You are on page 1of 161

‫الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور‬

‫أنفسنا وسيئات أعمالنا ومن يهده هللا فال مضل له ومن يضلل فال هادي له وأشهد‬

‫أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى هللا عليه‬

‫وسلم تسليما كثيرا بعثه هللا بالهدى ودين الحق رحمة للعالمين وقدوة للعاملين‬

‫وحجة على العباد أجمعين فأدى األمانة وبلغ الرسالة ونصح األمة وبين لها جميع ما‬

‫تحتاج إليه في أصول دينها وفروعه حتى تركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها‬

‫وعلي هذا المنهج سار أصحابه الكرام ومن تالهم من القرون المفضلة حتى ظهرت‬

‫البدع واستبدت ظلماتها وذاق األئمة الذين وهبهم هللا اإليمان والعمل في سبيل‬

‫إخمادها أنواع العذاب اللهم حبب إلينا اإلنصاف وزينه في قلوبنا‪ ,‬وكره إلينا البغي‬

‫في الحكم والفجور في الخصومة‪ ,‬وأغننا بمحجة الحق عن بنيات الباطل‬

‫ه ح ُ ه ُ ح َ َٰ َ ُ‬
‫‪َّ ‬لِلَ ٱۡلجة ٱلبلَغة ‪‬‬

‫صفحة ( )‬
‫الكتاب للرد علي الفرق التي تدعي أن اإلسالم ال يعارضها وال ينعرض لها وموجه‬

‫للمسلمين باالساس‬

‫صفحة ( )‬
‫إن اتباع الهوى وهو ما تميل إليه النفس مما لم يبحه الشرع خالف مقصود الشرع‬

‫ألن المقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون‬

‫عبدا لله اختيارا كما هو عبد لله اضطرارا‪.‬‬

‫االستسالم لله واالنقياد له بالطاعة هو أصل دين اإلسالم فمن أسلم وجهه لله‬

‫ووقف عند حدود هللا ‪،‬فقد اهتدى ونال الدرجات العلى‬

‫وأما من اتبع نفسه هواها فإن عاقبته الهالك والخذالن وذلك أن المعاصي والبدع‬

‫كلها منشأها من تقديم الهوى على الشرع‪.‬‬

‫إن فساد الدين يقع باالعتقاد بالباطل أو بالعمل بخالف الحق فاألول البدع والثاني‬

‫اتباع الهوى وهذان هما أصل كل شر وفتنة وبالء وبهما كذبت الرسل وعصى الرب‬

‫ودخلت النار وحلت العقوبات ولذلك ما ذكر هللا الهوى في كتابه إال على سبيل الذم‬

‫وأمر بمخالفته‪ ،‬وبين أن العبد إن لم يتبع الحق والهدى اتبع هواه‪.‬‬

‫صفحة ( )‬
‫صاحب الهوى ال حكمة له وال زمام‬

‫وال قائد له وال إمام إلهه هواه حيثما تولت مراكبه تولى وأينما سارت ركائبه سار‬

‫فآراؤه العلمية وفتاواه الفقهية ومواقفه العملية تبع لهواه فدخل تحت قوله‬

‫تعالى‪:‬‬

‫ََۡ َ ً‬ ‫َ َ َ ۡ َ َ َّ َ َ َ َٰ َ َ َ َٰ َ َ َ َ َ ُ‬
‫(أرءيت م ِن ٱتخذ ِإل ههۥ هوىه أفأنت تكون علي ِه و ِكيل)‬

‫قال عامر بن عبد هللا بن الزبير بن العوام‪:‬‬

‫(ما ابتدع رجل بدعة إال ىأت غدا بما ينكره اليوم)‬

‫وقال عبد هللا بن عون البصري‪:‬‬

‫(إذا غلب الهوى عىل القلب استحسن الرجل ما كان يستقبحه)‬

‫صفحة ( )‬
‫صاحب الهوى ليس له معايير ضابطة وال مقاييس ثابتة‬
‫يرد الدليل إذا خالف هواه ألدنى احتمال ويستدل به على ما فيه من إشكال أو‬

‫إجمال وإذا لم يستطع رد الدليل لقوته حمله على غير وجهه وصرفه عن ظاهره إلى‬

‫احتمال مرجوح بغير دليل‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪:‬‬

‫ى‬
‫والمفتقة من أهل الضالل تجعل لها دينا وأصول دين قد ابتدعوه‬‫(‬
‫برأيهم‪ ،‬ثم يعرضون عىل ذلك القرآن والحديث‪ ،‬فإن وافقه احتجوا به‬
‫اعتضادا ال اعتمادا وإن خالفه فتارة يحرفون الكلم عن مواضعه‬
‫غت تأويله وهذا فعل أئمتهم وتارة يعرضون عنه‬
‫ويتأولونه عىل ر‬
‫ويقولون‪ :‬نفوض معناه إىل هللا وهذا فعل عامتهم)‬

‫صاحب الهوى مفزع كل مفتري‬

‫ومأوى كل مبطل ومستشار كل طاغ وفتنة كل جاهل بما يسوغه لهم من اآلراء‬

‫الباطلة ويسوقه لهم من األدلة الزائفة‪ ،‬ويلبس عليهم به من الشبه الصارفة‬

‫قال الحسن البصري‪:‬‬

‫( رشار عباد هللا الذين يتبعون رشار المسائل ليعموا بها عباد هللا)‬

‫صفحة ( )‬
‫صاحب الهوى تسهل استمالته من قبل أعداء األمة‬

‫والمتربصين بها الدوائر فسرعان ما يرتد خنجرا في خاصرة األمة‪ ،‬وسوطا يلهب‬

‫ظهرها‪ ،‬وعينا يكشف سرها‪ ،‬ويبدي سوأتها ويهتك سترها‪ ،‬داعية لتثبيط العزائم‪،‬‬

‫إماما لكل متهتك وخائن‪.‬‬

‫صاحب الهوى مفرق لجماعة المسلمين‬

‫مبتغ لهم العنت والمشقة‪ ،‬الطعن في الصالحين ديدنه‪ ،‬والهمز واللمز دأبه والحسد‬

‫طبعه تراه معتزال كل من يخالف هواه وإن كان أهدى سبيال مقربا لكل من هو على‬

‫شاكلته وإن كان للشيطان قبيال‬

‫قال سعيد بن عنبسة‪:‬‬

‫المسلمي واختلجت منه‬


‫ر‬ ‫(ما ابتدع رجل بدعة إال غل صدره عىل‬
‫األمانة)‬

‫وذلك ألن جميع المعاصي يجتمع فيها هذان الوصفان وهما العداوة والبغضاء والصد‬

‫عن ذكر هللا وعن الصالة فإن التحاب والتآلف إنما هو باإليمان والعمل الصالح‬

‫صفحة ( )‬
‫إن منزلة السنة من الدين عظيمة‪ ،‬ومكانتها في الشريعة رفيعة‪ ،‬كيف ال وهي مصدر‬

‫التشريع الثاني بعد القرآن‪ ،‬فما ثبت في سنة نبينا عليه الصالة والسالم لزمنا العمل‬

‫به امتثاال ألمر هللا ولو تأملنا حال الصحابة والتابعين الكرام لوجدناهم خير من قام‬

‫بسنة رسول هللا حق القيام والسنة من المعلوم عند جميع أهل العلم أنها األصل‬

‫الثاني من أصول اإلسالم‪ ،‬وأن مكانتها في اإلسالم الصدارة بعد كتاب هللا‪ ،‬فهي‬

‫األصل المعتمد بعد كتاب هللا عز وجل بإجماع أهل العلم قاطبة‪ ،‬وهي حجة قائمة‬

‫مستقلة على جميع األمة‪ ،‬من جحدها أو أنكرها‪ ،‬أو زعم أنه يجوز اإلعراض عنها‬

‫واالكتفاء بالقرآن فقط؛ فقد ضل ضالال بعيدا‪ ،‬وكفر كفرا أكبر‪ ،‬وارتد عن اإلسالم بهذا‬

‫المقال‪ ،‬فإنه بهذا المقال وبهذا االعتقاد يكون قد كذب هللا ورسوله‪ ،‬وأنكر ما أمر‬

‫هللا به ورسوله‪ ،‬وجحد أصال عظيما‪ ،‬أمر هللا بالرجوع إليه واالعتماد عليه واألخذ به‪،‬‬

‫وأنكر إجماع أهل العلم‪ ،‬وكذب به وجحده وقد أجمع علماء اإلسالم على أن األصول‬

‫المجمع عليها ثالث‬

‫• األصل األول‪ :‬كتاب هللا‬

‫• األصل الثاني ‪:‬سنة رسول هللا عليه الصالة والسالم‬

‫• األصل الثالث ‪:‬إجماع أهل العلم‬

‫• وتنازع أهل العلم في أصول أخرى أهمها ‪:‬القياس والجمهور على أنه أصل‬

‫رابع إذا استوفى شروطه المعتبرة‬

‫صفحة ( )‬
‫أما السنة فال نزاع وال خالف في أنها أصل مستقل وأنها األصل الثاني من أصول‬

‫اإلسالم وأن الواجب على جميع المسلمين بل على جميع األمة األخذ بها‪ ،‬واالعتماد‬

‫عليها‪ ،‬واالحتجاج بها إذا صح السند عن رسول هللا عليه الصالة والسالم وقد دل‬

‫على هذا المعنى آيات كثيرات في كتاب هللا وأحاديث صحيحة عن رسول هللا عليه‬

‫الصالة والسالم‪ ،‬كما دل على هذا المعنى إجماع أهل العلم قاطبة على وجوب األخذ‬

‫بها واإلنكار على من أعرض عنها أو خالفها وقد نبغت نابغة في صدر اإلسالم أنكرت‬

‫السنة بسبب تهمتها للصحابة رضي هللا عنهم وأرضاهم كالخوارج فإن الخوارج كفروا‬

‫كثيرا من الصحابة وفسقوا كثيرا وصاروا ال يعتمدون بزعمهم إال على كتاب هللا لسوء‬

‫ظنهم بأصحاب رسول هللا عليه الصالة والسالم وتابعتهم الرافضة فقالوا ال حجة إال‬

‫فيما جاء من طريق أهل البيت فقط وما سوى ذلك ال حجة فيه ونبغت نابغة بعد‬

‫ذلك تسمى هذه النابغة األخيرة القرآنية ويزعمون أنهم أهل القرآن وأنهم يحتجون‬

‫بالقرآن فقط وأن السنة ال يحتج بها ألنها إنما كتبت بعد النبي صلى هللا عليه وسلم‬

‫بمدة طويلة وألن اإلنسان قد ينسى وقد يغلط‪ ،‬وألن الكتب قد يقع فيها غلط إلى‬

‫غير هذا مما قالوا من الترهات والخرافات واآلراء الفاسدة وزعموا أنهم بذلك‬

‫يحتاطون لدينهم فال يأخذون إال بالقرآن فقط وقد ضلوا عن سواء السبيل وكذبوا‬

‫وكفروا بذلك كفرا أكبر بواحا فإن هللا عز وجل أمر بطاعة رسوله عليه الصالة والسالم‬

‫واتباع ما جاء به‪ ،‬ولو كان رسوله ال يتبع وال يطاع لم يكن لألوامر قيمة وقد أمر أن‬

‫تبلغ سنته وكان إذا خطب أمر أن تبلغ السنة‪ ،‬فدل ذلك على أن سنته صلى هللا عليه‬

‫وسلم واجبة االتباع وعلى أن طاعته واجبة على جميع األمة كما تجب طاعة هللا تجب‬

‫طاعة رسوله عليه الصالة والسالم‬

‫صفحة ( )‬
‫األول‬
‫(من يطع ّ‬
‫الرسول فقد أطاع هللا)‬
‫فجعل هللا تعالى طاعة رسوله صلى هللا عليه وسلم من طاعته‪.‬‬

‫ثم قرن طاعته بطاعة رسوله قال تعالى‪:‬‬

‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫(يـا أيها الذين أمنوا أطيعوا هللا وأطيعوا الرسول)‬
‫الثاني‬

‫حذر هللا عز وجل من مخالفة رسوله صلى هللا عليه وسلم وتوعد من عصاه بالخلود‬

‫في النار قال تعالى‪:‬‬


‫ّ‬
‫(فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عـذاب‬
‫ألـيم)‬
‫الثالث‬

‫جعل هللا تعالى طاعة رسوله صلى هللا عليه وسلم من لوازم اإليمان ‪ ،‬ومخالفته‬

‫من عالمات النفاق قال تعالى‪:‬‬

‫يحكموك فيما شجر بينهم ّثم ال يجدوا يف‬


‫ُّ‬ ‫(فال وربك ال يؤمنون ىّ‬
‫حت‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫أنفسهم حرجا مـما قضيت ويسلموا تسليما)‬
‫الرابع‬

‫أمر سبحانه وتعالى عباده باالستجابة لله والرسول قال تعالى‪:‬‬

‫(يا ّأي ها ّالذين أمنوا استجيبوا هلل ّ‬


‫وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم)‬
‫الخامس‬

‫ثم أمرهم سبحانه برد ما تنازعوا فيه إليه ‪ ،‬وذلك عند االختالف قال تعالى‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫ّ‬
‫فردوه إىل هللا ّ‬ ‫ر‬
‫والرسول)‬ ‫شء‬
‫(فإن تنازعتم يف ي‬
‫فالرسول أوتي القرآن وبيانه وهو السنة‬

‫على أن األحكام المستمدة من السنة مأخوذة في الحقيقة من القرآن الكريم‬

‫وتوجيهه العام‪ ،‬ومستقاة من أصوله‪ ،‬ومستوحاة من أهدافه‪ ،‬إذ إنها إما تخصيص‬

‫لعمومه‪ ،‬أو مفسرة لمجمله‪ ،‬أو مقيدة لمطلقه‪ ،‬أو شارحة لكيفية تطبيق بعض‬

‫أحكامه‪ ،‬وهذا ما فهمه الصحابة وعلموه وهو أن السنة وأحكامها تعتبر مأخوذة من‬

‫القرآن الكريم‪ ،‬ألن هللا تعالى قد أحال المسلمين في بعض نصوصه إلى‬

‫السنة‪ ،‬وقصة المرأة األسدية مع عبد هللا بن مسعود في لعن الواصلة والمستوصلة‬

‫والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة حينما قالت ‪:‬لقد قرأت ما بين دفتي‬

‫المصحف فلم أجد اللعن فيه‪ ،‬قال ‪:‬أما إنك لو قرأت لوجدتيه ألم تقرأي قوله تعالى‬

‫فاألخذ بالسنة في الواقع‬ ‫(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)‬
‫أخذ بالقرآن ألن القرآن أحالنا عليها في بعض األحكام كما أن السنة هي التاريخ‬

‫التطبيقي للقرآن فالجهل بها جهل لكيفية تطبيق القرآن كما أنها المصدر الوحيد‬

‫لمعرفة سبب النزول ومعرفة ناسخ القرآن ومنسوخه وهذه أمور ضرورية جدا لتحديد‬

‫معنى النص القرآني في كثير من اآليات‪.‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫األول‬

‫قال تعالى‪:‬‬

‫األنثيي فإن كن نساء فوق‬


‫ر‬ ‫(يوصيكم هللا يف أوالدكم للذكر مثل حظ‬
‫اثنتي فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف وألبويه لكل‬
‫ر‬
‫واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه‬
‫أبواه فألمه الثلث)‬
‫فإن ظاهر هذه اآلية يدل على أن كل والد يرث ولده وكل مولود يرث والده لكن‬

‫جاءت السنة فبينت أن المراد بذلك مع اتفاق الدين بين الوالدين والمولودين وأما إذا‬

‫اختلف الدينان فإنه مانع من التوارث واستقر العمل على ما وردت به السنة في ذلك‬

‫فقد صح عنه صلى هللا عليه وسلم من حديث أسامة بن زيد أنه قال‪:‬‬

‫(ال يرث المسلم الكافر وال الكافر المسلم)‪.‬‬

‫الثاني‬

‫قال تعالى‪:‬‬

‫(والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكاال من هللا وهللا‬
‫عزيز حكيم)‬
‫لكن ليس في اآلية الكريمة بيان قيمة المسروق وال الحرز الذي هو شرط القطع‬

‫ولم تبين اآلية الكريمة من أين تقطع يد السارق أمن الكف أم من المرفق أم من‬

‫المنكب فجاءت السنة فبينت مقدار المسروق وهو ربع دينار كما بينت الحرز وهو‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫يختلف ألنه يكون في كل شيء بما يناسبه‪ ،‬كما بينت السنة أن القطع يكون من‬

‫مفصل الكف‪.‬‬

‫الثالث‬

‫قال تعالى في المرأة التي يطلقها زوجها ثالثا‪:‬‬

‫غته)‬ ‫(فإن طلقها فال تحل له من بعد ى‬


‫حت تنكح زوجا ر‬
‫ف احتمل أن يكون المراد به عقد النكاح وحده واحتمل أن يكون المراد به العقد‬

‫واإلصابة معا فجاءت السنة فبينت أن المراد به اإلصابة بعد العقد فعن عائشة رضي‬

‫هللا عنها أن رفاعة القرظي طلق امرأته فبت طالقها فنكحت بعده عبد الرحمن بن‬

‫الزبير فجاءت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقالت‪:‬‬


‫(إنها كانت تحت رفاعة فطلقها آخر ثالث تطليقات ى‬
‫فتوجت بعبد‬
‫الزبت وإنه وهللا ما معه إال مثل هذه الهدبة وأخذت بهدبة‬
‫الرحمن بن ر‬
‫من جلبابها قال فتبسم رسول هللا صىل هللا عليه وسلم ضاحكا وقال‬
‫ى‬
‫وتذوف‬ ‫حت يذوق عسيلتك‬ ‫لعلك تريدين أن ترجع إىل رفاعة ال ى‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫عسيلته) قالت وأبو بكر جالس عند رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وخالد بن سعيد‬

‫بن العاص جالس باب الحجرة لم يؤذن له‪ ،‬فطفق خالد ينادي أبا بكر أال تزجر هذه عما‬

‫تجهر به عند رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫الرابع‬

‫واألمثلة على ذلك كثيرة جدا‪ ،‬فمنها الصلوات الخمس فإن هللا تعالى قال في‬

‫وليس في القرآن بيان عدد الصلوات وال تحديد‬ ‫القرآن الكريم (وأقيموا الصالة)‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫أوقاتها وال عدد الركعات في كل صالة وال كيفياتها فجاءت السنة فبينت كل ذلك‬

‫تفصيال وهكذا الزكاة والحج وكثير من العبادات والمعامالت واألحكام األخرى‪.‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫وإني ألتوجه إلى منكري حجية السنة فأقول لهم‪:‬‬

‫إذا كنتم ال تعتبرون السنة حجة عليكم وال تعملون بها فكيف تقيمون الصالة أخذا‬

‫من القرآن وكيف تؤدون الزكاة وكيف تقطعون يد السارق وتقيمون الحدود وتوزعون‬

‫المواريث والتركات فماذا يكون جوابهم يا ترى سبحانك ربنا هذا ضالل مبين وهذه‬

‫الفتنة ليست بحديثة العهد فقد قذفها الشيطان في نفوس بعض الناس في القرن‬

‫األول فهذا الخطيب البغدادي يسوق بسنده في كتابه "الكفاية" إلى الصحابي‬

‫الجليل عمران بن حصين رضي هللا عنه أنه كان جالسا ومعه أصحابه يحدثهم فقال‬

‫رجل من القوم (ال تحدثونا إال بالقرآن) فقال له عمران بن حصين (ادنه فدنا) فقال‪:‬‬

‫(أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إىل القرآن‪ ،‬أكنت تجد فيه صالة الظهر‬
‫اثنتي‪ ،‬أرأيت لو وكلت‬
‫أربعا‪ ،‬وصالة العرص أربعا‪ ،‬والمغرب ثالثا‪ ،‬تقرأ يف ر‬
‫أنت وأصحابك إىل القرآن أكنت تجد الطواف بالبيت سبعا‪ ،‬والطواف‬
‫بالصفا والمروة ثم قال ‪:‬أي قوم‪ ،‬خذوا عنا فإنكم وهللا إن ال تفعلوا‬
‫وفي رواية أخرى‪ :‬أن رجال قال لعمران بن حصين‬ ‫لتضلن)‬
‫ى‬
‫الت تحدثوناها وتركتم القرآن) قال‪( :‬أرأيت لو أبيت‬
‫(ما هذه األحاديث ي‬
‫أنت وأصحابك إال القرآن‪ ،‬من أين كنت تعلم أن صالة الظهر عدتها كذا‬
‫وحي وقتها كذا‪ ،‬وصالة المغرب كذا‪،‬‬
‫وكذا‪ ،‬وصالة العرص عدتها كذا‪ ،‬ر‬
‫ورم الجمار كذا‪ ،‬واليد من أين تقطع‪ ،‬أمن هنا أم هاهنا‬
‫والموقف بعرفة‪ ،‬ي‬
‫أم من هاهنا‪ ،‬ووضع يده عىل مفصل الكف‪ ،‬ووضع يده عند المرفق‪،‬‬
‫ووضع يده عند المنكب اتبعوا حديثنا ما حدثناكم وإال وهللا ضللتم)‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫( إذا حدثت الرجل بالسنة‬ ‫وساق بسنده إلى أبي أيوب السختياني أنه قال‪:‬‬

‫فقال دعنا من هذا وحدثنا بالقرآن فاعلم أنه ضال مضل)‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫مقدمة‬

‫أما من يرد غير المتواتر منها فيقول‪:‬‬

‫إن خبر الواحد أو خبر اآلحاد يفيد الظن بالنسبة لثبوته نسبته إلى رسول هللا صلى‬

‫هللا عليه وسلم والظني الثبوت ال يجوز أن نبني عليه أحكام شرعية وقد رد عليهم‬

‫الشافعي ببحث طويل مستفيض في "الرسالة" بما يقارب المائة صفحة وفي بعض‬

‫طبعات هذا الكتاب وأتى بأدلة على حجية خبر الواحد أقواها عمل الصحابة وإجماعهم‬

‫على األخذ بخبر الواحد واالحتجاج به حتى في األمور العظيمة الخطيرة وأتى بأمثلة‬

‫كثيرة أسوق مثاال واحدا منها طلبا لالختصار هذا المثال هو تحول أهل قباء وهم‬

‫في صالة الفجر من التوجه إلى بيت المقدس واستقبالهم بيت هللا الحرام بخبر الواحد‬

‫وهذا ما قاله الشافعي في الرسالة قال الشافعي‪:‬‬

‫(وأهل قباء أهل سابقة من األنصار وفقه وقد كانوا عىل قبلة فرض هللا‬
‫عليهم استقبالها ولم يكن لهم أن يدعوا فرض هللا يف القبلة إال بما تقوم‬
‫عليهم الحجة ولم يلقوا رسول هللا ولم يسمعوا ما أنزل هللا عليه يف‬
‫مستقبلي بكتاب هللا وسنة نبيه سماعا من‬
‫ر‬ ‫تحويل القبلة فيكونون‬
‫بخت الواحد إذ كان عندهم من أهل‬ ‫بخت عامة وانتقلوا ر‬ ‫رسول هللا وال ر‬
‫النت أنه أحدث‬ ‫عن‬ ‫هم‬ ‫أخت‬ ‫ما‬ ‫إىل‬ ‫كوه‬ ‫الصدق عن فرض كان عليهم ى‬
‫فت‬
‫ري‬ ‫ر‬
‫بخت الواحد إال‬
‫عليهم من تحويل القبلة ولم يكونوا ليفعلوه إن شاء هللا ر‬
‫عن علم بأن الحجة تثبت بمثله‪ ،‬إذا كان من أهل الصدق ‪ ...‬إىل آخر ما‬
‫قال‪ )...‬وقد عقد الخطيب البغدادي في "الكفاية" بابا سماه "باب ذكر بعض الدالئل‬

‫على صحة العمل بخبر الواحد ووجوبه" استهله بقوله‪:‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫شء منه‬‫ر‬
‫نشت إىل ي‬
‫بخت الواحد كتابا ونحن ر‬
‫(قد أفردنا لوجوب العمل ر‬
‫يف هذا الموضع إذ كان مقتضيا له)‬
‫ثم قال‪:‬‬

‫ر‬
‫وانتش عن الصحابة من العمل‬ ‫(فمن أقوى األدلة عىل ذلك ما ظهر‬
‫بخت الواحد)‬
‫ر‬
‫ثم ساق األمثلة والشواهد على احتجاج الصحابة بخبر الواحد إلى أن ختم الباب بقوله‬

‫التابعي ومن بعدهم من الفقهاء‬


‫ر‬ ‫بخت الواحد كان كافة‬
‫(وعىل العمل ر‬
‫المسلمي إىل وقتنا هذا ولم يبلغنا عن أحد‬
‫ر‬ ‫الخالفي يف سائر أمصار‬
‫ر‬
‫اعتاض عليه فثبت أن من بينهم دين جميعهم‬ ‫منهم إنكار ذلك وال ى‬
‫الخت عنه‬
‫وجوبه إذ لو كان فيهم من كان ال يرى العمل به لنقل إلينا ر‬
‫بمذهبه وهللا أعلم)‬
‫وأما من يرد األخبار كلها فيمكن حصر شبهتهم بأن القرآن جاء تبيانا لكل شيء فإن‬

‫جاءت األحاديث بأحكام جديدة لم ترد في القرآن‪ ،‬كان ذلك معارضة من ظني الثبوت‬

‫وهو الحديث القطعي الثبوت وهو القرآن‪ ،‬والظني ال يقوى على معارضة القطعي‬

‫وإن جاءت مؤكدة لحكم القرآن كان االتباع للقرآن ال للسنة‪ ،‬وإن جاءت لبيان ما أجمله‬

‫القرآن كان ذلك تبيانا للقطعي الذي يكفر من أنكر ثبوته بالظني الذي ال يكفر من‬

‫أنكر ثبوته وهذه التقسيمات في الحقيقة فلسفة فارغة تعارض ما كان عليه الصحابة‬

‫والتابعون ومن تبعهم بإحسان من العمل بالحديث بمجرد ثبوته ولو من طريق شخص‬

‫واحد إذا توفرت فيه شروط الراوي المعروفة من العدالة والضبط وغير ذلك‪.‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫األول‬

‫إن هللا تعالى أوجب علينا اتباع رسوله وهذا عام بمن كان في زمنه وكل من يأتي‬

‫بعده وال سبيل إلى ذلك لمن لم يشاهد الرسول إال عن طريق رواية األحاديث فيكون‬

‫هللا قد أمرنا باتباعها وقبولها‪ ،‬ألن ما ال يتم الواجب إال به كان واجبا وحتى أن‬

‫الصحابة رضي هللا عنهم لم يتيسر لمجموعهم مع أنهم في زمنه أن يسمعوا جميع‬

‫ما قاله الرسول منه مباشرة فكثيرا ما كان يسمعها البعض ويبلغونها غيرهم‬

‫فيعملون بها جميعا السامع والمبلغ‪.‬‬

‫الثاني‬

‫إنه البد من قبول األحاديث لمعرفة أحكام القرآن نفسه‪ ،‬فإن الناسخ والمنسوخ ال‬

‫يعرفان إال بالرجوع إلى السنة‪.‬‬

‫الثالث‬

‫إن هنالك أحكاما متفقا عليها بين جميع أهل العلم وطوائف المسلمين قاطبة حتى‬

‫الذين ينكرون حجية السنة كعدد الصلوات المفروضة وعدد الركعات وأنصبة الزكاة‬

‫وغيرها ولم يكن من سبيل لمعرفتها وثبوتها إال السنة‪.‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫الرابع‬

‫إن الشرع قد جاء بتخصيص القطعي بظني‪ ،‬كما جاء في الشهادة على القتل والمال‪،‬‬

‫فإن حرمة النفس والمال مقطوع بهما‪ ،‬وقد قبلت فيهما شهادة االثنين‪ ،‬وهي‬

‫ظنية بال جدال‪.‬‬

‫الخامس‬

‫إن األخبار وإن كانت تحتمل الخطأ والوهم والكذب‪ ،‬ولكن االحتمال بعد التأكد والتثبت‬

‫من عدالة الراوي ومقابلة الرواية بروايات أقرانه من المحدثين يصبح أقل من االحتمال‬

‫الوارد في الشهادات‪ ،‬خصوصا إذا عضد الرواية نص من كتاب أو سنة فإن االحتمال‬

‫يكاد يكون معدوما‪.‬‬

‫السادس‬

‫وأما قولهم إن هللا أنزل الكتاب تبيانا لكل شيء فإن من المعلوم أن هللا لم ينص‬

‫على كل جزئية من جزئيات الشريعة وإنما بين أصول الشريعة ومصادرها وقواعدها‬

‫ومبادئها العامة ‪..‬ومن األصول التي بينها وجوب العمل بسنة الرسول عليه أفضل‬

‫الصالة والسالم كما في قوله تعالى‪:‬‬

‫(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا‪)...‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫فإن حركة االستشراق اليهودية والنصرانية معا هي التي تكمن وراء إثارة هذه‬

‫الشبهات حول حجية السنة في هذا العصر فهذا كبير المستشرقين المستشرق‬

‫اليهودي المجري جولد تسيهر الذي يعد أشد المستشرقين خطرا وأكثرهم خبثا‬

‫وإفسادا في هذا الميدان وذلك لسعة اطالعه على المراجع اإلسالمية حتى اعتبر‬

‫زعيم المستشرقين وال تزال كتبه وبحوثه مرجعا خصبا وأساسيا للمستشرقين في‬

‫هذا العصر وكان له أكبر األثر في التشكيك بالسنة وترى أراءه منثورة في كتبه‬

‫المتعددة وأهم شبهة له ما زعمه من أن القسم األكبر من الحديث ليس وثيقة‬

‫لإلسالم في عهده األول (عهد الطفولة) ولكنه أثر من آثار جهود المسلمين في‬

‫(عصر النضج) يقول جولد تسيهر‪:‬‬

‫والسياش‬
‫ي‬ ‫الديت‬
‫ي‬ ‫األكت من الحديث ليس إال نتيجة للتطور‬
‫ر‬ ‫(إن القسم‬
‫والثات)‬
‫ي‬ ‫القرني األول‬
‫ر‬ ‫واالجتماع يف‬
‫ي‬
‫ومعلوم أن هذا زعم باطل تكذبه النصوص الثابتة فرسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬

‫لم ينتقل إلى الرفيق األعلى إال وقد وضع األسس الكاملة لبنيان اإلسالم الشامخ‬

‫بما أنزل هللا عليه في كتابه وبما سنه عليه الصالة والسالم من سنن وشرائع‬

‫وقوانين شاملة وافية‪ ،‬حتى قال صلى هللا عليه وسلم قبيل وفاته‬

‫ى‬
‫وسنت)‬ ‫(تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب هللا‬
‫ي‬
‫ومن المعلوم أم من أواخر ما نزل على النبي صلى هللا عليه وسلم من كتاب هللا‬

‫تعالى‪:‬‬

‫(اليوم أكملت لكم دينكم)‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫وذلك صريح في كمال اإلسالم وتمامه فما توفي الرسول عليه إال واإلسالم ناضج‬

‫كامل ال طفل يافع كما يدعي جولد تسيهر وتبع هذا المستشرق عدد من‬

‫المستشرقين كشاخت وغيره فأثاروا شبهات حول السنة تتعلق بالتشكيك في نسبة‬

‫السنة للرسول صلى هللا عليه وسلم وأنها من وضع الناس وإن المحدثين وإن اعتنوا‬

‫بالنقد الخارجي أي نقد السنة إال أنهم لم يعتنوا بالنقد الداخلي أي نقد المتن وإن‬

‫كنا ال نعبأ بشبهات هؤالء الكفرة وأضاليلهم المتهافتة لوال أن ناسا ممن يسمون‬

‫أنفسهم علماء أو كتابا إسالميين تلقفوا كالم أولئك المستشرقين وصاروا يلوكونه‬

‫ويلوحون به على شكل مقاالت في الصحف أو أبحاث في طيات الكتب متظاهرين‬

‫بالبحث العلمي والتجديد في البحث وهم في الحقيقة إما جهلة أو مأجورون أخباث‬

‫وإن كنت شخصيا أرجح الثانية فمن هؤالء "أبو رية" فقد نشر كتابا اسمه (أضواء على‬

‫السنة المحمدية) وكل ما في هذا الكتاب تشكيك بالسنة وصحة نسبتها للرسول‬

‫عليه السالم وكله سباب وشتم وطعن في الصحابي الجليل راوية اإلسالم (أبي‬

‫هريرة) وذلك باستشهادات مبتورة محرفة وتأويالت باطلة تروق له ولمن دفعه من‬

‫المستشرقين وال أحب عرض أي شيء من كتابه هذا لتفاهة الكتاب وتفاهة مؤلفه‬

‫وإن كان رد عليه كثير من العلماء في مصر وغيرها‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫ومنهم أيضا أحمد أمين في كتابه "ضحى اإلسالم"‬

‫يقول في الجزء الثاني منه { ص ‪ }١٣٠‬ما يلي‪:‬‬

‫ر ي‬
‫الخارج ولم يعنوا هذه‬ ‫كبتة بالنقد‬
‫المحدثي عنوا عناية ر‬
‫ر‬ ‫وف الحق أن‬
‫( ي‬
‫الداخىل‪ ،‬فقد بلغوا الغاية يف نقد الحديث من ناحية رواته‬
‫ي‬ ‫العناية بالنقد‬
‫غت ثقات‪ ،‬وبينوا‬
‫جرحا وتعديال‪ ،‬فنقدوا رواة الحديث يف أنهم ثقات أو ر‬
‫مقدار درجتهم ف الثقة وبحثوا هل ى‬
‫تالف الراوي والمروي عنه أو لم‬ ‫ي‬
‫يتالقيا‪ ،‬وقسموا الحديث باعتبار ذلك ونحوه إىل حديث صحيح وحسن‬
‫وغت ذلك)‬
‫وضعيف‪ ،‬وإىل مرسل ومنقطع‪ ،‬وإىل شاذ وغريب ر‬
‫ثم قال‪:‬‬
‫(ولكنهم لم يتوسعوا كثتا ف النقد الداخىل فلم يتعرضوا ى‬
‫لمي الحديث‬ ‫ي‬ ‫ر ي‬
‫هل ينطبق عىل الواقع أو ال)‬
‫وقال أيضا‪:‬‬

‫ى‬
‫الت قد تحمل عىل‬
‫كثتا لبحث األسباب السياسية ي‬
‫(كذلك لم يتعرضوا ر‬
‫كثتا يف أحاديث ألنها تدعم الدولة األموية أو‬
‫الوضع فلم أرهم شكوا ر‬
‫العباسية أو العلوية الخ ما قال‪)...‬‬
‫وتبعه على هذا الدكتور أحمد عبد المنعم البهي في مجلة العربي الصادرة بالكويت‬

‫في نيسان ‪{ ١٩٦٦‬العدد ‪ ٨٩‬ص ‪}١٣‬‬

‫إذ يقول‪:‬‬

‫(إن رجال الحديث كان كل همهم منرصفا إىل تصحيح السند والرواية‬
‫مي الحديث نفسه الذي هو النص)‬ ‫دون االهتمام بتمحيص ى‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫والحقيقة أن كالم هذين الشخصين كالم من لم يمارس فن المصطلح وعلومه أوفى‬

‫ممارسة‪ ،‬فإن علماء المصطلح اعتنوا بنقد المتن كما اعتنوا بنقد السند تماما‪ ،‬فهذه‬

‫الشروط التي وضعها علماء المصطلح للتصحيح فإن منها أن ال يكون الحديث شاذا‬

‫وال معلال ثم يذكرون أن الشذوذ قسمان‪ :‬شذوذ في المتن وشذوذ في السند وكذلك‬

‫يقولون أن العلة قد تكون في المتن كما تكون في السند فلو كان أحمد أمين وأحمد‬

‫عبد المنعم يحترمان نفسيهما لما قاال هذا القول الذي يدل على جهلهما بمبادئ‬

‫علم المصطلح التي يتلقاها المبتدئون من طلبة العلم‪ ،‬لكن الكسب المادي الحرام‬

‫وحب التظاهر والتقليد للمستشرقين والتظاهر أمام الناس بمعرفة شيء خفي‬

‫بزعمهم على األئمة هو الذي أوقعهما وأوقع غيرهما في مثل هذه الورطة والشي‬

‫الذي يلفت النظر أن مجلة العربي نشرت مرارا للدكتور أحمد عبد المنعم المذكور‬

‫وغيره مقاالت في الطعن بالسنة والحديث النبوي الشريف والتشكيك في نسبته‬

‫إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حتى أن الطعن نال األحاديث التي جاءت في‬

‫صحيح البخاري وذلك بأسلوب حقير واضح الحقارة ليس فيه أثر من علم وال دين وبشكل‬

‫ال تحسد عليه مجلة العربي وال تشكر فيجب التنبه إلى تلك األقالم األثيمة في تلك‬

‫المجلة والتنقيب عمن يكمن وراء تلك الحمالت المغرضة على السنة وكتب الحديث‬

‫الصحيحة هذا جهد متواضع عرضته بإيجاز لضيق المقام وذلك تنبيها لشبابنا الصاعد‬

‫من أن تقع في أيديهم تلك المقاالت األثيمة فيخدعوا بزخرفها وربما يداخلهم الشك‬

‫في صحة نسبة السنة إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وبالتالي إلى أنها ال‬

‫تصلح ألن يحتج بها وما أظن أني وفيت الموضوع حقه في هذه العجالة‪.‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫قبل الشروع بسرد أدلة العدالة ال بد من توضيح أن العدالة مراتب‬

‫• األولى‪ :‬عدالة الرواية‬

‫• الثانية وهي أعلى من األولى‪ :‬عدالة الشهادة‬

‫• الثالثة وهي أعالها مطلقا‪ :‬العدالة الباطنة التي تقضي بدخول الجنة لمن مات‬

‫عليها دون المرور على النار‬

‫فأما األولى فهي مقصود عامة من يشوش على عدالة الصحابة ونحن ال نحتاج إلى‬

‫إثباتها في جميع الصحابة بل نحتاج أن نثبتها في الرواة منهم فحسب وهؤالء‬

‫عددهم ليس كبيرا وذلك أن الرواية ما كان يعانيها إال خواص الصحابة قال ابن كثير‬

‫في السيرة النبوية {ص‪: }400‬‬

‫أت زرعة‬‫(وأما جملة الصحابة فقد اختلف الناس يف عدتهم فنقل عن ر ي‬


‫الشافع رحمه هللا أنه‬ ‫أنه قال‪ :‬يبلغون مائة ألف ر‬
‫وعشين ألفا وعن‬
‫ي‬
‫قال‪ :‬توف رسول هللا صىل هللا عليه وسلم والمسلمون ممن سمع منه‬
‫ستي ألفا وقال الحاكم أبو عبد هللا‪ :‬يروى الحديث عن‬
‫ورآه زهاء ر‬
‫صحات قلت‪ :‬والذين روى عنهم اإلمام أحمد‬
‫ري‬ ‫قريب من خمسة آالف‬
‫مع ر‬
‫كتة روايته واطالعه واتساع رحلته وإمامته من الصحابة تسعمائة‬
‫ً‬
‫وسبعة وثمانون نفسا)‬
‫وعليه فإن الرواة في الصحابة قليلون جدا إذا ما قورنوا بالذين ليس لهم رواية فإن‬

‫الصحابة يربون على المائة األلف والرواة منهم في مسند اإلمام أحمد على سعة‬

‫اطالعه لم يبلغوا األلف والبن حزم كتاب في أسماء الرواة من الصحابة وما لكل واحد‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫فيهم من الرواية اعتمد فيه على مسند بقي بن مخلد أحصى فيه ‪ 999‬صحابيا وعدالة‬

‫الرواية عند جميع الفرق أهون من عدالة الشهادة والعدالة الباطنة فعامة الفرق بما‬

‫فيهم الرافضة يقبلون رواية المبتدعة عندهم كالفطحية مثال وإن كانوا ال يشهدون‬

‫لهم بالعدالة الباطنة وكثير من أهل الحديث يقبل رواية أهل البدع وإن كان ال يشهد‬

‫لهم بالعدالة الباطنة بل عدالة الرواية هي عدالة تتعلق بكون الراوي ال يستحل‬

‫الكذب على النبي صلى هللا عليه وسلم أو يتجرأ عليه لسبب متعلق بديانته أو حتى‬

‫خوفا من الفضيحة ومن الناس ومن المعلوم أنه في زمن توافر المهاجرين واألنصار‬

‫األمر عسير غاية والذين قاتوا الدنيا ذبا عن النبي صلى هللا عليه وسلم ما كانوا‬

‫ليتركوا الكذب يفشو عليه بسهولة وسيأتي بسط األدلة في هذا ودفع االعتراضات‬

‫وأما النوع الثاني من العدالة فهو عدالة الشهادة وهي أخص من عدالة الرواية‬

‫فكثير ممن تقبل روايته ال تقبل شهادته فالرواية يكتفى فيها بواحد بخالف‬

‫الشهادة والسر في ذلك أن الشهادة شأن خاص غير ظاهر للعامة فطلب فيه‬

‫االحتياط بخالف الرواية المتعلقة بالنبي صلى هللا عليه وسلم فهذا شأن عام لو‬

‫وجد ما يعارض لظهر ‪ ،‬ثم إن في الشهادة الشاهد شهادته معارضة ليمين المدعى‬

‫عليه مع شهادته بالحق لنفسه فلزم مرجح وأما المدعي فلم يحسب هنا ألنه أصال‬

‫صاحب حق فهو متهم بشهادته لنفسه وأما في الرواية فالراوي ال يحتاج إلى مرجح‬

‫حتى يكون هناك من يعارضه معارضة قطعية‬

‫وأما النوع الثالث من العدالة فهو العدالة الباطنة التي إذا ثبتت لشخص ومات عليها‬

‫دخل الجنة ابتداء دون المرور على النار والنوعان األوالن يسميان عدالة ظاهرة وأما‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫هذا األخير يسمى عدالة باطنة األوالن ينقضهما دون الشخص شهد عليه بالكذب‬

