You are on page 1of 39

‫هجر املبتدع‬

‫لصاحب الفضيلة العالمة‬


‫الشيخ بكر بن عبد اهلل أبو زيد‬
‫‪ -‬سلمه اهلل ععاى ‪-‬‬

‫قام بتنسيق الرّسالة ونشرها ‪ :‬سلمان بن عبد القادر أبو زيد‬


‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪2‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫الر ِحي ِم‬


‫ْح ِن ه‬ ‫بِ ْس ِم اَّللهِ ه‬
‫الر ْ َ‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال رشيك له‪ ،‬وأشهد أن حممدا عبده ورسوله‪ ،‬اللهم‬
‫صل وسلم عليه وعىل آله وأصحابه‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إىل يوم الدين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فإنه يف حال من انفتاح ما كان خيشاه النبي ﷺ عىل أمته يف قوله عليه الصالة والسالم‪( :‬أبرشوا وأملوا ما‬
‫يرسكم‪ ،‬فواَّلل ال الفقر أخشى عليكم‪ ،‬ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كام بسطت عىل من كان قبلكم‪،‬‬
‫(‪.)1‬‬
‫فتنافسوها كام تنافسوها‪ ،‬وهتلككم كام أهلكتهم)‬
‫وانفتاح العامل بعضه عىل بعض‪ ،‬حتى كثرت يف ديار اإلسالم األخالط‪ ،‬ودامهت األعاجم العرب‪ ،‬وكثر فيهم‬
‫أهل الفرق‪ ،‬حيملون معهم جراثيم املرض العقدي والسلوكي‪.‬‬
‫ويف وسط من تداعي األمم كام قال ﷺ‪( :‬يوشك أن تداعى عليكم األمم من كل أفق‪ )2()...‬وأمام هذا‪ :‬غياب‬
‫رؤوس أهل العلم حينا‪ ،‬وقعودهم عن تبصري األمة يف االعتقاد أحيانا‪ ،‬ويف حال غفلة رست إىل مناهج‬
‫التعليم بضعف التأهيل العقدي‪ ،‬وتثبيت مسلامت االعتقاد يف أفئدة الشباب‪ ،‬وقيام عوامل الصد والصدود‬
‫عن غرس العقيدة السلفية وتعاهدها يف عقول األمة‪.‬‬
‫يف أسباب متور باملسلمني مورا‪ ،‬جيمعها غايتان ‪:‬‬
‫* األوىل‪ :‬كرس حاجز (الوالء والرباء) بني املسلم والكافر‪ ،‬وبني السني والبدعي‪ ،‬وهو ما يسمى يف الرتكيب‬
‫املو َّلد باسم‪( :‬احلاجز النفيس)‪ ،‬فيكرس حتت شعارات مضللة‪(:‬التسامح) (تأليف القلوب) (نبذ‪ :‬الشذوذ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬فتح الباري ‪.262 ،2 85 / 6‬‬


‫(‪ )2‬السلسلة الصحيحة برقم ‪ ،686 /‬وصحيح الجامع الصغير برقم ‪.5328 /‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪3‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫والتطرف والتعصب)‪( ،‬اإلنسانية)(‪ )1‬ونحوها من األلفاظ ذات الربيق‪ ،‬والتي حقيقتها (مؤامرات ختريبية)‬
‫جتتمع لغاية القضاء عىل املسلم املتميز وعىل اإلسالم‪.‬‬
‫* الثانية‪ُ :‬فشو (األمية الدينية) حتى ينفرط العقد وتتمزق األمة‪ ،‬ويسقط املسلم بال ثمن يف أيدهيم وحتت لواء‬
‫حزبياهتم‪ ،‬إىل غري ذلك مما يعايشه املسلمون يف قالب‪(:‬أزمة فكرية غثائية حادة) أفقدهتم التوازن يف حياهتم‪،‬‬
‫كل بقدر ما َّ‬
‫عل من هذه األسباب وهنل‪ ،‬فصار الدخل‪،‬‬ ‫وزلزلت السند االجتامعي للمسلم (وحدة العقيدة)‪ٌّ ،‬‬
‫وثار الدخن وضعفت البصرية‪ ،‬ووجد أهل األهواء والبدع جماال فسيحا لنثر بدعهم ونرشها‪ ،‬حتى أصبحت‬
‫يف كف كل الفظ‪ ،‬وذلك من كل أمر تعبدي حمدث ال دليل عليه (خارج عن دائرة وقف العبادات عىل النص‬
‫ومورده)‪.‬‬
‫فامتدت من املبتدعة األعناق‪ ،‬وظهر الزيغ‪ ،‬وعاثوا يف األرض الفساد‪ ،‬وتاجرت األهواء بأقوام بعد أقوام‪،‬‬
‫فكم سمعنا باآلالف من املسلمني وبالبلد من ديار اإلسالم يعتقدون طرقا ونحال حماها اإلسالم‪ .‬إىل آخر ما‬
‫هنالك من الويالت‪ ،‬التي يتقلب املسلمون يف حرارهتا‪ ،‬ويتجرعون مرارهتا‪ ،‬وإن كان أهل األهواء يف بعض‬
‫الواليات اإلسالمية هم ‪:‬‬
‫مغمورون‪ ،‬مقموعون‪ ،‬وبدعهم مغمورة مقهورة‪ ،‬بل منهم كثري يؤوبون لرشدهم‪ ،‬فحمدا هلل عىل توفيقه‪ ،‬لكن‬
‫من ورائهم رسب حياولون اقتحام العقبة‪ ،‬لكرس احلاجز النفيس وتكثيف األمية الدينية يف ظواهر ال خيفى‬
‫ظهور بصامهتا يف ساحة املعارصة وأمام العني البارصة‪.‬‬
‫والشأن هنا يف تذكري املسلم باألسباب الرشعية الواقعية من "املد البدعي‪ ،‬واسترشائه بني املسلمني‪ ،‬والوعاء‬
‫الشامل هلذه الذكرى"‪ :‬القيام بواجب الدعوة إىل اهلل تعاىل عىل بصرية‪ ،‬والتبصري يف الدين‪ ،‬وختليص املنطقة‬
‫اإلسالمية من شوائب البدع واخلرافات واألهواء والضالالت‪ ،‬وتثبيت قواعد االعتقاد السلفي املتميز عىل‬
‫ضوء الكتاب والسنة يف نفوس األمة‪.‬‬

‫(‪ )1‬عن "مذهب اإلنسانية" انظر‪ :‬مذاهب فكرية معاصرة لمحمد قطب‪ ،636 856 :‬وفي‪ :‬معجم المناهي اللفظية‪،‬‬
‫حرف األلف‪ ،‬ومقدمة طه العلواني لكتاب‪ :‬النهي عن االستعانة واالستنصار في أمور المسلمين بأهل الذمةة‬
‫والكفار‪ ،‬لمصطفى الوارداني‪.‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪4‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫ومن أبرز معامل التميز العقدي فيها‪ ،‬وبالغ احلفاوة بالسنة واالعتصام هبا‪ ،‬وحفظ بيضة اإلسالم عام يدنسها‪:‬‬
‫نصب عامل "الوالء والرباء" فيها‪ ،‬ومنه‪ :‬إنزال العقوبات الرشعية عىل املبتدعة‪ ،‬إذا ذكروا فلم يتذكروا‪ ،‬وهنوا‬
‫فلم ينتهوا‪ ،‬إعامال الستصالحهم وهدايتهم وأوبتهم بعد غربتهم يف مهاوي البدع والضياع‪ ،‬وتشييدا للحاجز‬
‫بني السنة والبدعة‪ ،‬وحاجز النفرة بني السني والبدعي‪ ،‬وقمعا للمبتدعة وبدعهم‪ ،‬وحتجيام هلم وهلا عن الفساد‬
‫يف األرض‪ ،‬وترسب الزيغ يف االعتقاد‪ ،‬ليبقى الظهور للسنن صافية من الكدر‪ ،‬نقية من عالئق األهواء‬
‫وشوائب البدع‪ ،‬جارية عىل منهاج النبوة وقفو األثر‪ ،‬ويف ظهور السنة أعظم دعوة إليها وداللة عليها‪ ،‬وهذا‬
‫كله عني النصح لألمة‪.‬‬
‫فالبصرية إذا يف العقوبات الرشعية للمبتدع‪ :‬باب من الفقه األكرب كبري‪ ،‬وشأنه عظيم‪ ،‬وهو رأس يف واجبات‬
‫األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬وأصل من أصول االعتقاد بداللة الكتاب والسنة واإلمجاع‪ ،‬وهلذا تراه بارز‬
‫املعامل يف كتب االعتقاد السلفي "اعتقاد أهل السنة واجلامعة"‪.‬‬
‫كل هذا حتت سلطان القاعدة العقدية الكربى (الوالء والرباء)(‪ )1‬التي مدارها عىل احلب والبغض يف اهلل تعاىل‪،‬‬
‫الذي هو (أصل الدين) وعليه تدور رحى العبودية‪.‬‬
‫وهذه العقوبات الرشعية التي كان يتعامل هبا السلف مع أهل البدع واألهواء‪ ،‬متنوعة ومتعددة يف جماالت‪:‬‬
‫الرواية‪ ،‬والشهادة‪ ،‬والصالة خلفهم وعليهم‪ ،‬وعدم توليتهم مناصب العدالة كاإلمامة والقضاء‪ ،‬والتحذير‬
‫منهم ومن بدعهم وتعزيرهم باهلجر‪ ،‬إىل آخر ما تراه مرويا يف كتب السنة واالعتقاد‪ ،‬مما حررت جمموعه يف‬
‫"أصول اإلسالم لدرء البدع عن األحكام"‪.‬‬
‫وما يف هذه الرسالة هو يف خصوص (الزجر باهلجر للمبتدع ديانة)(‪ )1‬ألمهيته يف‪ :‬التميز‪ ،‬والردع‪ ،‬وعموم‬
‫املطالبة به‪ ،‬وألنه أصبح يف الغالب من (السنن املهجورة)‪ ،‬حتت العوامل املذكورة يف صدر هذه املقدمة‪ ،‬هلذا‬

‫(‪ )1‬هذه القاعدة مبحوثة في كتب االعتقاد‪ ،‬وقد أفردت بمؤلفات منها‪ :‬تحفة اإلخوان للشيخ حمةود التةويجري‪،‬‬
‫سبيل النجاة‪ ،‬للشيخ حمد بن عتيق‪ ،‬الوالء والبراء‪ ،‬للشيخ محمد سعيد القحطاني‪ ،‬المواالة والمعةاداة للشةيخ‬
‫محمد الجلعود‪ ،‬الوالء والبراء للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق‪ ،‬وخمستها مطبوعة‪.‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪5‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫رأيت إفراده هبذه الرسالة إحياء هلذه السنة‪ ،‬ونرشا هلا بضوابطها الرشعية التي حتفظ للمبتدع كرامته مسلام‪،‬‬
‫وتكشف بدعته بوصفه مبتدعا‪ ،‬ما مل تكن مكفرة كبدعة‪ :‬القدر(‪ )2‬والباب‪ ،‬والبهاء‪ ...‬وحتفظ عىل أهل السنة‬
‫واجلامعة كف بدعته ومداخلتها يف صفوفهم‪ ،‬وهذا واجب باتفاق املسلمني‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل تعاىل يف بيان وجوب النصح لصالح اإلسالم واملسلمني‪:‬‬
‫ومثل أئمة البدع من أهل املقاالت املخالفة للكتاب والسنة‪ ،‬أو العبادات املخالفة للكتاب والسنة‪ ،‬فإن بيان‬
‫حاهلم وحتذير األمة منهم واجب باتفاق املسلمني حتى قيل ألمحد بن حنبل‪ :‬الرجل يصوم ويصيل ويعتكف‬
‫أحب إليك أو يتكلم يف أهل البدع؟ فقال‪ :‬إذا قام وصىل واعتكف فإنام هو لنفسه‪ ،‬وإذا تكلم يف أهل البدع‬
‫فبني أن نفع هذا عام للمسلمني يف دينهم من جنس اجلهاد يف سبيل اهلل ودينه‬
‫فإنام هو للمسلمني‪ ،‬هذا أفضل‪َّ ،‬‬
‫ومنهاجه ورشعته‪ ،‬ودفع بغي هؤالء وعدواهنم عىل ذلك واجب عىل الكفاية باتفاق املسلمني‪ ،‬ولوال من يقيمه‬
‫اهلل لدفع رضر هؤالء لفسد الدين‪ ،‬وكان فساده أعظم من فساد استيالء العدو من أهل احلرب‪ ،‬فإن هؤالء إذا‬
‫(‪)3‬‬
‫استولوا مل يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إال تبعا‪ ،‬وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء اهـ‬
‫هذا وما سيمر نظرك عليه يف هذه الرسالة‪ ،‬فإنه ينتظم يف مجلته‪ :‬أحكام اهلجر الرشعي للكافر واملبتدع الضال‬
‫ببدعته والعايص املجاهر بمعصيته‪ ،‬لكن صار نسج الكالم وجلب الروايات والنقول يف "هجر املبتدع"‪ ،‬ألن‬

