Professional Documents
Culture Documents
أنفسنا وسيئات أعمالنا ومن يهده هللا فال مضل له ومن يضلل فال هادي له وأشهد
أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى هللا عليه
وسلم تسليما كثيرا بعثه هللا بالهدى ودين الحق رحمة للعالمين وقدوة للعاملين
وحجة على العباد أجمعين فأدى األمانة وبلغ الرسالة ونصح األمة وبين لها جميع ما
تحتاج إليه في أصول دينها وفروعه حتى تركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها
وعلي هذا المنهج سار أصحابه الكرام ومن تالهم من القرون المفضلة حتى ظهرت
البدع واستبدت ظلماتها وذاق األئمة الذين وهبهم هللا اإليمان والعمل في سبيل
إخمادها أنواع العذاب اللهم حبب إلينا اإلنصاف وزينه في قلوبنا ,وكره إلينا البغي
ه ح ُ ه ُ ح َ َٰ َ ُ
َّ لِلَ ٱۡلجة ٱلبلَغة
صفحة ( )
الكتاب للرد علي الفرق التي تدعي أن اإلسالم ال يعارضها وال ينعرض لها وموجه
للمسلمين باالساس
صفحة ( )
إن اتباع الهوى وهو ما تميل إليه النفس مما لم يبحه الشرع خالف مقصود الشرع
ألن المقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون
االستسالم لله واالنقياد له بالطاعة هو أصل دين اإلسالم فمن أسلم وجهه لله
وأما من اتبع نفسه هواها فإن عاقبته الهالك والخذالن وذلك أن المعاصي والبدع
إن فساد الدين يقع باالعتقاد بالباطل أو بالعمل بخالف الحق فاألول البدع والثاني
اتباع الهوى وهذان هما أصل كل شر وفتنة وبالء وبهما كذبت الرسل وعصى الرب
ودخلت النار وحلت العقوبات ولذلك ما ذكر هللا الهوى في كتابه إال على سبيل الذم
صفحة ( )
صاحب الهوى ال حكمة له وال زمام
وال قائد له وال إمام إلهه هواه حيثما تولت مراكبه تولى وأينما سارت ركائبه سار
فآراؤه العلمية وفتاواه الفقهية ومواقفه العملية تبع لهواه فدخل تحت قوله
تعالى:
ََۡ َ ً َ َ َ ۡ َ َ َّ َ َ َ َٰ َ َ َ َٰ َ َ َ َ َ ُ
(أرءيت م ِن ٱتخذ ِإل ههۥ هوىه أفأنت تكون علي ِه و ِكيل)
(ما ابتدع رجل بدعة إال ىأت غدا بما ينكره اليوم)
صفحة ( )
صاحب الهوى ليس له معايير ضابطة وال مقاييس ثابتة
يرد الدليل إذا خالف هواه ألدنى احتمال ويستدل به على ما فيه من إشكال أو
إجمال وإذا لم يستطع رد الدليل لقوته حمله على غير وجهه وصرفه عن ظاهره إلى
ى
والمفتقة من أهل الضالل تجعل لها دينا وأصول دين قد ابتدعوه(
برأيهم ،ثم يعرضون عىل ذلك القرآن والحديث ،فإن وافقه احتجوا به
اعتضادا ال اعتمادا وإن خالفه فتارة يحرفون الكلم عن مواضعه
غت تأويله وهذا فعل أئمتهم وتارة يعرضون عنه
ويتأولونه عىل ر
ويقولون :نفوض معناه إىل هللا وهذا فعل عامتهم)
ومأوى كل مبطل ومستشار كل طاغ وفتنة كل جاهل بما يسوغه لهم من اآلراء
( رشار عباد هللا الذين يتبعون رشار المسائل ليعموا بها عباد هللا)
صفحة ( )
صاحب الهوى تسهل استمالته من قبل أعداء األمة
والمتربصين بها الدوائر فسرعان ما يرتد خنجرا في خاصرة األمة ،وسوطا يلهب
ظهرها ،وعينا يكشف سرها ،ويبدي سوأتها ويهتك سترها ،داعية لتثبيط العزائم،
مبتغ لهم العنت والمشقة ،الطعن في الصالحين ديدنه ،والهمز واللمز دأبه والحسد
طبعه تراه معتزال كل من يخالف هواه وإن كان أهدى سبيال مقربا لكل من هو على
وذلك ألن جميع المعاصي يجتمع فيها هذان الوصفان وهما العداوة والبغضاء والصد
عن ذكر هللا وعن الصالة فإن التحاب والتآلف إنما هو باإليمان والعمل الصالح
صفحة ( )
إن منزلة السنة من الدين عظيمة ،ومكانتها في الشريعة رفيعة ،كيف ال وهي مصدر
التشريع الثاني بعد القرآن ،فما ثبت في سنة نبينا عليه الصالة والسالم لزمنا العمل
به امتثاال ألمر هللا ولو تأملنا حال الصحابة والتابعين الكرام لوجدناهم خير من قام
بسنة رسول هللا حق القيام والسنة من المعلوم عند جميع أهل العلم أنها األصل
الثاني من أصول اإلسالم ،وأن مكانتها في اإلسالم الصدارة بعد كتاب هللا ،فهي
األصل المعتمد بعد كتاب هللا عز وجل بإجماع أهل العلم قاطبة ،وهي حجة قائمة
مستقلة على جميع األمة ،من جحدها أو أنكرها ،أو زعم أنه يجوز اإلعراض عنها
واالكتفاء بالقرآن فقط؛ فقد ضل ضالال بعيدا ،وكفر كفرا أكبر ،وارتد عن اإلسالم بهذا
المقال ،فإنه بهذا المقال وبهذا االعتقاد يكون قد كذب هللا ورسوله ،وأنكر ما أمر
هللا به ورسوله ،وجحد أصال عظيما ،أمر هللا بالرجوع إليه واالعتماد عليه واألخذ به،
وأنكر إجماع أهل العلم ،وكذب به وجحده وقد أجمع علماء اإلسالم على أن األصول
• وتنازع أهل العلم في أصول أخرى أهمها :القياس والجمهور على أنه أصل
صفحة ( )
أما السنة فال نزاع وال خالف في أنها أصل مستقل وأنها األصل الثاني من أصول
اإلسالم وأن الواجب على جميع المسلمين بل على جميع األمة األخذ بها ،واالعتماد
عليها ،واالحتجاج بها إذا صح السند عن رسول هللا عليه الصالة والسالم وقد دل
على هذا المعنى آيات كثيرات في كتاب هللا وأحاديث صحيحة عن رسول هللا عليه
الصالة والسالم ،كما دل على هذا المعنى إجماع أهل العلم قاطبة على وجوب األخذ
بها واإلنكار على من أعرض عنها أو خالفها وقد نبغت نابغة في صدر اإلسالم أنكرت
السنة بسبب تهمتها للصحابة رضي هللا عنهم وأرضاهم كالخوارج فإن الخوارج كفروا
كثيرا من الصحابة وفسقوا كثيرا وصاروا ال يعتمدون بزعمهم إال على كتاب هللا لسوء
ظنهم بأصحاب رسول هللا عليه الصالة والسالم وتابعتهم الرافضة فقالوا ال حجة إال
فيما جاء من طريق أهل البيت فقط وما سوى ذلك ال حجة فيه ونبغت نابغة بعد
ذلك تسمى هذه النابغة األخيرة القرآنية ويزعمون أنهم أهل القرآن وأنهم يحتجون
بالقرآن فقط وأن السنة ال يحتج بها ألنها إنما كتبت بعد النبي صلى هللا عليه وسلم
بمدة طويلة وألن اإلنسان قد ينسى وقد يغلط ،وألن الكتب قد يقع فيها غلط إلى
غير هذا مما قالوا من الترهات والخرافات واآلراء الفاسدة وزعموا أنهم بذلك
يحتاطون لدينهم فال يأخذون إال بالقرآن فقط وقد ضلوا عن سواء السبيل وكذبوا
وكفروا بذلك كفرا أكبر بواحا فإن هللا عز وجل أمر بطاعة رسوله عليه الصالة والسالم
واتباع ما جاء به ،ولو كان رسوله ال يتبع وال يطاع لم يكن لألوامر قيمة وقد أمر أن
تبلغ سنته وكان إذا خطب أمر أن تبلغ السنة ،فدل ذلك على أن سنته صلى هللا عليه
وسلم واجبة االتباع وعلى أن طاعته واجبة على جميع األمة كما تجب طاعة هللا تجب
صفحة ( )
األول
(من يطع ّ
الرسول فقد أطاع هللا)
فجعل هللا تعالى طاعة رسوله صلى هللا عليه وسلم من طاعته.
ّ ّ ّ
(يـا أيها الذين أمنوا أطيعوا هللا وأطيعوا الرسول)
الثاني
حذر هللا عز وجل من مخالفة رسوله صلى هللا عليه وسلم وتوعد من عصاه بالخلود
جعل هللا تعالى طاعة رسوله صلى هللا عليه وسلم من لوازم اإليمان ،ومخالفته
ثم أمرهم سبحانه برد ما تنازعوا فيه إليه ،وذلك عند االختالف قال تعالى
) صفحة (
ّ
فردوه إىل هللا ّ ر
والرسول) شء
(فإن تنازعتم يف ي
فالرسول أوتي القرآن وبيانه وهو السنة
وتوجيهه العام ،ومستقاة من أصوله ،ومستوحاة من أهدافه ،إذ إنها إما تخصيص
لعمومه ،أو مفسرة لمجمله ،أو مقيدة لمطلقه ،أو شارحة لكيفية تطبيق بعض
أحكامه ،وهذا ما فهمه الصحابة وعلموه وهو أن السنة وأحكامها تعتبر مأخوذة من
القرآن الكريم ،ألن هللا تعالى قد أحال المسلمين في بعض نصوصه إلى
السنة ،وقصة المرأة األسدية مع عبد هللا بن مسعود في لعن الواصلة والمستوصلة
والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة حينما قالت :لقد قرأت ما بين دفتي
المصحف فلم أجد اللعن فيه ،قال :أما إنك لو قرأت لوجدتيه ألم تقرأي قوله تعالى
فاألخذ بالسنة في الواقع (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)
أخذ بالقرآن ألن القرآن أحالنا عليها في بعض األحكام كما أن السنة هي التاريخ
التطبيقي للقرآن فالجهل بها جهل لكيفية تطبيق القرآن كما أنها المصدر الوحيد
لمعرفة سبب النزول ومعرفة ناسخ القرآن ومنسوخه وهذه أمور ضرورية جدا لتحديد
) صفحة (
األول
قال تعالى:
جاءت السنة فبينت أن المراد بذلك مع اتفاق الدين بين الوالدين والمولودين وأما إذا
اختلف الدينان فإنه مانع من التوارث واستقر العمل على ما وردت به السنة في ذلك
فقد صح عنه صلى هللا عليه وسلم من حديث أسامة بن زيد أنه قال:
الثاني
قال تعالى:
(والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكاال من هللا وهللا
عزيز حكيم)
لكن ليس في اآلية الكريمة بيان قيمة المسروق وال الحرز الذي هو شرط القطع
ولم تبين اآلية الكريمة من أين تقطع يد السارق أمن الكف أم من المرفق أم من
المنكب فجاءت السنة فبينت مقدار المسروق وهو ربع دينار كما بينت الحرز وهو
) صفحة (
يختلف ألنه يكون في كل شيء بما يناسبه ،كما بينت السنة أن القطع يكون من
مفصل الكف.
الثالث
واإلصابة معا فجاءت السنة فبينت أن المراد به اإلصابة بعد العقد فعن عائشة رضي
هللا عنها أن رفاعة القرظي طلق امرأته فبت طالقها فنكحت بعده عبد الرحمن بن
بن العاص جالس باب الحجرة لم يؤذن له ،فطفق خالد ينادي أبا بكر أال تزجر هذه عما
الرابع
واألمثلة على ذلك كثيرة جدا ،فمنها الصلوات الخمس فإن هللا تعالى قال في
وليس في القرآن بيان عدد الصلوات وال تحديد القرآن الكريم (وأقيموا الصالة)
) صفحة (
أوقاتها وال عدد الركعات في كل صالة وال كيفياتها فجاءت السنة فبينت كل ذلك
) صفحة (
وإني ألتوجه إلى منكري حجية السنة فأقول لهم:
إذا كنتم ال تعتبرون السنة حجة عليكم وال تعملون بها فكيف تقيمون الصالة أخذا
من القرآن وكيف تؤدون الزكاة وكيف تقطعون يد السارق وتقيمون الحدود وتوزعون
المواريث والتركات فماذا يكون جوابهم يا ترى سبحانك ربنا هذا ضالل مبين وهذه
الفتنة ليست بحديثة العهد فقد قذفها الشيطان في نفوس بعض الناس في القرن
األول فهذا الخطيب البغدادي يسوق بسنده في كتابه "الكفاية" إلى الصحابي
الجليل عمران بن حصين رضي هللا عنه أنه كان جالسا ومعه أصحابه يحدثهم فقال
رجل من القوم (ال تحدثونا إال بالقرآن) فقال له عمران بن حصين (ادنه فدنا) فقال:
(أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إىل القرآن ،أكنت تجد فيه صالة الظهر
اثنتي ،أرأيت لو وكلت
أربعا ،وصالة العرص أربعا ،والمغرب ثالثا ،تقرأ يف ر
أنت وأصحابك إىل القرآن أكنت تجد الطواف بالبيت سبعا ،والطواف
بالصفا والمروة ثم قال :أي قوم ،خذوا عنا فإنكم وهللا إن ال تفعلوا
وفي رواية أخرى :أن رجال قال لعمران بن حصين لتضلن)
ى
الت تحدثوناها وتركتم القرآن) قال( :أرأيت لو أبيت
(ما هذه األحاديث ي
أنت وأصحابك إال القرآن ،من أين كنت تعلم أن صالة الظهر عدتها كذا
وحي وقتها كذا ،وصالة المغرب كذا،
وكذا ،وصالة العرص عدتها كذا ،ر
ورم الجمار كذا ،واليد من أين تقطع ،أمن هنا أم هاهنا
والموقف بعرفة ،ي
أم من هاهنا ،ووضع يده عىل مفصل الكف ،ووضع يده عند المرفق،
ووضع يده عند المنكب اتبعوا حديثنا ما حدثناكم وإال وهللا ضللتم)
) صفحة (
( إذا حدثت الرجل بالسنة وساق بسنده إلى أبي أيوب السختياني أنه قال:
) صفحة (
مقدمة
إن خبر الواحد أو خبر اآلحاد يفيد الظن بالنسبة لثبوته نسبته إلى رسول هللا صلى
هللا عليه وسلم والظني الثبوت ال يجوز أن نبني عليه أحكام شرعية وقد رد عليهم
الشافعي ببحث طويل مستفيض في "الرسالة" بما يقارب المائة صفحة وفي بعض
طبعات هذا الكتاب وأتى بأدلة على حجية خبر الواحد أقواها عمل الصحابة وإجماعهم
على األخذ بخبر الواحد واالحتجاج به حتى في األمور العظيمة الخطيرة وأتى بأمثلة
كثيرة أسوق مثاال واحدا منها طلبا لالختصار هذا المثال هو تحول أهل قباء وهم
في صالة الفجر من التوجه إلى بيت المقدس واستقبالهم بيت هللا الحرام بخبر الواحد
(وأهل قباء أهل سابقة من األنصار وفقه وقد كانوا عىل قبلة فرض هللا
عليهم استقبالها ولم يكن لهم أن يدعوا فرض هللا يف القبلة إال بما تقوم
عليهم الحجة ولم يلقوا رسول هللا ولم يسمعوا ما أنزل هللا عليه يف
مستقبلي بكتاب هللا وسنة نبيه سماعا من
ر تحويل القبلة فيكونون
بخت الواحد إذ كان عندهم من أهل بخت عامة وانتقلوا ر رسول هللا وال ر
النت أنه أحدث عن هم أخت ما إىل كوه الصدق عن فرض كان عليهم ى
فت
ري ر
بخت الواحد إال
عليهم من تحويل القبلة ولم يكونوا ليفعلوه إن شاء هللا ر
عن علم بأن الحجة تثبت بمثله ،إذا كان من أهل الصدق ...إىل آخر ما
قال )...وقد عقد الخطيب البغدادي في "الكفاية" بابا سماه "باب ذكر بعض الدالئل
) صفحة (
شء منهر
نشت إىل ي
بخت الواحد كتابا ونحن ر
(قد أفردنا لوجوب العمل ر
يف هذا الموضع إذ كان مقتضيا له)
ثم قال:
ر
وانتش عن الصحابة من العمل (فمن أقوى األدلة عىل ذلك ما ظهر
بخت الواحد)
ر
ثم ساق األمثلة والشواهد على احتجاج الصحابة بخبر الواحد إلى أن ختم الباب بقوله
جاءت األحاديث بأحكام جديدة لم ترد في القرآن ،كان ذلك معارضة من ظني الثبوت
وهو الحديث القطعي الثبوت وهو القرآن ،والظني ال يقوى على معارضة القطعي
وإن جاءت مؤكدة لحكم القرآن كان االتباع للقرآن ال للسنة ،وإن جاءت لبيان ما أجمله
القرآن كان ذلك تبيانا للقطعي الذي يكفر من أنكر ثبوته بالظني الذي ال يكفر من
أنكر ثبوته وهذه التقسيمات في الحقيقة فلسفة فارغة تعارض ما كان عليه الصحابة
والتابعون ومن تبعهم بإحسان من العمل بالحديث بمجرد ثبوته ولو من طريق شخص
واحد إذا توفرت فيه شروط الراوي المعروفة من العدالة والضبط وغير ذلك.
) صفحة (
األول
إن هللا تعالى أوجب علينا اتباع رسوله وهذا عام بمن كان في زمنه وكل من يأتي
بعده وال سبيل إلى ذلك لمن لم يشاهد الرسول إال عن طريق رواية األحاديث فيكون
هللا قد أمرنا باتباعها وقبولها ،ألن ما ال يتم الواجب إال به كان واجبا وحتى أن
الصحابة رضي هللا عنهم لم يتيسر لمجموعهم مع أنهم في زمنه أن يسمعوا جميع
ما قاله الرسول منه مباشرة فكثيرا ما كان يسمعها البعض ويبلغونها غيرهم
الثاني
إنه البد من قبول األحاديث لمعرفة أحكام القرآن نفسه ،فإن الناسخ والمنسوخ ال
الثالث
إن هنالك أحكاما متفقا عليها بين جميع أهل العلم وطوائف المسلمين قاطبة حتى
الذين ينكرون حجية السنة كعدد الصلوات المفروضة وعدد الركعات وأنصبة الزكاة
) صفحة (
الرابع
إن الشرع قد جاء بتخصيص القطعي بظني ،كما جاء في الشهادة على القتل والمال،
فإن حرمة النفس والمال مقطوع بهما ،وقد قبلت فيهما شهادة االثنين ،وهي
الخامس
إن األخبار وإن كانت تحتمل الخطأ والوهم والكذب ،ولكن االحتمال بعد التأكد والتثبت
من عدالة الراوي ومقابلة الرواية بروايات أقرانه من المحدثين يصبح أقل من االحتمال
الوارد في الشهادات ،خصوصا إذا عضد الرواية نص من كتاب أو سنة فإن االحتمال
السادس
وأما قولهم إن هللا أنزل الكتاب تبيانا لكل شيء فإن من المعلوم أن هللا لم ينص
على كل جزئية من جزئيات الشريعة وإنما بين أصول الشريعة ومصادرها وقواعدها
ومبادئها العامة ..ومن األصول التي بينها وجوب العمل بسنة الرسول عليه أفضل
) صفحة (
فإن حركة االستشراق اليهودية والنصرانية معا هي التي تكمن وراء إثارة هذه
الشبهات حول حجية السنة في هذا العصر فهذا كبير المستشرقين المستشرق
اليهودي المجري جولد تسيهر الذي يعد أشد المستشرقين خطرا وأكثرهم خبثا
وإفسادا في هذا الميدان وذلك لسعة اطالعه على المراجع اإلسالمية حتى اعتبر
زعيم المستشرقين وال تزال كتبه وبحوثه مرجعا خصبا وأساسيا للمستشرقين في
هذا العصر وكان له أكبر األثر في التشكيك بالسنة وترى أراءه منثورة في كتبه
لإلسالم في عهده األول (عهد الطفولة) ولكنه أثر من آثار جهود المسلمين في
والسياش
ي الديت
ي األكت من الحديث ليس إال نتيجة للتطور
ر (إن القسم
والثات)
ي القرني األول
ر واالجتماع يف
ي
ومعلوم أن هذا زعم باطل تكذبه النصوص الثابتة فرسول هللا صلى هللا عليه وسلم
لم ينتقل إلى الرفيق األعلى إال وقد وضع األسس الكاملة لبنيان اإلسالم الشامخ
بما أنزل هللا عليه في كتابه وبما سنه عليه الصالة والسالم من سنن وشرائع
وقوانين شاملة وافية ،حتى قال صلى هللا عليه وسلم قبيل وفاته
ى
وسنت) (تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب هللا
ي
ومن المعلوم أم من أواخر ما نزل على النبي صلى هللا عليه وسلم من كتاب هللا
تعالى:
) صفحة (
وذلك صريح في كمال اإلسالم وتمامه فما توفي الرسول عليه إال واإلسالم ناضج
كامل ال طفل يافع كما يدعي جولد تسيهر وتبع هذا المستشرق عدد من
المستشرقين كشاخت وغيره فأثاروا شبهات حول السنة تتعلق بالتشكيك في نسبة
السنة للرسول صلى هللا عليه وسلم وأنها من وضع الناس وإن المحدثين وإن اعتنوا
بالنقد الخارجي أي نقد السنة إال أنهم لم يعتنوا بالنقد الداخلي أي نقد المتن وإن
كنا ال نعبأ بشبهات هؤالء الكفرة وأضاليلهم المتهافتة لوال أن ناسا ممن يسمون
أنفسهم علماء أو كتابا إسالميين تلقفوا كالم أولئك المستشرقين وصاروا يلوكونه
بالبحث العلمي والتجديد في البحث وهم في الحقيقة إما جهلة أو مأجورون أخباث
وإن كنت شخصيا أرجح الثانية فمن هؤالء "أبو رية" فقد نشر كتابا اسمه (أضواء على
السنة المحمدية) وكل ما في هذا الكتاب تشكيك بالسنة وصحة نسبتها للرسول
عليه السالم وكله سباب وشتم وطعن في الصحابي الجليل راوية اإلسالم (أبي
هريرة) وذلك باستشهادات مبتورة محرفة وتأويالت باطلة تروق له ولمن دفعه من
المستشرقين وال أحب عرض أي شيء من كتابه هذا لتفاهة الكتاب وتفاهة مؤلفه
) صفحة (
ومنهم أيضا أحمد أمين في كتابه "ضحى اإلسالم"
ر ي
الخارج ولم يعنوا هذه كبتة بالنقد
المحدثي عنوا عناية ر
ر وف الحق أن
( ي
الداخىل ،فقد بلغوا الغاية يف نقد الحديث من ناحية رواته
ي العناية بالنقد
غت ثقات ،وبينوا
جرحا وتعديال ،فنقدوا رواة الحديث يف أنهم ثقات أو ر
مقدار درجتهم ف الثقة وبحثوا هل ى
تالف الراوي والمروي عنه أو لم ي
يتالقيا ،وقسموا الحديث باعتبار ذلك ونحوه إىل حديث صحيح وحسن
وغت ذلك)
وضعيف ،وإىل مرسل ومنقطع ،وإىل شاذ وغريب ر
ثم قال:
(ولكنهم لم يتوسعوا كثتا ف النقد الداخىل فلم يتعرضوا ى
لمي الحديث ي ر ي
هل ينطبق عىل الواقع أو ال)
وقال أيضا:
ى
الت قد تحمل عىل
كثتا لبحث األسباب السياسية ي
(كذلك لم يتعرضوا ر
كثتا يف أحاديث ألنها تدعم الدولة األموية أو
الوضع فلم أرهم شكوا ر
العباسية أو العلوية الخ ما قال)...