‫الظاهر أو الفسق الظاهر وأما األخير فينقضه حتى اإلصرار في الباطن على الصغائر‬

‫مما ال يطلع عليه إال هللا أو وقيعة في كبيرة في السر فإذا ثبت هذا النوع الثالث‬

‫للصحابة لزم ثبوت النوعين األولين قوال واحدا واعلم أن العدالة الباطنة ال تنافي‬

‫وقوع الذنوب التي فيها الوعيد بالنار إال إذا لم تقع كفارة من قيام حد أو عقوبة‬
‫الت ِم ِ ُّ‬ ‫‪َّ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ َّ َ :‬‬
‫يم‬ ‫ي‬ ‫دنيوية أو حتى عذاب قبر قال مسلم في صحيحه (حدثنا يح رت بن يح رت‬
‫يم َو ْابن ن َم رْت ُك ُّلهمْ‬ ‫الناقد َوإ ْس َحاق ْبن إ ْب َراه َ‬ ‫َ َ َ ْ ْ َ َ ْ َ َ َ َ ْ ٌ َّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأبو بك ِر بن أ ِر يت شيبة وعمرو ِ‬
‫الز ْهريِّ‬ ‫ال‪َ :‬ح َّد َث َنا س ْف َيان ْبن ع َي ْي َن َة َعن ُّ‬ ‫الل ْف ُظ ل َع ْمرو َق َ‬ ‫َ ْ َ َ َ َّ‬
‫و‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫ي‬‫ي‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫َعن ْ‬
‫اب‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ال‪ :‬ك َّنا َم َع َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يس َع ْن ع َب َادة ْبن َّ‬ ‫ْ‬ ‫َع ْ‬
‫هللا َصىل اَّلل‬ ‫ول ِ‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫الصامت ق َ‬
‫ِ ِ‬ ‫َ ِ‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫إ‬
‫ِر ي ِ ِ‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫ن‬
‫َّ َ ْ ً َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ رْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ َ َّ‬
‫اَّلل شيئا وال‬ ‫شكوا ِب ِ‬ ‫وت عىل أن ال ت ِ‬ ‫س فقال‪ :‬تب ِايع ِ ي‬ ‫علي ِه وسلم ِ يف مج ِل ٍ‬
‫َ ُْ‬ ‫َّ َّ ْ ِّ َ‬ ‫َّ ْ َ َّ‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫َت ْزنوا َو َال َت ْ‬
‫س ال ِ ى يت َح َّر َم اَّلل ِإال ِبال َحق ف َم ْن َوف ِمنك ْم‬ ‫شقوا َوال تقتلوا النف‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ب به فه َو كف َارة له َو َمنْ‬‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اب ش ْيئا م ْن ذل َك فعوق َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َف َأ ْجره َع َىل هللا َو َم ْن أ َص َ‬
‫َ‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ َ َ ََ َْ َ ْ‬ ‫َ‬
‫َ َ َ َ ْ ً ْ َ َ َ َ ىَ َ َّ َ َ ْ َ ْ َ‬
‫هللا ِإن شاء عفا عنه و ِإن‬ ‫أصاب شيئا ِمن ذ ِلك فسته اَّلل علي ِه فأمره ِإىل ِ‬
‫شاء عذبه) فإذا كانت الحدود كفارات علمنا أن ماعزا والغامدية قد غفر لهما بما‬
‫َ َ َ َّ َ‬
‫أقيم عليهما وأيضا مصائب الدنيا كفارات كما ورد في األخبار وقد رأت عائشة أن ما‬

‫أصاب حسان من العمى كان كفارة له عما وقع منه في اإلفك وقد علم أن الحسنات‬

‫العظيمة تكفر الذنوب فالله ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء‬

‫ومغفرته تكون مبنية على أسباب من أهمها الحسنات العظيمة وقد علم صنيع المرأة‬

‫البغي التي سقت كلبا ومغفرة هللا لها والصحابة لهم حسنات عظيمة من أهمها‬

‫حق الصحبة ومنتهم على األمة بجهادهم بعدما فهمت هذه المقدمة لننظر في‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫أدلة ثبوت عدالة الصحابة ولثبوت عدالتهم من أدلة القرآن عدة طرق بعضها يشملهم‬

‫جميعا وبعض يشمل عددا كبيرا منهم‪.‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫الطريق األول‪ :‬الوعد بالحسنى‬

‫قال هللا تعالى‪:‬‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ ْ‬ ‫َ ْ ْ ْ َ َْ ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ ْ َ‬
‫اهدون ِ يف‬ ‫وىل الرص ِر والمج ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫(َل يست ِوي الق ِاعدون ِمن المؤ ِم ِن ري غ رت أ‬
‫ين ب َأ ْم َواله ْم َو َأ ْنفسهمْ‬ ‫اَّلل ْالم َجاهد َ‬ ‫ْ َ َّ َ َّ‬
‫ل‬ ‫ض‬ ‫ف‬ ‫م‬‫ه‬ ‫س‬ ‫ف‬
‫َّ َ ْ َ ْ َ َ ْ‬
‫ن‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫اَّلل‬
‫ِ‬ ‫يل‬ ‫ب‬‫س‬‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫ين د َر َجة َوكل َو َعد اَّلل الح ْس َت َوفض َل اَّلل الم َجاهد َ‬‫َ‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َع َىل القاعد َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ين‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ َ َْ َ‬ ‫ََ َْ‬
‫عىل الق ِاع ِدين ِإىل قو ِل ِه غفورا ر ِحيما)‬
‫قال هللا تعالى‪:‬‬
‫ولئ َك َأ ْع َظم َد َر َج ًة منَ‬
‫ْ ُ ْ َ ْ َْ َ َ ْ َ ْ ْ َ ْ َ َ َ َ ُ َ‬ ‫َ َ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫(َل يست ِوي ِمنكم من أنفق ِمن قب ِل الفت ِح وقاتل أ ِ‬
‫ْ َ ْ َ َ َ ُ َ ُ ا َ َ َ َّ ْ ْ َ َ َّ َ َ ْ َ ُ َ‬ ‫َّ َ َ ْ َ‬
‫ال ِذين أنفقوا ِمن بعد وقاتلوا وكل وعد اَّلل الحست واَّلل ِبما تعملون‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫خ ِب رت)‬
‫في اآلية األولى وعد مجاهدهم وقاعدهم بالحسنى وهي الجنة ولو أريد الغنيمة‬

‫ما دخل فيها القاعد وفي اآلية الثانية وعد من أنفق من قبل الفتح وقاتل ومن أنفق‬

‫بعده وقاتل بالحسنى ولو كان المراد الغنيمة لما دخل الذين استشهدوا في هذا‬

‫ولو كان المراد دخولهم‬ ‫الوعد وقد قال تعالى‪( :‬للذين أحسنوا الحست وزيادة)‬
‫للجنة ولو بعد عذاب أخروي لم يكن لهم أي مزية على غيرهم من أهل اإليمان وهذا‬

‫البرهان يثبت لهم النوع الثالث من العدالة مما يجعل عدالة الرواية تحصيل حاصل‪.‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫الطريق الثالث‪ :‬حروب الردة‬

‫وقال تعالى‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ َ ْ َ َ ْ ى َّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ َ ْ َ ْ َ َّ ْ ُ‬
‫(ياأيها ال ِذين آمنوا من يرتد ِمنكم عن ِد ِين ِه فسوف يأ ِ يت اَّلل ِبقو ٍم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ ْ َ ُّ َ َ َّ َ َ ْ ْ َ َ َّ َ َ ْ َ‬
‫اهدون ِ يف‬ ‫ي ِحبهم وي ِحبونه أ ِذل ٍة عىل المؤ ِم ِن ري أ ِعزٍة عىل الك ِاف ِرين يج ِ‬
‫َ ْ َ َ َ َّ‬ ‫َّ ْ‬ ‫َ َ َ ْ‬ ‫َ َْ َ َ َ‬ ‫َّ َ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫يه من يشاء واَّلل‬ ‫ت‬
‫ِ ِ‬ ‫ؤ‬ ‫ي‬ ‫اَّلل‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ض‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ذ‬
‫ٍِ ِ‬‫م‬ ‫ئ‬‫َل‬ ‫ة‬ ‫م‬‫و‬ ‫ل‬ ‫ون‬ ‫اف‬ ‫خ‬ ‫ي‬ ‫َل‬‫و‬ ‫اَّلل‬
‫ِ‬ ‫يل‬‫ب‬
‫ِ ِ‬ ‫س‬
‫َواس ٌع َعل ٌ‬
‫يم)‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فهذا حال الصحابة الكرام أهل الرواية فكلهم قاتل أهل الردة "حين انكشف أهل‬

‫النفاق" وجاهد في سبيل هللا الروم والفرس والردة حصلت بعد النبي صلى هللا‬

‫عليه وسلم وقف لها الصحابة الذين يبغضهم الرافضة مهاجرين وأنصار وطلقاء‬

‫وغيرهم فدلت هذه الحروب على عدالتهم وأن هم الذين يحبهم هللا ويحبونه وهذا‬

‫إثبات للعدالة الباطنة‪.‬‬

‫الطريق الرابع‪ :‬حديث نضر هللا امرأ‬

‫وهذا حديث متواتر‬ ‫ى‬


‫مقالت هذه فوعاها فأداها)‬ ‫حديث (نرص هللا امرأ سمع‬
‫ي‬
‫فإذن النبي صلى هللا عليه وسلم للصحابة بالتحديث عنه تدليل على صحة ما رووه‬

‫عنه إذ لم يأذن لهم إال والحجة قائمة برواتهم واإلذن كان لهم خاصة وقال‪:‬‬

‫ولكن هذا النوع من األدلة يشمل أهل الرواية‬ ‫(يبلغ الشاهد منكم الغائب)‬
‫فحسب‪.‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫الطريق الخامس‪ :‬أدلة حفظ السنة‬

‫وقد قال هللا تبارك وتعالى‪:‬‬

‫(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)‬


‫وقال‪:‬‬

‫لتبي للناس ما نزل إليهم)‬


‫(وأنزلنا إليك الذكر ر‬
‫ف هل يعقل أن يحفظ الكتاب وال يحفظ بيانه وكان من يحدث بالحديث إنما يحدث به‬

‫بين المهاجرين واألنصار وهم يسمعونه فلو حدث بباطل ما تركوه وهم الذين حاربوا‬

‫الدنيا كلها في سبيل تثبيت أركان الدين فإن قيل‪ :‬يعترض على هذا الدليل بأنه‬

‫يقتضي تعديل كل من روى الحديث مطلقا من الصحابة وغيرهم فيقال‪ :‬الصحابة حتى‬

‫مع ما وقع بينهم من القتال لم يصح أن أحدا منهم كذب اآلخر بخالف الطبقات األخرى‬

‫التي وجد فيها عدول جرحوا المجروحين منها ولو وقع من الصحابة هذا لنقل لنا كما‬

‫نقل قتالهم وإنما وقع بينهم خالف في بعض فرعيات المرويات رجع إلى وهم‬

‫أحدهم كما حصل مع ابن عباس في زواج ميمونة مع إقرار المعترض عليه بعدالته‬

‫وإنما وقع الوهم فحسب وهذا يدل على الحفظ والتحري وأنه لم يكن يحدث أحد‬

‫منهم بحديث إال والبقية يرمقونه ويراجعونه فيما يقول فإذا أقروه دل ذلك على‬

‫صوابه فيما روى ومن براهين ثبوت عدالة الرواية للصحابة أنهم مع قتالهم وخالفهم‬

‫لم يكذب أحد منهم اآلخر في الرواية‪.‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫الطريق السادس‪ :‬قوله تعالى في أهل بدر‬

‫(ولوال كتاب من هللا سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب أليم)‬


‫فدل على أن أهل بدر سبق الكتاب لهم بالسالمة من العذاب وقد وقع في الجمع‬

‫قتال بين طرف فيه علي وطرف آخر فيه طلحة والزبير وكلهم بدريون وكان عمار‬

‫يشهد لعائشة بصحبة النبي صلى هللا عليه وسلم في الجنة فدل على أن القتال‬

‫لم يزل عنهم العدالة الباطنة كما لم تزل األخوة بين الفئة الباغية والمبغي عليها‬

‫كما قال تعالى‪( :‬فأصلحوا ربي أخويكم)‬


‫وقال في القاتل العمد‪( :‬فمن ي‬
‫عف له من أخيه)‬
‫ً‬
‫(ونزعنا ما يف صدورهم من غل إخوانا عىل شر‬ ‫وقال في أهل الجنة‪:‬‬

‫متقابلي)‬
‫ر‬
‫فدل على أنه يقع بين المستحقين للجنة نوع من الغل في الدنيا بسبب تحريش أهل‬

‫الباطل أو غلط يقع بتأويل من بعضهم وال يمنع ذلك من العدالة الباطنة الموجبة‬

‫للجنة وهذا ما فهمه علي بن أبي طالب نفسه قال ابن أبي شيبة في المصنف‬
‫َ‬
‫األ َصمِّ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ َ ْ َ ْ َ ْ ْ َ َ َ ْ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ َ َ َ ْ َ ُّ َ ْ‬
‫(حدثنا عمر بن أيوب المو ِص ِ يىل عن جعف ِر ب ِن برقان عن ي ِزيد ب ِن‬
‫ْ َّ‬ ‫ِّ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ‬ ‫ََْ‬ ‫َق َ‬
‫ال‪ :‬قتالنا َوقتاله ْم ِ يف ال َجن ِة‬ ‫ىل َع ْن قتىل َي ْو ِم ِصف ري فق‬ ‫ال‪ :‬س ِئ َل َع ٌّ‬
‫ِي‬
‫َ ْ َ َّ َ َ َ َ َ‬ ‫َو َ‬
‫إىل و ِإىل مع ِاوية)‬
‫ي‬ ‫ر‬ ‫م‬‫األ‬ ‫ت‬‫ر‬ ‫ص‬ ‫ِ‬ ‫ي‬
‫ٍ‬
‫وجه ضعيف‬ ‫نص الذهبي على إدراك يزيد لعلي ولكن قال روايته عن علي وردت من‬

‫ولعله يعني المرفوع فإن السند هنا قوي إلى يزيد وقال أحمد في فضائل الصحابة‬

‫قثنا أبو معاوية قثنا رجل عن مجاهد عن ابن عباس قال‪:‬‬

‫(ال تسبوا أصحاب محمد فإن هللا عز وجل قد أمر باالستغفار لهم وهو‬
‫يعلم أنهم سيقتتلون ويحدثون) وهذا األثر وإن كان في سنده إبهام إال أنه‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫معناه صحيح علما أن شبهة وقوع القتال إنما تشمل جزءا يسيرا من الصحابة وهي‬

‫ال تسقط عدالة الرواية عند الجميع فالقتال ال يختلف عن البدعة الواقعة بالتأويل‬

‫قال الخالل في السنة‪:‬‬


‫َ َ‪َ َ :‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ َ ْ َّ ْ َ ْ َ َ َ َ ‪َ َ : َ َ َ َ َّ َ :‬‬
‫اَّلل ب ِن أحمد قال حدث ِ يت أ ِر يت قال ثنا ِإسم ِاعيل‪ ،‬قال ثنا‬ ‫(ق ِرئ عىل عب ِد ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‪َ :‬‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫اَّلل‬
‫ول ِ‬ ‫أيوب‪ ،‬عن محم ِد ب ِن ِس ر ِتين‪ ،‬قال «هاج ِت ال ِفتنة وأصحاب رس ِ‬
‫َ ٌ َ ْ َ ْ َُْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ َ ْ َ َ َّ َ َ رَ َ َ‬ ‫َ َّ‬
‫صىل هللا علي ِه وسلم عشة آَل ٍف‪ ،‬فما حرص ِفيها ِمائة‪ ،‬بل لم يبلغوا‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫ثل ِث ري) وإنما البحث في إسقاطها للعدالة الباطنة وقد استبان لك بطالن هذا بعدما‬

‫استبان لك ثبوت عدالة الصحابة الباطنة ببراهين قطعية فاستثناء واحد منهم من‬

‫هذه البراهين ال بد أن يأتي بدليل يوازي هذه األدلة في القطعية ثبوتا وداللة‪.‬‬

‫شبهات‬

‫والواقع أن الخصوم متناقضين فإن عامة ما يوردونه روايات ال ترتقي إلى قوة هذه‬

‫األدلة من جهة القطعية هذا مع تشككهم المستمر بأخبار اآلحاد وفضائل الصحابة‬

‫المتواترة ولنأخذ عدة أمثلة أهمها مثال أبي بكرة وكركرة وأبي الغادية إشكال‬

‫وجوابه في قضية المغيرة مع أبي بكرة االعتراض يتلخص في أن أبا بكرة قذف‬

‫المغيرة ولم يرجع فكيف تقبل روايته وشهادته مردودة‬

‫وشهادته ردت بحكم قرآني‪:‬‬


‫َ َّ َّ َ َ‬ ‫َ َ َ ْ َ ُ َ ْ َ َ َ ً ََ ً َ ُ َ َ ْ ْ َ‬
‫اسقون ِإَل ال ِذين تابوا)‬
‫(وَل تقبلوا لهم شهادة أبدا وأول ِئك هم الف ِ‬
‫والجواب على هذا‪ :‬أن إجماع الناس انعقد على قبول رواية أبي بكرة ولم يزل يحدث‬

‫والناس يسمعون منه الحديث وال أنكر ذلك عمر وال عثمان وال علي وال بقية الصحابة‬

‫قال ابن مفلح في أصول الفقه‪( :‬واتفق الناس عىل الرواية عن ر ي‬


‫أت بكرة)‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫قال ابن حزم في المحلى (ما سمعنا أن مسلما فسق أبا بكرة وال امتنع من‬
‫فهل خالف‬ ‫النت صىل هللا عليه وسلم يف أحكام الدين)‬
‫قبول شهادته عىل ر ي‬
‫كل العلماء القرآن وهذا مستحيل فاألمة ال تجتمع على ضاللة أم أنه تم استثناؤه‬

‫لحجة شرعية قائمة أم هناك فرقا بين المذكور في اآلية والرواية أم أن مجرد اإلجماع‬

‫يخصص عموم القرآن‬

‫الواقع أن أبا بكر رضي هللا عنه كان متأوال بدليل شهادة اثنين معه بنفس األمر‬

‫وحتى الرابع شهد بوجود رجل وامرأة في وضع مريب وفي القرآن‪:‬‬

‫(ربنا ال تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)‬


‫وهذا النص مخصص لكل نصوص الوعيد فإن قيل‪ :‬ما دام األمر كذلك فلماذا أقام عمر‬

‫عليهم حد القذف ولماذا لم يقبل شهادة أبي بكرة فيقال‪ :‬أما إقامة الحد فلكي ال‬

‫يتسامح الناس في هذا ويدخلوا فيه بالتأول والظن الغالب بل ال بد من اليقين‬

‫القاطع وعدم قبول الشهادة من هذا الجنس أنه تعزير قال المهلب‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫أت بكرة؛ أال ترى أنهم يروون عنه‬ ‫ري‬ ‫عىل‬ ‫هذا‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫وا‬ ‫احتج‬ ‫المسلمون‬ ‫(وكان‬
‫الس َّنة وهو لم يكذب نفسه وقد قال له عمر‪:‬‬ ‫ويحملون عنه ُّ‬ ‫األحاديث َ‬
‫المغتة ونقبل شهادتك) وإنما قال له ذلك عمر استظهارا له‬ ‫ر‬ ‫ارجع عن قذفك‬
‫كمال التوبة والرجوع عما قال في القذف وإن كان يجتزأ بصالح حاله عن تكذيب نفسه‬

‫في قبول شهادته وقد يقام الحد على شخص في الدنيا وهو عدل وغير محاسب‬

‫عند هللا في اآلخرة كالمرأة الزانية التي قال فيها النبي لقد تابت توبة لو وزعت‬

‫على أهل المدينة لكفتهم فإن قيل بماذا يبرأ المغيرة إذن قال ابن حزم في اإلحكام‪:‬‬

‫المغتة فال يأثم‬


‫ر‬ ‫(أما أبو بكرة فيحتمل أن يكون شبه عليه وقد قال ذلك‬
‫فغت‬
‫المغتة وبــهذا نقول وكل ما احتمل ولم يكن ظاهره يقينا ر‬
‫ر‬ ‫هو وال‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫منقول عن متيقن حاله باألمس فهما عىل ما ثبت من عدالتهما وال‬
‫اليقي بالشك وهذا هو استصحاب الحال الذي أباه خصومنا‬ ‫ر‬ ‫يسقط‬
‫وهم راجعون إليه يف هذا المكان بالصغر منهم فما منهم أحد امتنع من‬
‫وأت بكرة وهو متأول)‬
‫وأت بكرة معا ر ي‬
‫المغتة ر ي‬
‫ر‬ ‫الرواية عن‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫وقال ابن الهمام في فتح القدير‪:‬‬
‫َ ْ َ َْ ْ‬ ‫َّ َ ْ َ‬ ‫َّ َ ْ‬ ‫َ َ َ ٌ َ َ َ َّ‬ ‫الت ْ‬‫َّ‬ ‫(َ‬
‫ود‬‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ش‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ث‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ات‬ ‫ِ ي‬‫ِ‬ ‫الز‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ة‬ ‫ال‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫يق‬‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ِ‬ ‫ح‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫و‬
‫َ ٌّ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َع َل ْيه زت ف دار ال َح ْرب َول ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يه حد ِعندنا ف ِلهذا سألهم أين زت‬ ‫ِ ِ‬ ‫ف‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ َ َ َ ْ َ ِّ َ ْ َ‬ ‫َ َ َ َّ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ‬ ‫ََ ْ َ‬
‫يه إذا ثبت ِبالبين ِة أو ِ يف زم ِن ِصباه‬ ‫ان متق ِاد ٍم وَل حد ِف ِ‬ ‫ٍ‬ ‫م‬ ‫ز‬ ‫ف‬‫ِي‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫و‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ويح‬
‫الت َقادم َس َيأ ىت ث َّم َي ْح َتمل َك ْو َن ْالم ْز َت ب َها م َّمنْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ َ َ ْ َ ىَ َ َ َ َ ُّ َّ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف ِلهذا سألهم مت زت وحد‬
‫َ َ ُّ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ‬
‫َل يحد ِب ِزناها وهم َل يعلمون كج ِاري ِة اب ِن ِه أو كانت ج ِاريته أو زوجته وَل‬
‫َ َ َ ْ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ْ‬ ‫ال ْالمغ َتة ح َ‬ ‫الشهود َك َما َق َ‬ ‫ُّ‬ ‫َي ْع َلم َ‬
‫ي ش ِهد علي ِه كيف حل ِلهؤَل ِء أن‬ ‫ِر ِ ر‬ ‫ا‬ ‫ه‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ َّ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َْى ََ َ ْ‬ ‫َْ ُ‬
‫اظ ِر ما ِ يف بي ِت‬ ‫ينظروا ِ يف بي ِ يت وكانت ِ يف بي ِت أح ِد ِهم كوة يبدو ِمنها ِللن ِ‬
‫َّلل َما َأ َت ْيت َّإَل ْام َرأ ىت ثمَّ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ ْ َ ‪َّ َ َ :‬‬
‫الم ِغ رت ِة فاجتمعوا ِعنده فش ِهدوا وقال الم ِغ رتة وا ِ‬
‫َْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ ْ َ‬
‫ِي‬
‫ْ ْ َ‬ ‫َّ َّ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َّ َ َ ْ َ ْ‬
‫يل ِ يف المكحل ِة‬ ‫إن اَّلل تعاىل درأه عنه ِبعد ِم قو ِل ِزي ٍاد وهو الر ِاب َع رأيته كال ِم ِ‬
‫الزَنا َبلْ‬ ‫ب َإل ْيه ِّ‬ ‫الث َل َث َة َو َل ْم َيح َّده؛ ِأل َّنه َما َن َس َ‬ ‫َ َ َّ َ َ َ َّ َ ْ َّ‬
‫ض اَّلل عنه‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫فحد عمر ر ِ‬
‫اسا َعال َي ًة َو َل َح ًافا َي ْرَتفع َو َي ْن َخفض َوهوَ‬ ‫وب َت ْي َو َأ ْن َف ً‬ ‫ال َ َرأ ْيت َق َد َم ْي َم ْخض َ‬ ‫َق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رِ‬ ‫ْ َّر ِ‬ ‫َ‬
‫وجب الحد) قال الشنقيطي في مذكرته في أصول الفقه‪( :‬يظهر لنا يف‬ ‫َ‬
‫َل ي ِ‬
‫ً‬ ‫هذه القصة أن المرأة ى‬
‫رض هللا عنه مخالطا لها عندما‬ ‫ي‬ ‫ة‬‫المغت‬ ‫ر‬ ‫أوا‬ ‫ر‬ ‫الت‬‫ي‬
‫وه تشبه امرأة أخرى‬ ‫ه زوجته وال يعرفونها ي‬ ‫فتحت الري ــح الباب عنهما ي‬
‫ه‬‫وغته من األمراء فظنوا أنها ي‬
‫المغتة ر‬
‫ر‬ ‫أجنبية كانوا يعرفونها تدخل عىل‬
‫ً‬
‫باطال ولكن ظنهم أخطأ وهو لم ى‬
‫يقتف ان شاء هللا‬ ‫فهم لم يقصدوا‬
‫فاحشة ألن أصحاب رسول هللا صىل هللا عليه وسلم يعظم فيهم الوازع‬
‫ينبع يف أغلب األحوال والعلم عند هللا تعاىل)‬
‫ي‬ ‫الديت الزاجر عما ال‬
‫ي‬
‫ومشهور في ترجمة المغيرة أنه كان كثير الزواج ويوضح هذا أكثر ما روي أن عليا‬

‫قال ابن حزم‪( :‬إذ قال أبو بكرة لما تم جلده‬ ‫كان يرى درء الحد عن أبي بكرة أصال‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫عىل إن جلدته فارجم‬ ‫المغتة زت فأراد عمر جلده فقال له ي‬ ‫ر‬ ‫وقام أشهد أن‬
‫ى‬
‫المغتة فتكه) وأقره عمر بعد تكراره للكلمة مما يدل على أنه رآه متأوال ولكن‬
‫ر‬
‫هذه الرواية نحتاج إلى التأكد من إسنادها‬

‫وبعد هذا نفهم الفرق بين الشهادة والرواية الشهادة حال خاص يتعلق بحقوق‬

‫البشر وقد يخطيء فيه المرء فيخلط بين أجنبية وزوجة ويخلط بين دينار ودرهم لهذا‬

‫ال يقبل فيه إال شهادة االثنين وأما الرواية فيقبل فيها رواية الواحد ألنها شأن عام‬

‫فسكوت البقية عن التخطئة إقرار كما أن متابعتهم له تقويه والصحابة الكرام دلت‬

‫النصوص المتواترة على قبول روايتهم مما يخصص أي خبر آخر كقوله النبي صلى‬

‫فوعاها فأداها) وهذا حديث‬ ‫ى‬


‫مقالت هذه‬ ‫هللا عليه وسلم‪( :‬نرص هللا امرأ سمع‬
‫ي‬
‫متواتر وما حثهم على األداء إال لكون خبرهم حجة وقال فيهم (وكال وعد هللا‬
‫وهي الجنة وكما أن الحدود كفارات فلو لم يكن قول النبي صلى هللا‬ ‫الحست)‬
‫عليه وسلم وقبله وعد هللا كافيا في استثناء أبي بكرة مع ما ذكرناه فماذا يكون‬

‫وبقي وجه جدلي أن هذا خبر آحادي مداره على الزهري فكيف يقبل الخصم على‬

‫أصوله أن يدرأ عدالة ثبتت بالتواتر والقطع بخبر آحادي زيادة على أن البحث كله في‬

‫عدالة الشهادة وهذا ال يقتضي وبطالنها ال يقتضي بطالن عدالة الرواية أو العدالة‬
‫‪َ َ َّ َ :‬‬
‫الباطنة خصوصا مع ما ورد أن الحد كفارة وأما قصة كركرة قال البخاري (حدثنا‬
‫اَّلل َح َّد َث َنا س ْف َيان َع ْن َع ْمرو َع ْن َسالم ْبن َأت ْال َج ْعد َعنْ‬ ‫َ ُّ ْ َ ْ َّ‬
‫ع ِ يىل بن عب ِد‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِر ي‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َع َل ْيه َو َس َّل َم َرجلٌ‬
‫َّ ِّ َ َّ َّ‬ ‫َ ْ َّ ْ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫اَّلل ب ِن عم ٍرو قال كان عىل ثق ِل الن ِر يت صىل‬ ‫عب ِد ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ َّ َ‬
‫اَّلل َصىل اَّلل َعل ْي ِه َو َسل َم ه َو ِ يف الن ِار‬
‫َّ‬
‫ول‬ ‫س‬‫ر‬ ‫ات َف َق َ‬
‫ال َ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ َ‬
‫يقال له ِكر ِكرة فم‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ ً َ ْ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ َ َْ َ‬ ‫ََ َ‬
‫فذهبوا ينظرون ِإلي ِه فوجدوا عباءة قد غلها) أقول‪ :‬هذا الرجل إن ثبتت‬

‫ودخوله في النصوص السابقة يكون قد خصص من العموم أو يكون لم يثبت فيه‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫الفضل الوارد في اآلخرين أو يتأول ذكر النار هنا على نار القبر كما ورد في اآلخر‬

‫صاحب الشملة أنها تشتعل عليه نارا وهذا يمكن حمله على نار القبر كما ورد الحديث‬

‫في الزناة أن لهم تنورا في القبر وعذاب القبر كفارة وعلى أصل الخصم ال يقبل هذا‬

‫الخبر ألنه آحادي أصال ومن باب اإلطناب في الجدل الصفات السابقة التي أثبتت عدالة‬

‫الصحابة الباطنة عدد منها ال يشمل هذا الغالم الذي أهدي للنبي صلى هللا عليه‬

‫وسلم فال يشمله اسم المهاجرية وال األنصارية وال البدرية وال قتال أهل الردة وال‬

‫الرواية وال الطرق األخرى التي لم أذكرها كالمبايعة تحت الشجرة وغيرها وقد يجتمع‬

‫في الرجل موجب عذاب وموجب مغفرة فيغلب موجب المغفرة قال مسلم‪:‬‬
‫ان َقالَ‬ ‫َ َّ َ َ َ َ ْ ْ َ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ ْ َ َ َ ً َ ْ َ ْ َ َ‬
‫(حدثنا أبو بك ِر بن أ ِر يت شيبة و ِإسحاق بن ِإبر ِاهيم ج ِميعا عن سليم‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ َ َّ َ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ َّ َ َ َ َّ ْ َ‬
‫اف‬ ‫اج الصو ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أبو بك ٍر‪ :‬حدثنا سليمان بن حر ٍب حدثنا حماد بن زي ٍد عن حج‬
‫َّ ْ َّ َ ىَ َّ َّ َ َّ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َّ ُّ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ش أت الن ِر يت صىل اَّلل‬ ‫عن أ ِر يت الزب ر ِت عن ج ِاب ٍر أن الطفيل بن عم ٍرو الدو ِ ي‬
‫ال‪:‬‬ ‫ال‪َ :‬يا َرسو َل هللا َه ْل َل َك ف ح ْصن َحصي َو َم ْن َعة َق َ‬ ‫َع َل ْيه َو َس َّل َم َف َق َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ رٍ‬ ‫ِي ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ َ َّ َ َ َ َ َّ ُّ َ َّ َّ َ َ ْ َ َ َّ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ٌ َ َ َ‬
‫اه ِلي ِة فأ رت ذ ِلك الن ِر يت صىل اَّلل علي ِه وسلم ِلل ِذي‬ ‫س ِ يف الج ِ‬ ‫ِحصن كان ِ َلدو ٍ‬
‫اجرَ‬ ‫اَّلل َع َل ْيه َو َس َّل َم إ َىل ْال َمد َينة َه َ‬ ‫ْ َ َ َ َّ َ َ َ َّ ُّ َ َّ َّ‬
‫ذخر اَّلل ِلألنص ِار فلما هاجر الن ِر يت صىل‬
‫َ َ َ َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض‬ ‫اج َت َووا ْال َم ِد َين َة َف َمر َ‬ ‫اج َر َم َعه َرج ٌل م ْن َق ْومه َف ْ‬ ‫الط َف ْيل ْبن َع ْمرو َو َه َ‬ ‫َ ْ ُّ‬
‫ِإلي ِه‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ ىَّ َ َ َ‬ ‫َ َ َ َََ َ َ َ‬
‫فج ِزع فأخذ مش ِاقص له فقطع ِبها بر ِاجمه فشخبت يداه حت مات فرآه‬
‫َ ِّ ً َ َ ْ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ َْ َ َ ٌَ‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ َ‬
‫ال له‪:‬‬ ‫الطفيل بن عم ٍرو ِ يف من ِام ِه فرآه وهيئته حسنة ورآه مغطيا يدي ِه فق‬
‫اَّلل َع َل ْيه َو َس َّلمَ‬ ‫ْ َ ى َ َ ِّ َ َّ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ َ ُّ َ َ َ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ما صنع ِبك ربك فقال‪ :‬غفر ِ يىل ِب ِهجر ِ يت ِإىل ن ِبي ِه صىل‬
‫َ َ َ َ ِّ ً َ َ ْ َ َ َ ‪َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ ْ َ : َ :‬‬ ‫َف َق َ‬
‫ال‪َ :‬ما ِ يىل أراك مغطيا يديك قال ِقيل ِ يىل لن نص ِلح ِمنك ما أفسدت‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ َّ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ َ ُّ َ ْ َ َ‬
‫هللا‬
‫هللا صىل اَّلل علي ِه وسلم ‪ ،‬فقال رسول ِ‬ ‫ول ِ‬ ‫ىل رس َّ ِ‬ ‫فقصها الطفيل ع‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َّ َّ َ َ‬
‫صىل اَّلل علي ِه وسلم ‪ :‬اللهم و ِليدي ِه فاغ ِفر) فهذا قتل نفسه وهذا موجب‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫للعذاب ولكن لما هاجر إلى النبي صلى هللا عليه وسلم كانت هذه الهجرة مع أنها‬

‫لم تتم موجبة للمغفرة والهجرة والجهاد وغيرها مع النبي صلى هللا عليه وسلم‬

‫موجبة لثواب عظيم وقد قال النبي صلى هللا عليه وسلم لخالد في شأن عبد الرحمن‬

‫بن عوف‪:‬‬
‫ً‬
‫(لو أن أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم وال نصيفه) وهذا‬

‫المعنى واقع في حق كل من جاء بعد الصحابة وأما شبهة أبي الغادية فهي أهونها‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َّ َ َ ُّ ْ َ َ َ َ‬
‫ان ثنا ي ِزيد بن‬ ‫قال الطبراني في األوسط‪( :‬حدثنا النعمان ثنا أحمد بن ِسن ٍ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ َْ‬ ‫ْ َ ْ ََ َ ْ‬ ‫َ َ َ َ َّ ْ َ َ َ َ َ ْ ُ ْ‬
‫ص عن أ ِر يت الغ ِادي ِة‬ ‫وم ب ِن ج ر ٍت وأ ِر يت حف ٍ‬ ‫ون نا حماد بن سلمة عن كلث ِ‬ ‫هار‬
‫اس َت ْم َك ْنت منْ‬ ‫ان َفق ْلت‪َ :‬لي ْ‬ ‫َ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫اش ذكر عثمان بن عف‬ ‫قال رأيت عمار بن ي ِ ٍ‬ ‫‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ ىَّ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ َ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ َ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َّ َ َ‬
‫هذا فلما كان يوم ِصف ري وعلي ِه السلح فجعل يح ِمل حت يدخل ِ يف‬
‫َ َّ ْ‬ ‫َ َ ْ َ ِّ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ََ َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬
‫الساق ف َسددت‬ ‫الد ْرع َو َّ‬ ‫الق ْو ِم ث َّم َيخر َج فنظ ْرت ف ِإذا رك َبته قد ح ِش عنها‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ َّ َ َ ْ َ َ َ َ ْ ْ ْ‬ ‫َ ْ َ ُّ ْ َ َ َ َ ْ‬
‫اص س ِمعت‬ ‫‪:‬‬ ‫نحوه الرمح َّفطعنت َركبته ث َّم قتلته فق َال ُ عمرو بن الع ِ‬
‫َّ‬ ‫اَّلل َصىل هللا َعل ْيه َو َسل َم َيقول‪« :‬قاتله َو َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬
‫ار) هذا الخبر‬ ‫ِ‬ ‫الن‬ ‫ف‬ ‫ِي‬ ‫ه‬‫ب‬ ‫ال‬‫ِ‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول‬ ‫س‬‫ر‬
‫انفرد به حماد بن سلمة وعادة القوم التشغيب على حماد فيما يرويه من أحاديث‬

‫الصفات وهنا اعتمدوه سبحان هللا والواقع أن رواية حماد عن غير ثابت ربما دخلها‬

‫الوهم قال اإلمام مسلم في التمييز‪( :‬وحماد يعد عندهم إذا حدث عن ر‬
‫غت‬
‫أت هند ‪،‬‬ ‫ثابت ‪ ،‬كحديثه عن قتادة ‪ ،‬وأيوب ‪ ،‬ويونس ‪ ،‬وداود بن ر ي‬
‫ويحت بن سعيد ‪ ،‬وعمرو بن دينار ‪ ،‬وأشباههم ‪ ،‬فإنه‬ ‫ر‬ ‫والجريري ‪،‬‬
‫كثتا) وقد روي هذا الحديث بدون زيادة قاتل عمار وسالبه‬
‫يخىطء يف حديثهم ر‬
‫في النار قال عبد هللا بن أحمد في زوائده على المسند‪:‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫َ ْ َ َ ُّ َ َّ ْ ْ َ َّ َ َ َ َّ َ َ َ َّ ْ َ‬ ‫َ َّ َ َ‬
‫(حدث ِ يت أبو موش الع ِتي محمد بن المثت قال‪ :‬حدثنا محمد بن أ ِر يت‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ْ َ َ ‪َّ ُ :‬‬ ‫َ ٍّ َ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ‬
‫وم ب ِن ج ر ٍت قال كنا ِبو ِاس ِط القص ِب ِعند عب ِد‬ ‫ِ‬ ‫ع ِدي ع ِن اب ِن عو ٍن عن كلث‬
‫َ‬ ‫َ َ‪َ ْ َ : َ َ ٌ َ َ ْ َ َ :‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ََْ‬
‫هللا ب ِن ع ِام ٍر قال ف ِإذا ِعنده رجل يقال له أبو الغ ِادي ِة‬ ‫األعىل ب ِن عب ِد ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ َ ْ َ رْ َ َ َ َ َ َ َّ َّ َ َّ َّ َ َ‬ ‫َ َّ‬ ‫ْ َ ْ ىَ َ ً َ ُ ى َ َ‬
‫ض فأ رت أن يشب وذكر الن ِر يت صىل اَّلل علي ِه‬ ‫استسف ماء فأ ِ يت ِب ِإن ٍاء مفض ٍ‬
‫ال ًال َي ْرصب َب ْعض ُكمْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ َ َ َ َ َ َ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫وسلم فذكر هذا الح ِديث ال تر ِجعوا بع ِدي كفارا أو ض‬
‫َّ ْ َ‬ ‫َ َ َ ٌ َ ُّ َ ً َ ْ ‪َ َ ْ َ ْ َ َّ َ :‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اَّلل ل ِي أمكن ِ يت اَّلل ِمنك ِ يف‬ ‫ض ف ِإذا رجل يسب فالنا فقلت و ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِرقاب بع‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ َ ْ ْ ٌ َ َ‪ْ َ َ :‬‬ ‫ِّ َ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َّ َ َ‬
‫ك ِتيب ٍة فلما كان يوم ِصف ري ِإذا أنا ِب ِه وعلي ِه ِدرع قال فف ِطنت ِإىل الفرج ِة‬
‫ال‪ :‬ق ْلت‪َ :‬و َأيَّ‬ ‫الد ْرع َف َط َع ْنته َف َق َت ْلته َفإ َذا ه َو َع َّمار ْبن َياش َق َ‬ ‫ِّ‬
‫ان‬ ‫ب‬ ‫ف جر َّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ي َ َ ِ ْ َِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ش َب ف إناء مف َّضض َوق ْد ق َت َل َع َّم َار ْب َن َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ْ َ رْ‬ ‫َ‬
‫اش)‬
‫ِ ٍ‬ ‫ي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِي ِ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫اه‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫د‬‫ٍ‬ ‫ي‬
‫فدل على شذوذ تلك الزيادة خصوصا وأن حمادا لما كبر ساء حفظه على علمه‬

