You are on page 1of 174

‫وسقط‬

‫القناع‬
‫تأليف‬
‫سماحة الشيخ العلمة‬
‫أحمد بن حمد الخليلي‬
‫تقديم‬
‫الحمد ل رب العالمين والصلة والسلم على‬
‫رسوله المين وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى‬
‫يوم الدين‪.‬‬
‫أشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له‪،‬‬
‫وأوحده توحيد المؤمنين الموفين‪ ،‬وأنزهه عن كل نقص‬
‫وتجسيم‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بعقيدة‬
‫التوحيد الصافية والمحجة البيضاء النقية‪ ،‬وأدين إلى ال‬
‫تعالى باتباع نور كتابه المنزل وهدي رسوله الكريم‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأعادي كل من يعاديهما‬
‫ويصفهما بأن ل خير فيهما‪ ،‬وأبرأ إليه تعالى ممن‬
‫انتحل الدين ليكيد لهله‪ ،‬وأوالي أولياء ال تعالى‬
‫المخلصين‪ .‬وبعد‪-:‬‬
‫فالسلم عليكم ورحمة ال وبركاته‬
‫يطيب لنا أن نقدم إلى المسلمين هذه المحاضرة‬
‫القيمة التي ألقاها سماحة العلمة الشيخ أحمد بن حمد‬
‫ابن سليمان الخليلي المفتي العام للسلطنة ردا على رجل‬
‫وسقط القناع‪5-‬‬
‫من الحشوية المجسمة الذين يطعنون في كتاب ال‬
‫العظيم والسنة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل‬
‫الصلة والسلم وهو المدعو عبدالرحيم الطحان‪.‬‬
‫يجيء نشر هذه المحاضرة نتيجة إلحاح كثير من‬
‫المسلمين ‪-‬من السلطنة وخارجها بمختلف مدارسهم‬
‫السلمية‪ -‬علينا بطبعها في كتاب‪ ،‬وفي هذا دليل على‬
‫أن المة السلمية قد َقَلتْ هذه الطائفة الحشوية التي‬
‫تلبس لبوس السلم زورا وبهتانا بعد أن تكشفت لها‬
‫دخائلها الخبيثة‪ ،‬وللسف الشديد فإن هؤلء الحشوية‬
‫تجدهم مصدر تخريب في كل المجتمعات التي يوجدون‬
‫فيها‪ ،‬فما من فتنة إل وهم وراءها لسيما قتل البرياء‬
‫وتفريق المسلمين‪ ،‬ولكن ال مظهر كيدهم وكاشف‬
‫سترهم ومسقط قناعهم‪.‬‬
‫ل نريد أن نطيل التقديم فالمحاضر معروف‬
‫والمحاضرة منتشرة بالتسجيل السمعي‪ ،‬وإنما نريد أن‬
‫نذكر للقارئ الكريم ‪-‬من خلل إخراج المحاضرة على‬
‫هيئة كتاب‪ -‬بأن أسلوب الشيخ حفظه ال تعالى هنا هو‬
‫أسلوب اللقاء وليس التحرير؛ وشتان ما بين السلوبين‪،‬‬

‫وسقط القناع‪6-‬‬
‫على أن شيخنا الخليلي قد وهبه ال تعالى مقدرة بيانية‬
‫في اللقاء قوية تبز كتابة الدباء‪ ،‬ربما ل يفوقها إل قلم‬
‫الشيخ نفسه‪.‬‬
‫وعملنا في هذه المحاضرة هو الخراج الفني‬
‫فقط وذلك بوضع العناوين والفهرسة والتخريج والتعليق‬
‫وفي بعض الحيان إصلح العبارة كحذف المتكرر‬
‫وسبق اللسان ونحوهما بما ل يخل بنسق النص ومعناه‪.‬‬
‫وقصدنا من وراء هذا كله وجه ال سبحانه‬
‫وتعالى بتعميم الفائدة بين المسلمين‪.‬‬
‫ول يسكعنا فكي هذا المقام إل أن نشككر الخوة‬
‫العزاء الذين شاركوا في هذا العمل الطيب؛ سواء بنقل‬
‫المحاضرة مكن الشرطكة أو بالطباعكة على الحاسكب‬
‫اللي أو بالمراج عة‪ ،‬وند عو ال العلي القد ير أن يرزق نا‬
‫من واسع فضله وينفعنا بعلم الشيخ حفظه ال تعالى وأن‬
‫يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه‪.‬‬
‫والسلم عليكم ورحمة ال وبركاته‪.‬‬

‫وسقط القناع‪7-‬‬
‫خميس بن راشد بن سعيّد العدوي‬
‫وليكككة بهككل‬
‫الثلثاء‪ /‬غرة ذي الحجة سنة ‪1417‬هك‪.‬‬
‫الموافق‪ 8 /‬مكن إبريكل سكنة ‪1997‬م‪.‬‬

‫وسقط القناع‪8-‬‬
‫المقدمة‬
‫الحمد ل الذي يحق الحق ويبطل الباطل ولو كره‬
‫المجرمون‪ ،‬هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق‬
‫ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون‪ ،‬وهو‬
‫القائل في محكم كتابه‪ :‬بل نقذف بالحق على الباطل‬
‫فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫أحمده تعالى بما هو أهل له من الحمد وأثني عليه‬


‫وأستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه وأومن به‬
‫وأتوكل عليه‪ ،‬من يهده ال فل مضل له ومن يضلل‬
‫فل هادي له‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك‬
‫له‪ ،‬خلق فسوى وقدر فهدى‪ ،‬وأشهد أن سيدنا ونبينا‬
‫محمداً عبده ورسوله‪ ،‬أرسله ال بدعوة الحق الجامعة‬
‫وحجته الساطعة‪ ،‬فبلغ الرسالة وأدى المانة‪ ،‬ونصح‬
‫المة وكشف الغمة وجاهد في سبيل ال حتى أتاه‬
‫اليقين‪ ،‬فترك المة على المحجة البيضاء ليلها‬
‫كنهارها ل يضل عنها إل هالك‪ ،‬صلوات ال وسلمه‬
‫عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى تابعيهم‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪ .‬أما بعد‪-:‬‬
‫فالسلم عليكم أيها الخوة المؤمنون ورحمته تعالى‬
‫وبركاته‪.‬‬
‫‪ )(1‬النبياء ‪.18‬‬
‫وسقط القناع‪9-‬‬
‫إن من أسعد الفرص أن أتحدث إليكم في هذا‬
‫الوقت المبارك في أمر يشغل بال المسلمين جميعاً‪،‬‬
‫هذا المر يتعلق بوحدة هذه المة والمحافظة على‬
‫كيانها‪ ،‬هذه المة التي تآمر عليها أعداء ال من‬
‫الداخل والخارج فكادوا لها كيداً ‪-‬ولزالت‪ -‬منذ أن‬
‫بعث ال فيها رسوله محمداً صلى ال عليه وسلم تلقى‬
‫من أعداء السلم من التحديات ما يشيب منه الولدان‪،‬‬
‫ولكن ال تعالى غالب على أمره هو الذي أرسل‬
‫رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله‬
‫ولو كره المشركون ( ) فكما أن ال سبحانه وتعالى‬
‫‪1‬‬

‫نصر رسوله صلى ال عليه وسلم على أعدائه الذين‬


‫أحاطوا به من كل حدب وصوب وتآمروا عليه؛ من‬
‫المشركين واليهود والمنافقين وغيرهم‪ ،‬فإن ال‬
‫سينصر أتباع رسوله صلى ال عليه وسلم الذين‬
‫يحافظون على الدعوة التي بعث بها رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ويدعون إلى وحدة المة واجتماع‬
‫كلمتها وتألف قلوب أتباعها‪ ،‬فال سبحانه وتعالى‬
‫عندما بعث رسوله صلى ال عليه وسلم بعثه داعياً‬
‫إلى الوحدة والتوحيد‪ ،‬ومن هنا يتبين أن أخطر أعداء‬
‫هذه المة أولئك الذين يسعون إلى تفريقها وتمزيق‬
‫شملها‪ ،‬ول يزالون يفرون أديمها ويقطعون أوصالها‬
‫بدعاياتهم الفاجرة( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ ((1‬التوبة ‪ ،33‬والصف ‪.9‬‬


‫وسقط القناع‪10-‬‬
‫ففي هذا الوقت الذي يئن فيه المسجد القصى‬
‫المبارك ‪-‬الذي هو أولى القبلتين‪ ،‬وثالث الحرمين‪،‬‬
‫ومسرى سيد الثقلين صلوات ال وسلمه عليه‪ -‬تحت‬
‫وطأة الحتلل اليهودي البغيض( )‪ ،‬وفي هذا الوقت‬
‫‪1‬‬

‫الذي يعاني فيه المسلمون في شتى بقاع العالم ما‬

‫‪ )(2‬منها الفتوى التي صدرت عن مفتيهم الكبير ابن باز بتكفير أهل الحق‬
‫والستقامة‪ ،‬وقد رد عليها سماحة العلمة الخليلي في شريط متداول‪،‬‬
‫ومنها دعايات عبدالعزيز آل عبداللطيف في مجلة الجهاد ووليد الطبطبائي‬
‫وقد رد عليهما‪ ،‬وقد نال بقية المة من دعاياتهم ما نال الباضية ‪ ،‬فالمة‬
‫كلها تدعوهم إلى الكف عن ذلك والوبة إلى الحق‪.‬‬
‫‪ ) (1‬بل للحشوية يد طولى في ترسيخ الوجود الصهيوني في أرض‬
‫فلسطين المحتلة‪ ،‬نذكر من ذلك موقفين لكبار علمائهم يبينان تواطؤَهم مع‬
‫العدو اليهودي وممالتهم للصهيونية العالمية الحاقدة‪-:‬‬
‫الموقف الول‪ :‬فتوى محدث الحشوية الكبير ناصر الدين اللباني التي‬
‫أفتى فيها هذا الشيخ بخروج أهل فلسطين المسلمين منها وتركها لليهود‬
‫لقمة سائغة‪.‬‬
‫وقد تناقلت هذه الفتوى وسائل العلم المختلفة‪ ،‬انظر مجلة المجتمع‬
‫ل لهذه الفتوى الخبيثة وردود علماء المة عليها‪.‬‬
‫الكويتية تجد تحلي ً‬
‫الموقف الثاني‪ :‬فتوى الشيخ عبدالعزيز ابن باز مفتي الحشوية الكبير‬
‫التي أفتى فيها بجواز الصلح مع الصهاينة اليهود‪ ،‬سواء كان الصلح=‬
‫=هدنة دائمة أو مؤقتة‪ ،‬بل أكثر من هذا اعتبر زيارة المسجد القصى في‬
‫هذه الفترة المؤسفة سنة على المسلمين إتيانها‪ ،‬ونسي أو تناسى هذا المفتي‬
‫الحشوي أن في ذلك إقرارا بالحتلل الصهيوني لهذه الماكن المقدسة‬
‫وأيضا فيه تقوية اقتصادية للكيان الصهيوني الغاصب‪.‬‬
‫وسقط القناع‪11-‬‬
‫يعانونه من الويلت من جراء المؤامرات المختلفة‬
‫عليهم‪ ،‬ومن ذلك تلك المأساة الكبرى التي في البوسنة‬
‫والهرسك‪ ،‬حيث تنتهك أعراض المسلمين وتسفك‬
‫دماؤهم وتزهق أرواحهم‪.‬‬
‫في هذا الوقت نفسه‪ ،‬هناك فئة ترتدي أردية‬
‫السلم زوراً وبهتاناً‪ ،‬وتكيد له كيدًا من الداخل‪ ،‬هذه‬
‫الفئة كثيراً ما غرت الناس بشعاراتها البراقة‪ ،‬فقد‬
‫حملت شعار السلفية ‪-‬والسلف بريء منهم براءة‬
‫المسيح عليه السلم ممن اتخذوه وأمه إلهين من دون‬
‫ال‪ -‬فكثيراً ما حاول هؤلء أن يكيدوا كيداً لهذه المة‬
‫من الداخل‪ ،‬ولست بمبالغ إن قلت‪ :‬إن هؤلء ورثوا‬
‫عن اليهود مؤامراتهم ضد السلم كما ورثوا منهم‬
‫عقائدهم الضالة‪ ،‬فإن ذلك أمر قد قاله غير واحد من‬
‫العلماء المفكرين ‪-‬علماء هذه المة( )‪ -‬ول ريب أن‬
‫‪1‬‬

‫هذه الطائفة؛ وهي الطائفة الحشوية؛ التي تنتسب‬

‫وقد ساقت وكالت النباء العالمية وسائر وسائل العلم هذه الفتوى‬
‫ومنها هيئة الذاعة البريطانية‪ ،‬و جريدة "المسلمون" السعودية التي نشرت‬
‫مقابلة مع هذا المفتي الحشوي بخصوص هذه الفتوى المأجورة‪ ،‬وانظر‬
‫كذلك كتاب المؤسسات الدينية السلمية والكيان الصهيوني (نظرة إلى‬
‫فتوى ابن باز بجواز الصلح) للدكتور زهير غزاوي‪ ،‬ص ‪ 205‬وما بعدها‪،‬‬
‫ط الغدير للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪1416 ،‬هك‪1996 -‬م‪.‬‬
‫‪ ))1‬ولقد سمع جميع المسلمين ما قاله أحد علماء الشام فيهم‪( :‬ما من فتنة‬
‫تقوم ضد المسلمين إل وهؤلء وراءها) من شريط مسجل منتشر‬
‫يفضحهم‪.‬‬
‫وسقط القناع‪12-‬‬
‫زوراً إلى السلف ‪-‬والسلف كما قلت منهم بريء براءة‬
‫الذئب من دم ابن يعقوب‪ -‬هذه الطائفة ل تزال تسعى‬
‫إلى فرقة هذه المة‪ ،‬فتحرص كل الحرص على تقطيع‬
‫أوصالها وإيقاد نار الفتنة فيما بينها‪ ،‬كأنما حملت على‬
‫عاتقها مسؤولية تدمير هذه المة من الداخل‪ ،‬فهي منذ‬
‫وجدت ل زالت تسعى سعياً حثيثاً لجل بلوغ هذه‬
‫الغاية‪ ،‬وكأنما ل يقر لها قرار ول يهدأ لها بال حتى‬
‫ترى صرح هذه المة قد دك دكاً دكاً‪.‬‬
‫هذه الفئة كثيراً مببا سببمعنا وقرأنببا عنهببا ممببا كتبببه‬
‫عنهببا العلماء الذيببن عرفوا حقيقببة أمرهببا‪ ،‬ولكننببا كنببا‬
‫نظببن بأن أولئك الكاتبببين يبالغون عندمببا يكيلون التهببم‬
‫لهبا ويرمونهبا بمبا يرمونهبا ببه‪ ،‬وكنبا نرد مبا يقبع مبن‬
‫تصرفها إلى تبلد أذهانها وسبوء طباعها وقسوة قلوبها‬
‫وغلظ أكبادهببا‪ ،‬مببا كنببا نعلم علم اليقيببن بأن هذه الفئة‬
‫تكيبد للسبلم كيداً عبن قصبد وعمبد‪ ،‬وأنهبا تسبعى سبعياً‬
‫حثيثاً إلى تدميبر كيان هذه المبة‪ ،‬وتحاول بكبل جهدهبا‬
‫أن تمزقهبا كبل ممزق‪ ،‬وأن تمكبن لعدائهبا منهبا حتبى‬
‫تكون أمببة خاسببئة ذليلة تابعببة لعدائهببا‪ ،‬ولكببن ممببا‬
‫سببمعناه كثيراً مببن فلتات ألسببنة هؤلء الحشويببة انبلج‬
‫الصبببح لذي عينيببن‪ ،‬فأصبببح المببر واضحًا وضوح‬
‫الشمبس فبي رابعبة النهار‪ ،‬وأيقنبا أن هذه الفئة تحارب‬
‫القرآن الكريببم والسببنة النبويببة على صبباحبها أفضببل‬
‫الصببلة وأتببم التسببليم كببل محاربببة‪ ،‬رغببم أنهببا تنتمببي‬
‫‪-‬حسببب زعمهببا‪ -‬إلى السببنة فهببي ليسببت مببن القرآن‬
‫الكريم ول من السنة النبوية في شيء‪ ،‬والشواهد على‬
‫وسقط القناع‪13-‬‬
‫هذا الذي أقوله كثيرة سببواء كانببت هذه الشواهببد مببن‬
‫تصبرفاتها وأعمالهبا أو كانبت مبن شهادة علماء المبة‬
‫الذيببن تحدثوا عنهببا‪ ،‬فقالوا فيهببا مببا قالوا‪ ،‬ومببن بيببن‬
‫هؤلء علماء المذاهببب الربعببة بببل مببن بينهببم بعببض‬
‫علماء الحنابلة أنفسهم الذين شهدوا شهادة حق بأن هذه‬
‫الفئة ليسبت مبن السبلم فبي شيبء‪ ،‬وبأنهبا أخطبر على‬
‫السبلم والمسبلمين مبن الكفار الصبرحاء الذيبن كشفوا‬
‫عبن وجوههبم ولم يحاولوا بأي وسبيلة مبن الوسبائل أن‬
‫يغطوا معائبهم‪.‬‬
‫وإذا كان القرآن الكريبببم قبببد عنبببي عنايببة بالغبببة‬
‫بإبراز صبفات المنافقيبن وكشبف عوارهبم والتنديبد بهبم‬
‫أكثبر ممبا عنبي بأمبر المشركيبن وذلك لخطورة النفاق‬
‫والمنافقيببن‪ ،‬فإن هذه الطائفببة التببي تتقمببص السببلفية‬
‫وتنتسببب زوراً إلى السببنة هببي أخطببر وأشببد مببا تكون‬
‫نكايببة بهذه المببة‪ ،‬فهببي إذاً حريببة بأن يكشببف السببتار‬
‫عنهببا وتبببين حقيقببة أمرهببا حتببى يتجلى للناس الحببق‬
‫واضحاً جلياً من غير شيء من الغموض‪.‬‬
‫كثيراً مبببا توافينبببا مؤلفات هؤلء ومحاضراتهبببم‬
‫وخطبهم وهي تسعى إلى تمزيق شمل هذه المة‪ ،‬فهي‬
‫بمثاببببة المدى التبببي تفري أديمهبببا وتقطبببع أوصبببالها‬
‫وتمزع أشلءهبا‪ ،‬وكثيراً مبا لمسبنا مبن هؤلء الحشوية‬
‫الخوف الشديببد مببن اجتماع هذه المببة وتآلفهببا‪ ،‬لن‬
‫شأنهببم شأن الخفافيببش التببي ل تعيببش إل فببي الظلم‪،‬‬
‫فهبي تخشبى كبل الخشيبة مبن سبطوع النهار‪ ،‬ذلك لنهبم‬
‫يجدون فرصببة فببي الظلم الدامببس ‪-‬ظلم تفرق هذه‬
‫وسقط القناع‪14-‬‬
‫المبة وتناحرهبا‪ -‬لمبا يسبعون إليبه مبن ببث مؤامراتهبم‬
‫فبي صبفوفها‪ ،‬أمبا إن اتحدت هذه المبة وسبطع الضياء‬
‫في حياتها سطوعاً واضحاً بيناً‪ ،‬فإن مؤامراتهم سوف‬
‫تنكشبف‪ ،‬وحقيقبة أمرهبم سبوف تتجلى‪ ،‬ومبن أجبل ذلك‬
‫يخشون كل الخشية من وحدة هذه المة‪.‬‬

‫وسقط القناع‪15-‬‬
‫سبب إلقاء المحاضرة‬
‫وفببي اليام الخيرة اسببتمعنا إلى محاضرة ألقاهببا‬
‫أحببد هؤلء الحشويببة يسببمى عبدالرحيببم الطحان‪ ،‬هذه‬
‫المحاضرة لقيت كثيراً من المعارضة من الذين يحبون‬
‫الخيبر لهذه المبة‪ ،‬ويحبون لهبا أن تجتمبع وتتوحبد فبي‬
‫ظببل السببلم الحنيببف وفببي ظببل العقيدة الحقببة على‬
‫اختلف مذاهبهبا‪ ،‬فإن المسبلمين جميعاً يعظمون كتاب‬
‫ال وسببنة رسببوله صببلى ال عليببه وسببلم ويعظمون‬
‫السبلف الصبالح مبن الصبحابة والتابعيبن لهبم بإحسبان‪،‬‬
‫ويبذلون جهدهببم أن يسببعوا سببعيهم ويسببلكوا طريقهببم‬
‫ويقتفوا هديهم‪.‬‬
‫وقد جاءني أحد الخوة من أتباع المذهب الشافعي‬
‫بأشرطبة هذه المحاضرة‪ ،‬وطلب منبي أن أعقبب عليهبا‬
‫بمببا يكشببف عوارهببا ويبببين دسببائسها ويكشببف طوايببا‬
‫خببث قائلهبا الذي يسبعى بكبل جهده إلى تمزيبق صبف‬
‫هذه المة كل ممزق‪.‬‬
‫جاء في هذه المحاضرة ما جاء من محاولة تفريق‬
‫هذه المة‪ ،‬وذلك لن المحاضر ألب الناس أيما تأليب‬
‫على الباضية أهل الحق والستقامة‪ ،‬الذين يسعون‬
‫إلى توحيد هذه المة وجمع كلمتها‪ ،‬وقد كان من‬
‫ضمن الذي شغل باله وأقلق قلبه وأقض مضجعه ما‬
‫قرأه في كتابنا "الحق الدامغ"( ) ذلك الكتاب الذي دفع‬
‫‪1‬‬

‫‪ )(1‬يقع الكتاب في ‪239‬صفحة صدر عام ‪1409‬هك وقد طبع إلى الن‬
‫طبعتين‪ ،‬وهو يعالج ثلثة مواضيع‪ -:‬الرؤية والخلود في النار وخلق‬
‫وسقط القناع‪16-‬‬
‫الشّبه التي نسجت حول الباضية ‪-‬أهل الحق‬
‫والستقامة‪ -‬بما أبانه من دلئل حجتهم ووضوح‬
‫معتقدهم وسلمة خطتهم‪ ،‬إذ هم يسعون إلى جمع‬
‫صف هذه المة‪ ،‬وتأليف قلوبها حتى تكون كقلب‬
‫رجل واحد‪ ،‬يصدق عليها قول رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪(( :‬ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم‬
‫وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى‬
‫له سائر الجسد بالحمى والسهر))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وأعظببم ذنببب ارتكبببه الباضيببة حسببب مببا فببي‬


‫موازيبببن الحشويبببة أنهبببم يحرصبببون على تنزيبببه ال‬
‫سبببحانه وتعالى وعلى توحيببد هذه المببة‪ ،‬والحشويببة‬
‫أعداء لذلك كله‪ ،‬فهببم أعداء التنزيببه لنهببم ورثوا عببن‬
‫اليهوديبة عقيدة التشببيه‪ ،‬ويسبعون كبل السبعي إلى نشبر‬
‫هذه العقيدة فببي أرجاء الرض‪ ،‬والتمويببه على الناس‬
‫بأنها عقيدة السلف الصالح‪ ،‬وأنها عقيدة القرآن الكريم‬

‫القرآن‪ ،‬وقد قدم له سماحته بمقدمة= =عن منهج الباضية ونظرتهم‬


‫لخوانهم من المذاهب الخرى‪ ،‬وختمه بخاتمة تبين وجهة نظر المنصفين‬
‫من المذاهب الخرى إلى الباضية‪ ،‬وقد استعرض المواضيع الثلثة‬
‫المذكورة بأسلوب علمي رصين حيث استعرض فيه جميع الدلة النصية‬
‫المستدل بها من قبل الطرفين‪ ،‬كل ذلك ساقه سماحته بأسلوب أدبي بديع‬
‫يأسر لب قارئه فيسلمه إلى الحق‪.‬‬
‫‪ )(1‬روى بنحوه البخاري من طريق النعمان بن بشير في كتاب الدب‪،‬‬
‫باب ‪ ،36‬ورقمه ‪ ،6011‬ومسلم بعدة طرق من طريق النعمان أيضا في‬
‫كتاب البر والصلة والداب‪ ،‬كتاب ‪ ،17‬ورقمه ‪.2586‬‬
‫وسقط القناع‪17-‬‬
‫والسببنة النبويببة الشريفببة‪ ،‬ولعمببر الحببق إن بُعببد هذه‬
‫العقيدة عببببن الكتاب العزيببببز والسببببنة النبويببببة على‬
‫صبباحبها أفضببل الصببلة وأزكببى التسببليم وعببن عقيدة‬
‫السبلف الصبالح أوسبع مبن بُعبد الضراح عبن الضريبح‪،‬‬
‫والثريبا عبن الثرى‪ ،‬والسبماء عبن الرض‪ ،‬فشتان مبا‬
‫بيببن الحببق والباطببل ومببا بيببن الهدى والضلل‪ ،‬هذه‬
‫العقيدة كمببا يقول كثيببر مببن المفكريببن ‪-‬الذيببن سببننقل‬
‫عنهبم مبا قالوا‪ -‬هبي خليبط مبن عقائد السبامريين وعقائد‬
‫اليهود وعقائد النصبارى وعقائد سبائر المنحرفيبن عبن‬
‫طريق الحق والدين الحنيف‪.‬‬

‫وسقط القناع‪18-‬‬
‫عجز شبه الباطل‬
‫أمام دلئل الحق‬
‫وقد حاول الطحان أن يدحض حجة الحق بشبه‬
‫الباطل التي حاول أن ينسجها ليموه بها على الناس‬
‫ويحول بينهم وبين إدراك الحقيقة‪ ،‬ومن ذلك تلك الشبه‬
‫التي حاول أن يلصقها بما قلناه في كتابنا "الحق‬
‫الدامغ" في تفسير قول الحق تبارك وتعالى‪ :‬وجوه‬
‫ناظرة( ) فإنه حاول بكل جهده‬
‫‪1‬‬
‫‪‬‬ ‫يومئذ ناضرة‪ ‬إلى ربها‬
‫أن يقول بأن الذي قلناه كلم باطل وتلعب بكتاب ال‪،‬‬
‫وأنا فسرنا آيات ال تعالى بغير مراده سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫وأن النظر في هذه الية وهي قوله تعالى‪ :‬إلى ربها‬
‫ناظرة ليس إل بمعنى الرؤية‪ ،‬ولكنه لم يستطع بأي‬‫‪‬‬
‫حال من الحوال أن يأتي بنص الذي قلناه‪ ،‬ويحاول‬
‫أن يحلله تحليلً بحيث يبين بطلن أي شيء منه‪،‬‬
‫وإنما حام حوله بهذه الشبه التي حاول بجهده أن‬
‫يدحض بها حجة الحق‪ ،‬وأنا أعرض على‬
‫المستمعين( ) ما قلته في "الحق الدمغ" ليتبين بهذا‬
‫‪2‬‬

‫البُعد الشاسع بين كلمه وكلمنا‪ ،‬وأتحدى بما أورده‬


‫هنا ‪-‬من النص الذي قلته في "الحق الدمغ "‪ -‬الحشوية‬

‫‪ )(1‬القيامة ‪.23-22‬‬
‫‪ )(2‬لكونها في الصل محاضرة مسجلة‪.‬‬
‫وسقط القناع‪19-‬‬
‫بأن ينقضوا هذا الكلم جملة جملة( ) إن كانوا صادقين‬
‫‪1‬‬

‫بأنهم على حق وأن الذي قلناه باطل‪.‬‬


‫قلت‪-:‬‬
‫(‪ - 1‬قوله تعالى‪ :‬وجوه يومئذ ناضرة‪ ‬إلى ربها‬
‫ناظرة وهو أقوى ما استندوا إليه في هذا الباب( )‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫‪‬‬
‫واعترضوا بأن النظر أعم من الرؤية‪ ،‬فإنه يكون‬
‫بمعنى محاولتها ولو لم تتحقق‪ ،‬لجواز أن يقول قائل‪:‬‬
‫نظرت إلى كذا فلم أره مع عدم جواز أن يقول‪ :‬رأيته‬
‫فلم أره ففي القاموس ما نصه‪( :‬نظره كنصره وسمعه‬
‫وإليه نظر ومنظراً ونظراناً ومنظرةً وتنظاراً تأمله‬
‫بعينه) وفي شرحه للمام الزبيدي نقلً عن البصائر‪:‬‬
‫(والنظر أيضاً تقليب البصيرة لدراك الشيء ورؤيته‪،‬‬
‫وقد يراد به التأمل والفحص‪ ،‬وقد يراد به المعرفة‬
‫الحاصلة بعد الفحص‪.‬ثم قال الشارح‪ :‬ويقال نظرت‬
‫إلى كذا إذا مددت طرفك إليه رأيته أولم تره)( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫والطحان لم يأت بأي شيء يرد هذا الذي قلته‬


‫هنا‪ ،‬ثم إنني استطردت فقلت‪:‬‬
‫(وقد شاع النظر بمعنى النتظار كقوله تعالى‪ :‬هل‬
‫ينظرون إل أن يأتيهم ال في ظلل من الغمام‬

‫‪ )(1‬هذا التحدي قائم منذ سنوات من قبل سماحة الشيخ الخليلي ومن‬
‫الباضية عموما ولكن هيهات هيهات أن تغامر الحشوية بشبهها أمام دلئل‬
‫الحق‪ ،‬وقد دعوناهم للمباهلة ورفضوها كذلك‪.‬‬
‫‪ )(2‬أي استند إليه القائلون بالرؤية‪.‬‬
‫‪ ))3‬الحق الدامغ ص ‪.43-42‬‬
‫وسقط القناع‪20-‬‬
‫(‪)2‬‬
‫والملئكة ‪ ) (‬وقوله‪ :‬ما ينظرون إل صيحة واحدة‪‬‬
‫‪1‬‬

‫وقوله‪ :‬يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا‬


‫انظرونا نقتبس من نوركم‪ ) ( ‬وعليه يتعين حمل‬
‫‪3‬‬

‫النظر في الية لوجوه‪-:‬‬


‫أ ‪ -‬إبعاد تأويل القرآن عن تعارض بعضه مع بعض‪،‬‬
‫فإن حمل النظر في الية على الرؤية يتعارض مع‬
‫أدلة نفيها القطعية‪ ،‬وستأتي إن شاء ال‪.‬‬
‫ب‪ -‬النسجام المعهود في آي القرآن وارتباط بعضها‬
‫مع بعض‪ ،‬وهو ل يكون إل بتفسير النظر بالنتظار‪،‬‬
‫فإن اليات قسمت الناس يومئذ إلى طائفتين‪ ،‬إحداهما‪:‬‬
‫وجوهها ناضرة ‪-‬أي مبتهجة مشرقة بما ترجوه من‬
‫ثواب ال‪ -‬إلى ربها ناظرة أي منتظرة لرحمته‬
‫ودخول جنته‪ ،‬والخرى‪ :‬مباينة لها في أحوالها‪،‬‬
‫فوجوهها باسرة ‪-‬أي كالحة مكفهرة لما تتوقعه من‬
‫العذاب‪ -‬تظن أن يفعل بها فاقرة أي تتوقع أن ينزل بها‬
‫ما يقطع فقار ظهورها‪ ،‬فنضارة هذه الوجوه مقابل‬
‫ببسور تلك‪ ،‬وانتظار هذه لرحمة ال ودخول جنته‬
‫مقابل بتوقع تلك للعذاب‪ ،‬ولو فسر النظر هنا بمعنى‬
‫الرؤية لتقطع هذا الوصل بين اليات‪ ،‬وتفكك رباطها‪،‬‬
‫وذهب انسجامها‪ ،‬إذ ل تقابل بين الرؤية وما وصفت‬
‫به تلك من ظنها أمراً يقطع فقارها‪ ،‬ومثل هذه النكت‬

‫‪)(1‬البقرة ‪.210‬‬
‫‪ ))2‬يس ‪.49‬‬
‫‪)(3‬الحديد ‪.13‬‬
‫وسقط القناع‪21-‬‬
‫البلغية ل تفوت البلغاء في كلمهم؛ منثوره‬
‫ومنظومه‪ ،‬فما بالكم بكلم ال تعالى الذي هو أدق في‬
‫التعبير‪ ،‬وأبلغ في التصوير‪ ،‬وأكثر انسجاماً وأشد‬
‫‪1‬‬
‫ترابطاً من كل كلم‪ ،‬كيف ل وهو كلم ال جل؟)( )‪.‬‬
‫نجببببد أن الطحان لم يتعقببببب هذا الكلم بمببببا‬
‫يدحضه ويبين أن فيه شيئاً من العوار‪.‬‬
‫ثم قلت‪-:‬‬
‫(ج‪ -‬أن هذا التأويل هو الذي يتفق مع ما في خاتمة‬
‫"عبس" وهو قوله سبحانه‪ :‬وجوه يومئذ مسفرة‪‬‬
‫ضاحكة مستبشرة‪ ‬ووجوه يومئذ عليها غبرة‪ ‬ترهقها‬
‫قترة ( ) إذ ل فارق بين ما وصفت به وجوه المؤمنين‬
‫‪2‬‬
‫‪‬‬
‫هنا من الستبشار‪ ،‬ووصفت به في آية القيامة من‬
‫النظر بمعنى النتظار‪ ،‬فإن المنتظر للرحمة مستبشر‬
‫بها والمستبشر منتظر لما استبشر به‪.‬‬
‫د‪ -‬أن تقديم المعمول على عامله يؤذن بقصره عليه‪،‬‬
‫ناظرة يؤذن أنها ل تنظر‬
‫‪‬‬ ‫فتقديم إلى ربها‪ ‬على‬
‫إل إليه وهو ل يتفق إل مع تفسير النظر بالنتظار‪،‬‬
‫فلو كان المراد به الرؤية لقتضى أنهم ل يرون شيئاً‬
‫غيره تعالى مع ما هو معروف عقلً ونقلً من رؤية‬
‫بعضهم لبعض‪ ،‬ورؤيتهم لما أعد ال لهم من النعيم‪.‬‬
‫وأنكر المثبتون للرؤية تفسير النظر بالنتظار‬
‫من ثلثة أوجه‪-:‬‬

‫‪)(1‬الحق الدامغ ص ‪.43‬‬


‫‪)(2‬عبس ‪.41-38‬‬
‫وسقط القناع‪22-‬‬
‫أولها‪ :‬أن في النتظار تنغيصاً يتنافى مع إكرام ال‬
‫لعباده الوفياء يوم القيامة)( )‪.‬وهذا هو الوتر الذي‬
‫‪3‬‬

‫حاول أن يرقص عليه الطحان‪ ،‬فقد كرر ذلك كثيراً‬


‫في كلمه‪ ،‬وحاول جهده أن يغطي بهذه الشبهة وجه‬
‫الحق المشرق‪.‬‬
‫ثم قلت‪-:‬‬
‫(ثانيها‪ :‬أن انتظار رحمة ال من قبل عباده المؤمنين‬
‫أمر حاصل في الدنيا‪ ،‬فكيف يوعدون به في الخرة‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬أن تعدية النظر بإلى تمنع من حمله على‬
‫النتظار‪ ،‬خصوصاً إذا أسند إلى الوجوه‪.‬‬
‫وكل ذلك مردود‪ :‬أما الول فلن اليات تصور‬
‫لنا الموقف يوم القيامة قبل أن ينتقل البرار إلى دار‬
‫الثواب‪ ،‬والفجار إلى دار العقاب‪ ،‬بدليل السياق في‬
‫اليات السابقة‪ ،‬وقوله سبحانه وتعالى في الشقياء‪:‬‬
‫تظن أن يفعل بها فاقرة‪ ‬يؤكده‪ ،‬فإن ذلك قبل دخول‬
‫النار قطعاً‪ ،‬إذ ل معنى لظنهم ذلك بعد الدخول وقد‬
‫لقوا ما لقوه وحلت بهم الفاقرة التي كانوا يتوقعونها‪،‬‬
‫ول ريب أن الناس في الموقف متباينة أحوالهم‪،‬‬
‫فالبرار ناضرة وجوههم بانتظارهم رحمة ال التي‬
‫وعدوها‪ ،‬والفجار على خلف ذلك‪ ،‬ول يجوز إنكار‬
‫هذا الموقف الذي يقفه البرار والفجار قبل انتقالهم‬
‫إلى مقر الجزاء الدائم لنه ثابت بالكتاب والسنة‪.‬‬

‫‪)(3‬الحق الدامغ ص ‪.44‬‬


‫وسقط القناع‪23-‬‬
‫وأما الثاني فلبعد ما بين النتظارين‪ ،‬فشتان بين‬
‫حال من كان في الشهوات والنزغات غير عارف‬
‫بخاتمته‪ ،‬ول متيقن بمصيره‪ ،‬ومن طوى المراحل‬
‫وتجاوز العقبات حتى تلقته الملئكة في زمرة السعداء‬
‫أل تخافوا ول تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم‬
‫‪1‬‬
‫توعدون( )‪.‬‬
‫‪‬‬
‫وأمببببا الثالث فلثبوت مجيببببء النظببببر بمعنببببى‬
‫النتظار حال تعديتبببه بإلى بالنقول الثابتبببة والشواهبببد‬
‫البينة ول عبرة بمن أنكر ذلك‪-:‬‬
‫قد تنكر العين ضوء الشمس‬
‫من رمد‬
‫وينكر الفم طعم المـاء مـن سقـم‬
‫فمن النقول المصححة له قول صاحب اللسان‪:‬‬
‫(يقول القائل للمؤمل يرجوه‪ :‬إنما ننظر إلى ال ثم إليك‬
‫أي إنما أتوقع فضل ال ثم فضلك)‪.‬‬
‫ومن شواهده ما رواه المام الحجة الربيع‬
‫رحمه ال تعالى عن سفيان بن عيينة عن العمش عن‬
‫أبي راشد أن مولة لعتبة بن عمير قالت‪( :‬إنما أنظر‬
‫إلى ال وإليك) فقال لها‪( :‬ل تقولي كذلك‪ ،‬وإنما قولي‬
‫إنما أنظر إلى ال ثم إليك)‪.‬‬
‫وقول جميل بن معمر‪-:‬‬
‫والبحر دونك زدتني نعما‬ ‫إذا نظرت إليك من ملك‬
‫وقول آخر‪-:‬‬
‫نظر الفقير إلى الغني‬ ‫إني إليك لما وعدت‬
‫‪)(1‬فصلت ‪.30‬‬
‫وسقط القناع‪24-‬‬
‫الموسر‬ ‫لناظر‬
‫وقول غيره‪-:‬‬
‫نظر الحجيج إلى طلوع‬ ‫كل الخلئق ينظرون‬
‫هلل‬ ‫سجاله‬
‫ول وجه للتفرقة بين كونه مسنداً إلى الوجوه أو‬
‫إلى غيرها فإنه تحكم ل دليل عليه‪ ،‬على أنه جاء بهذا‬
‫المعنى مع إسناده إلى الوجوه في كلم العرب‪ ،‬ومنه قول‬
‫حسان‪:‬‬
‫إلى الرحمن يأتي بالفلح‬ ‫وجوه يوم بدر ناظرات‬
‫وقول البعيث‪-:‬‬
‫إلى ملك كهف الخلئق‬ ‫وجوه بهاليـــل الحجاز على‬
‫ناظرة‬ ‫الهوى‬
‫فإن قيل‪ :‬إن النتظار محله القلوب ل الوجوه‪،‬‬
‫فلذلك تعين حمل النظر في الية على الرؤية ل على‬
‫النتظار‪ ،‬لن الوجوه محل للبصار التي هي آلة‬
‫الرؤية‪ ،‬فجوابه‪ :‬أن الرؤية أيضاً ل تكون بالوجوه‬
‫وإنما تكون بالعيون فإسنادها إلى الوجوه غير وارد إذ‬
‫لم يعهد قول أحد رأيته بوجهي‪ ،‬ويتعذر جواز ذلك‬
‫قطعاً على رأي الذي ينكر المجاز مطلقاً أو في القرآن‬
‫خاصة كما هو شأن كثير من مثبتي الرؤية( ) أما نحن‬
‫‪1‬‬

‫فنحمل الوجوه على أصحابها لن ذلك معهود عند‬


‫العرب كقولهم‪ :‬قصدت وجهك بمعنى قصدتك‪،‬‬
‫فالنتظار وإن أسند إلى الوجوه لفظاً فهو لصحابها‬

‫‪)(1‬أي الحشوية المجسمة فإنهم ينكرون المجاز لجل إنكارهم تأويل اليات‬
‫المتشابهات بما يتفق مع أخواتها المحكمات‪.‬‬
‫وسقط القناع‪25-‬‬
‫معنى‪ ،‬ولذلك جاز إسناد الظن إليها في قوله‪ :‬تظن أن‬
‫يفعل بها فاقرة‪،) (‬كما جاز إسناد الخشوع والعمل‬
‫‪1‬‬

‫والنصب إليها في قوله تعالى‪ :‬وجوه يومئذ خاشعة‪‬‬


‫عاملة ناصبة}( ) ويؤكده قوله من بعد‪ :‬تصلى ناراً‬
‫‪2‬‬

‫حامية تسقى من عين آنية‪ ‬ليس لهم طعام إل من‬


‫‪‬‬
‫()‬
‫ضريع‪ ‬فإن الصلى غير خاص بالوجوه‪ ،‬والسقي‬‫‪3‬‬

‫والطعام لصحاب الوجوه قطعاً‪ ،‬ومثله إسناد النعمة‬


‫والسعي والرضى إلى الوجوه في قوله تعالى‪ :‬وجوه‬
‫‪4‬‬
‫راضية( )‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫يومئذ ناعمة‪ ‬لسعيها‬
‫وبجانب كل ما ذكرته فإن تفسير النظر في‬
‫الية بالنتظار مروي عن السلف من الصحابة‬
‫والتابعين ومن بعدهم‪ ،‬فقد أخرجه المام الربيع بن‬
‫حبيب في مسنده الصحيح عن المام علي كرم ال‬
‫وجهه من طريق أبي معمر السعدي كما أخرجه أيضاً‬
‫عن ابن عباس رضي ال عنهما من طريق الضحاك‬
‫بن قيس‪ ،‬وطريق سعيد بن جبير‪ ،‬وعزاه إلى مجاهد‬
‫ومكحول وإبراهيم والزهري وسعيد بن جبير وسعيد‬
‫بن المسيب‪ ،‬ورواه ابن مردويه عن ابن عمر رضي‬
‫ال عنهما من الصحابة‪ ،‬وعن عكرمة من التابعين‪،‬‬
‫ورواه عن عكرمة عبد بن حميد كما رواه عن مجاهد‬

