You are on page 1of 16

‫تَوْجِيهُ الـ ـبَصََْر إىل تعليقات الشَّيخ األلبانِي‬

‫على نُـزهَةِ النظَر البْنِ حَجََْر‬

‫قام بـجمعها‪:‬‬

‫حممَّد أمـني إملـول البـجائي‬


‫‪-‬عفا اهلل عنه‪-‬‬
‫‪‬‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على من أرسله اهلل رمحةً للعاملني‪،‬‬
‫وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إىل يوم الدين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫فهذه تعليقات يسرية لشيخنا العالمة احملدث حممد ناصر الدين األلباين‬
‫على كتاب نزهة النظر يف توضيح خنبة الفكر للحافظ ابن حجر ‪ ‬كتب منها‬
‫يتمها‪  ،‬رمحةً واسعة‪.‬‬
‫إىل آخر حبث (احلديث احلسن)‪ ،‬ومل َّ‬

‫وقد حوت تعليقاته ‪ ‬تنبيهات لطيفة‪ ،‬وفوائد ظريفة على وجازهتا واختصارها‪.‬‬

‫يف سلسلة األحاديث الصحيحة (‪ )٨٧٤/٢/٦‬إىل‬ ‫‪‬‬ ‫وقد عزا شيخنا‬


‫كتاب احلليب‪- 1‬أصلحه اهلل‪ -‬مشريا إىل تعليقاته عليه ‪-‬بقوله‪ -‬متعقباً على العالمة‬
‫الصنعاين ‪" : ‬وقد كنت ألزمته بذلك يف تعليق يل ‪-‬موجز‪ ،-‬كنت قد علّقته‬
‫ّ‬
‫عّن األخ علي احلليب يف النكت عليه ص‪ ٤٤‬فلرياجعه من شاء"‪.‬‬
‫على نزهته‪ ،‬نقله ّ‬

‫ت على نـ ْزهة النظر يف تـ ْوضيح خنبة الفكر"‪.‬‬


‫املسمى ب ـ ‪" :‬النُّـك ْ‬ ‫‪-1‬‬

‫‪3‬‬
‫وبعد اطالعي على هذه التعليقات اليسرية؛ قمت بفصلها عن الكتاب اليت‬
‫ضمنت فيه‪ ،‬وأفردتـها يف جزئية منفصلة‪ ،‬تيسرياً على الطلبة للرجوع إليها دون‬
‫‪-‬ومنها‬ ‫‪‬‬ ‫الرجوع إىل الكتاب السابق‪ ،‬ونشراً لُتاث شيخنا الشيخ األلباين‬
‫هذه التعليقات اليسرية على النزهة؛ اليت غابت على بعض الطلبة املشتغلني بعلم‬
‫مصطلح احلديث‪.-‬‬

‫وقد اعتمدت يف كـتابة منت «نزهة النظر» على طبعة «دار ابن كثري» بتحقيق‪ :‬حممد‬
‫مرايب ‪-‬وهي من أفضل الطبعات الـمحققة لنزهة النظر‪ ،-‬واكتفيت بذكر رقم الصفحة‬
‫( )‬
‫*‪،‬‬ ‫واملوضع الذي علَّق عليه شيخنا ‪ ،‬وقد رمزت للموضع الـمعلَّق عليه بـ‪:‬‬
‫طلباً لإلجياز واالختصار‪ ،‬واإلقتصار على تعليقات الشيخ األلباين ‪.‬‬

‫وأسأل اهلل أن ينفع هبذه التعليقات املختصرة‪ ،‬وجيعلها خالصةً لوجهه الكرمي‪،‬‬
‫ثقيلةً يف ميزان أعمالنا يوم نلقى ربَّـنا ‪.‬‬

‫وصلى اهلل وسلم على نبينا حممد وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ـحمد‬
‫قال املصنف ‪" :‬فمن َّأول من صنَّف يف ذلك‪-١ :‬القاضي أبو م َّ‬
‫‪1‬‬
‫[ص‪]٨٤:‬‬ ‫ي يف كتابه «الـمحدث الفاصل»‪ ،‬لكنَّه مل يستـ ْوعب*"‪.‬‬
‫ال َّـرامهرمز ُّ‬

