You are on page 1of 130

‫إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده هللا

فال مضل له ‪ ،‬ومن يضلل فال‬


‫هادي له ‪ ،‬وأشـهد أن ال إله إال هللا وحـده ال شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله‪.‬‬

‫ق تُقَاتِ ِه َوالَ تَ ُم ْوتُنَّ ِإَّال َوأَ ْنتُ ْم ُم ْ‬


‫سلِ ُمونْ ﴾ ‪.‬‬ ‫﴿يَا أَيُّ َها الَّ ِذينَ آ َمنُ ْوا اَّتقُ ْوا هللاَ َح َّ‬

‫سا ًء ‪َ ،‬واتَّقُوا هللا الَّ ِذي‬


‫ث ِم ْن ُه َما ِر َجاالً َكثِ ْي َراً َونِ َ‬ ‫ق ِم ْن َها ْ‬
‫زَو َج َها ‪َ ،‬وبَ َّ‬ ‫احدَة ‪َ ،‬و َخلَ َ‬
‫س َو ِ‬ ‫ي َخلَقَ ُك ْم ِمنْ نَ ْف ٍ‬ ‫﴿يَا أَيُّ َها النَّ ُ‬
‫اس اَّتقُ ْوا َربَّ ُك ْم الَّ ِذ ْ‬
‫َ‬
‫سا َءلُونَ بِ ِه واأل ْر َحا ْم ‪ ،‬إِنَّ هللا َكانَ َعلَ ْي ُك ْم َرقِ ْيبَا ً﴾ ‪.‬‬ ‫تَ َّ‬

‫صلِ ْح لَ ُك ْم أَ ْع َمالَ ُك ْم َويَ ْغفِ ْر لَ ُك ْم ُذنُ ْوبَ ُك ْم َو َمنْ يُ ِط ِع هللا َو َر ُ‬


‫سولِ ِه فَقَ ْد فَا َز فَ ْو َزاً ع َِظي َما ً﴾‪.‬‬ ‫﴿يَا أَ ُّي َها الَّ ِذينَ آ َمنُ ْوا اَّتقُ ْوا هللاَ َوقُ ْولُ ْوا قَ ْوالً َ‬
‫س ِد ْي َداً يُ ْ‬

‫أما بعد ‪:‬‬

‫فإن أصدق الحديث كتاب هللا تعالى‪ ،‬وخير الهدي هدي محمد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وشر األمور محدثاتها‪ ،‬وكل محدث ٍة بدعة‪ ،‬وكل‬
‫بدعة ضاللة‪ ،‬وكل ضاللة في النار‪.‬‬

‫الحمد هلل الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على األذى ‪،‬‬
‫ويحيون بكتاب هللا الموتى ويبصرون بنور هللا أهل العمى ‪ ،‬فكم من قتيل إلبليس قد أحيوه ‪ ،‬وكم من ضال تائه قد هدوه ‪ ،‬فما أحسن‬
‫أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم ‪ ،‬ينفون عن كتاب هللا تحريف الغالين ‪ ،‬وانتحال المبطلين ‪ ،‬وتأويل الجاهلين الذين عقدوا‬
‫ألوية البدعة وأطلقوا عقال الفتنة ‪ ،‬فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب ‪ ،‬مجمعون على مفارقة الكتاب ‪ ،‬يقولون على هللا ‪،‬‬
‫وفي هللا ‪ ،‬وفي كتاب هللا بغير علم ‪ ،‬يتكلمون بالمتشابه من الكالم ‪ ،‬ويخدعون جهال الناس بها يشبهون عليهم ‪،‬فنعوذ باهلل من فتن‬
‫الضالين (‪.)1‬‬

‫يقول النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ( :‬بدا االسالم غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء) نعم فقد اصبح االسالم غريبا واصبح المنكر‬
‫معروفا والمعروف منكرا وظهرت كل معالم الجاهية االولى من سوء الجوار وكثرة الفواحش وعم الفساد في البر والبحر بما كسبت‬
‫ايدي الناس ونسى الناس غاية خلقهم وتواجدهم وغرهم ابليس وانساهم االمانة التي في اعناقهم…‬

‫فاذا وقع اخي هذا الكتاب بين يديك فاقراه بقلبك قبل عينيك النها ال تعمى االبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور وتذكر دائما‬
‫انه سياتي عليك يوما تلقى فيه هللا عز وجل ويسالك عن االمانة التي حملك اياها فان الدار دار ابتالء وامتحان ال يفوز اال من باع‬
‫دنياه الجل اخرته فالدنيا ليست سوى قنطرة ال يعبرها اال من جعل همه االخرة والتزود لها …وال تغتر بغفلة الغافلين فقد قال‬
‫تعالى‪}:‬وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين{ وقال‪ }:‬وان تطع اكثر من في االرض يضلوك عن سبيل هللا{ سورة االنعام‪.‬‬

‫وقد قمت بجمع هذا الكتاب باالعتماد على مجموعة من الكتب التي تتكلم عن امور التوحيد كي يتيسر على طالب العلم المبتدئ فهم‬
‫حقققققققققيقة االسالم فان اصبت فبتوفيق من هللا عز وجل وان اخطات فمن الشيطان ونفسي استغفر هللا واتوب اليه‪.‬‬

‫أهمية التوحيد‬

‫مقدمة اإلمام أمحد بن حنبل لكتابه الرد على اجلهمية والزنادقة ‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪1‬‬
‫يقول تعالى }‪:‬وما خلقت الجن واإلنس إال ليعبدون{ اعلم يرحمك هللا أن غاية خلق الخالق للخلق هي عبادته سبحانه وتعالى وسخر‬
‫لنا كل شيء في الدنيا حتى يتيسر لنا عبادته فاهلل لم يخلقنا من اجل العمل أو الدراسة أو أو‪...‬وإنما قال} إال ليعبدون{ وإال أداة‬
‫استثناء أي للعبادة فقط وال يقيل أية عبادة ال عبادة العادات والتقاليد وال عبادة اآلباء واألجداد وإنما يقبل العبادة التي أمرنا بها فقال﴿‬
‫أال هلل الدين الخالص﴾ وقال }وما أمروا إال ليعبدوا هللا مخلصين له الدين حنفاء{ فال تصح أية عبادة إال إذا توفر فيها شرطان هما‬
‫اإلخالص هلل عز وجل بان تكون خالصة من الشرك فان كان فيها شرك فإنها ال تقبل قال تعالى} ولقد أوحي إليك والى الذين من قبلك‬
‫لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين{ وقال }ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون{ والشرط الثاني‪ :‬أن تكون‬
‫موافقة لسنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لقوله ‪(:‬من عمل عمال ليس عليه أمرنا فهو رد﴾ أي مردود عليه ‪.‬‬

‫وألهمية هذا األمر بعث هللا الرسل وانزل الكتب فكان أول ما يبدأ به أي رسول في دعوته }يا قوم اعبدوا هللا مالكم من اله غيره{ لم‬
‫يكن يبدأ بالصالة أو الزكاة أو الصيام‪ ...‬أو يحرم عليه الخمر أو أو وإنما كان يدعوا أوال إلى إفراد هللا بالعبودية الن الصالة مع‬
‫الشرك ال تنفع والصدقة مع الشرك ال تنفع كما قال تعالى‪ } :‬وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءا منثورا{ وقال }‪:‬وجوه يومئذ‬
‫خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية{ ‪..‬نعم وجوه يومئذ خاشعة بالصالة وعاملة بالصدقة ‪..‬ولكن خالط ذلك العمل الشرك والعياذ‬
‫باهلل فجعله هللا هباءا منثورا‪.‬‬

‫ومن تأمل وتدبر القران أدرك أن دعوة الرسل تكون إلى التوحيد أوال وبعد ذلك إلى الصالة وغيرها‪..‬يقول تعالى‪}:‬ولقد أرسلنا نوحا‬
‫إلى قومه إني لكم نذير مبين أن ال تعبدوا إال هللا إني أخاف عليكم عذاب يوم اليم{ وقال‪} :‬والى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا هللا‬
‫مالكم من اله غيره إن انتم إال مفترون{ وقال‪ } :‬والى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا هللا مالكم من اله غيره{ وقال ‪}:‬والى‬
‫مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا هللا مالكم من اله غيره{ ‪...‬وكان دعوة خاتم المرسلين أيضا قولوا ال اله إال هللا تفلحوا نعم ال اله‬
‫إال هللا التي من اجلها خلقنا ومن اجلها خلقت السموات واألرض ومن اجلها وضع الصراط والميزان‪...‬ومن اجلها خلقت الجنة والنار‬
‫ومن اجلها أوذي األولون واآلخرون‪...‬ال اله إال هللا مفتاح الجنةمن أتى بها دخل الجنة أال إن سلعة هللا غالية أال إن سلعة هللا الجنة‬
‫والسلعة ال تعرف قيمتها إال بثمنها فثمن الجنة ال اله إال هللا فهي غالية وثقيلة على من حملها لذلك أبت السموات واألرض والجبال‬
‫ض َوا ْل ِجبَا ِل فَأَبَيْنَ أَن يَ ْح ِم ْلنَ َها‬
‫ت َواأْل َ ْر ِ‬ ‫ضنَا اأْل َ َمانَةَ َعلَى ال َّ‬
‫س َما َوا ِ‬ ‫على حملها وأشفقن على اإلنسان لما حملها‪  ‬وكما قال تعالى} إِنَّا ع ََر ْ‬
‫سانُ إِنَّهُ َكانَ ظَلُوما ً َج ُهوالً{ األحزاب ‪.72‬‬ ‫َوأَ ْ‬
‫شفَ ْقنَ ِم ْن َها َو َح َملَ َها اإْل ِ ن َ‬

‫فتأمل هذه الكلمة العظيمة يرحمك هللا هل يكفي النطق بها دون عمل كما يفع ل أهل زماننا فال اله إال هللا كلمة والكلمة لفظ له معنى فال‬
‫تنفع إال بالعلم بمعناها والعمل بمقتضاها ولذلك رفضها األولون ألنهم كانوا أهل لغة لما قال لهم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قولوا‬
‫ال اله إال هللا تفلحوا علموا أن معناها خلع األرباب واألنداد واآللهة والطواغيت وإفراد هللا بالعبودية فال رب إال هللا وال خالق إال هللا‬
‫وال حاكم إال هللا‪ ...‬ولكن لما كثر الجهل رجع اإلسالم غريبا كما بدا كما قال صلى هللا عليه وسلم ‪(:‬بدا اإلسالم غريبا وسيعود غريبا‬
‫فطوبى للغرباء) ولهذا اجتهد مجموعة من العلماء يرحمهم هللا لما أدركوا جهل الناس لمدلول الكلمة العظيمة بجمع شروطها ونو‬
‫اقضها وشرحوا أنواع التوحيد والشرك ومعنى الطاغوت‪...‬وكل ذلك باالستقراء والتتبع لآليات القرآنية واألحاديث النبوية حتى‬
‫يسهل على الناس فهم التوحيد الذي من حققه دخل الجنة ومن جهله أو رفضه دخل النار والعياذ باهلل‪.‬‬

‫ولهذا فان تعلم التوحيد فرض عين على كل إنسان يقول تعالى( فاعلم انه ال اله إال هللا) فاعلم فعل أمر يفيد الوجوب فالواجب تعلم‬
‫التوحيد أوال وال يقبل هللا أي عذر دنيوي والعياذ باهلل لمن جهل التوحيد أو لم يبحث عنه ألنه كما ذكرت في األول غاية خلقنا هي‬
‫عبادة هللا عز وجل‪.‬‬

‫انواع التوحيد‬

‫وبعد ذكر أهمية تعلم التوحيد نعرف أوال ‪ ‬معناه وأنواعه‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫التوحيد‪:‬مصدر وحده يوحده توحيدا جعله واحدا أي فردا‪.‬‬

‫هو أي التوحيد‪-‬ثالثة أنواع ‪ ‬كما علم ذلك ‪ ‬باالستقراء والتتبع وبعض العلماء يجعله منقسما إلى نوعين وال مشاحة في ذلك فالذي‬
‫يجعله نوعين كالعالمة ابن القيم رحمه هللا تعالى وغيره يجعل توحيد الربوبية وتوحيد األسماء والصفات نوعا واحدا ويسميها توحيد‬
‫المعرفة واإلثبات والثاني توحيد الطلب والقصد وهو توحيد االلوهية والعبادة‪.‬‬

‫فال نحكم بإسالم احد حتى تجتمع فيه هده األنواع‪:‬‬

‫‪ .1‬توحيد الربوبية‪:‬وهو أن توحد الرب في أفعاله أي تقر وتعترف بان هللا هو الخالق والرازق والمدبر والمحي والمميت‬
‫والمشرع ورب كل شيء وموجده ولكن هدا اإلقرار ال يكفي بل البد من اجتماع األنواع كلها وأيضا فانه قد يقر الشخص بجزء من‬
‫أفعال الرب دون األخرى قد يقر بان هللا هو الخالق والرازق وهذا األمر قد اقره الكفار قديما وحديثا ال خالف بينهم أن هللا تعالى هو‬
‫الذي أوجدهم من العدم ورباهم بالنعم والدليل قوله تعالى} قل من يرزقكم من السماء واألرض امن يملك السمع واألبصار ومن يخرج‬
‫الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر األمر فسيقولون هللا فقل أفال تتقون {ويقول تعالى}لمن األرض ومن فيها إن كنتم‬
‫تعلمون سيقولون هلل قل أفال تذكرون‪.‬قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون هلل قل أفال تتقون‪ .‬قل من بيده ملكوت‬
‫كل شيء وهو يجير وال يجار عليه إن كنتم تعلمون‪.‬سيقولون هلل قل فأنى تسحرون{ وهللا سبحانه وتعالى يعاتب الكفار في آيات كثيرة‬
‫من القران بما اقروا به من ان هللا هو الخالق والرازق‪..‬ومع ذلك لم يفردوه بالعبادة وحده وطلبوا الرزق من غيره وذبحوا‬
‫لغيره‪..‬يقول تعالى }‪ :‬يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم األرض فراشا والسماء‬
‫بناءا وأنزلنا من السماء ماءا فأخرجنا به من الثمرات رزقا لكم فال تجعلوا هلل أندادا وانتم تعلمون{ أي تعلموا أنا هلل تعالى هو الخالق‬
‫والرازق‪..‬فاذا علمتم أن هللا تعالى هو المنفرد بذلك كله فافردوه بالعبادة وحده ال شريك له ألنه هو المستحق لها دون سواه‪.‬وهدا‬
‫النوع من التوحيد أنكره فئة قليلة من البشر كالدهرية وفرعون فهم لم يقروا ويعترفوا باهلل سبحانه وتعالى كما قال فرعون قبال أنا‬
‫ربكم األعلى‪.‬‬

‫‪.2‬توحيد االلوهية‪ :‬وهوتوحيد هللا بأفعال العباد كالدعاء والنذر والنحر والرجاء والخوف والرغبة والرهبة والتحاكم وغير ذلك‬
‫وكل نوع من هذه األنواع لها دليل من القران وهذا النوع من التوحيد هو الذي وقع فيه النزاع والخصومة بين الرسل عليهم السالم‬
‫مع أقوامهم من نوح عليه السالم إلى محمد صلى هللا عليه وسلم فأول رسول بعث إلى أهل األرض باألمر بالتوحيد والنهي عن‬
‫الشرك هو نوح عليه السالم وقبله عشرة قرون من ادم عليه السالم كلهم على التوحيد حتى ظهر الشرك في قوم نوح عليه السالم‬
‫لما غلوا في الصالحين كما في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي هللا عنهما في قوله تعالى }وقالوا ال تذرن الهتكم‬
‫وال تذرن ودا وال سواعا واليغوث ويعوقا و نسرا‪{...‬قال هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى‬
‫قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا سموها بأسمائهم ففعلوا ولم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم‬
‫عبدت‪.‬‬
‫فهذا أول شرك حدث في األرض وسببه الغلو في الصالحين والجهل بدين رب العالمين ففي األول نصبوا إلى مجالسهم التي كانوا‬
‫فيها أنصابا حتى إذا رأوا صور الصالحين تذكروا كيف كانت عبادتهم فيجتهدون بذلك هم أيضا في العبادة فلم تعبد في األول ولما‬
‫نسخ العلم عبدت وظن هؤالء أن آبائهم كانوا يعبدونها كي تقربهم إلى هللا زلفى كما يفعل أهل زماننا اآلن باألولياء وهكذا زين لهم‬
‫الشيطان ذلك فوقعوا في الشرك والعياذ باهلل فكل نبي يبعث إلى قومه يأمرهم بعبادة هللا وحده ال شريك له كما قال تعالى ‪}:‬ولقد بعثنا‬
‫في كل ا أمة رسوال أن اعبدوا هللا واجتنبوا الطاغوت‪{...‬وقال‪ }:‬وما ا رسلنا من قبلك من رسول إال نوحي إليه انه ال اله إال أنا‬
‫فاعبدون‪{ ...‬والى غير ذلك من اآليات‪.‬‬
‫فتوحيد االلوهية هو توحيد هللا وإفراده بأفعال العباد‪.‬‬
‫‪ ‬كالدعاء والدليل قوله تعالى (وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم‬
‫داخرين)غافر‪60‬‬
‫أي من أفعال الرب الرزق فكما أقررت بذلك في أفعال الرب فأقرره في افعال‬
‫وال تطلب الرزق إال من هللا وال تدعوا غير هللا‪.‬‬

‫‪ ‬النذر كما قال تعالى‪}:‬يوفون بالنذر{‬


‫‪ ‬التحاكم كما قال تعالى ‪}:‬يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا يكفروا به{‬
‫‪ ‬النحر كما قال تعالى‪}:‬فصل لربك وانحر{فمن ذبح لغير هللا فانه لم يحقق هذا النوع من التوحيد ألنه لم يوحد فعله أي الذبح‬
‫هلل وإنما ذبح لغيرا هلل‪..‬‬
‫‪ ‬الخوف كما قال تعالى}‪:‬فال تخافوهم وخافوني إن كنتم مومنين{‬
‫‪ ‬والرغبة والرهبة والخشوع‪ :‬كما قال تعالى}إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا‬
‫خاشعين{‪.‬االنبياء‪90‬‬
‫‪ ‬اإلنابة كما قال تعالى‪}:‬وأنيبوا إلى ربكم واسلموا له‪ {...‬الزمر‪54‬‬
‫وغير ذلك من أنواع العبادات الظاهرة كالصالة والزكاة ونحو ذلك و الباطنة كالمحبة والخشية ونحو ذلك كلها هلل وحده ال شريك له‬
‫فمن صرف منها شيئا لغير هللا فهو كافروالعياذ باهلل ال يقبل منه أي عمل ولخطر وعظم الشرك كان الرسل أول ما يدعون إليه‬
‫التوحيد ولذلك اخذ النبي صلى هللا عليه وسلم يدعوا قريشا إلى التوحيد أوال الن التوحيد هو األصل وغيره فرع عليه وإذا زال األصل‬
‫زال الفرع‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪.3‬توحيد الذات واألسماء والصفات‪:‬قال هللا تعالى‪}:‬قل هو هللا احد هللا الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا األحد{ وقال‬
‫تعالى‪} :‬وهلل األسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون{ وقال تعالى‪}:‬ليس كمثله شيء‬
‫وهو السميع البصير‪{ .‬‬
‫النوع الثالث من أنواع التوحيد هو توحيد الذات المقدسة بأنها ال تشبه الذوات وكذلك األسماء الحسنى والصفات العلى مما جاء في‬
‫كتاب هللا تعالى وصح عن رسوله صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫فأهل السنة والجماعة يثبتون ذلك هلل تعالى على مايليق بجالله وعظمته إثباتا بال تمثيل وال تكييف وتنزيها بال تعطيل وال تحريف بل‬
‫يؤمنون بان هللا سبحانه وتعالى‪ }:‬ليس كمثله شيء وهو السميع البصير{فنفى العيب أوال ثم اثبت الكمال الن نفي العيب قبل اثباث‬
‫الكمال وكلمة شيء في اآلية نكرة في سياق النفي فتعم كل شيء ليس شيء مثله أبدا عز وجل أي مخلوق وان عظم فليس مماثال هلل‬
‫عز وجل الن مماثلة الناقص نقص بل إن طلب المفاضلة بين الناقص والكامل تجعله ناقصا كما قيل‪:‬‬

‫ومن صفات أهل السنة والجماعة في إثبات الصفات واألسماء أنهم ال يلحدون في أسماء هللا وآياته كما قال تعالى‪} :‬وهلل األسماء‬
‫الحسنى فادعوه بها وذرا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون{وقال تعالى}‪:‬إن الذين يلحدون في آياتنا ال يخفون‬
‫علينا{‪.‬‬

‫واإللحاد لغة الميل والجور واالنحراف واإللحاد يكون في أسماء هللا تعالى إما بتعطيلها أو تمثيلها أو إنكارها‪..‬ويكون في اآليات‬
‫بتكذيبها أو تحريفها أو مخالفتها‪.‬‬

‫فطريق أهل السنة والجماعة في إثبات األسماء والصفات هي اإليمان بجميعها من غير تحريف وال تعطيل ومن غير تكييف وال‬
‫تمثيل‪.‬‬

‫قال العالمة ابن القيم رحمه هللا تعالى في نونيته‪:‬‬

‫أسماؤه أوصاف مدح كلها مشتقة قد حملت لمعان‬

‫إياك واإللحاد فيها انه كفر معاذ هللا من كفران‬

‫وحقيقة اإللحاد فيها الميل بال ﺈشراك والتعطيل والنكران‬

‫فالملحدون إذا ثالث طوائف فعليهم غضب من الرحمن‬

‫وقال أيضا رحمه هللا تعالى‪:‬‬

‫من شبه هللا العظيم بخلقه فهو النسيب لمشرك نصراني‬

‫أو عطل الرحمن من أوصافه فهو الكفور وليس ذا إيمان‬


‫وفي آخره قال‪:‬‬

‫وكل ما له من الصفات أثبتها في محكم اآليات‬

‫أو صح فيما قاله الرسول فحقه التسليم والقبول‬

‫نمرها صريحة كما أتت مع اعتقادنا لما له اقتضت‬

‫من غير تحريف وال تعطيل وغير تكييف وال تمثيل‬

‫بل قولنا قول أئمة الهدى طوبى لمن يهديهم قد اهتدى‬

‫شروط التوحيد‬
‫وبعد االنتهاء من شرح معنى التوحيد وأنواعه نشرع في شرح شروط التوحيد أو شروط ال هللا إال هللا‬

‫‪4‬‬
‫الشرط جمع شروط وهو لغة‪ :‬العالمة ومنه قوله تعالى‪ }:‬فقد جاء اشراطها{ واصطالحا‪ :‬ما يلزم من عدمه العدم وال يلزم من وجوده‬
‫الوجود فإذا عدمت الشروط أو بعضها عدم المشروط وال يلزم من وجود الشرط وجود المشروط والشرط مقدم على المشروط‪.‬وقد‬
‫يقول قائل من أين هذه الشروط السبعة؟نقول هي مستنبطة من الكتاب والسنة باالستقراء والتتبع كما اجمع العلماء على أن للصالة‬
‫شروطا واركانا وغير ذلك مما قرره أهل العلم مما لم يرد به نص فإنما باالستقراء والتتبع لآليات القرآنية واألحاديث النبوية‪.‬‬

‫فمعنى ال اله إال هللا ال معبود بحق إال هللا أي ال مالوه يستحق العبادة كلها وحده دون من سواه إال هللا سبحانه وتعالى وكل مالوه‬
‫سوى هللا عز وجل فإلهيته باطلة هذا هو معنى هذه الكلمة وليس معناها كما يقول بعض الجهال أن ال يخلق وال يرزق إال هللا فهذا‬
‫اإلقرار ال يكفي كما بينا قبال في أنواع التوحيد الن هذا قد اقره الكفار قديما وحديثا‪.‬‬

‫و أول شرط من شرط ال اله إال هللا هو‪:‬‬

‫‪.1‬العلم‪ :‬العلم بمعناها والعمل بمقتضاها والعلم هو معرفة الهدي بدليله والدليل قال هللا قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ودليل‬
‫العلم قوله تعالى}‪ :‬فاعلم انه ال هللا إال هللا{ وقال‪} :‬إال من شهد بالحق وهم يعلمون{وشهادة الحق هي ال اله إله هللا ويعلمون أي‬
‫بقلوبهم من نطقوا به بألسنتهم‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬وكل من بغير علم يعمل أعماله مردودة ال تقبل‬
‫ومن السنة الحديث الثابت في الصحيح عن عثمان رضي هللا عنه قال﴿من مات وهو يعلم انه ال اله إال هللا دخل الجنة﴾‬
‫والسنة لغة‪ :‬الطريقة واصطالحا‪ :‬أقوال النبي صلى هللا عليه وسلم وأفعاله وتقريرا ته‪.‬‬
‫والعلم ينقسم إلى قسمين فرض عين وفرض كفاية‬
‫‪‬فرض عين‪ :‬ال احد يعذر بجهله له وهو ما ال يستقيم دين العبد اال به من معرفة العقيدة الصحيحة ومعرفة أحكام الصالة والزكاة‬
‫والصيام والحج‪.‬‬

‫‪ ‬فرض كفاية‪ :‬وهو ما تعلمه فرض كفاية وليس على كل مسلم بل على من عنده االستعداد لذلك وهو تعلم بقية أبواب العلم من فقه‬
‫المعامالت وفقه المواريث وفقه االنكحة والى غير ذلك فهذا النوع إذا قام به من يكفي سقط الفرض عن الباقين‪.‬‬

‫إذن فتعلم التوحيد هو فرض عين ال يعذر احد بجهله له ألنه حق هللا على عباده كما ذكر ذلك رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لمعاذ‬
‫أتدري ما حق العباد على هللا وما حق العباد على هللا قال هللا ورسوله اعلم قال حق هللا على العباد أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا‪...‬‬
‫فال اله إال هللا كلمة معناها لفظ له معنى فال اله إال هللا نفي واثبات ( ال اله)نفي و(إال هللا)إثبات‪.‬‬
‫) فلا اله (تنفي أربع أمور األرباب واألنداد واآللهة والطواغيت‪.‬‬

‫‪ ‬الرب ‪ :‬هو كل من صرف له فعل من أفعال هللا تعالى الخاصة بربوبيته ‪ .‬ودليل ذلك قوله تعالى ‪ {:‬اتخذوا أحبارهم ورهبا نهم‬
‫أربابا ً من دون هللا والمسيح ابن مريم وما أمروا إال ليعبدوا إلها ً واحداً ال إله إال هو سبحانه عما يشركون}‪[  ‬التوبة ‪]31 :‬‬

‫‪ ‬واإلله ‪ :‬هو كل من صرف له عبادة من العبادات الخاصة بألوهية هللا تعالى‪ ,‬سواء كان إنسان حيا ً أو جماداً منحوتا ً ‪ .‬ودليل ذلك‬
‫قوله تعالى ‪ }:‬وقالوا ال تذرن آلهتكم وال تذرن وداً وال سواعا ً وال يغوث ويعوق ونسراً{ [نوح ‪ . ]23 :‬وقال تعالى ‪ }:‬واذ قال هللا يا‬
‫عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون هللا قال سبحانك ‪ {. . .‬اآلية‪[  ‬المائدة ‪. ]116 :‬‬

‫‪‬األنداد ‪ :‬كل ما شغلك عن ذكر هللا وقد جمع هللا األمور التي تشغل اإلنسان على دينه وتوعده بالعذاب إن قدمها على دينه والعياذ‬
‫باهلل قال تعالى}‪ :‬قل إن كان ءابائكم و أبنائكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن‬
‫ترضونها أحب إليكم من هللا ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي هللا بأمره وهللا ال يهدي القوم الفاسقين{‪.‬‬

‫‪‬الطواغيت‪ :‬والطاغوت هو كل ما عبد من دون هللا وهو راض عن العبادة بصفة عامة يقول تعالى }فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن‬
‫باهلل فقد استمسك بالعروة الوثقى{‪.‬‬
‫وإال هللا تثبت القصد واإلرادة والخوف والرجاء والتعظيم والمحبة ومدار العبادة على هذه األمور‪.‬‬

‫فال اله اال هللا معناها نفي جميع ما يعبد من دون هللا ونتبث جميع العبادات بأنواعها هلل عز وجل فالبد من العلم بمعنى هده الكلمة‬
‫العظيمة حتى ال يقع اإلنسان في ما يناقضها وهو ال يعلم والعياذ باهلل‪.‬‬

‫‪.2‬اليقين‪ :‬وهو الشرط الثاني ومعنى اليقين إزاحة الشك وذلك من قوة العلم وكماله ودليل اليقين قوله تعالى }إنما المومنون الذين‬
‫امنوا باهلل ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل هللا أولئك هم الصادقون{ شرط هللا في صدق إيمانهم باهلل‬
‫ورسوله كونهم لم يرتابوا أي لم يشكوا فأما المرتاب فهو من المنافقين‪.‬‬
‫ومن السنة الحديث الصحيح عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم( اشهد أن ال اله إال هللا واني رسول هللا ال يلقى هللا بهما عبدا غير‬
‫شاك فيهما إال دخل الجنة(‬
‫والشاهد من هذا الحديث قوله غير شاك فاشترط في الشهادتين الموجبتين لدخول الجنة عدم الشك ألنه ينافي اليقين‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫والشك والريب مترادفان والشك في علم األصول تجويز أمرين ال مزية ألحدها على اآلخر‪.‬‬
‫فمن شك في مسالة حسمت بنص فانه لم يحقق مدلول الكلمة كمن شك في وجود الجن أو المالئكة أو البعث أو أو‪...‬كل المسائل التي‬
‫أمرنا هللا اإليمان بها خصوصا األمور الغيبية التي يعترض عليها اغلب المتفلسفون كعدم إيمانهم إال باألمور الملموسة المحسوسة‬
‫وتكذيبهم لوجود الجن والذي فيه آية صريحة من القران في قوله تعالى‪ }:‬وما خلقت الجن واإلنس إال ليعبدون{ وغير ذلك من‬
‫األقوال الكفرية التي إن دلت على شيء فإنها تدل على أن هذا الشخص جاهل تمام ألمور اإلسالم وانه لم يحقق شرط اليقين الذي هو‬
‫من مستلزمات ال اله إال هللا وأيضا الرجل الذي شك في الساعة في قوله تعالى ‪ }:‬ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد‬
‫هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي ألجدن خيرا منهما منقلبا قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من‬
‫تراب ثم من نطفة ثم سواك رجال لكنا هو هللا ربي وال أشرك بربي أحدا{ إذن فمن امن باهلل عز وجل وجب عليه أن يؤمن أيضا بما‬
‫اخبره هللا به في قرانه وسنته نبيه سواء استوعب عقله ذلك أم لم يستوعب من وجود الجن والمالئكة والجنة والنار وغير ذلك من‬
‫األمور الغيبية التي أمرنا هللا عز وجل باإليمان بها‪.‬‬
‫واعلم أن باليقين يحصل للمسلم الخوف من هللا تعالى وال يكون ذلك إال بالعلم طبعا فيحصل للمسلم يقين جازم بأنه ينتظره يوم عظيم‬
‫وحساب طويل فال تراه إال ذاكرا واقفا عند حدود هللا عز وجل تائبا راجعا عند كل زلة يصيبها بسبب النفس األمارة بالسوء والهوى‬
‫وهذا ال يعني انتفاء اليقين على العاصي الذي لم ينتهي عن معصيته ولكن مرتبة اليقين واإليمان عند األول اكبر من اآلخر فاألول‬
‫وصل إلى مرتبة اإلحسان التي قيل فيها أن تعبد هللا كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك‪.‬‬

‫االخالص‪ :‬وهو لغة التصفية وشرعا محبة هللا وإرادة وجهه وتصفية العبادة كلها له وحده ال شريك له ألنه هو المستحق لها دون‬
‫من سواه وضد اإلخالص الشرك ومعناه صرف نوع من انواع العبادة التي ال تكون اال هلل لغير هللا ودليل اإلخالص قول هللا عز وجل‪:‬‬
‫}أال هلل الدين الخالص{ وقال} وما أمروا إال ليعبدوا هللا مخلصين له الدين حنفاء{فاهلل عز وجل ال يقبل اي عمل اال اذا توفر فيه‬
‫شرطين ان يكون خالصا لوجهه وان يكون موافقا لسنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لقوله ‪(:‬من عمل عمال ليس عليه امرنا فهو‬
‫رد(‬

‫‪.5‬المحبة‪ :‬وضد المحبة الكراهية والدليل قوله تعالى‪ }:‬يا ايها الذين امنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف ياتي هللا بقوم يحيهم‬
‫ويحبونهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل هللا وال يخافون لومة الئم ذلك فضل هللا يوتيه من يشاء وهللا‬
‫واسع عليم{‪.‬‬
‫فمن ابغض شيئا مما جاء به هللا فانه لم يحقق شرط المحبة يقول تعالى‪ }:‬قل ان كنتم تحبون هللا فاتبوعوني يحببك هللا ويغفر لكم‬
‫ذنوبكم وهللا غفور رحيم{ فنحب هللا ورسوله والمومنون ونحب نصرة الدين‪....‬فمن ابغض كل هذا فهدا ال شك في انه منافق والعياذ‬
‫باهلل والمحبة تنقسم الى أقسام اهمها‪:‬‬
‫‪‬محبة هللا‪ :‬وهي غير كافية للدخول الى االسالم الن كل واحد يدعي حب هللا فاليهود تدعي حب هللا والنصارى تدعي حب هللا‬
‫‪...‬ولكن هاته المحبة غير كافية للدخول الى االسالم‪.‬‬
‫‪‬محبة ما يحب هللا‪ :‬وهي التي تدخل االنسان إلى اإلسالم ألنه ينقاد ويتبع ما أمره هللا به‪.‬‬
‫‪‬المحبة الشركية وهي أن يبلغ به حب شخص ما لدرجة ان يتخد ندا مع هللا والعياذ باهلل كما قال تعالى‪} :‬ومن الناس من يتخد من‬
‫دون هللا أندادا يحبهم كحب هللا والذين امنوا اشد حبا هلل{ وأمثلة ذلك كثيرة فهناك من يحب ويعظم األولياء أكثر من هللا مثال إن قلت‬
‫له احلف باهلل على الكذب حلف وإذا قلت له احلف بالسيد فالن ال يستطيع والعياذ باهلل‪.‬‬

‫وهناك ايضا المحبة الطبيعية كمحبة الزوجة واالوالد والوالدين‪...‬وهي مباحة ولكن ان يتحول حب هذا الشخص فوق حب هللا‬
‫ورسوله فقد اتخذه ندا والعياذ باهلل كان يأمر الزوج مثال زوجته بخلع الحجاب ‪...‬فهذه المحبة اصبحت شركية والعياذ باهلل‪.‬‬

‫‪‬المحبة في هللا ‪ :‬وهي محمودة وفيها من األجر الكثير أي محبة الشخص لدينه ليس إال لم يحبه من اجل مصلحة دنيوية أو غير‬
‫ذلك وإنما أحبه هلل فعن انس رضي هللا عنه ان النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪(:‬ثالث من كن فيه و جد حالوة االيمان ان يكون هللا‬
‫ورسوله أحب إليه مما سواهما وان يحب المرء ال يحبه اال هلل وان يكره أن يعود في الكفر بعد ان أنقذه هللا منه كما يكره ان يقذف‬
‫في النار) متفق عليه‪.‬‬

‫وجزاء المحبة في هللا عظيم جدا فعن ابي هريرة رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪( :‬سبعة يظلهم هللا في ظله يوم ال‬
‫ظل إال ظله منهم رجالن تحابا في هللا اجتمعا عليه وتفرقا عليه( ‪.‬‬
‫وعنه أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪ (:‬أن رجال زار أخا له في قرية أخرى فارصد هللا له على مدرجته ملكا وذكر الحديث إلى‬
‫قوله أن هللا قد احبك كما أحببته في‪( .‬‬
‫نعم فقد كانت نية زيارته هلل وليس ألجل أي غرض دنيوي فاستحق حب هللا له‪.‬‬
‫وعن معا ذ رضي هللا عنه قال سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول‪]:‬قال هللا عز وجل (المتحابون في جاللي لهم منابر من‬
‫نور يغبطهم النبيون والشهداء)[‪.‬‬

‫نعم فالمسلم الحق ال يحب إال من أحب هللا وال يبغض إال من ابغض هللا ويوالي في هللا ويعادي في هللا وهذا ال يكون إال للمسلم الحق‬
‫المحب المخلص هلل عز وجل‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪.6‬القبول‪ :‬وضد الكلمة الرد فقبول أمر هللا ال رأي لنا فيه وإنما هو أمر وال نناقش هذا األمر وإنما نسمع ونطيع واغلب الكفار ردوا‬
‫هذه الكلمة العظيمة لما علموا مستلزماتها كما ردها كفار قريش وغيرهم خصوصا إذا خالفت ما كانوا عليه من دين اآلباء واألجداد‬
‫كما قال تعالى‪ }:‬وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إال قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على امة وإنا على آثارهم مقتدون قال‬
‫أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آبائكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون‪ .‬فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين {وقال‪ }:‬إذا‬
‫قيل لهم ال اله إال هللا يستكبرون ويقولون ائنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون‪{.‬‬
‫ومن السنة ما ثبت في الصحيح عن أبي موسى رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪( :‬مثل ما بعثني هللا به من الهدى‬
‫والعلم كمثل الغيث الكثير وكانت منها اجادب أمسكت الماء فنفع هللا بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب طائفة أخرى وإنما‬
‫هي قيعان ال تمسك ماء وال تنبت ﻛﻷ فذلك مثل من فقه في دين هللا ونفعه ما بعثني هللا به فعلم وعلم ومثل من يرفع بذلك رأسا ولم‬
‫يقبل هدى هللا الذي أرسلت به(‬
‫وفي هذا الحديث العظيم ثالثة أصناف من الناس‪:‬‬
‫‪.1‬من قبل الحق وعمل به وعلمه غيره فهذا أعظم الناس أجرا وهو من فقه في دين هللا فعلم وعمل وعلم غيره وهم أهل الرواية‬
‫والدراية أي الحفظ والفقه‪.‬‬

‫‪.2‬من لهم نصيب من الحفظ مع العمل دون الفقه وهم أهل الرواية فنفع هللا بهم الناس بتبليغ العلم دون استنباط أحكامه واستخراج‬
‫كنوزه‪.‬‬

‫‪ .3‬أقماع القول الذين ليسوا بأهل رواية وال دراية وال عمل إن هم كاألنعام بل هم أضل سبيال‪.‬‬

‫إذن فالواجب هو قبول شرع هللا دون أي تعليق أو جدال كمن يجادل عن الحجاب والعياذ باهلل أو عن تعدد الزوجات فال حول وال قوة‬
‫إال باهلل العلي العظيم فالقران واضح من قبله نجا ومن رده هلك‪.‬‬

‫‪ .7‬االنقياد‪ :‬والدليل قوله تعالى‪ }:‬فال وربك ال يومنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ال يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت‬
‫ويسلموا تسليما{ وقال تعالى‪}:‬إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى هللا ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا واطعنا واؤلئك هم‬
‫المفلحون{‬
‫نعم فقول المؤمن إذا دعي إلى قول هللا ورسوله أن ينقاد بقلبه وجوارحه ويسمع ويطيع وال يكون كاهل الكتابين من قبل قالوا سمعنا‬
‫وعصينا والعياذ باهلل فهناك من يقبل شرع هللا بقوله نعم هذا هو الحق ولكن ال ينقاد إليه إما ألنه ال يوافق أغراضه الدنيوية أو انه‬
‫يخالف دين اآلباء واألجداد فيصعب عليه فراق دينهم وتكفيرهم كما فعل أبو طالب عم الرسول صلى هللا عليه وسلم فقد اقر بدين‬
‫محمد ويعلم صدق ابن أخيه وأمانته وانه على الحق ودافع عنه وأعانه على الدعوة ولكن لم ينقد حقق شرط القبول ولم يحقق شرط‬
‫االنقياد فلم ينفعه ذلك فمات على الكفر كما هو معلوم والعياذ باهلل‪.‬‬

‫وقد يرجع أيضا سبب عدم االنقياد لشرع هللا الخوف كما حدث الؤلئك النفر من اليهود الذين أتوا الرسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫قالوا نشهد أن ال اله إال هللا وانك رسول هللا فأمرهم بان ينقادوا لمستلزمات الكلمة فأجابوه أنهم إذا فعلوا لم يتركوهم قومهم ولم‬
‫ينفعهم ذلك اإلقرار وكما حدث أيضا مع ملك فارس حينما بعث له رسول هللا صلى هللا عليه وسلم رسالة يدعوه إلى اإلسالم اقر انه‬
‫رسوله هللا ولكن لما علم أن األساقفة رفضوا اثر الملك على الدين وخاف على عرشه واستحب الحياة الدنيا فلم ينفعه إقراره بدون‬
‫انقياد‪.‬‬

‫نواقض التوحيد‬

‫‪7‬‬
‫بعد االنتهاء من شرح الشروط فاعلم انه يلزمك تعلم نواقص التوحيد أي تعلم اإلسالم وما يناقضه أيضا حتى ال يقع المسلم فيها وهو‬
‫ال يعلم والعياذ باهلل‪.‬‬

‫وكما قيل‪:‬‬

‫النواقض‪ :‬جمع ناقض اسم فاعل والنقض في األصل حل المبرم وإفساده من نقضت الشيء إذ أفسدته قال تعالى‪}:‬وال تنقضوا اإليمان‬
‫بعد توكيدها{وقال تعالى‪ }:‬وال تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا{سورة النحل‪92‬‬

‫فنو اقض اإلسالم هي مفسداته ومبطالته التي متى طرأت عليه أفسدته وأحبطت العمل وصار صاحبه من المخلدين في النار والعياذ‬
‫باهلل كالحدث إذا دخل في الطهارة أفسدها وأبطلها‪.‬‬

‫وقد جمعها الشيخ محمد ابن عبد الوهاب رحمه هللا تعالى في عشرة نواقض حتى يسهل على الناس معرفتها وقد ذكر هذه العشرة‬
‫ألهميتها الن األغلب يقع في هذه النواقض وهي أكثر من ذلك كما يذكره الفقهاء في كل باب حكم المرتد فهو المسلم الذي يكفر بعد‬
‫إسالمه نسال هللا العافية والسالمة ولذلك وجب على كل مسلم أن يخاف على دينه أكثر مما يخاف على نفسه وعلى ماله فيخاف أن‬
‫يقع في فتنة الشهوات أو الشبهات ألنهما سبب خروج اإلنسان على دينه والعياذ باهلل يقول النبي صلى هللا عليه وسلم ‪(:‬أنها ستكون‬
‫فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافر ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا ) فالمسلم ما دام‬
‫على قيد الحياة فانه معرض للفتن ومعرض للردة عن دين هللا لهذا كان إمام الحنفاء الخليل عليه السالم يدعوا ربه فيقول}واجنبني‬
‫وبني أن نعبد األصنام رب إنهن اضللن كثيرا من الناس{ فهذا الخليل الذي كسر األصنام بيده وأوذي والقي في النار يخاف على نفسه‬
‫من أن يرتد عن التوحيد ويعبد األصنام وهذا نبي هللا محمد صلى هللا عليه وسلم وهو أكمل الناس إيمانا وأكملهم توحيدا يخاف على‬
‫نفسه فيدعوا ويقول‪ }:‬يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك{ فتقول له عائشة رضي هللا عنها تخاف على نفسك؟فيقول الرسول صلى‬
‫هللا عليه وسلم يا عائشة وما يؤمنني وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن؟ فإذا كان الخليلين إبراهيم ومحمد صلوات هللا‬
‫عليهم خافا على دينهما فالواجب ممن هو دونهما أن يخاف أكثر والخوف وحده ال يكفي فالبد أن يكون مع الخوف عمل يقيه من هذه‬
‫الفتنة وال ننجى من فتنة الشبهات والشهوات إال بالتعلم الن الجاهل قد يقع في هذه النواقض وهو ال يدري بل يقلد الناس ومن يحسن‬
‫بهم الظن فيفعل مثل فعلهم وأما العالم الرباني فانه ينفعه علمه بإذن هللا ويتجنب هذه األمور ومن كان باهلل اعرف كان من هللا أخوف‬
‫فالبد من تعلم التوحيد ويعمل به ويتعلم نواقض اإلسالم حتى يتجنبها وال يقع فيها كما قال حذيفة ابن اليمان كان الناس يسالون‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن الخير وكنت اسأله عن الشر مخافة أن يدركني ‪.‬‬

‫‪1.‬الشرك‪ :‬أول ناقض هو الشرك و معناه صرف نوع من أنواع العبادات التي ال تكون إال هلل لغير هللا‪.‬‬

‫والعبادة كما شرحها الشيخ ابن تيمية هي اسم جامع لكل ما يحيه هللا ويرضاه من األعمال واألقوال الظاهرة والباطنة‪.‬‬

‫فمن صرف شيئا من أنواع هذه العبادات كالذبح أو النذر أو الدعاء أو غير ذلك لغير هللا فقد أشرك باهلل الن هذا هو معنى الشرك أن‬
‫تخلص هلل في بعض األمور وتشرك به في بعض األمور األخرى والعياذ باهلل فمن اخلص جميع أعماله هلل فقد نجا‪.‬‬

‫والشرك ينقسم إلى ثالث أقسام‪ :‬اكبر مخرج من الملة واصغر غير مخرج من الملة وشرك خفي غير مخرج من الملة أيضا‪.‬‬

‫والشرك األكبر ينقسم بدوره إلى أربع أقسام‪:‬‬

‫‪.1‬شرك الدعاء‪ :‬أي الدعاء والدليل قوله تعالى‪}:‬فإذا ركبوا في الفلك دعوا هللا مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم‬
‫يشركون{يخبر تعالى عن الكفار المشركين به أنهم إذا كانوا في البحر على السفن التي سخرها هللا لهم تسير بهم حيث شاءوا‬
‫بسهولة فإذا جاءتهم ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وتيقنوا بالهالك لجئوا حينئذ إلى هللا وحده في كشف كربتهم لعلمهم‬
‫انه ال ينجيهم إال هو وحده فيخلصون له الدين والدعاء بالتضرع والبكاء ويتركون آلهتهم كلها ويقولون لئن أنجيتنا من هذه لنكونن‬
‫من الشاكرين فيستجيب دعائهم الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويوصلهم إلى مطلوبهم سالمين فإذا نزلوا عن السفينة‬
‫عادوا إلى شركهم وكفرهم يخادعون هللا وهو خادعهم ولكن لتمام علمه وحكمته وحلمه يمهلهم إلى اجل مسمى ولو شاء ألهلكهم في‬
‫البر أو في أي مكان كانوا فإذا كان يوم القيامة فإذا الحجة قد قامت عليهم فيدخلون جهنم داخرين خالدين فيها أبدا والعياذ باهلل‪.‬‬

‫وقد قال شيخ اإلسالم رحمه هللا تعالى في القواعد األربع القاعدة الرابعة‪:‬أي مشركي زماننا أغلظ شركا من األولين الن األولين‬
‫يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة ومشركوا زماننا شركهم دائم في الرخاء والشدة‪.‬‬

‫نعم فأهل زماننا يشركون في الرخاء والشدة ومثال ذلك أن المرأة إذا لم تنجب ذهبت إلى الولي الفالني تدعوه فان منحها هللا الولد‬
‫حملت إلى الولي ما يسمى بالمرفوضة وهي عبارة عن ذبيحة تذبحها عند ضريح الولي كل سنة والعياذ باهلل فهذه أشركت مع هللا في‬
‫الشدة أي عند الرغبة في الولد وفي الرخاء أيضا وقد يتلبس هذا األمر على الكثير بقولهم ولماذا عندما تذهب ترزق الولد أو الزوج‬

‫‪8‬‬
‫سبحان هللا فان ذلك الرزق كان آتي ال محال ولكنها استعجلت في الرزق وأشركت باهلل ويمكن تلخيص حقيقة هذا األمر بان ذاك‬
‫الضريح الذي يقصده هؤالء الجهال لجلب المنفعة أو دفع ضر هو مكان مليء والعياذ باهلل بملوك الجن والشياطين همهم وهدفهم‬
‫األول واألخير إخراج اإلنسان من دائرة اإلسالم فيزينون لهم الكفر وبأي طريقة كانت كما اقسم الملعون في قوله تعالى وعزتك‬
‫وجاللك ألغوينهم أجمعين فمثال عندما تأتي واحدة إلى ذلك الضريح تريد الولد ينظر إن كانت تطبب عالجوها وان كان بها سحر يفك‬
‫سحرها بطرد الجني المكلف بسحرها وهي عندما تعالج تظن أن النفع والضر بيد الولي وهذا ما يريده الشياطين منها‪.‬‬

‫‪2.‬شرك النية واإلرادة والقصد‪ :‬والدليل قوله تعالى‪} :‬من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم ال‬
‫يبخسون‪.‬اؤلئك الذين ليس لهم في اآلخرة إال النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون{‪.‬‬

‫شرك النية وهي لغة القصد وهو عزم القلب على فعل الشيء‪.‬واإلرادة لغة‪ :‬الميل‪ .‬والقصد لغة‪ :‬الطلب فهذه الثالث كالمترادفات‬
‫ومعناها متقارب‪.‬‬

‫والمقصود أن من نوى وأراد بإعماله الدنيا أو الرياء كاهل النفاق الخلص إرادة كلية ولم يقصد بها وجه هللا تعالى والدار اآلخرة فهو‬
‫مشرك الشرك األكبر أما من أراد بأعماله هللا والدار اآلخرة ولكن طرا على بعض أعماله رياء أو نحو ذلك فليس داخال في ذلك بل‬
‫يكون عمله شرك اصغر كما سيأتي الكالم عليه إن شاء هللا‪.‬‬

‫واآلية التي في سورة هود تبين أن كل من عمل ألجل الدنيا وترك اآلخرة انه يعطى ما طلب من غير نقصان ولكن بين هللا تعالى في‬
‫سورة اإلسراء أن هذه اآلية ليست مطلقة لكل احد بل مقيدة بمن أراد هللا سبحانه وتعالى كما قال‪} :‬من كان يريد العاجلة عجلنا له‬
‫فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصالها مذموما مدحورا‪{.‬‬

‫اخرج مسلم من حديث عن أبي هريرة رضي هللا عنه سمعت النبي صلى هللا عليه وسلم يقول‪(:‬إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه‬
‫رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها فقال ما عملت بها؟قال‪:‬قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكنك قاتلت الن يقال جرئ‬
‫فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى القي في النار ورجل تعلم العلم وعلمه أو قرأ القران فأتي به فعرفه نعمه فعرفها فقال ما‬
‫عملت فيها؟ قال تعلمت وعلمته وقرأت القران فيك قال كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القران ليقال قارئ فقد قيل ثم أمر‬
‫به فسحب على وجهه حتى القي في النار ورجل وسع هللا عليه وأعطاه من أصناف المال فأتي به فعرفه نعمه فعرفها فقال فما عملت‬
‫فيها؟ فقال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيه إال أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب‬
‫على وجهه حتى القي في النار(‬

‫وفي الحديث‪:‬أن معاوية لما بلغه هذا الحديث غشي عليه فلما أفاق قال صدق هللا ورسوله قال هللا عز وجل(من كان يريد الحياة الدنيا‬
‫وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم ال يبخسون‪.‬اؤلئك الذين ليس لهم في اآلخرة إال النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا‬
‫يعملون(‬

‫شرك الطاعة‪ :‬والدليل قوله تعالى‪ } :‬اتخذوا أحبارهم ورهباهم أربابا من دون هللا والمسيح ابن مريم وما أمروا إال ليعبدوا إلها واحدا‬
‫ال اله إال هو سبحانه عما يشركون{ سورةالتوبة‪.31‬‬
‫تفسير ابن كثير‪:‬روى اإلمام احمد والترمذي وابن جرير من طرق عن عدي بن حاتم رضي هللا عنه انه لما بلغته دعوة رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم فر إلى الشام وكان قد تنصر في الجاهلية فأسرت أخته وجماعة من قومه ثم من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫على أخته وأعطاها فرجعت إلى أخيها فرغبته في اإلسالم وفي القدوم على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقدم عدي إلى المدينة‬
‫وكان رئيسا في قومه طيء وأبوه حاتم الطائي المشهور بالكرم فتحدث الناس بقدومه فدخل على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫وفي عنق عدي صليب من فضة وهو يقرا قوله تعالى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون هللا‪ ..‬قال فقلت‪:‬أنهم لم يعبدوهم‬
‫فقال‪(:‬بلى إنهم حرموا عليهم الحالل واحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم‪.‬انتهى)‬
‫وبعد سؤال عدي لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم دعاه إلى اإلسالم فاسلم وكان أول ما تعلمه من الرسول صلى هللا عليه وسلم هو‬
‫مفهوم العبادة وأنها ليست فقط ركوع وسجود وإنما الطاعة في التحليل والتحريم أيضا عبادة فتعلمه واقر به وعمل به رضي هللا‬
‫عنه وعن جميع المسلمين‪.‬‬

‫وهذا الغلط في مفهوم العبادة وقع فيه أهل زماننا ايضا وقد صدق الصادق األمين صلى هللا عليه وسلم حينما قال‪(:‬لتتبعن سنن من‬
‫كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى إذا دخلوا جحر ضب دخلتموه قالوا‪:‬اليهود والنصارى قال فمن غيرهم‪( .‬‬

‫وقال السدي في قوله تعالى ‪ }:‬اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون هللا{قال استنصحوا الرجال ونبذوا كتاب هللا وراء ظهورهم‬
‫ولهذا قال تعالى‪}:‬وما أمروا إال ليعبدوا إلها واحدا){ أي الذي إذا حرم الشيء فهو حرام وما أحله فهو الحالل وما شرعه اتبع وما‬
‫حكم به نفذ‪( .‬‬

‫نعم وهذا ما يظهر على ارض واقعنا استنصحوا الرجال ونبذوا كتاب هللا وراء ظهورهم فأين شرع هللا وحكمه؟وهل اتبع شرعه أم‬
‫نبذ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫فاهلل سبحانه وتعالى وضع أحكاما وبين لنا الحالل منها والحرام فحرم علينا الربا والزنا لكنه في الواقع الربا حالل والزنا حالل نجد‬
‫البنوك الربوية المرخص لها والمشجع عليها بكل وسائل اإلعالم وإغراء الشخص بكل الوسائل حتى يقوم بالربا والعياذ باهلل وكذلك‬
‫الزنا أصبح لها دور مرخص لها وأما التحريم فواضح جدا ممنوع الصالة أثناء العمل الصالة يا عباد هللا عمود اإلسالم وممنوع لبس‬
‫الحجاب الشرعي في العمل‪....‬حتى انه من أراد في هذا الزمان أن يتمسك بدينه شعر بالغربة كما قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪ (:‬بدا‬
‫اإلسالم غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء )وأحس وكأنه قابض في يده جمرة كما قال أيضا صلى هللا عليه وسلم القابض على‬
‫دينه كالقابض على الجمر‪.‬‬

‫وما يدل داللة صريحة على أن الطاعة في التحليل والتحريم شرك المناظرة التي حدثت بين المسلمين والمشركين حول تحريم الميتة‬
‫حيث أراد المشركون إقناع المسلمين بأنه ال فرق بين الشاة تموت وحدها والشاة التي يذبحها المسلمون بشبهة أن الميتة إنما ذبحها‬
‫هللا تعالى فانزل هللا تعالى حكمه من فوق سبع سموات }وان أطعتموهم إنكم لمشركون{أي لو أنهم أطاعوهم فيما قالوا ألصبحوا بها‬
‫كافرين‪.‬‬

‫إذن فالطاعة الشركية ليست مقتصرة على الركوع والسجود ودعاء غير هللا وإنما أيضا الطاعة في التحليل والتحريم وقد صدق ابن‬
‫المبارك حينما قال‪:‬وهل افسد الدنيا إال الملوك وأحبار السوء ورهبانهم‪.‬‬

‫‪.4‬شرك المحبة‪ :‬والدليل قوله تعالى‪} :‬ومن الناس من يتخذ من دون هللا أندادا يحبونهم كحب هللا‪{..‬‬
‫والمراد بهذه المحبة محبة العبودية المستلزمة لإلجالل والتعظيم والذل والخضوع التي ال تنبغي إال هلل وحده ال شريك له ومتى أحب‬
‫العبد بها غيره معه فقد أشرك به الشرك األكبر‪.‬‬
‫أما المحبة الطبيعية كمحبة المال واألهل والولد‪ ...‬ونحو ذلك فليست كذلك بل هي مباحة إذا لم تقدم على محبة هللا ورسوله أو‬
‫تزاحمها أو تؤذي إلى معصية هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم بل قد تكون مستحبة بحسب النية الصالحة‪.‬‬
‫أما محبة الرسول صلى هللا عليه وسلم فهي تابعة لمحبة هللا الزمة لها بل قد نفى النبي صلى هللا عليه وسلم إيمان العبد حتى يكون‬
‫صلى هللا عليه وسلم أحب إليه من ولده والناس أجمعين كما في الصحيحين وغيرهما‪.‬‬
‫والمقصود أن المحبة عبادة من اجل أنواع العبادات فمن صرفها لغير هللا فقد أشرك به الشرك األكبر)للتفصيل أكثر ارجع لشرح شرط‬
‫المحبة في درس الشروط(‪.‬‬
‫النوع الثاني من أنواع‪ :‬الشرك األصغر وهو الرياءوالدليل قوله تعالى (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عمال صالحا وال يشرك بعبادة‬
‫ربه أحد(‬

‫والفرق بين الشرك األكبر واألصغر ما يلي‪:‬‬


‫‪‬الشرك األصغر ال يوجب الخلود في النار كاألكبر‪.‬‬
‫‪‬انه ال يحبط جميع األعمال وإنما يحبط العمل الذي قارنه فقط أو ينقض ثواب العمل‪.‬‬
‫‪‬أن صاحبه ماله إلى الجنة سواء عذب أو أو لم يعذب بخالف األكبر‪...‬‬

‫إلى غير ذلك من الفوارق‪.‬‬


‫والشرك األصغر هو أعظم الذنوب بعد الشرك األكبر واكبر من الكبائر حتى إن بعض أهل العلم يختار إن من مات على الشرك األصغر‬
‫قبل التوبة منه انه البد من دخوله النار وتعذيبه على قدر شركه كما هو ظاهر اآلية}إن هللا ال يغفر أن يشرك به{ ولكنه ال يخلد في‬
‫النار بل ماله إلى الجنة كما هو معتقد أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫وقد فسر الشيخ الشرك األصغر بالرياء والدليل على ذلك ما رواه اإلمام احمد وغيره عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪( :‬إن أخوف‬
‫ما أخاف عليكم الشرك األصغر قالوا وما الشرك األصغر قال الرياء يقول هللا تعالى يوم القيامة إذا جازى الناس بأعمالهم اذهبوا إلى‬
‫الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟)حديث صحيح‪.‬‬
‫ففي هذا الحديث بيان واضح في تسميته بالرياء وفيه انه أخوف ما يخاف منه على الصالحين فإذا كان النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫يخاف على الصحابة رضوان هللا عليهم أجمعين مع قوة إيمانهم وعلمهم فغيرهم ممن هو دونهم باضعاف أولى بالخوف من الشرك‬
‫أصغره وأكبره‪.‬‬
‫وروى ابن خزيمة في صحيحه عن محمود بن لبيد رضي هللا عنه قال خرج علينا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال‪ (:‬يا أيها‬
‫الناس إياكم وشرك السرائر قالوا يا رسول هللا وما شرك السرائر؟ قال يقوم الرجل فيصلي فيزين صالته لما يرى من نظر الرجل إليه‬
‫فذلك شرك السرائر(‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه هللا تعالى‪( :‬وأما الشرك األصغر فكيسير الرياء والتصنع للخلق والحلف بغير هللا وقول الرجل للرجل ما شاء هللا‬
‫وشئت وهذا من هللا ومنك وأنا باهلل وبك ومالي إال هللا وأنت وأنا متوكل على هللا وعليك ولوال هللا وأنت لم يكن كذا وكذا وقد يكون‬
‫هذا شركا اكبر بحسب قائله ومقصده(‪.‬‬
‫والمقصود من قول ابن القيم أن هذا قد يصل إلى الشرك األكبر حسب قصد القائل فلو مثال واحد حلف بغير هللا خطا لحداثة عهده‬
‫باإلسالم ولتعود لسانه قبال على ذلك ولم يقصد كان يقول مثال وحق القران أو وحق جاه النبي أو أو فهدا ال يصل به إلى الشرك‬
‫األكبر بعكس الذي يحلف وهو يعتقد تعظيم الحالف به فهذا شرك اكبر‪.‬‬
‫وأما تفصيل الرياء والعمل لغير هللا تعالى فقد ذكره العلماء وشرح الحديث في مصنفاتهم مثال قول الحافظ ابن رجب في جامع العلوم‬
‫والحكم( واعلم أن العمل لغير هللا تعالى أقسام‪ :‬فتارة يكون رياء محضا كحال المنافقين كما قال تعالى(وإذا قاموا إلى الصالة قاموا‬
‫كسالى يراؤون الناس وال يذكرون هللا إال قليال) وتارة يكون العمل هلل ويشاركه الرياء‪:‬فان شاركه من أصله فالنصوص الصحيحة‬
‫تدل على بطالنه فان خالط نية الجهاد مثال نية غير الرياء مثل اخذ أجرة للخدمة أو اخذ شيء من الغنيمة أو التجارة نقص بذلك اجر‬

‫‪10‬‬
‫جهاده ولم يبطل بالكلية وأما إن كان أصل العمل هلل ثم طرا عليه نية الرياء ‪:‬فان كان خاطرا ثم دفعه فال يضره بغير خالف وان‬
‫استرسل معه فهل يحبط عمله أم ال فيجازى على أصل نيته؟ في ذلك اختالف بين العلماء من السلف فبعض العلماء يبطله بالكلية‬
‫وبعضهم يقول أن استرسل معه فله اجر إخالصه وعليه وزر الرياء وأما إذا عمل العمل هلل خالصا ثم ألقى هللا له الثناء الحسن في‬
‫قلوب المؤمنين بذلك ففرح بفضل هللا ورحمته لم يضره ذلك وفي هذا المعنى جاء حديث أبي ذر رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم انه سئل عن الرجل يعمل العمل هلل من الخير ويحمده الناس عليه فقال تلك عاجل بشرى المؤمن خرجه مسلم(‬

‫النوع الثالث من أنواع الشرك‪:‬الشرك الخفي والدليل قوله صلى هللا عليه وسلم‪(:‬الشرك في هذه األمة أخفى من دبيب النملة السوداء‬
‫على صفاة سوداء في ظلمة الليل وكفارته قوله صلى هللا عليه وسلم اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئا وأنا اعلم وأستغفرك من‬
‫الذنب الذي ال اعلم(‪.‬‬
‫وسمي هذا النوع خفيا لكونه يخفى على المرء نفسه فضال عن غيره أو لكون صاحبه يخفيه عن الناس فال يطلع عليه إال هللا الذي ال‬
‫تخفى عليه خافية كما قد سمي بذلك أيضا الشرك األصغر وهو الرياء في حديث أبي سعيد رضي هللا عنه مرفوعا عن احمد وابن‬
‫ماجة( حديث حسن راجع فتح المجيد وغيره) والمقصود أن الشرك الخفي دقيق جدا‪.‬‬
‫وقد أورد نحو هذا الحديث الشيخ محمد ابن عبد الوهاب في كتاب التوحيد عن ابن عباس رضي هللا عنهما موقوفا فقال( فال تجعلوا‬
‫هلل أندادا وانتم تعلمون(‬

‫عن ابن عباس رضي هللا عنها في اآلية األنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفة سوداء في ظلمة الليل وهو أن تقول وهللا‬
‫وحياتك يافالن وحياتي وتقول لوال كليبة هذا التنا اللصوص ولوال البط في الدار ألتانا اللصوص وقول الرجل لصاحبه ما شاء هللا‬
‫وشئت وقول الرجل لوال هللا وفالن ال تجعل فيها فالنا هذا كله به شرك)رواه ابن حاتم بسند حسن‪.‬‬
‫روى البخاري في األدب الفرد وابن المنذر وأبو يعلى وابن أبي حاتم وغيرهم عن حذيفة بن اليمان رضي هللا عنه عن أبي بكر‬
‫الصديق رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪ (:‬الشرك فيكم اخفي من دبيب النمل) قال أبو بكر يا رسول هللا وهل الشرك‬
‫إال ما عبد من دون هللا أو ما دعي من دون هللا؟ قال ثكلتك أمك الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل أال أخبرك بقول يذهب صغاره و‬
‫كباره(أو قال صغيره و كبيره) قال بلى قال تقول كل يوم ثالث مرات ‪ :‬اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وانأ اعلم وأستغفرك لما ال‬
‫اعلم‪ .‬والشرك أن تقول‪:‬أعطاني هللا وفالن والند أن يقول اإلنسان‪:‬لوال فالن قتلني فالن‪.‬‬

‫‪.2‬الناقض الثاني من نواقض اإلسالم‪ :‬من جعل بينه وبين هللا وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة كفر‪.‬‬

‫ويشرح الشيخ ابن تيمية رحمه هللا في مجموع الفتاوى الوسائط أي وسائط من الخلق يتوسطون له عند هللا بزعمهم وهذه المسالة‬
‫مسالة الواسطة بين هللا وخلقه فيها تفصيل كما قال الشيخ فمن قال البد من واسطة بين هللا وبين خلقه فانه يسال ‪:‬ما مقصوده‬
‫بالواسطة؟فان كان المقصود انه البد لنا من واسطة في تبليغ الرسالة فيما بيننا وبين هللا فهذا صحيح هذه واسطة البد منها من‬
‫أنكرها كفر فالبد من واسطة في تبليغ شرعه وهم الرسل من المالئكة والبشر فمن أنكر هذه الواسطة كفر‪.‬فالبد من واسطة في تبليغ‬
‫شرعه وهم الرسل من المالئكة والبشر فمن أنكر هذه الواسطة كفر فمن أنكر المالئكة والرسل الذين يأتون بشرع هللا وقال‪:‬ال حاجة‬
‫إليهم نحن نتصل باهلل بدونهم كما تقول الصوفية أنهم يأخذون عن هللا مباشرة بال واسطة فهذا كفر باإلجماع‬

‫وهناك واسطة من أثبتها فقد كفر وهي التي ذكرها الشيخ رحمه هللا تعالى وهي أن يتخذوا واسطة بينه وبين هللا يدعوهم ويطلب‬
‫منهم الشفاعة ويتوكل عليهم فهذه الواسطة من أثبتها كفر إجماعا ألنه ال واسطة بيننا وبين هللا في عبادته بل يجب علينا أن نعبد هللا‬
‫وندعوه مباشرة وبدون واسطة وان نطلب منه الشفاعة بدون واسطة وان نتوكل عليه بدون واسطة بيننا وبين هللا قال‬
‫تعالى‪}:‬ادعواني استجب لكم{ ما قال ادعواني بواسطة فالن أو تخذوا واسطة فهذه واسطة من أثبتها فقد كفر وهي أن يجعل بينه‬
‫وبين هللا وسائط يصرف لهم شيئا من العبادة من اجل أن يقربوه إلى هللا كما يقولون المشركون من قبل }ويعبدون من دون هللا ما‬
‫اليضرهم وال ينفعهم ويقولون هؤالء شفعاؤنا عند هللا{‬
‫فسمي هذه عبادة } قل أتنبئون هللا بما ال يعلم في السموات وال في األرض سبحانه وتعالى عما يشركون{‪ .‬سمى هذا شركا ونزه نفسه‬
‫عنه وهذا هو حال عباد األموات واألضرحة اآلن يتخذون األولياء والصالحين وسائط عند هللا‬

‫يذبحون لهم عند قبورهم وينذرون لهم ويستغيثون بهم ويدعونهم من دون هللا فإذا قيل لهم هذا شرك قالوا هؤالء وسائط بيننا وبين‬
‫هللا نحن ال نعتقد أنهم يخلقون مع هللا ويرزقون مع هللا ويدبرون مع هللا وإنما اتخذناهم وسائط بيننا وبين هللا يبلغون هللا حوائجنا‬
‫فيذبحون لهم ويعظمونهم وينذرون لهم بحجة أنهم وسائط بينهم وبين هللا فهذا هو شرك األولين كما قال تعالى‪}:‬والذين اتخذوا من‬
‫دونه أولياء ما نعبدهم إال ليقربونا إلى هللا زلفى إن هللا يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن هللا ال يهدي من هو كاذب كفار{ فسمى‬
‫فعلهم هذا كذبا وكفرا‪.‬‬
‫ومن أمثلة هذا ما يفعله اغلب أهل زماننا عند األضرحة يتبركون بترابها وأعتابها ويحجون إليها في أوقات معينة ويعكفون عندها‬
‫ويأتون بقطعان األنعام فيذبحونها في ساحات األضرحة يتقربون بها إلى األضرحة بزعمهم يقربونهم إلى هللا ويبلغون هللا حوائجهم‬
‫وهذا هو شانهم من قديم منذ بنيت المساجد على القبور كما اخبر النبي صلى هللا عليه وسلم‪( :‬إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور‬
‫أنبيائهم وصالحهم مساجد أال فال تتخذوا القبور مساجد فاني أنهاكم عن ذلك) وكان هذا ممنوعا في الصدر األول من هذه األمة في‬
‫عصر القرون المفضلة وال يوجد شيء من البنايات على القبور حتى جاءت دولة الفاطميين الشيعة واستولوا على مصر وكثير من‬
‫البالد وهم شيعة باطنية فبنوا المشاهد على القبور في مصر وغيرها ثم تكاثرت األضرحة في بالد المسلمين بعد ذلك بسبب هؤالء‬
‫الشيعة قبحهم هللا كما قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫الناقض الثالث‪:‬من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر‬
‫أوال نعرف معنى الكفر و أنواعه فمن لم يعلم من هو الكافر كيف يكفره فاألولى أن يتعلم من هو الكافر أوال‪.‬‬
‫الكفر كفران‪:‬كفر اكبر مخرج من الملة وكفر اصغر‬

‫والكفر لغة يطلق على التغطية والشر والجحود وغير ذلك والتكفير حكمي شرعي فال نكفر إال من حكم هللا له بالكفر من فوق سبع‬
‫سموات فمن اعتقد أو قال أو فعل ما حكم به هللا سبحانه وتعالى كفر فهو كافر وال يحق لشخص أن يكفر شخص آخر على حسب‬
‫هواه أو غضبا لنفسه وإنما نكفر كل من حكم عليه الشارع بالكفر‪.‬‬
‫والكفر األكبر ينقسم إلى خمسة أقسام وكل قسم بدليله كما سنورد إن شاء هللا‬
‫‪ 1.‬كفر التكذيب‪ :‬والدليل قوله تعالى‪} :‬ومن اظلم ممن افترى على هللا كذبا أوكذب بالحق لما جاءه اليس في جهنم مثوى للكافرين{‬

‫تفسير اآلية ‪:‬ومن اظلم اي ال احد اشد عقوبة ممن كذب على هللا فقال أن هللا اوحي اليه ولم يوحى اليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما‬
‫انزل هللا وهكذا ال احد اشد عقوبة ممن كذب بالحق لما جاءه فاألول مفتر والثاني مكذب و لهذا قال تعالى‪}:‬أليس في جهنم مثوى‬
‫للكافرين{‬
‫اي النوع األول من أنواع الكفر األكبر كفر التكذيب وهو اعتقاد كذب الرسل وهذا النوع قليل في الكفار فان هللا تعالى أيد رسله‬
‫بالمعجزات وأعطاهم من البراهين واآليات على صدقهم ما أقام به الحجة وأزال به المعذرة قال هللا تعالى عن فرعون وقومه‬
‫(وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا‪ )...‬وقال تعالى لرسوله صلى هللا عليه وسلم( فإنهم ال يكذبونك ولكن الظالمين بآيات‬
‫هللا يجحدون( والمقصود من كذب الرسل ظاهرا او باطنا فقد كفر‪.‬‬

‫‪.2‬كفر اإلباء واالستكبار مع التصديق القلبي والدليل قوله تعالى‪ }:‬وإذ قلنا للمالئكة اسجدوا آلدم فسجدوا إال إبليس أبى واستكبر‬
‫وكان من الكافرين‪{ .‬‬
‫وهذا النوع هو الغالب على أعداء الرسل وهو كفر إبليس لعنه هللا فانه لم يجحد‬
‫أمر هللا وال قابله باإلنكار وإنما تلقاه باإلباء واالستكبار كما قال تعالى‪}:‬ما منعك أن ال تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار‬
‫وخلقته من طين{فلما قال ذلك لعن و طرد(وكان من الكافرين) ومن هذا كفر من عرف صدق الرسول وانه جاء بالحق من عند هللا‬
‫ولم ينقد له اباءا واستكبارا كما حكى هللا تعالى عن فرعون وقومه أنهم قالوا ‪}:‬انؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون{ المؤمنون‬
‫‪.47‬‬
‫وقول األمم لرسلهم‪}:‬إن انتم إال بشر مثلنا{ابراهيم‪15‬‬
‫وهو كفر اليهود كما قال تعالى‪ }:‬فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به{فهم كانوا موقنين ببعثة خاتم المرسلين ويعلمون صفاته وعالماته‬
‫ومكان مبعثه وعلموا ذلك من كتابهم ولكن ظنوا انه سيبعث منهم فلما بعث في العرب استكبروا وكفروا والعياذ باهلل‪.‬‬
‫وهو أيضا كفر أبي طالب عم الرسول صلى هللا عليه وسلم فانه صدق ابن أخيه ولم يشك في صدقه ولكن أخذته الحمية وتعظيم آبائه‬
‫وان يرغب عن ملتهم ويشهد عليهم بالكفر‪.‬‬

‫‪.3‬كفر الشك‪ :‬وهو كفر الظن والدليل قوله تعالى‪} :‬ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة‬
‫ولئن رددت إلى ربي ألجدن خيرا منها منقلبا قال له صاحبه وهو يجاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجال‬
‫لكنا هو هللا ربي وال أشرك بربي احد{الكهف‪.37-35‬‬
‫تفسير اآلية‪ }:‬ودخل جنته{أي الرجل الذي أعطاه هللا هذا البستان}وهو ظالم لنفسه{ أي بكفره وتمرده وتجبره وإنكاره للمعاد}قال ما‬
‫أظن أن تبيد هذه أبدا{ وهذا اغترار منه لما رأى في جنتيه المتقدم ذكرهما من الزر وع والثمار واألشجار واألنهار المطردة في‬
‫جوانبها وأرجائها ظن أنها ال تفنى وال تهلك وال تتلف أبدا وذلك لقلة عقله وضعف يقينه وإعجابه بالحياة الدنيا وزينتها وكفره‬
‫باآلخرة ولهذا قال}وما أظن الساعة قائمة{ أي كائنة} ولئن رددت إلى ربي ألجدن خيرا منها منقلبا{ أي ولئن كان معاد ورجعة ومرد‬
‫إلى هللا ليكونن لي هناك أحسن من هذا الحظ عند ربي ولوال كرامتي عليه ما أعطاني هذا}قال له صاحبه وهو يحاوره{أي‬
‫يجاوبه}أكفرت بالذي خلقك من تراب{ وهذا انكار على ما وقع فيه من جحود ربه الذي خلقه‪.‬‬
‫والشك‪:‬هو التردد والظن قريب منه وضد ذلك الجزم واليقين‪.‬‬
‫فالشاك ال يجزم بصدق الرسل وال يكذبهم بل يشك في أمرهم والعياذ باهلل وهذا ال يستمر شكه إال إذا ألزم نفسه اإلعراض عن النظر‬
‫في آيات صدق الرسل جملة فال يسمعها وال يلتفت إليها وأما مع التفاته إليها ونظره فيها فانه ال يبقى معه شك ألنها مستلزمة‬
‫للصدق وال سيما بمجموعها فان داللتها على الصدق كداللة الشمس على النهار‪.‬‬
‫فكل من شك في أمر من األمور التي اخبرنا هللا بها يكفر كمن يشك في البعث أو وجود الجن أو المالئكة أو أو‪.. ..‬‬

‫‪.4‬كفر االعراض ‪:‬والدليل قوله تعالى‪(:‬والذين كفروا عماانذروا معرضون{ ويقول تعالى‪}:‬ومن اظلم ممن ذكر بايات ربه ثم اعرض‬
‫عنها{ أي ال اظلم ممن ذكر باياته وبينها ووضحها ثم بعد ذلك تركها وجحدها واعرض عنها وتناساها كانه ال يعرفها }ان من‬
‫المجرمين منتقمون{أي سانتقم ممن فعل ذلك اشد االنتقام والعياذ باهلل ويقول تعالى‪ }:‬ومن اظلم ممن ذكر بآيات ربه فاعرض عنها‬
‫ونسيت ما قدمت يداه {ويقول تعالى‪}:‬يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا{ويقول تعالى‪}:‬فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي‬
‫فال يضل وال يشقى ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لما حشرتني أعمى وقد كنت‬
‫بصيرا قال كذلك أتتك ءايتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى‪{.‬‬
‫فاهلل سبحانه وتعالى حذر في هذه اآليات من اإلعراض عن ذكره وهو القران والسنة وعدم تعلمها والعمل بهما بأنواع الوعيد‪.‬‬
‫واإلعراض معناه االنصراف عن الشيء مع عدم الرغبة فيه‪.‬‬
‫والمراد باإلعراض عن دين هللا أي عما يجب على كل مكلف بعينه تعلمه والعمل به وهو معرفة أصول الدين وما ال يسع المسلم‬

‫‪12‬‬
‫جهله أما معرفة تفاصيل الدين فليس ذلك المراد هنا وان كان مذموما الن معرفة تفاصيل الدين ونحو ذلك فرض كفاية إذا قام بها من‬
‫يكفي سقط اإلثم عن الباقين‪.‬‬
‫فال يتعلمه هذه طريقة الضالين من النصارى والمتصوفة وغيرهم وال يعمل به هذه طريقة اليهود ومن نحا نحوهم من كل عالم ال‬
‫يعمل بعلمه فهناك من الناس من يرفض الدليل وقبول الحق إذا بين له محافظة على دين اآلباء واألجداد وحمية وال يقبل الحق ويبقى‬
‫على ما هو عليه وما أدرك عليه آباءه وأجداده كما كان عليه المشركون فالذين يعبدون القبور ال يقبلون حقا وال يقبلون جداال فهم‬
‫مقتنعون بما هم عليه تماما وال يقبلون توجيها أو إرشادا يغلقون أسماعهم عن قبول الحق ويصرون على ما هم عليه بل ربما‬
‫يقاتلون دونه ويبذلون أنفسهم دون هذه العقائد الباطلة وال يقبلون الحق مهما يسمعون من القران والسنة ويسمعون النهي عن‬
‫الشرك واألمر بالتوحيد وال يلتفتون إلى ما في القران بل هم معرضون عنه وهذا كثير في الناس اليوم قال تعالى‪}:‬والذين امنوا‬
‫بالباطل وكفروا باهلل اؤلئك هم الخاسرون{ فهؤالء يؤمنون بالباطل ويكفرون باهلل ويعبدون غيره ويستغيثون بغيره ويؤمنون بعبادة‬
‫غير هللا ويكفرون باهلل علنا وجهارا هذا هو اإلعراض الكفري والعياذ باهلل حمية وأنفة‪.‬‬

‫وأيضا هناك أنواع من الدعاة يقولون ال تعلموا الناس التوحيد والعقيدة ألنهم مسلمون بالبيئة وال يحتاجون الن يتعلموا التوحيد هذا‬
‫هو اإلعراض عن دين هللا الن الدين ال يؤخذ بالوراثة والبيئة الدين يؤخذ بالعلم والتعلم فالبد من تعلم الدين وتعليمه والعمل به ومن‬
‫جزاء المعرضين عن تعلم أمور دينهم ما أخرجه البخاري ‪(:‬دخل ثالثة المسجد والنبي صلى هللا عليه وسلم يحدث أصحابه فواحد من‬
‫الثالثة جاء فجلس في الحلقة راغبا في التعلم والثاني استحيا أن ينصرف وجاء فجلس والثالث اعرض وخرج فقال النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم أال أخبركم بخبر الثالثة؟ قالوا بلى يا رسول هللا‪ .‬قال‪:‬أما احدهم فقد أوى فأواه هللا والثاني استحيا فاستحيا هللا منه والثالث‬
‫اعرض فاعرض هللا عنه(‪.‬‬

‫كفر النفاق‪:‬والدليل قوله تعالى‪ }:‬ذلك بأنهم امنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم ال يفقهون{‪.‬‬
‫النفاق لغة‪:‬مخالفة الباطن للظاهر‬
‫والنفاق نوعان‪:‬اعتقادي وعملي‬
‫قال العالمة ابن القيم رحمه هللا تعالى في مدراج السالكين (فصل‪:‬وأما النفاق فالداء العضال الباطن الذي يكون الرجل ممتلئا منه وهو‬
‫ال يشعر فانه أمر خفي على الناس‪.‬وكثيرا ما يخفى على من تلبس به فيزعم انه مصلح وهو مفسد وهو نوعان‪:‬اكبر واصغر فاألكبر‬
‫يوجب الخلود في النار في دركها األسفل وهو يظهر للمسلمين إيمانه باهلل ومالئكته ورسله واليوم اآلخر وهو في الباطن منسلخ من‬
‫ذلك كله مكذب به ال يؤمن بان هللا تكلم بكالم انزله على بشر جعله رسوال للناس يهديهم بإذنه وينذرهم باسه ويخوفهم عقابه‪..‬إلى‬
‫أخر كالمه(‬

‫وينقسم النفاق االعتقادي إلى ستة أنواع صاحبها من أهل الدرك األسفل من النار تحت اليهود والنصارى والعياذ باهلل ‪.‬‬

‫‪. 1‬تكذيب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪:‬وهذا النوع أعظم األنواع وضوحا ألنه يستلزم التكذيب بالدين كله وهو حال المنافقين‬
‫الخلص ومن األدلة على هذا النوع قوله تعالى‪ }:‬إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول هللا وهللا يعلم انك لرسوله وهللا يشهد إن‬
‫المنافقين لكاذبون‪{...‬‬
‫‪.2‬تكذيب بعض ما جاء به الرسول صلى هللا عليه وسلم‪:‬وهذا النوع اقل من الذي قبله ولكنه اشد خطرا منه ألنه قد يقع فيه المسلم‬
‫وهو ال يشعر والعياذ باهلل فان المرء قد ينكر شيئا مما جاء به الرسول صلى هللا عليه وسلم وال يصدق به وهو ال يعلم أن ذلك نوع‬
‫من أنواع النفاق األكبر المخرج من الملة ‪.‬‬

‫‪.3‬بغض الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬فمن ابغض النبي الكريم صلى هللا عليه وسلم فهو منافق خالد مخلد في نار جهنم‪.‬‬

‫‪.4‬بغض بعض ما جاء به الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬وهذا النوع اخص من الذي قبله فانه قد يصدر من مسلم يحب الرسول صلى‬
‫هللا عليه وسلم وما جاء به ولكن لجهله وشقائه يستفزه الشيطان ويغويه فيبغض بعض ما جاء به الرسول صلى هللا عليه وسلم فيقع‬
‫في النفاق األكبر وهو ال يدري وأعظم من ذلك انه قد يكون عامال بما ابغضه ولم يخالفه في الظاهر فال ينفعه ذلك مثل من يبغض‬
‫الصوم ولو كان يصوم أو يبغض تحريم الربا ولو لم يفعله أو يبغض تحريم الزنا ولو لم يفعله‪...‬فهذا النوع دقيق شديد الخطر‪.‬‬

‫‪.5‬المسرة بانخفاض دين الرسول صلى هللا عليه وسلم‪:‬المسرة وهي السرور واالستبشار والفرح بانخفاض وهبوط الدين ويدخل فيه‬
‫أهل اإلسالم ألجل تمسكهم بالدين فمن سر بانخفاض الدين وأهله فهو من المنافقين النفاق األكبر كمن سر إذا انخفض األمر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر أو أهين أهله وأذلوا ألجله فهو منافق ملعون خارج دين اإلسالم بالكلية وكذلك من يفرح إذا أهينت‬
‫معالم اإلسالم وأذل أنصاره أو استبدلت أحكامه أو ضيعت شرائعه أو عطلت حدوده‪..‬كما قال تعالى في سورة التوبة(إن تصبك حسنة)‬
‫من نصر وعز وفتح(تسؤهم)أي تحزنهم ألنه يسر النبي صلى هللا عليه وسلم والمسلمين (وان تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا‬
‫من قبل ويتولوا وهم فرحون(‬

‫‪.6‬الكراهية بانتصار دين الرسول صلى هللا عليه وسلم‪:‬وهذا النوع قريب من الكالم الذي قبله فالمنافقون إذا ظهر الدين وعال‬
‫وانتصر غاظهم ذلك اشد الغيظ وحزنوا اشد الحزن‪...‬‬

‫‪‬النوع الثاني من أنواع النفاق وهو النفاق العملي ‪:‬نفاق اصغر غير مخرج من الملة وهو النفاق العملي في الظاهر دون الباطن‬

‫‪13‬‬
‫وينقسم إلى خمسة أنواع مجموعة في قوله صلى هللا عليه وسلم(آية المنافق ثالث‪:‬إذا حدث كذب وإذا وعد اخلف وإذا ائتمن‬
‫خان)وفي رواية(وإذا خاصم فجر وإذا عاهد غدر)رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي هللا عنه‪.‬‬

‫‪ -‬الخصلة األولى‪ :‬إذا حدث كذب وهذه خصلة ذميمة قبيحة فان الكذب في األصل حرام ومن األحاديث الدالة على ذم الكذب حديث عبد‬
‫هللا بن مسعود رضي هللا عنه قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪(:‬إن الصدق يهدي إلى البر وان البر يهدي إلى الجنة وان الرجل‬
‫ليصدق حتى يكتب عند هللا صديقا وان الكذب يهدي إلى الفجور وان الفجور يهدي إلى النار وان الرجل ليكذب حتى يكتب عند هللا‬
‫كذابا) متفق عليه‪.‬‬

‫‪-‬الخصلة الثانية‪:‬إذا وعد اخلف وإخالف الوعد على نوعين احدهما أن يعد ومن نيته أن ال يفي بوعده والثاني أن يعد ومن نيته أن‬
‫يفي ثم يبدوا له فيخلف من غير عذر في الخلف‪.‬‬
‫أما إذا كان من نيته أن يفي ولكن حصل له عذر أو نحوه فال يكون داخال في هذه الخصلة المذمومة وهللا اعلم‪.‬‬

‫‪-‬الخصلة الثالثة‪:‬إذا ائتمن خان قال هللا تعالى‪} :‬يا أيها الذين امنوا ال تخونوا هللا ورسوله وتخونوا أماناتكم وانتم تعلمون{ وقال النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪( :‬أد األمانة إلى من ائتمنك)رواه أبو داود والترمذي وحسنه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي‪.‬‬

‫فإذا ائتمن الرجل أمانة فالواجب عليه أن يؤذيها‪.‬‬

‫الخصلة الرابعة‪:‬وإذا خاصم فجر والمقصود بالفجور هنا أن يخرج عن الحق عمدا حتى يصير الحق باطال والباطل حقا‪.‬وفي سنن أبي‬
‫داوود عن ابن عمر رضي هللا عنهما عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال (من خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط هللا حتى‬
‫ينزع)وفي رواية(ومن أعان على خصومة بظلم فقد باء بغضب من هللا)‪.‬‬

‫‪-‬الخصلة الخامسة‪:‬إذا عاهد غدر أي لم يف بالعهد وقد أمر هللا تعالى بالوفاء بالعهد كما قال تعالى (وأوفوا بعهد هللا إذا عاهدتم وال‬
‫تنقصوا األيمان بعد توكيدها وقد جعلتم هللا عليكم وكيال (‬
‫واعلم أن الغدر حرام في كل عهد بين المسلم وغيره ولو كان المعاهد كافرا ولهذا في حديث عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهما عن‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪( :‬من قتل نفسا معاهدا بغير حقها لم يرح رائحة الجنة وان ريحها ليوجد من مسيرة أربعين‬
‫عاما)خرجه البخاري‪.‬‬
‫وقد أمر هللا تعالى بالوفاء بعهود المشركين إذا أقاموا على عهودهم ولم ينقضوا منها شيئا وأما عهود المسلمين فيما بينهم فالوفاء‬
‫بها اشد نقضها أعظم إثما‪.‬‬

‫بعد االنتهاء من ذكر انواع الكفر االكبر ننتقل الى النوع الثاني من انواع الكفر وهو الكفر االصغر ال يخرج من الملة وهو كفر النعمة‬
‫والدليل قوله تعالى‪ }:‬وضرب هللا مثال قرية كانت امنة مطمئنة ياتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بانعم هللا فاذاقها هللا لباس‬
‫الجوع والخوف بما كانوا يصنعون{‬

‫وهذا النوع عليه من الوعيد الشديد وهو كفر النعمة أي جحودها وعدم القيام بشكرها على الوجه المطلوب‪.‬‬

‫وقد ورد في النصوص من ذكر الكفر الذي يصل الى حد الكفر االكبر كقول النبي صلى هللا عليه وسلم‪(:‬اثنان في الناس هما بهم‬
‫كفر‪:‬الطعن في النسب والنياحة على الميت)رواه مسلم أي هما بالناس كفر حين كانتا من اعمال اهل الجاهلية وكقول النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم ايضا‪( :‬ال ترغبوا عن ابائكم فمن رغب عن ابيه فهو كفر)متفق عليه ففرق بين الكفر المعرف كقول النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪( :‬ان بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصالة)وبين كفر منكر االثبات‪.‬‬

‫وبهذا ننتهي من انواع الكفر فكل من تامل احوال الكافرين فانه ال يخرج عن هذه االنواع الخمس فمن لم يكفر الكافر الذي حكم هللا‬
‫عليه بالكفر فهو كافر النه يجب على المسلم ان يكفر من كفره هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم فالذي يشك في كفر المشركين‬
‫عموما سواء كانوا من الوثنيين او اليهود او النصارى او من المنتسبين الى االسالم وهم يشركون باهلل يكفر‪.‬‬
‫ومثال ذلك الذي يذبح لغير هللا تعالى فحكمه الكفر النه صرف نوع من انواع العبادات التي ال تكون اال هلل لغير هللا كما قال‬
‫تعالى‪}:‬فصل لربك وانحر{فمن راى هذا الفعل ولم يكفر صاحبه يكفر ايضا النه ‪:‬‬

‫‪ ‬اوال‪ :‬لم يحكم بحكم هللا في هذا الشخص الذي كفره هللا من فوق سبع سموات‪.‬‬
‫‪ ‬ثانيا‪:‬انه تساوى عنده االيمان والكفر‪.‬‬

‫‪ ‬ثالثا لم يتبع ملة ابراهيم عليه السالم التي امرنا هللا باتباعها يقول‬

‫تعالى‪}:‬ومن يرغب عن ملة ابراهيم{ اي عن طريقته ومنهجه فيخالفها ويرغب عنها وفي قوله تعالى}‪:‬إال من سفه نفسه {أي ظلم‬
‫نفسه بسفهه وسوء تدبيره بتركه الحق الى الضالل حيث خالف طريق من اصطفى في الدنيا للهداية والرشاد من حداثة سنه إلى أن‬

‫‪14‬‬
‫اتخذه هللا خليال وهوفي اآلخرة من الصالحين السعداء فمن ترك طريقه هذا ومسلكه وملته واتبع طريق الضاللةفأي سفه أعظم من‬
‫هذا؟وأي ظلم اكبر من هذا؟انتهى‪.‬‬

‫وملة إبراهيم عليه السالم مثل جميع الملل الن الدين واحد اما الشرائع فقد تختلف يقول تعالى}‪ :‬ثم اوحينا اليك ان اتبع ملةابراهيم‬
‫حنيفا{ ويقو تعالى‪} :‬واذ قال ابراهيم البيه وقومه اني براء مما تعبدون اال الذي فطرني فانه سيهدين{ ويقول تعالى‪ }:‬قد كانت لكم‬
‫اسوة حسنة في ابراهيم والذين معه اذ قالوا لقومهم انا براء منكم ومما تعبدون من دون هللا كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم‬
‫العدواةوالبغضاء ابدا حتى تومنوا باهلل وحده{ فهذه هي العقيدة االبراهيمية التي امرنا هللا باتباعها ‪.‬‬
‫فإبراهيم عليه السالم عرف الكفر وأنكره وكفر أهله وابغضهم وعادهم وهذه هي عقيدة جميع الرسل واألنبياء ألنها هي حقيقة‬
‫االسالم فال يجتمع اإليمان باهلل ومحبة أعداء هللا بل ال تجد المؤمنين إال محادين من حاد هللا ورسوله كما قال تعالى‪} :‬التجد قوما‬
‫يومنون باهلل وباليوم االخر يوادون من حاد هللا ورسوله)فمن كفر الكافرين فقد والى هللا ورسوله ومن لم يكفر الكافرين فقد أصبح‬
‫منهم كما قال تعالى (ومن يتولهم منكم فانه منهم{وقال يَا أَيُّهَا الَّ ِذ ْينَ آ َمنُوا الَ تَتَّ ِخ ُذوْ ا َعد ُِّوي َو َع ُّد َو ُك ْم أَوْ لِيَاءْ;‬
‫(الممتحنة ‪ )1:‬وقال ‪َ; :‬ولوْ َكانُوْ ا ي ُْؤ ِمنُوْ نَ بِاهلل َوالنَّبِي َو َما أُ ْن ِز َل إِلَي ِه َما َ اَت َّخ ُذوهُ ْم أَوْ لِيَاء َولَ ِك ْن َكثِي َراً‬
‫ون; (المائدة ‪ )81:‬وذلك لكون الشهادة لهم باإلسالم هي عين المواالة كما أن الشهادة عليهم‬ ‫اسقُ ْ‬
‫ِم ْنهُ ْم فَ ِ‬
‫ض;‬‫ض ُه ْم أَ ْولِيَا ُء بَ ْع ٍ‬
‫بالكفر هي عين البراءة منهم فكما قرر المولى عز وجل أن ‪َ ; :‬وا ْل ُمؤْ ِمنُونَ َوا ْل ُمؤْ ِمنَاتُ بَ ْع ُ‬
‫ض ; (األنفال (‪ )73‬ثم حذر من إغفال ذلك المعنى فقال جل عاله ‪ :‬إِاَّل‬ ‫ض ُه ْم أَ ْولِيَا ُء بَ ْع ٍ‬ ‫(التوبة‪(71:‬قرر أيضا ً أن ‪َ :‬والَّ ِذينَ َكفَ ُروا بَ ْع ُ‬
‫سا ٌد َكبِي ٌر (األنفال ‪(73:‬‬ ‫ض َوفَ َ‬ ‫تَ ْف َعلُوهُ تَ ُكنْ ِف ْتنَةٌ فِي اأْل َ ْر ِ‬
‫ولذا كانت األسوة الحسنة في مواجهة الكافرين هي وجوب تكفيرهم والبراءة منهم وعداوتهم حتى يؤمنوا باهلل وحده ‪ ،‬قال‬
‫سنَةٌ فِي إِ ْب َرا ِهي َم َوالَّ ِذينَ َم َعهُ إِ ْذ قَالُوا لِقَ ْو ِم ِه ْم إِنَّا بُ َرآ ُء ِم ْن ُك ْم َو ِم َّما تَ ْعبُدُونَ ِمنْ دُو ِن هَّللا ِ َكفَ ْرنَا بِ ُك ْم َوبَدَا‬ ‫س َوةٌ َح َ‬‫تعالى ‪; :‬قَ ْد كَانَتْ لَ ُك ْم أُ ْ‬
‫هَّلل‬ ‫َ‬
‫ضا ُء أبَداً َحتَّى تُؤْ ِمنُوا بِا ِ َو ْح َدهُ‬ ‫َاوةُ َوا ْلبَغ َ‬
‫ْ‬ ‫بَ ْينَنَا َوبَ ْينَ ُك ْم ا ْل َعد َ‬

‫واألشد من هذا من صحح مذهبهم النه ليس فقط لم يكفرهم وإنما صحح مذهبهم أيضا والعياذ باهلل فكل من استحسن شيئا ينافي دين‬
‫اإلسالم من يهودية أو نصرانية أو اشتراكية أو علمانية أو غيرها من فرق الكفر والضالل‪.‬‬

‫ومن تامل واقعنا االن يجد دعوة قائمة تدعوا الى وحدة االديان الثالثة والعياذ باهلل االسالم واليهودية والنصرنية وهذا ال يقل به إال‬
‫كافر مرتد أو جاهل لحقيقة دين االسالم ألنه معلوم أن الرسول صلى هللا عليه وسلم هو خاتم الرسل وان كل من لم يتبعه كافر بال شك‬
‫كما قال صلى هللا عليه وسلم‪ (:‬ال يسمع بي يهودي وال نصراني ثم ال يؤمن بالذي جئت به إال دخل النار) بل إن المسيح إذا انزل في‬
‫آخر الزمان كما هو معلوم فانه يتبع محمد صلى هللا عليه وسلم ويحكم بشريعة اإلسالم كيف ال وقد بشر بمحمد صلى هللا عليه وسلم‬
‫قبال في اإلنجيل وأمر بإتباعه كما قال تعالى‪ }:‬يا بني إسرائيل إني رسول هللا إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول‬
‫يأتي من بعدي اسمه احمد{ كما بشر به موسى عليه السالم أيضا في التوراة كما قال تعالى‪ }:‬الذين يتبعون الرسول النبي األمي الذي‬
‫يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة واإلنجيل{ فمن لم يؤمن برسالة محمد صلى هللا عليه وسلم فهو كافر ولو اقر بأنه رسول هللا ولكن‬
‫قال إن رسالته خاصة بالعرب دون غيرهم فهذا أيضا كافر‪.‬‬

‫الناقض الرابع‪:‬من اعتقد أن غير هدي النبي صلى هللا عليه وسلم أكمل من هديه أو أن حكم غيره أحسن من حكمه كالذي يفضل حكم‬
‫الطواغيت على حكمه فهو كافر‪.‬‬

‫والهدي معناه ‪ :‬الطريقة والسيرة فسيرة النبي صلى هللا عليه وسلم أحسن من سيرة كل احد وطريقته أكمل من طريقة كل احد ويدخل‬
‫في هديه سننه وأخالقه ونحو ذلك فمن اعتقد أي مجرد اعتقاد ولو دون فعل أن غير هدي النبي صلى هللا عليه وسلم أكمل من هديه‬
‫فهو كافر‪.‬‬
‫ومن هدي النبي صلى هللا عليه وسلم معاملته مع الناس ومع المدعوين فكان يدعوهم بأحسن طريقة كما قال تعالى‪} :‬فبما رحمة من‬
‫هللا لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب النفضوا من حولك {‬
‫وكذلك هديه صلى هللا عليه وسلم في تعامله مع أهل بيته خير معاملة ويقول‪( :‬خيركم خيركم ألهله وأنا خيركم ألهلي(‬

‫فيلزم أن نعتقد أن أكمل الهدي هو هدي نبينا صلى هللا عليه وسلم ونقتد به ونفتخر به ال كما يقول بعض الجهال عن بالد الغرب وان‬
‫طريقتهم في التربية والمعاملة هي االفضل وغير ذلك‪...‬‬

‫المسالة الثانية من اعتقد أن حكم غير الرسول صلى هللا عليه وسلم أحسن من حكمه فقد كفر يقول تعالى‪} :‬فال وربك ال يؤمنون حتى‬
‫يحكموك فيما شجر بينهم ثم ال يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما{ فيجب تقبل حكمه صلى هللا عليه وسلم بالتسليم‬
‫واالنقياد الن حكم الرسول صلى هللا عليه وسلم حكم صادر من هللا عز وجل كما قال تعالى‪ } :‬إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين‬
‫الناس بما أراك هللا{ فكل من زعم أن الوقت تطور والزمان تغير فهذا كفر باهلل العظيم الن هللا سبحانه وتعالى حينما انزل األحكام‬
‫وأمرنا بإتباعها وتطبيقها عالم ما يكون كيف ال وهو العليم الخبير وهو العالم بما كان وبما سيكون ال يخفى عليه شيء في األرض‬
‫وال في السماء سبحانه وتعالى فالذي يرى أن حكم الشريعة غير مناسب لهذا الوقت يكفر والعياذ باهلل‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫ومن أمثلة ذلك أيضا الذي يقول أن تطبيق الحدود ورجم الزاني وقطع يد السارق وغير ذلك من األحكام يقول أنها قاسية فكل هذه‬
‫المقاالت الكفرية كفر باهلل العظيم ألنه اعتراض عن حكم هللا تعالى واتهام هللا بالقسوة في أحكامه وان حكمه غير مناسب والعياذ باهلل‬
‫فكل من اعتقد أن حكمه غير هللا أفضل من حكمه يكفر ومن مقاالتهم أيضا تحكيم هللا في بعض األمور فقط كما قال تعالى‪}:‬افتومنون‬
‫ببعض الكتاب وتكفرون ببعض{ فالواجب تحكيم حكم هللا في كل صغيرة وكبيرة في نزاعنا وخصوماتنا ولباسنا وعباداتنا ‪...‬فاهلل لم‬
‫يدع لنا صغيرة أو كبيرة إال وارانا الحكم فيها‪.‬‬

‫الناقض الخامس‪:‬من ابغض شيئا مما جاء به الرسول صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬

‫وقد رأينا هذا الناقض في أنواع النفاق االعتقادي وهذا الناقض ال نعلمه إال إذا اظهر لنا صاحبه ذلك مثال إن قلت لشخص هذا حرام‬
‫يقول لك هذا كثير هذا حرام وهذا حرام هذا كثير فهذا ظاهر بغضه لحكم هللا وعدم قبوله له كمن يدعي اإلسالم وينادي بمساواة‬
‫الرجل مع المرأة في الميراث وغير ذلك ‪...‬‬
‫فكل من يعتقد هذا أو يصرح به يكفر وان عمل به كمن يكره إعفاء اللحية أو يكره تحريم الغناء والزنا‪ ...‬ولو كان يفعل ذلك فهو كافر‬
‫كما قال تعالى‪ }:‬والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم ذلك بأنهم كرهوا ما انزل هللا فأحبط أعمالهم{‬
‫وقال‪}:‬لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون{‬
‫ولكن ليس كل من فعل منهيا أو ترك مأمورا به يكون مبغضا بل قد يكون عن جهل أو عن شهوة أو أو فقد يكون عند مرتكب الكبيرة‬
‫من اإليمان واالعتراف واالنكسار والخوف والرجاء لرحمة هللا والطمع في مغفرته ما ليس عند تاركها ولكن البد من الحذر من‬
‫المعاصي واجتنابها الن المعاصي بريد الكفر والعياذ باهلل وسبب لغضب هللا وسوء الخاتمة‪.‬‬

‫فهذه عقيدة أهل السنة والجماعة أن من مات على التوحيد ولو لم يتب من ذنوبه فهو تحت المشيئة إن شاء هللا عذبه وان شاء عفا‬
‫عنه ولم يعذبه ولكن ماله سواء عذب أم ال إلى الجنة وال يخلد في النار‪.‬‬

‫الناقض السادس‪:‬من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى هللا عليه وسلم أو ثوابه أو عقابه كفر والدليل قوله تعالى‪ }:‬قل أباهلل‬
‫وآياته ورسوله كنتم ستهزؤون ال تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم{‪ .‬التوبة‪64.65‬‬

‫جاء في سبب نزل هذه اآلية أن جماعة من المسلمين كانوا غزاة مع النبي صلى هللا عليه وسلم في غزوة تبوك فاجتمعوا في مجلس‬
‫فتكلم واحد منهم فقال ‪:‬ما رأينا مثل قرائنا هؤالء ارغب بطونا وال اكذب السنا وال اجبن عند اللقاء يعنون رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم وأصحابه رضي هللا عنهم وكان في المجلس شاب من األنصار يقال له عوف بن مالك فقال لهذا الرجل كذبت ولكنك منافق‬
‫ألخبرن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقام ذاهبا إلى الرسول صلى هللا عليه وسلم ليخبره فوجد أن الوحي سبقه ونزل على الرسول‬
‫صلى هللا عليه وسلم فاخبره هللا جال وعال بما قاله هؤالء في مجلسهم أو قاله واحد منهم والبقية لم ينكروا عليه ولما نزل ذلك على‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ارتحل من مكانه هذا وركب راحلته لما بلغه هذا القول الشنيع فجاء هذا الرجل الذي تكلم يعتذر‬
‫لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ويقول يا رسول هللا إنما كنا نخوض ونلعب نتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق والرسول‬
‫صلى هللا عليه وسلم ال يلتفت إليه وال يزيد على قراءة اآلية }أباهلل وآياته ورسوله كنتم ستهزؤون ال تعتذروا قد كفرتم بعد‬
‫إيمانكم{ وقول هللا سبحانه وتعالى }قد كفرتم بعد إيمانكم{ دليل على أنهم كانوا مؤمنين وليسوا منافقين‪.‬‬
‫وقد قسم أهل العلم منهم الشيخ محمد ابن عبد الوهاب رحمه هللا تعالى الناقض إلى قسمين‪:‬‬
‫احدهما‪:‬االستهزاء الصريح كالذي نزلت فيه اآلية وهو قولهم ما رأينا مثل قرائنا هؤالء ارغب بطونا‪..‬الخ ونحو ذلك من أقوال‬
‫المستهزئين كمن يستهزئ باألمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من اجل ذلك وكاالستهزاء بالمصلين ألجل صالتهم وكاالستهزاء‬
‫بمن أعفى لحيته ألجل إعفائها‪....‬وهلم جرا فكل هذا وما شابهه كفر مخرج من الملة يقول تعالى‪}:‬إن الذين أجرموا كانوا من الذين‬
‫امنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون{‪.‬‬

‫والثاني غير الصريح وهو البحر الذي ال ساحل له مثل الرمز بالعين وإخراج اللسان ومد الشفة والغمز باليد عند تالوة كتاب هللا أو‬
‫سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أو عند األمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهذا أيضا كفر‪.‬‬

‫ومن رأى واقعنا ولألسف الشديد رأى االستهزاء الصريح بآيات هللا والكفر الصريح يذاع يوميا على التلفاز وكذلك ما يكتب في‬
‫الصحف وكل ذلك يحدث ممن يدعون االنتساب إلى اإلسالم فال باس به فهذه دولة تقوم على حرية االعتقاد والرأي فال باس بمن أراد‬
‫أن يدعوا إلى وحدة األديان وال باس بمن أراد يطعن في حكم هللا على أن للذكر مثل حظ األنثيين في الميراث ال باس بمن أراد أن‬
‫يجادل هللا في هذا ويقول أن هذا ظلم للمرأة علينا أن ننصفها ونعطيها حقها كامل يعني أن هللا ظلمها والعياذ باهلل ‪..‬فال حول وال قوة‬
‫إال باهلل العلي العظيم‪.‬‬

‫والمستفاد من اآلية أيضا أن من سب هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم أو كتابه أو سنة رسوله سواء كان جادا أو هازال أو مازحا‬
‫يكفر كما قال تعالى(إنما كنا نخوض ونلعب) وأيضا تدل اآلية انه يكفر ولو لم يعلم أن هذا كفر الن هؤالء ما علموا أن هذا كفر‬
‫فهؤالء كانوا أهل إيمان كما قال تعالى‪}:‬قد كفرتم بعد إيمانكم{ والمستفاد من اآلية أن الذي تكلم في المجلس واحد وهللا عمم الحكم‬
‫فقال‪} :‬أباهلل وآياته ورسوله كنتم ستهزؤون{ نسب االستهزاء إليهم جميعا ألنهم لم ينكروا فعمهم الحكم ألنهم لما سكتوا على المنكر‬
‫صاروا شركاء مع فاعل المنكر ولهذا لما أنكر عليهم هذا الشاب برئ من اإلثم وانزل هللا تصديقه في كتابه فمن سمع آيات هللا يكفر‬

‫‪16‬‬
‫بها وهو جالس معهم برضاه بالجلوس معهم فهو مثلهم في الكفر كما قال تعالى‪ }:‬وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات هللا‬
‫يكفر بها ويستهزأ بها فال تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثله{‬

‫الناقض السابع‪:‬السحر‬
‫وهو في اللغة عبارة عما خفي ولطف سببه ومنه قول العرب في الشيء إذا كان شديد خفاؤه‪:‬أخفى من السحر‪ .‬وسمى السحر سحرا‬
‫ألنه يقع خفيا آخر الليل ‪.‬‬
‫وفي الشرع عقد ورقى يتوصل بها الساحر إلى استخدام الشياطين لتضر المسحور وقيل في تعريفه غير ذلك الختالف أنواعه‪.‬‬
‫والسحر في الشرع ينقسم إلى قسمين حقيقي وتخييلي فالحقيقي منه ‪:‬عبارة عن عمل يؤثر في األبدان أو في القلوب يؤثر في الفكر‬
‫بان يخيل إلى إنسان انه فعل شيئا وهو لم يفعله أو يؤثر في القلب فيورث به كراهة أو محبة غير طبيعيين فهذا هو الصرف والعطف‬
‫بان يعطف اإلنسان ويحدث فيه محبة غير عادية لبعض األشياء أو بعض األشخاص أو يكرهه إلى هذا الشيء أو يبغضه إليه كان‬
‫يفرق بين المرء وزوجه أو يحيب احدهما لآلخر وكل ذلك كما قال تعالى‪}:‬وماهم بضارين به من احد إال بإذن هللا{ ومثال على هذا‬
‫النوع من السحر ما حصل للنبي صلى هللا عليه وسلم لما سحره لبيد بن األعصم اليهودي صار يخيل إليه صلى هللا عليه وسلم انه‬
‫فعل الشيء وهو لم يفعله فتأثر بالسحر الن األنبياء بشر يعرض لهم ما يعرض للبشر وهذا نوع من األمراض فيمرضون ويصيبهم‬
‫ما يصيب البشر ومن ذلك السحر ألنه مرض فأرسل هللا إليه صلى هللا عليه وسلم ملكين يرقيانه بسورة الفلق فوقفا عنده فقال‬
‫احدهما‪:‬ما شان الرجل؟ قال اآلخر مطبوب أي مسحور قال ومن طبه؟ أي من سحره قال‪:‬لبيد بن األعصم في مشط ومشاطة في جف‬
‫طلعة في بئر ذروان ‪.‬فرقاه جبريل عليه السالم بسورة الفلق فقام صلى هللا عليه وسلم كأنما نشط من عقال فذهب عنه السحر ثم أمر‬
‫رجاال أن يذهبوا إلى هذه البئر فذهبوا فاستخرجوا منها السحر وأتلفوه‪...‬إلى نهاية القصة‬

‫وأما السحر التخيلي فهو سحر األعين وهو من جنس ما فعله فرعون مع موسى عليه السالم لما جمعوا ليقابلوا موسى والمعجزات‬
‫التي معه فعملوا سحرا تخييليا ولهذا قال جال وعال ‪ }:‬فلما القوا سحروا أعين الناس{ وقال تعالى‪}:‬فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه‬
‫من سحرهم أنها تسعى{ ولهذا لما اظهر موسى عليه السالم المعجزات التي تدل على صدقه علموا أنها ليست سحر فامنوا الن‬
‫المعجزة من عند هللا وال يستطيع بنو اإلنسان أن يأتوا بمثلها والنبي ال يقدر أن يعمل المعجزة وإنما هي من عمل شياطين اإلنس‬
‫والجن وليست بمعجزات وإنما هي خوارق شيطانية‪.‬‬
‫إذن فكل من فعل السحر أو رضي به يكفر يقول تعالى وما يعلمان من احد حتى يقوال انما نحن فتنة فال تكفر‪.‬‬

‫الناقض الثامن‪:‬مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين والدليل قوله تعالى‪}:‬يا أيها الذين امنوا ال تتخذوا اليهود والنصارى‬
‫أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم إن هللا ال يهدي القوم الظالمين{‬
‫والمواالة أقسام منها المحبة في القلوب ولو لم يظاهر وهم ومنها المظاهرة والمعاونة والمناصرة ولو لم يحبهم ومنها مدحهم ومدح‬
‫دينهم والثناء عليهم كل هذا يدخل في المواالة }ومن يتولهم منكم فانه منهم{ وإعانة الكفار تحصل بكل شيء يستعينوا به ويتقوون‬
‫به على المسلمين فمن ظاهر وأعان الكفار على المسلمين فهذا ال شك في كفره إال أن يعاونهم على المسلمين كرها بسبب إقامته‬
‫بينهم فهذا عليه وعد شديد ويخشى عليه من الكفر المخرج من الملة وذلك أن المشركين لما اكرهوا جماعة من المسلمين يوم بدر‬
‫على الخروج معهم لقتال المسلمين فان هللا سبحانه وتعالى أنكر عليهم ذلك حيث أنهم تركوا الهجرة وبقوا مع المشركين وعرضوا‬
‫أنفسهم إلى ما وقعوا فيه من إعراضهم على الخروج مع أنهم يبغضون دين الكفار ويحبون دين المسلمين ولكن بقوا في مكة شحا‬
‫بأموالهم وبلدهم و أوالدهم ال عن محبة الكفار أو محبة لدينهم فانزل هللا تعالى‪}:‬إن الذين تتوفاهم المالئكة ظالمي قالوا فيما‬
‫كنتم{يعني مع أي فريق كنتم؟ وهذا السؤال استنكاري يعني لماذا كنتم مع المشركين وانتم مسلمون؟}قالوا كنا مستضعفين في‬
‫األرض{ما لنا من حيلة هم أجبرونا واكرهونا على ذلك }قالوا الم تكن ارض هللا واسعة فتهاجروا فيها{لماذا تصبرون على البقاء في‬
‫هذا المشهد المخيف؟ }فاؤلئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا {هذا وعد شديد لهم }إال المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ال‬
‫يستطيعون حيلة وال يهتدون سبيال فاؤلئك عسى هللا أن يعفو عنهم وكان هللا عفوا غفورا {فهؤالء غير داخلون في الوعيد‪.‬‬
‫وأيضا اآلية فيها من أعان الكافر على المسلم أما من أعان مشركا على مشرك آخر فانه مرتكب لحرام ال يصل إلى الكفر وهللا اعلم‪.‬‬