‫(‪ )1‬للسيوطي رسالة باسم (الزجر بالهجر) ولم أقف عليها‪ ،‬وللشيخ محمد الزمزمي بن محمد الصديق الغمةاري‬
‫رسالة باسم‪" :‬إعالم المسلمين بوجوب مقاطعة المبتدعين والفجار والظالمين" طبعت بتطوان بال تةاريخ‪ ،‬رد‬
‫بها على أخيه عبد اهلل في رسالته‪( :‬القول المسموع في بيان الهجر المشروع)‪ ،‬وكان الزمزمي قد قاطع آخاه‬
‫عبد اهلل لما لديه من الدعوة إلى القبوريات وإلى بناء المساجد على القبور‪ ،‬وخدمة زاوية أبيه‪ ،‬في سلسلة =‬
‫=يطول ذكرها من البدع المضلة‪ ،‬فبلغت الصورة الغضبية مبلغها من عبد اهلل فألف رسالة‪( :‬النفحة الزكية)‬
‫هجر فيها داللة النصوص على الهجر‪ ،‬وخرق إجماع األمة عليه‪ ،‬وهي من الباطل الذي ال يلتفت إليه‪ ،‬واهلل‬
‫الهادي إلى سواء السبيل‪.‬‬
‫(‪ )2‬ما أحسن ما قاله الحربي أبو إسحاق رحمه اهلل تعالى‪ :‬من لم يؤمن بالقدر لم يتهنَّ بعيشه انظر‪ :‬واليةة اهلل‬
‫للشوكاني ‪.266/‬‬
‫(‪ )2‬الفتاوى ‪.222 221/ 25‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪6‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫رضره أعظم وخطره أشد‪ ،‬كام مر بك يف كالم شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل تعاىل‪ ،‬ويأيت له نظائر إن شاء‬
‫اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وجتد رؤوس املعتربات يف هذه الرسالة عىل ما ييل‪:‬‬
‫‪ - 1‬مقاصد اإلسالم يف اهلجر‪.‬‬
‫‪ - 2‬أنواعه‪.‬‬
‫‪ - 3‬رشوطه‪.‬‬
‫‪ - 4‬صفته‪.‬‬
‫‪ - 5‬منزلة هجر املبتدع من االعتقاد‪.‬‬
‫‪ - 6‬األدلة العلمية من الكتاب والسنة واإلمجاع‪.‬‬
‫‪ - 7‬إعامل الصحابة فمن بعدهم له يف مواجهة املبتدع‪.‬‬
‫‪ - 8‬ضوابط اهلجر يف الرشع‪.‬‬
‫‪ - 9‬عقوبة من واىل املبتدعة‪.‬‬
‫‪ - 11‬التحذير من إشاعة البدعة‪.‬‬
‫فاللهم (ارزقنا هديا قاصدا)(‪ )1‬و(جنِّبنا منكرات األخالق واألهواء واألدواء)‪.‬‬

‫(‪ )1‬اقتباس من حديثين مرفوعين رواهما ابن أبي عاصم في "السنة" برقم ‪ ،68 ،12 /‬وانظةر‪ :‬ظةالل الجنةة‬
‫‪.66 ،12/1‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪7‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫املبحث األول ‪ :‬مقاصد اإلسالم يف اهلجر‬

‫فوائد اهلجر للمبتدع التي قصدها الرشع كثرية‪ ،‬منها ما يعود إىل اهلاجرين القائمني هبذه الوظيفة الرشعية‬
‫العقدية‪ ،‬ومنها ما يعود إىل املهجور وإىل عامة املسلمني‪ ،‬وإىل محاية السنن من البدع واألهواء‪ ،‬فاهلجر الرشعي‬
‫ومنه (هجر املبتدعة) ‪ :‬عقوبة زجرية متعددة الغايات واملقاصد الرشعية املحمودة‪ ،‬وهي عىل ما ييل ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن (الزجر باهلجر) عقوبة رشعية للمهجور‪ ،‬فهي من جنس اجلهاد يف سبيل اهلل لتكون كلمة اهلل هي العليا‪،‬‬
‫وأداء لواجب األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬تقربا إىل اهلل تعاىل بواجب احلب والبغض فيه سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫‪ - 2‬بعث اليقظة يف نفوس املسلمني من الوقوع يف هذه البدعة وحتذيرهم‪.‬‬
‫‪ - 3‬حتجيم انتشار البدعة‪.‬‬
‫‪ - 4‬قمع املبتدع وزجره‪ ،‬ليضعف عن نرش بدعته‪ ،‬فإنه إذا حصلت مقاطعته والنفرة منه بات كالثعلب يف‬
‫جحره‪ .‬أما معارشته وخمالطته‪ ،‬وترك حتسيسه ببدعته‪ :‬فهذا تزكية له‪ ،‬وتنشيط وتغرير بالعامة‪ ،‬إذ العامي مشتق‬
‫من العمى‪ ،‬فهو بيد من يقوده غالبا‪ ،‬فالبد إذا من احلجر عىل املبتدع استصالحا للديانة وأحوال اجلامعة‪ ،‬وهو‬
‫ألزم من احلجر الصحي الستصالح األبدان‪.‬‬
‫وبعد أن نقل الشاطبي رمحه اهلل تعاىل بعض اآلثار يف النهي عن توقري املبتدع‪ ،‬قال‪:‬‬
‫تعظيم له ألجل بدعته‪ ،‬وقد علمنا أن‬
‫ٌ‬ ‫(فإن اإليواء جيامع التوقري‪ ،‬ووجه ذلك ظاهر‪ ،‬ألن امليش إليه والتوقري له‬
‫الرشع يأمر بزجره وإهانته وإذالله بام هو أشد من هذا‪ ،‬كالرضب والقتل‪ ،‬فصار توقريه صدودا عن العمل‬
‫برشع اإلسالم‪ .‬وإقباال عىل ما يضاده وينافيه‪ ،‬واإلسالم ال ينهدم إال برتك العمل به والعمل بام ينافيه‪.‬‬
‫وأيضا فإن توقري صاحب البدعة مظنة ملفسدتني تعودان باهلدم عىل اإلسالم‪:‬‬
‫* أحدمها‪ :‬التفات العامة واجلهال إىل ذلك التوقري‪ ،‬فيعتقدون يف املبتدع أنه أفضل الناس‪ ،‬وأن ما هو عليه خري‬
‫مما عليه غريه‪ ،‬فيؤدي ذلك إىل اتباعه عىل بدعته دون اتباع أهل السنة عىل سنتهم‪.‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪8‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫* والثانية‪ :‬أنه إذا وقر من أجل بدعته صار ذلك كاحلادي املحرض له عىل انتشار االبتداع يف كل يشء‪ .‬وعىل‬
‫(‪)1‬‬
‫كل حال فتحيا البدع ومتوت السنن‪ ،‬وهو هدم اإلسالم بعينه ا هـ‬
‫‪ - 5‬إعطاء ضامنة للسنن من شائبة البدع ومداخلتها لصفاء السنن‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(‪ )1‬االعتصام ‪116 / 1‬‬


‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪9‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫املبحث الثاين ‪ :‬أنواع اهلجر‬

‫وهي ثالثة ‪:‬‬


‫* األول ‪ :‬اهلجر ديانة‪ ،‬أي‪( :‬اهلجر حلق اهلل تعاىل) وهو من عمل أهل التقوى‪ ،‬يف‪ :‬هجر السيئة‪ ،‬وهجر فاعلها‪،‬‬
‫مبتدعا أو عاصيا‪.‬‬
‫وهذا النوع من اهلجر للفجار عىل قسمني ‪:‬‬
‫‪ - 1‬هجر ترك‪ :‬بمعنى هجر السيئات‪ ،‬وهجر قرناء السوء الذين ترضه صحبتهم إال حلاجة أو مصلحة‬
‫واه ُج ْر ُه ْم َه ْجرا ََجِيال ﴾‪ .‬وقال تعاىل‪﴿ :‬وإ َذا‬ ‫اه ُج ْر ﴾‪ ،‬وقال سبحانه‪ْ ﴿ :‬‬ ‫والر ْج َز َف ْ‬‫راجحة‪ .‬قال اهلل تعاىل‪ُّ ﴿ :‬‬
‫َْي ِه وإما ي ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ون ِيف آ َياتِنَا َف َأ ْع ِر ْض َعن ُْه ْم َحتهى َ ُ‬ ‫ر َأي َ ِ‬
‫الش ْي َطا ُن َفال َت ْق ُعدْ َب ْعدَ‬
‫هك ه‬‫نس َين َ‬ ‫وضوا ِيف َحديث غ ْ ِ ه ُ‬
‫َي ُ‬ ‫َي ُ‬
‫وض َ‬ ‫ت ا َلذ َ‬
‫ين َ ُ‬ ‫َ ْ‬
‫َاب َأ ْن إ َذا س ِمعتُم آي ِ‬
‫ات اَّللِ ُي ْك َف ُر ِ َبا‬ ‫ي﴾(‪ )1‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬و َقدْ َنزه َل َع َل ْيك ُْم ِيف الكِت ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ْ ْ َ‬ ‫الذك َْرى َم َع ال َق ْو ِم ال هظامل َ‬ ‫ِّ‬
‫َْي ِه إ هنك ُْم إذا ِّم ْث ُل ُه ْم﴾‬ ‫وضوا ِيف ح ِد ٍ‬
‫يث غ ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫و ُي ْست َْهز َُأ ِ َبا َفال َت ْق ُعدُ وا َم َع ُه ْم َحتهى َ ُ‬
‫َي ُ‬
‫ويف احلديث أن النبي ﷺ قال‪ ( :‬املهاجر من هجر ما هنى اَّلل عنه )‪.‬‬
‫‪ - 2‬هجر تعزير‪ :‬وهذا من العقوبات الرشعية التبصريية التي يوقعها املسلم عىل الفجار كاملبتدع‪ ،‬عىل وجه‬
‫التأديب‪ ،‬يف دائرة الضوابط الرشعية للهجر‪ ،‬حتى يتوب املبتدع ويفيء‪.‬‬
‫وهذا القسم هو الذي تدور عليه األبحاث يف هذه الرسالة املباركة‪.‬‬
‫وهذا النوع بقسميه من أصول االعتقاد‪ ،‬واألمر فيه أمر إجياب يف أصل الرشع‪ ،‬ومباحثه يف كتب السنن‬
‫والتوحيد واالعتقاد وغريها‪.‬‬
‫‪ -‬تنبيه يف هجر الكافر‪:‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر رمحه اهلل تعاىل ‪( :‬قال الطربي‪ :‬قصة كعب بن مالك أصل يف هجران أهل املعايص‪ ،‬وقد‬
‫استشكل كون هجران الفاسق أو املبتدع مرشوعا وال يرشع هجران الكافر‪ ،‬وهو أشد جرما منهام لكوهنم من‬

‫(‪ )1‬الفتح ‪ ،232 ،212 216 ،212 211 / 25‬فتح الباري ‪ 662 / 13‬الترغيب والترهيةب ‪،662 686 /2‬‬
‫الدرر السنية ‪235 216 / 6‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪01‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫أهل التوحيد يف اجلملة‪ .‬وأجاب ابن بطال‪ :‬بأن هلل أحكاما فيها مصالح للعباد وهو أعلم بشأهنا وعليهم‬
‫التسليم ألمره فيها‪ ،‬فجنح إىل أنه تعبد ال يعقل معناه‪ .‬وأجاب غريه‪ :‬بأن اهلجران عىل مرتبتني‪ :‬اهلجران‬
‫بالقلب‪ ،‬واهلجران باللسان‪ ،‬فهجران الكافر بالقلب وبرتك التودد والتعاون والتنارص السيام إذا كان حربيا‪،‬‬
‫وإنام مل يرشع هجرانه بالكالم لعدم ارتداعه بذلك عن كفره‪ ،‬بخالف العايص املسلم فإنه ينزجر بذلك غالبا‪،‬‬
‫ويشرتك كل من الكافر والعايص يف مرشوعية مكاملته بالدعاء إىل الطاعة واألمر باملعروف والنهي عن املنكر‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وإنام املرشوع ترك املكاملة باملوادة ونحوها) ا هـ‬
‫والظاهر ما قاله النووي رمحه اهلل تعاىل من أن للمسلم هجر الكافر من غري تقييد(‪ )2‬ملا هو معلوم من األصل‬
‫الرشعي العام من حتريم مواالة الكفار‪ ،‬والتحذير من موادهتم وتعظيم ما يؤدي إىل ذلك‪ ،‬ونصب األسباب‬
‫املوصلة إىل ظهور املسلم عليهم كام يف حديث أيب هريرة ريض اهلل عنه‪ :‬أن رسول اهلل ﷺ قال ‪( :‬ال تبدءوا‬
‫اليهود والنصارى بالسالم‪ ،‬فإذا لقيتم أحدهم يف طريق فاضطروهم إىل أضيقه) رواه أمحد ومسلم وغريمها‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫والنصوص يف حتريم مواالة الكافرين من الكتاب والسنة وآثار السلف كثرية مشهورة‪ ،‬واهلل أعلم‬
‫* الثاين ‪ :‬اهلجر الستصالح أمر دنيوي‪ ،‬أي (اهلجر حلق العبد)‪ :‬وفيه جـاءت أحاديـث اهلجـر بـام دون ثـالث‬
‫ليال‪ ،‬رواها مجاعة من الصحابة ريض اهلل عنهم‪ ،‬بأسانيد يف الصحيحني وغريهـا(‪ )4‬ومجيعهـا تفيـد أن الرشـع مل‬
‫يرخص هبذا النوع من اهلجر بني املسلمني إال بام دون ثالث ليال‪ ،‬كام مل يرخص يف إحداد غري الزوجة أكثر مـن‬
‫ثالث‪.‬‬
‫ومن اهلجر هنا‪ :‬هجر الوالد لولده‪ ،‬والزوج لزوجته‪ ،‬وقد هجر النبي ﷺ نساءه شهرا‪.‬‬

‫(‪ )1‬فتح الباري ‪662/13‬‬


‫(‪ )2‬فتح الباري ‪666/13‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬تحفة اإلخوان‪ ،‬فهو مهم في هذا‪ ،‬والدرر السنية ‪ ،216 235 ،23 ،162 163 ،128/6‬ومن النظر‬
‫فيها يتبين أن ما استشكله الطبري غير مشكل واهلل أعلم‪.‬‬
‫(‪ )6‬الترغيب والترهيب ‪.662-686/2‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪00‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫عن أنس ريض اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪( :‬ال تناجشوا وال تباغضوا وال حتاسدوا وال تدابروا‪ ،‬وكونوا‬
‫عباد اَّلل إخوانا‪ ،‬وال حيل ملسلم أن هيجر أخاه فوق ثالث ليال)‪.‬‬
‫وبعد أن بني اخلطايب رمحه اهلل تعاىل‪ :‬أن ما وراء الثالث عىل املنع قال ‪( :‬فأما هجران الوالد ولده والزوج‬
‫(‪.)1‬‬
‫لزوجه‪ ،‬ومن كان يف معنامها فال يضيق أكثر من ثالث‪ ،‬وقد هجر رسول اهلل ﷺ نساءه شهرا)‪ .‬ا هـ‬
‫وهذا النوع من اهلجر من مباحث الرقاق واآلداب‪.‬‬
‫(‪.)2‬‬
‫* النوع الثالث‪ :‬اهلجر قضاء‪ ،‬وهو من العقوبات التعزيزية للمعتدين‪ ،‬وهذا يبحثه الفقهاء يف باب التعزيز‬

