You are on page 1of 79

‫االستنفار‬

‫للذب عن الصحابة األخيار‬

‫تأليف‬
‫الشيخ سليمان بن ناصر العلوان‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫احلمد هلل رب العاملني والعاقبة للمتقني وال عدوان إال على الظاملني‬
‫وأشهد أن ال إله إال اهلل وحد ال شريك له رب السماوات واألرض وما‬
‫بينهما ورب العرش العظيم ‪ ،‬وأشهد أن حممدًا عبد الله ورسوله املبشر‬
‫النذير والسراج املنري – صلى اهلل عليه وسلم – وعلى آله وصحبه ومن‬
‫تبعهم بإحسان إىل يوم الدين ‪ .‬أما بعـد ‪:‬‬
‫فإن من العقائد واألصول املقررة يف اإلسالم حب الصحابة من‬
‫املهاجرين واألنصار والذين اتبعوهم بإحسان واعتقاد فضيلتهم وصدقهم‬
‫والرتحم على صغريهم وكبريهم وأوهلم وآخرهم وصيانة أعراضهم‬
‫وحرماهتم فذلك أمر ضروري وهو أحد الضروريات اخلمس – الدين‬
‫والنفس والنسل والعقل واملال – اليت جاءت الشريعة باحملافظة عليها‬
‫وضبط حقوقها (‪ )1‬واألخذ على يد من هتكها ‪ ،‬وقد قال النيب – صلى‬
‫اهلل عـليه – وسـلم يف جممـع عظيم من أعظم جمامع املسلمني ( إن دماءكم‬
‫وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا يف شهركم هذا يف‬
‫بلدكم هذا فليبلغ الشاهد الغائب ) رواه البخاري (‪ )67‬ومسلم (‬

‫(?) انظر املوافقات (‪ )1/31‬للشاطيب ‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫‪ )1679‬من طريق ابن سريين عن عبد الرمحن بن أيب بكرة عن أيب بكرة‬
‫رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫عرض املسلم واجلناية عليه عظيم عند اهلل ورسوله‬ ‫فهتك‬
‫واملؤمنني ‪ ،‬وهو من كبائر الذنوب ومن التشبه باملنافقني وأعظم منه‬
‫غمس األلسنة واألقالم يف أهل العلم وحماولة إسقاط قدرهم بأوهام من‬
‫هنا وهناك واإليغال بالدخول يف نياهتم ومقاصدهم والصد عن سبيلهم‬
‫واالستخفاف حبقوقهم ‪.‬‬
‫قال اإلمام عبد الله بن املبارك رمحه اهلل ( مـن استخف بالعلماء‬
‫ذهبت آخرته ) (‪.)1‬‬
‫وقال اإلمام الطحاوي يف عقيدته ‪ ( :‬وعلماء السلف من السابقني‬
‫ومن بعدهم من التابعني أهل اخلري واألثر وأهل الفقه والنظر – ال‬
‫يذكرون إال باجلميل ومن ذكرهم بسوء فهو على غري سبيل ) (‪. )2‬‬
‫وقال احلافظ ابن عساكر ‪ ( :‬واعلم يا أخي ‪ -‬وفقنا اهلل وإياك‬
‫العلماء ‪ -‬رمحة‬ ‫ملرضاته وجعلنا ممن خيشاه ويتقيه حق تقاته ‪ -‬أن حلوم‬
‫اهلل ‪ -‬عليهم مسمومة ‪ ،‬وعادة اهلل يف هتك أستار منتقصيهم معلومة ؛‬

‫(?) سري أعالم النبالء (‪. )17/251 _ 8/408‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) العقيدة الطحاوية ( ص ‪ ) 58‬بتعليق الشيخ األلباين رمحه اهلل ‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫ألن الوقيعة فيهم مبا هم منه براء أمره عظيم ‪ ،‬والتناول ألعراضهم بالزور‬
‫واالفرتاء مرتع وخيم ‪ ،‬واالختالق على من اختاره اهلل منهم لنعش العلم‬
‫خلق ذميم ) (‪. )1‬‬
‫وأكرب ظلمًا وأسوأ حاًال من هذه البلية العظيمة احرتاف هذه‬
‫الظاهرة يف الصحابة الكرام وإطالق العنان للسان يفري يف أعراضهم‬
‫وعدالتهم وحيطم حقائق تارخيهم ‪.‬‬
‫وقد عَّد أهل العلم ذلك زندقة وقرروا أنه ( ال يبسط لسانه فيهم‬
‫إال من ساءت طويته يف النيب – صلى اهلل عليه وسلم – وصحابته‬
‫واإلسالم واملسلمني ) (‪. )2‬‬
‫فهم خري الناس للناس وأفضل تابع خلري متبوع وهم الذين فتحوا‬
‫البالد بالسنان والقلوب باإلميان ‪ ،‬ومل يعرف التاريخ البشري منذ بدايته‬
‫تارخيًا أعظم من تارخيهم وال رجاًال دون األنبياء أفضل منهم وال أشجع ‪،‬‬
‫ومن داخله شك يف هذا فلينظر يف سريهم على ضوء األحاديث‬
‫الصحيحة واآلثار الثابتة يرى أمرًا هائًال من حال القوم وعظيم ما آتاهم‬
‫اهلل من اإلميان واحلكمة والشجاعة والقوة ‪.‬‬

‫(?) تبيني كذب املفرتي ( ص ‪.) 49‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) كتاب اإلمامة ( ص ‪ ) 376‬لإلمام أيب نعيم األصبهاين ‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫وحني ضن غريهم بالنفس واملال واستثقلوا مفارقة األهل والولدان‬


‫اسرتخصوها يف إقامة الدين ومتكني األمم والشعوب من العيش يف أمن‬
‫ورغد حتت حكم اإلسالم فال كان وال يكون مثلهم فهم غيض العداء‬
‫وأهل الوالء والرباء وأنصار الدين ووزراء رسول رب العاملني ‪.‬‬
‫وقد اصطفاهم اهلل لصحبة نبيه ونشر دينه فأخرجوا من شاء اهلل‬
‫من عبادة العباد إىل عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إىل سعتها ومن‬
‫جور أهل الطغيان إىل عدل اإلسالم ‪ ،‬وعلى أيديهم سقطت عروش‬
‫الكفر وحتطمت شعائر اإلحلاد وذلت رقاب اجلبابرة والطغاة ودانت هلم‬
‫املمالك ‪.‬‬
‫ولذا رأيت أن من خري الزاد ليوم املعاد حتريك القلم بلطائف من‬
‫اإلشارات املهمة وشذرات من املعارف املختصرة لدفع عدوان الظاملني‬
‫وكشف زوبعة املتعاملني وتربئة الصحابة املتقني ومناصرهتم من أقالم‬
‫احلاقدين وجهلة األدباء واملؤرخني اخلائضني يف هذا املقام الكبري باجلهل‬
‫واهلوى وقلب احلقائق واالعتماد يف ذلك على اآلثار الضعيفة واألخبار‬
‫الواهية واملرتوكة ‪.‬‬
‫وقد زاد جرم هؤالء وعظم فعلهم حني طعنوا يف كوكبة من‬
‫الصحابة وأوغروا الصدور عليهم بسوء الظن وفرض احتماالت وتكهنات‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫ليس هلا أصل يف الشرع وال مكان يف العقل يف حني ترى بعضًا من‬
‫أولئك حيسنون الظن بالرافضة ودعاهتم واملعتزلة واألشاعرة واملاتريدية‬
‫ومدارسهم ويعظمون رجاالت الفكر املنحرفني وزعماء الفساد امللحدين‬
‫وحيتفون بكتبهم وآرائهم ويضفون عليها الدقة يف التحقيق والسالمة يف‬
‫القصد والعظمة يف اإلنصاف ‪.‬‬
‫وقد لقيت نفرًا ممن تشبعت نفوسهم هبذا الفكر ‪ ،‬فكانت بداية‬
‫احلديث عن العدل واإلنصاف وحفظ حقوق العلماء واجملتهدين وأهل‬
‫الفكر واألدب من املسلمني فّعمت االرتياحية وهّش وا وبشوا وبلغ التفاعل‬
‫واحلماس أشده ‪ ،‬وكنت أوافقهم على هذا األصل ومشروعية العدل يف‬
‫تقومي الناس واحلديث عن جهودهم بيد أن القوم يرمون إىل شيء ‪ ،‬فحني‬
‫جاء احلديث عن الصحابة ومنـزلتهم وضالل أعدائهم غاب العدل عن‬
‫وعيهم وعميت بصريهتم عن ذلك ‪.‬‬
‫فتسارعوا يف الكذب ورواية األباطيل وجهدوا يف تنقص أفراد من‬
‫مسلمة قبل الفتح ومجاعات ممن أسلم بعد ذلك ‪ ،‬وباألخص‬
‫معاوية ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬فتعجبت حينئذ من دعواهم اإلنصاف‬
‫واملطالبة بالعدل يف احلكم على اآلخرين‍‍ وهم يلوكون ألسنتهم يف جند‬
‫اهلل املفلحني الذين أقام اهلل هبم دينه ودفع هبم بأس أعدائه ‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫وعجلت آنذاك إىل اهلل وجهدت يف اهلرب من غضبه وسخطه‬


‫فأطلقت العنان لّلسان يبني سوء منهجهم ويبدي عظيم فعلهم وفساد‬
‫أفكارهم ‪.‬‬
‫وبسطت القول يف حقوق الصحابة وكبري منـزلتهم وال سيما‬
‫معاوية ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬فقد ناله من سالطة ألسنتهم ما مل ينل غريه ‪.‬‬
‫فما كان جواهبم إال أن قالوا هذه املسألة اجتهادية وليست من‬
‫القطعيات فعلمت حينئذ أهنم دعاة هدم وفساد وليسوا من اإلصالح‬
‫والعدل بشيء ‪.‬‬
‫فإىل البيان يف نصرة أئمة الدين ومحاية أعراض زعماء تاريخ األمة‬
‫اإلسالمية من مفرتيات املفتونني بتصيد العثرات والتجريح بالشهوات ‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫فصـل‬
‫من مسات أهل السنة واجلماعة وعالمات أهل األثر واالتباع‬
‫سالمة قلوهبم وألسنتهم للصحابة األخيار ومحلة الشريعة األتقياء األبرار‬
‫والذب عن حرماهتم وأعراضهم من رموز اجلراحني وثلب العابثني وألسنة‬
‫احلاقدين ‪ ،‬والزجر والتغليظ على من تعلق خبيوط األوهام وبات يف أودية‬
‫الظالم فغمس لسانه يف البهت واآلثام وسلب من الصحابة العدالة‬
‫وجعلهم كسائر األنام هلم ماهلم وعليهم ما عليهم فولغ يف حرماهتم‬
‫وأعراضهم ومجع مساويهم وعثراهتم ‪.‬‬
‫وقد أنكر اإلمام أمحد – رمحه اهلل – على من مجع األخبار اليت‬
‫فيها طعن على بعض أصحاب رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم –‬
‫وغضب لذلك غضبًا شديدًا وقال ‪ ( :‬لو كان هذا يف أفناء الناس‬
‫ألنكرته ‪ ،‬فكيف يف أصحاب رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم –‬
‫وقال ‪ :‬أنا مل أكتب هذه األحاديث ‪ ،‬قال املروذي ‪ :‬قلت أليب عبد الله ‪:‬‬
‫فمن عرفته يكتب هذه األحاديث الرديئة وجيمعها أيهجر؟ قال ‪ :‬نعم‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫يستأهل صاحب هذه األحاديث الرديئة الرجم ) رواه اخلالل يف‬


‫السنة ( ‪ )3/501‬بسند صحيح (‪.)1‬‬
‫وقد امتطى هذه األخبار املروية يف مساويهم دعاة الفتنة والضاللة‬
‫فاستخفوا حبرمات املؤمنني ووزراء رسول رب العاملني فبسطوا ألسنتهم‬
‫يف جترحيهم والتشفي منهم بضروب من التطاول والقذف بالباطل ‪ ،‬وهذه‬
‫الرتبص منتهاه نزع الثقة عن خيار األمة والتشكيك يف أعماهلم وفتوحاهتم‬
‫وعلومهم وعدالتهم ‪ ،‬وقد مضت األمة خيارًا عن خيار على مدح‬
‫الصحابة والثناء عليهم وحسن الظن هبم والكف عن مساويهم وسوء‬
‫الظن هبم ‪.‬‬
‫فيا ويل من تعرض هلم بسوء وأوقد نار الفتنة وجرأ السفهاء‬
‫والغوغاء على الوقيعة فيهم وقد قال النيب – صلى اهلل عليه وسلم ‪: -‬‬
‫( ال تسبوا أصحايب فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ‪ ،‬ما بلغ مَّد‬
‫أحدهم وال نصيفه ) رواه البخاري ومسلم يف صحيحيهما من طريق‬

‫(?) وانظر الشرح واإلبانة البن بطة ص (‪ )269-268‬واحلجة يف بيان احملجة لإلمام‬ ‫‪1‬‬

‫األصبهاين (‪ )371-2/368‬وشرح أصول اعتقاد أهل السنة لإلمام الاللكائي (‬


‫‪ )1270-7/1241‬وعقيدة السلف وأصحاب احلديث لإلمام أيب عثمان الصابوين =‬
‫ص (‪ )81-80‬والعقيدة الطـحاوية ص (‪ )57‬بتحقيق الشيخ األلباين ‪-‬رمحه اهلل ‪-‬‬
‫والصارم املسلول على شامت الرسول لشيخ اإلسالم (‪. )3/1085‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫األعمش عن أيب صاحل عن أيب سعيد به (‪ ، )1‬ورواه مسلم يف صحيحه من‬


‫طريق جرير عن األعمش بلفظ ‪ ( :‬كان بني خالد بن الوليد وبني‬
‫عبدالرمحن بن عوف شيء فسبه خالد فقال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم – ال تسبوا أحدًا من أصحايب ‪ ) ...‬وهذه الزيادة يف سبب ورود‬
‫احلديث غري حمفوظة ‪ ،‬فقد رواه عن األعمش سفيان الثوري (‪ )2‬وشعبة‬
‫ووكيع وأبو معاوية وغريهم وهم أضبط وأحفظ الناس حلديث األعمش‬
‫ومل يذكروا هذه الزيادة على أنه قد اختلف على جرير فيها فقد رواه ابن‬
‫ماجه ( ‪ )161‬عن حممد بن الصباح عن جرير (‪)3‬بدوهنا ولذا‬
‫أعرض عنها البخاري – رمحه اهلل – وقال مسلم – رمحه اهلل ‪ -‬يف‬
‫صحيحه ( ‪ )4/1968‬بعد ذكر الرواة عن األعمش ( وليس يف حديث‬
‫شعبة ووكيع ذكر عبدالرمحن بن عوف وخالد بن الوليد ) وهذا هو‬

‫(?) البخاري رقم (‪ )3673‬ومسلم رقم ( ‪ )2541‬ج (‪. )1967 /4‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه ابن أيب عاصم يف السنة (‪ )988‬عن عباس بن الوليد حدثنا بشر بن منصر عن‬ ‫‪2‬‬

‫سفيان به ‪ ،‬وجاء يف زيادات القطيعي على فضائل الصحابة ألمحد ( ‪ )1/365‬رواية اخلرب‬
‫من طريق سفيان عن األعمش بالزيادة واألول أصح ‪.‬‬
‫(?) وقد جعله من مسند أيب هريرة وهذا غلط ‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫الصواب ‪ ،‬وروى أمحد يف فضائل الصحابة (‪ )1‬وابن ماجه (‪ )2‬بسند‬


‫صحيح من طريق سفيان عن ُنسريين ُذعُلوق وهو ثقة ‪ ،‬قال ‪ :‬كان ابن‬
‫عمر يقول ‪ ( :‬ال تسبوا أصحاب حممد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم – فلمقام‬
‫أحدهم ساعة خري من عمل أحدكم ُعمَر ه ) ‪.‬‬
‫وقـال اإلمام حممد بن ُصبيح بن السماك (‪ " )3‬علمت أن اليهود ال‬
‫يسبون أصحاب موسى ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬وأن النصارى ال يسبون‬
‫أصحاب عيسى ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم – فما بالك يا جاهل سببت‬
‫أصحاب حممد – صلى اهلل عليه وسلم – وقد علمُت من أين ُأتيت ‪ ،‬مل‬
‫يشغلك ذنبك ‪ ،‬أما لو شغلك ذنبك خلفَت ربك ‪ ،‬لقد كان يف ذنبك‬
‫شغل عن املسيئني فكيف مل يشغلك عن احملسنني ‪ ،‬أما لو كنت من‬
‫احملسنني ملا تناولت املسيئني ولرجوت هلم أرحم الرامحني ‪ ،‬ولكنك من‬
‫املسيئني ‪ ،‬فمن مَّث عبت الشهداء والصاحلني ‪ ،‬أيها العائب ألصحاب حممد‬
‫– صلى اهلل عليه وسلم – لو منت ليلك وأفطرت هنارك لكان خريا لك‬
‫من قيام ليلك وصوم هنارك مع سوء قولك يف أصحاب حممد ‪ ،‬فوحيك‍‍!‬

‫(?) ج(‪. ) 1/57‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رقم (‪. )162‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر ترمجته يف تاريخ بغداد (‪. )5/368‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫ال قيام ليٍل وال صوم هنار وأنت تتناول األخيار ‪ ،‬فأبشر مبا ليس فيه‬
‫البشرى إن مل تتب مما تسمع وترى ويـحك ! هؤالء شرفوا يف ُأحد‬
‫ِم‬ ‫ِذ‬
‫وهؤالء جاء العفو عن اهلل تعاىل فيهم فقال ‪ِ { :‬إَّن اَّل يَن َتَو َّلْو ا ْنُك ْم‬
‫َيْو َم اْلَتَق ى اْلَجْمَعاِن ِإَّنَم ا اْس َتَز َّلُه ْم الَّش ْيَطاُن ِبَبْع ِض َما َك َس ُبوا َو َلَق ْد َعَف ا‬
‫الَّلُه َعْنُه ْم } آل عمران آية (‪ )155‬فما تقول فيمن عفا اهلل عنه ؟ وَمب حتتج يا‬
‫جاهل إال باجلاهلني ‪ ،‬شر اخللف خلُُُُف شتم السلـف ‪ ،‬واهلل لواحد من‬
‫السلف خري من ألف من اخللف " (‪. )1‬‬
‫وقد اتفق أهل العلم على أهنم خري الناس بعد األنبياء فقد جاء يف‬
‫الصحيحني من طريق إبراهيم عن عبيدة عن عبداهلل ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫أن النيب – صلى اهلل عليه وسلم – قال ( خري الناس قرين ‪) ...‬‬
‫وأفضل الصحابة أبو بكر مث عمر مث عثمان مث علي بن أيب طالب رضي‬
‫اهلل عنهم أمجعني وأدلة هذا كثرية وعامة أهل العلم على هذا ‪ ،‬وقد جعل‬
‫اهلل جل وعال بقاء الصحابة أمنة لألمة فإذا ذهب قرهنم وانقرض جيلهم‬
‫حلت مبن بعدهم الفنت وظهرت البدع وفشا اجلور والفساد ففي‬

‫(?) رواه املعاىف بن زكريا اجلريري يف كتابه اجلليس الصاحل (‪ )2/392‬بأطول من هذا ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) البخاري (‪ )2652‬ومسلم (‪. )2533‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫صحيح مسلم(‪)3‬من طريق سعيد بن أيب بردة عن أيب بردة عن أبيه قال‬
‫‪ :‬صلينا املغرب مع رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – مث قلنا ‪ :‬لو‬
‫جلسنا حىت نصلي معه العشاء ‪ ،‬قال ‪ :‬فجلسنا فخرج علينا فقال ‪ ( :‬ما‬
‫زلتم ههنا ؟) قلنا ‪ :‬يا رسول اهلل ‪ ،‬صلينا معك املغرب ‪ .‬مث قلنا ‪ ،‬جنلس‬
‫حىت نصلي معك العشاء ‪،‬قال ‪ ( :‬أحسنتم أو أصبتم ) قال فرفع رأسه إىل‬
‫السماء وكان كثريًا مما يرفع رأسه إىل السماء فقال ( النجوم أمنة للسماء‬
‫‪ .‬فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ‪ .‬وأنا أمنة ألصحايب فإذا‬
‫ذهبت أتى أصحايب ما يوعدون وأصحايب أمنة ألميت ‪ ،‬فإذا ذهب‬
‫أصحايب أتى أميت ما يوعدون ) ‪.‬‬
‫وهذا دليل على فضلهم وعظيم ما دفع اهلل هبم من البدع والفنت‬
‫واجلور والفساد فال جرم أن جعلهم اهلل وزراء نبيه وحزب خليله ‪.‬‬
‫قال عبداهلل بن مسعود – رضي اهلل عنه – ( إن اهلل نظر يف قلوب‬
‫العباد فوجد قلب حممد – صلى اهلل عليه وسلم – خري قلوب العباد‬
‫فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته مث نظر يف قلوب العباد بعد قلب حممد‬
‫فوجد قلوب الصحابة خري قلوب العباد فجعلهم اهلل وزراء نبيه يقاتلون‬