وتبعه على هذا الدكتور أحمد عبد المنعم البهي في مجلة العربي الصادرة بالكويت
إذ يقول:
(إن رجال الحديث كان كل همهم منرصفا إىل تصحيح السند والرواية
مي الحديث نفسه الذي هو النص) دون االهتمام بتمحيص ى
) صفحة (
والحقيقة أن كالم هذين الشخصين كالم من لم يمارس فن المصطلح وعلومه أوفى
ممارسة ،فإن علماء المصطلح اعتنوا بنقد المتن كما اعتنوا بنقد السند تماما ،فهذه
الشروط التي وضعها علماء المصطلح للتصحيح فإن منها أن ال يكون الحديث شاذا
وال معلال ثم يذكرون أن الشذوذ قسمان :شذوذ في المتن وشذوذ في السند وكذلك
يقولون أن العلة قد تكون في المتن كما تكون في السند فلو كان أحمد أمين وأحمد
عبد المنعم يحترمان نفسيهما لما قاال هذا القول الذي يدل على جهلهما بمبادئ
علم المصطلح التي يتلقاها المبتدئون من طلبة العلم ،لكن الكسب المادي الحرام
وحب التظاهر والتقليد للمستشرقين والتظاهر أمام الناس بمعرفة شيء خفي
بزعمهم على األئمة هو الذي أوقعهما وأوقع غيرهما في مثل هذه الورطة والشي
الذي يلفت النظر أن مجلة العربي نشرت مرارا للدكتور أحمد عبد المنعم المذكور
إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حتى أن الطعن نال األحاديث التي جاءت في
صحيح البخاري وذلك بأسلوب حقير واضح الحقارة ليس فيه أثر من علم وال دين وبشكل
ال تحسد عليه مجلة العربي وال تشكر فيجب التنبه إلى تلك األقالم األثيمة في تلك
المجلة والتنقيب عمن يكمن وراء تلك الحمالت المغرضة على السنة وكتب الحديث
الصحيحة هذا جهد متواضع عرضته بإيجاز لضيق المقام وذلك تنبيها لشبابنا الصاعد
من أن تقع في أيديهم تلك المقاالت األثيمة فيخدعوا بزخرفها وربما يداخلهم الشك
في صحة نسبة السنة إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وبالتالي إلى أنها ال
تصلح ألن يحتج بها وما أظن أني وفيت الموضوع حقه في هذه العجالة.
) صفحة (
قبل الشروع بسرد أدلة العدالة ال بد من توضيح أن العدالة مراتب
• الثالثة وهي أعالها مطلقا :العدالة الباطنة التي تقضي بدخول الجنة لمن مات
فأما األولى فهي مقصود عامة من يشوش على عدالة الصحابة ونحن ال نحتاج إلى
عددهم ليس كبيرا وذلك أن الرواية ما كان يعانيها إال خواص الصحابة قال ابن كثير
الصحابة يربون على المائة األلف والرواة منهم في مسند اإلمام أحمد على سعة
اطالعه لم يبلغوا األلف والبن حزم كتاب في أسماء الرواة من الصحابة وما لكل واحد
) صفحة (
فيهم من الرواية اعتمد فيه على مسند بقي بن مخلد أحصى فيه 999صحابيا وعدالة
الرواية عند جميع الفرق أهون من عدالة الشهادة والعدالة الباطنة فعامة الفرق بما
فيهم الرافضة يقبلون رواية المبتدعة عندهم كالفطحية مثال وإن كانوا ال يشهدون
لهم بالعدالة الباطنة وكثير من أهل الحديث يقبل رواية أهل البدع وإن كان ال يشهد
لهم بالعدالة الباطنة بل عدالة الرواية هي عدالة تتعلق بكون الراوي ال يستحل
الكذب على النبي صلى هللا عليه وسلم أو يتجرأ عليه لسبب متعلق بديانته أو حتى
خوفا من الفضيحة ومن الناس ومن المعلوم أنه في زمن توافر المهاجرين واألنصار
األمر عسير غاية والذين قاتوا الدنيا ذبا عن النبي صلى هللا عليه وسلم ما كانوا
ليتركوا الكذب يفشو عليه بسهولة وسيأتي بسط األدلة في هذا ودفع االعتراضات
وأما النوع الثاني من العدالة فهو عدالة الشهادة وهي أخص من عدالة الرواية
فكثير ممن تقبل روايته ال تقبل شهادته فالرواية يكتفى فيها بواحد بخالف
الشهادة والسر في ذلك أن الشهادة شأن خاص غير ظاهر للعامة فطلب فيه
االحتياط بخالف الرواية المتعلقة بالنبي صلى هللا عليه وسلم فهذا شأن عام لو
وجد ما يعارض لظهر ،ثم إن في الشهادة الشاهد شهادته معارضة ليمين المدعى
عليه مع شهادته بالحق لنفسه فلزم مرجح وأما المدعي فلم يحسب هنا ألنه أصال
صاحب حق فهو متهم بشهادته لنفسه وأما في الرواية فالراوي ال يحتاج إلى مرجح
وأما النوع الثالث من العدالة فهو العدالة الباطنة التي إذا ثبتت لشخص ومات عليها
دخل الجنة ابتداء دون المرور على النار والنوعان األوالن يسميان عدالة ظاهرة وأما
) صفحة (
هذا األخير يسمى عدالة باطنة األوالن ينقضهما دون الشخص شهد عليه بالكذب
الظاهر أو الفسق الظاهر وأما األخير فينقضه حتى اإلصرار في الباطن على الصغائر
مما ال يطلع عليه إال هللا أو وقيعة في كبيرة في السر فإذا ثبت هذا النوع الثالث
للصحابة لزم ثبوت النوعين األولين قوال واحدا واعلم أن العدالة الباطنة ال تنافي
وقوع الذنوب التي فيها الوعيد بالنار إال إذا لم تقع كفارة من قيام حد أو عقوبة
الت ِم ِ ُّ َّ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ َّ َ :
يم ي دنيوية أو حتى عذاب قبر قال مسلم في صحيحه (حدثنا يح رت بن يح رت
يم َو ْابن ن َم رْت ُك ُّلهمْ الناقد َوإ ْس َحاق ْبن إ ْب َراه َ َ َ َ ْ ْ َ َ ْ َ َ َ َ ْ ٌ َّ
ٍ ِ ِ ِ وأبو بك ِر بن أ ِر يت شيبة وعمرو ِ
الز ْهريِّ الَ :ح َّد َث َنا س ْف َيان ْبن ع َي ْي َن َة َعن ُّ الل ْف ُظ ل َع ْمرو َق َ َ ْ َ َ َ َّ
و ة ن يي ع ن َعن ْ
اب
ِ ِ ٍ ِ ِ َ ِ
َّ َّ ُ
ال :ك َّنا َم َع َ َ َ
يس َع ْن ع َب َادة ْبن َّ ْ َع ْ
هللا َصىل اَّلل ول ِ ِ س ر الصامت ق َ
ِ ِ َ ِ
َ ر د إ
ِر ي ِ ِ ت أ ن
َّ َ ْ ً َ َ ُ ْ َ رْ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َّ
اَّلل شيئا وال شكوا ِب ِ وت عىل أن ال ت ِ س فقال :تب ِايع ِ ي علي ِه وسلم ِ يف مج ِل ٍ
َ ُْ َّ َّ ْ ِّ َ َّ ْ َ َّ َ َْ ُ َت ْزنوا َو َال َت ْ
س ال ِ ى يت َح َّر َم اَّلل ِإال ِبال َحق ف َم ْن َوف ِمنك ْم شقوا َوال تقتلوا النف ِ
َ ٌ
ب به فه َو كف َارة له َو َمنَّْ َ َ َ َ
اب ش ْيئا م ْن ذل َك فعوق َ ً َ َف َأ ْجره َع َىل هللا َو َم ْن أ َص َ
َ
ِ ِِ ِ ِ ِ
ْ َ َ ََ َْ َ ْ َ
َ َ َ َ ْ ً ْ َ َ َ َ ىَ َ َّ َ َ ْ َ ْ َ
هللا ِإن شاء عفا عنه و ِإن أصاب شيئا ِمن ذ ِلك فسته اَّلل علي ِه فأمره ِإىل ِ
شاء عذبه) فإذا كانت الحدود كفارات علمنا أن ماعزا والغامدية قد غفر لهما بما
َ َ َ َّ َ
أقيم عليهما وأيضا مصائب الدنيا كفارات كما ورد في األخبار وقد رأت عائشة أن ما
أصاب حسان من العمى كان كفارة له عما وقع منه في اإلفك وقد علم أن الحسنات
العظيمة تكفر الذنوب فالله ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء
ومغفرته تكون مبنية على أسباب من أهمها الحسنات العظيمة وقد علم صنيع المرأة
البغي التي سقت كلبا ومغفرة هللا لها والصحابة لهم حسنات عظيمة من أهمها
حق الصحبة ومنتهم على األمة بجهادهم بعدما فهمت هذه المقدمة لننظر في
) صفحة (
أدلة ثبوت عدالة الصحابة ولثبوت عدالتهم من أدلة القرآن عدة طرق بعضها يشملهم
) صفحة (
الطريق األول :الوعد بالحسنى
ما دخل فيها القاعد وفي اآلية الثانية وعد من أنفق من قبل الفتح وقاتل ومن أنفق
بعده وقاتل بالحسنى ولو كان المراد الغنيمة لما دخل الذين استشهدوا في هذا
ولو كان المراد دخولهم الوعد وقد قال تعالى( :للذين أحسنوا الحست وزيادة)
للجنة ولو بعد عذاب أخروي لم يكن لهم أي مزية على غيرهم من أهل اإليمان وهذا
البرهان يثبت لهم النوع الثالث من العدالة مما يجعل عدالة الرواية تحصيل حاصل.
) صفحة (
الطريق الثالث :حروب الردة
وقال تعالى:
ْ َ َ ْ َ َ ْ ى َّ َ ْ َ ْ َ َ ُّ َ َّ َ َ َ ْ َ ْ َ َّ ْ ُ
(ياأيها ال ِذين آمنوا من يرتد ِمنكم عن ِد ِين ِه فسوف يأ ِ يت اَّلل ِبقو ٍم
َ َ َ ُّ ْ َ ُّ َ َ َّ َ َ ْ ْ َ َ َّ َ َ ْ َ
اهدون ِ يف ي ِحبهم وي ِحبونه أ ِذل ٍة عىل المؤ ِم ِن ري أ ِعزٍة عىل الك ِاف ِرين يج ِ
َ ْ َ َ َ َّ َّ ْ َ َ َ ْ َ َْ َ َ َ َّ َ َ َ َ َ
يه من يشاء واَّلل ت
ِ ِ ؤ ي اَّلل
ِ ل ض ف ك ل ذ
ٍِ ِم ئَل ة مو ل ون اف خ ي َلو اَّلل
ِ يلب
ِ ِ س
َواس ٌع َعل ٌ
يم) ِ ِ
فهذا حال الصحابة الكرام أهل الرواية فكلهم قاتل أهل الردة "حين انكشف أهل
النفاق" وجاهد في سبيل هللا الروم والفرس والردة حصلت بعد النبي صلى هللا
عليه وسلم وقف لها الصحابة الذين يبغضهم الرافضة مهاجرين وأنصار وطلقاء
وغيرهم فدلت هذه الحروب على عدالتهم وأن هم الذين يحبهم هللا ويحبونه وهذا
عنه إذ لم يأذن لهم إال والحجة قائمة برواتهم واإلذن كان لهم خاصة وقال:
ولكن هذا النوع من األدلة يشمل أهل الرواية (يبلغ الشاهد منكم الغائب)
فحسب.
) صفحة (
الطريق الخامس :أدلة حفظ السنة
بين المهاجرين واألنصار وهم يسمعونه فلو حدث بباطل ما تركوه وهم الذين حاربوا
الدنيا كلها في سبيل تثبيت أركان الدين فإن قيل :يعترض على هذا الدليل بأنه
يقتضي تعديل كل من روى الحديث مطلقا من الصحابة وغيرهم فيقال :الصحابة حتى
مع ما وقع بينهم من القتال لم يصح أن أحدا منهم كذب اآلخر بخالف الطبقات األخرى
التي وجد فيها عدول جرحوا المجروحين منها ولو وقع من الصحابة هذا لنقل لنا كما
نقل قتالهم وإنما وقع بينهم خالف في بعض فرعيات المرويات رجع إلى وهم
أحدهم كما حصل مع ابن عباس في زواج ميمونة مع إقرار المعترض عليه بعدالته
وإنما وقع الوهم فحسب وهذا يدل على الحفظ والتحري وأنه لم يكن يحدث أحد
منهم بحديث إال والبقية يرمقونه ويراجعونه فيما يقول فإذا أقروه دل ذلك على
صوابه فيما روى ومن براهين ثبوت عدالة الرواية للصحابة أنهم مع قتالهم وخالفهم
) صفحة (
الطريق السادس :قوله تعالى في أهل بدر
قتال بين طرف فيه علي وطرف آخر فيه طلحة والزبير وكلهم بدريون وكان عمار
يشهد لعائشة بصحبة النبي صلى هللا عليه وسلم في الجنة فدل على أن القتال
لم يزل عنهم العدالة الباطنة كما لم تزل األخوة بين الفئة الباغية والمبغي عليها
متقابلي)
ر
فدل على أنه يقع بين المستحقين للجنة نوع من الغل في الدنيا بسبب تحريش أهل
الباطل أو غلط يقع بتأويل من بعضهم وال يمنع ذلك من العدالة الباطنة الموجبة
للجنة وهذا ما فهمه علي بن أبي طالب نفسه قال ابن أبي شيبة في المصنف
َ
األ َصمِّ ْ ُّ َ ْ َ ْ َ ْ ْ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ْ َ ُّ َ ْ
(حدثنا عمر بن أيوب المو ِص ِ يىل عن جعف ِر ب ِن برقان عن ي ِزيد ب ِن
ْ َّ ِّ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ ََْ َق َ
ال :قتالنا َوقتاله ْم ِ يف ال َجن ِة ىل َع ْن قتىل َي ْو ِم ِصف ري فق ال :س ِئ َل َع ٌّ
ِي
َ ْ َ َّ َ َ َ َ َ َو َ
إىل و ِإىل مع ِاوية)
ي ر ماأل تر ص ِ ي
ٍ
وجه ضعيف نص الذهبي على إدراك يزيد لعلي ولكن قال روايته عن علي وردت من
ولعله يعني المرفوع فإن السند هنا قوي إلى يزيد وقال أحمد في فضائل الصحابة
(ال تسبوا أصحاب محمد فإن هللا عز وجل قد أمر باالستغفار لهم وهو
يعلم أنهم سيقتتلون ويحدثون) وهذا األثر وإن كان في سنده إبهام إال أنه
) صفحة (
معناه صحيح علما أن شبهة وقوع القتال إنما تشمل جزءا يسيرا من الصحابة وهي
ال تسقط عدالة الرواية عند الجميع فالقتال ال يختلف عن البدعة الواقعة بالتأويل
استبان لك ثبوت عدالة الصحابة الباطنة ببراهين قطعية فاستثناء واحد منهم من
هذه البراهين ال بد أن يأتي بدليل يوازي هذه األدلة في القطعية ثبوتا وداللة.