‫‪)(1‬القيامة ‪.25‬‬
‫‪)(2‬الغاشية ‪.3-2‬‬
‫‪)(3‬الغاشية ‪.6-4‬‬
‫‪)(4‬الغاشية ‪.9-8‬‬
‫وسقط القناع‪26-‬‬
‫وأبي صالح بإسناد صححه الحافظ ابن حجر وأخرجه‬
‫المام ابن جرير عن مجاهد بخمسة أسانيد وفي كلمه‬
‫إنكار صريح للرؤية‪ ،‬فقد جاء في رواية منصور عنه‬
‫أنه قال‪( :‬ل يراه من خلقه شيء) وفي أخرى من‬
‫طريقه أيضاً قال‪( :‬كان الناس يقولون في حديث‬
‫"فيرون ربهم" فقلت لمجاهد‪ :‬إن أناساً يقولون إنه‬
‫يُرى‪ .‬فقال‪ :‬يَرى ول يَراه شيء)‪.‬‬
‫وفي تفسير الميزان للعلمة الطباطبائي ‪-‬وهو‬
‫أحد علماء الشيعة المامية المعاصرين‪ -‬ما نصه‪:‬‬
‫(وفي العيون من باب ما جاء عن الرضى عليه السلم‬
‫من أخبار التوحيد بإسناده إلى إبراهيم بن أبي محمود‬
‫قال‪ :‬قال علي بن موسى الرضى عليه السلم في قوله‬
‫ناضرة إلى ربها ناظرة‪ :‬يعني‬
‫‪‬‬ ‫تعالى وجوه يومئذ‬
‫مشرقة تنتظر ثواب ربها قال‪ :‬أقول‪ :‬ورواه في‬
‫التوحيد والحتجاج والمجمع عن علي عليه السلم)‪.‬‬
‫ومن أقطع الدلة وأبين الشواهد على مجيء‬
‫النظر معدى بإلى‪ ،‬وهو ليس بمعنى الرؤية قوله‬
‫تعالى‪ :‬إن الذين يشترون بعهد ال وأيمانهم ثمناً‬
‫قليلً أولئك ل خلق لهم في الخرة ول يكلمهم ال‬
‫ول ينظر إليهم يوم القيامة‪ ) (‬فإنه لو حمل النظر في‬
‫‪1‬‬

‫الية على الرؤية لدى إلى أن ال سبحانه وتعالى ل‬


‫يرى هؤلء يوم القيامة‪ ،‬وهذا عين المحال‪ ،‬واعتقاده‬
‫رأس الضلل‪ ،‬فإنه كفر بال تعالى‪ ،‬ول وجه لحمل‬

‫‪)(1‬آل عمران ‪.77‬‬


‫وسقط القناع‪27-‬‬
‫النظر هنا إل على الرحمة والحسان‪ ،‬ومن هنا نتبين‬
‫أن نظر القوي إلى الضعيف هو عطفه ورحمته وأن‬
‫نظر الضعيف إلى القوي هو انتظار ذلك منه‪.‬‬
‫هذا وقد اتضح لك مما سبق أن الية الكريمة‬
‫تصور لنا حال الناس في الموقف قبل نقل السعداء إلى‬
‫دار النعيم والشقياء إلى نار الجحيم‪ ،‬ولئن كان النظر‬
‫فيها بمعنى الرؤية وكان الراؤون له تعالى تنظر‬
‫وجوههم بهذه الرؤية‪ ،‬لزم أن تشمل في هذه الحالة‬
‫منافقي هذه المة لنهم يشتركون مع مؤمنيها في‬
‫الرؤية حسب ما يقتضيه حديث أبي سعيد وأبي هريرة‬
‫عند الشيخين الذي يستند إليه مثبتو الرؤية كما سيأتي‬
‫بيانه إن شاء ال‪.‬‬
‫وقد أشكل على المثبتين للرؤية إسناد النظر في‬
‫آية القيامة إلى الوجوه‪ ،‬فترددوا بين القول بأن الرؤية‬
‫بالبصر أو بالوجوه أو بالجسم كله أو بحاسة سادسة‪،‬‬
‫وما هذا الضطراب إل دليل بيّن على أنهم غير‬
‫مستندين إلى أصل فيما قالوه‪ ،‬ولو أنهم فهموا الية‬
‫الكريمة فهماً صحيحاً‪ ،‬وحملوها على ما يقتضيه‬
‫السياق واللغة لسلموا من هذا الضطراب‪ ،‬وبعدوا عن‬
‫هذا التيه‪.‬‬
‫وقد أدرك المحققون المنصفون من معتقدي‬
‫الرؤية ضعف الستدلل على ثبوت الرؤية بهذه‬
‫الحجة فصرحوا بذلك‪ ،‬فالسيد محمد رشيد رضا يقول‬
‫في المنار‪( :‬وأما رؤية الرب تعالى فربما قيل بادئ‬
‫الرأي إن آيات نفيها أصرح من آيات الثبات‪ ،‬كقوله‬
‫وسقط القناع‪28-‬‬
‫تعالى‪ :‬لن تراني‪ ) ( ‬وقوله تعالى‪ :‬ل تدركه البصار‪‬‬
‫‪1‬‬

‫( ) فهما أصرح دللة على النفي من دللة قوله تعالى‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫ناظرة على الثبات‪،‬‬


‫‪‬‬ ‫وجوه يومئذ ناضرة‪ ‬إلى ربها‬
‫فإن استعمال النظر بمعنى النتظار كثير في القرآن‬
‫وكلم العرب‪ ،‬كقوله تعالى‪ :‬ما ينظرون إل صيحة‬
‫واحدة ‪‬هل ينظرون إل تأويله}( ) هل ينظرون إل‬
‫‪4‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫أن يأتيهم ال في ظلل من الغمام والملئكة‪ ) (‬وثبت‬


‫‪5‬‬

‫أنه استعمل بهذا المعنى متعدياً بإلى ولذلك جعل‬


‫بعضهم وجه الدللة فيه على المعنى الخر ‪-‬وهو‬
‫توجيه الباصرة إلى ما تراد رؤيته‪ -‬أنه أسند إلى‬
‫الوجوه‪ ،‬وليس فيها ما يصحح إسناد النظر إليها إل‬
‫العيون الباصرة‪ ،‬وهو من الدقة كما ترى)‪.‬‬
‫وقد سبق بيان ما أشار إليه أخيراً من استدلل‬
‫حاملي النظر على الرؤية بإسناده إلى الوجوه والرد‬
‫عليه‪.‬‬
‫وقال المام المحقق ابن عاشور في تفسير‬
‫الية‪( :‬فدللة الية على أن المؤمنين يرون بأبصارهم‬
‫رؤية متعلقة بذات ال على الجمال دللة ظنية‬
‫لحتمالها تأويلت تأولها المعتزلة بأن المقصود رؤية‬

‫‪)(1‬العراف ‪.143‬‬
‫‪)(2‬النعام ‪.103‬‬
‫‪)(3‬يس ‪.49‬‬
‫‪)(4‬العراف ‪.53‬‬
‫‪)(5‬البقرة ‪.210‬‬
‫وسقط القناع‪29-‬‬
‫جلله وبهجة قدسه التي ل تخول رؤيتها لغير أهل‬
‫السعادة)( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫هذا الذي قلته نقلً وتحقيقاً في "الحق الدامغ"‬


‫في هذه الية الكريمة‪ ،‬فهل ترون عليه شيئاً من‬
‫العوار؟!‪.‬‬
‫وأنا أتحدى الحشوية بأن يأتوا بما ينقض هذا‬
‫الكلم جملة جملة‪ ،‬وأتحداهم بأن يكشفوا بطلن ما‬
‫ناظرة‬
‫‪‬‬ ‫فسرت به آية وجوه يومئذ ناضرة‪ ‬إلى ربها‬
‫حتى نتبين الحقيقة ونستجليها رأي العين‪ ،‬ونحن لسنا‬
‫شاكين والحمد ل في ذلك‪ ،‬ولكنني أظن أن الطحان ل‬
‫يفقه شيئاً من هذا الكلم‪ ،‬فإنه من الجهالة بمكان حتى‬
‫أنه ل يستطيع أن يفرق بين الرفع والجر‪ ،‬فكثيراً ما‬
‫يأتي في كلمه بالحرف الجار ويأتي بالسم المجرور‬
‫من بعده مرفوعاً‪ ،‬فليته قبل أن يخوض غمار هذا‬
‫المر درس شيئاً من مختصرات العراب حتى‬
‫يستطيع أن يقوّم لسانه‪.‬‬
‫والذي يتأمل تعقيب الطحان على ما قلته في‬
‫تفسير الية الكريمة يجد بكل وضوح أنه حاول أن‬
‫يكابر الحقيقة‪ ،‬بل حاول أن يغطي ضياء شمسها‬
‫بضباب من أوهامه‪ ،‬فإنه حاول جهده أن يخدع الناس‬
‫بأن هذه الية هي في الجنة يوم القيامة بعد استقرار‬
‫أهل السعادة فيها‪ ،‬وأن النتظار عندئذ أمر متعذر‪،‬‬
‫ونحن نثبت خلف ذلك من خلل النظر إلى سياق‬

‫‪)(1‬الحق الدامغ ص ‪.49-46‬‬


‫وسقط القناع‪30-‬‬
‫الية الكريمة‪ ،‬فإن ال سبحانه وتعالى بعد ما قال‪:‬‬
‫ناظرة أتبع ذلك قوله‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫وجوه يومئذ ناضرة‪ ‬إلى ربها‬
‫فاقرة فبال‬
‫‪‬‬ ‫ووجوه يومئذ باسرة‪ ‬تظن أن يفعل بها‬
‫عليكم‪ ،‬هل يمكن بأي حال من الحوال أن يقال بأن‬
‫هذا الظن من الوجوه الخرى ‪-‬الظن بأن يفعل بها‬
‫فاقرة‪ -‬بعد استقرارهم في النار واصطلئهم العذاب‪،‬‬
‫والعياذ بال؟! ليس المر كذلك‪ ،‬فإن هذه الية في‬
‫الموقف طبعاً‪.‬‬

‫وسقط القناع‪31-‬‬
‫موقف‬
‫علماء أهل السنة من الحشوية‬
‫ثم إننا نجد أن الطحان بسبب كساد بضاعته‬
‫وقلة حصيلته من العلم‪ ،‬حاول بكل جهده أن يضفي‬
‫على أهل الحق والستقامة السباب‪ ،‬وما هذا إل دليل‬
‫إفلسه من الحجة‪ ،‬فإن الذي يعتمد على السباب ما هو‬
‫إل مفلس من الحجة‪ ،‬وهذا هو شأن الحشوية‪ ،‬فإن كل‬
‫همهم في سباب المسلمين مخالفة لحديث المصطفى‬
‫صلى ال عليه وسلم الذي يقول‪(( :‬سباب المسلم‬
‫فسوق وقتاله كفر))( ) ومن سبابه لهل الحق‬
‫‪1‬‬

‫والستقامة أنه سماهم أفراخ الخوارج‪ ،‬ونحن نريد أن‬


‫نسأل الطحان إن كان أهل الحق والستقامة في ميزانه‬
‫هم أفراخ الخوارج!! فالحشوية أفراخ من؟!‪.‬‬
‫أنا ل أريد أن أنقل هنا شيئاً مما يقوله الباضية‬
‫في الحشوية‪ ،‬بل أريد أن أنقل ما يقوله أئمة المذاهب‬
‫الربعة في الحشوية‪ ،‬ومن بينهم المذهب الحنبلي الذي‬
‫لزّ الحشوية أنفسهم به لزّا‪ ،‬والتصقوا به في دعاياتهم‬
‫الفاجرة التصاقاً‪ ،‬فإننا نجد أصحاب المذاهب الربعة‬
‫قالوا عن هؤلء الحشوية بأنهم أفراخ اليهود‬

‫‪ )(1‬رواه البخاري في كتاب اليمان‪ ،‬الباب ‪ ،36‬ورقمه ‪ ،48‬وفي كتاب‬


‫الدب‪ ،‬الباب ‪ ،44‬ورقمه ‪ ،6044‬وكتاب الفتن‪ ،‬الباب ‪ ،8‬ورقمه ‪،7076‬‬
‫ورواه مسلم في كتاب اليمان من طريق عبدال بن مسعود‪ ،‬باب ‪،28‬‬
‫ورقمه ‪ ،64‬ورواه غيرهما من أهل السنن‪.‬‬
‫وسقط القناع‪32-‬‬
‫والسامريين والنصارى‪ ،‬والدلئل على ذلك موجودة‬
‫وهي كثيرة جداً‪.‬‬
‫ومن أئمة المذاهب الربعة الذين قالوا ذلك‬
‫العلمة تقي الدين الحصني الشافعي في كتابه الذي‬
‫شبّه وتمرد ونسب ذلك إلى السيد‬‫سماه "دفع شُبه من َ‬
‫الجليل المام أحمد" فقد جاء في مقدمة هذا الكتاب‪:‬‬
‫(وبعد‪ ،‬فإن سبب وضعي لهذه الحرف اليسيرة‪ ،‬ما‬
‫دهمني من الحيرة من أقوام أخباث السريرة‪ ،‬يظهرون‬
‫النتماء إلى مذهب السيد الجليل المام أحمد‪ ،‬وهم‬
‫على خلف ذلك والفرد الصمد‪ ،‬والعجب أنهم‬
‫يعظمونه في المل‪ ،‬ويتكاتمون إضلله مع بقية الئمة‪،‬‬
‫وهم أكفر ممن تمرد وجحد‪ ،‬ويضلون عقول العوام‬
‫وضعفاء الطلبة بالتمويه الشيطاني‪ ،‬وإظهار التعبد‬
‫والتقشف وقراءة الحاديث( ) ويعتنون بالمسند‪ ،‬كل‬
‫‪1‬‬

‫ذلك خزعبلت منهم وتمويه‪ ،‬وقد انكشف أمرهم حتى‬


‫لبعض العوام‪ ،‬وبهذه الحرف يظهر المر إن شاء ال‬
‫تعالى لكل أحد‪ ،‬إل لمن أراد ال عز وجل إضلله‬
‫وإبقاءه في العذاب السرمد)‪.‬‬
‫ثم استمر على ذلك إلى أن قال بعد ما وصف‬
‫كلم كل من ابن حامد والقاضي وابن الزاغوني من‬
‫أئمة هؤلء الحشوية المشبهة‪ ،‬وما جاء في كلمهم من‬

‫()والظاهر أن أسلوبهم هذا في كل عصر ومصر‪ ،‬حيث إنهم في وقتنا‬ ‫‪1‬‬

‫هذا يأتون عوام الناس غير المتعلمين فيموهون عليهم الدين بخزعبلتهم‪،‬‬
‫في حين أنهم ل يقدرون القتراب من المتعلمين‪.‬‬
‫وسقط القناع‪33-‬‬
‫التشبيه ل تبارك وتعالى بخلقه‪ ،‬قال في هؤلء‪( :‬هي‬
‫نزعة سامرية في التجسيم‪ ،‬ونزعة يهودية في التشبيه‪،‬‬
‫وكذا نزعة نصرانية‪ ،‬فإنه لما قيل عن عيسى عليه‬
‫السلم‪ :‬إنه روح ال سبحانه وتعالى اعتقدت النصارى‬
‫أن ل صفة هي روح ولجت في مريم عليها السلم‪،‬‬
‫وهؤلء وقع لهم من الغلط من سوء فهمهم‪ ،‬وما ذلك‬
‫إل أنهم سموا الخبار أخبار صفات وإنما هي‬
‫إضافات‪ ،‬وليس كل مضاف صفة‪ ،‬فإنه سبحانه‬
‫وتعالى قال‪ :‬ونفخت فيه من روحي‪ ‬وليس ل صفة‬
‫تسمى روحاً)( ) إلى آخر ما قاله‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ونجد أن العلمة الكبير الزبيدي الحسيني‬


‫الشافعي قال في كتابه القيم "إتحاف السادة المتقين‬
‫بشرح إحياء علوم الدين" في الجزء الثاني (ص ‪)109‬‬
‫المطبوع بدار الفكر قال‪( :‬قال ابن القشيري‪ :‬وقد‬
‫نبغت نابغة من الرعاع لول استزللهم للعوام بما‬
‫يقرب من أفهامهم ويتصور في أوهامهم لجللت هذا‬
‫المكتوب عن تلطيخه بذكرهم‪ ،‬يقولون‪ :‬نحن نأخذ‬
‫بالظاهر ونجري اليات الموهمة تشبيهاً والخبار‬
‫المقتضية حدًا وعضواً على الظاهر‪ ،‬ول يجوز أن‬
‫نطرق التأويل إلى شيء من ذلك‪ .‬ويتمسكون بقول ال‬
‫ال وهؤلء ‪-‬والذي‬ ‫تعالى‪ :‬وما يعلم تأويله إل ‪‬‬

‫‪)(1‬انظر‪ :‬دفع شبه من شبه وتمرد ونسب ذلك إلى السيد الجليل المام‬
‫أحمد‪ ،‬للمام أبي بكر تقي الدين الحصني‪ ،‬ص ‪ 7‬وص ‪،10‬ط‪.‬دار إحياء‬
‫الكتب العربية‪1350،‬هك‪.‬‬
‫وسقط القناع‪34-‬‬
‫أرواحنا بيده‪ -‬أضر على السلم من اليهود‬
‫والنصارى والمجوس وعبدة الوثان‪ ،‬لن ضللت‬
‫الكفار ظاهرة يتجنبها المسلمون‪ ،‬وهؤلء أتوا الدين‬
‫والعوام من طريق يغتر به المستضعفون‪ ،‬فأوحوا إلى‬
‫أوليائهم بهذه البدع‪ ،‬وأحلوا في قلوبهم وصف المعبود‬
‫سبحانه بالعضاء والجوارح والركوب والنزول‪،‬‬
‫والتكاء والستلقاء والستواء بالذات والتردد في‬
‫الجهات‪ ،‬فمن أصغى إلى ظاهرهم يبادر بوهمه إلى‬
‫تخيل المحسوسات‪ ،‬فاعتقد الفضائح‪ ،‬فسال به السيل‬
‫وهو ل يدري)‪.‬‬
‫ونجد أن كثيراً من العلماء والئمة من المذاهب‬
‫الربعة تحاملوا تحاملً شديداً على أئمة هؤلء‬
‫الحشوية‪ ،‬وأخرجوهم من حظيرة السلم رأساً‪ ،‬ومن‬
‫بين أئمة الحشوية الذين ضللهم أتباع المذاهب‬
‫الربعة‪ ،‬وهم ‪-‬كما قلت‪ -‬يلزون أنفسهم بهذه المذاهب‬
‫الربعة‪ ،‬ويلصقونها بهم‪ ،‬من بينهم مجدد النحلة‬
‫الحشوية ابن تيمية الحراني‪ ،‬فقد ضلله العدد الكثير‬
‫من أئمة المذاهب الربعة‪ ،‬من بين هؤلء العلمة ابن‬
‫حجر الهيثمي‪ ،‬فقد قال في كتابه " الفتاوى الحديثية"‬
‫في (ص ‪( :)203‬وإياك أن تصغي إلى ما في كتب ابن‬
‫تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية وغيرهما ممن اتخذ‬
‫إلهه هواه‪ ،‬وأضله ال على علم‪ ،‬وختم على سمعه‬
‫وقلبه وجعل على بصره غشاوة‪ ،‬فمن يهديه من بعد‬
‫ال؟! وكيف تجاوز هؤلء الملحدون الحدود وتعدوا‬
‫الرسوم‪ ،‬وخرقوا أسياج الشريعة والحقيقة‪ ،‬فظنوا‬
‫وسقط القناع‪35-‬‬
‫بذلك أنهم على هدى من ربهم‪ ،‬وليسوا كذلك) وقال‬
‫في حاشيته على مناسك المام النووي في (ص ‪)214‬‬
‫طبعة دار الفكر‪( :‬ول يغتر بإنكار ابن تيمية بسن‬
‫زيارته صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فإنه عبد أضله ال كما‬
‫قال العز بن جماعة‪ ،‬وأطال في الرد عليه التقي‬
‫السبكي في تصنيف مستقل‪ ،‬ووقوعه في حق رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ليس بعجيب‪ ،‬فإنه وقع في‬
‫حق ال سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون‬
‫والجاحدون علواً كبيراً‪ ،‬فنسب إليه العظائم كقول‪ :‬إن‬
‫ل تعالى جهة ويداً ورجلً وعيناً‪ ،‬وغير ذلك من‬
‫القبائح الشنيعة‪ ،‬ولقد كفره كثير من العلماء‪ ،‬عامله ال‬
‫بعدله‪ ،‬وخذل متبعيه الذين نصروا ما افتراه على‬
‫الشريعة الغراء)‪.‬‬
‫وقال أيضاً في كتابه "الجوهر المنظم في زيارة‬
‫القبر الشريف النبوي المكرم"‪( :‬فقلت‪ :‬كيف تحكي‬
‫الجماع السابق على مشروعية الزيارة والسفر إليها‬
‫وطلبها‪ ،‬وابن تيمية من متأخري الحنابلة منكر‬
‫لمشروعية ذلك كله‪ ،‬كما رآه التقي السبكي بخطه؟‬
‫وأطال ‪-‬أعني ابن تيمية‪ -‬في الستدلل بذلك بما تمجه‬
‫السماع‪ ،‬وتنفر عنه الطباع‪ ،‬بل زعم حرمة السفر لها‬
‫إجماعاً‪ ،‬وإنه ل تقصر فيه الصلة‪ ،‬وإن جميع‬
‫الحاديث الواردة فيه موضوعة‪ ،‬وتبعه بعض من‬
‫تأخر من أهل مذهبه‪ ،‬قلت‪ :‬من هو ابن تيمية حتى‬
‫ينظر إليه أو يعول في شيء من أمور الدين عليه؟!‬
‫وهل هو إل كما قال جماعة من الئمة الذين تعقبوا‬
‫وسقط القناع‪36-‬‬
‫كلماته الفاسدة‪ ،‬وحججه الكاسدة‪ ،‬حتى أظهروا عوار‬
‫سقطاته وقبائح أوهامه وغلطاته كالعز بن جماعة‪:‬‬
‫عبد أضله ال تعالى على علم وأغواه‪ ،‬وألبسه رداء‬
‫الخزي وأرداه وبوأه من قوة الفتراء والكذب ما أعقبه‬
‫الهوان‪ ،‬وأوجب له الحرمان) ومن أراد الطلع على‬
‫هذا النقل فلينظر إلى كتاب "فرقان القرآن بين صفات‬
‫الخالق وصفات الكوان" للعلمة سلمة القضاعي‬
‫الشافعي في (ص ‪.)132-131‬‬
‫وقال أيضاً العلمة ابن حجر الهيثمي في شرح‬
‫الشمائل‪( :‬قال ابن القيم عبن شيخه ابن تيمية‪ :‬إنه ذكر‬
‫شيئاً بديعاً وهبو أنبه صبلى ال عليبه وسبلم لمبا رأى رببه‬
‫واضعاً يده بين كتفيه‪ ،‬أكرم ذلك الموضع بالعذبة‪ .‬قال‬
‫العراقي‪ :‬لم نجد لذلك أصل ‪-‬يعني من السنة‪ ،‬قال ابن‬
‫حجر‪ :‬بل هذا من قبيح رأيهما وضللهما إذ هو مبني‬
‫على ما ذهبا إليه وأطال في الستدلل له‪ ،‬والحط على‬
‫أهل السنة في نفيهم له‪ ،‬وهو إثبات الجهة والجسمية ل‬
‫تعالى‪ ،‬ولهمبا فبي هذا المقام مبن القبائح وسبوء العتقاد‬
‫مببا تصببم عنببه الذان ويقضببى عليببه بالزور والبهتان‪،‬‬
‫قبحهما ال وقبح من قال بقولهما‪ ،‬والمام أحمد وأتباع‬
‫مذهبه مبرؤون عن هذه الوصمة القبيحة‪ ،‬كيف؟ وهي‬
‫كفبر عنبد كثيريبن) انتهبى كلم الحافبظ الهيثمبي فبي اببن‬
‫تيميببة مجدد النحلة الحشويببة التببي سببار عليهببا هؤلء‬
‫الذين يشنعون على أهل الحق والستقامة بما يشنعونه‬
‫عليهم‪.‬‬

‫وسقط القناع‪37-‬‬
‫ويقول المام إبراهيم الباجوري شارح جوهرة‬
‫التوحيد للعلمة اللقاني في (ص ‪( :)183‬ولقد أسرف‬
‫بعض الناس في هذا العصر‪ ،‬فخاضوا في متشابه‬
‫الصفات بغير حق‪ ،‬وأتوا في حديثهم عنها بما لم يأذن‬
‫به ال‪ ،‬ولهم فيها كلمات غامضة‪ ،‬تحتمل التشبيه‬
‫والتنزيه‪ ،‬وتحتمل الكفر واليمان‪ ،‬حتى باتت هذه‬
‫الكلمات نفسها من المتشابهات‪ ،‬فهم قوم قد تصوروا‬
‫الذات اللهية كما صورتها لهم أخيلتهم‪ ،‬ثم راحوا‬
‫يستنهضون ظواهر بعض اليات من كتاب ال إلى‬
‫تلك الخيلة لتصدقها‪ ،‬ومن الزيغ أنهم يواجهون العامة‬
‫وأشباههم بما اعتقدوه‪ ،‬ومن المؤسف أنهم ينسبون ما‬
‫يقولون إلى سلفنا الصالح‪ ،‬ويخيلون إلى الناس أنهم‬
‫سلفيون ومن أقوالهم أن ال تعالى يشار إليه بالشارة‬
‫الحسية‪ ،‬وإن له من الجهات الست جهة الفوق‪ ،‬وإنه‬
‫استوى على عرشه بذاته استواءً حقيقياً‪ ،‬بمعنى أنه‬
‫استقر استقراراً حقيقياً‪ ،‬غير أنهم يعودون بالقول بأنه‬
‫ليس كاستقرارنا‪ ،‬وليس لهم مستند في ذلك إل التشبث‬
‫بالظواهر‪ ،‬ولقد تجلى مذهب السلف والخلف آنفاً‪،‬‬
‫وفيه أن حمل متشابهات الصفات على ظواهرها مع‬
‫القول بأنها باقية على حقيقتها ليس رأياً لحد‬
‫المسلمين‪ ،‬وإنما هو رأي لبعض أصحاب الديان‬
‫الخرى كاليهود والنصارى وأهل النحل الضالة‬
‫كالمشبهة والمجسمة‪ ،‬أما المسلمون فأمور العقائد‬
‫عندهم معتمدة على الدلة القطعية التي تواترت على‬
‫أنه تعالى ليس بجسم‪ ،‬ول متحيزاً ول متجزءًا ول‬
‫وسقط القناع‪38-‬‬
‫متركباً‪ ،‬ول محتاجاً لحد ل مكاناً ول زماناً ول حالً‬
‫فيها‪ ،‬ولقد جاء القرآن الكريم بهذا في محكماته) ثم‬
‫أورد طائفة من آيات الكتاب العزيز‪.‬‬
‫فترى أنه نسب عقيدة هؤلء إلى اليهود‬
‫والنصارى وأهل النحل الضالة‪ ،‬فإذاً هؤلء هم أفراخ‬
‫أولئك إن كان الطحان يرى أن الباضية ‪-‬أهل الحق‬
‫والستقامة‪ -‬هم أفراخ الخوارج بحسب ما يحلو لذوقه‬
‫السقيم‪.‬‬
‫ولنترك ما يقوله علماء المذاهب الثلثة الحنفية‬
‫والشافعية والمالكية‪ ،‬ولنأت إلى ما يقوله أحد علماء‬
‫الحنابلة‪ ،‬مع أن هؤلء الحشوية يتقمصون المذهب‬
‫الحنبلي‪ ،‬فهذا العلمة الكبير أبو الفرج عبدالرحمن بن‬
‫الجوزي الحنبلي يقول في مقدمة كتابه "دفع شُبه‬
‫التشبيه بأكف التنزيه"‪( :‬ورأيت من أصحابنا من تكلم‬
‫في الصول بما ل يصلح وانتدب للتصنيف ثلثة‪ :‬أبو‬
‫عبدال بن حامد وصاحبه القاضي وابن الزاغوني‪،‬‬
‫فصنفوا كتباً شانوا بها المذهب ورأيتهم قد نزلوا إلى‬
‫مرتبة العوام‪ ،‬فحملوا الصفات على مقتضى الحس‪،‬‬
‫فسمعوا أن ال خلق آدم على صورته‪ ،‬فأثبتوا له‬
‫صورة ووجهاً زائداً على الذات وعينين ولهوات‪،‬‬
‫وأضراساً وأضواءً لوجهه هي السبحات‪ ،‬ويدين‬
‫وأصابع وكفاً‪ ،‬وخنصراً وإبهاماً‪ ،‬وصدراً وفخذاً‪،‬‬
‫وساقين ورجلين‪ ،‬وقالوا‪ :‬ما سمعنا بذكر الرأس‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬يجوز أن يَمس ويُمس‪ ،‬ويدني العبد من ذاته‬
‫وقال بعضهم‪ :‬ويتنفس‪ .‬ثم يرضون العوام بقولهم‪ :‬ل‬
‫وسقط القناع‪39-‬‬
‫كما يعقل وقد أخذوا بالظاهر في السماء والصفات‬
‫فسموها بالصفات تسمية مبتدعة‪ ،‬ل دليل لهم في ذلك‬
‫من النقل ول من العقل‪ ،‬ولم يلتفتوا إلى النصوص‬
‫الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة ل تعالى‪،‬‬
‫ول إلى إلغاء ما يوجبه الظاهر من صفات الحدوث‪،‬‬
‫ولم يقتنعوا بأن يقولوا صفة فعل‪ ،‬حتى قالوا صفة‬
‫ذات‪ ،‬ثم لما أثبتوا أنها صفات ذات قالوا‪ :‬ل نحملها‬
‫على توجيه اللغة‪ ،‬مثل يد على نعمة وقدرة‪ ،‬ومجيء‬
‫وإتيان على بر ولطف‪ ،‬وساق على شدة بل قالوا‪:‬‬
‫نحملها على ظواهرها المتعارفة‪ .‬والظاهر هو‬
‫المعهود من نعوت الدميين‪ ،‬والشيء إنما يحمل على‬
‫حقيقته إذا أمكن‪ ،‬ثم يتحرجون من التشبيه ويأنفون من‬
‫إضافته إليهم‪ ،‬ويقولون‪ :‬نحن أصحاب السنة‪.‬وكلمهم‬
‫صريح في التشبيه‪ ،‬وقد تبعهم خلق من العوام)( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫فترون أن ابن الجوزي في هذا الكلم يسخر‬


‫حتى من انتساب أولئك إلى أهل السنة‪ ،‬بل جاء في‬
‫كلمه ما يخرجهم من حظيرة السلم رأساً في‬
‫مواضع متعددة‪ ،‬أذكر منها موضعين‪-:‬‬
‫الموضع الول‪ :‬جاء في (ص ‪ )151‬من الكتاب‬
‫المذكور حسب طبعته الخيرة‪ ،‬إذ طبع في دار المام‬
‫النووي‪ ،‬جاء فيه‪( :‬قال‪ :‬روى ابن حامد المجسم من‬

‫‪)(1‬انظر‪ :‬دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه للمام أبي الفرج عبدالرحمن بن‬
‫الجوزي الحنبلي‪ ،‬ص ‪ ،101-97‬ط ‪.2‬دار المام النووي‪ ،‬عمّان‪،‬‬
‫‪1412‬هك ‪1992-‬م‪.‬‬
‫وسقط القناع‪40-‬‬
‫حديث ابن عباس رضي ال عنهما عن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم أنه قال‪ :‬ولما أسري بي رأيت الرحمن‬
‫تعالى في صورة شاب أمرد له نور يتلل‪ ،‬وقد نهيت‬
‫عن وصفه لكم‪ ،‬فسألت ربي أن يكرمني برؤيته‪ ،‬وإذا‬
‫هو كأنه عروس حين كشف عن وجهه‪ ،‬مستو على‬
‫عرشه ‪-‬قال ابن الجوزي‪ -‬قلت‪ :‬هذا الحديث كذب‬
‫قبيح ما روي قط ل في صحيح ول في كذب‪ ،‬فأبعد‬
‫ال من عمله‪ ،‬فقد كنا نقول ذلك في المنام‪ ،‬فذكر‬
‫الوضاع هذا في ليلة السراء كافأهم ال وجزاهم‬
‫النار‪ ،‬يشبهون ال سبحانه بعروس!! ل يقول هذا‬
‫مسلم) فترون أنه نفى السلم عن من يقول مثل هذا‬
‫الكلم‪.‬‬
‫الموضع الثاني‪ :‬جاء في نفس الكتاب في (ص ‪:)274‬‬
‫(وقال ابن حامد المجسم‪ :‬رأيت بعض أصحابنا يثبتون‬
‫ل وصوفاً في ذاته بأنه يتنفس‪.‬قال‪ :‬وقالوا‪ :‬الرياح‬
‫الهابة مثل الرياح العاصفة والعقيم‪ ،‬والجنوب‬
‫والشمال‪ ،‬والصبا والدبور‪ ،‬مخلوقة إل ريحاً من‬
‫صفاته هي ذات نسيم حياتي وهي من نفس الرحمن‬
‫قلت( )‪ :‬على من يعتقد هذا اللعنة‪ ،‬لنه يثبت جسداً‬‫‪1‬‬

‫مخلوقاً‪ ،‬وما هؤلء بمسلمين)‪.‬فترون أن ابن الجوزي‬


‫نفى عنهم السلم‪ ،‬ولئن لم يكونوا مسلمين فما هم إل‬
‫كفار‪ ،‬فهذا نص أحد أئمة الحنابلة بل هو من أكبر‬
‫علمائهم‪.‬‬

‫‪)(1‬الضمير عائد إلى العلمة ابن الجوزي‪.‬‬


‫وسقط القناع‪41-‬‬
‫ولندع هؤلء جميعاً لننظر إلى كلم أحد العلماء‬
‫الذين اجتاحهم تيار الحشوية العارم‪ ،‬وهو العلمة‬
‫السيد محمد رشيد رضا الذي عصفت به العواصف‬
‫فألقته في قاع من عقيدة الحشوية‪ ،‬وذلك واضح في‬
‫تفسيره المنار عندما يأتي إلى اليات المتشابهات‪ ،‬فإنه‬
‫عندما يتحدث عن أي آية من هذه اليات يحاول جهده‬
‫أن يحملها على ظاهرها‪ ،‬وكثيراً ما ينقل في تفسيره‬
‫نصوص كلم إماميه في ذلك ابن تيمية وابن القيم‪،‬‬
‫ويقول بنفسه بأنه قد تأثر بهما تأثراً بالغاً‪ ،‬وقد أطال‬
‫في تفسيره لقول ال تبارك وتعالى في سورة آل‬
‫عمران‪ :‬هو الذي أنزل على عبده الكتاب منه آيات‬
‫محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات} أطال في‬
‫تقرير هذه العقيدة الباطلة الضالة‪ ،‬ولكنه مع ذلك‬
‫اعترف اعترافاً صريحاً بأن اليهود الذين شبهوا ال‬
‫سبحانه وتعالى بخلقه عجزوا عن الجمع بين نصوص‬
‫التوراة حتى يحملوا متشابهها على محكمها‪ ،‬وهذا‬
‫المر هو عينه الذي وقعت فيه الحشوية‪ ،‬وقد نص‬
‫على ذلك في كتابه "الوحي المحمدي" فانظروا إلى‬
‫(ص ‪ )146‬إذ جاء فيها‪( :‬إن الركن الول والعظم من‬
‫هذه الركان‪ ،‬وهو اليمان بال تعالى قد ضل فيه‬
‫جميع القوام والمم‪ ،‬حتى أقربهم عهداً بهداية الرسل‪،‬‬
‫فاليهود على حفظهم لصل عقيدة التوحيد‪ ،‬قد غلب‬
‫عليهم التشبيه‪ ،‬وغاب عنهم أن يجمعوا بين النصوص‬
‫المتشابهة في صفات ال وبين عقيدة التنزيه‪ ،‬وقد‬
‫جعلوا ال كالنسان يتعب‪ ،‬ويندم على ما فعل كخلقه‬
‫وسقط القناع‪42-‬‬
‫النسان لنه لم يكن يعلم أنه سيكون مثله أو مثل‬
‫اللهة‪ ،‬وزعموا أنه كان يظهر في شكل إنسان حتى‬
‫أنه صارع إسرائيل ولم يقدر على التفلت منه حتى‬
‫باركه فأطلقه‪ ،‬وعبدوا بعلً وغيره من الصنام)( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫فترون أنه يثبت بأن منشأ ضلل اليهود هو‬


‫كونهم عجزوا عن الجمع بين النصوص المتشابهة‬
‫وبين عقيدة التنزيه‪ ،‬وهذا المر عينه هو الذي وقعت‬
‫فيه المجسمة الحشوية‪ ،‬فإنهم عجزوا عن ذلك‪ ،‬بل‬
‫أخلدوا إلى الخذ باليات المتشابهة وتركوا الخذ‬
‫باليات المحكمة‪ ،‬ولم يجمعوا بينهما بما يجعل‬
‫النسان يفهم مقاصد تلك اليات المتشابهة بناءً على‬
‫ما فهم من الكلم العربي‪ ،‬من حيث إنه يعبر تارة عن‬
‫المراد به بطريقة الحقيقة‪ ،‬وتارة يعبر عنه بطريق‬
‫المجاز‪.‬‬

‫‪)(1‬الوحي المحمدي السيد محمد رشيد رضا‪ ،‬ص ‪ ،146‬دار المنار‪،‬‬


‫القاهرة‪ ،‬الطبعة الرابعة‪1366 ،‬هك‪1947-‬م‪.‬‬
‫وسقط القناع‪43-‬‬
‫الحشوية‬
‫هم الخوارج‬
‫ولئن كان الطحان يريد أن يلصق الباضية‬
‫بالخوارج سواء أيده الواقع أو لم يؤيده‪ ،‬فلننظر إلى‬
‫الخوارج وماذا عاب عليهم المسلمون؟ إن أعظم شيء‬
‫عابه المسلمون على الخوارج هو أنهم حكموا على‬
‫المسلمين بأحكام الكفرة المشركين‪ ،‬وعاملوهم‬
‫معاملتهم فاستباحوا دماءهم وأموالهم‪ ،‬وهل الحشوية‬
‫أقل شأناً في هذا المر من الخوارج؟!‪.‬‬
‫نحن ننظر إلى ما ارتكبه الحشوية في المسلمين‬
‫من الفضائع‪ ،‬فنرى الصورة الخارجية واضحة جلية‬
‫فيهم‪ ،‬فقد أتوا بالعجب العجاب فيما ارتكبوه‪ ،‬وحكموا‬
‫على المسلمين بالكفر الصراح أحكاماً صريحة‬
‫ظاهرة‪ ،‬ومن شاء أن يتتبع أحكامهم على المسلمين‪،‬‬
‫وكيف أخرجوهم من الملة والدين‪ ،‬واعتقدوا فيهم أنهم‬
‫مشركون‪ ،‬فليرجع إلى كتاب "مجموعة الرسائل‬
‫والمسائل النجدية"( ) فإنه سيجد في ذلك العجب‬
‫‪1‬‬

‫العجاب‪ ،‬ولست هنا بصدد نقل نصوص من ذلك‬

‫‪ )(1‬هذا الكتاب يضم مجموعة الحكام التي حكم بها علماء نجد الوهابية‬
‫الحشوية بتكفير وقتل المسلمين‪ ،‬ومن خلل هذه الحكام يتضح للقارئ‬
‫المسلم المؤامرة الخبيثة ضد المة السلمية من قِبل هؤلء الحشوية‪ ،‬وقد‬
‫طبع لول مرة بمصر سنة ‪1349‬هك‪ ،‬وقد صدر الذن بنشره للمرة=‬
‫‪621/5‬‬ ‫=الثالثة من رئاسة الفتاء والدعوة والرشاد بالسعودية برقم‬
‫وتأريخ ‪4/6/1409‬هك‪ ،‬ونشرته دار العاصمة‪ ،‬الرياض‪1412 ،‬هك‪.‬‬
‫وسقط القناع‪44-‬‬
‫الكتاب‪ ،‬وإنما أريد أن أنقل نصوصاً من كتاب‬
‫"عنوان المجد في تاريخ نجد" الذي ألفه أحد علمائهم‬
‫وهو عثمان بن بشر النجدي الحنبلي‪ ،‬ونشرته مكتبة‬
‫الرياض الحديثة بالمملكة العربية السعودية‪ ،‬فإن في‬
‫هذا الكتاب من تعسف هؤلء الحشوية ومعاملتهم‬
‫للمسلمين معاملة الكافرين الصرحاء ما تشيب منه‬
‫الولدان‪ ،‬ول أريد أن أنقل كيف عاملوا غير أصحاب‬
‫المذاهب الربعة بل أقتصر على ذكر معاملتهم‬
‫لصحاب هذه المذاهب وأكثرهم حنابلة‪.‬‬
‫يقول المؤلف المذكور في (ص ‪( :)15‬ثم أمر‬
‫الشيخ( ) بالجهاد وحضهم عليه‪ ،‬فامتثلوا فأول جيش‬ ‫‪1‬‬

‫وهذا يدل على أن هؤلء الحشوية الوهابية سائرون على نفس الخط‬
‫إلى الن‪.‬‬
‫‪ )(1‬المقصود هنا محمد بن عبدالوهاب النجدي شيخ النحلة الوهابية‬
‫الحشوية الذي قال عنه أخوه العلمة سليمان بن عبدالوهاب وقد صنف‬
‫فيه تأليفا للرد على مزاعمه اسماه الصواعق اللهية في الرد على‬
‫الوهابية‪ ،‬طبع في دار النسان بالقاهرة‪ ،‬قال فيه‪( :‬فإن اليوم الناس ابتلي‬
‫بمن ينتسب إلى الكتاب والسنة‪ ،‬ويستنبط في علومها ول يبالي من‬
‫يخالفه‪ ،‬فإذا طلبت منه أن يعرض كلمه على أهل العلم لم يفعل بل=‬
‫=يوجب على الناس الخذ بقوله وبمفهومه ومن خالفه فهو عنده كافر‪،‬‬
‫ولم يكن فيه خصلة واحدة من أهل الجتهاد‪ ،‬ول وال عشر واحدة)‪.‬‬
‫وصنف فيه العلمة السيد أحمد بن زيني دحلن كتابا اسماه “الدرر‬
‫السنية في الرد على الوهابية”‪.‬والعلمة محمد بن عبدالرحمن عفالق كتابه‬
‫المسمى “تهكم المقلدين بمن ادعى تجديد هذا الدين”والعلمة السيد علوي‬
‫وسقط القناع‪45-‬‬
‫غزا سبع ركايب‪ ،‬فلما ركبوها وأعجلت بهم النجائب‬
‫في سيرها سقطوا من أكوارها لنهم لم يعتادوا‬
‫ركوبها‪ ،‬فأغاروا أظنه على بعض العراب فغنموا‬
‫ورجعوا سالمين) فما هو الموجب للغارة على هؤلء‬
‫العراب؟! وما هو المسوغ لخذهم مالهم غنيمة؟!‪.‬‬
‫ثم قال بعد ذلك‪( :‬وكان الشيخ ‪-‬رحمه ال‪ -‬لما‬
‫هاجر إليه المهاجرون‪ ،‬يتحمل الدين الكثير في ذمته‬
‫لمؤونتهم وما يحتاجون إليه‪ ،‬وفي حوائج الناس‬
‫وجوائز الوفود إليه من أهل البلدان والبوادي‪ ،‬ذكر لي‬
‫أنه حين فتح الرياض وفي ذمته أربعون ألف محمدية‬
‫فقضاها من غنائمها) مع أن أهل الرياض كانوا حنابلة‬
‫لكنهم استباحوا أموالهم‪ ،‬فترى أنه قضى أربعين ألف‬
‫محمدية من أموال أهل الرياض‪ ،‬كيف استباحوا ذلك‬
‫من هؤلء الناس؟! أليسوا أهل عقيدة؟! أل يقولون ل‬
‫إله إل ال محمد رسول ال؟! إل يدينون ل سبحانه‬
‫بالوحدانية؟! أما كان في كلمة "ل إله إل ال" معصم‬
‫لهؤلء؟!‪.‬‬
‫ثم قال‪( :‬وكان ل يمسك على درهم ول دينار‪،‬‬
‫وما أوتي إليه من الخماس) ولنقف عند كلمة‬
‫الخماس‪ ،‬فإنه ل يخمس إل ما يغنم من مال‬

