You are on page 1of 210

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫اجعات في خطاب الحركة السلفية‪.....‬الشيخ محمد شقرة ‪...‬‬


‫‪...‬‬
‫‪22-02-2004‬‬
‫‪ -‬على السلفيين استبدال قمصهم البيضاء بأخرى سوداء!‬
‫‪ -‬ل يصح ان يقال‪ :‬إسلم سلفي‪ ،‬وإسلم غير سلفي‪.‬‬
‫‪ -‬إن على المة كلها أن تعيد مفهوم الجهاد إلى واقع حياتها‪.‬‬
‫الشيخ )محمد إبراهيم شقرة( أحد أبرز رموز الحركة السلفية في العالم‪،‬‬
‫وأينما شّرقت وغربت في ميادين الدعوة والمراكز السلمية في أرجاء‬
‫المعمورة تسمع عن )الشيخ( وتجد عددا ً من مؤلفاته•‬
‫أبو مالك‪ ،‬هو مرجع لعداد كبيرة جدا ً من الشباب في الردن‪ ،‬والرئيس‬
‫الفخري لجمعية الكتاب والسنة السلفية الصلحية‪ ،‬وقد شغل عددا ً من‬
‫المناصب الرسمية الكبيرة‪ ،‬وله كم هائل من المؤلفات العلمية في صنوف‬
‫مختلفة من العلوم الشرعية والفكر السلمي والدعوة•‬
‫طرحنا على الشيخ أسئلة أجاب عليها برؤية نقدية عميقة لواقع الحركة‬
‫السلفية الردنية وطبيعة خطابها الفكري‪ ،‬وطرح رؤية جديدة تعيد ترتيب‬
‫أوراقها ‪ ،‬وتساهم في نقل الحركة إلى معمعة الحياة الثقافية والسياسية‬
‫بخطاب إسلمي جديد•‬
‫كما أن الشيخ قرأ في مناقشته التالية وبلغته الرفيعة ‪ -‬التي يصعب أن‬
‫يجاريه فيها أحد ‪ -‬ما في صدور وعقول الشباب المتعطش لهذا الكلم‬
‫المنهجي•‪ ..‬فإلى الحوار ‪:‬‬
‫سؤال‪:‬كيف ترون وتقرأون – فضيلة الشيخ ‪ -‬واقع الصف السلفي الداخلي‬
‫والخارجي ‪ ،‬وما هو تقويمكم للتيارات السلفية الموجودة‪ ،‬ومدى قدرتها على‬
‫النهوض بالخطاب السلمي؟‬
‫جواب‪:‬إن الحديث عن الحركة السلفية هو حديث عن السلم العظيم في كل‬
‫جوانبه وأصوله‪ ،‬وأحكامه؛ إذ الحركة السلفية في حقيقتها وذاتها هي السلم‬
‫ل‪ ،‬ول شرعًا‪ ،‬ول‬ ‫ذاته‪ ،‬فالواقع الصحيح يفرض هذا ويقتضيه‪ ،‬ول يجوز عق ً‬
‫تاريخًا‪ ،‬ول تصورًا؛ أن يقال‪ :‬إسلم سلفي‪ ،‬وإسلم غير سلفي‪ ،‬فتلكم تسمية‬
‫باطلة مردودة‪ ،‬ل تصلح إل في عقول الذين يلجون بالسلم الصحيح موالج‬
‫مها الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بمثل قوله‪) :‬وتفترق أمتي‬ ‫الفرق التي ذ ّ‬
‫على ثلث وسبعين فرقة كّلها في النار إل واحدة( وهذه الفرقة الواحدة‬
‫الناجية هي التي ظل أمرها قائما ً على الطريقة التي أنشأها رسول الله ‪-‬‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬وثبتت على السبيل التي وضعها النبي العظم ‪-‬عليه‬
‫الصلة والسلم‪ ،-‬وحتى ل تكون فتنة بين المة‪ ،‬فقد جعل رسول الله ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬التسمية للطائفة التي تبقى قائمة ثابتة على تلكم السبيل‬
‫السوية له وحده فقال واصفها‪) :‬طوبى للغرباء( وهي ظاهرة في المة في‬
‫كل قرن‪ ،‬تراها المة بعينها‪ ،‬وتعرفها بوصفها وهديها وسمتها•‬
‫ل وعل ‪ -‬سمى المة اسما ً واحدًا‪ ،‬ولم يأذن بغير هذا السم لها‪،‬‬ ‫والله ‪ -‬ج ّ‬
‫وليس يصلح لها سواه فقال‪) :‬إنما المؤمنون إخوة( و)إنما( أداة حصر وتفيد‬
‫القصر‪ ،‬وهي هنا في قصر الصفة )المؤمنون( على الموصوف )إخوة(‪،‬‬
‫والكلم كلم الله – سبحانه‪ ،-‬واليمان من وضعه –سبحانه‪ -‬وهدايته وحكمه‪،‬‬
‫فهل لحد من الخلق أن يعدل عن هذا السم‪ ،‬فيختار غيره‪ ،‬بعذر أنه يجب‬
‫تمييز أهل الحق من سواهم؟ فإن كان ول بد من الختيار‪ ،‬فيرجع المر إلى‬
‫مانا الله به‪،‬‬‫الله فيه فيقال‪ :‬طائفة الغرباء‪ ،‬وبذلك يسلم لنا السم الذي س ّ‬
‫وهو )المؤمنون(‪ ،‬والوصف الذي وصفنا رسول الله به )الغرباء(•‬
‫فيقال‪ :‬المؤمنون الغرباء‪ ،‬أو الغرباء المؤمنون‪ ،‬وبمثل هذا ل يكون حقّ لحد‬
‫من الناس أن ينازع الله في أمره•‬
‫لذا‪ ،‬فإن من ألزم الطاعة على المة لله‪ ،‬أن تنبذ هذه السماء‪ ،‬وأن تعفي‬
‫على آثارها‪ ،‬وأن تتخلص من أوضار هذه السماء التي لم يأذن بها الله –‬
‫سبحانه‪ ،-‬ومن شرها وسوئها التفرق في الدين‪ ،‬والختلف على أصوله‬
‫وشرائعه كما جاء في قوله سبحانه‪) :‬وأن أقيموا الدين ول تتفرقوا فيه(‪،‬‬
‫وبذلك يكون الحكم لله وحده )إن الحكم إل لله( حتى في السماء‬
‫والوصاف• وكنت من قبل نيف وعشرين عاما ً كتبت مقالة نشرت في عدد‬
‫من الصحف مرات بعنوان‪) :‬إن هي إل أسماء فّرقت فدعوها( أرجو أن‬
‫أجعلها أصل ً لبحث أخرجه للناس قريبًا•‬
‫وأحسبني بهذه التقدمة قد أتيت على شيء من تقييم واقع الصف السلفي‪،‬‬
‫وحسب من يريد النصاف في الحكم على الصف السلفي أن يبصر الواقع‬
‫السيئ المتردي المتداعي الذي صار إليه السلفيون‪ ،‬فقد صاروا حزمًا‪،‬‬
‫طعوا أمرهم‬ ‫ومزقًا‪ ،‬وفرقًا‪ ،‬ولست أخالهم إل يقرؤون قول الله سبحانه‪) :‬فتق ّ‬
‫بينهم زبرا ً كل حزب بما لديهم فرحون(‪ ،‬نعم‪ ،‬هذه الية أنزلها الله في ذم‬
‫عصائب الكفر والشرك‪ ،‬وهل يريد الله بهذا الوصف إل التحذير من عواقب‬
‫التفرق؟ وهل كان التفرق بين المسلمين‪ ،‬وبخاصة الموصوفين بالسلفية‬
‫منهم إل باللهاث وراء السمعة‪ ،‬وحب الرياسة‪ ،‬واستحكام أغلل الهواء‪،‬‬
‫وإطباق الجهل بالتعالم‪ ،‬والتسافه برغائب الزور والفك السافك‪ ،‬و)البرطعة(‬
‫سب بانتهاب العلم وسرقة الكتب‪ ،‬والجور على السطور والقلم•‬ ‫وراء التك ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فخير لمن يتوارون من بعيد أو من قريب )بالدعوة السلفية( أن يسارعوا إلى‬


‫قمصهم البيضاء‪ ،‬فيلقوا بها في النار ليحرقوها‪ ،‬ويروا قمصا ً سوداء غيرها بدل ً‬
‫منها‪ ،‬حدادا ً عليها‪ ،‬فإنهم إن لم يسفكوا دمها‪ ،‬فقد أعملوا فيها كل حيلة بعجز‬
‫عنها حتى الشرار‪ ،‬والعداء‪ ،‬ليوهنوها‪ ،‬ويقطعوا أنفاسها‪ ،‬ويضعفوا مّرتها‪،‬‬
‫وكان ذلك منهم سرا ً وعلنية‪ ،‬وأخذ العهود على أنفسهم أن يكونوا عونا ً‬
‫للشرار والعداء على قطع الطريق على الطائفة التي بقيت من وراء‬
‫رموزها الخالفين من بعد كهفها الواسع وثوبها السابغ‪ ،‬ولسانها الذرب الكاسح‬
‫)ابن تيمية( ‪-‬رحمه الله‪ ،-‬وأحسبهم قد نالوا مما يشتهون‪ ،‬وأنالوا الشرار‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والعداء أيضا ً أزيد مما يشتهون ويريدون‪ ،‬فهل يكون منهم توبة‪ ،‬يفكرون من‬
‫بعدها بعودة إلى مرابع دعوة الحق‪ ،‬بغربة إيمانية‪ ،‬يتفوقون بها على شهوات‬
‫أنفسهم ويقصونها عن ركائب أهوائهم‪ ،‬ويعملون عقولهم بالنظر المتدبر‪ .‬إن‬
‫دعوة الحق الحق غنية ‪ -‬بحفظ الله لكتابه وسنة نبيه ‪ -‬عنهم‪ ،‬بل عن المليين‬
‫من أمثالهم‪ ،‬ويعزمون على الترفق بمن افتتن بهم‪ ،‬وصاروا على مشاقة بما‬
‫ُزين لهم من سوء القول والعمل•‬
‫وإني لفي عجب من العجب ل ينقضي وأنا أنظر في السباب التي أوقدت نار‬
‫الفتنة والشقاق بين من تسموا بالسلفيين‪ ،‬أو نسبوا أنفسهم إلى السلفية‬
‫وهم يرون المة تزداد وهنا ً على وهن في كل يوم‪ ،‬وذل ً إلى ذل في كل‬
‫ساعة‪ ،‬وبلء يحط بين ظهرانيها في كل دقيقة‪ ،‬وهم يزدادون إمعانا ً في‬
‫عداوة بعضهم بعضًا‪ ،‬واستكبارا ً على الحق الذي أتاهم بينهم ويظنون أنهم‬
‫يحسنون صنعا ً ثم يقولون في أنفسهم وعلى مل‪ :‬إنهم على نهج محمد في‬
‫اتباعه وإحياء سننه‪ ،‬أل إنهم من إفكهم ليقولون‪ :‬أل إلى الله تصير المور•‬
‫وأمر الدعوة السلفية )أقول‪ :‬الدعوة السلفية جريا ً مع الواقع( في الخارج‬
‫ل‪ ،‬أو أرجى منال ً منه في الداخل ‪ ،‬واسألوا المواقع الكثيرة‬ ‫ليس بأحسن حا ً‬
‫من مواقع النترنت ودور النشر والطباعة‪ ،‬واسألوا الشباب الضائع على أيدي‬
‫ما سميتموه ‪ :‬بالطياف•••‪ ،‬أين هم من هذه الفواجع العلمية الخلقية التي‬
‫يدعي كل واحد أنه بريء منها ومن آثارها اللعينة التي زادت من إضلل‬
‫الشباب وحيرة أولي اللباب؟‬
‫أرجو أن يعلم أولئك الطياف أن من لم يحط علما ً بآداب العلم والتعلم‪ ،‬فهو‬
‫عاجز بل أعجز جدا ً من أن يدرك شيئا ً مما أخذ الله العهد به على أهل العلم‪،‬‬
‫ولو كان بأدنى قدر من مسائل العلم في الدين•‬
‫ولقد كان حقا ً على جموع السلفيين أن تكون منهم مباهلة‪ ،‬يقفون بها‬
‫أنفسهم على الحق المرتضى لله –سبحانه‪ ،-‬بفهم صحيح لمعنى قوله –‬
‫سبحانه‪) :-‬وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعدون(‪ ،‬وهل يكون من‬
‫دعى أن المة في هذه الية ‪ -‬أي الملة والدين ‪ -‬ليس دين‬ ‫هذه المباهلة أن ي ُ ّ‬
‫السلم‪ ،‬أو أنه دين السلم ودين غيره‪ ،‬أو أنه يشاب المر فيه بشك؟ فإن‬
‫كان شيء من مثل ذلك يكون؛ فهو اليقين بالكفر‪ ،‬ول ينجيه منه إل أن يؤوب‬
‫دق فيها مباهله أنه ل إسلم إل السلم الذي أنزله رب العالمين‬ ‫بتوبة‪ ،‬يص ّ‬
‫على قلب نبيه ‪-‬عليه الصلة والسلم‪•-‬‬
‫در الله ‪ -‬بمثل شطر هذه‬ ‫وإني لخشى أن يصدق الظن في بعضهم ‪ -‬ل ق ّ‬
‫م الصرار من بعض مدعي السلفية‪ ،‬الذين يزعمون أنهم‬ ‫المباهلة‪ ،‬وإل‪ ،‬فل َ‬
‫قائمون على المر‪ ،‬وبالمر‪ ،‬وفي المر‪ ،‬ومن المر‪ ،‬وعلى بينة من المر‪ ،‬وهم‬
‫ل يزالون يلقون بحطب الفتنة على نارها‪ ،‬من غير ورع ول خوف من عاقبة‪،‬‬
‫وبإصرار على تدمير جسور المودة‪ ،‬وتقطيع أواصر المعروف‪ ،‬وهم بهذا‬
‫وبمثله قائلون‪) :‬والعاقبة للظالمين !!( )ول عدوان إل على المتقين !!( إنه‬
‫فقه الكفر‪ ،‬أو هو كفر الفقه•‬
‫سؤال‪:‬ما رأيكم في التسميات من نحو "التيار السلفي الجهادي" و " التيار‬
‫السلفي العلمي"‪ ،‬وما مدى دقة هذه الوصاف وصحة إطلقها ؟‬
‫جواب‪:‬حسبك من شر سماعه‪ ،‬وأي شر أعظم من أن يطرق سمعك مثل هذا‬
‫السؤال الذي يفضي بتفكيرك إلى صعدات مظلمة تحبس الدم عن قلبك‪،‬‬
‫وتمنع النفاس عن صدرك‪ ،‬وتود إن بلغت نهاية الشوط أن يكون الله قد‬
‫قضى عليك بالموت‪ ،‬وأل تكون قد سمعت ما سمعت‪ ،‬إذ ما يكاد يبلغ بك‬
‫الظن أن تسمع أو أن يلقى إليك مثل هذا السؤال؛ فأي بلء أشد من أن‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تقطع أواصر جماعة من المسلمين‪ ،‬فيصار بهم إلى أن يحمل فئة من‬
‫المسلمين مسؤولية الجهاد‪ ،‬سواء أكان ذلك بدعوى من هذه الفئة نفسها‪ ،‬أم‬
‫بإلصاق هذه الدعوى إلصاقا ً ظنيا ً ظالما ً أو صادقًا‪ ،‬من غيرها‪ ،‬ممن يتربصون‬
‫بها الدوائر ويترقبون لها الفساد والسوء‪ ،‬وينتظرون أن تدور عليهم رحى‬
‫الهلك والفتنة•‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فالجهاد شعبة من شعب اليمان‪ ،‬وهو ذروة سنام السلم‪ ،‬وهو والهجرة‬
‫ماضيان في المة إلى يوم القيامة‪ ،‬وقد استطاع أعداء السلم أن يجعلوا من‬
‫الجهاد خطرا ً تحركه الهواء المستطيرة بدافق الشر والرعب والخطر‪ ،‬يهدد‬
‫المة المسلمة‪ ،‬وينذرها عواقب السوء‪ ،‬حتى في عقر دارها‪ ،‬ومعلوم أن‬
‫الجهاد إحياء لموات المة‪ ،‬وإعلء لكلمة الله في الرض‪ ،‬وبعث لعزيمتها في‬
‫نشر كلمة الحق‪ ،‬ودعوة التوحيد‪ ،‬ورفع الظلم عن المستضعفين‪ ،‬ووأد للفتنة‬
‫ف لغوائل المكر‬ ‫في مهدها من قبل أن تشيع‪ ،‬وتوطيد لدعائم العدل‪ ،‬وك ّ‬
‫السيئ والعدوان الباهظ‪ ،‬عن أن تنتقص بها حقوق المظلومين‪ ،‬إلى غير ذلك‬
‫من كل ما يرتجى به تحقيق السعادة للعالم كله‪ ،‬وبالجملة فرسالة الجهاد‬
‫والمجاهدين مجموعة في كلمة ربعي بن عامر‪) :‬نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج‬
‫الناس من عبادة الناس إلى عبادة الله وحده‪ ،‬ومن جور الديان إلى عدل‬
‫السلم‪ ،‬ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والخرة(•‬
‫فشعبة اليمان هذه ‪ -‬على ضخامتها‪ ،‬واتساع دائرتها‪ ،‬وتعدد أجزائها وشعبها‪،‬‬
‫وبهاظة نفقاتها ‪ -‬ليس في وسع طائفة من المة القيام بها‪ ،‬وتصريف أمورها‬
‫وشؤونها‪ ،‬وبخاصة إن كانت هذه الطائفة مترعة بالفقر‪ ،‬محاطة بانقطاع‬
‫الرجاء‪ ،‬مثقلة بأغلل القهر والستكبار والستعباد المرعب•‬
‫إذًا‪ :‬فإن يقال قول‪ ،‬أو إن ينطق بكلمة‪ ،‬تقطع به أو بها طائفة من المة عن‬
‫المة‪ ،‬كما يقطع فرع من الشجرة عن جذعها؛ فذلك زيادة في ضعفها‪،‬‬
‫دتها‪ ،‬وهو من قبل ذلك ومن بعده‪ ،‬تصديق‬ ‫وتفتيت لقوتها‪ ،‬وإذهاب لبأسها وش ّ‬
‫لدعوى جديدة من الدعاوى الكثيرة‪ ،‬التي يذيعها أعداء المة‪ ،‬ويلصقونها‬
‫بالسلم والمسلمين‪ ،‬ولست بالقائل قول ً يزيد في باطل هذه الدعوى‪ ،‬بل‬
‫إني قائل‪ :‬إن على المة كلها أن تعيد مفهوم الجهاد إلى واقع حياتها‪ ،‬فيكون‬
‫ل‪ ،‬يمضي بها أو يحملها على تحقيق ذاتها فتفوز فوزا ً عظيمًا‪،‬‬ ‫رجاء أو أم ً‬
‫وتصل الناس بحبل السلم ورسالته وأصوله وأحكامه‪ ،‬وهذا جزء من رسالة‬
‫المسلمين•‬
‫سؤال‪:‬كيف ترون مستقبل الحركات السلفية في ضوء التحديات التي تواجهها‬
‫؟‬
‫جواب‪:‬أحسبني بما أوردت في جوابي عن السؤال الول كفاية وغنية عن‬
‫جواب هذا السؤال‪ ،‬ويحسن أن يفقه من يسمون بالسلفيين وغيرهم الخلق‬
‫النبوية التي ورثتها أمته‪ ،‬ليعودوا إلى ما كانوا عليه يوما ً من رجاء فيهم أن‬
‫يكونوا ممن قال الله فيهم‪) :‬كنتم خير أمة أخرجت للناس( فهل يكون منهم‬
‫ذلك‪ ،‬ليعلموا معنى قوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪) :-‬ليس منا من لم يرحم‬
‫صغيرنا‪ ،‬ويوقر كبيرنا‪ ،‬ويعرف لعالمنا حقه( وإل كان منهم استكبار ومكر‬
‫سيئ‪ ،‬وإيغال في ظلم ل ينقطع سواد أكنافه‪ ،‬ل يظهر منه حتى بصيص من‬
‫نور خافت•‬
‫سؤال‪:‬أفتيتم – فضيلة الشيخ – ببعض الفتاوى حول مؤتمر السلم والتطبيع ‪،‬‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقد أثارت جدل ً واسعًا‪ .‬هل لكم أن تبينوا موقفكم من هذا ؟‬


‫جواب‪:‬واقع صار المسلمون فيه إلى مثل ما يعلمون من حالهم المأساة‬
‫الفادحة‪ ،‬بضعفهم المستخذي‪ ،‬وعجزهم المردي‪ ،‬وتفرقهم المزري‪ ،‬والفتن‬
‫الدائرة برحاها‪ ،‬تأكل من أطرافهم‪ ،‬وتوردهم موارد البغضاء الصارفتهم عن‬
‫دينهم‪ ،‬المذهبة لكرامتهم وعزتهم‪ ،‬التي أنستهم دينهم أو نسوا هم فيها دينهم‬
‫بأنفسهم بهجرهم كتاب الله وسنة نبيه حكمًا‪ ،‬وتحكيمًا‪ ،‬وقضاًء‪ ،‬وتشريعًا‪،‬‬
‫ة‪ ،‬وتعليمًا‪ ،‬وصرفا ً للفضائل وإعلًء للرذائل‪ ،‬وإشاعة للفحشاء والمنكر‪،‬‬ ‫ودعو ً‬
‫وإذاعة للسوء والفساد‪ ،‬وارتضاء للحرام واستغناء به عن الحلل•‬
‫وليس يخفى على ذي لب وبصيرة أن كثيرا ً من أفراد المة المسلمة اليوم‬
‫أعلنوا الحرب على الله إما فعل ً وإما تركًا‪ ،‬أما بالترك فشرائع الله وأحكامه ‪-‬‬
‫وهي المقتضى الحق لكلمة التوحيد ‪ -‬مهجورة ملقاة من وراء الظهور‪ ،‬على‬
‫علم منها أنها مهجورة•‬
‫وأما بالفعل فيكفي أن نستذكر قول ربنا –سبحانه‪) :-‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا‬
‫الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من‬
‫الله ورسوله(‪ ،‬فهل يكون في وسع المة أن تمتنع من هزيمة شنعاء يوقعها‬
‫الله –سبحانه‪ -‬بنفسه عليها•‬
‫والعقلء المؤمنون يعلمون أن المة وقد استبدلت هذا بذلك‪ ،‬أنه ل يجوز‬
‫الستفتاء في هذه المور وغيرها وقد باءت بإثم ما هي فيه من تحكيم شرع‬
‫غير شرع الله‪ ،‬و واقعها ينبئ بما لم يعد خافيا ً أنها في منأى عن قول الله –‬
‫سبحانه‪) :-‬فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل يجدوا في‬
‫أنفسهم حرجا ً مما قضيت ويسلموا تسليمًا(‪ ،‬وقوله‪) :‬إنا أنزلنا إليك الكتاب‬
‫بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ول تكن للخائنين خصيمًا(•‬
‫كل ذلك وسواه ليس فيه مكان أو موضع أو حتى مناسبة لن يكون يوما ً ما‬
‫طمع حتى في أن يستفتى في هذه الطامات الراجفات المرجفات•‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ثم ومن قبل أن يكون استفتاء فيها فهناك استفتاء فيما هو أهم وأعظم‪ ،‬فإذا‬
‫ما كان جواب عليه حسن الستفتاء فيها وهو‪ :‬هل يجوز لمة استأمنها الله‬
‫على شريعته وحماية دينه‪ ،‬وإقامة حدوده‪ ،‬والحكم بكتابه وسنة نبيه‪ ،‬أن‬
‫تعرض عنهما وتعطل الحكم بهما وتحكم شرائع الرض‪ ،‬وتستبدل الذي هو‬
‫أدنى )قوانين البشر( بالذي هو أعلى )دين الله(؟‬
‫لذا‪ ،‬فإنه ل يصلح الستفتاء في مثل هذه المور )مؤتمر السلم(‪) ،‬التطبيع(‪،‬‬
‫من قبل أن يكون استفتاء في حكم تعطيل شرع الله‪ ،‬إذ إن تعطيل شرع الله‬
‫هو السبب في نشوء الثار السلبية السيئة كلها‪ ،‬ومنها هذه البليا الطامات ول‬
‫أدري لم‪ ،‬ول كيف‪ ،‬ول بم يجيب الشقي المستضعف إن استفتي في شيء‬
‫كان حقا ً على المة كلها أن تجيب عنه‪ ،‬بتوحيد صفها واجتماع شملها‪،‬‬
‫والعداد الذي أمر الله به )وأعدوا(‪ ،‬ورفع راية الجهاد في سبيله‪ ،‬بمثل هذا‬
‫يجاب عن هذا السؤال•‬
‫أما الجواب الذي يكون بالخلد إلى الترف المدمر‪ ،‬ونسيان مفهوم الجهاد‪،‬‬
‫والرضى بالدون من الكرامة والتنصل من المسؤولية الخاصة والعامة‪،‬‬
‫فسيكون الجواب ما قال ذلك الشاعر‪:‬‬
‫زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا ً‬
‫أبشر بطول سلمة يا مربع‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والمسلمون في إثمهم بهذا الواقع على مراتب‪ ،‬لنهم جميعا ً رعاة لدين الله –‬
‫سبحانه‪ •-‬فالعلون منهم ‪ -‬وهم طائفة الحكام والمراء ‪ -‬أعلهم إثمًا•‬
‫والمتوسطون منهم ‪ -‬وهم طائفة العلماء ‪ -‬آخذة بحظ من حظ العلين‪ ،‬وحظ‬
‫أنفسهم أكبر من حظ الولين• والنزلين منهم ‪ -‬وهم عموم المة الذين ل‬
‫سلطان بأيديهم ول علم عندهم ‪ -‬هم أقلهم إثمًا•‬
‫والله –سبحانه‪) -‬ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم‬
‫سوءا ً فل مرد ّ له وما لهم من دونه من وال(‪) ،‬والله يحكم ل معقب لحكمه(‪،‬‬
‫وهو يقضي بينهم يوم القيامة بالحق‪ ،‬فأين الهروب من نار جهنم؟ وأين الملذ‬
‫من سوء المصير؟ وأين الختفاء من الوقوف بين يدي الله للحساب؟ يوم‬
‫يعرض الناس على الله‪) ،‬يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما‬
‫كانوا يعملون‪ ،‬يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق‬
‫المبين(•‬

‫)‪(4 /‬‬

‫اجمع شمل عزماتك!‬


‫د‪.‬خالد بن سعود الحليبي ‪29/11/1425‬‬
‫‪10/01/2005‬‬
‫كثيرون يتحدثون عن أهمية النجاح في تحديد الهدف؛ ليصح لهم البدء‪،‬‬
‫وصدقوا‪ ..‬ولكن كثيرين من هؤلء ‪-‬في الواقع‪ -‬لم يحددوا أهدافهم كما ينبغي‪،‬‬
‫فمنهم من اختلطت عليه الغايات‪ ،‬ومنهم أكثر من الهداف فاختلطت عليه‬
‫السبل‪ ،‬ومنهم من حدد هدفًا‪ ،‬وبعد سير يسير ذهب ببصره هدف آخر لح له‬
‫في الطريق فاستحسنه فترك الول إلى الجديد‪ ،‬ثم لم يظفر بأي منهما‪..‬‬
‫حول هذه الشكالية سوف تدور محاور هذه المقالة الضوئية‪!..‬‬
‫غير مختلف فيه‪ :‬أن أهم قرار يجب اتخاذه هو‪ :‬تحديد الهدف‪ ،‬وهو في ذاته‬
‫يحمل قيمة عالية‪ ،‬وفاعلية كبيرة للنطلقة‪ ،‬إذ تخيل أنك رأيت رجل ً يسير في‬
‫الصحراء خلل تنزهك فرابك أمره فأوقفته وسألته ‪ :‬إلى أين أنت ذاهب؟‬
‫فأجاب‪ :‬ل أدري‪ ،‬ترى هذا النسان هل سيصل إلى شيء‪ ..‬حتما ل‪ ،‬إل أن‬
‫يحدد له هدفا وقد قيل " إذا لم تعلم إلى أين تذهب فكل الطرق تفي‬
‫بالغرض"‪،‬‬
‫وإذا حددت هدفك فركز نظرك عليه‪..‬‬
‫هناك عوارض كثيرة سوف تتطاير أمام عينيك‪ ..‬دعها‪..‬‬
‫هناك إغراءات سوف تعترض طريقك‪ ..‬ل تلتفت إليها‪..‬‬
‫جلها بعد أن تحقق هدفك‪..‬‬ ‫هناك رغائب سوف تطل بوجهها عليك‪ ..‬أ ّ‬
‫حكاية‪:‬‬
‫ً‬
‫يحكى أن واليا أراد أن يختار أحد بنيه ليخلفه على سدة الحكم‪ ،‬فجاء بهم‬
‫جميعا ً أمام نهر جميل الشاطئ‪ ،‬تحوم النوارس حول حدائقه الجميلة‪ ،‬وتعود‬
‫إلى الماء تقطف رزقها بكل عفوية وانسياب‪ ،‬وضع الوالي هدفا ً أما أبنائه‬
‫الثلثة‪ ،‬وأعطى كل واحد كنانة وقوسًا‪ ،‬وقال للكبير‪ :‬ماذا ترى أمامك؟ فقال ‪:‬‬
‫الهدف‪ ،‬قال‪ :‬وماذا مع الهدف؟ قال‪ :‬هذه الحدائق الغناء‪ ،‬فقال له أبوه‬
‫انصرف‪ ،‬ثم دعا الوسط فسأله فأجاب‪ :‬الهدف‪ ،‬فأردف ثم ماذا مع الهدف؟‬
‫فأجاب‪ :‬هذه الطيور الرائعة الجمال‪ ،‬فأمره بالنصراف وسأل الصغر فأجاب‪:‬‬
‫أرى الهدف فقال له ‪ :‬وماذا مع الهدف؟ فأجاب‪ :‬الهدف‪ ،‬قال ثم ماذا؟ قال‪:‬‬
‫الصغير الهدف‪ ،‬فخلع تاجه ووضعه على رأسه‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن التركيز على الهدف هو أسرع الطرق للوصول إليه‪ ،‬فهناك كثيرون يبذلون‬
‫جهودا ضخمة وكثيرة ولكنها كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ومشتت العزمات ينفق عمره حيران ل نجح ول إخفاق‬
‫وبعض الناس ل يعطي فكرة الهدف التي تعن له حقها من التأمل والتفكير؛‬
‫بل تأخذه الحماسة للعمل السريع‪ ،‬فيبادر دون تخطيط‪ ،‬وما هو إل أن يتوقف‬
‫بعد خطوات من بدايته‪ ،‬ثم يكيل التهم للناس وربما لنفسه بأنه إنسان فاشل‪،‬‬
‫يقول دافنشي ‪" :‬إذا أردت أن تعمل فل بد أن تهدأ"‪ ،‬وصدق؛ إذ كيف يمكن‬
‫أن تنهض بالتفكير السوي وأنت هائج البحر‪ ،‬وزبد الفكار يطفح فوق زرقة‬
‫الماء‪ ،‬يخبئ الللئ‪ .‬وقد قيل ‪" :‬في داخلك منجم للبداع فتش عنه ولكن قبل‬
‫ذلك تعّلم التنقيب حتى ل تكسر اللماس"‪.‬‬
‫إن الفشل في التخطيط تخطيط للفشل‪ ،‬وحين تختار هدفك؛ فليكن من‬
‫سامي الهداف وأعظمها‪ ،‬فالواجب أل ّ يبحث النسان عن أكبر لذة‪ ،‬بل عن‬
‫أشرف لذة‪ ،‬وقد قيل‪" :‬إياك أن يفقدك الله حيث أمرك ويجدك حيث نهاك"‪.‬‬
‫والسؤال المهم هنا هو ‪ :‬كيف يمكنك أن تحمي طريقك إلى هدفك؟‬
‫إن الذي يشكو الفراغ هو الذي فقد الهدف؛ فقد قيل‪:‬‬
‫"إن فراغ النفس من الهداف العظيمة يؤدي إلى فراغ اليد من العمال‬
‫الجليلة"‪.‬‬
‫ولكننا نتساءل اليوم‪ :‬كيف يمكن حماية الطريق إلى هذا الهدف؟‬
‫إن ذلك يقودنا إلى أسئلة عديدة هي‪:‬‬
‫* هل أنت مقتنع بهذا الهدف؟‬
‫* كيف سيؤثر هذا الهدف على حياتك سلبا ً وإيجابا؟ً‬
‫* هل خططت لللفة مع من سيتعاونون معك لتحقيق هدفك‪ ،‬ومن سيتأثرون‬
‫به سلبًا؟‬
‫* هل جمعت جميع المعلومات والخبرات حول هدفك مما يشابهك أو يلتقي‬
‫به؟‬
‫إذا أجبت عن كل هذه السئلة فاستخر واستشر وتوكل على الله الذي يقول‪:‬‬
‫) ومن يتق الله يجعل له مخرجا )‪ (2‬ويرزقه من حيث ل يحتسب ومن يتوكل‬
‫على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا )‪((3‬‬
‫]الطلق ‪.[ 65/3‬‬
‫إذا تعثر العمل فارجع خطوات باحثا ً عن مواطن الخلل وتساءل‪:‬‬
‫* هل حددت ما تريد بطريقة إيجابية؟‬
‫* هل أخذت جميع الحوال المختلفة بعين العتبار؟‬
‫* هل المعيار الذي وضعته لقياس نجاحك مناسب؟‬
‫* هل لديك أهداف مرحلية للنجاح؟‬
‫* كيف يمكن أن تحافظ على حصيلتك المؤقتة خلل انطلقتك؟‬
‫* تحت أي ظروف ل تريد تحقيق أهدافك؟‬
‫* ما العقبة الكؤود التي أعاقتك الن؟‬
‫* ما الخطوة الولى التي ينبغي فعلها اليوم لتخطي هذه العقبة؟‬
‫* · كيف تصف حالتك الشعورية الن خلل هذا التوقف المؤقت‪ :‬كبوة جواد‪،‬‬
‫أم استراحة محارب‪ ،‬أم إحباط شديد‪ ،‬أم الهزيمة النفسية؟ حدد كيف تتعامل‬
‫مع هذا الواقع الجديد‪.‬‬
‫ً‬
‫إنك خلل هذه الفترة تحتاج إلى أن تلعب أدوارا ثلثة‪ ،‬تتقمص خللها ثلث‬
‫شخصيات‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬الذات؛ فتحس بكل ما سألتك عنه سابقًا‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الثانية ‪ :‬المراقب؛ الذي يعنيه نجاحك أو فشلك؛ من مدير أو أب أو صديق‬


‫ناصح أو حاسد‪ ،‬ثم تقوم بإعادة النظر إلى عملك لتقويمه من وجهة نظرهم‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬المحايد ؛ حيث تنظر إلى عملك بصراحة دون أي ميل عاطفي‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إنك أيضا ً في حاجة إلى أن تلبس قبعات )إدوار ديبونو( الست‪ ،‬التي تمنحك‬
‫إمكانية التحول والمرونة في التعامل مع هدفك ومن يعينوك أو يرأسونك أو‬
‫يستفيدون منه‪.‬‬
‫ذلك من طبيعة الناجحين أنهم يتمتعون بقدر كبير من المهارات والتشكل‬
‫المرن مع المجالت المختلفة‪ ،‬فقد قيل‪" :‬إن قوة الخيزران في مرونته (‪،‬‬
‫فهم يقبلون التغير‪ ،‬ويوظفونه لتحقيق أهدافهم العليا‪ ،‬من دون أن يحيدوا عن‬
‫الطريق الذي حددوه‪.‬‬
‫والناجح حكيم يتعامل بمنتهى الدقة والتأمل مع ما يجد في طريقه‪ ،‬فقد قيل ‪:‬‬
‫"العالم يتريث والجاهل يقطع"‪ ،‬والناجح يحافظ على صداقاته‪ ،‬وَبر من لهم‬
‫حق عليه‪:‬‬
‫إن الوظيفة ل تدوم لواحد ‪... ...‬‬
‫إن كنت تنكر ذا فأين الول‬
‫فاعمل لنفسك في الحياة فضائ َ‬
‫ل ‪... ...‬‬
‫فإذا عزلت فإنها ل تعزل‬
‫إن الذي يسعى لتحقيق أهدافه في نفسه وأولده ومجتمعه وأمته ‪-‬والهداف‬
‫أكثر من أن تحصر‪ -‬ينبغي أن يكون متفائل ً وهو يواجه الحياة‪ ،‬يقول الستاذ‬
‫مصطفى السباعي‪" :‬ل تفكر إل في كل جميل‪ ...،‬ولن تسعد إل إذا رضيت‬
‫عن نفسك فتطمئن وترتاح بال ً ‪ ..‬ولكن تفحص نفسك لن تجد دائما ً كل ما‬
‫يرضيك‪ ..‬فما أكثر ما يجب أن تفعله‪ ..‬وما أقل ما فعلته‪ ..‬وسترى أن فيك‬
‫صفات فريدة يجب أن تنميها لترضى عن نفسك"‪.‬‬
‫نسأل الله تعالى أن يرضى عنا إنه سميع الدعاء‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫احتضان التميز !‬
‫أحمد العبد الهادي ‪9/1/1425‬‬
‫‪29/02/2004‬‬
‫نظرة إلى التدافع القائم بين الخير والشر تصيب المرء بالذهول ‪ ،‬فالكنيسة‬
‫اليوم تحوز أرقى الجامعات ومراكز البحث والترجمة وتبث باستمرار من‬
‫المفكرين والساسة من يمسك أزمة العالم لصالحها! ‪ ،‬وتنفق "هوليود"‬
‫دا !‪.‬‬
‫ما تشويهّيا واح ً‬
‫مليين الدولرات لتروج فيل ً‬
‫ً‬
‫ورصدت مؤخًرا اثنين وستين مليون دولر مؤخرا لتكون ميزانية عام واحد‬
‫لتشغيل قناة ناشئة تغزو العرب والمسلمين بلغتهم !! فماذا قدمنا نحن إزاء‬
‫ذلك وغيره؟!‬
‫ل مبالغة ‪-‬أيها القارئ‪ -‬إن قلنا إن زوبعة الشر القادمة نذير يوحي بالخطر إن‬
‫خا ل يرقى إلى مستوى التدافع‪ .‬أموال طائلة ‪..‬‬ ‫استمرت مقاومة الحق له نف ً‬
‫و أوقات مبذولة ‪ ..‬وعقول مفكرة تقود طرح الفساد بقوة ليتسرب إلى‬
‫نفوس الناس مع لحظات دهشتهم لتميز أسلوبه وإبداع طرحه!‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأهل الصلح في مقابل ذلك يملكون معهم الحق – والحق مادة البقاء –‬
‫جبلت على الخير‪ ،‬ويملكون‬ ‫ويملكون بقية باقية من فطر سليمة في الناس ُ‬
‫ت هائلة متميزة ل تزال حتى الن‬ ‫فوق هذا وذاك كوادر في المة تحمل طاقا ٍ‬
‫مدفونة في دواخلها‪ ،‬ولو شاء الله لكانت صرخة مدوية تخرس الناطقين‬
‫دا منيًعا ضد كل شّر زاحف ‪ ،‬ولكانت نوًرا يضيء بالحق‬ ‫بالضللة‪ ،‬ولكانت س ّ‬
‫وناًرا تحرق الباطل!‬
‫ونحن اليوم في أمس الحاجة إلى كشف تلك الطاقات واحتضان تمّيزها‬
‫وقذفها في محاضن تصنع مع الزمن قادة متخصصين يحملون لواء الخير‬
‫حا‬
‫باقتدار‪ ،‬ويقدمونه بأسلوب يجعل الحق في أعين الناس أكثر وضو ً‬
‫واستحساًنا‪ ،‬وليس ذلك ببعيد إن تهيأت لتلك المحاضن خطط مدروسة و‬
‫برامج ممّيزة و تنفيذ متقن ‪ ،‬يردفها دعم ممتد من المال والوقت والجهد‬
‫والبصيرة النافذة والنفس العميق ‪.‬‬
‫إن الحديث عن التميز في عصر "النفجار المعلوماتي" حديث ل ينفك عن‬
‫دا‪ ،‬والتخصص الذي نعنيه ل يتعارض مع الشمول ول يعني –‬ ‫التخصص أب ً‬
‫بالضرورة‪ -‬الحاطة‪.‬‬
‫لقد مرت في تاريخنا نماذج فريدة جمعت بين التميز والحاطة؛ فكان لها في‬
‫كل ناحية سهم‪ ،‬لكن تعميم تلك النماذج على الناس مع تفاوتهم والمطالبة‬
‫بمحاكاتها في تربيتنا أمر ربما ينزح للمثالية ويبدد الجهود‪ ،‬ذلك أن الحاطة‬
‫في حد ّ ذاتها تميز آخر يصدق في حق أفراد منحهم الله إياها‪ ،‬ويبقى في حق‬
‫الكثيرين قدًرا صعب المنال‪ .‬إن غرس المتخصصين في شتى الجوانب يفتح‬
‫لهم أول ً أبواب التميز فيها‪ ،‬ويمنحنا ثانًيا القدرة على دمج تلك التعددية‬
‫دا‬
‫"المتخصصة" في منظومة تكاملية تعمل بطريقة أذكى وتضيف للمة رصي ً‬
‫من الجهد البناء والقوة الفاعلة‪.‬‬
‫ما حقيقّيا يئد الشر في مهده‪ ،‬وسنبقى‬ ‫إننا بغير ذلك لن نستطيع أن نقود هجو ً‬
‫ما في موقف الضعيف الذي يلقي الضربات الموجعة بدفاٍع خائر‬ ‫دائ ً‬
‫العزمات‪.‬‬
‫وإننا بغير ذلك‪ ..‬لن يتبوأ أهل الصدق المتميزون مكانهم الحقيقي في قيادة‬
‫دا قليل ً – ل‬
‫المة‪ ،‬وستنزوي طاقاتهم في أي مكان هنا وهناك ليقدموا جه ً‬
‫يتلءم مع قدراتهم – إبراًء للذمة ل غير!‬
‫وإننا بغير ذلك سنبقى منهمكين في صنع " الكم" ‪ ،‬فنخرج كل حين مئات‬
‫ومئات من الجنود لكنها تفتقر إلى واحدٍ يسعرها !‬
‫دا ‪-‬رضي الله عنهم‪ -‬لم‬ ‫دا‪ ،‬وابن عباس وخال ً‬ ‫إن مصعًبا وعماًرا وأبا عبيدة وسع ً‬
‫يضيعوا في دهماء الناس وما خرجوا للناس صدفة‪ ،‬بل كانوا نتاج القائد الول‬
‫صلى الله عليه وسلم؛ فأسمعوا التاريخ كلمتهم وكان لهم فيه قدم صدق‪.‬‬
‫ول يزال تاريخنا حافل ً بالنماذج الرائعة لحتضان التميز ورعايته‪ ،‬وهل كان‬
‫مالك –بعد توفيق الله‪ -‬إل جوهرة قدمتها يد ربيعة ‪ ،‬وهل كان الشافعي إل‬
‫صنع وكيع ‪ ...‬وابن القيم وصلح الدين ونور الدين وغيرهم كثير رعتهم يد‬
‫مخلصة نقلت إليهم إبداعها وقيادتها؛ فكانوا سلسلة من النوار بعضها من‬
‫بعض‪.‬‬
‫إنها مسؤولية الب والم‪ ،‬والمعلم والشيخ‪ ،‬والتاجر والمربي‪ ،‬أن يقرأ التميز‬
‫فيمن أمامه ويهبه من جهده ووقته ما يتناسب مع طاقاته ليجده بعد ذلك في‬
‫كل ميدان يحمل راية الخير في حياته وبعد مماته‪.‬‬
‫والله غالب على أمره‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫احتفال ً بذكرى السراء والمعراج‬


‫أديب قبلن*‬
‫‪amiq90@hotmail.com‬‬
‫هلت علينا بقدومك الحتفالت ‪ ....‬وسبحت مخلوقات النهار والبحيرات ‪....‬‬
‫ونادت من بين الصخر العرج الكائنات ‪ ....‬أن ليلة السراء ليلة اليمن‬
‫والبركات ‪........‬‬
‫مقدمة أولية ‪:‬‬
‫نستقبل في هذه اليام ليلة طالما مرت علينا عبر الزمنة والعصور ‪ ،‬ومن‬
‫تعبد فيها نال الجنة و ما فيها من قصور ‪ ،‬ليلة السراء سيد الفعال والمعراج‬
‫من كانت له القوال ‪ ،‬ليلة لطالما انتظرنا قدومها نعد أصناف القمار والنجوم‬
‫‪ ،‬ونبكي دموعا ً مصفاة ً من الملح والشحوم ‪ ،‬ولكن ‪ ...‬نحن تعساء‬
‫الحظوظ ‪ ،‬نبني القيام على أساس من العصب المردوم ‪ ،‬فكانت هذه الليلة‬
‫شيء من حزن ‪ ،‬وشيء من فرح ‪ ،‬وشيء من امتلك المصدوم ‪.‬‬
‫ليلة السراء والمعراج ليلة قيامها فيه أجر لهذه الشعوب السلمية التي‬
‫تحتاج إلى ذرة من حفنة تراب يكون فيها جزء صغير من الحسنة ‪ ،‬هذه‬
‫الشعوب تنتظر ليلة السراء والمعراج على جمر مشتعل ‪ ،‬تحتفل بها على‬
‫أنها مناسبة دينية ثقافية ‪ ،‬تلقى فيها الكلمات والسطور وشيء من القلم و‬
‫كتب موضوعة على رفوف ‪.‬‬
‫ليلة السراء والمعراج هي حدث هام في حياة المرء المسلم ‪ ،‬يتأمل فيه هذا‬
‫المسلم متذكرا ً أيام هذا الحدث العظيم وربما يبكي لنه لم يحضر ذلك‬
‫الحدث العظيم ‪ ،‬في مثل هذه الليلة كان من الله تعالى مكرمة أحب أن‬
‫يقدمها إلى خير من طلعت عليه الشمس من بني آدم ‪ ،‬خير من وطأت‬
‫قدماه ثرى هذه الدنيا ‪ ،‬حبيبي أنت يا رسول الله ‪ ،‬نعم هذه المكرمة رسالة‬
‫من الله تعالى إلى عباده أجمعين خلد ذكراها لتبقى معجزة ربانية ‪ ،‬فكانت‬
‫هذه المكرمة كما أرادها عز وجل ‪.‬‬
‫كيفية السراء ‪:‬‬
‫أيقظ جسد النبي الشريف محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬صوت الدابة التي‬
‫تشرفت بحمله إلى بيت المقدس وهي البراق ‪ ،‬ثم وصل ‪ ،‬ولكنه وصف‬
‫مشاهدات في الطريق فكانت على النحو التالي ‪:‬‬
‫‪ _1‬الدنيا ‪ :‬رآها بصورة عجوز ‪).‬وذلك علمة على أنها تفتن المتعلقين بها‬
‫وهي ليست على شيء(‬
‫‪ _2‬إبليس ‪ :‬رآه متنحيا ً عن الطريق ‪.‬‬
‫م منه رائحة طيبة ‪) .‬وهي كانت عند فرعون‬ ‫‪ _3‬قبر ماشطة بنت فرعون وش ّ‬
‫وكانت على دين موسى السلم‪ ،‬وعلم فرعون بها وعذبها العذاب الشديد‪،‬‬
‫والرسول مر على قبرها وشم الريح الطيبة منه وأخبره جبريل بأمرها(‬
‫‪ _4‬المجاهدون في سبيل الله ‪ :‬رآهم بصورة قوم يزرعون ويحصدون في‬
‫يومين ‪.‬‬
‫ض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض‬ ‫قَر ُ‬
‫‪ _5‬خطباء الفتنة ‪ :‬رآهم بصورة أناس ت ُ ْ‬
‫من نار‪).‬وهم الذين يخطبون بين الناس بالفتنة والكذب والغش(‬
‫‪ _6‬الذي يتكلم بالكلمة الفاسدة‪ :‬رآه بصورة ثور يخرج من منفذ ضيق ثم‬
‫يريد أن يعود فل يستطيع ‪.‬‬
‫سَرحون كالنعام على‬ ‫‪ _7‬الذين ل يؤّدون الزكاة ‪:‬رآهم بصورة أناس ي َ ْ‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عوراتهم رقاع ‪.‬‬


‫ً‬
‫‪ _ 8‬تاركو الصلة ‪ :‬رأى قوما ترضخ رءوسهم ثم تعود كما كانت ‪ ،‬فقال‬
‫جبريل ‪ :‬هؤلء الذين تثاقلت رءوسهم عن تأدية الصلة ‪.‬‬
‫‪ _9‬الزناة ‪ :‬رآهم بصورة أناس يتنافسون على اللحم المنتن ويتركون الجيد ‪.‬‬
‫‪ 10‬شاربو الخمر‪ :‬رآهم بصورة أناس يشربون من الصديد)وهو ماء كريه‬
‫الريح (‬
‫‪_11‬الذين يمشون بالغيبة ‪ :‬رآهم بصورة قوم يخمشون وجوههم وصدورهم‬
‫بأظفار نحاسية ‪.‬‬
‫ً‬
‫كما كان في رحلة المعراج أيضا مشاهدات ‪ ،‬استغرب منها الرسول – عليه‬
‫الصلة والسلم – وسأذكرها على شكل بنود كما في التالي ‪:‬‬
‫‪ _1‬مالك خازن النار‪.‬‬
‫‪ _2‬البيت المعمور ‪ :‬وهو بيت مشرف في السماء السابعة وهو لهل السماء‬
‫ك يصلون فيه ثم‬ ‫ه سبعون ألف مل ٍ‬ ‫خل ُ ُ‬
‫كالكعبة لهل الرض‪ ،‬كل يوم يد ُ‬
‫يخرجون ول يعودون أبدا ً ‪.‬‬
‫‪ _ 3‬سدرة المنتهى ‪ :‬وهي شجرة عظيمة بها من الحسن ما ل يصفه أحد من‬
‫ش من ذهب ‪ ،‬وأصلها في السماء السادسة وتصل‬ ‫خلق الله ‪ ،‬يغشاها َفرا ٌ‬
‫إلى السابعة ‪ ،‬وراءها رسول الله صلى اله عليه وسلم في السماء السابعة ‪.‬‬
‫ت‬
‫معَ ْ‬
‫س ِ‬‫ن َ‬‫ن رأت ول أذ ٌ‬ ‫‪ _4‬الجنة ‪ :‬وهي فوق السموات السبع فيها ما ل عي ٌ‬
‫ده الله للمسلمين التقياء خاصة ‪ ،‬ولغيرهم‬ ‫خط ََر على قلب بشر مما أع ّ‬ ‫ول َ‬
‫ممن يدخل الجنة نعيم يشتركون فيه معهم ‪.‬‬
‫‪ _ 5‬العرش ‪ :‬وهو أعظم المخلوقات ‪ ،‬وحوله ملئكة ل يعلم عددهم إل الله ‪.‬‬
‫وله قوائم كقوائم السرير يحمله أربعة من أعظم الملئكة ‪ ،‬ويوم القيامة‬
‫يكونون ثمانية ‪.‬والعرش هو سقف الجنة وهو مكان مشرف عند الله قال‬
‫المام علي كرم الله وجه‪ :‬إن الله خلق العرش إظهار لقدرته ولم يتخذه‬
‫مكان لذاته‪.‬‬
‫‪_6‬وصوله صلى الله عليه وسلم إلى مستوى يسمع فيه صرير القلم‪ :‬انفرد‬
‫رسول الله عن جبريل بعد سدرة المنتهى حتى وصل إلى مستوى يسمع فيه‬
‫صرير القلم التي تنسخ بها الملئكة في صحفها من اللوح المحفوظ ‪.‬‬
‫‪_7‬سماعه صلى الله عليه وسلم كلم الله تعالى الذاتي الزلي البدي الذي ل‬
‫يشبه كلم البشر‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪_8‬رؤيته صلى الله عليه وسلم لله عّز وج ّ‬


‫ل بفؤاده ل بعينه ‪ :‬مما أكرم الله به‬
‫نبيه في المعراج أن أزال عن قلبه الحجاب المعنوي ‪،‬فرأى الله بفؤاده ‪ ،‬أي‬
‫جعل الله له قوة الرؤية في قلبه ل بعينه ‪ ،‬لن الله ل يرى بالعين الفانية في‬
‫الدنيا ‪ ،‬فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ )):‬واعلموا أنكم لن تروا‬
‫ربكم حتى تموتوا ((‪.‬‬
‫هذه ما ننبئكم به في مثل هذه الذكرى العطرة التي يشهد التاريخ بصدقها ‪،‬‬
‫والتي شهد السلم بصحتها ‪ ،‬ول نخفيكم أن رأيي أن الغرب هم من مسح‬
‫هذه المعجزة من عالمهم ‪.....‬‬
‫* أديب واعد عمره ‪ 16‬سنة‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫احذر الدمان وقت الزمات ! نزار محمد عثمان*‬


‫في أوقات الكوارث والزمات يصبح الهاجس الكبر للكثيرين هو تتبع الخبار‬
‫عبر الفضائيات ‪ -‬التي ملت الدنيا وشغلت الناس ‪ -‬فتجد الواحد ينفق‬
‫الساعات الطوال متنقل ً من قناة إلى أخرى؛ يسمع ذات الخبار‪ ،‬بل ربما‬
‫يسمع الخبر الواحد من القناة الواحدة في الجلسة الواحدة أكثر من مرة!!‪..‬‬
‫ومع ذلك ل يشعر بالملل‪ ،‬ول بإضاعة الوقت؛ لنه يعتقد بأنه مشغول بأمر‬
‫المسلمين ‪ -‬وقد ل يكون له من )أمر المسلمين( إل المشاهدة!! ‪ ،-‬كما يعتقد‬
‫أنه بعيد عن أن يتأثر بالرسائل الخفية للوسيلة العلمية‪ ،‬وأنه مسيطر على‬
‫الوضع!!‪ ،‬وقد ل يكون له من السيطرة على الوضع سوى حريته في ضغط‬
‫زر الريموت كنترول؛ لينتقل من قناة لخرى‪.‬‬
‫أحيانا ً كثيرة تختفي مشاكل إدمان متابعة التلفزيون في وقت الزمات تحت‬
‫غطاء اليجابية المتمثل في أن مشاهدتها ‪ -‬فضل عن كونها خيرا ً من كثير‬
‫غيرها ‪ -‬تعني اهتماما ً بأمر المسلمين‪ ،‬وفي ذلك بعض حقيقة؛ غير أن الذي ل‬
‫يدركه كثيرون كذلك هو أنها تنطوي على كثير من المحاذير التي من أهمها أن‬
‫المشاهدة هي أدنى درجات الهتمام بأمر المسلمين‪ ،‬وقد ل تخلو في كثير‬
‫من الحيان من سلبية‪ ،‬وأنفع منها وأبلغ في الهتمام أن نقلص وقت‬
‫المشاهدة ونستبدله بالصلة والدعاء للمنكوبين‪ ،‬وإعمال الفكر في كيفية‬
‫دعمهم ومناصرتهم‪.‬‬
‫ومن المحاذير كذلك أن فلسفة الخبر الناجح عند المختصين تعنى بالجابة‬
‫على السئلة الخمسة )من‪ ،‬ماذا‪ ،‬متى‪ ،‬أين وكيف( وهذه ل تحوي السؤال‬
‫الجوهري الذي يجعل لكل السئلة السابقة معنى؛ وهو‪ :‬لماذا؟!‪ ..‬وهذا هو‬
‫الذي يحتاج للتأمل‪ ،‬وقارئ الخبر يتوفر له ‪ -‬من التأمل ‪ -‬أضعاف ما يتوفر‬
‫لمشاهده‪..‬‬
‫كذلك من المحاذير أن الفضائيات العديدة المتوفرة للمشاهد العربي تقع‬
‫تحت قسمين كبيرين أولهما القنوات الموجهة التي تريد أن تنشر فكرا ً معينا؛ً‬
‫وهذه تنتقي الخبار‪ ،‬وتفسح المجال للتحليلت التي تؤيد فكرتها‪ ..‬وثانيهما‬
‫القنوات التجارية التي تسعى للربح؛ فل تعني لها الخبار ‪ -‬التي يراها المشاهد‬
‫)اهتماما بأمر المسلمين( ‪ -‬سوى مساحات زمنية مساعدة في ترويج‬
‫العلنات ل أكثر؛ لذلك تسعى للثارة على حساب الحقيقة‪ ..‬ول يهمها أن‬
‫تزيد آلم المشاهد؛ بإجباره على البقاء في انتظار تفاصيل خبر الكارثة التي‬
‫حلت بمسلمين عقب فاصل ماجن لعطر )هوجو( أو )أولويز بالجنحة(!!‪..‬‬
‫لست أدعو لمقاطعة الخبار؛ ولكني أحذر من إدمان مشاهدتها وقت‬
‫الزمات!!‪ ..‬علينا أن نهتم بالمشاركة أكثر من المشاهدة‪ ،‬وأن نربي من حولنا‬
‫على التفكير فيما نشاهد؛ وعدم أخذه كحقائق ل يتطرق لها الشك‪ ،‬وقبل هذا‬
‫وبعده أن نقرأ ما كتب في نقد فلسفة العلم المريكي السائدة في العالم‬
‫اليوم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫احذروا‬
‫حسن نصر الله وشيعته‬
‫د‪ .‬عبد العزيز بن ناصر الجليل‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا‬
‫محمد وآله وصحبه أجمعين‪ ،‬وبعد‪:‬‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫ل‬‫سب ُ َ‬ ‫قيما ً َفات ّب ُِعوه ُ وَل َ ت َت ّب ُِعوا ْ ال ّ‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫طي ُ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫فيقول الله عز وجل‪} :‬وَأ ّ‬
‫ن{ )النعام‪.)153 :‬‬ ‫قو َ‬ ‫م ت َت ّ ُ‬ ‫كم ب ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫صا ُ‬
‫م وَ ّ‬ ‫سِبيل ِهِ ذ َل ِك ُ ْ‬‫عن َ‬ ‫م َ‬ ‫فّرقَ ب ِك ُ ْ‬
‫فَت َ َ‬
‫دى وَي َت ّب ِعْ‬ ‫ه ال ْهُ َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ق الّر ُ‬ ‫شاقِ ِ‬ ‫من ي ُ َ‬ ‫ويقول تبارك وتعالى‪} :‬وَ َ‬
‫صيرًا{ )النساء ‪:‬‬ ‫ْ َ ِ‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ساء‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ه‬
‫َُ ْ ِ ِ َ َ ّ َ َ َ‬ ‫ج‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ن ن ُوَل ّهِ َ َ َ‬
‫و‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫سِبي ِ‬‫غَي َْر َ‬
‫‪ . (115‬وحذر سبحانه من كتمان الحق ولبسه بالباطل لتضليل الناس فقال‬
‫َ‬
‫ن{ )البقرة ‪:‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫حقّ وَأنت ُ ْ‬ ‫موا ْ ال ْ َ‬ ‫ل وَت َك ْت ُ ُ‬ ‫حقّ ِبال َْباط ِ ِ‬ ‫سوا ْ ال ْ َ‬‫عز وجل‪} :‬وَل َ ت َل ْب ِ ُ‬
‫‪(42‬‬
‫وقال الرسول صلى الله عليه وسلم‪)) :‬تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما‬
‫تمسكتم بهما كتاب الله وسنة رسوله(( ]‪[1‬‬
‫دق فيها الكاذب ويكذب‬ ‫وقال أيضًا‪)) :‬سيأتي على الناس سنوات خداعات ُيص ّ‬
‫ون فيها المين وينطق فيها الرويبضة‬ ‫فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن وُيخ ّ‬
‫قيل‪ :‬وما الرويبضة ؟ قال‪ :‬الرجل التافه يتكلم في أمر العامة ]‪[2‬‬
‫وهذه اليات والحاديث من الوضوح بحيث ل تحتاج إلى تعليق‪.‬‬
‫واليات والحاديث الواردة في وجوب التمسك بما في كتاب الله عز وجل‬
‫والسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بفهم الصحابة رضي الله عنهم‬
‫كثيرة ومتنوعة‪ ،‬تارةً بالمر بالتمسك بهما والنطلق منهما في الولء والبراء‬
‫والمواقف والموازين‪ ،‬وتارة بالتحذير من اتباع ما سواهما من آراء الرجال‬
‫وأهل الهواء والشبهات في الولء والبراء والمواقف والموازين‪.‬‬
‫وإن ما يجري اليوم من أحداث في بلد الشام‪ ،‬من قتال بين اليهود ومن‬
‫يسمون أنفسهم حزب الله أو المقاومة السلمية في جنوب لبنان؛ لهو من‬
‫الفتن والبتلءات التي يختبر الله عز وجل فيها عقائد المسلمين ومدى‬
‫ارتباطهم بموازين الكتاب والسنة وبما كان عليه سلف المة من الصحابة‬
‫والتابعين لهم بإحسان‪.‬‬
‫ولقد سقط في هذه الفتنة فئام كثير من الناس‪ ،‬وغرهم ما يسمعونه أو‬
‫يرونه من مواجهات عنيفة مع اليهود يتزعمها الرافضي )حسن نصر الله‬
‫وشيعته( وانخدع بذلك الذين يجهلون أو يتجاهلون حقيقة التوحيد والولء‬
‫والبراء في السلم وحقيقة عقيدة )حسن نصر الله وشيعته الرافضة(‪.‬‬
‫ولن الفتنة بهذا الحزب الرافضي الصفوي شديدة وكبيرة‪ ،‬كان ل بد لكل‬
‫قادر من أهل العلم أن يتصدى لها ويكشف اللبس عن المة ويبين حقيقة‬
‫القوم وما يدعون له ويهدفون إليه‪ ،‬ورضي الله عن عمر بن الخطاب حين‬
‫ب ول يخدعني الخب أي‪ :‬لست بالمخادع ول يخدعني‬ ‫خ ّ‬ ‫قال‪ :‬لست بال َ‬
‫المخادع‪ ،‬ويعلق ابن القيم رحمه الله تعالى على هذه المقولة فيقول‪) :‬فكان‬
‫دع‪ ،‬وأعقل من أن ُيخدع( )الروح‪(244 :‬‬ ‫عمر رضي الله عنه أورع من أن َيخ َ‬
‫ولكي ندرك خطورة ما يجري في وسائل العلم الماكرة من تلبيس وتضليل‬
‫تجاوز خطره شريحة العوام إلى كثير من المثقفين بل وبعض المتدينين‬
‫ب للحقائق فيما يتعلق بالجهاد‬ ‫والدعاة؛ نطلع على ما يجري اليوم من قل ٍ‬
‫والمجاهدين‪ ،‬حيث نرى من يصف المجاهدين الذين يتصدون للكفرة الغزاة‬
‫في بلد الرافدين وأفغانستان والشيشان بأنهم إرهابيون ومفسدون!! بينما‬
‫ة مشروعة‬ ‫يرون القتال في جنوب لبنان بقيادة نصر الله الرافضي مقاوم ً‬
‫وجهادا ً في سبيل الله تعالى‪ ..‬سبحانك هذا بهتان عظيم! وصدق رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق والذي منه(( ‪:‬إن وراءكم سنوات‬
‫خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون‬
‫فيها المين‪)) ...‬الحديث‪.‬‬
‫ولكشف ما يجري من تلبيس وفتنة على المسلمين بما يسمى حزب الله‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأمينه الرافضي حسن نصر الله أسوق الوقفات التالية‪:‬‬


‫الوقفة الولى‬
‫ً‬
‫في ضوء اليات والحاديث التي سقتها آنفا‪ ،‬يتبين لنا ضرورة أن يكون مصدر‬
‫التلقي في الفهم والعقيدة والمواقف وتقويم الفكار والرجال هو هذا الميزان‬
‫والقسطاس المستقيم المستقى من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬اللذان من تمسك بهما وجعلهما النور الذي يمشي به في‬
‫الناس فلن يضل أبدًا‪ ،‬ولن تتقاذفه مضلت الفتن ذات اليمين وذات الشمال‪،‬‬
‫وإني لعجب من قوم معهم كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم وعمل الصحابة رضي الله عنهم‪ ..‬كيف يتخلون عن ذلك كله‬
‫ويستبدلون به العواطف وتلبيس الملبسين وأهواء الرجال؟!‪..‬‬
‫س في البيداء يقتلها الظما والماُء فوق ظهورها محمو ُ‬
‫ل‬ ‫كالعي ِ‬
‫)‪(1 /‬‬

‫والن لنزن هذا الرجل المفتون وحزبه المغبون بميزان الكتاب والسنة ميزان‬
‫ف حقيقة هذا الرجل‬ ‫التوحيد والشرك وميزان الهدى والضلل‪ ،‬لكي نعر َ‬
‫وحزبه‪ ..‬هل هو على الحق الذي يحبه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم؟ أم على الباطل الذي يدعو إليه الشيطان وحزبه؟! وبالتالي نعرف‬
‫حقيقة جهاد هذا الرجل وحزبه وحقيقة عدائه لليهود‪ ..‬هل هو في سبيل الله‬
‫تعالى ؟ أم في سبيل الطاغوت ؟! فأقول وبالله التوفيق‪:‬‬
‫إن الله تعالى إنما أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم بهذا القرآن الكريم‬
‫والنور المبين ليعبد الله وحده ل شريك له وعقد على ذلك الولء والبراء‪..‬‬
‫الولء لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين الموحدين‪،‬‬
‫والبراءة من الشرك والمشركين‪ ،‬وشرع الدعوة إلى التوحيد والتحذير‬
‫والبراءة من الشرك‪ ،‬وأقام من أجل ذلك سوق الجهاد في سبيل الله تعالى‪،‬‬
‫حتى ل تكون فتنة ـ أي شرك ـ ويكون الدين لله وحده ل شريك له ‪.‬‬
‫فهل واقع ما يسمى )حزب الله( وأمينه )حسن نصر الله( هو ما دعا إليه‬
‫القرآن وجاهد من أجله الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام؟!‬
‫إن الجواب على هذا السؤال يتطلب معرفة عقيدة هذا الرجل وحزبه‬
‫وانتمائهم وحقيقة أهدافهم‬
‫من هو حسن نصر الله؟‬
‫ولد حسن نصر الله في ‪ /21‬أغسطس ‪ 1960/‬في لبنان‪ .‬وسافر إلى النجف‬
‫في العراق عام ‪ 1976‬لتحصيل العلم الديني الجعفري‪ ،‬وعين مسؤول ً‬
‫سياسيا ً في حركة أمل عند إقليم البقاع‪ ،‬وعضوا ً في المكتب السياسي عام‬
‫‪ 1982‬ثم ما لبث أن انفصل عن الحركة وانضم إلى حزب الله وعين مسؤول ً‬
‫عن بيروت عام ‪ 1985‬ثم عضوا ً في القيادة المركزية وفي الهيئة التنفيذية‬
‫للحرب عام ‪ 1987‬ثم اختير أمينا ً عاما ً على إثر اغتيال المين العام السابق‬
‫عباس الموسوي عام ‪ 1992‬مكمل ً ولية سلفه‪ ،‬ثم أعيد انتخابه مرتين عام‬
‫‪ 1993‬و ‪ 1995‬م‪.‬‬
‫وردت هذه الترجمة في مقدمة حواره مع مجلة الشاهد السياسي العدد ‪147‬‬
‫في ‪ 3/1/1999‬م ]‪[3‬‬
‫ومن هذه الترجمة المختصرة للرجل يتبين لنا أنه شيعي رافضي محترق‪،‬‬
‫يدين بالمذهب الثني عشري الجعفري السائد في إيران‪ ،‬ينصره ويدعو إليه‪،‬‬
‫ولذا اشتهر )بخميني العرب( لنه يريد إقامة دولة الرفض في بلد العرب كما‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أقامها الخميني الهالك في بلد الفرس‪ ،‬يقول مفتي جبل لبنان السني‪) :‬حزب‬
‫الله بوابة إيران إلى البلدان العربية‪.‬‬
‫ويبقى التعريف بالرجل ناقصا ً حتى نعرف أصول المذهب الثني عشري‬
‫الجعفري الذي يفتخر بالنتماء إليه والجهاد من أجل التبشير به ونشره‪..‬‬
‫يقوم هذا المذهب على أصول كفرية شركية لم تعد خافية على من له أدنى‬
‫متابعة لكتب القوم في القديم والحديث‪ ،‬وكذلك من يتابع مواقعهم وما سجل‬
‫عليهم من الوثائق المسموعة والمرئية في حسينياتهم ومناسباتهم السنوية]‬
‫‪ [4‬ومن أخطر أصول هذه النحلة التي ينتمي إليها حسن نصر الله وحزبه ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬اعتقادهم العصمة في أئمتهم الثني عشر‪ ،‬وغلوهم فيهم حتى عبدوهم‬
‫من دون الله‪ ،‬وصاروا يحجون إلى قبورهم ويطوفون بها ويستغيثون بمن‬
‫فيها‪ ،‬ويعتقدون أنهم يعلمون الغيب وأن ذرات الكون خاضعة لتصرفهم كما‬
‫صرح بذلك الخميني في )الحكومة السلمية(‪.‬‬
‫‪ -2‬اعتقادهم بتحريف القرآن ونقصانه وأن القرآن الصحيح غائب مع مهديهم‬
‫المنتظر‪ ،‬وسيخرج مع خروجه وهم اليوم يقرءون القرآن الذي بين أيدي‬
‫المسلمين حتى يخرج قرآنهم وذلك بأمر من علمائهم وآياتهم‪.‬‬
‫وقد يقول قائل ‪ :‬إنهم ينفون ما ينسب إليهم من القول بتحريف القرآن‬
‫فنقول‪ :‬إن هذا مثبت في كتبهم والتي هي مرجعياتهم ككتاب )الكافي(‬
‫للكليني وكتاب الطبرسي )فصل الخطاب( وهما إمامان معتبران عند‬
‫الرافضة‪ ،‬فإذا كانوا ينفون ما ينسب إليهم فليصرحوا ببراءتهم ممن يقول‬
‫بتحريف القرآن الوارد في هذين الكتابين وغيرهما‪ ،‬وليحكموا بكفر من قال‬
‫بهذا‪ ..‬وهذا ما لم ولن يقولوه ‪!.‬‬
‫‪ -3‬سب الصحابة رضي الله عنهم وتكفيرهم وخاصة سادتهم وشيوخهم كأبي‬
‫بكر الصديق وعمر رضي الله عنهما وكذلك زوجات النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وعلى رأسهم الصديقة عائشة رضي الله عنها حبيبة رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬حيث أنهم يكفرونها ويقذفونها بالزنا‪ ..‬قاتلهم الله أنى‬
‫يؤفكون!‪.‬‬
‫‪ -4‬توليهم في تاريخهم القديم والحديث لليهود والنصارى ومظاهرتهم لهم‬
‫على أهل السلم‪ ،‬ومساعدة الغزاة لتمهيد الطريق لهم إلى غزو بلد‬
‫المسلمين‪ ،‬وما أخبار ابن العلقمي وممالته للتتار في غزوهم للعرق بخافية‬
‫على أحد‪ ،‬وكذلك ما قاموا ويقومون به في هذا الزمان من التعاون مع الغزاة‬
‫المريكان في احتلل العراق وأفغانستان‪ ،‬وما زالوا عيونا ً للغزاة وحماة ً لهم‬
‫ومظاهرين لهم في قتل أهل السنة وتصفيتهم‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وهذه العمال والمعتقدات النفة الذكر لم تعد سرا ً وفي طي الكتمان كما‬
‫ة سواء باعترافهم أنفسهم‪ ،‬أو‬ ‫كانوا يخفون من قبل‪ ،‬بل إنها أصبحت مفضوح ً‬
‫حصل عليه من الوثائق الدامغة التي تدمغ تقيتهم وتبين كذبهم‪ ..‬هذا واقع‬ ‫بما ُ‬
‫الشيعة الرافضة الثني عشرية التي ينتمي إليها ) حسن نصر الله وحزبه‬
‫المخذول ( فهل بقي عذر لمن انخدع واغتر بالشعارات الكاذبة التي يرفعها‬
‫هذا الرجل وحزبه؟! وأنه يدافع عن المة! ويقاتل اليهود نيابة عنها! ويضرب‬
‫عمق الدولة اليهودية! ويجاهد في سبيل الله!!‪..‬‬
‫در الله ( فإنه‬
‫إن هذا الرجل بهذه المعتقدات الشركية التآمرية لو تمكن ) ل ق ّ‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سيقيم دولة الرفض والتشيع التي تقوم على الشرك الكبر وسب الصحابة‬
‫رضي الله عنهم وتكفير أهل السنة وبالتالي استئصالهم وإبادتهم كما هو‬
‫م ل َ ي َْرقُُبوا ْ ِفيك ُ ْ‬
‫م إ ِل ّ وَل َ‬ ‫ف وَِإن ي َظ ْهَُروا عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫الحاصل في العراق اليوم‪)) :‬ك َي ْ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن(( )التوبة ‪)8 :‬‬ ‫قو َ‬‫س ُ‬‫م َفا ِ‬ ‫م وَأك ْث َُرهُ ْ‬ ‫م وَت َأَبى قُُلوب ُهُ ْ‬
‫واهِهِ ْ‬ ‫ضون َ ُ‬
‫كم ب ِأفْ َ‬ ‫ة ي ُْر ُ‬‫م ً‬
‫ذِ ّ‬
‫ومع ذلك يوجد في أبناء المسلمين من يثق به ويعول عليه ويتمنى أن‬
‫ينتصر!‪ ..‬فمتى نفيق من غفلتنا يا قوم ؟ ومتى يكون ميزاننا في الولء‬
‫والبراء والحب والبغض وفي تقويم المواقف والرجال هو كتاب ربنا عز‬
‫وجل ؟! ومتى نتخلص من موازين العواطف والشعارات الزائفة والدجل‬
‫والتلبيس ؟ ‪!..‬‬
‫الوقفة الثانية‬
‫يقول بعض الناس‪ :‬إن هذا الرجل وحزبه هو الذي ثبت اليوم أمام اليهود بعد‬
‫أن خنع الجميع دول ً وأحزابًا‪ ،‬وهو الن يلحق ضررا ً شديدا ً بالعدو باعتراف‬
‫اليهود أنفسهم‪ ،‬فكيف نعاديه وهو يضرب عدو المة ؟! أل نفرح بإلحاق‬
‫الضرر باليهود؟!‪ .‬وهذه شبهة وفتنة ل شك‪ ،‬لكنها ل تنطلي إل على من ينظر‬
‫للمر بنظرة سطحية وعاطفة متسرعة‪ ،‬متجاهل ً أصول القوم وعقائدهم‬
‫وأهدافهم‪.‬‬
‫ولتفصيل الجواب على هذه الشبهة أقول وبالله التوفيق‪:‬‬
‫ل‪ :‬إن أي ضرر يلحق باليهود في رجاله وعتاده يفرحنا بل شك‪ ،‬لكنه ل يغرنا‬ ‫أو ً‬
‫وينسينا ثوابتنا ‪ ،‬وننساق مع عواطفنا لنقول‪ :‬إن من يضرب اليهود فهو أخونا‬
‫وولينا!‪ ..‬بل نفرق بين من يجاهد في سبيل الله تعالى ويريد نشر التوحيد‬
‫والسنة كإخواننا المجاهدين في فلسطين فهذا نتوله ونفرح بنصره‪ ،‬وأما من‬
‫كان على غير التوحيد وعنده أهداف مبيتة‪ ،‬فل نتوله ول ننصره‪ ،‬وإن كنا نفرح‬
‫بضربه للعدو حتى يضعف‪ ،‬كما نفرح بضرب العدو له حتى ل يتمكن وينشر‬
‫الشرك والرفض في الرض‪ ،‬ولسان حالنا يقول‪ :‬اللهم أهلك الظالمين‬
‫بالظالمين وأخرج الموحدين من بينهم سالمين‪ ،‬وإذا قلنا‪ :‬إننا نفرح بضرب‬
‫العدو للرافضة؛ فإننا نقصد رموزهم ومواقعهم ول نقصد العامة من‬
‫المسلمين من الطفال والنساء والبرياء‪ ،‬فإن هذا يحزننا ول يفرحنا‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬هناك مؤامرة كبيرة في المنطقة ‪ ،‬ولعبة ماكرة تديرها إيران وسوريا‬
‫اللتان تدعمان )حسن نصر الله وحزبه( وهما اللتان دفعتا به لهذه المواجهة‪،‬‬
‫ومفاد هذه المؤامرة وملخصها‪)) :‬أن هناك مشروع صفوي شعوبي كبير يراد‬
‫تنفيذه في المنطقة‪ ،‬وقد بدأ يأخذ مسارا ً تنفيذيا ً متسارعا ً منذ بدء اجتياح‬
‫العراق واحتلله أمريكيا ً وصفويا ً وصهيونيًا‪ ،‬فقبل أشهر عدة ُأعلن في دمشق‬
‫عن انطلق تحالف استراتيجي إيراني سوري ضم إليه حزب الله وبعض‬
‫الفصائل الفلسطينية‪ ،‬وتتواطأ معهم الحركات الشيعية العراقية من منطلق‬
‫طائفي مذهبي‪ ،‬فتحول هذا التحالف المشبوه الجديد إلى مشروع سرطاني‬
‫شديد الخبث‪ ،‬يفوق خطره على أمتنا السلمية خطَر الكيان اليهودي نفسه‪،‬‬
‫ولكي يكون لهذا المشروع الخبيث غطاء مقبول لدى شعوب المنطقة‬
‫المسلمة‪ ،‬فل بد من تسريع خطاه وتمكينه من اللعب بعواطف الجماهير‬
‫المسلمة‪ ،‬وليس هناك أفضل من قضية فلسطين واللعب بها وعليها وفيها‬
‫حتى تتوارى خلفه النوايا الحقيقة لصحاب هذا المشروع الصفوي الخطير‬
‫الذي مر بنا أهم أصوله العتقادية الكفرية العدوانية آنفًا‪ ،‬وخلصة أهداف هذا‬
‫المشروع الخطير هو السيطرة على العالمين العربي والسلمي بدأ ً من‬
‫إخضاع منطقة الهلل الخصيب ) بلد الشام والعراق ( وذلك باجتياحها‬
‫)ديموغرافيًا( ومذهبيا ً وتبشيريا ً صفويا ً ‪..‬‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثالثًا‪ :‬أما لماذا جاءت هذه المواجهة بين )رافضة لبنان( واليهود في هذا‬
‫الوقت فلعدة اعتبارات عند القوم أهمها‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪ -1‬اشتداد عمليات التطهير الجرامي العرقي والمذهبي‪ ،‬التي تقوم بها‬


‫الميليشيات الصفوية العراقية في العراق‪ ،‬بما في ذلك عمليات إبادة وحشية‬
‫ي العراق‬‫ضد السكان الفلسطينيين‪ ،‬وعمليات تهجير لهل السنة من جنوب ّ‬
‫)البصرة لم يبق فيها إل ‪ %7‬من أهل السنة بينما كانوا أكثرية منذ عشرات‬
‫السنين‪ ،‬ونسبتهم كانت ‪ %40‬قبيل الحتلل المريكي( !‪ ..‬فضل ً عن انكشاف‬
‫زيف شعارات الرئيس اليراني )نجاد( الداعية لزالة إسرائيل من الوجود !‪..‬‬
‫وجهاد الشيطان الكبر )أمريكا( !! في الوقت الذي أثبت أهل السنة أنهم هم‬
‫المجاهدون الصادقون الذين يقاومون الغزاة في أفغانستان والعراق‬
‫والشيشان‪ ،‬وكذلك المقاومة الفلسطينية وهي سنية بطبيعة الحال خطفت‬
‫الضواء بأنها الوحيدة في ساحة الصدام مع الكيان الصهيوني‪ ،‬وذلك بعد‬
‫عملية )الوهم المتبدد( وخلل عدوان )أمطار الصيف(‪ ..‬إذ وصل الكيان‬
‫الصهيوني إلى طريق مسدود لتحقيق أهدافه ضد الشعب الفلسطيني‬
‫وفصائله المقاومة!‪ ..‬وهذا كله أدى إلى فضح الرافضة الصفويين وأنهم عملء‬
‫للغزاة المحتلين وخطف الضواء عنهم‪ ،‬فكان ل بد من عمل يعيد لهم‬
‫اعتبارهم ويغطي على فضائحهم‪.‬‬
‫‪ -2‬انكشاف تواطؤ حزب الله ضمن تواطؤ حليفه اليراني‪ ..‬مع الحتلل‬
‫الميركي ضد المقاومة العراقية ودخول الحزب في لعبة تشجيع الميليشيات‬
‫الصفوية العراقية وتدريبها‪ ،‬وهي نفس الميليشيات التي تقوم بعمليات إبادة‬
‫الفلسطينيين وأهل السنة في العراق ‪!..‬‬
‫ً‬
‫‪ -3‬بداية انتكاسات لحملت التشييع في سورية ولبنان‪ ،‬انعكاسا لنكشاف‬
‫مواقف أركان الحلف الصفوي الشعوبي الداعم للصهاينة وللحتلل الميركي‬
‫المرفوض شعبيًا‪ ..‬ثم بروز بوادر الصطدام على النفوذ بين المشروعين‪:‬‬
‫الميركي‪ ،‬والفارسي الصفوي‪ ..‬في العراق ‪!..‬‬
‫لذا كان ل بد من فعل يحرف الضواء والنظار عما يجري في العراق بحق‬
‫أهل السنة والفلسطينيين على أيدي الصفويين الشعوبيين‪ ،‬ول بد من خطف‬
‫الضواء من المقاومة الفلسطينية السنية التي كشفت عجز الجيش‬
‫الصهيوني‪ ،‬ول بد من استعادة الثقة بعمليات التبشير الشيعي في المنطقة‪،‬‬
‫ول بد من إعادة العتبار لكذوبة ) نجاد ( بدعوته لزالة إسرائيل ومقاومة‬
‫الكيان الصهيوني‪ ،‬ول بد من التغطية على تواطؤ حزب الله بالعمل ضد‬
‫المقاومة العراقية‪ ،‬ول بد من خلط الوراق في لبنان لصالح الفوضى التي‬
‫هدد بنشرها رئيس النظام السوري بشار السد‪ ..‬ل بد من كل ذلك ولو على‬
‫حساب لبنان‪ ..‬كل لبنان‪ .‬الرسمي والشعبي‪ ..‬ولو أدى العبث واللعب إلى‬
‫تدميره ‪!..‬‬
‫فلذلك‪ ..‬ولتحقيق كل هذه الهداف‪ ..‬قام حزب الله ـ ثالث ثالوث المشروع‬
‫الصفوي الفارسي بعمليته أو مغامرته الخيرة ضد الكيان الصهيوني!‪..‬‬
‫هل نحن ضد عملية تنال من العدو الصهيوني؟!‪ ..‬ل‪ ..‬مطلقًا‪ ،‬نحن نفرح بكل‬
‫عمل يؤذي الكيان الصهيوني الغاصب ويضعفه ويضع من هيبته!‪ ..‬لكننا ل‬
‫نقبل أن ُنخدع ول نقبل أن تندرج هذه العملية في مسلسل تحقيق أهداف‬
‫المشروع الخطر من المشروع الصهيوني في بلدنا‪ ،‬ول نقبل أن يتاجر‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القائمون بهذه العملية بقضية فلسطين‪ ،‬في نفس الوقت الذي يذبحون فيه‬
‫الفلسطينين ويستبيحون أرواحهم ودماءهم وأعراضهم وأموالهم في بغداد‪..‬‬
‫ول نقبل مطلقا ً أن يعبث الصفويون بأمن سورية ولبنان في سبيل تحقيق‬
‫أهدافهم الدنيئة‪ ..‬ول نقبل أبدا ً أن يتم تدمير لبنان وتقتيل أبنائه وأطفاله‬
‫ونسائه‪ ،‬بتحريض واستفزاز يمارسه أصحاب المشروع الصفوي الفارسي‬
‫وينفذه أصحاب المشروع الصهيوني‪ ..‬ول نقبل أن يقوم الصفويون الجدد‬
‫بالترويج لنفسهم زورا ً وتزييفًا‪ ،‬بأنهم أصحاب مشروع مقاوم‪ ،‬بينما هم‬
‫يمالئون المشروعين الميركي والصهيوني على رؤوس الشهاد وفي وضح‬
‫النهار‪ ..‬ول نقبل في أي وقت من الوقات أن تنحرف النظار عن جرائم‬
‫الصفويين بحق أهلنا وشعبنا المسلم في العراق‪ ..‬ول نقبل أن تستخدم مثل‬
‫هذه العمليات المشبوهة‪ ،‬في كسب الوقت لبناء القنبلة النووية اليرانية‬
‫الصفوية‪ ،‬التي ستستخدم لخدمة المشروع الشرير ضد العرب والمسلمين‪،‬‬
‫وضد أوطانهم وثرواتهم وأموالهم وأعراضهم!‪..‬‬
‫فتشوا في أوراق التاريخ كله‪ ،‬فلن تجدوا ما يفيد بأن إيران الفارسية قد‬
‫دخلت حربا ً أو معركة مع الصهاينة‪ ..‬أو حتى مع )الشيطان الكبر( أميركة؟!‪..‬‬
‫لن تجدوا في التاريخ حرفا ً واحدا ً يفيد ذلك‪ ،‬بل سنجد أن إيران التي افتضح‬
‫أمرها باستيراد السلح الصهيوني والميركي أثناء الحرب مع العراق )فضيحة‬
‫إيران غيت(‪ ..‬هي نفسها إيران التي تقود الحلف الصفوي التوسعي‬
‫الستيطاني التبشيري الجديد‪ ،‬وهي نفسها إيران التي تمالئ أميركة وتعينها‬
‫على استمرار احتلل العراق‪ ،‬وهي نفسها التي تستخدم حزب الله في‬
‫استجرار تدمير لبنان وتهديد أمنه واستقراره‪ ،‬وهي نفسها التي ما تزال عينها‬
‫على الخليج العربي‪ ،‬وهي نفسها التي تحتل الجزر الماراتية العربية الثلث‪،‬‬
‫وهي نفسها التي تحول الحركات الفلسطينية إلى ورقة ولعبة تلعبها متى‬
‫أرادت على حساب أمن المنطقة العربية والسلمية كلها!‪[5]..‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫الوقفة الثالثة‬
‫وأخصص هذه الوقفة بما ندفع به الحباط واليأس عن نفوسنا وعن‬
‫المسلمين‪ ،‬وذلك بالقول بأنه وإن كانت الحداث موجعة ومدلهمة لكن لعلها‬
‫مؤذنة بانبلج الصبح‪ ،‬وذلك لما نشهده من انفضاح مستمر ومتزايد لسبيل‬
‫المجرمين والمنافقين‪ ،‬وبيان لموقف الموحدين وثباتهم وصدقهم‪ ،‬وهذا أمر‬
‫حتمي يسبق نزول نصر الله تعالى‪ ..‬أي أن محق الكافرين وتمكين المؤمنين‬
‫الصادقين؛ ل بد أن يسبقه فترة ابتلء وتمحيص يتميز فيها المؤمنون‬
‫الصادقون عن الكافرين والمنافقين ومن في قلبه مرض‪ ،‬ليهلك من هلك عن‬
‫بينة ويحيى من حي عن بينة‪ ،‬وهذا هو الذي يحدث الن وقبل هذا التميز ل‬
‫ينزل نصر الله عز وجل‪.‬‬
‫وشيء آخر يبث المل في النفوس ول يجعلها في رعب وخوف من‬
‫َ‬ ‫قو َ‬
‫م‬
‫والهُ ْ‬ ‫م َ‬‫نأ ْ‬ ‫فُروا ْ ُينفِ ُ َ‬‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫المجرمين وكيدهم أل وهو قوله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن َوال ِ‬ ‫َ‬ ‫سَرةً ث ُ ّ‬
‫م ي ُغْلُبو َ‬ ‫ح ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن عَلي ْهِ ْ‬ ‫كو ُ‬ ‫م تَ ُ‬
‫قون ََها ث ُ ّ‬ ‫ل الل ّهِ فَ َ‬
‫سُينفِ ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫عن َ‬ ‫دوا ْ َ‬‫ص ّ‬
‫ل ِي َ ُ‬
‫ن{ النفال)‪.(36‬‬ ‫شُرو َ‬‫ح َ‬ ‫م يُ ْ‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫فُروا إ ِلى َ‬ ‫كَ َ‬
‫ولعل في هذه الحداث التي أراد الرافضة أن تخدم مشروعهم الصفوي‬
‫التوسعي في المنطقة أن ينقلب المر عليهم‪ ،‬وتكون بداية النهاية لهم‬
‫والسحق لمشروعهم الجرامي الكبير‪ ،‬وسنة الله عز وجل أن البقاء للحق‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حقّ عََلى ال َْباط ِ ِ‬


‫ل‬ ‫ف ِبال ْ َ‬ ‫قذ ِ ُ‬ ‫ل نَ ْ‬‫وأهله‪ ،‬والباطل ذاهب زاهق‪ ،‬قال سبحانه‪} :‬ب َ ْ‬
‫ن{ ))النبياء‪((18 :‬‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ما ت َ ِ‬‫م ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ال ْوَي ْ ُ‬‫ه فَإ َِذا هُوَ َزاهِقٌ وَل َك ُ ُ‬ ‫فَي َد ْ َ‬
‫مغُ ُ‬
‫َ‬ ‫حقّ َوال َْباط ِ َ‬
‫فاء‬ ‫ج َ‬
‫ب ُ‬ ‫ما الّزب َد ُ فَي َذ ْهَ ُ‬ ‫ل فَأ ّ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضرِ ُ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫وقال سبحانه‪} :‬ك َذ َل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل{ الرعد )‬ ‫مَثا َ‬ ‫ه ال ْ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضرِ ُ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫ض ك َذ َل ِ َ‬‫ث ِفي الْر ِ‬ ‫مك ُ ُ‬ ‫س فَي َ ْ‬ ‫فعُ الّنا َ‬
‫ما َين َ‬‫ما َ‬ ‫وَأ ّ‬
‫‪(17‬‬
‫نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهل الحق وأنصاره وأن يبرم لهذه المة‬
‫أمر رشد يعز فيه وليه ويذل فيه عدوه ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن‬
‫المنكر والحمد لله رب العالمين ‪.‬‬
‫‪-----‬‬
‫)‪(1‬أخرجه مالك في الموطأ في القدر باب النهي عن القول بالقدر بلغا ً‬
‫وقال الرناؤوط في جامع الصول ‪ 277/ 1‬لكن يشهد له حديث ابن عباس‬
‫عند الحاكم ‪ 1/93‬بسند حسن فيتقوى به‬
‫)‪ (2‬رواه ابن ماجه ) ‪ ( 4036‬وصححه اللباني في صحيح ابن ماجه )‬
‫‪.( 3261‬‬
‫)‪ (3‬انظر لمعرفة المزيد عن ) حزب الله ( كتاب‪ ) :‬حزب الله رؤية مغايرة (‬
‫للستاذ‪ :‬عبد المنعم شفيق‪.‬‬
‫)‪ (4‬انظر موقع ) البينة ( في الشبكة العنكبوتية لترى الدلة والوثائق الدامغة‬
‫على أصولهم الشركية وتكفيرهم وسبهم للصحابة رضي الله عنهم‪.‬‬
‫)‪ (5‬نقل ً عن المقال الرائع )تعانق المشروعين المريكي والصفوي في‬
‫العراق والمنطقة وأهداف حزب الله( د‪ .‬محمد بسام يوسف باختصار‬
‫وتصرف يسير في ‪21/6/1427‬هـ‬

‫)‪(5 /‬‬

‫احذروا ستار أكاديمي وأخواتها‪...‬‬


‫الشيخ محمد الهدار ـ صحيفة أخبار بنغازي ‪ /‬الشبكة‬
‫عزيزي القارئ إن من المجمع عليه والمعلوم من الدين بالضرورة ‪ ،‬ومن‬
‫الثوابت التي لم يختلف عليها اثنان‪ ،‬أن الزنا محرم تحريما ً قطعيا ً ‪ ،‬إلى يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬بل كل ما من شأنه أن يؤدي إلى الوقوع في هذه الجريمة المدمرة‬
‫ة‬
‫للنسانية هو الخر محرم ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ ) :‬ول تقربوا الزنا إنه كان فاحش ً‬
‫وساء سبيل ) ‪ ،‬قال ابن كثير رحمه الله ‪ ) :‬يقول تعالى ناهيا عباده عن الزنا‬
‫ة(‬
‫وعن مقاربته ‪ ،‬ومخالطة أسبابه ودواعيه ) ول تقربوا الزنا إنه كان فاحش ً‬
‫أي ذنبا ً عظيما ً ( وساء سبيل ( ‪ ،‬أي وبئس طريقا ً ومسلكا ً ‪ .‬وجاء في التحرير‬
‫والتنوير لبن عاشور ‪ ) :‬والقرب المنهي عنه هو أقل الملبسة ‪ .‬وهو كناية‬
‫عن شدة النهي عن ملبسة الزنا ( ‪.‬‬
‫وقال السعدي في تفسيره ‪ ) :‬والنهي عن قربانه – أي الزنا – أبلغ من النهي‬
‫عن مجرد فعله ‪ ،‬لن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه ‪ ،‬فإن‬
‫) من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ( خصوصا ً هذا المر الذي في كثير‬
‫من النفوس أقوى داٍع إليه ( ‪ ،‬قلت ومما يؤكد ما سبق من التفسير ما جاء‬
‫في الصحيحين ومسند المام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‬
‫) إن الله تعالى كتب على ابن آدم حظه من الزنا ‪ ،‬أدرك ذلك ل محالة ‪ ،‬فزنا‬
‫العينين النظر ‪ ،‬وزنا اللسان النطق ‪ ،‬والنفس تمني وتشتهي ‪ ،‬والفرج يصدق‬
‫ذلك أو يكذبه ( ‪ ،‬وقال الصحابي الجليل ابن مسعود رضي الله عنه‪،‬‬
‫ومسروق والشعبي رحمهما الله قالوا ‪ ) :‬زنا العينين النظر‪ ،‬وزنا الشفتين‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التقبيل‪ ،‬وزنا اليدين البطش‪ ،‬وزنا الرجلين المشي ‪ ،‬ويصدق ذلك الفرج أو‬
‫يكذبه ‪ ،‬فإن تقدم بفرجه كان زانيا ‪ ،‬وإل فهو اللمم ( ‪ ،‬ومعنى إن تقدم بفرجه‬
‫كان زانيا ً المقصود به الزنا الذي يوجب الحد الشرعي ‪ ،‬ويجب منه الغسل ‪،‬‬
‫ومعنى وإل فهو اللمم ‪ ،‬أي الذنب الذي ل يوجب حدا ً شرعيا ً في الدنيا ‪،‬‬
‫وتكفره التوبة وبعض العبادات ‪ ،‬وقد يوجب الغسل الشرعي إن ترتب على‬
‫فعله خروج المني ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫عزيزي القارئ ‪ :‬الفساد في الرض إجرام ‪ ،‬نهى عنه ربنا جل وعل ‪ ،‬وتتابعت‬
‫رسل الله وأنبياؤه ينهون عن الفساد في الرض ‪ ،‬والقرآن الكريم توجد به‬
‫الكثير من اليات التي تنهى عن الفساد في الرض ‪ ،‬منها على سبيل المثال ‪،‬‬
‫قوله تعالى ‪ ) :‬وابتغ فيما آتاك الله الدار الخرة ول تنس نصيبك من الدنيا‬
‫وأحسن كما أحسن الله إليك ول تبغ الفساد في الرض إن الله ل يحب‬
‫المفسدين ( ‪ ،‬والزنا من أشد أنواع الفساد ‪ ،‬وهو خلق يدل على الخسة‬
‫واللؤم ‪ ،‬وصاحبه من الممقوتين عند الله سبحانه ‪ ،‬والفساد بصفة عامة من‬
‫أخلق أعداء الله اليهود الذين قال الله عنهم ) ويسعون في الرض فسادا‬
‫والله ل يحب المفسدين ( ‪ ،‬وإن من أخطر معاول المفسدين في هذه الزمنة‬
‫العلم عموما ً ‪ ،‬وأخص من هذا العموم العلم المرئي المتمثل في القنوات‬
‫الفضائية‪ ،‬و ) النترنت ( ‪ ،‬حيث توجد العديد من القنوات والمواقع الباحية‬
‫وشبهها ‪ ،‬كقناة )ستار أكاديمي ( ‪ ،‬وأخواتها ‪ ،‬هذه القنوات الملعونة التي‬
‫تصرف عليها مليين الدولرات أسست من أجل تعليم أولدنا وبناتنا كيفية‬
‫ممارسة الدعارة والمجون ‪ ،‬ومحاولة إمالتهم للباطل عن طريق تزيينه‬
‫وإظهاره في ثوب الحرية الشخصية ‪ ،‬وفي ثوب الفن ‪ ،‬نعم يريدون أن يميل‬
‫أولدنا إلى باطلهم ميل ً عظيما ً ‪ ،‬كما قال سبحانه ‪ ) :‬والله يريد أن يتوب‬
‫عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميل ً عظيما ً ( ‪ ،‬ميل ً عظيما ً عبر‬
‫برامج تسحق الفضيلة ‪ ،‬وتزين الرذيلة ‪ ،‬وتنسف الخلق والقيم ‪ ،‬وإن قناة‬
‫)ستار أكاديمي ( برامجها كلها تساهم وتساعد على نزع الحياء لدى البنات‬
‫والولد ‪ ،‬إذ أنها تقوم بإغراء الجميع على فعل الفاحشة ‪ ،‬عن طريق‬
‫استدراجهم وتعويدهم على الختلط المريب ‪ ،‬الذي ل حياء فيه ‪ ،‬وعن طريق‬
‫إغرائهم بالغاني الماجنة مع الرقص على أنغام الموسيقى ‪ ،‬وكذلك دعوتهم‬
‫إلى تبادل الحاديث الغرامية ‪ ،‬في جلسات إغرائية تعرض فيها مفاتن‬
‫أجسامهم عن طريق اللباس المغلظ للعورات ‪ ،‬وغير الساتر لها ‪ ،‬وكذلك‬
‫تعويدهم على التفكير في الجنس وما يتعلق به ‪ ،‬من خلل تعليمهم كيفية‬
‫التفكير في ذلك أثناء وجودهم على أسرة النوم في الغرف المراقبة‬
‫بالكاميرات ‪ ،‬وهلم جرا من ألوان وأنواع الفساد الذي يهدم الخلق من‬
‫أساسها ‪ ،‬ويجرئ على فعل الفاحشة بسهولة ويسر ‪ ،‬ول يشك عاقل أن وراء‬
‫هذه القنوات ‪ ،‬أعداء السلم ‪ ،‬من يهود ونصارى ومستشرقين وعلمانيين‬
‫منبهرين بحاضرتهم ‪ ،‬انبهارا جعلهم يقبلونها بغثها وسمينها ‪ ،‬وصالحها وطالحها‬
‫‪ ،‬وهذا انسلخ ومسخ خطير ‪ ،‬لنه بعبارة أوضح قضاء على المة وإنهاء لها ‪،‬‬
‫وليتهم عندما انبهروا ميزوا ‪ ،‬فأخذوا السمين الصالح ‪ ،‬وتركوا الغث الطالح ‪،‬‬
‫وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال كما جاء في الصحيحين‬
‫) لتتبعن سنن من كان قبلكم ‪ ،‬حذوا القذة بالقذة ‪ ،‬شبرا ً بشر وذراعا ً بذراع ‪،‬‬
‫حتى ولو دخلوا جحر ضب لدخلتموه (‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال أحد الباحثين ) إن هذه الحرب العلمية غير الخلقية التي تشنها‬
‫الفضائيات العربية على المشاهد العربي المسلم ‪ ،‬في عمقه الفكري‬
‫والخلقي بدأت تأخذ منحى نوعيا ً لم يكن أشد المحذرين منها ومن خطورتها‬
‫يتوقعه ‪ ،‬يتصل هذا التحول بالخلفيات والسس التي تنطلق منها هذه الحرب‬
‫الضروس ‪ ،‬خاصة في جانبها الخلقي ‪ ،‬فلم تعد مظاهر الغواية والعري‬
‫والفحش والغناء الماجن والختلءات الثمة والمشاهد الفضائحية إلى آخر‬
‫العبث الخلقي ‪ ،‬لم تعد تعرض في سياق العتراف بمخالفتها الرعية‬
‫الخلقية والتربوية ‪ ،‬وإنما باتت تعرض في سياق عكسي تماما ً ‪ ،‬وهو سياق‬
‫التسويغ والتبرير ( ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذا التسويغ والتبرير وإن كان بأسلوب جديد في أدواته وصورته ‪ ،‬إل‬
‫أنه من حيث الحقيقة فتنة خطيرة لكل مؤمن ومؤمنة وخصوصا ً الشباب‬
‫المراهق ‪ ،‬وكل مشارك في هذه الفتنة عليه أن يتوب إلى الله قبل أن يقع‬
‫في عذاب جهنم وعذاب الحريق ‪ ،‬قال عز من قائل ) إن الذين فتنوا‬
‫المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق ( ‪.‬‬
‫أيها القارئ الكريم ‪ :‬إن دور هذه القنوات يعتبر كدور الوسيط أو الوسيطة‬
‫بين الزاني والزانية ‪ ،‬و لأظنكم تجهلون اسمه ‪ ،‬فكان الحرى أن تسمى هذه‬
‫القنوات بالسم الذي يتكون من الحروف التية ‪ ) :‬ألف ولم وقاف مفتوحة‬
‫ثم واو مشددة ومفتوحة وألف بعدها ثم دال مفتوحة وتاء مربوطة ( ‪،‬‬
‫سامحوني أن طرقت أسماعكم بهذه الكلمة لكنها الحقيقة التي يجب‬
‫إيضاحها ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فاحرصوا على مراقبة أولدكم وبناتكم من مثل هذه القنوات ‪ ،‬بل قوموا‬
‫بإلغائها من أجهزتكم المرئية ‪ ،‬واعلموا أن البيت الذي توجد فيه هذه القنوات‬
‫ل بركة فيه ‪ ،‬فعلموا من هم تحت وليتكم خطورة هذه القنوات ‪ ،‬وحرضوهم‬
‫على خوف الله وتقواه ‪ ،‬ورغبوهم في الصلة وذكر الله وتلوة القرآن الكريم‬
‫‪ ،‬بل وجهوهم ذكورا ً وإناثا ً إلى مراكز تحفيظ القرآن ‪ ،‬وهي بحمد الله‬
‫منتشرة في هذه البلد ‪ ،‬وموجودة في كل مسجد تقريبا ً ‪ ،‬وعليكم أن تثقفوا‬
‫أولدكم بالثقافة السلمية عامة ‪ ،‬بينوا لهم مخططات أعداء السلم ‪ ،‬وبينوا‬
‫لهم خطورة الغزو الثقافي ‪ ،‬ول تتركوهم همل ً من دون رقابة ول مناصحة ‪،‬‬
‫ورغبوهم في الزواج وأعينوهم عليه ‪ ،‬واعلموا أن رسولكم صلى الله عليه‬
‫وسلم قال ) إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إل تفعلوا تكن فتنة‬
‫في الرض وفساد كبير ( ‪ ،‬ول تغالوا في المهور ‪ ،‬وإياكم والسراف والتبذير‬
‫في الزواج‪ ،‬فيسروا هذه المور ول تعسروها‪ ،‬ومن ل يستطيع الزواج فرغبوه‬
‫بترغيب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال ) يا معشر الشباب من‬
‫استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ‪ ،‬ومن لم‬
‫يستطع فعليه بالصوم ‪ ،‬فإنه له وجاء ( ‪ ،‬أي وقاية‪.‬‬
‫وينبغي أن تتكاتف الجهود لمواجهة أخطار هذه القنوات‪ ،‬فعلى المحاضرين‬
‫في الجامعات أن يقوموا بدورهم‪ ،‬وعلى المدرسين والمدرسات في‬
‫المدارس الثانوية والمعاهد أن يقوموا بدورهم‪ ،‬وعلى الخطباء والوعاظ في‬
‫المساجد أن يقوموا بدورهم ‪ ،‬وعلى العلميين في وسائل العلم المرئي‬
‫والمسموع والمكتوب أن يقوموا بدورهم ‪ ،‬وعلى الباء والمهات في البيوت‬
‫أن يقوموا بدورهم ‪ ،‬لن أبناءنا وبناتنا هم عماد الوطن والمة ‪ ،‬وهم أول ً‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وآخرا ً أمانة في أعناقنا ‪ ،‬وإننا لمسؤولون عنها يوم القيامة أمام الله ‪ ،‬يوم ل‬
‫ينفع مال ول بنون إل من أتى الله بقلب سليم ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫احذروا الحاضر المقلد!‬


‫ناصح أمين المانسهري‬
‫في سن مبكرة يكون الطفل على استعداد لتقليد أبويه أو إخوته‪ ،‬وتقمص‬
‫شخصيتهم‪ ،‬إذ إن الفترة التي يقضيها في هذه السن وسط أسرته تخوله فهم‬
‫أشياء والقدرة على ترديد بعض الكلمات‪ ،‬مما يسهل عليه نطقها‪ ،‬كما‬
‫يستطيع تقليد بعض حركات الكبار‪ ،‬وفي الغالب تبدو السنة الثالثة من عمر‬
‫الطفل مناسبة للتقليد‪ ،‬وفهم بعض الكلمات‪ ،‬بل والتمييز بين الشياء‬
‫والمعانى‪ ،‬المر الذي يسهل على الطفل تقليد كل ما يراه مما يروق له أو‬
‫يستحسنه‪ ،‬ول بد له في هذا التقليد أن يكون ناقل ً بصدق ومقلدا ً بانفعال‪.‬‬
‫ومن هنا تكون عملية التقليد مقيدة بما يراه ويسمعه‪ ،‬إن صدقا ً أو كذبًا‪ ،‬إن‬
‫خيرا ً أو شرًا‪ ،‬فهو ل يملك قدرة الختيار بين ما هو صدق‪ ،‬من أقوال الخرين‬
‫أو كذب‪ ،‬كما أنه ل يستطيع التمييز بين ما هو خير أو شر‪ ،‬بل يبدو منفعل ً بما‬
‫يرى ويبصر‪ .‬والسرة كلها في هذه الحالة المبكرة لبد أن تلحظ في طفلها‬
‫هذا التطور وعليها بالتالي أن تحسن التعامل معه‪ ،‬بحيث ل تلقي إليه من‬
‫التوجيهات إل ما هو طيب‪ ،‬وأل تعمل معه أو بحضوره إل الحسن من القول‬
‫والسلوك‪ ،‬فهو وإن كان ل يدرك الحقيقة الكاملة لما يسمع او يبصر أو يفعل‪،‬‬
‫إل أنه شديد الحساسية والتأثر قوي الذاكرة والتسجيل لما يدور حوله‪.‬‬
‫ذاكرة الطفل تبدأ في التقبل والتسجيل مبكرًا‪ ،‬ولذلك يحثنا التوجيه النبوي‬
‫الكريم على إسماع الوليد منذ يومه الول صيغة الذان بصوت رقيق‪ ،‬لتكون‬
‫صيغة الشهادة هذه على رأس القائمة في شريط ذاكرة الطفل‪ ،‬ولتكون له‬
‫حصنا ً من الزيغ وخواطر الشر والضلل في أيامه المقبلة ووسط معترك‬
‫الحياة العامة‪ .‬إن ذاكرة الطفل تنمو وهي مستعدة كالشريط الفارغ لقبول‬
‫ما ينقل إليه وحفظ ما يدس فيه‪ ،‬وقد يصاحب الصوت والصورة طعم أو‬
‫رائحة‪ ،‬وكثير من الناس أدركوا بالتجربة أن كثيرا ً من الماكن والصور ارتبط‬
‫في أذهانهم بروائح وطعوم محددة‪ ،‬ولعل المثل العربي السائر "الحفظ في‬
‫الصغر كالنقش على الحجر" خير دليل على ما سطرناه‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬ل بد في السن المبكرة للطفل من تقدير واحتساب ما يقال أو يعرض‬
‫لدى الطفال باعتبارهم شركاء في الجلسات يقوون على فهم بعض ما يدور‬
‫ن‪.‬‬
‫وإدراك ما يطرح من صور أو معا ٍ‬
‫إن عين الطفل تبصر الشياء تماما ً كما يبصرها الكبار‪ ،‬وتسجلها كما يسجلها‬
‫الكبار‪ ،‬غير أن الختلف يبدو في فهم معاني الصورة القريبة والبعيدة‪،‬‬
‫فالطفل ل يملك قدرة الدراك وسعة الحاطة كما يملكها الكبار‪ ،‬لكنه يسجلها‬
‫ويحتفظ بها مخزنة إلى وقت الحاجة حتى يعطيها أبعادها ومعانيها الخاصة‪.‬‬
‫إن رصيد الطفولة من الصوات والصور والروائح يتراكم في الذاكرة‪،‬‬
‫فالكلمات التي انتقشت في الصفحة النظيفة لن تتلشى بسهولة‪ ،‬ولن تغادر‬
‫الذاكرة بالسرعة المتوقعة‪ ،‬بل تتفاعل مع المستجد من الصور والمعاني‬
‫وهي ترتقي وتتطور مع اليام ومع حصيلة التعليم وازدياد الثقافة‪.‬‬
‫أطفالنا مرآة عاكسة لما نبديه نحن الكبار في حياتنا من أقوال وأفعال‬
‫نشركهم بطريقة أو بأخرى في سماعها والتعامل معها‪ ،‬فالباء يرون نتيجة‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذه الشراكة وتأثير أقوالهم وأفعالهم في حياة أطفالهم‪ ،‬وقد يعجبهم هذا‬
‫التأثر وهذا النفعال فيبدون لطفالهم مشاعر العجاب بهذه الكلمة التي‬
‫حفظها الطفل واستطاع ترديدها بطريقة "طفلية" ولحن مميز يثير الضحك‬
‫والسرور في نفوس السامعين!‬
‫والكل يعلم ما لدى الطفل من قدرة مبكرة على النفعال بما يرى ويسمع‪،‬‬
‫ومع ذلك يغفل كثير من الباء والمهات عن أهمية وضرورة تحديد ما يجب أن‬
‫يسمع الطفل ويشهد‪.‬‬
‫إنهم يغفلون عن ضرورة حماية الطفل من الكلمة السيئة والفعل المشين‪،‬‬
‫وينسون أهمية هذه الحماية في صناعة الطفل وتوجيهه تربويا ً الوجهة‬
‫السليمة الطيبة‪ ،‬متعذرين بأنه طفل وعندما يكبر سوف يعلم ويدرك الخير‬
‫والشر‪ ،‬وأن أيام طفولته يجب أن يعيشها كما يجب وكيفما اتفق!!‬
‫هناك حدود مميزة توضح الصحيح من الخطأ‪ ،‬وتميز بين الخير والشر‪ ،‬بين ما‬
‫هو مناسب ومقبول‪ ،‬وما هو غير مناسب ومرفوض‪ ،‬هذه الحدود والفواصل‬
‫هي ما يجب أن يحرص الباء والمهات على توضيحه لطفالهم لتنطبع في‬
‫الذاكرة كفكرة‪ ،‬وتصاحب الفعل كعمل معروف غير منكر‪<=.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫احذروا السحر والسحرة‬


‫احذروا السحر والسحرة‬
‫والرد على من زعم أن معية الله للخلق ذاتية‬
‫بقلم فضيلة الشيخ‪/‬‬
‫ناصر بن سليمان العلوان‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله وحده والسلم على من لنبي بعده‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬فإن خير الجهاد وأفضله القيام على أعداء الدين والوقوف في‬
‫نحورهم كالسحرة والكهان والمشعوذين فقد استطار شررهم وعظم أمرهم‬
‫وكثر خطُرهم فآذوا المؤمنين وأدخلوا الرعب على حرماتهم غير مبالين وقد‬
‫توعد الله المجرمين بسقر وما أدراك ما سقر فقد أخبر الله في كتابه العزيز‬
‫ة فََل‬ ‫أن الساحر كافر فقال‪ } :‬وما يعل ّمان م َ‬
‫ن فِت ْن َ ٌ‬
‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬‫قوَل إ ِن ّ َ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫حد ٍ َ‬‫نأ َ‬ ‫َ َ َُ َ ِ ِ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ن ب ِهِ ِ‬ ‫ضاّري َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫جهِ وَ َ‬ ‫مْرِء وََزوْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫ن ب ِهِ ب َي ْ َ‬‫فّرُقو َ‬‫ما ي ُ َ‬
‫ما َ‬ ‫من ْهُ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مو َ‬‫فْر فَي َت َعَل ّ ُ‬ ‫ت َك ْ ُ‬
‫َ‬
‫ما‬
‫شت ََراه ُ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ْ‬ ‫موا ل َ َ‬ ‫قد ْ عَل ِ ُ‬ ‫م وَل َ َ‬ ‫م وََل َين َ‬
‫فعُهُ ْ‬ ‫ضّرهُ ْ‬ ‫ما ي َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن الل ّهِ وَي َت َعَل ّ ُ‬‫حد ٍ إ ِّل ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫أ َ‬
‫ق{‪.‬‬ ‫خَل ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫خَرةِ ِ‬ ‫ه ِفي اْل ِ‬ ‫لَ ُ‬
‫وإلى كفر الساحر وخروجه من الدين ودخوله في سلك أصحاب الجحيم ذهب‬
‫جماهير العلماء من فقهاء الحنفية والمالكية والحنابلة وقد ذكر الشيخ محمد‬
‫بن عبد الوهاب – رحمه الله – أن السحر أحد نواقض السلم وقال‪ :‬ومنه‬
‫الصرف والعطف‪.‬‬
‫والصرف عمل السحر لصرف من يحب إلى بغضه‪ .‬والعطف عمل السحر‬
‫لعطف من يبغض إلى حبه من زوج وغيره ويسمية أهل الفجور دواء الحب‬
‫وهو في الحقيقة الهلك والعطب‪.‬‬
‫فالحذر الحذر من السحرة والكهان والمنجمين والعرافين وأهل لشعوذة‬
‫المخالفين لما بعث الله به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم يفسدون‬
‫ول يصلحون ويضرون ول ينفعون‪.‬‬
‫ومن ثم اتفق الصحابة رضي الله عنهم على قتل الساحر والساحرة لعظم‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شرهم وكثرة خطرهم وُبعدهم عن اليمان وُقربهم من الشيطان فعند أبي‬


‫داود بسند صحيح من طريق سفيان عن عمرو بن دينار عن بجالة بن عبدة‬
‫قال جاَء نا كتاب عمر رضي الله عنه قبل موته بسنةِ )) اقتلوا كل‬
‫ساحر‪.(( ....‬‬
‫وصح عن حفصة رضي الله عنها أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها‪ .‬رواه عبد‬
‫الله بن المام أحمد من حديث ابن عمر‪.‬‬
‫دب‪.‬‬‫وصح قتل الساحر أيضا ً عن جن ُ‬
‫ول ُيعلم لهؤلء مخالف‪ ،‬فكان قتل الساحر كالجماع بين الصحابة رضي الله‬
‫عنهم وقد كثر السحر في هذا العصر وتساهل الكثير في الذهاب إليهم‬
‫وطلب الشفاء على أيديهم ويزعمون أن هذا من فعل السباب وهذا منكر‬
‫عظيم وخطر مدلهم كبير يخلخل العقائد ويزعزع اليمان‪.‬‬
‫وقد جاء في صحيح المام مسلم من طريق يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن‬
‫عمر العمري عن نافع عن صفية عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أن النبي صلى الله وسلم قال‪)) :‬من أتى عرافا ً فسأله عن شيء لم تقبل له‬
‫صلة أربعين ليلة((‪.‬‬
‫والساحر بمنزلة الكاهن فمن سأله عن شيء لم تقبل له صلة أربعين ليلة‬
‫وأما إن صدقه بما يقول فهذا كافر بما أنزل على نبينا محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم لما روى الحاكم بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬من أتى عرافا ً أو كاهنا ً فصدقة فيما‬
‫يقول فقد كفر بما ُأنزل على محمد صلى الله عليه وسلم((‪.‬‬
‫وعند البزار بسند صحيح عن أبن مسعود موقوفا ً قال‪)) :‬من أتى كاهنا ً أو‬
‫ساحرا ً فصدقة بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم((‪.‬‬
‫وأما زعم بعض الناس بأن هذا سببب فهذا غلط لن السبب غير شرعي‬
‫ومخالف للثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاء عند أبي داود بسند‬
‫حسن من طريق عقيل ابن معقل قال‪ :‬سمعت وهب بن منبه يحدث عن‬
‫سئل عن النشرة‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم ُ‬
‫)) هي من عمل الشيطان((‪.‬‬
‫والنشرة حل السحر عن المسحور فإذا كان حله عن طريق السحر فالحديث‬
‫صريح بالمنع ويالله العجب كيف يجوز حل السحر عند السحرة وقد أجمع‬
‫الصحابة رضي الله عنهم على قتلهم فالمسلم مأمور بقتل السحرة ولم يؤذن‬
‫له بالتداوي عندهم وأما إن كان حل السحر عن طريق الُرقى الشرعية بكلم‬
‫الله وكلم رسوله صلى الله عليه وسلم والدوية المعروفة فهذا مشروع‬
‫ن{‬ ‫م ْ‬‫ن{‪ .‬و } ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬‫م ٌ‬
‫ح َ‬
‫فاٌء وََر ْ‬
‫ش َ‬
‫ما هُوَ ِ‬
‫ن َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫قْرآ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫لقوله تعالى‪} :‬وَن ُن َّز ُ‬
‫ل ِ‬
‫هنا بيانية فالقرآن كله شفاء ودواء لكل داء فمن آمن به وأحل حلله وحرم‬
‫ده وإرادتهِ شفاه الله‬ ‫صد َقَ الله في قص ِ‬ ‫حرامة انتفع به انتفاعا ً كبيرا ً ومن َ‬
‫تعالى وعافاه من دائه وعلى المبتلى به ملزمة الدعاء والتضرع لرب الرض‬
‫والسماء وتحري أوقات الجابة كُثلث الليل الخر والسجود وبين الذان‬
‫والقامة فهذه الوقات أحرى في الجابة من غيرها وهذا دواء من ابُتلي‬
‫بالسحر‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صب به فعليه بالحتراز منه واتقاء شره بالذكار‬ ‫وأما من عافاه الله منه ولم ي ُ َ‬
‫المأثورة الثابته عن النبي صلى الله عليه وسلم والمحافظة عليها صباحا ً‬
‫ومساء وقراَءةِ المعوذتين وآية الكرسي دبر كل صلة وإن تيسر التصبح بسبع‬
‫تمرات من تمر العجوة فهذا سبب شرعي وحصن حصين من كل ساحر مريد‬
‫ففي الصحيحين وغيرهما من حديث عامر بن سعد عن سعد رضي الله عنه‬
‫أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪)) :‬من تصبح بسبع تمرات من تمر‬
‫سم ول سحر((‪ .‬وقد اشترط كثير من أهل العلم في التمر‬ ‫العجوة لم ُيصبه ُ‬
‫أن يكون من العجوة على ماجاء في الخبر ولكن ذهب آخرون من أهل العلم‬
‫إلى أن لفظ العجوة خرج مخرج الغالب فلو تصبح بغير تمر العجوة نفع وهذا‬
‫قول قوي وإن كنت أقول إن تمر العجوة أكثر نفعا ً وتأثيرا ً وبركة إل أن هذا ل‬
‫يمنع التأثير في غيره‪.‬‬
‫ً‬
‫والله المسئول أن ينصر دينه ويعلى كلمته وأن يبعث لدينه ناصرا يأخذ على‬
‫أيدي السحرة والكهان والمنجمين وغيرهم من المفسدين في الرض وصلى‬
‫الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‪.‬‬
‫كتب في ‪ 1417 \1\21‬هـ‬
‫آخر مراجعة في ‪1421\1\9‬هـ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫احذروا الشرك الخفي‪ :‬الرياء‬