شبهات
والواقع أن الخصوم متناقضين فإن عامة ما يوردونه روايات ال ترتقي إلى قوة هذه
األدلة من جهة القطعية هذا مع تشككهم المستمر بأخبار اآلحاد وفضائل الصحابة
المتواترة ولنأخذ عدة أمثلة أهمها مثال أبي بكرة وكركرة وأبي الغادية إشكال
وجوابه في قضية المغيرة مع أبي بكرة االعتراض يتلخص في أن أبا بكرة قذف
والناس يسمعون منه الحديث وال أنكر ذلك عمر وال عثمان وال علي وال بقية الصحابة
) صفحة (
َّ ً
قال ابن حزم في المحلى (ما سمعنا أن مسلما فسق أبا بكرة وال امتنع من
فهل خالف النت صىل هللا عليه وسلم يف أحكام الدين)
قبول شهادته عىل ر ي
كل العلماء القرآن وهذا مستحيل فاألمة ال تجتمع على ضاللة أم أنه تم استثناؤه
لحجة شرعية قائمة أم هناك فرقا بين المذكور في اآلية والرواية أم أن مجرد اإلجماع
الواقع أن أبا بكر رضي هللا عنه كان متأوال بدليل شهادة اثنين معه بنفس األمر
وحتى الرابع شهد بوجود رجل وامرأة في وضع مريب وفي القرآن:
عليهم حد القذف ولماذا لم يقبل شهادة أبي بكرة فيقال :أما إقامة الحد فلكي ال
القاطع وعدم قبول الشهادة من هذا الجنس أنه تعزير قال المهلب:
ُّ َ
أت بكرة؛ أال ترى أنهم يروون عنه ري عىل هذا في وا احتج المسلمون (وكان
الس َّنة وهو لم يكذب نفسه وقد قال له عمر: ويحملون عنه ُّ األحاديث َ
المغتة ونقبل شهادتك) وإنما قال له ذلك عمر استظهارا له ر ارجع عن قذفك
كمال التوبة والرجوع عما قال في القذف وإن كان يجتزأ بصالح حاله عن تكذيب نفسه
في قبول شهادته وقد يقام الحد على شخص في الدنيا وهو عدل وغير محاسب
عند هللا في اآلخرة كالمرأة الزانية التي قال فيها النبي لقد تابت توبة لو وزعت
على أهل المدينة لكفتهم فإن قيل بماذا يبرأ المغيرة إذن قال ابن حزم في اإلحكام:
) صفحة (
منقول عن متيقن حاله باألمس فهما عىل ما ثبت من عدالتهما وال
اليقي بالشك وهذا هو استصحاب الحال الذي أباه خصومنا ر يسقط
وهم راجعون إليه يف هذا المكان بالصغر منهم فما منهم أحد امتنع من
وأت بكرة وهو متأول)
وأت بكرة معا ر ي
المغتة ر ي
ر الرواية عن
) صفحة (
وقال ابن الهمام في فتح القدير:
َ ْ َ َْ ْ َّ َ ْ َ َّ َ ْ َ َ َ ٌ َ َ َ َّ الت َّْ (َ
ودِ ه ش م ال ن و ك ل م ِ ت ح ي م ث ه
ِ س ِ ف ن ات ِ يِ الز ب ق ل ع ت ت ة ال ح و ه يقِ ق ِ ح ف ي ِ و
َ ٌّ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ َ ْ
َع َل ْيه زت ف دار ال َح ْرب َول ْ َ َ َ
يه حد ِعندنا ف ِلهذا سألهم أين زت ِ ِ ف س ي ِ ِ ي ِ ِ
َ َ َ
َ َ َ َ ْ َ ِّ َ ْ َ َ َ َ َّ ََ َ َ َ َْ ََ ْ َ
يه إذا ثبت ِبالبين ِة أو ِ يف زم ِن ِصباه ان متق ِاد ٍم وَل حد ِف ِ ٍ م ز فِي ه نو ك ل م ِ ت ويح
الت َقادم َس َيأ ىت ث َّم َي ْح َتمل َك ْو َن ْالم ْز َت ب َها م َّمنْ ْ َ َ َ َ َ ْ َ ىَ َ َ َ َ ُّ َّ َ
ِ ِ ِ ي ِ ِ ف ِلهذا سألهم مت زت وحد
َ َ ُّ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ
َل يحد ِب ِزناها وهم َل يعلمون كج ِاري ِة اب ِن ِه أو كانت ج ِاريته أو زوجته وَل
َ َ َ ْ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ْ ال ْالمغ َتة ح َ الشهود َك َما َق َ ُّ َي ْع َلم َ
ي ش ِهد علي ِه كيف حل ِلهؤَل ِء أن ِر ِ ر ا ه
ْ َ َ ْ َ َّ ْ َ ْ ُ َّ ٌ َ َْ َ َْى ََ َ ْ َْ ُ
اظ ِر ما ِ يف بي ِت ينظروا ِ يف بي ِ يت وكانت ِ يف بي ِت أح ِد ِهم كوة يبدو ِمنها ِللن ِ
َّلل َما َأ َت ْيت َّإَل ْام َرأ ىت ثمَّ
َ َ َ َ ْ َ َّ َ َ :
الم ِغ رت ِة فاجتمعوا ِعنده فش ِهدوا وقال الم ِغ رتة وا ِ
َْ َ َ َ ْ َ َ ْ َ
ِي
ْ ْ َ َّ َّ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َّ َ َ ْ َ ْ
يل ِ يف المكحل ِة إن اَّلل تعاىل درأه عنه ِبعد ِم قو ِل ِزي ٍاد وهو الر ِاب َع رأيته كال ِم ِ
الزَنا َبلْ ب َإل ْيه ِّ الث َل َث َة َو َل ْم َيح َّده؛ ِأل َّنه َما َن َس َ َ َ َّ َ َ َ َّ َ ْ َّ
ض اَّلل عنه
ِ ي فحد عمر ر ِ
اسا َعال َي ًة َو َل َح ًافا َي ْرَتفع َو َي ْن َخفض َوهوَ وب َت ْي َو َأ ْن َف ً ال َ َرأ ْيت َق َد َم ْي َم ْخض َ َق َ
ِ ِ ِ رِ ْ َّر ِ َ
وجب الحد) قال الشنقيطي في مذكرته في أصول الفقه( :يظهر لنا يف َ
َل ي ِ
ً هذه القصة أن المرأة ى
رض هللا عنه مخالطا لها عندما ي ةالمغت ر أوا ر التي
وه تشبه امرأة أخرى ه زوجته وال يعرفونها ي فتحت الري ــح الباب عنهما ي
هوغته من األمراء فظنوا أنها ي
المغتة ر
ر أجنبية كانوا يعرفونها تدخل عىل
ً
باطال ولكن ظنهم أخطأ وهو لم ى
يقتف ان شاء هللا فهم لم يقصدوا
فاحشة ألن أصحاب رسول هللا صىل هللا عليه وسلم يعظم فيهم الوازع
ينبع يف أغلب األحوال والعلم عند هللا تعاىل)
ي الديت الزاجر عما ال
ي
ومشهور في ترجمة المغيرة أنه كان كثير الزواج ويوضح هذا أكثر ما روي أن عليا
قال ابن حزم( :إذ قال أبو بكرة لما تم جلده كان يرى درء الحد عن أبي بكرة أصال
) صفحة (
عىل إن جلدته فارجم المغتة زت فأراد عمر جلده فقال له ي ر وقام أشهد أن
ى
المغتة فتكه) وأقره عمر بعد تكراره للكلمة مما يدل على أنه رآه متأوال ولكن
ر
هذه الرواية نحتاج إلى التأكد من إسنادها
وبعد هذا نفهم الفرق بين الشهادة والرواية الشهادة حال خاص يتعلق بحقوق
البشر وقد يخطيء فيه المرء فيخلط بين أجنبية وزوجة ويخلط بين دينار ودرهم لهذا
ال يقبل فيه إال شهادة االثنين وأما الرواية فيقبل فيها رواية الواحد ألنها شأن عام
فسكوت البقية عن التخطئة إقرار كما أن متابعتهم له تقويه والصحابة الكرام دلت
النصوص المتواترة على قبول روايتهم مما يخصص أي خبر آخر كقوله النبي صلى
وبقي وجه جدلي أن هذا خبر آحادي مداره على الزهري فكيف يقبل الخصم على
أصوله أن يدرأ عدالة ثبتت بالتواتر والقطع بخبر آحادي زيادة على أن البحث كله في
عدالة الشهادة وهذا ال يقتضي وبطالنها ال يقتضي بطالن عدالة الرواية أو العدالة
َ َ َّ َ :
الباطنة خصوصا مع ما ورد أن الحد كفارة وأما قصة كركرة قال البخاري (حدثنا
اَّلل َح َّد َث َنا س ْف َيان َع ْن َع ْمرو َع ْن َسالم ْبن َأت ْال َج ْعد َعنْ َ ُّ ْ َ ْ َّ
ع ِ يىل بن عب ِد
ِ ِ ِ ِ ِر ي ٍ ِ
اَّلل َع َل ْيه َو َس َّل َم َرجلٌ
َّ ِّ َ َّ َّ َ ْ َّ ْ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ
ِ اَّلل ب ِن عم ٍرو قال كان عىل ثق ِل الن ِر يت صىل عب ِد ِ
َّ َّ َّ َّ َ
اَّلل َصىل اَّلل َعل ْي ِه َو َسل َم ه َو ِ يف الن ِار
َّ
ول سر ات َف َق َ
ال َ َ َ ْ َ َ َ َ
يقال له ِكر ِكرة فم
ِ
َ َ َ َ ً َ ْ َ َّ َ َ َْ ُ َ َْ َ ََ َ
فذهبوا ينظرون ِإلي ِه فوجدوا عباءة قد غلها) أقول :هذا الرجل إن ثبتت
) صفحة (
الفضل الوارد في اآلخرين أو يتأول ذكر النار هنا على نار القبر كما ورد في اآلخر
صاحب الشملة أنها تشتعل عليه نارا وهذا يمكن حمله على نار القبر كما ورد الحديث
في الزناة أن لهم تنورا في القبر وعذاب القبر كفارة وعلى أصل الخصم ال يقبل هذا
الخبر ألنه آحادي أصال ومن باب اإلطناب في الجدل الصفات السابقة التي أثبتت عدالة
الصحابة الباطنة عدد منها ال يشمل هذا الغالم الذي أهدي للنبي صلى هللا عليه
وسلم فال يشمله اسم المهاجرية وال األنصارية وال البدرية وال قتال أهل الردة وال
الرواية وال الطرق األخرى التي لم أذكرها كالمبايعة تحت الشجرة وغيرها وقد يجتمع
في الرجل موجب عذاب وموجب مغفرة فيغلب موجب المغفرة قال مسلم:
ان َقالَ َ َّ َ َ َ َ ْ ْ َ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ ْ َ َ َ ً َ ْ َ ْ َ َ
(حدثنا أبو بك ِر بن أ ِر يت شيبة و ِإسحاق بن ِإبر ِاهيم ج ِميعا عن سليم
َّ َّ َّ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ َّ َ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ َّ َ َ َ َّ ْ َ
اف اج الصو ِ ٍ أبو بك ٍر :حدثنا سليمان بن حر ٍب حدثنا حماد بن زي ٍد عن حج
َّ ْ َّ َ ىَ َّ َّ َ َّ َّ ْ َ َ ْ َ ْ َ َّ ُّ َ َ ْ َ ْ َ ُّ َ ْ َ
ش أت الن ِر يت صىل اَّلل عن أ ِر يت الزب ر ِت عن ج ِاب ٍر أن الطفيل بن عم ٍرو الدو ِ ي
ال: الَ :يا َرسو َل هللا َه ْل َل َك ف ح ْصن َحصي َو َم ْن َعة َق َ َع َل ْيه َو َس َّل َم َف َق َ
ٍ ِ رٍ ِي ِ ٍ ِ ِ
ْ َ َّ َ َ َ َ َّ ُّ َ َّ َّ َ َ ْ َ َ َّ َ َّ َ ْ ْ ٌ َ َ َ
اه ِلي ِة فأ رت ذ ِلك الن ِر يت صىل اَّلل علي ِه وسلم ِلل ِذي س ِ يف الج ِ ِحصن كان ِ َلدو ٍ
اجرَ اَّلل َع َل ْيه َو َس َّل َم إ َىل ْال َمد َينة َه َ ْ َ َ َ َّ َ َ َ َّ ُّ َ َّ َّ
ذخر اَّلل ِلألنص ِار فلما هاجر الن ِر يت صىل
َ َ َ َّ
ِ ِ ِ ِ
ض اج َت َووا ْال َم ِد َين َة َف َمر َ اج َر َم َعه َرج ٌل م ْن َق ْومه َف ْ الط َف ْيل ْبن َع ْمرو َو َه َ َ ْ ُّ
ِإلي ِه
ِ ِ ِ ِ ٍ
َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ ىَّ َ َ َ َ َ َ َََ َ َ َ
فج ِزع فأخذ مش ِاقص له فقطع ِبها بر ِاجمه فشخبت يداه حت مات فرآه
َ ِّ ً َ َ ْ َ َ َ َ َ َ ََ َ َ َْ َ َ ٌَ ََ ْ َ ْ ْ ُّ َ
ال له: الطفيل بن عم ٍرو ِ يف من ِام ِه فرآه وهيئته حسنة ورآه مغطيا يدي ِه فق
اَّلل َع َل ْيه َو َس َّلمَ ْ َ ى َ َ ِّ َ َّ َّ َ َ َ َ َ َ َ ُّ َ َ َ َ َ َ
ِ ما صنع ِبك ربك فقال :غفر ِ يىل ِب ِهجر ِ يت ِإىل ن ِبي ِه صىل
َ َ َ َ ِّ ً َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ ْ َ : َ : َف َق َ
الَ :ما ِ يىل أراك مغطيا يديك قال ِقيل ِ يىل لن نص ِلح ِمنك ما أفسدت
َ َ َ َّ َّ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ َ َ َ َّ َ ُّ َ ْ َ َ
هللا
هللا صىل اَّلل علي ِه وسلم ،فقال رسول ِ ول ِ ىل رس َّ ِ فقصها الطفيل ع
ْ ْ َ ْ َّ َ َ َ َ َّ َ َ ْ َ َّ َّ َ َ
صىل اَّلل علي ِه وسلم :اللهم و ِليدي ِه فاغ ِفر) فهذا قتل نفسه وهذا موجب
) صفحة (
للعذاب ولكن لما هاجر إلى النبي صلى هللا عليه وسلم كانت هذه الهجرة مع أنها
لم تتم موجبة للمغفرة والهجرة والجهاد وغيرها مع النبي صلى هللا عليه وسلم
موجبة لثواب عظيم وقد قال النبي صلى هللا عليه وسلم لخالد في شأن عبد الرحمن
بن عوف:
ً
(لو أن أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم وال نصيفه) وهذا
المعنى واقع في حق كل من جاء بعد الصحابة وأما شبهة أبي الغادية فهي أهونها
ْ َ َ ََ ْ َ ْ َ َّ َ َ ُّ ْ َ َ َ َ
ان ثنا ي ِزيد بن قال الطبراني في األوسط( :حدثنا النعمان ثنا أحمد بن ِسن ٍ
َ َ ْ َ َْ ْ َ ْ ََ َ ْ َ َ َ َ َّ ْ َ َ َ َ َ ْ ُ ْ
ص عن أ ِر يت الغ ِادي ِة وم ب ِن ج ر ٍت وأ ِر يت حف ٍ ون نا حماد بن سلمة عن كلث ِ هار
اس َت ْم َك ْنت منْ ان َفق ْلتَ :لي ْ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ْ َ َّ َ ْ َ َ َ َ
ِ ِِ اش ذكر عثمان بن عف قال رأيت عمار بن ي ِ ٍ :
َ َ ىَّ َ ْ ْ َ َ َ َ َ ِّ َ ْ ِّ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َّ َ َ
هذا فلما كان يوم ِصف ري وعلي ِه السلح فجعل يح ِمل حت يدخل ِ يف
َ َّ ْ َ َ ْ َ ِّ َْ َ َ ْ ََ َ ْ َْ
الساق ف َسددت الد ْرع َو َّ الق ْو ِم ث َّم َيخر َج فنظ ْرت ف ِإذا رك َبته قد ح ِش عنها
ْ َ َ ْ َ َ َّ َ َ ْ َ َ َ َ ْ ْ ْ َ ْ َ ُّ ْ َ َ َ َ ْ
اص س ِمعت : نحوه الرمح َّفطعنت َركبته ث َّم قتلته فق َال ُ عمرو بن الع ِ
َّ اَّلل َصىل هللا َعل ْيه َو َسل َم َيقول« :قاتله َو َ َ َّ َ
ار) هذا الخبر ِ الن ف ِي هب الِ س ِ ِ ِ ول سر
انفرد به حماد بن سلمة وعادة القوم التشغيب على حماد فيما يرويه من أحاديث
الصفات وهنا اعتمدوه سبحان هللا والواقع أن رواية حماد عن غير ثابت ربما دخلها
الوهم قال اإلمام مسلم في التمييز( :وحماد يعد عندهم إذا حدث عن ر
غت
أت هند ، ثابت ،كحديثه عن قتادة ،وأيوب ،ويونس ،وداود بن ر ي
ويحت بن سعيد ،وعمرو بن دينار ،وأشباههم ،فإنه ر والجريري ،
كثتا) وقد روي هذا الحديث بدون زيادة قاتل عمار وسالبه
يخىطء يف حديثهم ر
في النار قال عبد هللا بن أحمد في زوائده على المسند:
) صفحة (
َ ْ َ َ ُّ َ َّ ْ ْ َ َّ َ َ َ َّ َ َ َ َّ ْ َ َ َّ َ َ
(حدث ِ يت أبو موش الع ِتي محمد بن المثت قال :حدثنا محمد بن أ ِر يت
ْ َ َْ َ َْ َ ْ َ ْ َ َ َّ ُ : َ ٍّ َ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ
وم ب ِن ج ر ٍت قال كنا ِبو ِاس ِط القص ِب ِعند عب ِد ِ ع ِدي ع ِن اب ِن عو ٍن عن كلث
َ َ ََ ْ َ : َ َ ٌ َ َ ْ َ َ : َ ْ ْ َ ْ ََْ
هللا ب ِن ع ِام ٍر قال ف ِإذا ِعنده رجل يقال له أبو الغ ِادي ِة األعىل ب ِن عب ِد ِ
ْ َ َ َ َ ْ َ رْ َ َ َ َ َ َ َّ َّ َ َّ َّ َ َ َ َّ ْ َ ْ ىَ َ ً َ ُ ى َ َ
ض فأ رت أن يشب وذكر الن ِر يت صىل اَّلل علي ِه استسف ماء فأ ِ يت ِب ِإن ٍاء مفض ٍ
ال ًال َي ْرصب َب ْعض ُكمْ َّ ْ َ ً ُ َّ ْ َ ْ َ ََ َ َ َ َّ َ َ َ َ َ َ َ ْ
ِ وسلم فذكر هذا الح ِديث ال تر ِجعوا بع ِدي كفارا أو ض
َّ ْ َ َ َ َ ٌ َ ُّ َ ً َ ْ َ َ ْ َ ْ َ َّ َ : ْ َ َ َ
اَّلل ل ِي أمكن ِ يت اَّلل ِمنك ِ يف ض ف ِإذا رجل يسب فالنا فقلت و ِ ٍ ِرقاب بع
َ ْ َ ْ َ َ َ ْ ْ ٌ َ َْ َ َ : ِّ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َّ َ َ
ك ِتيب ٍة فلما كان يوم ِصف ري ِإذا أنا ِب ِه وعلي ِه ِدرع قال فف ِطنت ِإىل الفرج ِة
ال :ق ْلتَ :و َأيَّ الد ْرع َف َط َع ْنته َف َق َت ْلته َفإ َذا ه َو َع َّمار ْبن َياش َق َ ِّ
ان ب ف جر َّ
ٍ ِ ِ ِ ي َ َ ِ ْ َِ
َ َ َ
ش َب ف إناء مف َّضض َوق ْد ق َت َل َع َّم َار ْب َن َ َ َ َ َ َ ْ َ رْ َ
اش)
ِ ٍ ي ٍ ٍ ِي ِ ي ن أ ه ر ك ي اه ت ف ك دٍ ي
فدل على شذوذ تلك الزيادة خصوصا وأن حمادا لما كبر ساء حفظه على علمه
وإمامته في الدين والحديث لو صح فهو دليل على صدق الرواة من الصحابة فكيف
يحدث عمرو بن العاص بهذا الفضل لعمار وعمار كان يقاتله لو يكن الصدق على النبي
صلى هللا عليه وسلم عندهم فوق المصلحة وأخيرا أقول :هذه األوجه التي ذكرناها
في إثبات قطعية عدالة الصحابة ال يثبت عشرها ألصحاب جعفر الصادق مثال وال تثبت
) صفحة (
الكالم في الصفات كالكالم في سائر اإلسالم من أحكام وتشريعات فوجب الرد علي
المتأخرين قبل المعاصرين ألن هذا األصل الخبيث وإن كان المتأخرين لم يعملوه في
التشريع كما فعل المعاصرون ولكنهم بنوه علي نفس األصل الفاسد
قول القائل :إذا تعارضت األدلة النقلية والعقلية فإما أن يجمع بينهما وهو محال
ألنه جمع بين النقيضين وإما أن يردها جميعا وإما أن يقدم النقل وهو محال ألن
العقل أصل النقل فلو قدمناه عليه كان ذلك قدحا في العقل الذي هو أصل النقل
والقدح في أصل الشيء قدح فيه فكان تقديم النقل قدحا في النقل والعقل جميعا
فوجب تقديم العقل ثم النقل إما أن يتأول وإما أن يفوض وأما إذا تعارضا تعارض
الضدين امتنع الجمع بينهما ،ولم يمتنع ارتفاعهما وهذا الكالم قد جعلوه قانونا كليا
فيما يستدل به من كتب هللا تعالى وكالم أنبيائه عليهم السالم وما ال يستدل به
ولهذا ردوا االستدالل بما جاءت به األنبياء والمرسلون في صفات هللا تعالى وغير
ذلك من األمور التي لم توافق هواهم وظن هؤالء أن العقل يعارضها وقد يضم
بعضهم إلى ذلك أن األدلة النقلية ال تفيد اليقين وقد بسطنا الكالم على قولهم
هذا في األدلة النقلية في غير هذا الموضع وأما هذا القانون الذي وضعوه فقد
سبقهم إليه طوائف كثيرة من أهل األهواء ومثل هذا القانون الذي وضعه هؤالء
يضع كل فريق ألنفسهم قانونا فيما جاءت به األنبياء عن هللا فيجعلون األصل الذي
تبعا له فما وافق قانونهم قبلوه وما خالفه لم يتبعوه وهذا يشبه ما وضعته
النصارى من أمانتهم التي جعلوها عقيدة إيمانهم وردوا نصوص التوراة واإلنجيل
) صفحة (
إليها لكن تلك األمانة اعتمدوا فيها على ما فهموه من نصوص األنبياء أو ما بلغهم
عنهم وغلطوا في الفهم أو في تصديق الناقل كسائر الغالطين ممن يحتج بالنقليات
فإن غلطه إما في اإلسناد وإما في المتن وأما هؤالء فوضعوا قوانينهم على ما
رأوه بعقولهم وقد غلطوا في الرأي والعقل فالنصارى أقرب إلى تعظيم األنبياء
والرسل من هؤالء ولكن النصارى يشبههم من ابتدع بدعة بفهمه الفاسد من
واإلمامية وغيرهم بخالف بدعة الجهمية والفالسفة فإنها مبنية على ما يقرون هم
أما أهل التبديل فهم نوعان :أهل الوهم والتخييل وأهل التحريف والتأويل فأهل
الوهم والتخييل هم الذين يقولون :إن األنبياء أخبروا عن هللا وعن اليوم اآلخر وعن
الجنة والنار بل وعن المالئكة بأمور غير مطابقة لألمر في نفسه ،ولكنهم خاطبوهم
بما يتخيلون به ويتوهمون به أن هللا جسم عظيم وأن األبدان تعاد وأن لهم نعيما
محسوسا وعقابا محسوسا وإن كان األمر ليس كذلك في نفس األمر ألن من مصلحة
الجمهور أن يخاطبوا بما يتوهمون به ويتخيلون أن األمر هكذا وإن كان هذا كذبا
فهو كذب لمصلحة الجمهور إذ كانت دعوتهم ومصلحتهم ال تمكن إال بهذه الطريق.
