وعناية‪ ،‬فهو جامع لخالصة كل ما سبقه من‬
‫التفاسير‪ ،‬فتراه ينقل لك عن تفسير ابن عطية‪ ،‬وتفسير‬
‫أبى حيان‪ ،‬وتفسير الكشاف‪ ،‬وتفسير أبى السعود‪،‬‬
‫وتفسير البيضاوى‪ ،‬وتفسير الفخر الرازى‪ ،‬وغيرها‬
‫من كتب التفسير المعتبرة‪ ،‬وهو إذا نقل عن تفسير أبى‬
‫السعود يقول ‪ -‬غالبا ً ‪ :-‬قال شيخ اإلسالم‪ .‬وإذا نقل عن‬
‫تفسير البيضاوى يقول ‪ -‬غالبا ً ‪ :-‬قال القاضى‪ ،‬وإذا‬
‫نقل عن تفسير الفخر الرازى يقول ‪ -‬غالبا ً ‪ :-‬قال‬
‫اإلمام‪ .‬وهو إذ ينقل عن هذه التفاسير ينصب نفسه‬
‫َح َكما ً عدالً بينها‪ ،‬ويجعل من نفسه نقَّاداً ُمدققاً‪ ،‬ثم يبدى‬
‫رأيه حراً فيما ينقل‪ ،‬فتراه كثيراً ما يعترض على ما‬
‫ينقله عن أبى السعود‪ ،‬أو عن البيضاوى‪ ،‬أو عن أبى‬
‫حيان‪ ،‬أو عن غيرهم‪ .‬كما تراه يتعقب الفخر الرازى‬
‫فى كثير من المسائل‪ ،‬ويرد عليه على الخصوص فى‬
‫بعض المسائل الفقهية‪ ،‬انتصاراً منه لمذهب أبى‬
‫حنيفة‪ ،‬ثم إنه إذا استصوب رأيا ً لبعض َمن ينقل عنهم‪،‬‬
‫انتصر له ور َّج َحه على ما عداه‪.‬‬
‫**‬
‫* موقف األلوسى من المخالفين ألهل ال ُّسنَّة‪:‬‬
‫واأللوسى َسلَفى المذهب ُّسنِّى العقيدة‪ ،‬ولهذا نراه كثيراً‬
‫ما يُفَنِّد آراء المعتزلة والشيعة‪ ،‬وغيرهم من أصحاب‬
‫المذاهب المخالفة لمذهبه‪.‬‬
‫فمثالً عند تفسيره لقوله تعالى فى اآلية [‪ ]15‬من سورة‬
‫البقرة‪{ :‬هللا يَ ْستَه ِْزى ُء بِ ِه ْم َويَ ُم ُّدهُ ْم فِي طُ ْغيَانِ ِه ْم‬
‫ُون} ‪ ..‬يقول بعد كالم طويل ما نصه‪... " :‬‬ ‫يَ ْع َمه َ‬
‫وإضافته ‪ -‬أى الطغيان ‪ -‬إليهم‪ ،‬ألنه فعلهم الصادر‬
‫منهم‪ ،‬بقدرهم المؤثرة بإذن هللا تعالى فاالختصاص‬
‫المشعرة به اإلضافة‪ ،‬إنما هو بهذا االعتبار‪ ،‬ال باعتبار‬
‫المحلية واالتصاف‪ ،‬فإنه معلوم ال حاجة فيه إلى‬
‫اإلضافة‪ ،‬وال باعتبار اإليجاد استقالالً من غير توقف‬
‫على إذن الفعَّال لما يريد‪ ،‬فإنه اعتبار عليه غبار‪ ،‬بل‬
‫غبار ليس له اعتبار‪ ،‬فال تهولنك جعجعة الزمخشرى‬
‫وقعقعته"‪.‬‬
‫وانظر إلى ما كتبه قبل ذلك عند تفسيره لقوله تعالى‬
‫فى اآلية [‪ ]7‬من السورة نفسها‪َ { :‬ختَ َم هللا على قُلُوبِه ْم‬
‫ار ِه ْم ِغ َشا َوةٌ َولَهُ ْم َع َذابٌ‬
‫ص ِ‬‫وعلى َس ْم ِع ِه ْم وعلى أَ ْب َ‬
‫عظي ٌم} تجده يطيل بما ال يتسع لذكره المقام هنا‪ ،‬من‬ ‫ِ‬