‫قال شيخنا ‪" :‬أي‪ :‬مل يأت باالصطالحات كلها؛ ألنه من أول من‬
‫صنَّف يف هذا العلم‪ ،‬وأما َّأول من صنَّف يف علم احلديث؛ فاألكثر على أنه ابن‬
‫جريج‪ ،‬وقيل‪ :‬مالك‪ ،‬وقيل‪ :‬ربيع بن صبيح"‪.‬‬

‫ـجي جزءاً مسَّاه‪« :‬ما ال يسع الـمحدث‬


‫قال املصنف ‪" :‬وأبو حفص الـميان ُّ‬
‫جهله»*"‪[ .‬ص‪]٦١:‬‬

‫قال شيخنا ‪" :‬وفيها فوائد ال بأس هبا؛ ّإال َّ‬


‫أن فيها بعض األحاديث‬
‫الضعيفة والـمنكرة"‪.‬‬

‫صطلح أ ْهل األثــر» للحافظ ابن حجر العسقالين ‪،‬‬


‫«ن ـ ْـزهة النـَّــظر يف تـ ْـوضيح ن ـ ْخبة الفكر يف م ْ‬ ‫‪-1‬‬

‫حتقيق‪ :‬حممد مرايب‪ ،‬ط‪ ،٢‬دار ابن كثري‪[ ،‬ص‪.]٨٤:‬‬

‫‪5‬‬
‫تقي الدين أبو ع ْمرو عثمان‬
‫قال املصنف ‪" :‬إىل أن جاء احلافظ الفقيه ُّ‬
‫وري ‪-‬نزيل دمشق‪ ،-‬فجمع ل َّـما ويل تدريس‬‫الصالح عبد الرمحن الشَّهرز ُّ‬ ‫بن َّ‬
‫احلديث بالـمدرسة األشرف ـيَّة‪ -‬كتاب ـه الـمشهور*‪َّ ،‬‬
‫فهذب فنونه‪ ،‬وأماله شيئاً بعد‬
‫الـمناسب"‪[ .‬ص‪]٦٢:‬‬ ‫شيء‪ ،‬فلهذا مل حيصل ترتيبه على الوضع‬

‫قال شيخنا ‪" :‬طبع أكثر من طبعة‪ ،‬من أتقنها طبعة حلب سنة ‪١٥٨١‬ه؛‬
‫بتحقيق شيخي ‪-‬إجازًة‪ -‬الشيخ الفاضل حممد راغب احلليب ‪ ‬تعاىل"‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ت (بال) حصر‬
‫قال املصنف ‪" :‬وتلك الكثرة أحد شروط الـمتواتر إذا ورد ْ‬
‫ت تواطؤهم على الكذب‪ ،‬وكذا وقوعه‬
‫(عدد مع َّني)‪ ،‬بل تكون العادة قد أحال ْ‬
‫منهم اتفاقاً من غري قصد‪.‬‬

‫الصحيح‪[ ."...*-‬ص‪]٧٢-٧١:‬‬ ‫فال معىن لتـ ْعيني العدد ‪-‬على‬

‫(ص‪:)٥٧١‬‬ ‫قال شيخنا ‪" :‬وهذا هو املعتمد؛ قال السيوطي يف «التدريب»‬


‫معني يف األصح"‪.1‬‬
‫"ولذلك جيب العلم به من غري حبث عن رجاله‪ ،‬وال يعترب فيه عدد َّ‬