وقد وضع ابن سينا وأمثاله قانونهم علي هذا األصل ،كالقانون الذي ذكره في
رسالته "األضحوية" وهؤالء يقولون :األنبياء قصدوا بهذه األلفاظ ظواهرها وقصدوا
) صفحة (
أن يفهم الجمهور منها هذه الظواهر وإن كانت الظواهر في نفس األمر كذبا وباطال
ومخالفة للحق فقصدوا إفهام الجمهور بالكذب والباطل للمصلحة ثم من هؤالء من
ومنهم من يقول :ما كان يعلم الحق كما يعلمه نظار الفالسفة وأمثاله وهؤالء
يفضلون الفيلسوف الكامل علي النبي ،ويفضلون الولي الكامل الذي له هذا
المشهد علي النبي كما يفضل ابن عربي الطائي خاتم األولياء في زعمه علي األنبياء
وكما يفضل الفارابي ومبشر بن فاتك وغيرهما الفيلسوف علي النبي وأما الذين
يقولون :إن النبي كان يعلم ذلك فقد يقولون :إن النبي أفضل من الفيلسوف ألنه
علم ما علمه الفيلسوف وزيادة ،وأمكنه أن يخاطب الجمهور بطريقة يعجز عن مثلها
الفيلسوف وابن سينا وأمثاله من هؤالء وهذا في الجملة قول المتفلسفة والباطنية
المشايخ المتقدمين من أهل الكتاب والسنة ابن عربي وابن سبعين وابن الطفيل
صاحب رسالة حي بن يقظان وخلق كثير غير هؤالء ومن الناس من يوافق هؤالء فيما
أخبرت به األنبياء عن هللا :أنهم قصدوا به التخييل دون التحقيق وبيان األمر على ما
هو عليه دون اليوم اآلخر ومنهم من يقول :بل قصدوا هذا في بعض ما أخبروا به
عن هللا كالصفات الخبرية من االستواء والنزول وغير ذلك ومثل هذه األقوال يوجد
في كالم كثير من النظار ممن ينفي هذه الصفات في نفس األمر كما يوجد في
كالم طائفة وأما أهل التحريف والتأويل فهم الذين يقولون :إن األنبياء لم يقصدوا
بهذه األقوال إال ما هو الحق في نفس األمر وإن الحق في نفس األمر هو ما علمناه
بعقولنا ثم يجتهدون في تأويل هذه األقوال إلي ما يوافق رأيهم بأنواع التأويالت
) صفحة (
التي يحتاجون فيها إلي إخراج اللغات عن طريقتها المعروفة ،وإلي االستعانة بغرائب
المجازات واالستعارات وهم في أكثر ما يتأولونه قد يعلم عقالؤهم علما يقينا أن
األنبياء لم يريدوا بقولهم ما حملوه عليه وهؤالء كثيرا ما يجعلون التأويل من باب
دفع المعارض فيقصدون حمل اللفظ علي ما يمكن أن يريده متكلم بلفظه ال
يقصدون طلب مراد المتكلم وتفسير كالمه بما يعرف به مراده ،وعلي الوجه الذي
به يعرف مراده فصاحبه كاذب علي من تأول كالمه ولهذا كان أكثرهم ال يجزمون
بالتأويل بل يقولون :يجوز أن يراد كذا وغاية ما معهم إمكان احتمال اللفظ وأما كون
النبي المعين يجوز أن يريد ذلك المعني بذلك اللفظ فغالبه يكون األمر فيه بالعكس
ويعلم من سياق الكالم وحال المتكلم امتناع إرادته لذلك المعني بذلك الخطاب
المعين وفي الجملة فهذه طريق خلق كثير من المتكلمين وغيرهم ،وعليها بني
والسالمية والكرامية والشيعة وغيرها وقد ذكرنا في غير موضع أن لفظ التأويل في
القرآن يراد به ما يؤول األمر إليه وإن كان موافقا لمدلول اللفظ ومفهومه في
الظاهر ويراد به تفسير الكالم وبيان معناه وإن كان موافقا له وهو اصطالح
المفسرين المتقدمين كمجاهد وغيره ويراد به صرف اللفظ عن االحتمال الراجح إلي
المرجوح لدليل يقترن بذلك وتخصيص لفظ التأويل بهذا المعني إنما يوجد في كالم
بعض المتأخرين فأما الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين كاألئمة
األربعة وغيرهم فال يخصون لفظ التأويل بهذا المعني بل يريدون المعني األول أو
الثاني ولهذا لما ظن طائفة من المتأخرين أن لفظ التأويل في القرآن والحديث في
) صفحة (
(وما يعلم تأويله إال هللا والراسخون يف العلم يقولون آمنا به كل من
عند ربنا)
) صفحة (
أريد به هذا المعني االصطالحي الخاص واعتقدوا أن الوقف في اآلية عند قوله:
لزم من ذلك أن يعتقدوا أن لهذه اآليات واألحاديث (وما يعلم تأويله إال هللا)
معاني تخالف مدلولها المفهوم منها وأن ذلك المعني المراد بها ال يعلمه إال هللا
ال يعلمه الملك الذي نزل بالقرآن وهو جبريل وال يعلمه محمدا صلي هللا عليه وسلم
وال غيره من األنبياء وال تعلمه الصحابة والتابعون لهم بإحسان وأن محمدا كان يقرأ
قوله تعالي (الرحمن عىل العرش استوى) وقوله (إليه يصعد الكلم الطيب)
وقوله وغير ذلك من آيات الصفات بل ويقول ينزل ربنا كل ليلة إلي السماء الدنيا
ونحو ذلك وهو ال يعرف معاني هذه األقوال بل معناها الذي دلت عليه ال يعلمه إال
وهؤالء أهل التضليل والتجهيل الذين حقيقة قولهم :إن األنبياء جاهلون ضالون ال
يعرفون ما أراد هللا بما وصف من اآليات وأقوال األنبياء ثم هؤالء منهم من يقول:
المراد بها خالف مدلولها الظاهر والمفهوم وال يعرف أحد من األنبياء والمالئكة
والصحابة والعلماء ما أراد هللا بها كما ال يعلمون وقت الساعة ومنهم من يقول:
بل تجري علي ظاهرها وتحمل علي ظاهرها ومع هذا فال يعلم تأويلها إال هللا
فيتناقضون حيث أثبتوا لها تأويال يخالف ظاهرها وقالوا مع هذا إنها تحمل علي
ظاهرها وهذا ما أنكره ابن عقيل على شيخة القاضي أبي يعلى في كتاب
"ذم التأويل" وهؤالء الفرق مشتركون في القول بأن الرسول لم يبين المراد
بالنصوص التي يجعلونها مشكلة أو متشابهة ولهذا يجعل كل فريق المشكل من
نصوصه غير ما يجعل الفريق اآلخر مشكال فمنكر الصفات الخبرية الذي يقول :إنها ال
) صفحة (
تعلم بالعقل يقول :نصوصها مشكلة متشابهة بخالف الصفات المعلومة بالعقل
عنده بعقله فإنها عنده محكمة بينة وكذلك يقول من ينكر العلو والرؤية :نصوص
هذه مشكلة ومنكر الصفات مطلقا يجعل ما يثبتها مشكال دون ما يثبت أسماءه
الحسنى ومنكر معاني األسماء يجعل نصوصها مشكلة ومنكر معاد األبدان وما
وصفت به الجنة والنار يجعل ذلك مشكال أيضا ومنكر القدر يجعل ما يثبت أن هللا
خالق كل شيء نوما يجعل نصوص الوعيد بل ونصوص األمر والنهي مشكلة ،فقد
لم يبينها الرسول ثم منهم من يقول :لم يعلم معانيها أيضا ومنهم من يقول :بل
علمها ولم يبنيها بل أحال في بيانها علي األدلة العقلية وعلي من يجتهد في
بل جهل معناها أو جهلها األمة من غير أن يقصد أن يعتقدوا الجهل الركب وأما
أولئك فيقولون :بل قصد أن يعلمهم الجهل المركب واالعتقادات الفاسد ،وهؤالء
مشهورون عند األمة باإللحاد والزندقة ،بخالف أولئك فإنهم يقولون :الرسول لم
يقصد أن يجعل أحدا جاهال معتقدا للباطل ولكن أقوالهم تتضمن أن الرسول لم يبين
الحق فيما خاطب به األمة من اآليات واألحاديث إما مع كونه لم يعلمه أو مع كونه
علمه ولم يبينه ولهذا قال اإلمام أحمد في خطبته فيما صنفه من "الرد علي الزنادقة
والجهمية" فيما شكت فيه من متشابه القرآن وتأولته علي غير تأويله قال:
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقابا من أهل العلم يدعون من
ضل إلي الهدى ويصبرون منهم علي األذي يحيون بكتاب هللا الموتي ويبصرون بنور
هللا أهل العمي فكم من قتيل إلبليس قد أحيوه وكم من تائه ضال قد هدوه فما
أحسن أثرهم علي الناس وأقبح أثر الناس عليهم ينفون عن كتاب هللا تحريف الغالين
) صفحة (
وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة
فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب متفقون علي مفارقة الكتاب يقولون
علي هللا وفي هللا وقي كتاب هللا بغير علم يتكلمون بالمتشابه من الكالم ويخدعون
جهال الناس بما يلبسون عليهم فنعوذ بالله من فتن المضلين ويروي نحو هذه
الخطبة عن عمر بن الخطاب رضي هللا تعالي عنه كما ذكر ذلك محمد بن وضاح في
كتاب "الحوادث والبدع" فقد وصفوا في هذا الكالم بأنهم مع اختالفهم في الكتاب
ويخدعون جهال الناس بما يلبسون عليهم حيث لبسوا الحق بالباطل.
وجماع األمر أن األدلة نوعان :شرعية وعقليه فالمدعون لمعرفة اإللهيات بعقولهم
من المنتسبين إلى الحكمة والكالم والعقليات يقول من يخالف نصوص األنبياء منهم:
إن األنبياء لم يعرفوا الحق الذي عرفناه أو يقولون :عرفوه ولم يبينوه للخلق كما
بيناه بل تكلموا بما يخالفه من غير بيان منهم والمدعون للسنة والشريعة واتباع
السلف من الجهال بمعاني نصوص األنبياء يقولون :إن األنبياء والسلف الذين اتبعوا
األنبياء لم يعرفوا معنى هذه النصوص التي قالوها والتي بلغوها عن هللا أو إن
األنبياء عرفوا معانيها ولم يبينوا مرادهم للناس فهؤالء الطوائف قد يقولون :نحن
عرفنا الحق بعقولنا ثم اجتهدنا في حمل كالم األنبياء علي ما يوافق مدلول العقل
بعقولهم ثم يجتهدوا في تأويل كالم األنبياء الذي لم يبينوا به مرادهم أو أنا عرفنا
الحق بعقولنا وهذه النصوص لم تعرف األنبياء معناها كما لم يعرفوا وقت الساعة
) صفحة (
ولكن أمرنا بتالوتها من غير تدبر لها وال فهم لمعانيها أو يقولون :بل هذه األمور
ال تعرف بعقل وال نقل بل نحن منهيون عن معرفة العقليات وعن فهم النقليات وإن
األنبياء وأتباعهم ال يعرفون العقليات وال يفهمون النقليات ولما كان بيان مراد
الرسول صلي هللا عليه وسلم في هذه األبواب ال يتم إال بدفع المعارض العقلي
وامتناع تقديم ذلك علي نصوص األنبياء بينا في هذا المبحث فساد القانون الفاسد
الذي صدوا به الناس عن سبيل هللا وعن فهم مراد الرسول وتصديقه فيما أخبر إذ
كان أي دليل أقيم علي بيان مراد الرسول ال ينفع إذا قدر أن المعارض العقلي القاطع
ناقضه بل يصير ذلك قدحا في الرسول وقدحا فيمن استدل بكالمه وصار هذا بمنزلة
المريض الذي به أخالط فاسدة تمنع انتفاعه بالغذاء فإن الغذاء ال ينفعه مع وجود
األخالط الفاسدة التي تفسد الغذاء فكذلك القلب الذي اعتقد قيام الدليل العقلي
القاطع علي نفي الصفات أو بعضها أو نفي عموم خلقه لكل شيء أو نفي أمره
ونهيه أو امتناع المعاد أو غير ذلك ال ينفعه االستدالل عليه في ذلك بالكتاب والسنة
إال مع بيان فساد ذلك المعارض وفساد ذلك المعارض قد يعلم جملة وتفصيال أما
الجملة فإنه من آمن بالله ورسوله إيمانا تاما وعلم مراد الرسول قطعا تيقن ثبوت ما
أخبر به وعلم أن ما عارض ذلك من الحجج فهي حجج داحضة من جنس شبه
طائفة من الملحدين كما ذكره الرازي في أول كتابه "نهاية العقول" حيث ذكر أن
االستدالل بالنقليات في المسائل األصولية ال يمكن بحال ألن االستدالل بها موقوف
) صفحة (
علي مقدمات ظنية وعلي دفع المعارض العقلي وإن العلم بانتقاء المعارض ال يمكن
إذ يجوز أن يكون في نفس األمر دليل عقلي يناقض ما دل عليه القرآن ولم يخطر
ببال المستمع وقد بسطنا الكالم علي مازعمه هؤالء من أن االستدالل باألدلة النقلية
موقوف علي مقدمات ظنية وذكرنا طرفا من بيان فساده في الكالم على المحصل
وفي فذاك كالم في تقرير األدلة النقلية وبيان أنها قد تفيد اليقين والقطع وفي
هذا الكتاب كالم في بيان انتقاء المعارض العقلي وإبطال قول من زعم تقديم األدلة
العقلية مطلقا وقد بينا في موضع آخر أن الرسول بلغ البالغ المبين وبين مراده وأن
كل ما في القرآن والحديث من لفظ يقال فيه إنه يحتاج إلي التأويل االصطالحي
الخاص الذي هو صوف اللفظ عن ظاهره فال بد أن يكون الرسول قد بين مراده بذلك
اللفظ بخطاب آخر ال يجوز عليه أن يتكلم بالكالم الذي مفهومه ومدلوله باطل
ويسكت عن بيان المراد الحق ،وال يجوز أن يريد من الخلق أن يفهموا من كالمه ما
لم يبينه لهم ويدلهم عليه إلمكان معرفة ذلك بعقولهم وأن هذا قدح في الرسول
الذي بلغ البالغ المبين الذي هدى هللا به العباد وأخرجهم به من الظلمات إلي النور
وفرق هللا به بين الحق والباطل وبين الهدي والضال ،وبين الرشاد والغي وبين أولياء
هللا وأعدائه وبين ما يستحقه الرب من األسماء والصفات وما ينزه عنه من ذلك حتى
أوضح هللا به السبيل وأنار به الدليل وهدى به الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق
بإذنه وهللا يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم فمن زعم أنه تكلم بما ال يدل إال
علي الباطل ال علي الحق ولم يبين مراده وأنه أراد بذلك اللفظ المعنى الذي ليس
بباطل وأحال الناس في معرفة المراد علي ما يعلم من غير جهته بآبائهم فقد قدح
في الرسول كما نبهنا علي ذلك في مواضع كيف والرسول أعلم الخلق بالحق وأقدر
الناس علي بيان الحق وأنصح الخلق للخلق وهذا يوجب أن يكون بيانه للحق أكمل
) صفحة (
من بيان كل أحد فإن ما يقوله القائل ويفعله الفاعل ال بد فيه من قدرة وعلم وإرادة
فالعاجز عن القول أو الفعل يمتنع صدور ذلك عنه والجاهل بما يقوله ويفعله ال يأتي
بالقول المحكم والفعل المحكم وصاحب اإلرادة الفاسدة ال يقصد الهدي والنصح
والصالح فإذا كان المتكلم عالما بالحق قاصدا لهدى الخلق قصدا تاما قادرا علي
ذلك وجب وجود مقدوره ومحمد صلي هللا عليه وسلم أعلم الخلق بالحق وهو أفصح
الخلق لسانا وأصحهم بيانا وهو أحرص الخلق علي هدي العباد كما قال تعالي:
بد أن يكون بيانه وخطابه وكالمه أكمل وأتم من بيان غيره فكيف يكون مع هذا لم
يبين الحق بل بينه من قامت األدلة الكثيرة علي جهله ونقص علمه وعقله وهذا
مبسوط في غير هذا الموضع ولما كان ما يقوله كثير من الناس في باب أصول الدين
والكالم والعلوم العقلية والحكمة يعلم كل من تدبره أنه مخالف لما جاء به الرسول
أو أن الرسول لم يقل مثل هذا واعتقد من اعتقد أن ذلك من أصول الدين وأنه
يشتمل علي العلوم الكلية والمعارف اإللهية والحكمة الحقيقية أو الفلسفة األولية
صار كثير منهم يقول :إن الرسول لم يكن يعرف أصول الدين أو لم يبين أصول الدين
ومنهم من هاب النبي ولكن يقول :الصحابة والتابعون لم يكونوا يعرفون ذلك ومن
عظم الصحابة والتابعين مع تعظيم أقوال هؤالء يبقي حائرا كيف لم يتكلم أولئك
األفاضل في هذه األمور التي هي أفضل العلوم ومن هو مؤمن بالرسول معظم له
يستشكل كيف لم يبين أصول الدين مع أن الناس إليها أحوج منهم إلي غيرها.
) صفحة (
إن قال قائل :هل يجوز الخوض فيما تكلم الناس فيه من مسائل أصول الدين وإن لم
فإن قيل بالجواز فما وجهه وقد فهمنا منه عليه الصالة والسالم النهي عن الكالم
وهل يكفي في ذلك ما يصل إليه المجتهد من غلبة الظن أو ال بد من الوصول إلى
القطع؟
وإذا تعذر عليه الوصول إلى القطع فهل يعذر في ذلك أو يكون مكلفا به؟
وإذا قيل بالوجوب فما الحكمة في أنه لم يوجد فيه من الشارع نص يعصم من الوقوع
في المهالك وقد كان عليه الصالة والسالم حريصا على هدي أمته؟
) صفحة (
المسألة االولي
فقول القائل :هل يجوز الخوض فيما تكلم الناس فيه من مسائل أصول الدين وإن
لم ينقل عن النبي صلى هللا عليه وسلم فيها كالم أم ال؟
سؤال ورد بحسب ما عهد من األوضاع المبتدعة الباطلة فإن المسائل التي هن من
أصول الدين التي تستحق أن تسمى أصول الدين أعني الدين الذي أرسل هللا به
رسوله وأنزل به كتابه ال يجوز أن يقال :لم ينقل عن النبي صلى هللا عليه وسلم فيها
كالم بل هذا كالم متناقض في نفسه إذ كونها من أصول الدين يوجب أن تكون من
أهم أمور الدين وأنها مما يحتاج إليه الدين ثم نفي نقل الكالم فيها عن الرسول
يوجب أحد أمرين :إما أن الرسول أهمل األمور المهمة التي يحتاج إليها الدين فلم
يبينها أو أنه بينها فلم تنقلها األمة وكال هذين باطل قطعا وهو من أعظم مطاعن
المنافقين في الدين ،وإنما يظن هذا وأمثاله من هو جاهل بحقائق ما جاء به الرسول
أو جاهل بما يعقله الناس بقلوبهم أو جاهل بهما جميعا فإن جهله باألول يوجب
عدم علمه بما اشتمل عليه ذلك من أصول الدين وفروعه وجهله بالثاني يوجب أن
وجهله باألمرين يوجب أن يظن من أصول الدين ما ليس منها من المسائل والوسائل
الباطلة وإن يظن عدم بيان الرسول لما ينبغي أن يعتقد في ذلك كما هو الواقع
) صفحة (
أصول الدين :مسائل ودالئل هذه المسائل
وذلك أن أصول الدين إما أن تكون مسائل يجب اعتقادها ويجب أن تذكر قوال أو تعمل
عمال كمسائل التوحيد والصفات والقدر والنبوة والمعاد أو دالئل هذه أما القسم
األول فكل ما يحتاج الناس إلي معرفته واعتقاده والتصديق به من هذه المسائل
فقد بينه هللا ورسوله بيانا شافيا قاطعا للعذر إذ هذا من أعظم ما بلغه الرسول
البالغ المبين وبينه للناس وهو من أعظم ما أقام هللا الحجة علي عباده فيه بالرسل
الذين بينوه وبلغوه وكتاب هللا الذي نقل الصحابة ثم التابعون عن الرسول لفظه
ومعانيه والحكمة التي هي سنة رسول هللا صلي هللا عليه وسلم التي نقلوها أيضا
عن الرسول مشتملة من ذلك علي غاية المراد وتمام الواجب والمستحب
السع)
ي (لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا يف أصحاب
وإن كان ذلك كثيرا في كثير من المتفلسفة والمتكلمة وجهال أهل الحديث
والمتفقهة والصوفية.