‫الناقض التاسع‪:‬من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى هللا عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن‬
‫شريعة موسى عليه السالم فهو كافر‪.‬‬
‫فمن اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى هللا عليه وسلم أو ظن االستغناء عنها أو رغب في الخروج عنها‬
‫فقد خلع ربقة اإلسالم من عنقه فال شك أن هللا سبحانه وتعالى بعث محمد صلى هللا عليه وسلم إلى الناس كافة كما قال تعالى‪} :‬قل يا‬
‫أيها الناس إني رسول هللا إليكم جميعا ‪{..‬وقال تعالى‪ } :‬وما أرسلناك إال رحمة للعالمين{وقال تعالى‪ } :‬تبارك الذي نزل الفرقان على‬
‫عبده ليكون للعالمين نذيرا{‪.‬‬
‫وكما ثبت في الصحاح من غير وجه عن النبي صلى هللا عليه وسلم انه قال فيما فضله هللا به على األنبياء (وكان النبي يبعث إلى‬
‫قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة(‪.‬‬
‫وهللا تعالى اخذ الميثاق من األنبياء عليهم السالم بأنهم إن أدركوا نبينا محمد صلى هللا عليه وسلم أن يتابعوه وينصروه كما قال‬
‫تعالى‪ }:‬اخذ هللا ميثاق النبيين لما آتينكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أقررتم وأخذتم‬
‫على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين{ فإذا كان األنبياء الكرام يجب عليهم ويلزمهم إتباع نبينا محمد‬
‫صلى هللا عليه وسلم إن أدركوه فكيف بمن هو دونهم من العلماء والعباد وسائر الثقلين؟؟‬
‫فدعوة محمد صلى هللا عليه وسلم شاملة لجميع العباد ليس ألحد الخروج عن متابعته وطاعته وال االستغناء عن رسالته أما رسالة‬
‫المرسلين قبله فهي خاصة إلى قومهم وموسى عليه السالم لم يبعث إلى الخضر عليه السالم وال اوجب هللا على الخضر متابعته‬
‫وطاعته بل قد ثبت في الصحيحين أن الخضر قال لموسى عليه السالم (يا موسى إني على علم من علم هللا علمنيه ال تعلمه أنت‬

‫‪17‬‬
‫وأنت على علم من علم هللا علمكه هللا ال اعلمه ) فدل هذا الحديث على أن الخضر نبي يوحى إليه كما اختاره كثير من أهل العلم‬
‫وقرره غير واحد من المحققين ويدل لذلك ظاهر القران فتبين أن الخضر ال يلزمه إتباع شريعة موسى عليه السالم فاالحتجاج به‬
‫على جواز الخروج عن شريعة محمد صلى هللا عليه وسلم ظاهر البطالن ‪.‬‬
‫ومن أمثلة الذين يقولون ذلك غالة الصوفية فهم يقولون إن الصوفي إذا بلغ مرتبة من المعرفة باهلل فانه ليس بحاجة إلى الرسول‬
‫ألنه وصل إلى هللا والرسول صلى هللا عليه وسلم بعث إلى العوام وهؤالء خواص وقد وصلوا إلى هللا فال يصلون وال يعبدون هللا عز‬
‫وجل‪...‬وكل هذا كفر باهلل العظيم والعياذ باهلل‪.‬‬
‫وهذا الناقض يشمل أيضا العلمانيين الذين يقولون بفصل الدين عن الدولة وان الدين والعبادات في المساجد وأما المعامالت‬
‫وأحكامها وأحكام السياسة فهذه ال تدخل في دين الرسول صلى هللا عليه وسلم وان الناس هم الذين يتحكمون فيها ويقولون أن الدين‬
‫هلل والوطن للجميع‪..‬والعياذ باهلل‪.‬‬

‫ويدخل في هذا الناقض أيضا الذين يقولون أن الشريعة إنما هي للزمان الماضي أما الوقت الحاضر فال تصلح له الشريعة ألنها حدثت‬
‫معامالت وجدت أمور ال تتناولها الشريعة وهذا معناه أن الشريعة قاصرة عندهم وليست من حكيم حميد فال شك في كفر من يقول هذا‬
‫المقال وهذا داخل فيمن يزعم جواز الخروج عن شريعة محمد صلى هللا عليه وسلم ويقول ‪ :‬إن الشريعة ال تنطبق على هذا الزمان‬
‫وإنما تنطبق على الزمان الذي مضى وما أكثر من يقول هذا المقال واإلمام مالك رحمه هللا تعالى يقول ال يصلح آخر هذه األمة إال ما‬
‫أصلح أولها والذي أصلح أولها هو الكتاب والسنة فال يصلح آخرها أيضا إال الكتاب والسنة فشريعة اإلسالم صالحة لكل زمان ومكان‬
‫إلى أن تقوم الساعة ال تتهم بالنقص أو القصور الن هللا سبحانه وتعالى حكم لها بالكمال قال تعالى‪}:‬اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت‬
‫عليكم نعمتي ورضيت لكم اإلسالم دينا { فما توفي النبي صلى هللا عليه وسلم إال والدين كامل وشامل ومن كماله انه يصلح لكل زمان‬
‫ومكان ولو لم يكن يصلح لكل زمان ومكان لم يكن كامال بل صار ناقصا فاهلل يشهد له بالكمال وهؤالء يقولون انه ليس بكامل ألنه ال‬
‫يصلح لهذا الزمان‪.‬‬
‫إذن فشريعة محمد صلى هللا عليه وسلم صالحة لكل زمان ومكان وال يسع الخروج منها ومن خرج منها فقد نقض إسالمه والعياذ‬
‫باهلل‪.‬‬

‫الناقض العاشر‪:‬اإلعراض عن دين هللا ال يتعلمه وال يعمل به والدليل قوله تعالى‪ }:‬ومن اظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم اعرض عنها إنا‬
‫من المجرمين منتقمون{السجدة‪22:‬‬
‫وما أكثر المعرضين في هذا الزمان عن تعلم ما يجب عليهم من دينهم والعمل به‬
‫إما ظاهرا أو باطنا فيقع احدهم في الكفر وهو ال يشعر والعياذ باهلل ومن أراد التوسع في هذا الناقض أكثر يرجع إلى أنواع الكفر‬
‫(كفر اإلعراض(‬

‫ثم ختم الشيخ رحمه هللا تعالى هذه النواقض بقوله وال فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل وهو الذي ال يتعمد ذلك بل على سبيل‬
‫المزح والهزل أو الجاد وهو القاصد المتعمد أو الخائف والذي يخوف بالكالم أو الفعل ويهدد ويتوعد من غير فعل أو شيء خفيف‬
‫ونحو ذلك ما لم يصل إلى حد اإلكراه وهو إال اإلكراه فمن اكره إكراها صحيحا معتبرا فال شيء عليه بشرط أن يكون قلبه مطمئن‬
‫باإليمان كما قال تعالى (إال من اكره وقلبه مطمئن باإليمان) الن اإلكراه ال يكون إال في الظاهر وأما عقيدة القلب فال يكره احد عليها‬
‫فمن ارتكب ناقضا من نواقض اإلسالم يكفر سواء كان هازال أو جادا أو خائفا أو مداهنا أو ألي غرض من األغراض فقد كفر وخرج‬
‫من الملة إال المكره كما تقدم‪.‬‬

‫أقوال العلماء في قاعدة من لم يكفر الكافر فهو كافر (‪)1‬‬

‫‪18‬‬
‫وسنذكر بعون هللا تعالى ضمن هذا البحث أقوال العلماء في مسألة من لم يكفر الكافر فهو كافر ال على سبيل أن أقوالهم حجة ملزمة‬
‫في دين هللا على عباده قبولها واتباعها فما كان دين هللا يوما ً مرتبطا ً بأقوال الرجال وآرائهم وإنما نأتي بهذه األقوال على سبيل‬
‫المزيد واإليضاح لكيال يستوحش إخواننا من قلة السالكين لطريق الحق وسبيل الهدى ‪.‬‬

‫وسيتضح لنا بجالء ولكل منصف أن مسألة "من لم يكفر الكافر فهو كافر ‪ ".‬الكافر المقطوع بكفره من الكتاب والسنة مثل من عبد‬
‫غير هللا تعالى ‪..‬‬

‫لسنا أول من قررها فال تعرف لنا سابقة ‪ ،‬ولسنا أول من قطع بها فال يعرف لنا سلف فيها – كما يزعم مخالفونا – وإنما هي من‬
‫األمور المقطوع بها عند علماء المسلمين وفقهائهم وأئمتهم في الهدى بل هي من األمور البديهية العقلية التي يفهمها كل عاقل‬
‫يرعى حرمة عقله ويصونها ‪.‬‬

‫والذين لهم شبهة العلماء المضلين نقول لهم ‪ :‬إذا كانت القضية قضية اتباع فاألولى باإلتباع هم السلف الصالح فهم أولى وهم أفهم‬
‫لكتا ب هللا وسنة نبيه صلى هللا عليه وسلم وهذه عقيدتهم واضحة كما سنبين ‪ ..‬ولكن القضية قضية اتباع ما أنزل إلينا من ربنا وال‬
‫نتبع من دونه أولياء على غير بصيرة قال تعالى ‪:‬‬

‫} اتَّبِ ُعوا َما أُ ْن ِز َل إِلَ ْي ُك ْم ِمنْ َربِّ ُك ْم َواَل تَتَّبِ ُعوا ِمنْ دُونِ ِه أَ ْولِيَا َء {(األعراف ‪)3 :‬‬

‫‪ -1‬قال ابن المقري في الروضة نقالً عن كتاب اإلعالم بقواطع اإلسالم ‪ ":‬أن من لم يكفر طائفة ابن عربي كان كمن لم يكفر اليهود‬
‫(كتاب اإلعالم بقواطع اإلسالم البن حجر الهيثمي ص ‪ 379‬ط دار المعرفة ‪).‬‬ ‫والنصارى "‬

‫‪ -2‬قال الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في رسالته القيمة حكم تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة ‪:‬‬
‫(فقد بلغنا وسمعنا من فريق ممن يدعي العلم والدين وممن هو بزعمه مؤتم بالشيخ محمد بن عبد الوهاب ‪ ،‬إن من أشرك باهلل وعبد‬
‫األوثان ال يطلق عليه الكفر والشرك بعينه وذلك أن بعض من شافهني سمع من بعض اإلخوان أنه أطلق الشرك والكفر على رجل‬
‫دعا النبي صلى هللا عليه وسلم واستغاث به فقال له الرجل ال تطلق عليه الكفر حتى تعرفه) إلى أن قال‪ ( :‬وعند التحقق ال يكفرون‬
‫المشرك إال بالعموم وفيما بينهم يتورعون عن ذلك ثم دبت بدعتهم وشبهتهم حتى راجت ) ثم قال ‪( :‬ومسألتنا هذه وهي عبادة هللا‬
‫وحده ال شريك له والبراءة من عبادة ما سواه وأن من عبد مع هللا غيره فقد أشرك الشرك األكبر الذي ينقل من الملة هي أصل‬
‫األصول وبها أرسل هللا الرسل وأنزل الكتب وقامت على الناس بالرسول وبالقرآن وهكذا تجد الجواب من أئمة الدين في ذلك األصل‬
‫عند تكفير من أشرك باهلل فإنه يستتاب فإن تاب وإال قتل ال يذكرون التعريف في مسائل األصول إنما يذكرون التعريف في المسائل‬
‫الخفية التي قد يخفى دليلها على بعض المسلمين كمسائل نازع بها بعض أهل البدع كالقدرية والمرجئة أو في مسألة خفية كالصرف‬
‫والعطف وكيف يعرفون عباد القبور وهم ليسوا بمسلمين وال يدخلون في مسمى اإلسالم وهل يبقى مع الشرك عمل )‪.‬‬

‫وقال بعدها ‪( :‬ولكن هذا المعتقد يلزم منه معتقد قبيح وهو أن الحجة لم تقم على هذه األمة بالرسول والقرآن نعوذ باهلل من سوء‬
‫الفهم الذي أوجب لهم نسيان الكتاب ‪ .‬وهذه الشبهة التي ذكرنا قد وقع مثلها أو دونها ألناس في زمن الشيخ محمد رحمه هللا ولكن‬
‫من وقعت له يراها شبهة ويطلب كشفها وأما من ذكرنا فإنهم يجعلونها أصالً ويحكمون على عامة المشركين بالتعريف(‪ )1‬ويجهلون‬
‫من خالفهم فال يوفقون للصواب ألن لهم في ذلك هوى وهو مخالطة المشركين ‪ ،‬ربنا ال تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ‪ ،‬هللا أكبر ‪ ،‬ما أكثر‬
‫المنحرفين وهم ال يشعرون ونحن ذكرنا هذه المقدمة لتكون أدعى لفهم ما سيأتي من الحجج على هذه المسألة ) ‪.‬‬

‫ثم يقول الشيخ إسحاق بعد هذه المقدمة ا لقيمة التي يبين فيها عقيدته وعقيدة سلفه الصالح وما عليه أهل السنة والجماعة ‪.‬يقول‬
‫تحت عنوان (رسالة للشيخ محمد بن عبد الوهاب في هذه المسألة ‪(:‬قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب قدس هللا روحه في الرسالة‬
‫التي كتب إلى أحمد بن عبد الكريم صاحب اإلحساء ‪ ،‬أحد الصلحاء ‪ ،‬أوالً قبل أن يفتن فنذكر منها شيئا ً لمشابهة من رددنا عليه‬
‫كصاحب الرسالة وهذا نصها (من محمد بن عبد الوهاب إلى أحمد بن عبد الكريم ‪ ،‬سالم على المرسلين والحمد هلل رب العالمين أما‬
‫بعد ‪ ،‬وصل مكتوبك تقرر المسألة التي ذكرت وتذكر أن عليك إشكال تطلب إزالته ثم ورد منك رسالة تذكر أنك عثرت على كالم شيخ‬
‫اإلسالم أزال عنك اإلشكال فنسأل هللا أن يهديك لدين اإلسالم ‪ ،‬وعلى أي شئ يدل كالمه على أن من عبد األوثان عباد الالت والعزى‬

‫(‪ )1‬منقول من كتابـ االفق المبين في حكم من لم يكفر الكافرين لمحمد هايل‬

‫وسب دين الرسول بعدما شهد به مثل سب أبي جهل أنه ال يكفر(‪ )2‬بعينه بل العبارة صريحة واضحة في تكفير مثل ابن فيروز وصالح‬

‫بن عبد هللا وأمثالهما كفراً ظاهراً ينقل عن الملة فضالً عن غيرهما هذا صريح وواضح في كالم ابن القيم وفي كالم الشيخ الذي‬
‫ذكرت أنه أزال عنك اإلشكال في كفر من عبد الوثن الذي على قبر يوسف وأمثاله ودعاهم في الشدائد والرخاء وسب دين الرسول‬

‫(‪ )1‬أي يقولون ال نكفرهم إال بعد أن تقام عليهم احلجة – ويزعمون أن احلجة مل تقم على املشركني عباد القبور ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫بعدما أقر وشهد به ودان بعبادة األوثان ‪ ،‬بعدما أقر بها وليس في كالمي هذا مجازفة بل أنت تشهد به عليهم ولكن إذا أعمى هللا‬
‫القلوب فال حيلة فيه وإنما أخاف عليك من قول هللا تعالى‪َ } :‬ذلِكَ بِأَنَّ ُه ْم آ َمنُوا ثُ َّم َكفَ ُروا فَطُبِ َع َعلَى قُلُوبِ ِه ْم فَ ُه ْم اَل يَ ْفقَهُونَ‬
‫{ (المنافقون‪)3:‬‬

‫والشبهة البغيضة التي دخلت عليك من أجل هذه البضعة التي في يدك تخاف أن تضيع أنت وعيالك إذا تركت بلد المشركين وشاك في‬
‫رزق هللا وأيضا ً قرناء السوء وأنت والعياذ باهلل تنزل درجة أول مرة في الشك وبلد الشرك ومواالتهم والصالة خلفهم )‬

‫يقول الشيخ إسحاق معقبا ً على كالم شيخ اإلسالم محمد بن عبد الوهاب ‪(:‬فتأمل قوله في تكفير هؤالء العلماء وفي كفر من عبد‬
‫الوثن الذي على قبر يوسف وأنه صريح في كالم ابن القيم رحمه هللا وفي حكايته عن صاحب الرسالة وحكم عليه بآية المنافقين وأن‬
‫هذا حكم عام)‬

‫ثم يقول الشيخ إسحاق ‪( :‬فتأمل ذلك فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة ف تأمل كالم الشيخ رحمه هللا في تنزيله على صاحب الرسالة‬
‫أن المنافقين وإن تحيزوا إلى عبادة الطاغوت ثم حكم عليه بالردة) أ ‪ .‬هـ ‪.‬‬

‫ثم يقول الشيخ إسحاق رحمه الله وهو يوضح أن قضية من لم يكفر الكافر كشأن من عبد األوثان والقبور‪ ،‬من لم يكفره فهو كافر‪،‬‬
‫هي معتقده ومعتقد سلفه الصالح رضوان هللا عليهم‪ ( :‬هذا اعتقادنا نحن ومشايخنا نعوذ باهلل من الحور بعد الكور وهذه المسألة‬
‫كثيرة جداً في مصنفات الشيخ محمد رحمه هللا ألن علماء زمانه من المشركين ينازعون في تكفير المعين فهذا شرح حديث عمرو بن‬
‫عبسة من أوله إلى آخره كله في تكفير المعين حتى أنه نقل فيه عن شيخ اإلسالم ابن تيميه رحمه هللا ‪ :‬أن مـن دعا عل ّى فقد كفر‬
‫ومن لم يكفره فقد كفر ‪ ،‬وتدبر ماذا أودعه من الدالئل الشرعية التي إذا تدبرها العاقل المنصف فضالً عن المؤمن عرف أن المسألة‬
‫وفاقية وال تشكل إال على مدخول عليه في اعتقاده ‪ ).‬أ‪ .‬هـ رسالة الفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة ‪.‬‬

‫ثم يقول الشيخ إسحاق رحمه هللا محذراً من سلوك مسلك المنحرفين الذين يتكلمون بالمتشابه من الكالم ويخدعون جهال الناس بها‬
‫يشبهون عليهم فنعوذ باهلل من فتن الضالين ‪ (:‬فاللجاء اللجاء إلى حصن الدين واالعتصام بحبل هللا المتين واالنحياز إلى أوليائه‬
‫المؤمنين والحذر من أعدائه المت خالفين فأفضل القرب إلى هللا تعالى مقت من حاد هللا ورسوله وجهاده باليد واللسان والجنان بقدر‬
‫اإلمكان ‪ ،‬وما ينجي العبد من النيران ومن كان هللا ورسوله أحب إليه مما سواهما فال بد أن ينقاد ألوامر القرآن والسنة ‪ ،‬ويبرأ من‬
‫كل معتقد يخالف ما عليه السلف الصالح من سادات األمة‪ ،‬وهل زال اإلسالم وغيرت األحكام وابتدع في الدين ما لم يأذن به الملك‬
‫العالم إال بدعاة أبواب جهنم يصدون الناس عن دينهم فاتقوا هللا يا عباد هللا وال تذهب بكم الدنيا الذهاب فإنها رأس كل خطيئة وليست‬
‫من أولها إلى آخرها عوضا ً وهللا عن ذرة من ذرات اآلخرة ‪.‬وكما صدر ممن يدعي اإلسالم من األعراض عن هذا األمر وتولى‬
‫المشركين والطعن على المسلمين واستعجال الراحة والرضا عن النفس والتزين ‪ ،‬هو بعينه نفس العقوبة وسبب الخذالن ومركب‬
‫الندم والهوان ‪.‬‬

‫سا ٌد َكبِي ٌر ﴾(االنفال‪ )73:‬فكيف يخلد للدنيا‬ ‫ض َوفَ َ‬ ‫ض إِاَّل تَ ْف َعلُوهُ َت ُكنْ فِ ْتنَةٌ فِي اأْل َ ْر ِ‬ ‫ض ُه ْم أَ ْولِيَا ُء بَ ْع ٍ‬
‫قال تعالى ‪َ } :‬والَّ ِذينَ َكفَ ُروا بَ ْع ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ويصادق األعداء وينسى عهود الحمى – ومن يؤمن باهلل واليوم اآلخر يخاف سوء الحساب ‪ ..‬قال تعالى(يَاأيُّ َها الَّ ِذينَ آ َمنُوا اَل تَت َِّخذوا‬
‫ض ُه ْم أَ ْولِيَا ُء بَ ْع ٍ‬
‫ض َو َمنْ يَتَ َولَّ ُه ْم ِم ْن ُك ْم فَإِنَّهُ ِم ْن ُه ْم إِنَّ هَّللا َ اَل يَ ْه ِدي ا ْلقَ ْو َم الظَّالِ ِمينَ { (المائدة‪)51:‬‬ ‫ارى أَ ْولِيَا َء بَ ْع ُ‬ ‫ا ْليَ ُهو َد َوالنَّ َ‬
‫ص َ‬

‫قال حذيفة رضي هللا عنه ليتق أحدكم أن يكون يهوديا ً أو نصرانيا ً وهو ال يشعر وتال هذه اآلية – وعاتب عمر رضي هللا عنه أبا‬
‫موسى في جعل النصراني كاتبا ً وقال مالك وله قاتلك هللا أما اتخذت حنيفا ً مسلماً وتال هذه اآلية ‪ ..‬هذا مع استخدامه فكيف بمواالته‬
‫وإكرامه وقد نفى هللا تعالى اإليمان عمن واد المشركين فقال تعالى ‪ ﴿ :‬اَل ت َِج ُد قَ ْوما ً يُؤْ ِمنُونَ بِاهَّلل ِ َوا ْليَ ْو ِم اآْل ِخ ِر يُ َوادُّونَ َمنْ َحا َّد هَّللا َ‬
‫سولَهُ ﴾ (المجادلة ‪)22:‬‬
‫َو َر ُ‬

‫ومن المعلوم أن من واد أحداً فهو عنه راض ‪ ،‬فإذا رضي عنه رضي بدينه فصار من أهل ملته وهو ال يشعر ‪ ،‬وأكثر الناس يفطن‬
‫للمعصية ووسائلها وال يفطن للشرك ووسائله‪ ،‬ولما نهى هللا عن مواالة أعدائه من الكفار والمشركين وأباح التقية مع اإلكراه فقال ﴿‬
‫سهُ ﴾ (آل عمران ‪ )28:‬وهذا من أعظم الوعيد ‪...‬‬‫َويُ َح ِّذ ُر ُك ْم هَّللا ُ نَ ْف َ‬

‫نعم خف أمر أهل الملل لما سمعنا ممن جاسوا خالل الدين وهموا باختالس عقائد الناس وأدخلوا الشبهة ليصدوا بها الناس عن‬
‫( حكم تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة ‪).‬‬ ‫الحق الواضح المستبين) أ ‪.‬هـ‬

‫‪ -3‬يقول القاضي عياض في كتابه الشفا ‪ (:‬ولهذا نكفر من لم يكفر من دان بغير ملة اإلسالم من الملل أو وقف فيهم أو شك أو صحح‬
‫مذهبهم وإن أظهر مع ذلك اإلسالم واعتقده واعتقد إبطال كل مذهب سواه فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خالف ذلك )أ‪.‬هـ (القاضي‬
‫عياض – كتاب الشفا – جـ ‪ 2‬ص‪)610‬‬

‫(‪ )2‬كما تالحظ أن هذه الشبهة اليت ترد اليوم من املبطلني هي هلا جذورها يف التاريخ وأن هلم سلف فيها ومل تأت من فراغ انظر‬
‫وفقك اهلل وهداك كيف تشاهبت قلوهبم – مث انظر رد السلف الصاحل على هذه الشبهة وقارن ذلك بالواقع ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫ويقول القاضي عياض أيضا ً ‪( :‬وقال نحو هذا القول الجاحظ وثمامة في أن كثيراً من العامة والنساء والبله ومقلدة النصارى واليهود‬
‫وغيرهم ال حجة هلل عليهم ‪ ..‬إذ لم تكن لهم طباع يمكن معه االستدالل وقد نحا الغزالي قريبا ً من هذا المنحى في كتاب التفرقة ‪،‬‬
‫وقائل هذا كله كافر باإلجماع على كفر من لم يكفر أحداً من النصارى واليهود وكل من فارق دين المسلمين أو وقف في تكفيرهم أو‬
‫شك) أ هـ (ص‪ 602‬ص ‪ 603‬الشفا الجزء الثاني )‬

‫كما قال القاضي عياض نقالً عن القاضي أبو بكر ‪(:‬قال القاضي أبو بكر ألن التوقيف واإلجماع اتفقا على كفرهم فمن وقف في ذلك‬
‫فقد كذب النص والتوقيف(‪ )1‬أو شك فيه ‪ .‬والتكذيب أو الشك فيه ال يقع إال من كافر ) أ ‪.‬هـ (الشفا جـ‪ 2‬ص ‪) 603 ،602‬‬

‫وكالم الجاحظ هو نفسه كالم أصحاب العذر اليوم إذ يقولون أن عوام الناس المشركين الجهلة اليوم ال حجة هلل عليهم فهم معذورون‬
‫فيما يرتكبونه من أعمال الكفر واإلشراك وأن هللا عز وجل لم يكفرهم وال رسوله ألنهم جهال لم تقم عليهم الحجة ‪ ...‬فسبحان هللا‬
‫كيف تشابهت قلوبهم وهل ننتظر أن يرسل هللا إليهم رسوالً أم ينزل عليهم مالئكته مبلغين معلمين ؟!!‬

‫}قُ ْل فَلِلَّ ِه ا ْل ُح َّجةُ ا ْلبَالِ َغةُ فَلَ ْو شَا َء لَ َهدَا ُك ْم أَ ْج َم ِعينَ {(األنعام ‪)149:‬‬

‫فحجة هللا سبحانه قائمة على عباده بآياته الكونية وبرسله وكتبه فال عذر ألحد من الخلق فيما يرتكبونه من اإلشراك في ألوهية هللا‬
‫عز وجل ومن قال بضد هذا فقد زعم أن هللا لم يقم الحجة على عباده وهو بهذا مشرك كافر منتقص لجالل هللا وكماله ‪.‬‬

‫‪ -4‬يقول الشيخ عبد هللا بن عبد الرحمن بن أبا بطين ‪ ":‬فمن بلغته رسالة محمد صلى هللا عليه وسلم وبلغه القرآن فقد قامت عليه‬
‫الحجة ‪ ،‬فال يعذر في عدم اإليمان باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر فال عذر له بعد ذلك بالجهل ‪ ،‬وقد أخبر هللا سبحانه بجهل‬
‫كثير من الكفار مع تصريحه بكفرهم ووصف النصارى بالجهل مع أنه ال يشك مسلم في كفرهم ‪ ،‬ونقطع أن أكثر اليهود والنصارى‬
‫اليوم جهال مقلدون ‪ ،‬ونعتقد كفرهم وكفر من شك في كفرهم ‪ ".‬أ ‪.‬هـ (رسالة الكفر الذي يعذر صاحبه بالجهل )‬

‫وهذا الذي يقرره الشيخ أبا بطين في هذه األسطر في غاية الوضوح وهو أن المشرك ال يعذر بجهله رغم أن هذه النقطة ليست‬
‫موضوع بحثنا وسوف نخصص لها الحديث في حينها وأن هذه الكلمات كافية لمن هداه هللا – ثم انظر كيف يوضح في نهاية كالمه‬
‫أن من لم يكفر اليهود والنصارى كافر بل يقول من شك في كفرهم كفر ‪.‬‬

‫‪ -5‬وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه هللا ‪ ":‬وفي السنن أن عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه حكم بكفر أهل مسجد في‬
‫الكوفة قال واحد إنما مسيلمة على حق فيما قال وسكت الباقون فأفتى بكفرهم جميعا ً‪ ،‬فال يأمن اإلنسان أن يكون قد صدر منه كلمة‬
‫كفر أو سمعها وسكت عليها ونحو ذلك فالحذر الحذر أيها العاقلون والتوبة التوبة أيها الغافلون فإن الفتنة حصلت في أصل الدين ال‬
‫في فروعه وال في الدنيا ‪( ".‬الدرر السنية جـ‪ 27‬ص‪)127‬‬

‫‪ -6‬سئل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن عمن كان في سلطان المشركين وعرف التوحيد وعمل به ولكن ما عاداهم وال فارق‬
‫أوطانهم ‪ .‬فأجاب ‪ ":‬هذا السؤال صدر عن عدم التعقل لصورة األمر والمعنى المقصود من التوحيد والعمل به ألنه ال يتصور أنه‬
‫يعرف التوحيد والعمل به وال يعادي المشركين ومن لم يعادهم ال يقال له عرف التوحيد وعمل به ‪.‬‬

‫والسؤال متناقض وحسن السؤال مفتاح العلم وأظن مقصودك من لم يظهر العداوة ولم يفارق ‪ ،‬ومسألة إظهار العداوة غير مسألة‬
‫وجود العداوة فاألول يعذر به مع العجز والخوف لقوله تعالى ‪} :‬إِاَّل أَنْ تَتَّقُوا ِم ْن ُه ْم تُقَاةً{ (أل عمران ‪)28‬‬

‫والثاني البد منه ألنه يدخل في الكفر بالطاغوت وبينه وبين حب هللا ورسوله تالزم كلي ال ينفك عنه المؤمن فمن عصى هللا بترك‬
‫إظهار العداوة فهو عاص هلل فإذا كان أصل العداوة في قلبه فله حكم أمثاله من العصاة فإذا انضاف إلى ذلك ترك الهجرة فله نصيب‬
‫ظالِ ِمي أَنفُ ِ‬
‫س ِه ْم{ ( النساء ‪ )97 :‬لكنه ال يكفر ألن اآلية فيها الوعيد ال التكفير وأما الثاني‬ ‫من قوله تعالى‪} :‬إِنَّ الَّ ِذينَ ت ََوفَّا ُه ْم ا ْل َماَل ئِ َكةُ َ‬
‫الذي ال يوجد في قلبه شئ من العداوة فيصدق عليه قول السائل لم يعاد المشركين فهذا هو األمر العظيم والذنب الجسيم وأي خير‬
‫يبقى مع عدم عداوة المشركين) أ‪.‬هـ (الدرر السنية جـ‪ 27‬ص‪)127‬‬

‫‪ -7‬يقول شيخ اإلسالم بن تيميه ‪ " :‬أ‪ -‬ذلك يقع في طوائف منهم في األمور الظاهرة التي يعلم الخاصة والعامة من المسلمين أنها‬
‫من دين اإلسالم بل اليهود والنصارى والمشركين يعلمون أن محمداً صلى هللا عليه وسلم بعث بها وكفر من خالفها مثل أمره بعبادة‬
‫هللا وحده ال شريك له ونهيه عن عبادة أحد سوى هللا من المالئكة والنبيين أو غيرهم فإن هذا أظهر شعائر اإلسالم ‪ ،‬ومثل معاداة‬
‫اليهود والنصارى والمشركين ومثل تحريم الفواحش والربا والخمر والميسر ونحو ذلك ثم نجد كثيراً من رؤوسهم وقعوا في هذه‬
‫األنواع فكانوا مرتدين ‪ " ...‬أهـ (مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد ص‪) 10‬‬

‫انظر وفقك هللا وهداك إلى قوله ‪ (:‬التي يعلم الخاصة والعامة من المسلمين أنها من دين اإلسالم بل اليهود والنصارى والمشركين‬
‫يعلمون أن محمد صلى هللا عليه وسلم بعث بها وكفر من خالفها ‪)....‬‬

‫أي بالسماع من اهلل ورسوله ‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪21‬‬
‫إلى أن قال ‪ ( :‬ومثل معاداة اليهود والنصارى والمشركين ‪ ..‬ثم نجد كثيراً من رؤوسهم وقعوا في هذه األنواع فكانوا مرتدين )‬

‫ب ‪ -‬ويقول شيخ اإلسالم ابن تيميه ‪ (:‬وأما الذي يشهد الحقيقة الكونية وتوحيد الربوبية الشامل للخليقة ويقر أن العباد كلهم تحت‬
‫القضاء والقدر ويسلك هذه الحقيقة ‪ ،‬وال يفرق بين المؤمنين المتقين الذين أطاعوا أمر هللا الذي بعث به رسله وبين من عصى هللا‬
‫ورسوله من الكفار والفجار فهؤالء أكفر من اليهود والنصارى ) ( كتاب الفتاوى ص‪) 67‬‬

‫جـ‪ -‬ويقول شيخ اإلسالم ابن تيميه رحمه هللا ‪(:‬من سب الصحابة أو أحداً منهم أو اقترن بسبه دعوى أن عليا ً إله أو نبي أو أن‬
‫جبريل غلط فال شك في كفر هذا بل ال شك في كفر من توقف في تكفيره ‪( ).‬الصارم المسلول ص ‪ 591‬ط – دار الجيل )‬

‫د‪ -‬وقال شيخ اإلسالم بن تيميه أيضاً‪ ( :‬من دعا علي ابن أبي طالب فقد كفر ومن شك في كفره فقد كفر) أ‪ .‬هـ (الرسالة السنية )‬

‫و‪ -‬وقال شيخ اإلسالم بن تيميه ‪ ( :‬وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا (يقصد الصحابة رضي هللا عنهم ) بعد رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم إال نفراً قليالً ال يبلغون بضعة عشر نفسا ً أو أنهم فسقوا عامتهم فهذا ال ريب أيضا ً في كفره ألنه مكذب لما قصه‬
‫القرآن في غير موضع من الرضى عنهم والثناء عليهم بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين ) أ ‪ .‬هـ (الصارم المسلول‪:‬ص‬
‫‪ 592 -591‬ط دار الجيل‪).‬‬

‫يقول محمد بن عبد الوهاب رحمه هللا ‪ " :‬الدليل الرابع – ما وقع في زمن الصحابة ‪(:‬وهي قصة المختار بن أبي عبيد الثقفي وهو‬
‫رجل من التابعين مصاهر لعبد هللا ابن عمر رضي هللا عنه وعن أبيه مظهر للصالح فظهر في العراق يطلب بدم الحسين وأهل بيته‬
‫فقتل ابن زياد ومال إليه من مال لطلبه دم أهل البيت ممن ظلمهم ابن زياد فاستولوا على العراق وأظهر شرائع اإلسالم ونصب‬
‫القضاة واألئمة من أصحاب ابن مسعود وكان هو الذي يصلي بالناس الجمعة والجماعة لكن في آخر أمره زعم أنه يوحى إليه فسير‬
‫إليه عبد هللا بن الزبير جيشا ً فهزموا جيشه وقتلوه وأمير الجيش مصعب بن الزبير وتحته امرأة أبوها أحد الصحابة فدعاها مصعب‬
‫إلى تكفيره فأبت فكتب إلى أخيه عبد هللا يستفتيه فيها فكتب إليه إن لم تبرأ فاقتلها ‪ .‬فامتنعت فقتلها مصعب وأجمع العلماء كلهم على‬
‫كفر المختار مع إقامته شعائر اإلسالم – لما جنى على النبوة وإذا كان الصحابة قتلوا المرأة التي هي من بنات الصحابة لما امتنعت‬
‫عن تكفيره فكيف بمن لم يكفروا البدو مع إقرارهم بحالهم ؟ فكيف بمن زعم أنهم هم أهل اإلسالم ومن دعاهم إلى اإلسالم هو الكافر‬
‫؟! يا ربنا نسألك العفو والعافية ) (مختصر السيرة ص ‪)28،29‬‬

‫ويقول محمد بن عبد الوهاب‪( :‬وما أحسن ما قال واحد من البوادي لما قدم علينا وسمع شيئا ً من اإلسالم قال‪ :‬أشهد أننا كفار يعني‬
‫هو وجميع البوادي‪ ،‬وأشهد أن المطوع(‪ )1‬الذي يسمينا أهل إسالم أنه كافر ‪() .‬مجموعة التوحيد ص ‪) 37‬‬

‫ويقول أيضا ً ‪ ( :‬والذي يبين ذلك من قصة الردة أن المرتدين افترقوا في ردتهم فمنهم من كذب النبي ورجعوا إلى عبادة األوثان‬
‫وقالوا ‪ :‬لو كان نبيا ً ما مات !!‪.‬‬

‫ومنهم من ثبت على الشهادة ولكن أقر بنبوة مسيلمة ظنا ً أن النبي أشركه في النبوة ألن مسيلمة أقام شهود زور شهدوا له بذلك‬
‫فصدقهم كثير من الناس ومع هذا أجمع العلماء أنهم مرتدون ولو جهلوا ذلك ومن شك في ردتهم فهو كافر ‪) .‬‬
‫( مجموعة التوحيد )‬

‫ويقول محمد بن عبد الوهاب أيضا ً في الناقض الثالث من نواقض اإلسالم ‪(:‬من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح‬
‫مذهبهم كفرويقول أيضا ً ‪ ( :‬فاهلل هللا يا أخواني تمسكوا بأصل دينكم وأوله وآخره وأسه ‪ ،‬ورأسه شهادة أن ال إله إال هللا واعرفوا‬
‫معناها وأحبوها وأحبوا أهلها واجعلوهم إخوانكم ولو كانوا بعيدين ‪ ،‬واكفروا بالطواغيت وعادوهم وابغضوا من أحبهم أو جادل‬
‫عنهم أو لم يكفرهم أو قال ما عل ّى منهم أو قال ما كلفني هللا بهم فقد كذب هذا على هللا وافترى ‪ ،‬فقد كلفه بهم وافترض عليه الكفر‬
‫بهم والبراءة منهم ولو كانوا إخوانهم وأوالدهم ‪ ،‬فاهلل هللا تمسكوا بذلك لعلكم تلقون ربكم ال تشركون به شيئا ً ‪ ،‬اللهم توفنا مسلمين‬
‫وألحقنا بالصالحين ‪ ()..‬مجموعة التوحيد)‬

‫‪ -8‬وقال الشيخ عبد هللا بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما هللا في معرض شرحه لكالم الشيخ ابن القيم (رحمه هللا) في باب‬
‫التوبة ‪ ،‬قال ‪ (:‬يتبين لك أن اإلسالم ‪ ،‬ال يستقيم إال بمعاداة أهل الشرك ‪ ،‬فإن لم يعادهم فهو منهم وإن لم يفعل فعلهم ‪( ).‬مجموعة‬
‫التوحيد ص ‪) 35‬‬

‫وقد سئل الشيخ حسن والشيخ عبد هللا أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب (رحمهم هللا جميعاً) عن رجل دخل هذا الدين وأحبه وأحب‬
‫أهله ‪ ،‬ولكنه ال يعادي المشركين ‪ ،‬أو عاداهم ولم يكفرهم ؟فأجابا‪ ( :‬بأن هذا ال يكون مسلما ً إال إذا عرف التوحيد ودان به ‪ ،‬وعمل‬
‫بموجبه وصدق الرسول صلى هللا عليه وسلم فيما أخبر به وأطاعه فيما نهى عنه وأمر به وآمن بما جاء به ‪.‬فمن قال ال أعادي‬
‫ض َويُ ِريدُونَ أَنْ‬
‫ض َونَ ْكفُ ُر بِبَ ْع ٍ‬
‫المشركين ‪ ،‬أو عاداهم ولم يكفرهم ‪ ،‬فهو غير مسلم وهو ممن قال هللا فيهم ‪َ }:‬ويَقُولُونَ نُؤْ ِمنُ بِبَ ْع ٍ‬

‫(‪ )1‬املطوع ‪ :‬يعين املتدين ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫(مجموعة التوحيد ص‬ ‫سبِيال ‪ .‬أُ ْولَئِكَ ُه ْم ا ْلكَافِرُونَ َحقًّا َوأَ ْعتَ ْدنَا لِ ْلكَافِ ِرينَ َع َذابًا ُم ِهينا ً { (النساء‪)151-150:‬‬
‫يَتَّ ِخ ُذوا بَيْنَ َذلِكَ َ‬
‫‪ 284‬كذلك أنظر الدرر السنية ص ‪ 111‬جـ‪)8‬‬

‫( وقد أجمع علماء اإلسالم أن من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم أو اعتقد أن نظامهم أهدى وأفضل من هدى‬
‫هللا ورسوله أو أبغض شيئا ً مما جاء به الرسول صلى هللا عليه وسلم ولو عمل به فهو كافر لعدم استسالمه وانقياده انقياداً كامالً هلل‬
‫عز وجل ‪ ( ).‬الدرر السنية جـ ‪ 2‬ص ‪) 176‬‬

‫يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي – في الفتاوى السعدية ‪ ( :‬أن هللا تعالى عقد األخوة والمواالة والمحبة بين المؤمنين كلهم ‪ ،‬ونهى‬
‫عن مواالة الكافرين كلهم ‪ ،‬من يهود ونصارى ومجوس ومشركين وملحدين ومارقين ومرتدين وغيرهم ممن ثبت في الكتاب والسنة‬
‫الحكم بكفرهم ‪ ،‬فعليهم وعلى أمثالهم ممن لم يصلوا إلى درجتهم أن يعلموا أن هللا عز وجل ‪ ،‬قد أوجب على كل مسلم محبة كل‬
‫مؤمن موحد تارك لجميع المكفرات الشرعية ‪ ،‬وأن عليه مواالته ونصرته بنفسه وماله واعتقاده وكل من كان يخالف ذلك ‪ ،‬من أهل‬
‫الزيغ واالنحراف والضالل فإنه يجب التقرب إلى هللا ببغضه ومعاداته وجهاده باللسان واليد بحسب القدرة واإلمكان فما الوالء‬
‫والبراء إال الحب والبغض في هللا وهما أصل اإليمان فأصل اإليمان أن تحب في هللا أنبياءه ورسله وأتباع رسله وتبغض في هللا‬
‫أعداءه وأعداء رسله وأعداء المؤمنين في كل زمان ومكان وكل من حكم الشرع بتكفيره فإنه يجب تكفيره ومن لم يكفر من كفره‬
‫هللا ورسوله ‪ ،‬فهو كافر مكذب هلل ورسوله وذلك إذا ثبت عنده كفره بدليل شرعي ) (الفتاوى السعدية جـ ‪ 1‬ص ‪) 215‬‬

‫يقول الشيخ حمد بن علي بن عتيق النجدي رحمه هللا ‪ " :‬وها هنا نكتة بديعة في قوله ﴿ إِنَّا بُ َرآ ُء ِم ْن ُك ْم َو ِم َّما تَ ْعبُدُونَ ِمنْ دُو ِن هَّللا ِ﴾‬
‫(الممتحنة ‪ ) 4:‬وهي أن هللا تعالى قدم البراءة من المشركين العابدين غير هللا على البراءة من األوثان المعبودة من دون هللا ‪ ،‬ألن‬
‫األول أهم من الثاني فإنه يتبرأ من األوثان وال يتبرأ ممن عبدها ‪ ،‬فال يكون آتيا ً بالواجب عليه وأما إذا تبرأ من المشركين فإن هذا‬
‫شقِيّا ً ﴾‬‫سى أَاَّل أَ ُكونَ بِ ُدعَا ِء َربِّي َ‬ ‫يستلزم البراءة من معبوداتهم وهذا كقوله تعالى‪َ ﴿:‬وأَ ْعتَ ِزلُ ُك ْم َو َما تَ ْدعُونَ ِمنْ دُو ِن هَّللا ِ َوأَ ْدعُو َربِّي َع َ‬
‫( مريم ‪ )48:‬ف قدم اعتزالهم على اعتزال معبوداتهم وكذا قوله‪ ﴿ :‬فَلَ َّما ا ْعتَزَ لَ ُه ْم َو َما يَ ْعبُدُونَ ِمنْ دُو ِن هَّللا ِ ﴾ (مريم ‪ )49:‬وقوله ‪َ ﴿:‬وإِذْ‬
‫ا ْعتَزَ ْلتُ ُمو ُه ْم َو َما يَ ْعبُدُونَ إِاَّل هَّللا َ ﴾ ( الكهف ‪ )16 :‬فعليك بهذه النكت فإنه تفتح بابا ً إلى عداوة أعداء هللا فكم من إنسان ال يقع منه‬
‫الشرك ولكنه ال يعادي أهله فال يكون مسلما ً بذلك إذ ترك دين جميع المرسلين ) ( رسالة بيان النجاة والفكاك من مواالة المرتدين‬
‫وأهل اإلشراك مجموعة التوحيد ص‪)258‬‬

‫وقال أوالد الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأحفاده وتالميذه رحمهم هللا عند كالمهم على األمور التي توجب الجهاد‪(:‬األمر الثاني ‪ :‬مما‬
‫يوجب الجهاد لمن اتصف به عدم تكفير المشركين أو شك في كفرهم فإن ذلك من نواقض اإلسالم ومبطالته فمن اتصف به فقد كفر‬
‫وحل دمه وماله ووجب قتاله حتى يكفّ ر المشركين والدليل على ذلك قوله صلى هللا عليه وسلم (من قال ال إله إال هللا وكفر بما يعبد‬
‫من دون هللا حرم ماله ودمه ) فعلق عصمة المال والدم بأمرين ‪:‬‬

‫األمر األول‪ :‬قول ال إله إال هللا‪ .‬والثاني‪ :‬الكفر بما يعبد من دون هللا‪.‬فال يعصم دم العبد وماله حتى يأتي بهذين األمرين‪ :‬األول‪ :‬قوله‬
‫ال إله إال هللا ‪ ،‬والمراد معناها ال مجرد لفظها ‪ ،‬ومعناها هو توحيد هللا بجميع أنواع العبادة ‪.‬‬

‫األمر الثاني ‪ :‬الكفر بما يعبد من دون هللا ‪ ،‬والمراد بذلك تكفير المشركين والبراءة منهم ومما يعبدون مع هللا ‪ ،‬فمن لم يكفر‬
‫المشركين من الدولة التركية وعباد القبور كأهل مكة ‪ ،‬وغيرهم ممن عبد الصالحين وعدل عن توحيد هللا إلى الشرك وبدل سنة‬
‫رسوله صلى هللا عليه وسلم بالبدع فهو كافر مثلهم وإن كان يكره دينهم ويبغضهم ويحب اإلسالم والمسلمين فإن الذي ال يكفر‬
‫المشركين غير مصدق بالقرآن فإن القرآن قد كفّر المشركين وأمر بتكفيرهم وعداوتهم وقتالهم ‪ ،‬قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب‬
‫رحمه هللا في نواقض اإلسالم – الثالث‪ -‬من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر ‪ ،‬وقال الشيخ اإلسالم ابن‬
‫تيميه رحمه هللا من دعا علي بن أبي طالب فقد كفر ومن شك في كفره فقد كفر ) أ ‪ .‬هـ (الدرر السنية جـ‪ 7‬ص ‪) 374‬‬

‫قال أبو محمد موفق الدين بن قدامة رحمه هللا تعالى – لما أنجز كالمه في مسألة ‪ :‬هل كل مجتهد مصيب أم ال ‪ -‬ورجح أنه ليس كل‬
‫مجتهد مصيب بل الحق في قول واحد من أقوال المجتهدين ‪.‬‬

‫قال ‪ ( :‬وزعم الجاحظ أن مخالف ملة اإلسالم إذا نظر فعجز عن درك الحق فهو معذور غير آثم(‪ )1‬إلى أن قال – وأما ما ذهب إليه‬
‫الجاحظ فباطل يقينا ً وكفر باهلل تعالى ورد عليه وعلى رسوله) أ ‪ .‬هـ (رسالة الكفر الذي يعذر صاحبه بالجهل وحكم من يكفر غيره‬
‫من المسلمين للشيخ عبد هللا بن عبد الرحمن بن أبا بطين‪).‬‬

‫وقد سبق وذكرنا قول القاضي عياض في كتابه الشفا – عن كفر قائل هذا القول عندما قال ( وقائل هذا كله كافر باإلجماع على كفر‬
‫من لم يكفر أحداً من النصارى واليهود وكل من فارق دين المسلمين أو وقف في تكفيرهم أو شك ‪)...‬‬

‫وقول الجاحظ هو نفسه كالم أصحاب العذر اليوم حيث يقولون أن المشركين ال حجة هلل عليهم ‪.‬‬

‫وهي نفس الشبهة اليت لدى خمالفينا كما تالحظ ‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪23‬‬
‫يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في شرحه رسالة جده الشيخ محمد بن عبد الوهاب أصل الدين وقاعدته أمران قال‬
‫‪:‬فقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب (ومنهم من عاداهم ولم يكفرهم ) قال فهذا النوع أيضا ً لم يأت بما دلت عليه ال إله إال هللا من نفي‬
‫الشرك وما تقتضيه من تكفير من فعله بغير البيان إجماعا ً وهو مضمون سورة اإلخالص وقل يا أيها الكافرون وقوله في آية‬
‫الممتحنة (كفرنا بكم ) ومن لم يكفر من كفره القرآن فقد خالف ما جاءت به الرسل من التوحيد ‪ ،‬وما يوجبه قوله رحمه هللا ( ومنهم‬
‫وهو أشد األنواع خطراً من عمل بالتوحيد ولم يعرف قدره ولم يبغض من تركه ولم يكفرهم ) فقوله رحمه هللا – هو أشد األنواع كفراً‬
‫– ألنه لم يعرف قدر ما عمل به ولم يجئ بما يصحح توحيده من القيود الثقال التي ال بد منها لما علمت أن التوحيد يقتضي نفي‬
‫الشرك والبراءة منه ومعاداة أهله و تكفيرهم مع قيام الحجة عليهم فهذا قد يغتر بحاله وهو لم يجئ بما عليه من األمور التي دلت‬
‫عليها كلمة اإلخالص نفيا ً وإثباتاً) أ ‪ .‬هـ (مجموعة التوحيد)‬

‫وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في أرجوزته الموجودة في ديوان أحمد بن مش ّرف ص‪.31‬‬

‫لكل ذي حدث في اللحد مقبور‬ ‫لم يسلكوا منهج التوحيد بل فتنوا‬

‫يأتي إلـيه بمنـحور ومـنـذور‬ ‫هذا يطـوف وهـذا في تقـربه‬

‫يرجوا اإلجـابة في تيسير معسور‬ ‫وذا به مستغـيث في شـدائـده‬

‫فالحـق شمس وهذا غير معذور‬ ‫فاحكم بتكفير شخص ال يكفرهم‬

‫وقد سئل الشيخ سليمان ابن عبد هللا رحمه هللا ‪ :‬عن أهل بلد مرتدين أو بادية وهم بنو عم ‪ ،‬ويجئ لهم ذكر عند األمراء فيتسبب‬
‫بالدفع عنهم حمية دنيوية إما بطرح نكال أو دفن نقائض المسلمين أو يشير بكف المسلمين عنهم هل يكون هذا مواالة نفاق ؟ أو‬
‫يصير كفراً ؟ فإن كان ما يقدر من نفسه أن يتلفظ بكفرهم وسبهم ما حكمه ؟ وكذلك إذا عرفت هذا من إنسان ‪ ،‬ماذا يجب عليك ؟ ‪...‬‬
‫أفتنا مأجوراً ‪ ".‬فأقول ‪ :‬أوالً ‪ :‬أن هللا افترض على المؤمنين عداوة المشركين ‪ ،‬من الكفار ‪ ،‬والمنافقين وجفاة األعراب الذين‬
‫يعرفون بالنفاق وال يؤمنون باهلل ورسوله صلى هللا عليه وسلم وأمرهم بالجهاد واإلغالظ عليهم بالقول والفعل ‪ ،‬وتوعدهم باللعن‬
‫والقتل كقوله ‪َ ﴿ :‬م ْل ُعونِينَ أَ ْينَ َما ثُقِفُوا أُ ِخ ُذوا َوقُتِّلُوا تَ ْقتِيال ً﴾ (األحزاب ‪ )61:‬وقطع المواالة بين المؤمنين وبينهم ‪ ،‬وأخبر أن من‬
‫توالهم فهو منهم ‪ ،‬وكيف يدعي رجل محبة هللا وهو – يحب أعداءه الذين ظاهروا الشيطان على عدوانهم واتخذوهم أولياء من دون‬
‫هللا ‪ ،‬إلى أن قال ‪:‬وأما قول السائل ‪ :‬فإن كان ما يقدر من نفسه أن يتلفظ بكفرهم وسبهم ما حكمه ؟ فالجواب ‪ :‬ال يخلوا ذلك عن أن‬
‫يكون شاكا ً في كفرهم ‪ ،‬أو جاهالً به ‪ ،‬أو يقر بأنهم كفرة هم وأشباههم ‪ ،‬ولكن ال يقدر على مواجهتهم وتكفيرهم أو يقول ‪ :‬أقول‬
‫غيرهم كفار ‪ ،‬ال أقول ‪ :‬أنهم كفار ‪ .‬فإن كان شاكا ً في كفرهم أو جاهالً بكفرهم بينت له األدلة من كتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم على كفرهم ‪ ،‬فإن شك بعد ذلك وتردد فإنه كافر بإجماع العلماء ‪ ،‬على أن من شك في كفر الكفار فهو كافر ‪.‬‬

‫ثم قال بعدها ‪ :‬وإن كان يقول ‪ :‬أقول غيرهم كفار ‪ ،‬وال أقول هم كفار ‪ ،‬فهذا حكم منه بإسالمهم إذ ال واسطة بين الكفر واإلسالم ‪،‬‬
‫فإن لم يكونوا كفاراً فهم مسلمون وحينئذ فمن سمى الكفر إسالما ً ‪ .‬أو سمى الكفار مسلمين فهو كافر ‪ ،‬فيكون هذا كافراً ) أ ‪ .‬هـ (‬
‫مجموعة التوحيد – الرسالة السادسة – أوثق عرى اإليمان‪.‬ص ‪)121-109‬‬

‫وكذلك ما جرى له صلى هللا عليه وسلم مع عمه عند وفاته لما قال له ( يا عم‪ ..‬قل ‪:‬ال إله إال هللا) وعنده أبو جهل وعبد هللا ابن أبي‬
‫أمية ‪ .‬فقاال له ‪ :‬أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ ‪ ..‬عرفوا معناها أن فيها التولي والتبري‪.‬‬

‫وفي صحيح مسلم عنه صلى هللا عليه وسلم أنه قال ‪( :‬من قال ال إله إال هللا وكفر بما يعبد من دون هللا حرم ماله ودمه وحسابه على‬
‫هللا عز وجل ) فتبين بذلك خطأ المغرورين وبطالن حجة المبطلين ‪ ،‬فإن ال إله إال هللا معناها ‪ .‬كما تقدم النفي واإلثبات وحقيقتها‬
‫المواالة والمعاداة ثم ال بد مع ذلك من البغض واالعتزال للداعي والمدعو والعابد والمعبود مع الكفر بهم‪.‬‬

‫إلى أن قال ‪ ( :‬فأين هذا من الواقع من أهل هذا الزمان إذا كان علماؤهم ال يعرفون معناها كما عرف جهال الكفار ؟!! ) أ ‪ .‬هـ‬
‫(مجموعة التوحيد – رسالة أسباب نجاة السول من السيف المسلول ص‪) 135-134‬‬

‫وبعد ‪ ... :‬ف هذه أقوال سلفنا الصالح رضوان هللا عليهم نقلناها بكل أمانة بين أيديكم فلذلك يلزم من يقول عن دعاة التوحيد بأنهم أهل‬
‫بدع – يلزمه أن يتهم السلف الصالح بأنهم أهل بدع وبأنه أفهم لكتاب هللا وسنة رسوله الكريمة ‪ ‬منهم ألنه هذا كالمهم واضح في‬
‫غاية الوضوح وصريح في غاية الص‬

‫‪24‬‬
‫الطاغوت‬

‫يقول تعالى ‪ } :‬والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى هللا لهم البشرى{‬

‫ويقول تعالى‪ } :‬فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن باهلل فقد استمسك بالعروة الوثقى ال انفصام لها‪{..‬‬

‫ويقول تعالى‪ } :‬ولقد بعثنا في كل امة رسوال أن اعبدوا هللا واجتنبوا الطاغوت{‬

‫ويقول تعالى‪ }:‬الم تر إلى الذين يزعمون أنهم امنوا بما انزل إليك وما انزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا‬
‫أن يكفروا به{‬

‫‪25‬‬
‫يقول الشيخ محمد ابن عبد الوهاب يرحمه هللا اعلم يرحمك هللا تعالى‪ (:‬أن أول ما فرض هللا على ابن ادم الكفر بالطاغوت واإليمان‬
‫باهلل والدليل قوله تعالى‪ } :‬ولقد بعثنا في كل امة سوال أن اعبدوا هللا واجتنبوا الطاغوت‪{..‬‬

‫إذن فما هو الطاغوت الذي أمرنا هللا باجتنابه وعدم عبادته؟‬

‫وما هي صفة الكفر بالطاغوت؟‬

‫الطاغوت لغة مشتق من الطغيان وهو مجاوزة الحد وكل شيء جاوز المقدار والحد في العصيان فهو طاغ ومن ذلك قوله تعالى‪}:‬إنا‬
‫لما طغى الماء‪ {..‬أي كثر وزاد على الحد بإذن هللا تعالى وطغى السيل‪:‬ارتفع حتى جاوز الحد في الكثرة وأما تعرفه شرعا فقد عرفه‬
‫ابن القيم رحمه هللا تعريفا شامال فقال‪(:‬الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع) أي كل شيء يتعدى العبد‬
‫به حده أي قدره الذي ينبغي له في الشرع يصير به طاغوتا سواء تعدى حده من معبود مع هللا بأي نوع من أنواع العبادة أو متبوع‬
‫في معاصي هللا أو مطاع من دون هللا في تحليل ما حرم هللا أو تحريم ما احل هللا‪.‬‬

‫ثم قال ابن القيم‪( :‬فإذا تأملت طواغيت العالم فإذا هي ال تخرج عن هذه الثالثة)‪.‬‬

‫والطواغيت كثيرة فهم غير منحصرين بعدد لعنهم هللا الن كل من انطبق عليه التعريف المتقدم فهو طاغوت شاء أم أبى ولكن رؤوس‬
‫الطواغيت أي أكبرها باالستقراء والتتبع خمسة‪:‬‬

‫‪.1‬الشيطان‪ :‬وهو رأس كل ضاللة وهو الذي يزين الباطل للناس وقد أمرنا هللا بعدم إتباعه قال‪} :‬الم اعهد إليكم{ أي امركم يا بني ادم‬
‫أي على السن رسلي }أن ال تعبدوا{ أي ال تطيعوا الشيطان }انه لكم عدو مبين{ أي بين العداوة وعداوة الشيطان لإلنسان أزلية منذ‬
‫أن طرده هللا من رحمته فاقسم بعزة هللا وجالله أن يسخر كل جهده لغواية بني ادم وإلخراجهم من رحمة هللا تعالى فأول شرك ظهر‬
‫على وجه األرض كان بسبب الغلو في الصالحين فقد زين لهم الشيطان الشرك وعبادة األصنام كما شرحنا ذلك في أنواع التوحيد‬
‫ولذلك أمرنا هللا تعالى بعدم إتباع خطوات الشيطان فقال تعالى‪ }:‬وال تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين{ الن إتباع خطوات‬
‫الشيطان ال تنتهي باإلنسان إال بالكفر والعياذ باهلل الن المعاصي إذا توالت على قلب العبد يستأنس بها فال يعود ينكر منكرا أو يعرف‬
‫معروفا وهذا هو الران الذي يحصل للقلب كما قال تعالى‪} :‬كال بل ران على قلوبهم{ فعلى اإلنسان أن يحذر الشيطان كل الحذر ألنه‬
‫يبذل قصارى جهده إلضالل الناس وبكل الوسائل الممكنة كما حصل في قصة الراهب الذي تعبد هللا ستين سنة وان الشيطان أراداه‬
‫فأعياه فعمد إلى امرأة فاجنها ولها إخوة فقال إلخوتها عليكم بهذا القس فيداويها قال فجاءوا بها فداواها وكانت عنده فبينما هو يوما‬
‫عندها إذا أعجبته فاتاها فحملت فعمد إليها فقتلها فجاء إخوتها فقال الشيطان للراهب أنا صاحبك انك أعييتني أنا صنعت هذا بك‬
‫فاطعني أنجك مما صنعت بك فاسجد لي سجدة فلما سجد له قال إني بريء منك إني أخاف هللا رب العالمين فذلك قوله تعالى‪ }:‬كمثل‬
‫الشيطان إذ قال لإلنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف هللا رب العالمين{ ومن أراد المزيد يرجع إلى تفسير اآلية في‬
‫سورة الحشر‪.‬‬

‫فالشيطان هو رأس كل فتنة وال يمل وال يتعب حتى يخرج العباد من عبادة رب العباد إلى عبادة العباد‪.‬‬

‫‪.2‬الحاكم الجائر المغير ألحكام هللا تعالى والدليل قوله تعالى‪ }:‬الم تر إلى الذين يزعمون أنهم امنوا بما انزل إليك وما انزل من قبلك‬
‫يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضالال بعيدا {‬

‫سوله َو َعلَى اأْل َ ْنبِيَاء اأْل َ ْق َد ِمينَ َو ُه َو َم َع َذلِ َك‬ ‫جاء في تفسير اآلية‪َ :‬ه َذا إِ ْنكَار ِمنْ هَّللا َع َّز َو َج َّل َعلَى َمنْ يَد َِّعي اإْل ِ ي َمان بِ َما أَ ْنزَ َل هَّللا َعلَى َر ُ‬
‫صار‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سبَب نُزُول َه ِذ ِه اآْل يَة أنَّ َها فِي َر ُجل ِمنْ اأْل ْن َ‬ ‫سوله َك َما ُذ ِك َر فِي َ‬ ‫سنَّة َر ُ‬ ‫صو َمات إِلَى َغ ْير ِكتَاب هَّللا َو ُ‬ ‫صل ا ْل ُخ ُ‬ ‫يُ ِريد أَنْ يَت ََحاكَم فِي فَ ْ‬
‫ش َرف‪َ .‬وقِي َل فِي َج َماعَة ِمنْ‬ ‫ي يَقُول بَ ْينِي َوبَ ْينك ُم َح َّمد َو َذا َك يَقُول بَ ْينِي َوبَ ْينك َك ْعب ْبن اأْل َ ْ‬ ‫ص َما فَ َج َع َل ا ْليَ ُهو ِد ّ‬ ‫َو َر ُجل ِمنْ ا ْليَ ُهود ت ََخا َ‬
‫ساَل م أَ َرادُوا أَنْ يَت ََحا َك ُموا إِلَى ُح َّكام ا ْل َجا ِهلِيَّة ‪َ .‬وقِي َل َغ ْير َذلِ َك َواآْل يَة أَ َع ّم ِمنْ َذلِ َك ُكلّه فَإِنَّ َها َذا َّمة لِ َمنْ َع َد َل‬ ‫ا ْل ُمنَافِقِينَ ِم َّمنْ أَ ْظ َه ُروا اإْل ِ ْ‬
‫ت ُهنَا َولِ َه َذا قَا َل " يُ ِريدُونَ أَنْ َيت ََحا َك ُموا إِلَى الطَّا ُغوت "‬ ‫س َوا ُه َما ِمنْ ا ْلبَا ِطل َوه َُو ا ْل ُم َراد ِبالطَّا ُغو ِ‬ ‫سنَّة َوت ََحا َك ُموا إِلَى َما ِ‬ ‫عَنْ ا ْل ِكتَاب َوال ُّ‬
‫إِلَى آ ِخرهَا‪.‬‬

‫فيدخل في مسمى الطاغوت إذن كل من عدل عن كتاب هللا وسنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وبدلها بشريعة وضعية‪.‬فمن أفعال‬
‫هللا تعالى التشريع يقول تعالى‪} :‬وشرع لكم من الدين ما وصى به نوحا{ فمن شرع شرعا غير شرع هللا فقد تعدى إلى فعل من أفعال‬
‫الرب وهو التشريع وقد شارك هللا ربوبيته كما قال تعالى‪ :‬عن األحبار والرهبان} اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون‬
‫هللا{ ألنهم شرعوا مع هللا فسامهم أربابا ومعنى الحبر العالم ومعنى الراهب العابد فمن أطاعهم في التحليل والتحريم فقد اتخذهم‬
‫أربابا من دون هللا قال تعالى‪ }:‬أم لهم شركاء شرعوا لهم ما لم يأذن به هللا { فطغوا وتجاوزوا حدهم من عباد إلى أرباب فأصبحوا‬
‫طواغيت وهذا الذي حصل أيضا مع حكام أهل زماننا أبدلوا شريعة هللا بشريعة وضعية لها دساتير مأخوذة من شريعة اليهود‬
‫والنصارى ‪..‬فاستبدلوا قطع يد السارق بحكم السجن بدعوى أن حكم هللا تعالى قاس وان لم يقولونها بألسنتهم فاإلنسان ال يبدل شيء‬
‫إال إذا كان رآه غير صالح فاتهم الحق سبحانه وتعالى بالقسوة تعالى هللا عما يقولون علوا كبيرا فان هللا سبحانه وتعالى ارحم بالعباد‬
‫من األم بولدها واستبدلوا حكم الزاني وشارب الخمر ‪..‬وبدلوا وشرعوا مع هللا ولوال أن هللا متكفل بحفظ القران لحرفوا معانيه أيضا‬
‫وكذبوا على هللا كما فعل الذين من قبلهم ولكن عندما لم يستطيعوا هذا ضحكوا على عقول الناس وافهموهم أن القران للتالوة والذكر‬

‫‪26‬‬
‫بل أكثر من هذا أصبح القران من بين الديكورات التي تجدها موضوعة في المنزل فال حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم فماذا كانت‬
‫نتيجة تغيير شرع هللا عم الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس فاهلل سبحانه وتعالى حينما خلقنا عالم بما يصلح لنا ووضع‬
‫هذه األحكام لصالح العباد ولو طبقت لعم الخير واألمان فشريعة هللا سبحانه وتعالى ال تقارن بأي شريعة طاغوتية يقول تعالى‪} :‬‬
‫افحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من هللا حكما لقوم يومنون {‬

‫جاء في تفسير ابن كثير لهذه االية ‪ ((:‬ينكر تعالى على من خرج عن حكم هللا المحكم المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر وعدل‬
‫إلى ما سواه‪  ‬من اآلراء واألهواء واالصطالحات التي وضعها الرجال بال مستند من شريعة هللا كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من‬
‫الضالالت‪  ‬والجهاالت مما يضعونها بآرائهم وكما يحكم به التتارمن السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذي وضع‬
‫لهم الياسق وهو عبره عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة اإلسالمية وغيرها‬
‫وفيها كثير م ن األحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت في بنيه شرعا ً متبعا ً يقدمونها على الحكم بكتاب هللا وسنة رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم هللا ورسوله فال يحكم سواه في قليل وال كثير ))‬

‫‪.3‬الذي يحكم بغير ما انزل هللا والدليل قوله تعالى‪ }:‬ومن لم يحكم بما انزل هللا فاؤلئك هم الكافرون{ المائدة‪44‬‬

‫والحكم هو فض النزاع بين اثنين فسامهم هللا كفار ألنهم حكموا بين الناس بغير ما انزل هللا ويدخل فيها القاضي الذي يحكم على‬
‫الزاني والسارق وشارب الخمر‪...‬قال ابن القيم رحمه هللا تعالى‪ (:‬فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير هللا ورسوله أو يعبدونه‬
‫من دون هللا أو يتبعونه على غير بصيرة من هللا أو يطيعونه فيما ال يعلمون انه طاعة هلل فهذه طواغيت العالم‪.‬إذا تأملتها وتأملت‬
‫أحوال الناس معها‪.‬رأيت أكثرهم اعرض عن عبادة هللا تعالى إلى عبادة الطاغوت وعن طاعة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إلى‬
‫طاعة الطاغوت ومتابعته‪.‬‬

‫وقال مجاهد‪( :‬الطاغوت شيطان في صورة إنسان يتحاكمون إليه وهو صاحب أمرهم ) فيدخل في مسمى الطاغوت كل من لم يحكم‬
‫بما انزل هللا كمن يحكم بقوانين الجاهلية والقوانين الدولية بل جميع من حكم بغير ما انزل هللا سواء كان بالقوانين أو بشيء مخترع‬
‫وهو ليس من الشرع فهو طاغوت ألنه تعدى الحد الذي خلقه هللا له فرفض حكم هللا وفضل شريعته الوضعية‪.‬‬

‫ومعلوم أن من أفعال الرب الحكم بين العباد يقول تعالى هللا يحكم ال معقب لحكمه فمن استجاز أن يحكم بين الناس في أموالهم‬
‫ودمائهم ومعامالتهم بغير حكم هللا فقد أشرك وكفر باهلل العظيم يقول تعالى‪} :‬وال يشرك في حكمه أحدا{ وقال‪}:‬إن الحكم إال هلل أمر أال‬
‫تعبدوا إال إياه{ أي الحكم هلل وحده ال شريك له وأمرنا بعبادته وحده أي ال نصرف أي نوع من أنواع العبادات لغير هللا فمثال من‬
‫أسماء هللا سبحانه وتعالى الرزاق فمن طلب الرزق من غير هللا تعالى فقد أشرك وكذلك من أسماء هللا تعالى الحكم فمن صرف عبادة‬
‫التحاكم لغير هللا تعالى فقد أشرك الن التحاكم الى شرع هللا من عبادة هللا تعالى ومن مقتضى شهادة أن ال اله إال هللا فمن تحاكم الى‬
‫غير شرع هللا فقد عبد الطاغوت وانقاد له والعياذ باهلل‪.‬‬

‫وللشيخ العالمة محمد ابن إبراهيم آل الشيخ رسالة مفيدة في الحكم بغير ما انزل هللا افتتحها بقوله( إن من الكفر األكبر المستبين‬
‫تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح األمين على قلب محمد صلى هللا عليه وسلم ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين في‬
‫الحكم به بين العالمين والرد إليه عند تنازع المتنازعين مناقضة ومعاندة لقول هللا عز وجل فان تنازعتم في شيء فردوه إلى هللا‬
‫والرسول إن كنتم تؤمنون باهلل واليوم اآلخر ذلك خير وأحسن تأويال‪)..‬‬

‫ويقول ابن قيم في نونيته‪:‬‬

‫ويقول أيضاً‪ -‬رحمه هللا‪ -‬في النونية ‪:‬‬

‫‪27‬‬
‫‪.4‬الذي يدعي علم الغيب من دون هللا والدليل قوله تعالى‪ }:‬عالم الغيب فال يظهر على غيبه أحدا إال من ارتضى من رسول فانه يسلك‬
‫من بين يديه ومن خلفه رصدا{الجن‪ 26-27‬ويقول تعالى‪}:‬وعنده مفاتيح الغيب ال يعلمها إال هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط‬
‫من ورقة إال يعلمها وال حبة في ظلمات األرض وال رطب وال يابس إال في كتاب مبين{ األنعام ‪59‬‬

‫فالذي يدعي علم الغيب من دون هللا أو يدعي شيئا من علم الغيب فقد أصبح طاغوتا الن علم الغيب مما اسثاتر هللا بعلمه فال يعلم‬
‫الغيب نبي مرسل وال ملك مقرب فضال عن غيرهما كما قال تعالى‪} :‬قل ال يعلم من في السموات واألرض إال هللا‪ {..‬النمل‪65‬‬
‫وقال تعالى عن نبينا محمد صلى هللا عليه وسلم وهو اعلم الخلق وأفضلهم‪} :‬قل ال أقول لكم عندي خزائن هللا وال اعلم الغيب‪..‬‬
‫{ األنعام ‪ 50‬وكذلك في اآلية األخرى }قل ال املك لنفسي نفعا وال ضرا إال ما شاء هللا ولو كنت اعلم الغيب الستكثرت من الخير وما‬
‫مسني السوء إن أنا إال نذير وبشير لقوم يؤمنون{ فاهلل سبحانه وتعالى هو عالم الغيب وحده ال شريك له كما قال تعالى‪ }:‬الم يعلموا‬
‫أن هللا يعلم سرهم ونجواهم وان هللا عالم الغيوب{التوبة ‪78‬‬
‫فكل من ادعى الغيب من دون هللا طغى وجعل لنفسه صفة من صفات الربوبية فهو طاغوت كافر كذاب ومن جملة الذين يدعون علم‬
‫الغيب العرافين والكهنة قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ( :‬من أتى عرافا أو كاهنا فصدقة بما يقول فقد كفر بما انزل على محمد)‬
‫(حديث صحيح رواه اإلمام احمد وغيره) ومنهم الذين يكتبون األبراج ويدعون علم النجوم بان يقول مثال صاحب برج الميزان سعيد‬
‫أو ال فقير أو غني‪ ...‬ويكتبون ما يحدث له في يوم كذا وكذا وهذا يوم حظه أو ال والكثير من الجهال يتبعون هذا كثيرا فيطلع على‬
‫الجرائد أو غيرها ليعلم كيف سيكون يومه والعياذ باهلل فهذا الذي يكتب هذه األمور ويدعيها فقد ادعى ما استأثر هللا بعلمه فمن‬
‫صدقه أو اعتقد فيه كفر قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ( :‬إنما أخاف على أمتي التصديق بالنجوم والتكذيب بالقدر وحيف األئمة)‬
‫وقال‪( :‬من اقتبس شعبة من السحر فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد) وكذلك الذين يقرؤون الكف والفنجان واألوراق من‬
‫عرافة التي تدعي علم الغيب فكل من صدق من ادعى الغيب بأي أسلوب استعمله فنجان أو كف أو غير ذلك فكل من صدقه كفر باهلل‬
‫العظيم والعياذ باهلل‪.‬‬

‫‪. 5‬الذي يعبد من دون هللا وهو راض عن بالعبادة والدليل قوله تعالى‪} :‬ومن يقل منهم إني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك‬
‫نجزي الظالمين{‬
‫والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه هللا ويرضاه من أقوال وأعمال سواء كانت ظاهرة كالذبح والنذر والتحاكم ‪..‬أو باطنة كالتعظيم‬
‫والمحبة والخشية‪..‬‬
‫اعلم أن ما عبد من دون هللا يكون إما عاقال كاآلدمي والمالئكة والجنة وينقسمون إلى قسمين‪:‬‬
‫القسم األول‪:‬الراضي بالعبادة كفرعون وإبليس وبقية الطواغيت فهم في النار مع عبادهم لقول هللا تعالى‪ }:‬إذ تبرا الذين اتبعوا من‬
‫الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم األسباب وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤا منا كذلك يريهم هللا أعمالهم‬
‫حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار{‬
‫أما القسم الثاني‪ :‬الذي يعبد وهو غير راضي بالعبادة كعيسى ابن مريم والعزير والمالئكة وغيرهم من أولياء هللا منهم بريئون ممن‬
‫عبدوهم بالدنيا واآلخرة يقول تعالى‪ }:‬ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون هللا فيقول اانتم أضللتم عبادي هؤالء أم هم ضلوا‬
‫السبيل‪.‬قالوا سبحانك ما كنا ينبغي أن نتخذ من دونك أولياء ولكن متعتهم وآبائهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا { وأما غير‬
‫العاقل كاألحجار واألشجار وغيرهم مما ال يعقل كالدرهم والدينار فيشملهم قول هللا تعالى‪ }:‬إنكم ما تعبدون من دون هللا حصب جهنم‬
‫انتم لها واردون{ ويقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم) ‪ :‬يجمع هللا الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه فيتبع من‬
‫كان يعبد الشمس الشمس ويتبع من كان يعبد القمر القمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت (منقول عن ابن القيم رحمه هللا‬
‫تعالى‪.‬‬

‫وبعد هذا نكون قد انتهينا من تعريف الطاغوت ورؤوسه الخمسة فإذا علمته فاعلم أن هللا فرض عليك الكفر به أوال قبل اإليمان به‬
‫كما قال تعالى( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن باهلل فقد استمسك بالعروة الوثقى) فاهلل سبحانه وتعالى قدم الكفر بالطاغوت على اإليمان‬
‫باهلل الن الكفر بالطاغوت شرط لإليمان به والشرط مقدم على المشروط والن المشركين عباد الطواغيت يؤمنون باهلل ويعبدونه ولكن‬
‫عبادتهم ال تسمى عبادة مع الشرك المنافي للتوحيد الذي هو إفراد هللا بالعبادة وإيمانهم باهلل ال ينفع مع إيمانهم بالطاغوت‪.‬‬
‫والكفر بالطاغوت واإليمان باهلل هو معنى ال هللا إال هللا ألنها تشمل على النفي وهو الكفر بالطاغوت واإلثبات وهو اإليمان باهلل وحده‬

‫‪28‬‬
‫ال شريك له وهذا أول ما فرضه هللا على عباده وأعظم شيء على اإلطالق بل لم يبعث هللا الرسل ولم ينزل الكتب ولم يخلق الثقلين‬
‫ولم يوجد الجنة والنار إال ألجل عبادته وحده ال شريك له وهذا هو األصل واألساس أما سائر األوامر والنواهي فهي فرع لهذا األصل‬
‫فال يؤمر بها وال تقبل إال بعد وجوده كما قال تعالى}‪ :‬ولقد بعثنا في كل امة رسوال أن اعبدوا هللا واجتنبوا الطاغوت{ وقوله }اجتنبوا{‬
‫ابلغ من اتركوا الن اتركوا لعدم الفعل واجتنبوا تقتضي المباعدة والمجانبة‪.‬وعن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في الحديث المتفق‬
‫عليه لما بعث معاذ إلى اليمن قال‪( :‬انك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن ال اله إال هللا‪)..‬الحديث‬
‫وأما صفة الكفر بالطاغوت فكما قال الشيخ أن تعتقد بطالن عبادة غير هللا وتتركها وتبغضها وتكفر أهلها وتعاديهم‪.‬‬
‫أوال‪ :‬أن تعتقد بطالن عبادة غير هللا أي تعتقد بقلبك اعتقادا جازما ال تردد فيه بطالن عبادة غير هللا سبحانه وتعالى سواء كان هذا‬
‫الذي يعبد نبيا أو ملكا أو وليا أو حاكما يعبد من دون هللا أو غير ذلك فالبد من تعتقد بطالن عبادة غير هللا الن العبادة كلها حق هلل‬
‫سبحانه وتعالى وحده ال شريك له‪.‬‬
‫قال تعالى ‪{:‬ذلك بأن هللا هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن هللا هو العلي الكبير}‪[  ‬الحج ‪.  ]62 :‬‬

‫الترك واإلجتناب ‪ :‬وهو ترك عبادة الطاغوت ‪ ,‬قال هللا تعالى ‪{:‬ولقد بعثنا في كل أمة رسوالً أن اعبدوا هللا واجتنبوا الطاغوت‪.‬‬
‫[النحل ‪ . ]36:‬‬

‫وقال تعالى ‪{:‬فاجتنبوا الرجس من األوثان واجتنبوا قول الزور}‪[  ‬الحج ‪.  ]30:‬‬

‫واعلم أخي‪ -‬هداك هللا‪ -‬أن عبادة الطاغوت واألوثان و التحاكم إليها والستنصار بها والنذر لها ‪ .‬يقول الحافظ ابن كثير رحمة هللا‬
‫عليه في تفسيره ‪( :‬الطاغوت الشيطان ‪ ,‬فإنه يشمل كل شر كان عليه أهل الجاهلية من عبادة األوثان والتحاكم إليها‪ ,‬واالستنصار‬
‫بها) ‪( .‬تفسيرآية‪256‬من سورةالبقرة) ‪.‬‬

‫وينبغي أن تعلم يا أخي المسلم أن الترك هنا على ثالثة أقسام‪: ‬‬

‫القسم األول‪ :‬الترك باالعتقاد‪ .‬القسم الثاني‪ :‬الترك بالقول ‪ .‬القسم الثالث‪ :‬الترك بالفعل‪.‬‬

‫وال يكون العبد مجتنبا ً للطاغوت وتاركه حتى يأتي بهذه األقسام الثالثة من ا لترك‬

‫‪ -‬ألن من الناس من يترك بقوله والبترك باعتقاده ‪ .‬وهذا هو حال المنافقين‬

‫‪ -‬ومن الناس من يترك باعتقاده واليترك بقوله ‪ .‬وهذا حال من يقسم على احترام األصنام واألوثان والطواغيت ‪.‬‬

‫‪ -‬ومن الناس من يترك باعتقاده وال يترك بفعله‪ .‬وهذا حال من يسجد للطاغوت أو ينذرأو يذهب ويتحاكم إليه ويدعي أن اعتقاده‬
‫سليم ‪.‬‬

‫فال يكون العبد‪ -‬إذاً‪ -‬مجتنبا ً للطاغوت حتى يأتي بهذه األقسام الثالثة من الترك‪ .‬‬

‫ثانيا ‪ :‬تكفر أهلها وتعاديهم وهي عقيدة الوالء والبراء فال يصح إسالم العبد إال بها وهي أن تحب وتبغض في هللا وتوالي وتعادي في‬
‫هللا فاعتقاد بطالن عبادة غير هللا بدون مفارقتها وتتبرأ منها وتبغضها ظاهرا وباطنا وتكفر أهلها ال تنفع فالبد من أن تكفرهم وال‬
‫تتردد أو تتوقف في تكفيرهم وقال ما علي منهم؟فهذا كافر مثلهم كما بينا ذلك في الناقص الثالث من نواقص التوحيد وهذه هي ملة‬
‫إبراهيم عليه السالم التي سفه نفسه من رغب عنها وهذه هي األسوة التي اخبرنا هللا بها في قوله‪ }:‬قد كانت لكم أسوة حسنة في‬
‫إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براء منكم ومما تعبدون من دون هللا كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العدواة و البغضاء أبدا حتى‬
‫تؤمنوا باهلل وحده{‬
‫وأما معنى اإليمان فان تعتقد أن هللا هو اإلله المعبود وحده دون من سواه وتخلص جميع أنواع العبادة كلها هلل وتنافيها عن كل‬
‫معبود سواه وتحب أهل اإلخالص وتواليهم وتبغض أهل الشرك وتعاديهم‪.‬‬
‫أما قوله أن تعتقد أن هللا هو اإلله المعبود وحده دون من سواه وتخلص جميع أنواع العبادة كلها هلل وتنفيها عن كل معبود سواه‪ :‬أي‬
‫تعتقد أن هللا تعالى هو اإلله المعبود والمعبود تفسير لإلله أي هو ذو االلوهية والعبودية على خلقه أجمعين وهو الذي تصرف له‬
‫العبادة كلها وحده دون من سواه الن العبادة ال تنبغي إال هلل وان تخلص وتصفي جميع أنواع العبادة ظاهرة أو باطنة من الشرك كله‬
‫وتفردها هلل وحده ال شريك له‪.‬‬
‫وأما قوله تحب أهل اإلخالص وتواليهم وتبغض أهل الشرك وتعاديهم أي تكون محبتك للناس كلها هلل فتحب هلل وتبغض هلل سواء‬
‫كانوا قريبين لك أو بعيدين فالقرب قرب عقيدة ليس إال كما قال تعالى‪ }:‬محمد رسول هللا والذين امنوا معه أشداء على الكفار رحماء‬
‫بينهم‪{...‬وقال‪ }:‬ال تجدوا قوما يومنون باهلل واليوم اآلخر يوادون من حاد هللا ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم‪ {..‬وقال‪ }:‬يا أيها‬
‫الذين امنوا ال تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة‪{ ..‬ولكن بشرط أال يحمل هذا البغض على ظلمهم فان الظلم حرام‬
‫حتى مع الكافر بل يجب العدل مع بغضهم وعداوتهم كما قال تعالى‪} :‬وال يجرمنكم شنآن قوم على أن ال تعدلوا اعدلوا‪{)..‬‬
‫وأخيرا بعد معرفة معنى الطاغوت وأنواعه وصفة الكفر به فاعلم أن اإلنسان ما يصير مؤمنا إال بالكفر بالطاغوت لقوله تعالى‪} :‬فمن‬
‫يكفر بالطاغوت ويؤمن باهلل فقد استمسك بالعروة الوثقى{‬

‫‪29‬‬
‫وهذه بعض الشبهات لمن يجيز التحاكم الى الطاغوت مقتطفة من كتاب ميراث االنبياء‪:‬‬

‫الشبهة األولى ‪ :‬وهي أشنع الشبه ‪ :‬وهي قول من يقول أن هذا الفعل ليس بتحاكم ‪,‬إنما هو يعتبر ذهاب ومطالبة بحق سوف يضيع‪.‬‬

‫الرد‪ :‬وهو أننا نقول اعلم أن اإلنسان قد يتكلم بكلمة ال يلقي لها باالً لو مزجت هذه الكلمة بماء البحر‪ ,‬وقد قال عليه الصالة والسالم‬
‫مثل هذا القول لعائشة رضي هللا عنها كما جاء ذلك في سنن الترمذي وأبي داود ‪ ,‬وإن القول بمثل هذه األقوال لهو من باب ا لحيل‬
‫على دين هللا ومحارم هللا حيث أن من المعلوم عند جميع العقالء أن حقائق األشياء ال تتغير بتغير أسمائها ‪ .‬يقول العالمة عبدهللا بن‬
‫عبد الرحمن أبا بطين ‪ (( :‬فمن صرف لغير هللا شيئا ً من أنواع العبادة فقد عبد ذلك الغير واتخذه إلها ً وأشركه مع هللا في خالص‬
‫حقه ‪  . . .‬وإن فر من تسمية فعله ذلك تألها ً وعبادة وشركا ً ومعلوم عند كل عاقل أن حقائق األشياء ال تتغير بتغير أسمائها )) ‪(  .‬‬
‫‪)65‬‬

‫وال يشك مسلم أن التحاكم هو الرجوع والرد إلى من يفض عنده موارد النزاع ‪  .‬لفض النزاع ‪ .‬وهو فعل الجوارح ال فعل القلوب‬
‫فالذي يقول إن فعل ا لتحاكم ال يكون تحاكما ً إال إذا كانت نيته أن يذهب لكي يتحاكم إلى الطاغوت ألنه يعتقد أنه‪  ‬أفضل من حكم هللا ‪ ,‬‬
‫كالذي يقول إن فعل السجود لا يكون سجوداً حتى يعتقد في قلبه أن المسجود له يستحق السجود له ‪ ,‬وقد رد اإلمام ابن قيم عليه‬
‫رحمه هللا على مثل هذا القول في من زعم أن العبادة ال تكون عبادة حتى يعتقد فاعلها أنها عبادة ‪ .‬فقال ‪ (( :‬ومن أنواع الشرك ‪:‬‬
‫سجود المريد للشيخ ‪ .‬فإنه شرك من الساجد والمسجود له ‪ .‬والعجب‪ :‬أنهم يقولون‪ :‬ليس هذا سجود‪ ,‬وإنما هو وضع الرأس قدام‬
‫الشيخ احتراما ً وتواضعاً‪ .‬فيقال لهؤالء ‪ :‬ولو سميتموه ‪ .‬فحقيقة السجود ‪ :‬وضع الرأس لمن يسجد له ‪ )66(  . )) . .‬‬

‫ثم نقول قد يشكل على البعض هنا ما جاء عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه دخل في حمى المطعم بن عدي ‪ .‬فنقول جوابا ً على هذا‬
‫اإلشكال ‪ :‬لو فقه اإلنسان ما معنى التحاكم ما ورد عليه مثل هذا اإلشكال‪ .‬فإن التحاكم كما تقدم بيان معناه ‪ :‬هو الرجوع والرد إلى‬
‫من يفض عنده النزاع ‪ .‬قال تعالى ‪ {:‬فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى هللا والرسول إن كنتم تؤمنون باهلل واليوم اآلخر}‪[  ‬النساء ‪:‬‬
‫‪ ]59‬فهذا هو التحاكم ‪ .‬وهو ان تقع خصومة بين اثنين فيذهبان إلى من يفض عنده النزاع لكي يفصل بينهما في القضية والخصومة‬
‫وال شك أن هذا من الكفر والشرك األكبر إذا كان هذا التحاكم إلى الطاغوت ‪ ,‬وأما طلب الحماية من كافر فليس هناك دليل على‬
‫تحريمه وقد فعل ذلك أبي بكر رضي هللا عنه عندما دخل في جوار ابن أل د غنة وكذلك عندما دخل الصحابة في حمى النجاشي في‬
‫بداية اإلسالم خوفا ً من أذى المشركين ‪                             .‬‬

‫ومن هنا يتبين لنا أيضا ً خطأ من يستدل في حلف الفضول الذي عقد في دار ابن جدعان في الجاهلية (‪  )67‬أو غيرها في الذهاب إلى‬
‫هذه المحاكم الطاغوتية والتحاكم إليها ‪ ,‬وال شك أن هذا االستدالل غير صحيح ‪ ,‬فإن أصحاب حلف الفضول ليسوا بطواغيت كحال‬
‫كهان جهينة وكعب بن األشرف وغيرهم من الطواغيت الذين يحكمون الناس بأحكام الطواغيت ‪ ,‬وإنما هم نفر من المشركين‬
‫اجتمعوا لنصرة المظلوم فقط ‪ ,‬وهذا أمر محمود يحث عليه دين اإلسالم ‪ .‬لذلك قال عليه الصالة والسالم ‪ :‬شهدت مع عمومتي حلف‬
‫المطيبين فما أحب أن أنكثه وأن لي حمر النعم )) ‪.‬‬

‫ولنا أن نسألكم يا من تستدلون بهذه الحادثة فنقول لكم ‪ :‬هل قول النبي صلى هللا عليه وسلم هذا ينطبق على كعب بن األشرف وكهان‬
‫جهينة وغيرهم من الطواغيت الذين كان أهل الجاهلية يتحكمون إليهم ؟‬

‫فإن قلت ‪ :‬ال ‪ .‬قلنا ‪ :‬لماذا؟ فإن قلتم ‪ :‬ألنهم ال يحكمون بالعدل وال يردون المظالم إلى أهلها ويأخذون الرشوة ‪ .‬قلنا ‪ :‬وهل هللا تعالى‬
‫عندما أمرنا أن نكفر بهم وال نتحاكم إليهم فقط ألنهم ال يحكمون بالعدل ويأخذون الرشوة؟ أم ألنهم طواغيت ال يصح إسالم المرء إال‬
‫بالكفر بهم وترك التحاكم إليهم؟ ? هذا سؤال أول ‪  .‬‬

‫السؤال الثاني ‪ :‬أنتم قلتم ‪ :‬إننا نتحاكم إليهم في األمور التي سوف يحكمون فيها بالعدل ‪ .‬أما الظلم فال ‪ .‬فما دليلكم على هذا التفريق؟‬
‫فاهلل عز وجل نهانا عن التحاكم إليهم ‪ ,‬وبين أن من تحاكم إليهم لم يكفر بهم ‪ .‬ولم يفرق بين من تحاكم إليهم في أمور العدل وبين‬
‫من تحاكم إليهم في أمور الظلم ‪ ,‬والذي يستدل بحادثة حلف الفضول فاستدالله غير صحيح ألن أصحاب الحلف ليسوا بطواغيت قد‬
‫نصبوا أنفسهم حاكمين بين الناس بأحكام الطواغيت ‪ ,‬وإنما هم نفر من المشركين اجمعوا لنصرة المظلوم فقط ‪.‬‬

‫ومن هنا البد أن نفرق بين من يذهب إلى أصحاب الوجاهة وأصحاب السلطة الذين ليسوا بطواغيت فيستعين بهم على رد مظلمته أو‬
‫يطلب منهم الحماية وبين من يذهب هو وخصمه إلى القضاة الطواغيت الذين نصبوا أنفسهم معبودين في األرض يحكمون الناس‬
‫بأحكام ‪ .‬فيتحاكم إليهم ويفض النزاع عندهم ‪ .‬فهذا كفر وال يجوز فعله إال في حالة اإلكراه‪ ,‬والمكره هو من تيقن وقوع الضرر على‬
‫نفسه من قتل أو تعذيب أو نحوه‪ .‬قال تعالى‪ } :‬من كفر باهلل من بعد إيمانه إال من أكره وقلبه مطمئن باإليمان ولكن من شرح بالكفر‬
‫صدراً‪. } . . .‬‬

‫فعلى المسلم إذا أن ينتبه لهذا وال يتعجل ويسيئ الفهم فيتكلم بالظن فيزل القدم فال ينفع حينئذ األسى والندم ‪.‬‬

‫الشبهة الثانية ‪ :‬وهو قول من يقول إن الذين نزلت فيهم اآليات هم يريدون التحاكم إلى الطاغوت ألنهم لم يرضوا بحكم هللا ورسوله‬
‫أما نحن فنتحاكم ولكن ال نريد ذلك ‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫أما الرد على ذلك فهو من عدة أوجه‪:‬‬

‫الوجه األول ‪ :‬أن هللا عز وجل عندما قال ‪ {:‬يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت } لم يجعل اإلرادة هنا شرطا ً في كفر المتحاكم إلى‬
‫الطاغوت إنما الذي جعلها شرطا ً في ذلك من قال بهذا القول ‪ .‬فاهلل تعالى عندما قال‪{:  ‬يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت} كان‬
‫يصف حال رجلين وهما اليهودي والمنافق وأنهما كانا يريدان أن يتحاكما إلى كعب بن األشرف وهو المقصود بالطاغوت في قوله ‪,‬‬
‫ولكن اليهودي أبى لعلمه بأن كعب بن األشرف يأخذ الرشوة ‪ ,‬وتحاكما إلى النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ .‬فالحاصل أن هللا تعالى عندما‬
‫قال ‪ (( :‬يريدون )) كان يصف حال اليهودي والمنافق ولم يجعل اإلرادة هنا شرطا ً في الكفر ‪ .‬كما لو قيل (( فعل الرجل كذا وكذا‬
‫وكان يريد أن يفعل كذا )) ‪ .‬فقول (( يريد )) إذا جاء في مثل هذا السياق فإنه يفيد وصف الحال‪.‬‬

‫الوجه الثاني‪ :‬أنهم قالوا أنهم يتحاكمون إليهم وهم ال يريدون فعل ذلك‪ .‬وال شك أن هذا صحيح حيث أنه ال يوجد إنسان يعمل عمالً أو‬
‫أمراً ما وهو ال يريد فعله ‪ ,‬ألن الفعل ال يأتي إال وهو مقرون بإرادة ‪ .‬بخالف اإلرادة فقد تأتي وتكون مصاحبة للفعل ومقرونة به وقد‬
‫ال تكون مقرونة به ‪ ,‬ولعل هؤالء أرادوا أن يقولوا وقصدوا بقولهم أنهم يتحاكمون إليهم ولكن ال يريدون ذلك ‪ :‬أي ال يريدون الشرك‬
‫والكفر نفسه ولم يقصدوه ‪ .‬فإن كان هذا هو قصدهم فهذا أمر آخر سوف يأتي فيه البيان بالرد‪ -‬بمشيئة هللا‪ -‬في الوجه السادس‪.‬‬

‫الوجه الثالث ‪ :‬يقول اإلمام أبو السعود‪ -‬رحمه هللا‪ -‬في تفسيره عند قوله تعالى‪ { :‬ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك‬
‫وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ‪ } . . .‬اآلية ‪ .‬قال ‪ (( :‬التعجب واالستقباح على ذكر إرادة التحاكم إلى‬
‫الطاغوت دون نفسه ( أي التحاكم )) للتنبيه على أن إرادت ه مما يقضي منه العجب ‪ ,‬وال ينبغي أ‪ ،‬يدخل تحت الوقوع فما ظنك‬
‫بنفسه؟!)) ‪.‬‬

‫فتأمل أخي هداك هللا قوله ‪ (( :‬فما ظنك بنفسه )) أي التحاكم إلى الطاغوت ‪.‬‬

‫الوجه الرابع ‪ :‬أن األمة قد أجمعت على أن الذي يصرف عبادة ظاهرة ال تكون إال هلل إلى غيره أنه مشركا ً شركا ً أكبر مخرجا ً من‬
‫الملة سواء أراد أو لم يرد وسوا ًء رضي بذلك أو لم يرض إال من أكره ‪  .‬‬

‫الوجه الخامس‪ :‬أن هذا الكالم أخذ من باب المتشابه وترك المحكم الواضح الذي بينه هللا تعالى حيث يقول‪{:‬وقد أمروا أن يكفروا به}‬
‫اآلية‪ .‬وكقوله تعالى ‪{:‬واجتنبا الطاغوت} اآلية ‪.‬‬

‫يقول العالمة الشيخ سليمان بن عبدهللا آل الشيخ رحمه هللا ‪ (:‬وقوله تعالى ‪ :‬وقد أمروا أن يكفروا به} أي الطاغوت وهو دليل على‬
‫أن التحاكم إلى الطاغوت مناف لإليمان مضاد له ‪ ,‬فال يصح اإليمان إال بالكفر به وترك التحاكم إليه فمن لم يكفر بالطاغوت لم يؤمن‬
‫باهلل ) ‪)68(  .‬‬

‫فإذا عرفنا المحكم أرجعنا المتشابه إليه‪ ,‬يقول اإلمام محمد بن عبد الوهاب في صفة الكفر بالطاغوت‪ (( :‬وأما صفة الكفر بالطاغوت‪,‬‬
‫أن تعتقد بطالن عبادة غير هللا وتتركها وتبغضها وتكفر أهلها وتعاديهم ))‪ )69(  .‬‬

‫فلو اعتقد إنسان بطالن عبادة غير هللا ثم لم يتركها لم يكن بذلك كافراً بالطاغوت‪ ,‬ولو اعتقد بطالنها وتركها ولكنه أحبها ولم‬
‫يبغضها لم يكن بذلك كافراً بالطاغوت‬

‫الوجه السادس‪ :‬أ‪ ،‬اإلرادة أن قصدتم بها عقد النية والقول دون الفعل‪ ,‬فكذلك الذين يعبدون القبور ويطوفون حولها يقولون نعم نحن‬
‫نطوف حولها ونصرف لها هذا الفعل ولكننا ال نريد الشرك‪ ,‬فمن المعلوم عند كل موحد أن كالمهم هذا باطل‪.‬‬

‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا ‪ (( :‬وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كفر كفر بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافراً إذ ال يقصد‬
‫الكفر أحد إال ما شاء هللا )) ‪ )70(  .‬‬

‫ويقول اإلمام الطبري في تفسيره عند قوله تعالى ‪ {:‬قل هل ننبئكم باألخسرين أعماالً ‪ .‬الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم‬
‫يحسبون أنهم يحسنون صنعاً}‪[  ‬الكهف ‪ . ] 104:‬قال رحمه هللا ‪ (:‬وهذه من أدل الدالئل على خطأ قول من زعم أنه ال يكفر باهلل أحد‬
‫إال من حيث يقصد إلى الكفر بعد العلم بوحدانيته ‪ ,‬وذلك أن هللا تعالى ذكره أخبر عن هؤالء الذين وصف صفتهم في هذه اآلية ‪ ,‬أن‬
‫سعيهم الذين سعوا في الدنيا ذهب ضالالً ‪ ,‬وقد كانوا يحسبون أنهم محسنون في صنعهم ذلك) ‪.‬‬

‫ويقول الحافظ ابن حجرف ي الفتح ‪ (:‬وفيه أن من المسلمين من يخرج من الدين من غير أن يقصد الخروج منه ومن غير أن يختأر‬
‫دينا ً على دين اإلسالم) ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫‪ ‬وقال أيضا ً رحمه هللا ‪ (:‬قلت‪ :‬ومن جنح إلى بعض هذا الحديث الطبري في تهذيبه فقال بعد أن سرد أحاديث الباب ‪ :‬فيه الرد على‬
‫قول من قال ال يخرج أحد من أهل القبلة بعد استحقاقه حكمه إال بقصد الخروج منه عالما ً فإنه مبطل لقوله في الحديث (( يقولون‬
‫الحق ويقرؤون القرآن ويمرقون من اإلسالم وال يتعلقون منه بشيء )) ‪ )71(  .‬‬

‫ويقول ابن قدامه في الكافي‪ (:‬وألن الردة في الغالب إنما تكون لشبهة عرضت له)‪ )72( .‬‬

‫ويقول اإلمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه هللا ‪:‬‬

‫(الثالثة ‪ :‬هذا الذي يفعلونه عند ها من القصد والتوجه من إجابة الدعوات وقضاء الحاجات وإغاثة اللهفات هل هو الذي يفعله‬
‫مشركو العرب قبل مبعث النبي صلى هللا عليه وسلم عند الالت والعزى ومناة سواء بسواء أم ال ؟ ‪  .‬‬

‫الرابعة‪ :‬من فعل هذا مسلم مؤمن هل يكفر ويحبط أيمانه بذلك أم ال ؟ فإن أشكلت عليك األولى فانظر إلى سؤال الملكين في القبر‬
‫وقوله ‪(:‬هاء هاء ال أدري) ‪ ,‬سمعت الناس يقولون شيئا ً فقلته مثلهم ‪ ,‬الثانية ‪ :‬إن قلت توجد فعليك اإلثبات ‪ .‬الثالثة‪ :‬إن قلت القصد‬
‫غير القصد فعليك التفريق باألدلة الصحيحة ‪ ,‬من كتاب أو سنة أو إجماع األمة ‪.‬‬

‫الرابعة‪ :‬إن قلت اإلسالم يحميه عن الكفر ولو فعل ما فعل طالع باب حكم المرتد من ( اإلقناع )) وغيره‪ ,‬وهللا أعلم )‪ )73( .‬‬

‫ويقول أيضا ً رحمه هللا ‪ (:‬وقال الشيخ رحمه هللا في الرسالة السنية‪ -‬لما ذكر حديث الخوارج ومروقهم من الدين ‪ ,‬وأمره صلى هللا‬
‫عليه وسلم بقتالهم‪ -‬قال ‪ :‬فإذا كان على عهد النبي صلى هللا عليه وسلم وخلفائه ممن انتسب إلى اإلسالم من مرق منه ‪ ,‬مع عبادته‬
‫العظيمة ‪ ,‬حتى أمر صلى هللا عليه وسلم بقتالهم فيعلم أن المنتسب إلى اإلسالم أو السنة في هذه األزمان قد يمرق أيضا ً من‬
‫اإلسالم) ‪)74( .‬‬

‫يقول اإلمام الصنعاني‪ -‬رحمه هللا‪ -‬في رسالته (( تطهير االعتقاد عن أدران الشرك واإللحاد )) ‪ ( :‬فإن قلت هم جاهلون أنهم‬
‫مشركون بما يفعلونه((قلت)) قد خرج الفقهاء(في كتب الفقه) في باب الردة أن من تكلم بكلمة الكفر يكفر وإن لم يقصد معناها وهذا‬
‫دال على أنهم ال يعرفون حقيقة اإلسالم وال ماهية التوحيد فصاروا حينئذ كفاراً كفراً أصلياً) ‪)75( .‬‬

‫نقول وقد غلط البعض هنا في مسألة تكفير المعين فظنوا أن الذي يفعل فعل الشرك األكبر بتأويل ال يكفر وال يخرج عن ملة اإلسالم ‪,‬‬
‫وقد يستدلون ببعض األمور مثل حادثة المأمون عندما قال بخلق القرآن بتأويل وأن اإلمام أحمد لم يكفره وغير ذلك ‪ .‬وال شك أن هذا‬
‫غلط فاحش ‪ .‬حيث أن هناك فرق بين الشرك والكفر الجلي الواضح كالشرك في العبادة (‪ )76‬واالستهزاء باهلل ورسوله وغير ذلك ‪.‬‬
‫وبين الكفر الخفي كالقول ببعض المقاالت الكفرية الخفية ‪ .‬وتأويل بعض صفات الرب جل وعال التي تخفى على بعض الناس كصفة‬
‫الكالم هلل تعالى وغيرها ‪.‬‬

‫ممن جنح إلى بيان ذلك اإلمام محمد بن عبد الوهاب كما في بعض رسائله الموجودة في تاريخ نجد للشيخ حسين بن غنام ‪ .‬حيث‬
‫ذكر ما يذهب أليه شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا من التفريق ما بين الشرك في العبادة وبين القول ببعض المقاالت الكفرية الخفية‬
‫‪ .‬وقد بين ذلك أيضا ً الشيخ عبدهللا بن عبد الرحمن أبا بطين والعالمة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في‬
‫رسالته( حكم تكفير المعين) وغيرهم من العلماء اإلجالء رحمهم هللا تعالى ‪.‬‬

‫الشبهة الثالثة ‪ :‬وهو قول من يقول أن التحاكم وإن كان شركا ً فإنه يكون شركا ً أصغر وال يصل إلى حد الشرك األكبر حتى يصاحبه‬
‫استحالل أو اعتقاد ‪ ,‬كالحلف بغير هللا ‪  .‬‬

‫والرد ‪ :‬أن نقول ‪ :‬من المعلوم أن العبادة التي ال تكون إال هلل عز وجل ‪ .‬مثل ‪ :‬الركوع والسجود والدعاء ‪ ,‬واإلستغاثة ‪ ,‬والذبح ‪,‬‬
‫والنذر ‪ ,‬والطواف ‪ ,‬والتحاكم ‪ ,‬والخوف ‪ ,‬والرجاء ‪ ,‬واإلنابة ‪ ,‬والمحبة ‪ ,‬والتعظيم وغيرها من العبادات على ثالثة أقسام ‪ ,‬فمنها ما‬
‫يتعلق باإلعتقاد ومنها باألقوال ومنها ما يتعلق باألفعال ‪.‬‬

‫‪ -‬فأما العبادات الظاهرة التي تتعلق باألقوال واألفعال ‪ .‬كالدعاء ‪ ,‬واإلستغاثة ‪ ,‬والركوع‪  ‬والذبح والنذر والطواف والتحاكم وغيرها ‪,‬‬
‫فإن الذي يصرف منها شيئا ً إلى غير هللا‪  ‬تعالى ألوثان أو أموات أو‪ ,‬طواغيت فإنه يكون بذلك كافراً واقعا ً في الشرك األكبر‪ ,‬وال يلزم‬
‫من ذلك إظهار االعتقاد أو االستحالل ألنه أظهر صرف العبادة لغيرهللا ‪.‬‬

‫‪ -‬وأما العبادات الباطنة التي تتعلق باالعتقاد ‪ ,‬كالخوف والرجاء والمحبة والتعظيم وغيرها فإنه يلزم من فاعلها للحكم عليه بالكفر‬
‫إظهار العبادة وذلك بالنطق باللسان إلظهار هذا االعتقاد ألنها عبادات قلبية خفية ‪ .‬فالرجل قاس قياسا ً باطالً وهذا لعدم فهمه بمعاني‬
‫التوحيد ومعاني‪   ‬العبادة ‪ ,‬فجعل التحاكم الذي هو عبادة ‪ ,‬كالحلف بغير هللا الذي هو لفظ شركي ليس بعبادة ‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫وقد يقول لماذا إذاً جعل العلماء الحلف باهلل عز وجل عبادة؟ فالجواب أن نقول جعل العلماء الحلف باهلل تعالى عبادة ألنه صاحب هذا‬
‫الحلف عبادة التعظيم ‪ ,‬فالحلف عندما يكون باهلل يعلم أن هللا عز وجل عظيم يستحق أن يحلف به فيحلف به فيكون هذا الحلف عبادة‬
‫ألنه صاحبه تعظيم ‪ ,‬ولذلك قال العلماء من حلف بغير هللا فقد وقع في الشرك األصغر فال يخرج من الملة حتى يعتقد أن المحلوف به‬
‫يستحق أن يحلف به ‪ ,‬فاشترطوا ف ي تكفيره إظهار التعظيم للمحلوف به أي صرف عبادة التعظيم لغير هللا ألنها عبادة قلبية خفية ‪,‬‬
‫فلو حلف رجل بغير هللا وأظهر التعظيم للمخلوق به فإنه يكون مشركا ً باهلل من جهة األلوهية ‪ ,‬وعلة شركه هنا أنه أظهر العبادة فال‬
‫نأتي ونقول له أأنت تعتقد أو ال تعتقد ‪ ,‬فالتحاكم عبادة ظاهرة كالسجود والطواف من صرفها إلى غير شرع هللا فهو كافر ‪ ,‬وليست‬
‫هي عبادة قلبية خفية كالتعظيم تحتاج إلى إظهار عن طريق النطق باللسان ‪.‬‬

‫الوجه الثاني ‪ :‬من المعلوم أن الحلف بغير هللا لم يكن منهيا ً عنه في بداية اإلسالم ثم جاءت النصوص بعد ذلك تنهى عن الحلف بغير‬
‫هللا قال عليه الصالة والسالم‪ (( :‬إن هللا ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم )) رواه البخاري ‪.‬‬

‫‪ ‬فكيف يقاس من لم يكن منهيا ً عنه في بداية اإلسالم على الذي ال يصح إسالم العبد إال به وهو الكفر بكل طاغوت وكل حكم سوى‬
‫حكم هللا ورسوله وذلك بعدم التحاكم إليه ‪.‬‬

‫‪  ‬ثم نقول ويلزم من هذا القياس الباطل أن المسلمين في ذلك الوقت وقبل نزول اآليات التي تنهى عن التحاكم إلى الطاغوت كان يجوز‬
‫لهم أن يتحاكموا إلى الكهان ومردة أهل الكتاب وطواغيتهم ألن التحاكم كالحلف بزعم من يقول بذلك ‪.‬‬

‫الشبهة الرابعة ‪ :‬وهو ما يستند بعضهم إليه وهو قول شيخ اإلسالم ابن تيمية في مجموع الفتاوى عندما قال ‪(( :‬وهؤالء الذين‬
‫اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا ً حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم هللا وتحريم ما ماأحل يكونون على وجهين ‪:‬أحدهما ‪ :‬أن يعلموا‬
‫أنهم بدلوا دين هللا فيتبعونهم على التبديل ‪ ,‬فيعتقدون تحليل ما حرم هللا وتحريم ما أحل هللا لرؤسائهم ‪ ,‬مع علمهم أنهم خالفوا دين‬
‫الرسول فهذا كفر ‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحالل وتحليل الحرام ثابتاً‪ .‬لكنهم أطاعوهم في معصية هللا كما يفعل المسلم ما يفعله من‬
‫المعاصي التي يعتقد أنها معاص‪ ,‬فهؤالء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب))‪)77(  .‬‬

‫والرد ‪ :‬هو أن نقول إن هؤالء الذين استندوا إلى كالم شيخ اإلسالم ابن تيمية المذكور آنفا ً ما فقهوا وال فرقوا بين الطاعة الشركية‬
‫وطاعة المعصية ‪ ,‬فطاعة المعصية هو أن يطيع اإلنسان مخلوقا ً في فعل ذنب من الذنوب مع اعتقاده بأن هذا الذنب حرام فهذه تعتبر‬
‫طاعة معصية وال تخرج صاحبها عن الملة حتى يصاحب ذلك اعتقاد أو استحالل ‪ ,‬وأما الطاعة الشركية وهو أن يتبع اإلنسان‬
‫مخلوقا ً أو يطيعه في فعل الشرك كأن يقال له اسجد للصنم فيسجد ‪ ,‬أو يقال له اذبح للجن فيذبح ‪ ,‬أو يقال له إذ هب وتحاكم إلى غير‬
‫شريعة هللا فيذهب ويتحاكم ‪ ,‬فهذا تعتبر طاعة شركية وصاحبها مشرك باهلل حتى لو لم يعتقد ويستحل ‪,‬فالذي تطرق له ابن تيمية‬
‫عليه رحمة هللا هي طاعة المعصية وليست هي الطاعة الشركية ‪ .‬هذا رد أول ‪  .‬‬

‫الرد الثاني ‪ :‬وهو أن هناك فرقا ً بين الطاعة والتحاكم ‪ ,‬فالطاعة معصية وقد تكون شركية كما بينا في الرد األول ‪ ,‬وأما التحاكم فهي‬
‫عبادة محضة كالنذر والطواف من صرفها إلى غير هللا وشرعه كان مشركا ً باهلل ‪ ,‬وهذا ما قد بينه العلماء‪ -‬رحمهم هللا‪ -‬في كتبهم‬
‫ورسائلهم ‪.‬‬

‫يقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ‪ (( :‬من تحاكم إلى غير كتاب هللا ‪ , ‬وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم‬
‫بعد التعريف فهو كافر ))‪)78(  .‬‬

‫الشبهة الخامسة ‪ :‬وهو قول من يقول إذا كان هذا الحكم الذي سوف تتحاكم إليه مخالف الحكم هللا فإنه ال يجوز التحاكم إليه وأما إذا‬
‫كان موافقا ً له كالحكم بالعدل إلرجاع األموال فإنه يجوز ‪.‬‬