‫الحمد لله وكفي والصلة والسلم على من اصطفي‪...‬أما بعد‪:‬‬
‫عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه‪ ،‬قال‪ :‬خرج علينا رسول الله‪ ،‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ونحن نتذاكر المسيح الدجال فقال ) أل أخبركم بما هو أخوف‬
‫عليكم عندي من المسيح الدجال؟ ( فقلنا بلى يا رسول الله ! قال ) الشرك‬
‫الخفي‪ ،‬أن يقوم الرجل فيصلي فيزين صلته لما يرى من نظر الرجل( حسن‬
‫اللباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم ‪27‬‬
‫الرياء قناع خداع يحجب وجها كالحا ونفسا لئيمة وقلبا صدئا صلدا‪ ،‬والرياء‬
‫طلء رقيق يخفي سوءات بعضها فوق بعض‪ ،‬والرياء زيف كاسد في سوق‬
‫تجارة‪ ،‬قال وهب بن منبه‪" :‬من طلب الدنيا بعمل الخرة نكس الله قلبه‬
‫وكتب اسمه في ديوان أهل النار"‪ ،‬وقال أبو العالية‪ " :‬قال لي أصحاب محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ :،‬ل تعمل لغير الله فيكلك الله إلى من عملت له"‪.‬‬
‫وقال ابن أبي مليكة‪" :‬أدركت ثلثين من أصحاب محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬كلهم يخاف على نفسه من النفاق"‪ ،‬وقال الربيع بن خثيم‪ " :‬كل ما ل‬
‫يبتغى به وجه الله يضمحل"‪ .‬وقال‪ " :‬السرائر السرائر اللتي تخفين من‬
‫الناس وهن لله تعالى بواد التمسوا دواءهن"‪.‬‬
‫ومن علم شدة حاجته إلى صافي الحسنات غدا في يوم القيامة‪ ،‬غلب على‬
‫قلبه حذر الرياء وتصحيح الخلص بعمله حتى يوافي الله تعالى يوم القيامة‬
‫علم أنه ل يخلص إلى الله جل ثناؤه إل ما خلص منه ول‬ ‫بالخالص المقبول؛ إذ ُ‬
‫يقبل يوم القيامة إل ما كان صافيا لوجهه ل تشوبه إرادة شيء بغيره‪ ،‬قال أبو‬
‫عبد الله النطاكي‪" :‬من طلب الخلص في أعماله الظاهرة وهو يلحظ‬
‫الخلق بقلبه فقد رام المحال؛ لن الخلص ماء القلب الذي به حياته والرياء‬
‫يميته"‪ ،‬وكتب يوسف بن أسباط إلى حذيفة‪" :‬إن لنا ولك من الله مقاما‬
‫يسألنا فيه عن الرمق الخفي وعن الخليل الجافي ولست آمن أن يكون فيما‬
‫يسألني ويسألك عنه وساوس الصدور ولحاظ العين وإصغاء السماع"‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اعلم أن مما يوصف به منافقو هذه المة أنهم خالطوا أهل الدين بأبدانهم‬
‫وفارقوهم بأهوائهم ولم ينتهوا عن خبيث أفعالهم‪ ،‬كثرت أعمالهم بل تصحيح‬
‫فأحرمهم الله الثمن الربيح‪ .‬والرياء مشتق من الرؤية‪ ،‬وأصله طلب المنزلة‬
‫في قلوب الناس برؤيتهم خصال الخير ويجمعه خمسة أقسام وهي جوامع ما‬
‫يتزين به العبد للناس‪:‬‬
‫‪ .1‬الرياء بالبدن‪ :‬ويكون بإظهار النحول والصفار ليوهم بذلك شدة الجتهاد‬
‫في العبادة‪ ،‬وعظم الحزن على أمر الدين‪ ،‬وغلبة خوف الخرة‪ ،‬قال الربيع‬
‫بن خثيم‪" :‬ل يغرنك كثرة ثناء الناس من نفسك فإنه خالص إليك عملك"‪.‬‬
‫وقال يحيى بن معاذ‪ " :‬ل تجعل الزهد حرفتك لتكتسب به الدنيا ولكن اجعله‬
‫عبادتك لتنال الخرة وإذا شكرك أبناء الدنيا ومدحوك فاصرف أمرهم على‬
‫الخرافات"‪.‬‬
‫‪ .2‬الرياء بالهيئة والزى‪ :‬بتشعيث شعر الرأس وإطراق الرأس في المشي‬
‫والهدوء في الحركة وإبقاء أثر السجود على الوجه‪ ،‬وتحري لبس الثياب‬
‫الخشنة أو لبس المرقعات‪ ،‬عن محمد بن عبد الله الحذاء قال‪ " :‬وقفنا‬
‫للفضيل بن عياض على باب المسجد ونحن شباب علينا الصوف فخرج علينا‬
‫فلما رآنا قال‪ :‬وددت أني لم أركم ولم تروني‪ .‬أتروني سلمت منكم أن أكون‬
‫ترسا لكم حيث راءيتكم وتراءيتم لي! لن أحلف عشرا أني مراء وأني مخادع‬
‫أحب إلي من أن أحلف أني لست كذلك"‪.‬‬
‫‪ .3‬الرياء بالقول‪ :‬كرياء أهل الدين بالوعظ والتذكير والنطق بالحكمة وحفظ‬
‫الخبار لستعمالها في المحاورة وإظهارا لغزارة العلم وتحريك الشفتين‬
‫بالذكر في محضر الناس وإظهار الغضب للمنكرات والسف على مقارفة‬
‫الناس للمعاصي‪ .‬وفي ذلك يقول مطرف رحمة الله عليه‪" :‬إن أقبح ما‬
‫طلبت به الدنيا عمل الخرة"‪.‬‬
‫‪ .4‬الرياء بالعمل كمراءاة المصلي بطول القيام والركوع والسجود وكذلك‬
‫بالصوم والغزو والحج والصدقة‬
‫‪ .5‬الرياء بالصحاب والزائرين كالذي يتكلف أن يستزير عالما أو عابدا ليقال‬
‫إن فلنا قد زار فلنا وكالذي يكثر زيارة الشيوخ ليرى أنه لقي شيوخا كثيرة‬
‫واستفاد منهم ويتباهى بشيوخه عند المخاصمة‪.‬‬
‫* وأصل الرياء حب الجاه‪ ،‬والجاه هو قيام المنزلة في قلوب الناس‪ ،‬وهو‬
‫اعتقاد القلوب نعتا من نعوت الكمال في هذا الشخص‪ ،‬إما لعلم أو عبادة أو‬
‫نسب أو قوة أو حسن منظر أو غير ذلك مما يعتقده الناس كمال‪ ،‬فبقدر ما‬
‫يعتقدون له من ذلك تذعن قلوبهم لطاعته ومدحه وخدمته وتوقيره‪.‬‬
‫ومن غلب على قلبه حب هذا صار مقصور الهم على مراعاة الخلق مشغوفا‬
‫بالتردد إليهم والمراءاة لهم‪ ،‬ول يزال في أقواله وأفعاله ملتفتا إلى ما يعظم‬
‫منزلته لديهم‪ ،‬وذلك بذر النفاق وأصل الفساد؛ لن من طلب هذه المنزلة في‬
‫قلوب العباد اضطر أن ينافقهم بإظهار ما هو خال عنه ويجر إلى المراءاة‬
‫بالعبادات واقتحام المحظورات والتوصل إلى اقتناص القلوب‬
‫وهذا باب غامض ل يعرفه إل العلماء بالله العارفون به المحبون له وإذا فصل‬
‫رجع إلى ثلثة أصول‪:‬‬
‫حب لذة الحمد‪ ،‬والفرار من الذم‪ ،‬والطمع فيما في أيدي الناس‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كتب خالد بن صفوان إلى عمر بن عبد العزيز‪" :‬يا أمير المؤمنين إن أقواما‬
‫غرهم ستر الله وفتنهم حسن الثناء فل يغلبن جهل غيرك بك علمك بنفسك‬
‫أعاذنا الله وإياك أن نكون بالستر مغرورين وبثناء الناس مسرورين وعما‬
‫افترض الله علينا متخلفين ومقصرين وإلى الهواء مائلين‪ .‬فبكى عمر ثم‬
‫قال‪ :‬أعاذنا الله وإياك من إتباع الهوى"‪.‬‬
‫* والرياء منه الجلي ومنه الخفي‬
‫فالرياء الجلي‪ :‬هو الذي يبعث على العمل ويحمل عليه‬
‫أما الرياء الخفي‪ :‬فهو الذي ل يحمل على العمل بمجرده إل أنه يخفف مشقة‬
‫العمل على النفس كالذي يعتاد التهجد كل ليلة ويثقل عليه فإذا نزل عنده‬
‫ضيف تنشط للقيام وخف عليه‪ .‬ومن الرياء الخفي كذلك أن يخفي العبد‬
‫طاعته ولكنه مع ذلك إذا رأي الناس أحب أن يبدءوه بالسلم وأن يقابلوه‬
‫بالبشاشة والتوقير وأن يثنوا عليه وأن ينشطوا في قضاء حوائجه وأن‬
‫يسامحوه في البيع والشراء وأن يوسعوا له في المكان فإن قصر مقصر ثقل‬
‫ذلك على قلبه كأنه يتقاضى الحترام على الطاعة التي أخفاها‪.‬‬
‫ومن الرياء الخفي أن النسان يذم نفسه بين الناس يريد بذلك أن يرى أنه‬
‫متواضع عند نفسه فيرتفع بذلك عندهم ويمدحونه به‪ ،‬قال مطرف ابن عبد‬
‫الله‪ " :‬كفى بالنفس إطراء أن تذمها على المل كأنك تريد بذمها زينتها وذلك‬
‫عند الله سفه"‪ .‬وقال الحسن البصري ‪ ":‬من ذم نفسه في المل فقد مدحها‬
‫وذلك من علمات الرياء"‪.‬‬
‫ل‪،‬‬ ‫ج ِ‬ ‫ر‪ ،‬ي ُؤَْتى ِبالّر ُ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ة نَ َ‬ ‫مةِ َثلث َ ُ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ل الّناَر ي َوْ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫س ي َد ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل الّنا‬ ‫م‪) :‬أ َوّ ُ‬ ‫حاك ِ ُ‬ ‫روى ال ْ َ‬
‫جاَء‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ب فَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫فَي َ ُ‬
‫ما َر َ‬ ‫عات ِهِ َ‬
‫سا َ‬ ‫ل َوالن َّهارِ أيْ َ‬ ‫ه آَناَء اللي ْ ِ‬ ‫قَرأت ُ ُ‬ ‫مت َِني الك َِتا َ‬ ‫ب عَل ْ‬ ‫ل‪َ :‬ر ّ‬
‫ل‪ ،‬اذ ْهَُبوا‬ ‫ل وَقَد ْ ِقي َ‬ ‫ص ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل‪ :‬إّنك َقارِئٌ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫صلي ل ِي ُ َ‬ ‫ّ‬ ‫ت تُ َ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫ت إن ّ َ‬ ‫ل‪ :‬ك َذ َب ْ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫واِبك‪ ،‬فَي َ ُ‬ ‫ثَ َ‬
‫م‬
‫ح َ‬ ‫ت ب ِهِ الّر ِ‬ ‫صل ُ‬ ‫ْ‬ ‫مال فَوَ َ‬ ‫ب َرَزقْت َِني َ‬ ‫ل‪َ :‬ر ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫خَر‪ ،‬فَي َ ُ‬ ‫م ي ُؤَْتى ِبآ َ‬ ‫ب ِهِ إلى الّناِر؛ ث ُ ّ‬ ‫َ‬
‫جن ِّتك‪،‬‬ ‫واِبك وَ َ‬ ‫جاَء ث َ َ‬ ‫ل َر َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ت ب ِهِ اب ْ َ‬ ‫مل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫صد ّقْ ُ‬
‫كي ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ب ِهِ عَلى ال َ‬ ‫وَت َ َ‬
‫ل‪ ،‬اذ ْهَُبوا‬ ‫قد ْ ِقي َ‬ ‫واد ٌ فَ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ح َ‬ ‫م ٌ‬ ‫س ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ل‪ :‬إن ّ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ل ل ِي ُ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫صد ّقُ وَت َ ِ‬ ‫ت ت َت َ َ‬ ‫ما كن ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ت إن ّ َ‬ ‫ل‪ :‬كذ َب ْ َ‬ ‫َ‬ ‫قا ُ‬ ‫فَي ُ َ‬
‫َ‬
‫ت ِفيك غي َْر‬ ‫ْ‬
‫قات َل ُ‬ ‫سِبيِلك فَ َ‬ ‫ت ِفي َ‬ ‫ج ُ‬ ‫خَر ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ل‪َ :‬ر ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫ث فَي َ ُ‬ ‫جاُء ِبالّثال ِ ِ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ب ِهِ إلى الّناِر‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ريٌء‬ ‫ج ِ‬ ‫ل‪ :‬إّنك َ‬ ‫قا َ‬ ‫ل ل ِي ُ َ‬ ‫قات ِ ُ‬ ‫ت تُ َ‬ ‫ُ‬
‫ما كن ْ َ‬ ‫ت إن ّ َ‬ ‫ل‪ :‬كذ َب ْ َ‬ ‫َ‬ ‫قا ُ‬ ‫َ‬
‫جن ِّتك في ُ َ‬ ‫واِبك وَ َ‬ ‫جاَء ث َ َ‬ ‫مد ْب ِرٍ َر َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫م ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م‪َ )) :‬‬ ‫ي وَأُبو ن ُعَي ْ ٍ‬ ‫قد ْ ِقيل‪ ،‬اذ ْهَُبوا ب ِهِ إلى الّناِر(‪َ .‬والطب ََران ِ ّ‬ ‫جاع ٌ ف َ‬ ‫ش َ‬ ‫وَ ُ‬
‫هّ‬
‫جعَل الل ُ‬ ‫َ‬ ‫ن ِفي الد ّن َْيا َ‬ ‫ن َذا ل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سان َي ْ ِ‬ ‫ن كا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه‪ :‬وَ َ‬ ‫ه بِ ِ‬ ‫ن ي َُراِء ي َُراِء الل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه‪ ،‬وَ َ‬ ‫ه بِ ِ‬ ‫معْ الل ُ‬ ‫س ّ‬ ‫يُ َ‬
‫ة(‪.‬‬ ‫يا‬ ‫ق‬ ‫ْ‬
‫ه ِ َ َْ ِ ِ ْ َ ٍ َ ْ َ ِ َ َ ِ‬
‫م‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫نا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫سا‬ ‫ل‬ ‫لَ ُ‬
‫** أقسام الرياء من حيث القبح‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‪:‬‬ ‫ما ِ‬ ‫لي َ‬ ‫حَها الّرَياُء ِفي ا ِ‬ ‫أ ـ أقْب َ ُ‬
‫ن‬‫وهو شأن المنافقين الذين أكثر الله من ذمهم في كتابه العزيز‪) :‬إ ّ‬
‫قين ِفي الد ّر ِ َ‬
‫ن الّناِر(‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫س َ‬ ‫ك ال ْ‬ ‫ْ‬ ‫مَنافِ ِ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ُ‬
‫ة‪:‬‬‫جب َ ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫ل ال ْعَِباَدا ِ‬ ‫صو ِ‬ ‫ن ب ِأ ُ‬ ‫مَراُءو َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ب ـ وَي َِليهِ ْ‬
‫ضا عظيم‬ ‫مة‪ ،‬وهذا أي ً‬ ‫كأن يعتاد تركها في الخلوة ويفعلها في المل خوف المذ ّ‬
‫ت‪.‬‬ ‫عند الل ّهِ تعالى لنبائه على غاية الجهل وأدائه إلى أعلى أنواع المق ِ‬
‫ل‪:‬‬ ‫وافِ ِ‬ ‫ن ِبالن ّ َ‬ ‫مَراُءو َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ج ـ وَي َِليهِ ْ‬
‫كأن يعتاد ذلك فيها وحدها خوف الستنقاص ِبعدم فعلها في المل‪ ،‬وإيثاًرا‬
‫ة‪.‬‬‫للكسل وعدم الّرغبة في ثوابها في الخلو ِ‬
‫َ‬
‫ت‪:‬‬‫ف ال ْعَِباَدا ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫ن ب ِأوْ َ‬ ‫مَراُءو َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫د ـ وَي َِليهِ ْ‬
‫شِع ِفيَها‪ ،‬والقتصار في الخلوةِ على‬ ‫كتحسِينها وإطالة أركانها‪ ،‬وإظهار الّتخ ّ‬
‫ق على‬ ‫ن فيه كالذي قبله تقديم المخلو ِ‬ ‫ّ‬ ‫ضا؛ ل ّ‬ ‫أدنى واجباتها‪ ،‬فهذا محظوٌر أي ً‬
‫ق‪.‬‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫ال َ‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت‪:‬‬
‫جا ٌ‬ ‫مَراِئي ل َ ْ‬
‫جل ِهِ د ََر َ‬ ‫‪ 4‬ـ وَل ِل ْ ُ‬
‫كن من معصيةٍ كمن يظهر الورع والّزهد حّتى يعرف‬ ‫أ ـ فأقبحها أن يقصد َ الّتم ّ‬
‫وض إليه تفرقة‬ ‫صاَيا‪ ،‬وَُتود َع َ عندهُ الموا ُ‬
‫ل‪ ،‬أو يف ّ‬ ‫ب َوالوَ َ‬ ‫به فيوّلى المناص َ‬
‫ل ذلك الخيانة فيه‪.‬‬ ‫ت وََقصده ِبك ّ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫دا لدفِع تلك‬
‫صدقة قص ً‬ ‫طاعة وال ّ‬ ‫ب ـ ويليها من يّتهم بمعصيةٍ أو خيانةٍ فيظهر ال ّ‬
‫الّتهمة‪.‬‬
‫ّ‬
‫ج ـ ويليها أن يقصد َ نيل حظ مباٍح من نحوِ مال أو نكاٍح‪ ،‬أو غيرهما من‬
‫دنيا‪.‬‬
‫ظ ال ّ‬‫ظو ِ‬ ‫ح ُ‬
‫د ـ ويليها أن يقصد بإظهار عبادته وورعه وتخشعه ونحو ذلك أن ل يحتقر‬
‫صالحين وفي الخلوة ل يفعل‬ ‫وينظر إليه ِبعين الّنقص‪ ،‬أو أن يعد ّ من جملة ال ّ‬
‫شيًئا من ذلك‪.،‬‬
‫ّ‬
‫قال الغزالي‪ :‬وجميعهم تحت مقت اللهِ تعالى وغضبه وهو من أشد ّ‬
‫المهلكات‪.‬‬
‫من مظاهر الرياء عند طلبة العلم التي ينبغي الحذر منها‪:‬‬
‫أول ً ــ الجرأة على الفتوى وتعجل التدريس‪:‬‬
‫وهذه للسف الشديد هي سمة الكثيرين من طلبة العلم من أهل هذا العصر‪.‬‬
‫قال الله تعالى‪ ) :‬آلله أذن لكم أم على الله تفترون( ] يونس‪[ 59/‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ما‬
‫قا كيف كان هؤلء الكابر أكثر الناس عل ً‬ ‫ومن تأمل سير السلف يعرف ح ً‬
‫عا‪ ،‬فكانوا يهابون مما يقتحمه المتعالمون في هذه اليام‪.‬‬
‫وور ً‬
‫قال أبو داود في مسائله‪ :‬ما أحصى ما سمعت أحمد سئل عن كثير مما فيه‬
‫الختلف في العلم فيقول ل أدري‪ .‬قال‪ :‬وسمعته يقول ما رأيت مثل ابن‬
‫عيينة في الفتوى أحسن فتيا منه‪ ،‬كان أهون عليه أن يقول ل أدري‪.‬‬
‫وقال عبد الله ابنه في مسائله سمعت أبي يقول وقال عبد الرحمن بن مهدي‬
‫سأل رجل المام مالك بن أنس عن مسألة فقال ل أدري فقال يا أبا عبد الله‬
‫تقول ل أدري قال نعم فأبلغ من ورائك أني ل أدري‪.‬‬
‫وقال عبد الله‪ :‬كنت أسمع أبي كثيًرا يسأل عن المسائل فيقول‪ :‬ل أدري‪،‬‬
‫ويقف إذا كانت مسألة فيها اختلف‪ ،‬وكثيرا ما كان يقول‪ :‬سل غيري فإن قيل‬
‫له من نسأل قال سلوا العلماء ول يكاد يسمي رجل بعينه‪.‬‬
‫يقول ابن القيم‪ :‬وكان السلف من الصحابة والتابعين يكرهون التسرع في‬
‫الفتوى‪ ،‬ويود كل واحد منهم أن يكفيه إياها غيره‪ ،‬فإذا رأى أنها قد تعينت‬
‫عليه بذل اجتهاده في معرفة حكمها من الكتاب والسنة أو قول الخلفاء‬
‫الراشدين ثم أفتى‪.‬‬
‫قال عبد الرحمن ابن أبي ليلى‪ :‬أدركت عشرين و مائة من أصحاب رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم في المسجد‪ ،‬فما كان منهم محدث إل ود أن أخاه‬
‫كفاه الحديث‪ ،‬ول مفت إل ود أن أخاه كفاه الفتيا‪.‬‬
‫وقال سحنون بن سعيد‪ :‬أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما يكون عند‬
‫الرجل الباب الواحد من العلم يظن أن الحق كله فيه‪.‬‬
‫فأين هؤلء الصاغر المتعالمون من أدب سلفنا الصالح في الفتيا‬
‫والستفتاء‪،‬فترى هؤلء المتعالمين المتفيقهين يتعجل أحدهم الفتيا ويتعجل‬
‫التدريس ويتعجل كل شيء‪ ،‬يظن بنفسه أنه محيي الدين يود أحدهم لو كان‬
‫مفتي البلد والعباد‪ ،‬ولكنها الشهوة الخفية‪ ،‬وأين هؤلء من الشروط والسس‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التي وضعها سلفنا لحفظ جناب الدين من المتفيقهين‪.‬‬


‫* قال المام أحمد‪ " :‬ل ينبغي للرجل أن يعرض نفسه للفتيا حتى يكون فيه‬
‫خمس خصال‪:‬‬
‫ن يخلص في ذلك لله تعالى‪ ،‬ول يقصد رياسة‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫أي‬ ‫نية‪،‬‬ ‫له‬ ‫تكون‬ ‫إحداها‪ :‬أن‬
‫ول نحوها‪ ،‬فإن لم يكن له نية لم يكن عليه نور‪ ،‬ول على كلمه نور‪،‬إذ العمال‬
‫بالنيات‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يكون له حلم ووقار وسكينة‪ ،‬وإل لم يتمكن من فعل ما تصدى له‬
‫من بيان الحكام الشرعية‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن يكون قوًيا على ما هو فيه وعلى معرفته‪ ،‬و إل فقد عرض نفسه‬
‫لعظيم‪.‬‬
‫الرابعة‪ ::‬الكفاية و إل أبغضه الناس‪ ،‬فإنه إذا لم تكن له كفاية احتاج إلى‬
‫الناس‪ ،‬وإلى الخذ مما في أيديهم فيتضررون منه‪.‬‬
‫الخامسة‪ :‬معرفة الناس‬
‫فحذار حذار من فتنة التصدر‪ ،‬وطلب الشهرة والجاه‪ ،‬فإنها عمار للنار‪ ،‬قتالة‬
‫للقلب‪ ،‬مفسدة له‪ ،‬دالة على سوء النوايا‪ ،‬وإنما من ابتلي بذلك صبر‪ ،‬ومن‬
‫استراح من هذا شكر لو تعلمون‪.‬‬
‫ثانيا ً ــ الشتغال بفرض الكفاية عن فرض العين‪:‬‬
‫فتجد هذا المتعالم والمتفيقه بل عقيدة صحيحة‪ ،‬ول معرفة صادقة بأسماء‬
‫الله وصفاته‪ ،‬ول إلمام بتصحيح العبادات الظاهرة والباطنة‪ ،‬ومع ذلك هو‬
‫عاكف على علوم اللت‪ ،‬ويهجم على النصوص ويستنبط ويرجح بين القوال‪،‬‬
‫ويرد على العلماء ويتعصب‪ ،‬ويغضب لنفسه ورأيه‪ ،‬ل لدين الله عز وجل‪،‬‬
‫فهذا هو الخذلن‪ ،‬ول حول ول قوة إل بالله‪.‬‬
‫قال في مختصر منهاج القاصدين‪" :‬وأنت تجد الفقيه يتكلم في الظهار‬
‫واللعان والسبق والرمي‪ ،‬ويفرع التفريعات التي تمضي الدهور ول يحتاج إلى‬
‫مسألة منها‪ ،‬ول يتكلم في الخلص‪ ،‬ول يحذر من الرياء‪ ،‬وهذا عليه فرض‬
‫ن في إهماله هلكه‪ ،‬والول فرض كفاية‪ ،‬ولو أّنه سئل عن علة ترك‬ ‫عين؛ ل ّ‬
‫المناقشة للنفس في الخلص والرياء لم يكن له جواب ( ] مختصر منهاج‬
‫القاصدين ص )‪.[(27‬‬
‫ثالثا ً ــ حب المناظرة‪ ،‬وحب الجدل و كثرة الكلم‪ ) :‬يهرف بما ل يعرف (‬
‫ل( ] الكهف ‪[54/‬‬ ‫قال الله تعالى‪) :‬وكان النسان أكثر شيء جد ً‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ض ال ْ َ‬
‫جن ّةِ ل ِ َ‬ ‫ت في َرب َ ِ‬ ‫م ب ِب َي ْ ٍ‬
‫عي ٌ‬‫وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ) :‬أ ََنا َز ِ‬
‫ن كان‬ ‫ب وَإ ِ ْ‬ ‫ك ال ْك َذِ َ‬
‫ن ت ََر َ‬‫م ْ‬ ‫ط ال ْ َ‬
‫جن ّةِ ل ِ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ت في وَ َ‬ ‫حقّا‪ ،‬وَب ِب َي ْ ٍ‬ ‫م ِ‬‫ن ُ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫مَراَء وَإ ِ ْ‬ ‫ت ََر َ‬
‫ك ال ِ‬
‫ه ( ] أخرجه أبو داود )‪(4800‬‬ ‫خل ُ َ‬
‫ق ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫س َ‬
‫ح ّ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬‫جن ّةِ ل ِ َ‬‫ت في أعَْلى ال ْ َ‬ ‫ماِزحًا‪ ،‬وَب ِب َي ْ ٍ‬‫َ‬
‫ك الدب‪ ،‬باب في حسن الخلق‪ ،‬وحسنه اللباني في صحيح أبي داود )‬
‫‪.[(4015‬‬
‫ً‬
‫قال الوزاعي‪ :‬إذا أراد الله بقوم شرا فتح عليهم الجدل‪ ،‬ومنعهم العمل‪.‬‬
‫قال معروف الكرخي‪ :‬إذا أراد الله بعبد خيًرا فتح له باب العمل‪ ،‬وأغلق عنه‬
‫باب الجدل‪ ،‬وإذا أراد الله بعبد شًرا فتح له باب الجدل‪ ،‬وأغلق عنه باب‬
‫العمل‪.‬‬
‫مت‬ ‫جا ممارًيا معجًبا برأيه فقد ت ّ‬ ‫وقال بعض السلف‪ :‬إذا رأيت الرجل لجو ً‬
‫خسارته‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وإنما يعطى الجدل الفتانون‪ ،‬فما ضل قوم بعد هدى إل أوتوا الجدل‪ ،‬وما‬
‫يشتهي المناظرة إل الباحثون عن أعراض الدنيا الزائلة‪ ،‬وإنما كان الرجل من‬
‫ل في هذا الباب إل‬ ‫ل من ز ّ‬ ‫السلف ل يقع في المناظرة إل اضطراًرا‪ ،‬وما ز ّ‬
‫م الوائل العمال ل القوال‪ ،‬وصار‬ ‫بسبب الرياء والسمعة‪ ،‬وإنما كان ه ّ‬
‫م بعضنا الن الكلم طلًبا للظهور‪.‬‬ ‫قصارى ه ّ‬
‫وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬بل ائتمروا بالمعروف‪ ،‬وتناهوا عن‬
‫المنكر‪ ،‬حتى إذا رأيت شحا مطاعا‪ ،‬وهوى متبعا‪ ،‬ودنيا مؤثرة‪ ،‬وإعجاب كل‬
‫ذي رأي برأيه‪ ،‬فعليك بخاصة نفسك‪ ،‬ودع العوام‪ ،‬فان من ورائكم أياما الصبر‬
‫فيهن القبض على الجمر‪ ،‬للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجل يعملون مثل‬
‫عملكم‪ ]".‬أخرجه الترمذي )‪ (3058‬التفسير‪ ،‬باب ومن سورة المائدة‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫حسن غريب[‪.‬‬
‫وهذه وصية نبوية غالية‪ ،‬تشير إلى أمراض خطيرة‪ ) :‬شح مطاع‪ ،‬هوى متبع‪،‬‬
‫دنيا مؤثرة‪ ،‬عجب وإعجاب بالرأي ( فيا لها من أمراض قّتالة‪ ،‬وأوبئة فّتاكة‪،‬‬
‫تفتك بالدين‪ ،‬وتقتل الخلص‪ ،‬وإّنما المرض العضال الحامل على كل هذا‬
‫والمؤدي إليه‪ ) :‬حب الظهور‪ ،‬وشهوة التصدر‪ ،‬والرغبة في الشهرة‪ ،‬والعلو‬
‫على القران ( فنسأل الله العافية من أمراض القلوب‪ ،‬ونسأله هو العلي‬
‫ن يجمعنا على الصالحين من عباده في الدنيا‬ ‫ن يرزقنا الخلص‪ ،‬وأ ْ‬ ‫القدير أ ْ‬
‫والخرة‪.‬‬
‫عن عبد الله بن المبارك قال‪ :‬قيل لحمدون بن أحمد‪ :‬ما بال كلم السلف‬
‫أنفع من كلمنا ؟!! قال‪ :‬لّنهم تكلموا لعز السلم‪ ،‬ونجاة النفوس‪ ،‬ورضا‬
‫الرحمن‪ ،‬ونحن نتكلم لعز النفوس‪ ،‬وطلب الدنيا‪ ،‬ورضا الخلق‪.‬‬
‫ما فأحدث لله‬ ‫قال أبو قلبة ليوب السختياني‪ :‬يا أيوب إذا أحدث الله لك عل ً‬
‫عبادة‪ ،‬ول يكونن همك أن تحدث به الناس‪.‬‬
‫قال الحسن البصري‪ :‬همة العلماء الرعاية‪ ،‬وهمة السفهاء الرواية‪.‬‬
‫قا للعمل فاعلم أنه نذير النفاق‪.‬‬ ‫فإذا لم تجد القول مواف ً‬
‫قال عبد الله بن المعتز‪ :‬علم المنافق في قوله‪ ،‬وعلم المؤمن في عمله‪.‬‬
‫وحكى الذهبي عن أبى الحسن القطان قوله‪ُ ) :‬أصبت ببصري‪ ،‬وأظن أنى‬
‫عوقبت بكثرة كلمي أيام الرحلة (‪ ،‬ثم قال الذهبي‪ " :‬صدق والله‪ ،‬فقد كانوا‬
‫مع حسن القصد وصحة النية غالبا ً يخافون من الكلم‪ ،‬وإظهار المعرفة‪.‬‬
‫واليوم يكثرون الكلم مع نقص العلم‪ ،‬وسوء القصد ثم إن الله يفضحهم‪،‬‬
‫ويلوح جهلهم وهواهم واضطرابهم فيما علموه فنسأل الله التوفيق‬
‫والخلص‪ .‬أهـ) من سير أعلم النبلء (‪.‬‬
‫ن الرجل يطلب العلم لغير الله فيأبى عليه العلم‬ ‫وعن معمر بن راشد قال‪ :‬إ ّ‬
‫حتى يكون لله‪.‬‬
‫ل‪ ،‬والحامل له حب العلم‪،‬‬ ‫قال الذهبي في سير أعلم النبلء‪ ):‬نعم يطلبه أو ً‬
‫وحب إزالة الجهل عنه وحب الوظائف‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬ولم يكن عَِلم وجوب‬
‫الخلص فيه‪ ،‬ول صدق النية‪ ،‬فإذا علم حاسب نفسه‪ ،‬وخاف من وبال قصده‪،‬‬
‫فتجيئه النية الصالحة كلها أو بعضها‪ ،‬وقد يتوب من نيته الفاسدة‪ ،‬ويندم‪،‬‬
‫صدِ التأثير بعلمه‪،‬‬ ‫صر من الدعاوى وحب المناظرة‪ ،‬ومن قَ ْ‬ ‫ق ِ‬
‫وعلمة ذلك أنه ي ُ ْ‬
‫ً‬
‫م من فلن فبعدا له(‪.‬‬ ‫َ‬
‫وي ُْزري على نفسه‪ ،‬فإن ت َكّثر بعلمه‪ ،‬أو قال أنا أعل ُ‬
‫رابعا ً ــ الولع بالغرائب والبحث عن المهجور من القوال‪:‬‬
‫فترى من ابتلي بهذه الشهوة الخفية أل وهي الرياء يتصيد الغرائب ويتصيد‬
‫المهجور من أقوال العلماء‪ ،‬فبمجرد أن يتصيد مسألة من هنا أو هناك‪ ،‬سمعها‬
‫في مجلس‪ ،‬أو من شريط‪ ،‬أو قرأها في صحيفة‪ ،‬أو في كتاب‪ ،‬يوالي ويعادى‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على تلك المسألة‪ ،.‬وأكثر الناس اليوم ل علم له إل ببعض المسائل‪ ،‬وليتها‬
‫بالنافعة‪ ،‬وإنما شواذ المسائل‪ ،‬وغريب الراء‪ ،‬والمهجور من القوال‪ ،‬وكأن‬
‫الشعار "خالف ُتعرف" فالخلف عنده أشهى من التفاق‪.‬‬
‫حتى وجدنا بعض المتعالمين من يشغل العامة بالمسائل النادرة الحدوث‬
‫والمختلف عليها والتي هي أصل ً ليست أهل ً لطرقها على المنابر من أمثال‬
‫) الحجامة ( فتراه يصطنع عليها خطبا ً متكررة متنوعة‪ ،‬إنما الشذوذ والغرابة‬
‫والبحث عن المهجور من القوال ساقه إليها‪ ،‬وكان الولى شغل الناس‬
‫والعامة بعوالي المور والمهمات الجسيمة التي ترقى بهم وبإيمانهم‪.‬‬
‫فالولع بالغريب والشاذ من القوال‪ ،‬وإحياء المسائل المهجورة والتي حسمها‬
‫أهل العلم منذ زمن بعيد‪ ،‬كل ذلك ـ إن كان عن عمد ـ يدل على خلل واضح‪،‬‬
‫ل فيه عالم من العلماء‪ ،‬ومن هنا‬ ‫وسوء قصد بّين‪ ،‬ل سيما إذا كان المر ز ّ‬
‫حذر أهل العلم من تتبع هذه المسائل التي أسموها بـ )) الطبوليات (( إذ‬
‫قيل‪ ) :‬زلة العالم مضروب لها الطبل( ]حلية طالب العلم ص )‪ (7‬للشيخ بكر‬
‫بن عبد الله أبو زيد[‪.‬‬
‫خامسا ً ــ الشغب على المخالف والزهو بالمتبع‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫فإنك تراه يشاغب على من خالفه‪ ،‬ويعاديه‪ ،‬وينفر منه‪ ،‬ويفرح بالمدح‪ ،‬ويزهو‬
‫بكثرة التباع‪ ،‬وبالضد تتميز الشياء‪ ،‬وتلك من نتاج العصبيات والحزبيات‪،‬‬
‫لعدم تحقيق عقيدة الولء والبراء فيصير الولء للمتبع‪ ،‬والبراء من المخالف‪،‬‬
‫وما كان هذا هدي السلف في الخلف‪ ،‬ل سيما في الفروع‪،‬وكم من مجر‬
‫للخلف على ألسنة الناس لمجرد الشغب عليه لمخالفته إياه‪ ،‬أو الزهو بمن‬
‫اتبعه‪ ،‬ومن أهم علمات الصادق استواء المدح والذم عنده‪ ،‬فإن لم يكن‬
‫كذلك فليتهم نفسه‪.‬‬
‫قال المام الذهبي في ]سير أعلم النبلء )‪ :[( 7/393‬عن عبد الرحمن بن‬
‫مهدى عن طالوت‪ :‬سمعت إبراهيم بن أدهم يقول‪ :‬ما صدق الله عبد أحب‬
‫الشهرة‪.‬‬
‫ثم قال الذهبي‪ :‬علمة المخلص الذي قد يحب الشهرة‪ ،‬ول يشعر بها‪ ،‬أنه إذا‬
‫عوتب في ذلك ل يحرد‪ ،‬ول يبرئ نفسه‪ ،‬بل يعترف ويقول‪ :‬رحم الله من‬
‫ى عيوبي‪ ،‬ول يكن معجبا ً بنفسه‪ ،‬ل يشعر بعيوبها‪ ،‬بل يشعر أنه ل‬ ‫أهدى إل ّ‬
‫يشعر‪ ،‬فإن هذا داء مزمن " أهـ‬
‫وما أغله من كلم‪ ،‬وصدق من قال‪ :‬الذهبي ذهبي الكلم‪ ،‬حقا ً إنه كلم أغلى‬
‫من الذهب‪ ،‬فالمخلص إذا اتهم لم يكابر‪ ،‬لم يشمخ بأنفه‪ ،‬ولم تأخذه العزة‬
‫بالثم فيقول‪ :‬أنا‪ ..‬أنا‪ ..‬أنا‪ ،‬وإنما يخضع ويذعن‪ ،‬ويخاف ويخشى‪ ،‬ويتهم‬
‫ن لم يرحمني ربى‪.‬‬ ‫نفسه‪ ،‬ويسيء الظن بها‪ ،‬ويقول‪ :‬ويلى‪ ،‬وويل أمي‪ ،‬إ ْ‬
‫وعن الفضيل بن عياض قال‪ :‬يا مسكين‪ ،‬أنت مسيء وترى أّنك محسن‪،‬‬
‫وأنت جاهل وترى أّنك عالم‪ ،‬وتبخل وترى أّنك كريم‪ ،‬وأحمق وترى أّنك عاقل‪،‬‬
‫أجلك قصير‪ ،‬وأملك طويل‪.‬‬
‫قال الذهبي‪ ) :‬قلت‪ :‬إي والله صدق‪ ،‬وأنت ظالم وترى أّنك مظلوم‪ ،‬وآكل‬
‫للحرام وترى أّنك متورع‪ ،‬وفاسق وتعتقد أّنك عدل‪ ،‬وطالب العلم للدنيا وترى‬
‫أّنك تطلبه لله ( ]سير أعلم النبلء )‪.[(8/440‬‬
‫وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ )) :‬من تعلم علما يبتغي به وجه الله‬
‫عز وجل ل يتعلمه إل ليصيب به غرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القيامة (( رواه أبو داود بسند صحيح‪.‬‬


‫فهذا هو الّرياء‬
‫من الدواء المهلكة‪ ،‬والمراض الفاتكة‪ ،‬والخسائر الفادحة الرياء‪ ،‬حيث فيه‬
‫خسارة الدين والخرة‪ ،‬ولهذا حذر منه المتقون‪ ،‬وخافه الصالحون‪ ،‬ونبه على‬
‫خطورته النبياء والمرسلون‪ ،‬ولم يأمن من مغبته إل العجزة‪ ،‬والجهلة‪،‬‬
‫والغافلون‪ ،‬فهو الشرك الخفي‪ ،‬والسعي الرديء‪ ،‬ول يصدر إل من عبد السوء‬
‫ل المنكود‪.‬‬ ‫الك َ َّ‬
‫الرياء كله دركات‪ ،‬بعضها أسوأ من بعض‪ ،‬وظلمات بعضها أظلم من بعض‪،‬‬
‫وأنواع بعضها أخس وأنكد من بعض‪ ،‬فمنه الرياء المحض‪ ،‬وهو أردأها‪ ،‬ومنه‬
‫ما هو دون ذلك‪ ،‬ومنه خطرات قد أفلح من دفعها وخلها‪ ،‬وقد خاب من‬
‫استرسل معها وناداها‪.‬‬
‫فالعمل لغير الله أنواع وأقسام‪ ،‬كلها مذمومة مردودة‪ ،‬ومن الله متروكة‪،‬‬
‫فالله سبحانه وتعالى أغنى الشركاء‪ ،‬وأفضل الخلطاء‪ ،‬فمن أشرك معه غيره‬
‫تركه وشركه‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪" :‬يقول الله تبارك وتعالى‪ :‬أنا أغنى الشركاء عن الشرك‪ ،‬من عمل عمل ً‬
‫أشرك فيه معي غيري تركته وشركه"‪.‬‬
‫وفي رواية لبن ماجة‪" :‬فأنا منه بريء وهو للذي أشرك"‪.‬‬
‫والنواع هي‪:‬‬
‫‪ .1‬الرياء المحض‬
‫وهو العمل الذي ل ُيراد به وجه الله بحال من الحوال‪ ،‬وإنما يراد به أغراض‬
‫دنيوية وأحوال شخصية‪ ،‬وهي حال المنافقين الخلص كما حكى الله عنهم‪:‬‬
‫"وإذا قاموا إلى الصلة قاموا كسالى يراؤون الناس ول يذكرون الله إل‬
‫قلي ً‬
‫ل"‪4.‬‬
‫ً‬
‫"ول تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل‬
‫الله"‪5.‬‬
‫"فويل للمصلين الذين هم عن صلتهم ساهون الذين هم يراؤون ويمنعون‬
‫الماعون"‪6.‬‬
‫وهذا النوع كما قال ابن رجب الحنبلي يكون في العمال المتعدية‪ ،‬كالحج‪،‬‬
‫والصدقة‪ ،‬والجهاد‪ ،‬ونحوها‪ ،‬ويندر أن يصدر من مؤمن‪) :‬فإن الخلص فيها‬
‫عزيز‪ ،‬وهذا العمل ل يشك مسلم أنه حابط‪ ،‬وأن صاحبه يستحق المقت من‬
‫الله والعقوبة(‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يراد بالعمل وجه الله ومراءاة الناس‬
‫وهو نوعان‪:‬‬
‫ل الرياُء من أصله‬‫أ ‪ .‬إما أن يخالط العم َ‬
‫فقد بطل العمل وفسد والدلة على ذلك بجانب حديث أبي هريرة السابق‪:‬‬
‫• عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫دق يرائي‬ ‫"من صلى يرائي فقد أشرك‪ ،‬ومن صام يرائي فقد أشرك‪ ،‬ومن تص ّ‬
‫فقد أشرك‪ ،‬وإن الله يقول‪ :‬أنا خير قسيم لمن أشرك بي شيئًا‪ ،‬فإن جدة‬
‫عمله قليله وكثيره لشريكه الذي أشرك به‪ ،‬أنا عنه غني"‪.‬‬
‫وعن أبي سعيد بن أبي فضالة الصحابي قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬إذا جمع الله الولين والخرين ليوم ل ريب فيه‪ ،‬نادى مناٍد‪ :‬من كان‬
‫أشرك في عمل عمله لله عز وجل فليطلب ثوابه من عند غير الله عز وجل‪،‬‬
‫فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك"‪.‬‬
‫وخرج الحاكم من حديث ابن عباس‪" :‬قال رجل‪ :‬يا رسول الله‪ :‬إني أقف‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الموقف وأريد وجه الله‪ ،‬وأريد أن ُيرى موطني‪ ،‬فلم يرد عليه رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم حتى نزلت‪" :‬فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عمل ً‬
‫صالحا ً ول يشرك بعبادة ربه أحدًا"‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫قال ابن رجب‪) :‬وممن روي عنه هذا المعنى‪ ،‬وأن العمل إذا خالطه شيء من‬
‫ل‪ :‬طائفة من السلف‪ ،‬منهم عبادة بن الصامت‪ ،‬وأبو الدرداء‪،‬‬ ‫الرياء كان باط ً‬
‫والحسن‪ ،‬وسعيد بن المسيب‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫مَرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬ل‬ ‫خي ْ ِ‬
‫م َ‬
‫ومن مراسيل القاسم بن ُ‬
‫يقبل الله عمل ً فيه مثقال حبة من خردل من رياء"‪.‬‬
‫ول نعرف عن السلف في هذا خلفًا‪ ،‬وإن كان فيه خلف عن بعض‬
‫المتأخرين(‪.‬‬
‫ب‪ .‬وإما أن يطرأ عليه الرياء بعد الشروع في العمل‬
‫فإن كان خاطرا ً مارا ً فدفعه فل يضّره ذلك‪ ،‬وإن استرسل معه ُيخشى عليه‬
‫من بطلن عمله‪ ،‬ومن أهل العلم من قال ُيثاب وُيجازى على أصل نيته‪.‬‬
‫قال ابن رجب‪) :‬وإن استرسل معه‪ ،‬فهل يحبط عمله أم ل يضره ذلك‬
‫ويجازى على أصل نيته؟ في ذلك اختلف بين العلماء من السلف حكاه المام‬
‫أحمد وابن جرير الطبري‪ ،‬ورجحا أن عمله ل يبطل بذلك‪ ،‬وأنه ُيجازى بنيته‬
‫الولى‪ ،‬وهو مروي عن الحسن البصري وغيره‪.‬‬
‫ويستدل لهذا القول بما خرجه أبو داود في "مراسيله"‪ 11‬عن عطاء‬
‫مة كلهم يقاتل‪ ،‬فمنهم من‬ ‫سل َ َ‬
‫الخرساني أن رجل ً قال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬إن بني َ‬
‫يقاتل للدنيا‪ ،‬ومنهم من يقاتل نجدة‪ ،‬ومنهم من يقاتل ابتغاء وجه الله‪ ،‬فأيهم‬
‫الشهيد؟ قال‪ :‬كلهم‪ ،‬إذا كان أصل أمره أن تكون كلمة الله هي العليا"‪.‬‬
‫وذكر ابن جرير أن هذا الختلف إنما هو في عمل يرتبط آخره بأوله‪،‬‬
‫كالصلة‪ ،‬والصيام‪ ،‬والحج‪ ،‬فأما ما ل ارتباط فيه‪ ،‬كالقراءة‪ ،‬والذكر‪ ،‬وإنفاق‬
‫المال‪ ،‬ونشر العلم‪ ،‬فإنه ينقطع بنية الرياء الطارئة عليه‪ ،‬ويحتاج إلى تجديد‬
‫نية‪.‬‬
‫وكذلك روي عن سليمان بن داود الهاشمي ‪ 12‬أنه قال‪ :‬ربما أحدث بحديث‬
‫ولي نية‪ ،‬فإذا أتيت على بعضه تغيرت نيتي‪ ،‬فإذا الحديث الواحد يحتاج إلى‬
‫نيات‪.‬‬
‫ول يرد على هذا الجهاد‪ ،‬كما في مرسل عطاء الخرساني‪ ،‬فإن الجهاد يلزم‬
‫بحضور الصف‪ ،‬ول يجوز تركه حينئذ فيصير كالحج(‪.‬‬
‫‪ .3‬أن يريد بالعمل وجه الله والجر والغنيمة‬
‫كمن يريد الحج وبعض المنافع‪ ،‬والجهاد والغنيمة‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فهذا عمله ل‬
‫يحبط‪ ،‬ولكن أجره وثوابه ينقص عمن نوى الحج والجهاد ولم يشرك معهما‬
‫غيرهما‪.‬‬
‫خرج مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬إن الغزاة إذا غنموا غنيمة تعجلوا ثلثي‬
‫م لهم أجُرهم"‪13.‬‬ ‫أجرهم‪ ،‬فإن لم يغنموا شيئا ً ت ّ‬
‫وروي عن عبد الله بن عمرو كذلك قال‪" :‬إذا أجمع أحدكم على الغزو فعوضه‬
‫منع‬ ‫الله رزقًا‪ ،‬فل بأس بذلك‪ ،‬وأما أن أحدكم إن أعطي درهما ً غزا‪ ،‬وإن ُ‬
‫درهما ً مكث‪ ،‬فل خير في ذلك"‪.‬‬
‫وقال الوزاعي‪ :‬إذا كانت نية الغازي على الغزو‪ ،‬فل أرى بأسًا‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال المام أحمد‪ :‬التاجر‪ ،‬والمستأجر‪ ،‬والمكاري أجرهم على قدر ما يخلص‬
‫من نيتهم في غزاتهم‪ ،‬ول يكون مثل من جاهد بنفسه وماله ل يخلط به غيره‪.‬‬
‫وقال أيضا ً فيمن أخذ جعل ً على الجهاد إذا لم يخرج لجل الدراهم فل بأس أن‬
‫دينه‪ ،‬فإن أعطي شيئا ً أخذه‪.‬‬ ‫يأخذ‪ ،‬كأنه خرج ل ِ ِ‬
‫وقال ابن رجب‪) :‬فإن خالط نية الجهاد نية غير الرياء‪ ،‬مثل أخذ أجرة للخدمة‪،‬‬
‫أوأخذ شيء من الغنيمة‪ ،‬أوالتجارة‪ ،‬نقص بذلك أجر جهادهم‪ ،‬ولم يبطل‬
‫بالكلية‪..‬‬
‫ً‬
‫وهكذا يقال فيمن أخذ شيئا في الحج ليحج به‪ ،‬إما عن نفسه‪ ،‬أوعن غيره‪،‬‬
‫مال‪ ،‬وحج الجير‪ ،‬وحج التاجر‪ ،‬هو‬ ‫وقد روي عن مجاهد أنه قال في حج الج ّ‬
‫تمام ل ينقص من أجورهم شيء‪ ،‬وهو محمول على أن قصدهم الصلي كان‬
‫هو الحج دون التكسب‪.‬‬
‫سّر وفرح بفضل الله ورحمته فل‬ ‫‪ .4‬أن يبتغي بعمله وجه الله فإذا أثني عليه ُ‬
‫يضره ذلك إن شاء الله‪ .‬فعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه‬
‫سئل عن الرجل يعمل العمل لله من الخير‪ ،‬ويحمده الناس عليه‪،‬‬ ‫وسلم أنه ُ‬
‫فقال‪" :‬تلك عاجل بشرى المؤمن"‪.‬‬
‫ل يعمل العمل لله فيحّبه الناس عليه"‪.‬‬ ‫وفي رواية لبن ماجة‪" :‬الرج ُ‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجل ً قال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬الرجل يعمل‬
‫سّره‪ ،‬فإذا اطلع عليه‪ ،‬أعجب‪ ،‬فقال‪" :‬له أجران‪ :‬أجر السر وأجر‬ ‫العمل في ُ ِ‬
‫العلنية"‪.‬‬
‫قال ابن رجب‪) :‬وبالجملة‪ ،‬فما أحسن قول سهل بن عبد الله الُتستري‪ :‬ليس‬
‫على النفس شيء أشق من الخلص‪ ،‬لنه ليس لها فيه نصيب‪.‬‬
‫وقال يوسف بن الحسين الرازي‪ :‬أعز شيء في الدنيا الخلص‪ ،‬وكم أجتهد‬
‫في إسقاط الرياء عن قلبي‪ ،‬وكأنه ينبت فيه على لون آخر‪.‬‬
‫وقال ابن عيينة‪ :‬كان من دعاء مطّرف بن عبد الله‪ :‬اللهم إني أستغفرك مما‬
‫ت إليك منه‪ ،‬ثم عدت فيه‪ ،‬وأستغفرك مما جعلته لك على نفسي‪ ،‬ثم لم‬ ‫تب ُ‬
‫ت أني أردت به وجهك‪ ،‬فخالط قلبي منه ما‬ ‫ف لك به‪ ،‬وأستغفرك مما زعم ُ‬ ‫أ ِ‬
‫ت(‪.‬‬‫قد علم َ‬
‫ورحم الله القائل‪:‬‬
‫ت معناها‬
‫أستغفُر الله من أستغفر الله من كلمة قلتها خالف ُ‬
‫اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا ً ونحن نعلم‪ ،‬ونستغفرك لما ل نعلم‪،‬‬
‫وصلى الله وسلم على إمام المتقين وسيد المتوكلين المخلصين‪ ،‬وعلى آله‬
‫وصحبه الغر الميامين‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫احذروا الصحف الخليعة‬


‫القسم ‪ :‬إملءات < مقالت‬
‫لقد أصيب العالم السلمي عامة وسكان الجزيرة العربية خاصة بسيل من‬
‫الصحف التي تحمل بين طياتها أشكال كثيرة من الصور الخليعة ‪ ،‬المثيرة‬
‫للشهوات ‪ ،‬الجالبة للفساد ‪ ،‬الداعية للدعارة ‪ ،‬الفاتنة للشباب والشابات ‪،‬‬
‫وكم حصل في ضمن ذلك من أنواع الفساد لكل من يطالع تلك الصور‬
‫العارية وأشباهها ‪ ،‬وكم شغف بها من الشباب من ل يحصى كثرة ‪ ،‬وكم هلك‬
‫بسمومها من شباب وفتيات استحسنوها ومالوا إليها وقلدوا أهلها ‪ ،‬وكم في‬
‫طيات تلك الصحف من مقالت إلحادية تنشر الفكار المسمومة والقصائد‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الباطلة وتدعو إلى إنكار الديان ومحاربة السلم ‪ ،‬وإن من أقبح تلك الصحف‬
‫وأكثرها ضررا ‪ :‬المصور ‪ ،‬وآخر ساعة ‪ ،‬والجيل ‪ ،‬وروز اليوسف ‪ ،‬وصباح‬
‫الخير ‪ ،‬ومجلة ) العربي ( ‪ . .‬فالواجب على حكومتنا‪ -‬وفقها الله‪ -‬منع هذه‬
‫الصحف منعا باتا لما فيها من الضرر الكبير على المسلمين في عقائدهم‬
‫وأخلقهم ودينهم ودنياهم ‪ ،‬ول ريب أن ولة المر أول مسئول عن حفظ دين‬
‫الرعية وأخلقهم ‪ ،‬ول شك أن هذه الصحف مما يفسد الدين والخلق ‪ ،‬ويضر‬
‫المسلمين ضررا ظاهرا في الدين والدنيا ويزلزل عقائدهم ويحدث الشكوك‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ه َ‬‫ن الل ّ ُ‬ ‫والمشاكل الكثيرة بينهم والله سبحانه وتعالى يقول ‪} :‬وَل َي َن ْ ُ‬
‫صَر ّ‬
‫َ‬ ‫م ِفي اْل َْر‬
‫وا‬
‫صلة َ َوآت َ ُ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫ض أَقا ُ‬ ‫ِ‬ ‫مك ّّناهُ ْ‬‫ن َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫زيٌز ال ّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫قوِيّ عَ‬ ‫ه لَ َ‬
‫ن الل ّ َ‬ ‫صُره ُ إ ِ ّ‬ ‫ي َن ْ ُ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذي َ‬ ‫من ْكر{]‪ [1‬ويقول تعالى ‪َ} :‬يا أي َّها ال ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫وا عَ ِ‬ ‫ف وَن َهَ ْ‬‫معُْرو ِ‬ ‫مُروا ِبال َ‬ ‫الّزكاةَ وَأ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫م{]‪ [2‬ول ريب أن القضاء على‬ ‫مك ْ‬ ‫دا َ‬‫ت أقْ َ‬ ‫م وَي ُث َب ّ ْ‬ ‫صْرك ْ‬ ‫ه ي َن ْ ُ‬
‫صُروا الل َ‬ ‫ن ت َن ْ ُ‬ ‫مُنوا إ ِ ْ‬‫آ َ‬
‫هذه الصحف ومنع دخولها البلد من أعظم نصر الله وحماية دينه ‪ ،‬وفي‬
‫الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬كلكم راع وكلكم‬
‫مسئول عن رعيته فالمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع في أهل بيته‬
‫ومسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والعبد‬
‫راع في مال سيده ومسئول عن رعيته" وقال صلى الله عليه وسلم ‪)) :‬ما‬
‫من أمير يلي أمر المسلمين ثم ل يجهد لهم وينصح إل لم يدخل معهم الجنة((‬
‫رواه مسلم ‪.‬‬
‫فيا ولة أمر المسلمين اتقوا الله في المسلمين وحاربوا هذه الصحف‬
‫الهدامة وخذوا على أيدي السفهاء ‪ ،‬وأغلقوا أبواب الفساد تفوزوا بالنجاة‬
‫والسعادة وتنتشلوا بذلك جما غفيرا من الفتيان والفتيات من وهدة هذا التيار‬
‫الجارف وحمأة هذه الصحف الخبيثة المدمرة ‪ ،‬ويا معشر المسلمين حاربوا‬
‫هذه الصحف الخبيثة المدمرة ‪ ،‬ول تشتروها بقليل ول كثير ‪ ،‬فإن بيعها وثمنها‬
‫حرام ‪ ،‬وإنما الواجب إتلفها أينما وجدت دفعا لضررها وحماية للمسلمين من‬
‫شرها ‪ ،‬أراح الله منها العباد والبلد ووفق ولة أمر المسلمين لما فيه صلح‬
‫دينهم ودنياهم وسلمة عقائدهم ‪ ،‬وأخلقهم ‪ ،‬إنه على كل شيء قدير ‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫]‪ - [1‬سورة الحج اليتان ‪.41-40‬‬
‫]‪ - [2‬سورة محمد الية ‪.7‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫احذروا سرطان العمال ) ‪( 3 - 2‬‬


‫الشيخ توفيق علي‬
‫ل‪ :‬أسباب حبوط العمال في القرآن الكريم‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫ل‪ :‬كراهة ما أنزل الله‬ ‫أو ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مالُهم{ ]سورة محمد‪:‬‬ ‫ه فَأ ْ‬
‫حب َط أعْ َ‬ ‫ما أنَز َ‬
‫ل الل ُ‬ ‫م ك َرِ ُ‬
‫هوا َ‬ ‫قال تعالى‪} :‬ذ َل ِ َ‬
‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬
‫‪.[9‬‬
‫قال سيد قطب رحمه الله‪ " :‬وهو تصوير لما يعتمل في قلوبهم ويختلج في‬
‫نفوسهم من الكراهية لما أنزل الله من قرآن وشريعة ومنهج واتجاه‪ .‬وهذا‬
‫هو الذي يدفع بهم إلى الكفر والعناد والخصومة والملحاة‪ .‬وهي حالة كثير‬
‫من النفوس الفاسدة التي تكره بطبعها ذلك النهج السليم القويم‪ ،‬وتصادمه‬
‫من داخلها‪ ،‬بحكم مغايرة طبيعتها لطبيعته‪ .‬وهي نفوس يلتقي بها النسان‬
‫كثيرا ً في كل زمان وفي كل مكان‪ ،‬ويحس منها النفرة والكراهية لهذا الدين‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وما يتصل به ; حتى إنها لتفزع من مجرد ذكره كما لو كانت قد لذعتها‬
‫العقارب! وتتجنب أن يجيء ذكره أو الشارة إليه فيما تسمع حولها من‬
‫حديث! ولعلنا نشاهد في هذه اليام حالة من هذا الطراز ل تخفى على‬
‫الملحظة!‬
‫وكان جزاء هذه الكراهية لما أنزل الله‪ ،‬أن أحبط الله أعمالهم‪ .‬فالحبوط‬
‫انتفاخ بطون الماشية عند أكلها نوعا ً من المرعى سام‪ .‬ينتهي بها إلى الموت‬
‫والهلك‪ .‬وكذلك انتفخت أعمالهم وورمت وانبعجت‪..‬ثم انتهت إلى الهلك‬
‫والضياع! إنها صورة وحركة‪ ،‬ونهاية مطابقة لحال من كرهوا ما أنزل الله ثم‬
‫تعاجبوا بالعمال الضخام‪.‬المنتفخة كبطون النعام‪ ،‬حين ترعى من ذلك النبت‬
‫السام " ]في ظلل القرآن‪) ،‬ج ‪.[(3289 /6‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إتباع ما أسخط الله‬
‫حب َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قال تعالى‪} :‬ذ َل َ َ‬
‫ط‬ ‫ه فَأ ْ‬‫وان َ ُ‬
‫ض َ‬‫هوا رِ ْ‬ ‫ه وَك َرِ ُ‬ ‫ط الل ّ َ‬ ‫خ َ‬ ‫س َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫م ات ّب َُعوا َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ُ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫م{ ]سورة محمد‪.[28 :‬‬ ‫مال َهُ ْ‬‫أعْ َ‬
‫قال ابن عاشور رحمه الله‪ " :‬واتباعهم ما أسخط الله‪ :‬هو اتباعهم الشرك‪.‬‬
‫والسخط مستعار لعدم الرضى بالفعل‪ .‬وكراهتهم رضوان الله‪ :‬كراهتهم‬
‫أسباب رضوانه وهو السلم‪.‬‬
‫والجمع بين الخبار عنهم باتباعهم ما أسخط الله وكراهتهم رضوانه مع إمكان‬
‫الجتزاء بأحدهما عن الخر لليماء إلى أن ضرب الملئكة وجوه هؤلء مناسب‬
‫لقبالهم على ما أسخط الله‪ ،‬وأن ضربهم أدبارهم مناسب لكراهتهم رضوانه‬
‫لن الكراهة تستلزم العراض والدبار‪.‬‬
‫فكان ذلك التعذيب مناسبا ً لحالي توقيهم في الفرار من القتال وللسببين‬
‫الباعثين على ذلك التوقي‪.‬‬
‫وفرع على اتباعهم ما أسخط الله وكراهتهم رضوانه قال "فأحبط أعمالهم"‬
‫فكان اتباعهم ما أسخط الله وكراهتهم رضوانه سببا ً في المرين‪ :‬ضرب‬
‫الملئكة وجوههم وأدبارهم عند الوفاة‪ ،‬وإحباط أعمالهم " ]التحرير و التنوير‪،‬‬
‫)ج ‪.[(17/4044‬‬
‫" فهم الذين أرادوا لنفسهم هذا المصير واختاروه‪ .‬هم الذين عمدوا إلى ما‬
‫أسخط الله من نفاق ومعصية وتآمر مع أعداء الله وأعداء دينه ورسوله‬
‫فاتبعوه‪ .‬وهم الذين كرهوا رضوان الله فلم يعملوا له‪ ،‬بل عملوا ما يسخط‬
‫الله ويغضبه‪ ..‬فأحبط أعمالهم‪ ..‬التي كانوا يعجبون بها ويتعاجبون ;‬
‫ويحسبونها مهارة وبراعة وهم يتآمرون على المؤمنين ويكيدون‪ .‬فإذا بهذه‬
‫العمال تتضخم وتنتفخ‪ .‬ثم تهلك وتضيع! " ]في ظلل القرآن‪) ،‬ج ‪/6‬‬
‫‪.[(3298‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الكفر و الصد عن سبيل الله و مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫وال ً وَأ َوْل ًَدا‬ ‫م َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م قُوّة ً وَأك ْث ََر أ ْ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫شد ّ ِ‬ ‫كاُنوا ْ أ َ َ‬ ‫م َ‬ ‫من قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬‫كال ّ ِ‬‫قال تعالى‪َ } :‬‬
‫خل َقِهِ ْ‬
‫م‬ ‫م بِ َ‬ ‫ُ‬
‫من قَب ْل ِك ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫مت َعَ ال ِ‬‫ست َ ْ‬‫ما ا ْ‬ ‫مك َ‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫خل َقِك ْ‬ ‫مت َعُْتم ب ِ َ‬ ‫م َفا ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫خلقِهِ ْ‬ ‫مت َُعوا ْ ب ِ َ‬ ‫َفا ْ‬
‫ست َ ْ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫خَرةِ وَأوْلئ ِك هُ ُ‬ ‫م ِفي الدن َْيا َوال ِ‬ ‫مالهُ ْ‬ ‫ت أعْ َ‬ ‫حب ِط ْ‬ ‫ضوا أوْلئ ِك َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م كال ِ‬ ‫ضت ُ ْ‬‫خ ْ‬ ‫وَ ُ‬
‫ن{ ]سورة التوبة‪.[69 :‬‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫" أولئك حبطت أعمالهم أي بطلت مساعيهم فل ثواب لهم عليها لنها فاسدة‬
‫في الدنيا والخرة وأولئك هم الخاسرون لنهم لم يحصل لهم عليها ثواب "‪.‬‬
‫و عن ابن عباس في قوله كالذين من قبلكم الية قال ابن عباس ما أشبه‬
‫الليلة بالبارحة" كالذين من قبلكم" هؤلء بنو إسرائيل شبهنا بهم ل أعلم إل‬
‫أنه قال والذي نفسي بيده لتتبعنهم حتى لو دخل الرجل منهم جحر ضب‬
‫لدخلتموه"‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من‬ ‫ل ِ‬ ‫شاّقوا الّر ُ‬


‫سو َ‬ ‫ل الل ّهِ وَ َ‬‫سِبي ِ‬‫عن َ‬ ‫دوا َ‬‫ص ّ‬‫فُروا وَ َ‬‫ن كَ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫و قال تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م{ ]سورة‬ ‫مالهُ ْ‬‫حب ِط أعْ َ‬ ‫سي ُ ْ‬ ‫ً‬ ‫ه َ‬
‫شي ْئا وَ َ‬ ‫ضّروا الل َ‬ ‫دى لن ي َ ُ‬ ‫م الهُ َ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬
‫ما ت َب َي ّ َ‬
‫ب َعْد ِ َ‬
‫محمد‪.[32 :‬‬
‫قال ابن كثير رحمه الله‪ " :‬يخبر تعالى عمن كفر وصد عن سبيل الله وخالف‬
‫الرسول وشاقه‪ ،‬وارتد عن اليمان من بعد ما تبين له الهدى أنه لن يضر الله‬
‫شيئًا‪ ،‬وإنما يضر نفسه ويخسرها يوم معادها‪ ،‬وسيحبط الله عمله فل يثيبه‬
‫على سالف ما تقدم من عمله الذي عقبه بردته مثقال بعوضة من خير‪ ،‬بل‬
‫يحبطه ويمحقه بالكلية كما أن الحسنات يذهبن السيئات " ]تفسير القرآن‬
‫العظيم‪) ،‬ج ‪.[(4/195‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫و قال سيد قطب رحمه الله‪ " :‬إنه قرار من الله مؤكد‪ ،‬ووعد منه واقع‪ :‬أن‬
‫الذين كفروا‪ ،‬ووقفوا في وجه الحق أن ي َُبلغ إلى الناس ; وصدوا الناس عنه‬
‫بالقوة أو المال أو الخداع أو أية وسيلة من الوسائل‪ ،‬وشاقوا الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم في حياته بإعلن الحرب عليه‪ ،‬والمخالفة عن طريقه‪،‬‬
‫والوقوف في غير صفه‪ .‬أو بعد وفاته بمحاربة دينه وشريعته ومنهجه‬
‫والمتبعين لسنته والقائمين على دعوته‪ .‬وذلك }من بعد ما تبين لهم الهدى{‪..‬‬
‫وعرفوا أنه الحق ; ولكنهم اتبعوا الهوى‪ ،‬وجمح بهم العناد وأعماهم الغرض‪،‬‬
‫وقادتهم المصلحة العاجلة‪.‬‬
‫قرار من الله مؤكد‪ ،‬ووعد من الله واقع أن هؤلء }لن يضروا الله شيئًا{‪..‬‬
‫وهم أضأل وأضعف من أن ُيذكروا في مجال إلحاق ضرر بالله سبحانه‬
‫وتعالى‪ .‬فليس هذا هو المقصود إنما المقصود أنهم لن يضروا دين الله ول‬
‫دثوا حدثا ً في نواميسه وسننه‪ .‬مهما‬ ‫منهجه ول القائمين على دعوته‪ .‬ولن ُيح ِ‬
‫بلغ من قوتهم‪ ،‬ومهما قدروا على إيذاء بعض المسلمين فترة من الوقت؛ فإن‬
‫هذا بلء وقتي يقع بإذن الله لحكمة يريدها ; وليست ضرا ً حقيقيا لناموس الله‬
‫وسنته ونظامه ونهجه وعباده القائمين على نظامه ونهجه‪ .‬والعاقبة مقررة‪:‬‬
‫}وسيحبط أعمالهم{‪ ..‬فتنتهي إلى الخيبة والدمار‪ .‬كما تنتهي الماشية التي‬
‫ترعى ذلك النبات السام! " ]في ظلل القرآن‪) ،‬ج ‪.[( 3300 /6‬‬
‫رابعًا‪ :‬رفع الصوت في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ي وََل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت الن ّب ِ ّ‬‫صوْ ِ‬ ‫م فَوْقَ َ‬ ‫وات َك ُ ْ‬ ‫مُنوا َل ت َْرفَُعوا أ ْ‬
‫ص َ‬ ‫نآ َ‬ ‫قال تعالى‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫م َل ت َ ْ‬ ‫َ‬ ‫قول ك َجهر بعضك ُم ل ِبعض َأن تحب َ َ‬
‫ن{‬‫شعُُرو َ‬ ‫م وَأنت ُ ْ‬‫مال ُك ُ ْ‬
‫ط أعْ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ه ِبال َ ْ ِ َ ْ ِ َ ْ ِ ْ َ ْ ٍ‬
‫جهَُروا ل َ ُ ْ‬
‫تَ ْ‬
‫]سورة الحجرات‪.[2 :‬‬
‫قال ابن عاشور‪ " :‬ظاهر الية التحذير من حبط جميع العمال لن الجمع‬
‫المضاف من صيغ العموم ول يكون حبط جميع العمال إل في حالة الكفر‬
‫لن من العمال اليمان فمعنى الية‪ :‬أن عدم الحتراز من سوء الدب مع‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذا النهي قد يفضي بفاعله إلى إثم عظيم‬
‫يأتي على عظيم من صالحاته أو يفضي به إلى الكفر‪.‬‬
‫قال ابن عطية‪ :‬أي يكون ذلك سببا ً إلى الوحشة في نفوسكم فل تزال‬
‫معتقداتكم تتدرج القهقرى حتى يؤول ذلك إلى الكفر فحبط العمال‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬لن عدم النتهاء عن سوء الدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫يعود النفس بالسترسال فيه فل تزال تزداد منه وينقص توفير الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم من النفس وتتولى من سيء إلى أشد منه حتى يؤول إلى‬
‫عدم الكتراث بالتأدب معه وذلك كفر‪ .‬وهذا معنى }وأنتم ل تشعرون{ لن‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المنتقل من سيء إلى أسوأ ل يشعر بأنه آخذ في التملي من السوء بحكم‬
‫التعود بالشيء قليل ً حتى تغمره المعاصي وربما كان آخرها الكفر حين تضرى‬
‫النفس بالقدام على ذلك‪.‬‬
‫ويجوز أن يراد حبط بعض العمال على أنه عام مراد به الخصوص فيكون‬
‫المعنى حصول حطيطة في أعمالهم بغلبة عظم ذنب جهرهم له بالقول‪ ،‬وهذا‬
‫مجمل ل يعلم مقدار الحبط إل الله تعالى " ]التحرير و التنوير‪) ،‬ج‬
‫‪.[(17/4090‬‬
‫ففي قوله }وأنتم ل تشعرون{ تنبيه إلى مزيد الحذر من هذه المهلكات حتى‬
‫يصير ذلك دربة حتى يصل إلى ما يحبط العمال‪ ،‬وليس عدم الشعور كائنا‬
‫في إتيان الفعل المنهي عنه لنه لو كان كذلك لكان صاحبه غير مكلف لمتناع‬
‫تكليف الغافل ونحوه‪.‬‬
‫}يا أيها الذين آمنوا{‪ ..‬ليوقروا النبي الذي دعاهم إلى اليمان‪.‬‬
‫}أن تحبط أعمالكم وأنتم ل تشعرون{‪ ..‬ليحذروا هذا المزلق الذي قد ينتهي‬
‫بهم إلى حبوط أعمالهم‪ ،‬وهم غير شاعرين ول عالمين‪ ،‬ليتقوه!‬
‫أثر هذا النداء في نفوس الصحابة‪:‬‬
‫ولقد عمل في نفوسهم ذلك النداء الحبيب‪ ،‬وهذا التحذير المرهوب‪ ،‬عمله‬
‫العميق الشديد‪:‬‬
‫قال البخاري‪ :‬عن ابن أبي مليكة قال‪ :‬كاد الخيران أن يهلكا‪ ..‬أبو بكر وعمر‬
‫رضي الله عنهما ؛ رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم‬
‫عليه ركب بني تميم في السنة التاسعة من الهجرة‪ ،‬فأشار أحدهما بالقرع‬
‫بن حابس رضي الله عنه أخي بني مجاشع أي ليؤمره عليهم وأشار الخر‬
‫برجل آخر‪ .‬قال نافع‪ :‬ل أحفظ اسمه "في رواية أخرى أن اسمه القعقاع بن‬
‫معبد" فقال‪ :‬أبو بكر لعمر رضي الله عنهما ما أردت إل خلفي‪ .‬فقال‪ :‬ما‬
‫أردت خلفك‪ .‬فارتفعت أصواتهما في ذلك‪ .‬فأنزل الله تعالى‪} :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا ل ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي‪ ،‬ول تجهروا له بالقول كجهر‬
‫بعضكم لبعض‪ ،‬أن تحبط أعمالكم وأنتم ل تشعرون{‪ .‬قال ابن الزبير رضي‬
‫الله عنه‪ :‬فما كان عمر رضي الله عنه يسمع رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم بعد هذه الية حتى يستفهمه! وروي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه‬
‫قال لما نزلت هذه الية‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬والله ل أكلمك إل كأخي‬
‫السرار "يعني كالهمس! "‪.‬‬
‫منقبة عظيمة لثابت بن قيس رضي الله عنه‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫عن أنس بن مالك رضي الله عنه‪ :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم افتقد ثابت‬
‫بن قيس‪ ،‬فقال رجل‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أنا أعلم لك علمه‪ ،‬فأتاه فوجده جالسا‬
‫في بيته‪ ،‬منكسا رأسه‪ ،‬فقال‪ :‬ما شأنك؟ فقال‪ :‬شر‪ ،‬كان يرفع صوته فوق‬
‫صوت النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقد حبط عمله‪ ،‬وهو من أهل النار‪ .‬فأتى‬
‫الرجل فأخبره أنه قال كذا وكذا‪ .‬فقال موسى بن أنس‪ :‬فرجع المرة الخرة‬
‫ببشارة عظيمة‪ ،‬فقال‪) :‬اذهب إليه‪ ،‬فقل له‪ :‬إنك لست من أهل النار‪ ،‬ولكن‬
‫من أهل الجنة(‪] .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب المناقب‪ ،‬باب‪ :‬علمات النبوة في‬
‫السلم‪ ،‬رقم الحديث )‪.[(3417‬‬
‫قال أنس رضي الله عنه‪ :‬فكنا نراه يمشي بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من‬
‫أهل الجنة‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال النووي‪ :‬في هذا الحديث‪:‬‬


‫منقبة عظيمة لثابت بن قيس رضي الله عنه وهي أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أخبر أنه من أهل الجنة‪.‬‬
‫وفيه أنه ينبغي للعالم وكبير القوم أن يتفقد أصحابه ويسأل عمن غاب منهم‪.‬‬
‫فهكذا ارتعشت قلوبهم وارتجفت تحت وقع ذلك النداء الحبيب‪ ،‬وذلك التحذير‬
‫الرعيب ; وهكذا تأدبوا في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية أن‬
‫تحبط أعمالهم وهم ل يشعرون‪ .‬ولو كانوا يشعرون لتداركوا أمرهم! ولكن‬
‫هذا المنزلق الخافي عليهم كان أخوف عليهم‪ ،‬فخافوه واتقوه!‬
‫ونوه الله بتقواهم‪ ،‬وغضهم أصواتهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫في تعبير عجيب‪:‬‬
‫}إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم‬
‫للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم{‪.‬‬
‫فالتقوى هبة عظيمة‪ ،‬يختار الله لها القلوب‪ ،‬بعد امتحان واختبار‪ ،‬وبعد تخليص‬
‫وتمحيص‪ ،‬فل يضعها في قلب إل وقد تهيأ لها‪ ،‬وقد ثبت أنه يستحقها‪ .‬والذين‬
‫يغضون أصواتهم عند رسول الله قد اختبر الله قلوبهم وهيأها لتلقي تلك‬
‫الهبة‪ .‬هبة التقوى‪ .‬وقد كتب لهم معها وبها المغفرة والجر العظيم‪.‬‬
‫إنه الترغيب العميق‪ ،‬بعد التحذير المخيف‪ .‬بها يربي الله قلوب عباده‬
‫المختارين‪ ،‬ويعدها للمر العظيم‪ .‬الذي نهض به الصدر الول على هدى من‬
‫هذه التربية ونور‪.‬‬
‫وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع صوت‬
‫رجلين في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قد ارتفعت أصواتهما‪ ،‬فجاء‬
‫فقال‪ :‬أتدريان أين أنتما ? ثم قال‪ :‬من أين أنتما ? قال‪ :‬من أهل الطائف‪.‬‬
‫فقال‪ :‬لو كنتما من أهل المدينة لوجعتكما ضربا!‬
‫وعرف علماء هذه المة وقالوا‪ :‬إنه يكره رفع الصوت عند قبره صلى الله‬
‫عليه وسلم كما كان يكره في حياته صلى الله عليه وسلم احتراما ً له في كل‬
‫حال‪.‬‬
‫ثم أشار إلى حادث وقع من وفد بني تميم حين قدموا على رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم في العام التاسع‪ .‬الذي سمي "عام الوفود"‪ ..‬لمجيء وفود‬
‫العرب من كل مكان بعد فتح مكة‪ ،‬ودخولهم في السلم‪ ،‬وكانوا أعرابا جفاة‪،‬‬
‫فنادوا من وراء حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم المطلة على‬
‫المسجد النبوي الشريف‪ :‬يا محمد‪ .‬اخرج لنا‪ .‬فكره النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم هذه الجفوة وهذا الزعاج‪ .‬فنزل قوله تعالى‪:‬‬
‫}إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم ل يعقلون * ولو أنهم صبروا‬
‫حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم{‪.‬‬
‫فوصفهم الله بأن أكثرهم ل يعقلون‪ .‬وكره إليهم النداء على هذه الصفة‬
‫المنافية للدب والتوقير اللئق بشخص النبي صلى الله عليه وسلم وحرمة‬
‫رسول الله القائد والمربي‪ .‬وبين لهم الولى والفضل وهو الصبر والنتظار‬
‫حتى يخرج إليهم‪ .‬وحبب إليهم التوبة والنابة‪ ،‬ورغبهم في المغفرة والرحمة‪.‬‬
‫وقد وعى المسلمون هذا الدب الرفيع‪ ،‬وتجاوزوا به شخص رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم إلى كل أستاذ وعالم‪ .‬ل يزعجونه حتى يخرج إليهم ; ول‬
‫يقتحمون عليه حتى يدعوهم‪ ..‬يحكى عن أبي عبيد العالم الزاهد الراوية الثقة‬
‫أنه قال‪" :‬ما دققت بابا على عالم قط حتى يخرج في وقت خروجه" ]في‬
‫ظلل القرآن‪) ،‬ج ‪.[( 3340 / 6‬‬
‫خامسًا‪ :‬الردة‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت‬‫حب ِط َ ْ‬
‫ك َ‬ ‫كافٌِر فَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ت وَهُوَ َ‬ ‫عن ِدين ِهِ فَي َ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫منك ُ ْ‬
‫من ي َْرت َدِد ْ ِ‬
‫قال تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن{ ]سورة‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫َ‬
‫خَرةِ وَأوْلئ ِك أ ْ‬ ‫مال ُهُ ْ‬
‫م ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫أعْ َ‬
‫البقرة‪.[217 :‬‬
‫قال القرطبي رحمه الله‪ " :‬استظهر علماؤنا بقوله تعالى‪} :‬لئن أشركت‬
‫ليحبطن عملك{ ]سورة الزمر‪:[65 :‬‬
‫قالوا‪ :‬وهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته; لنه عليه السلم‬
‫يستحيل منه الردة شرعًا‪.‬‬
‫وقال أصحاب الشافعي‪ :‬بل هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم على‬
‫طريق التغليظ على المة‪ ،‬وبيان أن النبي صلى الله عليه وسلم على شرف‬
‫منزلته لو أشرك لحبط عمله; فكيف أنتم! لكنه ل يشرك لفضل مرتبته‪.‬‬
‫وقال علماؤنا‪ :‬إنما ذكر الله الموافاة شرطا ً ها هنا لنه علق عليها الخلود في‬
‫النار جزاء; فمن وافى على الكفر خلده الله في النار بهذه الية‪ ،‬ومن أشرك‬
‫حبط عمله بالية الخرى‪.‬‬
‫فهما آيتان مفيدتان لمعنيين‪ ،‬وحكمين متغايرين‪ .‬وما خوطب به عليه السلم‬
‫فهو لمته حتى يثبت اختصاصه‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫و قال السعدي – رحمه الله‪ " :‬دلت الية بمفهومها‪ ،‬أن من ارتد ثم عاد إلى‬
‫السلم‪ ،‬أنه يرجع إليه عمله و كذلك من تاب من المعاصي‪ ،‬فإنها تعود إليه‬
‫أعماله المتقدمة " ]تفسير السعدي‪) ،‬ص ‪.[(106‬‬
‫قال ابن عاشور – رحمه الله‪ " :‬والمقصد منه التحذير‪ ،‬لنه لما ذكر حرص‬
‫المشركين على رد المسلمين عن السلم وعقبه باستبعاد أن يصدر ذلك من‬
‫المسلمين‪ ،‬أعقبه بالتحذير منه‪ ،‬وجيء بصيغة يرتدد وهي صيغة مطاوعة‬
‫إشارة إلى أن رجوعهم عن السلم إن قدر حصوله ل يكون إل عن محاولة‬
‫من المشركين فإن من ذاق حلوة اليمان ل يسهل عليه رجوعه عنه ومن‬
‫عرف الحق ل يرجع عنه إل بعناء" ]التحرير و التنوير‪ ،‬الطاهر ابن عاشور‪) ،‬ج‬
‫‪.[(3/603‬‬
‫" ومن يرتدد عن السلم وقد ذاقه وعرفه ; تحت مطارق الذى والفتنة مهما‬
‫بلغت هذا مصيره الذي قرره الله له‪ ..‬حبوط العمل في الدنيا والخرة‪ .‬ثم‬
‫ملزمة العذاب في النار خلودًا‪.‬‬
‫إن القلب الذي يذوق السلم ويعرفه‪ ،‬ل يمكن أن يرتد عنه ارتدادا ً حقيقيا‬
‫أبدًا‪ .‬إل إذا فسد فسادا ً ل صلح له‪ .‬وهذا أمر غير التقية من الذى البالغ الذي‬
‫يتجاوز الطاقة‪ .‬فالله رحيم‪ .‬رخص للمسلم حين يتجاوز العذاب طاقته أن‬
‫يقي نفسه بالتظاهر‪ ،‬مع بقاء قلبه ثابتا على السلم مطمئنا باليمان‪ .‬ولكنه‬
‫لم يرخص له في الكفر الحقيقي‪ ،‬وفي الرتداد الحقيقي‪ ،‬بحيث يموت وهو‬
‫كافر‪ ..‬والعياذ بالله‪..‬‬
‫وهذا التحذير من الله قائم إلى آخر الزمان‪ ..‬ليس لمسلم عذر في أن يخنع‬
‫للعذاب والفتنة فيترك دينه ويقينه‪ ،‬ويرتد عن إيمانه وإسلمه‪ ،‬ويرجع عن‬
‫الحق الذي ذاقه وعرفه‪ ..‬وهناك المجاهدة والمجالدة والصبر والثبات حتى‬
‫يأذن الله‪ .‬والله ل يترك عباده الذين يؤمنون به‪ ،‬ويصبرون على الذى في‬
‫سبيله‪ .‬فهو معوضهم خيرًا‪ :‬إحدى الحسنيين‪ :‬النصر أو الشهادة " ]في ظلل‬
‫القرآن‪) ،‬ج ‪.[(222 /1‬‬
‫سادسًا‪ :‬الكفر بآيات الله و قتل النبيين و الذين يأمرون الناس بالقسط‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال تعالى‪} :‬إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون‬
‫ت‬ ‫حب ِط َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬‫الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم * ُأول َئ ِ َ‬
‫َ‬
‫ن{ ]سورة آل عمران‪.[22 :‬‬ ‫ري َ‬‫ص ِ‬‫من ّنا ِ‬ ‫ما ل َُهم ّ‬ ‫خَرةِ وَ َ‬ ‫م ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫مال ُهُ ْ‬‫أعْ َ‬
‫" فهذا هو المصير المحتوم‪ :‬عذاب أليم‪ .‬ل يحدده بالدنيا أو بالخرة‪ .‬فهو‬
‫متوقع هنا وهناك‪ .‬وبطلن لعمالهم في الدنيا والخرة في تعبير مصور‪..‬‬
‫وهكذا أعمال هؤلء قد تنتفخ وتتضخم في العين‪ .‬ولكنه النتفاخ المؤدي إلى‬
‫البطلن والهلك! حيث ل ينصرهم ناصر ول يدفع عنهم حام! " ]في ظلل‬
‫القرآن‪) ،‬ج ‪.[(375376 /1‬‬
‫سابعًا‪ :‬النفاق‪:‬‬
‫َ‬ ‫ن إ ِل َي ْ َ‬ ‫خو ُ َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫دوُر أعْي ُن ُهُ ْ‬ ‫ك تَ ُ‬ ‫م َينظ ُُرو َ‬ ‫ف َرأي ْت َهُ ْ‬ ‫جاء ال ْ َ ْ‬ ‫م فَإ َِذا َ‬ ‫ة عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ح ً‬ ‫ش ّ‬ ‫قال تعالى‪} :‬أ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫ح ً‬ ‫ش ّ‬ ‫داد ٍ أ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫سن َةٍ ِ‬ ‫كم ب ِأل ْ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫سل َ ُ‬‫ف َ‬ ‫خو ْ ُ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ت فَإ َِذا ذ َهَ َ‬ ‫مو ْ ِ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫شى عَل َي ْهِ ِ‬ ‫ذي ي ُغْ َ‬ ‫كال ّ ِ‬‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫سيًرا{‬ ‫ك عََلى الل ّهِ ي َ ِ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫كا َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مال َهُ ْ‬ ‫ه أعْ َ‬ ‫ط الل ّ ُ‬ ‫حب َ َ‬
‫مُنوا فَأ ْ‬ ‫م ي ُؤْ ِ‬ ‫ك لَ ْ‬ ‫خي ْرِ أوْل َئ ِ َ‬ ‫عََلى ال ْ َ‬
‫]سورة الحزاب‪.[19 :‬‬
‫" فهذه هي العلة الولى‪ .‬العلة أن قلوبهم لم تخالطها بشاشة اليمان‪ ،‬ولم‬
‫تهتد بنوره‪ ،‬ولم تسلك منهجه‪} .‬فأحبط الله أعمالهم{‪ ..‬ولم ينجحوا لن‬
‫عنصر النجاح الصيل ليس هناك " ]المصدر السابق[‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ؤلء ال ّذي َ‬ ‫مُنوا ْ أ َهَ ُ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ن‬ ‫ما‬
‫ِ ِ َ ْ َ ْ َ ِ ِ ْ ِّ ُ ْ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫بال‬ ‫ا‬ ‫مو‬ ‫س ُ‬ ‫ن أقْ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬وَي َ ُ‬
‫حوا ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن{ ]سورة المائدة‪.[53 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫صب َ ُ‬ ‫م فَأ ْ‬ ‫مال ُهُ ْ‬‫ت أع ْ َ‬ ‫حب ِط َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫لَ َ‬
‫" لقد جاء الله بالفتح يومًا‪ ،‬وتكشفت نوايا‪ ،‬وحبطت أعمال‪ ،‬وخسرت فئات‪.‬‬
‫ونحن على وعد من الله قائم بأن يجيء الفتح‪ ،‬كلما استمسكنا بعروة الله‬
‫وحده ; وكلما أخلصنا الولء لله وحده‪ .‬وكلما وعينا منهج الله‪ ،‬وأقمنا عليه‬
‫تصوراتنا وأوضاعنا‪ .‬وكلما تحركنا في المعركة على هدى الله وتوجيهه‪ .‬فلم‬
‫نتخذ لنا وليا ً إل الله ورسوله والذين آمنوا " ]في ظلل القرآن‪) ،‬ج ‪.[(2/917‬‬
‫ثامنًا‪ :‬التكذيب بآيات الله و لقاء الخرة‬
‫َ‬
‫ن إ ِل ّ‬ ‫جَزوْ َ‬ ‫ل يُ ْ‬ ‫م هَ ْ‬ ‫مال ُهُ ْ‬ ‫ت أعْ َ‬ ‫حب ِط َ ْ‬ ‫خَرةِ َ‬ ‫قاء ال ِ‬ ‫ن ك َذ ُّبوا ْ ِبآَيات َِنا وَل ِ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال تعالى‪َ} :‬وال ّ ِ‬
‫ن{ ]سورة العراف‪.[147 :‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َعْ َ‬‫ما َ‬ ‫َ‬
‫" وإن النسان ليصادف هذا الصنف من الخلق بوصفه هذا وسمته وملمحه‪،‬‬
‫فيرى كأنما يتجنب الرشد ويتبع الغي دون جهد منه‪ ،‬ودون تفكير ول تدبير!‬
‫فهو يعمى عن طريق الرشد ويتجنبه‪ ،‬وينشرح لطريق الغي ويتبعه! وهو في‬
‫الوقت ذاته مصروف عن آيات الله ل يراها ول يتدبرها ول تلتقط أجهزته‬
‫إيحاءاتها وإيقاعاتها! وسبحان الله! فمن خلل اللمسات السريعة في العبارة‬
‫القرآنية العجيبة ينتفض هذا النموذج من الخلق شاخصا ً بارزا ً حتى ليكاد‬
‫القارئ يصيح لتوه‪ :‬نعم‪ .‬نعم‪ .‬أعرف هذا الصنف من الخلق‪ ..‬إنه فلن!!! وإنه‬
‫ي الموصوف بهذه الكلمات!!!‬ ‫للمعن ّ‬
‫)‪(4 /‬‬

‫وما يظلم الله هذا الصنف من الخلق بهذا الجزاء المردي المؤدي إلى الهلك‬
‫في الدنيا والخرة‪ ..‬إنما هو الجزاء الحق لمن يكذب بآيات الله ويغفل عنها‪،‬‬
‫ويتكبر في الرض بغير الحق‪ ،‬ويتجنب سبيل الرشد حيثما رآه‪ ،‬ويهرع إلى‬
‫سبيل الغي حيثما لح له! فإنما بعمله جوزي ; وبسلوكه أورد موارد الهلك "‬
‫]في ظلل القرآن‪) ،‬ج ‪.[(1372 /3‬‬
‫" وحبوط العمال مأخوذ من قولهم‪ :‬حبطت الناقة‪ ..‬إذا رعت نباتا ً ساما‪ً،‬‬
‫فانتفخ بطنها ثم نفقت‪ ..‬وهو وصف ملحوظ فيه طبيعة الباطل الذي يصدر‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من المكذبين بآيات الله ولقاء الخرة‪ .‬فهو ينتفخ حتى يظنه الناس من عظمة‬
‫وقوة! ثم ينفق كما تنفق الناقة التي رعت ذلك النبات السام!‬
‫وإنه لجزاء كذلك حق أن تحبط وتهلك أعمال الذين كذبوا بآيات الله ولقاء‬
‫الخرة‪.‬‬
‫ولكن كيف ُتحبط هذه العمال ؟‬
‫" من ناحية العتقاد‪ :‬نحن نؤمن بصدق وعيد الله ل محالة‪ ،‬أيا ً كانت الظواهر‬
‫التي تخالف هذه العاقبة المحتومة‪ .‬فحيثما كذب أحد بآيات الله ولقائه في‬
‫الخرة حبط عمله وبطل‪ ،‬وهلك في النهاية وذهب كأن لم يكن‪.‬‬
‫ومن ناحية النظر‪ :‬نحن نجد السبب واضحا ً في حياة البشر‪ ..‬إن الذي يكذب‬
‫بآيات الله المبثوثة في صفحات هذا الكون المنشور‪ ،‬أو آياته المصاحبة‬
‫للرسالت‪ ،‬أو التي يحملها الرسل ; ويكذب تبعا ً لهذا بلقاء الله في اليوم‬
‫الخر‪ ..‬إن هذا الكائن المسيخ روح ضالة شاردة عن طبيعة هذا الكون‬
‫المؤمن المسلم ونواميسه‪ ..‬ل تربطه بهذا الكون رابطة‪ .‬وهو منقطع عن‬
‫دوافع الحركة الصادقة الموصولة بغاية الوجود واتجاهه‪ .‬وكل عمل يصدر عن‬
‫مثل هذا المسخ المقطوع هو عمل حابط ضائع‪ ،‬ولو بدا أنه قائم وناجح‪ .‬لنه‬
‫ل ينبعث عن البواعث الصيلة العميقة في بنية هذا الوجود ; ول يتجه إلى‬
‫الغاية الكبيرة التي يتجه إليها الكون كله‪ .‬شأنه شأن الجدول الذي ينقطع عن‬
‫النبع الول ; فمآله إلى الجفاف والضياع في يوم قريب أو بعيد!‬
‫والذين ل يرون العلقة الوثيقة بين تلك القيم اليمانية وحركة التاريخ‬
‫النساني ; والذين يغفلون عن قدر الله الذي يجري بعاقبة الذين يتنكرون‬
‫لهذه القيم‪ ..‬هؤلء إنما هم الغافلون الذين أعلن الله سبحانه عن مشيئته في‬
‫أمرهم‪ ،‬بصرفهم عن رؤية آياته‪ ،‬وتدبر سننه‪ ..‬وقدر الله يتربص بهم وهم عنه‬
‫غافلون‪..‬‬
‫والذين يخدعهم ما يرونه في المد القصير المحدود‪ ،‬من فلح بعض الذين‬
‫يغفلون عن تلك القيم اليمانية ونجاحهم ; إنما يخدعهم النتفاخ الذي يصيب‬
‫الدابة وقد رعت النبت السام ; فيحسبونه شحما ً وسمنة وعافية وصحة‪..‬‬
‫والهلك يترصدها بعد النتفاخ والحبوط! " ]في ظلل القرآن‪) ،‬ج‬
‫‪.[( / 313731372‬‬
‫تاسعًا‪ :‬إرادة الحياة الدنيا و زينتها‬
‫َ‬
‫م‬‫م ِفيَها وَهُ ْ‬‫مال َهُ ْ‬‫م أع ْ َ‬‫ف إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫حَياةَ الد ّن َْيا وَِزين َت ََها ن ُوَ ّ‬‫ريد ُ ال ْ َ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫من َ‬ ‫قال تعالى‪َ } :‬‬
‫صن َُعوا ْ‬ ‫حب ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما َ‬ ‫ط َ‬ ‫خَرةِ إ ِل ّ الّناُر وَ َ‬ ‫م ِفي ال َ ِ‬ ‫س ل َهُ ْ‬ ‫ن ل َي ْ َ‬‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ن * أوْلئ ِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫خ ُ‬‫ِفيَها ل َ ي ُب ْ َ‬
‫ن{ ]سورة هود‪[1617 :‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َعْ َ‬
‫ما َ‬ ‫ل ّ‬‫ِفيَها وََباط ِ ٌ‬
‫قال ابن كثير – رحمه الله‪ " :‬عن ابن عباس في هذه الية‪ :‬إن أهل الرياء‬
‫يعطون بحسناتهم في الدنيا وذلك أنهم ل يظلمون نقيرا ً يقول من عمل‬
‫صالحا ً التماس الدنيا صوما ً أو صلة أو تهجدا ً بالليل ل يعمله إل التماس الدنيا‬
‫يقول الله تعالى‪ :‬أوفيه الذي التمس في الدنيا من المثابة وحبط عمله الذي‬
‫كان يعمله للتماس الدنيا وهو في الخرة من الخاسرين"‪.‬‬
‫و قال مجاهد وغيره‪ " :‬نزلت في أهل الرياء‪ ،‬وقال قتادة‪ :‬من كانت الدنيا‬
‫همه ونيته وطلبته جازاه الله بحسناته في الدنيا ثم يفضي إلى الخرة وليس‬
‫ى بها جزاء وأما المؤمن فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب‬ ‫له حسنة يعط َ‬
‫عليها في الخرة " ]تفسير القرآن العظيم‪) ،‬ج ‪.[(455 /2‬‬
‫و عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪ :‬قال‪ :‬رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪) :‬إن الله ل يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في‬
‫الخرة وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلى الخرة لم تكن له حسنة يجزى بها( ]صحيح مسلم‪ ،‬باب‪ :‬جزاء المؤمن‬
‫بحسناته في الدنيا والخرة وتعجيل حسنات الكافر في الدنيا‪) ،‬ج ‪ ،(1/97‬رقم‬
‫)‪.[(2808‬‬
‫و عن أنس بن مالك أيضا ً أنه حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫)إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة من الدنيا وأما المؤمن فإن الله‬
‫يدخر له حسناته في الخرة ويعقبه رزقا في الدنيا على طاعته( ]صحيح‬
‫مسلم‪) ،‬ج ‪.[(1/98‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫" إن للجهد في هذه الرض ثمرته‪ .‬سواء تطلع صاحبه إلى أفق أعلى أو توجه‬
‫به إلى منافعه القريبة وذاته المحدودة‪ .‬فمن كان يريد الحياة الدنيا وزينتها‬
‫فعمل لها وحدها‪ ،‬فإنه يلقى نتيجة عمله في هذه الدنيا ; ويتمتع بها كما يريد‬
‫في أجل محدود ولكن ليس له في الخرة إل النار‪ ،‬لنه لم يقدم للخرة شيئا‪ً،‬‬
‫ولم يحسب لها حسابًا‪ ،‬فكل عمل الدنيا يلقاه في الدنيا‪ .‬ولكنه باطل في‬
‫الخرة ل يقام له فيها وزن وحابط ]من حبطت الناقة إذا انتفخ بطنها من‬
‫المرض[ وهي صورة مناسبة للعمل المنتفخ المتورم في الدنيا وهو مؤد إلى‬
‫الهلك!‬
‫ونحن نشهد في هذه الرض أفرادا ً اليوم وشعوبا ً وأمما تعمل لهذه الدنيا‪،‬‬
‫وتنال جزاءها فيها‪ ،‬زينة‪ ،‬ولدنياها انتفاخ! فل يجوز أن نعجب ول أن نسأل‪:‬‬
‫لماذا ? لن هذه هي سنة الله في هذه الرض‪} :‬من كان يريد الحياة الدنيا‬
‫وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها ل يبخسون{‪.‬‬
‫ولكن التسليم بهذه السنة ونتائجها ل يجوز أن ينسينا أن هؤلء كان يمكن أن‬
‫يعملوا نفس ما عملوه ونفوسهم تتطلع للخرة وتراقب الله في الكسب‬
‫والمتاع فينالوا زينة الحياة الدنيا ل يبخسون منها شيئًا‪ ،‬وينالوا كذلك متاع‬
‫الحياة الخرى " ]في ظلل القرآن‪) ،‬ج ‪.[( 18621863 /4‬‬
‫" إن العمل للحياة الخرى ل يقف في سبيل العمل للحياة الدنيا‪ .‬بل إنه هو‬
‫هو مع التجاه إلى الله فيه‪ .‬ومراقبة الله في العمل ل تقلل من مقداره ول‬
‫تنقص من آثاره ; بل تزيد وتبارك الجهد والثمر‪ ،‬وتجعل الكسب طيبا ً والمتاع‬
‫به طيبًا‪ ،‬ثم تضيف إلى متاع الدنيا متاع الخرة‪ .‬إل أن يكون الغرض من متاع‬
‫الدنيا هو الشهوات الحرام‪ .‬وهذه مردية ل في الخرى فحسب‪ ،‬بل كذلك في‬
‫الدنيا ولو بعد حين‪ .‬وهي ظاهرة في حياة المم وفي حياة الفراد‪ .‬وعبر‬
‫التاريخ شاهدة على مصير كل أمة اتبعت الشهوات على مدار القرون" ]في‬
‫ظلل القرآن‪) ،‬ج ‪.[(1863 / 4‬‬
‫عاشرًا‪ :‬الشرك‬
‫َ‬
‫ن عَلى‬ ‫جد َ الله َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫ما َ‬
‫دي َ‬
‫شاهِ ِ‬ ‫سا ِ‬
‫م َ‬ ‫مُروا َ‬‫ن أن ي َعْ ُ‬ ‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬ ‫ن ل ِل ُ‬‫كا َ‬ ‫قال تعالى‪َ } :‬‬
‫ن{ ]سورة التوبة‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫فرِ أوْلئ ِ َ‬‫م ِبال ْك ُ ْ‬ ‫َأن ُ‬
‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬
‫م َ‬
‫م وَِفي الّنارِ هُ ْ‬ ‫مالهُ ْ‬ ‫ت أعْ َ‬ ‫حب ِط ْ‬ ‫ك َ‬ ‫سهِ ْ‬
‫ف ِ‬
‫‪.[17‬‬
‫ً‬
‫فأعمالهم باطلة‪ ،‬و فاسدة أصل‪ ،‬ومنها عمارة بيت الله التي ل تقوم إل على‬
‫قاعدة من توحيد الله‪.‬‬
‫إن العبادة تعبير عن العقيدة ; فإذا لم تصح العقيدة لم تصح العبادة ; وأداء‬
‫الشعائر وعمارة المساجد ليست بشيء ما لم تعمر القلوب بالعتقاد اليماني‬
‫الصحيح‪ ،‬وبالعمل الواقع الصريح‪ ،‬وبالتجرد لله في العمل والعبادة على‬
‫السواء " ]في ظلل القرآن‪) ،‬ج ‪.[(1614 /3‬‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حب َط َ ّ‬
‫ن‬ ‫ت ل َي َ ْ‬
‫شَرك ْ َ‬‫ن أَ ْ‬
‫ك ل َئ ِ ْ‬
‫ن قَب ْل ِ َ‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ك وَإ َِلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ي إ ِل َي ْ َ‬ ‫ح َ‬‫قد ْ ُأو ِ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬وَل َ َ‬
‫رين{ ]سورة الزمر‪.[65 :‬‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫ك وَل َت َ ُ‬
‫كون َ ّ‬ ‫مل ُ َ‬
‫عَ َ‬
‫والله يقول للرسول صلى الله عليه وسلم‪ :‬إن الله قد أوحى إليك كما أوحى‬
‫إلى النبيين من قبلك أن الشرك يحبط العمل ويفسده‪ ،‬ويئول في النهاية إلى‬
‫الخسران‪ ،‬الخسران الكبر في الخرة بدخول النار والعياذ بالله‪.‬‬
‫منُثوًرا{ ]سورة‬ ‫جعَل َْناه ُ هََباء ّ‬ ‫ل فَ َ‬‫م ٍ‬
‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مُلوا ِ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫مَنا إ َِلى َ‬ ‫و قال تعالى‪} :‬وَقَدِ ْ‬
‫الفرقان‪.[23 :‬‬
‫" هذا يوم القيامة حين يحاسب الله العباد على ما عملوه من الخير والشر‬
‫فأخبر أنه ل يحصل لهؤلء المشركين من العمال التي ظنوا أنها منجاة لهم‬
‫شيء وذلك لنها فقدت الشرط الشرعي‪:‬‬
‫إما الخلص فيها‪.‬‬
‫وإما المتابعة لشرع الله‪.‬‬
‫فكل عمل ل يكون خالصا وعلى الشريعة المرضية فهو باطل فأعمال الكفار‬ ‫ً‬
‫ل تخلو من واحد من هذين وقد تجمعهما معا فتكون أبعد من القبول حينئذ‪.‬‬
‫ولهذا قال تعالى‪" :‬وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورًا"‪.‬‬
‫قال مجاهد والثوري "وقدمنا" أي عمدنا وكذا قال السدي‪ .‬وبعضهم يقول أتينا‬
‫عليه‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪" :‬فجعلناه هباء منثورا" قال سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن‬
‫الحارث عن علي رضي الله عنه في قوله‪" :‬هباء منثورا" قال شعاع الشمس‬
‫إذا دخل الكوة‪.‬‬
‫وكذا قال الحسن البصري هو الشعاع في كوة أحدكم ولو ذهب يقبض عليه‬
‫لم يستطع‪.‬‬
‫ً‬
‫و عن ابن عباس‪" :‬هباء منثورا " قال هو الماء المهراق‪.‬‬
‫و عن علي‪" :‬هباء منثورا ً "‪ .‬قال الهباء وهج الدواب‪.‬‬
‫وقال قتادة في قوله‪" :‬هباء منثورا ً "‪ ،‬قال أما رأيت يبس الشجر إذا ذرته‬
‫الريح؟ فهو ذلك الورق‪ .‬وعن عبيد بن يعلى قال‪ :‬وإن الهباء الرماد إذا ذرته‬
‫الريح‪.‬‬
‫" وحاصل هذه القوال التنبيه على مضمون الية وذلك أنهم عملوا أعمال ً‬
‫اعتقدوا أنها على شيء فلما عرضت على الملك الحكم العدل الذي ل يجور‬
‫ول يظلم أحدا ً إذا إنها ل شيء بالكلية وشبهت في ذلك بالشيء التافه الحقير‬
‫المتفرق الذي ل يقدر صاحبه منه على شيء بالكلية "‪.‬‬
‫إن الناس فى الجاهلية المعاصرة قد انتفخوا من كثرة ما أعطاهم الله‬
‫استدراجا ً عن طريق التقدم العلمى من سيارات وثلجات وطائرات وصواريخ‬
‫وقنابل ذرية ونووية وأموال وخيرات من كل النواع‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫انتفخوا بكل ذلك حتى وصلت بهم ))النفخة(( إلى الستكبار على الله‪ ،‬يقول‬
‫الله عن أمثالهم‪} :‬فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم{‬
‫]سورة غافر‪.[83 :‬‬
‫ولكنه انتفاخ كانتفاخ الناقة الحابطة بالغذاء المسموم ‪0‬‬
‫فاستثمار خيرات الرض وصل حاليا ً إلى حد لم يبلغه في التاريخ‪ ،‬والفقر‬
‫الجاثم على كثير من ربوع الرض ليس له كذلك مثيل في التاريخ!‬
‫وتقدم الطب بلغ درجة لم يصلها من قبل قط‪ ،‬ونسبة المرض كذلك في تزايد‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مستمر‪ ،‬وتنشأ أمراض جديدة ل عهد للبشرية بها من قبل‪ ،‬وآخرها مرض‬
‫نقص المناعة المكتسبة المسمى باليدز ‪0‬‬
‫والتنادى بالحريات السياسية والحريات النسانية يشبه الدوى فى برلمانات‬
‫الرض‪ ،‬وصحفها ووسائل إعلمها‪ ،‬والعبودية التي يعيش الناس فيها في أكثر‬
‫بقاع الرض أبشع عبودية في التاريخ ‪0‬‬
‫ووسائل المتاع التي اخترعها البشر ليتناولوا بها أكبر قسط من متاع الرض ل‬
‫مثيل لها في كثرتها وتنوعها واستغراقها لحياة الناس‪ ،‬ودرجة الشقاء التي‬
‫يحسها الناس من أول الضطرابات النفسية إلى الجنون ل مثيل لها كذلك‬
‫في كل التاريخ! " ]ركائز اليمان‪ ،‬محمد قطب‪) ،‬ص ‪[(126‬‬
‫‪2005 /09 /18‬‬
‫‪ http://islameiat.com‬المصدر‪:‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫احذروا سوسو التكفيري ‪...‬‬


‫‪26-02-2005‬‬
‫ً‬
‫ل بد للحق أن يقال‪ ،‬فإن كثيرا من الناس وإن لم يلتزموا ببعض أحكام‬
‫السلم‪ ،‬ويخرجون عن بعضها الخر‪ ،‬يحبون السلم ويغارون على أمتهم‪،‬‬
‫وهذا معتقد مترسخ في قلوبهم‪ ،‬فهم جزء من المة‪ ،‬يصيبهم ما يصيبها‪،‬‬
‫يحزنون لحزنها‪ ،‬ويفرحون لفرحها‪ ،‬كذلك الحال مع صاحبنا سوسو المطرب‪،‬‬
‫فهو وإن كان مولعا ً بالغناء والعزف‪ ،‬إل أنه يعيش بين ظهراني المة‪ ،‬يسمع‬
‫ويرى ما يحل بها من نكبات وأزمات‪ ،‬فما من يوم يمر عليها إل وفيه قتل ـ‬
‫وقصف‪ ،‬واحتلل‪ ،‬ونهب وسلب‪ ،‬وغير ذلك مما تعانيه المة‪ ،‬وكل هذا يجري‬
‫تحت ذريعة الحرية والديمقراطية وحقوق النسان وما إلى ذلك‪ ،‬التي هي في‬
‫حقيقتها تتناقض مع أبسط حقوق النسان المزعومة فهي خروج عن كل قيم‬
‫وأخلق‪ ،‬منسلخة عن أي شرع وعقل وفطرة‪ ،‬مما أثار ذلك حفيظة سوسو‪،‬‬
‫وطفح عنده الكيل‪ ،‬وبلغ في نظره السيل الزبى‪ ،‬فأخذ سوسو يبحث عن‬
‫طريق يضع من خلله حدا ً لزمات المة ونكباتها‪ ،‬فأخذ يفكر ويفكر‪ ،‬ماذا‬
‫بوسعه أن يفعل؟ كيف يفعل؟ ومتى يفعل؟ وأين يفعل‪ :‬أسئلة كثيرة تطرق‬
‫فكر سوسو ول يجد ليها جوابًا‪ ،‬فاحتار الرجل في أمره‪ ،‬ولم يجد أمامه إل‬
‫شيخ السلطان‪ ،‬فهو العالم الذي يرجع إليه في الخلف‪ ،‬ويصدر الناس عن‬
‫رأيه‪.‬‬
‫ل‪ :‬يا شيخ أنت تعلم ما يحل بالمة‪ ،‬وتعلم‬ ‫سوسو ذهب إلى شيخ السلطان قائ ً‬
‫جيدا ً ما تعانيه من كيد أعدائها بها‪ ،‬فأعداؤها يتربعون على صدرها يسومونها‬
‫سوء العذاب‪ ،‬وأمتنا شيخنا الفاضل‪ ،‬هي خير أمة أخرجت للناس‪ ،‬وأعز أمة‬
‫عرفها التاريخ‪ ،‬وصل حالها إلى ما ترى‪ ،‬فما هو الواجب علينا اتجاه أمتنا‬
‫لنعيدها إلى سابق عهدها؟‬
‫ً‬
‫شيخ السلطان يقول متنهدا‪ :‬آه يا سوسو آه‪ ،‬ما تقوله صحيح ‪ ،‬صحيح ‪ ،‬نسأل‬
‫الله العفو والعافية‪ ،‬ولكن يا سوسو أنت ترى أحوالنا‪ ،‬فالعين بصيرة ‪ ،‬واليد‬
‫قصيرة ‪ ،‬وما لنا إل الصبر‪ ،‬وطاعة السلطان‪ ،‬فكلنا ثقة به‪.‬‬
‫سوسو‪ :‬ولكن يا سيدي‪ ،‬أليس الجهاد فرضا ً على كل مسلم‪ ،‬ول يجوز لي‬
‫مسلم التخلف عنه ؟‬
‫شيخ السلطان‪ :‬بلى يا سوسو‪ ،‬ولكن الجهاد مشروط بإذن مولنا السلطان‪،‬‬
‫والسلطان لم يأذن لنا بعد ‪ -‬شيخ السلطان يقول بصوت منخفض ) ولن يأذن‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أبدا ً الحمد لله ( ‪-‬‬


‫سوسو‪ :‬السلطان لم يأذن! وكيف يأذن السلطان يا شيخنا وهو ممن يعينون‬
‫الكافرين على تحقيق أهدافهم الخبيثة في أمتنا؟‬
‫شيخ السلطان وقد بدأ الغضب يعلوه‪ :‬يا سوسو‪ ،‬إن غيبة السلطان ل تجوز‪،‬‬
‫يتولد عنها فتنة عظيمة يا سوسو‪ ،‬فالسلطان تجب طاعته‪ ،‬السلطان يا‬
‫سوسو تجب طاعته‪ ،‬هل فهمت؟‬
‫سوسو ‪ :‬ولكن يا سيدي‪ ،‬هل نبقى هكذا تحت سطوة الكفر إن لم يأذن لنا‬
‫السلطان بالدفاع عن عقيدتنا وأنفسنا؟‬
‫شيخ السلطان‪ :‬يا سوسو‪ ،‬قلت لك‪ :‬إن طاعة السلطان واجبة‪ ،‬والتكلم في‬
‫السلطان فتنة عظيمة‪ ،‬إنها الفتنة يا سوسو‪.‬‬
‫سوسو‪ :‬الفتنة! وأي فتنة أعظم من فتنة الكفر؟‬
‫شيخ السلطان‪ :‬إنك يا سوسو تتحدث بأمور عظيمة‪ ،‬ل يعرفها إل أهل العلم‬
‫الكبار‪ ،‬وقد أوصانا علماؤنا بعدم التدخل في شؤون السياسة‪ ،‬لنهم يقولون‪:‬‬
‫إن السياسة تياسة‪ ،‬وما عليك يا سوسو إل الهتمام بشؤونك‪ ،‬وعدم التدخل‬
‫بشؤون العامة‪ ،‬فهذا ليس من شأنك‪ ،‬فقد جاء في الحديث عن الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه قال‪ ) :‬من حسن إيمان المرء تركه ما ل يعنيه (‪.‬‬
‫سوسو‪ :‬وهل التفكر في واقع المسلمين‪ ،‬وما آل إليه حالهم‪ ،‬والعمل على‬
‫إخراجهم مما هم فيه مسألة ل تعنيني ؟‬
‫شيخ السلطان‪ :‬بالطبع يا سوسو‪ ،‬بالطبع‪ ،‬فأنت فنان تفهم في الغناء‬
‫والرقص‪ ،‬ول دخل لك بما يجري في واقع المة‪ ،‬فهذا ليس من اختصاصك‪.‬‬
‫سوسو‪ :‬ولكني يا سيدي جزء من هذه المة يهمني ما يهمها‪ ،‬وما يجب عليها‬
‫يجب علي‪.‬‬
‫شيخ السلطان‪ :‬يا سوسو قلت لك‪ ،‬هذه مسائل كبيرة‪ ،‬ليست من شأنك‪ ،‬إن‬
‫هذه المسائل من شأن السلطان‪ ،‬فالسلطان وحده هو الذي يقرر ما يفعله‪،‬‬
‫فهو أدرى بمصلحة المة مني ومنك يا سوسو‪.‬‬
‫سوسو‪ :‬ولكن يا سيدي‪ ،‬أنت ترى ما يحل بالمة‪ ،‬وما هي مواقف السلطان‬
‫منها‪ ،‬إنه يا سيدي ينظر إلى المة تقتل ول يحرك ساكنًا‪ ،‬وإن حّركه ففي‬
‫مصلحة أعدائها‪ ،‬فكيف نوكل أمورنا إليه؟‬
‫شيخ السلطان يزداد به الغضب‪ :‬يا بني إن طاعة السلطان واجبة ‪ ،‬فهي من‬
‫دعائم هذا الدين الحنيف‪ ،‬وإن معصيته من أكبر الكبائر‪ ،‬فل يجوز بأي حال‬
‫الخروج عن طاعته وسلطانه إل أن نرى منهم كفرا ً بواحا ً عندنا فيه من الله‬
‫برهان‪.‬‬
‫سوسو‪ :‬ولكن يا سيدي لقد ظهر من السلطان ما يدل على الكفر البواح‪ ،‬فها‬
‫هو ل يحكمنا بالقوانين الربانية‪ ،‬ول يرقب في مؤمن إل ً ول ذمة‪ ،‬يوالي أعداء‬
‫المة‪ ،‬ويعادي من يواليها‪ ،‬ووووو ‪ ، . . .‬أوليس ذلك من الكفر البواح؟‬
‫شيخ السلطان ‪ :‬بلى يا سوسو ‪ ،‬ولكنها تبقى إن لم يعتقد السلطان حلها‬
‫ي ل تؤثر بولية السلطان علينا ‪ ،‬ول تبرر خروجنا عليه ‪.‬‬ ‫معاص َ‬
‫سوسو‪ :‬ولكن يا سيدي أليس السلطان جنة يقاتل من ورائه‪ ،‬ويتقى به ؟ فما‬
‫هي الفائدة من وجود السلطان إن عمل على خلف ذلك؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫شيخ السلطان ‪ :‬قلت لك يا سوسو مرارا ً وتكرارًا‪ :‬ما دام السلطان لم يعتقد‬
‫حل ما يفعله‪ ،‬تبقى طاعته واجبة ‪ ،‬والخروج عن طاعته من أكبر الكبائر التي‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يستحق الخارج عليها القتل ‪.‬‬


‫سوسو‪ :‬وكيف لنا أن نعلم كفر السلطان؟‬
‫شيخ السلطان‪ :‬أحسنت يا سوسو‪ ،‬إننا ل يجوز لنا أن نكفر السلطان إل إذا‬
‫اعتقد جواز ما حرم الله‪ ،‬والعتقاد مسألة قلبية ل يعلمها إل الله‪ ،‬إذن فل‬
‫سبيل لنا إلى معرفة الكفر إل إن يصرح السلطان هو بذلك‪ ،‬وأنا على يقين‬
‫بأن السلطان لن يصرح بذلك أبدًا‪ ،‬إذن فل سبيل للخروج عليه‪..‬‬
‫ههههههههههه‪.‬‬
‫سوسو‪ :‬إذن يا مولنا الشيخ ل سبيل لنا للخروج على السلطان ‪ ،‬فماذا‬
‫نفعل؟‬
‫شيخ السلطان‪ :‬قلت لك يا سوسو‪ ،‬نصبر على السمع والطاعة‪.‬‬
‫سوسو بغضب‪ :‬إلى متى نصبر على الكفر والزندقة ‪ ،‬هل الله يرضى بذلك‬
‫ويأمر به‪ ،‬أم يريد تطهير العباد والبلد من الشرك والكفر؟‬
‫شيخ السلطان وقد عاوده غضبه‪ :‬ماذا تقول‪ ،‬معاذ الله من قولك‪ ،‬بل الله‬
‫يريد تطهير العباد والبلد من الشرك والكفر يا سوسو ‪.‬‬
‫سوسو‪ :‬إذن نعمل على إزالة السلطان لن إرادته تخالف إرادة الله سبحانه‪.‬‬
‫شيخ السلطان ‪ -‬وقد أحمر وجهه غضبًا‪ :‬نخرج على السلطان‪ ،‬هذا منكر‬
‫عظيم مخالفة لرادة الله‪ ،‬بل الواجب علينا أن نطيع السلطان ‪ ،‬فطاعة‬
‫السلطان إرادة الله يا سوسو ‪.‬‬
‫سوسو‪ :‬سيدي الشيخ كيف تقول ‪ :‬إن طاعة السلطان إرادة الله‪ ،‬وما بعث‬
‫الله به رسله هو دعوة الناس إلى التوحيد‪ ،‬والكفر بكل ما سواه‪ ،‬والسلطان‬
‫يعمل على خلف ذلك‪ ،‬وهل أوجد الله السلطان إل لقامة شرعة والذود عنه‪،‬‬
‫واحتضان المسلمين تحت راية واحدة؟‬
‫شيخ السلطان‪ :‬هذا صحيح يا سوسو ‪ ،‬ولكن ل نستطيع الخروج على‬
‫السلطان إنها الفتنة يا سوسو الفتنة ‪.‬‬
‫سوسو ‪ :‬وأي فتنة يا شيخ وقد أمرنا الله سبحانه بالعمل لعلء كلمة الحق؟‬
‫شيخ السلطان مضطربًا‪ :‬الدماء‪ ،‬الدماء يا سوسو‪ ،‬الدماء ‪.‬‬
‫سوسو‪ :‬هل الواجب علينا يا شيخنا هو بذل نفوسنا وأموالنا في سبيل الله‪ ،‬أم‬
‫الواجب هو تضييع دين الله حفاظا ً على أنفسنا وأموالنا؟‬
‫شيخ السلطان ‪ :‬الواجب علينا أن نبذل أنفسنا وأرواحنا في سبيل الله‪،‬‬
‫ولكن ‪............‬‬
‫سوسو‪ :‬ل عذر لك يا سيدي أمام الله‪ ،‬ل عذر لك بدفاعك عن الظلم وأنت‬
‫تعلم الحق‪ ،‬الواجب عليك هو حث المسلمين على إقامة دينهم الحق‪ ،‬ل حثهم‬
‫على الصبر على الكفر والنفاق الذي جاء السلم لدحرهما‪.‬‬
‫شيخ السلطان مرتبكا ً مترقبًا‪ :‬اسكت يا سوسو اسكت‪ ،‬ل يسمعك‬
‫السلطان ‪.‬‬
‫سوسو ‪ :‬هذا ما خرجت به‪ ،‬حسبتك ستقول الحق وتصدع به !!!‬
‫شيخ السلطان ‪ :‬أقول الحق وأصدع به ويلي‪ ،‬ويلي من بطش السلطان‪ ،‬أي‬
‫مصيبة هذه التي وقعت فيها‪ ،‬النجاة‪ ،‬النجاة ‪.‬‬
‫شيخ السلطان دافعا ً الشبه عن نفسه يصيح بأعلى صوته‪ :‬احذروا سوسو‬
‫التكفيري‪ ،‬احذروا سوسو التكفيري !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!‬
‫وكتب‪ :‬إبراهيم بن عبد العزيز‬
‫‪ 17‬محرم ‪ 1426‬هـ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫احذري الذئاب‬
‫أيتها الفاتنة ""‬
‫إن طبيعتك الضعيفة قد منحها الله قوة في التأثير على الرجال فجعلك شهوة‬
‫وفتنة وجعل منك جمال وأنوثة وسحرا وجعل فيك رقة تنخلع لها القلوب لهذا‬
‫تريد الكلب الضالة أن تتمردي على الحصن الذي حماك الله به ‪.‬‬
‫يريدونك عارية سافرة كي يتمتعوا بجسدك و أنوثتك‬
‫أختي المسلمة إذا كان الذئاب ل يريد من نعجة إل لحمها فالذي يريده منك‬
‫الرجل أعز عليك من اللحم على النعجة وشر عليك من الموت عليها ‪.‬‬
‫أي والله ‪:‬‬
‫أحلف لك مرة ثانية ول تصدقي ما يقوله بعض الرجال من أنهم ل يرون في‬
‫البنت إلخلقها وأدبها كذب والله لو سمعت أحاديث الشباب في خلواتهم‬
‫لسمعت كلما مهول مرعباول يقدم لك خدمة إل وهي عنده تمهيد لما يريد‬
‫تشتركان في لذة ساعة ثم ينسى هو وتظلين انت تتجرعين غصصها يغفر له‬
‫هذا المجتمع الظالم و يقول شاب ضل ثم تاب وتبقين انت في حمأة الخزي‬
‫و العار طول الحياة ل يغفر لك المجتمع أبدا‬

‫)‪(1 /‬‬

‫احسموا أمركم قبل فوات الوان يا سنة العرق واحذروا الطعم القاتل يا أهل‬
‫السنة!‬
‫الكاتب‪ :‬الشيخ أ‪.‬د‪.‬عبد الله قادري الهدل‬
‫إخواننا أهل السنة في العراق‪ :‬أحاط بكم العداء من الصليبيين واليهود‬
‫والطوائف التي نصبها العدو على كراسي الحكم في بلدكم‪ ،‬ومن يسندها من‬
‫ضر مناشيرها لتقطيع أوصالكم‪.‬‬ ‫دول الجوار‪ ،‬وكلها ُتح ّ‬
‫وخذلكم كثير ممن سيكون مستقبلهم مثل مستقبلكم إذا استمروا في‬
‫خذلنكم‪ ،‬فالمخطط اليهودي الصليبي الطائفي الحزبي شامل في عدوانه‬
‫ومحاولة سيطرته على المنطقة كلها ل يخص العراق وحده‪ ،‬ولم يعد ذلك‬
‫خافيا على من عنده ذرة من عقل وهذا يحزننا كثيرا‪.‬‬
‫ولكنا نريد إيصال رسالة خاصة بكم‪ ،‬لنكم أنتم الذين تذوقون الفتنة‬
‫وتحترقون في أتونها‪ ،‬وغيركم ليس بعيدا عنها‪ ،‬ولكنه ل زال يغط في سباته‬
‫الذي ليسمع معه جرس النذار ول يرى دخان النار التي يشبها العدو‬
‫المشترك للقضاء على ضرورات حياته من دين ونفس ونسل وعقل ومال‬
‫وعرض‪.‬‬
‫أما أنتم فقد اصطليتم بتلك النار المشبوبة على ضرورات حياتكم‪ ،‬والذي‬
‫يصطلي بالنار أقرب إلى العتبار ممن لم يلمسها بعد‪.‬‬
‫لذا أوجه لكم هذه الرسالة‪ ،‬لني غير قادر على سواها‪:‬‬
‫أول‪ :‬وحدتكم واعتصامكم بحبل الله هما سفينة نجاتكم من أعدائكم‪ ،‬فاتحدوا‬
‫فيما بينكم واعتصموا بحبل الله‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬اختلفكم في هذه الظروف القاسية عليكم يجر حتما إلى ضعفكم‬
‫ويؤدي إلى فشلكم‪ ،‬وأنتم وحدكم الذين تتسببون في استمرار المصائب التي‬
‫تنزل بكم والفتن التي تحيط بكم‪ ،‬ما دمتم متفرقين فيما بينكم‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الغراءات التي قد تجعل بعضكم يفارق بعضا باسم المصلحة ما هي إل‬
‫طعم من أعدائكم ليأكل كل سمكة منكم حتى رأسها على حدة‪ ،‬ويفترس ثور‬ ‫ُ‬
‫بأي لون كان منفردا‪ ،‬ويجعلكم تصيحون كما صاح الثور السود‪" :‬أكلت يوم‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أكل الثور البيض"!‬


‫رابعا‪ :‬تعلمون أن العدو المشترك الجنبي وأولياءه يشنون عليكم الغارة‬
‫بأسلحتهم الفتاكة برا وجوا في كل لحظة من ليل ونهار‪ ،‬وبخاصة عند اجتماع‬
‫كلمتكم ويخافون من نجاحكم في النتخابات أو إقرار الدستور‪ ،‬ول نريد‬
‫تذكيركم بذلك في الفلوجة عند النتخابات الماضية‪ ،‬والقائم وغيره من‬
‫محافظاتكم عند الستفتاء على الدستور‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬دنا وقت النتخابات الثانية التي سيترتب عليها مصيركم ومصير‬
‫بلدكم‪ ،‬تشريعا وتنفيذا‪ ،‬واختلف وجهات النظر التي تفرق كلمتكم قد تقضي‬
‫على ما بقي من آمالكم وتذهب ريحكم‪.‬‬
‫فاحرصوا على وحدتكم واحسموا أمركم‪ ،‬واتخذوا السباب التي تجعل أهل‬
‫السنة كلهم صفا واحدا‪ ،‬فإنهم كلهم هدف للعدو القريب والبعيد‪ ،‬ل يفرق بين‬
‫حزب وهيئة ول عالم وجاهل ول قبيلة وعشيرة‪.‬‬
‫ول إسلمي وليبرالي‪ .‬ول إخواني وتحريري‪ ،‬ول سلفي وصوفي‪:‬‬
‫فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم‪:‬‬
‫))يسألونك عن النفال قل النفال لله والرسول‪ ،‬فاتقوا الله وأصلحوا ذات‬
‫بينكم‪ ،‬وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين(( ]النفال‪.[1 :‬‬
‫واعتصموا بحبل ربكم‪ ،‬واذكروا نعمته عليكم‪:‬‬
‫م إ ِذ ْ ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ة الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫فّرُقوا َواذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬ ‫ميعا ً َول ت َ َ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬
‫ج ِ‬ ‫حب ْ ِ‬ ‫موا ب ِ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫))َواعْت َ ِ‬
‫م عََلى َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫فَرةٍ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫فا ُ‬ ‫ش َ‬ ‫وانا ً وَك ُن ْت ُ ْ‬ ‫خ َ‬
‫مت ِهِ إ ِ ْ‬‫م ب ِن ِعْ َ‬ ‫حت ُ ْ‬ ‫م فَأ ْ‬
‫صب َ ْ‬ ‫ن قُُلوب ِك ُ ْ‬ ‫ف ب َي ْ َ‬ ‫داًء فَأل ّ َ‬ ‫أعْ َ‬
‫ن (( ]آل عمران )‬ ‫دو َ‬ ‫م ت َهْت َ ُ‬ ‫م آَيات ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ك ي ُب َي ّ ُ‬‫من َْها ك َذ َل ِ َ‬‫م ِ‬ ‫قذ َك ُ ْ‬ ‫الّنارِ فَأ َن ْ َ‬
‫‪[(103‬‬
‫هّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن الل َ‬ ‫صب ُِروا إ ِ ّ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫حك ُ ْ‬‫ب ِري ُ‬ ‫شلوا وَت َذ ْهَ َ‬ ‫ف َ‬‫عوا فَت َ ْ‬ ‫ه َول ت ََناَز ُ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫طيُعوا الل َ‬ ‫))وَأ ِ‬
‫ن(( ]النفال )‪[(46‬‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫َ‬
‫وحافظوا على سفينتكم‪ ،‬وانبذوا من يريد خرقها بالفرقة والشذوذ‪:‬‬
‫)مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة‬
‫فأصاب بعضهم أعلها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من‬
‫الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من‬
‫فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا‬
‫جميعا(‬
‫]صحيح البخاري )‪[(2/882‬‬
‫احذروا الطعم القاتل يا أهل السنة!‬
‫لقد أعنتم العداء الذين تربصوا ول زالوا يتربصون بكم على أنفسكم بأمرين‪:‬‬
‫المر الول‪ :‬اختلفكم في حسم أمركم بحيث تكونون صفا واحدا في الدخول‬
‫في النتخابات أو عدمه‪.‬‬
‫المر الثاني‪ :‬تعدد مرجعياتكم‪ ،‬والمفروض أنكم أنشأتم من أول الغزو‬
‫الصليبي مجلسا من أهل الحل والعقد عندكم‪ ،‬يدرس شئونكم وتصدرون في‬
‫نشاطكم ضد الغزو عن توجيهاته‪ ،‬ولهذا تعددت اجتهاداتكم فشتت شمل‬
‫أتباعكم‪.‬‬
‫ومن هنا اغتنم أعداؤكم فرصة تفرقكم‪ ،‬واجتمع ما يسمى بالتحالف الغربي‪،‬‬
‫والتحالف الشيعي‪ ،‬ورموكم عن قوس واحد‪ ،‬بثلثة أمور‪:‬‬
‫المر الول‪ :‬تدميركم بحرب السلح‪ ،‬الذي يكف عنكم يوما من اليام‪،‬‬
‫وبخاصة في الوقات الحاسمة‪ ،‬مثل أوقات النتخابات والستفتاء على‬
‫الدستور‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫المر الثاني‪ :‬تحقيق كل طرف مصالح للخر‪ ،‬ل تمس جوهر مصالحه‪ ،‬ولكنها‬
‫تجمعهم على انتهاك حقوقكم‪ ،‬وقد يوهمون فاقدي الوعي السياسي‪ ،‬بأنهم‬
‫يختلفون على بعض القضايا‪ ،‬وهو إيهام كاذب في واقع المر‪.‬‬
‫إن الحقد الطائفي عليكم يا أهل السنة حقد متأصل في نفوس أصحابه‪ ،‬وإن‬
‫ما يخططونه للقضاء عليكم إذا استتب لهم المر أكبر مما يظهرونه اليوم‪.‬‬
‫لهذا يصرون على أن يعضوا بنواجذهم على النصر الذي حققتها لهم القوات‬
‫المريكية‪ ،‬لنهم يعلمون أنه كان بعيد المنال بدون تلك القوات‪ ،‬ولهذا‬
‫يكررون نفي إعادة النتخابات بعزم وإصرار‪.‬‬
‫ولكنهم قد يرسلون لكم طعما قاتل يسلونكم به إن استطاعوا‪ ،‬وهو إظهار‬
‫تقاسم السلطة بمنحكم بعض الوزارات التي يسكتونكم بها مع بقاء الصل‬
‫الذي يستطيعون به التحكم في مصيرهم وهو الغلبية المريحة في الجمعية‬
‫الوطنية‪ ،‬التي يسلبونكم فيها بالتصويت أي مصلحة من مصالحكم‪ ،‬ومنه‬
‫الوزارات‪ ،‬فيصبح الوزير كما يقول أهل اليمن بعد فترة فاقد الواو )زيرا(‬
‫هذا مع العلم أن أمريكا لن تسحب جيشها من العراق‪ ،‬مهما قدمت من‬
‫وعود‪ ،‬لن الوحش الجائع الذي ركض بعد فريسته ل يمكن أن يفلتها‪ ،‬والقيادة‬
‫المريكية قيادة مستبدة )دكتاتورية( ل تأبه للحتجاجات ولو من شعبها‪،‬‬
‫وإرضاء اليهود عندها أولى من إرضاء شعبها‪ ،‬وأساس غزو العراق ومحاولة‬
‫الهيمنة على دول المنطقة هو اليهود‪ ،‬ول يمكن أن تخرج القوات المريكية‬
‫بدون مقاومة جهادية تصبر وتصابر‪ ،‬حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين‪.‬‬
‫لهذا يجب على جميع من يسكن في العراق أن يستمروا في المقاومة‬
‫الجهادية بكل وسيلة ممكنة‪ ،‬فل حل سواها‪ ،‬فاحذروا الطعم القاتل الذي قد‬
‫يرسلونه في آلة الصطيا‬