) صفحة (
دالئل المسائل
وأم القسم الثاني وهو دالئل هذه المسائل األصولية فإنه وإن كان يظن طوائف
من المتكلمين أن المتفلسفة أن الشرع إنما يدل بطريق الخبر الصادق فداللته
موقوفة علي العلم بصدق المخبر ويجعلون ما يبني عليه صدق المخبر معقوالت
محضة فقد غلطوا في ذلك غلطا عظيما بل ضلوا ضالال مبينا في ظنهم أن داللة
الكتاب والسنة إنما هي بطريق الخبر المجرد بل األمر ما عليه سلف األمة أهل العلم
واإليمان من أن هللا سبحانه وتعالي بين من األدلة العقلية التي يحتاج إليها في
العلم بذلك ما ال يقدر أحد من هؤالء قدره ونهاية ما يذكرونه جاء القرآن بخالصته
علي أحسن وجه وذلك كاألمثال المضروبة التي يذكرها هللا في كتابه التي قال
فيها:
تمثيل ويدخل في ذلك ما يسمونه براهين وهو القياس الشمولي المؤلف من
المقدمات اليقينية وإن كان لفظ البرهان في اللغة أعم من ذلك كما سمي هللا
فيه األصل والفرع وال بقياس شمولي تستوي فيه أفراده فإن هللا سبحانه ليس
كمثله شيء ،فال يجوز أن يمثل بغيره وال يجوز أن يدخل تحت قضية كلية تستوي
أفرادها ولهذا لما سلك طوائف من المتفلسفة والمتكلمة مثل هذه األقيسة في
) صفحة (
المطالب اإللهية لم يصلوا بها إلي اليقين بل تناقضت أدلتهم،د وغلب عليهم بعد
التناهي والحيرة واالضطراب لما يرونه من فساد أدلتهم أو تكافئها ولكن يستعمل
في ذلك قياس األولي سواء كان تمثيال أو شموال ،كما قال تعالي:
وهو ما كان كماال للموجود غير مستلزم للعدم فالواجب القديم أولى به وكل كمال
ال نقص فيه بوجه من الوجوه ثبت نوعه للمخلوق المر بوب المعلول المدبر فإنما
استفادة من خالقه وربه ومدبره فهو أحق به منه وأن كل نقص وعيب في نفسه
وهو ما تضمن سلب هذا الكمال إذا وجب نفيه عن الرب تبارك وتعالي بطريق األولي
وأنه أحق باألمور الوجودية من كل موجود وأما العدمية بالممكن المحدث بها أحق
ونحو ذلك ومثل هذه الطرق هي التي كان يستعملها السلف واألئمة في مثل
هذه المطالب كما استعمل نحوها اإلمام أحمد ومن قبله وبعده من أئمة أهل
اإلسالم وبمثل ذلك جاء القرآن في تقرير أصول الدين في مسائل التوحيد والصفات
والمعاد ونحو ذلك ومثال ذلك أنه سبحانه لما أخبر بالمعاد والعلم به تابع للعلم
بإمكانه فإن الممتنع ال يجوز أن يكون بين سبحانه إمكانه أتم بيان ولم يسلك في
ذلك ما يسلكه طوائف من أهل الكالم حيث يثبتون اإلمكان الخارجي بمجرد اإلمكان
الذهني فيقولون :هذا ممكن ألنه لو قدر وجوده لم يلزم من تقدير وجوده محال
فإن الشأن في هذه المقدمة فمن أين يعلم أنه ال يلزم من تقدير وجوده محال فإن
هذه قضية كلية سالبة فال بد من العلم بعموم هذا النفي وما يحتج به بعضهم
علي أن هذا ممكن بأنا ال نعلم امتناعه كما نعلم امتناع األمور الظاهر امتناعها مثل
كون الجسم متحركا ساكنا ،فهذا كاحتجاج بعضهم علي أنها ليست بديهية بأن غيرها
) صفحة (
من البديهيات أجلى منها وهذه حجة ضعيفة ألن البديهي هو ما إذا تصور طرفاه
لتفاوت تصورها كما تتفاوت لتفاوت األذهان وذلك ال يقدح في كونها ضرورية وال
يوجب أن ما لم يظهر امتناعه يكون ممكنا بل قول هؤالء أضعف ألن الشيء قد
يكون ممتنعا ألمور خفية الزمة له فما لم يعلم انتفاء تلك اللوازم أو عدم لزومها ال
يمكن الجزم بإمكانه والمحال هنا أعلم من المحال لذاته أو لغيره واإلمكان الذهني
حقيقته عدم العلم باالمتناع وعدم العلم باالمتناع ال يستلزم العلم باإلمكان الخارجي
بل يبقى الشيء في الذهن غير معلوم االمتناع وال معلوم اإلمكان الخارجي وهذا
هو اإلمكان الذهني فإن هللا سبحانه وتعالي لم يكتف في بيان إمكان المعاد بهذا
إذ يمكن أن يكون الشيء ممتنعا ولو لغيره وإن لم يعلم الذهن امتناعه بخالف
اإلمكان الخارجي فإنه إذا علم بطل أن يكون ممتنعا واإلنسان يعلم اإلمكان الخارجي:
تارة بعلمه بوجود الشيء وتارة بعلمه بوجود نظيره وتارة تعلمه بوجود ما الشيء
أولي بالوجود منه فإن وجود الشيء دليل علي أن ما هو دونه أولي باإلمكان منه
ثم إنه إذا تبين كون الشيء ممكنا فال بد من بيان قدرة الرب عليه وإال فمجرد العلم
) صفحة (
أصول المتكلمين ليست هي أصول الدين
وأما ما يدخله بعض الناس في هذا المسمي من الباطل فليس ذلك من أصول الدين
وإن أدخله فيه مثل المسائل والدالئل الفاسدة مثل :نفي الصفات والقدر ونحو ذلك
من المسائل ومثل االستدالل علي حدوث العالم بحدوث األعراض التي هي صفات
األجسام القائمة بها :إما األكوان وإما غيرها وتقرير المقدمات التي يحتاج إليها هذا
الدليل :من إثبات األعراض التي هي الصفات أوال أو إثبات بعضها كاألكوان التي هي
الحركة والسكون واالجتماع واالفتراق وإثبات حدوثها ثانيا بإبطال ظهورها بعد
الكمون وإبطال انتقالها من محل إلي محل ثم إثبات امتناع خلو الجسم ثالثا :إما عن
كل جنس من أجناس األعراض بإثبات أن الجسم قابل لها وأن القابل للشيء ال يخلو
عنه وعن ضده وإما عن األكوان وإثبات امتناع حوادث ال أول لها رابعا وهو مبني علي
مقدمتين:
فهو محدث ألن الصفات التي هي األعراض ال تكون إال محدثه وقد يفرضون ذلك في
بعض الصفات التي هي األعراض كاألكوان وماال يخلو عن جنس الحوادث فهو حادث
المتناع حوادث ال تتناهى فهذه الطريقة مما يعلم باالضطرار أن محمدا صلي هللا
عليه وسلم لم يدع الناس بها إلي اإلقرار بالخالق ونبوة أنبيائه ولهذا قد اعترف
حذاق أهل الكالم كاألشعري وغيره بأنها ليست طريقة الرسل وأتباعهم وال سلف
األمة وأئمتها وذكروا أنها محرمة عندهم بل المحققون علي أنها طريقة باطلة وأن
مقدماتها فيها تفصيل وتقسيم يمنع ثبوت المدعي بها مطلقا ولهذا تجد من
) صفحة (
اعتمد عليها في أصول دينه فأحد األمرين الزم له :إما أن يطلع علي ضعفها ويقابل
بينها وبين أدلة القائلين بقدم العالم فتتكافأ عنده األدلة أو يرجح هذا تارة وهذا
تارة كما هو حال طوائف منهم وإما أن يلتزم ألجلها لوازم معلومة الفساد في
الشرع والعقل كما التزم جهم ألجلها فناء الجنة والنار والتزم ألجلها أبو الهذيل
انقطاع حركات أهل الجنة والتزم قوم ألجلها كاألشعري وغيره أن الماء والهواء
والتراب والنار له طعم ولون وريح ونحو ذلك والتزم قوم ألجلها وألجل غيرها أن جميع
األعراض كالطعم واللون وغيرها ال يجوز بقاؤها بحال ألنهم احتاجوا إلي جواب النقض
الوارد عليهم لما أثبتوا الصفات لله مع االستدالل علي حدوث األجسام بصفاتها
فقالوا :صفات األجسام أعراض أي أنها تعرض فتزول فال تبقي بحال بخالف صفات
هللا فإنها باقية وأما ما اعتمد عليه طائفة منهم من أن العرض لو بقي لم يمكن
عدمه ألن عدمه إما أن يكون بإحداث ضد أو بفوات شرط أو اختيار الفاعل وكل ذلك
ممتنع فهذه العمدة ال يختارها آخرون منهم منهم بل يجوزون أن الفاعل المختار
يعدم الموجود كما يحدث المعدوم وال يقولون :إن عدم األجسام ال يكون إال بقطع
األعراض عنها كما قاله أولئك وال بخلق ضد هو الفناء ال في محل كما قاله من قاله
من المعتزلة وأما جمهور عقالء بني آدم فقالوا :هذه مخالفة للمعلوم بالحس.
والتزم طوائف من أهل الكالم من المعتزلة وغيرهم ألجلها نفي صفات الرب مطلقا
أو نفي بعضها ألن الدال عندهم علي حدوث هذه األشياء هو قيام الصفات بها
والدليل يجب طرده فالتزموا حدوث كل موصوف بصفة قائمة به وهو أيضا في غاية
الفساد والضالل ولهذه التزموا القول بخلق القرآن وإنكار رؤية هللا في اآلخرة وعلوه
علي عرشه إلي أمثال ذلك من اللوازم التي التزمها من طرد مقدمات هذه الحجة
) صفحة (
التي جعلها المعتزلة ومن اتبعهم أصل دينهم فهذه داخلة فيما سماه هؤالء أصول
الدين ولكن ليست في الحقيقة من أصول الدين الذي شرعه هللا لعباده وأما الدين
) صفحة (
الذي قال هللا فيه:
بهذا االسم فيه أجمال وإبهام لما فيه من االشتراك بحسب األوضاع واالصطالحات
تبين أن الذي هو عند هللا ورسوله وعباده المؤمنين أصول الدين فهو موروث عن
الرسول وأما من شرع دينا لم يأذن به هللا فمعلوم أن أصول المستلزمة له ال يجوز
أن تكون منقولة عن النبي صلي هللا عليه وسلم إذ هو باطل وملزوم الباطل باطل
كما أن الزم الحق حق والدليل ملزوم لمدلوله والباطل شيء وإذا انتفي الزم الشيء
علم أنه منتف فيستدل علي بطالن الشيء ببطالن الزمه ويستدل علي ثبوته بثبوت
ملزومه فإذا كان االزم باطال فالملزوم مثله باطل فإن ملزوم الباطل هو الالزم وإذا
كان الالزم باطال كان الملزوم باطال ألنه يلزم من انتفاء الالزم انتفاء ولم يقل إن
الباطل الزمه باطل وهذا كالمخلوقات فإنها مستلزمة لثبوت الخالق وال يلزم من
عدمها عدم الخالق والدليل أبدا يستلزم المدلول عليه :يجب طرده وال يجب عكسه
بخالف الحد فإنه يجب طرده وعكسه وأما العلة :فالعلة التامة يجب طردها بخالف
المقتضية وفي العكس تفصيل مبسوط في موضعه وهذا التقسيم ينبه أيضا علي
مراد السلف واألئمة بذم الكالم وأهله وإذ ذاك متناول لمن استدل باألدلة الفاسدة
أو استدل علي المقاالت الباطلة فأما من قال الحق الذي أذن هللا فيه حكما ودليال
) صفحة (
جواز مخاطبة أهل االصطالح باصطالحهم
وأما مخاطبة أهل االصطالح باصطالحهم ولغتهم فليس بمكروه إذا احتيج إلي ذلك
وكانت المعاني صحيحة كمخاطبة العجم من الروم والفرس والترك بلغتهم وعرفهم
فإن هذا جائز حسن للحاجة وإنما كرهه األئمة إذا لم يحتج إليه ولهذا قال النبي
صلي هللا عليه وسلم ألم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص وكانت صغيرة فولدت
بأرض الحبشة ألن أباها كان من المهاجرين إليها فقال لها (يا أم خالد هذا سنا)
والسنا بلسان الحبشة الحسن ألنها كانت من أهل هذه اللغة ولذلك يترجم القرآن
والحديث لمن يحتاج إلي تفهمه إياه بالترجمة وكذلك يقرأ المسلم ما يحتاج إليه من
كتب األمم وكالمهم بلغتهم ويترجمها بالعربية فالسلف واألئمة لم يذموا الكالم
لمجرد ما فيه من االصطالحات المولدة كلفظ الجوهر والعرض والجسم وغير ذلك بل
ألن المعاني التي يعبرون عنها بهذه العبارات فيها من باطل المذموم في األدلة
واألحكام ما يجب النهي عنه الشتمال هذه األلفاظ علي معان مجملة في النفي
واإلثبات ،كما قال اإلمام أحمد في وصفه ألهل البدع فقال :هم مختلفون في الكتاب
ويخدعون جهال الناس بما يلبسون عليهم فإذا عرفت المعاني التي يقصدونها
بأمثال هذه العبارات ووزنت بالكتاب والسنة بحيث يثبت الحق الذي أثبته الكتاب
والسنة وينفي الباطل الذي نفاه الكتاب والسنة كان ذلك هو الحق بخالف ما سلكه
أهل األهواء من المتكلم بهذه األلفاظ نفيا وإثباتا في الوسائل والمسائل :من غير
ال يوجد في كالم النبي صلي هللا عليه وسلم وال أحد من الصحابة والتابعين ،وال
) صفحة (
أحد من األئمة المتبوعين :أنه علق بما سمي لفظ الجوهر والجسم والتحيز والعرض
ونحو ذلك شيئا من أصول الدين ال الدالئل وال المسائل والمتكلمون بهذه العبارات
يختلف مرادهم بها تارة الختالف الوضع وتارة الختالفهم في المعني الذي هو
مدلول اللفظ كمن يقول :الجسم هو المؤلف ثم يتنازعون :هل هو الجوهر الواحد
بشرط تأليفه أو الجوهر فصاعدا أو الستة أو الثمانية أو غير ذلك ومن يقول :هو
الذي يمكن فرض األبعاد الثالثة فيه وإنه مركب من المادة والصورة ومن يقول :هو
الموجود أو يقول :هو الموجود القائم بنفسه أو يقول :هو الذي يمكن اإلشارة إليه
وأن الموجود القائم بنفسه ال يكون إال كذلك والسلف واألئمة الذي ذموا وبدعوا
يقصدها هؤالء بهذه األلفاظ في أصول الدين في دالئلة وفي مسائله نفيا وإثباتا
فأما إذا عرفت المعاني الصحيحة الثابتة بالكتاب والسنة وعبر عنها لم يفهم بهذه
النبيي ر
مبشين ومنذرين وأنزل معهم ر (كان الناس أمة واحدة فبعث هللا
الكتاب بالحق ليحكم ربي الناس فيما اختلفوا فيه)
وهو مثل الحكم بين سائر األمم بالكتاب فيما اختلفوا فيه من المعاني التي يعبرون
عنها بوضعهم وعرفهم وذلك يحتاج إلي معرفة معاني الكتاب والسنة ،ومعرفة
معاني هؤالء بألفاظهم ثم اعتبار هذه المعاني بهذه المعاني ليظهر الموافق
والمخالف وأما قول السائل :فإن قيل بالجواز فما وجهه وقد فهمنا منه عليه الصلة
) صفحة (
الرد علي المسألة الثانية
أصول الدين الذي بعث هللا به رسوله فال يجوز أن ينهي عنه بحال بخالف ما سمي
أصول الدين وليس هو أصوال في الحقيقة ال دالئل وال مسائل أو هو أصول لدين لم
يشرعه هللا بل شرعه من شرع من الدين ما لم يأذن به هللا وأما ما ذكره السائل من
بغت
والبع ر
ي رت الفواحش ما ظهر منها وما بطن واإلثم (قل إنما حرم ر ي
تشكوا باهلل ما لم يتل به سلطانا وأن تقولوا عىل هللا ما ال الحق وأن ر
تعلمون)
وقوله:
(ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن ال يقولوا عىل هللا إال الحق)
وقوله:
) صفحة (
(ها أنتم هؤالء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم
به علم)
ومنها :الجدل في الحق بعد ظهوره كقوله تعالي:
تبي)
(يجادلونك يف الحق بعد ما ر
ومنها :الجدل بالباطل كقوله:
) صفحة (
وقوله:
منت)
بغت علم وال هدى وال كتاب ر
(ومن الناس من يجادل يف هللا ر
ومن األمور التي نهي هللا عنها في كتابه التفرق واالختالف كقوله
البدعة والفرقة)
وقال تعالي:
شء إنما أمرهم إىل(إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم ف ر
ي ي
هللا)
إلي قوله:
(وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إال من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم)
وفي مثل قوله تعالي:
) صفحة (
وكذلك سنة رسول هللا صلي هللا عليه وسلم توافق كتاب هللا كالحديث المشهور
عنه الذي وري مسلم بعضه عن عبد هللا بن عمرو وسائره معروف في مسند أحمد
والسنة نهيا عن معرفة المسائل التي تدخل فيما يستحق أن يكون من أصول الدين
فهذا ال يجوز اللهم إال أن ينهيا عن بعض ذلك في بعض األحوال مثل مخاطبة شخص
بما يعجز عن فهمه فيضل كقول عبد هللا بن مسعود( :ما من رجل يحدث قوما
حديثا ال تبلغه عقولهم إال كان فتنة لبعضهم) وكقول علي( :حدثوا الناس
أو مثل قول بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتحبون أن يكذب هللا ورسوله)
حق يستلزم فسادا أعظم من تركه فيدخل في قوله صلي هللا عليه وسلم( :من
) صفحة (
فليغته بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع
ر رأي منكم منكرا
فبقلبه وذلك أضعف اإليمان)
وأما قول السائل :إذا قيل بالجواز فهل يجب وهل نقل عنه عليه السالم ما يقتضي
وجوبه؟
فيقال :ال ريب أنه يجب علي كل أحد أن يؤمن بما جاء به الرسول إيمانا عاما مجمال
وال ريب أن معرفة ما جاء به الرسول علي التفصيل فرض علي الكفاية فإن ذلك داخل
في تبليغ ما بعث هللا به رسوله وداخل في تدبير القرآن وعقله وفهمه وعلم الكتاب
والحكمة وحفظ الذكر والدعاء إلي الخير واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعاء
إلي سبيل الرب بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن ونحو ذلك
مما أوجبه هللا عليه المؤمنين فهذا واجب علي الكفاية منهم وأما ما وجب علي
أعيانهم فهذا يتنوع بتنوع قدرهم وحاجتهم ومعرفتهم وما أمر به أعيانهم فال يجب
علي العاجز عن سماع بعض النصوص وفهمها من علم التفصيل ما ال يجب علي من
لم يسمعها ويجب علي المفتي والمحدث والمجادل ما ال يجب علي من ليس كذلك.
) صفحة (
وأما قوله :هل يكفي في ذلك ما يصل إليه المجتهد من غلبة الظن أو ال بد من
فيقال :الصواب في ذلك التفصيل فإنه وإن كان طوائف من أهل الكالم يزعمون أن
المسائل الخبرية التي قد يسمونها مسائل األصول يجب القطع فيها جميعها وال
يجوز االستدالل فيها بغير دليل يفيد اليقين وقد يوجبون القطع فيها كلها علي كل
أحد فهذا الذي قالوه علي إطالقه وعمومه خطأ مخالف للكتاب والسنة وإجماع
سلف األمة وأئمتها ثم هم مع ذلك من أبعد الناس عما أوجبوه فإنهم كثيرا ما
فضال عن أن تكون من الظنيات حتى إن الشخص الواحد منهم كثيرا ما يقطع بصحة
حجة في موضع ويقطع ببطالنها في موضع آخر بل منهم من عامة كالمه كذلك
التفصيل :فما أوجب هللا فيه العلم واليقين وجب فيه ما أوجبه هللا من ذلك كقوله:
تنازعت فيه األمة من هذه المسائل الدقيقة قد يكون عند كثير من الناس مشتبها
) صفحة (
ال يقدر فيه علي دليل يفيد اليقين ال شرعي وال غيره :لم يجب علي مثل هذا في
ذلك ماال يقدر عليه وليس عليه أن يترك ما يقدر عليه من اعتقاد قول غالب علي ظنه
لعجزه عن تمام اليقين بل ذلك هو الذي يقدر عليه ال سيما إذا كان مطابقا للحق
فاالعتقاد المطابق للحق ينفع صاحبه ويثاب عليه ويسقط به الفرض إذا لم يقدر علي
أكثر منه لكن ينبغي أن يعرف أن عامة من ضل في هذا الباب أو عجز فيه عن معرفة
الحق فإنما هو لتفريطه في اتباع ما جاء به الرسول وترك النظر واالستدالل الموصول
إلي معرفته فلما أعرضوا عن كتاب هللا ضلوا كما قال تعالي:
(يا بت آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم ى
آيات فمن ى
اتف ي ي
وأصلح فال خوف عليهم وال هم يحزنون)
وقوله:
مت هدى (قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم ي
يشف ومن أعرض عن ذكري فإن له فمن اتبع هداي فال يضل وال ى
ر
ونحشه يوم القيامة أعم) معيشة ضنكا
قال ابن عباس( :تكفل هللا لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن ال يضل يف
ف اآلخرة ثم قرأ هذه اآلية) وكما في الحديث الذي رواه
الدنيا وال ى
يشف
ي ي
الترمذي وغيره عن علي رضي هللا عنه قال :قال رسول هللا صلي هللا عليه وسلم:
(إنها ستكون ى
في ،قلت :فما المخرج منها يا رسول هللا قال :كتاب هللا
وخت ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل
فيه نبأ ما قبلكم ر
غته أضله هللا وهو
من تركه من جبار قصمه هللا ومن ابتع الهدى يف ر
المتي وهو الذكر الحكيم وهو الرصاط المستقيم وهو الذي ال ر حبل هللا
تنقض وال الرد ة تزي ــغ به األهواء وال تلتبس به األلسن وال يخلق عن ر
كت
ي
) صفحة (
عجائبه وال يشبع منه العلماء) وفي رواية (وال تختلف به اآلراء هو الذي
لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا (إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إىل الرشد)
من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه
هدي إىل ضاط مستقيم)) وقال تعالي:
(المص كتاب أنزل إليك فال يكن يف صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى
للمؤمني اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم وال تتبعوا من دونه أولياء)
ر
وقال:
(وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون أن تقولوا إنما
لغافلي أو
ر طائفتي من قبلنا وإن كنا عن دراستهم
ر أنزل الكتاب عىل
تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من
ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات هللا وصدف عنها
سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون)
فذكر سبحانه انه يجزي الصادف عن آياته مطلقا سواء كان مكذبا أو لم يكن سوء
العذاب بما كانوا يصدفون يبين ذلك أن كل من لم يقر بما جاء به الرسول فهو كافر
سوء العذاب بما كانوا يصدفون يبين ذلك أن لك من لم يقر بما جاء به الرسول فهو
كافر سواء اعتقد كذبه أو استكبر عن األيمان به أو أعرض عن اتباعا لما يهواه أو
ارتاب فيما جاء به فكل مكذب بما جاء به فهو كافر وقد يكون كافرا من ال يكذبه
إذا لم يؤمن به ولهذا أخبر هللا في غير موضع من كتابه بالضالل والعذاب لمن ترك
) صفحة (
اتباع ما أنزله وإن كان له نظر وجدل واجتهاد في عقليات وأمور غير ذلك وجعل ذلك
(وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغت عنهم سمعهم وال أبصارهم
شء إذ كانوا يجحدون بآيات هللا وحاق بهم ما كانوا به وال أفئدتهم من ر
ي
يستهزئون)
وقال تعالي:
(فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم
ما كانوا به يستهزئون فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا باهلل وحده وكفرنا بما كنا
الت قدى به ر
كي فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة هللا ي مش ر
خلت يف عباده وخش هنالك الكافرون)
وقال:
صادقي)
ر مبي فاتوا بكتابكم إن كنتم
(أم لكم سلطان ر
) صفحة (
وقال:
صادقي)
ر (ائتوت بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم
ي
فالكتاب هو الكتاب واإلثارة كما قال من قال من السلف :هي الرواية واإلسناد
وقالوا :هي الخط أيضا إذ الرواية واإلسناد يكتب بالخط وذلك ألن اإلثارة من األثر
فالعلم الذي يقوله من يقبل قوله يؤثر باإلسناد ويقيد ذلك بالخط ،فيكون ذلك كله
(ألم تر إىل الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك
يريدون أن يتحاكموا إىل الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد
الشيطان أن يضلهم ضالال بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إىل ما أنزل هللا
المنافقي يصدون عنك صدودا فكيف إذا أصابتهم
ر وإىل الرسول رأيت
مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون باهلل إن أردنا إال إحسانا
وتوفيقا أولئك الذين يعلم هللا ما يف قلوبــهم فأعرض عنهم وعظهم
وقل لهم يف أنفسهم قوال بليغا)
وفي هذه اآليات أنواع من العبر الدالة علي ضالل من تحاكم إلي غير الكتاب والسنة
وعلي نفاقه وإن زعم أنه يريد التوفيق بين األدلة الشرعية وبين ما يسميه هو
ذلك من أنواع االعتبار فمن كان خطؤه لتفريطه فيما يجب عليه من اتباع القرآن
واإليمان مثال أو لتعديه حدود هللا بسلوك السبيل التي نهي عنها أو التباع هواه
بغير هدي من هللا فهو الظالم لنفسه وهو من أهل الوعيد بخالف المجتهد في
) صفحة (
طاعة هللا ورسوله باطنا وظاهرا ن الذي يطلب الحق باجتهاده كما أمره هللا ورسوله
(آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن باهلل ومالئكته
وكتبه ورسله ال نفرق ربي أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك
ربنا)
إلي قوله:
وكذلك ثبت فيه من حديث ابن عباس أن النبي صلي هللا عليه وسلم لم يقرأ بحرف
من هاتين اآليتين ومن سورة الفاتحة إال أعطي ذلك فهذا يبين استجابة هذا الدعاء
وأما قول السائل :هل ذلك من باب تكليف ما ال يطاق والحال هذه؟
فيقال :هذه العبارة وإن كثر تنازع الناس فيها نفيا وإثباتا فينبغي أن يعرف أن
الخالف المحقق فيها نوعان :أحدهما :ما اتفق الناس علي جوازه ووقوعه وإنما
تنازعوا في إطالق القول عليه بأنه ال يطاق والثاني :ما اتفقوا علي أنه ال يطاق
) صفحة (
لكن تنازعوا في جواز األمر به ولم يتنازعوا في عدم وقوعه فأما أن يكون أمر اتفق
أهل العلم واأليمان علي أنه ال يطاق ،وتنازعوا في وقوع األمر به فليس كذلك.