‫وإمامته في الدين والحديث لو صح فهو دليل على صدق الرواة من الصحابة فكيف‬

‫يحدث عمرو بن العاص بهذا الفضل لعمار وعمار كان يقاتله لو يكن الصدق على النبي‬

‫صلى هللا عليه وسلم عندهم فوق المصلحة وأخيرا أقول‪ :‬هذه األوجه التي ذكرناها‬

‫في إثبات قطعية عدالة الصحابة ال يثبت عشرها ألصحاب جعفر الصادق مثال وال تثبت‬

‫العصمة ألئمتهم إال من طريق إثبات عدالة الصحابة وتصديق مروياتهم‪.‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫الكالم في الصفات كالكالم في سائر اإلسالم من أحكام وتشريعات فوجب الرد علي‬

‫المتأخرين قبل المعاصرين ألن هذا األصل الخبيث وإن كان المتأخرين لم يعملوه في‬

‫التشريع كما فعل المعاصرون ولكنهم بنوه علي نفس األصل الفاسد‬

‫قول القائل‪ :‬إذا تعارضت األدلة النقلية والعقلية فإما أن يجمع بينهما وهو محال‬

‫ألنه جمع بين النقيضين وإما أن يردها جميعا وإما أن يقدم النقل وهو محال ألن‬

‫العقل أصل النقل فلو قدمناه عليه كان ذلك قدحا في العقل الذي هو أصل النقل‬

‫والقدح في أصل الشيء قدح فيه فكان تقديم النقل قدحا في النقل والعقل جميعا‬

‫فوجب تقديم العقل ثم النقل إما أن يتأول وإما أن يفوض وأما إذا تعارضا تعارض‬

‫الضدين امتنع الجمع بينهما‪ ،‬ولم يمتنع ارتفاعهما وهذا الكالم قد جعلوه قانونا كليا‬

‫فيما يستدل به من كتب هللا تعالى وكالم أنبيائه عليهم السالم وما ال يستدل به‬

‫ولهذا ردوا االستدالل بما جاءت به األنبياء والمرسلون في صفات هللا تعالى وغير‬

‫ذلك من األمور التي لم توافق هواهم وظن هؤالء أن العقل يعارضها وقد يضم‬

‫بعضهم إلى ذلك أن األدلة النقلية ال تفيد اليقين وقد بسطنا الكالم على قولهم‬

‫هذا في األدلة النقلية في غير هذا الموضع وأما هذا القانون الذي وضعوه فقد‬

‫سبقهم إليه طوائف كثيرة من أهل األهواء ومثل هذا القانون الذي وضعه هؤالء‬

‫يضع كل فريق ألنفسهم قانونا فيما جاءت به األنبياء عن هللا فيجعلون األصل الذي‬

‫يعتقدونه ويعتمدونه هو ما ظنوا أن عقولهم عرفته ويجعلون ما جاءت به األنبياء‬

‫تبعا له فما وافق قانونهم قبلوه وما خالفه لم يتبعوه وهذا يشبه ما وضعته‬

‫النصارى من أمانتهم التي جعلوها عقيدة إيمانهم وردوا نصوص التوراة واإلنجيل‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫إليها لكن تلك األمانة اعتمدوا فيها على ما فهموه من نصوص األنبياء أو ما بلغهم‬

‫عنهم وغلطوا في الفهم أو في تصديق الناقل كسائر الغالطين ممن يحتج بالنقليات‬

‫فإن غلطه إما في اإلسناد وإما في المتن وأما هؤالء فوضعوا قوانينهم على ما‬

‫رأوه بعقولهم وقد غلطوا في الرأي والعقل فالنصارى أقرب إلى تعظيم األنبياء‬

‫والرسل من هؤالء ولكن النصارى يشبههم من ابتدع بدعة بفهمه الفاسد من‬

‫النصوص أو بتصديقه النقل الكاذب عن الرسول كالخوارج والوعيدية والمرجئة‬

‫واإلمامية وغيرهم بخالف بدعة الجهمية والفالسفة فإنها مبنية على ما يقرون هم‬

‫بأنه مخالف للمعروف من كالم األنبياء وأولئك يظنون أن ما ابتدعوه هو المعروف‬

‫من كالم األنبياء وأنه صحيح عندهم‪.‬‬

‫أوال‪ :‬طريقة التبديل‬

‫ولهؤالء في نصوص األنبياء طريقتان طريقة التبديل وطريقة التجهيل‬

‫أما أهل التبديل فهم نوعان‪ :‬أهل الوهم والتخييل وأهل التحريف والتأويل فأهل‬

‫الوهم والتخييل هم الذين يقولون‪ :‬إن األنبياء أخبروا عن هللا وعن اليوم اآلخر وعن‬

‫الجنة والنار بل وعن المالئكة بأمور غير مطابقة لألمر في نفسه‪ ،‬ولكنهم خاطبوهم‬

‫بما يتخيلون به ويتوهمون به أن هللا جسم عظيم وأن األبدان تعاد وأن لهم نعيما‬

‫محسوسا وعقابا محسوسا وإن كان األمر ليس كذلك في نفس األمر ألن من مصلحة‬

‫الجمهور أن يخاطبوا بما يتوهمون به ويتخيلون أن األمر هكذا وإن كان هذا كذبا‬

‫فهو كذب لمصلحة الجمهور إذ كانت دعوتهم ومصلحتهم ال تمكن إال بهذه الطريق‪.‬‬

‫وقد وضع ابن سينا وأمثاله قانونهم علي هذا األصل‪ ،‬كالقانون الذي ذكره في‬

‫رسالته "األضحوية" وهؤالء يقولون‪ :‬األنبياء قصدوا بهذه األلفاظ ظواهرها وقصدوا‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫أن يفهم الجمهور منها هذه الظواهر وإن كانت الظواهر في نفس األمر كذبا وباطال‬

‫ومخالفة للحق فقصدوا إفهام الجمهور بالكذب والباطل للمصلحة ثم من هؤالء من‬

‫يقول‪ :‬النبي كان يعلم الحق ولكن أظهر خالفه للمصلحة‪.‬‬

‫ومنهم من يقول‪ :‬ما كان يعلم الحق كما يعلمه نظار الفالسفة وأمثاله وهؤالء‬

‫يفضلون الفيلسوف الكامل علي النبي‪ ،‬ويفضلون الولي الكامل الذي له هذا‬

‫المشهد علي النبي كما يفضل ابن عربي الطائي خاتم األولياء في زعمه علي األنبياء‬

‫وكما يفضل الفارابي ومبشر بن فاتك وغيرهما الفيلسوف علي النبي وأما الذين‬

‫يقولون‪ :‬إن النبي كان يعلم ذلك فقد يقولون‪ :‬إن النبي أفضل من الفيلسوف ألنه‬

‫علم ما علمه الفيلسوف وزيادة‪ ،‬وأمكنه أن يخاطب الجمهور بطريقة يعجز عن مثلها‬

‫الفيلسوف وابن سينا وأمثاله من هؤالء وهذا في الجملة قول المتفلسفة والباطنية‬

‫كالمالحدة اإلسماعيلية وأصحاب رسائل إخوان الصفاء والفارابي وابن سينا‬

‫والسهروردي المقتول وابن رشد الحفيد ومالحدة الصوفية الخارجين عن طريقة‬

‫المشايخ المتقدمين من أهل الكتاب والسنة ابن عربي وابن سبعين وابن الطفيل‬

‫صاحب رسالة حي بن يقظان وخلق كثير غير هؤالء ومن الناس من يوافق هؤالء فيما‬

‫أخبرت به األنبياء عن هللا ‪:‬أنهم قصدوا به التخييل دون التحقيق وبيان األمر على ما‬

‫هو عليه دون اليوم اآلخر ومنهم من يقول‪ :‬بل قصدوا هذا في بعض ما أخبروا به‬

‫عن هللا كالصفات الخبرية من االستواء والنزول وغير ذلك ومثل هذه األقوال يوجد‬

‫في كالم كثير من النظار ممن ينفي هذه الصفات في نفس األمر كما يوجد في‬

‫كالم طائفة وأما أهل التحريف والتأويل فهم الذين يقولون‪ :‬إن األنبياء لم يقصدوا‬

‫بهذه األقوال إال ما هو الحق في نفس األمر وإن الحق في نفس األمر هو ما علمناه‬

‫بعقولنا ثم يجتهدون في تأويل هذه األقوال إلي ما يوافق رأيهم بأنواع التأويالت‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫التي يحتاجون فيها إلي إخراج اللغات عن طريقتها المعروفة‪ ،‬وإلي االستعانة بغرائب‬

‫المجازات واالستعارات وهم في أكثر ما يتأولونه قد يعلم عقالؤهم علما يقينا أن‬

‫األنبياء لم يريدوا بقولهم ما حملوه عليه وهؤالء كثيرا ما يجعلون التأويل من باب‬

‫دفع المعارض فيقصدون حمل اللفظ علي ما يمكن أن يريده متكلم بلفظه ال‬

‫يقصدون طلب مراد المتكلم وتفسير كالمه بما يعرف به مراده‪ ،‬وعلي الوجه الذي‬

‫به يعرف مراده فصاحبه كاذب علي من تأول كالمه ولهذا كان أكثرهم ال يجزمون‬

‫بالتأويل بل يقولون‪ :‬يجوز أن يراد كذا وغاية ما معهم إمكان احتمال اللفظ وأما كون‬

‫النبي المعين يجوز أن يريد ذلك المعني بذلك اللفظ فغالبه يكون األمر فيه بالعكس‬

‫ويعلم من سياق الكالم وحال المتكلم امتناع إرادته لذلك المعني بذلك الخطاب‬

‫المعين وفي الجملة فهذه طريق خلق كثير من المتكلمين وغيرهم‪ ،‬وعليها بني‬

‫سائر المتكلمين المخالفين لبعض النصوص مذاهبهم من المعتزلة والكالبية‬

‫والسالمية والكرامية والشيعة وغيرها وقد ذكرنا في غير موضع أن لفظ التأويل في‬

‫القرآن يراد به ما يؤول األمر إليه وإن كان موافقا لمدلول اللفظ ومفهومه في‬

‫الظاهر ويراد به تفسير الكالم وبيان معناه وإن كان موافقا له وهو اصطالح‬

‫المفسرين المتقدمين كمجاهد وغيره ويراد به صرف اللفظ عن االحتمال الراجح إلي‬

‫المرجوح لدليل يقترن بذلك وتخصيص لفظ التأويل بهذا المعني إنما يوجد في كالم‬

‫بعض المتأخرين فأما الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين كاألئمة‬

‫األربعة وغيرهم فال يخصون لفظ التأويل بهذا المعني بل يريدون المعني األول أو‬

‫الثاني ولهذا لما ظن طائفة من المتأخرين أن لفظ التأويل في القرآن والحديث في‬

‫مثل قوله تعالي‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫(وما يعلم تأويله إال هللا والراسخون يف العلم يقولون آمنا به كل من‬
‫عند ربنا)‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫أريد به هذا المعني االصطالحي الخاص واعتقدوا أن الوقف في اآلية عند قوله‪:‬‬

‫لزم من ذلك أن يعتقدوا أن لهذه اآليات واألحاديث‬ ‫(وما يعلم تأويله إال هللا)‬
‫معاني تخالف مدلولها المفهوم منها وأن ذلك المعني المراد بها ال يعلمه إال هللا‬

‫ال يعلمه الملك الذي نزل بالقرآن وهو جبريل وال يعلمه محمدا صلي هللا عليه وسلم‬

‫وال غيره من األنبياء وال تعلمه الصحابة والتابعون لهم بإحسان وأن محمدا كان يقرأ‬

‫قوله تعالي (الرحمن عىل العرش استوى) وقوله (إليه يصعد الكلم الطيب)‬
‫وقوله وغير ذلك من آيات الصفات بل ويقول ينزل ربنا كل ليلة إلي السماء الدنيا‬

‫ونحو ذلك وهو ال يعرف معاني هذه األقوال بل معناها الذي دلت عليه ال يعلمه إال‬

‫هللا ويظنون أن هذه طريقة السلف‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬طريقة التجهيل‬

‫وهؤالء أهل التضليل والتجهيل الذين حقيقة قولهم‪ :‬إن األنبياء جاهلون ضالون ال‬

‫يعرفون ما أراد هللا بما وصف من اآليات وأقوال األنبياء ثم هؤالء منهم من يقول‪:‬‬

‫المراد بها خالف مدلولها الظاهر والمفهوم وال يعرف أحد من األنبياء والمالئكة‬

‫والصحابة والعلماء ما أراد هللا بها كما ال يعلمون وقت الساعة ومنهم من يقول‪:‬‬

‫بل تجري علي ظاهرها وتحمل علي ظاهرها ومع هذا فال يعلم تأويلها إال هللا‬

‫فيتناقضون حيث أثبتوا لها تأويال يخالف ظاهرها وقالوا مع هذا إنها تحمل علي‬

‫ظاهرها وهذا ما أنكره ابن عقيل على شيخة القاضي أبي يعلى في كتاب‬

‫"ذم التأويل" وهؤالء الفرق مشتركون في القول بأن الرسول لم يبين المراد‬

‫بالنصوص التي يجعلونها مشكلة أو متشابهة ولهذا يجعل كل فريق المشكل من‬

‫نصوصه غير ما يجعل الفريق اآلخر مشكال فمنكر الصفات الخبرية الذي يقول‪ :‬إنها ال‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫تعلم بالعقل يقول‪ :‬نصوصها مشكلة متشابهة بخالف الصفات المعلومة بالعقل‬

‫عنده بعقله فإنها عنده محكمة بينة وكذلك يقول من ينكر العلو والرؤية‪ :‬نصوص‬

‫هذه مشكلة ومنكر الصفات مطلقا يجعل ما يثبتها مشكال دون ما يثبت أسماءه‬

‫الحسنى ومنكر معاني األسماء يجعل نصوصها مشكلة ومنكر معاد األبدان وما‬

‫وصفت به الجنة والنار يجعل ذلك مشكال أيضا ومنكر القدر يجعل ما يثبت أن هللا‬

‫خالق كل شيء نوما يجعل نصوص الوعيد بل ونصوص األمر والنهي مشكلة‪ ،‬فقد‬

‫يستشكل كل فريق ما ال يستشكله غيره ثم يقول فيما يستشكله إن معاني نصوصه‬

‫لم يبينها الرسول ثم منهم من يقول‪ :‬لم يعلم معانيها أيضا ومنهم من يقول‪ :‬بل‬

‫علمها ولم يبنيها بل أحال في بيانها علي األدلة العقلية وعلي من يجتهد في‬

‫العلم بتأويل تلك النصوص فهم مشتركون في أن الرسول لم يعلم أو لم يعلم‪.‬‬

‫بل جهل معناها أو جهلها األمة من غير أن يقصد أن يعتقدوا الجهل الركب وأما‬

‫أولئك فيقولون‪ :‬بل قصد أن يعلمهم الجهل المركب واالعتقادات الفاسد‪ ،‬وهؤالء‬

‫مشهورون عند األمة باإللحاد والزندقة‪ ،‬بخالف أولئك فإنهم يقولون‪ :‬الرسول لم‬

‫يقصد أن يجعل أحدا جاهال معتقدا للباطل ولكن أقوالهم تتضمن أن الرسول لم يبين‬

‫الحق فيما خاطب به األمة من اآليات واألحاديث إما مع كونه لم يعلمه أو مع كونه‬

‫علمه ولم يبينه ولهذا قال اإلمام أحمد في خطبته فيما صنفه من "الرد علي الزنادقة‬

‫والجهمية" فيما شكت فيه من متشابه القرآن وتأولته علي غير تأويله قال‪:‬‬

‫الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقابا من أهل العلم يدعون من‬

‫ضل إلي الهدى ويصبرون منهم علي األذي يحيون بكتاب هللا الموتي ويبصرون بنور‬

‫هللا أهل العمي فكم من قتيل إلبليس قد أحيوه وكم من تائه ضال قد هدوه فما‬

‫أحسن أثرهم علي الناس وأقبح أثر الناس عليهم ينفون عن كتاب هللا تحريف الغالين‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة‬

‫فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب متفقون علي مفارقة الكتاب يقولون‬

‫علي هللا وفي هللا وقي كتاب هللا بغير علم يتكلمون بالمتشابه من الكالم ويخدعون‬

‫جهال الناس بما يلبسون عليهم فنعوذ بالله من فتن المضلين ويروي نحو هذه‬

‫الخطبة عن عمر بن الخطاب رضي هللا تعالي عنه كما ذكر ذلك محمد بن وضاح في‬

‫كتاب "الحوادث والبدع" فقد وصفوا في هذا الكالم بأنهم مع اختالفهم في الكتاب‬

‫فهم كلهم مخالفون له وهم مشتركون في مفارقته يتكلمون بالكالم المتشابه‬

‫ويخدعون جهال الناس بما يلبسون عليهم حيث لبسوا الحق بالباطل‪.‬‬

‫وجماع األمر أن األدلة نوعان‪ :‬شرعية وعقليه فالمدعون لمعرفة اإللهيات بعقولهم‬

‫من المنتسبين إلى الحكمة والكالم والعقليات يقول من يخالف نصوص األنبياء منهم‪:‬‬

‫إن األنبياء لم يعرفوا الحق الذي عرفناه أو يقولون‪ :‬عرفوه ولم يبينوه للخلق كما‬

‫بيناه بل تكلموا بما يخالفه من غير بيان منهم والمدعون للسنة والشريعة واتباع‬

‫السلف من الجهال بمعاني نصوص األنبياء يقولون‪ :‬إن األنبياء والسلف الذين اتبعوا‬

‫األنبياء لم يعرفوا معنى هذه النصوص التي قالوها والتي بلغوها عن هللا أو إن‬

‫األنبياء عرفوا معانيها ولم يبينوا مرادهم للناس فهؤالء الطوائف قد يقولون‪ :‬نحن‬

‫عرفنا الحق بعقولنا ثم اجتهدنا في حمل كالم األنبياء علي ما يوافق مدلول العقل‬

‫وفائدة إنزال هذه المتشابهات المشكالت اجتهاد الناس في أن يعرفوا الحق‬

‫بعقولهم ثم يجتهدوا في تأويل كالم األنبياء الذي لم يبينوا به مرادهم أو أنا عرفنا‬

‫الحق بعقولنا وهذه النصوص لم تعرف األنبياء معناها كما لم يعرفوا وقت الساعة‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫ولكن أمرنا بتالوتها من غير تدبر لها وال فهم لمعانيها أو يقولون‪ :‬بل هذه األمور‬

‫ال تعرف بعقل وال نقل بل نحن منهيون عن معرفة العقليات وعن فهم النقليات وإن‬

‫األنبياء وأتباعهم ال يعرفون العقليات وال يفهمون النقليات ولما كان بيان مراد‬

‫الرسول صلي هللا عليه وسلم في هذه األبواب ال يتم إال بدفع المعارض العقلي‬

‫وامتناع تقديم ذلك علي نصوص األنبياء بينا في هذا المبحث فساد القانون الفاسد‬

‫الذي صدوا به الناس عن سبيل هللا وعن فهم مراد الرسول وتصديقه فيما أخبر إذ‬

‫كان أي دليل أقيم علي بيان مراد الرسول ال ينفع إذا قدر أن المعارض العقلي القاطع‬

‫ناقضه بل يصير ذلك قدحا في الرسول وقدحا فيمن استدل بكالمه وصار هذا بمنزلة‬

‫المريض الذي به أخالط فاسدة تمنع انتفاعه بالغذاء فإن الغذاء ال ينفعه مع وجود‬

‫األخالط الفاسدة التي تفسد الغذاء فكذلك القلب الذي اعتقد قيام الدليل العقلي‬

‫القاطع علي نفي الصفات أو بعضها أو نفي عموم خلقه لكل شيء أو نفي أمره‬

‫ونهيه أو امتناع المعاد أو غير ذلك ال ينفعه االستدالل عليه في ذلك بالكتاب والسنة‬

‫إال مع بيان فساد ذلك المعارض وفساد ذلك المعارض قد يعلم جملة وتفصيال أما‬

‫الجملة فإنه من آمن بالله ورسوله إيمانا تاما وعلم مراد الرسول قطعا تيقن ثبوت ما‬

‫أخبر به وعلم أن ما عارض ذلك من الحجج فهي حجج داحضة من جنس شبه‬

‫السوفسطائية كما قال تعالي‪:‬‬

‫(والذين يحاجون يف هللا من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند‬


‫ربــهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد)‬
‫وأما التفصيل فبعلم فساد تلك الحجة المعارضة وهذا األصل نقيض األصل الذي ذكره‬

‫طائفة من الملحدين كما ذكره الرازي في أول كتابه "نهاية العقول" حيث ذكر أن‬

‫االستدالل بالنقليات في المسائل األصولية ال يمكن بحال ألن االستدالل بها موقوف‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫علي مقدمات ظنية وعلي دفع المعارض العقلي وإن العلم بانتقاء المعارض ال يمكن‬

‫إذ يجوز أن يكون في نفس األمر دليل عقلي يناقض ما دل عليه القرآن ولم يخطر‬

‫ببال المستمع وقد بسطنا الكالم علي مازعمه هؤالء من أن االستدالل باألدلة النقلية‬

‫موقوف علي مقدمات ظنية وذكرنا طرفا من بيان فساده في الكالم على المحصل‬

‫وفي فذاك كالم في تقرير األدلة النقلية وبيان أنها قد تفيد اليقين والقطع وفي‬

‫هذا الكتاب كالم في بيان انتقاء المعارض العقلي وإبطال قول من زعم تقديم األدلة‬

‫العقلية مطلقا وقد بينا في موضع آخر أن الرسول بلغ البالغ المبين وبين مراده وأن‬

‫كل ما في القرآن والحديث من لفظ يقال فيه إنه يحتاج إلي التأويل االصطالحي‬

‫الخاص الذي هو صوف اللفظ عن ظاهره فال بد أن يكون الرسول قد بين مراده بذلك‬

‫اللفظ بخطاب آخر ال يجوز عليه أن يتكلم بالكالم الذي مفهومه ومدلوله باطل‬

‫ويسكت عن بيان المراد الحق‪ ،‬وال يجوز أن يريد من الخلق أن يفهموا من كالمه ما‬

‫لم يبينه لهم ويدلهم عليه إلمكان معرفة ذلك بعقولهم وأن هذا قدح في الرسول‬

‫الذي بلغ البالغ المبين الذي هدى هللا به العباد وأخرجهم به من الظلمات إلي النور‬

‫وفرق هللا به بين الحق والباطل وبين الهدي والضال‪ ،‬وبين الرشاد والغي وبين أولياء‬

‫هللا وأعدائه وبين ما يستحقه الرب من األسماء والصفات وما ينزه عنه من ذلك حتى‬

‫أوضح هللا به السبيل وأنار به الدليل وهدى به الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق‬

‫بإذنه وهللا يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم فمن زعم أنه تكلم بما ال يدل إال‬

‫علي الباطل ال علي الحق ولم يبين مراده وأنه أراد بذلك اللفظ المعنى الذي ليس‬

‫بباطل وأحال الناس في معرفة المراد علي ما يعلم من غير جهته بآبائهم فقد قدح‬

‫في الرسول كما نبهنا علي ذلك في مواضع كيف والرسول أعلم الخلق بالحق وأقدر‬

‫الناس علي بيان الحق وأنصح الخلق للخلق وهذا يوجب أن يكون بيانه للحق أكمل‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫من بيان كل أحد فإن ما يقوله القائل ويفعله الفاعل ال بد فيه من قدرة وعلم وإرادة‬

‫فالعاجز عن القول أو الفعل يمتنع صدور ذلك عنه والجاهل بما يقوله ويفعله ال يأتي‬

‫بالقول المحكم والفعل المحكم وصاحب اإلرادة الفاسدة ال يقصد الهدي والنصح‬

‫والصالح فإذا كان المتكلم عالما بالحق قاصدا لهدى الخلق قصدا تاما قادرا علي‬

‫ذلك وجب وجود مقدوره ومحمد صلي هللا عليه وسلم أعلم الخلق بالحق وهو أفصح‬

‫الخلق لسانا وأصحهم بيانا وهو أحرص الخلق علي هدي العباد كما قال تعالي‪:‬‬

‫(لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم‬


‫بالمؤمني رؤوف رحيم) وقال (إن تحرص عىل هداهم فإن هللا ال يهدي‬
‫ر‬
‫من يضل)‬
‫وقد أوجب هللا عليه البالغ المبين وأنزل عليه الكتاب ليبين للناس ما نزل إليهم فال‬

‫بد أن يكون بيانه وخطابه وكالمه أكمل وأتم من بيان غيره فكيف يكون مع هذا لم‬

‫يبين الحق بل بينه من قامت األدلة الكثيرة علي جهله ونقص علمه وعقله وهذا‬

‫مبسوط في غير هذا الموضع ولما كان ما يقوله كثير من الناس في باب أصول الدين‬

‫والكالم والعلوم العقلية والحكمة يعلم كل من تدبره أنه مخالف لما جاء به الرسول‬

‫أو أن الرسول لم يقل مثل هذا واعتقد من اعتقد أن ذلك من أصول الدين وأنه‬

‫يشتمل علي العلوم الكلية والمعارف اإللهية والحكمة الحقيقية أو الفلسفة األولية‬

‫صار كثير منهم يقول‪ :‬إن الرسول لم يكن يعرف أصول الدين أو لم يبين أصول الدين‬

‫ومنهم من هاب النبي ولكن يقول‪ :‬الصحابة والتابعون لم يكونوا يعرفون ذلك ومن‬

‫عظم الصحابة والتابعين مع تعظيم أقوال هؤالء يبقي حائرا كيف لم يتكلم أولئك‬

‫األفاضل في هذه األمور التي هي أفضل العلوم ومن هو مؤمن بالرسول معظم له‬

‫يستشكل كيف لم يبين أصول الدين مع أن الناس إليها أحوج منهم إلي غيرها‪.‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫إن قال قائل‪ :‬هل يجوز الخوض فيما تكلم الناس فيه من مسائل أصول الدين وإن لم‬

‫ينقل عن النبي صلي هللا عليه وسلم فيها كالم أم ال؟‬

‫فإن قيل بالجواز فما وجهه وقد فهمنا منه عليه الصالة والسالم النهي عن الكالم‬

‫في بعض المسائل وإذا قيل بالجواز فيل يجب ذلك؟‬

‫وهل نقل عنه عليه الصالة والسالم ما يقتضي وجوبه؟‬

‫وهل يكفي في ذلك ما يصل إليه المجتهد من غلبة الظن أو ال بد من الوصول إلى‬

‫القطع؟‬

‫وإذا تعذر عليه الوصول إلى القطع فهل يعذر في ذلك أو يكون مكلفا به؟‬

‫وهل ذلك من باب تكليف ما ال يطاق والحالة هذه أم ال؟‬

‫وإذا قيل بالوجوب فما الحكمة في أنه لم يوجد فيه من الشارع نص يعصم من الوقوع‬

‫في المهالك وقد كان عليه الصالة والسالم حريصا على هدي أمته؟‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫المسألة االولي‬

‫فقول القائل‪ :‬هل يجوز الخوض فيما تكلم الناس فيه من مسائل أصول الدين وإن‬

‫لم ينقل عن النبي صلى هللا عليه وسلم فيها كالم أم ال؟‬

‫سؤال ورد بحسب ما عهد من األوضاع المبتدعة الباطلة فإن المسائل التي هن من‬

‫أصول الدين التي تستحق أن تسمى أصول الدين أعني الدين الذي أرسل هللا به‬

‫رسوله وأنزل به كتابه ال يجوز أن يقال‪ :‬لم ينقل عن النبي صلى هللا عليه وسلم فيها‬

‫كالم بل هذا كالم متناقض في نفسه إذ كونها من أصول الدين يوجب أن تكون من‬

‫أهم أمور الدين وأنها مما يحتاج إليه الدين ثم نفي نقل الكالم فيها عن الرسول‬

‫يوجب أحد أمرين‪ :‬إما أن الرسول أهمل األمور المهمة التي يحتاج إليها الدين فلم‬

‫يبينها أو أنه بينها فلم تنقلها األمة وكال هذين باطل قطعا وهو من أعظم مطاعن‬

‫المنافقين في الدين‪ ،‬وإنما يظن هذا وأمثاله من هو جاهل بحقائق ما جاء به الرسول‬

‫أو جاهل بما يعقله الناس بقلوبهم أو جاهل بهما جميعا فإن جهله باألول يوجب‬

‫عدم علمه بما اشتمل عليه ذلك من أصول الدين وفروعه وجهله بالثاني يوجب أن‬

‫يدخل في الحقائق المعقولة ما يسميه هو وأشكاله عقليات وإنما هي جهليات‬

‫وجهله باألمرين يوجب أن يظن من أصول الدين ما ليس منها من المسائل والوسائل‬

‫الباطلة وإن يظن عدم بيان الرسول لما ينبغي أن يعتقد في ذلك كما هو الواقع‬

‫لطوائف من أصناف الناس حذاقهم فضال عن عامتهم‪.‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫أصول الدين‪ :‬مسائل ودالئل هذه المسائل‬

‫وذلك أن أصول الدين إما أن تكون مسائل يجب اعتقادها ويجب أن تذكر قوال أو تعمل‬

‫عمال كمسائل التوحيد والصفات والقدر والنبوة والمعاد أو دالئل هذه أما القسم‬

‫األول فكل ما يحتاج الناس إلي معرفته واعتقاده والتصديق به من هذه المسائل‬

‫فقد بينه هللا ورسوله بيانا شافيا قاطعا للعذر إذ هذا من أعظم ما بلغه الرسول‬

‫البالغ المبين وبينه للناس وهو من أعظم ما أقام هللا الحجة علي عباده فيه بالرسل‬

‫الذين بينوه وبلغوه وكتاب هللا الذي نقل الصحابة ثم التابعون عن الرسول لفظه‬

‫ومعانيه والحكمة التي هي سنة رسول هللا صلي هللا عليه وسلم التي نقلوها أيضا‬

‫عن الرسول مشتملة من ذلك علي غاية المراد وتمام الواجب والمستحب‬

‫شء‬ ‫(ما كان حديثا ى‬


‫يفتى ولكن تصديق الذي ربي يديه وتفصيل كل ر‬
‫ي‬
‫وهدى ورحمة لقوم يؤمنون)‬
‫وإنما يظن عدم اشتمال الكتاب والحكمة علي بيان من كان ناقصا في عقله وسمعه‬

‫ومن له نصيب من قول أهل النار الذين قالوا‪:‬‬

‫السع)‬
‫ي‬ ‫(لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا يف أصحاب‬
‫وإن كان ذلك كثيرا في كثير من المتفلسفة والمتكلمة وجهال أهل الحديث‬

‫والمتفقهة والصوفية‪.‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫دالئل المسائل‬

‫وأم القسم الثاني وهو دالئل هذه المسائل األصولية فإنه وإن كان يظن طوائف‬

‫من المتكلمين أن المتفلسفة أن الشرع إنما يدل بطريق الخبر الصادق فداللته‬

‫موقوفة علي العلم بصدق المخبر ويجعلون ما يبني عليه صدق المخبر معقوالت‬

‫محضة فقد غلطوا في ذلك غلطا عظيما بل ضلوا ضالال مبينا في ظنهم أن داللة‬

‫الكتاب والسنة إنما هي بطريق الخبر المجرد بل األمر ما عليه سلف األمة أهل العلم‬

‫واإليمان من أن هللا سبحانه وتعالي بين من األدلة العقلية التي يحتاج إليها في‬

‫العلم بذلك ما ال يقدر أحد من هؤالء قدره ونهاية ما يذكرونه جاء القرآن بخالصته‬

‫علي أحسن وجه وذلك كاألمثال المضروبة التي يذكرها هللا في كتابه التي قال‬

‫فيها‪:‬‬

‫(ولقد ضبنا للناس يف هذا القرآن من كل مثل)‬


‫فإن األمثال المضروبة هي األقيسة العقلية سواء كانت قياس شمول أو قياس‬

‫تمثيل ويدخل في ذلك ما يسمونه براهين وهو القياس الشمولي المؤلف من‬

‫المقدمات اليقينية وإن كان لفظ البرهان في اللغة أعم من ذلك كما سمي هللا‬

‫آيتي موسى برهانين‪:‬‬

‫(فذانك برهانان من ربك)‬


‫ومما يوضح هذا أن العلم اإللهي ال يجوز أن يستدل فيه بقياس تمثيلي يستوي‬

‫فيه األصل والفرع وال بقياس شمولي تستوي فيه أفراده فإن هللا سبحانه ليس‬

‫كمثله شيء‪ ،‬فال يجوز أن يمثل بغيره وال يجوز أن يدخل تحت قضية كلية تستوي‬

‫أفرادها ولهذا لما سلك طوائف من المتفلسفة والمتكلمة مثل هذه األقيسة في‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫المطالب اإللهية لم يصلوا بها إلي اليقين بل تناقضت أدلتهم‪،‬د وغلب عليهم بعد‬

‫التناهي والحيرة واالضطراب لما يرونه من فساد أدلتهم أو تكافئها ولكن يستعمل‬

‫في ذلك قياس األولي سواء كان تمثيال أو شموال‪ ،‬كما قال تعالي‪:‬‬

‫(وهلل المثل األعىل)‬


‫م ثل أن يعلم أن كل كمال ثبت للممكن أو المحدث ال نقص فيه بوجه من الوجوه‬

‫وهو ما كان كماال للموجود غير مستلزم للعدم فالواجب القديم أولى به وكل كمال‬

‫ال نقص فيه بوجه من الوجوه ثبت نوعه للمخلوق المر بوب المعلول المدبر فإنما‬

‫استفادة من خالقه وربه ومدبره فهو أحق به منه وأن كل نقص وعيب في نفسه‬

‫وهو ما تضمن سلب هذا الكمال إذا وجب نفيه عن الرب تبارك وتعالي بطريق األولي‬

‫وأنه أحق باألمور الوجودية من كل موجود وأما العدمية بالممكن المحدث بها أحق‬

‫ونحو ذلك ومثل هذه الطرق هي التي كان يستعملها السلف واألئمة في مثل‬

‫هذه المطالب كما استعمل نحوها اإلمام أحمد ومن قبله وبعده من أئمة أهل‬

‫اإلسالم وبمثل ذلك جاء القرآن في تقرير أصول الدين في مسائل التوحيد والصفات‬

‫والمعاد ونحو ذلك ومثال ذلك أنه سبحانه لما أخبر بالمعاد والعلم به تابع للعلم‬

‫بإمكانه فإن الممتنع ال يجوز أن يكون بين سبحانه إمكانه أتم بيان ولم يسلك في‬

‫ذلك ما يسلكه طوائف من أهل الكالم حيث يثبتون اإلمكان الخارجي بمجرد اإلمكان‬

‫الذهني فيقولون‪ :‬هذا ممكن ألنه لو قدر وجوده لم يلزم من تقدير وجوده محال‬

‫فإن الشأن في هذه المقدمة فمن أين يعلم أنه ال يلزم من تقدير وجوده محال فإن‬

‫هذه قضية كلية سالبة فال بد من العلم بعموم هذا النفي وما يحتج به بعضهم‬

‫علي أن هذا ممكن بأنا ال نعلم امتناعه كما نعلم امتناع األمور الظاهر امتناعها مثل‬

‫كون الجسم متحركا ساكنا‪ ،‬فهذا كاحتجاج بعضهم علي أنها ليست بديهية بأن غيرها‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫من البديهيات أجلى منها وهذه حجة ضعيفة ألن البديهي هو ما إذا تصور طرفاه‬

‫جزم العقل به والمتصوران قد يكونان خفيين فالقضايا تتفاوت في الجالء والخفاء‬

‫لتفاوت تصورها كما تتفاوت لتفاوت األذهان وذلك ال يقدح في كونها ضرورية وال‬

‫يوجب أن ما لم يظهر امتناعه يكون ممكنا بل قول هؤالء أضعف ألن الشيء قد‬

‫يكون ممتنعا ألمور خفية الزمة له فما لم يعلم انتفاء تلك اللوازم أو عدم لزومها ال‬

‫يمكن الجزم بإمكانه والمحال هنا أعلم من المحال لذاته أو لغيره واإلمكان الذهني‬

‫حقيقته عدم العلم باالمتناع وعدم العلم باالمتناع ال يستلزم العلم باإلمكان الخارجي‬

‫بل يبقى الشيء في الذهن غير معلوم االمتناع وال معلوم اإلمكان الخارجي وهذا‬

‫هو اإلمكان الذهني فإن هللا سبحانه وتعالي لم يكتف في بيان إمكان المعاد بهذا‬

‫إذ يمكن أن يكون الشيء ممتنعا ولو لغيره وإن لم يعلم الذهن امتناعه بخالف‬

‫اإلمكان الخارجي فإنه إذا علم بطل أن يكون ممتنعا واإلنسان يعلم اإلمكان الخارجي‪:‬‬

‫تارة بعلمه بوجود الشيء وتارة بعلمه بوجود نظيره وتارة تعلمه بوجود ما الشيء‬

‫أولي بالوجود منه فإن وجود الشيء دليل علي أن ما هو دونه أولي باإلمكان منه‬

‫ثم إنه إذا تبين كون الشيء ممكنا فال بد من بيان قدرة الرب عليه وإال فمجرد العلم‬

‫بإمكانه ال يكفي في إمكان وقوعه إن لم يعلم قدرة الرب علي ذلك‪.‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫أصول المتكلمين ليست هي أصول الدين‬

‫وأما ما يدخله بعض الناس في هذا المسمي من الباطل فليس ذلك من أصول الدين‬

‫وإن أدخله فيه مثل المسائل والدالئل الفاسدة مثل‪ :‬نفي الصفات والقدر ونحو ذلك‬

‫من المسائل ومثل االستدالل علي حدوث العالم بحدوث األعراض التي هي صفات‬

‫األجسام القائمة بها‪ :‬إما األكوان وإما غيرها وتقرير المقدمات التي يحتاج إليها هذا‬

‫الدليل‪ :‬من إثبات األعراض التي هي الصفات أوال أو إثبات بعضها كاألكوان التي هي‬

‫الحركة والسكون واالجتماع واالفتراق وإثبات حدوثها ثانيا بإبطال ظهورها بعد‬

‫الكمون وإبطال انتقالها من محل إلي محل ثم إثبات امتناع خلو الجسم ثالثا‪ :‬إما عن‬

‫كل جنس من أجناس األعراض بإثبات أن الجسم قابل لها وأن القابل للشيء ال يخلو‬

‫عنه وعن ضده وإما عن األكوان وإثبات امتناع حوادث ال أول لها رابعا وهو مبني علي‬

‫مقدمتين‪:‬‬

‫• االولي‪ :‬أن الحسم ال يخلو عن األعراض التي هي الصفات‬

‫• والثانية‪ :‬أن ما ال يخلو عن الصفات التي هي األعراض‬

‫فهو محدث ألن الصفات التي هي األعراض ال تكون إال محدثه وقد يفرضون ذلك في‬

‫بعض الصفات التي هي األعراض كاألكوان وماال يخلو عن جنس الحوادث فهو حادث‬

‫المتناع حوادث ال تتناهى فهذه الطريقة مما يعلم باالضطرار أن محمدا صلي هللا‬

‫عليه وسلم لم يدع الناس بها إلي اإلقرار بالخالق ونبوة أنبيائه ولهذا قد اعترف‬

‫حذاق أهل الكالم كاألشعري وغيره بأنها ليست طريقة الرسل وأتباعهم وال سلف‬

‫األمة وأئمتها وذكروا أنها محرمة عندهم بل المحققون علي أنها طريقة باطلة وأن‬

‫مقدماتها فيها تفصيل وتقسيم يمنع ثبوت المدعي بها مطلقا ولهذا تجد من‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫اعتمد عليها في أصول دينه فأحد األمرين الزم له‪ :‬إما أن يطلع علي ضعفها ويقابل‬

‫بينها وبين أدلة القائلين بقدم العالم فتتكافأ عنده األدلة أو يرجح هذا تارة وهذا‬

‫تارة كما هو حال طوائف منهم وإما أن يلتزم ألجلها لوازم معلومة الفساد في‬

‫الشرع والعقل كما التزم جهم ألجلها فناء الجنة والنار والتزم ألجلها أبو الهذيل‬

‫انقطاع حركات أهل الجنة والتزم قوم ألجلها كاألشعري وغيره أن الماء والهواء‬

‫والتراب والنار له طعم ولون وريح ونحو ذلك والتزم قوم ألجلها وألجل غيرها أن جميع‬

‫األعراض كالطعم واللون وغيرها ال يجوز بقاؤها بحال ألنهم احتاجوا إلي جواب النقض‬

‫الوارد عليهم لما أثبتوا الصفات لله مع االستدالل علي حدوث األجسام بصفاتها‬

‫فقالوا‪ :‬صفات األجسام أعراض أي أنها تعرض فتزول فال تبقي بحال بخالف صفات‬

‫هللا فإنها باقية وأما ما اعتمد عليه طائفة منهم من أن العرض لو بقي لم يمكن‬

‫عدمه ألن عدمه إما أن يكون بإحداث ضد أو بفوات شرط أو اختيار الفاعل وكل ذلك‬

‫ممتنع فهذه العمدة ال يختارها آخرون منهم منهم بل يجوزون أن الفاعل المختار‬

‫يعدم الموجود كما يحدث المعدوم وال يقولون‪ :‬إن عدم األجسام ال يكون إال بقطع‬

‫األعراض عنها كما قاله أولئك وال بخلق ضد هو الفناء ال في محل كما قاله من قاله‬

‫من المعتزلة وأما جمهور عقالء بني آدم فقالوا‪ :‬هذه مخالفة للمعلوم بالحس‪.‬‬

‫والتزم طوائف من أهل الكالم من المعتزلة وغيرهم ألجلها نفي صفات الرب مطلقا‬

‫أو نفي بعضها ألن الدال عندهم علي حدوث هذه األشياء هو قيام الصفات بها‬

‫والدليل يجب طرده فالتزموا حدوث كل موصوف بصفة قائمة به وهو أيضا في غاية‬

‫الفساد والضالل ولهذه التزموا القول بخلق القرآن وإنكار رؤية هللا في اآلخرة وعلوه‬