‫بيان إسناد الختم إليه َع َّز وج َّل على مذهب أهل ال ُّسنَّة‪،‬‬
‫ومن ذكر ما ذهب إليه المعتزلة فى هذه اآلية وما ر َّد‬
‫به عليهم‪ ،‬وفنَّد به تأويلهم الذى يتفق مع مذهبهم‬
‫االعتزالى‪.‬‬
‫ومثالً عند تفسيره لقوله تعالى فى اآلية [‪ ]11‬من‬
‫سورة الجمعة‪َ { :‬وإِ َذا َرأَ ْو ْا تِ َجا َرةً أَ ْو لَهْواً انفضوا إِلَ ْيهَا‬
‫ك قَآئِما ً قُلْ َما ِعن َد هللا َخ ْي ٌر ِّم َن اللهو َو ِم َن‬
‫َوتَ َر ُكو َ‬
‫التجارة وهللا َخ ْي ُر الرازقين} ‪ ..‬يقول ما نصه‪" :‬وطعن‬
‫الشيعة لهذه اآلية الصحابة رضى هللا تعالى عنهم‪،‬‬
‫بأنهم آثروا دنياهم‪ ،‬على آخرتهم‪ ،‬حيث انفضُّ وا إلى‬
‫اللَّهو والتجارة‪ ،‬ورغبوا عن الصالة التى هو عماد‬
‫الدين‪ ،‬وأفضل من كثير من العبادات‪ ،‬ال سيما مع‬
‫رسول هللا صلى هللا تعالى عليه وسلم‪ ،‬وروى أن ذلك‬
‫قد وقع مراراً منهم‪ ،‬وفيه أن كبار الصحابة كأبى بكر‬
‫وعمر وسائر العشرة المبشرة لم ينفضُّ وا‪ ،‬والقصة‬
‫كانت فى أوائل زمن الهجرة‪ ،‬ولم يكن أكثر القوم تام‬
‫التحلى بحلية آداب الشريعة بعد‪ ،‬وكان قد أصاب أهل‬
‫المدينة جوع وغالء سعر‪ ،‬فخاف أولئك المنفضُّ ون‬
‫اشتداد األمر عليهم بشراء غيرهم ما يُقتات به لو لم‬
‫ينفضُّ وا‪ ،‬ولذا لم يتوعدهم هللا على ذلك بالنار أو‬
‫نحوها‪ ،‬بل قصارى ما فعل سبحانه أنه عاتبهم‬
‫ووعظهم ونصحهم‪ ،‬ورواية أن ذلك وقع منهم مراراً‬
‫إن أريد بها رواية البيهقى فى ُش َعب اإليمان عن مقاتل‬
‫بن حيان أنه قال‪ :‬بلغنى ‪ -‬وهللا تعالى أعلم ‪ -‬أنهم فعلوا‬
‫ذلك ثالث مرات‪ ،‬فمثل ذلك ال يُلتفت إليه وال يُ َع ِّول‬
‫عند المح ِّدثين عليه‪ .‬وإن أريد بها غيرها فليبين وليثبت‬
‫صحته‪ ،‬وأنَّى بذلك؟ وبالجملة‪ :‬الطعن بجميع الصحابة‬
‫لهذه القصة التى كانت من بعضهم فى أوائل أمرهم ‪-‬‬
‫وقد عقبها منهم عبادات ال تحصى ‪ -‬سفه ظاهر وجهل‬
‫وافر‪.‬‬
‫* األلوسى والمسائل الكونية‪:‬‬
‫ومما نالحظه على األلوسى فى تفسيره‪ ،‬أنه يستطرد‬
‫إلى الكالم فى األُمور الكونية‪ .‬ويذكر كالم أهل الهيئة‬
‫وأهل الحكمة‪ ،‬ويقر منه ما يرتضيه‪ ،‬ويُفنَّد ما ال‬
‫يرتضيه‪ ،‬وإن أردت مثاالً جامعاً‪ ،‬فارجع إليه عند‬
‫تفسيره لقوله تعالى فى اآليات [‪ ]40 ،39 ،38‬من‬
‫ك تَ ْق ِدي ُر‬ ‫سورة يس‪{ :‬والشمس تَجْ ِري لِ ُم ْستَقَرٍّ لَّهَا َذلِ َ‬