‫رقم (‪. )2531‬‬ ‫(?)‬ ‫‪3‬‬


‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫على دينه ) رواه اإلمام أمحد (‪ )1/379‬من طريق عاصم بن أيب النجود‬
‫عن زر بن حبيش عن عبداهلل وسنده حسن ‪.‬‬
‫وذكر قتادة عن عبداهلل بن مسعود – رضي اهلل عنه –‬
‫قال ‪ ( :‬من كان منكم متأسيًا فليتأس بأصحاب حممد – صلى اهلل‬
‫عليه وسلم – فإهنم كانوا أبّر هذه األمة قلوبًا وأعمقها علمًا وأقلها تكلفًا‬
‫وأقومها هديًا وأحسنها حاًال ‪ ،‬قومًا اختارهم اهلل تعاىل لصحبة‬
‫نبيه – صلى اهلل عليه وسلم – فاعرفوا هلم فضلهم واتبعوهم يف آثارهم‬
‫فإهنم كانوا على اهلدى املستقيم ) رواه ابن عبدالرب يف جامع بيان العلم‬
‫وفضله (‪ )1‬وفيه انقطاع ‪ ،‬فقد تويف ابن مسعود قبل أن يولد قتادة ‪.‬‬
‫‪ )2/97( )?( 1‬ورواه أبو نعيم يف احللية (‪ )1/305‬من طريق عمر بن نبهان عن احلسن عن‬
‫عبداهلل ابن عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه – وسنده ضعيف ‪ ،‬عمر بن نبهان ‪ :‬ضعفه يعقوب بن‬
‫سفيان والعقيلي ومجاعة ‪ ،‬وقال حيىي بن معني ‪ :‬ليس بشيء ‪ ،‬وعنه ‪ :‬ثقة ‪ ،‬وقال‬
‫البخاري ‪ :‬ال يتـابع على حديثه ‪ ،‬وقال ابن حبان يف اجملروحني (‪ : )2/90‬يروي املناكري‬
‫عن املشاهري فلما كثر ذلك يف حديثه استحق الرتك ‪.‬‬
‫وقال ابن حجر يف التقريب (‪ )4975‬ضعيف ‪ ،‬وهذا العدل فيه ‪.‬واحلسن عن ابن عمر‬
‫قيل ‪:‬مل يسمع ‪ ،‬وفيه نظر ‪ .‬قال هبز ‪ :‬مسع حديثًا " املراسيل البن أيب حامت ص‪. " 43‬‬
‫وقال أمحد وأبو حامت ‪ :‬مسع احلسن من ابن عـمر " املراسيل ص ‪ . " 44-43‬وقيل أليب‬
‫زرعة ‪ :‬احلسن لقي ابن عمر ؟ قال ‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫وروى اخلرب اآلجري يف الشريعة (‪ )1161‬وابن عبدالرب (‪ )2/97‬من طريق الدورقي نا‬
‫حّك ام بن سلم الرازي عن عمرو بن أيب قيس عن عبدربه قال كان احلسن يف جملس فذكـر‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫قال شيخ اإلسالم –رمحه اهلل ‪ ( : -‬وقول عبداهلل بن مسعود ‪:‬‬


‫كانوا أبر هذه األمة قلوبًا وأعمقها علمًا وأقلها تكلفًا ؛ كالم جامع بَنّي‬
‫فيه حسن قصدهم ونياهتم برب القلوب وبني فيه كمال املعرفة ودقتها بعمق‬
‫العلم ‪ ،‬وبني فيه تيسر ذلك عليهم وامتناعهم من القول بال علم بقلة‬
‫التكلف ) (‪. )1‬‬
‫وقال اإلمام ابن أيب حامت – رمحه اهلل – ( فأما أصحاب رسول‬
‫اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – فهم الذين شهدوا الوحي والتنـزيل وعرفوا‬
‫التفسري والتأويل وهم الذين اختارهم اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬لصحبة نبيه –‬
‫صلى اهلل عليه وسلم – ونصرته وإقامة دينه وإظهار حقه فرضيهم له‬
‫صحابة وجعلهم لنا أعالمًا وقدوة فحفظوا عنه – صلى اهلل عليه وسلم‬
‫– ما بلغهم عن اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬وماسن وما شرع وحكم وقضى‬
‫وندب وأمر وهنى وأدب ‪ ،‬ووعوه وأتقنوه ففقهوا يف الدين وعلموا أمر‬
‫اهلل وهنيه ومراده مبعاينة رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – ومشاهدهتم‬
‫منه تفسري الكتاب وتأويله وتلقفهم منه واستنباطهم عنه ‪ ،‬فشرفهم اهلل ‪-‬‬

‫أصحـاب رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فقال ( إهنم أبّر هذه األمة قلوبًا ‪ ) ...‬وهذا‬
‫أصح ‪.‬‬
‫(?) منهاج السنة (‪. ) 2/79‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫عز وجل ‪ -‬مبا َم َّن عليهم وأكرمهم به من وضعه إياهم موضع القدوة‬
‫فنفى عنهم الشك والكذب والغلط والريبة والغمز ومساهم عدول األمة ‪،‬‬
‫فقال ‪ -‬عز ذكره ‪ -‬يف حمكم كتابه ‪َ { :‬و َكَذ ِلَك َجَعْلَناُك ْم ُأَّمًة َو َس ًطا‬
‫النيب – صلى اهلل‬ ‫ِلَتُك وُنوا ُش َه َد اَء َعَلى الَّناِس } (البقرة آية (‪ )143‬فـفسر‬
‫عليه وسلم – عن اهلل ‪ -‬عز ذكره ‪ -‬قوله ‪ ( :‬وسطًا قال ‪ :‬عدًال ‪،‬‬
‫فكانوا عدول األمة وأئمة اهلدى وحجج الدين ونقلة الكتاب والسنة ‪.‬‬
‫وندب اهلل ‪-‬عز وجل ‪ -‬إىل التمسك هبديهم واجلري على منهاجهم‬
‫ِم ِن‬ ‫ِب‬ ‫ِب‬
‫والسلوك لسبيلهم واالقتداء هبـم فقـال ‪َ { :‬و َيَّت ْع َغْيَر َس يِل اْلُم ْؤ يَن‬
‫ُن ِّلِه َم ا َت َّلى‪ ( } ...‬النساء آية (‪)115‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪) .‬‬
‫َو‬ ‫َو‬
‫وقال اإلمام أبو نعيم األصبهاين – رمحه اهلل – عن الصحابة ‪:‬‬
‫( مسحت نفوسهم – رضي اهلل عنهم – بالنفس واملال والولد واألهل‬
‫والدار ‪ ،‬ففارقوا األوطان وهاجروا اإلخوان وقتلوا اآلباء واإلخوان وبذلوا‬
‫النفوس صابرين وأنفقوا األموال حمتسبني وناصبوا من ناوأهم متوكلني ‪،‬‬
‫فآثروا رضاء اهلل على الغناء ‪ ،‬والذل على العز ‪ ،‬والغربة على الوطن ‪ ،‬هم‬
‫املهاجرون الذين أخرجوا من ديارهم وأمواهلم يبتغون فضًال‬
‫من اهلل ورضوانًا وينصرون اهلل ورسوله أولئك هم الصادقون حقًا ‪ ،‬مث‬
‫(?) انظر كتاب اجلرح والتعديل (‪. )1/7‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫إخواهنم من األنصار أهـل املواساة واإليثار أعز قبائل العرب جارًا ‪ ،‬واختذ‬
‫الرسول – عليه السالم ‪ -‬دارهم أمنًا وقرارًا ‪ ،‬اَألعّف اء الصرب واألصدقاء‬
‫ِم ِل ِح‬ ‫ِذ‬
‫الزهر { َو اَّل يَن َتَبَّو ُءوا الَّد اَر َو اِإْل يَم اَن ْن َقْب ِه ْم ُي ُّبوَن َمْن‬
‫َه اَج َر ِإَلْيِه ْم َو َال َيِج ُد وَن ِفي ُصُد وِر ِه ْم َح اَج ًة ِم َّم ا ُأوُتوا‬
‫َل َك اَن ِبِه َخ َص اَص ٌة } ( احلشر آية (‪. )9‬‬ ‫ِس‬ ‫ِث‬
‫ْم‬ ‫َو ُيْؤ ُر وَن َعَلى َأْنُف ِه ْم َو ْو‬
‫فمن انطوت سريرته على حمبتهم ودان اهلل تعاىل بتفضيلهم‬
‫ومودهتم وتربأ ممن أضمر بغضهم فهو الفائز باملدح الذي مدحهم اهلل‬
‫تعاىل فقال ‪َ {:‬و اَّلِذ يَن َج اُءوا ِم ْن َبْع ِدِه ْم َيُقوُلوَن َر َّبَنا اْغِف ْر َلَنا‬
‫َو ِإِل ْخ َو اِنَنا اَّلِذ يَن َس َبُقوَنا ِباِإْل يَم اِن َو اَل َتْجَعْل ِفي ُقُلوِبَنا ِغ اًّل ِلَّلِذ يَن آَمُنوا‬
‫َر َّبَنا ِإَّنَك َرُءوٌف َر ِح يمٌ(‪ ( } )10‬احلشر) ‪.‬‬
‫فالصحابة ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ -‬هم الذين توىل اهلل شرح‬
‫صدورهم فأنزل السكينة على قلوهبم وبشرهم برضوانه ورمحته‬
‫فقال ‪ُ { :‬يَبِّش ُر ُه ْم َر ُّبُه ْم ِبَر ْح َم ٍة ِم ْنُه َو ِر ْض َو اٍن }( التوبة آية (‪. ) )21‬‬
‫جعلهم خري أمة أخرجت للناس ‪ ،‬يأمرون باملعروف وينهون عن‬
‫املنكر ويطيعون اهلل ورسوله فجعلهم مثًال للكتابني ألهل التوراة واإلجنيل‬
‫خري األمم أمته وخري القرون قرنه يرفع اهلل من أقدارهم إذ أمر‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬مبشاورهتم ملا علم من صدقهم وصحة‬
‫إمياهنم وخالص مودهتم ووفور عقلهم ونبالة رأيهم وكمال نصيحتهم‬
‫وتبني أمانتهم رضي اهلل عنهم أمجعني ) (‪.)1‬‬
‫وهذا حمل اتفاق من أهل السنة فال كان وال يكون مثل‬
‫الصحابة – رضي اهلل عنهم – يف إمامتهم وفضلهم وسبقهم وعلو‬
‫مقامهم باألمر والنهي والعلم والدعوة إىل اهلل واجلهاد يف سبيله وهلذا قيل‬
‫‪ ( :‬كل خري فيه املسلمون إىل يوم القيامة من اإلميان واإلسالم والقرآن‬
‫والعلم واملعارف والعبادات ودخول اجلنة والنجاة من النار وانتصارهم‬
‫على الكفار وعلو كلمة اهلل فإمنا هو بربكة ما فعله الصحابة الذين بلغوا‬
‫الدين وجاهدوا يف سبيل اهلل ‪ ،‬وكل مؤمن آمن باهلل فللصحابة – رضي‬
‫اهلل عنهم – الفضل إىل يوم القيامة ) (‪. )2‬‬
‫ِم‬
‫وقد قال تعاىل – يف فضلهم ومآهلم – { َو الَّس اِبُقوَن اَأْلَّو ُلوَن ْن‬
‫اْلُم َه اِج ِر يَن َو اَأْلنَص اِر َو اَّلِذ يَن اَّتَبُعوُه ْم ِبِإ ْح َس اٍن َر ِض َي الَّلُه َعْنُه ْم َو َر ُضوا‬
‫َعْنُه َو َأَعَّد َلُه ْم َج َّناٍت َتْج ِر ي َتْح َتَه ا اَأْلْنَه اُر َخ اِلِد يَن ِفيَه ا َأَبًد ا َذِلَك‬

‫(?) اإلمامة والرد على الرافضة (‪. )211-209‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) من كالم شيخ اإلسالم ابن تيمية – رمحه اهلل ‪ ، -‬وانظر طريق اهلجرتني لإلمام ابن‬ ‫‪2‬‬

‫القيم – رمحه اهلل – ( ص ‪. ) 362‬‬


‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫اْلَف ْو ُز اْلَعِظ يم ُ(‪ ( })100‬التوبة ) ‪ .‬واملراد بالذين اتبعوهم بإحسان هم‬


‫الذين تأخر إسالمهم من الصحابة ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ -‬قاله مجاعة من‬
‫أهل العلم ويؤيده ما قاله احلافظ العالئي رمحه اهلل ( بأن اآليات كلها فيما‬
‫يتعلق باملتخلفني عن النيب صلى اهلل عليه وسلم من املنافقني يف غزوة تبوك‬
‫فأتبع اهلل ذلك بفضيلة الصحابة الذين غزوا معه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫وقسمهم إىل السابقني األولني ومن بعدهم مث أتبع ذلك بذكر األعراب‬
‫وأهل البوادي الذين يف قلوهبم نفاق أو مل يرسخوا يف اإلسالم فقال‬
‫تعاىل { َو ِم َّم ْن َحْو َلُك ْم ِم ْن اَأْلْعَر اِب ُمَناِفُقوَن } التوبة (‪ . )101‬فدل على‬
‫أن املراد بالذين اتبعوهم بإحسان هم بقية الذين تأخر إسالمهم ‪ ،‬فشملت‬
‫اآلية مجيع الصحابة ) (‪.)1‬‬
‫ولفظ الصحبة يصدق على كل مسلم لقي النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬ولو حلظة ومات على ذلك ‪ ،‬ومن ثبت لـه شرف الصحبة ال‬
‫يتطلب شروط التعديل بل ُيكتفى بشرف الصحبة تعديًال ‪.‬‬
‫وقد زعم بعض أهل األهواء أن الصحبة ال تصح إال ملهاجري‬
‫وأنصاري وحينئذ ال تثبت عدالة من جاء بعدهم إال مبا تثبت به عدالة‬
‫غريهم من التابعني فمن بعدهم ‪ ،‬وهذا غلط مل يقل به أحد من أهل‬
‫(?) كتاب حتقيق منيف الرتبة ملن ثبت له شريف الصحبة ص ‪.63‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫السنة ‪ ،‬ونظريه املذهب املروي عن سعيد بن املسيب أنه ال يعد الصحايب‬


‫إال من أقام مع رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬سنة أو سنتني وغزا‬
‫معه غزوة أو غزوتني وهذا ال يصح (‪ )1‬عن سعيد واإلمجاع على خالفه ‪،‬‬
‫قال احلافظ العالئي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ( -‬واإلمجاع منعقد يف كل عصر على‬
‫عدم اعتبار هذا الشرط يف اسم الصحايب ‪ -‬كيف واملسلمون يف سنة تسع‬
‫وما بعدها من الصحابة آالف كثرية وكذلك من أسلم زمن الفتح من‬
‫قريش وغريها ومل يصحب النيب صلى اهلل عليه وسلم إال زمنًا يسريًا واتفق‬
‫(‪) 2‬‬
‫العلمـاء عـلى أهنـم من مجلة الصحابة ) ‪.‬‬
‫وقال تعاىل يف مدح الصحابة ‪ُ { :‬مَح َّم ٌد َرُس وُل الَّلِه َو اَّلِذ يَن َمَعُه‬
‫ِم‬ ‫ِش‬
‫َأ َّد اُء َعَلى اْلُك َّف اِر ُرَح َم اُء َبْيَنُه ْم َتَر اُه ْم ُرَّك ًعا ُس َّج ًد ا َيْبَتُغوَن َفْض اًل ْن‬
‫الَّلِه َو ِر ْض َو اًنا ِس يَم اُه ْم ِفي ُو ُج وِه ِه ْم ِم ْن َأَثِر الُّس ُج وِد َذِلَك َمَثُلُه ْم ِفي‬
‫الَّتْو َر اِة َو َمَثُلُه ْم ِفي اِإْل ْنِج يِل َك َزْر ٍع َأْخ َرَج َش ْطَأُه َفآَز َر ُه َفاْس َتْغَلَظ‬
‫َّلِذ‬ ‫ِل ِغ ِب‬ ‫ِقِه ِج‬
‫َفاْس َتَو ى َعَلى ُس و ُيْع ُب الُّز َّر اَع َي يَظ ِه ْم اْلُك َّف اَر َو َعَد الَّلُه ا يَن‬
‫آَمُنوا َو َعِم ُلوا الَّصاِلَح اِت ِم ْنُه ْم َمْغِف َر ًة َو َأْج ًر ا َعِظ يًم ا(‪( } )29‬الفتح) ‪،‬‬
‫وقال تعاىل ‪َ {:‬و َما َلُك ْم َأاَّل ُتْنِف ُقوا ِفي َس ِبيِل الَّلِه َو ِلَّلِه ِم يَر اُث‬
‫(?) انظر التقييد واإليضاح ( ص ‪ ) 297‬للحافظ العراقي ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) كتاب حتقيق منيف الرتبة ( ص ‪ ) 43‬وانظر فتح الباري ( ‪. ) 7/4‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫ِم‬ ‫ِم‬ ‫ِت‬


‫الَّس َم اَو ا َو اَأْلْر ِض اَل َيْس َتِو ي ْنُك ْم َمْن َأْنَف َق ْن َقْبِل اْلَف ْتِح َو َقاَتَل‬
‫ِم‬ ‫ِم‬
‫ُأْو َلِئَك َأْع َظُم َد َرَج ًة ْن اَّلِذ يَن َأْنَفُقوا ْن َبْع ُد َو َقاَتُلوا َو ُك اًّل َو َعَد الَّلُه‬
‫َنى الَّلُه ِب ا َتْع ُلوَن َخ ِبي (‪( } )10‬احلديد)‪.‬‬
‫ٌر‬ ‫اْلُحْس َو َم َم‬
‫وأكثر أهل العلم على أن املراد بالفتح هنا فتح مكة وقيل‬
‫احلديبية وفيه نظر ‪ ،‬وقد ذكر اإلمام ابن القيم ‪ -‬رمحه اهلل – فتح مكة‬
‫وأنه ( الفتح األعظم الذي أعز اهلل به دينه ورسوله وجنده وحزبه األمني ‪،‬‬
‫واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدى للعاملني من أيدي الكفار‬
‫واملشركني ‪ ،‬وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء ‪ ،‬وضربت أطناب‬
‫عزه على مناكب اجلوزاء ودخل ا لناس به يف دين اهلل أفواجًا ‪،‬‬
‫وأشرق به وجه األرض ضياء وابتهاجًا ‪ ،‬خرج لـه رسول اهلل – صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ -‬بكتائب اإلسالم وجنود الرمحن سنة مثان لعشر مضني من‬
‫رمضان ) (‪ )1‬وهذا فتح مكة ألن احلديبية كانت يف السنة السادسة يف‬
‫ذي القعدة على قول عروة يف أحد قوليه والزهري وحممد بن إسحاق‬
‫وغريهم ‪.‬‬