‫وال شك أن هذا القول باطل من وجهين ‪:‬‬

‫الوجه األول ‪ :‬أننا ال ننظر إلى نتيجة الحكم هل هي عدل أم ظلم ‪ ,‬إنما ننظر إلى الفعل والرجعية ‪ ,‬حيث أن الواقع أنه سوف يتحاكم‬
‫إلى ذلك العدل عن طريق ذلك الطاغوت ‪ ,‬ولذلك لما قال تعالى ‪{:‬يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت} قاصداً بذلك كعب بن األشرف‬
‫جعل علة الكفر هو التحاكم إليه وفض النزاع عنده ‪ ,‬ولم يجعل علة الكفر هنا أن كعب بن األشرف كان ال يحكم بالعدل ألنه يأخذ‬
‫الرشوة ‪.‬‬

‫الوجه الثاني ‪ :‬أننا ال ننظر إلى حق العبد وهل سيحكم له بالعدل أو بالظلم ‪ ,‬إنما ننظر إلى حق المعبود جل جالله وهو التوحيد بالكفر‬
‫بالطاغوت وعدم التحاكم إلى وتكفيره وتحذير الناس منه ‪ ,‬فكيف تحذرون الناس من الطاغوت وأنتم أول من يتحاكم إليه ويفض‬
‫النزاع عنده ‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫الشبهة السادسة‪ :‬وهو قول القائل ال توجد سلطة شرعية ترد لي حقي وأنا مضطر لفعل ذلك‪.‬‬

‫والرد‪ :‬يكون بأمرين‪:‬‬

‫‪ ‬األمر األول‪ :‬أننا نحذر القائل بهذا القول بقوله تعالى‪{ :‬ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على اآلخرة وأن هللا ال يهدي القوم الكافرين}‪ ‬‬
‫[النحل‪.]107 :‬‬

‫يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالته كشف الشبهات في آخر رسالته حول هذه اآلية ‪ (( :‬فصرح أن هذا الكفر والعذاب لم‬
‫يكن بسبب اإلعتقاد أو الجهل ‪ ,‬أو البغض للدين ‪ ,‬أو محبة الكفر ‪ ,‬وإنما سببه أن له في ذلك حظا من حظوظ الدنيا ‪ ,‬فآثره على‬
‫الدين )) ‪.‬‬

‫فال يجوز لمسلم يؤمن باهلل واليوم اآلخر أن يؤثر حظا ً من حظوظ الدنيا على الدين ‪ ,‬سوا ًء كان ذلك بطلب منصب أو رئاسة أو كان‬
‫ذلك من أجل الحرص على عدم ضياع الدنيا والمال ‪ ,‬ألن مقصد حفظ الدين مقدم على مقصد حفظ المال يقول عليه الصالة والسالم ‪:‬‬
‫(( تعس عبد الدينار وعبد الدرهم ‪ ,‬وعبد الخميصة ‪ ,‬إن أعطي رضى ‪ ,‬وإن لم يعط سخط ‪ )) . .‬رواه البخاري ‪.‬‬

‫ويقول هللا تعالى في سورة التوبة‪{ :‬قل إن كان آباؤكم وأبناكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون‬
‫كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من هللا ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي هللا بأمره وهللا ال يهدي القوم الفاسقين}‪ ‬‬
‫[التوبة‪.]24:‬‬

‫فانظر‪ -‬رحمك هللا‪ -‬كيف أن هللا عز وجل ذمهم لهذه األسباب الدنيوية التي تعلقوا بها وتركوا الجهاد‪ .‬‬

‫فالسؤال هنا‪ :‬الذي يترك التوحيد من أجل هذه األمور الثمانية أشد‪ ,‬أم الذي يترك الجهاد؟!‪ , . . .‬وإذا كان هللا تعالى لم يعذر تارك‬
‫الجهاد بسبب هذه األمور الثمانية ‪ ,‬فكيف يعذر التارك للتوحيد من أجل هذه األمور ‪ .‬هذا ولم يعذر هللا تعالى إال المكره بقول الكفر ‪,‬‬
‫والمكره هو أن يفعل به كما فعل بعمار بن ياسر‪ -‬رضي هللا عنه‪ -‬وهذا من باب الرخصة ‪ ,‬واألخذ بالعزيمة أفضل كما جاءت بذلك‬
‫األحاديث ‪.‬‬

‫يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه هللا ينقل عن عالمة الحجار الشيخ محمد بن أحمد الحفظي أنه قال ‪:‬‬

‫( الحذر الحذر ‪ ,‬أيها العاقلون ‪ ,‬والتوبة التوبة أيها الغافلون ‪ ,‬فإن الفتنة حصلت في أصل الدين ‪ ,‬ال في فروعه ‪ ,‬وال في الدنيا ‪,‬‬
‫فيجب ‪ :‬أن تكون العشيرة ‪ ,‬واألزواج ‪ ,‬واألموال ‪ ,‬والتجارة ‪ ,‬والمساكن ‪ ,‬وقاية للدين ‪ ,‬وفداء عنه ‪ ,‬وال يجعل الدين فداء عنها ‪,‬‬
‫ووقاية لها ‪ ,‬قال تعالى ‪ {:‬قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها‬

‫ومساكن ترضونها أحب إليكم من هللا ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي هللا بأمره وهللا ال يهدي القوم الفاسقين}‪ ‬‬
‫[التوبة‪ .]24 :‬‬

‫فتفطن لها وتأملها‪ ,‬فإن هللا أوجب أن يكون هللا ورسوله والجهاد‪ ,‬أحب من تلك الثمانية كلها‪ ,‬فضالً عن واحدة منها‪ ,‬أو أكثر ‪ ,‬أو‬
‫شيء دونها مما هو أحق ‪ ,‬فليكن الدين عندك أغلى األشياء وأوالها ‪ ,‬انتهى المقصود من كالمه) ‪)79(  .‬‬

‫األمر الثاني ‪ :‬أننا نذكر القائل بهذا القول بقوله تعالى ‪{:‬وما خلقت الجن وإلنس إال ليعبدون ‪ 56‬ما أريد منهم من رزق وما أريد أن‬
‫يطعمون ‪ 57‬إن هللا هو الرزاق ذو القوة المتين}‪[  ‬الذاريات ‪ . ] 56:‬فبين سبحانه في هذه اآلية الغاية التي من أجلها خلق العباد وهي‬
‫العبادة وتكفل بأرزاقهم ‪ .‬يقول عليه الصالة والسالم ‪ (( :‬إن هللا تعالى يقول ‪ :‬يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أمأل صدرك غنى ‪ ,‬وأسد فقرك‬
‫‪ ,‬وإن ال تفعل مألت يدك شغالً ‪ ,‬ولم أسد فقرك )) رواه أحمد ‪.‬‬

‫وأما عن قول أنه مضطر لفعل ذلك فهذا باطل من وجهين‪: ‬‬

‫الوجه األول ‪ :‬أن هذا الرجل قد خلط ولم يفرق بين االضطرار واإلكراه ‪ ,‬فالتمس لإلنسان العذر إذا اضطر على فعل الكفر ‪ ,‬وال شك‬
‫أن هذا باطل ألن االضطرار ال يكون إال بفعل المعصية ‪ ,‬أما الكفر فال يجوز لإلنسان فعله بحجة أنه مضطر بل البد من إكراه على‬
‫فعله من قتل أو تعذيب ‪ ,‬فاالضطرار ‪ :‬هو أن يضطر اإلنسان إلى فعل أدنى المفسدتين من باب تفويت المفسدة التي أعظم منها ‪ ,‬قال‬
‫تعالى ‪{:‬فمن اضطر غير باغ وال عاد فال إثم عليه إن هللا غفور رحيم‪[  ‬البقرة ‪]173 :‬‬

‫وأما اإلكراه‪ :‬فهو تعذيب النفس المفضي إلى الهالك‪ ,‬ففي هذه الصورة أجاز هللا لنا أن نقول كلمة الكفر‪ .‬هذا إذا جمعنا بين االضطرار‬
‫واإلكراه ‪ ,‬ألن بينهما خصوص وعموم ‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫يقول الشيخ حمد بن عتيق رحمه هللا ‪ ( :‬فإن قيل ما اإلكراه الذي يبيح التكلم بالكفر ‪ ,‬فالجواب أن نقول السبب الذي نزلت فيه اآلية‬
‫هو أظهر ما فسر به اإلكراه قال البغوي رحمه هللا تعالى ‪ :‬قال ابن عباس رضي هللا عنهما قوله تعالى ‪{:‬من كفر باهلل من بعد إيمانه‬
‫إال من ? كراه وقلبه مطمئن باإليمان}‪[  ‬النحل ‪ . ]106 :‬في عمار وذلك أن المشركين أخذوه وأباه ياسراً وأمه سمية وصهيبا ً وبالالً‬
‫وخبابا ً وسالما ً يعذبوهم‪ -‬فأما سمية فإنها ربطت بين بعيرين ووجئ قبلها بحربة فقتلت وقتل زوجها ياسر وهما أول قتيلين قتال في‬
‫اإلسالم وأما عمار فأعطهم ما أرادوا بلسانه مكرها ً وغطوه في بئر ميمون قالوا له اكفر بمحمد فتابعه على ذلك كاره فأخبر رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسالم بأن عماراً كفر قال كال إن عماراً مليء إيمانا ً من قرنه إلى قدمه واختلط اإليمان بلحمه ودمه فأتى عمار‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسالم وهو يبكي قال رسول هللا صلى هللا عليه وسالم ما وراءك؟ قال ‪ :‬شر يا رسول هللا نلت منك وذكرت‬
‫آلهتهم بخير ‪ ,‬قال ‪ :‬كيف وجدت قلبك؟ قال ‪ :‬مطمئن باإليمان فجعل النبي صلى هللا عليه وسالم يمسح عينيه وقال له ‪ :‬إن عادوا لك‬
‫فعد بما قلت‬

‫فنزلت هذه اآلية وذكر عن مجاهد أن قوما ً خرجوا مهاجرين فلحقتهم قريش في الطريق فكفروا كارهين فنزلت اآلية ‪ .‬وعن مقاتل‬
‫أنها نزلت في مملوك أكرهه سيده على الكفر‪ -‬انتهى‪-‬‬

‫فمن حصل عليه ما حصل على هؤالء أبيح له ما أبيح لهم فإن عماراً لم يتكلم بالكفر إال بعد ما قتلوا أباه وأمه وبعد ما ضربوه‬
‫وغطوه في البئر وكذلك الذين أدركهم المشركين وكذلك المملوك الذي أكراه سيده وغيرهم ممن ذكره السلف عند هذه اآلية كلهم لم‬
‫يتكلموا بالكفر إال بعد الضرب أو تهديد ولهذا لما اعتذر بعضهم على مسألة المحنة من اإلمام أحمد بحديث عمار قال لهم اإلمام أحمد‬
‫رحمه هللا ‪ :‬إن عماراً ضربوه وأنتم قيل لكم نريد أن نضربكم ) ‪)80(  .‬‬

‫الوجه الثاني ‪ :‬وهو بتوجيه سؤال ومثال لمن قال بهذا القول ‪ ,‬لو أن هناك سلطة تعبد وثنا ً ‪ ,‬تسلطت على إنسان وأخذوا ماله وأبوا‬
‫أن يرجعوه له وقالوا له ال نرجع لك مالك حتى تقرب وتطوف حول هذا القبر ‪ ,‬فالسؤال هنا هل يجوز له في هذا الحالة أن يقرب‬
‫للوثن أو يطوف حوله أو يسجد له من أجل أنه مضطر إلرجاع المال؟ وهل فعله هذا سوف يرفع عنه حكم الشرك الذي سوف يلحق‬
‫به؟! سؤال نرجوا له إجابة ‪.‬‬

‫الوجه الثالث‪ :‬لو سلمنا وقلنا بأن ضياع المال داخل في مسألة اإلكراه‪ .‬فال شك أننا عندما نجمع بين النصوص يتضح لنا الحكم‬
‫الشرعي في المكره متى يعذر ومتى ال يعذر ‪.‬‬

‫أماالنص األول فهو قوله تعالى ‪{:‬من كفر باهلل من بعد إيمانه إال من اكره وقلبه مطمئن باإليمان ‪ [  } . . .‬النحل‪.]106 :‬‬

‫وقد نزلت هذه اآلية في عمار بن ياسر‪ -‬رضي هللا عنه‪ -‬عندما أخذه المشركين فعذبوه حتى قال كلمة الكفر‪.‬‬

‫‪ ‬وأما النص الثاني فهو قوله تعالى‪ { :‬إن الذين توفاهم المالئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في األرض قالوا‬
‫ألم تكن أرض هللا واسعة ؟ فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً}‪[  ‬النساء ‪. ]97 :‬‬

‫وقد نزلت هذه اآلية كما روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس في تفسير هذه اآلية أنها في أناس من المسلمين خرجوا مع‬
‫المشركين في غزوة بدر يكثرون سوادهم وقد قتل منهم من قتل ‪ ,‬وأسر منهم من أسر من المسلمين فعاملهم الرسول صلى هللا عليه‬
‫وسلم معاملة الكفار بأن جعل كل من أسر منهم يفدي نفسه ‪.‬‬

‫أخرج البخاري في صحيحه من حديث محمد بن عبد الرحمن أبي األسود قال ‪( :‬قطع على أهل المدينة بعث فاكتتبت فيه فلقيت‬
‫عكرمة مولى ابن عباس فأخبرته فنهاني عن ذلك أشد النهي ثم قال ‪ :‬أخبرني ابن عباس أن ناسا ً من المسلمين كانوا مع المشركين‬
‫يكثرون سواد المشركين على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يأتي السهم فيرمي به فيصيب أحدهم فيقتله أو يضرب فيقتل فأنزل‬
‫هللا ‪{:‬إن الذين توفاهم المالئكة ظالمي أنفسهم} اآلية) ‪.‬‬

‫وروى ابن أبي حاتم وابن جرير في تفسيره ‪ .‬عن السدي أنه قال ‪( :‬لما أسر العباس وعقيل ونوفل قال رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم للعباس (( افد نفسك وابن أخيك )) فقال يا رسول هللا ألم نصل إلى قبلتك ونشهد شهادتك ‪ ,‬قال ‪ (( :‬يا عباس إنكم خاصمتم‬
‫فخصمتم )) ثم تال عليه هذه اآلية ‪ {:‬ألم تكن أرض هللا واسعة‪. ) }...‬‬

‫وروى البخاري في صحيحه في كتاب الجهاد‪ -‬باب فداء المشركين‪ -‬من حديث أنس رضي هللا عنه أنه قال ‪ ( :‬أتي النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم بمال من البحرين فجاءه العباس فقال ‪ :‬يا رسول هللا أعطني فإني فاديت نفسي وفاديت عقيالً ‪ ,‬فقال (( خذ )) فأعطاه في‬
‫ثوبه ) ‪.‬‬

‫ومن خالل هذه النصوص نعرف أن من علم‪ -‬أو غلب على ظنه‪ -‬أنه سوف يكره في يوم ما على فعل الكفر أو قوله ثم فعل ذلك وكان‬
‫باستطاعته من قبل أن يخرج من هذه البلدة التي أكره فيها مهاجراً أو فاراً إلى غيرها حتى ال يقع في هذه الفتنة ثم لم يفعل ذلك ‪ .‬أنه‬
‫ال يعذر باإلكراه ‪ .‬بخالف من تسلط عليه الكفار وهو ال يستطيع التخلص منهم وأكرهوه على قول الكفر ‪ .‬وهذا األمر يجب التنبه إليه‬
‫والتفطن له‬

‫‪35‬‬
‫يقول اإلمام العالمة سليمان بن عبدهللا ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب‪ -‬رحمهم هللا أجمعين‪ -‬في رسالته الموسومة (( حكم مواالة‬
‫أهل اإلشراك )) ‪  :‬‬

‫(الدليل السادس) ‪ :‬قوله تعالى ‪{:‬إن الذين توفاهم المالئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في األرض قالوا أألم‬
‫تكن أرض هللا واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً}‪[  ‬النساء ‪ , ]97 :‬أي في أي فريق كنتم؟ أفي فريق‬
‫المسلمين ‪ ,‬أم في فريق المشركين؟ فاعتذروا عن كونهم ليسوا في فريق المسلمين باالستضعاف ‪ ,‬فلم تعذرهم المالئكة ‪ ,‬وقالوا لهم‬
‫{ألم تكن أرض هللا واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً} ‪.‬‬

‫فإن قال قائل‪ :‬هال كان اإلكراه على الخروج عذراً للذين قتلوا يوم بدر؟ قيل ‪ :‬ال يكون عذراً ‪ ,‬ألنهم في أول األمر لم يكونوا معذورين‬
‫إذ قاموا مع الكفار ‪ ,‬فال يعذرون بعد ذلك باإلكراه ‪ ,‬ألنهم السبب في ذلك حيث قاموا معهم وتركوا الهجرة)‪)81(  .‬‬

‫فتأمل أخي هذه الكلمات من هذا العالم الجليل فإنها شافية وكافية في بيان متى يعذر اإلنسان باإلكراه ومتى ال يعذر‪.‬‬

‫يقول القاضي عياض‪ -‬رحمه هللا‪ -‬في المدارك ( ‪ (( : ) 2/719‬وسئل أبو محمد بن الكراني عمن أكرهه بنو عبيد على الدخول في‬
‫دعوتهم أو يقتل؟ قال يختار القتل وال يعذر أحد بهذا إال من كان أول دخولهم البلد فيسأل إن أمرهم وأما بعد فقد وجب الفرار فال يعذر‬
‫أحد بالخوف بعد إقامته ألن المقام في موضع يطلب من أهله تعطيل الشرائع ال يجوز ‪ ,‬وإنما أقام من هذا من العلماء والمتعبدين على‬
‫المباينة لهم لئال يخلوا بالمسلمين عدوهم فيفتنوهم عن دينهم )) ‪  .‬‬

‫الوجه الرابع ‪ :‬وهو بتوجيه مثال وسؤال شبيه بالذي قبله ‪ .‬لو أن هناك ألوفا ً مألفة من المسلمين يعيشون في بلدة ما تحكم بالكفر ‪,‬‬
‫فتسلط عليهم الكفار فسلبوهم أموالهم ‪ ,‬فقالت لهم سلطة هذه البلدة ‪ :‬ال نرجع لكم أموالكم حتى تسبوا هللا ‪ ,‬أو تسبوا الرسول صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪ ,‬أو تسبوا دين اإلسالم ‪ ,‬أو تذبحوا وتقربوا القرابين لغير هللا‪ ,  ‬أو غير ذلك من هذه األمور ‪ ,‬فقام هؤالء الناس‬
‫واستجابوا لما قد دعوهم إليه ومكثوا سنين ال يدخلون محاكم هذه السلطة للمطالبة بإرجاع أموالهم حتى يسبوا هللا عز وجل ‪ .‬فهل‬
‫يعذر هؤالء باإلكراه؟! فال شك أن الجواب ( ال ) ‪ .‬فنقول ‪ :‬ما الفرق بين أمة بأسرها من أولها إلى آخره تسب هللا سبا ً صريحا ً وتفعل‬
‫هذا الفعل المكفر المخرج عن ملة اإلسالم ‪ .‬وبين أمة بأسرها من أولها إلى آخرها تتحاكم إلى الطاغوت وتفعل هذا الفعل المكفر‬
‫المخرج عن ملة اإلسالم؟!!‬

‫وفي الخاتمة نقول‪ :‬قد يقول قائل هتا ما المخرج إذاً والنجاة من هذه الفتنة وهذه البلية؟ فنقول بما يلي ‪:‬‬

‫المخرج األول ‪ :‬يقول هللا تعالى ‪{:‬إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل هللا أولئك يرجون رحمت هللا وهللا غفور رحيم}‪ ‬‬
‫[البقرة ‪. ]218 :‬‬

‫ويقول هللا تعالى ‪{:‬والذين هاجروا في هللا من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة وآلجر اآلخرة أكبر لو كانوا يعلمون}‪[  ‬النحل ‪:‬‬
‫‪  . ]41‬‬

‫ويقول هللا تعالى ‪{:‬ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم}‪[  ‬النحل ‪. ]110 :‬‬

‫‪ ‬ويقول هللا تعالى ‪{:‬من يهاجر في سبيل هللا يجد في في األرض مراغما ً كثيراً واسعة } [النساء ‪. ]100 :‬‬

‫يقول الحافظ ابن كثير في تفسيره‪ ( :‬قوله (( وسعة ?)) يعني الرزق قاله غير واحد‪ .‬منهم قتادة حيث قال في قوله{يجد في األرض‬
‫مراغما ً كثيراً وسعة ?} أي من الضال لة إلى الهدى ‪ ,‬ومن القلة إلى الغنى)‬

‫فهذا أول مخرج من مخارج الوقوع في مثل هذه الفتنة‪ .‬أال وهو الهجرة ‪ ,‬والهجرة تكون من دار الكفر إلى دار اإلسالم ‪ ,‬ودار الكفر‬
‫كما عرفها العلماء هي الدار التي تعلوها أحكام الكفر ‪.‬‬

‫‪ ‬يقول اإلمام ابن قيم‪ -‬رحمه هللا‪ -‬في أحكام أهل الذمة‪ (( :‬قال الجمهور ‪ :‬دار اإلسالم هي التي نزلها المسلمون وجرت عليها أحكام‬
‫اإلسالم ‪ ,‬وإما لم تجر عليه أحكام اإلسالم لم يكن دار إسالم ‪ ,‬وإن الصقها))‪)82(  ‬‬

‫ويقول علماء الدعوة النجدية رحمهم هللا تعالى‪ ( :‬وأما البلد التي يحكم عليها بأنها بلد كفر‪ ,‬فقال ابن مفلح‪ :‬وكل دار غلب عليها‬
‫أحكام المسلمين فدار إسالم‪ ,‬وإن غلب عليها أحكام الكفر فدار كفر وال دار غيرهما ) ‪)83( ‬‬

‫ويقول الشيخ سليمان بن سحمان النجدي رحمه هللا تعالى في بيان ما إذا تغلب الكفار على دار اإلسالم وأجروا فيها أحكام الكفر فإنها‬
‫تصير دار كفر لتحقق المناط فيها قال رحمه هللا ‪:‬‬

‫‪36‬‬
‫‪   ‬على دار إسالم وحل بها الوجل‬ ‫إذا ما تولى كافر متغلب‬

‫‪   ‬وأظهرها فيها جهاراً بال مهل‬ ‫وأجرى بها أحكام كفر عالنيا‬

‫ولم يظهر اإلسالم فيها وينتحل‬ ‫وأوهى بها أحكام شرع محمد‬

‫‪  ‬كما قاله أهل الدراية بالنحل‬ ‫فذي دار كفر عند كل محقق‬

‫‪    ‬فرب إمرئ فيهم على صالح العمل‪)84(  ‬‬ ‫وما كل من فيها يقال بكفره‬

‫وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ هل تجب الهجرة من بالد المسلمين التي يحكم فيها بالقانون؟ فأجاب رحمه هللا ‪( :‬البلد التي‬
‫يحكم فيها بالقانون ليست بلد إسالم ‪ ,‬تجب الهجرة منها ‪ ,‬وكذلك إذا ظهرت الوثنية من غير نكير وال غيرت فتجب الهجرة ‪ ,‬فالكفر‬
‫بفشو الكفر وظهوره ‪ ,‬هذه بلد كفر )‪)85(  ‬‬

‫المخرج الثاني ‪ :‬روى البخاري في صحيحه في كتاب اإليمان‪ -‬باب من الدين الفرار من الفتن‪ -‬من حديث أبي سعيد الخدري‪ -‬رضي‬
‫هللا عنه‪ -‬أنه قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ (( :‬يوشك أن يكون خير مال المسلم غنما ً يتبع بها شعف الجبال ومواقع‬
‫القطر يفر بدينه من الفتن )) ‪.‬‬

‫المخرج الثالث ‪ :‬أن يختار المسلم الموحد ويبحث عن بلدة ما أو قرية ما ال تظهر فيها شعائر الكفر وال أحكام الكفر ‪ ,‬فيذهب إليها‬
‫لكي يعيش فيها ويحفظ دينه ودنياه ‪.‬‬

‫المخرج الرابع ‪ :‬وهو للمجموع التي لم تهاجر ولم تعتزل ‪ .‬كأهل القرى والمدن الذين هم في دار الكفر ‪ .‬فإنهم يتفقوا على أن يجعلوا‬
‫بينهم عالما ً أو شيخا ً أو قاضيا ً يقضي بينهم بحكم الشرع ‪ ,‬ويتعاهدوا فيما بينهم على أن يحتكموا في جميع قضاياهم وخصوماتهم‬
‫إليه ‪ .‬ويكون تقليد هذا القاضي من قبل اإلمام العام أو من فوض إليه اإلمام هذا التقليد ‪.‬‬

‫يقول اإلمام النووي رحمه هللا ‪( :‬يجب على اإلمام نصب القاضي في كل بلدة وناحية خالية عن قاض‪ ,...‬ويجوز أن يجعل اإلمام نصب‬
‫القاضي إلى والي اإلقليم وأمير البلدة ‪ ,‬وإن لم يكن المجعول إليه صالحا ً للقضاء ‪ ,‬ألنه وكيل محض ‪ ,‬وكذا لو فوض إلى واحد من‬
‫المسلمين اختيار قاض ‪ ,‬ليس له أن يختار والده وولده ‪ ,‬كما ال يختار نفسه ‪ .‬لو قال ألهل بلد ‪ :‬اختاروا رجالً منكم وقلدوه القضاء ‪.‬‬
‫قال ابن كج ‪ :‬جاز على األصح )‪)86(  ‬‬

‫ويقول اإلمام ابن قدامة في المغني ‪ ( :‬وإن فوض اإلمام إلى إنسان تولية القضاء جاز ألنه يجوز أن يتولى ذلك فجاز له التوكيل فيه‬
‫كالبيع ‪ ,‬وإن فوض إليه اختار قاض جاز وال يجوز له اختيار نفسه وال والده وال ولده كما لو وكله في الصدقة بمال لم يجز له أخذه‬
‫وال دفعه إلى هذين ‪ ,‬ويحتمل أنه يجوز له اختيارهما إذا كانا صالحين للوالية ألنهما يدخالن في عموم من أذن له في اإلختيار منه مع‬
‫أهليتهما فأشبها األجانب )‪ )87(  ‬‬

‫فهذه أربعة مخارج من هذه الفتنة ‪ .‬نسأل هللا عز وجل أن ينجينا ويحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن ‪ .‬إنه على كل شيء قدير ‪.‬‬

‫ونختم هذه الرسالة بكالم لعالمة أهل زمانه الشيخ سليمان بن سحمان رحمه هللا عندما سئل عن التحاكم إلى الطاغوت بحجة‬
‫اإلضطرار فقال رحمه هللا ‪:‬‬

‫(( المقام الثاني )) ‪ :‬أن يقال إذا عرفت أن التحاكم إلى الطاغوت كفر ‪ ,‬فقد ذكر هللا في كتابه ‪ :‬أن الكفر أكبر من القتل ‪ ,‬قال تعالى ‪:‬‬
‫{ والفتنة أكبر من القتل}‪[  ‬البقرة ‪  ]217 :‬وقال ‪ {:‬والفتنة أشد من القتل}‪[  ‬البقرة‪ . ]191 :‬والفتنة ‪ :‬هي الكفر ‪ ,‬فلو اقتتلت البادية‬
‫والحاضرة ‪ ,‬حتى يذهبوا ‪ ,‬لكان أهون من أن ينصبوا في األرض طاغوتا ً يحكم بخالف شريعة اإلسالم ‪ ,‬التي بعث هللا بها رسوله‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫(( المقام الثالث )) ‪ :‬أن نقول إذا كان التحاكم كفراً ‪ ,‬والنزاع إنما يكون ألجل الدنيا ‪ ,‬فكيف يجوز لك أن تكفر ألجل ذلك؟ فإنه ال يؤمن‬
‫اإلنسان حتى يكون هللا ورسوله أحب إليه مما سواهما ‪ ,‬وحتى يكون الرسول أحب إليه من ولده والناس أجمعين ‪ ,‬فلو ذهبت دنياك‬
‫كلها لما جاز لك المحاكمة إلى الطاغوت ألجلها ‪ ,‬ولو اضطرك مضطر وخيرك بين أن تحاكم إلى الطاغوت ‪ ,‬أو تبذل دنياك لوجب‬
‫عليك البذل ولم يجز لك المحاكمة إلى الطاغوت )) ‪   . )88(  .‬‬

‫فينبغي على كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة ممن أراد منهم أن يحفظ دينه وتوحيده أن يتحاكموا في جميع ما اختصموا فيه‬
‫وتنازعوا فيه إلى علماء الشرع الذين يحكمونهم بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى هللا عليه وسلم ‪ ,‬وأن ال يتحكموا إلى هؤالء‬
‫الطواغيت ‪ ,‬ألن التحاكم إلى هؤالء الطواغيت إيمان بهم وصرف عبادة لهم ‪ ,‬وليخش امرؤ أن يكون يوم القيامة تابعا ً لهؤالء‬

‫‪37‬‬
‫الطواغيت ‪ .‬قال عليه الصالة والسالم (( يجمع هللا الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئا ً فليتبعه ‪ ,‬فيتبع من كان يعبد الشمس‬
‫الشمس ‪ ,‬ويتبع من كان يعبد القمر القمر ‪ ,‬ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت )) رواه البخاري ‪.‬‬

‫اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا وال مفتونين وصل هللا على النبي األمين محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين ‪.‬‬

‫بعض اقوال العلماء في بيان ان من تحاكم الى الطاغوت فقد ءامن به وكفر باهلل (‪)1‬‬

‫(‪ )1‬يقول اإلمام ابن حزم ‪ -‬رحمه هللا‪ -‬عند قوله تعالى ‪{:‬فال وربك ال يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ال يجدوا في أنفسهم‬
‫حرجا ً مما قضيت ويسلموا تسليماً}‪[  ‬النساء ‪ . ]65 :‬‬

‫((هذه كافية لمن عقل وحذر وآمن باهلل واليوم اآلخر‪ ,‬وأ يقن أن هذا العهد عهد ربه تعالى أليه ‪ ,‬ووصيته عز وجل الواردة عليه ‪,‬‬
‫فليفتش اإلنسان نفسه ‪ ,‬فإن وجد في نفسه مما قضاء رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في كل خبر يصححه مما قد بلغه ‪ ,‬أو وجد‬
‫نفسه غير مسلمة لما جاءه عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ,‬ووجد نفسه مائلة إلى فالن وفالن ‪ ,‬أو إلى قياسه واستحسانه ‪ ,‬أو‬
‫وجد نفسه تحكم فيما نازعت فيه أحداً دون رسول هللا صلى هللا عليه وسلم متى صاحت فمن دونه ‪ ,‬فليعلم أن هللا تعالى قد أقسم ‪,‬‬
‫وقوله الحق إنه ليس مؤمنا ً وصدق هللا تعالى ‪ :‬وإذا لم يكن مؤمنا ً فهو كافر‪ ,‬وال سبيل إلى قسم ثالث))‪)32(  ‬‬

‫‪38‬‬
‫* ويقول أيضاً‪ -‬رحمه هللا‪ -‬تعليقا ً على اآلية السابقة ‪ ((:‬فنص تعالى وأقسم بنفسه أنه ال يكون مؤمنا ً إال بتحكيم النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم في كل ما عن ثم يسلم بقلبه وال يجد في نفسه حرجا ً مما قضى فصح أن التحكيم شيء غير التسليم بالقلب ‪ ,‬وأنه هو اإليمان‬
‫الذي ال إيمان لمن لم يأت به ) (‪. )33‬‬

‫* ويقول أيضا ً رحمه هللا ‪ ((:‬فسمى هللا تعالى تحكيم النبي صلى هللا عليه وسلم إيمانا ?‪ ,‬وأخبر هللا تعالى انه ال إيمان إال ذلك ‪ ,‬مع‬
‫أنه ال يوجد في الصدر حرج مما قضى ‪ ,‬فصح يقينا ً أن اإليمان عمل وعقد ألن التحكيم عمل وال يكون إال مع القول ‪ ,‬ومع عدم الحرج‬
‫في الصدر وهو عقد ‪.‬‬

‫* ويقول أيضا ً ‪ -‬رحمه هللا عند قوله تعالى ‪{:‬ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى‬
‫ونصله جهنم وساءت مصيراً}‪ [  ‬النساء ‪. ]115 :‬‬

‫‪ (:  ‬قال أبو محمد ‪:‬هذه اآلية نص بتكفير من فعل ذلك ‪ .‬فإن قال قائل إن من اتبع غير سبيل المؤمنين ‪ .‬قلنا له وباهلل تعالى التوفيق ‪:‬‬
‫ليس كل من اتبع غير سبيل المؤمنين كافرا ألن الزنا وشرب الخمر وأكل أموال الناس بالباطل ليست من سبيل المؤمنين‪ ,‬وقد علمنا‬
‫أن من اتبعها فقد اتبع غير سبيل المؤمنين وليس مع‬

‫ذلك كافراً‪ .‬ولكن البرهان في هذا قول هللا ‪{:‬فال وربك ال يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ال يجدوا في أنفسهم حرجا ً مما‬
‫قضيت ويسلموا تسليماً} ‪ (.‬قال أبو محمد‪ :‬فهذا هو النص الذي ال يحتمل تأويالً وال جاء نص يخرجه عن ظاهره أصالً وال جاء‬
‫برهان بتخصيصه في وجوه اإليمان ) ‪. )35( .‬‬

‫(‪ )2‬ويقول شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا تعالى ‪( :‬ومن جنس مواالة الكفار التي ذم هللا بها أهل الكتاب والمنافقين اإليمان ببعض‬
‫ما هم عليه من الكفر ‪ ,‬أو التحاكم إليهم دون كتاب هللا ‪ .‬كما قال تعالى ‪ { :‬ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا ً من الكتاب يؤمنون بالجبت‬
‫والطاغوت ‪[  }. . .‬النساء ‪   . )36( . ]51 :‬‬

‫‪   ‬فقوله ‪((:‬ومن جنس مواالة الكفار)) فإنه يتكلم عن مواالة الكفار التي هي من الكفر األكبر ‪ .‬كما قال تعالى ‪ {:‬ومن يتولهم منكم‬
‫فإنه منهم}‪[  ‬المائدة ‪ , ] 51 :‬وذكر صنفين من الناس ‪ ,‬الصنف األول وهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ‪ ,‬والصنف الثاني ‪ :‬وهم‬
‫المنافقين الذين يبطنون الكفر ويظهرون اإلسالم ‪ . . .‬ثم أخبر عن أمرين هما من جنس مواالة الكفار ‪ ((:‬اإليمان ببعض ما هم عليه‬
‫من الكفر ‪ ,‬أو التحاكم إليهم دون كتاب هللا )) ‪.‬‬

‫وانظر إلى قوله (( أوالتحاكم إليهم‪ )) . . .‬وكيف أنه أضاف كلمة (( أو )) ‪ ((? ,‬أو )) هنا للتخير ‪ ,‬للتنبيه على أن كال األمرين كفر‬
‫باهلل ثم تأمل كيف أنه استدل باآلية على هذين األمرين وهو قوله تعالى ‪{:‬ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا ً من الكتاب يؤمنون بالجبت‬
‫والطاغوت ‪[  } . . . .‬النساء ‪ . ]51 :‬‬

‫ويقول أيضا ً‪ -‬رحمه هللا‪ -‬عند قوله تعالى ‪{:‬ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن‬
‫يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضالالً بعيداً}‪[  ‬النساء ‪. ]60 :‬‬

‫‪ ( :‬كما ذم المدعين اإليمان بالكتب كلها وهم يتركون التحاكم إلى الكتاب والسنة ويتحاكمون إلى بعض الطواغيت المعظمة من دون‬
‫هللا كما يصيب ذلك كثيراً ممن يدعي اإلسالم وينتحله في تحاكمهم إلى مقاالت الصابئة الفالسفة أو غيرهم ‪ ,‬أو إلى سياسة بعض‬
‫الملوك الخارجين عن شريعة اإلسالم من ملوك التركوغيرهم)‪                                                                                       ‬‬

‫(‪)1‬ميراث االنبياء‬

‫ويقول أيضا ً‪ -‬رحمه هللا‪ -‬عند قوله تعالى ‪{:‬إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى هللا ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا‬
‫وأوليك هم المفلحون }[النور ‪ ( : . ] 51 :‬فبين سبحانه أن من تولى عن طاعة الرسول وأعرض عن حكمه فهو من المنافقين وليس‬
‫بمؤمن ‪ ,‬وأن المؤمن هو الذي‪  ‬يقول ‪ :‬سمعنا وأطعنا ‪ ,‬فإذا كان النفاق يثبت ويزول اإليمان بمجرد اإلعراض عن حكم الرسول‬
‫وإرادة التحاكم إلى غيره ‪ ,‬مع أن هذا ترك محض ‪ ,‬وقد يكون سببه قوة الشهوة ‪ ,‬فكيف بالنقص والسب ونحوه ? ! )‪  ‬انتهى كالمه‬
‫رحمه هللا ‪   )38(  .‬‬

‫ومقصوده بالنفاق هنا هو النفاق األكبر الذي يخرج صاحبه عن ملة اإلسالم بدليل قوله ‪ (( :‬فكيف بالنقص والسب ونحوه ?!))‪  ‬ولو‬
‫كان يرى بأن اإلعراض عن حكم الرسول والتحاكم إلى غيره ليس من أعمال الكفر والنفاق األكبر لم يجعله هنا بمقابل السب ويقيسه‬
‫عليه ويجعل الذي يسب هللا ورسوله أشد كفراً من الذي يتحاكم إلى الطاغوت ‪ ,‬وهذا واضح في قوله رحمه هللا‪ (( :‬فكيف بالنقص‬
‫والسب ونحوه ? ! )) أي أن كال األمرين كفر باهلل ولكن السب أشد كفراً‬

‫‪39‬‬
‫‪ ‬وتأمل قوله أيضا ً ‪ (( :‬مع أن هذا ترك محض ‪ ,‬وقد يكون سببه قوة الشهوة ))‪ .‬فلم يجعل الكفر هنا سببه الجحود أو االستحالل‪ ‬‬
‫وإنما جعل سببه الترك واتباع الهوى باإلعراض عن حكم الرسول والتحاكم إلى غيره من أحكام الطواغيت ‪.‬‬

‫ويقول أيضا ً رحمه هللا ‪ ((:‬قال هللا تعالى‪ {:‬ولو كانوا يؤمنون باهلل والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء } ‪ ,‬وقوله ‪ { :‬فال‪  ‬وربك‬
‫ال يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } اآلية ‪ .‬فجعل هللا هذه األمور شرطا في ثبوت حكم اإليمان ‪ ,‬فثبت أن اإليمان المعرفة‬
‫بشرائط ال يكون معتداً به دونها )) ‪)39(  .‬‬

‫(‪ )3‬ويقول اإلمام ابن قيم رحمه هللا ( ومن حاكم خصمه إلى غير هللا ورسوله فقد حاكم إلى الطاغوت ‪ ,‬وقد أمر أن يكفر به ‪ ,‬وال‬
‫يكفر العبد بالطاغوت حتى يجعل الحكم هلل وحده كما هو كذلك في نفس األمر ) ‪)42(  .‬‬

‫فتأمل قوله ‪ (( :‬وال يكفر العبد بالطاغوت حتى يجعل الحكم هلل وحده )) ‪ ,‬ولم يقل‪ :‬حتى يعتقد أن الحكم هلل وحده ‪ .‬ومما يوضح ذلك‬
‫أيضا ً قوله في بداية كالمة‪ (( :‬ومن حاكم خصمه )) والمحاكمة التي تقع بين الخصمين ال تكون إال بالفعل ‪ ,‬فيكون إذاً معنى قوله ‪:‬‬
‫(( حتى يجعل الحكم هلل وحده )) أي يحاكم خصمه لكتاب هللا وسنة نبيه صلى هللا عليه وسلم ‪ ,‬فإن حاكمه إلى غيرهما لم يجعل الحكم‬
‫هللا وحده ‪ ,‬ومن ثم لم يكفر بالطاغوت ‪ ,‬ومن لم يكفر بالطاغوت لم يصح إسالمه ‪ ,‬حيث إن الكفر بالطاغوت ركن التوحيد الذي‬
‫بتحصليه يكون العبد مسلما ً مع اإليمان باهلل وحده ‪.‬‬

‫(‪ )4‬ويقول الحافظ ابن كثير‪ -‬رحمه هللا‪ ( : -‬ثم ذكر الجويني نتفا ً من الياسا من ذلك ‪:‬أنه من زنى قتل ‪ ,‬محصنا ً كان أو غير محصن ‪,‬‬
‫وكذلك من الط قتل ‪ ,‬ومن تعمد الكذب قتل ‪ ,‬ومن سحر قتل ‪ ,‬ومن تجسس قتل ‪ ,‬ومن دخل بين اثنين يختصمان فأعان أحدهما قتل‪,‬‬
‫ومن بال في الماء الواقف قتل ‪ ,‬ومن انغمس فيه قتل ‪ ,‬ومن أطعم أسيراً أو سقاه بغير إذن أهله قتل ‪ ,‬ومن وجد هاربا ً ولم يرده قتل‬
‫ومن أطعم أسيراً أو رمى إلى أحد شيئا ً من المأكول قتل ‪ ,‬بل يناوله من يده إلى يده ‪ ,‬ومن أطعم أحداً شيئا ً فليأك ًل منه أوالً ولو كان‬
‫المطعوم أميراً ال أسيراً ‪ ,‬ومن أكل ولم يطعم من عنده قتل ‪ ,‬ومن ذبح حيوانا ً ذبح مثله بل يشق جوفه ويتناول قلبه بيده يستخرجه‬
‫من جوفه أوالً ‪ ,‬وفي ذلك كله مخالفة لشرائع هللا المنزلة على عباده األنبياء عليهم الصالة والسالم ‪ ,‬فمن ترك الشرع المحكم المنزل‬
‫على محمد بن عبدهللا خاتم األنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر ‪ .‬فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه من فعل‬
‫ذلك كفر بإجماع المسلمين )‪ . )48(  ‬‬

‫فهذا قول واضح منه‪ -‬رحمه هللا‪ -‬نقل فيه اإلجماع على كفرمن تحاكم إلى الشريعة اإللهية المنسوخة كشريعة التوراة ‪ .‬فكيف بمن‬
‫يتحاكم إلى الشريعة الوضعية التي هي من وضع البشر؟ ! ال شك أشد ‪.‬‬

‫وقد جعل البعض هذا الحكم وهذا الوعيد المكفر الذي جاء فيه اإلجماع خاص بالتتار ألنهم تلبسوا ببعض المكفرات ‪ .‬وال شك أن هذا‬
‫باطل ‪ ,‬ووجه بطالنه أن نقول ‪ :‬بأي دليل عندما تخصصون هذا اإلجماع وهذا الحكم بالتتار ? فابن كثير قوله واضح ‪ .‬قال رحمه‬
‫هللا ‪ (( :‬فمن ترك الشرع المحكم ‪(( ? )) . . .‬من)) من صيغ العموم كما هو معروف ومعلوم ? وابن كثير هنا يتكلم عن مسألة‬
‫شرعية عامة في الحكم أال وهي ترك الشريعة المحمدية والتحاكم إلى غيرها من الشرائع األخرى ‪,‬وذكر أنه إذا كان التحاكم إلى‬
‫الشريعة اإللهية المنسوخة كفر ‪ .‬فكيف بالتحاكم إلى الشرائع الوضعية الكفرية ‪ ,‬وهذا واضح في قوله (( فكيف بمن تحاكم‬
‫إلىالياسا ? ! )) وهو الحكم الوضعي الذي وضعه (( جنكيز خان )) وقد ذكر نتفا ً منه في مقدمة كالمه ثم قال ‪ (( :‬وفي ذلك كله‬
‫مخالفة لشرائع هللا المنزلة على عباده األنبياء )) ثم نقل بعد ذلك اإلجماع على كفر من حكم بالشرائع المخالفة لشريعة اإلسالم ‪,‬‬
‫وإنما ذكر التتار هنا من باب ضرب المثل لكونهم وقعوا في مثل هذا ‪ ,‬ومما يوضح ذلك أيضا ً قوله في تفسيره عند قوله تعالى ‪:‬‬
‫{ أفحكم الجاهلية يبغون ‪ } . . .‬اآلية ‪.‬‬

‫قال رحمه هللا‪ ((:  ‬ينكر تعالى على من خرج عن حكم هللا المحكم المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه‪  ‬من‬
‫اآلراء واألهواء واالصطالحات التي وضعها الرجال بال مستند من شريعة هللا كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضالالت‪ ‬‬
‫والجهاالت مما يضعونها بآرائهم وكما يحكم به التتارمن السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذي وضع لهم الياسق‬
‫وهو عبره عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة اإلسالمية وغيرها وفيها كثير ?‬
‫ن األحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت في بنيه شرعا ً متبعا ً يقدمونها على الحكم بكتاب هللا وسنة رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم هللا ورسوله فال يحكم سواه في قليل وال كثير ))‬

‫وهنا‪ -‬رحمه هللا‪ -‬ضرب مثلين لذلك ‪ ,‬أحدهما قوله (( كما كان الجاهلية يحكمون به من الضالالت والجهاالت مما يضعونها بآرائهم‬
‫وآهوائهم )) وهذا يقطع ما قد قيل بأن هذا الحكم خاص بالتتار ‪ ,‬بل هو حكم عام يشمل ويتنزل على كل من حكم بحكم الجاهلية من‬
‫األحكام الوضعية والقوانين الطاغوتية ‪ ,‬والثاني قوله ‪ (( :‬وكما يحكم به التتار من السياسات )) فتبين من ذلك أن ذكره للتتارهو من‬
‫باب ضرب المثل ال من باب تخصيص الفتوى ‪,‬ولذلك فقد ختم فتواه بصيغة عموم ‪ ,‬وهي الجملة الشرطية المصدرة بمن الشرطية‬
‫فقال (( فمن فعل ذلك فهو كافر )) وقال في اإلجماع الذي نقله (( من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين )) فهذا نص عام منه‪ -‬رحمه‬
‫هللا‪ -‬يقطع جميع التأويالت‪  ‬الباطلة لفتواه ‪.‬‬

‫ولهم أيضا ً شبهة أخرى حول هذا اإلجماع وهو قولهم ‪ :‬إن التحاكم إلى الشريعة المنسوخة كفر ألن الشريعة السماوية المنسوخة‬
‫دين ‪ ,‬فالذي يتحاكم إليها ال يتحاكم إال وهو معتقد ‪ ,‬أما الشريعة الوضعية فهي ليست بدين ‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫والرد على ذلك أن نقول‪ :‬ال شك أن هذا القول باطل ‪ .‬ووجه بطالنه ما بينه هللا عز وجل في كتابه من تسمية ملل أهل الكفر والشرك‬
‫دين ‪ .‬يقول هللا تعالى ‪ { :‬قل يا أيها الكافرون ‪ .‬ال أعبد ما تعبدون ‪ .‬وال أنتم عابدون ما أعبد ‪ .‬وال أنا عابد ما عبدتم‪ .‬وال أنتم عابدون‬
‫ما أعبد ‪ .‬لكم دينكم ولي دين } ‪.‬‬

‫‪ ‬وقد بين أيضا ً سبحانه في كتابه العزيز أن النظام والحكم ومنهاجه يسمى دين ‪ .‬يقول هللا تعالى في سورة يوسف ‪ { :‬كذلك كدنا‬
‫ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك } ‪.‬‬

‫‪  ‬يقول الحافظ ابن كثير‪ -‬رحمه هللا‪ -‬في تفسيره عند هذه اآلية ‪ (( :‬أي لم يكن له أخذه في حكم ملك مصر )) ‪.‬‬

‫ويقول اإلمام القاسمي ‪ -‬رحمه هللا‪ -‬في تفسيره (( ويستدل به على جواز تسمية قوانين ملل الكفر دينا ً )) ‪.‬‬

‫أما قولهم إن الذي يتحاكم إلى شريعة منسوخة يكفر ألنه ال يتحاكم إال عن اعتقاد ‪ .‬فهذا أيضا ً باطل ‪ ,‬ووجه بطالنه أن نسألهم‬
‫فنقول ‪ :‬لو أن إنسانا ً تحاكم إلى شريعة منسوخة ال عن اعتقاد وإنما لسبب دنيا يصيبها ‪ .‬فهل يكفر هذا عندكم؟ !‬

‫‪  ‬فإن قلتم ‪ :‬ال فقد خرمتم اإلجماع الذي انعقد على ذلك ‪ .‬وإن قلتم نعم ‪ .‬فنقول ما الفرق إذاً بين من تحاكم إلى شريعة منسوخة وبين‬
‫من تحاكم إلى شريعة وضعية ‪ .‬وقد علمنا أن كالهما لم يفعل ذلك عن اعتقاد وإنما لدنيا؟ ! ‪.‬‬

‫‪ ‬يقول هللا تعالى ‪ { :‬ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على اآلخرة وأن هللا ال يهدي القوم الكافرين }‪[  ‬النحل ‪. ]107 :‬‬

‫يقول اإلمام محمد بن عبد الوهاب رحمه هللا في رسالته كشف الشبهات عند هذه اآلية ‪ (( :‬فصرح أن الكفر والعذاب أم يكن بسبب‬
‫االعتقاد أو الجهل أو البغض للدين أو محبة الكفر ‪ ,‬وإنما سببه أن له في ذلك حظا ً من حظوظ الدني فآثره على الدين ))‪.‬‬

‫فالتحاكم إذاً إلى الشريعة المنسوخة أو الشريعة الوضعية كفر مخرج عن مله اإلسالم ‪ .‬سواء فعل المتحاكم ذلك عن اعتقاد أم عن‬
‫غير اعتقاد ‪ .‬فكله مخرج عن مله اإلسالم ‪ .‬‬

‫يقول اإلمام ابن حزم رحمه هللا ‪ (( :‬من حكم بحكم اإلنجيل مما لم يأت بالنص عليه وحي في شريعة اإلسالم فإنه كافر مشرك خارج‬
‫عن اإلسالم )) ‪)49(  .‬‬

‫ويقول الحافظ‪  ‬ابن كثير أيضا في تفسيره عند قوله ‪{:‬فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى هللا والرسول إن كنتم تؤمنون باهلل واليوم‬
‫اآلخر ذلك خير وأحسن تأويالً}‪ [  ‬النساء ‪ , ] 59 :‬قال ‪ (( :‬فدل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ‪,‬وال يرجع‬
‫إليهما في ذلك فليس مؤمنا باهلل وال باليوم اآلخر )) ‪  .‬‬

‫ويقول مفتي الديار النجدية وصاحب كتاب فتح المجيد ‪ -‬الشيخ عبد الرحمن بن آل الشيخ رحمه هللا عند ذكر قوله تعالى ‪{:‬فمن يكفر‬
‫بالطاغوت}?آلية ‪ .‬قال ‪ (:‬وذلك أن التحاكم إلى الطاغوت إيمان به ) ‪  )52(  .‬‬

‫ويقول العالمة الشيخ حمد بن عتيق رحمه هللا تعالى رحمة واسعة ‪ ( :‬وأما المسألة الثانية وهي ‪ :‬األشيئا التي يصير بها المسلم‬
‫مرتداً ) ثم ذكر ?ن هذه األشيئا فقال ‪ ( :‬األمر الرابع عشر ‪ :‬التحاكم إلى غير كتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم ‪ . . .‬قلت ‪:‬‬
‫ومثل هؤالء ما وقع فيه عامة البوادي ومن شابههم ‪ ,‬من تحكيم عادات آبائهم وما وضعه أوائلهم من الموضوعات الملعونة التي‬
‫يسمونها شرع الرفاقة ‪ ,‬يقدمونها على كتاب هللا وسنة رسوله ‪ .‬ومن فعل ذلك فإنه كافر ) ‪)55(  .‬‬

‫ويقول العالمة الشيخ حمد بن ناصر آل معمر رحمه هللا ‪ (( :‬وأبلغ من هذا كله قوله تعالى ‪ { :‬فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى هللا‬
‫والرسول إن كنتم تؤمنون باهلل واليوم اآلخر ذلك خير وأحسن تأويالً } ‪ ‬فهذا دليل على أنه يجب رد موارد النزاع في كل ما تنازع فيه‬
‫الناس من الدين كله أصوله وفروعه إلى هللا ورسوله ال إلى غير هللا ورسوله ‪ .‬ولهذا قال ‪ { :‬إن كنتم تؤمنون باهلل واليوم اآلخر } ‪,‬‬
‫وهذا شرط ينتفي المشروط بانتفائه ‪,‬فدل على ?ن من حكم غير هللا ورسوله في موارد‪  ‬النزاع كان خارجا ً عن مقتضى اإليمان باهلل‬
‫واليوم اآلخر )) ‪)56(  .‬‬

‫ويقول العالمة الشيخ عبد الرحمن السعدي ‪ -‬رحمه هللا‪ -‬في كتابه ( القول السديد على كتاب التوحيد ) ‪ :‬من أطاع العلماء واألمراء‬
‫في تحريم ما أحل هللا‪ ? ?  ‬تحليل ما حرمه فقد اتخذهم أربابا ً ‪.‬‬

‫‪ ‬قال رحمه هللا ‪ (( :‬والواجب على كل أحد أن ال يتخذ غير هللا حكما ً وأن يرد ما تنازع فيه الناس إلى هللا ورسوله ‪ ,‬وبذلك يكون دين‬
‫العبد كله هلل وتوحيده خالصا ً لوجه هللا ‪ ,‬وكل من حاكم إلى غير حكم هللا ورسوله فقد حاكم إلى الطاغوت ‪ ,‬وإن زعم أنه مؤمن فهو‬
‫كاذب ‪ ,‬فاإليمان ال يصح وال يتم إال بتحكيم هللا ورسوله في أصول الدين وفروعه ‪ ,‬وفي كل الحقوق كما ذكره المصنف في الباب‬
‫اآلخر ‪ ,‬فمن تحاكم إلى غير هللا ورسوله فقد اتخذ ذلك ربا ً وقد حاكم إلى الطاغوت )) ‪ .‬‬

‫‪41‬‬
‫‪ ‬ويقول أيضاً‪ -‬رحمه هللا‪ : -‬في تفسيره عند قوله تعالى‪{:‬فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى هللا والرسول إن كنتم تؤمنون باهلل واليوم‬
‫اآلخر}[النساء‪.]59 :‬‬

‫‪  ‬فدل ذلك على أن من لم يرد إليهما مسائل النزاع فليس بمؤمن حقيقة ‪ ,‬بل هو مؤمن بالطاغوت كما ذكر في اآلية بعدها )) ‪ .‬‬

‫ويقول العالمة الشيخ محمد بن إبراهيم (‪ )14‬والشيخ عبدهللا بن حميد ‪ )15( ,‬والشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم (‪ )16‬والشيخ عبد‬
‫العزيز الشتري (‪ )17‬والشيخ عبد اللطيف بن محمد (‪ )18‬والشيخ عبدهللا بن عقيل (‪ )19‬والشيخ عبد العزيز بن رشيد (‪)20‬‬
‫والشيخ محمد بن عودة (‪ )21‬والشيخ محمد بن مهيرع رحمهم هللا أجمعين‪ ((:‬إن من أقبح‪  ‬السيئات وأعظم المنكرات التحاكم إلى‬
‫غير‪  ‬شريعة هللا من القوانين الوضيعة والنظم البشرية وعادات األسالف واألجداد التي قد الكثير من الناس اليوم وارتضاها بدالً من‬
‫شريعة هللا التي بعث بها رسوله محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ,‬وال ريب أن ذلك من أعظم النفاق ومن أكبر شعائر الكفر والظلم‬
‫والفسوق وأحكام الجاهلية التي أبطلها القرآن وحذر منها الرسول صلى هللا عليه وسلم قال تعالى ‪ {:‬ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم‬
‫آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضالالً‬
‫بعيداً}‪[  ‬النساء ‪  . ]60:‬‬

‫وقال تعالى ‪ {:‬ومن لم يحكم بما أنزل هللا فأولئك هم الكافرون‪[  }  ‬المائدة ‪ , ]44:‬ومن لم يحكم بما أنزل هللا فأولئك هم الظالمون }‪ ‬‬
‫[المائدة ‪ { . ]45:‬ومن لم يحكم بما أنزل هللا فأولئك هم الفاسقون‪[  ‬المائدة ‪. ]47:‬‬

‫‪  ‬وهذا تحذير شديد من هللا سبحانه لجميع العباد من اإلعراض عن كتابه وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم والتحاكم إلى غيرهما ‪,‬‬
‫وحكم صريح من الرب عز وجل على من حكم بغير شريعته بأنه كافر وظالم وفاسق ومتخلق بأخالق المنافقين‪  ‬وأهل الجاهلية ‪,‬‬
‫فاحذروا أيها المسلمون ما حذركم هللا منه وحكموا شريته في كل شيء ‪ ,‬واحذروا ما خالفها وتواصوا بذلك فيما بينكم ‪ ,‬وعادوا‬
‫وأبغضوا من أعرض عن شرعة هللا ‪ ,‬أو تنقصها ‪ ,‬أو استهزأ بها ‪ ,‬أو سهل في التحاكم إلى غيرها لتفوزوا بكرامة هللا وتسلموا من‬
‫عقا ? هللا ‪,‬وتؤدوا بذلك ما أوجب هللا عليكم من مواالة أوليائه الحاكمين بشريعته الراضين بكتابه وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم‬
‫وهللا المسؤول أن يهدينا وإياكم صراطه المستقيم ‪ ,‬وأن يعيذنا وإياكم من مشابهة الكفار والمنافقين ‪ ,‬وأن ينصر دينه ويخذل‬
‫أعداءه ‪ .‬إنه على كل شيء قدير ‪ ,‬وصلى هللا على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه وسلم تسليما ً كثيراً إلى يوم الدين ‪ .‬حرر في‬
‫‪12/11/1380‬هجري ) ‪ ) 59(  .‬ويقول العالمة الشيخ محمد األمين الشنقيطي‪ -‬رحمه هللا‪ (( : -‬والعجب ممن يحكم غير تشريع هللا ثم‬
‫يدعي اإلسالم ‪ .‬كما قال تعالى ‪ {:‬ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى‬
‫الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضالالً بعيداً }‪[  ‬النساء ‪ , ]60:‬وقال ‪ { :‬من لم يحكم بما أنزل هللا‬
‫فأولئك هم الكافرون }‪[  ‬المائدة ‪)60( .  ]44:‬‬

‫ويقول أيضا ً رحمه هللا ‪ ((  :‬اإلشراك باهلل في حكمه ‪ ,‬واإلشراك به في عبادته كلها بمعنى واحد ‪ ,‬ال فرق بينهما ألبته ‪ ,‬فالذي يتبع‬
‫غير نظام هللا ‪ ,‬وتشريعا ً غير تشريع هللا ‪ ,‬كالذي يعبد الصنم ويسجد للوثن ‪ ,‬ال فرق بينهما ألبته بوجه من الوجوه ‪ ,‬فهما واحد‬
‫وكالهما مشرك باهلل )) ‪)62(.‬‬

‫‪ ‬‬

‫معنى الشبهة‬

‫الشبهة سميت شبهة ألنها تشبه الحق والن أصحاب الشبهات يأتون بأدلة من الكتاب والسنة يستدلون بها على شبهتهم ويجادلون‬
‫عنها بادلتهم المتشابهة فيتبعونهم الكثير على ذلك والعياذ باهلل وقد قال الحق سبحانه وتعالى على أصحاب الشبهات( هو الذي انزل‬
‫عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء‬
‫تأويله وما يعلم تأويله إال هللا والراسخون في العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا وما يذكر إال ألوا األلباب )‬

‫جاء في شرح اآلية ما يلي‪:‬‬

‫يخبر تعالى عن عظمته وكمال قيوميته انه هو الذي تفرد بإنزال هذا الكتاب العظيم الذي لم يوجد ولن يوجد له نظير أو مقارب في‬
‫هدايته وبالغته وإعجازه وإصالحه للخلق وان هذا الكتاب يحتوي على المحكم الواضح المعاني البين الذي ال يشتبه بغيره ومنه آيات‬
‫متشابهات تحتمل بعض المعاني وال يتعين منها واحد من االحتمالين بمجردهما حتى تضم إلى المحكم ‪.‬فالذين في قلوبهم وزيغ‬
‫وانحراف لسوء قصدهم يتبعون المتشابه منه فيستدلون به على مقاالتهم الباطلة وآرائهم الزائفة طلبا للفتنة وتحريفا لكتابه وتأويال‬

‫‪42‬‬
‫على مشاربهم ومذاهبهم ليضلوا ويضلوا‪.‬وأما أهل العلم الراسخون فيه الذين وصل العلم واليقين إلى أفئدتهم فأثمر لهم العلم‬
‫والمعارف فيعلمون أن القران كله من عند هللا وانه كله حق محكمه ومتشابهه وان الحق ال يتناقض وال يختلف‪.‬فلعلمهم أن المحكمات‬
‫معناها في غاية الصراحة والبيان يردون إليها المشتبه الذي تحصل فيه الحيرة لناقص العلم وناقص المعرفة فيردون المتشابه إلى‬
‫المحكم فيعود كله محكما ويقولون} آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر{ لألمور النافعة والعلوم الصائبة }إال أولوا األلباب{ أي أهل‬
‫العقول الرزينة‪.‬ففي هذا دليل على أن هذا من عالمة أولي األلباب وان إتباع المتشابه من أوصاف أهل اآلراء السقيمة والعقول‬
‫الواهية والقصود السيئة‪.‬‬

‫ومن أمثلة اآليات المحكمةقطعية الداللة قطعية الثبوت أي تحتمل تأويل واحد ال غير قوله تعالى‪} :‬فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن باهلل‬
‫فقد استمسك بالعروة الوثقى{وقوله تعالى‪} :‬قل هو هللا احد ‪ { ..‬وغير ذلك من اآليات المحكمة‪ .‬ومن أمثلة اآليات المتشابهة قوله‬
‫تعالى‪ }:‬والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثالث قروء{ فلفظ القرء في اللغة العربية مشترك بين معنيين يطلق لغة على الطهر ويطلق لغة‬
‫على الحيض والنص دل على أن المطلقات يتربصن ثالث قروء فيحتمل أن يراد ثالثة أطهار ويحتمل أن يراد ثالث حيضات فهو ليس‬
‫قطعي الداللة أي يحتمل أكثر من معنى‪..‬إلى غير ذلك من اآليات المتشابهة والواجب على طالب الحق أن يرد المتشابه إلى المحكم‬
‫وقد بين الشاطبي رحمه هللا في االعتصام (أن هذه القاعدة مطردة ليس في الكتاب الكريم وحده بل وفي السنة النبوية والسيرة‬
‫المحمدية حيث أن هناك أحاديث وحوادث أعيان قيلت أو حصلت في مناسبات معينة إذا أخذت وحدها دون مبيناتها كان ذلك من قبيل‬
‫إتباع المتشابه وترك المحكم وكذلك اخذ العام دون مخصصه أو المطلق دون مقيده أو التشبث بنص من طائفة من النصوص جميعها‬
‫يتناول قضية واحدة وإهمال غيره مما هو مرتبط به ذلك كله من إتباع المتشابه وترك المحكم وهو من النقول على هللا بغير علم‬
‫وتقويل الشرع ما لم يقل به‪)...‬‬

‫ومن أمثلة هذا‪:‬‬

‫اخذ العام دون مخصصه قوله تعالى‪}:‬حرمت عليكم الميتة والدم‪ {..‬فهذه اآلية عامة في تحريم الدم والميتة ولكن قد ورد من السنة ما‬
‫يخصص هذه اآلية الكريمة في قوله صلى هللا عليه وسلم أحلت لكم ميتتان ودمان الكبد والطحال والسمك والجراد‪.‬‬

‫اخذ المطلق دون مقيده كقوله تعالى‪ } :‬والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما‪ {..‬قيدت بتحديد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حد القطع‬
‫إلى الرسغ وغير ذلك من األمثلة‪...‬‬

‫فالواجب على طالب العلم وطالب الحق والنجاة أن يستدل بمحكم اآليات ويرد المتشابه من القران إلى المحكم وان يجمع بين العام‬
‫والمخصص له والمطلق والمقيد له حتى يصل إلى بر األمان‪.‬‬

‫فاهلل سبحانه وتعالى ذم من اتبع المتشابه من القران وترك المحكم والبين فكيف بمن ترك قول هللا ورسوله بقول فالن أوعالن كما‬
‫حصل مع اغلب أهل زماننا إلى من رحم هللا تعالى وهذا عينه ما وقع فيه األمم التي من قبلنا لما اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من‬
‫دون هللا أي علمائهم وعبادهم فاآلن الناس ال يتبعون إال قول فالن وفالن وان عارضته بقول هللا أو قول رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم ال يقبل الن قول هللا ورسوله خالف قول العالم الفالني والعياذ باهلل فمن رجع إلى أقوال العلماء الذين لم نعهد منهم إال كل خير‬
‫يجد أن دعوتهم إلى الوقوف مع الدليل وضرب قول العالم ا ن خالف قول هللا ورسوله عرض الحائط وقد ذكر ابن القيم رحمه هللا في‬
‫أعالم الموقعين‪. 2‬‬

‫يقول شارح كتاب التوحيد الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ‪:‬‬
‫" قال اإلمام الشافعي رحمه هللا ‪( :‬أجمع العلماء على أن من استبانت له سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لم يكن له أن يدعها‬
‫لقول أحد ) ‪.‬‬
‫فقول اإلمام أحمد رحمه هللا ‪ ( :‬عجبت لقوم عرفوا اإلسناد وصحته ‪..‬الخ ) إنكار منه لذلك وأنه يؤول إلى زيغ القلوب الذي يكون به‬
‫المرء كافراً ‪ .‬وقد عمت البلوى بهذا المنكر ‪ ،‬خصوصا ً ممن ينتسب إلى العلم ‪ ،‬نصبوا الحبائل في الصد عن األخذ بالكتاب والسنة ‪،‬‬
‫وصدوا عن متابعة الرسول صلى هللا عليه وسلم وتعظيم أمره ونهيه ‪ ،‬فمن ذلك قولهم ‪ :‬ال يستدل بالكتاب والسنة إال المجتهد‬
‫واالجتهاد قد انقطع ويقول هذا الذي قلدته أعلم منك بالحديث وبناسخه ومنسوخه ‪ ،‬ونحو ذلك من األقوال التي غايتها ترك متابعة‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم الذي ال ينطق عن الهوى ‪ ،‬واالعتماد على قول من يجوز عليه الخطأ وغيره من األئمة يخالفه ويمنع‬
‫قوله بدليل فما من إمام إال والذي معه بعض العلم ال كله ‪.‬‬
‫فالواجب على كل مكلف ‪ ،‬إذا بلغه الدليل من كتاب هللا وسنة رسوله وفهم معنى ذلك ‪:‬أن ينتهي إليه ويعمل به ‪،‬وإن خالفه من خالفه‬
‫كما قال تعالى ‪﴿ :‬اتَّبِ ُعوا َما أُ ْن ِز َل إِلَ ْي ُك ْم ِمنْ َربِّ ُك ْم َواَل تَتَّبِ ُعوا ِمنْ دُونِ ِه أَ ْولِيَا َء قَلِيالً َما تَ َذ َّكرُونَ ﴾ (األعراف ‪ )3:‬وقال تعالى ‪ ﴿ :‬أَ َولَ ْم يَ ْكفِ ِه ْم‬
‫َاب يُ ْتلَى َعلَ ْي ِه ْم إِنَّ فِي َذلِ َك لَ َر ْح َمةً َو ِذ ْك َرى لِقَ ْو ٍم يُؤْ ِمنُونَ ﴾ ( العنكبوت ‪)51:‬‬ ‫أَنَّا أَ ْن َز ْلنَا َعلَ ْي َك ا ْل ِكت َ‬
‫وقد تقدم حكاية اإلجماع على ذلك ‪ ،‬وبيان أن المقلد ليس من أهل العلم ‪ ،‬وقد حكى أيضا ً أبو عمر بن عبد البر وغيره اإلجماع على‬
‫ذلك ‪".‬‬
‫ويقول الشيخ عبد الرحمن في نفس الموضح ‪-:‬‬
‫" فيجب على من نصح نفسه إذا قرأ كتب العلماء ونظر فيها وعرف أقوالهم أن يعرضها على ما في الكتاب والسنة ‪ ،‬فإن كل مجتهد‬
‫من العلماء ومن تبعه وانتسب إلى مذهبه البد أن يذكر دليله ‪ ،‬والحق في المسألة واحد ‪ ،‬واألئمة مثابون على اجتهادهم ‪ ،‬فالمنصف‬
‫يجعل النظر في كالمهم وتأمله طريقا ً إلى معرفة المسائل واستحضارها ذهنيا ً وتمييزاً للصواب من الخطأ باألدلة التي يذكرها‬

‫‪43‬‬
‫المستدلون ‪ ،‬ويعرف بذلك من هو أسعد بالدليل من العلماء فيتبعه ‪ ،‬واألدلة على هذا األصل في كتاب هللا أكثر من أن تحصر ‪ ،‬وفي‬
‫السنة كذلك ‪".‬‬
‫وقال أيضا ً ‪ " :‬وال ريب أن هذا من غربة اإلسالم ‪ .‬كما قال شيخنا رحمه هللا في المسائل ‪،‬فتغيرت األحوال فآلت إلى هذه الغاية ‪.‬‬
‫فصارت عند األكثر عبادة الرهبان هي أفضل األعمال ‪ .‬ويسمونها والية ‪ ،‬وعبادة األحبار هي العلم والفقه ‪ .‬ثم تغير الحال إلى أن عبد‬
‫من ليس من الصالحين ‪ ،‬وعبد بالمعنى الثاني من هو من الجاهلين ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وأما طاعة األمراء ومتابعتهم فيما يخالف ما شرعه هللا ورسوله ‪ :‬فقد عمت بها البلوى قديما وحديثا في أكثر الوالة بعد الخلفاء‬
‫ستَ ِجيبُوا لَكَ فَا ْعلَ ْم أَنَّ َما يَتَّبِعُونَ أَه َْوا َء ُه ْم َو َمنْ أَ َ‬
‫ض ُّل ِم َّمنْ اتَّبَ َع َه َواهُ بِ َغ ْي ِر ُهدًى ِمنْ هَّللا ِ‬ ‫الراشدين وهلم جرا ‪ .‬وقد قال تعالى ‪ ﴿:‬فَإِنْ لَ ْم يَ ْ‬
‫إِنَّ هَّللا َ اَل يَ ْه ِدي ا ْلقَ ْو َم الظَّالِ ِمينَ ﴾ (القصص ‪) 50:‬‬
‫وعن زياد بن حدير ‪ :‬قال ‪ :‬قال لي عمر رضي هللا عنه ‪ " :‬هل تعرف ما يهدم اإلسالم ؟ قلت ‪ :‬ال ‪ ،‬قال ‪ :‬يهدمه زلة العالم ‪ ،‬وجدل‬
‫المنافق بالقرآن ‪ ،‬وحكم األئمة المضلين ‪ ".‬أ ‪ .‬هـ (فتح المجيد ص ‪) 956‬‬
‫وقال سفيان بن عيينة ‪ " :‬اضطجع ربيعة مقنعا ً رأسه وبكى فقال‪ :‬ما يبكيك ‪ ،‬قال ‪ :‬رياء ظاهر ‪ ،‬وشهوة خفية ‪ ،‬والناس عند‬
‫علمائهم كالصبيان عند أمهاتهم ‪ ،‬ما نهو هم عنه انتهوا ‪ ،‬وما أمروهم به ائتمروا ‪".‬‬
‫قال عبد هللا بن المعتمر ‪ " :‬ال فرق بين بهيمة تنقاد ‪ ،‬وإنسان يقلد ‪".‬‬
‫وقال ابن مسعود رضي هللا عنه ‪ " :‬ال يقلدن أحدكم رجالً ‪ ،‬إن آمن آمن ‪ ،‬وإن كفر كفر ‪ ،‬فإنه ال أسوة في البشر ‪".‬‬
‫وقال أيضا ً ‪ ":‬أغد عالما ً ‪ ،‬أو متعلما ً وال تغد إمعة فيما بين ذلك " أ ‪ .‬هـ (‪.)2‬‬
‫ولذا فمن المعلوم أنه إذا وقع الخالف بين المسلمين – سواء كان انتسابهم إلى اإلسالم حقا ً وصدقا ً أو ادعا ًء وهللا أعلم بالسرائر –‬
‫في أن هذا الشيء بدعة أو غير بدعة أو مكروه أو غير مكروه أو محرم أو غير محرم أو غير ذلك ‪ .‬فقد اتفق المسلمون ‪ :‬سلفهم‬
‫وخلفهم من عصر الصحابة إلى عصرنا هذا أن الواجب عند االختالف في أي أمر من أمور الدين هو الرد إلى كتاب هللا تبارك وتعالى‬
‫ول إِنْ ُكنتُ ْم‬ ‫س ِ‬‫وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم ‪،‬والناطق بذلك الكتاب العزيز قال تعالى ‪ ﴿:‬فَإِنْ تَنَازَ ْعتُ ْم فِي ش َْي ٍء فَ ُردُّوهُ إِلَى هَّللا ِ َوال َّر ُ‬
‫سنُ تَأْ ِويالً ﴾ (النساء ‪)59:‬‬ ‫تُؤْ ِمنُونَ بِاهَّلل ِ َوا ْليَ ْو ِم اآْل ِخ ِر َذلِ َك َخ ْي ٌر َوأَ ْح َ‬
‫ومعنى الرد إلى هللا سبحانه وتعالى الرد إلى كتابه ‪ .‬ومعنى الرد إلى رسوله صلى هللا عليه وسلم الرد إلى سنته بعد وفاته‪.‬وهذا مما‬
‫ال خالف فيه بين جميع المسلمين‪.‬‬
‫فإذا قال شخص هذا حالل وقال اآلخر هذا حرام ‪ .‬فليس أحدهما أولى بالحق من اآلخر وإن كان أكثر منه علما ً أو أكبر منه سنا ً أو‬
‫أقدم منه عصراً ‪ ،‬ألن كل واحد منهما فرد من أفراد عباد هللا ‪ ،‬ومتعبداً بما في الشريعة المطهرة مما في كتاب هللا وسنة رسوله صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪ ،‬ومطلوب منه ما طلب هللا من غيره من العباد ‪ ،‬وكثرة علمه وبلوغه درجة االجتهاد أو مجاوزته لها ال يسقط عنه‬
‫شيئا ً من الشرائع التي شرعها هللا لعباده ‪ ،‬وال يخرجه من جملة المكلفين من العباد) أ‪ .‬هـ‬
‫(من مقدمة شرح الصدور بتحريم رفع القبور للشوكاني ‪،‬بتصرف‬
‫(‪ )2‬من رسالة أسباب نجاة السول من السيف المسلول –مجموعة التوحيد ص ‪145‬‬

‫قال اإلمام الشافعي رحمه هللا تعالى اجمع المسلمون على انه من استبانت له سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لم يكن له أن‬
‫يدعها لقول احد‪.‬‬

‫فإذا كان تقديم قول أبي بكر وعمر رضي هللا عنهما على قول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يوشك أن ينزل بسببه حجارة من‬
‫السماء فكيف بمن يقدم قول فالن أو عالن فالواجب على من أراد الحق أن ال يأخذ بأي كالم من شخص كيفما كان هذا الشخص إذا‬
‫خالف قول هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم حتى تجد للسؤال جوابا فإذا سالك ربك لماذا فعلت كذا وكذا قلت يارب وجدت قولك فان‬
‫كنت اخطات فاغفر لي قلة فهمي وقصر عقلي‪ .‬فكيف بك إن تركت كالم رب األرباب لكالم فالن ما تكون حجتك وجوابك؟؟ فاتقوا هللا‬
‫عباد هللا وتمسك بالقران ولو وجدت نفسك وحدك فان اغلب من هلك من قبلنا كان بسبب إتباع العلماء والتقليد األعمى وإتباع الكثرة‬
‫والعياذ باهلل فاخلص لربك وأصدقه يصدقك وتصل إلى بر األمان والنجاة‪.‬‬

‫وسنشرع إن شاء هللا بالرد على بعض شبهات المخالفين وأول شبهة نتطرق إليها هي شبهة العذر بالجهل‪.‬‬

‫العذر بالجهل‬

‫من الشبه التي يستدل بها المضلون وما أكثرهم شبهة العذر بالجهل ومن جملة ما يقولون كيف تكفرون الناس وهي جاهلة أنها تفعل‬
‫الشرك؟ فهي تفعله بدون علم ويستدلون بالمتشابه من النصوص واألحاديث فيأتون بالحديث الذي في الصحيحين (عن أبي واقد‬
‫الليثي رضي هللا عنه قال خرجنا مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قبل خيبر ونحن حديثوا عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون‬
‫حولها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط فقلنا يا رسول هللا اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم هللا اكبر كما قالت بنوا إسرائيل لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة) ويأتون أيضا بالحديث المشهور (عن سجود الصحابي‬
‫الجليل معاذ ابن جيل رضي هللا عنه للرسول صلى هللا عليه وسلم وقد سأله الرسول صلى هللا عليه وسلم فقال ما هذا يا معاذ؟ فقال‬
‫إني رايتهم يسجدون ألساقفتهم وأنت أحق أن يسجد لك يا رسول هللا فقالوا فهذا شرك صدر من صحابي وقد عذره فيه الرسول صلى‬
‫هللا عليه وسلم بالجهل فيه ولم يكفره) وايضا ياتون بالحديث المذكور في الصحيحين في الرجل الذي قال ألبنائه‪(( :‬إذا أنا مت‬
‫فأحرقوني ثم اسحقوني‪ ،‬ثم ذروني في اليم‪ ،‬فوهللا لئن قدر هللا علي ليعذبني عذابا ً ال يعذبه أحداً من العالمين‪ ،‬ففعلوا به ذلك؛ فقال هللا‬
‫له‪ :‬ما حملك على ما فعلت؟ قال‪ :‬خشيتك‪ ،‬فغفر له))‪ .‬خرجه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫ما هو معنى الجهل؟‬

‫وما هي األدلة من الكتاب والسنة على عدم العذر بالجهل في مسائل التوحيد؟‬

‫الجهل هو عدم المعرفة وينقسم إلى قسمين جهل بسيط وجهل مركب فالجهل البسيط هو الذي يجهل التوحيد بالكلية ويحتاج إلى من‬
‫يعلمه كي يفهمه والجهل المركب هو الشخص الذي يظن انه على علم وهدى ويستدل على ما عنده من شبهات فهذا البد أن يبين له‬
‫أوال حقيقة اإلسالم الحق والرد على شبهاتهم‪.‬‬

‫األدلة على عدم العذر بالجهل‪:‬‬

‫‪.1‬األدلة الكونية او العقلية ‪ :‬فمن تأمل في كون هللا عز وجل والى الس ماء واألرض والجبال‪....‬كلها آيات واضحة على ربوبية هللا عز‬
‫وجل ووحدانيته الذي خلق الكون ودبره وصور الخلق ورزقه هو وحده الذي يجب أن يعبد وقد عيب هللا سبحانه وتعالى في أكثر من‬
‫آية في القران على أهل الشرك ودعاهم إلى استخدام عقولهم كما قال تعالى( أيشركون ماال يخلق شيئا وهم يخلقون) وقال تعالى‬
‫(والذين تدعون من دونه ال يملكون من قطمير) وقال تعالى (ضرب لكم مثال من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما‬
‫رزقناكم فانتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل اآليات لقوم يعقلون)‪.‬‬

‫‪.2‬آية الميثاق‪ :‬وهي قوله سبحانه وتعالى (وإذ اخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم الست بربكم؟قالوا‬
‫بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم افتهلكنا بما فعل‬
‫المبطلون) وهذه اآلية ميثاق أخذه سبحانه وتعالى على بني ادم حين استخرجهم من ظهر أبيهم ادم فاخذ علينا الميثاق بان ال نشرك‬
‫به شيئا‪.‬‬

‫ش ِه ْدنَا عليكم أيها المقرون بأن هللا ربكم كي ال تقولوا يوم القيامة ‪ :‬إِنَّا ُكنَّا عَنْ َه َذا َغافِلِينَ إنا‬ ‫قال الطبري ‪ "-:‬يقول تعالى ذكره‪َ ‬‬
‫كنا ال نعلم ذلك وكنا في غفلة منه أَ ْو تَقولوا إِن َما أش َْركَ آبَا ُؤنا ِمنْ ق ْب ُل َوكنا ذ ِّريَّة ِمنْ بَ ْع ِد ِه ْم لك اتبعنا مناهجهم على جهل منا بالحق‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َو ُكنَّا ُذ ِّريَّةً ِمنْ بَ ْع ِد ِه ْم اهـ‪...‬‬

‫وقال البغوي ‪ .…"-:‬فان قيل كيف تلزم الحجة على أحد ال يذكر الميثاق ؟ قيل ‪ -:‬قد أوضح هللا الدالئل على وحدانيته وصدق رسله‬
‫فيما أخبروا فمن أنكره كان معانداً ناقضا ً للعهد ولزمته الحجة ‪ ,‬و وبنسيانهم عدم حفظهم ال يسقط االحتجاج بعد إخبار المخبر‬
‫الصادق صاحب المعجزة‪.‬‬

‫قوله تعالى أَ ْو تَقُولُوا إِنَّ َما أَش َْر َك آبَا ُؤنَا ِمنْ َق ْب ُل َو ُكنَّا ُذ ِّريَّةً ِمنْ بَ ْع ِد ِه ْم يقول ‪ -:‬إنما أخذ الميثاق عليكم لئال تقولوا أيها المشركون إنما‬
‫أشرك آباؤنا من قبل ونقضوا العهد وكنا ذرية من بعدهم ‪ ،‬أي كنا أتباعا ً لهم فاقتدينا بهم ‪ .‬فتجعلوا هذا عذراً ألنفسكم وتقولوا ‪:‬‬
‫أَفَتُ ْهلِ ُكنَا بِ َما فَ َع َل ا ْل ُم ْب ِطلُونَ أفتعذبنا بجناية آبائنا المبطلين ؟ فال يمكنهم أن يحتجوا بمثل هذا الكالم بعد تذكير هللا ‪ -‬تعالى‪ -‬بأخذ‬
‫ت أي نبين اآليات ليتدبرها العباد َولَ َعلَّ ُه ْم يَ ْر ِجعُونَ " من الكفر إلى التوحيد ‪.‬‬ ‫الميثاق على التوحيد َو َك َذلِكَ نُفَ ِّ‬
‫ص ُل اآْل يَا ِ‬

‫يقول ابن القيم في تعليقه على آية الميثاق‪ :‬وهذا يقتضي أن نفس العقل الذي به يعرفون التوحيد حجة في بطالن الشرك ال يحتاجون‬
‫في ذلك إلى رسول‪.‬‬

‫‪.3‬الفطرة‪ :‬التي فطرنا هللا عليها على وحدانيته يقول تعالى( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت هللا التي فطر الناس عليها) قال صلى هللا‬
‫عليه وسلم( يولد المولود على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه وفي الحديث القدسي إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين‬
‫فاجتالتهم عن دينهم فحرمت عليهم ما أحللت لهم) فالعقل والميثاق والفطرة هي كلها حجج علة بني ادم لكي يوحدوا هللا تعالى وال‬
‫يشركون به شيئا وفي قصة زيد بن عمر بن نفيل عبرة فقد حقق التوحيد دون أن يأتي له رسول خاص بزمانه وذلك قبل بعثة النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم فقد كان من القوم الذي قال هللا تعالى فيهم( لتنذر قوما ما أتاهم من نذير) من قبلك ومع ذلك فقد اهتدى زيد إلى‬
‫التوحيد بفطرته وعقله فكان يبرا من طواغيت قومه ويتجنب عبادتها ونصرتها وقد رآه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عند الكعبة‬
‫وقد قدمت له سفرة مذبوحة على نصبهم فأبى أن يأكلها وقال يا معشر قريش الشاة يخلقها هللا وينزل لها المطر من السماء وينبت‬
‫لها الكأل من األرض ثم انتم تذبحونها لغيره‪..‬‬

‫وفي حديث عمرو بن عبسة قال( كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضاللة وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون األوثان)‬
‫رواه مسلم‪.‬‬

‫فانظر كيف أن هذا الرجل أدرك التوحيد بفطرته وتبرا من المشركين ومن عبادتهم وقد سئل عنه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال‬
‫انه يبعث يوم القيامة امة وحده فهو قد نجا بتحقيقه للتوحيد وعذر بتفاصيل الشريعة والعبادات التي ال تعرف إال عن طريق الحجة‬
‫الرسالية كالصالة والصيام‪..‬وغير ذلك فهذا ال يدركه اإلنسان إال عن طريق الحجة الرسالية فقد ورد انه كان يقول يارب لو اعرف‬
‫طريقة ترضيك أعبدك بها لفعلت‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫‪.4‬إرسال الرسل‪ :‬وإضافة إلى دليل العقل وآية الميثاق والفطرة أرسل هللا سبحانه وتعالى الرسل من اجل هذه الغاية العظيمة (ولقد‬
‫بعثنا في كل امة رسوال أن اعبدوا هللا واجتنبوا الطاغوت) (رسال مبشرين لئال يكون على هللا حجة بعد الرسل ) فمن لم تصله رسالة‬
‫ذلك النبي سمع بغيره إذ جميعه وان تنوعت شرائعهم إال أن دعوتهم إلى تحقيق التوحيد والبراءة من الشرك وأهله‪.‬‬

‫‪.5‬إنزال الكتب‪ :‬انزل هللا سبحانه وتعالى مع الرسل الكتب تدعوا إلى توحيد هللا عز وجل فكان خاتم الرسل محمد صلى هللا عليه وسلم‬
‫قد بعث بالقران العظيم الذي تكفل هللا بحفظه من التحريف إلى يوم الدين ومن تدبر آيات هللا سبحانه وتعالى وجد أن هللا عز وجل في‬
‫كثير من اآليات نسب الشرك إلى مرتكبه سواء عن جهل أو عناد وسواء قبل الرسالة أو بعدها فان اسم الشرك متلبس لمن ارتكبه‪.‬‬

‫بعض األدلة من القران‬

‫قال تعالى( ما كان للنبي والذين امنوا أن يستغفروا للمشركين)‬

‫وقال تعالى (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أوالدهم شركائهم )‬

‫وقال تعالى( وان احد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كالم هللا فسماه مشركا قبل سماع الحجة‪.‬‬

‫قال اإلمام الطبري ‪ " -:‬يقول ‪ -‬تعالى ذكره ‪ -‬لنبيه ‪ :‬وان استأمنك يا محمد من المشركين الذين أمرتك بقتالهم وقتلهم بعد انسالخ‬
‫األشهر الحرم أحد ليسمع كالم هللا منك ‪ ،‬وهو القرآن الذي أنزله هللا عليك فَأ َ ِج ْرهُ يقول ‪ -:‬فأ ّمنه حتى يسمع كالم هللا وتتلوه عليه ث َّمُ‬
‫أَ ْبلِ ْغهُ َمأْ َمنَهُ يقول ‪ -:‬ثم رده بعد سماع كالم هللا إن هو أبى أن يسلم ولم يتعظ بما تتلوه عليه من كالم هللا فيؤمن ‪ ،‬إلى مأمنه ‪َ ...‬ذلِكَ‬
‫بِأَنَّ ُه ْم قَ ْو ٌم اَل يَ ْعلَ ُمونَ يقول ‪ -:‬تفعل ذلك بهم من إعطائك إياهم األمان ليسمعوا القرآن ‪ ،‬وردك إياهم إذا أبوا اإلسالم إلى مأمنهم من‬
‫أجل انهم قوم جهلة ال يفقهون عن هللا حجة وال يعلمون ما لهم باإليمان باهلل لو آمنوا ‪ ،‬وما عليهم من الوزر واإلثم لتركهم اإليمان‬
‫باهلل‬

‫س َم َع كَاَل َم هَّللا ِ‬
‫وقال البغوي‪ :‬فيما له وعليه من الثواب والعقاب َحتَّى يَ ْ‬
‫َذلِ َك بِأَنَّ ُه ْم قَ ْو ٌم اَل يَ ْعلَ ُمونَ أي ‪ :‬ال يعلمون دين هللا وتوحيده فهم محتاجون إلى سماع كالم هللا ‪ .‬وقال الحسن ‪ :‬هذه اآلية محكمة إلى‬
‫قيام الساعة‬

‫وقال تعالى( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة) ومعنى منفكين أي زائلين عن الشرك فقد‬
‫تلبس بهم اسم الشرك قبل البينة ثم عرف هللا تعالى البينة بقوله رسوال من هللا يتلو صحفا مطهرة فمن بلغه هذا القران فقد قامت‬
‫عليه النذارة والحجة‬

‫ويقول تعالى (فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون)‬


‫وقال تعالى( أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل) وقال تعالى عن مشركي العرب فال تك في مرية مما يعبد هؤالء ما يعبدون إال كما‬
‫يعبد أبائهم من قبل فسمى أبائهم عابدين لغير هللا قبل قيام الحجة عليهم‪.‬‬
‫وقال تعالى حاكيا عن هدهد سليمان عليه السالم حينما وجد امرأة تحكم قوما يعبدون الشمس كما قال تعالى (وجدتها وقومها‬
‫يسجدون للشمس من دون هللا) وقال عن حكمها( وصدها ما كنت تعبد من دون هللا إنها كانت من قوم كافرين) فلحقه اسم الكفر قبل‬
‫قيام الحجة أي قبل أن تصلها دعوة سليمان عليه السالم وقد أسلمت مع سليمان لما دعاها إلى اإلسالم ‪.‬‬
‫وكل هؤالء المذكورين كانوا في فترة فلم يعذرهم هللا سبحانه وتعالى وسماهم مشركين ‪.‬‬
‫ومن األدلة أيضا الحديث المذكور عن انس (أن رجال قال يا رسول هللا أين أبي؟ قال في النار فلما قفي دعاه فقال إن أبي وأباك في‬
‫النار) رواه مسلم(‪ )133-132 :1‬وأبو داود(‪ )4718‬وأحمد(‪ )268 :3‬زأبو يعلى(ـ‪ )3516‬وابن حبان(ـ‪ -578‬اإلحسان‪ .‬مع أنهم من القوم‬
‫الذين قال فيهم هللا تعالى لتنذر قوما ما انذر ءابائهم فهم غافلون فرغم أن أب الرسول صلى هللا عليه وسلم وأب الرجل كانوا في فترة‬
‫و الفترة معناها كثرة الجهل وقلة العلم ورغم انه لم يكن ال رسول وال قران فانه لم يعذر‪.‬‬
‫ومن األدلة أيضا ما ثبت عن النبي صلى هللا عليه وسلم حين قال استأذنت ربي الستغفر المي فلم يأذن لي واستأذنت أن ازور قبرها‬
‫فأذن لي الن هللا نهانا عن كثير من األحكام بخصوص المشركين ‪:‬‬
‫‪-‬عدم االستغفار لهم يقول تعالى (ما كان للنبي والذين امنوا أن يستغفروا) للمشركين‪.‬‬
‫‪-‬عدم نكاحهم يقول تعالى( وال تنكحوا المشركات حتى يومن)‬
‫‪-‬عدم قتلهم أي اباحة دمائهم حتى تقوم عليه الحجة يقول تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسوال)‬
‫يقول عبد هللا وحسن أبناء الشيخ محمد ابن عبد الوهاب (من مات من أهل الشرك قبل بلوغ هذه الدعوة إليه فالذي يحكم عليه انه إذا‬
‫كان معروفا بعمل الشرك ويدين به ومات على ذلك فهذا ظاهره انه مات على الكفر فال يدعى له وال يضحى له وال يتصدق عنه وأما‬
‫حقيقة أمره فإلى هللا تعالى فان قامت عليه الحجة في حياته وعاند فهذا كافر في الظاهر والباطن وان لم تقم عليه الحجة فأمره إلى‬
‫هللا تعالى وأما سبه ولعنه فال يجوز) الدرر‪10‬‬
‫فيتبن من هذا كله أن من فعل الشرك فهو مشرك قبل الرسالة وبعدها فالجهل ليس عذرا أو مانعا من إطالق اسم الشرك على من فعل‬
‫الشرك فهو مشرك قبل الرسالة وبعدها فالجهل ليس عذرا أو مانعا من إطالق اسم الشرك على من تلبس به وسبب هذا األمر هو‬

‫‪46‬‬
‫الخلط بين األسماء واألحكام في القران فمعنى أسماء الدين هي مسلم مؤمن‪ ,‬مشرك‪ ,‬ظالم‪ ,‬سارق‪...‬إلى غير ذلك ومعنى أحكام الدين‬
‫هي المواالة‪ ,‬المحبة‪ ,‬البغض‪ ,‬القتل‪...‬إلى غير ذلك من أحكام الدين‪.‬‬
‫فاغلب من لهم هذه الشبهة لم يفرقوا بين األسماء واألحكام ودليل ذلك استداللهم بقوله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسوال )‬
‫فنفوا اسم الشرك على من تلبس به وحجتهم اآلية وقالوا انه من فعل الشرك ال يكفر إال بعد قيام الحجة فلم يفرقوا بين االسم والحكم‬
‫فاهلل سبحانه وتعالى نفى في اآلية الحكم أي التعذيب فقال(وما كنا معذبين) ولم ينفي االسم ولو كان ذلك لقال( وما كنا مكفرين) فتأمل‬
‫هذا يرحمك هللا فاهلل سبحانه وتعالى ال يعذب امة إال بعد قيام الحجة كما قال تعالى (وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها‬
‫رسوال يتلو عليهم آياتنا) وقال تعالى( إنا أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى)‪.‬‬
‫فمن تلبس بالشرك فهو مشرك يلحقه االسم وال يلحقه الحكم أي القتل حتى تقوم عليه الحجة الرسالية ومثال هذا السارق إذا سرق‬
‫فهو سارق سواء كان يجهل أن ما فعله سرقة أو ال فان االسم يتبث عليه أما الحكم الذي هو قطع يد سارق ال يتبث إذا وجد مانع‬
‫كالجهل مثال وكذلك الزاني وغير ذلك فمن فعل صفة لفعل يلحقه كالمشرك إذا فعل الشرك فهو مشرك قبل قيام الحجة وبعدها فإذا‬
‫قامت عليه الحجة وبقي مصرا على شركه فهذا كافر معاند كالمغضوب عليهم من اليهود وغيرهم عرفوا الحق وكفروا به‪.‬‬
‫والمشكل المطروح أيضا هو المفهوم الخاطئ بلوغ الحجة يقول ابن تيمية( أن القران حجة على من بلغه‪..‬فكل من بلغه القران من‬
‫انسي وجني فقد انذره الرسول صلى هللا عليه وسلم) الفتاوى‪.16‬‬
‫وقال على قوله تعالى (التسعوا لهذا القران والغوا فيه)( والحجة قامت بوجود الرسول المبلغ وتمكنهم من االستماع والتدبر ال بنفس‬
‫االستماع ففي الكفار من تجنب سماع القران واختار غيره) الفتاوى ‪.16‬‬
‫وقال (حجة هللا برسله قامت بالتمكن من العلم فليس من شرط حجة هللا علم المدعوين بها ولهذا لم يكن إعراض الكفار عن استماع‬
‫القران وتدبره مانع من قيام حجة هللا عليهم) كتاب الرد على المنطقتين ص‪ 113‬في المقام الثالث‪.‬‬
‫وقال أيضا( ليس من شرط تبليغ الرسالة أن يصل إلى كل مكلف في العالم بل الشرط أن يتمكن المكلفون من وصول ذلك إليهم ثم إذا‬
‫فرطوا فلم يسعوا في وصوله إليهم مع قيام فاعله بما يجب عليه كان التفريط منهم ال منه)الفتاوى ‪.28‬‬

‫إذن فتواجد موحد بين المشركين فقد أقام عليهم الحجة وليس المراد كما قال الشيخ بإقامة الحجة أن يؤتى كل واحد في مكانه فتقام‬
‫عليه الحجة فهو ما أنكره هللا تعالى في قوله تعالى (فما لهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة بل يريد كل‬
‫امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ) فإذا تواجد موحد في مكان فقد قامت عليهم الحجة وهذا ما يفسر قوله صلى هللا عليه وسلم‬
‫للرجل الذي سأله عن أبيه فقال صلى هللا عليه وسلم أبي وأباك في النار فقد كان بين القوم موحدين كزيد بن عمروا بن نفيل وورقة‬
‫بن نوفل عم خديجة رضي هللا عنها فقد قامت الحجة على قومهم بتواجد هؤالء الحنفاء بينهم لذلك هم كفار في الدنيا وفي اآلخرة في‬
‫النار كما في الحديث (ما أتيت عليه من قبر قرشي أو عامري مشرك فقل أرسلني إليك محمد فابشر بما يسوؤك تجر على وجهك‬
‫وبطنك في النار) رواه عبد هللا بن احمد‪.‬‬
‫فانظر كيف عين رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كل من عامر وقريش ألنه كان حنفاء قامت بهم الحجة فاستحقوا العقاب في اآلخرة‪.‬‬
‫فالقران واألحاديث ال تضرب بعضها البعض فمن بذل الوسع لطلب الحق ولم يصل إليه ومات على الشرك والعياذ باهلل فانه ال يعذب‬
‫حتى يمتحن كما جاء في حديث األسود بن سريع رضي هللا عنه مرفوعا أربعة يمتحنون يوم القيامة فذكر األصم واألحمق ورجال‬
‫مات في فترة ‪ .‬فإذا كان الذي مات في فترة مسلم معذور بالجهل فلماذا يمتحن فتنبه لهذه جيدا يرحمك هللا‪.‬‬

‫ومن الغريب أيضا التفرقة بين امة محمد صلى هللا عليه وسلم والنصارى وعذر امة محمد صلى هللا عليه وسلم وعدم عذر النصارى‬
‫أو اليهود‪ ..‬فإذا سالت واحد عن نصراني جاهل لإلسالم وقلت له ما حكمه ال يتردد ويجيب بسرعة كافر وإذا سألته عن واحد يشرك‬
‫مع هللا بدعاء ولي أو غيره وقلت له ما حكمه يقول هو مسلم جاهل؟؟؟فيا سبحان هللا( أفال تعقلون) كيف يعذر من أشرك مع هللا‬
‫برجل ال نعلم ال أصله وال نعذر من أشرك مع هللا بنبي مرسل؟؟ كيف نعذر رجال يتكلم بلغة القران وال نعذر رجال أعجمي ال يفهم من‬
‫لغة القران شيء؟ كيف نعذر من عنده القران وال نعذر من ليس عنده؟؟‪..‬‬
‫ولكن كل هذا لسبب واحد أن الناس جهال لحقيقة اإلسالم وان دعوة محمد صلى هللا عليه وسلم للناس عامة ودعوته للعرب‬
‫والنصارى وغيرهم فاألمة انقسمت إلى قسمين امة إجابة وهي التي أجابت الدعوة ودخلت إلى اإلسالم ودعوة‪.‬‬
‫فاهلل سبحانه وتعالى لم يعذر النصارى رغم جهلهم سماهم ض الين ألنهم ضلوا الطريق عن جهل ال عن علم ولم يعذروا بالجهل‪.‬‬
‫ومن هذا يتبين أن من تلبس بالشرك فهو مشرك قبل قيام الحجة فمن صرف نوع من أنواع العبادات لغير هللا تعالى فقد أشرك باهلل‬
‫وهذا هو معنى الشرك يعبد هللا في أمور ويشرك معه في أمور أخرى فهناك من ال يدعوا غير هللا وال يستغيث غير هللا ولكن يتحاكم‬
‫إلى غير شريعة هللا تعالى فهذا أيضا مشرك سواء علم ذلك أو لم يعلم ‪.‬‬
‫أما بخصوص الشبهة الثانية وهي استداللهم بالحديث الذي في الصحيحين (عن أبي واقد الليثي رضي هللا عنه قال خرجنا مع رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم قبل خيبر ونحن حديثوا عهد بكفر وللمشركين و سدرة يعكفون حولها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات‬
‫أنواط فقلنا يا رسول هللا اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال النبي صلى هللا عليه وسلم هللا اكبر كما قالت بنوا إسرائيل‬
‫لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة)(‪)1‬‬

‫يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد عند تفسيره لهذا الحديث كالما ً واضحا ً لمن نور هللا بصيرته وهداه إلى صراطا ً‬
‫مستقيم دين قيما ً ملة ابراهيم حنيفا ً وماكان من المشركين أسأل هللا أن يثبتنا عليها يقول الشيخ عليه رحمة هللا‬

‫((التوحيد [ جزء ‪ - 1‬صفحة ‪] 128‬‬

‫الحادية عشرة ‪ :‬أن الشرك فيه أكبر وأصغر ألنهم لم يرتدوا بهذا‬

‫‪47‬‬
‫الثانية عشرة ‪ :‬قولهم ونحن حدثاء عهد بكفر فيه أن غيرهم ال يجهل ذلك‬

‫الثالثة عشرة ‪ :‬التكبير عند التعجب خالفا ً لمن كرهه‬

‫الرابعة عشرة ‪ :‬سد الذرائع‬

‫الخامسة عشرة ‪ :‬النهي عن التشبة بأهل الجاهلية ))انتهى‬

‫أريدك أخي القاريء أن ترى كيف فهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب هذا الحديث هل ترى ماذا قال ؟ ‪ ,‬قال إن الشرك فيه أكبر وأصغر‬
‫ولهذا لم يرتد هؤالء الناس ألن شركهم أصغر وإال لكانوا ارتدوا من ساعتهم هكذا يكون الفهم عن هللا ورسوله أسأل هللا أن يرزقنا‬
‫فهما ً مثل فهومهم‪.‬‬

‫وأما من يحتج بقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم (قلتم كما قال قوم موسى فهذا رد عليه الشاطبي رحمه هللا قائالًاإلعتصام‬
‫[ جزء ‪ - 1‬صفحة ‪] 464‬‬

‫((إال أنه ال يتعين في اإلتباع لهم أعيان بدعهم بل قد تتبعها في أعيانها وتتبعها في أشباهها فالذي يدل على األول قوله ‪ [ :‬لتتبعن‬
‫سنن من كان قبلكم ] الحديث فإنه قال فيه ‪ [ :‬حتى لو دخلوا في جحر ضب خرب التبعتموهم ]‬

‫والذي يدل على الثاني قوله ‪ [ :‬فقلنا يا رسول هللا ‪ :‬اجعل لنا ذات أنواط فقال عليه السالم ‪ :‬هذا كما قالت بنو إسرائيل ‪{ :‬إسرائيل‬
‫البحر فأتوا} ]‬

‫الحديث فإن اتخاذ ذات أنواط يشبه اتخاذ اآللهة من دون هللا ال أنه هو بنفسه فلذلك ال يلزم االعتبار بالمنصوص عليه ما لم ينص‬
‫عليه مثله من كل وجه وهللا أعلم)))انتهى‬

‫وهكذا ترى أن الحديث يرد على نفسه فمن ذكر الحديث وضح فيه السبب من الطلب وهو التشبه بموضوع ان يكون لهم شجرة‬
‫يعكفون عليها ويعلقون عليها أسلحتهم ‪ ،‬وأما نهي الرسول لهم فهو من باب سد الذرائع المؤدية للشرك ‪ ,‬وعجبا ً من قولهم على‬
‫رسول هللا إنه لم يكفر من طلب الشرك وهل بعث الرسول الكريم إال من أجل القضاء على الشرك وأهله ؟؟!!‬

‫يقول ابن تيمية ‪ :‬في اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيمج ‪ 2‬ص ‪117‬‬

‫ومن أراد أن يعلم كيف كانت أحوال المشركين في عبادة أوثانهم ‪ ،‬ويعرف حقيقة الشرك الذي ذمه هللا ‪ ،‬وأنواعه ‪ ،‬حتى يتبين له‬
‫تأويل القرآن ‪ ،‬ويعرف ما كرهه هللا ورسوله ‪ ،‬فلينظر سيرة النبي صلى هللا عليه وسلم وأحوال العرب في زمانه ‪ ،‬وما ذكره األزرقي‬
‫(‪ )1‬في أخبار مكة ‪ ،‬وغيره من العلماء ‪.‬‬

‫ولما كان للمشركين شجرة يعلقون عليها أسلحتهم ‪ ،‬ويسمونها ذات أنواط ‪ ،‬فقال بعض الناس ‪ :‬يا رسول هللا اجعل لنا ذات أنواط ‪،‬‬
‫كما لهم ذات أنواط ‪ .‬فقال ‪ « :‬هللا أكبر ‪ ،‬قلتم كما قال قوم موسى ‪ :‬اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ‪ ،‬إنها السنن لتركبن سنن من كان‬

‫(‪ )1‬منقول عن الشيخ المتصر باهلل الشرقاوي‬

‫قبلكم » (‪ . )2‬فأنكر النبي صلى هللا عليه وسلم مجرد مشابهتهم للكفار في اتخاذ شجرة يعكفون عليها ‪ ،‬معلقين عليها سالحهم ‪.‬‬

‫فكيف بما هو أعظم من ذلك من مشابهتهم المشركين ‪ ،‬أو هو الشرك بعينه ؟! انتهى كالم ابن تيمية ‪.‬‬

‫وقال السيوطي ‪ :‬في األمر باالتباع والنهي عن االبتداعج‪ 1‬ص‪9‬‬

‫وفي رواية أخرى ‪ :‬خرجنا مع رسول هللا (قبل حنين ‪ ،‬ونحن حديثو عهد بكفر ‪ ،‬وللمشركين سدرة يعكفون عليها ‪ ،‬وينيطون بها‬
‫أسلحتهم ‪ ،‬يقال لها‪ :‬ذات أنواط ‪ ،‬فمررنا بسدرة ‪ ،‬فقلنا ‪ :‬يا رسول هللا ‪ ،‬اجعل لنا " ذات أنواط " كما لهم " ذات أنواط " فقال‬
‫رسول هللا) ‪ " :‬سبحان هللا هللا أكبر!! " كما قال قوم موسى لموسى ‪( :‬اجعل لنا إلها ً كما لهم الهة) قال ‪ " :‬والذي نفسي بيده‬
‫لتركبنّ سنة من كان قبلكم "‬

‫فأنكر النبي ( مجرد مشابهتهم للكفار ‪.‬‬

‫يقول صاحب كتاب القول السديد شرح كتاب التوحيد ج‪.1‬ص ‪54‬‬

‫‪48‬‬
‫فإن نصوص الكتاب والسنة صريحة في األمر بالذبح هلل ‪ ،‬وإخالص ذلك لوجهه ‪ ،‬كما هي صريحة بذلك في الصالة ‪ ،‬فقد قرن هللا‬
‫الذبح بالصالة في عدة مواضع من كتابه ‪.‬‬

‫وإذا ثبت أن الذبح هلل من أجل العبادات وأكبر الطاعات ‪ ،‬فالذبح لغير هللا شرك أكبر مخرج عن دائرة اإلسالم ‪.‬‬

‫فإن حد الشرك األكبر وتفسيره الذي يجمع أنواعه وأفراده ‪( :‬أن يصرف العبد نوعا ً من أفراد العبادة لغير هللا) ‪.‬‬

‫فكل اعتقاد أو قول أو عمل ثبت أنه مأمور به من الشارع فصرفه هلل وحده توحيد وإيمان وإخالص ‪ ،‬وصرفه لغيره شرك وكفر ‪.‬‬

‫فعليك بهذا الضابط للشرك األكبر الذي ال يشذ عنه شيء ‪.‬‬

‫كما أن حد الشرك األصغر هو‪ ( :‬كل وسيلة وذريعة يتطرق منها إلى الشرك األكبر من اإلرادات واألقوال واألفعال التي لم تبلغ رتبة‬
‫العبادة) ‪.‬‬

‫فعليك بهذين الضابطين للشرك األكبر واألصغر ‪ ،‬فإنه مما يعينك على فهم األبواب السابقة والالحقة من هذا الكتاب ‪ ،‬وبه يحصل لك‬
‫الفرقان بين األمور التي يكثر اشتباهها وهللا المستعان ‪.‬‬

‫يقول بن تيمية في مجموع الفتاوى ج‪ 3‬ص‪247‬‬

‫ض ا ْل َعا َّم ِة أو يُ َعلِّقُونَ بِ َها ِخ َرقًا أو َغ ْي َر َذلِكَ ‪ ،‬أو يَأْ ُخ ُذونَ َو َرقَ َها‬
‫ص ٌل ‪َ :‬وأَ َّما اأْل َش َْجا ُر ‪َ ،‬واأْل َ ْح َجا ُر ‪َ ،‬وا ْل ُعيُونُ ‪َ ،‬ونَ ْح ُوهَا ِم َّما يَ ْن ِذ ُر لَ َها بَ ْع ُ‬‫فَ ْ‬
‫يَتَبَ َّر ُكونَ بِ ِه ‪،‬‬

‫ب الش ِّْر ِك بِاَهَّلل ِ تَ َعإلى ‪َ ،‬وقَ ْد َكانَ‬ ‫سبَا ِ‬‫َع ا ْل ُم ْنك ََر ِة َو ُه َو ِمنْ َع َم ِل أهل ا ْل َجاهليَّ ِة َو ِمنْ أَ ْ‬
‫صلُّونَ ِع ْن َدهَا ‪ ،‬أو نَ ْح ُو َذلِ َك فَ َه َذا ُك ُّلهُ ِمنْ ا ْلبِد ِ‬ ‫أو يُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اج َع ْل لنا ذاتَ أن َوا ٍط ‪ ،‬ك َما ل ُه ْم ذاتُ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫هَّللا‬
‫سو َل ِ ‪ْ ،‬‬ ‫س ‪ :‬يَا َر ُ‬ ‫َّ‬
‫ض النا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س ُّمون َها ذاتَ أن َوا ٍط فقا َل بَ ْع ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سلِ َحت ُه ْم يُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ٌ‬
‫ش ِر ِكينَ ش ََج َرة يُ َعلقونَ بِ َها أ ْ‬ ‫لِ ْل ُم ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سنَنَ َمنْ َكانَ ق ْبل ُك ْم ِ‬
‫ش ْب ًرا‬ ‫َ‬
‫سنَنُ ‪ ،‬لت َْر َكبُنَّ َ‬ ‫َّ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اج َع ْل لنَا إل ًها َك َما ل ُه ْم آلِ َهة ‪ ،‬إن َها ال ُّ‬‫سى ْ‬ ‫سى لِ ُمو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫هَّللا‬
‫اط ‪ .‬فقَا َل ‪ ُ :‬أ ْكبَ ُر ‪ ،‬قلتُ ْم َك َما قا َل ق ْو ُم ُمو َ‬ ‫َ‬ ‫أَ ْن َو ٍ‬
‫يق لَفَ َع ْلتُ ُموهُ " ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض ٍّب لَد ََخ ْلتُ ْم ‪َ ،‬و َحتَّى لَ ْو أنَّ أ َح َد ُه ْم َجا َم َع ا ْم َرأتَهُ فِي الط ِر ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اع َحتَّى لَ ْو أنَّ أ َح َد ُه ْم د ََخ َل ُج ْح َر َ‬ ‫ش ْب ٍر َو ِذ َراعًا بِ ِذ َر ٍ‬
‫بِ ِ‬

‫سلَّ َم‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َ‬ ‫صاَل ةَ ِع ْن َد الش ََّج َر ِة الَّتِي كَانَتْ ت َْحتَ َها بَ ْي َعةُ ال ِّر ْ‬
‫ض َوا ِن الَّتِي بَايَ َع النَّبِ ُّي َ‬ ‫ب أَنَّ قَ ْو ًما يَ ْق ِ‬
‫صدُونَ ال َّ‬ ‫َوقَ ْد بَلَ َغ ُع َم ُر بْنُ ا ْل َخطَّا ِ‬
‫ت َْحتَ َها ‪ ،‬فَأ َ َم َر بِتِ ْلكَ الش ََّج َر ِة فق ِط َعتْ )انتهى‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬

‫واآلن نلخص ما نقلناه سابقا ً حتى نعرف ما نقول ‪.‬‬

‫أوالً ‪ :‬أن ما طلبه الصحابة هو التشبه بالكفار في اتخاذهم شجرة يعلقون عليها أسلحتهم ويريحون عندها وهذا منهي عنه ألنه‬
‫ذريعة للشرك األكبر‬

‫ثانيا ً‪ :‬إن هذا الحديث واضح من حيث أنه يتكلم على حديث العهد بالكفر‬

‫الثالث ‪ :‬إن النبي لم يقرهم عليه إنما زجرهم ونهرهم على مجرد طلبهم التشبه بالمشركين فما بالك لو طلبوا منه والعياذ باهلل الشرك‬
‫األكبر ‪.‬‬

‫رابعا ً ‪ :‬يجب التمييز بين نوعين من الشرك وهما الشرك األكبر وهو مخرج من الملة والشرك األصغر وهو ليس مخرج من الملة ‪.‬‬

‫فإن حد الشرك األكبر (أن يصرف العبد نوعا ً من أفراد العبادة لغير هللا) ‪.‬‬

‫كما أن حد الشرك األصغر هو‪ ( :‬كل وسيلة وذريعة يتطرق منها إلى الشرك األكبر من اإلرادات واألقوال واألفعال التي لم تبلغ رتبة‬
‫العبادة)انتهى من رسالة اإلطفاء التام‬