‫از َل حتى َعا َد‬ ‫العزيز العليم * والقمر قَ َّدرْ نَاهُ َمنَ ِ‬
‫ك‬‫كالعرجون القديم * الَ الشمس يَنبَ ِغي لَهَآ أَن ت ْد ِر َ‬
‫ق النهار َو ُكلٌّ ِفي فَلَ ٍك يَ ْسبَح َ‬
‫ُون} ‪..‬‬ ‫القمر َوالَ الليل َسابِ ُ‬
‫وارجع إليه عند تفسيره لقوله تعالى فى اآلية [‪ ]12‬من‬
‫سورة الطالق‪{ :‬هللا الذي َخلَ َ‬
‫ق َس ْب َع َس َما َوا ٍ‬
‫ت َو ِم َن‬
‫األرض ِم ْثلَه َُّن} فسترى منه توسعا ً فى هذه الناحية‪.‬‬
‫**‬
‫* كثرة استطراده للمسائل النحوية‪:‬‬
‫كذلك يستطرد األلوسى إلى الكالم فى الصناعة‬
‫النحوية‪ ،‬ويتوسع فى ذلك أحيانا ً إلى حد يكاد يخرج به‬
‫عن وصف كونه مفسِّراً‪ ،‬وال أحيلك على نقطة بعينها‪،‬‬
‫فإنه ال يكاد يخلو موضع من الكتاب من ذلك‪.‬‬
‫**‬
‫موقفه من المسائل الفقهية‪:‬‬
‫كذلك نجده إذا تكلم عن آيات األحكام فإنه ال يمر عليها‬
‫إال إذا استوفى مذاهب الفقهاء وأدلتهم مع عدم تعصب‬
‫منه لمذهب بعينه‪.‬‬
‫فمثالً عند تفسيره لقوله تعالى فى اآلية‪ ]236[ :‬من‬
‫سورة البقرة‪َ { :‬و َمتِّعُوهُ َّن َعلَى الموسع قَ َد ُرهُ َو َعلَى‬
‫المقتر قَ َد ُرهُ َمتَاعا ً بالمعروف َحقّا ً َعلَى المحسنين} ‪..‬‬
‫يقول ما نصه‪ :‬وقال اإلمام مالك‪ :‬المحسنون‪:‬‬
‫المتطوعون‪ ،‬وبذلك استدل على استحباب المتعة‬
‫وجعله قرينة صارفة لألمر إلى الندب‪ ،‬وعندنا‪ :‬هى‬
‫واجبة للمطلَّقات فى اآلية‪ ،‬مستحبَة لسائر المطلَّقات‪.‬‬
‫وعند الشافعى رضى هللا عنه فى أحد قوليه‪ :‬هو واجبة‬
‫لكل زوجة مطلَّقة إذا كان الفراق من قِبَل الزوج إال‬
‫التى سمى لها وطُلِّقت قبل الدخول‪ ،‬ولما لم يساعده‬
‫مفهوم اآلية ولم يعتبر العموم فى قوله تعالى‪:‬‬
‫ع بالمعروف} ألنه يحمل المطلق‬ ‫{ َولِ ْل ُمطَلَّقَا ِ‬
‫ت َمتَا ٌ‬
‫على المقيد‪ ،‬قال بالقياس‪ ،‬وجعله مق َّدما ً على المفهوم‪،‬‬
‫ألنه من الحجج القطعية دونه‪ ،‬وأجيب عما قاله مالك‪،‬‬
‫بمنع قصر المحسن على المتطوع‪ ،‬بل هو أعم منه‬
‫ومن القائم بالواجبات‪ ،‬فال ينافى الوجوب‪ ،‬فال يكون‬
‫صارفا ً لألمر عنه مع ما انضم إليه من لفظ حقاً"‪.‬‬
‫وإذا أردت أن تتأكد من أن األلوسى غير متعصب‬
‫لمذهب بعينه فارجع إلى البحث الذى أفاض فيه عند‬
‫تفسيره لقوله تعالى فى اآلية [‪ ]228‬من سورة البقرة‪:‬‬
‫{والمطلقات يَتَ َربَّصْ َن بِأ َ ْنفُ ِس ِه َّن ثَالَثَةَ قرواء} ‪ ...‬اآلية‪،‬‬