‫علي عرشه إلي أمثال ذلك من اللوازم التي التزمها من طرد مقدمات هذه الحجة‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫التي جعلها المعتزلة ومن اتبعهم أصل دينهم فهذه داخلة فيما سماه هؤالء أصول‬

‫الدين ولكن ليست في الحقيقة من أصول الدين الذي شرعه هللا لعباده وأما الدين‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫الذي قال هللا فيه‪:‬‬

‫(أم لهم رشكاء رشعوا لهم من الدين ما لم يأذن به هللا)‬


‫فذاك له أصول وفروع بحسبه وإذا عرف أن مسمي أصول الدين في عرف الناطقين‬

‫بهذا االسم فيه أجمال وإبهام لما فيه من االشتراك بحسب األوضاع واالصطالحات‬

‫تبين أن الذي هو عند هللا ورسوله وعباده المؤمنين أصول الدين فهو موروث عن‬

‫الرسول وأما من شرع دينا لم يأذن به هللا فمعلوم أن أصول المستلزمة له ال يجوز‬

‫أن تكون منقولة عن النبي صلي هللا عليه وسلم إذ هو باطل وملزوم الباطل باطل‬

‫كما أن الزم الحق حق والدليل ملزوم لمدلوله والباطل شيء وإذا انتفي الزم الشيء‬

‫علم أنه منتف فيستدل علي بطالن الشيء ببطالن الزمه ويستدل علي ثبوته بثبوت‬

‫ملزومه فإذا كان االزم باطال فالملزوم مثله باطل فإن ملزوم الباطل هو الالزم وإذا‬

‫كان الالزم باطال كان الملزوم باطال ألنه يلزم من انتفاء الالزم انتفاء ولم يقل إن‬

‫الباطل الزمه باطل وهذا كالمخلوقات فإنها مستلزمة لثبوت الخالق وال يلزم من‬

‫عدمها عدم الخالق والدليل أبدا يستلزم المدلول عليه‪ :‬يجب طرده وال يجب عكسه‬

‫بخالف الحد فإنه يجب طرده وعكسه وأما العلة‪ :‬فالعلة التامة يجب طردها بخالف‬

‫المقتضية وفي العكس تفصيل مبسوط في موضعه وهذا التقسيم ينبه أيضا علي‬

‫مراد السلف واألئمة بذم الكالم وأهله وإذ ذاك متناول لمن استدل باألدلة الفاسدة‬

‫أو استدل علي المقاالت الباطلة فأما من قال الحق الذي أذن هللا فيه حكما ودليال‬

‫فهو من أهل العلم واإليمان‪:‬‬

‫(وهللا يقول الحق وهو يهدي السبيل)‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫جواز مخاطبة أهل االصطالح باصطالحهم‬

‫وأما مخاطبة أهل االصطالح باصطالحهم ولغتهم فليس بمكروه إذا احتيج إلي ذلك‬

‫وكانت المعاني صحيحة كمخاطبة العجم من الروم والفرس والترك بلغتهم وعرفهم‬

‫فإن هذا جائز حسن للحاجة وإنما كرهه األئمة إذا لم يحتج إليه ولهذا قال النبي‬

‫صلي هللا عليه وسلم ألم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص وكانت صغيرة فولدت‬

‫بأرض الحبشة ألن أباها كان من المهاجرين إليها فقال لها (يا أم خالد هذا سنا)‬
‫والسنا بلسان الحبشة الحسن ألنها كانت من أهل هذه اللغة ولذلك يترجم القرآن‬

‫والحديث لمن يحتاج إلي تفهمه إياه بالترجمة وكذلك يقرأ المسلم ما يحتاج إليه من‬

‫كتب األمم وكالمهم بلغتهم ويترجمها بالعربية فالسلف واألئمة لم يذموا الكالم‬

‫لمجرد ما فيه من االصطالحات المولدة كلفظ الجوهر والعرض والجسم وغير ذلك بل‬

‫ألن المعاني التي يعبرون عنها بهذه العبارات فيها من باطل المذموم في األدلة‬

‫واألحكام ما يجب النهي عنه الشتمال هذه األلفاظ علي معان مجملة في النفي‬

‫واإلثبات‪ ،‬كما قال اإلمام أحمد في وصفه ألهل البدع فقال‪ :‬هم مختلفون في الكتاب‬

‫مخالفون للكتاب متفقون علي مفارقة الكتاب يتكلمون بالمتشابه من الكالم‬

‫ويخدعون جهال الناس بما يلبسون عليهم فإذا عرفت المعاني التي يقصدونها‬

‫بأمثال هذه العبارات ووزنت بالكتاب والسنة بحيث يثبت الحق الذي أثبته الكتاب‬

‫والسنة وينفي الباطل الذي نفاه الكتاب والسنة كان ذلك هو الحق بخالف ما سلكه‬

‫أهل األهواء من المتكلم بهذه األلفاظ نفيا وإثباتا في الوسائل والمسائل‪ :‬من غير‬

‫بيان التفصيل والتقسيم الذي هو من الصراط المستقيم وهذا من مثارات الشبه‪.‬فإنه‬

‫ال يوجد في كالم النبي صلي هللا عليه وسلم وال أحد من الصحابة والتابعين‪ ،‬وال‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫أحد من األئمة المتبوعين‪ :‬أنه علق بما سمي لفظ الجوهر والجسم والتحيز والعرض‬

‫ونحو ذلك شيئا من أصول الدين ال الدالئل وال المسائل والمتكلمون بهذه العبارات‬

‫يختلف مرادهم بها تارة الختالف الوضع وتارة الختالفهم في المعني الذي هو‬

‫مدلول اللفظ كمن يقول‪ :‬الجسم هو المؤلف ثم يتنازعون‪ :‬هل هو الجوهر الواحد‬

‫بشرط تأليفه أو الجوهر فصاعدا أو الستة أو الثمانية أو غير ذلك ومن يقول‪ :‬هو‬

‫الذي يمكن فرض األبعاد الثالثة فيه وإنه مركب من المادة والصورة ومن يقول‪ :‬هو‬

‫الموجود أو يقول‪ :‬هو الموجود القائم بنفسه أو يقول‪ :‬هو الذي يمكن اإلشارة إليه‬

‫وأن الموجود القائم بنفسه ال يكون إال كذلك والسلف واألئمة الذي ذموا وبدعوا‬

‫الكالم في الجوهر والجسم والعرض تضمن كالمهم ذم من يدخل المعاني التي‬

‫يقصدها هؤالء بهذه األلفاظ في أصول الدين في دالئلة وفي مسائله نفيا وإثباتا‬

‫فأما إذا عرفت المعاني الصحيحة الثابتة بالكتاب والسنة وعبر عنها لم يفهم بهذه‬

‫األلفاظ ليتبين الناس فيما اختلفوا فيه كما قال تعالي‪:‬‬

‫النبيي ر‬
‫مبشين ومنذرين وأنزل معهم‬ ‫ر‬ ‫(كان الناس أمة واحدة فبعث هللا‬
‫الكتاب بالحق ليحكم ربي الناس فيما اختلفوا فيه)‬
‫وهو مثل الحكم بين سائر األمم بالكتاب فيما اختلفوا فيه من المعاني التي يعبرون‬

‫عنها بوضعهم وعرفهم وذلك يحتاج إلي معرفة معاني الكتاب والسنة‪ ،‬ومعرفة‬

‫معاني هؤالء بألفاظهم ثم اعتبار هذه المعاني بهذه المعاني ليظهر الموافق‬

‫والمخالف وأما قول السائل‪ :‬فإن قيل بالجواز فما وجهه وقد فهمنا منه عليه الصلة‬

‫والسالم النهي عن الكالم في بعض المسائل‪.‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫الرد علي المسألة الثانية‬

‫فيقال‪ :‬قد تقدم االستفسار والتفصيل في جواب السؤال وأن ما هو في الحقيقة‬

‫أصول الدين الذي بعث هللا به رسوله فال يجوز أن ينهي عنه بحال بخالف ما سمي‬

‫أصول الدين وليس هو أصوال في الحقيقة ال دالئل وال مسائل أو هو أصول لدين لم‬

‫يشرعه هللا بل شرعه من شرع من الدين ما لم يأذن به هللا وأما ما ذكره السائل من‬

‫نهيه فالذي جاء به الكتاب والسنة النهي عن أمور‪:‬‬

‫المسائل التي نهي عنها الكتاب والسنة‬

‫منها‪ :‬القول علي هللا بال علم كقوله تعالي‪:‬‬

‫بغت‬
‫والبع ر‬
‫ي‬ ‫رت الفواحش ما ظهر منها وما بطن واإلثم‬ ‫(قل إنما حرم ر ي‬
‫تشكوا باهلل ما لم يتل به سلطانا وأن تقولوا عىل هللا ما ال‬ ‫الحق وأن ر‬
‫تعلمون)‬
‫وقوله‪:‬‬

‫(وال تقف ما ليس لك به علم)‬


‫ومنها‪ :‬أن يقال علي هللا غير الحق كقوله‪:‬‬

‫(ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن ال يقولوا عىل هللا إال الحق)‬
‫وقوله‪:‬‬

‫(ال تغلوا يف دينكم وال تقولوا عىل هللا إال الحق)‬


‫ومنها‪ :‬الجدل بغير علم كقوله تعالي‪:‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫(ها أنتم هؤالء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم‬
‫به علم)‬
‫ومنها‪ :‬الجدل في الحق بعد ظهوره كقوله تعالي‪:‬‬

‫تبي)‬
‫(يجادلونك يف الحق بعد ما ر‬
‫ومنها‪ :‬الجدل بالباطل كقوله‪:‬‬

‫(وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق)‬


‫ومنها‪ :‬الجدل في آياته كقوله تعالي‪:‬‬

‫(ما يجادل يف آيات هللا إال الذين كفروا)‬


‫وقوله‪:‬‬

‫كت مقتا عند هللا‬


‫بغت سلطان أتاهم ر‬
‫(الذين يجادلون يف آيات هللا ر‬
‫وعند الذين آمنوا)‬
‫وقال تعالي‪:‬‬

‫بغت سلطان أتاهم إن يف صدورهم إال‬


‫(إن الذين يجادلون يف آيات هللا ر‬
‫كت ما هم ببالغيه)‬
‫ر‬
‫وقوله‪:‬‬

‫(ويعلم الذين يجادلون يف آياتنا ما لهم من محيص)‬


‫ونحو ذلك قوله‪:‬‬

‫(والذين يحاجون يف هللا من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند‬


‫ربــهم)‬
‫وقوله‪:‬‬

‫(وهم يجادلون يف هللا وهو شديد المحال)‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫وقوله‪:‬‬

‫منت)‬
‫بغت علم وال هدى وال كتاب ر‬
‫(ومن الناس من يجادل يف هللا ر‬
‫ومن األمور التي نهي هللا عنها في كتابه التفرق واالختالف كقوله‬

‫(واعتصموا بحبل هللا جميعا وال تفرقوا)‬


‫إلي قوله‪:‬‬

‫(وال تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك‬


‫لهم عذاب عظيم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه)‬
‫عباس‪( :‬تبيض وجوه أهل السنة والجماعة وتسود وجوه أهل‬ ‫قال ابن‬

‫البدعة والفرقة)‬
‫وقال تعالي‪:‬‬

‫شء إنما أمرهم إىل‬‫(إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم ف ر‬
‫ي ي‬
‫هللا)‬
‫إلي قوله‪:‬‬

‫كي من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا)‬ ‫(وال تكونوا من ر‬


‫المش ر‬
‫وقد ذم أهل التفرق واالختالف في مثل قوله تعالي‪:‬‬

‫(وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إال من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم)‬
‫وفي مثل قوله تعالي‪:‬‬

‫مختلفي إال من رحم ربك ولذلك خلقهم)‬


‫ر‬ ‫(وال يزالون‬
‫وفي مثل قوله‪:‬‬

‫لف شقاق بعيد)‬


‫(وإن الذين اختلفوا يف الكتاب ي‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫وكذلك سنة رسول هللا صلي هللا عليه وسلم توافق كتاب هللا كالحديث المشهور‬

‫عنه الذي وري مسلم بعضه عن عبد هللا بن عمرو وسائره معروف في مسند أحمد‬

‫وغيره من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‪( :‬أن رسول هللا ي‬


‫صىل هللا عليه‬
‫وسلم خرج عىل أصحابه وهم يتناظرون يف القدر ورجل يقول‪ :‬ألم يقل‬
‫فف يف وجهه حب الرمان‬ ‫هللا كذا ورجل يقول‪ :‬ألم يقل هللا كذا فكأنما ى‬
‫فقال‪ :‬أبهذا أمرتم إنما هلك من كان قبلكم بهذا ضبوا كتاب هللا بعضه‬
‫ببعض وإنما نزل كتاب هللا يصدق بعضه بعضا ال ليكذب بعضه بعضا‬
‫انظروا ما أمرتم به فافعلوه وما نهيتم عنه فاجتنبوه) هذا الحديث أو نحوه‬

‫وكذلك قوله‪( :‬المراء يف القرآن كفر)‬


‫وكذلك ما أخرجاه في الصحيحين‪:‬‬

‫صىل هللا عليه وسلم قرأ قوله‪ :‬هو‬


‫النت ي‬
‫رض هللا عنها أن ر ي‬
‫(عن عائشة ي‬
‫الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر‬
‫متشابهات فأما الذين يف قلوبــهم زي ــغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة‬
‫صىل هللا عليه وسلم‪ :‬إذا رأيتم الذين يتبعون‬ ‫النت ي‬ ‫وابتغاء تأويله فقال ر ي‬
‫ما تشابه منه فأولئك الذين سم هللا فاحذروهم) وأما أن يكون الكتاب‬

‫والسنة نهيا عن معرفة المسائل التي تدخل فيما يستحق أن يكون من أصول الدين‬

‫فهذا ال يجوز اللهم إال أن ينهيا عن بعض ذلك في بعض األحوال مثل مخاطبة شخص‬

‫بما يعجز عن فهمه فيضل كقول عبد هللا بن مسعود‪( :‬ما من رجل يحدث قوما‬
‫حديثا ال تبلغه عقولهم إال كان فتنة لبعضهم) وكقول علي‪( :‬حدثوا الناس‬
‫أو مثل قول‬ ‫بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتحبون أن يكذب هللا ورسوله)‬
‫حق يستلزم فسادا أعظم من تركه فيدخل في قوله صلي هللا عليه وسلم‪( :‬من‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫فليغته بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع‬
‫ر‬ ‫رأي منكم منكرا‬
‫فبقلبه وذلك أضعف اإليمان)‬

‫الرد علي المسألة الثالثة‬

‫وأما قول السائل‪ :‬إذا قيل بالجواز فهل يجب وهل نقل عنه عليه السالم ما يقتضي‬

‫وجوبه؟‬

‫فيقال‪ :‬ال ريب أنه يجب علي كل أحد أن يؤمن بما جاء به الرسول إيمانا عاما مجمال‬

‫وال ريب أن معرفة ما جاء به الرسول علي التفصيل فرض علي الكفاية فإن ذلك داخل‬

‫في تبليغ ما بعث هللا به رسوله وداخل في تدبير القرآن وعقله وفهمه وعلم الكتاب‬

‫والحكمة وحفظ الذكر والدعاء إلي الخير واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعاء‬

‫إلي سبيل الرب بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن ونحو ذلك‬

‫مما أوجبه هللا عليه المؤمنين فهذا واجب علي الكفاية منهم وأما ما وجب علي‬

‫أعيانهم فهذا يتنوع بتنوع قدرهم وحاجتهم ومعرفتهم وما أمر به أعيانهم فال يجب‬

‫علي العاجز عن سماع بعض النصوص وفهمها من علم التفصيل ما ال يجب علي من‬

‫لم يسمعها ويجب علي المفتي والمحدث والمجادل ما ال يجب علي من ليس كذلك‪.‬‬

‫الرد على المسألة الرابعة‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫وأما قوله‪ :‬هل يكفي في ذلك ما يصل إليه المجتهد من غلبة الظن أو ال بد من‬

‫الوصول إلي القطع؟‬

‫فيقال‪ :‬الصواب في ذلك التفصيل فإنه وإن كان طوائف من أهل الكالم يزعمون أن‬

‫المسائل الخبرية التي قد يسمونها مسائل األصول يجب القطع فيها جميعها وال‬

‫يجوز االستدالل فيها بغير دليل يفيد اليقين وقد يوجبون القطع فيها كلها علي كل‬

‫أحد فهذا الذي قالوه علي إطالقه وعمومه خطأ مخالف للكتاب والسنة وإجماع‬

‫سلف األمة وأئمتها ثم هم مع ذلك من أبعد الناس عما أوجبوه فإنهم كثيرا ما‬

‫يحتجون فيها باألدلة التي يزعمونها قطعيات وتكون في الحقيقة مت األغلوطات‬

‫فضال عن أن تكون من الظنيات حتى إن الشخص الواحد منهم كثيرا ما يقطع بصحة‬

‫حجة في موضع ويقطع ببطالنها في موضع آخر بل منهم من عامة كالمه كذلك‬

‫وحتى قد يدعي كل من المتناظرين العلم الضروري بنقيض ما ادعاه اآلخر وأما‬

‫التفصيل‪ :‬فما أوجب هللا فيه العلم واليقين وجب فيه ما أوجبه هللا من ذلك كقوله‪:‬‬

‫(اعلموا أن هللا شديد العقاب وأن هللا غفور رحيم)‬


‫وقوله‪:‬‬

‫(فاعلم أنه ال إله إال هللا واستغفر لذنبك)‬


‫وكذلك يجب اإليمان بما أوجب هللا اإليمان به وقد تقرر في الشريعة أن الوجوب‬

‫معلق باستطاعة العبد كقوله تعالى‪:‬‬

‫(فاتقوا هللا ما استطعتم)‬


‫وقوله عليه السالم‪( :‬إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) فإذا كان كثير مما‬

‫تنازعت فيه األمة من هذه المسائل الدقيقة قد يكون عند كثير من الناس مشتبها‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫ال يقدر فيه علي دليل يفيد اليقين ال شرعي وال غيره‪ :‬لم يجب علي مثل هذا في‬

‫ذلك ماال يقدر عليه وليس عليه أن يترك ما يقدر عليه من اعتقاد قول غالب علي ظنه‬

‫لعجزه عن تمام اليقين بل ذلك هو الذي يقدر عليه ال سيما إذا كان مطابقا للحق‬

‫فاالعتقاد المطابق للحق ينفع صاحبه ويثاب عليه ويسقط به الفرض إذا لم يقدر علي‬

‫أكثر منه لكن ينبغي أن يعرف أن عامة من ضل في هذا الباب أو عجز فيه عن معرفة‬

‫الحق فإنما هو لتفريطه في اتباع ما جاء به الرسول وترك النظر واالستدالل الموصول‬

‫إلي معرفته فلما أعرضوا عن كتاب هللا ضلوا كما قال تعالي‪:‬‬
‫(يا بت آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم ى‬
‫آيات فمن ى‬
‫اتف‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫وأصلح فال خوف عليهم وال هم يحزنون)‬
‫وقوله‪:‬‬

‫مت هدى‬ ‫(قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم ي‬
‫يشف ومن أعرض عن ذكري فإن له‬ ‫فمن اتبع هداي فال يضل وال ى‬
‫ر‬
‫ونحشه يوم القيامة أعم)‬ ‫معيشة ضنكا‬
‫قال ابن عباس‪( :‬تكفل هللا لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن ال يضل يف‬
‫ف اآلخرة ثم قرأ هذه اآلية) وكما في الحديث الذي رواه‬
‫الدنيا وال ى‬
‫يشف‬
‫ي ي‬
‫الترمذي وغيره عن علي رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلي هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫(إنها ستكون ى‬
‫في‪ ،‬قلت‪ :‬فما المخرج منها يا رسول هللا قال‪ :‬كتاب هللا‬
‫وخت ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل‬
‫فيه نبأ ما قبلكم ر‬
‫غته أضله هللا وهو‬
‫من تركه من جبار قصمه هللا ومن ابتع الهدى يف ر‬
‫المتي وهو الذكر الحكيم وهو الرصاط المستقيم وهو الذي ال‬ ‫ر‬ ‫حبل هللا‬
‫تنقض‬ ‫وال‬ ‫الرد‬ ‫ة‬ ‫تزي ــغ به األهواء وال تلتبس به األلسن وال يخلق عن ر‬
‫كت‬
‫ي‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫عجائبه وال يشبع منه العلماء) وفي رواية (وال تختلف به اآلراء هو الذي‬
‫لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا (إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إىل الرشد)‬
‫من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه‬
‫هدي إىل ضاط مستقيم)) وقال تعالي‪:‬‬

‫اط مستقيما فاتبعوه وال تتبعوا السبل فتفرق بكم عن‬


‫(وأن هذا ض ي‬
‫سبيله)‬
‫وقال تعالي‪:‬‬

‫(المص كتاب أنزل إليك فال يكن يف صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى‬
‫للمؤمني اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم وال تتبعوا من دونه أولياء)‬
‫ر‬
‫وقال‪:‬‬

‫(وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون أن تقولوا إنما‬
‫لغافلي أو‬
‫ر‬ ‫طائفتي من قبلنا وإن كنا عن دراستهم‬
‫ر‬ ‫أنزل الكتاب عىل‬
‫تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من‬
‫ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات هللا وصدف عنها‬
‫سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون)‬
‫فذكر سبحانه انه يجزي الصادف عن آياته مطلقا سواء كان مكذبا أو لم يكن سوء‬

‫العذاب بما كانوا يصدفون يبين ذلك أن كل من لم يقر بما جاء به الرسول فهو كافر‬

‫سوء العذاب بما كانوا يصدفون يبين ذلك أن لك من لم يقر بما جاء به الرسول فهو‬

‫كافر سواء اعتقد كذبه أو استكبر عن األيمان به أو أعرض عن اتباعا لما يهواه أو‬

‫ارتاب فيما جاء به فكل مكذب بما جاء به فهو كافر وقد يكون كافرا من ال يكذبه‬

‫إذا لم يؤمن به ولهذا أخبر هللا في غير موضع من كتابه بالضالل والعذاب لمن ترك‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫اتباع ما أنزله وإن كان له نظر وجدل واجتهاد في عقليات وأمور غير ذلك وجعل ذلك‬

‫من نعوت الكفار والمنافقين وقال تعالي‪:‬‬

‫(وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغت عنهم سمعهم وال أبصارهم‬
‫شء إذ كانوا يجحدون بآيات هللا وحاق بهم ما كانوا به‬ ‫وال أفئدتهم من ر‬
‫ي‬
‫يستهزئون)‬
‫وقال تعالي‪:‬‬

‫(فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم‬
‫ما كانوا به يستهزئون فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا باهلل وحده وكفرنا بما كنا‬
‫الت قد‬‫ى‬ ‫به ر‬
‫كي فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة هللا ي‬ ‫مش ر‬
‫خلت يف عباده وخش هنالك الكافرون)‬
‫وقال‪:‬‬

‫كت مقتا عند هللا‬


‫بغت سلطان أتاهم ر‬
‫(الذين يجادلون يف آيات هللا ر‬
‫وعند الذين آمنوا)‬
‫وفي اآلية األخرى‪:‬‬

‫كت ما هم ببالغيه فاستعذ باهلل إنه هو السميع‬


‫(إن يف صدورهم إال ر‬
‫البصت)‬
‫ر‬
‫والسلطان‪ :‬هو الحجة المنزلة من عند هللا‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬

‫(أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به ر‬


‫يشكون)‬
‫وقال تعالى‪:‬‬

‫صادقي)‬
‫ر‬ ‫مبي فاتوا بكتابكم إن كنتم‬
‫(أم لكم سلطان ر‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫وقال‪:‬‬

‫ه إال أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل هللا بها من سلطان)‬


‫(إن ي‬
‫وقد طالب هللا تعالي من اتخذ دينا بقوله‪:‬‬

‫صادقي)‬
‫ر‬ ‫(ائتوت بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم‬
‫ي‬
‫فالكتاب هو الكتاب واإلثارة كما قال من قال من السلف‪ :‬هي الرواية واإلسناد‬

‫وقالوا‪ :‬هي الخط أيضا إذ الرواية واإلسناد يكتب بالخط وذلك ألن اإلثارة من األثر‬

‫فالعلم الذي يقوله من يقبل قوله يؤثر باإلسناد ويقيد ذلك بالخط‪ ،‬فيكون ذلك كله‬

‫من آثاره وقد قال تعالى في نعت المنافق‪:‬‬

‫(ألم تر إىل الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك‬
‫يريدون أن يتحاكموا إىل الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد‬
‫الشيطان أن يضلهم ضالال بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إىل ما أنزل هللا‬
‫المنافقي يصدون عنك صدودا فكيف إذا أصابتهم‬
‫ر‬ ‫وإىل الرسول رأيت‬
‫مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون باهلل إن أردنا إال إحسانا‬
‫وتوفيقا أولئك الذين يعلم هللا ما يف قلوبــهم فأعرض عنهم وعظهم‬
‫وقل لهم يف أنفسهم قوال بليغا)‬
‫وفي هذه اآليات أنواع من العبر الدالة علي ضالل من تحاكم إلي غير الكتاب والسنة‬

‫وعلي نفاقه وإن زعم أنه يريد التوفيق بين األدلة الشرعية وبين ما يسميه هو‬

‫عقليات من األمور المأخوذة عن بعض الطواغيت من المشركين وأهل الكتاب وغير‬

‫ذلك من أنواع االعتبار فمن كان خطؤه لتفريطه فيما يجب عليه من اتباع القرآن‬

‫واإليمان مثال أو لتعديه حدود هللا بسلوك السبيل التي نهي عنها أو التباع هواه‬

‫بغير هدي من هللا فهو الظالم لنفسه وهو من أهل الوعيد بخالف المجتهد في‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫طاعة هللا ورسوله باطنا وظاهرا ن الذي يطلب الحق باجتهاده كما أمره هللا ورسوله‬

‫فهذا مغفور له خطؤه‬

‫كما قال تعالي‪:‬‬

‫(آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن باهلل ومالئكته‬
‫وكتبه ورسله ال نفرق ربي أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك‬
‫ربنا)‬
‫إلي قوله‪:‬‬

‫(ربنا ال تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)‬


‫وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلي هللا عليه وسلم أن هللا قال‪( :‬قد فعلت)‬

‫وكذلك ثبت فيه من حديث ابن عباس أن النبي صلي هللا عليه وسلم لم يقرأ بحرف‬

‫من هاتين اآليتين ومن سورة الفاتحة إال أعطي ذلك فهذا يبين استجابة هذا الدعاء‬

‫للنبي والمؤمنين وأن هللا ال يؤاخذهم إن نسوا أو أخطأوا‪.‬‬

‫الرد علي المسألة الخامسة‬

‫وأما قول السائل‪ :‬هل ذلك من باب تكليف ما ال يطاق والحال هذه؟‬

‫فيقال‪ :‬هذه العبارة وإن كثر تنازع الناس فيها نفيا وإثباتا فينبغي أن يعرف أن‬

‫الخالف المحقق فيها نوعان‪ :‬أحدهما‪ :‬ما اتفق الناس علي جوازه ووقوعه وإنما‬

‫تنازعوا في إطالق القول عليه بأنه ال يطاق والثاني‪ :‬ما اتفقوا علي أنه ال يطاق‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫لكن تنازعوا في جواز األمر به ولم يتنازعوا في عدم وقوعه فأما أن يكون أمر اتفق‬

‫أهل العلم واأليمان علي أنه ال يطاق‪ ،‬وتنازعوا في وقوع األمر به فليس كذلك‪.‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫تنازع النظار في االستطاعة‬

‫فالنوع األول‪ :‬كتنازع المتكلمين من مثبتة القدر ونفاته في استطاعة العبد وهي‬

‫قدرته وطاقته‪ :‬هل يجب أن تكون مع الفعل ال قبله أو يجب أن تكون متقدمة علي‬

‫الفعل‪ :‬أو يجب أن تكون معه وإن كانت متقدمة عليه فمن قال باألول لزمه أن يكون‬

‫كل عبد لم يفعل ما أمر به قد كلف ماال يطيقه إذا لم تكن عنه قدرة إال مع الفعل‬

‫ولهذا كان الصواب الذي عليه محققو المتكلمين وأهل الفقه والحديث والتصوف‬

‫وغيرهم مادل عليه القرآن وهو أن االستطاعة التي هي مناط األمر والنهي وهي‬

‫المصححة للفعل ال يجب أن تقارن الفعل وأما االستطاعة التي يجب معها وجود‬

‫الفعل فهي مقارنة له فاألولي‪ :‬كقوله تعالى‪:‬‬

‫(وهلل عىل الناس حج البيت من استطاع إليه سبيال)‬


‫وقول النبي صلي هللا عليه وسلم لعمران بن حصين‪( :‬صل قائما فإن لم تستطع‬

‫فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب) ومعلوم أن الحج والصالة يجبان علي المستطيع‬

‫سواء فعل أو لم يفعل فعلم أن هذه االستطاعة ال يجب أن تكون مع الفعل‬

‫والثانية‪ :‬كقوله تعالى‪:‬‬

‫(ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبرصون)‬


‫وقوله‪:‬‬

‫(وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا الذين كانت أعينهم يف غطاء عن‬
‫ذكري وكانوا ال يستطيعون سمعا)‬
‫علي قول من يفسر االستطاعة بهذه وأما علي تفسير السلف والجمهور فالمراد‬

‫بعدم االستطاعة مشقة ذلك عليهم وصعوبته علي نفوسهم ال تستطيع إرادته وإن‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫كانوا قادرين علي فعله لو أرادوه وهذه حال من صده هواه أو رأيه الفاسد عن‬

‫استماع كتب هللا المنزلة واتباعها وقد أخبر أنه ال يستطيع ذلك وهذه االستطاعة‬

‫هي المقارنة للفعل الموجبة له وأما األولي فلوال وجودها لم يثبت التكليف كقوله‪:‬‬

‫(فاتقوا هللا ما استطعتم)‬


‫وقوله‪:‬‬

‫(والذين آمنوا وعملوا الصالحات ال نكلف نفسا إال وسعها)‬


‫وأمثال ذلك فهؤالء المفرطون والمعتدون في أصول الدين إذا لم يستطيعوا سمع‬

‫ما أنز إلي الرسول فهم من هذا القسم‪.‬‬

‫تنازعهم في المأمور به الذي علم هللا أنه ال يكون‬

‫وكذلك أيضا تنازعهم في المأمور به الذي علم هللا أنه ال يكون أو أخبر مع ذلك أنه‬

‫ال يكون فمن الناس من يقول‪ :‬إن هذا غير مقدور عليه كما أن غالية القدرية يمنعون‬

‫أن يتقدم علم هللا وخبره وكتابه بأنه ال يكون وذلك التفاق الفريقين علي أن خالف‬

‫المعلوم ال يكون ممكنا وال مقدورا عليه وقد خالفهم في ذلك جمهور الناس وقالوا‪:‬‬

‫هذا منقوص عليهم بقدرة هللا تعالي فإنه أخبر بقدرته علي أشياء مع أنه ال يفعلها‬

‫كقوله‪:‬‬

‫(بىل قادرين عىل أن نسوي بنانه)‬


‫وقوله‪:‬‬

‫(وإنا عىل ذهاب به لقادرون)‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫وقوله‪:‬‬

‫(قل هو القادر عىل أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت‬


‫أرجلكم)‬
‫وقد قال‪:‬‬

‫(ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة)‬


‫ونحو ذلك مما يخبر أنه لو شاء لفعله وإذا فعله فإنما يفعله إذا كان قادرا عليه فقد‬

‫دل القرآن علي أنه قادر عليه يفعله إذا شاءه مع أنه ال يشاؤه وقالوا أيضا‪ :‬إن هللا‬

‫يعلمه علي ما هو عليه فيعلمه ممكنا مقدورا للعبد غير واقع وال كائن لعدم إرادة‬

‫العبد له أو لبغضه إياه ونحو ذلك ال لعجزه عنه وهذا النزاع يزول بتنوع القدرة عليه‬

‫كما تقدم فإنه غير مقدور القدرة المقارنة للفعل وإن كان مقدورا القدرة المصححة‬

‫للفعل التي هي مناط األمر والنهي وأما النوع الثاني‪ :‬فكاتفاقهم علي أن العاجز‬

‫عن الفعل ال يطيقه كما ال يطيق األعمي واألقطع والزمن نقط المصحف وكتابته‬

‫والطيران فمثل هذا النوع قد اتفقوا علي أنه غير واقع في الشريعة وإنما نازع في‬

‫ذلك طائفة من الغالة المائلين إلي الجبر من أصحاب األشعري ومن وافقهم من‬

‫الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم وإنما تنازعوا في جواز األمر به‬

‫عقال حتى نازع بعضهم في الممتنع لذاته كالجمع بين الضدين والنقيضين‪ :‬هل يجوز‬

‫األمر به من جهة العقل مع أن ذلك لم يرد في الشريعة ومن غال فزعم وقوع هذا‬

‫ال ضرب في الشريعة كمن يزعم أن أبا لهب كلف بان يؤمن بأنه ال يؤمن فهو مبطل‬

‫في ذلك عند عامة أهل القبلة من جميع الطوائف فإنه لم يقل أحد‪ :‬إن أبا لهب‬

‫أسمع هذا الخطاب المتضمن أنه ال يؤمن وإنه أمر مع ذلك باإليمان كما أن قوم نوح‬

‫لما أخبر نوح عليه السالم‪ :‬أنه لن يؤمن من قومه إال من قد آمن لم يكن بعد هذا‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫يأمرهم باإليمان بهذا الخطاب بل إذا قدر أنه أخبر بصليه النار المستلزم لموته علي‬

‫الكفر وأنه سمع هذا الخطاب‪ ،‬ففي هذا الحال انقطع تكليفه ولم ينفعه إيمانه‬

‫حينئذ كإيمان من يؤمن بعد معينة العذاب قال تعالى‪:‬‬

‫(فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا)‬


‫وقال تعالي‪:‬‬

‫(آآلن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين)‬


‫والمقصود هنا التنبيه علي أن النزاع في هذا األصل يتنوع‪ :‬تارة إلي الفعل المأمور‬

‫به‪ ،‬وتارة إلي جواز األمر ومن هنا شبهة من شبه من المتكلمين علي الناس حيث‬

‫جعل القسمين قسما واحدا وادعي تكليف ما ال يطاق مطلقا لوقوع بعض األقسام‬

‫التي ال يجعلها عامة الناس من باب ما ال يطاق والنزاع فيها ال يتعلق بمسائل األمر‬

‫والنهي وإنما يتعلق بمسائل القضاء والقدر ثم إنه جعل جواز هذا القسم مستلزما‬

‫لجواز القسم الذي اتفق المسلمون علي أنه غير مقدور عليه وقال أحد النوعين باآلخر‬

‫وذلك من األقيسة التي اتفق المسلمون بل وسائر أهل الملل بل وسائر العقالء علي‬

‫بطالنها فإن من قاس الصحيح المأمور باألفعال كقوله‪ :‬إن القدرة مع الفعل أو أن‬

‫هللا علم أنه يفعل علي العاجز الذي لو أراد الفعل لم بقدر عليه فقد جمع بين ما‬

‫يعلم الفرق بينهما باالضطرار عقال ودينا وذلك من مثارات األهواء بين القدرية‬

‫وإخوانهم الجبرية وإذا عرف هذا فإطالق القول بتكليف ما ال يطاق من البدع الحادثة‬

‫في اإلسالم كإطالق القول بأن العباد مجبورون علي أفعالهم وقد اتفق سلف األمة‬

‫وأئمتها علي إنكار ذلك وال بأنه شاء الكائنات وقالوا رد بدعة ببدعة وقابل الفاسد‬

‫بالفاسد واباطل بالبطال ولوال أن هذا الجواب ال يحتمل البسط لذكرت من نصوص‬

‫أقوالهم في ذلك ما ببن ردهم لذلك وأما إذا فصل مقصود القائل وبين بالعبارة التي‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫ال يشبه الحق فيها بالباطل ما هو الحق وميز بين الحق والباطل كان هذا من الفرقان‬

‫وخرج المبين حينئذ مما ذم به أمثال هؤالء الذين وصفهم األئمة بأنهم مختلفون‬

‫في الكتاب مخالفون للكتاب متفقون علي ترك الكتاب وأنهم يتكلمون بالمتشابه من‬

‫الكالم ويحرفون الكلم عن مواضعة ويخدعون جهال الناس بما يلبسون عليهم ولهذا‬

‫كان يدخل المجبرة في مسمي القدرية المذمومين لخوضهم في القدر بالباطل إذ‬

‫هذا جماع المعني الذي ذمت به القدرية ولهذا ترجم اإلمام أبو بكر الخالل في كتاب‬

‫المعاض‬
‫ي‬ ‫عىل‬ ‫عىل القدرية وقولهم‪ :‬إن هللا ر‬
‫أجت العباد ي‬ ‫السنة فقال‪( :‬الرد ي‬
‫ثم روي عن عمر بن عثمان عن بقية بن الوليد قال‪ :‬سالت الزبيدي‬
‫الجت فقال الزبيدي‪ :‬أمر هللا أعظم وقدرته أعظم من أن‬
‫اع عن ر‬ ‫واألوز ي‬
‫عىل ما أحب)‬
‫يقض ويقدر ويخلق ويجبل عبده ي‬ ‫ي‬ ‫يجت أو يعضل ولكن‬‫ر‬
‫األوزع‪( :‬ما أعرف ر‬
‫للجت أصال يف القرآن وال السنة فأهاب أن أقول‬ ‫ي‬ ‫وقال‬
‫ذلك ولكن القضاء والقدر والخلق والجبل فهذا يعرف يف القرآن‬
‫صىل هللا عليه وسلم وإنما وضعت هذا‬ ‫ي‬ ‫والحديث عن رسول هللا‬
‫تابع من أهل الجماعة والتصديق) فهذان الجوابان‬
‫مخالفة أن يرتاب رجل ي‬
‫اللذان ذكرهما هذان اإلمامان في عصر تابعي التابعين من أحسن األجوبة أما الزبيدي‬

‫محمد بن الوليد صاحب الزهري فأنه قال‪( :‬أمر هللا أعظم وقدرته أعظم من أن‬
‫الجت) وذلك ألن الجبر المعروف في اللغة‪ :‬هو إلزام اإلنسان‬
‫يجت أو يعضل فن يف ر‬
‫ر‬
‫بخالف رضاه‪ ،‬كما يقول الفقهاء في باب النكاح‪ :‬هل تجبر المرأة علي النكاح أو ال‬

‫تجبر وإذا عضلها الولي ماذا تصنع فيعنون بجبرها إنكاحها بدون رضاها واختيارها‬

‫ويعنون بعضلها منعها مما ترضاه وتختاره فقال‪ :‬هللا أعظم من أن يجبر أو يعضل‬

‫ألن هللا سبحانه قادر علي أن يجعل العبد مختارا راضيا لما يفعله ومبغضا وكارها لما‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫يتركه كما هو الواقع فال يكون العبد مجبورا علي ما يحبه ويرضاه ويريده وهي‬

‫أفعاله والختيارية وال يكون معضوال عما يتركه فيبغضه ويكرهه أو ال يريده وهي‬

‫تروكه االختيار وأما األوزاعي فإنه منع من إطالق هذا اللفظ وإن عني به هذا المعني‬

‫حيث لم يكن له أصل في الكتاب والسنة فيفضي إلي إطالق لفظ مبتدع ظاهر في‬

‫إرادة الباطل وذلك ال يسوغ وإن قيل‪ :‬إنه يراد به معني صحيح قال الخالل‪ :‬ر‬
‫(أختنا‬
‫أبو بكر المروزي قال‪ :‬سمعت بعض المشيخة يقول‪ :‬سمعت عبد‬
‫جت وقال‪ :‬هللا جبل العباد‬
‫الرحمن بن مهدي يقول‪ :‬أنكر سفيان الثوري ر‬
‫صىل هللا عليه وسلم ألشج عبد‬‫ي‬ ‫قال المروزي‪ :‬أظنه أراد قول ر ي‬
‫النت‬
‫لخلقي يحبهما هللا‪:‬‬
‫ر‬ ‫يعت قوله الذي يف صحيح مسلم‪( :‬إن فيك‬
‫القيس ي‬
‫خلقي جبلت عليهما فقال‪:‬‬ ‫ر‬ ‫أخلقي تخلقت بهما أم‬
‫ر‬ ‫الحلم واألناة فقال‪:‬‬
‫خلقي‬
‫ر‬ ‫جبلت عىل‬
‫ي‬ ‫خلقي جبلت عليهما فقال‪ :‬الحمد هلل الذي‬ ‫ر‬ ‫بل‬
‫يحبهما هللا)) ولهذا احتج البخاري وغيره علي خلق أفعال العباد بقوله تعالي‪:‬‬