‫ابن أحمد باعلوي كتابا اسماه “جلء الظلم في الرد على النجدي الذي‬
‫أضل العوام”والعلمة سنبل بن محمد سنبل كتابه الموسوم “النتصار‬
‫للولياء البرار”‪.‬‬
‫وسقط القناع‪46-‬‬
‫المشرك( )‪ ،‬أما مال المسلم فل يمكن أن يخمس بأي‬ ‫‪1‬‬

‫حال من الحوال‪.‬‬
‫يقول‪( :‬وما أوتي إليه من الخماس والزكاة‬
‫يفرقه في أوانه‪ ،‬وكان يعطي العطاء الجزيل بحيث إنه‬
‫يهب خمس الغنيمة العظيمة الثنين أو الثلثة‪ ،‬فكانت‬
‫الخماس والزكاة وما يجبى إلى الدرعية من دقيق‬
‫الشياء وجليلها تدفع إليه بيده‪ ،‬ويضعها حيث يشاء)‪.‬‬
‫ويقول في (ص ‪ )46‬عندما تحدث عن أحداث‬
‫سنة ‪1176‬هب‪( :‬وفيها سار عبدالعزيز ‪-‬رحمه ال‪-‬‬
‫بالجيوش المنصورة إلى الحساء وأناخ( ) بالموضع‬
‫‪2‬‬

‫المعروف بالمطريفي في الحساء‪ ،‬وقتل منهم رجالً‬


‫كثيراً نحو السبعين رجلً‪ ،‬وأخذوا أموالً كثيرة‪ ،‬ثم‬
‫أغار على المبرز فقتل من أهلها رجالً‪ ،‬ثم ظهر من‬
‫الحساء راجعاً فلما وصل العرمة وافق قافلة لهل‬

‫‪)(1‬بل أشنع من ذلك أنهم كانوا من عادتهم أسر النساء والطفال حيث‬
‫حكاه عبدالرحمن الجبرتي المؤرخ المعروف ‪-‬وهو ذو هوى وهابي‪ -‬في‬
‫كتابه “تأريخ عجائب الثار في التراجم والخبار” يقول فيه‪( :‬فحاربوا‬
‫الطائف وحاربهم أهلها= =ثلثة أيام حتى غلبوا فأخذ البلدة الوهابيون‬
‫واستولوا عليها عنوة‪ ،‬وقتلوا الرجال وأسروا النساء والطفال‪ ،‬وهذا رأيهم‬
‫مع من يحاربهم)‪ .‬انظر‪ :‬من أخبار الحجاز ونجد في تاريخ الجبرتي‬
‫لمحمد أديب غالب ص ‪ ،90‬ط‪.‬دار اليمامة للبحث والترجمة والشراف‪،‬‬
‫طبعة أولى‪.‬‬
‫‪ )(2‬ورد في بيان كلمات هذا الكتاب ص (د)‪-:‬ناوخهم ‪ :‬صافهم واستعد‬
‫للهجوم‪ ،‬المناوخة‪ :‬الهجوم‪.‬‬
‫وسقط القناع‪47-‬‬
‫الرياض وأهل خرمة معها أموالً‪ ،‬فأخذ أهل الرياض‬
‫وترك أهل السدير لجل هدنة بينه وبينهم‪ ،‬وفيها نقض‬
‫أهل وثيثة العهد وحاربوا المسلمين وقتلوا عبدالكريم‬
‫بن زامل‪ ،‬وفيها غزا عبدالعزيز سبيع في الموضع‬
‫المسمى "سيح الديول" وأخذ عليهم نحو مائتي‬
‫بعير)‪.‬فانظروا أولً كيف استباح أن يقتل الناس بدون‬
‫حجة أو موجب للقتل‪ ،‬ثم بجانب ذلك أخذ من الموال‬
‫ما أخذه بغير حق‪ ،‬أخذ نحو مائتي بعير على قوم‬
‫يدينون بشهادة أن ل إله إل ال‪.‬‬
‫وفي (ص ‪ )47‬يقول‪( :‬ثم دخلت السنة الثامنة‬
‫والسبعون بعد المائة واللف‪ ،‬وفيها كانت الوقعة‬
‫المشهورة على حماد المديهيم ومن معه من السعيد‬
‫الضفير‪ ،‬سار إليهم عبدالعزيز ‪-‬رحمه ال تعالى‪-‬‬
‫ومعه غزوا( ) أهل الرياض مع دواس بن دهام‪ ،‬فأغار‬ ‫‪1‬‬

‫عليهم وهم على حراب ماء معروف بين السدير‬


‫والدهناء‪ ،‬فاستأصل جميع أموالهم وقتل منهم نحو‬
‫الثلثين رجلً‪ ،‬وقتل على الغزو رجال منهم‬
‫المغيليث‪ ،‬وركاب الغزو ل تزيد على المائة‬
‫والثلثين) هذا بعض تصرف أولئك الحشوية الذين‬
‫ينسبون الباضية زوراً إلى الخوارج ويلصقونهم‬
‫بهم( )‪ ،‬فكيف تقول يا أيها الطحان في تصرفات‬ ‫‪2‬‬

‫الحشوية؟! هل هذه هي المحجة البيضاء التي سار‬

‫‪ )(1‬الضمير عائد على أهل الرياض‪ ،‬وكثيرا ما يستخدم صاحب هذا‬


‫الكتاب إلحاق علمة الجمع للفعل المذكور بعده اسم ظاهر‪.‬‬
‫وسقط القناع‪48-‬‬
‫عليها رسول ال صلى ال عليه وسلم والسلف‬
‫الصالح؟! وما هو الفارق بين هذا التصرف وتصرف‬
‫الخوارج؟!‪.‬‬
‫وفي (ص ‪ )63‬يقول‪( :‬ثم دخلت السنة التاسعة‬
‫والثمانون بعد المائة واللف‪ ،‬وفيها غزا عبدالعزيز‬
‫بن محمد بن سعود ‪-‬رحمه ال تعالى‪ -‬بالجيوش إلى‬
‫ناحية الخرج‪ ،‬فأغار على أهل الضبيغة القرية‬
‫المعروفة في الخرج‪ ،‬وأخذ بعض سوارحهم وقتل من‬
‫أهلها اثني عشر رجلً‪ ،‬وقطع بعض نخيل البلد‬
‫وبعض زروعهم) فانظر كيف يعيث هؤلء فساداً في‬
‫الرض‪ ،‬يزهقون الرواح ويسفكون الدماء‬
‫ويستبيحون الموال‪ ،‬فمنها ما يأخذونه حيث قال‪:‬‬
‫(وأخذ بعض سوارحهم) ومنها ما يفسدونه كما قال‪:‬‬
‫(وقطع بعض نخيل البلد وبعض زروعهم) مع أن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم نهى ‪-‬حتى في مقاتلة‬
‫المشركين‪ -‬عن قطع الشجار وعن إيذاء الناس الذين‬
‫ل يتعرضون للمسلمين بقتال‪.‬‬
‫وفي (ص ‪ )77‬يقول‪( :‬ثم دخلت السنة السابعة‬
‫والتسعون بعد المائة واللف‪ ،‬وفيها سار سعود‬
‫‪-‬رحمه ال تعالى‪ -‬بجميع المسلمين غازياً إلى عالية‬
‫نجد‪ ،‬وعدى على الصهبة القبيلة المعروفة من مطير‪،‬‬
‫وهم على المزرع المعروف بالمتسجدة قرب بلد‬

‫()انظر العنوان القادم من هذه المحاضرة لترى شيئا من ناصع تصرفات‬ ‫‪2‬‬

‫الباضية‪.‬‬
‫وسقط القناع‪49-‬‬
‫شمر‪ ،‬فصبحهم وأخذهم عليها‪ ،‬وقتل رجالً من‬
‫رؤسائهم وفرسانهم‪ ،‬منهم دخيل ال بن جاسر الفغم‬
‫وخلف الفغم‪ ،‬وأخذ إبلهم وأغنامهم وحلتهم وعشراً من‬
‫الخيل)‪.‬‬
‫وفي (ص ‪ )78‬تحدث عن أحداث السنة ‪1198‬هب‬
‫بقوله‪( :‬وفيها سار سعود ‪-‬رحمه ال تعالى‪ -‬بالمسلمين‬
‫وقصد ناحية الحساء‪ ،‬فصبح أهل العيون وهجم‬
‫عليهم ولم يأتهم خبر عنه‪ ،‬وأخذ كثيراً من الحيوانات‬
‫ونهب من بيوتها أزواداً وأمتعة) فانظر كيف هؤلء‬
‫يأتون الناس على غرة في بيوتهم وهم آمنون هاجعون‬
‫مستقرون‪ ،‬فل يشعرون بهم إل وهم يسفكون دماءهم‬
‫ويزهقون أرواحهم وينهبون أموالهم وينتهكون‬
‫أعراضهم‪ ،‬أهذه هي سيرة المسلمين التي سار عليها‬
‫السلف الصالح؟!‪.‬‬
‫وفي (ص ‪ )79‬قال‪( :‬ثم دخلت السنة التاسعة‬
‫والتسعون بعد المائة واللف‪ ،‬وفيها سار سعود غازياً‬
‫إلى جهة الخرج‪ ،‬فذكر له في أثناء الطريق أن قافلة‬
‫حافلة من أهل الخرج والفرع وغيرهم ظاهرة من‬
‫الحساء‪ ،‬فرصد لهم سعود على الثليمى الماء‬
‫المعروف قرب الخرج‪ ،‬فأقبلت القافلة وكانت على‬
‫ظمأ وقدموا له ركاباً ورجالً إلى الماء‪ ،‬فأغار عليهم‬
‫سعود وقتّلهم) فانظروا إلى هذا التصرف المشين‪،‬‬
‫كيف يكون ناس آمنون يمشون في الطريق وإذا بهم‬
‫يفاجؤون بغارة هؤلء الحشوية الذين هم أشبه بالسباع‬

‫وسقط القناع‪50-‬‬
‫الكاسرة‪ ،‬ل همّ لهم إل في امتصاص دماء الناس‬
‫وإزهاق أرواحهم وأخذ أموالهم بغير حق‪.‬‬
‫وفي (ص ‪ )85‬يقول‪( :‬ثم دخلت السنة الرابعة‬
‫بعد المائتين واللف‪ ،‬وفيها كانت وقعة غريميل وهو‬
‫جبل صغير تحته ماء قرب الحساء‪ ،‬وذلك أن سعوداً‬
‫سار من الدرعية بجنوده المسلمين من الحاضرة‬
‫والبادية‪ ،‬وسار معه بوادي الظفير وبوادي العارض‬
‫وزيد بن عريعر ومن معه من جلوية بني خالد‪ ،‬فسار‬
‫بتلك الجنود وقصد جموع بني خالد ورئيسهم يومئذ‬
‫عبدالمحسن بن سدراح وابن أخته دويحس بن عريعر‬
‫وهم عند عريميد المذكور‪ ،‬فعدا عليهم ونازلهم ووقع‬
‫بينهم القتال ثلثة أيام‪ ،‬فانهزم عبدالمحسن ومن معه‬
‫وهم من بني خالد‪ ،‬فكروا في ساقتهم يقتلون ويغنمون‪،‬‬
‫وحاز سعود من البل والغنم والمتعة ما ل يعد ول‬
‫يحصى‪ ،‬وقتل عليهم قتلى كثير‪ ،‬وأخذ خمس الغنيمة‬
‫وقسم باقيه على المسلمين للراجل سهم وللفارس‬
‫سهمان) هذه التصرفات بعضها يشبه بعضاً‪ ،‬وهي‬
‫نماذج من تصرفات أولئك الحشوية‪.‬‬
‫وفي (ص ‪ )87‬تحدث عن أحداث سنة ‪1205‬هب‬
‫قال‪( :‬فنهض إليهم سعود واستنفر أهل نجد من البادي‬
‫والحاضر‪ ،‬فسار بالجيوش المنصورة وقصدهم في‬
‫تلك الناحية ونازلهم‪ ،‬ووقع بينهم قتال شديد‪ ،‬فانهزم‬
‫أولئك البوادي وقتل منهم قتلى كثيرة من فرسانهم‬
‫ورؤسائهم‪ ،‬منهم مسعود الملقب حصان إبليس وسمرة‬
‫الفارس المشهور رئيس العبيات من مطر وعدد كثير‬
‫وسقط القناع‪51-‬‬
‫منهم‪ ،‬وغنم المسلمون منهم غنائم كثيرة من البل‬
‫والغنم والثاث والمتعة‪ ،‬وأخذ جميع محلهم( )‪ ،‬وهذه‬
‫‪1‬‬

‫الوقعة في آخر الضحى‪ ،‬فلما انهزم أولئك البوادي‬


‫وأخذت أموالهم استنفروا ما يليهم من قبائلهم وغيرهم‬
‫ممن لم يحضروا الوقعة‪ ،‬وأرسلوا إلى سعود يدعونه‬
‫للمنازلة وأنهم يريدون أن يسيروا إليه‪ ،‬فثبت لهم‬
‫واقبلوا إليه مقرنين البل‪ ،‬وهو على العدوة يقسم‬
‫الغنائم‪ ،‬فساقوها على جموع المسلمين فثبتوا لهم‪،‬‬
‫وكان في مقدم البوادي مصلط بن مطلق الجريا‪ ،‬وكان‬
‫قد نذر أن يجشم فرسه صيوان ابن سعود‪ ،‬فأراد أن‬
‫يتم نذره‪ ،‬فاختطفه المسلمون وضربه رجل بمشوى‬
‫قرص فطرحه عن جواده فقتل‪ ،‬وانهزم تلك البوادي‬
‫ل يلوي أحد على أحد ول والد على ما ولد‪ ،‬وتركوا‬
‫البل مقرنة في الحبال‪ ،‬فتبعهم المسلمون وأخذوا‬
‫جميع أموالهم من البل والغنم والمتعة وأقاموا في‬
‫أثرهم نحو يومين أو ثلثة يأخذون من الموال‬
‫ويقتلون الرجال‪ ،‬وحاز سعود جميع الغنائم‪ ،‬من البل‬
‫نحو أحد عشر ألف بعير وأكثر‪ ،‬ومن الغنم أكثر من‬
‫مائة ألف‪ ،‬وعزل الخمس وقسم باقيها في المسلمين‬
‫للراجل سهم وللفارس سهمان)‪.‬‬
‫فبال عليكم‪ ،‬هل هؤلء القوم مشركون خرجوا‬
‫من ملة السلم؟! هل أنكروا ما علم من الدين‬

‫‪ )(1‬انظر‪ ،‬كيف قام هؤلء الحشوية بالسيطرة على أماكن الناس بعد إبادة‬
‫أهلها وسرقة كل شيء حتى الثاث‪.‬‬
‫وسقط القناع‪52-‬‬
‫بالضرورة؟! هل ارتدوا عن هذا الدين الحنيف؟! هل‬
‫هم من الوثنين؟! هل هم من اليهود أو النصارى وقد‬
‫امتنعوا عن الدخول في الطاعة وامتنعوا عن أداء‬
‫الجزية الواجبة عليهم حتى تنتهك أموالهم وأنفسهم هذا‬
‫النتهاك‪ ،‬أم أن هذا التصرف يباح لهؤلء الحشوية‬
‫ويشنع على الخوارج إن تصرفوا تصرفاً ل يكاد‬
‫يصل إلى عشر مثل هذا التصرف؟! فكيف مع ذلك‬
‫يقال إن هؤلء الحشوية على طريقة السلف الصالح‪،‬‬
‫ويعاب على الخوارج بما يعابون به؟! ونحن بطبيعة‬
‫الحال ل نتفق مع الخوارج في استباحتهم لموال‬
‫المسلمين ول في تشريكهم لهم‪ ،‬ولكننا مع ذلك ل نجد‬
‫أي فرق بين تصرف هؤلء الحشوية وتصرف‬
‫الخوارج‪ ،‬فإذاً من هم أفراخ الخوارج يا أيها‬
‫الطحان؟!‪.‬‬
‫وفي (ص ‪ )88‬يقول‪( :‬ثم دخلت السنة السادسة‬
‫بعد المائتين واللف‪ ،‬وفيها في أول جمادى سار سعود‬
‫‪-‬رحمه ال تعالى‪ -‬غازياً بالجيوش المنصورة من‬
‫البادي والحاضر‪ ،‬وقصد القطيف وحاصر أهل‬
‫سبهات وأخذها عنوة ونهبها‪ ،‬وأخذ عنك عنوة ونهبها‪،‬‬
‫وقتل منهم عدداً كثيراً من الرجال أكثر من أربعمائة‬
‫وأخذ أموالً عظيمة‪ ،‬وصالحوه عن الفرضة‬
‫بخمسمائة أحمر( ))‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ )(1‬نوع من النقد‪.‬‬
‫وسقط القناع‪53-‬‬
‫وقال في (ص ‪( :)89-88‬وفيها غزا سليمان بن‬
‫عفيصان بأمر عبدالعزيز بجيش من أهل الخرج‬
‫وغيرهم‪ ،‬وقصد قطر المعروف بين عمان والبحرين‪،‬‬
‫فصادف منهم غزواً نحو خمسين مطية فناوخهم‪،‬‬
‫فقاتلوا وهزمهم سليمان‪ ،‬وقتلهم إل القليل‪ ،‬وأخذ‬
‫ركبهم‪ ،‬وفيها كانت غزوة الشقرة وذلك أن سعوداً‬
‫سار بالجيوش الكثيفة من جميع نجد الحاضرة‬
‫والبادية‪ ،‬وقصد ناحية جبل شمر‪ ،‬وقد ذكر له قبائل‬
‫كثيرة من البوادي من مطير وحرب وغيرهم‪ ،‬وهم‬
‫على الماء المعروف بالشقرة قريب من جبل شمر‪،‬‬
‫فعدا عليهم سعود وأخذهم جملة وحاز منهم أموالً‬
‫عظيمة‪ ،‬البل أكثر من ثمانية آلف بعير‪ ،‬وأخذ جميع‬
‫أغنامهم ومحلتهم وأمتعتهم‪ ،‬وأكثر من عشرين فرساً‪،‬‬
‫قتل عليهم عدة رجال‪ ،‬ثم رحل سعود بجميع تلك الغنم‬
‫وأخرج خمسها وقسم باقيها غنيمة في المسلمين‬
‫للراجل سهم وللفارس سهمان)‪.‬‬
‫فهل أهل قطر كانوا خارجين من ملة السلم‬
‫حتى يعاملوا هذه المعاملة‪ ،‬فتستباح دماؤهم وأموالهم‬
‫ويؤخذ كل ما بأيديهم عنوة؟! هل هذا هو تصرف‬
‫المسلمين؟! وهل عرف ذلك عن السلف الصالح؟ وهل‬
‫كان صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم يصنعون‬
‫بأهل التوحيد مثل هذا الصنيع؟ فكيف ينتسب هؤلء‬
‫الحشوية زوراً وبهتاناً إلى السلف الصالح؟! ثم هم في‬
‫نفس الوقت ينكرون على أهل الحق والستقامة‬
‫استقامتهم ويلصقونهم بالخوارج‪.‬‬
‫وسقط القناع‪54-‬‬
‫ما هو الفارق ما بين تصرف الخوارج‬
‫وتصرف هؤلء الحشوية؟‬
‫من هو أولى ‪-‬يا أيها الطحان‪ -‬بصفة‬
‫الخارجية؟ هل هم أهل الحق والستقامة الذين هم أنزه‬
‫الناس عن إيذاء أي مسلم‪ ،‬وأبعدهم من استحلل ماله‪،‬‬
‫أم هم أولئك الحشوية الذين جمعوا بين تشبيه ال بخلقه‬
‫‪-‬كما ورثوا ذلك عن اليهود‪ -‬وبين قسوة الخوارج على‬
‫هذه المة‪.‬‬
‫وجاء في (ص ‪ )98-97‬من نفس الكتاب‪( :‬ثم‬
‫دخلت السنة السابعة بعد المائتين واللف‪ ،‬وفيها سار‬
‫سعود ‪-‬رحمه ال تعالى‪ -‬بالجيوش المؤيدة المنصورة‬
‫بجميع أهل نجد وأكثر بواديها‪ ،‬وقصد ناحية الشمال‬
‫يريد بوادي بني خالد وهم على الجهراء الماء‬
‫المعروف‪ ،‬فلما قرب منهم وجد آثار الجيوش والخيل‬
‫غازية من الوادي عادين‪ ،‬وكانت بنو خالد قد مالوا مع‬
‫براك بن عبدالمحسن وتابعوه وطردوا أولد عريعر‬
‫وذويهم‪ ،‬فلما تولى عليهم براك المذكور نهض بهم‬
‫غازياً ونهض معه جميع بني خالد‪ ،‬وورد على الماء‬
‫المعروف باللصافة في الشمال‪ ،‬فأغار منها على‬
‫بوادي من سبيع وغيرهم وأخذ منهم إبلً كثيرة‪ ،‬فلما‬
‫وجد سعود آثارهم تبعهم وورد على اللصافة‪ ،‬فوجد‬
‫آثار الجيوش صادرة منه فنزل على الماء‪ ،‬وأخبر‬
‫بمسير براك المذكور‪ ،‬وتحقق أن قفولهم على هذا‬
‫الماء أو اللهابة أو القرعا وكانت أمواهاً قريباً بعضها‬
‫من بعض‪ ،‬فبعث خيلً إلى اللهابة وخيلً إلى القرعا‬
‫وسقط القناع‪55-‬‬
‫لئل يردها من حيث ل يعلم‪ ،‬ورتب عيونه لتقفوهم فلم‬
‫يلبثوا أن أقبلت عليه جموع بني خالد واردين الماء‬
‫كأنهم الليل‪ ،‬فنهض عليهم المسلمون فرساناً وركباناً‬
‫فلم يثبتوا لهم ساعة واحدة‪ ،‬فانهزم بنو خالد ل يلوي‬
‫أحد على أحد ول والد على ما ولد‪ ،‬فتبعهم المسلمون‬
‫في ساقتهم يقتلون ويغنمون واستأصلوا تلك الجموع‬
‫قتلً ونهباً‪ ،‬وانهزم براك بن عبدالمحسن شريداً ومعه‬
‫شرذمة قليلة من الخيالة إلى المنتفق‪ ،‬وهلك من بني‬
‫خالد في هذه الوقعة بين القتل والظمأ خلئق كثيرة‬
‫قيل‪ :‬إنهم أكثر من ألف رجل‪ .‬وقيل‪ :‬إن الذي هلك‬
‫قريب من ألفي رجل‪ .‬وأخذ جميع ركابهم وخيلهم‬
‫وأزوادهم وأمتاعهم وفرشهم وجميع ما معهم‪ ،‬قيل إن‬
‫الخيل أكثر من مائتي فرس‪ ،‬وحاز سعود تلك الغنائم‬
‫وأخذ خمسها وقسم باقيها غنيمة للمسلمين للراجل سهم‬
‫وللفارس سهمان)‪.‬‬
‫وفي (ص ‪ )103‬عندما تحدث عن أحداث سنة (‬
‫‪1209‬هب) قال‪( :‬وفيها أمر عبد العزيز على جيش من‬
‫أهل الخرج وغيرهم‪ ،‬وسار بهم إبراهيم بن عفيصان‬
‫فقصد ناحية قطر وأغار على أهله فأخذ إبلً كثيرة من‬
‫بواديهم وأموالهم‪ ،‬فأقبل بها وباعها في الحساء)‪.‬‬
‫وفي (ص ‪ )106-105‬يقول‪( :‬فلما كان ذو القعدة‬
‫من هذه السنة( )‪ ،‬سار سعود بن عبدالعزيز من‬
‫‪1‬‬

‫الدرعية ونزل روضة محرفة المعروفة قرب الوشم‪،‬‬

‫‪ )(1‬أي سنة ‪1210‬هك‪.‬‬


‫وسقط القناع‪56-‬‬
‫فركب خيله ودخل شقراء للسلم على أهلها‬
‫والجتماع بهم فأضافوه بكرامة عظيمة‪ ،‬وصار في‬
‫موضعه ذلك أياماً حتى اجتمع عليه المسلمون البادي‬
‫والحاضر‪ ،‬فسار بالجيوش المنصورة والخيل العتاق‬
‫المشهورة وقصد ناحية الحساء‪ ،‬فلما وصل إليه نزل‬
‫قرب الرقيقة المعروفة فيه‪ ،‬وهي مزار للحساء‪،‬‬
‫وبات في تلك الليلة وأمر مناديه ينادي في المسلمين‬
‫أن يوقد كل رجل نارًا وأن يثور البنادق عند طلوع‬
‫الشمس‪ ،‬فلما أصبح الصباح رحل سعود بعد صلة‬
‫الصبح‪ ،‬فلما استووا على ركائبهم وساروا ثوروا‬
‫بنادقهم دفعة واحدة‪ ،‬فأظلمت السماء وأرجفت الرض‬
‫وثار عج الدخان في الجو‪ ،‬وأسقط كثير من النساء‬
‫الحوامل في الحساء‪ ،‬ثم نزل سعود في الرقيقة‬
‫المذكورة فسلم له وظهر له جميع أهل الحساء على‬
‫إحسانه وإساءته‪ ،‬وأمرهم بالخروج إليه فخرجوا فأقام‬
‫في ذلك المنزل مدة أشهر يقتل من أراد قتله‪ ،‬ويجلي‬
‫من أراد جلءه‪ ،‬ويحبس من أراد حبسه‪ ،‬ويأخذ من‬
‫الموال‪ ،‬ويهدم من المحال‪ ،‬ويبني ثغوراً ويهدم دوراً‬
‫وضرب عليهم ألوفاً من الدراهم وقبضها منهم( )‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ )(1‬انظر أخي القاريء المسلم إلى هذه الوحشية الكاسرة‪ ،‬وكأن المسلمين‬
‫في أيديهم أغنام تذبح‪ ،‬والقتل لمدة أشهر ‪-‬وليس أياما‪ -‬والجلي والحبس‬
‫والنهب والهدم كان بعد الستسلم‪ ،‬يالهول هذه الفاجعة المؤلمة التي حلت‬
‫على المسلمين من قبل هؤلء الحشوية الذين هم أكثر خارجية من‬
‫الخوارج‪ ،‬إنا ل وإنا إليه راجعون‪.‬‬
‫وسقط القناع‪57-‬‬
‫وذلك لما تكرر منهم من نقض العهد ومنابذة المسلمين‬
‫وجرهم العداء عليهم‪ ،‬وأكثر فيهم سعود القتل‪ ،‬فكان‬
‫مع ناجم بن دهينيم عدة من الرجال يتخطفون في‬
‫السواق لهل الفسوق ونقاض العهد‪ ،‬وكان أكثر القتل‬
‫في ذلك اليوم في المسلمين في الحساء بالتلنيقة‬
‫والسوادية المجتمعة في الفسوق الذين فعل فيهم في‬
‫الحساء بأهوائهم كلما أرادوا فعلوه‪ ،‬ول يتجاسر أحد‬
‫أن يأمرهم أو ينهاهم لكثرة تعديهم‪ ،‬فهذا مقتول في‬
‫البلد‪ ،‬وهذا يخرجونه إلى الخيام ويضرب عنقه عند‬
‫خيمة سعود‪ ،‬حتى أفناهم إل قليلً( )‪ ،‬وحاز سعود من‬
‫‪1‬‬

‫الموال في تلك الغزوة ما ل يعد ول يحصى)‪.‬‬


‫هكذا يتصرف هؤلء الحشوية هذا التصرف‬
‫العجيب! فل يسلم من شرهم أحد حتى الجنة في‬
‫الرحام‪ ،‬ليت شعري ما هو ذنب الجنة في الرحام‬
‫حتى تسقط؟! وما هو السبب والدافع لذلك؟ وما هو‬
‫المبيح لسلب هذه الموال؛ أموال أهل التوحيد بغير‬
‫حق؛ أموال أهل كلمة ل إله إل ال؟!‪.‬‬
‫هل كان الحشوية يقاتلون بذلك كفرة خارجين‬
‫من ملة السلم؟ أم أنهم يقاتلون أهل التوحيد الذين‬

‫()لم نقرأ في التأريخ حتى اليوم عن أحد يزعم أنه مسلم تجاسر أن يفعل‬ ‫‪1‬‬

‫ج المسلمون الواحد تلو الخر ليذبحوا أمام خيمة‬


‫هذه الفعلة‪ ،‬حيث يُخْرَ ُ‬
‫مصاص الدماء ليتسلى بإزهاق أرواح تشهد أن ل إله إل ال وأن محمدا‬
‫رسول ال‪ ،‬ل حول ول قوة إل بال العلي العظيم‪ ،‬كيف سيقف هؤلء‬
‫الحشوية أمام جبار السموات والرض‪.‬‬
‫وسقط القناع‪58-‬‬
‫يدينون بل إله إل ال؟ فمن لهم بل إله إل ال؟ أما‬
‫يخشون أن يكون رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫خصمهم يوم القيامة؟ فعندما قتل أحد أصحاب رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم رجلً قال ل إله إل ال وظن‬
‫أنه قالها من لسانه ولم يدن بها بقلبه‪ ،‬قال له رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪(( :‬هل فتشت عن قلبه)) وقال له‬
‫من اللوم والتقريع ما قاله( )‪ ،‬فكيف بهؤلء الذين‬
‫‪1‬‬

‫يتعمدون إزهاق أرواح أبناء كلمة ل إله إل ال؟!‪.‬‬


‫وفي (ص ‪ )113‬تحدث المؤلف عن قتال‬
‫الحشوية لشريف مكة فقال‪(:‬ثم أرسل عبدالعزيز إلى‬
‫هادي بن قرملة ومن لديه من قبائل قحطان وربيع بن‬
‫زيد أمير البوادي ومن معه من الدواسر وغيرهم‪،‬‬
‫وأمر أيضاً على قبائل من أخلط البوادي وجيشاً من‬
‫الحضر وأمرهم أن يجتمعوا ويكونوا في وجه‬
‫الشريف‪ ،‬فقوى ال عزائمهم وساروا إليه حتى دهموه‬
‫في منزله على الخرمة المذكورة ولم يقفوا دون‬
‫خيامه‪ ،‬فألقى ال الرعب في قلوب عساكر الشريف‬
‫وانهزموا ل يلوي أحد على أحد‪ ،‬وتركوا أخيامهم‬
‫ومحالهم وجميع أموالهم والقوم في ساقتهم يقتلون‬
‫ويغنمون‪ ،‬فمن وقف للقتال منهم قتل‪ ،‬ومن انهزم‬
‫أدرك فقتل‪ ،‬ومن فائت بين ناج وهالك ظمأ وضياعاً‪،‬‬
‫فكانت وقعة عظيمة ومقتلة وغنيمة‪ ،‬وكانت عدة‬

‫()رواه المام مسلم في كتاب اليمان عن أسامة بن زيد بن حارثة بعدة‬ ‫‪1‬‬

‫طرق في باب ‪ ،41‬ورقمه ‪.96،97‬‬


‫وسقط القناع‪59-‬‬
‫القتلى على ما سطره بعض المؤرخين من أهل‬
‫ناحيتهم قال كان عدة القتلى ألف رجل ومائتان‬
‫وعشرون رجلً‪ ،‬منهم الشريف مسعود بن يحيى ابن‬
‫بركات وابن أخيه هيازع وعبدالملك بن ثقبة وسلطان‬
‫بن حازم وحسن إلياس وغيرهم من الكابر‪ ،‬وعدة من‬
‫قتل من قريش أربعون رجلً‪ ،‬ومع قريش من عتيبة‬
‫رجال‪ ،‬ومن ثقيف ثمانون رجلً‪ ،‬وقتل من العسكر ما‬
‫ينوف على الربعمائة‪ ،‬ومن المصارية مائتان ومن‬
‫ل وسبياً مائة‬
‫المغاربة ثمانون‪ ،‬وفقد من العبيد قت ً‬
‫وخمسون عبداً‪ ،‬وأخذوا جميع الذخائر والخيام‬
‫والمتاع‪.‬انتهى( )‪ .‬قلت‪ :‬وذكر لي بعض من ضبط‬
‫‪1‬‬

‫القتلى أنهم ألفان وأربعمائة‪ ،‬قال مؤرخهم‪ :‬وأما النقد‬


‫فمختلف فيه‪ ،‬فمنهم من يقول‪ :‬إن في خزائن غالب‬
‫ثمانية عشر ألف مشخص( ) التي نهبت‪ .‬ومن قائل‪:‬‬
‫‪2‬‬

‫خمسة عشر ألف ريال‪ .‬أبدلها من البوادي والعسكر‬


‫بمشخص‪ ،‬وكان قصده أن يفرقها صبيحة ذلك اليوم‬
‫على العسكر‪ ،‬وغنموا جميع ما في المضرب من‬
‫الموال‪ ،‬وأخذوا سلحاً كثيراً‪ ،‬وأخذوا أيضاً ما كان‬
‫معهم من البل والمتعة التي أخذوها قبل ذلك على‬
‫قحطان وغيرهم‪ ،‬مع من انضم إليهم من أباعر الدولة‬
‫ورواحلهم)‪.‬‬

‫()أي بالنسبة لنقل صاحب الكتاب‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫()نوع من النقد الذهبي‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫وسقط القناع‪60-‬‬
‫فانظروا كيف يعامل هؤلء الحشوية المسلمين؛‬
‫أبناء ملة التوحيد؛ هذه المعاملة التي ل يقرها السلم‬
‫ول يعرفها الدين‪.‬‬

‫وسقط القناع‪61-‬‬
‫صفحات ناصعة‬
‫من سيرة الباضية‬
‫والباضية الذين قلت فيهم ‪-‬يا طحان‪ -‬بأنهم‬
‫أفراخ الخوارج‪ ،‬إن كنت ل تدري ما سيرتهم فإنني‬
‫سوف أنقل لك هنا بعض ما دونوه في فقههم من أحكام‬
‫الجهاد‪ ،‬وأنقل لك أيضاً بعض تصرفهم في ميادين‬
‫القتال عندما يواجهون أعداءهم من البغاة الذين اعتدوا‬
‫عليهم‪ ،‬فهم أبعد ما يكونون عن سفك دماء المسلمين‪،‬‬
‫وأكثر احتياطاً‪ ،‬ول يغنمون شيئًا من أموالهم مهما كان‬
‫بغيهم‪.‬‬
‫حكم أهل البغي عند الباضية‪-:‬‬
‫فهذا المام نور الديببببن السببببالمي ‪-‬رحمببببه ال‬
‫تعالى‪ -‬في كتابه "جوهر النظام" عندما تكلم في أحكام‬
‫الجهاد تحدث عبن أهبل البغبي‪ ،‬فذكبر أنهبم ‪-‬ولو قوتلوا‪-‬‬
‫ل يحببل شيببء مببن أموالهببم‪ ،‬وذلك الذي أطبقببت عليببه‬
‫جميبع كتبب الباضيبة‪ ،‬ولكبن أنقبل لك هنبا نبص كلم‬
‫المام السالمي حيث قال‪-:‬‬
‫ومال أهل البغي ل‬ ‫وإن يكن قوم له‬
‫يحـل‬ ‫استحلوا‬
‫ثم ذكر مَن هؤلء الذين استحلوا أموالهم‪-:‬‬
‫خوارج ضلت فصارت‬ ‫من دينها صفرية أزارقة‬
‫مارقة‬ ‫جهلً على بغاة المسلمينا‬
‫فحكموا بحكم المشركينا‬ ‫قد استحلوا المال منهم‬
‫فعرضوا للناس بالسيف‬ ‫مغنما‬
‫كما‬ ‫وضللتهم وفسقتهم‬
‫وسقط القناع‪62-‬‬
‫وأمة المختار فارقتهم‬ ‫جملة أخبار مع الثار‬
‫ووردت فيهم عن‬ ‫ومـنـهـم ل شك نبرأنا‬
‫المختار‬
‫وفـيـهم المروق يعرفــنا‬
‫ثببم احتببج بفعببل أصببحاب رسببول ال صببلى ال‬
‫عليه وسلم الذين كانوا يحرصون على عدم غنم أموال‬
‫أهل التوحيد فقال‪-:‬‬
‫ولم يكن غنم بيوم الجمل‬ ‫ويوم صفين وسبي من‬
‫كذاك يوم الدار أيضاً لم‬ ‫علي‬
‫يكن‬ ‫سبي ول غنم فكيف‬
‫()‬
‫فعلهم الحجة فيما فعلوا‬ ‫يقبلن‬
‫‪1‬‬

‫()‬
‫ولم يكن للعمرين فيهم‬ ‫‪2‬‬
‫ونقلهم فيما له قد نقلوا‬
‫لن خصمهم بالرتداد‬ ‫سبي ول غنم كما قد‬
‫تأول السابي لهم يوم دبا‬ ‫زعموا‬
‫وزعم الغلة أن هذا‬ ‫يدعون ل بالبغي والفساد‬
‫تعلقوا فيه بنفس الـزلــل‬ ‫وأنكر الفاروق ذاك‬
‫المذهبا‬
‫وجه يكون لهم ملذا‬

‫()أي كيف يقبل الغنم من البغاة‪ ،‬وأما الحشوية المدعية للسلفية فبينها‬ ‫‪1‬‬

‫وبين سيرة أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد المشرقين‪ ،‬بل هم‬
‫قد جددوا نحلة الخوارج في حركتهم المعروفة بالوهابية‪ ،‬والغثائية‬
‫والحشوية ‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫()الضمير عائد في (فعلهم) و(نقلهم) إلى أهل الحق والستقامة بينما‬ ‫‪2‬‬

‫يعود الضمير في (فعلوا) و(نقلوا) إلى أصحاب رسول ال صلى ال عليه‬


‫وسلم‪.‬‬
‫وسقط القناع‪63-‬‬
‫وما أتى م نحو ذا لم‬
‫()‬
‫يقبـل‬
‫‪1‬‬

‫بل أصحابنا أهل الحق والستقامة ‪-‬رحمهم ال‬


‫تعالى‪ -‬ل يرون جواز الجهاز على الجريببببح إن كان‬
‫مببن أهببل البغببي ولم يكببن مببن المشركيببن‪ ،‬ول يرون‬
‫جواز إتباع الهارب منهم‪ ،‬اللهم إل أن يكون لهم مأرز‬
‫يرجعون إليببه‪ ،‬وحمببى يحتمون بببه وقوة يلوذون بهببا‪،‬‬
‫وفبببي هذا تحدث المام السبببالمي ‪-‬رحمبببه ال تعالى‪-‬‬
‫حيث قال‪-:‬‬
‫()‬
‫‪2‬‬
‫فإن أبى فإنه يقاتل‬ ‫وتقطع السباب‬
‫من غير أن يغنم ماله‬ ‫والوسائل‬
‫تسبى ذراريه فكل حظل ول‬
‫كذاك ل يتبع منهم‬ ‫كذا الجريح ما عليه‬
‫مدبر‬ ‫يجهز‬
‫إل إذا كان لهم سلطان‬ ‫يمدهم أو لهم أعوان‬
‫فـيـتبع المدبر والجريـح‬ ‫يـجـاز إذ بغيهم صريح‬
‫وفي هذا استدل أيضاً بفعل الصحابة‪-:‬‬
‫لذا علي كان في يوم‬ ‫لم يتبع المدبر بل منه‬
‫()‬
‫الجمل‬ ‫حظل‬
‫‪3‬‬

‫‪ )(1‬انظر‪ :‬جوهر النظام لنور الدين السالمي ج ‪ ، 2‬ص ‪ ،516‬ط ‪،10‬‬


‫‪1405‬هك –‪1984‬م‪ ،‬مسقط‪.‬‬
‫‪ )(2‬أي الباغي بعدما تقام عليه الحجة‪.‬‬
‫()انظر‪ :‬جوهر النظام ج ‪ ،2‬ص ‪.515-514‬‬ ‫‪3‬‬

‫وسقط القناع‪64-‬‬
‫سيرة المام طالب الحق الكندي في اليمن‪-:‬‬
‫وأما إن سألت عن سيرة أهل الحق والستقامة‪،‬‬
‫فأريدك أن تقرأ بعض ما كتبه الكاتبون من غير‬
‫الباضية‪ ،‬فانظر‪ -‬إن شئت‪ -‬ما حفظه المؤرخون عن‬
‫سيرة المام طالب الحق عبدال بن يحيى الكندي‬
‫وقائده أبي حمزة المختار بن عوف( )‪ ،‬ومن بين هؤلء‬
‫‪1‬‬

‫الذين كتبوا عن سيرة هذين المامين الجليلين‬


‫الصالحين ‪-‬رحمهما ال تعالى‪ -‬البلذري في كتابه‬
‫"أنساب الشراف" والصفهاني في كتابه "الغاني"‪.‬‬
‫ومما ذكر من سيرتهما أن أبا حمزة عندما‬
‫واجه جموع البغاة في قديد فاعترضوهم‪ ،‬حاول أن‬
‫يقيم الحجة عليهم قبل أن تكون هناك مناوشة‪ ،‬وحاول‬
‫أن يقنعهم بأنه ما قام أشرًا ول بطرًا وإنما قام لظهار‬
‫الحق وإقامة كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه‬
‫وسلم في الرض‪ ،‬فما كان من أولئك البغاة إل أن‬
‫عتوا واستكبروا استكبارًا‪ ،‬ولكن أبا حمزة مع ذلك قال‬
‫لصحابه‪(:‬ل تبدأوهم بالقتال) حتى رمى أولئك البغاة‬
‫بسهامهم في جند أبي حمزة فأصابوا رجلً من جنده‪،‬‬
‫فقال لصحابه‪( :‬دونكم الن فقد حل قتالهم)‪.‬‬
‫فانظر كيف يحتاط الباضية أيما احتياط عندما‬
‫يواجهون أعداءهم البغاة‪ ،‬ول يستحلون حتى سفك‬

‫‪ )(1‬كانت ثورتهما على ظلم بني أمية وجورهم عام ‪129‬هك‪ .‬وكانت‬
‫ثمرة ثورتهما المباركة نشر الحق والعدل في اليمن والحجاز‪.‬‬
‫وسقط القناع‪65-‬‬
‫دمهم إل بطريق واضح ل غبار عليه بعد أن يقيموا‬
‫عليهم الحجة‪ ،‬وبعد أن يبدأ أولئك البغاة بالقتال‪.‬‬
‫وعندما دخل المام طالب الحق عبدال بن‬
‫يحيى الكندي ‪-‬رحمه ال تعالى‪ -‬صنعاء بعدما هزموا‬
‫القائد الموي القاسم بن عمر الثقفي‪ ،‬عامله المام‬
‫عبدال بن يحيى الكندي معاملة حسنة فلم يحز‬
‫غلصمته‪ ،‬أو يقطع رأسه‪ ،‬بل لم يصنع به أي شيء‪،‬‬
‫وإنما أخرجه ومن معه وهم سالمون من كل أذى‪.‬‬
‫ووجد المام طالب الحق الموال الكثيرة التي‬
‫جباها هذا العامل من الناس وتكدست في خزينته‪،‬‬
‫وكان المام طالب الحق وأصحابه في فقر مدقع وهم‬
‫بحاجة ملحة إلى المال‪ ،‬ولكنهم لم تشرئب أعناقهم إلى‬
‫هذه الموال بل قسموها بين أهل صنعاء‪ ،‬يقول في‬
‫ذلك البدر الشماخي في كتابه " السير" في ص(‪)99‬‬
‫من الطبعة الولى( )‪( :‬وخلص لعبدال وقسم ما وجد‬
‫‪1‬‬