‫(?) زاد املعاد ( ‪) 3/394‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫وقد أنزل اهلل ‪ -‬جل وعال ‪-‬على نبيه – صلى اهلل عليه وسلم –‬
‫منصرفـه مـن احلديبية { ِإَّنا َفَتْح َنا َلَك َفْتًح ا ُمِبيًنا (‪ (} )1‬الفتح ) فسمى اهلل‬
‫تعاىل هذا الصلح فتحًا وأما الفتح املذكور يف سـورة احلديد وسورة النصر‬
‫وقوله ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( : -‬ال هجرة بعد الفتح ) متفق عليه من‬
‫حديث ابن عباس ‪،‬فال ريب أنه فتح مكة فهو الفتح األعظم وهذا أمر‬
‫واضح ‪.‬‬
‫واملقصود بيان داللة اآلية على عظيم مقام الصحابة وكبري قدرهم‬
‫وعلى تفاوت منازهلم وتفضيل بعضهم على بعض وأن من أنفق‬
‫من قبل فتح مكة وقاتل أعظم أجرًا وأعلى منـزلة ممن أنفق من بعد الفتح‬
‫وقاتل وقد وعد اهلل – تعاىل ‪ -‬كًال من الطائفتني اجلنة ‪ .‬فتحقق هبذا أن‬
‫يف سبيل اهلل‬ ‫من أسلم بعد فتح مكة من الطلقاء وغريهم وجـاهـد‬
‫( النساء‬ ‫وأنفق ماله أنه داخل يف قوله تعاىل ‪َ {:‬و ُك ًّال َو َعَد الَّلُه اْلُحْس َنى }‬
‫آية (‪. ) )95‬‬
‫فمن أعمل لسانه وسخر قلمه يف الطعن فيهم أو رميهم بالنفاق أو‬
‫شكك يف إسالمهم وأورد االحتماالت بدون بيان من اهلل‬
‫ورسوله – صلى اهلل عليه وسلم – وبدون برهان قام عليه الدليل فقد رَّد‬
‫على اهلل خربه وافرتى على هؤالء الصحابة هبتانًا وإمثًا مبينًا ‪ ،‬ومثل هذا‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫ال يصدر إال ممن قَّل دينه وعظم ظلمه واسوَّد قلبه وبلغ منه اجلهل‬
‫بالكتاب والسنة وسرية القوم مبلغًا عظيمًا وقد قال شيخ اإلسالم – رمحه‬
‫اهلل‪ ( : -‬فالطلقاء الذين أسلموا عام الفتح مثل معاوية وأخيه يزيد‬
‫وعكرمة بن أيب جهل وصفوان بن أمية واحلارث بن هشام وسهيل بن‬
‫عمرو قد ثبت بالتواتر عند اخلاصة إسالمهم وبقاؤهم على اإلسالم إىل‬
‫( ‪)1‬‬
‫حني املوت )‬
‫وقال ‪ -‬تعاىل ‪ -‬يف وصف املهاجرين ومدح األنصار وذكـر مـن‬
‫أسلم بعدهم وسار على طريقتهم ‪ِ { :‬لْلُفَق َر اِء اْلُم َه اِج ِر يَن اَّلِذ يَن ُأْخ ِر ُج وا‬
‫ِم‬ ‫ِل‬ ‫ِه‬ ‫ِم‬
‫ْن ِد ياِر ْم َو َأْم َو ا ِه ْم َيْبَتُغوَن َفْضًال ْن الَّلِه َو ِر ْض َو اًنا َو َيْنُصُر وَن الَّلَه‬
‫ِم‬ ‫ِذ‬ ‫ِد‬ ‫ِئ‬
‫َو َرُس وَلُه ُأْو َل َك ُه ْم الَّصا ُقوَن (‪َ )8‬و اَّل يَن َتَبَّو ُءوا الَّد اَر َو اِإْل يَم اَن ْن‬
‫َقْبِلِه ْم ُيِح ُّبوَن َمْن َه اَج َر ِإَلْيِه ْم َو اَل َيِج ُد وَن ِفي ُصُد وِر ِه ْم َح اَج ًة ِم َّم ا‬
‫ُأوُتوا َو ُيْؤ ِثُر وَن َعَلى َأْنُف ِس ِه ْم َو َلْو َك اَن ِبِه ْم َخ َص اَص ٌة َو َمْن ُيوَق ُش َّح‬
‫َنْف ِس ِه َفُأْو َلِئَك ُه ْم اْلُم ْف ِلُح وَن (‪َ )9‬و اَّلِذ يَن َج اُءوا ِم ْن َبْع ِدِه ْم َيُقوُلوَن‬
‫َر َّبَنا اْغِف ْر َلَنا َو ِإِل ْخ َو اِنَنا اَّلِذ يَن َس َبُقوَنا ِباِإْل يَم اِن َو اَل َتْجَعْل ِفي ُقُلوِبَنا‬
‫ِغ اًّل ِلَّلِذ يَن آَمُنوا َر َّبَنا ِإَّنَك َرُءوٌف َر ِح يٌم (‪ ( } )10‬سورة احلشر ) ‪.‬‬

‫(?) الفتاوى (‪. ) 4/466‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫فاحفظ يا رعاك اهلل ثناء اهلل عليهم ورضاه عنهم وال يكن يف‬
‫قلبك ِغل على أحد منهم فإن هذا من أعظم خبث القلوب ‪ ،‬واستوص‬
‫هبم خريًا ففي سبيل ذلك هتون األرواح والدماء ‪.‬‬
‫خبالف حمرتف الطعن وسوء الظن ‪ ،‬فقد اتعب نفسه وآذى غريه‬
‫‪ ،‬فركض وراء السراب وطعن يف بعضهم بشبهة أحاديث ضعيفة‬
‫ومكذوبة وأخبار هلا حمامل محيدة فقلبها هفوات ومثالب ‪ ،‬ونذر نفسه‬
‫للوقيعة يف أيب هريرة وجعله شخصية متأثرة بكعب األحبار ‪ ،‬وشخصية‬
‫توظف النصوص لصاحل األمويني (‪ ، )1‬وآخر صَّب شآبيب غضبه على‬

‫(?) السلطة يف اإلسالم ( ص ‪ ) 275 -265‬وهذا شأن بعض الكّتاب املعاصرين املتأثرين‬ ‫‪1‬‬

‫باملستشرقني وبآراء النّظام رخص عليهم دينهم ‪ ،‬فنصبوا أنفسهم حكامًا على أصحاب‬
‫رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – فقلبوا احلقائق وأتوا بالعجائب فطعنوا يف أيب هريرة‬
‫تصرحيًا ال تلوحيًا وزعموا ( أن معظم اإلسرائيليات التوراتية وغري التوراتية اليت تسربت‬
‫إىل كتب األحاديث مبا فيها الصحيحان هي من مرويات تالميذ كعب وعلى رأسهم أبو‬
‫هريرة ‪ )...‬وقد جعل هؤالء من كعب شخصية تعمل على نشر اليهودية والكذب على‬
‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم –وهذا كالم ليس فيه شيئ من البيان واحلجة ومصدره‬
‫اهلوى واجلهل أو اخلبيئة السيئة ‪ ،‬ومل يذكر قائله دليًال وال شبهة دليل على فريته ‪،‬‬
‫ولوحصل شيء من هذا لنهض إليه الصحابة وفصلوا رأسه عن جسده ‪ ،‬فقد كان يعيش‬
‫بينهم ويأخذ عنهم السنن ومل يعيبوا عليه سوى إكثاره من التحديث عن أهل الكتاب‬
‫وإتيانه بالغرائب والعجائب ‪ ،‬على أن بعضًا مما ُينقل عنه ال أصل له ومل يأت عنه من وجه‬
‫يصح ‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫معاوية وعمرو بن العاص وعبداهلل بن الزبري ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ -‬ممتطيًا‬


‫يف ذلك الدفاع عن أهل البيت (‪ )1‬حمتميًا بشبه كسراب بقيعة نعوذ باهلل‬
‫من الزيغ بعد اهلدى فقد سلم منه اليهود والنصارى وقادة الكفر والضالل‬

‫وقد ذكر احلافظ الذهيب يف السري (‪ ( )3/489‬أنه كان حسن اإلسالم متني الديانة مـن نبالء‬
‫العلماء ‪ ) ...‬وقد مسع منه أبو هريرة – رضي اهلل عنه – بعض الشيء من أخباره عن بين‬
‫إسرائيل ‪ ،‬وُعذره يف ذلك ترخيص النيب – صـلى اهلل عـليه وسـلم – بـالتحديث عنهم رواه‬
‫البخاري ( ‪ )3461‬يف صحيحه عن عبداهلل بن عمرو بن العاص فبسط بعض أهل األهواء‬
‫لسانه واختذ من ذلك طعنًا يف أيب هريرة وتشكيكًا يف مروياته واختالطها باإلسرائيليات ‪،‬‬
‫وهذا حتامل عظيم وطعن يف الشريعة قبل أن يكون طعنًا يف أيب هريرة رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫ومثل هذا اإلفك املبني لو علم قائله حقيقته ألمسك عنه فهذا ال يقوله مسلم وال ينطق به‬
‫عاقل ‪ ،‬فقد كان أبو هريرة من أحفظ الناس لألحاديث باتفاق األئمة ‪ ،‬وأضبطهم‬
‫وأكثرهم متييزًا ملا يروي وال ميكن أن ختتلط عليه حكايات يسرية مسعها من كعب األحبار‬
‫بكالم املصطفى – صلى اهلل عليه وسلم – ويؤيد هذا أن أبا هريرة – رضي اهلل عنه – مل‬
‫يكن ينسى شيئًا مسعه من رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – فروى البخاري – يف‬
‫صحيحه (‪ )119‬من طريق ابن أيب ذئب عن سعيد املقربي عن أيب هريرة – رضي اهلل عنه‬
‫– قال ‪ (( :‬قلت – يا رسول اهلل – إين أمسع منك حديثًا كثريًا أنساه ‪ ،‬قال ‪ :‬ابسط‬
‫رداءك فبسطته قال ‪ :‬فغرف بيديه مث قال ‪ (( :‬ضمه ))فضممته فما نسيت شيئًا بعده ))‬
‫رواه البخاري (‪ )7354‬ومسلم (‪ )2492‬من طريق الزهري عن األعرج عن أيب هريرة‬
‫بلفظ آخر ‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫ومل يسلم من زوبعته أئمة الدين وغيض األعداء أال شاهت هذه اجلهود‬
‫وخابت مساعيهم ‪.‬‬
‫ومن هنا كان الطعن يف أيب هريرة راويـة اإلسالم أو معاويـة بن أيب‬
‫سفيان أحدكّتاب الوحي (‪ )1‬للنيب – صلى اهلل عليه وسلم – دركًا للنيل‬

‫(?) وهذه الفئة ليس هلا ثوابت شرعية تزن هبا األمور ‪ ،‬والغاية من منهجها غري واضح‬ ‫‪1‬‬

‫ومعامله مشتبهة ‪ ،‬وقد قرأت كتاب الرسالة املنقذة للزيدي املستوري ‪ ،‬وكتاب عدالة الرواة‬
‫والشهود للزيدي املرتضى احملطوري فوجدت تشاهبًا يف الطرح والعرض ‪ ،‬واتفاقًا يف الطعن‬
‫يف بعض الصحابة ‪ .‬ورأيت يف كالمهم تناقضات ‪ ،‬وخلًال يف التقومي ‪ ،‬وتطفيفًا يف احلكم ‪.‬‬
‫وقد تبني من مقاالهتم أنه ال ميكن نصر احلق إال بشيء من الباطل وال يتم متييز احلق من‬
‫الباطل إال باجلور والعصبية واحلمل على األبرياء فمن ذلك أنه ال ميكن حب أهل البيت‬
‫ونصرهتم وبيان حماسنهم وفضائلهم إال بالطعن يف معاوية – رضي اهلل عنه ‪ -‬ومن معه ‪،‬‬
‫وهذا من اجلهل والضالل ونصر احلق بالباطل ‪ ،‬فالطعن يف آحاد الصحابة من أجل أهل‬
‫البيت أو غري ذلك عمًى عن احلق وتوغل يف الباطل ‪ ،‬فأهل السنة الذين هم أهلها حيبون‬
‫أهل البيت بدون غلو وال إطراء ويتولوهنم ويذبون عن أعراضهم وحرماهتم وحيفظون فيهم‬
‫وصية رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬كما يتولون عامة الصحابة ويعرفون هلم‬
‫منزلتهم وال يسبون أحدًا منهم ‪ ،‬فهم وسط بني الرافضة والنواصب ‪ ،‬فالرافضة ملا كانوا‬
‫أعظم الناس تركًا ملا أمر اهلل به وإتيانًا ملا حرم اهلل كّف روا عامة الصحابة إال أهل البيت فقد‬
‫غلوا فيهم وأضفوا عليهم خصائص الرب تبارك وتعاىل ؛ والنواصب ملا كثر جهلهم‬
‫وغلظت طباعهم وكثر فيهم الشقاق والنفاق تربؤا من أهل البيت ونصبوا العداوة هلم نعوذ‬
‫باهلل من الضالل بعد اهلدى ‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫من ُح َّر اس الشريعة اآلخرين فاملقاصد ال يتوصل إليها إال بأسباب ُتفضي‬
‫وتؤول إليها ‪ ،‬وحينئذ تأخذ الوسائل أحكام املقاصد ‪.‬‬
‫وقدكان أئمة السلف يقولون ‪ ( :‬معاوية ‪ -‬رضي اهلل عنه – مبنزلة‬
‫(‪) 1‬‬
‫حلقة الباب من حَّر كه اهتمناه على من فوقه )‬
‫وقال الربيع بن نافع ‪ ( :‬معاوية بن أيب سفيان سرت أصحاب‬
‫النيب – صلى اهلل عليه وسلم – فإذا كشف الرجل السرت اجرتأ على ما‬

‫(?) جاء هذا بأسانيد صحيحة ‪ ،‬ويف صحيح مسلم (‪ )2501‬من طريق عكرمة حدثنا أبو‬ ‫‪1‬‬

‫ُز ميل حدثين ابن عباس ‪ :‬أن أبا سفيان طلب من النيب –صلى اهلل عليه وسلم – أن جيعل‬
‫معاوية كاتبًا بني يديه ‪ .‬فقال ‪ :‬نعم ‪ ) ...‬وقد تكلم بعض أهل العلم يف هذا اإلسناد ‪،‬‬
‫واهتموا به عكرمة بن عمار ألسباب يطول شرحها ‪ .‬انظر زاد املعاد (‪ )1/109/110‬بيد‬
‫أنه ال خالف بني أحد من أهل العلم يف كون معاوية ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أحد كتاب‬
‫الوحي لرسول اهلل –صلى اهلل عليه وسلم – وقد قرأت كتب احلديث والعقيدة وتتبعت‬
‫كتب السري واملغازي وفتشت يف بطون الكتب فلم أجد أحدًا خالف يف هذا األمر ‪ " .‬قال‬
‫أمحد بن حممد الصائغ وّج هنا رقعة إىل أيب عبداهلل ما تقول رمحك اهلل فيمن قال ‪ :‬ال أقول‬
‫إن معاوية كاتب الوحي وال أقول أنه خال املؤمنني ‪ ،‬فإنه أخذها بالسيف غصبًا ؟ قال أبو‬
‫عبداهلل ‪ :‬هذا قول سوء رديء جيانبون هؤالء القوم وال جيالسون ونبني أمرهم للناس " رواه‬
‫اخلالل يف السنة (‪ )2/434‬بسند صحيح ‪.‬‬
‫(?) تاريخ دمشق للحافظ ابن عساكر (‪. )59/210‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫وراءه ) (‪ )2‬من املهاجرين واألنصـار وسـاقـه ذلك إىل جحد الكتاب‬


‫وتكذيب السنة والطعن يف رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم ‪. -‬‬
‫وقد ذكر اخلطيب البغدادي يف تارخيه (‪ )10/174‬من طريق‬
‫الزبري بن أيب بكر حدثين عمي مصعب بن عبُد اهلل قال ‪ :‬حـدثين أيب‬
‫عـبُد اهلل بن مصعب قال ‪ :‬قال – يل أمري املؤمنني املهدي – يا أبا بكر ما‬
‫تقول فيمن ينتقص أصحاب رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬؟ قال‬
‫‪ :‬قلت زنادقة ‪ ،‬قال ما مسعت أحدًا قال هذا قبلك ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬هم‬
‫أرادوا رسول اهلل بنقص ‪ ،‬فلم جيدوا أحدًا من األمة يتابعهم على ذلك ‪،‬‬
‫فتنقصوا هؤالء عند أبناء هؤالء ‪ ،‬وهؤالء عند أبناء هؤالء ‪ ،‬فكأهنم قالوا‬
‫‪ :‬رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – يصحبه صحابة السوء وما اقبح‬
‫بالرجل أن يصحبه صحابة السوء فقال ‪ :‬ما أراه إال كما قلت ‪.‬‬
‫قال اإلمام أبو زرعة – رمحه اهلل – ( إذا رأيت الرجل ينتقص‬
‫أحدًا من أصحاب رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – فاعلم أنه‬
‫زنديق ‪ ،‬وذلك أن الرسول – صلى اهلل عليه وسلم – عندنا حق‬
‫والقرآن حق ‪ ،‬وإمنا أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول اهلل –‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وإمنا يريدون أن جيرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب‬
‫(?) تاريخ دمشق للحافظ ابن عساكر (‪. )59/209‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫والسنة واجلرح هبم أوىل وهم زنـادقـة ) رواه اخلطيب يف الكفاية ( ص‬


‫‪ )97‬وابن عساكر يف تارخيه (‪. )38/32‬‬
‫واملنقول عن أهل العلم يف هذا الباب كثري فقد هتكوا سجف‬
‫اخلائضني يف أعراض الصحابـة املفتونني بتتبع هفواهتم وزالهتم وقد أصاب‬
‫معاوية – رضي اهلل عنه – من ظلم هؤالء وبغيهم ما مل يصب غريه ‪.‬‬
‫وحنن ال ننـزه معاوية ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وال من هو أفضل منه‬
‫عن اخلطأ غري أن هذا باب وله ضوابط ‪ ،‬وطعن هؤالء فساد وله مرامي‬
‫بعيدة فمعاوية – رضي اهلل عنه – علم يف األمة طلب اجملد فارتقاه ‪،‬‬
‫فظهر صدقه وعفافه وحلمه وعدله واهتمامه برعيته وحسن سياسته هلم‬
‫على اختالف منازهلم وتنوع رغباهتم وقد أمجع املسلمون على فضله‬
‫وصدق إسالمه وأمانته ‪.‬‬
‫وقد شهد مع النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم – غزوة حنني فدخل‬
‫يف مجلة املؤمنني الذين أنزل اهلل سكينته عليهم يف قوله ‪َ { :‬و َيْو َم ُح َنْيٍن ِإْذ‬
‫َأْع َج َبْتُك ْم َك ْثَر ُتُك ْم َفَلْم ُتْغِن َعْنُك ْم َش ْيًئا َو َض اَقْت َعَلْيُك ْم اَأْلْر ُض ِبَم ا‬
‫َرُحَبْت ُثَّم َو َّلْيُتْم ُمْد ِبِر يَن (‪ُ )25‬ثَّم َأنَز َل الَّلُه َس ِكيَنَتُه َعَلى َرُس وِلِه َو َعَلى‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫ِل‬ ‫َّلِذ‬ ‫ِم ِن‬


‫اْلُم ْؤ يَن َو َأنَز َل ُج ُنوًدا َلْم َتَر ْو َه ا َو َعَّذ َب ا يَن َكَف ُر وا َو َذ َك َجَز اُء‬
‫اْلَك اِفِر يَن (‪ ( } )26‬سورة التوبة ) ‪.‬‬
‫فمن وصفه بالنفـاق بعـد الشهـادة لـه باإلميان فقد احتمل هبتانًا وإمثًا‬
‫مبينًا ‪ ،‬ومثله جتب استتابته فإن تاب وأناب إىل ربه وإال وجب على‬
‫السلطان قتله يف أصح قويل العلماء ‪ ،‬وال عذر ملن واله اهلل أمر املسلمني‬
‫ومكنه منه أن يدعه بدون عقاب ‪ ،‬أو على األقل خينق فكره الشاذ ويضع‬
‫يف يديه ورجليه األغالل اليت تعيقه عن مسار ظامل وهجوم غاشم وأوهام‬
‫ليس هلا زمام وال خطام ‪.‬‬
‫وقد يظن من ال علم عنده أن هذا من احلجر على االجتهادات‬
‫واحتكار اآلراء واالعتداء على أصحاهبا وهذا غري صحيح وليس هذا‬
‫الظن يف مكانه ‪.‬‬
‫فاالجتهاد يف فروع الشريعة واملسائل املختـلف فيها وترجيح ما‬
‫يقتضي الدليل ترجيحه والنظر يف مستجدات احلياة واالجتهاد يف بيان‬
‫حكمها أمر واجب على أهل العلم والنظر ‪ ،‬واحلاجة داعية إليه ‪.‬‬
‫وقد جعل النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم – للحاكم اجملتهد أجرين‬
‫إن أصاب احلق ‪ ،‬وأجرًا واحدًا إن زلت قدمه عن طريق الصـواب واخلبـر‬
‫يف الصحيحني من حديث عمرو بن العاص رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫وهذا اللون من االجتهاد بقيوده وشروطـه الشرعية ال ينازع فيه‬