‫أما الشبهة األخرى التي يأتون بها وهي سجود الصحابي الجليل معاذ ابن جبل لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم وان الرسول عذره‬
‫ولم يكفره بسبب وجود مانع الجهل‪.‬‬
‫أن هاته الشبهة باطلة من وجوه أوال هذا طعن في الصحابي الجليل معاذ ابن جبل وان دلت شبهتهم على شيء فإنها تدل على جهلهم‬
‫ليس إال‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫فمعاذ بن جبل هذا رضي هللا عنه أسلم وهو في سن الثامنة عشر‪ ,‬وشهد العقبة مع السبعين‪ ,‬وشهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول‬
‫هللا ‪ ,‬وتوفي في سن الثالثة والثالثون في خالفة عمر بن الخطاب رضي هللا تعالى عنهما في طاعون عمواس‪.‬‬

‫معاذ ابن جبل اإلمام المقدم في علم التحليل والتحريم فقد ثبت عن عبد هللا بن عمرو قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم خذوا‬
‫القران من أربعة من ابن مسعود وأبي ومعاذ ابن جبل وسالم مولى أبي حذيفة وقال عنه أيضا (ارحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم‬
‫في دين هللا عمر وأصدقها حياء عثمان وأعلمهم بالحالل والحرام معاذ ‪)..‬رواه احمد‪.‬‬

‫وعن شهر ابن حوسب قال ‪ :‬قال عمر بن الخطاب ‪ :‬لو استخلفت معاذ ابن جبل فسألني عنه ربي عزوجل ‪ :‬ما حملك على ذلك ؟ لقلت‬
‫‪ :‬سمعت نبيك صلى هللا عليه وسلم يقول ‪ :‬إن العلماء إذا حضروا ربهم عز وجل كان بين أيديهم – أي معاذ – رتوة حجر ‪ .‬أي يتقدم‬
‫عليهم بمقدار رمية حجر ‪.‬‬
‫وعن الشعبي قال ‪ :‬حدثني فروة بن نوفل األشجعي قال ‪ :‬قال ابن مسعود ‪:‬إن معاذ بن جبل كان أمة قانتا ً هلل حنيفا ً‪.‬‬
‫* ومعاذ بن جبل هو الشاب الذي ائتمنه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم على أمة اليمن حين بعثه إليها معلما ً وقاضيا ً بعد غزوة‬
‫تبوك‪ ,‬وشيعه ماشيا ً صلى هللا عليه وسلم في مخرجه وهو راكب رضي هللا عنه‪.‬‬

‫قال أبي بحرية‪ :‬دخلت مسجد حمص فإذا بفتي حوله الناس جعد قطط ‪ ,‬فإذا تكلم كأنما يخرج من فيه نور ولؤلؤ ‪ ,‬فقلت من هذا ؟ قالوا‬
‫‪ :‬معاذ بن جبل‬
‫* وعن أبي مسلم الخوالني قال ‪ :‬أتيت مسجد دمشق فإذا حلقة فيها كهول من أصحاب محمد صلى هللا عليه وسلم وإذا شاب فيهم‬
‫أكحل العين براق الثنايا ‪ ,‬كلما اختلفوا في شيء ردوه إلى الفتى قال ‪ :‬قلت لجليس لي ‪ :‬من هذا ؟ قال هو معاذ بن جبل‬

‫وعن محمد بن كعب القرظي قال‪ (:‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أن معاذ ابن جبل أمام العلماء رتوة) والرتوة هي الدرجة‬
‫والمنزلة‪.‬‬
‫ومن خالل هذه األحاديث كيف يطعن في هذا الصحابي الجليل ويقال له انه فعل شركا وعذر بالجهل؟؟ (سبحانك هذا بهتان عظيم)‪.‬‬

‫والرد على هاته الشبهة أن قصد معاذ بن جيل رضي هللا عنه من السجود لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم هو سجود تحية ال سجود‬
‫عبادة والعياذ باهلل وقد كان ذلك في شرع من قبلنا ونسخ في شرعنا ومعلوم أن جميع الرسل وان تنوعت شرائعهم إال أن دعوتهم‬
‫إلى تحقيق التوحيد ونبذ الشرك واحدة فسجود التحية واإلكرام لو كان شركا لما كان في شرع من قبلنا فقد ثبت أن إخوة يوسف‬
‫عليه السالم وأبوه لما دخلوا عليه سجدوا له فكان سجودهم سجود تحية ال عبادة فيستحيل أن يسجد النبي الكريم للنبي ابن الكريم‬
‫س َّجدًا َوقَا َل‬
‫ش َو َخ ُّروا لَهُ ُ‬ ‫يوسف عليه السالم وال ينكر هو أيضا عليه وإنما كان ذلك سجود تحية يقول تعالى( َو َرفَ َع أَبَ َو ْي ِه َعلَى ا ْل َع ْر ِ‬
‫َ‬
‫س ْج ِن َو َجا َء بِ ُك ْم ِمنَ ا ْلبَ ْد ِو ِمنْ بَ ْع ِد أنْ نَزَ َغ‬‫اي ِمنْ قَ ْب ُل قَ ْد َج َعلَ َها َربِّي َحقًّا َوقَ ْد أَ ْحسَنَ بِي إِ ْذ أَ ْخ َر َجنِي ِمنَ ال ِّ‬ ‫ت َه َذا تَأْ ِوي ُل ُرؤْ يَ َ‬
‫يَا أَبَ ِ‬
‫ش ْيطَانُ بَ ْينِي َوبَيْنَ إِ ْخ َوتِي إِنَّ َربِّي لَ ِطيفٌ لِ َما يَشَا ُء إِنَّهُ ه َُو ا ْل َعلِي ُم)‬
‫ال َّ‬

‫س ِريره " َو َخ ُّروا لَهُ‬ ‫ي أَ ْجلَ َ‬


‫س ُه َما َم َعهُ َعلَى َ‬ ‫س ِرير أَ ْ‬ ‫َوقَ ْوله " َو َرفَ َع أَبَ َو ْي ِه َعلَى ا ْل َع ْرش" قَا َل اِ ْبن َعبَّاس َو ُم َجا ِهد َو َغ ْير َوا ِحد يَ ْعنِي ال َّ‬
‫ص َها َعلَى أ‬‫ي الَّتِي َكانَ قَ َّ‬ ‫س َج َد لَهُ أَبَ َواهُ َوإِ ْخ َوته ا ْلبَاقُونَ َوكَانُوا أَ َحد َعشَر َر ُجاًل " َوقَا َل يَا أَبَت َه َذا تَأْ ِويل ُرؤْ يَا َ‬
‫ي ِمنْ قَ ْبل" أَ ْ‬ ‫ي َ‬ ‫س َّجدًا" أَ ْ‬
‫ُ‬

‫س ُجدُونَ لَهُ َولَ ْم يَزَ ْل َه َذا‬ ‫سلَّ ُموا َعلَى ا ْل َكبِير يَ ْ‬ ‫سائِ ًغا فِي ش ََرائِعه ْم إِ َذا َ‬ ‫َ بِي ِه ِمنْ قَ ْبل " إِنِّي َرأَ ْيت أَ َحد َعشَر ك َْو َكبًا " اآْل يَة َوقَ ْد َكانَ َه َذا َ‬
‫س ْب َحانه َوتَ َعالَى َهذاَ‬ ‫ب ُ‬ ‫ب ال َّر ّ‬ ‫صا بِ َجنَا ِ‬ ‫س ُجود ُم ْختَ ًّ‬ ‫ساَل م فَ ُح ِّر َم َه َذا فِي َه ِذ ِه ا ْل ِملَّة َو ُج ِع َل ال ُّ‬ ‫سى َعلَ ْي ِه ال َّ‬ ‫ش ِري َعة ِعي َ‬ ‫َجائِزًا ِمنْ لَدُنْ آدَم إِلَى َ‬
‫صلَّى هَّللا َعلَ ْي ِه‬ ‫سو ِل هَّللا َ‬ ‫س َج َد لِ َر ُ‬ ‫ساقِفَتِ ِه ْم فَلَ َّما َر َج َع َ‬ ‫س ُجدُونَ أِل َ َ‬ ‫ض ُمون قَ ْول قَتَادَة َو َغ ْيره َوفِي ا ْل َح ِديث أَنَّ ُم َعا ِويَة قَ ِد َم الشَّام فَ َو َج َد ُه ْم يَ ْ‬ ‫َم ْ‬
‫سول هَّللا فَقَا َل لَ ْو ُك ْنت آ ِم ًرا أَ َحدًا أَنْ‬ ‫ر‬
‫َ َ ُ‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫ُ َ‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫ي‬ ‫نْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ق‬
‫ّ‬ ‫ح‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫تَ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ق‬
‫أِل َ ِ ِ ِ ْ َ‬‫ا‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ُونَ‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫ْ َ ُ‬‫س‬
‫ْ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ته‬ ‫ي‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫ي‬
‫َ ِ َ‬‫ِّ‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫ل‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫؟‬ ‫اذ‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫َ ُ َ‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ذ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫َ َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫َّ‬
‫س َ‬ ‫ل‬ ‫َو َ‬
‫سلَّ َم ِفي بَ ْعض‬ ‫و‬
‫َ ْ ِ َ َ‬‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫هَّللا‬ ‫ى‬ ‫َّ‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫ي‬‫ب‬‫َّ‬
‫ِ َ ِ ّ َ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ان‬ ‫م‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫س‬
‫نَّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫‪:‬‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫آخ‬ ‫يث‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫ي‬
‫َ ْ َ َ ِ َِ‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫ا‬‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ق‬‫ح‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ظ‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ج‬
‫َ ْ نْ ْ ُ ِ ْ ِ َ ِ ِ ِ َ‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫ز‬ ‫ل‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫أَل‬
‫س ُ أِل َ ٍ َ ْ‬
‫م‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫د‬‫ج‬ ‫يَ ْ‬
‫س ُج ْد لِ ْل َح ِّي الَّ ِذي اَل‬‫سل َمان َوا ْ‬ ‫ْ‬ ‫س ُجد لِي يَا َ‬ ‫اَل‬
‫سل َم فقا َل تَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َعل ْي ِه َو َ‬ ‫َ‬ ‫هَّللا‬ ‫َّ‬
‫صلى‬ ‫َّ‬
‫س َج َد لِلنبِ ِّي َ‬ ‫َ‬
‫س ِم ف َ‬ ‫اَل‬ ‫إْل‬
‫سل َمان َح ِديث َع ْهد بِا ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫طُ ُرق ال َم ِدينة َو َكانَ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ي ِمنْ ق ْبل ق ْد َج َعلَ َها‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سف" يَا أبَت َهذا تَأ ِويل ُرؤْ يَا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س َّجدًا ف ِع ْندهَا قا َل يُو ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ش ِري َعته ْم َولِ َهذا َخ ُّروا لَهُ ُ‬ ‫يَ ُموت َوا ْل َغ َرض أَنَّ َهذا َكانَ َجائِزًا فِي َ‬
‫َ‬
‫َربِّي َحقًّا‬

‫وكما سجد المالئكة أيضا آلدم عليه السالم لما أمرهم هللا بذلك كما قال تعالى( وإذ قلنا للمالئكة اسجدوا آلدم فسجدوا إال إبليس‪)..‬فقد‬
‫كان سجدوهم آلدم عليه السالم سجود إكرام وتحية فتأمل هذا يرحمك هللا‪.‬‬

‫فالسجود ينقسم الى قسمين سجود عبادة وسجود تحية‪:‬‬

‫سجود العبادة ‪ :‬وهو ال يجوز إال هلل عزوجل لقوله تعالى ‪ " :‬ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر‪,‬ال تسجدوا للشمس وال للقمر‬
‫واسجدوا هلل الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون " فصلت ‪.37‬‬
‫فمن سجد لغير هللا – على نحو العبادة – كان مشركا ً كافراً باهلل كائنا من كان ‪ .‬وفي حديث عمرو بن عبسة عن رسول هللا – صلى‬
‫هللا عليه وسلم قال ‪ ( :‬صل صالة الصبح ثم أقصر عن الصالة حتى تطلع الشمس وترتفع‪ ,‬فإنها تطلع بين قرني شيطان وحينئذ‬
‫يسجد لها الكفار ثم صل فإن الصالة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح ثم أقصر عن الصالة فإن حينئذ تسجر جهنم فإذا‬

‫‪50‬‬
‫أقبل الفئ فصل فإن الصالة مشهودة محضورة حتى تصلي العصرثم أقصر عن الصالة حتى تغرب فإنها تغرب بين قرني شيطان‬
‫وحينئذ يسجد لها الكافر )‪.‬‬
‫وهذا النوع من السجود من الشرك المحرم منذ األزل ‪ ,‬لم يختلف تحريمه‪ ,‬ومن عصر إلى عصر ‪ ,‬أو من أمة إلى أمة ‪,‬أو من رسالة‬
‫نبي إلى آخر‪.‬‬
‫وعالمة هذا النوع من السجود أن يبذل على سبيل التدين والقربى لإلله‪.‬‬

‫‪2.‬سجود التحية ‪ :‬وهو ذلك اإلسلوب الذي يمارس على نحو أو آخر على سبيل لتحية إلى الكبير لعظم فضله أو مكانته ‪ .‬وهذا النوع‬
‫من السجود لم يكن محرما ً قبل بعثة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ,‬بل ذكر القرآن الكريم في مواضع عديدة منه نماذج لها مشيراً‬
‫إلى كونه كان مشروعا ً ‪ ,‬ال شيء فيه ‪ ,‬وال حرج ‪ ,‬قال تعالى ‪:‬‬
‫" وإذ قلنا للمالئكة اسجدوا ألدم فسجدوا إال إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين " البقرة ‪.34‬‬
‫وقال تعالى عن يوسف وإخوته ‪:‬‬
‫" ورفع أبويه على العرش وخروا له سجداً " يوسف ‪.100‬‬
‫وبهذا يتبين خطأ من قال أن السجود كله كفراً ما دام لغير هللا ‪.‬هذا هو سجود التحية وحكمه ‪:‬‬
‫أنه كان مشروعا ً في األمم السابقة بدليل اآليات المشار إليها ‪ :‬ثم نهي عنه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ,‬فمن بذله على نحو‬
‫التحية بعد نهي رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كان مرتكبا ً لمعصية هللا عزوجل ‪.‬‬
‫قال الجصاص رحمه هللا في تفسير قوله تعالى )وإذ قلنا للمالئكة اسجدوا ألدم فسجدوا (وقد كان السجود جائزاً في شريعة آدم عليه‬
‫السالم للمخلوقين ويشبه أن يكون قد كان باقيا ً إلى زمان يوسف عليه السالم فكان بينهم لمن يستحق ضربا ً من التعظيم ويراد‬
‫إكرامه وتبجيله بمنزلة المصافحة والمعانقة فيما بيننا وبمنزلة تقبيل اليد وقد روي عن النبي صلى هللا عليه وسلم في إباحة تقبيل‬
‫اليد أخبار وقد روى الكراهة ‪ ,‬إال أن السجود لغير هللا على وجه التكريم والتحية ونسوخ بما روت عائشة وجابر ابن عبد هللا وأنس‬
‫أن النبي عليه السالم قال‪ :‬ما ينبغي لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر ألمرت المرآة أن تسجد لزوجها من عظم‬
‫حقه عليها ‪ ).‬لفظ حديث أنس بن مالك‪ ).‬أ‪.‬هـ‬
‫وعالمة هذا النوع من السجود أن يبذل على نحو التوقير والتحية ال على سبيل التدين وقد وقع في تاريخ اإلسالم مثل هذه األمور‬
‫من بعض ملوك المسلمين على سبيل التحية‪ ,‬المنهى عنها بحديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪  ‬فسجود معاذ رضي هللا عنه كان على سبيل التحية واليك اخي القارئ ما يبين لك هذا اكثر‪:‬‬

‫أخرج البزار عن معاذ بن جبل أنه أتى الشام فرأى النصارى يسجدون ألساقفتهم وبطارقتهم ورهبانهم‪ .‬ورأى اليهود يسجدون‬
‫ألحبارهم وعلمائهم وفقهائهم ‪ ,‬فقال ألي شيء تفعلون هذا ؟ قالوا‪ :‬هذه تحية األنبياء قلت‪ :‬فنحن أحق أن نصنع بنبينا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ .‬فلما قدم على نبي هللا صلى هللا عليه وسلم سجد له‪ .‬فقال‪ :‬ما هذا يا معاذ ؟ فقال‪:‬إني أتيت الشام فرأيت النصارى يسجدون‬
‫ألساقفتهم وقسيسيهم ورهبانهم وبطارقتهم‪ .‬ورأيت اليهود يسجدون ألحبارهم وفقهائهم وعلمائهم‪ ,‬فقلت ‪ :‬ألي شيء تصنعون هذا ؟‬
‫أو تفعلون هذا ؟ قالوا هذه تحية األنبياء‪ .‬قلت فنحن أحق أن نصنع بنبينا صلى هللا عليه وسلم‪ .‬فقال نبي هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫إنهم كذبوا على أنبيائهم كما حرفوا كتابهم‪ .‬لو أمرت أحداً أن يسجد ألحد ألمرت المرآة أن تسجد لزوجها من عظم حقه )‪ .‬الحديث‪.‬‬

‫فسجود معاذ رضي هللا عنه كان سجود تحية ال عبادة والعياذ باهلل ألنه من صرف أي نوع من أنواع العبادات لغير هللا يكفر سواء‬
‫علم ذلك أو لم يعلم‪.‬‬

‫الشبهة الثالثة حديث الرجل الذي ذر رماده(‪)1‬‬

‫فهذا أيضا ً نموذج من نماذج تعلق الهوى بالمتشابه من اآلثار ليعارضوا بها المحكمات من النصوص‪ ،‬وقد تبين للقارئ خالل تناولنا‬
‫لدراسة هذا الحديث أنه من المتشابهات التي ال يحل معارضة قواعد الدين األساسية به فضال أن يعارض به أحكام التوحيد المحكمة‪،‬‬
‫ومعظم الشريعة‪ ،‬وجمهور األدلة‪.‬‬

‫أما ما يتعلق بتأويله وفهمه‪ ،‬فقد تعددت في ذلك األقوال‪ ،‬وما كان ينبغي لها أن تتعدد إال بسبب كونه حديثا ً متشابها ً مشكالً‪ .‬وقد‬
‫أورده أصحاب الحديث في (مشكل الحديث) لما كان ظاهره معارضا ً للمحكمات‪.‬‬

‫والحديث في الصحيحين في الرجل الذي قال ألبنائه‪ (( :‬إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني‪ ،‬ثم ذروني في اليم‪ ،‬فوهللا لئن قدر هللا علي‬
‫ليعذبني عذابا ً ال يعذبه أحداً من العالمين‪ ،‬ففعلوا به ذلك؛ فقال هللا له‪ :‬ما حملك على ما فعلت؟ قال‪ :‬خشيتك‪ ،‬فغفر له))‪ .‬خرجه‬
‫البخاري ومسلم‪.‬‬

‫قال أصحاب القول بالعذر بالجهل في التوحيد أن‪ :‬هذا الرجل جهل قدرة هللا تعالى على إحياء الموتى وقد عذره هللا تعالى بالجهل في‬
‫ذلك وغفر له‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫وقالوا‪ :‬أن هذا الحديث دليالً على مبدأ العذر بالجهل في التوحيد‪.‬‬

‫والحقيقة‪ :‬أن هذا االستدالل منهم مجافي للحقائق الشرعية والنصوص الصريحة مجافاة تصل إلى حد التكذيب والمعاندة للنص‬
‫الصريح المحكم الناص على المبدأ‪ ﴿ :‬إِنَّ هَّللا َ اَل يَ ْغفِ ُر أَنْ يُش َْر َك بِ ِه ﴾ اآلية‪.‬‬

‫ثم إن هذا الحديث الشريف ليس قاطعا ً بهذا الفهم لهم‪ ،‬وال سلم بهذا أهل العلم‬

‫بالحديث‪ ،‬ويؤكد ذلك وجوه متعددة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫الوجه األول ‪ -‬ما أورده الحافظ ابن كثير رحمه هللا والمفسرين في تفسير قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ولِ َمنْ َخافَ َمقَا َم َربِّ ِه َجنَّتَا ِن ﴾ [الرحمن‪:‬‬
‫‪.]46‬‬

‫قال ابن كثير رحمه هللا‪ :‬قال ابن أبي حاتم بسنده عن عطية بن قيس‪ :‬نزلت في الذي قال‪ :‬احرقوني بالنار لعلي أضل هللا‪ ،‬قال‪ :‬تاب‬
‫يوما ً وليلة بعد أن تكلم بهذا‪ ،‬فقبل هللا منه وأدخله الجنة أ‪.‬هـ‬

‫ومثل هذا ال يقال باالجتهاد‪ ،‬وقد نقله السلف‪ .‬ولعل أصحاب العذر بالجهل ال يقبلونه‪ ،‬ولكنه يقطع عليهم ادعاء قطعية الداللة التي‬
‫تمسكوا بها لينقل الحديث إلى مرتب ة الظنية أو المتشابه الذي ال يرقى إلى مرتبة المحكمات الحاكمة في قضية التوحيد وما يناقضه‬
‫من الشرك‪.‬‬

‫الوجه الثاني ‪ -‬أن هذه المقالة الواردة بالحديث من هذا الرجل (لئن قدر هللا علي) قد شابهت النص الوارد في سورة األنبياء عن نبي‬
‫هللا يونس‪ ،‬وكما ورد في قوله تعالى‪:‬‬

‫اضبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَ ْق ِد َر َعلَ ْي ِه فَنَادَى فِي ال ُّ‬


‫ظلُ َما ِ‬
‫ت ﴾ اآلية‪.‬‬ ‫ون إِ ْذ َذه َ‬
‫َب ُم َغ ِ‬ ‫﴿ َو َذا النُّ ِ‬

‫فقوله تعالى‪ ﴿ :‬فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَ ْق ِد َر َعلَ ْي ِه ﴾ قد يحمل ظاهرها معنى رديئا ً يتعارض مع المبدأ األصيل في النبوات من عصمة األنبياء عن‬
‫الشرك‪ ،‬وقد كان ذلك دليالً كافيا ً على اعتبار هذا النص متشابها ً أو مشكالً ال بد فيه من التأويل حتى ال يعارض أصل عقيدي كبير‬
‫يتعلق بركن من أركان اإليمان‪ ،‬وهو اإليمان بالرسل‪ ،‬ولذا اجتهد أهل العلم والتفسير في تأويله‪ ،‬وقد أشار كثير منهم بأن هذا النص‬
‫من سورة األنبياء مشابه لحديث وقول الرجل الذي ذر رماده‪ .‬فإما أن يكونوا جميعا ً من المتشابهات لمعارضتهما قواعد الدين‬
‫األساسية‪ ،‬وفي هذا تكاثرت أقوال أهل العلم بالحديث والتفسير في تأويلهما‪ ،‬وإما أن يجعال من المحكمات (عنوة وتضليالً) وهذا ما‬
‫فعله المحدثون من قومنا‪ ،‬وعارضوا به المحكمات األساسية بغير حق‪ ،‬وهو الفعل الذي ذمه هللا وقال فيه‪:‬‬

‫﴿ فَأ َ َّما الَّ ِذينَ فِي قُلُوبِ ِه ْم زَ ْي ٌغ فَيَتَّبِعُونَ َما تَشَابَهَ ِم ْنهُ ا ْبتِ َغا َء ا ْلفِ ْتنَ ِة ﴾ [آل عمران‪.]7 :‬‬

‫(‪ )1‬منقول عن الشيخ عبد الرحمن شاكر نعم هللا حلمي هاشم‬

‫وأما السلف الصالح والراسخون في العلم فقد قالوا في تأويل اآلية الكريمة أقواالً منها ما ذكره ابن كثير رحمه هللا في تفسيره؛ حيث‬
‫أورد لهذه المقالة تأويلين كالتالي‪:‬‬

‫أ‪ -‬فظن أن لن نقدر عليه‪ :‬أي نضيق عليه في بطن الحوت‪ ،‬ويروى هذا عن ابن عباس ومجاهد والضحاك وغيرهم‪ ،‬واختاره ابن‬
‫ق ِم َّما آَتَاهُ هَّللا ُ ﴾ اآلية‪.‬‬
‫جرير الطبري‪ ،‬واستشهد عيه بقوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َمنْ قُ ِد َر َعلَ ْي ِه ِر ْزقُهُ فَ ْليُ ْنفِ ْ‬

‫ب‪ -‬وقال عطية العوفي‪ :‬أي‪ :‬فظن أن لن نقدر عليه أي‪ :‬نقضي عليه‪ ،‬كأنه جعل ذلك بمعنى التقدير‪ ،‬فإن العرب تقول‪ :‬قدر وقدّر‬
‫بمعنى واحد‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪( :‬فَا ْلتَقَى ا ْل َما ُء َعلَى أَ ْم ٍر قَ ْد قُ ِد َر ﴾ اآلية أ‪.‬هـ‬

‫وقد ذكر القرطبي رحمه هللا هذه التأويالت بذاتها لحديث الرجل الذي ذر رماده بصدد تفسيره لآلية من سورة األنبياء لتشابه‬
‫المقامين‪ .‬وما حمل أهل العلم على هذه التأويالت لهذه النصوص من اآلية أو الحديث إال لمعارضة هذه الكلمات وظاهرها المتبادر‬
‫لقواعد الدين األساسية وأصوله الكلية‪ ،‬غير أن الهوى زاغ بمن أراد‬
‫هللا زيغه‪ ،‬فتمسك بهذه الظواهر المشكلة والمتشابهة‪ ،‬وعارض بها المحكمات من النصوص واألصول الكلية والقواعد األساسية‪،‬‬
‫ووجد أن هذه المحكمات واألصول الثابتة‪ ،‬والقواعد الحاكمة ال تقوم وال تقوى على معارضة الرجل الذي ذر رماده‪ .‬وكما قال ابن‬
‫كثير عن المتبع للمتشابهات والمعارض بها للمحكمات‪ :‬ومن عكس انعكس أ‪.‬هـ‬

‫‪52‬‬
‫الوجه الثالث ‪ -‬إذا كان ال بد من التعلق بظاهر الحديث‪ ،‬وال مجال لتأويله ‪ -‬كما ادعى المحدثين ‪ -‬فقد ورد هذا الظاهر لكلمات الحديث‬
‫واضحة صريحة عن سؤال هللا تعالى للرجل‪ ،‬ما حملك على هذا؟ قال خشيتك يارب‪ ،‬فغفر له‪ ،‬فهذا الظاهر يتنافى مع ادعاء أن الرجل‬
‫كان يجهل قدرة هللا‪ ،‬حيث ال تجتمع الخشية من هللا مع الجهل بقدرة هللا‪ ،‬وإنما المنصوص عليه‪ :‬أن الخشية ثمرة العلم باهلل‪ ،‬وكما‬
‫قال تعالى‪ ﴿ :‬إِنَّ َما يَ ْخشَى هَّللا َ ِمنْ ِعبَا ِد ِه ا ْل ُعلَ َما ُء ﴾ فادعاء الجهل ونسبته إلى هذا الرجل الذي صرح الحديث بأنه من أهل الخشية هلل‬
‫تبارك وتعالى‪ ،‬وقد صدق هللا تعالى قوله‪ ،‬وغفر له‪ ،‬مما يؤكد بطالن هذا االدعاء (الجهل) وهذا االستدالل‪،‬‬

‫كما أن هذا الظاهر يفيد معنى آخر كريما ً ذكره أهل العلم في مصنفاتهم نسوقه لمن أراد علم السلف الصالح‪ ،‬بعيداً عن األهواء‬
‫المضلة واألماني الكاذبة‪:‬‬

‫وأصل ذلك أن الكلمة التي تخرج من المرء عن محبة وتعظيم وتشريف وتكريم قد تغفر لصاحبها‪ ،‬بل يحمد عليها‪ ،‬وإن كان مثلها لو‬
‫صدر بدون ذلك الستحق صاحبها النكال والمؤاخذة‪ ،‬وكذلك األفعال‪.‬‬

‫أال ترى أن النبي صلى هللا عليه وسلم لما قال ألبي بكر؛ حيث أراد أن يتأخر عن موقفه في الصالة لما أحس بالنبي‪(:‬مكانك) فتأخر‬
‫أبو بكر‪ ،‬فقال له النبي ما منعك أن تثبت مكانك وقد أمرتك؟ فقال‪ :‬ما كان البن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي النبي‪ ،‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم فظاهر الموقف معصية أمر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وحقيقته‪ :‬تعظيمه وتوقيره وإجالله‪.‬‬

‫* ويدخل في هذا الباب حديث أبي هريرة في فتح مكة‪ ،‬قال‪ :‬فقال رسول الله صلى هللا عليه وسلم له‪(( :‬من دخل دار أبي سفيان فهو‬
‫آمن‪ ،‬ومن ألقى السالح فهو آمن‪ ،‬ومن أغلق بابه فهو آمن)) فقالت األنصار‪ :‬أما الرجل ‪ -‬النبي ‪ -‬فقد أدركته رغبة في قرابته‪ ،‬ورأفة‬
‫بعشيرته‪ .‬قال أبو هريرة‪ :‬وجاء الوحي‪ ،‬وكان إذا جاء ال يخفى علينا‪ ،‬فإذا جاء فليس أحد منا يرفع طرفه إلى الرسول صلى هللا عليه‬
‫وسلم حتى ينقضي الوحي‪ ،‬قال رسول هللا‪(( :‬يا معشر األنصار)) قالوا‪ :‬لبيك يا رسول هللا‪ ،‬قال‪(( :‬قلتم‪ :‬أما الرجل فأدركته رغبة في‬
‫قرابته ورأفة بعشيرته‪ ،‬قالوا‪ :‬قد كان ذلك‪ ،‬قال‪ :‬كال‪ ،‬أنا عبد هللا ورسوله‪ ،‬هاجرت إلى هللا وإليكم‪ ،‬المحيى محياكم‪ ،‬والممات‬
‫مماتكم))‪ ،‬فأقبلوا إليه يبكون ويقولون‪ :‬وهللا ما قلنا إال لضن باهلل ورسوله‪ ،‬فقال رسول هللا‪(( :‬إن هللا ورسوله يصدقونكم‬
‫ويعذرونكم))‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬

‫قال ابن تيمية رحمه هللا بعد أن ساق هذه النصوص الشريفة‪ :‬وذلك أن األنصار لما رأوا النبي قد أمن أهل مكة‪ ،‬وأقرهم على‬
‫أموالهم ودماءهم‪ ،‬مع دخوله عليهم عنوة وقهراً‪ ،‬وتمكنه من قتلهم‪ ،‬وأخذ أموالهم إن شاء‪ ،‬خافوا أن النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫يريد أن يستوطن مكة‪ ،‬ويستبطن قريش‪ ،‬ألن البلد بلده‪ ،‬والعشيرة عشيرته‪ ،‬وأن يكون نزاع النفس إلى الوطن واألهل يوجب‬
‫انصرافه عنهم‪ ،‬فقال‪ :‬من قال منهم ذلك ولم يقله الفقهاء وأولوا األلباب الذين ال يعلمون أنه لم يكن له سبيل إلى استيطان مكة‪،‬‬
‫ضنا ً باهلل ورسوله‪،‬وعذرهم فيما قالوا لما رأوا وسمعوا‪ ،‬وألن مفارقة الرسول صلى هللا عليه‬
‫فقالوا ذلك ال طعنا ً وال عيباً‪ ،‬ولكن َّ‬
‫وسلم شديد على مثل أولئك المؤمنين‪ ،‬الذين هم شعار وغيرهم دثار‪.‬والكلمة التي تخرج عن محبة وتعظيم وتشريف وتكريم تغفر‬
‫لصاحبها‪ ،‬بل يحمد عليها‪ ،‬وإن كان مثلها لو صدر بدون ذلك الستحق صاحبها النكال أ‪.‬هـ (‪)1‬‬

‫فإذا كان نص حديث الرجل الذي ذر رماده قد أجاب عن هذا أصرح إجابة عندما سأله المولى تبارك وتعالى‪ :‬ما حملك على ما فعلت؟‬
‫قال‪ :‬خشيتك‪ ،‬فغفر له‪.‬‬

‫فكيف فهم أصحاب القول بالعذر بالجهل عن الرجل أن مقالته كانت عن جهل‪ ،‬مع تصريح لفظ الحديث بأنها ما كانت إال عن خشية هللا‬
‫تعالى‪.‬‬

‫فأصحاب العذر بالجهل أثبتوا للرجل معاني لم ينص عليها ألفاظ الحديث من الجهل أو ما شابهه‪ ،‬وما أثبتته ألفاظ النص صراحة من‬
‫الخشية‪ ،‬وال تكون إال عن علم حقيقي بقدرة هللا أغفلوه وتاهوا عنه‪ ،‬ثم عارضوا بفهمهم القاصر للحديث المحكمات من النصوص‬
‫وقواعد الدين األساسية‪ .‬أليس ذلك مصداق قوله تعالى‪ ﴿:‬فَأ َ َّما الَّ ِذينَ فِي قُلُوبِ ِه ْم زَ ْي ٌغ فَيَتَّبِعُونَ َما تَشَابَهَ ِم ْنهُ ا ْبتِ َغا َء ا ْلفِ ْتنَ ِة ﴾ اآلية‪.‬وما‬
‫ذكره أهل العلم الكرام في تفسيرها‪ .‬وباهلل التوفيق‪.‬‬

‫وايضا فان هذا الحديث ال يستدل به لما فيه من اشكال فال يعد دليال يستدل به على العذر بالجهل‬

‫قال االمام الشوكاني رحمة هللا عليه ( ووقائع األحوال إذا تطرق إليها االحتمال سلبها االستدالل لما يبقي فيها عن اإلجمال ) نيل‬
‫االوطار (‪(2/59‬‬
‫ويقول ايضا ً (والمحتمل ال يكون حجة على الخصم ) نيل االوطار (‪(1/62‬‬

‫قال االمام المباركفوري رحمة هللا عليه ‪:‬‬


‫‪1‬‬

‫() الصارم املسلول على شامت الرسول‪ .‬ابن تيمية‪ .‬صـ‪.197/189‬‬

‫‪53‬‬
‫وإذا جاء االحتمال بطل االستدالل‪ .‬تحفة األحوذي في شرح الترمذي (‪)1/174‬‬

‫قال الشاطبي رحمه هللا تعالى‪:‬‬


‫وقد علم العلماء أنَّ ك َّل دليل فيه اشتباهٌ وإشكا ٌل ليس بدليل في الحقيقة؛ حتى يتبين معناه ويظهر المراد منه‪ ،‬ويشترط في ذلك أن ال‬
‫قطعي؛ كظهور تشبيه؛ فليس بدليل؛ ألن حقيقة الدليل أن‬
‫ٌّ‬ ‫قطعي؛ فإذا لم يظهر معناه إلجمال أو اشتراك‪ ،‬أو عارضه‬
‫ٌّ‬ ‫يعارضه أص ٌل‬
‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫يكون ظاهراً في نفسه‪ ،‬وداال على غيره؛ وإال احتيج إلى دليل عليه؛ فإن د َّل الدليل على عدم صحته؛ فأحرى أن ال يكون دليال ‪ .‬اهـ‬
‫االعتصام ‪ 1/320‬ط المنار بتحقيق محمد رشيد رضا‬

‫قال االمام الشاطبي‪:‬‬


‫تحت المسألة الرابعة " االعتراض على الظواهر غير مسموع" الموافقات (‪)4/324‬‬

‫قال االمام شهاب الدين القرافي ‪:‬‬


‫أما االحتمال المرجوح فال عبرة به وال يقدح في صحة الداللة وال يصير اللفظ به مجمال إجماعا‪ ،‬فإن الظواهر كلها كذلك فهنا احتمال‬
‫مرجوح وال يقدح في داللتها‪ .‬اهـ العقد المنظوم في الخصوص والعموم"‪(2/81(.‬‬

‫قال شيخ االسالم ابن تيمية رحمه هللا تعالى‪:‬‬


‫إذا تطرق إليها االحتمال سقط االستدالل بها ‪ .‬الفتاوى الكبرى (‪(2/121‬‬

‫وهذا رد لبعض الشبه االخرى(‪:)1‬‬

‫إحتجوا بما ورد في الصحيح من حديث الربيع بنت مسعود ‪ ،‬وفيه أن جارية كانت تنشد " وفينا نبي يعلم ما في غد "‬
‫فقال لها النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ [ :‬ال تقولي هذا وارجعي إلى ما كنت تقولين‪[ .‬‬
‫قالوا ‪ :‬فمع قولها ما هو كفر إال أن النبي لم يكفرها ‪ ،‬وعذرها بجهلها ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذا من أفسد ما يكون اإلحتجاج ‪ ،‬وال أرى لهم وجها ً لإلستدالل يصح في هذه الحادثة ‪ ،‬وبيان ذلك من وجهين ‪.‬‬
‫األول‪:‬‬
‫عدم ثبوت شرط التكليف في الحادثة فلفظ الجارية عند العرب على منازل ثالثة ‪ ،‬الفتاة حديثة السن ‪ ،‬والمرأة الفتية هذه‬
‫فيبطل اإلحتجاج بالحديث حتى يثبت لنا ـ من حيث األصل ـ إن هذه الجارية كانت إمرأة بالغة مكلفة شرعا ً بأحكام الدين ‪،‬‬
‫لثبوت اإلحتمال وقيامه بالحادثة‪.‬‬

‫(‪)1‬الحمد طارق‬

‫الثاني‪:‬أن هذه الجارية لم تنطق بما هو كفر مجرد ‪ ،‬فكون النبي صلى هللا عليه وسلم يعلم ما في غد ‪ ،‬فهذا حق بما يطلعه‬
‫سو ٍل فَإِنَّهُ َي ْ‬
‫سلُ ُك ِمن بَ ْي ِن يَ َد ْي ِه‬ ‫ب فَاَل يُ ْظ ِه ُر َعلَى َغ ْيبِ ِه أَ َحدا ً* إِاَّل َم ِن ْ‬
‫ارتَ َ‬
‫ضى ِمن َّر ُ‬ ‫هللا عليه سبحانه ‪ ،‬قال تعالى ‪{ :‬عَالِ ُم ا ْل َغ ْي ِ‬

‫صداً}‪ 27/ 26‬الجـن ‪ ،‬وإنما كره النبي صلى هللا عليه وسلم أن تطلق الجارية علم النبي بالغيب كما كره قول‬ ‫َو ِمنْ َخ ْلفِ ِه َر َ‬
‫الخطيب ‪ " :‬ومن يعصهما فقد غوى " ‪ ،‬ومثل هذا الكالم ليس كفراً وشركا ً يخرج عن الملة ‪ ،‬والحمد هلل على توفيقه ‪.‬‬

‫احتجوا بسؤال عائشة للنبي صلى هللا عليه وسلم ‪ [ :‬مهما يكتم الناس يعلمه هللا ‪ ]...‬أقول ‪ :‬قد ذكروا الكالم وإستحيوا أن‬
‫يذكروا إستنباطهم الفاحش منه ‪ ،‬وما ذاك إال ألن أي مؤمن بر تقي يرعى حرمات المؤمنين فضالً عن أُمهاتهم ‪ ،‬فضالً‬
‫عن بيت النبوة ‪ ،‬كل ناصح لدينه يأبى أن ينسب لعائشة بنت أبي بكر حب رسول هللا وسكنه أن تجهل أبسط معاني‬
‫العقيدة ‪ ،‬وهي أن هللا يعلم السر وأخفى ‪ ،‬خاب من نسب لها ذلك ‪.‬‬
‫أيها الناس ‪ :‬اتقوا هللا في دينكم ‪ ،‬وال يدفعنكم اإلنتصار للرأي المذهب إلى التطاول الفاحش والحجج الباطلة ‪ ،‬مما نخشى‬
‫عليكم أن تؤولوا إليه ‪ ،‬ثم أنا سائلكم ‪:‬إذا كانت عائشة الصديقة أم‬

‫المؤمنين التي نشأت في بيت العقيدة ‪ ،‬وتتلمذت على الداعية األول من الصحابة أبى بكر والدها ‪ ،‬ثم إنتقلت إلى بيت‬
‫النبوة ‪ ،‬مهبط الوحي ‪ ،‬ثم كانت أقرب نساء النبي إلى نفسه ‪ ،‬ثم كانت أحفظ (‪)1‬الحمد طارق‬

‫‪54‬‬
‫نساء النبي للسنة ‪ ،‬ثم كانت أفقه نساء النبي وأُمهات المؤمنين علما ً وأفصحهم بيانا ً ‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬شارحا ً إذا كانت عائشة رضي هللا عنها ‪ ،‬وهذه صفتها ومكانتها تجهل أن هللا تعالى يعلم السر وأخفى ‪ ،‬وهو ما‬
‫يعرفه الطفل الحدث الذي لم يدر كيف يتنـزه من بوله بعد ‪ ،‬فكيف الظن بمن دونها ؟‬
‫أريد أن أقول ‪ :‬أن من نسب هذا التصور والشك إلى عائشة رضي هللا عنها ‪ ،‬فليعلم أن هذا قدح مباشر في بيان النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم بحيث كان أهل بيته يجهلون أبسط معاني دعوته ـ حاشا هلل ـ بل الظن الصادق أن النبي بلغ فأتم‬
‫البالغ ‪ ،‬وبين فأحكم البيان ‪ ،‬وظن الصدق بالصديقة أم المؤمنين عائشة يرفعها بمفاوز بعيدة أن نرميها بمثل هذا اإلفك‬
‫وسوء الظن ‪ ،‬وكل عاقل منصف دين يعلم أن عائشة إما قالت هذا الكالم على سبيل التدبر والتأمل والتعجب من قدرة هللا‬
‫تعالى وإحاطة علمه إظهاراً للخشية ‪ ،‬و إما على وجه اإلستنفار لحديث النبي صلى هللا عليه وسلم طلبا لمزيد علم وفقه ‪،‬‬
‫كقول العربي لصاحبه " أغشيت عكاظ باألمس " وهو يعلم أنه ذهب إليها ‪ ،‬ولكنه يستنفره ليحدثه عن تفصيل ما حدث‬
‫هناك ‪ -‬وللعلماء مذاهب أخرى في تأويل قول عائشة فليراجعها من شاء في اإلختيارات العلمية ‪ .‬هذا الكالم ليس كفراً‬
‫وشركا ً يخرج عن الملة ‪ ،‬والحمد هلل على توفيقه ‪.‬‬

‫سى ابْنَ‬‫إحتجوا بقول هللا سبحانه وتعالى حاكيا مقولة الحواريين لعيسى بن مريم عليه السالم ‪{ :‬إِ ْذ قَا َل ا ْل َح َوا ِريُّونَ َيا ِعي َ‬
‫ستَ ِطي ُع َربُّ َك أَن يُنَ ِّز َل َعلَ ْينَا َمآئِ َدةً ِّمنَ ال َّ‬
‫س َما ِء قَا َل اتَّقُو ْا هّللا َ إِن ُكنتُم ُّمؤْ ِمنِينَ } المائدة‪ ، 112‬قالوا ‪ :‬فهذا دليل على‬ ‫َم ْريَ َم َه ْل يَ ْ‬
‫أن الحواريين شكوا في أن هللا قادراً ولم يكفروا بهذا الشك ‪ ،‬مع أنه كفر ألن هللا تعالى عذرهم بجهلهم ‪ ،‬قلت ‪ :‬لقد عز‬
‫الحياء وهللا وكالمهم هذا من أوضح البراهين على سيطرة الهوى على منهاجهم في اإلستدالل ‪ ،‬وهذا الذي نسبوه‬
‫للحواريين وإحتجوا به هو من أفسد ما يكون اإلحتجاج وهو ظاهر البطالن لذي عقل وقلب ‪ ،‬وبداية أعجب كيف يجهل‬
‫الحواريون وهم خلصاء رسول عيسى بن مريم عليه السالم وبطانته وأئمة الهدى والعلم في أمته ‪ ،‬أقول ‪ :‬كيف ينسب‬
‫إليهم جهل أبسط معنى العقيدة وأعظم صفات الباري سبحانه وهي القدرة وقد قدمنا أن صفة القدرة بالذات ال ينكرها أو‬
‫يشك فيها إال كافر سفيه العقل ‪ .‬وال أدري هل كان الحواريون يؤمنون بأن هللا تعالى الذي يعبدونه ويؤمنون به هو الذي‬
‫خلق رسولهم عيسى ـ عليه السالم ـ بكلمة منه ‪ ،‬وقال له كن فكان ؟ أم إلهه اله آخر يعجز أن ينزل من السماء مائدة ‪،‬‬
‫سبحانك هذا بهتان عظيم ‪.‬‬
‫وهل كانوا يعبدون الذي خلق السماوات بغير عمد وسخر فيها الشمس والقمر والنجوم السيارة ‪ ،‬واألرض وما بث فيها‬
‫من آيات ودالئل تشهد أدناها بعظمة خالقها وقدرته وجبروته ‪ ،‬والذي خلقهم ولم يكونوا شيئا ً مذكورا ‪ ،‬ثم يميتهم ثم‬
‫يحييهم و يبعثهم بصيحة واحدة ‪ ،‬وهو الذي يرزق الطير والدواب ‪ ،‬وكل نفس منفوشة ‪ ،‬بل إني أعجب كيف آمنوا بأن‬
‫هللا قادر على أن ينـزل المالئكة من السماء بالروح من أمره على من يشاء من عباده ‪ ،‬ومنهم عيسى ـ عليه السالم ـ‬
‫رسولهم الذي آمنوا به وبما يتنزل عليه ‪ ،‬ثم هم يشكون في أن هللا قادراً على أن ينـزل مع المالئكة مائدة على‬
‫الحواريين ؟ اللهم إليك نشكو فساد العقول واأللباب ‪ ،‬وسيطرة الهوى و عماية الرأي ‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل ‪...‬‬
‫ورحم هللا القرطبي حيث يقول عند تفسير هذه اآلية في كتابه جامع أحكام القرآن ( ج ‪ 7‬ص ‪) 364‬‬
‫نصا ُر هَّللا }‪ ،‬ومعلوم أن أنبياء هللا صلوات‬ ‫" إن الحواريين خلصاء األنبياء ودخالؤهم وأنصارهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪{ :‬نَ ْحنُ أَ َ‬
‫هللا وسالمه عليهم جاءوا بمعرفة هللا تعالى وما يجب له وما يجوز وما يستحيل عليه وان يبلغوا ذلك أممهم ‪ ،‬فكيف يخفى‬
‫ذلك على باطنهم ‪ ،‬وإختص بهم حتى يجهلوا قدرة هللا تعالى " أهـ ‪.‬‬

‫أقول ‪ :‬ومن ثم فقد أجمع أهل التفسير على أن قول الحواريين لم يخرج مخرج الشك في قدرة هللا تعالى ‪ ،‬وقد خرجوا‬
‫اآلية على مخارج شتى ‪ ،‬غالبها راجع على حمل اآلية على إحدى رواياتها ‪ .‬فاآلية وردت بروايتين ‪ ،‬األولــــى بلفظ ( هل‬
‫تستطيع ربك ) بالتاء وهي قراءة الكسائي ‪ ،‬وأيضا ً قراءة علي بن أبي طالب وعائشة ومعاذ وبن عباس وجماعة من‬
‫الصحابة وسعيد بن جبير ومجاهد من التابعين ( أنظر تفسير بن جرير الطبري‪/‬ج ‪ 11‬ص ‪. )218‬والقرطبي ( ج ‪ 6‬ص‬
‫‪. ) 364‬‬
‫والثانية بلفظ ( هل يستطيع ربك ) بالياء وكالهما حق ‪ ،‬وكالهم من عند هللا فأما من قرأها بقراءة الكسائي فقد ذهب‬
‫اإلشكال وإستقام المعنى الظاهر لآلية ‪ ،‬ويصبح معناها ‪ :‬هل تستطيع سؤال ربك ‪ ،‬أو ‪ :‬هل يجيبك هللا إن سألته ‪ ،‬و أما‬
‫من قرأها بالثانية فقد حمل معناها على ظاهر القراءة األولى وبما ال يتعارض معها ‪ ،‬وحقوقها حسب مقتضيات لغة العرب‬
‫المتنزل بها القرآن ‪ ،‬فكان لهم تأويالت عدة ‪ ،‬مجمعة كلها على تنـزيه الحواريين وتبرئتهم من نسبة الشك إلى قدرة هللا‬
‫إليهم ومن أراد استزادة مراجعة ما ذكره العلماء فيها ‪ ،‬فليراجع القرطبي عند تفسير سورة المائدة ‪ ،‬وكذا الطبري ـ‬
‫مجمع البيان ‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫اقوال العلماء في العذر بالجهل‬

‫هذه بعض اقوال العلماء مقتبسة من كتاب الحقائق الزالة الخلط الذي وقع في فهم اقوال ابن تيمية ومحمد ابن عبد الوهاب فهناك من‬
‫اخذ بعض اقوال الشيخين حجة على العذر بالجهل وهناك من اخذا قول الشيخين ايضا لتكفيرهما والعياذ باهلل‪..‬‬
‫يقول عبد اللطيف في المنهاج( فيمن يظن ويعتقد أن كالم أهل العلم وتقييدهم لقيام الحجة وبلوغ الدعوة ينفي اسم الكفر والشرك‬
‫والفجور ونحو ذلك من األفعال واألقوال التي سماها الشارع بتلك األسماء وقال إن عدم قيام الحجة ال يغير من األسماء الشرعية بل‬
‫يسمى ما سماه الشارع كفرا أو شركا أو فسقا باسمه الشرعي وال ينفي عنه وان لم يعاقب فاعلها إذا لم تقم عليه الحجة )‪.‬‬

‫قال الشيخ سليمان ابن عبد هللا ابن محمد ابن عبد الوهاب‪ (:‬إن النطق بها من غير معرفة معناها وال عمل بمقتضاها من التزام‬
‫التوحيد وترك الشرك والكفر بالطاغوت فان ذلك غير نافع باإلجماع ( في كتابه التيسير‪.‬‬

‫وقال الشيخ محمد بن حسن ابن محمد ابن عبد الوهاب رحمه هللا ‪(:‬اجمع العلماء سلفا وخلفا من الصحابة والتباعين واألئمة وجميع‬
‫أهل السنة أن المرء ال يكون مسلما إال بالتجرد من الشرك األكبر والبراءة منه) الدرر‪.11‬‬

‫وقال ابن القيم في تعليقه على آية الميثاق‪ (:‬وهذا يقتضي أن نفس العقل الذي به يعرفون التوحيد حجة في بطالن الشرك ال يحتاجون‬
‫في ذلك إلى رسول وهذا ال يناقض [وما كنا معذبين حتى نبعث رسوال] وقال فكون ذلك فاحشة وإثما وبغيا بمنزلة كون الشرك شركا‬
‫فهو في نفسه قبل النهي وبعده فمن قال إن الفاحشة واآلثام إنما صارت كذلك بعد النهي بمنزلة من يقول الشرك إنما صار شركا بعد‬
‫النهي وليس قبل ذلك ومعلوم أن هذا مكابرة صريحة للعقل والفطرة ) مدارج السالكين‪.1‬‬

‫‪56‬‬
‫نقل القاضي عياض في الشفاء في فصل ما هو من المقاالت كفر( على أن كل مقالة نفت الوحدانية أو صرحت بعبادة احد غير هللا أو‬
‫مع هللا فهي كفر بإجماع المسلمين)‪.‬‬

‫قال الشيخ محمد ابن عبد الوهاب في تاريخ نجد قال‪ (:‬أن الشرك عبادة غير هللا و الذبح والنذر له ودعاؤه قال وال اعلم أن أحدا من‬
‫أهل العلم يختلف في ذلك) بتصرف‪.‬‬

‫وقال الشيخ إسحاق ابن عبد الرحمن رحمه هللا‪ (:‬دعاء أهل القبور وسؤالهم واالستغاثة لهم لم يتنازع فيها المسلمون بل هي مجمع‬
‫على أنها من الشرك المكفر)رسالة تكفير المعين‪.‬‬

‫وقال الشيخ سليمان في التيسير‪ (:‬إجماع المفسرين على أن الطاعة في تحليل ما حرم هللا أو تحليل ما احل هللا انه عبادة لهم وشرك‬
‫طاعة)‪.‬‬

‫وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى‪(:4‬ولهذا كان كل من لم يعبد هللا فالبد أن يكون عابد لغيره فيكون مشركا وليس في بني ادم قسم‬
‫ثالث بل إما موحد وإما مشرك أو من خلط هذا بهذا كالمبدلين من أهل الملل والنصارى ومن أشبههم من الضالل المنتسبين إلى‬
‫اإلسالم )‪.‬‬

‫وقال الشيخ عبد الرحمن في شرحه ألصل اإلسالم وقاعدته وعبد اللطيف في المنهاج قاال من فعل الشرك فقد ترك التوحيد فانهما‬
‫ضدان ال يجتمعان ونقيضان ال يجتمعان وال يرتفعان‪.‬‬

‫وقال الشيخ أبا بطين تعليق على حديث اتخذوا أحبارهم وأربابهم من دون هللا قال‪(:‬ذمهم هللا وسماهم مشركين مع كونهم لم يعلموا‬
‫أن فعلهم هذا عبادة لهم فلم يعذروا) بالجهل الدرر‪.10‬‬

‫وقال الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن( بل إن أهل الفترة الذين لم تبلغهم الرسالة والقران وماتوا على الجاهلية ال يسمون مسلمين‬
‫باإلجماع وال يستغفر لهم وإنما اختلف أهل العلم في تعذيبهم في اآلخرة )‪.‬‬

‫قال أبناء الشيخ محمد ابن عبد الوهاب وحمد بن ناصر آل معمر( إذا كان يعمل بالكفر والشرك لجهله أو عدم من ينبهه ال نحكم‬
‫بكفره حتى تقوم عليه الحجة ولكن ال نحكم بأنه مسلم) الدرر‪.10‬‬

‫وقال عبد هللا وحسن أبناء الشيخ محمد ابن عبد الوهاب ‪(:‬من مات من أهل الشرك قبل بلوغ هذه الدعوة فالذي يحكم عليه انه إذا‬
‫كان معروفا بفعل الشرك ويدين به ومات على ذلك فهذا ظاهره انه مات على الكفر فال يدعى له وال يضحى له وال يتصدق عنه وأما‬
‫حقيقة أمره فإلى هللا تعالى فان قامت عليه الحجة فأمره إلى هللا تعالى) الدرر‪.10‬‬

‫ونقل األخوين عبد اللطيف وإسحاق ابني عبد الرحمن وابن سحمان نقلوا عن ابن القيم اإلجماع على أن أصحاب الفترات ومن لم‬
‫تبلغه الدعوة أن كال النوعين ال يحكم بإسالمهم وال يدخلون في مسمى المسلمين حتى عند من لم يكفر بعضهم وأما الشرك فهو‬
‫يصدق عليهم واسمه يتناولهم وأي إسالم يبقى مع مناقضة أصله وقاعدته الكبرى شهادة أن ال اله إال هللا‪.‬‬

‫وقال عبد الرحمن بن حسن ( الذي عليه شيخ اإلسالم وإخوانه من أهل السنة والجماعة من إنكار الشرك األكبر الواقع في زمانهم‬
‫وذكرهم األدلة من الكتاب والسنة على كفر من فعل هذا الشرك أو اعتقده) فتاوى األئمة النجدية‪.3‬‬

‫وقال( والعلماء رحمهم هللا تعالى سلكوا منهج االستقامة وذكروا باب حكم المرتد ولم يقل احد منهم انه إذا قال كفرا أو فعل كفرا وهو‬
‫ال يعلم انه يضاد الشهادتين انه ال يكفر بجهله وقد بين هللا في كتابه أن بعض المشركين جهال مقلدون فلم يرفع عنهم عقاب هللا‬
‫بجهلهم كما قال تعالى ومن الناس من يجادل في هللا بغير علم ويتبع كل شيطان مريد إلى قوله عذاب السعير) الدرر‪.11‬‬

‫قال ابن تيمية‪ (:‬اسم الشرك يثبت قبل الرسالة ألنه يشرك بربه ويعدل به )الفتاوى‪.20‬‬

‫قال الشيخ أبا بطين في تعليقه على كالم ابن تيمية قال‪ (:‬فقد جزم أي ابن تيمية في مواضيع كثيرة تكفير من فعل ما ذكره من أنواع‬
‫الشرك وحكى إجماع المسلمين على ذلك ولم يستثنى الجاهل ونحوه فمن خص الوعيد بالمعاند فقط واخرج الجاهل والمتاول والمقلد‬
‫فقد شاق هللا ورسوله وخرج عن المؤمنين والفقهاء يصدرون باب حكم المرتد بمن أشرك باهلل ولم يقيدوا ذلك بالمعاند وهذا أمر‬
‫واضح وهلل الحمد) رسالة االنتصار‬

‫‪57‬‬
‫العذر بالخطا‬

‫ومن الشبه لتي ياتون بها ايضا قولهم ان المخطىء من هذه األمة ولو عمل الكفر والشرك ما يكون صاحبه مشركا أو كافرا فإنه‬
‫يعذر بالجهل والخطأ حتى تتبين له الحجة التى يكفر تاركها بيا نا واضحا ‪....‬‬
‫اح فِي َما أَ ْخطَأْتُ ْم بِ ِه َولَ ِكنْ َما تَ َع َّمدَتْ قُلُوبُ ُك ْم َو َكانَ هَّللا ُ َغفُو ًرا َر ِحي ًم{وقوله‬ ‫س َعلَ ْي ُك ْم ُجنَ ٌ‬
‫أما األدلة التي ياتون بها قوله تعالى ‪َ } :‬ولَ ْي َ‬
‫أج َرا ِن‪َ ،‬وإ َذا‬
‫اب فَلَهُ ْ‬
‫َ َ‬‫ص‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫د‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫اج‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ا‬‫ح‬
‫َ َ َ ُِ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ح‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ذ‬ ‫إ‬ ‫)‬‫‪:‬‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫هللا‬ ‫صلى‬ ‫هللا‬ ‫رسول‬ ‫وبقول‬ ‫سينَا أَ ْو أَ ْخطَأْنَا{‬
‫تعالى ‪َ }:‬ربَّنَا اَل تُ َؤا ِخ ْذنَا إِنْ نَ ِ‬
‫ستُك ِرهُوا َعلَ ْي ِه )( ابن ماجه وابن حبان‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬
‫َ ْ َانُ َ َ ْ‬ ‫ي‬ ‫س‬‫ِّ‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫طأ‬ ‫َ‬
‫خ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫م‬
‫َّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫ع‬
‫َنْ‬ ‫ع‬ ‫ف‬‫ر‬
‫ُ ِ َ‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫وقوله‬ ‫‪.‬‬ ‫عليه)‬ ‫(متفق‬ ‫أجر)‬ ‫اجتَ َه َد فَأ َ ْخطَأ فَلَهُ ْ‬‫َح َك َم فَ ْ‬
‫والحاكم وصححه‪).‬‬

‫أقول وباهلل التوفيق‪ :‬إن هذه الرخصة ليست على عمومها بالكتاب والسنة وإجماع األمة وفهم الصحابة واألئمة من بعدهم‪.‬‬
‫أما أدلة الكتاب فهي‪:‬‬

‫‪.1‬قوله تعالى‪ }:‬أَنْ ت َْحبَطَ أَ ْع َمالُ ُك ْم َوأَ ْنتُ ْم اَل تَ ْ‬


‫ش ُعرُونَ {الحجرات‪2:‬ووجه الداللة ‪:‬حبوط األعمال مع عدم الشعور‪.‬‬

‫قال البخاري في كتاب التفسير‪َ :‬وأَ ْنتُ ْم اَل تَ ْ‬


‫ش ُعرُونَ وأنتم ال تعلمون‪.‬‬

‫فهذا النص ينص على أن العبد المسلم قد يأتي من األقوال أو األعمال أو األفعال ما يحبط عمله بهذا وهو ال يعلم ‪ ،‬والحبوط الكلي‬
‫للعمل ال يكون ‪ :‬إال بالكفر ‪ ،‬كما أن غفران الذنوب جميعها ً ال يكون إال بالتوبة وهذا من أصول أهل السنة ‪.‬‬
‫فهذه اآلية تنص على استثناء الكفر من عموم رخصة الخطأ‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫ستَ ْه ِزئُونَ ‪ .‬اَل تَ ْعتَ ِذ ُروا قَ ْد َكفَ ْرتُ ْم بَ ْع َد‬ ‫ب قُ ْل أَبِاهَّلل ِ َوآيَاتِ ِه َو َر ُ‬
‫سولِ ِه ُكنتُ ْم تَ ْ‬ ‫سأ َ ْلتَ ُه ْم لَيَقُولُنَّ إِنَّ َما ُكنَّا نَ ُخ ُ‬
‫وض َونَ ْل َع ُ‬ ‫‪2.‬قوله تعالى ‪َ } :‬ولَئِنْ َ‬
‫إِي َمانِ ُك ْم{ التوبة ‪66-65:‬‬

‫فهؤالء القوم قد قالوا ‪ :‬هذا القول الذي قد علموا حرمته ‪ ،‬ولم يقصدوا الكفر ‪ ،‬وظنوا أن الخوض واللعب يدرأ الكفر عن صاحبه‬
‫كاإلكراه وأن الكفر ال يكون إال مع العمد والجد ومع ذلك كفرهم الشرع ولم يقبل عذرهم ‪ ،‬فهؤالء مع جهلهم بكفرهم لم يعذروا‬
‫برخصة الخطأ فهذا النص أيضا ً يدل على استثناء الكفر من عموم رخصة الخطأ ‪.‬‬
‫ستَ ْه ِزئُونَ ‪ .‬اَل تَ ْعتَ ِذ ُروا قَ ْد َكفَ ْرتُ ْم بَ ْع َد إِي َمانِ ُك ْم فقد أمره أن يقول لهم ‪ :‬قد كفرتم بعد‬ ‫قال ابن تيمية }‪" :‬قُ ْل أَبِاهَّلل ِ َوآيَاتِ ِه َو َر ُ‬
‫سولِ ِه ُكنتُ ْم تَ ْ‬
‫إيمانك{ ‪،‬وقول من يقول عن مثل هذه اآليات ‪ :‬أنهم كفروا بعد إيمانهم بلسانهم مع كفرهم أوالً بقلوبهم ‪ ،‬ال يصح ألن اإليمان باللسان‬
‫مع كفر القلب قد قارنه الكفر فال يقال قَ ْد َكفَ ْرتُ ْم بَ ْع َد إِي َمانِ ُك ْم فإنهم لم يزالوا كافرين في نفس األمر ‪ ،‬وإن أريد أنكم أظهرتم الكفر بعد‬
‫إظهاركم اإليمان ‪ ،‬فهم لم يظهروا للناس إال لخواصهم ‪ ،‬وهم مع خواصهم ما زالوا هكذا ‪...‬‬

‫ب فاعترفوا واعتذروا ‪،‬ولهذا قيل اَل تَ ْعتَ ِذ ُروا قَ ْد َكفَ ْرتُ ْم بَ ْع َد إِي َمانِ ُك ْم{ ‪..‬‬ ‫سأ َ ْلتَ ُه ْم لَيَقُولُنَّ إِنَّ َما ُكنَّا نَ ُخ ُ‬
‫وض َونَ ْل َع ُ‬ ‫} َولَئِنْ َ‬

‫فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفراً بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر‪ .‬فبين أن االستهزاء باهلل وآياته ورسوله كفر يكفر به‬
‫صاحبه بعد إيمانه ‪ ،‬فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف ففعلوا هذا المحرم الذي عرفوا أنه محرم ‪ ،‬ولكن لم يظنوه كفراً وكان‬
‫كفراً كفروا به فإنهم لم يعتقدوا جوازه ‪،‬وهكذا قال غير واحد من السلف‪:‬في صفة المنافقين الذين ضرب لهم المثل في سورة البقرة‬
‫أنهم أبصروا ثم عموا وعرفوا ثم أنكروا وآمنوا ثم كفروا ‪ .‬وكذلك قال قتادة ومجاهد ‪ :‬ضرب المثل إلقبالهم على المؤمنين وسماعهم‬
‫ما جاء به الرسول وذهاب نورهم ( مجموع الفتاوى ‪:‬ج‪7‬ص‪(272‬‬

‫‪3.‬قوله تعالى‪} :‬أَاَل ِإنَّ ُه ْم ُه ْم ا ْل ُم ْف ِ‬


‫سدُونَ َولَ ِكنْ اَل يَ ْ‬
‫ش ُعرُونَ {البقرة ‪12:‬‬

‫وقوله تعالى‪} :‬أَاَل إِنَّ ُه ْم ُه ْم ال ُّ‬


‫سفَ َها ُء َولَ ِكنْ اَل يَ ْعلَ ُمونَ { البقرة ‪13:‬‬

‫ش ُعرُونَ { البقرة ‪9:‬‬ ‫وقوله تعالى} ‪َ :‬و َما يَ ْخ َدعُونَ إِاَّل أَنفُ َ‬
‫س ُه ْم َو َما يَ ْ‬

‫قال اإلمام الشنقيطي عند تفسير هذه اآليات ‪ ":‬واآلية التي نحن بصددها وإن كانت في المنافقين ‪،‬فالعبرة بعموم األلفاظ ال بخصوص‬
‫األسباب ‪ (".‬أضواء البيان ‪(.‬‬

‫قال اإلمام الطبري ‪ " :‬وفي هذه اآلية من أوضح الدليل على تكذيب هللا جل ثناؤه قول الزاعمين أن هللا ال يعذب من عباده إال من كفر‬
‫به عناداً بعد علمه بوحدانيته وبعد تقرر صحة ما عاند ربه تبارك وتعالى عليه من توحيده واإلقرار بكتبه ورسله عنده ‪ .‬ألن هللا جل‬
‫ثناؤه قد أخبر عن الذين وصفهم بما وصفهم به من النفاق وخداعهم إياه والمؤمنين أنهم ال يشعرون أنهم مبطلون فيما هم عليه من‬
‫الباطل مقيمون ‪ ،‬وأنهم بخداعهم الذي يحسبون أنهم به يخادعون ربهم وأهل اإليمان به مخدوعون وأخبر تعالى ذكره ‪ :‬أن لهم‬
‫عذابا ً أليما ً بتكذيبهم بما كانوا يكذبون من نبوة نبيه واعتقاد الكفر به ‪ ،‬وبما كانوا في زعمهم أنهم مؤمنون وهم على الكفر‬
‫مصرون ‪ ".‬تفسير الطبري‬
‫يتبين من ذلك أن كل من كان على عمل فاسد يظنه صالحا ً وأنه بهذا العمل من صفوة هللا من خلقه وهو في حقيقة األمر ال يزداد به‬
‫من هللا إال بعداً ومقتا ً تشمله هذه اآليات سواء كان هذا العمل ابتداع أم إشراك باهلل وهؤالء األجناس جميعا ً يحسبون أنهم على‬
‫شيء ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫اَل‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫سبُونَ أن ُه ْم َعلى ش َْي ٍء أ إِن ُه ْم ُه ْم‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫هَّللا‬ ‫ُ‬
‫ولهذا يقول جل ثناؤه ‪} :‬يَ ْو َم يَ ْب َعث ُه ْم ُ َج ِميعا فيَ ْحلِفونَ لهُ ك َما يَ ْحلِفونَ لك ْم َويَ ْح َ‬
‫ا ْلكَا ِذبُونَ {(المجادلة ‪18:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اح فِي َما أ ْخطأتُ ْم بِ ِه َولَ ِكنْ َما تَ َع َّمدَتْ‬‫س َعلَ ْي ُك ْم ُجنَ ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سينَا أ ْو أ ْخطأنَا{ وقوله تعالى} ‪َ :‬ولَ ْي َ‬‫َ‬ ‫اخذنَا إِنْ نَ ِ‬‫ْ‬ ‫أما االحتجاج باآليتين } َربَّنَا اَل تُؤَ ِ‬
‫قُلُوبُ ُك ْم{‬

‫فيقال ‪ :‬إن هذه رخصة ألهل القبلة ومعلوم أن وصف أهل القبلة ال يكون إال لعبد موحد متحنف كفر بكل ما يعبد من دون هللا وترك‬
‫الشرك عن علم وقصد ‪ ،‬ووحد هللا الواحد القهار ‪ ،‬فهذا هو الذي يترخص برخص أهل القبلة أما المشرك والكافر فليس من أهل‬
‫سو ُل بِ َما أُن ِز َل إِلَ ْي ِه ِمنْ َربِّ ِه‬ ‫القبلة ‪ .‬والدليل على ذلك أن رخصة الخطأ جاءت بعد سياق تحقيق اإليمان بقوله تعالى‪ }:‬آ َمنَ ال َّر ُ‬
‫صي ُر‪ .‬اَل‬ ‫س ِم ْعنَا َوأَطَ ْعنَا ُغ ْف َرانَ َك َربَّنَا َوإِلَ ْي َك ا ْل َم ِ‬ ‫ق بَيْنَ أَ َح ٍد ِمنْ ُر ُ‬
‫سلِ ِه َوقَالُوا َ‬ ‫سلِ ِه اَل نُفَ ِّر ُ‬‫َوا ْل ُمؤْ ِمنُونَ ُك ٌّل آ َمنَ بِاهَّلل ِ َو َماَل ئِ َكتِ ِه َو ُكتُبِ ِه َو ُر ُ‬
‫سينَا أَ ْو أَ ْخطَأْنَا{‪...‬‬
‫سبَتْ َربَّنَا اَل تُؤَ ا ِخ ْذنَا إِنْ ن َِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬
‫ك‬ ‫ا‬ ‫ا‬‫م‬‫سبَتْ َو َعلَ ْي َ َ‬
‫ا‬‫ه‬ ‫س َع َها لَ َها َما َك َ‬ ‫سا إِاَّل ُو ْ‬ ‫يُ َكلِّفُ هَّللا ُ نَ ْف ً‬

‫فمن السياق يعلم أن رخصة الخطأ هي ‪ :‬فيما دون ذلك القدر من التوحيد واإليمان الذي هو أصل الدين وهذا كالحديث الذي في‬
‫البخاري أن رسول هللا قال وحوله عصابة من أصحابه ‪ ( :‬بايعوني على أن ال تشركوا باهلل شيئا ً وال تسرقوا وال تزنوا وال تقتلوا‬
‫أوالدكم ‪ ....‬فمن وفى منكم فأجره على هللا ومن أصاب من ذلك شيئا ً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له ( …‬
‫قال الحافظ ‪ :‬قال النووي ‪ " :‬عموم هذا الحديث مخصوص بقوله تعالى ‪} :‬إن هللا ال يغفر أن يشرك به { ‪.‬فالمرتد إذا قتل على‬
‫ارتداده ال يكون القتل له كفارة ‪.‬‬
‫قلت‪ ( :‬أي الحافظ ) وهذا بناء على أن قوله (من ذلك شيئا ً )يتناول جميع ما ذكره وهو ظاهر‪ " .‬اهـ (فتح الباري ج‪1‬ص‪(83-81‬‬

‫‪59‬‬
‫ثم أخذ الحافظ يذكر تأويالت العلماء في هذا ورجح كالم اإلمام النووي‪.‬‬
‫وهذا ألن عمومات تحريم الشرك وعدم غفرانه هذه العمومات المكية المحفوظة تخصص جميع الرخص ألهل القبلة ألنهم ما‬
‫استحقوا هذا الوصف إال بتحقيق التوحيد وخلع عبادة وتأله كل ما يعبد من دون هللا ‪.‬‬
‫سينَا أَ ْو أَ ْخطَأْنَا{ وهذا تعليم من هللا عز وجل عباده المؤمنين دعاءه‬ ‫اخ ْذنَا إِنْ نَ ِ‬‫قال الطبري إمام المفسرين في قوله تعالى ‪َ :‬ربَّنَا اَل تُ َؤ ِ‬
‫كيف يدعونه وما يقولون في دعائهم إياه ‪ .‬ومعناه ‪ :‬قولوا ربنا ال تؤاخذنا إن نسينا شيئا ً فرضت علينا عمله فلم نعمله أو أخطأنا في‬
‫فعل شئ نهيتنا عن فعله ففعلناه على غير قصد منا إلى معصيتك ولكن على جهالة منا به وخطأ ‪".‬‬
‫سينَا أَ ْو أَ ْخطَأْنَا{ إن نسينا شيئا ً مما افترضته علينا أو أخطأنا شيئا‬‫وساق بسنده عن ابن زيد في قوله تعالى} ‪َ :‬ربَّنَا اَل تُؤَ ا ِخ ْذنَا إِنْ نَ ِ‬
‫مما حرمته علينا ‪......‬‬

‫إن قال لنا قائل‪ :‬وهل يحوز أن يؤاخذ هللا عز وجل عباده بما نسوا أو أخطئوا فيسألوه أن ال يؤاخذهم بذلك ؟ قيل‪ :‬إن النسيان على‬
‫وجهين‪ :‬أحدهما‪ :‬على وجه التضييع من العبد والتفريط ؛ واآلخر‪ :‬على وجه عجز الناسي عن حفظ ما استحفظ ‪ ،‬ووكل به وضعف‬
‫عقله عن احتماله ‪ ،‬فأما الذي يكون من العبد على وجه التضييع منه والتفريط ‪ ،‬فهو ترك منه لما أمر بفعله ‪ ،‬فذلك الذي يرغب العبد‬
‫إلى هللا عز وجل في تركه مؤاخذته به ‪ ،‬وهو النسيان الذي عاقب هللا عز وجل به آدم ‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فأخرجه من الجنة‬
‫س َي َولَ ْم نَ ِج ْد لَهُ ع َْزما ً (طه ‪ 115 :‬وهو النسيان الذي قال جل ثناؤه } فَا ْليَ ْو َم نَن َ‬
‫سا ُه ْم َك َما‬ ‫فقال في ذلك َولَقَ ْد َع ِه ْدنَا إِلَى آ َد َم ِمنْ قَ ْب ُل فَنَ ِ‬
‫سينَا أَ ْو‬ ‫اخ ْذنَا إِنْ ن َِ‬
‫ِ‬ ‫ؤ‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫اَل‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ب‬
‫َ َّ‬‫ر‬ ‫‪}:‬‬ ‫بقوله‬ ‫وجل‬ ‫عز‬ ‫هللا‬ ‫إلى‬ ‫العبد‬ ‫فرغبة‬ ‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫‪51‬‬ ‫‪:‬‬ ‫األعراف‬ ‫{‬ ‫سوا لِقَا َء يَ ْو ِم ِه ْم َه َذا َو َما كَانُوا بِآيَاتِنَا يَ ْج َحدُونَ‬
‫نَ ُ‬
‫أَ ْخطَأْنَا{ فيما كان من نسيان منه لما أمر بفعله على هذا الوجه الذي وصفنا ما لم يكن تركه ما ترك من ذلك تفريطا ً منه فيه وتضييعا ً‬
‫كفراً باهلل عز وجل فإن ذلك إذ كان كفراً باهلل فإن الرغبة إلى هللا في تركه المؤاخذة به غير جائزة ألن هللا عز وجل قد أخبر عباده أنه‬
‫ال يغفر لهم الشرك به ‪ ،‬فمسألته فعل ما قد أعلمه أنه ال يفعله خطأ ‪ .‬وإنما تكون مسألته المغفرة فيما كان من مثل ‪ :‬نسيانه القرآن‬
‫بعد حفظه بتشاغله عنه وعن قراءته ومثل نسيانه صالة أو صياما ً باشتغاله عنهما بغيرهما حتى ضيعهما‪ .‬وأما الذي العبد به غير‬
‫مؤاخذ لعجز بنيته عن حفظه‪ ،‬وقلة احتمال عقله ما وكل بمراعاته‪ ،‬فإن ذلك من العبد غير معصية‪ ،‬وهو به غير آثم‪ ،‬فذلك الذي ال‬
‫وجه لمسألة العبد ربه أن يغفره له‪ ،‬ألنه مسألة منه له أن يغفر له ما ليس له بذنب‪ ،‬وذلك مثل األمر يغلب عليه‪ ،‬وهو حريص على‬
‫تذكره وحفظه‪ ،‬كالرجل يحرص على حفظ القرآن بجد منه‪ ،‬فيقرؤه‪ ،‬ثم ينساه بغير تشاغل منه بغيره عنه‪ ،‬ولكن بعجز بنيته عن‬
‫حفظه وقلة احتمال عقله‪ ،‬ذكر ما أودع قلبه منه‪ ،‬وما أشبه ذلك من النسيان‪ ،‬فإن ذلك مما ال يجوز مسألة الرب مغفرته‪ ،‬ألنه ال ذنب‬
‫للعبد فيه‪ ،‬فيغفر له باكتسابه‪.‬‬
‫وكذلك للخطأ وجهان ‪ :‬أحدهما ‪ :‬من وجه ما نهى عنه العبد فيأتيه بقصد منه وإرادة فذلك خطأ منه وهو به مأخوذ ‪ ..........‬وهذا‬
‫الوجه الذي يرغب العبد إلى ربه في صفح ما كان منه من إثم عنه إال ما كان من ذلك كفراً‪ ".‬اهـ‬
‫أقول ‪ :‬فهذا تأويل إمام المفسرين لهذا النص ‪ ،‬فقد نص إمام المفسرين على أن رخصة الخطأ والنسيان هي فيما هو دون الكفر وذلك‬
‫لخبر هللا لنا} ‪ ( :‬إن هللا ال يغفر أن يشرك به{ ‪.‬وذلك ألن أهل القبلة هم الذين ‪ :‬تابوا من الشرك والتزموا الشرائع كما في قوله تعالى}‬
‫ِّين {التوبة ‪ .)11:‬قال حبر األمة ابن عباس رضي هللا عنهما ‪" :‬حرمت هذه‬ ‫‪ :‬فَإِنْ تَابُوا َوأَقَا ُموا ال َّ‬
‫صاَل ةَ َوآت َْوا ال َّزكَاةَ فَإِ ْخ َوانُ ُك ْم فِي الد ِ‬
‫اآلية دماء أهل القبلة ‪ .‬راجع أحكام القرآن للقرطبي ‪.‬‬

‫فهذا وصف أهل القبلة ‪ :‬اإلنخالع من الشرك والتزام الشرائع ‪ ،‬فهذا هو الذي يترخص برخص أهل القبلة ‪ ،‬أم المشرك فقد بان عن‬
‫وصف أهل القبلة فال يتمتع برخصها ‪.‬‬
‫قال ابن تيمية رحمه هللا " في قول النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ( :‬إن هللا تجاوز ألمتي عما حدثت بها أنفسها ما لم تكلم به أو تعمل‬
‫به ) ‪ .‬والعفو عن حديث النفس إنما وقع ألمة محمد ‪ ،،‬المؤمنين باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر فعلم أن هذا العفو هو‬
‫فيما يكون من األمور التي ال تقدح في اإليمان‪ .‬فأما ما نافى اإليمان فذلك ال يتناوله لفظ الحديث‪ ،‬ألنه إذا نافى اإليمان لم يكن صاحبه‬
‫من أمة محمد في الحقيقة ويكون بمنزلة المنافقين ‪ ،‬فال يجب أن يعفى عما في نفسه من كالمه أو عمله وهذا فرق بيِّن يدل عليه‬
‫الحديث وبه تأتلف األدلة الشرعية ‪.‬وهذا كما عفا هللا لهذه األمة عن الخطأ والنسيان كما دل عليه الكتاب والسنة ‪.‬فمن صح إيمانه‬
‫عفي له عن الخطأ والنسيان وحديث النفس كما يخرجون من النار بخالف من ليس معه اإليمان فإن هذا لم تدل النصوص على ترك‬
‫مؤاخذته بما في نفسه وخطأه ونسيانه ‪ ".‬اهـ مجموع الفتاوى ج‪10‬ص‪760‬‬
‫فهذا نص ابن تيمية صريح في أن العبد الذي يتمتع برخص أهل القبلة هو من صح إيمانه وأن العفو يكون في األمور التي ال تناقض‬
‫اإليمان ‪ .‬أما الكافر والمشرك ومن فسد إيمانه من أهل القبلة فهؤالء لم يتناولهم لفظ الحديث وبهذا التأويل تأتلف األدلة الشرعية‬
‫وبهذا انتهى اإلستدالل من الكتاب ‪.‬‬
‫أما اإلستدالل من السنة ‪:‬‬
‫الحديث األول ‪ :‬عن أبي سلمة عطاء بن يسار أنهما أتيا أبا سعيد الخدري فسأاله عن الحرورية هل سمعت رسول هللا يذكرها ؟ قال‬
‫‪:‬ال أدري من الحرورية ولكني سمعت رسول هللا يقول ‪ ":‬يخرج في هذه األمة ( ولن يقل منها ) قوم تحقرون صالتكم مع صالتهم‬
‫فيقرءون القرآن ال يجاوز حلوقهم أو حناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية فينظر الرامي إلى سهمه إلى نصله إلى‬
‫رصافه فيتمارى في الفوقة هل علق بها من الدم شيء ‪ " ...‬مسلم‬
‫وفي رواية ‪ " :‬يخرج قوم من أمتي يقرءون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء وال صالتكم إلى صالتهم بشيء وال صيامكم‬
‫إلى صيامهم بشيء يقرءون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم ال تجاوز صالتهم تراقيهم يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من‬
‫الرمية " وفي رواية ‪ " :‬يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ثم ال يعودون فيه هم شر الخلق والخليقة " مسلم‬
‫" فيقرءون القرآن ال يجاوز حلوقهم أو حناجرهم " قال النووي ‪ :‬قال القاضي فيه تأويالن أحدهما معناه ‪ :‬ال تفقهه قلوبهم وال‬
‫ينتفعون بما تلوا منه وال لهم حظ سوى تالوة الفم والحنجرة والحلق إذ بهما تقطيع الحروف ‪ .‬والثاني معناه‪ :‬ال يصعد لهم عمل وال‬
‫تالوة وال يتقبل‪ " .‬شرح النووي ج‪7‬ص ‪159‬‬
‫فهذه األحاديث تحدثنا عن قوم بسبب جهلهم وتأويلهم الفاسد أحدثوا اعتقاداً ظنوا به أنهم صفوة هللا من خلقه وأنهم المقبولون به‬

‫‪60‬‬
‫عند بارئهم ‪،‬وكانوا على عبادة عظيمة ‪ .‬ومع ذلك فقد اتفق على ذمهم وتضليلهم ‪ .‬فمع تأويلهم وجهلهم اتفقت األمة على إثمهم ولم‬
‫يعذروهم برخصة الخطأ ‪.‬‬
‫وقد قال إمام المفسرين اإلمام الطبري فيهم ‪ ":‬ومن المعلوم أنهم لم يرتكبوا استحالل دماء المسلمين وأموالهم إال بخطأ منهم فيما‬
‫تأولوه من آيات القرآن على غير المراد منه ‪ ".‬اهـ فتح الباري‬
‫فهذا الحديث نص في أن رخصة الخطأ ليست على عمومها فثبت لها التخصيص‪ .‬وهذا إما أن يكون في الفروع أو في أصول االعتقاد‬
‫أو في أصل الدين الذي هو ‪ :‬التوحيد وترك الشرك فإن كان التخصيص للفروع فهو أيضا ً لألصول االعتقادية ومن باب أولى ألصل‬
‫الدين ‪ .‬وإن ثبت أن التخصيص ألصل الدين فال يلزم من ذلك أن يكون لألصول اإلعتقادية فضال عن فروع الشريعة ففي جميع‬
‫اإلحتماالت ثبت التخصيص لعموم رخصة الخطأ ‪ :‬للتوحيد وترك الشرك الذي هو ‪ :‬أصل الدين‪.‬‬
‫الحديث الثاني ‪ :‬أخرج البخاري في صحيحه ( ‪ ...‬وأما المنافق والكافر فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول‪ :‬ال أدري كنت‬
‫أقول ما يقوله الناس‪)...‬‬
‫قال الحافظ ‪" :‬وفيه ذم التقليد في اإلعتقادات لمعاقبة من قال ‪ :‬كنت أسمع الناس يقولون شيئا ً فقلته ‪ ".‬اهـ فتح الباري كتاب الجنائز‬
‫ج‪3‬ص‪284‬‬
‫أقول ‪ :‬ومن المعلوم أن المقلد جاهل مخطأ إلى أنه غير معذور بجهله بالتقليد في اإلعتقادات الباطلة ولم يعذر بالخطأ ‪.‬‬
‫الحديث الثالث ‪ :‬أخرج البخاري في صحيحه ( ‪ ....‬وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط هللا ال يلقي لها باالً يهوي بها في جهنم )‪ .‬وفي‬
‫رواية وهي في الصحيحين ( ما يتبين ما فيها‪.) ....‬‬
‫وأخرج الترمذي هذا الحديث من طريق محمد بن اسحاق ‪ ...‬بلفظ ( ال يرى بها بأسا ً يهوي بها في النار سبعين خريفا ( فتح الباري‬
‫ج‪11‬ص‪318-314‬‬
‫أقول ‪ :‬فهذا الحديث في الرجل يتكلم بالكلمة من سخط هللا ما يتبين ما فيها من المعصية والتعدي ‪،‬يهوى بها في جهنم سبعين خريفا ً‬
‫ولم يعذر بالجهل والخطأ ‪.‬‬
‫قال الشيخ العز بن عبد السالم‪ ":‬هي الكلمة التي‪ :‬ال يعرف القائل حسنها من قبحها‪ .‬قال‪ :‬فيحرم على اإلنسان أن يتكلم بما ال يعرف‬
‫حسنه من قبحه" (فتح الباري ج‪11‬ص‪318‬‬
‫واألحاديث في هذا المقام كثيرة ولوال خشية اإلطالة ألتيت بها وبتفسير السلف الصالح لها ‪.‬‬
‫وأما اإلجماع ‪:‬‬
‫قال القاضي عياض ‪ ":‬وذهب عبيد هللا بن الحسن العنبري إلى تصويب أقوال المجتهدين في أصول الدين فيما كان عرضة للـتأويل‬
‫وفارق في ذلك فرق األمة إذ أجمعوا سواه على أن الحق في أصول الدين واحد والمخطأ فيه آثم عاص فاسق وإنما الخالف في‬
‫تكفيره ‪ ".‬اهـ (الشفاء بشرح نور الدين القاري ج‪5‬ص‪)393‬‬
‫فهذا إجماع على أن المخطئ في أصول الدين آثم عاص فاسق والخالف في تكفيره ‪ .‬فاألمة اتفقت وأجمعت على أن رخصة الخطأ‬
‫فيما دون أصول الدين ‪ .‬والمقصود بأصول الدين هو ‪ :‬أصول إعتقاد أهل السنة مثل ‪ :‬اإليمان قول وعمل وأن هللا في السماء ورؤية‬
‫هللا في اآلخرة وأن القرآن كالم هللا غير مخلوق ‪......‬‬
‫ً‬
‫فهذا الذي يخالفهم فيه مخطئ آثم مختلف في تكفيره ويكون مبتدعا لمخالفة أصول اإلعتقاد عند أهل السنة التي وقع عليها اإلجماع‬
‫وليس المقصود بذلك (أي ‪:‬الخالف في تكفير صاحبه )‪ :‬التوحيد وترك الشرك ‪ .‬لذلك قيده القاضي بقوله‪" :‬فيما كان عرضة‬
‫للتأويل" بخالف التوحيد فهذا أصل األصول وهو أصل الدين‪.‬‬
‫قال صاحب عون المعبود ‪ " :‬وقال عبد الرحمن أيضا ً ‪ :‬سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركنا‬
‫السلف عليه وما يعتقدون من ذلك ؟ ‪ .‬فقال‪ :‬أدركنا العلماء في جميع األمصار حجازاً وعراقا ً ومصراً وشاما ً ويمنا ً فكان مذهبهم ‪ :‬أن‬
‫اإليمان ‪ :‬قول وعمل يزيد وينقص ‪ ،‬والقرآن كالم هللا غير مخلوق بجميع جهاته ‪ ،‬والقدر خيره وشره من هللا وأن بال كيف‪‬هللا‬
‫تعالى على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله أحاط بكل شئ علما ً و ( ليس كمثله شئ وهو‬
‫السميع البصير ) اهـ ( عون المعبود شرح سنن أبي داود ج‪13‬ص‪.48‬‬
‫فهذه هي أصول اإلعتقاد وأصول الدين التي اختلف السلف في تكفير من خالفها من أهل البدع بعضهم رجح التكفير والجمهور على‬
‫عدم تكفيرهم بشرط ان يكونوا موحدين ملتزمين بالشرائع ‪.‬‬
‫قال الحافظ تعليقا ً على حديث ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال هللا )‪ .‬قال ‪" :‬ويؤخذ منه ترك تكفير أهل البدع‬
‫المقرين بالتوحيد الملتزمين بالشرائع ‪ ".‬اهـ فتح الباري ج‪1‬ص‪97‬‬
‫أقول‪ :‬فهذا ما اتفق عليه سلف األمة أن المبتدع المختلف في تكفيره من هذه األمة هو من كان موحداً ملتزما ً للشرائع ‪.‬‬
‫أما حديث ( إذا اجتهد الحاكم فأصاب‪ .) ....‬فأقول ‪ :‬اإلجتهاد يكون ‪ :‬في الفروع وليس في األصول اإلعتقادية فضال عن أصل الدين‬
‫وأيضا ً في الفروع التي ليس عليها قاطع من الشرع ‪ .‬فال يجوز أن يجتهد في عدد ركعات الصالة وفرضها وال في وجوب الحج‬
‫والصيام وحرمة الفواحش التي عليها قاطع من الشرع‪.‬‬
‫فمحل اإلجتهاد في جزء يسير في الشريعة فهو في ‪ :‬الفروع العملية التي ليست عليها قاطع من الشرع ‪.‬وأما المجتهد فال بد أن يكون‬
‫جامعا ً آللة اإلجتهاد فإن لم يكن جامعا ً آللة اإلجتهاد فهو آثم لقول النبي صلى هللا عليه وسلم في الحديث القضاة ثالثة ‪ :‬اثنان في‬
‫النار منهم من قضى على جهل ‪ ،‬فهو في النار ‪ ،‬فهناك شرطان حتى يؤجر المجتهد المخطئ ‪.‬‬
‫أولهما ‪ :‬أن يكون عالما ً جامعا ً آللة اإلجتهاد ‪ .‬فالجاهل لم تأذن له الشريعة في اإلجتهاد البتة ‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يجتهد في الفروع العملية الظنية التي ليس عليها قاطع من الشرع‪ .‬فإن الشريعة قد أحكمت التوحيد وهو أصل الدين‬
‫وكذلك أصول اإلعتقاد وكذلك كثير من الفروع العملية كالفرائض وحرمة الفواحش ‪ ،‬فهذه ليس فيها اجتهاد وال مأذون لإلجتهاد فيها‬
‫للمجتهد الجامع آللة اإلجتهاد ‪ ،‬فضال على الجاهل ‪.‬‬
‫فمن اجتهد فيها فهو آثم ال ريب كمن اجتهد فيما أذن الشرع فيه إال أنه غير جامع آللة اإلجتهاد فهذا أيضا ً آثم ال شك في ذلك ‪ .‬وهذا‬
‫القدر متفق عليه بين سلف األمة وأئمتها كما نقل القاضي عياض اإلجماع عليه ‪.‬‬
‫قال اإلمام النووي تعليقا ً على الحديث ( إذا اجتهد الحاكم‪ ) ..‬فقال ‪ ":‬قال العلماء ‪ :‬أجمع المسلمون على أن هذا الحديث في حاكم‬

‫‪61‬‬
‫عالم أهل للحكم فإن أصاب فله أجران أجر باجتهاده وأجر بإصابته وإن أخطأ فله أجر باجتهاده ‪ ،‬وفي الحديث محذوف تقديره إذا‬
‫أراد الحاكم فاجتهد قالوا ‪ :‬فأما من ليس بأهل للحكم فال يحل له الحكم فإن حكم فال أجر له بل هو آثم وال ينفذ حكمه سواء وافق الحق‬
‫أم ال ‪ ،‬ألن إصابته إتفاقية ليست صادرة عن أصل شرعي فهو عاص في جميع أحكامه سواء وافق الصواب أم ال وهي مردودة كلها‬
‫وال يعذر في شئ من ذلك وقد جاء في الحديث في السنن ‪ ":‬القضاة ثالثة قاض في الجنة واثنان في النار وقاض قضى على جهل‬
‫فهو في النار ‪ ( ".‬ثم أخذ يتكلم عن مسألة هل كل مجتهد مصيب أم المصيب واحد إلى أن قال وهذا اإلختالف إنما هو‪:‬في اإلجتهاد‬
‫في الفروع فأما أصول التوحيد فالمصيب فيها واحد بإجماع من يعتدي به" اهـ (مسلم شرح النووي ج‪12‬ص‪13‬‬
‫وقال صاحب عون المعبود تعليقا ً على الحديث قال ‪ " :‬قال الخطابي ‪ :‬إنما يؤجر المخطئ على اجتهاده في طلب الحق ‪ .‬ألن اجتهاده‬
‫عبادة وال يؤجر على الخطأ بل يوضع عنه اإلثم فقط ‪ .‬وهذا فيمن كان جامعا ً آللة اإلجتهاد عارفا ً باألصول عالما ً بوجوه القياس ‪،‬‬
‫فأما من لم يكن محالً لإلجتهاد فهو متكلف وال يعذر بالخطأ بل يخاف عليه الوزر ويدل عليه قوله صلى هللا عليه وسلم ‪" :‬القضاة‬
‫ثالثة واحد في الجنة واثنان في النار " ‪ .‬وهذا إنما هو ‪ :‬في الفروع المحتملة للوجوه المختلفة دون األصول التي هي أركان‬
‫الشريعة وأمهات األحكام التي ال تحتمل الوجوه وال مدخل فيها للتأويل ‪ ،‬فإن من أخطأ فيها كان غير معذور في الخطأ وكان حكمه في‬
‫ذلك مردود ‪ ".‬اهـ ‪ .‬عون المعبود ج‪9‬ص‪489-488‬‬
‫أقول ‪ :‬ويراجع أيضا ً فتح الباري وغيرها من كتب الحديث ‪.‬‬
‫وقال اإلمام الشوكاني نقال عن الغزالي ‪ :‬في تعريف اإلجتهاد قال ‪ ":‬فهو ‪ :‬استفراغ الوسع في النظر فيما ال يلحقه فيه لوم مع‬
‫استفراغ الوسع فيه وهو ‪ :‬سبيل مسائل الفروع ولهذا تسمى هذه المسائل ‪ :‬مسائل اإلجتهاد والناظر فيها مجتهداً وليس هكذا حال‬
‫األصول ‪ .‬انتهى ‪.......‬‬
‫ومنهم من قال ‪ :‬هو استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعي فزاد قيد الظن ألنه ال إجتهاد في القطعيات ‪ ...........‬وإذا‬
‫عرفت هذا ( كالم اإلمام الشوكاني ) فالمجتهد ‪ :‬هو الفقيه المستفرغ لوسعه لتحصيل ظن بحكم شرعي ‪:‬‬
‫وإذا عرفت معنى اإلجتهاد والمجتهد فاعلم ان المجتهد فيه ‪ :‬هو الحكم الشرعي العملي ‪.‬‬
‫قال في المحصول‪ :‬المجتهد فيه ‪ :‬هو كل حكم شرعي ليس فيه دليل قاطع واحترزنا بالشرعي عن العقليات ومسائل الكالم ‪ ،‬وبقولنا‬
‫ليس فيه دليل قاطع عن وجوب الصلوات الخمس والزكاة وما اتفقت عليه األمة من جليات الشريعة‪ ..‬المسألة السابعة ‪ :‬اختلفوا في‬
‫المسائل التي كل مجتهد فيها مصيب ‪ ،‬والمسائل التي ألحق فيها مع واحد من المجتهدين وتلخيص الكالم في ذلك يحصل في‬
‫فرعين ‪:‬الفرع االول ‪:‬العقليات وهي على أنواع ‪:‬‬
‫النوع األول ‪ :‬ما يكون الغلط فيه مانعا ً من معرفة هللا ورسوله كما في اثبات العلم بالصانع والتوحيد والعدل ‪ .‬قالوا فهذه الحق فيها‬
‫واحد فمن أصابه أصاب الحق ومن أخطأه فهو كافر‪.‬‬
‫النوع الثاني ‪ :‬مثل مسألة الرؤية وخلق القرآن وخروج الموحدين من النار وما يشابه ذلك ‪ ،‬فالحق فيها واحد فمن أصابه فقد أصاب‬
‫‪،‬ومن أخطأه فقيل ‪ :‬يكفر ‪ ،‬ومن القائلين بذلك الشافعي فمن أصحابه من حمله على ظاهره ومنهم من حمله على كفران النعمة ‪".‬‬
‫اهـ‪ .‬ارشاد الفحول ص‪-259-250‬باب اإلجتهاد‬
‫أقول ‪ :‬فهذا المعنى مستقر في كتب شروح السنة وكتب أصول الفقه‪.‬‬
‫وهو أن المجتهد البد أن يكون جامعا ً آللة االجتهاد ‪ ،‬والمجتهد فيه الفروع العملية التي ليس عليها قاطع ‪ ،‬فكيف يستقيم هذا مع من‬
‫سينَا أَ ْو أَ ْخطَأْنَا‪{ ....‬سبحانك هذا‬ ‫يقول بأن المشرك المجتهد معذور لحديث ( اذا اجتهد الحاكم) ولقوله تعالى‪َ }:‬ربَّنَا اَل تُ َؤا ِخ ْذنَا إِنْ نَ ِ‬
‫بهتان عظيم‪.‬‬
‫فالمشرك ليس من أهل القبلة ‪ ،‬وليس بجامع آللة االجتهاد ‪،‬واجتهد فيما لم يأذن الشرع له فيه أن يجتهد ‪.‬‬
‫أما أقول الصحابة واألئمة من بعدهم في هذه القضية فمنها ‪:‬‬
‫ص َدقَةً تُطَ ِّه ُر ُه ْم‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫و‬ ‫م‬
‫ِ ْ َ ِ ِْ َ‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫نْ‬‫م‬ ‫ْ‬
‫ذ‬ ‫ُ‬
‫خ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫هللا‬ ‫بقول‬ ‫خطأ‬ ‫باحتجاجهم‬ ‫وخطأهم‬ ‫‪1‬ـ موقف الصحابة من مانعي الزكاة ولم يعتبروا تأويلهم‬
‫س ِمي ٌع َعلِي ٌم التوبة‪ .)103:‬بل قاتلوهم قتال مرتدين‪{.‬‬ ‫س َكنٌ لَ ُه ْم َوهَّللا ُ َ‬ ‫ص ِّل َعلَ ْي ِه ْم إِنَّ َ‬
‫صاَل تَكَ َ‬ ‫َوتُ َز ِّكي ِه ْم بِ َها َو َ‬

‫‪ 2-‬موقف عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما من القدرية األول ولم يعتبر االشتباه الذي قد وقعوا فيه وإرادتهم تنزيه هللا عن الظلم‬
‫فوقعوا في التنقص به من حيث ال يشعرون وبراءته منهم بمجرد سماع مقالتهم ‪.‬‬
‫أخرج مسلم في صحيحه عن يحيى بن يعمر قال) ‪ :‬كان أول من تكلم في القدر في البصرة معبد الجهني فانطلقت أنا وحميد بن عبد‬
‫الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا لو لقينا أحداً من أصحاب رسول هللا ‪ ،‬فسألناه عما يقول هؤالء في القدر فوفق لنا عبد هللا‬
‫بن عمر بن الخطاب رضي هللا عنهما ‪...‬فقلت ‪ :‬يا أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤن القرآن ويتقفرون العلم وذكر من‬
‫شأنهم وأنهم يزعمون أن ال قدر وأن األمر أُنف‪.‬قال فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني والذي يحلف به عبد‬
‫هللا بن عمر لو أن ألحدهم مثل أحد ذهبا ً فأنفقه ما قبل هللا منه حتى يؤمن بالقدر ) ثم حدث بحديث جبريل‬
‫‪ 3-‬موقف األئمة من أصحاب البدع المغلظة ولم يعتبروا تأويلهم وجهلهم وخطأهم على سبيل المثال ال الحصر ‪ -‬الجهمية ‪.‬‬
‫قال ابن تيمية ‪ " :‬قال ‪ :‬وأما تعيين الفرق الهالكة فأقدم من بلغنا عنه أنه تكلم في تضليلهم ‪ :‬يوسف بن أسباط ثم عبد هللا بن المبارك‬
‫وهما إمامان جليالن من أجالء أئمة المسلمين قاال ‪ :‬أصول البدع أربعة ‪ :‬الروافض والخوارج والقدرية والمرجئة ‪ .‬فقيل ‪ :‬البن‬
‫المبارك والجهمية ؟ فأجاب ‪ :‬بأن أولئك ليسوا من أمة محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكان يقول ‪ :‬إنا لنحكي كالم اليهود والنصارى‬
‫وال نستطيع أن نحكي كالم الجهمية ‪ " .‬ا هـ مجموع الفتاوى ‪:‬ج‪3‬ص‪350‬‬
‫أقول ‪ :‬وفي هذا القدر الكفاية بفضل هللا للرد على هذا االشتباه وبيان أن رخصة الخطأ هي فيما دون أصل الدين أي ‪ :‬التوحيد وترك‬
‫الشرك وهذا ثابت بالكتاب والسنة واإلجماع وعليه سلف األمة وأئمتها ‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫العذر بقول الاله اال هللا‬

‫ومن الشبه التي ياتون بها ايضا ‪:‬كيف تكفرون الناس والناس تقول ال اله إال هللا ويأتون بشبهات منها الحديث المذكور في الصحيح‬
‫عن رسول هللا بعثنا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة قال فصبحنا القوم فهزمناهم قال ولحقت أنا ورجل من‬
‫األنصار رجال منهم قال فلما غشيناه قال ال اله إال هللا قال فكف األنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته قال‪ :‬فلما قدما إلى بلغ ذلك النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم قال‪ :‬فقال لي يا أسامة أقتلته بعدما قال ال اله إال هللا؟ قال‪ :‬قلت يا رسول هللا انه إنما كان متعوذا قال‪ :‬قتلته بعد‬
‫ما قال ال اله إال هللا ؟ قال‪ :‬فما زال يكررها على حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم)‬
‫وكذلك حديث (من مات وهو يشهد أن ال اله إال هللا دخل الجنة) وحديث البطاقة الذي فيه أن رجال يأتي يوم القيامة بتسع وتسعين‬
‫سجال من الذنوب حتى يظن انه هالك توزن هذه السجالت ببطاقة عليها ال اله إال هللا فترجح البطاقة‪.‬‬
‫وكلك يأتون بالحديث المروي عن حذيفة مرفوعا قال يسرى على كتاب هللا في ليلة فال تبقى في األرض منه آية وتبقى فئام من‬
‫الناس ما يدرون ما صالة وما صدقة وما نسك يقولون ال اله إال هللا أدركنا آبائنا عليها فنحن نقولها قال صلة وما تنفعهم ال اله إال هللا‬
‫وهم ال يدرون ما صالة وما صدقة وما نسك؟ قال حذيفة تنجيهم من النار‪..‬‬

‫إن هاته الشبهة وغيرها من المتشابه وهذه هي طريقة أهل الزيغ والضالل في األخذ بالمتشابه وترك المحكم كما قال تعالى‪ (:‬هو‬
‫الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء‬
‫الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إال هللا والراسخون في العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا وما يذكر إال ألوا األلباب ) وكما‬
‫أسلفنا الذكر عند هذا األمر في معنى الشبهة إن هذه هي طريقة أهل الزيغ والضاللة فالخوارج ضلوا لما أهملوا نصوص الوعد‬
‫وركزوا على نصوص الوعيد فاخذوا قوله تعالى ومن يعص هللا ورسوله فان له نار جهنم خالدين فيها أبدا فهذا نص مطلق يكون من‬
‫المتشابه إن لم يرد إلى مقيده ومبينه الذي أهملوه وهو قوله تعالى إن هللا ال يغفر أن يشرك به شيئا ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء‬
‫وكذلك المرجئة تمسكوا ببعض النصوص المتقدمة التي تشير إلى دخول الجنة لمن قال ال اله إال هللا فارجاوا األعمال وأهملوها‬
‫واكتفوا في الحكم باإلسالم ودخول الجنة بالكلمة وحدها دون علم لمعناها أو عمل بمقتضاها‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫روى البخاري في صحيحه عن وهب بن منبه أن ال هللا إال هللا مفتاح الجنة لكن لكل مفتاح أسنان فمن جاء بمفتاح له أسنان فتح ومن‬
‫جاء بمفتاح ليس له أسنان لم يفتح وأسنانها هي تحقيق شروطها واجتناب نواقضها وهذا هو معنى ال هللا إال هللا فلو كان مجرد القول‬
‫ينفع لقالوها كفار قريش وبقوا يعكفون على أصنامهم ولكنهم لما علموا معناها رفضوها كما ورد في الصحيح أن رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم قال( قولوا ال اله إال هللا تفلحوا) علموا من أن قولها ال يراد به النطق فقط وإنما يلزم منهم نفي األرباب واألنداد‬
‫واآللهة والطواغيت (فقالوا اجعل اآللهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجيب) ألنهم علموا معناه ولذلك قال سبحانه وتعالى( فاعلم انه ال‬
‫اله إال هللا) وقال (إال من شهد بالحق وهم يعلمون) واألحاديث الواردة أيضا في أن القول وحده ال ينفع بدون عمل ال ينفع منها قوله‬
‫صلى هللا عليه وسلم (من قال ال هللا إال هللا وكفر بما يعبد من دون هللا حرم دمه و ماله وحسابه على هللا) فيتبن أن القول وحده ال‬
‫ينفع وقال صلى هللا عليه وسلم أيضا من مات وهو يعلم انه ال هللا إال هللا دخل الجنة‪..‬وغير ذلك من األحاديث ومن أراد التوسع في‬
‫أكثر في أن النطق وحده ال ينفع يرجع لدرس شروط التوحيد فقد ثم تفصيل األمر هناك ‪.‬‬
‫وسنورد بإذن هللا بعض األدلة على انه يكفر كل من لم قال أو عمل ما يخالف ال هللا إال هللا‪.‬‬
‫أوال نقول للمخالف الذي يقول بعدم كفر من قال ال اله إال هللا ما تقول في قوله تعالى( يا أيها الذين امنوا من يرتد منكم عن‬
‫دينه‪)..‬والردة هي خروج اإلنسان عن اإلسالم باعتقاد أو قول أو فعل حكم الشارع بأنه كفر ومعلوم أن اإلنسان ال يخرج من اإلسالم‬
‫إال بعد أن يدخل إليه وال يدخل إليه إال بعد أن يقول ال اله إال هللا فتبين من هذا أن القائل إن قال أو عمل ما يناقض ال اله إال هللا يكفر‪.‬‬
‫ومثال ذلك النفر الذين نزل فيهم قوله تعالى( قل أباهلل وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ال تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) جاء في‬
‫سبب نزل هذه اآلية أن جماعة من المسلمين كانوا غزاة مع النبي صلى هللا عليه وسلم في غزوة تبوك فاجتمعوا في مجلس فتكلم‬
‫واحد منهم فقال ‪:‬ما رأينا مثل قرائنا هؤالء ارغب بطونا وال اكذب السنا وال اجبن عند اللقاء يعنون رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫وأصحابه رضي هللا عنهم وكان في المجلس شاب من األنصار يقال له عوف بن مالك فقال لهذا الرجل كذبت ولكنك منافق ألخبرن‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقام ذاهبا إلى الرسول صلى هللا عليه وسلم ليخبره فوجد أن الوحي سبقه ونزل على الرسول صلى‬
‫هللا عليه وسلم فاخبره هللا جال وعال بما قاله هؤالء في مجلسهم أو قاله واحد منهم والبقية لم ينكروا عليه ولما نزل ذلك على رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ارتحل من مكانه هذا وركب راحلته لما بلغه هذا القول الشنيع فجاء هذا الرجل الذي تكلم يعتذر لرسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم ويقول يا رسول هللا إنما كنا نخوض ونلعب نتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق والرسول صلى هللا عليه‬
‫وسلم ال يلتفت إليه وال يزيد على قراءة اآلية (أباهلل وآياته ورسوله كنتم ستهزؤون ال تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) وقول هللا‬
‫سبحانه وتعالى (قد كفرتم بعد إيمانكم) دليل على أنهم كانوا مؤمنين وليسوا منافقين‪.‬‬
‫فتبين من اآلية أن النفر كانوا ينطقون بال اله إال هللا بل أكثر كانوا يصلون وسائرين إلى الجهاد فلما قالوا ما خالف معنى الكلمة‬
‫كفروا ولم ينفعهم نطقهم شيئا‪.‬‬
‫وكذلك ال خالف بين العلماء كلهم انه بمجرد أن يؤمن الشخص ببعض الكتاب ويكفر ببعض يكفر وان كان ينطق بال اله إال هللا كما‬
‫قال تعالى( افتومنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض)‪.‬‬
‫وأيضا من حقق التوحيد و الصالة و الصيام و الزكاة وجحد الحج فانه يكفر كما قال تعالى (وهلل على الناس حج البيت من استطاع‬
‫إليه سبيال ومن كفر فان هللا غني عن العالمين)‬
‫وكذلك من اقر بهذا كله لكن أنكر البعث يكفر كما قال تعالى(زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن‪)..‬‬
‫وكذلك قصة غزو الصحابة لبني حنيفة وقد كانوا اسلموا مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقولون ال هللا إال هللا ويصلون‪..‬ولكن‬
‫حينما ادعوا النبوة لمسيلمة قاتلهم الصحابة ولم ينفعهم قولهم شيئا‪.‬‬
‫وكذلك قتال أبي بكر رضي هللا عنه للطائفة التي امتنعت عن أداء الزكاة بعد وفاة الرسول صلى هللا عليه وسلم متولين قوله تعالى خذ‬
‫من أموالهم صدقة فقالوا ال نؤذ ي الزكاة إال لرسول هللا فلم ينفعهم تأويلهم وقاتلهم أبى بكر قتال ردة ال قتال طائفة باغية بدليل انه‬
‫سبى ذرا ريهم ولم يصلي عليهم‪.‬‬

‫فهل يا ترى هل الذي يترك التوحيد أعظم أم من ترك الصالة أو الزكاة أو الحج ؟‬
‫وهل الذي يرفع لرجل إلى مرتبة النبي أعظم أم الذي يرفع شخصا ما إلى مرتبة جبار السموات واألرض‪.‬‬
‫طبعا الذي ترك التوحيد الذي هو غاية إرسال الرسل‪.‬‬
‫وكذلك بنو عبيد القداح الذين سكنوا المغرب ومصر في زمن بني العباس كلهم يشهدون ال اله إال هللا وان محمدا رسول هللا ويصلون‬
‫الجماعة والجمعة فلما اظهروا شيئا مخالفا للشريعة في أشياء دون ما نحن عليه اجمع العلماء على كفرهم وقتالهم وان بالدهم بالد‬
‫كفر وحرب‪..‬‬
‫أما بخصوص الشبهة التي يأتون بها وهي إنكار رسول هللا صلى هللا عليه وسلم على أسامة رضي هللا عنه حينما قتل الرجل الذي‬
‫قال ال اله إال هللا الن الرجل اظهر رغبته في اإلسالم فمن اظهراالسالم نحكم بإسالمه حتى يظهر لنا العكس فالرجل اظهر اإلسالم‬
‫فكان على أسامة رضي هللا عنه التوقف عن قتله حتى يظهر خالف ذلك ولذلك بوب النووي في صحيح مسلم باب تحريم قتل الكفار‬
‫بعد قوله ال اله إال هللا ولكن يجب أن يعلم أن هناك فرق كبير بين ابتداء العصمة واستمرارها فالعصمة تبدأ بمجرد تلفظه بكلمة‬
‫التوحيد ولكن استمرار تلك العصمة ال يكون إال بالتزام حقوق هذه الكلمة وخلع واجتناب نواقضها فمثال لو أن الرجل الذي قتله‬
‫أسامة رضي هللا عنه لم يقتله بعد قوله واظهر الكفر بان يقول مثال ال اله إال هللا والالت والعزى فهل يخيل أن الرسول صلى هللا عليه‬
‫وسلم أو الصحابة سيحكمون عليه باإلسالم؟؟‬
‫ومثال ذلك قوله تعالى( ال تقوال لمن ألقى إليكم السالم لست مؤمنا‪)..‬فإنها نزلت كما في الحديث الذي يبين سبب نزولها وهو في‬
‫صحيح البخاري أن مجموعة من الصحابة مروا برجل معه غنيمة فسلم عليهم واظهر اإلسالم ولم يظهر منه شيء من نواقض ومع‬
‫هذا فعلوا معه كما فعل أسامة فقتلوه بحجة انه قالها خوفا منهم واخذوا غنمه فأنكر هللا عليهم ذلك في القران فانزل قوله تعالى( يا‬
‫أيها الذين امنوا إذا ضربتم في سبيل هللا فتبينوا‪)..‬أي فتثبتوا فاآلية تدل على انه يجب الكف عنه والتثبت وان نتبين منه بعد ذلك ما‬
‫يخالف اإلسالم لقوله فتبينوا ولو كان ال يقتل إذ قالها لم يكن لتثبت معنى‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫فالواجب فيمن اظهر اإلسالم أن نعامله بظاهره فمن اظهر لنا إيمانه باهلل وكفره بالطاغوت والبراءة من الشرك وأهله حكمنا عليه‬
‫باإلسالم ما لم يعمل ما يظهر لنا خالف ذلك‪.‬‬