) صفحة (
تنازع النظار في االستطاعة
فالنوع األول :كتنازع المتكلمين من مثبتة القدر ونفاته في استطاعة العبد وهي
قدرته وطاقته :هل يجب أن تكون مع الفعل ال قبله أو يجب أن تكون متقدمة علي
الفعل :أو يجب أن تكون معه وإن كانت متقدمة عليه فمن قال باألول لزمه أن يكون
كل عبد لم يفعل ما أمر به قد كلف ماال يطيقه إذا لم تكن عنه قدرة إال مع الفعل
ولهذا كان الصواب الذي عليه محققو المتكلمين وأهل الفقه والحديث والتصوف
وغيرهم مادل عليه القرآن وهو أن االستطاعة التي هي مناط األمر والنهي وهي
المصححة للفعل ال يجب أن تقارن الفعل وأما االستطاعة التي يجب معها وجود
فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب) ومعلوم أن الحج والصالة يجبان علي المستطيع
(وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا الذين كانت أعينهم يف غطاء عن
ذكري وكانوا ال يستطيعون سمعا)
علي قول من يفسر االستطاعة بهذه وأما علي تفسير السلف والجمهور فالمراد
بعدم االستطاعة مشقة ذلك عليهم وصعوبته علي نفوسهم ال تستطيع إرادته وإن
) صفحة (
كانوا قادرين علي فعله لو أرادوه وهذه حال من صده هواه أو رأيه الفاسد عن
استماع كتب هللا المنزلة واتباعها وقد أخبر أنه ال يستطيع ذلك وهذه االستطاعة
هي المقارنة للفعل الموجبة له وأما األولي فلوال وجودها لم يثبت التكليف كقوله:
وكذلك أيضا تنازعهم في المأمور به الذي علم هللا أنه ال يكون أو أخبر مع ذلك أنه
ال يكون فمن الناس من يقول :إن هذا غير مقدور عليه كما أن غالية القدرية يمنعون
أن يتقدم علم هللا وخبره وكتابه بأنه ال يكون وذلك التفاق الفريقين علي أن خالف
المعلوم ال يكون ممكنا وال مقدورا عليه وقد خالفهم في ذلك جمهور الناس وقالوا:
هذا منقوص عليهم بقدرة هللا تعالي فإنه أخبر بقدرته علي أشياء مع أنه ال يفعلها
كقوله:
) صفحة (
وقوله:
دل القرآن علي أنه قادر عليه يفعله إذا شاءه مع أنه ال يشاؤه وقالوا أيضا :إن هللا
يعلمه علي ما هو عليه فيعلمه ممكنا مقدورا للعبد غير واقع وال كائن لعدم إرادة
العبد له أو لبغضه إياه ونحو ذلك ال لعجزه عنه وهذا النزاع يزول بتنوع القدرة عليه
كما تقدم فإنه غير مقدور القدرة المقارنة للفعل وإن كان مقدورا القدرة المصححة
للفعل التي هي مناط األمر والنهي وأما النوع الثاني :فكاتفاقهم علي أن العاجز
عن الفعل ال يطيقه كما ال يطيق األعمي واألقطع والزمن نقط المصحف وكتابته
والطيران فمثل هذا النوع قد اتفقوا علي أنه غير واقع في الشريعة وإنما نازع في
ذلك طائفة من الغالة المائلين إلي الجبر من أصحاب األشعري ومن وافقهم من
الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم وإنما تنازعوا في جواز األمر به
عقال حتى نازع بعضهم في الممتنع لذاته كالجمع بين الضدين والنقيضين :هل يجوز
األمر به من جهة العقل مع أن ذلك لم يرد في الشريعة ومن غال فزعم وقوع هذا
ال ضرب في الشريعة كمن يزعم أن أبا لهب كلف بان يؤمن بأنه ال يؤمن فهو مبطل
في ذلك عند عامة أهل القبلة من جميع الطوائف فإنه لم يقل أحد :إن أبا لهب
أسمع هذا الخطاب المتضمن أنه ال يؤمن وإنه أمر مع ذلك باإليمان كما أن قوم نوح
لما أخبر نوح عليه السالم :أنه لن يؤمن من قومه إال من قد آمن لم يكن بعد هذا
) صفحة (
يأمرهم باإليمان بهذا الخطاب بل إذا قدر أنه أخبر بصليه النار المستلزم لموته علي
الكفر وأنه سمع هذا الخطاب ،ففي هذا الحال انقطع تكليفه ولم ينفعه إيمانه
به ،وتارة إلي جواز األمر ومن هنا شبهة من شبه من المتكلمين علي الناس حيث
جعل القسمين قسما واحدا وادعي تكليف ما ال يطاق مطلقا لوقوع بعض األقسام
التي ال يجعلها عامة الناس من باب ما ال يطاق والنزاع فيها ال يتعلق بمسائل األمر
والنهي وإنما يتعلق بمسائل القضاء والقدر ثم إنه جعل جواز هذا القسم مستلزما
لجواز القسم الذي اتفق المسلمون علي أنه غير مقدور عليه وقال أحد النوعين باآلخر
وذلك من األقيسة التي اتفق المسلمون بل وسائر أهل الملل بل وسائر العقالء علي
بطالنها فإن من قاس الصحيح المأمور باألفعال كقوله :إن القدرة مع الفعل أو أن
هللا علم أنه يفعل علي العاجز الذي لو أراد الفعل لم بقدر عليه فقد جمع بين ما
يعلم الفرق بينهما باالضطرار عقال ودينا وذلك من مثارات األهواء بين القدرية
وإخوانهم الجبرية وإذا عرف هذا فإطالق القول بتكليف ما ال يطاق من البدع الحادثة
في اإلسالم كإطالق القول بأن العباد مجبورون علي أفعالهم وقد اتفق سلف األمة
وأئمتها علي إنكار ذلك وال بأنه شاء الكائنات وقالوا رد بدعة ببدعة وقابل الفاسد
بالفاسد واباطل بالبطال ولوال أن هذا الجواب ال يحتمل البسط لذكرت من نصوص
أقوالهم في ذلك ما ببن ردهم لذلك وأما إذا فصل مقصود القائل وبين بالعبارة التي
) صفحة (
ال يشبه الحق فيها بالباطل ما هو الحق وميز بين الحق والباطل كان هذا من الفرقان
وخرج المبين حينئذ مما ذم به أمثال هؤالء الذين وصفهم األئمة بأنهم مختلفون
في الكتاب مخالفون للكتاب متفقون علي ترك الكتاب وأنهم يتكلمون بالمتشابه من
الكالم ويحرفون الكلم عن مواضعة ويخدعون جهال الناس بما يلبسون عليهم ولهذا
كان يدخل المجبرة في مسمي القدرية المذمومين لخوضهم في القدر بالباطل إذ
هذا جماع المعني الذي ذمت به القدرية ولهذا ترجم اإلمام أبو بكر الخالل في كتاب
المعاض
ي عىل عىل القدرية وقولهم :إن هللا ر
أجت العباد ي السنة فقال( :الرد ي
ثم روي عن عمر بن عثمان عن بقية بن الوليد قال :سالت الزبيدي
الجت فقال الزبيدي :أمر هللا أعظم وقدرته أعظم من أن
اع عن ر واألوز ي
عىل ما أحب)
يقض ويقدر ويخلق ويجبل عبده ي ي يجت أو يعضل ولكنر
األوزع( :ما أعرف ر
للجت أصال يف القرآن وال السنة فأهاب أن أقول ي وقال
ذلك ولكن القضاء والقدر والخلق والجبل فهذا يعرف يف القرآن
صىل هللا عليه وسلم وإنما وضعت هذا ي والحديث عن رسول هللا
تابع من أهل الجماعة والتصديق) فهذان الجوابان
مخالفة أن يرتاب رجل ي
اللذان ذكرهما هذان اإلمامان في عصر تابعي التابعين من أحسن األجوبة أما الزبيدي
محمد بن الوليد صاحب الزهري فأنه قال( :أمر هللا أعظم وقدرته أعظم من أن
الجت) وذلك ألن الجبر المعروف في اللغة :هو إلزام اإلنسان
يجت أو يعضل فن يف ر
ر
بخالف رضاه ،كما يقول الفقهاء في باب النكاح :هل تجبر المرأة علي النكاح أو ال
تجبر وإذا عضلها الولي ماذا تصنع فيعنون بجبرها إنكاحها بدون رضاها واختيارها
ويعنون بعضلها منعها مما ترضاه وتختاره فقال :هللا أعظم من أن يجبر أو يعضل
ألن هللا سبحانه قادر علي أن يجعل العبد مختارا راضيا لما يفعله ومبغضا وكارها لما
) صفحة (
يتركه كما هو الواقع فال يكون العبد مجبورا علي ما يحبه ويرضاه ويريده وهي
أفعاله والختيارية وال يكون معضوال عما يتركه فيبغضه ويكرهه أو ال يريده وهي
تروكه االختيار وأما األوزاعي فإنه منع من إطالق هذا اللفظ وإن عني به هذا المعني
حيث لم يكن له أصل في الكتاب والسنة فيفضي إلي إطالق لفظ مبتدع ظاهر في
إرادة الباطل وذلك ال يسوغ وإن قيل :إنه يراد به معني صحيح قال الخالل :ر
(أختنا
أبو بكر المروزي قال :سمعت بعض المشيخة يقول :سمعت عبد
جت وقال :هللا جبل العباد
الرحمن بن مهدي يقول :أنكر سفيان الثوري ر
صىل هللا عليه وسلم ألشج عبدي قال المروزي :أظنه أراد قول ر ي
النت
لخلقي يحبهما هللا:
ر يعت قوله الذي يف صحيح مسلم( :إن فيك
القيس ي
خلقي جبلت عليهما فقال: ر أخلقي تخلقت بهما أم
ر الحلم واألناة فقال:
خلقي
ر جبلت عىل
ي خلقي جبلت عليهما فقال :الحمد هلل الذي ر بل
يحبهما هللا)) ولهذا احتج البخاري وغيره علي خلق أفعال العباد بقوله تعالي:
الخت منوعا)الش جزوعا وإذا مسه ر (إن اإلنسان خلق هلوعا إذا مسه ر
فأخبر تعالي أنه خلق اإلنسان علي هذه الصفة واحتج غيره بقول الخليل عليه السالم:
إطالقه إذ هذا اللفظ قد يحتمل معني صحيحا فنفيه قد يقتضي نفي الحق والباطل
كما ذكر الخالل ما ذكره عبد هللا بن أحمد في كتابه السنة فقال( :حدثنا محمد
ر
ابن بكار حدثنا أبو معش حدثنا يعىل عن محمد بن كعب قال :إنما ي
سم
) صفحة (
عىل ما أراد فإذا امتنع من إطالق اللفظ المجمل
يجت الخلق ي
الجبار ألنه ر
المحتمل المشتبه زال المحذور وكان أحسن من نفيه وإن كان ظاهرا يف
المعنيي جميعا) وهكذا
ر ينف
المعت الفاسد خشيه أن يظن أنه ي
ي المحتمل
يقال في نفي الطاقة عن المأمور فإن إثبات الجبر في المحظور نظير سلب الطاقة
في المأمور :وهكذا كان يقول اإلمام أحمد وغيره من أئمة السنة قال الخالل( :أنبأنا
يجت العباد فقال :هكذاألت عبد هللا :رجل يقول :إن هللا ر
المروزي :قلت ر ي
ال نقول وأنكر هذا وقال( :يضل من يشاء ويــهدي من يشاء)) وقال( :أنبأنا
العكتي
ر إىل عبد الوهاب يف أمر حسن بن خلف المروزي قال :كتب ي
متاث أبيه فقال رجل قدري :إن هللا لم ر
يجت العباد وقال :إنه يتته عن ر
عىل ما عاض فرد عليه أحمد بن رجاء ،فقال :إن هللا ر
جت العباد ي ي عىل الم
ي
عىل كتابا يحتج فيه ،فأدخلته
أراد أراد بذلك إثبات القدر فوضع أحمد بن ي
فأختته بالقصة فقال :ويضع كتابا وأنكر عليهما جميعا:
ر أت عبد هللا
عىل ر ي
حي قال :لم يج رتوعىل القدري ر
ي حي قال :ر
جت العباد عىل ابن رجاء ر
عىل وضعه الكتاب واحتجاجه وأمر بهجرانه لوضعه وأنكر عىل أحمد بن ي
الكتاب وقال يىل :يجب عىل ابن رجاء أن يستغفر ربه لما قال :ر
جت العباد
ألت عبد هللا :فما الجواب يف هذه المسألة قال( :يضل من يشاء فقلت ر ي
ويــهدي من يشاء)) قال المروزي في هذه المسألة( :إنه سمع أبا عبد هللا لما
جت فقال ،أبو عبد هللا:
وعىل من رد عليه :ر
يجت يعىل الذي قال :لم رأنكر ي
كلما ابتدع رجل بدعة اتسع الناس يف جوابها وقال :يستغفر ربه الذي رد
بشء من جنس الكالم وإذا لم يكن له ر
عىل من رد ي
عليهم بمحدثة وأنكر ي
عىل منفيه أمام تقدم) قال المروزي( :فما كان بأشع من أن قدم أحمد بن ي
) صفحة (
عىل عىل
عكتا فأدخلت أحمد بن ي عكتا ومعه مشيخة وكتاب من أهل ر ر
حتأت عبد هللا ،فقال :يا أبا عبد هللا هو ذا الكتاب ادفعه إىل أت بكر ى
ي ري ري
عكتا وأستغفر هللا عز وجل فقال أبو عبد هللا
منت رعىل ريقطعه وأنا أقوم ي
ينبع أن يقبلوا منه فرجعوا له) وقد بسطنا الكالم في هذا المقام في
ي يىل:
غير هذا الموضع وتكلمنا علي األصل الفاسد الذي ظنه المتفرقون من أن إثبات
المعني الحق الذي يسمونه جبرا ينافي األمر والنهي حتى جعله القدرية منافيا لألمر
والنهي مطلقا وجعله طائفة من الجبرية منافيا لحسن الفعل وقبحه وجعلوا ذلك
مما اعتمدوه في نفي حسن الفعل وقبحه القائم به المعلوم بالعقل ومن المعلوم
أنه ال ينافي ذلك إال كما ينافيه بمعني كون الفعل مالئما للفاعل ونافعا له وكونه
منافيا للفاعل وضارا له ومن المعلوم أن هذا المعني الذي سموه جبرا ال ينافي أن
يكون الفعل نافعا وضارا ومصلحة ومفسدة وجالبا للذة وجالبا لأللم فعلم أنه ال
ينافي حسن الفعل وقبحه كما ال ينافي ذلك سواء كان ذلك الحسن معلوما بالعقل
وأما قول السائل :ما الحكمة في أنه لم يوجد فيه من الشارع نص يعصم من الوقوع
) صفحة (
فنقول :هذا السؤال مبني علي األصل الفاسد المتقدم المركب من اإلعراض عن
(وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إال من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم)
وقال تعالي:
العبارات المتشابهات المجمالت المبتدعات سواء كان المحدث هو اللفظ وداللته أو
كان المحدث هو استعمال ذلك اللفظ في ذلك المعني كلفظ أصول الدين حيث أدخل
فيه كل قوم من المسائل والدالئل ما ظنوه هم من أصول دينهم وإن لم يكن من
أصول الدين الذي بعث هللا به رسله وأنزل به كتبه كما ذكرنا وأنه إذا منع إطالق
هذه المجمالت المحدثات في النفي واإلثبات ووقع االستفسار والتفصيل تبين سواء
السبيل وبذلك يتبين أن الشارع عليه الصالة والسالم نص علي كل ما يعصم من
يبي لهم ما يتقون) (وما كان هللا ليضل قوما بعد إذ هداهم ى
حت ر
وقال تعالي:
ى
نعمت ورضيت لكم اإلسالم (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم
ي
دينا)
وقال تعالي:
) صفحة (
(لئال يكون للناس عىل هللا حجة بعد الرسل)
وقال تعالي:
المبي)
ر (وما عىل الرسول إال البالغ
وقال:
ه أقوم) ى
للت ي
(إن هذا القرآن يهدي ي
وقال تعالي:
في الكتاب والسنة فمن طلب ذلك وجد في الكتاب والسنة من النصوص القاطعة
) صفحة (
للعذر في هذه المسائل ما فيه غاية الهدي والبيان والشفاء وذلك يكون بشيئين:
أحدهما :معرفة معاني الكتاب والسنة والثاني :معرفة معاني األلفاظ التي ينطق
بها هؤالء المختلفون حتى يحسن أن يطبق بين معاني التنزيل ومعاني أهل الخوض
في أصول الدين فحينئذ يتبين له أن الكتاب حاكم بين الناس فيما اختلفوا فيهكما
قال تعالي:
النبيي ر
مبشين ومنذرين وأنزل معهم ر (كان الناس أمة واحدة فبعث هللا
الكتاب بالحق ليحكم ربي الناس فيما اختلفوا فيه)
وقال تعالي:
) صفحة (
وقال:
واإلثبات وليس ذلك وليس ذلك لخلو النقيضين عن الحق وال قصور أو تقصير في
بيان الحق ولكن ألن تلك العبارة من األلفاظ المجملة المتشابهة المشتملة علي حق
وباطل ففي إثباتها إثبات حق وباطل وفي نفيها نفي حق وباطل فيمنع من كال
اإلطالقين بخلف النصوص اإللهية فإنها فرقان فرق هللا بها بين الحق والباطل
ولهذا كان سلف األمة وأئمتها يجعلون كالم هللا ورسوله هو اإلمام والفرقان الذي
يجب اتباعه فيثبتون ما أثبته هللا ورسوله وينفون ما نفاه هللا ورسوله ويجعلون
اللفظ وال ينفونه إال بعد االستفسار والتفصيل فإذا تبين المعني أثبت حقه ونفي
باطله بخالف كالم هللا ورسوله فإنه حق يجب قبوله وإن لم يفهم معناه وكالم غير
المعصوم ال يجب قبوله حتى يفهم معناه وأما المختلفون في الكتاب المخالفون له
المتفقون علي مفارقته ،فتجعل كل طائفة ما أصلته من أصول دينها الذي ابتدعته
هو اإلمام الذي يجب اتباعه ،وتجعل ما خالف ذلك من نصوص الكتاب والسنة من
) صفحة (
المجمالت المتشابهات التي ال يجوز اتباعها بل يتعين حملها علي ما وافق أصلهم
الذي ابتدعوه أو اإلعراض عنها وترك التدبر لها وهذان الصفتان يشبهان ما ذكره
هللا في قوله:
(أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كالم هللا ثم
يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا
وإذا خال بعضهم إىل بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح هللا عليكم
ليحاجوكم به عند ربكم أفال تعقلون أو ال يعلمون أن هللا يعلم ما
أمات وإن هم إال
يشون وما يعلنون ومنهم أميون ال يعلمون الكتاب إال ي
يظنون فويل
لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون)
فإن هللا ذم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه وهو متناول لمن حمل الكتاب والسنة
علي ما أصله هو من البدع الباطلة وذم الذين ال يعلمون الكتاب إال أماني وهو
متناول لمن ترك تدبر القرآن ولم يعلم إال مجرد تالوة حروفه ومتناول لمن كتب كتابا
بيده مخالفا لكتاب هللا لينال به دينا وقال :إنه من عند هللا مثل أن يقول :هذا هو
الشرع والدين وهذا معني الكتاب والسنة وهذا قول السلف واألئمة وهذا هو أصول
الدين الذي يجب اعتقاده علي األعيان أو الكفاية ومتناول لمن كتم ما عنده من
الكتاب والسنة لئال يحتج به مخالفه في الحق الذي يقوله وهذه األمور كثيرة جدا
في أهل األهواء جملة كالرافضة والجهمية ونحوهم من أهل األهواء والكالم ،وفي
أهل األهواء تفصيال مثل كثير من المنتسبين إلي الفقهاء مع شعبة من حال األهواء
) صفحة (
والمقصود هنا الكالم علي قول القائل :إذا تعارضت األدلة النقلية والعقلية....الخ كم
تقدم.