‫أهل العلم ‪ ،‬وهلم فيه مصنفات ‪ ،‬ولكن االجتهاد املذموم املطرح هو‬
‫زوبعة هؤالء اجلّر احني يف الكالم عن الصحابة واخلوض يف عدالتهم وفتح‬
‫اجملال للطعن فيهم واحلط من قدرهم أو تصنيفهم وتقوميهم كما هو احلال‬
‫فيمن بعدهم ‪.‬‬
‫وهذه حقيقة الفوضوية واخلرق لإلمجاع الصحيح ‪ ،‬ومثل هؤالء‬
‫إذا مل يرتدعوا بالوعد والوعيد والبالغ املقنع فال عدول عن تقوميهم‬
‫باحلديد واحلكم عليهم مبا يكف شرهم ويبطل كيدهم صيانة لعقائد‬
‫املسلمني من لوثة الرفض ونزعة االعتزال واهلل املستعان ‪.‬‬
‫ومن مناقبه ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن النيب – صلى اهلل عليه وسلم –‬
‫بوأه مكانة رفيعة وَأناله ثقة كبرية فجعله كـاتبًا للوحي ‪ ،‬وناهيك بذلك‬
‫عزا وشرفًا ‪ ،‬ومل يزل يف املنقبة العظيمة حىت فارق النيب – صلى اهلل عليه‬
‫وسلم – الدنيا ‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫واستعمله عمر – رضي اهلل عنه – على والية دمشق (‪ )1‬بعد‬


‫موت أخيه يزيد(‪ ، )2‬ومل يتهمه يف واليته وال طعن أحد من الصحابة يف‬
‫ذلك ‪ ،‬وملا ويل عثمان – رضي اهلل عنه – أقره على ذلك وزاده بالدًا‬
‫أخرى فحصل من ذلك خري كثري ففي سنة سبع وعشرين افتتح جزيرة‬
‫قربص ( وسكنها املسلمون قريبًا من ستني سنة يف أيامه ومن بعده ومل‬
‫تزل الفتوحات واجلهاد قائمًا على ساقه يف أيامه يف بالد الروم والفرنج‬
‫وغريها ) (‪ )3‬فصار هذا كاإلمجاع من علية القوم على فضله وقدرته على‬
‫سياسة البالد على أحسن حال ‪ ،‬وهذه حقائق تارخيية ثابتة عند أهل‬
‫العلم ‪ ،‬ومل يطعن يف شيء منها عارف حبقيقة التاريخ ‪ ،‬ومن عميت عليه‬
‫(?) وذكر خليفة بن خياط يف تارخيه (‪ )155‬أن عمر وىل معاوية دمشق وبعلبك والبلقاء مث‬ ‫‪1‬‬

‫مجع الشام كلها ملعاوية ‪ ،‬قال احلافظ الذهيب يف السري (‪ )3/133‬واحملفوظ أن الذي أفرد‬
‫معاوية بالشام عثمان ) ‪.‬‬
‫(?) وقيل إّن يزيد بن أيب سفيان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ملا مرض استخلف أخاه معاوية ملا يعرفه‬ ‫‪2‬‬

‫عنه من األهلية والكفاءة والقدرة على سياسية البالد فأمضى ذلك أمري املؤمنني – رضي‬
‫اهلل عنه – وحسبك به يف معرفة الرجال ‪ ،‬وقد قال النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( : -‬إن‬
‫اهلل جعل احلق على لسان عمر وقلبه )) رواه الرتمذي ( ‪ ) 3682‬من طريق خارجة بن‬
‫عبد اهلل عن نافع عن ابن عمر – رضي اهلل عنهما – وقال ‪ :‬هذا حديث حسن صـحيح‬
‫غـريب مـن هـذا الـوجـه ‪ .‬وانظر البداية والنهاية ( ‪ ) 8/21 ( ، ) 7/95‬للـحافظ ابن كثري‬
‫وفتاوي شيخ اإلسالم ( ‪. ) 65-35/64 ( ، ) 4/472‬‬
‫(?) البداية والنهاية ( ‪ ) 118 /8‬للحافظ ابن كثري ‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫هذه احلقيقة فسلط قلمه يف املخاصمة هبا أو طمس حقائقها باحتماالت‬


‫عقلية وصيحات صحفية فقد وقع يف املشاقة واتباع غري سبيل املؤمنني ‪،‬‬
‫فحقائق التاريخ ال ميكن أن تتغري مبثل هذا اإلرجاف يف اخلصام فإن‬
‫التاريخ كما أثبت ظلم احلجاج وفسقه وسفه يزيد بن معاوية فقد أثبت‬
‫إميان معاوية وعلمه وحلمه وعظيم فتوحاته ‪.‬‬
‫ومن مناقبه أنه ملا ملك وهو أفضل ملوك هذه األمة (‪ )1‬كان‬
‫حسن السرية كبري القدر عظيم العدل وقد حتقق على يده من اخلري ونصرة‬
‫الدين ما مل يتحقق على يدي من جاء بعده ولذلك أحبتـه رعيتـه وأثىن‬
‫عليه املسلمون ‪ ،‬وقد قال النيب – صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( : -‬خيار‬
‫أئمتكم الذين حتبوهنم وحيبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم وشرار‬
‫أئمتكم الذين تبغضوهنم ويبغضـونـكم وتلعنوهنم ويلعنونكم ‪ ) ...‬رواه‬
‫مسلم يف صحيحه من حديث عوف بن مالك ‪ -‬رضي اهلل عنه – وأحق‬
‫امللوك هبذا اخلرب معاوية ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ، -‬فإن املسلمني حيبونه‬
‫ويدعون له ‪ ،‬فال يطعن فيه أو يتنقصه إال من رخص عليه دينه ‪.‬‬

‫(?)باإلمجاع قاله شيخ اإلسالم ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف الفتاوى (‪. )4/478‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫قال إبراهيم بن ميسرة ‪ ( :‬ما رأيت عمر بن عبدالعزيز ضرب‬


‫إنسانًا قط إال إنسانًَا شتم معاوية فضربه أسواطًا ) (‪.)2‬‬
‫وقال عبداهلل بن أمحد ‪ ( :‬سألت أيب عن رجل سب رجًال مـن‬
‫أصحـاب الـنيب – صلى اهلل عليه وسلم – قال أرى أن يضرب ‪ ،‬فقلت ‪:‬‬
‫له حد ‪ .‬فلم يقف على احلد إال أنه قال‪:‬يضرب وما أراه على اإلسالم )‬
‫(‪. ) 2‬‬
‫وقال رمحه اهلل ‪ ( :‬ومن انتقص أحدًا من أصحاب رسول اهلل أو‬
‫أبغضه حلـدث كان منه أو ذكر مساويه كان مبتدعًا حىت يرتحم عليهم‬
‫ويكـون قـلبه هلم سليمًا ) (‪. )3‬‬
‫وقال الفضل بن زياد ‪ :‬مسعت أبا عبداهلل وسئل عن رجل انتقص‬
‫معاوية وعمرو بن العاص أيقال له ‪ :‬رافضي ؟ قال إنه مل جيرتي عليهما‬
‫إال خبيئة سوء ما يبغض أحد أحدًا من أصحاب رسول اهلل – صلى اهلل‬
‫عليه وسلم – إال وله داخلة سوء (‪.)4‬‬

‫(?) رواه الاللكائي يف أصول أهل السنة (‪. )7/1266‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) رواه الاللكائي يف أصول أهل السنة (‪. )7/1266‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) مناقب أمحد البن اجلوزي (‪. )210‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) رواه ابن عساكر يف تارخيه (‪ )59/210‬وانظر السنة للخالل (‪. )447‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫وسئل املعاىف بن عمران ‪ :‬أين عمر بن عبدالعزيز من معاوية بن‬


‫أيب سفيان فغضب من ذلك غضبًا شديدًا وقال ‪ :‬ال يقـاس بأصحاب‬
‫رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – أحد ‪ ،‬أما معـاوية صاحبه وصهره‬
‫وكاتبه وأمينه على وحي اهلل ‪ -‬عز وجل ‪. )1( -‬‬
‫وقيل لإلمام أمحد هل يقاس بأصحاب رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم – أحد ؟ قال معاذ اهلل قيل ‪ :‬فمعاوية أفضل من عمر بن‬
‫عبدالعزيز ؟ قـال أي لعمـري ‪ ،‬قـال النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫" خري الناس قرين " (‪. )2‬‬
‫وما جاء من األخبار يف ذم معاوية – رضي اهلل عنه –‬
‫كحديث ‪ ( :‬إذا رأيتم معاوية خيطب على منربي فاقتلوه )‬
‫وحديث ‪ ( :‬يا معاوية كيف بك إذا وليت حقبًا تتخذ السيئة حسنة‬
‫والقبيح حسنًا يربو فيها الصغري ويهرم فيها الكبري أجلك يسري وظلمك‬
‫عظيم ) وحديث ‪ ( :‬يطلع من هذا الفج رجل من أميت حيشر على غري‬
‫مليت فطلع معاوية ) وحديث ‪ ( :‬إن معاوية يف تابوت من نار يف أسفل‬
‫درك منها ) فهذه أخبار مكذوبة ال يشك من لـه عناية باحلديث أهنا من‬

‫(?) رواه ابن عساكر يف تارخيه (‪. )59/208‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) السنة للخالل (‪. )435‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫وضع الكذابني ‪ ،‬ومل ترد يف دواوين أهل اإلسالم املعروفة وال يف‬
‫مصنفاهتم املشهورة وقد عمدت الروافض إىل وضع أحاديث يف ذم‬
‫معاوية كما أشار إىل بعضها اخلالل يف العلل (‪ )1‬وابن اجلوزي يف كتابـه‬
‫املوضوعات (‪ )2/15‬وبقيتها منها‪.‬‬
‫ومل يقف كذب الروافض عند هذا فهم أكذب الربية ‪ ،‬فقد‬
‫اختلقوا أحاديث يف مـدح أهل البيت ‪ ،‬وهم غنيون عن مدحهم بالكذب‬
‫مبا صح يف السنة من فضلهم ‪ ،‬كما اختلقوا أحاديث يف ذم بين أمية لكون‬
‫بعضهم يسب عليا (‪ )2‬رضي اهلل عنه بعد الفتنة ‪ ،‬وقد شاركهم يف هذا‬

‫(?) انظر املنتخب من العلل للخالل (‪ )227‬البن قدامة املقدسي‪ ،‬واملنار املنيف (‪)117‬‬ ‫‪1‬‬

‫البن القيم ‪.‬‬


‫(?) وفضل علي بن أيب طالب – رضي اهلل عنه – وسبقه لإلسالم وقرابته من النيب – صلى‬ ‫‪2‬‬

‫اهلل عليه وسلم – ومصاهرته وعلمه بالدين وأحكامه ومسو مقامه وجهاده وشجاعته وكونه‬
‫رابع اخللفاء الراشدين املشهود هلم باجلنة أمر مقطوع به ال جيهله مسلم وال يكابر فيه أحد‬
‫من أهل القبلة ‪ ،‬ومن سبه أو طـعن فيه فقد افرتى قوًال عظيمًا واحتمل هبتانًا وإمثًا مبينًا ‪،‬‬
‫واخلرب املخرج يف صحيح مسلم ( ‪ ) 2409‬من طريق عبد العزيز بن أيب حازم عن أيب‬
‫حازم عن سهل بن سعد قال ‪ (( :‬استعمل على املدينة من آل مروان قال ‪ :‬فدعا سهل بن‬
‫سعد ‪ ،‬فأمره أن يشتم عليًا ‪ .‬قال ‪ :‬فأىب سهل ‪ .‬فقال ‪ :‬أما إذا أبيت فقل لعن اهلل أبا‬
‫تراب )) فهذه زلة كبرية يذوب هلو قلب املؤمن فال يلتفت لذلك واحلساب عند رب‬
‫العاملني ‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫الذم طوائف ضالة ليس لديها ميزان عدل فأقذعت يف السب ورمت‬
‫بالكالم على عواهنه ‪.‬‬
‫وال وجه هلذا إال اجلهل واهلوى والعصبية اجلاهلية فإن يف بين أمية‬
‫ثالث اخللفاء عثمان بن عفان – رضي اهلل عنه – وصحابة أبرارا خيار قد‬
‫ماتوا قبل الفتنة كيزيد بن أيب سفيان وأيب العاص بن الربيع زوج زينب‬
‫بنت الرسول – صلى اهلل عليه وسلم – وفيهم غري ذلك مما هو معروف‬
‫يف األحاديث الصحاح ‪ ،‬ولكنهم ال يفقهون وال يعقلون فيجعلون من‬
‫احلسنة سيئة ومن املعصية كفرا ‪ ،‬ويأخذون الرجل جبريرة غريه ‪ ،‬فإذا‬
‫أخطأ يزيد بن معاوية أو مروان بن احلكم ؛ حكموا باخلطأ والضالل على‬
‫معاوية وبين أمية الذين ماتوا قبل أن يولد يزيد ومروان فسبحان من‬
‫أعمى بصائرهم وطمس على قلوهبم فال يفقهون احلق وال يعونه ‪ ،‬وهلذه‬
‫املسألة حبوث مستقلة تراجع هلا ‪ ،‬فاملقصود هنا التنبيه على فضل‬
‫معاوية ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬واإلنكار على من طعن فيه وهو مع هذا‬
‫غري معصوم عن اخلطأ بل يقع منه – كقتاله يوم صفني (‪ )1‬كما يقع‬
‫(?) وقـد اختذت الـرافضة وبعض الكّتاب املعاصرين من هذه الواقعة طعنا يف معاوية وتعرية له‬ ‫‪1‬‬

‫من الفضائل واملكارم واهتامًاله يف مقصده ونيته ‪ ،‬وهولوا يف هذه القضية وزادوا ونقصوا‬
‫ولبسوا احلق بالباطل واختلقوا األكـاذيب واحلكـايات لشينـه وذمه والتشفي منه نعوذ باهلل‬
‫من احلقد واجلور (( قيل للحسن يا أبا سعيد إن هاهنا قومًا يشتمون أو يلعنون معاوية وابن‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫من غريه ‪ ،‬ومل يقل أحد من أهل السنة بعصمته أو عصمة أحـد من‬
‫الصحـابة خـالفًا للرافضة فإهنم يثبتون العصمة لعلي وأهل البيت وهذا‬
‫باطل ‪.‬‬
‫ولو أمكنة العصمة لعلي – رضي اهلل عنه – ألمكنة ملن هو أفضل‬
‫منه كأيب بكر وعمر وعثمان فإذا امتنعت يف حق هؤالء علم بطالهنا يف‬
‫حق علي – رضي اهلل عنه ‪. -‬‬
‫واحلق ما عليه عامة أهل السنة واجلماعة وهو مذهب الصحابة‬
‫والتابعني وأهل اهلدى على مر العصور أنـه ال عصمة ألحـد من الصحابة‬
‫عن كبائر اإلمث وصغائره بـل جتوز عليهم الذنوب يف اجلملة ‪.‬‬

‫تارخيه (‬ ‫الزبـري فقال ‪ :‬على أولئك الذين يلعنون لعنة اهلل )) رواه ابن عساكر يف‬
‫‪ )59/206‬وجاء رجل إىل اإلمام أيب زرعة الرازي فقال ‪ :‬يا أبا زرعة ‪ ،‬أنا أبغض معاوية‬
‫قال ‪ :‬مل ؟ قال ‪ :‬ألنه قاتل علي بن أيب طالب فقال أبو زرعة ‪ :‬إن رب معاوية رب رحيم‬
‫‪ ،‬وخصم معاوية خصم كـرمي ‪ .‬فـأيش دخولك أنت بينهما – رضي اهلل عنهم أمجعني )‬
‫رواه ابن عساكر يف التاريخ ( ‪ ، )59/141‬وأهل السنة يقولون يف هذه القضية إن األقرب‬
‫إىل احلق هو علي – رضي اهلل عنه – وأدلة هذا كثرية والواقف عليهـا ال يستـريب يف ذلك‬
‫‪ ،‬قـال شيـخ اإلسالم يف الفتاوى (‪ (( )4/433‬فثبت بالكتاب والسنة وإمجاع السلف على‬
‫أهنم مؤمنون مسلمون ‪ ،‬وأن علي بن أيب طـالب والـذين معه كانوا أوىل باحلق من الطائفة‬
‫املقاتلة له )) وال شك أن معاوية – رضي اهلل عنه – كان جمتهدًا متأوًال له ما ألهل‬
‫االجتهاد والتأويل كما سيأيت إن شاء اهلل ‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫ولكن هلم من السبق يف اإلسالم واجلهاد مع رسول اهلل – صلى‬


‫اهلل عليه وسلم – ونشر العلم وتبليغه وطمس معامل الشرك وإذالل أهله‬
‫والذب عن حرمات الدين بنفس زكية وروح عـالية ‪ -‬ما يكفر اهلل به‬
‫سيئاهتم ويرفع درجاهتم وقد رضي اهلل عنهم وأرضاهـم ومـا جـاء مـن‬
‫اآلثار املروية يف مساويهم فهي على ثالث مراتب ‪:‬‬
‫أولها ‪ :‬ما هو كذب حمض ال يروى وال يعرف إال من روايـة أيب خمنف‬
‫لوط بن حيىي الـرافضي الكذاب (‪ )1‬أو سيف بن عمر التميمي صاحب‬
‫كتاب ( الردة والفتوح ) وهو ليس بشيء عند أهل احلديث (‪ )2‬أو‬
‫الواقدي املرتوك (‪ )3‬أو غريهم ممن ال يعتمد عليهم وال على مروياهتم‬
‫وهـم عمدة خصوم الصحابة ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ -‬يف نقل املساوي‬

‫(?) قال عنه ابن معني ‪ :‬ليس بشيء ‪ ،‬وقال ابن عدي يف الكامل (‪ ( ) :6/2110‬وهذا‬ ‫‪1‬‬

‫الذي قاله ابن حبان يوافقه عليه األئمة ‪ ،‬فإن لوط بن حيىي معروف بكنيته وامسه ‪ ،‬حدث‬
‫بأخـبار من تـقدم من السلـف الصاحلني ‪ ،‬وال يبعد منه أن يتناوهلم وهو شيعي حمرتق )‬
‫وقـال الـذهيب ( ‪ ( )3/419‬إخباري تالف ال يوثق به ‪ ،‬تركه أبو حامت وغريه ) ‪.‬‬
‫(?) قـال عنه ابن مـعني – الكـامـل البن عـدي (‪ ( : )2/1271‬فلس خري منه ) وقال أبو‬ ‫‪2‬‬

‫داود – هتـذيـب الكمـال ( ‪ ( : - )12/326‬ليس بشيء ) وقال ابن حبان يف كتابه‬


‫اجملروحني ( ‪ ( : )1/340‬اهتم بـالـزندقـة يـروي املوضوعات عن اإلثبات) وذكر اإلمام‬
‫الدار قطين يف الضعفاء واملرتوكني ص ( ‪ ، )104‬وقـال الفسوي – املعرفـة والتاريخ (‬
‫‪ ( - )3/58‬سيف حديثه وروايته ليست بشيء ) ‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫واملثالب والوقائع امللفقة وما كان أهل احلديث ونقاده وجهابذة اجلرح‬
‫والتعديل يعتمدون على واحد منهم لعدم ضبطهم وكثرة كذهبم ‪.‬‬
‫ثانيها ‪ :‬ما صح سنده ‪ ،‬وله حممل حسن ‪ ،‬فيجب محله عليه إحسانًا‬
‫للظن هبم ‪ ،‬فهم أحق الناس هبذا وأوالهم حبمل ألفاظهم وأفعاهلم على‬
‫أحسن مقصد وأنبل عمل ‪ ،‬ومن أبت نفسه اخلري‪ ،‬وحرمت سالمة القصد‬
‫ووثب على مقاصد وألفاظ أئمة الدين ‪ ،‬وجعل من احملتمل زلة ‪ ،‬ومن‬
‫الظن جرحًا ؛ فقد عظم ظلمه وغلب جهله وناله من احلرمان ما نال‬
‫أمثاله من مرضى القلوب ‪.‬‬
‫ثالثها ‪ :‬ما صدر عن حمض االجتهاد والشبهة والتأويل ‪ ،‬كالوقائع اليت‬
‫كانت بينهم ‪ ،‬وغريها من األمور القولية والفعلية ‪ ،‬فهذه أمور واردة عن‬
‫اجتهاد وتأويل ‪ ،‬فللمصيب فيها أجران وللمخطي أجر واحد ‪ ،‬واخلطأ‬