‫(‪ )1‬معالم السنن ‪.112/6‬‬


‫(‪ )2‬وانظر‪ :‬كتاب التعزيز‪ ،‬لعبد العزيز عامر‪ ،‬ص (‪ ،)222‬وما بعدها‪.‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪02‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫املبحث الثالث ‪ :‬رشوط اهلجر‬

‫اهلجر الرشعي للفجار من املبتدعني‪ ،‬والفساق (عبادة)‪ ،‬والعبادة البد من توفر ركنيها‪:‬‬
‫‪ - 1‬اإلخالص‪ ،‬وهو ميزان األعامل يف باطنها‪.‬‬
‫‪ - 2‬واملتابعة‪ ،‬وهو ميزان األعامل يف ظاهرها‪.‬‬
‫فالبد من أن يكون اهلجر‪ :‬خالصا صوابا‪ ،‬فاهلجر هلوى النفس‪ :‬ينقض اإلخالص‪ ،‬واهلجر عىل خالف األمر‪:‬‬
‫ينقض املتابعة‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪03‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫املبحث الرابع ‪ :‬صفات اهلجر‬


‫(‪)1‬‬

‫األصل يف اهلجر هو اإلعراض بالكلية عن املبتدع والرباءة منه‪.‬‬


‫ومن مفرداته‪:‬‬
‫‪ - 1‬عدم جمالسته‪.‬‬
‫‪ - 2‬االبتعاد عن جماورته‪.‬‬
‫‪ - 3‬ترك توقريه‪ .‬ترك مكاملته‪.‬‬
‫‪ - 4‬ترك السالم عليه‪.‬‬
‫‪ - 5‬ترك التسمية له‪.‬‬
‫‪ - 6‬عدم بسط الوجه له مع عدم هجر السالم والكالم‪.‬‬
‫‪ - 7‬عدم سامع كالمه وقراءهتم‪.‬‬
‫‪ - 8‬عدم مشاورهتم‪.‬‬
‫وهكذا من الصفات التي يتأدى هبا الزجر باهلجر‪ ،‬وحتصل مقاصد الرشع‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬فتح الباري ‪ ? 662/13 ،122126/5‬وشرح أصول اعتقاد أهةل السةنة للاللكةا ي ‪،116183/1‬‬
‫ومبحث اآلثار من هذه الرسالة‪.‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪04‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫املبحث اخلامس ‪ :‬منزلة اهلجر من االعتقاد‬

‫(‪)1‬‬
‫يؤصل علامء اإلسالم (هجر املبتدع ديانة) حتت القاعدة العقدية الكربى (قاعدة الوالء والرباء)‬
‫ومفهوم هذه القاعدة الرشيفة لدى أهل السنة واجلامعة هو‪ :‬احلب والبغض يف اهلل‪ ،‬فهم يوالون أولياء الرمحن‪،‬‬
‫ويعادون أولياء الشيطان‪ٍ ،‬‬
‫وكل بحسب ما فيه من اخلري والرش‪.‬‬
‫ويف حديث أنس ريض اهلل عنه أن رسول اهلل ﷺ قال ‪ ( :‬ثالث من كن فيه وجد حالوة اإليامن‪ :‬أن يكون اَّلل‬
‫ورسوله أحب إليه مما سوامها‪ ،‬وأن حيب املرء ال حيبه إال َّلل‪ ،‬وأن يكره املرء أن يعود يف الكفر كام يكره أن يقذف‬
‫(‪.)2‬‬
‫يف النار) متفق عليه‬
‫وعن أيب إمامة ريض اهلل عنه أن رسول اهلل ﷺ قال ‪ ( :‬من أحب َّلل‪ ،‬وأبغض َّلل‪ ،‬وأعطى َّلل‪ ،‬فقد استكمل‬
‫(‪)3‬‬
‫اإليامن ) رواه أبو داود والضياء‬
‫(‪)4‬‬
‫حييى بن معاذ ‪( :‬حقيقة احلب يف اهلل أن ال يزيد بالرب‪ ،‬وال ينقص باجلفاء)‬

‫(‪ )1‬تنبيه مهم ‪ :‬هذه القاعة مشتركة لفظا بين أهل السنة والجماعة وحقيقتها لديهم كما علمت‪ ،‬وبين الخوارج (ال‬
‫والء إال ببراء) أي ال مواالة ألبي بكر وعمر رض اهلل عنهما إال بالبراءة من أميري المؤمنين عثمان وعلي‬
‫رض اهلل عنهما وبين الشيعة (ال والء إال ببراء) إي ال والء لعلي وآل البيت إال بالبراءة من أبي بكر وعمر‬
‫وعثمان وسا ر الصحابة رضي اهلل عنهم ومعتقد أهل السنة والجماعة مواالة جميع الصحابة رضى اهلل عنهم‬
‫بتزكية اهلل لهم تنبيه آخر‪ :‬ولدى أهل السنة والجماعة كذلك (بدعية الوالء والبراء) من وجه‪ :‬بمعنى أن يتبرأ‬
‫من قوم هم على دين اإلسالم والسنة‪ ،‬ويتولى من ليسوا كذلك‪ ،‬كما ذكره ابن بطة رحمةه اهلل تعةالى فةي‬
‫الشرح و اإلبانة‪ ،‬ص (‪ )261‬رقم ‪.622/‬‬
‫(‪ )2‬فتح الباري ‪.636/1‬‬
‫(‪ )2‬السلسلة الصحيحة ‪.253/2‬‬
‫(‪ )6‬فتح الباري ‪.62/1‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪05‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫وهذه القاعدة من مسلامت االعتقاد يف اإلسالم‪ ،‬لكثرة النصوص عليها من الكتاب والسنة واألثر(‪ )1‬ومن أوىل‬
‫مقتضياهتا التي يثاب فاعلها ويعاقب تاركها الرباءة من أهل البدع واألهواء‪ ،‬ومعاداهتم‪ ،‬وزجرهم باهلجر‬
‫(‪)2‬‬
‫ونحوه‪ ،‬عىل التأبيد حتى يفيئوا‪ ،‬وهذا موفور يف عامة كتب اعتقاد أهل السنة واجلامعة‬
‫وأكتفي بام أصله اإلمام أبو إسامعيل الصابوين م سنة ‪ 449‬هـ رمحه اهلل تعاىل إذ قال ‪( :‬ويبغضون أهل البدع‬
‫الذين أحدثوا يف الدين ما ليس منه‪ ،‬وال حيبوهنم وال يصحبوهنم‪ ،‬وال يسمعون كالمهم‪ ،‬وال جيالسوهنم وال‬
‫جيادلوهنم يف الديني‪ ،‬وال يناظروهنم‪ ،‬ويرون صون آذاهنم عن سامع أباطيلهم التي إذا مرت باآلذان َق ّرت‬
‫وجرت إليها من الوساوس واخلطرات الفاسدة ما َج َّرت‪ ،‬وفيه أنزل اهلل عز‬ ‫رضت ّ‬ ‫باآلذان وقرت بالقلوب ّ‬
‫يث غَ ْ ِْي ِه﴾‪.‬‬
‫وضوا يف ح ِد ٍ‬
‫َ‬ ‫ون يف آ َياتِنَا َف َأ ْع ِر ْض َعن ُْه ْم َح هتى َ ُ‬
‫َي ُ‬ ‫وض َ‬ ‫ين َ ُ‬
‫َي ُ‬ ‫وجل قوله‪﴿ :‬وإ َذا ر َأي َ ِ‬
‫ت ا َلذ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ثم ذكر عالمات أهل البدع‪ ،‬وعالمات أهل السنة‪ ،‬ثم قال‪( :‬واتفقوا مع ذلك عىل القول بقهر أهل البدع‬
‫وإذالهلم وإخزائهم وإبعادهم وإقصائهم‪ ،‬والتباعد منهم ومن مصاحبتهم ومعارشهتم والتقرب إىل اهلل عز‬
‫(‪)3‬‬
‫وجل بمجانبتهم ومهاجرهتم…) ا هـ‬
‫والعقوبة باهلجر للمبتدع إحدى العقوبات الرشعية التي ينزهلا أهل السنة باملبتدعة‪ ،‬حسب البدع واألهواء‬
‫التي يتلبسون‪ ،‬هبا‪ ،‬ومنها ما تقدمت اإلشارة إليه واهلل أعلم‪.‬‬

‫(‪ )1‬الدرر السنية ‪ ،216 235/6‬تحفة اإلخوان‪.621/‬‬


‫(‪ )2‬كما في‪ :‬العقيدة للصابوني م سنة ‪ 666‬هة رحمه اهلل تعالى‪ ، 1 3 2 133/‬وشرح أصول اعتقاد أهل السنة‬
‫للاللكا ي ‪، 116183/1‬وفي كتاب السنة للخالل‪ :‬باب مجانبة من قال القرآن مخلوق كما في الفتةاوى ‪25‬‬
‫‪ ،212 213/‬واالعتقاد للبيهقي‪ :‬باب النهي عن مجالسة أهل البدع ومكالمتهم ‪ ،168/‬والشرح واإلبانة البن‬
‫بطة‪.252 ،228226 ،1 86/‬‬
‫(‪ )2‬رسالته في العقيدة ‪.112 ،133/‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪06‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫املبحث السادس ‪ :‬األدلة من الكتاب والسنة عىل هجر املبتدع ديانة‬

‫هذا التأصيل العقدي‪ :‬الزجر باهلجر للمبتدع ديانة‪ ،‬مستمد من دالئل‪ :‬الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬واإلمجاع‬
‫وإىل بيان بعض منها ‪:‬‬
‫* أوال الكتاب العزيز ‪:‬‬
‫ففيه آيات كثرية يف التأكيد عىل املواالة يف اهلل‪ ،‬واملعاداة فيه‪ ،‬يف سور‪ :‬البقرة‪ ،‬وآل عمران‪ ،‬واألنعام‪ ،‬والنساء‪،‬‬
‫واملجادلة وغريها(‪ )1‬ونقترص هنا عىل ذكر أربع آيات من سور‪ :‬األنعام‪ ،‬والنساء‪ ،‬وهود‪ ،‬واملجادلة‪ ،‬والتي نص‬
‫العلامء يف تفسريها عىل عقوبة املبتدع باهلجر وداللتها عليه‪ ،‬وذلك باعتبار عموم اللفظ يف كل آية‪ ،‬وهذا هو‬
‫املعترب دون خصوص السبب‪ ،‬ففي عموم كل آية منها دليل عىل اهلجر واإلعراض واالجتناب‪ ،‬واملجالسة‪،‬‬
‫لكل مبتدع حمدث يف الدين حتى يفيء‪ ،‬وعىل هذا تدل كلمة من تراه من املفرسين وغريهم‪.‬‬
‫وهذه من أجل الفوائد يف تفسري النصوص من آية أو حديث‪ ،‬إذ يشمل تفسريها األمرين ‪:‬‬
‫األول‪ :‬ما هي نص فيه‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬ما يؤخذ منه حكم له وإن مل يكن نصا فيه باعتبار العموم واالستنباط من كتاب اهلل تعاىل وأرسار‬
‫تنزيله‪ ،‬وكام يف حديث الصحيفة املشهور‪( .‬أو فهام يؤتيه اهلل رجال يف كتابه)‪.‬‬
‫وهذه قاعدة رشيفة فال يفوتنك الوقوف عليها‪ ،‬وبخاصة لدى اإلمام الشاطبي رمحه اهلل تعاىل‪ ،‬وعنه بل بأبسط‬
‫(‪)2‬‬
‫يف كتاب (حد اإلسالم وحقيقة اإليامن)‬

‫(‪ )1‬انظر في جمع هذه اآليات مع وجوه االستدالل بها في‪ :‬الدرر السنية ‪ 65 82/ 6‬ذكر عشرين آية‪ ،‬وتحفةة‬
‫اإلخوان‪ 18 6/‬ذكر ست عشرة آية‪.‬‬
‫(‪ )2‬االعتصام ا‪ 285/2 ،132132 ،62 62/‬وكتاب حد اإلسالم للشيخ عبد المجيد الشاذلي‪ 256 255/‬وتفسير‬
‫سعْ ُيهُمْ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ اآليةة‪-132/‬‬
‫عمَالا الَذِينَ ضَلَّ َ‬
‫سرِينَ أَ ْ‬
‫خَ‬‫ابن كثير لقوله تعالى‪ُ ﴿ :‬قلْ َهلْ نُنَبِّ ُكُم بِاألَ ْ‬
‫‪ 136‬وفي الفوز الكبير للدهلوي‪ 26/‬قال ‪ ( :‬وبالجملة إذا قرأت القرآن فال تحسب أن المخاصمة كانت مةع‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪07‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫وإىل بياهنا ‪:‬‬