‫)‪(2 /‬‬

‫احذروا‬
‫السحر والسحرة‬
‫بقلم فضيلة الشيخ‬
‫سليمان بن ناصر العلوان‬
‫حفظه الله تعالى‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله وحده والسلم على من لنبي بعده ‪.‬‬
‫أما بعد ‪ :‬فإن خير الجهاد وأفضله القيام على أعداء الدين والوقوف في‬
‫نحورهم كالسحرة والكهان والمشعوذين فقد استطار شررهم وعظم أمرهم‬
‫وكثر خطُرهم فآذوا المؤمنين وأدخلوا الرعب على حرماتهم غير مبالين وقد‬
‫توعد الله المجرمين بسقر وما أدراك ما سقر فقد أخبر الله في كتابه العزيز‬
‫ة فََل‬ ‫أن الساحر كافر فقال ‪ } :‬وما يعل ّمان م َ‬
‫ن فِت ْن َ ٌ‬‫ح ُ‬‫ما ن َ ْ‬‫قوَل إ ِن ّ َ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫حد ٍ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ َ َُ َ ِ ِ ْ‬
‫ن‬
‫نا َ ْ ََ ْ ِ ِ َ َ ُ ْ ِ َ ّ َ ِ ِ ِ ْ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ري‬ ‫ضا‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ز‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ن ب ِهِ ب َي ْ َ‬‫فّرُقو َ‬‫ما ي ُ َ‬
‫ما َ‬ ‫من ْهُ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مو َ‬‫فْر فَي َت َعَل ّ ُ‬ ‫ت َك ْ ُ‬
‫َ‬
‫ما‬
‫شت ََراه ُ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ْ‬‫موا ل َ َ‬ ‫قد ْ عَل ِ ُ‬‫م وَل َ َ‬‫فعُهُ ْ‬ ‫م وََل َين َ‬ ‫ضّرهُ ْ‬ ‫ما ي َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن الل ّهِ وَي َت َعَل ّ ُ‬‫حد ٍ إ ِّل ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫أ َ‬
‫ق{ ‪.‬‬ ‫خَل ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫خَرةِ ِ‬ ‫ه ِفي اْل ِ‬ ‫لَ ُ‬
‫وإلى كفر الساحر وخروجه من الدين ودخوله في سلك أصحاب الجحيم ذهب‬
‫جماهير العلماء من فقهاء الحنفية والمالكية والحنابلة وقد ذكر الشيخ محمد‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بن عبد الوهاب – رحمه الله – أن السحر أحد نواقض السلم وقال ‪ :‬ومنه‬
‫الصرف والعطف ‪.‬‬
‫والصرف عمل السحر لصرف من يحب إلى بغضه ‪ .‬والعطف عمل السحر‬
‫لعطف من يبغض إلى حبه من زوج وغيره ويسمية أهل الفجور دواء الحب‬
‫وهو في الحقيقة الهلك والعطب ‪.‬‬
‫فالحذر الحذر من السحرة والكهان والمنجمين والعرافين وأهل لشعوذة‬
‫المخالفين لما بعث الله به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم يفسدون‬
‫ول يصلحون ويضرون ول ينفعون ‪.‬‬
‫ومن ثم اتفق الصحابة رضي الله عنهم على قتل الساحر والساحرة لعظم‬
‫شرهم وكثرة خطرهم وُبعدهم عن اليمان وُقربهم من الشيطان فعند أبي‬
‫داود بسند صحيح من طريق سفيان عن عمرو بن دينار عن بجالة بن عبدة‬
‫قال جاَء نا كتاب عمر رضي الله عنه قبل موته بسنةِ )) اقتلوا كل‬
‫ساحر ‪. (( ....‬‬
‫وصح عن حفصة رضي الله عنها أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها ‪ .‬رواه‬
‫عبد الله بن المام أحمد من حديث ابن عمر ‪.‬‬
‫دب ‪.‬‬ ‫وصح قتل الساحر أيضا ً عن جن ُ‬
‫ول ُيعلم لهؤلء مخالف ‪ ،‬فكان قتل الساحر كالجماع بين الصحابة رضي الله‬
‫عنهم وقد كثر السحر في هذا العصر وتساهل الكثير في الذهاب إليهم‬
‫وطلب الشفاء على أيديهم ويزعمون أن هذا من فعل السباب وهذا منكر‬
‫عظيم وخطر مدلهم كبير يخلخل العقائد ويزعزع اليمان ‪.‬‬
‫وقد جاء في صحيح المام مسلم من طريق يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن‬
‫عمر العمري عن نافع عن صفية عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أن النبي صلى الله وسلم قال ‪ ))) :‬من أتى عرافا ً فسأله عن شيء لم تقبل‬
‫له صلة أربعين ليلة ((( ‪.‬‬
‫والساحر بمنزلة الكاهن فمن سأله عن شيء لم تقبل له صلة أربعين ليلة‬
‫وأما إن صدقه بما يقول فهذا كافر بما أنزل على نبينا محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم لما روى الحاكم بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ))) :‬من أتى عرافا ً أو كاهنا ً فصدقة فيما‬
‫يقول فقد كفر بما ُأنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ((( ‪.‬‬
‫وعند البزار بسند صحيح عن أبن مسعود موقوفا ً قال ‪ ))) :‬من أتى كاهنا ً أو‬
‫ساحرا ً فصدقة بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم ((( ‪.‬‬
‫وأما زعم بعض الناس بأن هذا سببب فهذا غلط لن السبب غير شرعي‬
‫ومخالف للثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاء عند أبي داود بسند‬
‫حسن من طريق عقيل ابن معقل قال ‪ :‬سمعت وهب بن منبه يحدث عن‬
‫سئل عن النشرة ‪ ،‬فقال ‪:‬‬ ‫جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم ُ‬
‫)) هي من عمل الشيطان (( ‪.‬‬
‫والنشرة حل السحر عن المسحور فإذا كان حله عن طريق السحر فالحديث‬
‫صريح بالمنع ويالله العجب كيف يجوز حل السحر عند السحرة وقد أجمع‬
‫الصحابة رضي الله عنهم على قتلهم فالمسلم مأمور بقتل السحرة ولم يؤذن‬
‫له بالتداوي عندهم وأما إن كان حل السحر عن طريق الُرقى الشرعية بكلم‬
‫الله وكلم رسوله صلى الله عليه وسلم والدوية المعروفة فهذا مشروع‬
‫ن{‪.‬و‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م ٌ‬
‫ح َ‬
‫فاٌء وََر ْ‬
‫ش َ‬
‫ما هُوَ ِ‬
‫ن َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫قْرآ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ل ِ‬‫لقوله تعالى ‪ } :‬وَن ُن َّز ُ‬
‫ن { هنا بيانية فالقرآن كله شفاء ودواء لكل داء فمن آمن به وأحل حلله‬ ‫م ْ‬
‫} ِ‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ده وإرادتهِ شفاه‬ ‫وحرم حرامة انتفع به انتفاعا ً كبيرا ً ومن َ‬


‫صد َقَ الله في قص ِ‬
‫الله تعالى وعافاه من دائه وعلى المبتلى به ملزمة الدعاء والتضرع لرب‬
‫الرض والسماء وتحري أوقات الجابة كُثلث الليل الخر والسجود وبين الذان‬
‫والقامة فهذه الوقات أحرى في الجابة من غيرها وهذا دواء من ابُتلي‬
‫بالسحر ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫صب به فعليه بالحتراز منه واتقاء شره بالذكار‬ ‫وأما من عافاه الله منه ولم ي ُ َ‬
‫المأثورة الثابته عن النبي صلى الله عليه وسلم والمحافظة عليها صباحا ً‬
‫ومساء وقراَءةِ المعوذتين وآية الكرسي دبر كل صلة وإن تيسر التصبح بسبع‬
‫تمرات من تمر العجوة فهذا سبب شرعي وحصن حصين من كل ساحر مريد‬
‫ففي الصحيحين وغيرهما من حديث عامر بن سعد عن سعد رضي الله عنه‬
‫أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ ))) :‬من تصبح بسبع تمرات من تمر‬
‫سم ول سحر ((( ‪ .‬وقد اشترط كثير من أهل العلم في‬ ‫العجوة لم ُيصبه ُ‬
‫التمر أن يكون من العجوة على ماجاء في الخبر ولكن ذهب آخرون من أهل‬
‫العلم إلى أن لفظ العجوة خرج مخرج الغالب فلو تصبح بغير تمر العجوة نفع‬
‫وهذا قول قوي وإن كنت أقول إن تمر العجوة أكثر نفعا ً وتأثيرا ً وبركة إل أن‬
‫هذا ل يمنع التأثير في غيره ‪.‬‬
‫والله المسئول أن ينصر دينه ويعلى كلمته وأن يبعث لدينه ناصرا ً يأخذ على‬
‫أيدي السحرة والكهان والمنجمين وغيرهم من المفسدين في الرض وصلى‬
‫الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ‪.‬‬
‫كتب في ‪ 1417 \ 1 \ 21‬هـ‬
‫آخر مراجعة في ‪1421\1\9‬هـ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫احذرواالسحروالسحرة‬
‫الحمد لله وحده والسلم على من ل نبي بعده ‪.‬‬
‫أما بعد ‪:‬‬
‫فإن خير الجهاد وأفضله القيام على أعداء الدين والوقوف في نحورهم‬
‫كالسحرة والكهان والمشعوذين فقد استطار شررهم وعظم أمرهم وكثر‬
‫خطُرهم فآذوا المؤمنين وأدخلوا الرعب على حرماتهم غير مبالين وقد توعد‬
‫الله المجرمين بسقر وما أدراك ما سقر فقد أخبر الله في كتابه العزيز أن‬
‫ة فََل ت َك ْ ُ‬ ‫الساحر كافر فقال ‪ } :‬وما يعل ّمان م َ‬
‫فْر‬ ‫ن فِت ْن َ ٌ‬‫ح ُ‬
‫ما ن َ ْ‬ ‫قوَل إ ِن ّ َ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫حد ٍ َ‬‫نأ َ‬ ‫َ َ َُ َ ِ ِ ْ‬
‫فرُقون به بين ال ْمرِء وزوجه وما هُم بضارين به من أ َ‬
‫د‬ ‫ح‬
‫ْ ِ َ ّ َ ِ ِ ِ ْ َ ٍ‬ ‫َ ْ ََ ْ ِ ِ َ َ‬ ‫َ ِ ِ َْ َ‬ ‫ما ي ُ َ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫من ْهُ َ‬
‫ن ِ‬ ‫مو َ‬ ‫فَي َت َعَل ّ ُ‬
‫ما ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫شت ََراه ُ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ْ‬ ‫موا ل َ َ‬ ‫قد ْ عَل ِ ُ‬ ‫م وَل َ َ‬‫فعُهُ ْ‬‫م وََل َين َ‬‫ضّرهُ ْ‬
‫ما ي َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن الل ّهِ وَي َت َعَل ّ ُ‬‫إ ِّل ب ِإ ِذ ْ ِ‬
‫ق{ ‪.‬‬ ‫خل ٍ‬‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫خَرةِ ِ‬ ‫ِفي اْل ِ‬
‫وإلى كفر الساحر وخروجه من الدين ودخوله في سلك أصحاب الجحيم ذهب‬
‫جماهير العلماء من فقهاء الحنفية والمالكية والحنابلة وقد ذكر الشيخ محمد‬
‫بن عبد الوهاب – رحمه الله – أن السحر أحد نواقض السلم وقال ‪ :‬ومنه‬
‫الصرف والعطف ‪.‬‬
‫والصرف عمل السحر لصرف من يحب إلى بغضه ‪ .‬والعطف عمل السحر‬
‫لعطف من يبغض إلى حبه من زوج وغيره ويسمية أهل الفجور دواء الحب‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهو في الحقيقة الهلك والعطب ‪.‬‬


‫فالحذر الحذر من السحرة والكهان والمنجمين والعرافين وأهل لشعوذة‬
‫المخالفين لما بعث الله به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم يفسدون‬
‫ول يصلحون ويضرون ول ينفعون ‪.‬‬
‫ومن ثم اتفق الصحابة رضي الله عنهم على قتل الساحر والساحرة لعظم‬
‫شرهم وكثرة خطرهم وُبعدهم عن اليمان وُقربهم من الشيطان فعند أبي‬
‫داود بسند صحيح من طريق سفيان عن عمرو بن دينار عن بجالة بن عبدة‬
‫قال جاَءنا كتاب عمر رضي الله عنه قبل موته بسنةِ )) اقتلوا كل‬
‫ساحر ‪. (( ....‬‬
‫وصح عن حفصة رضي الله عنها أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها ‪ .‬رواه‬
‫عبد الله بن المام أحمد من حديث ابن عمر ‪.‬‬
‫دب ‪.‬‬ ‫وصح قتل الساحر أيضا ً عن جن ُ‬
‫ول ُيعلم لهؤلء مخالف ‪ ،‬فكان قتل الساحر كالجماع بين الصحابة رضي الله‬
‫عنهم وقد كثر السحر في هذا العصر وتساهل الكثير في الذهاب إليهم‬
‫وطلب الشفاء على أيديهم ويزعمون أن هذا من فعل السباب وهذا منكر‬
‫عظيم وخطر مدلهم كبير يخلخل العقائد ويزعزع اليمان ‪.‬‬
‫وقد جاء في صحيح المام مسلم من طريق يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن‬
‫عمر العمري عن نافع عن صفية عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أن النبي صلى الله وسلم قال ‪ ))) :‬من أتى عرافا ً فسأله عن شيء لم تقبل‬
‫له صلة أربعين ليلة ((( ‪.‬‬
‫والساحر بمنزلة الكاهن فمن سأله عن شيء لم تقبل له صلة أربعين ليلة‬
‫وأما إن صدقه بما يقول فهذا كافر بما أنزل على نبينا محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم لما روى الحاكم بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ))) :‬من أتى عرافا ً أو كاهنا ً فصدقة فيما‬
‫يقول فقد كفر بما ُأنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ((( ‪.‬‬
‫وعند البزار بسند صحيح عن أبن مسعود موقوفا ً قال ‪ ))) :‬من أتى كاهنا ً أو‬
‫ساحرا ً فصدقة بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم ((( ‪.‬‬
‫وأما زعم بعض الناس بأن هذا سببب فهذا غلط لن السبب غير شرعي‬
‫ومخالف للثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاء عند أبي داود بسند‬
‫حسن من طريق عقيل ابن معقل قال ‪ :‬سمعت وهب بن منبه يحدث عن‬
‫سئل عن النشرة ‪ ،‬فقال ‪:‬‬ ‫جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم ُ‬
‫)) هي من عمل الشيطان (( ‪.‬‬
‫والنشرة حل السحر عن المسحور فإذا كان حله عن طريق السحر فالحديث‬
‫صريح بالمنع ويالله العجب كيف يجوز حل السحر عند السحرة وقد أجمع‬
‫الصحابة رضي الله عنهم على قتلهم فالمسلم مأمور بقتل السحرة ولم يؤذن‬
‫له بالتداوي عندهم وأما إن كان حل السحر عن طريق الُرقى الشرعية بكلم‬
‫الله وكلم رسوله صلى الله عليه وسلم والدوية المعروفة فهذا مشروع‬
‫ن{‪.‬و‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م ٌ‬
‫ح َ‬
‫فاٌء وََر ْ‬
‫ش َ‬
‫ما هُوَ ِ‬
‫ن َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫قْرآ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ل ِ‬‫لقوله تعالى ‪ } :‬وَن ُن َّز ُ‬
‫ن { هنا بيانية فالقرآن كله شفاء ودواء لكل داء فمن آمن به وأحل حلله‬ ‫م ْ‬
‫} ِ‬
‫ده وإرادتهِ شفاه‬ ‫صد َقَ الله في قص ِ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وحرم حرامة انتفع به انتفاعا كبيرا ومن َ‬
‫الله تعالى وعافاه من دائه وعلى المبتلى به ملزمة الدعاء والتضرع لرب‬
‫الرض والسماء وتحري أوقات الجابة كُثلث الليل الخر والسجود وبين الذان‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والقامة فهذه الوقات أحرى في الجابة من غيرها وهذا دواء من ابُتلي‬


‫بالسحر ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫صب به فعليه بالحتراز منه واتقاء شره بالذكار‬ ‫وأما من عافاه الله منه ولم ي ُ َ‬
‫المأثورة الثابته عن النبي صلى الله عليه وسلم والمحافظة عليها صباحا ً‬
‫ومساء وقراَءةِ المعوذتين وآية الكرسي دبر كل صلة وإن تيسر التصبح بسبع‬
‫تمرات من تمر العجوة فهذا سبب شرعي وحصن حصين من كل ساحر مريد‬
‫ففي الصحيحين وغيرهما من حديث عامر بن سعد عن سعد رضي الله عنه‬
‫أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ ))) :‬من تصبح بسبع تمرات من تمر‬
‫سم ول سحر ((( ‪ .‬وقد اشترط كثير من أهل العلم في‬ ‫العجوة لم ُيصبه ُ‬
‫التمر أن يكون من العجوة على ماجاء في الخبر ولكن ذهب آخرون من أهل‬
‫العلم إلى أن لفظ العجوة خرج مخرج الغالب فلو تصبح بغير تمر العجوة نفع‬
‫وهذا قول قوي وإن كنت أقول إن تمر العجوة أكثر نفعا ً وتأثيرا ً وبركة إل أن‬
‫هذا ل يمنع التأثير في غيره ‪.‬‬
‫ً‬
‫والله المسئول أن ينصر دينه ويعلى كلمته وأن يبعث لدينه ناصرا يأخذ على‬
‫أيدي السحرة والكهان والمنجمين وغيرهم من المفسدين في الرض وصلى‬
‫الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ‪.‬‬
‫بقلم فضيلة الشيخ‬
‫سليمان بن ناصر العلوان ‪ -‬حفظه الله تعالى‬
‫كتب في ‪ 1417 \ 1 \ 21‬هـ ‪ -‬آخر مراجعة في ‪1421\1\9‬هـ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫احفظ الله يحفظ ‪"1" ..‬‬


‫د‪ .‬محمد بن عبد العزيز العلي‬
‫دراسة عقدية في حديث احفظ الله يحفظك‬
‫ف النبي‬‫عن أبي العباس عبد الله بن عباس ‪-‬رضي الله عنهما– قال‪ :‬كنت خل َ‬
‫ُ‬
‫ظ الله‬
‫مك كلمات‪ :‬احف ِ‬ ‫م إني أعَل ّ ُ‬‫ما فقال‪) :‬يا غل ُ‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يو ً‬
‫ظ الله تجده تجاهك‪ ،‬إذا سألت فاسأل الله‪ ،‬وإذا استعنت‬ ‫يحفظك‪ ،‬احف ِ‬
‫فاستعن بالله‪ ،‬واعلم أن المة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك‬
‫إل بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إل‬
‫فت الصحف( ]‪.[3‬‬ ‫بشيء قد كتبه الله عليك‪ ،‬رفعت القلم وج ّ‬
‫وفي رواية‪) :‬احفظ الله تجده أمامك‪ ،‬تعّرف إلى الله في الرخاء يعرْفك في‬
‫الشدة‪ ،‬واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك‪ ،‬وما أصابك لم يكن‬
‫ليخطئك‪،‬واعلم أن النصر مع الصبر‪ ،‬وأن الفرج مع الكرب‪ ،‬وأن مع العسر‬
‫يسًر(‪.‬‬
‫وفي رواية‪) :‬يا فتى أل أهب لك أل أعلمك كلمات ينفعك الله بهن‪ ،‬احفظ الله‬
‫يحفظك‪ ،‬احفظ الله تجده أمامك‪ ،‬وإذا سألت فاسأل الله‪ ،‬وإذا استعنت‬
‫فاستعن بالله‪ ،‬واعلم أنه قد جف القلم بما هو كائن‪ ،‬واعلم بأن الخلئق لو‬
‫أرادوك بشيء لم يردك الله به لم يقدروا عليه‪ ،‬واعلم أن النصر مع الصبر‪،‬‬
‫وأن الفرج مع الكرب‪ ،‬وأن مع العسر يسًر( ]‪.[4‬‬
‫مكانة الحديث‪:‬‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حديث ابن عباس هذا حديث عظيم‪ ،‬وكل أحاديث الرسول ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬عظيمة وشريفة‪ ،‬فهو أمر نبوي كريم بحفظ الدين‪ ،‬وبيان لنتيجة ذلك‪،‬‬
‫وهو نصر الله وتأييده وحفظه لمن حفظ دينه‪ ،‬وقد اشتمل هذا الحديث على‬
‫مسائل عقدية تعد أصوًل عظيمة ‪ ،‬من اليمان بالله والخلص له بالعبادة‬
‫والتوكل عليه والستعانة به ‪ ،‬والقضاء والقدر ‪ ،‬والتباع لما جاء به رسوله‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪.-‬‬
‫ومما يدل على مكانته اختيار النووي )ت ‪676‬ه( له أن يكون ضمن الربعين‬
‫حديًثا التي جمعها‪ ،‬وكان رقمه التاسع عشر‪ ،‬وذكر سبب اختياره لها بقوله‪:‬‬
‫»وقد استخرت الله تعالى في جمع أربعين حديًثا …‪ ،‬ثم من العلماء من جمع‬
‫الربعين في أصول الدين‪ ،‬وبعضهم في الفروع‪ ،‬وبعضهم في الجهاد‪ ،‬وبعضهم‬
‫في الزهد‪ ،‬وبعضهم في الداب‪ ،‬وبعضهم في الخطب‪ ،‬وكلها مقاصد صالحة‪،‬‬
‫رضي الله عن قاصديها‪ ،‬وقد رأيت جمع أربعين أهم من هذا كله‪ ،‬وهي‬
‫أربعون حديًثا مشتملة على جميع ذلك‪ ،‬وكل حديث منها قاعدة عظيمة من‬
‫قواعد الدين‪ ،‬قد وصفه العلماء بأن مدار السلم عليه‪ ،‬أو هو نصف السلم‪،‬‬
‫أو ثلثه‪ ،‬أو نحو ذلك… ‪ ،‬وينبغي لكل راغب في الخرة أن يعرف هذه‬
‫الحاديث لما اشتملت عليه من المهمات‪ ،‬واحتوت عليه من التنبيه على جميع‬
‫الطاعات‪ ،‬وذلك ظاهر لمن تدبره« ]‪.[5‬‬
‫ضا ليكون ضمن كتابه القيم )رياض الصالحين(‪ ،‬ووضعه‬ ‫كما اختاره النووي أي ً‬
‫في الباب الخامس‪ ،‬باب المراقبة‪ ،‬من الكتاب الول‪ ،‬فكان رقمه الثاني‬
‫والستين من جملة الحاديث التي بلغت ‪ 1896‬حديًثا‪ ،‬وقد قال في مقدمتها‪:‬‬
‫»فرأيت أن أجمع مختصًرا من الحاديث الصحيحة‪ ،‬مشتمًل على ما يكون‬
‫قا لصاحبه إلى الخرة‪ ،‬ومحصًل لدابه الباطنة والظاهرة‪ ،‬جامًعا للترغيب‬ ‫طري ً‬
‫والترهيب‪ ،‬وسائر أنواع آداب السالكين‪ ،‬من أحاديث الزهد‪ ،‬ورياضات‬
‫النفوس‪ ،‬وتهذيب الخلق‪ ،‬وطهارات القلوب وعلجها‪ ،‬وصيانة الجوارح‪،‬‬
‫وإزالة اعوجاجها‪،‬وغير ذلك من مقاصد العارفين« ]‪.[6‬‬
‫ما عند العلماء‪ ،‬وطلبة العلم بعد النووي‪ ،‬إذ‬ ‫وقد وجد هذان الكتابان قبول ً عظي ً‬
‫كثر انتشارهما‪ ،‬واعتني بهما بالشرح والتعليق‪.‬‬
‫وقد اعتنى العلماء بهذا الحديث خاصة‪ ،‬وشرحوه‪ ،‬وبينوا منزلته‪ ،‬ومن ذلك ما‬
‫ذكره ابن رجب الحنبلي )ت ‪795‬ه( حيث قال‪ » :‬هذا الحديث يتضمن وصايا‬
‫عظيمة‪،‬وقواعد كلية من أهم أمور الدين‪ ،‬وأجّلها‪ ،‬حتى قال المام أبو الفرج‬
‫في كتابه )صيد الخاطر(‪ :‬تدبرت هذا الحديث‪ ،‬فأدهشني‪ ،‬وكدت أطيش‪ ،‬فوا‬
‫أسفي من الجهل بهذا الحديث‪ ،‬وقلة التفهم لمعناه« ]‪.[7‬‬
‫وقال ابن حجر الهيتمي )ت ‪974‬ه(‪ :‬بأن هذا الحديث اشتمل على »هذه‬
‫الوصايا الخطيرة القدر‪ ،‬الجامعة من الحكام والحكم والمعارف ما يفوق‬
‫الحصر« ]‪.[8‬‬
‫وقال ابن عثيمين‪» :‬فهذا الحديث الذي أوصى به عبد الله بن عباس ينبغي‬
‫ما‪ ،‬وأن يعتمد على هذه الوصايا النافعة‪،‬‬ ‫للنسان أن يكون على ذكر له دائ ً‬
‫التي أوصى بها النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ابن عمه عبد الله بن عباس‬
‫رضي الله عنهما« ]‪.[9‬‬
‫شرح الحديث إجما ً‬
‫ل‪:‬‬
‫قوله‪) :‬كنت خلف النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ (-‬أي راكًبا معه‪ ،‬ورديفه‪.‬‬
‫قوله‪) :‬فقال‪ :‬يا غلم…( قال له‪) :‬يا غلم(؛ لن ابن عباس ‪-‬رضي الله عنهما‪-‬‬
‫كان صغيًرا‪ ،‬فإن الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬توفي وعمر ابن عباس‬
‫ثلث عشرة سنة‪ ،‬وقيل‪ :‬خمس عشرة سنة ]‪.[10‬‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قوله‪) :‬إني أعلمك كلمات( ذكر له ذلك قبل ذكر الكلمات‪ ،‬ليكون ذلك أوقع‬
‫في نفسه‪ ،‬وجاء بها بصيغة القّلة؛ ليؤذنه أنها قليلة اللفظ؛ فيسهل حفظه ]‬
‫‪.[11‬‬
‫قوله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) :-‬احفظ الله( أي احفظ حدوده‪ ،‬وحقوقه‪،‬‬
‫وأوامره ونواهيه‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وحفظ ذلك يكون بالوقوف عند أوامره بالمتثال‪ ،‬وعند نواهيه بالجتناب‪،‬‬
‫وعند حدوده فل يتجاوز ما أمر به‪ ،‬وأذن فيه إلى ما نهى عنه‪ ،‬فمن فعل ذلك‬
‫فهو من الحافظين لحدود الله‪.‬‬
‫وأعظم ما يجب حفظه التوحيد‪ ،‬وسلمة العقيدة‪ ،‬فهي الصل والساس لبقية‬
‫أركان اليمان والسلم‪ ،‬التي يجب حفظها‪ ،‬باليمان بها قوًل وعمًل واعتقاًدا‪،‬‬
‫عا لما جاء به رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪.-‬‬ ‫صا لله تعالى‪ ،‬واتبا ً‬
‫إخل ً‬
‫قال ابن دقيق العيد ) ت ‪702‬ه( في معنى )احفظ الله(‪ » :‬ومعناه كن مطيًعا‬
‫لربك‪ ،‬مؤتمًرا بأوامره‪ ،‬منتهًيا عن نواهيه« ]‪.[12‬‬
‫وم به عباداته‬ ‫وكذلك من حفظ الله أن يتعلم المسلم من دينه ما يق ّ‬
‫ومعاملته‪ ،‬ويدعو به إلى الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪.-‬‬
‫وقوله‪) :‬يحفظك( يعني أن من حفظ حدود الله‪ ،‬وراعى حقوقه حفظه الله‪،‬‬
‫في الدنيا من الفات والمكروهات‪ ،‬وفي الخرة من أنواع العقوبات‪ ،‬جزاء‬
‫وفاًقا‪ .‬فكلما حفظ النسان دين الله حفظه الله‪.‬‬
‫وحفظ الله لعبده الحافظ لدينه‪ ،‬يكون في أمرين‪:‬‬
‫الول‪ :‬حفظ الله للعبد في دينه وإيمانه‪ ،‬فيحفظه في حياته من الشبهات‬
‫المضلة‪ ،‬ومن الشهوات المحّرمة‪ ،‬ويحفظ عليه دينه عند موته‪ ،‬فيتوّفاه على‬
‫اليمان‪.‬‬
‫هذا هو المر الول‪ ،‬وهو أعظمهما وأشرفهما‪ ،‬وهو أن يحفظ الله عبده من‬
‫الزيغ والضلل؛ لن النسان كلما اهتدى زاده الله هدى‪ ،‬وكلما ضل ازداد‬
‫ضلًل‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬حفظ الله للعبد في مصالح دنياه‪ ،‬كحفظه في بدنه وولده وأهله‬
‫وماله‪ ،‬ومن حفظ الله في صباه وقوته حفظه الله في حال كبره وضعف‬
‫قوته‪ ،‬ومّتعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله ]‪.[13‬‬
‫إذن من حفظ حدود الله حفظه الله في دينه‪ ،‬وفي بدنه وولده وأهله وماله‪.‬‬
‫ضا‪،‬‬
‫قوله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) :-‬احفظ الله تجده تجاهك( أي احفظ الله أي ً‬
‫بحفظ حدوده وحقوقه‪ ،‬وشريعته بالقيام بأمره واجتناب نهيه‪.‬‬
‫)تجده تجاهك(‪ ،‬وفي رواية‪) :‬أمامك(‪ ،‬ومعناهما واحد‪ ،‬أي من حفظ حدود الله‬
‫وجد الله تجاهه وأمامه‪ ،‬في كل أحواله حيث توجه‪ ،‬يحوطه وينصره ويوفقه‬
‫ن? ]‬‫سُنو ٌَ‬
‫ح ِ‬
‫م ْ‬
‫هم ّ‬‫ن ُ‬‫ذي َ‬‫قوا ْ َوال ّ ِ‬‫ن ات ّ َ‬ ‫معَ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫ويسدده‪ ،‬كما قال تعالى‪? :‬إ ِ ّ‬
‫‪.[14‬‬
‫نعم من حفظ الله وجد الله أمامه يدله على كل خير‪ ،‬ويذود عنه كل شر‪ ،‬ول‬
‫سيما إذا حفظ الله بالستعانة به؛ فإن النسان إذا استعان بالله‪ ،‬وتوكل على‬
‫الله كان الله حسبه وكافيه‪ ،‬ومن كان الله حسبه؛ فإنه ل يحتاج إلى أحد بعد‬
‫الله‪ ،‬فلن يناله سوء‪[15] .‬‬
‫يقول ابن دقيق العيد في شرح هذه العبارة‪ » :‬أي اعمل له بالطاعة‪ ،‬ول‬
‫يراك في مخالفته؛ فإنك تجده تجاهك في الشدائد« ]‪.[16‬‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قوله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) :-‬إذا سألت فاسأل الله( سؤال الله تعالى هو‬
‫دعاؤه والرغبة إليه‪ ،‬فدل هذا التوجيه النبوي الكريم على أن يسأل الله ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،-‬ول يسأل غيره‪ ،‬فسؤال الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬دون‬
‫خلقه هو المتعين؛ لن السؤال فيه إظهار الذل من السائل‪ ،‬وفيه العتراف‬
‫بقدرة المسؤول على رفع هذا الضرر‪ ،‬وجلب المنافع‪ ،‬ودفع المضار‪ ،‬ول يصلح‬
‫الذل والفتقار إل لله وحده‪.‬‬
‫ح في سؤاله‪ ،‬والمخلوق بخلف ذلك‪ ،‬يكره‬ ‫َ‬
‫والله سبحانه يحب أن ُيسأل‪ ،‬وي ُل ّ‬
‫أن ُيسأل‪ ،‬ويحب أن ل يسأل؛ لعجزه وفقره وحاجت ]‪.[17‬‬
‫قوله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) :-‬وإذا استعنت فاستعن بالله( دل هذا الحديث‬
‫على أن يستعان بالله دون غيره‪ ،‬وأن ل يعتمد على مخلوق‪ ،‬فالستعانة هي‬
‫طلب العون‪ ،‬ول يطلب العون من أي إنسان » إل للضرورة القصوى‪ ،‬ومع‬
‫ذلك إذا اضطررت إلى الستعانة بالمخلوق فاجعل ذلك وسيلة وسبًبا‪ ،‬ل ركًنا‬
‫تعتمد عليه …« ]‪.[18‬‬
‫يقول ابن رجب‪ » :‬وأما الستعانة بالله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬دون غيره من‬
‫الخلق؛ فلن العبد عاجز عن الستقلل بجلب مصالحه‪ ،‬ودفع مضاره‪ ،‬ول‬
‫معين له على مصالح دينه ودنياه إل لله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬فمن أعانه‬
‫الله فهو المعان…‪ ،‬فالعبد محتاج إلى الستعانة بالله في فعل المأمورات‪،‬‬
‫وترك المحظورات« ]‪.[19‬‬
‫قوله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) :-‬واعلم أن المة لو اجتمعت على أن ينفعوك‬
‫بشيء لم ينفعوك إل بشيء قد كتبه الله لك‪ ،‬وإن اجتمعوا على أن يضروك‬
‫بشيء لم يضروك إل بشيء قد كتبه الله عليك(‪ .‬المراد أن كل ما يصيب‬
‫النسان في دنياه‪ ،‬مما يضره أو ينفعه‪ ،‬فهو مقدر عليه‪ ،‬فل يصيب النسان إل‬
‫ما كتب له من ذلك في الكتاب السابق‪ ،‬ولو اجتهد على ذلك الخلق كلهم‬
‫جميًعا‪.‬‬
‫فالرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يخبر في هذا الحديث أن المة لو اجتمعت‬
‫كلها على نفع أحد لم ينفعوه إل بشيء قد كتبه الله له‪ ،‬وإذا وقع منهم نفع له‬
‫فهو من الله تعالى؛ لنه هو الذي كتبه‪ ،‬وكذلك لو اجتمعوا على أن يضروا‬
‫دا بشيء لم يضروه إل بشيء قد كتبه الله عليه ]‪.[20‬‬ ‫أح ً‬
‫ن لكل شيء حقيقة‪ ،‬وما بلغ عبد حقيقة اليمان‬ ‫ولهذا جاء في الحديث‪) :‬إ ّ‬
‫حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه‪ ،‬وما أخطأه لم يكن ليصيبه( ]‪.[21‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫قوله‪) :‬رفعت القلم وجفت الصحف( هذا إخبار من الرسول ‪-‬صلى الله عليه‬
‫دم كتابة المقادير‪ ،‬وأن ما كتبه الله فقد انتهى ورفع‪ ،‬والصحف‬
‫وسلم‪ -‬عن تق ّ‬
‫فت من المداد‪ ،‬ولم يبق مراجعة‪ ،‬فما أخطأك لم يكن ليصيبك‪ ،‬وما أصابك‬ ‫ج ّ‬
‫لم يكن ليخطئك ]‪.[22‬‬
‫قوله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) :-‬واعلم أن النصر مع الصبر‪ ،‬وأن الفرج مع‬
‫الكرب‪ ،‬وأن مع العسر يسًر( يعني أن ما أصاب العبد من المصائب المؤلمة‬
‫المكتوبة عليه‪ ،‬إذا صبر عليها نصره الله‪ ،‬وجعل في صبره خيًرا كثيًرا‪.‬‬
‫يقول صاحب شرح رياض الصالحين في شرح هذا الحديث‪ » :‬يعني اعلم علم‬
‫اليقين أن النصر مع الصبر‪ ،‬فإذا صبرت‪ ،‬وفعلت ما أمرك الله به من وسائل‬
‫النصر ؛ فإن الله تعالى ينصرك ‪.‬‬
‫والصبر هنا يشمل الصبر على طاعة الله ‪ ،‬وعن معصيته ‪ ،‬وعلى أقداره‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المؤلمة« ]‪.[23‬‬
‫قوله‪) :‬وأن الفرج مع الكرب( أي كلما اشتدت المور واكتربت وضاقت؛ فإن‬
‫الفرج من الله قريب ‪ ،‬يقول ابن حجر الهيتمي‪) … » :‬وأن الفرج( يحصل‬
‫سريًعا )مع الكرب( فل دوام للكرب ‪ ،‬وحينئذ فيحسن لمن نزل به أن يكون‬
‫صابًرا‪ ،‬محتسًبا‪ ،‬راجًيا سرعة الفرج مما نزل به‪ ،‬حسن الظن بموله في‬
‫جميع أموره‪ ،‬فالله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أرحم به من كل راحم‪ ،‬حتى أمه‬
‫وأبيه‪ ،‬فهو ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أرحم الراحمين« ]‪.[24‬‬
‫ن مع العسر يسًر( أي أن كل عسر فإن بعده يسًرا‪ ،‬بل إن العسر‬ ‫وقوله‪) :‬وأ ّ‬
‫ر‬
‫س ِ‬ ‫ْ‬
‫معَ العُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫محفوف بُيسَرْين‪ُ ،‬يسر سابق‪ ،‬وُيسر لحق‪ ،‬لقوله تعالى‪? :‬فَإ ِ ّ‬
‫سًرا ]‪.[25‬‬ ‫سرِ ي ُ ْ‬ ‫معَ ال ْعُ ْ‬ ‫ن َ‬‫سًرا * إ ِ ّ‬ ‫سرِ ي ُ ْ‬ ‫معَ ال ْعُ ْ‬‫ن َ‬‫سًرٌا?فَإ ِ ّ‬ ‫سرِ ي ُ ْ‬ ‫معَ ال ْعُ ْ‬
‫ن َ‬ ‫سًرا * إ ِ ّ‬ ‫يُ ْ‬
‫فالعسر ل يدوم لمن احتسب وصبر‪ ،‬وعلم أن ما أصابه بمقدور الله تعالى‪،‬‬
‫صا وحسن اتباع ]‪.[26‬‬ ‫وأنه ل مفر له من ذلك‪ ،‬واستقام كما أمر ربه؛ إخل ً‬
‫المبحث الول‬
‫في قوله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) :-‬يا غلم‪ :‬إني أعلمك كلمات(‬
‫مما يؤخذ من هذا الجزء في حديث الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬المور‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب تعليم الناس العقيدة الصحيحة‪ ،‬وتربيتهم عليها‪ ،‬وعلى العلم النافع‪،‬‬
‫ويكون ذلك بأسلوب مختصر‪ ،‬وكلم جامع واضح‪ ،‬فلو تأملت هذا الحديث‬
‫لوجدته جامًعا لمسائل عقدية كثيرة بأسلوب موجز‪.‬‬
‫‪ -2‬الحرص على تربية الناشئة على العلم النافع‪ ،‬ويبدأ بتربيتهم على العقيدة‬
‫الصافية الخالصة؛ فإن الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وجه هذه الكلمات‬
‫النافعات إلى ابن عباس وهو صغير؛ إذ قال له‪) :‬يا غلم‪ :‬إني أعلمك كلمات(؛‬
‫ليتربى الشاب المسلم على معرفة الله وتوحيده‪ ،‬وحفظ حدوده‪ ،‬يلجأ إلى‬
‫الله في الرخاء والشدة‪ ،‬ويسأله ويستعين به‪ ،‬ويتوكل عليه ‪-‬صلى الله عليه‬
‫ما؛ لنه يعلم أنه ل يملك أحد من البشر له نفًعا‬ ‫عا مقدا ً‬ ‫وسلم‪ ،-‬فيصبح شجا ً‬
‫ول ضًرا إل بإذن الله تعالى‪ ،‬ولن الله معه ينصره ويؤيده وييسر له أموره‪ ،‬ما‬
‫عا‪.‬‬‫صا واتبا ً‬ ‫كا بشرع الله إخل ً‬ ‫دام متمس ً‬
‫فعلى الجميع الحرص على غرس اليمان في نفوس البناء‪ ،‬وتربيتهم على‬
‫فهم أصول اليمان‪ ،‬والعمل بأحكام السلم‪ ،‬وتعويدهم على المراقبة‬
‫والمحاسبة منذ الصغر‪ ،‬قبل أن تصلهم الفلسفات اللحادية والشبهات البدعية‬
‫والشهوات المغرضة‪ ،‬وغير ذلك مما تشنه تلك الحملت المسعورة من حرب‬
‫ضروس ضد شباب المة ذكوًرا وإناًثا‪ ،‬مرة باسم التثقيف‪ ،‬وباسم التسلية‬
‫والترفيه مرات أخرى‪.‬‬
‫‪ -3‬استحباب تشويق المتعلم‪ ،‬وتهيئته بلطف العبارة‪ ،‬وتنبيهه إلى أهمية ما‬
‫يلقى إليه‪ ،‬وإشعاره بسهولة حفظه ووعيه ليسهل عليه تلقيه واستيعابه‪،‬‬
‫وبالتالي حفظه ووعيه‪ ،‬وبخاصة المسائل العقدية التي يحتاج إلى دقة في‬
‫حفظها ونقلها‪ ،‬ويؤخذ هذا من فعل الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬عندما‬
‫ما له هذه المسائل‪) :‬يا غلم‪ :‬إني أعلمك كلمات(‪.‬‬ ‫قال لبن عباس مقد ً‬
‫‪ -4‬ومما يؤخذ من هذا الحديث حرص الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬على‬
‫توجيه المة‪ ،‬وتنشئة الجيل المسلم على العقيدة الصحيحة والشرع القويم‪،‬‬
‫سو ٌ‬
‫ل‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاءك ُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫وقد قال الله تعالى في وصفه ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪? :-‬ل َ َ‬
‫م? ]‬‫حي ٌٌ‬ ‫ف ّر ِ‬ ‫ؤو ٌ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫كم ِبال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ص عَل َي ْ ُ‬‫ري ٌ‬ ‫ح ِ‬‫م َ‬ ‫زيٌز عَل َي ْهِ َ‬
‫ما عَن ِت ّ ْ‬ ‫م عَ ِ‬‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬‫ن َأن ُ‬
‫م ْ‬‫ّ‬
‫‪ ،[27‬أي يعز عليه الشيء الذي يعنت أمته‪ ،‬ويشق عليها‪ ،‬حريص على‬
‫هدايتكم‪ ،‬ووصول النفع الدنيوي والخروي إليكم ]‪ ،[28‬ولهذا ورد عن أبي ذر‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أنه قال‪ :‬تركنا رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫ما‪ ،‬قال‪ :‬فقال رسول‬ ‫وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إل وهو يذكرنا منه عل ً‬
‫الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) :-‬ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار‬
‫إل وقد ب ُّين لكم( ]‪.[29‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫في قوله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) :-‬احفظ الله(‬
‫ما يؤخذ في هذا الجزء ما يلي‪:‬‬ ‫وم ّ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ذا من قوله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪:-‬‬ ‫‪ -1‬إثبات صفة الحفظ لله تعالى‪ ،‬أخ ً‬
‫)احفظ الله يحفظك(‪ ،‬فهنا أثبت أن الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬متصف بأنه‬
‫يحفظ عباده الذين يحفظون حدوده‪ ،‬فدل على إثبات صفة الحفظ لله تعالى‪،‬‬
‫وأنها تتعلق بإرادته ومشيئته‪ ،‬وهذه الصفة ثابتة لله ‪-‬عّز وجل‪ -‬في القرآن‬
‫َ‬ ‫حافِ ً‬
‫ن? ]‪ ،[30‬وقوله‬ ‫مي ٌ‬ ‫ح ِ‬
‫م الّرا ِ‬
‫ح ُ‬ ‫ظا وَهُوَ أْر َ‬ ‫خي ٌْر َ‬‫ه َ‬‫الكريم ‪ ،‬لقوله تعالى‪َ? :‬فالل ّ ُ‬
‫ظ? ]‪.[31‬‬ ‫في ٌ‬ ‫ح ِ‬‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫ى كُ ّ‬ ‫َ‬
‫ن َرّبي عَل َ‬ ‫سبحانه‪? :‬إ ِ ّ‬
‫ذا من‬ ‫ن من أسماء الله تعالى )الحافظ( و)الحفيظ(؛ أخ ً‬ ‫وقد ذكر العلماء أ ّ‬
‫ن باب الصفات أوسع من باب السماء؛‬ ‫اليتين السابقتين‪ ،‬ومن المعلوم أ ّ‬
‫وذلك لن كل اسم متضمن لصفة‪ ،‬وأسماء الله تعالى إن دلت على وصف‬
‫فقد تضمنت ثلثة أمور‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬ثبوت ذلك السم لله ‪-‬عّز وجل‪.-‬‬
‫الثاني‪ :‬ثبوت الصفة التي تضمنها لله ‪-‬عّز وجل‪.-‬‬
‫الثالث‪ :‬ثبوت حكمها ومقتضاه ]‪.[32‬‬
‫ما لله تعالى‪ ،‬وإثبات الحفظ‬ ‫مثال ذلك‪) :‬الحافظ( يتضمن إثبات )الحافظ( اس ً‬
‫صفة له‪ ،‬وإثبات حكم ذلك ومقتضاه‪ ،‬وهو أنه سبحانه يحفظ عباده‪ ،‬الذين‬
‫يحفظونه‪.‬‬
‫من‬ ‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬‫ن ات ّ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ضا على تسمية الله بالحفيظ قوله تعالى‪َ? :‬وال ِ‬ ‫ومن الدلة أي ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫ل? ]‪ ،[33‬وقوله‪? :‬وََرب ّكَ‬ ‫كي ٌٍ‬‫ت عَلي ِْهم ب ِوَ ِ‬ ‫ما أن َ‬ ‫م وَ َ‬‫فيظ عَلي ْهِ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ُدون ِهِ أول َِياء الل ّ ُ‬
‫ظ? ]‪.[34‬‬ ‫في ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عََلى ك ُ ّ‬
‫يقول صالح البليهي )ت ‪1410‬ه(‪ » :‬الحفيظ من أسماء الله الحسنى‪،‬‬
‫واشتقاقه من الحفظ‪ ،‬والحفظ لغة هو الحراسة والصيانة والحياطة‪ ،‬والله‬
‫دس اسمه هو الحافظ والحفيظ‪ ،‬هو‬ ‫ظا … فالله تق ّ‬ ‫جل وعل سمى نفسه حفي ً‬
‫تعالى على كل شيء حفيظ‪ ،‬أي شاهد وحافظ‪ ،‬يحفظ على عباده أقوالهم‬
‫وأفعالهم‪ ،‬فيجازي كًل بعمله‪ ،‬إن خيًرا فخير‪ ،‬وإن شًرا فشر …‪ ،‬والله تعالى‬
‫من فضله ولطفه ورحمته وإحسانه يحفظ عباده المؤمنين‪ ،‬وهو خير‬
‫الحافظين‪ ،‬يحفظهم من كل شر‪ ،‬ومن كل محنة وبلء‪ ،‬يحفظهم تعالى ?وََرب ّ َ‬
‫ك‬
‫ظ? يحفظهم بشرط أن يحافظوا على ما أوجب الله‬ ‫في ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عََلى ك ُ ّ‬
‫عليهم في شريعة السلم‪ ،‬وبشرط أن يحفظوا جوارحهم عن كل ما حرم‬
‫الله…‪ ،‬ودعاء الله بأسمائه مشروع‪ ،‬وكيفيته يا غفور اغفر لي‪ ،‬يا رحمن‬
‫ارحمني‪ ،‬يا رزاق ارزقني‪ ،‬يا معافي عافني‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فالله تعالى هو‬
‫الحافظ والحفيظ … اللهم يا حافظ ويا حفيظ احفظنا وأنت خير الحافظين«‬
‫]‪.[35‬‬
‫‪ - 2‬وجوب حفظ العقيدة‪ ،‬والحرص على سلمتها مما قد يشوبها‪ ،‬وأن ذلك‬
‫أعظم أسباب حفظ الله للعبد‪ ،‬كما يجب حفظ الشريعة‪ ،‬وذلك بالعمل بها‪،‬‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والدعوة إليها‪ ،‬والدفاع عنها‪.‬‬


‫فإذا كان قوله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) :-‬احفظ الله( يعني حفظ حدوده‪،‬‬
‫وحقوقه ‪ ،‬وأوامره ونواهيه‪ ،‬فإن أعظم حقوقه توحيده في ألوهيته وربوبيته‬
‫وأسمائه وصفاته‪ ،‬واتباع كتاب الله تعالى وسنة رسوله ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،-‬المصدرين لتلقي العقيدة‪ ،‬والحذر من النزلق مع الهوى‪ ،‬أو تقديم‬
‫العقل على النص الشرعي مما أوقع كثيًرا من الفرق والنحل في الشرك‬
‫والبدع والمخالفات‪.‬‬
‫وحفظ العقيدة يكون بتعلمها واليمان بها والعمل بمقتضاها‪،‬وتعليمها والدعوة‬
‫إليها‪.‬‬
‫فقوله‪) :‬احفظ الله( أمر بحفظ توحيده‪ ،‬وأوامره ونواهيه‪ ،‬وحقوقه وحدوده‪،‬‬
‫كما أنه أمر بحفظ الجوارح كالسمع والبصر واللسان والبطن والفرج‪.‬‬
‫ما‬
‫ذا َ‬ ‫ن غَي َْر ب َِعيد ٍ )‪ (31‬هَ َ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬‫ة ل ِل ْ ُ‬‫جن ّ ُ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ولهذا يقول الله تعالى‪? :‬وَأ ُْزل ِ َ‬
‫توعَدون ل ِك ُ ّ َ‬
‫ب?‬‫مِني ٌٍ‬‫ب ّ‬ ‫قل ْ ٍ‬
‫جاء ب ِ َ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫من ِبال ْغَي ْ ِ‬ ‫ح َ‬‫ي الّر ْ‬ ‫ش َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ظ )‪َ (32‬‬ ‫في ٍ‬ ‫ح ِ‬‫ب َ‬ ‫ل أّوا ٍ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ٌ‬
‫ل أواب حفيظ? أي‬ ‫ُ‬
‫ن ل ِك ّ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ُتوعَ ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫]‪ [36‬يقال للمتقين على وجه التهنئة‪? :‬هَ َ‬
‫هذه الجنة وما فيها‪ ،‬هي التي وعد الله لكل أواب ‪ ،‬أي رجاع إلى الله ‪ ،‬في‬
‫جميع الوقات ‪ ،‬بتوحيده وذكره ‪ ،‬وحبه ‪ ،‬والستعانة به‪) ،‬حفيظ( أي محافظ‬
‫على ما أمر الله به‪ ،‬من توحيده وشرعه ‪ ،‬على وجه الخلص‪ ،‬والكمال له‬
‫على أتم الوجوه‪ ،‬حفيظ لحدوده ]‪.[37‬‬
‫وخصت بعض العمال بالتنصيص على حفظها اعتناء بشأنها‪ ،‬ومن ذلك قوله‬
‫ى? ]‪ .[38‬وقوله تعالى‪ُ? :‬قل‬ ‫صل َةِ ال ْوُ ْ َ‬ ‫صل َ َ‬‫ظوا ْ عََلى ال ّ‬ ‫حافِ ُ‬
‫َ‬ ‫سط ٌ‬ ‫ت وال ّ‬ ‫وا ِ‬
‫َ‬
‫تعالى‪َ ? :‬‬
‫م? ]‪،[39‬‬ ‫َ‬
‫كى لهُ ٌْ‬ ‫ك أْز َ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬ ‫جهُ ْ‬ ‫فظوا فُُرو َ‬ ‫ُ‬ ‫ح َ‬‫م وَي َ ْ‬ ‫صارِهِ ْ‬ ‫ن أب ْ َ‬‫م ْ‬ ‫ضوا ِ‬ ‫ن ي َغُ ّ‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ّل ْ ُ‬
‫َ‬
‫ت أعَد ّ‬ ‫ذاك َِرا ِ‬‫ه ك َِثيًرا َوال ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ذاك ِ ِ‬‫ت َوال ّ‬ ‫ظا ِ‬ ‫حافِ َ‬ ‫م َوال ْ َ‬ ‫جهُ ْ‬ ‫ن فُُرو َ‬ ‫ظي َ‬ ‫حافِ ِ‬ ‫وقوله‪َ? :‬وال ْ َ‬
‫َ‬
‫م‬‫جهِ ْ‬‫فُرو ِ‬ ‫م لِ ُ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م? ]‪ ،[40‬وقوله‪َ? :‬وال ّ ِ‬ ‫ظي ًٌ‬ ‫جًرا عَ ِ‬ ‫فَرةً وَأ ْ‬ ‫مغْ ِ‬‫ه ل َُهم ّ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫م? ]‪ ،[42‬إلى غير ذلك من اليات‪.‬‬ ‫مان َك ُ ٌْ‬ ‫ظوا ْ أي ْ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن? ]‪ ،[41‬وقوله‪َ? :‬وا ْ‬ ‫ظو ٌ‬‫حافِ ُ‬ ‫َ‬
‫وقوله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) :-‬من حفظ ما بين لحييه ورجليه دخل الجنة( ]‬
‫‪ ،[43‬وفي رواية‪) :‬من وقاه الله شر ما بين لحييه‪ ،‬وشر ما بين رجليه دخل‬
‫الجنة ( ]‪ ،[44‬وقوله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ) :-‬ولن يحافظ على الوضوء إل‬
‫مؤمن( ]‪.[45‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫إذن من فعل الواجبات وترك المحرمات فقد حفظ حدود الله تعالى‪ ،‬ومن ثم‬
‫فقد حفظ الله‪ ،‬وأعظم ما أوجبه الله على عباده‪ ،‬توحيده‪ ،‬وعبادته سبحانه‬
‫صا له ‪ ،‬ومتابعة لما جاء به رسوله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬فهي الغاية‬ ‫إخل ً‬
‫س إ ِل ّ‬
‫لن َ‬
‫ن َوا ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫ق ُ‬‫خل َ ْ‬
‫ما َ‬ ‫التي من أجلها خلق الله الخلق‪ ،‬قال تعالى‪? :‬وَ َ‬
‫ن? ]‪.[46‬‬
‫دو ٌ‬
‫ل ِي َعْب ُ ُ‬
‫فمن آمن بذلك وعمل به فهو من الحافظين لحدود الله تعالى‪ ،‬الذين أثنى‬
‫ن? ]‪،[47‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني ٌَ‬ ‫شرِ ال ْ ُ‬‫دودِ الل ّهِ وَب َ ّ‬
‫ح ُ‬‫ن لِ ُ‬
‫ظو َ‬‫حافِ ُ‬ ‫الله عليهم سبحانه بقوله‪? :‬ال ْ َ‬
‫في ٌٍ‬ ‫ذا ما توعَدون ل ِك ُ ّ َ‬
‫ظ? ]‪.[48‬‬ ‫ح ِ‬
‫ب َ‬‫ل أّوا ٍ‬ ‫ُ َ‬ ‫وقوله سبحانه‪? :‬هَ َ َ ُ‬
‫ومن الدلة على حفظ الجوارح ما جاء في حديث ابن مسعود المرفوع‪:‬‬
‫)الستحياء من الله حق الحياء‪ :‬أن يحفظ الرأس وما وعى‪ ،‬ويحفظ البطن‬
‫وما حوى ( ]‪.[49‬‬
‫وحفظ الرأس وما وعى‪ :‬يدخل فيه حفظ اللسان من الكذب والغيبة‪،‬‬
‫والنميمة‪ ،‬وشهادة الزور‪ ،‬والقول الحرام‪ ،‬وحفظ السمع عن الصوات‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المحرمة‪ ،‬وحفظ البصر عن النظر إلى ما حرم الله تعالى النظر إليه‪ ،‬ونحو‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وحفظ البطن وما حوى‪ :‬يدخل فيه حفظ القلب عن العتقاد الباطل‪،‬‬
‫والصرار على المحرم‪ ،‬وحفظ البطن من إدخال ما حرم الله من المأكولت‬
‫والمشروبات الممنوعة شرع ً ]‪.[50‬‬
‫ل‬‫ؤاد َ ك ُ ّ‬ ‫ف َ‬ ‫صَر َوال ْ ُ‬ ‫معَ َوال ْب َ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫عل ْ ٌ‬‫ك ب ِهِ ِ‬ ‫س لَ َ‬ ‫ما ل َي ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ق ُ‬ ‫قال تعالى‪? :‬وَل َ ت َ ْ‬
‫ل? ]‪[51‬؛ أي‪ :‬ول تتبع ما ليس لك به علم‪ ،‬بل تثّبت في‬ ‫ٌ‬ ‫ؤو ً‬ ‫س ُ‬‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن عَن ْ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ك َ‬ ‫ُأولئ ِ َ‬
‫كل ما تقوله وتفعله‪ ،‬فل تظن ذلك يذهب ل لك ول عليك‪ ،‬فحقيق بالعبد الذي‬
‫يعرف أنه مسؤول عما قاله وفعله‪ ،‬وعما استعمل به جوارحه التي خلقها الله‬
‫لعبادته أن ُيعد ّ للسؤال جواًبا‪ ،‬وللجواب صواًبا‪ ،‬وذلك ل يكون إل باستعمالها‬
‫بعبودية الله تعالى‪ ،‬وإخلص الدين له‪ ،‬وكفها عما يكرهه الله جل وعل ]‪.[52‬‬
‫»وكما هو معروف الجزاء من جنس العمل فمن حفظ الله حفظه الله‪،‬‬
‫وحفظ الله ل يحصل إل بفعل الواجبات وترك المحرمات‪ ،‬فمن فعل جميع ما‬
‫أوجب الله عليه‪ ،‬وترك جميع ما حرم الله عليه حفظه الله بما يحفظ به‬
‫عباده الصالحين‪ ،‬ومن المعروف أن هذه الحياة في غالب الزمان تموج‬
‫بالشرور والفتن‪ ،‬والحروب الطاحنة‪ ،‬ولكن من حفظ الله حفظه الله« ]‬
‫‪. [53‬‬
‫ومما يلزم التنبيه عليه أن » الله عزوجل ليس بحاجة إلى أحد حتى يحفظه‪،‬‬
‫َ‬
‫مُنوا ِإن‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ولكن المراد حفظ دينه وشرعه‪ ،‬كما قال تعالى‪َ? :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫م? ]‪ ،[54‬وليس المعنى تنصرون ذات الله؛ لن الله ‪ I‬غني‬ ‫صْرك ُ ٌ‬ ‫ه َين ُ‬ ‫صُروا الل ّ َ‬ ‫َتن ُ‬
‫م? ]‬ ‫من ْهُ ٌ‬ ‫صَر ِ‬ ‫لنت َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫شاء الل ُ‬ ‫ك وَلوْ ي َ َ‬‫َ‬ ‫عن كل أحد‪ ،‬ولهذا قال في آية أخرى‪? :‬ذ َل ِ َ‬
‫ت وَل َ ِفي‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬
‫س َ‬ ‫يٍء ِفي ال َ‬ ‫ش ْ‬ ‫من َ‬ ‫جَزهُ ِ‬ ‫ه ل ِي ُعْ ِ‬‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫‪ ،[55‬ول يعجزونه ?وَ َ‬
‫ض? ]‪.[57] «[56‬‬ ‫َ‬
‫الْر ٌ‬
‫وهذا الفهم الخاطئ قد يفهمه الجهلة أو يثيره العداء‪ ،‬فإن اليهود عندما‬
‫هَ‬
‫هل ُ‬ ‫ف ُ‬
‫ع َ‬‫ضا ِ‬ ‫سًنا فَي ُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ضا َ‬ ‫ه قَْر ً‬ ‫ض الل ّ َ‬ ‫قرِ ُ‬ ‫ذي ي ُ ْ‬ ‫من َذا ال ّ ِ‬ ‫سمعوا قول الله تعالى‪ّ ? :‬‬
‫ة? ]‪ ،[58‬قالوا‪ :‬يا محمد‪ :‬افتقر ربك فسأل عباده القرض‪ ،‬ما بنا‬ ‫ضَعاًفا ك َِثيَر ٌ‬ ‫َ‬
‫أ ْ‬
‫إلى الله من حاجة‪ ،‬وإنه إلينا لفقير‪ ،‬وإنا عنه لغنياء‪ ،‬ولو كان عنا غنًيا ما‬
‫قد ْ‬ ‫َ‬
‫استقرض منا – كما ُنقل ذلك عنهم ]‪ – [59‬فأنزل الله ‪-‬عّز وجل‪ -‬قوله‪? :‬ل َ‬
‫ل ال ّذين َقاُلوا ْ إن الل ّه فَقير ونح َ‬
‫و? ]‪.[60‬‬ ‫ما َقال ُ ٌ‬ ‫ب َ‬ ‫سن َك ْت ُ ُ‬ ‫ن أغْن َِياء َ‬ ‫َ ِ ٌ ََ ْ ُ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ِ َ‬ ‫ه قَوْ َ‬ ‫معَ الل ّ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫المبحث الثالث‬
‫في قوله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) -‬يحفظك(‬
‫إذا حفظ العبد توحيده‪ ،‬وراعى حقوق ربه‪ ،‬فعندئذ يحفظه الله؛ في دينه‪ ،‬وفي‬
‫بدنه وماله وأهله‪.‬‬
‫ّ‬
‫وأعظم هذه المور حفظ الله تعالى دين العبد‪ ،‬بأن يسلمه من الزيغ‬
‫والضلل‪ ،‬والنحراف‪ ،‬لن النسان كلما حرص على حفظ توحيده‪ ،‬وسلمة‬
‫عقيدته من البدع والخرافات والضللت‪ ،‬حفظ الله عليه عقيدته وتوحيده‪،‬‬
‫دى‬ ‫م هُ ً‬ ‫ن اهْت َد َْوا َزاد َهُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫وكلما التزم الهداية زاده الله هدى‪ ،‬قال تعالى‪َ? :‬وال ّ ِ‬
‫م? ]‪ ،[61‬وكلما ضل النسان‪ ،‬والعياذ بالله‪ ،‬فإنه يزداد ضلًل‪،‬‬ ‫قواهُ ٌ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫َوآَتاهُ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه عَلى قُلوب ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫ن طب َعَ الل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ولهذا قال الله تعالى عن المنافقين‪? :‬أوْلئ ِك ال ِ‬
‫م? ]‪ ،[62‬أي‪ :‬ختم على قلوبهم‪ ،‬وسد أبواب الخير التي تصل‬ ‫واءهُ ٌْ‬ ‫َ‬
‫َوات ّب َُعوا أهْ َ‬
‫إليه بسبب اتباعهم أهواءهم‪ ،‬التي ل يهوون فيها إل الباطل ]‪.[63‬‬
‫ولهذا جاء في الحديث‪) :‬إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء؛‬
‫فإذا هو نزع واستغفر وتاب سقل قلبه‪ ،‬وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه‪ ،‬وهو‬
‫ن?( ]‪.[64‬‬ ‫سُبو ٌَ‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ن عََلى قُُلوب ِِهم ّ‬ ‫ل َرا َ‬ ‫الران الذي ذكر الله‪? :‬ك َل ّ ب َ ْ‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫يحفظ الله ‪-‬عّز وجل‪ -‬عبده الحافظ لدينه في حياته‪ ،‬وعند موته‪ ،‬فيتوفاه على‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ف‬
‫دي أو ِ‬ ‫اليمان‪ ،‬إذ الجزاء من جنس العمل‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪? :‬وَأوُْفوا ْ ب ِعَهْ ِ‬
‫صُروا‬ ‫م? ]‪ ،[66‬وقوله‪ِ? :‬إن َتن ُ‬ ‫م? ]‪ ،[65‬وقوله تعالى‪َ? :‬فاذ ْك ُُروِني أ َذ ْك ُْرك ُ ٌْ‬ ‫ب ِعَهْدِك ُ ٌْ‬
‫م? ]‪ ،[67‬وقوله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) :-‬إذا قام أحدكم عن‬ ‫صْرك ُ ٌ‬‫ه َين ُ‬ ‫الل ّ َ‬
‫صِنفة إزاره ثلث مرات؛ فإنه ل يدري ما خلفه‬ ‫فراشه ثم رجع إليه فلينفضه ب َ‬
‫عليه بعده‪ ،‬وإذا اضطجع فليقل‪ :‬باسمك ربي وضعت جنبي‪ ،‬وبك أرفعه‪ ،‬فإن‬
‫أمسكت نفسي فارحمها‪ ،‬وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك‬
‫الصالحين( ]‪.[68‬‬
‫فمن حفظ الله في حياته‪ ،‬بإخلص العبادة له سبحانه‪ ،‬وحسن التباع لرسوله‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬حفظه الله بالسلم ونصره وأيده؛ وقد عّلم رسول‬
‫الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬عمر بن الخطاب ‪ t‬أن يقول‪) :‬اللهم احفظني‬
‫دا‪ ،‬ول‬ ‫دا‪ ،‬واحفظني بالسلم راق ً‬ ‫ما‪ ،‬واحفظني بالسلم قاع ً‬ ‫بالسلم قائ ً‬
‫دا‪ ،‬اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك‪،‬‬ ‫تشمت بي عدًوا ول حاس ً‬
‫وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك ( ]‪.[69‬‬
‫ّ‬
‫وقال ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) :-‬من أراد أن يسافر فليقل لمن يخلف‪:‬‬
‫أستودعكم الله الذي ل تضيع ودائعه( ]‪.[70‬‬
‫ن مّني أودعك‬ ‫وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول للرجل إذا أراد سفًرا‪ :‬اد ُ‬
‫كما كان رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يوّدعنا‪ ،‬فيقول‪) :‬أستودع الله‬
‫دينك وأمانتك وخواتيم عملك( ]‪.[71‬‬
‫وجاء في الحديث عن رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أنه قال‪ ) :‬إن الله‬
‫سُتودع شيًئا حفظه( ]‪.[72‬‬ ‫إذا ا ْ‬
‫فالله ‪-‬عّز وجل‪ -‬يحفظ العبد الحافظ لدينه‪ ،‬المخلص في عبادته‪ ،‬ويحول بينه‬
‫وبين ما يفسد عليه دينه من مفسدات الشبهات والشهوات‪ ،‬من البدع‬
‫والخرافات‪ ،‬وأنواع المغريات‪ ،‬فيحفظه الله منها بأنواع الحفظ‪ ،‬قد يخفى‬
‫بعضها عليه؛ إذ يكون في ظاهرها بلء‪ ،‬وفي حقيقتها صرف السوء عنه‪ ،‬كما‬
‫شاء‬ ‫ح َ‬‫ف ْ‬‫سوَء َوال ْ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ف عَن ْ ُ‬ ‫صرِ َ‬‫ك ل ِن َ ْ‬ ‫قال تعالى في قصة يوسف ‪-‬عّز وجل‪? :-‬ك َذ َل ِ َ‬
‫ن? ]‪.[73‬‬ ‫صي ٌ‬ ‫خل َ ِ‬‫م ْ‬ ‫عَبادَِنا ال ْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫إ ِن ّ ُ‬
‫يقول السعدي )ت ‪1376‬ه( في حديثه عن قصة يوسف ‪-‬عّز وجل‪» :-‬فصبر‬
‫ما تركه لله‪،‬‬ ‫عن معصية الله مع وجود الداعي القوي فيه‪ ،‬لنه قد هم فيها ه ً‬
‫وقدم مراد الله على مراد النفس المارة بالسوء‪ ،‬ورأى برهان ربه ‪ -‬وهو ما‬
‫معه من العلم واليمان‪ ،‬الموجب لترك كل ما حرم الله ‪ -‬ما أوجب له البعد‬
‫والنكفاف عن هذه المعصية الكبيرة‪) ،‬قال معاذ الله( أي‪ :‬أعوذ بالله أن أفعل‬
‫هذا الفعل القبيح؛ لنه مما يسخط الله‪ ،‬ويبعد عنه …‪ ،‬والحاصل أنه جعل‬
‫الموانع له من هذا الفعل تقوى الله‪ ،‬ومراعاة سيده‪ ،‬الذي أكرمه‪ ،‬وصيانة‬
‫نفسه عن الظلم‪ ،‬الذي ل يفلح من تعاطاه‪ ،‬وكذلك ما من الله عليه من‬
‫برهان اليمان الذي في قلبه‪ ،‬يقتضي منه امتثال الوامر‪ ،‬واجتناب الزواجر‪،‬‬
‫والجامع لذلك كله‪ :‬أن الله صرف عنه السوء والفحشاء؛ لنه من عباده‬
‫المخلصين له في عباداتهم‪ ،‬الذين أخلصهم الله‪ ،‬واختارهم واختصهم لنفسه‪،‬‬
‫وأسدى عليهم من النعم‪ ،‬وصرف عنهم المكاره‪ ،‬ما كانوا به من خيار خلقه«‬
‫]‪.[74‬‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫حِييك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫كم ل ِ َ‬ ‫عا ُ‬ ‫ل إ َِذا د َ َ‬‫سو ِ‬ ‫جيُبوا ل ِلهِ وَِللّر ُ‬ ‫ست َ ِ‬‫مُنوا ا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقال تعالى‪َ? :‬يا أي َّها ال ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن? ]‪.[75‬‬ ‫شُرو ٌَ‬‫ح َ‬‫ه إ ِلي ْهِ ت ُ ْ‬ ‫مْرِء وَقَلب ِهِ وَأن ّ ُ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ل ب َي ْ َ‬‫حو ُ‬ ‫ه يَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا ْ أ ّ‬ ‫َواعْل َ ُ‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫روي عن ابن عباس أنه قال‪ » :‬يحول بين المؤمن وبين الكفر‪ ،‬وبين الكافر‬
‫وبين اليمان« ]‪.[76‬‬
‫فمن حافظ على سلمة توحيده من الشبهات والنحرافات‪ ،‬وقام بحقوق الله‬
‫عليه؛ فإن الله يحفظه بحفظ جميع مصالحه في الدنيا والخرة‪ ،‬فمن أراد أن‬
‫يتولى الله حفظه في أموره كلها فليراِع حقوق الله عليه‪ ،‬وأعظمها حق‬
‫عا لرسوله ‪-‬صلى الله عليه‬ ‫توحيده‪ ،‬وإفراده بالعبادة‪ ،‬والعمل بشريعته‪ ،‬اتبا ً‬
‫وسلم‪ ،-‬وقد أخبر الله تعالى بأنه ولي المؤمنين وكافيهم وحسبهم‪ ،‬قال‬
‫ت إ َِلى الن ّوٌُر? ]‪ ،[77‬وقال‬ ‫ما ِ‬ ‫ن الظ ّل ُ َ‬ ‫م َ‬
‫جُهم ّ‬ ‫خرِ ُ‬‫مُنوا ْ ي ُ ْ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫ي ال ّ ِ‬‫ه وَل َ ِ ّ‬‫تعالى‪? :‬الل ّ ُ‬
‫موَْلى ل َهُ ٌْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫م? ]‪،[78‬‬ ‫ن لَ َ‬‫ري َ‬‫ِ‬ ‫كافِ‬ ‫مُنوا وَأ ّ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫موَْلى ال ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ك ب ِأ ّ‬ ‫تعالى‪? :‬ذ َل ِ َ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫س الل ُ‬ ‫ه? ]‪ ،[79‬وقال‪? :‬ألي ْ َ‬ ‫سب ُ ٌ‬‫ح ْ‬ ‫ل عَلى اللهِ فَهُوَ َ‬ ‫من ي َت َوَك ْ‬ ‫وقال سبحانه‪? :‬وَ َ‬
‫ه? ]‪.[80‬‬ ‫ف عَب ْد َ ٌُ‬ ‫كا ٍ‬‫بِ َ‬
‫فالحافظ لدينه يحفظه الله في دينه ودنياه‪ ،‬ويحييه حياة طيبة في الدنيا‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫ف ُ‬
‫ظون َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫خل ْ ِ‬
‫فهِ ي َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ن ي َد َي ْهِ وَ ِ‬ ‫والخرة‪ ،‬قال الله تعالى‪? :‬ل َ ُ‬
‫من ب َي ْ ِ‬ ‫ت ّ‬
‫قَبا ٌ‬‫معَ ّ‬ ‫ه ُ‬
‫َ‬
‫ه? ]‪ [81‬روى الطبري )ت ‪310‬ه( عن ابن عباس قوله بأن المعقبات‬ ‫مرِ الل ّ ٌِ‬‫أ ْ‬
‫» هم ملئكة يحفظونه بأمر الله‪ ،‬فإذا جاء القدر خلوا عنه« ]‪.[82‬‬
‫ضا‪ ،‬عن مجاهد ) ت ‪104‬ه( قوله‪ » :‬ما من عبد إل له ملك‬ ‫وروى الطبري أي ً‬
‫موكل يحفظه في نومه ويقظته من الجن والنس والهوام‪ ،‬فما من شيء‬
‫يأتيه يريده إل قال‪ :‬وراءك‪ ،‬إل شيًئا يأذن الله فيه فيصيبه« ]‪. [83‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫وقال عبد الله بن عمر ‪-‬رضي الله عنهما‪ :-‬لم يكن النبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬يدع هؤلء الدعوات حين يمسي وحين يصبح‪) :‬اللهم إني أسألك‬
‫العافية في الدنيا والخرة‪ ،‬اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي‬
‫وأهلي ومالي‪ ،‬اللهم استر عوراتي‪ ،‬وآمن روعاتي‪ ،‬اللهم احفظني من بين‬
‫يدي‪ ،‬ومن خلفي‪ ،‬وعن يميني‪ ،‬وعن شمالي ‪ ،‬ومن فوقي ‪ ،‬وأعوذ بعظمتك‬
‫أن أغتال من تحتي( ]‪.[84‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ن فَلن ُ ْ‬
‫حي ِي َن ّ ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫من ذ َكرٍ أوْ أنَثى وَهُوَ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫حا ّ‬ ‫صال ِ ً‬‫ل َ‬ ‫م َ‬‫ن عَ ِ‬‫م ْ‬ ‫ويقول الله ‪-‬عّز وجل‪َ ? :-‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ة ول َنجزينه َ‬
‫ن? ]‪ ،[85‬فهذه الية »‬ ‫ملو ٌَ‬ ‫َ‬
‫ما كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫س ِ‬‫ح َ‬ ‫هم ب ِأ ْ‬‫جَر ُ‬‫مأ ْ‬‫حَياة ً ط َي ّب َ ً َ َ ْ ِ َ ّ ُ ْ‬
‫َ‬
‫حا‪ ،‬وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى‬ ‫وعد من الله تعالى لمن عمل صال ً‬
‫وسنة رسوله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬من ذكر أو أنثى‪ ،‬من بني آدم‪ ،‬وقلبه‬
‫مؤمن بالله ورسوله‪ ،‬أن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله‪ ،‬بأن‬
‫يحييه الله حياة طيبة في الدنيا‪ ،‬وأن يجزيه الله بأحسن ما عمله في الدار‬
‫الخرة‪ ،‬والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت« ]‪ ،[86‬وذلك‬
‫بأن يوفق الله عبده إلى ما يرضيه‪ ،‬ويرزقه العافية والرزق الحلل ]‪.[87‬‬
‫فلو أن المة رعاة ورعية حفظوا شرع الله تعالى‪ ،‬واحتكموا إلى كتاب الله‬
‫وسنة رسوله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وحكموهما في جميع مجالت الحياة‪،‬‬
‫لسلمت المة من كثير من الخطار والفتن والبتلءات كالجوع والخوف‬
‫والغزو ونحو لك؛ إذ إن ما أصابها من تشتت وفرقة هو بسبب تهاونها في‬
‫حفظ حدود الله تعالى والقيام بشرعه‪.‬‬
‫ن انتصار المة مرهون بنصرها دين الله تعالى‪ ،‬بالعمل به والدعوة إليه‪،‬‬ ‫وإ ّ‬
‫زيٌز? ]‬ ‫ٌ‬ ‫قوِيّ عَ ِ‬ ‫َ‬
‫هل َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬
‫صُرهُ إ ِ ّ‬ ‫من َين ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫صَر ّ‬ ‫َ‬
‫والدفاع عنه‪ ،‬يقول تعالى‪? :‬وَلَين ُ‬
‫‪ [88‬ففي هذه الية الكريمة يبين الله تعالى »أنه أقسم لينصرن من ينصره‪،‬‬
‫ومعلوم أن نصر الله إنما هو باتباع ما شرعه بامتثال أوامره‪ ،‬واجتناب نواهيه‪،‬‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ونصرة رسله واتباعهم‪ ،‬ونصرة دينه‪ ،‬وجهاد أعدائه‪ ،‬وقهرهم‪ ،‬حتى تكون‬
‫كلمته هي العليا‪ ،‬وكلمة أعدائه هي السفلى‪ ،‬ثم إن الله جل وعل بّين صفات‬
‫الذين وعدهم بنصره؛ ليميزهم عن غيرهم‪ ،‬فقال مبيًنا من أقسم أنه ينصره ؛‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وا‬‫صل َة َ َوآت َ ُ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫ض أَقا ُ‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫مك ّّناهُ ْ‬ ‫ن ِإن ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫لنه ينصر الله جل وعل‪? :‬ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن ِإن‬ ‫ذي َ‬ ‫منك ٌَر? ]‪ [89‬الية‪ ،‬وفي قوله‪? :‬ال ّ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫وا عَ ِ‬ ‫ف وَن َهَ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مُروا ِبال ْ َ‬ ‫كاةَ وَأ َ‬ ‫الّز َ‬
‫َ‬
‫ض? دليل على أنه ل وعد من الله بالنصر إل مع إقامة‬ ‫م ِفي الْر ٌِ‬ ‫مك ّّناهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫الصلة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬والمر بالمعروف‪،‬والنهي عن المنكر‪ ،‬فالذين يمكن الله‬
‫لهم في الرض‪ ،‬ويجعل الكلمة فيها والسلطان لهم‪ ،‬ومع ذلك ل يقيمون‬
‫الصلة‪ ،‬ول يؤتون الزكاة‪ ،‬ول يأمرون بالمعروف‪ ،‬ول ينهون عن المنكر‪،‬‬
‫فليس لهم وعد من الله بالنصر؛ لنهم ليسوا من حزبه‪ ،‬ول من أوليائه‪ ،‬الذين‬
‫وعدهم بالنصر‪ ،‬بل هم حزب الشيطان وأولياؤه ‪ ،‬فلو طلبوا النصر من الله‬
‫بناء على أنه وعدهم إياه فمثلهم كمثل الجير الذي يمتنع من عمل ما أجر‬
‫عليه‪ ،‬ثم يطلب الجرة‪ ،‬ومن هذا شأنه فل عقل له« ]‪.[90‬‬
‫وخلف ذلك‪ ،‬من كفر بأنعم الله تعالى وضّيع حدوده‪ ،‬فقد عّرض نفسه‬
‫ة ي َأ ِْتيَها رِْزقَها‬
‫ُ‬ ‫مط ْ َ‬
‫مئ ِن ّ ً‬ ‫ة ّ‬ ‫من َ ً‬
‫تآ ِ‬ ‫ة َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫مث ًَل قَْري َ ً‬ ‫ه َ‬‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫للهلك‪ ،‬يقول تعالى‪? :‬وَ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ن فَك َ َ‬ ‫م َ‬ ‫من ك ُ ّ‬
‫ما‬‫ف بِ َ‬ ‫خو ْ ِ‬ ‫جوِع َوال َ‬ ‫س ال ُ‬ ‫ه ل َِبا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت ب ِأن ْعُم ِ اللهِ فأذاقَها الل ُ‬ ‫فَر ْ‬ ‫كا ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫دا ّ‬‫َرغَ ً‬
‫م ال ْعَ َ‬ ‫َ‬ ‫ن )‪ (112‬وَل َ َ‬
‫م‬
‫ب وَهُ ْ‬ ‫ذا ُ‬ ‫خذ َهُ ُ‬ ‫م فَك َذ ُّبوه ُ فَأ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ل ّ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاءهُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫صن َُعو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن? ]‪ .[91‬قال الشنقيطي )ت ‪1393‬ه( بعد تفسيره هذه الية‪» :‬‬ ‫مو ٌَ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫َ‬
‫وعلى كل حال‪ ،‬فيجب على كل عاقل أن يعتبر بهذا المثل‪ ،‬وأل يقابل نعم‬
‫الله بالكفر والطغيان؛ لئل يحل به ما حل بهذه القرية المذكورة‪ ،‬ولكن‬
‫ك‬ ‫ْ‬
‫ما؛ لقوله ‪-‬عّز وجل‪? :-‬وَت ِل َ‬ ‫المثال ل يعقلها عن الله إل من أعطاه الله عل ً‬
‫َ‬
‫ن? ]‪.[93] «[92‬‬ ‫مو ٌ‬ ‫قل َُها إ ِل ّ ال َْعال ِ ُ‬‫ما ي َعْ ِ‬ ‫س وَ َ‬ ‫ضرِب َُها ِللّنا ِ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫مَثا ُ‬ ‫ال ْ‬
‫» ومن حفظ الله في صباه وقوته حفظه لله في حال كبره‪ ،‬وضعف قوته‪،‬‬
‫ومتعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله« ]‪.[94‬‬
‫ن أبا الطيب طاهر بن عبد الله الطبري الشافعي‬ ‫ذكر ابن كثير )ت ‪774‬ه( أ ّ‬
‫ما وثبة‬ ‫)ت ‪450‬ه(‪ ،‬قد جاوز المائة سنة وهو ممتع بقوته وعقله‪ ،‬فوثب يو ً‬
‫شديدة‪ ،‬فعوتب في ذلك فقال‪ » :‬هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في‬
‫الصغر‪ ،‬فحفظها الله علينا في الكبر« ]‪.[95‬‬
‫خا يسأل الناس‪ ،‬فقال بأن هذا الشيخ‬ ‫وعكس هذا أن بعض السلف رأى شي ً‬
‫لم يحفظ الله في صغره‪ ،‬فلم يحفظه الله في كبره ]‪[96‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ما‬ ‫َ‬
‫وقد يحفظ الله العبد بصلحه بعد موته‪ ،‬في ذريته‪ ،‬بدليل قوله تعالى‪? :‬وَأ ّ‬
‫كا َ‬
‫ما‬
‫ن أُبوهُ َ‬ ‫كنٌز ل ّهُ َ‬
‫ما وَ َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫حت َ ُ‬
‫ن تَ ْ‬
‫كا َ‬ ‫دين َةِ وَ َ‬‫م ِ‬ ‫ن ِفي ال ْ َ‬ ‫مي ْ َ ِ‬
‫ن ي َِتي َ‬ ‫ن ل ِغُل َ َ‬
‫م َي ْ ِ‬ ‫كا َ‬‫داُر فَ َ‬
‫ج َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫ك? ]‪.[97‬‬ ‫من ّرب ّ ٌ‬ ‫جا َ‬ ‫ُ‬
‫ن ي َب ْلَغا أ ُ‬ ‫َ‬
‫حا فَأَراد َ َرب ّ َ‬
‫ة ّ‬‫م ً‬
‫ح َ‬ ‫ما َر ْ‬‫كنَزهُ َ‬ ‫خرِ َ‬ ‫ست َ ْ‬
‫ما وَي َ ْ‬ ‫شد ّهُ َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫صال ِ ً‬‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ح? فيه دليل على أن الرجل‬ ‫صال ِ ًٌ‬‫َ َ‬ ‫ما‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫بو‬
‫ُ‬ ‫أ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫و‬‫?‬ ‫وقوله‪:‬‬ ‫»‬ ‫كثير‪:‬‬ ‫ابن‬ ‫قال‬
‫الصالح يحفظ في ذريته‪ ،‬وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا‪ ،‬والخرة‬
‫بشفاعته فيهم‪ ،‬ورفع درجتهم« ]‪.[98‬‬
‫حا«‬ ‫وروي عن ابن عباس أنه قال‪ » :‬حفظا بصلح أبيهما‪ ،‬ولم يذكر لهما صل ً‬
‫]‪.[99‬‬
‫وقال السعدي في تفسير الية السابقة‪ » :‬أي‪ :‬حالهما تقتضي الرأفة بهما‬
‫ضا بصلح والدهما«‬ ‫ورحمتهما؛ لكونهما صغيرين عدما أباهما‪ ،‬وحفظهما الله أي ً‬
‫]‪.[100‬‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن سعيد بن المسيب قال لبنه‪ » :‬لزيدن في صلتي من‬ ‫وذكر ابن رجب أ ّ‬
‫ح?‪.‬‬‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫أجلك ؛ رجاء أن أحفظ فيك« ]‪ [101‬ثم تل هذه الية ?وكان أبوهما صال ً‬
‫ونقل عن عمر بن عبد العزيز أنه قال‪ » :‬ما من مؤمن يموت إل حفظه الله‬
‫في عقبه وعقب عقبه« ]‪.[102‬‬
‫وقال أبو نعيم )ت ‪430‬ه( بأن ابن المنكدر )ت ‪130‬ه( قال‪ » :‬إن الله ليحفظ‬
‫بالرجل الصالح ولده‪ ،‬وولد ولده‪ ،‬والدويرات التي حوله‪ ،‬فما يزالون في حفظ‬
‫من الله وستر« ]‪.[103‬‬
‫وجاء في الحديث أن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال‪) :‬كانت امرأة في‬
‫بيت فخرجت في سرية من المسلمين‪ ،‬وتركت ثنتي عشرة عنًزا‪ ،‬وصيصيته ]‬
‫‪ [104‬كانت تنسج بها‪ ،‬قال‪ :‬ففقدت عنًزا لها وصيصيتها‪ ،‬فقالت‪ :‬يا رب ‪ ،‬إنك‬
‫قد ضمنت لمن خرج في سبيلك أن تحفظ عليه ‪ ،‬وإني قد فقدت عنًزا من‬
‫غنمي وصيصيتي ‪ ،‬وإني أنشدك عنزي وصيصيتي( قال‪ :‬وجعل رسول الله‬
‫دة مناشدتها ربها تبارك وتعالى ‪ ،‬ثم قال‬‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يذكر ش ّ‬
‫رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) :-‬فأصبحت عنزها ومثلها‪ ،‬وصيصيتها‬
‫ومثله( ]‪.[105‬‬
‫ومن حفظ الله تعالى لعبده الحافظ لحدود الله أن يجعل الحيوانات المؤذية‪،‬‬
‫حافظة له من الذى‪ ،‬كما حدث لسفينة مولى النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪،-‬‬
‫دا‪ ،‬فجعل يمشي معه‬ ‫حيث كسر به المركب‪ ،‬وخرج إلى جزيرة‪ ،‬فرأى أس ً‬
‫حتى دله على الطريق‪ ،‬فلما أوقفه عليها جعل يهمهم كأنه يودعه‪ ،‬ثم رجع‬
‫عنه ]‪.[106‬‬
‫ومن ضيع حدود الله واتبع الشبهات أو غرق في الشهوات‪ ،‬ولم يحفظ الله‪،‬‬
‫لم يحفظه الله‪ ،‬وكان عرضة لعقاب الله وسخطه‪ ،‬ودخل عليه الضرر والذى‪،‬‬
‫وربما أصابه ذلك ممن كان يرجو نفعه من أهله وماله‪ ،‬كما نقل عن الفضيل‬
‫بن عياض )ت ‪ 187‬ه( أنه قال‪ » :‬إني لعصي الله فأعرف ذلك في خلق‬
‫خادمي ودابتي« ]‪.[107‬‬
‫ـــــــــــ‬
‫]‪ [1‬جزء من حديث أخرجه المام أحمد ‪ ،408 /1‬و ‪ .437 /1‬وذكره اللباني‬
‫في سلسلة الحاديث الصحيحة ‪ 3/472‬ح ‪.1483‬‬
‫]‪ [2‬سورة النحل‪ ،‬الية ‪.36‬‬
‫]‪ [3‬رواه الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪ ،‬كتاب صفة القيامة والرقائق‬
‫والورع‪ ،‬باب ‪ ،59‬ح ‪ ،2516‬والمام أحمد ‪ ،303 ،293 /1‬وأخرجه الطبراني‬
‫في الكبير ح ‪ ،1298‬وأبو نعيم في الحلية ‪ .314 /1‬وصححه اللباني‪ ،‬انظر‬
‫صحيح الجامع الصغير ‪ 1318 /2‬ح ‪.7957‬‬
‫]‪ [4‬الروايتان في مسند المام أحمد ‪ ،293 /1‬و ‪ 303،307 /1‬وعند أبي‬
‫يعلى ‪ ،665 /2‬والحاكم في مستدركه ‪ ،541 /3‬والطبراني في المعجم الكبير‬
‫‪ .121 /3‬وصححه اللباني‪ :‬انظر كتاب السنة لبن أبي عاصم‪ ،‬تخريج اللباني‬
‫‪ ،138،139 /1‬ورياض الصالحين بتحقيق اللباني ص ‪ ،63‬وسلسلة الحاديث‬
‫الصحيحة ‪ 497 ،496 /5‬ح ‪.2382‬‬
‫]‪ [5‬متن الربعين النووية ص ‪.12 -11‬‬
‫]‪ [6‬رياض الصالحين ص ‪.28‬‬
‫]‪ [7‬جامع العلوم والحكم ص ‪.462‬‬
‫]‪ [8‬فتح المبين لشرح الربعين ص ‪.172‬‬
‫]‪ [9‬شرح رياض الصالحين ص ‪.456‬‬
‫]‪ [10‬انظر مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ‪.53 /10‬‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [11‬انظر فتح المبين لشرح الربعين ص ‪.171‬‬


‫]‪ [12‬شرح الربعين حديًثا النووية ص ‪.55‬‬
‫]‪ [13‬انظر جامع العلوم والحكم ص ‪ .249 ،248‬وشرح رياض الصالحين ‪/2‬‬
‫‪.451‬‬
‫]‪ [14‬سورة النحل‪ ،‬الية ‪.128‬‬
‫]‪ [15‬انظر جامع العلوم والحكم ص ‪ ،251‬وشرح رياض الصالحين ‪،451 /2‬‬
‫‪.452‬‬
‫]‪ [16‬شرح الربعين حديًثا النووية ص ‪.55‬‬
‫]‪ [17‬انظر جامع العلوم والحكم ص ‪.257 ،256‬‬
‫]‪ [18‬انظر شرح رياض الصالحين ‪.453 ،425 /2‬‬
‫]‪ [19‬جامع العلوم والحكم ص ‪.257‬‬
‫]‪ [20‬انظر جامع العلوم والحكم ص ‪ ،258‬وشرح رياض الصالحين ‪.454 /2‬‬
‫]‪ [21‬رواه المام أحمد في مسنده ‪ ،441 /6‬وابن أبي عاصم في السنة ح‬
‫‪ .246‬وصححه اللباني‪ ،‬انظر صحيح الجامع الصغير ح ‪.2150‬‬
‫]‪ [22‬انظر شرح رياض الصالحين ‪.455 /2‬‬
‫]‪ [23‬المصدر السابق ‪.455 /2‬‬
‫]‪ [24‬فتح المبين لشرح الربعين ص ‪.177‬‬
‫]‪ [25‬سورة الشرح‪ ،‬اليتان ‪.5،6‬‬
‫]‪ [26‬انظر قواعد وفوائد من الربعين النووية ص ‪.178‬‬
‫]‪ [27‬سورة التوبة‪ ،‬الية ‪.128‬‬
‫]‪ [28‬انظر تفسير القرآن العظيم ‪.385 /2‬‬
‫]‪ [29‬رواه أحمد ‪ ،153 /5‬و ‪ ،162‬والبزار ح ‪ ،147‬والطيراني في المعجم‬
‫الكبير ح ‪ ،1647‬وصححه اللباني في سلسلة الحاديث الصحيحة ‪ 416 /4‬ح‬
‫‪.1803‬‬
‫]‪ [30‬سورة يوسف‪ ،‬الية ‪.64‬‬
‫]‪ [31‬سورة هود‪ ،‬الية ‪.57‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫]‪ [32‬انظر القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى ص ‪،15 ،10‬‬
‫‪.21‬‬
‫]‪ [33‬سورة الشورى‪ ،‬الية ‪.6‬‬
‫]‪ [34‬سورة سبأ‪ ،‬الية ‪.21‬‬
‫]‪ [35‬عقيدة المسلمين والرد على الملحدين والمبتدعين ‪.41 – 37 /2‬‬
‫]‪ [36‬سورة ق ‪ ،‬اليات ‪.33 -31‬‬
‫]‪ [37‬انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلم المنان ‪ ،‬ص ‪.1364‬‬
‫]‪ [38‬سورة البقرة‪ ،‬الية ‪.238‬‬
‫]‪ [39‬سورة النور‪ ،‬الية ‪.30‬‬
‫]‪ [40‬سورة الحزاب‪ ،‬الية ‪.35‬‬
‫]‪ [41‬سورة )المؤمنون(‪ ،‬الية ‪.5‬‬
‫]‪ [42‬سورة المائدة‪ ،‬الية ‪.89‬‬
‫]‪ [43‬رواه الحاكم في المستدرك ‪ ،357 /4‬وصححه‪ ،‬ورواه الترمذي وحسنه‬
‫ح ‪ ،2409‬وصححه ابن حبان ح ‪ ،5703‬وانظر سلسلة الحاديث الصحيحة ‪/2‬‬
‫‪.23‬‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [44‬رواه الترمذي ‪ ،66 /2‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن غريب‪ ،‬وصححه اللباني‬
‫في سلسلة الحاديث الصحيحة ‪ 22 /2‬ح ‪.510‬‬
‫]‪ [45‬رواه أحمد في المسند ‪ ،282 /5‬والدارمي ‪ ،168 /1‬وصححه ابن حبان‬
‫ح ‪ ،1037‬وصححه اللباني‪ ،‬انظر صحيح الترغيب والترهيب ح ‪.86 /1 ،192‬‬
‫]‪ [46‬سورة الذاريات‪ ،‬الية ‪.56‬‬
‫]‪ [47‬سورة التوبة‪ ،‬الية ‪.112‬‬
‫]‪ [48‬سورة ق~‪ ،‬الية ‪.32‬‬
‫]‪ [49‬رواه أحمد في المسند ‪ ،387 /1‬والترمذي ح ‪ 2458‬في كتاب صفة‬
‫القيامة باب )‪ ،(24‬والحاكم ‪ ،323 /4‬وحسنه اللباني في صحيح الترمذي ح‬
‫‪.2000‬‬
‫]‪ [50‬انظر‪ :‬نور القتباس ص ‪.10‬‬
‫]‪ [51‬سورة السراء‪ ،‬الية ‪.36‬‬
‫]‪ [52‬انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلم المنان ص ‪.409‬‬
‫]‪ [53‬عقيدة المسلمين والرد على الملحدين والمبتدعين ‪.38 /2‬‬
‫]‪ [54‬سورة محمد‪ ،‬الية ‪.7‬‬
‫]‪ [55‬سورة محمد‪ ،‬الية ‪.4‬‬
‫]‪ [56‬سورة فاطر‪ ،‬الية ‪.44‬‬
‫]‪ [57‬انظر شرح رياض الصالحين ‪.451 ،450 /2‬‬
‫]‪ [58‬سورة البقرة‪ ،‬الية ‪.245‬‬
‫]‪ [59‬انظر تفسير القرآن العظيم ‪ ،410 /1‬وأسباب النزول ص ‪.99 ،98‬‬
‫]‪ [60‬سورة آل عمران‪ ،‬الية ‪.181‬‬
‫]‪ [61‬سورة محمد‪ ،‬الية ‪.17‬‬
‫]‪ [62‬سورة محمد‪ ،‬الية ‪.16‬‬
‫]‪ [63‬انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلم المنان ص ‪.731‬‬
‫]‪ [64‬رواه الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ ،‬ح ‪ 3334‬في كتاب‬
‫التفسير‪ ،‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب الزهد ح ‪ ،4244‬وأحمد في مسنده ‪.297 /2‬‬
‫]‪ [65‬سورة البقرة‪ ،‬الية ‪.40‬‬
‫]‪ [66‬سورة البقرة‪ ،‬الية ‪.152‬‬
‫]‪ [67‬سورة محمد‪ ،‬الية ‪.7‬‬
‫]‪ [68‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب التوحيد‪ ،‬باب السؤال بأسماء الله تعالى ‪،107 /11‬‬
‫ورواه مسلم‪ ،‬كتاب الذكر‪ ،‬باب ما يقول عند النوم ح ‪.2714‬‬
‫]‪ [69‬رواه الحاكم في المستدرك ‪ ،525 /1‬وصححه اللباني في سلسلة‬
‫الحاديث الصحيحة ح ‪.1540‬‬
‫]‪ [70‬رواه أحمد ‪ ،403 /2‬وابن ماجه ح ‪ 2825‬في كتاب الجهاد‪ ،‬باب تشييع‬
‫الغزاة ووداعهم‪ ،‬وصححه اللباني في سلسلة الحاديث الصحيحة ‪ ،‬ح ‪.16‬‬
‫)‪ (71‬رواه الترمذي ‪ ،‬كتاب الدعوات ‪ ،‬باب ‪ ، 45‬ح ‪ ، 3439‬وأحمد ‪ 2/7‬و‬
‫‪ 25‬و ‪ ، 38‬وصححه ابن حبان ‪ ،‬ح ‪ ، 2376‬واللباني في سلسلة الحاديث‬
‫الصحيحة ‪ ،‬ح ‪. 14‬‬
‫]‪ [72‬رواه أحمد في المسند ‪ ، 2/87‬وابن حبان ‪ ، 3376‬وصححه اللباني ‪،‬‬
‫انظر سلسلة الحاديث الصحيحة ‪.1/21‬‬
‫]‪ [73‬سورة يوسف‪ ،‬الية ‪.24‬‬
‫]‪ [74‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلم المنان ص ‪.352 ،351‬‬
‫]‪ [75‬سورة النفال‪ ،‬الية ‪.24‬‬
‫]‪ [76‬ذكره ابن كثير في تفسيره ‪ ،285 /2‬وقال‪ :‬رواه الحاكم في مستدركه‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫موقوًفا‪ .‬وانظر المستدرك ‪.328 /2‬‬


‫]‪ [77‬سورة البقرة‪ ،‬الية ‪.257‬‬
‫]‪ [78‬سورة محمد‪ ،‬الية ‪.11‬‬
‫]‪ [79‬سورة الطلق‪ ،‬الية ‪.3‬‬
‫]‪ [80‬سورة الزمر‪ ،‬الية ‪.36‬‬
‫]‪ [81‬سورة الرعد‪ ،‬الية ‪.11‬‬
‫]‪ [82‬انظر جامع البيان في تفسير القرآن ‪.77 /13‬‬
‫]‪ [83‬انظر المصدر السابق ص ‪.78‬‬
‫]‪ [84‬رواه أبو داود‪ ،‬في الدب ح ‪ ،5074‬وابن ماجه‪ ،‬في الدعاء ح ‪،3871‬‬
‫والحاكم في مستدركه ‪ ،517 /1‬وصححه اللباني في صحيح ابن ماجه ‪/2‬‬
‫‪.332‬‬
‫]‪ [85‬سورة النحل‪ ،‬الية ‪.97‬‬
‫]‪ [86‬تفسير القرآن العظيم ‪.566 /2‬‬
‫]‪ [87‬انظر أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ‪.355 -352 /3‬‬
‫]‪ [88‬سورة الحج‪ ،‬الية ‪.40‬‬
‫]‪ [89‬سورة الحج‪ ،‬الية ‪.41‬‬
‫]‪ [90‬أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ‪.704 ،703 /5‬‬
‫]‪ [91‬سورة النحل ‪ ،‬اليتان ‪. 113 ، 112‬‬
‫]‪ [92‬سورة العنكبوت‪ ،‬الية ‪.43‬‬
‫]‪ [93‬أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ‪.3/377‬‬
‫]‪ [94‬انظر جامع العلوم والحكم ‪ ،‬ص ‪. 466‬‬
‫]‪ [95‬انظر البداية والنهاية ‪ ، 12/85‬وسير أعلم النبلء ‪، 671 – 17/668‬‬
‫وجامع العلوم والحكم ‪ ،‬ص ‪.466‬‬
‫]‪ [96‬انظر جامع العلوم والحكم ‪ ،‬ص ‪.466‬‬
‫]‪ [97‬سورة الكهف‪ ،‬الية ‪.82‬‬
‫]‪ [98‬تفسير القرآن العظيم ‪.97 /3‬‬
‫]‪ [99‬انظر المصدر السابق‪ ،‬وذكر هذا الثر ابن المبارك في الزهد )‪،(332‬‬
‫والطبري في جامع البيان في تفسير القرآن ‪ ،7 /16‬والحاكم ‪369 /2‬‬
‫]‪ [100‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلم المنان ص ‪.432‬‬
‫]‪ [101‬جامع العلوم والحكم ‪ ،‬ص ‪.467‬‬
‫]‪ [102‬المصدر السابق ‪ ،‬الصفحة نفسها ‪.‬‬
‫]‪ [103‬الحلية ‪ ،148 /3‬ورواه ابن المبارك في الزهد )‪ ،(330‬والحميدي )‬
‫‪ ،(373‬وانظر جامع العلوم والحكم‪.‬‬
‫]‪ [104‬الصيصية‪ :‬هي الصّنارة التي يغزل بها وينسج‪ .‬انظر لسان العرب ‪/2‬‬
‫‪ ،501‬والنهاية في غريب الحديث والثر ص ‪.533‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫]‪ [105‬رواه المام أحمد في المسند ‪ ،67 /5‬وذكره الهيثمي في مجمع‬


‫الزوائد ‪ 277 /5‬وقال‪ :‬رجاله رجال الصحيح‪.‬‬
‫]‪ [106‬رواه الطبراني في الكبير )‪ ،(6432‬وصححه الحاكم ‪ ،606 /3‬وانظر‬
‫الحلية ‪.369 /1‬‬
‫]‪ [107‬حلية الولياء ‪ ،109 /8‬وجامع العلوم والحكم ص ‪.468‬‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫احفظ الله يحفظك]‪[1‬‬


‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪..‬‬
‫وبعد ‪ :‬فمعنا اليوم حديث جليل يربي المسلم منذ صغره على اليمان بالله‬
‫تعالى والعتماد عليه‪ ,‬وهو ما أخرجه أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى‬
‫من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال‪ :‬كنت خلف النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم يوما فقال‪ :‬ياغلم إني أعلمك كلمات ‪ :‬احفظ الله يحفظك ‪,‬‬
‫احفظ الله تجده تجاهك ‪ ,‬إذا سألت فاسأل الله ‪ ,‬وإذا استعنت فاستعن‬
‫بالله ‪ ,‬واعلم أن المة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إل‬
‫بشيء قد كتبه الله لك ‪ ,‬ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إل‬
‫بشيء قد كتبه الله عليك ‪ُ ,‬رفعت القلم وجفت الصحف ‪.‬‬
‫قال أبو عيسى ‪ :‬هذا حديث حسن صحيح )]‪. ([1‬‬
‫وأخرجه المام أحمد بن حنبل وزاد فيه " تعّرف إلى الله في الرخاء يعرفك‬
‫في الشدة" وزاد أيضا " واعلم أن في الصبر على ماتكره خيرا كثيرا ‪ ,‬وأن‬
‫النصر مع الصبر ‪ ,‬وأن الفرج مع الكرب‪ ,‬وأن مع العسر يسرا " )]‪. ([2‬‬
‫وقوله " احفظ الله يحفظك" أي احفظ الله تعالى في دينه يحفظك في‬
‫دنياك وأخراك‪ ,‬وحفظ الدين يكون بفهمه كما جاء من عند الله تعالى‬
‫وتطبيقه على النفس تطبيقا كامل ‪.‬‬
‫ومما جاء في حفظ الله تعالى عباده المؤمنين ما أخرجه الحافظ الطبراني‬
‫من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال ‪ " :‬يقول الله عز وجل إن من عبادي من لُيصِلح إيمانه إل الفقر ولو‬
‫ت عليه أفسده ذلك ‪ ,‬وإن من عبادي من ل ُيصلح إيمانه إل الغنى ولو‬ ‫بسط ْ ُ‬
‫أفقرته لفسده ذلك ‪ ,‬وإن من عبادي من لُيصلح إيمانه إل الصحة ولو‬
‫أسقمته لفسده ذلك ‪ ,‬وإن من عبادي من لُيصلح إيمانه إل السقم ولو‬
‫أصححته لفسده ذلك ‪ ,‬وإن من عبادي من يطلب بابا من العبادة فأكفه عنه‬
‫جب ‪ ,‬إني أدبر أمر عبادي بعلمي بما في قلوبهم‪ ,‬إني عليم‬ ‫لكيل يدخله العُ ْ‬
‫خبير" ذكره الحافظ ابن رجب )]‪. ([3‬‬
‫م‬
‫وفي هذا المعنى يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ‪ " :‬إن العبد ليه ّ‬
‫بالمر من التجارة والمارة حتى ييسر له ‪ ,‬فينظر الله إليه فيقول للملئكة ‪:‬‬
‫اصرفوه عنه فإنه إن يسرته له أدخلته النار فيصرفه الله عنه ‪ ,‬فيظل يتطير‬
‫بقوله سبني فلن وأهانني فلن ‪ ,‬وماهو إل فضل الله عز وجل" ذكره الحافظ‬
‫ابن رجب )]‪. ([4‬‬
‫قال ابن رجب ‪ :‬وقد يحفظ الله العبد بصلحه بعد موته في ذريته كما قيل‬
‫كا َ‬
‫حفظا بصلح‬ ‫صاِلحًا(]الية ‪:‬الكهف ‪ [82:‬أنهما ُ‬ ‫ما َ‬ ‫في قوله تعالى‪) :‬وَ َ َ‬
‫ن أُبوهُ َ‬
‫أبيهما ‪ ,‬قال سعيد بن المسيب لبنه‪ :‬لزيدن في صلتي من أجلك رجاء أن‬
‫أحفظ فيك ‪ ,‬ثم تل هذه الية ‪ ,‬وقال ابن المنكدر ‪ :‬إن الله ليحفظ بالرجل‬
‫الصالح ولده وولد ولده والدويرات التي حوله ‪ ,‬فما يزالون في حفظ من الله‬
‫وستر ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ومن عجيب حفظ الله لمن حفظه أن يجعل الحيوانات المؤذية بالطبع‬
‫حافظة له من الذى‪ ,‬كما جرى لسفينة مولى النبي صلى الله عليه وسلم ثم‬
‫ذكر خبره مختصرا )]‪. ([5‬‬
‫وقد ذكر خبره الحافظ الطبراني من خبر محمد بن المنكدر أن سفينة مولى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬ركبت البحر فانكسرت سفينتي التي‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جمة فيها السد‬ ‫كنت فيها فركبت لوحا من ألواحها فطرحني اللوح في أ َ‬
‫ي يريدني فقلت ‪ :‬يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله صلى الله عليه‬ ‫فأقبل إل ّ‬
‫ي فدفعني بمنكبه حتى أخرجني من الجمة‬ ‫وسلم فطأطأ رأسه وأقبل إل ّ‬
‫مهم‪ ,‬فظننت أنه يودعني فكان ذلك آخر عهدي‬ ‫ووضعني على الطريق‪ ,‬وهَ ْ‬
‫به ‪.‬‬
‫وأخرجه الحاكم وقال‪ :‬هذا حديث صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي )]‬
‫‪. ([6‬‬
‫وهذا يدل على قوة توحيد أبي عبد الرحمن سفينة رضي الله عنه حيث شعر‬
‫حال رؤيته السد بأنه هو وأياه في قبضة الله تعالى ‪ ,‬وأنه جل وعل الذي‬
‫مل ً وديعا يتذلل لذلك‬
‫ح َ‬ ‫وله َ‬
‫أودع في السد القوة والشراسة باستطاعته أن يح ّ‬
‫الرجل الصالح ‪ ,‬بل أبلغ من ذلك أن السد قام بما يقوم به النسان العاقل‬
‫من دللة سفينة على الطريق الموصل إلى المان ‪.‬‬
‫ولقد كان أول ماتبادر إلى ذهن سفينة رضي الله عنه قربه من رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم وما قام به من خدمته فتوسل إلى الله تعالى بهذا‬
‫العمل الصالح ‪.‬‬
‫وسفينة قد اختلف في اسمه اختلفا كثيرا ‪ ,‬وذلك لنه ألغى اسمه القديم‬
‫واكتفى بالسم الذي سماه به رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬كما ذكر‬
‫ابن الثير أنه كان إذا قيل له ما اسمك؟ يقول‪ :‬ما أنا بمخبرك سماني رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم سفينة فل أريد غيره ‪ ,‬وذكر أن أصل تسميته بذلك‬
‫أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ‪ ,‬فكلما أعيا بعض‬
‫القوم ألقى عليه سيفه وترسه ورمحه حتى حمل من ذلك شيئا كثيرا ‪ ,‬فقال‬
‫له النبي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أنت سفينة )]‪. ([7‬‬
‫وقوله " احفظ الله تجده تجاهك" أي احفظ الله تعالى في دينه تجده أمامك‬
‫قدم عليه في حياتك‪ ,‬والمقصود بذلك أن الله سبحانه يكون مع‬ ‫في كل أمر ت ُ ْ‬
‫أوليائه المؤمنين بحفظه ونصره وتأييده ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ومما جاء في هذا المعنى قول الله عز وجل لموسى وهارون عليهما الصلة‬
‫والسلم‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫) َل ت َ َ‬
‫معُ وَأَرى(]طه ‪ , [46:‬وقوله تعالى حكاية عن‬ ‫س َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫معَك َ‬‫خاَفا إ ِن ِّني َ‬
‫ن(]الشعراء ‪[62 :‬‬ ‫دي ِ‬‫سي َهْ ِ‬
‫ي َرّبي َ‬ ‫معِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫موسى عليه الصلة والسلم )ك َّل إ ِ ّ‬
‫وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لبي بكر وهما في الغار "ماظنك‬
‫باثنين الله ثالثهما ‪ ,‬لتحزن إن الله معنا" ‪.‬‬
‫ن( )النحل ‪:‬‬‫سُنو َ‬
‫ح ِ‬
‫م ْ‬‫هم ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫قوا ْ ّوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ات ّ َ‬‫ذي َ‬‫معَ ال ّ ِ‬
‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫وقال الله تعالى‪) :‬إ ِ ّ‬
‫‪ ، ( 128‬قال قتادة بن دعامة السدوسي رحمه الله تعالى ‪ :‬من يتق الله يكن‬
‫معه ‪ ,‬ومن يكن معه فمعه الفئة التي ل ُتغلب والحارس الذي ل ينام والهادي‬
‫الذي ل يضل ‪ .‬ذكره ابن رجب وقال‪ :‬كتب بعض السلف إلى أخ له‪ :‬أما بعد‬
‫فإن كان الله معك فمن تخاف ‪ ,‬وإن كان عليك فمن ترجو )]‪ ([8‬؟‬
‫وقوله " إذا سألت فاسأل الله" السؤال نوعان ‪ :‬أحدهما في المور التي‬
‫ليقدر عليها إل الله تعالى ‪ ,‬فل يجوز سؤال غيره فيها لن ذلك من الشرك‬
‫الكبر ‪ ,‬مثل سؤال دخول الجنة والنجاة من النار والشفاء من المراض‬
‫وطلب الرزق ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬في المور التي يقدر عليها البشر كطلب المساعدة في المال أو‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجسم أو الشفاعة في أمر دنيوي فهذا جائز مع مراعاة العتقاد بأن البشر‬
‫كنهم الله جل وعل منها وأنه تعالى‬ ‫وسطاء تجري على أيديهم السباب التي م ّ‬
‫هو الخالق الرازق النافع الضار ‪.‬‬
‫وقوله " وإذا استعنت فاستعن بالله" الستعانة هي طلب المعونة من الغير‬
‫في قضاء الحوائج وتفريج الكربات ‪ ,‬وهي أيضا على قسمين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬طلب المعونة في المور التي ليقدر عليها إل الله تعالى ‪ ,‬فهذا ل‬
‫يطلب إل من الله جل وعل ‪ ,‬وطلبه من غيره ُيعد ّ من الشرك الكبر ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬طلب المعونة في المور التي يقدر عليها البشر فهذا يجوز أن‬
‫يطلب من البشر مع ملحظة العتقاد بأن البشر وسطاء تجري على أيديهم‬
‫كنهم الله تعالى منها‪ ,‬وأن المعين الحقيقي هو الله جل وعل‬ ‫السباب التي م ّ‬
‫وحده‬
‫‪------------------------------‬‬
‫)]‪ ( [1‬سنن الترمذي ‪ ,‬رقم ‪ , 2516‬صفة القيامة )‪. (4/667‬‬
‫)]‪ ( [2‬مسند أحمد ‪. 1/307‬‬
‫)]‪ ( [3‬جامع العلوم والحكم ‪. 164/‬‬
‫)]‪ ( [4‬جامع العلوم والحكم ‪. 163/‬‬
‫)]‪ ( [5‬المرجع السابق ‪. 163/‬‬
‫)]‪ ( [6‬معجم الطبراني الكبير ‪ 7/94‬رقم ‪ , 6432‬المستدرك ‪. 3/606‬‬
‫)]‪ ( [7‬أسد الغابة ‪. 2/334‬‬
‫)]‪ ( [8‬جامع العلوم والحكم ‪. 164/‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫احم ِ نفسك من جلطة القلب‬


‫‪20/08/2001‬‬
‫حسان شمسي باشا‬
‫ل تكاد تمر دقيقة واحدة‪ ،‬إل ويصاب في أمريكا ثلثة أشخاص بجلطة في‬
‫القلب‪ ،‬وواحد من هؤلء يلقى حتفه قبل أن يصل إلى المستشفى؛ لتناول‬
‫العلج ‪ ..‬وتودي جلطة القلب بحياة نصف مليون أمريكي سنوّيا‪ ،‬كما تودي‬
‫دا‬
‫بحياة ‪ 150‬ألف إنجليزي في العام الواحد!! وللسف الشديد‪ ،‬نجد تزاي ً‬
‫مريًعا في حدوث هذا المرض في بلدنا العربية‪.‬‬
‫ما هي جلطة القلب ‪: Myocardial Infarction‬؟‬
‫تنجم جلطة القلب )احتشاء العضلة القلبية( عن انسداد في أحد شرايين‬
‫القلب التاجية‪ ،‬ويؤدي ذلك النسداد إلى موت جزء من عضلة القلب كان‬
‫ُيروى بذلك الشريان‪ ،‬ويشكو المريض حينئذ من ألم شديد جدا في الصدر‬
‫يصاحبه عرق وغثيان‪.‬‬
‫أما الذبحة الصدرية ‪ Pectoris Angina‬فهي ألم في منتصف الصدر يحدث عند‬
‫الجهد‪ ،‬ويزول عادة بالتوقف عن الجهد‪ ،‬وتنجم عن ضيق )وليس انسداد(‬
‫الشرايين التاجية‪.‬‬
‫ما هي العوامل المهيئة للصابة بمرض شرايين القلب؟‬
‫تقسم عوامل الخطر التي تهيئ للصابة بهذا المرض إلى عوامل ل يمكن‬
‫التحكم فيها؛ كالعمر والجنس والوراثة‪.‬‬
‫وعوامل يمكن التحكم فيها والسيطرة عليها كالتدخين وارتفاع كولسترول‬
‫الدم وارتفاع ضغط الدم ومرض السكر والسمنة‪ ،‬وعدم القيام بالرياضة‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البدنية والضغوط النفسية‪ ،‬وتكمن الوقاية من هذا المرض في التحكم في‬


‫عوامل الخطر الخيرة والسيطرة عليها أو تجنبها‪.‬‬
‫تعاليم الرسول تقي من جلطة القلب‬
‫ارتفاع كولسترول الدم والبدانة‪:‬‬
‫ينجم ارتفاع الكولسترول غالبا عند الفراط في تناول الدهون الحيوانية؛ من‬
‫لحوم وقشدة وزبدة وجبنة وسمن وغيرها‪ ،‬وقد يكون هناك استعداد عائلي‬
‫لهذا الرتفاع‪.‬‬
‫وليس هناك أدنى شك في أنه كلما ارتفع كولسترول الدم زاد احتمال الصابة‬
‫بمرض شرايين القلب‪.‬‬
‫أما البدانة فتؤهل لحدوث مرض "السكر وارتفاع ضغط الدم"‪ ،‬كما أنها تؤهل‬
‫لحدوث مرض شرايين القلب‪ ،‬وخصوصا عند الرجال في أواسط العمر‪،‬‬
‫دا أن البدانة تنجم غالبا عند الفراط في الطعام وقلة الحركة‪،‬‬ ‫ونحن نعلم جي ً‬
‫ويوصي خبراء التغذية الن بتناول غذاء فقير بالدهون المشبعة والكولسترول‪،‬‬
‫وبالمحافظة على الوزن المثالي للجسم‪.‬‬
‫فكيف تستطيع ذلك؟‬
‫لقد حث رسول الله على العتدال في الطعام‪ ،‬وتجنب التخمة؛ فعن ابن عمر‬
‫)رضي الله عنه( قال‪" :‬تجشأ رجل عند رسول الله )صلى الله عليه وسلم(‬
‫فقال‪" :‬كف عنا جشاءك؛ فإن أكثرهم شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم‬
‫القيامة" رواه الترمذي وابن ماجة‪.‬‬
‫وروي عن عائشة ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬أنها قالت‪" :‬أول بلء حدث في هذه المة‬
‫بعد نبيها الشبع؛ فإن القوم لما شبعت بطونهم سمنت أبدانهم‪ ،‬وضعفت‬
‫قلوبهم‪ ،‬وجمحت شهواتهم" رواه البخاري‪.‬‬
‫ولقد أوصانا رسول الله )صلى الله عليه وسلم( أل نأكل كل ما تشتهيه‬
‫النفس؛ فقد روي عن أنس بن مالك )رضي الله عنه( أن رسول الله )صلى‬
‫الله عليه وسلم( قال‪" :‬من السراف أن تأكل ما اشتهيت" رواه ابن ماجة‪.‬‬
‫وإذا كنا بحق نريد اجتناب السمنة وما فيها من مشاكل على القلب والرئتين‬
‫والمرارة ومرض السكر؛ فما علينا إل أن نتذكر‪ ،‬ونطبق قول رسول الله عند‬
‫كل طعام ‪" :‬ما مل ابن آدم وعاء شرا من بطنه؛ بحسب ابن آدم لقيمات‬
‫ُيقمن صلبه؛ فإن كان ل محالة؛ فثلث لطعامه‪ ،‬وثلث لشرابه‪ ،‬وثلث لنفسه"‬
‫رواه الترمذي‪.‬‬
‫ولقد جمع الله تعالى علم الصحة والغذاء في آية من ثلثة كلمات‪ ،‬قال‬
‫سرُِفوا "‪.‬‬ ‫شَرُبوا َول ت ُ ْ‬ ‫تعالى ‪" :‬وَك ُُلوا َوا ْ‬
‫وتوصي المنظمات الصحية المريكية بأن يشكل زيت الزيتون ما ل يقل عن‬
‫ثلث الدهون المتناولة يوميا؛ فقد أثبتت البحاث العلمية الحديثة فائدة زيت‬
‫الزيتون في خفض كولسترول الدم‪ ،‬كما أن الدراسات قد أظهرت أن بلدان‬
‫حوض البحر المتوسط هي من أقل البلدان إصابة بمرض شرايين القلب‬
‫بسبب كثرة تناول سكانها من زيت الزيتون‪.‬‬
‫هذا الزيت الذي أوصانا رسول الله )عليه السلم( بتناوله؛ حيث قال‪" :‬كلوا‬
‫الزيت‪ ،‬واّدهنوا به؛ فإنه من شجرة مباركة"‪.‬‬
‫ة‬
‫جَر ٍ‬
‫ش َ‬‫ن َ‬ ‫وهي الشجرة التي ذكرها الله تعالى في قرآنه؛ حيث يقول‪ُ" :‬يوقَد ُ ِ‬
‫م ْ‬
‫ة"‪.‬‬‫شْرقِي ّةٍ َول غَْرب ِي ّ ٍ‬‫مَباَرك َةٍ َزي ُْتون َةٍ ل َ‬
‫ُ‬
‫ويوصي خبراء التغذية وأطباء القلب في العالم بتناول وجبتين من السمك في‬
‫السبوع على القل‪ ،‬والرسول )عليه السلم( قد لفت النظر إلى نعمة‬
‫السمك‪ ،‬فقال‪" :‬أول طعام أهل الجنة زيت كبد الحوت"‪ .‬والسمك والحوت‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سيان ‪ ..‬فزيت السمك الذي ينصح به الطباء كعلج لرتفاع الغليسريدات‬


‫الثلثية ‪) Triglyceries‬وهي إحدى دهون الدم( يستخلص من كبد الحوت‬
‫نفسه! وتناول السمك ل يفيد في الوقاية من مرض شرايين القلب وارتفاع‬
‫دهون الدم فحسب؛ بل إن له فوائد أخرى في علج صداع الشقيقة ومرض‬
‫المفاصل نظير الرئوي وغيرها كثير‪.‬‬
‫الرياضة البدنية‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أكدت مقالة نشرت في مجلة ‪ B.M.T‬الشهيرة أنه للوقاية من مرض شرايين‬


‫القلب والجلطة القلبية يجب على النسان أن يمارس نوعا من أنواع الرياضة‬
‫البدنية كالمشي السريع‪ ،‬أو الجري‪ ،‬أو السباحة لمدة ‪ 30 – 20‬دقيقة مرتين‬
‫أو ثلث مرات في السبوع على القل‪.‬‬
‫ولهؤلء نقول‪ :‬لم يحثنا رسول الله )عليه السلم( على المشي إلى المساجد‬
‫مرتين أو ثلًثا في السبوع؛ بل خمس مرات في اليوم الواحد‪ ،‬وقد يكون‬
‫المسجد على بعد عشر دقائق أو يزيد‪.‬‬
‫؟! روى البخاري ومسلم في‬ ‫أليس في هذا رياضة للبدن ووقاية للقلب ‍‬
‫صحيحيهما أن رسول الله قال‪" :‬أعظم الناس أجًرا في الصلة أبعدهم إليها‬
‫ممشى‪ ،‬فأبعدهم والذي ينتظر الصلة يصليها مع المام أعظم أجرا من الذي‬
‫يصليها ثم ينام " ‪.‬‬
‫ويؤكد الطباء على ضرورة أن يكون المشي سريعا وقويا ل متواصل‬
‫ومتهاديا ‪ .‬أليست هذه هي مشية المسلم الحقيقي الذي يقتدي برسول الله‬
‫في كل أعماله؟‬
‫يقول ابن القيم رحمه الله تعالى ‪ :‬كان رسول الله عليه السلم إذا مشى‬
‫تكفأ تكفؤا‪ ،‬وكان أسرع الناس مشيا…‬
‫المتناع عن التدخين ‪:‬‬
‫أجمعت الدراسات العلمية قاطبة على أن خطر مرض شرايين القلب عند‬
‫المدخنين يبلغ ثلثة أضعاف ما هو عليه عند غير المدخنين‪ ،‬ول يخفى على‬
‫أحد ما في التدخين من أضرار على القلب والرئتين وغيرهما من أعضاء‬
‫الجسم‪.‬‬
‫وقد أقر العديد من الفقهاء بتحريم التدخين عمل بحديث رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ " :‬ل ضرر ول ضرار " ‪ .‬والمسلم الحق ل يدخن‪ ،‬ويأبى أن‬
‫تهدر المليين من الدولرات سنوّيا من أموال المسلمين على ما يؤذيهم ول‬
‫ينفعهم‪.‬‬
‫معالجة ارتفاع ضغط الدم ومرض السكر ‪:‬‬
‫من المؤكد أن السيطرة على ارتفاع ضغط الدم ومعالجة مرض السكر‬
‫تساهم في الوقاية من مرض شرايين القلب‪ ،‬ولقد أمر رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم بالتداوي حيث قال‪" :‬تداووا عباد الله ‪ ،‬فإن الله تعالى لم يضع داء‬
‫إل وضع له دواء‪ ،‬غير داء واحد‪ :‬الهرم" ‪.‬‬
‫مواجهة الضغوط النفسية ‪:‬‬
‫أكدت الدراسات العلمية أن التعرض للضغوط النفسية والكروب أو‬
‫النفعالت الشديدة يمكن أن يثير نوبة ذبحة صدرية‪ ،‬وهناك دلئل علمية‬
‫حديثة تشير إلى أن الذين يغضبون بشدة هم أكثر عرضة للصابة بمرض‬
‫شرايين القلب‪ .‬وكلنا نعلم حديث رسول الله عليه السلم المشهور ‪ ،‬وهو‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يوصي رجل جاء يسأله ‪ ..‬يا رسول الله أوصني‪ ،‬فقال له النبي‪" :‬ل تغضب" ‪.‬‬
‫وحديثه صلى الله عليه وسلم‪" :‬إذا غضب أحدكم وهو قائم؛ فليجلس فإن‬
‫ذهب عنه الغضب‪ ،‬وإل فليضطجع" ‪.‬‬
‫وقد علمنا السلم الصبر على الشدائد والمصائب‪ " ،‬عجبا لمر المؤمن إن‬
‫أمره كله خير وليس ذلك لحد إل للمؤمن إن أصابته سراء شكر‪ ،‬فكان خيرا‬
‫له‪ ،‬وإن أصابته ضراء صبر؛ فكان خيرا له" ‪.‬‬
‫فكيف ل يسلم المؤمن أمره لخالق الرض والسماء!!‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫اختلف القتصاد بين السلم والرأسمالية‬


‫بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي‬
‫قق‬ ‫لقد وضع السلم السس الكفيلة لقيام نظام اقتصادي غير ربويّ ُيح ّ‬
‫مصلحة الناس في واقعهم المادي في الحياة الدنيا ‪ ،‬ويعين على نجاتهم في‬
‫الدار الخرى ‪ .‬ل نستطيع أن نطرق جميع السس القتصادية في السلم‬
‫ولكننا نورد هنا اليات المتعلقة بالربا من سورة البقرة ‪:‬‬
‫)) الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا ً وعلنية فلهم أجرهم عند ربهم‬
‫ول خوف عليهم ول هم يحزنون * الذين يأكلون الربا ل يقومون إل كما يقوم‬
‫س ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل‬ ‫الذي يتخّبطه الشيطان من الم ّ‬
‫الله البيع وحّرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره‬
‫إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون * يمحق الله الربا‬
‫ل كفار أثيم * إن الذين آمنوا وعملوا‬ ‫بك ّ‬‫ويربى الصدقات والله ل يح َ‬
‫الصالحات وأقاموا الصلة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ول خوف عليهم‬
‫ول هم يحزنون * يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم‬
‫مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله * وإن تبتم فلكم‬
‫عسرةٍ فنظرة إلى‬ ‫رؤوس أموالكم ل تظلمون ول تظلمون * وإن كان ذو ُ‬
‫ً‬
‫ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون * واتقوا يوما ترجعون فيه إلى‬
‫م توفى كل نفس ما كسبت وهم ل يظلمون (( ] البقرة ‪ 275 :‬ـ ‪[ 281‬‬ ‫الله ث ّ‬
‫وعن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ " :‬لعن الله‬
‫آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه " ) ‪( 1‬‬
‫ِإن هذا التحريم للربا هو أشد ّ َأنواع التحريم التي وردت في كتاب الله ‪ .‬وتأكدّ‬
‫التحريم في آيات أخرى ‪ ،‬وكذلك في الحاديث النبوية ‪ ،‬نذكر منها هنا حديثين‬
‫شريفين ‪:‬‬
‫فعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لعن الله الربا ‪،‬‬
‫وآكله ‪ ،‬وموكله وكاتبه ‪ ،‬وشاهده وهم يعلمون ‪ ،‬والواصلة ‪ ،‬والمستوصلة ‪،‬‬
‫مصة " ) ‪( 2‬‬
‫والواشمة والمستوشمة ‪ ،‬والنامصة والمن ّ‬
‫وكذلك في خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ‪ ،‬حيث‬
‫قال ‪ " :‬أل وإن كل ربا في الجاهلية موضوع عنكم كله ‪ ،‬لكم رؤوس أموالكم‬
‫ل ت َظ ِْلمون ‪ .‬وأول ربا موضوع هو ربا العباس بن عبد المطلب موضوع كله "‬
‫] رواه ابن أبي حاتم [ )‪(3‬‬
‫ولم يكن تحريم الربا في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فقط ‪ ،‬وإنما‬
‫كان التحريم في السلم في رسالة جميع النبياء وخاصة في رسالة موسى‬
‫ورسالة عيسى عليهما السلم ‪ ،‬حيث أشار القرآن الكريم إلى ذلك ‪:‬‬
‫)) وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫منهم عذابا ً أليما ً ((‬