‫(?) وهو خري من أيب خمنف ‪ ،‬وسيف عـلى ضعـفـه الشديـد ‪ ،‬قـال عنـه حيىي بـن مـعـني –‬ ‫‪3‬‬

‫التارخ (‪ ( : - )2/532‬ليـس بشيء ) وقـال على بن املديين – هتذيب الكمال (‬


‫‪ ( )26/187‬اهليثم ابن عدي أوثق عندي من الواقدي وال أرضاه يف احلديث وال يف‬
‫األنساب وال يف شيء ) ‪ ،‬وقد تركه اإلمام البخاري ومسلم وأمحد والنسائي واحلاكم‬
‫وانظر يف ذلك ميزان االعتـدال ( ‪ )3/622‬وهتـذيب الكمـال ( ‪)194-26/180‬‬
‫واجملروحني البن حبان ( ‪. )2/290‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫مغفور ‪ ،‬ملا روى البخاري (‪ ) 7352‬ومسلم (‪ )1716‬من طريق يزيد‬


‫بن عبداهلل عن حممد بن إبراهيم بن احلارث عن بسر بن سعيد عن أيب‬
‫قيس موىل عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه مسع رسول اهلل –‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يقول ‪ ( :‬إذا حكم احلاكم فاجتهد مث أصاب فله‬
‫أجران وإذا حكم فاجتهد مث أخطأ فله أجر ) ‪.‬‬
‫فمن أفىت أو حكم أو قضى أو قال خبالف احلق لشبهة قامت‬
‫عنده أو سنة مل تبلغه أو تأويل له وجهه فإنه يثاب على هذا االجتهـاد‬
‫واخلطأ مغفور ‪ ،‬كما دل عليه هـذا اخلـرب وكما قال تعاىل يف دعـاء املؤمنني‬
‫‪َ { :‬ر َّبَنا َال ُتَؤ اِخ ْذ َنا ِإْن َنِس يَنا َأْو َأْخ َطْأَنا } ( سورة البقرة (‪ ) )286‬ويف صحيح‬
‫مسلم ( ‪ 2/146‬نووي ) من طريق سعيد بن جبري عن ابن عباس مرفوعًا‬
‫‪ (( :‬أن اهلل تبارك وتعاىل قال ‪ ( :‬قد فعلت )) ‪.‬‬
‫وهذا األصل مما اتفق عليه أهل السنة واجلماعة وخــالفهم اخلوارج‬
‫واملعتزل ــة ومن ش ــاهبهم فلم يع ــذروا ه ــذا الص ــنف من اجملته ــدين املت ــأولني‬
‫وأحلقوا هبم أدلة الوعيد وجعلوهم من املذمومني الضالني ‪.‬‬
‫وهذا من فساد القلوب واجلور يف احلكم ‪ .‬فقد دلت األدلة من‬
‫الكتاب والسنة على أن اجملتهد املخطيء مرفوع عنه اإلمث سواء تقدم‬
‫عهده أم تأخر ‪ .‬ومن طعن فيه باهلوى وأحلق به أدلة الوعيد على‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫التعيني ورماه بالضاللة والبدعة فقد قال ماال علم لـه به وشابه يف ذلك‬
‫اخلوارج املـارقني وحلقه من الذم ما حلق أشباهه من املعتدين ‪.‬‬

‫وأصل البالء في هذا الباب ناتج عن سببين ‪:‬‬


‫األول ‪ :‬عدم التفريق بني القول مبوجب نصوص الوعيد من الكتاب‬
‫والسنة من حيث العموم واإلطالق وبني حلوق الوعيد ولزومه على‬
‫األشخاص على التعيني ‪ ،‬وقد نتج عن هذا القول الباطل فساد يف‬
‫املنهج وظلم للعباد واعترب هذا حبال فئة من أبناء هذا العصر من تبديع‬
‫بعضهم بعضًا وطعنهم يف اجتهادات إخواهنم ورميهم الدعاة إىل اهلل‬
‫بالضالل واخلروج عن مذهب أهل السنة ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬احلسد واهلوى اللذان يصدان العبد عن طريق اهلدى‬
‫واتباع احلق ‪.‬‬
‫وطريق الخالص منهما بأمرين عظيمين ‪:‬‬
‫أوًال ‪ :‬العلم بأمساء اهلل وصفاته وأحكام احلالل واحلرام وما يأيت املرء‬
‫وما يذر ‪ ،‬فإن هـذا مينع من اجلهل على العباد وظلمهم ‪ ،‬ويدعو إىل‬
‫العدل يف القول والعمل ‪.‬‬
‫ثانيًا ‪ :‬اإلخالص هلل تعاىل فهو أصل كل خري والباعث عليه ‪ ،‬وليس‬
‫حلظوظ النفس وشهواتـها دواء أنفـع منـه ‪ ،‬قـال تعـاىل عـن نبيه الكرمي‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫ِم‬ ‫ِل ِل‬


‫يوسـف الصديق ( َكَذ َك َنْص ِر َف َعْنُه الُّس وَء َو اْلَف ْح َش اَء ِإَّنُه ْن‬
‫ِع َباِد َنا اْلُم ْخ َلِص يَن (‪ ( ) )24‬سورة يوسف) ‪.‬‬
‫قرأ نافع وأهل الكوفة ( المخَلصين ) بفتح الالم ‪ ،‬أي املختارين‬
‫املصطفني ‪ ،‬وقرأ آخرون بكسرها ‪ ،‬فدلت على أن اإلخالص وقاية للعبد‬
‫من الولوغ يف الفواحش والبليات نسأل اهلل السالمة من ذلك ‪.‬‬

‫فصل‬
‫إن ظاهرة احرتاف الطعن يف اآلخرين بلية عظيمة وسجية قبيحة‬
‫وعواقبها سيئة ومراميها خطرية وال سيما إذا كانت يف أنصار الدين‬
‫حزب الرمحن املوحدين فإن أبعادها قواصم التاريخ والدين ‪ ،‬وهلذا فإن‬
‫حمرتيف الطعن مل يكتفوا بثلب معاوية وتتبع السقطات من هنا وهناك بل‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫جتاوزوا ذلك إىل أعداد من الصحابة وناهلم نصيب من عدواهنم من‬


‫القذف بالباطل والرمي بالنفاق أو التجرب واحملاباة واالحنراف عن عدل‬
‫اإلسالم أو القتال للسياسة والعصبية ومحاية قبائل العرب وغري ذلك من‬
‫مفرتيات املزورين للحقائق الثابته واملعامل الصحيحة ‪ ،‬وقد أصاب ابن عمة‬
‫رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – وابن حواريه من عواهن كالمهم‬
‫وسقطه ما يربأ منه كل مؤمن ويقطع ببطالنه كل منصف وقد اتفق‬
‫األكابر من أهل العلم على أن ابن الزبـري أحد الصحابة األبطال الذين‬
‫جاهدوا يف سبيل اهلل حق جهاده وأبلى يف اإلسالم بالء حسنا وهانت‬
‫عليه نفسه يف سبيل اهلل وخاض املعارك واحلروب ضد أعداء الدين وعبيد‬
‫الشهوات واشرتك يف معظم الفتوحات اإلسالمية من بلوغه الرابعة عشرة‬
‫من عمره وكان صاحب علم ورواية وتأله وعبادة وقيام على أهل الباطل‬
‫وجهاد للعدو ‪ ،‬وقـد كـان الصحابة ‪ -‬وال سيما خالته أم املؤمنني عائشة‬
‫‪ -‬حيبونه ويعرفون لـه قدره وفضلـه ‪ ،‬وأما قيامه باإلمارة وقتاله على ذلك‬
‫فالظن فيه ويف أمثاله من أهل اخلري والصالح أنه هلل رب العاملني إلعالء‬
‫كلمته ونصر دينه ورفع راية التوحيد ودفع الظلم عن املظلومني‬
‫واستخالص حقوقهم ونشر اخلري بني الرعية وإقامة اجلهاد ‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫واخلرب الوارد يف املسند (‪ )1/64‬من طريق يعقوب عن جعفر بن‬


‫أيب املغرية عن ابن أبزى عن عثمان – رضي اهلل عنه – قال ‪ :‬مسعت‬
‫رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – يقول ‪ ( :‬يلحد مبكة كبش من‬
‫قريش امسه عبداهلل عليه مثل نصف أوزار الناس ) فيه نظر وليس فيه ما‬
‫يدل على أنه عبداهلل بن الزبري ‪.‬‬
‫قال احلافظ الذهيب – يف السري (‪ ( )3/375‬يف إسناده مقال ) ‪،‬‬
‫وقـال احلـافظ ابن كثري – رمحه اهلل ‪ -‬يف البداية ( ‪ : - )8/339‬هذا‬
‫احلديث منكر جدًا ويف إسناده ضعف ويعقوب هذا هو القمي وفيه تشيع‬
‫ومثل هذا ال يقبل تفرده به وبتقدير صحته فليس هو عبداهلل بن الزبري فإنه‬
‫كان على صفات محيدة وقيامه يف اإلمارة إمنا كان هلل عز وجل ‪ ،‬مث هو‬
‫كان اإلمام بعد موت معاوية بن يزيد ال حمالة وهو أرشد من مروان بن‬
‫احلكم حيث نازعه بعد أن اجتمعت الكلمة عليه وقامت البيعة له يف‬
‫اآلفاق وانتظم له األمر واهلل أعلم ) ‪.‬‬
‫وهذا الكالم وجيه واخلرب معلوم ولكن ال يصح تضعيفه بتشيع‬
‫القمي (‪ )1‬فال يزال األئمة البخاري ومسلم وأبو داود والرتمذي وغريهم‬

‫(?) وحقيقة التشيع عند أهل احلديث ختالف حقيقته عند املتأخرين فالغالب على تشيع‬ ‫‪1‬‬

‫املتأخرين الرفض وتكفري الصحابة والرباءة من أمهات املؤمنني وحنو ذلك من عظائم دينهم‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫خيرجون ألهل البدع ممن ال خترجه بدعـته عـن اإلسالم سواء كان داعية أم‬
‫ال وسواء روى مـا يؤيد بدعته أم ال (‪ )1‬فالعربة حبفظ الراوي وضبطه ‪،‬‬
‫فإذا كان حافظًا ثقة عدال صح حديثه (‪ )2‬ويعقوب هذا قد وثقـه غري‬
‫واحد ‪ ،‬وقال عنه اإلمام النسائي ‪ :‬ليس به بأس ‪ .‬وقد تقدم أنه ال يصح‬

‫ومثل هذا الضرب مل يكن أهل احلديث يروون عند أحد منهم لكثرة كذهبم وعدم أمانتهم‬
‫‪ ،‬وتشيع القمي ومثله أبان بن تغلب وعبيداهلل بن موسى ومجهـرة كثـرية أحـاديثهم يف‬
‫دواوين أهـل العـلم هو التشيع بال غلو وال طعن يف الشيخني وال تكفري للصحابة وقذف‬
‫لعائشة رضي اهلل عنها وانظر يف ذلك ميزان االعتدال (‪. )1/5‬‬
‫(?) وتعديل األئمة لرواية املبتدع الصدوق دليل على عظيم عدهلم وإنصافهم ‪ ،‬فهم يطعنون‬ ‫‪1‬‬

‫يف رأي املبتدع وحيذرون منه فإذا جاءت روايته وكان متصفًا بالصدق والضبط مل مينعهم‬
‫مانع من قبول روايته وتدوينها يف كتبهم واالحتجاج هبا يف مصنفاهتم وهذا من متام العدل‬
‫والقسط والقيام باحلق ‪ ،‬ومن نازع من األئمة يف قبول رواية املبتدع الذي ال خترجه بدعته‬
‫عن اإلسالم ففي نزاعه نظر ‪ ،‬فإنه ال خيلو كتاب حديثي من التخريج هلذا النوع ‪ ،‬واعترب‬
‫ذلك يف مسند أمحد واألمهات الست ومصنفي عبدالرزاق وابن أيب شيبة وصحيحي ابن‬
‫خزمية وابن حبان واملعاجم الثالثة للطرباين وغريها ‪ ،‬وقد ذكر اإلمام ابن حبان رمحه اهلل يف‬
‫مقدمة صحيحه ( أنه يقبل رواية املبتدع الثقة ما مل يكن داعية إىل ما ينتحل ) ويف هذا نظر‬
‫وقد جاء يف صحيحه ما خيالف هذا ‪.‬‬
‫فقد روى أليب معاوية حممد بن خازم الضرير أحد رجال الستة وهو من دعاة املرجئة ‪،‬‬
‫قاله أبو زرعة تاريخ بغداد (‪ )9/299‬وغريه ‪ ،‬وروى لشبابة بن سوار أحد رجال الستة‬
‫وهو من دعاة املرجئة ‪ ،‬قاله أمحد بن حنبل ( ميزان االعتدال (‪ ، )2/260‬وقيل رجع‬
‫شبابة عن رأيه ‪ .‬قاله أبو زرعة ( تاريخ بغداد (‪ )9/299‬ويف اجلعبة غري ذلك من دعاة‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫تفسري اخلرب بعبداهلل بن الزبري فإنه هبت وقـول على اهلل بال علم ‪ ،‬فأمـر‬
‫عبداهلل بن الزبري من العلم والدعوة إىل اهلل واجلهاد يف سبيله والصدع‬
‫باحلق وكثـرة العبادة من صالة وصوم أمر يستحيل معه أن يكون هو‬
‫امللحد يف مكة وقـد كـان الـصحابـة ‪ -‬رضي اهلل عـنهم ‪ -‬يف وقـتـه يثنون‬
‫عـليه ويـعرفـون له حـقـه ‪.‬وقـد جـاء يف البخـاري ( ‪ -8/326‬الفتح ) عـن‬
‫بـن عباس ‪ -‬رضي اهلل عـنه – أنـه قال ‪ -‬مثنيًا عليه ‪: -‬‬ ‫عبـداهلل‬
‫( أما أبوه فحواري النيب – صلى اهلل عليه وسلم – يريد الزبري وأما جده‬
‫فصاحب الغار يريد أبا بكر وأما أمه فذات النطـاقني يـريد أمساء وأمـا‬
‫خـالته فأم املؤمنني يريد عائشة وأما عمته فزوج النيب – صلى اهلل عليه‬
‫وسلم – يريد خدجية وأما عمة النيب صلى اهلل عليه وسلم فجدته يريد‬
‫صفية مث عفيف يف اإلسالم قارئ للقرآن ) فاحلقائق ظاهرة والدالئل‬
‫قائمة على فضله وجاللة قدره وسالمة دينه فال تصغ ملن تعرض ملقت اهلل‬
‫وسخطه وجل يف الباطل وتقحم طرق الضالل وبسط لسانه يف خيار األمة‬
‫وفضالء الرجال فالصحابة كلهم عدول من البس منهم الفنت ومن مل‬
‫أهل البدع املخرج هلم يف صحيح ابن حبان وغريه من دواوين أهل اإلسالم املشهورة فال‬
‫أطيل بذكر ذلك ‪ ،‬فاألمثلة تستغرق صفحات ‪ ،‬واملوضوع من الوضوح ماال حيتاج معه إىل‬
‫كثري متثيل واهلل املوفق ‪.‬‬
‫(?) ما مل يطرأ على حديثه علة من تفرد عمن هو أوثق منه أو غري ذلك ‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫يالبسها ملا هلم من املآثر العظيمة والفضائل اجلليلة من نصر الدين وإغاظة‬
‫الكفار واجملرمني وبذل األموال والنفوس حلماية رسول اهلل –صلى اهلل‬
‫عليه وسلم – والذب عنه وفتح البالد شرقًا وغربًا وتبليغهم العلم يف‬
‫فجاج األرض وأقطارها وإعالء كلمة اإلخالص وحتقيق العمل هبا باطنًا‬
‫وظاهرًا وهذا كله باالتفاق (‪ )1‬لدالالت الكتاب والسنة فمن تزبع بعـد‬
‫هـذا وزعم أنـه مباح له الكالم يف ابن الزبري وغريه من خنبة الرجال ومحلة‬
‫الدين فقد آذى نفسه وظلم غريه { وما للظالمين من أنصار } ‪.‬‬
‫قيل أليب عبداهلل أمحد بن حنبل – رمحه اهلل – ( ما تقول فيمن‬
‫زعم أنه مباح له أن يتكلم يف مساوي أصحاب رسول اهلل – صلى اهلل‬
‫عليه وسلم – فقال أبو عبداهلل ‪ :‬هذا كالم سوء رديء جيانبون هؤالء‬
‫السنة‬ ‫القوم وال جيالسون ويبني أمـرهـم للناس ) رواه اخلـالل يف‬
‫( ص‪ )512‬بسند صحيح ‪.‬‬
‫وكالم األئمة يف ذم هذا الصنف وهجرهم والتحذير من‬
‫مسالكهم كثري وتراه مبسوطًا يف شرح أصول اعتقاد أهل السنة لاللكائي‬
‫والشرح واإلبانة البن بطة والسنة للخالل وغريها ‪.‬‬

‫(?) انظر هذا االتفاق يف الكفاية للخطيب البغدادي واالستيعاب البن عبدالرب وشرح النووي‬ ‫‪1‬‬

‫على مسلم والتقريب مع تدريب الراوي وغريها ‪.‬‬


‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫وال أحسب أحدًا ينقب عن عثرات الصحابة ويبحث هلم عن‬


‫الزالت املبنية على الشبه الواهية إال وقد رخص عليه دينه ‪.‬‬
‫وقد قال اإلمام أمحد – رمحه اهلل ‪ ( : -‬إذا رأيت أحدًا يذكر‬
‫أصحاب رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بسوء فاهتمه على‬
‫اإلسالم ) (‪. )1‬‬
‫وكان املفرتض ممن يدعي اإلسالم والسنة حمبة الصحابة ونصرهتم‬
‫والذب عنهم ونشر فضائلهم وحماسنهم والكف عن مساويهم والرد على‬
‫أعدائهم من الروافض وأمثاهلم من أعداء امللة وأتباع الشيطان ‪.‬‬
‫أما غض الطرف عن جمرمي هذا الزمان ومن قبل من روافض‬
‫وشيوعيني وقوميني وعلمانيني والقفز إىل أئمة اإلسالم كأيب هريرة‬
‫ومعاوية وابن الزبري رضي اهلل عنهم ‪ ،‬وفريهم وتصيد عثراهتم واهتام‬
‫مقاصدهم وإساءة الظن هبم وطمس حماسنهم مبجرد شبه واهية ومقامات‬
‫حمتملة فهذا ظلم مبني وهتك ألعراضهم ونزع للثقة هبم ومبروياهتم ‪،‬‬
‫وجترئة على تناول غريهم على نسق أسالفهم ( هلم ما للناس وعليهم ما‬
‫على الناس ) ) فيا ويلهم يوم تبلى السرائر ويقوم الناس لرب العاملني ‪،‬‬

‫(?) شرح أصول اعتقاد أهل السنة واجلمـاعـة (‪ )7/1252‬لاللكائي رمحه اهلل ‪ ،‬وتاريخ ابن‬ ‫‪1‬‬