‫من مال على فقراء صنعاء‪ ،‬قصد إليهم ابن خيران‬


‫وعبدال بن مسعود وغيرهما من المسلمين فأتوا من‬
‫الخزانة إلى المسجد‪ ،‬فقسمه عبدال على فقراء‬
‫صنعاء‪ ،‬ولم يأخذ منه شيئاً ولم يستحل منه لصحابه‬
‫متاعاً)‪.‬‬
‫وفي هذا يقول المام السالمي رحمه ال‬
‫تعالى‪-:‬‬
‫وطالب الحق بصنعا حكما‬ ‫بجعلها في أهلها واحتشما‬
‫‪ ))1‬انظر السير ص ‪ 92-91‬ط ‪1407‬هك‪1987-‬م‪ ،‬وزارة التراث القومي‬
‫والثقافة‪ ،‬سلطنة عمان‪.‬‬
‫وسقط القناع‪66-‬‬
‫لم يأخذن عند مضيق‬ ‫شيئاً لنفسه ول لقومه‬
‫يومه‬ ‫أكرم بهم من عصبة أكرم بهم‬
‫تعففاً منهم ومن كمثلهم‬ ‫من الهدى ما بدلـوا أو‬
‫(‪) 1‬‬
‫كانوا يموتون على ما‬ ‫غيروا‬
‫أبصـروا‬
‫ثم إن المام طالب الحق –أيضاً‪ -‬عامل هذه‬
‫المعاملة الحسنة إبراهيم بن جبلة الذي كان والياً على‬
‫حضرموت من قبل بني أمية‪ ،‬فأباح له أن يخرج من‬
‫حضرموت وقال له‪( :‬إما أن تقيم عندنا وإما أن‬
‫تشخص ول عليك حرج في ذلك) فاختار الخروج‪،‬‬
‫فخرج إلى القاسم الثقفي في صنعاء ولم يعترضه‬
‫()‬
‫المام طالب الحق‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫لم يفعل كما يفعل هؤلء الحشوية عندما‬


‫ينتصرون على أحد من المسلمين‪ ،‬يحرصون كل‬
‫الحرص على إبادتهم وقطع دابرهم واستئصال‬
‫شأفتهم‪ ،‬ولم تسلم منهم الحوامل ول الجنة التي في‬
‫الرحام‪.‬‬
‫سيرة المام أبي الخطاب المعافري في طرابلس‬
‫والقيروان‪-:‬‬
‫‪ ))1‬جوهر النظام‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪ ،355‬ط مطبعة الفجالة الجديدة‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪)(2‬انظر‪ :‬نشأة الحركة الباضية للدكتور عوض محمد خليفات والحركة‬
‫الباضية في المشرق العربي لمهدي طالب هاشم‪ ،‬تجد فيهما تحقيقا جيدا‬
‫لهذه الحقبة من تأريخ الباضية‪ ،‬بالضافة إلى ذلك فإنهما يمدان القارئ=‬
‫=بالعديد من المصادر والمراجع المهمة‪ ،‬وعند التحقيق والنصاف ستجد‬
‫صورة إسلمية رائعة لهل الحق والستقامة‪.‬‬
‫وسقط القناع‪67-‬‬
‫وكان المام أبو الخطاب المعافري( ) ‪ -‬الذي‬
‫‪3‬‬

‫عقدت عليه المامة في بلد المغرب بطرابلس‪ -‬له‬


‫دور عظيم في نشر الحق وفي المر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر‪ ،‬وقد قام في بداية أمره على عامل‬
‫أبي جعفر المنصور ببلد طرابلس‪ ،‬فانتصر عليه إل‬
‫أنه لم يتشف منه بعد انتصاره عليه‪ ،‬بل خيره بين‬
‫المقام معهم على أن يكون له ما لهم وعليه ما عليهم‪،‬‬
‫وبين أن يخرج آمناً مطمئناً‪ ،‬ل يكدر له صفو ول‬
‫يسفك له دم‪ ،‬ول ينتهك له عرض‪ ،‬ول يؤخذ عليه‬
‫مال‪ ،‬فاختار الخروج‪ ،‬فخرج إلى بلد المشرق وهو‬
‫آمن مطمئن‪.‬‬
‫وهذا المام نفسه عندما بلغه استصراخ امرأة‬
‫من القيروان من جور ورفجومة ‪-‬وهي قبيلة صفرية‬
‫خارجية كانت تعيث فساداً في بلد القيروان‪ -‬فقد‬
‫كتبت إليه رسالة تشكو إليه الجور والخوف وعدم‬
‫الطمأنينة‪ ،‬حتى أنها كانت تخفي ابنتها في حفرة‬
‫تحفرها خشية أن يسبيها هؤلء الخوارج الصفرية‪،‬‬
‫عندما وصل كتابها إلى المام بكى من ذلك وقال‪:‬‬
‫(لبيك يا أختاه) وخطب بعد صلة أقامها وحض الناس‬
‫على الجهاد‪ ،‬فخرج مجاهداً إلى تلك القبيلة العاتية‬
‫التي كانت مستولية على القيروان‪ ،‬وعندما وصل إلى‬
‫القيروان أمر أصحابه أل ينتهكوا عرضاً‪ ،‬ول يأخذوا‬
‫مالً‪ ،‬فإن أولئك مهما كان بغيهم هم من أهل التوحيد‪،‬‬

‫‪)(3‬انتخب إماما عام ‪141‬هك‪.‬‬


‫وسقط القناع‪68-‬‬
‫ول يباح شيء من أموالهم قط‪ ،‬ول يباح إل سفك دمهم‬
‫بسبب بغيهم حتى يعودوا إلى الحق‪.‬‬
‫وفي هذا يقول العلمة الدرجيني في كتابه‬
‫"طبقات المشائخ بالمغرب"( ) حاكياً ما حصل بعد هذه‬
‫‪1‬‬

‫الوقعة التي انتصر فيها المام رحمه ال تعالى ومن‬


‫معه من المسلمين يقول‪( :‬وحدث بعض أصحابنا أن‬
‫شيخاً من شيوخ القيروان بعث ابناً له يرتاد مزرعة‬
‫كانت له بالقرب من منزل عسكر أبي الخطاب‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫(يا بني‪ ،‬اذهب وانظر هل بقي في مزرعتنا شيء؟)‬
‫قال‪ :‬فخرج الغلم إلى المزرعة فوجدها سالمة لم ينلها‬
‫فساد‪ ،‬فرجع الغلم إلى أبيه فأخبره‪ ،‬فتعجب لذلك‪،‬‬
‫وعجب الناس لعدل أبي الخطاب وسيرته وطاعة‬
‫أصحابه له فيما يأمرهم به‪ ،‬وينهاهم عنه‪ ،‬وكان من‬
‫مقالة الشيخ المذكور إذ ذاك لمن حضره من أهل‬
‫القيروان‪( :‬أتظنون أن أبا الخطاب يشبه من ولي‬
‫عليكم قبله ديناً وفضلً؟ وأن سيرتهم كسيرته حسناً‬
‫وعدلً؟ كل وال أين مثل أبي الخطاب في سيرته‬
‫وعدله وفضله‪.‬؟)‪.‬‬
‫ثم يقول العلمة الدرجيني‪( :‬وبلغنا أن امرأتين‬
‫قد خرجتا من القيروان حين فتحها ال لبي الخطاب‬
‫بعد هزيمة أهلها‪ ،‬فنظرت إحداهما إلى القتلى مزملين‬
‫في ثيابهم كأنهم رقود‪ ،‬فقالت لصاحبتها‪( :‬انظري‬

‫‪ )(1‬انظر‪ :‬طبقات المشايخ بالمغرب‪ ،‬للعلمة أحمد بن سعيد الدرجيني‪ ،‬ج‬


‫‪1‬ص ‪ ،23-22‬ط‪ .‬إبراهيم طلي‪.‬‬
‫وسقط القناع‪69-‬‬
‫إليهم كأنهم رقود) فسمي ذلك الموضع "رقادة" إلى‬
‫اليوم) ثم يقول بعد ذلك‪( :‬ولما دخل أبو الخطاب‬
‫المدينة أمر أهل المدينة يخرجوا إلى قتلهم ليدفنوهم)‪.‬‬
‫ثم تحدث بعد ذلك عن وقفة وقفها أبو الخطاب‬
‫خذَ سلبه‪،‬‬
‫عندما وجد أحداً من جند عدوه القتلى قد أُ ِ‬
‫فضاقت عليه الدنيا بما رحبت بسبب هذا التصرف‬
‫المخالف لشريعة ال‪ ،‬يقول العلمة الدرجيني‪( :‬وقد‬
‫ل واحداً‬‫أمر أبو الخطاب من يتفقد القتلى‪ ،‬فوجد قتي ً‬
‫منهم مسلوباً‪ ،‬وأمر منادياً ينادي في عسكره‪( :‬من‬
‫نزع عن أحد من القتلى شيئاً فليردده) فلم يرد أحد‬
‫شيئاً‪ ،‬فعلم أن سالبه عمل غير صالح‪ ،‬فلما أيس من‬
‫رد سلب القتيل المذكور طوعاً ومخافة من عقاب ال‬
‫تعالى‪ ،‬دعى أبو الخطاب ربه عز وجل أن يفضحه‬
‫ويظهره على أعين الناس‪ ،‬فأمر أبو الخطاب فرساناً‬
‫من عسكره بأن يخرجوا ويجروا خيلهم بين يديه وكان‬
‫فيهم رجل فارس من سدراته‪ ،‬فلما أجريت الخيل‬
‫انقطع حزام سرج السدراتي‪ ،‬فوجد كساءً سفسارية‬
‫تحت سرجه‪ ،‬فسقطت الكساء على أعين الناس‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫بل كان جبة حرير) ثم يقول بعد ذلك‪( :‬كل ذلك من‬
‫الكرامات‪ ،‬فأخذه المام رحمه ال وعزره حسب ما‬
‫اقتضاه الجتهاد) يعني أن المام عزر أحد جنوده‬
‫بسبب هذه المخالفة التي وقع فيها فلم يسكت عنها‪ ،‬ل‬
‫كما تفعل الحشوية حيث تستبيح الموال وتنتهك‬
‫العراض‪.‬‬

‫وسقط القناع‪70-‬‬
‫ثم يقول العلمة الدرجيني‪( :‬وبلغنا أن أبا‬
‫الخطاب رضي ال عنه لما هزمهم أحسن فيهم‬
‫السيرة‪ ،‬وأمر أصحابه أل يتبعوا مدبراً ول يجهزوا‬
‫على جريح‪ ،‬فقال رجل من لواتى من معسكر أبي‬
‫الخطاب يقال له خالد‪( :‬نأكل من أموالهم كما يأكلوا‬
‫أموالنا ويعتقدون أنها غنيمة أحلت لهم‪ ،‬فقال أبو‬
‫الخطاب رحمه ال‪( :‬إن فعلنا كما فعلوا فحق على ال‬
‫أن يرفضنا ويدخلنا معهم جهنم‪ ،‬فنكون كما قال ال‬
‫تعالى‪ :‬كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا‬
‫فيها جميعاً قالت أخراهم لولهم ربنا هؤلء أضلونا‬
‫فآتهم عذاباً ضعفاً من النار قال لكل ضعف ولكن ل‬
‫تعلمون‪ ‬وقالت أولهم لخراهم فما كان لكم علينا من‬
‫‪1‬‬
‫فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون‪.) ( ‬‬
‫هذا هو تصرف الباضية الذين جعلتهم أيها‬
‫الحشوي أفراخ الخوارج‪.‬‬
‫يا طحان‪ ،‬حاولت برحاك أن تطحن حجة الحق‬
‫الدامغة‪ ،‬وأن تلبس الحق بالباطل‪ ،‬وأن تصور أهل‬
‫الحق في صورة أهل الباطل‪ ،‬ولكن يأبى ال ذلك‪،‬‬
‫فالشواهد قائمة والبينة ظاهرة‪ ،‬ونحن نعلم يقيناً أن‬
‫الباضية في جميع أدوارهم يتحرجون كل التحرج من‬
‫مال الموحد مهما كان‪ ،‬ولو أبيح دمه بسبب بغيه‪.‬‬
‫سيرة المام عزان بن قيس في عُمان‪-:‬‬

‫‪ )(1‬العراف ‪.39-38‬‬
‫وسقط القناع‪71-‬‬
‫ومما ذكره إمامنا نور الدين السالمي رحمه ال‬
‫تعالى في كتابه "تحفة العيان بسيرة أهل عمان" أن‬
‫المام العدل عزان بن قيس رضي ال تعالى عنه( ) قام‬
‫‪1‬‬

‫على طائفة باغية في أطراف بلد عمان‪ ،‬فلما ذهب‬


‫إليهم بجنده نزل في قرية‪ ،‬وتلك القرية كانت مشهورة‬
‫بجودة النبا ‪-‬أي شجر المانجو‪ -‬فنزل أصحابه تحت‬
‫ظلل تلك الشجار‪ ،‬وكان ذلك وقت ثمرها‪ ،‬فتساقط‬
‫الثمر في أوعيتهم وفرشهم‪ ،‬فما مد أحد منهم يده ليأخذ‬
‫شيئاً من هذه الثمار‪ ،‬إل أحد الجند أخذ ثمرة واحدة‬
‫فزجره المام عن ذلك زجراً شديداً‪ ،‬وشدد عليه‬
‫التقريع واللوم على ذلك( ) وإن لم يعاقبه فإنه ربما نظر‬
‫‪2‬‬

‫إلى أن هذه الثمرة سقطت بنفسها ولم يمد يده ليأخذها‪،‬‬


‫فمن أجل ذلك ترك عقوبته‪ ،‬لكن مهما يكن من أمر‬
‫فإن ذلك دليل واضح على أن أهل الحق والستقامة‬
‫يتحرجون تحرجاً شديدًا من أموال أهل التوحيد‪.‬‬
‫دور الباضية في حرب النصارى وطرد‬
‫المستعمرين‪-:‬‬
‫إننا نسأل هؤلء الحشوية الذين يزعمون أنهم‬
‫سلفية‪ ،‬وأنهم على طريق الحق‪ ،‬وأنهم يغارون لدين‬
‫ال‪ ،‬من قاتلوا من المشركين؟! هل خرجت حروبهم‬
‫عن الجزيرة العربية التي هي مهد السلم‪ ،‬والتي‬

‫‪ )(1‬بويع له بالمامة عام ‪1285‬هك‪1869 -‬م‪.‬‬


‫‪ )(2‬تحفة العيان بسيرة أهل عمان للمام نور الدين السالمي‪ ،‬ج ‪ 2‬ص‬
‫‪ ،260-259‬ط مكتبة الستقامة‪ ،‬مسقط‪.‬‬
‫وسقط القناع‪72-‬‬
‫ظلت على دين السلم منذ بعث ال نبيه محمداً صلى‬
‫ال عليه وسلم؟ هل كانت الجزيرة العربية في يوم من‬
‫اليام مرتدة عن دين السلم‪ ،‬حتى يستبيحوا حرم‬
‫أهلها‪ ،‬فيسفكوا دماءهم‪ ،‬ويأخذوا أموالهم‪ ،‬ويعاملوهم‬
‫معاملة المشركين‪ ،‬يزهقون أرواحهم وأرواح الجنة‬
‫في أرحام نسائهم؟!‪.‬‬
‫أما الباضية ‪-‬أهل الحق والستقامة‪ -‬فإن‬
‫تأريخهم حافل بمواجهة أعداء السلم في كل مكان‬
‫سواء كان ذلك في المشرق أو في المغرب‪.‬‬
‫ففي بلد المشرق هنالك الكثير من الوقفات‬
‫التي وقفها أئمة الباضية وسادتهم وقادتهم في مواجهة‬
‫الكفرة وصد هجماتهم ذباً عن دين ال سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫دور المام الصلت بن مالك في طرد نصارى‬
‫الحبشة‪-:‬‬
‫من ذلك أن نصارى الحبشة أغاروا على بلد‬
‫سقطرى‪ ،‬فكتبت امرأة ‪-‬بعدما استبيحت الحرمات في‬
‫تلك البلدة‪ -‬قصيدة غراء إلى المام الصلت بن مالك‬
‫الخروصي رحمه ال تعالى( ) الذي كان بعمان‪ ،‬وجاء‬
‫‪1‬‬

‫في تلك القصيدة التصوير البالغ لفعال أولئك الكفرة‪،‬‬


‫الذين استباحوا ما استباحوه من أعراض النساء‬
‫المسلمات بما يندي الجبين ويدمع العين‪ ،‬ومما جاء‬
‫فيها‪-:‬‬
‫ما بال صلت ينام الليل‬
‫‪ )(1‬بويع له بالمامة ‪237‬هك‪.‬‬
‫وسقط القناع‪73-‬‬
‫مغتبطاً‬
‫وفي سقطرى حريم باد‬
‫بالنهب‬
‫قل للمام الذي ترجى‬
‫فضائله‬
‫بأن يغيث بنات الدين‬
‫والحسب‬
‫فقام المام وجند الجناد وأرسل أسطولً يتكون‬
‫من مائة سفينة وسفينة‪ ،‬وأمر على السطول قائدين‬
‫من أصحابه‪ ،‬وكتب إليهم عهداً يبلغ خمساً وعشرين‬
‫صفحة‪ ،‬فيه ما يجب أن يتبينه كل مسلم من سيرة‬
‫الباضية‪ ،‬حيث أمرهم أل يذعروا أحداً حتى أولئك‬
‫النصارى حتى يقيموا عليهم الحجة‪ ،‬ويدعوهم إلى‬
‫السلم أولً‪ ،‬فإن أبوا فليدعوهم إلى تسليم المر‬
‫وقبولهم أن يكونوا في ذمة المسلمين‪ ،‬فإن أبوا‬
‫فليقاتلوهم‪.‬‬
‫فنصر ال سبحانه وتعالى المسلمين‪ ،‬وهزم‬
‫القوم الكافرين( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫()تحفة العيان‪ ،‬ج ‪1‬ص ‪ ،182-166‬ط‪.‬الستقامة‪ ،‬مسقط‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ومما جاء في هذا العهد العظيم‪ ...( :‬وإذا التحمت الحرب بينكم‬
‫وبينهم فل تقتلوا صبيا صغيرا ول شيخا كبيرا ول امرأة‪ ،‬إل شيخا أو‬
‫امرأة أعانوا على القتال‪ ،‬ومن قتلتموه عند المحاربة فل تمثلوا به فإن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عن المثلة‪.)...‬‬
‫وسقط القناع‪74-‬‬
‫دور اليعاربة في تطهير البلد السلمية من‬
‫البرتغاليين‪-:‬‬
‫ومن ذلك أيضاً ما قام به المام الفاتح المظفر‬
‫ناصر بن مرشد اليعربي رحمه ال تعالى( )‪ ،‬إذ قام‬
‫‪1‬‬

‫على البرتغاليين الذين كانوا يجتاحون بلد الخليج‪،‬‬


‫وقد اجتاحوا كثيراً من بلد السلم في الشرق( )‪ ،‬فقام‬
‫‪2‬‬

‫عليهم وأجلهم من بلد الخليج‪ ،‬ثم قام بعد ذلك خلفاؤه‬

‫()بويع له بالمامة عام ‪1024‬هك‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫()وقد كان من نوايا هؤلء الستعماريين البرتغال السيطرة على مقدسات‬ ‫‪2‬‬

‫المسلمين في الحجاز ‪-‬الحرم المكي والحرم المدني‪ -‬لول أن قيض ال‬


‫تعالى هذا المام العادل فطهر ال به الرض من الفساد‪ ،‬ودفع به‬
‫المستعمرين عن بيته الحرام وحرم رسوله الكريم صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫وقد اعترف أحد الغربيين بهذه الحقيقة وهو البورفسور س‪ .‬بكنجهام حيث‬
‫يقول‪( :‬عندما نجح البرتغاليون في نهاية المطاف في إيجاد طريق بحري‬
‫إلى الهند‪ ،‬وأقاموا حصونهم ومحطاتهم التجارية على الساحلين الفريقي‬
‫والسيوي للمحيط الهندي‪ ،‬لم يكن لديهم أي شك في أنهم يقومون بشيء‬
‫ذي أهمية هائلة بالنسبة لتأريخ العالم‪.‬‬
‫فقد كانوا ينظرون لنجازاتهم على أنها عكس للفتوحات السلمية في‬
‫القرنين السابع والثامن‪ ،‬فالعرب في الحد الغربي لتوسعم قد فتحوا شبه‬
‫جزيرة إيبريا‪ ،‬وها هم البرتغاليون الن يهاجمون شواطئ شبه الجزيرة‬
‫العربية نفسها‪ ،‬ويهددون مدينة مكة المقدسة‪ ،‬ويخضعون المراء المسلمين‬
‫مثل حكام هرمز وملقا)‪.‬‬
‫انظر‪ :‬حصاد ندوة الدراسات العمانية‪ ،‬ج ‪ 6‬ص ‪ ،210‬ط وزارة‬
‫التراث القومي والثقافة بسلطنة عمان‪1400 ،‬هك‪1980 -‬م‪.‬‬
‫وسقط القناع‪75-‬‬
‫من بعده بإجلء أولئك البرتغاليين من شواطيء شرق‬
‫إفريقيا‪ ،‬وشواطيء بلد فارس‪ ،‬وشواطيء بلد الهند‬
‫ومن غيرها‪ ،‬فكان انتصارا مظفراً( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫دور إباضية تونس في حماية جزيرة جربة من‬


‫السبان‪-:‬‬
‫وأمبا بلد المغرب؛ فكانبت كذلك هنالك جولت‬
‫لصبحابنا أهبل الحبق والسبتقامة سبواء الذيبن هبم فبي‬
‫تونس أو الذين هم في الجزائر في مواجهة الكفرة‪.‬‬
‫ومن ذلك ما كان من أهل جزيرة جربة ‪-‬وهي‬
‫جزيرة صغيرة يحيط بها البحر من جهاتها الربع‪-‬‬
‫في مواجهة أساطيل السبان الذين كانت ترهب‬
‫أساطيلهم الشمال الفريقي بأسره‪ ،‬فقد واجهوهم بقوة‬
‫وعزم وحزم‪ ،‬وإن كنت يا طحان ومن معك من‬
‫الحشوية تجهلون ذلك فاسأل التأريخ الذي كتبه غير‬
‫الباضية‪ ،‬واسأل التأريخ الذي كتبه النصارى أنفسهم‬
‫عن هؤلء الباضية ‪-‬أهل الحق والستقامة‪ -‬كيف‬
‫واجهوا أولئك النصارى في تلك الديار؟ وكيف أنزلوا‬
‫بهم الهزائم المتلحقة؟ وتكفي تلك الهزيمة النكراء‬
‫التي أصيب بها أولئك النصارى بقيادة المام المظفر‬
‫أبي النجاة يونس بن سعيد التعاريتي والمام أبي‬

‫()انظر‪ :‬تحفة العيان بسيرة أهل عمان‪ ،‬للمام العلمة نور الدين‬ ‫‪1‬‬

‫السالمي‪ ،‬تجد ما يثلج صدر كل مسلم من مقاومة الباضية ‪-‬أهل الحق‬


‫والستقامة‪ -‬للستعمار الغربي‪.‬‬
‫وسقط القناع‪76-‬‬
‫زكريا يحيى السمومني‪ ،‬وكان ذلك في السنة السادسة‬
‫بعد التسعمائة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل‬
‫الصلة والسلم‪ ،‬فقد هزموا أسطولً يتكون من مائة‬
‫وعشرين سفينة‪ ،‬فيه عشرون ألفاً من المقاتلين‬
‫المدججين بالسلح المزودين بأحدث ما ابتكره‬
‫النسان في ذلك الوقت من وسائل البادة والتدمير‪.‬‬
‫وشاء ال سبحانه وتعالى أن يحقق لهؤلء‬
‫الباضية ‪-‬أهل الحق والستقامة‪ -‬كرامة‪ ،‬إذ عصفت‬
‫العواصف بالنصارى بعد ما انهزموا ورجعوا إلى‬
‫سفنهم‪ ،‬فتكسرت تلك السفن وتحطمت وهلك منهم‬
‫خلق كثير‪ ،‬كما دون ذلك التاريخ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫دور إباضية الجزائر في الدفاع عن العاصمة‬


‫الجزائرية‪-:‬‬
‫عندما نزل السبان بالعاصمة الجزائرية( )‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫واجههم الباضية ‪-‬أهل الحق والستقامة‪ -‬حيث جاءوا‬


‫من وادي ميزاب على بعد أكثر من ستمائة كيلومتر‬
‫لينصروا إخوانهم المسلمين بالعاصمة الجزائرية‪،‬‬
‫فأبلوا بلءً حسناً‪ ،‬وقدرت لهم الدولة العثمانية هذا‬

‫()انظر‪ :‬الباضية في موكب التأريخ للعلمة علي يحيى معمر‪ ،‬ج ‪ 2‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،290-231‬ط مكتبة الضامري‪ ،‬السيب‪ ،‬مسقط‪ ،‬ستجد فيه الشارة إلى‬


‫اعترافات الغربيين بالجهاد السلمي الذي قام به أهل الحق والستقامة‬
‫ضد الفرنج‪.‬‬
‫‪ ))2‬وكانت الجزائر حينها تتبع الدولة العثمانية‪.‬‬
‫وسقط القناع‪77-‬‬
‫الدور اليجابي الفعال الذي فعلوه‪ ،‬لذلك اختصتهم‬
‫()‬
‫ببعض المزايا‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫هكذا يصنع الباضية‪ ،‬وتلك هي صنائع‬


‫الحشوية الذين ما كان منهم إل سفك دماء المسلمين‬
‫وأخذ أموالهم‪ ،‬وما كان منهم إل إخافة المسلمين‪ ،‬ولم‬

‫()انظر الباضية في موكب التأريخ‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.573 -571‬‬ ‫‪3‬‬

‫وننقل للقارئ الكريم شهادة الجنرال دوماس مستشار الدولة ومدير‬


‫شؤون الجزائر بوزارة الحرب السبانية كما وردت في كتابه "أخلق‬
‫وعادات الجزائر" وهي شهادة الخصم وكما هو معرف أن شهادته من‬
‫أقوى الشهادات‪ ،‬يقول هذا الجنرال بالنص ‪-‬ما بين حاصرتين فهو منا‬
‫لزالة بعض الوهم الذي وقع فيه الجنرال في حق المسلمين‪( :-‬إنها تعود‬
‫إلى سنة ‪1541‬م وإلى الحملة الرهيبة التي وجهها شارل= =الخامس‬
‫‪-‬شارلكان‪ -‬ضد مدينة الجزائر التي بدأ القراصنة البرابرة [يقصد‬
‫المسلمين] لتحصينها بجعلها مصدر الرعب للمسيحية‪.‬‬
‫وجد المبراطور بعد الستطلع أن الربوات التي تشرف على مدينة‬
‫الجزائر من جهة الجنوب هي موقع مناسب لتثبيت قطع المدفعية‪ ،‬وأعطى‬
‫الوامر لكي يشيد برج أو مركز هجوم في أسرع وقت لن هذا المركز‬
‫يشكل نقطة هامة بالنسبة لجيشه‪ ،‬وفي ليلة واحدة شيد برج منيع محاط‬
‫بالخنادق‪ ،‬وسلحه بقطع ذات العيار الكبير‪ ،‬وسماه العرب (برج بو ليلة)‬
‫تخليدا للسرعة الهائلة التي بني بها‪.‬‬
‫من الصعب جدا الستيلء على موقع كهذا على درجة كبيرة من‬
‫الحصانة والمناعة‪ ،‬والمدينة بعد أن صعقت ل يمكن أن تصمد أكثر‪.‬‬
‫في هذه الظروف الحرجة قرر بنو ميزاب [أي الباضية] ‪-‬الذين‬
‫يوجد منهم عدد كبير منذ ذلك الوقت في الجزائر‪ -‬أن يضحوا بأنفسهم=‬
‫وسقط القناع‪78-‬‬
‫تسلم منهم حتى الجنة؛ أجنة المسلمين في أرحام‬
‫المهات فال تعالى المستعان‪.‬‬

‫=لنقاذ المدينة فعرضوا خطتهم على الباشا‪ ،‬فما كان من هذا الخير إل‬
‫أن وافق كما هو متوقع‪.‬‬
‫والحيلة التي استعملها بنو ميزاب للوصول دون خطر إلى الموقع هي‬
‫كما يلي‪-:‬‬
‫لبسوا ملبس النساء‪ ،‬وغطوا وجوههم باللحاف حسب العادة المحلية حتى‬
‫ل تظهر لحاهم وشواربهم‪ ،‬وأخفوا تحت حواثكهم مسدسات ملى بالذخيرة‬
‫وخناجر مشحذة‪ ،‬فخرجوا من المدينة من جهة (الباب الجديد) وتوجهوا‬
‫نحو الموقع‪ ،‬عند ظهورهم توقف السبان الموجودون في الخنادق عن‬
‫إطلق النار ظنا منهم أن سكان المدينة قد استسلموا معبرين عن ذلك بهذه‬
‫القافلة من النساء حسب الطريقة المتبعة عند المسلمين [ليس صحيحا أن‬
‫هذه طريقة إسلمية‪ ،‬بل لم يؤثر عن المسلمين مثل ذلك أبدا وهذا من‬
‫مطاعن المستشرقين قطعا]‪.‬‬
‫وهكذا دخل هؤلء المهاجمون الماكرون الحصن دون عرقلة‪ ،‬وما إن‬
‫دخل آخرهم حتى كشفوا عن دورهم الحقيقي فأفرغوا أسلحتهم في هؤلء‬
‫السبان المغرورين وسلوا خناجرهم‪ ،‬فاحتدمت معركة عنيفة ورهيبة لم‬
‫تنته إل بموت آخر مدافعي الحصن‪ ،‬ورغم المفاجأة لم يكن الدفاع أقل‬
‫عنفا وضراوة مما تسبب في هلك كثير من بني ميزاب‪ ،‬وما إن سيطر‬
‫هؤلء على الحصن وبعد الشارة المتفق عليها من قبل‪ ،‬أسرعت قافلة من‬
‫جند المشاة كانت قد أعدت من قبل وراء الباب الجديد فأخذت مواقعها‬
‫وسقط القناع‪79-‬‬
‫اعتراف‪...‬‬
‫وإنكار‪!!...‬‬
‫ومن الدواهي التي جاء بها هذا الطحان أنه‬
‫حاول أن يشنع على أهل الحق والستقامة بسبب‬
‫تفرقتهم في تفسير النظر‪ ،‬بين النظر المذكور في‬
‫سورة العراف في قوله تعالى‪ :‬ربي أرني انظر إليك‪‬‬
‫( ) وبين النظر المذكور في سورة القيامة في قوله‬ ‫‪1‬‬

‫ناضرة إلى ربها ناظرة‪.) ( ‬‬


‫‪2‬‬
‫‪‬‬ ‫تعالى‪ :‬وجوه يومئذ‬
‫ولست أدري هل هذه مكابرة للحقيقة‪ ،‬ومحاولة‬
‫لتكذيب العقل السليم‪ ،‬أو أن ذلك عائد إلى جهل هذا‬
‫الطحان وعدم تفرقته بين ما تدل عليه هذه القرينة وما‬
‫تدل عليه تلك من الكلم‪ ،‬فهو نفسه ذكر في كلمه أن‬
‫النظر يأتي لمعانٍ‪ ،‬وأقر أن النظر يأتي لمعان متعددة‪،‬‬
‫أوصلها إلى أربعة معان‪ ،‬وقد نص على ذلك في كتب‬
‫اللغة العربية‪ ،‬ومع ذلك كله نجد أنه يحاول أن يلبس‬

‫داخل برج بو ليلة) ا‪.‬هك‪.‬‬


‫يقول العلمة علي يحيى معمر عن ذلك الموقف البطولي‪( :‬هذا‬
‫موقف من مواقف الجهاد في سبيل ال كما صوره مستشار دولة معادية‬
‫يتولى إدارة شؤون الحرب في الجزائر يفيض قلبه مرارة من فشل=‬
‫=السبان وحقدا على المسلمين‪ ،‬ول شك لو أنا أخذنا الصورة عن مؤرخ‬
‫نزيه لكانت أجمل وأروع من هذا بكثير‪.‬‬
‫‪ )(1‬العراف ‪.143‬‬
‫‪ ))2‬القيامة ‪.23-22‬‬
‫وسقط القناع‪80-‬‬
‫الحق بالباطل في هذه القضية‪ ،‬مشوهاً صورة أهل‬
‫الحق والستقامة‪ ،‬عازياً إليهم الباطل وهم براء منه‪.‬‬
‫فهناك ‪-‬يا طحان‪ -‬فرق كبير ما بين هاتين‬
‫اليتين‪ ،‬ذلك لن قوله تعالى في سورة العراف‪:‬‬
‫ربي أرني انظر إليك‪ ‬اقترن فيه النظر بذكر الرؤية‪،‬‬
‫كما يدل أيضًا قوله سبحانه وتعالى في الرد على هذا‬
‫الخطاب في قوله‪ :‬لن تراني‪ ‬على أن المقصود‬
‫بالنظر هنا الرؤية‪.‬‬
‫ناضرة إلى‬
‫‪‬‬ ‫أما في قوله تعالى‪ :‬وجوه يومئذ‬
‫ربها ناظرة‪ ‬فإن تلك الية يقتضي سياقها خلف ما‬
‫تذهب إليه يا طحان‪ ،‬كيف وهي مسبوقة بقوله تعالى‪:‬‬
‫ناضرة الذي يدل على النضارة والبهجة والحسن‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫وجاء بعدها قوله سبحانه وتعالى‪ :‬ووجوه يومئذ‬
‫فاقرة أي تظن أمراً يقطع‬
‫‪‬‬ ‫باسرة‪ ‬تظن أن يفعل بها‬
‫فقار ظهورها‪ ،‬فهذه ناضرة‪ ،‬وتلك باسرة‪ ،‬وهذه إلى‬
‫ال ناظرة أي منتظرة لرحمته ودخول جنته‪ ،‬وتلك‬
‫بخلف ذلك أي تتوقع أمراً يقطع فقار ظهورها‬
‫تظن أن يفعل بها فاقرة‪ ‬فشتان ما بين هذا المعنى‬
‫وذلك المعنى‪ ،‬وإن خفي ذلك على مثل فهمك‬
‫المؤوف‪ ،‬فإنه ‪-‬بطبيعة الحال‪ -‬يرجع إلى سوء فهمك‬
‫ول يرجع إلى الحقيقة التي تحاول أن تكابرها‬
‫وتنكرها‪.‬‬
‫وقول ال تعالى‪ :‬وجوه يومئذ ناضرة‪ ‬إلى‬
‫مسفرة‬
‫‪‬‬ ‫ربها ناظرة‪ ‬هو كقوله تعالى‪ :‬وجوه يومئذ‬

‫وسقط القناع‪81-‬‬
‫ضاحكة مستبشرة‪ ) ( ‬ل فرق بين هذا وذاك‪ ،‬وخير ما‬
‫‪1‬‬

‫يفسر القرآن الكريم القرآن نفسه‪ ،‬وأقوى حجة في فهم‬


‫معنى القرآن هو ما جاء من نصوص القرآن نفسه‪.‬‬
‫افتراء وجرأة‬
‫على الكتاب والسنة‬
‫ولكنك ‪-‬يا طحان‪ -‬كيف يمكنك أن تبلغ مثل هذه‬
‫الحقائق وأنت المجترئ على كتاب ال وسنة رسوله‬
‫صلى ال عليه وسلم إذ قلت فيهما قولً عظيماً‪ :‬تكاد‬
‫السموات والرض يتفطرن منه وتنشق الرض‬
‫وتخر الجبال هداً‪ ) ( ‬ذلك لنك قلت في كتاب ال‬
‫‪2‬‬

‫سبحانه وتعالى بما يجعلك خصماً ل ولرسوله صلى‬


‫ال عليه وسلم يوم القيامة عندما قلت‪( :‬ل خير في‬
‫قرآن بل سنة‪ ،‬ول خير في سنة بل فهم لسلفنا الكرام)‬
‫وقلت‪( :‬فكل من يدعو إلى كتاب بل سنة فهو ضال‪،‬‬
‫وكل من يدعو إلى كتاب وسنة بل فهم لسلفنا البرار‬
‫فهو ضال)( ) فاجترأت بوقاحتك وبسوء عقيدتك‬ ‫*‬

‫‪ ))1‬عبس ‪.39-38‬‬
‫‪)(2‬مريم ‪.90‬‬

‫*‬
‫*)) هذا هو نص عبارته بالضبط في أشرطته التي أجلب فيها بخيله‬

‫ورجله على مدلول اليات القرآنية والحاديث النبوية‪ ،‬يتجرأ فيها على=‬
‫=سلب الخيرية عن القرآن الكريم والسنة الشريفة إل إن لويت أعناقها‬
‫وسقط القناع‪82-‬‬
‫وبجرأتك على ربك تبارك وتعالى أن نفيت الخير عن‬
‫كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وال‬
‫سبحانه وتعالى وصف الكتاب العزيز بخلف ما قلته‪،‬‬
‫ولم يأت في كتاب ال شيء ينفي الخير عنه‪ ،‬ولم يأت‬
‫فيه شيء ينفي الخير عن سنة رسوله صلى ال عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫فال تعالى يقول في هذا الكتاب العزيز‪ :‬ذلك‬
‫الكتاب ل ريب فيه هدى للمتقين‪ ) ( ‬ويقول سبحانه‪:‬‬
‫‪1‬‬

‫تلك آيات القرآن وكتاب مبين‪ ،‬هدى وبشرى‬


‫للمؤمنين ( ) ويقول عز من قائل‪ :‬تلك آيات الكتاب‬
‫‪‬‬ ‫‪2‬‬

‫()‬
‫الحكيم هدى ورحمة للمحسنين‪ ‬ويقول ال سبحانه‪:‬‬
‫‪3‬‬

‫لقد جاءكم من ال نور وكتاب مبين‪ ،‬يهدي به ال‬


‫من اتبع رضوانه سبل السلم ويخرجهم من الظلمات‬
‫إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم‪.) ( ‬‬
‫‪4‬‬

‫بمفهوم سلفه‪ .‬وال المستعان على ما يصفون‪.‬‬


‫وبهذا الكلم قد فضح ال "مشائخ البدعة" الذين ما فتئوا يتهمون‬
‫الناس بالبدع والضللة إذا خالفوا مسلك الحشوية ويدعون أنهم قد خالفوا‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬فانظر أخي المسلم أي بدعة أكبر من هذه البدعة التي‬
‫ترمي بصاحبها في النار إذالم يتب إلى ال تعالى ويرجع إلى الحق‪.‬‬
‫()البقرة ‪.2‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ )(2‬النمل ‪.2-1‬‬
‫‪ )(3‬لقمان ‪.3-2‬‬
‫‪ )(4‬المائدة ‪.15-14‬‬
‫وسقط القناع‪83-‬‬
‫وأنت ‪-‬يا أيها الطحان‪ -‬اجترأت على ال‬
‫سبحانه وتعالى فقلت هذا القول العظيم في كتابه‪،‬‬
‫ونفيت الخير عنه وجعلته مجرد قنطرة عبور إلى‬
‫غيره‪ ،‬من أين لك ذلك؟!!‪.‬‬

‫وسقط القناع‪84-‬‬
‫وسقط القناع‪!!...‬‬
‫هنا سقط برقع الحشوية إذ يتبرقعون باسم‬
‫السلفية‪ ،‬ويدّعون زوراً وبهتاناً أنهم من أتباع سلفنا‬
‫الصالح ‪-‬الصحابة والتابعين‪ -‬شتان بين الصحابة‬
‫والتابعين وبين هؤلء الحشوية الذين يقولون على‬
‫كتاب ال وعلى سنة رسوله صلى ال عليه وسلم ما لم‬
‫يأذن به ال‪.‬‬
‫اقرأ يا طحان قول ال سبحانه وتعالى في كتابه‬
‫العزيز‪ :‬وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت‬
‫تدري ما الكتاب ول اليمان‪ ،‬ولكن جعلناه نوراً نهدي‬
‫به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط‬
‫مستقيم‪ ) ( ‬سماه ال روحاً لن الرواح تحيا به‪ ،‬كما‬
‫‪1‬‬

‫أن الجساد تحيا بالرواح‪ ،‬وسماه نوراً لن البصائر‬


‫تستهدي به‪ ،‬ولكن أي بصائر هذه؟! إنما هي بصائر‬
‫المؤمنين‪ ،‬ل بصائر الحشوية الذين يجترئون على ال‬
‫فيصفونه بصفات خلقه‪ ،‬والذين يجترئون على كتاب‬
‫ال فيكذبونه‪ ،‬إذ ينفون الخير عنه‪.‬‬
‫ويقول ال سبحانه وتعالى‪ :‬وننزل من القرآن‬
‫ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ول يزيد الظالمين إل‬
‫خساراً‪ ) ( ‬فال تعالى سمى هذا القرآن شفاءً وسماه‬
‫‪2‬‬

‫رحمة للمؤمنين‪ ،‬ولكن مع ذلك ل يزيد الظالمين الذين‬

‫‪ )(1‬الشورى ‪.52‬‬
‫()السراء ‪.82‬‬ ‫‪2‬‬

‫وسقط القناع‪85-‬‬
‫يجترئون عليه فيكذبونه ويردونه من أمثال الحشوية‬
‫إل خساراً‪.‬‬
‫وقد بلغ المر بالحشوية أن اجترأوا هذه الجرأة‬
‫العظيمة التي أسقطت قناعهم‪ ،‬وفضحت عوارهم‪،‬‬
‫وبينت دخائلهم‪ ،‬وكشفت حقيقة أمرهم للمؤمنين‪ ،‬فقد‬
‫وضح الصبح لذي عينين من كلم هذا الطحان عندما‬
‫وصف هذا القرآن بما وصفه به‪ ،‬على أن القرآن‬
‫الكريم يأمرنا عند الختلف أن ل نحتكم إل إلى‬
‫القرآن نفسه وإلى سنة الرسول صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫فال تعالى يقول‪ :‬فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى‬
‫ال والرسول إن كنتم تؤمنون بال واليوم الخر‪.) ( ‬‬
‫‪1‬‬

‫كيف تجترئ ‪-‬يا طحان‪ -‬على أن تجعل القرآن‬


‫الكريم مجرد قنطرة عبور وتنفي عنه الخير‪ ،‬وال‬
‫سبحانه وتعالى يقول فيه‪ :‬يا أيها الناس قد جاءكم‬
‫برهان من ربكم‪ ،‬وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً‪ ) ( ‬وقد‬
‫‪2‬‬