‫] النساء ‪[ 161 :‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إن هذا التحريم للربا وامتداد التحريم قرونا طويلة جدا مع النبياء والرسل ‪،‬‬
‫لدليل واضح على شدة خطورة الربا وشدة إفساد في الحياة البشرية ‪،‬‬
‫وفساد النظام القتصادي القائم على الربا ‪.‬‬
‫لقد مارس المسلمون أيام النبوة الخاتمة ‪ ،‬وما تلها من عصور ‪ ،‬نظاما ً‬
‫اقتصاديا ً خاليا ً من الربا في واقعهم البشري ‪ .‬والمسلمون مكلفون بممارسة‬
‫نفس النظام بقواعده العامة في كل واقع جديد ‪ ،‬على أن يضعوا تفصيلت‬
‫فَهم من خلل منهاج‬ ‫النظام من منهاج الله ومن حاجة الواقع الجديد الذي ي ُ َ‬
‫الله ‪.‬‬
‫والربا هو صورة من صور أكل أموال الناس بالباطل ‪ .‬فالتحريم من حيث‬
‫الساس هو تحريم لكل أموال الناس بالباطل في جميع صوره وأشكاله ‪.‬‬
‫والنظام الرأسمالي والشيوعي صورتان مفزعتان لكل أموال الناس‬
‫بالباطل ‪ .‬فقد دخلت انكلترا الهند متسللة بالحركات التنصيرية والشركات‬
‫التجارية ‪ ،‬ثم احتلتها عسكريا ً ‪ .‬فنهبت الهند وكنوزها وخيراتها وشعبها ‪ ،‬وما‬
‫خرجت من الهند إل وقد تركت الشعب فقيرا ً ممّزقا ً ‪ ،‬والبلد متأخرة‬
‫متخلفة ‪ .‬وقس على ذلك سائر الدول الرأسمالية التي دخلت أقطار العالم‬
‫السلمي الغنّية في ثرواتها وخيراتها ‪ ،‬فما تركتها إل وهي فقيرة ممّزقة‬
‫متخلفة ‪ .‬لقد أكلت الدول الرأسمالية أموال العالم السلمي بالباطل أكل ً‬
‫لسس من الظلم‬ ‫حراما ً ‪ ،‬وأنشأت النظام الرأسمالي فيه على نفس ا ُ‬
‫والعدوان ونهب الثروات وأكل المال الحرام ‪ ،‬حتى أصبح العالم السلمي‬
‫ى العالم الثالث المتخلف ‪.‬‬ ‫يسم ّ‬
‫ولم يأكل العالم الرأسمالي أموال العالم السلمي وحده بالباطل ‪ ،‬بل أكل‬
‫ونت طبقات على ُأسس غير عادلة ول‬ ‫أموال شعوبه بالباطل أيضا ً ‪ ،‬حتى تك ّ‬
‫أمينة ‪ ،‬وحتى كثرت البطالة وتوالت الزمات القتصادية ‪ ،‬وتنافست الدول‬
‫الرأسمالية في صراع محموم من أجل أكل الموال بالباطل ‪ .‬وأقامت هذه‬
‫الدول الرأسمالية مؤسساتها على نفس السس من أكل المال بالباطل ‪،‬‬
‫مهما اختلفت أسماءها وأشكالها وأنظمتها ‪.‬‬
‫ي الحرام يقوم به كثير من‬ ‫وقد وصف القرآن الكريم لنا هذا النشاط المال ّ‬
‫الحبار والرهبان وصفا ً جليا ً ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫)) يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا ً من الحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس‬
‫ضة ول ينفقونها‬ ‫بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والف ّ‬
‫في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم * يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى‬
‫بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لنفسكم فذوقوا ما كنتم‬
‫تكنزون ((‬
‫] التوبة ‪[ 35 ،34 :‬‬
‫وهكذا بّين الله سبحانه وتعالى أساس التعامل الحرام بالمال ‪ .‬إنه أكل أموال‬
‫الناس بالباطل ‪ ،‬والربا باب من أبوابه ‪ ،‬أو أنه يجمع البواب كلها ‪ .‬وبّين‬
‫ث عليها ‪ ،‬وبّين أبواب الكسب الحرام وما‬ ‫السلم أبواب الكسب الحلل وح ّ‬
‫يحرم من البيوع فنهى عن ذلك كله ‪.‬‬
‫ضة ‪ ،‬وبعدم‬ ‫وارتبط أكل المال بالباطل في الية السابقة بكنز الذهب والف ّ‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إنفاقها في سبيل الله ‪ .‬فجعل السلم للكسب الحلل شروطا ً وقواعد ‪،‬‬
‫وجعل للنفاق الحقّ شروطا ً وقواعد ‪ .‬وذلك كله لصلح النسان على الرض ‪،‬‬
‫وصلح الشعوب كلها إذا التزمت وتعاونت على ممارسة قواعد اليمان ‪.‬‬
‫فالنظام الرأسمالي ومؤسساته ل يقع المال الحرام فيه من باب واحد ‪،‬‬
‫ولكن من أبواب متعددة تجمعها كلمة " أكل أموال الناس بالباطل " " وكنز‬
‫الموال وعدم إنفاقها في سبيل الله " ‪ .‬فأصبحت المؤسسات الرأسمالية‬
‫تجمع الحرام من ناحيتين ‪ :‬من أكل أموال الناس بالباطل من جميع أبوابه‬
‫وسبله الحرام ‪ ،‬ومن النفاق في غير سبيل الله ‪ ،‬من النفاق على الصد ّ عن‬
‫لنفاق على الفتنة والفساد والكبائر كلها ‪ ،‬حتى َأصبح هذا‬ ‫سبيل الله ‪ ،‬وا ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫النظام ومؤسساته معجونا بالربا والحرام عجنا ‪.‬‬
‫ولقد غزا هذا النظام الشعوب كلها وغزا العالم السلمي ‪ ،‬يقوده علوم‬
‫وتقنية ‪ ،‬ونظم إدارية متطورة تحميه وتحمي رجاله المتحكمين ‪ ،‬وهيئات‬
‫ومؤسسات تعمل ليل نهار ‪ ،‬لتوّفر هذه العلوم والتقنية والدارة والمؤسسات‬
‫وسائل نهب الشعوب ‪ ،‬وسائل الكسب الحرام والنفاق الحرام ‪ ،‬ويحمي هذا‬
‫النظام القتصادي سياسة ونظام سياسي وقوة عسكرية نامية مدمرة ‪.‬‬
‫وكان من أهم آثار ذلك انتشار الزمات القتصادية وانتشار البطالة ‪ ،‬وانتشار‬
‫الفتنة والفساد والجرائم ‪ ،‬والحروب التي ل تكاد تتوقف ‪ ،‬والمؤامرات في‬
‫جوف الليل وفي وضح النهار ‪ ،‬حتى ظهر الفساد في الّبر والّبحر والجو ‪.‬‬
‫ي كالطوفان ‪ .‬والمسلمون متفّرقون متخّلفون‬ ‫وغزا هذا كله العالم السلم ّ‬
‫أنهكهم الصراع بينهم حتى استفاد عدوهم من ذلك ‪ .‬وامتدت المؤسسات‬
‫المالّية الرأسمالية إلى العالم السلمي ‪ ،‬واضطرب المسلمون وحاروا كيف‬
‫يتعاملون مع هذه المؤسسات ‪ ،‬وصدرت فتاوى هنا وفتاوى هناك ‪ ،‬فتاوى‬
‫يناقض بعضها بعضا ً ‪.‬‬
‫وأول ملحظة لنا على ذلك هو أنه كانت تآخذ القضية الجزئية الواحدة معزولة‬
‫عن نظامها الكلي ‪ ،‬فل تبدو الصورة عندئذ على حقيقتها ‪ ،‬ول تبرز الجريمة‬
‫رفت بوسائل شتى من وسائل‬ ‫خ ِ‬‫زلت ثم ُز ْ‬‫في هذه الجزئية أو تلك بعد أن عُ ِ‬
‫في ‪ .‬وقد ل يبدو وجه " الحرام " في هذه‬ ‫التجميل لزالة القبح الكبير المتخ ّ‬
‫ت منه وحملت‬ ‫ّ‬
‫الجزئية بعد عزلها وإخفاء ارتباطها بالنظام الكلي الذي ن َب َعَ ْ‬
‫معها منه أشكال ً متعددة من الحرام ! ‪.‬‬
‫لذلك اضطرب الرأي حول " الفائدة " التي تقدمها المؤسسات المالية ‪ .‬ولقد‬
‫كان الرأي الول أن يضع المسلم ماله فيها في " الحساب الجاري " الذي ل‬
‫ُتؤخذ معه الفائدة التي ت ُعَْتبر حراما ً ومال ً خبيثا ً ‪ .‬وصارت القناعة لدى عامة‬
‫ن تعاملهم مع المؤسسة المالية‬ ‫الناس أنهم إن فعلوا ذلك تجّنبوا الحرام ‪ ،‬وأ ّ‬
‫أصبح حلل ً ل إثم فيه ول معصية ‪ .‬وغاب عن بال هؤلء أنه ل فرق في عمل‬
‫المؤسسات المالية مع الموال بين حساب جارٍ وحساب غير جارِ إل في‬
‫الدفاتر أو في بعضها ‪ .‬أما الموال عامة فتدخل في نشاط المؤسسة دون‬
‫تفريق ‪ ،‬ويكون لهذا الحساب " فائدة " ولذلك الحساب " فائدة " والفرق‬
‫الوحيد أن " المودع " ت َّبرع بالفائدة عمليا ً للمؤسسة وي ُعْت َب َُر مال الموَدع قد‬
‫دخل في المعاملت التي استحقت " الفائدة " ‪ .‬فإن كانت الفائدة حراما ً فقد‬
‫دخل في الحرام كمن وضع ماله في حساب الفائدة ‪ ،‬لن حديث الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم جعل الثم واللعنة على آكل الربا وموكله وشاهده‬
‫ذر فيه ‪،‬‬ ‫وكاتبه ‪ .‬والمودِعُ شاهد على القل ‪ ،‬وإذا اّدعى الجهل فهذا جهل ل ي ُعِ َ‬
‫لنه أمر عام عليه أن يستوضح قبل التوّرط ‪ .‬وغاب عن بال هؤلء ‪ ،‬أنهم إذا‬
‫اعتبروا الفائدة ربا ً حراما ً ‪ ،‬فل يكون الثم متوقفا ً على قبض الفائدة‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتسلمها ‪ ،‬ولكن الثم يبتدئ بالتعامل مع مؤسسة هو يعتبرها ربوّية ‪.‬‬


‫ورأي آخر يقول ِإن أخذ " الفائدة " وهي ربا ً في نظره ومال خبيث ‪ ،‬أفضل‬
‫دق بها ‪،‬‬ ‫قها على نفسه وأهله ‪ ،‬بل يتص ّ‬ ‫من أن يتركها للبنك ‪ .‬ولكن ل ي ُن ْفِ ُ‬
‫وليس له أجر على ذلك من عند الله ‪ ،‬لنها مال خبيث ‪ ،‬وليس له إل رأس‬
‫ماله يبقي طيبا ً لقوله سبحانه وتعالى ‪:‬‬
‫)) ‪ ..‬فلكم رؤوس أموالكم ل ت َظ ِْلمون ول ت ُظ َْلمون (( ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ونعتقد أن هذا الرأي وقع في أخطاء ‪ .‬أولها أنه ليس لحد من الخلق أن‬
‫يطلق الجر من عند الله أو يمنعه ‪ ،‬فالله وحده يجزي كما يشاء من يشاء‬
‫خل في هذا‬ ‫على ميزان عادل وحكمة بالغة ل يحيط بها الناس ‪ .‬فل حاجة للتد ّ‬
‫المر ‪ .‬وثانيا ً أنه إذا كانت " الفائدة " ربا ً ومال ً حراما ً خبيثا ً فل يعني هذا أن‬
‫ل على طهارته ‪ ،‬ول يعني أن للناس رؤوس أموالهم حلل ً ‪،‬‬ ‫رأس المال يظ ّ‬
‫ص القرآن لجواز أخذ رأس المال‬ ‫ذلك لن الله سبحانه وتعالى اشترط في ن ّ‬
‫ً‬
‫الذي يعمل في الربا ‪ ،‬اشترط أن يتوقف التعامل بالربا فورا وأن يتوب‬
‫ص في القرآن الكريم‬ ‫المسلم توبة صادقة فل يعود إلى الربا ‪ .‬فقد جاء الن ّ‬
‫)) ‪ ..‬فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم ل َتظلمون ول ُتظلمون (( ‪ .‬فالشرط هنا‬
‫وقفتم عن التعامل بالربا ‪ .‬أما إذا كان المال مستمرا ً‬ ‫" فإن تبتم " أي إذا ت ّ‬
‫جن‬ ‫في تعامله بالربا ‪ ،‬ولم تقع التوبة ‪ ،‬فإن رأس المال ل يكون طاهرا ً وقد عُ ِ‬
‫مر فيه ‪.‬‬ ‫بالربا عجنا ً واست ّ‬
‫والخطر من مثل هذا الرأي هو أن الناس ُتقبل على التعامل مع مؤسسة‬
‫ل لهم التعامل‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫يرون هم أنفسهم أنها ربوية ‪ ،‬ويظّنون أنهم بسلوكهم هذا قد َ‬
‫مع المؤسسة الربوّية ‪ .‬ثم يعتاد الناس ذلك ويألفونه ‪ ،‬ويدعمونه ويصبحون‬
‫قوة له ‪ ،‬وتتهاون العزائم عن السعي إلى الحل المثل ‪ ،‬وتصبح هذه الراء‬
‫أقرب للتخدير منها إلى التوعية ‪ .‬وإن إقامة النظام القتصادي السلمي‬
‫دم‬
‫البديل يفرض ممارسة منهاج الله بكامله في الواقع البشري ‪ ،‬ممارسة تق ّ‬
‫ل محل النظام الرأسمالي ‪ ،‬والنظام‬ ‫النظام القتصادي السلمي البديل ليح ّ‬
‫الداريّ السلمي البديل ‪ ،‬والنظام الجتماعي السلمي البديل ‪ ،‬والنظام‬
‫السياسي السلمي البديل والعسكري السلمي ‪ ،‬وهكذا في مختلف شؤون‬
‫ذر تطبيق جانب من السلم وإهمال الجوانب الخرى ‪..‬إن‬ ‫الحياة ذلك لنه يتع ّ‬
‫لمة‬ ‫نجاح الممارسة اليمانية لي جانب من السلم في حياة النسان أو ا ُ‬
‫ّ‬
‫يفرض الممارسة اليمانية لسائر الجوانب دون إغفال أي جزء من السلم ‪.‬‬
‫إن السلم منهاج رّبني متكامل مترابط متناسق بعمل بكل أجزائه معا ً ‪.‬‬
‫)) ‪ ..‬أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم‬
‫إل خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يرّدون إلى أشد ّ العذاب وما الله بغافل‬
‫عما تعملون (( ] البقرة ‪[ 85 :‬‬
‫وكذلك ‪:‬‬
‫)) وقل إني أنا النذير المبين * كما أنزلنا على المقتسمين * الذين جعلوا‬
‫القرآن عضين * فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون (( ] الحجر ‪:‬‬
‫‪[ 93 -89‬‬
‫ُ‬
‫إن محاولت التوفيق بين السلم والديانات الخرى التي خرجت منها‬
‫الَعلمانية ‪ ،‬أو التوفيق السلم والَعلمانية ‪ ،‬جهود ضائعة ‪ ،‬خير منها أن ت ُب ْذ َ َ‬
‫ل‬
‫الجهود لقامة دين الله – السلم – في الرض كلها ‪ ،‬من أجل سعادة النسان‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والشعوب كلها ‪.‬‬


‫في واقع الشعوب اليوم مؤسسات ربوية واضحة ‪ ،‬مؤسسات تخلط الربا‬
‫بغيره ‪ ،‬فيفسد العمل كله ‪ .‬وتواجه الشعوب اليوم هذا النظام القتصادي‬
‫ي الرَبوي ‪ ،‬النظام الذي أقامه أهل الكتاب والَعلمانيون واليهود‬ ‫العالم ّ‬
‫بخاصة ‪ ،‬والنظام العالمي يفرض بالقوة بكل وسائل نظامه القتصاديّ ‪ ،‬دون‬
‫أن يكون بديل يحل محله ‪ .‬فكانت نتيجة المواجهة الستسلم والعجز‬
‫ومحاولت البحث عن مخرج بآراء ونظريات متناقضة متضاربة ‪ ،‬أو ردود فعل‬
‫ارتجالية ميدانا ً عن ميدان ‪ ،‬وقضية عن قضية ‪ ،‬فيفقد كل ميدان قوى تسانده‬
‫‪ ،‬وتفقد كل قضية قوى تساندها ‪.‬‬
‫إن بلوغ الحل المثل ل يمكن تحقيقه في واقعنا اليوم بين يوم وليلة ‪ .‬ولكنه‬
‫فرض على المسلمين أن يسعوا إليه ‪ .‬وإن بلوغه يتطلب جهودا ً واعية حقيقية‬
‫‪ ،‬ونهجا ً وتخطيطا ً ‪ ،‬وتعاونا ً وبذل ً ‪.‬‬
‫ول يستطيع الفرد المسلم أن يجابه هذا الواقع وحده ‪ .‬ولكن كل مسلم‬
‫يستطيع أن ينهض إلى مسؤولياته التي وضعها الله في عنقه وفرضها عليه‬
‫ب كلها في مجرى واحد ‪.‬‬ ‫حتى تجتمع الجهود وتص ّ‬
‫وخلل ذلك قد يجد المسلم الفرد أو الجماعة أو المة أنفسهم أمام واقع ‪،‬‬
‫يضطرون فيه إلى التعامل مع مؤسسات ربوية ‪ .‬فتصبح القضية هي التعامل‬
‫تحت ضغط الضرورة ‪ ،‬مع القرار بأن التعامل حرام ل يجوز إل للضرورة ‪،‬‬
‫ومع واجب القيام بالمسؤوليات الشرعية التي أمر الله بها ‪ ،‬والتي تسعى‬
‫بتكاتفها إلى بلوغ الحل المثل ‪.‬‬
‫َ‬
‫إن تساؤل عن التعامل مع المؤسسات أحلل أم حرام ‪ ،‬وفي الوقت نفسه ل‬
‫يوفي المسؤوليات التي كلفه الله بها ‪ ،‬ول يوفي المانة والعهد مع الله ‪ ،‬هو‬
‫تساؤل عاجز يعطل مسيرة المؤمنين إلى الحل المثل ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫والضرورة تعتبر ضرورة آنّية مادامت الجهود متكاتفة من أجل رفعها ‪.‬‬
‫عدة َأشكال ‪ :‬ضرورة فردية يكون الفرد‬ ‫والضرورة في هذه الحالة قد تأخذ ِ‬
‫المسلم مسؤول ً عنها ومحاسبا ً عليها بين يدي الله ‪ ،‬وعليه هو أن ُيقدّرها‬
‫در مدى أهميتها وضغطها عليه ‪ .‬وضرورة قانونية قطرية ل يملك الفرد‬ ‫ويق ّ‬
‫المسلم دفعا لها ‪ ،‬وضرورة دولية لمن يتعّرض لها ‪ .‬والنظام الرأسمالي اليوم‬‫ً‬
‫ذيه وتحميه ‪ ،‬وتفرضه حينا ً بالقوة‬ ‫ممتد في الرض تدعمه القوى الَعلمانية وتغ ّ‬
‫والقهر وحينا ً بالفتنة والتضليل ‪.‬‬
‫وحين حّرم السلم أكل أموال الناس بالباطل ‪ ،‬وحّرم الربا ‪ ،‬فإنه فرض‬
‫الزكاة في المال ‪ ،‬تؤخذ من الغنياء وترد ّ على الفقراء ‪ ،‬وضع نظاما ً ماليا ً‬
‫متكامل ً يكفل حق المسلم في المال والرعاية والعمل والسعي ‪ ،‬وبنى جيل ً‬
‫ويا ً يحمل رسالة الله إلى الناس كاّفة ويوفي بعهده مع الله ‪ ،‬وينهض‬ ‫مؤمنا ً ق ّ‬
‫للتكاليف كلها ‪ ،‬ليحمي نهجه ودينه ‪.‬‬
‫وحين يطّبق نظام السلم في الكسب وفي النفاق بجميع جوانبه تطبيقا ً‬
‫مة مؤمنة ‪ ،‬فإن مظاهر الظلم الجتماعي تختفي إل بمقدار ما‬ ‫إيمانيا ً في أ ّ‬
‫يخالف الناس منهاج الله ‪.‬‬
‫ولو أن الغنياء كانوا يؤّدون ما فرض الله عليهم من زكاة وصدقات ‪ ،‬لما كنت‬
‫تجد في الرض جزعى ومحتاجين ومظلومين ‪ .‬فحين أعلن مؤتمر التغذية‬
‫الذي عقد في روما مؤخرا ً أن عدد الجوعى ) ‪ ( 840‬مليونا ً من البشر ‪ ،‬فإن‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا يعني أن هنالك عددا ً من المتخمين أخذوا حقوق غيرهم فُأتخموا وجاع‬
‫علماني ونظام رأسمالي ‪.‬‬‫الخرون ‪ ،‬وهذا الظلم ل يقع إل في جو َ‬
‫وهذه صورة موجزة عن الختلف في القتصاد بين السلم وبين الَعلمانية ‪،‬‬
‫وهذا الختلف يشير في الوقت نفسه إلى خلفات واسعة أخرى بين السلم‬
‫والَعلمانية ‪ .‬فهناك اختلف في النظرية السياسية ‪ ،‬فالعلمانية تبني السياسة‬
‫على المصالح المادية وحدها ‪ ،‬والسلم يضع أسسا ً أخرى تكفل البشرية‬
‫تعاونها وتكفل حماية حقوق الشعوب كلها وتمنع الظلم والعدوان ‪.‬‬
‫وينشأ خلف آخر هام في الحياة الجتماعية وتنظيم المجتمع ابتداء من حياة‬
‫لمة كلها ‪ .‬ونكتفي هنا بالشارة إلى الختلف‬ ‫الفرد إلى السرة إلى ا ُ‬
‫الساسي ‪ ،‬حيث ل مجال للتفصيل هنا ‪ ،‬والتفصيل يحتاج إلى كتاب خاص ‪.‬‬
‫ومن هذه الختلفات كلها ينشأ اختلف كبير بين حقوق النسان في الَعلمانية‬
‫وبينها في السلم ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ ( 1‬صحيح الجامع الصغير وزيادته ‪) :‬ط‪ (3:‬ـ حديث رقم ) ‪ ( 4970‬وقال ‪:‬‬
‫الطبراني في الكبير‬
‫) ‪ ( 2‬ابن كثير في تفسير آيات الربا ‪.‬‬
‫) ‪ ( 3‬ابن كثير في تفسير آيات الربا ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫اختلف الفقهاء وأثره في اختلف العاملين للسلم‬


‫د‪ .‬علء الدين المين الزاكي*‬
‫المطلب الول‪ :‬تعريف الختلف‬
‫في اللغة‪ :‬مصدر )خلف( يعني عدم التفاق‪ ،‬قال الفيروزآبادي‪ :‬الختلف‬
‫والمخالفة‪ :‬أن يأخذ كل واحد طريقا ً غير طريق الخر في حاله أو فعله‪،‬‬
‫والخلف أعم من الضد؛ لن كل ضدين مختلفان وليس كل مختلفين‬
‫ضدين")]‪.([1‬‬
‫وفي الصطلح‪:‬‬
‫إن التعريف المشهور الذي ذكره أغلب العلماء هو‪" :‬أن يذهب كل عالم إلى‬
‫خلف ما ذهب إليه الخر في حالة")]‪ ،([2‬وقال آخرون‪" :‬أن ينهج كل شخص‬
‫طريقا ً مغايرا ً للخر في حاله أو في قوله")]‪.([3‬‬
‫والناظر في هذين التعريفين يرى أنهما شاملن لنوعي الختلف المحمود‬
‫والمذموم‪ ،‬ويشمل كذلك الجدل والشقاق‪ ،‬وذلك لن الجدل هو ذهاب كل‬
‫عالم خلف ما ذهب إليه الخر‪ ،‬ولكن بزيادة شدة؛ ولهذا نهي النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم عنه وقال‪)) :‬أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن‬
‫كان محقًا(()]‪.([4‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬علم الجدل هو‪ :‬علم يقتدر به على حفظ أي وضع يراد ولو‬
‫ل‪ ،‬وهدم أي وضع يراد ولو حقًا")]‪.([5‬‬ ‫باط ً‬
‫وكذا الشقاق مع وجود المخالفة‪ ،‬ولكن كما يقول العلواني‪" :‬أصله أن يكون‬
‫كل واحد في شق من الرض أي نصف منها‪ ،‬فكأن أرضا ً واحدة ل تتسع لهما‬
‫معًا"‪ ،‬كما قال تعالى‪) :‬وإن خفتم شقاق بينهما()]‪.([6‬‬
‫وبهذا يكون التعريف جامعا ً لكل أنواع الختلف المحمود والمذموم‪ ،‬ولكن إذا‬
‫رأينا الختلف الصحيح الذي نحن نريده ل بد‪ ،‬وأن يكون فيه قيد ليمنع دخول‬
‫الجدل الممنوع والشقاق وغيرها‪ ،‬فبالتالي أري أن التعريف الصحيح يكون‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هو‪ :‬أن يذهب كل عالم إلى خلف ما ذهب إليه الخر بغية الوصول إلى الحق‪.‬‬
‫محترزات التعريف‪:‬‬
‫كلمة )عالم( احتراز من الجاهل فإن مخالفة الجاهل ل يلتفت إليها ول يعتد‬
‫بها‪ .‬وكلمة )خلف( احتراز من التفاق والجماع‪.‬‬
‫شقاق وغيرهما‪.‬‬ ‫وكلمة )بغية الوصول إلى الحق( تخرج الجدل وال ّ‬
‫حقيقة وجود الخلف‪:‬‬
‫ل ينكر أحد وجود الخلف في المة‪ ،‬ل في سابق عهدها‪ ،‬ول في واقعها‬
‫المعاصر‪ ،‬وقد وقع في زمان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهم‬
‫أفضل الخلق بعد النبياء‪ ،‬كاختلفهم في غنائم بدر‪ ،‬واختلفهم بعد وفاته في‬
‫غسله ودفنه ومن يكون الخليفة بعده وغير ذلك‪.‬‬
‫ول تتوقع أن يتوقف الخلف نهائيًا؛ لن الوقوع أظهر دليل على الجواز‪ ،‬ولكن‬
‫نريد ترشيد هذا الخلف ليكون خلفا ً مثمرًا‪ ،‬داعيا ً إلى البحث والتنقيب‬
‫والوصول إلى الحق‪ .‬والذي يجعل الخلف أمرا ً حتميا ً ما يلي‪:‬‬
‫)‪ (1‬تفاوت الناس في أفهامهم وقدراتهم على تحصيل العلم؛ فالناس بحكم‬
‫الخلقة يختلفون ويتفاوتون في الستيعاب والنظر في المسائل وجمع‬
‫أطرافها‪ ،‬وهذا يؤدي بالضرورة إلى وقوع الخلف بحسب هذا التفاوت؛ وقد‬
‫ضرب الله مثل ً لهذا النوع من التفاوت‪ ،‬فقال تعالى‪) :‬أنزل من السماء ماء‬
‫فسألت أودية بقدرها()]‪ ،([7‬قال ابن كثير رحمه الله‪)" :‬أنزل من السماء‬
‫ماء( أي مطرًا‪) ،‬فسالت أودية بقدرها( أي أخذ كل واد بحسبه‪ ،‬فهذا كبير‬
‫وسع كثيرا ً من الماء‪ ،‬وهذا صغير وسع بقدره‪ ،‬وهو إشارة إلى القلوب‬
‫وتفاوتها‪ ،‬فمنها ما يسع علما ً كثيرًا‪ ،‬ومنها ما ل يسع الكثير من العلوم بل‬
‫يضيق عنها")]‪.([8‬‬
‫)‪ (2‬وضرب كذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ً فقال‪)) :‬مثل ما‬
‫بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضًا‪ :‬فكان منها طائفة‬
‫قبلت الماء؛ فأنبتت الكل والعشب الكثير‪ ،‬وكانت منها أجادب أمسكت الماء؛‬
‫فنفع الله به الناس فشربوا ورعوا وسقوا وزرعوا‪ ،‬وأصاب طائفة أخرى إنما‬
‫هي قيعان‪ ،‬ل تمسك ماء ول تنبت كل‪ .‬فذلك مثل من فقه في دين الله‪،‬‬
‫ونفعه الله بما بعثني به‪ ،‬فعلم وعمل‪ ،‬ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا‪ ،‬ولم‬
‫يقبل هدى الله الذي أرسلت به((‪ .‬قال الحافظ‪" :‬قال القرطبي وغيره‪ :‬ضرب‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء به من الدين مثل ً بالغيث العام الذي يأتي‬
‫الناس في حال حاجتهم إليه‪ ،‬وكذا كان حال الناس قبل مبعثه‪ ،‬وشّبه‬
‫السامعين له بالرض المختلفة التي ينزل بها الغيث‪ ،‬فمنهم العالم العامل‬
‫المعلم‪ ،‬ومنهم الجامع للعلم غير أنه لم يعمل ولم يتفقه‪ ،‬ومنهم من يسمع‬
‫ول يحفظ ول يعمل به")]‪.([9‬‬
‫)‪ (3‬ويقع التفاوت كذلك في الفهم كما قال تعالى‪) :‬وداود وسليمان إذ‬
‫يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها‬
‫سليمان وكل ً آتينا حكما ً وعلمًا()]‪ ،([10‬والصحابة كانوا يتفاوتون في الحفظ‬
‫ودقة النظر لذلك وقع بينهم الخلف‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫كما جاء في جمع علي رضي الله عنه بين اليتين‪) :‬وحمله وفصاله ثلثون‬
‫شهرًا()]‪ ،([11‬وقوله تعالى‪) :‬وفصاله في عامين()]‪ ،([12‬أن أقل مدة‬
‫للحمل ستة أشهر‪ ،‬وقد خفي هذا على عثمان رضي الله عنه‪ .‬والتفاوت في‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الفهم جعل عدي بن حاتم رضي الله عنه يقول عند نزول آية‪) :‬وكلوا واشربوا‬
‫حتى يتبين لكم الخيط البيض‪" :(...‬إني لضع تحت وسادتي عقالين أحدهما‬
‫أسود والخر أبيض فل أزال آكل حتي أتبينهما"‪ ،‬فقال صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫))إن وسادك لعريض‪ ،‬إنما هو بياض النهار وسواد الليل((‪.‬‬
‫)‪ (4‬التفاوت في الحصيلة العلمية‪ ،‬وهذا أمر طبيعي؛ لن الناس منهم الذي‬
‫يفرغ جهده للعلم‪ ،‬ومنهم من يعطيه فضل وقته‪ ،‬وكل ينال بحسب جهده‪،‬‬
‫وقد قالوا‪ :‬العلم إن أعطيته كلك أعطاك بعضه‪ .‬وقد قال أبو هريرة رضي‬
‫فق بالسواق‪ ،‬وإن‬ ‫الله عنه‪" :‬إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الص ْ‬
‫إخواننا من النصار كان يشغلهم العمل في أموالهم‪ ،‬وإن أبا هريرة كان يلزم‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطنه‪ ،‬ويحضر ما ل يحضرون‪ ،‬ويحفظ‬
‫ما ل يحفظون")]‪.([13‬‬
‫لهذين السببين يمكن أن نقول بأن الخلف لُينكر وجوده ول ينعدم حدوثه‪ ،‬زِد ْ‬
‫على ذلك أن الخلف من طبيعة البشر‪ ،‬ول يمكن التخلص منه في العادة‪،‬‬
‫قال تعالى‪) :‬وليزالون مختلفين إل من رحم ربك()]‪ ،([14‬قال الشاطبي‪:‬‬
‫"فتأملوا رحمكم الله كيف صار التفاق محال ً في العادة")]‪.([15‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬هل كان الخلف غاية؟‬
‫كان الصحابة رضوان الله عليهم أشد الناس حرصا ً على الحق وتعلقا ً به؛ فهو‬
‫ضالة المؤمن التي ينشدها‪ ،‬لنهم يقرءون قول الله تعالى‪) :‬فماذا بعد الحق‬
‫إل الضلل()]‪ ،([16‬ولم يكن الخلف عندهم نزعة هوي‪ ،‬ول غاية مقصودة‪ ،‬بل‬
‫حرصا ً على الحق‪ ،‬وحين يتبين لهم كانوا أسرع الناس رجوعا ً إليه‪ ،‬ومن ذلك‬
‫ما ورد في صحيح البخاري لما روي أبو هريرة حديثا ً عن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪)) :‬ل صوم لمن أصبح جنبًا((‪ ،‬وأمر مروان عبد الرحمن‬
‫بالذهاب إلى عائشة رضي الله عنها وقالت‪" :‬كان صلى الله عليه وسلم‬
‫يصبح جنبا ً من جماع ل احتلم ويتم صومه"‪ ،‬ولما أخبروا أبا هريرة رضي الله‬
‫عنه قال‪" :‬إنما اخبرني الفضل بن العباس‪ ،‬وأمهات المؤمنين أعلم بحال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم منا")]‪ ،([17‬وهذا ظننا بهم رضي الله‬
‫عنهم‪.‬‬
‫سد إليهم المر‪ ،‬فنسجوا على‬ ‫ثم حمل العلم بعدهم التابعون وأتباعهم وو ّ‬
‫ً‬
‫منوال الصحابة الخيار‪ ،‬وما ورد عن أحدهم أنه رد ّ حقا بعد ما تبين له‪ ،‬ثم جاء‬
‫بعدهم الئمة العلم‪ .‬قال ابن تيمية‪" :‬وليعلم أنه ليس أحد من الئمة‬
‫المقبولين عند المة قبول ً عاما ً يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم في شيء من سنته‪ ،‬دقيق ول جليل فإنهم متفقون اتفاقا ً يقينيا ً على‬
‫وجوب اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وعلى أن كل الناس يؤخذ من‬
‫قوله ويترك إل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا وجد للواحد منهم قول‪،‬‬
‫قد جاء حديث صحيح بخلفة‪ ،‬فل بد له من عذر في تركه")]‪.([18‬‬
‫وما ذاك إل أنهم أيقنوا أن الحق ُيتعّرف عليه من خلل النصوص التي هي‬
‫مصدر هداية المة‪ ،‬فتبعوها‪ ،‬والنتيجة أن الخلف لم يكن غاية في ذاته‪ ،‬بل‬
‫كل واحد يطلب الحق بطرقه ووسائله‪ ،‬ويقع الخلف لي سبب من السباب‪،‬‬
‫فل بد للمة أن تخلص النية في طلب الحق لتتفق عليه ول تختلف‪.‬‬
‫ً‬
‫وترتب على هذا أن الخلف لم يكن يفسد للود قضية‪ ،‬ولم يكن سببا في‬
‫القطيعة والتدابر‪ .‬قال الصرفي‪" :‬ما رأيت أعقل من الشافعي‪ ،‬ناظرته يوما ً‬
‫في مسألة‪ ،‬ثم افترقنا‪ ،‬ولقيني‪ ،‬فأخذ بيدي‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا أبا موسى‪ ،‬إل يستقيم‬
‫أن نكون إخوانا ً وإن لم نتفق في مسألة")]‪.([19‬‬
‫قال الذهبي‪" :‬هذا يدل على كمال عقل هذا المام وفقه نفسه")]‪ ،([20‬وقال‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يحيى بن سعيد القطان‪" :‬ما برح أولوا الفتوى يختلفون‪ ،‬فيحل هذا ويحرم‬
‫هذا‪ ،‬فل يرى المحرم أن المحل هلك لتحليله‪ ،‬ول يرى المحل أن المحرم هلك‬
‫لتحريمه")]‪.([21‬‬
‫وقال‪" :‬أهل العلم أهل سعة‪ ،‬وما برح المفتون يختلفون‪ ،‬فيحل هذا ويحرم‬
‫هذا‪ ،‬وأن المسألة لترد على أحدهم كالجبل‪ ،‬فإذا فتح لها بابها قال ما أهون‬
‫هذه"‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪ " :‬قد كان العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إذا‬
‫تنازعوا في المر اتبعوا أمر الله تعالى في قوله‪) :‬فإن تنازعتم في شيء‬
‫فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الخر ذلك خير‬
‫ل()]‪ ،([22‬وكان يتناظرون في المسألة العلمية والعملية مع بقاء‬ ‫وأحسن تأوي ً‬
‫اللفة والعصمة وأخوة الدين‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬من خالف الكتاب المستبين والسنة المستفيضة أو ما أجمع عليه سلف‬
‫المة خلفا ً ل ُيعذر فيه فهذا يعامل بما يعامل به أهل البدع‪ ،‬وأما الختلف في‬
‫الحكام فأكثر من أن ينضبط‪ ،‬ولو كان كلما اختلف مسلمان في شئ تهاجرا‬
‫لم يبق بين المسلمين عصمة ول أخوة")]‪.([23‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ونقل الشاطبي عن بعض المفسرين قوله‪" :‬كل مسألة حدثت في السلم‪،‬‬


‫ما اختلف الناس فيها‪ ،‬ولم يورث ذلك الختلف بينهم عداوة ول بغضاء ول‬
‫فرقة‪ ،‬علمنا أنها من مسائل السلم‪ ،‬وكل مسألة طرأت فأوجبت العداوة‬
‫والتنافر والتنابز والقطيعة‪ ،‬علمنا أنها ليست من أمر الدين في شيء")]‬
‫‪ ،([24‬فلو كان الغاية الحق ما رأيت تنازعا ً وشقاقا ً بين هذه المة‪ ،‬والله‬
‫المستعان‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬أسباب اختلف الفقهاء‬
‫إن المقرر المعلوم ــ الذي ل يخفي على أحد‪ ،‬ول تخطئه عين ــ وقوع‬
‫الخلف بين الفقهاء‪ ،‬وكتب الفقه تعج بذلك‪ ،‬ويجب أن ُيعلم أن هناك جملة‬
‫من السباب اتفقت واجتمعت وأكدت حتمية وجود الختلف‪ ،‬ومهدت الطريق‬
‫لحدوثه‪ ،‬ولم يكن مقصودا ً لذاته كما بينا‪ ،‬وفي هذا المبحث نطرح هذه‬
‫السباب كما ذكرها العلماء وهي كالتي‪:‬‬
‫ل‪ :‬اختلف بسبب النصوص الشرعية‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫ويظهر هذا في التي‪:‬‬
‫)أ( عدم وقوف بعض العلماء على بعضها‪ :‬فقد يقف بعضهم على حديث ل‬
‫يصل إليه الخر‪ ،‬فيفتي برأيه‪ ،‬وقد يقع اجتهاده موافقا ً للنص كما ورد في‬
‫سنن النسائي وغيره‪" :‬أن ابن مسعود رضي الله عنه سئل عن أمرأة مات‬
‫عنها زوجها ولم يفرض لها‪ ،‬فقال‪ :‬لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يقضي في ذلك؛ فاختلفوا عليه شهرًا‪ ،‬وألحوا‪ ،‬فاجتهد برأيه وقضي بأن لها‬
‫مهر نسائها ل وكس ول شطط‪ ،‬وعليها العدة ولها الميراث‪ ،‬فقام معقل بن‬
‫يسار فشهد بأنه صلى الله عليه وسلم قضي بمثل ذلك في امرأة منهم‪،‬‬
‫ففرح بذلك ابن مسعود رضي الله عنه فرحة لم يفرح مثلها قط بعد‬
‫السلم")]‪.([25‬‬
‫ً‬
‫وربما وقع اجتهاده مخالفا للنص كعثمان رضي الله عنه كان يفتي بأن‬
‫المتوفي عنها زوجها ل تعتد في بيت الموت‪ ،‬ولم يكن له علم بحديث الفريعة‬
‫بنت مالك رضي الله عنها لما توفي زوجها قال لها صلى الله عليه وسلم‪:‬‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫))امكثي في بيتك حتي يبلغ الكتاب أجله(()]‪.([26‬‬


‫ونظائر هذا عند الصحابة كثيرة‪ ،‬وما ذاك إل لن الصحابة رضي الله عنهم ما‬
‫زعم أحدهم لنفسه أنه استوعب السنة كاملة وكذا التابعون‪.‬‬
‫قال شيخ السلم‪" :‬هؤلء كانوا أعلم المة وأفقهها وأتقاها وأفضلها‪ ،‬فمن‬
‫بعدهم أنقص‪ ،‬فخفاء بعض السنة عليهم أولى‪ ،‬فمن اعتقد أن كل حديث‬
‫صحيح قد بلغ كل واحد من الئمة‪ ،‬أو إماما ً معينا ً فهو مخطئ خطأ فاحشا ً‬
‫قبيحًا")]‪.([27‬‬
‫)ب( الختلف في ثبوت النصوص‪ :‬يقول ابن تيمية‪" :‬وهو أن يكون قد بلغه‬
‫الحديث‪ ،‬لكنه لم يثبت عنده")]‪ ،([28‬كأن يكون فيه علة توجب رده‪ ،‬وقد‬
‫يكون مقبول ً عند غيره كحديث‪)) :‬ل نكاح إل بولي وشاهدي عدل(( ضعفه‬
‫الحنفية وعمل به الجمهور لصحته عندهم‪.‬‬
‫)ج( وجوه قراءتها‪ :‬فقد يقرأ بعض العلماء بقراءة ويقرأ آخرون بقراءة أخرى‪،‬‬
‫وكل قراءة تؤدي إلى حكم شرعي‪ .‬كقوله تعالى‪) :‬يا أيها الذين آمنوا إذا‬
‫قمتم إلى الصلة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا‬
‫رأ ) أرجلكم( بالفتح وبالكسر‪ ،‬فأخذت كل‬ ‫برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين( قُ ِ‬
‫طائفة بوجه‪.‬‬
‫)د( الختلف بسبب دللة النصوص‪ :‬وذلك لن النصوص تدل على الحكام‬
‫بطريقتين‪:‬‬
‫الول‪ :‬المنطوق وهو الدللة على الحكم في محل النطق‪.‬‬
‫الثاني‪:‬المفهوم بنوعيه الموافقة والمخالفة‪ ،‬وهو الدللة على الحكم في محل‬
‫النطق‪.‬‬
‫ويقول العلماء‪ :‬إذا دلت النصوص على أي حكم من الحكام بأي طريقة من‬
‫طرق هذه الدللة علمنا أنه مراد النص‪ ،‬وقد وقع الخلف بسبب انكار الحنفية‬
‫لمفهوم المخالفة وغيره من الدللت‪.‬‬
‫وقد يكون المنطوق صريحا ً أو غير صريح؛ وبسبب ذلك قد يقع الخلف‪ .‬وقد‬
‫يكون النص ظاهرا ً أو نصيا ً أو محكما ً أو مفسرا ً أو يكون خفي الدللة‪.‬‬
‫وقد تكون الدللة محتملة للوجهين كحديث‪)) :‬من كان يؤمن بالله واليوم‬
‫الخر فل يصلين العصر إل في بني قريظة((‪ ،‬وهو في الصحيحين‪ ،‬قال ابن‬
‫تيمية‪" :‬بعضهم تمسك بعموم الخطاب فجعلوا صورة الفوات داخلة في‬
‫العموم‪ ،‬والخرون كان معهم من الدليل ما يوجب خروج هذه الصورة عن‬
‫العموم‪ ،‬فإن المقصود المبادرة إلى الذين حاصرهم النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم")]‪.([29‬‬
‫)هـ( اختلف بسبب تعارضها‪ ،‬والمعلوم أنه ل تعارض بين النصوص في أصلها‪،‬‬
‫وإنما التعارض ينشأ بنظر المجتهد في النصوص‪ ،‬وقد وقع خلف بين العلماء‬
‫عند ورود نصوص ظاهرها التعارض‪.‬‬
‫فذهب الجمهور)]‪ ([30‬مذهب الجمع بين النصوص‪ ،‬فهو عندهم أولى من‬
‫الترجيح‪ ،‬وذهب الحنفية)]‪ ([31‬إلى تقديم الترجيح على الجمع وهذا له أثر‬
‫على الفروع‪.‬‬
‫مثال التعارض بين النصوص‪ :‬ما ورد في حديث ابن عمر رضي الله عنهما في‬
‫)رفع اليدين في الصلة( في البخاري‪ ،‬وما عارضه عند الترمذي بإسناد حسن‬
‫أن ابن مسعود رضي الله عنه قال‪" :‬كان صلى الله عليه وسلم ل يرفع يده‬
‫في الصلة‪ ،‬فأخذ الحنفية والمالكية بالثانية والحنابلة والشافعية بالولى‪.‬‬
‫)و( قد يرد النص لعالم ثم ينساه ويعني بخلفه وذلك لن البشر معرض‬
‫للسهو والنسيان‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫مثاله‪ :‬ما ورد عن عمر رضي الله عنه أنه سئل عن الرجل يجنب في السفر‪،‬‬
‫فل يجد الماء؟ فقال‪" :‬ل يصلي حتي يجد الماء" فقال عمار بن ياسر رضي‬
‫الله عنهما‪" :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬أما تذكر إذ كنت أنا وأنت في البل فأجنبنا‬
‫ل فذكرت ذلك للنبي‬ ‫وأما أنا فتمرغت كما تمرغ الدابة‪ ،‬وأما أنت فلم تص ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم فقال‪)) :‬إنما يكفيك هكذا(( وضرب بيديه الرض‪،‬‬
‫فمسح بهما وجهه وكفيه"؛ فقال عمر‪" :‬اتق الله يا عمار"‪ ،‬فقال‪" :‬إن شئت‬
‫لم أحدث به"‪ ،‬فقال‪" :‬بل نوليك من ذلك ما توليت")]‪.([32‬‬
‫ثانيًا‪ :‬اختلف بسبب اللغة‪:‬‬
‫اللغة العربية موضوعة للتخاطب‪ ،‬يعبر بها النسان عما يدور في نفسه من‬
‫معان‪ ،‬يفهمها الخر ففي اللغة هنالك اللفاظ المشتركة وهي "اللفظ الواحد‬
‫الذي يحتمل معاني متعددة"‪.‬‬
‫والمعروف أنه ل يحمل على أحدهما إل بقرينة وقد يختلف الناس في هذه‬
‫القرينة‪.‬‬
‫مثاله قوله تعالى‪) :‬والمطلقات يتربصن لنفسهن ثلثة قروء(‪ ،‬فالقرء يطلق‬
‫ويراد به الطهر‪ ،‬ويطلق ويراد به الحيض‪.‬‬
‫فحمله بعض العلماء)]‪ ([33‬على معني الطهر لقرينة تأنيث العدد )ثلثة(‪ ،‬فلو‬
‫ذكر مذكرًا‪ ،‬وحمله على الحيض مستدلين بحديث‪:‬‬ ‫كان المراد الحيض ل ُ‬
‫))طلق المة سنتان‪ ،‬وعدتها حيضتان((‪ ،‬وهذا يدل على أن المعتبر في العدد‬
‫الحيض ل الطهر‪.‬‬
‫وكذا قد يستعمل اللفظ وفي غير ما وضع له لقرينة مانعة من إرادة المعنى‬
‫الصلي وهو المعروف بالمجاز وغير ذلك‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬خلف بسبب القواعد الصولية‪:‬‬
‫والمراد بذلك القواعد الصولية القواعد التي نصبها العلماء لضبط الستدلل‬
‫والستنباط‪ ،‬وتسهيل الوصول إلى الحكام الشرعية‪ ،‬وهذه القواعد وقع فيها‬
‫خلف بين العلماء تتيح بسببه خلف في الفروع‪.‬‬
‫قال الشقر‪" :‬وهذا الختلف من أهم أسباب الختلف")]‪ ،([34‬ويظهر‬
‫الخلف بسبب القواعد في التي‪:‬‬
‫)أ( الخلف في أصل التأليف فيها‪ ،‬وطريقة التأليف عند جمهور المتكلمين‬
‫تختلف عن طريقة الحنفية‪ ،‬فالجمهور قعدوا القواعد بالنظر إلى النصوص‬
‫دون النظر إلى اجتهادات العلماء‪ ،‬وهي المعروفة بالطريقة النظرية‪ .‬أما‬
‫الحنفية فقّعدوا القواعد بالنظر إلى اجتهادات علماءهم وهي الطريقة‬
‫العملية‪ ،‬ول شك أن ذلك يدفع إلى الخلف في بعض المسائل‪.‬‬
‫)ب( الخلف في ضبط بعض القواعد‪ :‬فبعض العلماء بتوسع في القاعدة بغير‬
‫ضوابط‪ ،‬فيقع بسبب ذلك خلل في المحتوى ومخالفة للخرين‪ ،‬كالخلف في‬
‫قاعدة )الدليل إذا تطرق إليه الحتمال بطل به الستدلل( فليس كل احتمال‬
‫يبطل الدليل بل الحتمال الصحيح‪.‬‬
‫وكالتأويل الذي ُتصرف به النصوص عن ظاهرها وليس كل تأويل‪ ،‬كما فعل‬
‫الحنفية في الشاة والكفارة واليمين وغيرها وصرف المرأة في حديث‪)) :‬إيما‬
‫امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل(()]‪ ([35‬فقالوا المراد بها‬
‫المة‪ ،‬ولما ردوا عليهم بقوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث‪)) :‬ولها‬
‫المهر بما استحل من فرجها((‪ ،‬أن المهر ل يكون للمة عندهم عدلوا إلى‬
‫المكاتبة‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)ج( وقد وقع الخلف بسبب اختلف العلماء في بعض القواعد كقاعدة )المر‬
‫بعد الحظر(‪) ،‬أو دللة العام على الحكام(‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫)د( الختلف في حجية المصادر‪ :‬كالحتجاج بالقياس بين الجمهور والظاهرية‪،‬‬
‫والمصالح المرسلة‪ ،‬وشرع من قبلنا‪ ،‬والستحسان وسد الزرائع‪ ،‬وغير ذلك‬
‫مما يؤدي إلى اختلف في الفروع‪ .‬هذه جملة من السباب التي أدت إلى‬
‫وقوع الخلف بين الفقهاء فيما سبق)]‪.([36‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬أثر خلف الفقهاء على العاملين في الدعوة‬
‫ول ينكر أحد ول يخفى على صاحب أدنى بصيرة أن ما وقع من خلف سابق‬
‫كان له الثر المباشر على خلف العاملين‪ ،‬خاصة وقد اجتمع على عدة‬
‫أسباب عمقت الخلف ورفعت عجلته‪ ،‬وفي هذا المبحث نذكر بعض الثار‬
‫اليجابية والثار السلبية وبعض السباب التي عمقت الخلف بين العاملين‪.‬‬
‫يقول العلواني‪" :‬ومن المسلم به أن أسباب الختلف تتباين بين العصار‪،‬‬
‫وأن كل عصر يورث العصار التالية بعض أسبابه")]‪.([37‬‬
‫فإليك بعض هذه الثار‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬آثار إيجابية‪:‬‬
‫هناك جملة من الثار اليجابية للخلف على العاملين في حقل الدعوة نذكر‬
‫منها ما يلي‪ :‬التدقيق والتحرير للمسائل والبحث والتنقيب‪ ،‬والتصحيح‬
‫والتضعيف وظهور العلم لن الخلف يبعث المتنازعين إلى تقوية أدلتهم‬
‫وضبط مسائلهم‪ ،‬فكثير من هؤلء تبين لهم بالبحث الحق فاتبعوه وارتفع‬
‫الخلف‪ ،‬وهذا المشاهد في الواقع هذه اليام حيث تشهد رجوع عدد من‬
‫الشيعة إلى السنة وعدد من المبتدعة إلى الحق خاصة أهل العلم المخلصين‪.‬‬
‫ونشطت الحركة العلمية في وسط المجتمع‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ضبط الخلف بقواعد متينة كان له الثر في تضييق دائرة الخلف‪،‬‬
‫فالفقهاء رحمهم الله لما اختلفوا‪ ،‬ما تركوا الخلف هكذا‪ ،‬إنما ضبطوه بقواعد‬
‫لئل يؤثر على المسلمين فيما بعد‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫)أ( قاعدة‪ :‬حكم المام يرفع الخلف‪ :‬وهذه القاعدة نص عليها القرافي)]‬
‫‪ ،([38‬وقال‪" :‬لو لم يرفع المام الخلف لما استقرت الحكام‪ ،‬ولبقيت‬
‫الخصومات‪ ،‬وذلك يوجب التشاجر والتنازع وانتشار الفساد‪ ،‬وهذه تنافي‬
‫الحكمة التي لجلها نصب الحكام")]‪.([39‬‬
‫فمن إيجابيات الخلف السابق هذه القاعدة التي حسمت كثيرا ً من المسائل‬
‫الخلفية التي يختار فيها الحاكم قول ً يكون ملزما ً للجميع خاصة في الخلف‬
‫السابق ذكره‪.‬‬
‫)ب( قاعدة‪ :‬الخروج من الخلف مستحب‪ :‬ذكرها السيوطي)]‪ ،([40‬قال‬
‫العلماء‪" :‬إن أفضلية الخروج من الخلف ليست بثبوت سنة خاصة فيه‪ ،‬بل‬
‫لعموم الحتياط للدين‪ ،‬وهو مطلوب شرعا ً مطلقًا‪ ،‬فكان القول بأن الخروج‬
‫من الخلف أفضل ثابت من جهة العموم واعتماده من الورع المطلوب‬
‫شرعا")]‪.([41‬‬
‫ً‬
‫فكلما وجد العالم سبيل للخروج من الخلف كان أفضل من التوسع فيه‪،‬‬
‫كاجتناب استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة مع وجود الساتر‬
‫خروجا ً من القول بالجواز والعدم‪.‬‬
‫)ج( قاعدة‪ :‬ل ينكر المختلف فيه‪ :‬وهي قاعدة جليلة ذكرها عدد من العلماء‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ونصوا عليها‪ ،‬وذلك رفعا ً للخلف من بين علماء المة‪ ،‬وقد أثرت هذه القاعدة‬
‫في تضييق دائرة الشقة‪ ،‬وضبطت أعظم أمر يمكن أن يقع الخلف بسببه‬
‫وهو إنكار المنكر‪.‬‬
‫)د( كل القواعد السابقة تم فيها تحديد الخلف وذكر شروط مراعاته لئل يفتح‬
‫الباب على مصراعيه يقول السيوطي‪" :‬ولمراعاة الخلف شروط‪ ،‬أحدها‪ :‬أل‬
‫يوقع مراعاته في خلف آخر‪ ،‬ومن ثم كان فصل الوتر أفضل من وصله ولم‬
‫يراع خلف أبي حنيفة لن من العلماء أصل ً من يجيز الوصل‪ ،‬الثاني‪ :‬أل‬
‫يخالف سنة ثابتة وهو واضح‪ ،‬الثالث‪ :‬أن يقوى مدركه بحيث ل ُيعد ّ هفوة‪،‬‬
‫ومن ثم كان الصوم في السفر أفضل لمن قوي عليه")]‪.([42‬‬
‫)هـ( قاعدة ) التصويب والتخطئة( هذه القاعدة في الخلف كانت ضابطة‬
‫ومقيدة وأثرت كثيرا ً على العاملين في الدعوة إلى الله تعالى‪ ،‬إيجابا ً وسلبا‪ً،‬‬
‫إيجابا ً لمن فهمها وسلبا ً على من جهلها‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية‪" :‬ينقسم الخلف في الصل إلى قسمين‪:‬‬
‫الول‪ :‬اختلف تنوع وهو على وجوه‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫)أ( ما يكون كل واحد من القولين أو الفعلين حقا مشروعا‪ ،‬كما في القراءات‬
‫التي اختلف فيها الصحابة حتي زجرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫بقوله‪)) :‬كلكما محسن(()]‪ ،([43‬وكالختلف في وجوه الذان والقامة‪.‬‬
‫)ب( ومنه ما يكون كل من القولين هو معنى القول الخر لكن العبارتين‬
‫مختلفتان‪ ،‬كاختلف الناس في ألفاظ الحدود وصيغ الدلة‪ ،‬ثم الجهل أو الظلم‬
‫يحمل على حمد إحدى المقالتين وذم الخرى‪.‬‬
‫)ج( منه ما يكون المعنيان غيرين لكن ل يتنافيان فهذا صحيح وهذا صحيح كما‬
‫في حديث بني قريظة المذكور آنفًا‪.‬‬
‫)د( ومنه ما يكون طريقتان مشروعتان‪ ،‬ولرجل أو قوم قد سلكوا هذه‬
‫الطريق‪ ،‬وآخرون قد سلكوا الخري وكلهما حسن في الدين‪ ،‬ثم الجهل أو‬
‫الظلم يحمل على ذم أحدهما‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬اختلف التضاد فهو القولن المتنافيان‪ ،‬إما في الصول وإما في‬
‫الفروع")]‪.([44‬‬
‫وبعد التقسيم قال ابن تيمية‪" :‬القسم الذي أسميناه اختلف التنوع كل واحد‬
‫من المختلفين مصيب بل تردد‪ ،‬ولكن الذم الواقع على من بغى على الخر‬
‫فيه‪ ،‬وقد دل القرآن على حمد الطائفتين إذا لم يحصل بغي‪ ،‬قال تعالى‪) :‬ما‬
‫قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله()]‪ ،([45‬وكانوا قد‬
‫اختلفوا في قطع الشجار فقطع قوم وترك آخرون‪ ،‬أما اختلف التضاد‬
‫فالمصيب واحد ومن قال من العلماء‪ :‬كل مجتهد مصيب فعنده هو من‬
‫اختلف التنوع")]‪.([46‬‬
‫وقد أثرت هذه المسألة وسابقتها على العاملين ما يلي‪:‬‬
‫)‪ (1‬ظهور التيارات السلمية العلمية التي كان لها الثر القوي على‬
‫المجتمعات كما في الجزائر والسودان‪.‬‬
‫)‪ (2‬حصول التعاون المثمر بعض الشئ بين الجماعات السلمية والذي ظهر‬
‫في شكل برامج مشتركة كما في السعودية فترة من الزمن وباكستان‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫)‪ (3‬إثراء الساحة الفكرية والعلمية والتصدي للفكار الهدامة والراء‬
‫المنحرفة كوحدة الديان وجبهة المؤمنين والحزب البراهيمي وغيرها‪.‬‬
‫)‪ (4‬دعم حركات الجهاد المعاصرة وتأييدها والدعوة لها بالنصر والتمكين‪ ،‬كما‬
‫في الفلبين والشيشان والبوسنة وأفغانستان وغيرها‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلي غير ذلك من الثمار الطيبة والتي نرجو أن تزداد وتزدهر‪.‬‬


‫ثانيًا‪ :‬آثار سلبية‪:‬‬
‫كما أن لللختلف آثارا ً إيجابية لكن آثاره السلبية أعظم وأكبر كما هو مشاهد‬
‫في ساحات العمل الدعوي وبين الدعاة إلى الله تعالى‪ ،‬حتى أصبحوا أيدي‬
‫سبأ‪ ،‬وذهبت ريحهم وتفرقت كلمتهم وتنازعوا في أمرهم وضعفت شوكتهم‬
‫وصاروا كما قال الله تعالى‪) :‬كل حزب بما لديهم فرحون(‪ ،‬والله المستعان‪.‬‬
‫ومن أعظم هذه الثار ما يلي‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫)‪ (1‬الحتجاج بالخلف ذريعة في محل الختلف‪ :‬فكثير من الناس يجعل‬


‫الخلف ذريعة لتضييع الحق بقوله‪ :‬هذه مسألة خلفية‪ ،‬وأحيانا ً الستدلل‬
‫بالقواعد السابقة بغير ضابط كقاعدة )الخروج من الخلف مستحب(‪ ،‬وغيرها‬
‫فيكون الخلف حجة عند كثير من العاملين في حقل الدعوة‪ ،‬وخطر هذا‬
‫القول يظهر في عدة أمور‪:‬‬
‫)أ( الزهد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وعدم اتباع الدليل في محل‬
‫الخلف‪ ،‬مما يجعل العمل الدعوي يقوم بعيدا ً عن مصدر الهداية المبارك‪.‬‬
‫)ب( تمييع الحكام الشرعية الذي ينعكس على الفكر السلمي‪.‬‬
‫)ج( ضياع الحق مع هذه المقولة سواء في العبادات أو المعاملت والخطر‬
‫الكبر وصلت إلى الصول التي ل تقبل خلفا ً ول تحتمله‪.‬‬
‫)د( البحث عن شواذ المسائل وشواردها لتبرير الخطاء‪.‬‬
‫)‪ (2‬التعصب الذي حدث في بعض المذاهب الفقهية أثر سلبا ً على بعض‬
‫اجتهادات العاملين في الدعوة‪ ،‬كل عامل يرجو من طلبه التعصب لرأيه وأن‬
‫يكون قوله هو الفضل وهو المر الناهي‪ ،‬مما جعل بعض الناس يدعي‬
‫العصمة لهم كما أورث التعصب الجماعي والحزبي‪ ،‬وجدير بالتعصب أن يكون‬
‫للحق ل للشخاص و التنظيمات؛ فلو كان كذلك لرأيت التعاون والتكاليف‬
‫والتآلف بين العاملين بمختلف أحزابهم وتنظيماتهم‪.‬‬
‫قال الغزالي‪" :‬إن طالب الحق كناشد ضالة ل يفرق بين أن تظهر الضالة‬
‫على يده أو على يد من يعاونه ويري رفيقة معينا ً ل خصمًا‪ ،‬ويشكره إذا عرفه‬
‫الخطأ أو أظهر له الحق")]‪.([47‬‬
‫ً‬
‫وقال الشافعي‪" :‬ما ناظرت أحدا قط فأحببت أن يخطئ")]‪.([48‬‬
‫وقال‪" :‬ما كلمت أحدا ً قط إل أحببت أن يوفق ويسدد ويعان‪ ،‬وما كلمت أحدا ً‬
‫قط إل ولم أبال بّين الله الحق على لساني أو لسانه")]‪.([49‬‬
‫قال الشنقيطي‪" :‬إننا ننظر إلى ذات القول ل إلى قائله؛ لن كل كلم فيه‬
‫مقبول ومردود إل كلمه صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن الحق حق ولو كان‬
‫قائله حقيرًا")]‪.([50‬‬
‫قال الصويان‪" :‬قد كان التعصب في التاريخ السلمي يتلبس بلباس المذهبية‬
‫الفقهية‪ ،‬فأصبح في عصرنا الحاضر يتلبس بلباس الحزبية‪ ،‬التي درج عليها‬
‫بعض العاملين في السلم وهي معول هدم يقتل البداع ويعطل عقل‬
‫النسان")]‪.([51‬‬
‫والخطر في التعصب أنه يدفع الحق إن جاء من عند غيره‪ ،‬ذكروا أن رجل ً‬
‫استدل عليه خصمه بدللة صحيحة فكان جوابه أن هذه دللة فاسدة ووجه‬
‫فسادها أن شيخي لم يذكرها وما لم يذكرها الشيخ ل خير فيه)]‪.([52‬‬
‫)‪ (3‬من الثار السلبية ـــ لختلف الفقهاء على العاملين في الدعوة‪ ،‬وهو‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫متفرع عن سابقه ــ ظهور الغلو والتنطع ومحاوزة الحد في العبادة‪ ،‬بل قد‬
‫يصل بعضهم إلى درجة يخرج إخوانه من الملة والعياذ بالله وبالتالي يهدر‬
‫دمه‪.‬‬
‫وقد نهت الشريعة عن الغلو قال تعالى‪) :‬يا أهل الكتاب ل تغلو في دينكم()]‬
‫‪.([53‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪)) :‬هلك المتنطعون(()]‪.([54‬‬
‫وظهور الغلو يدل على غياب الميزان الشرعي‪ ،‬فالذي يحمل الناس على‬
‫العزائم في مقام الرخص ل يعرف قيمة الشرع‪ ،‬والذي يزيد على ما أمر به‬
‫الشرع جاهل بمقاصده‪ ،‬غير ملتزم بتشريعه والصل في العبادات التوقف‪.‬‬
‫)‪ (4‬ومن آثار الختلف ظهور الفهم العقلني المحض‪ ،‬وذلك بتقديم المعقول‬
‫على المنقول‪.‬‬
‫قال الشهرستاني‪" :‬إن أول شبهة وقعت في الخليقة شبهة إبليس لعنة الله‪،‬‬
‫مصدرها استبداده بالرأي في مقابلة النص واختياره الهوى في معارضة المر‬
‫شَعب‬ ‫واستكباره بالمادة التي خلق منها وانشعبت من هذه الشبهة سبع ُ‬
‫وسارت في الخليقة وسرت في أذهان الناس حتى صارت مذاهب بدع‬
‫وضللة")]‪.([55‬‬
‫فالفكر العقلني ل يدعو إلى فهم النصوص عند الستدلل بها‪ ،‬وإنما يدعو إلى‬
‫إعمال العقل في مقام النص‪ ،‬فتضيع النصوص ويتعبد الناس بالعقول ول شك‬
‫أنه الضياع والهلك‪ .‬وكما هو مقرر عند العلماء العقل الصحيح ل يعارض‬
‫النقل الصريح لذلك يقول الله تعالى‪) :‬فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله‬
‫والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الخر()]‪.([56‬‬
‫فإذا صادم عقلك نصا ً صريحا ً فاتهم عقلك ول تتهم النص و ل تبطله‪.‬‬
‫قال سهل بن حنيف‪" :‬يا أيها الناس‪ ،‬اتهموا رأيكم على دينكم ـ لقد رأيتني‬
‫يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫لرددته")]‪.([57‬‬
‫بل وانتشرت مقولة )هذا نصي( )هذا حرفي( مما غّيب عن الناس الفهم‬
‫مق الخلف وسببه المباشر الذي يستند إليه هو الخلف السابق‪.‬‬ ‫الصحيح وع ّ‬
‫ً‬
‫)‪ (5‬النشقاقات في صفوف الجماعات‪ ،‬فالختلف في الراء بدل من أن‬
‫يكون مجال ً خصبًا‪ ،‬وللتناصح ورد ّ المتنازع فيه إلى الشرع أصبح سببا ً في‬
‫النشقاقات‪ ،‬وتكونت بسببه خليا سرطانية تخرج منها في كل يوم مجموعة‬
‫تسمى نفسها اسما ً جديدا ً حاملة معها حججا ً وبراهين تدافع بها عن خروجها‪،‬‬
‫وبعد فترة هي نفسها تفر من التشبيه وتقع في التعطيل وتنقسم على نفسها‬
‫وهكذا‪.‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬أسباب عمق الخلف بين العاملين‪:‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫رغم آثار خلف الفقهاء على العاملين في حقل الدعوة‪ ،‬اجتمعت عدة‬
‫أسباب‪ ،‬عمقت الخلف وجعلت من الصعوبة بمكان القضاء عليه ومن هذه‬
‫السباب‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬قلة الضبط وتحرير المسائل وتحديد محل النزاع‪:‬‬
‫وهو الذي أثمر الفوضى الفقهية‪ ،‬وفتح الباب على مصراعيه لكل إنسان‪،‬‬
‫فالضبط يقدم المعلومة الصحيحة التي تطمئن إليها النفس‪ .‬فكثير من‬
‫الخلف المعاصر سببه عدم الضبط وتحرير المسائل‪ .‬فإن النوازل التي تفرق‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المة‪ ،‬ل يقضى فيها دون بحث أو تنقيب وإل كانت وبال ً عليها ول تترك للهواء‬
‫والغراض الشخصية والحزبية‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬غياب الستعمال الصحيح للمصطلحات والقواعد‪:‬‬
‫والمراد بالصطلح أنواعه الثلثة الصطلح اللغوي والعرفي والشرعي‪ ،‬وأيها‬
‫يقدم عند إطلق اللفظ خاصة المصطلح الشرعي‪ ،‬وكذا القواعد خاصة قواعد‬
‫التعامل مع النصوص والتعامل مع الخلف المذكور سابقًا‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬عدم سلمة صدر العاملين وغلبة الهوى على النفس‪:‬‬
‫قال تعالى‪) :‬أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم()]‪.([58‬‬
‫فالهوى داء خطير يعمي البصر فل يرى حقا ً إل ما وافق هواه‪.‬‬
‫قال الجهني‪" :‬الخطاب السلمي يجب أن يتوجه من نبذ الخلف إلى نبذ‬
‫الهوى في الخلف أو خلف الهوى‪ ،‬وهذا بدوره سوف يؤدي إلى توسيع دائرة‬
‫المتفق عليه على حساب دائرة المختلف فيه")]‪.([59‬‬
‫وقال‪" :‬ويبقى الجهل والهوى هو المحضن الخبيث لتفريخ بيض الخلف في‬
‫القوال‪ :‬اعتدادا ً وغرورًا‪ ،‬وخوضا ً في العراض‪ ،‬وتماديا ً في العراض‪ ،‬وفي‬
‫العمال‪ :‬هجرا ً وصدودًا‪ ،‬وإيقافا ً لعجلة الخير ودفعا ً لعجلة الشر")]‪.([60‬‬
‫المطلب السادس‪ :‬حلول عاجلة‬
‫ل يمكن بأي حال القضاء على الخلف مطلقًا‪ ،‬ول يمكن التسليم له مطلقًا‪،‬‬
‫بل ل بد من تدارك هذه الثار السالبة‪ ،‬وهذا الواقع المخيف بإيجاد حلول‬
‫شرعية عاجلة بها يندمل الجرح‪ ،‬ويقوى العود ويشتد الساعد ومن هذه‬
‫الحلول‪:‬‬
‫ل‪ :‬تصحيح بعض المفاهيم السائدة التي إن لم تفهم على حقيقتها ل يستقيم‬ ‫أو ً‬
‫للمة أمر‪ ،‬ومن هذه المفاهيم‪:‬‬
‫)أ( مفهوم التعاون‪:‬‬
‫لنه أمر رباني كما قال تعالى‪) :‬وتعاونوا على البر والتقوى ول تعاونوا على‬
‫الثم والعدوان()]‪.([61‬‬
‫وقد اختلف مفهوم التعاون وأصبح ضيقا ً ل يحقق الفائدة العامة إل نادرا‪ً.‬‬
‫قال السندي‪" :‬ل يعرف الناس إل حالتين‪ ،‬أما التعاون الشامل والوحدة‬
‫الكاملة أو التنازع والخصومة والمواجهة‪ ،‬وهذا التصور صورة من صور الجهل‬
‫وضيق النظر وغياب الحكمة وقلة المعرفة بقواعد الشريعة وأحكامها")]‬
‫‪.([62‬‬
‫وقد يحتج بعض الناس بعدم التعاون مع الخرين بحجة أن فيه بدعة أو‬
‫مخالفة شرعية أو مفهوم خاطيء‪ ،‬بل الصحيح أن يتعاون الناس في المتفق‬
‫عليه‪ ،‬وأن يتناصحوا في المختلف فيه‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪" :‬فإذا تعذر إقامة الواجبات من العلم والجهاد وغير ذلك إل‬
‫بمن فيه بدعة مع تركها ترك ذلك الواجب كان تحصيل مصلحة الواجب مع‬
‫مفسدة مرجوحة معه خيرا ً من العكس‪ ،‬ولهذا كان الكلم في هذه المسائل‬
‫فيه تفصيل")]‪.([63‬‬
‫وقال الجهني‪" :‬إن كل خلف في التنظير يجب أن يتحول إلى خلف في‬
‫التطبيق‪ ،‬مساحة التنظير أوسع من مساحة التطبيق‪ ،‬ومرونة الراء أرحب‬
‫من مرونة الداء‪ ،‬وتبقى قضايا التنوع والراجح والمرجوح والفاضل والمفضول‬
‫والحسن والحسن أيسر من أن تترجم إلى مفاصلة عملية بين جزئين‬
‫متضادين‪ ،‬فالتطاوع في العمال ل يعني التطابق في الذهان‪ ،‬وإل لما نيل‬
‫التطاوع وإن طال الزمان")]‪.([64‬‬
‫)‪ (2‬مفهوم موالة المسلم‪:‬‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا من المفاهيم التي يحب أن تصحح عند المسلمين‪ ،‬وهو أساس للفهم‬
‫السابق‪ ،‬وذلك لن الموالة لم تُعد في الله وإنما في التنظيمات والحزاب‬
‫والجماعات‪ ،‬وأن المسلم أصبح إما أن يوالي جملة أو يعادي جملة‪ ،‬وهو‬
‫المفهوم الذي جعل الشقاق بين المة سمة ظاهرة‪.‬‬
‫س الحاجة إلى من يعيدهم إلى العمل‬‫يقول البدري‪" :‬أن المسلمين في أم ّ‬
‫بروح المة‪ ،‬وقيم الولء للفكرة السلمية‪ ،‬والبعد عن العصبيات والطراف‬
‫الحزبية‪ ،‬والتي هي في حقيقة أمرها مقابر تدفن فيها أشلء المة السلمية‬
‫بعد أن قتلتها الفرقة")]‪.([65‬‬
‫والمفهوم الصحيح في الولء أن المسلم يوالي بقدر ما فيه من الطاعة‪،‬‬
‫ويعادي بقدر ما فيه من المعصية ل يوالي جملة وليعادي جملة‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪" :‬إذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر وفجور وطاعة‪،‬‬
‫ومعصية وسنة وبدعة‪ ،‬استحق من الموالة والثواب بقدر ما فيه من الخير‪،‬‬
‫واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر‪ ،‬فتجتمع في‬
‫الشخص الواحد موجبات الكرام والهانة‪ ،‬مجتمع له من هذا وهذا‪ ،‬وهذا هو‬
‫الصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة")]‪.([66‬‬
‫ول شك أن كل مسلم يخطئ‪ ،‬وليس هناك جماعة مبرأة من كل عيب‪ ،‬فلو‬
‫أننا فهمنا هذا المنهج الصحيح وعملنا به؛ لرأيت المسلمين يتوالون في الخير‬
‫ويجتمعون‪ ،‬عليه والدين كله خير وإنما الخطأ في الفهم وبعض الممارسات‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫وكان علماء المة في سابق عهدها على هذا المنهج‪ ،‬ول أدل على ذلك مما‬
‫قاله الذهبي في الميزان عندما ترجم البان الكوفي‪" :‬شيعي جلد‪ ،‬ولكنه‬
‫صدوق‪ ،‬فلنا صدقه وعليه تشيعه")]‪ ،([67‬مع العلم أنه من رجال البخاري‪.‬‬
‫)‪ (3‬مفهوم العلقة بين المر الكوني والقدري‪:‬‬
‫معلوم أن الله قال‪) :‬ول يزالون مختلفين()]‪ ، ([68‬وأخبر نبينا صلى الله عليه‬
‫وسلم أن أمته ستفرق إلى ثلث وسبعين فرقة)]‪ ،([69‬فهذا أمر قدري كوني‬
‫نسلم به ونصدق بوقوعه‪ ،‬ولكن أمرت الشريعة بالتفاق وعدم الفرقة فقال‬
‫تعالى‪) :‬واعتصموا بحبل الله جميعا ً ول تفرقوا()]‪.([70‬‬
‫وقال تعالى‪) :‬ول تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات()]‬
‫‪ ،([71‬وهذا أمر شرعي والمة مطالبة بالمر الشرعي ل الكوني‪ ،‬فل يجوز‬
‫أن نقول بأن الختلف واقع ول فرار منه ونسلم لذلك‪ ،‬والتسليم بهذه‬
‫الحقيقة ل يعني التسليم لها‪ ،‬وهو عين مذهب الجبرية الذين احتجوا بالقدر‬
‫على معاصيهم‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪" :‬والمعلوم أن الله تعالى أرسل الرسل وأنزل الكتب لتصدق‬
‫الرسل فيما أخبرت‪ ،‬وتطاع فيما أمرت‪ ،‬كما قال تعالى‪) :‬وما أرسلنا من‬
‫رسول إل ليطاع بإذن الله(‪ ،‬واليمان بالقدر من تمام ذلك فمن أثبت القدر‬
‫وجعل ذلك معارضا ً للمر فقد أذهب الصل")]‪ .([72‬فل بد من تصحيح هذا‬
‫الفهم لنخرج من نفق الخلف‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬من الحلول العاجلة إيجاد وحدة عملية أصولها الكتاب والسنة بين‬
‫العاملين في حقل الدعوى وذلك بالتي‪:‬‬
‫)‪ (1‬رد المتنازع فيه إلى الكتاب والسنة‪ :‬لقول الله عز وجل‪) :‬يا أيها الذين‬
‫أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي المر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه‬
‫إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الخر ذلك خير وأحسن تأوي ً‬
‫ل(‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)]‪ ،([73‬والرد إلى الله هو الرد إلى الكتاب‪ ،‬والرد إلى الرسول الرد إلى‬
‫سنته)]‪.([74‬‬
‫فإن المة السلمية تفخر بأن مصدر هدايتها موجود لم يعتريه تبديل ول‬
‫فت حوله لحققت خيرا ً عظيما ً ودفعت شرا ً مستطيرًا‪.‬‬ ‫تحريف‪ ،‬ولو أنها الت ّ‬
‫)‪ (2‬تعظيم الوحي المبارك القرآن والسنة‪ ،‬حتي تكون ل هيبة عند الناس‪.‬‬
‫وقد أخرج الترمذي عن أبي السائب قال‪ :‬كنا عند وكيع فقال لرجل ممن‬
‫ينظر في الرأي‪:‬أشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقول‪ :‬قال أبو‬
‫حنيفة‪ ،‬أهو مثلة؟ قال الرجل فإنه قد روي عن إبراهيم النخعي أنه قال‪:‬‬
‫"الشعار مثلة"‪ ،‬قال رأيت وكيعا ً غضب غضبا ً وقال‪ :‬أقول لك قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم وتقول قال إبراهيم ما أحقك أن تحبس! ثم ل تخرج‬
‫حتي تنزع عن قولك")]‪.([75‬‬
‫وقال ابن عباس رضي الله عنه‪" :‬يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء‪،‬‬
‫أقول لكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تقولون قال أبو بكر‬
‫وعمر")]‪.([76‬‬
‫)‪ (3‬تضييق دائرة الخلف بتحرير محل النزاع‪ :‬ويفسح المجال للعمل بالقواعد‬
‫الخاصة بضبط الخلف كقاعدة )الخروج من الخلف مستحب(‪) ،‬وحكم المام‬
‫يرفع الخلف(‪) ،‬والنكار في مسائل الخلف(‪ ،‬وتحديد أنواع الخلف السائغ‬
‫والممنوع وتحديد شروط الخلف‪ ،‬وكيفية الخروج منه إلى غير ذلك‪.‬‬
‫قال الوهيبي‪) :‬ليس المطلوب إزالة الخلف أو إلغاؤه‪ ،‬فذلك غير ممكن‪،‬‬
‫وإنما المطلوب فقط التقليل من دائرته والتعايش السوي السليم معه( )]‬
‫‪.([77‬‬
‫ثالثًا‪ :‬قيام التناصح المشروع بين العاملين في حقل الدعوة بشروطها‪،‬‬
‫ليحصل التفاق‪ ،‬قال جرير بن عبد الله البجلي‪" :‬بايعنا رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم على إقام الصلة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم"‪.‬‬
‫فالمؤمن مرآة أخيه‪ ،‬يعكس له عيوبه‪ ،‬و يبدي له ما خفي عليه‪ ،‬فكلنا ذوو‬
‫خطأ‪.‬‬
‫وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل بهذه المبدأ‪ ،‬فجمع الناس‬
‫على كلمة سواء‪ ،‬من ذلك لما نزل قول الله تعالى‪) :‬الذين آمنوا ولم يلبسوا‬
‫إيمانهم بظلم أولئك لهم المن وهم مهتدون()]‪ ،([78‬قال الصحابة‪ :‬وأينا لم‬
‫يظلم نفسه؟ فقال صلى الله عليه وسلم‪)) :‬ليس الذي تعنون‪ ،‬ألم تسمعوا‬
‫ما قال العبد الصالح‪ :‬إن الشرك لظلم عظيم()]‪ ،([79‬إنما هو الشرك(()]‬
‫‪.([80‬‬
‫فبّين لهم صلى الله عليه وسلم المراد‪ ،‬ولو أن الناس تعاهد بعضهم بعضا ً‬
‫بالبيان كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لستقام الناس على الخير‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬نشر آداب الختلف وأخلقه من الورع والبعد عن الهوى والتعصب‬
‫والسباب واحتقار الخرين والحرص على انتقاء أطايب الحديث كما ينتقي‬
‫أطايب الثمر‪ ،‬واحترام الخرين‪.‬‬
‫ً‬
‫ذكر القاضي عياضي في المدارك‪" :‬قال الليث بن سعد لقيت مالكا في‬
‫المدينة‪ ،‬فقلت له‪ :‬إني أراك تمسح العرق عن جبينك قال‪ :‬عرقت مع أبي‬
‫حنيفة‪ ،‬أنه لفقيه يا مصري‪ ،‬قال الليث‪ :‬ثم لقيت أبا حنيفة فقلت له‪ :‬ما‬
‫أحسن قول هذا الرجل فيك يشير إلى مالك‪ ،‬فقال أبو حنيفة‪ :‬ما رأيت أسرع‬
‫منه بجواب صادق ونقد تام")]‪ .([81‬وأمثلة هذا كثير ونظائره جليلة‪.‬‬
‫أسأل الله تعالى أن يوفق المة إلى أحسن الخلق وأكرم الصفات‪ ،‬والله‬
‫المستعان‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)]‪ ([1‬بصائر ذوي التمييز ‪.2/562‬‬


‫)]‪ ([2‬المصباح المنير ص ‪ 179‬فقه الخلف ص ‪.13‬‬
‫)]‪ ([3‬انظر آداب الختلف ص ‪.21‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫)]‪ ([4‬أخرجه أبو داود برقم )‪ ،(4800‬والترمذي برقم )‪.(1993‬‬


‫)]‪ ([5‬أدب الختلف في السلم‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫)]‪ ([6‬مفتاح السعادة ‪ ،2/599‬دار الكتب الحديثة‪.‬‬
‫)]‪ ([7‬سورة الرعد آية )‪.(17‬‬
‫)]‪ ([8‬تفسير ابن كثير ‪.4/81‬‬
‫)]‪ ([9‬أخرجه البخاري ‪ 1/175‬برقم )‪ (79‬مع الفتح )‪ (2‬فتح الباري ‪.1/17‬‬
‫)]‪ ([10‬سورة النبياء ‪78‬ـــ ‪.79‬‬
‫)]‪ ([11‬سورة الحقاف‪.15 :‬‬
‫)]‪ ([12‬سورة لقمان‪.14 :‬‬
‫)]‪ ([13‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الصيام‪.40/111 ،‬‬
‫)]‪ ([14‬سورة هود‪118 :‬ــ ‪.119‬‬
‫)]‪ ([15‬الموافقات في أصول الشريعة ‪.3/764‬‬
‫)]‪ ([16‬سورة يونس‪.32 :‬‬
‫)]‪ ([17‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الصيام‪.‬‬
‫)]‪ ([18‬رفع الملم‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫)]‪ ([19‬سير أعلم النبلء ‪10/16‬ــ ‪.17‬‬
‫)]‪ ([20‬المرجع السابق‪.‬‬
‫)]‪ ([21‬المرجع السابق‪.‬‬
‫)]‪ ([22‬سورة النساء‪.59 :‬‬
‫)]‪ ([23‬مجموع الفتاوى ‪4/72‬ــ ‪.73‬‬
‫)]‪ ([24‬الموافقات في أصول الشريعة ‪.4/186‬‬
‫)]‪ ([25‬سنن النسائي‪.‬‬
‫)]‪ ([26‬أخرجه أحمد في المسند ‪ ،6/380‬وأهل السنن وصححه الترمذي‪.‬‬
‫)]‪ ([27‬رفع الملم‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫)]‪ ([28‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.25‬‬
‫)]‪ ([29‬رفع الملم ص ‪.58‬‬
‫)]‪ ([30‬روضة الناظر لبن قدامة‪.‬‬
‫)]‪ ([31‬كشف السرار‪.‬‬
‫)]‪ ([32‬أخرجه البخاري برقم )‪ 1/455(347‬مع الفتح‪.‬‬
‫)]‪ ([33‬راجع الموطأ ‪ ،2/2577‬التاج الكليل ‪.4/145‬‬
‫)]‪ ([34‬أصول الفقه أبو النور زهير‪.‬‬
‫)]‪ ([35‬أخرجه احمد ابو داود والترمذي وحسنه‪.‬‬
‫)]‪ ([36‬انظر هذه السباب‪ ،‬رفع الملم ص ‪ ،9‬ما بعدها النصاف في بيان‬
‫أسباب الخلف ص ‪ ،4‬وما بعدها‪ ،‬وفقه الختلف ص ‪ ،33‬أدب الختلف في‬
‫السلم ص ‪ 10‬وما بعدها‪.‬‬
‫)]‪ ([37‬أدب الختلف في السلم ص ‪.150‬‬
‫)]‪ ([38‬الفروض للقرافي ‪.2/103‬‬
‫)]‪ ([39‬المرجع السابق ‪.2/104‬‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)]‪ ([40‬الشباه والنظائر‪ ،‬ص ‪.136‬‬


‫)]‪ ([41‬المرجع السابق‪.‬‬
‫)]‪ ([42‬الشباه و النظائر ص ‪.137‬‬
‫)]‪ ([43‬أخرجه البخاري برقم )‪ (2410‬مع فتح الباري‪.‬‬
‫)]‪ ([44‬اقتضاء الصراط المستقيم ‪1/149‬ــ ‪.151‬‬
‫)]‪ ([45‬سورة الحشر ‪.5‬‬
‫)]‪ ([46‬انظر اقتضاء الصراط المستقيم ‪.1/152‬‬
‫)]‪ ([47‬إحياء علوم الدين للغزالي ‪.1/57‬‬
‫)]‪ ([48‬مناقب الشافعي للرازي ص ‪.360‬‬
‫)]‪ ([49‬الفقيه والمتفقه ‪.2/26‬‬
‫)]‪ ([50‬أضواء البيان‪.‬‬
‫)]‪ ([51‬أصول الحوار ص ‪.47‬‬
‫)]‪ ([52‬أدب الدنيا والدين ص ‪.78‬‬
‫)]‪ ([53‬آية سورة المائدة‪.‬‬
‫)]‪ ([54‬أخرجه مسلم رقم )‪.(2670‬‬
‫)]‪ ([55‬الملل والنحل ‪.1/16‬‬
‫)]‪ ([56‬سورة النساء‪.59 :‬‬
‫)]‪ ([57‬أخرجه البخاري مع الفتح ‪.13/289‬‬
‫)]‪ ([58‬سورة الجاثية‪.23 :‬‬
‫)]‪ ([59‬مجلة البيان العدد )‪ (157‬الصفحة )‪.(143‬‬
‫)]‪ ([60‬المرجع السابق‪.‬‬
‫)]‪ ([61‬سورة المائدة‪.2 :‬‬
‫)]‪ ([62‬مجلة البيان العدد )‪ (116‬صفحة )‪.(18‬‬
‫)]‪ ([63‬مجموع الفتاوي ‪.28/212‬‬
‫)]‪ ([64‬البيان العدد )‪ (157‬الصفحة )‪.(143‬‬
‫)]‪ ([65‬البيان العدد )‪ (83‬صفحة )‪.(39‬‬
‫)]‪ ([66‬مجموع الفتاوى ‪.27/209‬‬
‫)]‪ ([67‬ميزان العتدال ‪.1‬‬
‫)]‪ ([68‬سورة هود‪.118 :‬‬
‫)]‪ ([69‬أخرجه الترمذي‪.‬‬
‫)]‪ ([70‬سورة آل عمران‪.103 :‬‬
‫)]‪ ([71‬سورة آل عمران‪.105 :‬‬
‫)]‪ ([72‬محموع الفتاوي ‪.8/106‬‬
‫)]‪ ([73‬سورة النساء‪.59 :‬‬
‫)]‪ ([74‬تفسير ابن كثير ‪.1/531‬‬
‫)]‪ ([75‬أخرجه الترمذي‪.‬‬
‫)]‪ ([76‬أخرجه البخاري‪.‬‬
‫)]‪ ([77‬البيان العدد )‪ (107‬الصفحة )‪.(143‬‬
‫)]‪ ([78‬سورة النعام‪.82 :‬‬
‫)]‪ ([79‬سورة لقمان‪.63 :‬‬
‫)]‪ ([80‬أخرجه البخاري‪.‬‬
‫)]‪ ([81‬المدارك‪.‬‬
‫* أستاذ الدراسات السلمية بجامعة الخرطوم‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫اختلف الفقهاء وأثره في اختلف العاملين للسلم‬


‫د‪ .‬عبد الله الفقيه*‬
‫سيكون الكلم تحت هذا العنوان في مقدمة وفصلين وخاتمة‪ ،‬أما المقدمة‬
‫فهي في تعريف الخلف وظروف نشأته‪ ،‬وأما الفصلن فالول منهما في ذكر‬
‫أسباب خلف الفقهاء‪ ،‬والثاني في ذكر أسباب خلف العاملين للسلم الن‪،‬‬
‫وأما الخاتمة فتوصيات‪.‬‬
‫المقدمة‬
‫الختلف لغة مصدر اختلف‪ ،‬والختلف نقيض التفاق‪ ،‬ويستعمل عند الفقهاء‬
‫بمعناه اللفظي‪ ،‬وكذا الخلف‪.‬‬
‫الفرق بين الخلف والختلف‪:‬‬
‫للعلماء طريقتان في استعمال هذا الصطلح‪ ،‬فمنهم من يرى أنهما لفظان‬
‫مترادفان يستعمل كل واحد منهما في الدللة على نقيض التفاق سواء أنشأ‬
‫ذلك عن دليل أم نشأ عن غير دليل‪ ،‬ومنهم من خص لفظ "الختلف" بما‬
‫كان ناشئا ً عن دليل‪ ،‬ولفظ "الخلف" بما كان ناشئا ً عن غير دليل)]‪.([1‬‬
‫ول شك أن هذا في مجرد الصطلح‪ ،‬أما أصل اللغة فل يوجد فيه ما يشهد‬
‫لهذا المنحى قطعًا‪.‬‬
‫ظروف نشأة الخلف‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قبل الشروع في ذكر أسباب الخلف ل بد أن نطل إطلل سريعا على ظروف‬
‫وملبسات نشأة هذا الخلف‪ ،‬وإن اشتمل هذا الطلل على ذكر بعض أسبابه‬
‫فإن ذلك لمجرد التمثيل ليس إل‪ ،‬لننا سنتناول هذه السباب مرتبة‪ ،‬وذلك‬
‫بحسب ما يسمح به الوقت ويتناسب مع المقام‪.‬‬
‫إن من نظر إلى ظروف نشأة هذا الخلف في مسائل الفقه وجد أنه كان‬
‫يحصل في مرات كثيرة‪ ،‬لكنه سرعان ما كان يزول ويرجع أحد أطرافه إلى‬
‫رأي الطرف الخر لتبّين أن قوله هو القول الحق‪ ،‬وذلك إما لكونه عارفا ً بهذا‬
‫الدليل ولكنه كان غائبا ً عن ذهنه‪ ،‬وإما لكونه غير عارف به أصل ً ولم يطلع‬
‫عليه‪ ،‬ومن أمثلة الول ما وقع لعمر‪ ،‬فقد نهى على المنبر أل تزاد مهور‬
‫النساء عن عدد ذكره ميل ً إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد عليه‬
‫كرت عمر بقول تعالى‪:‬‬ ‫في مهور نسائه فقامت امرأة من جانب المسجد وذ ّ‬
‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫)وإ َ‬
‫ه‬
‫من ْ ُ‬‫ذوا ِ‬ ‫ن قِن ْطارا َفل ت َأ ُ‬
‫خ ُ‬ ‫داهُ ّ‬
‫ح َ‬
‫م إِ ْ‬
‫ن َزوٍْج َوآت َي ْت ُ ْ‬‫كا َ‬ ‫ل َزوٍْج َ‬ ‫دا َ‬ ‫ست ِب ْ َ‬
‫ما ْ‬ ‫ن أَرد ْت ُ ُ‬ ‫َِ ْ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫مِبينا( ]سورة النساء‪ ،[20:‬فترك عمر قوله‪ :‬وقال‬ ‫ه ب ُهَْتانا وَإ ِْثما ُ‬ ‫ذون َ ُ‬‫خ ُ‬ ‫شْيئا أت َأ ُ‬ ‫َ‬
‫كل أحد أعلم منك حتى النساء‪ ،‬وفي رواية أخرى‪ :‬امرأة أصابت ورجل أخطأ‪.‬‬
‫وقد كان يعلم الية ولكنه نسيها‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد يذكر العالم المجتهد الية أو السنة‪ ،‬ولكنه يتأول فيهما تأويل من تخصيص‬
‫أو نسخ أو معنى ما‪.‬‬
‫أما عن الحال الثاني فنقول‪ :‬كم فات كبار الصحابة ــ وهم أئمة الدين وأعلم‬
‫الهدى ــ من سنن النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ومن أسباب ذلك أن الصحابة‬
‫رضي الله عنهم كانوا ذوي معايش يطلبونها‪ ،‬وكانوا في ضنك من القوت‬
‫شديد‪ ،‬فمن تاجر يغادي السواق ويماسيها طلبا ً لقوته وقوت عياله وما يجهز‬
‫به نفسه للغزوات الكثيرة‪ ،‬ومن منهمك في إصلح نخله‪ ،‬وكانوا مع كل ما هم‬
‫فيه من شدة وضيق حريصين كل الحرص على أل يضيع أحد منهم فرصة في‬
‫الجلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم والستفادة منه‪ ،‬إذا وجد أدنى فراغ‬
‫مما هو فيه‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكان بعضهم أوفر حظا ً في هذا الجلوس من بعض‪ ،‬وذلك لقلة مشاغله لكونه‬
‫ل زوجة له ول أولد فكان أكثر سماعا ً من النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ومن‬
‫هؤلء أبو هريرة فقد قال إن الناس يقولون‪ :‬أكثر أبو هريرة ولول آيتان من‬
‫َ‬
‫ت‬‫ن ال ْب َي َّنا ِ‬‫م َ‬ ‫ما أن َْزل َْنا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ي َك ْت ُ ُ‬
‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫كتاب الله ما حدثت حديثا ً ثم يتلو‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ُ‬
‫ن‬ ‫م الل ّ ِ‬
‫عُنو َ‬ ‫ه وَي َل ْعَن ُهُ ُ‬‫م الل ّ ُ‬ ‫ك ي َل ْعَن ُهُ ُ‬ ‫ب أول َئ ِ َ‬ ‫س ُِفي ال ْك َِتا ِ‬ ‫ما ب َي ّّناه ُ ِللّنا ِ‬
‫ن ب َعْد ِ َ‬
‫م ْ‬
‫دى ِ‬ ‫َوال ْهُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م( ]سورة‬ ‫حي ُ‬ ‫ب الّر ِ‬ ‫وا ُ‬ ‫م وَأَنا الت ّ ّ‬ ‫ب عَل َي ْهِ ْ‬‫ك أُتو ُ‬ ‫حوا وَب َي ُّنوا فَأول َئ ِ َ‬‫صل َ ُ‬
‫ن َتاُبوا وَأ ْ‬ ‫إ ِل ّ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫فق‬ ‫البقرة‪159:‬ــ ‪ ،[160‬إن إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الص ْ‬
‫بالسواق‪ ،‬وإن إخواني من النصار كان يشغلهم العمل في أموالهم‪ ،‬وإن أبا‬
‫هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على شبع بطنه ويحفظ ما‬
‫ل يحفظون)]‪.([2‬‬
‫ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتى ويحضره فتواه‬
‫بعض الناس دون بعض‪ ،‬وكان يقضي ويحضر قضاءه بعضهم دون بعض‪ ،‬وكان‬
‫ربما أمر بأمر أو نهى عن أمر في غير حالي الفتوى والقضاء‪ ،‬ويحضر ذلك‬
‫بعضهم دون بعض‪ ،‬فل يعقل أن يحيط أحدهم بكل ما صدر منه صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫وكانوا مدركين لهذه الحقيقة أعني حقيقة عدم الحاطة‪.‬‬
‫ولهذا لما ولي أبو بكر الخلفة كان إذا نزلت به النازلة ليس عنده فيها نص‬
‫من رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل من حضر عنده من الصحابة فإن‬
‫وجد عندهم نصا ً قضى به‪ ،‬وإل اجتهد في الحكم فيها‪ ،‬وقد ظلوا على هذا‬
‫الحال طيلة خلفة أبي بكر‪ ،‬ل يكادون يختلفون اختلفا ً في نازلة إل رجع‬
‫بعضهم إلى رأي الخر‪ ،‬فانعقد إجماعهم أو كاد‪ ،‬هذا باستثناء النزر اليسير من‬
‫المسائل التي ظل الخلف فيها قائمًا‪.‬‬
‫نقطة تحول كبرى‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وهي أنه لما مات أبو بكر وولي عمر بعده فتحت المصار وتفرق الصحابة في‬
‫القطار‪ ،‬واستقر المقام بكل مجموعة منهم في مصر من المصار‪ ،‬وكانت‬
‫تنزل النازلة بأهل مكة أو أهل المدينة أو أهل اليمن أو أهل العراق أو أهل‬
‫الشام أو أهل مصر فيفتي فيها من نزلت بهم من الصحابة بما يحصل عندهم‬
‫فيها‪ ،‬وربما كانت هذه الفتوى مستندة إلى عموم أو اجتهاد سائغ‪ ،‬لول كون‬
‫المسألة قد ورد فيها نص يخصها غاب عمن أفتى هذه الفتوى‪ ،‬فقد حضر‬
‫المدني ما لم يحضر المصري وحضر المصري ما لم يحضر الشامي‪ ،‬وقد ظل‬
‫الحال على هذا بعد انقراض عصر الصحابة فترة من الزمن‪ ،‬فقد كانت كل‬
‫طائفة من التابعين يفتون بما استقر عند من أدركوا من الصحابة‪ ،‬ومن هنا‬
‫طغت آراء ابن عمر على فتاوى من بالمدينة من التابعين‪ ،‬لنها كانت محل‬
‫إقامته‪ ،‬وقد كان من أطول )المكثرين( لبثا ً فيها‪ ،‬وكذا الحال بالنسبة لهل‬
‫مكة مع ابن عباس وبالنسبة لهل الكوفة مع ابن مسعود‪ ..‬وهلم جّرا‪..‬‬
‫فلم يكن أهل مصر يخرجون عن فتوى من رووا عنه إل نادرًا‪ ،‬وظل الحال‬
‫على هذا عند ظهور من بعد التابعين كأبي حنيفة وسفيان وابن أبي ليلى‬
‫بالكوفة وابن جريج بمكة‪ ،‬ومالك وابن الماجشون بالمدينة‪ ،‬وسوار بالبصرة‪،‬‬
‫والوزاعي بالشام‪ ،‬والليث بمصر‪ ،‬فقد جرى هؤلء الئمة على نفس طريقة‬
‫من سبقوهم‪ ،‬فقد سلك كل واحد منهم مسلك من أخذ عنهم من التابعين‬
‫وتابعي التابعين من أهل بلده‪ ..‬إلخ‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تلكم كانت نبذة سريعة عن ظروف نشأة الخلف وملبسات حصوله أول ما‬
‫نشأ‪ ،‬وبعدها سننتقل إلى أسباب حصول الخلف‪.‬‬
‫الفصل الول‬
‫في أسباب حصول الخلف عند الفقهاء‬
‫السبب الول‪:‬‬
‫عثور البعض على دليل لم يعثر عليه الخر‪ ،‬يقول ابن القيم وهو يتكلم عن‬
‫أسباب حصول الخلف‪:‬‬
‫ّ‬
‫"منها أن ل يكون الحديث قد بلغه‪ ،‬ومن لم يبلغه الحديث لم يكلف أن يكون‬
‫عالما ً بموجبه‪ ،‬فإذا لم يبلغه وقد قال في تلك النازلة بموجب ظاهر آية أو‬
‫حديث آخر‪ ،‬أو بموجب قياس أو استصحاب فقد يوافق الحديث المتروك تارة‬
‫ويخالفه أخرى‪ ،‬وهذا السبب هو الغالب على أكثر ما يوجد من أقوال السلف‬
‫مخالفا ً لبعض الحاديث‪ ،‬فإن الحاطة بحديث رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم لم تكن لحد‪ ،‬واعتبر ذلك بالخلفاء الراشدين الذين هم أعلم المة‬
‫بأمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأحواله وخصوصا ً الصديق‬
‫الذي لم يكن يفارقه‪.([3])"...‬‬
‫السبب الثاني‪:‬‬
‫هو كون الحديث قد بلغه لكن لم يثبت عنده لضعف من رواه عنه لكونه‬
‫مجهول ً أو سيء الحفظ أو متهمًا‪ ،‬ويكون هذا الحديث بعينه قد ثبت عند غيره‬
‫لكونه قد رواه له الثقات بالسند المتصل‪.‬‬
‫السبب الثالث‪:‬‬
‫اعتقاد أحدهم ضعف الحديث باجتهاد قد خالفه فيه غيره‪ ،‬فقد يعتقد أحد‬
‫الئمة ضعف رجل ويعتقد آخر قوته ويكون الحق تارة مع المضّعف لطلعه‬
‫ي على الموثق‪ ،‬ويكون تارة مع الموثق لعلمه بأن ذلك السبب‬ ‫ف َ‬‫خ ِ‬‫على سبب َ‬
‫ً‬
‫غير قادح في روايته وعدالته‪ ،‬إما لن جنس ذلك السبب غير قادح أصل‪ ،‬وإما‬
‫لكونه له فيه عذر أو تأويل يرفع عنه الحرج بسببه‪.‬‬
‫وقد يكون للمحدث حالن حال استقامة وحال اضطراب فيحكم الموثق بأن‬
‫الحديث صحيح ظنا ً منه أنه مما رواه في حال الستقامة‪ ،‬ويحكم القادح بأنه‬
‫ضعيف ظنا ً منه أنه مما رواه في حال الضطراب وهنا يأتي دور أهل التحقيق‬
‫والتدقيق‪.‬‬
‫السبب الرابع‪:‬‬
‫اشتراط بعضهم في خبر الواحد العدل شروطا ً يخالفه فيها غيره كاشتراط‬
‫بعضهم أن يكون الراوي فقيها ً إذا خالف ما رواه القياس‪ ،‬واشترط آخرون‬
‫انتشار الحديث وشيوعه إذا كان مما تعم به البلوى‪.‬‬
‫السبب الخامس‪:‬‬
‫ً‬
‫أن ينسى الحديث أو الية كما نسي عمر‪) :‬وآتيتم إحداهن قنطارا(‪ ،‬وآية )إنك‬
‫ميت وإنهم ميتون(‪.‬‬
‫السبب السادس‪:‬‬
‫عدم معرفته بمدلول بعض ألفاظ الحديث لكونه غريبا عنده‪ :‬المزابنة‪،‬‬
‫المحاقلة‪ ،‬المخابرة‪ ،‬الملمسة‪ ،‬المنابذة‪ ..‬ونحوها من الكلمات الغربية التي‬
‫اختلف العلماء في تأويلها‪ ،‬ومن هذا القبيل‪" :‬ل طلق ول عتاق في إغلق"‪،‬‬
‫فمنهم من فسر الغلق بالكراه‪ ،‬وهم أهل الحجاز‪ ،‬ومنهم من فسره‬
‫بالغضب‪ ،‬وهم أهل العراق‪ ،‬ومنهم من فسره بجمع الثلث في كلمة واحدة‬
‫فإنه مأخوذ من غلق الباب أي أغلق عليه باب الطلق جملة‪.‬‬
‫يقول ابن القيم‪ :‬والصواب في لفظ الغلق أنه الذي يغلق صاحبه باب تصوره‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أو قصده كالجنون والسكر‪.‬‬


‫ومما يدخل تحت هذا السبب‪ ،‬وهو السبب السادس‪ ،‬الخلف العارض من‬
‫جهة كون اللفظ مشتركا ً أو مجمل ً أو مترددا ً بين حمله على معناه عند‬
‫الطلق )الحقيقة( أو على معناه عند التقييد )المجاز( كمسألة القرء)]‪،([4‬‬
‫والخيط البيض من الخيط السود)]‪.([5‬‬
‫السبب السابع‪:‬‬
‫ً‬
‫أن يكون عارفا بدللة اللفظ وموضوعه‪ ،‬ولكن ل ينتبه لدخول هذا الفرد‬
‫المعّين تحت اللفظ‪ ،‬إما لعدم إحاطته بحقيقة ذلك الفرد وأنه مماثل لغيره‬
‫من الفراد المشمولة باللفظ المذكور‪ ،‬وإما لعدم حضور ذلك الفرد بباله‪،‬‬
‫وإما لعتقاده اختصاصه بما يجعله خارجا ً من اللفظ العام‪.‬‬
‫السبب الثامن‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫اعتقاده أنه ل دللة في اللفظ على الحكم المتنازع فيه‪.‬‬


‫السبب التاسع‪:‬‬
‫هو أنه لما ظهرت المذاهب الفقهية المعروفة اشتغل كل أتباع مذهب بجمع‬
‫وتحرير أقوال إمام مذهبهم‪ ،‬ووضع أصول المذهب وتقعيد قواعده‪ ،‬واتسعت‬
‫دائرة الخلف إلى أن أصبحت مواطن التفاق قليلة جدًا‪ ،‬وقد نشأ عن‬
‫الختلف في القواعد اختلف كبير في الفروع‪.‬‬
‫وما دامت كل قاعدة اختلف فيها ينشأ عن ذلك اختلف في الفروع المتفرعة‬
‫عنها فلك أن تتصور حجم الخلف‪ ،‬وحتى القواعد الخمس الكبرى والتي عليها‬
‫مبنى الفقه كله والتي يقال إنها سالمة من الختلف في الجملة فيها خمس‬
‫وهي‪:‬‬
‫)‪ (1‬الشك ل يرفع اليقين‪.‬‬
‫)‪ (2‬الضرر ينفي‪.‬‬
‫)‪ (3‬المشقة تجلب اليسر‪.‬‬
‫كم حيث ل تجور‪.‬‬ ‫)‪ (4‬العادة َتح ّ‬
‫)‪ (5‬المور بمقاصدها‪.‬‬
‫وإلى هذا أشار من قال‪:‬‬
‫ــ نقول ــ حتى هذه القواعد لم تسلم في واقع الحال من الخلف بل يزداد‬
‫المر تعقيدًا‪ ،‬ودائرة الخلف اتساعا ً إذا أدرك الباحث حقيقة وهي أن هذه‬
‫القواعد الخمس والتي قلنا إن التفاق قد وقع بين الفقهاء عليها في الجملة –‬
‫إن سلم لنا هذا القول‪ -‬ل يكادون يتفقون على شيء ذي بال مما بني عليها‬
‫من الفروع عند التطبيق والتخريج فما يكون ضررا ً عند هؤلء ل يكون ضررا ً‬
‫عند أولئك وما يعد مقصدا ً معتبرا ً للشارع عند قوم ل يعد مقصدا ً معتبرا ً له‬
‫عند آخرين‪ ..‬وقس على ذلك‪.‬‬
‫السبب العاشر‪:‬‬
‫ً‬
‫هو المعاصرة والحتكاك‪ ،‬وهذا ل تجد له ذكرا عند من يتكلمون في أسباب‬
‫ورود الخلف‪ ،‬والواقع أن ما ينشأ من الخلف بين المتعاصرين أشد عمقا‬
‫واتساعا ً مما ينشأ بين غيرهم‪ ،‬وقد فطن لهذا الباب أهل الحديث فردوا قدح‬
‫بعض المعاصرين في بعض يقول السيوطي في ألفيته‪:‬‬
‫واردد مقال بعض أهل العصر**في بعضهم عن ابن عبد البر‬
‫والسيوطي يشير هنا إلى ما ذكره ابن عبد البر في هذا المعنى‪ ،‬ومنه ما روي‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بإسناده إلى الحسن ابن أبي جعفر قال‪" :‬سمعت مالكا ً بن دينار يقول‪ :‬يؤخذ‬
‫بقول العلماء والقراء في كل شيء إل قول بعضهم في بعض فإنهم أشد‬
‫تحاسدا ً من التيوس في الزريبة تنصب لهم الشاة الضارب فينب هذا من هنا‬
‫وهذا من هاهنا")]‪.([6‬‬
‫وقد ذكر الذهبي في سير أعلم النبلء قصة أشهب مع الشافعي وذكرها غيره‬
‫أيضًا‪ ،‬وملخصها أن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال‪ :‬إنه سمع أشهب‬
‫يدعو على الشافعي بالموت‪ ،‬وفي رواية أنه كان يدعو عليه في السجود‪ ،‬وأن‬
‫الباعث له على ذلك خشيته من أن يضيع مذهب مالك‪ ،‬وقد بلغ الخبر‬
‫الشافعي فقال‪:‬‬
‫ولهذا قال الشافعي أيضا‪ً:‬‬
‫وقصة البخاري وقصة سيبويه مشهورتان‪ ،‬وقد مات كل واحد منهما غما ً‬
‫وكمدا ً من سوء ما تعرض له من معاملة قاسية من قرن من معاصريه‪،‬‬
‫فمات البخاري طريدا ً مشردا ً من الحافظ الذهلي‪ ،‬ومات سيبويه بعد أن تآمر‬
‫عليه إمام القراء وإمام النحاة وهو قرن له وهو الكسائي‪.‬‬
‫وقد وجدت أثرا ً لهذه الظاهرة استرعى انتباهي وهو أن بعض المؤلفين‬
‫يختمون كتبهم بما يؤذن بشعورهم بمرارة بسبب ما وقع من بعض‬
‫معاصريهم‪ ،‬فقد أنشد السيوطي في خاتمة كتابه التقان أبياتا ً قديمة‬
‫مشهورة وهي‪:‬‬
‫وكذلك فعل ابن هشام النحوي في خواتم بعض كتبه فقد أنشد هو الخر قول‬
‫القائل‪:‬‬
‫ويقول الزمخشري‪:‬‬
‫ولئن كان المشتغلون بنقد السانيد قد تنبهوا لهذا المر فقد تنبه له بعض‬
‫الفقهاء أيضًا‪ ،‬يقول خليل بن إسحاق المالكي وهو يعد المواطن التي ل تقبل‬
‫فيها الشهادة لجل العداوة يقول‪" :‬ول عالم على مثله"‪ ،‬فمجرد كونهما‬
‫عالمين متعاصرين يجعلهما في مظنة العداوة بحيث يكون ظن ذلك ظنا ً غالبا ً‬
‫يمنع قبول شهادة أحدهما على الخر‪.‬‬
‫وقال المواق في التاج والكليل عند قول خليل المتقدم‪" :‬ول عالم على‬
‫مثله" قال ابن وهب‪ :‬ل يجوز شهادة القارئ على القارئ يعني العلماء لنهم‬
‫أشد تحاسدًا)]‪.([8‬‬
‫ومن المعلوم أن ابن عرفة قد خالف ما ذهب إليه خليل وشراحه في هذه‬
‫المسألة‪ ،‬ول يهمنا هنا ما هو القول الراجح بل الذي يهمنا هو أن المعاصرة‬
‫سبب من أسباب ظهور الخلف قد ل يفطن له الكثيرون‪ ،‬فل يكاد الناس‬
‫يعرفون لعالم قدره إل بعد أن يوارى جثمانه الثرى ولسان حاله معهم ينشد‬
‫قول القائل‪:‬‬
‫ل ألفينك بعد الموت تندبني***وفي حياتي ما زودتني زادا‬
‫السبب الحادي عشر‪:‬‬
‫هو أن إنكار القياس واللتفات إلى العلل والمقاصد عند أهل الظاهر ومن‬
‫على شاكلتهم يقابله توسع شديد في النظر إلى المقاصد والعلل عند آخرين‪،‬‬
‫مما يجعل هوة الخلف بينهما متسعة بشكل كبير حتى وصل المر ببعض‬
‫العلماء ــ كالنووي ــ إلى عدم اعتبار أهل الظاهر في الجماع بحيث يمكن أن‬
‫يعد الجماع منعقدا ً مع وجود المخالفين منهم‪.‬‬
‫ومما يدخل تحت هذا السبب القول بسد الذرائع المفضية إلى الحرام‪.‬‬
‫السبب الثاني عشر‪:‬‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حول النسخ‪ ،‬وقد نشأ عن الخلف في مسألة النسخ خلف في فروع كثيرة ل‬
‫تكاد تدخل تحت حصر‪ ،‬ومن أشهر مواطن هذا الخلف هنا موطنان‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الول‪ :‬هل الزيادة على النص نسخ؟ فمذهب الحناف أنها نسخ‪ ،‬ومن المثلة‬
‫التي يظهر فيها الخلف في هذه المسألة مسألة اشتراط أن تكون الرقبة في‬
‫الظهار مؤمنة حمل ً على الرقبة في كفارة القتل‪ ،‬فمذهب الحناف أن اليمان‬
‫في رقبة كفارة الظهار ليس مشروطًا؛ لن الله قال فتحرير رقبة من قبل أن‬
‫يتماسا‪ ،‬ومقتضى الية إجزاء الرقبة المطلقة فمن قيدها باليمان كان زائدا ً‬
‫على النص‪ ،‬والزيادة على النص نسخ‪.‬‬
‫ً‬
‫يقول إمام الحرمين في البرهان‪ :‬ووجه ادعائهم كونها نسخا أن مقتضى‬
‫الخطاب يتضمن الجزاء مع الطلق‪ ،‬والزائد يرفع الجزاء في الطلق وهو‬
‫متضمن الية فاقتضت الزيادة رفع ما تضمنه الطلق من الجزاء فكان ذلك‬
‫نسخا ً من هذه الجهة)]‪.([9‬‬
‫الموطن الثاني‪ :‬هو أن تكون الية قد نسخت آيات كثيرة كآية السيف فقد‬
‫زعم جماعة أنها نسخت ما يربو على مائة آية‪ ،‬ويعنون بذلك آيات الدعوة‬
‫للكفار والحوار معهم والمهادنة والموادعة معهم‪ ،‬ول شك أن هذا بعيد عن‬
‫صوب التحقيق‪.‬‬
‫السبب الثالث عشر‪:‬‬
‫هو أن في كل مذهب من المذاهب مدرستين إحداهما تدعو إلى الخذ بما‬
‫قام عليه الدليل ولو لم يكن هو مشهور المذهب‪ ،‬والخرى تدعو إلى الخذ‬
‫بما تسميه مشهور المذهب ولو خالف الدليل‪ ،‬ونرى أن هذا الخلف ناشئ‬
‫عن الخلفية العلمية لكل واحدة من المدرستين‪ ،‬فهنا من أتباع المذهب من‬
‫اشتغلوا بالحديث والتفسير مع الشتغال بفروع الفقه‪ ،‬وهنالك من شغلهم‬
‫حفظ الفروع والتخريجات عن الشتغال بالدليل‪.‬‬
‫ول شك أن الطائفة التي تشتغل بالدليل من أتباع المذهب هي صاحبة‬
‫التحقيق والتوفيق عند مواطن النزاع‪ ،‬ومن هذه الطائفة من الشافعية ابن‬
‫حجر والنووي على سبيل المثال ل الحصر‪ ،‬وإليكم هذا المثال‪ :‬يقول النووي‬
‫بعد إيراده لحديث مسلم في نقض الوضوء بلحم البل‪ :‬احتج أصحابنا ــ يعني‬
‫الشافعية ــ بأنباء ضعيفة في مقابل هذين الحديثين‪ ،‬وكأن الحديثين لم يصحا‬
‫عند المام الشافعي‪.‬‬
‫ولذا قال إن صح الحديث في لحوم البل قلت به‪ ،‬والصحيح في ذلك ــ‬
‫والكلم ل يزال للنووي ــ ما ذهب إليه المام أحمد وعامة أصحاب الحديث‪..‬‬
‫إلى أن قال‪ :‬الجديد المشهور ل ينقض وهو الصحيح عند الصحاب والقديم أنه‬
‫ينقض وهو ضعيف عند الصحاب‪ ،‬لكنه هو القوي أو الصحيح من حيث الدليل‬
‫وهو الذي أعتقد رجحانه‪ ،‬وقد أشار البيهقي إلى ترجيحه واختياره والذب‬
‫عنه)]‪.([10‬‬
‫ومحل الشاهد عندي من هذا أن البيهقي والنووي من عظماء أئمة الشافعية‪،‬‬
‫وهما من أئمة الحديث في نفس الوقت‪.‬‬
‫وقد ظهر الخلف في المذهب المالكي بين المدرستين‪ ،‬مدرسة الدليل‬
‫ومدرسة التقليد‪ ،‬أقول ظهر بينهما ظهورا ً أشد من ظهوره بين غيرهم من‬
‫ل ما جرى من ذلك بين هاتين المدرستين من نتف‬ ‫أهل بقية المذاهب‪ ،‬ولم يخ ُ‬
‫وطرائف‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن ذلك ما جرى بين منذر بن سعيد البلوطي من علماء الندلس وبين‬
‫معاصريه من الندلسيين فقد قال مخاطبا ً لهم‪:‬‬
‫وسنتوقف عند هذا القدر من ذكر أسباب الخلف بين المتقدمين‪ ،‬ولم نرد‬
‫حصر هذه السباب ول يتسنى ذلك في مثل هذا المقام‪ ،‬وإنما ذكرنا ما نرى‬
‫أنه هو أشهر هذه السباب وأكثره التصاقا ً بما نحن فيه‪.‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫في أسباب اختلف العاملين للسلم الن‬
‫)‪ (1‬من هذه السباب ما يعود إلى السباب المتقدمة‪ ،‬ومن ذلك دعوى النسخ‬
‫في بعض اليات‪ ،‬يقول الستاذ عمر عبيد حسنه‪" :‬لقد أدى مجرد الستشهاد‬
‫باليات والحاديث وتنزيلها على غير محلها إلى الكثير من التناقض والتضاد‪،‬‬
‫ودعا إلى التعسف في التعامل مع النصوص نسخا ً وترجيحا ً وما إلى ذلك؛‬
‫حيث ذهب بعض القائلين بالنسخ إلى اعتبار آية السيف ناسخة لما يربو على‬
‫مائة آية من آيات الدعوة والحوار والمجادلة بالتي هي أحسن في حين أن‬
‫المشكلة فيما نرى هي في فقه الحالة‪ ،‬وما يلئمها من الحلول الشرعية‪،‬‬
‫ففي مرحلة وحالة قد يكون الحكم‪) :‬كفوا أيديكم وأقيموا الصلة وآتوا‬
‫الزكاة(‪ ،‬وفي حالة قد يكون‪) :‬وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ول‬
‫تعتدوا(‪ ،‬وفي حالة التعبئة العامة‪) :‬قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا‬
‫فيكم غلظة(‪ ،‬وفي حالة التعاهد والموادعة‪) :‬ل ينهاكم الله عن الذين لم‬
‫يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم(")]‬
‫‪.([11‬‬
‫ومما يدل على فساد القول بأن آية السيف نسخت ما يربوا على مائة آية‬
‫أمران الول‪ :‬أن الصل عدم النسخ‪ ،‬ولثبات النسخ طرق معروفة‪ ،‬وليس مع‬
‫أصحاب هذا القول ما يثبت النسخ بهذه الطرق‪.‬‬
‫المر الثاني‪ :‬أن الخلفاء الراشدين وأمراء الجنود السلمية ظلوا يصالحون‬
‫ويهادنون ويوادعون عمل ً بمقتضى هذه اليات‪ ،‬فلو كان حكمها منسوخا ً ما‬
‫ساغ لهم ذلك‪.‬‬
‫)‪ (2‬المعاصرة وقد تقدم الكلم فيها‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫)‪ (3‬انتماء العاملين لمدارس فقهية مختلفة فهنالك منتمون لهل الظاهر‪،‬‬
‫وهناك منتمون لهل المذاهب الربعة‪ ،‬ومن هؤلء من ينتمي لمدرسة الدليل‪،‬‬
‫ومنهم من ينتمي لمدرسة التقليد‪ ،‬وهنالك أسباب أخرى لم تكن معروفة‬
‫دت وأوضاع‬ ‫بحجمها التي هي به الن عند المتقدمين أوجدتها ظروف ج ّ‬
‫فرضت نفسها ومن هذه السباب‪:‬‬
‫ل‪ :‬ترتيب الولويات فمن الناس من يرى أن الولى التركيز على جانب‬ ‫أو ً‬
‫العقيدة‪..‬‬
‫ومنهم من يرى التركيز على فضح خطط أعداء السلم وتعريتها ووضع‬
‫الخطة القادرة على دفعها‪..‬‬
‫ومنهم من يرى أن الولى لم الشمل أول‪ً.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬موضوع المشاركة في النتخابات‪ ،‬فمنهم من يرى أن المشاركة فيها‬
‫إقرار لمبدأ كون الحكم لغير الله‪ ..‬ومنهم من يرى أنه وسيلة لحقاق ما‬
‫يمكن إحقاقه من الحق‪.‬‬
‫والذي نراه هنا أن موضوع المشاركة من المواضيع الخاضعة لمراعاة‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المصلحة التي ينبغي أن يترك الحكم فيها لهل الحل والعقد من البلد التي‬
‫هي فيها‪ ،‬وهم من جمعوا بين علم السياسة وعلم الشرع‪ ،‬فهم أهل الذكر هنا‬
‫والله جل وعل يقول‪) :‬فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ل تعلمون(‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫نرى أنه مما يعين على تجاوز هذه المحنة أمور‪:‬‬
‫الول‪ :‬إعداد ميثاق للعمل يشارك فيه جميع العاملين للسلم من أهل القبلة‬
‫وينص في هذا الميثاق على أمور‪:‬‬
‫الول‪ :‬ترتيب الولويات‪ ،‬ويستعان في هذا بالكتاب والثابت من السنة‪،‬‬
‫قحت وركز‬ ‫ذبت هذه القواعد ون ُ ّ‬ ‫وبقواعد الفقه فإن فيها ما يفيد في هذا إذا هُ ّ‬
‫على ما يلمس الواقع منها دون غيره‪ ،‬ومن هذه القواعد على سبيل المثال ل‬
‫الحصر‪ :‬درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح‪.‬‬
‫ومن مستندات هذه القاعدة تحريم الخمر والميسر مع التصريح بأن فيهما‬
‫منافع قال تعالى‪) :‬يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع‬
‫للناس( ]سورة البقرة‪.[219:‬‬
‫وقوله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه‪ ،‬وإذا أمرتكم‬
‫بشيء ّ فأتوا منه ما استطعتم(()]‪.([12‬‬
‫فقد قّّّيد التيان في المأمور به بالستطاعة وأطلق في جانب المنهي عنه‪،‬‬
‫ولم يقيد مع أن المرء غير مكلف باجتناب ما ل قدرة له على اجتنابه في‬
‫الجملة‪ ،‬فلم يبق للتقييد بالستطاعة في جانب المأمورات والطلق عن‬
‫التقييد بها في جانب المنهيات ــ نقول ــ لم يبق لهذا فائدة غير بيان أن جانب‬
‫المنهيات أعظم من جانب المأمورات إذا تعارضا‪.‬‬
‫ومنها قاعدة التدرج في المور ــ وهي تحتاج إلى تهذيب وتنقيح ــ ويستشهد‬
‫لها بواقع حال النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقد مكث زمانا ً يدعوا إلى‬
‫التوحيد‪ ،‬ثم انضاف إلى التوحيد الصلة وبعض العبادة‪ ..‬وظل التغيير في تدرج‬
‫إلى أن وصل المر بالمجتمع إلى القمة في اللتزام بالدين‪ ،‬بل إن كل أمر‬
‫جاء الشرع بتحريمه وكان أهل الجاهلية شديدي التمسك به لم يحرم إل‬
‫بالتدريج‪ ،‬وذلك كالخمر والربا‪ ،‬تقول عائشة رضي الله عنها في حديث‬
‫البخاري‪)) :‬إنما نزل أول ما نزل منه ــ يعني القرآن ــ سورة من المفصل‬
‫فيها ذكر الجنة والنار‪ ،‬حتى إذا ثاب الناس نزل الحلل والحرام‪ ،‬ولو نزل أول‬
‫شيء‪ :‬ل تشربوا الخمر لقالوا ل ندع الخمر أبدًا‪ ،‬ولو نزل ل تزنوا لقالوا ل ندع‬
‫الزنا أبدًا‪ ،‬لقد نزل على محمد بمكة وإني لجارية ألعب‪ :‬بل الساعة موعدهم‬
‫والساعة أدهى وأمر‪ ،‬وما نزلت سورة البقرة والنساء إل وأنا عنده((‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫فوا أي ْدِي َك ُ ْ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬‫ن ِقي َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬ ‫ويبين ذلك أيضا ً قول الله جل وعل‪) :‬أل َ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫شو ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ريقٌ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل إ َِذا فَ‬‫قَتا ُ‬ ‫م ال ْ ِ‬‫ب عَل َي ْهِ ُ‬ ‫ما ك ُت ِ َ‬ ‫كاة َ فَل َ ّ‬
‫صلة َ َوآُتوا الّز َ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫وَأِقي ُ‬
‫خْرت ََنا‬ ‫ول أ َ ّ‬ ‫ل لَ ْ‬ ‫قَتا َ‬ ‫ت عَل َي َْنا ال ْ ِ‬ ‫م ك َت َب ْ َ‬ ‫ة وََقاُلوا َرب َّنا ل ِ َ‬ ‫شي َ ً‬‫خ ْ‬ ‫شد ّ َ‬ ‫شي َةِ الل ّهِ أ َوْ أ َ َ‬ ‫س كَ َ‬
‫خ ْ‬ ‫الّنا َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن فَِتي ً‬
‫ل(‬ ‫مو َ‬ ‫قى َول ت ُظل ُ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫م ِ‬‫خي ٌْر ل ِ َ‬ ‫خَرة ُ َ‬ ‫ل َوال ِ‬ ‫مَتاعُ الد ّن َْيا قَِلي ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫ب قُ ْ‬ ‫ري ٍ‬ ‫ل قَ ِ‬‫ج ٍ‬‫إ َِلى أ َ‬
‫]سورة النساء‪ ،[77:‬أي قيل لهم في مرحلة من المراحل الولى للدعوة كفوا‬
‫أيديكم عن القتال ولو كان لمجرد الدفع؛ فماتت سمية تحت التعذيب‪ ،‬ومات‬
‫ما يؤذن لهم‬ ‫ياسر تحته‪ ،‬وفي المسلمين رجال أشداء ذوو نجدة وبأس لكن ل ّ‬
‫بالدفاع في ذلك الوقت‪.‬‬
‫ويستشهد هنا أيضا ً بحديث معاذ في بعثه إلى اليمن‪)) :‬إنك ستأتي قوما أهل‬
‫ً‬
‫كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن ل إله إل الله فإن هم أطاعوا‬
‫بذلك فأخبرهم‪ ((..‬الحديث المتفق عليه‪.‬‬
‫ووجه الشاهد منه واضح وهو التدرج في خطاب المدعوين والنتقال بهم‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بيسر وهدوء من حال إلى الحال التي فوقها‪ ،‬فلو أنهم أخذوا بالمر كله مرة‬
‫واحدة كان ذلك سببا ً في صدهم‪.‬‬
‫ومنها قاعدة عدم الفتيات في أمور يدفع الجميع ثمنها ولسان حالهم قول‬
‫القائل‪:‬‬
‫جررت على راج الهوادة منهم***وقد تلحق المولى العنود الجرائر‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ويجب التنبه إلى أن الخلف على ترتيب الولويات قد يؤدي إلى كوارث غير‬
‫محسوبة كما حصل يوم الجمل‪ ،‬وما تبع ذلك يوم صفين‪ ،‬وما نشأ عن ذلك‬
‫من أمور ألقت فيها الفتن بظللها وقد ظلت المة تدفع ثمنها إلى اليوم‬
‫كظهور فكر الخوارج حينئذ‪ ،‬ومن تلك المآسي قتل الحسين وما نشأ عنه‪،‬‬
‫وولية الحجاج وما نشأ عنها‪ ،‬وهذا كله لمجرد التمثيل وإل فالوقائع العظام هنا‬
‫ل تحصى‪ ،‬هذا المر كان خلفا ً على ترتيب الولويات‪ ،‬فقد كانت عائشة‬
‫والزبير وطلحة رضي الله عنهم يرون أن أول ما يجب فعله هو أن يقتص من‬
‫قتلة عثمان فيما كان علي يرى أن أول ما يجب فعله إخماد الفتنة ثم بعد‬
‫ذلك القصاص‪ ،‬فل معنى لقامة حد والناس في هرج ومرج والدولة في تفرق‬
‫وتشرذم وأركانها تتهاوى‪.‬‬
‫ومما يعين على ذلك أيضًا‪:‬‬
‫)‪ (1‬تعويد الناس خصوصا ً المهتمين منهم بالدعوة على أن يكون المرجع عند‬
‫الختلف هو العتصام بالكتاب والسنة‪ ،‬وأل يترك ما ثبت من الدليل لقول‬
‫أحد كائن من كان‪ ،‬ولكن ذلك يتم بحكمة وتريث‪.‬‬
‫ً‬
‫)‪ (2‬البعد عن الفتراق المذموم‪) :‬واعتصموا بحبل الله جميعا ول تفرقوا(‪،‬‬
‫فالمطلوب أمران‪ :‬التزام بما صح‪ ،‬وبعد عن التفرق‪ ،‬ول يكون ذلك إل بوضع‬
‫مناهج تؤدي في النهاية إلى هذا الغرض‪ ،‬فل يكفي مجرد التلقين‪.‬‬
‫)‪ (3‬بدء التعاون فيما تم التفاق عليه‪ ،‬وإرجاء ما بقي معلقا ً إلى مؤتمرات‬
‫أخرى‪.‬‬
‫)‪ (4‬التواصي على عدم التجريح والطناب في النكار‪.‬‬
‫)‪ (5‬توجيه الباحثين من طلب الدراسات العليا وغيرهم إلى أن يكون ما‬
‫يقومون به من إعداد الرسائل والبحوث العلمية صابا ً في هذه القناة‪.‬‬
‫)‪ (6‬الستفادة من جهود وخبرات كل من تدرجوا في حل الخلفات التي كانت‬
‫توجد بينهم من غير المسلمين فما كان بينهم من الخلفات أكبر بكثير مما هو‬
‫حاصل بيننا‪ ،‬وقد قال صلى الله عليه وسلم‪)) :‬الحكمة ضالة المؤمن فحيث‬
‫وجدها فهو أحق بها(()]‪.([13‬‬
‫وقد قال صلى الله عليه وسلم‪)) :‬لقد هممت أن أنهى عن الغيلة حتى ذكرت‬
‫أن الروم وفارس يصنعون ذلك فل يضر أولدهم(( والحديث في صحيح مسلم‬
‫من رواية جدامة بنت وهب السدية رضي الله عنها‪ ،‬ومحل الشاهد منه هنا‬
‫أن النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهو الذي عرفنا منه أنه كان يحب مخالفة‬
‫الكفار ويدعو إلى ذلك لم يجد أي حرج في أن يعّلمنا في هذا الموطن أنه‬
‫عدل عن النهي مستفيدا ً مما علمه من حالهم‪.‬‬
‫وبالجملة فإن عند المسلمين من عوامل الجتماع ما ليس عند غيرهم‬
‫والشاعر يقول‪:‬‬
‫ً‬
‫ولم أر في عيوب الناس عيبا***كنقص القادرين على التمام‬
‫وإننا نرى المم الن تتجمع وتتكتل ل يجمعها دين ول عرق‪..‬‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ونحن نزداد تشرذما ً وتمزقا ً وديننا واحد ووطننا واحد ممتد‪ ،‬وثرواتنا ل تحصى‬
‫ونحن غثاء كغثاء السيل‪.‬‬
‫خب وليست‬ ‫وهنا نقطة ل بد من تسجيلها وهي أن أزمة المة اليوم أزمة ن ُ َ‬
‫أزمة شعوب‪ ،‬فالشعوب أثبتت في مواطن كثيرة أنها مع هذا الدين‪ ،‬ولكنها ل‬
‫تجد من هم قادرون على جّرها إليه‪ ،‬وهذه حقيقة يجب أن يعترف بها وأن‬
‫يبذل الوسع في سبيل تلفي ما يمكن تلفيه وتدارك ما يمكن تداركه‪،‬‬
‫وتسخير جميع الوسائل في سبيل ذلك‪.‬‬
‫)]‪ ([1‬الموسوعة الكويتية )خلف(‪.‬‬
‫)]‪ ([2‬متفق عليه‪ ،‬وهذا لفظ البخاري‪.‬‬
‫)]‪ ([3‬الصواعق‪ 2/542:‬فما بعدها‪.‬‬
‫)]‪ ([4‬فمنهم من فسر القراء في قوله تعالى‪ :‬ثلثة قروء‪ ،‬بالطهار ومن‬
‫فسرها بالحيضات‪.‬‬
‫)]‪ ([5‬يقول ابن القيم‪ :‬فهمت طائفة من الخيط البيض والخيط السود‬
‫الخيطين المعروفين‪ ،‬وفهم غيرهم بياض النهار وسواد الليل‪) .‬الصواعق‪:‬‬
‫‪.(2/556‬‬
‫)]‪ ([6‬جامع بين العلم وفضله ‪.2/151‬‬
‫)]‪ ([7‬السير‪.10/72 :‬‬
‫)]‪ ([8‬التاج والكليل‪.‬‬
‫)]‪ ([9‬البرهان ‪.1/290‬‬
‫)]‪ ([10‬المجموع ‪.2/70‬‬
‫)]‪ ([11‬نظرات في فقه الخطاب ص‪ 52 :‬ــ ‪.53‬‬
‫)]‪ ([12‬متفق عليه‪.‬‬
‫)]‪ ([13‬رواه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة‪.‬‬
‫* رئيس لجنة الفتوى بالشبكة السلمية‪ -‬قطر‬