‫الخت منوعا)‬‫الش جزوعا وإذا مسه ر‬ ‫(إن اإلنسان خلق هلوعا إذا مسه ر‬
‫فأخبر تعالي أنه خلق اإلنسان علي هذه الصفة واحتج غيره بقول الخليل عليه السالم‪:‬‬

‫(رب اجعلت مقيم الصالة ومن ى‬


‫ذريت)‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫وبقوله‪:‬‬

‫مسلمي لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك)‬


‫ر‬ ‫(ربنا واجعلنا‬
‫وجواب األوزاعي أقوم من جواب الزبيدي ألن الزبيدي نفي الجبر واألوزاعي منع‬

‫إطالقه إذ هذا اللفظ قد يحتمل معني صحيحا فنفيه قد يقتضي نفي الحق والباطل‬

‫كما ذكر الخالل ما ذكره عبد هللا بن أحمد في كتابه السنة فقال‪( :‬حدثنا محمد‬
‫ر‬
‫ابن بكار حدثنا أبو معش حدثنا يعىل عن محمد بن كعب قال‪ :‬إنما ي‬
‫سم‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫عىل ما أراد فإذا امتنع من إطالق اللفظ المجمل‬
‫يجت الخلق ي‬
‫الجبار ألنه ر‬
‫المحتمل المشتبه زال المحذور وكان أحسن من نفيه وإن كان ظاهرا يف‬
‫المعنيي جميعا) وهكذا‬
‫ر‬ ‫ينف‬
‫المعت الفاسد خشيه أن يظن أنه ي‬
‫ي‬ ‫المحتمل‬
‫يقال في نفي الطاقة عن المأمور فإن إثبات الجبر في المحظور نظير سلب الطاقة‬

‫في المأمور‪ :‬وهكذا كان يقول اإلمام أحمد وغيره من أئمة السنة قال الخالل‪( :‬أنبأنا‬
‫يجت العباد فقال‪ :‬هكذا‬‫ألت عبد هللا‪ :‬رجل يقول‪ :‬إن هللا ر‬
‫المروزي‪ :‬قلت ر ي‬
‫ال نقول وأنكر هذا وقال‪( :‬يضل من يشاء ويــهدي من يشاء)) وقال‪( :‬أنبأنا‬
‫العكتي‬
‫ر‬ ‫إىل عبد الوهاب يف أمر حسن بن خلف‬ ‫المروزي قال‪ :‬كتب ي‬
‫متاث أبيه فقال رجل قدري‪ :‬إن هللا لم ر‬
‫يجت العباد‬ ‫وقال‪ :‬إنه يتته عن ر‬
‫عىل ما‬ ‫عاض فرد عليه أحمد بن رجاء‪ ،‬فقال‪ :‬إن هللا ر‬
‫جت العباد ي‬ ‫ي‬ ‫عىل الم‬
‫ي‬
‫عىل كتابا يحتج فيه‪ ،‬فأدخلته‬
‫أراد أراد بذلك إثبات القدر فوضع أحمد بن ي‬
‫فأختته بالقصة فقال‪ :‬ويضع كتابا وأنكر عليهما جميعا‪:‬‬
‫ر‬ ‫أت عبد هللا‬
‫عىل ر ي‬
‫حي قال‪ :‬لم يج رت‬‫وعىل القدري ر‬
‫ي‬ ‫حي قال‪ :‬ر‬
‫جت العباد‬ ‫عىل ابن رجاء ر‬
‫عىل وضعه الكتاب واحتجاجه وأمر بهجرانه لوضعه‬ ‫وأنكر عىل أحمد بن ي‬
‫الكتاب وقال يىل‪ :‬يجب عىل ابن رجاء أن يستغفر ربه لما قال‪ :‬ر‬
‫جت العباد‬
‫ألت عبد هللا‪ :‬فما الجواب يف هذه المسألة قال‪( :‬يضل من يشاء‬ ‫فقلت ر ي‬
‫ويــهدي من يشاء)) قال المروزي في هذه المسألة‪( :‬إنه سمع أبا عبد هللا لما‬
‫جت فقال‪ ،‬أبو عبد هللا‪:‬‬
‫وعىل من رد عليه‪ :‬ر‬
‫يجت ي‬‫عىل الذي قال‪ :‬لم ر‬‫أنكر ي‬
‫كلما ابتدع رجل بدعة اتسع الناس يف جوابها وقال‪ :‬يستغفر ربه الذي رد‬
‫بشء من جنس الكالم وإذا لم يكن له‬ ‫ر‬
‫عىل من رد ي‬
‫عليهم بمحدثة وأنكر ي‬
‫عىل من‬‫فيه أمام تقدم) قال المروزي‪( :‬فما كان بأشع من أن قدم أحمد بن ي‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫عىل عىل‬
‫عكتا فأدخلت أحمد بن ي‬ ‫عكتا ومعه مشيخة وكتاب من أهل ر‬ ‫ر‬
‫حت‬‫أت عبد هللا‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا عبد هللا هو ذا الكتاب ادفعه إىل أت بكر ى‬
‫ي ري‬ ‫ري‬
‫عكتا وأستغفر هللا عز وجل فقال أبو عبد هللا‬
‫منت ر‬‫عىل ر‬‫يقطعه وأنا أقوم ي‬
‫ينبع أن يقبلوا منه فرجعوا له) وقد بسطنا الكالم في هذا المقام في‬
‫ي‬ ‫يىل‪:‬‬
‫غير هذا الموضع وتكلمنا علي األصل الفاسد الذي ظنه المتفرقون من أن إثبات‬

‫المعني الحق الذي يسمونه جبرا ينافي األمر والنهي حتى جعله القدرية منافيا لألمر‬

‫والنهي مطلقا وجعله طائفة من الجبرية منافيا لحسن الفعل وقبحه وجعلوا ذلك‬

‫مما اعتمدوه في نفي حسن الفعل وقبحه القائم به المعلوم بالعقل ومن المعلوم‬

‫أنه ال ينافي ذلك إال كما ينافيه بمعني كون الفعل مالئما للفاعل ونافعا له وكونه‬

‫منافيا للفاعل وضارا له ومن المعلوم أن هذا المعني الذي سموه جبرا ال ينافي أن‬

‫يكون الفعل نافعا وضارا ومصلحة ومفسدة وجالبا للذة وجالبا لأللم فعلم أنه ال‬

‫ينافي حسن الفعل وقبحه كما ال ينافي ذلك سواء كان ذلك الحسن معلوما بالعقل‬

‫أو معلوما بالشرع أو كان الشرع مثبتا له ال كاشفا عنه‪.‬‬

‫الرد علي المسألة السادسة‬

‫وأما قول السائل‪ :‬ما الحكمة في أنه لم يوجد فيه من الشارع نص يعصم من الوقوع‬

‫في المهالك وقد كان حريصا علي هدي أمته؟‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫فنقول‪ :‬هذا السؤال مبني علي األصل الفاسد المتقدم المركب من اإلعراض عن‬

‫الكتاب والسنة وطلب الهدي في مقاالت المختلفين المتقابلين في النفي واإلثبات‬

‫للعبارات المجمالت المشتبهات الذين قال هللا فيهم‪:‬‬

‫لف شقاق بعيد)‬


‫(وإن الذين اختلفوا يف الكتاب ي‬
‫وقال تعالي‪:‬‬

‫(وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إال من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم)‬
‫وقال تعالي‪:‬‬

‫(فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون)‬


‫وقد تقدم التنبيه علي منشأ الضالل في هذا السؤال وأمثاله وما في ذلك من‬

‫العبارات المتشابهات المجمالت المبتدعات سواء كان المحدث هو اللفظ وداللته أو‬

‫كان المحدث هو استعمال ذلك اللفظ في ذلك المعني كلفظ أصول الدين حيث أدخل‬

‫فيه كل قوم من المسائل والدالئل ما ظنوه هم من أصول دينهم وإن لم يكن من‬

‫أصول الدين الذي بعث هللا به رسله وأنزل به كتبه كما ذكرنا وأنه إذا منع إطالق‬

‫هذه المجمالت المحدثات في النفي واإلثبات ووقع االستفسار والتفصيل تبين سواء‬

‫السبيل وبذلك يتبين أن الشارع عليه الصالة والسالم نص علي كل ما يعصم من‬

‫المهالك نصا قاطعا للعذر وقال تعالى‪:‬‬

‫يبي لهم ما يتقون)‬ ‫(وما كان هللا ليضل قوما بعد إذ هداهم ى‬
‫حت ر‬
‫وقال تعالي‪:‬‬

‫ى‬
‫نعمت ورضيت لكم اإلسالم‬ ‫(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم‬
‫ي‬
‫دينا)‬
‫وقال تعالي‪:‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫(لئال يكون للناس عىل هللا حجة بعد الرسل)‬
‫وقال تعالي‪:‬‬

‫المبي)‬
‫ر‬ ‫(وما عىل الرسول إال البالغ‬
‫وقال‪:‬‬

‫ه أقوم)‬ ‫ى‬
‫للت ي‬
‫(إن هذا القرآن يهدي ي‬
‫وقال تعالي‪:‬‬

‫ختا لهم وأشد تثبيتا وإذا آلتيناهم‬


‫(ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان ر‬
‫من لدنا أجرا عظيما ولهديناهم ضاطا مستقيما)‬
‫وقال تعالي‪:‬‬

‫مبي يهدي به هللا من اتبع رضوانه‬


‫(قد جاءكم من هللا نور وكتاب ر‬
‫سبل السالم)‬
‫صىل هللا عليه وسلم وما طائر يقلب‬ ‫وقال أبو ذر‪( :‬لقد ي‬
‫توف رسول هللا ي‬
‫جناحيه يف السماء إال ذكر لنا منه علما)‬
‫كي قالوا لسلمان‪ :‬لقد علمكم نبيكم كل‬ ‫وفي صحيح مسلم‪( :‬أن بعض ر‬
‫المش ر‬
‫حت الخراءة قال‪ :‬أجل) وقال صلى هللا عليه وسلم‪( :‬تركتكم عىل‬ ‫رشء ى‬
‫ي‬
‫البيضاء‪ ،‬ليلها كنهارها ال يزي ــغ عنها بعدي إال هالك) وقال‪( :‬ما تركت من‬
‫شء يبعدكم عن النار‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫شء يقربكم إىل الجنة إال وقد حدثتكم به وال من ي‬ ‫ي‬
‫إال وقد حدثتكم عنه) وقال (ما بعث هللا من ر ي‬
‫نت إال كان حقا عليه أن يدل‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫ختا لهم وينهاهم عن ش ما يعلمه شا لهم) وهذه‬ ‫خت ما يعلمه ر‬ ‫أمته عىل ر‬
‫الجملة يعلم تفصيلها بالبحث والنظر والتتبع واالستقراء والطلب لعلم هذه المسائل‬

‫في الكتاب والسنة فمن طلب ذلك وجد في الكتاب والسنة من النصوص القاطعة‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫للعذر في هذه المسائل ما فيه غاية الهدي والبيان والشفاء وذلك يكون بشيئين‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬معرفة معاني الكتاب والسنة والثاني‪ :‬معرفة معاني األلفاظ التي ينطق‬

‫بها هؤالء المختلفون حتى يحسن أن يطبق بين معاني التنزيل ومعاني أهل الخوض‬

‫في أصول الدين فحينئذ يتبين له أن الكتاب حاكم بين الناس فيما اختلفوا فيهكما‬

‫قال تعالي‪:‬‬

‫النبيي ر‬
‫مبشين ومنذرين وأنزل معهم‬ ‫ر‬ ‫(كان الناس أمة واحدة فبعث هللا‬
‫الكتاب بالحق ليحكم ربي الناس فيما اختلفوا فيه)‬
‫وقال تعالي‪:‬‬

‫شء فحكمه إىل هللا)‬‫ر‬


‫(وما اختلفتم فيه من ي‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫وقال‪:‬‬

‫شء فردوه إىل هللا والرسول إن كنتم تؤمنون باهلل‬‫(فإن تنازعتم ف ر‬


‫ي ي‬
‫خت وأحسن تأويال ألم تر إىل الذين يزعمون أنهم‬
‫واليوم اآلخر ذلك ر‬
‫آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إىل‬
‫الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضالال‬
‫المنافقي‬
‫ر‬ ‫بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إىل ما أنزل هللا وإىل الرسول رأيت‬
‫يصدون عنك‬
‫صدودا)‬
‫ولهذا يوجد كثيرا في كالم السلف واألئمة النهي عن إطالق موارد النزاع بالنفي‬

‫واإلثبات وليس ذلك وليس ذلك لخلو النقيضين عن الحق وال قصور أو تقصير في‬

‫بيان الحق ولكن ألن تلك العبارة من األلفاظ المجملة المتشابهة المشتملة علي حق‬

‫وباطل ففي إثباتها إثبات حق وباطل وفي نفيها نفي حق وباطل فيمنع من كال‬

‫اإلطالقين بخلف النصوص اإللهية فإنها فرقان فرق هللا بها بين الحق والباطل‬

‫ولهذا كان سلف األمة وأئمتها يجعلون كالم هللا ورسوله هو اإلمام والفرقان الذي‬

‫يجب اتباعه فيثبتون ما أثبته هللا ورسوله وينفون ما نفاه هللا ورسوله ويجعلون‬

‫العبارات المحدثة المجملة المتشابهة ممنوعا من إطالقها‪ :‬نفيا إثباتا ال يطلقون‬

‫اللفظ وال ينفونه إال بعد االستفسار والتفصيل فإذا تبين المعني أثبت حقه ونفي‬

‫باطله بخالف كالم هللا ورسوله فإنه حق يجب قبوله وإن لم يفهم معناه وكالم غير‬

‫المعصوم ال يجب قبوله حتى يفهم معناه وأما المختلفون في الكتاب المخالفون له‬

‫المتفقون علي مفارقته‪ ،‬فتجعل كل طائفة ما أصلته من أصول دينها الذي ابتدعته‬

‫هو اإلمام الذي يجب اتباعه‪ ،‬وتجعل ما خالف ذلك من نصوص الكتاب والسنة من‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫المجمالت المتشابهات التي ال يجوز اتباعها بل يتعين حملها علي ما وافق أصلهم‬

‫الذي ابتدعوه أو اإلعراض عنها وترك التدبر لها وهذان الصفتان يشبهان ما ذكره‬

‫هللا في قوله‪:‬‬

‫(أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كالم هللا ثم‬
‫يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا‬
‫وإذا خال بعضهم إىل بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح هللا عليكم‬
‫ليحاجوكم به عند ربكم أفال تعقلون أو ال يعلمون أن هللا يعلم ما‬
‫أمات وإن هم إال‬
‫يشون وما يعلنون ومنهم أميون ال يعلمون الكتاب إال ي‬
‫يظنون فويل‬
‫لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون)‬
‫فإن هللا ذم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه وهو متناول لمن حمل الكتاب والسنة‬

‫علي ما أصله هو من البدع الباطلة وذم الذين ال يعلمون الكتاب إال أماني وهو‬

‫متناول لمن ترك تدبر القرآن ولم يعلم إال مجرد تالوة حروفه ومتناول لمن كتب كتابا‬

‫بيده مخالفا لكتاب هللا لينال به دينا وقال‪ :‬إنه من عند هللا مثل أن يقول‪ :‬هذا هو‬

‫الشرع والدين وهذا معني الكتاب والسنة وهذا قول السلف واألئمة وهذا هو أصول‬

‫الدين الذي يجب اعتقاده علي األعيان أو الكفاية ومتناول لمن كتم ما عنده من‬

‫الكتاب والسنة لئال يحتج به مخالفه في الحق الذي يقوله وهذه األمور كثيرة جدا‬

‫في أهل األهواء جملة كالرافضة والجهمية ونحوهم من أهل األهواء والكالم‪ ،‬وفي‬

‫أهل األهواء تفصيال مثل كثير من المنتسبين إلي الفقهاء مع شعبة من حال األهواء‬

‫وهذه األمور المذكورة في الجواب مبسوطة في موضع آخر‪.‬‬

‫نهاية اإلجابة علي السؤال وهللا أعلم‪.‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫والمقصود هنا الكالم علي قول القائل‪ :‬إذا تعارضت األدلة النقلية والعقلية‪....‬الخ كم‬

‫تقدم‪.‬‬

‫جواب إجمالي‬

‫والكالم علي هذه الجملة بني علي بيان ما في مقدمتها من التلبيس فإنها مبنية‬

‫علي مقدمات‬

‫• األولي‪ :‬ثبوت تعارضها‪.‬‬

‫• الثانية‪ :‬انحصار التقسيم فيما ذكره م األقسام األربعة‪.‬‬

‫• الثالثة‪ :‬بطالن األقسام الثالثة‪.‬‬

‫والمقدمات الثالثة باطلة وبيان ذلك بتقديم أصل وهو أن يقال‪ :‬إذا قيل‪ :‬تعارض‬

‫دليالن سواء كانا نقليين أو عقليين أو أحدهما نقليا واآلخر عقليا فالواجب أن يقال‪:‬‬

‫ال يخلو إما أن يكونا قطعيين أو يكونا ظنيين وإما أن يكونا أحدهما قطعيا وآلخر‬

‫ظنيا فأما القطعيان فال يجوز تعارضهما‪ :‬سواء كانا عقليين أو نقليين أو أحدهما‬

‫عقليا واآلخر نقليا وهذا متفق عليه بين العقالء ألن الدليل القطعي هو الذي يجب‬

‫ثبوت مدلوله‪ :‬وال يمكن أن تكون داللته باطلة وحينئذ فلو تعارض دليالن قطعيان‬

‫وأحدهما يناقض مدلول اآلخر للزم الجمع بين النقيضين وهو محال بل كل ما يعتقد‬

‫تعارضه من الدالئل التي يعتقد أنها قطعية فال بد من أن يكون الدليالن أو أحدهما‬

‫غير قطعي أو أن يكون مدلوالهما متناقضين فأما مع تناقض المدلولين المعلومين‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫فيمتنع تعارض الدليلين وإن كان أحد الدليلين المتعارضين قطعيا دون اآلخر فإنه يجب‬

‫تقديمه باتفاق العقالء سواء كان هو النقلي أو العقلي فإن الظن ال يرفع اليقين‬

‫وأما إن كانا جميعا ظنيين‪ :‬فإنه يصار إلي طلي ترجيح أحدهما فأيهما ترجح كان هو‬

‫المقدم سواء كان نقليا أو عقليا وال جواب عن هذا‪ ،‬إال أن يقال‪ :‬الدليل السمعي ال‬

‫يكون قطعا وحينئذ فقال‪ :‬هذا مع كونه باطال فإنه ال ينفع فإنه علي هذا التقدير‬

‫يجب تقديم القطعي لكونه قطعيا ال لكونه أصال للنقل وهؤالء جعلوا عمدتهم في‬

‫التقديم كون العقل هو األصل للنقل وهذا باطل كما سيأتي بيانه إن شاء هللا وإذا‬

‫قدر أن يتعارض قطعي وظني لم ينازع عاقل في تقديم القطعي لكن كون السمعي‬

‫ال يكون قطعيا دونه خرط القتاد وأيضا فإن الناس متفقون علي أن كثيرا مما جاء‬

‫به الرسول معلوم باالضطرار من دينه كإيجاب العبادات وتحريم الفواحش والظلم‬

‫وتوحيد الصانع وإثبات المعاد وغير ذلك وحينئذ فلو قال قائل‪ :‬إذا قام الدليل العقلي‬

‫القطعي علي مناقضة هذا فال بد من تقديم أحدهما‪ :‬فلو قدم هذا النقلي قدح‬

‫في أصله وإن قدم العقلي لزم تكذيب الرسول فيما علم باالضطرار أنه جاء به وهذا‬

‫هو الكفر الصريح فال بد لهم من جواب عن هذا والجواب عنه أنه يمتنع أن يقوم‬

‫عقلي قطعي يناقض هذا فتبين أن كل ما قام عليه دليل قطعي نقلي يمتنع أن‬

‫يعارضه قطعي عقلي ومثل هذا الغلط يقع فيه كثير من الناس يقدرون تقديرا يلزم‬

‫منه لوازم فيثبتون تلك اللوازم وال يهتدون لكون ذلك التقدير ممتنعا والتقدير‬

‫الممتنع قد يلزمه لوازم ممتنعة كما في قوله تعالي‪:‬‬

‫({لو كان فيهما آلهة إال هللا لفسدتا)‬


‫ولهذا أمثلة‪ :‬منها‪ :‬ما يذكره القدرية والجبرية في أن أفعال العباد‪ :‬هل هي مقدورة‬

‫للرب والعبد أم ال فقال جمهور المعتزلة‪ :‬إن الرب ال يقدر علي عين مقدور العبد‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫واختلفوا هل يقدر علي مثل مقدوره فأثبته البصريون كأبي هاشم ونفاه الكعبي‬

‫وأتباعه البغداديون وقال جهم وأتباعه الجبرية‪ :‬إن ذلك الفعل مقدور للرب ال للعبد‬

‫وكذلك قال األشعري وأتباعه‪ :‬إن المؤثر فيه قدرة الرب دون قدرة العبد واحتج‬

‫المعتزلة بأنه لو كان مقدورا لهما للزوم إذا أراده أحدهما وكرهه اآلخر مثل أن يريد‬

‫الرب تحريكه ويكرهه العبد‪ :‬أن يكون موجودا معدوما ألن المقدور من شأنه أن يوجد‬

‫عند توفر دواعي القادر وأن يبقي علي العدم عند توفر صارفه فلو كان مقدور العبد‬

‫وقدورا لله لكان إذا أراد هللا وقوعه وكره العبد وقوعه لزم أن يوجد لتحقق الدواعي‬

‫وال يوجد لتحقق الصارف وهو محال وقد أجاب الجبرية عن هذا بما ذكره الرازي وهو‪:‬‬

‫أن البقاء علي العدم عند تحقق الصارف ممنوع مطلقا بل يجب إذا لم يقم مقامه‬

‫سبب آخر مستقل وهذا أول المسألة وهو جواب ضعيف فإن الكالم في فعل العبد‬

‫القائم به إذا قام بقلبه الصارف عنه دون الداعي إليه‪ ،‬وهذا يمتنع وجوده من العبد‬

‫في هذه الحال وما قدر وجوده بدون إرادته ال يكون فعال اختياريا بل يكون بمنزلة‬

‫حركة المرتعش والكالم إنما هو في االختياري ولكن الجواب منع هذا التقدير فإن ما‬

‫لم يرده العبد من أفعاله يمتنع أن يكون هللا مريدا لوقوعه إذ لو شاء وقوعه لجعل‬

‫العبد مريدا له فإذا لم يجعله مريدا له علم أنه لم يشأه ولهذا اتفق علماء المسلمين‬

‫علي أن اإلنسان لو قال‪ :‬وهللا ألفعلن كذا وكذا إن شاء هللا ثم لم يفعله أنه ال يحنث‬

‫ألنه لم يفعله علم أن هللا لم يشأه إذ لو شاءه لفعله العبد فلما لم يفعله علم أن‬

‫هللا لم يشأه واحتج الجبرية بما ذكره الرازي وغيره بقولهم‪ :‬إذا أراد هللا تحريك جسم‬

‫وأراد العبد تسكينه‪ :‬فإما أن يمتنعا معا وهو محال ألن المانع من وقوع مراد كل‬

‫واحد منهما هو وجود مراد اآلخر فلو امتنعا معا لوجدا معا وهو محال أو لوقعا معا‬

‫وهو محال‪ ،‬أو يقع أحدهما وهو باطل ألن القدرتين متساويتان في االستقالل‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫بالتأثير في ذلك المقدور الواحد والشيء الواحد حقيقة ال تقبل التفاوت فإذن‬

‫القدرتان بالنسبة إلي اقتضاء وجود ذلك المقدور علي السوية وإنما التفاوت في‬

‫أمور خارجية عن هذا المعني وإذا كان كذلك امتنع الترجيح فيقال‪ :‬هذه الحجة باطلة‬

‫علي المذهبين وأما أهل السنة فعندهم يمتنع أن يريد هللا تحريك جسم ويجعل‬

‫العبد مريدا ألن يجعله ساكنا مع قدرته علي ذلك فإن اإلرادة الجازمة مع القدرة‬

‫تستلزم وجود المقدور فلو جعله الرب مريدا مع قدرته لزم وجود مقدوره فيكون‬

‫العبد يشاء ماال يشاء هللا وجوده وهذا ممتنع‪ ،‬بل ما شاء هللا وجوده يجعل القادر‬

‫عليه مريدا لوجوده‪ ،‬ال يجعله مريدا لما يناقض مراد الرب أما أهل السنة فعندهم‬

‫يمتنع أن يريد هللا تحريك جسم ويجعل العبد مريدا ألن يجعله ساكنا مع قدرته علي‬

‫ذلك فإن اإلرادة الجازمة مع القدرة تستلزم وجود المقدور فلو جعله الرب مريدا مع‬

‫قدرته لزم وجود مقدوره‪ ،‬فيكون العبد يشاء ماال يشاء هللا وجوده‪ ،‬وهذا ممتنع بل‬

‫ما شاء هللا وجوده يجعل القادر عليه ميدا لوجوده ال يجعله مريدا لما يناقض مراد‬

‫الرب وأما علي قول المعتزلة عندهم تمتنع قدرة الرب علي عين مقدور العبد ن‬

‫فيمتنع اختالف اإلرادتين في شيء واحد وكلتا الحجتين باطلة فأنهما مبيتان علي‬

‫تناقض اإلرادتين وهذا ممتنع فإن العبد إذا شاء أن يكون شيء لم يشاء حتى يشاء‬

‫هللا مشيئته كما قال تعالي‪:‬‬

‫العالمي)‬
‫ر‬ ‫(لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤون إال أن يشاء هللا رب‬
‫وما شاء هللا كان وما لم يشأ لم يكن فإذا شاءه هللا جعل العبد شائيا له وإذا جعل‬

‫العبد كارها له غير مريد له‪ ،‬لم يكن هو في هذه الحال شائيا له فهم بنوا الدليل‬

‫علي تقدير مشيئة هللا له وكراهة العبد له وهذا تقدير ممتنع وهذا نقلوه من تقدير‬

‫ربين وإلهين وهو قياس باطل ألن العبد مخلوق لله هو وجميع مفعوالته ليس هو‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫(من أن فعل‬ ‫مثال لله وال ندا ولهذا إذا قيل ما قاله أبو إسحاق اإلسفراييني‪:‬‬

‫مستقلي بل قدرة العبد‬


‫ر‬ ‫العبد مقدور ربي قادرين‪ ،‬لم يرد به ربي قادرين‬
‫مخلوقة هلل وإرادته مخلوقه هلل فاهلل قادر مستقل والعبد قادر بجعل‬
‫نظت‬
‫هللا له قادرا وهو خالقه وخالق قدرته وإرادته وفعله فلم يكن هذا ر‬
‫ذاك) وكذلك ما يقدره الرازي وغيره في مسألة إمكان دوام الفاعلية وأن إمكان‬

‫الحوادث ال بداية له من أنا إذا قدرنا إمكان حادث معين وقدرنا أنه لم يزل ممكنا كان‬

‫هذا لم يزل ممكنا مع أنه ال بداية إلمكانه فإن هذا تقدير ممتنع وهو تقدير ما له‬

‫بداية مع أنه ال بداية له وهو جمع بين النقيضين ولهذا منع الرازي في محصله إمكان‬

‫هذا وهذا الذي ذكرناه بين واضح متفق عليه بين العقالء من حيث الجملة وبه يتبين‬

‫أن إثبات التعارض بين الدليل العقلي والنقلي والجزم بتقديم العقلي معلوم الفساد‬

‫بالضرورة وهو خالف ما اتفق عليه العقالء‪.‬‬

‫أما المعاصرون فهم أقل عقال بكثير من المتأخرين وكان تشكيكهم في المقام األول‬

‫بالتشريعات المحكمة المنزلة المعلومة من الدين بالضرورة رغم ذلك أنكروها و أتبعوا‬

‫أهوائهم والبد أن نفصل ذلك في مبحث آخر و هو اآلتي‪.‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫والن سألتهم ما مرجعيتهم ليقولون العقل والفكر واحيانا االكثرية او االغلبية يعني‬

‫الديموقراطية فنرد على ذلك من اربع قواعد‬

‫القاعدة األولى‬

‫وهي بين المرء ونفسه فالمرء دائم التغير بكل تصادم فكري جديد فال يثبت على‬

‫رأي خصوصا ان كان نفسيا على مر الزمن فبرهة تراه كذا وبرهة تراه كذا هذا طبيعي‬

‫هذا حتمي‪.‬‬

‫القاعدة الثانية‬

‫هي بين المرء واالخر نقول والناس متباينون في العقل مختلفون متفاوتون فيه هنا‬

‫االمثلة على ذلك البيئة النفسية والتربوية والتعليمية واللغوية والثقافية فهي‬

‫تنشأ جيال مختلفا عن االخر فال يتفقان اثنان في نص ثابت وان واحد تعارض مع االخر‬

‫واالثنين اصلهم العقل فمن نأخذ منهم ومن اين رجحنا ان هذا الصح وهذا الغلط‬

‫ومرجهم واحد‪.‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫القاعدة الثالثة‬

‫وهي ان رأي االغلبية غير مشروط بالصواب فلم يأتي قط لفظ االغلبية في القرآن‬

‫والسنة مع لفظ المحمودية بل اشترط بلفظ الذمية طيلة ذكره ومن هذا نستطلع‬

‫قول هللا تعالى‪:‬‬


‫َ َّ‬ ‫َ َّ‬ ‫َّ ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ َ‬ ‫ۡ‬ ‫َۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ َ ۡ رَ‬ ‫(َ‬
‫َّلل ِإن يت ِبعون ِإَل‬
‫يل ٱ ِ‬‫ب‬
‫ِ ِ‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫وك‬ ‫ل‬ ‫ض‬ ‫ي‬
‫ِ ِ‬‫ض‬‫ر‬ ‫أل‬ ‫ٱ‬ ‫ف‬‫ِي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫أ‬ ‫ع‬ ‫ط‬‫ت‬
‫ِ ِ‬‫ن‬ ‫إ‬‫و‬
‫َّ‬
‫ٱلظ َّن)‬

‫القاعدة الرابعة‬

‫ان شرع هللا ثابت معصوم من عند خالق اعلم بحال مخلوقاته منهم وعالم بما كان‬

‫وما سيكون فكيف نتركه ونحتكم لمخلوقاته ذوي الشرع غير الثابت والمرهون باشياء‬

‫غير ثابتة غير سليمة اقر هللا تعالى بانها ناقصة واود ان انبه على شيء مهم باننا‬

‫نحتكم الى شرع هللا ليس ألنه وافق هوانا من عدمه او النه خالف هوانا بل نحتكم‬

‫اليه الن هللا امرنا بذلك‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫إن الحكم بما أنزل هللا تعالى من توحيد الربوبية ألنه تنفيذ لحكم هللا الذي هو‬

‫مقتضى ربوبيته وكمال ملكه وتصرفه لهذا سمى هللا تعالى المتبوعين في غير ما‬

‫أنزل هللا تعالى أربابا لمتبعيهم فقال سبحانه‪:‬‬


‫َّ َ ْ َ َ‬
‫يح ْاب َن َم ْر َي َم َوماَ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ َ َ ْ َ َْ َ ْ َ‬ ‫َّ َ‬
‫اَّلل والم ِس‬
‫ون ِ‬ ‫(ات ُخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا ِمن د ِ‬
‫َ ً َ ً َ َ َ َّ َ ْ َ َ َ َّ رْ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫شكون)‬ ‫أ ِمروا ِإَل ِليعبدوا ِإلها و ِاحدا َل ِإله ِإَل هو سبحانه عما ي ِ‬
‫مشرعين مع هللا تعالى وسمى‬
‫ِّ‬ ‫فسمى هللا تعالى المتبوعين أربابا حيث ُجعلوا‬

‫المتبعين عبادا حيث إنهم ذلوا لهم وأطاعوهم في مخالفة حكم هللا سبحانه وتعالى‬

‫وقد قال عدي بن حاتم لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم إنهم لم يعبدوهم فقال‬

‫النبي صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬

‫(بىل إنهم حرموا عليهم الحالل وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك‬
‫عبادتهم إياهم)‬
‫إ ذا فهمت ذلك فاعلم أن من لم يحكم بما أنزل هللا وأراد أن يكون التحاكم إلى غير‬

‫هللا ورسوله وردت فيه آيات بنفي اإليمان وآيات بكفره وظلمه وفسقه‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫القسم األول‪ :‬اآليات التي وردت بنفي اإليمان عنه‬

‫فمثل قوله تعالى‪:‬‬


‫َ ُ َ َْ َ َ َ ُ َ ْ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ َّ‬
‫(ألم تر ِإىل ال ِذين يزعمون أنهم آمنوا ِبما أ ِنزل ِإليك وما أ ِنزل ِمن قب ِلك‬
‫َ‬ ‫َْ َ ْ‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ َ ْ ََ َ َ‬
‫وت وقد أ ِمروا أن يكفروا ِب ِه وي ِريد‬ ‫ي ِريدون أن يتحاكموا ِإىل الطاغ ِ‬
‫َ‬
‫َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ َّ‬ ‫َّ ْ َ َ ً َ ً َ َ‬ ‫َّ ْ َ َ ْ‬
‫الشيطان أن ي ِضلهم ضلَل ب ِعيدا و ِإذا ِقيل لهم تعالوا ِإىل ما أنزل اَّلل‬
‫ف إ َذا َأ َص َاب ْتهمْ‬ ‫ودا َف َك ْي َ‬ ‫ً‬ ‫َ َ ُّ َ َ ْ َ‬
‫ول رأيت المن ِاف ِق ري يصدون عنك صد‬
‫َ َْ َ ْ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ‬
‫و ِإىل الرس‬
‫َ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ٌ َ َ َّ َ ْ َ‬
‫َ َّ ْ َ ْ َ َّ ْ َ ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اَّلل ِإن أردنا ِإَل ِإحسانا‬ ‫م ِصيبة ِبما قدمت أي ِد ِيهم ثم جاءوك يح ِلفون ِب ِ‬
‫ض َع ْنه ْم َوع ْظهمْ‬ ‫اَّلل َما ف ق ُلوب ـه ْم َف َأ ْعر ْ‬ ‫َ َ ْ ً ُ ْ َ َ َّ َ َ ْ َ َّ‬
‫وتو ِفيقا أول ِئك ال ِذين يعلم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ي‬ ‫َِ‬
‫َّ‬ ‫َّ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ًَْ َ ً َ َ ْ َ َْ‬ ‫َ ْ َ ْ َ‬
‫اَّلل‬
‫ول ِإَل ِليطاع ِب ِإذ ِن ِ‬ ‫وقل له َم ِ يف أنف ِس ِهم ق َوَل ب ِليغا وما أرسلنا ِمن رس ٍ‬
‫اس َت ْغ َف َر َلهمْ‬ ‫اس َت ْغ َفروا َّ َ‬
‫اَّلل َو ْ‬ ‫وك َف ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ولو أنهم ِإذ ظلموا أنفسهم جاء‬
‫َ َ ْ َّ ْ ْ َ َ‬
‫َ َ ىَّ َ ِّ َ‬ ‫َّ َ َ َّ ً َ ً َ َ َ َ ِّ َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫الرسول ل َو َجدوا اَّلل توابا ر ِحيما فل وربك َل يؤ ِمنون حت يحكموك‬ ‫َّ‬
‫ْ َ َ ً َّ َ َ ْ َ َ َ ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ ْ َ ْ َّ َ‬
‫ِفيما شجر بينهم ثم َل ي ِجدوا ِ يف أنف ِس ِهم حرجا ِمما قضيت ويسلموا‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫تس ِليما)‬
‫فوصف هللا تعالى هؤالء المدعين لإليمان وهم منافقون بصفات‪:‬‬

‫األولى‪ :‬أنهم يريدون أن يكون التحاكم إلى الطاغوت وهو كل ما خالف حكم هللا‬

‫تعالى ورسوله صلى هللا عليه وسلم ألن من خالف حكم هللا ورسوله فهو طغيان‬

‫ك ِم َم ْن له الحكم وإليه يرجع األمر كله وهو هللا قال هللا تعالى‪:‬‬
‫واعتداء على ُح ْ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ َ َّ َ ُّ ْ َ َ‬
‫(أَل له الخلق واألمر تبارك اَّلل رب العال ِم ري)‬
‫الثانية‪ :‬أنهم إذا ُد ُعوا إلى ما أنزل هللا وإلى الرسول صدوا وأعرضوا‬

‫الثالثة‪ :‬أنهم إذا أصيبوا بمصيبة بما قدمت أيديهم ‪ ،‬ومنها أن يعثر على صنيعهم‬

‫جاءوا يحلفون أنهم ما أرادوا إال اإلحسان والتوفيق كحال من يرفض اليوم أحكام‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫اإلسالم ويحكم بالقوانين المخالفة لها زعما منه أن ذلك هو اإلحسان الموافق‬

‫ألحوال العصر ثم حذر سبحانه هؤالء المدعين لإليمان المتصفين بتلك الصفات بأنه‬

‫سبحانه يعلم ما في قلوبهم وما يكنون من أمور تخالف ما يقولون وأمر نبيه أن‬

‫يعظهم ويقول لهم في أنفسهم قوال بليغا ثم بين الحكمة من إرسال الرسول أن‬

‫يكون هو المطاع المتبوع ال غيره من الناس مهما قويت أفكارهم واتسعت مداركهم‬

‫ثم أقسم تعالى بربوبيتة لرسوله التي هي أخص أنواع الربوبية والتي تتضمن اإلشارة‬

‫إلى صحة رسالته صلى هللا عليه وسلم أقسم بها مؤكدا أنه ال يصلح اإليمان إال‬

‫بثالثة أمور ‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن يكون التحاكم في كل نزاع إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬

‫الثاني‪ :‬أن تنشرح الصدور بحكمه ‪ ،‬وال يكون في النفوس حرج وضيق منه‬

‫الثالث‪ :‬أن يحصل التسليم التام بقبول ما حكم به وتنفيذه بدون توان أو انحراف‬

‫القسم الثاني‪ :‬يعني اآليات التي وردت بكفره وظلمه وفسقه‬

‫فمثل قوله تعالى‪:‬‬


‫َ‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ َّ َ ُ ْ َ َ ْ ْ َ‬
‫(ومن لم يحكم ِبما أنزل اَّلل فأول ِئك هم الك ِافرون)‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ َّ َ ُ ْ َ َ ْ َّ‬
‫(ومن لم يحكم ِبما أنزل اَّلل فأول ِئك هم الظ ِالمون)‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ َّ َ ُ ْ َ َ ْ ْ َ‬
‫اسقون)‬ ‫(ومن لم يحكم ِبما أنزل اَّلل فأول ِئك هم الف ِ‬
‫و هل هذه األوصاف الثالثة تتنزل على موصوف واحد بمعنى أن كل من لم يحكم‬

‫بما أنزل هللا فهو كافر ظالم فاسق ألن هللا تعالى وصف الكافرين بالظلم والفسق‬
‫َّ‬ ‫َّ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َّ‬ ‫َ َْ‬
‫اَّلل‬
‫( ِإنهم كفروا ِب ِ‬‫المون) وقال تعالى‪:‬‬
‫فقال تعالى‪( :‬والك ِافرون هم الظ ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َو َ‬
‫اسقون) فكل كافر ظالم فاسق أو هذه األوصاف تتنزل‬
‫ول ِه وماتوا وهم ف ِ‬
‫ِ‬ ‫س‬‫ر‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫على موصوفين بحسب الحامل لهم على عدم الحكم بما أنزل هللا هذا هو األقرب‬

‫عندي وهللا أعلم ‪.‬‬

‫فنقول‪ :‬من لم يحكم بما أنزل هللا استخفافا به أو احتقارا له أو اعتقادا أن غيره أصلح‬

‫وأنفع للخلق فهو كافر كفرا مخرجا عن الملة ومن هؤالء من يضعون للناس تشريعات‬

‫تخالف التشريعات اإلسالمية لتكون منهاجا يسير الناس عليه فإنهم لم يضعوا تلك‬

‫التشريعات المخالفة للشريعة اإلسالمية إال وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق‬

‫إذ من المعلوم بالضرورة العقلية والجبلة الفطرية أن اإلنسان ال يعدل عن منهاج إلى‬

‫عدل عنه ومن لم يحكم‬


‫َ‬ ‫منهاج يخالفه إال وهو يعتقد َف ْض َل ما َع َد َل إليه ونَ َق َص ما‬

‫بما أنزل هللا وهو لم يستخف به ولم يحتقره ولم يعتقد أن غيره أصلح منه وأنفع‬

‫للخلق وإنما حكم بغيره تسلطا على المحكوم انتقاما منه لنفسه أو نحو ذلك فهذا‬

‫ظالم وليس بكافر وتختلف مراتب ظلمه بحسب المحكوم به ووسائل الحكم ومن لم‬

‫يحكم بما أنزل هللا ال استخفافا بحكم هللا وال احتقارا وال اعتقادا أن غيره أصلح وأنفع‬