‫تجده بعد أن يذكر مذهب الشافعية‪ ،‬ومذهب الحنفية‪،‬‬
‫وأدلة كل منهم‪ ،‬ومناقشاتهم يقول‪" :‬وبالجملة‪ ،‬كالم‬
‫الشافعية فى هذا المقام قوى‪ ،‬كما ال يخفى على َمن‬
‫أحاط بأطراف كالمهم‪ ،‬واستقرأ ما قالوه‪ ،‬تأمل ما‬
‫دفعوا به من أدلة مخالفيهم"‪.‬‬
‫**‬
‫* موقفه من اإلسرائيليات‪:‬‬
‫ومما نالحظ على األلوسى أنه شديد النقد لإلسرائيليات‬
‫واألخبار المكذوبة التى حشا بها كثير من المفسِّرين‬
‫تفاسيرهم وظنوها صحيحة‪ ،‬مع سخرية منه أحياناً‪.‬‬
‫فمثالً عند تفسيره لقوله تعالى فى اآلية [‪ ]12‬من سورة‬
‫ق بني إِ ْس َرآئِي َل َوبَ َع ْثنَا ِمنهُ ُم‬
‫المائدة‪َ { :‬ولَقَ ْد أَ َخ َذ هللا ِميثَا َ‬
‫اثني َع َش َر نَقِيباً} ‪ ..‬نجده يقص علينا قصة عجيبة عن‬
‫عوج بن عنق‪ ،‬يرويها عن البغوى‪ ،‬ولكنه بعد الفراغ‬
‫منها يقول ما نصه‪" :‬وأقول‪ :‬قد شاع أمر عوج عند‬
‫العامة‪ ،‬ونقلوا فيه حكايات شنيعة‪ ،‬وفى فتاوى العالَّمة‬
‫ابن حجر‪ ،‬قال الحافظ العماد ابن كثير‪ :‬قصة عوج‬
‫وجميع ما يحكون عنه‪ ،‬هذيان ال أصل له‪ ،‬وهو من‬
‫مختلقات أهل الكتاب‪ ،‬ولم يكن قط على عهد نوح عليه‬
‫السالم‪ ،‬ولم يسلم من الكفار أحد‪ .‬وقال ابن القيم‪ :‬من‬
‫األُمور التى يُعرف بها كون الحديث موضوعاً‪ ،‬أن‬
‫يكون مما تقوم الشواهد الصحيحة على بطالنه‪،‬‬
‫كحديث عوج بن عنق‪ .‬وليس العجب ِمن جرأة َمن‬
‫وضع هذا الحديث وكذب على هللا تعالى‪ ،‬إنما العجب‬
‫ممن يُدخل هذا الحديث فى كتب العلم من التفسير‬
‫وغيره وال يبيِّن أمره‪ ،‬ثم قال‪ :‬وال ريب أن هذا وأمثاله‬
‫من صنع زنادقة أهل الكتاب الذين قصدوا االستهزاء‬
‫والسخرية بالرسل الكرام عليهم الصالة والسالم‬
‫وأتباعهم‪ ..‬ثم مضى األلوسى فى تفنيد هذه القصة بما‬
‫حكاه عن غير َمن تق ّدم من العلماء الذين استنكروا هذه‬
‫القصة الخرافية‪.‬‬
‫ومثالً عند تفسيره لقوله تعالى فى اآلية [‪ ]38‬من‬
‫سورة هود‪َ { :‬ويَصْ نَ ُع الفلك َو ُكلَّ َما َم َّر َعلَ ْي ِه َمألٌ ِّمن‬
‫ُوا ِم ْنهُ} ‪ ..‬نجده يروى أخباراً كثيرة فى‬ ‫قَ ْو ِم ِه َس ِخر ْ‬
‫نوع الخشب الذى صُنعت منه السفينة‪ ،‬وفى مقدار‬
‫طولها وعرضها ارتفاعها‪ ،‬وفى المكان الذى صُنعت‬
‫فيه‪ ..‬ثم يُعقِّب على كل ذلك بقوله‪" :‬وسفينة األخبار فى‬
‫تحقيق الحال فيما رأى ال تصلح للركوب فيها‪ ،‬إذ هى‬