‫صدق ال سبحانه وتعالى عندما وصف المنافقين بما‬


‫وصفهم به إذ قال‪ :‬وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل‬
‫ال وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك‬
‫صدوداً‪ ) ( ‬وقال‪ :‬وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل ال‬
‫‪3‬‬

‫‪ )(1‬النساء ‪.59‬‬
‫‪ )(2‬النساء ‪.174‬‬
‫‪ )(3‬النساء ‪.61‬‬
‫وسقط القناع‪86-‬‬
‫وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباؤنا أو لو‬
‫كان آباؤهم ل يعلمون شيئاً ول يهتدون‪.) ( ‬‬
‫‪1‬‬

‫فالضالون هم الضالون والمنافقون هم‬


‫المنافقون في كل عصر‪ ،‬لقد انكشفت دخائلكم يا معشر‬
‫الحشوية من خلل هذا الكلم الذي تلقفتموه بالقبول‬
‫ونشرتموه في أرجاء الرض‪ ،‬هذا دليل على أنكم‬
‫جميعاً مواطئون للطحان فيما يقوله‪ ،‬مجامعون له في‬
‫هذا العتقاد الخبيث في كتاب ال وفي سنة رسوله‬
‫صلى ال عليه وسلم؛ اعتقاد نفي الخير عن كتاب ال‬
‫وعن السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلة‬
‫والسلم‪ ،‬يقول ال تعالى في كتابه‪ :‬كتاب أنزلناه إليك‬
‫مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا اللباب‪ ) ( ‬ويقول‬
‫‪2‬‬

‫سبحانه‪ :‬قد فصلنا اليات لقوم يذكرون‪.) ( ‬ويقول‪:‬‬


‫‪3‬‬

‫فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة‪.) ( ‬‬


‫‪4‬‬

‫ويقول سبحانه‪ :‬اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم‬


‫ول تتبعوا من دونه أولياء قليلً ما تذكرون‪.) ( ‬‬
‫‪5‬‬

‫ويقول سبحانه‪ :‬يا أيها الناس قد جاءتكم‬


‫موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى‬

‫‪ )(1‬المائدة ‪.104‬‬
‫()ص ‪.29‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ )(3‬النعام ‪.126‬‬
‫()النعام ‪.157‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ )(5‬العراف ‪.3‬‬
‫وسقط القناع‪87-‬‬
‫ورحمة للمؤمنين‪ ) ( ‬إي وربي إنه لهدى ورحمة‬
‫‪1‬‬

‫للمؤمنين‪.‬‬
‫ويقول سبحانه‪ :‬كتاب أحكمت آياته ثم فصلت‬
‫من لدن حكيم خبير‪.) ( ‬‬
‫‪2‬‬

‫ويقول عز من قائل‪ :‬إنا أنزلناه قرآناً عربياً‬


‫لعلكم تعقلون‪.) ( ‬‬
‫‪3‬‬

‫ويقول سبحانه‪ :‬إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم‬


‫تعقلون ( )‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪‬‬
‫ويقول تعالى‪ :‬كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً‬
‫لقوم يعلمون‪.) ( ‬‬
‫‪5‬‬

‫ويقول سبحانه وتعالى‪ :‬قل هو للذين آمنوا‬


‫هدى وشفاء‪ ‬لم يقل ل خير فيه بل قال‪ :‬قل هو للذين‬
‫آمنوا هدى وشفاء والذين ل يؤمنون في آذانهم وقر‬
‫وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد‪ ) ( ‬نعم‪،‬‬
‫‪6‬‬

‫الحشوية المجسمة الذين يكذبون كتاب ال سبحانه‬


‫وتعالى هو في آذانهم وقر وهو عليهم عمى‪ ،‬لذلك‬
‫اجترأوا على هذا الكتاب العزيز فوصفوه بما وصفوه‬
‫به‪ ،‬وهو دليل على أنهم يحاربون عقيدة السلم بل‬

‫()يونس ‪.57‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ )(2‬هود ‪.1‬‬
‫()يوسف ‪.2‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ )(4‬الزخرف ‪.3‬‬
‫‪ )(5‬فصلت ‪.3‬‬
‫()فصلت ‪.44‬‬ ‫‪6‬‬

‫وسقط القناع‪88-‬‬
‫يحاربون نفس السلم‪ ،‬إذ هم يبطنون الكيد له‬
‫ويحيكون المؤامرات ضد أهله‪.‬‬
‫يقول ال سبحانه‪ :‬ولقد يسرنا القرآن للذكر‬
‫فهل من مدكر‪ ) ( ‬فال سبحانه وتعالى يسر هذا القرآن‬
‫‪1‬‬

‫للذكر وقال‪ :‬هل من مدكر؟‪.‬‬


‫ثم قال فيه سبحانه أيضاً‪ :‬ما كان حديثاً يفترى‬
‫ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء‬
‫وهدى ورحمة لقوم يؤمنون‪.) ( ‬‬
‫‪2‬‬

‫وقد أنذر ال سبحانه وتعالى هؤلء الذين‬


‫يجترؤون على كتابه بالرد والعراض والصدّ عنه‬
‫فقال‪ :‬وقد آتيناك من لدنا ذكراً‪ ‬من أعرض عنه فإنه‬
‫يحمل يوم القيامة وزراً‪ ‬خالدين فيه وساء لهم يوم‬
‫القيامة حملً‪.) ( ‬‬
‫‪3‬‬

‫هذه عاقبة الحشوية الذين يكذبون كتاب ال‪.‬‬


‫هذه عاقبتك يا طحان إن لم تتب إلى ربك‪،‬‬
‫وتقلع عن غيك‪ ،‬وتؤمن بكتاب ربك وسنة نبيك صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬على أننا نقول‪ :‬إن كنت تقصد بهذا‬
‫الكلم أن كتاب ال سبحانه وتعالى بحاجة إلى البيان‬
‫واليضاح‪ ،‬فمهما يكن من أمر ل يجوز لحد أن‬
‫يجتري على أن يقول‪ :‬كتاب ال ل خير فيه‪ .‬ونحن‬
‫نقول بأن كثيراً من آيات الكتاب فصلت تفصيلً كما‬

‫‪ )(1‬القمر ‪.17‬‬
‫‪ )(2‬يوسف ‪.111‬‬
‫()طه ‪.101-99‬‬ ‫‪3‬‬

‫وسقط القناع‪89-‬‬
‫أخبر ال سبحانه وتعالى بأنه كتاب فصلت وبينت آياته‬
‫في آيات متعددة‪ ،‬فالكتاب العزيز كثير من قضاياه‬
‫جاءت مفصلة مبينة ل سيما تلك القضايا التي تتصل‬
‫بالعقيدة‪ ،‬فل يمكن أن يقال بأن التمسك بها ل خير‬
‫فيها‪ ،‬على أن كتاب ال سبحانه وتعالى قد نقل إلينا‬
‫نقلً تواترياً فل يجوز لحد أن يشك في حرف منه‪،‬‬
‫فقد أجمعت المة على نقله جيلً بعد جيل منذ نزوله‬
‫على قلب النبي الخاتم محمد صلى ال عليه وسلم وإلى‬
‫وقتنا هذا‪ ،‬فل ريب في أي شيء جاء به القرآن‬
‫الكريم‪.‬‬
‫ونصوص القرآن الكريم في كثير من القضايا‬
‫‪-‬كما قلت‪ -‬نصوص واضحة ظاهرة‪ ،‬فيجب الحتكام‬
‫إليها‪ ،‬وسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم هي الحجة‬
‫بعد كتاب ال‪ ،‬وال تعالى أخبر عن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم بأنه ل ينطق عن الهوى‪ ،‬وأخبر عن قوله‬
‫بأنه وحي يوحى بقوله سبحانه وتعالى‪ :‬وما ينطق‬
‫عن الهوى‪ ‬إن هو إل وحي يوحى‪ ) ( ‬فيجب التسليم بما‬
‫‪1‬‬

‫ثبت عن الرسول صلى ال عليه وسلم ثبوتاً جازماً من‬


‫غير أن يكون هناك أي تردد‪ ،‬على أن الناس جميعاً‬
‫‪-‬وإن عظمت أقدارهم‪ ،‬وكثرت علومهم‪ ،‬وعظم‬
‫فضلهم‪ -‬فهم ل يمكن بأي حال من الحوال أن يرفع‬
‫كلمهم إلى منزلة كلم ال وكلم النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فالواجب أن ينزل كلم كل أحد منزلته‪ ،‬فكلم‬

‫‪ ((1‬النجم ‪.4-3‬‬
‫وسقط القناع‪90-‬‬
‫الناس جميعاً إنما يجب أن يعرض على كلم ال‬
‫وعلى كلم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬إذ الكتاب‬
‫العزيز والسنة النبوية على صاحبها أفضل الصلة‬
‫والسلم هما الميزان العدل الذي يفرق به بين الحق‬
‫والباطل‪ ،‬والمحك الذي يتبين به الهدى والضلل‪،‬‬
‫والغي والرشد‪ ،‬والستقامة والنحراف‪ ،‬ومهما يكن‬
‫من أمر فإن المسلم الحق ل يتردد في قبول شيء مما‬
‫جاء من كتاب ال تعالى ومن سنة رسوله صلى ال‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫أما أولئك الذين فسدت فطرهم‪ ،‬وانحرفت‬
‫عقائدهم‪ ،‬وضلت عقولهم‪ ،‬فهم الذين يقدمون كلم غير‬
‫ال سبحانه وتعالى على كلمه‪ ،‬ويقدمون حديث الناس‬
‫على ما ثبت عن الرسول صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫ويردون الحق بالباطل‪ ،‬ل إله إل ال‪ ،‬ما هذه المصيبة‬
‫التي حلت بالسلم؟!‪.‬‬
‫كيف يجتري هؤلء في بلد السلم وبين‬
‫أوساط المسلمين على كتاب ال وعلى سنة رسوله‬
‫صلى ال عليه وسلم؟!‬
‫أين غيرة أولي البصائر من المسلمين؟!‬
‫على أن هذا ليس ببعيد إذا نظرنا إلى حديث‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم عندما قال عليه أفضل‬
‫الصلة والسلم‪(( :‬لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر‪،‬‬

‫وسقط القناع‪91-‬‬
‫وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه))‬
‫( ) فإن ال سبحانه وتعالى يقول في أهل الكتاب ‪-‬الذين‬ ‫‪1‬‬

‫هم أسلف هؤلء الحشوية كما تبين لنا‪ :-‬اتخذوا‬


‫أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون ال والمسيح ابن‬
‫مريم‪ ) ( ‬وعندما قال عدي بن حاتم لرسول ال صلى‬ ‫‪2‬‬

‫ال عليه وسلم‪( :‬إنهم لم يعبدوهم) قال له رسول ال‬


‫صلى ال عليه وسلم‪(( :‬أليسوا قد أحلوا لهم الحرام‪،‬‬
‫وحرموا عليهم الحلل فأطاعوهم)) قال له‪( :‬بلى)‬
‫()‬
‫قال‪(( :‬فتلك عبادتهم إياهم))‬
‫‪3‬‬

‫فتحليل الحرام وتحريم الحلل عدها ال تبارك‬


‫وتعالى عبادة لهؤلء الذين يخالفون أمره ويجانفون‬
‫الحق الذي أنزله‪ ،‬فكيف بهؤلء الذين يجترؤون هذه‬
‫الجرأة الوقحة على كتاب ال وسنة رسوله صلى ال‬
‫عليه وسلم إلى حد أن يقولوا بنفي الخير عنهما‪.‬‬
‫ول ريب أننا ونحن نسمع مثل هذه الفلتات التي‬
‫تنم عن خبث طوايا هؤلء الحشوية‪ ،‬وعن محاربتهم‬

‫‪ )(1‬رواه البخاري في كتاب العتصام بالكتاب والسنة‪ ،‬باب ‪ ،14‬ورقماه‬


‫‪ ،7319،7320‬وفي كتاب أحاديث النبياء‪ ،‬باب ‪ ،50‬ورقمه ‪ ،3456‬ورواه‬
‫مسلم في كتاب العلم‪ ،‬باب ‪،3‬ورقمه ‪ ،2669‬ورواه ابن ماجه في كتاب‬
‫الفتن‪ ،‬باب ‪ ،17‬ورقمه ‪.3994‬‬
‫()التوبة ‪.31‬‬ ‫‪2‬‬

‫()رواه المام ابن جرير الطبري في تفسيره لهذه الية بطرق كثيرة‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫انظر‪ :‬جامع البيان في تفسير القرآن‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪ ،81-80‬ط‪.‬دار‬


‫المعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫وسقط القناع‪92-‬‬
‫للحق وللسلم‪ ،‬ومحاولتهم الصدّ عن سبيل ال‬
‫وصرف المسلمين عن كتابه الكريم وعن سنة رسوله‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬نتذكر ذلك الوصف العجيب‬
‫الذي ذكره ال عز وجل في المنافقين عندما قال‬
‫لرسوله صلى ال عليه وسلم‪ :‬فلعرفتهم بسيماهم‬
‫ولتعرفنهم في لحن القول‪ ) ( ‬فإن فلتات ألسنتهم وبوادر‬
‫‪1‬‬

‫كلمهم تنم عن خبث طواياهم وتكشف حقيقة أمرهم‪،‬‬


‫وقد تبين لنا من خلل هذا الذي سمعناه من هذا‬
‫المحاضر ‪-‬الطحان‪ -‬ومن غيره من هؤلء الحشوية‪،‬‬
‫خبث المقصد‪ ،‬فهم يكيدون كيداً وال سبحانه يكيد لهم‬
‫كيداً‪ ،‬فقد كشف ال سبحانه وتعالى عوارهم‪ ،‬وأسقط‬
‫برقعهم من فلتات ألسنتهم‪ ،‬فقد تبين بهذا أنهم معادون‬
‫لكتاب ال ولسنة رسوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وما هم‬
‫إل امتداد لولئك المنافقين الذين تقمصوا السلم في‬
‫عهد الرسول صلى ال عليه وسلم لجل الكيد للسلم‬
‫والمسلمين‪ ،‬وما هذا إل حلقة في سلسلة مؤامراتهم‬
‫على السلم‪.‬‬
‫وقد يقول قائل‪ :‬بأن هؤلء الحشوية لعلهم غير‬
‫مجمعين على هذا الرأي‪ ،‬ولعلهم ل يجامعون الطحان‬
‫على هذه العقيدة؛ عقيدة أن القرآن الكريم وحديث‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ل خير فيهما وأنهما‬
‫مجرد قنطرة عبور يتوصل بهما إلى ما قاله أسلفهم‬

‫‪ ((1‬محمد ‪.30‬‬
‫وسقط القناع‪93-‬‬
‫من لي أعناق اليات حتى تتفق مع أهوائهم وخرافاتهم‬
‫وبدعهم‪.‬‬
‫والجواب عن ذلك‪ :‬أن الحشوية لو لم يكونوا‬
‫مجامعين للطحان في هذا المعتقد وراضين بهذا‬
‫المقال‪ ،‬ومشاركين له في هذه المؤامرة ضد السلم‬
‫والمسلمين لما طاروا فرحاً بهذه المحاضرة‪ ،‬ونشروا‬
‫أشرطتها في أرجاء الرض‪ ،‬فل تكاد مكتبة من‬
‫مكتبات الحشوية تخلو من العدد الهائل من أشرطة‬
‫هذه المحاضرة التي فيها هذه المحاربة الصارخة‬
‫الصريحة لكتاب ال ولسنة رسوله صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ولو كانت الحشوية غير موافقة للطحان في هذا‬
‫الذي قاله لعلنت الرد عليه‪ ،‬وقد مضى وقت على‬
‫إلقائه هذه المحاضرة فمن ذا رد عليه يا قوم؟! ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫هل رد عليه أحد؟ أو أنهم حرصوا كل الحرص‬


‫على نشر هذا الهراء‪ ،‬ونشر هذا الباطل في أرجاء‬
‫الرض إنهم يكيدون كيداً‪ ‬وأكيد كيد ‪‬اً فمهل‬
‫الكافرين أمهلهم رويداً‪.) (‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ )(1‬لقد ظل الحشوية ساكتين عن الرد بل فرحين بكلم الطحان حتى رد‬


‫عليه سماحة الشيخ العلمة الخليلي وفضحهم فضحا بينا‪ ،‬فحاولوا تلفي‬
‫ذلك بالرد عليه في كتيبات‪ ،‬وهكذا هؤلء الحشوية إذا افتضح أحدهم فإنهم‬
‫يظهرون للناس أنهم يردون عليه‪ ،‬وال أعلم بحقيقة موقفهم منه‪ ،‬زادهم ال‬
‫تشتتا وفرقة ونجّا ال المسلمين من شرورهم‪.‬‬
‫()الطارق ‪.17-15‬‬ ‫‪2‬‬

‫وسقط القناع‪94-‬‬
‫افتراء الطحان‬
‫على سلف المة‬
‫ثم إن الطحان حاول أن يكابر الحقيقة عندما‬
‫ادعى أنه لم يقل بما فسرنا به قول ال تعالى‪ :‬وجوه‬
‫ناظرة أحد من السلف‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫يومئذ ناضرة‪ ‬إلى ربها‬
‫ما المراد بكلمة "السلف" في كلمه؟‪.‬‬
‫هل المراد بذلك السلف الصالح؟ أو أن المراد‬
‫بذلك سلف الحشوية الذين يقدمون كلمهم على كلم‬
‫ال وكلم رسوله صلى ال عليه وسلم كما جاء ذلك‬
‫واضحاً في كلمه الذي نقضناه قبل قليل‪.‬‬
‫فإن كان المراد بقوله السلف؛ سلف الحشوية‬
‫فمالنا ولهم‪ ،‬فقد نابذناهم من أول المر بأن رجعنا إلى‬
‫كتاب ال الذي كفروا به وإلى سنة رسوله صلى ال‬
‫عليه وسلم التي جحدوها؛ بقولهم‪( :‬ل خير فيها)‪.‬‬
‫وإن كان المراد بالسلف؛ سلف هذه المة‬
‫الصالحين‪ ،‬فإن السلف قد قالوا قولنا‪ ،‬وقد سبق أن‬
‫ذكرت( ) ذلك فيما حكيته من النص الذي جاء في‬ ‫‪1‬‬

‫"الحق الدامغ"( )‪ :‬رواه المام الربيع رحمه ال تعالى‬


‫‪2‬‬

‫عن المام علي بن أبي طالب كرم ال وجهه وابن‬


‫عباس رضي ال عنهما وعزاه إلى مجاهد ومكحول‬
‫وإبراهيم والزهري وسعيد بن جبير وسعيد بن‬
‫المسيب ورواه ابن مردويه عن ابن عمر رضي ال‬

‫‪ )(1‬أي تفسير النظر بالنتظار لرحمة ال سبحانه وتعالى‪.‬‬


‫()الحق الدامغ ص ‪.47‬‬ ‫‪2‬‬

‫وسقط القناع‪95-‬‬
‫عنهما من الصحابة وعن عكرمة من التابعين‪ ،‬ورواه‬
‫عن عكرمة عبد بن حميد‪ ،‬كما رواه عن مجاهد وأبي‬
‫صالح بإسناد صححه الحافظ ابن حجر‪ ،‬وقد ذكرت أن‬
‫المام ابن جرير الطبري رواه عن مجاهد بخمسة‬
‫أسانيد( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫أما الدعوى التي ادعاها هذا الطحان وهي أن‬


‫السلف كانوا يهابون تفسير مجاهد لنه كثيراً ما كان‬
‫يأخذ عن أهل الكتاب‪ ،‬وأنه كان تارة يرجع إلى رأيه‬
‫بنفسه وتارة يفسر القرآن بما يقوله أهل الكتاب‪ ،‬فنحن‬
‫نعترض على هذه الدعوى الفارغة الباطلة بأمرين‪-:‬‬
‫المر الول‪-:‬‬
‫أن أهل الكتاب ما كانوا في يوم من اليام‬
‫ينزهون ال سبحانه وتعالى‪ ،‬وهل هم إل أئمة لهؤلء‬
‫الحشوية الذين شبهوا ال بخلقه‪ ،‬فاليهود هم الذين قالوا‬
‫لموسى عليه السلم‪ :‬لن نؤمن لك حتى نرى ال‬
‫جهرة‪ ) ( ‬فهل عرف ذلك الطحان أو لم يعرف؟! لعله‬
‫‪2‬‬

‫يجحد ما في كتاب ال سبحانه وتعالى!! فال سبحانه‬


‫وتعالى أخبر عن اليهود بذلك‪ ،‬وبين بأنها عقيدتهم‪،‬‬
‫ورد عليهم قولهم في حقه سبحانه‪ ،‬تعالى ال عما‬
‫()‬
‫يقولون علواً كبيراً‪ :‬إن ال فقير ونحن أغنياء‪ ‬وقد‬
‫‪3‬‬

‫()الحق الدامغ ص ‪.47‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ((2‬البقرة ‪.55‬‬
‫‪ )(3‬آل عمران ‪.181‬‬
‫وسقط القناع‪96-‬‬
‫جاء في توراتهم المحرفة أن إسرائيل صارع الله‬
‫فصرعه‪ ،‬فهل هؤلء ينكرون الرؤية؟!‪.‬‬
‫وأما النصارى فقد أثبتوا حلول اللهوت في‬
‫الناسوت وقالوا‪ :‬بأن ال ثالث ثلثة‪ .‬وقالوا في عيسى‬
‫ابن مريم‪ :‬أنه هو ال‪ .‬كما نص القرآن الكريم على‬
‫ذلك‪ ،‬فهل كان هؤلء يجحدون رؤية ال سبحانه‬
‫وتعالى حتى يقال‪ :‬بأن مجاهداً أخذ هذا التفسير عنهم‪.‬‬
‫المر الثاني‪-:‬‬
‫أننا نجد سلف الحشوية الذين يعتز بهم الطحان‪،‬‬
‫يقولون بخلف ذلك‪ ،‬فيكفي هنا أن أنقل نصاً عن ابن‬
‫تيمية الذي هو في مقدمة أئمة هؤلء الحشوية الذين‬
‫يعتز بهم الطحان‪ ،‬ويقدم كلمهم على كلم ال وكلم‬
‫رسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫فابن تيمية يقول في مجموع فتاواه في ج ‪،13‬‬
‫ص ‪( :369-368‬إذا لم تجد التفسير في القرآن ول في‬
‫السنة ول وجدته عن الصحابة‪ ،‬فقد رجع كثير من‬
‫الئمة في ذلك إلى أقوال التابعين كمجاهد بن جبر‪،‬‬
‫فإنه كان آية في التفسير‪ ،‬كما قال ابن إسحاق‪ :‬حدثنا‬
‫أبان بن صالح عن مجاهد قال‪ :‬عرضت المصحف‬
‫على ابن عباس ثلث مرات من فاتحته إلى خاتمته‪،‬‬
‫أوقفه عند كل آية منه‪ ،‬وأسأله عنها‪ .‬وبه إلى‬
‫الترمذي‪ :‬حدثنا الحسين بن مهدي البصري حدثنا‬
‫عبدالرزاق عن معمر عن قتادة قال‪ :‬ما في القرآن آية‬
‫إل وقد سمعنا فيها شيئاً‪ .‬وبه إليه قال‪ :‬حدثنا ابن أبي‬
‫عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن العشى قال‪ :‬قال‬
‫وسقط القناع‪97-‬‬
‫مجاهد‪ :‬لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود لم أحتج أن‬
‫أسأل ابن عباس عن كثير من القرآن مما سألت‪ .‬وقال‬
‫ابن جرير‪ :‬حدثنا أبو جريج قال‪ :‬حدثنا طلق بن غنام‬
‫عن عثمان المكي عن أبي مليكة قال‪ :‬رأيت مجاهداً‬
‫يسأل ابن عباس عن تفسير القرآن ومعه ألواح قال‪:‬‬
‫فيقول ابن عباس‪ :‬اكتب‪ .‬حتى سأله عن التفسير كله‪،‬‬
‫ولهذا كان سفيان الثوري يقول‪ :‬إذا جاءك التفسير عن‬
‫مجاهد فحسبك به) وجاء هذا الكلم أو نحوه في‬
‫أصول التفسير لبن تيمية أيضاً في ص ‪.93‬‬
‫فليرجع الطحان إلى هذين المصدرين‪.‬‬
‫فهل يؤمن بما قاله ابن تيمية مع أنه يقدم كلمه‬
‫على كلم ال وكلم رسوله صلى ال عليه وسلم أو ل‬
‫يؤمن بذلك؟!!‪.‬‬

‫وسقط القناع‪98-‬‬
‫بضاعة كاسدة‬
‫واستدلل سخيف‬
‫ثم إن الطحان حاول أن يجتر ما قيل من قبل‪،‬‬
‫وهو ذلك الستدلل السخيف الضعيف في قول ال‬
‫تعالى‪ :‬كل إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون‪ ) ( ‬على‬
‫‪1‬‬

‫ثبوت رؤيته سبحانه وتعالى في الدار الخرة وقد‬


‫سبق أن اعترضت على هذا الستدلل بقولي في‬
‫كتاب "الحق الدامغ"‪-:‬‬
‫(وهو استدلل ساقط من عدة أوجه‪-:‬‬
‫أولها‪ :‬أن الحجاب في الية كناية عن الحرمان من‬
‫رحمته والبعاد عن دار كرامته‪ ،‬كما أن التقرب منه‬
‫سبحانه وتعالى ل يكون حسياً إنما يفسر بامتثال ما‬
‫أمر به من الطاعات‪ ،‬واجتناب مانهى عنه من‬
‫المعاصي‪ ،‬وكذلك تقرب ال من العبد ل يعني إل‬
‫إحاطته برعايته الرحمانية وغمره باللطافة الربانية‪،‬‬
‫وقد وردا معاً في الحديث القدسي الذي أخرجه مسلم‬
‫من طريق أبي هريرة رضي ال عنه‪(( :‬من تقرب‬
‫مني شبراً تقربت منه ذراعاً‪ ،‬ومن تقرب مني ذراعاً‬
‫تقربت منه باعاً)) وبهذا المعنى الذي ذكرته فسر‬
‫قتادة وابن أبي مليكة الحجاب في هذه الية‪ ،‬رواه‬
‫عنهما ابن جرير‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬أنه استدلل بمفهوم المخالفة وهو حجة ظنية‪،‬‬
‫اختلف العلماء بالخذ بها في المور العملية الفرعية‪،‬‬

‫‪ )(1‬المطففين ‪.15‬‬
‫وسقط القناع‪99-‬‬
‫فكيف بالقضايا العتقادية الصلية مع أن العتقاد‬
‫ثمرة اليقين‪ ،‬على أن المفهوم هنا أقرب أن يكون‬
‫مفهوم لقب وهو أضعف المفاهيم بإجماع الصوليين‬
‫والفقهاء وسائر أصحاب فنون العلم‪ ،‬حتى أنهم عدوا‬
‫من أخذ به من الفقهاء في الفروع شاذاً‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬أنه لو جاز الستناد إلى هذا المفهوم في إثبات‬
‫رؤية المؤمنين ل يوم القيامة‪ ،‬لكان أحرى أن يستند‬
‫يومئذ في إثبات رؤية‬
‫‪‬‬ ‫إلى مفهوم يفيده التقييد بب‬
‫الكفار له تعالى قبل ذلك اليوم‪ ،‬فإن الظروف لها حكم‬
‫الصفات في تقييد النسبة‪ ،‬ومفهوم الوصف من أقوى‬
‫المفاهيم كما حرره الصوليون‪ ،‬قال المام نور الدين‬
‫السالمي رضي ال عنه في "شمس الصول"‪-:‬‬
‫فالوصف والغاية الشرط‬
‫معا‬
‫أقوى مفاهيم وأجلى‬
‫()‬
‫‪1‬‬
‫موقعا)‬
‫ومن الغريب أن هؤلء الحشوية عندما تقهرهم‬
‫الحجة‪ ،‬ويعجزون عن دحض البرهان إنما يكتفون‬
‫بالدندنة حوله‪ ،‬ول يحاولون تحليل ما جاء في ذلك‬
‫الحتجاج الذي يهد عقائدهم ويقضي على ضللتهم‪،‬‬
‫فترى أن الطحان اكتفى هنا بمجرد هذه الدندنة‪،‬‬
‫وغاية ما قاله‪ :‬إن الستدلل بالمفهوم هنا يتقوى‬
‫بالمنطوق‪ ،‬والمنطوق الذي يشير إليه هو قول ال‬

‫‪ ((1‬الحق الدامغ ص ‪.53-52‬‬


‫وسقط القناع‪100-‬‬
‫ناضرة إلى ربها ناظرة‪ ‬وقد‬
‫‪‬‬ ‫تعالى‪ :‬وجوه يومئذ‬
‫علمت ما في الحتجاج بذلك‪ ،‬وقد بينا ما عجز عن‬
‫دحضه أولئك الحشوية‪ ،‬وإنما اكتفوا بالدندنة فقط‪.‬‬
‫وقد سبق أن قلت في هذه المحاضرة بأن على‬
‫الحشوية أن ينقضوا الذي قلته في تفسير تلك الية‬
‫حجة حجة‪ ،‬وجملة جملة‪ ،‬وأل يكتفوا بالدندنة حوله‬
‫كما فعل الطحان‪.‬‬

‫وسقط القناع‪101-‬‬
‫الحشوية المشبهة‬
‫والمتشابه من القرآن الكريم‬
‫ثم إنه مما يستغرب جداً من هذا الطحان تلك‬
‫الدعوة الفارغة الكاذبة إذ قال‪ :‬بأن الباضية ومن قال‬
‫بقولهم أخذوا بالمتشابه وتركوا المحكم‪.‬‬
‫من الذي يأخذ بالمتشابه؟!‬
‫هل هم الباضية الذين يردون اليات‬
‫المتشابهات إلى اليات المحكمات عملً بقول ال‬
‫تبارك وتعالى‪ :‬هو الذي أنزل عليك الكتاب منه‬
‫آيات محكمات هن أم الكتاب ‪ ) (‬وصفها ال تعالى‬
‫‪1‬‬

‫بأنها "أم" والم‪ :‬الصل‪ ،‬فالمتشابه يرد إلى المحكم‪.‬‬


‫أو أن الذين يأخذون بالمتشابهات ويدعون‬
‫المحكمات هم الحشوية الذين شبهوا ال سبحانه‬
‫وتعالى بخلقه‪ ،‬وأخذوا يتتبعون اليات المتشابهات‪،‬‬
‫كما قال ال سبحانه وتعالى‪ :‬فأما الذين في قلوبهم‬
‫منه ( ) فوصفوا ال تعالى‬
‫زيغ فيتبعون ما تشابه ‪‬‬
‫‪2‬‬

‫بجميع صفات خلقه‪ ،‬حتى أنهم جعلوه كأنه إنسان‬


‫يمشي على الرض فيه كل ما في النسان من‬
‫الجوارح والنفعالت‪ ،‬حتى أن ابن القيم منهم نسب‬
‫إليه النسيان( ) أخذاً بظاهر قوله تعالى‪ :‬نسوا ال‬
‫‪3‬‬

‫‪ ((1‬آل عمران ‪.7‬‬


‫‪( (2‬آل عمران ‪.7‬‬
‫‪ ((3‬إن الحشوية المجسمة ل تخجل من نفسها عندما تكفر المسلمين وتوزع‬
‫عليهم ألفاظ الشرك والكفر والضلل وهي منتكسة في بؤرة الضلل‪ ،‬حيث‬
‫وسقط القناع‪102-‬‬
‫فنسيهم ( ) ونسى قول ال تعالى‪ :‬وما كان ربك نسياً‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪1‬‬

‫( ) حمل النسيان على ظاهره فقال‪( :‬تأمل كيف عدل‬ ‫‪2‬‬

‫فيهم كل العدل بأن نسيهم كما نسوه) كما جاء ذلك‬


‫منصوصاً عليه في كتابه "مختصر الصواعق‬
‫المرسلة"( )‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫يصفون ال جل وعل بصفات النقص تعالى ال عما يقول الظالمون علوا‬


‫كبيرا‪ ،‬فهذه هي أقوال أئمتها‪ ،‬ولكن ما أصبحت دعاياتهم تنطلي على أحد‬
‫من المسلمين حيث أصبح لسان حال المسلمين يقول عن هؤلء الحشوية‪:‬‬
‫(سقط القناع فلم تعد تخفى علينا المسألة)‪.‬‬
‫‪ ((1‬التوبة ‪.67‬‬
‫‪ ((2‬مريم ‪.64‬‬
‫‪ ))3‬مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لبن قيم الجوزية‪،‬‬
‫ج ‪ 1‬ص ‪ ،210‬ط دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1405 ،‬هك‪1985 -‬م‪ .‬وانظر‬
‫ج ‪ 2‬ص ‪ 248‬حيث يصرح هنا ابن القيم أن النسيان والمكر والخداع هي‬
‫صفات حقيقية ل تعالى وينفي المجاز عنها‪.‬‬
‫تعالى ال عما يقول هؤلء الحشوية المبطلون علوا كبيرا‪ ،‬ول المر‬
‫من قبل ومن بعد‪.‬‬
‫وسقط القناع‪103-‬‬
‫خبر الحاد‬
‫وشذوذ الحشوية عن المة‬
‫السلمية‬
‫ونجبد أن هذا الطحان يحاول أن يثير الشبه في‬
‫منهجنببا‪ ،‬حيببث أخببذ يعجببب الناس مببن كون كتابنببا‬
‫"الحبق الدامبغ" اشتمبل على كثيبر مبن الروايات التبي‬
‫أخرجهببا الشيخان البخاري ومسببلم فببي صببحيحيهما‪،‬‬
‫وكنبا نسبتدل بهذه الروايات لمبا ذهبنبا إليبه‪ ،‬بينمبا نحبن‬
‫ل نأخببذ ببعببض الروايات الموجودة فببي الصببحيحين‬
‫التببي أخرجهببا الشيخان عندمببا تتعارض عنببد مذهبنببا‬
‫حسبببما يرى هذا الطحان‪ ،‬والحقيقببة أن معتقدنببا ‪-‬كمببا‬
‫قلت‪ -‬هببو الكتاب والسببنة‪ ،‬فنحببن نسببتند إلى الدليببل‬
‫القطعبي‪ ،‬وكبل مبا فبي القرآن الكريبم هبو قطعبي‪ ،‬وأمبا‬
‫السبنة النبويبة على صباحبها أفضبل الصبلة والسبلم؛‬
‫فالسبنة المتواترة قطعيبة الدللة عندمبا تكون نصباً فبي‬
‫الموضوع‪ ،‬أمبا عندمبا تحتمبل أكثبر مبن معنبى فإنهبا‬
‫تكون قطعية المتن ظنية الدللة‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى ل نعتمد على الحاديث‬
‫الحادية إل في القضايا الفقهية‪ ،‬أما في القضايا‬
‫العتقادية فإننا نرجع إلى المتواتر القطعي‪ ،‬ول‬
‫نتركه من أجل الخبر الحادي الظني‪ ،‬وهذا الذي‬
‫عليه المة إل الحشوية‪ ،‬فإنهم يذهبون خلف هذا‬
‫الرأي‪.‬‬

‫وسقط القناع‪104-‬‬
‫ومما يميز به بين الحديث الصحيح الثابت إن‬
‫كان آحادياً وبين غير الصحيح موافقة القرآن وعدم‬
‫موافقته‪ ،‬ولذلك كان السلف من الصحابة والتابعين‬
‫عندما يروي لهم راوٍ حديثاً يشمون منه رائحة مخالفة‬
‫القرآن ل يأخذون به حتى في المور الظنية‪ ،‬كما‬
‫ثبت ذلك عن عمر رضي ال عنه في قصة فاطمة‬
‫بنت قيس( )‪ ،‬وكذلك كان مثل ذلك موقف أم المؤمنين‬ ‫‪1‬‬

‫عائشة رضي ال عنها في حديث عبدال بن عمر‬


‫رضي ال عنهما‪(( :‬إن الميت ليعذب ببكاء أهله))‬
‫ومثل ذلك كان أيضاً موقف حبر المة عبدال بن‬
‫عباس رضي ال عنهما فإنه عارض حديث الحكم بن‬
‫عمرو الغفاري الذي ينص على تحريم ذوات الناب‬
‫من السباع والمخالب من الطير‪ ،‬بسبب ما رآه من‬
‫معارضة بينه وبين آية من كتاب ال وهي قول ال‬
‫سبحانه وتعالى‪ :‬قل ل أجد فيما أوحي إلي محرماً‬
‫على طاعم يطعمه إل أن يكون ميتة‪ ) (  ...‬الية‪ ،‬كما‬
‫‪2‬‬

‫جاء ذلك في صحيح مسلم من رواية المام أبي‬


‫الشعثاء جابر بن زيد رضي ال عنه‪.‬‬

‫‪ ((1‬رواه مسلم في كتاب طلق باب ‪ ،6‬ورقمه ‪ .46‬ورواه غيره كذلك‪.‬‬


‫‪ ((2‬رواه البخاري في كتاب الجنائز‪ ،‬باب ‪ ،32‬ورقمه ‪ ،1288‬وفي كتاب‬
‫المغازي‪ ،‬باب ‪ ،8‬ورقمه ‪ ،1388‬ورواه مسلم كذلك في كتاب الجنائز‪ ،‬باب‬
‫‪ ،9‬وأرقامه ‪927‬ك ‪928‬ك ‪929‬ك ‪.932‬‬
‫وسقط القناع‪105-‬‬
‫هذا هو موقف السلف‪ ،‬وقد نص على ذلك‬
‫كثير من أئمة الحديث‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن الحديث يرد إذا‬
‫كان معارضاً لكتاب ال‪.‬‬
‫فنحن عندما نجد أحاديث في الصحيحين ل‬
‫تتفق مع النصوص القطعية الثابتة ‪-‬نصوص الكتاب‬
‫العزيز‪ -‬نحاول جهدنا أن نجمع بين هذه الحاديث‬
‫وبين تلك النصوص بضروب من التأويل حتى ل نرد‬
‫حديثاً‪ ،‬فإن تعذر التأويل عندئذ نترك الخذ بالحديث‬
‫ونقطع بصحة ما في الكتاب العزيز‪.‬‬

‫وسقط القناع‪106-‬‬
‫موقف‬
‫الحشوية من الصحيحين‬
‫ومما يعجب منه كثيراً أن نجد هؤلء الحشوية‬
‫يشنعون علينا عندما نترك بعض الروايات التي‬
‫جاءت في صحيحي البخاري ومسلم‪ ،‬بينما هناك أكثر‬
‫من تسعين عالماً ردوا روايات من أحاديث الشيخين‬
‫وهم من أئمة الحديث‪.‬‬
‫ومن بين هؤلء الذين ردوا هذه الروايات‬
‫شيخا الحشوية اللذان جددا نحلتها ابن تيمية وابن‬
‫القيم‪ ،‬فقد ردا مجموعة من الحاديث التي جاءت في‬
‫الصحيحين‪ ،‬كما يعلم ذلك من تتبع مؤلفاتهما‪.‬‬
‫على أنه مما يدعو إلى الستغراب ويثير‬
‫العجب العجاب أن نجد هؤلء الحشوية يعتمدون على‬
‫الحديث الحادي الذي يخالف دللة القرآن الكريم‬
‫ويستندون إليه في إثبات العقيدة‪ ،‬بينما نجدهم يردون‬
‫أحياناً الحديث الحادي الذي وافق نصوص القرآن‬
‫الكريم في إثبات قضية من قضايا العقيدة‪ ،‬ومن ذلك‬
‫صنيع ابن تيمية فإنه قد أنكر أشد النكار على ابن‬
‫حزم الذي نقل في كتابه "مراتب الجماع"‪-:‬‬
‫(الجماع على كفر من نازع أن ال سبحانه وتعالى‬
‫لم يزل وحده ول شيء معه) فقد تعجب ابن تيمية من‬
‫ذلك وقال في هذه القضية‪( :‬وأعجب من ذلك حكايته‬
‫الجماع على كفر من نازع أنه سبحانه وتعالى لم‬

‫وسقط القناع‪107-‬‬
‫يزل وحده ول شيء غيره معه( )‪ ،‬ثم خلق الشياء‬
‫‪1‬‬

‫كما شاء‪ ،‬ومعلوم أن هذه العبارة ليست في كتاب ال‬


‫ول تنسب إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬بل‬
‫الذي في الصحيح عنه حديث عمران بن حصين عن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪(( :‬كان ال ول شيء قبله‪،‬‬
‫وكان عرشه على الماء‪ ،‬وكتب في الذكر كل شيء‪،‬‬
‫ثم خلق السموات والرض)) وروي هذا الحديث في‬
‫البخاري بثلثة ألفاظ( )‪ ،‬روي‪(( :‬كان ال ول شيء‬
‫‪2‬‬

‫قبله)) وروي‪(( :‬ول شيء غيره)) وروي‪(( :‬ول‬


‫شيء معه)) والقصة واحدة ومعلوم أن النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم إنما قال واحدة من هذه اللفاظ‪،‬‬
‫والخران رويا بالمعنى‪ ،‬وحينئذ والذي يناسب في‬
‫لفظ ما أثبت عنه في الحديث الخر الصحيح‪ ،‬أنه كان‬
‫يقول في دعائه‪(( :‬أنت الول فليس قبلك شيء‪،‬‬
‫وأنت الخر فليس بعدك شيء‪ ،‬وأنت الظاهر فليس‬
‫فوقك شيء‪ ،‬وأنت الباطن فليس دونك شيء)) فقوله‬
‫في هذا ((أنت الول فليس قبلك شيء)) يناسب قوله‪:‬‬
‫((كان ال ول شيء قبله)) وقد بسط الكلم على هذا‬
‫الحديث وغيره في غير هذا الموضع)‪.‬‬

‫‪ ((1‬وهنا نتسآل بماذا يحكم المسلمون الذين يدينون بإله واحد هو ال‬
‫سبحانه وتعالى قد تفرد بالقدم وما عداه مخلوق‪ ،‬بماذا سيحكمون على‬
‫هؤلء الحشوية الذين يقولون بتعدد القدماء؟!‪.‬‬
‫‪ ((2‬الحقيقة أن إحدى الثلث الروايات غير موجودة في البخاري كما‬
‫سيذكر شيخنا حفظه ال تعالى لحقا‪.‬‬
‫وسقط القناع‪108-‬‬
‫ثم قال بعد هذا الكلم بقليل‪( :‬وهذا الحديث لو‬
‫كان نصاً فيما ذكر فليس هو متواتراً‪ ،‬فكم من حديث‬
‫صحيح ومعناه فيه نزاع كثير‪ ،‬فكيف ومقصود‬
‫الحديث غير ما ذكر‪...‬الخ)( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ومن المعلوم قطعاً أنه ل تعارض بين‬


‫الروايات الثلث التي ذكرها‪ ،‬وقد أسند هذه الروايات‬
‫الثلث كلها إلى البخاري‪ ،‬والموجود في البخاري‬
‫روايتان‪(( :‬كان ال ول شيء قبله)) والرواية الثانية‪:‬‬
‫((كان ال ول شيء غيره)) وقد روى غير البخاري‬
‫الرواية الثالثة كما ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح‪:‬‬
‫((كان ال ول شيء معه)) ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ول تعارض بين هذه الروايات الثلث‪ ،‬فإن‬