‫قلت [أي‪:‬شيخنا]‪ :‬ولعلَّه يعّن ب ـ(البحث)؛ إنــما هو البحث عن ضبطهم‬


‫وإتقاهنم‪ ،‬وإال؛ فالبحث عن سالمتهم من الكذب والوضع أمر ال َّ‬
‫بد منه؛ كما ال‬
‫خيفى على أهل العلم‪ :‬فإن من عمل بعض الكذابني أن يسرق احلديث من غريه‬
‫من أمثاله‪ ،‬ولذلك كثرياً ما نقرأ يف تراجم بعضهم‪" :‬يسرق احلديث"‪ ،‬وبطريق‬
‫السرقة هذه تتعدَّد الطرق‪ ،‬وكلها يف احلقيقة ترجع إىل طريق واحد‪ ،‬آفته ذلك‬
‫الكذاب األول؛ فتنبَّه هلذا؛ فإنه أمر دقيق‪.‬‬

‫وعليه؛ فالعمدة يف معرفة املتواتر إنـما هم أهل احلديث من األئمة َّ‬


‫النقاد‬
‫والـحفاظ‪ ،‬وليس غريهم من حـملة اآلثار‪ ،‬فضالً عن غريهم من الفقهاء واملؤرخني‬
‫الذين قد يظنُّون الصحيح ضعيفا‪ ،‬والضعيف صحيحاً‪ ،‬واآلحاد متواتراً‪ ،‬واملتواتر‬
‫آحاداً !!‬

‫تدريب الراوي يف شرح تقريب النواوي‪ ،‬احلافظ السيوطي‪ ،‬حتقيق‪ :‬الفاريايب‪ ،‬ص (‪.)٦٢٧/٢‬‬ ‫‪-1‬‬

‫‪7‬‬
‫واألمثلة على ذلك كثرية‪ ،‬ال مـجال لذكرها اآلن يف هذا التعليق‪ ،‬فحسيب أن‬
‫أقدم إىل القارئ الكرمي واحداً منها‪:‬‬

‫فهذا هو اإلمام البخاري ‪-‬رمحه اهلل تعاىل‪ -‬يقول يف مطلع «جزء القراءة» (ص‪:)٨‬‬
‫"وتواتر اخلرب عن رسول اهلل ‪( :‬ال صالة إَّال بأم القرآن)‪ ،‬واحلنفيَّة يزعمون أنه‬
‫خرب آحاد !! ولذلك يأبـ ْون األخذ بظاهره الدال على بطالن صالة من مل يقرأ‬
‫بفاحتة الكتاب؛ ألنه خمالف لظاهر قوله تعاىل‪"    " :‬‬
‫[املزمل‪ ،]٢١:‬وتقييدها باحلديث ال جيوز مادام آحادا عندهم! مع أهنم قيَّدوها‬
‫تصح الصالة إال بآية طويلة أو ثالث آيات قصار !!‬
‫بآرائهم‪ ،‬فقالوا ال ُّ‬

‫على أن اآلية ليس هلا عالقة البتة يف موضوع القراءة؛ فإهنا على أسلوب إطالق‬
‫"‪‬‬ ‫اجلزء وإرادة الكل؛ أي‪ :‬فصلُّوا ما َّ‬
‫تيسر من صالة الليل؛ كقوله تعاىل‪:‬‬
‫‪[ "       ‬اإلسراء‪]٧٤:‬؛ أي‪ :‬صالة الفجر !!"‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫قال املصنف ‪" :‬وتـم َّسك ك ُّل قائل بدليل جاء فيه ذكر ذلك العدد‪،1‬‬
‫فأفاد العلم‪ ،‬وليس بالزم أن يطَّرد‪ 2‬يف غ ْريه؛ الحتمال االختصاص‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫فإذا ورد الـخبـر كذلك‪ ،‬وانضاف إليه أن يستوي األمر فيه يف الكثرة املذكورة‬
‫انتهائه‪[ ."...‬ص‪]٧٥-٧٢:‬‬ ‫من ابتدائه إىل‬

‫‪ -1‬قال شيخنا ‪" :‬أي‪ :‬يف نظر من َّ‬


‫عني ذلك العدد‪ ،‬وإن كان الواقع أنه ال دليل‬
‫الصحيح"‪.‬‬
‫على شيء من تلك األعداد؛ كما أشار إىل ذلك بقوله الـمتقدم‪ :‬على َّ‬
‫‪ -2‬قال شيخنا ‪" :‬أي‪ :‬ذلك العدد يف نظر القائل به"‪.‬‬
‫‪ -3‬قال شيخنا ‪" :‬أي‪ :‬بال حصر َّ‬
‫معني‪ .‬أفاده احلافظ ابن ناصر الدين الدمشقي"‪.‬‬