‫وأما حديث البطاقة الذي يستدلون به أيضا فهو دليل عليهم لمن تدبر ذلك ولكن سبحان هللا فإنها ال تعمى األبصار ولكن تعمى القلوب‬
‫التي في الصدور‪.‬‬
‫فحديث البطاقة أوال حديث ضعيف ال يستدل به فيه أبو معاوية خازم الضرير‬
‫مدلس وفي مروياته عن غير األعمش ضعف وقد رواه هنا من غير طريق األعمش وهو فوق ذلك رأس من رؤوس اإلرجاء كما ذكر‬
‫الحافظ بن حجر وغيره وهذا الحديث من بضاعة المرجئة وقد حذر السلف من قبول مرويات أهل البدع إن كانت مما ينصر بدعتهم‬
‫وهذا الحديث مما ينصر قول المرجئة فكيف إذا انضاف إلى ذلك الضعف والتدليس؟‬
‫وعلى افتراض صحة الحديث فهو ليس دليال لهم بل عليهم كما قلنا فالمراد بالبطاقة هي ال اله إال هللا وإنها هي التي نفعت الرجل‬
‫وذلك بتحقيق التوحيد التام وعدم اإلتيان بشيء من نواقض التوحيد ويرد هذا الحديث وفهمه على ضوء النصوص المحكمة كقوله‬
‫تعالى إن هللا ال يغفر أن يشرك به شيئا ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن هذا يتبين أن السجالت التسعة والتسعون هي ذنوب دون‬
‫الشرك الن الشرك ال يغفره هللا سبحانه وتعالى كما هو مذكور في اآلية فهذا الرجل كان له من التوحيد ما غفر هللا له به ذنوبه كما‬
‫في الحديث عن انس رضي هللا عنه قال سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول قال هللا تعالى يا ابن ادم انك ما دعوتني‬
‫ورجوتني غفرت لك على ما كان وال أبالي يا ابن ادم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك يا ابن ادم لو أتيتني‬
‫بقراب األرض خطايا ثم لقيتني ال تشرك بي شيئا ألتيتك بقرابها مغفرة حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫فهذا معنى حديث البطاقة فال يعقل أن الرجل له ذنوب وشهادته بها شرك ويغفر هللا له؟؟وإنما هذا كان له من تمام التوحيد ما غفر‬
‫هللا له به ذنوبه‪.‬‬

‫وكذلك حديث حذيفة المذكور قال يسرى على كتاب هللا في ليلة فال تبقى في األرض منه آية وتبقى فئام من الناس ما يدرون ما صالة‬
‫وما صدقة وما نسك يقولون ال اله إال هللا أدركنا آبائنا عليها فنحن نقولها قال صلة وما تنفعهم ال اله إال هللا وهم ال يدرون ما صالة‬
‫وما صدقة وما نسك؟ قال حذيفة تنجيهم من النار‪..‬‬

‫فهو إن صح يحمل على أن هؤالء الناس الذين ال يعرفون من الشرائع إال هذه الكلمة محققين لمعناها غير مشركين باهلل الن هللا ال‬
‫يغفر أن يشرك به وهذا كحال زيد بن عمرو بن نفيل الذي كان قبل البعثة كما أسلفنا ذكره فقد عذر بتفاصيل الشرائع التي ال تعرف إال‬
‫عن طريق الرسل فلما لم يبقى من القران في األرض آية ال يمكنهم ‪ ‬معرفة تفاصيل الدين من صالة وصيام وغير هذا‪ ..‬فهذه األمور‬
‫ال تعرف بالعقل وإنما عن طريق الوحي ليس إال فلذلك عذرهم هللا سبحانه وتعالى ألنهم أتوا بالتوحيد ولم ينقضوه فغفر هللا لهم ذلك‪.‬‬

‫وخالصة األمر أن ال اله إال هللا ال تنفع لمن قالها وان ظل يرددها ألف مرة فهي ال تنفعه حتى يعلم معناها ويعمل بمقتضاها‪.‬‬

‫العذر بالصالة والصيام‪..‬‬


‫ومن الشبه التي ياتون بها ايضا ‪ :‬كيف تكفرون الناس والناس تصلي وتصوم ويأتون بحديث مسلم الذي فيه ذكر بعض األمراء فقال‬
‫الصحابة أفال نقاتلهم يا رسول هللا ؟ قال‪ :‬ال ما أقاموا فيكم الصالة ويأتون أيضا بحديث ذي الخويصرة الذي تكلم في قسمة النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم فقال‪ :‬خالد بن الوليد أال اقتله؟ فقال النبي صلى هللا عليه وسلم أليس يصلي ؟ أما إني لم أؤمر بقتل المصلين‬
‫وفي رواية يتحدث الناس محمد يقتل أصحابه‪..‬‬
‫لقد أوضحنا قبال في درس أهمية التوحيد أن غاية الخلق هي عبادة هللا سبحانه وتعالى كما قال تعالى وما خلقت الجن واإلنس إال‬
‫ليعبدون وان هللا ال يقبل هاته العبادة إال إذا توفر فيها شرطان اإلخالص والمتابعة كما قال تعالى (أال هلل الدين الخالص) ولذلك فقد‬
‫ذكر هللا عز وجل أعمال كثير للكفار والمشركين ولكن هللا سبحانه وتعالى بين انه ال يقبلها بل يجعلها هباءا منثورا ألنها فقدت شرط‬
‫اإلخالص قال تعالى‪( :‬والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد هللا عنده فوفاه‬
‫حسابه ‪ )..‬ويقول تعالى‪ (:‬ولقد أوحي إليك والى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) وقال‪ (:‬ولو‬
‫أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون) ولخطر الشرك بعث هللا سبحانه وتعالى الرسل يدعون قومهم إلى التوحيد أوال( يا قوم اعبدوا‬
‫هللا مالكم من اله غيره) لم يكونوا يبدؤون بالصالة أو الصيام‪ ..‬وإنما التوحيد أوال الن العمل إذا خالطه الشرك أحبطه والعياذ باهلل‬
‫يقول تعالى ( وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية) نعم وجوه يومئذ خاشعة بالصالة وعاملة بالصيام وغير ذلك‬
‫ولكن هذه األعمال لما خالطها الشرك لم تقبل والعياذ باهلل الن الشرك يبطل جميع العمل ويفسده فكما أن ترك الطهارة مبطل للصالة‬
‫ألنه شرط في صحتها فايضا من ترك التوحيد ولم يكفر بالطاغوت لن يقبل عمله الن الكفر بالطاغوت هو أعظم شرط لقبول األعمال‬
‫وهو الشرط الذي اوجب هللا على ابن ادم تعلمه والعمل به قبل الصالة وشروطها‪...‬وهذه كانت دعوة جميع األنبياء والرسل إلى‬
‫التوحيد أوال لذلك لما بعث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن كما هو مذكور في الصحيحين قال له‪ (:‬فليكن أول‬
‫ما تدعوهم إليه شهادة أن ال اله إال هللا وفي رواية إلى أن يوحدوا هللا فان هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن هللا قد افترض عليهم خمس‬
‫صلوات في اليوم والليلة فان هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن هللا قد اوجب عليهم في أموالهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى‬
‫فقرائهم‪) ..‬‬
‫فهذه هي طريقة جميع الرسل في الدعوة وهكذا علم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم معاذ حين أراد أن يرسله لدعوة أهل اليمن‬
‫وهكذا علينا أن نعلم الناس أن نصلح لهم األصل الذي إذا صلح معه باقي الفروع من صالة وصيام وزكاة‪..‬فان لم يصلح هذا األصل‬

‫‪65‬‬
‫فلن تقبل أبدا هذه األعمال وأما تعليم الناس أحكام الصالة والوضوء دون تعليمهم التوحيد فإنها لن تعطي أي نتيجة وان تعلموا‬
‫الوضوء والصالة وصلوا وصاموا فان كل تلك األعمال تضيع هباءا منثورا كما قال تعالى‪( :‬وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه‬
‫هباءا منثورا) فالداعي إلى هللا سبحانه وتعالى عليه أن يقتضي بدعوة من هو خير منه األنبياء والرسل فيبدأ بما بدؤوا وان يكون‬
‫مدركا للواقع الذي نعيش فيه فان كان الواقع مسلم محقق لقوله تعالى فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن باهلل فقد استمسك بالعروة الوثقى‬
‫فال باس بدعوة الناس وتعليمهم باقي الفروع وان كان يعيش في واقع جاهل للتوحيد ويردد ليل نهار ال اله إال هللا وال يعلم منها إال‬
‫النطق فالبد من ان نصحيح لهم معناها ولذلك فان أهل الكتاب ال تقبل منهم فقط شهادة أن ال اله إال هللا وان محمدا رسول هللا حتى‬
‫يشهدوا أيضا بان عيسى عبد هللا ورسوله ألنهم خرجوا اإلسالم من هذا الباب فكذلك أهل زماننا ال تقبل منهم شهادة أن ال اله إال هللا‬
‫حتى يقروا بعبادة هللا وحده وانه هو الرب المشرع وانه اإلله الحكم وانه هو السيد المطاع وانه هو النافع والضار‪..‬فان تعلموا هذا‬
‫أوال يبدأ تعليمهم الصالة وغيرها من األركان التي ال تقبل إال بتحقيق كلمة ال اله إال هللا‪.‬‬
‫أما الشبهة التي يأتون بها أصحاب الزيغ والضالل فا نها ال تختلف عن غيرها من الشبهات إما حديث ضعيف أو حديث عام أو أو‬
‫ولكن هللا دائما يقيد لهم من يرد على باطلهم ويدمغ شبههم فنسال هللا السالمة وعلى طالب الحق والنجاة أن يتمسك بدينه وان أتته‬
‫شبهة ولم يعرف جوابها يرجع إلى األصل المحكم والى قوله تعالى ولقد بعثنا في كل امة رسوال أن اعبدوا هللا واجتنبوا الطاغوت‬
‫والى اآليات واألحاديث الصحيحة التي تبين أن التوحيد هو غاية الخلق والشرط األساسي لقبول العمل‪.‬‬
‫أما الحديث المتقدم ذكره في شان األمراء ونهي النبي صلى هللا عليه وسلم عن قتالهم ما أقاموا فيكم الصالة فهو إشارة إلى إقامة‬
‫الدين والتوحيد مع الصالة وليس الصالة وحدها قال النووي في صحيح مسلم إقامة الدين إشارة إلى إقامة الدين فالذي ذهب إليه‬
‫هؤالء لم يذهب إليه واحد من المسلمين ال من السلف أو الخلف فهذا أبو بكر رضي هللا عنه لما أعلنت الطائفة امتناعها عن أداء‬
‫الزكاة قاتلهم واستحل دمائهم رغم أنهم كانوا يقيمون الصالة واستدل بحديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس‬
‫حتى يشهدوا أن ال اله إال هللا وان محمدا رسول هللا ويقيموا الصالة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إال‬
‫بحقها وحسابهم على هللا فتأمل فان كان هذا في ترك الزكاة فكيف بترك الشهادتين فان الحديث ذكر التوحيد وان القتال عليه ومن ثم‬
‫على حقوقه ولوازمه‪...‬‬
‫وهذا معنى قوله تعالى فان تابوا وأقاموا الصالة وءاتوا الزكاة فخلوا سبيلهم فان تابوا أي من الشرك أما إقامة الصالة دون التوبة‬
‫من الشرك فال تغني من هللا شيئا‪..‬وكم من مصلي في زمن النبي صلى هللا عليه وسلم ارتد بكلمة قالها كما ارتد النفر الذين خرجوا‬
‫مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في غزوة تبوك مجاهدين فلما استهزؤوا بالنبي صلى هللا عليه وسلم وأصحابه كفروا كما قال‬
‫تعالى( قل أباهلل وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ال تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم)‪.‬‬
‫وكما أسلفنا الذكر أيضا في قصة ردة بنو عبيد القداح رغم إقامتهم للصالة واألذان ولكن لما اظهروا الغلو والشرك أعلن العلماء‬
‫ردتهم ولم ينظروا إلى إقامتهم للصالة وغيرها ولم يفهموا من الحديث ما فهم هؤالء الجهال‪.‬‬
‫وهذه بعض االحاديث التي تبين اكثر بطالن ما يقولون ثبت في الصحيح عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪" :‬إنما الطاعة في‬
‫المعروف" وقال ‪" :‬على المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية"‪ ،‬وقال‪" :‬ال طاعة لمخلوق في معصية‬
‫الخالق" وقال‪ " :‬من أمركم بمعصية هللا فال تطيعوه "‬
‫وكذلك في حديث ذي الخويصرة فان الرجل كان يظهر اإلسالم فلم يقتله النبي صلى هللا عليه وسلم رغم أن القول الذي قال به ال‬
‫يقوله إال منافق فالرسول صلى هللا عليه وسلم عمل بقاعدة درء المفاسد وخشي من ضعاف القلوب وان يتحدث الناس أن محمدا‬
‫يقتل أصحابه وأيضا فان هذا خاص وبحضرة الرسول صلى هللا عليه وسلم فلو أن شخص اآلن طعن في حكم النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم يرتد ويستتاب من قوله وإال قتل وقد تكلم في مثل هذا الحديث شيخ االسالم‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪:‬ومثل حديث ابن اسحاق عن هشام عن ابيه عن عائشة قالت ‪ :‬ابتاع رسول هللا جزورا من اعرابي‬
‫بوسق من تمر الذخيرة فجاء به الى منزله فالتمس التمر فلم يجده في البيت قالت فخرج الى االعرابي فقال يا عبد هللا انا ابتعنا منك‬
‫جزورك هذا بوسق من تمر الذخيرة ونحن نرى انه عندنا فلم نجده فقال االعرابي وا غدراه وا غدراه فوكزه الناس وقالوا لرسول هللا‬
‫تقول هذا فقال رسول هللا دعوه رواه ابن ابي عاصم وابن حبان في الدالئل ‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ‪ :‬فهذا الباب كله مما يوجب القتل ويكون به الرجل كافرا منافقا حالل الدم ‪ ،‬كان النبي وغيره من االنبياء عليهم‬
‫السالم يعفون ويصفحون عمن قاله امتثاال لقوله تعالى ( خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين ) ولقوله تعالى ( ادفع بالتي‬
‫هي احسن ) وقوله تعالى ( وال تستوي الحسنة وال السيئة ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم وما‬
‫يلقاها اال الذين صبروا وما يلقاها اال ذو حظ عظيم ) ولقوله تعالى ( ولو كنت فظا غليظ القلب ال نفضوا من حولك فاعف عنهم‬
‫واستغفر لهم وشاورهم في االمر ) ولقوله تعالى ( وال تطع الكافرين والمنافقين ودع اذاهم ) ذلك الن درجة الحلم والصبر على‬
‫االذى والعفو عن الظلم افضل اخالق اهل الدنيا واالخرة يبلغ الرجل بها ما ال يبلغه بالصيام والقيام قال تعالى ( والكاظمين الغيظ‬
‫والعافين عن الناس وهللا يحب المحسنين ) وقال تعالى ( وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا واصلح فاجره على هللا ) وقال تعالى ( ان‬
‫تبدو خيرا او تخفوه او تعفوا عن سوء فان هللا كان عفوا قديرا ) وقال ( وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو‬
‫خير للصابرين)‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ‪ :‬واالحاديث في هذا الباب كثيرة مشهورة ثم االنبياء احق الناس بهذه الدرجة لفضلهم واحوج الناس اليها لما‬
‫ابتلوا به من دعوة الناس ومعالجتهم وتغيير ما كانوا عليه من العادات هو امر لم يات به احد اال عودي فالكالم الذي يؤذيهم يكفر به‬
‫الرجل فيصير به محاربا ان كان ذا عهد ومرتدا او منافقا ان كان ممن يظهر االسالم ولهم فيه ايضا حق االدمي فجعل هللا لهم ان‬
‫يعفوا عن مثل هذا النوع ووسع عليهم ذلك لما فيه من حق االدمي تغليبا لحق االدمي على حق هللا كما جعل لمستحق القود وحد‬
‫القذف ان يعفو عن القاتل والقاذف واولى لما في جواز عفو االنبياء ونحوهم من المصالح العظيمة المتعلقة بالنبي واالمة وبالدين‬
‫وهذا معنى قول عائشة رضي هللا عنها ما ضرب رسول هللا بيده خادما له وال امراة وال دابه وال شيئا قط اال ان يجاهد في سبيل هللا‬
‫وال انتقم لنفسه قط وفي لفظ ما نيل منه شئ فانتقم من صاحبه اال ان تنتهك محارم هللا فاذا انتهكت محارم هللا لم يقم لغضبة شئ حتى‬
‫ينتقم هلل متفق عليه ‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ‪ :‬ومعلوم ان النيل منه اعظم من انتهاك المحارم لكن لما دخل فيها حقه كان االمر اليه في العفو او االنتقام فكان‬
‫يختار العفو وربما امر بالقتل اذا راى المصلحة في ذلك بخالف ما الحق له فيه من زنى او سرقة او ظلم لغيره فانه يجب عليه القيام‬
‫به‬
‫وقد كان اصحابه اذا راوا من يؤذيه ارادوا قتله لعلمهم بانه يستحق القتل فيعفو هو عنه ويبين لهم ان عفوه اصلح مع اقراره لهم‬
‫على جواز قتله ولو قتله قاتل قبل عفو النبي لم يعرض له النبي لعلمه بانه قد انتصر هلل ورسوله بل يحمده على ذلك ويثني عليه كما‬
‫قتل عمر رضي هللا عنه الرجل الذي لم يرضى بحكمه وكما قتل رجل بنت مروان واخر اليهودية السابه فاذا تعذر عفوه بموته بقي‬
‫حقا محضا هلل ولرسوله وللمؤمنين لم يعف عنه مستحقه فيجب اقامتة ‪.‬الصارم المسلول ص ‪235 _ 233‬‬

‫شبهة التحذير من تكفير الكافر‬

‫ويأتون أيضا بحديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم المذكور في صحيح مسلم‪(:‬من قال ألخيه المسلم يا كافر فان كان كذلك وإال حار‬
‫عليه ) فيمتنعون عن تكفير المسلم مهما قال أو فعل ألنه من اسلم ال يخرج من دائرة اإلسالم أبدا ومن كفره فهو كافر جاهل‪....‬‬

‫والجواب على هاته الشبهة هي شرح الحديث ومعرفة كيفية تنزيله ‪..‬‬
‫فقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم (من قال ألخيه)‪ :‬أي أخيه المسلم الن المسلم أخ المسلم ولكن هل كل من ادعى انه مسلم فهو‬
‫مسلم وهل كل من دخل إلى اإلسالم ال يخرج منه أبدا؟؟؟‬

‫فالمسلم هو من استمسك بالعروة الوثقى أي ال اله إال هللا كما قال تعالى( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن باهلل فقد استمسك بالعروة‬
‫الوثقى ‪)...‬‬
‫والمسلم هو الذي يكفر من كفره هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم واتبع ملة إبراهيم عليه السالم التي أمرنا هللا عز وجل بإتباعها‬
‫وسفه من تركها فأما الذي توقف في تكفير من حكم هللا عليه من فوق سبع سموات بالكفر فانه كافر برده حكم هللا عز وجل على ها‬
‫الكافر يقول تعالى( والدين كفروا بعضهم أولياء بعض إال تفعلوه تكن فتنة في األرض وفساد كبير)‬
‫وقد بين هللا عز وجل هدا األمر في قوله( فان تابوا وأقاموا الصالة واتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ) فعلق األخوة في الدين أوال‬
‫بالتوبة من الشرك‪..‬‬
‫وقوله صلى هللا عليه وسلم فان (كان كذلك) من اظهر األدلة على تكفير المسلم الذي ظهر منه الكفر كما قال تعالى يا أيها الذين امنوا‬
‫من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي هللا بقوم يحبهم ويحبونه‪...‬‬
‫وقال( إن الدين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم)‪.‬‬
‫والردة معناها الخروج من اإلسالم بقول أو فعل ما هو كفر كما قال تعالى حاكيا عن أولئك النفر الدين قالوا ما هو كفر رغم أنهم‬
‫كانوا مسلمين قبال كما قال تعالى (ال تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) وقال تعالى (ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسالمهم)‪.‬‬
‫وأيضا ادا كان المسلم ال يكفر أو يرتد أبدا كما يزعمون ما فائدة أحكام المرتد التي دونت في كتب الفقه اإلسالمي ومنها قول النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم( من بدل دينه فاقتلوه )‪...‬‬

‫‪67‬‬
‫وقوله صلى هللا عليه وسلم وإال حار عليه فليس معناه أن الذي يكفر أخاه المسلم هو كافر على اإلطالق فلو كان تكفيره له غضبا‬
‫لدين هللا وحمية له فانه مأجور على دلك كما حصل مع الفاروق رضي هللا عنه عندما قال للنبي صلى هللا عليه وسلم دعني اضرب‬
‫عنق هدا المنافق يعني بدلك حاطب فمع أن النبي صلى هللا عليه وسلم بين أن حاطب لم يكفر إال انه لم يقل لعمر لقد حار عليك الكفر‬
‫ألنك كفرت مسلما و لقد تكلم العلماء عن هدا الحديث فالوه على انه من وصف دين المسلمين والتوحيد بأنه كفر فقد كفر وهناك من‬
‫حمله على من استهان واستهتر بتكفير المسلمين فان دلك قد يؤدي به إلى الكفر وغير دلك من التأويالت‪.‬‬

‫شبهة مرجئة العصر‬

‫المرجئة سموا مرجئة ألنهم أخروا العمل عن اإليمان فاإليمان معناه التأخر‪.‬‬
‫وهذه الشبهة الخبيثة نسمعها كثيرا وهي قولهم( اإليمان في القلب) ومهما يفعل اإلنسان من كفريات فال اعتبار لعمله مادام قلبه فيه‬
‫إيمان ونيته صالحة وال يرون شيئا من األعمال كفر إال إذا اقترن معها الجحد أو االستحالل والعجيب من األمر إن هاته الشبهة ال‬
‫يقول بها عوام الناس فقط وإنما نسمعها من كبار الدعاة (دعاة على أبواب جهنم) فهم قد درسوا معنى اإليمان ويشرحون لك معناه‬
‫وهذا كثير في كتبهم وأشرطتهم أن اإليمان قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل باألركان‪...‬لكنهم ال ينزلونه على ارض الواقع‬
‫فالذنوب جميعها عندهم ناقصة لكمال اإليمان فقط وليس فيها شيء ناقض ألصل اإليمان إال إذا استحل أو جحد‪..‬‬

‫يقول النبي صلى هللا عليه وسلم اإليمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول ال اله إال هللا وأدناها إماطة األذى عن الطريق والحياء‬
‫شعبة من اإليمان‪( .‬رواه مسلم)‬

‫وفي هذا بيان انه ليس جميع شعب اإليمان متساوية فشعبة ال اله إال هللا ليست كشعبة الحياء‪...‬بل منها ما في زواله نقص لإليمان‬
‫فقط كالحياء ومنها ما في زواله نقض لإليمان كشعبة ال اله إال هللا فهناك من جعلوا زوال أي شعبة من شعب اإليمان مزيل ألصل‬
‫اإليمان كالخوارج وغيرهم من غالة المكفرة وهناك من جعل زوال شعب اإليمان كلها ناقض لإليمان فقط والشيء منها مزيل أو‬
‫ناقض ألصله وهم مرجئة العصر أما أهل السنة والجماعة فهم وسط في أبواب اإليمان والكفر فيحكمون بما حكم به الشارع فان‬
‫حكم بأنه يزيل أصل اإليمان وينقضه حكموا به وان حكم بأنه ينقض ويؤثر فقط في كمال اإليمان وال يزيله حكموا به فالحكم ما حكم‬
‫به هللا سبحانه وتعالى أو رسوله صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫واليك بعض اقوال العلماء في ذلك(‪:)1‬‬


‫قال اإلمام ابن حزم في محاله ولم يختلفوا في أن فيه كتاب هللا التسمية بالكفر والقطع بحكم الكفر على من نطق بأقوال معروفة كقوله‬
‫تعالى‪ (:‬ولقد كفر الذين قالوا إن هللا هو المسيح ابن مريم) وقوله تعالى‪ (:‬ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسالمهم) فصح أن يكون‬
‫الكفر كالما ‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫وقال في الفصل في الملل واألهواء والنحل ج ‪ 5‬قوله (وأما قولهم أن شتم هللا تعالى ليس كفرا وكذلك شتم رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم ولكنه دليل أن في قلبه كفر قال فهو دعوى ألنه هللا تعالى( قال يحلفون باهلل ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد‬
‫إسالمهم) فنص تعالى على أن من الكالم ما هو كفر‪.‬‬
‫وقال تعالى‪ (:‬قل أباهلل وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ال تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ‪ )..‬فنص تعالى على أن االستهزاء باهلل تعالى‬
‫أو بآياته أو برسول من رسله كفر مخرج عن اإليمان ولم يقل تعالى في ذلك أني علمت أن في قلوبهم كفرا بل جعلهم كفارا بنفس‬
‫االستهزاء ومن ادعى غير هذا فقد قول هللا تعالى ما لم يقل وكذب على هللا تعالى ‪.‬‬

‫وقال في الفصل أيضا (‪ ) 3/253‬في رده على أهل اإلرجاء لو أن إنسانا قال أن محمد صلى هللا عليه وسلم كافر وكل من تبعه كافر‬
‫وكل من تبعه كافر وسكت وهو يريد كافرون بالطاغوت كما قال تعالى‪ (:‬فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن باهلل فقد استمسك بالعروة‬
‫الوثقى ال انفصام لها) لما اختلف احد من أهل اإلسالم في أن قائل هنا محكوم له بالكفر وكذلك لو قال أن إبليس وفرعون وأبا جهل‬
‫مؤمنون لما اختلف احد من أهل اإلسالم في أن قائل هذا محكوم له بالكفر وهو يريد أنهم مؤمنون بدين الكفر‪..‬‬

‫علق صاحب الكتاب بقوله فصح إننا كفرناه بمجرد قوله وكالمه الكفري وال دخل لنا بمغيب اعتقاده‪...‬وهكذا كل من اظهر قوال أو‬
‫عمال كفريا كفرناه بمحض ذلك القول أو العمل إذ مغيب اعتقاده ال يعلمه إال هللا عز وجل‪...‬وقد قال الرسول صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫( إني لم ابعث ألشق عن قلوب الناس) رواه البخاري فالمدعي خالف هذا مدع علم الغيب ومدعي الغيب الشك كاذب‪..‬‬

‫وقال في الفصل ‪( 3/259‬وقد شهد هللا تعالى بان أهل الكتاب يعرفون الحق ويكتمونه ويعرفون أن هللا تعالى حق وان محمدا رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم حق ويظهرون بألسنتهن خالف ذلك وما سماهم هللا عز وجل قط كفارا إال بما ظهر منهم بألسنتهم وأفعالهم‬

‫قال تعالى‪ (:‬فلما جاءهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا)‬
‫قال ابن حزم في الفصل ‪( : 3/243‬وهذا أيضا نص جلي ال يحتمل تأويال على أن الكفار جحدوا بألسنتهم اآليات التي أتى بها األنبياء‬
‫عليهم الصالة والسالم‪..‬واستيقنوا بقلوبهم أنها حق )‬

‫قال هللا عز وجل‪ (:‬إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدي الشيطان سول لهم وأملى لهم ذلك بأنهم قالوا للذين‬
‫كرهوا ما نزل هللا سنطيعكم في بعض األمر وهللا يعلم إسرارهم فكيف إذا توفتهم المالئكة يضربون وجوههم وأدبارهم ذلك بأنهم‬
‫اتبعوا ما اسخط هللا وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم )‬
‫قال ابن حزم(‪ :) 3/262‬فجعلهم تعالى مرتدين كفارا بعد علمهم الحق وبعد أن تبين لهم الهدى بقولهم للكفار ما قالوا فقط‪.‬واخبرنا‬
‫تعالى انه يعرف إسرارهم ولم يقل تعالى أنها جحد أو تصديق بل قد صح أن في سرهم التصديق الن الهدى قد تبين لهم ومن تبين له‬
‫شيء فال يمكن البتة أن يجحده بقلبه أصال‪.‬‬
‫(‪)1‬منقولة من كتاب كشف شبهات مرجئة العصر‬
‫وقال تعالى( يا أيها الذين امنوا ال ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي وال تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم‬
‫وانتم ال تشعرون فهذا نص جلي وخطاب للمؤمنين بان إيمانهم يبطل جملة وأعمالهم تحبط برفع أصواتهم فوق صوت النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم دون جحد كان منهم أصال ولو كان منهم جحد لشعروا به وهللا تعالى اخبرنا بان ذلك يكون وهم ال يشعرون)‪.‬‬
‫فصح أن من أعمال الجسد ما يكون كفرا مبطال إليمان فاعله جملة ومنه ما ال يكون كفرا لكن على ما حكم هللا تعالى به في كل ذلك‬
‫وال مزيد‪.‬‬

‫يقول ابن تيمية رحمه هللا تعالى في كتابه الصارم المسلول‪:‬‬


‫(إن سب هللا أو سب رسوله كفر ظاهرا وباطنا سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرما أو كان مستحال له أو كان ذاهال عن اعتقاده‬
‫هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بان اإليمان قول وعمل‪...‬إلى أن قال وكذلك قال أصحابنا وغيرهم من سب هللا كفر‬
‫سواء كان مازحا أو جادا‪..‬قال وهذا هو الصواب المقطوع به ‪ )..‬وقال القاضي أبو يعلى في المعتمد ‪(:‬من سب هللا أو سب رسوله‬
‫فانه يكفر سواء استحل أو لم يستحل فان قال لم استحل ذلك ال يقبل منه‪)...‬‬

‫ويقول رحمه هللا تعالى في تفسير قوله تعالى‪ (:‬من كفر بعد إيمانه إال من اكره وقلبه مطمئن باإليمان ولكن من شرح بالكفر‬
‫صدرا‪ )...‬قال لو كان التكلم بالكفر ال يكون كفرا إال إذا شرح به الصدر لم يستثنى المكره فلما استثنى المكره علم أن كل من تكلم‬
‫بالكفر غير المكره فقد شرح به صدرا فهو حكم وليس قيدا لحكم‪.‬‬

‫يقول أيضا في الكتاب نفسه ‪ ( 178‬وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كفر يكفر بذلك وان لم يقصد أن يكون كافرا إذ ال يقصد احد الكفر‬
‫إال ما شاء هللا‪).‬‬

‫يقول ابن القيم رحمه هللا تعالى في كتاب الصالة ص‪( 53‬وشعب اإليمان قسمان قولية وفعلية وكذلك شعب الكفر نوعان قولية وفعلية‬
‫ومن شعب اإليمان القولية شعبة يوجب زوالها اإليمان فكذلك من شعبه الفعلية ما يوجب زوالها زوال اإليمان ‪.‬‬
‫وكذلك شعب الكفر القولية والفعلية فكما يكفر باإلتيان بكلمة الكفر اختيارا وهي شعبة من شعب الكفر فكذلك يكفر بفعل شعبة من‬
‫شعبه كالسجود للصنم واالستهانة بالمصحف‪).‬‬

‫‪69‬‬
‫ويقول ابن الوزير في كتابه إيثار الحق في رد الخالفات إلى المذهب الحق (ص‪ :)395‬وقد بالغ الشيخ أبو هاشم وأصحابه وغيرهم‬
‫فقالوا هذه اآليات يقصد (ولكن من شرح بالكفر صدرا) تدل على أن من لم يعتقد الكفر ونطق بصريح الكفر وبسب الرسل أجمعين‬
‫وبالبراءة منهم وبتكذيبهم من غير إكراه وهو يعلم أن ذلك كفرا انه ال يكفر وهو ظاهر اختيار الزمخشري في كشافه فانه فسر شرح‬
‫الصدر بطيب النفس بالكفر وباعتقاده معا‪...‬وهذا كله ممنوع ألمرين‪:‬‬

‫احدهما‪ :‬معارضة قولهم بقوله تعالى لقد كفر الذين قالوا إن هللا ثالث ثالثة فقضى بكفر من قال ذلك بغير شرط فخرج المكره بالنص‬
‫واإلجماع وبقي غيره فلو قال مكلف مختارا غير مكره بمقالة النصارى التي نص القران على أنها كفر ولم يعتقد صحة ما قال لم‬
‫يكفره مع انه لعلمه بقبح قوله يجب أن يكون أعظم إثما من بعض الوجوه لقوله تعالى( وهم يعلمون) فعكسوا الجاهل بذنبه كافرا‬
‫والعالم الجاحد بلسانه مع علمه مسلما!!!‬
‫األمر الثاني‪ :‬أن حجتهم دائرة بين داللتين ظنيتين قد اختلف فيهما في الفروع الظنية إحداهما قياس العامد على المكره والقطع على‬
‫أن اإلكراه وصف ملغى مثل قول القائل بالثالثة نصرانيا وهذا نازل جدا ومثله ال يقبل في الفروع الظنية‪.‬‬

‫وثانيهما عموم المفهوم ولكن من شرح بالكفر صدرا فانه ال حجة لهم في منطوقها قطعا وفاقا وفي المفهوم خالف مشهور هل هو‬
‫حجة ظنية مع االتفاق انه ليس بحجة قطعية ثم في إثبات عموم له خالف وحجتهم هنا عمومه أيضا وهو اضعف منه‪.‬‬
‫يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كشف الشبهات ص‪ : 22‬بعد أن أنكر على الذين يقولون أن الكفر ال يكون إال بتكذيب أو إنكار‬
‫أو جحود فما معنى الباب الذي ذكره العلماء في كل مذهب؟( باب حكم المرتد) وهو المسلم الذي يكفر بعد إسالمه ثم ذكروا أنواعا‬
‫كثيرة كل نوع منها يكفر ويحل دم الرجل وماله حتى أنهم ذكروا أشياء يسيرة عند من فعلها مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه أو‬
‫كلمة يذكرها على وجه المزاح واللعب‪.‬‬
‫يقول حفيده الشيخ سليمان بن عبد هللا في كتابه التوضيح عن توحيد الخالئق في جواب أهل العراق ص‪(:42‬المرتد شرعا الذي يكفر‬
‫بعد إسالمه نطقا أو اعتقادا أو فعال )‬
‫يقول الشيخ حمد بن علي عتيق من رسالة الدفاع عن أهل السنة واألتباع ص ‪ 48‬ردا على من زعم انه ال يكون كافرا من تكلم‬
‫بالكفر إال إذا اعتقده وشرح له صدره وطابت به نفسه‪ (:‬قاتلك هللا يا بهيم إن كنت تزعم انه ال يكفر إال من شرح بالكفر صدرا فهل‬
‫يقدر احد أن يكره أحدا على تغيير العقيدة وان يشرح صدره بالكفر‪-‬يشير إلى آية اإلكراه في سورة النحل‪-‬وسوف نبين إن شاء هللا‬
‫أن اآلية تدل على كفر من قال الكفر وفعله وان كان يبغضه في الباطن ما لم يكن مكرها وأما إذا انشرح صدره بالكفر وطابت نفسه‬
‫به فذاك كافر مطلقا مكرها أو غير مكره ‪).‬‬
‫وقال القنائي في حقيقة اإليمان ص‪(: 90‬ثم هؤالء قد قالوا –من غير دليل معتبر‪ -‬أن المسلم مهما أتى من عمل من األعمال ال يكفر‬
‫بذلك طالما أن اعتقاده صحيح فيه وطردوا ذلك المعنى في جميع األعمال فلم يفرقوا بين أعمال الكفر وأعمال المعاصي وجعلوا فساد‬
‫االعتقاد شرطا في كفر من عمل أي عمل من أعمال الجوارح أيا كان هذا العمل والحق أن هذه المسالة لها تفصيل فانه يجب أن‬
‫نفرق بين األعمال التي يكفر فاعلها وبين أعمال المعصية عامة فان اإلتيان بعمل من أعمال الكفر الصراح المخرج من الملة‪-‬في‬
‫حالة ثبوت عدم وجود أي عوارض يعني‪-‬بالضرورة فساد االعتقاد القلبي والشك حتى دون أن يصرح بذلك أو حتى دون أن يقصد‬
‫إليه وهذا مقتضى ما ظهر من اعتبار الشريعة للتالزم بين الظاهر والباطن‪)...‬‬
‫يقول تقي الدين أبي بكر بن محمد الحسيني الشافعي في كتابه كفاية األخيار في حل غاية االختصار في تعريف الردة هي الرجوع عن‬
‫اإلسالم إلى الكفر وقطع اإلسالم ويحصل تارة بالقول وتارة بالعمل وتارة باالعتقاد وكل واحد من هذه األنواع الثالثة فيه مسائل ال‬
‫تكاد تحصر‪..‬‬

‫وقال (‪ ) 341/2‬ولو فعل فعال اجمع المسلمون انه ال يصدر إال من كافر وان كان مصرحا باإلسالم مع فعله كالسجود للصليب أو‬
‫المشي إلى الكنائس مع أهلها بزيهم من الزنانير وغيرها فانه يكفر‪.‬‬

‫وابن حجر الهيثمي الشافعي قد صنف في المكفرات مصنفا خاصا سماه (اإلعالم بقواطع اإلسالم) ذكر فيه من هذا الباب الشيء‬
‫الكثير من مذهب الشافعي وعدد مقاالت الحنفية والمالكية والحنابلة‪...‬‬

‫وبالنسبة للحنابلة فقد عددوا في أبواب حكم المرتد أقواال وأفعاال من صدرت عنه حكم بكفره‪...‬وراجع في ذلك اإلقناع وشرحه في‬
‫الكالم على نواقض اإلسالم وحكم المرتد فقد ذكروا مما ينتقض به اإلسالم أكثر من أربعمائة ناقض‪..‬‬

‫أما األحناف رغم أنهم يخالفون الجمهور في العمل وفي دخوله في مسمى اإليمان ومع هذا فإنهم يكفرون في أشياء كثيرة يقولها‬
‫المرء بلسانه أو يفعلها بأعماله كان يشد زنار النصارى على وسطه أو يهدي بيضة إلى المجوس يوم نيروز هم أو يستعمل كالم هللا‬
‫بدل كالمه كمن يقول في ازدحام الناس فجمعناهم جمعا أو يتخاصم في مال فيقال له ال حول وال قوة إال باهلل فيقول وما اصنع بال حول‬
‫ال تؤكل خبزا‪...‬وقد جمع كثيرا من مقاالتهم هذه محمد بن إسماعيل الرشيد الحنفي في كتابه البدر الرشيد في األلفاظ المكفرات‬

‫وفي هذا القدر كفاية في الرد على من يقول بتلك الشبهة الخبيثة ومن لم يجعل هللا له هاد فما له من هاد‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫كفر دون كفر‬
‫ومن شبهات هؤالءالمرجئة احتجاجهم للطواغيت المشرعين بمقولة (كفر دون كفر) أي أن حكام أهل زماننا الذين بدلوا وشرعوا مع‬
‫هللا لم يكفروا الكفر المخرج من الملة ويستشهدون بقول ابن عباس رضي هللا عنه في رده على الخوارج انه ليس الكفر الذي‬
‫تذهبون إليه انه ليس كفرا ينقل عن الملة ومن لم يحكم بما انزل هللا فأولئك هم الكافرون كفر دون كفر‬
‫والرد على هاته الشبهة من وجوه‪:‬‬
‫هذا األثر يروىمن طريق سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاووس عن ابن عباس انه قال انه ليسالكفر الذي تذهبون إليه‬
‫انه ليس كفرا ينقل عن الملة ومن لم يحكم بما انزل اللهفأولئك هم الكافرون كفر دون كفر رواه الحاكم وغيره من طريق هشام بن‬
‫حجير المكي ‪.‬‬
‫هشام بن حجير ضعفه األئمة الثقاة ولم يتابعه على هذه الروايةاحد‪.‬‬
‫قال احمد بنحنبل في هشام ليس بالقوي وقال مكي ضعيف الحديث وهذا طعن من جهة الرواية ‪.‬‬
‫وضعفه يحيى بن سعيدالقطان وضرب على حديثه وضعفه علي بن المديني وذكره العقيلي في الضعفاء وكذا ابنعدي‪.‬‬
‫عن سفيان عن معمر بن راشد عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس ومن لم يحكم بما انزل هللا فأولئك هم الكافرون قل هي به‬
‫كفر‬
‫وابن عباس الذي ينسب إليه قول كفر دون كفر هو نفسه راوي سبب نزول قوله تعالى في طاعة المشركين ولو في قضية تشريعية‬
‫واحدة وان أطعتموهم إنكم لمشركون حيث روى الحاكم بإسناد صحيح عنه رضي هللا عنه انه قال إن ناسا من المشركين كانوا‬
‫يجادلون المسلمين في مسالة الذبح وتحريم الميتة فيقولون تأكلون مما قتلتم وال تأكلون مما قتل هللا؟ فقال تعالى وان أطعتموهم إنكم‬
‫لمشركون فدل على أن المشرع أو متبع تشريع غير شرع هللا ولو في مسالة واحدة انه مشرك كافر باهلل‪.‬‬
‫وعلى افتراض صحة ما قاله ابن عباس رضي هللا عنه فال يمكن إنزال الواقعة التي قال فيها قوله بهذا الواقع وقياسها بهؤالء‬
‫الحكام‪.‬‬
‫والواقعة هي الخالف الذي كان بين علي ومعاوية رضي هللا عنهما حول الخالفة والصلح وتحكميهما لعمروا بن العاص وأبي موسى‬
‫األشعري فثار الخوارج وقالوا حكمتم الرجال واحتجوا بقوله تعالى ومن لم يحكم بما انزل هللا فأولئك هم الكافرون وكفروا الحكمين‬
‫ومن رضي بحكمهما وكفروا معاوية وعلي رضي هللا عنه وكان ذلك أول مخرجهما فبعث علي رصي هللا عنه عبد هللا بن عباس‬
‫إليهم يناظرهم وحاجهم بان ذلك من الصلح بين المسلمين وليس من الحكم بما انزل هللا واستدل بقوله تعالى فابعثوا حكما من أهله‬
‫وحكما من أهلها ‪...‬وانه إن جاز تحكيم الرجال في الصلح بين الزوجين فمن باب أولى انه يجوز لحقن دماء امة محمد صلى هللا عليه‬

‫‪71‬‬
‫وسلم وناظرهم بغير ذلك من األدلة وبين لهم أن هذا الباب وان حصلت فيه أخطاء أو تجاوزات فهو ليس من الكفر الذي يذهبون إليه‬
‫وعلى هذا يحمل ما ينسب إليه من قول كفر دون كفر فرجع منهم خلق وأصر آخرون فقاتلهم علي رضي هللا عنه والصحابة‪..‬إلى آخر‬
‫القصة‪.‬‬

‫فيا سبحان هللا أين عقول القوم كيف ينزلون قول ابن عباس في هذا الواقع فالواقع غير واقعها تماما فقول ابن عباس انه ليس الكفر‬
‫‪ ″‬الذي تذهبون إليه‪ ″‬فلفظة الذي تذهبون خطاب للخوارج ومن تبعهم في زمانه في واقعة معلومة معروفة‪..‬فقوله إذا ليس في اآلية‬
‫وإنما في المناط الخطأ الذي علقها الخوارج خطا فيه بدليل أن اآلية أصال تتكلم عن الكفار المبدلين لشرع هللا يهودا كانوا أو غيرهم‬
‫ولذلك قال البراء بن عباس رضي هللا عنه كما في صحيح مسلم بعد أن ذكر قوله تعالى (ومن لم يحكم بما انزل هللا فأولئك هم‬
‫الكافرون)( والظالمون) والفاسقون) قال في الكفار كلها‪.‬‬

‫واليك حديث البراء بن عازب قال مر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم على يهودي محمم مجلود فدعاهم رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم فقال اهكذا حد الزنا في كتابكم؟فقالوا نعم فدعا رجال من علمائهم فقال أناشدك بالذي انزل التوراة على موسى هكذا تجدون حد‬
‫الزنا في كتابكم؟ فقال وهللا لوال انك ناشدتني لم أخبرك نجد في حد الزنا في كتابنا الرجم لكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا زنا الشريف‬
‫تركناه وإذا زنا الضعيف أقمنا عليه الحد فقلنا تعالوا نجعل شيئا نقيمه على الشريف والوضيع فاجمعنا على التحميم والجلد فقال‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم اللهم إني أول من أحيا أمرك إذا ما أماتوه‪.‬فقال فأمر به فرجم فانزل هللا ومن لم يحكم بما انزل هللا فأولئك‬
‫هم الكافرون‪.‬‬
‫فتامل الحديث يرحمك هللا لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع والفرق بينهم و وبين أهل زماننا أنهم لم يستطيعوا‬
‫تغيير ما في القران أو تحريفه الن هللا قد تكفل بحفظه فهم أيضا يجتمعون ويتناقشون حول األحكام وما هو مناسب وما هو غير‬
‫مناسب وبدل القران بالدستور فتجده لم يبدل فيه حد الزنا فقط كما فعل اليهود وإنما بدلوا وعطلوا كل أحكام هللا عز وجل ووضعوا‬
‫قوانين أخرى وما فعله اليهود بالزاني أهون مما فعله أهل زماننا مثال هنا الزاني المحصن إن عفت عنه زوجته الشيء عليه ويطلق‬
‫صراحه‪...‬‬

‫فهذا الحديث دليل على أن من غير حد من حدود هللا يكفر استحل أو لم يستحل الن اليهود لم يستحلوا ما فعلوا وما دفعهم إلى تغيير‬
‫الحكم أن الزنا كثر في أشرافهم كما ورد في الحديث المتقدم‪.‬‬

‫فهل نستدل بكتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم أم بكالم صحابي أو تابعي أو غير ذلك فالدليل ما قاله هللا ورسوله وان ورد‬
‫قول صحابي أو عالم يخالف قول هللا أخذنا بقول هللا عز وجل وحاشا الصحابي الجليل ومعاذ هللا أن يقول فيمن بدل وشرع مع هللا‬
‫كفر دون كفر وهو حبر القران وصاحب القولة الشهيرة يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول لكم قال هللا ورسوله وتقولون‬
‫قال أبو بكر قال عمر‪..‬‬
‫وهؤالء الجهال ال يكتفون بنقل كالم ابن عباس رضي هللا عنه فقط وإنما يأتون أيضا بكالم بعض السلف كاإلمام احمد عند كالمه على‬
‫قوله تعالى ومن لم يحكم بما انزل هللا فأولئك هم الكافرون فالصحابة والتابعين رضي هللا عنهم يفسرون اآلية وبتلك األقوال ألنهم‬
‫يعرفون مناطها الذي قيلت فيه فيقرون تلك األقوال ويستشهدون بها في مناطها أو نظائره فال يحل نقل أقوالهم واستشهاد اتهم إلى‬
‫غير مناطها‪..‬فما قالوه ال يمكن إنزاله في أمثال واقعنا اليوم ومن قال بذلك يأتي بقول واحد من السلف يقول بأنه من شرع مع هللا ال‬
‫يكفر الكفر المخرج من الملة‪..‬‬

‫كيف يقاس قول القائل على ما وقع بين الصحابة بما فعل هؤالء الحكام فأي حكم بدلوه وأي شرع شرعوه فال حول وال قوة إال باهلل‬
‫العلي العظيم ولو أن أحدا فعل يومئذ مثل ذلك لما استشهد عليه الخوارج بتلك النصوص الظنية الداللة ولما تركوا نصوصا أخرى‬
‫هي قطعية الداللة على كفر المشرعين كقوله تعالى وان أطعتموهم إنكم لمشركون) وقوله تعالى‪( :‬أم لهم شركاء شرعوا لهم من‬
‫الدين ما لم يأذن به هللا) وقوله تعالى‪( :‬اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون هللا) ونحو ذلك من اآليات ولكنهم لم يذكروا شيئا‬
‫من ذلك ألنه لم يكن شيئا منه ليستدل على واقعتهم تلك وما كان مثل هذا ليخفى عن حبر القران رضي هللا عنه‪.‬‬
‫فاليهود عندما بدلوا حد الزنا لم يعتقدوا إباحة الزنا أو استحالله بل كانوا يعتقدون تحريمها بتحريم التوراة ورغم ذلك كفرهم هللا عز‬
‫وجل وبين مناط كفرهم وهو ترك الحكم بما انزل هللا ولم يشترط االعتقاد فإذا انضاف االعتقاد يكون زيادة في الكفر وليس شرطا‬
‫للكفر فمناط تكفير الحكام هو التشريع والتشريع عمل كفري فهم شرعوا مع هللا واحلوا الحرام وحرموا الحالل فعمله دليل على‬
‫االستحالل وان لم يصرحوا بحال لسانهم والدليل ما رواه اإلمام احمد وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم وهو صحيح عن البراء‬
‫أن النبي صلى هللا عليه وسلم بعث خاله أو عمه إلى رجل تزوج امرأة أبيه فقتله وفي رواية عن معاوية بن قترة عن أبيه انه خمس‬
‫ماله‪...‬فدل انه قتله كافرا والروايات جميعا تذكر أنهم اخرجوا الرجل وضربوا‬
‫عنقه ولم يسألوه هل تزوجها معتقدا حل ذلك أم غير معتقد‪..‬فصح أن االستحالل يكون عمال ‪.‬‬
‫ونقول لهؤالء المرجئة إن جادلتم عنهم بتلك الشبهة التي بينا بطالنها وهلل الحمد فان هؤالء الحكام لم يكفروا من باب واحد فقط‬
‫وإنما كفروا من أبواب عديدة‪:‬‬

‫‪ .1‬عدم تحقيقهم لشرط الكفر بالطاغوت واإليمان بدون كفر بالطاغوت ال ينفع كما بيناذلك في درس الطاغوت وهلل الحمد‪.‬‬
‫فهم قد ارتضوا بهيئة األمم كمحكمة كفرية لهم يتحاكمون إليها في فض الخصومات‪.‬‬

‫واليك اخي القارئ هذه الرسالة التي توضح حكم التحاكم الى االمم المتحدة واخذ العضوية منها (‪)1‬‬

‫‪72‬‬
‫ومن التحاكم إلى غير شرع هللا أخذ العضوية من األمم المتحدة ‪ ,‬وذلك ألن فيه معنى التحاكم وااللتزام لقوانينهم ‪ .‬وقد جاء في ميثاق‬
‫األمم المتحدة ‪ 2‬ما نصه‪.‬‬

‫( وفي سبيل هذه الغايات اعتزمنا إن نأخذ أنفسنا بالتسامح‪ ,‬وأن نعيش معا ً في سالم وحسن جوار‪ .‬وأن نضم قوانا كي نحتفظ بالسلم‬
‫واألمن الدولي ‪ .‬وأن نكفل بقبولنا مبادئ معينة ورسم الخطط الالزمة لها إال تستخدم القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة‪.‬‬
‫وإن نستخدم األداة الدولية في ترقية الشؤون االقتصادية واالجتماعية للشعوب جميعها )‪.‬‬

‫وال شك إن في هذه المعاني التي جاءت في هذا النص إبطال الجهاد في سبيل هللا الذي فيه إخراج العباد من عبادة رب العباد‪ ,‬بل وفي‬
‫ذلك إبطال للجزية‪.‬‬

‫وقد جاء في ميثاق األمم المتحدة ‪ 5‬الفصل األول في مقاصد الهيئة ومبادئها‬

‫(المادة األولى ) البند األول ‪ .‬قولهم ‪ ( :‬مقاصد األمم المتحدة هي ‪:‬‬

‫‪ -1‬حفظ السلم واألمن الدولي ‪ ,‬وتحقيقا ً لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة لمنع األسباب التي تهدد السلم وإلزالتها ‪,‬‬
‫وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه اإلخالل بالسلم ‪ ,‬وتتذرع بالوسائل السلمية ‪ ,‬وفقا ً لمبادئ العدل والقانون الدولي ‪ ,‬لحل‬
‫المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى اإلخالل بالسلم أو لتسويتها ‪.‬‬

‫‪ - 2‬إنماء العالقات الودية بين األمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها‬
‫تقرير مصيرها‪ ,‬وكذلك اتخاذ التدابير األخرى المالئكة لتعزيز السلم العام‪.‬‬

‫‪ - 3‬تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة االقتصادية واالجتماعية والثقافية واإلنسانية وعلى تعزيز احترام‬
‫حقوق اإلنسان والحريات األساسية للناس جميعا ً والتشجيع على ذلك إطالقا ً بال تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين وال تفريق بين‬
‫الرجال والنساء )‬

‫(‪)1‬من كتاب ميراث االنبياء‬

‫فانظر إلى قولهم في البند األول ‪ (( :‬وتقمع أعمال العوان وغيرها من وجوه اإلخالل بالسلم ‪ ,‬وتتذرع بالوسائل السلمية وفقا ً لمبادئ‬
‫العدل والقانون الدولي ))‬

‫وفي ذلك تصريح بإبطال الجهاد ‪ ,‬بل ويلزمون كل طرف بالتحاكم إلى قانونهم الدولي وهو التحاكم إلى الطاغوت ‪.‬‬

‫وانظر إلى قولهم في البند الثاني والثالث في إنماء هذه العالقة بقولهم ‪ (( :‬وعلى تعزيز إحترام حقوق اإلنسان والحريات األساسية‬
‫للناس جميعا ً والتشيع على ذلك إطالقا ً بال تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين وال تفريق بين الرجال والنساء))‬

‫فهم ال يفرقون بين من يعبد رب العالمين وبين من يعبد األوثان والصلبان واألبقار واألحجار‪ .‬فكل له حقوق والذي يشترك في هذه‬
‫الهيئة ويأخذ العضوية فيها البد أن يقر على هذا الباطل كله‪.‬‬

‫وهذا ما بينته ( المادة الرابعة ) البند األول وهو قولهم ‪:‬‬

‫(‪ - 1‬العضوية في (( األمم المتحدة )) مباحة لجميع الدول األخرى المحبة للسالم والتي تأخذ نفسها بااللتزامات التي يتضمنها هذا‬
‫الميثاق‪ ,‬والتي ترى الهيئة إنها قادرة على تنفيذ هذه االلتزامات وراغبة فيه )‪.‬‬

‫وفي المادة السادسة قولهم‪ ( :‬إذا أمعن عضو من أعضاء (( األمم المتحدة )) في انتهاك مبادئ جاز للجمعية العامة أن تفصله من‬
‫الهيئة بنا ًء على توصية مجلس األمن )‪.‬‬

‫وفي هذا إقرار ضمني بهذا البنود الكفرية من إبطال الجهاد ‪ ,‬وإبطال الجزية ‪ ,‬وإبطال الوالء والبراء ‪ ,‬وجعل دين اإلسالم دين إقليمي‬
‫ال دين عالمي ‪ ,‬والقتال مع الكفار تحت الرايات‪  ‬الوثنية والرايات العمية ‪ ,‬ضد الموحدين والتحاكم إلى القانون الدولي عند النزاع‬
‫( محكمة العدل الدولية ‪ .‬زعموا ) ‪ ,‬وكل واحدة من هذه األمور توجب الردة عن دين اإلسالم ‪ ,‬فأي دولة من الدول تشترك في‬
‫عضوية هذه األمم فقد جاءت بالكفر البواح لما في ميثاق األمم المتحدة من المعارضة الواضحة لكلمة ال إله إال هللا ‪ ,‬ويتخلص ذلك‬
‫في عدة ا مور ‪:‬‬

‫‪73‬‬
‫أوالً‪ :‬االلتزام بهذه القوانين عند أخذ العضوية‪ .‬وقد تقدم ذكر ذلك في المادة الرابعة والسادسة‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬ال فرق بين المسلم الموحد وبين الكافر الوثني في الحقوق والواجبات‪ ,‬وفيه إسقاط للجزية‪ .‬وقد تقدم ذكر ذلك في المادة األولى‬
‫البند الثالث ‪.‬‬

‫ثالثا ً ‪ :‬إسقاط فريضة الجهاد في سبيل هللا ‪ .‬وقد سلف ذكر ذلك في المادة األولى البند األول ‪.‬‬

‫رابعا ً ‪ :‬إن القرار والحكم يكون باألغلبية ال بحكم هللا ورسوله ‪ .‬وفي هذا تقول المادة الثامنة عشر( البند الثاني )‪:‬‬

‫(‪ - 2‬تصدر الجمعية العامة قراراتها في المسائل الهامة بأغلبية ثلثي األعضاء الحاضرين المشتركين في التصويت‪ .‬وتشمل هذه‬
‫المسائل التوصيات الخاصة بحفظ السلم واألمن الدولي‪ ,‬وانتخاب أعضاء مجلس األمن غير الدائمين‪ ,‬وانتخاب أعضاء المجلس‬
‫االقتصادي واالجتماعي‪ ,‬وانتخاب أعضاء مجلس الوصاية وفقا ً لحكم الفقرة األولى (?) من المادة ‪ ,86‬وقبول أعضاء جدد في‬
‫((األمم المتحدة )) ووقف األعضاء عن مباشرة حقوق العضوية والتمتع بمزاياها‪ ,‬وفصل األعضاء‪ ,‬والمسائل المتعلقة بسير نظام‬
‫الوصاية‪ ,‬والمسائل الخاصة بالميزانية ) ‪ ‬‬

‫خامساً‪ :‬أن مجلس األمن الذي يقوم بالعمل العسكري والحربي لتطبيق قرارات األمم المتحدة يتألف من الدول الكافرة‪ ,‬وأن األعضاء‬
‫الدائمين لقيادة الجيوش في األمم المتحدة‪:‬‬

‫‪ -1‬الصين‪ -2  ‬فرنسا‪ -3  ‬روسيا‪ -4  ‬بريطانيا‪ -5  ‬أمريكا ‪.‬‬

‫وهذه القيادة ال تتغير بأي حال من األحوال‪ .‬أي أن القتال يكون تحتها‪ .‬وفي هذا تقول المادة الثالثة والعشرون ( البند األول ) ‪.‬‬

‫(‪ -1‬يتألف مجلس األمن من خمسة عشر عضواً من األمم المتحدة ‪ ,‬وتكون جمهورية الصين ‪ ,‬وفرنسا ‪ ,‬واتحاد الجمهوريات‬
‫االشتراكية السوفياتية ‪ ,‬والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى ‪ ,‬وايرلندا الشمالية ‪ ,‬والواليات المتحدة األمريكية أعضاء دائمين فيه ‪.‬‬
‫وتنتخب الجمعية العامة آخرين من األمم المتحدة ليكونوا أعضاء غير دائمين في المجلس ‪ .‬ويراعى في ذلك بوجه خاص وقبل كل‬
‫شيء مساهمة أعضاء األمم المتحدة في حفظ السلم واألمن الدولي وفي مقاصد الهيئة األخرى‪ ,‬كما يراعى أيضا ً التوزيع الجغرافي‬
‫العادل )‪.‬‬

‫وكذلك ما جاء في المادة السادسة واألربعون والسابعة واألربعون والثامنة واألربعون‪ ,‬والالتي فيهن البيان أن القتال يكون تحت‬
‫رايات المشركين‪.‬‬

‫تقول المادة السادسة واألربعون‪ ( :‬الخطط الالزمة الستخدام القوة المسلحة يضعها مجلس األمن بمساعدة لجنة أركان الحرب )‪.‬‬

‫وتقول المادة السابعة واألربعون ( البند األول ) ‪ ( :‬تشكل لجنة من أركان الحرب تكون مهمتها أن تسدي المشورة والمعونة إلى‬
‫مجلس األمن وتعاونه في جميع المسائل المتصلة بما يلزمه من حاجات حربية لحفظ السلم واألمن الدولي والستخدام القوات‬
‫الموضوعة تحت تصرفه وقيادتها ولتنظيم التسلح ونزع السالح بالقدر المستطاع ) ‪.‬‬

‫وتقول المادة الثامنة واألربعون( البند األول) ( األعمال الالزمة لتنفيذ قرارات مجلس األمن لحفظ السلم واألمن الدولي يقوم بها‬
‫جميع أعضاء (( األمم المتحدة)) أو بعض هؤالء األعضاء وذلك حسبما يقرره المجلس )‪  .‬‬

‫سادسا ً ‪ :‬إسقاط الوالء والبراء ‪.‬‬

‫وفي ذلك تقول المادة السادسة والسبعون ( البند ? ) ‪ ( :‬التشجيع على احترام حقوق اإلنسان والحريات األساسية للجميع بال تمييز‬
‫بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ‪ ,‬وال تفريق بين الرجال والنساء ‪ ,‬والتشجيع على إدراك ما بين شعوب العالم من تقيد بعضهم‬
‫بالبعض ) ‪.‬‬

‫سابعا ً ‪ :‬التعهد بالتحاكم إلى الطاغوت ‪ .‬وفي ذلك تقول المادة الثانية والتسعون‪:‬‬

‫( محكمة العدل الدولية هي األداة القضائية الرئيسية (( لألمم المتحدة )) ‪ ,‬وتقوم بعملها وفق نظامها األساسي الملحق بهذا الميثاق‬
‫وهو مبني على النظام األساسي للمحكمة الدائمة للعدل الدولي وجزء ال يتجزأ من الميثاق ) ‪.‬‬

‫وتقول المادة الرابعة والتسعون ( البند األول ) ‪ ( :‬يتعهد كل عضو من أعضاء األمم المتحدة أن ينزل على حكم محكمة العدل الدولية‬
‫في أية قضية يكون طرفا ً فيها ) ‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫وفي هذا كله مناقضة لدين اإلسالم وملة التوحيد التي بعث هللا بها أنبياءه عليهم الصالة والسالم قال هللا تعالى‪{ :‬ولقد بعثنا في كل‬
‫أمة رسوالً أن اعبدوا هللا واجتنبوا الطاغوت}‪[  ‬النحل‪ .]36 :‬وال شك أن الدول المشتركة في عضوية هذه األمم قد وقعت في الكفر‬
‫األكبر‪ .‬لما في ذلك من التحاكم إلى الطاغوت كما تقدم ‪ ,‬وإبطال الجهاد ‪ ,‬وإبطال الجزية ‪ ,‬ومواالة المشركين ومناصرتهم على‬
‫الموحدين ‪ ,‬وااللتزام برفع راياتهم وأعالمهم التي عليها صلبانهم وأوثانهم ‪ ,‬واحترام مر أسيمهم الدولية وشعاراتهم الرسمية ‪,‬‬
‫والتعهد بما في ميثاق األمم المتحدة من الحفظ والتطبيق والعمل وإعالن هذا في المأل ‪ ,‬والتصويت على أخذ القرارات الدولية‬
‫باألغلبية ال بحكم رب البرية ‪ ,‬ولو كان التصويت على شيء مما أمر هللا به أو نهى عنه كقتال اليهود أو عدم قتالهم أو طرد‬
‫المستعمر الغاصب ‪ .‬وأي دولة موحدة تجاهد في سبيل هللا وتفتح الديار فإنها تقاتل من قبل هذه األمم الملحدة ‪,‬‬

‫ألن هذه األمم اجتمعت على حفظ الحدود التي رسمت من قبلهم وتساوي الناس جميعهم مسلمهم بكافرهم بالحقوق والواجبات ‪ .‬فال‬
‫جهاد وال جزية وال غنائم وال سبي وهذا كله يلزم به أعضاء هذه األمم‪ ,‬والذي يخالف فقد تعهد على نفسه بأن يقاتل من قبلهم‪.‬‬
‫وموافقتهم في هذا ظاهراً أو باطنا ً ردة صريحة عن دين اإلسالم‪.‬‬

‫‪ .2‬ويكفرون من باب مواالة المشركين وهللا سبحانه وتعالى يقول ومن يتولهم منكم فانه منهم ولمن أراد التوسع في هذا يرجع إلى‬
‫الناقض الثامن من نواقض التوحيد وتولي حكام العرب لطواغيت الغرب ظاهر ويعرفه الكبير والصغير إال من أعمى هللا بصيرته ‪.‬‬
‫‪ .3‬ويكفرون من باب استهزائهم بدين هللا عز وجل وترخيصهم وحمايتهم لكل مستهزئ إما عبر الصحافة أو اإلذاعة أو التلفاز‪ ..‬وهللا‬
‫سبحانه وتعالى يقول (قل أباهلل وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ال تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) وقد بينا في نواقض التوحيد سبب‬
‫نزول اآلية وانه كل مستهزئ بدين هللا يكفر قصد أو لم يقصد فما بالك وقد بينا في نواقض التوحيد سبب نزول اآلية وانه كل‬
‫مستهزئ بدين هللا يكفر قصد أو لم يقصد فما بالك بمن يحمي ويرخص لمن يستهزئ بآيات هللا سبحانه وتعالى ‪.‬‬

‫‪ 4.‬ويكفرون من باب ابتغائهم دين الديمقراطية عوضا عن دين هللا وهللا سبحانه وتعالى ال يقبل من اإلنسان إال دين اإلسالم ال دين‬
‫النصارى وال دين اليهود وال دين الشيوعية وال دين الديمقراطية‪...‬فإما مسلما أو كافرا‪.‬‬

‫‪5.‬ويكفرون من باب جعلهم أنفسهم أربابا من دون هللا وهللا تعالى يقول (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به هللا)‬
‫ويقول ‪( :‬أرباب متفرقون خير أم هللا الواحد القهار) فقد عطلوا حكم هللا وأبدلوه بشرع غير شرعه سبحانه وتعالى والويل لمن نطق‬
‫أو قال شيء عن أحكامهم أو طعن فيها أما من طعن في دين هللا أو سب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فان قانونهم يحميه ويكفل له‬
‫حرية االعتقاد وحرية الرأي‪..‬فمن اشد كفرا أفال تعقلون‪.‬‬

‫يقول الشيخ عبد المجيد الشاذلي في حد اإلسالم وحقيقة اإليمان ص‪ 431‬إن معنى أحلوه أو حرموه ليس معناه االعتقاد بمعنى العلم‬
‫بصحة الشيء واإلخبار عنه بل العمل بمقتضى تحريمهم وتحليلهم من الحكم والتحاكم إليه‪..‬‬
‫ويقول الشيخ الشنقيطي رحمه هللا تعالى في أضواء البيان ج‪7‬ص‪ (169‬ولما كان التشريع وجميع األحكام شرعية كانت أم كونية‬
‫قدرية من خصائص الربوبية كان كل من اتبع تشريعا غير تشريع هللا فقد اتخذ ذلك المشرع ربا أو أشركه مع هللا ويقول في موضع‬
‫آخر ويفهم من هذه اآليات كقوله وال يشرك في حكمه أحدا) أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه هللا أنهم مشركون باهلل وهذا‬
‫المفهوم جاء مبينا في آيات هللا أخرى كقوله في من اتبع تشريع غير ما شرعه هللا أنهم مشركون باهلل‪.‬وهذا المفهوم جاء مبينا في‬
‫آيات أخرى كقوله في من اتبع تشريع الشيطان في إباحة الميتة بدعوة أنها ذبيحة هللا (وال تأكلوا مما لم يذكر اسم هللا عليه وانه‬
‫لفسق وان الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وان أطعتموهم‬
‫إنكم لمشركون) فصرح أنهم مشركون بطاعتهم‪..‬‬
‫وفي قوله تعالىالم تر إلى الذين يزعمون أنهم امنوا بما انزل إليك وما انزل من قبلك‪)..‬يقول ص‪83‬ج‪ 4‬وبهذه النصوص السماوية‬
‫التي شرعها ذكرنا يظهر غاية الظهور إن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على السنة أوليائه مخالفة لما‬
‫شرعه هللا عز وجل على لسان رسله صلى هللا عليه وسلم انه ال شك في كفرهم وشركهم إال من طمس هللا بصيرته وأعماه عن نور‬
‫الوحي مثلهم‪.‬‬

‫ويقول عبد هللا بن محمد بن احمد القنائي في كتابه حقيقة اإليمان ص‪ 95‬حول سبب نزول قوله تعالى ومن لم يحكم بما انزل هللا‬
‫فأولئك هم الكافرون) فان من الملوم في سبب نزول اآلية أن اليهود إنما غيروا الحكم الذي في التوراة دون اعتقاد أن هناك حكم‬
‫جديد مستأنف نزل من عند هللا وإنما هم غيروه مع إثبات الحكم األصلي فكان ذلك لمجرد اشتداد األمر عليهم وعدم قدرتهم على‬
‫تنفيذه لفسقهم ‪.‬‬
‫يقول الطبري في تفسير قوله تعالى وكيف يحكمونك وعندهم التوراة) وعندهم التوراة التي أنزلته على موسى والتي يقرون بها‬
‫وإنها حق وإنها كتابي الذي أنزلته على نبيي وان ما فيه من حكم فمن حكمي يعلمون دلك ال يتناكرونه وال يتدامغونه ويعلمون أن‬
‫حكمي فيها على الزاني المحصن الرجم وهم مع علمهم بذلك ويتولون يقول يتركون الحكم به بعد العلم بحكمي فيه جراءة علي‪..‬‬

‫ويقول اإلمام ابن حزم في الفصل ‪ 3/245‬في قوله تعالى إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمون‬
‫عاما ليواطئوا عدة ما حرم هللا) وبحكم اللغة التي نزل بها القران أن الزيادة في الشيء ال تكون إال منه ال من غيره ‪.‬‬
‫فصح أن النسيء كفر وهو عمل من األعمال وهو تحليل ما حرم هللا تعالى فمن احل ما حرم هللا تعالى وهو عالم بان هللا تعالى حرمه‬
‫فهو كافر بذلك الفعل نفسه‪..‬‬

‫‪75‬‬
‫ضوابط ومسائل في الطاعة‬

‫من خالل استقراء كالم جميل من العلماء المحققين ـ إلى أن ثمة ضوابط ومسائل مهمة ينبغي مراعاتها في موضوع‬
‫طاعة األئمة والحكام‪ ،‬منها‪:‬‬
‫هّللا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫‪ -1‬أن الطاعة ألصحاب الواليات الشرعية‪ ،‬وهذا أمر بدهي دلت عليه اآلية الكريمة‪{ :‬يَا أيُّ َها ال ِذينَ آ َمنوا أ ِطي ُعوا َ‬
‫سو َل َوأُ ْولِي األَ ْم ِر ِمن ُك ْم فَإِن تَنَا َز ْعتُ ْم فِي ش َْي ٍء فَ ُردُّوهُ إِلَى هّللا ِ َوال َّر ُ‬
‫سو ِل إِن ُكنتُ ْم تُؤْ ِمنُونَ ِباهّلل ِ َوا ْليَ ْو ِم اآل ِخ ِر َذلِكَ‬ ‫َوأَ ِطي ُعو ْا ال َّر ُ‬
‫سنُ تَأْ ِويالً}النساء‪.59‬‬ ‫َخ ْي ٌر َوأَ ْح َ‬
‫قال الشوكاني‪" :‬وأولو األمر‪ :‬هم األئمة والسالطين والقضاة وكل من كان له والية شرعية ال والية طاغوتية"(‪)1‬‬
‫‪ -2‬ال طاعة لجهلة الحكام إال فيما يعلم أنه سائغ شرعاً‪ ..‬يقول القرطبي‪" :‬وشرط األمراء أن يكونوا آمرين بما يقتضيه‬
‫العلم‪ ،‬وكذلك كان أمراء رسول هللا – صلى هللا عليه وسلم ‪ ،-‬وحينئذ تجب طاعتهم‪ ،‬فلو أمروا بما ال يقتضيه العلم حرمت‬
‫طاعتهم"(‪.)2‬‬
‫ويقول العز بن عبد السالم في هذه المسألة‪" :‬ولو أمر اإلمام أو الحاكم إنسانا ً بما يعتقد اآلمر حله والمأمور تحريمه‪ ،‬فهل‬
‫له فعله نظراً إلى رأي اآلمر‪ ،‬أو يمتنع فعله نظراً إلى رأي المأمور؟ فيه خالف ـ وهذا مختص فيما ال ينقض حكم اآلمر‬
‫به‪ ،‬فإن كان مما ينقض حكمه به فال سمع وال طاعة ـ وكذلك ال طاعة لجهلة الملوك واألمراء إال فيما يعلم المأمور أنه‬
‫مأذون في الشرع"(‪.)3‬‬
‫ويقول شيخ اإلسالم‪" :‬والحاكم فيما تنازع فيه علماء المسلمين أو أجمعوا عليه قوله في ذلك كقول آحاد العلماء إن كان‬
‫عالماً‪ ،‬وإن كان مقلداً كان بمنزلة العامة المقلدين‪ ،‬والمنصب والوالية ال يجعل من ليس عالما ً مجتهداً عالما ً"(‪.)4‬‬
‫‪ -3‬ال طاعة مطلقة إال للرسل ‪ -‬عليهم السالم ‪ ،-‬فليس من مخلوق من أمره حتم بإطالق إال الرسل ‪ -‬عليهم السالم ‪ ،-‬ومن‬
‫أمر بطاعة الملوك والحكام مطلقا ً فهو ضال‪..‬‬
‫يقول شيخ اإلسالم في هذا المقام‪" :‬من نصب إماما ً فأوجب طاعته مطلقا ً اعتقاداً أو حاالً فقد ضل في ذلك‪ ،‬كأئمة الضالل‬
‫الرافضة اإلمامية‪ ،‬حيث جعلوا في كل وقت إماما ً معصوما ً تجب طاعته‪ ،‬فإنه ال معصوم بعد الرسول‪ ،‬وال تجب طاعة أحد‬
‫بعده في كل شيء"(‪.)5‬‬
‫وقال في السبعينية‪" :‬وقد اتفق المسلمون على أنه ليس من المخلوقين من أمره حتم على اإلطالق إال الرسل الذين قال‬

‫‪76‬‬
‫ول إِالَّ لِيُطَا َع بِإ ِ ْذ ِن هّللا ِ} النساء‪ ،64‬وأما من دونهم فيطاع إذا أمر بما أمروا به‪ ،‬وأما إذا أمر‬ ‫س ٍ‬ ‫س ْلنَا ِمن َّر ُ‬ ‫هللا فيهم‪َ { :‬و َما أَ ْر َ‬
‫بخالف ذلك لم يطع‪(6("..‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال الطيبي عند قوله ‪ -‬تعالى ‪{ :-‬يَا أيُّ َها الَّ ِذينَ آ َمنُو ْا أ ِطي ُعو ْا هّللا َ َوأ ِطي ُعو ْا ال َّر ُ‬
‫سو َل َوأ ْولِي األ ْم ِر ِمن ُك ْم}‪" :‬أعاد الفعل في‬
‫سو َل} إشارة إلى استقالل الرسول بالطاعة‪ ،‬ولم يعده في أولي األمر إشارة إلى أنه يوجد فيهم من ال‬ ‫قوله‪َ { :‬وأَ ِطي ُعو ْا ال َّر ُ‬
‫تجب طاعته"(‪( 7‬‬
‫‪ -4‬من المسائل المعلومة أنه ال طاعة لمخلوق في معصية الخالق ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ ،-‬إنما الطاعة في المعروف كما في‬
‫الصحيحين عن ابن عمر ‪ -‬رضي هللا عنهما ‪ -‬أن النبي – صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬قال‪" :‬على المرء المسلم السمع‬
‫والطاعة فيما أحب وكره‪ ،‬إال أن يؤمر بمعصية‪ ،‬فال سمع وال طاعة"‪ .‬وفي حديث ابن مسعود رضي هللا عنه مرفوعا ً‪:‬‬
‫"ليس يا ابن أم عبد طاعة لمن عصى هللا‪ ،‬قالها ثالث مرات" (‪.)8‬‬
‫وكتب عمر الفاروق إلى أهل الكوفة‪ ( :‬من ظلمه أميره فال إمرة له عليه دوني‪ ،‬فكان الرجل يأتي المغيرة بن شعبة فيقول‪:‬‬
‫إما أن تنصفني من نفسك وإال فال إمرة لك علي) (‪(9‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر‪" :‬ومن بديع الجواب قول بعض التابعين لبعض األمراء من بني أمية لما قال له‪ :‬أليس هللا أمركم أن‬
‫تطيعونا في قوله‪َ { :‬وأُ ْولِي األَ ْم ِر ِمن ُك ْم} فقال له‪ :‬أليس قد نزعت عنكم ـ يعني الطاعة ـ إذا خالفتم الحق بقوله ‪{ :‬فَإِن‬
‫اآلخ ِر} (‪.)10‬‬ ‫سو ِل إِن ُكنتُ ْم تُؤْ ِمنُونَ بِاهّلل ِ َوا ْليَ ْو ِم ِ‬ ‫تَنَا َز ْعتُ ْم فِي ش َْي ٍء فَ ُردُّوهُ إِلَى هّللا ِ َوال َّر ُ‬
‫ويقول شيخ اإلسالم ابن تيمية‪" :‬اتفق العلماء أن حكم الحاكم العادل إذا خالف نصا ً أو إجماعا ً لم يعلمه فهو منقوض"(‬
‫‪.)11‬‬
‫وقال ابن القيم‪" :‬فإن قيل‪ :‬فما هي طاعتهم المختصة بهم‪ ،‬إذ لو كانوا إنما يُطاعون فيما يخبرون به عن هللا رسوله كانت‬
‫الطاعة هلل ورسوله ال لهم؟ قيل‪ :‬وهذا هو الحق‪ ،‬وطاعتهم إنما هي تبع ال استقالل‪ ،‬ولهذا قرنها بطاعة الرسول‪ ،‬ولم يُعد‬
‫العامل‪ ،‬وأفرد طاعة الرسول‪ ،‬وأعاد العامل‪ ،‬لئال يتوهم أنه إنما يطاع تبعاً‪ ،‬كما يُطاع أولو األمر تبعاً‪ ،‬وليس كذلك‪ ،‬بل‬
‫طاعته واجبة استقالالً‪.)12("..‬‬
‫ولما سئل شيخ اإلسالم ابن تيمية عما يأخذه والة المسلمين من زكاة‪ ،‬كان من جوابه‪" :‬أما ما يأخذه والة المسلمين من‬
‫ال ُع شْر وزكاة الماشية والتجارة‪ ،‬وغير ذلك فإن يسقط ذلك عن صاحبه‪ ،‬إذا كان اإلمام عادالً يصرفه في مصارفه‬
‫الشرعية‪ ،‬باتفاق العلماء‪ ،‬فإن كان ظالما ال يصرفه في مصارفه الشرعية‪ ،‬فينبغي لصاحبه أن ال يدفع الزكاة إليه‪ ،‬بل‬
‫يصرفه هو إلى مستحقيها‪.)13("..‬‬
‫وبيّن شيخ اإلسالم ـ في موطن آخر ـ أن أهل السنة ال يوجبون طاعة اإلمام في كل ما يأمر به‪ ،‬بل ال يوجبون طاعته إال‬
‫فيما تسوغ طاعته في الشرعية‪ ،‬فال يج ّوزون طاعته في معصية هللا وإن كان إماما عادال‪(14( .‬‬
‫وقال أيضا ً‪" :‬واإلمام العدل تجب طاعته فيما لم يعلم أنه معصية‪ ،‬وغير العدل تجب طاعته فيما علم أنه طاعة كالجهاد"(‬
‫‪.)15‬‬
‫‪ -5‬حذر السلف الصالح من تلك الطاعة الفاسدة ـ طاعة المخلوق في معصية هللا تعالى ـ في آثار كثيرة‪:‬‬
‫فعن أبي هريرة – رضي هللا عنه ‪ -‬مرفوعاً‪( :‬أعوذ باهلل من إمارة الصبيان‪ ،‬قالوا وما إمارة الصبيان؟ قال إن أطعتموهم‬
‫هلكتم ـ أي في دينكم ـ وإن عصيتموهم أهلكوكم ـ أي في دنياكم بإزهاق النفس أو بذهاب المال أو بهما معا ً ـ)(‪(16‬‬
‫وفي رواية البن شيبة‪( :‬أن أبا هريرة كان يمشي في السوق ويقول‪ :‬اللهم ال تدركني سنة ستين وال إمارة الصبيان) قال‬
‫الحافظ ابن حجر‪" :‬وفي هذا إشارة إلى أن أول األغيلمة كان في سنة ستين‪ ،‬وهو كذلك فإن يزيد بن معاوية استخلف‬
‫فيها‪.)17("..‬‬
‫"وسئل عبادة بن الصامت – رضي هللا عنه ‪ : -‬أرأيتَ إن أطعت أميري في كل ما يأمرني به؟ قال‪ :‬يؤخذ بقوائمك فتلقى‬
‫في النار‪ ،‬وليجئ هذا فينقذك "(‪.)18‬‬
‫وورد أن شداد بن أوس – رضي هللا عنه ‪ -‬أنه غطى رأسه فبكى‪ ،‬فقيل له‪ :‬ما يبكيك؟ قال إنما أخاف عليكم من قبل‬
‫رؤسائكم الذين إذا أمروا بطاعة هللا أطيعوا‪ ،‬وإذا أمروا بمعصيته أطيعوا "(‪.)19‬‬
‫"وقال الحسن البصري‪ :‬سيأتي أمراء يدعون الناس إلى مخالفة السنة فتطيعهم الرعية خوفا ً على دنياهم فعندها سلبهم‬
‫هللا اإليمان‪ ،‬وأورثهم الفقر ونزع منهم الصبر‪ ،‬ولم يأجرهم عليه"‪.‬‬
‫وقال الشعبي‪ :‬إذا أطاع الناس سلطانهم فيما يبتدع لهم أخرج هللا من قلوبهم اإليمان وأسكنها الرعب‪.‬‬
‫وقال يونس بن عبيد‪ :‬إذا خالف السلطان السنة‪ ،‬وقالت الرعية قد أمرنا بطاعته‪ ،‬أسكن هللا قلوبهم الشك وأورثهم‬
‫التطاعن"(‪.)20‬‬
‫‪ -6‬ومما يجدر تقريره أيضا ما حرره شيخ اإلسالم ابن تيمية من عدم العدول عن نص شرعي معين إلى نص عام في‬
‫طاعة والة األمور‪ ,‬فإن أكثر الصحابة – رضي هللا عنهم ‪ -‬اعتزلوا القتال الواقع بين علي ومعاوية ‪ -‬رضي هللا عنهما ‪-‬‬
‫ألنه قتال فتنة فال تجب طاعة اإلمام فيه‪ .‬يقول شيخ اإلسالم‪" :‬ومن رأى أن هذا القتال مفسدته أكثر من مصلحته علم أنه‬
‫قتال فتنة‪ ،‬فال تجب طاعة اإلمام فيه‪ ،‬إذ طاعته إنما تجب في ما لم يعلم المأمور أنه معصية بالنص‪ ،‬فمن علم أنه هذا هو‬
‫قتال الفتنة ـ الذي تركه خير من فعله ـ لم يجب عليه أن يعدل عن نص معين خالص إلى نص عام مطلق في طاعة أولي‬
‫األمر‪ ،‬وال سيما وقد أمر هللا تعالى عند التنازع بالرد إلى هللا والرسول "(‪.)21‬‬
‫وقد سلك هذا المسلك أئمة كبار كاإلمام مالك بن أنس عندما منعه السلطان من الفتيا بأن يمين المكره ال تنعقد فلم يمتنع‬

‫‪77‬‬
‫بدعوى طاعة والة األمور‪..‬‬
‫يقول ابن القيم‪" :‬فهذا مالك ابن أنس توصل أعداؤه إلى ضره بأن قالوا للسلطان إنه يحل عليك أ ْيمان البيعة بفتواه ‪ :‬إن‬
‫يمين المكره ال تنعقد‪ ،‬وهم يحلفون مكرهين غير طائعين‪ ،‬فمنعه السلطان‪ ،‬فلم يمتنع لما أخذه هللا من الميثاق على من آتاه‬
‫هللا علما أن يبينه للمسترشدين "(‪.)22‬‬
‫دس إليه من يسأله‪ ،‬فحدّثه به‬ ‫وفي رواية‪" :‬أن أبا جعفر المنصور نهى مالكا عن الحديث (ليس على مستكره طالق) ثم ّ‬
‫على رؤوس الناس فضربه بالسياط "(‪.)23‬‬
‫ولعل ما حرره شيخ اإلسالم يكشف عن سبب إصرار بعض علماء السلف على الوعظ واالحتساب مع منعهم من قبل حكام‬
‫زمانهم‪ ،‬كالبربهاري وأصحابه الذين كانوا يباشرون تغيير المنكرات باإلتالف‪ ،‬ويعاقبون أصحابها بالضرب والتعزيز‪( .‬‬
‫‪)24‬‬
‫وكذا عدم طاعة الحسن بن الصباح للمأمون في منعه من الوعظ واستمرار ابن سمعون في الوعظ مع منع الخليفة له‬
‫وغيرهم(‪.(25‬‬
‫ومما يستدل به في هذا المقام ما جاء في قصة سرية عبدهللا بن حذافة – رضي هللا عنه ‪ -‬عندما أمر أصحابه بأن يوقدوا‬
‫نارا ويدخلوها‪ ..‬فلما بلغ ذلك النبي – صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬قال‪" :‬لو دخلوها ما خرجوا منها‪ ،‬إنما الطاعة في‬
‫المعروف"(‪.)26‬‬
‫قال ابن القيم ـ بعد إيراده لتلك الحادثة ـ‪" :‬فإن قيل‪ :‬فلو دخلوها طاعة هلل ورسوله في ظنهم فكانوا متأولين مخطئين‬
‫فكيف يخلدون فيها؟ قيل‪ :‬لما كان إلقاء نفوسهم في النار معصية يكونون بها قاتلي أنفسهم‪ ،‬ف ّهموا بالمبادرة إليها من‬
‫غير اجتهاد منهم‪ :‬هل هو طاعة وقربة أو معصية؟ كانوا ُم ْق ِدمين على ما هو محرم عليهم وال تسوغ طاعة ولي األمر‬
‫فيه‪ ،‬ألنه ال طاعة لمخلوق في معصية الخالق‪..‬‬
‫وإن كانوا مطيعين لولي األمر فلم تدفعهم طاعتهم لولي األمر معصيتهم هلل ورسوله‪ ،‬ألنهم قد علموا أن من قتل نفسه فهو‬
‫مستحق للوعيد‪..‬‬
‫عذب مسلما ً ال يجوز تعذيبه طاعةً لولي األمر؟ وأيضا ً فإذا‬ ‫عذب نفسه طاعةً لولي األمر‪ ،‬فكيف من ّ‬ ‫فإذا كان هذا حكم من ّ‬
‫كان الصحابة المذكورين لو دخلوها لما خرجوا منها مع قصدهم طاعة هللا ورسوله بذلك الدخول‪ ،‬فكيف بمن حمله على‬
‫ما ال يجوز من الطاع ِة الرغبةُ والرهبةُ الدنيوية؟ "(‪.)27‬‬
‫وقال الخطابي‪" :‬هذا يدل على أن طاعة الوالة ال تجب إال في المعروف‪ ،‬كالخروج في البعث إذا أمر به الوالة والنفوذ لهم‬
‫في األمور التي هي الطاعات ومصالح المسلمين‪ ،‬فأما ما كان منها معصية كقتل النفس المحرمة وما أشبهه فال طاعة لهم‬
‫في ذلك"(‪.)28‬‬
‫ُ‬
‫سو َل َوأ ْولِي‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫هّللا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ولما ساق اإلمام البخاري بسنده عن ابن عباس رضي هللا عنهما أن قوله تعالى‪{ :‬أ ِطي ُعوا َ َوأ ِطي ُعوا ال َّر ُ‬
‫األَ ْم ِر ِمن ُك ْم}اآلية‪ .‬نزل في عبدهللا بن حذافة إذ بعثه النبي – صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬في سرية‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر‪" :‬وسببه أن الذين ه ّموا أن يطيعوه وقفوا عند امتثال األمر بالطاعة‪ ،‬والذين امتنعوا عارضه عندهم‬
‫الفرار من النار‪ ،‬فناسب أن ينزل في ذلك ما يرشدهم إلى ما يفعلونه عند التنازع وهو الرد إلى هللا وإلى رسوله (‪.)29‬‬
‫_______________‬
‫(‪ )1‬فتح القدير ‪1/481‬‬
‫(‪ )2‬المفهم ‪ 4/35‬وانظر طرح التثريب ‪8/82‬‬
‫(‪ )3‬قواعد األحكام ص ‪604‬‬
‫(‪ )4‬الفتاوى ‪27/296‬‬
‫(‪ )5‬الفتاوى ‪19/69‬‬
‫(‪ )6‬ص‪ 495‬تحقيق الدويش‪ ،‬وانظر منهاج السنة ‪503 ،3/490‬‬
‫(‪ )7‬فتح الباري ‪13/112‬‬
‫(‪ )8‬أخرجه أحمد ‪ 5/301‬وصححه األلباني في الصحيحة ‪2/139‬‬
‫(‪ )9‬أخرجه الخالل في السنة ‪1/118‬‬
‫(‪ )10‬فتح الباري ‪13/111‬‬
‫(‪ )11‬مجموع الفتاوى ‪31/39‬‬
‫(‪ )12‬إعالم الموقعين ‪2/240‬‬
‫(‪ )13‬مجموع الفتاوى ‪ 25/81‬وانظر المستدرك ‪3/160‬‬
‫(‪ )14‬انظر منهاج السنة ‪3/387‬ـ‪390‬‬
‫(‪ )15‬مجمع الفتاوى ‪29/196‬‬
‫(‪ )16‬خرجه ابن أبي شيبة كما في الفتح ‪13/10‬‬
‫(‪ )17‬الفتح ‪13/10‬‬
‫(‪ )18‬االستذكار‪14/37 :‬‬
‫(‪ )19‬البيان والتحصيل البن رشد ‪16/362‬‬

‫‪78‬‬
‫(‪ )20‬اإلبانة الصغرى البن بطة ص‪155‬‬
‫(‪ )21‬مجموع الفتاوى ‪4/443‬‬
‫(‪ )22‬إعالم الموقعين ‪4/115‬‬
‫(‪ )23‬سير أعالم النبالء ‪8/80‬‬
‫(‪ )24‬انظر الكامل البن األثير‪ ،‬حوادث سنة ‪323‬هـ‬
‫(‪ )25‬انظر طبقات الحنابلة ‪2/158 ،1/134‬‬
‫(‪ )26‬أخرجه الشيخان‬
‫(‪ )27‬زاد المعاد ‪ = 370 ،3/369‬باختصار‬
‫(‪ )28‬عون المعبود ‪7/289‬‬
‫(‪ )29‬فتح الباري ‪8/2‬‬

‫معنى الديمقراطية‬

‫الديمقراطية كلمة أصلها يوناني وتتكون من كلمتين( ديموس) وتعني حكم الشعب (كراتوس) وتعني الحكم او السلطة او التشريع‬
‫ومعنى هذا أن ترجمة كلمة الديمقراطية هي (حكم الشعب) أو( سلطة الشعب) أو( تشريع الشعب)‪.‬‬

‫والديمقراطية جاءت كرد فعل على السياسة التعسفية التي كانت تمارس على أغلبية الشعب أو العمال سواء من طرف رجال الكنيسة‬
‫حيث كان هناك نهب األموال باسم الدين‪..‬أو من طرف أصحاب رؤوس األموال الضخمة الذين احتكروا الحكم ‪,‬وأيضا القوانين‬
‫الظالمة المفروضة على طبقة العمال وعلى اثر هذه الضغوطات قام الشعب بثورة ضد الكنيسة وطالبوا بأحقية الحكم وإصدار‬
‫القوانين العامة المساوية لجميع الفئات ومنها أخرجت فكرة النظام الديمقراطي وهي نظرية الفيلسوف جون جاك روسو من اجل‬
‫إصالح المجتمع وسياسته وتحرير األفراد‪.‬‬

‫ومن أهم مزايا وخصائص النظام الديمقراطي أن الحكم والسيادة تكون للشعب‬
‫والسيادة هي تلك السلطة العليا التي تملك حق التشريع وهي سلطة تسمو فوق الجميع‪.‬‬

‫إن الديمقراطية كفر باهلل العظيم ومناقصة لملة التوحيد ألسباب عديدة‪:‬‬
‫‪. 1‬إن في النظام الديمقراطي السيادة أو الحكم للشعب أما في النظام اإلسالمي السيادة والحكم هلل عز وجل والكلمة األخيرة هلل عز‬
‫وجل كما قال تعالى‪( :‬إن الحكم هلل أمر أال تعبدوا إال إياه) وقال أيضا‪ (:‬وال يشرك في حكمه أحدا ) وقال‪(:‬وهللا يحكم ال معقب لحكمه)‪.‬‬

‫‪. 2‬في النظام الديمقراطي التشريع للشعب فالحالل ما أحلته الديمقراطية والحرام ما حرمته الديمقراطية‪..‬واليمكن سن تشريع أو‬
‫قانون وفقا لها إال إذا كانت موافقة لنصوص كتابهم المقدس الدستور فهو مرجعهم عند تنازعهم أما في النظام اإلسالمي التشريع هلل‬
‫سبحانه وتعالى كما قال( وشرع لكم من الدين ما وصى به نوحا) وقال (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به هللا)‬
‫والحالل ما أحله هللا في كتابه والحرام ما حرمه هللا في كتابه والمرجع عند التنازع هو القران والسنة كما قال تعالى( فإذا تنازعتم في‬
‫شيء فردوه إلى هللا ورسوله إن كنتم تومنون باهلل واليوم اآلخر ذلك خير وأحسن تأويال) فتجد أن هللا عز وجل جعل للسارق حكم‬
‫وللزاني حكم‪...‬وكل حكم مذكور في كتاب هللا عز وجل القران بينما تجد خالف تلك األحكام تمام وكل ذلك مذكور في كتابهم الدستور‬

‫‪79‬‬
‫فالدستور هو الكتاب المحرف لهذه األمة التي لم تستطع تحريف أو تبديل كتاب هللا كيف ذلك وقد تكفل الحق سبحانه وتعالى بحفظه‬
‫ولكنهم تركوه جانبا ووضعوا كتابا آخر شبيه بالياسق ‪ ..‬وكان عبارة عن خليط من األحكام المأخوذة من التوراة واإلنجيل والقران‪..‬‬
‫فالحكم في النظام الديمقراطي هو حكم الشعب وما ارتضاه الشعب وهللا سبحانه وتعالى يأمر نبيه صلى هللا عليه وسلم بالحكم بما‬
‫انزل هللا وينهاه عن إتباع أهواء الشعب ويحذره من أن يفتنوه عن بعض ما انزل هللا كما قال تعالى( وان احكم بينهم بما انزل هللا وال‬
‫تتبع أهوائهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما انزل هللا إليك‪)...‬‬

‫‪ . 3‬إن الديمقراطية ثمرة العلمانية الخبيثة التي تعني فصل الدين عن الدولة ‪..‬‬
‫والديمقراطية هي حكم الشعب ولكن هذا التعريف في الحقيقة على األوراق فقط أما على ارض الواقع فاألمر والنهي للطاغوت‬
‫فالديمقراطية بالنسبة للدول العربية هي حكم الطاغوت لكنها على جميع األحوال ليست حكما هلل عز وجل ألنها ال تضع أي اعتبار‬
‫لشرع هللا تعالى إال إذا وافق مواد الدستور أوال وبعدها أهواء الشعب وقبل ذلك كله رغبات الطاغوت أو المال ‪...‬‬

‫‪. 4‬إن من أهم وخصائص الديمقراطية حرية االعتقاد أو حرية الرأي ففي النظام الديمقراطي اعتنق ما شئت من الديانات فلك الحرية‬
‫في أن تتنصر أو أو ‪..‬وأيضا يحق لك في النظام الديمقراطي االستهزاء بآيات هللا والخوض فيها أو االعتراض عنها فلك كامل الحرية‬
‫أما في النظام اإلسالمي من خرج عم دين االسالم ودخل دينا غيره يستتاب فان تاب واال قتل ردة ومن استهزأ بآيات هللا يستتاب فان‬
‫تاب وإال قتل ‪...‬‬
‫ويمكن تلخيص ما قلنا بما يلي ‪:‬‬
‫‪ ‬في النظام الديمقراطي ‪:‬‬
‫‪-‬السلطة التشريعية وهم ممثلي الشعب باالنتخابات ومهتهم تشريع األحكام والقوانين‪.‬‬
‫‪-‬السلطة التنفيذية الحكومة ومهمتها تنفيذ القانون العام المتفق عليه‪.‬‬
‫‪-‬السلطة القضائية القاضي ومهمته القضاء في كل ما يعرض عليه وفقا لألحكام الصادرة عن السلطة التشريعية‪.‬‬
‫‪ ‬أما في النظام اإلسالمي‪:‬‬
‫‪-‬السلطة التشريعية الكتاب والسنة‬
‫‪-‬السلطة التنفيذية وهي الخليفة مع أهل الحل والعقد‬
‫‪-‬السلطة القضائية القضاء وهي سلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية فالخليفة يحاكم أيضا إذا تنازع مع احد‪.‬‬

‫ومن هذا يتبين لكل مريد للحق ان الديمقراطية دين غير دين االسالم وملة غير ملة المسلمين وشرع غير شرع رب العالمين فهي‬
‫شرع ارباب متفرقون كما قال تعالى ‪(:‬ءارباب متفرقون خير أم هللا الواحد القهار ما تعبدون من دونه إال أسماء سميتموها انتم‬
‫وآبائكم ما انزل هللا بها من سلطان)‪.‬‬
‫فمن اختار الديمقراطية فقد اختار دينا غير دين اإلسالم (ومن يبتغ غير اإلسالم دينا فلن يقبل منه وهو في اآلخرة من الخاسرين)‪.‬‬

‫حقيقة المجالس التشريعية(‪)1‬‬

‫فهذه سلسلة ردود علمية مختصرة مبنية على أدب الحوار العلمي في إطار الكتاب والسنة على فهم سلف هذه األمة ‪ ,‬ونهدف من‬
‫هذه السلسلة أن يدرك الناس عامة حقيقة المجالس التشريعية ‪ ,‬وكذلك فيه رد على الذين يعتبرون الدخول من اإلسالم ‪ ,‬وتبلورت‬
‫هذه الفكرة في مؤلفين ‪ .‬األول ‪ ( :‬مشروعية الدخول إلى المجالس التشريعية ) ‪ .‬والثاني ‪ :‬كتاب ( حكم المشاركة في الوزارة‬
‫والمجالس النيابية ) وهذا من باب البيان والنصيحة حيث إن من حق عامة الناس معرفة الحق في هذه المسألة ألن المسألة تتعلق‬
‫بتوحيد اإلنسان لربه ‪ ,‬مع العلم أن التوحيد هو األساس الذي يبني عليه وبه تقبل جميع األعمال وإال فال ‪ ,‬ولذلك سوف يكون الرد في‬
‫هذه الرسالة على نوعين ‪ ,‬رد إجمالي يخاطب الفطرة البشرية ‪ ,‬ورد تفصيلي على من أورد الشبهات في هذه المسألة ‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬الرد اإلجمالي‬

‫بأسلوب واضح ومثال بسيط نقول ال شك أن هللا سبحانه له أفعال في خلقه ( فهو الذي يخلقهم ‪ ,‬ويرزقهم ‪ ,‬ويميتهم ‪ ,‬ويحييهم ‪,‬‬
‫ويدبر أمرهم ‪ ,‬وينفعهم ‪ ,‬ويضرهم ‪ ,‬ويصدر لهم األحكام ‪ ,‬وهو المالك لكل شيء سبحانه ) ‪ .‬وال يشك مسلم أيضا ً أن من أفعاله عز‬
‫وجل في إصدار األحكام ( التحليل‪ ,‬والتحريم‪ ,‬والتشريع )‪.‬‬

‫فالتحليل‪ :‬مثالً هو ما أحله هللا تعالى لعباده من الطيبات كالزواج والمأكل الطيب‪ . . .‬إلخ ‪.‬‬

‫والتحريم ‪ :‬هو ما حرمه هللا عز وجل على عباده من الخبائث كالزنا وشرب الخمر ‪ . . .‬ونحوه ‪.‬‬

‫والتشريع‪ :‬هو ما شرعه هللا لعباده من شرائع وأحكام في الصالة والصيام والزكاة والحج والحدود والميراث وغير ذلك (‪.)95‬‬

‫فال شك أن هلل تعالى هذه األمور الثالثة ال يشاركه في ذلك أحد ‪ ,‬فلو فرض أن هناك دولة من الدول جعلت لها سلطة وأعطتها حق‬
‫التحليل والتحريم في األمور التي قد أحل هللا فيها وحرم وفي األمور التي دون ذلك من اقتراحات دنيوية ال‬

‫‪80‬‬
‫تدخل في التحليل والتحريم الشرعي ‪ ,‬وسميت هذه السلطة بسلطة التحليل والتحريم فهل يجوز لنا في هذه الحالة أن ندخلها من باب‬
‫مصلحة الدعوة واإلسالم؟ وهل يجوز لإلنسان أن ينصب شخصا ً عن طريق الترشيح في هذا المجلس؟ وما حكم المرشح نفسه‬
‫والمصوت له في مجلس التحليل والتحريم؟ فاإلجابة على ذلك هي واضحة عند كل مسلم موحد يعرف دالالتـ ال إله إال هللا‪ ,‬أن‬
‫المرشح وقع في الشرك األكبر وأن المصوت له كذلك ‪ ,‬وال يخالف في ذلك إال الجهال بال إله إال هللا ‪ ,‬ألن التوحيد ال يصح وال يقبل إال‬
‫بتحقيق ثالثة أمور‪ :‬اإلعتقاد ‪ ,‬والقول ‪ ,‬والعمل ‪ ,‬وهذه هي عقيدة السلف في قبول اإليمان والتوحيد ‪ .‬فلو أن انسانا ً كانت نيته‬
‫صادقة وقوله كذلك ولكن كان العمل مخالفا ً لهما بأن يكون ظاهره شرك ‪ ,‬لما نفعه حينئذ قوله وال نيته شيئا ً ‪.‬‬

‫يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب‪ -‬رحمه هللا‪ -‬في رسالته كشف الشبهات في آخر ما ذكر‪ (( :‬ال خالف أن التوحيد البد أن يكون‬
‫بالقلب واللسان والعمل‪ ,‬فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلما ً ))‪.‬‬

‫فالسؤال الملح هنا الذي يطارد هؤالء المبيحين لدخول المجالس التشريعية ما الفرق بين مجلس التحليل والتحريم وبين مجلس‬
‫التشريع الذي يشهد العقل والقانون والعرف بأن ألعضاء هذا المجلس حق اقتراح القوانين وتشريعها سواء فيما شرعه هللا أو فيما‬
‫دون ذلك؟ فلو تقدم عضو من أعضاء السلطة بتقديم اقتراح في أمر قد حكم هللا تعالى فيه فإنه سوف يعرض هذا لالقتراح وال بد على‬
‫أعضاء السلطة التشريعية ثم يصدر بعد ذلك تشريع بالموافقة بناء على األغلبية وال شك أن هذا ليس هو تشريع في حق من حقوق‬
‫هللا فحسب ‪ ,‬بل هو تشريع على شرع هللا تعالى ‪ .‬يقول هللا سبحانه ‪ {:‬أولم يروا أنا نأتي األرض ننقصها من أطرافها وهللا يحكم ال‬
‫معقب لحكمه وهو سريع الحساب}‪[  ‬الرعد ‪. ]41 :‬‬

‫فهذا الرد اإلجمالي يكون حجة أمام كل المبيحين لدخول هذه المجالس ‪ ,‬فعلى اإلنسان أن يفقه هذه الكلمات ويحاججهم بها ويبرأ إلى‬
‫هللا تعالى مما يفعلون ‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬الرد التفصيلي‬

‫أوالً ‪ :‬األدلة على تحريم الدخول في المجالس التشريعية وبيان ذلك من الشرك الدليل األول ‪ :‬قال هللا تعالى ‪ {:‬أم لهم شركاء شرعوا‬
‫لهم من الدين ما لم يأذن به هللا} [الشورى ‪ ] 21:‬وال شك أن من الدين عقوبة الزنا والسرقة والقذف ‪ ,‬وشرب الخمر ونحوه ‪.‬‬
‫وهؤالء يشرعون في هذه األمور وهي من الدين التي ال يجوز أن يكون ألحد حق التشريع فيها إال هللا عز وجل ‪ .‬ولذلك الذين لهم‬

‫(‪)1‬مقتطفةمن كتاب ميراث االنبياء‬

‫حق التشريع هم شركاء مع هللا عز وجل بنص اآلية ‪ ,‬فال يلتفت إلى النيات واألقوال بأن هذه الكراسي تتخذ كمنابر للدعوة ‪ .‬فإن‬
‫الجالس على كرسي المشرع مشرع رضي أم لم يرض فإنه مشرع بنص المادة الدستورية وجميع السلطات سوف تعامله على أنه‬
‫مشرع ‪ .‬فهذه الوسيلة الشركية غير شرعية والقاعدة عندنا نحن المسلمين تقول إن الغاية ال تبررالوسيلة والوسيلة الشركية عند‬
‫هؤالء شركية تضاهي هللا بأفعاله سبحانه ‪.‬‬

‫* الدليل الثاني‪ :‬من المعلوم المشهور أن أعضاء المجلس التشريعي إذا تنازعوا في أمر بينهم قضوا هذا النزاع إلى الطاغوت وهو‬
‫الدستور‪ .‬متحاكمين إليه ‪ ,‬وهو الفيصل بينهم والحاكم فيهم في جميع موارد النزاع ‪ ,‬وال شك أن هذا من نواقض اإلسالم واإليمان ‪.‬‬
‫يقول هللا تعالى ‪ {:‬ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا‬
‫أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضالالً بعيداً}‪[  ‬النساء ‪. ]60 :‬‬

‫يقول العالمة الشيخ سليمان بن عبدهللا آل الشيخ في كتابه تيسير العزيز الحميد ‪ 419‬عند قوله تعالى ‪{:‬ألم تر إلى الذين يزعمون}‬
‫اآلية ‪ .‬قال ‪ (( :‬وفي اآلية دليل على أن ترك التحاكم إلى الطاغوت الذي هو ما سوى الكتاب والسنة من الفرائض ‪ ,‬وأن المتحاكم إليه‬
‫غير مؤمن بل وال مسلم )) ‪.‬‬

‫ويقول العالمة السلفي محمد جمال الدين القاسمي‪ -‬رحمه هللا‪ -‬في تفسيره المعروف (محاسن التأويل) عند قوله تعالى ‪{:‬ألم تر إلى‬
‫الذين يزعمون} اآلية قال رحمه هللا ‪:‬‬

‫(األول ‪ :‬أنه تعالى قال ‪ { :‬يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به} فجعل التحاكم إلى الطاغوت يكون إيمانا ً به ‪.‬‬
‫وال شك أن اإليمان بالطاغوت كفر باهلل ‪ .‬كما أن الكفر بالطاغوت إيمان باهلل ) ‪.‬‬

‫وقد تقدم في الرسالة الثانية سرد بعض أقوال أهل العلم في بيان أن التحاكم إلى الطاغوت إيمان به ‪.‬‬

‫* الدليل الثالث ‪ :‬يقول هللا تعالى ‪{:‬يا أيها الذين آمنوا أطيعوا هللا وأطيعوا الرسول وأولي األمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوا إلى‬
‫هللا والرسول إن كنتم تؤمنون باهلل واليوم اآلخر ذلك خير وأحسن تأويالً}‪[  ‬النساء ‪  . ]59 :‬‬

‫‪81‬‬
‫يقول اإلمام ابن قيم‪ -‬رحمه هللا‪ -‬عند هذه اآلية ‪ ( :‬وهذا دليل قاطع على أنه يجب رد موارد النزاع في كل ما تنازع فيه الناس من‬
‫الدين كله إلى هللا ورسوله ال إلى أحد غير هللا ورسوله فمن أحال الرد إلى غيرهما فقد ضاد أمر هللا ومن دعا عند النزاع إلى حكم‬
‫غير هللا ورسوله فقد دعا بدعوى الجاهلية فال يدخل العبد في اإليمان حتى يرد كل ما تنازع فيه المتنازعون إلى هللا ورسوله ولهذا‬
‫قال هللا تعالى ‪{:‬إن كنتم تؤمنون باهلل واليوم اآلخر} وهذا مما ذكرنا آنفا ً أنه شرط ينتفي المشروط بانتفائه فدل على أن من حكم غير‬
‫هللا ورسوله في موارد مقتضى النزاع كان خارجا ً من مقتضى اإليمان باهلل واليوم اآلخر ‪ .‬وحسبك بهذه اآلية العاصمة القاصمة بيانا ً‬
‫وشفاء فإنها قاصمة لظهور المخالفين لها عاصمة للمستمسكين بها المتمثلين ما أمرت به )‪.)96(  ‬‬

‫ويقول الحافظ ابن كثير‪ -‬رحمه هللا‪ -‬في تفسيره عند اآلية السابقة ‪ (:‬أي ردوا الخصومات والجهاالت إلى كتاب هللا وسنة رسوله‬
‫فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم ‪{ ,‬إن كنتم تؤمنون باهلل واليوم اآلخر} فدل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة‬
‫وال يرجع إليهما في ذلك فليس مؤمنا ً باهلل وال باليوم اآلخر ) ‪  .‬‬

‫* الدليل الرابع ‪ :‬يقول هللا تعالى ‪{ :‬وهللا يحكم ال معقب لحكمه وهو سريع الحساب}‪[  ‬الرعد ‪ .]41 :‬فلو تخيلنا بأن عضواً من‬
‫أعضاء المجلس التشريعي قام بتقديم اقتراح يريد به تطبيق حكما ً من أحكام هللا تعالى فإنه سوف يعرض وال شك هذا االقتراح على‬
‫أعضاء السلطة التشريعية ثم يصوت على حكم هللا ويعقب عليه وتكون النتيجة بعد ذلك بالرفض أو القبول بنا ًء على األغلبية ‪ ,‬وإذا‬
‫رفض حكم هللا عز وجل عن طريق هذا االقتراح المقدم إلى السلطة التشريعية فإنه ال يعاد عرض هذا االقتراح إال بعد مضي سنة ‪,‬‬
‫فأي كفر إذاً فوق هذا الكفر بأن تعرض أحكام رب العالمين ورب األرباب وملك الملوك على البشر ‪ ,‬وال شك أن كالهما قد وقع في‬
‫الكفر األكبر القبل والرافض ‪ ,‬ألن القابل لحكم هللا قد عرض حكم هللا على التخيير ‪ ,‬وقدمه على شكل اقتراح وفتح بابا ً للكفر باهلل‬
‫تعالى عن طريق فتح باب التخيير على شرع هللا ‪.‬‬

‫‪ ‬وال شك أن هذا كفر باهلل عز وجل‪ .‬ثم نقول هل يجوز لهذا العضو أن يقدم للمشرعين عريضة اقتراح بعدد ركعات الصلوات‬
‫المفروضة على أن تكون مثالً صالة الظهرأربعا بدالً من ثالث أو أن تكون صالة العصر أربعا ً بدالً من خمس ثم يعرض هذا االقتراح‬
‫على أعضاء السلطة التشريعية فيعقب عليه ويصوت عليه ‪ ,‬ويكون الحكم النهائي لألغلبية؟ وهل هذا يعتبر عندكم كفر؟ فإن كان‬
‫الجواب بنعم فنقول ما الفرق إذاً بين عرض أحكام هللا في الصالة على البشر وبين من عرض أحكامه عز وجل في الحدود‬
‫والقصاص عليهم؟!‬

‫* الدليل الخامس ‪ :‬قوله تعالى ‪{:‬فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن باهلل فقد استمسك بالعروة الوثقى}‪[  ‬البقرة ‪. ]256 :‬‬

‫وال شك أن من الطاغوت هذه الدساتير وهذه القوانين واألحكام المخالفة لحكم هللا تعالى ‪ ,‬فإنها طواغيت حيث إنها طغت على أحكام‬
‫هللا واصبح يتحاكم إليها من دون حكم هللا جل وعال فهي أوثان تعبد في األرض ‪.‬‬

‫ويجب أن تعلم أخي المسلم أن هناك أربع معبودات تعبد من دون هللا عز وجل‪( .‬الصنم‪  ‬والوثن ‪ ,‬واإلله ‪ ,‬والرب )‪  ‬فهذه المعبودات‬
‫األربع إذا اجتمعت افترقت من أوجه وإذا افترقت اجتمعت ‪ ,‬فإذا افترقت فإنها تشترك كلها في العلة بأنها عبدت من دون هللا ‪ ,‬وإذا‬
‫اجتمعت افترقت في المعنى فيصبح كل له معنى ‪.‬‬

‫فالصنم ‪ :‬هو كل ما عبد من دون هللا من الجمادات المنحوتة على شكل إنسان أو حيوان أو نحو ذلك ‪.‬‬

‫والوثن ‪ :‬هو كل ما عبد من دون هللا من الجمادات سواء كانت المنحوتة أو الغير منحوتة ‪ .‬كالشجرو الحجر والقبر والدستور‬
‫الوضعي وما شابه ذلك ‪ .‬ودليل ذلك قوله عليه الصالة والسالم ‪ (( :‬اللهم ال تجعل قبري وثنا ً يعبد اشتد غضب هللا على قوم اتخذوا‬
‫قبور أنبيائهم مساجد )) ‪ .‬رواه مالك في موطئ ‪  .‬‬

‫ويكون الصنم المنحوت وثنا ً ألنه داخل في جملة الجمادات المعبودة ‪ ,‬فكل صنم وثن وليس كل وثن صنما ً ‪ ,‬ألن الوثن يشمل الصنم‬
‫وغيره مما عبد من دون هللا من الجمادات ‪.‬‬