‫كونه سبحانه وتعالى‪(( :‬ول شيء قبله)) ل ينافي أنه‬
‫سبحانه وتعالى‪(( :‬كان ول شيء معه)) ول ينافي أنه‬
‫سبحانه وتعالى‪(( :‬كان ول شيء غيره))‪ ،‬واليات‬
‫القرآنية الصريحة الواضحة تدل دللة قاطعة على أن‬
‫سبحانه وتعالى‪(( :‬كان ول شيء معه)) و((كان ول‬
‫شيء غيره)) ذلك لن اليات القرآنية ناصة نصاً‬

‫‪ ((1‬انظر‪ :‬نقد مراتب الجماع لبن تيمية المطبوع بهامش مراتب الجماع‬
‫للمام ابن حزم‪ ،‬ص ‪ ،170-168‬ط‪.‬دار العربي‪ ،‬بيروت‪1406 ،‬هك‪-‬‬
‫‪1985‬م‪ ،‬ط ‪.3‬‬
‫‪ ((2‬انظر فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪ ،‬للحافظ أحمد بن علي بن‬
‫حجر العسقلني‪ ،‬ج ‪،13‬ص ‪ ،6‬ط‪ .‬مكتبة الكليات الزهرية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪1398‬هك‪1978-‬م‪.‬‬
‫وسقط القناع‪109-‬‬
‫ظاهراً صريحاً بأن ال سبحانه وتعالى خلق كل‬
‫شيء‪ ،‬وأنه هو الذي يبدأ الخلق‪ :‬أمن يبدأ الخلق ثم‬
‫يعيده ‪‬وال خالق كل شيء ‪‬وخلق كل شيء‬
‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫فقدره تقدير ‪‬اً ( ) فال سبحانه وتعالى خلق الكائنات‬


‫‪3‬‬

‫بأسرها‪.‬‬
‫ولكن ابن تيمية نجده يرد هذه الرواية التي‬
‫جاءت في صحيح البخاري‪ ،‬ويعتل في رده لها بأنها‬
‫رواية غير متواترة‪ ،‬مع أن هذه الرواية وإن كانت‬
‫غير متواترة تعتضد بالنصوص القطعية من كتاب‬
‫ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم التي تدل على‬
‫أن ال سبحانه وتعالى خلق الوجود بأسره‪ ،‬وقد‬
‫أجمعت المة على ذلك‪ ،‬فما من شيء في هذا الوجود‬
‫إل وهو مخلوق ل سبحانه‪ ،‬وإذا كان كل شيء‬
‫مخلوقاً ل فإنه سبحانه وتعالى متقدم على كل ما‬
‫خلق‪ ،‬إذ ل يمكن أن تكون الصنعة سابقة على‬
‫صانعها‪ ،‬وإذا كان ذلك مستحيلً فمن الضروري‬
‫عقلً أن يكون ال سبحانه وتعالى سابقًا لهذا الوجود‬
‫بأسره‪.‬‬
‫ولكن ابن تيمية يرفض ذلك لجل موافقته‬
‫لمذهب أرسطو‪ ،‬ويحاول أن يلوي الدلة‪ ،‬ويرد‬

‫‪ ((1‬النمل ‪.64‬‬
‫‪ ((2‬الزمر ‪.62‬‬
‫‪ ((3‬الفرقان ‪.2‬‬
‫وسقط القناع‪110-‬‬
‫بعضها بكونها غير متواترة‪ ،‬ويأول بعضها بما يتفق‬
‫مع هواه في هذه القضية‪ ،‬فال المستعان‪.‬‬

‫وسقط القناع‪111-‬‬
‫الزيادة‬
‫وكذب الطحان على السلف‬
‫ومن كذب هذا الطحان البين وجهله الفاضح‬
‫أنه ادعى زوراً بأنه لم يقل أحد في قول ال سبحانه‬
‫وتعالى‪ :‬للذين أحسنوا الحسنى وزيادة‪ ) ( ‬إن الزيادة‬
‫‪1‬‬

‫هي ليست رؤية ال‪ ،‬وادعى أنه لم يفسر أحد من‬


‫العلماء السابقين من السلف الصالح أن الزيادة بغير‬
‫النظر إلى وجه ال تعالى‪ ،‬ونحن نتعقب كلمه هذا‬
‫بالدلة الدامغة الكاشفة لهذا العوار البين في كلمه‪.‬‬
‫فقد أخرج المامان الربيع بن حبيب وابن‬
‫جرير عن ابن عباس رضي ال عنهما‪( :‬أنه فسر‬
‫"الزيادة" بغرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب)‬
‫وروى المام الربيع عن ابن عباس مرفوعاً ‪-‬أي عن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪(( :-‬إن أهل الجنة ل‬
‫يزالون متعجبين مما هم فيه حتى يفتح ال لهم باب‬
‫المزيد‪ ،‬فإذا فتح لهم كان ل يأتيهم منه شيء إل‬
‫وهو أفضل مما في جنتهم)) وروى ابن جرير عن‬
‫ابن عباس رضي ال عنهما‪ ،‬وعن علقمة بن قيس‪:‬‬
‫(إن الزيادة مضاعفة الحسنة إلى عشر أمثالها)‬
‫وروى المام الربيع ذلك عنه ‪-‬أي عن ابن عباس‪-‬‬
‫وعن الحسن البصري‪ ،‬وروى المام الربيع بإسناده‬
‫إلى المام علي بن أبي طالب كرم ال وجهه‪( :‬أنه‬
‫فسر "الزيادة" بغرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة‬

‫‪ ((1‬يونس ‪.26‬‬
‫وسقط القناع‪112-‬‬
‫أبواب) كما سبق ذلك عن ابن عباس‪ ،‬وروى ابن‬
‫جرير عن الحسن‪( :‬أنه فسرها بمغفرة من ال‬
‫ورضوان) وهو مروي عن مجاهد عند الربيع‪،‬‬
‫وروى الربيع عن أبي حازم‪ ،‬وابن جرير عن ابن‬
‫زيد‪( :‬أنها عدم محاسبتهم على ما أعطاهم في‬
‫الدنيا) وروى الربيع عن الشعبي‪( :‬أن "الزيادة"‬
‫دخول الجنة) وعن محمد بن كعب‪( :‬ما يزيدهم ال‬
‫من الكرامة والثواب) ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫فهل هؤلء من السلف أو من غير السلف؟!‪.‬‬


‫وهل فسروا الزيادة بغير الرؤية أم لم‬
‫يفسروها؟!‪.‬‬
‫ارجع إلى تفاسير القرآن‪ ،‬وخاصة تفسير‬
‫المام ابن جرير وتفسير المام القرطبي‪ ،‬إن كنت‬
‫تجهل ذلك يا طحان!!‪.‬‬

‫‪ ((1‬الحق الدامغ ص ‪.51-50‬‬


‫وسقط القناع‪113-‬‬
‫اتهام الطحان‬
‫من خالف اليهود بالغلظة‬
‫ومن عجيب ما جاء به هذا المبتدع المتناقض‬
‫من الكلم أنه زعم بأنه يدعو المبتدعة إلى كلم‬
‫ال!!‪.‬‬
‫ما هو كلم ال الذي تعنيه؟! أهو القرآن‬
‫الكريم؟!‬
‫ألست قد قلت بأنه ل خير فيه‪ ،‬وحاولت أن‬
‫تجعله مجرد قنطرة عبور إلى كلم سلفك الطالح‬
‫‪-‬أئمة الحشوية‪ -‬وحاولت بكل جهدك أن تشكك‬
‫المسلمين في دللت القرآن الكريم وفي دللت السنة‬
‫النبوية على صاحبها أفضل الصلة والسلم‪ ،‬بحيث‬
‫زعمت بأن العتماد على القرآن والسنة الشريفة‬
‫بدون تحكيم لكلم سلفك الفاجر ليس ذلك إل مجرد‬
‫ضلل وبدعة وخروج عن المحجة البيضاء‪ ،‬ألم تقل‬
‫ذلك يا طحان؟! فكيف مع ذلك ترجع مرة أخرى إلى‬
‫تمويه الحقائق لتزعم أنك تدعو الناس إلى كتاب ال‬
‫سبحانه؟!‪.‬‬
‫واعجباه من هذا المر!!‪.‬‬
‫ومما هو ليس بعجب من كلم الطحان أنه قال‪:‬‬
‫بأن الذين أنكروا رؤية ال تعالى هم قوم غلظ‬
‫الكباد‪ ،‬ل شك أن الطحان يرى بأن اليهود الذين‬
‫قالوا‪ :‬إن ال فقير ونحن أغنياء}( ) هم قوم رقاق‬
‫‪1‬‬

‫‪ ((1‬آل عمران ‪.181‬‬


‫وسقط القناع‪114-‬‬
‫الكباد‪ ،‬ول نتعجب إن سمعنا من الطحان أو من أحد‬
‫هؤلء الحشوية في يوم من اليام يقول‪ :‬بأن اليهود‬
‫كانوا على حق في ذلك‪ .‬ول نتعجب إن سمعنا منهم‬
‫يوماً من اليام قولً بأن اليهود ظُلموا عندما رماهم‬
‫ال سبحانه وتعالى بصاعقة لنهم طلبوا حقاً لهم‪،‬‬
‫وكانوا على حق في قولهم لموسى عليه السلم‪ :‬لن‬
‫نؤمن لك حتى نرى ال جهرة}( ) ألم ينسبوا إلى أحد‬
‫‪1‬‬

‫من أئمة هذه المة أنه قال‪( :‬بأنه لو لم يوقن أنه‬


‫سيرى ربه يوم القيامة لما عبده)‪.‬‬
‫فهم ‪-‬ل ريب‪ -‬يتبعون عقائد اليهود خطوة‬
‫خطوة‪ ،‬ومن أجل ذلك حملوا الذين خالفوا اليهود على‬
‫غلظ الكباد‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن الذين أنكروا الرؤية وخالفوا‬
‫اليهود في ذلك هم غلظ الكباد‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬أبشر يا طحان بأنك ستحشر مع من‬
‫أحببت؛ مع هؤلء الذين ترى أنهم رقاق الكباد‪.‬‬

‫‪ ((1‬البقرة ‪.55‬‬
‫وسقط القناع‪115-‬‬
‫الحشوية‬
‫تبني عقيدتها على القياس‬
‫وتخبط الطحان أيما تخبط عندما زعم بأن‬
‫الحق تبارك وتعالى تجلى للجبل تجلياً ظاهراً بذاته‬
‫وأن الجبل رآه‪ ،‬سبحان ال من أين لك ذلك؟!‪.‬‬
‫إن ال سبحانه وتعالى تجلى للجبل بكبريائه‬
‫وعظمته وجلله فلذلك اندك الجبل‪ ،‬وقد جعل ال ذلك‬
‫آية لموسى عليه السلم حتى يتبين بأن رؤيته‬
‫مستحيلة‪ ،‬ولذلك قال موسى عليه السلم بعد اعتذاره‬
‫منزهاً ال تعالى عما ل يليق بجلله وكبريائه‪ :‬وأنا‬
‫المؤمنين ( )‪.‬‬
‫‪‬‬‫‪1‬‬
‫أول‬
‫ول أريد هنا أن أطيل في نقض الباطل الذي‬
‫جاء به الطحان في هذا الموضع‪ ،‬فإن لنا مواقف‬
‫أخرى إن شاء ال مع هؤلء المشبهة في كتابات‬
‫سوف نبين فيها الحقيقة للمؤمنين‪ ،‬فإن السامعين‬
‫يستطيلون الحديث الذي يسمعونه( ) بخلف ما إذا‬
‫‪2‬‬

‫كتب كاتب فبإمكانهم أن يطالعوه في كل وقت‪.‬‬


‫ومن عجيب ما جاء به الطحان أنه قاس‬
‫الرؤية على التكليم‪ ،‬ونحن نقول‪ :‬يا طحان‪ ،‬متى‬
‫علمت أن القياس جائز في أمور العقيدة‪ ،‬فيا ويحكم‬
‫تبنون عقائدكم على القياس‪ ،‬والقياس ناتج عن فهم‬

‫‪ ((1‬العراف ‪.143‬‬
‫‪ ((2‬لقد كانت هذه المحاضرة في الصل مسجلة في شريط سمعي ألقاها‬
‫سماحة العلمة الخليلي ردا على هذا الطحان الحشوي‪.‬‬
‫وسقط القناع‪116-‬‬
‫المخلوق القاصر المحدود‪ ،‬فكيف تزعمون أنكم سلفية‬
‫تأخذون بنصوص الكتاب العزيز والسنة النبوية‬
‫حسب زعمكم‪ ،‬ونجدكم تنكرون على الذين يعملون‬
‫العقول في فهم مقاصد هذه النصوص وتشددون‬
‫عليهم وتحاولون جهدكم أن تسفهوهم‪ ،‬ثم بجانب ذلك‬
‫تبنون عقائدكم على القياس‪ ،‬وأنتم تعلمون أن أول من‬
‫قاس في هذا المر هو إبليس لعنه ال‪ ،‬إذ قاس النار‬
‫على النور عندما قال ال تعالى حكاية عنه‪ :‬خلقتني‬
‫‪1‬‬
‫طين ( )‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫من نار وخلقته من‬
‫وأسلف القول في استدلل الذين استدلوا على‬
‫إنكار رؤية ال تعالى بب"لن" قائلً‪ :‬بأن "لن" ل تفيد‬
‫التأبيد هنا وأطال في ذلك‪ ،‬ولست بحاجة إلى تتبع كل‬
‫ما قال لن ذلك أمر يؤدي إلى طول الحديث‪ ،‬ولكني‬
‫أقول‪ :‬بأن "لن" في قول ال تعالى‪ :‬لن تراني} تدل‬
‫على نفي رؤيته سبحانه وتعالى‪ ،‬وانتفاء الرؤية أمر‬
‫يتعلق بذاته سبحانه‪ ،‬وذاته تبارك وتعالى ل تتحول‬
‫من حال إلى حال‪ ،‬فإن ال عز وجل ل تجري عليه‬
‫الحوال إل عند الحشوية الذين يصفون ال سبحانه‬
‫وتعالى بصفات مخلوقاته‪ ،‬فلذلك يقولون‪ :‬بأنه يفرح‬
‫تارة ويحزن تارة أخرى‪ ،‬وينتقل سبحانه وتعالى من‬
‫حال إلى حال‪ ،‬تعالى ال عما يقولون علواً كبيرًا‪.‬‬
‫ويكفينا في الرد على هؤلء أنهم يستندون في‬
‫إنكار دللة "لن" هنا على التأبيد بقول ال سبحانه‬

‫‪ ((1‬العراف ‪.12‬‬
‫وسقط القناع‪117-‬‬
‫وتعالى في اليهود‪ :‬ولن يتمنوه أبد ‪‬اً ( ) فهم لو كانوا‬
‫‪2‬‬

‫أولي فهم لدركوا أن "لن" هنا لم تذكر وحدها‪ ،‬وإنما‬


‫ذكر معها "البد"‪ ،‬ولكننا نقول‪ :‬إن دللة "لن" ودللة‬
‫"البد" هما بحسب مقتضيات الحال‪ ،‬فدللة "لن"‬
‫على التأبيد كدللة "البد" في حق اليهود‪ ،‬إنما هما‬
‫محصوران في هذه الحياة الدنيا‪ ،‬لن حياة أولئك‬
‫اليهود محدودة‪ ،‬والحديث عن وضعهم في هذه الحياة‬
‫الدنيا ل عن وضعهم في الدار الخرة‪ ،‬أما "لن" فإن‬
‫دللتها في قول ال تعالى‪ :‬لن تراني‪ ‬على نفي رؤيته‬
‫سبحانه لعظمته وجلله وكبريائه‪ ،‬وقد جاء حديث‬
‫صحيح أخرجه الشيخان من طريق أبي موسى‬
‫الشعري عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪:‬‬
‫((وليس بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إل‬
‫رداء الكبرياء على وجهه سبحانه)) فكبرياء ال‬
‫سبحانه وتعالى هي المانعة عن رؤيته عز وجل‪،‬‬
‫وهذا المانع ل يتخلى ال عنه‪ ،‬إذ ل يتخلى عن‬
‫كبريائه في أي وقت من الوقات‪.‬‬
‫ثم أن الطحان حاول أن يكابر عقله عندما‬
‫ادعى زوراً أن موسى عليه السلم كان يعتقد رؤية ال‬
‫تبارك وتعالى عندما سأل الرؤية‪ ،‬والذي نقوله بأن‬
‫موسى عليه السلم لم يسألها لنفسه بحال من الحوال‬
‫وإن قال‪ :‬ربي أرني انظر إليك‪ ‬وإنما أراد بذلك أن‬
‫يبكت قومه ويقطع دابر شقاقهم ويستأصل شأفة‬

‫‪ ((2‬البقرة ‪.95‬‬
‫وسقط القناع‪118-‬‬
‫حجتهم‪ ،‬بدليل أن ال سبحانه وتعالى نعى هذا المر‬
‫على اليهود في غير موضع من كتابه‪ ،‬فقد قال‬
‫سبحانه‪ :‬فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا‬
‫ال جهرة ‪ ) ( ‬وقال تعالى‪ :‬وإذ قلتم يا موسى لن‬
‫‪1‬‬

‫نؤمن لك حتى نرى ال جهرة فأخذتكم الصاعقة‬


‫وأنتم تنظرون‪ ) ( ‬ويدل على ذلك دللة واضحة أن‬
‫‪2‬‬

‫موسى عليه السلم نسب هذا المر إلى السفهاء عندما‬


‫اعتذر إلى ال سبحانه وتعالى بعدما أخذتهم الصاعقة‪،‬‬
‫إذ قال‪ :‬ربي لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا‬
‫بما فعل السفهاء منا‪ ) (‬نسب ذلك إلى السفهاء‪ ،‬فهل‬
‫‪3‬‬

‫يقاس موسى عليه السلم على سفهاء بني إسرائيل‪.‬‬


‫أما توبته عليه السلم فإنها بسبب أنه سأل بدون‬
‫استئذان من ربه عز وجل وإن كان عليه السلم يريد‬
‫بذلك قطع دابر شقاقهم‪ ،‬ومما يدل على أن موسى عليه‬
‫السلم سأل هذه الرؤية لجل تبكيت قومه‪ ،‬أن ال‬
‫سبحانه حكى عن عبده ورسوله إبراهيم عليه السلم‬
‫حكاية واضحة بارزة في كتابه العزيز بأنه قال عندما‬
‫رأى الكوكب‪ :‬هذا ربي‪ ‬وعندما رأى القمر بازغاً‬
‫قال‪ :‬هذا ربي‪ ‬وعندما رأى الشمس بازغة قال‪ :‬هذا‬
‫ربي ( )‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ ((1‬النساء ‪.153‬‬
‫‪ ((2‬البقرة ‪.55‬‬
‫‪ ((3‬العراف ‪.155‬‬
‫‪ ((4‬انظر هذه القضية في سورة النعام اليات ‪.79-75‬‬
‫وسقط القناع‪119-‬‬
‫أفتعتقدون أن إبراهيم ‪-‬إمام الحنيفين‪ -‬الذي‬
‫بعث بملة التوحيد الحنيفية السمحة كان يعتقد ألوهية‬
‫تلك النيرات‪ ،‬أو أنه أراد أن يبكت بذلك قومه الذين‬
‫كانوا يعبدونها من دون ال‪ ،‬وعندما قامت الحجة‬
‫عليهم واتضحت المحجة لهم رغم مكابرتهم قال ال‬
‫سبحانه وتعالى‪ :‬وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على‬
‫قومه‪ ) ( ‬فتلك حجة ال تبارك وتعالى التي آتاها عبده‬
‫‪1‬‬

‫إبراهيم على قومه لجل تبكيت أولئك القوم‪.‬‬

‫‪ ((1‬النعام ‪.83‬‬
‫وسقط القناع‪120-‬‬
‫الحشوية‬
‫ل تفقه لغة القرآن الكريم‬
‫وقد حاول الطحان جهده أن يلبس الحق بالباطل‬
‫عندما اعترض على استدللنا على نفي رؤية ال‬
‫سبحانه وتعالى بقوله عز وجل‪ :‬ل تدركه البصار‬
‫وهو يدرك البصار وهو اللطيف الخبير‪ ) ( ‬وقد ذكرت‬
‫‪1‬‬

‫في كتابنا "الحق الدامغ" أن المعترضين على‬


‫()‬
‫استدللنا بهذه الية الكريمة ذكروا خمس شبه ‪ ،‬وقد‬
‫‪2‬‬

‫أوردت الرد على هذه الشبه جميعها‪ ،‬وهو لم يستطع‬


‫أن ينقض شيئاً مما قلناه‪ ،‬وإنما حاول أن يكرر ما قيل‬
‫من قبل فأورد ثلث شبه‪-:‬‬
‫الشبهة الولى‪...‬الدراك هو الحاطة‪-:‬‬
‫على حسب ما يقولون‪ :‬إن ال سبحانه وتعالى‬
‫هنا نفى الدراك ولم ينف الرؤية‪ ،‬وهناك فارق بين‬
‫الدراك والرؤية!! فالدراك هو الحاطة والرؤية ل‬
‫تستلزم الحاطة‪ ،‬فالشيء يُرى من غير أن يحاط به‪،‬‬
‫يقولون‪ :‬بأنهم يرون ال كما يرون السماء‪ ،‬أي أنهم‬
‫يرون جزءً من ال سبحانه وتعالى‪ ،‬وهذا أمر ل‬
‫يستغرب إذا نظرنا إلى الحشوية وعقائدهم‪ ،‬فإننا ل‬
‫نستغرب إذا جسدوا ال تبارك وتعالى وجزأوه‪ ،‬فهم‬
‫على أي حال مجسمون للحق تبارك وتعالى‪.‬‬

‫‪ ((1‬النعام ‪.103‬‬
‫‪ ((2‬الحق الدامغ ص ‪.85-68‬‬
‫وسقط القناع‪121-‬‬
‫إل أننا نقول ما قلناه من قبل بأن الكلم العربي‬
‫يدل على أن الدراك ل يعني الحاطة‪ ،‬فالدراك في‬
‫كل شيء بحسبه‪ ،‬فإن قلت في الشيء الملموس‪:‬‬
‫أدركته بيدي‪ .‬فمعناه‪ :‬أنك لمسته بيدك‪ ،‬وإذا قلت في‬
‫الشيء المسموع‪ :‬أدركته بسمعي فمعناه‪ :‬أن سمعك‬
‫وصل إليه( )‪ ،‬وإذا قلت في الشيء المرئي‪ :‬أدركته‬ ‫‪1‬‬

‫ببصري( )‪ .‬فمعناه‪ :‬أن بصرك امتد ووصل إليه‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫وقد استدللت بكلم أئمة العربية الذين هم حجة‬


‫في فهم معاني كلم العرب‪ ،‬فقد قال ماتن القاموس‪:‬‬
‫(الدّرَك محركة‪ :‬اللحاق‪ ،‬وقد أدركه إذا لحقه) ونقل‬
‫الشارح كلم الصحاح للجوهري‪(:‬الدراك‪ :‬اللحوق‪،‬‬
‫يقال‪ :‬مشيت حتى أدركته‪ ،‬وعشت حتى أدركت‬
‫زمانه) وليس معنى ذلك أن هذا الذي عاش حتى أدرك‬
‫زمان الذي تحدث عنه يلزم أن يكون قد أحاط بزمانه‬
‫من أوله إلى آخره‪ ،‬ونص كلم الجوهري في‬
‫الصحاح‪( :‬الدرك‪ :‬اللحوق‪ ،‬يقال مشيت حتى أدركته‪،‬‬
‫وعشت حتى أدركت زمانه‪ ،‬وأدركته ببصري‪ :‬رأيته)‬
‫فترون أنه نص على أن إدراك البصر هو الرؤية‪،‬‬
‫وفي "لسان العرب"‪( :‬الدرك‪ :‬اللحاق ‪-‬إلى أن قال‪-‬‬

‫‪ ((1‬واللغة هنا تنص على أن القوة الدراكية السمعية تمكنك من التقاط‬


‫الشيء المسموع‪ ،‬وإل فمن المعروف أن المواج الصوتية هي التي تنتقل‬
‫إلى الذن‪ ،‬ولكن الذن كما قلنا هي التي يرجع إليها مقدرة الدراك لهذه‬
‫الموجات التي تبث عبر الثير الهوائي‪.‬‬
‫‪ ((2‬ويقال في العين ما قيل في الذن‪.‬‬
‫وسقط القناع‪122-‬‬
‫وتدارك القوم‪ :‬تلحقوا‪ ،‬وفي التنزيل‪ :‬حتى إذا‬
‫اداركوا فيها‪.) ( ‬‬
‫‪1‬‬

‫فهذه نصوص أئمة اللغة العربية‪ ،‬وقد أتبعت‬


‫ذلك بقولي في "الحق الدامغ"‪( :‬وليس فيها ما يدل‬
‫على تفسير الدراك بالحاطة‪ ،‬ول يمكن حمل اللحوق‬
‫أو اللحاق عليها‪ ،‬لن قول القائل‪ :‬لحقت الجدار بيدي‪.‬‬
‫ل يدل إل على مماسته له‪ ،‬وهو قول فصيح مقبول‬
‫وضعًا وعرفاً مع تعذر إحاطة اليد بالجدار‪ ،‬ومثل ذلك‬
‫قوله‪ :‬أنزلت الحبل في البئر حتى لحق الماء وأمثلة‬
‫ذلك ل تحصى)( ) ثم قلت‪( :‬ولم أجد مرجعاً لغوياً فسر‬
‫‪2‬‬

‫الدراك بالحاطة‪ ،‬وناهيك دليلً على خطأ هذا‬


‫التفسير عدم تقبل العرف والذوق لقول القائل‪ :‬في‬
‫الحائط المحيط بالزرع أنه مدرك له ومثله قول القائل‪:‬‬
‫بأن البيت مدرك لمن كان وما كان داخله‪ .‬مع العلم‬
‫بأنه ل يماري أحد في إحاطته بما اشتمل عليه)( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ثم قلت‪( :‬وإذا كان معنى ل تدركه البصار‪ :‬ل‬


‫تلحقه‪ ،‬مؤداه قطعاً أن القوى البصرية ل تصل إليه‬
‫حتى يكون مرئياً لها‪ ،‬فإن البصر يطلق على الحاسة‬
‫كما يطلق على آلة البصار وهي العين‪ ،‬وتمثيل‬
‫صاحب الصحاح بقوله‪( :‬عشت حتى أدركت زمانه)‬
‫شاهد على صحة ما قلت من التباين بين لفظتي‬

‫‪ ((1‬الحق الدامغ ص ‪ ،70‬ارجع إليه وانظر ثبت النقول‪.‬‬


‫‪ ((2‬نفس المرجع ص ‪.71‬‬
‫‪ ((3‬نفس المرجع ص ‪.71‬‬
‫وسقط القناع‪123-‬‬
‫الدراك والحاطة‪ ،‬فإنه مما يدركه كل أحد أن قائل‬
‫ذلك لم يرد أنه عاش حتى أحاط بزمان من أضيف إلى‬
‫ضميره الزمان من أوله إلى آخره‪ ،‬إذ لو كان هو‬
‫المراد لما جاز لحد أن يقول في أحد من أصحاب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬إنه أدرك زمانه عليه‬
‫أفضل الصلة والسلم‪ .‬إل إن كان ذلك الصحابي قد‬
‫أحاط بزمنه صلى ال عليه وسلم منذ الولدة إلى‬
‫الوفاة)( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ثم قلت‪( :‬ومن الشواهد الدالة على خطأ تفسير‬


‫الدراك بالحاطة أنه ل يختلف في صحة قول القائل‬
‫فيمن وقع عليه السهم‪ :‬أدركه السهم‪ .‬ولو قال أحد‪:‬‬
‫أحاط به السهم لما عد قوله إل هذياناً)( ) ثم بعد ذلك‬
‫‪2‬‬

‫قلت‪( :‬وأصرح من هذه النصوص ما تقدم نقله عن‬


‫شارح القاموس بأنه فسر الرؤية بإدراك المرئي‪ ،‬وفي‬
‫اللسان أيضاً‪( :‬والدراك‪ :‬اللحوق‪ ،‬يقال مشيت حتى‬
‫أدركته‪ ،‬وعشت حتى أدركت زمانه‪ ،‬وأدركته‬
‫ببصري أي رأيته)( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ثم استدللت بعد ذلك بتصاريف هذه الكلمة نحو‬


‫فيها ( ) فعلى أي‬
‫‪4‬‬
‫‪‬‬ ‫قول ال تعالى‪ :‬حتى إذا اداركوا‬
‫حال ل يقصد به أن كل فريق منهم أحاط بغيره‪ ،‬وإنما‬

‫‪ ((1‬نفس المرجع ص ‪.71‬‬


‫‪ ((2‬نفس المرجع ص ‪.71‬‬
‫‪ ((3‬نفس المرجع ص ‪.71‬‬
‫‪ ((4‬العراف ‪.38‬‬
‫وسقط القناع‪124-‬‬
‫هو أن كل فريق لحق صاحبه‪ ،‬ومن الدلة التي‬
‫استدللت بها استشهاد الصحابة رضوان ال عليهم‬
‫على نفي الرؤية بهذه الية‪ ،‬وهم كانوا عرباً أقحاحاً لم‬
‫تخالط عربيتهم عجمة‪ ،‬فالصحابة رضي ال عنهم‬
‫استدلوا كثيراً على نفي رؤية ال تعالى بقوله‪ :‬ل‬
‫تدركه البصار وهو يدرك البصار‪ ‬وذكرت حديث‬
‫المام الربيع والشيخين عن مسروق قال‪( :‬كنت متكئاً‬
‫عند عائشة‪ ،‬فقالت‪ :‬يا أبا عائشة‪ ،‬ثلث من تكلم‬
‫بواحدة منهن فقد أعظم على ال الفرية‪ :‬من زعم أن‬
‫محمداً رأى ربه فقد أعظم على ال الفرية‪ .‬قال‪ :‬وكنت‬
‫متكئاً فجلست فقلت‪ :‬يا أم المؤمنين‪ ،‬انظريني ول‬
‫تعجليني‪ ،‬ألم يقل ال عز وجل‪ :‬ولقد رآه بالفق‬
‫المبين ‪‬ولقد رآه نزلة أخرى‪ ‬فقالت‪ :‬أنا أول هذه‬
‫المة سأل عن ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فقال‪(( :‬إنما هو جبريل لم أره في صورته التي خلق‬
‫عليها غير هاتين المرتين‪ ،‬رأيته منهبطاً من السماء‬
‫ساداً عظم خلقه ما بين السماء والرض)) فقالت‪ :‬أو‬
‫لم تسمع أن ال يقول‪ :‬ل تدركه البصار وهو يدرك‬
‫البصار وهو اللطيف الخبير} وأخرج المام الربيع‬
‫رحمه ال تعالى عن المام علي كرم ال وجهه وابن‬
‫عباس رضي ال عنهما أنهما استدل على نفي رؤية‬
‫‪1‬‬
‫ال تعالى بهذه الية الكريمة( )‪.‬‬

‫‪ ((1‬نفس المرجع ص ‪.73-72‬‬


‫وسقط القناع‪125-‬‬
‫وعلى أي حال فإن هؤلء جميعاً كانوا عرباً‬
‫أقحاحاً لم يخالط شيء من العجمة فصيح كلمهم‬
‫العربي‪ ،‬وكانوا أدرى بمضامين الكلم وأقوى على‬
‫معرفة مراد كلم ال تعالى وكلم رسوله صلى ال‬
‫عليه وسلم ممن جاء من بعدهم‪.‬‬
‫أما الدندنة التي يعتمد عليها أولئك الذين يقولون‬
‫برؤية ال‪ ،‬وهي التفرقة ما بين الدراك والرؤية‪،‬‬
‫بسبب أن فيما حكاه ال سبحانه وتعالى من قصة‬
‫موسى عليه السلم وقومه من بني إسرائيل مع‬
‫فرعون ما يدل على التفرقة‪ ،‬إذ قال ال تعالى‪ :‬فلما‬
‫تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون ‪ ‬قال‬
‫كل إن معي ربي سيهدين‪ ) ( ‬حيث نفى موسى عليه‬
‫‪1‬‬

‫السلم ما توقعوه من إدراك عدوهم مع أن الترائي‬


‫حصل بين الجانبين‪ ،‬وهذا ما قاله غير واحد من الذين‬
‫يقولون بالرؤية‪ ،‬فلقد تعجب الحافظ ابن حجر من هذا‬
‫الستدلل إذ قال‪( :‬وهو استدلل عجيب‪ ،‬لن متعلق‬
‫الدراك في آية النعام البصر‪ ،‬فلما كان ظاهره نفي‬
‫الرؤية بخلف الدراك الذي في قصة موسى) وقد‬
‫أضفت إلى ذلك بأن الدراك يتفاوت معناه بحسب‬
‫تفاوت أنواع المدرِكات ‪-‬بالكسر‪ -‬فإدراك العين‬
‫رؤيتها للشيء‪ ،‬وإدراك الذن سماعها للصوت‪،‬‬
‫وإدراك اليد مسيسها للجسم‪ ،‬وإدراك السيف وقعه‬
‫على المضروب‪ ،‬وإدراك السهم إصابته للمرمي‪،‬‬

‫‪ ((1‬الشعراء ‪.62-61‬‬
‫وسقط القناع‪126-‬‬
‫وإدراك الرمح إصابته للمطعون‪ ،‬وإدراك العدو تمكنه‬
‫منه وقدرته على إنزال السوء به‪ ،‬فأصحاب موسى‬
‫عليه السلم ما كانوا يتوقعون مجرد رؤية عدوهم‬
‫لهم‪ ،‬وإنما كانوا يحذرون من تمكنه منهم( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وعلى أي حال فإن هذا الكلم الذي أخذ‬


‫الطحان يدندن حوله هو منقوض بمثل هذا الذي‬
‫ذكرته‪ ،‬ولم يستطع أن ينقض هذه الحجة الدامغة التي‬
‫ذكرتها بشيء‪ ،‬واكتفى بالحوم حولها بمثل تلك الشبه‬
‫الواهية الباطلة‪.‬‬
‫التمدح اللهي‬
‫بنفي الرؤية والسفسطة الحشوية‬
‫وحاول الطحان أيضاً أن يكرر ذلك الكلم‬
‫الباطل المنقوض الذي بينت عواره في كتابنا "الحق‬
‫الدمغ" وهو أن ال سبحانه وتعالى ل يتمدح بنفي؛‬
‫سبحانك يا رب هذا بهتان عظيم ‪ ،‬أنا أعجب كل‬
‫العجب من هؤلء الحشوية كيف يرجعون إلى مثل‬
‫هذه المور ويحرصون كل الحرص على محاولة‬
‫إدحاض حجج الحق بمثل هذه الشبه التي ينسجونها‬
‫من وحي خيالهم‪ ،‬وهم الذين يدّعون أنهم ل يرجعون‬
‫إل لنصوص من القرآن الكريم أو السنة النبوية وأنا‬
‫أتحداهم أيما تحدي أن يأتوني بشيء من الكتاب أو‬
‫السنة يدل على أن ال ل يتمدح بنفي محض‪ ،‬وإل فما‬
‫الذي جرأهم عليه‪ ،‬فإن الية الكريمة ل تدركه‬
‫‪ ((1‬الحق الدامغ ص ‪.74‬‬
‫وسقط القناع‪127-‬‬
‫البصار وهو يدرك البصار‪ ‬سيقت مساق تمدحه‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬وما تقدمها وما تأخر عنها هو مدح‬
‫له‪.‬‬
‫الية الكريمة سبقها كثير من النفي وتأخر عنها‬
‫كثير من النفي المساق مساق التمدح له سبحانه وتعالى‬
‫ويأتي هؤلء فيخرجونها من أن تكون مدحاً له‬
‫سبحانه!!‪.‬‬
‫سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم!!‬
‫وقد ذكرت في "الحق الدامغ" كيف تناقض ابن‬
‫تيمية في هذه القضية‪ ،‬إذ قال في هذه الية‪( :‬هي على‬
‫جواز الرؤية أدل منها على امتناعها‪ ،‬فإن ال سبحانه‬
‫إنما ذكرها في سياق التمدح( ) ومعلوم أن المدح إنما‬
‫‪1‬‬

‫يكون بالوصاف الثبوتية‪ ،‬وأما العدم المحض فليس‬


‫بكمال ول يُمدح به وإنما يُمدح الرب تبارك وتعالى‬
‫بالعدم إذا تضمن أمراً وجودياً‪ ،‬كتمدحه بنفي السنة‬
‫والنوم المتضمن كمال القيومية‪ ،‬ونفي الموت‬
‫المتضمن كمال الحياة‪ ،‬ونفي اللغوب والعياء‬
‫المتضمن كمال القدرة‪ ،‬ونفي الشريك والصاحبة‬
‫والولد والظهير المتضمن كمال ربوبيته وألوهيته‬
‫وقهره‪ ،‬ونفي الكل والشرب المتضمن كمال الصمدية‬
‫وغناه‪ ،‬ونفي الشفاعة عنده بدون إذنه المتضمن كمال‬
‫توحيده وغناه عن خلقه‪ ،‬ونفي الظلم المتضمن كمال‬

‫‪ ((1‬انظروا إلى ابن تيمية هنا فقد اعترف بأن ال سبحانه وتعالى ذكر هذه‬
‫الية الكريمة في سياق التمدح‪.‬‬
‫وسقط القناع‪128-‬‬
‫عدله وعلمه وغناه‪ ،‬ونفي النسيان وعزوب شيء عن‬
‫علمه المتضمن كمال علمه وإحاطته‪ ،‬ونفي المثل‬
‫المتضمن لكمال ذاته وصفاته‪ ،‬ولهذا لم يمتدح بعدم‬
‫محض ل يتضمن أمراً ثبوتياً‪ ،‬فإن المعدوم يشارك‬
‫الموصوف في ذلك العدم‪ ،‬ول يوصف الكامل بأمر‬
‫يشترك هو والمعدوم فيه‪ ،‬فلو كان المراد بقوله‪ :‬ل‬
‫تدركه البصار‪ ‬أنه ل يُرى بحال لم يكن في ذلك مدح‬
‫ول كمال لمشاركة المعدوم له في ذلك)( ) سبحانك‬
‫‪1‬‬

‫اللهم وتنزهت؛ فإذًا المعدوم أيضاً‪-‬على حسب قوله‬


‫هذا‪ -‬ل تأخذه سنة ول نوم‪ ،‬والمعدوم أيضاً ل ينسى إذ‬
‫يتعذر عليه الذكر والنسيان جميعاً‪ ،‬والمعدوم أيضاً‬
‫كذلك ل يتخذ صاحبة ول ولداً‪ ،‬فهل هذا يعني جواز‬
‫أن يكون ل سبحانه صاحبة وولد‪ ،‬وأن يكون ناسياً‪،‬‬
‫والمعدوم أيضاً ل يوصف بظلم مع أن ال سبحانه نفى‬
‫‪2‬‬
‫عن نفسه الظلم إذ قال‪ :‬ول يظلم ربك أحداً‪.) ( ‬‬
‫فهل هذا يعني أن تنقض هذه المدائح في حق‬
‫ال تعالى؟!‪.‬‬
‫ثم قال‪( :‬فإن العدم الصرف ل يرى ول تدركه‬
‫البصار‪ ،‬والرب جل جلله يتعالى بأن يمدح بما‬
‫يشاركه فيه العدم المحض)( ) مع أنه نفسه قال‪( :‬بأن‬
‫‪3‬‬

‫الية إنما ذكرها في سياق التمدح) ثم بعد ذلك يقول‪:‬‬

‫‪ ((1‬الحق الدامغ ص ‪ ،81-80‬وانظر حادي الرواح إلى بلد الفراح ص‬


‫ل عن ابن تيمية‪ ،‬وانظر كذلك المنار ج ‪ 9‬ص ‪ 132‬ط ‪.4‬‬
‫‪ 210-209‬نق ً‬
‫‪ ((2‬الكهف ‪.49‬‬
‫وسقط القناع‪129-‬‬
‫(بأن هذا نفي محض وال سبحانه وتعالى ل يمدح‬
‫بنفي محض) ثم يرجع بعد ذلك إلى القول‪( :‬بأن ال‬
‫سبحانه وتعالى ل يمكن أن يتصف بصفة يشاركه فيها‬
‫المعدوم‪ ،‬فالمعدوم ل يتصف بأنه يرى ول يتصف‬
‫بالبصار فل يمكن أن يتمدح ال تعالى بذلك) أيضاً‬
‫المعدوم ل يمكن بحال من الحوال أن يوصف بالظلم‪،‬‬
‫ول بالصاحبة والولد‪ ،‬ول بالسنة والنوم‪ ،‬فهل يمكن أن‬
‫يقال بأن هذه المدائح ل تليق بجلله سبحانه وتعالى؟!‬
‫فتكونوا يا معشر الحشوية أعلم بال سبحانه وبصفاته‬
‫منه عز وجل‪ ،‬تعالى ال عما تقولون علواً كبيراً‪.‬‬
‫ويقول ابن تيمية بعد ذلك‪( :‬فإن العدم الصرف‬
‫ل يُرى ول تدركه البصار‪ ،‬والرب جل جلله يتعالى‬
‫أن يُمدح بما يشاركه فيه العدم المحض‪ ،‬فإن المعنى‬
‫أنه يُرى ول يدرك ول يحاط به)( )‪ .‬من أين جاء بهذا‬
‫‪1‬‬

‫الكلم؟!‪.‬‬
‫وقد قلت في "الحق الدامغ" على إثره‪( :‬وهو‬
‫شدَهُ منه كل من كان يتمتع بشيء من العقل الذي‬ ‫كلم ُي ْ‬
‫لم يتكدر بتأثير الهوى‪ ،‬فإنه ظاهر البطلن بيّن‬
‫التناقض‪ ،‬وناهيك أنه أثبت في صدره أن الية ذكرت‬
‫في سياق التمدح‪ ،‬ثم أتبع ذلك أن ال ل يتمدح بعدم‬
‫محض وانتهى به التطواف إلى القول بأن العدم‬