‫ون يف آ َياتِنَا َف َأ ْع ِر ْض َعن ُْه ْم َحتهى‬
‫وض َ‬ ‫َي ُ‬ ‫ين َ ُ‬ ‫‪ - 1‬ومنها قول اهلل تعاىل يف سورة األنعام ‪ ﴿ :)1(68 :‬وإ َذا ر َأي َ ِ‬
‫ت ا َلذ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ِ‬ ‫يث غَ ِْي ِه وإما ي ِ‬
‫وضوا يف ح ِد ٍ‬
‫ي﴾ ويف هذه اآلية داللة‬ ‫الذك َْرى َم َع ال َق ْو ِم ال هظامل َ‬ ‫الش ْي َط ُ‬
‫ان َفال َت ْق ُعدْ َب ْعدَ ِّ‬ ‫هك ه‬‫نس َين َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬
‫َي ُ‬
‫عىل حتريم جمالسة أهل البدع واألهواء وأهل الكبائر واملعايص‪.‬‬
‫قال القرطبي رمحه اهلل تعاىل ‪ ( :‬يف هذه اآلية رد من كتاب اهلل عز وجل عىل من زعم أن األئمة الذين هم‬
‫حجج‪ ،‬وأتباعهم هلم أن خيالطوا الفاسقني‪ .،‬ويصوبوا آرائهم تقية‪ ،‬وذكر الفري عن أيب جعفر حممد بن عيل‬
‫رض اهلل عنه أنه قال‪ :‬ال جتالسوا أهل اخلصومات‪ ،‬فإهنم الذين خيوضون يف آيات اهلل‪.‬‬
‫قال ابن العريب ‪ :‬وهذا دليل عىل أن جمالسة أهل الكبائر ال حتل‪.‬‬
‫قال ابن خويز منداد‪ :‬من خاض يف آيات اهلل تركت جمالسته وهجر مؤمنا كان أو كافرا‪،‬‬
‫قال‪ :‬وكذلك منع أصحابنا الدخول إىل أرض العدو‪ ،‬وكنائسهم‪ ،‬والبيع وجمالسة الكفار وأهل البدع‪ ،‬وأال‬
‫(‪)3()2‬‬
‫تعتقد مودهتم‪ ،‬وال يسمع كالمهم وال مناظرهتم‪ ،‬ثم ذكر بعض اآلثار عن السلف يف هجر املبتدعة) ا هـ‬
‫وقال الشوكاين رمحه اهلل تعاىل‪( :‬وىف هذه اآلية موعظة ملن يتسمح بمجالسة املبتدعة الذين حيرفون‪ .‬كالم اهلل‪،‬‬
‫ويتالعبون بكتاب وسنة رسوله‪ ،‬ويردون ذلك إىل أهوائهم املضلة وبدعهم الفاسدة‪ ،‬فإنه إذا مل ينكر عليهم‬
‫ويغري ما هم فيه فأقل األحوال أن يرتك جمالستهم‪ ،‬وذلك يسري عليه غري عسري‪ ،‬وقد جيعلون حضوره معهم مع‬
‫تنزهه عام يتلبسون‪ ،‬به شبهة يشبهون هبا عىل العامة‪ ،‬فيكون يف حضوره مفسدة زائدة عىل جمرد سامع املنكر‪.‬‬
‫وقد شاهدنا من هذه املجالسة امللعونة ما ال يأيت عليه احلرص‪ ،‬وقمنا يف نرصة احلق ودفع الباطل بام قدرنا عليه‪،‬‬
‫وبلغت إليه طاقتنا‪ ،‬ومن عرف هذه الرشيعة املطهرة حق معرفتها‪ :‬علم أن جمالسة أهل البدع املضلة فيها من‬

‫قوم انقرضوا بل الواقع انه ما من بالء كان فيما سبق من الزمان إال وهو موجرد اليوم بطريق األنمةوذج‬
‫بحكم الحديث‪ :‬لتتبعن سنن من قبلكم )‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تفسير القرطبي ‪ 1212/ 2‬فتح القدير للشوكاني ‪.122/ 2‬‬
‫(‪ )2‬تفسير القرطبي ‪.12 -12/2‬‬
‫(‪ )2‬ستأتي في توظيف الصحابة لهذه السنة‪.‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪08‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫املفسدة أضاف أضعاف ما يف جمالسة من يعيص اهلل بفعل يشء من املحرمات‪ ،‬وال سيام ملن كان غري راسخ‬
‫القدم يف علم الكتاب والسنة‪ ،‬فإنه ربام ينفق عليه من كذباهتم وهذياهنم ما هو من البطالن بأوضح‪ ،‬مكان‬
‫فينقدح يف قلبه ما يصعب عالجه ويعرس دفعه‪ ،‬فيعمل بذلك مدة عمره‪ ،‬ويلقى اهلل به معتقدا أنه من احلق‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وهو من أبطل الباطل وأنكر املنكر) ا هـ‬

‫ات اَّللِ ُي ْك َف ُر ِ َبا و ُي ْست َْهز َُأ ِ َبا‬‫َاب َأ ْن إ َذا س ِمعتُم آي ِ‬


‫‪ - 2‬ومنها قوله تعاىل‪ :‬النساء ‪ ﴿ :141‬و َقدْ َنز َهل َع َل ْيك ُْم ِيف الكِت ِ‬
‫َ ْ ْ َ‬
‫ين ِيف َج َهن َهم‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َْي ِه إ هنك ُْم إذا ِّم ْث ُل ُه ْم ه‬ ‫وضوا ِيف ح ِد ٍ‬
‫يث غ ْ ِ‬
‫ي وا ْلكَاف ِر َ‬ ‫إن اَّللَ َجام ُع املُنَافق َ‬ ‫َ‬ ‫َفال َت ْق ُعدُ وا َم َع ُه ْم َحتهى َ ُ‬
‫َي ُ‬
‫ََجِيعا﴾‬
‫قال القرطبي رمحه اهلل تعاىل ما حمصله ‪( :‬فدل هبذا عىل وجوب اجتناب أصحاب املعايص إذا ظهر منهم منكر ؛‬
‫ألن من مل جيتنبهم فقد ريض فعلهم‪ ،‬والرضا بالكفر كفر‪ ،‬قال اهلل عز وجل‪﴿ :‬إ هنك ُْم إذا ِّم ْث ُل ُه ْم﴾ فكل من‬
‫جلس يف جملس معصية ومل ينكر عليهم يكون معهم يف الوزر سواء‪ ،‬وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا‬
‫باملعصية وعملوا هبا‪ ،‬فإن مل يقدر عىل النكري عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى ال يكون من أهل هذه اآلية‪..‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وإذا ثبت جتنب أصحاب املعايص كام بينا فتجنب أهل البدع واألهواء أوىل‬
‫وروى جويرب عن الضحاك قال ‪( :‬دخل يف هذه اآلية كل حمدث يف الدين مبتدع إىل يوم القيامة)(‪ )3‬وقال‬
‫ِ‬ ‫وأ هن ه َذا ِ ِ‬
‫ِصاطي ُم ْستَقيام َفا هتبِ ُعو ُه وال َتتهبِ ُعوا ُّ‬
‫الس ُب َل َفتَ َف هر َق‬ ‫َ‬ ‫القرطبي أيضا رمحه اهلل تعاىل عند قول اهلل تعاىل ‪َ َ ﴿ :‬‬
‫ون﴾ ‪ ،‬ومىض يف النساء‪ ،‬وهذه السورة النهي عن جمالسة أهل البدع‬ ‫وصاكُم بِ ِه َل َع هلك ُْم َت هت ُق َ‬ ‫ِِ ِ‬
‫بِك ُْم َعن َسبِيله َذلك ُْم ه‬
‫ون ِيف آ َياتِنَا﴾ اآلية‪ ،‬ثم بني يف‬ ‫وض َ‬ ‫َي ُ‬ ‫ين َ ُ‬ ‫واألهواء‪ ،‬وأن من جالسهم حكمه حكمهم فقال ‪﴿ :‬وإ َذا ر َأي َ ِ‬
‫ت ا َلذ َ‬ ‫َ ْ‬
‫سورة النساء‪ ،‬وهي مدنية‪ .‬عقوبة من فعل ذلك وخالف ما أمر اهلل به فقال‪ ﴿ :‬و َقدْ َنزه َل َع َل ْيك ُْم ِيف الكِتَاب﴾‬
‫اآلية‪ ،‬فأحلق من جالسهم هبم‪.‬‬

‫(‪ )1‬فتح القدير ‪.122/2‬‬


‫(‪ )2‬ذكر قول الكلبي في نسخها وأن قول عامة المفسرين أن هذه اآلية محكمة‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير القرطبي ‪.615/ 8‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪09‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫وقد ذهب إىل هذا مجاعة من أئمة هذه األمة‪ ،‬وحكم بموجب هذه اآليات يف جمالس أهل البدع عىل املعارشة‬
‫واملخالطة منهم‪ :‬أمحد بن حنبل واألوزاعي‪ ،‬وابن املبارك‪ ،‬فإهنم قالوا يف رجل شأنه جمالسة أهل البدع‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ينهى عن جمالستهم فإن انتهى وإال أحلق هبم‪ ،‬يعنون يف احلكم)‬
‫وقال الشوكانى رمحه اهلل تعاىل‪( :‬ويف هذه اآلية باعتبار عموم لفظها الذي هو املعترب دون خصوص السبب ‪:‬‬
‫دليل عىل اجتناب كل موقف خيوض فيه أهله بام يفيد التنقص واالستهزاء لألدلة الرشعية كام يقع كثريا من‬
‫أرساء التقليد…)(‪.)2‬‬
‫وما َلكُم ِّمن ُد ِ‬ ‫ِ‬
‫ون اَّللِ‬ ‫ين َظ َل ُموا َفت ََم هسك ُُم الن ُهار َ‬
‫‪ - 3‬ومنها قوله تعاىل يف سورة هود‪﴿ : 113 /‬وال ت َْر َكنُوا َإىل ا َلذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون﴾‪.‬‬
‫ُنَص َ‬ ‫م ْن َأ ْول َي َ‬
‫اء ُث هم ال ت َ ُ‬
‫قال القرطبي رمحه اهلل تعاىل ‪( :‬الصحيح يف معنى هذه اآلية أهنا دالة عىل هجران أهـل الكفر واملعايص من‬
‫أهل البدع وغريهم‪ ،‬فإن صحبتهم كفر أو معصية إذ الصحبة ال تكون إال عن مودة‪ ،‬وقد قال حكيم أي طرفة‬
‫بن العبد ‪ :‬عن املرء ال تسأل وسل عن قرينه فكل قرين باملقارن يقتدي فإن كانت الصحبة عن رضورة وتقية‬
‫فقد مىض القول فيها يف‪ :‬آل عمران‪ ،‬واملائدة‪ ،‬وصحبة الظامل عىل التقية مستثناة من النهي بحال االضطرار‪،‬‬
‫واهلل أعلم)(‪.)3‬‬
‫ور ُسو َل ُه و َل ْو كَانُوا‬ ‫ُون بِاَّللِ وا ْل َي ْو ِم اآل ِخ ِر ُي َوا ُّد َ‬
‫ون َم ْن َحا هد اَّللَ َ‬ ‫َتدُ َق ْوما ُي ْؤ ِمن َ‬
‫‪ - 4‬ومنها قول اهلل تعاىل ‪﴿ :‬ال َ ِ‬

‫إخ َو َاهن ُ ْم َأ ْو َع ِش َْي َ ُهتم﴾ [ املجادلة ‪.]22 :‬‬‫َاءه ْم َأ ْو ْ‬


‫اءه ْم َأ ْو َأ ْبن ُ‬
‫آ َب ُ‬
‫قال القرطبي رمحه اهلل تعاىل ‪ ( :‬استدل مالك رمحه اهلل تعاىل من هذه اآلية عىل معاداة القدرية‪ ،‬وترك جمالستهم‪،‬‬
‫ُون بِاَّللِ وا ْليو ِم ِ‬
‫اآلخ ِر‬ ‫َتدُ َق ْوما ُي ْؤ ِمن َ‬
‫قال أشهب عن مالك‪ :‬ال جتالس القدرية وعادهم يف اهلل لقوله تعاىل‪﴿ :‬ال َ ِ‬
‫َْ‬
‫ور ُسو َل ُه﴾ قلت‪ :‬ويف معنى أهل القدر مجيع أهـل الظلم والعدوان)(‪.)4‬‬
‫َّلل َ‬
‫ون َم ْن َحا هد ا َ‬
‫ُي َوا ُّد َ‬

‫(‪ )1‬تفسير القرطبي ‪ 162/ 2‬وبحثه مطولا من ‪.162 ،122 / 2‬‬


‫(‪ )2‬فتح القدير‪.665/1‬‬
‫(‪ )2‬تفسير القرطبي ‪.135 / 6‬‬
‫(‪ )6‬تفسير القرطبي ‪.235 / 12‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪21‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫ثانيا ومن السنة النبوية ‪:‬‬


‫وهي كثرية يرتجم هلا املحدثون يف عدة أبواب‪:‬‬
‫أ ‪ -‬ففي صحيح البخاري رمحه اهلل تعاىل‪ :‬باب اهلجرة وقول رسول اهلل ﷺ‪ ( :‬ال حيل لرجل أن هيجر أخاه‬
‫فوق ثالث )‪ ،‬وباب ما جيوز من اهلجران ملن عىص‪ ،‬وباب من مل يسلم عىل من اقرتف ذنبا‪ ،‬ومن مل يرد سالمه‬
‫حتى تتبني توبته وإىل متى تتبني توبة العايص؟ وقال عبد اهلل بن عمرو‪ :‬ال تسلموا عىل رشبة اخلمر(‪.)1‬‬
‫ب ‪ -‬ويف سنن أيب داود رمحه اهلل تعاىل‪ :‬باب جمانبة أهل األهواء أو بغضهم‪ ،‬وباب ترك السالم عىل أهل‬
‫األهواء(‪.)2‬‬
‫ج ‪ -‬ويف رياض الصاحلني للنووي رمحه اهلل تعاىل‪ :‬باب حتريم اهلجر بني املسلمني إال لبدعة يف املهجور أو‬
‫تظاهر بالفسق(‪.)3‬‬
‫د ‪ -‬ويف رشح السنة للبغوي رمحه اهلل تعاىل‪ :‬باب جمانبة أهل األهواء(‪.)4‬‬
‫هـ ‪ -‬ويف الرتغيب والرتهيب للمنذري رمحة اهلل تعاىل‪ :‬الرتهيب من سب األرشار وأهل البدع ألن املرء مع‬
‫من أحب(‪.)5‬‬