‫قرر به كون الـمتواتر موجودا وجود كثرة‬


‫قال املصنف ‪" :‬وم ْن أحسن ما ي َّ‬
‫قائله"‪[ .‬ص‪]٤٢:‬‬ ‫بصحته* إىل‬
‫اليقيّن َّ‬
‫َّ‬ ‫يف األحاديث‪-... :‬إىل قوله‪ ...-‬أفاد العلم‬

‫قال شيخنا ‪" :‬وهذا م َّـما يؤيده ما ذكرته سابقاً من أن العمدة يف معرفة‬
‫النقاد و َّ‬
‫احلفاظ‪ ...‬ويؤيده ‪-‬أيضا‪ -‬قول‬ ‫الـمتواتر إنـما هم أهل احلديث من األئمة َّ‬
‫أمر نسب ٌّـي؛ فقد يشتهر‬
‫احلافظ ابن كثري يف «اختصار علوم احلديث»‪" :‬والشُّهرة ٌ‬
‫عند أهل احلديث‪ ،‬أو يتواتر ما ليس عند غريهم بالكليَّة"‪." 1‬‬

‫إختصار علوم احلديث البن كثري‪ ،‬حتقيق‪ :‬ماهر الفحل‪ ،‬ط‪ :‬دار امليمان‪ ،‬ص‪.٢٨٨‬‬ ‫‪-1‬‬

‫‪9‬‬
‫قال املصنف ‪" :‬ث َّـم الـمشهور ي طل ق على م ا ح رر ه ن ا‪ ،‬وعلى ما‬
‫اشت ه ر على األلسنة‪ ،‬فيشمل ما له إسنادٌ واح ٌد فصاع داً‪ ،‬بل ما ال يوج د له‬
‫إسنادٌ أصالً"‪[ .‬ص‪]٤٨:‬‬

‫‪-‬تعليقا على هذا املوضع‪ ،‬وبياناً للكتب اليت ألفت يف‬ ‫‪‬‬ ‫قال شيخنا‬
‫األحاديث املشتهرة على األلسنة‪" :-‬واملشهور يف الباب كتاب احلافظ السخاوي‬
‫«الـمقاصد احلسنة يف بيان كثري من األحاديث الـمشتهرة على األلسنة»‪ ،‬وهو‬
‫عمدة كل من جاء بعده وألّف فيه‪ ،‬وال نظري له يف التحقيق والتدقيق‪ ،‬وكيف ال!‬
‫وهو تلميذ الـمؤلف ‪ -‬تعاىل‪."-‬‬

‫‪10‬‬
‫قال املصنف ‪" :‬وتـلقي العلماء ل ـ«كتابيهما» بالقبول‪ ،‬وهذا التَّلقي‬
‫التَّواتر"‪[ .‬ص‪]٧٧:‬‬ ‫وحده أقوى يف إفادة العلم من مـجـ َّـرد كثرة الطُّرق القاصرة عن‬

‫قال شيخنا ‪" :‬وقد غفل عن هذا التلقي وأمهيته كثري من الناس يف العصر‬
‫احلاضر‪ ،‬الذين كلَّما أشكل عليهم حديث صحيح اإلسناد؛ لـجؤوا إىل رده بـح َّجة‬
‫أنه ال يفيد القطع واليقني! فهم ال يقيمون وزناً ألقوال األئمة املتخصصني الذين‬
‫الظن بقيود؛ منها‪ :‬إذا كان مـختلـفاً يف قبوله‪،‬‬
‫قيَّدوا قوهلم بأن حديث اآلحاد يفيد َّ‬
‫أما إذا كان متل ّقى من األمة بالقبول‪ ،‬ال سيما إذا كان يف «الصحيحني» ‪-‬على ما‬
‫بيَّنه الـمؤلف ‪-‬؛ فهو يفيد العلم واليقني عندهم‪ ،‬ذلك ألن األمة معصومة‬
‫صحته‪ ،‬ووجب‬
‫عن الـخطأ؛ لقوله ‪( :‬ال تـجتمع َّأميت على ضاللة)‪ ،‬فما ظنَّت َّ‬
‫العالمة أبو‬ ‫عليها العمل به؛ فال َّ‬
‫بد أن يكون صحيحا يف نفس األمر؛ كما قال ّ‬
‫عمرو ابن الصالح يف «مقدمته» (ص ‪ ،)٢٧‬وتبعه احلافظ ابن كثري وغريه‪."...‬‬