‫عساكر (‪. )59/209‬‬


‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫فإن هذا املشرب وهذا التجريح يف أنصار الدين وحزب الرمحن املوحدين‬
‫لغاية يف القبح وفساد يف الرأي ورقة يف الدين فإن من حتركت نفسه‬
‫للطعن يف واحد من الصحابة األخيار فليس بغريب منه أن حيركه جهله‬
‫يف ثلب آخرين وآخرين فالبعرة تدل على البعري واألثر يدل على املسري ‪.‬‬
‫وإنين – مع كثرة ما قرأت يف السنة واحلديث والتاريخ وغريها –‬
‫مل أعهد أحدًا من أهل السنة املناوئني ألعدائها احرتف ظاهرة التجريح‬
‫ألحد من الصحابة ال معاوية وال عبداهلل بن الزبري وال غريمها ‪ ،‬وإمنا جاء‬
‫يف كتب الروافض الطعن يف معاوية ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬واختالق‬
‫األحاديث واحلكايات يف ذمه وشتمه ‪.‬‬
‫وهذا غري غريب من الروافض املخذولني فهم مهج الورى‬
‫وأكذب الطوائف الضالة وأجهلهم بعلم املنقوالت واملناظرة يف‬
‫املعقوالت ‪ ،‬وليس على أمة حممد – صلى اهلل عليه وسلم – طائفة أضر‬
‫منهم فقد مجعوا مستنقعات الضالل ومراتع اإلحلاد وننت األمم السابقة‬
‫فهم أشبه وألصق الطوائف الضالة باليهود ‪.‬‬
‫ومن نظر يف كتبهم استقل ما نقل عن بعض السلف من كوهنم‬
‫أكذب الناس وأجهلهم ‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫فقد جاءت يف كتبهم اليت يدينون اهلل هبا ‪ ،‬ويعتقدوهنا ما فيها‬


‫وينـاضلون عنها ‪ ،‬شآبيب من العقائد الفاسدة واألكاذيب الباطلة املخالفة‬
‫للمنقول واملعقول ‪.‬‬
‫إال أهنم ملكرهم وخداعهم ال يظهرون كثريًا من اعتقاداهتم لكل‬
‫أحد ‪ ،‬إمنا هو ألتباعهم ومن هو على دينهم ‪ ،‬وحني خيالطون أهل السنة‬
‫ويناظروهنم يلجؤون معهم إىل التقية (‪ . )1‬أوباصطالح آخر ( الغاية تبرر‬
‫الوسيلة ) وهذه عقيدة عندهم يأمث تاركها بل جعلوا تركها مبنـزلة ترك‬
‫الصالة ‪.‬‬
‫كماقال – امللقب برئيس احملدثني عندهم – ابن بابويه‬
‫القمي‪ ( :‬التقية واجبة من تركها كان مبنزلة من ترك الصالة ) ‪.‬‬
‫وقال آخر ‪ ( :‬االعتقاد بالتقية واملتعة اعتقاد بالقرآن واإلنكار هلما‬
‫إنكار للقرآن وكفر به ) ‪.‬‬
‫واختلقوا كذبًَا وزورًا على جعفر بن حممد أنه قال ‪ ( :‬إن تسعة‬
‫أعشار الدين يف التقية وال دين ملن ال تقية له ) (‪ . )2‬وهلم يف التقية أقوال‬

‫(?) وهي أن يظهر عند خمالفيه خالف ما يبطن ليتوصل لألغراض الفاسدة والتعمية ألمره ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) وهذا كذب على اهلل وعلى رسوله –صلى اهلل عليـه وسلم – فليست التقية على ما‬ ‫‪2‬‬

‫اصطلحوا عليه من الدين بل هي نفاق حمض ‪ ،‬وانظر – إن كنت ذا علم – أقواهلم يف‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫غري هذه فقد فسروا بعض اآليات بذلك ‪ ،‬ولوال خشية اإلطالة لذكرت‬
‫طرفًا من ذلك ؛ لكنين آثرت هنا االختصار ألن القصد بيان حقيقة دينهم‬
‫ليكون املسلم بصريًا هبم عاملًا بعقيدهتم ‪ .‬وها أنا أنقل من كتبهم بعض‬
‫عقائدهم فإن هذا أعظم زاجر وأبلغ شاهد ؛ ألن اخلطر األكرب والداء‬
‫األعظم أن يسمع بعض الناس من زخرف كالمهم وحفاوهتم ماال يعرف‬
‫عن أفعاهلم وعقيدهتم ‪ ،‬فينطوي عليه أمرهم أو يغرت مبا يقولونه بألسنتهم‬
‫دون قلوهبم ‪ ،‬فقد تقدم أن التقية عندهم تسعة أعشار الدين فامسع من‬
‫كتبهم ما يكشف لك حقيقتهم ‪.‬‬
‫* يقول حممد الشريازي – يف مقالة الشيعة ( ص ‪ ( : ) 8‬ونعتقد‬
‫أن النيب – صلى اهلل عليه وسلم – واألئمة الطاهرين أحياء عند رهبم‬
‫يرزقون ‪ ،‬ولذا فإننا نزور قبورهم ونتربك بآثارهم وُنقّبل أضرحتهم كما‬
‫نقبل احلجر األسود وكما نقبل جلد القرآن الكرمي ) ‪.‬‬
‫* وقال الـرافضي حممـد الرضوي ‪ ( :‬أمـا طلب الشيعة من‬
‫أصحاب القبور أمورًا ال يقدر عليها إال اهلل تعاىل ‪ ،‬فليس هو إال جعلهم‬
‫وسائط بينهم وبني اهلل وشفعاء إليه يف جناحها امتثاًال ألمره تعاىل ‪) ...‬‬

‫(‬ ‫التقية يف املراجـع اآلتية ‪ :‬األصول مـن الـكايف (‪ )226-2/217‬واالعتقادات‬


‫‪ )115-114‬البن بابويه و احملاسن (‪ ، )259‬وكذبوا على الشيعة (‪. )373‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫أقول كذبتم – لعمر اهلل ‪ -‬فلم يأمر اهلل هبذا ‪ ،‬أتقولون على اهلل‬
‫مـاال تعلمون ؟! فالواسطة على هذا الوجه من اختاذ شفعاء ووسائط‬
‫يدعوهم ويسأهلـم جلب املنافع ودفع املضـار كفر باتفاق املسلمني وهذا‬
‫ِذ‬
‫شرك املشركني املذكور يف القرآن قال تعاىل ‪ُ { :‬قْل اْد ُعوا اَّل يَن َزَعْم ُتْم‬
‫ِم ْن ُدوِنِه َفَال َيْم ِلُك وَن َكْش َف الُّضِّر َعنـُك ْم َو َال َتْح ِو يًال (‪ُ )56‬أْو َلِئَك‬
‫ِس‬ ‫ِذ‬
‫َو َيْر ُج وَن‬ ‫اَّل يَن َيْد ُعوَن َيْبَتُغوَن ِإَلى َر ِّبِه ْم اْلَو يَلَة َأُّيُه ْم َأْقَر ُب‬
‫ْح َتُه َيَخ اُفوَن َعَذ اَبُه ِإَّن َعَذ اَب ِّبَك َك اَن َم ْح ُذ و ا (‪( })57‬سورة‬
‫ًر‬ ‫َر‬ ‫َر َم َو‬
‫اإلسراء ) ‪.‬‬
‫وقال تعاىل ‪َ { :‬و اَّلِذ يَن اَّتَخ ُذ وا ِم ْن ُدوِنِه َأْو ِلَياَء َما َنْع ُبُد ُه ْم إَّال‬
‫ِلُيَق ِّر ُبوَنا ِإَلى الَّلِه ُزْلَف ى ِإَّن الَّلَه َيْح ُك ُم َبْيَنُه ْم ِفي َما ُه ْم ِفيِه َيْخ َتِلُف وَن ِإَّن‬
‫الَّلَه َال َيْه ِد ي َمْن ُه َو َك اِذ ٌب َك َّف اٌر (‪ (} )3‬سورة الزمر )‪ .‬وقال ‪َ { :‬و َيْع ُبُد وَن‬
‫ِم ْن ُدوِن الَّلِه َم ـا َال َيُضُّر ُه ْم َو َال َيْنَف ُعُه ْم َو َيُقوُلوَن َه ُؤ َِإل ُش َف َعاُؤَنا ِع ْنَد‬
‫الَّلِه ُقْل َأُتَنِّبُئوَن الَّلَه ِبَم ا َال َيْع َلُم ِفي الَّس َم اَو اِت َو َال ِفي اَأْلْر ِض ُس ْبَح اَنُه‬
‫َّلِذ‬
‫َو َتَعاَلى َعَّم ا ُيْش ِر كُـوَن (‪ ( })18‬سورة يونس ) ‪ .‬وقال تعاىل ‪َ {:‬و ا يَن‬
‫َتْد ُعوَن ِم ْن ُدوِنِه َما َيْم ِلُك وَن ِم ْن ِقْطِم يٍر (‪ِ )13‬إْن َتْد ُعوُه ْم َال َيْسَم ُعوا‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫ِش ِك‬ ‫ِق ِة‬ ‫ِم‬


‫ُدَعاَءُك ْم َو َلْو َس ُعوا َما اْسَتَج اُبوا َلُك ْم َو َيْو َم اْل َياَم َيْك ُفُر وَن ِب ْر ُك ْم‬
‫َو َال ُيَنِّبُئَك ِم ْثُل َخ ِبيٍر (‪ ( })14‬سورة فاطر ) ‪.‬‬
‫والقرآن كله من فاحتتـه إىل ختمتـه يقـرر هـذا األصـل ويـبني أن من‬
‫دع ــا غ ــري اهلل أو غال يف ن ــيب من األنبي ــاء أو برج ــل من األولي ــاء فجع ــل في ــه‬
‫شـ ــيئًا من اإلهليـ ــة أو اسـ ــتغاث بـ ــاألموات وتوكـ ــل عليهم وأنـ ــزل هبم فاقتـ ــه‬
‫وحاجته أو طاف على قبـورهم وسـأهلم غفـران الـذنوب وتفـريج الكـروب‬
‫؛ أنه مشرك باهلل ومستحق للخلود يف اجلحيم ‪.‬‬
‫قال تعالى ‪ِ {:‬إَّن ُه َمْن ُيْش ِر ْك ِبالَّل ِه َفَق ْد َح َّر َم الَّل ُه َعَلْي ِه اْلَج َّن َة‬
‫َو َمْأَو اُه الَّناُر َو َما ِللَّظاِلِم يَن ِم ْن َأنَص اٍر (‪ ( })72‬سورة المائدة ) ‪.‬‬
‫َّط‬ ‫ِء‬ ‫ِم‬ ‫ِب َّلِه‬
‫وقال تعاىل ‪َ { :‬و َمْن ُيْش ِر ْك ال َفَك َأَّنَم ا َخ َّر ْن الَّس َم ا َفَتْخ َطُفُه ال ْيُر‬
‫َأْو َتْه ِو ي ِبِه الِّر يُح ِفي َمَك اٍن َس ِح يٍق (‪ (})31‬سورة احلج ) ‪.‬‬
‫واملشرك باهلل أجهل اخللق وأخبثهم ؛ حيث شـبه املخلـوق باخلالق ‪،‬‬
‫واخلالق بــاملخلوق ‪ ،‬وجعــل العابــد معبــودًا ‪ ،‬والعــاجز غنيـًا قــادرًا ‪ ،‬والباطــل‬
‫حقًا ‪ ،‬واحلق باطًال ‪ ،‬وهذا غاية اجلهل باهلل والظلم للنفس ‪.‬‬
‫وقد سئل النيب – صلى اهلل عليه وسلم – أي الذنب أعظم عند‬
‫اهلل قال ‪ ( :‬أن جتعل هلل ‪ ،‬ندا وهو خلقك ) رواه البخاري (‪)4477‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫ومسلم (‪ )86‬من طريق جرير عن منصور عن أيب وائل عن عمرو بن‬


‫شرحبيل عن عبداهلل بن مسعود ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪. -‬‬
‫تعاىل ‪َ {:‬فَال َت ُلوا ِلَّلِه‬ ‫والنُّد هو الشبيه واملثيل قال‬
‫ْجَع‬
‫َأنَد اًدا َو َأْنُتْم َتْع َلُم وَن (‪ (})22‬سورة البقرة ) ‪.‬‬
‫* وقد قالوا – يف زيارة قرب علي –رضي اهلل عنه – ‪ ( :‬انكب‬
‫على القرب ‪ ،‬فقبله وقل أشهد أنك تسمع كالمي وتشهد مقامي ‪ ،‬وأشهد‬
‫لك يا ويل اهلل بالبالغ واألداء يا موالي يا حجة اهلل يا أمني اهلل يا ويل اهلل‬
‫إن بيين وبني اهلل ذنوبًا قد أثقلت ظهري ‪ ،‬فبحق من أئتمنك على سره‬
‫واسرتعاك أمر خلقه وقرن طاعتك بطـاعته ومواالتك مبواالته كن يل‬
‫شفيعًا ‪ ،‬ومن النار جمريًا وعلى الدهر ظهريًا ‪ ،‬مث انكب على القرب فقبله‬
‫أيضًا) (‪. )1‬‬
‫ومثل هذا الشرك يف القبور كثري يف كتبهم ورسائلهم ‪ ،‬فهم‬
‫يعظمون القبور ويطوفون حوهلا ويصلون إليها ‪ ،‬ولو لغري القبلة ‪ ،‬وهلا‬
‫ينذرون وينحرون القرابني ‪ ،‬وقد جعل بعض شيوخهم قبور املخلوقني‬
‫مكانًا للطائفني ‪ ،‬وصنفوا هلا مناسك كمناسك احلج إىل بيت اهلل العتيق ‪،‬‬
‫(?) ( ضياء الصاحلني للجوهـرجي ) هكـذا اسـم هـذا الـكتاب ‪ ،‬وهو خليق أن يسمى عقيدة‬ ‫‪1‬‬

‫القبوريني ‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫وهم أول من بنىعليها املساجد (‪ )2‬مشاهبة لليهود والنصارى ‪ ،‬وغلوًا يف‬


‫أئمتهم وقد حذر النيب – صلى اهلل عليه وسلم – من فعل هذا ولعن‬
‫فاعله ‪،‬فروى البخاري ( ‪ )435‬ومسلم (‪ )531‬من طريق الزهري‬
‫أخربين عبيد اهلل بن عبداهلل أن عائشة وعبداهلل بن عبـاس قاال ‪ :‬ملا نزل‬
‫برسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه سلم ‪ -‬طفق يطرح مخيصة لـه على وجهه‬
‫فإذا اغتم هبا كشفها عن وجهه ‪ ،‬فقال وهو كـذلك ‪ ( :‬لعنة اهلل على‬
‫اليهود والنصارى اختذوا قبور أنبيائهم مساجد ) حيذر ما صنعوا ‪.‬‬
‫وقال – صلى اهلل عليه وسلم – " أال وإن من كان قبلكم‬
‫كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصاحليهم مساجد ‪ ،‬أال فال تتخذوا‬
‫القبور مساجد إين أهناكم عن ذلك " رواه مسلم (‪ )532‬من طريق‬
‫زيد بن أيب ُأنيسة عـن عمرو بن مرة عن عبداهلل بن احلارث النجراين عن‬
‫جندب – رضي اهلل عنه ‪. -‬‬
‫واألدلة متواترة يف حترمي البناء على القبور ‪ ،‬ودلت السنة‬
‫الصحيحة على وجوب هدم هذه األبنية وإزالتها ‪ ،‬وهي باهلدم أوىل من‬
‫مسجد الضرار وبناء الغاصب ‪ ،‬وحنو ذلك قـال أبو اهلياج األسدي قال يل‬
‫علي بن أيب طـالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ : -‬أال أبعثك على ما بعثين عليه‬
‫(?) انظر مؤلفات شيخ اإلسالم حممد بن عبدالوهاب (‪. )1/62‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫رسول اهلل – صلى اهلل عليـه وسلم ‪ -‬؟ أن ال تدع متثاال إال طمسته ‪ .‬وال‬
‫قربًا مشرفًا إال سويته " رواه مسلم (‪ )989‬يف صحيحه حتت ( باب‬
‫األمر بتسوية القرب ) ‪.‬‬
‫معهم‬ ‫* وقال الرافضي نعمـة اهلل اجلزائري ‪ ( :‬إنا مل جنتمع‬
‫– أي أهل السنة – على اهلل وال على نيب وال على إمام وذلك أهنم‬
‫يقولون ‪ ( :‬إن رهبم هو الذي كان حممدًا نبيه وخليفته بعده أبو بكر ‪،‬‬
‫وحنن ال نقول هبذا الرب وال بذلك النيب ‪ ،‬إن الرب الذي خليفة نبيه أبو‬
‫بكر ليس ربنا وال ذلك النيب نبينا ) (‪. )1‬‬
‫وقالت الروافض – عن القرآن ‪ : -‬بأنه حمرف ومبدل ‪ ،‬وأنه قد‬
‫زيد فيه ونقص ‪ ،‬قال نعمة اهلل اجلزائري الرافضي ‪ ( :‬إن األصحاب –‬
‫يعين بذلك أهل الرفض – قد أطبقوا على صحة األخبار املستفيضة بل‬
‫(‪) 2‬‬
‫املتواترة الدالة بتصرحيها على وقوع التحريف يف القرآن ) ‪.‬‬
‫وقدكتب أحد علمائهم كتابًا أمساه ( فصل اخلطاب يف إثبات‬
‫حتريف كتاب رب األرباب ) ‪ ،‬وهذا القول بالتحريف والتبديل يف‬

‫(?) األنوار النعمانية (‪. ) 1/278‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) األنوار النعمانية (‪. ) 2/357‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫القرآن قول جلماعة منهم (‪ )1‬وبعضهم ينكر هذا وينفر منه وأكثر عوامهم‬
‫ال يعرفون عن هذا شيئًا ‪.‬‬
‫وقد جاء يف أقاويل رجال الدين عند النصارى ما يفيد شهرة هذا‬
‫القول عن الرافضة ‪ ،‬فحني أثبت اإلمام ابن حزم – رمحه اهلل – ما يف‬
‫كتب النصارى من التحريف والتبديل ‪ ،‬اعرتضوا عليه بقول الروافض عن‬
‫القرآن بأنه مبدل وقد زيد فيه ونقص ‪ ،‬وكان جوابه – رمحه اهلل –‬
‫موفقًا حيث قال هلم ‪ ( :‬وأما قوهلم يف دعوى الروافض تبديل القرآن ‪،‬‬
‫فإن الروافض ليسوا من املسلمني إمنا هي فرقة حدث أوهلا بعد موت‬
‫رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – خبمس وعشرين سنة وكان مبدؤها‬
‫إجابة ممن خذله اهلل تعاىل لدعوة من كاد اإلسالم ‪ ،‬وهي طائفة جتري‬
‫جمرى اليهود والنصارى يف الكذب والكفر ) (‪. )2‬‬
‫وقال – بعد حجج ظاهرة وبراهني قاطعة على دحض قول‬
‫الرافضة من امتداد أيدي التحريف على القرآن الكرمي – ‪ ( :‬ومما يبني‬
‫كذب الروافض يف ذلك أن علي بن أيب طالب – رضي اهلل عنه – الذي‬
‫هو عند أكثرهم إله خالق ‪ ،‬وعند بعضهم نيب ناطق ‪ ،‬وعند سائرهم إمام‬

‫(?) انظر كتاب الشيعة والتصحيح ‪ ،‬مبحث حتريف القرآن ص (‪. )189-183‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) الفصل يف امللل واألهواء والنحل (‪. )2/213‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫معصوم مفرتضة طاعته ويل األمر وملك فبقي مخسة أعوام وتسعة أشهر‬
‫خليفة مطاعًا ظاهر األمر ساكنًا بالكوفة مالكًا للدنيا ‪ ،‬حاشا الشام‬
‫ومصر والفرات ‪ ،‬والقرآن ُيقرأ يف املساجد ويف كل مكان وهو يؤم الناس‬
‫به ‪ ،‬واملصاحف معه وبني يديه ‪ ،‬فلو رأى فيه تبديًال كما تقول الرافضة‬
‫أكان يقرهم على ذلك ؟!‬
‫مث ويل ابنه احلسن – رضي اهلل عنه – وهو عندهم كأبيه فجرى‬
‫على ذلك ‪ ،‬كيف يسوغ هلؤالء النوكى أن يقولوا ‪ :‬إن يف املصحف‬
‫(‪) 1‬‬
‫حرفًا زائدًا أو ناقصًا أو مبدًال مع هذا ؟! ) ‪.‬‬
‫وأما القول يف أئمتهم فأعظم القول وأشنعه ‪ ،‬وهو جتهيل للعقول‬
‫وخروج عن الدين بإمجاع املسلمني ‪ ،‬فقد قالوا عن جعفر بن حممد ‪ :‬أنه‬
‫قال ‪ ( :‬إين ألعلم ما يف السماوات وما يف األرض وأعلم ما يف اجلنة‬
‫وأعلم ما يف النار وأعلم ما كان وما يكون ) (‪. )2‬‬