‫‪ - 1‬عن أيب هريرة ريض اهلل عنه عن النبي ﷺ قال‪( :‬سيكون يف آخر أمتي ناس حيدثونكم بام مل تسمعوا أنتم‬
‫وال آباؤكم فإياكم وإياهم) رواه مسلم يف مقدمة صحيحه(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬فتح الباري ‪ ،665 ،661/13‬وانظر ص ‪ ،63/11 ،651‬وانظر األدب المفرد‪ :‬باب من لةم يسةلم علةى‬
‫أصحاب النرد‪ ،‬وتراجم أخرى مهمة‪.‬‬
‫(‪ 5 ،6 / 8 )2‬رقم ‪6632-6866/‬‬
‫(‪ )2‬رياض الصالحين ‪611-636/‬‬
‫(‪ )6‬شرح السنة للبغوي ‪223-216/1‬‬
‫(‪ )8‬الترغيب والترهيب للمنذري‬
‫(‪ )6‬مقدمة صحيح مسلم ‪ ،6 / 1‬وعن‪ :‬شرح السنة للبغوى ‪222/1‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪20‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫قال البغوي رمحه اهلل تعاىل بعده‪( :‬قد أخرب النبي هلم عن افرتاق هذه األمة‪ ،‬وظهور األهواء والبدع فيهم‪،‬‬
‫وحكم بالنجاة ملن اتبع سنته‪ ،‬وسنة أصحابه ريض اهلل عنهم‪ ،‬فعىل املرء املسلم إذا رأى رجال يتعاطى شيئا من‬
‫األهواء والبدع معتقدا‪ ،‬أو يتهاون بيشء من السنن أن هيجره‪ ،‬ويتربأ منه‪ ،‬ويرتكه حيا وميتا‪ ،‬فال يسلم عليه إذا‬
‫لقيه‪ ،‬وال جييبه إذا ابتدأ إىل أن يرتك بدعته‪ ،‬ويراجع احلق)(‪.)1‬‬
‫والنهي عن اهلجران فوق ثالث فيام يقع بني الرجلني من التقصري يف حقوق الصحبة والعرشة دون ما كان‬
‫كذلك يف حق الدين‪ ،‬فإن هجرة أهل األهواء والبدع دائمة إىل أن يتوبوا) اهـ‪.‬‬
‫‪ - 2‬عن ابن عمر ريض اهلل عنهام‪ :‬أن رسول اهلل ﷺ قال‪( :‬لكل أمة جموس‪ ،‬وجموس أمتي الذين يقولون ال‬
‫قدر‪ ،‬إن مرضوا فال تعودوهم‪ ،‬وإن ماتوا فال تشهدوهم)‪ .‬رواه أمحد‪ ،‬والطرباين واحلاكم(‪.)2‬‬
‫واألحاديث بمعناه كثرية عن حذيفة‪ ،‬وأيب الدرداء‪ ،‬وعبد اهلل بن عمرو‪ ،‬وعمر‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وغريهم رواها‬
‫مجيعا اإلمام أمحد يف مسنده‪ ،‬وشاركه يف رواية بعضها‪ :‬أبو داود‪ ،‬والرتمذي‪ ،‬واحلاكم‪ ،‬والطرباين‪ ،‬وغريهم‪.‬‬
‫واهلل أعلم‪..‬‬

‫َاب ِمنْ ُه آ َي ٌ‬
‫ات‬ ‫‪ - 3‬عن عائشة ريض اهلل عنها قالت‪ :‬تال رسول اهلل ﷺ هذه اآلية‪﴿ :‬هو ا َل ِذي َأنز ََل ع َلي َ ِ‬
‫ك الكت َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين ِيف ُق ُل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّمك ََام ٌت ُه هن ُأ ُّم الكِت ِ‬
‫َاء‬
‫َاء الف ْتنَة وا ْبتغ َ‬ ‫وبِ ْم َز ْيغٌ َف َي هتبِ ُع َ‬
‫ون َما ت ََشا َب َه م ْن ُه ا ْبتغ َ‬ ‫ات َف َأ هما ا َلذ َ‬
‫اب ٌ‬ ‫َاب ُ‬
‫وأ َخ ُر ُمت ََش ِ َ‬ ‫ُّ ْ‬
‫وما َي هذك ُهر إاله ُأ ْو ُلوا‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون ِيف ِ‬ ‫ت ََأ ِويلِ ِه وما يع َلم ت َْأ ِوي َله إاله اَّللُ والر ِ‬
‫ون َآمنها بِه ك ٌُّل ِّم ْن عند َر ِّبنَا َ‬ ‫الع ْل ِم َي ُقو ُل َ‬ ‫اسخُ َ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫َ َْ ُ‬
‫األَ ْل َب ِ‬
‫اب﴾ قالت‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ ‪( :‬فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه‪ ،‬فأولئك الذين سمى اَّلل‬
‫فاحذروهم) متفق عليه(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬شرح السنة ‪226/1‬‬


‫(‪ )2‬الفتح الرباني ‪ 166-163/1‬شرح أصول االعتقاد للاللكا ي ‪ ،115/1‬مسند أحمد ‪ ،23/1‬سةنن أبةي داود‬
‫برقم ‪ ،6662‬كتاب شرح السنة منه ابن أبي عاصم في السنة برقم ‪ 223‬ورقم ‪.262 ،263 ،226 ،225‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري ‪ ،182 / 5‬صحيح مسلم برقم ‪2668‬وشرح السنة ‪.222-216 /1‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪22‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫وابتغاء املتشابه من مآخذ أهل البدع يف االستدالل‪ ،‬وقد حذر النبي ﷺ منهم بقوله‪( :‬فأولئك الذين سمى اَّلل‬
‫فاحذروهم)‪.‬‬

‫‪ - 4‬حديث الصحيفة املشهور عن عيل ريض اهلل عنه عن النبي ﷺ وفيه‪( :‬املدينة حرم ما بي عْي إىل ثور‪ ،‬فمن‬
‫أحدث فيها حدثا أو آوى ُّمدثا فعليه لعنة اَّلل واملالئكة والناس أَجعي‪ )...‬احلديث متفق عليه(‪.)1‬‬

‫‪ - 5‬حديث‪( :‬سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبم وأعاهنم عىل ظلمهم فليس مني ولست‬
‫منه‪ ،‬وليس بوارد عيل احلوض)(‪ )2‬رواه الرتمذي‪.‬‬

‫‪ - 6‬وعن عبد اهلل بن مسعود ريض اهلل عنه‪ ،‬أن رسول اهلل ﷺ قال‪( :‬ما من نبي بعثه اَّلل تعاىل يف أمة قبيل إال‬
‫كان له من أمته حواريون وأصحاب‪ ،‬يأخذون بسنته‪ ،‬ويقتدون بأمره‪ ،‬ثم إهنا ختلف من بعدهم خلوف يقولون‬
‫ما ال يفعلون‪ ،‬ويفعلون ماال يؤمرون‪ ،‬فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن‪ ،‬ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن‪ ،‬ومن‬
‫جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من اإليامن حبة خردل) رواه مسلم(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬انظر في تخريجه‪ :‬إرواء الغليل ‪ 281 -283 / 6‬رقم ‪.1385 /‬‬
‫(‪ )2‬جامع الترمذي‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم برقم ‪ 53 /‬كتاب اإلبمان‪ ،‬مع شرح النووي ‪ 22-21/ 2‬وصحيح الجةامع الصةغير بةرقم‬
‫‪ 8666/‬وانظر‪ :‬تاريخ نجد البن غنام ‪/‬ص‪ ،661‬واألدلة القاطعة ‪/‬ص‪.13‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪23‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫‪ - 7‬األحاديث املتكاثرة يف‪ :‬هجر النبي ألهل املعايص حتى يتوبوا‪ ،‬ثبت ذلك يف وقائع متعددة‪ ،‬رواها عن‬
‫النبي ﷺ مجاعة من الصحابة ريض اهلل عنهم‪ ،‬منهم‪ :‬كعب بن مالك‪ ،‬وابن عمرو روى حديثني‪ ،‬وعائشة‬
‫وأنس‪ ،‬وعامر‪ ،‬وعيل‪ ،‬وأبو سعيد اخلدري‪ ،‬وغريهم ريض اهلل عنهم(‪.)1‬‬
‫* فهجر النبي ﷺ كعب بن مالك وصاحبيه ريض اهلل عنهم ملا ختلفوا عن غزاة تبوك‪ ،‬واستمر هجرهم مخسني‬
‫ليلة‪ ،‬حتى آذن رسول اهلل ﷺ بتوبة اهلل عليهم (رواه الشيخان وغريمها)‪.‬‬
‫* وهجر ﷺ زينب بنت جحش ريض اهلل عنها قريبا من شهرين ملا قالت أنا أعطبى تلك اليهودية تعنى صفية‬
‫ريض اهلل عنها‪ .‬رواه أبو داود من حديث عائشة ريض اهلل عنها‪.‬‬
‫* وهجر ﷺ صاحب القبة املرشفة باإلعراض عنه حتى هدمها‪ .‬رواه أبو داود من حديث أنس ريض اهلل عنه‪.‬‬
‫* وهجر ﷺ عامر بن يارس ريض اهلل عنه برتكه ﷺ رد السالم عليه ملالبسته اخللوق حتى غسله‪ .‬رواه أبو داود‬
‫يف سننه والطياليس كالمها من حديث عامر ريض اهلل عنه‪.‬‬
‫* وهجر ﷺ رجال باإلعراض عنه ؛ ألنه كان متخلقا بخلوق‪ ..‬رواه البخاري يف‪ :‬األدب املفرد من حديث‬
‫عيل بن أيب طالب ريض اهلل عنه‪.‬‬
‫* وهجر النبي ﷺ رجال رأى يف يده خامتا من ذهب حتى طرحه‪ ،‬وكان هجره له باإلعراض عنه‪ .‬رواه أمحد‬
‫والبخاري يف‪ :‬األدب املفرد من حديث عبد اهلل بن عمرو بن العاص ريض اهلل عنه‪.‬‬
‫ونحوه من حديث أيب سعيد اخلدري ريض إىل عنه (رواه النسائي والبخاري يف‪ :‬األدب املفرد)‪.‬‬
‫* وهجر النبي ﷺ رجال برتك رد السالم عليه وذلك ألن عليه ثوبني أمحرين (رواه أبو داود والرتمذي‬
‫واحلاكم وصححه ووافقه الذهبي)‪.‬‬
‫فهذه األحاديث وما يف معناها نص يف مرشوعية هجر العايص املجاهر بمعصيته حتى يتوب ويفيء‪ ،‬وعليه‪:‬‬
‫فإن االستدالل هبا عىل هجر املبتدع هو من باب األوىل يف الداللة عىل‪ :‬مرشوعية هجره ديانة السيام وهو‬
‫املخصوص بأوصاف‪ :‬البدعة يف الدين‪ ،‬واإلحداث والضالل‪ ،‬دون العايص‪،‬‬

‫(‪ )1‬مذكورة بتمامها في‪ :‬تحفة اإلخوان ‪ 8286 /‬وص ‪ 26‬وانظر‪ :‬مصادرها مفصلة في صدر هةذا البحةث‪:‬‬
‫األدلة من السنة النبوية‪.‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪24‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫وإىل هذا أشارت تراجم مجاعة من املحدثني عىل هذه األحاديث وما يف معناها كام تقدم يف صدر هذه األدلة‬
‫من السنة‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪ - 8‬توظيف الصحابة ريض اهلل عنهم َف َمن بعدهم هلذه السنة النبوية‪.‬‬
‫والصحابة ريض اهلل عنهم فمن بعدهم تقفوا أثر النبي ﷺ يف هجر املتلبس باملعصية املجاهر هبا حتى يفيء‪.‬‬
‫ورد ذلك عن مجع غفري منهم(‪ :)1‬عمر‪ ،‬وعيل بن أيب طالب‪ ،‬وعبد اهلل بن عمر‪ ،‬وعبد اهلل بن عمرو‪ ،‬وعبد اهلل‬
‫بن مسعود‪ ،‬وعبد اهلل بن املغفل املزين‪ ،‬وعبادة بن الصامت‪ ،‬وأبو الدرداء‪ ،‬وسمرة بن جندب‪ ،‬وشيخ من‬
‫أصحاب النبي ﷺ وغريهم ريض اهلل عنهم‪.‬‬
‫وعن سعيد بن جبري‪ ،‬وابن سريين‪ ،‬وعمر بن عبد العزيز‪ ،‬واحلسن البرصي‪ ،‬وأمحد بن حنبل‪ ،‬وزياد بن حدير‪،‬‬
‫ويزيد بن أيب حبيب‪ ،‬وغريهم رمحهم اهلل تعاىل‪..‬‬
‫فإىل ذكر بعضها خمتَصا ‪:‬‬
‫* فهجر عمر ريض اهلل عنه‪ :‬زياد بن حدير ملا رأى عليه طيلسانا وشاربه عافية‪ ،‬إذ سلم زياد فلم يرد عليه عمر‬
‫السالم حتى خلع الطيلسان وقص شاربه‪ .‬رواه أبو نعيم يف احللية‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬كيف بنا اليوم‪ ،‬ونحن نتهلل باحلفاوة ملن حيلق حليته ويعفي شاربه ويتشبه بلباسه‪.‬‬
‫* وعيل بن أيب طالب ريض اهلل عنه‪ .‬كان يعتقل أصحاب النرد غدوة ونحوها‪ ،‬وينهى عن السالم عليهم‪.‬‬
‫رواه البخاري يف األدب املفرد‪ ،‬وترجم له بقوله‪ :‬باب من مل يسلم عىل أصحاب النرد‪.‬‬
‫* وهجر عبد اهلل عمر ريض اهلل عنهام رجال رآه خيذف بعدما أعلمه أن النبي ﷺ كان ينهي عن اخلذف‪ .‬وقال‪:‬‬
‫واهلل ال أكلمك أبدا‪ .‬رواه احلاكم‪.‬‬
‫* وهجر عبد اهلل بن املفضل ريض اهلل عنه‪ :‬رجال خيذف يف نحو قصته‪.‬‬
‫* وهجر شيخ من أصحاب رسول اهلل ﷺ‪ :‬فتى كان خيذف‪ .‬رواه الدارمي‪.‬‬

‫(‪ )1‬مذكورة بتمامها في‪ :‬تحفة اإلخوان ص ‪ 6168 ،66 82 /‬وانظر‪ :‬مصادرها مفصلة في صدر‪ :‬األدلة مةن‬
‫السنة النبوية‪.‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪25‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫* وعبادة بن الصامت ريض اهلل عنه هجر معاوية ريض اهلل عنه يف خمالفته له يف مسألة ربوية وقال عبادة‪:‬‬
‫أحدثك عن رسول اهلل ﷺ وحتدثني عن رأيك لئن أخرجني اهلل ال أساكنك بأرض لك عيل فيها إمرة‪ ،‬وملا‬
‫خرج شكاه إىل عمر ريض اهلل عنه فكتب إليه عمر‪ :‬ال إمرة لك عليه وامحل الناس عىل ما قاله فإنه هو األمر‪.‬‬
‫رواه ابن ماجه‪.‬‬
‫* ونحو هذه الرواية وقعت أليب الدرداء مع معاوية ريض اهلل عنهام‪ .‬رواها مالك‪ ،‬والشافعي‪.‬‬
‫* وهجر عبد اهلل بن مسعود ريض اهلل عنه رجال رآه يضحك يف جنازة‪ ،‬فقال‪ :‬واهلل ال أكلمك أبدا‪ .‬رواه أمحد‬
‫يف الزهد‪.‬‬