جواب إجمالي
والكالم علي هذه الجملة بني علي بيان ما في مقدمتها من التلبيس فإنها مبنية
علي مقدمات
والمقدمات الثالثة باطلة وبيان ذلك بتقديم أصل وهو أن يقال :إذا قيل :تعارض
دليالن سواء كانا نقليين أو عقليين أو أحدهما نقليا واآلخر عقليا فالواجب أن يقال:
ال يخلو إما أن يكونا قطعيين أو يكونا ظنيين وإما أن يكونا أحدهما قطعيا وآلخر
ظنيا فأما القطعيان فال يجوز تعارضهما :سواء كانا عقليين أو نقليين أو أحدهما
عقليا واآلخر نقليا وهذا متفق عليه بين العقالء ألن الدليل القطعي هو الذي يجب
ثبوت مدلوله :وال يمكن أن تكون داللته باطلة وحينئذ فلو تعارض دليالن قطعيان
وأحدهما يناقض مدلول اآلخر للزم الجمع بين النقيضين وهو محال بل كل ما يعتقد
تعارضه من الدالئل التي يعتقد أنها قطعية فال بد من أن يكون الدليالن أو أحدهما
) صفحة (
فيمتنع تعارض الدليلين وإن كان أحد الدليلين المتعارضين قطعيا دون اآلخر فإنه يجب
تقديمه باتفاق العقالء سواء كان هو النقلي أو العقلي فإن الظن ال يرفع اليقين
وأما إن كانا جميعا ظنيين :فإنه يصار إلي طلي ترجيح أحدهما فأيهما ترجح كان هو
المقدم سواء كان نقليا أو عقليا وال جواب عن هذا ،إال أن يقال :الدليل السمعي ال
يكون قطعا وحينئذ فقال :هذا مع كونه باطال فإنه ال ينفع فإنه علي هذا التقدير
يجب تقديم القطعي لكونه قطعيا ال لكونه أصال للنقل وهؤالء جعلوا عمدتهم في
التقديم كون العقل هو األصل للنقل وهذا باطل كما سيأتي بيانه إن شاء هللا وإذا
قدر أن يتعارض قطعي وظني لم ينازع عاقل في تقديم القطعي لكن كون السمعي
ال يكون قطعيا دونه خرط القتاد وأيضا فإن الناس متفقون علي أن كثيرا مما جاء
به الرسول معلوم باالضطرار من دينه كإيجاب العبادات وتحريم الفواحش والظلم
وتوحيد الصانع وإثبات المعاد وغير ذلك وحينئذ فلو قال قائل :إذا قام الدليل العقلي
القطعي علي مناقضة هذا فال بد من تقديم أحدهما :فلو قدم هذا النقلي قدح
في أصله وإن قدم العقلي لزم تكذيب الرسول فيما علم باالضطرار أنه جاء به وهذا
هو الكفر الصريح فال بد لهم من جواب عن هذا والجواب عنه أنه يمتنع أن يقوم
عقلي قطعي يناقض هذا فتبين أن كل ما قام عليه دليل قطعي نقلي يمتنع أن
يعارضه قطعي عقلي ومثل هذا الغلط يقع فيه كثير من الناس يقدرون تقديرا يلزم
منه لوازم فيثبتون تلك اللوازم وال يهتدون لكون ذلك التقدير ممتنعا والتقدير
للرب والعبد أم ال فقال جمهور المعتزلة :إن الرب ال يقدر علي عين مقدور العبد
) صفحة (
واختلفوا هل يقدر علي مثل مقدوره فأثبته البصريون كأبي هاشم ونفاه الكعبي
وأتباعه البغداديون وقال جهم وأتباعه الجبرية :إن ذلك الفعل مقدور للرب ال للعبد
وكذلك قال األشعري وأتباعه :إن المؤثر فيه قدرة الرب دون قدرة العبد واحتج
المعتزلة بأنه لو كان مقدورا لهما للزوم إذا أراده أحدهما وكرهه اآلخر مثل أن يريد
الرب تحريكه ويكرهه العبد :أن يكون موجودا معدوما ألن المقدور من شأنه أن يوجد
عند توفر دواعي القادر وأن يبقي علي العدم عند توفر صارفه فلو كان مقدور العبد
وقدورا لله لكان إذا أراد هللا وقوعه وكره العبد وقوعه لزم أن يوجد لتحقق الدواعي
وال يوجد لتحقق الصارف وهو محال وقد أجاب الجبرية عن هذا بما ذكره الرازي وهو:
أن البقاء علي العدم عند تحقق الصارف ممنوع مطلقا بل يجب إذا لم يقم مقامه
سبب آخر مستقل وهذا أول المسألة وهو جواب ضعيف فإن الكالم في فعل العبد
القائم به إذا قام بقلبه الصارف عنه دون الداعي إليه ،وهذا يمتنع وجوده من العبد
في هذه الحال وما قدر وجوده بدون إرادته ال يكون فعال اختياريا بل يكون بمنزلة
حركة المرتعش والكالم إنما هو في االختياري ولكن الجواب منع هذا التقدير فإن ما
لم يرده العبد من أفعاله يمتنع أن يكون هللا مريدا لوقوعه إذ لو شاء وقوعه لجعل
العبد مريدا له فإذا لم يجعله مريدا له علم أنه لم يشأه ولهذا اتفق علماء المسلمين
علي أن اإلنسان لو قال :وهللا ألفعلن كذا وكذا إن شاء هللا ثم لم يفعله أنه ال يحنث
ألنه لم يفعله علم أن هللا لم يشأه إذ لو شاءه لفعله العبد فلما لم يفعله علم أن
هللا لم يشأه واحتج الجبرية بما ذكره الرازي وغيره بقولهم :إذا أراد هللا تحريك جسم
وأراد العبد تسكينه :فإما أن يمتنعا معا وهو محال ألن المانع من وقوع مراد كل
واحد منهما هو وجود مراد اآلخر فلو امتنعا معا لوجدا معا وهو محال أو لوقعا معا
وهو محال ،أو يقع أحدهما وهو باطل ألن القدرتين متساويتان في االستقالل
) صفحة (
بالتأثير في ذلك المقدور الواحد والشيء الواحد حقيقة ال تقبل التفاوت فإذن
القدرتان بالنسبة إلي اقتضاء وجود ذلك المقدور علي السوية وإنما التفاوت في
أمور خارجية عن هذا المعني وإذا كان كذلك امتنع الترجيح فيقال :هذه الحجة باطلة
علي المذهبين وأما أهل السنة فعندهم يمتنع أن يريد هللا تحريك جسم ويجعل
العبد مريدا ألن يجعله ساكنا مع قدرته علي ذلك فإن اإلرادة الجازمة مع القدرة
تستلزم وجود المقدور فلو جعله الرب مريدا مع قدرته لزم وجود مقدوره فيكون
العبد يشاء ماال يشاء هللا وجوده وهذا ممتنع ،بل ما شاء هللا وجوده يجعل القادر
عليه مريدا لوجوده ،ال يجعله مريدا لما يناقض مراد الرب أما أهل السنة فعندهم
يمتنع أن يريد هللا تحريك جسم ويجعل العبد مريدا ألن يجعله ساكنا مع قدرته علي
ذلك فإن اإلرادة الجازمة مع القدرة تستلزم وجود المقدور فلو جعله الرب مريدا مع
قدرته لزم وجود مقدوره ،فيكون العبد يشاء ماال يشاء هللا وجوده ،وهذا ممتنع بل
ما شاء هللا وجوده يجعل القادر عليه ميدا لوجوده ال يجعله مريدا لما يناقض مراد
الرب وأما علي قول المعتزلة عندهم تمتنع قدرة الرب علي عين مقدور العبد ن
فيمتنع اختالف اإلرادتين في شيء واحد وكلتا الحجتين باطلة فأنهما مبيتان علي
تناقض اإلرادتين وهذا ممتنع فإن العبد إذا شاء أن يكون شيء لم يشاء حتى يشاء
العالمي)
ر (لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤون إال أن يشاء هللا رب
وما شاء هللا كان وما لم يشأ لم يكن فإذا شاءه هللا جعل العبد شائيا له وإذا جعل
العبد كارها له غير مريد له ،لم يكن هو في هذه الحال شائيا له فهم بنوا الدليل
علي تقدير مشيئة هللا له وكراهة العبد له وهذا تقدير ممتنع وهذا نقلوه من تقدير
ربين وإلهين وهو قياس باطل ألن العبد مخلوق لله هو وجميع مفعوالته ليس هو
) صفحة (
(من أن فعل مثال لله وال ندا ولهذا إذا قيل ما قاله أبو إسحاق اإلسفراييني:
الحوادث ال بداية له من أنا إذا قدرنا إمكان حادث معين وقدرنا أنه لم يزل ممكنا كان
هذا لم يزل ممكنا مع أنه ال بداية إلمكانه فإن هذا تقدير ممتنع وهو تقدير ما له
بداية مع أنه ال بداية له وهو جمع بين النقيضين ولهذا منع الرازي في محصله إمكان
هذا وهذا الذي ذكرناه بين واضح متفق عليه بين العقالء من حيث الجملة وبه يتبين
أن إثبات التعارض بين الدليل العقلي والنقلي والجزم بتقديم العقلي معلوم الفساد
أما المعاصرون فهم أقل عقال بكثير من المتأخرين وكان تشكيكهم في المقام األول
بالتشريعات المحكمة المنزلة المعلومة من الدين بالضرورة رغم ذلك أنكروها و أتبعوا
) صفحة (
والن سألتهم ما مرجعيتهم ليقولون العقل والفكر واحيانا االكثرية او االغلبية يعني
القاعدة األولى
وهي بين المرء ونفسه فالمرء دائم التغير بكل تصادم فكري جديد فال يثبت على
رأي خصوصا ان كان نفسيا على مر الزمن فبرهة تراه كذا وبرهة تراه كذا هذا طبيعي
هذا حتمي.
القاعدة الثانية
هي بين المرء واالخر نقول والناس متباينون في العقل مختلفون متفاوتون فيه هنا
االمثلة على ذلك البيئة النفسية والتربوية والتعليمية واللغوية والثقافية فهي
تنشأ جيال مختلفا عن االخر فال يتفقان اثنان في نص ثابت وان واحد تعارض مع االخر
واالثنين اصلهم العقل فمن نأخذ منهم ومن اين رجحنا ان هذا الصح وهذا الغلط
ومرجهم واحد.
) صفحة (
القاعدة الثالثة
وهي ان رأي االغلبية غير مشروط بالصواب فلم يأتي قط لفظ االغلبية في القرآن
والسنة مع لفظ المحمودية بل اشترط بلفظ الذمية طيلة ذكره ومن هذا نستطلع
القاعدة الرابعة
ان شرع هللا ثابت معصوم من عند خالق اعلم بحال مخلوقاته منهم وعالم بما كان
وما سيكون فكيف نتركه ونحتكم لمخلوقاته ذوي الشرع غير الثابت والمرهون باشياء
غير ثابتة غير سليمة اقر هللا تعالى بانها ناقصة واود ان انبه على شيء مهم باننا
نحتكم الى شرع هللا ليس ألنه وافق هوانا من عدمه او النه خالف هوانا بل نحتكم
) صفحة (
إن الحكم بما أنزل هللا تعالى من توحيد الربوبية ألنه تنفيذ لحكم هللا الذي هو
مقتضى ربوبيته وكمال ملكه وتصرفه لهذا سمى هللا تعالى المتبوعين في غير ما
المتبعين عبادا حيث إنهم ذلوا لهم وأطاعوهم في مخالفة حكم هللا سبحانه وتعالى
وقد قال عدي بن حاتم لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم إنهم لم يعبدوهم فقال
(بىل إنهم حرموا عليهم الحالل وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك
عبادتهم إياهم)
إ ذا فهمت ذلك فاعلم أن من لم يحكم بما أنزل هللا وأراد أن يكون التحاكم إلى غير
هللا ورسوله وردت فيه آيات بنفي اإليمان وآيات بكفره وظلمه وفسقه
) صفحة (
القسم األول :اآليات التي وردت بنفي اإليمان عنه
األولى :أنهم يريدون أن يكون التحاكم إلى الطاغوت وهو كل ما خالف حكم هللا
تعالى ورسوله صلى هللا عليه وسلم ألن من خالف حكم هللا ورسوله فهو طغيان
ك ِم َم ْن له الحكم وإليه يرجع األمر كله وهو هللا قال هللا تعالى:
واعتداء على ُح ْ
َ َ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ َ َّ َ ُّ ْ َ َ
(أَل له الخلق واألمر تبارك اَّلل رب العال ِم ري)
الثانية :أنهم إذا ُد ُعوا إلى ما أنزل هللا وإلى الرسول صدوا وأعرضوا
الثالثة :أنهم إذا أصيبوا بمصيبة بما قدمت أيديهم ،ومنها أن يعثر على صنيعهم
جاءوا يحلفون أنهم ما أرادوا إال اإلحسان والتوفيق كحال من يرفض اليوم أحكام
) صفحة (
اإلسالم ويحكم بالقوانين المخالفة لها زعما منه أن ذلك هو اإلحسان الموافق
ألحوال العصر ثم حذر سبحانه هؤالء المدعين لإليمان المتصفين بتلك الصفات بأنه
سبحانه يعلم ما في قلوبهم وما يكنون من أمور تخالف ما يقولون وأمر نبيه أن
يعظهم ويقول لهم في أنفسهم قوال بليغا ثم بين الحكمة من إرسال الرسول أن
يكون هو المطاع المتبوع ال غيره من الناس مهما قويت أفكارهم واتسعت مداركهم
ثم أقسم تعالى بربوبيتة لرسوله التي هي أخص أنواع الربوبية والتي تتضمن اإلشارة
إلى صحة رسالته صلى هللا عليه وسلم أقسم بها مؤكدا أنه ال يصلح اإليمان إال
األول :أن يكون التحاكم في كل نزاع إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
الثاني :أن تنشرح الصدور بحكمه ،وال يكون في النفوس حرج وضيق منه
الثالث :أن يحصل التسليم التام بقبول ما حكم به وتنفيذه بدون توان أو انحراف
بما أنزل هللا فهو كافر ظالم فاسق ألن هللا تعالى وصف الكافرين بالظلم والفسق
َّ َّ ْ َ َ َ َ ْ َّ َ َْ
اَّلل
( ِإنهم كفروا ِب ِالمون) وقال تعالى:
فقال تعالى( :والك ِافرون هم الظ ِ
َ َ ْ َ َ َ َو َ
اسقون) فكل كافر ظالم فاسق أو هذه األوصاف تتنزل
ول ِه وماتوا وهم ف ِ
ِ سر
) صفحة (
على موصوفين بحسب الحامل لهم على عدم الحكم بما أنزل هللا هذا هو األقرب
فنقول :من لم يحكم بما أنزل هللا استخفافا به أو احتقارا له أو اعتقادا أن غيره أصلح
وأنفع للخلق فهو كافر كفرا مخرجا عن الملة ومن هؤالء من يضعون للناس تشريعات
تخالف التشريعات اإلسالمية لتكون منهاجا يسير الناس عليه فإنهم لم يضعوا تلك
التشريعات المخالفة للشريعة اإلسالمية إال وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق
إذ من المعلوم بالضرورة العقلية والجبلة الفطرية أن اإلنسان ال يعدل عن منهاج إلى
بما أنزل هللا وهو لم يستخف به ولم يحتقره ولم يعتقد أن غيره أصلح منه وأنفع
للخلق وإنما حكم بغيره تسلطا على المحكوم انتقاما منه لنفسه أو نحو ذلك فهذا
ظالم وليس بكافر وتختلف مراتب ظلمه بحسب المحكوم به ووسائل الحكم ومن لم
يحكم بما أنزل هللا ال استخفافا بحكم هللا وال احتقارا وال اعتقادا أن غيره أصلح وأنفع
للخلق وإنما حكم بغيره محاباة للمحكوم له أو مراعاة لرشوة أو غيرها من َع َرض الدنيا
فهذا فاسق وليس بكافر وتختلف مراتب فسقه بحسب المحكوم به ووسائل الحكم
قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا فيمن اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من
(أحدهما :أن يعلموا أنهم يبدلوا دين هللا فيتبعونهم عىل التبديل
ً
ويعتقدون تحليل ما حرم وتحريم ما أحل هللا اتباعا لرؤسائهم مع
ً
علمهم أنهم خالفوا دين الرسل فهذا كفر وقد جعله هللا ورسوله رشكا
الثات :أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحليل الحرام وتحريم الحالل كذا
ي
ً
العبارة المنقولة عنه ثابتا لكنهم أطاعوهم يف معصية هللا كما يفعل
) صفحة (
معاض فهؤالء لهم حكم ى
الت يعتقد أنها
ي المعاض ي
ي المسلم ما يفعله من
أمثالهم من أهل الذنوب)
) صفحة (
إذا ما تكلم عن تطبيق الشريعة والتي يندرج في الذهن تلقائيا صورة الحدود
والعقوبات الشرعية عند الحديث عنها فإن المعارض يعلل رفضه لتطبيق الشريعة
بعدة تعليالت منها التعليل بادعاء أن تطبيق الشريعة يضيق نطاق الحريات الفردية،
والمجيبون من المنتسبين لإلسالم على نوعين أولهما ونحن منهم من ننازع في ادعاء
العلمانيين أن تضييق نطاق الحريات بتطبيق الشريعة قبيح وثانيهما َمن يحاول أن
يقول أن الشريعة ال تتعارض مع الحريات الفردية ولن أطيل كثيرا في هذه النقطة
وهذه النقطة ال تذكر أصال في هذه النقاشات وقد تذكر مشوهة وتعني هذه
النقطة أن االلتزام في أكثر األحوال شرط فيمن يطبق عليهم الشرع ومعنى االلتزام
أن يكون المطبق عليه الشرع إما مسلما وإما ذميا ومن شروط عقد الذمة أن يعيش
الكافر الذمي في بالد المسلمين على سبيل التأبيد ملتزما ظاهرا بأحكام اإلسالم
قال النووي عن عقد الذمة( :صورة عقدها :أقركم بدار اإلسالم أو أذنت يف
إقامتكم بها عىل أن تبذلوا جزية وتنقادوا لحكم اإلسالم وال يصح العقد
ويشتط لفظ قبول من كل ويشتط لفظ قبول) قال الهيتمي ( :ى ى مؤقتا
ولو بنحو رضيت) ففي عقد الذمة فإن الذمي يقبل منهم لما أوجبه العاقد
بأن ينقاد ويلتزم بأحكام اإلسالم ظاهرا وال ينعقد عقد الذمة إال بقبوله أما اشتراط
) صفحة (
(وقوله :مكلفا أي ولو حكما فمن ذلك قول الدمياطي في شروط حد الزنا:
الصت والمجنون والسكران ري فشمل السكران المتعدي بسكره وخرج به
ملتما لألحكام وخرج غت المتعدي فال يجلدون وال بد أن يكون المكلف ى
ر
الحرت والمستأمن) فالمستأمن الذي دخل بالد اإلسالم آمنا لمدة لنحو تجارة
ري به
ال يقام عليه حد الزنا ،ألنه لم يلتزم بأحكام اإلسالم وقال البهوتي( :لكن ال يقام
حد الزنا عىل مستأمن نصا وكذا حد شقة وغته ألنه غت ى
ملتم لحكمنا ر ر
الذم)
ي بخالف
ومن ذلك أنها ال تمنعه من أفعاله التي يعتقدها عبادة وال من شرب الخمر إذا كان
يستحله وكذلك الزواج والطالق قال البهوتي( :وكحد الخمر فال يقام عىل كافر
ولو ذميا ألنه يعتقد حله) وقال القرطبي( :وأما الحكم فيما يختص به
أي ال وغته فليس يلزمهم أن يتدينوا بديننا) دينهم من الطالق والزنا ر
مت نكحوا نكاحا أو نجبرهم عليه ظاهرا لكنهم مكلفون باإلسالم قال الرملي ( :ى
أي حتى لو تزوج الكافر أختين فال عقدوا عقدا مختال عندنا لم نتعرض لهم)
نفسخ عقده مع أن هذا ال يجوز في شرعنا.