‫غير سالمة عن عيب‪ ،‬فالحرى بحال َمن ال يميل إلى‬
‫الفضول‪ ،‬أن يؤمن بأنه عليه السالم صنع الفُ ْلك حسبما‬
‫قص هللا تعالى فى كتاب‪ ،‬وال يخوض فى مقدار طولها‬
‫وعرضها وارتفاعها‪ ،‬ومن أى خشب صنعها‪ ،‬وبكم‬
‫مدة أتم عملها إلى غير ذلك مما لم يشرحه الكتاب ولم‬
‫تبينه ال ُّسنَّة الصحيحة"‪.‬‬
‫**‬
‫* تعرضه للقراءات والمناسبات وأسباب النزول‪:‬‬
‫ثم إن األلوسى يعرض لذكر القراءات ولكنه ال يتقيد‬
‫بالمتواتر منها‪ ،‬كما أنه يعنى بإظهار وجه المناسبات‬
‫بين السور كما يعنى بذكر المناسبات بين اآليات‬
‫ويذكر أسباب النزول لآليات التى أنزلت على سبب‪،‬‬
‫وهو كثير االستشهاد بأشعار العرب على ما يذهب إليه‬
‫من المعانى اللغوية‪.‬‬
‫**‬
‫* األلوسى والتفسير اإلشارى‪:‬‬
‫ولم يفت األلوسى أن يتكلم عن التفسير اإلشارى بعد‬
‫أن يفرغ من الكالم عن كل ما يتعلق بظاهر اآليات‪،‬‬
‫ومن هنا َع َّد بعض العلماء تفسيره هذا فى ضمن‬
‫التفسير اإلشارى‪ ،‬كما َع َّد تفسير النيسابورى فى‬
‫ضمنها كذلك‪ ،‬ولكنى رأيت أن أجعلهما فى ِعداد كتب‬
‫التفسير بالرأى المحمود‪ ،‬نظراً إلى أنه لم يكن‬
‫مقصودهما األهم هو التفسير اإلشارى‪ ،‬بل كان ذلك‬
‫تابعا ً ‪ -‬كما يبدو ‪ -‬لغيره من التفسير الظاهر‪ ،‬وهذه ‪-‬‬
‫كما قلت من قبل ‪ -‬مسألة اعتبارية ال أكثر وال أقل‪،‬‬
‫وإنما أردت أن أُبيِّن جهتى االعتبار‪.‬‬
‫وجملة القول‪ ..‬فروح المعانى للعالَّمة األلوسى ليس إال‬
‫موسوعة تفسيرية قيِّمة‪ .‬جمعت ُج َّل ما قاله علماء‬
‫التفسير الذين تق َّدموا عليه‪ ،‬مع النقد الحر‪ ،‬والترجيح‬
‫الذى يعتمد على قوة الذهن وصفاء القريحة‪ ،‬وهو وإن‬
‫كان يستطرد إلى نواح علمية مختلفة‪ ،‬مع توسع يكاد‬
‫يخرجه عن مهمته كمفسِّر إال أنه متزن فى كل ما‬
‫يتكلم فيه‪ ،‬مما يشهد له بغزارة العلم على اختالف‬
‫نواحيه‪ ،‬وشمول اإلحاطة بكل ما يتكلم فيه‪ ،‬فجزاه هللا‬
‫عن العلم وأهله خير الجزاء‪ ،‬إنه سميع مجيب‪.‬‬
‫وبعد ‪ ...‬فهذه هى أهم كتب التفسير بالرأى الجائز‪،‬‬
‫وهناك كتب أخرى تدخل فى هذا النوع من التفسير‪،‬‬
‫ولها أهميتها وقيمتها‪ ،‬كما أن لها شهرتها الواسعة بين‬
‫أهل العلم الذين يعنون بالتفسير‪ ،‬غير أنى أمسكت عنها‬
‫هنا مخافة التطويل‪ ،‬ولعدم إمكان الحصول على‬
‫بعضها‪ ،‬وأحسب أن فى هذا القدر كفاية وغنى عن‬
‫كتب أخرى كثيرة‪.‬‬
‫***‬

You might also like