‫واإلله‪ :‬هو كل من صرف له عبادة من العبادات الخاصة بألوهية هللا تعالى ‪ ,‬سواء كان إنسان حيا ً أو جماداً منحوتا ً ‪ .‬ودليل ذلك قوله‬
‫تعالى ‪ {:‬وقالوا ال تذرن آلهتكم وال تذرن وداً وال سواعا ً وال يغوث ويعوق ونسراً}‪[  ‬نوح ‪ . ]23 :‬وقال تعالى ‪ {:‬واذ قال هللا يا‬
‫عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون هللا قال سبحانك ‪  } . . .‬اآلية‪[  ‬المائدة ‪. ]116 :‬‬

‫والرب ‪ :‬هو كل من صرف له فعل من أفعال هللا تعالى الخاصة بربوبيته ‪ .‬ودليل ذلك قوله تعالى ‪ {:‬اتخذوا أحبارهم ورهبا نهم أربابا ً‬
‫من دون هللا والمسيح ابن مريم وما أمروا إال ليعبدوا إلها ً واحداً ال إله إال هو سبحانه عما يشركون}‪[  ‬التوبة ‪. ]31 :‬‬

‫والطاغوت‪ :‬يشملهم جميعا ً ( الصنم‪ ,‬والوثن‪ ,‬واإلله‪ ,‬والرب ) ويستثنى من اإلله والرب من عبد من دون هللا تعالى‪ ,‬من األنبياء‬
‫والصالحين ولم يرض بالعبادة‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫‪  ‬وهؤالء الذين عبدوا من دون هللا ولم يرضوا بالعبادة هم الذين تبرؤوا من عبادة غيرهم لهم اعتقاداً ونطقا ً وعمالً ‪.‬‬

‫فإذا تبين لك أخي المسلم أنواع هذه المعبودات التي عبدت من دون هللا تعالى‪ .‬فاعلم أن األصنام كلها طواغيت واألوثان كلها‬
‫طواغيت فتكون الدساتير والقوانين التي يتحاكم إليها وهي تخالف حكم الرب جل وعال من باب طاغوت األوثان‪ .‬وال شك أن من أقسم‬
‫على احترام الطاغوت لم يكفر به‪ .‬حيث أن اكفر بالطاغوت ركن التوحيد الذي به يكون اإلنسان مسلما ً مع اإليمان باهلل وحده‪  .‬‬

‫يقول العالمة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه هللا‪ ( :‬يحقق هذا قوله تعالى‪ { :‬وقد أمروا أن يكفروا به} ألن الكفر بالطاغوت‬
‫ركن التوحيد‪ ,‬كما في آية البقرة فإذا لم يحصل هذا الركن لم يكن موحداً )‪.)97(  ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫واليك الرد على شبهات الديمقراطيين مقتطفة من كتاب كشف الشبهات البو محمد المقدسي‪:‬‬
‫الشبهة االولى‪ :‬تسمية الديمقراطية بالشورى لتسويغها‬

‫الموحدين‬
‫ِّ‬ ‫هذا وقد استدل بعض ِعميان البصائر َ‬
‫وخفافِيش الدُجى لدينهم الكفري الباطل هذا (الديمقراطية) بقوله تعالى عن المؤمنين‬
‫{وأمرهم شورى بينهم} وبقوله تعالى للنبي صلى هللا عليه وسلم‪{ :‬وشاورهم في األمر}‪ .‬فسموا ديمقراطيتهم العفنة بالشورى‬
‫إلسباغ الصبغة الدينية الشرعية على هذا المذهب الكفري ومن ثم تسويغه وتجويزه‪..‬‬
‫فنقول وباهلل التوفيق‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬إنَّ تغيير األسماء ال قيمة له ما دامت األشياء أو الحقائق هي هي‪ ...‬وبعض الجماعات الدعوية التي تنتهج هذا المذهب الكفري‬
‫وتدينُ به تقول‪( :‬نحن نعني بالديمقراطية حين نُنادي بها ونُطالب بها ونُشجعها ونسعى لها وبها "حرية الكلمة والدعوة") (‪.)75‬‬
‫ونحو ذلك من الشقشقات‪..‬‬

‫فنقول لهم‪ :‬ليس المهم ما تعنونه أنتم وما تُرقعونه وتتوهمونه‪ ..‬لكن المهم ما هي الديمقراطية التي يطبقها الطاغوت ويدعوكم‬
‫للدخول فيها وتُجرى االنتخابات من أجلها ويكون التشريع والحكم الذي ستشاركون فيه ِوفقا ً لها‪.‬؟ فإنْ ضحكتم على النَّاس‬
‫وخادعتموهم‪ ،‬فلن تستطيعوا ذلك مع هللا {إنّ المنافقين يُخادعون هللا وهو خادعهم} (‪{ .)76‬يُخادعون هللا والذين آمنوا وما يخدعون‬
‫إال أنفسهم وما يشعرون} (‪ .)77‬فتغيير أسماء األشياء ال يُغيِّر أحكامها وال يُحل حراما ً أو يُح ِّرم حالالً‪ ...‬يقول النبي صلى هللا عليه‬
‫س ُّمونَها إِيَّاه) (‪(78‬‬
‫باسم يُ َ‬
‫ٍ‬ ‫الخمر‬
‫َ‬ ‫ست َِحلَّنَ طائفةٌ ِمنْ أُ ّمتي‬
‫وسلم‪( :‬لَيَ ْ‬
‫سب التوحيد أو حاربه وهو يُسميه دين الخوارج أو التكفير‪ ..‬وكفّروا من حسَّنَ الشرك وس ّوغه أو فعله وهو‬ ‫َّ‬ ‫من‬ ‫العلماء‬ ‫ر‬ ‫هذا وقد كفّ‬
‫وتسويغه ودعو ِة النَّاس إلى‬
‫ِ‬ ‫ويزه‬ ‫لتج‬
‫ْ‬ ‫بالشورى‪..‬‬ ‫(الديمقراطية)‬ ‫والشرك‬ ‫الكفر‬ ‫ون‬
‫ُ ُّ دينَ‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ي‬‫ف‬ ‫هؤالء‬ ‫يفعل‬ ‫)‪.‬كما‬ ‫‪79‬‬ ‫اسمه(‬ ‫ر‬
‫يُسميه بغي ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الدخول فيه‪ ..‬فبُعدا بُعدا‪...‬‬
‫الموح دين وتشبيه مجلس الشورى بمجالس الكفر والفسوق والعصيان تشبيهٌ‬ ‫ِّ‬ ‫ثانيا ً‪ :‬إنَّ قياس ديمقراطية المشركين على شورى‬

‫‪83‬‬
‫صروح‬ ‫وصرح من ُ‬ ‫ٌ‬ ‫وقياس باط ٌل ُمتهافت األركان‪ ،‬فقد علمتَ أنَّ مجلس الشعب أو األمة أو البرلمان معق ٌل من معاقل الوثنية‬ ‫ٌ‬ ‫ساقطٌ‬
‫شرعون لهم من الدين ما لم يأذن به هللا ِوفقا ً‬ ‫الشرك‪ ،‬تُنصب فيه آلهة الديمقراطيين وأربابهم المتفرقون وشركاؤهم الذين يُ ِّ‬
‫تعالى‪{:‬ءأرباب متفرقون خي ٌر ِأم هللا الواح ُد الق ّهار * ما تعبدونَ من دونه إال أسما ًء‬ ‫ٌ‬ ‫لدساتيرهم وقوانينهم األرضية(‪ .)80‬قال‬
‫س ال‬ ‫ِ‬ ‫ا‬‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫أكثر‬
‫َ‬ ‫ولكنَّ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫الق‬ ‫الدين‬ ‫ذلك‬ ‫إياه‬ ‫إال‬ ‫تعبدوا‬ ‫أال‬ ‫أمر‬ ‫هلل‬ ‫إال‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫الحك‬ ‫إن‬
‫ٍ ِ‬‫ن‬ ‫سلطا‬ ‫من‬ ‫سميتموها أنتم و َءاباؤكم ما أنزل هللا بها‬
‫يعلمونَ } (‪)81‬‬
‫وقال تعالى‪{ :‬أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به هللا} (‪)82‬‬
‫فهذا القياس هو من قبيل قياس الشرك على التوحيد والكفر على اإليمان‪ ..‬وهو من القول على هللا بغير علم واإلفتراء على دينه‬
‫والكذب على هللا‪ ،‬والخوض واإللحاد في آياته سبحانه وتلبيس الحق على الخلق بالباطل‪ ،‬والنّور بالظالم‪..‬‬
‫إذا تبيّن هذا فليعلم المسلم أنَّ الفوارق الجليّة بين الشورى التي شرعها هللا لعباده‪ ،‬وبين الديمقراطية العفِنة هي كما بين السماء‬
‫كعظم الفارق بين الخالق والمخلوق‪.‬‬ ‫واألرض‪...‬بل هي في ِعظَمها ِ‬
‫رباني‪ ..‬والديمقراطية من صنع البشر الناقصين الذين تتخللهم األهوا ُء والنزوات‪.‬‬ ‫ٌّ‬ ‫ومنهج‬
‫ٌ‬ ‫فالشورى نظا ٌم‬
‫ٌ‬
‫الشورى من شرع هللا تعالى ودينه وحكمه‪ ...‬والديمقراطية كف ٌر بشرع هللا ودينه ومناقضة لحكمه‪.‬‬
‫نص فيه‪ ،‬أما عند ورود النص فال شورى‪ ،‬يقول هللا تعالى‪{ :‬وما كان لمؤم ٍن وال مؤمن ٍة إذا قضى هللا‬ ‫والشورى تكون فيما ال َّ‬
‫ورسولُه أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} (‪.)83‬‬
‫وتالعب في ك ِّل باب وال اعتبار فيها لنصوص الشرع وأحكام هللا ولكن االعتبار ك ِّل االعتبار في‬ ‫ٌ‬ ‫أما الديمقراطية فهي استخفافٌ‬
‫الديمقراطية هو لحكم الشعب وتشريع الشعب في ك ِّل المجاالت(‪ .)84‬لذا ع َّرفوها في دساتيرهم بقولهم‪( :‬األمة مصدر السلطات‬
‫جميعا ً(‪.‬‬
‫والديمقراطية تَعتبر الشعب أعلى سلطة في الوجود وهي حكم أكثرية الشعب وتشريع األكثرية ودين األكثرية‪ ،‬األكثرية تحللِّ‬
‫والرب في الديمقراطية‪ ...‬أما في الشورى فالشعب أو األكثرية هي الملتزمة المأمورة بالسمع‬ ‫ُّ‬ ‫واألكثرية تح ِّرم‪ ...‬فاألكثرية هي اإلله‬
‫برأي األكثرية وال ُحك ِمها وإنما األكثرية مأمورةٌ بالسمع والطاعة لألئمة‬ ‫ِ‬ ‫اإلمام‬ ‫زم‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫وال‬ ‫المسلمين‪،‬‬ ‫والطاعة هلل ولرسوله ثم إلمام‬
‫وإن جاروا ما لم يأمروا بمعصية (‪)85‬‬
‫فالديمقراطية ميزانها وإلهها األكثرية‪ ،‬وهي مصدر السلطات جميعاً‪ ..‬أما الشورى فليس لألكثرية فيها أث ٌر وال ميزان بل قد َحكَم هللا‬
‫واضح في كتابه فقال‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫بحكم‬
‫ٍ‬ ‫على األكثرية‬

‫{وإنْ تُطع أكثر من في األرض يُضلوك عن سبيل هللا إن يتبعون إال الظن وإن هم إال يخرصون} (‪{ .)86‬وما أكث ُر النّاس ولو حرصتَ‬
‫بمؤمنين} (‪{ .)87‬وإن كثيراً من الناس بلقائ ربهم لكافرون} (‪{ .)88‬وما يؤمن أكثرهم باهلل إال وهم مشركون} (‪{ .)89‬ولكن أكثر‬
‫النّاس ال يشكرون} (‪{ .)90‬ولكن أكثر النّاس ال يؤمنون} (‪{ .)91‬ولكن أكثر النّاس اليعلمون} (‪{ .)92‬فأبى أكثر النّاس إال كفوراً} (‬
‫‪.)93‬‬
‫هذا من كالم هللا وهو كثير‪ ..‬ومن كالم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪( :‬إنما النّاس كاإلبل المائة ال تكاد تجد فيها راحلة) رواه‬
‫البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما‪ ..‬وفي البخاري أيضا ً عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى‬
‫بعث النّار؟ قال‪ِ :‬منْ ك ِّل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين‪ ،‬فعنده‬‫بعث النّار‪ .‬قال وما ُ‬
‫أخرج َ‬
‫ْ‬ ‫هللا عليه وسلم قال‪( :‬يقول هللا تعالى‪ :‬يا آدم‪..‬‬
‫سكارى ولكنَّ عذاب هللا شديد) هذا شرع هللا ودين هللا يبيّن‬ ‫سكارى وما هم ب ُ‬ ‫ت حم ٍل حملها‪ ،‬وترى النّاس ُ‬‫يشيب الصغير‪ ،‬وتض ُع ك ُّل ذا ِ‬
‫إن الحك ُم إال هلل} (‪.)94‬‬
‫ضالل األكثرية وانحرافهم‪ ،‬ولذلك يحكم هللا سبحانه فيقول‪ِ { :‬‬

‫(إن الحك ُم إال لألكثرية) فتبا ً‬


‫وتأبى الديمقراطية ودعاة الديمقراطية ويرفضون االستسالم لحكم هللا وشرعه ويعاندون ويقولون‪ِ :‬‬
‫صر ثوبُه كائنا ً من كان‪ ....‬نقولها لهم في الدنيا‬‫سحقا ً لمن تبعهم وسار على دربهم وهتف لديمقراطيتهم مهما طالت لحيته أو قَ ُ‬ ‫و ُ‬
‫حوض‬
‫َ‬ ‫لرب العالمين فيقصدون‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫لعلهم يؤوبون ويرجعون‪ ،‬خيرا لهم وأهون من أن يسمعوها في الموقف العظيم يوم يقوم الناس ِّ‬
‫سحقا ً لمن بدّل‬ ‫سحقا ً ُ‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم فتحجزهم المالئكة ويقال‪ :‬إنهم بدّلوا وغيّروا فيقولها النبي صلى هللا عليه وسلم‪ُ ( :‬‬
‫بعدي)‪.)95(...‬‬

‫وهكذا فالديمقراطية مبن ًى ومعن ًى نشأت في تُربة الكفر واإللحاد وترعرعت في منابت الشرك والفساد في أوروبا حيث فصلوا الدين‬
‫عن الحياة‪ ،‬فنشأت هذه اللفظة في تلك األجواء التي تحمل ك َّل سمومها وفسادها ال عالقة لجذورها بتربة اإليمان أو ِري العقيدة‬
‫واإلحسان‪ ..‬ولم تستطع أن تثبت وجودها في العالم الغربي إال بعد أن تم فصل الدين عن الدولة هناك‪ ،‬فأباحت لهم اللواط والزنا‬
‫والخمر واختالط األنساب وغير ذلك من الفواحش ما ظهر منها وما بطن‪ ...‬لذلك ال يجادل عنها ويمدحها ويُساويها بالشورى إال‬
‫ديمقراطي كاف ٌر أو سفيهٌ جاه ٌل بمعناها ومحتواها‪..‬‬
‫ٌّ‬ ‫اثنان ال ثالث لهما إما‬

‫إما حماراً أو من الثيرا ِن‬ ‫ث لهما بلى‬


‫وهللا لستَ بثال ٍ‬

‫وهذا زمانٌ اختلطت فيه المصطلحات واجتمعت فيه المتناقضات‪ ،‬وليس العجب أن يتغنى بمثل هذه المذاهب الكفرية كثير من أولياء‬
‫شجعها ويُس ِّوغها ويُسبغ عليها الصبغة الشرعية كثيٌر ممن ينتسبون إلى اإلسالم‪ ..‬فباألمس عندما فُتِنَ‬ ‫العجب أن يُ ِّ‬
‫ُ‬ ‫الشيطان‪ ،‬وإنما‬
‫النَّاس باالشتراكية خرج علينا بعض النّاس ببدعة (اشتراكية اإلسالم) وقبلها القومية والعروبة ومزجوها مع اإلسالم‪ ..‬واليوم يتغنى‬
‫نفس األلفاظ‬ ‫َ‬ ‫كثيٌر منهم بالدساتير األرضية وال يستحيون من تسمية عبيدها (بفقهاء القانون) تشبيها ً (بفقهاء الشريعة) ويستعملون‬
‫الشرعية؛ كالمش ِّر ع والشريعة والحالل والحرام والجائز والمباح والمحظور‪ ،‬ثم ومع هذا يحسبون أنهم على شي ٍء بل يحسبون أنهم‬
‫وخلُ ِّو الج ّو‬‫مهتدون‪ ...‬فال حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم‪ ...‬وما هذا وهللا إال من ذهاب العلم والعلماء وإسناد األمر إلى غير أهله ُ‬
‫والزمان ألراذل من الورى يتخبطون فيه كما يحلو لهم‪...‬‬

‫‪84‬‬
‫لك الجو فبيضي واصفري‪..‬‬
‫خال ِ‬

‫لغريب غربةً ما مثلها غربة‪ ،‬وال أقول‬


‫ٌ‬ ‫فيا حسرةً على العلم والعلماء‪ ،‬ويا أسفاه على الدين ودُعاته الربانيِّين المخلصين‪ ...‬وهللا إنه‬
‫بين عوام النَّاس بل بين كثير من المنتسبين إلى اإلسالم ممن ال يفقهون معنى (ال إله إال هللا) وال يعرفون لوازمها ومقتضياتِها‬
‫موحدون بل يزعمون أنهم من‬ ‫ِّ‬ ‫وشروطَها‪ ،‬بل أكثرهم ينقضها بالليل والنهار‪ ،‬ويتلطخون بشرك العصر وذرائعه ثم يحسبون أنهم‬
‫حلق العلم ليتعلموا حقيقة (ال إله إال هللا) فإنها أول ما افترض هللا على ابن آدم تعلمه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫دعاة التوحيد فليُراجعوا أنفسهم وليجلسوا في‬
‫ونواقضها قبل نواقض الوضوء والصالة فإنه ال يصح وضو ٌء وال صالةٌ لمن نقضها‪ ...‬فإنْ أعرضوا واستكبروا‬ ‫َ‬ ‫وليتعلموا شروطَها‬
‫فهم وحدهم بذلك الخاسرون‪..‬‬
‫حرفون كالم هللا ويفترون‬
‫بكالم نفيس للعالمة أحمد شاكر رحمه هللا تعالى يرد فيه على أمثال هؤالء الملبِّسين الذين يُ ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫وأختتم هذا‬
‫وتطبيق الديمقراطية الكافرة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫لنصر‬ ‫)‪.‬‬ ‫‪96‬‬ ‫(‬ ‫بينهم}‬ ‫شورى‬ ‫{وأمرهم‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫سبحانه‬ ‫بقوله‬ ‫باستشهادهم‬ ‫الكذب‬ ‫سبحانه‬ ‫عليه‬

‫حيث قال رحمه هللا في هامش (عمدة التفسير) (‪ .)97‬عند تفسير قوله تعالى‪{ :‬وشاورهم في األمر} (‪ .)98‬واآلية األخرى {وأمرهم‬
‫شورى بينهم}‪( :‬اتخذهما الالعبون بالدين في هذا العصر ‪ -‬من العلماء وغيرهم ‪ -‬عُدتهم في التضليل بالتأويل‪ ،‬ليُواطؤا صنع اإلفرنج‬
‫في منهج النظام الدستوري الذي يزعمونه‪ ،‬والذي يخدعون النّاس بتسمينه "النظام الديمقراطي"! فاصطنع هؤالء الالعبون شعاراً‬
‫من هاتين اآليتين‪ ،‬يخدعون به الشعوب اإلسالمية أو المنتسبة لإلسالم‪ .‬يقولون كلمة حق يُراد بها الباطل يقولون‪" :‬اإلسالم يأمر‬
‫بالشورى" ونحو ذلك من األلفاظ‪.‬‬

‫أي شورى يأمر بها اإلسالم؟ إنَّ هللا سبحانه يقول لرسوله صلى هللا عليه وسلم‪:‬وشاورهم في‬ ‫وحقا ً إنَّ اإلسالم يأمر بالشورى‪ .‬ولكن ُّ‬
‫واضح صريح‪ ،‬ال يحتاج إلى تفسير‪ ،‬وال يحتمل التأويل‪ .‬فهو أم ٌر للرسول صلى هللا‬ ‫ٌ‬ ‫األمر فإذا عزمتَ فتوكل على هللا}‪ .‬ومعنى اآلية‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ثم لمن يكون ولي األمر من بعده‪ :‬أن يستعرض آراء أصحابه الذين يراهم موضع الرأي‪ ،‬الذي هم أولو األحالم والنهى‪،‬‬
‫في المسائل التي تكون موضع تبادل اآلراء وموضع االجتهاد في التطبيق‪ .‬ثم يختار من بينها ما يراه حقا ً وصوابا ً أو مصلحة‪ ،‬فيعزم‬
‫فريق معين‪ ،‬وال برأي عد ٍد محدد‪ ،‬ال برأي أكثرية‪ ،‬وال برأي أقلية‪ ،‬فإذا عزم توكل على هللا‪ ،‬وأنفذ العزم‬
‫ٍ‬ ‫على إنفاذه‪ ،‬غير متقيد برأي‬
‫على ما ارتآه‪.‬‬

‫ومن المفهوم البديهي الذي ال يحتاج إلى دليل‪ :‬أن الذين أمر الرسول بمشاورتهم ‪ -‬ويأتسى به فيه من يلي األمر من بعده ‪ -‬هم‬
‫الرجال الصالحون القائمون على حدود هللا‪ ،‬المتقون هلل‪ ،‬المقي ُمو الصالة‪ ،‬المؤدُو الزكاة‪ ،‬المجاهدون في سبيل هللا‪ ،‬الذين قال فيهم‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪( :‬لِيلني منكم أولو األحالم والنهى)‪ .‬ليسوا هم الملحدين‪ ،‬وال المحاربين لدين هللا‪ ،‬وال الفجار الذين ال‬
‫يتورعون عن منكر‪ ،‬وال الذين يزعمون أنَّ لهم أن يضعوا شرائع وقوانين تخالف دين هللا‪ ،‬وتهد ُم شريعة اإلسالم‪ .‬هؤالء وأُولئك ‪-‬‬
‫وفاسق ‪ -‬موضعهم الصحيح تحت السيف أو السوط‪ ،‬ال موضع االستشارة وتبادل اآلراء‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫من بين كاف ٍر‬
‫واآلية األخرى‪ ،‬آية سورة الشورى ‪ -‬كمثل هذه اآلية وضوحا ً وبيانا ً وصراحةً‪:‬‬
‫{والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصالة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون} اهـ‬

‫(‪)75‬وحتى حرية الكلمة أو الدعوة كما تريدها الديمقراطية فحرية باطلة كفرية‪ ،‬ألن أهل الديمقراطية حين ينادون لحرية الكلمة في‬
‫دينهم هذا‪ ،‬ال يعنون حرية الصدع بكالم هللا وحده‪ ..‬بل وحرية كالم الطاغوت والكفار والمالحدة والمشركين وحرية اإلعتقاد‬
‫واإلرتداد والطعن في ك ِّل المقدسات‪ .‬وهذا الكفر ربما كان مطبقا ً في الديمقراطية الغربية‪ ..‬أما ديمقراطية العرب ففيها حرية ك ّل كف ٍر‬
‫وإلحا ٍد وزندق ٍة‪ ،‬أما اإلسالم فمكب ٌل عندهم ومسجونٌ ومطرود‪ ،‬وهؤالء الدعاة أسمى أمانيهم أن يحققوا ويصلوا بالناس إلى‬
‫ديمقراطية الغرب الكافر‪ ،‬والكفر ملَّةٌ واحدةٌ وهو دركات‪ .‬فتنبه‪.‬‬
‫(‪ )76‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.142‬‬
‫(‪ )77‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.9‬‬
‫(‪ )78‬رواه اإلمام أحمد في مسنده عن عُبادة بن الصامت رضي هللا عنه‪ ،‬حديث رقم ‪.22704‬‬
‫(‪ )79‬راجع الدرر السنية في األجوبة النجدية‪ :‬ج ‪1‬ص ‪.145‬‬
‫(‪ )80‬المادة ‪ 25‬من الدستور األردني‪( :‬تُناط السلطة التشريعية بالملك ومجلس األمة)‪ ..‬وأختها في الدستور الكويتي رقم ‪:51‬‬
‫(السلطة التشريعية يتوالها األمير ومجلس األمة ِوفقا ً للدستور)‪.‬‬
‫(‪ )81‬سورة يوسف‪ ،‬اآليتان ‪.40-39‬‬
‫(‪ )82‬سورة الشورى‪ ،‬اآلية ‪.21‬‬
‫(‪ )83‬سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.36‬‬
‫(‪ )84‬هذا في الديمقراطية الغربية الكافرة أما في الديمقراطية العربية الكافرة فإن االعتبار األول واألخير فيها للملك أو األمير أو‬
‫ويلعب به كيف شاء ومتى شاء‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الرئيس إذ بدون تصديقه ال قيمة لقول األمة وال نُوابها ومجلس النواب‪ ،‬كلُّه بيده يحله ويربطه‬
‫(‪ )85‬انتبه‪ ...‬هذا لألئمة المسلمين الحاكمين بشرع هللا المعادين ألعداء هللا وليس لسفلة الخلق من كفرة الحكام المرتدين أولياء‬
‫وإخوان اليهود والنصارى‪..‬‬
‫(‪ )86‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.116‬‬
‫(‪ )87‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.103‬‬
‫(‪ )88‬سورة الروم‪ ،‬اآلية ‪.8‬‬

‫‪85‬‬
‫(‪ )89‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.106‬‬
‫(‪ )90‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.243‬‬
‫(‪ )91‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.21‬‬
‫(‪ )92‬سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪.89‬‬
‫(‪ )93‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.40‬‬
‫(‪ )94‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.21‬‬
‫(‪( )95‬سحقا ً سحقاً) أي بُعداً بعداً‪ .‬ونصبه على المصدر‪ .‬وكرر للتوكيد‪ .‬رواه مسلم [‪ ،]2291‬والبخاري [‪ ]6212‬بلفظ‪( :‬سحقا ً سحقا ً‬
‫لمن غيّر بعدي)‪.‬‬
‫(‪ )96‬سورة الشورى‪ ،‬اآلية ‪.38‬‬
‫(‪ )97‬عمدة التفسير‪ :‬ج ‪ 3‬هامش ص ‪.65-64‬‬
‫(‪ )98‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.159‬‬

‫عمل يوسف عليه السالم عند ملك مصر‬

‫فقالوا‪ :‬ألم يتول يوسف عليه السالم منصب الوزارة عند ملك كافر اليحكم بما أنزل هللا تعالى ؟ إذن يجوز المشاركة بالحكومات‬
‫الكافرة بل والولوج في البرلمانات ومجالس األمة ونحوها‪..‬‬

‫فنقول وباهلل تعالى التوفيق‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬إنَّ االحتجاج بهذه الشبهة على الولوغ في البرلمانات التشريعية وتسويغها باطل وفاسد‪ ،‬ألن هذه البرلمانات الشركية قائمة‬
‫على دين غير دين هللا تعالى أال وهو دين الديمقراطية الذي تكون ألوهية التشريع والتحليل والتحريم فيه للشعب ال هلل وحده‪..‬‬

‫يبتغ غير اإلسالم دينا ً فلن يُقبل منه وهو في اآلخرة من الخاسرين} (‪ .)38‬فهل يجرؤ زاع ٌم أن يزعم بأنَّ‬
‫ِ‬ ‫وقد قال تعالى‪{ :‬ومن‬
‫ً‬
‫الموحدين‪ ..‬أو أقسم على احترامها‪..‬؟ أو ش َّرع ِوفقا لها‪..‬؟ كما‬
‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫يوسف عليه السالم اتبع دينا غير دين اإلسالم أو ملة غير ملة آبائه‬
‫هو حال المفتونين بتلك البرلمانات(‪..)39‬؟‪.‬‬

‫قوم ال يُؤمنون باهلل وهم باآلخرة هم كافرون * واتبعتُ ملّة‬


‫كيف وهو يعلنها بملء فيه في وقت االستضعاف فيقول‪{ :‬إني تركتُ ملّة ٍ‬
‫ءاباءي إبراهيم وإسحق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك باهلل من شيء} (‪.) 40‬‬

‫ءأرباب ُّمتفرقون خي ٌر ِأم هللا الواحد القهار * ما تعبدون من دونه إال أسما ًء س َّميتموها أنتم وءاباؤُكم ما‬
‫ٌ‬ ‫سجن‬ ‫صاحبي ال ّ‬
‫َ‬ ‫ويقول‪{ :‬يا‬
‫أنزل هللا بها من سلطان إ ِن الحك ُم إالهلل أمر أالَّ تعبدوا إال إياه ذلك الدين القيم ولكنَّ أكثر الناس ال يعلمون} (‪.) 41‬‬

‫أفيُعلنها ويصدع بها ويدعو إليها وهو مستضعف‪ ..‬ثم يُخفيها أو ينقضها بعد التمكين‪..‬؟!‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫أجيبونا يا أصحاب االستصالحات‪!..‬‬
‫ثم أال تعلمون يا دهاقين السياسة أن الوزارة سلطة تنفيذية والبرلمان سلطة تشريعية‪..‬وبين هذه وهذه فروق وفروق‪ ،‬فالقياس ها‬
‫هنا ال يصح عند القائلين به(‪ ...)42‬ومنه تعلم أن االستدالل بقصة يوسف عليه السالم على تسويغ البرلمانات ال يصح أبداً‪ ،‬وال مانع‬
‫أن نُواصل إبطال استداللهم بها على الوزارة الشتراك المنصبين في زماننا بالكفر‪..‬‬

‫ثانيا ً‪ :‬إنَّ ُمقايسة تولي كثير من المفتونين للوزارة في ظ ِّل هذه الدول الطاغوتية التي تشرع مع هللا وتحارب أولياء هللا وتوالي‬
‫أعداءه على فِعل يوسف عليه السالم قياس فاسد وباطل من وجوه‪:‬‬

‫‪.1‬أنَّ متولي الوزارة في ظ ِّل هذه الحكومات التي تحكم بغير ما أنزل هللا تعالى البد وأن يحترم دستورهم الوضعي ويدين بالوالء‬
‫واإلخالص للطاغوت الذي أمره هللا أول ما أمره أن يكفر به {يُريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أ ِمروا أن يكفروا به} (‪ .)43‬بل‬
‫البد عندهم من القسم على هذا الكفر قبل تولي المنصب مباشرة تماما ً كما هو الحال بالنسبة لعضو البرلمان(‪ .)44‬ومن يزعم أن‬
‫يوسف الصدِّيق الكريم ابن الكريم ابن الكريم كان كذلك مع أن هللا زكاه وقال عنه‪{ :‬كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من‬
‫عبادنا المخلصين} (‪ .)45‬فهو من أكفر الخلق وأنتنهم‪ ،‬قد برىء من الملّة ومرق من الدين‪ ،‬بل هو ش ٌّر من إبليس اللعين الذي‬
‫استثنى حين أقسم فقال‪{ :‬فبعزتك ألغوينهم أجمعين إال عبادك منهم المخلصين} (‪.)46‬‬
‫ويوسف عليه السالم يقينا ً وبنص كالم هللا تعالى من عباد هللا المخلصين بل من ساداتهم‪..‬‬

‫‪ .2‬إنَّ متولي الوزارة في ظ ِّل هذه الحكومات ‪ -‬أقسم اليمين الدستورية أم لم يقسم ‪ -‬البد له أن يدين بالقانون الكفري الوضعي وأن ال‬
‫ق والباطل والفسق والظلم والكفر‪..‬‬ ‫مخلص له وخاد ٌم مطي ٌع لمن وضعوه في الح ِّ‬‫ٌ‬ ‫يخرج عنه أو يخالفه‪ ،‬فما هو إال عب ٌد‬
‫فهل كان يوسف الصدِّيق كذلك‪ ،‬حتى يصلح االحتجاج بفعله لتسويغ مناصب القوم الكفرية‪..‬؟ إنَّ َمن يرمي نبي هللا ابن نبي هللا ابن‬
‫نبي هللا ابن خليل هللا بشي ٍء من هذا ال نش ُك في كفره وزندقته ومروقه من اإلسالم‪ ..‬ألن هللا تعالى يقول‪{ :‬ولقد بعثنا في ك ِّل أم ٍة‬
‫رسوالً أ ِن اعبدوا هللا واجتنبوا الطاغوت} (‪ .)47‬فهذا أصل األصول وأعظم مصلحة في الوجود عند يوسف عليه السالم وسائر رسل‬
‫هللا‪..‬‬
‫فهل يعقل أن يدعو النَّاس إليه في السراء والضراء وفي االستضعاف والتمكين ثم هو يناقضه فيكون من المشركين؟ كيف وهللا قد‬
‫وصفه بأنه من عباد هللا المخلصين؟ ولقد ذكر بعض أهل التفسير أنَّ قوله تعالى‪{ :‬ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك‪ .)48( }...‬دليل‬
‫على أنَّ يوسف عليه السالم لم يكن ُمطبقا ً لنظام الملك وقانونه وال ُمنقاداً له وال ُملزما ً باألخذ به‪..‬‬

‫فهل يوجد في وزارات الطواغيت أو برلماناتهم اليوم مثل هذا؟ أي أن يكون حال الوزير فيها كما يقال (دولة داخل دولة)‪..‬؟ فإن لم‬
‫يوجد فال وجه للقياس ها هنا‪..‬‬

‫‪ .3‬إنَّ يوسف عليه السالم تولى تلك الوزارة بتمكين من هللا عز وجل‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬وكذلك مكنا ليوسف في األرض} (‪ .)49‬فهو إذاً‬
‫تمكين من هللا‪ ،‬فليس للملك وال لغيره أن يضره أو يعزله من منصبه ذاك‪ ،‬حتى وإن خالف أمر الملك أو حكمه وقضاءه‪...‬‬

‫نصيب من هذا في مناصبهم المهترئة التي هي في الحقيقة لعبة بيد الطاغوت‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫فهل لهؤالء األراذل المتولين عند الطواغيت اليوم‬
‫حتى يصح مقايستها على والية يوسف عليه السالم تلك وتمكينه ذاك؟‪.‬‬

‫‪.4‬إنَّ يوسف عليه السالم تولى الوزارة (بحصانة) حقيقية كاملة من الملك‪ ،‬قال سبحانه وتعالى‪{ :‬فلما كلَّمه قال إنك اليوم لدينا مكين‬
‫أمين} (‪ .)50‬فأطلقت له حرية التصرف كاملة غير منقوصة في وزارته {وكذلك م ّكنا ليوسف في األرض يتبوأ منها حيث يشاء} (‬
‫‪ .)51‬فال معترض عليه وال محاسب له وال رقيب على تصرفاته مهما كانت‪ ..‬فهل مثل هذا موجود في وزارات الطواغيت اليوم أم‬
‫أنها حصانات كاذبة زائفة… تُزال وتسحب سريعا ً إذا لعب الوزير بذيله‪ ،‬أو ظهر عليه شيء من المخالفة أو الخروج عن خط األمير‬
‫أو دين الملك؟ فما الوزير عندهم إال خاد ٌم لسياسات األمير أو الملك يأتمر بأمره وينتهي عن نهيه‪ ،‬وليس له الحق بأن يُخالف أمراً‬
‫من أوامر الملك أو الدستور الوضعي ولو كان مضاداً ألمر هللا تعالى ودينه‪...‬‬
‫وكذب تزكيته سبحانه ليوسف عليه‬ ‫ومن زعم أن شيئا ً من هذا يشبه حال يوسف عليه السالم في واليته فقد أعظم الفرية وكفر باهلل ّ‬
‫السالم‪...‬‬

‫فإن علم أن حاله عليه السالم ووضعه ذاك غير موجود اليوم في وزارات الطواغيت‪ ...‬فال مجال للقياس ها هنا‪ ،‬إذاً فليترك البطالون‬
‫عنهم الهذر والهذيان في هذا الباب‪..‬‬
‫ثالثا ً‪ :‬من الردود المبطلة لهذه الشبهة‪ ،‬ما ذكر بعض أهل التفسير من أن الملك قد أسلم‪ ،‬وهو مروي عن مجاهد تلميذ ابن عباس‬
‫رضي هللا عنهما‪ ،‬وهذا القول يدفع االستشهاد بهذه القصة من أصله‪...‬‬

‫ونحن ندين هللا ونعتقد بأن اتباع عموم أو ظاهر آية في كتاب هللا تعالى أولى من كالم وتفسيرات وشقشقات واستنباطات الخلق كلّهم‬
‫العارية من األدلة والبراهين‪ ...‬فب ما يدل على هذا القول؛ قوله تبارك وتعالى عن يوسف عليه السالم‪{ :‬وكذلك مكنا ليوسف في‬
‫األرض} (‪.)52‬‬

‫وهذا مجمل قد بيّنه هللا تعالى في موضع أخر من كتابه فوصف حال من يُ َم ِّكنَ لهم في األرض من المؤمنين بقوله‪{ :‬الذين إن م ّكناهم‬
‫في األرض أقاموا الصالة وءاتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وهلل عاقبة األمور} (‪.)53‬‬

‫‪87‬‬
‫وال شك أن يوسف عليه السالم من هؤالء بل من ساداتهم‪ ،‬الذين إن مكنهم هللا أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر‪ ..‬وال شك وال ريب‬
‫عند من عرف دين اإلسالم أن أعظم معروف فيه هو التوحيد الذي كان أصل األصول في دعوة يوسف وآبائه عليهم السالم‪ ...‬وأعظم‬
‫منكر هو الشرك الذي كان يحذر منه يوسف ويمقت ويبغض ويُعادي أربابه‪ ..‬وفي داللة واضحة وقاطعة على أن يوسف بعد أن َم َّكنَ‬
‫هللا له كان صادعا ً بملة آبائه يعقوب واسحاق وإبراهيم‪ ،‬آمراً بها ناهيا ً محاربا ً لك ِّل ما خالفها وناقضها‪ ...‬فال هو حكم بغير ما أنزل‬
‫هللا‪ ،‬وال هو أعان على الحكم بغير ما أنزل هللا‪ ،‬وال أعان األرباب المش ِّرعين والطواغيت المعبودين من دون هللا وال ظاهرهم أو‬
‫توالهم كما يفعل المفتونون في مناصبهم اليوم‪..‬‬
‫فضالً أن يُشاركهم في تشريعاتهم كما يفعل اليوم المفتونون في البرلمانات بل يُقال جزما ً إنه قد أنكر حالهم وغيَّر ُمنكرهم وحكم‬
‫ق الكريم ابن‬ ‫بالتوحيد ودعا إليه ونابذ وأبعد من خالفه وناقضه كائنا ً من كان‪ ...‬وذلك بنص كالم هللا تعالى‪ ...‬وال يصف الصدِّي َ‬
‫خبيث قد برىء من ملّته الطاهرة الزكية‪...‬‬ ‫ٌ‬ ‫األكرمين بغير هذا إال كاف ٌر‬
‫ومما يدل على هذا أيضا ً داللة واضحة ويؤكده‪ ..‬بيان وتفسير مجمل قوله تعالى‪{ :‬وقال الملك ائتوني به استخلصه لنفسي فلما كلمه‬
‫قال إنك اليوم لدينا مكين أمين} (‪ .)54‬فما تُرى الكالم الذي كلّم يوسف الملك به هنا‪ ،‬حتى أع ِجب به وم ّكنه وأمنه؟‪ .‬أتُراه انشغل بذكر‬
‫قصة امرأة العزيز وقد انتهت وظهر الحق فيها‪ ...‬أم تُراه كلَّمه عن الوحدة الوطنية! والمشكلة االقتصادية! و‪..‬و‪ ...‬أم ماذا؟‪.‬‬
‫ليس ألحد أن يرجم بالغيب ويقول ها هنا بغير برهان‪ ،‬فإنْ فع َل فهو من الكاذبين‪ ..‬لكن المبيِّن المفسر لقوله تعالى{‪ :‬فلما كلَّمه}‬
‫أن اعبدوا هللا واجتنبوا الطاغوت} (‪)55‬‬ ‫صريح في قوله تعالى‪{ :‬ولقد بعثنا في ك ِّل أم ٍة رسوالً ِ‬
‫ٌ‬ ‫واضح‬
‫ٌ‬

‫وقوله تعالى‪{ :‬ولقد أُوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركتَ ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} (‪.) 56‬‬
‫وقوله تعالى في وصف أهم المهمات في دعوة يوسف عليه الصالة السالم‪{ :‬إني تركتُ ملَّة ٍ‬
‫قوم ال يؤمنون باهلل وهم باآلخرة هم‬
‫كافرون * واتبعت ملّة ءاباءي إبراهيم وإسحق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك باهلل من شيء‪.)57( }..‬‬
‫{‪...‬ءأرباب متفرقون خي ٌر أم هللا الواحد القهار * ما تعبدون من دونه إال أسما ًء سميتموها أنتم وءاباؤكم ما أنزل‬
‫ٌ‬ ‫وقوله تعالى عنه‪:‬‬
‫إن الحكم إال هلل أمر أال تعبدوا إال إياه ذلك الدين القيِّم ولكن أكثر النّاس ال يعلمون} (‪.)58‬‬
‫ِ‬ ‫سلطان‬ ‫هللا بها من‬

‫ال شك أنَّ هذا أعظم كالم عند يوسف عليه السالم فهو الدين القيِّم عنده وأص ُل أصو ِل دعوته وملَّته وملَّة آبائه‪ ..‬فإذا أمر بمعروف‬
‫فهذا أعظم معروف يعرفه‪ ...‬وإن نهى عن منكر فليس بمنكر عنده أنكر مما يُناقض هذا األصل ويُعارضه‪ ..‬فإذا تقرر هذا‪ ..‬وكان‬
‫واضح على أنَّ الملك قد تابعه ووافقه عليه وأنه قد ترك ملَّة الكفر واتبع ملَّة‬ ‫ٌ‬ ‫جواب الملك له‪{ :‬إنك اليوم لدينا مكينٌ أمين} فهو دلي ٌل‬
‫ُ‬
‫إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف عليهم السالم‪...‬‬
‫أو قُل إنْ شئتَ ‪ :‬على أق ِّل األحوال أق ّره على توحيده وملَّة آبائه‪ ،‬وأطلق له حرية الكالم والدعوة إليها وتسفيه ما خالفها ولم يعترض‬
‫عليه في شي ٍء من ذلك وال‬
‫كلفه بما يُناقضه أو يخالفه‪ ...‬وحسبك بهذا فرقا ً عظيما ً بين حاله عليه السالم هذه‪ ..‬وبين حال المفتونين من أنصار الطواغيت‬
‫وأعوانهم في وزارات اليوم أو المشاركين لهم بالتشريع في برلماناتهم‪)59(..‬‬
‫رابعا ً‪ :‬إذا عرفت ما سبق كلَّه وتحقق لديك يقينا ً بأنَّ تولي يوسف عليه السالم للوزارة لم يكن مخالفا ً للتوحيد وال ُمناقضا ً لملَّة‬
‫إبراهيم كما هو حال توليها في هذا الزمان‪..‬‬
‫ض أن الملك بقي على كفره‪ ..‬فتكون مسألةُ تولي يوسف هذه الوالية مسألةً من مسائل الفروع ال إشكال فيها في أصل الدين‬ ‫فعلى فر ِ‬
‫لما تقرر من قبل بأن يوسف لم يقع منه كف ٌر أو شر ٌك أو تولي للكفار أو تشري ٌع مع هللا بل كان آمراً بالتوحيد ناهيا ً عن ذلك كلِّه‪ ..‬وقد‬
‫شرعةً ومنهاجاً} (‪ .)60‬فشرائ ُع األنبياء قد تتنوع في فروع األحكام لكنِّها في‬ ‫قال هللا تعالى في باب فروع األحكام‪{ :‬لك ٍّل جعلنا منكم ِ‬
‫معاشر األنبياء إخوةٌ لعالت ديننا واحد) (‪ .)61‬يعني‪ :‬إخوةٌ من‬ ‫َ‬ ‫(نحن‬ ‫وسلم‪:‬‬ ‫باب التوحيد واحدة‪ ،‬قال رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫أمهات مختلفة واألب واحد‪ ..‬إشارةٌ إلى اإلتفاق في أصل التوحيد والتنوع في فروع الشريعة وأحكامها‪ ...‬فقد يكون الشي ُء في باب‬
‫األحكام في شريعة من قبلنا حراما ً ثم يحل لنا كالغنائم‪ ،‬وقد يحصل العكس‪ ،‬أو شديداً على من قبلنا فيخفف عنا وهكذا‪ ..‬ولذا فليس ك ُّل‬
‫شرع في شرع من قبلنا شرعا ً لنا‪ ..‬خصوصا ً إذا عارضه من شرعنا دليل‪..‬‬ ‫ٍ‬
‫وقد صح الدليل في شرعنا على معارضة هذا الذي كان مشروعا ً ليوسف عليه السالم‪ ،‬وتحريمه علينا‪ ..‬فروى ابن حبان في صحيحه‬
‫وأبو يعلى والطبراني أنَّ النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪( :‬ليأتين عليكم أُمراء سفهاء يقربون شرار النّاس‪ ،‬ويُؤخرون الصالة عن‬
‫مواقيتها‪ ،‬فمن أدرك ذلك منكم فال يكونن عريفًا‪ ،‬وال شرطياً‪ ،‬وال جابياً‪ ،‬والخازناً)‬
‫المحذر عادةً إذا حذر فإنما يذكر أعظم المفاسد والمساوئ‪ ،‬فلو كانوا‬ ‫ِّ‬ ‫والراجح أنَّ هؤالء األمراء ليسوا كفاراً بل فُجاراً سفهاء‪ ،‬ألن‬
‫ُ‬
‫شرار النّاس وتأخيُر‬ ‫كفاراً لبينه صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬لكن أعظ َم جرائمهم التي ذكرها النبي صلى هللا عليه وسلم هنا؛ هي تقريب ِ‬
‫الصالة عن مواقيتها‪ ..‬ومع هذا فقد نهى الرسول صلى هللا عليه وسلم ها هنا نهيا ً صريحا ً عن أن يكون المر ُء لهم خازناً‪ ..‬فإذا كان‬
‫توالي وظيفة الخازن عند أُمراء الجور منهيا ً عنه في شرعنا ومحرماً‪ ..‬فكيف بتولي وزارة الخزانة عند ملوك الكفر وأُمراء الشرك؟‪.‬‬
‫صريح على أنَّ هذا كان من شرع من قبلنا‪ ،‬وأنه‬ ‫ٌ‬ ‫صحيح وبرهانٌ‬
‫ٌ‬ ‫{قال اجعلني على خزائن األرض إني حفيظٌ عليم} (‪ .)62‬فهذا دلي ٌل‬
‫ٌ‬
‫منسوخ في شرعنا‪ ...‬وهللا تعالى أعلم‪..‬‬
‫وفي هذا الكفاية لمن أراد الهداية‪ ..‬لكن من يُق ِّد م استحسانه واستصالحه وأقاويل الرجال على األدلة والبراهين‪ ،‬فلو انتطحت الجبال‬
‫بين يديه لما ظفر بالهدى‪{..‬ومن يرد هللا فتنته فلن تملك له من هللا شيئا ً (‪)63‬‬

‫وأخيراً وقبل أن أختم الكالم على هذه الشبهة أُنبِّه إلى أنَّ بعض المفتونين الذين يس ِّوغون الشرك والكفر باستحسانهم واستصالحهم‬
‫الولو َغ في الوزارات الكفرية والبرلمانات الشركية يخلطون في حججهم وشبههم كالما ً لشيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا تعالى حول‬
‫تولي يوسف عليه السالم الوزارة‪ ...‬وهذا في الحقيقة ِمن لَبس الحق بالباطل ومن اإلفتراء على شيخ اإلسالم وتقويله ما لم يقله‪ ..‬إذ‬
‫هو رحمه هللا تعالى لم يحتج بالقصة لتسويغ المشاركة في التشريع والكفر أو الحكم بغير ما أنزل هللا‪ ...‬معاذ هللا فإننا نُنزه شيخ‬

‫‪88‬‬
‫اإلسالم ودينَه بل نُنزه عقله عن مثل هذا القول الشنيع الذي لم يجرؤ على القول به إال هؤالء األراذل في هذه األزمنة المتأخرة‪ ،‬نقول‬
‫هذا‪ ..‬حتى ولو لم نقرأ كالمه في هذا الباب‪ ،‬ألن مثل هذا الكالم ال يقوله عاقل‪ ،‬فضالً عن أن يصدر من عالم رباني كشيخ اإلسالم‬
‫وتحصيل أعلى‬
‫ِ‬ ‫وجلي‪ ..‬حيث كان كلُّه ُمنصبا ً على قاعدة درء أعظم المفسدتين‬ ‫ٌّ‬ ‫واضح‬
‫ٌ‬ ‫رحمه هللا تعالى ‪ ...‬فكيف وكال ُمه في هذا الباب‬
‫المصلحتين عند التعارض‪ ..‬وقد علمتَ أنَّ أعظم المصالح في الوجود هي مصلحةُ التوحيد وأنَّ أعظم المفاسد هي مفسدة الشرك‬
‫والتنديد‪ ..‬وقد َذكر أنَّ يوسف عليه السالم كان قائما ً بما قدر عليه من العدل واإلحسان‪ ،‬كما في الحسبة(‪ )64‬حيث يقول في وصف‬
‫واليته‪( :‬وفَع َل من العدل والخير ما قدر عليه ودعاهم إلى اإليمان بحسب اإلمكان) اه‪.‬‬
‫ويقول‪( :‬لكنْ فَع َل الممكنَ من العدل واإلحسان) اه (‪.)65‬‬
‫ولم يذكر ُمطلقا ً أنَّ يوسف عليه السالم ش ّرع مع هللا تعالى أو شارك بالحكم بغير ما أنزل هللا أو اتبع الديمقراطية أو غيرها من‬
‫األديان المناقضة لدين هللا‪ ،‬كما هو حا ُل هؤالء المفتونين الذين يخلطون كالمه رحمه هللا تعالى بحججهم الساقطة وشبهاتهم‬
‫المتهافتة ليضلوا الطَغام‪ ،‬وليلبسوا الحق بالباطل والنور بالظالم‪...‬‬
‫ثم نحن يا أخا التوحيد‪ ...‬قائدنا ودليلنا الذي نرجع إليه عند التنازع هو الوحي ال غير ‪ -‬كالم هللا وكالم الرسول صلى هللا عليه وسلم‪..‬‬
‫وك ُّل أح ٍد بعد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فيؤخذ من قوله ويرد ‪ -‬فلو أنَّ مثل ما يزعمون صدر عن شيخ اإلسالم وحاشاه ‪ -‬ل َما‬
‫قبلناه منه وال ممن هو أعظ ُم منه من العلماء‪ ،‬حتى يأتينا عليه بالبرهان من الوحي‪{ ...‬قل إنما أُن ِذركم بالوحي} (‪{.)66‬ق ْل هاتوا‬
‫برهانكم إن كنتم صادقين} (‪.)67‬‬
‫فتنبه لذلك وعَض على توحيدك بالنواجذ‪ ،‬وال تغتر أو تكترث بتلبيسات وإرجافات أنصار الشرك وخصوم التوحيد‪ ...‬أو تتض ّرر‬
‫أهل الطائفة القائمة بدين هللا الذين وصفهم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بقوله‪( :‬ال يض ّرهم من خالفهم وال من‬ ‫بمخالفتهم وكن من ِ‬
‫خذلهم حتى يأت َي أم ُر هللا وهم كذلك (‪.)68‬‬
‫(‪ )38‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.85‬‬
‫(‪)39‬حيث تنص دساتيرهم على أن األمة أو الشعب هو مصدر السلطات (انظر المادة رقم ‪ 6‬من الدستور الكويتي والمادة رقم ‪24‬‬
‫من الدستور األردني) وأن السلطة التشريعية تُناط بالملك أو األمير ومجلس األمة (انظر المادة رقم ‪ 51‬من الدستور الكويتي والمادة‬
‫رقم ‪ 25‬من الدستور األردني)‪.‬‬
‫(‪ )40‬سورة يوسف‪ ،‬اآليتان ‪.38-37‬‬
‫(‪ )41‬سورة يوسف‪ ،‬اآليتان ‪.40-39‬‬
‫(‪ )42‬بعض المتعالمين يرون أن الوزارة أخطر من البرلمان وينطلقون من أن البرلمان بزعمهم جبهة معارضة للحكومة فهم‬
‫وتعاموا على أن التشريع‬‫ْ‬ ‫يجاهدون في هذه الجبهة جهاداً دستورياً‪ ،‬ويكافحون فيها كفاحا ً قانونياً‪ ،‬ويُناضلون نضاالً دبلوماسياً‪..‬‬
‫وطبقا ً لدين‬
‫شره أخطر من التنفيذ؛ خصوصا ً وأن تشريعهم هذا الذي سموه جهاداً وكفاحا ً ال يكون في البرلمان إال ِوفقا ً للدستور ِ‬
‫الديمقراطية انظر المادة ‪ 24‬فرع ‪ 2‬من الدستور األردني حيث إن سلطات األمة التشريعية أو غيرها ال تُمارس إال على الوجه المبين‬
‫في الدستور‪ ..‬وما أعضاء البرلمان إال نواب األمة صاحبة السلطات الدستورية بزعمهم!‪.‬‬
‫وانظر أختها غير الشرعية في الدستور الكويتي المادة رقم ‪( 51‬السلطة التشريعية يتوالها األمير ومجلس األمة وفقا ً للدستور)‪.‬‬
‫(‪ )43‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.60‬‬
‫(‪)44‬تنص المادة ‪ 43‬من الدستور األردني‪( :‬على رئيس الوزراء والوزراء قبل مباشرتهم أعمالهم أن يُقسموا أمام الملك اليمين‬
‫التالية‪ " :‬أقسم باهلل العظيم أن أكون مخلصا ً للملك‪ ،‬وأن أحافظ على الدستور‪...‬إلخ"‪ .‬ومثلها المادة ‪( :79‬على ك ِّل عض ٍو من أعضاء‬
‫مجلسي األعيان والنواب قبل الشروع في عمله أن يقسم أمام مجلسه يمينا ً هذا نصها‪ " :‬أقسم باهلل العظيم أن أكون مخلصا ً للملك‬
‫والوطن وأن أحافظ على الدستور‪...‬إلخ"‪ .‬ومثلها في الدستور الكويتي المادتان ‪126‬و‪.91‬‬
‫فهل فعل يوسف عليه السالم شيئا ً من هذا؟‪.‬‬
‫وال تغتر بتلبيسات بعض المفتونين الذين يقولون‪ :‬نقسم ونستثني في نفوسنا‪( :‬في حدود الشرع)‪ .‬وقل لهم‪ :‬ليس اليمين على نية‬
‫الحالف‪ ،‬ولو كان األمر كذلك لفسدت عقود الناس وشروطهم ولفتح الباب لك ِّل متالعب‪ ،‬لكن كما قال المصطفى ‪ e‬في الحديث الذي‬
‫رواه مسلم‪( :‬اليمين على نية المستحلف)‪ .‬فيمينكم هذه ليست تبعا ً لنياتكم بل هي على نية الطاغوت الذي استحلفكم‪...‬‬
‫(‪ )45‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.24‬‬
‫(‪ )46‬سورة ص‪ ،‬اآليتان ‪.83-82‬‬
‫(‪ )47‬سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.36‬‬
‫(‪ )48‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.76‬‬
‫(‪ )49‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.56‬‬
‫(‪ )50‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.54‬‬
‫(‪ )51‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.56‬‬
‫(‪ )52‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.21‬‬
‫(‪ )53‬سورة الحج‪ ،‬اآلية ‪.41‬‬
‫(‪ )54‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.54‬‬
‫(‪)55‬سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.36‬‬
‫(‪ )56‬سورة الزمر‪ ،‬اآلية ‪.65‬‬
‫(‪ )57‬سورة يوسف‪ ،‬اآليتان ‪.38-37‬‬
‫(‪ )58‬سورة يوسف‪ ،‬اآليتان ‪.40-39‬‬
‫(‪ )59‬وال يعكر على القول السابق احتجاج من احتج بقوله تعالى في سورة غافر على لسان مؤمن آل فرعون‪{ :‬ولقد جاءكم يوسف‬
‫من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث هللا من بعده رسوالً‪ }..‬لوجوه‪:‬‬
‫‪.1‬أن اآلية ليست بصريحة الداللة على أن المقصود بيوسف هنا هو يوسف بن يعقوب‪ ..‬فيحتمل أن يكون غيره‪ ،‬ذكر بعض‬

‫‪89‬‬
‫ي عن ابن عباس رضي‬ ‫المفسرين هذا الوجه وقالوا هو‪ :‬يوسف بن افرانيم بن يوسف بن يعقوب أقام فيهم نبيا ً ‪ 20‬سنة‪ ،‬وهذا مرو ٌ‬
‫هللا عنهما‪ ..‬وانظر تفسير القرطبي‪ ..‬والدليل إذا تطرق إليه االحتمال بطل به االستدالل‪.‬‬
‫‪ )2‬على فرض أن المقصود في هذه اآلية هو يوسف بن يعقوب عليهما السالم فاآلية ليست أيضا ً بصريحة الداللة على أنّ الملك بقي‬
‫على كفره لكن الكالم فيها على غالب بني إسرائيل‪.‬‬
‫‪ )3‬أن اآلية لم تذكر الكفر المعلن البواح لكن ذكرت الشك‪ ،‬والشك قد يكون في القلب ويكتم في وقت ثم يظهر في وقت آخر‪ ..‬وإذ قد‬
‫تقرر أن يوسف قد ُم ِّكن له في األرض وكان آمراً بالمعروف ناهيا ً عن المنكر كما قد تقدم‪ ،‬فلن يرضى عليه السالم من أحد أن يُظهر‬
‫وال أو حاكم ورسول في الوقت نفسه وأعظم منكر عنده هو الشرك‪ ..‬لكن ربما‬ ‫الشرك أمامه = = = بل لن يجرؤ أح ٌد على ذلك ألنه ٍ‬
‫ق يعامل أهله في الدنيا بما يظهرون‪ ..‬بل في قوله‪:‬‬ ‫كتم ذلك في القلب وأظهر أهلُه اإليمان الظاهر خوفا ً من سلطان الحق‪ ..‬وهذا نفا ٌ‬
‫{حتى إذا هلك قلتم لن يبعث هللا من بعده رسوالً‪ }..‬داللة على إيمانهم ولو ظاهراً برسالته‪.‬‬
‫ويجدر التنبيه هنا إلى أنَّ بعض المفتونين قد ذكروا مؤمن آل فرعون أيضا ً في شبهاتهم في هذا الباب بحجة أنه كان يكتم إيمانه‪..‬‬
‫فنقول‪ :‬ما وجه الداللة في نزاعنا هذا من قصة ذلك المؤمن ؟‪ .‬إن هناك فرقاً شاسعا ً بين كتم اإليمان واخفائه للمستضعفين وبين‬
‫المشاركة في الكفر والشرك والتشريع والتواطئ على دين غير دين هللا تعالى‪ ..‬فهل تستطيعون أن تثبتوا لنا أن ذلك المؤمن قد شرع‬
‫كما تشرعون أو أنه قد شارك بالحكم بغير ما أنزل هللا كما تشاركون أو أنه تواطأ على الديمقراطية أو غير دين هللا كما تفعلون؟‬
‫أثبتوا ذلك أوالً ودونه خرطُ القتاد ثم بعد ذلك استدلوا بفعله‪ ..‬وإال فخلوا عنكم الهذر والهذيان‪..‬‬
‫(‪ )60‬سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.48‬‬
‫(‪ )61‬رواه البخاري عن أبي هريرة‪.‬‬
‫(‪ )62‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.55‬‬
‫(‪ )63‬سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.41‬‬
‫(‪)64‬مجموع الفتاوى‪ ،‬ج ‪ 28‬ص ‪.68‬‬
‫(‪)65‬مجموع الفتاوى‪ ،‬ج ‪ 20‬ص ‪.56‬‬
‫(‪ )66‬سورة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪.45‬‬
‫(‪ )67‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.111‬‬
‫(‪ )68‬فتح الباري‪ :‬ج ‪ 13‬ص ‪295‬‬

‫أن النجاشي لم يكن يحكم بما انزل هللا ومع ذلك كان مسلما‬

‫واحتج أه ُل األهواء أيضا ً بقصة النجاشي للترقيع لطواغيتهم المش ِّرعين سوا ًء كانوا حكاما ً أو ن ّوابا ً في البرلمان أو غيرهم‪...‬‬
‫فقالوا‪ :‬إنَّ النجاشي لم يحكم بما أنزل هللا تعالى بعد أن أسلم وبقي على ذلك إلى أن مات ومع هذا فقد سماه النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم عبداً صالحا ً وصلى عليه وأمر أصحابه بالصالة عليه‪.‬‬
‫فنقول وباهلل تعالى التوفيق‪:‬‬
‫صريح قطعي الداللة أنَّ النجاشي لم يحكم بما أنزل‬ ‫ٍ‬ ‫صحيح‬
‫ٍ‬ ‫أوالً‪ :‬يلزم المحتج بهذه الشبهة المتهافتة قبل ك ِّل شي ٍء أن يثبت لنا بن ٍ‬
‫ص‬
‫هللا بعد إسالمه‪ ..‬فقد تتبعتُ أقاويلهم من أولها إلى أخرها‪ ..‬فما وجدتُ في جعبتهم إال استنباطات ومزاعم جوفاء ال يدع ُمها دلي ٌل‬
‫صحيح وال برهانٌ صادقٌ‪ ،‬وقد قال تعالى‪{ :‬قل هاتوا بُرهانكم إن كنتم صادقين} (‪ .)69‬فإذا لم يأتوا بالبرهان على ذلك فليسوا من‬ ‫ٌ‬
‫الصادقين بل هم من الكاذبين‪..‬‬
‫سلَّم به بيننا وبين خصومنا أنَّ النجاشي قد مات قبل اكتمال التشريع‪ ..‬فهو مات قطعا ً قبل نزول قوله تعالى‪{ :‬اليوم‬ ‫ثانيا ً‪ :‬إنَّ ِمن الم َ‬
‫أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لك ُم اإلسالم ديناً‪ .)70( }...‬إذ نزلت هذه اآلية في َحجة الوداع‪ ،‬والنجاشي مات قبل‬
‫الفتح بكثير كما ذكر الحافظ ابن كثير رحمه هللا تعالى وغيره‪.)71(..‬‬
‫فالحك ُم بما أنزل هللا تعالى في حقه آنذاك؛ أن يحكم ويتبع ويعمل بما بلغه من الدين‪ ،‬ألن النذارة في مثل هذه األبواب البد فيها من‬
‫وح َي إل َّي هذا القرآن ألُنذركم به ومن بلغ‪ .)72( }..‬ولم تكن وسائل النقل واالتصال في ذلك الزمان كحالها‬ ‫بلوغ القرآن قال تعالى‪{ :‬وأُ ِ‬
‫في هذا الزمان إذ كانت بعض الشرائع ال تصل للمرء إال بعد سنين وربما ال يعلم بها إال إذا ش َّد إلى النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫البخاري وغيره‬‫ُّ‬ ‫الرحال‪ ...‬فالدينُ ما زال حديثا ً والقرآنُ ال زال يتنزل والتشري ُع لم يكتمل‪ ...‬ويدل على ذلك داللةً واضحة‪ ..‬ما رواه‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم في الصالة فيرد علينا‪ ،‬فلما رجعنا من عند النجاشي سلَّمنا‬ ‫ِّ‬ ‫عن عبد هللا بن مسعود أنه قال‪( :‬كنا نُسلِّم على‬
‫ً‬
‫عليه‪ ،‬فلم يرد علينا‪ ،‬وقال‪ :‬إنَّ في الصالة شغال )‪ ..‬فإذا كان الصحابة الذين كانوا عند النجاشي بالحبشة مع العلم أنهم كانوا يعرفون‬
‫العربية ويتتبعون أخبار النبي صلى هللا عليه وسلم لم يبلغهم نسخ الكالم والسالم في الصالة مع أنَّ الصالة أمرها ظاهر ألنَّ النب َّي‬
‫ت في اليوم والليلة‪ ...‬فكيف بسائر العبادات والتشريعات والحدود التي ال تتكرر‬ ‫خمس مرا ٍ‬
‫َ‬ ‫صلى هللا عليه وسلم كان يُصلي بالنّاس‬
‫كتكرر الصالة؟‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫فهل يستطيع أح ٌد من هؤالء الذين يدينون بشرك الديمقراطية اليوم أن يزعم أنه لم يبلغه القرآن واإلسالم أو الدين حتى يَقيس باطله‬
‫بحال النجاشي قبل اكتمال التشريع‪...‬؟‪.‬‬

‫ثالثا ً‪ :‬إذا تقرر هذا فيجب أن يُعلم أنَّ النجاشي قد حكم بما بلغه مما أنزل هللا تعالى‪ ،‬و َمنْ زعم خالفَ هذا‪ ،‬فال سبيل إلى تصديقه‬
‫وقبول قوله إال ببرهان {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}‪ ..‬وك ُّل ما يذكره المستدلون بقصته يد ُل على أنَّه كان حاكما ً بما بلغه مما‬
‫أنزله هللا تعالى آنذاك‪...‬‬

‫يجب عليه آنذاك من اتباع ما أنزل هللا‪( :‬تحقيق التوحيد واإليمان بنبوة محمد صلى هللا عليه وسلم وبأنَّ عيسى عب ُد هللا‬
‫ُ‬ ‫‪.1‬فمما كان‬
‫ورسوله)‪ ...‬وقد فعل‪ .‬انظر ذلك فيما يستدل به القوم‪ ..‬رسالته التي بعثها إلى النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ..‬ذكرها عمر سليمان األشقر‬
‫في ُكتيّبه‪( :‬حكم المشاركة في الوزارة والمجالس النيابية) (‪.) 73‬‬

‫‪.2‬وكذا بيعتَه للنب ِّي صلى هللا عليه وسلم والهجرة‪ ،‬ففي الرسالة المشار إليها آنفا ً يذكر النجاشي‪( :‬أنه قد بايع رسول هللا صلى هللا‬
‫رب العالمين‪ ،‬وفيها أنه َ‬
‫بعث إليه بابنه أريحا بن األصحم ابن أبجر‪،‬‬ ‫عليه وسلم وبايع ابنٌ له جعفر وأصحابه وأسلم على يديه هلل ِّ‬
‫وقوله‪ :‬إنْ شئتَ أن آتيك فعلتُ يا رسول هللا فإنني أشه ُد أنَّ ما تقو ُل حق)‪ .‬فلعلَّه مات بعد ذلك مباشرة‪ ،‬أو لع َّل النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم لم يُ ِر ْد منه ذلك آنذاك‪ ...‬ك ُّل هذه أمور غير ظاهرة وال بينة في القصة فال يحل الجزم بشيء منها واالستدالل به‪ ،‬فضالً عن أن‬
‫يُناطح به التوحيد وأصو ُل الدين!‪.‬‬

‫‪.3‬وكذا نصرةُ النبي صلى هللا عليه وسلم ودينه وأتباعه‪ ،‬فقد نصر النجاشي المهاجرين إليه وآواهم وحقّق لهم األمن والحماية‪ ،‬ولم‬
‫يخذلهم أو يُسلمهم لقريش‪ ،‬وال ترك نصارى الحبشة يتعرضون لهم بسوء رغم أنهم كانوا قد أظهروا معتقدهم الحق في عيسى عليه‬
‫السالم‪ ...‬بل ورد في الرسالة األخرى التي بعثها إلى النبي صلى هللا عليه وسلم (وقد أوردها عمر األشقر في كتابه المذكور صفحة‬
‫‪ )73‬أنه بعث بابنه ومعه ستون رجالً من أهل الحبشة إلى النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ...‬وك ُّل ذلك نصرةً له واتباعا ً وتأييداً‪..‬‬
‫كذب وافترا ٌء‬‫ٌ‬ ‫ومع هذا فقد ته ّور عمر األشقر فجزم في كتابه المذكور [ص‪ ]73‬أنَّ النجاشي لم يحكم بشريعة هللا وهذا كما عرفتَ‬
‫صحيح قطع ّي‬‫ٍ‬ ‫الموحد‪ ..‬بل الحق أن يُقال إنه حكم بما بلغه مما أنزل هللا آنذاك‪ ،‬ومن زعم خالفه فال يُصدق إال ببرها ٍن‬
‫ِّ‬ ‫على ذلك‬
‫صحيح صريح‪ ،‬لكن تتبع‬ ‫ٍ‬ ‫ت على دعواه هذه بدلي ٍل‬
‫الداللة‪ ،‬وإال كان من الكاذبين {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} وهو لم يأ ِ‬
‫بليل أموراً ظنها أدلة‪ ..‬والتواريخ معروفٌ حالها‪...‬‬
‫واحتطب من كتب التاريخ ٍ‬

‫يقول القحطاني األندلسي ‪ -‬رحمه هللا تعالى ‪ -‬في نونيته‪:‬‬

‫جمع الرواة وخط ك َّل بنا ِن‬ ‫ال تقبلن من التوارخ كلما‬
‫سيما ذوي األحالم واألسنا ِن‬ ‫ار ِو الحديث المنتقى عن أهله‬

‫فيقال له ولمن تابَ َعه‪( :‬أثبتوا العرش ثم انقشوا‪.) ..‬‬

‫رابعا ً‪ :‬إنَّ الصورة في قصة النجاشي لحاكم كان كافراً ثم أسلم حديثا ً وهو في منصبه‪ ،‬فأظهر صدق إسالمه باالستسالم الكامل ألمر‬
‫ُ‬
‫ويبعث معهم إليه يستأذنه بالهجرة إليه ويظه ُر نصرتَه ونصرةَ دينه‬ ‫النبي صلى هللا عليه وسلم بأنْ يُرسل إليه ابنه وبرجال من قومه‬
‫وأتباعه‪ ،‬بل ويظه ُر البراءة مما يُناقضه من معتقده ومعتقد قومه وآبائه‪ ...‬ويُحاول أن يطلب الحق ويتعلم الدين وأن يُسدد ويُقارب‬
‫إلى أن يلقى هللا على هذه الحال وذلك قبل اكتمال التشريع وبلوغه إليه كامالً‪ ...‬هذه هي الصورة الحقيقية الواردة في األحاديث‬
‫صحيح أما التواريخ فال تُسمن وال‬
‫ٍ‬ ‫صريح‬
‫ٍ‬ ‫واآلثار الصحيحة الثابتة في شأنه‪ ..‬ونحن نتحدى مخالفينا في أن يثبتوا غيرها‪ ..‬لكن بدليل‬
‫تُغني من جوع وحدها دون إسناد‪...‬‬

‫ئام من النَّاس ينتسبون إلى اإلسالم‬ ‫أما الصورة المستدل لها والمقيسة عليه فهي صورةٌ خبيثةٌ مختلفةٌ ك َّل االختالف‪ ،‬إذ هي صورةُ فِ ٍ‬
‫دون أن يتبرؤوا مما يُناقضه‪ ،‬بل ينتسبون إليه وإلى ما يُناقضه في الوقت نفسه ويفتخرون بذلك‪ ،‬فما تبرؤوا من دين الديمقراطية‬
‫كما ب ِرىء النجاشي من دين النصرانية‪ ،‬كال‪ ..‬بل ما فتِئُوا يمدحونها ويُثنون عليها ويس ّوغونها للنَّاس ويدعونهم إلى الدخول في‬
‫دينها الفاسد‪ ..‬ويجعلون من أنفسهم أربابا ً وآلهةً يُش ِّرعون للنَّاس من الدين ما لم يأذن به هللا‪ ..‬بل ويُشاركون معهم في هذا التشريع‬
‫الكفري الذي يت ُم ِوفقا ً لبنود الدستور الوضعي من يتواطأ معهم على دينهم الكفري من نواب أو وزراء أو غيرهم من الشعوب‪...‬‬
‫ص ُّرون على هذا الشرك ويتشبثون به بل ويذمون من حاربه أو عارضه أو طعن فيه وسعى لهدمه‪ ...‬وهذا كلُّه بعد اكتمال الدين‪،‬‬ ‫وي ُ ِ‬
‫وبلوغهم القرآن بل والسنَّة واآلثار‪..‬‬
‫أيصح أنْ تُقاس هذه الصورةُ الخبيثةُ المنتنةُ المظلمةُ مع ما جم َع ْتهُ من الفوارق المتش ّعبة‪..‬‬
‫ُ‬ ‫فباهلل عليك يا ُمنصف كائنا ً من ُكنتَ ‪،‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫بصور ِة رج ٍل حديث عهد باإلسالم يطلب الحق ويتحرى نصرته قبل اكتمال التشريع وبُلوغه إليه كامال‪ ..‬شتان شتان بين الصورتين‬
‫والحالين‪...‬‬

‫ق الغربا ِن‬
‫تشيب مفار ُ‬
‫َ‬ ‫حتى‬ ‫وهللا ما اجتمعا ولن يتالقيا‬

‫‪91‬‬
‫نعم قد يجتمعان ويستويان لكن ليس في ميزان الحق‪ ..‬بل في ميزان المطففين ممن طمس هللا على أبصارهم فدانوا بدين الديمقراطية‬
‫ض للتوحيد واإلسالم‪.‬‬
‫المناق ِ‬

‫}وي ٌل للمطففين * الذين إذا اكتالوا على النَّاس يستوفون * وإذا كالوهم أو وزنوهم يُخسرون * أال يظن أُولئك أنهم مبعوثون * ٍ‬
‫ليوم‬
‫عظيم (‪.{ )74‬‬

‫(‪ )69‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.111‬‬


‫(‪ )70‬سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.3‬‬
‫(‪ )71‬انظر البداية والنهاية‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪.277‬‬
‫(‪ )72‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.19‬‬

‫مشاركة النبي صلى هللا عليه وسلم في حلف الفضول‬

‫سفائهم بمشاركة النبي صلى هللا عليه وسلم في ِحلف الفضول قبل البعثة‪ ،‬لتجويز المشاركة في البرلمانات التشريعية‬
‫واحتج بعض ُ‬
‫الشركية‪.‬‬

‫فنقول وباهلل التوفيق‪:‬‬

‫إنَّ المحتج بهذه الشبهة إما أنه ال يعرف ما حلفُ الفضول فيهرفُ بما ال يعرف ويتكل ُم فيما ال يعلم‪ ..‬أو أنه يعرف حقيقته فيخلط الحق‬
‫بالباطل على الخلق ليلبس النور بالظالم والشرك باإلسالم‪ ..‬وذلك ألن حلف الفضول كما ذكر ابن اسحاق في السيرة وابن كثير (‪)99‬‬
‫والقرطبي في تفسيره (‪ )100‬وغيرهم‪ ..‬تك َّون لما "اجتمعت قبائل من قريش في دار عبد هللا بن ُجدْعان ‪ -‬لشرفه ونسبه ‪ -‬فتعاقدوا‬
‫وتعاهدوا على أال يجدوا بمكة مظلوما ً من أهلها أو غيرهم إال قاموا معه حتى تُ َر ّد عليه مظلمته‪ ،‬فسمت قريش ذلك ال ِحلف حلفَ‬
‫الفضول‪ .‬أي ِحلف الفضائل"اه‪.‬‬

‫لف سمع به وأشرفه في العرب‪ ،‬وكان أو ُل من تكلم به ودعا إليه الزبير ابن عبد‬ ‫ويقول ابن كثير‪( :‬كان حلفُ الفضو ِل أكر َم ِح ٍ‬
‫المطلب‪ ،‬وكان سببه أنَّ رجالً من زبيد قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل فحبس عن حقه‪ ،‬فاستعدى عليه الزبِيدي‬
‫الزبيدي الش َّر أوفَى على جبل أبي قُب ْيس عند‬
‫ُّ‬ ‫أقواما ً من األحالف فأبوا أن يُعينوا على العاص بن وائل وانتهروا الزبِيدي‪ ،‬فلما رأى‬
‫طلوع الشمس وقريش في أنديتهم حول الكعبة مناديا ً بأعلى صوته‪:‬‬

‫ببط ِن مكة نائي الدار والنف ِر‬ ‫لمظلوم بضاعته‬


‫ٍ‬ ‫يا آل فه ٍر‬
‫والحج ِر‬
‫َ‬ ‫الح ْجر‬
‫يا للرجال وبين ِ‬ ‫ض عُمرته‬
‫ت لم يق ِ‬
‫ومحرم أشع ٍ‬
‫ٍ‬

‫‪92‬‬
‫وال حرا ٌم لثوب الفاجر الغد ِر‬ ‫إنَّ الحرام لمن ماتت كرامته‬

‫فقام لذلك الزبير بن عبد المطلب وقال‪ :‬ما لهذا ُمترك؟ فاجتمعت هاشم و ُزهرة وتيم بن ُمرة في دار عبد هللا بن ُجدعان‪ ،‬فصنع لهم‬
‫طعاما ً وتحالفوا في ذي القعدة في شهر حرام فتعاقدوا وتعاهدوا باهلل ليكونن يداً واحدةً مع المظلوم على الظالم حتى يؤدي إليه حقه‬
‫رسي ثبير وحراء (‪ )101‬مكانهما وعلى التأسي في المعاشي‪ ،‬فس َّمت قريش ذلك الحلف ِح ْلف الفضول‪ ،‬وقالوا‬ ‫َ‬ ‫ما ب َّل بح ٌر صوفة وما‬
‫فضل من األمر‪ ،‬ثم مشوا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه سلعة الزبِيدي فدفعوها إليه‪ .‬وذكر قاسم بن ثابت في‬ ‫ٍ‬ ‫لقد دخل هؤالء في‬
‫غريب الحديث‪ :‬أنَّ رجالً من خثعم قدم مكة حاجا ً ‪ -‬أو معتمراً ‪ -‬ومعه ابنة له يقال لها القتول من أوضأ نساء العالمين‪ ،‬فاغتصبها منه‬
‫نبيه بن الحجاج وغيبها عنه‪ ،‬فقال الخثعمي‪ :‬من يعديني على هذا الرجل؟ فقيل له‪ :‬عليك بحلف الفضول‪ ،‬فوقف عند الكعبة ونادى‪:‬‬
‫يا لحلف الفضول‪ :‬فإذا هم يعنقون إليه من ك ِّل جانب؛ وقد انتضوا أسيافهم يقولون‪ :‬جاءك الغوث فما لك؟ (‪ )102‬فقال‪ :‬إنَّ نبيها ً‬
‫ظلمني في بنتي وانتزعها مني قسراً‪ ،‬فساروا معه حتى وقفوا على باب داره‪ ،‬فخرج إليهم فقالوا له‪ :‬أخرج الجارية ويحك! فقد‬
‫ب لقحة (‪ )103‬فأخرجها إليهم‪..‬‬‫علمت ما نحن وما تعاقدنا عليه‪ ،‬فقال‪ :‬أفعل‪ .‬ولكن متعوني بها الليلة‪ ،‬فقالوا‪ :‬ال وال ش َْخ ُ‬

‫وقال الزبير في ِح ْل ِ‬
‫ف الفضول‪:‬‬

‫أال يُقيم ببطن مكة ظال ُم‬ ‫إنَّ الفضول تعاقدوا وتحالفوا‬
‫تر فيه ُم سال ُم (‪)104‬‬
‫فالجا ُر وال ُم ْع ُّ‬ ‫أم ٌر عليه تعاقدوا وتواثقوا‬

‫الحلف وحول هذه األهداف يتنزل ما يحتج به هؤالء القوم‪ ،‬مما رواه البيهقي والحميدي أنَّ رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬ ‫ففي هذا ِ‬
‫قال‪( :‬شهدتُ في دار عبد هللا بن ُجدعان ِحلفا ً ما أُحب أن لي به حمر النَّعم (‪ )105‬ولو أُدعَى به في اإلسالم ألجبت)‪.‬‬

‫يعد ظال ٌم مظلوما)‪.‬‬


‫ولذا زاد الحميدي (تحالفوا أن يردوا الفضول على أهلها وأال ِ‬

‫فنسأل القوم ها هنا فتقول‪:‬‬

‫ع فيه مع هللا ِوفقا ً لدستور‬


‫ش َّر ُ‬
‫س يُ َ‬
‫ما وجه الداللة يا أهل الفقه واالستدالل في هذا الحلف وما حواه من فضائل على جواز دخول مجل ٍ‬
‫إبليس‪ ،‬ويستفتح أهل المجلس مجلسهم هذا بالقسم على احترام ياسق الكفر وقوانينه والوالء لعبيده وطواغيته المحاربين لدين هللا‬
‫وأوليائه‪ ،‬المتولين ألعداء هللا و ُكفرياتهم‪..‬؟‬

‫هل كان في حلف الفضول كف ٌر وشر ٌك وتشري ٌع مع هللا واحترا ٌم لدين غير دين هللا‪ ،‬حتى يصح االستدالل به‪..‬؟‪.‬‬

‫إنْ قلتم نعم‪ ..‬فأنتم تزعمون إذاً أنَّ رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قد شارك بالكفر والتشريع واتبع دينا ً غير دين هللا‪ ،‬وأنه لو دُعي‬
‫في اإلسالم لمثل ذلك ألجاب! ومن زعم هذا فقد أشهد الثقلين على ُكفره وردتِه وزندقتِه‪..‬‬

‫وإنْ قلتم‪ :‬ال‪ ،‬لم يكن فيه كف ٌر وال تشري ٌع بل وال منك ٌر من المنكرات‪ ...‬وك ُّل ما كان فيه نصرة المظلوم وإغاثةُ الملهوف ونحوه من‬
‫الفضائل‪..‬‬

‫فكيف إذاً تستحلون وتستجيزون مقايسته بمجالس ال ُكفر والفسوق والعصيان‪..‬؟‪.‬‬

‫ثم نحن نسألهم سؤاالً واضحا ً ونُريد منهم شهادةً صريحةً على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في جواب هذا السؤال {ستُ ْك ُ‬
‫تب‬
‫شهادت ُهم ويُسئَلون (‪{ .)106‬‬

‫ف الفضول هذا مهما كانت صفته ‪ -‬أعني الحلف ؛ ال يُشارك فيه إال إذا أقسم بين يدي دخوله للحلف على‬ ‫لو كان المشارك في ِح ْل ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫احترام الالت والعزى ومناة الثالثة األخرى والوالء لدين قريش الكفري وألوثانها وجاهليتها‪ ..‬ث َّم على نصرة المظلوم وإغاثة‬
‫المكروب‪ ...‬ونحو ذلك‪..‬‬

‫أقول‪ :‬لو كان الحا ُل كذلك‪ ..‬لشارك به النبي صلى هللا عليه وسلم أو أجاب إليه لو دُعي في اإلسالم لمثله‪..‬؟‪.‬‬

‫أجيبونا يا أصحاب المصالح واالستحسانات‪ !..‬ويا أهل الحفالت والمهرجانات‪!..‬‬

‫فإن قالوا‪ :‬نعم سيجيب إليه وسيشارك فيه‪ ..‬وكذلك كان‪..‬فقد برئت منهم األمة وأشهدوا الخلق على ُكفرهم‪..‬‬
‫وإن قالوا‪ :‬كال وحاشاه من ذلك‪...‬‬
‫قلنا‪ :‬فخلوا إذاً عنكم هذه السفسطات والشقشقات وتعلموا كيف وبماذا يكون االستدالل‪..‬‬

‫(‪ )99‬البداية والنهاية‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.291‬‬

‫‪93‬‬
‫(‪ )100‬الجامع ألحكام القرآن‪.]1/169[ ،]6/33[ :‬‬
‫(‪ )101‬أسماء جبال بمكة‪.‬‬
‫(‪ )102‬تنبيه‪ :‬لو أننا استدللنا بهذا على جواز تنظيم جماعة أو مجموعة مسلحة لنصرة المظلوم وانكار المنكر باليد وإن عُدمت‬
‫الدولة اإلسالمية ولم يوجد اإلمام‪ ،‬بدليل أنَّ رسول هللا ‪ e‬قد أثنى على هذا الحلف ومدحه مع أنه كان قائما ً في زمن دولة الكفر وليس‬
‫ثَ َّم إمام‪ ..‬أقول‪ :‬لو أننا احتججنا بدليلهم هذا على هذه المسألة لبدّعونا ولشنوا علينا الغارات ولشنعوا فينا المقال‪ ..‬لكن االستدالل به‬
‫على جواز القسم على احترام الشرك والمشاركة في التشريع ِوفقا ً لدستور إبليس وغير ذلك من ضالالتهم وشركياتهم وانحرافاتهم‬
‫فذلك أم ٌر تُس ِّوغه عقولهم النخرة‪ ..‬فبُعداً فبعداً‪.‬‬
‫(‪ )103‬وال شخب لقحة‪ :‬أي وال مقدار وقت حلب ناقة‪.‬‬
‫(‪ )104‬من كتاب البداية والنهاية للحافظ ابن كثير‬

‫مصلحة الدعوة‬

‫قالوا‪ :‬إنَّ دخول المجلس فيه مصالح كثيرة‪ ،‬بل بعضهم زعم أن المجلس من أصله مصلحةٌ مرسلةٌ وذكروا‪ :‬الدعوة إلى هللا‪ ،‬وقول‬
‫كلمة الحق‪ ،‬وذكروا‪ :‬تغيير بعض المنكرات وتخفيف بعض الضغوط على الدعوة والدعاة‪ ...‬وذكروا‪ :‬عدم ترك هذه األماكن‬
‫والمجالس للنصارى أو الشيّوعيين ونح ِوهم‪ ...‬وبعضهم بالغ وذكر‪ :‬مصلحة تحكيم شرع هللا وإقام ِة دينه من خالل المجلس‪ ..‬ونح ِوه‬
‫من استصالحاتِهم وأحال ِمهم وأهوائِهم‪ ..‬وك ّل ما في هذا الباب يدور حول المصلحة‪( 107(...‬‬

‫فنقول وباهلل تعالى التوفيق‪:‬‬

‫نسألهم أوالً فنقول‪:‬‬

‫َم ِن الذي يحدد مصالح دينه وعباده ويعرفها حق المعرفة؟ هللا اللطيف الخبير؟ أم أنتم باستحساناتكم واستصالحاتكم؟‪.‬‬

‫فإن قالوا‪ :‬نحن‪.‬‬

‫قلنا‪ :‬إذاً لكم دينكم ولنا دين‪ ،‬ال نعبد ما تعبدون وال أنتم عابدون ما نعبد‪ ...‬ألنَّ هللا جل ذكره يقول‪{ :‬ما فرطنا في الكتاب من شي ٍء}‪( .‬‬
‫‪)108‬‬

‫ى} (‪ .)109‬ويقول‪{ :‬أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً} (‬


‫{أيحسب اإلنسان أن يُتْرك سد ً‬
‫ُ‬ ‫ويقول ُمن ِكراً على هؤالء الديمقراطيين وأمثالهم‪:‬‬
‫‪(110‬‬

‫وهذا في ديننا وملَّتنا‪ ...‬أما في دين الديمقراطية وملَّتها فال مكان لهذه اآليات المحكمات ألنَّ اإلنسان عندهم هو المش ِّرع لنفسه‪ ...‬فهم‬

‫‪94‬‬
‫ق الحرية في أن يختار ويُقرر ويَترك ويُثبت ما يشاء من التشريع والدين‪ ...‬وال يهم إن‬ ‫ى وله ُمطل ُ‬ ‫سد ً‬‫يقولون‪ :‬نعم قد تُرك اإلنسان ُ‬
‫كان ذلك التشريع الذي يخترعه ُموافقا ً لما في كتاب هللا أم ُمعارضا ً له‪ ...‬لكنَّ العبرة أن ال يُعارض الدستور والقانون‪...‬‬

‫" أفٍّ لكم ولما تعبدون من دون هللا أفال تعقلون " (‪.(111‬‬

‫فإن قالوا‪ :‬بل هللا جل ذكره هو وحده الذي يحد الحدود ويقدِّر المصالح أحسنَ تقدير‪ ،‬ألنَّه هو الذي خلق الخلق وهو أعل ُم بمصالحهم‬
‫ق وهو اللطيف الخبير} (‪.(112‬‬
‫{أال يعل ُم من خل َ‬

‫قررها هللا تعالى في كتابه وأرسل من أجلِّها الرسل وأنزل الكتب وشرع الجهاد‬
‫سألناهم‪ :‬فما هي أعظ ُم مصلح ٍة في الوجود ّ‬
‫واالستشهاد‪ ،‬وألجلها تُقام الدولة اإلسالمية‪...‬يا دعاة الخالفة؟‪.‬‬

‫فإن تخبطوا في مصالح جزئية ثانوية وانحرفوا عن أصل األصول‪.‬‬

‫قلنا لهم‪َ :‬خلُّ وا عنكم الفشر والهذيان واجلسوا تعلموا أصل دينكم تعلموا معنى (ال إله إال هللا) الذي ال تُقبل دعوةٌ وال جها ٌد وال‬
‫استشها ٌد دون تحقيقها ومعرفة معناها‪...‬‬

‫واجتناب ما يُضاده ويُناقضه من الشرك والتنديد‪..‬‬


‫ُ‬ ‫وإن قالوا‪ :‬أعظ ُم مصلح ٍة في الوجود هي‪ :‬تجري ُد التوحيد هلل تعالى‬

‫قلنا‪ :‬فهل يُعقل يا أُولي األلباب! أَنْ تهدموا هذه المصلحة العظيمة الكلية القطعية فتتواطؤوا مع الطواغيت على دين غير دين هللا‬
‫(الديمقراطية) وتقبلوا وتحترموا شرعا ً غير شرعه سبحانه (الدستور) وتتبعوا أربابا ً مش ِّرعين متفرقين مع هللا الواحد القهار‪..‬؟‪.‬‬

‫فتهدموا بهذا أعظم مصلحة في الوجود وهي التوحيد والكفر بالطواغيت‪ ...‬لمصالح ثانوية جزئية ظنية مرجوحة؟‪.‬‬

‫وأي دي ٍن يرضى بهذا إال دينُ الديمقراطية الكفري؟‪.‬‬


‫شرع ُّ‬
‫ٍ‬ ‫وأي‬
‫عقل ُّ‬
‫وأي ٍ‬
‫أي ميزا ٍن ُّ‬
‫ُّ‬

‫وكيف يتج ّرؤ بعضكم على الزعم بأنَّ هذه المجالس الشركية من (المصالح المرسلة)‪ ..‬إنَّ المصلحة المرسلة عند القائلين بها‪( :‬ما لم‬
‫لغ الشرك والكفر ولم يُبطل ك َّل دي ٍن يُناقض دينَ اإلسالم وك َّل ملَّ ٍة‬
‫يشهد لها الشرع باعتبار وال إلغاء) فهل تزعمون أنَّ الشرع لم يُ ِ‬
‫ُناقض ملَّةَ التوحيد‪...‬؟‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ت‬

‫حق ذاك الذي تزعمون الصدع به في هذه المجالس الشركية بعد أن دفنتم أصل أصول‬‫وأي ٍ‬
‫أي دعوة هذه التي تزعمون قولها ُّ‬ ‫ثم ُّ‬
‫الدعوة اإلسالمية وقُ َ‬
‫طب َرحى الحق المبين؟‪ .‬وهل يُدفن ويُقبر ذلك األصل األصيل والمصلحة العظمى لتناقش على حسابه جزئيات‬
‫وفرعيات من الدين‪...‬؟‪.‬‬

‫ثم حين تناقشون تلك الجزئيات والفرعيات ‪ -‬كمن يسعى لتحريم الخمر ‪ -‬إلى ماذا تستندون في ُمطالبتكم بالتحريم وبماذا تستدلون‬
‫وتستشهدون‪..‬‬

‫أتقولون‪ :‬قال هللا وقال الرسول صلى هللا عليه وسلم؟‪..‬‬

‫ث َّم إنْ زعمتم هذا‪ :‬كذبتم‪ ،‬ألنَّ هذا ليس له اعتبا ٌر في دين الديمقراطية وشرع الدستور‪ ،‬إال ما شهد الدستور له واعتبره وهيمن‬
‫عليه‪ ...‬الشك أنكم ستقولون‪ :‬نصت المادة الثانية‪ ...‬والمادة ‪ ...24‬والمادة ‪ ...25‬ونحوها من تشريعات الكفر والضالل‪ ...‬فهل بعد‬
‫هذا كف ٌر وشر ٌك وإلحادٌ؟‪ .‬وهل يبقى لمن سلك هذا الطريق أص ٌل وملَّةٌ وتوحيدٌ‪..‬؟‪.‬‬
‫ت َوقَ ْد أ ِم ُرو ْا أن َي ْكفُ ُرو ْا بِ ِه‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ُ‬
‫غ‬ ‫ا‬‫َّ‬ ‫ط‬ ‫ال‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ْ‬
‫ا‬ ‫و‬
‫َ َ ُ ِ‬‫م‬‫ك‬‫َ‬ ‫ا‬ ‫َح‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫أن‬ ‫{أل ْم تَ َر إِلَى الَّ ِذينَ َي ْز ُع ُمونَ أنَّ ُه ْم َءا َمنُو ْا بِ َما أ ْن ِز َل إلَ ْي َك َو َما أ ْن ِز َل ِمنْ قَ ْبلِكَ يُ ِريدُونَ‬
‫ضالَالً بَ ِعيداً} (‪( .113‬‬ ‫ش ْيطَانُ أَن يُ ِ‬
‫ضلَّ ُه ْم َ‬ ‫ِويُ ِري ُد ال َّ‬
‫تشريع في هذه األوكا ِر الوثنية عن غير هذه الطرق الشركية الكفرية‪..‬؟‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫قانون أو‬ ‫ٍ‬ ‫جيبونا‪ ..‬هل يمكن سن‬
‫أجيبونا يا أهل االستصالحات واألفهام‪..‬؟‪.‬‬
‫وحتى الحك ُم بما أنزل هللا كلُّه الذي تتباكون عليه‪ .‬أتريدون إقامته عن هذه الطريق‪..‬؟‪.‬‬
‫وح ْك ُم‬
‫وح ْك ُم الشعب ُ‬ ‫أال تعلمون أنها طريق كفرية ومسدودة‪ ...‬ألنها إنْ نجحت ‪ -‬جدالً فلن يكون هذا ُحك َم هللا‪ ،‬بل هو ُح ْك ُم الدستور ُ‬
‫لشرعه وعبودية له سبحانه‪ ..‬أما حين يكون استسالما ً‬ ‫الجماهير‪ ..‬ولن يكون حكم هللا إال حين يكون استسالما ً لكالم هللا وانشراحا ً ْ‬
‫ق ُحك َم هللا ساعتها بأشيا ٍء وأشياء‪ ،‬فاهلل‬ ‫ْ‬ ‫ولحكم الشعب والجمهور‪ ..‬فهو ُح ْك ُم الطاغوت وإنْ واف َ‬ ‫ِ‬ ‫لدين الديمقراطية ولشرع الدستور‬
‫(إن الحكم إال للنَّاس) وقال‪{ :‬وأ ِن احكم بينهم بما أنز ل هللا} (‪ .)115‬ولم يقل‪:‬‬ ‫جل ذكره قد قال‪{ :‬إ ِن الحك ُم إال هلل} (‪ .)114‬ولم يقل‪ِ :‬‬
‫(وأن احكم بينهم بما نص عليه الدستور والقانون)‪ ...‬بل هذا قول المشركين من عبيد الديمقراطية والدساتير‬ ‫ِ‬ ‫(بمثل ما أنزل هللا) أو‬
‫األرضية‪..‬‬
‫سباتكم وغيِّكم القديم ؟ أتدفنون رؤوسكم في الرمال‪ ..‬أال تُشاهدون تجارب أمثالكم من حولكم؟‪ ..‬هذه الجزائر‬ ‫ثم أين أنتم؟ أما زلتم في ُ‬
‫وتلك الكويت وهناك مصر وغيرها وغيرها‪ ..‬ألم توقنوا بعد بأنَّ هذه لعبةٌ كفرية‪ ،‬وملهاةٌ شركية عوجاء ومسدودة الطريق؟ ألم‬
‫تتحققوا بعد بأنَّ هذه المجالس لعبة في يد الطاغوت يفتحها متى شاء ويُغلقها كيف شاء ويحلها حين يشاء (‪ )116‬وأنه ال ولن يُسن‬

‫‪95‬‬
‫ُص ُّرون على هذا الكفر البواح‪ ..‬وعلى هذه الذلة الصراح‪..‬؟‬ ‫فيها قانون حتى يُصدِّق ويُوافق عليه الطاغوت (‪ .)117‬فلماذا ت ِ‬
‫يجعجعون ويصيحون ويقولون‪ :‬كيف نتر ُك هذه المجالس للشيوعيين أو النصارى‪ ...‬أو غيرهم من المالحدة‪..‬؟‬ ‫ِ‬ ‫ثم ومع هذا تجدهم‬
‫سحقا ً‪...‬‬ ‫سحقاً‪ُ ،‬‬ ‫فبُعداً‪ ،‬بُعداً‪ ...‬و ُ‬
‫عذاب‬
‫ٌ‬ ‫يقول تعالى‪{ :‬وال يحزن َك الذين يُسارعون في الكفر إنَّهم لن يضروا هللا شيئا ً يُريد هللا أال يجعل لهم حظا ً في اآلخرة ولهم‬
‫عظي ٌم} (‪.(118‬‬
‫ً‬
‫فإنْ ُكنتم من جملة المالحدة‪ ،‬فهنيئا لكم هذه المقاسمة والمشاركة‪ ..‬شاركوهم بكفرهم وشركهم إنْ شئتم‪ ،‬لكن اعلموا أنَّ المشاركة‬
‫في هذه الحال ال تقف عند حدود الدنيا‪ ..‬بل كما قال هللا تعالى في سورة النساء بعد أن حذر من أمثال هذه المجالس‪ ،‬وأمر بمفارقة‬
‫وعدم القعود معهم وإال القاعد مثلهم قال محذراً سبحانه‪{ :‬إنَّ هللا جام ُع المنافقين والكافرين في جهنَّم جميعاً} (‪ .)119‬ألم‬ ‫ِ‬ ‫أهلها‬
‫بواح‪ ..‬ألم تعلموا أنها دينٌ غير دين هللا‪..‬؟ وأنها ملَّةٌ غير ملَّة التوحيد؟ فعالم‬
‫ٌ‬ ‫كفر‬
‫صراح‪ ..‬وأنها ٌ‬
‫ٌ‬ ‫تُوقِنُوا بعد هذا كلِّه أنَّها شر ٌك‬
‫التكالب إذاً عليها‪ ..‬ذروها لهم‪ ..‬نعم ذروها واجتنبوها واتركوها ألهل ملَّتها‪ ..‬واتبعوا ملّة إبراهيم حنيفا ً وما كان من المشركين‪...‬‬
‫وقولوا كما قال حفيده يوسف عليه الصالة والسالم وهو مستضعفٌ َخ ْلفَ قُضبان السجون‪..{ :‬إني تركتُ ملَّة ٍ‬
‫قوم ال يُؤمنون باهلل‬
‫وهم باآلخرة هم كافرون * واتبعت ملّة َءابا ِءى إبراهيم وإسحق ويعقوب ما كان لنا أنْ نُشرك باهلل من شي ٍء ذلك فضل هللا علينا‬
‫وعلى النَّاس ولكنَّ أكثرالنّاس ال يشكرون} (‪( 120‬‬
‫يا قوم‪ ...‬اجتنبوا الطاغوتَ ومجالِسه وتب ّرؤوا منها واكفُروا بها ما دامت كذلك‪...‬‬
‫الواضح المستبين‪ ،‬ولكن أكثر النّاس ال يعلمون‪..‬‬
‫ُ‬ ‫هذا هو الحق المبين‪ ...‬والنّو ُر‬
‫أن اعبدوا هللا واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هَدى هللا ومنهم من حقَّت عليه الضاللة‪.(121( }..‬‬ ‫{ولقد بعثنا في ك ِّل أم ٍة رسوالً ِ‬

‫ءأرباب متفرقون خي ٌر ِأم هللا الواحد القهار * ما تعبدون من دونه إال أسما ًء سميتموها أنتم وءاباؤكم ما أنزل هللا بها من سلطان إ ِن‬
‫ٌ‬ ‫{‬
‫الحك ُم إالهلل أمر أال تعبدوا إال إياه ذلك الدين القيِّم ولكن أكثر النّاس ال يعلمون} (‪.(122‬‬

‫ت‬
‫يأتي يوم يكون ذلك أسمى وأعظم ما تتمنون ولكن بعد فوا ِ‬‫اجتنبوها يا قوم وتب ّرؤوا من أهلها وشركها قبل فوات األوان‪ ...‬وقبل أن َ‬
‫أوانِه‪ ،‬ولن ينفعكم يو َمها الندم وال اآلهات أو الحسرات‪...‬‬
‫}وقال الذين اتَّبعوا لو أن لنا كرةً فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يُريه ُم هللا أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النّار} (‬
‫‪.(123‬‬
‫اجتنبوها اآلن وقولوا ألهلها ‪ -‬إن كنتم على ملَّة إبراهيم وطريق األنبياء والمرسلين ‪ -‬كما نقول في خاتمة كالمنا هذا‪:‬‬
‫يا عبيد القوانين الوضعية‪ ...‬والدساتير األرضية‪...‬‬
‫يا أصحاب دين الديمقراطية‪...‬‬
‫ويا أيها األرباب المش ِّرعون‪...‬‬
‫إنا نبرؤ إلى هللا منكم ومن ملّتكم‪...‬‬
‫كفرنا بكم‪ ...‬وبدساتيركم الشركية وبمجالسكم الوثنية‬
‫وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تُؤمنوا باهلل وحده‪...‬‬
‫(انتهى)‬

‫(‪ )106‬سورة الزخرف‪ ،‬اآلية ‪.19‬‬


‫(‪ )107‬لشيخ اإلسالم في هذا الباب فتوى يُبطل فيها أمثال هذه االستحسانات واالستصالحات الفاسدة بحجة مصلحة الدعوة‪ ..‬وقد‬
‫حققناها وعلقنا عليها وقدمنا لها بمقدمات مهمة وسميناها‪( :‬القول النفيس في خديعة إبليس) فليراجعها من شاء المزيد في هذا‬
‫الباب‪.‬‬
‫وقد قام إخواننا في النور لإلعالم اإلسالمي بالدانمارك بطباعتها وتسجيلها على أشرطة سمعية‪.‬‬
‫(‪ )108‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.38‬‬
‫(‪ )109‬سورة القيامة‪ ،‬اآلية ‪.38‬‬
‫(‪ )110‬سورة المؤمنون‪ ،‬اآلية ‪.115‬‬
‫(‪ )111‬سورة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪.67‬‬
‫(‪ )112‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.103‬‬
‫(‪ )113‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.60‬‬
‫(‪ )114‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.40‬‬
‫(‪ )115‬سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.43‬‬
‫(‪ )116‬المادة ‪ 34‬من الدستور األردني فرع ‪( :2‬الملك يدعو مجلس األمة إلى االجتماع ويفتتحه ويُؤجله ويفضه ِوفق أحكام‬
‫الدستور) وفرع ‪( :3‬للملك أن يحل مجلس النواب)‪.‬‬
‫(‪ )117‬المادة ‪ 79‬من الدستور الكويتي‪( :‬ال يصدر قانون إال إذا أقره مجلس األمة وصدق عليه األمير)‪.‬‬
‫مشروع أقره مجلس األعيان والنواب يُرفع إلى الملك للتصديق عليه) وفرع ‪( :3‬إذا‬‫ٍ‬ ‫والمادة ‪ 93‬من الدستور األردني‪ ،‬فرع ‪( :1‬ك ُّل‬
‫لم ير الملك التصديق على القانون فله في غضون ستة أشهر من تاريخ رفعه إليه أن يرده إلى المجلس)‪.‬‬
‫تأمل أنَّ في األردن هناك قبل تصديق الملك أيضاً‪ ،‬تصديق وموافقة مجلس األعيان الذين يُعيّنهم أصالً الملك‪ ..‬ومع هذا كلِّه فالقوم في‬
‫غيّهم سادرون‪.‬‬
‫(‪ )118‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.176‬‬
‫(‪ )119‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.140‬‬

‫‪96‬‬
‫(‪ )120‬سورة يوسف‪ ،‬اآليتان ‪.38-37‬‬
‫(‪ )121‬سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.36‬‬
‫(‪ )122‬سورة يوسف‪ ،‬اآليتان ‪.40-39‬‬
‫(‪ )123‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪1‬‬

‫شبهات احبار ورهبان االمة‬


‫سنورد الرد علة شبهات أحبار ورهبان هذه األمة الذين يدعون مع الطاغوت في المساجد بالنصرة والتوفيق ويكتمون على العباد‬
‫أصل الدين وحقيقة التوحيد‪...‬واغلب أقوالهم هي مصلحة الدعوة ‪-‬اإلكراه ‪-‬االستضعاف والرزق‪.‬‬

‫واعلم أخي‪ -‬هداك هللا‪ -‬أن عبادة الطاغوت واألوثان و التحاكم إليها والستنصار بها والنذر لها ‪ .‬يقول الحافظ ابن كثير رحمة هللا‬
‫عليه في تفسيره ‪( :‬الطاغوت الشيطان ‪ ,‬فإنه يشمل كل شر كان عليه أهل الجاهلية من عبادة األوثان والتحاكم إليها‪ ,‬واالستنصار‬
‫بها) ‪( .‬تفسيرآية‪256‬من سورةالبقرة) ‪.‬‬

‫وينبغي أن تعلم يا أخي المسلم أن الترك هنا على ثالثة أقسام‪: ‬‬

‫القسم األول‪ :‬الترك باالعتقاد‪ .‬القسم الثاني‪ :‬الترك بالقول ‪ .‬القسم الثالث‪ :‬الترك بالفعل‪.‬‬

‫وال يكون العبد مجتنبا ً للطاغوت وتاركه حتى يأتي بهذه األقسام الثالثة من ا لترك‬

‫‪ -‬ألن من الناس من يترك بقوله والبترك باعتقاده ‪ .‬وهذا هو حال المنافقين‬

‫‪ -‬ومن الناس من يترك باعتقاده واليترك بقوله ‪ .‬وهذا حال من يقسم على احترام األصنام واألوثان والطواغيت ‪.‬‬

‫‪ -‬ومن الناس من يترك باعتقاده وال يترك بفعله‪ .‬وهذا حال من يسجد للطاغوت أو ينذرأو يذهب ويتحاكم إليه ويدعي أن اعتقاده‬
‫سليم ‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫فال يكون العبد‪ -‬إذاً‪ -‬مجتنبا ً للطاغوت حتى يأتي بهذه األقسام الثالثة من الترك‬
‫ومن هنا يتبين ان هؤالء االئمة لم يحققوا الكفر بالطاغوت الن قولهم ينقض ادعائهم لالسالم وكيف يشك في كفرهم من عرف الحق‬
‫والتوحيد وهل كان سيشك واحد من الصحابة في حكم من يقول اللهم انصر ابو جهل ووفقه‪...‬فمابلك بمن يدعوا مع الطواغيت‬
‫ويدعوا لهم بالنصرة وهذا رد موجز على اغلب شبهاتهم‬
‫أوال ‪ :‬مصلحة الدعوة‬

‫يقولون انه إذا اعتزلنا المساجد ستضيع صلوات الجماعة وخصوصا صالة الجمعة‪....‬والرد علة هؤالء بما يلي‪:‬‬

‫من اعلم بمصلحة عباده هل انتم ؟ أم هللا الواحد األحد؟؟؟‬


‫طبعا سيقولون هللا سبحانه وتعالى اعلم‪.‬‬
‫فنقول لهم اعلموا أن أعظم مصلحة هي دعوة الناس إلى توحيد هللا عز وجل ونبذ الشرك ومن اجل هذه الغاية العظيمة بعث هللا‬
‫الرسل وانزل الكتب وخلق الجنة والنار فمن حققها دخل الجنة ومن لم يحققها دخل النار ولعظم خطر الشرك كان دعوة جميع الرسل(‬
‫يا قوم اعبدوا هللا مالكم من اله غيره) وفي الحديث حينما سال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم معاذ فقال له أتدري ما حق هللا على‬
‫عباده؟ فقال هللا ورسوله اعلم قال حق هللا على العباد أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا‪...‬‬
‫ولما بعث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم معاذا إلى أهل اليمن علمه كيفية الدعوة ودعاه إلى البدء بما هو أهم فقال له فليكن أول ما‬
‫تدعوهم إليه شهادة أن ال اله إال هللا‪....‬‬

‫فهذه هي أعظم مصلحة وهي دعوة الناس إلى التوحيد ونبذ الشرك الن الشرك يحبط جميع األعمال كما بينا ذلك في أهمية التوحيد‪.‬‬

‫فقول لهؤالء األحبار باطل ألنهم يخادعون الناس ويراعون مصلحتهم لضمان اإلقامة والراتب الشهري ‪...‬ال مصلحة الناس وقد‬
‫كتموا عنهم أعظم مصلحة يتعبدون بها هللا سبحانه وتعالى وهي أساس وجودهم في األرض تركوا التوحيد واكتفوا بالدعوة إلى‬
‫كيفية الوضوء والصالة‪ ..‬ماذا لو تعلم واحد منهم ذلك وصلى وقام وصام وهلم بعد ذلك كله وهو على الشرك فأي مصلحة أدركها هذا‬
‫العيد بعد إن توفي على الشرك وأحبط جميع أعماله كما قال تعالى( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءا منثورا) وقال (ولو‬
‫أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون)‬
‫ونقول لك أيضا أيها الشيطان األخرس الساكت عن الحق هاأنت قد دعوت الناس إلى الفروع وتركت أصل الدين ماذا كانت نتيجة‬
‫دعوتك عم الفساد في البر والبحر كثر الزنا والتبرج والربا‪...‬انظر إلى المجتمع انه ثمرة دعوتك الباطلة الن دعوتك أصلها باطل كما‬
‫قال تعالى مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء‪..‬فدعوتك لم تعطي إال ثمار فاسدة الن أصلها فاسد‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬اإلكراه‬
‫يقولون نحن مكرهين على قول الكفر أي الدعاء مع الطاغوت وعلى كتم الحق‪...‬‬
‫فنقول لهم انتم لم تفهموا حقيقة اإلكراه ولم تفرقوا بين اإلكراه على المعاصي وبين اإلكراه على الكفر أو نصرة الطواغيت بالدعاء‬
‫لهم‪...‬بل من يرى حالكم ال يعذر حتى على فعل المعصية فكيف بالكفر والعياذ باهلل‪.‬‬
‫جاء في أحكام القران للجصاص جزء ‪5‬ص‪ 13‬في قوله تعالى من كفر باهلل من بعد إيمانه إال من اكره وقلبه مطمئن باإليمان قال اخذ‬
‫المشركون عمارا وجماعة معه فعذبوهم حتى قاربهم في بعض ما ارادوا فشكا ذلك الى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال كيف كان‬
‫قلبك قال مطمئن بااليمان قال فان عادوا فعد قال ابو بكر هذا اصل في جواز اظهار كلمة الكفر في حالة االكراه‪.‬‬
‫يقول ابن حجر في فتح الباري‬
‫وشروط االكراه اربعة‪:‬‬
‫األول أن يكون فاعله قادرا على إيقاع ما يهدد به والمأمور عاجزا عن الدفع ولو بالفرار‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يغلب على ظنه انه إذا امتنع أوقع به ذلك‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يكون ما هدده به فوريا فلو قال إن لم تفعل كذا ضربتك غدا ال بعد مكرها ويستثنى ما إذا ذكر زمنا قريبا جدا أو جرت‬
‫العادة بأنه ال يخلف‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أن ال يظهر من المأمور ما يدل على اختياره‪.‬‬
‫فنقول لهؤالء األحبار باهلل عليكم أتحسبون أنفسكم في حالة عمار رضي هللا عنه هل عذبتم حتى كادت روحكم أن تخرج‪...‬‬
‫هل فعل بكم كما فعل ببالل رضي هللا عنه الذي كانوا يخرجونه مع الظهر ويتركونه تحت الشمس والصخرة موضوعة فوقه على‬
‫صدره يريدون منه كلمة أن يذكر آلهتهم بخير فيرفض ويقول احد احد‪...‬‬
‫فما بالكم يا أئمة الضالل لم تذكروهم بخير فقط وإنما تدعون الرب أن ينصرهم ويحفظهم ويعزهم‪....‬النصرة على ماذا؟؟ على‬
‫استحالل الربا‪ ,‬على استحالل الزنا على التبرج‪...‬فال حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم‪..‬‬
‫ومن تأمل حالهم علم يقينا أنهم ليسوا بمكرهين وإنما هو الراتب الشهري والبيت المجاني والشهرة المزيفة‪...‬وبعد كل هذا تزعمون‬
‫أنكم مكرهين؟؟؟‬
‫ثالثا ‪ :‬االستضعاف‬
‫إن هاته الشبهة تعذر بها قوم قبلكم فما قبل منهم ذلك وهم قوم اسلموا بمكة ولم يفارقوا صف المشركين فلما كان يوم بدر أخرجوهم‬
‫المشركون غصبا في مقدمة الصفوف ولم يخرجوا متطوعين ومع ذلك انزل هللا سبحانه وتعالى فيهم قرانا (إن الذين توفاهم المالئكة‬
‫ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم؟ أي في أي صف كنتم؟ قالوا كنا مستضعفين في األرض) فانظر إلى جواب المالئكة إليهم (قالوا الم تكن‬
‫ارض هللا واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا) ‪.‬‬
‫هذا كان جوابهم فكيف بكم وانتم تدعون معهم وتتمسكون بمنصبكم طائعين ومختارين‪...‬‬