‫)‪(6 /‬‬

‫اختلف المفسرين‬
‫أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبد الله بن محمد الفنيسان ‪5/3/1426‬‬
‫‪14/04/2005‬‬
‫اشتمل هذا البحث على مقدمة تمهيد وثلثة أبواب‪:‬‬
‫المقدمة‪ :‬في أهمية الموضوع وأسباب اختياره وخطة البحث‪.‬‬
‫التمهيد‪ :‬في نشأة التفسير وتاريخ تدوينه وكيف كان رسول الله –صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬يفسر القرآن لصحابته‪ ،‬وهل فسر لهم القرآن كامل ً أو ل؟‬
‫الباب الول‪ :‬في السباب العامة لختلف المفسرين وفيه أربعة فصول‪:‬‬
‫الفصل الول‪ :‬اختلف القراءات في القرآن ومقاييس ميولها‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المباحث اللغوية والبيانية‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دواعي النسخ والختلف فيها‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬مواقف المفسرين من القضايا بالعقلية وفهم المتشابه‪.‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬السباب الخاصة لختلف المفسرين وفيه خمسة فصول‪:‬‬
‫الفصل الول‪ :‬اختلف مقاييس النقد لسند الروايات‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬اختلف مقاييس النقد لمتن الروايات‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الختلف في مصادر التشريع مما ل نص فيه‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬النتماء العقدي‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الفصل الخامس‪ :‬النتماء المذهبي‪.‬‬


‫الباب الثالث‪ :‬آثار الختلف بين المفسرين وفيه فصلن‪:‬‬
‫الفصل الول‪ :‬أثر اختلف المفسرين في العقائد‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أثر اختلف المفسرين في الحكام‪.‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬
‫ولعل أهم النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن الرسول‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬لم يفسر من القرآن إل ما كانت تدعو‬
‫الحاجة إلى تفسيره‪.‬‬
‫‪-2‬أن التفسير في عهد الصحابة والتابعين كانت التفسير يعتمد على الثر‬
‫والرواية أكثر من العقل والدراية‪،‬ولم يفسر القرآن كامل ً مرتبًا‪ ،‬بل كان‬
‫يقتصر على بيان ما غمض منه‪ ،‬ببيان مجملة أو كشف معنى لقوي بأخصر‬
‫لفظ وأوجزه‪ ،‬فلم يتطرق إليه دخيل اللهم إل في الروايات السرائيلية في‬
‫آخر عهد التابعين التي هيئا الله لها نقده الحديث فبينوا الحق فيها‪.‬‬
‫‪ -3‬أن التفسير في فترة الصحابة والتابعين كان يروي كرواية الحديث‪ ،‬حتى‬
‫هيئا الله له مجموعة من العلماء جمعوه في كتب خاصة به‪ ،‬عرفت بكتب‬
‫التفسير بالثر‪ ،‬كتفسير ابن جرير الطبري ومحمد إبراهيم النيسابوري وابن‬
‫ماجه‪.‬‬
‫‪ -4‬أن العتماد في التفسير على المأثور‪ -‬رغم ما شابه من ضعف في حلقة‬
‫من حلقاته‪ -‬التاريخية ظل هو السائد إلى أواسط العصر العباس حين‬
‫انتشرت المذاهب الفقهية والعقدية و الطرق الصوفية والعلوم التخصصية‬
‫فراح كل فريق يفسر القرآن بالرأي‪ ،‬وبعضهم راح يلوي عنق الية حتى‬
‫توافق مذهبه أو عقيدته ويزعم أن ما قاله هو تفسير للقرآن وتأويل له‪.‬‬
‫‪ -5‬أن السمة الغالبة على التفسير الحديث النشائية والعلمية‪ ،‬مع العناية‬
‫بالكتشافات العلمية والظواهر الجتماعية والنفسية‪ ،‬أكثر من عنايته بالثر‬
‫والدللت اللغوية‪.‬‬
‫‪ -6‬أن ضابط القراءة الصحيحة‪ ،‬أنها كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه‬
‫ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمال وصح سندها‪.‬‬
‫‪ -7‬أن قراءات القرآن ثلثة أقسام‪:‬‬
‫أ‪ -‬ما اجتمع فيه ثلثة شروط‪ ،‬وهي صحة السند وموافقة العربية وخط‬
‫المصحف‪ ،‬فيقطع بقرآنيته وكفر منكره‪.‬‬
‫ب‪ -‬ما صح سنده ووافق العربية وخالف خط المصحف العثماني‪ ،‬فهذا ل يقرأ‬
‫به‪ ،‬وإنما يعمل به لنه من باب السنة ل من باب القرآن‪.‬‬
‫ج‪ -‬مالم يصح سنده‪ ،‬فهذا ل يقبل ولو وافق العربية وخط المصحف‪.‬‬
‫‪ -8‬أن سبب الختلف في القراءات نزول القرآن على سبعة أحرف‪.‬‬
‫‪ -9‬أن الراجح أن الحرف السبعة هي سبع لغات توقيفية معروفة كان‬
‫الصحابة يقرأون بها في أول المر‪ ،‬ثم أجمعوا على مصحف عثمان‪.‬‬
‫‪ -10‬أن كتابة القرآن بدأت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن‬
‫بقي متفرقا ً في الجريد والعسب‪ ،‬فلما كانت خلفة أبي بكر ووقعت المقتلة‬
‫في الصحابة في اليمامة اقترح عمر على أبي بكر جمعه حتى ليذهب القرآن‬
‫بذهاب القراء فأمر زيد بن ثابت النصاري بجمعه فجمعه من الجريد والعسب‬
‫وصدور الرجال‪ ،‬فلما كانت خلفة عثمان وبدأ الصحابة ينتشرون في البلد‬
‫وظهر الخلف بين القراء في المصار‪ ،‬وخشيت الفتنة بين الناس أقترح‬
‫حذيفة بن اليمان على عثمان أن يجمع القرآن في مصحف واحد فكلف بذلك‬
‫مجموعة من الصحابة برآسة زيد بن ثابت النصاري فكتبوا المصحف وأرسل‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫منه ستة نسخ إلى أمصار السلم واحتفظ منه بنسخة واحدة سميت فيما بعد‬
‫بالمصحف المام‪ ،‬فأخذ أهل كل مصر بمافي مصحفهم وفق القراءة التي‬
‫أقرأهم بها الصحابة‪ ،‬وأجمع أهل كل مصر على صحة روايتهم وقبولها‪ ،‬ومن‬
‫هنا نشأ علم القراءات‪ ،‬وظهر بسبب ذلك اختلف كاد أن يجر المة إلى الفتنة‬
‫حتى قيض الله العلماء فجمعوا الحروف والقراءات وعزوا الوجوه والروايات‪،‬‬
‫وميزوا بين المشهور والشاذ والصحيح والضعيف‪ ،‬وكان أول من صنف في‬
‫القراءات في كتاب واحد أبو عبيد القاسم بن سلم‪ ،‬ثم أحمد بن جبير الكوف‬
‫ثم اسماعيل بن إسحاق المالكي‪ ،‬ثم جاء أبوبكر أحمد بن موسى المعروف‬
‫بابن مجاهد وهو أول من اقتصر على قراءة القراء السبعة ثم تتابع التأليف‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -11‬أن مصحف عثمان‪ -‬رضي الله عنه‪ -‬اقتصر على حرف واحد من الحرف‬
‫السبعة التي نزل بها القرآن‪ ،‬وهو ما كان في العرضة الخيرة التي عرضها‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -12‬أن التواتر شرط لعد القراءة قرآنا‪ ،‬وليس شرطا للعمل بها‪ ،‬بل يعمل‬
‫بها إن كانت آحادًا‪.‬‬
‫‪ -13‬أن تواتر القراءات نسبي فقد يتواتر عند أحد القراء مالم يتواتر عند‬
‫الخر‪ ،‬ولهذا لم يكفر بعضهم بعضا في إنكار ما ثبت عنده بالتواتر‪ ،‬ولم يثبت‬
‫عند غيره‪.‬‬
‫‪ -14‬أن الراحج أن البسملة ليست آية من الفاتحة ول غيرها‪ ،‬وإنما كان يؤتى‬
‫بها للفصل بين السور‪.‬‬
‫‪ -15‬أن السباب العامة للخلف في التفسير بين العلماء ترجع إلى الخلف‬
‫في العراب أحيانا ً كما ترجع إلى اشتراك اللفاظ‪ ،‬والقول بالمجاز والختلف‬
‫صص‪ ،‬والمقّيد‪ ،‬والمبّين ودللة المر والنهي واعتبار الناسخ أحيانا ً‬ ‫في المخ ّ‬
‫أخر‪.‬‬
‫‪ -16‬أن مذهب أهل السنة والجماعة تقديم الشرع على العقل عند التعارض‬
‫بخلف المعتزلة الذين يقدمون العقل على الشرع‪ ،‬ومما ترتب على ذلك‬
‫إنكار المعجزات والجن والسحر والصابة بالعين‪.‬‬
‫‪ -17‬أن السباب الخاصة لختلف المفسرين في التفسير ترجع إلى‪:‬‬
‫أ‪ -‬اختلف مقاييس النقد لسند الرواية‪.‬‬
‫ب‪ -‬اختلف مقاييس النقد لمتن الرواية‪.‬‬
‫ج‪ -‬الختلق في مصادر التشريع فيما ل تنص فيه‪.‬‬
‫د‪ -‬النتماء العقدي‪.‬‬
‫هـ‪ -‬النتماء المذهبي الفقهي‬
‫اختلف المفسرين أسبابه وآثاره‬
‫أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبد الله الفنيسان ‪27/1/1426‬‬
‫‪08/03/2005‬‬
‫اسم الكتاب‪ ... :‬اختلف المفسرين أسبابه وآثاره‬
‫المؤلف‪ ... :‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبد الله الفنيسان‬
‫الناشر‪ ... :‬مركز الدراسات والعلم ‪ -‬دار اشبيليا‬
‫إن موضوع "اختلف المفسرين وأثره" موضوع هام ودقيق؛ يعتمد على الجهد‬
‫ودقة الستنباط أكثر من اعتماده على جمع النصوص‪ ،‬وترتيب القوال‪ .‬ولذا‬
‫اقتصرت في بحثي على السباب الرئيسية والساسية لختلف المفسرين؛‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مع بيان أثر هذا الختلف بينهم في العقائد والحكام‪.‬‬


‫ففي التمهيد‪ :‬بينت نشأة التفسير‪ ،‬وتاريخ تدوينه‪ ،‬وكيف كان رسول الله –‬
‫صلى الله عليه وسلم – يفسر القرآن لصحابته‪ ،‬وهل فسر لهم القرآن كله‬
‫كامل ً أو ل؟‪.‬‬
‫كما بينت طريقة الصحابة والتابعين في تفسير القرآن‪ ،‬مع توضيح ذلك بنماذج‬
‫وأمثلة عديدة‪ ،‬وأوضحت – باختصار – مناهج المفسرين واتجاهاتهم في‬
‫القديم والحديث‪.‬‬
‫وفي الباب الول‪" :‬السباب العامة لختلف المفسرين"؛ تحدثت فيه عن‪:‬‬
‫)‪ (1‬قراءات القرآن‪ ،‬وشروط قبولها‪ ،‬وكيف كانت سببا للختلف بين‬
‫المفسرين‪ ،‬وثمرة هذا الختلف؛ كما بينت الختلف في الحرف السبعة التي‬
‫نزل بها القرآن مع ترجيح ما ظهر لي رجحانه‪ .‬وبحثت مسألة‪ :‬هل المصحف‬
‫ل للحرف‬ ‫د‪ ،‬أو هو شام ٌ‬
‫ف واح ٍ‬
‫الذي بين أيدينا – اليوم – يقتصر على حر ٍ‬
‫السبعة كلها؟ وبينت أيضا ً بإيجاز تاريخ تدوين القراءات‪ ،‬وهل يشترط التواتر‬
‫في القراءة أو ل؟‪.‬‬
‫ً‬
‫)‪ (2‬كما بينت كيف يكون إعراب الكلمة أو الشتراك اللفظي سببا للختلف‬
‫بين العلماء‪ ،‬وأثر ذلك في تفسير القرآن‪ ،‬وبينت – أيضا ً – أن حمل "الكلمة"‬
‫على الحقيقة عند قوم‪ ،‬وعلى المجاز عند آخرين‪ ،‬تكون سببا ً للختلف في‬
‫تفسير الية بين المفسرين؛ كما بينت أثر هذا في تأويل آيات السماء‬
‫والصفات عند القائلين بالمجاز في القرآن‪ ،‬ورددت على أدلة المؤولين‪،‬‬
‫وقررت عقيدة السلف‪ ،‬كما بينت – أيضا ً أن عموم اللفظة عند قوم‬
‫وخصوصها عند آخرين؛ هو أحد أسباب الختلف بين المفسرين‪ ،‬وبينت أثر‬
‫هذا الختلف في أكثر من آية‪ ،‬وكذلك في الطلق والتقييد والبيان والجمال‪.‬‬
‫)‪ (3‬وكثيرا ً ما نسمع عن السلف‪ :‬أن الية منسوخة نسختها آية )كذا( فبينت‬
‫معنى النسخ‪ ،‬وحقيقته عند السلف‪ ،‬ومن جاء بعدهم ومنشأ الخلف وأثره في‬
‫أكثر من آية‪.‬‬
‫ً‬
‫)‪ (4‬وأوضحت – أيضا – معنى التشابه في القرآن وحقيقته‪ ،‬والخلف فيه‪،‬‬
‫وموقف المفسرين قديما ً وحديثا ً من التفسير بالرأي والعقل‪ ،‬وأثر هذا في‬
‫تفسير آيات القرآن الكريم في مواضع كثيرة‪.‬‬
‫وفي الباب الثاني‪ :‬تتبعت السباب الخاصة لختلف المفسرين‪ ،‬فتحدثت عن‪:‬‬
‫‪ .1‬ما له صلة بسند الرواية – مما يفسر به القرآن – كوصول الحديث لمجتهد‬
‫دون آخر‪ ،‬أو ثبوته عنده دون غيره‪ ،‬والخلف في تخصيص الية بالحديث‪ ،‬إذا‬
‫أنكر الراوي روايته عنه‪ ،‬أو خصص في الية بعمل الرواية إذا خالف روايته‪ ،‬أو‬
‫كان راوي الحديث مستور الحال‪.‬‬
‫وقد سقت الخلف بين العلماء في هذا كله‪ ،‬ورجحت ما بان لي رجحانه‪،‬‬
‫وبينت أثر الختلف بين المفسرين في مواضع كثيرة من القرآن‪.‬‬
‫‪ .2‬كما بينت – أيضا ً – السباب الخاصة لختلف المفسرين – مما له صلة‬
‫بمتن الرواية – مثل‪ :‬التفاوت بين المفسرين في الفهم؛ نظرا ً لتفاوتهم في‬
‫حفظ السنة النبوية‪ ،‬واللغة العربية‪ ،‬ودللتهما على الحكم الشرعي‪ ،‬وأثر ذلك‬
‫في تفسير القرآن‪ ،‬ومثل وجود التعارض – في الظاهر – بين أدلة الكتاب‬
‫والسنة‪ .‬وقد فصلت في هذا وبينت خلف العلماء‪ ،‬ومنشأه‪ ،‬وأثر هذا الختلف‬
‫في آيات القرآن الكريم ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومثل‪ :‬تخصيص الية بالحديث الضعيف‪ ،‬وقد حكيت خلف العلماء في ذلك‪،‬‬
‫ومنشأه‪ ،‬وأثره في تفسير القرآن الكريم ‪.‬‬
‫‪ .3‬كما بينت الختلف في مصادر التشريع – التبعية – كالقياس والمصالح‬
‫المرسلة‪ ،‬والستحسان‪ ،‬وشرع من قبلنا‪ ،‬والحتجاج بمفهوم المخالفة‪ ،‬وتعليل‬
‫الحكام‪ ،‬وحكم الزيادة على النص‪ .‬فبينت خلف العلماء في هذا ومنشأه‪،‬‬
‫وثمرته في تفسير القرآن الكريم في أكثر من آية‪.‬‬
‫‪ .4‬ويعتبر الختلف في العقيدة سمة بارزة في كتب التفسير‪ ،‬فاخترت‬
‫تفسيرين جعلتهما نموذجين للنحراف في العقيدة‪ ،‬هما‪ :‬مجمع‬
‫البيان]للطبرسي الشيعي[‪ ،‬وتفسير الكشاف ]للزمخشري المعتزلي[‪ ،‬وقد‬
‫أفضت – بعض الشيء – في هذا مع النقد والتوجيه لكل مسألة سقتها‪ ،‬سواء‬
‫كانت في العقيدة أو الحكام‪ ،‬وبينت خلف المفسرين في هذا‪ ،‬ومنشأه‬
‫وثمرته في أكثر من آية من آيات القرآن الكريم‪.‬‬
‫)‪ (5‬كما يعتبر النتماء المذهبي من أبرز أسباب الختلف بين المفسرين؛ لذا‬
‫فقد درست فيه نموذجين من التفسير‪ ،‬هما‪ :‬تفسير القرطبي المالكي‪،‬‬
‫وتفسير الجصاص الحنفي‪ ،‬وقد اخترتهما على غيرهما لظهور التعصب‬
‫المذهبي فيهما أكثر من غيرهما ولشمولهما لكثر الحكام الفقهية‪ ،‬وقد سقت‬
‫الخلف في كل مسألة‪ ،‬وحررت محل النزاع وبينت أثره في آيات كثيرة‪.‬‬
‫وعقدت بابا ً – خاصًا‪ -‬لبيان أثر الختلف بين المفسرين في العقائد والحكام‬
‫ففي العقيدة بحثت ثلث مسائل‪:‬‬
‫الولى‪ :‬زيادة اليمان ونقصانه‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬حكم الستثناء في اليمان‪ ،‬وتعليقه بالمشيئة‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬الحسن والقبح والعقليان‪.‬‬
‫فبينت منشأ اختلف العلماء‪ ،‬ودليل كل قول‪ ،‬وتحرير محل النزاع وبيان ثمرة‬
‫الخلف في آيات من القرآن الكريم‪ .‬أما أثر الختلف في الحكام الفقهية‬
‫فقد اخترت آيات الحكام في سورة الحج؛ لشتمالها على أهم مناسك الحج‪،‬‬
‫فبينت خلف العلماء في هذا ومنشأه‪ .‬وثمرته‪.‬‬
‫وأخيرًا‪ :‬إن هذا جهد المقل‪ ،‬فإن وفقت فمن الله‪ ،‬وإن أخطأت فمن نفسي‬
‫والشيطان‪ ،‬وما توفيقي إل بالله‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة‬


‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا‬
‫محمد وآله وصحبه وبعد‪.‬‬
‫هم المقصود ون بالدعوة إلى الله‬ ‫ن لنا في المقالةِ السابقةِ من ُ‬ ‫ن تبي َ‬ ‫فبعد َ أ ّ‬
‫ف في هذهِ المقالةِ على مسألةٍ مهمةٍ تتعلقُ بالخلص في‬ ‫عز وجل؟ نتعر ُ‬
‫ل ما‬‫ج ّ‬‫ه عليها‪ ،‬و ُ‬ ‫ه إليها‪ ،‬أو ننب ُ‬ ‫ّ‬
‫ة قلما نتنب ّ ُ‬ ‫الدعوة إلى الله عز وجل‪ ،‬وهي مسأل ٌ‬
‫ه‪،‬‬
‫ة إّنما يدعو إلى رب ِ‬ ‫ن الداعي َ‬ ‫نفهمه من معنى الدعوةِ إلى الله عز وجل‪ ،‬هو أ ّ‬
‫َ‬
‫وإلى سبيلهِ وتوحيدهِ وطاعته‪ ،‬وإلى أقامةِ دينهِ كما قال تعالى‪ )) :‬اد ْع ُ إ ِلى‬
‫مةِ (( )النحل‪ :‬من الية ‪(125‬‬ ‫ك ِبال ْ ِ‬
‫حك ْ َ‬ ‫ل َرب ّ َ‬
‫سِبي ِ‬
‫َ‬
‫ن ات ّب َعَِني ((‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وقوله تعالى ‪ )) :‬قُ ْ‬
‫م ِ‬
‫صيَرةٍ أَنا وَ َ‬
‫عو إ ِلى اللهِ عَلى ب َ ِ‬ ‫سِبيِلي أد ْ ُ‬
‫ل هَذِهِ َ‬
‫)يوسف‪ :‬من الية ‪(108‬‬
‫ن‬
‫ف أساس للدعوة إلى الله عز وجل‪ ،‬لك ْ‬ ‫ن هذا معنى صحيح‪ ،‬وهد ٌ‬ ‫كأ ّ‬ ‫ول ش ّ‬
‫م الدعوة إلى الله تعالى‪،‬‬ ‫ة يتضمنها مفهو ُ‬ ‫ة عظيم ً‬ ‫ك معنى لطيف‪ ،‬ومسأل ً‬ ‫هنا َ‬ ‫ُ‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ه إليهِ ‪،‬‬‫ه‪ ،‬قَّلما ننتب ُ‬


‫يتعلقُ بإخلص الدعوة للهِ سبحان ُ‬
‫ه الله‪ -‬تعالى في‬ ‫وهو ما أشار إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب‪ -‬رحم ُ‬
‫ب‬‫) مسائل باب الدعاِء إلى شهادة أن ل إله إل الله ( وهو من أبواب كتا ِ‬
‫ث يقول‪:‬‬ ‫التوحيد حي ُ‬
‫ن كثيًرا لو دعا إلى الحقّ فهو يدعو‬ ‫ه على الخلص‪ ،‬ل ّ‬ ‫ة الثانية‪ :‬التنبي ُ‬ ‫) المسأل ُ‬
‫إلى نفسه(‪.‬‬
‫يا لها من مسألةٍ عظيمةٍ يغفل عنها الكثير مّنا‪ ،‬وإّنها لمن الدقة واللطف‪،‬‬
‫بحيث توجد ُ عند البعض مّنا دون الشعور بوجودها‪.‬‬
‫وإن لم ُيفتش الداعية عنها في نفسه‪ ،‬وُيبادر إلى التخلص منها‪ ،‬فإّنها قد‬
‫ط العمل‪ ،‬وضياع َ الجهد‪ -‬عياًذا بالله‪ -‬تعالى‪ .‬ولتمام ِ‬ ‫ن سبًبا في حبو ِ‬ ‫تكو ُ‬
‫ل وجودها على‬ ‫الفائدةِ أسوقُ فيما يلي بعض العلمات والمظاهر التي يد ّ ُ‬
‫تلوث القلب بهذه الفة الخطيرة‪.‬‬
‫‪ -1‬الحزبّية المقيتة‪ ،‬التي تدفعُ بصاحبها إلى عقدِ المحبة والعداوة على‬
‫ص والطوائف‪.‬‬ ‫السماِء والشخا ِ‬
‫دعاة الخرين‪،‬‬ ‫ف الناس‪ ،‬وكراهية ال ُ‬ ‫شهرةِ والصدارة‪ :‬والتفا ُ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫‪ُ -2‬‬
‫ة‬
‫ن في ذلك منافس ً‬ ‫ّ‬
‫ض والضيقُ من تجمِع الناس حولهم‪ ،‬ل لشيٍء إل ل ّ‬ ‫والنقبا ُ‬
‫دا في القلب‪.‬‬ ‫وحس ً‬
‫دعاة‪ ،‬وتحقيرها وتشويهها‪ ،‬حتى ولو كان هذا‬ ‫ض ال ُ‬
‫ل بع ِ‬ ‫‪ -3‬التزهيد ُ في أعما ِ‬
‫ب القلب المريض الذي يدعو إلى‬ ‫ل قد ظهر خيره ُ وصلحه‪ ،‬فل ترى صاح ُ‬ ‫العم ُ‬
‫مسّتاًء من ذلك ‪.‬‬ ‫نفسهِ وليس إلى الله تعالى‪ ،‬إل ّ ُ‬
‫ت‬
‫م بهِ غيره‪ ،‬وهذا من علما ِ‬ ‫ف كل عمل خيرٍ يقو ُ‬ ‫ولو كان المُر إليه لوق َ‬
‫ص في دعوته إلى الله تعالى‪،‬‬ ‫ن العبد َ المخل ُ‬ ‫الخذلن‪ -‬عياًذا بالله‪ -‬تعالى‪ ،‬ل ّ‬
‫ه‪ ،‬ويدعو له بظهر الغيب‪،‬‬ ‫ب كل داعيةٍ إلى الخير ولو لم يعرفه‪ ،‬أو لم ير ُ‬ ‫يح ّ‬
‫ه الله تعالى على يدِ من كان من عباد الله‪،‬‬ ‫ب من الخير يفتح ُ‬ ‫ح بأيّ با ٍ‬ ‫ويفر ُ‬
‫حا‬‫ن في ذلك صل ً‬ ‫شر ُيغلقُ على يد ِ من كان ذلك‪ ،‬ل ّ‬ ‫ب من ال ّ‬ ‫ح بأيّ با ٍ‬ ‫ويفر ُ‬
‫ما في هدا يتهم وتعبيدهم لرب العالمين‪ ،‬وكفى بذلك هدًفا‬ ‫للعباد‪ ،‬وإسها ً‬
‫ه‪ ،‬أو على يد‬ ‫وثمرة ً ُتثلج صدر الداعية المخلص‪ ،‬سواًء تحقق ذلك على يد ِ‬
‫غيره من الداعين إلى الله تعالى‪.‬‬
‫ة‪ ،‬للحاق الذى‬ ‫‪ -4‬الوقوع في غيبةِ الدعاة‪ ،‬أو السعي بالنميمةِ والوشاي ِ‬
‫بهم‪،‬أو إشاعة ما هم منه برءاء في الناس‪ ،‬حتى ينفضوا من حولهم ويلتفوا‬
‫حوله‪.‬‬
‫ة كثيرة‪ ،‬وك ّ‬
‫ل‬ ‫ت كأمثلةٍ سريعةٍ لهذا المرض‪ ،‬وإل ّ فالمثل ُ‬ ‫وأكتفي بهذه العلما ِ‬
‫ن أدرى بنفسه‪ ،‬وهو على نفسه بصيرة‪.‬‬ ‫إنسا ٍ‬
‫ل في‬ ‫ة العما ِ‬‫والمقصود ُ التنبيه على هذه الفات الخطيرة‪ ،‬التي تمحقُ برك َ‬
‫ب بأجرها في الخرة‬ ‫الدنيا‪ ،‬وتذه ُ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ادع ُ ِإلى سبيل ربك‬


‫بالحكمة والموعظة الحسنة‬
‫بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي‬
‫) ادع ُ ِإلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن‬
‫إن رّبك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين (‬
‫] النحل ‪[ 125 :‬‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جة لهم في موقع غير موقعها‬ ‫يطلق كثير من المسلمين هذه الية الكريمة ح ّ‬
‫وغوا عجزا ً َأو تنازل ً أو عدم تقدير حقيقي لعظمة هذه الية الكريمة وشدة‬ ‫ليس ّ‬
‫سر للناس في فهمها‬ ‫ارتباطها مع كامل منهاج الله في تناسق وِإعجاز مع ي ُ ْ‬
‫وتدبرها ‪.‬‬
‫قا ً مطلقا ً جاء من عند الله وحيا ً على محمد صلى‬ ‫إن الية الكريمة تمّثل ح ّ‬
‫الله عليه وسلم ‪ .‬وستظل هذه الية الكريمة غنّية الممارسة والتطبيق في‬
‫كل واقع بشري ‪ .‬ولنفهم الية الكريمة ونتدبرها يجب أن نفهم القضّية التي‬
‫تعالجها ‪.‬‬
‫إن الية تبتدئ بعرض القضية والموضوع ‪ ) :‬ادع إلى سبيل رّبك ‪ . ( ...‬هذه‬
‫هي القضية التي تتحدث عنها هذه الية الكريمة متناسقة مع جميع اليات‬
‫لخرى في القرآن الكريم ‪ ،‬اليات التي تتحدث عن هذه القضية وأساليبها‬ ‫ا ُ‬
‫ووسائلها ‪ .‬إنها قضّية الدعوة واليمان والتوحيد ‪ ،‬إلى الله ورسوله ‪ ،‬إلى دين‬
‫الله الحق ـ السلم ـ ‪ ،‬لخراج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم ‪،‬‬
‫ومن عبادة العباد والوثان والهواء إلى عبادة الله الذي ل إله إل هو ‪ .‬إن هذه‬
‫القضية تمثل القضية الكبرى في الكون والحياة ‪ ،‬القضّية التي من أجلها بعث‬
‫الله الرسل والنبياء الذين ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وبالقرآن‬
‫دقا ً لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا ً عليه ‪ .‬إنها تمثل‬ ‫الكريم الذي جاء مص ّ‬
‫ي الثابت الول في حياة المسلم وفي مسيرة الدعوة‬ ‫الهدف الّربان ّ‬
‫السلمية ‪ .‬ومن أجل هذه القضية تقوم الدعوة السلمية في الرض لنقاذ‬
‫الناس من عذاب الدار الخرة لمن يموت على الشرك أو الكفر ‪ ،‬ولنقاذ‬
‫الناس من فتنة الدنيا ‪.‬‬
‫القضية التي تدور حولها الية واليات التي قبلها وبعدها هي قضية دعوة‬
‫دد علقة‬ ‫الناس إلى اليمان والتوحيد ‪ .‬ومن أجل هذا الهدف العظيم تتح ّ‬
‫صلها منهاج الله ‪.‬‬ ‫المسلم بسائر الناس على ضوء قواعد رّبانية يف ّ‬
‫إن التوجيه في هذه الية هو للداعية العامل ‪ ،‬الداعية المجاهد الذي عرف‬
‫دربه وهدفه ‪ ،‬وعرف عهده مع الله ليكون الحافز الدائم ليمضي على الدرب‬
‫يبّلغ رسالة الله ‪.‬‬
‫فمن أجل ذلك جاء التوجيه الرباني ) ‪ ..‬بالحكمة والموعظة الحسنة ‪. ( ..‬‬
‫هذه هي القاعدة الولى الهامة ‪ ،‬أن تكون الدعوة بالحكمة أول ً ‪ ،‬باختيار‬
‫السلوب المثل المليء بالحكمة لتبليغ رسالة الله واضحة جلّية دون مواربة‬
‫ل للداعية المسلم أن يغّير أو يبدل دين الله ‪،‬‬ ‫ول تنازلت ول مساومات ‪ .‬ل يح ّ‬
‫وفي الساليب التي بّينها منهاج الله ‪ ،‬ثم يقول ‪ :‬إن هذا التغيير أو التنازل هو‬
‫من باب الحكمة ‪.‬‬
‫ُ‬
‫والحكمة هي في بعض اليات تعني ما أنزل من عند الله ‪ ،‬وفي أخرى يكون‬
‫معناها الجامع ‪ :‬فقه الموهبة المؤمنة والمسؤولية والمانة ‪.‬‬
‫ً‬
‫دعيا أن‬ ‫وهنا يحاول بعض المسلمين أن يقّرب السلم من العلمانية م ّ‬
‫تقريبهما هو من باب الحكمة ‪ ،‬أو ضرورات الواقع ‪ ،‬أو المصلحة العامة التي‬
‫يتوهمها ‪.‬‬
‫إن أسلوب الحكمة نستطيع أن نفهمه من كتاب الله نفسه ‪ ،‬ومن هذه الية‬
‫الكريمة بقوله سبحانه وتعالى ‪ ) :‬والموعظة الحسنة ( والموعظة هي أن‬
‫تبّين لهم عظمة السلم واليمان وقوة ثباتك أيها الداعية المسلم عليه ‪.‬‬
‫والموعظة الحسنة هي ‪ :‬الوضوح في الكلمة المؤمنة الطيبة ‪ ،‬والصدق فيها ‪،‬‬
‫حتى ل يكون هنالك مجال لسوء الفهم أو التغرير ‪ .‬إنها تتأكد بقوله سبحانه‬
‫وتعالى ) ‪ ...‬وقولوا للناس حسنا ً ‪ ] ( ...‬البقرة ‪[ 83 :‬‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبقوله تعالى ‪ ..) :‬وهدوا إلى الطّيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد (‬
‫] الحج ‪[ 24 :‬‬
‫ً‬
‫يجمع الله سبحانه وتعالى معاني ) قولوا حسنا ( ‪ ) ،‬الطيب من القول ( ‪،‬‬
‫) الموعظة الحسنة ( ‪ ) ،‬صراط الحميد ( ‪ ،‬وغير ذلك من اليات الكريمة ‪،‬‬
‫بقوله الجامع في آية جامعة ‪:‬‬
‫) ومن أحسن قول ً ممن دعا إلى الله وعمل صالحا ً وقال إنني من‬
‫المسلمين ( ] فصلت ‪[ 23 :‬‬
‫صلة لمعنى ‪ :‬بالحكمة والموعظة الحسنة ‪،‬‬ ‫إنها آية جامعة لكل ما سبق ‪ ،‬مف ّ‬
‫وغير ذلك مما ذكرناه سابقا ً ‪ .‬إنها تجمع ذلك في ثلث قضايا أو خطوات ‪ :‬أول ً‬
‫‪ ... ) :‬دعا إلى الله ‪ : ( ..‬أن تكون الدعوة إلى الله هي جوهر العلقة دون‬
‫تغيير ول تبديل ‪ ،‬ودون تمويه ول مماراة ‪ ،‬ودون ضعف أو تردد ‪ .‬ثانيا ً ) ‪...‬‬
‫وعمل صالحا ً ‪ ، ( ..‬حتى يرى الناس أن قولك مطابق لعملك ‪ ،‬وأنك ملتزم‬
‫بما تقتضيه دعوة الناس إلى الله ‪ :‬كلمة ونهجا ً وتطبيقا ً ‪ ،‬ليروا السلم ليس‬
‫في الكلمات ولكن ليروه في واقع الحياة حي ّا ً ناطقا ً بالحق ‪ .‬ثالثا ً ) ‪ ...‬وقال‬
‫ِإنني من المسلمين ( ‪ :‬إنه الوضوح والجلء وإعلن الُهوّية لمن تدعوه ‪ ،‬حتى‬
‫ن إلى صدقك واستقامتك ‪ ،‬وأنك تعلن الحق ول تتنازل عن شيء منه‬ ‫يطمئ ّ‬
‫أبدا ً ‪ ،‬وترفض الباطل ول تقبل منه شيئا ً ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬
‫إن اللحظة التي يتنازل فيها الداعية عن شيء من الحق ‪ ،‬أو يقبل فيها شيئا ً‬
‫من الباطل ‪ ،‬تكون دعوته قد انتهت وسقطت وخسر الموقف كله ‪ ،‬وفتح‬
‫ن أن تلج وتتسلل ‪ ،‬ثم تمتد وتقوى ‪ ،‬وإذا الداعية‬ ‫الباب لشياطين النس والج ّ‬
‫المسلم أصبح يدعو بدعوة هؤلء تحت شعار ) الحكمة ( ! إذا به يدعو إلى‬
‫الحداثة أو العلمانية أو الديمقراطية أو الشتراكية ‪ ،‬كل ذلك بدعوى الحكمة‬
‫والموعظة الحسنة ‪.‬‬
‫المثلة على ذلك كثيرة ‪ :‬داعية مسلم يدعو في قلب أمريكا إلى الديمقراطية‬
‫‪ ،‬وداعية مسلم ينتقل من بلد إلى بلد ‪ ،‬يبذل جهده وماله ووقته ليبّين للناس‬
‫فضائل الديمقراطية ) لنها المثل الذي يحتذى ( ‪ ،‬ول يتطّرق إلى السلم‬
‫ودعوته ‪ ،‬وداعية ينتقل ليبّين للناس أنه ) ل خلف بين مقصود الشريعة‬
‫السلمية والَعلمانية ( ‪ ،‬وداعية مسلم يحتضن ) الشتراكيين ( ويتنازل لهم‬
‫ض عنها أو داعية لها ‪ .‬ذلك‬ ‫ويسكت عن بعض مناهجهم المنحرفة ‪ ،‬فإذا هو را ٍ‬
‫ن الشيطان ُيزّين للنسان سوء عمله حتى يراه حسنا ً دون أن يشعر أنه‬ ‫لَ ّ‬
‫مخطئ ‪ .‬إنه أمر طبيعي ! إن الحق يرفض أن ُيتنازل عنه أو عن شيء منه أو‬
‫أن يتجزأ ‪ ،‬لنه عزيز قوي من عند الله ‪ ،‬وإن الحق يرفض أن ُيشَرك معه‬
‫باطل ‪ ،‬لن الحق من عند الله والباطل من الشيطان وَأعدائه ‪.‬‬
‫ليس أمام الداعية المسلم إل سبيل واحدة ‪:‬‬
‫) قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما‬
‫أنا من المشركين ( ] يوسف ‪[ 108 :‬‬
‫نعم ‪ ) :‬أدعو إلى الله ( ! ‪ ،‬وليس إلى غيره ‪ ،‬أبلغ رسالة الله إلى الناس ‪،‬‬
‫ي‪،‬‬
‫نعم ‪ ) :‬على بصيرة ( ! ‪ ،‬على إيمان ويقين ‪ ،‬ونهج واضح ودرب جل ّ‬
‫وأهداف مشرقة ل انحراف عنها !‬
‫) أنا ومن اتبعني ( ! فالمؤمنون أمة واحدة تمضي على سبيل واحدة إلى‬
‫أهداف واحدة ‪ ،‬تنزيها ً لله دون شرك أبدا ً ‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إنه ليس من الحكمة ول من الموعظة الحسنة أبدا ً أن ل تدعو ِإلى الله ‪ ،‬أو‬
‫طل الدعوة إلى الله بالنشغال عنها بما هو أقل منها شأنا ً عند الله ‪ ،‬أو‬ ‫أن تع ّ‬
‫ُتفّرق الدعوة أجزاًء غير مترابطة ل تكون نهجا ً متصل ً ول سبيل ً ممتدا ً ‪ ) :‬قل‬
‫ي حاسم ‪ ) :‬ادع ُ إلى رّبك ‪ ! ( ..‬بّلغ رسالة‬ ‫جل ّ‬
‫هذه سبيلي ( ! فالمر من الله َ‬
‫الله إلى الناس !‬
‫إنه ليس من الحكمة ول من الموعظة الحسنة أن تدعو إلى شيء من ) دون‬
‫الله ( ‪ ،‬ول إلى أمر من ) دون الله ( ‪ .‬فقد جاء النهي من الله عن ذلك جليا ً‬
‫حاسما ً ‪ ) :‬ول تدع من دون الله ما ل ينفعك ول يضرك فإن فعلت فإنك إذن‬
‫من الظالمين ( ] يونس ‪[ 106 :‬‬
‫ً‬
‫) وأن المساجد لله فل تدعوا مع الله أحدا ( ] الجن ‪[ 18 :‬‬
‫) قل إنما أدعو ربي ول أشرك به أحدا ً ( ] الجن ‪[ 20 :‬‬
‫إنه ليس من الحكمة ول من الموعظة الحسنة أن ل تبّلغ رسالة الله كاملة ‪،‬‬
‫ت من عند الله ‪ ،‬أو أن تخفي منها شيئا ً ‪ ،‬مداراة لوهم قذفه‬ ‫ُ‬
‫كما أْنزل ْ‬
‫الشيطان في نفسك ‪ ،‬أو ظن ّا ً منك أنك بإخفاء شيء من رسالة الله أو‬
‫تحويره تبلغ هدفك ‪ ،‬فالله أعلم ولقد جاء أمره جليا ّ حاسما ً ‪:‬‬
‫) يا أيها النبي بّلغ ما ُأنزل إليك من رّبك وإن لم تفعل فما بّلغت رسالته والله‬
‫ن الله ل يهدي القوم الكافرين ( ] المائدة ‪[ 67 :‬‬ ‫يعصمك من الناس إ ّ‬
‫َ‬
‫) وقل الحقُ من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا‬
‫للظالمين نارا ً أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي‬
‫الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا ً ( ] الكهف ‪[ 29 :‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫إنك أيها الداعية المسلم إن أخفيت شيئا ً خسرت أمرين ‪ :‬خسرت احترام َ‬
‫دلت‬ ‫تدعوه ‪ ،‬لنه يعرف دينك الذي ل يؤمن هو به ‪ ،‬ويعرف أنك غّيرت وب ّ‬
‫وخسرت رضاء الله وعونه ونصره ‪ ،‬فما النصر إل من عند الله ‪.‬‬
‫إنه ليس من الحكمة ول من الموعظة الحسنة أن تخالف أمر الله وما أوحى‬
‫به إلى عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬أن تخالف ذلك إلى هواك‬
‫واجتهادك البشري على غير أساس من دين الله ‪ .‬فلقد جاء أمر الله جلي ّا ً‬
‫حاسما ً ‪:‬‬
‫)واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين (‬
‫] يونس ‪[109 :‬‬
‫) فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لول أنزل عليه‬
‫كنُز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل (‬
‫] هود ‪[ 12 :‬‬
‫ور السلم أنه دين المسالمة والمساومة والتنازلت‬ ‫ص ّ‬
‫ليس من الحكمة أن ن ُ َ‬
‫كي نركن إلى من ل يؤمن بالله ‪ ،‬أو انحرف عن دين الله ‪ ،‬أو دعا إلى غير‬
‫دل وغّير ‪ ،‬ول هو من‬ ‫الله ‪ ،‬أو افترى على الله كذبا ً واّدعى باطل ً أو أخفى وب ّ‬
‫الحكمة أن نخفي ما فرضه الله نصا ً صريحا ً في الكتاب والسنة من عدم‬
‫موالة المشركين والكافرين والمنافقين ‪ ،‬أو نخفي ما أمر الله به من جهاد‬
‫في سبيل الله ‪ .‬ليس من الحكمة أن نخفي ما بّينه الله للناس ‪ ،‬ول أن نركن‬
‫إلى الظالمين ‪ ،‬فقد جاء المر من عند الله جليا ّ حاسما ً في كل ذلك ‪ ،‬وأمر‬
‫المؤمنين بالصبر على ما يلقونه في سبيل الله ‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫) فاستقم كما ُأمرت ومن تاب معك ول تظغوا إنه بما تعملون بصير ‪ .‬ول‬
‫تركنوا إلى الذي ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من ولي ول نصير‬
‫(‬
‫] هود ‪[ 111،112 :‬‬
‫وكذلك فإنه ليس من الحكمة أن ي ُّتهم السلم بأّنه دين العدوان والظلم ‪،‬‬
‫بادعاء باطل يقوم على تأويل فاسد للجهاد في سبيل الله ‪ ،‬للصاق الجريمة‬
‫فى بعد ذلك أن السلم دين الحقّ والعدل ‪ ،‬ودين الرحمة‬ ‫بالمسلمين ‪ ،‬وُيخ َ‬
‫قق في الرض إل‬ ‫والعّزة والقوة ‪ ،‬وأن الحقّ والعدل والرحمة والعّزة ل تح ّ‬
‫بالجهاد في سبيل الله ‪.‬‬
‫ت على‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن أساس الحكمة والموعظة الحسنة أن نبلغ رسالة الله كما أنزل ْ‬ ‫إ ّ‬
‫دل ول نغّير ‪ .‬ذلك لن‬ ‫ً‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ل نخفي شيئا ول نب ّ‬
‫ل العجاز ‪ ،‬ل نستطيع بلوغها ِإل باتباعها ‪،‬‬ ‫الموازنة في كتاب الله معجزة ك ّ‬
‫ول نستطيع بلوغها إذا لم نبّلغ السلم بتكامله ووضوحه ‪ ،‬أو إذا بّلغنا جزءا ً‬
‫وحذفنا جزءا ً ‪ ،‬أو إذا قبلنا باطل ً فذلك ما يسعى إليه المجرمون في الرض ‪،‬‬
‫منذ النبوة الخاتمة ليفتنوا المؤمنين عما ُأوحي إلى محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪:‬‬
‫) وإن كادوا ليفتنوك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا ً لتخذوك‬
‫خليل ً ‪ .‬ولول أن ثّبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا ً قليل ً إذا لذقناك ضعْ َ‬
‫ف‬
‫م ل تجد لك علينا نصيرا ً ( ] السراء ‪[ 75 :‬‬ ‫الحياة وضعف الممات ث ّ‬
‫وكذلك قوله سبحانه وتعالى ‪:‬‬
‫) إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البّينات والهدى من بعد ما بّيناه للناس في‬
‫الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللعنون ( ] البقرة ‪[ 159 :‬‬
‫وكذلك ‪:‬‬
‫ً‬
‫) الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون‬
‫ن من الممترين (‬ ‫الحق وهم يعلمون ‪ .‬الحقّ من رّبك فل تكون ّ‬
‫] البقرة ‪[ 147 ، 146 :‬‬
‫إذن نستطيع أن نفهم ما هي الحكمة والموعظة الحسنة في طريق الدعوة‬
‫إلى الله من كتاب الله ومن سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ‪ .‬ولقد أتينا‬
‫بقبسات فقط ‪ ،‬لننا ل نستطيع أن نعرض هنا كل ما جاء في منهاج الله ‪ ،‬فل‬
‫بد للمسلم أن يعود إلى منهاج الله عودة صادقة ليرى الصورة الجلّية بتكاملها‬
‫وترابطها وتناسقها ‪.‬‬
‫ثم يأتي المر الثاني من عند الله ‪ ) :‬وجادلهم بالتي هي أحسن ( ! نعم !‬
‫يجب مجادلتهم بالتي هي أحسن ‪ ،‬ذلك والمسلم الداعية قائم بالدعوة إلى‬
‫الله ‪ ،‬يبلغ رسالة الله بتكاملها ‪ ،‬يعرض الحق ل يتنازل عن شيء منه أبدا ً ‪،‬‬
‫ويرفض الباطل ول يقبل منه شيئا ً أبدا ً ‪ .‬إذا ً ‪ ،‬وهو في طريق الدعوة ‪ ،‬يدعو‬
‫جته بأسلوب مشرق صادق واضح‬ ‫ويبّلغ ‪ ،‬قد يضطر إلى المجادلة ‪ ،‬ليعرض ح ّ‬
‫مقنع ‪ .‬السلوب الحسن في الجدال نفهمه كذلك من كتاب الله وسنة نبّيه‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬كما بّينا قبل قليل ‪ .‬السلوب الحسن هو الوضوح‬
‫جة القوّية المقنعة ‪ ،‬تعرض الحقّ وترفض‬ ‫والجلء ‪ ،‬والصدق والبيان ‪ ،‬والح ّ‬
‫الباطل ‪ ،‬وليطابق القول العمل ‪ ،‬وذلك كله بأدب وخلق ‪ ،‬بالكلمة الطّيبة ‪،‬‬
‫والعمل الصالح ‪.‬‬
‫ويعلمنا القرآن الكريم جميع الجوانب ) وجادلهم بالتي هي أحسن ( ‪،‬‬
‫وحدودها وأسلوبها ‪ ،‬وبصورة عملية جلّية ‪ .‬فلنأخذ قبسات من ذلك ‪:‬‬
‫) ول تجادلوا أهل الكتاب إل بالتي هي أحسن إل الذين ظلموا منهم وقولوا‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫آمنا بالذي ُأنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون (‬
‫] العنكبوت ‪[ 46 :‬‬
‫هذه هي الحدود ‪ .. ) :‬إل الذين ظلموا منهم ‪ ( ..‬والظالمون هم الذين يدعون‬
‫إلى باطل ويصّرون عليه ‪ ،‬والذين يعتدون ويظلمون الناس ‪ ،‬والكافرون‬
‫والمنافقون ‪ ،‬الذين يفسدون في الرض ‪.‬‬
‫ُ‬
‫وهذا هو السلوب الحسن ‪ .. ) :‬وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم‬
‫وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون ( إنه الصدق والحق والوضوح ‪ ،‬بأدب‬
‫علمانيون ‪ ،‬أو أن‬ ‫ل وبيان وخلق ‪ .‬ليس السلوب الحسن أن نقول إننا َ‬ ‫عا ٍ‬
‫علمانيتكم قريبة من ديننا ‪ ،‬ول ديمقراطيتكم هي من السلم ‪ ،‬والحداثة من‬
‫السلم ‪ ،‬والشتراكية من السلم ‪ ،‬وعدد ما شئت ‪ ،‬ثم تقول إن ذلك كله من‬
‫ف الناس عندئذ ما هو السلم في وسط هذا‬ ‫السلم ‪ .‬ولو فعلنا ذلك لما عر َ‬
‫الخليط المضطرب ‪ ،‬ول ما هي حقيقته ! وانظر كيف يعلمنا الله ممارسة‬
‫الحكمة والموعظة الحسنة والجدال الحسن ‪:‬‬
‫جك فيه من بعد ما جاءك‬ ‫) الحقّ من ربك فل تكن من الممترين ‪ .‬فمن حا ّ‬
‫من العلم فقل تعالوا ندع ُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم‬
‫م نبتهل فنجعل لعنه الله على الكاذبين ‪ .‬إن هذا لهو القصص الحق وما من‬ ‫ث ّ‬
‫إله إل الله وإن الله لهو العزيز الحكيم ( ] آل عمران ‪60 :‬ـ ‪[ 62‬‬
‫فهل هنالك أبلغ من هذا الدرس العظيم ‪ ،‬إل أن يكون درسا ً آخر من كتاب‬
‫ن في قوله سبحانه وتعالى ‪:‬‬ ‫الله ‪ ،‬فاستمع إلى درس ثا ٍ‬
‫) قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أل ّ نعبد إل ّ الله ول‬
‫نشرك به شيئا ً ول يتخذ بعضنا بعضا ً أربابا ً من دون الله فإن توّلوا فقولوا‬
‫اشهدوا بأنا مسلمون ( ] آل عمران ‪[ 64 :‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وضوح وجلء ‪ ،‬وقول فصل حاسم ‪ ،‬بأعلى درجات الخلق والقول الحسن‬
‫والحكمة والموعظة الحسنة والجدال الحسن ‪ .‬واستمع أيضا ً إلى أدب الجدال‬
‫الحسن في صورة تطبيقية عملية ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫جون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والنجيل إل من‬ ‫) يا أهل الكتاب لم تحا ّ‬
‫بعده أفل تعقلون ‪ .‬هاأنتم حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس‬
‫لكم به علم والله يعلم وأنتم ل تعلمون ‪ .‬وما كان إبراهيم يهوديا ول نصرانيا ً‬
‫ن أولى الناس بإبراهيم‬ ‫ولكن كان حنيفا ً مسلما ً وما كان من المشركين ‪ .‬إ ّ‬
‫ي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ( ] آل عمران ‪:‬‬ ‫للذين اتبعوه وهذا النب ّ‬
‫‪65‬ـ ‪[ 68‬‬
‫جة بالغة تخاطب النفس والعقل ‪ ،‬لتبّلغ‬ ‫وضوح وجلء ‪ ،‬قول فصل حاسم ‪ ،‬ح ّ‬
‫الحقّ ل باطل معه ول شوائب ‪ .‬موقف حاسم ل مساومة فيه ول محاولة‬
‫لتقريب الحق من الباطل أو الباطل من الحق ‪ ،‬إذ ْ ل لقاء بينهما أبدا ً ‪.‬‬
‫واستمع إلى هذه اليات الكريمة تعرض لنا الحكمة والموعظة الحسنة‬
‫والقول الحاسم عندما ينتهي دور الجدل والجدال ‪:‬‬
‫) قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا‬
‫ُبرءآؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة‬
‫ن لك وما‬ ‫والبغضاء أبدا ً حتى تؤمنوا بالله وحده إل قول إبراهيم لبيه لستغفر ّ‬
‫أملك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ‪ .‬ربنا‬
‫ل تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا رّبنا إنك أنت العزيز الحكيم ( ] الممتحنة‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪[ 4،5 :‬‬


‫مواقف كثيرة نتعلم منها من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫كيف يجب أن نمضي في الدعوة إلى اليمان والتوحيد ‪ ،‬إلى الحقيقة الكبرى‬
‫في الكون والحياة ‪ ،‬إلى الله ورسوله ‪ ،‬وكيف تكون الحكمة والموعظة‬
‫الحسنة ‪ ،‬والجدال بالتي هي أحسن ‪.‬‬
‫إن هذه القواعد الربانّية يجب التزامها لتكون نهجا ً متصل ً واعيا ً في حياة‬
‫المؤمن الداعية ‪ ،‬سواء أكان يدعو كافرا ً ومشركا ً ‪ ،‬أو أحدا ً من أهل الكتاب ‪،‬‬
‫أو رجل ً منتسبا ً إلى السلم فيه انحراف وضللة في بعض جوانب فكره كما‬
‫يبدو للناس ‪ .‬لبد ّ من الوضوح والجلء والقول الحاسم والحجة البالغة المقنعة‬
‫‪ ،‬ولبد للداعية أن يلتزم هو أول ً ما يدعو إليه ‪ ،‬ليكون قوله مطابقا ً لموقفه‬
‫وعمله ‪.‬‬
‫قد يتسلل إلى صفوف المؤمنين علمانيون واشتراكيون وديمقراطيون أو‬ ‫ّ‬
‫خفون ذلك حتى تلوح لهم الفرصة فيكشفوا عن‬ ‫مشركون في حقيقتهم ‪ .‬ثم ي ُ ْ‬
‫حقيقتهم ‪ ،‬ويبدؤوا ينشرون الفتنة بين المسلمين ‪ .‬ألم نر كيف أن حزبا ً‬
‫ي بكل معنى الكلمة ؟ !‬ ‫أصوليا ً إسلميا ً يعلن أن ل يدعى بإسلمي وأنه علمان ّ‬
‫إنها صدمة نفسّية أن نرى هذا الحشد الذي كان منتسبا ً إلى السلم حتى‬
‫اعُتبر من الصوليين ‪ ،‬أعلن عن انتمائه العلماني وانتمائه إلى أوروبا ! وربما‬
‫شْركهم قطعة رقيقة من السلم ‪ ،‬شعارا ً‬ ‫هناك آخرون ألبسوا علماني َّتهم و ِ‬
‫إسلميا ً يخفي الحقيقة العلمانية أو الشرك ‪ .‬وقد يقول بعضهم إن هذا مجرد‬
‫" تكتيك " ‪ ،‬ولكنه تكتيكا ً ل ندري من يخدع به ‪ ،‬أي يخدع نفسه ‪ ،‬أم‬
‫المسلمين ‪ ،‬أم العلمانيين ‪ ،‬أم كل أولئك ؟‬
‫لقد كشف واقعنا بالمثلة الحّية أن أيّ تنازل من الداعية عما يؤمن به ‪،‬‬
‫ي‬
‫وقبوله ببعض ما يرفضه مداراة للطرف الخر ‪ ،‬بدعوى أنه قبول مرحل ّ‬
‫وتنازل مرحلي ‪ ،‬حتى يتألف القلوب ‪ ،‬إن أي تنازل مثل هذا فتح ثغرات‬
‫ف المسلمين ‪ ،‬تسلل منها الطرف الخر بدعوته ورسالته ‪ ،‬فإذا‬ ‫واسعة في ص ّ‬
‫ً‬
‫المسلم الذي كان يرفض ) الحداثة ( مثل ‪ ،‬أصبح بعد تنازله يسكت عن‬
‫أخطاء الحداثة ‪ ،‬ثم أصبح يألفها ‪ ،‬ثم أصبح يدعو لها ‪ ،‬بعد أن زّين له‬
‫الشيطان ذلك بالخطأ أو النحراف ‪:‬‬
‫) أفمن كان على بّينة من رّبه كمن ُزّين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم (‬
‫] محمد ‪[ 14 :‬‬
‫ل من يشاء ويهدي من‬ ‫) أفمن ُزّين له سوء عمله فرآه حسنا ً فإن الله يض ّ‬
‫يشاء فل تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون (‬
‫] فاطر ‪[ 8 :‬‬
‫وكذلك كان شأن من تنازل للديمقراطية عن حقائق السلم ‪ ،‬حتى أصبح‬
‫داعية للديمقراطية في كل موطن باسم السلم ونسي أمر الله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ) :‬ادع ُ إلى سبيل ربك ‪. ( ..‬‬
‫وكذلك صار بعض المسلمين يملؤون الندوات بالدعوة إلى الشتراكية حين‬
‫كانت أيام مواسمها ‪ ،‬وكذلك صار بعض الدعاة المسلمين دعاة ً ِإلى العلمانّية‬
‫بصورة ظاهرة واضحة ‪ ،‬في الندوات والمؤتمرات !‬
‫سمعون منهم‬ ‫والذين أخذوا ُيماُرون النصارى ودعاة النصرانّية وُيواّدونهم ‪ ،‬فَي َ ْ‬
‫سمعوهم ‪ ،‬بحجة ) الحكمة ( دون الدعوة إلى الله ورسوله ‪ ،‬ودون‬ ‫دون أن ي ُ ْ‬
‫الموعظة الحسنة ‪ ،‬فما لبث بعضهم أن وجد نفسه يألف ما يدعونه إليه من‬
‫باطل ‪ ،‬ويغيب عنه الحق البلج في السلم ‪ ،‬ول يجد حوله من يوقظه أو‬
‫يعظه ‪ ،‬فإذا هو تارك لدينه ‪ ،‬مرتم ٍ في شرك وضللة أهلك نفسه بها ‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫إنها الخطوة الولى دائما ً ‪ ،‬ثم تتلوها الخطوات ‪ .‬الخطوة الولى التي يزّينها‬
‫دعي أنه يؤمن به‬ ‫الشيطان هي السكوت عما يؤمن به المسلم الداعية أو ما ي ّ‬
‫‪ ،‬السكوت عما يؤمن أنه حق فل يدعو ول يبلغ ‪ ،‬وإنما يصمت ويستمع ‪.‬‬
‫وتأتي الخطوة الثانية التي يزّينها الشيطان حين يقبل المسلم بعض ما يدعو‬
‫إليه الطرف الخر بحجة الحكمة وتألف القلوب والحتضان ‪ .‬وطرف يعلن‬
‫رأيه بوضوح وقوة وتصميم غير عابي بوّدك أيها الداعية المسلم ‪ ،‬أو يتظاهر‬
‫بودك حينا ‪ ،‬وأنت صامت ل تبّلغ دعوتك ول رأيك الحق ‪ ،‬فماذا تتوقع أن تكون‬
‫النتيجة ؟ كيف تسكت والمر من عند الله مدوّ في الكون كله ‪:‬‬
‫وقل الحقّ من ربكم ‪! ...‬‬
‫ادع إلى سبيل ربك ‪! ...‬‬
‫أيها المسلمون ! قولوا الحق وادعوا إلى سبيل ربكم ‪ ،‬وبّلغوا رسالة الله إلى‬
‫دثوا‬‫الناس كما أنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬افعلوا ذلك ثم تح ّ‬
‫عن الحكمة والموعظة الحسنة !‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ارض بما قسم الله لك‬


‫الدكتور حسان شمسي باشا‬
‫يقول علماء النفس إن كثيرا من الهموم والضغوط النفسية سببه عدم‬
‫الرضا ‪ ،‬فقد ل نحصل على ما نريد ‪ ،‬وحتى لو حصلنا على ما نريد فقد ل‬
‫يعطينا ذلك الرضا التام الذي كنا نأمله ‪ ،‬فالصورة التي كنا نتخيلها قبل النجاز‬
‫كانت أبهى من الواقع ‪.‬‬
‫وحتى بعد حصولنا على ما نريد فإننا نظل نعاني من قلق وشدة خوفا من‬
‫زوال النعم ‪ .‬ومن هنا كان الدعاء المأثور " اللهم عرفنا نعمك بدوامها ل‬
‫بزوالها " ‪.‬‬
‫وقد خلق النسان ‪ ..‬وخلق معه القلق ‪ ..‬أو خلق القلق ثم خلق له النسان‬
‫ليكابده ‪.‬‬
‫وهناك نوعان من القلق ‪ :‬القلق الطبيعي والقلق المرضي ‪.‬‬
‫والقلق الطبيعي هو الذي يمكن أن نطلق عليه القلق الصحي ‪ ،‬أو القلق الذي‬
‫ل حياة بدونه ‪ ،‬أو الذي ل معنى للحياة بدونه ‪ .‬وإذا اختفى أصبح النسان‬
‫مريضا متبلد الوجدان ‪.‬‬
‫وهموم الحياة كثيرة ‪ :‬هموم العمل والمنزل ‪ ،‬مرض الباء أو البناء ‪ ،‬ديون‬
‫متراكمة أو خلفات عائلية‪ ،‬امتحانات أو مقابلت ‪ .‬وكلها حالت تبعث في‬
‫النفس القلق ‪ ،‬وقد تجعلنا نفقد شهيتنا للطعام ‪ ،‬أو ربما نفقد السيطرة على‬
‫أعصابنا لتفه السباب ‪ .‬وقد نحرم لذة النوم الهانئ ‪ ،‬نتعذب بالنتظار‬
‫والحيرة ‪ ،‬ونذوق مرارة الحياة ‪ .‬وتمر اليام ‪ ،‬وتنقشع تلك المشاكل‬
‫والهموم ‪ ،‬ونرضى بالمر الواقع ‪ ،‬ويزول القلق ‪ ،‬وننعم بالسكينة والهدوء ‪ ،‬ثم‬
‫تأتي مشكلة جديدة ونمر بتجربة أخرى ‪ ،‬وهكذا هي الحياة ‪..‬‬
‫أما القلق غير الطبيعي فهو _ كما يقول الدكتور عادل صادق _ إحساس‬
‫غامض غير سار يلزم النسان ‪ .‬وأساس هذا الحساس هو الخوف ‪ .‬الخوف‬
‫من ل شيء ‪ ،‬الخوف من شيء مبهم ‪.‬‬
‫وفي حالت القلق يزداد إفراز مادة في الدم تدعى الدرينالين ‪ ،‬فيرتفع ضغط‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدم ‪ ،‬ويتسرع القلب ‪ ،‬ويشكو النسان من الخفقان ‪ ،‬أو يشعر وكأن شيئا‬
‫ينسحب إلى السفل داخل صدره ‪.‬‬
‫ويظن بقلبه الظنون ‪ ،‬ويهرع من طبيب إلى طبيب ‪ ،‬وما به من علة في‬
‫قلبه ‪ ،‬ول مرض في جسده إل أنه يظل يشكو من ألم في معدته واضطراب‬
‫في هضمه ‪ ،‬أو انتفاخ في بطنه ‪ ،‬و اضطراب في بوله أو صداع في رأسه ‪.‬‬
‫يقول ديل كارنجي ‪ " :‬عشت في نيويورك أكثر من سبع وثلثين سنة ‪ ،‬فلم‬
‫يحدث أن طرق أحد بابي ليحذرني من مرض يدعى ) القلق ( ‪ ،‬هذا المرض‬
‫الذي سبب في العوام السبعة والثلثين الماضية من الخسائر أكثر مما سببه‬
‫الجدري بعشرة آلف ضعف ‪ .‬نعم لم يطرق أحد بابي ليحذرني أن شخصا من‬
‫كل عشرة أشخاص من سكان أمريكا معرض للصابة بانهيار عصبي مرجعه‬
‫في أغلب الحوال إلى القلق !‬
‫ويتابع كارنجي القول ‪ " :‬لو أن أحدا ملك الدنيا كلها ما استطاع أن ينام إل‬
‫على سرير واحد ‪ ،‬وما وسعه أن يأكل أكثر من ثلث وجبات في اليوم ‪ ،‬فما‬
‫الفرق بينه وبين الفلح الذي يحفر‬
‫الرض ؟ لعل الفلح أشد استغراقا في النوم ‪ ،‬وأوسع استمتاعا بطعامه من‬
‫رجل العمال ذي الجاه والسطوة " ‪.‬‬
‫ويقول الدكتور الفاريز ‪ :‬لقد اتضح أن أربعة من كل خمسة مرضى ليس‬
‫لعلتهم أساس عضوي البتة ‪ ،‬بل مرضهم ناشئ من الخوف ‪ ،‬والقلق ‪،‬‬
‫والبغضاء والثرة المستحكمة ‪ ،‬وعجز الشخص عن الملءمة بين نفسه‬
‫والحياة " ‪.‬‬
‫قال المنصور ‪:‬‬
‫كن موسرا إن شئت أو معسرا لبد في الدنيا من الغم‬
‫وكلما زادك من نعمة زاد الذي زادك في الهم‬
‫والهموم تفتك بالجسم وتهرمه ‪ .‬قال المتنبي ‪:‬‬
‫والهم يخترم الجسيم نحافة ويشيب ناصية الصبي ويهرم‬
‫وقد قرأنا كيف أن بكاء يعقوب على ابنه أفقده بصره ‪ ،‬وكيف أن الغم بلغ‬
‫مداه بالسيدة عائشة عندما تطاول عليها الفاكون ‪ -‬فظلت تبكي حتى قالت ‪:‬‬
‫" ظننت أن الحزن فالق كبدي " ‪.‬‬
‫وترى المهموم حزينا مكتئبا ‪ .‬قال أحمد بن يوسف ‪:‬‬
‫كثير هموم القلب حتى كأنما عليه سرور العالمين حرام‬
‫إذا قيل ‪ :‬ما أضناك ؟ أسبل دمعه فأخبر ما يلقى وليس كلم‬
‫ومن الناس من يستطيع كتمان همومه ‪ ،‬ويبدي لله نفسا راضية ‪ .‬قال أسامة‬
‫بن منقذ ‪:‬‬
‫انظر إلى حسن صبر الشمع يظهر للرائين نورا وفيه النار تستعر‬
‫كذا الكريم تراه ضاحكا جذل وقلبه بدخيل الهم منفطر‬
‫ولربما ضحك المهموم وأخفى همومه ‪ ،‬وفي أحشائه النيران تضطرم ‪ .‬قال‬
‫الشاعر ‪:‬‬
‫وربما ضحك المهموم من عجب السن تضحك والحشاء تضطرم‬
‫وقد ذم الرسول صلى الله عليه وسلم التكالب على دنيا الهموم فقال ‪:‬‬
‫" من جعل الهم واحدا كفاه الله هم دنياه ‪ ،‬ومن تشعبته الهموم لم يبال الله‬
‫في أي أودية الدنيا هلك " رواه الحاكم ‪.‬‬
‫ويهدف هذا التوجيه النبوي إلى بث السكينة في الفئدة ‪ ،‬واستئصال شأفة‬
‫الطمع والتكالب على الدنيا ‪ .‬وفي ذلك يقول عليه الصلة والسلم ‪:‬‬
‫" من كانت الخرة همه جعل الله غناه في قلبه ‪ ،‬وجمع له شمله ‪ ،‬وأتته‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدنيا وهي راغمة ‪ .‬ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه ‪ ،‬وفرق‬
‫عليه شمله ‪ ،‬ولم يأته من الدنيا إل ما قدر له "‪.‬رواه الترمذي ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وقال أيضا ‪ " :‬تفرغوا من هموم الدنيا ما استطعتم ‪ ،‬فإنه من كانت الدنيا‬
‫أكبر همه أفشى الله ضيعته وجعل فقره بين عينيه ‪ .‬ومن كانت الخرة أكبر‬
‫همه جمع الله له أموره ‪ ،‬وجعل غناه في قلبه ‪ ،‬وما أقبل عبد بقلبه على الله‬
‫عز وجل إل جعل الله قلوب المؤمنين تفد إليه بالود والرحمة ‪ ،‬وكان الله إليه‬
‫بكل خير أسرع " ‪ .‬رواه البيهقي ‪.‬‬
‫وسمع النبي عليه الصلة والسلم رجل يقول ‪ :‬اللهم إني أسألك الصبر ‪.‬‬
‫فقال ‪:‬‬
‫" سألت الله البلء فسله العافية " ‪ .‬رواه الترمذي ‪.‬‬
‫ول شك أن علج الهموم يمكن في الرضا بما قدر الله ‪ ،‬والصبر على البتلء‬
‫واحتساب ذلك عند‬
‫الله ‪ ،‬فإن الفرج ل بد آت ‪ .‬قال الشاعر ‪:‬‬
‫روح فؤادك بالرضا ترجع إلى روح وطيب‬
‫ل تيأسن وإن ألح الدهر من فرج قريب‬
‫وتذكر قصة موسى عليه السلم كما يصفها الشاعر ‪:‬‬
‫كن لما ل ترجو من المر أرجى منك يوما لما له أنت راج‬
‫إن موسى مضى ليطلب نارا من ضياء رآه والليل داج‬
‫فأتى أهله وقد كلم اللـ ـه وناجاه وهو خير مناج‬
‫وكذا المر كلما ضاق بالنا س أتى الله فيه ساعة بانفراج‬
‫وتذكر قول المام الشافعي رحمه الله في قصيدة من أجمل قصائده ‪:‬‬
‫ول تجزع لحادثة الليالي فما لحوادث الدنيا بقاء‬
‫فل حزن يدوم ول سرور ول عسر عليك ول رخاء‬
‫ويقول أبو العلء المعري ‪:‬‬
‫قضى الله فينا بالذي هو كائن فتم ‪ ،‬وضاعت حكمة الحكماء‬
‫وهل يأبق النسان من ملك ربه فيخرج من أرض له وسماء‬
‫فما من شدة إل وبعدها فرج قريب كما يقول أبو تمام ‪:‬‬
‫وما من شدة إل سيأتي من بعد شدتها رخاء‬
‫وقال آخر ‪:‬‬
‫دع المقادير تجري في أعنتها ول تبيتن إل خالي البال‬
‫ما بين غفوة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال‬
‫والساخطون والشاكون ل يذوقون للسرور طعما ‪ .‬فحياتهم كلها سواد دامس‬
‫‪ ،‬وليل حالك ‪.‬‬
‫أما الرضا فهو نعمة روحية عظيمة ل يصل إليها إل من قوي بالله إيمانه ‪،‬‬
‫وحسن به اتصاله ‪.‬‬
‫والمؤمن راض عن نفسه ‪ ،‬وراض عن ربه لنه آمن بكماله وجماله ‪ ،‬وأيقن‬
‫بعدله ورحمته ‪.‬‬
‫ويعلم أن ما أصابته من مصيبة فبإذن الله ‪ .‬وحسبه أن يتلو قول الله تعالى ‪:‬‬
‫} وما أصاب من مصيبة إل بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل‬
‫شيء عليم { التغابن ‪. 41‬‬
‫والمؤمن يؤمن تمام اليقين أن تدبير الله له أفضل من تدبيره لنفسه ‪،‬‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيناجي ربه " بيدك الخير إنك على كل شيء قدير " آل عمران ‪. 26‬‬
‫قال صفي الدين الحلي ‪:‬‬
‫كن عن همومك معرضا وكل المور إلى القضا‬
‫أبشر بخير عاجل تنسى به ما قد مضى‬
‫فلرب أمر مسخط لك في عواقبه رضا‬
‫ولربما اتسع المضيق وربما ضاق الفضا‬
‫الله يفعل ما يشاء فل تكن متعرضا‬
‫الله عودك الجميل فقس على ما قد مضى‬
‫وتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫" ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس " رواه أحمد ‪.‬‬
‫____________‬
‫) ‪ ( 1‬سورة آل عمران ‪. 26‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ارض بما قسم الله لك‬


‫الدكتور حسان شمسي باشا‬
‫يقول علماء النفس إن كثيرا من الهموم والضغوط النفسية سببه عدم‬
‫الرضا ‪ ،‬فقد ل نحصل على ما نريد ‪ ،‬وحتى لو حصلنا على ما نريد فقد ل‬
‫يعطينا ذلك الرضا التام الذي كنا نأمله ‪ ،‬فالصورة التي كنا نتخيلها قبل النجاز‬
‫كانت أبهى من الواقع ‪.‬‬
‫وحتى بعد حصولنا على ما نريد فإننا نظل نعاني من قلق وشدة خوفا من‬
‫زوال النعم ‪ .‬ومن هنا كان الدعاء المأثور " اللهم عرفنا نعمك بدوامها ل‬
‫بزوالها " ‪.‬‬
‫وقد خلق النسان ‪ ..‬وخلق معه القلق ‪ ..‬أو خلق القلق ثم خلق له النسان‬
‫ليكابده ‪.‬‬
‫وهناك نوعان من القلق ‪ :‬القلق الطبيعي والقلق المرضي ‪.‬‬
‫والقلق الطبيعي هو الذي يمكن أن نطلق عليه القلق الصحي ‪ ،‬أو القلق الذي‬
‫ل حياة بدونه ‪ ،‬أو الذي ل معنى للحياة بدونه ‪ .‬وإذا اختفى أصبح النسان‬
‫مريضا متبلد الوجدان ‪.‬‬
‫وهموم الحياة كثيرة ‪ :‬هموم العمل والمنزل ‪ ،‬مرض الباء أو البناء ‪ ،‬ديون‬
‫متراكمة أو خلفات عائلية‪ ،‬امتحانات أو مقابلت ‪ .‬وكلها حالت تبعث في‬
‫النفس القلق ‪ ،‬وقد تجعلنا نفقد شهيتنا للطعام ‪ ،‬أو ربما نفقد السيطرة على‬
‫أعصابنا لتفه السباب ‪ .‬وقد نحرم لذة النوم الهانئ ‪ ،‬نتعذب بالنتظار‬
‫والحيرة ‪ ،‬ونذوق مرارة الحياة ‪ .‬وتمر اليام ‪ ،‬وتنقشع تلك المشاكل‬
‫والهموم ‪ ،‬ونرضى بالمر الواقع ‪ ،‬ويزول القلق ‪ ،‬وننعم بالسكينة والهدوء ‪ ،‬ثم‬
‫تأتي مشكلة جديدة ونمر بتجربة أخرى ‪ ،‬وهكذا هي الحياة ‪..‬‬
‫أما القلق غير الطبيعي فهو _ كما يقول الدكتور عادل صادق _ إحساس‬
‫غامض غير سار يلزم النسان ‪ .‬وأساس هذا الحساس هو الخوف ‪ .‬الخوف‬
‫من ل شيء ‪ ،‬الخوف من شيء مبهم ‪.‬‬
‫وفي حالت القلق يزداد إفراز مادة في الدم تدعى الدرينالين ‪ ،‬فيرتفع ضغط‬
‫الدم ‪ ،‬ويتسرع القلب ‪ ،‬ويشكو النسان من الخفقان ‪ ،‬أو يشعر وكأن شيئا‬
‫ينسحب إلى السفل داخل صدره ‪.‬‬
‫ويظن بقلبه الظنون ‪ ،‬ويهرع من طبيب إلى طبيب ‪ ،‬وما به من علة في‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قلبه ‪ ،‬ول مرض في جسده إل أنه يظل يشكو من ألم في معدته واضطراب‬
‫في هضمه ‪ ،‬أو انتفاخ في بطنه ‪ ،‬و اضطراب في بوله أو صداع في رأسه ‪.‬‬
‫يقول ديل كارنجي ‪ " :‬عشت في نيويورك أكثر من سبع وثلثين سنة ‪ ،‬فلم‬
‫يحدث أن طرق أحد بابي ليحذرني من مرض يدعى ) القلق ( ‪ ،‬هذا المرض‬
‫الذي سبب في العوام السبعة والثلثين الماضية من الخسائر أكثر مما سببه‬
‫الجدري بعشرة آلف ضعف ‪ .‬نعم لم يطرق أحد بابي ليحذرني أن شخصا من‬
‫كل عشرة أشخاص من سكان أمريكا معرض للصابة بانهيار عصبي مرجعه‬
‫في أغلب الحوال إلى القلق !‬
‫ويتابع كارنجي القول ‪ " :‬لو أن أحدا ملك الدنيا كلها ما استطاع أن ينام إل‬
‫على سرير واحد ‪ ،‬وما وسعه أن يأكل أكثر من ثلث وجبات في اليوم ‪ ،‬فما‬
‫الفرق بينه وبين الفلح الذي يحفر‬
‫الرض ؟ لعل الفلح أشد استغراقا في النوم ‪ ،‬وأوسع استمتاعا بطعامه من‬
‫رجل العمال ذي الجاه والسطوة " ‪.‬‬
‫ويقول الدكتور الفاريز ‪ :‬لقد اتضح أن أربعة من كل خمسة مرضى ليس‬
‫لعلتهم أساس عضوي البتة ‪ ،‬بل مرضهم ناشئ من الخوف ‪ ،‬والقلق ‪،‬‬
‫والبغضاء والثرة المستحكمة ‪ ،‬وعجز الشخص عن الملءمة بين نفسه‬
‫والحياة " ‪.‬‬
‫قال المنصور ‪:‬‬
‫كن موسرا إن شئت أو معسرا لبد في الدنيا من الغم‬
‫وكلما زادك من نعمة زاد الذي زادك في الهم‬
‫والهموم تفتك بالجسم وتهرمه ‪ .‬قال المتنبي ‪:‬‬
‫والهم يخترم الجسيم نحافة ويشيب ناصية الصبي ويهرم‬
‫وقد قرأنا كيف أن بكاء يعقوب على ابنه أفقده بصره ‪ ،‬وكيف أن الغم بلغ‬
‫مداه بالسيدة عائشة عندما تطاول عليها الفاكون ‪ -‬فظلت تبكي حتى قالت ‪:‬‬
‫" ظننت أن الحزن فالق كبدي " ‪.‬‬
‫وترى المهموم حزينا مكتئبا ‪ .‬قال أحمد بن يوسف ‪:‬‬
‫كثير هموم القلب حتى كأنما عليه سرور العالمين حرام‬
‫إذا قيل ‪ :‬ما أضناك ؟ أسبل دمعه فأخبر ما يلقى وليس كلم‬
‫ومن الناس من يستطيع كتمان همومه ‪ ،‬ويبدي لله نفسا راضية ‪ .‬قال أسامة‬
‫بن منقذ ‪:‬‬
‫انظر إلى حسن صبر الشمع يظهر للرائين نورا وفيه النار تستعر‬
‫كذا الكريم تراه ضاحكا جذل وقلبه بدخيل الهم منفطر‬
‫ولربما ضحك المهموم وأخفى همومه ‪ ،‬وفي أحشائه النيران تضطرم ‪ .‬قال‬
‫الشاعر ‪:‬‬
‫وربما ضحك المهموم من عجب السن تضحك والحشاء تضطرم‬
‫وقد ذم الرسول صلى الله عليه وسلم التكالب على دنيا الهموم فقال ‪:‬‬
‫" من جعل الهم واحدا كفاه الله هم دنياه ‪ ،‬ومن تشعبته الهموم لم يبال الله‬
‫في أي أودية الدنيا هلك " رواه الحاكم ‪.‬‬
‫ويهدف هذا التوجيه النبوي إلى بث السكينة في الفئدة ‪ ،‬واستئصال شأفة‬
‫الطمع والتكالب على الدنيا ‪ .‬وفي ذلك يقول عليه الصلة والسلم ‪:‬‬
‫" من كانت الخرة همه جعل الله غناه في قلبه ‪ ،‬وجمع له شمله ‪ ،‬وأتته‬
‫الدنيا وهي راغمة ‪ .‬ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه ‪ ،‬وفرق‬
‫عليه شمله ‪ ،‬ولم يأته من الدنيا إل ما قدر له "‪.‬رواه الترمذي ‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وقال أيضا ‪ " :‬تفرغوا من هموم الدنيا ما استطعتم ‪ ،‬فإنه من كانت الدنيا‬
‫أكبر همه أفشى الله ضيعته وجعل فقره بين عينيه ‪ .‬ومن كانت الخرة أكبر‬
‫همه جمع الله له أموره ‪ ،‬وجعل غناه في قلبه ‪ ،‬وما أقبل عبد بقلبه على الله‬
‫عز وجل إل جعل الله قلوب المؤمنين تفد إليه بالود والرحمة ‪ ،‬وكان الله إليه‬
‫بكل خير أسرع " ‪ .‬رواه البيهقي ‪.‬‬
‫وسمع النبي عليه الصلة والسلم رجل يقول ‪ :‬اللهم إني أسألك الصبر ‪.‬‬
‫فقال ‪:‬‬
‫" سألت الله البلء فسله العافية " ‪ .‬رواه الترمذي ‪.‬‬
‫ول شك أن علج الهموم يمكن في الرضا بما قدر الله ‪ ،‬والصبر على البتلء‬
‫واحتساب ذلك عند‬
‫الله ‪ ،‬فإن الفرج ل بد آت ‪ .‬قال الشاعر ‪:‬‬
‫روح فؤادك بالرضا ترجع إلى روح وطيب‬
‫ل تيأسن وإن ألح الدهر من فرج قريب‬
‫وتذكر قصة موسى عليه السلم كما يصفها الشاعر ‪:‬‬
‫كن لما ل ترجو من المر أرجى منك يوما لما له أنت راج‬
‫إن موسى مضى ليطلب نارا من ضياء رآه والليل داج‬
‫فأتى أهله وقد كلم اللـ ـه وناجاه وهو خير مناج‬
‫وكذا المر كلما ضاق بالنا س أتى الله فيه ساعة بانفراج‬
‫وتذكر قول المام الشافعي رحمه الله في قصيدة من أجمل قصائده ‪:‬‬
‫ول تجزع لحادثة الليالي فما لحوادث الدنيا بقاء‬
‫فل حزن يدوم ول سرور ول عسر عليك ول رخاء‬
‫ويقول أبو العلء المعري ‪:‬‬
‫قضى الله فينا بالذي هو كائن فتم ‪ ،‬وضاعت حكمة الحكماء‬
‫وهل يأبق النسان من ملك ربه فيخرج من أرض له وسماء‬
‫فما من شدة إل وبعدها فرج قريب كما يقول أبو تمام ‪:‬‬
‫وما من شدة إل سيأتي من بعد شدتها رخاء‬
‫وقال آخر ‪:‬‬
‫دع المقادير تجري في أعنتها ول تبيتن إل خالي البال‬
‫ما بين غفوة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال‬
‫والساخطون والشاكون ل يذوقون للسرور طعما ‪ .‬فحياتهم كلها سواد دامس‬
‫‪ ،‬وليل حالك ‪.‬‬
‫أما الرضا فهو نعمة روحية عظيمة ل يصل إليها إل من قوي بالله إيمانه ‪،‬‬
‫وحسن به اتصاله ‪.‬‬
‫والمؤمن راض عن نفسه ‪ ،‬وراض عن ربه لنه آمن بكماله وجماله ‪ ،‬وأيقن‬
‫بعدله ورحمته ‪.‬‬
‫ويعلم أن ما أصابته من مصيبة فبإذن الله ‪ .‬وحسبه أن يتلو قول الله تعالى ‪:‬‬
‫} وما أصاب من مصيبة إل بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل‬
‫شيء عليم { التغابن ‪. 41‬‬
‫والمؤمن يؤمن تمام اليقين أن تدبير الله له أفضل من تدبيره لنفسه ‪،‬‬
‫فيناجي ربه " بيدك الخير إنك على كل شيء قدير " آل عمران ‪. 26‬‬
‫قال صفي الدين الحلي ‪:‬‬
‫كن عن همومك معرضا وكل المور إلى القضا‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أبشر بخير عاجل تنسى به ما قد مضى‬


‫فلرب أمر مسخط لك في عواقبه رضا‬
‫ولربما اتسع المضيق وربما ضاق الفضا‬
‫الله يفعل ما يشاء فل تكن متعرضا‬
‫الله عودك الجميل فقس على ما قد مضى‬
‫وتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫" ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس " رواه أحمد ‪.‬‬
‫____________‬
‫) ‪ ( 1‬سورة آل عمران ‪. 26‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ارفع رأسك إنك في الفلوجة‬


‫وة الزلزل‪ ،‬مدينة ل تأكل من ثديها‬ ‫مدينة ل تنحني ل تستسلم مهما كانت ق ّ‬
‫كما يقتات عّباد المناصب‪ ،‬مدينة تعلمنا أن الحرية ل تستورد عبر فوهة‬
‫المدافع‪ ،‬وأن التغيير ل يكون عبر النزال والغتصاب وتهديم الجوامع‪ ،‬تعلمنا‬
‫دي لكل غاصب‪ ،‬تعلمنا أن عّباد الهزيمة ل مكان لهم‬ ‫التمّرد والعصيان والتص ّ‬
‫إل في المزابل‪ ،‬مدينة تعلمنا أن المعارضات المستوردة مثلها مثل أحذية‬
‫ججة ل يمكن أن تكتسب الصوات ول‬ ‫العساكر‪ ،‬وأن المعارضات المد ّ‬
‫الضمائر‪ ،‬تعلمنا أن المتحالفين مع الحتلل مصيرهم مصير "‬
‫بقلم الطاهر العبيدي‬
‫مفردات صاحية تخترق صهيل المدافع وسعال الرشاش‪ ،‬حروف سمراء‬
‫تدوس الهوان العربي وتنتفض على الزكام الرسمي‪ ،‬وتوخز السبات القومي‬
‫ص على‬ ‫خخة تؤّرخ الوعي القيميي وتن ّ‬ ‫دى الغثاء السياسي‪ ،‬كلمات مف ّ‬ ‫وتتح ّ‬
‫مة النتماء الوطني وتنتصر للدم العراقي‪،‬‬ ‫جل ق ّ‬ ‫الشرف النساني‪ ،‬وتس ّ‬
‫عبارات انقلبية على كل التفاسير وكل التحاليل‪ ،‬وكل التهاليل وكل خطب‬
‫العجز الجنائزي‪...‬‬
‫* "ارفع رأسك إنك في الفلوجة"‬
‫دم الفعل عن الكلم‪ ،‬وتنتصر على واقع الهزيمة والستسلم‪،‬‬ ‫جملة فعلية تق ّ‬
‫دي‪ ،‬يعلمنا كيف نكون وكيف يكون الرجال‪ ،‬تعلمنا‬ ‫جملة فعلية ذات فعل متع ّ‬
‫دى للغزاة وكل فنون القتال‪ ،‬جملة فعلية‬ ‫كيف نعشق الحرية وكيف نتص ّ‬
‫مل الذل رجس من "عمل الجبان"‪ ،‬تعلمنا أن النفوس‬ ‫تعلمنا أن الصمت وتح ّ‬
‫البية ترفض الضيم‪ ،‬ترفض القهر وترفض الحتلل‪ ،‬جملة فعلية تأبى التكتم‬
‫عن القهر‪ ،‬عن الذل وعن طراوة اللسان‪ ،‬جملة فعلية توقظ النيام وعّباد‬
‫ول الغضب‬ ‫الهزيمة وقراصنة الكلم‪ ،‬جملة فعلية تفّعل النفوس البية‪ ،‬وتح ّ‬
‫إلى بركان‪...‬‬
‫* "ارفع رأسك إنك في الفلوجة"‬
‫ول الجساد إلى قنابل‪ ،‬لتوقظ تلك الشريحة القدرية التي‬ ‫جملة فعلية تح ّ‬
‫ج النفوس والضمائر‪،‬‬ ‫تؤمن أن التفوق العسكري ل يقاوم‪ ،‬جملة فعلية تر ّ‬
‫وتزرع بذور العربي المقاوم‪..‬‬
‫* "ارفع رأسك إنك في الفلوجة"‬
‫جملة اعتراضيه تعترض القنابل العنقودية‪ ،‬تعترض حكومة مزّورة تماما كما‬
‫العملة المزورة‪ ،‬تعترض حكومات مزيفة‪ ،‬تعترض وزراء ووزارات مؤّنثة‪،‬‬
‫ومة‪ ،‬تعترض مرجعيات‬ ‫صبة‪ ،‬تعترض معارضات كالذباب متك ّ‬ ‫تعترض أنظمة من ّ‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهة‪ ،‬تعترض انتخابات ستقام‬ ‫روحية متفّرجة‪ ،‬تعترض سياسات وبرامج مش ّ‬


‫على أنقاض مجزرة‪..‬‬
‫* "ارفع رأسك إنك في الفلوجة"‬
‫عنوان كل تلك الجدران المنتفضة‪ ،‬عنوان الزّقة والحارات والشوارع وكل‬
‫الكلمات الملتهبة‪ ،‬عنوان الكرامة وعشق الوطان والنفوس المحّررة‪ ،‬عنوان‬
‫ل تلك‬ ‫ضع والطفال والشيوخ والعجائز‪ ،‬والشباب والرامل والجرحى‪ ،‬وك ّ‬ ‫الر ّ‬
‫المدينة التي تتلقى صواريخ الحرية المدمرة‪..‬‬
‫* "ارفع رأسك إنك في الفلوجة"‬
‫مكتوبة على جدران الفلوجة‪ ،‬على أبواب المنازل‪ ،‬على أروقة الفنادق‪ ،‬على‬
‫حيطان المطاحن‪ ،‬على حدود المزارع‪ ،‬على نواصي الرامل‪ ،‬على خيام‬
‫القبائل‪ ،‬على شفاه العشائر‪ ،‬في ساحات المساجد‪ ،‬وفي صوت المآذن‪،‬‬
‫لتعلن لخفافيش الظلم أن الليل مهما طال فالفجر قادم‪.‬‬
‫* "ارفع رأسك إنك في الفلوجة"‬
‫ارفع رأسك تقول لك الفلوجة‪ ،‬ارفع رأسك ل تنحني‪ ،‬فالموت واحد‪ ،‬والعمر‬
‫واحد‪ ،‬والوطن واحد‪ ،‬والموت واحد‪ ،‬والرب واحد‪ ،‬فعلى ماذا الذل وعلى ماذا‬
‫الخوف‪ ،‬وما هذا التخاذل‪ ،‬وما هذا اليأس وهذا التشاؤم‪ ،‬وخذ كفنك وقاوم‪..‬‬
‫* "ارفع رأسك إنك في الفلوجة"‬
‫وة الزلزل‪ ،‬مدينة ل تأكل من ثديها‬‫مدينة ل تنحني ل تستسلم مهما كانت ق ّ‬
‫كما يقتات عّباد المناصب‪ ،‬مدينة تعلمنا أن الحرية ل تستورد عبر فوهة‬
‫المدافع‪ ،‬وأن التغيير ل يكون عبر النزال والغتصاب وتهديم الجوامع‪ ،‬تعلمنا‬
‫دي لكل غاصب‪ ،‬تعلمنا أن عّباد الهزيمة ل مكان لهم‬ ‫التمّرد والعصيان والتص ّ‬
‫إل في المزابل‪ ،‬مدينة تعلمنا أن المعارضات المستوردة مثلها مثل أحذية‬
‫ججة ل يمكن أن تكتسب الصوات ول‬ ‫العساكر‪ ،‬وأن المعارضات المد ّ‬
‫الضمائر‪ ،‬تعلمنا أن المتحالفين مع الحتلل مصيرهم مصير "الحركيين" في‬
‫ثورة الجزائر‪ ،‬تعلمنا أن النتخابات الحّرة ل تقام على أنقاض البادة‬
‫والمقابر‪..‬‬
‫* "ارفع رأسك إنك في الفلوجة"‬
‫فهذي الحجارة والرمال والطيور والحصباء ترفض التخاذل‪ ،‬وهذي الليالي‬
‫وان والجسور والسدود ترفض السقوط والتمايل‪.‬‬ ‫والقمار والص ّ‬
‫* "ارفع رأسك إنك في الفلوجة"‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ارفع رأسك عاليا وقل هذه الفلوجة أرض الشرف والمعارك‪ ،‬ارفع رأسك‬
‫وقل هذه الفلوجة أرض وأجداد وتاريخ يقاتل‪ ،‬ارفع رأسك وقل هذي الفلوجة‬
‫مدينة ترفض الركوع ترفض التنازل‪ ،‬ارفع رأسك وقل هذي الفلوجة مدينة‬
‫الرمال والنخيل والمآذن‪ ،‬ارفع رأسك وقل هذي الفلوجة مدينة تكتب التاريخ‬
‫بل أقلم بل ألواح بل فضائيات‪ ،‬ولكن عبر الجساد وعبر المساجد‪ ،‬ارفع‬
‫رأسك وقل هذي الفلوجة أرض العّزة والمعارك‪ ،‬ارفع رأسك وقل هذي‬
‫دى للدبابات للطائرات وتتحدى هذا الشبح الفل‪ ،‬ارفع رأسك‬ ‫الفلوجة تتص ّ‬
‫وقل هذه الفلوجة أرضك وأرضي‪ ،‬وأرض من كان يؤمن أن الطغيان مهما‬
‫طغى زائل‪ ،‬ارفع رأسك وقل هذي بلدي وذاكم أجدادي‪ ،‬وتلك حضارتي‬
‫وهؤلء جنود غزاة‪ ،‬يوّدون تحريف أسماء أولدي‪ ،‬يودون شرب آبار النفط‪،‬‬
‫وتلويث النهار وتحوير معالم أجدادي‪..‬‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫* "ارفع رأسك إنك في الفلوجة"‬


‫ارفع رأسك يا مسلم‪ ،‬هذه الفلوجة تستشهد نيابة عن دمك ودمي‪ ،‬وتكتب‬
‫للجرح قصص البطولة‪ ،‬نيابة عن صمتك ونيابة عن تلكأ قلمي‪ ،‬وتحكي للصغار‬
‫حكايات الشرف المهدور في وطني‪..‬‬
‫* "ارفع رأسك إنك في الفلوجة"‬
‫ل لتقل أن الفلوجة ألقت بنفسها إلى التهلكة‪ ،‬ولكن قل أن الفلوجة رسمت‬
‫لنا بداية المعركة‪ ،‬ل لتقل الفلوجة تسّببت في مجزرة‪ ،‬ولكن قل الفلوجة‬
‫سماد لرض محّررة‪..‬‬
‫* "ارفع رأسك إنك في الفلوجة"‬
‫ارفع رأسك سيدي القارئ‪ ،‬ل لتنظر إلى قنوات التفاهة والرقص‪ ،‬ول إلى‬
‫صحافة التفاهة والرجس‪ ،‬ارفع رأسك سيدي القارئ‪ ،‬ل لتنظر إلى أنظمة‬
‫العبودية والفلس‪ ،‬ول لتنظر إلى حكومات المؤتمرات وقمم الملعق‬
‫والصحون‪ ،‬ولكن لتنظر أن التاريخ ل يؤّرخ أصحاب الرداءات والبطون‪ ،‬ولكن‬
‫يؤّرخ أصحاب الضمائر والهمم والعقول‪..‬‬
‫*****************************‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ارفع رأسك ‪ ..‬أنت مستقيم !!‬


‫لما نظرت إلى حال بعض شباب الصحوة وجدتهم وللسف ‪ ..‬قد أساءوا‬
‫لنفسهم وذلك باحتقارهم لذواتهم ‪ ..‬ذلك أنك ترى الواحد منهم في طريق أو‬
‫ن ما ‪ ..‬يمشي على حافة الطريق بذّلة ومسكنة ‪ ..‬مطأطئا ً رأسه وكأنه‬ ‫مكا ٍ‬
‫ُ‬
‫خلق ‪..‬‬ ‫ب عظيم ‪ ..‬ويظن أن هذا من التواضع وال ُ‬ ‫على ذن ٍ‬
‫فلماذا يا أخي كل هذا ‪ُ ..‬تشِعر الناس أن أهل الخير والحق مغفلين ضعفاء ل‬
‫يملكون لنفسهم نفعا ً ول ضرا ً ‪ ..‬في حين ترى ذلك الشاب الفاسق يخرج‬
‫متبخترا ً ‪ ..‬يمشي وقد رفع صوت الغناء ‪ ..‬بكل كبرٍ وغرور ‪ ..‬وكأنه على‬
‫صواب ‪ ..‬وأهل الخير والصلح على شرٍ عظيم ‪..‬‬
‫عجبا ً لحالك أيها الشاب ‪ ..‬تمشي بجانب المنكرات والمعاصي ثم تمّر مّرا ً‬
‫سريعا ً مطأطئا ً رأسك ‪ ..‬دون أن يحرك هذا المنكر في قلبك الضعيف شيئا ً ‪..‬‬
‫أو تأتي إلى ذلك السوق ‪ ..‬فتمّر بجانبك تلك المرأة المتبرجة ‪ ..‬ثم تطأطئ‬
‫رأسك كالعادة وتمشي ول تحرك ساكنا ً ‪.‬‬
‫عجبا ً لك ‪ ..‬هل نسيت أنك مستقيم ؟‪ ..‬ألست أنت ممن يدعي الستقامة ؟‬
‫دعيها ؟‬ ‫أين عزة الستقامة التي ت ّ‬
‫ل وضعف ‪ ..‬فهذا فعل السفهاء والضعفاء ‪, ..‬‬ ‫أنا ل أريد منك إنكار المنكر بذ ٍ‬
‫وأعيذك أن تكون منهم ‪ ..‬ل كّثرهم الله ‪..‬‬
‫لماذا ل تمشي وأنت ترفع رأسك ‪ ..‬تفتخر وتعتز بطاعتك لله ‪ ..‬تنكر ذلك‬
‫المنكر أو تأمر بهذا المعروف ‪..‬‬
‫وتحمد الله أن سخرك أنت لتقوم بهذا ‪ ..‬ولم يجعلك مكان ذلك الرجل‬
‫العاصي ‪..‬‬
‫ختاما ً ‪ :‬هل تعرف جيدا أنك مستقيم ؟‪ ..‬أرجو ذلك ‪..‬‬
‫ً‬
‫وعذرا ً إن قسوت عليك ‪ ..‬ولكن اعلم أنني أحبك ‪ ..‬فل تنساني من الدعاء ‪..‬‬
‫‪.........‬‬
‫عبدالرحمن السيد‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫استئجار الملك المصادرة‬


‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪ ...‬الفهرسة‪ /‬المعاملت‪/‬الغصب والتلف‬
‫التاريخ ‪08/11/1425 ...‬هـ‬
‫السؤال‬
‫ما حكم الشرع في عمارة استولت عليها الدولة من صاحبها بحجة أن عليها‬
‫صل ابن أخي صاحب العمارة‬ ‫ضرائب‪ ،‬ورفض صاحبها دفع الضرائب‪ ،‬وقد تح ّ‬
‫على محل لبيع مواد غذائية من العمارة التي استولت عليها الدولة بتخصيص‬
‫وتمكين من الدولة‪ ،‬فهل يجوز له البقاء بالمحل أو التصرف بالبيع مث ً‬
‫ل؟‬
‫الجواب‬
‫ل يجوز لحد فرًدا أو دولة أن يستولي على أموال الغير بغير حق شرعي عليه‬
‫د‪ ،‬وآكل لموال‬ ‫دليل من كتاب الله أو سنة رسوله‪ ،‬وفاعل ذلك ظالم متع ّ‬
‫ن(‬‫مو َ‬ ‫ّ‬
‫م الظال ِ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫دود َ الل ّهِ فَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ح ُ‬ ‫من ي َت َعَد ّ ُ‬ ‫الناس بالباطل‪ ،‬والله يقول‪) :‬وَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل إ ِل ّ‬
‫م ِبالَباط ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫م ب َي ْن َك ْ‬ ‫ُ‬
‫والك ْ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫مُنوا ل َ ت َأكلوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫]البقرة‪ .[229:‬ويقول‪َ) :‬يا أي َّهاال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫م(]النساء‪ .[429:‬وعامة الضرائب التي‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫َأن ت َ ُ‬
‫عن ت ََرا ٍ‬ ‫جاَرةً َ‬‫ن تِ َ‬
‫كو َ‬
‫تفرضها الحكومات في العصر‬
‫الحاضر على الناس هي من الظلم الذي حرمه الله على نفسه وعلى عباده‪،‬‬
‫سي‪ ،‬وجَعلُته‬ ‫ف ِ‬ ‫م عََلى ن َ ْ‬ ‫ظل َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫عَبادي إّني حّرم ُ‬ ‫كما في الحديث القدسي‪" :‬يا ِ‬
‫موا"‪ .‬رواه مسلم )‪ .(2577‬واستيلء الدولة على هذه‬ ‫ظال َ ُ‬
‫ما فل ت َ َ‬‫محّر ً‬ ‫بيَنكم ُ‬
‫العمارة‪ -‬كما في السؤال‪ -‬حرام ل يجوز‪ ،‬وهي في حكم المغتصب‪ ،‬ول يجوز‬
‫لبن أخ صاحب العمارة هذه أن يستأجر دكاًنا منها يضعه بقالة له إذا لم يرض‬
‫مالكها الشرعي‪ ،‬فضل ً عن أن يتصرف فيها ببيع أو هبة أو تأجير؛ لنه تصرف‬
‫فيما ل يملك‪ ،‬وعلى المغتصب رد ما اغتصبه ونمائه‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫استئجار عصابات المافيا والنتماء إليها‬


‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪...‬‬
‫التاريخ ‪14/4/1424 ...‬هـ‬
‫السؤال‬
‫ً‬
‫فضيلة الشيخ‪ :‬أفدنا جزاك الله خيرا‪ ،‬ما حكم دفع المال للمافيات الذين‬
‫يحموننا‪ ،‬علما ً بأنهم يستعملونها في شراء الخمر وشربه وليس لنا غنى عنهم‪.‬‬
‫وما حكم انتماء المسلم للمافية ومشاركته في أعمالهم من غصب الموال‬
‫وإخراجها من الناس بطرق ‪-‬تعتبر في قوانين روسيا‪ -‬غير شرعية‪.‬‬
‫الجواب‬
‫دفع المال لمن يحميك أو يدفع عنك الذى والظلم جائز سواء كان المدفوع‬
‫له هذا المال – مسلما ً أو كافرًا‪ ،‬فإن الدخول مع الكفار في عقود إجارة أو‬
‫معاوضة ونحوها جائز شرعًا‪ ،‬فقد استأجر الرسول – صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫وأبو بكر الصديق ‪ -‬في الهجرة من مكة إلى المدينة‪) -‬عبد الله بن أريقط(‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ليدلهم على الطريق ويحميهم من عيون قريش‪ ،‬انظر ما رواه البخاري )‬


‫‪ ،(2263‬من حديث عائشة – رضي الله عنها‪ -‬ول شيء على المسلم لو‬
‫استعمل هذا الكافر أو الظالم كعضو )المافيا( المال في الحرام كالمخدرات‬
‫ونحوها‪.‬‬
‫أما انتماء المسلم إلى منظمة )المافيا( أو عصاباتها فحرام ل يجوز‪ ،‬لن في‬
‫ذلك مشاركة في الظلم والتعدي على الناس وانتهاك حرماتهم وأكل أموالهم‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ِبال َْباط ِ ِ‬
‫ل"‬ ‫وال َك ُ ْ‬
‫م ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫مُنوا ل ت َأك ُُلوا أ ْ‬
‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫بغير حق‪ ،‬والله يقول‪َ" :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫]النساء‪ :‬من الية ‪ ،[29‬ويقول الله في الحديث القدسي‪" :‬يا عبادي إني‬
‫حرمت الظلم على نفسي وجلعته بينكم محرما ً فل تظالموا"‪ ،‬رواه مسلم )‬
‫‪ ،(2577‬من حديث أبي ذر – رضي الله عنه‪ -‬وفي الحديث الصحيح عن‬
‫عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – "ل تزول قدما عبد يوم القيامة حتى‬
‫يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه‪ ،‬وعن شبابه فيما أبله‪ ،‬وعن علمه ماذا‬
‫عمل به‪ ،‬وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه"‪ .‬رواه الترمذي )‪-2416‬‬
‫‪ (2417‬وغيره‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫استئجار مكان لداء صلة الجمعة‬


‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪...‬‬
‫التاريخ ‪17/3/1423 ...‬‬
‫السؤال‬
‫في كل صلة جمعة نستأجر قاعة المؤتمرات والحتفالت العائدة لبلدية‬
‫المنطقة التي نسكن فيها ساعة واحدة كل أسبوع‪ ،‬من أجل إقامة خطبة‬
‫وصلة الجمعة‪ ،‬فما حكم الشرع في ذلك‪ ،‬وهل نصلي تحية المسجد عند‬
‫دخولنا لهذه القاعة؟ علما ً أن البلدية تقوم بتأجير هذا المكان لكل من يريد‬
‫استئجاره لقامة حفلت الفجور من الرقص وشرب الخمور وكل ما يغضب‬
‫الله من المعاصي‪.‬‬
‫الجواب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ما دمتم في مثل هذا البلد )أستراليا( ول تجدون مكانا مناسبا لقامة صلة‬
‫الجمعة فل بأس باستئجاركم صالة احتفالت البلدية بالمنطقة‪ ،‬ولو كانت‬
‫تستخدم من غيركم لحفلت تمارس فيها المعاصي والمحرمات‪.‬‬
‫وفعلكم هذا تؤجرون عليه –إن شاء الله‪ -‬لقامة شعيرة من شعائر السلم‬
‫في بلد الكفر وفعلكم هذا داخل في معنى قوله –تعالى‪" :-‬فاتقوا الله ما‬
‫استطعتم" ]التغابن‪ ،[16:‬وهذه القاعة عند استئجاركم لها ل تسمى مسجدا ً‬
‫وإنما هي مصلى مؤقت‪ ،‬والمصلى ل يأخذ أحكام المسجد في الجملة‪ ،‬فل‬
‫تؤدى تحية المسجد عند الدخول لكونها غير مسجد‪ ،‬وإنما تصلى ركعتان أو‬
‫أكثر ل بنّية تحية المسجد وإنما سنة مطلقة؛ لحديث‪":‬بين كل أذانين صلة"‬
‫البخاري )‪ (624‬ومسلم )‪ ،(838‬أي ما بين الذان والقامة‪ ،‬كما تؤدى فيه‬
‫أربع ركعات بعد صلة الجمعة لنها سنة تابعة للصلة ل للمسجد‪ ،‬كما تؤدى‬
‫سائر الطاعات من قراءة القرآن وتعليمه والصدقة‪ ..‬إلخ‪ ،‬وفق الله الجميع‬
‫إلى كل خير‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫استثمار أموال الزكاة‬


‫الدكتور ‪ /‬محمد عثمان شبير‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫افتتاحية‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على سيدنا محمد وعلى اله‬
‫وصحبه ‪ ،‬ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين‪ .‬أما بعد ‪..‬‬
‫فإن قضية استثمار أموال الزكاة من القضايا المهمة في فقه الزكاة‬
‫المعاصر‪ ،‬إذ إنها تثير اهتمام كثير من المؤسسات الزكوية والهيئات الخيرية‬
‫في العالم السلمي‪ ،‬وهي من المسائل الملحة التي تحتاج إلى إجابة شافية‪.‬‬
‫لقد بدأ بهذه القضية بعد تنوع أساليب العمل والنتاج‪ ،‬وظهور المشاريع‬
‫الستثمارية الضخمة التي تدر أرباحا وفيرة على مالكيها فثار التساؤل التالي‪:‬‬
‫هل يجوز توجيه بعض أموال الزكاة إلى إنشاء المشاريع الستثمارية لتامين‬
‫مورد مالي ثابت‪ ،‬ودائم للمستحقين الذين تتزايد حاجاتهم؟ هذا السؤال طرح‬
‫بهذه الصيغة وبغيرها عدة مرات على مجامع فقهية وندوات علمية متخصصة‬
‫وعلى كثير من لجان الفتوى في البلدان السلمية‪ .‬ولما كانت الجابات‬
‫والبحاث المقدمة مقتضبة وسريعة رأت الهيئة الشرعية العالمية للزكاة‬
‫طرح هذا الموضوع ضمن موضوعات الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة‬
‫بغية الحصول على مزيد من التعمق والتفصيل في هذا الموضوع‪.‬‬
‫فكتب هذا البحث للمشاركة في تلك الندوة المباركة لعلى أسهم في تحقيق‬
‫أهداف تلك الندوة ولما كان البعد الفقهي هو الساس في هذه الدراسة فقد‬
‫اعتمدت على عدد كبير من المراجع والمصادر الفقهية التي تمثل اكبر‬
‫المذاهب ذيوعا بالضافة إلى كتب السنة وشروحها‪.‬‬
‫وقد قسمت هذه الدراسة إلى‪ :‬ثلث مباحث وخاتمة ‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬حقيقة استثمار أموال الزكاة‬
‫المبحث الثاني‪ :‬حكم استثمار أموال الزكاة‬
‫المبحث الثالث‪ :‬تكاليف استثمار أموال الزكاة‬
‫الخاتمة‪ :‬ذكرت فيها نتيجة البحث ‪.‬‬
‫والله أسال أن يتقبل منى هذا الجهد المتواضع ويجعله في ميزان حسناتي‬
‫يوم ل ينفع مال ول بنون‪.‬‬
‫المبحث الول‬
‫حقيقة استثمار أموال الزكاة ‪..‬‬
‫قبل الشروع في بيان استثمار أموال الزكاة لبد من بيان حقيقة استثمار‬
‫أموال الزكاة كي يتسنى لنا إدراك الحكام المتعلقة بهذه المسألة وفهمها‪ .‬إذ‬
‫بيان الحكم على الشيء فرع عن تصوره‪.‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬معنى الزكاة ‪:‬‬
‫الزكاة لغة‪ :‬النماء والزيادة وتطلق أيضا على التطهير والمدح )‪ (1‬وهي في‬
‫الصطلح‪ :‬إخراج جزء مخصوص من مال مخصوص بلغ نصابا إن تم الملك‬
‫وحال الحول )‪ (2‬فهي تطلق شرعا على إخراج الزكاة كما تطلق على‬
‫المخرج من المال‪ ،‬ولذلك عرفها ابن قدامة بأنها ‪ :‬حق يجب في المال )‪.(3‬‬
‫ثانيا‪ :‬معنى الستثمار في الفقه السلمي‪:‬‬
‫الستثمار لغة‪ :‬طلب الثمر‪ ،‬فيقال أثمر الشجر إذا خرج ثمره وثمر الشيء إذا‬
‫تولد منه شيء آخر‪ ،‬وثمر الرجل ماله تثميرا‪ ،‬أي كثرة عن طريق تنميته‪،‬‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومعنى كثرة المال جاء في القران الكريم‪ ،‬ومنه _تعالى_‪":‬وكان له ثمر فقال‬
‫لصاحبة وهو يحاوره أنا أكثر منك مال وأعز نفرا" )‪ .(4‬أي مال كثير مستفاد‬
‫كما قال ابن عباس ويقال لكل نفع يصدر عن شيء ثمرته‪ :‬كقولك ثمرة‬
‫العلم العمل الصالح وثمرة العمل الصالح الجنة )‪.(5‬‬
‫وعلى هذا فان الستثمار‪ :‬هو طلب الحصول على الثمرة‪ ،‬استثمار المال‪ :‬هو‬
‫طلب الحصول على الرباح ‪ ..‬والفقهاء يستعملون هذا اللفظ بهذا المعنى‪،‬‬
‫حيث جاء في المنتقى شرح موطأ المام مالك في أول كتاب القراض‪ :‬أن‬
‫يكون لبي موسى الشعري النظر في المال بالتثمير والصلح )‪ (6‬وجاء في‬
‫تفسير الكشاف عند قوله _تعالى_‪" :‬ول تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل‬
‫الله لكم قياما" )‪ (7‬السفهاء المبذرون أموالهم الذين ينفقونها فيما ل ينبغي‪،‬‬
‫ول يقومون بإصلحها وتثميرها والتصرف فيها )‪.(8‬‬
‫ثالثا‪ :‬الستثمار في القتصاد المعاصر ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الستثمار في اصطلح علماء الدراسات القتصادية المعاصرة هو‪ :‬ارتباط‬


‫مالي بهدف تحقيق مكاسب يتوقع الحصول عليها على مدى مدة طويلة في‬
‫المستقبل )‪ .(9‬فالستثمار نوع من النفاق على أصول يتوقع منها تحقيق‬
‫عائد على مدى فترة طويلة من الزمن ‪ .‬ولذلك يطلق عليه البعض إنفاق‬
‫رأسمالي )‪ (10‬تمييزا له عن المصروفات التشغيلية أو المصروفات الجارية‪،‬‬
‫وهي التي تتم من يوم إلى يوم‪ :‬مثل الجور والمرتبات‪ ،‬والصيانة‪ ،‬وشراء‬
‫المواد الخام‪ .‬أما النفاق الرأسمالي فإنه يشمل كل المفردات الضرورية‬
‫لتحقيق تقدم المشروع في الجل الطويل‪ :‬مثل بناء مصنع حديد‪ ،‬وشراء آلت‬
‫وعدد لخط إنتاج جديد‪ ،‬والقيام ببحوث لتحسين سلع قائمة أو إخراج سلع‬
‫مبتكرة )‪ .(11‬والنفاق الرأسمالي نوع من إنفاق المال لتحقيق منافع‬
‫مستقبلية‪ ،‬سواء كان ذلك من مشروعات جديدة أو استكمال مشروعات‬
‫قائمة‪ ،‬أو تجديد وتحديث مشروعات قديمة‪ ،‬أو التجارة في سلع تجارية أو‬
‫غير ذلك‪ .‬والستثمار بهذا المعنى يتفق مع الستخدام العلمي الشائع له وهو‬
‫توظيف الموال بقصد الحصول على منافع في المستقبل ومع ذلك توجد عدة‬
‫استخدامات للستثمار في الواقع اليومي‪ .‬ومن تلك الستخدامات‪ :‬توظيف‬
‫النقود لي أجل‪ ،‬والستثمار بالنسبة للبنوك التجارية ‪-‬توظيف النقود في‬
‫أوراق مالية )أسهم وسندات( والستثمار ‪ -‬بالنسبة للشركات‪ -‬هو إنفاق‬
‫استثماري تمييزا له عن النفاق الجاري ‪ .‬والستثمار‪ -‬بالنسبة للبعض ‪-‬هو‬
‫ارتباط بأية أصول خالية نسبيا عن المخاطرة أو الخسارة والستثمار بالنسبة‬
‫للبعض الخر‪ -‬توظيف الموال بقصد الحصول على عائد جار‪ .‬أو بقصد‬
‫الحصول على قيمة أكبر في نهاية المدة‪ ،‬أي دون عائد جار‪ .‬والستثمار قد‬
‫يكون ماديا بمعنى أن المكاسب يجب أن تكون مادية‪ ،‬وقد يشمل الستثمار‬
‫مكاسب غير مادية أي منافع أخرى‪ .‬كما تستخدم كلمة استثمار بمعنى‬
‫مشروع استثماري‪ ،‬أي مجرد اقتراح استثماري لم ينفذ بعد‪ :‬كما قد تستخدم‬
‫كلمة الستثمار بمعنى توظيف فعلى للموال )‪ .(12‬وقد تبنت الموسوعة‬
‫العلمية والعملية للبنوك السلمية المفهوم الواسع للستثمار هو‪ :‬توظيف‬
‫النقود لي أجل‪ ،‬في أي أصل أو حق ملكية‪ ،‬أو ممتلكات أو مشاركات‬
‫محتفظ بها للمحافظة على المال أو تنميته سواء بأرباح دورية أو بزيادات‬
‫الموال في نهاية المدة‪ ،‬أو بمنافع غير مادية )‪.(13‬‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويلحظ على هذا التعريف ‪ -‬مع ما فيه من الشمول ‪ -‬عدة ملحظات منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬انه عبر عن الستثمار بالتوظيف‪ ،‬والتوظيف كلمة تحتمل عدة معان منها‪:‬‬
‫تعيين الوظيفة‪ ،‬وهي ما يقدر للنسان في اليوم أو في السنة أو الزمان‬
‫المعين‪ :‬من طعام أو رزق ونحوه‪ .‬ومنها اللزام‪ ،‬فيقال وظف الشيء على‬
‫نفسه توظيفا الزمها إياه )‪ .(14‬ول يقال وظف المال بمعنى زاده‪ ،‬وإنما‬
‫يقال‪ :‬نمى المال وثمره فالولى استعمال تنمية بدل ً من توظيف‪.‬‬
‫‪ -2‬انه اقتصر في استثمار الموال على النقود )العملة(‪ .‬وأموال الزكاة ل‬
‫تقف عند هذا الشكل من الموال‪ ،‬بل تتعداه إلى المبالغ العينية‪ ،‬لن مصادر‬
‫الزكاة متنوعة الشكال‪:‬‬
‫كالزروع والثمار‪ ،‬والحيوانات‪ ،‬وعروض التجارة‪ ،‬والمعادن وغير ذلك‪ ،‬فالولى‬
‫التعبير بالموال ‪.‬‬
‫وبناء على ذلك يمكن تعريف استثمار أموال الزكاة‪" :‬بأنه العمل على تنمية‬
‫أموال الزكاة لي أجل‪ ،‬وبأية طريقة من طرق التنمية المشروعة لتحقيق‬
‫منافع للمستحقين‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬اللفاظ ذات الصلة بالستثمار ‪:‬‬
‫يتصل بالستثمار بعض اللفاظ كالستغلل‪ ،‬والستنماء‪ ،‬والنتفاع‪.‬‬
‫‪ -1‬الستغلل ‪:‬‬
‫الستغلل لغة ‪ :‬طلب الغلة والغلة هي كل عين حاصلة من ريع الملك ‪(15).‬‬
‫وهذا هو عين الستثمار ‪ ،‬فما تخرجه الرض هو ثمرة ‪ ،‬وهو غلة‪ .‬وللحنفية‬
‫تفرقة خاصة بين الثمرة والغلة في باب الوصية‪ .‬فإذا أوصى بثمرة بستانه‬
‫انصرف إلى الموجود خاصة ‪ ،‬وإذا أوصى بغلته شمل الموجود ‪ ،‬وما هو‬
‫بعرض الموجود )‪.(16‬‬
‫‪ -2‬الستنماء‪:‬‬
‫الستنماء لغة‪ :‬طلب النماء وهو الزيادة‪ ،‬فيقال‪ :‬نما المال ينمي‪ ،‬ويقال ينمو‬
‫بمعنى زاد )‪ (17‬وهو عين الستثمار ‪ ،‬فما يتولد من الحيوانات هو ثمرة ‪ ،‬وهو‬
‫نماء ‪.‬‬
‫‪ -3‬النتفاع ‪:‬‬
‫النتفاع لغة‪ :‬من نفع ينفع نفعا ‪ ،‬والسم المنفعة ‪ .‬وهو الستفادة من الشيء‬
‫)‪.(18‬‬
‫‪ -4‬النتفاع‪:‬‬
‫النتفاع في الصطلح ‪ :‬التصرف في الشيء على وجه يريد به تحقيق فائدة )‬
‫‪ (19‬والنتفاع أعم من الستثمار‪ ،‬لن النتفاع قد يكون بالستثمار وبغيره ‪.‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫حكم استثمار أموال الزكاة‬
‫استثمار أموال الزكاة قد يحصل من المستحقين للزكاة بعد قبضها‪ ،‬أو من‬
‫المالك الذي وجبت عليه الزكاة‪ ،‬أو من المام أو نائبه الذي يشرف على جمع‬
‫أموال الزكاة ولكل حالة حكمها‪.‬‬
‫المطلب الول‪ :‬حكم استثمار أموال الزكاة من قبل المستحقين ‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫نص الفقهاء على جواز استثمار أموال الزكاة من قبل المستحقين بعد‬
‫قبضها؛ لن الزكاة إذا وصلت أيديهم أصبحت مملوكة ملكا تاما لهم وبالتالي‬
‫يجوز لهم التصرف فيها كتصرف الملك في أملكهم‪ ،‬فلهم إنشاء‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المشروعات الستثمارية‪ ،‬وشراء أدوات الحرفة وغير ذلك ‪.‬‬


‫جاء في كشاف القناع‪ :‬من أخذ بسبب يستقر الخذ به وهو الفقر‪ ،‬والمسكنة‬
‫والعمالة والتالف صرفه فيما شاء ‪ ،‬كسائر أمواله ‪،‬لن الله تعالى أضاف‬
‫إليهم الزكاة بلم الملك ‪.‬وإن أخذ بسبب لم يستقر الملك به صرفه فيما‬
‫أخذه خاصة ‪،‬لعدم ثبوت ملكه عليه من كل وجه وإنما يملكه مراعي فان‬
‫صرفه في الجهة التي استحق الخذ بها‪ ،‬و إل استرجع منه كالذي يأخذه‬
‫المكاتب والغارم والغازي وابن السبيل )‪ .(20‬وجاء في مغنى المحتاج‪ :‬أضاف‬
‫الصناف الربعة الولى بلم الملك والربعة الخيرة بفي الظرفية للشعار‬
‫بإطلق الملك في الربعة الولى‪ ،‬وتقييده في الربعة الخيرة‪ ،‬حتى إذا لم‬
‫يصل الصرف في مصارفها استرجع بخلفه في الولى )‪ .(21‬وجاء في‬
‫الشباه والنظائر لبن نجيم‪ :‬أسباب التملك المعاوضات المالية‪ ،‬والمهار‬
‫والخلع‪ ،‬والميراث والهبات والصدقات‪ ،‬والوصايا والوقف والغنيمة‪ ،‬والستيلء‬
‫على المباح والحياء ‪ ..‬الخ )‪ .(22‬وبالرغم من أن الشافعية قالوا‪ :‬أن الملك‬
‫في الصناف الربعة الخيرة مقيد بالصرف في تلك الجهات )وهي تحرير‬
‫العبيد ‪ -‬وقضاء الدين ‪ -‬والجهاد في سبيل الله ‪ -‬ونفقات طريق ابن السبيل(‪.‬‬
‫إل أنهم أجازوا لهؤلء المستحقين استثمار أموال الزكاة التي وصلت إلى‬
‫أيديهم فقالوا‪ :‬يجوز للعبد المكاتب أن يتجر فيما يأخذه من الزكاة طلبا‬
‫للزيادة وتحصيل الوفاء‪ .‬وهذا ل خلف فيه )أي بين الشافعية()‪.(23‬‬
‫وقال النووي‪" :‬قال أصحابنا يجوز للغارم أن يتجر فيما قبض من سهم الزكاة‪،‬‬
‫إذا لم يف بالدين ليبلغ قدر الدين بالتنمية")‪.(24‬‬
‫ما أجاز الشافعية وأحمد في رواية إعطاء الفقراء والمساكين من أموال‬
‫الزكاة لستثمارها‪ ،‬فيعطي من يحسن الكسب بحرفة ما آلتها‪ ،‬بحيث يحصل‬
‫له من ربحها ما يفي بكفايته غالبًا‪ .‬فإن كان نجارا ً أعطى ما يشتري به آلت‬
‫النجارة‪ .‬سواء كانت قيمتها قليلة أو كثيرة بحيث تفي غلتها بكفايته‪.‬وإن كان‬
‫تاجرا ً أعطى رأس مال يفي ربحه بكفايته‪ ،‬يراعي في مقدار رأس المال نوع‬
‫التجارة التي يحسنها‪ ،‬وقد مثلوا لذلك بما يلي‪ :‬البقلي يكفيه خمسة دراهم‪،‬‬
‫والباقلني يكفيه عشرة‪ ،‬والفكهاني يكفيه عشرون‪ ،‬والعطار ألف والبزاز‬
‫ألفان‪ ،‬والصيرفي خمسة آلف‪ ،‬والجوهري عشرة آلف‪ .‬وإن كان ل يحسن‬
‫الكسب‪ ،‬ول يقوى على العمل‪:‬كالمريض بمرض مزمن يعطي ما يشتري به‬
‫عقارا ً يستغله‪ ،‬بحيث تفي غلته حاجته‪ ،‬فيملكه ويورث عنه‪ ،‬ويراعي في‬
‫العقار عمر الفقير الغالب وعدد عياله)‪.(25‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬حكم استثمار أموال الزكاة من قبل المالك‪:‬‬
‫إذا أخر المالك إخراج الزكاة عن وقت وجوبها بقصد استثمارها‪ ،‬فهل يجوز‬
‫ذلك أم ل ؟ الجابة على هذا السؤال تنبني على مسالة ‪ :‬هل تجب الزكاة‬
‫على الفور أم على التراخي؟‬
‫ل‪ :‬الزكاة تجب على الفور أم على التراخي‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫اختلف الفقهاء في فورية إخراج الزكاة بعد وجوبها‪ ،‬فذهب جمهور الفقهاء‬
‫من الحنفية‪ -‬في المختار عندهم‪ -‬والمالكية في أصل المذهب والشافعية‬
‫والحنابلة إلى أن الزكاة تجب على الفور )‪(26‬‬
‫واستدلوا على ذلك بما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬قوله _تعالى_‪" :‬وآتوا حقه يوم حصاده")‪ (27‬فالمراد الزكاة‪ ،‬والمر‬
‫المطلق يقتضي الفور )‪.(28‬‬
‫‪ -2‬قوله _صلى الله عليه وسلم_‪" :‬ما خالطت الصدقة مال قط إل أهلكته")‬
‫‪ (29‬فالحديث يدل على الفورية‪ ،‬لن التراخي عن الخراج مما ل يبعد أن‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يكون سببا ً لتلف المال وهلكه)‪(30‬‬