‫ص ‪210-209‬‬ ‫‪ ((3‬الحق الدامغ ص ‪ ،81‬وانظر نقله عن حادي الرواح‬


‫ل عن ابن تيمية‪.‬‬
‫نق ً‬
‫‪ ((1‬الحق الدامغ ص ‪.81‬‬
‫وسقط القناع‪130-‬‬
‫الصرف ل يُرى ول تدركه البصار‪ ،‬ثم أتى بنتيجة‬
‫ذلك كله وهي أن ال يُرى ول يدرك‪ ،‬وعليه فيلزمه‬
‫من ذلك أن ل يكون نفي إدراك البصار لذاته تعالى‬
‫مدحاً له‪ ،‬وأن تكون ذات ال العلية ممكنة الحاطة بها‬
‫‪-‬بناءً على ما فسر به الدراك‪ -‬لن العدم الصرف ل‬
‫يدرك أيضاً كما نص عليه بنفسه‪.‬‬
‫وبالجملة فإن أعجب ما جاء به ابن تيمية في‬
‫كلمه هذا‪ ،‬عرضه النصوص القطعية على قاعدة‬
‫مصطنعة من الخيال والوهم‪ ،‬ليس لها أسس من العقل‬
‫ول دعائم من النقل‪ ،‬مع أن الواجب علينا ‪-‬معاشر‬
‫العباد‪ -‬أن نثبت ل ما أثبته لنفسه وأن ننفي عنه ما نفاه‬
‫بنفسه‪ ،‬فإنه سبحانه أعلم بذاته وصفاته‪ ،‬وليس لنا أن‬
‫نعترض عليه في نفيه أو إثباته‪.‬‬
‫وإن من أعجب العجاب أن يشتد إنكار الحنابلة‬
‫‪-‬ومن بينهم ابن تيمية وابن القيم‪ -‬على المتكلمين من‬
‫الشاعرة والمعتزلة وغيرهم فيما هو أولى بالصواب‬
‫وأجدر بالحق وأدنى إلى الحقيقة من أسس علم الكلم‬
‫الجامع بين براهين العقل ونصوص النقل‪ ،‬بينما‬
‫تجدهم يطلقون لخيالهم العنان في استنتاج أمثال هذه‬
‫الوهام‪ ،‬ل لغرض غير التهرب من قهر النصوص‬
‫وقبضة البراهين)‪.‬‬
‫ثم بعد ذلك جاريت هؤلء الحشوية على‬
‫كلمهم الباطل هذا لجل نقض حجتهم فقلت‪( :‬ولو‬
‫ل لهذا المنطق المتداعي لقلنا إن في نفي‬ ‫سلمنا جد ً‬
‫الرؤية عن ال تعالى إثباتاً لصفة الكمال له عز وجل‬
‫وسقط القناع‪131-‬‬
‫وهي الكبرياء‪ ،‬ففي الحديث الصحيح نص صريح بأن‬
‫كبرياء ال سبحانه وتعالى مانعة من رؤيته‪ ،‬وذلك‬
‫فيما أخرجه الشيخان عن أبي موسى الشعري عن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪(( :‬جنتان من فضة‬
‫آنيتهما وما فيهما‪ ،‬وجنتان من ذهب آنيتهما وما‬
‫فيهما‪ ،‬وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إل‬
‫رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن))( )‪ .‬فالحديث‬
‫‪1‬‬

‫صريح في أن كبرياء ال سبحانه وتعالى تحول بين‬


‫أولئك القوم وبين أن يروا ال سبحانه وتعالى‪ ،‬ول‬
‫يمكن بحال من الحوال أن يتخلى ال عز وجل عن‬
‫أية صفة من صفات ذاته‪ ،‬والكبرياء صفة ذاتية فل‬
‫يمكن أن يتخلى عنها‪ ،‬كما ل يمكن أن يتخلى عن‬
‫علمه ول عن قدرته ول عن مشيئته‪ ،‬ول عن غيرها‬
‫ل ول‬ ‫من صفات ذاته‪ ،‬فإن ذلك أمر ليس مقبولً عق ً‬
‫نقلً‪.‬‬
‫واستدللت بهذا الحديث نفسه في "الحق الدامغ"‬
‫على عدم جواز رؤية الحق تبارك وتعالى وقلت‪:‬‬
‫(وجه الستدلل به صراحة في عدم رؤيتهم ل‬
‫لحيلولة رداء الكبرياء بينهم وبين ذلك‪ ،‬والكبرياء‬
‫صفة ذاتية ل عز وجل ل يمكن أن يتخلى عنها‪ ،‬كما‬
‫ل يتخلى عن القدرة أو العلم أو الرادة أو الحياة أو‬
‫السمع أو البصر‪ ،‬إذ لو تخلى عنها في أي لحظة لكان‬
‫منقلباً عنها إلى ضدها وهو الصغار المنافي لربوبيته‬

‫‪ ((1‬الحق الدامغ ص ‪.82-81‬‬


‫وسقط القناع‪132-‬‬
‫تعالى‪ ،‬فمن ادعى مع هذا النفي رؤيته سبحانه وتعالى‬
‫لزمه سلب الكبرياء عن الذات العلية‪.‬‬
‫وإضافة الرداء إلى الكبرياء في الحديث من‬
‫باب إضافة المشبه به إلى المشبه‪ ،‬كذهب الصيل‬
‫ولجين الماء في قول الشاعر‪:‬‬
‫والريح تعبث في الغصون وقد‬
‫جرى‬
‫ذهب الصيل على لجين‬
‫الماء‬
‫وفيه إشارة إلى تشبيه الكبرياء بالرداء بأسلوب‬
‫التشبيه البليغ حسب ما جاء في الحديث القدسي وهو‬
‫قوله سبحانه‪(( :‬الكبرياء ردائي والعظمة إزاري))‬
‫وما معناه إل أنه تعالى مختص بهما كاختصاص‬
‫أحدنا بردائه وبإزاره‪ ،‬فليس لحد أن يتطاول فينازعه‬
‫فيهما وقد صرح بذلك آخر الحديث وهو قوله‪(( :‬فمن‬
‫نازعني فيهما أدخلته النار ول أبالي))‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬ما بالكم حملتم النظر في مقام النفي‬
‫على الرؤية مع حملكم إياه في مقام الثبات على‬
‫النتظار كما قلتم في آية القيامة وحديث صهيب‪.‬‬
‫فالجواب‪ :‬أن حمله على النتظار هناك لن هذا‬
‫المعنى هو الذي يتفق مع القرائن العقلية ويتساوق مع‬
‫السياق في الية والحديث‪ ،‬ونحن ل نمنع أن يفسر‬
‫النظر بالرؤية عندما تكون مرادة به فإنه من باب‬
‫اللفظ المشترك الذي يصلح لكثر من معنى وإنما‬
‫القرائن هي التي تعين المراد‪ ،‬والمقام هنا يقتضي‬
‫وسقط القناع‪133-‬‬
‫تفسير النظر بالرؤية‪ ،‬فإن الحديث يفيد أن الولياء‬
‫وصلوا إلى دار كرامة ال من تكريمه إياهم وتقريبه‬
‫لهم ورفعه لدرجاتهم إلى حيث لم يبق شيء مما ألف‬
‫من أنواع التكريم إل وقد نالوه‪ ،‬ما عدا الرؤية فإنهم لم‬
‫يمنعوا منها حرماناً‪ ،‬ولكن لكونها منافية لصفة‬
‫الكبرياء الخاصة بجلل ال‪ ،‬وبهذا يمكن الجمع بين‬
‫نصوص النفي والثبات‪ ،‬والوجه هنا بمعنى الذات‬
‫عند المحققين حتى من مثبتي الرؤية‪.‬‬
‫وقد أشكل الحديث على معتقدي الرؤية فتكلفوا‬
‫من أجل الدفاع عن معتقدهم تأويله بما تأباه سلمة‬
‫الفطرة وينكره الذوق غير المؤوف‪ ،‬كقول الحافظ ابن‬
‫حجر في توجيه جواب الكرماني عن هذا الشكال‪:‬‬
‫(إن في الكلم حذفاً تقديره بعد قوله إل رداء‬
‫الكبرياء‪ ..‬فإنه يمن عليهم برفعه فيحصل لهم الفوز‬
‫بالنظر إليه)‪.‬‬
‫ولعمر الحق؛ إن اتّباع مثل هذه التأويلت‬
‫البعيدة يفضي إلى عدم الستقرار على معنى نص من‬
‫النصوص لحتمال تقدير ما يحور نفيه إلى الثبات‬
‫وإثباته إلى النفي‪.‬‬
‫وقد أجاد السيد العلمة صاحب المنار‪ ،‬حيث‬
‫قال بعد أن نقل هذا التأويل‪( :‬وفيه من التكلف ما ل‬
‫ينبغي لحفاظ السنة العتداد به‪ ،‬وهم ينكرون على‬
‫الجهمية والمعتزلة مثله‪ ،‬وما هو أمثل منه من‬
‫تأويلتهم)‪.‬‬

‫وسقط القناع‪134-‬‬
‫وحمل الحافظ الرداء في هذا الحديث على‬
‫الحجاب المذكور في حديث صهيب المتقدم‪ ،‬وبعد أخذ‬
‫ورد قال‪( :‬ومقتضى حديث الباب أن مقتضى عزة ال‬
‫واستغنائه أن ل يراه أحد لكن رحمته للمؤمنين‬
‫اقتضت أن يريهم وجهه كمالً للنعمة‪ ،‬فإذا زال المانع‬
‫فعل معهم خلف مقتضى الكبرياء‪ ،‬فكأنه رفع عنه‬
‫حجاباً كان يمنعهم)‪.‬‬
‫وقد نقل كلمه هذا صاحب المنار ولم يتعقبه‬
‫بشيء‪ ،‬مع أنه ل يقل تكلفاً عما قبله‪ ،‬فإن الحديث ل‬
‫يفيد أن امتناع الرؤية عن ال لشيء في نفوس عباده‬
‫كالهيبة التي تخشع لها أبصارهم وتوجل منها قلوبهم‪،‬‬
‫وإنما يفيد أن امتناعها لمر خاص بالذات اللهية‪،‬‬
‫وهو اتصاف ال تعالى بالكبرياء‪ ،‬وصفات ال تعالى‬
‫ل تتناقض ول تناقضها أفعاله‪ ،‬فقول الحافظ‪( :‬فعل‬
‫معهم خلف مقتضى الكبرياء) قول تقشعر منه جلود‬
‫الذين يخشون ربهم‪ ،‬فحاشا ل سبحانه أن يفعل ما ل‬
‫تقتضيه صفاته الذاتية‪ ،‬كيف وهي أجل المحامد‬
‫المقتضية لعظم المدائح‪ ،‬وقد مر بكم من القول في‬
‫حديث صهيب ما يغني عن إعادته هنا)( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫هذا الذي قلته في كتابنا "الحق الدامغ" ومما ل‬


‫ريب فيه أن إجازة تخلي ال سبحانه وتعالى عن‬
‫كبريائه أو فعل شيء مما ينافي كبرياءه‪ ،‬تؤدي إلى‬
‫إجازة نحو ذلك في جميع صفاته سبحانه وتعالى‪،‬‬

‫‪ ((1‬الحق الدامغ ص ‪.92-90‬‬


‫وسقط القناع‪135-‬‬
‫بحيث يجوز أن يقال في شيء فعل ال سبحانه وتعالى‬
‫خلف مقتضى علمه وقدرته وإرادته وحياته‪ ،‬تعالى‬
‫ال عن ذلك علواً كبيراً‪ ،‬وما إثبات ضد الكبرياء ل‬
‫سبحانه إل إثبات للصغار‪ ،‬تعالى ال عن ذلك علواً‬
‫كبيراً‪.‬‬
‫الشبهة الثانية‪...‬الطحان يعترف بالحق ولكن‪...‬‬
‫هذا‪ ،‬وأتى الطحان بشبهة ثانية رددنا عليها‬
‫أيضاً‪ ،‬إذ جاء في كلمه بأنه يسلم أن الدراك بمعنى‬
‫الرؤية‪ ،‬ولكن هذا النفي خاص بهذه الحياة الدنيا‪ ،‬وقد‬
‫سبق أن أجبت على هذا الكلم نفسه في كتابنا "الحق‬
‫الدامغ" إجابة لم يستطع الطحان أن ينقضها بشيء‪،‬‬
‫وإنما اكتفى بمثل هذه الدندنة الفارغة‪ ،‬فقد جاء في‬
‫الرد‪( :‬وأما العتراض الثالث ‪-‬وهو أن النفي المطلق‬
‫ل يدل على الدوام‪ -‬فهو مرفوض لغة وعرفاً وشرعاً‪،‬‬
‫فإن كل أحد يدرك أن قول القائل‪ :‬ل أشرب اللبن‪ .‬دال‬
‫على نفي الشرب في أي وقت من الوقات‪ ،‬ولول ذلك‬
‫ما حنث من حلف أنه ل يزني ول يسرق ول يشرب‬
‫الخمر ول يقتل النفس المحرمة بغير حق إذا أتى أي‬
‫شيء من ذلك في مستقبل الزمان بناءً على أن النفي‬
‫المطلق غير شامل للزمنة‪.‬‬
‫ومما ل خلف فيه أن للنهي حكم النفي ولئن‬
‫ساغ هذا القول لم يبق أمر محجور‪ ،‬فيسوغ للناس أن‬
‫يأكلوا الربا الذي حرمه ال في كتابه‪ ،‬وأن يقتلوا‬
‫النفس المحرمة بغير حق‪ ،‬وأن يرتكبوا كل فساد في‬

‫وسقط القناع‪136-‬‬
‫الرض‪ ،‬ويأتوا كل منهي في السلم متذرعين إلى‬
‫ذلك كله بدعوى أن النهي غير شامل لعموم الزمنة‪.‬‬
‫وما تقدم تقريره من أن هذه الية ‪-‬كسائر‬
‫اليات التي انتظمت في سلكها ‪-‬سيقت مساق مدحه‬
‫تعالى مبطل لهذه الدعوى‪ ،‬إذ لو حمل النفي فيها على‬
‫الدار الدنيا دون الخرة لجاز مثله في نظائرها نحو‬
‫قوله تعالى‪ :‬ل تأخذه سنة ول نوم}( ) وقوله‪ :‬ما‬
‫‪1‬‬

‫اتخذ صاحبة ول ولداً‪ ) (‬وقوله‪ :‬لم يلد ولم يولد‪ ‬ولم‬


‫‪2‬‬

‫()‬
‫‪4‬‬
‫يكن له كفواً أحد‪ ) (‬وقوله‪ :‬ول يظلم ربك أحداً‪‬‬
‫‪3‬‬

‫ولجاز عليه تعالى في الخرة ما كان ممتنعاً عليه في‬


‫الدنيا من السنة والنوم‪ ،‬والصاحبة والولد‪ ،‬والكفء‬
‫والند‪ ،‬والجور والظلم‪ ،‬تعالى ال عن كل ذلك علواً‬
‫كبيراً‪.‬‬
‫على أن الواجب على كل مسلم أن يعتقد أن‬
‫الدنيا والخرة ل تأثير لهما في ذات الحق تعالى‪ ،‬فإنه‬
‫سبحانه يستحيل عليه مرور الزمان‪ ،‬كما يستحيل عليه‬
‫اكتناف المكان‪ ،‬فهو تعالى خالق الزمان والمكان ل‬
‫ل وأبداً‪ ،‬وإنما تحول‬ ‫تتغير ذاته ول تتبدل صفاته أز ً‬
‫()‬
‫الحوال بين الدنيا والخرة ل يتجاوز المخلوقين ‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫‪ ((1‬البقرة ‪.25‬‬
‫‪ ((2‬الجن ‪.3‬‬
‫‪ ((3‬الخلص ‪.4-3‬‬
‫‪ ((4‬الكهف ‪.4‬‬
‫‪ ((5‬الحق الدامغ ص ‪.78-77‬‬
‫وسقط القناع‪137-‬‬
‫الشبهة الثالثة ‪ ...‬تأثير الزمان على ال تعالى!‪-:‬‬
‫وأما الشبهة الثالثة التي دندن حولها الطحان‬
‫هي أن ال سبحانه وتعالى ل يدرك عندما يتجلى‬
‫بجميع نوره‪ ،‬ويمكن إدراكه عندما يتجلى ببعض‬
‫نوره‪ ،‬وقد أطال في ذلك‪ ،‬ويكفي رداً على هذه الشبهة‬
‫الواهية الباطلة‪ ،‬هو أن ال سبحانه وتعالى ل يتحول‬
‫من حال إلى حال فهو سبحانه وتعالى‪ :‬ليس كمثله‬
‫شيء وهو السميع البصير}( ) وأنتم أيها الحشوية‬
‫‪1‬‬

‫قلتم‪ :‬يظهر ببعض المظهر‪ ،‬ثم بعد ذلك ل يظهر بهذا‬


‫المظهر‪ ،‬فيمكن رؤيته عندما يظهر ببعض مظهره‪ ،‬ثم‬
‫يختفي بعد ذلك‪ ،‬ول يمكن رؤيته عندما يظهر بجميع‬
‫مظهره‪.‬‬
‫هذا يدل أن معتقدكم بأن ال سبحانه يتحول من‬
‫حال إلى حال‪ ،‬وينتقل من صورة إلى صورة‪ ،‬وقد‬
‫جاء ذلك في الحديث الذي استندتم إليه‪ ،‬ونحن بينا أن‬
‫ذلك أمر مستحيل‪.‬‬
‫ولو قلنا بثبوت هذه الرواية فغاية ما نقوله بأن‬
‫المراد بذلك صفة‪ ،‬وأن صفات ال تعالى التي تظهر‬
‫للعباد بين حين وآخر بحسب فعله فيهم‪ ،‬فقد يتجلى‬
‫لعباده بصفة الرحمة عندما تتواتر النعم عليهم‪،‬‬
‫ويتجلى بصفة النتقام عندما يكون المر بعكس ذلك‪،‬‬
‫فهذا هو المراد‪ ،‬وليست هناك صورة حسية ل تعالى‪،‬‬
‫تعالى ال عن ذلك علواً كبيراً‪ ،‬على أن علماء الحديث‬

‫‪ ((1‬الشورى ‪.11‬‬
‫وسقط القناع‪138-‬‬
‫قد تكلموا في هذا الحديث‪ ،‬ومنهم من قال بإبطاله‪،‬‬
‫وقال بأن الحتجاج به ل يمكن بأي حال من الحوال‪،‬‬
‫وسوف أتحدث عن بعض ذلك إن شاء ال فيما يأتي‪.‬‬
‫ثم إن هذا الطحان من منطلق ضلله‪ ،‬وسوء‬
‫فهمه‪ ،‬وتعفن فطرته‪ ،‬وإظلم عقله‪ ،‬وانطماس‬
‫بصيرته‪ ،‬حاول بكل جهده أن يشوش الحقائق‬
‫ويشوهها ويموه في كلمه‪ ،‬حتى يصور للناس أن‬
‫الذي قلناه مجرد تشويش‪ ،‬مع أننا استندنا في ذلك إلى‬
‫هذه الدلة الظاهرة القاطعة البينة‪ ،‬استندنا إلى أدلة‬
‫العقل والنقل‪ ،‬ولكن أين عقل الطحان من إدراك مثل‬
‫هذه الحقائق‪ ،‬وقد أظلم عقله بعقيدة الغي والضلل‬
‫‪-‬عقيدة تشبيه ال سبحانه وتعالى بخلقه‪ -‬وانطمس عقله‬
‫من جراء كبائره التي ارتكبها وفي مقدمتها تلك‬
‫الوقاحة والجرأة على ال سبحانه وتعالى‪ ،‬ورضاه بأن‬
‫يكون ال تعالى ورسوله صلى ال عليه وسلم خصماً‬
‫له في الدار الخرة إذ نفى عن كتاب ال وسنة رسوله‬
‫صلى ال عليه وسلم الخير‪ ،‬أي جرأة على ال أعظم‬
‫من هذه الجرأة؟!‪.‬‬
‫وهو قد حاول أن يقول بأن ما قلناه من أن ال‬
‫سبحانه وتعالى لو كان يُرى في الدار الخرة للزم من‬
‫ذلك تبدل صفاته‪ ،‬وغاية ما يستند إليه في هذا أن‬
‫امتناع رؤيته في هذه الدار الدنيا إنما هو لضعف في‬
‫العباد ل لشيء في ذاته‪ ،‬وهذا تكذيب صارخ لحديث‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬إذ أخبر النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم كما جاء في حديث أبي موسى‬
‫وسقط القناع‪139-‬‬
‫الشعري( ) بأن أولئك المؤمنين في الجنة ليس بينهم‬ ‫‪1‬‬

‫وبين أن ينظروا إلى ال تبارك وتعالى إل رداء‬


‫الكبرياء‪ ،‬فكبرياؤه تعالى في الدنيا والخرة هي التي‬
‫منعت عباده عن رؤيته‪ ،‬إذ الرؤية منافية لكبريائه‬
‫تبارك وتعالى‪ ،‬هذا الذي دل عليه حديث رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وأتحدى الطحان؛ وأتحدى أي أحد من هؤلء‬
‫الحشوية أن يأتيني بنص على أن ضعف العباد‬
‫وعجزهم هما اللذان منعا من رؤيتهم له سبحانه‬
‫وتعالى في هذه الدار الدنيا‪.‬‬

‫الحشوية‬
‫يردون على الله تعالى!!‬

‫‪ ((1‬ونص متن الحديث كما رواه المامان البخاري ومسلم وغيرهما عن‬
‫أبي موسى الشعري عن النبي ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬أنه قال‪(( :‬جنتان‬
‫من فضة آنيتهما وما فيهما‪ ،‬وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم‬
‫إل رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن))‪ .‬رواه البخاري في كتاب‬
‫التوحيد‪ ،‬باب ‪ ،24‬رقمه ‪ ،7444‬ورواه مسلم في كتاب اليمان‪ ،‬باب ‪،80‬‬
‫ورقمه ‪ ،296‬ورواه ابن ماجه في المقدمة‪ ،‬باب ‪ ،13‬ورقمه ‪،186‬‬
‫والترمذي في أبواب صفة الجنة‪ ،‬باب ‪ ،3‬ورقمه ‪ ،2648‬والدرامي في‬
‫كتاب الرقائق‪ ،‬باب ‪ ،3‬ورقمه ‪ .2648‬كما رواه البخاري أيضا في كتاب‬
‫ل من الكبرياء‪.‬‬
‫التفسير‪ ،‬باب ‪ ،1‬ورقمه ‪ ،4878‬ولكن بلفظة الكبر بد ً‬
‫وسقط القناع‪140-‬‬
‫هذا؛ وإن مما يدعو للضحك والسخرية‬
‫والستخفاف حشر الطحان عدداً من اليات استناداً‬
‫إليها في أن ال سبحانه وتعالى يُرى يوم القيامة‪ ،‬من‬
‫ذلك قول ال تبارك وتعالى في سورة "يس"‪ :‬إن‬
‫أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون ‪ ) (‬بال عليكم‬
‫‪1‬‬

‫أين ذكر الرؤية في هذه الية الكريمة؟!! متى جاء‬


‫ذكر الرؤية فيها؟! وإنما غاية ما فيها أن أصحاب‬
‫الجنة في شغل فاكهون‪ ،‬وال سبحانه وتعالى وعد أهل‬
‫الجنة يوم القيامة بالنعيم المقيم؛ وعدهم جنة عرضها‬
‫السموات والرض فيها ما تشتهيه النفس وتلذ‬
‫العين‪ ،‬فهم مشغولون بهذه النعم الجلى التي يتنعمون‬
‫بها يوم القيامة‪.‬‬
‫أين ذكر الرؤية في هذه الية الكريمة؟!!‬
‫فليراجع الحشوية تفسيرها‪.‬‬
‫والية الخرى التي استند إليها قول ال تعالى‪:‬‬
‫فل تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما‬
‫كانوا يعملون ‪ ) (‬ول أرى في استدلل الطحان بهذه‬
‫‪2‬‬

‫الية الكريمة إل تكذيباً صارخاً لنفس هذه الية‪ ،‬فإن‬


‫ال سبحانه وتعالى يقول فيها‪ :‬فل تعلم نفس ما أخفي‬
‫لهم من قرة أعين‪ ‬والطحان يرد على ال تعالى قائلً‪:‬‬
‫ل؛ بل أنا أعلم ما أخفي لهم من قرة أعين! أخفيت لهم‬
‫من قرة أعين‪ :‬رؤيتك التي نفيتها في كتابك!! أنا‬

‫‪ ((1‬يس ‪.55‬‬
‫‪ ((2‬السجدة ‪.17‬‬
‫وسقط القناع‪141-‬‬
‫أعرف أن الناس سوف يرونك يوم القيامة؛ وهذا هو‬
‫الذي أخفيته لهم من قرة أعين!! يا ويحك يا طحان ما‬
‫هذه الجرأة التي تجترؤها على ال سبحانه وتعالى‪ ،‬ال‬
‫ينفي أن تعلم نفس ما أخفاه لهم من قرة أعين في الدار‬
‫الخرة‪ ،‬وأنت تدعي بجهلك وحمقك أنك تعلم ذلك‬
‫الذي نفى ال سبحانه وتعالى علمه عن أي نفس من‬
‫النفس‪.‬‬

‫وسقط القناع‪142-‬‬
‫اللقاء‬
‫وتأويل الحشوية‬
‫ومن اليات التي حشرها في الستدلل للرؤية‬
‫قول ال تعالى‪ :‬تحيتهم يوم يلقونه سلم‪ ) (‬وقوله‪:‬‬
‫‪1‬‬

‫وقال الذين ل يرجون لقاءنا‪ ) (‬وقوله‪ :‬فمن كان‬


‫‪2‬‬

‫يرجو لقاء ربه‪ ) (‬استدل بذكر اللقاء في هذه اليات‬


‫‪3‬‬

‫على أن المراد باللقاء الرؤية‪ ،‬فجعلها دليلً على ثبوت‬


‫الرؤية‪ ،‬ونحن نتحدى الطحان بما نذكره من الدلة‬
‫التي تدل أيما دللة على أن اللقاء ليس هو بمعنى‬
‫الرؤية‪.‬‬
‫فال سبحانه وتعالى يقول‪ :‬فأعقبهم نفاقاً في‬
‫قلوبهم إلى يوم يلقونه‪ ) (‬كثير من المفسرين قالوا بأن‬
‫‪4‬‬

‫الضمير عائد إلى النفاق‪ ،‬أي إلى يوم يلقون ذلك‬


‫النفاق؛ بمعنى‪ :‬يلقون جزاءه‪ ،‬فهل نفس النفاق يرونه‬
‫يوم القيامة؟!‪.‬‬
‫وال سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه‬
‫العزيز‪ :‬قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملقيكم ‪‬‬
‫( ) فهل يرون ذلك الموت بأبصارهم‪ ،‬ويشاهدونه‬ ‫‪5‬‬

‫بأعينهم؟!‪.‬‬

‫‪ ((1‬الحزاب ‪.44‬‬
‫‪ ((2‬الفرقان ‪.21‬‬
‫‪ ((3‬الكهف ‪.110‬‬
‫‪ ((4‬التوبة ‪.77‬‬
‫‪ ((5‬الجمعة ‪.8‬‬
‫وسقط القناع‪143-‬‬
‫ويقول ال تعالى‪ :‬ولقد كنتم تمنون الموت من‬
‫قبل أن تلقوه‪ ) (‬فهل لقاء الموت هنا بمعنى رؤيته؟!‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫والعرب من شأنهم أن يقولوا‪ :‬بأن فلناً لقي من‬


‫هذا المر شدة أو لقي منه فرجاً ومخرجاً‪ ،‬ولقي من‬
‫هذا المر عسراً أو لقي منه يسراً‪ ،‬ولقي من هذا المر‬
‫خيراً أو لقي منه شراً‪ .‬مع أن ذلك الذي يعنونه قد‬
‫يكون أعمى‪ ،‬فهل يقال‪ :‬بأن من قال‪ :‬لقيت من هذا‬
‫المر يسراً‪ ،‬أو لقيت منه عسراً‪ ،‬أو لقيت من هذا‬
‫المر فرجاً أومخرجاً‪ .‬وهو أعمى‪ ،‬كاذب‪ ،‬حيث إنه لم‬
‫ير شيئاً‪.‬‬
‫ومن الدلة التي تدل أيضاً على بطلن هذا‬
‫الزعم قول ال سبحانه وتعالى‪ :‬يأيها النسان إنك‬
‫كادح إلى ربك كدحاً فملقيه‪ ) (‬فالضمير في قوله‪:‬‬
‫‪2‬‬

‫فملقيه يعود إلى الكدح كما أن الضمير في قوله‬


‫‪‬‬
‫سبحانه‪ :‬إلى يوم يلقونه‪ ‬يعود إلى النفاق‪ ،‬وحقيقة‬
‫النفاق ل تُرى يوم القيامة وإنما يُرى جزاؤها‪ ،‬وحقيقة‬
‫الكدح ل تُرى أيضاً وإنما تُرى عاقبته‪.‬‬
‫ونجد أن العلماء يفسرون لقاء ال بالنتقال إلى‬
‫الدار الخرة لما يتحقق به من وعد ال سبحانه وتعالى‬
‫ويتجلى به من أسرار غيبه‪ ،‬وقد أطلق على الموت‬
‫رعاية لهذا المعنى‪ ،‬ويقال في من مات‪ :‬لقي ربه‪ ،‬وقد‬
‫جاء في "لسان العرب" نقلً عن ابن الثير في شرح‬

‫‪ ((1‬آل عمران ‪.143‬‬


‫‪ ((2‬النشقاق ‪.6‬‬
‫وسقط القناع‪144-‬‬
‫حديث ((من أحب لقاء ال أحب ال لقاءه)) أن المراد‬
‫بلقاء ال المصير إلى الدار الخرة‪ ،‬وطلب ما عند‬
‫ال( )‪ ،‬وكما يكون اللقاء وعيداً كما في حديث‪(( :‬لقي‬
‫‪1‬‬

‫ال وهو عليه غضبان)) يكون أيضاً وعداً كما في‬


‫بعض اليات التي استدل بها الطحان‪.‬‬
‫ومن جملة الدلة التي استدل بها الطحان على‬
‫ثبوت رؤية ال سبحانه وتعالى؛ ذكر وجهه وابتغاء‬
‫عباد ال المؤمنين له في آيات متعددة من كتاب ال‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬وقال‪ :‬ليس المراد من ابتغائهم وجهه‬
‫إل ابتغاءهم رؤية وجهه! وهذا كلم يدل على سخافة‬
‫قائله‪ ،‬فإن المراد بابتغاء وجهه سبحانه وتعالى‬
‫إخلص العمل له‪ ،‬وهذا متبادر لي أحد من أصحاب‬
‫العقول إل أصحاب العقول السخيفة الذين يكابرون‬
‫الحقيقة‪ ،‬والذين لم يؤتوا شيئاً من نور العلم‪.‬‬
‫وقد نص المفسرون الذين يثبتون الرؤية على‬
‫أن المراد بابتغاء وجه ال سبحانه وتعالى ما هو إل‬
‫ابتغاء القربى إليه وإخلص العمل له بحيث ل يشوبه‬
‫شيء من شوائب الرياء‪ ،‬هذا هو المراد‪ ،‬وأقوال أئمة‬
‫التفسير في ذلك كثيرة‪ ،‬ولست الن في هذه المدة‬
‫القصيرة بصدد نقل أقوالهم‪ ،‬ومن أراد الطلع على‬
‫حقيقة هذا المر فليرجع إلى أقوال المفسرين الذين‬
‫يثبتون الرؤية من أمثال ابن جرير الطبري والقرطبي‬

‫‪ ((1‬لسان العرب ج ‪ 20‬ص ‪ ،121‬ط بولق‪.‬‬


‫وسقط القناع‪145-‬‬
‫وغيرهم‪ ،‬والسيد رشيد رضا من العلماء المتأخرين‪،‬‬
‫فإنه يجد في ذلك ما يشفي غليله‪.‬‬

‫وسقط القناع‪146-‬‬
‫الحشوية‬
‫يتناقضون مع أسلفهم‬
‫هذا؛ واستدل الطحان أيضاً على رؤية ال‬
‫تعالى بآيات يزعم أنها تشير إلى رؤية النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ل سبحانه ليلة السراء والمعراج‪ ،‬وأنا ل‬
‫أريد أن أرد على الطحان في هذه القضية بالدلة من‬
‫سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كحديث عائشة‬
‫رضي ال عنها كما جاء في الصحيحين اللذين يعتبر‬
‫الطحان مخالفهما جديراً بأن يقتل‪ ،‬ل أريد أن أستدل‬
‫بهذه الدلة‪ ،‬فلعله ل يؤمن بالسنة‪ ،‬لنه صرح بنفسه‬
‫أن القرآن والسنة ما هما إل قنطرة عبور إلى أقوال‬
‫أسلفهم الذين يلوون أعناق اليات لتتفق مع أهوائهم‬
‫ومع ما في قرارة نفوسهم من عقائد زائغة‪ ،‬وإنما أرد‬
‫عليه بكلم أحد أئمته الذين يرفع كلمهم إلى مستوى‬
‫أرفع من كلم ال سبحانه وتعالى وكلم رسوله صلى‬
‫ال عليه وسلم بحيث يرى أن كلمهم هو الغاية التي‬
‫يتوصل إليها‪ ،‬ويجب التسليم لها وطمس البصيرة من‬
‫أجل الستسلم من أجلها‪ ،‬نقل ابن تيمية –وهو عندهم‬
‫عنصر مقدس من عناصر أئمتهم‪ -‬نقل في المجلد‬
‫السادس ص ‪ 507‬من فتاواه الكبرى‪( :‬عن عثمان بن‬
‫سعيد الدارمي أنه حكى إجماع الصحابة رضوان ال‬
‫عليهم على أن النبي صلى ال عليه وسلم لم ير‬
‫ربه)‪.‬‬

‫وسقط القناع‪147-‬‬
‫فماذا عسى أن تقول يا طحان‪ ،‬بعد أن قلت في‬
‫كتاب ال‪ :‬ل خير فيه إل إذا مر بطريق السنة‪ ،‬ثم أن‬
‫السنة أيضاً ل خير فيها حتى يصل الكتاب والسنة معاً‬
‫إلى أقوال سلفكم فيقبلون ما يقبلونه وينكرون ما‬
‫ينكرونه‪ .‬هذا كلم أحد سلفكم ينكر رؤية النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم لربه ليلة السراء والمعراج‪ ،‬ويحكي‬
‫إجماع الصحابة على ذلك‪ ،‬فماذا عسى أن تقول؟!‪.‬‬

‫وسقط القناع‪148-‬‬
‫المحدث القنوبي‬
‫يزف بشرى سارة إلى الحشوية!!‬
‫ثم انتقل الطحان إلى الستدلل بثبوت معتقده‬
‫بروايات الحاديث التي جاءت عند الشيخين‬
‫وغيرهما‪ ،‬وأنا ل أريد أن أطيل في هذا الموقف‪ ،‬فقد‬
‫ذكرت في "الحق الدامغ" ما في أصح هذه الروايات‬
‫سنداً من اضطراب المتن( )‪ ،‬وقد اعترف به كثير من‬
‫‪1‬‬

‫أئمة الحديث‪ ،‬ومن بينهم العلمة ابن العربي المالكي‬


‫في عارضة الحوذي حتى قال ما يفيد اتفاق المة‬
‫على أن الرؤية ل تكون في الموقف‪ ،‬بينما تلك‬
‫الحاديث تدل على أن الرؤية في الموقف‪ ،‬ومن بين‬
‫هؤلء أيضًا المحدث العلمة الكوثري في تعليقه على‬
‫كتاب "السماء والصفات" فإنه ذكر اضطراب هذا‬
‫الحديث ومخالفته لنصوص القرآن‪.‬‬
‫وقد حاولت جهدي أن أقرب معاني هذا الحديث‬
‫بما يتفق مع تنزيه ال تعالى‪ ،‬وبما يتفق مع مقتضيات‬
‫العقل‪ ،‬وبما يدفع عنه التناقض والضطراب‪ ،‬فإن من‬
‫أخذ بظاهره وقع في تناقض عجيب‪ ،‬فمن ذلك‪( :‬فيأتهم‬
‫ربهم بغير الصورة التي يعرفونه بها) وفي رواية‬
‫مسلم‪( :‬فيأتهم ربهم في غير الصورة التي رأوه بها‬
‫أول مره‪- )...‬متى رأوه؛ وذلك هو أول موقف من‬
‫مواقف يوم القيامة؟! هل رأوه في هذه الحياة الدنيا؟ أو‬
‫رأوه في البرزخ؟!‪...( -‬فإذا أتاهم ال قالوا له‪ :‬لست‬

‫‪ ((1‬الحق الدامغ ص ‪.60 -55‬‬


‫وسقط القناع‪149-‬‬
‫ربنا‪ ،‬ل نبرح مكاننا حتى يأتينا ربنا‪ )...‬وعندما ينتقل‬
‫من تلك الصورة إلى صورة أخرى يقولون له‪...( :‬نعم‬
‫أنت ربنا)( )‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫بال عليكم لو أخذنا بظاهر هذا الحديث ‪-‬كما‬


‫يريد الطحان وأمثاله‪ -‬أمَا يؤدي ذلك إلى اتهام الناس‬
‫لحاديث الرسول صلى ال عليه وسلم ولشخصه عليه‬
‫الصلة والسلم بالتناقض والضطراب عندما يرون‬
‫أن كلمه مخالف لدلة العقل‪ ،‬بل مخالف أيضاً لما‬
‫يقتضيه النقل الصحيح الذي ل مرية فيه‪ ،‬على أن‬
‫أحاديث الرؤية بأسرها لو نوقشت من حيث السانيد‬

‫‪ )(1‬نسوق هنا للقارئ المسلم متن الحديث ليرى أنه ل يمكن أن يخرج هذا‬
‫الكلم من مشكاة النبوة لما فيه من الضطراب والتداعي ووصف ال‬
‫تعالى بما ل يليق‪ ،‬ولكن هؤلء الحشوية قوم بهت ينكرون الحق وإن‬
‫تجلى لهم كتجلي الشمس في وضح النهار‪-:‬‬
‫(عن أبي هريرة أن الناس قالوا‪ :‬يا رسول ال هل نرى ربنا يوم‬
‫القيامة؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬هل تضارون في القمر ليلة‬
‫البدر؟ قالوا‪ :‬ل يا رسول ال‪ .‬قال‪ :‬فهل تضارون في الشمس ليس دونها‬
‫حجاب؟ قالوا‪ :‬ل يا رسول ال‪ .‬قال‪ :‬فإنكم ترونه كذلك‪ ،‬يجمع ال الناس‬
‫يوم القيامة‪ ،‬فيقول‪ :‬من كان يعبد شيئا فليتبعه‪ .‬فيتبع من كان يعبد الشمسَ‬
‫الشمسَ‪ ،‬ويتبع من كان يعبد القمرَ القمرَ‪ ،‬ويتبع من كان يعبد الطواغيتَ‬
‫الطواغيتَ‪ ،‬وتبقى هذه المة فيها شافعوها أو منافقوها فيأتيهم ال فيقول‪:‬‬
‫أنا ربكم‪ .‬فيقولون‪ :‬هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا‪ ،‬فإذا جاء ربنا عرفناه‪.‬‬
‫فيأتيهم ال في صورته التي يعرفون فيقول لهم‪ :‬أنا ربكم‪ .‬فيقولون‪ :‬أنت‬
‫ربنا‪ .‬فيتبعونه‪ )...‬الخ الكلم‪.‬‬
‫وسقط القناع‪150-‬‬
‫والمتون لوجد فيها كثير من الضطراب‪ ،‬وقد تولى‬
‫مناقشة أكثرها في وقتنا هذا العلمة المحدث الكبير‬
‫الحافظ الحجة الشيخ القنوبي( ) جزاه ال تعالى خيراً‬
‫‪1‬‬

‫وأطال في عمره‪ ،‬وسيصدر إن شاء ال كتابه الذي‬


‫أفرده لمناقشة هذه الروايات‪ ،‬وفيه من إقامة الحجة ما‬
‫ليس بعده‪ ،‬فليبشر الطحان بظهور هذا الحق إن شاء‬
‫ال تعالى‪ ،‬فسيوافيه هذا الكتاب بمشيئة ال تبارك‬
‫وتعالى وسيوافي غيره من أئمة الحشوية‪.‬‬

‫‪ ((1‬هو العلمة المحدث سعيد بن مبروك بن حمود القنوبي نابغة في‬


‫مختلف فنون العلم وخاصة في علم الحديث الشريف‪ ،‬فتح ال له باب‬
‫الجتهاد وهو شاب‪ ،‬وهو الن في الثلثين من عمره أمد ال تعالى في‬
‫عمره ونفع المسلمين بعلومه‪ ،‬له مؤلفات عديدة منها‪ :‬المام الربيع بن‬
‫حبيب؛ مكانته ومسنده‪ ،‬السيف الحاد‪ ،‬الرأي المعتبر في أحكام صلة‬
‫السفر‪ ،‬قرة العينين في صلة الجمعة بخطبتين‪ ،‬وغيرها من الكتب‬
‫والبحوث المهمة‪.‬‬
‫وسقط القناع‪151-‬‬
‫الحشوية‬
‫فلسفة يونانية ل طريقة سلفية‬
‫إن الطحان كابر الحقيقة وخالف ما اتفق عليه‬
‫جمهور المة إذ زعم أن الحديث الحادي حجة في‬
‫العقيدة‪ ،‬وهذا أمر لم يقله إل الحشوية‪ ،‬أما جمهور‬
‫المة كما جاء في الكتب الكثيرة من مصطلح الحديث‬
‫وأصول الفقه‪ ،‬فإنهم نصوا على أن الحديث الحادي‬
‫يوجب العمل ول يفيد العلم‪ ،‬أي ل يترتب عليه اعتقاد‪،‬‬
‫وهذا أمر قد قاله بعض الحشوية‪ ،‬فابن تيمية ذكر بأن‬
‫الحديث الحادي ل يمكن أن يعتمد عليه في أصول‬
‫الدين لن حجته ظنية كما جاء في كتابه "منهاج‬
‫السنة"( )‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫وقد ذكرنا بعض كلم ابن تيمية الذي قاله في‬


‫كتابه "نقد مراتب الجماع" عندما رد حديثاً صحيحاً‬
‫من طريق عمران بن حصين عن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يتفق مع دلئل الكتاب القطعية‪ ،‬ولم يرد‬
‫الستدلل به إل لجل موافقة ما يقوله فلسفة اليونان‬
‫حرصاً منه على عدم مخالفته لهم‪ ،‬واستند فيما استند‬
‫إليه بأنه حديث غير متواتر‪.‬‬

‫‪ ))1‬منهاج السنة النبوية لبي العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية‬
‫الحراني‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪ ،133‬ط دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫ونص كلمه في ذلك‪( :‬إن هذا من أخبار الحاد فكيف يثبت به أصل‬
‫الدين الذي ل يصح إل به)‪.‬‬
‫وسقط القناع‪152-‬‬
‫منهج الباضية‪...‬‬
‫ومنهج الحشوية‬
‫ثم إن الطحان حاول أن يقلب المر رأساً على‬
‫عقب‪ ،‬ويأتي بأوهام في محل الحقيقة‪ ،‬حاول جهده أن‬
‫يخفي الشمس في رابعة النهار عندما قال خطاباً لنا‬
‫‪-‬معشر أهل الحق والستقامة‪( :‬ل بقرآن تقبلون‪ ،‬ول‬
‫بقول الرسول تقبلون) سبحانك يا رب هذا بهتان‬
‫عظيم‪ ،‬وهذا أمر ل يستغرب عند هؤلء الناس الذين‬
‫يكابرون الحق‪.‬‬
‫من قال؛ يا طحان‪ :‬إن القرآن ل خير فيه؟!‪.‬‬
‫من قال؛ يا طحان‪ :‬إن كلم الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم ل خير فيه؟!‪.‬‬
‫من جعلهما قنطرة عبور إلى أقوال الئمة الذين‬
‫تقتدون بهم؟!‪.‬‬
‫هل نحن قلنا ذلك أم أنت؟!‪.‬‬
‫هل نحن امتعضنا من الستدلل بكتاب ال‬
‫وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم استدللً صحيحاً‬
‫يتفق مع مفاهيم القرآن الكريم وحديث الرسول عليه‬
‫أفضل الصلة والسلم‪ ،‬ويتفق مع دللت الكلمات‬
‫العربية ودلئل العقل السليم‪ ،‬أم أنت وحزبك الحشوية‬
‫الذين يقولون على ال ما ل يعلمون‪ ،‬ويجترئون عليه‬
‫سبحانه وتعالى بما تهوى أنفسهم من قول الباطل؟!‪.‬‬
‫نحن ‪-‬والحمدل‪ -‬قلنا من أول المر بالحتكام‬
‫إلى الكتاب العزيز والسنة النبوية الشريفة على‬
‫وسقط القناع‪153-‬‬
‫صاحبها أفضل الصلة والسلم‪ ،‬واستدللنا بقوله عز‬
‫وجل‪ :‬فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى ال‬
‫والرسول إن كنتم تؤمنون بال واليوم الخر ذلك‬
‫خير وأحسن تأويلً‪ ) (‬أما أنت فإنك قلت بأن القرآن ل‬
‫‪1‬‬