‫‪98‬‬
‫رابعا‪ :‬الرزق‬
‫يقولون إن تركنا منصبنا سينقطع عنا الراتب من أين سنأكل وأين سنسكن؟؟؟‬
‫سبحان هللا أين انتم من قول هللا عز وجل (ومن يتق هللا يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث ال يحتسب) وقوله تعالى( ومن يتق هللا‬
‫يجعل له من أمره يسرا) هل من رزقكم واواكم وانتم كفار سيعجز عن رزقكم إذا اتقيتم وأصبحتم من األبرار؟؟؟‬
‫أين انتم من سيرة الصحابي الجليل صهيب بن سنان رضي هللا عنه الذي ترك ماله كله من اجل دينه وأين انتم من سيرة مصعب بن‬
‫عمير رضي هللا عنه الذي كان يضرب به المثل في األناقة وكان عطره يسبقه إذا مر‪...‬فلما اسلم توعدته والدته أن تقطع عليه الرزق‬
‫فصبر واحتسب وخرج من حياة الرفاهية والنعيم إلى حياة الفقر فهل يا تراه مات جوعا؟؟ هل ناساه هللا تعالى بل جعل ذكراه إلى‬
‫يومنا هذا أم تريدون أن تدخلوا الجنة بدون أن يختبر هللا صدق إيمانكم واعلم أن من كان قبلكم وضعوا في نفس المحنة وقطعوا‬
‫ونشروا بالمناشير وما رجعوا عن دينهم وما باعوا دينهم بعرض من الدنيا قليل ألنهم علموا أنها محنة وستزول كما تعلمون أنكم‬
‫اآلن في نعمة وستزول فهم في الجنان وانتم إن لم تتوبوا ففي النيران ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على اآلخرة‪.‬‬

‫توضيح لمسالة ضوابط التكفير(‪)1‬‬

‫أن هللا فرق بين أصل األصول وهو التوحيد أو ما يسميه بعض العلماء باإليمان العام الذي يصير اإلنسان به مسلما ً ابتداء من قبل‬
‫حتى أن يعرف شرائع الدين والذي هو مطلوب من كل البشر بال استثناء عوامهم وعلمائهم وأنبياءهم ال فرق فيه بينهم بل وحتى‬
‫بينهم وبين الجن ولهذا خلق هللا األرض وأرسل الرسل وأنزل الكتب حتى يعبد هللا وحده ال شريك له ولهذا قال هللا تعالى منبها على‬
‫س أَلَ ْم يَأْتِ ُك ْم ُر ُ‬
‫س ٌل ِم ْن ُك ْم‬ ‫ُون} [الذاريات‪.]56 :‬وقال أيضا ً تبارك وتعالى ‪{ :‬يَا َم ْعش ََر ال ِجنِّ َوا ِإل ْن ِ‬ ‫س إِاَّل لِيَ ْعبُد ِ‬ ‫الجنَّ َوا ِإل ْن َ‬ ‫ذلك ‪َ { :‬و َما َخلَ ْقتُ ِ‬
‫س ِه ْم أَنَّ ُه ْم كَانُوا‬‫ش ِهدُوا َعلَى أَ ْنفُ ِ‬ ‫ش ِه ْدنَا َعلَى أَ ْنفُ ِ‬
‫سنَا َو َغ َّر ْت ُه ُم َ‬
‫الحيَاةُ ال ُّد ْنيَا َو َ‬ ‫صونَ َعلَ ْي ُك ْم آَيَاتِي َويُ ْن ِذ ُرونَ ُك ْم لِقَا َء يَ ْو ِم ُك ْم َه َذا قَالُوا َ‬
‫يَقُ ُّ‬
‫كَافِ ِرينَ } [األنعام‪]130:‬‬

‫ونقول‪ :‬أن هللا فرق بين التوحيد وبين أصول الدين األخرى التي لو مات اإلنسان قبل معرفتها والعمل بها لكان مؤمنا ً على ما وصله‬
‫من التوحيد ومن أهل الجنة‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس فإن الفرق بين التوحيد وبين شرائع الدين واضح جلي لكل من عرف معنى اإلسالم وافراد هللا بالعبادة ولهذا قال‬
‫هللا تعالى في كتابه العزيز ‪{ :‬إِنَّ هللاَ اَل يَ ْغفِ ُر أَنْ يُش َْركَ بِ ِه َويَ ْغفِ ُر َما دُونَ َذلِ َك لِ َمنْ يَشَا ُء َو َمنْ يُ ْ‬
‫ش ِركْ بِاهللِ فَقَ ِد ا ْفتَ َرى إِ ْث ًما َع ِظي ًما}‬
‫[النساء‪]48:‬‬

‫ضاَل اًل بَ ِعيدًا} [النساء‪]116:‬‬


‫ض َّل َ‬ ‫وقال تعالى ‪{ :‬إِنَّ هللاَ اَل يَ ْغفِ ُر أَنْ يُش َْركَ بِ ِه َويَ ْغفِ ُر َما دُونَ َذلِ َك لِ َمنْ يَشَا ُء َو َمنْ يُ ْ‬
‫ش ِركْ بِاهللِ فَقَ ْد َ‬

‫وهذا التوحيد يشمل توحيد الربوبية واثبات مايليق بها من صفات الكمال وضده التعطيل وتوحيد االلهية وافراد هللا بالعبادة وضده‬
‫الشرك باهلل‪.‬‬

‫قال بن القيم فى اجتماع الجيوش اإلسالمية[ جزء ‪ - 1‬صفحة ‪: ] 43‬‬

‫‪99‬‬
‫ومالك السعادة والنجاة والفوز بتحقيق التوحيدين اللذين عليهما مدار كتاب هللا تعالى وبتحقيقهما بعث هللا سبحانه وتعالى رسوله‬
‫واليهما دعت الرسل صلوات هللا وسالمه عليهم من أولهم إلى آخرهم‬

‫أحدهما التوحيد العلمي الخبري االعتقادي المتضمن إثبات صفات الكمال هلل تعالى وتنزيهه فيها عن التشبيه والتمثيل وتنزيهه عن‬
‫صفات النقص‬

‫والتوحيد الثاني عبادته وحده ال شريك له وتجريد محبته واالخالص له وخوفه ورجاؤه والتوكل عليه والرضى به ربا وإالها ووليا‬
‫وأن ال يجعل له عدال في شيء من األشياء)انتهى ‪..‬‬

‫وقال بن القيم فى إجتماع الجيوش اإلسالمية على غزو المعطلة والجهمية‪ [:‬ج ‪ - 1‬صفحة ‪:] 43‬‬

‫فالتوحيد العلمي الخبري له ضدان التعطيل والتشبيه والتمثيل فمن نفى صفات الرب عز وجل وعطلها كذب تعطيله توحيده ومن‬
‫شبهه بخلقه ومثله بهم كذب تشبيهه وتمثيله توحيده والتوحيد االداري العملي له ضدان االعراض عن محبته واالنابة اليه والتوكل‬
‫عليه واالشراك به في ذلك واتخاذ أوليائه شفعاء من دونه وقد جمع سبحانه وتعالى بين التوحيدين في غير موضع من‬
‫القرآن))انتهى‪.‬‬

‫ففرق هللا في كتابه بين التوحيد وناقضه الذي هو الشرك والتعطيل وبين ما هو دونه من سائر الأوامر والنواهي ‪ ,‬وهذا هو الذي‬
‫بعث هللا به أنبيائه جميعا ً وأمرهم أن يدعوا أقوامهم إليه ولم يكن قد أمرهم حينها بمعرفةصفاته وأسمائه الخبرية التى اخبر بها‬
‫الرسول الكريم وال بالصالة المتعارف عليها عند المسلمين اآلن وال حج وال صوم وال زكاة ‪.‬‬

‫جاء فى كتاب درء التعارض‪ [ :‬جزء ‪ - 4‬صفحة ‪] 73‬‬

‫كما ذكر الشهرستاني في كتابه المعروف بنهاية اإلقدام في قاعدة التعطيل قال ‪( :‬قد قيل ‪ :‬إن التعطيل ينصرف إلى وجوه شتى ‪ :‬منها‬
‫‪ :‬تعطيل الصنع عن الصانع ومنها ‪ :‬تعطيل الصانع عن الصنع ومنها ‪ :‬تعطيل الباري عن الصفات األزلية الذاتية ومنها تعطيل‬
‫الباري عن الصفات األزلية القائمة بذاته ومنها ‪ :‬تعطيل الباري عن الصفات واألسماء أزال ومنها ‪ :‬تعطيل ظواهر الكتاب والسنة عن‬
‫المعاني التي دلت عليه‬

‫(‪ )1‬للمنتصر باهلل الشرقاوي‬

‫قال بن تيميه فى مجموع الفتاوى[ جزء ‪ - 6‬صفحة ‪:] 83‬‬

‫ولهذا كانت القرامطة الباطنية من اعظم الناس شركا وعبادة لغير هللا اذ كانوا ال يعتقدون فى الههم انه يسمع او يبصر او يغنى عنهم‬
‫شيئا وهللا سبحانه لم يذكر هذه النصوص لمجرد تقرير صفات الكمال له بل ذكرها لبيان انه المستحق للعبادة دون ما سواه فأفاد‬
‫االصلين اللذين بهما يتم التوحيد وهما اثبات صفات الكمال ردا على اهل التعطيل وبيان انه المستحق للعبادة ال اله اال هو ردا على‬
‫المشركين والشرك فى العالم اكثر من التعطيل وال يلزم من اثبات التوحيد المنافى لالشراك ابطال قول اهل التعطيل وال يلزم من مجرد‬
‫االثبات المبطل لقول المعطلة الرد على المشركين اال ببيان اخروالقرآن يذكر فيه الرد على المعطلة تارة كالرد على فرعون وامثاله‬
‫ويذكر فيه الرد على المشركين وهذا اكثر الن القرآن شفاء لما فى الصدور ومرض االشراك اكثر فى الناس من مرض‬
‫التعطيل))انتهى‬

‫هذا هو أصل دين اإلسالم الذي بعث هللا به رسله وهو عبادة هللا وحده ال شريك له المستحق لصفات الكمال واجتناب عبادة غيره من‬
‫األلهة الباطلة التي ما أنزل هللا بها من سلطان ‪.‬‬

‫قال هللا تعالى‪ { :‬ولقد بعثنا في كل أمة رسوال أن اعبدوا هللا واجتنبوا الطاغوت}‬

‫قال بن تيمية ‪ :‬في مجموع الفتاوى [ جزء ‪ - 3‬صفحة ‪:] 397‬‬

‫وعبادة هللا وحده هي أصل الدين وهو التوحيد الذي بعث هللا به الرسل وأنزل به الكتب فقال تعالى ‪ { :‬واسأل من أرسلنا من قبلك من‬
‫رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون} ‪.‬وقال تعالى‪{ :‬ولقد بعثنا في كل أمة رسوالً أن أعبدوا هللا واجتنبوا الطاغوت}‪ .‬انتهى‬

‫وقال ‪ :‬في مجموع الفتاوى [ جزء ‪ - 3‬صفحة ‪] 364‬‬

‫فاألول مثل أصول اإليمان وأعالها وأفضلها هو التوحيد وهو شهادة أن ال إله إال هللا كما قال تعالى ‪{ :‬وما أرسلنا من قبلك من رسول‬
‫إال نوحي إليه أنه ال إله إال أنا فاعبدون} وقال تعالى ‪{ :‬ولقد بعثنا في كل أمة رسوالً أن اعبدوا هللا واجتنبوا الطاغوت} ‪ .‬انتهى‬

‫‪100‬‬
‫وقال ‪ :‬في مجموع الفتاوى ‪[ :‬جزء ‪ - 2‬صفحة ‪]255‬‬

‫وذلك أنه علم بالإ ضطرار أن الرسل كانوا يجعلون ما عبده المشركون غير هللا ويجعلون عابده عابداً لغير هللا مشركا ً باهلل عادالً به‬
‫جاعال له نداً ‪ ،‬فانهم دعوا الخلق إلى عبادة هللا وحده ال شريك له وهذا هو دين هللا الذي أنزل به كتبه وأرسل به رسله وهو الإسالم‬ ‫ً‬
‫العام الذي ال يقبل هللا من الأولين واآلخرين غيره وال يغفر لمن تركه بعد بالغ الرسالة) انتهى‬

‫وقال أيضا ً ‪ :‬في مجموع الفتاوى‬

‫ووصفا بتنوع‬
‫ً‬ ‫ومما يتصل به أن يعرف أ ن اإليمان هو من األسماء الكتابية القرآنية النبوية الدينية الشرعية فيتنوع مسماها قدراً‬
‫الكتب الأ لهية فمنه ما هو متفق عليه بين جميع المؤمنين من األولين واآلخرين وجميع الكتب الألهية مثل الإقرار باهلل واليوم اآلخر‬
‫وعبادة هللا وحده ال شريك له والصدق والعدل وأعلم أ ن عامة السور المكية التي أنزلها هللا بمكةهي في هذا اإليمان العام المشترك‬
‫ووصفا فإن ما جاء به محمد من أسماء‬‫ً‬ ‫قدرا‬
‫ً‬ ‫بين األنبياء جميعهم والمؤمنين جميعهم وهذا القدر المشترك هو في بعض الملل أعظم‬
‫هللا وصفاته ووصف اليوم اآلخر أ كمل مما جاء به سائر األنبياءومنه ما تختلف فيه الشرائع والمناهج كالقبلة والمنسك ومقادير‬
‫العبادات وأوقاتها وصفاتها والسنن واألحكام وغير ذلك فمسمى اإليمان والدين في أول الإسالم ليس هو مسماه في آخر زمان النبوة‬
‫بل مسماه في اآلخر أكمل كما قال تعالى ‪{ :‬اليوم اكملت لكم دينكم} وقال في السورة ‪{ :‬ومن يكفر باإليمان فقد حبط عمله} ولهذا‬
‫ناقصا فجعل يتم‬
‫ً‬ ‫قال الإمام أحمد كان بدء اإليمان في أول الإسالم‬

‫وهكذا مسمى اإليمان والدين قد شرع في حق األشخاص بحسب ما أمر هللا به كال منهم وبحسب ما فعله مما أمر هللا به ولهذا كان‬
‫المؤمنون من األولين واآلخرين من الذين هادوا والنصارى والصابئين والمؤمنين من أمة محمد مشتركين في اإليمان باهلل واليوم‬
‫اآلخر والعمل الصالح كما دل عليه القرآن) انتهى كالمه عليه رحمة هللا‬

‫ونختصره لتوضيحه ألنه مهم في توضيح ما نحن فيه فهو يقول‬

‫ووصفا بتنوع الكتب اإللهية‪.‬‬


‫ً‬ ‫أوالً ‪ -‬أ ن اإليمان هو من األسماء الكتابية القرآنية النبوية الدينية الشرعية فيتنوع مسماها قدراً‬

‫ثانيا ً ‪ -‬فمنه ما هو متفق عليه بين جميع المؤمنين من األولين واآلخرين وجميع الكتب الإلهية مثل الإقرار باهلل واليوم اآلخر وعبادة‬
‫هللا وحده ال شريك له والصدق والعدل وأعلم أ ن عامة السور المكية التي أنزلها هللا بمكةهي في هذا اإليمان العام المشترك بين‬
‫األنبياء جميعهم والمؤمنين جميعهم)) ‪.‬‬

‫ثالثا ً ‪ -‬ومنه ما تختلف فيه الشرائع والمناهج كالقبلة والمنسك ومقادير العبادات وأوقاتها وصفاتها والسنن واألحكام وغير ذلك‬
‫فمسمى اإليمان والدين في أول الإسالم ليس هو مسماه في آخر زمان النبوة)‪.‬‬

‫ونقول بعدها‪ :‬أن األدلة على هذا األصل وهو التوحيد ووجوبه على كل الخالئق أكثر من أن تحصى فقد قال هللا تعالى موضح أنه ما‬
‫أرسل الرسل إلى األمم جميعا ً إال لعبادته‬

‫فقال تعالى ‪{ :‬ولقد بعثنا في كل أمة رسوالً أن أعبدوا هللا واجتنبوا الطاغوت}وخاطب األنبياء بنفس ما خاطب به الخلق جميعا ً عند‬
‫كالمه عن التوحيد‬

‫فقال تعالى ‪ {:‬وما أرسلنا من قبلك من رسول إال نوحي إليه أنه ال إله إال أنا فاعبدون}‬

‫وهذه الحقيقه التي ذكرناها تجدها واضحة جلية في كتابات أهل العلم من السلف الصالح ولهذا ال تجد في أي من كتاباتهم عذر‬
‫بالجهل أو بالتأويل في هذا األصل الذي عليه يبني كل دين اإلسالم وال دين يرجى من اإلنسان بدونه وهذا ما ستراه جليا ً إن شاء هللا‬
‫فيما سنذكره من كتاباتهم ‪.‬‬

‫وأما ما كان دون التوحيد من أصول الدين األخرى فهذا أيضا ً ال عذر فيه وال تأويل إذ أنه من المعلوم من الدين بالضرورة كصفات‬
‫هللا تعالى التى تعلم بالشرع وجاء بها القران الكريم وكالصالة والزكاة والصيام والحج وتحريم المحرمات مثل الزنا والربا وما إلى‬
‫ذلك من واجبات ومحرمات الدين ولكن قد يدخله في حاالت معينة بعض الموانع وبضوابط حددها أهل العلم بأدلتها الشرعية‬
‫الواضحة ومتى لم تتوفر هذه الضوابط فإن من جحد أو أنكر هذه األصول أو إدعى عدم العلم بها أو تأويلها فيكفر إذا لم تثبت هذه‬
‫الضوابط في حقه وسنذكر هذا مفصالً من كالم أهل العلم ‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫وبعد هذه األصول تأتي المسائل الخفية وهي خاضعة أيضا ً للضوابط والموانع التي سنذكرها ولكنها كثيراً ما تخفى على أغلب الناس‬
‫فاألمر فيها أوسع وأيسر لغلبة الجهل بها ‪.‬‬

‫ثم المسائل التي ال يوجد فيها دليل قطعي وهذه أمور اجتهادية ال يكفر بها وفيها يختلف العلماء ويعمل كل منهم بما ترجح عنده وبما‬
‫غلب على ظنه أنه الحق ‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس يمكننا أن نلخص ما ذكرناه إلى أربعة مواضع بالنسبة إلى مواضع عمل قاعدة موانع التكفير مع التذكير بما‬
‫قلناه سابقا ً من أن كالمنا على المكلف وهو اإلنسان البالغ العاقل المختار القاصد لفعله ‪.‬‬

‫‪ - 1‬أصل األصول وهو توحيد هللا تعالى واثبات صفات الكمال له وتنزيهه عن النقائص وافراده بالعبادة واجتناب الشرك األكبر وهذا‬
‫ال يدخله أي مانع من الموانع إال اإلكراه ألنه ال عذر ألحد في أن يشرك باهلل ولهذا فإن من ارتكب شرك صريحا ً من المكلفين او‬
‫نسب الى هللا عز وجل النقص صراحة فهذا ال يعذر بجهله وال بتأويله وخالف العلماء في من لم يصله رسول إنما يتعلق بعذابه في‬
‫الدارين وسنوضح معنى هذا األمر لحقا ً ومعنى عدم تكفيره الذي قد يطلقه العلماء أحيانا عدم تكفيره التكفير الذي يستوجب قتله في‬
‫الدنيا والحكم بعذابه في اآلخرة وأنه مخلد في النار وال عالقة له بتسميته باسمه الشرعي وهو أنه مشرك باهلل من أي وجه وألن‬
‫العلماء غالبا ً ما يذكرونه في أثناء كالمهم عن أهل الفترات فال يعقل أنهم ال يقصدون بأنهم أشركوا باهلل وأن حكمهم حكم المشركين‬
‫لكن ال يقتلون في الدنيا وال يعذبون في اآلخرة إال اذا جاءهم رسول أو بلغتهم نذارة الرسل وهذا مقتضى رحمة هللا بهم ‪.‬‬

‫وقال بن تيمية ‪ :‬في مجموع الفتاوى [ جزء ‪ - 1‬صفحة ‪:] 52‬‬

‫موحدا ومن توحيد هللا وعبادته التوكل عليه‬


‫ً‬ ‫فالتوحيد ضد الشرك فإذا قام العبد بالتوحيد الذي هو حق هللا فعبده ال يشرك به شيئا ً كان‬
‫والرجاء له والخوف منه فهذا يخلص به العبد من الشرك) انتهى‬

‫قال الشيخ عبد اللطبف آل الشيخ ‪( :‬من فعل الشرك فقد ترك التوحيد فإنهما ضدان ال يجتمعان ونقيضان ال يجتمعان وال يرتفعان)‬
‫منهاج التأسيس ص‪6‬‬

‫قال العالمة إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في رسالته "ومسألتنا هذه وهي ‪ :‬عبادة هللا وحده ال شريك له ‪ ،‬والبراءة من‬
‫عبادة ما سواه وأن من عبد مع هللا غيره فقد أشرك الشرك األكبر الذي ينقل عن الملة ‪ ،‬هي ‪ :‬أصل األصول وبها أرسل هللا الرسل‬
‫وأنزل الكتب ‪ ،‬وقامت على الناس الحجة بالرسول وبالقرآن ‪ ،‬وهكذا تجد الجواب من أئمة الدين في ذلك األصل عند تكفير من أشرك‬
‫باهلل ‪ ،‬فإنه يستتاب فإن تاب وإال قتل ‪ ،‬ال يذكرون التعريف في مسائل األصول ‪ ،‬إنما يذكرون التعريف في المسائل الخفية التي قد‬
‫يخفى دليلها على بعض المسلمين ‪ ،‬كمسائل نازع بها بعض أهل البدع كالقدرية والمرجئة أو في مسألة خفية كالصرف والعطف‬
‫‪.‬وكيف يعرفون عباد القبور و هم ليسوا بمسلمين ‪ ،‬وال يدخلون في مسمى اإلسالم وهل يبقى مع الشرك عمل ؟! وهللا تعالى يقول ‪:‬‬
‫ش ِركْ بِاهَّلل ِ فَكَأَنَّ َما َخ َّر ِمنْ ال َّ‬
‫س َما ِء فَت َْخطَفُهُ الطَّ ْي ُر أو تَ ْه ِوي‬ ‫{ َواَل يَد ُْخلُونَ ا ْل َجنَّةَ َحتَّى يَلِ َج ا ْل َج َم ُل فِي َ‬
‫س ِّم ا ْل ِخيَ ِ‬
‫اط}(األعراف ‪َ { )40:‬و َمنْ يُ ْ‬
‫يق} (الحج ‪{ )31:‬إِنَّ هَّللا َ اَل يَ ْغفِ ُر أَنْ يُش َْر َك بِ ِه} (النساء ‪ . )48:‬إلى غير ذلك من اآليات ‪.‬‬ ‫س ِح ٍ‬ ‫يح فِي َمكَا ٍن َ‬ ‫الر ُ‬ ‫بِ ِه ِّ‬

‫ولكن هذا المعتقد (ويقصد الشيخ عدم تكفير من فعل الشرك األكبر في زمانه قبل قيام الحجة) يلزم منه معتقد قبيح ‪ ،‬وهو أن الحجة‬
‫لم تقم على هذه األمة بالرسول والقرآن ‪ ،‬نعوذ باهلل من سوء الفهم الذي أوجب لهم نسيان الكتاب والرسول ‪ ،‬بل أهل الفترة الذين لم‬
‫تبلغهم الرسالة والقرآن وماتوا على الجاهلية ال يسمون مسلمين باإلجماع ‪ ،‬وال يستغفر لهم وإنما اختلف أهل العلم في تعذيبهم في‬
‫اآلخرة) انتهى كالمه عليه رحمة هللا حكم تكفير المعين" والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة ‪ .‬الرسالة السادسة من كتاب‪ " .‬عقيدة‬
‫الموحدين والرد على الضالل المبتدعين ‪( ".‬ص ‪: ) 151 : 150‬‬

‫جاء في رساله للشيخ عبد هللا بن أبى بطين بعنوان حكم تكفير المعين قال فيها ‪ - :‬وأما ما سئلت عنه ؛ من أنه هل يجوز تعيين‬
‫إنسان بعينه بالكفر إذا ارتكب شيئا ً من المكفرات ؟‬

‫فاألمر الذي دل الكتاب والسنة وإجماع العلماء عليه أنه كفر مثل الشرك بعبادة غـير هللا سبحانه ‪ ،‬فمن ارتكب شيئا ً من هذا النوع أو‬
‫سنه فهذا ال شك في كفره وال بأس بمن تحققت منه شيئا ً من ذلك أن تقول كفر فالن بهذا الفعل ‪.‬‬ ‫ح ّ‬

‫يبين هذا أن الفقهاء يذكرون في باب حكم المرتد أشياء كثيرة يصير بها المسلم مرتداً كافراً ‪ ،‬ويستفتحون هذا الباب بقولهم ‪( :‬من‬
‫أشرك باهلل كفر وحكمه أن يستتاب فإن تاب وإال قتل) ‪ ،‬والإستتابة إنما تكون مع معين ‪ ،‬ولما قال بعض أهل البدع عند الشافعي ‪:‬‬
‫(أن القرآن مخلوق) ‪ ،‬قال ‪( :‬كفرت باهلل العظيم)‬

‫وكالم العلماء في تكفير المعين كثير ‪.‬‬

‫وأعظم أنواع الكفر الشرك بعبادة غير هللا ‪ ،‬وهو كفر بإجماع المسلمين‬

‫‪102‬‬
‫وال مانع من تكفير من اتصف بذلك ‪ ،‬كما أن من زنى قيل فالن زان ومن رابى قيل فالن مراب ‪ .‬وهللا أعلم‪ . )....‬انتهى‬

‫‪ - 2‬أصول الدين األخرى المعلومة من الدين بالضرورة كصفات هللا تعالى الخبريه والتى جاء بها القران وجاء بها رسوله الكريم‬
‫صلى هللا عليه وسلم وكالصالة والزكاة والصيام والحج وتحريم المحرمات مثل الزنا والربا وما إلى ذلك من واجبات ومحرمات الدين‬
‫المعلومة فهذه تدخلها قاعدة التحقق من موانع التكفير وبضوابط حددها أهل العلم وذكروا أدلتها الشرعية وعبارتهم فيها مشهورة‬
‫جداً مثل ‪( :‬حديث عهد باسالم)(اذا كان مثله يجهلها)(نشأ ببادية بعيده)(أسلم في دار الحرب) وماشابهه ‪.‬‬

‫وعلى العكس كفروا كل من لم تقم به هذه الموانع وعباراتهم فيها أيضا ً مشهورة منها ‪( :‬إذا كان بين أظهر المسلمين) (إذا كان في‬
‫ديار اإلسالم)‬

‫(إذا كان مثله ال يجهلها) ‪.‬‬

‫ولهذا يجب أن تقام الحجة على من جحد أو تأول شيئا ً منها قبل تكفيره كما فعل الصحابة مع قدامة بن مظعون‬

‫ويقول بن تيمية ‪ :‬في مجموع الفتاوى [جزء ‪ - 7‬صفحة ‪: ]619‬‬

‫كفرا كمقاالت الجهمية الذين قالوا إن هللا ال يتكلم وال يرى في اآلخرة ولكن قد يخفي على بعض‬
‫ً‬ ‫والتحقيق في هذا أن القول قد يكون‬
‫الناس أنه كفر فيطلق القول بتكفير القائل كما قال السلف من قال القرآن مخلوق فهو كافر ومن قال أن هللا ال يرى في اآلخرة فهو‬
‫كافر وال يكفر الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجة كما تقدم كمن جحد وجوب الصالة والزكاة واستحل الخمر والزنا وتأول فإن‬
‫ظهور تلك األحكام بين المسلمين أعظم من ظهور هذه فإذا كان المتأول المخطيء في تلك ال يحكم بكفره إال بعد البيان له وإستتابته‬

‫كما فعل الصحابة في الطائفة الذين إستحلوا الخمر ففي غير ذلك أولى وأحرى) انتهى‬

‫وقد يقول قائال حسبك توقف قليال فان بن تيميه ذكر فى هذا النقل السابق ان من الناس من يقول ان هللا اليتكلم وهذا نفى لصفة من‬
‫صفات الكمال المتعلقة بالذات ومع هذا قال انه اليكفر اال بعد اقامة الحجه فنقول له ان الخالف حقيقة ليس على صفات الكمال فان‬
‫المسلمين متفقين على اثباتها ولكن الخالف فى هل النقص اثبات هذه الصفات ام نفيها فمنهم من يقول ان اثباتها هو مايليق بذات هللا‬
‫ومنهم من ينفيها ويقول ان النقص هو اثباتها وقس على هذا الكالم من تكلم فى موضوع صفة الكالم هلل سبحانه وتعالى‬

‫يقول بن تيميه فى منهاج السنة النبوية[ جزء ‪ - 2‬صفحة ‪] 563‬‬

‫ومما يبين األمر في ذلك أن المسلمين متفقون على تنزيه هللا تعالى عن العيوب والنقائص وأنه متصف بصفات الكمال لكن قد‬
‫ينازعون في بعض األمور هل النقص إثباتها أو نفيها وفي طريق العلم بذلك)انتهى‬

‫ولعل هذا النقل القادم يوضح لك اكثر ماكان عليه الجهمية مثال ومن انهم كانوا الينفون قدرة هللا وال علمه ولكنهم يجعلونها مخلوقة‬
‫فى غيره‬

‫مجموع الفتاوى[ جزء ‪ - 2‬صفحة ‪] 352‬‬

‫فلهذا ال يطلق أحدهما اال مقرونا ببيان المراد لئال يقول المبتدع اذا كانت صفة هللا غيره فكل ما كان غير هللا فهو مخلوق فيتوسل‬
‫بذلك الى أن يجعل علم هللا وقدرته وكالمه ليس هو صفة قائمة به بل مخلوقة فى غيره فإن هذا فيه من تعطيل صفات الخالق وجحد‬
‫كماله ما هو من أعظم اإللحاد وهو قول الجهمية الذين كفرهم السلف واألئمة تكفيرا مطلقا وان كان الواحد المعين ال يكفر اال بعد‬
‫قيام الحجة التى يكفر تاركها))‪.‬انتهى‬

‫‪ -3‬المسائل الخفية ويدخلها أيضا ً بطريق األولى قاعدة موانع التكفير ألنها مما يخفى غالبا ً على كثير من الناس ‪.‬‬

‫قال القرافي في (الفروق) ‪( :‬وال يعتقد أن جاحد ما أجمع عليه يكفر على اإلطالق ‪ ،‬بل ال بد أن يكون المجمع عليه مشتهراً في الدين‬
‫خواص الفقهاء ‪ ،‬فجح ُد مثل هذه المسائل التي يخفى‬
‫ّ‬ ‫حتى صار ضروريا ً ‪ ،‬فكم من المسائل المجمع عليها إجماعا ً ال يعلمه إال‬
‫اإلجماع فيها ليس كفراً) ا‪.‬هـ (‪.)4/117‬‬

‫‪ - 4‬المسائل اإلجتهادية وهي مجال عمل المجتهدين وهي قائمة على الترجيح بين األدلة الشرعية الظنية وفيها يعمل كل مجتهداً بما‬
‫وصل إليه اجتهاده وال تكفير فيها‬

‫‪103‬‬
‫قاعدة بن تيمية في تكفير المعين أو كما يسميها البعض‬

‫قاعدة شروط وموانع التكفير‬

‫قال اإلمام الجليل بن تيمية عليه رحمة هللا في مجموع الفتاوى [جزء ‪ - 12‬صفحة ‪:]494‬‬

‫فمن كان قد آمن باهلل ورسوله ولم يعلم بعض ما جاء به الرسول فلم يؤمن به تفصيالً إما أنه لم يسمعه أو سمعه من طريق ال يجب‬
‫التصديق بها أو اعتقد معنى آخر لنوع من التأويل الذي يعذر به فهذا قد جعل فيه من اإليمان باهلل وبرسوله ما يوجب أن يثيبه هللا‬
‫عليه وما لم يؤمن به فلم تقم عليه به الحجة التي يكفر مخالفها) انتهى كالمه ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬هذه هي قاعدة التكفير التي تكلم عليها بن تيمية رحمة هللا عليه في فتاويه وذكرها أكثر من مرة في مواقع مختلفه سنذكر‬
‫بعضها الحقا ً إن شاء هللا ولنلقي عليها نظرة ونفككها حتى نعرف كيف نطبقها على المعين وعلى أي أساس يبني استعمال هذه‬
‫القاعدة أوالً وهذا هو أهم شيء ‪.‬‬

‫يقول بن تيمية عليه رحمة هللا‪:‬‬

‫‪( -1‬فمن كان قد آمن باهلل ورسوله)‬

‫‪(-2‬ولم يعلم بعض ما جاء به الرسول فلم يؤمن به تفصيالً)‬

‫أ‪( -‬إما أنه لم يسمعه)‬

‫ب‪( -‬أو سمعه من طريق ال يجب التصديق بها)‬

‫ج‪( -‬أو اعتقد معنى آخر لنوع من التأويل الذي يعذر به)‬

‫‪( -3‬وما لم يؤمن به فلم تقم عليه به الحجة التي يكفر مخالفها) ‪.‬‬

‫نقول وباهلل التوفيق ‪ :‬أن أول شرط فيمن تستعمل في حقه هذه القاعدة أن يكون قد آمن باهلل واإليمان باهلل كما ذكر بن تيمية في‬
‫مجموع الفتاوى [جزء ‪ - 7‬صفحة ‪]232‬‬

‫ولو آمن الرجل باهلل وبالرسول باطنا ً وظاهراً ثم مات قبل أن يعرف شرائع الدين مات مؤمنا ً بما وجب عليه من اإليمان وليس ما‬
‫وجب عليه وال ما وقع عنه مثل إيمان من عرف الشرائع فآمن بها وعمل بها بل ايمان هذا أكمل وجوبا ً ووقوعا ً فإن ما وجب عليه‬
‫من اإليمان أكمل وما وقع منه أكمل) انتهى‬

‫هذا هو اإليمان الذي يقصده بن تيمية رجل آمن باهلل ولم يعرف الشرائع بمعنى أنه لم يعرف أن هناك صالة وأن هناك زكاة وأن هناك‬
‫حج وصوم وباألولى فهو ال يعرف األمور األخرى التي هي أقل من هذه األمور المعلومة عند المسلمين بالضرورة ‪ ,‬إذاً فهذا اإليمان‬
‫ال عالقة له بكل ما جاء في شريعة محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وهذا يعنى أن هذا اإليمان الذي يقصده بن تيمية سابقا ً لهذه األمور‬
‫ومقدما ً عليها ومع أن الرجل لم يعلم بها إال أنه مات مؤمنا ً وهذا هو التوحيد الذي نقصده العالقة له ابتداء بشرائع الدين ولو أنه ال‬
‫يتم إال باالتيان بها بعد معرفتها لكن إذا لم يعلم اإلنسان بأن الرسول جاء بها ونقصد الشرائع ومات موحداً فهو مؤمنا ً عند هللا ومن‬
‫أهل الجنة وهذه هي حقيقة ما ندعوا إليه وهي كلمة ال إله إال هللا‬

‫قال ‪ :‬في مجموع الفتاوى [جزء ‪ - 2‬صفحة ‪: ]255‬‬

‫وذلك أنه علم باإلضطرار أن الرسل كانوا يجعلون ما عبده المشركون غير هللا ويجعلون عابده عابداً لغير هللا مشركا ً باهلل عادالً به‬
‫جاعالً له نداً فإنهم دعوا الخلق إلى عبادة هللا وحده ال شريك له وهذا هو دين هللا الذي أنزل به كتبه وأرسل به رسله وهو اإلسالم‬
‫العام الذي ال يقبل هللا من األولين واآلخرين غيره وال يغفر لمن تركه بعد بالغ الرسالة‬

‫كما قال ‪{ :‬إن هللا ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وهو الفارق بين أهل الجنة وأهل النار والسعداء واألشقياء كما‬
‫قال النبى صلى هللا عليه وسلم ‪" :‬من كان آخر كالمه ال إله إال هللا وجبت له الجنة" ‪ ،‬وقال ‪" :‬من مات وهو يعلم أن ال إله إال هللا‬
‫وجبت له الجنة" ‪ ،‬وقال ‪" :‬إنى ألعلم كلمة ال يقولها عبد عند الموت إال وجد روحه لها روحا ً وهي رأس الدين" ‪ ،‬وكما قال ‪:‬‬
‫"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال إله اال هللا وأنى رسول هللا فإذا قالوها عصموا منى دمائهم وأموالهم إال بحقها وحسابهم‬
‫على هللا" وفضائل هذه الكلمة وحقائقها وموقعها من الدين فوق ما يصفه الواصفون ويعرفه العارفون وهي حقيقة األمر كله كما قال‬

‫‪104‬‬
‫تعالى ‪{ :‬وما أرسلنا من قبلك من رسول إال نوحى إليه أنه ال إله إال أنا فاعبدون} فأخبر سبحانه أنه يوحى إلى كل رسول بنفي‬
‫االلوهية عما سواه وإثباتها له وحده))‪.‬‬

‫وقال ‪ :‬في مجموع الفتاوى [جزء ‪ - 3‬صفحة ‪:]364‬‬

‫منه ما هو متفق عليه بين جميع المؤمنين من األولين واآلخرين وجميع الكتب االلهية مثل اإلقرار باهلل واليوم اآلخر وعبادة هللا‬
‫وحده ال شريك له والصدق والعدل وعامة السور المكية التي أنزلها هللا بمكة هي في هذا اإليمان العام المشترك بين األنبياء جميعهم‬
‫والمؤمنين جميعهم ومنه ما تختلف فيه الشرائع والمناهج كالقبلة والمنسك ومقادير العبادات وأوقاتها وصفاتها والسنن واألحكام‬
‫وغير ذلك فمسمى اإليمان والدين في أول اإلسالم ليس هو مسماه في آخر زمان النبوة))‪.‬‬

‫[جزء ‪ - 2‬صفحة ‪: ]262‬‬ ‫وقال ‪ :‬في الجواب الصحيح‬

‫واإلسالم هو أن يستسلم العبد هلل وحده فيعبده وحده بما أمره به فمن استسلم له ولغيره كان مشركا ً وهللا ال يغفر أن يشرك به))‬
‫انتهى‬

‫وعلى هذا األساس فإن من قصده بن تيمية في بداية حديثه عند قوله (فمن كان آمن باهلل) فهو وبدون شك المسلم الموحد الذي لم‬
‫يرتكب شركا ً صريحا ً والمقصود أن الكالم على التوحيد هو كالم سابق للكالم على شرائع الدين وبالتالى ال يمكن أن يستدل على عدم‬
‫وقوع اإلنسان في الشرك بقول أنه يصلي أو أنه حاج لبيت هللا أو أنه متصدق أو تقي أو ما إلى ذلك ألن أمر التوحيد مقدما ً على كل‬
‫هذه األمور بل هو حقيقة األمر كله كما وصفه بن تيمية‬

‫قال بن تيمية في مجموع الفتاوى [ جزء ‪ - 1‬صفحة ‪:] 88‬‬

‫إعلم رحمك هللا أن الشرك باهلل أعظم ذنب عصى هللا به قال هللا تعالى ‪{ :‬إن هللا اليغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}‬
‫وفي الصحيحين أنه سئل أي الذنب أعظم قال ‪" :‬أن تجعل هلل نداً وهو خلقك" والند المثل قال تعالى ‪{ :‬فال تجعلوا هلل أنداداً وأنتم‬
‫تعلمون} وقال تعالى ‪{ :‬وجعل هلل أنداداً ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليالً إنك من أصحاب النار}فمن جعل هلل نداً من خلقه فيما‬
‫يستحقه عز وجل من األلهية والربوبية فقد كفر بإجماع األمة) انتهى‬

‫وقال ‪ :‬في مجموع الفتاوى [جزء ‪ - 1‬صفحة ‪:]52‬‬

‫فالتوحيد ضد الشرك فإذا قام العبد بالتوحيد الذي هو حق هللا فعبده ال يشرك به شيئا ً كان موحداً ومن توحيد هللا وعبادته التوكل عليه‬
‫والرجاء له والخوف منه فهذا يخلص به العبد من الشرك) انتهى‬

‫وقال أيضا ً ‪ :‬في مجموع الفتوى [جزء ‪ - 3‬صفحة ‪:]395‬‬

‫فكل من غال في حي أو في رجل صالح كمثل علي رضي هللا عنه أو عدي أو نحوه أو في من يعتقد فيه الصالح كالحالج أو الحاكم‬
‫الذي كان بمصر أو يونس القتي ونحوهم وجعل فيه نوعا ً من اإللهية مثل أن يقول كل رزق ال يرزقنيه الشيخ فالن ما أريده أو يقول‬
‫إذا ذبح شاة باسم سيدي أو يعبده بالسجود له أو لغيره أو يدعوه من دون هللا تعالى مثل أن يقول يا سيدي فالن اغفر لي أو أرحمني‬
‫أو انصرني أو ارزقني أو أغثني أو أجرني أو توكلت عليك أو أنت حسبي أو أنا في حسبك أو نحو هذه األقوال واألفعال التي هي من‬
‫خصائص الربوبية التي ال تصلح إال هلل تعالى فكل هذا شرك وضالل يستتاب صاحبه فإن تاب وإال قتل فإن هللا إنما أرسل الرسل‬
‫وأنزل الكتب لنعبد هللا وحده ال شريك له وال نجعل مع هللا إلها آخر) انتهى كالمه عليه رحمة هللا هذا أول شرط أن يعبد هللا وحده ال‬
‫شريك له وإال فإنه لو ارتكب شركا ً صريحا ً لما دخل أصالً تحت هذا الخطاب ألنه كما هو واضح (لمن آمن باهلل ورسوله) وستعرف‬
‫صدق هذا الكالم عند متابعة نقوالته األخرى ‪.‬‬

‫وعلى هذا فإن من أشرك باهلل ال يدخل في هذه القاعدة التي يذكرها بن تيمية في فتاويه وهذا كما قرره هو بنفسه وأكد عليه‬

‫يقول اإلمام ابن تيمية في معرض كالمه عن من لم يكفرهم اإلمام أحمد من الجهمية في عصره وهذه من أقوى الشبهات التي يستدل‬
‫بها من يحاول أن يقنع الناس بأن تكفير من ارتكب شركا ً صريحا ً ال يكون إال بعد التثبت واجراء شروط وموانع التكفير عليه وهذا‬
‫بين البطالن كما سترى إن شاء هللا ‪.‬‬

‫يقول بن تيمية مبينا ً أن الذين لم يكفرهم اإلمام أحمد إنما كانوا موحدين ولكنهم مخطئون في ما توصلوا إليه من اعتقاد في موضوع‬
‫نفي الصفات((ومعلوم قطعا ً أن كثيراً من هؤالء المخطئين معهم مقدار ما من اإليمان باهلل ورسوله إذ الكالم فيمن يكون كذلك) انتهى‬

‫وأرجو أن تالحظ أيها القاريء قوله ‪( :‬إذ الكالم فيمن يكون كذلك) أي مؤمنا ً باهلل ورسوله‬

‫‪105‬‬
‫يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه هللا‪:‬‬

‫(أجمع العلماء سلفا ً وخلفا ً من الصحابة والتابعين واألئمة وجميع أهل السنة أن المرء ال يكون مسلما ً إال بالتجرد من الشرك األكبر‬
‫والبراءة منه وممن فعله) الدرر السنية‪546 - 545 /11 (:‬‬

‫والشرط الثاني هو أن يكون هذا الشخص المكلف يؤمن إجماالً بما جاء به الرسول وثبت عنده أنه جاء به الرسول‬

‫قال بن تيمية ‪( :‬ولم يعلم بعض ما جاء به الرسول فلم يؤمن به تفصيالً)‬

‫قال الشيخ رحمه هللا ‪ :‬في الفتاوى ‪:‬رداً على سؤال رفع له وهو(ما الذي يجب على المكلف اعتقاده ؟)[‪]329-3/328‬‬

‫(( ‪ ...‬أما قوله ‪( :‬ما الذي يجب على المكلف اعتقاده ؟) فهذا فيه إجمال وتفصيل ‪.‬‬

‫أما اإلجمال فإنه يجب على المكلف أن يؤمن باهلل ورسوله ويقر بجميع ما جاء به الرسول ‪ ،‬من أمر اإليمان باهلل ومالئكته وكتبه‬
‫ورسله واليوم اآلخر ‪ ،‬وما أمر به الرسول ونهي ‪.‬‬

‫بحيث يقر بجميع ما أخبر به وما أمر به ‪ ،‬فال بد من تصديقه فيما أخبر واإلنقياد له فيما أمر ‪.‬‬

‫وأما التفصيل ‪ ..‬فعلى كل مكلف أن يقر بما ثبت عنده من أن الرسول أخبر به وأمر به ‪.‬‬

‫وأما ما أخبر به الرسول ولم يبلغه أنه أخبر به ولم يمكنه العلم بذلك فهو ال يعاقب على ترك اإلقرار به مفصالً وهو داخل في إقراره‬
‫بالمجمل العام ‪.‬‬

‫ثم إن قال خالف ذلك متأوالً كان [ أو ! ] مخطئا يغفر له خطأه إذا لم يحصل منه تفريط وال عدوان) ‪ .‬انتهى‬

‫ثم بعد تحقق هذين الشرطين األساسيين في الشخص المكلف ينظر بعدها هل قامت به موانع تمنع من تكفيره وبمعنى أخر فإنه ال‬
‫تستخدم قاعدة موانع التكفير إال فيما هو دون الشرك وبضوابط محددة هي‬

‫‪ ( 1‬لم يعلم بعض ما جاء به الرسول)‬

‫أي أنه جهل الحكم الشرعي لسبب من األسباب وهذه األسباب هي‬

‫أ‪( -‬إما أنه لم يسمع ما أخبر به الرسول من نهي أو أمر)‬

‫وهذا يدخل تحته [من نشأ ببداية بعيدة] أو كان [حديث عهد بإسالم]‬

‫أو [أسلم في دار الحرب]‬

‫ب ‪( -‬أو سمعه من طريق ال يجب التصديق بها) ‪.‬‬

‫بمعنى أنه شك في صحة الحديث أو الرواية أو في صدق الناقل له ‪.‬‬

‫والسبب األخر لعدم التكفير هو التأويل مع أن العلم الشرعي قد يكون وصل للمكلف وسمعه وتأكد من صحة الحديث أو الرواية لكنه‬

‫‪( 3‬اعتقد معنى آخر لنوع من التأويل الذي يعذر به)‬

‫ويالحظ أنه حدد نوع التأويل المعتبر وهو التأويل الذي يعذر به ونحن نعرف قطعا ً أن تأول عبادة غير هللا باطلة قطعا ً كما ذكر أهل‬
‫العلم‬

‫فهذه الموانع تمنع من تكفير المعين الذي تحققت فيه الشروط التي ذكرناها سابقا ً و بضوابط محددة كما ذكرها أهل العلم وذكرها‬
‫اإلمام بن تيمية في أكثر من موضع‬

‫‪106‬‬
‫قال بن تيمية رحمه هللا في ‪( :‬مجموع الفتاوى) ‪ 609 /7‬ــ ‪:.610‬‬

‫(أما الفرائض األربع فإذا جحد وجوب شيء منها بعد بلوغ الحجة فهو كافر ‪ ،‬وكذلك من جحد تحريم شيء من المحرمات الظاهرة‬
‫الحجة مثل أن يكون حديث عهد باإلسالم أو‬ ‫المتواتر تحريمها كالفواحش والظلم والكذب والخمر ونحو ذلك ‪ .‬وأما من لم تقم عليه ُ‬
‫نشأ ببادية بعيدة لم تبلغه فيها شرائع اإلسالم ونحو ذل ‪ ،‬أو غلط فظن أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يستثنون من تحريم الخمر ‪،‬‬
‫كما غلط في ذلك الذين استتابهم عمر ‪ ،‬وأمثال ذلك‪ .‬فإنهم يستتابون وتقام الحجة عليهم ‪ ،‬فإن أصروا كفروا حينئذ ٍوال يُحكم بكفرهم‬
‫قبل ذلك كما لم يَ حكم الصحابة بكفر قدامة بن مظعون وأصحابه لما غلطوا فيما غلطوا فيه من التأويل) انتهى‬

‫الحظ هداك هللا بداية قوله فقد قال ‪ ( :‬أما الفرائض األربع) وهذه الفرائض األربعة هي إقام الصالة وإيتاء الزكاة وصوم رمصان وحج‬
‫البيت من استطاع إليه سبيال ‪ -‬أي أن كالمه فيما هو دون توحيد هللا ودون الشرك به ألنه لم يذكر شهادة أن ال إله إال هللا ألنه‬
‫ببساطة من لم يحققها فهو ليس مسلما ً وبالتالي ال تطبق عليه قاعدة موانع التكفير وليس هناك مانع يمنع من تكفير من ارتكب‬
‫الشرك اطالقا ً إال اإلكراه كما بينا سابقا ً وقلنا أنه ال خالف فيه‬

‫قال الشيخ رحمه هللا في ‪ :‬الفتاوى [‪:]329-328-3‬‬

‫ولهذا يجب على العلماء من اإلعتقاد ما ال يجب على آحاد العامة ‪.‬ويجب على من نشأ بدار علم وإيمان من ذلك ما ال يجب على من‬
‫نشأ بدار جهل ‪.‬‬

‫وأما ما علم ثبوته بمجرد القياس العقلي دون الرسالة فهذا ال يعاقب إن لم يعتقده) انتهى‬

‫ونوضح هنا رأي بن تيمية فيمن جحد الواجبات الظاهرة وما هو معلوم من الدين بالضرروه كالصلوات الخمس والواجبات المعروفه‬
‫والمحرمات المعروفة ونرى كيف يطبق هنا قاعدة موانع التكفير وال يعمل بها ألنه كما هو معروف أن الجحد يختلف عن الجهل‬
‫ستَ ْيقَنَ ْت َها أَ ْنفُ ُ‬
‫س ُه ْم ظُ ْل ًما َو ُعلُ ّوًا فَا ْنظُ ْر َكيْفَ‬ ‫والتأويل ألن الجحد ال يكون إال بعد المعرفه والتيقن كما قال هللا تعالى ‪َ { :‬و َج َحدُوا بِ َها َوا ْ‬
‫َكانَ عَاقِبَةُ ال ُم ْف ِ‬
‫س ِدينَ } [النمل‪]14:‬‬

‫قال بن تيمية في مجموع الفتاوى [جزء ‪ - 11‬صفحة ‪:]405‬‬

‫وهذا الذي اتفق عليه الصحابة هو متفق عليه بين أئمة اإلسالم ال يتنازعون في ذلك ومن جحد وجوب بعض الواجبات الظاهرة‬
‫المتواترة كالصلوات الخمس وصيام شهر رمضان وحج البيت العتيق أو جحد تحريم بعض المحرمات الظاهرة المتواترة كالفواحش‬
‫والظلم والخمر والميسر والزنا وغير ذلك أو جحد حل بعض المباحات الظاهرة المتواترة كالخبز واللحم والنكاح فهو كافر مرتد‬
‫يستتاب فإن تاب وإال قتل وإن أضمر ذلك كان زنديقا ً منافقا ً ال يستتاب عند أكثر العلماء بل يقتل بال استتابة إذا ظهر ذلك منه)‬

‫وقال في موضع أخر في مجموع الفتاوى [جزء ‪ - 28‬صفحة ‪:]500‬‬

‫وأما تكفيرهم وتخليدهم ففيه أيضا ً للعلماء قوالن مشهوران وهم روايتان عن أحمد والقوالن في الخوارج والمارقين من الحرورية‬
‫والرافضة ونحوهم والصحيح أن هذه األقوال التي يقولونها التي يعلم أنها مخالفة لما جاء به الرسول كفر وكذلك أفعالهم التي هي‬
‫من جنس أفعال الكفار بالمسلمين هي كفر أيضا ً وقد ذكرت دالئل ذلك في غير هذا الموضع لكن تكفير الواحد المعين منهم والحكم‬
‫بتخليده في النار موقوف على ثبوت شروط التكفير وإنتفاء موانعه فإنا نطلق القول بنصوص الوعد والوعيد والتكفير والتفسيق وال‬
‫نحكم للمعين بدخوله في ذلك العام حتى يقوم فيه المقتضى الذي ال معارض له وقد بسطت هذه القاعدة في قاعدة التكفير ‪ ،‬ولهذا لم‬
‫يحكم النبى صلى هللا عليه وسلم بكفر الذي قال ‪" :‬إذا أنا مت فأحرقوني ثم ذرونى في اليم فوهللا ألن قدر هلل على ليعذبني عذابا ً ال‬
‫يعذبه أحداً من العالمين" مع شكه في قدرة هللا وإعادته ولهذا ال يكفر العلماء من إستحل شيئا ً من المحرمات لقرب عهده باإلسالم أو‬
‫لنشأته ببادية بعيدة فإن حكم الكفر ال يكون إال بعد بلوغ الرسالة وكثير من هؤالء قد ال يكون قد بلغته النصوص المخالفة لما يراه‬
‫وال يعلم أن الرسول بعث بذلك فيطلق أن هذا القول كفر ويكفر من قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها دون غيره وهللا أعلم ))‬

‫وقال أيضا ً في مجموع الفتاوى [جزء ‪ - 3‬صفحة ‪: ]230‬‬

‫‪ :‬وقد آل الشر بين السلف إلى اإلقتتال مع اتفاق أهل السنة على أن الطائفتين جميعا ً مؤمنتان وأن اإلقتتال ال يمنع العدالة الثابتة لهم‬
‫ألن المقاتل وإن كان باغيا ً فهو متأول والتأويل يمنع الفسوق وكنت أبين لهم أنما نقل لهم عن السلف واألئمة من إطالق القول بتكفير‬
‫من يقول كذا وكذا فهو أيضا ً حق لكن يجب التفريق بين اإلطالق والتعيين وهذه أول مسئلة تنازعت فيها األمة من مسائل األصول‬
‫الكبار وهي مسئلة الوعيد فإن نصوص القرآن في الوعيد مطلقة كقوله ‪{1 :‬إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً} اآلية ‪ ،‬وكذلك‬
‫سائر ما ورد من فعل كذا فله كذا فإن هذه مطلقة عامة وهي بمنزلة قول من قال من السلف من قال كذا فهو كذا ثم الشخص المعين‬
‫يلتغى حكم الوعيد فيه بتوبة أو حسنات ماحية أو مصائب مكفرة أو شفاعة مقبولة ‪ ،‬والتكفير هو من الوعيد فإنه وإن كان القول‬
‫تكذيبا ً لما قاله الرسول لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسالم أو نشأ ببادية بعيدة‬

‫‪107‬‬
‫ومثل هذا ال يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة ‪ ،‬وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص أو سمعها ولم تثبت عنده أو‬
‫عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان مخطئا ً ‪ ،‬وكنت دائما ً أذكر الحديث الذي في الصحيحين في الرجل الذي قال ‪" :‬‬
‫إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في اليم فوهللا لئن قدر هللا علي ليعذبني عذابا ً ما عذبه أحداً من العالمين ففعلوا به ذلك‬
‫فقال هللا له ما حملك على ما فعلت قال خشيتك فغفر له"‬

‫فهذا رجل شك في قدرة هللا وفي إعادته إذا ذرى بل اعتقد أنه ال يعاد وهذا كفر باتفاق المسلمين لكن كان جاهالً ال يعلم ذلك وكان‬
‫مؤمنا ً يخاف هللا أن يعاقبه فغفر له بذلك) ‪.‬‬

‫ويقول أيضا ً في ‪ :‬مجموع الفتاوى [جزء ‪ - 7‬صفحة ‪: ]619‬‬

‫والتحقيق في هذا أن القول قد يكون كفراً كمقاالت الجهمية الذين قالوا إن هللا ال يتكلم وال يرى في اآلخرة ولكن قد يخفى على بعض‬
‫الناس أنه كفر فيطلق القول بتكفير القائل كما قال السلف من قال القرآن مخلوق فهو كافر ومن قال أن هللا ال يرى في اآلخرة فهو‬
‫كافر ‪ ،‬وال يكفر الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجة كما تقدم كمن جحد وجوب الصالة والزكاة واستحل الخمر والزنا وتأول فإن‬
‫ظهور تلك األحكام بين المسلمين أعظم من ظهور هذه فإذا كان المتأول المخطيء في تلك ال يحكم بكفره إال بعد البيان له وإستتابته‬
‫كما فعل الصحابة في الطائفة الذين إستحلوا الخمر ففي غير ذلك أولى وأحرى وعلى هذا يخرج الحديث الصحيح في الذي قال ‪" :‬إذا‬
‫أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في اليم فوهللا لئن قدر هللا على ليعذبني عذابا ً ما عذبه أحداً من العالمين" ‪ ،‬وقد غفر هللا‬
‫لهذا مع ما حصل له من الشك في قدرة هللا وإعادته إذا حرقوه وهذه المسائل مبسوطة في غير هذا الموضع)‪.‬‬

‫وقال أيضا ً في ‪ :‬مجموع الفتاوى [جزء ‪ - 7‬صفحة ‪:]519‬‬

‫و أيضا ً فبعد نزول القرآن وإكمال الدين إذا بلغ الرجل بعض الدين دون بعض كان عليه أن يصدق ما جاء به الرسول جملة وما بلغه‬
‫عنه مفصالً وأما ما لم يبلغه ولم يمكنه معرفته فذاك إنما عليه أن يعرفه مفصالً إذا بلغه و أيضا ً فالرجل إذا آمن بالرسول إيمانا ً‬
‫جازما ً ومات قبل دخول وقت الصالة أو وجوب شيء من األعمال مات كامل اإليمان الذي وجب عليه فإذا دخل وقت الصالة فعليه أن‬
‫يصلي وصار يجب عليه ما لم يجب عليه قبل ذلك وكذلك القادر على الحج والجهاد يجب عليه ما لم يجب على غيره من التصديق‬
‫المفصل والعمل بذلك فصار ما يجب من اإليمان يختلف بإختالف حال نزول الوحي من السماء وبحال المكلف في البالغ وعدمه ‪،‬‬
‫وهذا مما يتنوع به نفس التصديق ويختلف حاله بإختالف القدرة والعجز وغير ذلك من أسباب الوجوب وهذه يختلف بها العمل‬
‫أيضا ً ‪ ،‬ومعلوم أن الواجب على كل من هؤالء ال يماثل الواجب على اآلخر فإذا كان نفس ما وجب من اإليمان في الشريعة الواحدة‬
‫يختلف ويتفاضل وإن كان بين جميع هذه األنواع قدر مشترك موجود في الجميع كاإلقرار بالخالق وإخالص الدين له واإلقرار برسله‬
‫واليوم اآلخر على وجه اإلجمال فمن المعلوم أن بعض الناس إذا أتى ببعض ما يجب عليه دون بعض كان قد تبعض ما أتى فيه من‬
‫اإليمان كتبعض سائر الواجبات) انتهى كالمه‬

‫وقال أيضا ً في ‪ :‬مجموع الفتاوى [جزء ‪ - 20‬صفحة ‪:]252‬‬

‫ألن لحوق الوعيد لمن فعل المحرم مشروط بعلمه بالتحريم أو بتمكنه من العلم بالتحريم فإن من نشأ ببادية أو كان حديث عهد‬
‫باإلسالم وفعل شيئا ً من المحرمات غير عالم بتحريمها لم يأثم ولم يحد وإن لم يستند في استحالله إلى دليل شرعي فمن لم يبلغه‬
‫الحديث المحرم والسند في اإلباحة إلى دليل شرعي أولى أن يكون معذوراً) انتهى‬

‫وقال في ‪ :‬مجموع الفتاوى [ جزء ‪ - 19‬صفحة ‪:] 142‬‬

‫فصل ونحن نذكر من ذلك أصوالً أحدها تأثير اإلعتقادات في رفع العذاب والحدود فنقول ‪ :‬إن األحكام الشرعية التي نصبت عليها أدلة‬
‫قطعية معلومة مثل الكتاب والسنة المتواترة واإلجماع الظاهر كوجوب الصالة والزكاة والحج والصيام وتحريم الزنا والخمر والربا‬
‫إذا بلغت هذه األدلة للمكلف بالغا ً يمكنه من اتباعها فخالفها تفريطا ً في جنب هللا وتعديا ً لحدود هللا فال ريب أنه مخطيء آثم وأن هذا‬
‫الفعل سبب لعقوبة هللا في الدنيا واآلخرة فإن هللا أقام حجته على خلقه بالرسل الذين بعثهم إليهم مبشرين ومنذرين لئال يكون للناس‬
‫على هللا حجة بعد الرسل قال تعالى عن أهل النار كلما ‪{ :‬ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جآءنا نذير فكذبنا‬
‫وقلنا ما نزل هللا من شيء أن أنتم اال في ضالل كبير} وقال تعالى ‪{ :‬وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً حتى إذا جآءوها فتحت‬
‫أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب‬
‫على الكافرين}وأما إذا كان في الفعل والحادثة والمسألة العملية نص ال يتمكن المكلف من معرفته ومعرفة داللته مثل أن يكون‬
‫الحديث النبوي الوارد فيها عند شخص لم يعلم به المجتهد ولم يشعر بما يدله عليه أو تكون داللته خفية ال يقدر المجتهد على فهمها‬
‫أو لم يكن فيها نص بحال فهذا مورد نزاع)‬

‫وقال أيضا ً في ‪ :‬مجموع الفتاوى [جزء ‪ - 20‬صفحة ‪:]268‬‬

‫وهذا باب واسع فإنه يدخل فيه جميع األمور المحرمة بكتاب أو سنة إذا كان بعض األمة لم يبلغهم أدلة التحريم فاستحلوها أو‬
‫عارض تلك األدلة عندهم أدلة أخرى رأوا رجحانها عليها مجتهدين في ذلك الترجيح بحسب عقلهم وعلمهم فإن التحريم له أحكام من‬

‫‪108‬‬
‫التأثيم والذم والعقوبة والفسق وغير ذلك لكن لها شروط وموانع فقد يكون التحريم ثابتا ً ‪ ،‬وهذه االحكام منتفية لفوات شرطها أو‬
‫وجود مانع أو يكون التحريم منتفيا ً في حق ذلك الشخص مع ثبوته في حق غيره) انتهى كالمه‬

‫وجاء في ‪ :‬بدائع الصنائع للكاساني وهو حنفي المذهب [جزء ‪ - 6‬صفحة ‪:]112‬‬

‫وعند الشافعي رحمه هللا ‪ :‬التقوم يثبت باإلسالم وعلى هذا إذا أسلم الحربي في دار الحرب ولم يعرف أن عليه صالة وال صياما ً ثم‬
‫خرج إلى دار اإلسالم فليس عليه قضاء ما مضى‬

‫وقال أبو يوسف ‪ :‬استحسن أن يجب عليه القضاء‬

‫وجه قوله ‪ :‬أن الصالة قد وجبت عليه لوجود سبب الوجوب وهو الوقت وشرطه وهو اإلسالم والصالة الواجبة إذا فاتت عن وقتها‬
‫تقضى كالذمي إذا أسلم في دار اإلسالم ولم يعرف أن عليه ذلك حتى مضى عليه أوقات صلوات ثم علم وجه قول أبي حنيفة ‪ :‬أن‬
‫وجوب الشرائع يعتمد البلوغ وهو العلم بالوجوب ألن وجوبها ال يعرف إال بالشرع باإلجماع إن اختلفا في وجوب اإليمان إال أن‬
‫حقيقة العلم ليست بشرط بل إمكان الوصول إليه كاف‬

‫وقد وجد ذلك في دار اإلسالم ألنها دار العلم بالشرائع ولم يوجد في دار الحرب ألنها دار الجهل بها بخالف وجوب اإليمان وشكر‬
‫النعم وحرمة الكفر والكفران ونحو ذلك ألن هذه األحكام ال يقف وجوبها على الشرع بل تجب بمجرد العقل عندنا فإن أبا يوسف روى‬
‫عن أبي حنيفة رحمه هللا هذه العبارةفقال ‪ :‬كان أبو حنيفة رضي هللا عنه يقول ‪ :‬ال عذر ألحد من الخلق في جهله معرفة خالقه ألن‬
‫الواجب على جميع الخلق معرفة الرب سبحانه وتعالى وتوحيده لما يرى من خلق السموات واألرض وخلق نفسه وسائر ما خلق هللا‬
‫سبحانه وتعالى فأما الفرائض فمن لم يعلمها ولم تبلغه فإن هذا لم تقم عليه حجة حكمية بلفظه) انتهى‬

‫قال ابن حزم ‪( :‬ومن بلغه األمر عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬من طريق ثابتة ‪ ،‬وهو مسلم فتأول في خالفه إياه ‪ ،‬أو ربما‬
‫بلغه بنص آخر ‪ ،‬فلم تقم عليه الحجة في خطئه في ترك ما ترك ‪ ،‬وفي األخذ بما أخذ فهو مأجور معذور ‪ ،‬لقصده إلى الحق ‪ ،‬وجهله‬
‫به ‪ ،‬وإن قامت عليه الحجة في ذلك فعاند ‪ ،‬فال تأويل بعد قيام الحجة) ا‪.‬هـ الدرة (‪)414‬‬

‫ويقول ‪( :‬وأما من كان من غير أهل اإلسالم من نصراني أو يهودي أو مجوسي ‪ ،‬أو سائر الملل ‪ ،‬أو الباطنية القائلين بإالهية إنسان‬
‫من الناس ‪ ،‬أو بنبوة أحد من الناس ‪ ،‬بعد الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فال يعذرون بتأويل أصالً ‪ ،‬بل هم كفار مشركون على كل‬
‫حال) ا‪.‬هـ الدرة فيما يجب اعتقاده ص (‪. )441‬‬

‫يقول ابن حزم ‪( :‬وال خالف في أن امرءاً لو أسلم – ولم يعلم شرائع اإلسالم‪ -‬فاعتقد أن الخمر حالل ‪ ،‬وأن ليس على اإلنسان‬
‫صالة ‪ ،‬وهو لم يبلغه حكم هللا تعالى لم يكن كافراً بال خالف يعتد به ‪ ،‬حتى إذا قامت عليه الحجة فتمادى حينئذ بإجماع األمة فهو‬
‫كافر) ا‪.‬هـ المحلى (‪)13/151‬‬

‫وأما علماء الدعوة النجدية فنذكر لك بعض من ردودهم وفهمهم لهذه القاعدة ومتى يكون مانع التكفير ومتى ال يكون‬

‫ونبدء أوالً بشيخ اإلسالم اإلمام المجدد محمد بن عبد الوهاب وكيف كان فهمه لكالم بن تيمية عن تكفير المعين وقيام الحجة قال ‪:‬‬
‫في الدرر السنية في رسالة تسمى [بيان غلط من زعم أن من عبد األوثان ال يكفر بعينه] القسم األخير من كتاب حكم المرتد (‪ )2‬ص‬
‫‪ -63-‬قال عليه رحمة هللا ‪( :‬وأما عبارة الشيخ (يقصد الشيخ بن تيمية) التي لبسوا بها عليك ‪ ،‬فهي أغلظ من هذا كله ‪ ،‬ولو نقول بها‬
‫لكفرنا كثيراً من المشاهير بأعيانهم ؛ فإنه صرح فيها بأن المعين ال يكفر إال إذا قامت عليه الحجة ‪.‬‬
‫فإن كان المعين ال يكفر إال إذا قامت عليه الحجة ‪ ،‬فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه ‪ :‬أن يفهم كالم هللا ورسوله ‪ ،‬مثل فهم أبي بكر‬
‫رضي هللا عنه ‪ ،‬بل إذا بلغه كالم هللا ورسوله ‪ ،‬وخال من شيء يعذر به ‪ ،‬فهو كافر ‪ ،‬كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة‬
‫الص ُّم ا ْلبُ ْك ُم الَّ ِذينَ ال‬
‫اب ِع ْن َد هَّللا ِ ُّ‬ ‫بالقرآن ‪ ،‬مع قول هللا ‪َ { :‬و َج َع ْلنَا َعلَى قُلُوبِ ِه ْم أكنة أن‪ ‬يفقهوه‪ } ‬األنعام ‪ 25‬وقوله ‪{ :‬إِنَّ َ‬
‫ش َّر ال َّد َو ِّ‬
‫يَ ْعقِلُونَ }‪1‬‬
‫وإذا كان كالم الشيخ ‪ ،‬ليس في الشرك والردة ‪ ،‬بل في المسائل الجزئيات ‪ ،‬سواء كانت من األصول أو الفروع) انتهى كالمه‬

‫ونقول لك أيها القاريء ‪ :‬أنظر إلى حسن فهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة هللا وكيف أنه يفرق بين التوحيد وغيره من‬
‫األصول كما قال أن كالم بن تيمية عن عذر المعين وعدم تكفيره إذا لم تقم عليه الحجة ال يكون في الشرك باهلل والردة وإنما في‬
‫مسائل جزئية سواء كانت في األصول أو في الفروع‬

‫وقال أيضا ً بعدها نقالً عن ابن تيمية ‪......‬‬


‫(‪ ..‬وقال أيضا ً ‪ :‬في أثناء كالمه على المتكلمين ‪ ،‬ومن شاكلهم ‪ ،‬لما ذكر عن أئمتهم شيئا ً من أنواع الردة ‪ ،‬والكفر ‪ ،‬قال رحمه هللا ‪:‬‬
‫وهذا إذا كان في المقاالت الخفية ‪ ،‬فقد يقال إنه فيها مخطيء ضال ‪ ،‬لم تقم عليه الحجة ‪ ،‬التي يكفر صاحبها ؛ لكن ذلك يقع في‬
‫طوائف منهم ‪ ،‬في األمور الظاهرة ‪ ،‬التي يعلم المشركون واليهود والنصارى ‪ ،‬أن محمداً صلى هللا عليه وسلم بعث بها ‪ ،‬وكفر من‬
‫خالفها ‪ ،‬مثل‪ :‬أمره بعبادة هللا وحده ال شريك له ‪ ،‬ونهيه عن عبادة أحد سواه ‪ ،‬من النبيين والمالئكة وغيرهم ؛ فإن هذا أظهر‬

‫‪109‬‬
‫شرائع اإلسالم ‪.‬‬
‫ثم تجد كثيراً من رؤوسهم وقعوا في هذه األنواع ‪ ،‬فكانوا مرتدين ؛ وكثير منهم ‪ ،‬تارة يرتد عن اإلسالم ردة صريحة ‪ ،‬وتارة يعود‬
‫إليه مع مرض في قلبه ونفاق ‪ ،‬والحكاية عنهم في ذلك مشهورة ‪ .‬وقد ذكر ابن قتيبة من ذلك طرفاً في أول مختلف الحديث ؛ وأبلغ‬
‫من ذلك ‪ :‬أن منهم من صنف في الردة ‪ ،‬كما صنف الرازي في عبادة الكواكب ‪ ،‬وهذه ردة عن اإلسالم باتفاق المسلمين ‪ .‬هذا لفظه‬
‫بحروفه ‪.‬‬
‫فانظر كالمه في التفرقة بين المقاالت الخفية ‪ ،‬وبين ما نحن فيه ‪ ،‬في كفر المعين ‪ ،‬وتأمل تكفيره رؤوسهم ‪ ،‬فالنا وفالنا بأعيانهم ‪،‬‬
‫وردتهم ردة صريحة ‪ ،‬وتأمل تصريحه بحكاية اإلجماع على ردة الفخر الرازي عن اإلسالم ‪ ،‬مع كونه عند علمائكم من األئمة‬
‫األربعة ؛ هل يناسب هذا لما فهمت من كالمه أن المعين ال يكفر ‪ ،‬ولو دعا عبد القادر في الرخاء والشدة) انتهى كالمه عليه رحمة‬
‫هللا‬

‫وقد قال بكل وضوح أن كالم ابن تيمية ليس في الشرك والردة وذكر معلقا ً على كالم السائل وموضحا ً لخطأ ما ذهب إليه فقال له ‪:‬‬
‫( هل يناسب هذا لما فهمت من كالمه أن المعين ال يكفر ‪ ،‬ولو دعا عبد القادر في الرخاء والشدة ؟)) انتهى ‪.‬‬

‫وأما في النقل القادم عن الشيخ عبد اللطيف فإننا سنرى كيف أن الشيخ عبد اللطيف ال يرى بأن قاعدة موانع التكفير تنطبق على‬
‫جهمية هذا الزمان ‪ ،‬وذلك ألن الحجة وصلتهم جميعا ً وظهر الدليل على خطأ قولهم وعرفوا رأي أهل السنه والجماعة في أقوالهم‬
‫فمن تمسك بقوله منهم فهو معاند قد بلغته وقامت عليه الحجة وهو كافر بهذا ‪ ،‬وهذا الكالم في الجهمية الذين لم يكفرهم اإلمام أحمد‬
‫وابن تيمية إال بعد قيام الحجة كما سبق ونقلنا وتبين شروط وموانع التكفير فيحق أعيانهم ووضح ذلك بأن عدم تكفير اإلمام أحمد‬
‫وابن تيمية للمعين إنما يكون في المسائل الخفية فقط ‪ ،‬ولهذا قال إن هذا ال ينطبق على جهمية هذا الزمان ألن الحجة وصلتهم ولم‬
‫يصبح هذا األمر من المسائل الخفية عندهم‬

‫يقول الشيخ عبد اللطيف في ‪ :‬الدرر السنية الجزء الرابع (القسم األول من كتاب العبادات) ص ‪: 404‬والرواية المشهورة عن اإلمام‬
‫أحمد ‪ ،‬هي المنع من الصالة خلفهم ‪ ،‬وقد يفرق بين من قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها ‪ ،‬وبين من ال شعور له بذلك ؛ وهذا‬
‫القول يميل إليه شيخ اإلسالم ‪ ،‬في المسائل التي قد يخفى دليلها على بعض الناس ‪ .‬وعلى هذا القول ‪ :‬فالجهمية في هذه األزمنة قد‬
‫بلغتهم الحجة ‪ ،‬وظهر الدليل ‪ ،‬وعرفوا ما عليه أهل السنة ‪ ،‬واشتهرت األحاديث النبوية وظهرت ظهوراً ليس بعده إال المكابرة‬
‫والعناد ‪ ،‬وهذا حقيقة الكفر واإللحاد ‪ ،‬كيف وقولهم ‪ :‬يقتضي من تعطيل الذات والصفات ‪ ،‬والكفر بما اتفقت عليه الرسالة والنبوات ‪،‬‬
‫وشهدت به الفطر السليمات ‪ ،‬ما ال يبقى معه حقيقة للربوبية واإللهية ‪ ،‬وال وجود للذات المقدسة المتصفة بجميل الصفات ‪.‬‬
‫وهم إنما يعبدون عدما ً ال حقيقة لوجوده ‪ ،‬ويعتمدون من الخياالت والشبه ما يعلم فساده بضرورة العقل وبالضرورة من دين اإلسالم‬
‫عند من عرفه ‪ ،‬وعرف ما جاءت به الرسل من اإلثبات ‪ .‬ولبشر المريسي وأمثاله من الشبه والكالم في نفي الصفات ‪ ،‬ما هو من‬
‫جنس هذا المذكور عند الجهمية المتأخرين ؛ بل كل أمة أخف إلحاداً من بعض هؤالء الضالل ‪ ،‬ومع ذلك فأهل العلم متفقون على‬
‫تكفيره)‬

‫وجاء في ‪ :‬الدرر السنية الجزء الرابع (القسم األول من كتاب العبادات)‬

‫وأجاب الشيخ عبد هللا والشيخ إبراهيم ‪ :‬ابنا الشيخ عبد اللطيف‪ ،‬والشيخ سليمان بن سحمان ‪ :‬ال تصح إمامة من ال يكفر الجهمية‬
‫والقبوريين أو يشك في كفرهم ؛ وهذه المسألة من أوضح الواضحات عند طلبة العلم وأهل األثر ‪ ،‬وذكروا نحواً مما تقدم من كالم‬
‫الشيخ عبد اللطيف ‪ ،‬ثم قالوا ‪ :‬وكذلك القبوريون ال يشك في كفرهم من شم رائحة اإليمان ؛ وقد ذكر شيخ اإلسالم ‪ ،‬وتلميذه ابن‬
‫القيم ‪ ،‬رحمهما هللا ‪ ،‬في غير موضع ‪ :‬أن نفي التكفير بالمكفرات قوليها وفعليها ‪ ،‬فيما يخفى دليله ولم تقم الحجة على فاعله ‪ ،‬وأن‬
‫النفي يراد به نفي تكفير الفاعل وعقابه قبل قيام الحجة عليه ‪ ،‬وأن نفي التكفير مخصوص بمسائل النّزاع بين األمة ‪ .‬وأما دعاء‬
‫الصالحين ‪ ،‬واإلستغاثة بهم ‪ ،‬وقصدهم في الملمات والشدائد ‪ ،‬فهذا ال ينازع مسلم في تحريمه ‪ ،‬والحكم بأنه من الشرك األكبر ؛‬
‫فليس في تكفيرهم ‪ ،‬وتكفير الجهمية قوالن ‪ .‬وأما اإلباضية في هذه األزمان ‪ ،‬فليسوا كفرقة من أسالفهم ‪ ،‬والذي بلغنا أنهم على دين‬
‫عباد القبور ‪ ،‬وانتحلوا أموراً كفرية ال يتسع ذكرها هنا ‪ ،‬ومن كان بهذه المثابة ‪ ،‬فال شك في كفره ؛ فال يقول بإسالمهم إال مصاب‬
‫في عقله ودينه ‪ ،‬وال تصح الصالة خلف من ال يرى كفر هؤالء المالحدة ‪ ،‬أو يشك في كفرهم) ‪ .‬انتهى‬

‫قال العالمة إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في ‪ :‬رسالته "حكم تكفير المعين " والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة‬
‫‪.‬الرسالة السادسة من كتاب ‪ ".‬عقيدة الموحدين والرد على الضالل المبتدعين ‪".‬‬

‫قال في (ص ‪ ": ) 151 : 150‬ومسألتنا هذه وهي ‪ :‬عبادة هللا وحده ال شريك له ‪ ،‬والبراءة من عبادة ما سواه وأن من عبد مع هللا‬
‫غيره فقد أشرك الشرك األكبر الذي ينقل عن الملة ‪ ،‬هي ‪ :‬أصل األصول وبها أرسل هللا الرسل وأنزل الكتب ‪ ،‬وقامت على الناس‬
‫الحجة بالرسول وبالقرآن ‪ ،‬وهكذا تجد الجواب من أئمة الدين في ذلك األصل عند تكفير من أشرك باهلل ‪ ،‬فإنه يستتاب فإن تاب وإال‬
‫قتل ‪ ،‬ال يذكرون التعريف في مسائل األصول ‪ ،‬إنما يذكرون التعريف في المسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على بعض المسلمين ‪،‬‬
‫كمسائل نازع بها بعض أهل البدع كالقدرية والمرجئة أو في مسألة خفية كالصرف والعطف ‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫وكيف يعرفون عباد القبور وهم ليسوا بمسلمين ‪ ،‬وال يدخلون في مسمى اإلسالم وهل يبقى مع الشرك عمل ؟! وهللا تعالى يقول ‪:‬‬
‫ش ِركْ بِاهَّلل ِ فَكَأَنَّ َما َخ َّر ِمنْ ال َّ‬
‫س َما ِء فَت َْخطَفُهُ الطَّ ْي ُر أو‬ ‫{و َمنْ يُ ْ‬ ‫{ َواَل يَد ُْخلُونَ ا ْل َجنَّةَ َحتَّى يَلِ َج ا ْل َج َم ُل فِي َ‬
‫س ِّم ا ْل ِخيَ ِ‬
‫اط}( األعراف ‪َ ) 40:‬‬
‫يق}(الحج ‪{)31:‬إِنَّ هَّللا َ اَل يَ ْغفِ ُر أَنْ يُش َْركَ بِ ِه} (النساء ‪ . )48:‬إلى غير ذلك من اآليات ‪.‬‬ ‫س ِح ٍ‬ ‫يح فِي َمكَا ٍن َ‬ ‫تَ ْه ِوي بِ ِه ِّ‬
‫الر ُ‬

‫ولكن هذا المعتقد (ويقصد عدم تكفير من فعل الشرك األكبر في زمانه قبل قيام الحجة وهو نفس كالم هؤالء المرتدين سبحان هللا‬
‫تشابهت قلوبهم ) يلزم منه معتقد قبيح ‪ ،‬وهو أن الحجة لم تقم على هذه األمة بالرسول والقرآن ‪ ،‬نعوذ باهلل من سوء الفهم الذي‬
‫أوجب لهم نسيان الكتاب والرسول ‪ ،‬بل أهل الفترة الذين لم تبلغهم الرسالة والقرآن وماتوا على الجاهلية ال‬
‫يسمون مسلمين باإلجماع ‪ ،‬وال يستغفر لهم وإنما اختلف أهل العلم في تعذيبهم في اآلخرة‪.‬‬

‫إلى أن قال ‪ -‬في ص ‪" – 159‬مع أن العالمة ابن القيم رحمه هللا ‪ ،‬جزم بكفر المقلدين لمشايخهم في المسائل المكفرة إذا تمكنوا من‬
‫طلب الحق ومعرفته وتأهلوا لذلك وأعرضوا ولم يلتفتوا ‪ ،‬ومن لم يتمكن ولم يتأهل لمعرفة ما جاءت به الرسل ‪ ،‬فهو عنده من جنس‬
‫أهل الفترة ممن لم تبلغه دعوة لرسول من الرسل ‪ ،‬وكال النوعين ال يحكم بإسالمهم ‪ ،‬وال يدخلون في مسمى المسلمين حتى عند من‬
‫لم يكفر بعضهم وسيأتيك كالمه ‪ ،‬وأما الشرك فهو يصدق عليهم واسمه يتناولهم ‪،‬‬

‫وأي إسالم يبقى مع مناقضة أصله وقاعدته الكبرى شهادة أن ال إله إال هللا؟!‬

‫إلى أن قال في ‪ -‬ص ‪ " – 160‬وتفطن أيضا ً فيما قال الشيخ عبد اللطيف ‪ :‬فيما نقله عن ابن القيم أن أقل أحوالهم (أي من فعل‬
‫الشرك جاهالً ) أن يكونوا ‪ :‬مثل أهل الفترة الذين هلكوا قبل البعثة ومن لم تبلغه دعوة نبي من األنبياء ‪ ،‬إلى أن قال ‪ :‬وكال النوعين‬
‫ال يحكم بإسالمهم وال يدخلون في مسمى المسلمين حتى عند من لم يكفر بعضهم ‪ ،‬وأما الشرك فهو يصدق عليهم واسمه يتناولهم ‪،‬‬
‫وأي إسالم يبقى مع مناقضة أصله وقاعدته الكبرى شهادة أن ال إله إال هللا ؟! ‪"...‬ثم قال في ص ‪( 163‬بعد أن سرد كالم العالمة ابن‬
‫القيم في أهل الفترات من كتابه طريق الهجرتين)‬

‫قال ‪ " :‬فقف هنا وتأمل هذا التفصيل البديع فإنه رحمه هللا لم يستثني إال من عجز عن إدراك الحق مع شدة طلبه وإرادته له فهذا‬
‫الصنف هو المراد في كالم شيخ اإلسالم وابن القيم وأمثالهما من المحققين ‪.‬‬

‫وأما العراقي وإخوانه المبطلون ‪ ،‬فشبَّهوا بأن الشيخ ال يُ َكفِّ ر الجاهل ‪ ،‬وأنه يقول هو معذور ‪ ،‬وأجملوا القول ‪ ،‬ولم يفصلوا وجعلوا‬
‫هذه الشبهة ترسا ً يدفعون به اآليات القرآنية واألحاديث النبوية ‪ ،‬وصاحوا على عباد هللا الموحدين كما جرى ألسالفهم من عباد‬
‫القبور والمشركين ‪ .‬وإلى هللا المصير وهو الحاكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون ‪ ،‬إلى آخر ما ذكر الشيخ رحمه هللا ‪.‬‬

‫فتأمل إن كنت ممن يطلب الحق بدليله وإن كنت ممن صمم على الباطل وأراد أن يستدل عليه بما أجمل من كالم العلماء فال عجب ‪.‬‬

‫وصلى هللا على محمد النبي األمي وعلى آله وصحبه أجمعين ‪".‬ا‪.‬هـ)انتهى‬

‫وجاء في ‪ :‬كتاب عقيدة الموحدين ‪:‬وسئل الشيخ عبد هللا بن عبد الرحمن أبا بطين رحمه هللا عن قول شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه‬
‫هللا‪ :‬فإن تكفير الشخص المعين ‪ ,‬وجواز قتله ‪ ,‬موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية ‪ ,‬التي يكفر من خالفها ‪ ,‬وإال فليس كل من جهل‬
‫شيئا ً من الدين يكفر_ إلى قوله ‪ :‬ولهذا كنت أقول للجهمية ‪ ..‬أنتم عندي ال تكفرون ألنكم جهال ‪ ...‬الخ‬
‫فأجاب ‪ :‬آخر كالمه رحمه هللا يدل على على أنه يعتبر فهم الحجة في األمور التي تخفى على كثير من الناس ‪ ,‬وليس فيها مناقضة‬
‫للتوحيد والرسالة كالجهل ببعض الصفات) ‪ :‬وهنا ضرب الشيخ مثالً على هذه األمور التي ليس فيها مناقضة للتوحيد وهو الجهل‬
‫ببعض الصفات وهى الصفات التى اليؤدى الجهل بها الى نقض توحيد االلوهية )وأما األمور التي هي مناقضة للتوحيد ‪ ,‬واإليمان‬
‫بالرسالة ‪ ,‬فقد صرح في مواضع كثيرة بكفر أصحابها ‪ ,‬وقتلهم بعد اإلستتابة ‪ ,‬ولم يعذرهم بالجهل !! مع أن نتحقق أن سبب‬
‫وقوعهم في تلك األمور ‪ ,‬إنما هو الجهل بحقيقتها ‪ ,‬فلو علموا أنها كفر ‪ ,‬تخرج من اإلسالم لم يفعلوها‪.‬‬
‫وكذلك وسئل الشيخ عبد هللا بن عبد الرحمن أبا بطين رحمه هللا عن قول ‪ :‬إن الشيخ تقي الدين ‪ ,‬وابن القيم ‪ ,‬يقوالن‪ :‬إن من فعل‬
‫هذه األشياء ‪ ,‬ال يطلق عليه أنه كافر مشرك ‪ ,‬حتى تقوم عليه الحجة اإلسالمية ‪ ,‬من إمام أو نائبة ‪ ,‬فيصر ؛ وأنه يقال ‪ :‬هذا الفعل‬
‫كفر ‪ ,‬وربما عذر فاعله إلجتهاد ‪ ,‬أو تقليد ‪ ,‬أو غير ذلك !!‬
‫فأجاب ‪ :‬هذه الجملة التي حكيت عنهما ال أصل لها في كالمهما!!!‬
‫ثم نقل عن شيخ اإلسالم ابن تيمية قائالً‪ :‬وقد قال رحمه هللا ‪ ,‬في "شرح العمدة" لما تكلم في كفر تارك الصالة ‪ ,‬فقال ‪ :‬وفي‬
‫الحقيقة فكل رد لخبر هللا ‪ ,‬أو أمره فهو كفر ‪ ,‬دق أو جل ‪ ,‬لكن قد يعفى عما خفيت فيه طرق العلم ‪ ,‬وكان أمراً يسيراً في الفروع ‪,‬‬
‫بخالف ما ظهر أمره ‪ ,‬وكان من دعائم الدين ‪ ,‬من األخبار واألوامر ‪ ,‬يعنى ‪ :‬فإنه ال يقال قد يُعفى عنه‪.‬‬
‫وقال رحمه هللا ‪ ,‬في أثناء كالم له ‪ ,‬في ذم أصحاب الكالم ‪ ,‬قال ‪ :‬والرازي من أعظم الناس في باب الحيرة ‪ ,‬له نهمة في التشكيك ‪,‬‬
‫والشك في الباطل ‪ ,‬خير من الثبات على اعتقاده ‪ ,‬لكن قل أن يثبت أحد على باطل محض ‪ ,‬بل البد فيه من نوع من الحق ‪ ,‬وتوجد‬
‫الردة فيهم كثيراً ‪ ,‬كالنفاق وهذا إذا كان في المقاالت الخفية ‪ ,‬فقد يقال ‪ :‬لم تقم عليه الحجة ‪ ,‬التي يكفر صاحبها‪.‬‬
‫لكن يقع ذلك في طوائف منهم في أمور يعلم العامة والخاصة ‪ ,‬بل اليهود والنصارى يعلمون ‪ :‬أن محمداً بعث بها وكفر من خالفها ‪,‬‬
‫مثل عبادة هللا وحده ال شريك له ‪ ,‬ونهيه عن عبادة غيره ‪ ,‬فإن هذا أظهر شعائر اإلسالم‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫وقولك ‪ :‬إن الشيخ يقول ‪ ,‬إن من فعل شيئا ً من هذه األمور الشركية ‪ ,‬ال يطلق عليه أنه مشرك كافر ‪ ,‬حتى تقوم عليه الحجة‬
‫اإلسالمية ‪ ,‬فهو لم يقل ذلك في الشرك األكبر ‪ ,‬وعبادة غير هللا ‪ ,‬ونحوه من الكفر !!! وإنما قال هذا في المقاالت الخفية ‪ ,‬كما‬
‫قدمنا‪...‬‬
‫وقوله رحمه هللا ‪ :‬بل اليهود والنصارى يعلمون ذلك ‪ ,‬حكى لنا عن غير واحد من اليهود في البصرة ‪ ,‬أنهم عابوا على المسلمين ما‬
‫يفعلونه عند القبور ‪..‬ومما يبين أن الجهل ليس بعذر في الجملة ‪ ,‬قوله صلى هللا عليه وسلم في الخوارج ما قال ‪ ,‬مع عبادتهم‬
‫العظيمة ؛ ومن المعلوم أنه لم يوقعهم في ما وقعوا فيه إال الجهل ‪ ,‬وهل صار الجهل عذرا لهم ؟!!‬
‫يوضح ما ذكرنا ‪ :‬أن العلماء من كل مذهب ‪ ,‬يذكرون في كتب الفقه ‪ :‬باب حكم المرتد ‪ ..‬وأول شيء يبدؤون به ‪ ,‬من أنواع الكفر‬
‫الشرك ‪ ,‬يقولون ‪ :‬من أشرك باهلل كفر ‪ ...‬ولم يقولوا إن كان مثله ال يجهله ‪ ,‬كما قالوا فيما دونه‪ ....‬وقد وصف هللا سبحانه أهل‬
‫النار بالجهل ‪{ ,‬وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير}{ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن واإلنس لهم قلوب ال‬
‫يفقهون بها ولهم أعين ال يبصرون بها ولهم آذان ال يسمعون بها أولئك كاألنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ‪}....‬‬
‫والذين حرقهم علي ابن أبى طالب بالنار ‪ ,‬هل آفتهم إال الجهل؟!!ولو قال إنسان ‪ :‬أنا أشك في البعث بعد الموت ‪ ,‬لم يتوقف من له‬
‫أدنى معرفة في كفره ‪ ,‬والشاك جاهل !! وقوله عن اليهود والنصارى{اتخذوا أحبارهم‪ }...‬سماهم مشركين ‪ ,‬مع كونهم لم يعلموا أن‬
‫فعلهم معهم هذا عبادة لهم ‪ ,‬فلم يعذروا بالجهل‪....‬‬
‫ألنه من المعلوم ‪ :‬أنه إذا كان إنسان يقر برسالة محمد صلى هللا عليه وسلم ويؤمن بالقرآن ‪ ,‬ويسمع ما ذكر هللا سبحانه في كتابه ‪,‬‬
‫من تعظيم أمر الشرك ‪ ,‬بأنه ال يغفره ‪ ,‬وأن صاحبه مخلد في النار ‪ ,‬ثم يقدم عليه وهو يعرف أنه شرك ‪ ,‬هذا مما ال يفعله عاقل !!‬
‫وإنما يقع فيه من جهل أنه شرك !! وقد قدمنا كالم ابن عقيل ‪ ,‬في جزمه بكفر الذين وصفهم بالجهل فيما ارتكبوه ‪ ,‬من الغلو في‬
‫القبور ‪ ,‬نقله عنه ابن القيم مستحسنا ً له ‪[.‬الدرر السنية‪.]394-386:10:‬‬
‫وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن " ذكرنا أن عباد القبور قد قامت عليهم الحجة ‪ ,‬أو على جمهورهم ‪ ,‬بالكتاب‬
‫والسنة واإلجماع ‪ .‬فإن هذا الباب ‪ -‬أعنى باب عبادة هللا وحده ال شريك له ‪ -‬هو خالصة الكتب اإللهية ‪ ,‬وزبدة الدعوة النبوية "‬
‫[منهاج التأسيس‪. ]249:‬‬
‫ونذكر لكم األدلة التي تبين كيف أن نصوص الوعيد ال تلحق المعين إال إذا تحققت شروط وانتفت موانع وهي كما ذكرها ابن تيمية‬
‫في مجموع الفتاوى‬

‫قال بن تيمية في مجموع الفتاوى في تعريف األصول ومسائل األصول والفرق بينها وبين الفروع ومنهم من قال المسائل األصولية‬
‫هي ما كان عليها دليل قطعي والفرعية ما ليس عليها دليل قطعي قال أولئك وهذا الفرق خطأ أيضا ً فان كثيراً من المسائل العملية‬
‫عليها أدلة قطعية عند من عرفها وغيرهم لم يعرفها وفيها ما هو قطعي باإلجماع كتحريم المحرمات ووجوب الواجبات الظاهرة ثم‬
‫لو أنكرها الرجل بجهل وتأويل لم يكفر حتى تقام عليه الحجة كما أن جماعة استحلوا شرب الخمر على عهد عمر منهم قدامة ورأوا‬
‫أنها حالل لهم ولم تكفرهم الصحابة حتى بينوا لهم خطأهم فتابوا ورجعوا وقد كان على عهد النبي طائفة أكلوا بعد طلوع الفجر حتى‬
‫تبين لهم الخيط األبيض من الخيط األسود ولم يؤثمهم النبى صلى هللا عليه وسلم فضالً عن تكفيرهم وخطؤهم قطعي ‪ ،‬وكذلك أسامة‬
‫بن زيد قد قتل الرجل المسلم وكان خطؤه قطعيا ً ‪ ،‬وكذلك الذين وجدوا رجالً في غنم له فقال إني مسلم فقتلوه وأخذوا ماله كان‬
‫خطؤهم قطعيا ً ‪ ،‬وكذلك خالد بن الوليد قتل بنى جذيمة وأخذ أموالهم كان مخطئا ً قطعا ً ‪ ،‬وكذلك الذين تيمموا إلى اآلباط وعمار الذي‬
‫تمعك في التراب للجنابة كما تمعك الدابة بل والذين أصابتهم جنابة فلم يتيمموا ولم يصلوا كانوا مخطئين قطعا ً وفي زماننا لو أسلم‬
‫قوم في بعض األطراف ولم يعلموا بوجوب الحج أو لم يعلموا تحريم الخمر لم يحدوا على ذلك ‪ ،‬وكذلك لو نشأوا بمكان جهل ‪ ،‬وقد‬
‫زنت على عهد عمر امرأة فلما أقرت به قال عثمان انها لتستهل به استهالل من ال يعلم أنه حرام فلما تبين للصحابة أنها ال تعرف‬
‫التحريم لم يحدوها واستحالل الزنا خطأ قطعا ً ‪ ،‬والرجل إذا حلف على شيء يعتقده كما حلف عليه فتبين بخالفه فهو مخطيء قطعا ً‬
‫وال إثم عليه باتفاق ‪ ،‬وكذلك ال كفارة عليه عند األكثرين ومن اعتقد بقاء الفجر فأكل فهو مخطيء قطعا ً إذا تبين له األكل بعد الفجر‬
‫وال إثم عليه وفي القضاء نزاع ‪ ،‬وكذلك من اعتقد غروب الشمس فتبين بخالفه ومثل هذا كثير وقول هللا تعالى في القرآن ‪{ :‬ربنا ال‬
‫تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} قال هللا تعالى قد فعلت ولم يفرق بين الخطأ القطعي في مسألة قطعية أو ظنية والظنى ما ال يجزم بأنه‬
‫خطأ إال إذا كان أخطأ قطعا ً قالوا فمن قال أن المخطيء في مسألة قطعية أو ظنية يأثم فقد خالف الكتاب والسنة واإلجماع القديم قالوا‬
‫وأيضا ً فكون المسألة قطعية أو ظنية هو أمر إضافي بحسب حال المعتقدين ليس هو وصفا ً للقول في نفسه فإن اإلنسان قد يقطع‬
‫بأشياء علمها بالضرورة أو بالنقل المعلوم صدقه عنده وغيره ال يعرف ذلك ال قطعا ً وال ظنا ً وقد يكون اإلنسان ذكيا ً قوي الذهن‬
‫سريع اإلدراك فيعرف من الحق ويقطع به ما ال يتصوره غيره وال يعرفه ال علما ً وال ظنا ً ‪ ،‬فالقطع والظن يكون بحسب ما وصل إلى‬
‫اإلنسان من األدلة وبحسب قدرته على اإلستدالل والناس يختلفون في هذا وهذا فكون المسألة قطعية أو ظنية ليس هو صفة مالزمة‬
‫للقول المتنازع فيه حتى يقال كل من خالفه قد خالف القطعي بل هو صفة لحال الناظر المستدل المعتقد وهذا مما يختلف فيه الناس‬
‫فعلم أن هذا الفرق ال يطرد وال ينعكس وقال بعده وبالجملة ال خالف بين المسلمين أن من كان في دار الكفر وقد آمن وهو عاجز عن‬
‫الهجرة ال يجب عليه من الشرائع ما يعجز عنها بل الوجوب بحسب اإلمكان ‪ ،‬وكذلك ما لم يعلم حكمه فلو لم يعلم أن الصالة واجبة‬
‫عليه وبقى مدة لم يصل لم يجب عليه القضاء في أظهر قولي العلماء وهذا مذهب أبى حنيفة وأهل الظاهر وهو أحد الوجهين في‬
‫مذهب أحمد ‪ ،‬وكذلك سائر الواجبات من صوم شهر رمضان وأداء الزكاة وغير ذلك ولو لم يعلم تحريم الخمر فشربها لم يحد باتفاق‬
‫المسلمين ‪ ،‬وإنما اختلفوا في قضاء الصلوات وكذلك لو عامل بما يستحله من ربا أو ميسر ثم تبين له تحريم ذلك بعد القبض هل‬
‫يفسخ العقد أم ال كما ال نفسخه لو فعل ذلك قبل اإلسالم ‪ ،‬وكذلك لو تزوج نكاحا ً يعتقد صحته على عادتهم ثم لما بلغته شرائع اإلسالم‬
‫رأى أنه قد أخل ببعض شروطه كما لو تزوج في عدة وقد انقضت فهل يكون هذا فاسداً أو يقر عليه كما لو عقده قبل اإلسالم ثم أسلم‬
‫‪ ،‬وأصل هذا كله أن الشرائع هل تلزم من لم يعلمها أم ال تلزم أحداً إال بعد العلم أو يفرق بين الشرائع الناسخة والمبتدأة هذا فيه ثالثة‬
‫أقوال هي ثالثة أوجه في مذهب أحمد ذكر القاضى أبو يعلى الوجهين المطلقين في كتاب له وذكر هو وغيره الوجه المفرق في‬
‫أصول الفقه وهو أن النسخ ال يثبت في حق المكلف حتى يبلغه الناسخ وأخرج أبو الخطاب وجها ً في ثبوته ومن هذا الباب من ترك‬
‫الطهارة الواجبة ولم يكن علم بوجوبها أو صلى في الموضع المنهي عنه قبل علمه بالنهي هل يعيد الصالة فيه روايتان منصوصتان‬

‫‪112‬‬
‫عن أحمد ‪ ،‬والصواب في هذا الباب كله أن الحكم ال يثبت إال مع التمكن من العلم وأنه ال يقضى ما لم يعلم وجوبه فقد ثبت في‬
‫الصحيح أن من الصحابة من أكل بعد طلوع الفجر في رمضان حتى تبين له الخيط األبيض من الخيط األسود ولم يأمرهم النبى صلى‬
‫هللا عليه وسلم بالقضاء ومنهم من كان يمكث جنبا ً مدة ال يصلى ولم يكن يعلم جواز الصالة بالتيمم كأبي ذر وعمر بن الخطاب‬
‫وعمار لما أجنب ولم يأمر النبى أحداً منهم بالقضاء وال شك أن خلقا من المسلمين بمكة والبوادي صاروا يصلون إلى بيت المقدس‬
‫حتى بلغهم النسخ ولم يؤمروا باإلعادة ومثل هذا كثير ‪ ،‬وهذا يطابق األصل الذي عليه السلف والجمهور أن هللا ال يكلف نفسا ً إال‬
‫وسعها‬

‫فالوجوب مشروط بالقدرة والعقوبة ال تكون إال على ترك مأمور أو فعل محظور بعد قيام الحجة وصلى هللا على محمد وآله وصحبه‬
‫وسلم) انتهى كالمه عليه رحمة هللا‬

‫ونقول بعد هذا البيان أن هذا هو دين اإلسالم وهذا هو ما جاء به الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وهذه هي عقيدة أهل السنة‬
‫والجماعه فمن أراد اإلسالم فهذا هو اإلسالم وأما من أراد دينا ً أخر ال يلتزم فيه بهذه األمور فهذا شأنه وليعلم أن هللا ال يقبل منه إال‬
‫هذا الدين ولن يقبل منه دينا ً مخترعا ً ما أنزل هللا به من سلطان وال شرعه في كتبه وعلى لسان أنبياءه وليعلم أن هللا قال في كتابه‬
‫اس ِرينَ } [آل عمران‪] 85:‬‬ ‫ساَل ِم ِدينًا فَلَنْ يُ ْقبَ َل ِم ْنهُ َوه َُو فِي اآلَ ِخ َر ِة ِمنَ َ‬
‫الخ ِ‬ ‫العزيز{و َمنْ يَ ْبت َِغ َغ ْي َر ِ‬
‫اإل ْ‬ ‫َ‬

‫وهذا هو خالصة الكتب اإللهية ‪ ,‬وزبدة الدعوة النبوية كما قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن وأما من أراد أن يتبع‬
‫الهوى فال يلومن إال نفسه ولينظر بعدها هل هو أكرم عند هللا وأعز من نبيه داوود عليه السالم الذي حذره هللا من اتباع الهوى فقال‬
‫ب} [ص‪]26:‬‬ ‫سا ِ‬ ‫ش ِدي ٌد بِ َما نَ ُ‬
‫سوا يَ ْو َم ال ِح َ‬ ‫سبِي ِل هللاِ لَ ُه ْم َع َذ ٌ‬
‫اب َ‬ ‫ضلُّونَ عَنْ َ‬
‫يل هللاِ إِنَّ الَّ ِذينَ يَ ِ‬
‫سب ِ ِ‬ ‫{واَل تَتَّبِ ِع ال َه َوى فَيُ ِ‬
‫ضلَّكَ عَنْ َ‬ ‫له َ‬

‫قال شيخ اإلسالم في ‪ :‬مجموع الفتاوى [جزء ‪ - 14‬صفحة ‪: ]430‬‬

‫الوجه الثاني ‪ :‬أنه إذا كان ال دين أحسن من هذا فالغير إما أن يكون مثله أو دونه و ال يجوز أن يكون مثله ألن الدين إذا ماثل الدين‬
‫وساواه في جميع الوجوه كان هو اياه وإن تعدد الغير لكن النوع واحد فال يجوز أن يقع التماثل والتساوي بين الدينين المختلفين فإن‬
‫إختالفهما يمنع تماثلهما إذ اإلختالف ضد التماثل فكيف يكونان مختلفين متماثلين واختالفهما اختالف تضاد ال تنوع فإن أحد الدينين‬
‫يعتقد فيه أمور على أنها حق واجب واألخر يقول إنها باطل محرم فمن المحال استواء هذين اإلعتقادين ‪ ،‬وكذلك اإلقتصادات فإن هذا‬
‫يقصد المعبود بأنواع من المقاصد واألعمال واألخر يقصده بما يضاد ذلك وينافيه وليس كذلك تنوع طرق المسلمين ومذاهبهم فإن‬
‫دينهم واحد كل منهم يعتقد ما يعتقده األخر و يعبده بالدين الذي يعبده ويسوغ أحدهما لألخر أن يعمل بما تنازع فيه من الفروع فلم‬
‫يختلفا ً بل نقول أبلغ من هذا أن القدر الذي يتنازع فيه المسلمون من الفروع البد أن يكون أحدهما أحسن عند هللا فإن هذا مذهب‬
‫جمهور الفقهاء الموافقين لسلف األمة على أن المصيب عند هللا واحد في جميع المسائل فذاك الصواب هو أحسن عند هللا وإن كان‬
‫أحدهما يقر األخر ‪ ,‬فاإلقرار عليه ال يمنع أن يكون مفضوالً مرجوحا ً وإنما يمنع أن يكون محرماً))) ‪ .‬انتهى‬

‫‪113‬‬
‫خالصة‬

‫‪       .1‬ما هو االسالم؟‬

‫‪       .2‬ما اهمية الوالء والبراءة؟‬

‫‪       .3‬اطالق الحكم علي الدار‪  ‬والمجتمع‪  ‬بالكفر؟‬

‫‪ ‬هذه ثالثة اسئلة قام بالرد عليها احد االخوة…‬

‫المسالة األولي‪ :‬ماهو االسالم؟‬

‫االسالم هو‪  ‬الدين الوحيد الدي يقبله هللا من العباد‪  ‬ومعناه‪  ‬اسالم الوجه هلل أي االستسالم واالنقياد له وعباته بال شريك والكفر‬
‫بااللهة واالنداد ‪ ‬الباطلة‪  ‬التي تعبد من دون هللا‪  ‬والبراءة من الشرك واهله‬

‫س ْ‬
‫ال َم﴾ [آل عمران‪.]19 :‬‬ ‫﴿إِنَّ اَ ْل ِّديْنَ ِع ْن َد هللَا ِ اَ ِإل ْ‬

‫س ِرينَ ﴾‪[       ‬آل عمران‪. ]85 :‬‬ ‫سالَ ِم ِد ْينًا فَلَنْ يُ ْقبَ َل ِم ْنهُ َوه َُو فِي اآلخرة ِمنَ ْا َ‬
‫لخا ِ‬ ‫وقال تعالى‪َ ﴿ :‬و َمنْ يَ ْبت َِغ َغ ْي َر ْا ِإل ْ‬

‫األدلة من القران‪:‬‬

‫التوبة من الشرك شرط في تحقيق االسالم‬

‫(‪)1‬وقال تعالى‪﴿ :‬فَإِنْ تَابُوا َوأَقَا ُموا ال َّ‬


‫صالةَ َوآَتَ ُوا ال َّزكَاةَ فَإِ ْخ َوانُ ُك ْم فِي الدِّي ِن﴾ [التوبة‪.]11 :‬‬

‫قال‪  ‬االمام الطبري‪  ‬رحمه هللا‪  ‬في قوله تعالي ( فان تابوا )‬

‫‪114‬‬
‫يقول‪ :‬فإن رجعوا عما نهاهم عليه من الشرك باهلل وجحود نبوة نبيه محمد صلى هللا عليه وسلم‪  ،‬إلى توحيد هللا وإخالص العبادة له‬
‫دون اآللهة واألنداد‪ ،‬واإلقرار بنبوة محمد صلى هللا عليه وسلم‬

‫‪ ‬وقال انس رضي هللا عنه في قوله تعالي‪(  ‬فإن تابوا وأقاموا الصالة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم)‪ ،‬قال‪ :‬توبتهم‪ ،‬خلع األوثان‪ ،‬وعبادة‬
‫ربهم‪ ،‬وإقام الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪،‬‬

‫وقال الحافظ في فتح الباري ‪ :‬وانما جعل الحديث تفسير لالية الن المراد بالتوبة في االية الرجوع عن الكفر‪  ‬الي التوحيد‪  ‬ففسر قوله‬
‫صلي هللا عليه وسلم ( حتي يشهدو ان ال اله اال هللا وان محمد رسول هللا ) وبين االية والحديث مناسبة اخري الن الخلية في االية‬
‫والعصمة في الحديث‪  ‬بمعني واحد‪  ‬اهـ‬

‫وقال قتادة في‪  ‬قوله‪(:‬فإن تابوا وأقاموا الصالة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين)‪ ،‬يقول‪ :‬إن تركوا الالت والع ّزى‪ ،‬وشهدوا أن ال إله‬
‫إال هللا‪ ،‬وأن محمدًا رسول هللا =(فإخوانكم في الدين ونفصل اآليات لقوم يعلمون)‪.‬‬

‫قال االمام القرطبي رحمه هللا‬

‫قوله تعالى‪{ :‬فَإِنْ تَابُوا} أي عن الشرك والتزموا أحكام اإلسالم‪{ .‬فَإِ ْخ َوانُ ُك ْم} أي فهم إخوانكم {فِي الدِّي ِن‬

‫ففي اآلية األولى داللةٌ واضحةٌ على أنَّ ال ُمش ِرك يصي ُر معصو َم الدم إذا َ‬
‫تاب من الشرك وأقام الصالةَ وآتى الزكاةَ‪  .‬فجعلت الشرطَ‬
‫دم ال ُمشرك وماله "التوبةَ من الشرك"‪ .‬‬ ‫األول لعصمة ِ‬

‫الكفر بالطاغوت شرط في تحقيق االسالم‬

‫صا َم لَ َها َوهَّللا ُ َ‬


‫س ِمي ٌع َعلِي ٌم)‬ ‫(‪ )2‬قال تعالي ( فمن يكفر بالطاغوت ويومن باهلل‪  ‬فقد استمسك بالعروة الوثقي ال ا ْنفِ َ‬

‫قال االمام الطبري ‪ :‬والصواب من القول عندي في"الطاغوت"‪ ،‬أنه كل ذي طغيان على هللا‪ ،‬فعبد من دونه‪ ،‬إما بقهر منه لمن عبده‪،‬‬
‫وإما بطاعة ممن عبده له‪ ،‬وإنسانا كان ذلك المعبود‪ ،‬أو شيطانا‪ ،‬أو وثنا‪ ،‬أو صنما‪ ،‬أو كائنا ما كان من شيء‪ .‬اهـ‬

‫سمى من تُحوكم إليه من حاكم بغير كتاب هللا طاغوتا‪( .‬مجموع الفتاوى ‪.201\28‬‬
‫قال‪  ‬الشيخ اإلسالم ابن تيمية ‪) :‬ولهذا ٌ‬
‫ويقول ابن القيم‪ :‬فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير هللا و رسوله‪( .‬أعالم الموقعين ‪40\1‬‬

‫يقول اإلمام محمد بن عبدالوهاب رحمة هللا عليه ‪ ( :‬اعلم رحمك هللا تعالى أن اول ما فرض هللا على ابن آدم الكفر بالطاغوت و‬
‫اإليمان باهلل ‪ ,‬والدليل قوله تعالى ‪ " :‬ولقد بعثنا في كل أمة رسوالً أن اعبدوا هللا واجتنبواالطاغوت" ‪ .‬أ َّما صفة الكفر بالطاغوت ‪,‬‬
‫أن تعتقد بطالن عبادة غير هللا وتتركها و تبغضها و تُ ّكفُر أهلها و تعاديهم) أهـ‬
‫ويقول أيضا ً ‪ ,‬واعلم أن اإلنسان ما يصير مؤمنا إال بالكفر بالطاغوت‪ .‬والدليل قوله تعالى ‪ " :‬فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن باهلل فقد‬
‫استمسك بالعروة الوثقى‬

‫ويقول أيضا ً رحمة هللا عليه ‪ :‬فاهلل هللا يا اخواني ‪ ,‬تمسكوا بأصل دينكم ‪ ,‬وأوله ‪,‬آخره ‪ ,‬واسه ورأسه ‪ ,‬شهادة ان الإله إالهللا‬
‫‪,‬واعرفوا معناها وأحبوها ‪ ,‬وأحبوا أهلها ‪ ,‬واجعلوهم إخوانكم ‪ ,‬ولو كانوا بعيدين و اكفروا بالطواغيت وعادوهم ‪,‬وأبغضوهم‬
‫وأبغضوا من أحبهم أو جادل عنهم أو لم يُكفّرهم ‪ ,‬أو قال ‪ :‬ما عل ّي منهم ‪ ,‬أو قال ‪ :‬ما كلّفني هللا بهم ‪ ,‬فقد كذب هذا على هللا‬
‫وافترى ‪ ,‬كلفه هللا بهم ‪,‬وافترض عليه الكفر بهم و البراءة منهم ولو كانوا إخوانهم وأوالدهم‬
‫فاهلل هللا ‪ ,‬تمسكوا بذلك لعلكم تلقون ربكم ‪ ,‬ال تشركون به شيئا ً ‪ ,‬اللهم توفنا مسلمين‪ ,‬والحقنا بالصالحين اهـ‬

‫‪  ‬قال االمام ابن كثير في قوله تعالي ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن باهلل فقد استمسك بالعروة الوثقي ) أي‪ :‬من خلع األنداد واألوثان‪ ‬‬
‫س َك بِا ْل ُع ْر َو ِة‬ ‫وما يدعو إليه الشيطان من عبادة كل ما يعبد من دون هللا‪ ،‬ووحد هللا فعبده وحده وشهد أن ال إله إال هو { فَقَ ِد ا ْ‬
‫ستَ ْم َ‬
‫ا ْل ُو ْثقَ ى } أي‪ :‬فقد ثبت في أمره واستقام على الطريقة المثلى والصراط المستقيم‪ .‬اهـ‬