‫‪ -3‬ما روي عن عقبة بن الحارث قال ‪":‬صلى النبي _صلى الله عليه وسلم_‬
‫العصر فأسرع ‪ ،‬ثم دخل البيت‪ ،‬فلم يلبث أن خرج‪ ،‬فقلت أو قيل له‪ :‬كنت‬
‫خلفت في البيت تبرا من الصدقة‪ ،‬فكرهت أن أبيته فقسمته" )‪ .(31‬فالحدث‬
‫يدل على فورية إخراج الصدقة قال ابن بطال‪" :‬الخير ينبغي أن يبادر به‪ ،‬فإن‬
‫الفات تعرض والموانع تمنع‪ ،‬والموت ل يؤمن‪ ،‬والتسويف غير محمود" وزاده‬
‫غيره‪" :‬وهو أخلص الذمة للحاجة‪ ،‬وأبعد من المطل المذموم‪ ،‬وأرضى للرب‬
‫تعالى‪ ،‬وأمحى للذنب " )‪.(32‬‬
‫‪ -4‬ولن حاجة الفقراء ناجزة‪ ،‬فيجب أن يكون الوجوب على الفور‪ (33).‬وقال‬
‫الكمال بن الهمام المر بالصرف إلى الفقير معه قرينة الفور‪ ،‬وهي أنه لدفع‬
‫حاجة وهي معجلة)‪.(34‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪ -5‬ولن الزكاة عبادة تتكرر في كل عام‪ ،‬فلم يجز تأخيرها إلى وقت وجوب‬
‫مثلها‪ :‬كالصلة والصوم )‪ .(35‬وذهب الحنفية في قول اختاره أبو بكر‬
‫الجصاص وغيره إلى أن وجوب الزكاة عمري ‪ :‬أي تجب على التراخي‪،‬‬
‫ومعنى التراخي‪ -‬عندهم ‪ -‬أنها تجب مطلقا ً عن الوقت‪ ،‬ففي أي وقت أدى‬
‫يكون مؤديا ً للواجب‪ ،‬وبتعيين ذلك الوقت للوجوب إذا لم يؤد إلى آخر عمره‬
‫بحيث يتضيق عليه الوجوب‪ ،‬بأن بقى من الوقت قدر يمكنه الداء فيه‪ ،‬وغلب‬
‫على ظنه أنه لو لم يؤد فيه يموت فيموت‪ ،‬فعند ذلك يتضيق عليه الوجوب‪،‬‬
‫حتى إنه لو لم يؤد فيه حتى مات‪ ،‬يأثم‪ .‬واستدلوا لذلك بما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬المر بأداء الزكاة مطلق‪ ،‬والمر مطلق يقتضي التراخي‪ ،‬فل يتعين الزمن‬
‫الول لدائها دون غيره‪ ،‬كما ل يتعين لذلك مكان دون مكان‪.‬‬
‫‪ -2‬وقد استدل الجصاص لذلك بمن عليه الزكاة إذا هلك نصابه بعد الحول‬
‫والتمكن من الداء‪ ،‬أنه ل يضمن‪ ،‬ولو كانت واجبة على الفور لضمن‪ ،‬كمن‬
‫أخر صوم شهر رمضان عن وقته‪ ،‬أنه يجب عليه القضاء )‪ .(36‬وقد أجيب عن‬
‫اقتضاء المر المطلق الفورية أو عدم اقتضائها‪:‬‬
‫بأن المختار في أصول الفقه أن المر المطلق ل يقتضي الفور ول التراخي ‪،‬‬
‫بل يقتضي مجرد طلب الفعل المأمور به‪ ،‬والفورية تستفاد من القرائن‪.‬‬
‫وأجيب عن قول الجصاص‪ :‬عدم الضمان بهلك النصاب بعد وقت الوجوب‪:‬‬
‫بأن هذه المسألة خلفية‪ ،‬ومبنية على مسألة المر المطلق الفورية أو عدم‬
‫اقتضائها فيضمن عند من يقول بالفورية‪ ،‬ول يضمن عند من يقول بالتراخي )‬
‫‪ (37‬فل يصلح هذا الدليل للستدلل به‪ .‬والراجح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء‬
‫من أن الزكاة تجب على الفور‪ ،‬لوامر الشرع التي قامت القرائن على‬
‫وجوب المبادرة بها‪ ،‬وللحاديث التي ذكرتها‪ ،‬ولقوله تعالى‪" :‬واستبقوا‬
‫الخيرات )‪ (38‬وقوله _تعالى_‪" :‬وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها‬
‫السموات والرض أعدت للمتقين" )‪.(39‬‬
‫وبناء على القول الراجح فل يجوز للمالك تأخير الزكاة لغير عذر‪ :‬كدفعها إلى‬
‫من هو أحق من ذي قرابة أو ذي حاجة‪ ،‬أو لحاجته إليها‪ .‬أما استثمارها فل يعد‬
‫عذرا ً من أعذار التأخير‪ ،‬فل يجوز له تأخيرها بقصد الستثمار‪ ،‬لعدم تحقق‬
‫الخراج المأمور به على الفور‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬هل يشارك الفقير المالك بعد وجوب الزكاة إذا استثمر الموال الزكوية‬
‫في الرباح؟‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إذا أخرج المالك الزكاة‪،‬و استثمر المال الذي خالطته الزكاة‪ ،‬فهل يشارك‬
‫المستحقون المالك في الربح والخاسرة؟ إجابة هذه المسالة مبنية على‬
‫مسألة تعلق الزكاة بالعين أو بالذمة‪ .‬اختلف الفقهاء في تعليق الزكاة‪ ،‬فذهب‬
‫جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية‪ ،‬والشافعي في الجديد وهو الصحيح في‬
‫المذهب وأحمد في راية عليها المذهب إلى أن الزكاة تتعلق بالعين )المال( ل‬
‫بالذمة)‪(40‬‬
‫واستدلوا لذلك فيما يلي‪:‬‬
‫قوله _صلى الله عليه وسلم_‪" :‬في أربعين شاة)‪ (41‬وقوله _صلى الله عليه‬
‫وسلم_‪" :‬فما سقت السماء العشر")‪ (42‬وغير ذلك من النصوص الوارد فيها‬
‫حرف "في" وهي للظرفية‪ .‬فالواجب جزء من النصاب‪.‬‬
‫وذهب الشافعية في القديم وأحمد في رواية اختارها الخرقي في مختصره‬
‫إلى أن الزكاة تتعلق بالذمة ل بالعين‪ ،‬لن إخراجها من غير النصاب جائز‪ ،‬فلم‬
‫تكن واجبة فيه‪ :‬كزكاة الفطر‪ ،‬ولنها لو وجبت فيه لمتنع تصرف المالك فيه‪،‬‬
‫ولتمكن المستحقون من إلزامه أداء الزكاة من عينه‪ ،‬أو ظهر شيء من‬
‫أحكام ثبوته فيها‪ ،‬وأسقطت الزكاة بتلف النصاب من غير تفريط‪ :‬كسقوط‬
‫أرش الجناية بتلف الجاني )‪ .(43‬والراجح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أن‬
‫الزكاة تتعلق بالعين‪ ،‬ل بالذمة للنصوص الواردة في ذلك‪ ،‬ولقوله تعالى‪:‬‬
‫"خذ من أموالهم صدقة" )‪ .(44‬وقوله _تعالى_‪" :‬والذين في أموالهم حق‬
‫معلوم للسائل والمحروم" )‪ (45‬وقول النبي _صلى الله عليه وسلم_ لمعاذ‪:‬‬
‫"فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم")‪ .(46‬وأما جواز‬
‫إخراجها من غير النصاب‪ ،‬فيجاب عنه بأنه أجازها رخصة‪ ،‬وتوسيعها على‬
‫المالك‪ ،‬لكونها وجبت مجانا ً على سبيل المواساة‪.‬‬
‫فبناء على القول بأن الزكاة تتعلق بالذمة‪ ،‬فإن ملك المالك ل يزول عن‬
‫شيء من المال‪ ،‬ويصح تصرفه فيه بالبيع والستثمار وغير ذلك‪ ،‬والربح في‬
‫حال الستثمار له‪ ،‬والخسارة عليه‪ .‬وبناء على القول بأن الزكاة تتعلق بالعين‪،‬‬
‫فإن الفقهاء اختلفوا بمشاركة المستحقين للمالك في ماله‪ ،‬وهي مبنية على‬
‫الختلف في التكييف الفقهي لتعلق الزكاة بالمال بعد وجوب الزكاة فيه‪ :‬هل‬
‫هو تعلق شركة‪ ،‬أو تعلق رهن‪ ،‬أو تعلق أرش جناية الرقيق برقبته؟‬
‫اختلف الفقهاء في ذلك على عدة أقوال ‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫القول الول‪ :‬ذهب المالكية والشافعية في قول والحنابلة في قول إلى أن‬
‫الزكاة تتعلق بعين المال تعلق شركة‪ ،‬فينتقل مقدار الزكاة إلى المستحقين‬
‫بعد وجوبها‪ ،‬ويصيرون شركاء رب المال في قدر الزكاة‪ ،‬واستدلوا لذلك‬
‫بظاهر قوله تعالى‪" :‬إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها‬
‫والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل‬
‫فريضة من الله والله عليم حكيم" )‪ …(47‬فإن اللم في الية للتمليك‪ ،‬ولن‬
‫الواجب يتبع المال في الصفة من الجودة والرداءة‪ ،‬فتؤخذ الصحيحة من‬
‫الصحاح‪ ،‬والمريضة من المراض‪ ،‬ولو امتنع المالك من إخراجها أخذها المام‬
‫منه ‪ ،‬فهو كما يقسم المال المشترك إذا امتنع بعض الشركاء من قسمته‬
‫ولهذا كان للفقير أن يأخذ مقدار الزكاة من المال إذا ظفر به )‪.(48‬‬
‫القول الثاني‪ :‬ذهب الحنفية والشافعية في قول والحنابلة في قول إلى أن‬
‫الزكاة تتعلق بعين المال تعلق أرش )‪ (49‬جناية العبد المملوك برقبته‪ ،‬فل‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يزول ملك رب المال عن شيء منه إل بالدفع للمستحق‪ ،‬لن الزكاة تسقط‬
‫بتلف المال قبل التمكن أو من غير تفريط‪ ،‬كسقوط أرش الجناية بتلف‬
‫الجاني… )‪(50‬‬
‫القول الثالث‪:‬ذهب الشافعية في قول ثالث والحنابلة في قول ثالث إلى أن‬
‫الزكاة تتعلق بعين المال تعلق الدين بالرهن‪ ،‬وبمال من حجر عليه لفلسه‪،‬‬
‫فل يصح تصرفه قبل وفائه أو إذن ربه… ")‪ .(51‬بناء على القول بأن الزكاة‬
‫تتعلق بالعين تعلق شركة قال بعض العلماء‪ :‬إن المستحقين يشاركون رب‬
‫المال في الربح الحاصل من استثمار المال الذي خالطته الزكاة‪ ،‬فجاء في‬
‫العروة الوثقى‪" :‬إذا اتجر بمجموع النصاب قبل أداء الزكاة كان الربح للفقير‬
‫بالنسبة والخسارة عليه"‪ .(52).‬وجاء في كتاب الخمس‪" :‬فإن اتجرت بها‬
‫فأنت لها ضامن ولها "للزكاة" الربح‪ ،‬وإن نويت في حال ما عزلتها من غير‬
‫أن تشغلها في تجارة فليس عليك شيء‪ ،‬فإن لم تعزلها في جملة مالك فلها‬
‫بقسطها من الربح‪ ،‬ول وضعية عليها" ويعتمد هذا القول على قاعدة "تبعية‬
‫النماء للملك" )‪ .(53‬ولكن الشافعية الذين قالوا بتعلق الزكاة بالعين تعلق‬
‫شركة لم يقولوا بذلك ولم يرتبوا عليه تلك النتيجة‪ ،‬ومقتضى قولهم‪ :‬إن‬
‫المستحقين ل يشاركون رب المال في الربح والخسارة‪ ،‬إذا استثمر المالك‬
‫المال الذي خالطته الزكاة لن التمليك في الزكاة للمستحقين ليس تمليكا ً‬
‫حقيقيا ً قبل قبضهم لها‪ ،‬فقد جاء في أحكام القرآن لللكيا الهراسي "وإنما لم‬
‫يجعله تمليكا ً حقيقيا ً من حيث جعله لوصف ل لعين‪ ،‬وكل عين لموصوف فإنه‬
‫ل يملكه إل بالتسليم‪ ،‬إل أن ذلك ل يمنع استحقاق الصناف لنواع الصدقات‬
‫حتى ل يحرم صنف"‪ .(54).‬وبناء على القولين‪ :‬الثاني والثالث للذين جعل‬
‫تعلق الزكاة بالعين تعلق استيثاق كما في الرهن وأرش جناية العبد‪ ،‬فل‬
‫يشارك المستحقون رب المال في ربح ما استثمره من أموال خالطتها‬
‫الزكاة‪ ،‬وقد صرح بذلك الحنابلة حيث جاء في الصناف‪" :‬والتصرف فيه ببيع‬
‫غيره بل إذن الساعي‪ ،‬وكل النماء له )أي للمالك(‪.(55).‬‬
‫والذي أراه أن المستحقين ل يشاركون صاحب المال في الربح الذي يحصل‬
‫له من استثمار أمواله بعد وجوب الزكاة وقبل الداء‪ ،‬لن قول الحنفية ومن‬
‫معهم من أن الزكاة تتعلق بالعين تعلق أرش جناية العبد برقبته أرجح القوال‬
‫في المسألة‪ ،‬فل يزول ملك رب المال عن شيء من أمواله إل بالدفع إلى‬
‫المستحقين‪ ،‬وأما ما ذهب إليه الشافعية ومن معهم من أن اللم في آية‬
‫توزيع الصدقات للتمليك‪ ،‬فيجاب عنه بأن هذا المبدأ ليس محل اتفاق كما‬
‫بينت في بحث‪ :‬مبدأ التمليك ومدى اعتباره في صرف الزكاة")‪…(56‬‬
‫والتمليك بالنسبة لمن قالوا به ليس على الحقيقة قبل قبض الزكاة‪ -‬كما‬
‫بينت سابقا ً ‪ -‬فالفقير ليس بمالك للزكاة حقيقة‪ ،‬ولكن له صلحية أن تصرف‬
‫إليه‪ ،‬ويستحق هذا القدر على صاحب المالك‪ ،‬وعلى معنى أنه إذا أراد الداء‬
‫يجب عليه أن يصرفه إلى الفقير دفعا ً لحاجته‪ ،‬ول يقال لما وجب الصرف إليه‬
‫لفقره كان المال حقه‪ ،‬فيكون هو مستحقا ً له حقيقة‪ ،‬لنا نقول ما يجب‬
‫لفقره رزقا ً له على الله تعالى‪ ،‬لنه تعالى هو الضامن للرزق دون العبيد إل‬
‫أن الله أمر بصرف هذا الواجب إليه‪.(57).‬‬
‫وإذا عزل المالك الزكاة عن أمواله فل يجوز له استثمارها‪ ،‬إل إذا منع من‬
‫توصيلها للمستحقين مانع فل بأس باستثمارها لحين توزيعها بحيث يضمن‬
‫الخسارة‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬حكم استثمار أموال الزكاة من قبل المام أو من ينوب عنه‪:‬‬
‫إذا وصلت أموال الزكاة إلى يد المام أو نائبه فهل يجوز له استثمارها في‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مشاريع ذات ريع أم ل؟‬


‫أو ً‬
‫ل‪ :‬آراء العلماء المعاصرين في استثمار المام لموال الزكاة‪:‬‬
‫اختلف العلماء المعاصرون في حكم استثمار المام لموال الزكاة على‬
‫قولين‪:‬‬
‫القول الول‪ :‬يرى بعض العلماء عدم جواز استثمار أموال الزكاة من قبل‬
‫المام أو من ينوب عنه‪ ،‬وممن ذهب إلى ذلك الدكتور وهبه الزحيلي‪،‬‬
‫والدكتور عبد الله علوان‪ ،‬والدكتور محمد عطا السيد‪ ،‬والشيخ محمد تقي‬
‫العثماني)‪.(58‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫القول الثاني‪ :‬يرى كثير من العلماء المعاصرين جواز استثمار أموال الزكاة‬
‫في مشاريع استثمارية سواء فاضت الزكاة أول‪ .‬وممن ذهب إلى هذا القول‬
‫الستاذ مصطفى الزرقا والدكتور يوسف القرضاوي والشيخ عبد الفتاح أبو‬
‫غدة‪ ،‬والدكتور عبد العزيز الخياط‪ ،‬والدكتور عبد السلم العبادي‪ ،‬والدكتور‬
‫محمد صالح الفرفور ‪ ،‬والدكتور حسن عبد الله المين‪ ،‬والدكتور محمد‬
‫فاروق النبهان‪.‬‬
‫قال الستاذ مصطفى الزرقا‪" :‬الستثمار الذي هو تنمية المال‪ ..‬أرى أن كل‬
‫طرق الستثمار بمعنى أن يوضع في طريق ينمو به مال الزكاة‪ ،‬فيصبح‬
‫الواحد اثنين والثنان ثلثة…‪ ،‬على شرط أن تمارسها أيد أمينة‪ ،‬وأساليب‬
‫وتحفظات مأمونة كل هذا جائز‪ ،‬سواء أكان عن طريق تجارة أم عن طريق‬
‫الصناعة أم عن طريق أي شيء يمكن أن يستثمر‪ .(59) .‬وقال الدكتور‬
‫يوسف القرضاوي‪" :‬بناء على هذا المذهب‪ -‬أي مذهب إناء الفقير من الزكاة‬
‫تستطيع مؤسسة الزكاة إذا كثرت مواردها واتسعت حصيلتها أن تنشأ‬
‫مؤسسات تجارية أو نحو ذلك من المشروعات النتاجية الستغللية وتملكها‬
‫للفقراء كلها أو بعضها‪ ،‬لتدر عليهم دخل دوريا ً يقوم بكفايتهم كاملة‪ ،‬ول تجعل‬
‫لهم الحق في بيعها ونقل ملكيتها لتظل شبه موقوفة عليهم ‪ .(60).‬وقال‬
‫الشيخ عبد الفتاح أبو غدة‪" :‬يجوز استثمار هذه الموال "أموال الزكاة" بما‬
‫يعود على المجاهدين الفغان بالخير بهذه الطريقة المشروعة "المرابحة"‬
‫وأنتم وكلء في القبض ‪ ،‬فيمكن أن تكونوا وكلء في التصرف‪ ،‬وأنتم في‬
‫مقام المودع إذا أذن له في التصرف"‪.(61).‬‬
‫وقال الدكتور محمد فاروق النبهان‪" :‬اقترح أن تنشأ وزارة خاصة يطلق عليها‬
‫اسم وزارة الزكاة وتكون مهمتها جباية الموال من الغنياء‪ ،‬وتوزيعها على‬
‫مستحقيها من الفقراء‪ ..‬إليهم دون غيرهم")‪ .(62‬وقال الدكتور عبد العزيز‬
‫الخياط عميد كلية الشريعة بالجامعة الردنية سابقًا‪ :‬أرى ضرورة توظيف‬
‫واستثمار بعض أموال الزكوات في المشروعات الخيرية والصناعية والتجارية‬
‫لصالح جهات الستحقاق")‪.(63‬‬
‫وقال الدكتور محمد صالح الفرفور‪" :‬أرى جواز استثمار أموال الزكاة‬
‫استحسانا ً خلفا للقياس للضرورة أو الحاجة بإشراف ولي المر أو من‬
‫يفوضه كالقاضي )‪ .(64‬وقد أفتى بجواز استثمار أموال الزكاة كثير من‬
‫العلماء ولجان الفتوى في العالم السلمي ‪ -‬كما هو مبين في ملحق الفتاوى‬
‫والقرارات‪-‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الدلة‪:‬‬
‫يستند كل قول من القولين السابقين إلى حجج وأدلة‪ ،‬وفيما يلي أدلة كل‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فريق‪:‬‬
‫‪ -1‬أدلة القائلين بعدم جواز الستثمار‪.‬‬
‫استدل القائلون بعدم جواز استثمار أموال الزكاة بما يلي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬استثمار أموال الزكاة في مشاريع صناعية أو زراعية أو تجارية يؤدي إلى‬
‫تأخير توصيل الزكاة إلى المستحقين‪ ،‬إذ أن إنفاقها في تلك المشاريع يؤدي‬
‫إلى انتظار الرباح المترتبة عليها‪ ،‬وهذا مخالف لما عليه جمهور العلماء من‬
‫أن الزكاة تجب على الفور‪(65) .‬‬
‫ب ‪ -‬إن استثمار أموال الزكاة يعرضها إلى الخسارة والضياع‪ ،‬لن التجارة إما‬
‫ربح وإما خسارة )‪.(66‬‬
‫ت ‪ -‬إن استثمار أموال الزكاة يعرضها إلى إنفاق أكثرها في العمال الدارية‬
‫)‪.(67‬‬
‫ث ‪ -‬إن استثمار أموال الزكاة يؤدي إلى عدم تملك الفراد لها تمليكا ً فرديا‪ً،‬‬
‫وهذا مخالف لما عليه جمهور الفقهاء من اشتراط التمليك في أداء الزكاة‪،‬‬
‫لن الله تعالى أضاف الصدقات إلى المستحقين في آية الصدقات بلم‬
‫الملك)‪.(68‬‬
‫ج ‪ -‬لن يد المام أو من ينوب عنه على الزكاة يد أمانة ل تصرف واستثمار)‬
‫‪.(69‬‬
‫‪-2‬أدلة القائلين بجواز الستثمار‪:‬‬
‫استدل القائلون بجواز استثمار أموال الزكاة بما يلي‪:‬‬
‫)أ ( لن النبي _صلى الله عليه وسلم_ والخلفاء الراشدين كانوا يستثمرون‬
‫أموال الصدقات من إبل وبقر وغنم ‪ ،‬فقد كان لتلك الحيوانات أماكن خاصة‬
‫للحفظ والرعي والدر والنسل‪ ،‬كما كان لها رعاة يرعونها ويشرفون عليها‪،‬‬
‫ويؤيد ذلك ما روي عن أنس رضي الله عنه أن أناسا ً من عرينة اجتووا‬
‫المدينة)‪ ،(70‬فرخص لهم الرسول _صلى الله عليه وسلم_ أن يأتوا إبل‬
‫الصدقة فشربوا من ألبانها وأبوالها‪ ،‬فقتلوا الراعي واستاقوا الذود فأرسل‬
‫رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ فأتي بهم‪ ،‬فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر‬
‫أعينهم‪ ،‬وتركهم بالحرة يعضون الحجارة")‪ .(71‬وعن مالك عن زيد بن أسلم‬
‫أنه قال‪ :‬شرب عمر بن الخطاب لبنا ً فأعجبه‪ ،‬فسأل الذي سقاه من أين هذا‬
‫اللبن‪ ،‬فأخبره أنه ورد على ماء قد سماه‪ ،‬فإذا نعم من نعم الصدقة‪ ،‬وهم‬
‫يسقون‪ ،‬فحلبوا من ألبانها‪ ،‬فجعلته في سقاء فهو هذا‪ ،‬فأدخل عمر بن‬
‫الخطاب يده فاستقاء)‪.(72‬‬
‫)ب( الستئناس بقول من توسع في مصرف‪" :‬في سبيل الله" وجعله شامل‬
‫لكل وجوه الخير‪ :‬من بناء الحصون وعمارة المساجد‪ ،‬وبناء المصانع‪ ،‬وغير‬
‫ذلك مما فيه للمسلمين كما نقله الرازي في تفسيره عن تفسير القفال عن‬
‫بعض العلماء‪.‬‬
‫)‪ .(73‬فإذا جاز صرف الزكاة في جميع وجوه الخير‪ ،‬جاز صرفها في إنشاء‬
‫المصانع والمشاريع ذات الريع التي تعود بالنفع على المستحقين‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫)ت( الستئناس بقول من أجاز للمام‪ -‬إذا اقتضت الضرورة أو الحاجة‪ -‬إنشاء‬
‫المصانع الحربية من سهم " في سبيل الله" وأن يجعل هذه المصانع‬
‫كالوقوف على مصالح المسلمين‪ .‬ويستند هذا الرأي إلى ما ذكره النووي في‬
‫المجموع عن فقهاء خراسان‪" :‬إن المام بالخيار إن شاء سلم الفرس‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والسلح واللت إلى الغازي أو ثمن ذلك تمليكا ً له فيملكه وإن شاء استأجر‬
‫ذلك له‪ ،‬وإن شاء اشترى من سهم "في سبيل الله" أفراسا ً وآلت الحرب‪،‬‬
‫وجعلها وقفا ً في سبيل الله‪ ،‬ويعطيهم عند الحاجة ما يحتاجون إليه ثم يردونه‬
‫إذا انقضت حاجتهم‪ ،‬وتختلف المصلحة في ذلك بحسب قلة المال وكثرته")‬
‫‪ .(74‬هذا بناء على قول من يرى عدم التوسع في مصرف في "سبيل الله"‬
‫وقصره على الجهاد في سبيل الله ‪ ،‬فإذا جاز إنشاء المصانع الحربية ووقفها‬
‫على مصالح الجيش السلمي من الزكاة جاز إنشاء المؤسسات الستثمارية‬
‫من أموال الزكاة إذا دعت الضرورة أو الحاجة ووقفها على المستحقين‬
‫للزكاة‪.‬‬
‫)ث( الستئناس بالحاديث التي تحض على العمل والنتاج واستثمار ما عند‬
‫النسان من مال وجهد ومن ذلك ما روي عن أنس بن مالك قال‪" :‬أن رجل‬
‫من النصار أتى النبي _صلى الله عليه وسلم_‪ ،‬قال‪ :‬أما في بيتك شيء؟‬
‫قال‪ :‬بلى حلس)‪ (75‬نلبس بعضه ونبسط بعضه‪ ،‬وقعب )‪ (76‬نشرب فيه‬
‫الماء‪ .‬قال‪ :‬ائتني بهما‪ ،‬فأخذهما رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ بيده‬
‫وقال من يشتري هذين؟ فقال رجل‪ :‬أنا آخذهما بدرهم‪ ،‬قال من يزيد على‬
‫درهم؟ مرتين أو ثلثًا‪ .‬فقال رجل‪ :‬أنا آخذهما بدرهمين‪ ،‬فأعطاهما إياه وأخذ‬
‫الدرهمين وأعطاهما النصاري‪ ،‬وقال‪ :‬اشتر بأحدهما طعاما ً فانبذه إلى أهلك‪،‬‬
‫واشتر بالخر قدوما ً فائتني به‪ ،‬فشد رسول الله _صلى الله عليه وسلم_‬
‫عودا ً بيده ثم قال‪ :‬اذهب فاحتطب وبع ول أرينك خمسة عشر يومًا‪ ،‬فذهب‬
‫الرجل يحتطب ويبيع فجاء وقد أصاب خمسة عشر درهما ً فاشترى ببعضها‬
‫ثوبا ً وببعضها طعاما ً فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_‪" :‬هذا خير لك‬
‫من أن تجيء المسالة نكتة في وجهك يوم القيامة‪ ،‬وإن المسألة ل تصلح إل‬
‫لثلثة‪ :‬لذي فقر مدقع )‪ ،(77‬أو لذي غرم مفظع)‪ (78‬أو لذي دم موجع )‪)(79‬‬
‫‪.(80‬فإذا جاز استثمار مال الفقير المشغول بحاجاته الصلية جاز للمام‬
‫استثمار أموال الزكاة قبل شغلها بحاجاتهم‪.‬‬
‫)ج( القياس على استثمار المستحقين للزكاة بعد قبضها ودفعها إليهم بقصد‬
‫الستثمار‪ -‬كما بينا سابقا ً ‪ -‬فإذا جاز دفعها إليهم استثمارها لتأمين كفايتهم‬
‫وتحقيق إغنائهم جاز استثمارها وإنشاء مشروعات صناعية أو زراعية تدر على‬
‫المستحقين ريعا ً دائما ً ينفق في حاجة المستحقين‪ ،‬ويؤمن لهم أعمال دائمة‬
‫تتناسب مع إمكاناتهم وقدراتهم‪ .‬والستئناس بالحاديث التي تحض على‬
‫الوقوف والصدقة الجارية‪ ،‬ومن ذلك قوله _صلى الله عليه وسلم_‪" :‬إذا مات‬
‫النسان انقطع عمله إل من ثلثة‪ :‬صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح‬
‫يدعو )‪ (81‬فالصدقة الجارية هي الدائمة المتصلة كالوقوف المرصدة‪ ،‬فيدوم‬
‫ثوابها للمتصدق مدة دوامها‪ ،‬ويعمل الناظر على تنميتها واستثمارها والتصرف‬
‫فيها بما يحقق مصلحة الموقوف عليهم‪ ،‬فإذا جاز للناظر التصرف فيها وفق‬
‫مصلحة المستحقين‪ ،‬جاز للمام التصرف في أموال الزكاة واستثمارها‪.‬‬
‫)ح( القياس على جواز استثمار أموال اليتام من قبل الوصياء بدليل قوله‬
‫_صلى الله عليه وسلم_ "ابتغوا في أموال اليتامى ل تأكلها الصدقة")‪(82‬‬
‫فإذا جاز استثمار أموال اليتام وهي مملوكة حقيقة لهم جاز استثمار أموال‬
‫الزكاة قبل دفعها إلى المستحقين لتحقيق منافع لهم فهي ليست بأشد حرمة‬
‫من أموال اليتام‪.‬‬
‫ً‬
‫)خ( العمل بالستحسان في هذه المسألة خلفا للقياس‪ ،‬فهذه المسألة وإن‬
‫كان الصل فيها عدم الجواز إل أن الحاجة إليها في هذا العصر ماسة نتيجة‬
‫لختلف البلد والعباد واختلف الدول وأنظمة العيش‪ ،‬وأنماط الحياة)‪(83‬‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن وجوه المصلحة في استثمار أموال الزكاة تأمين موارد مالية ثابتة لسد‬
‫حاجات المستحقين المتزايدة‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬مناقشة الدلة‪:‬‬
‫‪1‬ـ مناقشة أدلة القائلين بعدم جواز الستثمار‪:‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫أ ‪ -‬القول إن استثمار أموال الزكاة ينافي الفورية التي عليها الجمهور يجاب‬
‫عنه‪ ،‬بأن الفورية تتعلق بالمالك ل بالمام‪ ،‬فإذا وصلت الزكاة إلى يد المام أو‬
‫نائبه تحققت الفورية وجاز له‪ -‬عند جمهور العلماء‪ -‬تأخير قسمتها‪ ،‬واستدلوا‬
‫لذلك بما روي أنس بن مالك قال‪" :‬غدوت إلى رسول الله _صلى الله عليه‬
‫وسلم_ بعبد الله بن أبي طلحة ليحنكه)‪ (84‬فوافيته في يده الميسم )‪(85‬‬
‫يسم إبل الصدقة)‪ (86‬فهو يدل على جواز تأخير القسمة‪ ،‬لنها لو عجلت‬
‫لستغنى عن الوسم")‪ .(87‬كما يجوز للمام تأخير الزكاة عند المالك لحاجة‬
‫المالك نفسه أو المستحقين‪ .‬فقال المالكية‪" :‬يجوز للمام تأخير الزكاة إلى‬
‫الحول الثاني‪ ،‬إذا أداه إليه اجتهاده‪ ،‬لن المام وكيل المستحقين وهو مأمور‬
‫بأن يتحرى المصلحة" )‪ .(88‬وقال الحنابلة "يجوز للمام والساعي تأخيرها‬
‫عند ربها لعذر قحط أو نحوه")‪ ،(89‬وقال أبو عبيد ‪":‬وكذلك تأخيرها إذا رأى‬
‫ذلك المام في صدقة المواشي‪ ،‬للزمة تصيب الناس‪ ،‬فتجدب لها بلدهم‪،‬‬
‫فيؤخرها عنهم إلى الخصب‪ ،‬ثم يقضيها منهم بالستيفاء في العام المقبل‪،‬‬
‫كالذي فعله عمر في عام الرمادة")‪.(90‬‬
‫ب ‪ -‬القول إن الستثمار يعرض أموال الزكاة للخسارة يجاب عنه‪ :‬بأن‬
‫احتمال الخسارة في التجارة ل يمنع التجار بالموال‪ ،‬لما فيه من تنمية المال‬
‫وزيادته‪ ،‬وقد اعتبر ابن عبد السلم التجار من المصالح الدنيوية التي تدعو‬
‫إليها الشريعة السلمية‪ ،‬حيث قسم المصالح الدنيوية إلى قسمين أحدهما‪:‬‬
‫ناجز الحصول‪ :‬كمصالح المآكل والمشارب‪ ،‬والملبس وحيازة المباح‬
‫والصطياد والحتشاش والحتطاب‪ .‬والقسم الثاني‪ :‬متوقع الحصول‪ :‬كالتجار‬
‫لتحصيل الرباح‪ ،‬وكذلك التجار في أموال اليتامى لما يتوقع فيها من الرباح)‬
‫‪ .(91‬وقد دعت الشريعة السلمية الولة والحكام إلى حفظ أموال المة‬
‫واستثمارها بما يحقق النفع للمسلمين‪ ،‬فجاء في كتاب الخراج‪) :‬فإذا اجتمعوا‬
‫"أي أهل الخير" على أن في ذلك "رأي في حفر النهار" صلحا ً وزيادة في‬
‫الخراج أمرت بحفر تلك النهار‪ ،‬وجعلت النفقة من بيت المال ول تحمل‬
‫النفقة على أهل البلد‪ ،‬وكل ما فيه مصلحة لهل الخراج في أرضهم وأنهارهم‬
‫وطلبوا إصلح ذلك لهم أجيبوا إليه إذا لم يكن فيه ضرر على غيرهم)‪ .(92‬وما‬
‫ذكره أبو يوسف‪ -‬رحمه الله‪ -‬من ضرورة حفر النهار هو من قبيل التمثيل‪ ،‬ل‬
‫الحصر كما يفهم من عبارته الخيرة‪" ،‬وكل ما فيه مصلحة لهل الخراج‪..‬‬
‫أجيبوا إليه"‪ .‬واستثمار الموال يخضع ‪ -‬في هذا الوقت‪ -‬إلى دراسات‬
‫اقتصادية دقيقة قبل القدام على أي مشروع استثماري‪ :‬مثل دراسة فرص‬
‫الستثمار‪ ،‬ودراسة الجدوى القتصادية‪ .‬ففي دراسة الفرص يتم تحليل‬
‫إحصائيات عن الموارد المتاحة والمستخدمة‪ ،‬وعن طلب المستهلكين‬
‫والعرض المتاح‪ ،‬وعن الحاجات الساسية والمعروض منها‪ ،‬وعن الواردات‬
‫والطلب عليها‪ ،‬وعن المنتجات المصنوعة ومدى الحاجة إليها‪ ،‬وعن رغبات‬
‫التنوع والمناخ الستثماري العام والتسهيلت المقدمة‪.(93).‬‬
‫ودراسة الجدوى القتصادية تتنوع إلى نوعين‪ :‬دراسة جدوى مبدئية‪ ،‬ودراسة‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جدوى تفصيلية‪ ،‬فدراسة الجدوى المبدئية حلقة وسط بين دراسة الفرص‬
‫ودراسة الجدوى التفصيلية‪ ،‬فإذا ثبت من دراسة الفرص أن الفكرة طيبة‬
‫وتستحق الدراسة فإنه قد يكون من المرغوب فيه القيام بدراسة مبدئية تهتم‬
‫بالهيكل العام ودراسة البدائل ول تنشغل بالتفاصيل الفنية والهندسية‪ ،‬فإذا‬
‫تبين من هذه الدراسة أن المشروع يستحق القيام به ويحتاج إلى دراسة‬
‫الجدوى التفصيلية قام بها وهي تعتمد على بيانات تفصيلية في الجوانب‬
‫الفنية والهندسية والتجارية والمالية والقتصادية والجتماعية‪ ،‬ففي الدراسة‬
‫يتم تحليل أشياء كثيرة منها‪ :‬النتاج والمنتجات‪ ،‬والموقع‪ ،‬والتكنولوجيا‪،‬‬
‫والمدخلت والمخرجات‪ ،‬والسعار والتسعير والمبيعات واليرادات‪،‬‬
‫والمصروفات وتكاليف الستثمار‪ ،‬والتمويل وهيكل التمويل‪ ،‬والربحية المالية‬
‫والقتصادية والتجارية‪ ،‬والدراسة الحسابية للتغيرات والمخاطر وغير ذلك‬
‫وكل جزئية من هذه الجزئيات يتم وضعها في إطار من التفاصيل الدقيقة‬
‫التي يتم جمعها بأكبر دقة ممكنة دائما ً مع عمل الفتراضات التي بنيت عليها‬
‫الدراسة مثل الطاقة النتاجية والسياسية والحكومية …)‪.(94‬‬
‫كل هذه الدراسات تتم قبل اتخاذ قرار الستثمار‪ ،‬ومن قبل أهل الختصاص‬
‫والخبرة‪ ،‬وهي كفيلة بتضييق دائرة احتمال الخسارة في المشروع‬
‫الستثماري‪ .‬وفيما يلي بيان بالمراحل التي تمر بها صناعة قرار الستثمار‬
‫بصفة عامة‪ ،‬ودراسة الجدوى القتصادية بصفة خاصة‪.‬‬
‫)ج( وأما القول‪ :‬إن استثمار أموال الزكاة يؤدي إلى إضاعتها في العمال‬
‫الدارية فهو مناقض لنص الية "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين‬
‫عليها…")‪ (95‬فقد جعل الله تعالى للقائمين عليها سهما ً منها كما سيأتي‬
‫تفصيله في تكاليف استثمار أموال الزكاة‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫)د( وأما القول‪ :‬إن استثمار أموال الزكاة مناف لمبدأ التمليك الذي اشترطه‬
‫جمهور الفقهاء‪ ،‬فيجاب عنه بأن اشتراط التمليك محل نظر‪ ،‬فقد ذهب بعض‬
‫العلماء إلى عدم اشتراطه إذا دعت الحاجة إلى ذلك‪ ،‬ولذا أجاز كثير من‬
‫العلماء صرف الزكاة بدون تمليك فردي في كثير من الصور‪ ،‬كصرف الزكاة‬
‫في شراء العبيد وعتقهم‪ ،‬وصرف الزكاة لبناء السبيل بدون تمليك فردي‬
‫للمستحق‪.‬‬
‫وعلى فرض اشتراط التمليك فإن التمليك حاصل في إنشاء المشاريع‬
‫الستثمارية‪ ،‬وهي التمليك الجماعي للمستحقين‪ ،‬أو لبيت المال أو بيت‬
‫الزكاة‪ ،‬وقد اعتبر الفقهاء بيت المال شخصية اعتبارية أو حكمية تملك‬
‫وتملك‪.(96).‬‬
‫)هـ( وأما القول‪ :‬أن يد المام على الزكاة يد أمانة ل تصرف واستثمار‪،‬‬
‫فيجاب عنه بأنه غير مسلم‪ ،‬فقد أجاز الفقهاء التصرف في مال الزكاة‬
‫لضرورة أو حاجة‪ ،‬ولذا أجاز المالكية والشافعية والحنابلة بيع الزكاة‬
‫للضرورة‪ ،‬فقال الخرشي‪" :‬إذا قلنا بنقل الزكاة إلى البلد المحتاج واحتاجت‬
‫إلى كراء يكون من الفيء ‪ ..‬فإن لم يكن في فيء أو كان ول أمكن نقلها‪..‬‬
‫فإنها تباع في بلد الوجوب‪ ،‬ويشتري بثمنها مثلها في الموضع الذي تنقل إليها‬
‫إن كان خيرا ً )‪ .(97‬وقال النووي‪" :‬ل يجوز للمام والساعي بيع شيء من‬
‫مال الزكاة من غير ضرورة‪ ،‬فإن وقعت الضرورة بأن يقف عليه بعض‬
‫الماشية أو خاف هلكه‪ ،‬أو كان في الطريق خطر‪ ،‬أو احتاج إلى رد جبران أو‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلى مؤونة النقل‪ ،‬أو قبض بعض شاه وما أشبه جاز البيع ضرورة )‪.(98‬‬
‫وقال ابن قدامة‪" :‬إذا أخذها الساعي فاحتاج إلى بيعها لمصلحة من كلفة‬
‫نقلها ونحوها فله ذلك لما روي قيس بن أبي حازم أن النبي _صلى الله عليه‬
‫وسلم_ رأى في إبل الصدقة ناقة كوماء )‪ (99‬فسأل عنها فقال المصدق‪:‬‬
‫إني ارتجعتها بإبل)‪ (100‬فالرجعة أن يبيعها ويشتري بثمنها مثلها أو غيرها)‬
‫‪.(101‬‬
‫‪ -2‬مناقشة أدلة القائلين بجواز الستثمار‪:‬‬
‫أ ‪ -‬القول بأن النبي _صلى الله عليه وسلم_ والخلفاء الراشدين كانوا‬
‫يستثمرون أموال الزكاة من إبل وغنم وبقر يجاب عنه بأنه غير مسلم‪ ،‬لن ما‬
‫حدث كان لمجرد حفظ الحيوانات لحين توزيعها على المستحقين ل‬
‫للستثمار‪ ،‬وما يحصل من توالد وتناسل ودر لبن فهو طبيعي غير مقصود‪ ،‬فل‬
‫يدل هذا الدليل على جواز إنشاء مشاريع إنتاجية طويلة الجل‪ ،‬وإنما يدل‬
‫على جواز استثمار أموال الزكاة في إحدى المصارف السلمية لحين توزعها‬
‫أو توصيلها إلى المستحقين‪ ،‬فإن هذا الستثمار للحفظ وتحقيق النفع‬
‫للمستحقين من ريعها‪ ،‬فل حرج فيه لقوله _صلى الله عليه وسلم_‪ " :‬من‬
‫استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل" )‪.(102‬‬
‫ب ‪ -‬وأما التوسع في مصرف "في سبيل الله" حتى يشمل جميع وجوه الخير‬
‫فهو غير مسلم ول معتمد‪ ،‬لنه ورد في بعض كتب التفسير لفقيه غير‬
‫معروف‪ ،‬وهو قول مرجوح‪ ،‬والمختار عند الفقهاء والمحققين أن هذا‬
‫المصرف يراد به الجهاد في سبيل الله ‪ ،‬ل جميع وجوه الخير)‪.(103‬‬
‫ت ‪ -‬وأما القول بأنه يجوز للمام‪ -‬إذا اقتضت الضرورة ‪ -‬إنشاء المصانع‬
‫الحربية من سهم " في سبيل الله" فصحيح‪ ،‬ومن وجوه الضرورة خلو بيت‬
‫المال عن الموال التي تفي بذلك‪ ،‬لن عبء تجهيز الجيوش السلمية‬
‫وتسليحها يقع على عاتق بيت المال من فيء وخراج وجزية‪ ،‬فإذا عجز بيت‬
‫المال عن تجهيز المجاهدين فل مانع من تجهيزهم من الزكاة‪.‬‬
‫ث ‪ -‬وأما حديث الحلس فعام في الحث على الستثمار والنتاج‪ ،‬وليس خاصا ً‬
‫باستثمار أموال الزكاة‪.‬‬
‫ج ‪ -‬القياس على استثمار المستحقين للزكاة أجيب عنه بأنه ل يصح‪ ،‬لن‬
‫شرط التمليك متحقق في دفع الزكاة للمستحقين بقصد الستثمار‪ ،‬ول‬
‫يتحقق ذلك الشرط في إنفاق الزكاة في المشاريع الستثمارية من قبل‬
‫المام‪ .‬ويجاب عن ذلك بما ذكرت عند مناقشة أدلة المانعين من أن شرط‬
‫التمليك محل نظر‪ ،‬وأن التمليك الجماعي حاصل في إنشاء المشاريع‬
‫الستثمارية‪.‬‬
‫و‪ -‬الستئناس بحديث الصدقة الجارية )الوقوف( أجيب عنه بأنه ل يصح لن‬
‫من أركان الوقف أن يكون هناك واقف‪ ،‬وفي استثمار أموال الزكاة ل يوجد‬
‫واقف‪ ،‬لن أموال الزكاة قبل قبضها من قبل المستحقين ليست مملوكة لهم‬
‫حقيقة حتى يقفوها‪ ،‬وهي ليست مملوكة للمزكين أيضا ً ول للمام‪ .‬ويجاب عن‬
‫ذلك بأن هذه الحالة ذات شبه بالوقف من بعض الوجوه‪ ،‬وليست مطابقة له‬
‫من كل الوجوه وما دام المر كذلك فليست بحاجة لتوفر أركان الوقف‬
‫وشروطه )‪.(104‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ز‪ -‬القياس على استثمار أموال اليتام أجيب عنه‪ ،‬بأن هذا الستثمار خاص‬
‫بالموال الزائدة عن حاجة اليتيم الصلية بدليل وجوب الزكاة فيها "حتى ل‬
‫تأكلها الصدقة" أما أموال الزكاة فل تزيد عن حاجات المستحقين في الغالب‪،‬‬
‫وإذا زادت في قطر تنقل إلى قطر آخر كما قال الجويني ‪ ":‬وأما الزكوات‪:‬‬
‫إن انتهى مستحقوها إلى مقاربة الستقلل واكتفوا بما نالوه منها فل سبيل‬
‫إلى رد فاضل الزكوات عليهم‪ ،‬فإن أسباب استحقاقهم ما اتصفوا به من‬
‫حاجاتهم‪ ،‬فإذا زالت أسباب الستحقاق وزال الستحقاق بزوالها‪ ،‬فالفاضل‬
‫عند هذا القائل إن تصور استغناء مستحقي الزكاة في قطر أو ناحية منقول‬
‫إلى مستحقي الزكاة في ناحية أخرى‪ ،‬وإن بالغ مصور في تصوير شغور‬
‫الخطة عن مستحقي الزكاة في ناحية أخرى‪ ،‬فهذا أخرق للعوائد وتصوره‬
‫عسر‪ .‬ولكن العلماء ربما يفرضون صورا ً بعيدة وغرضهم بفرضها وتقديرها‬
‫تمهيد حقائق المعاني‪ .‬فإن احتملنا تصور ذلك ‪ -‬أي زيادة أموال الزكاة عن‬
‫المستحقين ‪ -‬فالفاضل من الزكوات عن هؤلء مردود إلى سهم المصالح‬
‫العامة " )‪.(105‬‬
‫فالجويني يستبعد زيادة أموال الزكاة عن حاجات المستحقين في زمنه‬
‫ويعتبره خارقا ً للعادة‪ ،‬فكيف بزماننا الذي شح فيه كثير من الغنياء عن إخراج‬
‫ما وجب عليهم من زكاة‪ .‬فل يصح قياس استثمار أموال الزكاة المشغولة‬
‫بحاجات المستحقين على استثمار أموال اليتام الزائدة عن حاجاتهم‪.‬‬
‫ح ‪ -‬العمل بالستحسان أو بما هو خلف الصل للحاجة أو الضرورة ينبغي أن‬
‫يقيد بضوابط وقيود تحمي أموال الزكاة من الضياع‪ -‬كما سيأتي في القول‬
‫المختار‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬الرأي المختار‪:‬‬
‫بعد عرض آراء العلماء وأدلتهم ومناقشتها يتبين لي ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬الصل في أموال الزكاة التي وصلت إلى يد المام‪ ،‬أو من ينوب عنه من‬
‫السعادة أو المؤسسات الزكوية تعجيل تقسيمها بين المستحقين‪ ،‬ول يجوز‬
‫تأخيرها‪.‬‬
‫‪ -2‬لكن إذا دعت الضرورة أو الحاجة إلى تأخير تقسيمها فل بأس‪ ،‬وتحفظ‬
‫حينئذ بالطريقة التي يراها المام أو من ينوب عنه‪ ،‬بحيث تؤدي تلك الطريقة‬
‫إلى عدم ضياعها‪ ،‬وتحقيق المنافع للمستحقين‪ :‬كحفظها في مصارف‬
‫إسلمية على شكل ودائع استثمارية لحين الطلب‪.‬‬
‫‪ -3‬ويستثنى من الصل السابق أيضا ً جواز تأخيرها للستثمار‪ ،‬إذا دعت‬
‫الضرورة أو الحاجة‪ :‬كتأمين موارد مالية ثابتة للمستحقين وتوفير فرص عمل‬
‫للعاطلين عن العمل من المستحقين فيجوز استثمارها في مشاريع إنتاجية‬
‫ويؤيد ذلك ما يلي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬ما صمد من أدلة القائلين بجواز الستثمار أمام المناقشة كالقياس على‬
‫جواز استثمار المستحقين للزكاة بعد قبضها‪ ،‬ودفعها إليهم بقصد الستثمار‬
‫وجواز إنشاء المصانع الحربية من الزكاة للضرورة‪ ،‬والحاجة إلى الستثمار‪.‬‬
‫ب ‪ -‬القياس على وقف الرض المفتوحة عنوة بقصد استثمارها وتأمين مورد‬
‫ثابت للدولة السلمية‪ ،‬فقد رأى عمر رضي الله عنه عدم تقسيم أراضي‬
‫العراق ومصر والشام بين الفاتحين وتركها في أيدي أهلها من أهل الذمة‬
‫مار الرض‪ ،‬فهم أعلم بها‪،‬‬ ‫يزرعونها بخراج معلوم‪ .‬وقال في أهلها‪" :‬يكونون ع ّ‬
‫وأقوى عليها")‪ .(106‬ثم قال‪" :‬فكيف بمن يأتي من المسلمين‪ ،‬فيجدون‬
‫الرض بعلوجها قد اقتسمت‪ ،‬وورثت عن الباء‪ ،‬وحيزت ما هذا برأي")‬
‫‪.(107‬فإذا جاز للمام وقف الراضي المفتوحة عنوة لمصلحة جميع‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسلمين للحاجة جاز له استثمار أموال الزكاة في مشاريع إنتاجية‪ ،‬ووقفا‬


‫على المستحقين للحاجة‪.‬‬
‫ت ‪ -‬الستئناس بحديث أصحاب الغار فقد روي البخاري وغيره عن ابن عمر‬
‫_رضي الله عنهما_ عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال‪" :‬خرج ثلثة‬
‫يمشون فأصابهم المطر‪ ،‬فدخلوا في غار في جبل فانحطت عليهم صخرة‬
‫قال‪ :‬فقال بعضهم لبعض‪ :‬ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه‪.‬‬
‫فقال الثالث‪ :‬اللهم إني كنت استأجرت أجيرا ً بفرق من ذرة فأعطيته وأبى‬
‫ذلك أن يأخذ‪ ،‬فعمدت إلى ذلك الفرق فزرعته حتى اشتريت منه بقرا ً وراعيها‬
‫ثم جاء‪ ،‬فقال يا عبد الله أعطني حقي‪ ،‬فقلت انطلق إلى تلك البقر وراعيها‬
‫فإنها لك‪ ،‬فقال أتستهزئ بي؟ قال فقلت ما أستهزئ بك‪ ،‬ولكنها لك‪ ،‬اللهم‬
‫إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا‪ ،‬فكشف عنهم")‪.(108‬‬
‫و في رواية "بفرق أرز" والفرق مكيال معروف بالمدينة‪ .‬وفي هذا الحديث‬
‫دليل على جواز استثمار مال الغير بغير إذن مالكه إذا أجازه المالك بعد ذلك‬
‫)‪.(109‬‬
‫هذا إذا كان المتصرف ليس له حق النظر والتصرف في المال‪ ،‬أما إذا كان‬
‫له حق التصرف والنظر في المال كالمام بالنسبة لموال الزكاة جاز‬
‫التصرف دون الحاجة إلى إجازة الفقراء‪.(110).‬‬
‫ث ‪ -‬الستئناس بحديث عروة البارقي أن النبي _صلى الله عليه وسلم_‪:‬‬
‫أعطاه دينارا ً يشتري أضحية أو شاة‪ ،‬فاشترى شاتين‪ ،‬فباع إحداهما بدينار‬
‫فأتاه بشاة ودينار‪ ،‬فدعا له بالبركة في بيعه فكان لو اشترى ترابا ً لربح فيه"‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫وفي رواية عن حكيم بن حزام أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ بعث‬
‫معه بدينار يشتري له أضحية‪ ،‬فاشتراها بدينار وباعها بدينارين‪ ،‬فرجع فاشترى‬
‫له أضحية بدينار‪ ،‬وجاء بدينار إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ ‪ ،‬فتصدق به‬
‫النبي _صلى الله عليه وسلم_‪ ،‬ودعا له أن يبارك في تجارته)‪.(111‬‬
‫في الحديث دللة على أن عروة اتجر فيما لم يوكل بالتجار به وكذلك حكيم‬
‫بن حزام فهو يدل على جواز استثمار مال الغير بغير إذن مالكه‪ ،‬لن النبي‬
‫_صلى الله عليه وسلم_ أقرهما على ذلك‪ ،‬ودعا لكل واحد منهما بالبركة في‬
‫بيعه‪ ،‬ففي دعائه لهما بالبركة دليل على أنه فعل مستحسن ومستحب‪،‬‬
‫وبخاصة إذا كان يحقق الخير لصاحب المال)‪.(112‬‬
‫فإذا جاز استثمار المال الخاص بدون إذن صاحبه جاز للمام أو نائبه استثمار‬
‫المال العام بدون إذن من له نصيب في هذا المال‪ ،‬لن المام له حق النظر‬
‫والتصرف بالمال بما يحقق المصلحة للمستحقين‪ ،‬ويدفع الضرر عنهم كولي‬
‫اليتيم والناظر على الوقف‪ ،‬ولذلك قال عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_‪:‬‬
‫"إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة مال اليتيم")‪…(113‬‬
‫وقال المام مالك‪" :‬المر عندنا في قسم الصدقات أن ذلك ل يكون إل على‬
‫وجه الجتهاد من الوالي‪ ،‬فأي الصناف كانت فيه الحاجة والعدد أوثر ذلك‬
‫الصنف بقدر ما يرى الوالي)‪.(114‬‬
‫ً‬
‫وقال أبو عبيد‪" :‬المام مخير في الصدقة في التفريق فيهم جميعا‪ ،‬وفي أن‬
‫يخص بها بعضهم دون بعض إذا كان ذلك على وجه الجتهاد‪ ،‬ومجانبة الهوى‬
‫والميل عن الحق وكذلك من سوى المام‪ ،‬بل لغيره أوسع إن شاء الله"‪).‬‬
‫‪.(115‬‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال ابن حجر‪" :‬للمام أن يخص بمنفعة مال الزكاة دون الرقبة صنفا ً دون‬
‫صنف بحسب الحتياج )‪ (116‬وقد بينت عند مناقشة الدلة أن للمام حق‬
‫التصرف في أموال الزكاة بالبيع للحاجة‪ .‬فيجوز استثمارها إذا رأى المام‬
‫المصلحة في ذلك … والله أعلم‪.‬‬
‫‪ -4‬ضوابط استثمار أموال الزكاة من قبل المام أو من ينوب عنه‪.‬‬
‫إذا قلنا بجواز استثمار أموال الزكاة من قبل المام أو من ينوب عنه فل بد‬
‫من مراعاة الضوابط التالية‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أن ل توجد وجوه صرف عاجلة لتلك الموال‪ :‬كسد الحاجات الضرورية‬
‫للمستحقين من الحاجة إلى الطعام أو الكساء أو السكن‪ ،‬فإن وجدت تلك‬
‫الحاجات العاجلة‪ ،‬فل يجوز تأخير صرف الزكاة فيها بحجة الستثمار‪ ،‬وإذا‬
‫كانت أموال الزكاة على شكل أصول ثابتة‪ :‬كالمصانع والعقارات فيجب بيعها‬
‫وصرف أثمانها في تلك الوجوه‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أن يتحقق من استثمار أموال الزكاة مصلحة حقيقية راجحة للمستحقين‪:‬‬
‫كتأمين مورد دائم يحقق الحياة الكريمة لهم‪.‬‬
‫ت ‪ -‬أن تكون مجالت الستثمار مشروعة‪ :‬كالتجارة والصناعة والزراعة‪ ،‬ولذا‬
‫فل يجوز استثمار أموال الزكاة في مجال من المجالت المحرمة‪ :‬كالربا‬
‫والتجار بالمحرمات وغير ذلك‪.‬‬
‫ث ‪ -‬أن تتخذ كافة الجراءات التي تضمن بقاء تلك الموال على أصل حكم‬
‫الزكاة‪ ،‬بحيث ل يصرف ريعها إل للمستحقين ولو احتيج إلى بيع الصول‬
‫الثابتة في المستقبل ترد أثمانها إلى مصارف الزكاة‪.‬‬
‫ج ‪ -‬أن يسبق قرار الستثمار دراسات دقيقة من أهل الخبرة تتعلق بالجدوى‬
‫القتصادية للمشروع الستثماري‪ ،‬فإذا غلب على الظن تحقق الرباح من ذلك‬
‫المشروع باشر من في إنشائه‪.‬‬
‫ح ‪ -‬أن يسند أمر الشراف والدارة إلى ذوي الكفاءة والخبرة والمانة‪.‬‬
‫خ ‪ -‬أن يعتمد قرار الستثمار ممن له ولية عامة كالمام أو القاضي‪ ،‬أو أهل‬
‫الحل والعقد‪.‬‬
‫‪---------------------‬‬
‫)‪ (1‬المصباح المنير للفيومي‪ ،‬المفردات في غريب القرآن للصفهاني مادة‪،‬‬
‫زكا‪.‬‬
‫)‪ (2‬جواهر الكليل للبي ‪1/188‬‬
‫)‪ (3‬المغني لبن قدامة ‪.2/572‬‬
‫)‪ (4‬آية‪ 34 :‬من سورة الكهف‪.‬‬
‫)‪ (5‬لسان العرب لبن منظور‪ ،‬القاموس المحيط للفيروز آبادي‪ ،‬المفردات‬
‫للصفهاني‪ ،‬بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروز آبادي‪،‬‬
‫أساس البلغة‪ ،‬مادة‪ :‬ثمر‪.‬‬
‫)‪ (6‬المنتقي للباجي ‪.5/150‬‬
‫)‪ (7‬آية ‪ 5‬من سورة النساء‬
‫)‪ (8‬الكشاف للزمخشري ‪.1/500‬‬
‫)‪ (9‬الستثمار والتمويل للدكتور سيد الهواري ص ‪43‬‬
‫)‪ (10‬الموسوعة القتصادية لراشد الباروي ص ‪17‬‬
‫)‪ (11‬بتصرف من الستثمار والتمويل للهواري ص ‪.44-43‬‬
‫)‪ (12‬الموسوعة العلمية والعملية للبنوك السلمية‪ -‬الستثمار للسيد الهواري‬
‫‪6/28‬‬
‫)‪ (13‬الموسوعة العلمية ‪6/16-‬‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (14‬لسان العرب لبن منظور‪ ،‬والقاموس المحيط ومختار الصحاح‪ ،‬مادة‪:‬‬
‫وظف‬
‫)‪ (15‬المصباح المنير للفيومي‪ ،‬القاموس المحيط ‪ ،‬مادة ‪ :‬غل‬
‫)‪ (16‬فتح القدير للكمال بن الهمام ‪10/491‬‬
‫)‪ (17‬المصباح المنير‪ ،‬القاموس المحيط‪ ،‬مادة‪:‬نما‪.‬‬
‫)‪ (18‬القاموس المحيط مختار الصحاح للرازي‪ ،‬مادة ‪ :‬نفع‬
‫)‪ (19‬معجم لغة الفقهاء للقلعجي وقنيبي ص ‪.91‬‬
‫)‪ (20‬كشاف القناع للبهوتي ‪./2822‬‬
‫)‪ (21‬المغني المحتاج للشربيني الخطيب ‪3/106‬‬
‫)‪ (22‬الشباه والنظائر لبن نجيم ص ‪.346‬‬
‫)‪ (23‬المجموع للنووي ‪6/150‬‬
‫)‪ (24‬المرجع نفسه ‪.6/156‬‬
‫)‪ (25‬المجموع ‪ ،6/139‬مغني المحتاج ‪ ،3/114‬حاشية قليوبي ‪، ..3/200‬‬
‫نهاية المحتاج للرملي ‪ ،6/162‬حاشية البجيرمي ‪ .3/314‬النصاف للمرداوي‬
‫‪.3/238‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫)‪ (26‬البدائع ‪ ،2/3‬درر الحكام لمل خسرو ‪ ،1/174‬حاشية الدسوقي ‪،1/503‬‬


‫المجموع للنووي ‪ ،5/286‬مغني المحتاج ‪ ،1/413‬المبدع ‪ ،2/399‬المغني‬
‫‪.2/684‬‬
‫)‪ (27‬آية ‪ 141 :‬من سورة النعام‪.‬‬
‫)‪ (28‬المبدع ‪.2/399‬‬
‫)‪ (29‬نيل الوطار ‪ 4/167‬وصعفه السيوطي في الجامع الصغير‪ ،‬وقال‬
‫البيهقي‪ :‬تفرد به محمد قال الذهبي في المهذب ضعيف‪ ،‬وفي الميزان عن‬
‫أبي حاتم منكر الحديث‪ .‬ثم عد من مناكيره هذا الخبر )فيض القديري‬
‫للمناوي ‪.(5/443‬‬
‫)‪ (30‬نيل الوطار ‪.4/167‬‬
‫)‪ (31‬صحيح البخاري ‪.2/118‬‬
‫)‪ (32‬فتح الباري ‪ ،4/41‬نيل الوطار ‪.4/168‬‬
‫)‪ (33‬المغني ‪، 2/684‬المبدع ‪2/399‬‬
‫)‪ (34‬فتح القدير للكمال بن الهمام ‪.2/155‬‬
‫)‪ (35‬المغني لبن قدامة ‪.2/685‬‬
‫)‪ (36‬البدائع ‪ ،2/3‬درر الحكام لمل خسرو ‪1/174‬‬
‫)‪ (37‬البدائع ‪2/3‬‬
‫)‪ (38‬آية ‪ 48:‬من سورة المائدة‬
‫)‪ (39‬آية ‪ 133:‬من سورة آل عمران‬
‫)‪ (40‬حاشية ابن عابدين ‪ ،2/283‬بداية المجتهد لبن رشد ‪ ،1/249‬المجموع‬
‫‪ ،5/323‬رحمه الله ‪ ،72‬مغني المحتاج ‪ ،1/419‬المنثور في القواعد ‪،1/466‬‬
‫حاشية الجمل ‪ ،2/293‬النصاف ‪ ،3/35‬الفصاح ‪ ،1/2.9‬أحكام القرآن لليكا‬
‫الهراس ‪ ،4/73‬المغني ‪.2/679‬‬
‫)‪ (41‬سنن أبي داود )‪ (2/97‬والبيهقي‪ ،‬وقال‪ :‬إسناده صحيح وكلهم ثقات‪.‬‬
‫)‪ (42‬صحيح البخاري ‪.2/133‬‬
‫)‪ (43‬المجموع ‪ ،323 /5‬رحمة المة ‪ ،72‬المغني لبن قدامة ‪،2/679‬‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النصاف ‪.3/35‬‬
‫)‪ (44‬آية ‪ 103:‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫)‪ (45‬آية ‪ 24 :‬من سورة المعارج‪.‬‬
‫)‪ (46‬صحيح البخاري ‪.2/108‬‬
‫)‪ (47‬آية‪ .60:‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫)‪ (48‬المعيار المعرب للونشريسي ‪ ،1/399‬المجموع ‪ ،5/323‬مغني المحتاج‬
‫‪ ،1/419‬حاشية قليوبي ‪ ،2/47‬حاشية الجمل ‪ ،2/292‬المنثور في القواعد‬
‫‪ 1/366‬أحكام القرآن لليكا الهراس ‪ ، 4/83‬رحمة المة للدمشقي ص ‪،72‬‬
‫النصاف ‪ ،3/38‬القواعد لبن رجب ‪.207‬‬
‫)‪ (49‬الرض‪ :‬هو اسم للمال الواجب على ما دون النفس…‬
‫)‪ (50‬حاشية ابن عابدين ‪ ،2/283‬المجموع ‪ ،5/323‬النصاف ‪.3/38‬‬
‫)‪ (51‬المجموع ‪ ،5/323‬النصاف ‪.3/38‬‬
‫)‪ (52‬العروة الوثقى للطبطبائي ‪.2/39‬‬
‫)‪ (53‬الخمس للسيد عبد الكريم السيد علي خان ص ‪.118‬‬
‫)‪ (54‬أحكام القرآن لللكيا الهراس ‪.4/83‬‬
‫)‪ (55‬النصاف للمرداوي ‪.3/38‬‬
‫)‪ (56‬انظر‪ :‬بحث‪" :‬مبدأ التمليك ومدى اعتباره في صرف الزكاة" للمؤلف‪.‬‬
‫)‪ (57‬كشف السرار للبزدوي ‪.4/137‬‬
‫)‪ (58‬مجلة مجمع الفقه السلمي‪ ،‬العدد الثالث ج ‪ ،1‬ص ‪ 406.- 335‬أحكام‬
‫الزكاة على ضوء المذاهب الربعة لعبد الله علوان ص ‪ .97‬وقد أيد هذا القول‬
‫بعض المشاركين في الدورة الثالثة لمؤتمر مجمع الفقه السلمي مثل الشيخ‬
‫تجاني صابون ‪ -‬المدرس بمدرسة المعلمين العليا بتشاد ‪ -‬حيث قال‪" :‬إن‬
‫توظيف الزكاة في مشاريع ذات ريع بل تمليك فردي للمستحقين ل يمكن أن‬
‫يتم إل إذا وجد مستحقو الزكاة حقوقهم "يقصد حاجاتهم" وبقدر الكفاية‬
‫المحددة لهم‪ ،‬لنه لبد أن يعطي الفقير القدر الذي يخرجه من الفقر إلى‬
‫الغنى ‪ ،‬ومن الحاجة إلى الكفاية على الدوام… فإذا ما وجد كل ذي حق حقه‬
‫من أموال الصدقة‪ ،‬وفاضت فيمكن بعد ذلك توجيهها إلى مثل هذا المشروع"‬
‫)بحث توظيف الزكاة في مشاريع ذات ريع بل تمليك فردي للمستحق مجلة‬
‫المجمع ج ‪ ،1‬ص ‪ .(335‬كما أيد هذا القول الشيخ آدم عبد الله علي‪ -‬خطيب‬
‫مسجد التضامن السلمي بمقديشو بالصومال حيث قال‪":‬إن توظيف الزكاة‬
‫في مشاريع ذات ريع دون تمليك فردي للمستحق غير جائز‪ ،‬لنها تعرض‬
‫المال للفائدة والخسارة‪ ،‬فربما يترتب عليها ضياع الموال‪ ،‬ولن توظيفها في‬
‫المشاريع النمائية يؤدي إلى انتظار الفائدة المترتبة عليها‪ ،‬وهذا قد يأخذ وقتا ً‬
‫طويل‪ ،‬فيكون سببا ً لتأخير تسليم أموال الزكاة لمستحقيها بدون دليل‬
‫شرعي‪ ،‬مع أن المطلوب التعجيل في أداء حقوقهم‪ ،‬ولن أموال الزكاة أمانة‬
‫في أيدي المسؤولين عنها حتى يسلموها إلى أهلها وشأن المانة الحفظ فقط‬
‫)بحث توظيف الزكاة‪،‬مجلة المعجم ج ‪ 1‬ص ‪.(354‬‬
‫)‪ (59‬مجلة مجمع الفقه السلمي‪ -‬العدد الثالث‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.4.4‬‬
‫)‪ (60‬بحث‪" :‬آثار الزكاة في الفراد والمجتمعات "للقرضاوي‪ -‬منشور ضمن‬
‫أعمال مؤتمر الزكاة الول عام ‪ 1984‬ص ‪ ،45‬مجلة مجمع الفقه السلمي‬
‫المشار إليها سابقًا‪.‬‬
‫)‪ (61‬فتوى له منشورة في مجلة المجتمع الكويتية عدد )‪ (793‬ص ‪.34‬‬
‫)‪ (62‬التحاد الجماعي في التشريع القتصادي السلمي للدكتور‪ :‬محمد‬
‫فاروق النبهان ص ‪.293،488‬‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (63‬بحث‪" :‬توظيف أموال الزكاة في مشاريع ذات ريع بل تمليك فردي‬
‫للمستحق "للخياط ‪ -‬منشور في مجلة مجمع الفقه السلمي‪ -‬العدد الثالث‪،‬‬
‫ج ‪ ، 1‬ص ‪ ،371‬وبحث‪" :‬الزكاة وتطبيقاتها واستثمارها" للخياط مقدم لندوة"‬
‫الزكاة واقع وطموحات" المنعقدة في أربد عام ‪ 1989‬ص ‪.58‬‬
‫)‪ (64‬فتوى فقيهة في بحث‪" :‬توظيف أموال الزكاة مع عدم التمليك‬
‫للمستحق" للدكتور الفرفور ‪ -‬منشور في مجلة الفقه السلمي العدد الثالث‪،‬‬
‫ج ‪ ،1‬ص ‪.358‬‬
‫)‪ (65‬أحكام الزكاة لعبد الله علوان ص ‪.97‬‬
‫)‪ (66‬بحث‪" :‬توظيف أموال الزكاة "للشيخ آدم شيخ عبد الله‪ ،‬منشور في‬
‫مجلة مجمع الفقه السلمي‪ ،‬عدد ‪ ، 3‬ج ‪ ،1‬ص ‪.354‬‬
‫)‪ (67‬المرجع نفسه‪.‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫)‪ (68‬مجلة مجمع الفقه السلمي‪ ،‬عدد ‪ ،3‬ج ‪ ،1‬ص ‪.388،406‬‬


‫)‪ (69‬بحث‪" :‬توظيف أموال الزكاة " للشيخ آدم‪ ،‬مجلة المجمع المشار إليها‬
‫ص ‪.354‬‬
‫)‪ (70‬اجتووا المدينة ‪ :‬أي أصابهم الجوي‪ ،‬وهو مرض وداء الجوف إذا تطاول‬
‫إذا لم يوافقهم هواؤها )النهاية لبن الثير ‪(1/381‬‬
‫)‪ (71‬صحيح البخاري ‪.2/137‬‬
‫)‪ (72‬الموطأ مع المنتقي ‪ ،2/157‬والبيهقي بإسناد صحيح كما قال صاحب‬
‫مغني المحتاج )‪.(3/109‬‬
‫)‪ (73‬تفسير الرازي ‪.16/115‬‬
‫)‪ (74‬المجموع للنووي ‪..6/160‬‬
‫)‪ (75‬الحلس‪ :‬كساء يجعل على ظهر البعير تحت رحله‪ ،‬وهو بساط يبسط‬
‫في البيت‪ -‬والجمع أحلس )المصباح المنير(‪.‬‬
‫)‪ (76‬القعب‪ :‬إناء ضخم كالقصعة‪ ،‬والجمع قعاب وأقعب )المصباح المنير(‬
‫)‪ (77‬فقر مدقع‪ :‬أي شديد يفضي بصاحبه إلى الدقعاء أي التراب )النهاية‬
‫‪(2/127‬‬
‫)‪ (78‬غرم مفظع‪ :‬أي شديد شنيع )النهاية ‪.(3/459‬‬
‫)‪ (79‬دم موجع‪ :‬هو أن يتحمل دية‪ ،‬فيسعى فيها حتى يؤديها إلى أولياء‬
‫المقتول فإن لم يؤدها قتل المتحمل عنه‪ ،‬فيوجعه )النهاية ‪.(5/157‬‬
‫)‪ (80‬سنن أبي داود ‪ ، 2/120‬سنن الترمذي )‪ (3/522‬وقال‪ :‬حسن‬
‫)‪ (81‬رواه مسلم في صحيحه ‪.3/1255‬‬
‫)‪ (82‬رواه البيهقي في السنن الكبرى ‪ ،4/107‬وقال‪ :‬إسناده صحيح‪ ،‬وله‬
‫شواهد عن عمر _رضي الله عنه_ ‪.‬‬
‫)‪ (83‬بحث ‪" :‬توظيف الزكاة…" للفرفور ص ‪.319‬‬
‫)‪ (84‬حنكة‪ :‬أي مضغ ثمرا ً وذلك حنك الصغير‪ ،‬يقال حنك الصبي‪ ،‬وحنكه‪.‬‬
‫)‪ (85‬الميسم‪) :‬بكسر الميم( الحديدة التي يكوى بها‪ ،‬وجمعه مياسم‬
‫ومواسم‪ ،‬وأصله من السمة وهي العلمة‪ .‬والوسم أثر الكيه‪.‬‬
‫)‪ (86‬رواه البخاري ‪.2/138‬‬
‫)‪ (87‬فتح الباري ‪ ،4/109‬عمدة القاري ‪ ،9/106‬نيل الوطار للشوكاني‬
‫‪.4/177‬‬
‫)‪ (88‬مواهب الجليل للحطاب ‪.2/363‬‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (89‬المبدع لبن مفلح ‪...2/400‬‬


‫)‪ (90‬الموال لبي عبيد ‪.779‬‬
‫)‪ (91‬قواعد الحكام في مصالح النام ‪.1/43‬‬
‫)‪ (92‬الخراج لبي يوسف ‪..110‬‬
‫)‪ (93‬الموسوعة القتصادية والعلمية للبنوك السلمية ‪.6/35‬‬
‫)‪ (94‬التمويل والستثمار لسيد هواري ص ‪ ،81‬الموسوعة العلمية والعملية‬
‫للبنوك السلمية ‪.6/34‬‬
‫• الستثمار والتمويل لسيد هواري ص ‪ 83‬بتصرف عن إن بتصرف عن )‬
‫‪Clifton & D.Fyffe Project Feasibility Analyses New York 5 John Wiley,‬‬
‫‪(1977‬‬
‫• الستثمار والتمويل لسيد هواري ص ‪.85‬‬
‫)‪ (95‬آية‪ .60:‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫)‪ (96‬لتفصيل ذلك انظر‪ :‬بحث" مبدأ التمليك ومدى اعتباره في صرف‬
‫الزكاة" للباحث‪.‬‬
‫)‪ (97‬حاشية الخرشي ‪.2/223‬‬
‫)‪ (98‬المجموع للنووي ‪..6/120‬‬
‫)‪ (99‬كوماء ‪ :‬ناقة ضخمة السنام‪.‬‬
‫)‪ (100‬مسند المام أحمد ‪.349/‬‬
‫)‪ (101‬المغني ‪.2/674‬‬
‫)‪ (102‬رواه مسلم ‪.4/1726‬‬
‫)‪ (103‬مجمع النهر ‪ ،1/221‬حاشية الخرشي ‪ ،2/218‬المجموع ‪،6/158‬‬
‫كشاف القناع ‪ ،2/283‬الموال لبي عبيد ‪.801‬‬
‫)‪ (104‬بحث‪" :‬توظيف أموال الزكاة في مشاريع ريع بل تمليك فردي‬
‫للمستحق" للدكتور حسن عبد الله المين منشور ضمن مجلة مجمع الفقه‬
‫السلمي عدد ‪ ، 3‬مجلد ‪ ،1‬ص ‪.367‬‬
‫)‪ (105‬غياث المم في اجتياث الظلم للجويني ‪.184-183‬‬
‫)‪ (106‬الخراج لبي يوسف ‪.141‬‬
‫)‪ (107‬المرجع نفسه ص ‪.24‬‬
‫)‪ (108‬صحيح البخاري ‪ ،38-3/37‬صحيح مسلم ‪، 4/2099‬مسند احمد‬
‫‪.2/116‬‬
‫)‪ (109‬عمدة القاري ‪ ،12/26‬صحيح مسلم بشرح ‪.17/58‬‬
‫)‪ (110‬نفس المرجع‬
‫)‪ (111‬سنن أبي داود ‪ ،3/256‬سنن الترمذي ‪ ،3/558‬مسند أحمد ‪،4/375‬‬
‫‪ ،376‬قال المنذري والنووي‪ :‬إسناده حسن صحيح وفيه كلم كثير‪ ،‬وقال ابن‬
‫حجر‪ :‬الصواب أنه متصل في إسناده مبهم "سبل السلم ‪."3/31‬‬
‫)‪ (112‬سبل السلم ‪ ،3/31‬فتح العلم لشرح بلوغ المرام لصديق حسن خان‬
‫‪ ،2/24‬معالم السنن للخطابي ‪..3/90‬‬
‫)‪ (113‬الطبقات الكبرى لبن سعد ‪.3/276‬‬
‫)‪ (114‬الموطأ مع تنوير الحوالك ‪.1/257‬‬
‫)‪ (115‬الموال لبي عبيد ص ‪.767‬‬
‫)‪ (116‬فتح الباري لبن حجر ‪.4/109‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫استحواذ كامل ‪ ....‬في الملعب‬


‫ينتهي الشوط الول والنتيجة التعادل بدون أهداف مع استحواذ الفريق الول‬
‫ل‪.‬هكذا نطق المعلق على مباراة الكأس‬ ‫على الكرة في الملعب استحواًذا كام ً‬
‫بينما نحن جلوس حول التلفاز‪ ،‬قام أحدنا ليغلق الجهاز لنقاذنا من طوفان‬
‫العلنات المسيء للعين والذن حتى يأتي وقت الشوط الثاني‪.‬حقيقة‪ :‬لست‬
‫من هواة الستمتاع بكرة القدم لكن التعبير لفت انتباهي ومدلول الكلمة‬
‫قا‪ ،‬إن الفريق‬ ‫حا في ذهني بصورة لم أعمدها مسب ً‬ ‫'الستحواذ' صار واض ً‬
‫المستحوذ على الكرة في أقصى صورة هو الذي ل يسمح للفريق المنافس‬
‫بلمس الكرة فضل ً عن استلمها والقل من ذلك درجة أل يستطيع الفريق‬
‫المنافس إذا استلم الكرة العبور بها من منتصف الملعب الخاص به‪.‬يقول الله‬
‫َ‬
‫م ذِك َْر الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن فَأن ْ َ‬
‫ساهُ ْ‬ ‫طا ُ‬‫شي ْ َ‬‫م ال ّ‬‫حوَذ َ عَل َي ْهِ ُ‬
‫ست َ ْ‬
‫ـ تعالى ـ في كتابه الكريم‪} :‬ا ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫طا َ‬ ‫ُأول َئ ِ َ‬
‫ن{ ]المجادلة‪:‬‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م ال َ‬‫ن هُ ُ‬‫شي ْطا ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬
‫ن أل إ ِ ّ‬‫شي ْ َ ِ‬
‫ب ال ّ‬‫حْز ُ‬
‫ك ِ‬
‫‪.[19‬إن استحواذ الشيطان للعبد يلزم منه نسيان ذكر الله‪ ،‬فالعبد ل ينسى‬
‫الله لكن ينسى ذكره‪ ،‬الذي هو فطرة خلق النسان باستحواذ الشيطان عليه‪،‬‬
‫وما يعنينا هنا تأمل صورة من صور هذا الستحواذ الشيطاني وصلت أقصاها‬
‫في هذا الزمان والنظر إليها من هذه الصورة سيحل جزًءا كبيًرا من‬
‫المشكلة‪.‬ولجل ذلك نتأمل هذا المشهد الذي حدث على عهد رسول الله ـ‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ بين رجل وامرأة فقد روت كتب السير أن رجل ً من‬
‫المهاجرين قد تزوج امرأة من النصار وكان هذا الحي من قريش يشرح‬
‫حا منكًرا ولم تكن النصار تفعل ذلك‪ ،‬فاستنكرت النصارية من‬ ‫النساء شر ً‬
‫زوجها هذا السلوب فرفعت المر إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم‬
‫ما لتأكيد أن من حق‬ ‫ـ‪.‬هذه الحادثة يستدل بها الئمة والدعاة والعلماء دو ً‬
‫الرجل والمرأة الزوج والزوجة الستمتاع على أي شكل كان ما دام اليلج‬
‫في الفرج المباح بأي صورة كانت من المام أو من الخلف‪ ،‬ولكن في‬
‫الحديث معان أخرى عميقة ترسم ملمح المجتمع المدني في العهد النبوي‪،‬‬
‫هذه الملمح في العلقة الخاصة بين الزوج والزوجة ونأخذ منها ملمحان‬
‫رئيسيان‪:‬ـالول‪ :‬إن استنكار المرأة النصارية لفعل زوجها المهاجري يوحي‬
‫أنه لم تكن هناك صور متعددة للمجتمع المدني في إتيان الرجل للمرأة دللة‬
‫على أن شهوة الجسد كانت تشغل من فكر وعقل الناس حيًزا محدًدا‪،‬‬
‫قا ل تتجاوزه‪ ،‬بما يوحى أن أشكال التعبير عن شهوة الجسد‬ ‫ما ضي ً‬‫وحج ً‬
‫بسيطة فل يحتاجون إلى تعددها وتغيرها فهي مشبعة لهم‪.‬ومن هنا يمكننا أن‬
‫ننجح في تفهم المعادلة فالصل أن شهوة الجسد تشغل في حياة النسان‬
‫ما محدوًدا بحيث يضمن لهم السعادة والستقرار والسكينة فإذا زاد‬ ‫حج ً‬
‫النشغال في التفكير والتأمل عن الحيز الطبيعي تظهر الحاجة إلى استحداث‬
‫تعدد في الشكال وعدم كفاية الصورة الطبيعية‪ ،‬ولن يفهم كلمي هذا حق‬
‫الفهم إل من انشغل عقله لفترة في تحقيق شهواته وملذاته فسيجد أن ل‬
‫يشعب من صوره محددة بل يسعى لتحصيل المزيد من الصور واستحداثها‬
‫لتحقيق الشبع‪ ،‬ولن يشبع العقل والذهن من مثل ذلك لنه لم يخلق للتفكير‬
‫في قضية الشهوة بهذا الحجم ولذا فبدل ً من الدعوة إلى زيادة ثقافية الجماع‬
‫والعلقة في الفراش بين الرجل والمرأة وإعادة اكتشاف الجسد ومواطن‬
‫إثارة الشهوة ل بد من إعادة بناء النسان بصورته السليمة وعدم شغل الجزء‬
‫الكبر في التفكير بهذا المر‪ ،‬نعم المرض‪ ،‬أو من عانوا من انحرافات‬
‫وشذوذات وغيرها ل بد من إعطائهم صورة تفصيلية للصورة السليمة‬
‫بالتفصيل ودفعهم إلى تنفيذها في الصورة الواقعية المباحة‪ ،‬لكن ليس ديدننا‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن نعلم شبابنا ثقافة الجسد وشهوته بكل صورها والبداع فيها وإطلق‬
‫المجال للخيال للتنويع في صورها‪.‬نعم إن الناظر إلى واقع المجتمع ووسائل‬
‫العلم من قنوات فضائية وانترنت وخلفه ليضحك من كلمنا ويراه غير‬
‫مطابق للواقع‪ ،‬لكن واقع الشريعة يشهد أن الحدود إنما شرعت لحفظ‬
‫المجتمع من ظهور الفاحشة فيه واستعلنها‪ ،‬وكذا شرع المر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر وبل ل بد من تحديد الغرض من تعليم الناس الصورة‬
‫التفصيلية للشهوة وهي إما إقبالهم على الزواج‪ ،‬أو وصول صور فاسدة‬
‫مخالفة للفطرة إلى أذهانهم فل بد من تصحيحها‪ ،‬ولكن ل بد من أن يراعي‬
‫عند تصحيح هذه الصور بيان حجمها الحقيقي في ذهن النسان‪ ،‬وأن إعلء‬
‫قيمة الجسد هي حقيقة واقع الحضارة الغربية وهي أمر ل يناسب مجتمعاتنا‪،‬‬
‫لقد أصبح الجسد عندهم مادة الستهلك والترويج‪ ،‬وأصبح الجسد نفسه‬
‫مشكلة تؤرق أذهان الشباب المسلمين‪ ،‬فهو إما أن ينساق وراء شهوة هذا‬
‫الجسد يبحث عن ريه وشبعه ولن يرتوي‪ ،‬وإما أن يئد هذه الشهوة ويقضي‬
‫عليها‪.‬ويظهر الصنف الثالث الذي يظن نفسه أفضل من الول والثاني‪ ،‬وهو‬
‫الذي يمسك العصا من المنتصف وفقا لظنه عن طريق الستمناء‪ ،‬في النهاية‬
‫فالصور الثلثة ما هي إل علقة لقيمة الجسد على الروح والنفس‪ ،‬والصل‬
‫في الشرع التوازن‬

‫)‪(1 /‬‬

‫بينهما‪.‬الملمح الثاني في الحديث‪ :‬إن المرأة عندما رأت من زوجها فاستنكرته‬


‫في أسلوب الجماع وطريقته سارعت بالستنكار بل ورفعت الشكوى إلى‬
‫رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وها هنا ملمحان رئيسان‪:‬ـالول‪ :‬أن‬
‫قا قادرة على منع زوجها من ارتكاب فعل محرم أثناء الستمتاع‬ ‫المرأة ح ً‬
‫بالعلقة الشرعية أو ما تعتقد خطأه‪ ،‬حتى تتيقن من حكمه‪ ،‬فالمرأة كاملة‬
‫الرادة في هذا المر وليست مقهورة لزوجها بل هي شريكة في المسؤولية‬
‫الشرعية‪ ،‬ولو لم توقف المرأة زوجها عن ارتكاب ما يخالف الشرع في‬
‫عملية الستمتاع فلن يوقفه أحد‪.‬والدليل الذي يؤكد ذلك هذا التحذير النبوي‬
‫الشديد للزوجة أن تتأبى على زوجها عندما يدعوها إلى الفراش‪ ،‬وكيف أن‬
‫الله يغضب عليها وتلعنها الملئكة حتى تصبح للدللة والتنبيه أن المرأة قد‬
‫تستغل مسألة الفراش في الضغط على الزوج لتحصيل طلباتها أو التعبير عن‬
‫رضاها وغضبها عليه‪.‬إن استحواذ التفكير في الجسد والشهوة على العقول‬
‫يجعل للجسد القيمة الولى في المجتمع وعليه يدور التقسيم للبشر‬
‫ومعاملتهم‪ ،‬إن حقيقة الستحواذ الشيطاني تكمن في تضخيم قيمة الجسد‬
‫وشهواته‪ ،‬وقيمة العقل وأهوائه‪ ،‬وتسعى لتقليل حجم النجاز اليجابي في‬
‫البناء والتعمير في الرض والنفس البشرية‪.‬إن الفارق بين الحيوان والنسان‬
‫في مسألة الشهوة أن النسان عقله يقود شهوته‪ ،‬أما الحيوان فشهوته‬
‫تقوده‪ ،‬لذا ففي الحيوان جعل الله للتناسل والزواج مواسم محددة بتاريخ‬
‫فيها تثور الشهوة فتدفع للتناسل‪ ،‬أما في النسان فالشهوة توجد منذ البلوغ‬
‫حتى الوفاة‪.‬فإذا تخلى النسان عن قيادة شهوته بعقله وجعل لها القيادة صار‬
‫ت بخيالي وفكري في الشوط الثاني وأنا‬ ‫'أولئك كالنعام بل هم أضل'‪.‬سرح ُ‬
‫أتأمل الفريق المستحوذ عليه قد استغل فرجه بين الصفوف وأدراك للخطة‬
‫لمس الهدف والكرة‪ ،‬واخترق بها حاجز الستحواذ ليدرك الهدف ويصل إلى‬
‫الشباك‪ ،‬وتنقلب الدائرة إلى تملك حقيقي للفريق الفائز‪.‬فهل من خطة‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للتخلص من هذا الستحواذ الشيطاني على حياتنا حتى يمكننا الفوز والنجاة‬
‫من هذا الستحواذ التام لحياتنا وأسلوب معيشتنا‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫استخدام مولدات تركتها المم المتحدة‬


‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪ ...‬الفهرسة‪ /‬المعاملت‪/‬الحجر والفلس‬
‫التاريخ ‪28/06/1425 ...‬هـ‬
‫السؤال‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬
‫أنا أعمل كمدير للدارة في إحدى المنظمات المحلية الحكومية العاملة في‬
‫برنامج إزالة اللغام في العراق‪ ,‬وبعد رحيل المم المتحدة من العراق‪ ،‬بقيت‬
‫مواد وأجهزة كثيرة في المخازن ل تستخدم في الوقت الحالي وتعتبر فائضًا‪،‬‬
‫السؤال‪ :‬هل يجوز استعمال ماكينة لتوليد الطاقة الكهربائية التابعة إلى هذه‬
‫المنظمة الحكومية بغرض توفير الكهرباء للمنزل‪ ،‬بحيث نقوم بعمليات‬
‫الصيانة والدامة يوميًا؟ والجدير بالذكر أن كل عامل في الفرع الرئيسي‬
‫للمنظمة قد حصل على خط كهربائي من هذه المولدات وبشكل رسمي أيام‬
‫تواجد المم المتحدة ومتواصل الن‪ ,‬ومن المعلوم أن العراق يمر بأزمة‬
‫شديدة من ناحية توفير الطاقة الكهربائية‪ .‬جزاكم الله خيرًا‪ ،‬والسلم عليكم‬
‫ورحمة الله وبركاته‪.‬‬
‫الجواب‬
‫الحمد لله وحده‪ ،‬والصلة والسلم على رسول الله‪ .‬وبعد‪:‬‬
‫وعليكم السلم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬يجوز لك استعمال ماكينة من هذه الماكينات التابعة لهذه المنظمة في‪،‬‬
‫سواء كانت هذه المولدات الكهربائية من حكومة العراق سابقًا‪ ،‬أو من‬
‫المنظمة الدولية ما دامت تعمل في العراق‪ ،‬وأنت أحد موظفيها فيجوز لك‬
‫ولكل الموظفين في الشركة الستفادة من الطاقة الكهربائية من هذه‬
‫طلة في المستودعات والشعب بحاجة إليها‪.‬‬ ‫المولدات‪ ،‬ما دامت مخزونة ومع ّ‬
‫والله أعلم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫استراتيجية لدعم العلقة الزوجية‬


‫'يا عائش' هكذا كان رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم يداعب السيدة‬
‫عائشة أم المؤمنين ويلطفها بترخيم اسمها فيقول‪' :‬يا عائش' كما جاء في‬
‫رواية البخاري ومسلم‪.‬‬
‫استراتيجية اللطف في المعاملة‬
‫عليك أن تتبنى هذه الستراتيجية السحرية في المعاملة مع شريك حياتك‬
‫وهذه الستراتيجية هي 'اللطف في المعاملة' واجعل تطبيق هذا يومًيا في‬
‫قمة أولوياتك‪ ،‬ولتبدأ من المنزل حيث علقتك مع شريك حياتك‪.‬‬
‫إن اللطف في المعاملة هو واحد من المكونات الرئيسية لنمو أي مشاعر‬
‫دافئة بين شخصين وفي الحقيقة قد يكون اللطف في المعاملة هو مركز‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العلقة الزوجية‪.‬‬
‫وللكرم في المعاملة فوائد كثيرة بداية من حرص الشريك على حميمية‬
‫العلقة مع شريكه واهتمامه به عندما تكون المور على ما يرام‪ ،‬وحتى حفظ‬
‫المناقشات من التحول إلى شجار‪.‬‬
‫فا في معاملتك‪ ،‬أن تبتسم حين ل تشعر بالميل‬ ‫وليس معنى أن تكون لطي ً‬
‫للبتسام أو أن تتصرف بتفاؤل في حين أنك تشعر باكتئاب‪ ،‬ولكن اللطف في‬
‫المعاملة هو أن 'تعامل شريكك بما تحب أن يعاملك به'‪.‬‬
‫وأفضل الطرق لتعليم الخرين فن اللطف في المعاملة إنما يكون من خلل‬
‫ابتدائهم باللطف أول ً فإن اللطف في المعاملة شأنه شأن العدوى ينتقل‬
‫سريًعا بين الشخاص‪.‬‬
‫ونحن نعجب أشد العجب عندما نرى الزوجة تتلطف مع كل خلق الله وهي‬
‫مع زوجها صلبة قاسية كالحجارة‪ ،‬إنها فنانة مبدعة ولكن في التعامل مع‬
‫الخرين‪ ،‬ومع زوجها سليطة اللسان مثيرة للقلقل مختلقة للنكد‪.‬‬
‫ضا نعجب من الزوج تراه ألطف ما يكون وألين ما يكون مع جميع الناس‬ ‫وأي ً‬
‫إل أهله وزوجته يمتلئ وجهه عبوسا وروحه ضيقا وقد أوصى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم الرجال فقال‪' :‬خيركم خيركم لهله وأنا خيركم لهلي'‬
‫]صحيح الجامع[‪.‬‬
‫دا أن‬
‫ووجه الخطاب للنساء فقال صلى الله عليه وسلم‪' :‬لو كنت آمًرا عب ً‬
‫يسجد لعبد لمرت المرأة أن تسجد لزوجها' ]صحيح الجامع[‪.‬‬
‫وما عليك إل أن تبدأ بالشياء الصغيرة‪:‬‬
‫إنه من الهمية بمكان أن تعامل شريكك بنفس اللطف في المعاملة التي‬
‫تعامل بها أعز أصدقائك وما عليك إل أن تبدأ بالشياء الصغيرة ‪ ..‬فكيف ذلك؟‬
‫‪1‬ـ بأن تستمع من القلب وأن تتسم بالحترام والمراعاة لمشاعر الخرين‪.‬‬
‫‪2‬ـ اللطف في المعاملة يعني أن تستأذن عندما يتطلب المر ذلك‪.‬‬
‫‪3‬ـ وأن تعتذر عندما تخطئ‪.‬‬
‫ضا التزام الدب‪.‬‬‫‪4‬ـ ويعني أي ً‬
‫‪5‬ـ وأن تحاول معرفة شريكك ثم تسأل نفسك‪ :‬ما الذي يمكن أن يدخل عليه‬
‫السعادة الن؟‬
‫وفي واقع المر فإن اللطف في المعاملة يرتبط في الساس بالشياء‬
‫الصغيرة‪.‬‬
‫فا وأنت مشغول؟‬‫كيف تكون لطي ً‬
‫ليست مهمة الزوج توفير الحياة المادية الكريمة للزوجة فحسب‪ ،‬وليس‬
‫الزواج أداء للحقوق بطريقة فجة جامدة‪ ،‬وإنما الزواج تآلف وتآزر‪ ،‬ومحبة وود‬
‫ورحمة ومعاشرة بالمعروف وملطفة وممازحة‪ ،‬فالمرأة كما تحتاج إلى‬
‫الطعام والشراب والمسكن وغيرها من المور المادية تحتاج إلى الكلمة‬
‫الحانية والنظرة الرقيقة والقبلة العطوف‪ ،‬والمداعبة والمؤانسة‪.‬‬
‫فا وهو مشغول‪:‬‬ ‫ولنضرب مثال ً كيف يكون الرجل لطي ً‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم كثرة أعبائه الدعوية وازدحام أمور‬
‫الدولة عليه إل أنه كان يعطي كل ذي حق حقه‪ ،‬وكان يلطفه أهله‪.‬‬
‫قال ابن كثير رحمه الله‪' :‬وكان من خلق النبي صلى الله عليه وسلم أنه‬
‫جميل المعشر دائم البشر يداعب أهله ويتلطف بهم ويوفهم نفقتهم ويضاحك‬
‫نساءه‪ ،‬حتى أنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين يتودد إليها بذلك‪.‬‬
‫قالت رضي الله عنها‪ :‬سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته‬
‫وذلك قبل أن أحمل اللحم‪ ،‬ثم سابقته بعدما حملت اللحم فسبقني فقال‪:‬‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫'هذه بتلك'‪......‬‬
‫ً‬
‫وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليل قبل أن ينام يؤانسهم‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو ِ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬
‫م ِفي َر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫بذلك صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وقد قال تعالى‪} :‬ل َ َ‬
‫قد ْ َ‬
‫ة{ ]الحزاب‪ '.[2:‬انتهى كلمه رحمه الله‪.‬‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ُ‬
‫ح َ‬
‫سوَة ٌ َ‬
‫أ ْ‬
‫هكذا كان حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم رغم وقاره وهيبته وكثرة أعبائه‬
‫كا معهن‪ ،‬متواضًعا أشد‬ ‫ما بنسائه ضحو ً‬ ‫إل أنه كان صلى الله عليه وسلم رحي ً‬
‫حا لهن‪.‬‬ ‫التواضع لطيف المعشر عطوًفا عليهن مماز ً‬
‫وقد كثرت الخبار عن مداعبته لعائشة ـ رضي الله عنها ـ لنها كانت صغيرة‬
‫السن‪ ،‬وكان يقدر حاجتها للعب واللهو والمداعبة وحسن الملطفة وهذا من‬
‫فطنته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وفي ذلك قالت السيدة عائشة رضي الله عنها‪' :‬كنت أشرب وأنا حائض ثم‬
‫أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في فيشرب وأتعرق‬
‫العرق ]أي اللحم المختلط بالعظم[ وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فيضع فاه على موضع في' ]رواه مسلم[‪.‬‬
‫فلم يجعل الرسول صلى الله عليه وسلم من هيبة النبوة ووقارها سدا منيًعا‬
‫بينه وبين زوجاته رضي الله عنهن بل آنسهن بمرحه وملطفته‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فالزوج المثالي هو الذي يداعب زوجته ويلطفها ويعطيها حقها في اللهو‬


‫والمرح البريئين‪ ،‬وذلك بوسائل متعددة تتماشى مع استطاعته وإمكاناته إما‬
‫بسمر أو برحلة أو بزيارة أو بحضور مناسبة تتفق والمنهج السلمي‪.‬‬
‫وأعلم أيها الزوج الكريم أن من يزرع الود ل يجني إل الورود‪.‬‬
‫والناس بمثابة المرآة لبعضهم البعض وغالًبا فإننا نحصد ما نزرعه‪ ،‬وعندما‬
‫تجد من تحب ليس على ما يرام جرب القيام ببعض الشياء المختلفة انظر‬
‫ما‬
‫إلى عينيه وابعث له ابتسامة تحمل رسالة مفادها 'ل عليك فأنا أحبك دائ ً‬
‫حتى عندما تكون مكتئًبا'‪ .‬وإذا فعلت هذا فغالًبا ما سيرد عليك شريكك‬
‫ضا ونحن نعتقد أنك تتفق معنا أن اللطف في المعاملة حينما‬ ‫بابتسامة أي ً‬
‫كا يومًيا يكون عنصًرا أساسًيا لدعم علقتك الزوجية على مدى‬ ‫يكون سلو ً‬
‫الحياة‪.‬‬
‫وإذا قالت المرأة لزوجها‪:‬‬
‫دا عن ناظري وعياني‬ ‫ً‬ ‫وبعي‬ ‫وجناني‬ ‫ما في خاطري‬ ‫يا مقي ً‬
‫أنت روحي إن كنت لست أراها فهي أدنى إلي من كل داني‬
‫فسيرد عليها الزوج بأحسن منها ويقول‪:‬‬
‫خيالك في عيني وذكراك في فمي وهواك في قلبي فأين تغيبي‬
‫فلتتفنن المرأة وليتفنن الرجل في بث استراتيجية اللطف في المعاملة‪.‬‬
‫وعلي كل منكما أن تبدءا بالعمل بهذه الستراتيجية لدعم علقتكما الزو‬

‫)‪(2 /‬‬

‫استراحات رمضانية‬
‫‪-1‬صيام رمضان‬
‫‪-2‬قيام رمضان‬
‫‪-3‬أعمال يجب أن تستغلها في رمضان‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ – 1‬صيام رمضان‪:‬‬
‫معنى الصوم‪ :‬التعبد لله – تعالى‪ -‬بالمساك عن الطعام والشراب والجماع‪,‬‬
‫وما يلحق بهما مما هو في حكمهما من طلوع الفجر إلى غروب الشمس‬
‫خلل شهر رمضان‪.‬‬
‫وشهر رمضان أفضل الشهور وقد أنزل الله فيه القران الكريم‪ ,‬قال تعالى‪) :‬‬
‫شهر رمضان الذي أنزل فيه القران هدى للناس وبينات من الهدى‬
‫والفرقان (‪) .‬البقرة‪ , (185:‬وفيه ليله خير من ألف شهر ‪ ,‬قال تعالى ) إنا‬
‫أنزلناه في ليله القدر)‪ (1‬وما أدراك ما ليلة القدر)‪ (2‬ليلة القدر خير من ألف‬
‫شهر)‪) (3‬القدر(‪.‬‬
‫ً‬
‫والصائم يغفر له ما تقدم من ذنبه إذا كان صومه إيمانا واحتسابا كما صح من‬
‫حديث أبى هريرة ) رضي الله عنه ( قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ) من صام رمضان إيمانا ً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ‪ ,‬ومن قام‬
‫رمضان إيمانا ً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ‪ ,‬ومن قام ليلة القدر إيمانا ً‬
‫واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ( )متفق عليه(‬
‫والواجب على الصائم أن يحفظ صيامه باجتناب الغيبة والنميمة والكذب‬
‫والستماع إلى الملهي والحذر من سائر المحرمات ‪ ,‬ويسن له الكثار من‬
‫قراءة القران ومن ذكر الله والصدقة والجتهاد في العبادة وخاصة في العشر‬
‫الواخر ‪.‬‬
‫قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله ‪:-‬‬
‫إن صيام رمضان أحد أركان السلم ومبانيه العظام ‪ ,‬قال تعالى ‪ ) :‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون‬
‫) ‪ ( 183‬أياما ً معدودات فمن كان منكم مريضا ً أو على سفر فعدة من أيام‬
‫أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له‬
‫وان تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون )‪ (184‬شهر رمضان الذي ُأنزل فيه‬
‫القران هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر‬
‫فليصمه ومن كان مريضا ً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم‬
‫اليسر ول يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم‬
‫ولعلكم تشكرون ) ‪ ) ( 185‬البقرة ( ‪.‬‬
‫وقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬بني السلم على خمس ‪ ,‬شهادة أن ل‬
‫إله إل الله وأن محمد رسول الله ‪ ,‬و إقام الصلة ‪ ,‬وإيتاء الزكاة ‪ ,‬وحج البيت‬
‫‪ ,‬وصوم رمضان ( وأجمع المسلمون على فريضة صوم رمضان إجماعا ً قطعيا ً‬
‫معلوما ً بالضرورة من دين السلم ‪ ,‬فمن أنكر وجوبه فقد كفر ‪ ,‬فيستتاب‬
‫فإن تاب وأقر بوجوبه وإل قتل كافرا ً مرتدا ً عن السلم ل ُيغسل ول يكفن ول‬
‫يصلى عليه ول يدعى له بالرحمة ‪ ,‬ويدفن لئل يؤذي الناس برائحته ويتأذى‬
‫أهله بمشاهدته ‪.‬‬
‫فرض صيام رمضان في السنة الثانية من الهجرة فصام رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم تسع سنين ‪ ,‬وكان فرض الصيام على مرحلتين ‪:‬‬
‫المرحلة الولى ‪ :‬التخيير بين الصيام والطعام مع تفضيل الصيام عليه ‪.‬‬
‫المرحلة الثانية ‪ :‬تعين الصيام بدون تأخير فعن سلمه بن الكوع رضي الله‬
‫عنه قال‪ :‬لما نزلت ‪ ) :‬وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ( )البقرة‬
‫‪ ( 184‬كان من أراد أن يفطر ويفتدي ) يعني فعل ( حتى نزلت الية التي‬
‫بعدها فنسختها ‪ ,‬يعني بها قوله تعالى ‪:‬فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن‬
‫كان مريضا ً أو على سفر فعدة من أيام أخر ( )البقرة ‪ ( 185‬فأوجب الله‬
‫الصيام عينا ً بدون تخير ‪ .‬ول يجب الصوم حتى يثبت دخول الشهر ‪ ,‬فل يصوم‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قبل دخول الشهر لقول النبي صلى الله عليه وسلم ) ل يتقدمن أحدكم‬
‫رمضان بصوم يوم أو يومين إل أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك‬
‫اليوم ( ) رواه البخاري ( – ) مجالس شهر رمضان ‪. ( 16 – 15 ,‬‬
‫الصيام وأسراره‪:‬‬
‫‪-‬للصيام فوائد وحكم معنوية ومادية فالصوم طاعة لله سبحانه تعالى قال‬
‫تعالى ‪) :‬يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من‬
‫قبلكم لعلكم تتقون( وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬من صام‬
‫رمضان إيمانا واحتسابا ً غفر له ما تقدم من ذنبه(‬
‫‪-‬وينال الصائم رضا الله سبحانه وتعالى ويسعد النسان فيه بالدنيا والخرة‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) للصائم فرحتان يفرحهما ‪ ,‬إذا افطر‬
‫فرح وإذا لقي ربه فرح ( ‪.‬‬
‫‪-‬يتعلم المسلم بالصيام الصبر على العطش والجوع وتحمل المصاعب في‬
‫سبيل الله ‪ .‬ويتدرب المسلم بالصوم على كبح جماح نفسه عن المفطرات‬
‫والشهوات المباحة لمدة من الزمن ‪.‬‬
‫‪-‬يشعر المسلم بإخوانه المسلمين من الفقراء والمحتاجين عندما يحرم من‬
‫الطعام والشراب ‪.‬وقد سئل بعض السلف لم شرع الصيام ؟ فقال ليذوق‬
‫الغني طعم الجوع فل ينسى الجائع وذلك أن المسلم الجائع قد تمر عليه‬
‫اليام دون طعام أو شراب كما يحصل للخوان المسلمين في كثير من بقاع‬
‫الرض‪.‬‬
‫‪-‬ينمي الصيام عند المسلم النضباط ومحاسبة الذات فيلتزم الصائم الخلق‬
‫الحميدة ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪-‬يشعر المسلمون بالخوة والتعاون والتكافل بين الغنياء والفقراء في‬


‫رمضان ‪ .‬وهذه بعض حكم الصيام وأسراره وفوائده وللصوم فوائد صحية‬
‫كثيرة علوة على فوائده الروحية والخلقية والجتماعية أقر بها الطب قديما ً‬
‫وحديثا ً ‪ ,‬وذلك أن المرء عندما يخفف من الطعام والشراب بعض الوقت ‪,‬‬
‫كما إن الصوم يصفي القلوب ويغمرها باليمان والتقوى واليقين والنقاء‬
‫ويقوي قلبه وتسمو نفسه وتسعد روحه عندما يمارس هذه العبادة طاعة لله‬
‫واستجابة لمره ورغبة في وعده ‪.‬‬
‫فضل الصيام وما يتعلق به‪:‬‬
‫عن أبى هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ل عمل ابن ادم له إل الصيام ‪ ,‬فإنه لي وأنا أجزي به ‪.‬‬ ‫) قال الله عز وجل ‪ :‬ك ُ ُ‬
‫والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فل يرفث ول يصخب‪ ,‬فإن سابه أحد‬
‫أو قاتله‪ ,‬فليقل إني صائم‪ .‬والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب‬
‫عند الله من ريح المسك ‪.‬‬
‫للصائم فرحتان يفرحهما‪ :‬إذا أفطر فرح بفطره‪ ,‬وإذا لقي ربه فرح‬
‫بصومه(‪.‬متفق عليه ‪.‬‬
‫وهذا لفظ رواية البخاري وفي رواية له )يترك طعامه ‪ ,‬وشرابه ‪ ,‬وشهوته ‪,‬‬
‫من أجلي الصيام لي وأنا اجزي به ‪ ,‬والحسنه بعشر أمثالها ‪.‬‬
‫وفي رواية لمسلم ) كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى‬
‫سبعمائة ضعف ‪ .‬قال الله تعالى ‪ :‬إل الصوم فإنه لي وأنا اجزي به ‪ :‬يدع‬
‫شهوته وطعامه من اجلي ‪ .‬للصائم فرحتان ‪ :‬فرحة عند فطره وفرحة عند‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لقاء ربه ‪ .‬ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك (‪.‬‬
‫وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ) إن‬
‫في الجنة بابا ً يقال له الريان ‪ ,‬يدخل منه الصائمون يوم القيامة ‪ ,‬ل يدخل‬
‫منه أحد غيرهم ‪ ,‬يقال ‪ :‬أين الصائمون ؟ فيقومون فل يدخل منه أحد‬
‫غيرهم ‪ ,‬فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد ( متفق عليه ‪.‬‬
‫‪-2‬قيام رمضان ومشروعيته ‪:‬‬
‫جمع رمضان أكثر فضائل السلم ‪ ,‬ففيه الصوم والكثار من الصلة وزيادة‬
‫الحسان وحفظ الجوارح وغيرها من الفضائل السلمية العامة ‪ ,‬فهو بحق‬
‫مدرسه تربوية متكاملة وليس هو امتناع عن الطعام والنكاح فحسب ‪ ,‬فهذا‬
‫المتناع ل يجدي المنفعة المرجوة منه ‪.‬‬
‫فالمسلم يكثر من القربات والعبادات في ليله ونهاره ‪ ,‬لكنه في الليل يكثر ‪,‬‬
‫وذلك بعد أن يفطر فيقوى على العبادة أكثر ‪.‬‬
‫ففي قيام رمضان يتحقق الكثير من خصال الخير وعظيم الجر وجزيل‬
‫الثواب وهو من خصال التقوى التي فرض الله سبحانه الصيام لتحقيقها‬
‫وتكميلها ‪ ,‬وتحصيل عواقبها الطيبة وآثارها المباركة فالصيام والقيام متلزمان‬
‫في رمضان عند أهل اليمان ‪,‬فقيام رمضان من الشعائر العظيمة التي سنها‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله ‪ ,‬وقد كان رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان ‪ ,‬فعن أبي هريرة رضي الله عنه و‬
‫أرضاه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير‬
‫أن يأمرهم فيه بعزيمة ‪ ,‬أي من غير إيجاب فريضة ‪ ,‬فيقول ‪ :‬من قام رمضان‬
‫إيمانا و احتسابا غفر له ما تقد من ذنبه(‬
‫فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم و المر على ذلك ‪ ,‬أي ترك الجماعة‬
‫في صلة التراويح ثم كان المر على ذلك في خلفة أبو بكر وصدر من خلفة‬
‫عمر )أخرجاه في الصحيحين (‪.‬‬
‫وعن عمرو بن مره الجهني – رضي الله عنه قال ‪ :‬جاء رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم رجل من قضاعة فقال يا رسول الله أريت إن شهدت أن ل اله إل‬
‫الله ‪ ,‬وانك محمد رسول الله ‪ ,‬وصليت الصلوات الخمس ‪ ,‬وصمت الشهر‬
‫‪,‬وقمت رمضان ‪ ,‬وآتيت الزكاة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " من‬
‫مات على هذا كان من الصديقين والشهداء " فهذا الترغيب العظيم من‬
‫رسول الله عليه الصلة والسلم لمن أقام رمضان مصليا ً وداعيا ً ومستغفرا ً‬
‫وباكيا ً ونادما ً ‪ ,‬فما جزاؤه إل أن يغفر ذنبه ‪.‬‬
‫وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم الليل وحده في رمضان وغيره ‪,‬‬
‫وحدث أن صلى ليله في المسجد في رمضان فأتم به نفر واستمر ليالي أخر‬
‫فلحظ كثرة الناس وراءه فامتنع عن المواصلة تخفيفا ً عن الناس ورحمة بهم‬
‫كي ل تفرض عليهم ‪ ,‬فعن عائشة رضي الله عنها قالت ‪ :‬خرج رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ليله في جوف الليل فصلى في المسجد فصلى رجال‬
‫بصلته ‪ ,‬فأصبح الناس فتحدثوا –أي اخبر بعضهم بعضا بصلة الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم– فاجتمع أكثر منه فصلوا معه ‪ ,‬فأصبح الناس فتحدثوا فكثر‬
‫أهل المسجد من الليلة الثالثة ‪ ,‬فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فصلى فصلوا بصلته ‪ ,‬فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله – أي‬
‫امتل‪ -‬حتى خرج لصلة الصبح – أي لم يخرج لقيام الليل حتى أذن الفجر –‬
‫فلما قضى الفجر –أي صلة الفجر – أقبل على الناس فتشهد ثم قال ‪ :‬أما‬
‫بعد فإنه لم يخف عليه مكانكم ‪ ,‬ولكنني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا‬
‫عنها " صلى الله عليه وسلم تسليما ً كثيرًا‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وهذا من شفقة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته وحرصه على عدم تكليفهم‬
‫ما ل يطيقونه والحديث يدل على حرص الصحابة على الخير وتسابقهم إليه ’‬
‫وحبهم لقيام الليل وتسابقهم إلى السنة – رضي الله عنهم ‪.-‬‬
‫وهكذا كان في خلفة أبي بكر ‪ ,‬فلما كان عهد عمر بن الخطاب خرج إلى‬
‫المسجد فرأى الناس يصلون فرادى فقال ‪ :‬لو جمعتهم على قارئ واحد‬
‫وجماعه واحده ‪ ,‬فجمعهم على إمامة أبي بن كعب فقال عمر ‪ :‬نعمت البدعة‬
‫هذه ‪ ,‬والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون ‪ .‬أي صلتهم قرب الفجر‬
‫أفضل من صلة التراويح بعد العشاء ‪ ,‬وكان عدد الركعات ثلثا ً وعشرين‬
‫ركعة مع الوتر وهذا صحيح عن عمر ‪.‬‬
‫ول يصح الجدل في هذه المسألة ‪ ,‬فمن أراد أن يتم عشرين أتم ‪ ,‬ومن أراد‬
‫أن يصلي أقل فليفعل ‪ ,‬فإنما هي نافلة ل تستحق الكثير من الجدل ‪ ,‬ولكن‬
‫الذي ينبغي أن نهتم به هو كيفية هذه الصلة ‪ ,‬التي صار الكثير من الناس‬
‫يتجادلون هل هي عشرون أو أقل أو أكثر ‪ ,‬ويغفلون عن السكينة في الصلة‬
‫والخشوع فيها وتمامها ‪ ,‬فيا ليتهم يصلونها ركعتين فقط كما أراد الله ‪ ,‬فهو‬
‫خير من العداد المستعجلة الخالية من معاني العبودية لله وقد ثبت أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‬
‫صلى ركعتين قرأ بالولى بالبقرة والنساء وآل عمران قراءة متر سلة ل يمر‬
‫بآية فيها ذكر عذاب إل استعاذ بالله ‪ ,‬ول بآية ثواب إل سأل الله من فضله‬
‫وذلك في رمضان وهذا يدل على انتفاء تحديد العدد وتقيده بعدد معين ورفض‬
‫ما سواه ‪,‬‬
‫كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه على قيام العشر الواخر‬
‫من رمضان وتلمس ليلة القدر فيها ‪.‬‬
‫ففي الصحيحين أيضا ً عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬وقال ) من قام ليلة‬
‫القدر إيمانا واحتسابا ً غفر له ما تقدم من ذبه (‪ .‬وهذا من أدلة فضل قيام‬
‫رمضان ‪ ,‬وخاصة العشر الواخر منه ‪ ,‬فقد كانت سنة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪,‬إحيائها تحريا لليلة القدر ‪ ,‬وطلبا لما فيها من عظيم الجر ‪.‬‬
‫وقيام رمضان شامل للصلة ‪ ,‬في أوله وآخره ‪ ,‬والتراويح من قيام رمضان ‪,‬‬
‫ففي السنن وغيرها عن أبي ذر –رضي الله عنه‪ -‬عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ,‬أنه قال ‪) :‬من قام مع المام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة (‬
‫فينبغي الحرص عليها ‪ ,‬والعتناء بها ‪ ,‬رغبة في الخير وطلبا ً للجر ‪ ,‬فيصلي‬
‫المرء مع المام حتى ينصرف ‪ ,‬ليحصل له أجر قيام ليلة‪.‬‬
‫وصلة الجماعة في قيام رمضان فيها فضل كبير وفيه رفع لهذه الشعيرة‬
‫المسنونة وتنشيط للمسلمين ‪ ,‬وإعطاء رمضان خاصية وتميزا ل توجد في‬
‫غيره فينبغي الحرص على صلة التراويح مع المسلمين ‪.‬‬
‫وإن أحب أن يصلي من آخر الليل ‪ ,‬ما كتب له – فله ذلك – ليفوز بفضائل‬
‫صلة جوف الليل فإنها مشهودة مكتوبة يسمع فيها الدعاء ويستجاب ‪,‬‬
‫وتقضي المسألة ويغفر الذنب ‪ ,‬إلى غير ذلك مما جاء في فضله وقد كان‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في جوف الليل بمفرده في رمضان فإذا‬
‫ائتم به أحد لم يمنعه بل يقره ويعلمه كما قد حصل لبن مسعود وحذيفة‬
‫وابن عباس وفي ذلك دليل على جواز الجماعة في قيام الليل مطلقا ً متى‬
‫اتفق لفراد الجماعة فيها لكن ل تتخذ سنة يدعى إليها وتقام طوال الشهور‬
‫كما تقام في رمضان ‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬أنه قال ‪ ) :‬صلة الليل مثنى‪،‬‬
‫مثنى ( فلم يقيد الصلة بعدد ‪ ,‬فيصلي ما شاء الله ‪ ,‬غير انه ل يوتر إن كان‬
‫أوتر مع المام أول الليل ‪ ,‬لقوله ‪ ,‬صلى الله عليه وسلم ‪) :‬ل وتران في‬
‫ليله ( ‪.‬‬
‫والمقصود أن أوقات شهر رمضان أوقات شريفة مباركة ‪ ,‬ينبغي للموفق أن‬
‫يغتنمها في جليل القرب ‪ ,‬واللحاح على الله بالطلب لخيري الدنيا والخرة ‪,‬‬
‫والتوفيق من الله ‪ ,‬فإنه هو الرحمن المستعان وعليه التكلن ‪ ,‬ول حول ول‬
‫قوة إل بالله العلي العظيم ‪ ,‬فهو حسبنا ونعم الوكيل ‪.‬‬
‫صلة التراويح وتعداد أئمتها ‪:‬‬
‫هي صلة قيام الليل في رمضان ‪.‬‬
‫وهي وإن اختصت بشهر رمضان ‪ ,‬فإنها داخلة في عموم قيام الليل ‪ ,‬وقد‬
‫جاءت نصوص تدخلها في عموم قيام الليل ‪ ,‬ونصوص أخرى تخصها بقيام‬
‫رمضان ‪.‬‬
‫والتراويح ‪ :‬جمع ترويحة ‪ ,‬وهي المرة الواحدة من الراحة‪ ,‬وسميت بهذا‬
‫السم لن المصلين كانوا يستريحون بين كل تسليمتين أو بعد كل أربع‬
‫ركعات ‪ ,‬وجمهور المة على أن عدد ركعاتها عشرون عدا الوتر ‪ ,‬وعلى هذا‬
‫استقر العمل في الحرمين الشريفين ومعظم بلد السلم ‪.‬‬
‫وصلة التراويح سنة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ) إن الله فرض‬
‫عليكم صيام رمضان ‪ ,‬وسننت لكم قيامه (‬
‫وأداؤها جماعة سنة أيضا ً ‪ ,‬لما ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أم‬
‫المسلمين في أوائل رمضان ‪ ,‬وفي العشر الواخر منه ‪ ,‬عدة مرات كما‬
‫تقدم ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫أما توحيد صلة التراويح ‪ ,‬وجمع الناس فيها على إمام واحد ثم استمرار‬
‫الناس عليه إلى يوم الناس هذا فإنه من فعل عمر وإحيائه للسنة لن دعوته‬
‫الناس إليها ينفي عنهم ما خشيه الرسول صلى الله عليه وسلم من الوجوب‬
‫وعمل عمر إحياء للسنة فعن عروة بن الزبير رحمه الله أن عائشة أم‬
‫المؤمنين رضي الله عنها أخبرته ‪ ,‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج‬
‫مرة في جوف الليل فصلى في المسجد فصلى رجال بصلته ‪ ,‬فأصبح الناس‬
‫يتحدثون بذلك ‪ ,‬فاجتمع أكثر منهم فخرج في الليلة الثانية ‪ ,‬فصلى فصلوا‬
‫بصلته ‪ ,‬وأصبح الناس يتحدثون بذلك ‪ ,‬وكثر أهل المسجد في الليلة الثالثة‬
‫حتى ضاق بهم المسجد ‪ ,‬فلما كانت الليلة الرابعة لم يخرج إليهم رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم حتى خرج لصلة الفجر‪,‬فلما قضى الصلة أقبل على‬
‫الناس بوجهه ثم تشهد وقال ) أما بعد فإنه لم يخف علي شأنكم الليلة‪ ,‬لكني‬
‫خشيت أن تفرض عليكم ‪ ,‬فتعجزوا عنها ‪ .‬فكان رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يرغبهم في قيام رمضان من غير أن يوجبه عليهم ويقول ‪ :‬من قام‬
‫رمضان إيمانا واحتسابا ‪ ,‬غفر له ما تقد من ذنبه ( وتوفى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم والمر على هذا ‪.‬‬
‫ثم كان المر على هذا في خلفة أبي بكر الصديق ‪ ,‬وصدرٍ من خلفة عمر‬
‫رضي الله عنهما ‪.‬‬
‫ثم إن عمر رضي الله عنه خرج ليلة في رمضان فطاف في المسجد ‪ ,‬وأهل‬
‫المسجد جماعات متفرقون ‪ ,‬يصلي الرجل لنفسه ‪ ,‬ويصلي الرجل فيصلي‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بصلته الرهط ‪ ,‬فقال عمر ‪ :‬والله إني لظن لو جمعنا هؤلء على قارئ واحد‬
‫لكان أمثل ‪ ,‬ثم عزم على أن يجمعهم على قارئ واحد ‪ ,‬فأمر أبي بن كعب‬
‫رضي الله عنه أن يقوم بهم في رمضان ‪ .‬فخرج والناس يصلون بصلة‬
‫قارئهم فأعجبه ما رأى وقال‪ :‬نعمت البدعة هذه‪.‬‬
‫ثم جعل عمر رضي الله عنه بعد ذلك لصلة التراويح إمامين ‪ ,‬يقومان في‬
‫الليلة الواحدة بالتناوب ‪ ,‬يبتدئ الثاني حيث ينتهي الول ‪ ,‬وذلك رفقا ً بالمام ‪,‬‬
‫وترويحا ً للمأمومين ‪ ,‬وتنشيطا ً لهم ‪.‬‬
‫وبعد ذلك كان عمر إذا دخل شهر رمضان ‪ ,‬صلى المغرب ‪ ,‬ثم تشهد بخطبة‬
‫خفيفة ‪ ,‬ثم قال ‪ :‬فإن هذا الشهر ‪ ,‬شهر كتب الله عليكم صيامه ‪ ,‬ولم يكتب‬
‫عليكم قيامه ‪ ,‬من استطاع منكم أن يقوم فإنه من نوافل الخير ‪.‬‬
‫وهكذا فإن توحيد صلة التراويح بإمام واحد إحياء لفعل الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ .‬والذي تركه خوفا ً من أن يفرض على المة هي من سنن‬
‫الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه التي انطلقت من مسجد‬
‫المدينة الشريف ‪ .‬وقد حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على التمسك‬
‫بسنة الخلفاء الراشدين والتزامها ‪ ,‬فقال ) عليكم بسنتي وسنة الخلفاء‬
‫الراشدين المهديين من بعدي ‪ ,‬عضوا عليها بالنواجذ ( وقال صلى الله عليه‬
‫وسلم ) اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر ( فرضي الله عن أبي بكر‬
‫وعمر ورضي الله عن سائر صحابة نبينا الكرام ‪.‬‬
‫والصواب انه ل يجوز جمع صلة التراويح كلها أو بعضها مع الوتر في سلم‬
‫واحد بل ذلك مفسدة للصلة لن النبي صلى الله عليه وسلم قال " صلة‬
‫الليل مثنى‪ ،‬مثنى " وحينئذ تكون على خلف ما أمر الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم به ‪ ,‬وقد قال صلى الله عليه وسلم ‪ :‬من عمل عمل ً ليس عليه أمرنا‬
‫فهو رد ( أفاده شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمة الله في فتاويه ‪.‬‬
‫عدد ركعات صلة التراويح‬
‫وقد يسأل سائل فيقول ‪ :‬هل تصلى التراويح عشرون ركعة أم ثماني ركعات‬
‫وهل تصح صلة التراويح في البيت ؟‬
‫والجواب ‪ :‬إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رغب في قيام رمضان وحث‬
‫عليه في أحاديث منها ‪ :‬حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتقدم كان رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان ‪ ...‬الحديث ‪.‬‬
‫وتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالصحابة في رمضان في عدة‬
‫ليال في أوله وفي أخره كما ثبت ذلك عنه وقد صلى بهم في رمضان وفي‬
‫العشر الواخر ‪,‬ليلة ثلث الليل ‪ ,‬وفي الليلة الخرى حتى ذهب أكثر الليل‬
‫وفي الليلة الثالثة قام بهم أغلب الليل حتى خافوا أن يفوتهم السحور كما‬
‫سيأتي ‪ ,‬وهذا دليل انه صلى بهم ركعات كثيرة دون معرفة العدد بل عدد‬
‫مطلق ول يجوز تقييده ‪ ,‬لكن كان غالب فعله صلى الله عليه وسلم أنه يصلي‬
‫إحدى عشرة ركعة كما ثبت ذلك عنه في حديث عائشة رضي الله عنها قالت‬
‫‪ :‬ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ول غيره على‬
‫إحدى عشرة ركعة ( رواه البخاري ومسلم ‪ ,‬وإنما قلنا غالب فعله ذلك لنه‬
‫قد ثبت من فعله ما يدل على أكثر من ذلك أو أقل فقد سئلت عائشة رضي‬
‫الله عنها‪ :‬بكم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر ؟ قالت ‪ " :‬كان‬
‫يوتر بأربع وثلث ‪ ,‬وست وثلث ‪ ,‬وعشر وثلث ‪ ,‬ولم يكن يوتر بأنقص من‬
‫سبع ‪ ,‬ول بأكثر من ثلث عشرة " رواه أبو داود وأحمد وغيرهما‪.‬‬
‫ومنه ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم " الوتر حق فمن شاء فليوتر‬
‫بخمس ‪ ,‬ومن شاء فليوتر بثلث ‪ ,‬ومن شاء فليوتر بواحدة "‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ولم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم المداومة على صلة التراويح‬
‫لنه خشي أن تفرض على المة كما ثبت ذلك في الصحيحين ‪ .‬وتقدم ذكرنا‬
‫له ‪.‬‬
‫ومن هنا فقد اختلف أهل العلم في عدد ركعات صلة التراويح فأكثر الفقهاء‬
‫يرون أنها تصلى عشرون ركعة والوتر ثلث ركعات ‪ ,‬وهذا القول مشهور عن‬
‫عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث ورد أنه جمع الناس على إمام واحد‬
‫يصلي بهم ثلثا ً وعشرين ركعة كما ورد في الحديث عن عبد الرحمن بن عبد‬
‫القاري ‪ ,‬قال ‪ :‬خرجت مع عمر بن الخطاب في رمضان إلى المسجد فإذا‬
‫الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلته‬
‫الرهط فقال عمر ‪ :‬إني أرى لو جمعت هؤلء على قارئ واحد لكان أمثل ثم‬
‫عزم فجمعهم على أبي بن كعب ‪ ,‬ثم خرجت معه ليله أخرى والناس يصلون‬
‫بصلة قارئهم ‪ ،‬فقال عمر ‪ :‬نعمت البدعة هذه ‪ ,‬والتي ينامون عنها أفضل‬
‫من التي يقومون ‪ .‬يعني أخر الليل وكان الناس يقومون أوله " رواه البخاري‪.‬‬
‫وروى البيهقي بإسناد صحيح كما قال النووي عن السائب بن يزيد الصحابي‬
‫رضي الله عنه قال ‪ :‬كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه‬
‫في شهر رمضان بعشرين ركعة وكانوا يقومون بالمئين ‪"..‬المجموع ‪.4/32‬‬
‫ومن المنتسبين إلى العلم في عصرنا من يرى عدم زيادة صلة التراويح عن‬
‫إحدى عشرة ركعة لحديث عائشة السابق وغيره من الحاديث الثابتة في‬
‫هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وترى طائفة أخرى من أهل العلم عدم تحديد عدد معين من الركعات في‬
‫صلة قيام رمضان أي التراويح ومنهم شيخ السلم ابن تيمية والمام‬
‫لشوكاني ‪ ,‬قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله ما نصه ‪ " :‬كما أن نفس‬
‫قيام رمضان لم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم فيه عدد معين بل كان هو‬
‫صلى الله عليه وسلم ليزيد في رمضان ول غيرة عن ثلث عشرة ركعة لكن‬
‫كان يطيل الركعات فلما جمعهم عمر على أبي بن كعب كان يصلي بهم‬
‫عشرين ركعة لن ذلك أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة ثم‬
‫كان طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة ويوترون بثلث وآخرون قاموا‬
‫بست وثلثين و أوتروا بثلث وهذا كله سائغ فكيفما قام في رمضان من هذه‬
‫الوجوه فقد أحسن ‪.‬‬
‫والفضل يختلف باختلف أحوال المصلين فإن كان فيهم احتمال لطول القيام‬
‫فالقيام بعشر ركعات وثلث بعدها كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي‬
‫لنفسه في رمضان وغيره وهو الفضل وإن كانوا ل يحتملونه فالقيام بعشرين‬
‫هو الفضل وهو الذي يعمل به أكثر المسلمين فإنه وسط بين العشر وبين‬
‫الربعين وإن قام بأربعين وغيرها جاز ذلك ول يكره شيء من ذلك وقد نص‬
‫على ذلك غير واحد من الئمة كأحمد وغيره ‪ ,‬ومن ظن أن قيام رمضان فيه‬
‫عدد مؤقت عن النبي صلى الله عليه وسلم ل يزاد فيه ول ينقص منه فقد‬
‫أخطأ ‪ ,‬مجموع الفتاوى ‪ 23/272‬وهذا رد صريح لمن يزعم عدم جواز الزيادة‬
‫على إحدى عشر ركعة فكلم شيخ السلم هو الذي تدل عليه النصوص‬
‫ويجمع بينهما ‪ ,‬وكلم غيره في تحديد العدد بإحدى عشرة فقط ‪ ,‬مخالفة‬
‫للمة في الحرمين وغيرهما وهي مخالفة غير مستندة على قوة دليل وقد‬
‫كان مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمن المام مالك يصلى‬
‫فيه أكثر من عشرين ركعة‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مشروعية الجماعة في القيام ‪:‬‬