‫للخلق وإنما حكم بغيره محاباة للمحكوم له أو مراعاة لرشوة أو غيرها من َع َرض الدنيا‬

‫فهذا فاسق وليس بكافر وتختلف مراتب فسقه بحسب المحكوم به ووسائل الحكم‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا فيمن اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من‬

‫دون هللا أنهم على وجهين‪:‬‬

‫(أحدهما‪ :‬أن يعلموا أنهم يبدلوا دين هللا فيتبعونهم عىل التبديل‬
‫ً‬
‫ويعتقدون تحليل ما حرم وتحريم ما أحل هللا اتباعا لرؤسائهم مع‬
‫ً‬
‫علمهم أنهم خالفوا دين الرسل فهذا كفر وقد جعله هللا ورسوله رشكا‬
‫الثات‪ :‬أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحليل الحرام وتحريم الحالل كذا‬
‫ي‬
‫ً‬
‫العبارة المنقولة عنه ثابتا لكنهم أطاعوهم يف معصية هللا كما يفعل‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫معاض فهؤالء لهم حكم‬ ‫ى‬
‫الت يعتقد أنها‬
‫ي‬ ‫المعاض ي‬
‫ي‬ ‫المسلم ما يفعله من‬
‫أمثالهم من أهل الذنوب)‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫إذا ما تكلم عن تطبيق الشريعة والتي يندرج في الذهن تلقائيا صورة الحدود‬

‫والعقوبات الشرعية عند الحديث عنها فإن المعارض يعلل رفضه لتطبيق الشريعة‬

‫بعدة تعليالت منها التعليل بادعاء أن تطبيق الشريعة يضيق نطاق الحريات الفردية‪،‬‬

‫والمجيبون من المنتسبين لإلسالم على نوعين أولهما ونحن منهم من ننازع في ادعاء‬

‫العلمانيين أن تضييق نطاق الحريات بتطبيق الشريعة قبيح وثانيهما َمن يحاول أن‬

‫يقول أن الشريعة ال تتعارض مع الحريات الفردية ولن أطيل كثيرا في هذه النقطة‬

‫لكن أبين نقطتين غائبتين عند الكالم في هذا السياق‬

‫الشريعة ال تطبق إال على َمن التزم تطبيقها في أكثر األحوال‬

‫وهذه النقطة ال تذكر أصال في هذه النقاشات وقد تذكر مشوهة وتعني هذه‬

‫النقطة أن االلتزام في أكثر األحوال شرط فيمن يطبق عليهم الشرع ومعنى االلتزام‬

‫أن يكون المطبق عليه الشرع إما مسلما وإما ذميا ومن شروط عقد الذمة أن يعيش‬

‫الكافر الذمي في بالد المسلمين على سبيل التأبيد ملتزما ظاهرا بأحكام اإلسالم‬

‫قال النووي عن عقد الذمة‪( :‬صورة عقدها‪ :‬أقركم بدار اإلسالم أو أذنت يف‬
‫إقامتكم بها عىل أن تبذلوا جزية وتنقادوا لحكم اإلسالم وال يصح العقد‬
‫ويشتط لفظ قبول من كل‬ ‫ويشتط لفظ قبول) قال الهيتمي‪ ( :‬ى‬ ‫ى‬ ‫مؤقتا‬
‫ولو بنحو رضيت) ففي عقد الذمة فإن الذمي يقبل‬ ‫منهم لما أوجبه العاقد‬
‫بأن ينقاد ويلتزم بأحكام اإلسالم ظاهرا وال ينعقد عقد الذمة إال بقبوله أما اشتراط‬

‫هذا االلتزام في تطبيق الحدود مثال في كالم الفقهاء‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫(وقوله‪ :‬مكلفا أي ولو حكما‬ ‫فمن ذلك قول الدمياطي في شروط حد الزنا‪:‬‬

‫الصت والمجنون والسكران‬ ‫ري‬ ‫فشمل السكران المتعدي بسكره وخرج به‬
‫ملتما لألحكام وخرج‬ ‫غت المتعدي فال يجلدون وال بد أن يكون المكلف ى‬
‫ر‬
‫الحرت والمستأمن) فالمستأمن الذي دخل بالد اإلسالم آمنا لمدة لنحو تجارة‬
‫ري‬ ‫به‬
‫ال يقام عليه حد الزنا‪ ،‬ألنه لم يلتزم بأحكام اإلسالم وقال البهوتي‪( :‬لكن ال يقام‬
‫حد الزنا عىل مستأمن نصا وكذا حد شقة وغته ألنه غت ى‬
‫ملتم لحكمنا‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫الذم)‬
‫ي‬ ‫بخالف‬

‫الشريعة ال تمنع الكافر المقيم في بالدها مما يستبيحه في دينه‬

‫ومن ذلك أنها ال تمنعه من أفعاله التي يعتقدها عبادة وال من شرب الخمر إذا كان‬

‫يستحله وكذلك الزواج والطالق قال البهوتي‪( :‬وكحد الخمر فال يقام عىل كافر‬
‫ولو ذميا ألنه يعتقد حله) وقال القرطبي‪( :‬وأما الحكم فيما يختص به‬
‫أي ال‬ ‫وغته فليس يلزمهم أن يتدينوا بديننا)‬ ‫دينهم من الطالق والزنا ر‬
‫مت نكحوا نكاحا أو‬ ‫نجبرهم عليه ظاهرا لكنهم مكلفون باإلسالم قال الرملي‪ ( :‬ى‬
‫أي حتى لو تزوج الكافر أختين فال‬ ‫عقدوا عقدا مختال عندنا لم نتعرض لهم)‬
‫نفسخ عقده مع أن هذا ال يجوز في شرعنا‪.‬‬

‫وانشاء هللا لنا كتاب كامل في الموضوع انما‬

‫هذه قطرة للمحتاج تذهب عنه العطش ال اكثر‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫فال يشك مسلم له أدنى بصيرة بالتاريخ اإلسالمي في فضل العرب المسلمين وما‬

‫قاموا به من حمل رسالة اإلسالم في القرون المفضلة وتبليغه لكافة الشعوب‬

‫والصدق في الدعوة إليه والجهاد لنشره والدفاع عنه وتحمل المشاق العظيمة في‬

‫ذلك حتى أظهره هللا على أيديهم وخفقت رايته في غالب المعمورة وشاهد العالم‬

‫على أيدي دعاة اإلسالم في صدر اإلسالم أكمل نظام وأعدل حاكم ورأوا في اإلسالم‬

‫كل ما يريدون وينشدون من خير الدنيا واآلخرة ووجدوا في اإلسالم تنظيم حياة‬

‫سعيدة تكفل لهم العزة والكرامة والحرية من عبادة العبيد وظلم المستبدين والوالة‬

‫الغاشمين ووجدوا في اإلسالم تنظيم عالقتهم بالله سبحانه بعبادة عظيمة تصلهم‬

‫بالله وتطهر قلوبهم من الشرك والحقد والكبر وتغرس فيها غاية الحب لله وكمال‬

‫الذل له والتلذذ بمناجاته وتعرفهم بربهم وبأنفسهم وتذكرهم بالله وعظيم حقه‬

‫كلما غفلوا أو كادوا أن يغفلوا وجدوا في اإلسالم تنظيم عالقتهم بالرسول صلى‬

‫هللا عليه وسلم وماذا يجب عليهم من حقه والسير في سبيله ووجدوا في اإلسالم‬

‫أيضا تنظيم العالقات التي بين الراعي والرعية وبين الرجل وأهله وبين الرجل وأقاربه‬

‫وبين الرجل وإخوانه المسلمين وبين المسلمين والكفار بعبارات واضحة وأساليب جلية‬

‫ووجدوا من الرسول صلى هللا عليه وسلم ومن الصحابة وأتباعهم بإحسان تفسير‬

‫ذلك بأخالقهم الحميدة وأعمالهم المجيدة فأحب الناس اإلسالم وعظموه ودخلوا‬

‫فيه أفواجا وأدركوا فيه كل خير وطمأنينة وصالح وإصالح والكالم في مزايا اإلسالم‬

‫وما اشتمل عليه من أحكام سامية وأخالق كريمة تصلح القلوب وتؤلف بينها‬

‫وتربطها برباط وثيق من المودة في هللا سبحانه والتفاني في نصر دينه والتمسك‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫بتعاليمه والتواصي بالحق والصبر عليه ال ريب أن الكالم في هذا الباب يطول والقصد‬

‫في هذه الكلمة اإلشارة إلى ما حصل على أيدي المسلمين من العرب في صدر‬

‫اإلسالم من الجهاد والصبر وما أكرمهم هللا به من حمل مشعل اإلسالم إلى غالب‬

‫المعمورة وما حصل للعالم من الرغبة في اإلسالم والمسارعة إلى الدخول فيه لما‬

‫اشتمل عليه من األحكام الرشيدة والتعاليم السمحة والتعريف بالله سبحانه‬

‫وبأسمائه وصفاته وعظيم حقه على عباده ولما اتصف به حملته والدعاة إليه من‬

‫تمثيل أحكام اإلسالم في أقوالهم وأعمالهم وأخالقهم حتى صاروا بذلك خير أمة‬

‫أخرجت للناس وحققوا بذلك معنى قوله تعالى‪:‬‬

‫خت أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر‬


‫(كنتم ر‬
‫وتؤمنون باهلل)‬
‫ومعنى اآلية كما قال أبو هريرة رضي هللا عنه كنتم خير الناس للناس ال يشك مسلم‬

‫قد عرف ما كان عليه المسلمون في صدر اإلسالم فيما ذكرناه‪ ،‬فهو من الحقائق‬

‫المعلومة بين المسلمين وال يشك مسلم في ما للمسلمين غير العرب من الفضل‬

‫والجهاد المشكور في مساعدة إخوانهم من العرب المسلمين في نشر هذا الدين‬

‫والجهاد في إعالء كلمته وتبليغه سكان المعمورة‪ ،‬شكر هللا للجميع مساعيهم‬

‫الجليلة وجعلنا من أتباعهم بإحسان إنه على كل شيء قدير وإنما الذي ينكر اليوم‬

‫ويستغرب صدوره عن كثير من أبناء اإلسالم من العرب انصرافهم عن الدعوة إلى هذا‬

‫الدين العظيم الذي رفعهم هللا به وأعزهم بحمل رسالته وجعلهم ملوك الدنيا‬

‫وسادة العالم لما حملوا لواءه وجاهدوا في سبيله بصدق وإخالص حتى فتحوا الدنيا‬

‫وكسروا كسرى وقصروا قيصر واستولوا على خزائن مملكتيهما وأنفقوها في سبيل‬

‫هللا سبحانه وكانوا حينذاك في غاية من الصدق واإلخالص والوفاء واألمانة والتحاب‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫عربي في هللا سبحانه والمؤاخاة فيه ال فرق عندهم بين وعجمي وال بين أحمر‬

‫وأسود وال بين غني وفقير وال بين شرقي وغربي بل هم في ذلك إخوان متحابون‬

‫في هللا متعاونون على البر والتقوى مجاهدون في سبيل هللا صابرون على دين‬

‫اإلسالم ال تأخذهم في هللا لومة الئم يوالون في اإلسالم ويعادون فيه ويحبون‬

‫عليه ويبغضون عليه ولذلك كفاهم هللا مكايد أعدائهم وكتب لهم النصر في جميع‬

‫ميادين جهادهم كما وعدهم هللا سبحانه بذلك في كتابه المبين حيث يقول سبحانه‪:‬‬

‫المؤمني)‬
‫ر‬ ‫(وكان حقا علينا نرص‬
‫وقال تعالى‪:‬‬

‫(يا أيها الذين آمنوا إن تنرصوا هللا ينرصكم ويثبت أقدامكم)‬


‫ث م بعد هذا الشرف العظيم والنصر المؤزر من المولى سبحانه لعباده المؤمنين من‬

‫العرب وغيرهم‪ ،‬نرى نفرا من أبنائنا يخدعون بالمبادئ المنحرفة ويدعون إلى غير‬

‫اإلسالم كأنهم لم يعرفوا فضل اإلسالم وما حصل ألسالفهم باإلسالم من العزة‬

‫والكرامة والمجد الشامخ والمجتمع القوي الذي كتبه هللا ألهل اإلسالم الصادقين‬

‫حتى إن عدوهم ليخافهم وهو عنهم مسيرة شهر نسي هؤالء أو تناسوا هذا المجد‬

‫المؤثل والعز العظيم والملك الكبير الذي ناله المسلمون باإلسالم فصار هؤالء األبناء‬

‫يدعون إلى التكتل والتجمع حول القومية العربية ويعرفونها بأنها اجتماع وتكاتف‬

‫لتطهير البالد من العدو المستعمر‪ ،‬ولتحصيل المصالح المشتركة واستعادة المجد‬

‫السليب وقد اختلف الدعاة إليها في عناصرها فمن قائل‪ :‬إنها الوطن والنسب واللغة‬

‫العربية ومن قال‪ :‬إنها اللغة فقط ومن قال‪ :‬إنها اللغة مع المشاركة في اآلالم‬

‫واآلمال ومن قائل غير ذلك أما الدين فليس من عناصرها عند أساطينهم والصرحاء‬

‫منهم وقد صرح كثير بأن الدين ال دخل له في القومية وصرح بعضهم أنها تحترم‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫األديان كلها من اإلسالم وغيره وهدفها كما يعلم من كالمهم هو التكتل والتجمع‬

‫والتكاتف ضد األعداء ولتحصيل المصالح المشتركة كما سلف وال ريب بأن هذا غرض‬

‫نبيل وقصد جميل فإذا كان هذا هو الهدف ففي اإلسالم من الحث على ذلك والدعوة‬

‫إليه وإيجاب التكاتف والتعاون لنصر اإلسالم وحمايته من كيد األعداء ولتحصيل‬

‫المصالح المشتركة ما هو أكمل وأعظم مما يرتجى من وراء القومية ومعلوم عند كل‬

‫ذي لب سليم أن التكاتف والتعاون الذي مصدره القلوب واإليمان بصحة الهدف‬

‫وسالمة العاقبة في الحياة وبعد الممات كما في اإلسالم الصحيح أعظم من التعاون‬

‫والتكاتف على أمر اخترعه البشر ولم ينزل به وحي السماء وال تؤمن عاقبته ال في‬

‫الدنيا وال في اآلخرة وأيضا فالتكاتف والتعاون الصادر عن إيمان بالله وصدق في‬

‫معاملته ومعاملة عباده مضمون له النصر وحسن العاقبة ‪ -‬كما في اآليات الكريمات‬

‫التي أسلفنا ذكرها بخالف التكاتف والتعاون المبني على فكرة جاهلية تقليدية لم‬

‫يأت بها شرع ولم يضمن لها النصر وهذا كله على سبيل التنزل لدعاة القومية والرغبة‬

‫في إيضاح الحقائق لطالب الحق وإال فمن خبر أحوال القوميين وتدبر مقاالتهم‬

‫وأخالقهم وأعمالهم عرف أن غرض الكثيرين منهم من الدعوة إلى القومية أمور‬

‫أخرى يعرفها من له أدنى بصيرة بالواقع وأحوال المجتمع ومن تلك األمور‪ :‬فصل‬

‫الدين عن الدولة وإقصاء أحكام اإلسالم عن المجتمع واالعتياض عنها بقوانين وضعية‬

‫ملفقة من قوانين شتى وإطالق الحرية للنزعات الجنسية والمذاهب الهدامة ال‬

‫بلغهم هللا مناهم وال ريب أن دعوة تفضي إلى هذه الغايات يرقص لها االستعمار‬

‫طربا ويساعد على وجودها ورفع مستواها ‪ -‬وإن تظاهر بخالف ذلك تغريرا للعرب عن‬

‫دينهم وتشجيعا لهم على االشتغال بقوميتهم والدعوة إليها واإلعراض عن دينهم‬

‫ومن زعم من دعاة القومية أن الدين من عناصرها فقد فرض أخطاء على القوميين‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫وقال عليهم ما لم يقولوا ألن الدين يخالف أسسهم التي بنوا القومية عليها‬

‫ويخالف صريح كالمهم ويباين ما يقصدونه من تكتيل العرب على اختالف أديانهم‬

‫تحت راية القومية ولهذا تجد من يجعل الدين من عناصر القومية يتناقض في كالمه‬

‫فيثبته تارة وينفيه أخرى وما ذلك إال أنه لم يقله عن عقيدة وإيمان وإنما قاله‬

‫مجاملة ألهل اإلسالم أو عن جهل بحقيقة القومية وهدفه ‪.‬وهكذا قول من قال‪:‬‬

‫إنها تخدم اإلسالم أو تسانده وكل ذلك بعيد عن الحقيقة والواقع وإنما الحقيقة‬

‫أنها تنافس اإلسالم وتحاربه في عقر داره وتطلي ببعض خصائصه ترويجا لها‬

‫وتلبيسا أو جهال وتقليدا ولو كانت الدعوة إلى القومية يراد منها نصر اإلسالم‬

‫وحماية شعائره لكرس القوميون جهدهم في الدعوة إليه ومناصرته وتحكيم‬

‫دستوره النازل من فوق سبع سماوات ولبادروا إلى التخلق بأخالقه والعمل بما يدعو‬

‫إليه وابتعدوا عن كل ما يخالفه ألنه األصل األصيل والهدف األعظم وألنه السبيل‬

‫الذي من سار عليه واستقام عليه وصل إلى شاطئ السالمة وفاز بالجنة والكرامة‬

‫ومن حاد عن سبيله باء بالخيبة والندامة وخسر الدنيا واآلخرة فلو كان دعاة القومية‬

‫يقصدون بدعوتهم إليها تعظيم اإلسالم وخدمته ورفع شأنه لما اقتصروا على‬

‫الدعوة للخادم دون المخدوم وكرسوا لهذا الخادم جهودهم وغضبوا من صوت دعاة‬

‫اإلسالم إذا دعوا إليه وحذروا مما يخالفه أو يقف حجرا في طريق لو كان دعاة‬

‫القومية يريدون بدعوتهم إعالء كلمة اإلسالم واجتماع العرب عليه لنصحوا العرب‬

‫ودعوهم إلى التمسك بتعاليم اإلسالم وتنفيذ أحكامه ولشجعوهم على نصره ودعوة‬

‫الناس إليه فإن العرب أولى الناس بأن ينصروا اإلسالم ويحموه من مكايد األعداء‬

‫ويحكموه فيما شجر بينهم كما فعل أسالفهم ألنه عزهم وذكرهم ومجدهم كما‬

‫قال هللا تعالى‪:‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫(لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفال تعقلون)‬
‫وقال‬

‫أوج إليك إنك عىل ضاط مستقيم لذكر لك‬


‫(فاستمسك بالذي ي‬
‫ولقومك وسوف تسألون)‬

‫الوجه األول‪ :‬الدعوة إلى القومية العربية تفرق بين المسلمين‬

‫وإذا عرفت أيها القارئ ما تقدم فاعلم أن هذه الدعوة‪ :‬أعني الدعوة إلى القومية‬

‫العربية أحدثها الغربيون من النصارى لمحاربة اإلسالم والقضاء عليه في داره بزخرف‬

‫من القول وأنواع من الخيال وأساليب من الخداع فاعتنقها كثير من العرب من أعداء‬

‫اإلسالم واغتر بها كثير من األغمار ومن قلدهم من الجهال وفرح بذلك أرباب اإللحاد‬

‫وخصوم اإلسالم في كل مكان ومن المعلوم من دين اإلسالم بالضرورة أن الدعوة‬

‫إلى القومية العربية أو غيرها من القوميات دعوة باطلة وخطأ عظيم ومنكر ظاهر‬

‫وجاهلية وكيد سافر لإلسالم وأهله وذلك لوجوه‬

‫األول‪ :‬أن الدعوة إلى القومية العربية تفرق بين المسلمين وتفصل المسلم العجمي‬

‫عن أخيه العربي وتفرق بين العرب أنفسهم ألنهم كلهم ليسوا يرتضونها وإنما‬

‫يرضاها منهم قوم دون قوم وكل فكرة تقسم المسلمين وتجعلهم أحزابا فكرة‬

‫باطلة تخالف مقاصد اإلسالم وما يرمي إليه وذلك ألنه يدعو إلى االجتماع‬

‫والوئام والتواصي بالحق والتعاون على البر والتقوى كما يدل على ذلك قوله‬

‫(يا أيها الذين آمنوا اتقوا هللا حق تقاته وال تموتن إال وأنتم‬ ‫سبحانه‪:‬‬

‫مسلمون واعتصموا‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫بحبل هللا جميعا وال تفرقوا واذكروا نعمت هللا عليكم إذ كنتم أعداء‬
‫فألف ربي قلوبكم‬
‫فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم عىل شفا حفرة من النار فأنقذكم منها‬
‫يبي هللا لكم آياته لعلكم تهتدون)‬
‫كذلك ر‬
‫وقال تعالى‪:‬‬

‫ؤمني وألف ربي قلوبــهم لو أنفقت ما يف‬


‫(هو الذي أيدك بنرصه وبالم ر‬
‫األرض جميعا ما ألفت ربي قلوبــهم ولكن هللا ألف بينهم إنه عزيز‬
‫حكيم)‬
‫وقال تعالى‪:‬‬

‫كي من الذين‬ ‫منيبي إليه واتقوه وأقيموا الصالة وال تكونوا من ر‬


‫المش ر‬ ‫( ر‬
‫فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون)‬
‫فانظر أيها المؤمن الراغب في الحق كيف يحارب اإلسالم التفرق واالختالف ويدعو‬

‫إلى االجتماع والوئام والتمسك بحبل الحق والوفاة عليه تعلم بذلك أن هدف القومية‬

‫غير هدف اإلسالم وأن مقاصدها تخالف مقاصد اإلسالم ويدل على ذلك أيضا أن‬

‫هذه الفكرة أعني الدعوة إلى القومية العربية وردت إلينا من أعدائنا الغربيين وكادوا‬

‫بها المسلمين ويقصدون من ورائها فصل بعضهم عن بعض وتحطيم كيانهم‬

‫وتفريق شملهم على قاعدتهم المشئومة "فرق تسد" وكم نالوا من اإلسالم وأهله‬

‫بهذه القاعدة النحيسة مما يحزن القلوب ويدمي العيون وذكر كثير من مؤرخي‬

‫الدعوة إلى القومية العربية ومنهم مؤلف الموسوعة العربية‪:‬أن أول من دعا إلى‬

‫القومية العربية في أواخر القرن التاسع عشر الميالدي هم الغربيون على أيدي بعثات‬

‫التبشير في سوريا ليفصلوا الترك عن العرب ويفرقوا بين المسلمين ولم تزل الدعوة‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫إليها في الشام والعراق ولبنان تزداد وتنمو حتى عقد لها أول مؤتمر في باريس‬

‫من نحو ستين سنة وذلك عام ‪ ١٩١٠‬وكثرت بسبب ذلك الجمعيات العربية وتعددت‬

‫االتجاهات فحاول األتراك إخمادها بأحكام اإلعدام التي نفذها جمال باشا في سورية‬

‫في ذلك الوقت إلي آخر ما ذكروا فهل تظن أيها القارئ أن خصومنا وأعداءنا يسعون‬

‫في مصالحنا بابتداعهم الدعوة إلى القومية العربية وعقد المؤتمرات لها وابتعاث‬

‫المبشرين بها ال وهللا إنهم ال يريدون بنا خيرا وال يعملون لمصالحنا وإنما يعملون‬

‫ويسعون لتحطيمنا وتمزيق شملنا والقضاء على ما بقي من ديننا وكفى بذلك دليال‬

‫لكل ذي لب على ما يراد من وراء الدعوة إلى القومية العربية وأنها معول غربي‬

‫استعماري يراد به تفريقنا وإبعادنا عن ديننا كما سلف ومن العجب الذي ال ينقضي‬

‫أن كثيرا من شبابنا وكتابنا ألهمهم هللا رشدهم خفيت عليهم هذه الحقيقة حتى‬

‫ظنوا أن التكتل والتجمع حول القومية العربية والمناصرة لها أنفع للعرب وأضر للعدو‬

‫من التجمع والتكتل حول اإلسالم ومناصرته وهذا بال شك ظن خاطئ واعتقاد غير‬

‫مطابق للحقيقة نعم ال شك أنه يحزن المستعمر ويقلق راحته كل تجمع وتكتل ضد‬

‫مصلحته ولكن خوفه من التجمع والتكتل حول اإلسالم أعظم وأكبر ولذلك رضي‬

‫بالدعوة إلى القومية العربية وحفز العرب إليها ليشغلهم عن اإلسالم وليقطع بها‬

‫صلتهم بالله سبحانه ألنهم إذا فقدوا اإلسالم حرموا ما ضمنه هللا لهم من النصر‬

‫الذي وعدهم به في اآليتين السابقتين وفي قوله تعالى‪:‬‬

‫(ولينرصن هللا من ينرصه إن هللا لقوي عزيز الذين إن مكناهم يف‬


‫األرض أقاموا الصالة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر‬
‫وهلل عاقبة األمور)‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫ومعلوم عند جميع العقالء أنه إذا كان ال بد من أحد ضررين فارتكاب األدنى منهما‬

‫أولى حذرا من الضرر األكبر وقد دل الشرع والقدر على هذه القاعدة وقد عرفها‬

‫المستعمر وسلكها في هذا الباب وغيره فتنبه يا أخي واحذر مكايد الشيطان‬

‫واالستعمار وأوليائهما تنج من ضرر عظيم وخطر كبير وعواقب سيئة عافاني هللا‬

‫وإياك والمسلمين من ذلك ومما تقدم يعلم القارئ اليقظ أن الدعوة إلى القومية‬

‫العربية كما أنها إساءة إلى اإلسالم ومحاربة له في بالده فهي أيضا إساءة إلى‬

‫العرب أنفسهم وجناية عليهم عظيمة لكونها تفصلهم عن اإلسالم الذي هو مجدهم‬

‫األكبر وشرفهم األعظم ومصدر عزهم وسيادتهم على العالم فكيف يرضى عربي‬

‫عاقل بدعوة هذا شأنها وهذه غايتها؟‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫رسالته‬ ‫في‬ ‫الندوي‬ ‫الحسن‬ ‫أبو‬ ‫الشهير‬ ‫اإلسالمي‬ ‫الكاتب‬ ‫أحسن‬ ‫ولقد‬

‫المشهورة "اسمعوها مني صريحة أيها العرب" حيث يقول ما نصه‪:‬‬

‫(فمن المؤسف المحزن المخجل أن يقوم يف هذا الوقت يف العالم‬


‫العرت رجال يدعون إىل القومية العربية المجردة من العقيدة والرسالة‬
‫ري‬
‫نت عرفه تاري ــخ اإليمان وعن أقوى‬
‫وإىل قطع الصلة عن أعظم ر ي‬
‫أمي رابطة روحية تجمع ربي األمم‬ ‫شخصية ظهرت ف العالم وعن ى‬
‫ي‬
‫ى‬
‫الت‬
‫واألفراد واألشتات إنها جريمة قومية رتت جميع الجرائم القومية ي‬
‫سجلها تاري ــخ هذه األمة وإنها حركة هدم وتخريب تفوق جميع‬
‫الحركات الهدامة المعروفة يف التاري ــخ وإنها خطوة حاسمة مشئومة يف‬
‫االجتماع)‬
‫ي‬ ‫القوم واالنتحار‬
‫ي‬ ‫سبيل الدمار‬
‫فتأمل أيها القارئ كلمة هذا العالم العربي الحسني الكبير الذي قد سبر أحوال‬

‫العالم وعرف نتائج الدعوة إلى القوميات وسوء مصيرها تدرك بعقلك السليم ما وقع‬

‫فيه العرب المسلمون اليوم من فتنة كبرى ومصيبة عظمى بهذه الدعوة المشئومة‬

‫وقى هللا المسلمين شرها ووفق العرب وجميع المسلمين للرجوع إلى ما كان عليه‬

‫أسالفهم المهديون إنه سميع مجيب ثم ال يخفاك أيها القارئ الكريم غربة اإلسالم‬

‫اليوم وقلة أنصاره والمتحمسين لدعوته وكثرة المحاربين له والمتنكرين ألحكامه‬

‫وتعاليمه‪ ،‬فالواجب على أبناء اإلسالم بدال من التحمس للقومية والمناصرة لدعوتها‬

‫أن يكرسوا جهودهم للدعوة إلى اإلسالم وتعظيمه في قلوب الناس وأن يجتهدوا‬

‫في نشر محاسنه وإعالن أحكامه العادلة وتعاليمه السمحة صافية نقية من شوائب‬

‫الشرك والخرافات والبدع واألهواء حتى يعيدوا بذلك ما درس من مجد أسالفهم‬

‫وحماستهم لإلسالم وتكريس قواهم لنصرته وحمايته والرد على خصومه بشتى‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫األساليب الناجعة وأنواع الحجج والبراهين الساطعة وال شك أن هذا واجب متحتم‬

‫وفرض الزم على جميع أبناء اإلسالم‪ ،‬كل منهم بحسب ما أعطاه هللا من المقدرة‬

‫واإلمكانيات التي يستطيع بها القيام بما أوجب هللا عليه من النصر لدينه والدعوة‬

‫إليه فنسأل هللا أن يمن على الجميع بذلك وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا وأن يقر أعين‬

‫المسلمين جميعا بنصر اإلسالم الصافي من الشوائب وظهوره على جميع خصومه‬

‫في القريب العاجل‪ ،‬إنه سبحانه خير مسئول وأقرب مجيب‪.‬‬

‫الوجه الثاني‪ :‬أن اإلسالم نهى عن دعوى الجاهلية وحذر منها‬

‫الوجه الثاني‪ :‬أن اإلسالم نهى عن دعوى الجاهلية وحذر منها وأبدى في ذلك وأعاد‬

‫في نصوص كثيرة بل قد جاءت النصوص تنهى عن جميع أخالق الجاهلية وأعمالهم‬

‫إال ما أقره اإلسالم من ذلك وال ريب أن الدعوة إلى القومية العربية من أمر الجاهلية‬

‫ألنها دعوة إلى غير اإلسالم ومناصرة لغير الحق وكم جرت دعوى الجاهلية على‬

‫أهلها من ويالت وحروب طاحنة وقودها النفوس واألموال واألعراض وعاقبتها تمزيق‬

‫الشمل وغرس العداوة والشحناء في القلوب والتفريق بين القبائل والشعوب قال‬

‫شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا‪( :‬كل ما خرج عن دعوى اإلسالم والقرآن‬
‫من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة فهو من عزاء الجاهلية بل‬
‫لما اختصم مهاجري وأنصاري فقال المهاجري يا للمهاجرين وقال‬
‫النت صىل هللا عليه وسلم أبدعوى الجاهلية‬
‫األنصاري يا لألنصار قال ر ي‬
‫وأنا ربي أظهركم وغضب لذلك غضبا شديدا)‬
‫ومما ورد في ذلك من النصوص قوله تعالى‪:‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫وآتي‬
‫(وقرن يف بيوتكن وال رتتجن رتتج الجاهلية األوىل وأقمن الصالة ر‬
‫الزكاة وأطعن هللا ورسوله)‬
‫وقال تعالى‪:‬‬
‫(إذ جعل الذين كفروا يف قلوبــهم الحمية حمية الجاهلية)‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫وفي سنن أبي داود عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪:‬‬

‫(ليس منا من دعا إىل عصبية وليس منا من قاتل عىل عصبية وليس منا‬
‫من مات عىل عصبية) وفي صحيح مسلم أيضا عن النبي صلى هللا عليه وسلم‬

‫أنه قال‪:‬‬

‫يبع أحد عىل أحد وال يفخر أحد‬ ‫ى‬


‫إىل أن تواضعوا حت ال ي‬ ‫(إن هللا أوج ي‬
‫عىل أحد) وال ريب أن دعاة القومية يدعون إلى عصبية ويغضبون لعصبية ويقاتلون‬

‫على عصبية وال ريب أيضا أن الدعوة إلى القومية تدعو إلى البغي والفخر ألن القومية‬

‫ليست دينا سماويا يمنع أهله من البغي والفخر وإنما هي فكرة جاهلية تحمل أهلها‬

‫على الفخر بها والتعصب لها على من نالها بشيء وإن كانت هي الظالمة وغيرها‬

‫المظلوم فتأمل أيها القارئ ذلك يظهر لك وجه الحق ومن النصوص الواردة في ذلك‬

‫ما رواه الترمذي وغيره عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪:‬‬

‫(إن هللا قد أذهب عنكم عصبية الجاهلية وفخرها باآلباء إنما هو مؤمن‬
‫لعرت‬ ‫فضل‬ ‫وال‬ ‫اب‬‫ر‬ ‫ت‬ ‫من‬ ‫خلق‬ ‫وآدم‬ ‫آدم‬ ‫بنو‬ ‫الناس‬ ‫شف‬‫ىتف أو فاجر ى‬
‫ري‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫عجم إال بالتقوى) وهذا الحديث يوافق قوله تعالى‪:‬‬
‫ي‬ ‫عىل‬
‫وأنت وجعلناكم شعوبا وقبائل‬‫(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر ر‬
‫لتعارفوا إن أكرمكم عند هللا أتقاكم)‬
‫أوضح سبحانه بهذه اآلية الكريمة أنه جعل الناس شعوبا وقبائل للتعارف ال للتفاخر‬

‫والتعاظم وجعل أكرمهم عنده سبحانه هو أتقاهم وهكذا يدل الحديث المذكور على‬

‫هذا المعنى ويرشد إلى أن سنة الجاهلية التكبر والتفاخر باألسالف واألحساب‬

‫واإلسالم بخالف ذلك يدعو إلى التواضع والتقوى والتحاب في هللا وأن يكون‬

‫المسلمون الصادقون من سائر أجناس بني آدم جسدا واحدا وبناء واحدا يشد بعضهم‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫بعضا ويألم بعضهم لبعض كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى هللا عليه وسلم‬

‫أنه قال‪( :‬المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك ربي أصابعه)‬
‫المؤمني يف توادهم وتراحمهم وتعاطفهم‬
‫ر‬ ‫وقال صلى هللا عليه وسلم‪( :‬مثل‬
‫كمثل الجسد الواحد إذا اشتىك منه عضو تداع له سائر الجسد بالحم‬
‫والسهر) فأنشدك بالله أيها القومي‪ :‬هل قوميتك تدعو إلى هذه األخالق الفاضلة‬

‫من الرحمة للمسلمين من العرب والعجم والعطف عليهم والتألم آلالمهم ال وهللا‬

‫وإنما تدعو إلى مواالة من انخرط في سلكها وتنصب العداوة لمن تنكر لها فتنبه‬

‫أيها المسلم الراغب في النجاة وانظر إلى حقائق األمور بمرآة العدالة والتجرد من‬

‫التعصب والهوى حتى ترى الحقائق على ما هي عليه أرشدني هللا وإياك إلى أسباب‬

‫النجاة ومن ذلك ما ثبت في الصحيح أن غالما من المهاجرين وغالما من األنصار تنازعا‬

‫فقال المهاجري‪ :‬يا للمهاجرين وقال األنصاري‪ :‬يا لألنصار فسمع ذلك النبي صلى‬

‫فإذا كان من انتسب‬ ‫هللا عليه وسلم فقال‪( :‬أبدعوى الجاهلية وأنا ربي أظهركم)‬
‫إلى المهاجرين واستنصر بهم على أو إلى األنصار واستنصر بهم يكون قد دعا بدعوى‬

‫الجاهلية مع كونهما اسمين محبوبين لله سبحانه وقد أثنى هللا على أهلهما ثناء‬

‫عظيما في قوله تعالى‪:‬‬

‫(والسابقون األولون من المهاجرين واألنصار والذين اتبعوهم بإحسان‬


‫رض هللا عنهم ورضوا عنه)‬
‫ي‬
‫فكيف تكون حال من انتسب إلى القومية واستنصر بها وغضب لها أفال يكون أولى‬

‫ثم أولي بأن يكون قد دعا بدعوى الجاهلية ال شك أن هذا من أوضح اإليضاحات‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫ومن ذلك ما ثبت في الحديث الصحيح عن الحارث األشعري أن النبي صلى هللا عليه‬

‫بت‬‫يحت بن زكريا بخمس أن يعمل بهن ويأمر ي‬ ‫وسلم قال‪( :‬إن هللا أمر ر‬
‫النت صىل هللا عليه وسلم‪ :‬وأنا‬
‫إشائيل أن يعملوا بهن فذكرها ثم قال ر ي‬
‫أمرت بهن‪ :‬السمع والطاعة والجهاد والهجرة‬ ‫ي‬ ‫آمركم بخمس هللا‬
‫شت فقد خلع ربقة اإلسالم من‬
‫والجماعة فإنه من فارق الجماعة قيد ر‬
‫عنقه إال أن يراجع ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من ر‬
‫جت جهنم قيل يا‬
‫رسول هللا وإن صىل وصام قال وإن صىل وصام وزعم أنه مسلم فادعوا‬
‫المؤمني عباد هللا) وهذا الحديث‬
‫ر‬ ‫المسلمي‬
‫ر‬ ‫بدعوى هللا الذي سماكم‬
‫الصحيح من أوضح األحاديث وأبينها في إبطال الدعوة إلى القومية واعتبارها دعوة‬

‫جاهلية يستحق دعاتها أن يكونوا من جثي جهنم وإن صاموا وصلوا وزعموا أنهم‬

‫مسلمون فيا له من وعيد شديد وتحذير ينذر كل مسلم من الدعوات الجاهلية والركون‬

‫إلى معتنقيها وإن زخرفوها بالمقاالت السحرية والخطب الرنانة الواسعة التي ال‬

‫أساس لها من الحقيقة وال شاهد لها من الواقع وإنما هو التلبيس والخداع والتقليد‬

‫األعمى الذي ينتهي بأهله إلى أسوأ العواقب نسأل هللا السالمة من ذلك وهنا‬

‫شبهة يذكرها بعض دعاة القومية أحب أن أكشفها للقارئ وهي أن بعض دعاة‬

‫القومية زعم أن النهي عن الدعوة إلى القومية العربية والتحذير منها يتضمن تنقص‬

‫العرب وإنكار فضلهم‪.‬‬

‫والجواب أن يقال‪ :‬ال شك أن هذا زعم خاطئ واعتقاد غير صحيح فإن االعتراف بفضل‬

‫العرب وما سبق لهم في صدر اإلسالم من أعمال مجيدة ال يشك فيه مسلم عرف‬

‫التاريخ كما أسلفنا وقد ذكر غير واحد من أهل العلم ومنهم ابن تيمية في"اقتضاء‬

‫الصراط المستقيم" أن مذهب أهل السنة تفضيل جنس العرب على غيرهم وأورد في‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫ذلك أحاديث تدل على ذلك ولكن ال يلزم من االعتراف بفضلهم أن يجعلوا عمادا يتكتل‬

‫حوله ويوالى عليه ويعادى عليه وإنما ذلك من حق اإلسالم الذي أعزهم هللا به وأحيا‬

‫فكرهم ورفع شأنهم فهذا لون وهذا لون ثم هذا الفضل الذي امتازوا به على‬

‫غيرهم وما من هللا به عليهم من فصاحة اللسان ونزول القرآن الكريم بلغتهم وإرسال‬

‫الرسول العام بلسانهم ليس مما يقدمهم عند هللا في اآلخرة وال يوجب لهم النجاة‬

‫إذا لم يؤمنوا ويتقوا وليس ذلك أيضا بموجب تفضيلهم على غيرهم من جهة الدين‬

‫بل أكرم الناس عند هللا أتقاهم كما تقدم في اآلية الكريمة والحديث الشريف بل‬

‫هذا الفضل عند أهل التحقيق يوجب عليهم أن يشكروا هللا سبحانه أكثر من غيرهم‬

‫وأن يضاعفوا الجهود في نصر دينه الذي رفعهم هللا به وأن يوالوا عليه ويعادوا‬

‫عليه دون أن يلتفتوا إلى قومية أو غيرها من األفكار المسمومة والدعوات المشئومة‬

‫ولو كانت أنسابهم وحدها تنفعهم شيئا لم يكن أبو لهب وأضرابه من أصحاب النار‬

‫ولو كانت تنفعهم بدون اإليمان لم يقل لهم النبي صلى هللا عليه وسلم في الحديث‬

‫أغت عنكم من هللا‬ ‫ال‬ ‫هللا‬ ‫من‬ ‫أنفسكم‬ ‫وا‬ ‫معش قريش ى‬
‫اشت‬ ‫الصحيح‪( :‬يا ر‬
‫ي‬
‫شيئا) وبذلك يعلم القارئ السليم من الهوى أن الشبهة المذكورة شبهة واهية ال‬

‫أساس لها من الشرع المطهر وال من المنطق السليم البعيد من الهوى وهنا شبهة‬

‫أخرى وهي قول بعضهم‪ :‬أنه قد روي عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪( :‬إذا‬
‫ذل العرب ذل اإلسالم) ورواه بعضهم بلفظ‪( :‬إذا عز العرب عز اإلسالم)‬
‫قالوا‪ :‬وهذا يدل علي أن انتصار القومية العربية والدعوة إليها انتصار لإلسالم ودعوة‬