‫* ثالثا‪ :‬اإلَجاع‪:‬‬
‫حكاه مجاعة منهم‪ :‬القايض أبو يعىل‪ ،‬والبغوي‪ ،‬والغزايل‪.‬‬
‫‪ -‬قال القايض أبو يعىل رمحه اهلل تعاىل‪( :‬أمجع الصحابة والتابعون عىل مقاطعة املبتدعني)‪.‬‬
‫‪ -‬وقال البغوي رمحه اهلل تعاىل بعد حديث كعب بن مالك ريض اهلل عنه(‪( :)1‬وفيه دليل عىل أن هجران أهل‬
‫البدع عىل التأبيد‪ ،‬وكان رسول اهلل ﷺ خاف عىل كعب وأصحابه النفاق حني ختلفوا من اخلروج معه‪ ،‬فأمر‬
‫هبجراهنم إىل أن أنزل اهلل توبتهم‪ ،‬وعرف رسول اهلل ﷺ براءهتم‪ ،‬وقد مضت الصحابة والتابعون‪ ،‬وأتباعهم‪،‬‬
‫وعلامء السنة عىل هذا جممعني متفقني عىل معاداة أهل البدعة‪ ،‬ومهاجرهتم)‪.‬‬
‫‪ -‬وقال الغزايل رمحه اهلل تعاىل‪( :‬طرق السلف اختلفت يف إظهار البغض مع أهل املعايص‪ ،‬وكلهم اتفقوا عىل‬
‫إظهار البغض لل َّظ َلمة واملبتدعة‪ ،‬وكل من عىص معصية متعدية إىل غريه)‪.‬‬
‫‪ -‬وقال ابن عبد الرب(‪ )2‬رمحه اهلل تعاىل ‪( :‬أمجعوا عىل أنه ال جيوز اهلجران فوق ثالث إال ملن خاف من مكاملته ما‬
‫ورب هجر مجيل خري من خمالطة‬
‫يفسد عليه دينه أو يدخل منه عىل نفسه أو دنياه مرضة‪ ،‬فإن كان كذلك جاز‪ُ ،‬‬
‫مؤذية)‪.‬‬

‫(‪ )1‬شرح السنة‪222-226/1 ،‬‬


‫(‪ )2‬فتح الباري‪666/13 ،‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪26‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫‪ -‬وقال أيضا يف االستدالل من حديث كعب بن مالك وهجر النبي ﷺ له هو واملسلمون(‪( :)1‬وهذا أصل عند‬
‫العلامء يف جمانبة َمن ابتدع وهجرته وقطع الكالم عنه‪ ،‬وقد رأى ابن مسعود ريض اهلل عنه رجال يضحك يف‬
‫جنازة فقال‪ :‬واهلل ال أكلمك أبدا)‪.‬‬

‫(‪ )1‬بواسطة تحفة اإلخوان‪68 ،‬‬


‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪27‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫املبحث السابع ‪ :‬إعامل الصحابة ريض اَّلل عنهم فمن بعدهم‬


‫هلذه القاعدة يف حياهتم العملية يف مواجهة املبتدعة‬

‫ملا َذ َّر قرن الفتنة بكرس قفلها‪ ،‬وقتل أمري املؤمنني عثامن ريض اهلل عنه وبدأ املندسون يبدون ما كانوا يضمرون‬
‫من كيد لإلسالم واملسلمني‪ ،‬أخذوا ينفخون يف كري الفتنة‪ ،‬وينرشون اهلوى وينفثون البدعة‪ ،‬بدع‪ :‬القدر‪،‬‬
‫واخلوارج والرفض‪ ،‬واإلرجاء‪ ،‬وهكذا تتواىل‪ ،‬كلام بعد الناس من عهد النبوة وأنوارها‪ ،‬حتى داخلت البدع‬
‫كحب منثور يف كف كل القط‪.‬‬
‫واملحدثات شعائر التعبد وصارت مفرداهتا َ‬
‫ملا كان األمر كذلك واجه العلامء ريض اهلل عنهم فمن بعدهم هذه املحدثات العقدية والعملية‪ ،‬بإيامن‬
‫مستكمل‪ ،‬وعلم جم‪ ،‬وبصرية نافذة فأظهروا من أنوار الرشيعة املاحية لظلمة الضالل ما اكتسح هذه األهواء‪،‬‬
‫وقىض عىل نابتها‪ ،‬وأعملوا فيهم العقوبات الرشعية‪ ،‬حتى قلموهم‪ ،‬وأجهزوا عىل حمدثاهتم يف الدين‪ ،‬وكان‬
‫الزجر باهلجر مما وظفوه ريض اهلل عنهم يف حياهتم العملية ضد البدعة ومبتدعيها تأسيسا عىل قاعدة (الوالء‬
‫والرباء) واحلب هلل والبغض هلل‪.‬‬
‫ومازال هذا النهج السوي شارعا يف حياة األمة يعتمدونه يف مواجهة املبتدعة‪ ،‬مدونا بأسانيده يف كتب السنة‪،‬‬
‫وهذه مجلة من املرويات يف هذه الوظيفة الرشعية بخصوصها عن مجاعة من الصحابة ريض اهلل عنهم فمن‬
‫بعدهم‪:‬‬
‫* فهذا عبد اهلل بن عمر ريض اهلل عنهام ملا أخربه حييى بن يعمر عن القدرية قال‪( :‬إذا رجعت إليهم فقل هلم‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ابن عمر يقول لكم‪ :‬إنه منكم بريء‪ ،‬وأنتم منه براء) رواه مسلم وغريه‬
‫* وعن جماهد قال‪ :‬قيل البن عمر‪ :‬إن نجدة يقول كذا وكذا ؛ فجعل ال يسمع منه كراهية أن يقع يف قلبه منه‬
‫يشء(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم ‪ ،22/1‬مصنف عبد الرزَّاق ‪ 116/11‬برقم‪.23322 :‬‬


‫(‪ )2‬الاللكا ي برقم ‪.166‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪28‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫* عن عبد اهلل بن مسعود ريض اهلل عنه يقول‪( :‬إياكم وما حيدث الناس من البدع فإن الدين ال يذهب من‬
‫القلوب بمرة‪ ،‬ولكن الشيطان حيدث له بدعا حتى خيرج اإليامن من قلبه‪ ،‬ويوشك أن يدع الناس ما ألزمهم اهلل‬
‫فمن أدرك ذلك الزمان‬
‫من فريضة يف الصالة‪ ،‬والصيام‪ ،‬واحلالل واحلرام‪ ،‬ويتكلمون يف رهبم عز وجل َ‬
‫فليهرب‪ .‬قيل يا أبا عبد الرمحن‪ :‬فإىل أين؟!‪ ،‬قال‪ :‬إىل ال أين‪ ،‬قال‪ :‬هيرب بقلبه ودينه‪ ،‬ال جيالس أحدا من أهل‬
‫(‪)1‬‬
‫البدع)‬
‫* وعن أيب أمامة الباهيل ريض اهلل عنه قال‪( :‬ما كان رشك قط إال كان ُبدُ ّوه تكذيب بالقدر وال أرشكت أمة‬
‫قط إال كان بدوه تكذيب بالقدر‪ ،‬وإنكم ستبلون هبم أيتها األمة! فإن لقيتموهم فال متكّنوهم ؛ فيدخلوا عليكم‬
‫الشبهات)(‪.)2‬‬
‫* وعن الفضيل بن عياض قال‪( :‬من جلس مع صاحب بدعة فاحذره‪ ،‬ومن جلس مع صاحب البدعة مل ُي َ‬
‫عط‬
‫إيل من‬
‫احلكمة‪ ،‬وأحب أن يكون بيني وبني صاحب بدعة حصن من حديد‪ ،‬آكل مع اليهودي والنرصاين أحب َّ‬
‫أن آكل مع صاحب البدعة)(‪.)3‬‬
‫* وعن الفضيل بن عياض‪ :‬من أتاه رجل فشاوره فدله عىل مبتدع فقد غش اإلسالم‪ ،‬واحذروا الدخول عىل‬
‫صاحب البدع فإهنم يصدون عن احلق(‪.)4‬‬
‫* وعنه أيضا‪ :‬يف النهي عن جمالستهم(‪.)5‬‬
‫(‪)6‬‬
‫* وعنه أيضا‪ :‬يف النهي عن جمالسته ومشاورته‬
‫(‪)1‬‬
‫* وعنه أيضا‪ :‬يف النهي عن جمالسته وأهنا من عالمات النفاق‬

‫(‪ )1‬المصدر السابق برقم ‪.166‬‬


‫(‪ )2‬المصدر السابق برقم ‪ ،233‬والطبراني في األوسط‪ ،‬كما في مجمع الزوا د ‪.236/2‬‬
‫(‪ )2‬الاللكا ي ‪ 625/2‬برقم ‪ ،1166‬والبربهاري برقم ‪ 123‬والحلية ألبي نعيم ‪.132/5‬‬
‫(‪ )6‬الاللكا ي برقم ‪.261‬‬
‫(‪ )8‬المصدر السابق برقم ‪ ،262 ،262‬وابن بطة في اإلبانة ‪ 22/1‬ب‪.‬‬
‫(‪ )6‬المصدر السابق برقم ‪ ،266‬وابن بطة في اإلبانة ‪ 62/1‬أ‪.‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪29‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫* وعنه أيضا قال‪ :‬أدركت خيار الناس‪ ،‬كلهم أصحاب سنة ينهون عن أصحاب البدع(‪.)2‬‬
‫(‪)3‬‬
‫* وعنه آثار ُأخر كام يف ترمجته من (احللية أليب نعيم)‬
‫(‪)4‬‬
‫* وعن ابن املبارك‪ :‬وإياك أن جتالس صاحب بدعة‬
‫* وعن سفيان الثوري رمحه اهلل تعاىل أنه قال‪( :‬من أصغى بإذنه إىل صاحب بدعة خرج من عصمة اهلل ووكل‬
‫إليها يعني إىل البدع )‪ .‬ذكره الربهباري يف رشح السنة(‪.)5‬‬
‫* وروى الاللكائي بسنده عن ابن زرعة عن أبيه قال‪( :‬لقد رأيت صبيغ بن عسل بالبرصة كأنه بعري أجرب‬
‫جييء إىل ِ‬
‫احل َلق‪ ،‬فكلام جلس إىل حلقة قاموا وتركوه‪ ،‬فإن جلس إىل قوم ال يعرفونه ناداهم أهل احللقة‬
‫األخرى‪ :‬عزمة أمري املؤمنني)(‪.)6‬‬
‫إيل من أن جياورين أحد منهم يعني أصحاب‬
‫* وعن ابن أي اجلوزاء قال‪ :‬ألن جياورين قردة وخنازير‪ ،‬أحب َّ‬
‫األهواء(‪.)7‬‬
‫* وعن طاوس‪ :‬جعل إصبعيه يف أذنيه ملا سمع معتزليا يتكلم(‪.)8‬‬
‫* وعبد الرزاق‪ :‬امتنع من سامع إبراهيم بن أيب حييى املعتزيل‪ ،‬وقال‪ :‬ألن القلب ضعيف وإن الدين ليس ملن‬
‫(‪)9‬‬
‫غلب‬

‫(‪ )1‬المصدر السابق برقم ‪ ،268‬وابن بطة في اإلبانة ‪ 62/1‬ب‪.‬‬


‫(‪ )2‬المصدر السابق برقم ‪.262‬‬
‫(‪ )2‬الحلية ‪ 56/5‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )6‬المصدر السابق برقم ‪ ،263‬واآلجري في الشريعة ‪.66/1‬‬
‫(‪ )8‬ص‪.63/‬‬
‫(‪ )6‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة ‪ ،626/2‬رقم ‪.1163‬‬
‫(‪ )2‬الاللكا ي برقم ‪ ،221‬وابن بطة ‪ 62/1‬ب‪.‬‬
‫(‪ )5‬المصدر السابق برقم ‪ ،265‬وعبد الرزاق في المصنف برقم ‪ 23366‬وابن بطة في اإلبانة ‪ 63/1‬ب‪.‬‬
‫(‪ )6‬الاللكا ي برقم ‪ ،266‬وابن بطة في اإلبانة ‪ 63/1‬أ‪.‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪31‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫* وعن حممد بن النرض احلارثي‪ :‬النهي عن اإلصغاء إىل كالم املبتدعة(‪.)1‬‬


‫* وعن يونس بن عبيد‪ :‬ال نجالس سلطانا وال صاحب بدعة(‪.)2‬‬
‫* وعن حييى بن أيب كثري‪ :‬إذا كنت صاحب بدعة يف طريق فخذ يف غريه(‪.)3‬‬
‫* وعن إبراهيم بن ميرسة‪ :‬ومن و ّقر صاحب بدعة فقد أعان عىل هدم اإلسالم(‪.)4‬‬
‫* وعبد اهلل بن عمر الرسخيس‪ :‬هجر ابن املبارك مدة ملا أكل عند صاحب بدعة(‪.)5‬‬
‫* وقال سالَّم‪ :‬وقال رجل من أصحاب األهواء أليوب‪ :‬أسألك عن كلمة‪ ،‬فوىل أيوب وهو يقول‪ :‬وال نصف‬
‫كلمة‪ ،‬مرتني يشري بإصبعيه(‪.)6‬‬
‫* ومثله عن أيب عمران النخعي(‪.)7‬‬
‫* وعن احلسن البرصي قوله‪ :‬ال جتالسوا أهل األهواء وال جتادلوهم وال تسمعوا منهم(‪.)8‬‬
‫* وعن حممد بن سريين‪ :‬يف عدم سامع قراءهتم(‪.)9‬‬
‫* وعن أيب قالبة‪ :‬جتالسوهم وال ختالطوهم فإنه ال آمن أن يغمسوكم يف ضاللتهم ويل ّبسوا عليكم كثريا مما‬
‫تعرفون(‪.)11‬‬