‫خير فيه إل بالسنة‪ ،‬والسنة ل خير فيها إل بأقوال‬


‫سلفكم الذين يقولون على ال سبحانه وتعالى ما ل‬
‫يعلمون‪.‬‬
‫إنني أتحداك بأن نصوص القرآن الكريم في‬
‫أمور العقيدة نصوص ظاهرة‪ ،‬ل تحتاج إلى بيان من‬
‫السنة ول من شيء آخر‪ ،‬والسنة الصحيحة الثابتة ل‬
‫تأتي مخالفة لما في القرآن الكريم‪.‬‬
‫أناشدك بال يا أيها الطحان‪-:‬‬
‫هل قول ال سبحانه وتعالى‪ :‬فاعلم أنه ل إله‬
‫إل ال‪ ) (‬بحاجة إلى بيان؟‬
‫‪2‬‬

‫هل قول ال سبحانه‪ :‬هو ال الذي ل إله إل‬


‫هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم‪ ‬هو ال‬
‫الذي ل إله إل هو الملك القدوس السلم المؤمن‬
‫المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان ال عما‬
‫يشركون هو ال الخالق البارئ المصور له السماء‬‫‪‬‬
‫الحسنى يسبح له ما في السموات والرض وهو‬

‫‪ ((1‬النساء ‪.59‬‬
‫‪ ((2‬محمد ‪.19‬‬
‫وسقط القناع‪154-‬‬
‫العزيز الحكيم‪ ) (‬بحاجة إلى بيان من السنة أو من جهة‬
‫‪3‬‬

‫أخرى؟!‪.‬‬
‫هل قول ال تعالى‪ :‬ال ل إله إل هو الحي‬
‫القيوم ل تأخذه سنة ول نوم له ما في السموات وما‬
‫في الرض من ذا الذي يشفع عنده إل بإذنه يعلم ما‬
‫بين أيديهم وما خلفهم ول يحيطون بشيء من علمه‬
‫إل بما شاء وسع كرسيه السموات والرض ول‬
‫يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم‪ ) (‬بحاجة إلى‬
‫‪1‬‬

‫بيان؟!‪.‬‬
‫هل من تعلق بهذه اليات ضال مضل إن لم‬
‫يكن له بيان من أقوال من تسمونهم بالسلف الصالح‪،‬‬
‫وهم أبعد ما يكونون عن السلف الصالح؟!‪.‬‬
‫هل قول ال تعالى‪ :‬بسم ال الرحمن الرحيم‪‬‬
‫قل هو ال أحد‪ ‬ال الصمد‪ ‬لم يلد ولم يولد‪ ‬ولم يكن له‬
‫كفواً أحد‪ ) (‬بحاجة إلى بيان وتفصيل وإيضاح؟! وهل‬
‫‪2‬‬

‫الخذ بهذه السورة الكريمة باطل وضلل وهراء كما‬


‫زعمت يا طحان؟!‪.‬‬
‫فمن الذي ل يرضى بكلم ال‪ ،‬ول بسنة‬
‫رسوله صلى ال عليه وسلم؟!‪.‬‬
‫الباضية ‪-‬أهل الحق والستقامة‪ -‬أم أنتم الذين‬
‫اجترأتم على ال سبحانه وتعالى وأسقطتم برقعكم بما‬

‫‪ ((3‬الحشر ‪.24-22‬‬
‫‪ ((1‬البقرة ‪.255‬‬
‫‪ ((2‬سورة الخلص‪.‬‬
‫وسقط القناع‪155-‬‬
‫قلتموه‪ ،‬إذ قلتم بأن القرآن والسنة ل خير فيهما‪،‬‬
‫سبحان ال هذا بهتان عظيم!!‪.‬‬
‫ثم إن الطحان ادعى أن نفاة الرؤية يؤمنون‬
‫ببعض الكتاب ويكفرون ببعض‪ ،‬أي شيء من الكتاب‬
‫كفروا به؟ بال عليك يا طحان‪ ،‬أجب عن ذلك‪.!...‬‬
‫أنت الذي جعل الكتاب كله ل خير فيه إل إن‬
‫اعتمد على غيره‪ ،‬وأنت الذي جعل السنة كلها ل خير‬
‫فيها إل إن كانت خاضعة لمنهج من تسمونهم بالسلف‬
‫الصالح‪ ،‬أنت حرصت كل الحرص على أن تنزع ثقة‬
‫الناس من الكتاب العزيز والسنة النبوية على صاحبها‬
‫أفضل الصلة والسلم‪ ،‬فقلت ما قلت افتراءً على ال‬
‫وعلى رسوله عليه أفضل الصلة والسلم‪ ،‬يا ويحك‬
‫إن كان ربك ورسوله صلى ال عليه وسلم خصميك‬
‫يوم القيامة‪ ،‬وذلك أمر ل محيص عنه‪ ،‬إن لم تتب عن‬
‫غيك وتثب إلى رشدك‪.‬‬

‫وسقط القناع‪156-‬‬
‫الطحان‬
‫يحكم بقطع رقاب أئمته‬
‫زعمت أيها الطحان أن من طعن في رواية من‬
‫صحيح البخاري تحز رقبته‪ ،‬هذا الكلم ليس هو إل‬
‫كلماً نابعاً عن هوى متبع‪ ،‬من قال هذا القول؟! ومن‬
‫أين جئت به؟! أنا أتعجب من مثل هذا الكلم!! ولكن‬
‫على أي حال ل أريد أن أناقشك هنا مناقشة طويلة‪،‬‬
‫وإنما أقول يجب عليك أن تجرد سيفك لقطع رقاب‬
‫أئمتك لو كانوا أحياءً‪ ،‬فإن نفس الحشوية ردوا أحاديث‬
‫في صحيح البخاري‪ ،‬ومن بين أولئك ابن تيمية الذي‬
‫أنكر ما أنكره في صحيح البخاري( )؟‬
‫‪1‬‬

‫ويلزمك على هذا أيضاً أن تحكم على الئمة‬


‫الربعة بقطع رقابهم‪ ،‬إذ ما من إمام من هؤلء الئمة‬
‫الربعة إل قد أنكر حديثاً أو ترك الخذ بحديث جاء‬
‫في البخاري أو في صحيح مسلم‪ ،‬أو جاء في كل‬
‫الصحيحين‪ ،‬فإن قلت كما قال غيرك من أغبياء‬
‫الحشوية‪ ،‬عندما ذكرت له ذلك‪ :‬بأن الئمة الربعة هم‬
‫متقدمون على البخاري ومسلم‪ ،‬وأنهما ألفا صحيحيهما‬
‫بعد هؤلء الئمة‪ ،‬فجوابكم‪ :‬هل هذه الروايات التي في‬
‫الصحيحين استمدت هذه القدسية بسب أن البخاري‬
‫ومسلم رووها‪ ،‬أو لكونها روايات ثابتة عن الرسول‬
‫عليه أفضل الصلة والسلم‪ ،‬فإن كانت هذه القدسية‬
‫لجل أن البخاري ومسلماً رووها‪ ،‬فمعنى ذلك أن‬

‫‪ ))1‬قد سبق الحديث عن ذلك‪ ،‬انظر ص ‪ 102‬من هذه المحاضرة‪.‬‬


‫وسقط القناع‪157-‬‬
‫البخاري ومسلماً أفضل من رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وإن كان هذا التقديس والتعظيم لن ذلك ثبت‬
‫عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فالرسول عليه‬
‫أفضل الصلة والسلم سابق على هؤلء الئمة‬
‫الربعة‪ ،‬وهم بسبب سبقهم على البخاري ومسلم‬
‫أحرى بأن يعرفوا الثابت عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم من غيره‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن العصمة إنما هي لرسل ال‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬وما من أحد معصوم غيرهم‪،‬‬
‫والبخاري ومسلم اجتهدا رأيهما حسب جهدهما في‬
‫إثبات الحديث الصحيح‪ ،‬ولكن ل يعني ذلك أنهما‬
‫معصومان وأن كل ما جاءا به هو حق ثابت عن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫وسقط القناع‪158-‬‬
‫الحشوية‬
‫يبنون عقيدتهم على الدلة الظنية‬
‫هذا وقد أطال الطحان الدندنة حول الحديث‬
‫المروي عن الرسول صلى ال عليه وسلم أنه قال‪:‬‬
‫(وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم) ويجب قبل كل‬
‫شيء أن ننظر في سند الحديث ‪-‬ولو قيل بصحته‪ -‬هو‬
‫حديث آحادي‪ ،‬وقد سبق أن قلنا‪ :‬بأن قول جمهور‬
‫المة إن الحديث الحادي ل يفيد العلم‪ ،‬فدللته على‬
‫المعتقد دللة غير قطعية ول يعتد به في قضايا‬
‫العقيدة‪ ،‬وبجانب كونه آحادياً‪ ،‬فإن "النظر" له وجوه‬
‫أيضاً‪ ،‬والعلماء يقولون‪( :‬الدليل إذا طرقه الحتمال‬
‫سقط به الستدلل)‪.‬‬
‫نحن نرجح أن لذة النظر إلى وجه ال تعالى‬
‫إنما هي العتماد على ال رجاء فضله سبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬بحيث نرجو استمرار فضله‪ ،‬ومزيد نواله‪،‬‬
‫وامتداد عطائه( )‪ ،‬هذا الذي يجب أن يحمل الحديث‬
‫‪1‬‬

‫عليه ‪-‬إن قيل بصحته‪ -‬حتى ل يكون هنالك تعارض‬


‫بينه وبين الدلة القطعية التي تدل على استحالة رؤية‬
‫ال سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫‪ ((1‬وهذا مما يوحي إليه وصف الوجه بصفة (الكريم) من أسمائه تبارك‬
‫وتعالى‪.‬‬
‫وسقط القناع‪159-‬‬
‫هيبة الرب‬
‫تتعارض مع تجسيمه تعالى‬
‫ثم إن هذا الطحان ادعى أن من تعلم علم الكلم‬
‫سقطت هيبة الرب من قلبه‪ ،‬وأنا أسأله هل سقطت‬
‫هيبة الرب من قلب الذي ينزهه ويجعله ليس كمثله‬
‫شيء‪ ،‬ل يمكن أن يتخيله خيال‪ ،‬ول يمتد إليه حس‪،‬‬
‫ول يصل إليه نظر؟ أو سقطت ممن يصفه بصفات‬
‫خلقه فيقول‪ :‬له يدان ورجلن‪ ،‬وعينان وشفتان‪،‬‬
‫وأضراس ولهاه‪ ،‬وجنبان وفخذان‪ ،‬وساقان وقدمان‪،‬‬
‫يمشي ويهرول ويضحك ويفرح ويحزن كسائر‬
‫الناس‪ ،‬من يحمل هذه المور على حقائقها الحسية من‬
‫غير أن يحاول حملها على ما يفيد تنزيه ال سبحانه‬
‫وتعالى عن مشابهة خلقه من التأويل الصحيح؟!‪.‬‬
‫من الذي سقطت هيبة الرب من قلبه الذي‬
‫يقول‪ :‬إن ال ليس كمثله شيء‪ ،‬قد كان قبل خلق‬
‫الزمان والمكان‪ ،‬وهو الن على ما عليه كان‪ ،‬ل‬
‫يدرك بعين ول يطلب بأين‪ ،‬جل أن تحويه المكنة‪،‬‬
‫وعز أن تجري عليه الزمنة‪ ،‬لنه سبحانه وتعالى‬
‫خالق الزمان والمكان‪ ،‬أو هذا الحشوي الذي يشبه ال‬
‫بخلقه فيقول‪ :‬إن ال بحاجة إلى مكان وإنه يرتفع‬
‫وينزل‪ ،‬ويخلو منه مكان ويحل في مكان آخر‪ ،‬وينتقل‬
‫من مكان إلى مكان؟! تعالى ال عما يقولون علواً‬
‫كبيراً‪.‬‬

‫وسقط القناع‪160-‬‬
‫الطحان‬
‫يكذب على أشياخه‬
‫ثم إن الطحان حاول جهده أن يلبس الحقيقة‬
‫ويموه كلمه إذ ادعى أن ابن تيمية مال إلى القول بأن‬
‫رؤية ال تبارك وتعالى في الدار الخرة للمؤمن‬
‫ولغيره‪ ،‬وهذا كلم عجيب فإن ابن تيمية قال في فتاواه‬
‫الكبرى في المجلد السادس (ص ‪ )501-500‬حكى عن‬
‫القاضي أبي يعلى وغيره من الحنابلة‪( :‬أن مثبتي‬
‫رؤية ال في الخرة ومنكريها اتفقوا على أن الكافرين‬
‫ل يرونه‪ ،‬قالوا‪ :‬فثبت بهذا إجماع المة ممن يقول‬
‫بجواز الرؤية وممن ينكرها على منع رؤية الكافرين‬
‫ل‪ ،‬وكل قول حادث بعد الجماع فهو باطل)‪.‬‬
‫فترون أن الطحان نسب إلى ابن تيمية ما لم‬
‫يقله‪.‬‬
‫وحكى عنهم ابن تيمية أيضاً ما نصه‪( :‬الخبار‬
‫الواردة في رؤية المؤمنين ل إنما هي طريق البشارة‪،‬‬
‫فلو شاركهم الكفار في ذلك بطلت البشارة‪ ،‬ول‬
‫اختلف بين القائلين برؤيته بأن رؤيته من أعظم‬
‫كرامات الجنة)‪.‬‬
‫()‬
‫ثم اتبع ذلك قوله‪( :‬قال ‪ :‬وقول من قال‪ :‬إنما‬
‫‪1‬‬

‫يُري نفسه عقوبة لهم وتحسيراً على فوات دوام‬


‫رؤيته‪ ،‬ومنعهم من ذلك بعد علمهم بما فيها من‬
‫الكرامة والسرور‪ ،‬يوجب أن يدخل الجنة الكفار‪،‬‬

‫‪ ((1‬ومراده بذلك القاضي أبو يعلي‪.‬‬


‫وسقط القناع‪161-‬‬
‫ويريهم ما فيها من الحور والولدان‪ ،‬ويطعمهم من‬
‫ثمارها ويسقيهم من شرابها‪ ،‬ثم يمنعهم من ذلك‬
‫ليعرفهم قدر ما منعوا منه‪ ،‬ويكثر تحسرهم وتلهفهم‬
‫على منع ذلك بعد العلم بفضله)‪.‬‬
‫ثم قال بعد ذلك‪( :‬والعمدة قوله سبحانه‪ :‬كل‬
‫إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون‪ ‬فإنه يعم حجبهم عن‬
‫ربهم في جميع ذلك اليوم‪ ،‬وذلك اليوم يوم يقوم‬
‫الناس لرب العالمين‪- ‬وهو يوم القيامة‪ -‬فلو قيل إنه‬
‫يحجبهم في حال دون حال‪ ،‬لكان تخصيصاً للفظ بغير‬
‫موجب‪ ،‬ولكان فيه تسوية بينهم وبين المؤمنين‪ ،‬فإن‬
‫الرؤية ل تكون دائمة للمؤمنين‪ ،‬والكلم خرج على‬
‫بيان عقوبتهم بالحجب وجزائهم به‪ ،‬فل يجوز أن‬
‫يساويهم المؤمنون في عقاب ول جزاء سواء)‪.‬‬
‫ونحن نرى أن ابن القيم ذكر الخلف الذي‬
‫أورده الطحان في هذه المسألة‪ ،‬قال‪( :‬في هذه المسألة‬
‫ثلثة أقوال لهل السنة‪ ،‬أحدها‪ :‬بأنه ل يراه إل‬
‫المؤمنون‪ ،‬والثاني‪ :‬يراه جميع أهل الموقف؛ مؤمنهم‬
‫وكافرهم‪ ،‬ثم يحتجب عن الكفار فل يرونه بعد ذلك‪،‬‬
‫والثالث‪ :‬يراه المنافقون دون الكفار‪ ،‬والقوال الثلثة‬
‫‪1‬‬
‫في مذهب أحمد وهي لصحابه)( )‪.‬‬
‫فانظر ما بينهم من التناقض العجيب في هذا‬
‫المر‪ ،‬على أن العقائد ل تبنى على الظنون‪ ،‬فهؤلء ل‬
‫يتبعون إل الظن وإن الظن ل يغني من الحق شيئاً‪‬‬

‫ص ‪264‬‬ ‫‪ ((1‬انظر‪ :‬حادي الرواح‪ ،‬الطبعة الرابعة‪،‬‬


‫وسقط القناع‪162-‬‬
‫( ) ولذلك يختلفون هذا الختلف البعيد‪ ،‬حتى أنهم‬ ‫‪2‬‬

‫يروون عن أحد أئمتهم أنه يقول بهذا المعتقد ‪-‬ويلزمه‬


‫بذلك أن يقول قولً مبنياً على قطعي‪ -‬ثم ينتقل عنه إلى‬
‫ضده‪ ،‬وهكذا تجدهم في دوامة من الختلف‬
‫والتناقض‪ ،‬فالحمد ل على العافية من ذلك‪.‬‬

‫‪ ((2‬النجم ‪.28‬‬
‫وسقط القناع‪163-‬‬
‫الطحان‬
‫يفتري على الرسول الكريم‬
‫ثم نجد أن الطحان تعرض لستدللنا بحديث‪:‬‬
‫((من قتل نفسه بحديدة فحديدته بيده يتوجأ بها في‬
‫نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً‪ ....‬إلخ))( ) وقال‪( :‬إن‬
‫‪1‬‬

‫الوعيد الذي في هذا الحديث إنما هو في المستحل)‬


‫سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم‪.‬‬
‫من أين جئت يا طحان بذلك؟!‪.‬‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم يذكر الوعيد فيمن‬
‫يفعل هذا المر‪ ،‬وأنت تقول بأن هذا الوعيد ليس على‬
‫فعل هذا المر وإنما هو على استحلله‪.‬‬
‫من أين لك ذلك؟!‬
‫هل قاله رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أم‬
‫جئت به من تلقاء نفسك اتباعًا لهواك ورداً لقوال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم بما استقرت عليه‬
‫نفسك واطمأن إليه قلبك‪ ،‬مع أن هذا الذي ذهبت إليه‬
‫قد حكاه ال سبحانه وتعالى فيما قبل عن اليهود –‬
‫والعياذ بال‪ -‬عندما قال عنهم عز وجل‪ :‬وقالوا لن‬
‫تمسنا النار إل أياماً معدودة‪ ،‬قل أتخذتم عند ال عهداً‬

‫‪ ((1‬أخرجه الشيخان وغيرهما من طريق أبي هريرة ‪-‬رضي ال عنه‪-‬‬


‫قال رسول ال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬وتكملته‪ ...(( :‬ومن قتل نفسه‬
‫بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا فيها أبدا‪ ،‬ومن نزل من‬
‫جبل فقتل نفسه فهو ينزل في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا)) صدق‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وسقط القناع‪164-‬‬
‫فلن يخلف ال عهده أم تقولون على ال ما ل تعلمون‬
‫‪ ) (‬ثم رد عليهم بقوله‪ :‬بلى من كسب سيئة وأحاطت‬ ‫‪1‬‬

‫()‬
‫‪2‬‬
‫به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ‪‬‬
‫وبين أن هذا المعتقد هو الذي جرأ اليهود على ما‬
‫جرأهم عليه إذ قال سبحانه‪ :‬ذلك بأنهم قالوا لن‬
‫تمسنا النار إل أياماً معدودات وغرهم في دينهم ما‬
‫كانوا يفترون ‪.) (‬‬
‫‪3‬‬

‫فهل قولك هذا الذي جئت به إل تجرأة للناس‬


‫على ارتكاب محارم ال سبحانه وتعالى؟!‪.‬‬
‫فشتان بين من يقال له بأن هذا الوعيد ل يتوجه‬
‫إليك إن فعلت هذا المر‪ ،‬وإنما يتوجه إلى من استحله‪،‬‬
‫فإنك ل تستحله‪ ،‬وبين من يقال له بأن هذا الوعيد‬
‫يترتب على فعلك لهذا المر‪ ،‬فإياك وفعله‪ ،‬فشتان بين‬
‫هذا وذاك‪.‬‬
‫على أن هذا المر يؤدي إلى أن تكون أحكام‬
‫ال سبحانه وتعالى في كتابه ل تقتضي العمل بموجبها‬
‫وإنما تقتضي اعتقاد وجوبها فحسب‪ ،‬وكذلك ما جاء‬
‫من مناهي ال سبحانه ل يقتضي عدم ارتكاب تلك‬
‫المناهي وإنما يقتضي اعتقاد إنها مناهٍ فحسب‪ ،‬وما هذا‬
‫إل هدم لصرح السلم ودفع للناس إلى ارتكاب‬
‫محارم ال‪ ،‬والعياذ بال‪.‬‬

‫‪ ((1‬البقرة ‪.80‬‬
‫‪ ((2‬البقرة ‪.81‬‬
‫‪ ((3‬آل عمران ‪.24‬‬
‫وسقط القناع‪165-‬‬
‫نموذج‬
‫من أحكام دولة الحشوية‬
‫ثم جاء هذا الطحان بما ل يستغرب منه عندما‬
‫قال‪( :‬منكر الرؤية في الخرة؛ أي رؤية المؤمنين‬
‫لربهم الكريم في جنات النعيم كافر بل شك‪ ،‬فإذا كان‬
‫عنده شبهة تزال شبهته وتقام عليه الحجة‪ ،‬فإن أصر‬
‫فهو كافر‪ ،‬إذا وجدت دولة إسلمية( ) تضرب رقبته )‬
‫()‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ((1‬لعله كان من الولى أن يقول‪( :‬إذا وجدت دولة حشوية) فهذا هو دينهم‬
‫استحلل دماء المسلمين‪ ،‬فهم على طريق سلفهم الخوارج الذين يُشَرّكون‬
‫المسلمين لجل مخالفتهم في الرأي‪ ،‬فأنت ترى أخي المسلم أن هؤلء‬
‫الحشوية الخوارج استحلوا دماء أهل الحق والستقامة ‪-‬الباضية‪ -‬لكونهم‬
‫يستندون في معتقدهم إلى القرآن الكريم والسنة النبوية على صاحبها‬
‫أفضل الصلة والسلم‪ ،‬فأهل الحق والستقامة ل يرضون أن يجسموا ال‬
‫تعالى ويشبهوه بالمخلوقين كما يفعل هؤلء الحشوية النابتة‪ ،‬ولذا حكموا‬
‫عليهم بقطع رقابهم إرضاءً لشياخهم اليهود لعنهم ال تعالى‪.‬‬
‫‪ ((2‬ول يستغرب من هؤلء الحشوية إلقاؤهم الحكام جزافا حسب ما يمليه‬
‫عليهم الهوى وذلك موزع على جميع المسلمين بل استثناء‪ ،‬فانظر إن‬
‫شئت كتاب (دعوة الخوان المسلمين في ميزان السلم) لمؤلفه الحشوي‬
‫فريد آل الثبيت من منشورات دار المنار ‪ -‬الرياض‪ ،‬انظركيف كفر‬
‫هؤلء جل علماء المة ومما قاله ص ‪ 91‬بعد أن افترى على كتاب إحياء‬
‫علوم الدين للغزالي قال‪( :‬بل كيف لو رأى الظلل لسيد قطب؟!بل كيف‬
‫لو رأى تصانيف محمد الغزالي؟! وكيف لو رأى مؤلفات القرضاوي‬
‫والندوي والمودودي والترابي؟! بل كيف لو رأى مذكرات حسن البنا‬
‫ورسالة العقائد؟! لطار لبه وكيف لو رأى تصانيف فتحي يكن وسعيد‬
‫وسقط القناع‪166-‬‬
‫هذا ل يستغرب منه مادام أنه يعمل لصالح اليهود‪،‬‬
‫ويتبع خطواتهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع‪ ،‬فل ريب‬
‫أنه سيحرص كل الحرص على الثآر ممن خالفهم‬
‫وبيّن عوار معتقدهم‪ ،‬فاليهود هم الذين قالوا لموسى‬
‫عليه السلم‪ :‬لن نؤمن لك حتى نرى ال جهرة‪ ‬وقال‬
‫سبحانه فيهم‪ :‬فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا‬
‫أرنا ال جهرة ‪ ‬ول ريب أنك تعمل لصالحهم في نشر‬
‫معتقداتهم التي تقتضي تشبيه ال سبحانه وتعالى بخلقه‬
‫من ناحية‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى فإنك أيضاً تعمل لصالحهم‬
‫في محاولتك تفتيت وحدة هذه المة وصدع جدارها‬
‫وهدّ أركانها وزلزلة بنيانها‪ ،‬فابشر بأنهم سيرضون‬
‫عنك وستنال منهم الجائزة التي تميل إليها من قبلهم‪،‬‬
‫فهذا هو شأن المتزلفين إلى أعداء السلم الذين‬
‫يكيدون المكائد لهذه المة‪.‬‬

‫حككوى وعمر التلمساني ومحمود عبدالحليم وعباس السيسي ومصطفى‬


‫مشهور وعصام البشير؟! بل كيف لو رأى منهج النبياء في الدعوة لمحمد‬
‫سرور‪.‬حسبنا ال ونعم الوكيل)‪.‬‬
‫هذا بعض ما ورد في هذا الكتاب وفيه الكثير مما تمجه السماع وترده‬
‫الفطر السليمة من افتراءات وتجني على علماء المة‪ ،‬والمر ل‪.‬‬
‫وسقط القناع‪167-‬‬
‫اقتناع‬
‫المسلمين بالحق الدامغ‬
‫ولست استغرب عندما نجد الطحان موتوراً من‬
‫كتابنا "الحق الدامغ" بسبب أن الناس اقتنعوا بالحق‬
‫الذي بينت فيه حجته ووضح فيه دليله‪ ،‬وقد بلغ به‬
‫المر أن يقول تارة‪( :‬إن هذا الكتاب فتن عوام‬
‫المسلمين) وتارة يقول‪( :‬فتن عوام أهل السنة) وتارة‬
‫يقول‪( :‬فتن عامة أهل السنة)‪.‬‬
‫هذا الكتاب ‪-‬والحمدل‪ -‬لقي قبولً من أصحاب‬
‫البصائر‪ ،‬وقد وصلني من رسائلهم ما يفيد بأنهم‬
‫اقتنعوا بصحة ما جاء به؛ ما لو نشرته لخذ حيزاً من‬
‫صفحات الكتاب إن طبع طبعة أخرى‪ ،‬ولكنني لست‬
‫ممن يميل إلى الطراء والمدح‪ ،‬فان ذلك ليس من‬
‫شأني‪ ،‬وإنما غاية ما أريده أن يصل الحق إلى عباد‬
‫ال تعالى‪.‬‬
‫ول يستغرب أن يقول الطحان الموتور بأن هذا‬
‫الكتاب هو الباطل المدموغ‪ ،‬فماذا عسى أن أقول في‬
‫رجل اجترأ على كتاب ال وسنة رسوله صلى ال‬
‫عليه وسلم فنفى عنهما الخير‪ ،‬فما في "الحق الدامغ"‬
‫إنما هو خلصة للحق الذي دل عليه الكتاب العزيز‬
‫والسنة النبوية على صاحبها أفضل الصلة والسلم‪،‬‬
‫نقلت فيه من آيات الكتاب العزيز‪ ،‬وبينت معانيها التي‬
‫تفهم بالجمع بين هذه اليات والرجوع إلى قاموس‬
‫اللغة العربية التي اختارها ال سبحانه وتعالى لن‬
‫وسقط القناع‪168-‬‬
‫تكون وعاءً لهذا الكتاب العزيز الذي ل يأتيه الباطل‬
‫من بين يديه ول من خلفه‪.‬‬

‫وسقط القناع‪169-‬‬
‫الحشوية‬
‫تحرف الكلم عن مواضعه‬
‫ومما هو ليس بغريب أن يدعي الطحان بأنني‬
‫سخرت من السلف الصالح عندما علقت على كلم ابن‬
‫القيم في "حادي الرواح" حيث نقل عن ابن المبارك‬
‫بأن قول ال تعالى‪ :‬هذا الذي كنتم به تكذبون‪ )1( ‬هو‬
‫وعيد لمن قال بعدم رؤية ال تعالى‪ .‬وقلت‪ :‬إن هذا‬
‫الكلم رقص على أنغامه كثير من الذين يقولون مال‬
‫يعلمون‪ ،‬ويجترون كل ما يلقى إليهم‪ ،‬إذ ادعوا أن هذا‬
‫الوعيد واقع بالباضية الذين أنكروا الرؤية وأنهم‬
‫المقصودون به‪ ،‬فهذا كلم بيّن بطلنه‪ ،‬فإن مما يدركه‬
‫كل من له معرفة بلغة العرب أن الشارة ل تكون إل‬
‫إلى مشار إليه سواء كان حاضراً أو في حكم الحاضر‬
‫لتقدم ذكره‪ ،‬والضمير في الية عائد إلى اسم الشارة‬
‫صلَى الجحيم) ونحو‬ ‫الذي قصد به ما تقدم ذكره من ( َ‬
‫تكذبون‬
‫‪‬‬ ‫هذا قوله تعالى‪ :‬انطلقوا إلى ما كنتم به‬
‫انطلقوا إلى ظل ذي ثلث شعب‪ ‬ل ظليل ول يغني من‬
‫اللهب‪ )2(‬ولو كان المر كما ادعوا لكان قاضياً بأنهم‬
‫يرونه سبحانه وتعالى‪ ،‬فإنك عندما تقول لحد تبكيتاً‬
‫وتقريعاً‪ :‬هذا الذي كنت ل تصدق به‪ .‬ل يمكن إل أن‬
‫تكون مشيراً إلى شيء أوضحته له بعد الخفاء‪ ،‬فقامت‬
‫بوضوحه الحجة عليه به‪ ،‬ولول تفاهة قولهم هذا الذي‬
‫‪ ((1‬المطففين ‪.17‬‬
‫‪ ((2‬المرسلت ‪.31-29‬‬
‫وسقط القناع‪170-‬‬
‫حملوا عليه كتاب ال غير مبالين بتحريف الكلم عن‬
‫مواضعه لسقت نصوص أقوال المفسرين في قوله جل‬
‫وعل هذا الذي كنتم به تكذبون‪ ‬لسيما الذين‬
‫يعتقدون الرؤية منهم ليتضح خطأ هذا التأويل الفاسد‬
‫غير أن فساده أبين من أن يحتاج إلى بيان‪-:‬‬
‫وليس يصح في الذهان‬ ‫إن احتاج النهار إلى‬
‫(‪)1‬‬
‫شيء‬ ‫دليل)‬
‫ونحبن نرى الطحان يجتريبء على ال سببحانه‬
‫وتعالى حينمبا يقول فبي كتاببه العزيبز‪ :‬ل خيبر فيبه‪ .‬ول‬
‫يرى فبببي نفسبببه حرجاً‪ ،‬أمبببا إن رد أحبببد كلم أحبببد‬
‫مبطليهببم وبيّن عواره فإن ذلك عنده جريمببة ل تغتفببر‬
‫ويعتبره سخرية من السبلف الصالح‪ ،‬وما هذا إل دليل‬
‫على أنببه يقدم أولئك الذيببن يزعببم أنهببم مببن السببلف‬
‫الصببالح على كلم ال وكلم رسببوله صببلى ال عليببه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫‪ ))1‬الحق الدامغ ص ‪.54-53‬‬


‫وسقط القناع‪171-‬‬
‫نصيحة‬
‫‪...‬ودعاء‬
‫وقبل الختام أريد أن أوجه نصيحة إلى الطحان‬
‫وإلى الحشوية جميعاً‪ ،‬وهذه النصيحة تتلخص في‬
‫دعوتي إياهم إلى مراجعة عقولهم‪ ،‬والنظر في عاقبة‬
‫أمرهم‪ ،‬وعدم محاربتهم ل سبحانه وتعالى باعتقاد ما‬
‫ل يقره عز وجل في حقه‪ ،‬وفي محاولتهم صدع جدار‬
‫أمة السلم بإلقاء الشبه فيما بينها‪ ،‬وإثارة البغضاء‬
‫والخلف والشقاق بين فئاتها‪ ،‬فإن هذه المة أمة‬
‫واحدة‪ ،‬وعلى هؤلء ‪-‬على القل‪ -‬إن لبم يرجعوا عن‬
‫ضللهم في معتقدهم ‪-‬فذلك شأنهم‪ -‬أن يكفوا عن‬
‫التعرض لهذه المة بما يثير الشقاق والخلف فيها‪،‬‬
‫وإل فإن وبال ذلك سيعود إليهم‪ :‬وسيعلم الذين‬
‫ظلموا أي منقلب ينقلبون ‪‬ول تحسبن ال غافلً‬
‫(‪)1‬‬

‫لبالمرصاد( ) فهذه‬
‫‪3‬‬
‫‪‬‬ ‫عما يعمل الظالمون ‪‬إن ربك‬
‫(‪)2‬‬

‫المة ل بد من أن تظهر وتجتمع كلمتها وتلتقي جميعاً‬


‫تحت لواء الكتاب العزيز والسنة النبوية على صاحبها‬
‫أفضل الصلة والسلم اللذين يحاربهما الطحان ومن‬
‫معه بدعواهم الباطلة أنهما ل خير فيهما وأن المتمسك‬
‫بهما ضال إن لم يحكم فيهما أولئك الذين سماهم‬

‫‪ ((1‬الشعراء ‪.227‬‬
‫‪ ((2‬إبراهيم ‪.42‬‬
‫‪ ((3‬الفجر ‪.14‬‬
‫وسقط القناع‪172-‬‬
‫بالسلف الصالح وما هم من الصلح في شيء‪ ،‬كما‬
‫جاء ذلك واضحاً صريحاً في كلمه‪ ،‬فال المستعان‪.‬‬
‫والمة ل بد من أن تتحد وتتآلف ويقترب‬
‫بعضها من ببعض ويزول ما بينها من الشقاق‪ ،‬وعندئذ‬
‫يشرق صبح الصحوة على هذه المة‪ ،‬ولن يبقى‬
‫للخفافيش التي تمرح في الظلم ساعية لتفرقة هذه‬
‫المة وتوزيعها عضين مجال لما تصبوا إليه وما‬
‫تحاوله وما تحرص عليه من إثارة البغضاء في هذه‬
‫المة‪ ،‬فعندما يشرق الصبح تفتضح هذه الخفافيش‬
‫بمشيئة ال تعالى‪.‬‬
‫سبحانك اللهم نستغفرك ونتوب إليك‪ ،‬نسألك‬
‫ربنا أل تهلكنا بما فعل السفهاء منا‪ ،‬ونسألك ربنا أن‬
‫تجمع شمل هذه المة على خير‪ ،‬وأن تبرم فيها أمراً‬
‫يعز فيه الحق وأهله ويخفض فيه الباطل وحزبه‪،‬‬
‫نسألك اللهم أن تنصر الحق وأهله وتقطع دابر الباطل‬
‫وأهله‪ ،‬نسألك اللهم أن تجمع كلمة المسلمين على‬
‫الخير وتؤلف بين قلوبهم وتوحد صفهم‪ ،‬وأن تقطع‬
‫دابر أعدائهم‪ ،‬وتستأصل شأفة جميع أعدائهم‪.‬‬
‫نسألك ربنا أن ل تدع لنا في مقامنا هذا ذنباً إل‬
‫غفرته‪ ،‬ول عيباً إل أصلحته‪ ،‬ول غماً إل فرجته‪ ،‬ول‬
‫كرباً إل نفسته‪ ،‬ول ديناً إل قضيته‪ ،‬ول مريضاً إل‬
‫عافيته‪ ،‬ول غائباً إل حفظته ورددته‪ ،‬ول ضالً إل‬
‫هديته‪ ،‬ول عدواً إل كفيته‪ ،‬ول دعاءً إل استجبته‪ ،‬ول‬
‫رجاءً إل حققته‪ ،‬ول بلءً إل كشفته‪ ،‬ونسألك ربنا أن‬
‫تؤلف بين قلوبنا‪ ،‬وأن تنور بصائرنا‪ ،‬وأن تطهر‬
‫وسقط القناع‪173-‬‬
‫سرائرنا‪ ،‬وأن تلهمنا رشدنا‪ ،‬وأن ل تهلكنا بما فعل‬
‫السفهاء منا‪ ،‬نبرأ إليك من فعلهم وقولهم‪ ،‬ونبرأ إليك‬
‫سبحانك من كل قول قاله مبطل في حقك‪ ،‬نسألك ربنا‬
‫أن تحيينا على عقيدة التوحيد والتنزيه‪ ،‬ونسألك ربنا‬
‫أن تميتنا على عقيدة التوحيد والتنزيه‪ ،‬ونسألك ربنا أن‬
‫تبعثنا على عقيدة التوحيد والتنزيه‪.‬‬
‫نسألك ربنا أن تجعلنا أتباعاً لكتابك ولسنة نبيك‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ونسألك ربنا أن تحيينا‬
‫مناصرين لكتابك ولسنة نبيك محمد صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬عاملين بما فيهما‪ ،‬معتقدين بما جاءا به‬
‫معرضين عن كل ما يخالفهما‪ ،‬إنك ربنا على كل‬
‫شيء قدير‪.‬‬
‫نسبألك ربنبا أن تجعبل كتاببك الكريبم قائدنبا إلى‬
‫الجنة يوم الدين‪ ،‬إنك ربنا على كل شيء قدير‪ ،‬وصل‬
‫اللهببم على رسببولك سببيدنا محمببد وعلى آله وصببحبه‬
‫أجمعيبن‪ ،‬سببحان رببك رب العزة عمبا يصبفون وسبلم‬
‫على المرسلين‪ ،‬والحمد ل رب العالمين‪.‬‬
‫والسلم عليكم ورحمة الله‬
‫وبركاته‪.‬‬

‫وسقط القناع‪174-‬‬
‫الفـــــهـــرس‬
‫الموضوع‬ ‫الصفح‬
‫ة‬
‫التقديم‬ ‫‪5‬‬

‫المقدمة‬ ‫‪7‬‬

‫سبب إلقاء المحاضرة‬ ‫‪14‬‬

‫عجز شبه الباطل أمام دلئل الحق‬ ‫‪17‬‬

‫موقف علماء أهل السنة من الحشوية‬ ‫‪30‬‬

‫الحشوية هم الخوارج‬ ‫‪42‬‬

‫صفحات ناصعة من سيرة الباضية‬ ‫‪59‬‬

‫حكم أهل البغي عند الباضية‬ ‫‪59‬‬

‫سيرة المام طالب الحق الكندي في اليمن‬ ‫‪61‬‬

‫سيرة المام أبي الخطاب المعافري في طرابلس‬ ‫‪64‬‬

‫والقيروان‬
‫سيرة المام عزان بن قيس في عُمان‬ ‫‪68‬‬

‫دور الباضية في حرب النصارى وطرد‬ ‫‪69‬‬

‫المستعمرين‬
‫دور المام الصلت بن مالك في طرد نصارى‬ ‫‪69‬‬

‫الحبشة‬
‫دور اليعاربة في تطهير البلد السلمية من‬ ‫‪71‬‬

‫البرتغاليين‬
‫دور إباضية تونس في حماية جزيرة جربة من‬ ‫‪72‬‬

‫السبان‬
‫دور إباضية الجزائر في الدفاع عن العاصمة‬ ‫‪73‬‬

‫الجزائرية‬
‫اعتراف وإنكار‬ ‫‪76‬‬

‫وسقط القناع‪175-‬‬
‫افتراء وجرأة على الكتاب والسنة‬ ‫‪78‬‬

‫وسقط القناع‬ ‫‪80‬‬

‫افتراء الطحان على سلف المة‬ ‫‪90‬‬

‫بضاعة كاسدة واستدلل سخيف‬ ‫‪94‬‬

‫الحشوية المشبهة والمتشابه من القرآن الكريم‬ ‫‪97‬‬

‫خبر الحاد وشذوذ الحشوية عن المة‬ ‫‪99‬‬

‫السلمية‬
‫موقف الحشوية من الصحيحين‬ ‫‪102‬‬

‫الزيادة وكذب الطحان على السلف‬ ‫‪107‬‬

‫اتهام الطحان من خالف اليهود بالغلظة‬ ‫‪109‬‬

‫الحشوية تبني عقيدتها على القياس‬ ‫‪111‬‬

‫الحشوية ل تفقه القرآن الكريم‬ ‫‪116‬‬

‫الشبهة الولى‪ :‬الدراك هو الحاطة‬ ‫‪116‬‬

‫التمدح اللهي بنفي الرؤية والسفسطة الحشوية‬ ‫‪122‬‬

‫الشبهة الثانية‪ :‬الطحان يعترف بالحق ولكن‬ ‫‪131‬‬

‫الشبهة الثالثة‪ :‬تأثير الزمان على ال تعالى‬ ‫‪133‬‬

‫الحشوية يردون على ال تعالى‬ ‫‪136‬‬

‫اللقاء وتأويل الحشوية‬ ‫‪138‬‬

‫الحشوية يتناقضون مع أسلفهم‬ ‫‪142‬‬

‫المحدث القنوبي يزف بشرى إلى الحشوية‬ ‫‪144‬‬

‫الحشوية فلسفة يونانية لطريقة سلفية‬ ‫‪147‬‬

‫منهج الباضية ومنهج الحشوية‬ ‫‪148‬‬

‫الطحان يحكم بقطع رقاب أئمته‬ ‫‪152‬‬

‫الحشوية يبنون عقيدتهم على الدلة الظنية‬ ‫‪154‬‬

‫هيبة الرب تتعارض مع تجسيمه تعالى‬ ‫‪155‬‬

‫الطحان يكذب على أشياخه‬ ‫‪156‬‬

‫وسقط القناع‪176-‬‬
‫الطحان يفتري على الرسول الكريم‬ ‫‪159‬‬

‫نموذج من أحكام دولة الحشوية‬ ‫‪162‬‬

‫اقتناع المسلمين بالحق الدامغ‬ ‫‪164‬‬

‫الحشوية تحرف الكلم عن مواضعه‬ ‫‪165‬‬

‫نصيحة ودعاء‬ ‫‪167‬‬

‫الفهرس‬ ‫‪170‬‬

‫وسقط القناع‪177-‬‬

You might also like