‫(?) الفصل يف امللل واألهواء والنحل (‪. )217-2/216‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) األصول من الكايف ( ‪ ، )1/261‬واعلم أن هذا ال يصح عن جعفر ‪ ،‬ولكن الروافض ال‬ ‫‪2‬‬

‫يطيب هلم الكالم إال بالكذب ‪.‬‬


‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫وذكروا عن الصادق أنه قال ‪ ( :‬واهلل لقد أعطينا علم األولني‬


‫واآلخرين ‪ ،‬فقال لـه ‪ :‬وحيك إين ألعلم ما يف أصالب الرجال وأرحام‬
‫النساء ) (‪. )3‬‬
‫وجاء يف كتاهبم الكايف أن األئمة ( يعين أئمة الرافضى ) يعلمون‬
‫ما كان وما يكون وأهنم ال خيفى عليهم شيء ‪ ،‬ومثل هذا اإلفك العظيم‬
‫والقول األثيم تستغرب اعتقاده والنطق به ‪ ،‬لوال قلوب غلف ران عليها‬
‫كسب الكفر ‪ ،‬وعقول حساكل تكابر يف احملسوسات ‪ ،‬وتعارض‬
‫املعقوالت ‪ ،‬وتكذب باملنقوالت ‪ ،‬فلو قيل يف أفضل األنبياء واملرسلني‬
‫وأعظم املالئكة املقربني بأنه يعلم الغيب املطلق ويعلم ما يف‬
‫يف‬ ‫السماوات واألرض وما كان ‪ ،‬وما يكون وال خيفى عليه شيء‬
‫األرض ‪ ،‬وال يف السماء لكان كفرًا بإمجاع املسلمني ‪ ،‬فقد اختص اهلل ‪-‬‬
‫جل وعال ‪ -‬بعلم الغيب فال ينازعه فيه إال مشرك قال تعاىل ‪ُ {:‬قْل َال‬
‫َيْع َلُم َمْن ِفي الَّس َم ـاَو اِت َو اَأْلْر ِض اْلَغْيَب ِإاَّل الَّلُه َو َما َيْش ُعُر وَن َأَّياَن‬
‫ُيْبَعُثوَن (‪ ( } )65‬سورة النمل ) ‪ ،‬وقال تعاىل لنبيه ‪ -‬صلى اهلل عـليه‬
‫ِل ِل ِس‬
‫وسلم ‪ُ { : -‬قْل َال َأْم ُك َنْف ي َنْف ًعا َو اَل َض ًّر ا ِإاَّل َما َش اَء الَّلُه َو َلْو‬
‫ُك نُت َأْع َلُم اْلَغْيَب َالْسَتْك ثَـْر ُت مِـْن اْلَخ ْيِر َو َما َم َّس ِني الُّس وُء ِإْن َأَنا ِإاَّل‬
‫(?) حبار األنوار (‪ )26/27‬بواسطة بذل اجملهود (‪. )2/456‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫َنِذ يٌر َو َبِش يٌر ِلَق ْو ٍم ُيْؤ ِم ُنوَن (‪ ( })188‬سورة األعراف ) ‪ .‬وقال تعاىل ‪ِ {:‬إَّن‬
‫الَّلَه ِع ْنَد ُه ِع ْلُم الَّس اَعِة َو ُيَنِّز ُل اْلَغْيَث َو َيْع َلُم َما ِفي اَأْلْرَح اِم َو َما َتْد ِر ي‬
‫ِل‬ ‫ِب‬ ‫ِس‬
‫َنْف ٌس َماَذا َتْك ُب َغًد ا َو َما َتْد ِر ي َنْف ٌس َأِّي َأْر ٍض َتُم وُت ِإَّن الَّلَه َع يٌم‬
‫َخ ِبيٌر (‪ ( } )34‬سورة لقمان ) ‪.‬‬
‫ويف صحيح البخاري (‪ )1039‬من طريق سفيان عن عبداهلل بن‬
‫دينار عن ابن عمر قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم – "‬
‫مفتاح الغيب مخس ال يعلمها إال اهلل ‪ :‬ال يعلم أحد ما يكون يف غٍد وال‬
‫يعلم أحد ما يكون يف األرحام وال تعلم نفس ماذا تكسب غدًا وما‬
‫تدري نفس بأي أرض متوت وما يدري أحد مىت جييء املطر " ‪.‬‬
‫وأما عقيدهتم يف الصحابة فشر العقائد وأخبثها فال تقرأ كتابًا من‬
‫كتبهم إال وجتد أبوابًا خمصصة للعن الصحابة وسبهم وتكفريهم إال قليال‬
‫منهم ‪.‬‬
‫قال الرضوي الرافضي ‪ ( :‬إن مما ال خيتلف فيه اثنان ممن هم على‬
‫وجه األرض أن الثالثة الذين هم يف طليعة الصحابة – يعين أبا بكر وعمر‬
‫وعثمان – كانوا عبدة أوثان ) (‪. )1‬‬

‫(?) كذبوا على الشيعة حملمد الرضوي ص (‪. )223‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫وقال عن أيب بكر رضي اهلل عنه ‪ ( :‬كـان (‪ )1‬يصلي خلف رسول‬
‫اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – والصنم معلق يف عنقه يسجد له ) ‪.‬‬
‫وقالوا عن عمر رضي اهلل عنه ‪ ( :‬إن كفره مساو لكفر إبليس إن‬
‫مل يكن أشد (‪ ، )2‬وقال نعمة اهلل اجلزائري الرافضي ‪ ( :‬كان عثمان يف‬
‫زمن النيب – صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ممن أظهر اإلسالم وأبطن النفاق ) ‪.‬‬
‫ومثل هذه األلفاظ اليت هم أحق هبا وأهلها دارجة على ألسنتهم ‪،‬‬
‫وال ختلو من مثلها ونظائرها مصنفهاهتم فقد اعتادوا الكذب يف األخبار‬
‫وتلفيق الروايات يف سب الصحابة األبرار ‪ ،‬والقدح يف عدالتهم وقذفهم‬
‫باملوبقات ‪ ،‬ورميهم باملكفرات ‪ ،‬وال سيما اخللفاء الراشدون أبـو بكر‬
‫وعمر وعثمان ‪ ،‬فقد جعلوهم عبدة أوثان وأهل كفر ونفاق ‪.‬‬
‫وقد تواترت األخبار الثابتة عن النيب – صلى اهلل عليه وسلم –‬
‫وصحت اآلثار عن أهل البيت بأن أبا بكر وعمر ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪-‬‬
‫خري الناس بعد نبيهم – صلى اهلل عليه وسلم – وأفضل الصحابة وأقومهم‬
‫بأمر اهلل وأطوعهم لرسـول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – وقـد روى‬
‫البخـاري (‪ )3662‬ومسلم (‪ )2384‬من طريق خالد احلذاء حدثنا أبو‬

‫(?) األنوار النعمانية للجزائري (‪. )1/53‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) تفسري العياشي (‪. )224-2/223‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫عثمان قال حدثين عمرو بن العاص ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن النيب – صلى‬
‫اهلل عليه وسلم – بعثه على جيش ذات السالسل فأتيته فقلت أي الناس‬
‫أحب إليك ؟ قال ‪ :‬عائشة فقلت من الرجال ؟ فقال أبوها ‪ .‬قلت مث‬
‫من ؟ قال ‪ :‬مث عمر بن اخلطاب فعد رجاًال ) وأمجع أهل السنة على‬
‫تفضيل عثمان – رضي اهلل عنه – بعدمها لالتفاق على تقدميه يف اخلالفة ‪،‬‬
‫ولقول عبداهلل ابن عمر ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ " : -‬كنا خنري بني الناس يف‬
‫زمن النيب – صلى اهلل عليه وسلم – فنخري أبا بكر مث عمر بن اخلطاب‬
‫مث عثمان بن عفان –رضي اهلل عنهم – " رواه البخاري يف صحيحه‬
‫(‪ )3655‬من طريق حيىي بن سعيد عن نافع عن ابن عمر‪ .‬ورواه(‬
‫‪ )3697‬من طريق عبيداهلل عن نافع بلفظ " كنا يف زمن النيب – صلى‬
‫اهلل عليه وسلم – ال نعـدل بأيب بكر أحدًا مث عمر مث عثمان مث نرتك‬
‫أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم – ال نفاضل بينهم "‬
‫وروى البخاري يف صحيحه (‪ )3671‬من طريق جامع بن أيب‬
‫راشد حدثنا أبو يعلى عن حممد بن احلنفية قـال قلت أليب ‪ :‬أي الناس خري‬
‫بـعـد رسـول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – ؟ قال أبوبكر ‪ .‬قلت ‪ :‬مث من‬
‫؟ قال ‪ :‬مث عمر‪ .‬وخشيت أن يقول عثمان ‪ ،‬قلت مث أنت ‪ .‬قال ‪ :‬ما أنا‬
‫إال رجل من املسلمني " ‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫وهذا النقل عن أمري املؤمنني علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬متواتر ‪،‬‬
‫وانظر طرق ذلك يف كتاب فضائل الصحابة لإلمام أمحد ص (‪ )300‬إىل‬
‫ص (‪. )313‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف فتح الباري (‪ )7/34‬قد‬
‫سبق بيان االختالف يف أي الرجلني أفضل بعد أيب بكر وعمر ‪ :‬عثمان أو‬
‫علي وأن اإلمجاع انعقد بآخره بني أهل السنة أن ترتيبهم يف الفضل‬
‫كرتتيبهم يف اخلالفة رضي اهلل عنهم أمجعني " ‪.‬‬
‫وقد جاء يف الصحيحني (‪ )1‬من حديث أيب موسى ‪ -‬رضي اهلل‬
‫عنه ‪ -‬أن النيب – صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أمره أن يبشر أبا بكر وعمر‬
‫وعثمان باجلنة ‪.‬‬
‫وروى البخاري يف صحيحه (‪ )3675‬من طريق سعيد عن قتادة‬
‫أن أنس بن مالك ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬حدثهم أن النيب – صلى اهلل عليه‬
‫وسلم – صعد أحدًا وأبو بكر وعمر وعثمان فـرجف هبم ‪ .‬فقال " اثبت‬
‫أحد فإمنا عليك نيب وصديق وشهيدان " ‪.‬‬
‫وهـذه األحـاديث الصحيحة يف فضائل اخللفاء الثالثة أيب بكر‬
‫وعمر وعثمان غيض من فيض ‪،‬فـالطعن فيهم بعد هذا ‪ ،‬نفاق حمض ‪،‬‬
‫(?) البخاري ( ‪ ، ) 3674‬ومسلم ( ‪. ) 2403‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫ودعوى ردهتم وعبادهتم لألصنام كفر أكرب ال ينازع فيه مسلـم ‪ ،‬فقـد دل‬
‫الكتـاب والسنة املتواترة وإمجـاع املسلمني عـلى خـالف قـول الروافض قـال‬
‫َّلِذ‬ ‫ِج‬ ‫ِم‬ ‫ِب‬
‫تعـاىل ‪َ { :‬و الَّس ا ُقوَن اَأْلَّو ُلوَن ْن اْلُم َه ا ِر يَن َو اَأْلنَص اِر َو ا يَن‬
‫اَّت وُه ِبِإ ْح اٍن ِض الَّلُه َعْنُه ُضوا َعْنُه َأَعَّد َلُه َّناٍت‬
‫ْم َج‬ ‫َو‬ ‫ْم َو َر‬ ‫َبُع ْم َس َر َي‬
‫َتْج ِر ي َتْح َتَه ا اَأْلْنَه اُر َخ اِلِد يَن ِفيَه ا َأَبًد ا َذِلَك اْلَف ْو ُز اْلَعِظ يُم (‬
‫‪ ( })100‬سورة التوبة ) ‪.‬‬
‫ِم‬ ‫ِم‬
‫وقـال تعـاىل ‪َ { :‬ال َيْس َتِو ي ْنُك ْم َمْن َأْنَف َق ْن َقْبِل اْلَف ْتِح َو َقاَتَل‬
‫ِم‬ ‫ِم‬
‫ُأْو َلِئَك َأْع َظُم َد َرَج ًة ْن اَّلِذ يَن َأْنَفُقوا ْن َبْع ُد َو َقاَتُلوا َو ُك اًّل َو َعَد الَّلُه‬
‫اْلُحْس َنى َو الَّلُه ِبَم ا َتْع َم ُلوَن َخ ِبيٌر (‪ ( })10‬سورة احلديد ) ‪.‬‬
‫فمن آمن بالقرآن ؛ آمن بفضل الصحابة من السابقني األولني من‬
‫املهاجرين واألنصار والذين اتبعوهم بإحسان وحفظ هلم سابقتهم‬
‫وجهادهم وقيامهم باحلق والعدل به ‪ ،‬وتربأ من كل قول يناقض ذلك ‪،‬‬
‫ويدعو إىل السطو على حقائق تارخيهم ‪ ،‬أو احلط من قدرهم والقدح يف‬
‫عدالتهم ‪.‬‬
‫وقد روى احلافظ ابن عساكر من طريق عبداهلل بن صاحل‬
‫حدثين خالد بن محيد عن أيب صخر محيد بن زياد قال ‪ :‬قلت حملمد‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫بن كعب القرظي يومًا ‪ :‬أال ختربين عن أصحاب رسول اهلل – صلى اهلل‬
‫عليه وسلم – فيما كان من رأيهم ‪ ،‬وإمنا أريد الفنت فقال ‪ :‬إن اهلل قد‬
‫غفر جلميع أصحاب رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – وأوجب اهلل‬
‫هلم اجلنة يف كتابه حمسنهم ومسيئهم ‪.‬قلت ‪ :‬يف أي موضع أوجب اهلل هلم‬
‫اجلنة يف كتابه ؟ فقال ‪ :‬سبحان اهلل ! تقرأ قوله ‪َ { :‬و الَّس اِبُقوَن اَأْلَّو ُلوَن‬
‫ٍن ِض‬ ‫ِذ‬ ‫ِج‬ ‫ِم‬
‫ْن اْلُم َه ا ِر يَن َو اَأْلنَص اِر َو اَّل يَن اَّتَبُعوُه ْم ِبِإ ْح َس ا َر َي الَّلُه َعْنُه ْم‬
‫َو َر ُضوا َعْنُه َو َأَعَّد َلُه ْم َج َّناٍت َتْج ِر ي َتْح َتَه ا اَأْلْنَه اُر َخ اِلِد يَن ِفيَه ا َأَبًد ا‬
‫َذِلَك اْلَف ْو ُز اْلَعِظ يُم (‪ ( } )100‬سورة التوبة ) ‪.‬‬
‫فأوجب اهلل جلميع أصحاب النيب – صلى اهلل عليه وسلم – اجلنة‬
‫والرضوان ‪ ،‬وشرط على التابعني شرطًا مل يشرطه عليهم ‪ ،‬قلت ‪ :‬ومـا‬
‫اشرتط عليهم ‪ ،‬قال اشرتط عليهم أن يتبعوهم بإحسان ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫بأعماهلم احلسنة وال يقتدون هبم يف غري ذلك ‪ ،‬قال أبو صخر‪:‬فواهلل‬
‫لكأين مل أقرأها قط وما عرفت لتفسريها حىت قرأها علَّي حممد بن كعب)‬
‫(‪. ) 1‬‬

‫(?) تاريخ دمشق (‪. )147-55/146‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫والرافضة حيملون ألهل السنة كل كيد ‪ ،‬وبغض ويزعمون‬


‫ردهتم ‪ ،‬وأهنم مـن أصحاب السعري ‪ ،‬وهذا من أعظم أنواع الردة عن‬
‫الدين وأقبح الكفر ‪.‬‬
‫وقـد انتزع اإلمـام مالك – رمحه اهلل – كفر الـروافض من قوله‬
‫تعاىل ‪ِ {:‬لَيِغيَظ ِبِه ْم اْلُك َّف اَر } ( سورة الفتح ( آية ‪ . ))29‬وهذا مما ال شك فيه‬
‫كما نص عليه أئمة اإلسالم ‪ ،‬فقد اتفقوا على أن مـن كان يف قلبه غيض‬
‫على الصحابة ‪ ،‬وزعم ردهتم ‪ ،‬أو فسقهم ‪ ،‬أو خيانتهم يف تبليغ الدين أنه‬
‫كافر ‪.‬‬
‫قال بشر بن احلارث ‪ :‬من شتم أصحاب رسول اهلل – صلى اهلل‬
‫عليه وسلم – فهو كافر وإن صام وصلى وزعم أنه من املسلمني (‪) )1‬‬
‫وقـال األوزاعي ‪ ( :‬من شتم أبا بـكر الصديق ‪ -‬رضي اهلل عنه – فقد‬
‫ارتد عن دينه وأباح دمه (‪. ) )2‬‬

‫(?) الشرح واإلبانة لإلمام ابن بطة ص (‪. )162‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) املرجع السابق ص (‪. )161‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫وقال املروزي ‪ :‬سالت أبا عبداهلل – يعين اإلمام أمحد ‪ : -‬عمن‬


‫شتم أبا بكر وعمر وعثمان وعائشة –رضي اهلل عنهم – فقال ‪ :‬ما أراه‬
‫على اإلسالم (‪. )3‬‬
‫وقال أبو طالب لإلمام أمحد ‪ :‬الرجل يشتم عثمان ؟ فأخربوين أن‬
‫رجًال تكلم فيه فقال هذه زندقة " رواه اخلالل (‪ )3/493‬بسند صحيح‬
‫‪.‬‬
‫والشتم أو السب نوعان ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أن ال يكون يف عـدالتـهم أو دينهم فهذا ال يكفر ‪،‬‬
‫ولكنه ضال‪ .‬وجيب تعزيره وتأديبه ‪ ،‬وذلك أن يقول هـذا خبيل أو هـذا‬
‫جبان وحنو ذلك مما يوهم التنقص لقدرهم والتقليل من شأهنم ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن يكون الطعن يف دينهم أو عـدالتهم أو يتجاوز ذلك ‪ ،‬فيزعم‬
‫ردهتم أو فسقهم فهذا مرتد ‪ ،‬وقد تقـدم قبل قليل ‪ .‬وقال شيخ اإلسالم‬
‫‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬من ( زعم أهنم ارتدوا بعد رسول اهلل – صلى اهلل عليه‬
‫وسلم – إال نفرًا قليًال ال يبلغون بضعة عشر نفسًا أو أهنم فسقوا عامتهم‬
‫فهذا ال ريب أيضًا يف كفره ‪ ،‬فإنه مكذب ملا نصه القرآن يف غري موضع‬