‫تشرع الجماعة في قيام رمضان ‪ ,‬بل هي أفضل من النفراد ‪ ,‬لقامة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم لها بنفسه ‪ ,‬وبيانه لفضلها بقوله ‪ ,‬كما في حديث أبي‬
‫ذر رضي الله عنه قال ‪ :‬صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان و‬
‫فلم يقم بنا شيئا ً من الشهر حتى بقي سبع فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل ‪,‬‬
‫فلما كانت السادسة لم يقم بنا ‪ ,‬فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب‬
‫شطر الليل ‪ ,‬فقلت ‪ :‬يا رسول الله ! لو نفلتنا قيام هذه الليلة ‪ ,‬فقال ‪ :‬إن‬
‫الرجل إذا صلى مع المام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة " فلما كانت‬
‫الرابعة لم يقم ‪ ,‬فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس فقام بنا حتى‬
‫خشينا أن يفوتنا الفلح ‪ ,‬قال‪ :‬قلت ‪ :‬وما الفلح ؟ قال السحور ‪ ,‬ثم لم يقم‬
‫بنا بقية الشهر " حديث صحيح ‪ ,‬أخرجه أصحاب السنن ‪ .‬وهذا يدل على عدم‬
‫تقييد العدد فقد صلى بهم أغلب الليل وإنما لم يقم بهم عليه الصلة والسلم‬
‫بقية الشهر خشية أن تفرض عليهم صلة الليل في رمضان ‪،‬فيعجزوا عنها‬
‫كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين وغيرهما ‪ ,‬وقد‬
‫زالت هذه الخشية بوفاته صلى الله عليه وسلم بعد أن أكمل الله الشريعة ‪,‬‬
‫وبذلك زال المعلول ‪ ,‬وهو ترك الجماعة في قيام رمضان ‪ ,‬وبقي الحكم‬
‫السابق وهو مشروعية الجماعة ‪ ,‬ولذلك أحياها عمر رضي الله عنه كما في‬
‫صحيح البخاري وغيره ‪.‬‬
‫مشروعية الجماعة للنساء ‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫يشرع للنساء حضور صلة القيام في المساجد كما في حديث أبي ذر السابق‬
‫كما يجوز أن يجعل لهن إمام خاص بهن ‪ ,‬غير إمام الرجال ‪ ,‬فقد ثبت أن‬
‫عمر رضي الله عنه لما جمع الناس على القيام ‪ ,‬جعل على الرجال أبي بن‬
‫كعب ‪ ,‬وعلى النساء سليمان بن أبي حثمة ‪ ,‬وعن عرفجة الثقفي قال ‪ ":‬كان‬
‫علي بن أبي طالب رضي الله عنه يأمر الناس بقيام شهر رمضان ويجعل‬
‫للرجال إماما وللنساء إماما‬
‫‪ ,‬قال ‪ :‬فكنت أنا إمام النساء " ‪.‬‬
‫ً‬
‫قلت وهذا محله عندي إذا كان المسجد واسعا ‪ ,‬ولم يوجد في المسجد مكبر‬
‫يوصل صوت المام إلى النساء كما هي الحال في غالب مساجد المسلمين‬
‫اليوم ولله الحمد ‪ ,‬لئل يشوش أحدهما على الخر ‪ .‬أو أن للنساء مصلى‬
‫منفردًا‪ ،‬أما في وقتنا فإن سماعات الصوت توصل صوت المام لهن إلى‬
‫مصلهن فيستحب القتصار على إمام واحد أو إمامين يتناوبان الصلة بينهما‬
‫ويتعاونان ‪ ,‬وقد كان شيخنا الشيخ العلمة حمود بن عبد الله التويجري يجمع‬
‫أهله وأهل أولده وما شاء من أقربائه من النساء ويصلي بهن في بيته وهذا‬
‫عمل جليل وجميل رحمه الله رحمة واسعة ‪.‬‬
‫القراءة في القيام لصلة التراويح وغيرها‪:‬‬
‫وأما القراءة في صلة الليل في قيام رمضان أو غيره ‪ ,‬فلم يحد فيها النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم حدا ً ل يتعداه بزيادة أو نقص ‪ ,‬بل كانت قراءته فيها‬
‫تختلف قصرا ً أو طول ً ‪ ,‬فكان تارة يقرأ في كل ركعة قدر " يا أيها المزمل"‬
‫وهي عشرون أية ‪ ,‬وتارة قدر خمسين أية ‪ ,‬وكان يقول ‪ " :‬من صلى في ليلة‬
‫بمائة أية لم يكتب من الغافلين " وفي حديث آخر ‪ .. " :‬بمائتي أية فإنه يكتب‬
‫من القانتين المخلصين "‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقرأ صلى الله عليه وسلم في ليلة وهو مريض السبع الطوال ‪ ,‬وهي سور‪" :‬‬
‫البقرة " وآل عمران " والنساء " والمائدة " والنعام " والعراف " والتوبة‬
‫" ‪ .‬وفي قصة صلة حذيفة بن اليمان وراء النبي صلى الله عليه وسلم أنه‬
‫صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعة واحدة " البقرة " ثم " النساء " ثم " آل‬
‫عمران " ‪ ,‬وكان يقرأها مترسل ً متمهل ً ‪.‬‬
‫ولما جمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس على قراءة أبي بن كعب‬
‫وأمره أن يصلي للناس في رمضان ‪ ,‬كان أبي رضي الله عنه يقرأ بالمئين ‪,‬‬
‫حتى كان الذين خلفه يعتمدون على العصي من طول القيام ‪ ,‬وما كانوا‬
‫ينصرفون إل في أوائل الفجر ‪.‬‬
‫وصح عن عمر أنه دعا القراء في رمضان ‪ ,‬فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ‬
‫ثلثين أية ‪ ,‬والوسط خمسا وعشرين أية ‪ ,‬والبطيء عشرين أية ‪.‬‬
‫وعلى ذلك فإن صلى القائم لنفسه فليطول ما شاء ‪ ,‬وكذلك إذا كان معه من‬
‫يوافقه ‪ ,‬وكلما أطال فهو أفضل ‪ ,‬إل أنه ل يبالغ في الطالة حتى يحي الليل‬
‫كله إل نادرا ‪ .‬إتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم القائل ‪ " :‬وخير الهدي هدي‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم" ‪ ,‬وأما إذا صلى إماما ً فعليه أن يطيل بما ل‬
‫يشق على من وراءه لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا قام أحدكم للناس‬
‫فليخفف الصلة ‪ ,‬فإن فيهم الصغير والكبير وفيهم الضعيف ‪ ,‬والمريض ‪ ,‬وذا‬
‫الحاجة ‪ ,‬وإذا قام وحده فليطل صلته ما شاء قال شيخنا المام المجتهد‬
‫العلم عبد العزيز بن عبد الله بن باز في مراعاة أحوال المؤتمين ومراعاة‬
‫حال الضعفاء من كبار السن ونحوهم في صلة التراويح " هذا أمر مطلوب‬
‫في جميع الصلوات ‪ ,‬في التراويح والفرائض لقوله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫أيكم أم الناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والصغير وذا الحاجة " فالمام‬
‫يراعي المأمومين ويرفق بهم في قيام رمضان وفي العشر الخيرة وليس‬
‫الناس سواء ‪ ,‬فالناس يختلفون فينبغي له أن يراعي أحوالهم ويشجعهم على‬
‫المجيء وعلى الحظور فإنه متى أطال عليهم شق عليهم ونفرهم من‬
‫الحظور ‪ ,‬فينبغي عليه أن يراعي ما يشجعهم على الحظور ويرغبهم في‬
‫الصلة ولو بالختصار وعدم التطويل ‪ ,‬فصلة يخشع فيها الناس ويطمئنون‬
‫فيها ولو قليل خير من صلة يحصل فيها عدم الخشوع ويحصل فيها الملل‬
‫والكسل‪ ..‬انتهى ‪.‬‬
‫ول بأس بقراءة المام في التراويح من المصحف وخاصة أن كثيرا ً من الئمة‬
‫ل يحفظون كثيرا ً من القرآن الكريم وقد يرغب الناس في تطويل القراءة‬
‫في صلة القيام في رمضان فإذا قرأ المام من المصحف فل حرج في ذلك‬
‫إن شاء الله ‪ .‬وقد قال المام البخاري في صحيحة ‪ :‬كانت عائشة يؤمها‬
‫عبدها ذكوان من المصحف " رواه معلقا مجزوما به ‪.‬‬
‫قال الحافظ بن حجر " وصله ابن أبي داود في كتاب المصاحف من طريق‬
‫أيوب عن ابن أبي مليكه " أن عائشة كان يؤمها غلمها ذكوان من المصحف‬
‫"‬
‫ووصلة ابن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبي بكر بن‬
‫أبي مليكة عن عائشة ‪ " :‬أنها أعتقت غلما ً لها فكان يومها في رمضان في‬
‫المصحف " ‪ ..‬قوله في المصحف استدل به على جواز قراءة المصلي في‬
‫المصحف ) فتح الباري ‪ (2/326‬والسناد صحيح رجاله كلهم ثقات ‪.‬‬
‫ولكن الولى أن يقرأ المام من حفظة لما في ذلك من تقليل الحركة قي‬
‫الصلة والمحافظة على الخشوع‪.‬‬
‫صلة الوتر‪:‬‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫وصلة الوتر من السنن المؤكدة الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫وقد ورد في فضلها أحاديث منها ‪:‬‬
‫عن علي رضي الله عنه قال ‪ :‬الوتر ليس بحتم كالصلة المكتوبة ولكن سنة‬
‫سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ ) :‬إن الله وتر يحب الوتر‬
‫فأوتروا يا أهل القران ( رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن ‪.‬‬
‫وعن أبي سعيد الخدري رضي لله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪) :‬‬
‫أوتروا قبل أن تصبحوا ( رواه مسلم ‪.‬‬
‫وتجوز صلة الوتر بركعة واحدة وكذا بثلث أو خمس أو سبع أو تسع ركعات‬
‫فقد جاء في الحديث عن ابن عمر قال ‪ :‬قام رجل فقال يا رسول الله كيف‬
‫صلة الليل ؟؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬صلة الليل مثنى‪،‬‬
‫مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة ( رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يسلم يبن الركعتين والركعة في الوتر‬
‫حتى أنه كان يأمر ببعض حاجته ‪ ,‬رواه البخاري ‪.‬‬
‫وعن أم سلمه قالت ‪ ) :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع أو‬
‫خمس ل يفصل بينهن بسلم ول كلم ( ‪ .‬رواه النسائي وابن ماجه وأحمد ‪.‬‬
‫وإذا صلى المسلم الوتر ثلث ركعات فيجوز فيها هيئتان كما يلي ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬أن يصلي ركعتين ثم يسلم وبعدها يأتي بالثالثة ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬أن يصلي الركعات الثلث متصلة ول يجلس إل بعد الثالثة وكل ذلك‬
‫جائز إن شاء الله ‪.‬‬
‫وأما الهيئة الثالثة ‪ :‬وهي أن يصلي ركعتين ثم يجلس بعد الثانية ثم يأتي‬
‫بالثالثة كهيئة صلة المغرب فقد قال بها بعض العلماء لكنه قول مرجوح ‪.‬‬
‫أما القنوت في صلة الوتر فهو سنة وليس بواجب فإذا تركه المصلي فل‬
‫شيء عليه والذي ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان أحيانا ً يقنت‬
‫في الوتر وأحيانا ً أخرى ل يقنت‪ ,‬ويجوز القنوت قبل الركوع وبعده وهو‬
‫الفضل والقوى‪.‬‬
‫وأفضل وقت لصلة الوتر أخر الليل في حق من يغلب على ظنه الستيقاظ‬
‫في آخر الليل وإل فيصلي الوتر بعد صلة العشاء فقد ورد في الحديث عن‬
‫جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أيكم خاف أن ل يقوم من آخر الليل‬
‫فليوتر ثم ليرقد ومن وثق بقيام الليل فليوتر آخره فإن قراءة آخر الليل‬
‫محظورة وذلك أفضل ( رواه مسلم ‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن السنة في القراءة في الوتر إذا صلى ثلثا أن يقرأ في الركعة الولى‬
‫سورة العلى وفي الثانية سورة )الكافرون( وفي الثالثة سورة الخلص كما‬
‫ورد في الحديث عن أبي بن كعب ) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ‬
‫في الوتر سبح اسم ربك العلى وفي الركعة الثانية بقل يا أيها الكافرون‬
‫وفي الثالثة بقل هو الله أحد ( رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه ‪.‬‬
‫كما يستحب أحيانا ً أن يقرأ في الثالثة بالخلص والمعوذتين فقد صح أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم كان يفعله ‪.‬‬
‫ومن صلى صلة الوتر في أول الليل ثم رغب أن يصلي في آخر الليل يصلي‬
‫ما يشاء لكنه ل يعيد الوتر ‪.‬‬
‫فإذا قرأ غير ذلك صح ‪ ,‬فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قرأ مره في‬
‫ركعة الوتر بمائة أية من سورة النساء ‪.‬‬
‫وعلى ما تقدم جرى عمل الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه واستمر بعده‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كما تقدم ‪ ,‬عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال " خرجت مع عمر بن‬
‫الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع‬
‫متفرقون ‪ ،‬يصلي الرجل لنفسه ‪ ,‬ويصلي الرجل فيصلي بصلته الرهط ‪,‬‬
‫فقال والله إني لرى لو جمعت هؤلء على قارئ واحد لكان أمثل وذكر‬
‫الحديث إلى قوله ‪ ,‬وكان الناس يقومون أوله " وقال زيد بن وهب" كان عبد‬
‫الله يصلي بنا في شهر رمضان فينصرف بليل "‬
‫دعاء القنوت في صلة الوتر ‪:‬‬
‫علم النبي صلى الله عليه وسلم سبطه الحسن بن علي رضي الله عنهما‬
‫دعاء القنوت وهو ‪ " :‬اللهم اهدني فيمن هديت وعافني في من عافيت‬
‫وتولني فيمن توليت ‪ ,‬وبارك لي فيما أعطيت ‪ ,‬وقني شر ما قضيت ‪ ,‬فإنك‬
‫تقضي ول يقضى عليك ‪ ,‬وإنه ل يذل من واليت ‪ ,‬ول يعز من عاديت ‪ ,‬تباركت‬
‫ربنا وتعاليت ‪ ,‬ل منجا منك إل إليك " ويصلي على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أحيانا ً ‪ ,‬لما يأتي بعده "‬
‫ول بأس أن يزيد عليه من الدعاء المشروع والطيب الصحيح " ‪.‬‬
‫ول بأس من جعل القنوت بعد الركوع ومن الزيادة عليه بلعن الكفرة والصلة‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء للمسلمين في النصف الثاني من‬
‫رمضان لثبوت ذلك عند الئمة في عهد عمر رضي الله عنه فقد جاء في آخر‬
‫حديث عبد الرحمن بن عبد القاري المتقدم ‪":‬وكانوا يلعنون الكفرة في‬
‫النصف ‪ :‬اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ول‬
‫يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألقي عليهم‬
‫رجزك وعذابك إله الحق( ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو‬
‫للمسلمين ما استطاع من خير ‪ ,‬ثم يستغفر للمؤمنين ‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫قال ‪ :‬وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلته على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته ) اللهم إياك نعبد ‪ ,‬ولك‬
‫نصلي ونسجد ‪ ,‬وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ربنا ‪ ,‬ونخاف عذابك الجد‬
‫إن عذابك لمن عاديت ملحق ( ثم يكبر ويهوي ساجدا ً ‪.‬‬
‫ما يقول في آخر الوتر ‪:‬‬
‫ومن السنة أن يقول في آخر وتره ) قبل السلم أو بعده ( ‪:‬‬
‫" اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ‪ ،‬وبمعافاتك من عقوبتك ‪ ,‬وأعوذ بك‬
‫منك ‪ ,‬ل أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك "‬
‫وإذا سلم من الوتر قال ‪ :‬سبحان الملك القدوس ‪ ,‬سبحان الملك القدوس ‪,‬‬
‫سبحان الملك القدوس ‪ ) ,‬ثلثا ً ( ويمد بها صوته‪ ,‬ويرفع في الثالثة ‪.‬‬
‫ولمن أوتر أن يصلي بعد الوتر ركعتين ) بعد الوتر إن شاء ( ‪ ,‬لثبوتها عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فعل ً بل ‪ ..‬قال ‪ " :‬إن هذا السفر جهد وثقل ‪,‬‬
‫فإذا أوتر أحدكم ‪ ,‬فليركع ركعتين ‪ ,‬فإن استيقظ وإل كانت له " وهاتان ركعتا‬
‫الفجر في الغالب يصليهما إذا أذن لصلة الصبح ‪ .‬والسنة أن يقرأ فيهما ‪:‬‬
‫) إذا زلزلت الرض زلزالها ( و ) قل يا أيها الكافرون ( والله أعلم ‪.‬‬
‫مسح الوجه بعد دعاء القنوت ‪:‬‬
‫مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من دعاء القنوت أمر مشهور بين عامة الناس‬
‫ولكن هذا المر مع شهرته وانتشاره وعمل كثير من الناس به ل يصح سند له‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ول عن السلف الصالح رضي الله عنهم‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وإن قال به بعض الفقهاء ‪.‬‬


‫قال المام النووي رحمه الله عند حديثة عن هذه المسألة أن فيها وجهين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أنه يستحب وذكر جماعة من الفقهاء الذين قالوا بذلك ثم قال النووي‬
‫‪:‬‬
‫الثاني ‪ :‬ل يسمح وهذا هو الصحيح صححه البيهقي والرافعي وآخرون من‬
‫المحققين ‪ .‬المجموع ‪. 501 /3‬‬
‫ثم ذكر كلم البيهقي التالي ‪ ,‬وأنقله من سننه رحمه الله حيث قال ‪ " :‬فأما‬
‫مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء فلست أحفظ عن أحد من السلف‬
‫في دعاء القنوت وإن كان يروى عن بعضهم بالدعاء خارج الصلة ‪ ,‬وقد روي‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث ضعيف وهو مستعمل عند بعضهم‬
‫خارج الصلة‪.‬‬
‫وأما في الصلة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح ول أثر ثابت ول قياس ‪,‬‬
‫فالولى أن ل يفعله ويقتصر على ما فعله السلف رضي الله عنهم من رفع‬
‫اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلة وبالله التوفيق " السنن الكبرى‬
‫‪. 2/212‬‬
‫ً‬
‫وجزا الله أئمتنا وعلماء نا خيرا فإنهم وقافون عند موارد النصوص فإن الخير‬
‫كل الخير في التباع وإن الشر كل الشر في البتداع ‪.‬‬
‫وأما الحديث الذي أشار إليه البيهقي فهو ما رواه أبو داود في سننه بسنده‬
‫عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم قال ‪ :‬سلوا الله ببطون أكفكم ول تسألوه بظهورها فإذا فرغتم‬
‫فامسحوا بها وجوهكم ( قال أبو داود روي هذا الحديث من غير وجه عن‬
‫محمد بن كعب كلها واهية وهذا الطريق أمثلها وهو ضعيف أيضا ً ‪ .‬عون‬
‫المعبود ‪.4/251‬‬
‫وقد علق الشيخ اللباني رحمه الله على هذه الرواية " فإذا فرغتم فامسحوا‬
‫بها وجوهكم " فقال ‪ .. :‬وعلى ذلك فهذه الزيادة منكرة ولم أجد لها حتى‬
‫الن شاهدا ‪ " ..‬ثم قال ل يصلح شاهدا ً للزيادة حديث ابن عمر مرفوعا ً ) كان‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطها حتى يمسح بها‬
‫وجهه ( لن في سنده متهما ً بالوضع – أي الكذب – وقال أبو زرعة ‪ :‬حديث‬
‫منكر أخاف أن ل يكون له أصل ‪ .‬السلسلة الصحيحة ‪. 3/146‬‬
‫ورواه البيهقي بسنده عن علي الباشاني قال ‪ :‬سألت عبد الله بن المبارك‬
‫عن الذي إذا دعا مسح وجهه ‪ ,‬قال ‪ :‬لم أجد له ثبتا ً ‪ ،‬أي مستندا ً ‪.‬‬
‫وورد عن العز بن عبد السلم سلطان العلماء أنه قال " ل يمسح وجهه إل‬
‫جاهل " وبمناسبة الحديث عن دعاء القنوت أذكر بعض المور منها ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬ما نراه من بعض المصلين من المبالغة برفع أيديهم فوق رؤوسهم‬
‫وأرى أن هذا المر فيه مبالغة واضحة وأن الحاديث الواردة عن الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم في رفع اليدين عند الدعاء تدل على مد اليدين‬
‫وبسطهما ول تدل على هذا الرفع المبالغ فيه ‪.‬‬
‫قال الحافظ بن حجر عند كلمه على حديث أنس أنه عليه الصلة والسلم‬
‫كان ل يرفع يديه في شيء من دعائه إل في الستسقاء وأنه يرفع حتى يرى‬
‫بياض إبطيه ‪ ,‬قال الحافظ ‪ :‬وهو معارض بالحاديث الثابتة في الرفع في غير‬
‫الستسقاء ‪ ..‬إلى أن قال ‪ :‬وذهب آخرون إلى تأويل حديث أنس المذكور‬
‫لجل الجمع بأن يحمل النفي على صفة مخصوصة أما الرفع البليغ فيدل عليه‬
‫قوله " حتى يرى بياض إبطيه " ويؤيده أن غالب الحاديث التي وردت في‬
‫رفع اليدين في الدعاء إنما المراد به مد اليدين وبسطهما عند الدعاء وكأنه‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عند الستسقاء مع ذلك زاد فرفعها إلى جهة وجهه حتى حاذتاه وبه حينئذ يرى‬
‫بياض إبطيه "‬
‫فتح الباري ‪.3/171‬‬
‫لذلك فإني أرى ما يفعله بعض الناس من المبالغة الشديدة في رفع اليدين‬
‫وجعلهما فوق الرأس ل أصل له وينبغي للمسلم تركه ورفع اليدين في‬
‫الطلب رفعا ً دون غلو وتنطع ‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫والمر الثاني الذي أود التنبيه عليه وأذكر به إخواننا أئمة المساجد وهو‬
‫التطويل في دعاء القنوت وغيره من الدعية والذكار والفضل هو القتصار‬
‫على الدعية والذكار الجامعة الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وإن‬
‫زاد على ذلك فل بأس به بشرط أن ل يكون الدعاء متكلفا ً أو متضمنا ً مخالفة‬
‫شرعية كالعتداء والتكلف في السجع والتفصيل في الشرح والوصف ‪.‬‬
‫قال المام النووي عند ذكره لداب الدعاء " الخامس ‪ :‬أن ل يتكلف السجع‬
‫وقد فسر به العتداء في الدعاء والولى أن يقتصر على الدعوات المأثورة‬
‫فما كل أحد يحسن الدعاء فيخاف عليه العتداء " الذكار ص ‪. 342‬‬
‫وبعض أئمة المساجد من أجل أن يحافظ على السجع يأتي بأمور غير مقبولة‬
‫في الدعاء كقول بعضهم مثل ً ‪ :‬اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وفاكهتها‬
‫وألبانها وعسلها وحورها وأسألك أن تسكنني في القصر البيض الذي عن‬
‫يمين الجنة وكقولهم في الستعاذة من عذاب القبر وضيق اللحود ومراتع‬
‫الدود وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه تحت التراب والجنادل وحدنا فلو‬
‫قال المسلم ما ورد في السنة وأعذنا من عذاب القبر وعذاب النار وفتنة‬
‫المحيا والممات فقد شمل كل ذلك التفصيل والوصف الذي ل داعي له في‬
‫الدعاء وقد يستحب ذكر ذلك في الوعظ والقصص ل في الدعاء ‪.‬‬
‫والفضل إتمام صلة التراويح مع المام حتى ينصرف ولو زاد على إحدى‬
‫عشرة ركعة لن الزيادة جائزة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم ‪":‬من قام‬
‫مع المام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليله‪ "..‬رواه النسائي وغيره ‪,‬‬
‫ولقوله صلى الله عليه وسلم ‪":‬صلة الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح‬
‫فأوتر بواحدة " رواه السبعة وهذا لفظ النسائي ‪.‬‬
‫ـ إذا زاد ركعة على وتر المام ليكمل بعد ذلك ‪:‬‬
‫بعض الناس إذا صلى مع المام الوتر وسلم المام قام وأتى بركعة ليكون‬
‫وتره أخر الليل فما حكم هذا العمل ؟ وهل يعتبر انصراف مع المام ؟‬
‫سئل عن هذا شيخنا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله فأجاب‬
‫بقوله ‪:‬‬
‫ً‬
‫ل نعلم في هذا بأسا نص عليه العلماء ول حرج فيه حتى يكون وتره في آخر‬
‫الليل ‪ .‬ويصدق عليه أنه قام مع المام حتى ينصرف لنه قام معه حتى‬
‫انصراف المام وزاد ركعة لمصلحة شرعية ‪ .‬حتى يكون وتره آخر الليل فل‬
‫بأس بهذا ول يخرج به عن كونه ما قام مع المام بل هو قام مع المام حتى‬
‫انصرف لكنه لم ينصرف معه بل تأخر قليل ً ‪ .‬من كتاب الجواب الصحيح من‬
‫أحكام صلة الليل والتراويح للشيخ عبد العزيز بن باز ص ‪ .41‬وهذا هو الحق‬
‫الذي فيه سعة وموافقة للشريعة والله اعلم ‪.‬‬
‫‪-3‬أعمال يجب أن تستغلها في رمضان ‪:‬‬
‫‪-1‬قيام رمضان قال صلى الله عليه وسلم " من قام رمضان إيمانا واحتسابا‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫غفر له ما تقدم من ذنبه " متفق عليه ويكون ذلك بقيام الليل بصلة التراويح‬
‫مع المسلمين في الجماعة وقراءة القران والذكر والدعاء والستغفار ‪.‬‬
‫‪-2‬كثرة الصدقة والنفاق ‪:‬‬
‫فقد كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس ‪ ,‬وكان أجود ما يكون في رمضان‬
‫حين يلقاه جبريل فيدارسه القران ‪ .‬وكان جبريل يلقاه كل ليله فيدارسه‬
‫القران فالرسول صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من‬
‫الريح المرسلة‪.‬متفق عليه‪.‬‬
‫‪-3‬تفطير الصائمين ‪:‬‬
‫ً‬
‫فقد قال صلى الله عليه وسلم ) من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه ل‬
‫ينقص من أجر الصائم شيء ( رواه احمد وهو حديث صحيح ‪.‬‬
‫‪-4‬الكثار من قراءة القران وتلوته ومدارسته مع الغير ‪:‬‬
‫فقد قال صلى الله عليه وسلم )الصيام والقران يشفعان للعبد يوم القيامة ‪,‬‬
‫يقول الصيام ‪ :‬أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه ‪ .‬ويقول القران ‪:‬‬
‫منعته النوم بالليل فشفعني فيه ‪ ,‬قال فيشفعان ( ‪.‬رواه احمد بسند صحيح‪.‬‬
‫وتقدم أن الرسول –صلى الله عليه وسلم – كان يدارس جبريل القران‪.‬‬
‫‪ -5‬تحري ليلة القدر لما فيها من الجر الكبير والخير العميم والفضل العظيم‬
‫للمسلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم ) تحروا ليلة القدر في الوتر من‬
‫العشر الواخر من رمضان ( متفق عليه ‪ .‬وقال صلى الله عليه وسلم ) من‬
‫قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ( متفق عليه ‪.‬‬
‫‪-6‬العتمار في رمضان لمن قدر على ذلك ‪:‬‬
‫لقول النبي صلى الله عليه وسلم ) عمره في رمضان تعدل حجة – أو قال‬
‫حجة معي ( متفق عليه ‪.‬‬
‫‪-7‬العتكاف وهو من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬في رمضان ‪:‬‬
‫فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬يعتكف العشر الواخر من رمضان‬
‫حتى توفاه الله ‪ .‬وفي لفظ للبخاري ) كان النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يعتكف في كل رمضان عشرة أيام ‪ ,‬فلما كان العام الذي قبض فيه أعتكف‬
‫عشرين يوما ً ( ‪.‬‬
‫‪ -8‬الكثار من ذكر الله تعالى واستغفاره ودعائه ‪:‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم ) ‪ ...‬إن لكل مسلم في كل يوم وليله –يعني في‬
‫رمضان‪ -‬دعوة مستجابة( رواه البزار وهو حديث صحيح ‪ ...‬وقال ) ثلث‬
‫دعوات مستجابات ‪ :‬دعوة الصائم ‪ ,‬ودعوة المظلوم ‪ ,‬ودعوة المسافر (رواة‬
‫البيهقي بسند صحيح ‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫‪-‬الكثار من العبادة والمبادرة إليها وخاصة الحرص على أداء الصلوات‬


‫الخمس مع جماعة المسلمين في بيوت الله ‪ ,‬والمحافظة على السنن‬
‫والرواتب ‪ ,‬فقد قال صلى الله عليه وسلم ) ما من امرئ مسلم تحضره‬
‫صلة مكتوبة ‪ ,‬فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إل كانت كفارة لما قبلها‬
‫من الذنوب مالم تؤت كبيرة ‪ ,‬وذلك الدهر كله ‪.‬‬
‫التسامح والعراض عن الجاهلين لنه المقصود من الصيام في تعلم الصبر‬
‫والعفو والمسامحة والحسان لقول النبي صلى الله عليه وسلم ) ‪ ...‬وإذا‬
‫كان يوم صوم أحدكم فل يرفث ول يصخب ‪ ,‬فإن سابه أحد فليقل إني امرؤ‬
‫صائم ( ‪ .‬متفق عليه وقال ) ومن لم يدع قول الزور والعمل به والجهل‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فليس لله حاجه في أن يدع طعامه وشرابه ( رواة البخاري‪.‬‬


‫مناقشة لمن منع الزيادة على إحدى عشرة ركعة في صلة قيام رمضان‬
‫‪-‬أخطاء يقع بها الناس في قيام رمضان‬
‫‪-‬التراويح في الحرمين الشريفين عبر التاريخ‬
‫‪-‬وقفات رمضانية‬
‫مناقشة لمن منع الزيادة على إحدى عشرة ركعة في صلة قيام رمضان‬
‫يذهب المانعون لزيادة التراويح على إحدى عشرة ركعة إلى الستدلل على‬
‫ما ذهبوا إليه في المنع بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عاش‬
‫عشرين سنة وهو ل يزيد في رمضان ول غيره عن إحدى عشرة ركعة )‪(2‬‬
‫وهو حديث عائشة المشار إليه فيما تقدم ومن الخطأ الكبير جزمهم أنه صلى‬
‫الله عليه وسلم لم يزد على ذلك وقد وصل بهم المكابرة والتحكم أنهم إذا‬
‫صلوا بالحرم أو غيره من مساجد المسلمين مع المام وسلم من التسليمة‬
‫الرابعة جلسوا ينتظرونه حتى يصلي الوتر أو ينصرفون زاعمين أن الزيادة ل‬
‫دليل عليها مع أنا قد قدمنا ما يهدم هذا المذهب من قواعده من فعل‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم وفعل الصحابة من الزيادة أحيانا ً ومن النقص‬
‫أحيانا ً وقوله لمن سأله عن صلة الليل فقال له صلة الليل مثنى مثنى فإذا‬
‫خفت طلوع الفجر فأوتر ولو كانت الزيادة أو النقصان ل تجوز أو مخالفه‬
‫لهدية لقال للسائل صل ثمان ركعات مثنى مثنى ثم أوتر بثلث لن هذا من‬
‫سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني وكان يجب عليه أن يبين للسائل ذلك‬
‫لنه قد علم أن السكوت عن البيان عند الحاجة ل يجوز ‪ ,‬والذي يتتبع أحوال‬
‫السلف وفقهاء المصار ل يجد أحدا ً من السلف والخلف منع الزيادة في قيام‬
‫رمضان على إحدى عشرة ركعة ‪ ,‬بل الذي شاع بين المسلمين الخلف في‬
‫الزيادة والنقصان وأيهما أفضل والجمهور يصلون ثلثا وعشرين ركعة وهو‬
‫الذي استقر عليه العمل في الحجاز والحرمين الشريفين واليمن وغيرها من‬
‫أقطار السلم كمصر والشام والعراق إلى يوم الناس هذا في العشر الول‬
‫من رمضان ويزاد عشر ركعات في العشر الواخر ‪,‬ويكفي في الرد على هذا‬
‫الرأي حديث البخاري )‪ ": (3‬صلة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح‬
‫صلى ركعة واحدة توتر له ما صلى " وأما من قصره على إحدى عشرة ركعة‬
‫محتجا ً بحديث عائشة ‪ ":‬ما كان يزيد في رمضان ول في غيره على إحدى‬
‫عشرة ركعة " رواه البخاري )‪ (4‬فليس فيه حجه له لن كلم عائشة هذا‬
‫يحمل على ما رأته وحفظته أو على غالب أمره صلى الله عليه وسلم لنه‬
‫صح من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم" ل توتروا بثلث‬
‫تشبهوا المغرب ‪ ,‬ولكن أوتروا بخمس أو بسبع أو بتسع أو بإحدى عشرة أو‬
‫بأكثر من ذلك "رواه ابن حبان وابن المنذر والحاكم والبيهقي من طريق‬
‫عراك عن أبي هريرة )‪ (5‬وقد جاء من حديث عائشة – رضي الله عنها – ما‬
‫يدل على الزيادة كما تقدم ‪.‬‬
‫ومما يرده ما شاع وتواتر في عصر السلف أن أهل المدينة كانوا يقومون‬
‫بست وثلثين وكان أهل مكة يقومون بثلث وعشرين وكانوا يطوفون بين كل‬
‫أربع ركعات فأراد أهل المدينة أن يعوضوا عن الطواف الذي زاده أهل مكة‬
‫أربع ركعات ولم ينكر عليهم ذلك بتحريم شيء مما فعله الفريقان ‪ ,‬وعملهم‬
‫هذا مستنده الحديث الصحيح " صلة الليل مثنى‪ ،‬مثنى فإذا خشي أحدكم‬
‫الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما صلى " )‪.(6‬‬
‫ومما يرد هذا الكلم ما رواه الخلعي من حديث علي أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم صلى في الليل ست عشرة ركعة قال الحافظ العراقي " إسناده جيد ‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫ويرد عليه أيضا ً ما رواه البخاري )‪ (7‬من حديث عبد الله ابن عمر عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه قال "صلة الليل مثنى‪ ،‬مثنى فإذا خشي أحدكم‬
‫الصبح فليوتر بركعة " فإن فيه دليل ً صريحا ً على جواز قيام رمضان بأقل من‬
‫إحدى عشرة ركعة وبأكثر منها بل تحديد وذلك حجة لما قاله الشافعي " ل حد‬
‫لعدد ركعات قيام رمضان وما كان أطول قياما ً أحب إلي " نقل ذلك عنه‬
‫الحافظ أبو زرعة العراقي في شرح التثريب )‪ (8‬ونقله غيره عنه وقد أحدث‬
‫هذا الفريق بلبلة بين المسلمين بنفيهم جواز قيام رمضان إل بإحدى عشرة‬
‫ركعة في كثير من بلد المسلمين في عصرنا ‪ .‬وهو عمل فيه افتيات على‬
‫أهل الحديث الذين رووا بسند صحيح ‪ " :‬إن عمر جمع الناس على قيام‬
‫رمضان فكانوا يصلون ثلثا ً وعشرين ركعة " )‪ (9‬فقالوا ‪ :‬إن هذه الرواية‬
‫ضعيفة والصحيحة رواية إحدى عشرة ‪ ,‬فشذوا بذلك وخالفوا قاعدة‬
‫المحدثين أن التصحيح والتضعيف للحفاظ فقط ‪ ,‬وهذه القاعدة من لم‬
‫يعرفها قد فصلها السيوطي في تدريب الراوي كما فصلها غيره وفي شرح‬
‫السيوطي ‪" :‬أن الصحيح يعرف بتصحيح حافظ من الحفاظ أو بوجوده في‬
‫كتاب التزم مؤلفه الحافظ القتصار على الصحيح وسلم له الحفاظ‬
‫والمحدثون بذالك ‪.‬‬
‫وهذه الرواية لم يطعن في صحتها حافظ بل رجح الحافظ ابن عبد البر رواية‬
‫" ثلث وعشرين" على رواية " إحدى عشرة " بل اعتبرها وهمًا‪ ,‬وابن عبد‬
‫البر معدود في الحفاظ‪ ,‬فليس تضعيف غيره بأولى منها رواية ثلث‬
‫وعشرين‪.‬‬
‫فمن عرف هذه الحقيقة عرف أنه ل عمدة ول اعتماد على هذا القول ول‬
‫ينظر إلى من قصر السنة عليه وترك غيره‪.‬‬
‫بل الصواب ما ذهب إليه الئمة المجتهدون من علماء السلم كشيخ السلم‬
‫ابن تيمية وغيره مما قدمناه من نقل عنهم وهو ما ذهب إليه مشايخنا الذين‬
‫يعتمد عليهم كالمام ابن باز والمام ابن عثيمين ومشايخنا رحم الله من مات‬
‫منهم ونفع المسلمين بمن بقي منهم ‪ .‬وعلى من تبنى ذلك ودافع عنه ودعا‬
‫إليه وبدع وأنكر من اختار غيره عليهم أن يتقوا الله وعليهم أن يلموا بقول‬
‫أهل الحديث ‪ :‬في التصحيح والتضعيف وأنه من خصائص الحفاظ والباحثين‬
‫ة كما ينبغي ‪,‬‬‫والمختصين ‪ ,‬وهذا نشأ من قصورهم عن فهم علم الحديث دراي ً‬
‫لن شرط الصحيح والحسن السلمة من الشذوذ والعلة ‪ ,‬ومعرفة ذلك‬
‫استقلل ً ل يقوم به إل الحافظ لن مبنى ذلك على تتبع الطرق ‪.‬‬
‫فائدة ‪ :‬شاع في بعض كتب أهل العلم أن التراويح ل تصح إل ركعتين‪ ،‬ركعتين‬
‫إلى ثلث وعشرين ل يجوز حمل هذا الكلم على مطلق قيام رمضان لن‬
‫اسم صلة التراويح لم يرد منصوصا ً عليه إنما هو عرف طارئ حتى صارت‬
‫كلمة التراويح عبارة عن ثلث وعشرين على هذا الوجه أن تكون ركعتين‬
‫ركعتين ثم ثلث ركعات الوتر موصولة أو مفصولة ‪ ,‬وقصد أولئك أن من ينوي‬
‫التراويح يجزئه إل هذه الكيفية ‪ ,‬ول يقصدون أنه لو لم يقصد التراويح بل‬
‫قصد قيام رمضان ل يصح فيه إل بثلث وعشرين وهذا محمل كلمهم و أما‬
‫حقيقة المر فهو الرجوع إلى حديث ‪":‬صلة الليل مثنى مثنى فإذا خشي‬
‫أحدكم الصبح فليوتر بركعة ‪ ,‬ومعناه أن الفضل في كيفية صلة الليل أن‬
‫تكون ركعتين ‪,‬ركعتين وليس المراد حصر الجواز في هذه الكيفية لنه ثبت‬
‫في الصحيح أن عائشة رضي الله عنه قالت في بيان صلته صلى الله عليه‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسلم " يصلي أربعا ً فل تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا ً فل تسأل‬
‫عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلثا ً "رواه البخاري )‪(10‬هذه عظه وعبرة‬
‫لمن يعتبر ولعلها جعلتها أربعا ً أربعا ً لنه كان يستريح بعد الربع لكنه يصليهن‬
‫ركعتين ركعتين فإذ استراح قام إلى الربع الخرى فصلهن ركعتين ركعتين‬
‫ثم يستريح ثم يقوم إلى الوتر فجعلت كل مجموعة استراح فيها أربعا و أن‬
‫صلهن ركعتين ركعتين ‪.‬‬
‫وحديث" صلة الليل مثنى مثنى " أقوى من حديث عائشة المذكور إسنادا‬
‫وشهرة‪ .‬ومما يرد دعوى الزاعمين ان الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان‬
‫يزيد على إحدى عشرة ركعة ما رواه ابن حبان في صحيحة من روايات عن‬
‫صلة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل فقال " عن عائشة قالت " كان‬
‫النبي صلى الله عليه يصلي من الليل تسع ركعات " )‪(11‬‬
‫وروى أيضا عن أبي سلمة ‪ ,‬قال ‪ :‬أخبرتني عائشة قالت ‪ " :‬كان رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثمان ركعات ويوتر بواحدة ثم يركع‬
‫ركعتين وهو جالس " )‪(12‬‬
‫وروى أيضا عن مسروق أنه دخل على عائشة فسألها عن صلة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم بالليل فقالت " كان يصلي ثلث عشرة ركعة من الليل ‪ ,‬ثم‬
‫إنه كان يصلى إحدى عشرة ركعة ترك ركعتين ثم قبض صلى الله عليه وسلم‬
‫حين قبض وهو يصلي من الليل تسع ركعات آخر صلته من الليل والوتر ‪ ,‬ثم‬
‫ربما جاء الى فراشي هذا فيأتيه بلل فيؤذنه بالصلة " )‪(13‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫وروى ابن حبان أيضا عن ابن عباس انه قال ‪ :‬بت عند خالتي ميمونة ورسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم عندها تلك الليلة فتوضأ رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ثم قام يصلي ركعتين فقمت عن يساره فأخذني فجعلني عن يمينه‬
‫فصلى في تلك الليلة ثلث عشرة ركعة ‪ ,‬ثم نام رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم حتى نفخ وكان إذا نام نفخ ‪ ,‬ثم أتاه المؤذن فخرج وصلى ولم يتوضأ ‪,‬‬
‫قال عمرو‪ :‬حدثت بهذا بكير ابن الشج فقال ‪ :‬حدثني كريب بذلك ")‪. (14‬‬
‫وروى ابن عباس انه بات عند خالته ميمونه فقام النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يصلي من الليل قال ‪ :‬فقمت فتوضأت ثم قمت عن يساره فجرني حتى‬
‫اقامني عن يمينه ثم صلى ثلث عشرة ركعة قيامه فيهن سواء ")‪(15‬‬
‫وعن الحسن بن سعد بن هشام أنه سأل عائشة عن صلة النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم بالليل فقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى‬
‫العشاء تجوز بركعتين ثم ينام وعند رأسة طهوره وسواكه فيقوم فيتسوك‬
‫ويتوضأ ويصلي ويتجوز بركعتين ‪ ,‬ثم يقوم فيصلي ثمان ركعات يسوي بينهن‬
‫في القراءة ثم يوتر بالتسعة ‪ ,‬ويصلي ركعتين وهو جالس ‪ ,‬فلما أسن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم و أخذه اللحم )‪ (16‬جعل الثمان ستا ً ويوتر‬
‫بالسابعة ويصلي ركعتين وهو جالس يقرأ فيهما )) قل يا أيها الكافرون ((‬
‫}سورة الكافرون { و )) إذا زلزلت (( }سورة الزلزلة )‪.(17) { (1‬‬
‫ومعنى " ويصلي ركعتين وهو جالس" أي ركعتي الفجر وليستا من قيام الليل‬
‫لن الرسول كان يجعل آخر صلته بالليل وترا فل يصلي بعد ذلك إل ركعتي‬
‫الفجر أي سنة الصبح وروى مسلم وغيره )‪ (18‬عن ابن عباس قال " كان‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلث عشرة ركعة " وروى‬
‫البخاري )‪ (19‬عن ابن عباس أيضا قال ‪":‬كانت صلة النبي صلى الله عليه‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسلم ثلث عشرة ركعة –يعني الليل‪.-‬‬


‫وهذه الروايات دليل على ما رواه البخاري عن عائشة من انه ما كان يزيد‬
‫في رمضان وغيره في صلة الليل على إحدى عشرة ركعة محمول على‬
‫انهار رأت ذلك ‪.‬‬
‫فإن قال قائل هذه الحاديث التي ذكر فيها الرسول زاد على إحدى عشرة‬
‫ركعة معارضة لحديث عائشة المتقدم فما خالفة فهو ضعيف فيكون حديثها‬
‫الراجح وتكون تلك الروايات مرجوحة ل يحتج بها‪.‬‬
‫قيل قد علم من أقوال أهل العلم أن الترجيح ل يصار إليه ما أمكن الجميع‬
‫بين الروايتين وهنا الجمع ممكن سهل ‪ ,‬وذلك بأن يقال إن عائشة لما حدثت‬
‫ذلك الحديث لم يكن لها اطلع على غير ذلك القدر ‪ ,‬ولم تشاهد النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم صلى على إحدى عشرة ركعة ول يمنع ذلك أن يكون غيرها‬
‫كابن عباس شاهد منه ما يزيد على ذلك لن عائشة ما كانت تراه صلى الله‬
‫عليه وسلم كل ليلة بين تسع ليال في بعض الزمن الذي عاشت معه صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ .‬والدليل على ذلك أنها روت عنه صلى الله عليه وسلم أنه‬
‫آخر عمر ه كان يقوم بأقل من ذلك رأته قام بتسع ركعات ويمكن أيضا الجمع‬
‫بأنها تحدثت مع السائل عن غالب حاله صلى الله عليه وسلم وغالب أيامه ثم‬
‫ذكرت لغيره انه زاد ولخر انه نقص ‪.‬‬
‫ومما يدل على ما ذكرنا ما ذكره الحافظ بن حجر في تلخيص الحبير ونصه )‬
‫‪":(20‬حديث أم سلمة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر ثلث‬
‫عشرة ركعة فلما كبر وضعف أوتر بتسع ‪ ,‬رواه احمد و الترمذي والنسائي‬
‫والحاكم وصححه من طريق عمرو بن مره عن يحيى بن الجزار عنها ‪,‬‬
‫قوله ‪:‬لم ينقل زيادة على ثلث عشرة كأنه أخذه من رواية أبي داود الماضية‬
‫عن عائشة ول بأكثر من ثلث عشرة ‪ ,‬وفيه نظر ‪ ,‬ففي حواشي المنذري ‪:‬‬
‫قيل ‪ :‬اكثر ما روى في صلة الليل سبع عشرة وهي عدد ركعات اليوم والليلة‬
‫وروى ابن حبان وبن المنذر والحاكم من طريق عراك عن أبي هريرة مرفوعا ً‬
‫أوتروا بخمس او سبع او بتسع او بإحدى عشرة أو بأكثر من ذلك "انتهى ‪.‬‬
‫ثم قال )‪ " (21‬حديث عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر‬
‫بخمس ل يجلس إل في آخرهن رواه مسلم بلفظ "كان يصلي من الليل ثلث‬
‫عشرة يوتر بخمس ركعات ل يجلس ول يسلم إل في الخيرة منهن "‬
‫وللبخاري من حديث ابن عباس في صلته في بيت ميمونة " ثم أوتر بخمس‬
‫لم يجلس بينهن "اهـ‬
‫وقد حدى التعصب للرأي لمن التزم بإحدى عشرة ركعة ومنع غيرها أن تجرأ‬
‫فكتب قوله " إن عمر لم يأمر بالقيام بثلث وعشرين ركعة وان كان امر‬
‫بذلك فهو من الذين يدخلون تحت هذه الية } أم لهم شركاء شرعوا لهم من‬
‫الدين مالم يأذن به الله )‪] {(21‬سورة الشورى[ فقد جعل هذا الجاهل عمر‬
‫داخل ً تحت هذه الية وهذا غض كبير وتنقيص عظيم من منزلة عمر رضي الله‬
‫عنه ‪ ,‬وهو امر يجب هجره وهجر قائله‪.‬‬
‫ويكفي في الرد على مثل هذا التعصب والتصلب ما رواه ابن عمر عن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬صلة الليل مثنى مثنى فإذا أرت أن‬
‫تنصرف فاركع ركعة توتر لك ما صليت ")‪(22‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وفيه دليل على أن صلة الليل ليس لها عدد بركعات محدودة وهذا أيضا‬
‫ناقض للقول بتحريم ما زاد على إحدى عشرة ركعة أو نقص فعنده إذا لم‬
‫يثبت عن رسول الله إل هذا فما نقص وما زاد فهو حرام‪.‬‬
‫أخطاء يقع بها الناس في قيام رمضان‬
‫‪ -1‬التهاون في أداء صلة التراويح بحجة إنها سنة وليست واجبة فترى الرجل‬
‫يقضي وقته في السواق وأمام التلفاز ‪ ,‬ويضيع هذه السنة العظيمة ‪.‬‬
‫ولشك أن هذا غبن عظيم وخسارة عظيمة ينبغي التنبيه لها فصلة التراويح‬
‫وان كانت سنة من السنن إل أن إتيانها والمسارعة في فعلها ‪,‬مما يقرب‬
‫العبد الى ربه ‪ ,‬ول سيما في شهر رمضان المبارك الذي تتضاعف فيه الجور‬
‫والدرجات فليحرص المسلم على أداء هذه السنة العظيمة حتى إذا خرج‬
‫الشهر كان قد حصل له ثواب كثير واجر جزيل ‪.‬‬
‫‪ -2‬ومن أخطاء الناس في قيام رمضان اقتصار بعض الئمة على قصار السور‬
‫من الضحى فما دون طلبا للعجلة وسعيا ً وراء الدنيا والفضل أن يقرأ‬
‫المصحف كامل في الصلة أحيانا ً ‪ ,‬فإن اقتصر على بعضه جاز على الصواب‬
‫ول دليل على انه كان يقرأ القرآن كامل في زمن معين في الصلة ‪.‬‬
‫‪-3‬ومن أخطاء البعض في قيام رمضان مواصلة القيام الى قريب الفجر أو‬
‫السهر على غير طاعة ثم النوم عن صلة الفجر في جماعة وربما نام حتى‬
‫فاتته وقت الصلة وهذا خطأ كبير إذ القيام سنة وصلة الفجر في وقتها‬
‫واجب ول يشتغل بالسنة إذا كان في الشتغال بها تضييع الواجب فينبغي‬
‫للمسلم أن ينتبه لذلك ‪.‬‬
‫‪-4‬ومن الخطاء التي تقع من البعض في قيام رمضان اشتغالهم بالكلم في‬
‫المساجد عن الصلة مع المصلين وتشويشهم على إخوانهم في صلتهم‪.‬‬
‫التراويح في الحرمين الشريفين عبر التاريخ ‪:‬‬
‫التراويح في الحرمين نموذج لصلة التراويح في العالم السلمي‬
‫صلة التراويح عند المسلمين‬
‫غني عن التحدث عن واقع التراويح المشاهد الملموس في الحرمين‬
‫الشريفين ولكن الذين لم يقدر لهم حضور رمضان ول جزءا ً منه بالحرمين ل‬
‫شك انهم يتطلعون الى كل شيء في المسجدين ول سيما هذا العمل‬
‫الفاضل ‪ ,‬القيام في شهر الصيام وفي المسجد الحرام ومسجد النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ,‬ومن الذي يستطيع تصوير ذلك كما ينبغي ولكنا نحاول‬
‫التحدث عنه حسب ما نشاهده و بقدر ما يمكن إعطاء الفكرة عنه ومعلوم‬
‫أن الكتابة ل تصل حد المشاهدة ‪ ,‬فليس كالعين في النظر ول الذن في‬
‫السماع ول كن بقدر المستطاع وان كان الناس يشاهدونه على الشاشات‬
‫فليس النظر في الشاشات كالمشاركة في الساحات والقيام في الصفوف‬
‫بين المسلمين في الحرمين ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬وقتها معلوم أن وقتها بعد صلة العشاء وصلة العشاء في الحرمين في‬
‫غير رمضان يؤذن لها بعد غروب الشمس بساعة ونصف أي تسعين دقيقة‬
‫وتصلى بع ربع الساعة من الذان ‪.‬‬
‫أما في رمضان فل يؤذن للعشاء إل في تمام الساعة الثانية بعد الغروب‬
‫مراعاة للمصلين الذين يحضرون أول لتناول ما يفك صيامهم في الحرمين‬
‫من تمرات خفيفات‪ ,‬ثم يصلون المغرب ثم ينصرفون الى بيوتهم لتناول وجبة‬
‫الفطار‪ ،‬ثم يعودون للحرم لصلة العشاء والتراويح ‪.‬‬
‫والكثيرون منهم يحضرون من أماكن بعيدة فروعت ظروفهم وتيسير‬
‫حضورهم فإذا مضت الساعتان وأذن للعشاء أقيمت الصلة بعد عشر دقائق‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فقط ويصليها أحد الئمة المعينين في الحرمين وبعدها يصلي الناس سنة‬
‫العشاء الخيرة ثم تبدأ التراويح على الكيفية التية ‪:‬‬
‫كيفية أدائها ‪:‬‬
‫تبدأ بعد أداء السنة الراتبة يبدأها أحد أئمة الحرمين الحفاظ المعينين في كل‬
‫مسجد ‪ ,‬فيصلي عشر ركعات في خمس تسليمات وتستغرق نصف ساعة‬
‫تقريبا ً ثم يبدأ فضيلة الشيخ الثاني في العشر ركعات الخرى مباشرة يصليها‬
‫بخمس تسليمات ثم يصلي الوتر ثلث ركعات مفرقة ومجموع القراءة في‬
‫كل ليلة من كل منها معا ً جزء كامل‪.‬‬
‫ومن الملحظ أن صلة كل منها متساوية في الزمن والداء نصف ساعة لكل‬
‫عشر ركعات بنصف جزء تقريبا ً فيكون العشرون ركعة ساعة كاملة بجزء‬
‫كامل ‪.‬‬
‫وقد بلغ حرص المسلمين من داخل المدينتين الشريفتين وخارجهما على‬
‫حضور التراويح بالحرمين الشريفين حتى أصبحت التراويح كالجمعة لكثرة‬
‫الزحام ووفرة القادمين من أطراف المدينتين ومن المدن والقرى القريبة‬
‫من أحد الحرمين لتوفر وسائل النقل السريعة فينتظر كثيرون في الحرم‬
‫ويبقون إلى بعد التراويح ثم يعودون وهكذا الزائرون من خارجها ‪,‬وهذا العدد‬
‫يتضاعف والزحام يشتد ليلة تسع وعشرين ‪ ,‬ليلة الختم ‪ ,‬لما فيه من الدعاء‬
‫ويكثر الزوار والعمار من القطار السلمية ‪.‬‬
‫الوتر في التراويح ‪:‬‬
‫أما الوتر ففي التراويح فيما قبل العشر الواخر يصليه أحد أئمة الحرمين في‬
‫نهاية التراويح بعد الخمس تسليمات الخيرة التي يصليها في الغالب من‬
‫يصلي فيهم التسليمات الخمس الثانية من التراويح ويوقعه بثلث ركعات‬
‫منفصلة يسلم من ركعتين ثم يأتي بواحدة مفردة ويقنت جهرا ً بعد الرفع من‬
‫الركوع ‪.‬‬
‫أما في العشر الواخر من الشهر المبارك والتي يكون فيها القيام آخر الليل‬
‫يكون الوتر كالتالي ‪:‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫‪1‬ـ يترك أحد الئمة الوتر في صلة التراويح ليؤديه مع صلة القيام آخر الليل‬
‫لحديث ‪ " :‬اجعلوا أخر صلتكم بالليل وترا "‪.‬‬
‫ول يوقعه أول الليل لحديث ‪ :‬ل وتران في ليلة " ويوتر أول الليل أحد الئمة‬
‫على النحو المتقدم ‪ ,‬هذا عمل الجماعة العامة لجميع المصلين ‪.‬‬
‫وقد كان الحناف ل يوترون مع المام بل ينفردون به بإمام منهم طيلة الشهر‬
‫وذلك بعد فراغ المام الراتب أو نائبه من الوتر بعد التراويح ويوقعونه ثلثا ً‬
‫مجتمعات كالمغرب ‪ ,‬حتى جاء العهد السعودي فقضى على ظاهرة التفرق‬
‫في الجماعات ‪ ,‬وتقسيم الحرمين مقامات بين أتباع المذاهب وهذا لعمر الله‬
‫من حسنات هذه الدولة الكثيرة في إصلح مظاهر الدين على الكتاب والسنة‬
‫‪.‬‬
‫ودعاء القنوت ‪:‬‬
‫اللهم اهدنا فيمن هديت ‪ ,‬وعافنا فيمن عافيت ‪ ,‬وتولنا فيمن توليت ‪ ,‬وبارك‬
‫اللهم لنا فيما أعطيت ‪ ,‬وقنا واصرف عنا شر ما قضيت فإنك تقضي ول‬
‫يقضى عليك ‪ ,‬إنه ل يذل من واليت ول يعز من عاديت ‪ ,‬تباركت ربنا‬
‫وتعاليت ‪ ,‬اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫طاعتك ما تبلغنا به جنتك ‪ ,‬ومن اليقين ما تهون علينا مصائب الدنيا ‪.‬‬
‫اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا ‪ ,‬واجعله الوارث منا ‪ ,‬واجعل‬
‫ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا و ول تجعل مصيبتنا في ديننا ول‬
‫تجعل الدنيا أكبر همنا ول مبلغ علمنا ‪ ,‬ول تسلط علينا بذنوبنا من ل يرحمنا ‪.‬‬
‫اللهم اجعل خير أعمالنا أواخرها وخير أعمارنا خواتيمها ‪ ,‬وخير أيامنا يوم‬
‫نلقاك‪.‬‬
‫اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك ‪ ,‬وعزائم مغفرتك ‪ ,‬والسلمة من كل إثم‬
‫والغنيمة من كل بر والفوز بالجنة والنجاة من النار ‪ ,‬ونسألك الجنة وما قرب‬
‫منها من قول وعمل ‪ ,‬ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل‬
‫ونسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لنا خيرا ً لنا يارب العالمين ‪.‬‬
‫اللهم أعطنا ول تحرمنا‪ ,‬وزدنا ول تنقصنا‪ ,‬وأكرمنا ول تهنا‪,‬وارزقنا وارض عنا‬
‫اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفو عنا ‪..‬‬
‫اللهم اجعل مجتمعنا هذا مجتمعا ً مرحوما واجعل تفرقنا بعده تفرقا معصوما‬
‫ً‬
‫ول تجعل فينا ول منا ول معنا شقيا ً ول محروما ً ‪.‬‬
‫اللهم انصر دينك وكتابك وعبادك المؤمنين ‪.‬‬
‫اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك وبك منك ل نحصي‬
‫ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ‪ ,‬ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم‬
‫وتب علينا انك أنت التواب الرحيم ‪ ,‬وصلى اللهم على سيدنا محمد وآله‬
‫وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫هذا هو الذي يدعى به في الحرمين في عصرنا وقد يزيد بعض الئمة في‬
‫الدعاء بما يراه مناسبا ً لحوال المسلمين وهذه اللفاظ أدعية كلها وردت في‬
‫السنة وهي من جوامع الدعاء المأثور والغالب أن أئمة الحرمين ل يطيلون‬
‫في دعاء القنوت مراعاة لحال الناس ‪.‬‬
‫صلة القيام آخر الليل في الحرمين ‪:‬‬
‫كان أهل المدينة منذ القرون المتقدمة من عهد أبي زرعة رحمه الله إذا‬
‫فرغوا من التراويح يرجعون إلى المسجد في ثلث الليل الخير لصلة الست‬
‫عشرة وذلك طيلة ليالي الشهر كله يصلون ست عشرة ركعة وكانوا ينادون‬
‫لها على المنارة لجتماع الناس إليها وكانت ست عشرة ركعة مع عشرين‬
‫أول الليل تتمة ست وثلثين على مذهب المام مالك رحمه الله لنهم جعلوها‬
‫عوضا ً عن طواف أهل مكة بالبيت الحرام بعد كل أربع ركعات كانوا يطوفون‬
‫بالبيت وقت الستراحة ثم يعودون للصلة ‪ ,‬ولكن في هذا العهد ل يصلي من‬
‫آخر الليل شيء في أول الشهر وإنما يقتصر على عشرين ركعة مع الوتر‬
‫كالمسجد الحرام ‪.‬‬
‫فإذا كان العشر الواخر ابتداء من ليلة إحدى وعشرين فإن المصلين يعودون‬
‫الى المسجدين من دون نداء على المنابر فإذا كان ثلث الليل الخير حضر‬
‫المام ونائبه وقد تجمع جم غفير من أنحاء الحرمين رجال ً ونساء وشيبا ً‬
‫وشبابا ً ترى على الوجوه سمة الخير ووقار السكينة وإشراقة التهجد ‪.‬‬
‫فيقوم المام في مصله ‪,‬فإذا بدأ الصلة وافتتح القراءة ساد شعور ل يمكن‬
‫وصفة ول تصويره من جلل وإجلل ورغبة ورهبة ‪ ,‬وتلحق في الذهن‬
‫الماضي المشرق لشروق الدعوة السلمية في هذين الحرمين ‪.‬‬
‫وتراءت صور المصلين عبر القرون الماضية ‪ ,‬وأحسست بخيوط من الشعاع‬
‫تربطك بالسلف وهبات من نسيم الرحمة تبلل جفاف القلوب وتحيي مواته‬
‫وتمس شغافه فتزكي شعوره وتوقظ انتباهه وتملك زمامه ‪.‬‬
‫فإذا قرأ المام ورتل اجتذب المسامع واستصغى الفئدة وهناك يمضي الوقت‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ول يكاد يحسب من العمر أو يعد من الحياة لنه أسمى ساعات العمر وفوق‬
‫لحظات الحياة يصلي المامان وقد كان إلى وقت قريب في عصرنا يقرأ في‬
‫كل ليلة ثلثة أجزاء ويوتر أحد الئمة بثلث ركعات ويقنت كما تقدم ويطيل‬
‫قنوته وهكذا الليالي التسع ‪.‬‬
‫فإذا كانت الليلة الخيرة وهي ليلة تسع وعشرين والتي يقع فيها الختم فإن‬
‫الصلة تكون فيها كالتالي ‪:‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫أول ً ‪ :‬في التراويح تكون قراءة الختمه الولى قد بلغت إلى جزء )عم( فيصلي‬
‫المام التراويح كلها عشرين ركعة فإذا كان في الركعة الخيرة وقرأ ‪ } :‬قل‬
‫أعوذ برب الناس { دعا بدعاء ختم القران الكريم قبل أن يركع ‪ ,‬وأطال في‬
‫الدعاء واجتهد في النابة إلى الله والضراعة إليه والمصلون معه يؤمنون‬
‫ويبتهلون وما أن يسترسل المام في دعائه وتظهر رقته في صوته إل‬
‫ويجهش الجميع بالبكاء ويضج المسجد بالدعاء إلى أن ينهي المام دعاءه ثم‬
‫يركع ويكمل الركعة الخيرة‪ ,‬ثم يترك الوتر للمام الخر ‪,‬فإذا كان في القيام‬
‫من آخر الليل عمر المسجدان بالمصلين وأطلقت مباخر الطيب وكان في‬
‫السابق إلى عهد قريب عهد الشيخ عبد العزيز بن صالح‪ ,‬والشيخ الخليفي‪,‬‬
‫وعهد الملك خالد وأوائل عهد الملك فهد بن عبد العزيز كانت القراءة في‬
‫تلك الليلة قد وصلت جزء )قد سمع( فيبدأ المام الصلة كالمعتاد ويتناوب‬
‫معه نائبه وتكون الركعتان الخيرتان لحد الئمة المتفقين فيما بينهم كما‬
‫تقدم فإذا كان في الركعة الخيرة كما تقدم وقرأ سورة )الناس( رفع يديه‬
‫وبدأ الختم المبارك على النحو المتقدم ‪ ,‬فإذا فرغ منه أتم صلته ثم أوتر‬
‫وقنت ‪.‬‬
‫ولعظم شأن هذا الختم في الحرمين الشريفين وشدة روعته توافد الناس‬
‫من حول الحرمين ومن خارج المملكة‪,‬إل أنه في الفترة الخيرة قد اقتصر‬
‫العلماء على ختمة واحدة ليلة الثلثين لما يقرأ في صلة التراويح وخفف على‬
‫الناس في صلة آخر الليل وذلك نزول عند حاجة ورغبة أحوال الناس ‪.‬‬
‫‪-‬وقفات رمضانية‬
‫الوقفة الولى ‪ :‬فضل الصيام‬
‫ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال ) كل عمل ابن ادم له الحسنه بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ‪,‬‬
‫قال الله عز وجل إل الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ‪ ,‬ترك شهوته وطعامه‬
‫وشرابه من أجلي للصائم فرحتان ‪ ,‬فرحة عند فطره ‪ ,‬وفرحة عند لقاء ربه ‪,‬‬
‫ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ‪.(...‬‬
‫الوقفة الثانية ‪ :‬تلزم الصيام والصبر‬
‫الصيام من الصبر والصبر طاعة لله ‪ ,‬وقد قال تعالى ) إنما يوفى الصابرون‬
‫أجرهم بغير حساب ( وورد عن النني عليه الصلة والسلم انه سمى شهر‬
‫رمضان شهر الصبر ‪ ,‬وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وسلم ) الصوم‬
‫نصف الصبر ( خرجه الترمذي ‪ ,‬والصبر ثلثة أنواع ‪ :‬صبر على طاعة الله ‪,‬‬
‫وصبر عن محارم الله ‪ ,‬وصبر على أقدار الله المؤلمة ‪ ,‬وتجتمع الثلثة في‬
‫الصوم فإن فيه صبرا على طاعة الله ‪ ,‬وصبرا ً على ما حرم الله على الصائم‬
‫من الشهوات ‪ ,‬وصبرا ً على ما يحصل للصائم فيه من ألم الجوع والعطش‬
‫وضعف النفس والبدن والصبر نصف اليمان وقد قال تعالى "إن الله مع‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصابرين" ‪.‬‬
‫الوقفة الثالثة ‪ :‬خصوصية الصيام‬
‫لقد خص الله سبحانه الصيام بإضافته إلى نفسه دون سائر العمال ‪ ,‬في‬
‫قوله ‪ :‬الصوم لي وأنا أجزي به لن الصيام فيه ترك لحظوظ النفس‬
‫وشهواتها الصلية التي جبلت على الميل إليها لله عز وجل ول يوجد ذلك في‬
‫عبادة أخرى غير الصيام ‪ ,‬ثم إن الصيام سر بين العبد وربه ل يطلع عليه‬
‫غيره سبحانه فذلك كان الجزاء من الله عليه كبيرا ‪.‬‬
‫الوقفة الرابعة ‪ :‬كيف تصوم‬
‫قال بعض السلف ‪ :‬أهون الصيام ترك الشراب والطعام ‪,‬وقال جابر رضي‬
‫الله عنه ‪ :‬إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ‪,‬‬
‫ودع أذى الجار ‪ ,‬وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك‪ ،‬ول تجعل يوم صومك‬
‫ويوم فطرك سواء " انتهى‪.‬‬
‫وقال أخر ‪:‬‬
‫إذا لم يكن في السمع مني تصاون***وفي بصري غض وفي منطقي صمت‬
‫فحظي إذا ً من صومي الجوع والظما***فإن قلت إني صمت يومي فما‬
‫صمت‬
‫الوقفة الخامسة ‪ :‬أفراح الروح للصائم‬
‫قوله عليه السلم ‪ :‬للصائم فرحتان ‪ ,‬فرحة عند فطره ‪ ,‬وفرحه عند لقاء‬
‫ربه ‪ ,‬أما فرحة الصائم عند فطره ‪ ,‬فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما‬
‫يلئمها من مطعم ومشرب ومنكح فإذا منعت من ذلك في وقت من الوقات‬
‫ثم أبيح لها في وقت آخر فرحت بإباحة ما منعت منه خصوصا ً عند اشتداد‬
‫الحاجة إليه ‪.‬فإن النفوس تفرح بذلك طبعا ً فإن كان ذلك محبوبا ً لله كان‬
‫محبوبا ً شرعا ‪ ,‬والصائم عند فطره كذلك ‪ ,‬وأما فرحه عند لقاء ربه ‪ ,‬فما‬
‫يجده عند الله عز وجل من ثواب الصيام مدخرا ً فيجده أحوج ما كان إليه‪.‬‬
‫الوقفة السادسة ‪ :‬ختم القران في قيام رمضان‬
‫كان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلث ليال ‪ .‬وبعضهم في‬
‫سبع ‪ ,‬منهم قتادة رحمه وبعضهم في عشر منهم أبو رجاء العطاردي رحمه‬
‫الله ‪.‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫وكان السلف يتلون القران في شهر رمضان في الصلة وغيرها‪ ,‬كان السود‬
‫رحمه الله يقرأ القران في كل ليلتين في رمضان ‪ ,‬والنخعي يفعل ذلك في‬
‫العشر الواخر خاصة ‪ ,‬وكان للشافعي رحمه الله في رمضان ستون ختمة ‪,‬‬
‫وهو أمر ممكن وإنما كانوا يستغلون فضل الزمان ويعرفون حق رمضان وإن‬
‫كانوا ل يداومون على ذلك في غيره من الشهور وقد عرفنا بعض مشايخنا‬
‫يقرأ في الساعة خمسة أجزاء منهم شيخنا العلمة الشيخ ‪ /‬عبد الله الغديان‬
‫وغيره ‪ ,‬والقران يمر على ألسنتهم كالماء قراءة حدرية ل خلل فيها ول نقص‬
‫فلله در تلك الوجوه والصدور ‪.‬‬
‫الوقفة السابعة ‪ :‬رمضان وأبواب الجنة‬
‫يا معشر المسلمين ابشروا ‪ ,‬فهذه أبواب الجنة الثمانية في هذا الشهر‬
‫لجلكم قد فتحت ونسماتها على قلوب المؤمنين قد نفحت وأبواب الجحيم‬
‫كلها لجلكم مغلقه وأقدام إبليس وذريته من أجلكم موثقة ‪.‬‬
‫الوقفة الثامنة ‪ :‬جائزة رمضان‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ورد أن من أتى عليه رمضان صحيحا ً مسلما ً ‪ ,‬فصام نهاره وصلى وردا ً من‬
‫ليله وغض بصره وحفظ فرجة ولسانه ويده وحافظ على صلته جماعة وبكر‬
‫إلى الجمعة ‪ ,‬فقد صام الشهر واستكمل الجر وفاز بجائزة الرب التي ل‬
‫تشبه الجوائز الخرى ‪.‬‬
‫الوقفة التاسعة ‪ :‬قوافل الصالحين في رمضان‬
‫كانت امرأة حبيب رحمها الله تقول له بالليل ‪ :‬قد ذهب الليل وبين أيدينا‬
‫طريق بعيد وزاد قليل وقوافل الصالحين قد سارت قدامنا ونحن قد بقينا ‪,‬‬
‫فأين نساؤنا من هذا في ليالي رمضان وقد حولنه إلى ميدان للتسوق‬
‫والضياع في ميادين المدن والتنقل من سوق إلى سوق فإلى الله المشتكى‬
‫ول حول ول قوة إل بالله العلي العظيم ‪.‬‬
‫يا نائم الليل كم ترقد***قم يا حبيبي قد دنا الموعد‬
‫وخذ من الليل وأوقاته***وردا ً إذا ما هجع الرقد‬
‫من نام حتى ينقضي ليله***لم يبلغ المنزل أو يجهد‬
‫قل لذوي اللباب أهل التقى*** قنطرة العرض لكم موعد‬
‫الوقفة العاشرة ‪ :‬وداع رمضان‬
‫قال سعيد عن قتادة رحمهم الله كان يقال ‪ :‬من لم يغفر له في رمضان‬
‫فمتى يغفر له ؟ ومن رد في ليلة القدر متى يقبل ؟ متى يصلح من ل يصلح‬
‫في رمضان ‪ ,‬ومتى يصلح من كان فيه من داء الجهالة والغفلة مرضان ‪.‬‬
‫ترحل شهر الصبر والهفاه وانصرفا***واختص بالفوز في الجنات من خدما‬
‫وأصبح الغافل المسكين منكسرًا***مثلي فيا ويحه يا عظم ما حرما‬
‫من فاته الزرع في وقت البذار فما***تراه يحصد إل الهم و الندم‬
‫‪-‬العشر الواخر من رمضان‪:‬‬
‫‪-‬قراءة القران‬
‫‪-‬فضل قراءة القرآن‬
‫‪-‬آداب تلوة القرآن‬
‫‪-‬كيفية قراءة القرآن‬
‫‪-‬أركان القراءة الصحيحة‬
‫‪-‬مراتب قراءة القران الكريم‬
‫‪-‬هل يمكن أن يستفاد من مدارسة جبريل عليه السلم للنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم القرآن في رمضان أفضلية ختم القرآن ؟‬
‫‪-‬ختم القرآن في رمضان‬
‫‪-‬دعاء ختم القرآن‬
‫‪-‬وعن موضع دعاء ختم القرآن وهل هو قبل الركوع أم بعد الركوع‬
‫‪-‬عمل الختم في الحرمين الشريفين‬
‫‪-‬بعض نصوص الدعاء التي يدعى بها عند ختم القرآن في الحرمين‬
‫العشر الواخر من رمضان‪:‬‬
‫في العشر الواخر من رمضان يتوافد على بيت الله الحرام والمسجد النبوي‬
‫الشريف ‪.‬والمسجد القصى وبيوت الله في أنحاء المعمورة مليين المسلمين‬
‫لداء الشعائر الدينية في شهر التوبة التي تفتح فيه القلوب ضارعة إلى‬
‫السماء من أجل التوبة والستغفار والوبة ‪.‬مع أن باب التوبة مفتوح كل وقت‬
‫غير أن هذا النداء الرباني يرتفع ويشتد مع أيام الصيام وليالي القيام ‪ ,‬فقد‬
‫جاء في القران الكريم ) وقال ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا‬
‫صالحين فإنه كان للوابين غفورا (‬
‫وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر الناس توبة واستغفارا ‪ ,‬ويروي‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أبو هريرة رضي الله عنه كما‬


‫في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله " والله إني‬
‫لستغفر الله وأتوب إليه في يوم أكثر من سبعين مرة ‪ 0("..‬وعن الغر بن‬
‫يسار في صحيح مسلم " يأيها الناس توبوا إلى الله توبة نصوحا ً (‬
‫وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في رمضان ما ل يجتهد في‬
‫غيره فإذا دخل العشر الواخر شد مئزره ‪ ,‬وأحيى ليله ‪ ,‬وأيقظ أهله ‪.‬متفق‬
‫عليه ‪.‬‬
‫ففي هذا الشهر وبخاصة في العشر الواخر منه يلتزم المسلمون بالفادة من‬
‫أوقات الصلة والصيام ‪ .‬وتنظيم هذه الوقات ليتدرب المسلمون على أحوال‬
‫المسلمين وشؤونهم وشجونهم لتنقية النفوس والوصول بها إلى منزله رفيعة‬
‫‪ .‬وينتهي المسلمون في هذه العشر من أعمالها الصالحة إلى الكثار من‬
‫النفاق ويختمونها بدفع زكاة الفطر امتثال لقول الرسول الكريم ‪.‬‬
‫" زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمه للمساكين " لنها تقدم‬
‫الخير والمنفعة للمسلمين المحتاجين والمعوزين وما أكثرهم في عالمنا‬
‫السلمي المترامي الطراف ‪ .‬لن الفقهاء يرون أن من ملك قوت يوم‬
‫العيد ‪ ,‬وليلته فعليه أن يتصدق بما زاد عن ذلك ‪ ,‬وهذه الصدقة واجبه قبيل‬
‫صلة العيد وقد حثنا الرسول على ذلك ‪.‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫ويكثر المسلمون في هذه اليام للستماع إلى وعظ الخطباء والدروس‬


‫الدينية ويعكفون على قراءة القران الكريم في المساجد ويحرصون على‬
‫البحث عن أحاديث السنة للسترشاد بها في مواقع الحسان والخير والتقرب‬
‫إلى الله العلي القدير ‪.‬‬
‫فالمطلوب من المسلمين الهتمام بهذه الليالي العشر ‪ ,‬في تلوة القران‬
‫والصلة والذكر والدعاء والستغفار ‪ .‬وخاصة في مساجد الرحمن ‪ ,‬فقد جاء‬
‫في الحديث الشريف " ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله‬
‫ويتدارسونه بينهم إل نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملئكة‬
‫وذكرهم الله فيمن عنده"‬
‫ففي شهر رمضان يعظم الجر ‪ ,‬وفيه يجزل الله العطاء ويفتح أبواب الخير‬
‫والبركات ‪ ,‬وهو شهر ُأنزل فيه القران هدى للناس وبينات من الهدى‬
‫والفرقان ‪ ..‬فهذا الشهر محفوف بالرحمة والمغفرة والعتق من النار كما قال‬
‫الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ‪ :‬من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر‬
‫له ما تقدم من ذنبه (‬
‫وجاء الحديث الشريف " الصلوات الخمس و الجمعة إلي الجمعة ورمضان‬
‫إلى رمضان مكفران ما بينهن ما اجتنبت الكبائر "‬
‫وما أحوجنا أن نعمر هذا الشهر العظيم ‪ ,‬بقلوب خاشعة ضارعة إلى الله‬
‫بالهداية والمغفرة والتوبة النصوح والقتداء برسول الهدى صلى الله عليه‬
‫وسلم حيث قال‪ :‬جاءكم شهر رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل‬
‫الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب الدعاء ‪ ..‬ينظر إلى تنافسكم فيه فيباهي‬
‫بكم ملئكته فأروا الله من أنفسكم خيرا فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله‬
‫"‪ .‬وينبغي للمسلم إذا شغل في العشرين الول أن ل يفوت على نفسه‬
‫العشر الخيرة من رمضان لما فيها من الخير الكبير ولن ليلة القدر ترجى‬
‫في لياليها وهي أفضل ليالي رمضان فيها فضل كبير وقد حض النبي صلى‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله عليه وسلم على إقامتها كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه ‪ ,‬عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ ) :‬من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا ‪ ,‬غفر‬
‫له ما تقدم من ذنبه ( متفق عليه ‪.‬‬
‫وأرجى ليلتها في الفراد من العشر الواخر ‪ :‬فعن ابن عمر رضي الله عنه‬
‫أن رجال ً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬أ ُُروا ليلة القدر في المنام‬
‫في السبع الواخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرى رؤيا كم قد‬
‫تواطأت في السبع الواخر ‪ ,‬فمن كان متحريها ‪ ,‬فاليتحرها في السبع ألواخر‬
‫(‪.‬متفق عليه‬
‫وعن عائشة رضي الله عنها قالت ‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يجاور في العشر الواخر من رمضان ‪ ,‬ويقول ‪ :‬تحروا ليلة القدر في العشر‬
‫الواخر من رمضان ( متفق عليه ‪.‬‬
‫وعنها رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ :‬تحروا ليلة‬
‫القدر في الوتر من العشر الواخر من رمضان ( رواه البخاري ‪.‬‬
‫وعنها رضي الله عنها قالت ‪ :‬كان رسول الله عليه وسلم ) إذا دخل العشر‬
‫الواخر من رمضان ‪ ,‬أحيا الليل ‪ ,‬وأيقظ أهله ‪ ,‬وجد وشد المئزر ( متفق عليه‬
‫‪.‬‬
‫قولها "شد المئزر" كناية عن تجنب النساء انشغال ً بالعبادة ‪.‬‬
‫وعنها قالت ‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في رمضان ما ل‬
‫يجتهد في غيره ‪ ,‬وفي العشر الواخر منه ‪ ,‬ما ل يجتهد في غيره ( رواه‬
‫مسلم ‪.‬‬
‫وعنها قالت ‪ :‬قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة‪ ،‬ليلة القدر ما‬
‫أقول فيها؟ قال ‪) :‬قولي ‪ :‬اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ( رواه‬
‫الترمذي وقال ‪ :‬حديث حسن صحيح ‪.‬‬
‫قراءة القران‬
‫لقد سماه الله بالقرآن والفرقان والعظيم والعزيز والحكيم والروح والكريم‬
‫والنور والهدى والتذكرة والذكرى والرحمة والشفاء والكتاب المبين والذكر‬
‫الحكيم والصراط المستقيم والحق اليقين والقصص الحق والموعظة الحسنة‬
‫واليات البينات المبينات والبيان والتبيان والبينة وحبل الله وصراط الله و‬
‫غيرها من السماء العلية والصفات الجليلة ‪.‬‬
‫ونوه بذكر حملته من حفظته ورفع من شأنهم فقال عز من قائل ‪":‬كونوا‬
‫ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون " فالربانيون أخص نسبة‬
‫ينسب به العبد إلى موله من بعد النبوة ومعناه ‪ :‬كونوا علماء حكماء‬
‫بتعليمكم الكتاب ودرسكم إياه ‪.‬‬
‫وجعلكم مغبوطين في النبياء والسالفة من المم قبل أن ظهروا ومحسودين‬
‫في أهل الكتاب والمشركين ثم في المة بعد أن ظهروا واستظهروا ‪.‬‬
‫وفوض إليهم المامة والمارة وولى من عملوا العلو في الدنيا والشفاعة في‬
‫الخرة‪.‬‬
‫وجعلهم خير المة وأفضلهم وخيارهم وأشرافهم ‪.‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫وقد بلينا في عصرنا بقوم ناشئة ل يعبئون بكتاب الله ول بحفظه فل يعبأ الله‬
‫بهم قاصرين عنه حاجزين مفترين على غيرهم مزهدين فيه ملقبين حملته‬
‫بالقراء على النبز والزدراء دون المدح والطراء ما بين المترسمين بالعلم‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والمتوسمين بالنسك جل كلمهم‪:‬أن حفظ القرآن يصلح للمعلمين‬


‫والصبيان‪,‬ولم يقرأ إل عند المرضى وفي المقابر وأكثر فتياهم أنه يكفي من‬
‫القرآن ما يسقط به الفرض والعجب أن تنبت نابتة ممن يزعمون الهتمام‬
‫بالسنة ويهملون حفظ القرآن ومعرفة أحكامه وآدابه‪ ,‬مع أنه أولى بالعناية‬
‫والمدارسة والحفظ لنه كلم الله الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من‬
‫خلفه تنزيل من حكيم حميد وهؤلء الغرار عندما يحدثوك بحكم وترد عليهم‬
‫من القرآن قلما يفهمون أو يصدقون لنهم كانوا عنه معرضين وإلى غيره‬
‫قاصدين ‪.‬‬
‫وقد تربى على الحفظ والتحفظ الصدر الول ومن بعدهم فربما قرأ الكبر‬
‫منهم على الصغر منه سنا وسابقة فلم يكن الفقهاء منهم ول المحدثون‬
‫والوعاظ يتخلفون عن حفظ القرآن والجتهاد على استظهاره ‪ ,‬ول المقربون‬
‫منهم عن العلم بما لم يسعهم جهله منه غير أنهم نسبوا إلى ما غلب عليهم‬
‫من المعرفة بحروفه أو العلم بغيرها إلى أن خلفهم الخلف الذين مضى‬
‫ذكرهم ففاتهم في طراوتهم وحداثتهم طلب حفظ القران في أوانه ‪ ,‬ولحقهم‬
‫العجز والبلدة في سنيهم من غير أن يكون لهم أنس بتلوة كتاب ربهم ول‬
‫بلطيف خطابه وشريف عتابه فعوقبوا بحرمانه وإثارة الجدل والنطاح الذين‬
‫يؤديان إلى تفريق المة وتمقيت بعضهم إلى بعض وصار ذلك أروج لهم في‬
‫المجالس التي ل يذكر فيها اسم الله إلى قليل ً والله زين لهم ذلك فقال عز‬
‫وجل ‪ ":‬كذلك زينا لكل أمة عملهم " ومع ذلك فإنهم ل تدركهم الحسرة‬
‫والكمد والتأسف على ما فاتهم من بركة حفظ كتاب الله الكريم ول يظهر‬
‫ذلك عليهم إل عند الطعن في السن أو الشراف على الفوت أو لتغرغر‬
‫بالموت لكنهم في الحال يستهترون حفظ القرآن ويزرون بأهله ويلقبونهم بما‬
‫تقدم من النبز وقد أصبنا في مؤسساتنا التعليمية بزهد المنتسبين إليها عن‬
‫حفظ مقررات القران وهو زهد يحرم أهله الخير ‪.‬‬
‫فضل قراءة القرآن‬
‫عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪) :‬الذي يقرأ‬
‫القران وهو ماهر فيه مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ وهو يتتعتع وهو‬
‫عليه شديد فله أجران ( متفق عليه‪.‬‬
‫وعن أبي موسى الشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال ‪ ) :‬مثل الذي يقرا القرآن كالترجة طعمها طيب وريحها طيب‪ ,‬والذي ل‬
‫يقرأ القرآن كالتمرة طعمها طيب ول ريح لها ‪ ,‬ومثل الفاجر الذي يقرأ‬
‫القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ‪,‬ومثل الفاجر الذي ل يقرأ‬
‫القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ول ريح لها(متفق عليه‪ ,‬والترجة ثمرة طيبة‬
‫الرائحة والمذاق ‪.‬‬
‫وعن عبد الله بن مسعود قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬من‬
‫قرأ حرفا ً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها ل أقول "الم"‬
‫حرف ولكن ألف حرف ولم حرف وميم حرف ( انفرد به الترمذي‬
‫وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك‬
‫عند أخر أية تقرأ بها ( رواه الترمذي وأبو داود ‪.‬‬
‫وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال ‪ :‬قال ‪ :‬رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪):‬من قرأ القرآن وحفظة أدخله الله الجنة وشفعه في عشرة من‬
‫أهل بيته كلهم قد استوجبوا النار(رواه الترمذي وأحمد وابن ماجه ‪.‬‬
‫وعن سالم بن عبدالله بن عمر عن أبية قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسلم ‪):‬ل حسد إل في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل و‬
‫آناء النهار ورجل آتاه الله مال ً فهو ينفقه آناء الليل و آناء النهار ( متفق عليه ‪.‬‬
‫وعن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪):‬خيركم من‬
‫تعلم القرآن وعلمه ( رواه البخاري‬
‫وعن جندب بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ :‬اقرءوا القران‬
‫ما ائتلفت قلوبكم فإذا اختلفتم فقوموا عنه ( متفق عليه ‪.‬‬
‫آداب تلوة القرآن‬
‫‪-‬الطهارة من الحدثين الصغر بالوضوء والكبر بالغسيل ‪ ,‬واستقبال القبلة‪.‬‬
‫‪-‬السواك ونظافة الثوب والبدن ‪.‬‬
‫‪-‬الصغاء والنصات وحضور القلب والخشوع والتدبير ‪.‬‬
‫‪-‬اجتناب ما يخل بالمقصود من نحو اللهو واللغو والضحك والعبث‪.‬‬
‫‪-‬قراءته بتؤدة وترتيل وتحسين الصوت لن ذلك أعون على الفهم ‪.‬‬
‫‪-‬البتعاد عن الصوات المنكرة واللحان الهزيلة واللت الموسيقية ‪.‬‬
‫‪-‬إذا مر بأية عذاب استغفر الله واستعاذ ‪ ,‬وإذا مر بأية رحمه طلبها من الله‬
‫تعالى ودعا‪.‬‬
‫‪-‬أن يتمثل أوامره ويجتنب نواهيه ‪ ,‬فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫خلقه القرآن ‪.‬‬
‫‪-‬المتابعة والتعاهد للقرآن في ورد يومي حتى ل يكون هاجرا ً للقرآن ‪.‬‬
‫كيفية قراءة القرآن‬
‫قال الله تعالى } ورتل القرآن ترتيل { سورة المزمل آية "‪"4‬‬

‫)‪(18 /‬‬

‫والمراد‪ :‬قراءته بتؤدة وطمأنينة وتدبر ذلك برياضة اللسان والمداومة على‬
‫القراءة بترقيق المرقق وتفخيم المفخم وقصر المقصور ومد الممدود‬
‫وإظهار المظهر وإدغام المد غم وإخفاء المخفي وإخراج الحروف من‬
‫مخارجها وعدم الخلط بينها‪,‬كل ذلك دون تكليف أو تمطيط ‪..‬‬
‫قال الله تعالى ‪}:‬وقرآنا ً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه‬
‫تنزيل ً {سورة السراء آية )‪. (106‬‬
‫أي على مهل وبترسل فذلك اقرب إلى الفهم ‪ ,‬والواقع أن ذلك ليتحقق إل‬
‫بالمحافظة على أحكام التجويد المستمدة من قراءة رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم والتي ثبتت عنه بالتواتر‪.‬‬
‫ثبت أن أنس بن مالك سئل كيف كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ؟ فقال ‪):‬كانت قراءته مدا ثم قرأ ) بسم الله الرحمن الرحيم( ‪ ,‬يمد‬
‫بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم ‪ ،‬رواه البخاري‪.‬‬
‫أركان القراءة الصحيحة‬
‫‪ -‬موافقتها لوجه من الوجوه اللغة العربية ‪ ,‬ولو كان ضعيفا‪ً.‬‬
‫‪ -‬موافقتها للرسم العثماني ) المقصود الكتابة كما هي في مصحف عثمان‬
‫رضي الله عنه‪.‬‬
‫‪ -‬صحة سندها ) كما هو الحال في المصحف الذي بين أيدينا اليوم ‪.‬‬
‫مراتب قراءة القران الكريم‬
‫للقراءة مراتب ثلثة ) طرق قراءة القرآن الكريم (‪-:‬‬
‫‪ –1‬الترتيل ‪ :‬القراءة بتؤدة وطمأنينة مع مراعاة تدبر المعاني ومراعاة أحكام‬
‫التجويد وهي أفضل المراتب ‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ –2‬التدوير ‪ :‬وهي القراءة بحالة متوسطة بين السرعة والطمئنان مع‬


‫مراعاة الحكام ‪.‬‬
‫‪ –3‬الحدر ‪ :‬وهو القراءة السريعة مع المحافظة على أحكام التجويد ‪.‬‬
‫وكلها يجوز القراءة بها في صلة التراويح وقيام الليل ‪ ,‬وقراءة القرآن وهي‬
‫في الفضلية مرتبة بحسب ما تقدم‪.‬‬
‫هل يمكن أن يستفاد من مدارسة جبريل عليه السلم للنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم القرآن في رمضان أفضلية ختم القرآن ؟‬
‫يستفاد منها المدارسة وأنه يستحب للمؤمن أن يدارس القرآن من يفيده‬
‫وينفعه ‪ ,‬لن الرسول عليه الصلة السلم دارس جبرائيل للستفادة ‪ ,‬لن‬
‫جبرائيل هو الذي يأتي من عند الله جل وعل بالوحي ‪ ,‬وهو السفير بين الله‬
‫والرسل فجبرائيل ل بد أن يفيد النبي أشياء من جهة الله عز وجل ‪ ,‬ومن‬
‫جهة إقامة حروف القرآن ومن جهة معانية التي أرادها الله ‪ ,‬فإذا دارس‬
‫النسان من يعينه على فهم القرآن ومن يعينه على إقامة ألفاظه فهذا‬
‫مطلوب ‪ .‬كما دارس النبي جبرائيل ‪ ,‬وليس المقصود أن جبرائيل أفضل من‬
‫النبي عليه الصلة والسلم ‪ ,‬لكن جبرائيل هو الرسول الذي أتى من عند الله‬
‫فيبلغ الرسول عليه الصلة والسلم ما أمره الله به من جهة القرآن ومن جهة‬
‫ألفاظه ومن جهة معانية ‪ ,‬فالرسول عليه الصلة والسلم يستفيد من‬
‫جبرائيل من هذه الحيثية ‪ ,‬ل أن جبرائيل أفضل منه عليه الصلة والسلم بل‬
‫هو أفضل البشر وأفضل من الملئكة عليه الصلة والسلم ‪ ,‬لكن المدارسة‬
‫فيها خير كثير للنبي صلى الله عليه وسلم وللمة ‪ ,‬لنها مدارسة لما يأتي به‬
‫من عند الله وليستفيد مما يأتي به من عند الله عز وجل ‪ ,‬وهناك فائدة في‬
‫طلب العلم وهي أن الفاضل يأخذ من المفضول والكبير يأخذ من الصغير ما‬
‫عرف إتقانه واختص به ولهذا كان العلماء يأخذون من القراء المختصين ول‬
‫يأخذون من بعضهم السنة ‪.‬‬
‫وفيه فائدة أخرى وهي أن المدارسة في الليل أفضل من النهار لن هذه‬
‫المدارسة كانت في الليل ومعلوم أن الليل أقرب إلى اجتماع القلب‬
‫وحضوره والستفادة أكثر من المدارسة نهارا ً ‪.‬‬
‫وفيه توجيه لطالب العلم أن يتحرى أوقات اجتماع القلب وبعده عن المشاغل‬
‫عند التعلم ‪.‬‬
‫وفيه أيضا ً من الفوائد ‪ :‬شرعية المدارسة وأنها عمل صالح حتى ولو في غير‬
‫رمضان ‪ ,‬لن فيه فائدة لكل منهما ولو كانوا أكثر من اثنين فل بأس أن‬
‫يستفيد كل منهم من أخيه ويشجعه على القراءة وينشطه ‪ ,‬فقد يكون ل‬
‫ينشط إذا جلس وحده لكن إذا كان معه زميل له يدارسه أو زملء كان ذلك‬
‫أشجع له مع عظم الفائدة فيما يحصل بينهم من المذاكرة والمطالعة فيما قد‬
‫يشكل عليهم كل ذلك فيه خير كثير ‪.‬‬
‫ويستحسن أن يطلب الخ من أخيه القراءة عليه ويستمع منه ويدارسه كما‬
‫قرأ النبي صلى الله عليه وسلم على أبي وكما طلب من ابن مسعود أن يقرأ‬
‫عليه القرآن ‪.‬‬
‫ويمكن أن يفهم من ذلك أن قراءة القران كاملة من المام على الجماعة في‬
‫رمضان نوع من هذه المدارسة لن في هذا إفادة لهم عن جميع القرآن ‪,‬‬
‫ولهذا كان المام أحمد رحمه الله يحب ممن يؤمهم أن يختم بهم القرآن وهذا‬
‫من جنس عمل السلف في محبة سماع القرآن كله ‪ ,‬ولكن ليس هذا موجبا‬
‫لن يعجل ول يتأنى في قراءته‪ ,‬ول يتحرى الخشوع والطمأنينة بل تحري هذه‬
‫المور أولى من مراعاة الختمة ‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ختم القرآن في رمضان‬


‫اعتاد الناس أن يصلوا في رمضان التراويح ويقرءوا القرآن من أوله وينهوه‬
‫غالبا ً ليلة تسع وعشرين خاصة في الحرمين الشريفين ‪ ,‬ول شك أن في ذلك‬
‫خير كثير للمسلمين حيث يسمعون القرآن كامل ً في شهرهم وفي بعض‬
‫البلدان السلمية يجتمع الناس في المساجد أو مجالس خاصة ويتدارسون‬
‫القرآن ويختمونه خارج الصلة ‪.‬‬

‫)‪(19 /‬‬

‫قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ‪ :‬ختم القرآن في رمضان للصائم ليس‬
‫بأمر واجب ولكن ينبغي للنسان في رمضان أن يكثر من قراءة القرآن كما‬
‫كان ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان عليه الصلة‬
‫والسلم يدارسه جبريل القرآن كل رمضان ‪.‬إهـ‪.‬‬
‫فهو من المسنونات في شهر رمضان وقد كان السلف الصالح إذا دخل شهر‬
‫رمضان جلسوا في المساجد ودعوا بالمصاحف ويقرؤون القرآن ويتركون‬
‫غيره من العلم لما في رمضان من فضل الزمان ومن هنا كان أحدهم يختم‬
‫في رمضان أكثر من ختمه في اليوم وخاصة في الحرمين وفي رمضان لما‬
‫في ذلك من فضل الزمان والمكان ‪.‬‬
‫دعاء ختم القرآن‬
‫وبما أن العمل في مكة وفي المسجد النبوي ومن المام الراتب له أهميته‬
‫وقيمته في العالم السلمي كله وقد كان عمل أهل المدينة حجة عند إمام‬
‫دار الهجرة مالك بن انس رحمه الله بناء على أنهم توارثوه عن السلف وأنها‬
‫منبع السنة ‪.‬‬
‫وهكذا اليوم لمكة والمدينة في نفوس المسلمين قدسية في قلوبهم وإمامة‬
‫في أنظارهم فمكة منبع الرسالة والمدينة دار الهجرة وموطن التشريع ‪.‬‬
‫وعمل الختم في نهاية التراويح والتهجد في رمضان بالحرم المكي والمسجد‬
‫النبوي في هذه الونة طبقت أخباره الفاق والمصار ويشاهده الناس على‬
‫الشاشات المرئية ويسمعونه من الذاعات المسموعة على الهواء مباشرة‬
‫من فم القراء والئمة ويفد لحضوره عدد من جميع القطار ومن هنا أثير على‬
‫الساحة السلمية عن أصل مشروعيته وهذا السؤال ليس جديدا ً بل هو قديم‬
‫وقد سأل عبد الله بن احمد بن حنبل أباه حين سمعه يذكر عمل الختم فقال‬
‫له ‪ :‬إلى أين تذهب في ذلك أي ما هو دليلك فيه ؟ فأجابه بما عنده فيه‬
‫وسيأتي قريبا ً إن شاء الله ‪.‬‬
‫وقد ظهر على الساحة قولن في مشروعية دعاء الختم وخاصة في صلة‬
‫التراويح ‪ :‬القول الول ‪ :‬يرى عدم مشروعيته وربما تشدد فرآه من البدع‬
‫التي يجب أن تترك ويستندون على أدلة يذكرونها ومخالفات يسردونها لتأييد‬
‫ما ذهبوا إليه وابرز أدلتهم مايلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله لنه صلى الله عليه وسلم لم‬
‫يصل التراويح كاملة في رمضان ولم يقرأ القرآن كله في تراويح ول في تهجد‬
‫وعليه فلم يدع بهذا الدعاء ول محل له عنده لنه لم يوقع الختم الذي يدعو‬
‫بعده فمن أين إذا أصل المشروعية ؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم من‬
‫أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد وفي رواية من عمل عمل ليس عليه‬
‫أمرنا فهو رد ونحن وإن كنا نوقن عدم تعمد أحد من المسلمين مخالفة السنة‬
‫لكننا نتصور أنه يحدث ذلك إما لجهل الناس أو لغفلة لعدم وجود المستند‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشرعي لذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من صحابته‬


‫كما قال الشيخ بكر أبو زيد ليس هناك حرف واحد عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أو عن أحد من صحابته رضي الله عنهم يفيد مشروعية الدعاء في‬
‫الصلة بعد الختم قبل الركوع أو بعده لمام أو منفرد وقد أطال النفس‬
‫الشيخ في ذلك وأيده على قوله الشيخ محمد بن صالح العثيمين فقال رحمة‬
‫الله ل أعلم لدعاء ختم القرآن في الصلة أصل ً صحيحا يعتمد عليه من سنة‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ول من عمل أصحابة ‪.‬‬
‫‪ -2‬دعاء ختم القرآن من العبادات الجهرية التي توفرت الدواعي لنقلها إلينا‬
‫فلما لم تنقل ولم تذكر في كتب الرواية دل على عدم مشروعيتها ‪.‬‬
‫‪ -3‬دليل من ذهب إلى اعتماده عمل التابعين في مكة والمدينة وهو عمل غير‬
‫متصل في عصر الصحابة بل منقطع على متأخري التابعين في مكة والمدينة‬
‫وصغارهم وتوارث العمل ل يكون حجة إل إذا اتصل بعصر التشريع ول يكون‬
‫حجه عند جماعة من الفقهاء والمحدثين والصوليين حتى يعضده حديث‬
‫ضعيف تلقته المة بالقبول وهنا منتفي التصال بعصر النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وصحابته رضي الله عنهم وليس له عاضد من الحديث في الباب تلقته‬
‫المة بالقبول ‪.‬‬
‫‪ -4‬وينقض عمل التابعين أيضا بكراهة مالك بن انس وهو عالم المدينة في‬
‫زمانه للدعاء بعد الختم مطلقا وقوله ما هو من عمل الناس فآل القول إلى‬
‫قاعدة العبادات من وقفها على النص ومورده ول نص فيبقى المر على‬
‫البراءة الصلية وعدم المشروعية وأيضا لم يؤثر شيء عن أبي حنيفة‬
‫والشافعي في دعاء ختم القرآن ل داخل الصلة ول خارجها وهما ممن أدركا‬
‫أواسط التابعين ممن لهم التصال بعصر الصحابة ‪.‬‬
‫‪ -5‬وإذا كان عمل أهل مكة لعدم اتصاله بعمل الصحابة ليس حجة فمن باب‬
‫أولى وبالحرى دعاء أهل الحرمين بعد الختم في صلة القيام في هذا‬
‫العصر ‪.‬‬
‫‪ -6‬كما أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ول عن صحبه‬
‫الكرام صيغ معينه للدعاء كما قد خصص له ادعيه ومؤلفات تقرأ عند الختم ‪.‬‬
‫وقد ذكروا أيضا مخالفات مصاحبة لختم القران ودعائه منها ‪:‬‬

‫)‪(20 /‬‬

‫‪ -1‬لو سلمنا أن الدعاء عقب ختم القرآن مرغوب فيه للفرد والجماعة‬
‫وسلمنا انه من مواطن استجابة الدعاء لكنه يصحبه تطويل للدعاء وسجع فيه‬
‫‪ ,‬ومما هو معلوم أن التطويل الممل والسجع المتكلف والخشوع المصطنع‬
‫مما ليس ممدوحا ول محبوبا شرعا فكيف إذا قيد بدعاء معين التزم به في‬
‫كل ختمه وإلزام الناس به ‪.‬‬
‫‪ -2‬ومن المخالفات التأليف في صيغ دعاء ختم القران حيث ظهرت العديد‬
‫من المؤلفات في صيغ دعاء ختم القرآن منها ما أفرد في مؤلفات خاصة‬
‫ومنها ما ورد ضمن مؤلف عام و نسبت تلك التأليفات إلى العلماء كعبد‬
‫القادر الجيلني وغيره حتى ذكر بعض الكتاب لفهارس المخطوطات مؤلفا ً‬
‫يحويه أربعا ً وعشرين ختمه وقد بلغ بعضها صفحات كثيرة ومنه الدعاء‬
‫المنسوب لشيخ السلم ابن تيمية وقد نفى الشيخ بكر أبو زيد صحة نسبته‬
‫إليه ‪.‬‬
‫‪ -3‬التوسع في الدعاء بهدف اجتماع الناس لشهود ختم القرآن وهي من‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المخالفات التي توسع فيها مما لم يدرج عليه السلف في الدعوة واستدعاء‬
‫الناس والعلن لشهود ختم القرآن وان حصل من السلف شيء من ذلك لم‬
‫يكن بالصورة التي نراها اليوم ‪.‬‬
‫‪ -4‬إن الناس طيلة شهر رمضان وحضورهم التلوة وسماعهم لها يكونون في‬
‫هدوء تام وحسن إصغاء وصمت وعند دعاء الختم تعتريهم حالت الضراعة‬
‫والبكاء والبتهال وهذا فيه نوع من التصنع والشهرة و إل فكيف يكون الدعاء‬
‫أعظم من تأثير القرآن الذي هو كلم الله‪.‬‬
‫هذه أبرز ما استند عليه الفريق وأبرز ما ذكروها من مخالفات للدعاء عند‬
‫ختم القرآن ‪.‬‬
‫ً‬
‫القول الثاني ‪ :‬يرى مشروعيته واستحبابه عند الختم مطلقا سواء في الصلة‬
‫أو في خارجها واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة من أبرزها وأظهرها ما يأتي ‪:‬‬
‫‪ -1‬عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال ‪:‬قال ‪ :‬رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪":‬من صلى صلة فريضة فله دعوة مستجابة ومن ختم القرآن‬
‫فله دعوة مستجابة ‪ ".‬قال الهيثمي وفيه عبد الحميد بن سليمان وهو‬
‫ضعيف ‪.‬‬
‫‪ -2‬وعن ثابت أن أنس بن مالك رضي الله عنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله‬
‫وولده فدعا لهم ‪ .‬قال الهيثمي ‪ :‬ورجاله ثقات ‪.‬اهـ‬
‫فهنا حديث مرفوع بسند ضعيف وأثر موقوف على صحابي رجاله ثقات‬
‫فيعضد أحدهما الخر وفي رسالة للشيخ حسين مخلوف ما نصه) يسن الدعاء‬
‫عقب الختم(وساق حديث العرباض المتقدم وقال ‪ :‬رواه الطبراني وغيره ‪.‬‬
‫‪ -3‬وعن انس مرفوعا ً " من قرأ القرآن وحمد الله وصلى على النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم واستغفر ربه ‪ ,‬فقد طلب الخير مكانه" رواه البيهقي في‬
‫الشعب وكان عند ختم القرآن يجمع أهله ويدعو ‪.‬‬
‫ً‬
‫فقد وجدنا حديث العرباض رواه الطبراني وغيره ووجدنا أثرا موقوفا‬
‫ومرفوعا ً عند البيهقي ومؤيدا ً بعمل الصحابي الذي رواه مرفوعا ً ‪.‬‬
‫‪ -4‬وعند المروزي في كتاب ) قيام الليل ( قال ‪ :‬كان رجل يقرأ القرآن من‬
‫أوله إلى آخره في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ابن عباس‬
‫يجعل عليه رقيبا ً فإذا أراد أن يختم قال لجلسائه ‪ :‬قوموا حتى نحظر الخاتمة‬
‫"‬
‫‪ -5‬وروى عن مجاهد أنه قال ‪ :‬تتنزل الرحمة عند ختم القرآن ويقولون‬
‫الرحمة تنزل "‬
‫فهذه نصوص عامه في الدعاء عقب ختم القرآن مطلقا ً من غير قيد في‬
‫الصلة أوغيرها‪.‬‬
‫والى هذا ذهب عامة فقهاء المصار منهم المام احمد ‪ :‬وقد وجدنا عند ابن‬
‫قدامة تفصيل ً كامل في خصوص هذا العمل لحمد رحمه الله قال في المغنى‬
‫ج ‪ 2‬ص ‪": 171‬فصل في ختم القرآن قال الفضل بن زياد سألت أبا عبد الله‬
‫فقلت ‪ :‬ختم القرآن أجعله في الوتر أم في التراويح قال ‪ :‬اجعله في التراويح‬
‫لكي يكون لنا دعائين اثنين ‪ ,‬قلت كيف أصنع ؟ قال ‪ :‬إذا فرغت من آخر‬
‫القران فارفع يديك قبل أن تركع وادع لنا ونحن في الصلة وأطل القيام ‪,‬‬
‫قلت ‪ :‬بم أدعو ؟ قال بما شئت ‪ .‬قال ففعلت بما أمرني وهو خلفي يدعو‬
‫قائما ويرفع يديه " فقد فصل لنا هذا النص عن أحمد كيفية العمل في الختم‬
‫وبين لنا محله وعموم الدعاء فيه ‪.‬‬
‫قلت وهكذا روى الحربي عنه بنحو رواية الفضل ‪.‬‬
‫وروى حنبل قال ‪ :‬سمعت أحمد يقول في ختم القرآن ‪ :‬إذا فرغت من قراءة‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫}قل أعوذ برب الناس { فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع ‪ .‬قلت‪ :‬إلى أي‬
‫شيء تذهب في هذا ؟ قال ‪ " :‬رأيت أهل مكة يفعلونه ‪ ,‬وكان سفيان بن‬
‫عيينة يفعله معهم بمكة " فالمام أحمد استند في عمله إلى عمل أهل مكة‬
‫وبينهم العلماء والفقهاء والمحدثين ومنهم إمام عصره في السنة ابن عيينة ‪,‬‬
‫رحمه الله ‪.‬‬
‫قال العباس بن عبد العظيم ‪ ":‬وكذلك أدركنا الناس بالبصرة وبمكة " ويروي‬
‫أهل المدينة في هذا شيئا ً وذكر عن عثمان بن عفان ‪ ,‬والعباس بن عبد‬
‫العظيم من أكابر علماء الحديث و أهل العلم الموثوقين وشيوخ السلف‬
‫عقيدة وعمل ً ‪.‬‬
‫فأنت تجد الفضل بن زياد يسأل أحمد ل عن مشروعية الدعاء عند الختم ‪ ,‬بل‬
‫عن موضعه من الصلة وكيفية العمل فيه وأقره أحمد رحمه الله وبين له‬
‫الكيفية والموضع مما يدل على أن أصل المشروعية معلوم لهم وإنما البحث‬
‫في موقعه ‪.‬‬

‫)‪(21 /‬‬

‫فل غرو أن يقع التساؤل اليوم عن مشروعية هذا العمل ‪ ,‬وقد وقع من قبل‬
‫بين حنبل وأحمد رحمهما الله قال له ‪ :‬إلى أين تذهب في ذلك ‪,‬أي هل إلى‬
‫دليل عليه؟‬
‫وأحاله أحمد رحمه الله على ما عنده فيه مما رآه بالفعل من عمل أهل مكة‬
‫وقع المام الجليل سفيان بن عيينة مع أهل مكة ‪.‬‬
‫وقد نقل عن أهل المدينة ‪ ,‬فاجتمع العمل عليه في المصار الثلثة الرئيسية‬
‫البصرة ومكة والمدينة مناطق العلم ومواطن القتداء آنذاك بالضافة إلى‬
‫مستند أهل المدينة في ذلك على ما رووه عن عثمان رضي الله عنه وكذلك‬
‫ما رأينا عن ابن عباس رضي الله عنهما فظهر من هذا كله مستند مشروعية‬
‫الدعاء عقب ختم القرآن سواء على الطلق أو في التراويح مع بيان الكيفية‬
‫عن أحمد رحمه الله ‪.‬‬
‫وهي في مجموعها كافية لمثل هذا العمل بناء على أن ما كان مشروعا‬
‫بأصله فهو جائز بوصفه فأصل الدعاء مشروع وكونه متصفا بصورة الختم ل‬
‫تنفي مشروعيته ومثله القنوت والدعاء في الصلة ‪.‬‬
‫ومهما يكن من شيء فإن ما تقدم من عرض ما ورد عن السلف يكسب‬
‫طمأنينة ويورث ارتياحا لمشروعية هذا العمل وأن فيه اقتداًء بسلف المصار‬
‫الثلثة البصرة ومكة والمدينة هذا هو مذهب أئمة أهل السنة والجماعة‬
‫الحريصين على العمل بما صح نصا ً أو وصل بعمل السلف جيل عن جيل ‪.‬‬
‫وقد قال كثير من أهل العلم غير من تقدم بمشروعية الدعاء عقب ختم‬
‫القران وأنه مرغوب فيه للفراد والجماعات وحرروا أنه من المواطن التي‬
‫يستجاب فيها الدعاء‪.‬‬
‫ً‬
‫قال المام النووي رحمه الله ) ويستحب الدعاء عند الختم استحبابا مؤكدا (‬
‫وهو المنصوص عليه في مذهب الشافعية والعمل جاري عليه في جميع‬
‫المصار وعند جميع علماء الشافعية إليه ذهب الحنفية رحمهم الله كما في‬
‫فتاوى ) قاضيخان ( من ‪ :‬استحسان الدعاء عقب الختم واليه استقر مذهب‬
‫المالكية ‪ .‬قال القرطبي في التذكار واستحب متأخروا المالكية كذلك‬
‫استحباب الدعاء عند الختم ‪.‬وذكر ابن القيم في الوابل الصيب أن الدعاء‬
‫عقب الختم من أكد مواطن الدعاء والجابة وهذا ما ذهب إليه مشايخنا في‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العصر الحديث وفي مقدمة الجميع العالم الرباني القدوة بقية السلف الصالح‬
‫عالم السنة النبوية مجتهد عصره ووحيد دهره وفريد مصره سماحة المام‬
‫عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمة الله حيث أجاب عن سؤال عن حكم‬
‫دعاء ختم القرآن فقال لم يزل السلف يختمون القران و يقرؤون دعاء‬
‫الختمة في صلة رمضان ول نعلم في هذا نزاعا بينهم فالقرب في مثل هذا‬
‫انه يقرأ لكن ل يطول على الناس ويتحرى الدعوات المفيدة والجامعة مثل ما‬
‫قالت عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب جوامع‬
‫الدعاء ويدع ما سوا ذلك فالفضل للمام في دعاء ختم القرآن والقنوت‬
‫تحري الكلمات الجامعة وعدم التطويل على الناس يقرأ ) اللهم اهدنا فيمن‬
‫هديت ( الذي ورد في حديث الحسن في القنوت ويزيد معه ما تيسر من‬
‫الدعوات الطيبة كما زاد عمر رضي الله عنه ول يتكلف ول يطول على الناس‬
‫ول يشق عليهم وهكذا في دعاء ختم القرآن يدعو بما يتيسر من الدعوات‬
‫الجامعة يبدأ ذلك بحمد الله والصلة على نبيه عليه الصلة والسلم ويختم‬
‫فيما تيسر من صلة الليل أو في الوتر ول يطول على الناس تطويل يضرهم‬
‫ويشق عليهم ‪.‬‬
‫وهذا معروف عن السلف تلقاه الخلف عن السلف وهكذا كان مشايخنا مع‬
‫تحريهم للسنة وعنا يتهم بها يفعلون ذلك تلقاه أخرهم عن أولهم ول يخفى‬
‫على أئمة الدعوة ممن يتحرى السنة أو يحرص عليها فالحاصل إن هذا ل‬
‫بأس به إن شاء الله ول حرج فيه بل هو مستحب لما فيه من تحري إجابة‬
‫الدعاء بعد تلوة كتاب الله عز وجل وكان أنس رضي الله عنه إذا أكمل‬
‫القرآن جمع أهله ودعا في خارج الصلة فهكذا في الصلة فالباب واحد لن‬
‫الدعاء مشروع في الصلة وخارجها وجنس الدعاء مما يشرع في الصلة‬
‫فليس بمستنكر ومعلوم أن الدعاء في الصلة مطلوب عند قراءة أية العذاب‬
‫وعند أية الرحمة يدعو النسان عندها كما فعل النبي عليه الصلة والسلم‬
‫في صلة الليل فهذا مثل ذلك مشروع بعد ختم القرآن وإنما الكلم إذا كان‬
‫في داخل الصلة أما في خارج الصلة فل أعلم نزاعا في أنه مستحب الدعاء‬
‫بعد ختم القرآن لكن في الصلة هو الذي حصل فيه الثارة الن والبحث فل‬
‫أعلم عن السلف أن أحدا أنكر هذا في داخل الصلة كما أني ل أعلم أحدا‬
‫أنكره خارج الصلة هذا هو الذي يعتمد عليه في أنه أمر معلوم عند السلف‬
‫قد درج عليه أولهم وآخرهم فمن قال أنه منكر فعليه الدليل وليس على من‬
‫فعل ما فعله السلف وإنما إقامة الدليل على من أنكره وقال ‪ :‬إنه منكر أو‬
‫انه بدعه هذا ما درج عليه سلف المة وساروا عليه وتلقاه خلفهم عن سلفهم‬
‫وفيهم العلماء والخيار والمحدثون وجنس الدعاء في الصلة معروف من‬
‫النبي عليه الصلة والسلم في صلة الليل فينبغي أن يكون هذا من جنس‬
‫ذاك ‪.‬‬
‫وعن موضع دعاء ختم القرآن وهل هو قبل الركوع أم بعد الركوع‬

‫)‪(22 /‬‬

‫قال رحمه الله ‪ " :‬الفضل أن يكون بعد أن يكمل المعوذتين فإذا أكمل‬
‫القرآن يدعو سواء في الركعة الولى أو في الثاني أو في الخيرة يعني بعد‬
‫ما يكمل قراءة القرآن يبدأ في الدعاء بما يتيسر في أي وقت من الصلة في‬
‫الولى منها أو في الوسط أو في أخر ركعة كل ذلك ل بأس به المهم أن‬
‫يدعو عند قراءة آخر القرآن والسنة أل يطول وأن يقتصر على جوامع الدعاء‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في القنوت وفي دعاء ختم القرآن وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قنت قبل الركوع وقنت بعد الركوع والكثر أنه قنت بعد الركوع ودعاء ختم‬
‫القرآن من جنس القنوت قي الوتر لن أسبابه النتهاء من ختم القرآن‬
‫والشيء عند وجود سببه يشرع فيه القنوت ووجود سببه هو الركعة الخيرة‬
‫بعد ما يركع وبعد ما يرفع من الركوع لفعل النبي عليه الصلة والسلم ‪0‬‬
‫وأسباب الدعاء في ختم القران هو نهاية القرآن لنه نعمة عظيمة أنعم الله‬
‫بها على العبد وهو إنهاء كتاب الله و إكماله فمن هذه النعمة أن يدعو الله أن‬
‫ينفعه بهدى كتابه وأن يجعله من أهله وأن يعينه على ذكره وشكره وأن يصلح‬
‫قلبه وعمله لنه بعد عمل صالح كما يدعو في آخر الصلة بعد نهايتها من‬
‫دعوات عظيمة قبل أن يسلم بعد أن من الله عليه بإكمال الصلة وإنهائها‬
‫وهكذا في الوتر يدعو في القنوت بعد إنهاء الصلة و إكمالها" ‪.‬‬
‫وأما شيخنا العلمة الفقيه المجتهد محمد بن صالح العثيمين رحمه الله فانه‬
‫سئل عن الدليل على لفظ دعاء الختم وهل ورد فعله عن الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم أو هو بدعة محدثة فأجاب بما نصه ‪":‬ل أعلم لدعاء ختم القرآن‬
‫في الصلة أصل صحيحا يعتمد عليه من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫ول من عمل الصحابة رضي الله عنهم وغاية ما في ذلك ما كان أنس ابن‬
‫مالك رضي الله عنه يفعله إذا أراد إنهاء القرآن من أنه كان يجمع أهله ويدعو‬
‫لكنه ل يفعل هذا في صلته "‪.‬‬
‫وأبا رحمه الله إطلق البدعة على الدعاء فقال ‪ " :‬و أما إطلق البدعة على‬
‫هذه الختمة في الصلة فإني ل أحب إطلق ذلك عليها لن العلماء – علماء‬
‫السنة – مختلفون فيها فل ينبغي أن نعنف هذا التعنيف على ما قال بعض‬
‫أهل السنة إنه من المور المستحبة لكن الولى للنسان أن يكون حريصا ً‬
‫على اتباع السنة "اهـ ‪.‬‬
‫عمل الختم في الحرمين الشريفين‬
‫أما عمل الختم بالمسجد الحرام والمسجد النبوي اليوم فالواقع أن الحديث‬
‫عنه شيق كيف ل والحديث في حد ذاته عن الختم في أي مكان حديث ممتع‬
‫للروح ومنعش للنفس ومنبه للضمائر السلمية لرتباطه بالقرآن الكريم‬
‫المنزل من رب العالمين‪.‬‬
‫وإذا كان هذا الحديث يتعلق بالحرم الشريف والمسجد النبوي وفي الجوار‬
‫الطاهر الكريم وفي شهر رمضان المعظم وفي آخر العشر الواخر كان ذلك‬
‫أعظم من أن يصور بحديث أو يقدم في موضوع ‪ ،‬ولكن نسوق للقارئ‬
‫الكريم وصفا ً عمليا ً بقدر ما يمكن تصويره من وحي الشعور به فنقول وبالله‬
‫التوفيق ‪:‬‬
‫يقع الختم في المسجد الحرام وفي المسجد النبوي في شهر رمضان مرتين‬
‫مرة ً في صلة التراويح وأخرى في صلة القيام آخر الليل وذلك في ليلة‬
‫التاسع والعشرين من شهر رمضان في أول الليل وفي آخره وكان هذا إلى‬
‫وقت قريب ‪ ,‬لكن في هذه الزمان وأواخر عهد خادم الحرمين الشريفين‬
‫الملك فهد بن عبد العزيز قد اقتصر الختم على مره واحده في أول الليل من‬
‫صلة التراويح في كل مسجد ‪ ،‬لن أئمة الحرمين فضلوا في صلة القيام في‬
‫آخر الليل القراءة المرتلة في الصلة وعدم التزام ثلثة أجزاء تخفيفا ً على‬
‫الناس ومراعاة لحوالهم واكتفاء بدعاء القنوت مع الوتر في آخر الليل ‪.‬‬
‫ولعل في ذلك ارتباط وإن كان من غير قصد بما جاء عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم أن جبريل عليه السلم كان يدارسه القرآن الكريم في رمضان‬
‫كل سنةٍ مرة وفي السنة التي قبض فيها صلى الله عليه وسلم دارسه‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القرآن مرتين ‪.‬‬


‫وفي هذه الليلة يقع الدعاء في المسجد الحرام وفي المسجد النبوي في‬
‫صلة الجماعة ثلث مرات ‪ :‬مرة في الختم في أول الليل ومرتين في الوتر‬
‫في أول الليل وآخره مما يجعل تلك الليلة ليلة مشهودة عبادتها موصولة ‪.‬‬
‫أما ختم التراويح الذي يكون في أول الليل فإنه إذا جاءت ليلة التاسع‬
‫م يتساءلون( ‪ ،‬وهو‬ ‫والعشرين فيكون قد بقي من قراءة الختمة جزء )ع ّ‬
‫الجزء الخير من المصحف الشريف وفي هذه الليلة يصلي الئمة التراويح‬
‫كّلها حتى يصلوا إلى نهاية القرآن وفي آخر ركعة من التراويح وعند الفراغ‬
‫من قراءة سورة )قل أعوذ برب الّناس (في آخر ركعة من التراويح وقبل أن‬
‫يركع المام يبدأ الدعاء بالختم يفتتحه بقوله ‪ :‬صدق الله العظيم الذي ل إله‬
‫إل هو ‪ ،‬المتوحد في الجلل بكمال الجمال تعظيما ً وتكبيرا ً المنفرد بتصريف‬
‫الحوال على التفصيل و الجمال تقديرا ً وتدبيرا ً إلى آخر ما يدعوا به ‪،‬‬
‫وسيأتي نص ما أمكن تدوينه في نهاية هذا البحث إن شاء الله ‪.‬‬