‫وقال‪  ‬السدي‪ ،‬قال‪":‬العروة الوثقى"‪ ،‬هو اإلسالم‪.‬‬


‫‪  ‬قال سعيد بن جبير قوله‪":‬فقد استمسك بالعروة الوثقى"‪ ،‬قال‪ :‬ال إله إال هللا‬

‫وفي هذه االية تبين‪  ‬أن اإلسالم ال يتحقق في المرء إال بتحقق الكفر بالطاغوت واإليمان باهلل وحده ‪.‬‬

‫﴿حتَّى تُؤْ ِمنُوا ِباهَّلل ِ َو ْح َدهُ﴾ [الممتحنة‪  :.]4 :‬قال االمام الطبري‪  ‬حتى تصدّقوا باهلل وحده‪ ،‬فتوحدوه‪ ،‬وتفردوه بالعبادة‪.‬‬
‫قوله تعالى‪َ :‬‬

‫‪115‬‬
‫ضا أَ ْربَابًا‬ ‫ش ْيئًا َوال يَتَّ ِخ َذ بَ ْع ُ‬
‫ضنَا بَ ْع ً‬ ‫س َوا ٍء بَ ْينَنَا َوبَ ْينَ ُك ْم أَالّ نَ ْعبُ َد إِالّ هَّللا َ َوال نُ ْ‬
‫ش ِر َك بِ ِه َ‬ ‫(‪)3‬قال هللا تعالى‪﴿ :‬قُ ْل يَا أَ ْه َل ا ْل ِكتَا ِ‬
‫ب تَ َعالَ ْوا إِلَى َكلِ َم ٍة َ‬
‫سلِ ُمونَ ﴾ [آل عمران‪.]64 :‬‬ ‫َ‬
‫ش َهدُوا بِأنَّا ُم ْ‬ ‫ُون هللاِ فَإِنْ تَ َولَّ ْوا فَقُولُوا ا ْ‬
‫ِمنْ د ِ‬

‫قال االمام الطبري ‪ :‬يعني بذلك جل ثناؤه‪":‬قل"‪ ،‬يا محمد‪ ،‬ألهل الكتاب‪ ،‬وهم أهل التوراة واإلنجيل ="تعالوا"‪ ،‬هلموا إلى كلمة‬
‫نوح د هللا فال نعبد غيره‪ ،‬ونبرأ من كل معبود سواه‪ ،‬فال نشرك به‬
‫سواء"‪ ،‬يعني‪ :‬إلى كلمة عدل بيننا وبينكم‪  ،‬والكلمة العدل‪ ،‬هي أن ِّ‬
‫ضنا لبعض بالطاعة فيما أمر به من معاصي هللا‬ ‫ضا أربابًا"‪ ،‬يقول‪ :‬وال يدين بع ُ‬
‫شيئًا‪.‬وقوله‪":‬وال يتخذ بعضنا بع ً‬

‫قال ابن كثير رحمه هللا‬

‫ضا أَ ْربَابًا ِمنْ دُو ِن هَّللا ِ فَإِنْ‬


‫ضنَا بَ ْع ً‬ ‫ش ْيئًا َوال يَتَّ ِخ َذ بَ ْع ُ‬‫ش ِركَ بِ ِه َ‬ ‫س َوا ٍء بَ ْينَنَا َوبَ ْينَ ُك ْم أَال نَ ْعبُ َد إِال هَّللا َ َوال نُ ْ‬
‫ب تَ َعالَ ْوا إِلَى َكلِ َم ٍة َ‬‫{ قُ ْل يَا أَ ْه َل ا ْل ِكتَا ِ‬
‫سلِ ُمونَ (‪} )64‬‬ ‫م‬ ‫ا‬‫َّ‬
‫ش َهد ِ ُ ْ‬‫ن‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫ُوا‬ ‫ت ََولَّ ْوا فَقُولُوا ا ْ‬
‫َ‬
‫ب تَ َعال ْوا إِلى كلِ َم ٍة } والكلمة تطلق على‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫هذا الخطاب يعم أهل الكتاب من اليهود والنصارى‪ ،‬ومن جرى مجراهم { ق ْل يَا أ ْه َل ال ِكتَا ِ‬
‫س َوا ٍء بَ ْينَنَا َوبَ ْينَ ُك ْم } أي‪ :‬عدل ونصف‪ ،‬نستوي نحن وأنتم فيها‪ .‬ثم فسرها بقوله‪:‬‬ ‫الجملة المفيدة كما قال هاهنا‪ .‬ثم وصفها بقوله‪َ { :‬‬
‫ش ْيئًا } ال َوثَنا‪ ،‬وال صنما‪ ،‬وال صليبا وال طاغوتا‪ ،‬وال نا ًرا‪ ،‬وال شيئًا (‪ )1‬بل نُ ْف ِر ُد العبادة هلل وحده ال‬ ‫ش ِركَ بِ ِه َ‬ ‫{ أَال نَ ْعبُ َد إِال هَّللا َ َوال نُ ْ‬
‫ُون }‬‫وحي إِلَ ْي ِه أَنَّهُ ال إِلَهَ إِال أَنَا فَا ْعبُد ِ‬‫ول إِال نُ ِ‬ ‫س ٍ‬ ‫س ْلنَا ِمنْ قَ ْبلِ َك ِمنْ َر ُ‬ ‫شريك له‪ .‬وهذه دعوة جميع الرسل‪ ،‬قال هللا تعالى‪َ { :‬و َما أَ ْر َ‬
‫[ االنبياء ‪. ] 25 :‬‬

‫[وقال تعالى] (‪َ { )2‬ولَقَ ْد بَ َع ْثنَا فِي ُك ِّل أُ َّم ٍة َر ُ‬


‫سوال أَ ِن ا ْعبُدُوا هَّللا َ َو ْ‬
‫اجتَنِبُوا الطَّا ُغوتَ } [ النحل‪.] 36 :‬‬
‫ضا أَ ْربَابًا ِمنْ دُو ِن هَّللا ِ } وقال ابن ُج َر ْيج‪ :‬يعني‪ :‬يطيع بعضنا بعضا في معصية هللا‪ .‬وقال عكرمة‪ :‬يعني‪:‬‬ ‫ضنَا بَ ْع ً‬ ‫ثم قال‪َ { :‬وال يَتَّ ِخ َذ بَ ْع ُ‬
‫يسجد بعضنا لبعض‪.‬‬

‫موحدٌ‪ ،‬وطريقتُهُ هي‪:‬‬


‫ِّ‬ ‫‪ ‬ودلَّت اآلية الثالثة على أنَّ لإلسالم طريقةً محدَّدةً في مواجه ِة من أشرك باهللِ و َزعَم أنَّه مؤمنٌ‬

‫س ُك بها‪ ،‬وأه ُّم هذه الشعائر كلمةُ الشهاد ِة‪.‬‬


‫(أوالً) عد ُم االنخداع بالمظاهر والشعائر الدينيَّ ِة التي يتم َّ‬

‫مدلول الكلم ِة بالدعو ِة إلى التوب ِة من الشرك بنوعيه وإخالص العباد ِة هلل وحده وعدم طاعة ارباب من دون هللا‬
‫ِ‬ ‫تحقيق‬
‫ِ‬ ‫طلب‬
‫ُ‬ ‫(ثانياًَ)‬

‫‪ ‬االدلة من السنة‬

‫وفي الحديث‪‹‹ :‬اإلسالم أن تعبد هللا وال تشرك به شيئاً››‪[ .‬متّفق عليه]‪.‬‬

‫قال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬من قال ال إله إالّ هللا وكفر بما يُعبد من دون هللا ح ُرم ماله ودمه وحسابه على هللا ع ّز وج ّل"‪.‬‬

‫س على أن يُعبد هللا ويكفر بما دونه"‪[ .‬متّفق عليه]‪.‬‬


‫وقال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬بُني اإلسالم على خم ٍ‬

‫وقال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬بُعثتُ بصلة األرحام وكسر األوثان"‪[ .‬مسلم]‪.‬‬

‫عن أبي هريرة ‪ ‬أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪{:‬أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال هللا ويؤمنوا بي وبما جئت‬
‫به‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك عصموا منِّي دماءهم وأموالهم إال بحقّها وحسابُهم على هللا}رواه مسلم‪.‬‬

‫وعن أنس ‪ t‬أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪{ :‬من شهد أن ال إله إال هللا واستقبل قبلتنا وصلَّى صالتنا وأكل ذبيحتنا فهو مسلم له‬
‫ما للمسلم وعليه ما على المسلم‪ } ‬رواه البخاري‪.‬‬

‫وقال الحافظ في فتح الباري ‪ :‬وانما جعل الحديث تفسير لالية الن المراد بالتوبة في االية الرجوع عن الكفر‪  ‬الي التوحيد‪  ‬ففسر قوله‬
‫صلي هللا عليه وسلم ( حتي يشهدو ان ال اله اال هللا وان محمد رسول هللا ) وبين االية والحديث مناسبة اخري الن الخلية في االية‬
‫والعصمة في الحديث‪  ‬بمعني واحد‪  ‬اهـ‬

‫والمؤكد أن ما يصير به المرء مسلما ً اليوم هو ما كان يصير به مسلما ً باألمس وذلك أنه ما بعث نبي أو رسول في قوم إال وكانت‬
‫دعوته إلى اإلسالم والتوحيد ال تختلف ‪ ،‬ولكن الذي يختلف هو أوجه الضالل في المجتمعات فتجئ دعوة الرسول لمواجهة ضالالت‬
‫قومه‬

‫ولما كان الكفر مذاهب متنوعة وكانت عقائد الكفّار مختلفة كان ما يت ّم به اإلقرار يختلف تبعا ً لذلك‪ .‬فالوثني الذي ينكر قول ال إله إالّ‬
‫هللا ويعتقد أنّ آلهته تُهلكه إذا كفر بها وقال ال إله إالّ هللا‪ ،‬يكفيه أن يقول ال إله إالّ هللا ليكفّ عنه‪ ،‬فإن شهد بالرسالة والتزم أحكام‬

‫‪116‬‬
‫اإلسالم ُحكم بإسالمه‪ .‬أ ّما من كان يقول ال إله إالّ هللا في كفره فال يكفّ عنه بقول ال إله إالّ هللا بل يُقتل حتى يتب ّرأ من كفره‪ ،‬فإن كان‬
‫يكفر بالنبي صلى هللا عليه وسلم فال يكفّ عنه حتى يقول‪( :‬مح ّم د رسول هللا)‪ ،‬وإن كان كفره بمنع الزكاة أو غيرها من الفرائض فال‬
‫يكفّ عنه حتى يق ّر بما كان منكراً به‪.‬‬

‫واليك اقوال العلماء في فهم هذه االحاديث‪:‬‬

‫قال اإلمام الشافعي (‪150‬ﻫ ‪204 -‬ﻫ) في األ ّم‪ :‬واإلقرار باإليمان وجهان‪" :‬فمن كان من أهل األوثان ومن ال دين له يدّعى أنّه دين‬
‫أقر باإليمان ومتى رجع عنه قُتل‪.‬‬
‫النُّبوة وال كتاب‪ ،‬فإذا شهد أن ال إله إالّ هللا وأنّ محمداً عبده ورسوله فقد ّ‬

‫قال‪ :‬ومن كان على دين اليهودية والنصرانية فهؤالء يدّعون دين موسى وعيسى صلوات هللا وسالمه عليهما وقد بدّلوا منه‪ ،‬وقد‬
‫أُخذ عليهم فيهما اإليمان بمح ّم د رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فكفروا بترك اإليمان به واتّباع دينه مع ما كفروا به من الكذب على‬
‫هللا قبله‪ .‬فقد قيل لي‪ :‬إنّ فيهم من هو ُمقي ٌم على دينه يشهد أن ال إله إالّ هللا وأنّ مح ّمداً عبده ورسوله‪ ،‬ويقول‪" :‬لم يبعث إلينا"‪ .‬فإن‬
‫كان فيهم أح ٌد هكذا فقال أح ٌد منهم‪" :‬أشهد أن ال إله إالّ هللا وأنّ مح ّمداً عبده ورسوله" لم يكن هذا مستكمل اإلقرار باإليمان حتى‬
‫فرض وأبرأ مما خالف دين مح ّم ٍد صلى هللا عليه وسلم أو دين اإلسالم"‪ ،‬فإذا قال هذا فقد استكمل‬ ‫ٌ‬ ‫ق أو‬
‫يقول‪" :‬وأنّ دين مح ّم ٍد ح ٌّ‬
‫اإلقرار باإليمان‪ ،‬فإذا رجع عنه أُستُتِ َ‬
‫يب‪ ،‬فإن تاب وإالّ قُتل‪.‬‬

‫فإن كان منهم طائفةٌ ت َ‬


‫ُعرف بأن ال تُق ّر بنبوة مح ّمد صلى هللا عليه وسلم إالّ عند اإلسالم‪ ،‬أو تزعم أنّ من أق ّر بنبوته لزمه اإلسالم‪،‬‬
‫ُ‬
‫فشهدوا أن ال إله إالّ هللا وأنّ مح ّمداً عبده ورسوله فقد استكملوا اإلقرار باإليمان‪.‬فإن رجعوا عنه اُستُتِيبوا‪ ،‬فإن تابوا وإالّ قتلوا"(‪)1‬‬

‫وقال اإلمام محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبى حنيفة (ت‪189 :‬هـ)‪" :‬لو أنّ يهوديا ً أو نصرانيا ً قال‪ :‬أنا مسلم‪ ،‬لم يكن بهذا القول‬
‫مسلماً‪ ،‬ألنّ كلّهم يقولون نحن مسلمون ونحن مؤمنون ويقولون‪ :‬إنّ ديننا هو اإليمان وهو اإلسالم‪ ،‬فليس في هذا دليل على اإلسالم‬
‫منهم"‬

‫وقال‪" :‬ولو أنّ رجالً من المسلمين حمل على رج ٍل من المشركين ليقتله فقال‪ :‬أشهد أن ال إله إالّ هللا وأنّ محمداً رسول هللا‪ ،‬كان هذا‬
‫صاص‪.]2/310 :‬‬ ‫مسلماً‪ ،‬وإن رجع عن هذا ُ‬
‫ضرب عنقه‪ ،‬ألنّ هذا هو الدليل على اإلسالم"‪[ .‬أحكام القرآن للج ّ‬

‫وقال فى كتابه"السير الكبيرـ الجزء الخامس"‪ :‬باب‪ :‬اإلسالم‪:‬ذكر عن الحسن رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪" :‬أمرت أن‬
‫أقاتل الناس حتى يقولوا‪ :‬ال إله إال هللا فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إال بحقها وحسابهم على هللا قال‪ :‬فكان رسول‬
‫هللا ‪ ‬يقاتل عبدة األوثان وهم قوم ال يوحدون هللا فمن قال منهم‪ :‬ال إله إال هللا كان ذلك دليالً على إسالمه والحاصل أنه يحكم‬
‫بإسالمه إذا أقر بخالف ما كان معلوما ً من اعتقاده ألنه ال طريق إلى الوقوف على حقيقة االعتقاد لنا فنستدل بما نسمع من إقراره‬
‫على اعتقاده فإذا أقر بخالف ما هو معلوم من اعتقاده استدللنا به على أنه بدل اعتقاده وعبدة األوثان كانوا يقرون باهلل تعالى قال هللا‬
‫سأ َ ْلتَ ُهم َّمنْ َخلَقَ ُه ْم لَيَقُولُنَّ هللاُ﴾ [الزخرف‪.]78 :‬‬
‫﴿ولَئِن َ‬
‫تعلى‪َ :‬‬

‫ولكن كانوا ال يقرون بالوحدانية قال هللا تعلى ﴿إِ َذا ِقي َل لَ ُه ْم اَل إِلَهَ ِإالّ هللاُ َي ْ‬
‫ستَ ْكبِرُونَ ﴾ [الصافات‪]35 :‬‬

‫وقال فيما أخبر عنهم ﴿أَ َج َع َل اآللِ َهةَ إِلَ ًها َوا ِحدًا إِنَّ َه َذا لَش َْي ٌء ع َُج ٌ‬
‫اب﴾ فمن قال منهم‪ :‬ال إله إال هللا فقد أقر بما هو مخالف العتقاده‬
‫فلهذا جعل ذلك دليل إيمانه فقال‪" :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا‪ :‬ال إله إال هللا" وعلى هذا المانوية وكل من يدعي اليهم إذا قال‬
‫واحد منهم‪ :‬ال إله إال هللا فذلك دليل إسالمه فأما اليهود والنصارى فهم يقولون‪ :‬ال إله إال هللا فال تكون هذه الكلمة دليل إسالمهم وهم‬
‫في عهد رسول هللا ‪ ‬كانوا ال يقرون برسالته فكان دليل اإلسالم في حقهم اإلقرار بأن محمداً رسول هللا على ما روي عنه أنه دخل‬
‫على جاره اليهودي يعوده فقال‪ :‬اشهد أن ال إله إال هللا وأني رسول هللا فنظر الرجل إلى أبيه فقال له‪ :‬أجب أبا القاسم فشهد بذلك‬
‫ومات فقال ‪" :‬الحمد هلل الذي أعتق بي نسمة من النار" ثم قال ألصحابه‪" :‬لُو أخاكم" قال‪ :‬فأما اليوم ببالد العراق فإنهم‬
‫يشهدون أن ال إله إال هللا وأن محمداً رسول هللا ولكنهم يزعمون أنه رسو ل إلى العرب ال إلى بني إسرائيل ويتمسكون بظاهر قوله‬
‫سواًل ِّم ْن ُه ْم﴾ [الجمعة‪ .]3 :‬فمن يقر منهم بأن محمداً رسول هللا ال يكون مسلما ً حتى يتبرأ من دينه‬ ‫ث فِي اأْل ُ ِّميِّينَ َر ُ‬‫تعلى‪ُ ﴿ :‬ه َو الَّ ِذي بَ َع َ‬
‫مع ذلك أو يقر بأنه دخل في اإلسالم حتى إذا قال اليهودي أو النصراني‪ :‬أنا مسلم أو أسلمت ال يحكم بإسالمه ألنهم ال يدعون ذلك‬
‫فإن المسلم هو المستسلم للحق المنقاد له وهم يزعمون أن الحق ما هم عليه فال يكون مطلق هذا اللفظ في حقهم دليل اإلسالم حتى‬
‫يتبرأ من دينه مع ذلك‪.‬‬

‫قال اإلمام الخطابي في قوله صلى هللا عليه وسلم ‪" :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ال إله إال هللا "معلوم أن المراد بهذا أهل عبادة‬
‫األوثان دون أهل الكتاب‪ ،‬ألنهم يقولون "ال إله إال هللا" ثم يقاتلون وال يرفع عنهم السيف"‪)2(.‬‬

‫وقال اإلمام البغوى‪" :‬الكافر إذا كان وثنيا أو ثنويا ال يق ّر بالوحدانية فإذا قال‪" :‬ال إله إال هللا" حكم بإسالمه ثم يجبر على قبول جميع‬
‫أحكام اإلسالم ويبرأ من كل دين خالف دين اإلسالم‪ .‬وأما من كان مقراً بالوحدانية منكرا للنبوة فإنه ال يحكم بإسالمه حتى يقول محمد‬

‫‪117‬‬
‫رسول هللا‪ .‬وإن كان يعتقد أن الرسالة المحمدية إلى العرب خاصة‪ ،‬فالبد أن يقول ‪ ":‬إلى جميع الخلق"‪ .‬فإن كان كفره بجحود واجب‬
‫أو استباحة محرم فيحتاج أن يرجع عما اعتقده‪.‬ا ﻫ(‪)3‬‬

‫يصح اإلسالم إالّ به أن يعلم المرء بقلبه علم يقين‬


‫ّ‬ ‫وقال اإلمام علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (ت‪456 :‬ﻫ)‪ :‬أ ّول ما يلزم ك ّل أحد وال‬
‫وإخالص ال يكون لشيء من الش ّك فيه أث ٌر وينطق بلسانه وال ب ّد بأنّ ال إله إالّ هللا مح ّمد رسول هللا‪[  .‬المحلى‪]1/2:‬‬

‫وقال اإلمام الحسين البغوي(ت‪516 :‬هـ)‪" :‬الكافر إذا كان وثنيا أو ثنويا ال يق ّر بالوحدانية فإذا قال‪" :‬ال إله إال هللا" حكم بإسالمه ثم‬
‫يجبر على قبول جميع أحكام اإلسالم ويبرأ من كل دين خالف دين اإلسالم‪ .‬وأما من كان مقراً بالوحدانية منكرا للنبوة فإنه ال يحكم‬
‫بإسالمه حتى يقول محمد رسول هللا‪  .‬وإن كان يعتقد أن الرسالة المحمدية إلى العرب خاصة‪ ،‬فالبد أن يقول‪ " :‬إلى جميع الخلق"‪.‬‬
‫فإن كان كفره بجحود واجب أو استباحة محرم فيحتاج أن يرجع عما اعتقده‪.‬ا ﻫ [فتح الباري ‪]12/279‬‬

‫وقال فى شرح السنّ ة ‪ :‬وقوله‪ " :‬حتى يقولوا‪ :‬ال إله إال هللا " أراد به عبدة األوثان دون أهل الكتاب‪ ،‬ألنهم يقولون‪ :‬ال إله إال هللا‪ ،‬ثم‬
‫ال يرفع عنهم السيف حتى يقروا بنبوة محمد ‪ ،j‬أو يعطوا الجزية‪)66\1( .‬‬

‫وقال‪ :‬اتفقت الصحابة والتابعون‪ ،‬فمن بعدهم من علماء السنة على أن األعمال من اإليمان‪ ،‬لقوله سبحانه وتعالى‪ ( :‬إنما المؤمنون‬
‫الذين إذا ذكر هللا وجلت قلوبهم‪)38\1( )  ...‬‬

‫قال اإلمام أبو الوفا بن عقيل(ت‪512 :‬هـ )"لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام‪ ،‬عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع‬
‫وضعوها ألنفسهم فس ُه لت عليهم إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم‪ ،‬وهم عندي كفّا ٌر بهذه األوضاع‪ ،‬مثل تعظيم القبور وخطاب‬
‫الموتى بالحوائج‪ ،‬أو كتب الرقاع فيها‪ :‬يا موالي افعل بي كذا وكذا إلقاء الخرق على الشج ِر اقتدا ًء بمن عبد الالت وال ُعزّى"[عقيدة‬
‫الموحدين‪.]261 :‬‬
‫ّ‬

‫ويقول اإلمام محمد بن الحسن الشيباني ‪ -‬رحمه هللا ‪ (: -‬أن الكافر متى أظهر بخالف ما كان يعتقده فإنه يحكم بإسالمه‪ ،‬واألصل فيه‬
‫قول النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ((:‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا‪  ‬ال إله إال هللا )) وقد كان يقاتل عبدة األوثان وهم كانوا ال‬
‫يقولون ذلك كما قال تعالى ‪ ]:‬إنهم كانوا إذا قيل لهم ال إله إال هللا يستكبرون [[‪ ]1‬فجعل ذلك عالمة إيمانهم ‪ ..‬ثم حين دعا اليهود‬
‫بالمدينة إلى اإلسالم جعل عالمة إيمانهم اإلقرار برسالته حتى قال لليهودي الذي دخل يعوده ((أشهد إني رسول هللا‪ ،‬فلم شهد قال ‪:‬‬
‫الحمد هلل الذي أعتق بي نسمة من النار )) ألنهم كانوا ال يقرون برسالته فجعل ذلك عالمة إيمانهم ‪...‬‬

‫ثم يقول اإلمام ‪ (:‬وأما اليهود والنصارى اليوم بين ظهراني المسلمين إذا قال واحد منهم ‪ :‬أشهد أن ال إله إال هللا وأن محمدًا رسول‬
‫هللا‪ ،‬فإنه ال يكون مسلما بهذا‪ ،‬ألنهم جميعا ً يقولون هذا‪ ،‬ليس من نصراني وال يهودي عندنا نسأله إال قال هذه الكلمة‪ ،‬فإذا إستفسرته‬
‫قال ‪ :‬رسول هللا إليكم ال إلى بنى إسرائيل ويستدلون بقوله تعالى ‪]:‬هو الذي بعث في األميين رسوالً ‪ ‬منهم [[‪ ]2‬والمراد باألميين‬
‫غير أهل الكتاب ‪ .‬فعرفنا أن هذا ال يكون دليل إسالمه حتى يضم إليه التبرؤ فإن كان نصرانيا قال ‪ :‬فأبراء من النصرانية وإن كان‬
‫يهوديا ً قال ‪ :‬وأبراء من اليهودية‪ ،‬فحينئذ يكون مسلماً‪ ،‬إلظهار ما هو مخالف العتقاده[‪() ]3‬شرح السير الكبير للشيبإني ج ‪.)5‬‬

‫‪ ‬قال القاضي عياض‪476( :‬ﻫ – ‪544‬ﻫ)‪" :‬اختصاص عصمة المال والنفس بمن قال "ال إله إال هللا" تعبير عن اإلجابة إلى اإليمان‪.‬‬
‫وأن المراد بذلك مشركو العرب وأهل األوثان‪ ،‬فأما غيرهم ممن يقر بالتوحيد فال يكتفي في عصمه بقول "ال إله إال هللا" إذا كان‬
‫يقولها في كفره" ا هـ‪)4(.‬‬

‫قال اإلمام النووي (‪ 631‬ﻫ ‪ 676 -‬ه‍) وإن كان ممن يزعم أنّ النبي صلى هللا عليه وسلم بعث إلى العرب وحدها أو ممن يقول إنّ‬
‫يصح إسالمه حتى يتب ّرأ مع الشهادتين من ك ّل دين خالف اإلسالم‪ ،‬ألنّه إذا اقتصر على‬
‫ّ‬ ‫مح ّمداً ٌّ‬
‫نبي يُبعث وهو غير الذي بُعث لم‬
‫يصح إسالمه حتى يرجع عما اعتقده ويعيد‬ ‫ّ‬ ‫لم‬ ‫م‬ ‫ر‬
‫ٍّ‬ ‫مح‬ ‫استباحة‬ ‫أو‬ ‫ض‬
‫ٍ‬ ‫فر‬ ‫بجحود‬ ‫د‬‫ّ‬ ‫ارت‬ ‫وإن‬ ‫يعتقده‪،‬‬ ‫ما‬ ‫أراد‬ ‫يكون‬ ‫أن‬ ‫احتمل‬ ‫الشهادتين‬
‫ّ‬
‫المهذب‪ .]19/231 :‬‬ ‫الشهادتين‪[ .‬المجموع شرح‬

‫ي‬‫وقال اإلمام النووي رحمه هللا‪" :‬فأما دخول المشرك النار فهو على عمومه فيدخلها ويخلد فيها‪ ،‬وال فرق فيه بين الكتاب ّي اليهود ّ‬
‫ق بين الكافر عناداً وغيره‪ ،‬وال بين من خالف ملّة اإلسالم وبين‬‫والنصران ّي وبين عبدة األوثان وسائر الكفرة‪ ،‬وال فرق عند أهل الح ّ‬
‫من انتسب إليها ثم ُح كم بكفره بجحده ما يكفر بجحده وغير ذلك"[شرح صحيح مسلم – كتاب اإليمان ‪ -‬باب‪ :‬من مات ال يشرك هلل‬
‫شيئا دخل الجنة ومن مات مشركا دخل النار]‪.‬‬

‫قال اإلمام ابن حجر العسقالني (ت‪852 :‬ﻫ) عن حديث أبي هريرة رضي هللا عنه الذي فيه‪" :‬أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا ال إله‬
‫إالّ هللا""وفيه منع قتل من قال "ال إله إال هللا" ولم يزد عليها وهو كذلك‪ ،‬ولكن هل يصير بمجرد ذلك مسلما؟‪ .‬الراجح ال‪ ،‬بل يجب‬
‫الكف عن قتله حتى يختبر‪ .‬فإن شهد بالرسالة والتزم أحكام اإلسالم‪ ،‬حكم بإسالمه‪ .‬وإلى ذلك اإلشارة بقوله "إال بحق اإلسالم " ا ﻫ‪.‬‬
‫[فتح الباري‪.]12/279 :‬‬

‫‪118‬‬
‫قال اإلمام الصنعاني (‪1059‬ﻫ ‪1182 -‬ﻫ) في تطهير االعتقاد‪" :‬ثم إنّ رأس العبادة وأساسها التوحيد هلل الذي تفيده كلمته التي إليها‬
‫دعت جميع الرسل وهو قول ال إله إالّ هللا والمراد اعتقاد معناها ال مج ّر د قولها باللسان ومعناها إفراد هللا بالعبادة واأللوهية والنفي‬
‫والبراءة من كل معبود دونه"‪.‬‬

‫وقال‪ :‬فإن قلتَ ‪ :‬أفيصير هؤالء الذين يعتقدون في القبور واألولياء والفسقة والخلعاء مشركين كالذين يعتقدون في األصنام؟ قلتَ ‪:‬‬
‫نعم قد حصل منهم ما حصل من أولئك وساووهم في ذلك‪ ،‬بل زادوا في االعتقاد واالنقياد واالستعباد فال فرق بينهم‪[ .‬تطهير‬
‫االعتقاد]‪.‬‬

‫وحج البيت العتيق‪ ،‬وال‬


‫ّ‬ ‫وقال االمام ابن تيمية ‪" :‬إن من لم يعتقد وجوب الصلوات الخمس والزكاة المفروضة وصيام شهر رمضان‬
‫يح ّرم ما ح ّرم هللا ورسوله من الفواحش والظلم والشرك واإلفك فهو كاف ٌر مرت ٌّد يستتاب فإن تاب وإالّ قُستل باتّفاق المسلمين‪ ،‬وال‬
‫يغني عنه التكلّم بالشهادتين"[الفتاوى‪.]106-35/105 :‬‬

‫وقال ايضا‪  ‬رحمه هللا تعالى‪ :‬واإلسالم يتضمن االستسالم هلل وحده‪ ،‬فمن استسلم له ولغيره كان مشركاً‪ ،‬ومن لم يستسلم له كان‬
‫مستكبراً عن عبادته‪ ،‬والمشرك به والمستكبر عن عبادته كافر‪ ،‬واالستسالم له وحده يتضمن عبادته وحده وطاعته وحده‪ ،‬فهذا دين‬
‫اإلسالم الذي ال يقبل هللا عز وجل غيره‪ ،‬وذلك‪  ‬انما يكون بان يطاع‪  ‬في كل وقت بفعل‪  ‬ما امر به في ذلك الوقت‪  ‬فمن بلغته رسالة‬
‫محمد صلي هللا عليه وسلم‪  ‬فلم يقر بما جاء به لم يكن مسلما وال مؤمنا بل يكون كافر‪  ‬وان زعم انه مسلم‪  ‬او مؤمن (مجموع‬
‫الفتاوي ج ‪ 3‬ص ‪)93-91‬‬

‫وقال ايضا رحمه هللا تعالى‪ : ‬ودين اإلسالم الذي ارتضاه هللا وبعث به رسله‪ : ‬هو االستسالم له وحده‪ ،‬فأصله في القلب ‪ .‬والخضوع‬
‫له وحده بعبادته وحده دون ما سواه ‪ .‬فمن عبده وعبد معه إل ًها آخر لم يكن مسل ًما ‪ .‬ومن استكبر عن عبادته لم يكن مسل ًما ‪،‬‬
‫(مجموع الفتاوي ج ‪ 7‬ص ‪)263‬‬

‫وقال‪  ‬ايضا رحمه هللا تعالى‪  :‬وإنما يصير الرجل مسلما حنيفا موحدا إذا شهد ‪ :‬أن ال إله إال هللا ‪ .‬فعبد هللا وحده بحيث ال يشرك معه‬
‫أحدا في تألهه ومحبته له وعبوديته وإنابته إليه وإسالمه له ودعائه له والتوكل عليه ومواالته فيه ; ومعاداته فيه ; ومحبته ما يحب‬
‫; وبغضه ما يبغض ويفنى بحق التوحيد عن باطل الشرك ; وهذا فناء يقارنه البقاء فيفنى عن تأله ما سوى هللا بتأله هللا تحقيقا‬
‫لقوله ‪ :‬ال إله إال هللا فينفي ويفنى من قلبه تأله ما سواه ; ويثبت ويبقي في قلبه تأله هللا وحده ; (مجموع الفتاوي ج ‪ 8‬ص‪)369‬‬

‫قال ابن القيم‪" :‬واإلسالم هو توحيد هللا وعبادته وحده ال شريك له واإليمان باهلل وبرسوله واتباعه فيما جاء به ‪ ،‬فما لم يأت العبد‬
‫بهذا فليس بمسلم وإن لم يكن كافراً معانداً فهو كافر جاهل فغاية هذه الطبقة أنهم كفار جهال غير معاندين وعدم عنادهم ال يخرجهم‬
‫عن كونهم كفاراً ‪ ،‬فإن الكافر من جحد توحيد هللا وكذب رسوله إما عناداً أو جهالً وتقليداً ألهل العناد فهذا وإن كان غايته أنه غير‬
‫معاند فهو متبع ألهل العناد ‪ ،‬بل الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بدين غير دين اإلسالم فهو كافر وأن هللا سبحانه وتعالى‬
‫ال يعذب أحداً إال بعد قيام الحجة عليه بالرسول هذا في الجملة والتعيين موكول إلى علم هللا وحكمه هذا في أحكام الثواب والعقاب ‪،‬‬
‫وأما في أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر األمر فأطفال الكفار ومجانينهم‪  ‬كفار في أحكام الدنيا لهم حكم أوليائهم "‪  ‬اهـ‬

‫قال االمام محمد بن عبد الوهاب ‪:‬وهذا من أعظم ما يبين معنى ال إله إال هللا فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصما ً للدم والمال‪ ،‬بل وال‬
‫معرفة معناها مع لفظها‪ ،‬بل وال اإلقرار بذلك‪ ،‬بل وال كونه ال يدعو إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬بل ال يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى‬
‫ذلك الكفر بما يعبد من دون هللا فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ودمه) (‪.)62‬‬

‫وقال ايضا ‪ :‬ومن المعلوم أن كفار مكة قد علموا مراد النبي صلى هللا عليه وسلم من كلمة ال إله إال هللا فأبوا واستكبروا ولم يك‬
‫ينفعهم إيمانهم بأن هللا واحد رازق محي مميت‪ .‬ولما قال لهم النبي صلى هللا عليه وسلم قولوا‪ :‬ال إله إال هللا قالوا‪{ :‬أجعل األلهة إلها ً‬
‫واحداً إن هذا لشيء عجاب{ [سورة ص‪5 :‬‬

‫فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك‪ ،‬فالعجب ممن يدعي اإلسالم‪ ،‬وهو ال يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكفار‪ ،‬بل‬
‫يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب بشيء من المعاني‪ ،‬والحاذق من يظن أن معناها‪ :‬ال يخلق وال يرزق وال يحيي‬
‫وال يميت وال يدبر األمر كله إال هللا)(‪.)64‬‬

‫وقال ايضا ‪( :‬وهنا شبهة‪ :‬وهي قول من يقول‪ :‬أن النبي صلى هللا عليه وسلم أنكر على أسامة قتل من قال‪( :‬ال إله إال هللا) (‪.)65‬‬
‫وكذلك قوله صلى هللا عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ال إله إال هللا)‪ .‬وأحاديث أخر‪ ،‬في الكف‪  ‬عمن قالها؟‬

‫ومراد هؤالء الجهلة‪ :‬أن من قالها ال يكفر‪ ،‬وال يقتل ولو فعل ما فعل‪.‬‬

‫فيقال لهؤالء المشركين الجهال‪ :‬معلوم أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قاتل اليهود وسباهم وهم يقولون (ال إله إال هللا) وأن‬
‫أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬قاتلوا بني حنيفة وهم يشهدون أن ال إله إال هللا وأن محمداً رسول هللا‪ ،‬ويصلون ويدعون‬

‫‪119‬‬
‫اإلسالم‪ ،‬وكذلك الذين حرقهم علي بن أبي طالب بالنار‪ .‬وهؤالء الجهلة مقرون أن من أنكر البعث كفر وقتل ولو قال ال إله إال هللا‪،‬‬
‫وأن من جحد شيئا ً من أركان اإلسالم كفر وقتل ولو قالها‪.‬‬

‫(فكيف ال تنفعه إذا جحد فرعاً من الفروع وتنفعه إذا جحد التوحيد الذي هو أصل دين الرسل ورأسه؟!‪.‬‬

‫ولكن أعداء هللا ما فهموا معنى األحاديث‪ .‬فمعلوم أن الرجل إذا أظهر اإلسالم وجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يخالف ذلك كما قال‬
‫تعالى‪{ :‬يأيها الذين ءامنوا إذا ضربتم في سبيل هللا فتبينوا وال تقولوا لمن القي اليكم السالم لست مؤمن ) النساء‪.]94:‬‬

‫أي فتثبتوا‪ .‬فدلت اآلية على وجوب الكف حتى يثبت منه‪ ،‬فإذا تبين منه بعد ذلك ما يخالف اإلسالم قتل لقوله تعالى‪( :‬فتبينوا) ولو‬
‫كان ال يقتل إذا قالها لم يكن للتثبيت معنى‪.‬‬

‫قال اإلمام عبد الرحمن بن حسن بن محمد عبد الوهّاب (ت‪1285 :‬ﻫ)‪ :‬قوله (من شهد أن ال إله إالّ هللا ) أي من تكلّم بها عارفا ً‬
‫لمعناها عامالً بمقتضاها باطنا ً وظاهراً ‪ ،‬فال بد في الشهادتين من العلم واليقين والعمل بمدلولها‪ ،‬كما قال هللا تعالى‪﴿ :‬فَا ْعلَ ْم أَنَّهُ ال إِلَهَ‬
‫ق َو ُه ْم يَ ْعلَ ُمونَ ﴾ أما النطق بها من غير معرفة‪  ‬لمعناها وال يقين وال عمل بما تقتضيه من البراءة من‬ ‫ش ِه َد بِا ْل َح ِّ‬
‫إِال هللاُ﴾ ﴿إِالّ َمنْ َ‬
‫نافع باإلجماع‪[ .‬فتح المجيد‪.]33 :‬‬
‫ٍ‬ ‫ر‬‫ُ‬ ‫فغي‬ ‫والجوارح‪-‬‬ ‫القلب‬ ‫وعمل‬ ‫واللسان‬ ‫القلب‬ ‫‪-‬قول‬ ‫والعمل‬ ‫القول‬ ‫الشرك وإخالص‬

‫وقال سليمان بن عبد هللا بن اإلمام محمد بن عبد الوهّاب‪" :‬وأما قول اإلنسان ال إله إالّ هللا من غير معرفة لمعناها وال عمل به‪ ،‬أو‬
‫دعواه أنّه من أهل التوحيد وهو ال يعرف التوحيد بل ربّ ما يخلص لغير هللا من عبادته من الدعاء والخوف والذبح والنذر والتوبة‬
‫واإلنابة وغير ذلك من أنواع العبادات فال يكفي في التوحيد بل ال يكون إالّ مشركا ً والحالة هذه"‪[ .‬تيسير العزيز‪.]140 :‬‬

‫اذا تدبرت هذه االحاديث تبين لك ان النبي صلي هللا عليه وسلم كان يواجه اصناف مختلف من الكفار وان الذين كانت تنفعهم‪  ‬الاله‬
‫اال هللا في عهده‪  ‬كانوا اهل االوثان دون غيرهم من الذين يقولون هذه الكلمة في شركهم مثل اليهود والنصاري اذا فهمت هذا فافهم‬
‫ان المشركين اليوم يقولون هذه الكلمة وهم في شركهم فالتنفعهم كما لم تنفع اليهود والنصاري في عهد النبي صلي هللا عليه وسلم‪ .‬‬

‫المسالة الثانية ‪ :‬اهمية الوالء والبراءة‪:‬‬

‫اعلم هداك هللا الى طريق هللا انه ال يصح اسالم العبد حتى يتبرمن اهل الشرك ويعاديهم ويكفرهم ويتبرا من معبوداتهم كما قال‬
‫تعالى‪ :‬قد كانت لكم اسوة حسنة في ابراهيم والذين معه اذ قالوا لقومهم انا براء منكم ومما تعبدون من دون هللا كفرنا بكم وبدا بيننا‬
‫وبينكم العدواةوالبغضاء ابدا حتى تومنوا باهلل وحده) ومن لم يتبرا منهم فقد توالهم وله عز وجل يقول‪ (:‬ومن يتولهم منهكم فانه‬
‫منهم )‪ ‬‬

‫‪.1‬البراءة منهم وعدم مواالتهم وبغضهم في هللا ‪:‬‬

‫اعلم ان المشركين لم يستجيبوا ل ّربهم الّ ذى يدعوهم إلى صراطه المستقيم صراط التوحيد واإلسالم واستجابوا لنداء الشيطان الذى‬
‫يدعوهم إلى صراط الجحيم صراط الشرك والجاهلية ولذلك فهم أولياء الشيطان عدو هللا الكافر‪ ،‬ومن واَل َى عد َو هللا فقد جاهر بمعادا ِة‬
‫هللا وخروجه عن حزبه المفلح‪ .‬ف ُهما حزبان متعاديان متضادّان ولكل منهما آم ٌر متبوع واألمران ال يتفقان وال يصطلحان ومن ثم‬
‫ضهم وتزول مودّتهم من‬ ‫وجب على من يريد االسالم ان يتبرأ من اهل الشرك و أن يبغضهم‪  ‬فى هللا بل إنّه ال يكون ُمؤمنا ً حتى يُبغ َ‬
‫قلبه قال تعالى‪{:‬التَ ِج ُد قَوماًيُؤ ِمنُ ْونَ بِاَهّلْل ِ َواَ ْليَ ْوم ِ‬
‫األخ ِر يُ َو ْاد ُّْونَ َمنْ َحاْ َّد هَّلْلَا َ َو َر ُ‬
‫س ْولَهُ َولَ ْو َكاْنُوا آبا َءهم أو أبناءهم أو إخوانهم‬
‫ت تجرى من تحتها األنهار خالدين فيهارضى هللا عنهم‬ ‫أوعشيرتهم أولئك كتب فى قلوبهم اإليمان وأيدّهم بروح منه ويدخلهم جنا ٍ‬
‫حزب هللا أال إن حزب هللا هم المفلحون}‪(  ‬المجادلة‪.)22 :‬‬ ‫ُ‬ ‫ورضواعنه أولئك‬

‫وال يحل للمسلم أن يوالى أهل الجاهلية المشركين وأن يتخذ منهم أولياء وكلمة (ول ّى)تحمل معانى القرب والحب والنصرة والطاعة‪ .‬‬
‫والمرء قبل إسالمه كانت عشيرته أوقبيلته أومجتمعه أقرب النّاس إلى قلبه وكان يحبهم ويطيعهم وينصرهم ويرجوا منهم النصرة‬
‫وكان يغضب لهم ويكره مساء تهم وهذا هو (الوالء) فإذا أسلم المرء وبقيت العشيرة أو القبيلة أو‪  ‬المجتمع فى الشرك ال يح ُّل أن‬
‫يستم ّر والؤه لهم وأن يكون كما كان قبل إسالمه بل عليه قطع مواالتهم واتخاذ المؤمنين أولياء له من دونهم فمن أعلن مواالته‬
‫ألهل الشرك وبراءته من أهل التوحيد كان كافرا مشركا مثلهم ومن أعلن مواالته ألهل التوحيد وبراءته من أهل الشرك ولكنه أضمر‬
‫خالف ذلك ووالى المشركين فى الس ّر كان منافقا ً له ما للمنافقين فى الدنيا واالخرة‬

‫قال تعالى‪{ :‬ياأيها الذين امنوا ال تتخذوا أباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على االيمان ومن يتولّهم منكم فأولئك هم‬
‫الظالمون} (التوبة‪23:‬‬

‫‪120‬‬
‫{يَا أَيُّ َها الَّ ِذينَ آ َمنُوا اَل تَت َِّخ ُذوا َع ُد ِّوي َو َع ُد َّو ُك ْم أَ ْولِيَاء تُ ْلقُونَ إِلَ ْي ِهم بِا ْل َم َو َّد ِة ‪َ  ‬وقَ ْد َكفَ ُروا بِ َما َجاء ُكم ِّمنَ ‪ ‬ا ْل َح ِّ‬
‫ق ‪ .}..‬اآلية‪ [ :  ‬الممتحنة ‪:‬‬
‫‪)52(. ] 1‬‬

‫سولَهُ َولوكَانُوا آبَاء ُه ْم أَ ْو أَ ْبنَاء ُه ْم أَ ْو إِ ْخ َوانَ ُه ْم أَ ْو‬


‫قال تعالى{ال ت َِج ُد قَ ْو ًما يُؤْ ِمنُونَ بِاهَّلل ِ َوا ْليَ ْو ِم اآل ِخ ِر يُ َوادُّونَ َمنْ َحا َّد هَّللا َ َو َر ُ‬
‫شي َرتَ ُهم{ [سورة المجادلة‪.]22:‬‬ ‫َع ِ‬

‫ست ََح ُّبو ْا ا ْل ُك ْف َر َعلَى ا ِإلي َما ِن َو َمن يَتَ َولَّ ُهم ِّمن ُك ْم فَأ ُ ْولَـئِ َك ُه ُم‬
‫قال تعالى‪{ :‬يَا أَ ُّي َها الَّ ِذينَ آ َمنُو ْا الَ تَت َِّخ ُذو ْا آبَاء ُك ْم َوإِ ْخ َوانَ ُك ْم أَ ْولِيَاء إَ ِن ا ْ‬
‫الظَّالِ ُمونَ {‪}23‬‬

‫سا ِكنُ‬ ‫َشي َرتُ ُك ْم َوأَ ْم َوا ٌل ا ْقتَ َر ْفتُ ُموهَا َوتِ َجا َرةٌ ت َْخش َْونَ َك َ‬
‫سا َدهَا َو َم َ‬ ‫اج ُك ْم َوع ِ‬ ‫قال تعالى‪ :‬قُ ْل إِن َكانَ آبَا ُؤ ُك ْم َوأَ ْبنَآ ُؤ ُك ْم َوإِ ْخ َوانُ ُك ْم َوأَ ْز َو ُ‬
‫سقِينَ { [سورة التوبة‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫هّللا‬‫و‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫هّللا‬ ‫ي‬ ‫ت‬‫ْ‬
‫سبِيلِ ِه فَ َ َّ ُ َ َ ِ َ ُ ِ ْ ِ ِ َ ُ َ ْ ِ‬
‫أ‬ ‫ي‬ ‫َّى‬ ‫ت‬‫ح‬ ‫ْ‬
‫ا‬ ‫و‬‫ص‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫سولِ ِه َو ِج َها ٍد ِفي َ‬ ‫ض ْونَ َها أَ َح َّ‬
‫ب إِلَ ْي ُكم ِّمنَ هّللا ِ َو َر ُ‬ ‫ت َْر َ‬
‫‪.]24-23‬‬

‫سنَةٌ فِي إِ ْب َرا ِهي َم َوالَّ ِذينَ َم َعهُ إِ ْذ قَالُوا لِقَ ْو ِم ِه ْم إِنَّا بُ َراءؤا ِمن ُك ْم َو ِم َّما تَ ْعبُدُونَ ِمن د ِ‬
‫ُون هَّللا ِ َكفَ ْرنَا ِب ُك ْم‬ ‫س َوةٌ َح َ‬‫وقال تعالى‪{ :‬قَ ْد كَانَتْ لَ ُك ْم أُ ْ‬
‫ضاء أَبَدًا َحتَّى تُؤْ ِمنُوا بِاهَّلل ِ َو ْحدَه)‬ ‫َاوةُ َوا ْلبَ َ‬
‫ْ‬
‫غ‬ ‫َوبَدَا بَ ْينَنَا َوبَ ْينَ ُك ُم ا ْل َعد َ‬

‫يقول اإلمام الطبري‪ :‬قد كانت لكم يا أمة محمد أسوة حسنة في فعل إبراهيم والذين معه في هذه األمور من مباينة الكفار‪ ،‬ومعاداتهم‪،‬‬
‫وترك مواالتهم إال في قول إبراهيم أَ ْ‬
‫ستَ ْغفِ َرنَّ لَكَ فإنه ال أسوة لكم فيه في ذلك ألن ذلك كان من إبراهيم عن موعدة ودعدها إياه‪ ،‬قبل‬
‫أن يتبين له أنه عدو هلل فلما تبين له أنه عدو هلل تبرأ منه‪ ،‬فتبرأوا من أعداء هللا‪ ،‬وال تتخذوا منهم أولياء حتى يؤمنوا باهلل وحده‬
‫ويتبرؤا من عبادة ما سواه‪ ،‬وأظهروا لهم العداوة والبغضاء (‪.)95‬‬

‫‪ ‬وفي الحديث( ابايعك علي ان تعبد هللا وتقيم الصالة وتؤتي الزكاة‪  ‬وتناصح المسلمين‪  ‬وتفارق المشركين )‬

‫ش ِر ُكونَ ‪ِ  ‬من دُونِ ِه فَ ِكيدُونِي َج ِمي ًعا ثُ َّم الَ تُن ِظ ُرو ِن إِنِّي ت ََو َّك ْلتُ َعلَى هّللا ِ َربِّي َو َربِّ ُكم‬ ‫ش َهدُو ْا أَنِّي بَ ِري ٌء ِّم َّما تُ ْ‬ ‫وقال تعالي (إِنِّي أُ ْ‬
‫ش ِه ُد هّللا ِ َوا ْ‬
‫يم[سورة هود‪.]56 – 54:‬‬ ‫ستَقِ ٍ‬‫اط ُّم ْ‬‫ص َر ٍ‬ ‫صيَتِ َها إِنَّ َربِّي َعلَى ِ‬ ‫آخذ بِنَا ِ‬‫ٌ‬ ‫َّما ِمن دَآبَّ ٍة إِالَّ ه َُو ِ‬

‫ص ُمنِي ِمنَ ا ْل َماء قَا َل الَ‬ ‫اركَب َّم َعنَا َوالَ تَ ُكن َّم َع ا ْلكَافِ ِرينَ ‪  ‬قَا َل َ‬
‫سآ ِوي إِلَى َجبَ ٍل يَ ْع ِ‬ ‫وح ا ْبنَهُ َو َكانَ فِي َم ْع ِز ٍل يَا بُنَ َّي ْ‬ ‫{ونَادَى نُ ٌ‬ ‫وقال تعالي َ‬
‫يض ا ْل َماء‬
‫س َماء أقلِ ِعي َو ِغ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ض ا ْبلَ ِعي َماء ِك َويَا َ‬ ‫َاص َم ا ْليَ ْو َم ِمنْ أَ ْم ِر هّللا ِ إِالَّ َمن َّر ِح َم َو َحا َل بَ ْينَ ُه َما ا ْل َم ْو ُج ف َكانَ ِمنَ ا ْل ُم ْغ َرقِينَ َوقِي َل يَا أ ْر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع ِ‬
‫ق َوأَنتَ‬ ‫ب إِنَّ ابُنِي ِمنْ أَ ْهلِي َوإِنَّ َو ْع َد َك ا ْل َح ُّ‬ ‫وح َّربَّهُ فَقَا َل َر ِّ‬ ‫ي َوقِي َل بُ ْعداً لِّ ْلقَ ْو ِم الظَّالِ ِمينَ ‪َ  ‬ونَادَى نُ ٌ‬ ‫ستَ َوتْ َعلَى ا ْل ُجو ِد ِّ‬ ‫ض َي األَ ْم ُر َوا ْ‬ ‫َوقُ ِ‬
‫س لَ َك بِ ِه ِع ْل ٌم ِإنِّي أَ ِعظُ َك أَن تَ ُكونَ ِمنَ ا ْل َجا ِهلِينَ ‪ ‬‬ ‫سأ َ ْل ِن َما لَ ْي َ‬
‫ح فَالَ تَ ْ‬‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬‫ص‬‫َ‬ ‫ر‬
‫ُ‬ ‫ي‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫غ‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫َ ٌ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َّ‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫نْ‬‫م‬‫ِ‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ي‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫وح‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫‪ ‬‬ ‫ينَ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ك‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫أَ ْح َك ُ‬
‫س ِرين[َ سورة هود‪.]47 – 42 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫خ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫نَ‬ ‫م‬
‫ِّ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫َر‬ ‫ت‬ ‫و‬
‫ِْ ِ َ ْ َ ِْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫ْ‬
‫غ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫ال‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ع‬
‫َ ْ َ ِ ِِ ِ ٌ َِ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫كَ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫س‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫نْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫كَ‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ُ‬
‫ُوذ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫ِّ‬ ‫ن‬ ‫قَا َل َ ِّ ِ‬
‫إ‬ ‫ب‬ ‫ر‬

‫قال القرطبي في قوله تعالي ( ومن يتولهم منكم فانه منهم ) أي من تعاضلهم وتناصرهم علي المسلمين فحكمه حكمهم في الكفر‬
‫والجزاء وهذا حكم باق الي يوم القيامة‪  ‬وهو قطع المواالة بين المسلمين والكافرين‬

‫قال ابن القيم رحمه هللا‪:‬‬

‫(ال تصح المواالة إال بالمعاداة كما قال تعالى‪ :‬عن إمام الحنفاء المحبين‪ ،‬أنه قال لقومه‪:‬‬

‫(أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم األقدمون فإنهم عدو لي إال رب العالمين) فلم تصح لخليل هللا هذه المواالة والخلة إال بتحقيق‬
‫هذه المعاداة‪ .‬فإنه ال والء إال هلل‪ ،‬وال والء إال بالبراء من كل معبود سواه قال تعالى‪َ {:‬وإِ ْذ قَا َل إِ ْب َرا ِهي ُم ألَبِي ِه َوقَ ْو ِم ِه إِنَّنِي بَ َراءؤا ِّم َّما‬
‫ين‪َ  ‬و َج َعلَ َها َكلِ َمةً بَاقِيَةً فِي َعقِبِ ِه لَ َعلَّ ُه ْم يَ ْر ِجعُونَ ‪.‬‬ ‫تَ ْعبُدُونَ ‪  ‬إِالَّ الَّ ِذي فَطَ َرنِي فإنهُ َ‬
‫سيَ ْه ِد ِ‬

‫أي جعل هذه المواالة هلل والبراءة من كل معبود سواه كلمة باقية في عقبه يتوارثها األنبياء وأتباعهم بعضهم عن بعض‪ ،‬وهي كلمة‬
‫ال إله إال هللا‪ ،‬وهي التي ورثها إمام الحنفاء ألتباعه إلى يوم القيامة) (‪.)94‬‬

‫وقال ابن القيم ‪ " :‬وقد حكم هللا تعالى بأن من توالهم فإنه منهم وال يتم اإليمان إال بالبراءة منهم والوالية تنافي البراءة فال تجتمع‬
‫الوالية والبراءة أبداً ‪ ".‬أ‪.‬هـ [‪]4‬‬

‫وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ ‪:‬‬

‫" والمرء قد يكره الشرك ‪ ،‬ويحب التوحيد ‪ ،‬لكن يأتيه الخلل من جهة عدم البراءة من أهل الشرك ‪ ،‬وترك مواالة أهل التوحيد‬
‫ب تهدم دينه وما بناه ‪ ،‬تاركا ً من التوحيد أصوالً وشعبا ً ال يستقيم معها‬
‫ونصرتهم ‪ ،‬فيكون متبعا ً لهواه ‪ ،‬داخالً من الشرك في شع ٍ‬

‫‪121‬‬
‫إيمانه الذي ارتضاه ‪ ،‬فال يحب ويبغض هلل ‪ ،‬وال يعادي وال يوالي لجالل من أنشأه وس ّواه ‪ ،‬وكل هذا يؤخذ من شهادة ‪ :‬أن ال إله إال‬
‫هللا "‪]5[.‬‬

‫ومن العالقات التى ال تنقطع بين أهل اإلسالم وأهل الجاهلية‪  ‬التى ال تعد من المواالة‪  ‬صلة األرحام واإلحسان الى الضعفاء‬
‫والمساكين‪   .‬دعوتهم إلى هللا وتعليمهم دين اإلسالم‪ .‬‬

‫األخذ والعطاء فى أمور التجارة والتعامل اليومى‪ .‬أما اإلجتماع معهم فى المعابد والمساجد وهم ال يزالون مصرين على شركهم‬
‫وكفرهم للوقوف بين يدى هللا صفا واحدا واإلقتداء بهم فى صالتهم فهذا ال يجوز ويدل عليه ما يأتى‪:‬قوله تعالى‪ { :‬ما كان للمشركين‬
‫أن يعمروا مساجد هللا شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفى النارهم خالدون } ( التوبة ‪.) 17:‬‬

‫مع قوله تعالى‪ { :‬يا أيها الذبن آمنوا إنما المشركون نجس فال يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } ( التوبة ‪.)28 :‬‬

‫قال تعالى‪ { :‬لكم دينكم ولي دين } (الكافرون‪ .) 6:‬‬

‫فدلت اآلية على أن أهل اإلسالم وأهل الشرك ال يلتقيان فى أمر من األمور الدينية قبل توبة أهل الشرك من الشرك ‪ .‬والصالة من أهم‬
‫أمور الدين كما قال تعالى ‪ {:‬وما أمروا إال ليعبدوا هللا مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصالة ويؤتوا‪  ‬الزكاة وذلك دين القيمة }‪ ‬‬
‫( البينة‪)5 :‬‬

‫صالة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا}‪ (   ‬النساء‪.)103 :‬‬


‫صالة دينا وقوله تعالى‪ { :‬إن ال ّ‬
‫فسمى ال ّ‬

‫صالة فمن صلّى منهم فهو كمن لم يصل فكيف تصح ال ّ‬


‫صالة خلفهم وقد قال تعالى‪{ :‬أولئك‬ ‫فدلت على أن المشركين ليسوا من أهل ال ّ‬
‫حبطت أعمالهم}‬

‫‪ .2‬تكفيرهم ‪:‬‬

‫قال تعالي ( قل يا ايها الكافرون‪  ‬ال اعبد ما تعبدون وال انتم عابدون ما اعبد وال انا عابد ما عبدتم وال انتم عابدون ما اعبد لكم دينكم‬
‫ولي دين)‬

‫قال تعالي ( فال وربك ال يؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم ال يجدوا في انفسهم حرج مما قضيت ويسلموا تسليما )‬

‫ت َوقَ ْد أُ ِم ُر ْوا أَنْ‬


‫وقال تعالى‪﴿ :‬أَلَ ْم تَ َر إِلَ ْى اَلَّ ِذيْنَ يَ ْز ُع ُم ْونَ أَنَّ ُه ْم آ َمنُ ْوا بِ َماْ أُ ْن ِز َل إِلَيْكَ َو َماْ أُ ْن ِز َل ِمنْ قَ ْبلِ َك يُ ِر ْيد ُْونَ أَنْ يَت ََحاْ َك ُم ْوا إِلَ ْى اَ ْلطَاْ ُغ ْو ِ‬
‫الالً بَ ِع ْيداً﴾‪ ‬‬‫ض ْ‬ ‫ضلَّ ُه ْم َ‬‫ش ْيطَاْنُ أَنْ يُ ِ‬ ‫يَ ْكفُ ُر ْوا بِ ِه َويُ ِر ْي ُد اَ ْل َّ‬

‫فبينت هذه االيات‪  ‬انه ال يؤمن باهلل من يريد ان يتحاكم الي الطاغوت‪  ‬وانه ال يكون مؤمن حتي يتحاكم الي كتاب هللا‪  ‬فقد نفي هللا‬
‫بزعمهم انهم مؤمنون‪  ‬ما دام يتحاكمون الي الطاغوت‪.‬‬

‫قال تعالي ( ومن لم يحكم بما انزل هللا فؤلئك هم الكافرون )‬

‫قال تعالي ( هؤالء قومنا اتخذوا من دونه الهة لو ال ياتون عليهم بسلطان بين فمن اظلم ممن افتري علي هللا كذبا)‬

‫قال تعالي ( ومن اضل ممن يدعو من دون هللا من ال يستجيب له الي يوم القيامة وهم عن دعائهم غافولون )‬

‫(ولَ ْو أَش َْر ُكوا‪  ‬لَ َحبِطَ َع ْن ُه ْم َّما كَانُوا يَ ْع َملُونَ ﴾ ‪[ ‬األنعام‪.]88 :‬‬
‫قال تعالي َ‬

‫وقال تعالى‪﴿ :‬قُ ْل أَفَ َغ ْي َر هللَا ِ تَأْ ُم ُر ْونِّ ْي أَ ْعبُ ُد أَيُّ َهاْ اَ ْل َجاْ ِهلُ ْونَ ‪َ .‬ولَقَ ْد أُ ْو ِح َي إِلَ ْي َك َوإِلَ ْى اَلَّ ِذيْنَ ِمنْ قَ ْبلِكَ لَئِنْ أَ ْ‬
‫ش َر ْكتَ لَيَ ْحبَطَنَّ َع َملُ َك َولَتَ ُكونَنَّ‬
‫شاْ ِك ِريْنَ ﴾ [الزمر‪. ]66-64 :‬‬ ‫اس ِرينَ ‪ .‬بَ ِل هللَا َ فَا َ ْعبُ ْد َو ُكنْ ِمنَ اَ ْل َّ‬ ‫ِمنَ اَ َ‬
‫لخ ِ‬

‫ش ِركْ بِاهللِ فَقَ ْد َح َّر َم هللاُ َعلَ ْي ِه ا ْل َجنَّةَ َو َمأْ َواهُ النَّا ُر َو َما لِلظَّالِ ِمينَ ِمنْ أَ ْن َ‬
‫صا ٍر﴾ [المائدة‪.]72:‬‬ ‫وقال تعالى‪﴿ :‬إِنَّهُ َمنْ يُ ْ‬

‫فكل هذه االيات‪  ‬تبين ان‪  ‬من ا شرك باهلل ا يا كان من انواع الشرك مثل من تحاكم الي الطاغوت ونبذ كتاب هللا‪    ‬ومثل من‪  ‬يرجوا‬
‫من دون هللا‪  ‬من ال يضر وال ينفع‪  ‬فكل هؤالء‪  ‬قد بينت االيات انهم كفار وان اعمالهم محبط‪  ‬وان صلوا وصاموا وشهدوا بافواههم‬
‫الف مرة ال اله اال هللا‬

‫‪122‬‬
‫وقال‪  ‬االمام محمد بن عبد الوهاب رحمه هللا تعالى‪:‬‬
‫أصل دين اإلسالم‪ ،‬وقاعدته‪ :‬أمران؛ األول‪ :‬األمر بعبادة هللا وحده ال شريك له؛ والتحريض على ذلك‪ ،‬والمواالة فيه‪ ،‬وتكفير من تركه‬
‫‪ 0‬الثاني‪ :‬اإلنذار عن الشرك في عبادة هللا‪ ،‬والتغليظ في ذلك‪ ،‬والمعاداة فيه‪ ،‬وتكفير من فعله ‪0‬‬
‫والمخالفون في ذلك أنواع؛ فأشدهم مخالفة‪ :‬من خالف في الجميع؛ ومن الناس من عبد هللا وحده‪ ،‬ولم ينكر الشرك‪ ،‬ولم يعاد أهله‪:‬‬
‫ومنهم‪ :‬من عاداهم‪ ،‬ولم يكفرهم ‪ 0‬ومنهم‪ :‬من لم يحب التوحيد‪ ،‬ولم يبغضه ‪ 0‬ومنهم‪ :‬من كفرهم‪ ،‬وزعم أنه مسبة للصالحين ‪0‬‬
‫ومنهم‪ :‬من لم يبغض الشرك‪ ،‬ولم يحبه ‪ 0‬ومنهم‪ :‬من لم يعرف الشرك‪ ،‬ولم ينكره ‪ 0‬ومنهم‪ :‬من لم يعرف التوحيد‪ ،‬ولم ينكره ‪0‬‬
‫ومنهم‪ - :‬وهو أشد األنواع خطراً – من عمل بالتوحيد‪ ،‬لكن لم يعرف قدره‪ ،‬ولم يبغض من تركه‪ ،‬ولم يكفرهم ‪ 0‬ومنهم‪ :‬من ترك‬
‫الشرك‪ ،‬وكرهه‪ ،‬ولم يعرف قدره‪ ،‬ولم يعاد أهله‪ ،‬ولم يكفرهم؛ وهؤالء‪ :‬قد خالفوا ما جاءت به األنبياء‪ ،‬من دين هللا سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫وهللا أعلم‬

‫و قد ذكر في اإلقناع عن الشيخ تقي الدين أن من دعا عليا بن أبي طالب فهو كافر و أن من شك في كفره فهو كافر‪.‬‬

‫‪ ‬و قال الشيخ أبو بطين رحمه هللا ‪:‬‬

‫" و كذا قولنا أن فعل مشركي الزمان عند القبور من دعاء أهل القبور و سؤالهم قضاء الحاجات و تفريج الكربات و الذبح و النذر‬
‫لهم و قولنا هذا شرك أكبر و أن من فعله فهو كافر و الذين يفعلون هذه العبادات عند القبور كفار بال شك و قول الجهال أنكم تكفرون‬
‫المسلمين فهذا ما عرف اإلسالم و ال التوحيد و الظاهر عدم صحة إسالم هذا القائل فإن من لم ينكر هذه األمور التي يفعلها‬
‫المشركون اليوم و ال يراها شيئا فليس ‪ ‬بمسلم " ‪)51(.‬‬

‫و سئل بعض أئمة الدعوة رحمهم هللا ‪:‬‬

‫" رجل دخل هذا الدين و أحبه و لكن ال يعادي المشركين أو عاداهم و لم يكفرهم أو قال أنا مسلم و لكن ال أقدر أن أكفر أهل ال إله إال‬
‫هللا و لو لم يعرفوا معناها و رجل دخل هذا الدين و أحبه و لكن يقول ال أتعرض للقباب و أعلم أنها ال تنفع و ال تضر و لكن ما‬
‫أتعرض لها ؟‬

‫الجواب ‪ :‬أن الرجل ال يكون مسلما إالّ إذا عرف التوحيد و دان به و عمل بموجبه و صدّق الرسول صلى هللا عليه و سلم فيما أخبر‬
‫به و أطاعه فيما نهى عنه و أمر به و آمن به و بما جاء به فمن قال ‪ :‬ال أعادي المشركين أو عاداهم ولم يكفرهم أو قال ال أتعرض‬
‫ألهل ال إله إال هللا و لو فعلوا الشرك و الكفر و عادوا دين هللا أو قال ال أتعرض للقباب فهذا ال يكون مسلما بل هو ممن قال هللا فيهم ‪:‬‬
‫سبِيالً * أُ ْولَـئِ َك ُه ُم ا ْلكَافِرُونَ َحقّاً}‪ [.‬النساء ‪.] 151 – 150 :‬و‬ ‫ض َويُ ِريدُونَ أَن َيت َِّخ ُذو ْا بَيْنَ َذلِكَ َ‬‫ض َونَ ْكفُ ُر بِبَ ْع ٍ‬
‫{ َويقُولُونَ نُؤْ ِمنُ بِبَ ْع ٍ‬
‫هَّللا‬ ‫آْل‬ ‫ْ‬ ‫هَّلل‬ ‫ُ‬ ‫ؤْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫اَل‬
‫هللا سبحانه أوجب معاداة المشركين و منابذتهم و تكفيرهم فقال ‪ { :‬ت َِج ُد ق ْوما يُ ِمنونَ بِا ِ َواليَ ْو ِم ا ِخ ِر يُ َوادُّونَ َمنْ َحا َّد َ‬
‫سولَهُ… }اآلية ‪ [ :‬المجادلة ‪] 22 :‬‬ ‫َو َر ُ‬

‫و قال‪  :‬من شك في كفره مع عداوته له و مقته فكيف بمن يعتقد إسالمه و لم يعاده فكيف بمن أحبه فكيف بمن جادل عنه و عن‬
‫طريقه" (‪ )45‬‬

‫وقال ابنا الشيخ محمد بن عبد الوهاب ( حسين وعبد هللا ) ‪ " :‬فمن قال ال أعادي المشركين ‪ ،‬أو عاداهم ولم يكفرهم ‪ ،‬أو قال ال‬
‫أتعرض ألهل ال إله إال هللا ولو فعلوا الكفر والشرك وعادوا دين هللا ‪ ،‬أو قال ال أتعرض للقباب فهذا ال يكون مسلما ً بل هو ممن قال‬
‫سبِيال ‪ ،‬أُ ْولَئِ َك ُه ْم ا ْلكَافِرُونَ َحقًّاوهللا أوجب معاداة‬
‫ض َويُ ِريدُونَ أَنْ يَتَّ ِخ ُذوا بَيْنَ َذلِكَ َ‬
‫ض َونَ ْكفُ ُر بِبَ ْع ٍ‬
‫هللا فيهم‪َ  ‬ويَقُولُونَ نُؤْ ِمنُ بِبَ ْع ٍ‬
‫المشركين ومنابذتهم وتكفيرهم ‪  ".‬أ‪.‬هـ [‪]6‬‬

‫وقال عبد الرحمن بن حسن ‪" :‬فال يتم ألهل التوحيد توحيدهم إال باعتزال أهل الشرك وعداوتهم ‪]7[ ".‬‬

‫ووجه الداللة من هذه األقوال‪ :‬أن من ظاهر الكفار وأعانهم على المسلمين فهو منهم ألنه لم يعادهم ولم يبغضهم بل ظاهره يحب‬
‫نصرتهم ولذا أعانهم على المسلمين‪ ،‬وال عذر له بالتأويل والجهل‪.‬‬

‫نقل أبا بطين من كالم ابن تيمية ‪ (:‬إن األمور الظاهرة التي يعلم الخاصة والعامة من المسلمين أنها من دين اإلسالم مثل األمر بعبادة‬
‫هللا وحده ال شريك له ومثل معاداة اليهود والنصارى والمشركين ومثل تحريم الفواحش والربا والخمر والميسر‪  ‬ونحو ذلك فيكفر‬
‫مطلقا ً‪ -  ‬أي ال يعذر بالجهل وال التأويل ‪]8[) -‬‬

‫قال القاضي عياض ‪ - :‬ولهذا نكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل أو وقف فيهم أو شك أو صحح مذهبهم وإن أظهر اإلسالم‬
‫وأعتقده ‪ ،‬وأعتقد إبطال كل مذهب سواه فهو كافر بإظهاره ما يخالف ذلك‪.‬‬

‫المسالة الثالثة ‪ :‬اطالق الحكم علي‪  ‬الدار او المجتمع بالكفر‬

‫‪123‬‬
‫اوال‪  ‬حكم الدار‪:‬‬

‫قال ابن القيم رحمـه هللا ‪ [ :‬قال الجمهــور‪ :‬دار اإلسـالم هى التي نزلها المسلمــون وجــرت عليـها أحكــام اإلسالم ‪ ،‬ومالم تجر‬
‫عليه أحكام اإلسالم لم يكن دار إسالم وإن الصقها‪ ،‬فهذه الطائف قريبة إلى مكة جداً ولم تصر دار إسالم بفتح مكة ] أحكام أهل‬
‫الذمة‪      .‬‬

‫قال اإلمام الشافعي رحمه هللا ‪:‬متى ارتد أهل بلد وجرت فيه أحكامهم صاروا دار‪  ‬حرب في اغتنام‪  ‬أموالهم وسبي ذراريهم الحادثين‬
‫بعد الردة ‪.‬‬

‫وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي‪(:‬ك ُّل دار كانت الغلبة فيها ألحكام الكفر دون أحكام اإلسالم فهي دار الكفر‪(.‬‬

‫وقال المرداوي رحمه هللا‪( :‬ودار الحرب‪ :‬ما يغلب فيها حكم الكفر (‪.‬‬

‫وقال الشوكاني رحمه هللا) ‪:‬االعتبار ‪ -‬في الدار ‪ -‬بظهور الكلمة‪ ،‬فإن كانت‬

‫األوامر والنواهي في الدار ألهل اإلسالم بحيث ال يستطيع من فيها من الكفار أن يتظاهر بكفره إال لكونه مأذونا ً له بذلك من أهل‬
‫اإلسالم فهذه دار إسالم‪ ،‬وال يضر ظهور الخصال الكفرية فيها ألنها لم تظهر بقوة الكفار‪ ،‬وال بصولتهم كما هو مشاهد في أهل الذمة‬
‫من اليهود والنصارى والمعاهدين الساكنين في المدائن اإلسالمية‪ ،‬وإذا كان األمر بالعكس‪ ،‬فالدار بالعكس)‪.‬‬

‫قال الشيخ اإلمام حمد بن عتيق رحمه هللا في جوابه لمن ناظره في حكم أهل مكة‪ ،‬وما يقال في البلد نفسه؟فأجاب بقوله‪﴿ :‬سبحانك ال‬
‫علم لنا إال ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم﴾جرت المذاكرة في كون مكة؛ بلد كفر أم بلد إسالم؟فنقول وباهلل التوفيق؛ قد بعث هللا‬
‫محمداً صلى هللا عليه وسلم بالتوحيد الذي هو دين جميع الرسل‪ ،‬وحقيقته؛ هو مضمون شهادة "أن ال إله إال هللا"‪ ،‬وهو أن يكون‬
‫هللا معبود الخالئق‪ ،‬فال يتعبدون لغيره بنوع من أنواع العبادة‪ ،‬ومخ العبادة هو الدعاء‪ ،‬ومنها الخوف والرجاء والتوكل واإلنابة‬
‫والذبح والصالة‪ ،‬وأنواع العبادة كثيرة‪ ،‬هذا األصل العظيم الذي هو شرط في صحة كل عمل‪.‬‬

‫واألصل الثاني؛ هو طاعة النبي صلى هللا عليه وسلم في أمره‪ ،‬وتحكيمه في دقيق األمور وجليلها‪ ،‬وتعظيم شرعه ودينه‪ ،‬واإلذعان‬
‫ألحكامه في أصول الدين وفروعه‪ .‬فاألول؛ ينافي الشرك‪ ،‬وال يصح وجوده مع وجوده‪ .‬والثاني؛ ينافي البدع‪ ،‬وال يستقيم مع حدوثها‪.‬‬

‫فإذا تحقق وجود هذين األصلين ‪ -‬علما ً وعمالً ودعوة ‪ -‬وكان هذا دين أهل البلد ‪ -‬أي بلد كان ‪ -‬بأن عملوا به ودعوا إليه وكانوا‬
‫أولياء لمن دان به‪ ،‬ومعادين لمن خالفه؛ فهم موحدون‪.‬‬

‫وأما إذا كان الشرك فاشياً‪ ،‬مثل؛ دعاء الكعبة والمقام والحطيم ودعاء األنبياء والصالحين‪ ،‬وإفشاء توابع الشرك‪ ،‬مثل؛ الزنا والربا‬
‫وأنواع الظلم ونبذ السنن وراء الظهر‪ ،‬وفشو البدع والضالالت‪ ،‬وصار التحاكم إلى األئمة الظلمة ونواب المشركين‪ ،‬وصارت الدعوة‬
‫إلى غير القرآن والسنة‪ ،‬وصار هذا معلوما ً ‪ -‬في أي بلد كان ‪ -‬فال يشك من له أدنى علم؛ أن هذه البالد محكوم عليها بأنها بالد كفر‬
‫وشرك‪ ،‬ال سيما إذا كانوا معادين أهل التوحيد وساعين في إزالة دينهم وفي تخريب بالد اإلسالم‪ .‬وإذا أردت إقامة الدليل على ذلك؛‬
‫وجدت القرآن كله فيه‪ ،‬وقد اجمع عليه العلماء‪ ،‬فهو معلوم بالضرورة عند كل عالم‪.‬‬

‫وأما قول القائل؛ "ما ذكرتم من الشرك إنما هو في اآلفاقية‪ ،‬ال من أهل البلد"‪.‬فيقال له؛ أوال؛ هذا اما مكابرة‪ ،‬وأما عدم علم بالواقع‪،‬‬
‫فمن المتقرر أن أهل اآلفاق تبع ألهل تلك البالد في دعاء الكعبة والمقام والحطيم‪ ،‬كما يسمعه كل سامع‪ ،‬ويعرفه كل موحد‪.‬ويقال‬
‫ثانياً؛ إذا تقرر وصار هذا معلوماً‪ ،‬فذاك كاف في المسئلة‪ ،‬ومن الذي فرق في ذلك‪.‬‬

‫ويا هلل العجب! إذا كنتم تخفون توحيدكم في بالدهم‪ ،‬وال تقدرون ان تصرحوا بدينكم وتخافتون بصالتكم ألنكم علمتم عداوتهم لهذا‬
‫الدين وبغضهم لمن دان به‪ ،‬فكيف يقع لعاقل اشكال؟!‬

‫أرأيتم لو قال رجل منكم لمن يدعو الكعبة أو المقام أو الحطيم ويدعو الرسول والصحابة؛ "يا هذا ال تدعو غير هللا"‪ ،‬أو "أنت‬
‫مشرك"‪ ،‬هل تراهم يسامحونه؟ أم يكيدونه؟‬

‫فليعلم المجادل؛ انه ليس على توحيد هللا‪ ،‬فوهللا ما عرف التوحيد وال تحقق بدين الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ .‬أرأيت رجالً عندهم‬
‫قائالً لهؤالء؛ "راجعوا دينكم"‪ ،‬أو "اهدموا البناآت على القبور‪ ،‬وال يحل لكم دعاء غير هللا"‪ ،‬هل ترى يكفيهم فيه فعل قريش‬
‫بمحمد صلى هللا عليه وسلم ؟! ‪  ‬ال! وهللا‪ ...‬ال! وهللا‪.‬‬

‫وإذا كانت الدار؛ دار إسالم‪ ،‬ألي شيء لم تدعوهم إلى اإلسالم وتأمرهم بهدم القباب واجتناب الشرك وتوابعه‪.‬‬
‫فإن يكن قد غركم أنهم يصلون ويحجون أو يصومون ويتصدقون‪ ،‬فتأملوا األمر من اوله؛ وهو أن التوحيد قد تقرر في مكة بدعوة‬

‫‪124‬‬
‫إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السالم‪ ،‬ومكث أهل مكة عليه مدة من الزمن‪ ،‬ثم فشا فيهم الشرك بسبب عمرو بن لحي وصاروا‬
‫مشركين‪ ،‬وصارت البالد؛ بالد شرك‪ ،‬مع أنه قد بقي معهم أشياء من الدين‪ ،‬وكما كانوا يحجون ويتصدقون على الحاج وغير الحاج‪،‬‬
‫وقد بلغكم شعر عبد المطلب الذي اخلص فيه قصة الفيل‪ ،‬وغير ذلك من البقايا‪ ،‬ولم يمنع الزمان ذلك من تكفيرهم وعداوتهم‪.‬‬

‫بل الظاهر عندنا وعند غيرنا؛ أن شركهم اليوم أعظم من ذلك الزمان‪ .‬بل قبل هذا كله؛ أنه مكث أهل األرض بعد آدم عشرة قرون‬
‫على التوحيد‪ ،‬حتى حدث فيهم الغلو في الصالحين‪ ،‬فدعوهم مع هللا؛ فكفروا‪ ،‬فبعث هللا إليهم نوحا ً عليه السالم يدعو إلى التوحيد‪،‬‬
‫فتأمل ما قص هللا عنهم‪.‬‬

‫وكذا ما ذكر عن هود عليه السالم؛ أنه دعاهم إلى اخالص العبادة هلل‪ ،‬ألنهم لم ينازعوه في أصل العبادة‪.‬‬
‫وكذلك؛ إبراهيم دعا وقومه إلى اخالص التوحيد‪ ،‬وإال فقد أقروا هلل باآللهية‪ .‬وجماع األمر؛ أنه إذا ظهر في بلد دعاء غير هللا وتوابع‬
‫ذلك‪ ،‬واستمر أهلها عليه وقاتلوا عليه‪ ،‬وتقررت عندهم عداوة أهل التوحيد وأبوا عن االنقياد للدين‪ ،‬فكيف ال يحكم عليها بأنها بلد‬
‫كفر؟! ‪ -‬ولو كانو ال ينتسبون ألهل الكفر‪ ،‬وأنهم منهم بريئون‪ ،‬مع مسبتهم لهم‪ ،‬وتخطئتهم لمن دان به‪ ،‬والحكم عليهم بأنهم خوارج‬
‫أو كفار‪ ،‬فكيف إذا كانت هذه األشياء كلها موجودة فهذه مسئلة عامة كلية‪.‬‬

‫اإلسالم‪ :‬هَي التي تجري أحكام اإلسالم فيها‪ ،‬وإن لم‬


‫ِ‬ ‫إسالم ودار كف ٍر‪ ،‬فدا ُر‬
‫ٍ‬ ‫وقال عبد هللا أبو بطين‪( :‬قا َل األَصحاب‪ :‬الدار داران؛ دار‬
‫يكن أهلُها مسلمين‪ ،‬وغيرها دار كف ٍر( ‪.‬‬
‫سئل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه هللا‪ :‬هل تجب الهجرة من بالد المسلمين التي يُحكم فيها بالقانون؟ فأجاب‪ :‬البلد التي‬
‫يُحكم فيها بالقانون ليست بلد إسالم‪ ,‬تجب الهجرة منها‪( .‬فتاوى الشيخ ‪ 6/188‬ط‪1399.‬‬

‫قال اإلمام الشافعي رحمه هللا ‪ :‬متى ارتدا أهل بلد وجرت فيه أحكامهم صاروا دار‪  ‬حرب في اغتنام‪  ‬أموالهم وسبي ذراريهم‬
‫الحادثين بعد الردة ‪.‬‬

‫‪  ‬وقال الحنابلة‪  ( :‬أنها دار كفر فيها أحكامهم‪ ،‬فكانت دار حرب كما لو أجتمع فيها هذه الخصال‪ ،‬أو دار الكفرة األصليين‪( )..‬المغنى‬
‫ج ‪ 8‬ـ باب حكم المرتد)‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬اطالق الحكم علي‪  ‬المجتمع‪  ‬باسالم او بكفر‬

‫اذا عرفت ان الدار التي تجري عليها احكام الكفر تصير دار الكفر‪  ‬فاعلم ان‪  ‬المجتمع الدي يتحاكم اليها ويرضي بحكمها يكون‪ ‬‬
‫مجتمع كافر وان كان فيه مسلم يكتم ايمانه‪  ‬ولكن‪  ‬اسم هذا المجتمع يكون مجتمع جاهلي و أن المقصود األصلي من حكم الدار هو‬
‫أهلها ال مجرد الدار نفسها‌‍‍‪ ‍..‬وعلى هذا أدلة كثيرة اذكر منها على سبيل االختصار‪،‬‬

‫قال هللا تعالى عن إخوة يوسف عليه السالم‪ ]:‬واسئل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا‪ ]9[[..‬اآلية‪ ..‬يقول األمام القرطبي رحمه‬
‫هللا في تفسيرها ‪ (:‬وسئل القرية‪ ,‬أي أهلها‪ ..‬والقول في العير كالقول في القرية سواء)‪..‬‬

‫وقال تعالي‪( :‬واسالهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر ) االعراف ‪163‬وقال تعالي‪ ( : ‬وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة )‬
‫االنبياء‬

‫وقال تعالي‪ ( :‬ولو ا ن اهل القري امنو واتقوا) االعراف ‪96‬‬

‫وكما تبين االيات فان المراد‪  ‬من القرية‪   ‬هم اهلها‪ ‬‬

‫‪ ‬وكذلك‪  ‬قول هللا تعالى ‪] :‬إن اإلنسان لكفور[[‪ .. ]10‬وقوله تعالى ‪] :‬إن اإلنسان لظلوم كفار[[‪  ]11‬مع أنه هناك من الناس األنبياء‬
‫والصالحين ولكن المراد حكم األكثرية‪ ،‬حيث قال هللا تعالى في أكثر من أية أن أكثر الناس ضالين ‪ ..‬كقوله تعالى ‪] :‬وما يؤمن أكثرهم‬
‫باهلل إال وهم مشركون [[‪ ..]12‬وقوله تعالى‪] :‬وقليالً من عبادي الشكور [[‪ .. ]13‬وقال تعالى‪] :‬ولكن أكثرهم للحق كارهون[[‪.]14‬‬

‫وقال‪﴿ :‬إِنِّي أَ َراكَ َوقَ ْو َمكَ ِفي َ‬


‫ضالَ ٍل ُّمبِ ٍ‬
‫ين﴾ [األنعام‪.]74 :‬‬

‫ب هّللا ُ َمثَالً قَ ْريَةً كَانَتْ آ ِمنَةً ُّم ْط َمئِنَّةً يَأْتِي َها‬


‫ض َر َ‬‫﴿و َ‬‫﴿ربَّنَا أَ ْخ ِر ْجنَا ِمنْ هَـ ِذ ِه ا ْلقَ ْريَ ِة الظَّالِ ِم أَ ْهلُ َها﴾ [النساء‪.]75 :‬وقال تعالى‪َ :‬‬ ‫وقال تعالى‪َ :‬‬
‫صنَعُونَ ﴾ [النحل‪.]112 :‬‬ ‫ف ِب َما كَانُو ْا َي ْ‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫خ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫وع‬‫ج‬ ‫ْ‬
‫ل‬
‫َ ُ َِ َ ُ ِ َ ْ ِ‬‫ا‬ ‫اس‬ ‫ب‬‫ل‬ ‫هّللا‬ ‫ا‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ذ‬ ‫َ‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫هّللا‬ ‫م‬
‫َ ِ ُِ ِ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬‫ب‬ ‫تْ‬‫ر‬‫َ‬ ‫ف‬‫ك‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َان‬
‫ك‬ ‫م‬
‫ِّ َ ٍ‬‫ل‬‫ك‬‫ُ‬ ‫ن‬‫ِر ْزقُ َها َر َغدًا ِّم‬

‫وقال تعالى‪﴿ :‬إِنَّ َها كَانَتْ ِمن قَ ْو ٍم كَافِ ِرينَ ﴾ [النمل‪.]43 :‬‬

‫ب نَ ِّجنِي ِمنَ ا ْلقَ ْو ِم الظَّالِ ِمينَ ﴾ [القصص‪.]21 :‬‬


‫﴿ر ِّ‬
‫وقال تعالى‪َ :‬‬

‫‪125‬‬
‫ص ْرنَا َعلَى ا ْلقَ ْو ِم ا ْلكَافِ ِرينَ ﴾ [البقرة‪ .]250 :‬‬
‫وقال تعالى‪َ ﴿ :‬وان ُ‬

‫يقول األمام أبن قدامه رحمه هللا عن دار اإلسالم ‪ .. (:‬أن الدار دار إسالم يحكم بإسالم لقيطها ومن ال يُعرف حاله فيها ) ‪..‬‬

‫ويقول عند كالمه عن الطفل الذي يموت أحد أبويه الكافرين ‪ (:‬وألن المسألة مفروضة في من مات أبواه في دار اإلسالم‪ ،‬وقضية‬
‫الدار الحكم بإسالم أهلها‪ ،‬ولذلك حكمنا بإسالم لقيطها ‪..‬‬

‫وإنما ثبت الكفر للطفل‪  ‬الذي له أبوان فإذا عدما أو أحدهما‪ ،‬وجب إبقاؤه على حكم الدار‪ ،‬النقطاع تبعيته لمن يكفر بها ‪ ( ...‬إلى أن‬
‫قال ) ‪ :‬وهذا فيما إذا كان في دار اإلسالم‪ ،‬ألنه متى انقطعت تبعيته ألبويه أو أحداهما ثبت له حكم الدار‪ ،‬فأما دار الحرب فال نحكم‬
‫بإسالم ولد الكافرين فيها بموتهما وال موت أحدهما ‪،‬ألن الدار ال يحكم بإسالم أهله وكذلك لم نحكم بإسالم لقيطها )‪ (   ‬المغني ج ‪8‬‬
‫ص ‪ )140‬وقال أيضا ً عن الميت الذي ال يعرف حاله ‪ (:‬وأن وجد ميت فلم يُعلم أمسلم هو أم كافر ‪ ..‬نظر إلى العالمات‪ ،‬من الختان‬
‫صلى عليه ‪ ..‬وإن كان في دار الكفر لم ي ُغسل ولم يصل‬ ‫والثياب والخضاب فإن لم يكن عليه عالمة[‪ ،]15‬وكان في دار اإلسالم ُغ ّ‬
‫سل و ُ‬
‫عليه‪ ،‬نص عليه أحمد‪ ،‬ألن األصل‪ ،‬أن من كان في دار فهو من أهلها يثبت له حكمهم[‪ ]16‬ما لم يقم على خالفه دليل) (المغني‪  ‬ج ‪2‬‬
‫ص ‪ 537‬كتاب الجنائز )‬

‫يقول اإلمام إبن تيمية رحمه هللا [ وقد يكون في بالد الكفر من هو مؤمن في الباطن يكتم إيمانه ‪ ،‬فيقتله المسلمون وال يصلون‬
‫عليه ‪ ،‬ويدفن في مقابر الكفار وتربة الكفار ‪ ..‬وهو في اآلخرة من أهل الجنة ‪ ،‬كما أن المنافقين تجري عليهم في الدنيا أحكام‬
‫المسلمين وهم في اآلخرة في الدرك األسفل من النار ‪ ،‬فحكم الدار اآلخرة غير حكم دار الدنيا ‪ [ ]..‬أحكام أهل الذمة ج‪ ]2‬‬

‫يقول الشيخ مصطفي صبري رحمه هللا شيخ اإلسالم في الدولة العثمانية ‪ (:‬فصل الدين عن الدولة ارتداد عن اإلسالم من الحكومة‬
‫أوالً ومن األمة ثانيا ً‪ ،‬إن لم يكن ارتداد الداخلين في حوزة تلك الحكومة باعتبارها أفراداً فباعتبارها جماعة‪ ،‬وهو أقصر طريق إلى‬
‫الكفر من ارتداد األفراد‪ ،‬بل إنه يتضمن ارتداد األفراد أيضا لقبولهم الطاعة لتلك الحكومة المرتدة) (موقف العقل والعلم والعالم من‬
‫رب العالمين ـ مصطفي صبري )‪ .‬‬

‫وقال سيد قطب رحمه هللا‪ :‬والذين يظنون أنفسهم في (دين هللا) ألنهم يقولون بأفواههم (نشهد أن ال إله إال هللا وأن محمداً رسول‬
‫هللا) ويدينون هلل فعال في شؤون الطهارة والشعائر والزواج والطالق والميراث‪ ...‬بينما هم يدينون فيما وراء هذا الركن الضيق لغير‬
‫هللا‪ ،‬ويخضعون لشرائع لم يأذن بها هللا ‪ -‬وكثرتها مما يخالف مخالفة صريحة شريعة هللا ‪ -‬ثم هم يبذلون أرواحهم وأموالهم و‬
‫أعراضهم وأخالقهم ‪ -‬أرادوا أم لم يريدوا ‪ -‬ليحققوا متطلبه منهم األصنام الجديدة‪ ،‬فإذا تعارض دين أو خلق أو عرض مع مطالب‬
‫هذه األصنام‪ ،‬نبذت أوامر هللا فيها ونُفذت مطالب هذه األصنام ‪..‬‬

‫‪ ‬الذين يظنون أنفسهم مسلمين وفي( دين هللا ) وهذا حالهم ‪ ..‬عليهم أن‪  ‬يستفيقوا لما هم فيه من الشرك العظيم ‪ ..‬إن دين هللا ليس‬
‫بهذا الهزال الذي يتصوره من يزعمون أنفسهم ( مسلمين ) في مشارق األرض ومغاربها ‪.‬‬

‫ويقول رحمه هللا ‪ [ :‬لقد استدار الزمان كهيئة يوم جاء هذا الدين للبشرية بال إله إال هللا‪ ،‬فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد وجور‬
‫األديان‪ ،‬ونكفت عن ال إله إال هللا‪ ،‬وإن ظل فريق منها يردد على المآذن‪ (  ‬ال إله إال هللا ) دون أن يدرك مدلولها ودون أن يعي هذا‬
‫المدلول وهو يرددها‪ ،‬ودون أن يرفض شرعية الحاكمية التي يدّعيها العباد ألنفسهم ‪...‬‬

‫ويقول رحمه هللا ‪ (:‬إن البدء في أي حركة إسالمية هي تعرية الواقع الجاهلي الذي تعيشه معظم البالد اإلسالمية (أي التي تسمى‬
‫إسالمية) وتجريد هذا الواقع من ردائه الزائف وإظهاره على حقيقته وما يمثله من كفر وشرك وردة ونفاق‪ ،‬ووصفه بالوصف الذي‬
‫يوافق واقعه‪ ،‬حتى ينتبه الناس إلى حقيقة واقعهم وما أنتهي إليه أمرهم في شأن اإلسالم والمسلمين) ‪( .‬الظالل)‪.‬‬

‫هل القرا ئن المشتركة بين المشركين والمسلمين عالمة داله علي االسالم ؟‬

‫الجواب‪ :‬قد ذكر علماء السلف أمثلة كثيرة توضح ما قلناه مما ال يترك مجاالً للشك في عدم اعتبار القرائن المشتركة عالمة على‬
‫اإلسالم ننقل لك منها ما ذكره اإلمام أبن قدامه رحمه هللا حيث يقول ‪ (:‬إذا صلى الكافر حكم بإسالمه سواء كان في دار الحرب أو دار‬
‫إسالم‪ ،‬أو صلى جماعة أو فرادى‪ ،‬وقال الشافعي إن صلى في دار الحرب حكم بإسالمه وإن صلى في دار اإلسالم لم يحكم بإسالمه‬
‫ألنه يحتمل أنه صلى رياء وتقية ‪.‬‬

‫يقول اإلمام الفقيه الكاساني في كتابه " بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع " ‪::‬‬
‫" الطرق التي يحكم بها بكون الشخص مؤمنا ثالثة ‪ :‬نص ‪ ،‬وداللة ‪ ،‬وتبعية ‪.‬‬
‫أما النص فهو أن يأتي بالشهادة ‪ ،‬أو بالشهادتين ‪ ،‬أو يأتي بهما مع التبرؤ مما هو عليه صريحا ‪.‬‬
‫وبيان هذه الجملة أن الكفرة أصناف أربعة ‪ :‬صنف منهم ينكرون الصانع أصال ‪ ،‬وهم الدهرية المعطلة ‪ ،‬وصنف منهم يقرون‬
‫بالصانع وينكرون توحيده ‪ ،‬وهم الوثنية والمجوس ‪ ،‬وصنف منهم يقرون بالصانع وتوحيده وينكرون الرسالة رأسا ‪ ،‬وهم قوم من‬
‫الفالسفة ‪ ،‬وصنف منهم يقرون بالصانع وتوحيده والرسالة في الجملة ‪ ،‬لكنهم ينكرون رسالة نبينا محمد ‪ -‬عليه أفضل الصالة‬

‫‪126‬‬
‫والسالم ‪ -‬وهم اليهود والنصارى ‪ ،‬فإن كان من الصنف األول والثاني ‪ ،‬فقال ‪ :‬ال إله إال هللا يحكم بإسالمه ; ألن هؤالء يمتنعون عن‬
‫الشهادة أصال ‪.‬‬
‫فإذا أقروا بها كان ذلك دليل إيمانهم وكذلك إذا قال ‪ :‬أشهد أن محمدا رسول هللا ; ألنهم يمتنعون من كل واحدة من كلمتي الشهادة ‪،‬‬
‫فكان اإلتيان بواحد منهما ‪ -‬أيتهما كانت ‪ -‬داللة اإليمان ‪ ،‬وإن كان من الصنف الثالث فقال ‪ :‬ال إله إال هللا ال يحكم بإسالمه ; ألن منكر‬
‫الرسالة ال يمتنع عن هذه المقالة ‪ ،‬ولو قال ‪ :‬أشهد أن محمدا رسول هللا يحكم بإسالمه ; ألنه يمتنع عن هذه الشهادة ‪ ،‬فكان اإلقرار‬
‫بها دليل اإليمان ‪.‬‬
‫وإن كان من الصنف الرابع فأتى بالشهادتين فقال ‪ :‬ال إله إال هللا ‪ ،‬محمد رسول هللا ال يحكم بإسالمه حتى يتبرأ من الدين الذي عليه ;‬
‫من اليهودية أو النصرانية ; ألن من هؤالء من يقر برسالة رسول هللا ; صلى هللا عليه وسلم‪  ‬لكنه يقول ‪ :‬إنه بعث إلى العرب خاصة‬
‫دون غيرهم فال يكون إتيانه بالشهادتين بدون التبرؤ دليال على إيمانه ‪ ،‬وكذا إذا قال يهودي أو نصراني ‪ :‬أنا مؤمن أو مسلم أو‬
‫قال ‪ :‬آمنت أو ‪ :‬أسلمت ال يحكم بإسالمه ; ألنهم يدعون أنهم مؤمنون ومسلمون ‪ ,‬واإليمان واإلسالم هو الذي هم عليه وروى‬
‫الحسن عن أبي حنيفة ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬أنه قال ‪ :‬إذا قال اليهودي أو النصراني ‪ :‬أنا مسلم أو قال ‪ :‬أسلمت سئل عن ذلك أي شيء أردت‬
‫به إن قال ‪ :‬أردت به ترك اليهودية ‪ ،‬أو النصرانية ‪ ،‬والدخول في دين اإلسالم يحكم بإسالمه ‪ ،‬حتى لو رجع عن ذلك كان مرتدا وإن‬
‫قال ‪ :‬أردت بقولي ‪ :‬أسلمت أني على الحق ‪ ،‬ولم أرد بذلك الرجوع عن ديني لم يحكم بإسالمه ولو قال يهودي أو نصراني ‪ :‬أشهد‬
‫أن ال إله إال هللا ‪ ،‬وأتبرأ عن اليهودية ‪ ،‬أو النصرانية ال يحكم بإسالمه ; ألنهم ال يمتنعون عن كلمة التوحيد ‪ ،‬والتبرؤ عن اليهودية‬
‫والنصرانية ‪ ،‬ال يكون دليل الدخول في دين اإلسالم الحتمال أنه تبرأ عن ذلك ‪ ،‬ودخل في دين آخر سوى دين اإلسالم ‪ ،‬فال يصلح‬
‫التبرؤ دليل اإليمان مع االحتمال ‪ ،‬ولو أقر مع ذلك فقال ‪ :‬دخلت في دين اإلسالم أو في دين محمد صلى هللا عليه وسلم حكم‬
‫باإلسالم ; لزوال االحتمال بهذه القرينة وهللا ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬أعلم ‪( .‬بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع‪ /‬فصل في بيان ما يعترض‬
‫من األسباب المحرمة للقتال(‪ .‬‬

‫يقول اإلمام محمد بن الحسن الشيباني ‪ -‬رحمه هللا ‪ (: -‬أن الكافر متى أظهر بخالف ما كان يعتقده فإنه يحكم بإسالمه‪ ،‬واألصل فيه‬
‫قول النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ((:‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا‪  ‬ال إله إال هللا )) وقد كان يقاتل عبدة األوثان وهم كانوا ال‬
‫يقولون ذلك كما قال تعالى ‪ ]:‬إنهم كانوا إذا قيل لهم ال إله إال هللا يستكبرون [[‪ ]17‬فجعل ذلك عالمة إيمانهم ‪ ..‬ثم حين دعا اليهود‬
‫بالمدينة إلى اإلسالم جعل عالمة إيمانهم اإلقرار برسالته حتى قال لليهودي الذي دخل يعوده ((أشهد إني رسول هللا‪ ،‬فلم شهد قال ‪:‬‬
‫الحمد هلل الذي أعتق بي نسمة من النار )) ألنهم كانوا ال يقرون برسالته فجعل ذلك عالمة إيمانهم ‪...‬‬

‫ثم يقول اإلمام ‪ (:‬وأما اليهود والنصارى اليوم بين ظهراني المسلمين إذا قال واحد منهم ‪ :‬أشهد أن ال إله إال هللا وأن محمدًا رسول‬
‫هللا‪ ،‬فإنه ال يكون مسلما بهذا‪ ،‬ألنهم جميعا ً يقولون هذا‪ ،‬ليس من نصراني وال يهودي عندنا نسأله إال قال هذه الكلمة‪ ،‬فإذا إستفسرته‬
‫قال ‪ :‬رسول هللا إليكم ال إلى بنى إسرائيل ويستدلون بقوله تعالى ‪]:‬هو الذي بعث في األميين رسوالً ‪ ‬منهم [[‪ ]18‬والمراد باألميين‬
‫غير أهل الكتاب ‪ .‬فعرفنا أن هذا ال يكون دليل إسالمه حتى يضم إليه التبرؤ فإن كان نصرانيا قال ‪ :‬فأبراء من النصرانية وإن كان‬
‫يهوديا ً قال ‪ :‬وأبراء من اليهودية‪ ،‬فحينئذ يكون مسلماً‪ ،‬إلظهار ما هو مخالف العتقاده[‪( . ) ]19‬شرح السير الكبير للشيبإني ج ‪)5‬‬

‫وقال االمام ابن قدامة ‪(  :‬ولنا) ‪ -‬أي الحنابلة ‪ : -‬أن ما كان إسالما ً في دار الحرب كان إسالما ً في دار اإلسالم كالشهادتين‪ ،‬وألن‬
‫الصالة ركن يختص به اإلسالم فحكم بإسالمه به كالشهادتين ‪ (....‬إلى أن قال) ‪:‬وأما سائر األركان من الزكاة والصيام والحج فال‬
‫يحكم بإسالمه به فإن المشركين كانوا يحجون في عهد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حتى النبي صلى هللا عليه وسلم فقال ال يحج‬
‫بعد هذا العام مشرك والزكاة صدقة وهم يتصدقون ‪ (...‬إلى أن قال ) وأما الصيام فلكل أهل دين صيام ‪ (....‬إلى أن قال ) بخالف‬
‫الصالة فإنها أفعال تتميز عن أفعال الكفار‪ ،‬ويختص بها أهل اإلسالم وال يثبت اإلسالم حتى يأتي بصالة يتميز بها عن صالة الكفار‬
‫من استقبال قبلتنا والركوع والسجود وال يحصل بمجرد القيام ألنهم يقومون في صالتهم (أي الكفار ) ‪ ( ...‬إلى أن قال ) فعلى هذا لو‬
‫مات المرتد فأقام ورثته بينة أنه صلى بعد ردته‪ ،‬حكم لهم بالميراث إال أن يثبت أنه ارتد بعد صالته أو تكون ردته بجحد فريضة أو‬
‫كتاب أو نبي أو ملك أو نحو ذلك من البدع التي ينتسب أهلها إلى اإلسالم‪ ،‬فإنه ال يحكم بإسالمه بصالته ألنه يعتقد وجوب الصالة‬
‫ويفعلها مع كفره فأشبه فعله غيرها ) ‪ ( .‬المغنى ج ‪ 8‬باب المرتد) ‪.‬‬

‫واضح تماما ً أن اعتماد اإلمام أبن قدامه في تفصيله على القرائن والحكم بها هو؛ عدم االشتراك في فعلها الكافر مع المسلم وإال لم‬
‫ٌ‬
‫يعتبر ‪            .‬‬

‫ويقول أبوا الوفاء بن عقيل رحمه هللا ‪ (:‬إذا أردت أن تعرف محل اإلسالم من أهل الزمان فال تنظر إلى ازدحامهم في أبواب المساجد‬
‫وال إلى ضجيجهم بلبيك‪ ،‬ولكن أنظر إلى مواطأتهم ألعداء الشريعة ) ‪ ( .‬نقال من رسالة حكم تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة‬
‫وفهم الحجة‪  .‬‬

‫ونذكر هنا فتوى ‪  ‬الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه هللا ‪ ،‬لتوضيح مانحن فيه من تبين معتقد األفراد عند غلبة الكفر أو البدع على‬
‫الدار ‪  - ،‬قال في ( باب الذكاة ) فصل ‪ -‬البد من صحة معتقد المذكى ‪ [ -‬يشترط في القصاب فاضل الدين أن يكون مسلما ً صحيح‬
‫المعتقد ينكر الخرافات كعبادة القبور وغيرها مما يعبد من دون هللا ‪ .‬وينكر جميع المعتقدات والبدع الكفرية كمعتقد القادينية‬
‫والرافضة الواثنية وغيرها ‪ .‬وال يكتفي في حل ذبيحته بمجرد اإلنتساب إلى اإلسالم والنطق بالشهادتين وفعل الصالة وغيرها من‬
‫أركان اإلسالم مع عدم الشروط التى ذكرناها ‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫فإن كثيراً من الناس ينتسبون إلى اإلسالم وينطقون بالشهادتين ويؤدون أركان اإلسالم الظاهرة واليكتفي بذلك في الحكم بإسالمهم‬
‫والتحل ذكاتهم لشركهم باهلل في العبادة بدعاء األنبياء والصالحين واإلستغاثة بهم وغير ذلك من أسباب الردة عن اإلسالم ‪ .‬وهذا‬
‫التفريق بين المنتسبين إلى اإلسالم أمر معلوم باألدلة من الكتاب والسنة وإجماع‪  ‬سلف األمة وأئمتها ‪.‬‬

‫‪   ‬ثم ماذكرنا من األمور المطلوبة في هذا القصاب ‪ ،‬يعتبرفي تبوثها ‪ ،‬نقل عدل ثقة يعلم حقيقة ذلك من هذا الرجل وينقله الثقة عن‬
‫هذا العدل حتى يصل إلى من يثبت لديه ذلك حكما ً ممن يعتمد على ثبوته عنده شرعا ً ] فتاوى الشيخ ج‪ / 12‬و عقيدة‬
‫الموحدين‪         .‬‬

‫واخيرا‪:‬‬

‫قف لحظة وانظر متفكراً‪  ،‬في حال قومك ‪ ...‬هل بدّلوا شرع هللا المن ّزل بقوانين وضعية يحكمون بها ويتحاكمون إليها ؟؟‪.‬‬

‫‪ ‬هل بدّلوا والءهم هلل وفي هللا بروابط وضعية كالقومية والوطنية والديمقراطية ‪...‬؟؟‬

‫‪ ‬هل صرفوا كثيراً من العبادات لغير هللا ‪..‬؟؟‬

‫هل كفروا بالطاغوت واجتنبوا شرعه ‪...‬؟؟‬

‫‪  ‬إذا تحققت من ذلك وقطعت به فاتق هللا أن تحكم بإسالمهم بمجرد رؤيتهم يصلون أو بمجرد تلفظهم بالشهادتين فإذا إستفسرتهم عن‬
‫معناها لم يعرفوها ‪ ..‬فتأمل هداك هللا ونجاك‪ ،‬حتى ال تُسقطك الشبهات في الدركات فتحشر مع أهل اإلشراك واياك ثم اياك ثم اياك ان‬
‫وب اَل يَ ْفقَهُونَ بِ َها َولَ ُه ْم أَ ْعيُنٌ اَل‬ ‫{ولَقَ ْد َذ َر ْأنَا ِل َج َهنَّ َم كثيراً ِمنَ ال ِجنِّ َوا ِإل ْن ِ‬
‫س لَ ُه ْم قُلُ ٌ‬ ‫تكون من الذين قال المولى عز وجل فيهم َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ض ُّل أولئِ َك ُه ُم الغافِلونَ } [األعراف‪]179:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫صرُونَ بِ َها َولَ ُه ْم آَ َذانٌ اَل يَ ْ‬
‫س َمعُونَ بِ َها أولَئِكَ كَاألن َع ِام بَ ْل ُه ْم أ َ‬
‫ْ‬ ‫يُ ْب ِ‬

‫الشافعي‪( :‬المجلّد السابع‪ .‬ص‪  )2(.)596 :‬شرح مسلم ‪1/206‬‬


‫ّ‬ ‫(‪ )1‬موسوعة‬

‫(‪  )3‬فتح الباري ‪12/279‬‬

‫[‪ ( -]1‬الصافات ‪.) 35‬‬

‫[‪ ( -]2‬الجمعة ‪.) 2‬‬

‫(‪ )4‬شرح مسلم‪.1/206 :‬‬

‫(‪ )62‬كتاب التوحيد ص ‪ 115‬المطبوع مع فتح المجيد ط ‪ 7/1377‬هـ بتحقيق محمد حامد الفقي ‪.‬‬

‫(‪ )64‬مؤلفات اإلمام محمد بن عبد الوهاب (ج ‪ )5/15‬الطبعةـ األولى جامعةـ اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية ‪.‬‬

‫(‪ )65‬في صحيح مسلم (ج‪( )1/97‬ح‪ )97‬كتابـ اإليمان‪.  ‬‬

‫(‪ - )52‬عقيدة الموحدين ص‪. 454 :‬‬

‫(‪ )95‬تفسير الطبري (‪)28/62‬‬

‫(‪ )94‬الجواب الكافي (ص‪ )213‬وانظر تفسير ابن كثير (ج‪ )7/212‬ومجموعة التوحيد (ص‪. )133‬‬

‫‪128‬‬
‫[‪ ]4‬أحكام أهل الذمة ‪.1/242 ،‬‬

‫[‪ ]5‬الدرر السنية ‪. 396 / 8 ،‬‬

‫(‪ - )51‬الدرر السنيةـ ‪ :‬ج ‪ / 10‬ص‪41‬‬

‫(‪ - )45‬المصدر السابق‪  ‬ص ‪. 73 -72 :‬‬

‫[‪ ]6‬الدرر السنية ‪10/139،‬هـ‪140،‬هـ ‪.‬‬

‫[‪]7‬الدرر السنيةـ ‪. 11/434 ،‬‬

‫[‪ ]8‬ملخصا ً من الدرر السنية ‪.373-10/372 ،‬‬

‫[‪ ( -]9‬يوسف ‪.) 82‬‬

‫[‪ ( -]10‬الحج ‪ ) 66‬و ( الزخرف ‪.) 15‬‬

‫[‪ ( -]11‬إبراهيم ‪.) 34‬‬

‫[‪ ( -]12‬يوسف ‪.) 106‬‬

‫[‪ ( -]14‬الزخرف ‪) 78‬‬ ‫[‪ ( -]13‬سبأ ‪.) 13‬‬

‫فهرس‬

‫مقدمة‪1............................................................................................................................................‬‬

‫اهمية التوحيد‪3...................................................................................................................................‬‬

‫شروط التوحيد‪5..................................................................................................................................‬‬

‫نواقض التوحيد‪8.................................................................................................................................‬‬

‫اقوال العلماء في قاعدة من لم يكفر الكافر فهو كافر ‪19..................................................................................‬‬

‫معنى الطاغوت ‪26...............................................................................................................................‬‬

‫الرد على شبهات من يجيز التحاكم‪30........................................................................................................‬‬

‫بعض اقوال العلماء في بيان التحاكم الى الطاغوت‪39.....................................................................................‬‬

‫معنى الشبهة‪43...................................................................................................................................‬‬

‫العذر بالجهل‪45...................................................................................................................................‬‬

‫شبهة ذات انواط‪.. 48............................................................................................................................‬‬

‫شبهة سجود معاذ ابن جبل‪..50................................................................................................................‬‬

‫شبهة الرجل الذي ذر رماده‪...52..............................................................................................................‬‬

‫‪129‬‬
‫شبهة حديث الجارية‪54..........................................................................................................................‬‬

‫الرد على شبهة سؤال عائشة رضي هللا عنها‪55............................................................................................‬‬

‫الرد على شبهة قول الحواريين‪55............................................................................................................‬‬

‫اقوال العلماء في العذر بالجهل‪57.............................................................................................................‬‬

‫العذر بالخطا‪59....................................................................................................................................‬‬

‫العذر بقول ال اله اال هللا‪64.......................................................................................................................‬‬

‫العذر بالصالة والصيام‪66.........................................................................................................................‬‬

‫شبهة التحذير من تكفير الكافر‪68................................................................................................................‬‬

‫شبهة مرجئة العصر‪69............................................................................................................................‬‬

‫شبهة كفر دون كفر‪72.............................................................................................................................‬‬

‫ضوابط ومسائل حول الطاعة‪77..................................................................................................................‬‬

‫معنى الديمقراطية‪80................................................................................................................................‬‬

‫حقيقة المجالس التشريعية‪81.. ..................................................................................................................‬‬

‫تسمية الديمقراطية بالشورى‪84..................................................................................................................‬‬

‫شبهة عمل يوسف عليه السالم عند ملك مصر‪87.............................................................................................‬‬

‫شبهة ان النجاشي لم يحكم بما انزل هللا‪91.......................................................................................................‬‬

‫مشاركة النبي صلى هللا عليه وسلم في حلف الفضول‪93.....................................................................................‬‬

‫مصلحة الدعوة‪95......................................................................................................................................‬‬

‫شبهات احبار ورهبان االمة‪98......................................................................................................................‬‬

‫توضيح لمسالة ضوابط التكفير‪100...................................................................................................................‬‬

‫قاعدة ابن تيمية في تكفير المعين‪104................................................................................................................‬‬

‫ما يصير به المرء مسلما‪114..........................................................................................................................‬‬

‫اهمية الوالء والبراء‪121...............................................................................................................................‬‬

‫اطالق الحكم على الدار او المجتمع بالكفر‪126.....................................................................................................‬‬

‫هل القرائن المشتركة بين المشركين والمسلمين عالمة دالة على االسالم‪127..............................................................‬‬

‫خاتمة‪128................................................................................................................................................‬‬

‫‪130‬‬

You might also like