‫إليه والجواب أن يقال‪ :‬يعلم كل ذي لب سليم وبصيرة باإلسالم أن هذه سفسطة‬

‫في النقليات ومغالطة في الحقائق وتأويل للحديث على غير تأويله سواء صح أم لم‬

‫يصح فإن الواقع يشهد بخالف ما ذكره القائل فقد ذل العرب يوم بدر ويوم األحزاب‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫وصار في ذلهم عز اإلسالم وظهوره وانتصر العرب يوم أحد وصار في انتصارهم ذل‬

‫المسلمين والمضرة عليهم ولكن هللا سبحانه لطف بأوليائه وأحسن لهم العاقبة‬

‫فهل يستطيع هذا القائل أن يدعي خالف هذا الواقع‬

‫وهل يمكن أن يقول‪ :‬إن انتصار العرب الكافرين بالله المحاربين لدينه انتصار لإلسالم‬

‫من قال هذا فقد قال خالف الحق وهو إما جاهل أو متجاهل يريد أن يلبس الحق‬

‫بالباطل ويخدع ضعفاء البصائر سبحان هللا ما أعظم شأنه ثم أعود فأوضح للقارئ أن‬

‫الحديث المذكور ضعيف اإلسناد وال يصح عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال الحافظ‬

‫(إذا ذلت‬ ‫أبو الحسن الهيثمي في"مجمع الزوائد" لما ذكر هذا الحديث بلفظ‪:‬‬

‫رواه أبو يعلى وفي إسناده محمد بن الخطاب ضعفه األزدي‬ ‫العرب ذل اإلسالم)‬
‫وغيره ووثقه ابن حبان وقال الحافظ الذهبي في "الميزان" في ترجمة محمد‬

‫المذكور قال أبو حاتم‪ :‬ال أعرفه وقال األزدي‪ :‬منكر الحديث انتهى قلت‪ :‬وفي إسناده‬

‫أيضا علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف عند جمهور من المحدثين ال يحتج بحديثه لو‬

‫سلم اإلسناد من غيره فكيف وفي اإلسناد من هو أضعف منه وهو محمد بن الخطاب‬

‫المذكور وأما توثيق ابن حبان له فال يعتمد عليه ألنه معروف بالتساهل وقد خالفه‬

‫غيره ولو صح الحديث لكان معناه‪ :‬إذا ذل العرب الحاملون راية اإلسالم والدعوة إليه‬

‫ال العرب المتنكرون له الداعون إلى غيره وال يجوز أن يرد في سنة رسول هللا صلى‬

‫هللا عليه وسلم ما يخالف القرآن الكريم واألحاديث الصحيحة أبدا فإن كالم هللا ال‬

‫يتناقض وكالم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كذلك والسنة ال تخالف القرآن بل‬

‫تصدقه وتوافقه وتدل على معناه وتوضح ما أجمل فيه وقد علق هللا سبحانه في‬

‫القرآن النصر على اإليمان بالله والنصر لدينه فال يجوز أن يرد في السنة ما يناقض‬

‫ذلك فتنبه أيها المؤمن واحذر من الشبهات المضللة واألحاديث المكذوبة واآلراء‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫الفاسدة واألفكار المسمومة فإن الخطر عظيم والمعصوم من عصمه هللا سبحانه‬

‫فاعتصم به وتوكل عليه وتفقه في دينه واستقم عليه تفز بالنجاة والعاقبة الحميدة‬

‫وهذه الشبه‬

‫وأمثالها تفسر لنا ما صح به الحديث عن النبي صلى هللا عليه وسلم من حديث حذيفة‬

‫الخت‬
‫ر‬ ‫أنه قال‪( :‬كان الناس يسألون الرسول صىل هللا عليه وسلم عن‬
‫كت فقلت‪ :‬يا رسول هللا إنا كنا يف‬‫يدر‬ ‫أن‬ ‫مخافة‬ ‫وكنت أسأله عن ر‬
‫الش‬
‫ي‬
‫الخت من رش قال نعم‬‫الخت فهل بعد هذا ر‬ ‫جاهلية ر‬
‫وش فجاءنا هللا بهذا ر‬
‫خت قال نعم وفيه دخن قلت‪ :‬ما دخنه‬‫الش من ر‬ ‫قلت‪ :‬وهل بعد ذلك ر‬
‫بغت هدي تعرف منهم وتنكر‬‫سنت ويــهدون ر‬‫بغت ى‬‫قال‪ :‬قوم يستنون ر‬
‫ي‬
‫الخت من رش قال‪ :‬نعم دعاة عىل أبواب جهنم من‬
‫قلت‪ :‬فهل بعد ذلك ر‬
‫أجابهم إليها قذفوه فيها قلت‪ :‬يا رسول هللا صفهم لنا قال‪ :‬هم من‬
‫كت‬
‫تأمرت يا رسول هللا إن أدر ي‬
‫ي‬ ‫جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت‪ :‬فما‬
‫ذلك قال‪ :‬تلزم جماعة المسلم ري وإمامهم قلت‪ :‬فإن لم يكن لهم جماعة‬
‫فاعتل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة ى‬
‫حت‬ ‫ى‬ ‫وال إمام قال‪:‬‬
‫رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري فهذا‬ ‫يدركك الموت وأنت عىل ذلك)‬
‫الحديث العظيم الجليل يرشدك أيها المسلم إلى أن هؤالء الدعاة اليوم الذين يدعون‬

‫إلى أنواع من الباطل كالقومية العربية واالشتراكية والرأسمالية الغاشمة وإلى‬

‫الخالعة والحرية المطلقة وأنواع الفساد كلهم دعاة على أبواب جهنم سواء علموا‬

‫أم لم يعلموا من أجابهم إلى باطلهم قذفوه في جهنم وال شك أن هذا الحديث‬

‫الجليل من أعالم النبوة ودالئل صحة رسالة محمد صلى هللا عليه وسلم حيث أخبر‬

‫بالواقع قبل وقوعه فوقع كما أخبر فنسأل هللا لنا ولسائر المسلمين العافية من‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫مضالت الفتن ونسأله سبحانه أن يصلح والة أمر المسلمين وزعماءهم حتى ينصروا‬

‫دينه ويحاربوا ما خالفه إنه ولي ذلك والقادر عليه‪.‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫الوجه الثالث‪ :‬هو أنها سلم إلى مواالة كفار العرب ومالحدتهم‬

‫الوجه الثالث‪ :‬من الوجوه الدالة على بطالن الدعوة إلى القومية العربية‪ :‬هو أنها‬

‫سلم إلى مواالة كفار العرب ومالحدتهم من أبناء غير المسلمين واتخاذهم بطانة‬

‫واالستنصار بهم على أعداء القوميين من المسلمين وغيرهم ومعلوم ما في هذا‬

‫من الفساد الكبير والمخالفة لنصوص القرآن والسنة الدالة على وجوب بغض الكافرين‬

‫من العرب وغيرهم ومعاداتهم وتحريم مواالتهم واتخاذهم بطانة والنصوص في‬

‫هذا المعنى كثيرة منها قوله تعالى‪( :‬يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا اليهود‬
‫والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن‬
‫فتى الذين يف قلوبــهم مرض يسارعون فيهم‬ ‫هللا ال يهدي القوم الظالمي ى‬
‫ر‬
‫يقولون ر‬
‫نخش أن تصيبنا دائرة) سبحان هللا ما أصدق قوله وأوضح بيانه هؤالء‬

‫القوميون يدعون إلى التكتل حول القومية العربية مسلمها وكافرها يقولون‪ :‬نخشى‬

‫أن تصيبنا دائرة نخشى أن يعود االستعمار إلى بالدنا نخشى أن تسلب ثرواتنا بأيدي‬

‫أعدائنا فيوالون ألجل ذلك كل عربي من يهود ونصارى ومجوس ووثنيين ومالحدة‬

‫وغيرهم تحت لواء القومية العربية ويقولون‪ :‬إن نظامها ال يفرق بين عربي وعربي‬

‫وإن تفرقت أديانهم فهل هذا إال مصادمة لكتاب هللا ومخالفة لشرع هللا وتعد‬

‫لحدود هللا ومواالة ومعاداة وحب وبغض على غير دين هللا فما أعظم ذلك من باطل‬

‫وما أسوأه من منهج القرآن يدعو إلى مواالة المؤمنين ومعاداة الكافرين أينما كانوا‬

‫وكيفما كانوا وشرع القومية العربية يأبى ذلك ويخالفه‪( :‬قل أأنتم أعلم أم هللا)‬
‫ويقول هللا سبحانه‪( :‬يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء‬
‫تلقون إليهم بالمودة) إلى قوله تعالى‪( :‬ومن يفعله منكم فقد ضل سواء‬
‫السبيل)‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫ونظام القومية يقول‪ :‬كلهم أولياء مسلمهم وكافرهم‬

‫وهللا يقول‪ ( :‬رشع لكم من الدين ما وض به نوحا والذي أوحينا إليك وما‬
‫ويقول‬ ‫وصينا به إبراهيم وموش وعيش أن أقيموا الدين وال تتفرقوا فيه)‬
‫سبحانه‪( :‬قد كانت لكم أسوة حسنة يف إبراهيم والذين معه إذ قالوا‬
‫لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون هللا كفرنا بكم وبدا بيننا‬
‫وبينكم العداوة والبغضاء أبدا ى‬
‫حت تؤمنوا باهلل وحده) وقال تعالى‪( :‬ال‬
‫تجد قوما يؤمنون باهلل واليوم اآلخر يوادون من حاد هللا ورسوله ولو‬
‫عشتتهم) وشرع القومية أو بعبارة‬
‫ر‬ ‫كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو‬
‫أخرى شرع دعاتها يقول‪ :‬أقصوا الدين عن القومية وافصلوا الدين عن الدولة وتكتلوا‬

‫حول أنفسكم وقوميتكم حتى تدركوا مصالحكم وتستردوا أمجادكم وكأن اإلسالم‬

‫وقف في طريقهم وحال بينهم وبين أمجادهم هذا وهللا هو الجهل والتلبيس‬

‫وعكس القضية سبحانك هذا بهتان عظيم واآليات الدالة على وجوب مواالة المؤمنين‬

‫ومعاداة الكافرين والتحذير من توليهم كثيرة ال تخفى على أهل القرآن فال ينبغي‬

‫أن نطيل بذكرها وكيف يجوز في عقل عاقل أن يكون أبو جهل وأبو لهب وعقبة بن‬

‫أبي معيط والنضر بن الحارث وأضرابهم من صناديد الكفار في عهد النبي صلى هللا‬

‫عليه وسلم وبعده إلي يومنا هذا إخوانا وأولياء ألبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر‬

‫الصحابة ومن سلك سبيله من العرب إلى يومنا هذا هذا وهللا من أبطل الباطل‬

‫وأعظم الجهل وشرع القومية ونظامها يوجب هذا ويقتضيه وإن أنكره بعض دعاتها‬

‫جهال أو تجاهال وتلبيسا فال حول وال قوة إال بالله العلي العظيم وقد أوجب هللا‬

‫على المسلمين‪ :‬أن يتكاتفوا ويتكتلوا تحت راية اإلسالم وأن يكونوا جسدا واحدا‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫وبناء متماسكا ضد عدوهم ووعدهم على ذلك النصر والعز والعاقبة الحميدة كما‬

‫تقدم ذلك في كثير من اآليات‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫(وعد هللا الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات‬ ‫وكما في قوله تعالي‪:‬‬

‫ليستخلفنهم يف األرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكي لهم‬


‫يعبدونت ال‬
‫ي‬ ‫دينهم الذي ارتض لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا‬
‫المرسلي إنهم‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫يشكون ر يت شيئا) وقال تعالى‪( :‬ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا‬
‫الغالبون) فوعد هللا سبحانه عباده المرسلين‬ ‫لهم المنصورون وإن جندنا لهم‬
‫وجنده المؤمنين بالنصر والغلبة واستخالفهم في األرض والتمكين لدينهم وهو‬

‫وإنما يتخلف هذا الوعد‬ ‫الصادق في وعده (وعد هللا ال يخلف هللا الميعاد)‬
‫في بعض األحيان بسبب تقصير المسلمين وعدم قيامهم بما أوجب هللا عليهم من‬

‫اإليمان بالله والنصر لدينه كما هو الواقع فالذنب ذنبنا ال ذنب اإلسالم والمصيبة‬

‫حصلت بما كسبت أيدينا من الخطايا كما قال تعالى‪( :‬وما أصابكم من مصيبة‬
‫كثت) فالواجب على العرب وغيرهم التوبة إلى‬
‫ويعفو عن ر‬ ‫فبما كسبت أيديكم‬
‫هللا سبحانه والتمسك بدينه والتواصي بحقه وتحكيم شريعته والجهاد في سبيله‬

‫واالستقامة على ذلك من الرؤساء وغيرهم فبذلك يحصل لهم النصر ويهزم العدو‬

‫ويحصل التمكين في األرض وإن قل عددنا وعدتنا وال ريب أن من أهم الواجبات‬

‫اإليمانية‪ :‬أخذ الحذر من عدونا وأن نعد له ما نستطيع من القوة وذلك من تمام‬

‫اإليمان ومن األخذ باألسباب التي يتعين األخذ بها وال يجوز إهمالها كما في قوله‬

‫(وأعدوا لهم ما‬ ‫وقوله تعالى‪:‬‬ ‫(يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم)‬ ‫تعالى‪:‬‬

‫قوة) وليس للمسلمين أن يوالوا الكافرين أو يستعينوا بهم على‬ ‫استطعتم من‬
‫أعدائهم فإنهم من األعداء وال تؤمن غائلتهم وقد حرم هللا مواالتهم ونهى عن‬

‫اتخاذهم بطانة وحكم على من توالهم بأنه منهم وأخبر أن الجميع من الظالمين كما‬

‫سبق ذلك في اآليات المحكمات‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫وثبت في‪ :‬صحيح مسلم عن عائشة رضي هللا عنها قالت‪( :‬خرج رسول هللا صىل‬
‫هللا عليه وسلم قبل بدر فلما كان ب "حرة الوبرة " أدركه رجل قد كان‬
‫يذكر منه جرأة ونجدة ففرح أصحاب رسول هللا صىل هللا عليه وسلم‬
‫حي رأوه فلما أدركه قال لرسول هللا صىل هللا عليه وسلم‪ :‬جئت ألتبعك‬
‫ر‬
‫وأصيب معك قال له رسول هللا صىل هللا عليه وسلم "تؤمن باهلل‬
‫بمشك" قالت‪ :‬ثم مض‬ ‫أستعي ر‬
‫ر‬ ‫ورسوله" قال‪ :‬ال قال‪" :‬فارجع فلن‬
‫النت‬ ‫ى‬
‫حت إذا كنا بالشجرة أدركه الرجل فقال له كما قال أول مرة فقال له ر ي‬
‫أستعي‬
‫ر‬ ‫صىل هللا عليه وسلم كما قال أول مرة فقال‪ :‬ال قال‪" :‬فارجع فلن‬
‫بمشك" قالت‪ :‬ثم رجع فأدركه يف ر‬
‫البتاء فقال له كما قال أول مرة‪:‬‬ ‫ر‬
‫"تؤمن باهلل ورسوله قال‪ :‬نعم فقال له رسول هللا صىل هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫"فانطلق") فهذا الحديث الجليل يرشدك إلى ترك االستعانة بالمشركين ويدل على‬

‫أنه ال ينبغي للمسلمين أن يدخلوا في جيشهم غيرهم ال من العرب وال من غير العرب‬

‫ألن الكافر عدو ال يؤمن وليعلم أعداء هللا أن المسلمين ليسوا في حاجة إليهم إذا‬

‫اعتصموا بالله وصدقوا في معاملته ألن النصر بيده ال بيد غيره وقد وعد به المؤمنين‬

‫وإن قل عددهم وعدتهم كما سبق في اآليات وكما جرى ألهل اإلسالم في صدر‬

‫اإلسالم ويدل على تلك أيضا قوله تعالى‪:‬‬

‫(يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا بطانة من دونكم ال يألونكم خباال ودوا ما‬
‫أكت قد بينا‬
‫تخف صدورهم ر‬
‫ي‬ ‫عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما‬
‫لكم اآليات إن كنتم تعقلون)‬
‫فانظر أيها المؤمن إلى كتاب ربك وسنة نبيك عليه الصالة والسالم كيف يحاربان‬

‫مواالة الكفار واالستعانة بهم واتخاذهم بطانة وهللا سبحانه أعلم بمصالح عباده‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫وأرحم بهم من أنفسهم فلو كان في اتخاذهم الكفار أولياء من العرب أو غيرهم‬

‫واالستعانة بهم مصلحة راجحة ألذن هللا فيه وأباحه لعباده ولكن لما علم هللا ما‬

‫في ذلك من المفسدة الكبرى والعواقب الوخيمة نهى عنه وذم من يفعله وأخبر‬

‫في آيات أخرى أن طاعة الكفار وخروجهم في جيش المسلمين يضرهم وال يزيدهم‬

‫ذلك إال خباال كما قال تعالى‪:‬‬

‫(يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم عىل أعقابكم‬
‫خت الناضين)‬
‫فتنقلبوا خاشين بل هللا موالكم وهو ر‬
‫وقال تعالى‪:‬‬

‫(لو خرجوا فيكم ما زادوكم إال خباال وألوضعوا خاللكم يبغونكم الفتنة‬
‫بالظالمي)‬
‫ر‬ ‫وفيكم سماعون لهم وهللا عليم‬
‫فكفى بهذه اآليات تحذيرا من طاعة الكفار واالستعانة بهم وتنفيرا منهم وإيضاحا‬

‫لما يترتب على ذلك من العواقب الوخيمة عافى هللا المسلمين من ذلك وقال تعالى‪:‬‬

‫(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)‬


‫وقال تعالى‪:‬‬

‫(والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إال تفعلوه تكن فتنة يف األرض‬
‫كبت)‬
‫وفساد ر‬
‫أوضح سبحانه أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض والكفار بعضهم أولياء بعض فإذا لم‬

‫يفعل المسلمون ذلك واختلط الكفار بالمسلمين وصار بعضهم أولياء بعض حصلت‬

‫الفتنة والفساد الكبير وذلك بما يحصل في القلوب من الشكوك والركون إلى أهل‬

‫الباطل والميل إليهم واشتباه الحق على المسلمين نتيجة امتزاجهم بأعدائهم‬

‫ومواالة بعضهم لبعض كما هو الواقع اليوم من أكثر المدعين لإلسالم حيث ولوا‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫الكافرين واتخذوهم بطانة فالتبست عليهم األمور بسبب ذلك حتى صاروا ال يميزون‬

‫بين الحق والباطل وال بين الهدى والضالل وال بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان‬

‫فحصل بذلك من الفساد واألضرار ما ال يحصيه إال هللا سبحانه‬

‫وقد احتج بعض دعاة القومية على جواز مواالة النصارى واالستعانة بهم بقوله‬

‫تعالى‪:‬‬

‫(لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين رأشكوا ولتجدن‬
‫أقربــهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى)‬
‫وزعموا أنها ترشد إلى جواز مواالة النصارى لكونهم أقرب مودة للذين آمنوا من‬

‫غيرهم وهذا خطأ ظاهر وتأويل للقرآن بالرأي المجرد المصادم لآليات المحكمات‬

‫المتقدم ذكرها وغيرها ولما ثبت في السنة المطهرة من التحذير من مواالة الكفار‬

‫من أهل الكتاب وغيرهم وترك االستعانة بهم وقد ورد عنه صلى هللا عليه وسلم‬

‫والواجب‪ :‬أن تفسر‬ ‫أنه قال‪( :‬من قال يف القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)‬
‫اآليات بعضها ببعض وال يجوز أن يفسر شيء منها بما يخالف بقيتها وليس في‬

‫هذه اآلية بحمد هللا ما يخالف اآليات الدالة على تحريم مواالة الكفار من النصارى‬

‫وغيرهم وإنما أتي هذا الداعية من سوء فهمه وتقصيره في تدبر اآليات والنظر في‬

‫معناها واالستعانة على ذلك بكالم أهل التفسير المعروفين بالعلم واألمانة واإلمامة‬

‫ومعنى هذه اآلية على ما قال أهل التفسير وعلى ما يظهر من صريح لفظها أن‬

‫النصارى أقرب مودة للمؤمنين من اليهود والمشركين وليس معناها أنهم يوادون‬

‫المؤمنين وال أن المؤمنين يوادونهم ولو فرض أن النصارى أحبوا المؤمنين وأظهروا‬

‫مودتهم لهم لم يجز ألهل اإليمان أن يوادوهم ويوالوهم ألن هللا سبحانه وتعالى‬

‫قد نهاهم عن ذلك في اآليات السالفات ومنها قوله تعالى‪:‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫(يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا اليهود والنصارى أولياء)‬
‫وقوله تعالى‪:‬‬

‫(ال تجد قوما يؤمنون باهلل واليوم اآلخر يوادون من حاد هللا ورسوله)‬
‫وال ريب أن النصارى من المحادين لله ولرسوله النابذين لشريعته المكذبين له‬

‫ولرسوله عليه أفضل الصالة والسالم فكيف يجوز لمن يؤمن بالله واليوم اآلخر أن‬

‫يوادوهم أو يتخذهم بطانة نعوذ بالله من الخذالن وطاعة الهوى والشيطان وزعم‬

‫آخر من دعاة القومية أن هللا سبحانه قد سهل في مواالة الكفار الذين لم يقاتلونا‬

‫ولم يخرجونا من ديارنا واحتج على ذلك بقوله تعالى‪:‬‬

‫(ال ينهاكم هللا عن الذين لم يقاتلوكم يف الدين ولم يخرجوكم من دياركم‬


‫المقسطي)‬
‫ر‬ ‫أن رتتوهم وتقسطوا إليهم إن هللا يحب‬
‫وهذا كالذي قبله احتجاج باطل وقول في القرآن بالرأي المجرد وتأويل لآلية على‬

‫غير تأويلها وهللا سبحانه حرم مواالة الكفار ونهى عن اتخاذهم بطانة في اآليات‬

‫المحكمات ولم يفصل بين أجناسهم وال بين من قاتلنا ومن لم يقاتلنا فكيف يجوز‬

‫لمسلم أن يقول على هللا ما لم يقل وأن يأتي بتفصيل من رأيه لم يدل عليه كتاب‬

‫وال سنة سبحان هللا ما أحلمه وإنما معنى اآلية المذكورة عند أهل العلم‪ :‬الرخصة‬

‫في اإلحسان إلى الكفار والصدقة عليهم إذا كانوا مسالمين لنا بموجب عهد أو أمان‬

‫أو ذمة وقد صح في السنة ما يدل على ذلك كما ثبت في الصحيح‪( :‬أن أم أسماء‬
‫النت صىل هللا عليه وسلم‬
‫أت بكر قدمت عليها يف المدينة يف عهد ر ي‬ ‫بنت ر ي‬
‫النت صىل هللا عليه وسلم أسماء أن تصل‬ ‫ر‬
‫وه مشكة تريد الدنيا فأمر ر ي‬ ‫ي‬
‫النت صىل هللا عليه وسلم‬ ‫ى‬
‫الت وقعت ربي ر ي‬
‫أمها وذلك يف مدة الهدنة ي‬
‫النت صىل هللا عليه وسلم أنه أعىط عمر جبة‬‫وبي أهل مكة) وصح (عن ر ي‬ ‫ر‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫فهذا وأشباهه من اإلحسان الذي‬ ‫من حرير فأهداها إىل أخ له بمكة ر‬
‫مشك)‬
‫قد يكون سببا في الدخول في اإلسالم والرغبة فيه وإيثاره على ما سواه وفي ذلك‬

‫صلة للرحم وجود على المحتاجين وذلك ينفع المسلمين وال يضرهم وليس من مواالة‬

‫الكفار في شيء كما ال يخفى على ذوي األلباب البصيرة‪.‬‬

‫وللقوميين هنا شبهة وهي أنهم يقولون‪ :‬إن التكتل حول القومية العربية بدون‬

‫تفرقة بين المسلم والكافر يجعل العرب وحدة قوية وبناء شامخا يهابهم عدوهم‬

‫ويحترم حقوقهم وإذا انفصل المسلمون عن غيرهم من العرب ضعفوا وطمع فيهم‬

‫العدو وشبهة أخرى وهي أنهم يقولون‪ :‬إن العرب إذا اعتصموا باإلسالم وتجمعوا‬

‫حول رايته حقد عليهم أعداء اإلسالم ولم يعطوهم حقوقهم وتربصوا بهم الدوائر‬

‫خوفا من أن يثيروها حروبا إسالمية ليستعيدوا بها مجدهم السالف وهذا يضرنا‬

‫ويؤخر حقوقنا ومصالحنا المتعلقة بأعدائنا ويثير غضبهم علينا والجواب‪ :‬أن يقال‪ :‬إن‬

‫اجتماع المسلمين حول اإلسالم واعتصامهم بحبل هللا وتحكيمهم لشريعته‬

‫وانفصالهم من أعدائهم والتصريح لهم بالعداوة والبغضاء هو سبب نصر هللا لهم‬

‫وحمايتهم من كيد أعدائهم وهو وسيلة إنزال هللا الرعب في قلوب األعداء من‬

‫الكافرين حتى يهابوهم ويعطوهم حقوقهم كاملة غير منقوصة كما حصل‬

‫ألسالفهم المؤمنين فقد كان بين أظهرهم من اليهود والنصارى الجمع الغفير فلم‬

‫يوالوهم ولم يستعينوا بهم بل والوا هللا وحده واستعانوا به وحده فحماهم‬

‫وأيدهم ونصرهم على عدوهم والقرآن والسنة شاهدان بذلك والتاريخ اإلسالمي‬

‫ناطق بذلك قد علمه المسلم والكافر وقد خرج النبي صلى هللا عليه وسلم يوم بدر‬

‫إلى المشركين وفي المدينة اليهود فلم يستعن بهم والمسلمون في ذلك الوقت‬

‫ليسوا بالكثرة وحاجتهم إلى األنصار واألعوان شديدة ومع ذلك فلم يستعن نبي هللا‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫والمسلمون باليهود ال يوم بدر وال يوم أحد مع شدة الحاجة إلى المعين في ذلك‬

‫الوقت وال سيما يوم أحد وفي ذلك أوضح داللة على أنه ال ينبغي للمسلمين أن‬

‫يستعينوا بأعدائهم وال يجوز أن يوالوهم أو يدخلوهم في جيشهم لكونهم ال تؤمن‬

‫غائلتهم ولما في مخالطتهم من الفساد الكبير وتغيير أخالق المسلمين وإلقاء‬

‫الشبهة وأسباب الشحناء والعداوة بينهم ومن لم تسعه طريقة الرسول صلى هللا‬

‫عليه وسلم وطريقة المؤمنين السابقين فال وسع هللا عليه وأما حقد غير المسلمين‬

‫على المسلمين إذا تجمعوا حول اإلسالم‪ ،‬فذلك مما يرضي هللا عن المؤمنين ويوجب‬

‫لهم نصره حيث أغضبوا أعداءه من أجل رضاه ونصر دينه والحماية لشرعه ولن يزول‬

‫حقد الكفار على المسلمين إال إذا تركوا دينهم واتبعوا ملة أعدائهم وصاروا في‬

‫حزبهم وذلك هو الضالل البعيد والكفر الصريح وسبب العذاب والشقاء في الدنيا‬

‫واآلخرة كما قال سبحانه وتعالى‪:‬‬

‫(ولن ترض عنك اليهود وال النصارى ى‬


‫حت تتبع ملتهم قل إن هدى هللا‬
‫هو الهدى ولي اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من‬
‫نصت)‬
‫وىل وال ر‬
‫هللا من ي‬
‫وقال تعالى‪:‬‬

‫(وال يزالون يقاتلونكم ى‬


‫حت يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد‬
‫منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم يف الدنيا‬
‫واآلخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)‬
‫وقال تعالى‪:‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫(ثم جعلناك عىل رشيعة من األمر فاتبعها وال تتبع أهواء الذين ال‬
‫الظالمي بعضهم أولياء‬
‫ر‬ ‫يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من هللا شيئا وإن‬
‫المتقي)‬
‫ر‬ ‫وىل‬
‫بعض وهللا ي‬
‫فأبان هللا سبحانه وتعالى في هذه اآليات البينات أن الكفار لن يرضوا عنا حتى نتبع‬

‫ملتهم وندع شريعتنا وإنهم ال يزالون يقاتلونا حتى يردونا عن ديننا إن استطاعوا‬

‫وأخبر أنه متى أطعناهم واتبعنا أهواءهم كنا من المخلدين في النار إذا متنا على‬

‫ذلك نسأل هللا العافية من ذلك ونعوذ بالله من موجبات غضبه وأسباب انتقامه‪.‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫الوجه الرابع‪ :‬الدعوة إليها يفضي بالمجتمع إلى رفض حكم القرآن‬

‫الوجه الرابع‪:‬رمن الوجوه الدالة على بطالن الدعوة إلى القومية العربية أن يقال‪ :‬إن‬

‫الدعوة إليها والتكتل حول رايتها يفضي بالمجتمع وال بد إلى رفض حكم القرآن ألن‬

‫القوميين غير المسلمين لن يرضوا تحكيم القرآن فيوجب ذلك لزعماء القومية أن‬

‫يتخذوا أحكاما وضعية تخالف حكم القرآن حتى يستوي مجتمع القومية في تلك‬

‫األحكام وقد صرح الكثير منهم بذلك كما سلف وهذا هو الفساد العظيم والكفر‬

‫المستبين والردة السافرة كما قال تعالى‪:‬‬

‫حت يحكموك فيما شجر بينهم ثم ال يجدوا يف‬‫(فال وربك ال يؤمنون ى‬


‫أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)‬
‫وقال تعالى‪:‬‬

‫(أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من هللا حكما لقوم يوقنون)‬


‫وقال تعالى‪:‬‬

‫(ومن لم يحكم بما أنزل هللا فأولئك هم الكافرون)‬


‫وقال تعالى‪:‬‬

‫(ومن لم يحكم بما أنزل هللا فأولئك هم الظالمون)‬

‫وقال تعالى‪:‬‬

‫(ومن لم يحكم بما أنزل هللا فأولئك هم الفاسقون)‬

‫وكل دولة ال تحكم بشرع هللا وال تنصاع لحكم هللا وال ترضاه فهي دولة جاهلية‬

‫كافرة ظالمة فاسقة بنص هذه اآليات المحكمات يجب على أهل اإلسالم بغضها‬

‫ومعاداتها في هللا وتحرم عليهم مودتها ومواالتها حتى تؤمن بالله وحده وتحكم‬

‫شريعته وترضى بذلك لها وعليها‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫كما قال عز وجل‪:‬‬

‫(قد كانت لكم أسوة حسنة يف إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا‬
‫برآء منكم ومما تعبدون من دون هللا كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم‬
‫حت تؤمنوا باهلل وحده)‬ ‫العداوة والبغضاء أبدا ى‬
‫فالواجب على زعماء القومية ودعاتها أن يحاسبوا أنفسهم ويتهموا رأيهم وأن‬

‫يفكروا في نتائج دعوتهم المشئومة وغاياتها الوخيمة وأن يكرسوا جهودهم‬

‫للدعوة إلى اإلسالم ونشر محاسنه والتمسك بتعاليمه والدعوة إلى تحكيمه بدال من‬

‫الدعوة إلى قومية أو وطنية وليعلموا يقينا أنهم إن لم يرجعوا إلى دينهم‬

‫ويستقيموا عليه ويحكموه فيما شجر بينهم فسوف ينتقم هللا منهم ويفرق‬

‫جمعهم ويسلبهم نعمته ويستبدل قوما غيرهم يتمسكون بدينه ويحاربون ما خالفه‬

‫كما قال تعالى‪:‬‬

‫غتكم ثم ال يكونوا أمثالكم)‬


‫(وإن تتولوا يستبدل قوما ر‬
‫وقال تعالى‪:‬‬

‫(فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل رشء ى‬


‫حت إذا فرحوا بما‬ ‫ي‬
‫أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا‬
‫العالمي)‬
‫ر‬ ‫والحمد هلل رب‬
‫وصح عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪:‬‬

‫(إن هللا ليمىل للظالم ى‬


‫حت إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ قوله تعاىل‪ :‬وكذلك‬ ‫ي‬
‫وه ظالمة إن أخذه أليم شديد) فيا معشر‬ ‫أخذ ربك إذا أخذ القرى ي‬
‫القوميين‪ :‬راقبوا هللا سبحانه وتوبوا إليه وخافوا عذابه واشكروه على إنعامه وذلك‬

‫بتعظيم كتابه وسنة نبيه صلى هللا عليه وسلم والعمل بهما ودعوة الناس إلى ذلك‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫وتحذيرهم مما يخالفه ففي ذلك عز الدنيا واآلخرة وصالح أمر المجتمع وراحة الضمير‬

‫وطمأنينة القلب والسعادة العاجلة واآلجلة واألمن من عذاب هللا في الدنيا واآلخرة‬

‫وكل ما خالف ذلك من الدعوات فهو دعوة إلى جهنم وسبيل إلى قلق الضمائر‬

‫واضطراب المجتمع وتسليط األعداء وحرمان السعادة واألمن في الدنيا واآلخرة كما‬

‫قال ذو العزة والجالل في كتابه المبين‪:‬‬


‫(فإما يأتينكم مت هدى فمن اتبع هداي فال يضل وال ى‬
‫يشف ومن‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫ونحشه يوم القيامة أعم قال‬ ‫أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا‬
‫بصتا)‬
‫تت أعم وقد كنت ر‬ ‫ر‬
‫رب لم حش ي‬
‫وقال‪:‬‬

‫(كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنش ‪ -‬وكذلك نجزي من‬
‫أشف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب اآلخرة أشد ى‬
‫وأبف)‬
‫فأبان سبحانه في هذه اآليات أن من اتبع هداه لم يضل ولم يشق بل له الهدى‬

‫والسعادة في الدنيا واآلخرة ومن أعرض عن ذكره فله المعيشة الضنك في الدنيا‬

‫والعمى والعذاب في اآلخرة ومن ضنك المعيشة في الدنيا ما يبتلى به أعداء‬

‫اإلسالم من ظلمة القلوب وحيرتها وما ينزل بها من الغموم والهموم والشكوك‬

‫والقلق وأنواع المشاق في طلب الدنيا وجمعها والخوف من نقصها وسلبها وغير‬

‫ذلك من أنواع العقوبات المعجلة في الدنيا كما قال هللا سبحانه‪:‬‬

‫(فال تعجبك أموالهم وال أوالدهم إنما يريد هللا ليعذبهم بها يف الحياة‬
‫الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون)‬
‫وقال تعالى‪:‬‬

‫األكت لعلهم يرجعون)‬


‫ر‬ ‫(ولنذيقنهم من العذاب األدت دون العذاب‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫و اآليات في هذا المعنى كثيرة نسأل هللا أن يصلح قلوبنا وأن يعرفنا بذنوبنا ويمن‬

‫علينا بالتوبة منها وأن يهدينا وسائر إخواننا سواء السبيل إنه على كل شيء قدير‪.‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫ولنختم الكالم في هذا المقام بنبذة من كالم الكاتب المصري الشهير‪ :‬محمد الغزالي‬

‫تتعلق بالقومية قد أجاد فيها وأفاد حيث قال في كتابه‪" :‬مع هللا" {صفحة ‪ }٢٥٤‬ما‬

‫نصه‪:‬‬

‫ال مكان لإللحاد بيننا‪ :‬ما هؤالء الناس إنهم ليسوا عربا وال عجما وال روس وال أمريكان‬

‫إنهم مسخ غريب األطوار صفيق الصياح بليت به هذه البالد إثر ما وضعه االستعمار‬

‫بها وترك بذوره في مشاعرها وأفكارها فهم كما جاء في الحديث "من جلدتنا‬

‫ويتكلمون بألسنتنا" بيد أنهم عدو لتاريخنا وحضارتنا وعبء على كفاحنا ونهضتنا‪،‬‬

‫وعون للحاقدين على ديننا والضانين بحق الحياة له ولمن اعتنقه إن هؤالء الناس‬

‫الذين برزوا فجأة ومألت ضجتهم األودية كما تمأل الضفادع بنقيقها أكناف الليل يجب‬

‫أن يمزق النقاب عن سريرتهم وأن تعرفهم هذه األمة على حقيقتهم حتى ال يروج‬

‫لهم خداع وال ينطلي لهم زور إن هؤالء الذين يلبسون مسوح العروبة ويندسون‬

‫خالل صفوف المجاهدين ويزعمون أنهم مبشرون بالقومية العربية ورافعون أللويتها‬

‫وفي الوقت نفسه ينسحبون من تقاليد العروبة ويهاجمون أجل ما عرفت به ويبعثرون‬

‫العوائق في طريق اإليمان ورسالته إن هؤالء الناس ينبغي أن يماط اللثام عن‬

‫وجوههم الكالحة وأن تلقى األضواء على وظيفتهم التي يسرها االستعمار لهم‬

‫ووقف بعيدا يرقب نتائجها المرة وما نتائجها إال الدمار المنشود لرسالة القرآن‬

‫وصاحبها العظيم محمد بن عبد هللا صلى هللا عليه وسلم لقد قرأنا ما يكتبون‬

‫وسمعنا ما يقولون ولم يعوزنا الذكاء الستبانة غاياتهم فهم ملحدون مجاهرون‬

‫بالكفر يقولون في صراحة‪ :‬إن اإلسالم ليس إال نهضة عربية فاز بها هذا الجنس‬

‫العظيم في القرون الوسطى واستطاع في فورته العارمة أن يجتاح العالم بقيادة‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫رجل عبقري هو الزعيم الكبير‪ :‬محمد صلى هللا عليه وسلم أي أن هذا الدين الجليل‬

‫نبت من األرض ولم ينزل من السماء وأنه انطالقة شعب طامح فاتح وليس هداية‬

‫مثالية فدائية جاءت من عند هللا لتنقذ العرب من جاهلية طامسة كانوا بها في‬

‫مؤخرة البشر إلى حنيفية سمحة رفعت خسيستهم ثم انتشر شعاعها بعد في أنحاء‬

‫األرض كما تنتشر األضواء في عرض األفق لدى الشروق والفضل في ذلك كله لله‬

‫وحده الذي اصطفى محمدا وامتن عليه بالهدى والحق بعد أن قال له‪:‬‬
‫َ‬ ‫ََ ْ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ ُْ َ َْ‬
‫(ما كنت تد ِري ما ال ِكتاب وَل ِاإليمان)‬
‫وقال‪:‬‬
‫َ َ ْ َ َ َّ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ ْ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ ْ َ ُ ْ َ ْ َ‬
‫(وأنزل اَّلل عليك ال ِكتاب وال ِحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم)‬
‫كما يقول في العرب الذين أرسل فيهم‪:‬‬
‫ْ َُْ‬ ‫ْ َ ً ْ َْ‬ ‫َ َ ْ َ َّ َّ َ َ ْ ْ َ ْ َ َ َ‬
‫يهم رسوَل ِمن أنف ِس ِهم يتلو‬ ‫(لقد من اَّلل عىل المؤ ِم ِن ري ِإذ بع ِ ِ‬
‫ف‬ ‫ث‬
‫ْ َْ َ‬ ‫ْ َ َ َ ْ ْ َ َ َ ْ َ‬ ‫َ َ ْ ْ َ َ َ ِّ ْ َ َ ِّ‬
‫يهم ويعلمهم ال ِكتاب وال ِحكمة و ِإن كانوا ِمن قبل ل ِ يف‬ ‫علي ِهم آي ِات ِه ويزك ِ‬
‫َ َ‬
‫ي)‬‫ضل ٍل م ِب ر ٍ‬
‫فأي زحف عربي هنالك وأي عبقرية أنشأت من عندها هذا الغيث الممرع ألهل األرض‬

‫إن الزعم بأن اإلسالم "ثورة عربية " أكذوبة كبرى وأضلولة شائنة وإن هذا القول‬

‫ليس تكذيبا لإلسالم فقط بل دعوة خطيرة إلى تكذيب الديانات كلها وإلى إشاعة‬

‫الكفر والفسوق والعصيان في أنحاء األرض والغريب أن هؤالء الناس يخاصمون‬

‫اإلسالم بعنف ويحاربون أمته بجبروت ويهادنون األديان األخرى من سماوية وأرضية‬

‫كأن اإلسالم هو العدو الذي كلفوا باستئصاله وحده ال بل هو العقبة الفذة التي‬

‫وضعت المعاول في أيديهم إلحالتها ترابا أجل وهل لالستعمار عدو في هذه البالد‬

‫إال اإلسالم إنه مصدر المقاومة العنيدة وروح الكفاح الباسل الذي أعيا المهاجمين‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫وأحبط مؤامراتهم ومن ثم فعلى االستعمار أن ينسج خيوطه حوله ليقتله ويحول‬