‫)‪(23 /‬‬

‫و يطيل أئمة الحرمين – حفظهم الله – القيام ويكثرون السؤال ويجتهدون‬


‫في البتهال و يظهرون من الخشوع والخضوع إلى الله ‪ ،‬ومن النابة‬
‫والضراعة ما يحرك القلوب ويوقظ الشعور ويفتح الفاق بالمال ويطمع في‬
‫رحمة الله وعظيم النوال لما يرد في الدعاء من نصوص مأثورة تجمع خيري‬
‫الدنيا والخرة وما علمنا منهم السجع المنهي عنه ‪ ،‬والتفصيل الممل ‪،‬‬
‫والحمد لله ونفع بهم السلم والمسلمين إذ أنه ل يزيد الدعاء في الغالب‬
‫على عشرين دقيقة ‪.‬‬
‫فإذا فرغ من الدعاء ركع وأكمل صلة الركعة الخيرة من التسليمة الخيرة‬
‫والتي هي تمام العشرين ركعة ويسلم وهي نهاية التسليمة العاشرة وهذا‬
‫عمل محفوظ عن السلف نقله المام أحمد عما شاهده وحضره في الحرم‬
‫المكي في زمن التابعين وكان فيه أئمة يقتدى بهم وحريصون على السنة‬
‫ولله الحمد ولم ينقل النكار عن أحد فيما نعلم ‪.‬‬
‫ويترك المام الذي ختم القرآن الوتر إلى إمام آخر فيوتر ويقنت في الوتر‬
‫ويدعوا هو أيضا ً بدعاء القنوت المشهور الذي أوله ‪ :‬اللهم اهدنا فيمن‬
‫هديت ‪...‬الخ ويزيد ما تيسر من الدعاء المأثور ولكنه يخفف وينزل عند رغبة‬
‫الناس في الدعاء واللحاح وحبهم التضرع في الحرمين لفضل الزمان‬
‫والمكان ‪.‬‬
‫ويحضر هذا الختم في أول الليل من المصلين رجال ً ونساًء شيبا ً وشبابا ً مما‬
‫يماثل بهجة العيد ‪.‬‬
‫وتطلق مباخر العود وتنثر أنواع العطور ويتبادل المصلون الدعوات والتباريك‬
‫ببهجة وفرحة وغبطة تفوق الوصف ‪ ،‬ثم ينصرفون موفورو الرجاء والمال‬
‫في سعة فضل الله ورحمته فرحين بفضل الله ورحمته ‪.‬‬
‫فإذا كان الثلث الخير عاد إلى الحرمين خلق وفير من سكان المدينتين‬
‫وممن يفدون إليهما بغية المشاركة وحضور الصلة الخيرة من صلة الليل‬
‫فيتكامل عدد كبير رجال ً ونساًء صغارا ً وكبارًا‪ ..‬ويفيض كل من المسجدين‬
‫بالجلل والوقار والهيبة والكبار ينتظرون الئمة فيأتي المام ويقوم فيصلي‬
‫الئمة كالمعتاد بالتناوب حيث يصلي أحدهما ثلث تسليمات ويقوم الخر‬
‫فيصلي تسليمتين وركعات الوتر الثلث ويقنت في الركعة الخيرة منه ‪ ,‬وإذا‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سلم من الوتر تسابق الناس إليه وإلى بعضهم البعض بأحر التهاني وخالص‬
‫الدعاء وعظيم الرجاء في القبول وطلب العودة إلى تلك الفرصة الكريمة من‬
‫كل عام ‪ .‬وهنا وقفة مع التاريخ الذي سردناه للتراويح في المسجدين‬
‫المباركين ‪ ,‬فقد سجل العلماء والمؤرخون وأصحاب الرحلت كالنابلسي وبن‬
‫جبير وابن بطوطه و العياشي ‪ ,‬صور الختم في الحرمين ودونوا ما يصاحب‬
‫ذلك من احتفال هائل بإيقاد الشموع والمشاعل ‪ ,‬ونثر الزهور والرياحين‬
‫وضرب الفراقع والمقارع وإنشاء القصائد والبتهالت ‪ ,‬وغير ذلك مما هو‬
‫محدث ل يجوز فعله في العبادات ‪ ,‬وتلك المظاهر أدخلها أهل البدع من‬
‫المتصوفة أهل الدف والسماع والتوسع فيما ليس له أصل بل ربما كان مما‬
‫ل يحبه الله ول رسوله ‪ ,‬وقد أزيلت هذه المظاهر بحمد الله بسبب سيطرة‬
‫دعوة التوحيد على الجزيرة وقام ملوكها بمنع إقامة مثل تلك المظاهر التي‬
‫ليس لها أصل في الشرع ‪ ,‬بل هي من مظاهر المبتدعة الذين جعلوا الرقص‬
‫والضرب بالدفوف من العبادات فادخلوها في المساجد ودور العبادة ‪ ,‬وفي‬
‫هذا الوقت وقد انقضى عهد الشموع بالكهرباء والثريات الكبريات ‪ ,‬فان ليلة‬
‫الختم في هذا العصر في الحرمين الشريفين أصبحت مقصد الكثيرين ومحط‬
‫رحال المسافرين يفدون إليها من أطراف البلد السلمية التماسا ً لبركاتها‬
‫وتعرضا ً لنفحاتها في الحرمين الشريفين وفي هذا الجوار العظيم حيث يتوفر‬
‫لها فضل الزمان من شهر رمضان وفضل المكان من تضاعف العمال ‪.‬‬
‫إن هناك عوامل تجعل ختم القرآن في الحرمين الشريفين في شهر رمضان‬
‫تفيض عليهما روحا ً ويفضي الله عليهما نورا ويكسوهما جمال ‪ ,‬ويكسبهما‬
‫حلوة ويزيدهما معنوية تفيض كلها على المصلين وجميع الحاضرين‬
‫والمستمعين رحمات ورضوانا يجل قدرها عن الوصف ‪ ,‬ويقصر دونها البيان ‪,‬‬
‫ول يقدر قدره إل من حضره ‪.‬‬
‫وكيف يمكن وصف الحالت الروحية التي تشمل المكان كله وهي فوق حدود‬
‫الوصف أو تقييم النفحات الربانية وهي أبعد من مقاييس التقييم حين تكتنف‬
‫الحاضرين جميعا ‪.‬‬
‫ومن يقدر على تصوير الحاسيس النفسية والشعور العميق بالبهجة العظمى‬
‫لختم القرآن في نهاية رمضان في روضات من الجنان ‪ ،‬إنها حالة يغيب‬
‫الشعور فيها عن الوصف وتفقد فيها القدرة عن البيان ‪ ،‬فل يسمع إل أنات‬
‫القلوب وزفرات الصدور ‪ ،‬ول ترى إل عبرات الباكين من أعين الخاشعين في‬
‫أكف الضارعين ‪.‬‬
‫صور تجل عن الوصف ندركها ول نقدرها ونلمسها ول نصورها فتبقى في‬
‫إطار الذكرى ماثلة وفي حلقات التاريخ نيرة عطرة‪.‬‬

‫)‪(24 /‬‬

‫ول ينتهي الئمة من دعائهم ويفرغون من تضرعاتهم إل وقد استشعر كل فرد‬


‫في قرارة نفسه ببرد الطمأنينة ‪ ،‬وذاق حلوة المناجاة وغسلت دموعه آثار‬
‫آثامه ‪ ،‬وأحس بالرتياح وزاد بهجة وغبطة واهتز في إطار ما يكتنفه من شعور‬
‫بجلل المقام وشرف الجوار وفضل المكان واسترجع بذاكرته عجلة التاريخ‬
‫أربعة عشر قرنا ً يستعرض الماضي بعزته و إشراقته ويدرك سر القوة‬
‫هذين المكانين اللذين تنزل بهما جبريل عليه‬
‫ومصدر الشعاع الروحي من ّ‬
‫السلم كل ذلك في لمحات خاطفة وخطرات عابرة ثم يوتر الئمة ويقنتون ‪،‬‬
‫ويسلمون فيقبل المصلون بعضهم على بعض بالتهاني وصالح الدعوات‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫متمنين العودة ومؤملين القبول ‪ ،‬نسأل الله تعالى أن يقبلنا معهم ويجعلنا‬
‫وإياهم من عتقائه من النار ‪.‬آمين ‪.‬‬
‫بعض نصوص الدعاء التي يدعى بها عند ختم القرآن في الحرمين‬
‫الدعاء عند ختم القرآن في المسجد الحرام والمسجد النبوي في هذا الوقت‬
‫الحاضر في التراويح وقد قدمنا التنبيه أنه ل توجد نصوص خاصة بذلك ول‬
‫معينة له لن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرأ القرآن كله في الليالي التي‬
‫صلها أول المر بالمسلمين فلم يؤثر عنه دعاء في ذلك خاص بختم القرآن ‪.‬‬
‫– ولكن كما قال المام ابن دقيق العيد " ما كان مشروعا ً بأصله فهو جائز‬
‫بوصفه " أي أن الدعاء مشروع بأصله ‪ ,‬وهو العبادة ‪ ,‬وقال تعالى في أصل‬
‫ذلك } وقال ربكم ادعوني أستجب لكم { وحث صلى الله عليه وسلم على‬
‫الجتهاد في الدعاء في السجود بدون تحديد ل في الية ول في الحديث ومن‬
‫هنا كان الصل في الدعاء الطلق والعموم إل ما جاء منصوصا ً عليه كالدعاء‬
‫في القنوت أو في أخر التشهد أو في أول الفتتاح في الصلة وكذلك عند‬
‫دخول المسجد وخروجه وغير ذلك فمثل هذا تكون السنة فيه التقيد بما ورد ‪,‬‬
‫وما عداه فهو على عمومة يجتهد الداعي بما تيسر له كما فعل صلى الله‬
‫عليه وسلم في غزوة بدر وغيرها من الماكن من اجتهاد في الدعاء وخشوعه‬
‫وبكائه حتى رق له أبو بكر وقال له ‪ :‬كفى فإن الله منجز لك ما وعدك ‪.‬‬
‫وهكذا في هذا العمل فهو موضع اجتهاد وقد تقدم عن أنس أنه كان يجمع‬
‫أهله ويدعو ولم يعثر على نص معين ‪ ,‬كما تقدم عموم لفظ فله دعوة‬
‫مستجابة أي بعد ختم القرآن وصلة فريضة على ما سبق بحثه ‪.‬‬
‫ومن هنا لم يتقيد أحد بنص معين بل يتخير من الدعاء ما تيسر له وما يحقق‬
‫له رغباته ويعبر عن حاجاته ومتطلباته ‪ ,‬سواء من الدعية العامة المأثورة من‬
‫أدعية القران والسنة وهو الفضل أو من غيرها ‪ ,‬وتقدمت إجابة المام أحمد‬
‫للسائل عن الدعاء في الختم فقال ‪ :‬ادع بما شئت ‪ .‬وقال شيخنا المام عبد‬
‫العزيز بن باز يختار من جوامع الدعاء ما تيسر ويراعي حال المأمومين ول‬
‫يطيل ويتجنب السجع المكروه ‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد نسب لشيخ السلم ابن تيمية رحمه الله نصوصا للدعاء في هذا العمل‬
‫وهو دعاء جامع شامل وليس بالطويل المسهب ول بالقصير الموجز ‪ ,‬ولم‬
‫يتقيد الئمة في الحرمين بنص معين بل يدعون بما تيسر وجميع الدعية من‬
‫المأثور ولكنهم يفتتحون الدعاء بقولهم غلبا ً ‪:‬‬
‫صدق الله العظيم الذي ل إله إل هو ‪ ,‬المتوحد في الجلل بكمال الجمال‬
‫تعظيما وتكبيرا ‪ ,‬المنفرد بتصريف الحوال على التفصيل والجمال تقديرا ً‬
‫وتدبيرا ‪ ,‬المتعالي بعظمته ومجده الذي نزل الفرقان على عبده ليكون‬
‫للعالمين نذيرا ‪ ,‬وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم تسليما ً كثيرا ‪ ,‬الذي‬
‫أرسله إلى جميع الثقلين الجن والنس بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه‬
‫وسراجا منيرا اللهم لك الحمد على ما أنعمت به علينا من نعمك العظيمة‬
‫وآلئك الجسيمة حيث أنزلت علينا خير كتبك و أرسلت إلينا أفضل رسلك‬
‫وشرعت لنا أفضل شرائع دينك وجعلتنا من خير أمة أخرجت للناس وهديتنا‬
‫لمعالم دينك الذي ارتضيته لنفسك وبنيته على خمس ‪ :‬شهادة أن ل إله إل‬
‫الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج‬
‫بيت الله الحرام ‪.‬‬
‫ولك الحمد على ما يسرته من صيام شهر رمضان وقيامة ‪ ,‬وتلوة كتابك‬
‫العزيز الذي ) ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه تنزيل من حكيم حميد‬
‫( وهذا كله ثناء على الله وتمجيد وتقديس ثم يصلون على النبي صلى الله‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليه وسلم فيقولون ‪ :‬اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على‬
‫آل إبراهيم إنك حميد مجيد ‪ .‬ثم يبدأ بالدعاء فيقولون ‪ :‬اللهم إنا عبيد بنو‬
‫عبيدك بنو إمائك نواصينا بيدك ماض فينا حكمك عدل فينا قضائك ‪.‬‬
‫نسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته‬
‫أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القران العظيم‬
‫ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا ‪.‬‬
‫اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‪ ,‬وارزقنا تلوته آناء الليل‬
‫وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا ‪.‬‬
‫اللهم اجعلنا ممن يحل حلله ويحرم حرامه ‪ ,‬ويعمل بمحكمه ويؤمن‬
‫بمتشابهه ويتلوه حق تلوته ‪.‬‬
‫اللهم اجعلنا ممن يقيم حدوده ول تجعنا ممن يقيم حروفه ويضيع حدوده ‪.‬‬

‫)‪(25 /‬‬

‫اللهم اجعلنا ممن اتبع القران فقاده إلى رضوانك والجنة ول تجعلنا ممن اتبعه‬
‫القران فزج في قفاه إلى النار ‪ ,‬واجعلنا من أهل القران الذين هم أهلك‬
‫وخاصتك يا أرحم الراحمين اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين‬
‫والمسلمات وألف بين قلوبهم ‪ ,‬وأصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك‬
‫وعدوهم واهدهم سبل السلم وأخرجهم من الظلمات إلى النور وبارك لهم‬
‫في أسماعهم وأبصارهم وذرياتهم وأزواجهم أبدا ً ما أبقيتهم واجعلهم شاكرين‬
‫لنعمك مثنين بها عليك و أتمها علينا وعليهم برحمتك يا ارحم الراحمين ‪.‬‬
‫اللهم اغفر لجميع موتى المؤمنين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك‬
‫بالرسالة وماتوا على ذلك ‪ .‬اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم‬
‫وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم و أغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب‬
‫والخطايا كما ينقى الثوب البيض من الدنس ) ربنا اغفر لنا ولخواننا الذين‬
‫سبقونا باليمان ول تجعل في قلوبنا غل للذين آمنوا ربنا انك رؤوف رحيم ( ‪.‬‬
‫اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم ونعوذ‬
‫بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم ‪ ,‬ونسألك من خير‬
‫ما سألك منه عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحون‬
‫‪.‬‬
‫اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونسألك رضاك والجنة‬
‫ونعوذ بك من سخطك ومن النار ‪.‬‬
‫اللهم ل تدع لنا ذنبا إل غفرته ول هما إل فرجته ول دينا إل قضيته ول مريضا‬
‫إل شفيته وعافيته ول حاجة هي لك رضا ً ولنا فيها صلح إل قضيتها يا أرحم‬
‫الراحمين ‪.‬‬
‫ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرانا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم‬
‫الكافرين ‪.‬‬
‫ربنا ل تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ربنا‬
‫ل تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ‪ ,‬ربنا ول تحمل علينا إصرا كما حملته على‬
‫الذين من قبلنا ‪.‬‬
‫ربنا ول تحملنا ما ل طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولنا‬
‫فانصرنا على القوم الكافرين ‪.‬‬
‫ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الخرة حسنة وقنا عذاب النار ‪.‬‬
‫سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلم على المرسلين والحمد لله رب‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه وسلم ‪.‬اهـ‬
‫هذا نص الدعاء المنسوب لشيخ السلم ابن تيمية ولكن بعض الئمة يزيدون‬
‫فيه جمل ً مناسبة منها ‪:‬‬
‫اللهم ل تجعل فينا ول منا ول معنا شقيا ول محروما ‪ .‬اللهم انك أمرتنا بالدعاء‬
‫ووعدتنا بالجابة فل تردنا خائبين اللهم اجعلنا من عتقائك من النار ومن‬
‫المقبولين اللهم إن رحمتك أوسع من ذنوبنا وعفوك أوسع من خطايانا اللهم‬
‫هب المسيئين منا للمحسنين اللهم أنت الغني عنا ونحن الفقراء إليك‪..‬‬
‫إلى مثل ذلك من العبارات التي تحرك القلب وتزكي الروح وهي أما دعوات‬
‫مأثورة أو متأولة من الكتاب والسنة جزاهم الله خيرا وقبل منا ومنهم ‪.‬‬
‫ثم يختمون الدعاء بنحو قولهم ‪ :‬سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلم‬
‫على المرسلين والحمد لله رب العالمين وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى‬
‫آله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫ثم يركع ويكمل الركعتين ‪ ,‬ثم يأتي بركعتي الشفع ثم بركعة الوتر ‪...‬‬
‫ول يقام عمل ختم آخر نظرا ً لعدم تعدد المامة في الصلة وإنما يجري ذلك‬
‫كله في جماعة واحدة و في ليلة واحة من إمام واحد وهو المام الراتب ‪.‬‬
‫هذا ما عليه وضع أئمة الحرمين الشريفين في ختم القرآن في عصرنا والله‬
‫الموفق والهادي إلى سواء السبيل‬

‫)‪(26 /‬‬

‫استراحه نبويه‬
‫الحمد لله ‪ ،‬من علينا فهدانا ‪ ،‬وأطعمنا وسقانا ‪ ،‬وكل بلء حسن أبلنا ‪ ،‬ومن‬
‫بين جميع خلقه تفضل علينا فاصطفانا ‪ ،‬وجعلنا من أمة خير رسله ‪ ،‬وأفضل‬
‫أنبيائه ‪ ،‬فعلى جميع المم فضلنا واجتبانا ‪.‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له ‪ ،‬خلقنا فسوانا ‪ ،‬أرخى ستوره‬
‫على عيوبنا ‪ ،‬ومن لباس التقوى كسانا ‪ ،‬ومن نعمه الغزار أسبغ علينا وأعطانا‬
‫‪ ،‬فنسأله بها أن يجعل جنات الفردوس منازلنا وملتقانا ‪.‬‬
‫وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ‪ ،‬ألف الله به بين القلوب ‪ ،‬ومحا بهديه‬
‫الخطايا والذنوب ‪ ،‬فأمرنا بكل خير ‪ ،‬وعن كل شر حذرنا ونهانا ‪ ،‬فصلى الله‬
‫عليه وعلى آله وصحبه ‪ ،‬الذين اعتصموا بسنته ‪ ،‬وترسموا طريقته ‪ ،‬وساروا‬
‫على نهجه ‪ ،‬جمعنا الله بهم على السرر إخوانا ‪ .‬وسلم تسليما ‪.‬‬
‫أما بعد ‪ ،،،‬فتقوى الله عباد الله هي الوصية الكبرى لمن رام الفلح ‪ ،‬وسعى‬
‫بجد في طريق الفلح ‪ ،‬وأدرك يقينا أن الليل وإن طال ‪ ،‬واشتدت ظلمته ‪،‬‬
‫فل بد أن ينفجر الصباح ‪ ،‬وتشرقَ شمس الحق ‪ ،‬فيلقي عن كاهله أعباء الدنيا‬
‫‪ ،‬وفي جنة الخلد المقيل والمستراح ‪ .‬أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا‬
‫وأحسن مقيل ‪.‬‬
‫أيها المسلمون ‪ :‬ندلف اليوم إلى جنة السيرة النبوية ‪ ،‬نقطف من ثمراتها ‪،‬‬
‫ونستنشق من شذاها ‪ .‬نروح القلب بذكر المصطفى ‪ ،‬والصلة والسلم‬
‫عليه ‪ ،‬ليتزود القلب في سعيه إلى الجنة ‪ ،‬فتستقصر النفس إدلجها‬
‫ومسراها ‪.‬‬
‫إذ إن النفس متى تشوقت لشيء هانت في سبيل نيله الصعاب ‪ ،‬وتحملت‬
‫من أجله المشقة والعذاب ‪ ،‬فكم قطع المسافرون إلى أهوائهم من الفيافي‬
‫والقفار ‪ ،‬ومن أجل ما يشتهون تسابقوا إلى دار البوار ! فليت شعري كيف‬
‫يفعل المحبون للحبيب المصطفى ؟ وكيف يهنأ لهم قرار ؟ وكيف يكون‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شعورهم إذا لقوه ‪ ،‬فسقاهم بيده من الحوض ‪ ،‬وشفع فيهم فأدخلوا الجنة‬
‫مع السابقين والبرار ‪ ،‬وهناك يجتمعون به ‪ ،‬وإخوانه من النبياء ‪ ،‬والملئكة‬
‫يدخلون عليهم من كل باب ‪ ،‬سلم عليكم بما صبرتم ‪ ،‬فنعم عقبى الدار ‪ .‬فل‬
‫يقف إكرامهم عند هذا ‪ ،‬بل يكشف عنهم الحجاب ‪ ،‬فيرون ما ل يمكن وصفه‬
‫بالكلمات ‪ ،‬يرون وجه الرحمن ‪ ،‬تبارك وتعالى ‪،‬كما يرون القمر ليلة البدار ‪،‬‬
‫نسأل الله أن يجعلنا ووالدينا منهم ‪.‬‬
‫معاشر المسلمين ‪ :‬إن دخول الجنة يستلزم سيرا على منهاج النبوة ‪،‬‬
‫وترسما لتلك الخطى الخالدات على الصراط المستقيم ‪.‬‬
‫وليست السوة في النبي صلى الله عليه وسلم في جانب واحد من حياته ‪،‬‬
‫عليه الصلة والسلم ‪ ،‬ولكنه أسوة شاملة في جميع مناحي الحياة ‪ ،‬على‬
‫اختلف مواقع أتباعه من أمته ‪،،،‬‬
‫فهو قدوة للحاكم وللمحكوم ‪ ،‬قدوة للعالم وللجاهل ‪ ،‬قدوة للمعلم‬
‫والمتعلم ‪ ،‬قدوة في السلم ‪ ،‬وقدوة في الحرب ‪ ،‬قدوة في المنشط وفي‬
‫المكره ‪ ،‬قدوة في الصغر ‪ ،‬وقدوة في الكبر ‪ ،‬صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫فحري بأتباعه ‪ ،‬وكل من رام مرافقته في الجنة أن يعرف هديه ‪ ،‬ويتعرف‬
‫إلى شمائله ‪ ،‬ويتعلم سنته ‪ ،‬ويتأمل أخلقه ‪.‬‬
‫ويكفي في وصف أخلقه ما قالته زوجه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ‪،‬‬
‫فقد سألها سعد ابن هشام عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫فقالت ‪ :‬ألست تقرأ القرآن ؟ قال ‪ :‬بلى ‪ .‬قالت ‪ :‬كان خلق نبي الله صلى‬
‫الله عليه وسلم القرآن ‪.‬‬
‫قال ابن كثير رحمه الله تعالى ‪ :‬ومعنى هذا ‪ ،‬أنه صلى الله عليه وسلم مهما‬
‫أمره به القرآن امتثله ‪ ،‬ومهما نهاه عنه تركه ‪ ،‬هذا ما جبله الله عليه من‬
‫الخلق الجبلية الصلية العظيمة ‪ ،‬التي لم يكن أحد من البشر ول يكون‬
‫أجمل منها ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فكان فيه من الحياء ‪ ،‬والكرم ‪ ،‬والشجاعة ‪ ،‬والحلم ‪ ،‬والصفح ‪،‬‬
‫والرحمة ‪ ،‬وسائر الخلق الكاملة ما ل يحد ول يمكن وصفه ‪ .‬اهـ ‪.‬‬
‫ولما كانت حال المقتدين به كذلك فإنا نأتي اليوم على بعض جوانب من هديه‬
‫صلى الله عليه وسلم فإنه بأبي هو وأمي صلوات الله وسلمه عليه لم يكن‬
‫فاحشا ول متفحشا ‪ ،‬ول صخابا ‪ ،‬وكان جل ضحكه التبسم ‪ ،‬بل كل ضحكه‬
‫التبسم ‪ ،‬وكان غاية تبسمه أن تبدو نواجذه ‪ .‬مع كونه صلى الله عليه وسلم‬
‫طويل السكوت ‪ ،‬فلم يكن يتكلم في غير حاجة ‪ ،‬ول يتكلم فيما ل يعنيه ‪.‬‬
‫وكان يمازح أصحابه ‪ ،‬ول يقول إل حقا ‪ ،‬فأسر بتلك الريحية نفوسهم ‪ ،‬وسبى‬
‫بها قلوبهم ‪ .‬واستمع قول جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه ‪ :‬ما رآني‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم إل تبسم في وجهي ‪ .‬أخرجه مسلم ‪.‬‬
‫أيها الحبة ‪ :‬لقد كان صلى الله عليه وسلم وسطا في مزاحه ‪ ،‬وفي تبسمه ‪،‬‬
‫فلم يكن متجهما عبوسا ‪ ،‬ولم يكن ضحاكا مقهقها ‪ ،‬بل قد جاء عنه النهي عن‬
‫كثرة الضحك ‪ ،‬فقال ‪ :‬وإياك والضحك ‪ ،‬فإن كثرة الضحك تميت القلب ‪.‬‬
‫أخرجه الترمذي ‪ .‬وهذا مفيد للوسطية في أموره كلها ‪ ،‬عليه الصلة‬
‫والسلم ‪ .‬بل كان ضحكه طاعة لله جل وعل ‪ ،‬إذ هو به يسعى إلى الترويح‬
‫عن نفسه ‪ ،‬وعن أصحابه رضي الله عنهم ليستقبلوا ما جد من أمور دينهم‬
‫ودنياهم بنفس منشرحة ‪ ،‬وقلب مقبل ‪ ،‬وسعادة غامرة ‪ ،‬وليعلم اليهود أن‬
‫في ديننا فسحة ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن ذلك أن أحد أصحابه رضي الله عنهم قال له ‪ :‬أريد أن تحملني يا رسول‬
‫الله على جمل ‪ .‬قال ‪ :‬ل أجد لك إل ولد الناقة ‪ .‬فولى الرجل ‪ ،‬فدعاه ‪ ،‬وقال‬
‫ل إل النوق ؟ ومعناه أن الجمل هو ولد الناقة الذي قال ‪ :‬إنه ل‬ ‫‪ :‬وهل تلد الب َ‬
‫يجد له سواه ‪.‬‬
‫وهذا يبين ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم بإعطاء كل ذي حق حقه ‪ .‬فلم‬
‫يكن وقته كله مستغرقا في العبادة الجدية ‪ ،‬ولكنه يعدل من عبادة إلى أخرى‬
‫يؤلف بها القلوب ‪ ،‬ويؤنس بها الرواح حتى ل تمل ‪ ،‬يشحنها بالراحة هنيهة ‪،‬‬
‫لتواصل المسير إلى الخرة بانشراح ‪.‬‬
‫ولهذا نقل العلماء ضحكه صلى الله عليه وسلم على أنه من سننه ‪ ،‬وهديه ‪.‬‬
‫كما نقلوا صمته ‪ ،‬وكلمه ‪ ،‬وبكاءه ‪ ،‬ومشيته ‪ ،‬ونومه ‪ ،‬وسائر أمور حياته ‪،‬‬
‫بأبي هو وأمي ‪ ،‬صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وهذا من شمول سيرته لجميع شؤون حياته ‪ ،‬تفرد بها بين سائر من ترجمت‬
‫حياتهم ‪ ،‬وسطرت سيرهم ‪ ،‬فكم كانت بعض جوانب تلك السير غامضة أو‬
‫مجهولة ‪ ،‬حتى النبياء والمرسلين ‪ ،‬كم جهل الناس من حياتهم ‪ ،‬إل هو عليه‬
‫صلة الله وسلمه ‪ ،‬فقد كان من فضل الله علينا ‪ ،‬أن سطرت لنا حياته كأنما‬
‫ولد تحت المجهر ‪ ،‬ل تخفى منها خافية ‪ ،‬ثبت بهذا النقل نبوته ‪ ،‬وصدقه ‪،‬‬
‫فوالله ما نقل فيها شيء خالف فيه قوَله فعُله ‪ ،‬بل كانت سجلت حياته دليل‬
‫أضيف لدلئل كثيرة أثبتت أنه رسول الله ‪ ،‬وخاتم النبيين ‪ ،‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪.‬‬
‫فسبحان الله ‪ ،‬كيف رفع الله منزلته ‪ ،‬وأعلى قدره ‪ ،‬حتى تسابق الثقات‬
‫ينقلون ضحكاته ويحفظونها ‪ ،‬فصار حتى في ضحكه عبرة وعظة ‪ ،‬يرويه‬
‫الثقة عن الثقة ‪.‬‬
‫أيها المحبون ‪ :‬لقد كان عليه الصلة والسلم إذا سر استنار وجهه ‪ ،‬كأن‬
‫وجهه قطعة قمر ‪ .‬رواه البخاري من حديث كعب رضي الله عنه ‪.‬‬
‫وتقول عائشة رضي الله عنها ‪ :‬ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫مستجمعا ضاحكا ‪ ،‬حتى أرى لهواته ‪ ،‬إنما كان يتبسم ‪ .‬أخرجه البخاري ‪ .‬قال‬
‫ابن حجر رحمه الله ‪ :‬أي ما رأيته مستجمعا من جهة الضحك ‪ ،‬بحيث يضحك‬
‫ضحكا تاما مقبل بكليته على الضحك ‪ .‬اهـ ‪.‬‬
‫ولكن قد جاءت أحاديث كثيرة تبين أنه صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت‬
‫نواجذه ‪ ،‬منها ما أخرجه مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال ‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬إني لعلم آخر أهل النار خروجا‬
‫منها ‪ ،‬وآخر أهل الجنة دخول الجنة ‪ .‬رجل يخرج من النار حبوا ‪ ،‬فيقول الله‬
‫تبارك وتعالى له ‪ :‬اذهب فادخل الجنة ‪ ،‬فيأتيها فيخيل إليه أنها ملى ‪ ،‬فيرجع‬
‫فيقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬وجدتها ملى ‪ .‬فيقول الله تبارك وتعالى له ‪ :‬اذهب فادخل‬
‫الجنة ‪ .‬قال ‪ :‬فيأتيها فيخيل إليه أنها ملى ‪ ،‬فيرجع ‪ ،‬فيقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬وجدتها‬
‫ملى ‪ .‬فيقول الله له ‪ :‬اذهب فادخل الجنة ‪ ،‬فإن لك مثل الدنيا وعشرة‬
‫أمثالها ‪ ،‬أو إن لك عشرة أمثال الدنيا ‪ .‬قال ‪ :‬فيقول ‪ :‬أتسخر بي ‪ ،‬أو ‪:‬‬
‫أتضحك بي وأنت الملك ؟ قال ‪ :‬لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ضحك حتى بدت نواجذه ‪ .‬قال ‪ :‬فكان يقال ذاك أدنى أهل الجنة منزلة ‪ .‬قال‬
‫النووي ‪ :‬وفي هذا جواز الضحك ‪ ،‬وأنه ليس بمكروه في بعض المواطن ‪ ،‬ول‬
‫بمسقط للمروءة إذا لم يجاوز الحد المعتاد من أمثاله في مثل تلك الحال ‪،‬‬
‫والله أعلم ‪.‬‬
‫أيها المقتدون ‪ :‬أل فاعلموا أنه ل منافاة بين حديث عائشة وحديث ابن‬
‫مسعود رضي الله عنهما ‪ ،‬فقد كان صلى الله عليه وسلم في جل أموره‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يتبسم ‪ ،‬وربما ضحك حتى تبدو نواجذه ‪ ،‬والنواجذ الضراس ‪ .‬إل أنه لم يكن‬
‫قط يقهقه بصوت مرتفع ‪ .‬كما يفعله غالب الناس اليوم ‪.‬‬
‫وقد تبين من مجموع الحاديث أن ضحكه صلى الله عليه وسلم ومزاحه ‪،‬‬
‫إنما كان تعبدا لله ‪ ،‬يتعجب أحيانا ‪ ،‬ويضحك تصديقا ‪ ،‬ويضحك إيناسا ‪ ،‬ولهذا‬
‫ورد عنه عليه الصلة والسلم قوله ‪ :‬من لقي أخاه المسلم بما يحب ليسره‬
‫بذلك ‪ ،‬سره الله عز وجل يوم القيامة ‪ .‬رواه الطبراني بإسناد حسن ‪ .‬وخرج‬
‫أيضا من حديث عمر رضي الله عنه مرفوعا ‪ :‬أفضل العمال إدخال السرور‬
‫على المؤمن ‪ .‬كسوت عورته ‪ ،‬أو أشبعت جوعته ‪ ،‬أو قضيت له حاجته ‪.‬‬
‫وعن أبي ذر رضي الله عنه قال ‪ :‬قال لي النبي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬ل‬
‫تحقرن من المعروف شيئا ‪ ،‬ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق ‪ .‬أخرجه مسلم ‪.‬‬
‫وعنه رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله ‪ ،‬صلى الله عليه وسلم ‪ :‬تبسمك‬
‫في وجه أخيك لك صدقة ‪ .‬الحديث ‪ ،‬أخرجه الترمذي ‪ ،‬وصححه اللباني ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فهكذا جاءت الخبار النبوية حاثة على التبسم وطلقة الوجه ‪ ،‬وكان صلى الله‬
‫عليه وسلم أكثر الناس تبسما ‪ ،‬وضحكا في وجوه أصحابه ‪ ،‬وتعجبا مما‬
‫تحدثوا به ‪ ،‬وخلطا لنفسه بهم ‪ ،‬ولربما ضحك حتى تبدو نواجذه ‪ .‬أخرجه‬
‫الترمذي في الشمائل ‪ .‬وفي الصحيحين من حديث علي ‪ :‬يضحك مما‬
‫تضحكون منه ‪ ،‬ويتعجب مما تعجبون منه ‪ .‬وفي مسلم من حديث جابر بن‬
‫سمرة ‪ :‬كانوا يتحدثون في أمر الجاهلية فيضحكون ‪ ،‬ويتبسم ‪ .‬وكان يوما‬
‫يحدث أصحابه ‪ ،‬وعنده رجل من أهل البادية ‪ ،‬أن رجل من أهل الجنة استأذن‬
‫ربه في الزرع ‪ ،‬فقال له ‪ :‬ألست فيما شئت ؟ قال ‪ :‬بلى ‪ ،‬ولكن أحب أن‬
‫ف نباُته واستواؤه واستحصاده ‪ ،‬فكان أمثال‬ ‫أزرع ‪ .‬قال ‪ :‬فبذر ‪ ،‬فبادر الطر َ‬
‫الجبال ‪ ،‬فيقول الله ‪ :‬ودنك يا ابن آدم ‪ ،‬فإنه ل يشبعك شيء ‪ .‬فقال العرابي‬
‫‪ :‬والله ل تجده إل قرشيا أو أنصاريا ‪ ،‬فإنهم أصحاب زرع ‪ .‬فضحك النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ .‬قال الترمذي ‪ :‬كان ضحك أصحابه عنده التبسم ‪ ،‬اقتداء به‬
‫وتوقيرا له ‪.‬‬
‫أيها المسلمون ‪ :‬إن طلقة الوجه ‪ ،‬والتبسم في وجوه أصحاب المرء تورث‬
‫المحبة ‪ ،‬وتبعث الطمئنان في قلوبهم ‪ ،‬وتنشر اللفة في مجالسهم ‪ ،‬وتعين‬
‫على نصحهم وتوجيههم ‪ ،‬وتؤلف بين قلوبهم ‪ ،‬وتحقق قوله تعالى ‪ :‬إنما‬
‫المؤمنون إخوة ‪ .‬وتطبق أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله ‪ :‬وكونوا‬
‫عباد الله إخوانا ‪ .‬فتبسم أيها الحبيب لترضي ربك ‪ ،‬ولتقتدي بنبيك صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ .‬واعلم أخي الحبيب أنك لن تسع الناس بمالك ‪ ،‬فليسعهم منك‬
‫طلقة الوجه ‪ ،‬وحسن البشر ‪ .‬قال الحسن البصري رحمه الله ‪ :‬حقيقة حسن‬
‫الخلق بذل المعروف ‪ ،‬وكف الذى ‪ ،‬وطلقة الوجه ‪ .‬ورواه الترمذي عن‬
‫عبدالله بن المبارك ‪ .‬وعن عروة بن الزبير قال ‪ :‬مكتوب في الحكمة ‪ :‬ليكن‬
‫وجهك بسطا ‪ ،‬وكلمتك طيبة ‪ ،‬تكن أحب إلى الناس من الذي يعطيهم العطاء‬
‫‪ .‬وتأمل هذه القصة فإن فيها عجبا ‪ ،‬قال أنس رضي الله عنه كان رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا ‪ ،‬فأرسلني ذات يوم لحاجة ‪،‬‬
‫فقلت ‪ :‬والله ل أذهب ‪ ،‬وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق ‪،‬‬
‫فإذا رسول الله قد قبض بقفاي من ورائي ‪ ،‬قال ‪ :‬فنظرت إليه وهو يضحك ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬يا أنيس ‪ ،‬أذهبت حيث أمرتك ؟ قال ‪ :‬قلت ‪ :‬نعم ‪ ،‬أنا ذاهب يا رسول‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله ‪ .‬أخرجه مسلم ‪.‬‬


‫وصدق الله إذ أثنى عليه فقال ‪ :‬وإنك لعلى خلق عظيم ‪ .‬فما أعظم خلقه ‪،‬‬
‫وما أحسنه ‪ ،‬كيف ل ؟ وهو القائل ‪ :‬إن من خياركم أحسنكم أخلقا ‪.‬‬
‫أخرجاه ‪ .‬فبما رحمة من الله لنت لهم ‪ ،‬ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا‬
‫من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في المر ‪.‬‬
‫أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ‪:‬‬
‫لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الخر‬
‫وذكر الله كثيرا ‪.‬‬
‫بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ‪...‬‬
‫الخطبة الثانية ‪:‬‬
‫الحمد لله ‪ ،‬بعث إلينا محمدا ‪ ،‬وجعلنا من أمته ‪ ،‬أعلى الناس رأسا ‪ ،‬وخيرهم‬
‫سؤددا ‪.‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له ‪ ،‬تعالى جده ‪ ،‬ما اتخذ صاحبة ول‬
‫ولدا ‪ .‬أحاط بكل شيء علما ‪ ،‬وأحصى كل شيء عددا ‪.‬‬
‫وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ‪ ،‬دل أمته إلى كل خير فأرشدا ‪ ،‬وبين‬
‫المحجة للسالكين ‪ ،‬فمن أعرض عنها ضل السبيل ‪ ،‬ومن سلكها فاز‬
‫واهتدى ‪ ،‬صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ‪ ،‬تفرقت على أيدهم ظلمات‬
‫الضلل ‪ ،‬وأشرقت بجهادهم شمس الهدى ‪ ،‬وسلم تسليما ‪.‬‬
‫أما بعد ‪ ،‬فاتقوا الله عباد الله ‪ ،‬واجعلوا من هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم‬
‫نبراسا يقودكم للنجاة ‪ ،‬ويوصلكم بر المان ‪ ،‬فإن أمواج الضلل تزخر في‬
‫عالمنا اليوم أشد وطأ من أمواج البحار والمحيطات ‪ ،‬ورياح الفتن هائجة أشد‬
‫من هيجان العاصير العاتيات ‪ .‬وليس من عاصم يعصم المرء منها إل أن يلجأ‬
‫إلى السفينة فثم النجاة ‪ ،‬تلك السفينة التي صنعها نوح عليه السلم ‪ ،‬وورثها‬
‫من بعده إخوانه النبيون ‪ ،‬ومن ورث علمهم من العلماء الربانيين ‪ ،‬فاستمع‬
‫لنوح يتوسل ابنه ‪ :‬يا بني اركب معنا ‪ ،‬ول تكن مع الكافرين ‪ ،‬وظن المفتون‬
‫أن الجبال الراسيات تعصمه من خالق الرض والسموات ‪،‬قال ل عاصم اليوم‬
‫من أمر الله إل من رحم ‪.‬‬
‫فيا مسلم ‪ ،‬يا عبد الله ‪ ،‬دونك سفينة النجاة فاركب مع الناجين ‪ ،‬واسلك‬
‫سبيل الفائزين ‪ ،‬وكن مع الوارثين ‪ ،‬الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫إخوة الدين والعقيدة ‪ :‬إن وراثة الفردوس ل تكتب إل لمن ورث من نبيه‬
‫صلى الله عليه وسلم هديه وسمته وأخلقه ‪ ،‬وترسم طريقه فسار عليها ‪،‬‬
‫وتمسك بسنته فعمل بها ‪ ،‬فخاف مقام ربه ‪ ،‬ونهى النفس عن الهوى ‪،‬‬
‫وبحبل الله اعتصم ‪ ،‬فكان له ورده من الليل ‪ ،‬وحظه من الصيام ‪ ،‬وفوق كل‬
‫ذلك حظه من حسن الخلق ‪ ،‬فقد سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أي المؤمنين أفضل ؟ قال ‪ :‬أحسنهم خلقا ‪ .‬أخرجه‬
‫ابن ماجة ‪ .‬وعند أبي داود وابن حبان ‪ ،‬من حديث عائشة مرفوعا ‪ :‬إن الرجل‬
‫ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم ‪ .‬وقفوا عند هذا الحديث العجيب ‪،‬‬
‫روى المام أحمد عن علي بن ربيعة قال ‪ :‬شهدت عليا أنه كان إذا ركب‬
‫الدابة قال ‪ :‬بسم الله – ثلثا – فإذا استوى على ظهرها قال ‪ :‬الحمد لله ‪ ،‬ثم‬
‫قرأ } سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون {‬
‫ثم قال ‪ :‬الحمد لله – ثلثا – والله أكبر – ثلثا – سبحانك إني ظلمت نفسي ‪،‬‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فاغفر لي ‪ ،‬فإنه ل يغفر الذنوب إل أنت ‪ ،‬ثم ضحك ‪ .‬قلت ‪ :‬من أي شيء‬
‫ضحكت يا أمير المؤمنين ؟ قال ‪ :‬رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫صنع كما صنعت ‪ ،‬ثم ضحك ‪ ،‬فقلت ‪ :‬من أي شيء ضحكت يا رسول الله ؟‬
‫قال ‪ :‬إن ربك ليعجب من عبده إذا قال ‪ :‬رب اغفر لي ذنوبي ‪ ،‬فإنه ل يغفر‬
‫الذنوب إل أنت ‪.‬‬
‫فاتقوا الله عباد الله ‪ ،‬ويسروا ول تعسروا ‪ ،‬وبشروا ول تنفروا ‪ ،‬وكونوا عباد‬
‫الله إخوانا ‪.‬‬
‫وصلوا على البشير النذير ‪ ،‬والسراج المنير ‪ ،‬وشفيعكم بين يدي العلي الكبير‬
‫‪ ،‬إن الله وملئكته يصلون على النبي ‪....‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫استشهاد المام علي بن أبي طالب التحرير*‬


‫هو علي بن أبي طالب‪ ،‬أبوه هو عم رسول الله – صلى الله عليه وسلم ‪:-‬‬
‫عبد مناف ابن عبد المطلب‪ ،‬وأمه‪ :‬فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف‪،‬‬
‫أسلمت وهاجرت‪ .‬يكّنى أبا الحسن وأبا تراب‪ ،‬أسلم وهو ابن سبع سنين‪،‬‬
‫وشهد المشاهد كلها‪ ،‬لم يتخلف إل في غزوة تبوك؛ لن رسول الله ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬خّلفه في أهله‪.‬‬
‫تزّوج السيدة فاطمة ريحانة رسول الله‪ ،‬وسيدة نساء الجنة‪ ،‬وكان له منها‬
‫أحفاد رسول الله‪ :‬الحسن‪ ،‬والحسين‪ ،‬وزينب‪ ،‬وأم كلثوم‪.‬‬
‫محبة الله ورسوله‬
‫عن سهل بن سعد أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال يوم خيبر‪:‬‬
‫دا رجل ً يفتح الله عليه‪ ،‬يحب الله ورسوله‪ ،‬ويحبه الله‬ ‫"لعطين هذه الراية غ ً‬
‫ورسوله"‪ ،‬قال‪ :‬فبات الناس يذكرون أيهم ُيعطاها‪ ،‬فلما أصبح الناس غدوا‬
‫على رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كلهم يرجو أن ُيعطاها‪ ،‬فقال‪ ":‬أين‬
‫علي بن أبي طالب؟" فقيل‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬يشتكي عينه‪ ،‬قال‪ ":‬فأرسلوا‬
‫إليه"‪ ،‬فأ ُِتي به فبصق رسول الله – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في عينيه‪ ،‬ودعا‬
‫له فبرئ حتى كأن لم يكن به وجع‪ ،‬فأعطاه الراية‪ ،‬فقال رضي الله عنه‪ :‬يا‬
‫سلك حتى تنزل‬ ‫رسول الله‪ ،‬أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا‪ ،‬فقال‪" :‬انفذ على رِ ْ‬
‫بساحتهم‪ ،‬ثم ادعهم إلى السلم‪ ،‬وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه‪،‬‬
‫دا خير لك من أن يكون لك حمر النعم"‪.‬‬ ‫فوالله لن يهدي الله بك رجل ً واح ً‬
‫رواه أحمد‪.‬‬
‫ذكر إخاء النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬علّيا ‪ -‬رضي الله عنه ‪:-‬‬
‫عن سعد بن أبي وقاص ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬خّلف رسول الله ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬علي بن أبي طالب في غزوة تبوك‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول الله‪،‬‬
‫تخلفني في النساء والصبيان؟ فقال‪" :‬أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون‬
‫من موسى‪ ،‬غير أنه ل نبي بعدي" ُأخرج في الصحيحين‪.‬‬
‫مل من مناقبه‬ ‫ج َ‬
‫ذكر ُ‬
‫عن أبي صالح قال‪ :‬قال معاوية بن أبي سفيان لضرار بن ضمرة‪ :‬صف لي‬
‫علّيا‪ ،‬فقال‪ :‬أوتعفيني؟ قال‪ :‬بل صفه‪ ،‬قال‪ :‬أوتعفيني؟ قال‪ :‬ل أعفيك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ل‪ ،‬ويحكم عد ً‬
‫ل‪،‬‬ ‫أما إذن فإنه والله كان بعيد المدى‪ ،‬شديد القوى‪ ،‬يقول فص ً‬
‫يتفجر العلم من جوانبه‪ ،‬وينطق بالحكمة من نواحيه‪ ،‬يستوحش من الدنيا‬
‫وزهرتها‪ ،‬ويستأنس بالليل وظلمته‪ ،‬كان والله غزير الدمعة‪ ،‬طويل الفكرة‪،‬‬
‫يقلب كفه‪ ،‬ويخاطب نفسه‪ ،‬يعجبه من اللباس ما خشن‪ ،‬ومن الطعام ما‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شب‪ ،‬كان والله كأحدنا‪ ،‬يجيبنا إذا سألناه‪ ،‬ويبتدئنا إذا أتيناه‪ ،‬ويأتينا إذا‬ ‫ج ُ‬
‫َ‬
‫دعوناه‪ ،‬ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا ل نكلمه هيبة ول نبتديه لعظمه‪،‬‬
‫ظم أهل الدين‪ ،‬ويحب المساكين‪ ،‬ل‬ ‫فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم‪ ،‬يع ّ‬
‫يطمع القويّ في باطله‪ ،‬ول ييئس الضعيف من عدله‪ ،‬وأشهد بالله لقد رأيته‬
‫في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سجوفه وغارت نجومه‪ ،‬وقد مثل في‬
‫ضا على لحيته‪ ،‬يتململ تململ السليم‪ ،‬ويبكي بكاء الحزين‪ ،‬وكأني‬ ‫محرابه قاب ً‬
‫وفت؟ هيهات‬ ‫َ‬
‫أسمعه وهو يقول‪ :‬يا دنيا يا دنيا‪ ،‬أِبي تعّرضت‪ ،‬أم لي َتش ّ‬
‫غريّ غيري‪ ،‬قد باينتك ثلًثا‪ ،‬ل رجعة لي فيك‪ ،‬فعمرك قصير‪ ،‬وعيشك‬ ‫هيهات‪ُ ،‬‬
‫حقير‪ ،‬وخطرك كبير‪ ،‬آه من قلة الزاد‪ ،‬وُبعد السفر‪ ،‬ووحشة الطريق‪.‬‬
‫قال‪ :‬فذرفت دموع معاوية ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬حتى خرت على لحيته‪ ،‬فما‬
‫يملكها وهو ينشفها بكمه‪ ،‬وقد اختنق القوم بالبكاء‪ .‬ثم قال معاوية‪ :‬رحم الله‬
‫أبا الحسن‪ ،‬كان والله كذلك‪ ،‬فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال‪ :‬حزن من ُذبح‬
‫ولدها في حجرها فل ترقأ عبرتها ول يسكن حزنها‪.‬‬
‫كلمات من مواعظه‬
‫عن عبد خير عن علي ‪-‬كرم الله وجهه‪ -‬قال‪ :‬ليس الخير أن يكثر مالك‬
‫وولدك‪ ،‬ولكن الخير أن يكثر عملك ويعظم حلمك‪ ،‬ول خير في الدنيا إل لحد‬
‫رجلين‪ :‬رجل أذنب ذنوًبا فهو يتدارك ذلك بتوبة‪ ،‬أو رجل يسارع في الخيرات‪،‬‬
‫ل ما ُيتقبل؟!‬ ‫ل عمل في تقوى‪ ،‬وكيف يق ّ‬ ‫ول يق ّ‬
‫وعن مهاجر بن عمير قال‪ :‬قال علي بن أبي طالب‪ :‬إن أخوف ما أخاف اتباع‬
‫الهوى وطول المل‪ :‬فأما اتباع الهوى فيصد ّ عن الحق‪ ،‬وأما طول المل‬
‫حلت‬ ‫حلت مدبرة‪ ،‬أل وإن الخرة قد تر ّ‬ ‫فينسي الخرة‪ ،‬أل وإن الدنيا قد تر ّ‬
‫مقبلة‪ ،‬ولكل واحدة منهما ب َُنون‪ ،‬فكونوا من أبناء الخرة‪ ،‬ول تكونوا من أبناء‬
‫دا حساب ول عمل‪.‬‬ ‫الدنيا‪ ،‬فإن اليوم عمل ول حساب‪ ،‬وغ ً‬
‫وعن عاصم بن ضمرة عن علي –رضي الله عنه‪-‬قال‪ :‬أل إن الفقيه الذي ل‬
‫خص لهم في‬ ‫منهم من عذاب الله‪ ،‬ول ُير ّ‬ ‫ُيقّنط الناس من رحمة الله‪ ،‬ول يؤ ّ‬
‫معاصي الله‪ ،‬ول يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره‪ ،‬ول خير في عبادة ل علم‬
‫دبر فيها‪.‬‬ ‫فيها‪ ،‬ول خير في علم ل فهم فيه‪ ،‬ول خير في قراءة ل ت ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وعن عبد الله بن عباس‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬أنه قال‪ :‬ما انتفعت بكلم أحد بعد‬
‫ي بن‬‫ي عل ّ‬ ‫رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬كانتفاعي بكتاب كتب به إل ّ‬
‫وت ما لم يكن ليدركه‪،‬‬ ‫ي‪ :‬أما بعد‪ ..‬فإن المرء يسؤوه ف ْ‬ ‫طالب‪ ،‬فإنه كتب إل ّ‬
‫ويسّره درك ما لم يكن ليفوته‪ ،‬فليكن سرورك بما نلت من أمر آخرتك‪،‬‬
‫حا‪ ،‬وما‬‫وليكن أسفك على ما فاتك منها‪ ،‬وما نلت من دنياك فل ُتكثرن به فر ً‬
‫فاتك منها فل تأس عليه حزًنا‪ ،‬وليكن همك فيما بعد الموت"‪.‬‬
‫وقد كان ‪-‬كرم الله وجهه‪ -‬أقرب العشرة المشهود لهم بالجنة نسًبا لرسول‬
‫الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬وقد شهد بيعة الرضوان‪ ،‬وقد قال الله تعالى‬
‫ت‬‫ح َ‬
‫ك تَ ْ‬‫ن إ ِذ ْ ي َُباي ُِعون َ َ‬‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ي الل ّ ُ‬
‫ه عَ ِ‬ ‫ض َ‬ ‫عمن شهد هذه البيعة‪" :‬ل َ َ‬
‫قد ْ َر ِ‬
‫ة"‪.‬‬
‫جَر ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ش َ‬
‫ارتقائه منكب رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫عن أبي مريم عن علي ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬قال‪ :‬انطلقت أنا والنبي –عليه‬
‫الصلة والسلم‪ -‬حتى أتينا الكعبة‪ ،‬فقال لي رسول الله ‪-‬صلى الله عليه‬
‫فا‪،‬‬
‫وسلم‪" :-‬اجلس"‪ .‬وصعد على منكبي‪ ،‬فذهبت لنهض به‪ ،‬فرأى مني ضع ً‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فنزل‪ ،‬وجلس لي نبي الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬وقال لي‪" :‬اصعد على‬
‫ي أني لو شئت‬ ‫منكبي"‪ ،‬فصعدت على منكبيه قال‪ :‬فنهض بي فإنه ليخيل إل ّ‬
‫صفر أو نحاس‪،‬‬ ‫لنلت أفق السماء‪ ،‬حتى صعدت على البيت وعليه تمثال ُ‬
‫فجعلت أزاوله عن يمينه وعن شماله‪ ،‬ومن بين يديه ومن خلفه‪ ،‬حتى‬
‫استمكنت منه قال لي رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪" :-‬اقذف به"‪،‬‬
‫فتكسر كما تتكسر القوارير‪ ،‬ثم نزلت فانطلقت أنا ورسول الله ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬نستبق حتى توارينا بالبيوت خشية أن يلقانا أحد من الناس )رواه‬
‫أحمد(‪.‬‬
‫بطولته وشجاعته‬
‫كان من أعظم وأشجع البطال الذين عرفهم السلم‪ ،‬لقد كان ل يهاب‬
‫الموت‪ ،‬ول يهاب عد َّوا أّيا كان ذلك العدو‪ ،‬وقد كان له دستور ينتهجه في‬
‫ما يتمثله في بيتين من الشعر‪:‬‬ ‫حياته‪ ،‬وكان دائ ً‬
‫ي من الموت أفر يوم ل قُد َّر أم يوم قُدِْر‬ ‫أيّ يوم ّ‬
‫يوم ل قُد َّر ل أرهُبه ومن المقدورِ ل ُيغني ال َ‬
‫حذ َْر‬
‫وقد ظهرت شجاعته وبراعته في القتال والمنازلة بصورة جلية في غزوة بدر‬
‫حين خرج هو وعمه حمزة وعبيدة بن الحارث‪ ،‬وبارزوا عتبة بن ربيعة وأخاه‬
‫شيبة وابنه الوليد‪.‬‬
‫ضا في غزوة الخندق خرج من‬ ‫وفي غزوة أحد أبدع في المبارزة والنزال‪ ،‬وأي ً‬
‫صفوف الكفار عمرو بن ود‪ ،‬وصرخ‪ :‬من يبارز؟ فترّدد الصحابة‪ ،‬ولكن علّيا‬
‫قال للرسول – صلى الله عليه وسلم‪ :-‬أنا له يا رسول الله‪ ،‬فدار بينهما‬
‫م‪ ،‬كان لعلي – كرم الله وجهه ‪ -‬النصر فيه‪ .‬وفي يوم خيبر‬ ‫صراع عنيف دا ٍ‬
‫كان له النصر‪ ،‬وفتحها الله على يديه ‪ -‬رضي الله عنه ‪.-‬‬
‫استشهاده‬
‫ضربه عبد الرحمن بن ملجم بالكوفة يوم الجمعة لثلث عشرة ليلة بقيت من‬
‫سله ابناه الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر‪ ،‬وصّلى عليه ابنه‬ ‫رمضان‪ ،‬وغ ّ‬
‫الحسن‪ ،‬ود ُِفن في السحر وهو ابن ثمان وخمسين سنة‪.‬‬
‫وعن أبي أراكة قال‪ :‬صليت مع علي بن أبي طالب ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬صلة‬
‫الفجر‪ ،‬فلما سّلم انفتل عن يمينه‪ ،‬ثم مكث كأن عليه كآبة‪ ،‬حتى إذا كانت‬
‫الشمس على حائط المسجد قيد رمح قال وقلب يده‪ :‬لقد رأيت أصحاب‬
‫رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬فما أرى اليوم شيًئا يشبههم‪ ،‬لقد كانوا‬
‫دا‬‫ج ً‬‫س ّ‬
‫معَّزى‪ ،‬قد باتوا ُ‬ ‫كيب ال ُ‬‫غبًرا بين أعينهم أمثال وَ ِ‬‫يصبحون شعًثا صفًرا ُ‬
‫ما يتلون كتاب الله يراوحون بين جباههم وأقدامهم‪ ،‬فإذا أصبحوا فذكروا‬ ‫وقيا ً‬
‫الله‪ ،‬مادوا كما تميد الشجرة في يوم الريح‪ ،‬وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم‪،‬‬
‫والله لكأن القوم باتوا غافلين‪ ،‬ثم نهض فما ُرئي يضحك حتى ضربه ابن‬
‫ملجم‪.‬‬ ‫ُ‬
‫رضي الله تعالى عنه وأرضاه‬

‫)‪(2 /‬‬

‫استصحاب الطلق المعّلق إلى زواج آخ ٍ‬


‫ر‬
‫السؤال‪:‬‬
‫حلف على زوجته بالطلق أل يوصلها ‪ ،‬و أن ل يذهب معها إلى دارٍ بعينها ‪ ،‬ثم‬
‫كبرى فهل لو تزوجها‬ ‫طلقها فعل ً ‪ ،‬و لكن لسباب أخرى ‪ ،‬و بانت منه بينونة ُ‬
‫مرة أخرى يظل هذا اليمين ساريا ً على الزواج الجديد ‪ ،‬أم ل ؟‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجواب ‪:‬‬
‫أقول مستعينا بالله تعالى ‪:‬‬ ‫ً‬
‫ل لُعرى الزوجّية و رواِبطها بالكامل ‪ ،‬فإذا ط ُّلقت المرأة ُ طلقا ً‬ ‫الطلق ح ّ‬
‫ل لها أن‬ ‫عصمة زوجها ‪ ،‬و ل يح ّ‬ ‫خَرجت من ِ‬ ‫دة ؛ فقد َ‬ ‫خرجت من الع ّ‬ ‫بائنا ً ‪ ،‬و َ‬
‫ة فيه ‪ ،‬فإذا‬ ‫تعود إلى عصمته إل بعد أن تنكح زوجا ً غيره نكاحا ً صحيحا ً ل حيل َ‬
‫دتها ‪ ،‬فلها و ل َِزوجها الّول أن يتزّوجا من‬ ‫ع ّ‬ ‫ضت ِ‬ ‫ق َ‬ ‫قها الزوج الخر ‪ ،‬و ان َ‬ ‫ط َل ّ َ‬
‫دين ‪.‬‬ ‫عقدٍ جدي َ‬ ‫جديدٍ ‪ ،‬بمهرٍ و َ‬
‫ض العلماء بين ما إذا كانت بينونة المرأة من زوجها بانقضاء‬ ‫و قد فّرق بع ُ‬
‫ت بائنة ‪ ،‬و قد أحسن‬ ‫دة بعد طلقةٍ أو طلقتين ‪ ،‬أو كانت بثلث تطليقا ٍ‬ ‫الع ّ‬
‫عرض أقوال أهل الِعلم في المسألة عند‬ ‫المام القرطبي رحمه الله ‪ ،‬في َ‬
‫جا غَي َْره ُ فَإ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫ح َزوْ ً‬ ‫حّتى ت َن ْك ِ َ‬ ‫ن ب َعْد ُ َ‬‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫لل ُ‬ ‫َ‬ ‫ح ّ‬‫قَها فََل ت َ ِ‬ ‫ن ط َل ّ َ‬ ‫تفسير قوله تعالى ) فَإ ِ ْ‬
‫هّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دود ُ الل ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫َ‬
‫دود َ اللهِ وَت ِلك ُ‬ ‫ح ُ‬‫ما ُ‬ ‫قي َ‬
‫ن يُ ِ‬‫ن ظّنا أ ْ‬ ‫جَعا إ ِ ْ‬ ‫ن ي َت ََرا َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ح عَل َي ْهِ َ‬ ‫جَنا َ‬ ‫قَها فََل ُ‬ ‫ط َل ّ َ‬
‫ن ( ] البقرة ‪ ، [ 230 :‬فقال رحمه الله ‪:‬‬ ‫مو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َعْل َ ُ‬ ‫ي ُب َي ّن َُها ل ِ َ‬
‫ما ( أي المرأة‬ ‫َ‬
‫ح عَلي ْهِ َ‬ ‫جَنا َ‬ ‫َ‬
‫قَها ( يريد الزوج الثاني ‪ ) ،‬فل ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن طل َ‬ ‫َ‬
‫قوله تعالى ‪) :‬فإ ِ ْ‬
‫و الزوج الول ‪ ,‬قاله ابن عباس ‪ ,‬و ل خلف فيه ‪ .‬قال ابن المنذر ‪ :‬أجمع أهل‬
‫حّر إذا طلق زوجته ثلثا ً ‪ ،‬ثم انقضت عدتها و نكحت زوجا ً‬ ‫العلم على أن ال ُ‬
‫آخر و دخل بها ثم فارقها و انقضت عدتها ثم نكحت زوجها الول أنها تكون‬
‫عنده على ثلث تطليقات ‪.‬‬
‫ة أو تطليقتين ثم تتزوج غيره ثم‬ ‫واختلفوا في الرجل يطلق امرأته تطليق ً‬
‫ترجع إلى زوجها الول ‪ ,‬فقالت طائفة ‪ :‬تكون على ما بقي من طلقها ‪ ,‬و‬
‫كذلك قال الكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم … و به قال‬
‫عبيدة السلماني و سعيد بن المسيب و الحسن البصري و مالك و سفيان‬
‫الثوري و ابن أبي ليلى و الشافعي و أحمد و إسحاق و أبو عبيد و أبو ثور و‬
‫محمد بن الحسن و ابن نصر ‪.‬‬
‫ن ‪ ،‬و هو ) أن النكاح جديد و الطلق جديد ( … و به قال عطاء‬ ‫و فيه قول ثا ٍ‬
‫شريح و النعمان و يعقوب ‪.‬‬ ‫و النخعي و ُ‬
‫… و فيه قول ثالث ‪ ،‬و هو ‪ :‬إن كان دخل بها الخير فطلق جديد و نكاح‬
‫جديد ‪ ,‬و إن لم يكن دخل بها فعلى ما بقي ‪ ,‬هذا قول إبراهيم النخعي ‪.‬انتهى‬
‫من تفسير القرطبي ‪.‬‬
‫مد بن‬ ‫ّ‬ ‫مح‬ ‫و‬ ‫أحمد‬ ‫و‬ ‫الشافعي‬ ‫و‬ ‫مالك‬ ‫)‬ ‫الجمهور‬ ‫مذهب‬ ‫ت ‪ :‬و الرجح‬ ‫قل ُ‬
‫ة أو‬ ‫ن المرأةَ إذا ط ُّلقت طلق ً‬ ‫الحسن من الحنفّية و من وافقهم ( في أ ّ‬
‫دة ‪ ،‬فتزّوجت غيَره ‪،‬‬ ‫عصمة الزوج الّول بانقضاء الع ّ‬ ‫خرجت من ِ‬ ‫قَتين ‪ ،‬ثم َ‬ ‫طل َ‬ ‫َ‬
‫ة أو‬ ‫ً‬ ‫ة طلق ًً‬ ‫عصمة الّول ‪ ،‬فإّنها تعود مطّلق ً‬ ‫ة و عادت إلى ِ‬ ‫م طّلقت ثاني ً‬ ‫ث ّ‬
‫ة واحدةً‬ ‫قها طلق ً‬ ‫ّ‬
‫قَتين ‪ ،‬على ما كانت عليه قبل بينونتها الولى ‪ ،‬فإن طل َ‬ ‫طل َ‬
‫عصمته ‪.‬‬ ‫قها ‪ ،‬و تخرج بها من ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ة في َ‬ ‫فهي ثالث ٌ‬
‫م‬
‫ل معّين ‪ ،‬ث ّ‬ ‫معلق ‪ ،‬فلو علقَ طلَقها على ِفع ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫و على هذا ُيقاس الطلق ال ُ‬
‫ل من ثلث طلقات ‪ ،‬ثم عادت إلى‬ ‫دة من أق ّ‬ ‫ت من عصمته بانقضاء الع ّ‬ ‫خَرج ْ‬ ‫َ‬
‫فعل الذي عُلق عليه‬ ‫ّ‬ ‫خَرين ‪ ،‬فليحذرا من إيقاع ال ِ‬ ‫قآ َ‬ ‫عصمته بعد زواٍج و طل ٍ‬
‫َ‬
‫ن في ُوقوعه إيقاعٌ للطلق ‪ ،‬و الله أعلم ‪.‬‬ ‫الطلق في الزواج الّول ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن عودتها‬ ‫ً‬
‫عصمة الزوج الّول بسبب طلقها ثلثا ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫جها من ِ‬ ‫خرو ُ‬ ‫ما إن كان ُ‬ ‫أ ّ‬
‫ً‬
‫خر ‪ ،‬ي ُعَد ّ زواجا جديدا له‬ ‫ً‬ ‫عصمته ‪ ،‬بعد زواجها و طلقها من الزوج ال َ‬ ‫إلى ِ‬
‫شروطه و أحكامه ‪ ،‬و كل ما كان في الزواج الّول قبل الطلق ) من مهر و‬ ‫ّ‬
‫من ‪ ،‬و نحو ذلك ( يعتبُر لغيا ً ‪ ،‬و على‬ ‫ق للطلق بالفعل أو الَز َ‬ ‫عقدٍ و تعلي ٍ‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الزوجين أن يستأِنفا حياتهما الزوجّية من جديد ‪ ،‬و بالله التوفيق ‪.‬‬


‫مد و آله و صحبه أجمعين‬ ‫و صلى الله و سّلم و بارك على نبّينا مح ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫استضعاف الدين‪..‬واستنبات التطرف‬


‫جمال سلطان ‪25/9/1425‬‬
‫‪08/11/2004‬‬
‫في مصر الن ضجة بسبب تهور أحد المشتغلين بمجال الفن التليفزيوني‬
‫دا‪ ،‬وهجومه الجارح على أحد الصحابة ودخوله شريكا ً في جدل تاريخي‬ ‫تحدي ً‬
‫ليس من أهله ول من خبرائه‪ ،‬وصاحب هذا الهجوم الجارح على شخصية‬
‫إسلمية تاريخية لها هذه الحساسية ‪-‬وهو يدرك أن لها هذه الحساسية‪ -‬صدر‬
‫من شخص يعمل "كاتب سيناريو" لفلم ومسلسلت تليفزيونية‪ ،‬معظمها‬
‫يتصل بتاريخ الراقصات والبغايا وبعض الشأن السياسي‪ ،‬وكان من الحمق‬
‫والندفاع إلى حد تكرار الهجوم والسباب عبر أكثر من منبر بعضها صحافي‬
‫وبعضها تليفزيوني‪ ،‬حتى إن البعض لحظ أنه كلما وجد ردود الفعل عليه‬
‫عنيفة وقاسية كلما زاد حبوره وابتهاجه وأوغل في حمقه وابتذاله‪ .‬تأملت هذه‬
‫الحالة الغريبة‪ ،‬أو التي كنت أظنها غريبة‪ ،‬ثم سريعا ً أفقت على حقيقة أن‬
‫هذه ‪-‬مع السف‪ -‬أصبحت ظاهرة عامة‪ ،‬في العالم العربي‪ ،‬وهي جزء مما‬
‫يمكن وصفه باستضعاف الدين وأهله‪ ،‬وذلك أن مثل هذا السباب المشين‬
‫الذي أطلقه هذا الشخص ل يمكن له أن يطلقه على حاكم بلده مثل ً أو‬
‫شخصية لها خطرها وأهميتها فيه‪ ،‬لنه يعلم أن في ذلك قطع رقاب أو ‪-‬على‬
‫القل‪ -‬قطع أسباب العيش عنه وعن ذريته إلى أبعد حفيد‪ ،‬هو يعلم ذلك‪،‬‬
‫ويعلم أنه لو فعل ذلك مع مسؤول العلم في بلده‪ ،‬وليس الحاكم‪ ،‬لتحولت‬
‫كتاباته في الفن إلى أقرب صندوق للقمامة‪ ،‬ولما وجدت طريقها أبدا ً إلى‬
‫التليفزيون أو جهات النتاج‪ ،‬وقد ذاق الرجل شيئا ً من ذلك العذاب المضني‬
‫لي مشتغل في قطاع الفن‪ ،‬في السنوات الماضية‪ ،‬عندما أعلن عن موقفه‬
‫الداعم للطاغية العراقي صدام حسين‪ ،‬أيام غزوه للكويت‪ ،‬فما كان منه إل‬
‫أن كال السباب المسف للخليج وأهله‪ ،‬فعاقبته جهات كثيرة بالطريقة‬
‫المعهودة‪ ،‬وهي منع قبول أي انتاج يكون هو مشاركا ً فيه‪ ،‬وبالتالي امتنعت‬
‫جهات النتاج في مصر وغيرها عن قبول أعماله‪ ،‬لنها تعلم أنها لن تبيع شيئا ً‬
‫وستكون خسارتها فادحة‪ ،‬فقطعت أسباب كثيرة لعيشه الرغيد الذي تقلب‬
‫فيه مع النخبة المترفة‪ ،‬خاصة وقد نسي أوقات الحرمان والعذاب بعد أن‬
‫انتقل من مدرس لرياض الطفال متواضع المكانة والدخل إلى كاتب سيناريو‬
‫كبير يتقلب في النعيم والرفاهية‪ ،‬وهذا الموقف زاده هوسا ً وحمقًا‪ ،‬فتحول‬
‫بسبابه وهجائه إلى الصحابة‪ ،‬لنه اعتبرهم " خليجة " ! ‪ -‬مواطنين خليجيين ‪-‬‬
‫وبالتالي فهم في مرمى سبابه وتصفية حسابه مع الجميع‪ ،‬هذا بالضافة إلى‬
‫خرافات أخرى أقدم عليها عندما هاجم شعائر السلم والحجاب والنقاب‬
‫واللحى واللتزام بالهدي والسنن‪ ،‬واعتبر ذلك غزوا ً بدويا ً لمصر‪ ،‬وبطبيعة‬
‫الحال يجد له في ما يقوله بعض النصار من هنا وهناك ممن يتربصون شرا ً‬
‫بكل ما يتصل بهذه المة من تاريخ أو دين أو هوية أو كرامة‪ ،‬المر الذي‬
‫يشجعه على مزيد من الحمق والندفاع‪ ،‬ولكن الذي تحار فيه ويحار فيه‬
‫العقلء أن كثيرا ً من هذه المنابر التي تتضامن معه وتدافع عنه هي مؤسسات‬
‫رسمية تنفق عليها الدولة من أموال الناس‪ ،‬سواء كانت منابر إعلمية‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صحافية أو إذاعية أو كانت منابر ثقافية‪ ،‬وهو المر الذي يعطي النطباع ‪-‬‬
‫الذي قد يكون خاطئا ً ‪ -‬بأن هناك دعما رسميا لمثل هذا الهجوم على الدين‬
‫وأهله‪ ،‬وخطورة هذه المسألة أنها تمنح أجيال ً جديدة من الشباب النطباع بأن‬
‫الدولة ضد الدين‪ ،‬بكل ما تحمله هذه المعاني من خطورة كبيرة على وعي‬
‫هؤلء الشباب وتحولهم المؤكد إلى التطرف وربما العنف من ورائه‪ ،‬ثم تدور‬
‫الدوائر وتشتبك الطراف ويكثر الجدل وتضيع المسائل وتغيب وسط هذا كله‬
‫الحقيقة الساسية‪ ،‬وإذا ذهبت تبحث في أصولها ومنابتها‪ ،‬تجد أن صناعة‬
‫التطرف واستنباته‪ ،‬لم تكن في خطب المشايخ أو دروس العلماء أو مناهج‬
‫المعاهد الدينية‪ ،‬كما زعم المريكان ورجالهم هنا‪ ،‬وإنما جذور التطرف‬
‫وميلده كانت عبر كتابات بذيئة مثل هذه الكتابات التي نشير إليها‪،‬‬
‫واستضعاف مهين للدين وأهله ومقدساته‪ ،‬وغفلة ليست بريئة من الدولة‬
‫ومؤسساتها الرسمية أعطت النطباع بأن الدين مستهدف وأن هناك توجها ً‬
‫رسميا ً لهانة الدين وتحطيم مكانته في نفوس الناس‪ ،‬إنها ليست بطولة على‬
‫الطلق أن تهاجم الدين ومقدساته وتهين أهله بالتوازي مع الهجمة المريكية‬
‫على السلم ورموزه ومقدساته وأهله‪ ،‬ليست هذه بطولة أبدًا؛ بل هي لون‬
‫من الخسة والنذالة‪ ،‬وادعاء البطولة والشجاعة حيث ل بطولة ول شجاعة‪،‬‬
‫وإنما هو ركوب للموجة‪ ،‬واستضعاف للدين في أوقات محنته ومحنة أهله‪،‬‬
‫نأمل أن يتضامن كل العقلء في هذه المة‪ ،‬ومن كل تياراتها‪ ،‬لوقف هذه‬
‫الموجة من البتذال والنتهازية والنذالة‪ ،‬لن عواقبها بالغة الخطورة‪ ،‬وهي‬
‫نوع من اللعب بالنار‪ ،‬في وقت نرى بأعيننا الحرائق من حولنا في كل مكان‬
‫من أرض الله ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫استعادة العضو المقطوع في الحد‬


‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪ ...‬الفهرسة‪ /‬الحدود‪/‬مسائل متفرقة‬
‫التاريخ ‪29/07/1427 ...‬هـ‬
‫السؤال‬
‫نعلم حديثا أنه أمكن وصل اليد المقطوعة بشكل جراحي سواء أكانت يده‬
‫الصلية أم يد متبرع آخر فهل يجوز السماح لمن أقيم عليه حد السرقة بقطع‬
‫اليد أن يأخذ يده المقطوعة ويقوم بإعادة وصلها جراحيا ً على نفقته الخاصة‪.‬‬
‫الجواب‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫هذا الموضوع مبني على مسألة )زراعة العضاء( في النسان المريض رجل ً‬
‫كان أو امرأة‪ ،‬وهي مسألة حادثة في هذا العصر‪ ،‬لم تعرف عند السلف؛‬
‫ولهذا اختلف العلماء المعاصرون فيها بين مؤيد ومعارض‪ ،‬فعقدت لها‬
‫الندوات والمؤتمرات العلمية‪ ،‬ونوقشت كثيرا ً في المجامع الفقهية ودور‬
‫الفتاء‪.‬‬
‫ولعل منشأ البحث في المسألة تحديدا‪ :‬هل يجوز للمسلم أن يتبرع لحد‬
‫بعضو من جسمه‪ ،‬وهل لوليائه أن يتبرعوا ببعض أعضائه بعد موته؟‬
‫قد يبدو لول وهلة المنع من ذلك؛ لن النسان ل يملك نفسه وجسمه‪،‬‬
‫وبالتالي فأولياؤه كذلك؛ لن الله هو المالك الحقيقي‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولكن عند النظر والتأمل نجد أن جسم النسان ‪-‬وإن كان وديعة من الله عند‬
‫أهله– غير أنه يجوز للنسان التصرف به لما يصلحه من تطبيب وعلج‪ ،‬وقد‬
‫أمر الله بذلك على لسان رسوله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬فقال‪" :‬إن الله‬
‫أنزل الداء والدواء‪ ،‬وجعل لكل داء دواء‪ ،‬فتداووا‪ ،‬ول تداووا بحرام"‪ .‬أخرجه‬
‫أبو داود )‪ .(3874‬وأباح الله لعبده التصرف بالمال‪ ،‬مع أن المال مال الله‬
‫ه‪"....‬‬
‫ن ِفي ِ‬ ‫خل َ ِ‬
‫في َ‬ ‫ست َ ْ‬
‫م ْ‬
‫كم ُ‬‫جعَل َ ُ‬
‫ما َ‬‫م ّ‬‫قوا ِ‬ ‫استخلف النسان فيه فقال‪ ..." :‬وَأ َن ْفِ ُ‬
‫م" ]النور‪.[33:‬‬ ‫ذي آَتاك ُ ْ‬‫ل الل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫من َ‬ ‫هم ِ‬
‫]الحديد‪ .[7:‬وقال‪َ" :‬وآُتو ُ‬
‫فإذا جاز تصرف النسان للمصلحة بماله الذي نص الله بأنه مستخلف فيه‬
‫حقيقة‪ ،‬فجواز تصرفه ببعض أعضاء بدنه مما لم ينص عليه من باب أولى‪.‬‬
‫وأيضا ً فإن السلم أمر بالصدقة والحسان إلى الغير‪ ،‬ولم يقصر ذلك على‬
‫المال فقط‪ ،‬بل بّين الدنى فقط؛ ففي الحديث‪" :‬تبسمك في وجه أخيك‬
‫صدقة‪...‬وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق صدقة‪ ....‬وإفراغك‬
‫من دلوك في دلو أخيك لك صدقة" أخرجه الترمذي )‪ (1956‬وغيره‪.‬‬
‫أفتكون إزالة الذى عن طريق أخيك المسلم‪ ،‬أو تبسمك في وجهه صدقة‬
‫أعظم من أن تراه أو تعلمه يتضور من اللم ويكاد يموت‪ ،‬وهو بحاجة ماسة‬
‫إلى قطرة دم أو عضو من أعضائك يحيا به ول يضرك‪ ،‬وأنت قادر على نفعه‪،‬‬
‫فل تفعل‪ ،‬وتكتفي بالبشاشة في وجهه!!؟ إن هذا الفعل والله لهو السفه‬
‫والجهول بعينه‪ ،‬وإن تزّيى بزي العلم والفقه‪.‬‬
‫وإضافة لما سبق فإن التبرع بالعضاء ل يقتضي جواز بيعها؛ لن البيع في‬
‫عرف الفقهاء هو مبادلة مال بمال‪ .‬وبدن النسان ليس مال ً حتى يدخل في‬
‫المعاوضة والمساومة‪ ،‬بل هو أشرف من المال؛ فالمال خادم والبدن مخدوم‪.‬‬
‫ولكن لما ضعف وازع الدين والضمير راجت تجارة بيع أعضاء النسان بسوق‬
‫أشبه ما يكون بسوق النخاسة‪ .‬تباع فيه أعضاء الفقراء والمساكين لحساب‬
‫الغنياء‪ .‬غير أن بذل المنتفع بالعضو لمن تبرع به مبلغا ً من المال كهدية أو‬
‫مساعدة على بذله المعروف دون مشارطة أو مساومة –لكان حسنًا‪ -‬وهذا‬
‫أشبه ما يكون بالمكافأة والحسان من المقترض للمقرض‪ ،‬وهو من مكارم‬
‫الخلق‪ ،‬كما يقول الرسول –صلى الله عليه وسلم‪" :-‬إن خياركم أحسنكم‬
‫قضاء"‪ .‬صحيح البخاري )‪ ،(2305‬صحيح مسلم )‪.(1601‬‬
‫وفي الثر‪" :‬خير الناس أنفعهم للناس" صحيح الجامع )‪ .(3289‬ويقول علي‬
‫بن أبي طالب –رضي الله عنه‪" :-‬يا سبحان الله ما أزهد أكثر الناس في‬
‫الخير‪ ،‬يجيء المسلم أخاه المسلم في الحاجة‪ ،‬فل يرى نفسه للخير أه ً‬
‫ل‪ ،‬فل‬
‫يقضيها له –إن كان قادرًا‪ -‬ولو كان ل يرجو ثوابا ً ول يخشى عقابا ً لكان ينبغي‬
‫له أن يسارع في مكارم الخلق؛ فإنها تدل على سبيل النجاح"‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وما قد يظهر منه منع التبرع ببعض العضاء‪ ،‬كحديث‪" :‬كسر عظم الميت‬
‫ككسر عظم الحي" أخرجه أبو داود )‪ ،(3207‬وابن ماجه )‪،(1617)،(1616‬‬
‫وغيرهما‪ .‬يجاب عنه بأن أخذ العضو من جسم الميت ل ينافي حرمته‬
‫وتعظيمه؛ فهو يؤخذ من جسم الميت بعناية في عملية جراحية كما لو كان‬
‫حّيا‪ ،‬وحينئذ ل يعتبر هذا تمثيل ً أو تشويها ً أو إهانة‪ ،‬بل النسان بعد موته ليس‬
‫لديه أهلية تملك‪ ،‬فإن ماله ينتقل إلى ورثته‪ ،‬وقد جعل الله لولياء المقتول‪:‬‬
‫ص‬
‫صا ِ‬ ‫ق َ‬‫م ِفي ال ْ ِ‬ ‫القصاص أو العفو أو أخذ الدية أو بعضها في قوله تعالى‪" :‬وَل َك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫م ْ‬
‫ه ِ‬‫ي لَ ُ‬ ‫ف َ‬
‫ن عُ ِ‬‫م ْ‬ ‫ن" ]البقرة‪ .[179:‬وقوله "فَ َ‬‫قو َ‬ ‫ب ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م ت َت ّ ُ‬ ‫حَياة ٌ َيا أوِلي اْلل َْبا ِ‬
‫َ‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫أَ ِ‬
‫من َرب ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ف ِ‬ ‫في ٌ‬‫خ ِ‬‫ك تَ ْ‬‫ن ذ َل ِ َ‬
‫سا ٍ‬‫ح َ‬ ‫ف وَأَداٌء إ ِل َي ْهِ ب ِإ ِ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫يٌء َفات َّباع ٌ ِبال ْ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫خيهِ َ‬
‫ة" ]البقرة‪ .[178:‬فبمجرد حصول القتل ينتقل حق القتيل من قاتله في‬ ‫م ٌ‬‫ح َ‬‫وََر ْ‬
‫الدنيا إلى أولياء المقتول؛ يتصرفون في حق ميتهم بما يرونه مصلحة لهم وله‬
‫ما هي‬ ‫على السواء‪ ،‬والمصلحة الدينية والدنيوية إذا كانت متعدية ونفعها عا ّ‬
‫أعظم عند الله وعند خلقه‪.‬‬
‫وعلى هذا فإن التبرع بالعضو جائز سواء كان في الحياة أو بعد الموت بوصية‬
‫منه‪ ،‬أو تصرف من أوليائه بعد وفاته‪.‬‬
‫وإذا كان المر كذلك فإن إعادة العضو المقطوع في حد شرعي كاليد‬
‫المقطوعة في السرقة‪ ،‬تجوز ما دامت ممكنة بعملية جراحية‪ ،‬سواء كانت يد‬
‫صاحبها أو غيره؛ لن قصد الشارع من إقامة الحد على السارق أن ينكل به‬
‫فل يعود بعد أن أحس بألم القطع‪ ،‬وظهرت لعامة الناس بسببه العظة‬
‫هّ‬ ‫َ‬
‫ن الل ِ‬
‫م َ‬ ‫كاًل ِ‬ ‫سَبا ن َ َ‬
‫ما ك َ َ‬
‫جَزاًء ب ِ َ‬ ‫ما َ‬‫ة َفاقْط َُعوا أي ْدِي َهُ َ‬ ‫سارِقَ ُ‬ ‫سارِقُ َوال ّ‬ ‫والعبرة‪َ" :‬وال ّ‬
‫ً‬
‫م" ]المائدة‪ .[38:‬والشارع الحكيم ل يتشوف أبدا إلى التشنيع‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫أو التشهير قبل الحدث أو بعده‪ ،‬وإنما أجاز مشاهدة إقامة الحد فقط‬
‫ن" ]النور‪.[2:‬‬ ‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬‫ف ٌ‬‫طائ ِ َ‬‫ما َ‬ ‫ذاب َهُ َ‬‫شهَد ْ عَ َ‬ ‫"وَل ْي َ ْ‬
‫والحدود الشرعية مطهرات لصحابها‪ ،‬ففي الحديث الصحيح أن رسول الله –‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬لما سمع قائل ً يقول لشارب خمر أقيم عليه الحد‪:‬‬
‫أخزاك الله‪ .‬قال‪" :‬ل تقولوا هكذا ل تعينوا عليه الشيطان" صحيح البخاري )‬
‫‪.(6777‬‬
‫ولما سب أحد الصحابة الغامدية –رضي الله عنها‪ -‬لما أقيم عليها حد الرجم‪،‬‬
‫قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪" :-‬لقد تابت توبة لو تابها صاحب‬
‫مكس لغفر له"‪ .‬صحيح مسلم )‪.(1695‬‬
‫ومن رحمة الله أن جعل الحدود كفارة لصحابها‪ ،‬ففي حديث عبادة بن‬
‫الصامت –رضي الله عنه‪ -‬عند البخاري )‪" :(3892‬ومن أصاب من ذلك شيئا ً‬
‫فعوقب به فهو كفارة له‪ ،‬ومن أصاب من ذلك شيئا ً فستره الله فأمره إلى‬
‫الله؛ إن شاء عاقبه‪ ،‬وإن شاء عفا عنه"‪.‬‬
‫ول يسعى أو يستشرف السلم إلى التشهير وهو يجد للستر على المذنب‬
‫منفذًا‪ ،‬ففي الحديث الصحيح‪" :‬من أصاب من هذه القاذورات –الذنوب‪ -‬شيئا‪ً،‬‬
‫فليستتر بستر الله‪ ،‬فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله"‪ .‬الموطأ )‬
‫‪ ،(1299‬صحيح الجامع )‪.(149‬‬
‫وإذا كان الشارع الحكيم ل يحب التشهير ول الشاعة التي تنتج ضررا ً فإنما‬
‫يكتفي بالحد المقرر للذنب‪ ،‬ول يجوز تجاوزه –إذا كان المر كذلك ‪-‬فإن إعادة‬
‫اليد المقطوعة في السرقة جائز شرعًا؛ لحصول الحد المقرر والحكمة منه‬
‫م" ]المائدة‪.[38:‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل ّهِ َوالل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫كاًل ِ‬ ‫"ن َ َ‬
‫هذا ما ظهر لي في هذه المسألة المذكورة في السؤال‪ ،‬وهي من النوازل‬
‫والمستجدات في هذا العصر‪ .‬فإن وفقت فمن الله وإل فمن نفسي‬
‫والشيطان‪ .‬والله أعلم‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫استعلء اليمان‬
‫يتناول الدرس مصدر عزة المؤمن وهو اليمان الذي يستعلي به على كل‬
‫صنوف الذى والشهوات والمغريات والطواغيت ‪ ،‬ثم ذكر نماذج من الرعيل‬
‫الول على عزتهم وترفعهم على الباطل‪ ،‬واستعلئهم بمنهجهم الحق وماذا‬

‫‪203‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بعد الحق إل الضلل؟!‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن]‪][[139‬سورة آل‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م ُ‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬
‫م العْلوْ َ‬ ‫{وََل ت َهُِنوا وََل ت َ ْ‬
‫حَزُنوا وَأن ْت ُ ُ‬
‫عمران[‪.‬‬
‫أول ما يتبادر إلى الذهن من هذا التوجيه أنه ينصب على حالة الجهاد الممثلة‬
‫في القتال‪..‬ولكن حقيقة هذا التوجيه ومداه أكبر وأبعد من هذه الحالة‬
‫المفردة‪ ،‬بكل ملبساتها الكثيرة ‪.‬‬
‫إنه يمثل الحالة الدائمة التي ينبغي أن يكون عليها شعور المؤمن‪ ،‬وتصوره‪،‬‬
‫وتقديره للشياء والحداث‪ ،‬والقيم والشخاص سواء ‪.‬‬
‫إنه يمثل حالة الستعلء التي يجب أن تستقر عليها نفس المؤمن إزاء كل‬
‫شيء‪ ،‬وكل وضع‪ ،‬وكل قيمة‪ ،‬وكل أحد‪:‬‬
‫الستعلء باليمان وقيمه على جميع القيم المنبثقة من أصل غير أصل اليمان‬
‫‪.‬‬
‫الستعلء على قوى الرض الحائدة عن منهج اليمان ‪.‬‬
‫وعلى قيم الرض التي لم تنبثق من أصل اليمان ‪.‬‬
‫وعلى تقاليد الرض التي لم يصغها اليمان ‪.‬‬
‫وعلى قوانين الرض التي لم يشرعها اليمان ‪.‬‬
‫وعلى أوضاع الرض التي لم ينشئها اليمان ‪.‬‬
‫الستعلء ‪ ..‬مع ضعف القوة‪ ،‬وقلة العدد‪ ،‬وفقر المال‪ ،‬كالستعلء مع القو‬
‫والكثرة‪ ،‬والغنى على السواء ‪.‬‬
‫الستعلء‪ ..‬الذي ل يتهاوى أمام قوة باغية‪ ،‬ول عرف اجتماعي‪ ،‬ول تشريع‬
‫باطل‪ ،‬ول وضع مقبول عند الناس ول سند له من اليمان ‪ ..‬وليست حالة‬
‫التماسك والثبات في الجهاد إل حالة واحدة من حالت الستعلء التي يشملها‬
‫هذا التوجيه اللهي العظيم ‪.‬‬
‫والستعلء باليمان ليس مجرد عزمة مفردة‪ ،‬ول نخوة دافعة‪ ،‬ول حماسة‬
‫فائرة‪ ،‬إنما هو الستعلء القائم على الحق الثابت المركوز في طبيعة‬
‫الوجود ‪ .‬الحق الباقي وراء منطق القوة‪ ،‬وتصور البيئة‪ ،‬واصطلح المجتمع‪،‬‬
‫وتعارف الناس؛ لنه موصول بالله الحي الذي ل يموت ‪.‬‬
‫إن للمجتمع منطقه السائد وعرفه العام وضغطه الساحق ووزنه الثقيل ‪..‬‬
‫على من ليس يحتمي منه بركن ركين‪ ،‬وعلى من يواجهه بل سند متين ‪.‬‬
‫وللتصورات السائدة والفكار الشائعة إيحاؤهما الذي يصعب التخلص منه بغير‬
‫الستقرار على حقيقة تصغر في ظلها تلك التصورات والفكار‪ ،‬والستمداد‬
‫من مصدر أعلى وأكبر وأقوى ‪.‬‬
‫والذي يقف في وجه المجتمع‪ ،‬ومنطقه السائد‪ ،‬وعرفه العام‪ ،‬وقيمه‬
‫واعتباراته‪ ،‬وأفكاره وتصوراته‪ ،‬وانحرافاته ونزواته ‪ ..‬يشعر بالغربة كما يشعر‬
‫بالوهن‪ ،‬ما لم يكن يستند إلى سند أقوى من الناس‪ ،‬وأثبت من الرض‪،‬‬
‫وأكرم من الحياة ‪.‬‬
‫والله ل يترك المؤمن وحيدا يواجه الضغط‪ ،‬وينوء به الثقل‪ ،‬ويهده الوهن‬ ‫ً‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م اْل َعْل َوْ َ‬
‫ن إِ ْ‬ ‫حَزُنوا وَأن ْت ُ ُ‬‫والحزن‪ ،‬ومن ثم يجيء هذا التوجيه‪{ :‬وََل ت َهُِنوا وََل ت َ ْ‬
‫ن]‪'} [139‬سورة آل عمران'‪.‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م ُ‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫يجيء هذا التوجيه؛ ليواجه الوهن كما يواجه الحزن‪ ..‬وهما الشعوران‬
‫المباشران اللذان يساوران النفس في هذا المقام ‪ . .‬يواجههما بالستعلء ل‬
‫ل إلى القوة الطاغية‪،‬‬ ‫بمجرد الصبر والثبات‪ ،‬والستعلء الذي ينظر من عَ ٍ‬
‫والقيم السائدة‪ ،‬والتصورات الشائعة‪ ،‬والعتبارات والوضاع والتقاليد‬
‫والعادات‪ ،‬والجماهير المتجمعة على الضلل ‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن المؤمن هو العلى سندا ً ومصدرا ً ‪ ..‬فما تكون الرض كلها ؟ وما يكون‬
‫الناس ؟ وما تكون القيم السائدة في الرض؟ والعتبارات الشائعة عند‬
‫ن الله يتلقى‪ ،‬وإلى الله يرجع‪ ،‬وعلى منهجه يسير؟‬ ‫م ْ‬
‫الناس؟ وهو ِ‬
‫وهو العلى إدراكا ً وتصورا ً لحقيقة الوجود ‪ ..‬فاليمان بالله الواحد في هذه‬
‫الصورة التي جاء بها السلم هو أكمل صورة للمعرفة بالحقيقة الكبرى ‪.‬‬
‫وحين تقاس هذه الصورة إلى ذلك الركام من التصورات والعقائد والمذاهب‪،‬‬
‫سواء ما جاءت به الفلسفات الكبرى قديما‪ ،‬وما انتهت إليه العقائد الوثنية‬
‫والكتابية المحرفة‪ ،‬وما اعتسفته المذاهب المادية الكالحة ‪ ..‬حين تقاس هذه‬
‫الصورة المشرقة الواضحة الجميلة المتناسقة‪ ،‬إلى ذلك الركام وهذه‬
‫التعسفات؛ تتجلى عظمة العقيدة السلمية كما لم تتجلى قط ‪ .‬وما من شك‬
‫أن الذين يعرفون هذه المعرفة هم العلون على كل من هناك ‪.‬‬
‫وهو العلى تصورا ً للقيم والموازين التي توزن بها الحياة والحداث والشياء‬
‫والشخاص ‪ .‬فالعقيدة المنبثقة عن المعرفة بالله بصفاته كما جاء بها‬
‫السلم‪ ،‬ومن المعرفة بحقائق القيم في الوجود الكبير ل في ميدان الرض‬
‫الصغير ‪ .‬هذه العقيدة من شأنها أن تمنح المؤمن تصورا ً للقيم أعلى وأضبط‬
‫من تلك الموازين المختلفة في أيدي البشر‪ ،‬الذين ل يدركون إل ما تحت‬
‫أقدامهم ‪ .‬ول يثبتون على ميزان واحد في الجيل الواحد ‪ .‬بل في المة‬
‫الواحدة ‪ .‬بل في النفس الواحدة من حين إلى حين ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وهو العلى ضميرا ً وشعورًا‪ ،‬وخلقا ً وسلوكا ً ‪ ..‬فإن عقيدته في الله ذي‬
‫السماء الحسنى والصفات المثلى‪ ،‬هي بذاتها موحية بالرفعة والنظافة‬
‫والطهارة والعفة والتقوى‪ ،‬والعمل الصالح والخلفة الراشدة ‪ .‬فضل ً على‬
‫إيحاء العقيدة عن الجزاء في الخرة ‪ .‬الجزاء الذي تهون أمامه متاعب الدنيا‬
‫وآلمها جميعا ً ‪ .‬ويطمئن إليه ضمير المؤمن ‪ -‬ولو خرج من الدنيا بغير‬
‫نصيب‪.-‬‬
‫ً‬
‫وهو العلى شريعة ونظاما ‪ .‬وحين يراجع المؤمن كل ما عرفته البشرية‬
‫قديما ً وحديثًا‪ ،‬ويقيسه إلى شريعته ونظامه‪ ،‬فسيراه كله أشبه شيء‬
‫بمحاولت الطفال وخبط العميان‪ ،‬إلى جانب الشريعة الناضجة والنظام‬
‫ل في عطف وإشفاق على‬ ‫الكامل ‪ .‬وسينظر إلى البشرية الضالة من عَ ٍ‬
‫بؤسها وشقوتها‪ ،‬ول يجد في نفسه إل الستعلء على الشقوة والضلل ‪.‬‬
‫وهكذا كان المسلمون الوائل‪ :‬كانوا يقفون أمام المظاهر الجوفاء‪ ،‬والقوى‬
‫المنتفخة‪ ،‬والعتبارات التي كانت تتعبد الناس في الجاهلية ‪ ..‬والجاهلية‬
‫ليست فترة من الزمان‪ ،‬وإنما هي حالة من الحالت تتكرر كلما انحرف‬
‫المجتمع عن نهج السلم‪ ،‬في الماضي والحاضر والمستقبل على السواء ‪.‬‬
‫‪E‬وهكذا وقف المغيرة بن شعبة أمام صور الجاهلية وأوضاعها وقيمها‬
‫وتصوراتها في معسكر رستم قائد الفرس المشهور‪ :‬فعن أبي عثمان النهدي‬
‫قال‪ :‬لما جاء المغيرة إلى القنطرة‪ ،‬فعبرها إلى أهل فارس أجلسوه‪،‬‬
‫واستأذنوا رستم في إجازته‪ ،‬ولم يغيروا من شارتهم تقوية لتهاونهم‪ ،‬فأقبل‬
‫المغيرة بن شعبة والقوم في زيهم‪ ،‬عليهم التيجان والثياب المنسوجة‬
‫بالذهب‪ ،‬وبسطهم على غلوة ‪ -‬والغلوة مسافة رمية سهم وتقدر بثلثمائة أو‬
‫أربعمائة خطوة ‪ -‬ل يصل إلى صاحبهم حتى يمشي على غلوة‪ ،‬وأقبل المغيرة‬
‫وله أربع ضفائر يمشي حتى يجلس على سريره ووسادته‪ ،‬فوثبوا عليه‬

‫‪205‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فترتروه وأنزاوه ومغثوه‪ -‬أي‪:‬صرعوه‪ -‬فقال‪ ] :‬كانت تبلغنا عنكم الحلم‪ ،‬ول‬
‫أرى قوما أسفه منكم‪ ،‬إنا معشر العرب سواء ل يستعبد بعضنا بعضًا‪ ،‬إل أن‬
‫يكون محاربا ً لصاحبه ‪ ،‬فظننت أنكم تواسون قومكم كما نتواسى ‪ .‬وكان‬
‫أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض‪ ،‬وأن هذا المر ل‬
‫يستقيم فيكم‪ ،‬فل تصنعه‪ ،‬ولم آتكم ولكن دعوتموني ‪ .‬اليوم علمت أن أمركم‬
‫مل ْك َا ً ل يقوم على هذه السيرة ول على هذه‬ ‫مضمحل‪ ،‬وأنكم مغلوبون‪ ،‬وأن ُ‬
‫العقول ‪.‬‬
‫‪ E‬كذلك وقف ربعي بن عامر مع رستم هذا وحاشيته قبل وقعة القادسية‪:‬‬
‫ي بن عامر رسول ً إلى رستم‬ ‫أرسل سعد ُ بن أبي وقاص قبل القادسية ربع ّ‬
‫قائد الجيوش الفارسية وأميرهم‪ ،‬فدخل عليه وقد زينوا مجلسه بالنمارق‬
‫والزرابي والحرير وأظهر اليواقيت والللىء الثمينة العظيمة‪ ،‬وعليه تاجه‪،‬‬
‫وغير ذلك من المتعة الثمينة‪ ،‬وقد جلس على سرير من ذهب‪ ،‬ودخل ربعي‬
‫بثياب صفيقة وترس وفرس قصيرة ‪ .‬ولم يزل راكبها حتى داس بها على‬
‫طرف البساط‪ ،‬ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد‪ ،‬وأقبل وعليه سلحه‬
‫وبيضته على رأسه‪ ،‬فقالوا له‪ :‬ضع سلحك‪ ،‬فقال‪ ] :‬إني لم آتكم‪ ،‬وإنما‬
‫جئتكم حين دعوتموني‪ ،‬فإن تركتموني هكذا وإل رجعت[ فقال رستم‪ :‬ائذنوا‬
‫له‪ .‬فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق لخرق عامتها ‪ .‬فقال رستم ‪ :‬ما جاء‬
‫بكم ؟ فقال‪ ] :‬الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله‬
‫وحده‪ ،‬ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والخرة‪ ،‬ومن جور الديان إلى عدل‬
‫السلم[ ‪.‬‬
‫وتتبدل الحوال ويقف المسلم موقف المغلوب المجرد من القوة المادية‪ ،‬فل‬
‫ل ما دام مؤمنًا‪ ،‬ويستيقن‬ ‫يفارقه شعوره بأنه العلى وينظر إلى غالبه من عَ ٍ‬
‫أنها فترة وتمضي‪ ،‬وإن لليمان كرة ل مفر منها ‪ .‬وهبها كانت القاضية؛ فإنه ل‬
‫يحني لها رأسًا‪:‬‬
‫‪ E‬إن الناس كلهم يموتون أما هو فيستشهد ‪ .‬وهو يغادر هذه الرض إلى‬
‫الجنة‪ ،‬وغالبه يغادرها إلى النار ‪ ..‬وشتان شتان‪ ،‬وهو يسمع نداء ربه الكريم‪:‬‬
‫ل ث ُم ْ‬
‫م‬‫جهَن ّ ُ‬
‫م َ‬ ‫مأَواهُ ْ‬‫مَتاع ٌ قَِلي ٌ ّ َ‬‫فُروا ِفي ال ْب َِلِد]‪َ [196‬‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬
‫قل ّ ُ‬ ‫{َل ي َغُّرن ّ َ‬
‫ك تَ َ‬
‫َ‬
‫حت َِها اْلن َْهاُر‬
‫ن تَ ْ‬
‫م ْ‬‫ري ِ‬‫ج ِ‬
‫ت تَ ْ‬‫جّنا ٌ‬
‫م َ‬ ‫م ل َهُ ْ‬
‫وا َرب ّهُ ْ‬
‫ق ْ‬
‫ن ات ّ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫َ‬
‫مَهاُد]‪[197‬لك ِ ِ‬ ‫س ال ْ ِ‬‫وَب ِئ ْ َ‬
‫خي ٌْر ل ِْلب َْراِر]‪' }[198‬سورة آل‬ ‫َ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ َ‬
‫ما ِ‬ ‫عن ْدِ الل ّهِ وَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِفيَها ن ُُزًل ِ‬ ‫دي َ‬‫خال ِ ِ‬
‫َ‬
‫عمران' ‪.‬‬
‫وتسود المجتمع عقائد وتصورات وقيم وأوضاع كلها مغاير لعقيدته وتصوره‬
‫وقيمه وموازينه‪ ،‬فل يفارقه شعوره بأنه العلى‪ ،‬وبأن هؤلء كلهم في‬
‫ل في كرامة واعتزاز‪ ،‬وفي رحمة كذلك‬ ‫الموقف الدون ‪ .‬وينظر إليهم من عَ ٍ‬
‫وعطف‪ ،‬ورغبة في هدايتهم إلى الخير الذي معه‪ ،‬ورفعهم إلى الفق الذي‬
‫يعيش فيه ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ويضج الباطل ويصخب‪ ،‬ويرفع صوته وينفش ريشه‪ ،‬وتحيط به الهالت‬


‫المصطنعة التي تغشي على البصار والبصائر‪ ،‬فل ترى ما وراء الهالت من‬
‫ل إلى الباطل‬
‫قبح شائه دميم‪ ،‬وفجر كالح لئيم ‪ ..‬وينظر المؤمن من عَ ٍ‬
‫المنتفش‪ ،‬وإلى الجموع المخدوعة‪ ،‬فل يهن ول يحزن‪ ،‬ول ينقص إصراره على‬
‫الحق الذي معه‪ ،‬وثباته على المنهج الذي يتبعه‪ ،‬ول تضعف رغبته كذلك في‬
‫هداية الضالين والمخدوعين ‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويغرق المجتمع في شهواته الهابطة‪ ،‬ويمضي مع نزواته الخليعة ويلصق‬


‫بالوحل والطين‪ ،‬حاسبا ً أنه يستمتع وينطلق من الغلل والقيود ‪ .‬وتعز في‬
‫مثل هذا المجتمع كل متعة بريئة وكل طيبة حلل‪ ،‬ول يبقى إل المشروع‬
‫ل إلى الغارقين في‬ ‫السن‪ ،‬وإل الوحل والطين ‪ . .‬وينظر المؤمن من عَ ٍ‬
‫الوحل اللصقين بالطين ‪ ..‬وهو مفرد وحيد‪ ،‬فل يهن ول يحزن‪ ،‬ول تراوده‬
‫نفسه أن يخلع رداءه النظيف الطاهر‪ ،‬وينغمس في الحمأة‪ ،‬وهو العلى‬
‫بمتعة اليمان ولذة اليقين ‪.‬‬
‫ويقف المؤمن قابضا ً على دينه كالقابض على الجمر في المجتمع الشارد عن‬
‫الدين‪ ،‬وعن الفضيلة‪ ،‬وعن القيم العليا‪ ،‬وعن الهتمامات النبيلة‪ ،‬وعن كل ما‬
‫هو طاهر نظيف جميل ‪ ..‬ويقف الخرون هازئين بوقفته‪ ،‬ساخرين من‬
‫ل إلى‬ ‫تصوراته‪ ،‬ضاحكين من قيمه ‪ ..‬فما يهن المؤمن وهو ينظر من عَ ٍ‬
‫الساخرين والهازئين والضاحكين‪ ،‬وهو يقول كما قال واحد من الرهط الكرام‬
‫الذين سبقوه في موكب اليمان العريق الوضئ ‪ ،‬في الطريق اللحب‬
‫ما‬‫م كَ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫خُر ِ‬ ‫س َ‬ ‫مّنا فَإ ِّنا ن َ ْ‬ ‫خُروا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫الطويل ‪ ..‬نوح عليه السلم‪...{:‬إ ِ ْ‬
‫ن]‪'}[38‬سورة هود' ‪.‬‬ ‫خُرو َ‬ ‫س َ‬ ‫تَ ْ‬
‫وهو يرى نهاية الموكب الوضئ ‪ ..‬ونهاية القافلة البائسة في قوله تعالى‪{:‬‬
‫ال ّذي َ‬
‫ن]‬ ‫مُزو َ‬ ‫م ي َت ََغا َ‬ ‫مّروا ب ِهِ ْ‬ ‫ن]‪[29‬وَإ َِذا َ‬ ‫كو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ض َ‬ ‫مُنوا ي َ ْ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫كاُنوا ِ‬ ‫موا َ‬ ‫جَر ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ‬
‫ن هَؤَُلِء‬ ‫إ‬ ‫لوا‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫[‬‫‪31‬‬ ‫ن]‬ ‫هي‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫بوا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫بوا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ذا‬‫َ‬
‫ِ ّ‬ ‫َِ َ ْ ُ ْ‬ ‫ِِ َ‬ ‫ْ ِِ ُ ْ ُ‬
‫ُ‬ ‫ْ ُ ِ‬ ‫‪ِ َ [30‬‬
‫إ‬ ‫و‬
‫فاِر‬‫ن ال ْك ُ ّ‬ ‫م َ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ن]‪َ[33‬فال ْي َوْ َ‬ ‫ظي َ‬ ‫حافِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫سُلوا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ما أْر ِ‬ ‫ن]‪[32‬وَ َ‬ ‫ضاّلو َ‬ ‫لَ َ‬
‫ن]‪[36‬‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ب ال ْك ُ ّ‬ ‫ل ث ُوّ َ‬ ‫ن]‪[35‬هَ ْ‬ ‫ك ي َن ْظ ُُرو َ‬ ‫َ‬
‫ن]‪[34‬عََلى اْلَرائ ِ ِ‬ ‫ح ُ‬
‫فاُر َ‬ ‫كو َ‬ ‫ض َ‬‫يَ ْ‬
‫}'سورة المطففين'‪.‬‬
‫م َءاَيات َُنا‬ ‫وقديما ً قص القرآن الكريم قول الكافرين للمؤمنين‪ {:‬وَإ َِذا ت ُت ْلى عَلي ْهِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫مُنوا أ َيّ ال ْ َ‬
‫ن ن َدِّيا]‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ما وَأ ْ‬ ‫قا ً‬ ‫م َ‬ ‫خي ٌْر َ‬ ‫ن َ‬ ‫قي ْ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫فُروا ل ِل ّ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫ب َي َّنا ٍ‬
‫‪' }[73‬سورة مريم'‪.‬‬
‫أي الفريقين؟ الكبراء الذين ل يؤمنون بمحمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬؟ أم‬
‫الفقراء الذين يلتفون حوله؟ أي الفريقين؟ النضر بن الحارث وعمرو بن‬
‫هشام والوليد بن المغيرة وأبو سفيان بن حرب ؟ أم بلل وعمار وصهيب‬
‫وخباب ؟‬
‫ً‬
‫أفلو كان ما يدعو إليه محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬خيرا أفكان أتباعه‬
‫يكونون هم هؤلء النفر‪ ،‬الذين ل سلطان لهم في قريش ول خطر‪ ،‬وهم‬
‫يجتمعون في بيت متواضع كدار الرقم‪ ،‬ويكون معارضوه هم أولئك أصحاب‬
‫الندوة الفخمة الضخمة‪ ،‬والمجد والجاه والسلطان ؟!‬
‫إنه منطق الرض‪ ،‬منطق المحجوبين عن الفاق العليا في كل زمان ومكان ‪.‬‬
‫وإنها لحكمة الله أن تقف العقيدة مجردة من الزينة والطلء عاطلة من‬
‫عوامل الغراء‪ ،‬ل قربى من حاكم‪ ،‬ول اعتزاز بسلطان‪ ،‬ول هتاف بلذة‪ ،‬ول‬
‫دغدغة لغريزة‪ ،‬وإنما هو الجهد والمشقة والجهاد والستشهاد؛ ليقبل عليها‬
‫من يقبل‪ ،‬وهو على يقين من نفسه أنه يريدها لذاتها خالصة لله من دون‬
‫الناس‪ ،‬ومن دون ما تواضعوا عليه من قيم ومغريات‪ ،‬ولينصرف عنها من‬
‫يبتغي المطامع والمنافع‪ ،‬ومن يشتهي الزينة والبهة‪ ،‬ومن يطلب المال‬
‫والمتاع‪ ،‬ومن يقيم لعتبارات الناس وزنا ً حين تخف في ميزان الله ‪.‬‬
‫إن المؤمن ل يستمد قيمه وتصوراته وموازينه من الناس حتى يأسى على‬
‫تقدير الناس‪ ،‬إنما يستمدها من رب الناس وهو حسبه وكافيه ‪.‬‬
‫إنه ل يستمدها من شهوات الخلق حتى يتأرجح مع شهوات الخلق‪ ،‬وإنما‬
‫يستمدها من ميزان الحق الثابت الذي ل يتأرجح ول يميل ‪ ..‬إنه ل يتلقاها من‬

‫‪207‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا العالم الفاني المحدود‪ ،‬وإنما تنبثق في ضميره من ينابيع الوجود ‪ ..‬فأنى‬
‫يجد في نفسه وهنا ً أو يجد في قلبه حزنًا‪ ،‬وهو موصول برب الناس وميزان‬
‫الحق وينابيع الوجود ؟‬
‫إنه على الحق ‪ ..‬فماذا بعد الحق إل الضلل ؟ وليكن للضلل سلطانه‪ ،‬وليكن‬
‫له هيله وهيلمانه‪ ،‬ولتكن معه جموعه وجماهيره ‪ ..‬إن هذا ل يغير من الحق‬
‫ن الضل َ‬
‫ل‬ ‫شيئًا‪ ،‬إنه على الحق وليس بعد الحق إل الضلل‪ ،‬ولن يختار مؤم ٌ‬
‫ن ‪ -‬ولم يعدل بالحق الضلل كائنة ما كانت الملبسات‬ ‫ق ‪ -‬وهو مؤم ٌ‬ ‫على الح ِ‬
‫والحوال ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب]‬‫ها ُ‬
‫ت الوَ ّ‬ ‫ة إ ِن ّ َ‬
‫ك أن ْ َ‬ ‫م ً‬
‫ح َ‬
‫ك َر ْ‬ ‫ن لد ُن ْ َ‬‫م ْ‬ ‫ب لَنا ِ‬ ‫{َرب َّنا َل ت ُزِغ ْ قُلوب ََنا ب َعْد َ إ ِذ ْ هَد َي ْت ََنا وَهَ ْ‬
‫ُ‬
‫ميَعاَد]‪' }[9‬سورة‬ ‫ف ال ْ ِ‬‫خل ِ ُ‬‫ه َل ي ُ ْ‬‫ن الل ّ َ‬‫ب ِفيهِ إ ِ ّ‬ ‫س ل ِي َوْم ٍ َل َري ْ َ‬ ‫معُ الّنا ِ‬ ‫جا ِ‬
‫ك َ‬ ‫‪َ[8‬رب َّنا إ ِن ّ َ‬
‫آل عمران'‪.‬‬
‫من كتاب‪':‬معالم في الطريق' للستاذ‪ /‬سيد قطب‬

‫)‪(3 /‬‬

‫استغفار العاملين‬
‫عمر بن عبد الله المقبل* ‪4/10/1425‬‬
‫‪17/11/2004‬‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫ب لهدايته‪ ،‬فهو‬ ‫ل في آياته‪ ،‬الطال ِ‬ ‫فل تزال عجائب القرآن تتجدد لقارئه‪ ،‬المتأم ِ‬
‫يرى فيه ‪-‬مع اختلف الزمنة والمكنة‪ ،‬وتنوع الحداث‪ -‬البلسم الشافي‪،‬‬
‫ج من هذه الظلمات التي تتخبط فيها المة!‪.‬‬ ‫والدواء الناجع‪ ،‬والمخر َ‬
‫ً‬
‫إنني حين أذكر ذلك‪ ،‬فإني ل أضيف جديدا‪ ،‬ولكنني أعّبر عما يختلج في‬
‫ر‬
‫النفس من مشاعر موقنة بهذا أشد اليقين‪ ،‬وهي ترى أمتها مبتعدة في كثي ٍ‬
‫من جوانب حياتها عن هذا النور‪ ،‬والهدى‪ ،‬والرحمة‪ ،‬والشفاء‪.‬‬
‫دعنا ‪-‬أخي القارئ‪ -‬نأخذ مثال ً من المثلة الكثيرة جدا ً التي عالج القرآن فيها‬
‫ف من المواقف التي انتهى أشخاصها‪ ،‬لكن بقيت‬ ‫مواطن خلل حدثت في موق ٍ‬
‫دروسها وعبرها شاهدة ً لكل المؤمنين الذين يتلون هذا الكتاب العظيم إلى‬
‫يوم القيامة‪.‬‬
‫ما حصل ما حصل في غزوة أحد من هزيمة‪ ،‬ومخالفة الرماة ‪-‬رضي الله‬ ‫ل ّ‬
‫عنهم‪ -‬لمر النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وما ترتب على ذلك من محاولة قتله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وت َْرك بعض الصحابة للقتال بسبب تلك الشاعة التي‬
‫ت‬ ‫صاح بها الشيطان أن محمدا ً صلى الله عليه وسلم قد قتل‪ ،‬جاءت آيا ٌ‬
‫عظيمة عاتب الله تعالى الذين وقع منهم هذا‪ ،‬بآيات منها قوله تعالى ‪" :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ل الل ّهِ وَ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫صاب َهُ ْ‬‫ما أ َ‬ ‫ما وَهَُنوا ْ ل ِ َ‬ ‫ن ك َِثيٌر فَ َ‬ ‫ه رِب ّّيو َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ي َقات َ َ‬ ‫من ن ّب ِ ّ‬ ‫وَك َأّين ّ‬
‫م إ ِل ّ َأن َقاُلوا ْ‬ ‫ن قَوْل َهُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن )‪ (146‬وَ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫صاب ِ‬‫ب ال ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫كاُنوا ْ َوالل ّ ُ‬ ‫ست َ َ‬
‫ما ا ْ‬ ‫فوا ْ وَ َ‬ ‫ضعُ ُ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قوْم ِ‬ ‫صْرَنا عَلى ال َ‬ ‫مَنا وان ُ‬ ‫دا َ‬ ‫ت أقْ َ‬ ‫مرَِنا وَث َب ّ ْ‬ ‫سَرافََنا ِفي أ ْ‬ ‫فْر لَنا ذ ُُنوب ََنا وَإ ِ ْ‬ ‫رب َّنا اغْ ِ‬
‫ن )‪ " (147‬آل عمران‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫وموطن العتبار ‪ -‬الذي أود الحديث عنه ‪ -‬هو ما حكاه الله تعالى عن هذا‬
‫النبي ومن معه من الربيين‪ ،‬الذين كانوا يجاهدون في سبيل الله ‪-‬الذين‬
‫َ‬
‫فْر لَنا‬ ‫جعلهم الله تعالى مثل ً للصحابة رضي الله عنهم‪ -‬الذين قالوا ‪" :‬رب َّنا اغْ ِ‬
‫قوْم ِ ال ْ َ‬‫صْرَنا عََلى ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن"!‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫مَنا وان ُ‬ ‫ت أقْ َ‬
‫دا َ‬ ‫مرَِنا وَث َب ّ ْ‬ ‫سَرافََنا ِفي أ ْ‬ ‫ذ ُُنوب ََنا وَإ ِ ْ‬
‫فهم بعد أن تحدثت الية عن عملهم الظاهر من الثبات أمام العدو‪ ،‬رغم كثرة‬

‫‪208‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القتل الذي أصابهم‪ ،‬بل ورغم قتل نبيهم ‪ -‬كما هو أحد القولين في الية وهو‬
‫اختيار ابن جرير وهو القرب والله أعلم‪ -‬انتقلت الية إلى جانب آخر من‬
‫الجوانب المشرقة في حياة هؤلء البرار‪ ،‬وهو جانب الزراء على النفس‪،‬‬
‫وإظهار الخوف من ذنوبهم‪ ،‬مع جللة عملهم‪ ،‬وفضل مقصدهم ‪" :‬وما كان‬
‫قولهم إل أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا"‪.‬‬
‫ولئن كان سياق كلمهم يوحي بالخوف من ذنوبهم الخاصة‪ ،‬فإن سياق اليات‬
‫كلها ‪-‬في غزوة أحد‪ -‬يوحي أيضا ً بالتحذير والخوف من الذنوب العامة في‬
‫المة‪ ،‬وخطرها على مسيرتها؛ بل وأثرها على بقية أفرادها من الصالحين‬
‫والخيار‪.‬‬
‫ألم يكتو بنار هذا الخطأ ‪-‬في غزوة أحد‪ -‬أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم؛‬
‫فشجت جبينه‪ ،‬وكسرت رباعيته ‪-‬بأبي هو وأمي ونفسي‪ -‬فضل ً عن باقي‬
‫الصحابة الكرام رضي الله عنهم الذين راح بعضهم ضحية هذا الخطأ؟!‬
‫لقد فقه أسلفنا هذا المعنى جيدا ً ‪-‬أعني أثر الذنوب الخاصة والعامة على‬
‫المة‪ -‬وما حديث عمر رضي الله عنه لسعد ٍ ‪-‬حينما أرسله للقادسية‪ -‬محذرا ً‬
‫له من مغبة الذنوب‪ -‬ببعيد عن علم القارئ الكريم‪.‬‬
‫فهل يتنبه كل من يخدم السلم ويعمل له ‪-‬وإن كان في أشرف الميادين‪-‬‬
‫حاجتهم إلى الزراء على نفوسهم‪ ،‬والخوف من آثار الذنوب‪ ،‬ودورها في‬
‫تقليل بركة العمل‪ ،‬وأثرها في تسليط العدو؟!‬
‫وإني لعجب من هذا التعبير الذي يوحي بما كان عليه ذلك النبي عليه الصلة‬
‫ل‪ ،‬وخوف‬ ‫والسلم‪ ،‬ومن معه من الربيين من تعظيم ٍ لله‪ ،‬وافتقاٍر‪ ،‬وابتها ٍ‬
‫ل!‬
‫ٍووج ٍ‬
‫فتأمل في قولهم ‪) :‬ذنوبنا( فهو عموم‪ ،‬ثم خصوا فقالوا ‪) :‬وإسرافنا في‬
‫أمرنا(‪ ،‬ثم سألوا ربهم الثبات‪ ،‬خشية أن تكون ذنوبهم سببا ً في فقده‪.‬‬
‫وما أصعب المر حينما يفقد النسان الثبات أمام عدوه‪ ،‬وهو يعتقد أنه يقاتل‬
‫من أجل حق‪ ،‬فتخذله ذنوبه أحوج ما يكون إلى الثبات والنصر!‬
‫وإذا قرنت هذا الموطن في سورة آل عمران مع آيات سورة النفال التي‬
‫َ‬
‫م فِئ َ ً‬
‫ة‬ ‫قيت ُ ْ‬‫مُنوا ْ إ َِذا ل َ ِ‬‫نآ َ‬
‫ذي َ‬‫نزلت في غزوة بدر؛ وهي قوله تعالى‪َ " :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ه وَل َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫طيُعوا ْ الّله وََر ُ‬ ‫ن )‪ (45‬وَأ ِ‬ ‫حو َ‬ ‫فل َ ُ‬
‫م تُ ْ‬‫ه ك َِثيرا ً ل ّعَل ّك ُ ْ‬
‫َفاث ْب ُُتوا ْ َواذ ْك ُُروا ْ الل ّ َ‬
‫ن )‪."(46‬‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬
‫معَ ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫صب ُِروا ْ إ ِ ّ‬‫م َوا ْ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫ب ِري ُ‬ ‫شُلوا ْ وَت َذ ْهَ َ‬‫ف َ‬ ‫عوا ْ فَت َ ْ‬
‫ت ََناَز ُ‬
‫إذا قرنتهما‪ ،‬تبين لك دقة التفاق والرتباط بين اليات‪ ،‬وأن التوجيه الرباني‬
‫للمؤمنين ‪-‬في التحذير من الذنوب العامة والخاصة‪ -‬بدأ منذ بدايات الجهاد‬
‫وع وأخذ أساليب شّتى‪:‬‬ ‫في سبيل الله تعالى‪ ،‬وأنه تن ّ‬
‫)‪(1 /‬‬

‫فهو في غزوة بدر جاء بصيغة الخطاب المباشر‪ ،‬وفي غزوة أحد ٍ جاء بصيغة‬
‫ب المثل بالسابقين‪ ،‬والمقام ليس مقام مقارنة بين الموضعين‬ ‫العتاب‪ ،‬وضْر ِ‬
‫‪-‬مع أهميته‪-‬؛ فهو يحتاج إلى مقالة مستقلة‪.‬‬
‫ولما فرغ إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلة والسلم من بناء البيت الحرام‪،‬‬
‫ل منا إن َ َ‬ ‫رفعا ذلك الدعاء الذي يفيض ابتهال ً وتضرعًا‪ ،‬فقال‪َ" :‬رب َّنا ت َ َ‬
‫ت‬‫ك أن ْ َ‬ ‫قب ّ ْ ِ ّ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ة لَ َ‬ ‫ُ‬ ‫ن لَ َ‬
‫ك وَأرَِنا‬ ‫م ً‬
‫سل ِ َ‬
‫م ْ‬
‫ة ُ‬ ‫ن ذ ُّري ّت َِنا أ ّ‬
‫م ً‬ ‫م ْ‬
‫ك وَ ِ‬ ‫مي ْ ِ‬
‫سل ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫جعَل َْنا ُ‬ ‫م * َرب َّنا َوا ْ‬ ‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬
‫س ِ‬‫ال ّ‬
‫م" ]البقرة‪ ،[128-127 :‬وشاهد‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حي ُ‬‫ب الّر ِ‬ ‫وا ُ‬ ‫ت الت ّ ّ‬‫ب عَلي َْنا إ ِن ّك أن ْ َ‬ ‫سكَنا وَت ُ ْ‬ ‫مَنا ِ‬
‫َ‬
‫الية في آخرها‪ ،‬ولبن جرير ‪-‬رحمه الله‪ -‬تعليق لطيف عليها يحسن الرجوع‬
‫إليه‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وفي قصة السبعين رجل ً الذين اختارهم موسى عليه الصلة والسلم ‪-‬لما‬
‫ب لَ ْ‬
‫و‬ ‫أخذتهم الرجفة‪ -‬قال موسى مقولة العالم بربه‪ ،‬الخائف من تقصيره‪َ" :‬ر ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ي إ ِل ّ فِت ْن َت ُكَ‬ ‫ن هِ َ‬ ‫مّنا إ ِ ْ‬‫فَهاء ِ‬ ‫س َ‬‫ل ال ّ‬ ‫ما فَعَ َ‬ ‫ي‪ ،‬أت ُهْل ِك َُنا ب ِ َ‬ ‫ل وَإ ِّيا َ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ت أهْل َك ْت َُهم ّ‬ ‫شئ ْ َ‬ ‫ِ‬
‫خي ُْر‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫أن‬ ‫و‬ ‫نا‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫وا‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ر‬‫ف‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫و‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫أن‬ ‫شاء‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫من‬ ‫دي‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫شاء‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ِ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ‬ ‫َ ََِّ‬ ‫َ َ‬ ‫ََْ ِ‬ ‫تُ ِ ِ َ َ َ‬
‫ت‬ ‫من‬ ‫ها‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫ض‬
‫ك"‪.‬‬ ‫خَرةِ إ ِّنا هُد َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫ة وَِفي ال ِ‬ ‫سن َ ً‬ ‫ح َ‬ ‫ب ل ََنا ِفي هَذِهِ الد ّن َْيا َ‬ ‫ن )‪َ (155‬واك ْت ُ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫ال َْغافِ ِ‬
‫فهذه توجعات سادات الولياء والصالحين‪ ،‬وتألهات المخبتين في جميع المم‪،‬‬
‫وهذه هجيرا العارفين بعظيم ما لله تعالى عليهم من عظيم الحق‪ ،‬وجزيل‬
‫المنن‪.‬‬
‫وقضية استغفار العاملين‪ ،‬ليست خاصة بميدان الجهاد في سبيل الله ‪-‬مع ما‬
‫يلقيه المجاهد في سبيل الله من الشدائد المكفرة للذنوب‪-‬؛ بل هي قضية‬
‫ظ هذا جليا ً في بعض‬ ‫ح ُ‬ ‫تتكرر في مواطن أخرى من مواطن العمل الصالح‪ ،‬ي ُل ْ َ‬
‫أركان السلم ودعائمه العظام‪:‬‬
‫ً‬
‫شرع للمسلم أن يستغفر ثلثا ‪ -‬كما‬ ‫ففي الصلة ‪-‬التي هي أعظم العمال‪ُ -‬‬
‫م‬‫ضي ْت ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صحت به السنة الصحيحة الصريحة‪ ،‬وأشار القرآن إليه بقوله ‪" :‬فإ َِذا ق َ‬
‫م ‪ "...‬الية‪.‬‬ ‫جُنوب ِك ُ ْ‬ ‫ه قَِياما ً وَقُُعودا ً وَعََلى ُ‬ ‫صل َة َ َفاذ ْك ُُروا ْ الل ّ َ‬ ‫ال ّ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫وبعد نفير الحجاج من عرفة ومزدلفة إلى منى‪ ،‬أمروا بالستغفار ‪" :‬ث ّ‬
‫أ َفيضوا ْ من حي ُ َ‬
‫م )‪"(199‬‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫فُروا ْ الل ّ َ‬ ‫ست َغْ ِ‬
‫س َوا ْ‬ ‫ض الّنا ُ‬ ‫ث أَفا َ‬ ‫ِ ْ َ ْ‬ ‫ِ ُ‬
‫وها نحن نودع شهر رمضان‪ ،‬بعد ما يسّر الله تعالى فيه بعض العمال‬
‫الصالحة‪ ،‬فهل نستشعر عظيم منة الله علينا بما وفقنا إليه من صالح‬
‫العمل؟! وهل نحن خائفون وجلون من تقصيرنا وتفريطنا في حقه سبحانه؟!‬
‫إن هذا الشعور ينبغي أن يكون شأن المتعامل مع ربه بعبادة خاصة‪ ،‬أو‬
‫متعدية النفع ‪-‬في كل زمان ومكان‪ -‬يرى المنة لربه بتوفيقه للعمل الصالح‪،‬‬
‫ويشعر ‪-‬لما لله عليه من الحق العظيم‪ -‬أنه بحاجة إلى الستغفار من تقصيره‬
‫في حق ربه وموله‪ ،‬وتبرئه من حوله وقوته‪ ،‬وخوفه من حظوظ النفس‪،‬‬
‫وغير ذلك من العوارض المؤثرة في قبول العمل‪ ،‬أو نقص بركته‪.‬‬
‫ً‬
‫هذه إشارات سريعة إلى هذه اللفتة القرآنية الجليلة‪ ،‬وهي تحتاج تفصيل أكثر‬
‫ك أ َنت السميع ال ْعِليم ‪ ...‬وتب عَل َينا إن َ َ‬
‫ب‬‫وا ُ‬ ‫ت الت ّ ّ‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫َْ ِّ‬ ‫َُ ْ‬ ‫ّ ِ ُ َ ُ‬ ‫مّنا إ ِن ّ َ ْ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫قب ّ ْ‬‫من ذلك‪َ" ،‬رب َّنا ت َ َ‬
‫م"‪ ،‬ووفقنا لتدبر كتابك‪ ،‬والعمل به‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد‬ ‫حي ُ‬ ‫الّر ِ‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫* محاضر في قسم السنة ‪ :‬كلية الشريعة ‪ -‬جامعة القصيم‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪210‬‬

You might also like