‫(‪ )1‬المصدر السابق برقم ‪ ،282‬وابن بطة في اإلبانة‪ 62/1‬أ‪.‬‬


‫(‪ )2‬المصدر السابق برقم ‪.282‬‬
‫(‪ )2‬المصدر السابق برقم ‪ ،286‬واآلجري في الشريعة ‪.66/1‬‬
‫(‪ )6‬المصدر السابق برقم ‪.222‬‬
‫(‪ )8‬المصدر السابق برقم ‪.226‬‬
‫(‪ )6‬المصدر السابق برقم ‪.261‬‬
‫(‪ )2‬المصدر السابق برقم ‪ /‬تفسير القرطبي ‪.12/2‬‬
‫(‪ )5‬الاللكا ي برقم ‪ ،263‬والدارمي برقم ‪ ،623‬وابن بطة في اإلبانة ‪ 63/ 1‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬الاللكا ي برقم ‪ ،262‬وابن وضاح‪ ،82 ،‬واآلجري ‪ ،82/1‬وابن بطة في اإلبانة ‪ 63/1‬ب‪.‬‬
‫(‪ )13‬الاللكا ي برقم ‪ ،262‬وابن وضاح ص‪ ،82‬واآلجري ‪ ،82/1‬وابن بطة في اإلبانة ‪ 63/1‬ب‪.‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪30‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫* وعنه أيضا‪ :‬وال متكّن أهل األهواء من سمعك(‪.)1‬‬


‫* وأما اإلمام أمحد رمحه اهلل تعاىل فالروايات عنه يف ذلك من فعله‪ ،‬وقوله‪ ،‬وفتواه بلغت مبلغا عظيام‪.‬‬
‫* وقال مالك‪ :‬ال يسلم عىل أهل األهواء‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫* قال ابن دقيق العيد‪ :‬يكون ذلك عىل سبيل التأديب هلم والتربي منهم‬
‫* وقال النووي‪ :‬وأما املبتدع ومن اقرتف ذنبا عظيام ومل يتب منه فال يسلم عليهم وال يرد عليهم السالم‪ ،‬كام‬
‫قال مجاعة من أهل العلم(‪.)3‬‬
‫* وقال أيضا‪ :‬السنة إذا مر بمجلس فيه مسلم وكافر أن يسلم بلفظ التعميم ويقصد به املسلم‪،‬‬
‫* قال ابن العريب‪ :‬ومثله إذا مر بمجلس جيمع أهل السنة والبدعة‪ ،‬وبمجلس فيه عدول و َظلمة‪ ،‬وبمجلس فيه‬
‫حمب ومبغض(‪.)4‬‬
‫* وقال اخلطايب رمحه اهلل تعاىل ‪( :‬إن هجرة أهل األهواء والبدعة دائمة عىل مر األوقات واألزمان ما مل تظهر‬
‫منهم التوبة والرجوع إىل احلق(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬الاللكا ي برقم ‪ ،266‬وابن بطة في اإلبانة ‪ 63/1‬أ‪ ،‬ب‪.‬‬


‫(‪ )2‬فتح الباري ‪.63/1‬‬
‫(‪ )2‬فتح الباري ‪.61/1‬‬
‫(‪ )6‬فتح الباري ‪ 61/1‬وترجمة البخاري ‪ ( :‬باب التسليم في مجلس فيه أخالط من المسلمين والمشركين )‪.‬‬
‫(‪ )8‬معالم السنن ‪.6‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪32‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫املبحث الثامن ‪ :‬الضوابط الرشعية للهجر‬

‫هذا بيان (مليزان الرشع يف اهلجر) وهو من أهـم أبحاث هذا الواجب الرشعي‪ ،‬وعليه‪ :‬فإذا علمنا أن الزجر‬
‫باهلجر للمبتدع حتى يتوب إىل اهلل تعاىل‪ ،‬قد قامت عليه أدلة بخصوصه‪ ،‬وأنه من أوىل مفردات قاعدة الرشيعة‬
‫املطردة (الوالء والرباء) أي احلب والبغض يف اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وعلمنا أيضا‪ :‬أن املقصود باهلجر‪ :‬زجر املهجور‪ ،‬وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله‪ ،‬إىل آخر مقاصد‬
‫اإلسالم من مرشوعية اهلجر كام تقدم‪ .‬وأن اهلجر الرشعي حلق اهلل تعاىل (عبادة) من جنس اجلهاد‪ ،‬واألمر‬
‫باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬والعبادة ال بد من توفر ركنيها‪ :‬اإلخالص‪ ،‬واملتابعة‪ ،‬أي بأن يكون اهلجر‬
‫(خالصا صوابا) خالصا هلل‪ ،‬صوابا وفق السنة‪ ،‬وأن (هوى النفس) ينقض ركنية (اإلخالص)‪ ،‬كام أن ركن‬
‫املتابعة ينقضه (عدم موافقة اهلجر للمأمور به)‪.‬‬
‫إذا تقرر مجيع ذلك‪ :‬فليعلم أن الرشع الرشيف يزن الواقعات واألحوال الداخلة حتت قاعدته العامة (الوالء‬
‫والرباء) بميزان قسط‪ ،‬وقسطاس مستقيم‪ ،‬وسطا عدال بني جانبي اإلفراط والتفريط‪ ،‬فال تزيد عن حدها وال‬
‫تنقص عنه‪ ،‬فتلتقي العفوية للمبتدع باهلجر مع مقدار بدعته باعتبارات خمتلفة‪ ،‬وما حيف بذلك من أحوال‬
‫تنزل عىل قاعدة رعاية املصالح وتكثريها‪ ،‬ودرء املفاسد وتقليلها‪ ،‬فنقول إذا‪:‬‬
‫األصل يف الرشع هو‪ :‬هجر املبتدع لكن ليس عاما يف كل حال ومن كل إنسان ولكل مبتدع‪ .‬وترك اهلجر‬
‫واإلعراض عنه بالكلية‪ ،‬تفريط عىل أي حال‪ ،‬وهجر هلذا الواجب الرشعي املعلوم وجوبه بالنص‪ ،‬واإلمجاع‪،‬‬
‫وأن مرشوعية اهلجر هي يف دائرة ضوابطه الرشعية املبنية عىل رعاية املصالح ودرء املفاسد‪ ،‬وهذا مما خيتلف‬
‫باختالف البدعة نفسها واختالف مبتدعها واختالف أحوال اهلاجرين‪ ،‬واختالف املكان والقوة والضعف‪،‬‬
‫والقلة والكثرة‪ ،‬وهكذا من وجوه االختالف واالعتبار التي يرعاها الرشع وميزاهنا للمسلم الذي به تنضبط‬
‫املرشوعية هو‪ :‬مدى حتقق املقاصد الرشعية من اهلجر‪ :‬من الزجر‪ ،‬والتأديب‪ ،‬ورجوع العامة‪ ،‬وحتجيم املبتدع‬
‫وبدعته وضامن السنة من شائبة البدعة‪..‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪33‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫هذا حمصل الضوابط الرشعية للهجر(‪ )1‬لكن ليحذر كل مسلم من توظيف (هوى نفسه) وتأمري (حظوظها)‬
‫عىل نفسه‪ ،‬فإن هذا هلكة يف احلق‪ ،‬وهو رش ممن يرتك اهلجر عصيانا ألنه يعيص اهلل تعاىل برتك اهلجر الرشعي‬
‫للمبتدع‪ ،‬وإظهاره ترك اهلجر باسم الرشع حتت غطاء ومهي باسم (املصلحة) و (تأليف القلوب) وهكذا‪،‬‬
‫فالتزام اهلجر الرشعي للمبتدع بضوابطه الرشعية ال غري‪ .‬وعىل هذا التأصيل تتنزل كلامت األئمة كاإلمام أمحد‬
‫وغريه‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل تعاىل يف املسلك احلق يف اهلجر‪( :‬فإن أقواما جعلوا ذلك عاما‪ ،‬فاستعملوا‬
‫من اهلجر واإلنكار ما مل يؤمروا به‪ ،‬فال جيب وال يستحب‪ ،‬وربام تركوا به واجبات أو مستحبات وفعلوا به‬
‫حمرمات‪ .‬وآخرون أعرضوا عن ذلك بالكلية فلم هيجروا ما أمروا هبجره من السيئات البدعية‪ ،‬بل تركوها ترك‬
‫املعرض ال ترك املنتهي الكاره‪ ،‬أو وقعوا فيها‪ ،‬وقد يرتكوهنا ترك املنتهي الكاره‪ ،‬وال ينهون عنها غريهم‪ ،‬وال‬
‫يعاقبون باهلجرة ونحوها من يستحق العقوبة عليها‪ ،‬فيكونون قد ضيعوا من النهي عن املنكر ما أمروا به إجيابا‬
‫أو استحبابا‪ ،‬فهم بني فعل املنكر أو ترك املنهي عنه‪ ،‬وذلك فعل ما هنوا عنه وترك ما أمروا به‪ ،‬فهذا هذا‪ ،‬ودين‬
‫اهلل وسط بني املغايل فيه واجلايف عنه‪ ،‬واهلل سبحانه أعلم)(‪.)2‬‬
‫* فباعتبار اختالف مرتبة البدعة من اإلثم هو من عدة جهات(‪:)3‬‬
‫‪ -‬من جهة كوهنا كفرا أو غري كفر‪:‬‬
‫‪ -‬فاملكفرة مثل‪ :‬البابية‪ ،‬والبهائية‪ ،‬والقاديانية‪ ،‬وغالة الربيلوية‪.‬‬
‫‪ -‬وغري املكفرة مثل‪ :‬عامة البدع يف العبادات حقيقية كانت أو إضافية‪.‬‬

‫(‪ )1‬وهذا طرد لقاعدة الشريعة في العقوبة على قدر الجرم كما في تنوع عقوبات المحاربين لتنةوع أحةوالهم‪،‬‬
‫والفرق بين عقوبة السارق والمغتصب‪ ،‬والفرق بين عقوبة الزاني المحصن وغير المحصن‪ ،‬وهكذا في سا ر‬
‫العقوبات الشرعية يقدر الجرم وما يحف به من أحوال‪.‬‬
‫(‪ )2‬الفتاوى ‪ ،212 / 25‬وانظر منه‪ :‬ص ‪.2 3 6 /‬‬
‫(‪ )2‬انظر بسط هذه الجهات الست في‪ :‬االعتصام للشاطبي رحمه اهلل تعالى ‪.126 162 / 1‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪34‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫* ومن جهة كون صاحبها مسترتا هبا أو معلنا هلا‪ ،‬ففرق بني املعلن لبدعته الداعي هلا‪ ،‬وبني الكاتم هلا ألن‬
‫الداعية‪ ،‬واملعلن هلا‪ ،‬أظهرها فاستحق العقوبة بخالف الكاتم فإنه ليس رشا من املنافقني الذين كان النبي ﷺ‬
‫يقبل عالنيتهم ويكل رسائرهم إىل اهلل تعاىل‪ ،‬هذا وهم يف الدرك األسفل من النار(‪.)1‬‬
‫* ومن جهة كوهنا حقيقية أو إضافية فالبدعة احلقيقية هي‪ :‬البدعة التعبدية املحدثة استقالال كصالة الرغائب‪،‬‬
‫وليست بدعة إضافية‪ ،‬ومثل القول بالقدر‪ ،‬وصالة األلفية ليلة النصف من شعبان‪ ،‬وبدعة املوالد‪ ،‬واألعياد‬
‫احلكومية‪ ،‬وعيد غدير خم لدى الشيعة‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫‪ -‬والبدعة اإلضافية‪ :‬هي األمر املبتدع مضاف ُا إىل ما هو مرشوع أصال بزيادة أو نقص‪ ،‬مثاله‪ :‬الدعاء اجلامعي‬
‫بعد الصالة‪ ،‬فالدعاء مرشوع وجعله مجاعيا بدعة مضافة مل يرد هبا النص‪ ،‬وبناء العبادات عىل التوقيف‪،‬‬
‫وسجود الشكر مجاعة‪ ،‬واختاذ التبليغ خلف اإلمام سنة راتبة مع عدم احلاجة إليه‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫* ومن جهة كوهنا بينة أو مشكلة‪ ،‬أي كوهنا ظاهرة املأخذ فهي بدعة متمحضة كبدع املآتم واملوالد‪ ،‬وصالة‬
‫الرغائب‪...‬‬
‫أو بدعة فيها احتامل الستشباه مأخذها‪ ،‬مثاله‪ :‬القنوت يف صاليت العشاء والصبح فإنه كان ثم نسخ وبقي‬
‫املرشوع فيها عند النوازل‪ ،‬وشبهة اخلالف ال تصريه مرشوعا راتبا‪.‬‬
‫واحلقيقة أن هذا الوجه‪ :‬صوري ال حقيقي إذ البدع مشكلة املأخذ يلحق هبا من اإلشاعة والتعصب ما جيعلها‬
‫بينة‪ ،‬واهلل أعلم(‪.)2‬‬
‫* ومن جهة اجتهاده فيها أو كونه مقلدا‪ :‬فاملجتهد مفرتع للبدعة‪ ،‬فالزيغ أمكن يف قلبه من املقلد‪ ،‬وإن كان كل‬
‫منهام موزورا لكن أثم من سن سنة سيئة أعظم وزرا‪ ،‬واهلل أعلم(‪.)3‬‬
‫* ومن جهة اإلرصار عليها أو عدمه‪ :‬أما اإلرصار عليها فيجعلها من باب‪ :‬الدعوة إليها فيكون داعية معلنا‬
‫هلا‪ ،‬وأما عدم اإلرصار فهو من باب كوهنا‪ :‬فلتة‪ ،‬وزلة عامل‪ ،‬إذا كانت منه ثم مل يعاودها(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬الفتاوى ‪.238 / ،25 ،128 / 26‬‬