‫بينه وبين الحياة الكريمة ولقد ابتدع القوميات الضيقة واستجباها بشتى األساليب‬

‫لينال من كيان هذا الدين فلما سقطت أمام اإلسالم في المعركة دس أتباعه تحت‬

‫لواء القومية العربية وزودهم بضروب من االدعاء ليزحموا العرب المخلصين في هذا‬

‫الميدان ولينالوا من اإلسالم بطريقة أخرى وتفسير القومية العربية هذا التفسير‬

‫الكفور الكنود هو حرب أخرى ضد اإلسالم وإنه لجدير أن يتسمى هؤالء بأتباع القومية‬

‫العبرية ال العربية أليسوا يعملون لمصلحة االستعمار وإسرائيل ولقد مرت أربعة عشر‬

‫قرنا على اشتباك العروبة باإلسالم أو بتعبيرنا نحن أهل اإليمان‪ :‬على تشريف هللا‬

‫للعرب بحمل هذه األمانة وإبالغها للناس ونظرة إلى الماضي البعيد تعرفنا بسهولة‬

‫أن العرب مرت عليهم أدهار قبل اإلسالم لم يكونوا فيها شيئا مذكورا ثم جاء هذا‬

‫الدين فدخلوا التاريخ به وطار صيتهم تحت رايته وصدق هللا إذ يقول‪:‬‬

‫(وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون)‬


‫ث م أخطأ العرب فظنوا هذا الدين العالمي الذي نزلت فيهم آياته يمنحهم امتيازا‬

‫خاصا ويجعلهم عنصرا أرقى من سائر األجناس ونشأ عن هذا الخطأ رد الفعل الذي ال‬

‫بد منه فقامت الشعوب األخرى تدافع عن قيمة دمائها وكرامة عنصرها وهذه‬

‫األغالط المتبادلة علتها حنين البشر إلى الجاهلية واستثقالهم مؤنة السعي لتحصيل‬

‫الكمال اإلنساني فإذا عز على شخص تافه أن يكون تقيا ينسبه عمله إلى المجد‬

‫والعال ذهب ينتحل نسبا آخر إلى أسرة أو وطن أو جنس ليرتفع به دون جهد وتلك‬

‫كلها عصبيات باطلة ونزعات نازلة وال محل لها في دين وال وزن لها عند رب العالمين‬

‫ولكن المهم أن العرب األولين لما أرادوا المفاخرة والتميز كان اإلسالم متكأهم‬

‫ومعقد فخارهم فبأي شيء يمألون أفواههم إذا لم يذكروا اإلسالم إن وطابهم‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫خال وتاريخهم صفر حتى جاء األفاكون في هذا الزمان بالبدعة التي لم يسمع بها‬

‫إنسان فإذا العروبة في نظرهم يجب أن تتجرد من اإليمان وزعموا قبحهم هللا أنها‬

‫باالنسالخ عن الدين تسمو وتسير بل إن أحد الكتاب من هذه العصابة وجد الوجه‬

‫الذي يطالع به الناس ليقول‪ :‬إن اإلسالم جنى على العروبة وإن اللغة العربية قد‬

‫انتشرت أبعد مما انتشر اإلسالم وإن اإلسالم ألنه عالمي ضار بالقومية العربية وظاهر‬

‫أن هذا الكالم بقطع النظر عن بطالنه إنما يروج لحساب االستعمار الغربي منه‬

‫والشرقي على السواء وأن قائله يخدم أهداف الغزاة الذين عسكرت جيوشهم في‬

‫بعض أقطار العروبة وأنزلت بها الهون ووقفت على حدود البعض اآلخر تتربص به‬

‫الدوائر وكاتب آخر من هذه العصابة يطلب منا بإلحاح أن ننسى التاريخ ألنه ال يضم‬

‫إال رفات الموتى وأن نتطلع إلى المستقبل فحسب ونسي هذا الغر أن اليهود في‬

‫كبد الشرق األوسط أقاموا دولتهم بإمداد من التاريخ الموحى وأنهم جعلوا اسم‬

‫إسرائيل علما عليها إنه حالل للناس جميعا أن يستصحبوا تاريخهم في كفاحهم أما‬

‫نحن المسلمين فحرام علينا أن نذكر فصال من هذا التاريخ وأن نستوحي منه عونا في‬

‫جهاد وأمال في امتداد إنها قومية عبرية ال عربية تلك التي يبشر بها الملحدون‬

‫وكارهو اإلسالم ولقد عرف األولون واآلخرون أننا نحن المسلمين أحنى الناس على‬

‫العروبة وأوصلهم لمجدها وأخلصهم لقضاياها وأن هؤالء القوميين ال خير فيهم بل‬

‫إنهم مصدر شر طويل وأذى ثقيل‪.‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫انتهى ما أردنا نقله للقراء من كالم‪ :‬محمد الغزالي هاهنا وقال أيضا في كتابه‬

‫المذكور صفحة ‪ ٣٤٧‬ما نصه‪:‬‬

‫الهدم الروحي‪ :‬يجتهد االستعمار في صرف المسلمين عن دينهم بكل ما يتاح له‬

‫من وسائل‪ ،‬وفي جعل حركات التحرر الناشطة في بالدهم مبتوتة العالقة بالدين‬

‫حتى تولد ميتة أو تحيا عقيمة ال ثمر لها وال زهر وما من نهضة في األولين واآلخرين‬

‫إال ولها دعامة معنوية تقوم عليها وسناد روحي تتحرك به ولما كان عمل الدين في‬

‫هذه الحالة مأل القلوب بالضمائر الحية وبنى األخالق على الفضيلة وصبغ الحياة‬

‫بتقاليد جامعة ومعلومة وواضحة ورص الصفوف على إحساس مشترك ودفعها إلى‬

‫مصير واحد فإن االستعمار استهدف إقصاء الدين عن آفاق البالد كلها وتكوين أجيال‬

‫غريبة عنه إن لم تكن كارهة له بل إن ذكر اإلسالم أصبح محظورا في المناسبات‬

‫الجادة والشئون الهامة وقد يحوم البعض حوله ولكنه يوجل من التصريح به كأن‬

‫اإلسالم مجرم ارتكب ذنبا ثم فر من القضاء الذي حكم بعقوبته فهو ال يستطيع‬

‫الظهور في المجتمعات وربما تلوح له فرصة الظهور متنكرا تحت اسم مستعار‬

‫فيتحرك قليال هنا وهناك حتى إذا أحس انكشاف أمره استخفى من األنظار يا عجبا‬

‫لماذا يلقى اإلسالم هذا الهوان كله والجواب‪ :‬عند االستعمار الذي يجر خلفه ضغائن‬

‫القرون األولى ويضع نصب عينه أال تقوم لإلسالم قائمة في بالده فهو حريص على‬

‫خنقه في ميدان التربية والمعامالت والتشريع وسائر ألوان الحياة إنه يطمئن إلى‬

‫مجتمع واحد المجتمع الذي مات ضميره والذي تفسخت أخالقه في هذا المجتمع‬

‫الذي غاصت منه معاني الفضل واستغلظت فيه غرائز الشره وزحفت فيه ثعابين األثرة‬

‫يستطيع االستعمار أن يطمئن إلى يومه وغده فإذا جاء اإلسالم لمسح هذه األقذار‬

‫طلب منه على عجل أن يعود إلى وكره ليخفى عن األعين إنه اسم ال ينبغي أن يذكر‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫وحقيقة ال يجوز أن تعيش هكذا حكم االستعمار حتى قيض هللا لنا فكرة العروبة‬

‫عنوانا نستطيع تحته أن ندفع غوائل الموت وقد هششنا للفكرة ورجونا من ورائها‬

‫الخير وللعروبة المجردة مثل تعكر على االستعمار مآربه إن التعليم في ظل االحتالل‬

‫األجنبي أوجد أناسا تحركهم الشهوات وحدها أناسا فرغت عواطف اليقين من‬

‫أفئدتهم فهي هواء فإذا جاءت إليهم العروبة فهل يعرفون أن العفة من خالئقها‬

‫وأن تقديس العرض من شمائلها‪ ،‬وأن المحافظة على الحريم من صفاتها الباطنة‬

‫والظاهرة إن أمثال العرب في الجاهلية تشهد بما لهم من غيرة على‬

‫يعني‪ :‬أن العرب يجعلون في حكم‬ ‫نسائهم فالمثل القائل‪( :‬كل ذات صدار خالة)‬
‫الخالة كل من تلبس ثياب المرأة فما ينظرون إليها إال نظرة االحترام والعفة وذلك‬

‫أن الخالة بمنزلة األم ويقول الشاعر‪:‬‬


‫ى‬
‫جارت مثواها)‬ ‫يواري‬ ‫حت‬ ‫ى‬
‫جارت ‪ ...‬ى‬ ‫طرف إن بدت يىل‬ ‫(وأغض‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ويقول اآلخر‪:‬‬

‫سوط ‪ ...‬أداعبه ‪ ,‬وريبته أريد)‬ ‫الودعات‬ ‫لذي‬ ‫(وال ى‬


‫ألف‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫يعني‪ :‬أنه يداعب طفال مع أمها ابتغاء إثم باألم نفسها‪ .‬فهل هذه الشوارع الغاصة‬

‫بمتتبعي العورات وبغاة الدنية شوارع عربية وهل عرب أولئك الذين ترى الواحد منهم‬

‫يتأبط ذراع فتاة متبرجة لعوب تسير في وضع يقول لكل ناظر (هيت لك) والعرب‬

‫األقدمون كانوا أصحاب كرم غريب وإيثار المع ونهوض بالحق على عض الزمن وشدة‬

‫الحاجة واسمع قول عروة بن الورد‪:‬‬

‫إنات رشكة ‪ ...‬وأنت امرؤ عاف إنائك واحد‬


‫وإت امرؤ عاف ي‬
‫( ي‬
‫بوجه شحوب الحق والحق جاهد‬‫ي‬ ‫مت أن سمنت وأن ترى ‪...‬‬
‫أتهزأ ي‬
‫كثتة ‪ ...‬وأحسو قراح الماء والماء بارد)‬
‫جسم يف جسوم ر‬
‫ي‬ ‫أفرق‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫أرأيت صورة اإلنسان النبيل يؤثر غيره بالطعام ويستعيض برشحات من الماء البارد‬

‫يصفر بها وجهه وهو يأبى تضييع من نزلوا به‪ ،‬وحسبه أنه فرق جسمه في جسوم‬

‫كثيرة احتفظ بهذه الصورة ثم سل نفسك‪ :‬أمدن عربية هذه التي تراها مزدحمة‬

‫بأصحاب الفضول من المال النامي ومع ذلك فقلما تؤوي يتيما أو تغذو محروما وما‬

‫لنا نبحث عن الشمائل العربية المفقودة في بيئات مسخها االستعمار وترك عليها‬

‫طابع الحيوانية والتقطع إنك ترى الواحد من أولئك يقول إنه عربي ولغة العرب ال‬

‫أج‬
‫(يا ي‬ ‫تستقيم على فمه ومن أعاجيب الليالي أن أسمع المذيع مثال يقول‪:‬‬

‫وكان يستطيع أن يقول ما نعمل في‬ ‫المواطن أحنا بنعمل إيه يف هذه األيام)‬
‫هذه األيام ولكنه حريص على تخليد لغة الرعاع والتنكر للغة الفصحى وهي اللغة‬

‫التي ترسل بها اإلذاعات من جميع محطات العالم لمستمعيها على اختالف ألسنتهم‬

‫إذ أنه يخاطب المذيع قومه في أي عاصمة بلغة غير الفصحى فهل من مظاهر الوفاء‬

‫لعروبتنا أن نذيع نحن بلغة الرعاع الواقع‪ :‬أن اإلسالم وحده هو الذي يخلد العروبة‬

‫لغة وأدبا وخلقا وأن التنكر لهذا الدين معناه القضاء الحقيقي على العروبة في‬

‫لغتها وأدبها وخلقها ولذلك يجب على الدعاة أن يستميتوا في إبراز هذا االسم بقدر‬

‫ما يستميت االستعمار في إخفائه وأن يذهبوا عنه الوحشة التي صنعها أعداؤه حوله‬

‫حتى يصبح مألوفا في اآلذان محببا إلى القلوب وإظهار هذا االسم ال يكفي فما‬

‫قيمة شكل ال جوهر له يجب على الدعاة أن يجمعوا الجماهير على تعاليمه "وأن‬

‫ينعشوا أنفسهم بروحه" الضمير الديني الخاشي لله الرحيم بخلقه المحتفي‬

‫بالواجبات النفور من الرذائل الشجاع في نصرة الحق المستعد للقاء هللا المتأسي‬

‫بصاحب الرسالة هذا الضمير يجب أن ندعمه بل أن نوجده في كل طائفة وأن يربط به‬

‫إنجاز كل عمل ونجاح كل مشروع ومنع كل تفريط وصيانة كل حق فاإلسالم قبل كل‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫شيء قلب كبير قلب موصول بالله يبادر لمرضاته ويتقيه حيث كان وهذا القلب ال‬

‫يتكون من تلقاء نفسه ويستحيل أن يتكون بداهة وسط تيارات الشكوك والتجهيل‬

‫التي تسلط عليه عمدا ليتوقف ويزيغ إنه يتكون بأغذية روحية منظمة تقدم له في‬

‫برامج التعليم وفي عظات المساجد وفي صبغ البيئة بمعان معينة تساعد على احترام‬

‫الفضيلة وإشاعتها ونحن أحوج ما نكون إلنشاء هذه الضمائر في الذراري المحدثة‬

‫التي عريت عنها والطبقات الكثيفة التي مردت على العبث واالستخفاف بجميع القيم‬

‫وإنني أستغرب كيف نشتري آلة ما بأغلى األسعار ثم نوقف أمامها عامال ال يتقي‬

‫هللا فهي تخرب بين يديه على عجل أو يقل إنتاجها لو قدر لها البقاء سليمة‪ .‬إننا لو‬

‫بذلنا شيئا زهيدا لغرس التدين الحق في قلب هذا العامل لربحنا الكثير أفال يبذل‬

‫المسئولون هذا الشيء بالزهيد‪ ،‬ولو على اعتبار نفقات صيانة لآللة التي اشتريت إن‬

‫من حق هللا علينا ومن حق بالدنا علينا أن نربي الصغار والكبار باسم اإليمان البتداء‬

‫عمل ما فسوف يتم على خير الوجوه إن للضمير الديني عالقة راشدة بالسماء ونواة‬

‫مباركة في األرض‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫وما أصدق قول األستاذ أحمد الزين في وصفه‪:‬‬

‫الخبت‬
‫ر‬ ‫(هو صوت السماء يف عالم ال ‪ ...‬أرض وروح من اللطيف‬
‫وشعاع تذوب تحت سناه ‪ ...‬خدع العيش من رياء وزور‬
‫التفكت‬
‫ر‬ ‫هو ش يحار يف كنهه اللب ‪ ...‬وتعيا به قوى‬
‫خت ‪ ...‬باطن الشخص ظاهر ر‬
‫التأثت‬ ‫مبلغ العلم أنه روح ر‬
‫ج عليه منه رقيب ‪ ...‬حل من قلبه مكان الشعور‬ ‫كل ي‬
‫حل حيث األهواء تتو إىل اإلث ‪ ...‬م وتهفو إىل مهاوي ر‬
‫الشور‬
‫المصت‬
‫ر‬ ‫جامحات أعيت عىل الناس كبحا ‪ ...‬رغم إنذارها بسوء‬
‫الضمت فيها نذيرا ‪ ...‬فأصاخت إىل صياح النذير‬
‫ر‬ ‫ثم صاح‬
‫هو روح من المالئك يسمو ‪ ...‬بسليل ر‬
‫التى لعالم نور‬
‫قد تولت باألنبياء عصور ‪ ...‬وهو باق عىل تواىل العصور‬
‫بالتذكت‬
‫ر‬ ‫حافظا يف الزمان ما خلفوه ‪ ...‬قائما يف الصدور‬
‫الخت كتبا ‪ ...‬قدست من صحائف وسطور‬ ‫حامال من رشائع ر‬
‫ليس يعفو عن الهنات وإن أنـ ‪ ...‬ت ملح يف اللوم والتعذير)‬
‫ونحن ننشد هذا الشعر هنا تكريما لألدب العالي وإال فال مجال لقول بعد أن نتدبر‬

‫قول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪( :‬أال إن يف الجسد مضغة إذا صلحت‬
‫انتهى‬ ‫وه القلب)‬
‫صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله أال ي‬
‫المقصود من كالم الغزالي في كتابه‪( :‬مع هللا) ولعظيم فائدته نقلته هاهنا وأسأل‬

‫هللا عز وجل أن يصلح قلوب المسلمين ويعمرها بتقواه وأن يمن علينا وعلى جميع‬

‫شبابنا وسائر إخواننا بالفقه في الدين واالستقامة على صراط هللا المستقيم فإن‬

‫ذلك هو سبيل النجاة والفوز بالعزة والكرامة في الدنيا واآلخرة‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫كما قال هللا سبحانه‪:‬‬

‫(إن الذين قالوا ربنا هللا ثم استقاموا فال خوف عليهم وال هم يحزنون‬
‫أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون)‬
‫وقال تعالى‪:‬‬

‫(إن الذين قالوا ربنا هللا ثم استقاموا تتتل عليهم المالئكة أال تخافوا‬
‫الت كنتم توعدون نحن أولياؤكم يف الحياة‬ ‫وأبشوا بالجنة ى‬‫وال تحزنوا ر‬
‫ي‬
‫تشته أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزال‬‫ي‬ ‫وف اآلخرة ولكم فيها ما‬
‫الدنيا ي‬
‫من غفور رحيم)‬
‫ختا يفقهه يف‬ ‫وصح عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪( :‬من يرد هللا به ر‬
‫الدين) وهللا أعلم وصلى هللا وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه ومن‬

‫تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫و سنعرض كالم بن باز رحمه هللا في هذه النقطة قال ما نصه‪ :‬في المحرم من العام‬

‫الماضي أعني‪ :‬عام ‪ ١٣٨٠‬سألني مندوب صحيفة "البالد" عن مسائل بعضها يتعلق‬

‫بالقومية فأجبته بما نشر في صحيفة البالد‬

‫األسئلة‬

‫السؤال األول‪:‬ما رأي فضيلتكم في الدعوة التي تقوم بها بعض األوساط الخارجية‬

‫إلى أن القومية العربية وحدها هي الرابطة األولى بين العرب؟‬

‫السؤال الثاني‪ :‬ما رأي فضيلتكم في االتجاه الذي يبدو واضحا في هذه األيام‬

‫للمقارنة بين القومية واإلسالم والذي يظهر في بعض الجرائد والمجالت بالمملكة؟‬

‫السؤال الثالث‪ :‬بعض المخلصين من الوعاظ يعالجون في وعظهم األمور البسيطة‬

‫الفرعية في الدين كطريقة حالقة الرأس أو شكل المالبس في حين أن هناك أمورا‬

‫هامة تتصل بالعقيدة تحتاج من هؤالء المخلصين من الدعاة إلى عناية خاصة ألنها‬

‫أمور هامة أساسية‪ ،‬فما رأي فضيلتكم في هذا؟‬

‫السؤال الرابع‪ :‬تود جريدة البالد أن تحمل من فضيلتكم نصيحة إلى قرائها من مختلف‬

‫الطبقات فما هي؟‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫األجوبة‬

‫الجواب عن السؤال األول‪ :‬أن يقال‪ :‬ال ريب أن الدعوة إلى أن تكون القومية العربية‬

‫هي الرابطة األولى بين العرب دعوة باطلة ال أساس يؤيدها ال من العقل وال النقل‬

‫بل هي دعوة جاهلية إلحادية يهدف دعاتها إلى محاربة اإلسالم والتملص من‬

‫أحكامه وتعاليمه وقد يدعو إليها من ال يقصد هذا المعنى وإنما دعا إليها تقليدا‬

‫لغيره وإحسانا للظن به ولو عرف حقيقة المقصود منها لحاربها وابتعد عنها وكل‬

‫من له أدنى معرفة بتاريخ العرب قبل اإلسالم وبعده يعلم إنه لم يكن للعرب كبير‬

‫قيمة تذكر وال راية ترهب إال باإلسالم وبه فتحوا البالد وسادوا العباد‪ .‬وبه كانوا أمة‬

‫مرهوبة الجانب محترمة الحقوق مرفوعة الرأس حتى غيروا فغير عليهم كما قال هللا‬

‫سبحانه‪:‬‬

‫يغتوا ما بأنفسهم)‬ ‫يغت ما بقوم ى‬


‫حت ر‬ ‫(إن هللا ال ر‬
‫وال أحب أن أطيل في هذا الميدان ألن الصحيفة ال تتحمل ذلك والحق في ذلك أوضح‬

‫من الشمس ال يرتاب فيه من له أدنى إلمام بحال العرب واإلسالم وما أحسن قول‬

‫هللا تعالى لنبيه صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬

‫أوج إليك إنك عىل ضاط مستقيم وإنه لذكر لك‬


‫(فاستمسك بالذي ي‬
‫ولقومك وسوف تسألون)‬
‫وقوله تعالى‪:‬‬

‫(لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفال تعقلون)‬


‫وإذا كان الهدف من الدعوة إلى القومية العربية أن يجتمع العرب وأن يشتركوا في‬

‫مصالحهم وأن ينتصفوا من عدوهم ويطردوه عن بالدهم فليس هذا هو السبيل‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫إلى هذا الغرض النبيل وإنما السبيل الوحيد هو الرجوع إلى دينهم الحق الذي به‬

‫شرفوا وعرفوا وبرزوا في الميدان وسادوا األمم والتمسك بتعاليمه السمحة وأحكامه‬

‫الرشيدة وتحكيمه في كل شيء والمواالة في ذلك والمعاداة فيه وبذلك يحصل‬

‫االجتماع وتدرك المصالح وينتصف من األعداء ويكون النصر عليهم مضمونا والعاقبة‬

‫حميدة في الدنيا واآلخرة كما قال هللا تعالى في محكم التنزيل‪:‬‬

‫(يا أيها الذين آمنوا إن تنرصوا هللا ينرصكم ويثبت أقدامكم)‬


‫وقال تعالى‪:‬‬

‫(ولينرصن هللا من ينرصه إن هللا لقوي عزيز الذين إن مكناهم يف‬


‫األرض أقاموا الصالة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر‬
‫وهلل عاقبة األمور)‬
‫وقال تعالى‪:‬‬

‫(وعد هللا الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم يف األرض‬


‫كما استخلف الذين من قبلهم وليمكي لهم دينهم الذي ارتض لهم‬
‫وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونت ال ر‬
‫يشكون ر يت شيئا)‬ ‫ي‬
‫واآليات في هذا المعنى كثيرة معلومة وما أحسن ما قال مالك بن أنس رحمة هللا‬

‫لقد‬ ‫عليه في هذا المعنى‪( :‬لن يصلح آخر هذه األمة إال ما أصلح أولها)‬
‫صدق هذا اإلمام في هذه الكلمة القصيرة العظيمة‪ .‬اللهم أصلحنا ووالة أمرنا جميعا‬

‫وسائر المسلمين إنك سميع قريب‪.‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫وأما السؤال الثاني فالجواب عنه‪ :‬أن يقال إن من أعظم الظلم وأسفه السفه أن‬

‫يقارن بين اإلسالم وبين القومية العربية وهل للقومية المجردة من اإلسالم من‬

‫المزايا ما تستحق به أن تجعل في صف اإلسالم أن يقارن بينها وبينه ال شك أن هذا‬

‫من أعظم الهضم لإلسالم والتنكر لمبادئه السمحة وتعاليمه الرشيدة وكيف يليق‬

‫في عقل عاقل أن يقارن بين قومية لو كان أبو جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة‬

‫وأضرابهم من أعداء اإلسالم أحياء لكانوا هم صناديدها وأعظم دعاتها وبين دين‬

‫كريم صالح لكل زمان ومكان دعاته وأنصاره هم‪ :‬محمد رسول هللا صلى هللا عليه‬

‫وسلم وأبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب‬

‫وغيرهم من الصحابة صناديد اإلسالم وحماته األبطال ومن سلك سبيلهم من األخيار‬

‫ال يستسيغ المقارنة بين قومية هذا شأنها وهؤالء رجالها وبين دين هذا شأنه‬

‫وهؤالء أنصاره ودعاته إال مصاب في عقله أو مقلد أعمى أو عدو لدود لإلسالم ومن‬

‫جاء به وما مثل هؤالء في هذه المقارنة إال مثل من قارن بين البعر والدر‪ ،‬أو بين‬

‫الرسل والشياطين‪ .‬ومن تأمل هذا المقام من ذوي البصائر‪ ،‬وسبر الحقائق والنتائج‪،‬‬

‫ظهر له أن المقارنة بين القومية واإلسالم أخطر على اإلسالم من المقارنة بين ما‬

‫ذكر آنفا‪ .‬ثم كيف تصح المقارنة بين قومية غاية من مات عليها النار‪ ،‬وبين دين غاية‬

‫من مات عليه الفوز بجوار الرب الكريم‪ ،‬في دار الكرامة والمقام األمين؟ اللهم اهدنا‬

‫وقومنا سواء السبيل‪ ،‬إنك على كل شيء قدير‪.‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫الجواب الثالث‪ :‬ال ريب أن المرشدين هم أطباء المجتمع ومن شأن الطبيب أن يهتم‬

‫بمعرفة األدواء ثم يعمل على عالجها بادئا باألهم فاألهم وهذه طريقة أنصح األطباء‬

‫وأعلمهم بالله وأقومهم بحقه وحق عباده‪ :‬سيد ولد آدم عليه من ربه أفضل الصالة‬

‫والتسليم فإنه صلى هللا عليه وسلم لما بعثه هللا بدأ بالنهي عن أعظم أدواء‬

‫المجتمع وهو الشرك بالله سبحانه فلم يزل صلى هللا عليه وسلم من حين بعثه هللا‬

‫يحذر األمة من الشرك ويدعوهم إلى التوحيد إلى أن مضى عليه عشر سنين ثم أمر‬

‫بالصالة ثم ببقية الشرائع وهكذا الدعاة بعده‪ :‬عليهم أن يسلكوا سبيله وأن يقتفوا‬

‫أثره بادئين باألهم فاألهم ولكن إذا كان المجتمع مسلما ساغ للداعي أن يدعو إلى‬

‫األهم وغيره بل يجب عليه ذلك حسب طاقته‪ ،‬ألن المطلوب إصالح المجتمع المسلم‬

‫وبذل الوسع في تطهير عقيدته من شوائب الشرك ووسائله‪ ،‬وتطهير أخالقه مما‬

‫يضر المجتمع ويضعف إيمانه‪ .‬وال مانع من بداءته بعض األوقات بغير األهم‪ ،‬إذا لم‬

‫يتيسر الكالم في األهم‪ ،‬وال مانع أيضا من اشتغاله باألهم وإعراضه عن غير األهم‬

‫إذا رأى المصلحة في ذلك وخاف إن هو اشتغل بهما جميعا أن يخفق فيهما جميعا‪.‬‬

‫وهكذا شأن المصلحين واألطباء المبرزين‪ ،‬يهتمون بطرق اإلصالح ويسلكون أنجعها‬

‫وأقربها إلى النتيجة المرضية‪ ،‬وإذا لم يستطيعوا تحصيل المصلحتين أو المصالح‪ ،‬أو‬

‫تعطيل المفسدتين أو المفاسد اهتموا باألهم من ذلك واشتغلوا به دون غيره‪ .‬ومن‬

‫تأمل قواعد الشرع وسيرة الرسول عليه الصالة والسالم وسيرة خلفائه الراشدين‬

‫واألئمة الصالحين علم ما ذكرته‪ ،‬وعرف كيف يقوم بإرشاد الناس‪ ،‬وكيف ينتشلهم‬

‫من أدوائهم إلى شاطئ السالمة‪ .‬ومن صلحت نيته وبذل وسعه في معرفة الحق‪،‬‬

‫وطلب من مواله الهداية إلى خير الطرق وأنجعها في الدعوة‪ ،‬واستشار أهل العلم‬

‫والتجارب فيما أشكل عليه‪ ،‬فاز بالنجاح وهدي إلى الصواب‪ ،‬كم قال سبحانه‪:‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫المحسني)‬
‫ر‬ ‫(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن هللا لمع‬
‫الجواب الرابع‪ :‬نصيحتي لجميع القراء هي أن يأخذوا بوصية هللا سبحانه التي أوصى‬

‫بها في كتابه الكريم حيث يقول‪:‬‬

‫(وهلل ما يف السماوات وما يف األرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من‬
‫قبلكم وإياكم أن اتقوا هللا)‬
‫والتقوى كما يعلم القارئ الكريم كلمة جامعة حقيقتها أن يتقي العبد غضب الرب‬

‫وعذابه بفعل ما أمر هللا به ورسوله وترك ما نهى هللا عنه ورسوله عن علم وإيمان‬

‫وإخالص ومحبة ورغبة ورهبة وبذلك يفوز بالسعادة وحسن العاقبة في الدنيا واآلخرة‬

‫ومما أنصح به القراء وهو من جملة التقوى التثبت في األمور والتريث في الحكم‬

‫عليها إال بعد دراستها من جميع نواحيها وبعد التحقق من معناها ومعرفته معرفة‬

‫تامة بعرض ذلك المعنى على الميزان الشرعي وهو كتاب هللا وما صح من السنة‬

‫فما وافق ذلك الميزان قبل وما خالفه ترك ويجب أن يكون القارئ في دراسته لألشياء‬

‫وعرضه لها على الميزان المذكور بعيدا كل البعد عن اإلفراط والتفريط متجردا عن‬

‫ثوبي التعصب والهوى ومتى سلم من هذه األمور ودرس األمور حق دراستها‬

‫بإخالص وقصد حسن وفق للحقيقة وفاز بالصواب‪ ،‬وحمد العاقبة وكم جرت العجلة‬

‫على أصحابها وغيرهم من ويالت ومشاكل تذهب األيام والليالي وآثارها وتبعتها‬

‫باقية وكم حصل بسبب التعصب والهوى من فساد ودمار وعواقب ال تحمد نسأل هللا‬

‫السالمة من ذلك ومما أنصح به القراء أيضا وهو من أهم التقوى دعوة العباد إلى‬

‫هللا سبحانه والتواصي بالحق والصبر عليه والتعاون على البر والتقوى واألمر‬

‫بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة والتغيير حسب الطاقة كما‬

‫فليغته بيده فإن لم يستطع‬


‫ر‬ ‫(من رأى منكم منكرا‬ ‫في الحديث الصحيح‪:‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫وأسأل هللا للجميع‬ ‫فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف اإليمان)‬
‫الثبات على الحق‪.‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫الدولة الحديثة هل هي ذات غايات واهداف تصلح ان تكون موازية للدولة االسالمية‬

‫ام هي اصال مناقضة للدولة االسالمية الدولة الحديثة بنيت على منظومة مقاصد‬

‫تنحي الدين وتجعله قضية هامشية بل وتنحي االعراض لمصلحة المال الدولة الحديثة‬

‫مبنية على تهميش قضية العقائدية واصال مبنية على انها التطبيق الفعلي للفكر‬

‫المادي الذي ال يؤمن بخالق وال بآخرة الذي يفعله الحداثيون منذ خمسين عاما انهم‬

‫يحاولون التلفيق بين مفردات الدولة الحديثة وبين الشريعة االسالمية والدولة‬

‫الحديثة اصال هي دولة قائمة على سفسطة وهي دولة ال تحقق اهدافها أصال‬

‫النها دائما تفكر بفردوس ارضي يبنى على االرض وعدالة مطلقة وال يكون ذلك وال‬

‫يتم بل في انظمة الدولة الحديثة الدول التي تعيش على البلطجة هي االقوى‬

‫ولكي نفهم االمر اكثر نظام الدولة الحديثة مبني على ماذا على اعتبار الدين قضية‬

‫هامشية وانه في شيء اسمها مواطنة عندنا فقهاء حداثيين منهم من انكر احكام‬

‫اهل الذمة منهم من انكر حكم عدم قتل المسلم بالكافر منهم من أجاز بناء الكنائس‬

‫بشكل مطلق منهم من قال نغير اسم الجزية ونسميها ضريبة منهم منهم منهم‬

‫انت جالس تلفق بين شيئين متناقضين نحن كلنا متأثرون بنموذج الدولة الحديثة ألننا‬

‫نشأنا فيها انا ال اقول ان اسلمة الدولة الحديثة متناقضة مستحيلة بل انا اقول ان‬

‫الدولة الحديثة في نفسها هي دولة تقفز على االسئلة الوجودية فهي ال تريد ان‬

‫تجيب من اين جئنا وما هو هدفنا في الحياة وال اين نذهب ثم يفرضون علينا غايات‬

‫انه انت غايتك انك تأكل وتشرب وتتكاثر وتخدم حسنا انا وصلت باعتقادي الى اني‬

‫لي غاية لي اخره ال هذا شيء تحتفظ به لنفسك وال يزاحم موضوع الدولة الحديثة‬

‫الطريق اللي ينطلق منها عموما مفكري الحداثيين انه الدولة الحديثة حكميا الدولة‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫الحديثة جاءت على انقاد دولة اخرى فبناء على كيف نرتاح ندعوا للعلمانية او ندعوا‬

‫لعلمنة الدولة او نحرف الدين االسالمي او او من اجل ماذا من اجل هذه الدولة طيب‬

‫هذه الدولة ما اقصى ما يمكن ان تصل له فيها حلم الفردوس االرضي االمريكي‬

‫الذي لم يتحقق حتى في امريكا حسنا هل هذا يساوي ان اترك ديني اليوم هذا‬

‫الهوس بالدولة الحديثة بالدولة التي في خيالهم جعلتهم يتقحمون باليا دائما‬

‫البحث العقائدي محتقر الناس تموت الناس تقتل وانتم تتكلمون في العقيدة على‬

‫اساس اننا لو تركنا الكالم في العقيدة ينتهي كل شيء فكثير منهم تحول الى‬

‫الحقوقية الفكر الحقوقي فكر متناقض لماذا ألنه يفترض ان لإلنسان حقوقا مطلقة‬

‫واالنسان هو مقيد فهو فكر طوباوي ال يمكن تحقيقه في الواقع ولهذا اصحابه‬

‫يطاردون تلك الغزالة الى ما ال نهاية حكم الزمان ببينها ما زلت تركض خلفها من‬

‫ودعتك بعينها ستبقى دائما دائما ابدا تركض وراء هذا الخيال ودائما تتذمر ودائما‬

‫ودائما االنبياء لما جاءوا لم يأتوا ويقولوا نحن عندنا نظام عالمي وبناء على هذا‬

‫النظام العالمي يجب نساير عليه ال االنبياء جاءوا الى نظام عالمي مناقض وقالوا‬

‫نصلحه قدر المستطاع ولهذا الحلول الحداثية فاشلة وتافهة وسخيفة ألنها من‬

‫زمان حلول االنبطاحية واول شيء يفكر فيه شيء من دين هللا عز وجل كيف بدء‬

‫مشروعنا انظر لك حاجة من دين هللا عز وجل حطمه عليها‪ .‬حطم العقيدة حطم كذا‬

‫يعني ننطلق ومع ذلك ليسوا موافقين علي ان يتعلمون ليسوا موافقين أن يتعلموا‬

‫يعرفون هذا حط كرامة الصحابة على جنب حط من أجل ماذا من أجل أن نبني مشروعنا‬

‫وفي النهاية أين مشروعك مشروعك ما هو انت في نهايتك ستصبح يا عبد بيد نظام‬

‫عسكري أو نظام امبريالي وتسميه خالف المستعان يا رجل هذا‪:‬‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ َ َ َ َ َ ۡ َ ۡ َ ٓ َ ََٰ‬ ‫ََ ََۡۡ ََۡ‬ ‫َ َ ْ َ ّّٗ ِّ َّ ِّ ْ‬
‫(فنسوا حظا مما ذكروا ِب ِهۦ فأغرينا بينهم ٱلعداوة وٱلبغضاء ِإىل يو ِم‬
‫َّ َ َ ْ َ ۡ َ َ‬ ‫ِّ‬ ‫ۡ َ َٰ َ ه َ َ ۡ َ َ‬
‫ٱل ِقي م ِة وسوف ينبئهم ٱَّلل ِبما كانوا يصنعون)‬
‫نسيوا حظا تركوه لماذا تركوا هذا الكتاب نود أن نعلم فرب العالمين جازاهم بعكس‬

‫مقصدهم انظروا اليوم انظروا اليهم في كل مكان كيف انهم ليس فيهم عشرة‬

‫يقدرون يتفقوا مع بعض كل الذي عندهم مشاكل بينهم امور قراءة للتراث قراءة‬

‫للتراث عجيبة رجل منهم يقرأ الكتاب يترك كل شيء ويمسك الذي يوافق القيم‬

‫الحداثية نعم كثير من الناس اصبح عندهم تشوه في فهم دين هللا عز وجل‪.‬‬

‫والموضوع تابع للمبحث الخامس وكما قلت وانشاء هللا لنا‬

‫كتاب كامل في الموضوع انما هذه قطرة للمحتاج تذهب‬

‫عنه العطش ال اكثر‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫المقدمة‬

‫التمهيد‬

‫المبحث األول‪ :‬الهوي‬

‫مقدمة‬

‫مفاسد إتباع الهوى‬

‫صاحب الهوى ال حكمة له وال زمام‬

‫صاحب الهوى ليس له معايير ضابطة وال مقاييس ثابتة‬

‫صاحب الهوى مفزع كل مفتري‬

‫صاحب الهوى تسهل استمالته من قبل أعداء األمة‬

‫صاحب الهوى مفرق لجماعة المسلمين‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الطعن في السنة‬

‫أصل الخالف‬

‫الرد من القرآن‬

‫األول‬

‫الثاني‬

‫الثالث‬

‫الرابع‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫الخامس‬

‫أمثلة حية من السنة المخصصة لعموم محمكم القرآن أو المفسرة لمجمله‬

‫األول‬

‫الثاني‬

‫الثالث‬

‫الرابع‬

‫تعليق‬

‫حجية خبر األحاد‬

‫مقدمة‬

‫الرد من وجوه‬

‫األول‬

‫الثاني‬

‫الثالث‬

‫الرابع‬

‫الخامس‬

‫السادس‬

‫تأثر السنة بالحكام و السالطين‬

‫المبحث الثالث‪ :‬عدالة الصحابي‬

‫المقدمة‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫أدلة ثبوت عدالة الصحابة‬

‫الطريق األول‪ :‬الوعد بالحسنى‬

‫الطريق الثالث‪ :‬حروب الردة‬

‫الطريق الرابع‪ :‬حديث نضر هللا امرأ‬

‫الطريق الخامس‪ :‬أدلة حفظ السنة‬

‫الطريق السادس‪ :‬قوله تعالى في أهل بدر‬

‫شبهات‬

‫المبحث الرابع‪ :‬تقديم العقل علي النقل‬

‫مقدمة‬

‫طريقتا المبتدعة في نصوص األنبياء‬

‫أوال‪ :‬طريقة التبديل‬

‫ثانيا‪ :‬طريقة التجهيل‬

‫خالصة ما سبق‬

‫مسائل‬

‫المسألة االولي‬

‫أصول الدين‪ :‬مسائل ودالئل هذه المسائل‬

‫دالئل المسائل‬

‫أصول المتكلمين ليست هي أصول الدين‬

‫جواز مخاطبة أهل االصطالح باصطالحهم‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫الرد علي المسألة الثانية‬

‫المسائل التي نهي عنها الكتاب والسنة‬

‫الرد علي المسألة الثالثة‬

‫الرد على المسألة الرابعة‬

‫الرد علي المسألة الخامسة‬

‫تنازع النظار في االستطاعة‬

‫تنازعهم في المأمور به الذي علم هللا أنه ال يكون‬

‫الرد علي المسألة السادسة‬

‫عودة إلي مناقشة قانون التأويل‬

‫جواب إجمالي‬

‫فصل في المعاصرين‬

‫المبحث الخامس‪ :‬شرع الخالق وشرعهم‬

‫ما مرجعيته‬

‫القاعدة األولى‬

‫القاعدة الثانية‬

‫القاعدة الثالثة‬

‫القاعدة الرابعة‬

‫شرع هللا‬

‫القسم األول‪ :‬اآليات التي وردت بنفي اإليمان عنه‬

‫)‬ ‫صفحة (‬
‫القسم الثاني‪ :‬يعني اآليات التي وردت بكفره وظلمه وفسقه‬

‫تطبيق الشريعة والحريات‬

‫الشريعة ال تطبق إال على َمن التزم تطبيقها في أكثر األحوال‬

‫الشريعة ال تمنع الكافر المقيم في بالدها مما يستبيحه في دينه‬

‫المبحث السادس‪ :‬الوالء والبراء والقومية‬

‫مقدمة‬

‫أوجه بطالن الدعوة إلى القومية العربية‬

‫الوجه األول‪ :‬الدعوة إلى القومية العربية تفرق بين المسلمين‬

‫الوجه الثاني‪ :‬أن اإلسالم نهى عن دعوى الجاهلية وحذر منها‬

‫الوجه الثالث‪ :‬هو أنها سلم إلى مواالة كفار العرب ومالحدتهم‬

‫الوجه الرابع‪ :‬الدعوة إليها يفضي بالمجتمع إلى رفض حكم القرآن‬

‫رأي محمد الغزالي في مسألة القومية العربية‬

‫تكميل في مسائل بعضها يتعلق بالقومية‬

‫األسئلة‬

‫األجوبة‬

‫المبحث السابع‪ :‬اإلسالم و الدولة‬

‫الفهرس‬

‫)‬ ‫صفحة (‬

You might also like