‫‪11‬‬
‫التفرد يف مجيع رواته أو أكثرهم‪ ،‬ويف «مسند‬
‫قال املصنف ‪" :‬وقد يستمُّر ُّ‬
‫أمثلةٌ كثريةٌ لذلك"‪[ .‬ص‪]١١٦:‬‬ ‫البـَّزار» و«الـمعجم األوسط»* للطَّرباين‬

‫قال شيخنا ‪" :‬وكذلك يف «الـمعجم الصغري» له ‪-‬أي‪ :‬الطرباين‪ ،-‬وإن‬


‫أقل مادة من «األوسط»‪."...‬‬
‫كان َّ‬

‫فإن الـجميع يشملهم اسم العدالة والضَّبط؛ إال َّ‬


‫أن للمرتـبة‬ ‫قال املصنف ‪َّ " :‬‬
‫األوىل فيهم من الصفات الـمرجحة ما يقتضي تقدمي روايتهم على اليت تليها‪ ،‬ويف اليت‬
‫تليها من قـ َّوة الضبط ما يقتضي تقديـمها على الثالثة‪ ،‬وهي [أي‪ :‬الثالثة] مقدَّمةٌ على‬
‫كمحمد بن إسحاق* عن عاصم بن عمر [بن قتادة]‬
‫َّ‬ ‫رواية من يـع ُّد ما ينفرد به حسناً‪.‬‬
‫عن جابر‪ ،‬وعمرو بن شعيب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده"‪[ .‬ص‪]١١٧:‬‬

‫قال شيخنا ‪" :‬هو ابن يسار‪ ،‬صاحب «الـمغازي»‪ ،‬وهو معروف‬
‫صرح بالتحديث‪ ،‬فلو قال الـمصنّف‪:‬‬
‫بالتدليس‪ ،‬فال يكون إسناده حسناً؛ إال إذا َّ‬
‫فتأمل"‪.‬‬
‫«حدَّثنا عاصم بن عمر عن جابر»؛ لكان أقرب إىل الصواب‪َّ ،‬‬

‫‪12‬‬
‫الراوي إذا ثبت له اللقاء‬ ‫قال املصنف ‪" :‬وما ألزمه به ليس بالزم؛ َّ‬
‫ألن َّ‬
‫مرًة؛ ال يـجري يف روايـاته احتمال أال يكون مسع [منه]؛ ألنَّه يلزم من جريانه أن‬
‫َّ‬
‫الـمدلس*"‪[ .‬ص‪]١٢٥:‬‬ ‫يكون مدلساً‪ ،‬والـمسألة مفروضةٌ يف غري‬

‫قال شيخنا ‪" :‬هذا اجلواب صحيح وسديد جداً‪ ،‬ولكنك لو تأملت‬
‫فيه؛ لرأيت أنه من صالـح اإلمام مسلم ‪ ‬تعاىل؛ َّ‬
‫ألن له أن يقول‪ :‬إذا كانت‬
‫البخاري رواية الـمعاصر على غري‬
‫ُّ‬ ‫الـمسألة مفروضةً يف غري الـمدلّس؛ فلماذا يـحمل‬
‫االتصال مع أنه غري مدلّس!‬