‫(‪ )2‬انظر االعتصام ‪.122 122 / 1‬‬
‫(‪ )2‬وانظر االعتصام ‪.165 162 / 1‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪35‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫* وخيتلف باختالف حال املبتدع وما فيه من خري ورش‪( :‬وإذا اجتمع يف الرجل الواحد خري ورش‪ ،‬وفجور‬
‫وطاعة‪ ،‬ومعصية وسنة وبدعة‪ :‬استحق من املواالة والثواب بقدر ما فيه من اخلري‪ ،‬واستحق من املعاداة‬
‫والعقاب بحسب ما فيه من الرش‪ ،‬فيجتمع يف الشخص الواحد موجبات اإلكرام واإلهانة‪ ،‬فيجتمع له من هذا‬
‫وهذا‪ ،‬كاللص الفقري تقطع يده لرسقته‪ ،‬ويعطى من بيت املال ما يكفيه حلاجته‪ ،‬هذا هو األصل الذي اتفق‬
‫عليه أهل السنة و اجلامعة‪.)2()...‬‬
‫* وفرق بني عامل ترشبت نفسه بالبدع‪ ،‬لكنه مل خيتلط بعلامء أهل السنة ومل يتلق عنهم‪ ،‬وبني عامل تلقى عن‬
‫املبتدعة فنالت منه مناال‪ ،‬ثم خالط أهل السنة وعلامءهم وجاورهم مدة بمثلها حيصل برد اليقني بل يكون‬
‫عارشهم عرشات السنني‪ ،‬ثم هو يبقى عىل مشاربه البدعية يعملها‪ ،‬ويدعو إليها‪ ،‬ويرص عليها‪ ،‬فهذا قامت‬
‫عليه احلجة أكثر‪ ،‬واستبانت له املحجة فام أبرص‪ .‬فهو من أعظم خلق اهلل فجورا‪ ،‬وغيضا عىل أهل السنة‪.‬‬
‫فاألول يف تأليف قلبه وتودده للرجوع إىل السنة جمال‪ ،‬أما الثاين‪ :‬فال واهلل‪ ،‬بل يتعني هجره‪ ،‬ومنابذته وإبعاده‪،‬‬
‫وإنزال العقوبات الرشعية للمبتدعة عليه‪ ،‬وأن ُهيجر ميتا كام ُهجر حيا فال يصيل أهل اخلري عليه‪ ،‬وال يشيعون‬
‫جنازته‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل تعاىل يف حق بعض العصاة املظهرين لفجورهم‪( :‬وأما إذا أظهر الرجل‬
‫املنكرات‪ ،‬وجب اإلنكار عليه عالنية‪ ،‬ومل يبق له غيبة‪ ،‬ووجب أن يعاقب عالنية بام يردعه عن ذلك من هجر‬
‫وغريه‪ ،‬فال يسلم عليه‪ ،‬وال يرد عليه السالم‪ ،‬إذا كان الفاعل لذلك متمكنا من ذلك من غري مفسدة راجحة‪.‬‬
‫وينبغي ألهل اخلري والدين أن هيجروه ميتا‪ ،‬كام هجروه حيا‪ ،‬إذا كان يف ذلك كف ألمثاله من املجرمني‬
‫فيرتكون تشييع جنازته‪ ،‬كام ترك النبي ﷺ عىل غري واحد من أهل اجلرائم‪ ،‬وكام قيل لسمرة ابن جندب‪ :‬إن‬
‫ابنك مات البارحة‪ ،‬فقال‪ :‬لو مات مل أصل عليه‪ ،‬يعني ألنه أعان عىل قتل نفسه‪ ،‬فيكون كقاتل نفسه‪ ،‬وقد ترك‬

‫(‪ )1‬وانظر االعتصام ‪.126 /1‬‬


‫(‪ )2‬الفتاوى ‪ ،236 / 25‬وانظر ص ‪ ،225 /‬بأبسط من هذا‪.‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪36‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫النبي ﷺ الصالة عىل قاتل نفسه‪ .‬وكذلك هجر الصحابة الثالثة الذين ظهر ذنبهم يف ترك اجلهاد الواجب‬
‫حتى تاب اهلل عليهم‪ ،‬فإذا أظهر التوبة أظهر له اخلري‪.)1()...‬‬
‫* وفرق يف حال املهجور‪ :‬بني القوي يف الدين وبني الضعيف فيه‪ ،‬فإن القوي يؤاخذ بأشد مما يؤاخذ به‬
‫الضعيف يف الدين كام يف قصة كعب بن مالك وصاحبيه ريض اهلل عنهم(‪.)2‬‬
‫* وكذلك بالنسبة لألماكن‪ :‬ففرق بني األماكن التي كثرت فيها البدع‪ ،‬كام كثر القدر بالبرصة‪ ،‬والتنجيم‬
‫بخراسان‪ ،‬والتشيع بالكوفة‪ ،‬وبني ما ليس كذلك‪.‬‬
‫وهذا عىل ما أفتى به األئمة أمحد وغريه بناء عىل هذا األصل‪ :‬رعاية املصالح الرشعية(‪.)3‬‬
‫* (وخيتلف باختالف اهلاجرين أنفسهم يف قوهتم وضعفهم وقلتهم وكثرهتم)(‪ )4‬فإذا كانت الغلبة والظهور‬
‫ألهل السنة كانت مرشوعية هجر املبتدع قائمة عىل أصلها‪ ،‬وإن كانت القوة والكثرة للمبتدعة وال حول وال‬
‫قوة إال باهلل فال املبتدع وال غريه يرتدع باهلجر وال حيصل املقصود الرشعي‪ ،‬مل يرشع اهلجر وكان مسلك‬
‫التأليف‪ ،‬خشية زيادة الرش‪ .‬وهذا كحال املرشوع مع العدو (القتال تارة‪ ،‬واملهادنة تارة‪ ،‬وأخذ اجلزية تارة‪ ،‬كل‬
‫ذلك بحسب األحوال واملصالح)(‪.)5‬‬
‫ومن أهم املهامت هنا‪ :‬إذا كانت الواجبات لدى أهل السنة مثل‪ :‬التعليم‪ ،‬واجلهاد‪ ،‬و الطب‪ ،‬واهلندسة‪،‬‬
‫ونحوها متعذر إقامتها إال بواسطتهم‪ ،‬فإنه يعمل عىل حتصيل مصلحة اجلهاد‪ ،‬ومصلحة التعليم وهكذا‪ ،‬مع‬
‫احلذر من بدعته‪ ،‬واتقاء الفتنة به وهبا ما أمكن‪ ،‬وبقدر الرضورة‪ ،‬فإذا زالت عاد أهل السنة إىل األصل يف‬
‫اهلجر‪ ،‬وأبعد ملبتدع‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه أحمد في‪ :‬الزهد‪.‬‬


‫(‪ )2‬الفتاوى ‪.215 -212 / 25‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬فتح الباري ‪ ،122 /5‬كتاب المغازي‪.‬‬
‫(‪ )6‬الفتاوى ‪ ،232 -236 / 25‬وانظر ص ‪ 212 -212 /‬فهو مهم‪.‬‬
‫(‪ )8‬الفتاوى ‪.236/ 25‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪37‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل تعاىل يف جوابه املحرر يف اهلجر املرشوع‪ ..( :‬فإذا لعذر إقامة الواجبات‬
‫من العلم واجلهاد وغري ذلك إال بمن فيه بدعة مرضهتا دون مرضة ترك ذلك الواجب‪ :‬كان حتصيل مصلحة‬
‫(‪)1‬‬
‫الواجب مع مفسدة مرجوحة معه خريا من العكس‪ ،‬وهلذا كان الكالم يف هذه املسائل فيه تفصيل)‬
‫هذا وإن الناظر يف أحوال املبتدعة من وجه ما هم عليه من الشناعات‪ ،‬وإماتة السنن‪ ،‬والنشاط يف غري هدى‬
‫والنرصة لغري حق‪ ،‬وأهنم يفسدون عىل أهل السنة صفاء اإلسالم‪ ،‬رآهم مستحقني ملا قاله اإلمام الشافعي رمحه‬
‫اهلل تعاىل يف أهل الكالم‪( :‬حكمي يف أهل الكالم أن يرضبوا باجلريد والنعال‪ ،‬ويطاف هبم يف القبائل والعشائر‪،‬‬
‫ويقال‪ :‬هذا جزاء من أعرض عن الكتاب والسنة وأقبل عىل الكالم)‪.‬‬
‫(وإذا نظرت إىل املبتدعة بعني القدر‪ ،‬واحلرية مستولية عليهم‪ ،‬والشيطان مستحوذ عليهم رمحتهم‪ ،‬وترفقت‬
‫هبم‪ ،‬أوتوا ذكاء وما أوتوا زكاء‪ ،‬وأعطوا فهوما وما أعطوا علوما‪ ،‬وأعطوا سمعا وأبصارا وأفئدة ﴿ َف َام َأ ْغنَى‬
‫اق ِ ِبم هما كَانُوا بِ ِه‬
‫وح َ‬ ‫ِ‬
‫ون بِآ َيات اَّللهِ َ‬
‫َي َحدُ َ‬ ‫عنْهم سمعهم وال َأبصارهم وال َأ ْفئِدَ ُهتم من َ ٍ‬
‫َشء إ ْذ كَانُوا َ ْ‬
‫ْ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫ْ َ ُ ُ ْ‬ ‫َ ُ ْ َ ْ ُُ ْ‬
‫َي ْست َْه ِزئ َ‬
‫ُون﴾)‬
‫(‪)2‬‬

‫وختاما‪ :‬احذر املبتدع‪ ،‬واحذر بدعته‪ ،‬وأعمل الوالء والرباء معه‪ ،‬وتقرب إىل اهلل بذلك‪ ،‬وهبجره اهلجر‬
‫الرشعي منزال له عىل قواعد الرشيعة وأصوهلا يف رعاية املصالح ودفع املفاسد‪ ،‬وإياك ثم إياك من تأمري اهلوى‬
‫هجرا أو تركا‪ ،‬والسالم‪.‬‬

‫(‪ )1‬الفتاوى ‪.212 / 25‬‬


‫(‪ )2‬الفتاوى ‪.116 / 8‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪38‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫املبحث التاسع ‪ :‬عقوبة َمن واىل املبتدعة‬

‫كام أن املتكلم بالباطل شيطان ناطق فالساكت عن احلق شيطان أخرس كام قال أبو عيل الدقاق (م سنة ‪416‬‬
‫(‪.)1‬‬
‫هـ) رمحه اهلل تعاىل‬
‫وقد شدد األئمة النكري عىل من ناقض أصل االعتقاد فرتك هجر املبتدعة‪ ،‬ويف معرض رد شيخ اإلسالم ابن‬
‫تيمية رمحه اهلل تعاىل عىل (االحتادية) قال(‪( )2‬وجيب عقوبة كل من انتسب إليهم‪ ،‬أو ذب عنهم‪ ،‬أو أثنى عليهم‪،‬‬
‫أو عظم كتبهم‪ ،‬أو عرف بمساعدهتم أو معاونتهم‪ ،‬أو كره الكالم فيهم‪ ،‬أو أخذ يعتذر هلم بأن هذا الكالم ال‬
‫يدري ما هو؟ أو من قال‪ :‬إنه صنف هذا الكتاب؟ وأمثال هذه املعاذير‪ ،‬التي ال يقوهلا إال جاهل أو منافق بل‬
‫جتب عقوبة كل من عرف حاهلم‪ ،‬ومل يعاون عىل القيام عليهم‪ ،‬فإن القيام عىل هؤالء من أعظم الواجبات‪،‬‬
‫ألهنم أفسدوا العقول واألديان عىل خلق من املشايخ والعلامء وامللوك واألمراء‪ ،‬وهم يسعون يف األرض فسادا‬
‫ويصدون عن سبيل اهلل‪.)3((...‬‬
‫فرحم اهلل شيخ اإلسالم ابن تيمية وسقاه من سلسبيل اجلنة آمني‪ ،‬فإن هذا الكالم يف غاية الدقة واألمهية وهو‬
‫وإن كان يف خصوص مظاهرة (االحتادية) لكنه ينتظم مجيع املبتدعة‪ ،‬فكل من ظاهر مبتدعا فعظمه أو عظم‬
‫كتبه‪ ،‬ونرشها بني املسلمني‪ ،‬ونفخ به وهبا‪ ،‬وأشاع ما فيها من بدع وضالل‪ ،‬ومل يكشفه فيام لديه من زيغ‬
‫واختالل يف االعتقاد‪ ،‬إن من فعل ذلك فهو مفرط يف أمره‪ ،‬واجب قطع رشه لئال يتعدى إىل املسلمني‪.‬‬
‫وقد ابتلينا هبذا الزمان بأقوام عىل هذا املنوال يعظمون املبتدعة وينرشون مقاالهتم‪ ،‬وال حيذرون من سقطاهتم‬
‫وما هم عليه من الضالل‪ ،‬فاحذر أبا اجلهل املبتدع هذا‪ ،‬نعوذ باهلل من الشقاء وأهله‪.‬‬

‫(‪ )1‬شذرات الذهب ‪ ،53 / 2‬وفيات سنة ‪636‬هة‪.‬‬


‫(‪ )2‬الفتاوى ‪.122 / 2‬‬

‫(‪ )2‬انظر الفتاوى ‪ ،468 662 / 16‬مهم ‪ ،217 / 28 ،215 / 28‬مهم كالقاعة هنا‪.‬‬
‫َّلل أبو زيد‬
‫لصاحب الفضيلة العالّمة بكر بن عبد ا ه‬ ‫‪39‬‬ ‫« هجر المبتدع »‬

‫املبحث العارش ‪ :‬إشاعة البدعة‬

‫نصيحتي لكل مسلم سلم من فتنة الشبهات يف االعتقاد‪ ،‬أن البدعة إذا كانت مقموعة خافتة واملبتدع إذا كان‬
‫منقمعا مكسور النفس بكبت بدعته فال حيرك النفوس بتحريك املبتدع وبدعته ؛ فإهنا إذا حركت نمت‬
‫وظهرت‪ ،‬وهذا أمر جبلت عليه النفوس‪ ،‬ومنه يف اخلري‪ :‬أن النفوس تتحرك إىل احلج إذا ذكر احلجاز‪،‬‬
‫وعرصات الوحي‪ ،‬ومواطن التنزيل‪ ...‬ويف الرش‪ :‬إذا ذكرت النساء والتغزل والتشبيب هبن حتركت النفوس‬
‫إىل الفواحش‪ .‬وهذا الكتامن واإلعراض من باب املجاهدة واجلهاد فكام يكون احلق يف الكالم فإنه يكون يف‬
‫السكوت واإلعراض‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

You might also like