‫(?) املرجع السابق ص (‪. )161‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫من الرضى عنهم والثناء عليهم ‪ ،‬بل من يشك يف كفر مثل هذا ؛ فإن‬
‫كفره متعني ‪ ،‬فإن مضمون هذه املقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو‬
‫فساق وأن هذه األمة اليت هي ( ُك ْنُتْم َخ ْيَر ُأَّمٍة ُأْخ ِر َج ْت ِللَّناِس ) وخريها‬
‫هو القرن األول ‪ ،‬كان عامتهم كفارًا أو فساقًا ‪ ,‬ومضموهنا أن هذه‬
‫األمة شر األمم وأن سابقي هذه األمة هم شرارها ‪ ،‬وكفر هذا مما يعلم‬
‫باالضطرار من دين اإلسالم ‪ ،‬وهلذا جتد عامة من ظهر عنه شيء من هذه‬
‫األقوال فإنه يتبني أنه زنديق وعامة الزنادقة ‪ ،‬إمنا يسترتون مبذهبهم وقد‬
‫(‪) 1‬‬
‫ظهرت هلل فيهم مثالت ) ‪.‬‬
‫وقال السرخسي – يف أصوله ( ‪ ( : )2/134‬فمن طعن فيهم‬
‫فهو ملحد منابذ لإلسالم دواؤه السيف إن مل يتب )‪.‬‬
‫وقد فعل ذلك املؤمنون يف سنة ست وستني وسبع مائة كما يف‬
‫البداية والنهاية ( ‪ )13/310‬للحافظ ابن كثري ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬قال ‪:‬‬
‫( ويف يوم اخلميس سابع عشرة أول النهار وجد رجل باجلامع األموي‬
‫امسه حممود بن إبراهيم الشريازي ‪ ،‬وهو يسب الشيخني ويصرح بلعنهما‬
‫‪ ،‬فرفع إىل القاضي املالكي قاضي القضاة مجال املساليت ‪ ،‬فاستتابه عن‬
‫ذلك وأحضر الضراب ‪ ،‬فأول ضربة قال ‪ :‬ال إله إال اهلل ‪ ،‬علي ويل اهلل ‪،‬‬
‫(?) الصارم املسلول (‪. )1111-3/1110‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫وملا ضربه الثانية ‪ ،‬لعن أبا بكر وعمر ‪ ،‬فالتهمه العامة وأوسعوه ضربًا‬
‫مربحًا فجعل القاضي يستكفهم عنه فلم يستطع ذلك ‪ ،‬فجعل الرافضي‬
‫يسب ويلعن الصحابة وقال ‪ :‬كانوا على الضالل ‪ ،‬فعند ذلك محل إىل‬
‫نائب السلطنة وشهد عليه قوله بأهنم كانوا على الضاللة ‪ ،‬فعند ذلك‬
‫حكم عليه القاضي بإراقة دمه ‪ ،‬فأخذ إىل ظاهر البلد فضربت عنقه‬
‫وأحرقته العامة قبحه اهلل) ‪.‬‬
‫مث اعلم أن ما ذكر هنا عن الروافض غيض من فيض فلم أقصد‬
‫اإلطالة فضًال عن االستيعاب يف بيان عقائدهم يف األولياء والصاحلني‬
‫وسائر األموات من الطواغيت وغريهم فقد زادوا على شرك مشركي‬
‫العرب زمن بعثة النيب – صلى اهلل عليه وسلم – وقد مر بك ومسعت‬
‫كيف كان غلوهم يف أئمتهم وصرف خالص حق اهلل هلم ‪.‬‬
‫فكن منهم على حذر فقد كان أئمة املسلمني حيذرون منهم‬
‫وينهون عن جمالستهم وخمالطتهم والركون إليهم واالستعانة هبم وتوليتهم‬
‫شيئًا من أعمال املسلمني (‪.)1‬‬
‫(?) وال يعين هذا التخلي عن مناظرهتم ودعوهتم وزعزعة دينهم وكشف التناقضات‬ ‫‪1‬‬

‫املوجودة فيه ‪،‬فإن هذا القول ‪ -‬وإن قاله من قاله ‪ -‬خالف الكتاب والسنة والنظر‬
‫الصحيح ‪،‬فإن اهلل أمر بدعـوة املشركني وعباد القبور واألوثان وأهل الكتابني وأذن‬
‫مبناظرهتم وجمادلتهم باليت هي أحسن ‪ ،‬وأمر اهلل ‪ -‬جل وعال ‪ -‬نبيه وكليمه موسى بأن‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫فهم خونه ليس هلم دين وال ذمة وال إمام وال بيعة وال يشهدون‬
‫مجعة وال مجاعة ‪ ،‬وقد كانوا سببًا يف سقوط الدولة اإلسالمية يف بغداد ‪،‬‬
‫يتولون املشركني وأهل الكتاب ويعاونوهنم على املسلمني حىت صارت‬
‫بالد املسلمني جمازرهلؤالء املالعني ‪،‬خيربون ويفسدون وينتهكون األعراض‬
‫وينهبون األموال ‪ ،‬وقد ذكر أهل العلم واملؤرخون أمورًا من ذلك يطول‬
‫ذكرها ووصفها ‪ ،‬فلها تدمع العني وحيزن القلب وال نقول إال ما يرضي‬
‫الرب إنا هلل وإنا إليه راجعون! ‪.‬‬

‫يذهب هو وأخوه هارون ‪ -‬عليهما السـالم ‪ -‬إىل فرعون أكفر أهل األرض القائل أنا‬
‫ربكم األعلى فيدعواه إىل التوحيد واإلميان باهلل ‪ ،‬فال نتحّج ر رمحة اهلل تعاىل وهدايته لعباده‬
‫مهما بلغ كفرهم وإعراضهم ‪ ،‬ومهما تنوعت مسالكهم وتوجهاهتم فإن احلق يفرض نفسه‬
‫‪ ،‬ويعلو وال ُيعلى ‪ ،‬وقد أحسن من قال ‪.‬‬
‫اين وجه قول احلق يف صدر سامع ‪ ...‬ودعه فنور احلق يسري ويشرق ‪.‬‬
‫مث إن ترك هؤالء وشأهنم يقتضي تزايدهم وتفاقم أمرهم وإحداث األضرار بالدين‬
‫والدنيا ‪ .‬وهذا ما جتنيه نظرية التخلي عنهم مطلقًا ؛ ألنه ال يوجد من يكمم أفواههم‬
‫ويأخذ على أيديهم فلم يبق إال سبيل املناصحة واملناظرة وكشف شبههم ونصر احلق بقدر‬
‫اإلمكان واهلل يهدي من يشاء إىل صراط مستقيم ‪.‬‬
‫غري أن الداعي إىل اهلل واملناظر جيب عليه أمران أساسيان ‪:‬‬
‫أوًال ‪ :‬العلم بدين املسلمني وعقيدة أهل السنة واجلماعة لئال يلبسوا عليه ويوقعوه يف اهللكة‪.‬‬
‫ثانيًا ‪ :‬العلم بدينهم وأحواهلم عن طريق كتبهم وواقعهم ‪ .‬وبدون هذين األمرين ال جتوز‬
‫مناظرهتم ‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫وقد جاء يف املنهاج (‪ )1( )6/374‬لشيخ اإلسالم – رمحه اهلل –‬


‫حديث عن ظلم الرافضة وجورهم ومعاونتهم ألعداء اهلل ومعاداهتم حلزب‬
‫الرمحن قال ‪ :‬الرافضة يعاونون الكفار وينصروهنم على املسلمني كما‬
‫شاهده الناس ‪ ،‬ملا دخل هوالكو ملك الكفار الرتك الشام سنة مثان‬
‫ومخسني وست مائة فإن الرافضة الذين كانوا بالشام باملدائن والعواصم‬
‫من أهل حلب وما حوهلا ومن أهل دمشق وما حوهلا وغريهم ‪ ،‬كانوا من‬
‫أعظم الناس أنصارًا وأعوانا على إقامة ملكه وتنفيذ أمره يف زوال ملك‬
‫املسلمني ‪.‬‬
‫وهكذا يعرف الناس عامة وخاصة – ما كان بالعراق ملا قدم‬
‫هوالكو إىل العراق ‪ ،‬وقتل اخلليفة ‪ ،‬وسفك فيها من الدماء ماال حيصيه‬
‫إال اهلل فكان وزير اخلليفة ابن العلقمي والرافضة هم بطانته الذين أعانوه‬
‫على ذلك بأنواع كثرية باطنة وظاهرة يطول وصفها ‪.‬‬
‫وهكذا ذكر أهنم كانوا مع جنكيز خان ‪ ،‬وقد رآهم املسلمون‬
‫بسواحل الشام وغريها ‪ ،‬إذا اقتتل املسلمون والنصارى هواهم مع‬
‫النصارى ينصروهنم حبسب اإلمكان ‪ ،‬ويكرهون فتح مدائنهم ‪ ،‬كما‬
‫كـرهوا فتح عكا وغريها ‪ ،‬وخيتارون إدالتهم على املسلمني ‪ ،‬حىت أهنم ملا‬
‫(?) وحنوه يف الفتاوى (‪. )480-28/477‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫انكسر عسكر املسلمني سنة غازان ‪ ،‬سنة تسع وتسعني ومخس مائة ‪،‬‬
‫وخلت الشام من جيش املسلمني ‪ ،‬عاثوا يف البالد ‪ ،‬وسعوا يف أنواع من‬
‫الفساد ‪،‬من القتل وأخذ األموال ‪ ،‬ومحل راية الصليب ‪ ،‬وتفضيل‬
‫النصارى على املسلمني ‪ ،‬ومحل السيب واألمـوال والسالح من املسلمني‬
‫إىل النصارى ‪ ،‬أهل احلرب بقربص وغريها ) ‪.‬‬
‫وهذا قليل من كثري من خيانة الروافض للمسلمني ‪ ،‬وإعانة الكفار‬
‫عليهم ‪ ،‬ولو أخذت أتتبع ما ذكره أهل العلم من تارخيهم األسود ‪ ،‬لطال‬
‫املقام ‪ ،‬وما جاء يف كالم الشيخ – رمحه اهلل – من خيانة الوزير ابن‬
‫العلقمي ‪ ،‬فهذا له أشباه ونظائر يف املاضي واحلاضر ‪ ،‬فإن اخلميين ملا‬
‫توىل ‪ ،‬أهلك احلرث والنسل وجىن على الدين ماال ميكن وصفه هاهنا ‪،‬‬
‫والوزير ابن العلقمي ملا استمكن من اخلليفة املعتصم العباسي ‪ ،‬تآمر مع‬
‫التتار على هنب ديار املسلمني ‪ ،‬وقتل علمائهم وخيارهم فتم أمر اهلل ‪:‬‬
‫{َو َك اَن َأْم ُر الَّلِه َقَد ًر ا َمْق ُد وًر ا (‪ ( })38‬سورة األحزاب ) ‪.‬‬
‫وهذا اجلراح واملواجع يف األمة اإلسالمية بصائر ألمور اخلري‬
‫وعواقب الشر ‪ ،‬فال بد من االعتبار هبا ‪ ،‬وأخذ الدروس ‪ ،‬والعرب من‬
‫أسباب آالمها ‪ ،‬والسعي بقدر اإلمكان لتنحية الرافضة املفسدين‬
‫واستئصال شرهم ‪ ،‬ومنعهم من تويل املناصب واألعمال ‪ ،‬واالعتياض‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫عنهم باملصلحني ‪،‬قبل أن نكون سلبًا لألعداء وحديثًا للغابرين ‪ ،‬فهم‬


‫فساد الديار وخراب البالد ‪.‬‬
‫ليس هلـم عهد وال ذمة وال دين مينعهم عن منكرات األخالق‬
‫وفساد األعمال ‪ ،‬وال يرون بيعة ألحد ألهنم يعتربون احلكومات‬
‫اإلسالمية وقضاهتا يف كل العصور طواغيت متآمرين على اإلسالم ‪ ،‬كما‬
‫قال بعضهم ‪ ( :‬تالعبت األيادي األثيمة باإلسـالم واملسلمني مـن احلكام‬
‫واحلاكمني منذ وفـاة النيب الكرمي حممد – صلى اهلل عليه وسلم ‪. ) -‬‬
‫وقد يستثين بعضهم حكومـات التشيع إىل أن يظهر مهديهم‬
‫(‪) 1‬‬
‫املـزعوم ! حممد بن احلسن العسكري الـذي دخل يف سرداب سامراء‬
‫(‪) 2‬‬
‫عام ستني ومئتني عن عمر ال يتجاوز التاسعة يف قـول ‪ ،‬وال يزال خمتفيًا‬
‫عن األنظار حىت اآلن ‪ ،‬وتزعم الرافضة أن األخبار الواردة يف فضل انتظار‬
‫هذا الغائب كثرية متواترة ‪ ،‬وأن من جحده كمن جحد نبيًا من األنبياء ‪،‬‬
‫وقال أحد علمائهم " ومثل من أنكر القائم ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬يف غيبته‬
‫مثل إبليس يف امتناعه عن السجود آلدم ) (‪. )3‬‬

‫(?) انظر الكامل البن األثري (‪ )5/373‬وسري أعالم النبالء (‪. )13/120‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر السري للذهيب (‪)13/121‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) إكمال الدين ( ص‪ ) 13‬للرافضي ابن بابويه ‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫قال اإلمام ابن القيم يف حديث عن الرافضة اإلمامية‬


‫ومهديها املستحيل املعدوم ( وهم ينتظرونه كل يوم يقفون باخليل‬
‫على باب السرداب ‪ ،‬ويصيحون به أن خيرج إليهم ‪ُ :‬اخـرْج يا‬
‫موالنا ‪ُ ،‬اخرْج يا موالنا مث يرجعون باخليبة واحلرمان ‪ .‬فهذا‬
‫دأهبم ودأبه ‪.‬‬

‫ولقد أحسن من قال ‪:‬‬


‫كلمتموه جبهلـكم ما آنا‬ ‫ما آن للسرداب أن َيِلَد الذي‬
‫ثلثتُم الَعْنقاَء والِغيــالنا‬
‫فعلى عقولكم العفاُء فإنكم‬
‫ولقد أصبح هؤالء عارًا على بين آدم وضحكة يسخر منهم‬
‫(‪) 1‬‬
‫كل عاقل )‬
‫نسأل اهلل العافية واملعافاة ‪.‬‬

‫(?) املنار املنيف ص ( ‪. )152‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫كتبه‬
‫سليمان بن ناصر العلوان‬
‫في ‪29/1/1419‬هـ‬
‫القصيم – بريدة‬

‫الـفـهــرس‬
‫رقم الصفحة‬ ‫الـم ــوضـ ــوع‬
‫‪2‬‬ ‫المقدمة‬
‫‪2‬‬ ‫اتفقت األمة على أن الشريعة أتت بالمحافظة على الضروريات الخمس‬
‫‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫قال ابن المبارك من استخف بالعلماء ذهبت آخرته ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫لحوم العلماء مسمومة ‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫حكم الطعن في الصحابة والقدح في عدالتهم ‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫لم يعرف التاريخ البشري تاريخًا أعظم من تاريخ الصحابة ‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫الباعث على تأليف هذا الكتاب ‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫‪8‬‬ ‫فصل في صفات أهل السنة‬


‫‪6‬‬ ‫أنكر اإلمام أحمد ‪ ..‬جمع األحاديث التي فيها طعن على بعض الصحابة‬
‫‪.‬‬
‫‪9‬‬ ‫تخريج حديث (( ال تسبوا أصحابي ‪..........‬‬
‫‪14‬‬ ‫تخريج قول ابن مسعود ] من كان منكم متأسيًا فليتأس بأصحاب‬
‫محمد صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪18‬‬ ‫كل مؤمن آمن باهلل فللصحابة الفضل إلى يوم القيامة ‪.‬‬
‫‪19‬‬ ‫معنى قوله تعالى { َو اَّلِذ يَن اَّتَبُعوُه ْم ِبِإ ْح َس اٍن } ‪.‬‬
‫‪20‬‬ ‫من ثَبت صحبته ال يتطلب شروط التعديل ‪.‬‬
‫‪20‬‬ ‫الرد على من حصر الصحبة بالمهاجرين واألنصار ‪.‬‬
‫‪21‬‬ ‫المراد بالفتح في قوله تعالى { َال َيْس َتِو ي ِم ْنُك ْم َمْن َأْنَف َق ِم ْن َقْبِل اْلَف ْتِح‬
‫}‪.‬‬
‫‪22‬‬ ‫تفاوت منازل الصحابة ‪.‬‬
‫‪24‬‬ ‫تعليق على كتاب السلطة في اإلسالم ‪.‬‬
‫‪28‬‬ ‫كان السلف يقولون (( معاوية بمنـزلة حلقة الباب ‪...‬‬

‫رقم الصفحة‬ ‫الـم ــوضـ ــوع‬


‫‪28‬‬ ‫قول عبد اهلل بن مصعب فيمن ينتقص الصحابة ‪.‬‬
‫‪29‬‬ ‫قول اإلمام أبي زرعة في ذلك‬
‫‪30‬‬ ‫معاوية رضي اهلل عنه علم في األمة ‪...‬‬
‫‪31‬‬ ‫حكم الحجر على اإلجتهاد ‪.‬‬
‫‪34‬‬ ‫معاوية أفضل ملوك هذه األمة ‪.‬‬
‫‪34‬‬ ‫حكم سب الصحابة ‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫‪36‬‬ ‫األحاديث الواردة في ذم معاوية رضي اهلل عنه كلها كذب ‪.‬‬
‫‪37‬‬ ‫إشارة مختصرة إلى كذب الروافض على بني أمية ‪.‬‬
‫‪37‬‬ ‫حاشية في فضل على ابن أبي طالب رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫‪39‬‬ ‫لم يقل أحدمن أهل السنة بعصمة أحد من الصحابة ‪.‬‬
‫‪40‬‬ ‫اآلثار المروية في مساوي الصحابة على ثالث مراتب ‪.‬‬
‫‪40‬‬ ‫كالم أهل الجرح والتعديل في الرافضي لوط بن يحيى ‪.‬‬
‫‪40‬‬ ‫كالم أهل الجرح والتعديل في سيف بن عمر التميمي ‪.‬‬
‫‪40‬‬ ‫كالم أهل الجرح والتعديل في الواقدي ‪.‬‬
‫‪41‬‬ ‫ليس على المجتهد المخطئ إثم ‪.‬‬
‫‪43‬‬ ‫أصل البالء في تضليل أهل اإلجتهاد ‪.‬‬
‫‪45‬‬ ‫فصل في خطورة احتراف الطعن في اآلخرين ‪.‬‬
‫‪45‬‬ ‫فضائل عبداهلل بن الزبير ‪.‬‬
‫‪46‬‬ ‫تضعيف حديث ] يلحد بمكة كبش من قريش اسمه عبداهلل [ ‪.‬‬
‫‪47‬‬ ‫حاشية في حقيقة التشيع عند أهل الحديث ‪.‬‬
‫‪50‬‬ ‫قول اإلمام أحمد فيمن زعم أنه مباح له أن يتكلم في مساوي الصحابة‬
‫‪.‬‬
‫‪52‬‬ ‫ليس على أمة محمد صلى اهلل عليه وسلم طائفة أضر من الروافض ‪.‬‬
‫رقم الصفحة‬ ‫الـم ــوضـ ــوع‬
‫‪53‬‬ ‫التقية عند الروافض ‪.‬‬
‫‪54‬‬ ‫عقيدة الرافضة في أصحاب القبور ‪.‬‬
‫‪56‬‬ ‫القرآن كله من فاتحته إلى خاتمته يقرر التوحيد ويبطل الشرك ‪.‬‬
‫‪59‬‬ ‫األدلة متواترة في تحريم البناء على القبور ‪.‬‬
‫‪60‬‬ ‫عقيدة الرافضة في القرآن ‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫اإلستنفار للذب عن الصحابة األخيار‬
‫‪--‬‬

‫‪60‬‬ ‫قول اإلمام ابن حزم بأن الرافضة ليسوا في عداد المسلمين ‪.‬‬
‫‪62‬‬ ‫عقيدة الرافضة في أئمتهم وأنهم يعلمون الغيب ‪.‬‬
‫‪63‬‬ ‫نقل اإلجماع على كفر من قال بهذا القول ‪.‬‬
‫‪64‬‬ ‫عقيدة الرافضة في الصحابة رضي اهلل عنهم ‪.‬‬
‫‪65‬‬ ‫األدلة الصحيحة على فضل أبي بكر وعمر وعثمان ‪.‬‬
‫‪66‬‬ ‫قال الحافظ ابن حجر (( إن اإلجماع انعقد بين أهل السنة على أن‬
‫ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخالفة‬
‫‪68‬‬ ‫َمْن آمن بالقرآن وأنه كالم اهلل آمن بفضل الصحابة ‪.‬‬
‫‪69‬‬ ‫أقوال أئمة السلف في تكفير الرافضة ‪.‬‬
‫‪70‬‬ ‫الشتم أو السب للصحابة نوعان ‪....‬‬
‫‪73‬‬ ‫الحذر من مجالس الرافضة ‪.‬‬
‫‪73‬‬ ‫حاشية مهمة في مناظرة الرافضة ‪.‬‬
‫‪74‬‬ ‫قول ابن تيمية في ظلم الرافضة وجورهم ومعاونتهم للكفار ‪.‬‬
‫‪76‬‬ ‫الجراح والمواجع في أمة اإلسالم بصائر ألمور الخير وعواقب الشر ‪.‬‬
‫‪77‬‬ ‫الحديث عن مهدي الرافضة المزعوم ‪.‬‬
‫‪79‬‬ ‫الفهرس‬

You might also like