‫فإن قال‪ :‬يـحتمل أنه لقيه؟ قلنا‪ :‬باالحتمال ال يسوغ الغمز يف الرجال‪ ،‬أال‬
‫عمن لقيه بصيغة‬ ‫ترى أنه يرد مثله على البخاري‪ ،‬فـيقال عليه‪َّ :‬‬
‫إن رواية الـمالقي َّ‬
‫العنعنة يرد عليه [عليها] مثل ما أورده على الـمعاصر‪[ ،‬ف] يـحتمل أنه مل يسمع‬
‫منه هذا احلديث؟‬

‫فإن أجاب بـما سبق عن احلافظ‪ ،‬وهو قوله‪« :‬يلزم من جريانه أن يكون‬
‫مدلساً‪ ،‬والـمسألة مفروضةٌ يف غري املدلس»؛ كان هو اجلواب بعـ ْـيــنـه عن مسلم‪،‬‬
‫فحينئذ لزم البخاري أن يوافقه على االحتجاج برواية الـمعاصر‪ ،‬وحـملها على‬
‫مسلم‪ ،‬وهذا مما ال يقول‬
‫االتصال‪ ،‬أو أن ال يقبل الـمعنعن أصالً‪ ،‬وهو ما ألزمه به ٌ‬
‫فتأمل"‪.‬‬
‫به البخاري وال غريه‪ ،‬فثبت اإللزام‪َّ ،‬‬

‫‪13‬‬
‫قال املصنف ‪" :‬ث َّـم يـقدَّم يف األرجحيَّة من حيث األصحيَّة ما وافقه‬
‫ألن الـمراد به رواتـهما مع باق شروط الصحيح‪ ،‬ورواتـهما قد حصل‬‫شرطهما؛ َّ‬
‫االتفاق على القول بتعديلهم بطريق اللُّزوم‪ ،‬فهم مقدَّمون على غريهم يف رواياهتم‪،‬‬
‫بدليل*"‪[ .‬ص‪]١٢٦:‬‬ ‫أصل ال يـخرج عنه إال‬
‫وهذا ٌ‬
‫قال شيخنا ‪" :‬فيه إشارة لطيفة إىل أن الُتجيح الــمذكور يـمكن أن ال‬
‫العملي على أنه‬
‫َّ‬ ‫‪-‬قريباً‪ -‬الدليل‬ ‫‪‬‬ ‫يضطرد‪ ،‬لكن بدليل‪ ،‬وسيذكر الـمصنف‬
‫ليس مضطرداً"‪.‬‬

‫قال املصنف ‪" :‬وكما لو كان احلديث الَّذي مل يـخرجاه من ترمجة‬


‫أصح األسانيد؛ كمالك عن نافع عن ابن عمر؛ فإنه يـقدَّم على‬
‫ت بكونـها َّ‬
‫وصف ْ‬
‫مقال*"‪[ .‬ص‪]١٢٤:‬‬
‫فيه ٌ‬ ‫ما انفرد به أحدهـما مثالً‪ ،‬ال سيَّما إذا كان يف إسناده من‬

‫تفرد‬ ‫قال شيخنا ‪" :‬ويف هذه احلالة ال يبدو ث َّـمة ٌ‬


‫فرق بني أن يكون م َّـما َّ‬
‫فتأمل"‪.‬‬ ‫به أحدهـما أو اتَّفقا عليه‪ ،‬ما دام َّ‬
‫أن يف إسناده مقاالً‪َّ ،‬‬

‫‪14‬‬
‫ف القوم‬ ‫قل ‪-‬يـقال‪ :‬خ َّ‬
‫ف الضَّبط)؛ أي‪َّ :‬‬ ‫قال املصنف ‪(" :‬فإن خ َّ‬
‫خفوفاً‪[ :‬إذا] قـلُّوا‪ ،-‬والـمراد مع بقـيَّـة الشُّروط الـمتقدمة يف حد َّ‬
‫الصحيح؛ (ف ـ ـ ـ)‬
‫لذاته)*"‪[ .‬ص‪]١٢٧:‬‬ ‫هو (الـحسن‬

‫قال شيخنا ‪" :‬هذا التعريف على إيـجازه ُّ‬


‫أصح ما قيل يف احلديث‬
‫الـحسن لذاته‪ ،‬وهو الذي توفَّرت فيه مجيع شروط الـحديث الصحيح الـمتقدمة؛ إال‬
‫خف ضبط أحد رواته‪.‬‬
‫أنّه َّ‬

‫وقد اضطربوا فيه اضطراباًكثرياً؛ كما يتـبـيَّـن من الرجوع إىل «الباعث احلثيث»‪ ،‬وغريه‪.‬‬

‫وأنت إذا حفظت هذا؛ سهل عليك التوفـيق بني من يقول يف حديث ما‪:‬‬
‫«إسناده حسن»‪ ،‬ومن يقول فيه‪« :‬فيه ضعف»؛ فهو حسن باعتبار أنه فوق‬
‫ضعف بالنظر إىل أنه دون الصحيح‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫الضعيف‪ ،‬وهو فيه‬

‫الذهيب يف رسالته «الـموقظة» (ق‪« :)٢/٦٧‬احلسن ما‬


‫ُّ‬ ‫ولذلك قال احلافظ‬
‫ارتقى عن درجة الضعف‪ ،‬ومل يبلغ درجة الصحة»‪.1‬‬

‫وم َّـما سبق يتب َّـني أن الضعف نوعان‪:‬‬

‫األول‪ :‬يـجعل احلديث حسناً دون الصحيح‪ ،‬ولكن ي ُّ‬


‫ـحتج به‪.‬‬ ‫َّ‬

‫واآلخر‪ :‬يـجعل احلديث ضعيفاً ال ي ُّ‬


‫ـحتج به‪.‬‬

‫املوقظة لإلمام الذهيب‪ ،‬حتقيق‪ :‬أبو غدة‪ ،‬ص‪.٢٦‬‬ ‫‪-1‬‬

‫‪15‬‬
‫وإذا عرفت ذلك؛ فاعلم أن متييز أحد النوعني عن اآلخر هو من أدق علوم‬
‫احلديث وأصعبها‪ ،‬وذلك لصعوبة تـحديد نوع ضعف الراوي؛ هل هو يسري؛‬
‫فيكون حديثه حسناً؟ أو كثري؛ فيكون حديثه ضعيفا! فال جرم أن تـختلف فيه آراء‬
‫العلماء‪ ،‬بل رأي العالـم الواحد‪ ،‬ولـهذا قال احلافظ الذهيب يف رسالته الـمذكورة‪:‬‬
‫«ثـم ال تطمع َّ‬
‫بأن للحسن قاعدة تندرج تـحتها كل األحاديث الـحسان فيها‪ ،‬فأنا‬
‫تردد فيه َّ‬
‫احلفاظ‪ :‬هل هو حسن‪ ،‬أو‬ ‫على إياس من ذلك‪ ،‬فكم من حديث َّ‬
‫يتغري اجتهاده يف احلديث الواحد؛ يوماً‬
‫ضعيف‪ ،‬أو صحيح! بل احلافظ الواحد َّ‬
‫حق؛ فإن احلديث‬
‫يصفه بالص َّحة‪ ،‬ويوماً يصفه بالـحسن‪ ،‬وربَّـما استضعفه‪ ،‬وهذا ٌّ‬
‫احلسن يستضعفه احلافظ عن أن يرقيه إىل رتبة الصحيح؛ فبهذا االعتبار فيه ضعف‬
‫لصح باتفاق»‪.1‬‬
‫انفك عن ذلك؛ َّ‬
‫ينفك عن ضعف ما‪ ،‬ولو َّ‬
‫ما؛ إذ الـحسن ال ُّ‬

‫النص من هذا اإلمام الفريد؛ فإنه نفيس عزيز‪ ،‬ال جتده يف غريه»"‪.‬‬
‫فاحفظ هذا َّ‬

‫هذا آخر ما وقف عليه من تعليقات شيخنا على «النزهة» ‪-‬بـخطه‪ -‬ومل يـتمه ‪.‬‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ص‪.٢٧-٢٤‬‬ ‫‪-1‬‬

‫‪16‬‬

You might also like