) صفحة (
فال يشك مسلم له أدنى بصيرة بالتاريخ اإلسالمي في فضل العرب المسلمين وما
والصدق في الدعوة إليه والجهاد لنشره والدفاع عنه وتحمل المشاق العظيمة في
ذلك حتى أظهره هللا على أيديهم وخفقت رايته في غالب المعمورة وشاهد العالم
على أيدي دعاة اإلسالم في صدر اإلسالم أكمل نظام وأعدل حاكم ورأوا في اإلسالم
كل ما يريدون وينشدون من خير الدنيا واآلخرة ووجدوا في اإلسالم تنظيم حياة
سعيدة تكفل لهم العزة والكرامة والحرية من عبادة العبيد وظلم المستبدين والوالة
الغاشمين ووجدوا في اإلسالم تنظيم عالقتهم بالله سبحانه بعبادة عظيمة تصلهم
بالله وتطهر قلوبهم من الشرك والحقد والكبر وتغرس فيها غاية الحب لله وكمال
الذل له والتلذذ بمناجاته وتعرفهم بربهم وبأنفسهم وتذكرهم بالله وعظيم حقه
كلما غفلوا أو كادوا أن يغفلوا وجدوا في اإلسالم تنظيم عالقتهم بالرسول صلى
هللا عليه وسلم وماذا يجب عليهم من حقه والسير في سبيله ووجدوا في اإلسالم
أيضا تنظيم العالقات التي بين الراعي والرعية وبين الرجل وأهله وبين الرجل وأقاربه
وبين الرجل وإخوانه المسلمين وبين المسلمين والكفار بعبارات واضحة وأساليب جلية
ووجدوا من الرسول صلى هللا عليه وسلم ومن الصحابة وأتباعهم بإحسان تفسير
ذلك بأخالقهم الحميدة وأعمالهم المجيدة فأحب الناس اإلسالم وعظموه ودخلوا
فيه أفواجا وأدركوا فيه كل خير وطمأنينة وصالح وإصالح والكالم في مزايا اإلسالم
وما اشتمل عليه من أحكام سامية وأخالق كريمة تصلح القلوب وتؤلف بينها
وتربطها برباط وثيق من المودة في هللا سبحانه والتفاني في نصر دينه والتمسك
) صفحة (
بتعاليمه والتواصي بالحق والصبر عليه ال ريب أن الكالم في هذا الباب يطول والقصد
في هذه الكلمة اإلشارة إلى ما حصل على أيدي المسلمين من العرب في صدر
اإلسالم من الجهاد والصبر وما أكرمهم هللا به من حمل مشعل اإلسالم إلى غالب
المعمورة وما حصل للعالم من الرغبة في اإلسالم والمسارعة إلى الدخول فيه لما
وبأسمائه وصفاته وعظيم حقه على عباده ولما اتصف به حملته والدعاة إليه من
تمثيل أحكام اإلسالم في أقوالهم وأعمالهم وأخالقهم حتى صاروا بذلك خير أمة
قد عرف ما كان عليه المسلمون في صدر اإلسالم فيما ذكرناه ،فهو من الحقائق
المعلومة بين المسلمين وال يشك مسلم في ما للمسلمين غير العرب من الفضل
والجهاد في إعالء كلمته وتبليغه سكان المعمورة ،شكر هللا للجميع مساعيهم
الجليلة وجعلنا من أتباعهم بإحسان إنه على كل شيء قدير وإنما الذي ينكر اليوم
ويستغرب صدوره عن كثير من أبناء اإلسالم من العرب انصرافهم عن الدعوة إلى هذا
الدين العظيم الذي رفعهم هللا به وأعزهم بحمل رسالته وجعلهم ملوك الدنيا
وسادة العالم لما حملوا لواءه وجاهدوا في سبيله بصدق وإخالص حتى فتحوا الدنيا
وكسروا كسرى وقصروا قيصر واستولوا على خزائن مملكتيهما وأنفقوها في سبيل
هللا سبحانه وكانوا حينذاك في غاية من الصدق واإلخالص والوفاء واألمانة والتحاب
) صفحة (
عربي في هللا سبحانه والمؤاخاة فيه ال فرق عندهم بين وعجمي وال بين أحمر
وأسود وال بين غني وفقير وال بين شرقي وغربي بل هم في ذلك إخوان متحابون
في هللا متعاونون على البر والتقوى مجاهدون في سبيل هللا صابرون على دين
اإلسالم ال تأخذهم في هللا لومة الئم يوالون في اإلسالم ويعادون فيه ويحبون
عليه ويبغضون عليه ولذلك كفاهم هللا مكايد أعدائهم وكتب لهم النصر في جميع
ميادين جهادهم كما وعدهم هللا سبحانه بذلك في كتابه المبين حيث يقول سبحانه:
المؤمني)
ر (وكان حقا علينا نرص
وقال تعالى:
العرب وغيرهم ،نرى نفرا من أبنائنا يخدعون بالمبادئ المنحرفة ويدعون إلى غير
اإلسالم كأنهم لم يعرفوا فضل اإلسالم وما حصل ألسالفهم باإلسالم من العزة
والكرامة والمجد الشامخ والمجتمع القوي الذي كتبه هللا ألهل اإلسالم الصادقين
حتى إن عدوهم ليخافهم وهو عنهم مسيرة شهر نسي هؤالء أو تناسوا هذا المجد
المؤثل والعز العظيم والملك الكبير الذي ناله المسلمون باإلسالم فصار هؤالء األبناء
يدعون إلى التكتل والتجمع حول القومية العربية ويعرفونها بأنها اجتماع وتكاتف
السليب وقد اختلف الدعاة إليها في عناصرها فمن قائل :إنها الوطن والنسب واللغة
العربية ومن قال :إنها اللغة فقط ومن قال :إنها اللغة مع المشاركة في اآلالم
واآلمال ومن قائل غير ذلك أما الدين فليس من عناصرها عند أساطينهم والصرحاء
منهم وقد صرح كثير بأن الدين ال دخل له في القومية وصرح بعضهم أنها تحترم
) صفحة (
األديان كلها من اإلسالم وغيره وهدفها كما يعلم من كالمهم هو التكتل والتجمع
والتكاتف ضد األعداء ولتحصيل المصالح المشتركة كما سلف وال ريب بأن هذا غرض
نبيل وقصد جميل فإذا كان هذا هو الهدف ففي اإلسالم من الحث على ذلك والدعوة
إليه وإيجاب التكاتف والتعاون لنصر اإلسالم وحمايته من كيد األعداء ولتحصيل
المصالح المشتركة ما هو أكمل وأعظم مما يرتجى من وراء القومية ومعلوم عند كل
ذي لب سليم أن التكاتف والتعاون الذي مصدره القلوب واإليمان بصحة الهدف
وسالمة العاقبة في الحياة وبعد الممات كما في اإلسالم الصحيح أعظم من التعاون
والتكاتف على أمر اخترعه البشر ولم ينزل به وحي السماء وال تؤمن عاقبته ال في
الدنيا وال في اآلخرة وأيضا فالتكاتف والتعاون الصادر عن إيمان بالله وصدق في
معاملته ومعاملة عباده مضمون له النصر وحسن العاقبة -كما في اآليات الكريمات
التي أسلفنا ذكرها بخالف التكاتف والتعاون المبني على فكرة جاهلية تقليدية لم
يأت بها شرع ولم يضمن لها النصر وهذا كله على سبيل التنزل لدعاة القومية والرغبة
في إيضاح الحقائق لطالب الحق وإال فمن خبر أحوال القوميين وتدبر مقاالتهم
وأخالقهم وأعمالهم عرف أن غرض الكثيرين منهم من الدعوة إلى القومية أمور
أخرى يعرفها من له أدنى بصيرة بالواقع وأحوال المجتمع ومن تلك األمور :فصل
الدين عن الدولة وإقصاء أحكام اإلسالم عن المجتمع واالعتياض عنها بقوانين وضعية
ملفقة من قوانين شتى وإطالق الحرية للنزعات الجنسية والمذاهب الهدامة ال
بلغهم هللا مناهم وال ريب أن دعوة تفضي إلى هذه الغايات يرقص لها االستعمار
طربا ويساعد على وجودها ورفع مستواها -وإن تظاهر بخالف ذلك تغريرا للعرب عن
دينهم وتشجيعا لهم على االشتغال بقوميتهم والدعوة إليها واإلعراض عن دينهم
ومن زعم من دعاة القومية أن الدين من عناصرها فقد فرض أخطاء على القوميين
) صفحة (
وقال عليهم ما لم يقولوا ألن الدين يخالف أسسهم التي بنوا القومية عليها
ويخالف صريح كالمهم ويباين ما يقصدونه من تكتيل العرب على اختالف أديانهم
تحت راية القومية ولهذا تجد من يجعل الدين من عناصر القومية يتناقض في كالمه
فيثبته تارة وينفيه أخرى وما ذلك إال أنه لم يقله عن عقيدة وإيمان وإنما قاله
مجاملة ألهل اإلسالم أو عن جهل بحقيقة القومية وهدفه .وهكذا قول من قال:
إنها تخدم اإلسالم أو تسانده وكل ذلك بعيد عن الحقيقة والواقع وإنما الحقيقة
أنها تنافس اإلسالم وتحاربه في عقر داره وتطلي ببعض خصائصه ترويجا لها
وتلبيسا أو جهال وتقليدا ولو كانت الدعوة إلى القومية يراد منها نصر اإلسالم
دستوره النازل من فوق سبع سماوات ولبادروا إلى التخلق بأخالقه والعمل بما يدعو
إليه وابتعدوا عن كل ما يخالفه ألنه األصل األصيل والهدف األعظم وألنه السبيل
الذي من سار عليه واستقام عليه وصل إلى شاطئ السالمة وفاز بالجنة والكرامة
ومن حاد عن سبيله باء بالخيبة والندامة وخسر الدنيا واآلخرة فلو كان دعاة القومية
يقصدون بدعوتهم إليها تعظيم اإلسالم وخدمته ورفع شأنه لما اقتصروا على
الدعوة للخادم دون المخدوم وكرسوا لهذا الخادم جهودهم وغضبوا من صوت دعاة
اإلسالم إذا دعوا إليه وحذروا مما يخالفه أو يقف حجرا في طريق لو كان دعاة
القومية يريدون بدعوتهم إعالء كلمة اإلسالم واجتماع العرب عليه لنصحوا العرب
ودعوهم إلى التمسك بتعاليم اإلسالم وتنفيذ أحكامه ولشجعوهم على نصره ودعوة
الناس إليه فإن العرب أولى الناس بأن ينصروا اإلسالم ويحموه من مكايد األعداء
ويحكموه فيما شجر بينهم كما فعل أسالفهم ألنه عزهم وذكرهم ومجدهم كما
) صفحة (
(لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفال تعقلون)
وقال
وإذا عرفت أيها القارئ ما تقدم فاعلم أن هذه الدعوة :أعني الدعوة إلى القومية
العربية أحدثها الغربيون من النصارى لمحاربة اإلسالم والقضاء عليه في داره بزخرف
من القول وأنواع من الخيال وأساليب من الخداع فاعتنقها كثير من العرب من أعداء
اإلسالم واغتر بها كثير من األغمار ومن قلدهم من الجهال وفرح بذلك أرباب اإللحاد
إلى القومية العربية أو غيرها من القوميات دعوة باطلة وخطأ عظيم ومنكر ظاهر
األول :أن الدعوة إلى القومية العربية تفرق بين المسلمين وتفصل المسلم العجمي
عن أخيه العربي وتفرق بين العرب أنفسهم ألنهم كلهم ليسوا يرتضونها وإنما
يرضاها منهم قوم دون قوم وكل فكرة تقسم المسلمين وتجعلهم أحزابا فكرة
باطلة تخالف مقاصد اإلسالم وما يرمي إليه وذلك ألنه يدعو إلى االجتماع
والوئام والتواصي بالحق والتعاون على البر والتقوى كما يدل على ذلك قوله
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا هللا حق تقاته وال تموتن إال وأنتم سبحانه:
مسلمون واعتصموا
) صفحة (
بحبل هللا جميعا وال تفرقوا واذكروا نعمت هللا عليكم إذ كنتم أعداء
فألف ربي قلوبكم
فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم عىل شفا حفرة من النار فأنقذكم منها
يبي هللا لكم آياته لعلكم تهتدون)
كذلك ر
وقال تعالى:
إلى االجتماع والوئام والتمسك بحبل الحق والوفاة عليه تعلم بذلك أن هدف القومية
غير هدف اإلسالم وأن مقاصدها تخالف مقاصد اإلسالم ويدل على ذلك أيضا أن
هذه الفكرة أعني الدعوة إلى القومية العربية وردت إلينا من أعدائنا الغربيين وكادوا
وتفريق شملهم على قاعدتهم المشئومة "فرق تسد" وكم نالوا من اإلسالم وأهله
بهذه القاعدة النحيسة مما يحزن القلوب ويدمي العيون وذكر كثير من مؤرخي
الدعوة إلى القومية العربية ومنهم مؤلف الموسوعة العربية:أن أول من دعا إلى
القومية العربية في أواخر القرن التاسع عشر الميالدي هم الغربيون على أيدي بعثات
التبشير في سوريا ليفصلوا الترك عن العرب ويفرقوا بين المسلمين ولم تزل الدعوة
) صفحة (
إليها في الشام والعراق ولبنان تزداد وتنمو حتى عقد لها أول مؤتمر في باريس
من نحو ستين سنة وذلك عام ١٩١٠وكثرت بسبب ذلك الجمعيات العربية وتعددت
االتجاهات فحاول األتراك إخمادها بأحكام اإلعدام التي نفذها جمال باشا في سورية
في ذلك الوقت إلي آخر ما ذكروا فهل تظن أيها القارئ أن خصومنا وأعداءنا يسعون
في مصالحنا بابتداعهم الدعوة إلى القومية العربية وعقد المؤتمرات لها وابتعاث
المبشرين بها ال وهللا إنهم ال يريدون بنا خيرا وال يعملون لمصالحنا وإنما يعملون
ويسعون لتحطيمنا وتمزيق شملنا والقضاء على ما بقي من ديننا وكفى بذلك دليال
لكل ذي لب على ما يراد من وراء الدعوة إلى القومية العربية وأنها معول غربي
استعماري يراد به تفريقنا وإبعادنا عن ديننا كما سلف ومن العجب الذي ال ينقضي
أن كثيرا من شبابنا وكتابنا ألهمهم هللا رشدهم خفيت عليهم هذه الحقيقة حتى
ظنوا أن التكتل والتجمع حول القومية العربية والمناصرة لها أنفع للعرب وأضر للعدو
من التجمع والتكتل حول اإلسالم ومناصرته وهذا بال شك ظن خاطئ واعتقاد غير
مطابق للحقيقة نعم ال شك أنه يحزن المستعمر ويقلق راحته كل تجمع وتكتل ضد
مصلحته ولكن خوفه من التجمع والتكتل حول اإلسالم أعظم وأكبر ولذلك رضي
بالدعوة إلى القومية العربية وحفز العرب إليها ليشغلهم عن اإلسالم وليقطع بها
صلتهم بالله سبحانه ألنهم إذا فقدوا اإلسالم حرموا ما ضمنه هللا لهم من النصر
) صفحة (
ومعلوم عند جميع العقالء أنه إذا كان ال بد من أحد ضررين فارتكاب األدنى منهما
أولى حذرا من الضرر األكبر وقد دل الشرع والقدر على هذه القاعدة وقد عرفها
المستعمر وسلكها في هذا الباب وغيره فتنبه يا أخي واحذر مكايد الشيطان
واالستعمار وأوليائهما تنج من ضرر عظيم وخطر كبير وعواقب سيئة عافاني هللا
وإياك والمسلمين من ذلك ومما تقدم يعلم القارئ اليقظ أن الدعوة إلى القومية
العربية كما أنها إساءة إلى اإلسالم ومحاربة له في بالده فهي أيضا إساءة إلى
العرب أنفسهم وجناية عليهم عظيمة لكونها تفصلهم عن اإلسالم الذي هو مجدهم
األكبر وشرفهم األعظم ومصدر عزهم وسيادتهم على العالم فكيف يرضى عربي
) صفحة (
رسالته في الندوي الحسن أبو الشهير اإلسالمي الكاتب أحسن ولقد
العالم وعرف نتائج الدعوة إلى القوميات وسوء مصيرها تدرك بعقلك السليم ما وقع
فيه العرب المسلمون اليوم من فتنة كبرى ومصيبة عظمى بهذه الدعوة المشئومة
وقى هللا المسلمين شرها ووفق العرب وجميع المسلمين للرجوع إلى ما كان عليه
أسالفهم المهديون إنه سميع مجيب ثم ال يخفاك أيها القارئ الكريم غربة اإلسالم
وتعاليمه ،فالواجب على أبناء اإلسالم بدال من التحمس للقومية والمناصرة لدعوتها
أن يكرسوا جهودهم للدعوة إلى اإلسالم وتعظيمه في قلوب الناس وأن يجتهدوا
في نشر محاسنه وإعالن أحكامه العادلة وتعاليمه السمحة صافية نقية من شوائب
الشرك والخرافات والبدع واألهواء حتى يعيدوا بذلك ما درس من مجد أسالفهم
وحماستهم لإلسالم وتكريس قواهم لنصرته وحمايته والرد على خصومه بشتى
) صفحة (
األساليب الناجعة وأنواع الحجج والبراهين الساطعة وال شك أن هذا واجب متحتم
وفرض الزم على جميع أبناء اإلسالم ،كل منهم بحسب ما أعطاه هللا من المقدرة
واإلمكانيات التي يستطيع بها القيام بما أوجب هللا عليه من النصر لدينه والدعوة
إليه فنسأل هللا أن يمن على الجميع بذلك وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا وأن يقر أعين
المسلمين جميعا بنصر اإلسالم الصافي من الشوائب وظهوره على جميع خصومه
الوجه الثاني :أن اإلسالم نهى عن دعوى الجاهلية وحذر منها وأبدى في ذلك وأعاد
في نصوص كثيرة بل قد جاءت النصوص تنهى عن جميع أخالق الجاهلية وأعمالهم
إال ما أقره اإلسالم من ذلك وال ريب أن الدعوة إلى القومية العربية من أمر الجاهلية
ألنها دعوة إلى غير اإلسالم ومناصرة لغير الحق وكم جرت دعوى الجاهلية على
أهلها من ويالت وحروب طاحنة وقودها النفوس واألموال واألعراض وعاقبتها تمزيق
الشمل وغرس العداوة والشحناء في القلوب والتفريق بين القبائل والشعوب قال
شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا( :كل ما خرج عن دعوى اإلسالم والقرآن
من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة فهو من عزاء الجاهلية بل
لما اختصم مهاجري وأنصاري فقال المهاجري يا للمهاجرين وقال
النت صىل هللا عليه وسلم أبدعوى الجاهلية
األنصاري يا لألنصار قال ر ي
وأنا ربي أظهركم وغضب لذلك غضبا شديدا)
ومما ورد في ذلك من النصوص قوله تعالى:
) صفحة (
وآتي
(وقرن يف بيوتكن وال رتتجن رتتج الجاهلية األوىل وأقمن الصالة ر
الزكاة وأطعن هللا ورسوله)
وقال تعالى:
(إذ جعل الذين كفروا يف قلوبــهم الحمية حمية الجاهلية)
) صفحة (
وفي سنن أبي داود عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال:
(ليس منا من دعا إىل عصبية وليس منا من قاتل عىل عصبية وليس منا
من مات عىل عصبية) وفي صحيح مسلم أيضا عن النبي صلى هللا عليه وسلم
أنه قال:
على عصبية وال ريب أيضا أن الدعوة إلى القومية تدعو إلى البغي والفخر ألن القومية
ليست دينا سماويا يمنع أهله من البغي والفخر وإنما هي فكرة جاهلية تحمل أهلها
على الفخر بها والتعصب لها على من نالها بشيء وإن كانت هي الظالمة وغيرها
المظلوم فتأمل أيها القارئ ذلك يظهر لك وجه الحق ومن النصوص الواردة في ذلك
ما رواه الترمذي وغيره عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال:
(إن هللا قد أذهب عنكم عصبية الجاهلية وفخرها باآلباء إنما هو مؤمن
لعرت فضل وال ابر ت من خلق وآدم آدم بنو الناس شفىتف أو فاجر ى
ري ي ي
عجم إال بالتقوى) وهذا الحديث يوافق قوله تعالى:
ي عىل
وأنت وجعلناكم شعوبا وقبائل(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر ر
لتعارفوا إن أكرمكم عند هللا أتقاكم)
أوضح سبحانه بهذه اآلية الكريمة أنه جعل الناس شعوبا وقبائل للتعارف ال للتفاخر
والتعاظم وجعل أكرمهم عنده سبحانه هو أتقاهم وهكذا يدل الحديث المذكور على
هذا المعنى ويرشد إلى أن سنة الجاهلية التكبر والتفاخر باألسالف واألحساب
واإلسالم بخالف ذلك يدعو إلى التواضع والتقوى والتحاب في هللا وأن يكون
المسلمون الصادقون من سائر أجناس بني آدم جسدا واحدا وبناء واحدا يشد بعضهم
) صفحة (
بعضا ويألم بعضهم لبعض كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى هللا عليه وسلم
أنه قال( :المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك ربي أصابعه)
المؤمني يف توادهم وتراحمهم وتعاطفهم
ر وقال صلى هللا عليه وسلم( :مثل
كمثل الجسد الواحد إذا اشتىك منه عضو تداع له سائر الجسد بالحم
والسهر) فأنشدك بالله أيها القومي :هل قوميتك تدعو إلى هذه األخالق الفاضلة
من الرحمة للمسلمين من العرب والعجم والعطف عليهم والتألم آلالمهم ال وهللا
وإنما تدعو إلى مواالة من انخرط في سلكها وتنصب العداوة لمن تنكر لها فتنبه
أيها المسلم الراغب في النجاة وانظر إلى حقائق األمور بمرآة العدالة والتجرد من
التعصب والهوى حتى ترى الحقائق على ما هي عليه أرشدني هللا وإياك إلى أسباب
النجاة ومن ذلك ما ثبت في الصحيح أن غالما من المهاجرين وغالما من األنصار تنازعا
فقال المهاجري :يا للمهاجرين وقال األنصاري :يا لألنصار فسمع ذلك النبي صلى
فإذا كان من انتسب هللا عليه وسلم فقال( :أبدعوى الجاهلية وأنا ربي أظهركم)
إلى المهاجرين واستنصر بهم على أو إلى األنصار واستنصر بهم يكون قد دعا بدعوى
الجاهلية مع كونهما اسمين محبوبين لله سبحانه وقد أثنى هللا على أهلهما ثناء
ثم أولي بأن يكون قد دعا بدعوى الجاهلية ال شك أن هذا من أوضح اإليضاحات
) صفحة (
ومن ذلك ما ثبت في الحديث الصحيح عن الحارث األشعري أن النبي صلى هللا عليه
بتيحت بن زكريا بخمس أن يعمل بهن ويأمر ي وسلم قال( :إن هللا أمر ر
النت صىل هللا عليه وسلم :وأنا
إشائيل أن يعملوا بهن فذكرها ثم قال ر ي
أمرت بهن :السمع والطاعة والجهاد والهجرة ي آمركم بخمس هللا
شت فقد خلع ربقة اإلسالم من
والجماعة فإنه من فارق الجماعة قيد ر
عنقه إال أن يراجع ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من ر
جت جهنم قيل يا
رسول هللا وإن صىل وصام قال وإن صىل وصام وزعم أنه مسلم فادعوا
المؤمني عباد هللا) وهذا الحديث
ر المسلمي
ر بدعوى هللا الذي سماكم
الصحيح من أوضح األحاديث وأبينها في إبطال الدعوة إلى القومية واعتبارها دعوة
جاهلية يستحق دعاتها أن يكونوا من جثي جهنم وإن صاموا وصلوا وزعموا أنهم
مسلمون فيا له من وعيد شديد وتحذير ينذر كل مسلم من الدعوات الجاهلية والركون
إلى معتنقيها وإن زخرفوها بالمقاالت السحرية والخطب الرنانة الواسعة التي ال
أساس لها من الحقيقة وال شاهد لها من الواقع وإنما هو التلبيس والخداع والتقليد
األعمى الذي ينتهي بأهله إلى أسوأ العواقب نسأل هللا السالمة من ذلك وهنا
شبهة يذكرها بعض دعاة القومية أحب أن أكشفها للقارئ وهي أن بعض دعاة
القومية زعم أن النهي عن الدعوة إلى القومية العربية والتحذير منها يتضمن تنقص
والجواب أن يقال :ال شك أن هذا زعم خاطئ واعتقاد غير صحيح فإن االعتراف بفضل
العرب وما سبق لهم في صدر اإلسالم من أعمال مجيدة ال يشك فيه مسلم عرف
التاريخ كما أسلفنا وقد ذكر غير واحد من أهل العلم ومنهم ابن تيمية في"اقتضاء
الصراط المستقيم" أن مذهب أهل السنة تفضيل جنس العرب على غيرهم وأورد في
) صفحة (
ذلك أحاديث تدل على ذلك ولكن ال يلزم من االعتراف بفضلهم أن يجعلوا عمادا يتكتل
حوله ويوالى عليه ويعادى عليه وإنما ذلك من حق اإلسالم الذي أعزهم هللا به وأحيا
فكرهم ورفع شأنهم فهذا لون وهذا لون ثم هذا الفضل الذي امتازوا به على
غيرهم وما من هللا به عليهم من فصاحة اللسان ونزول القرآن الكريم بلغتهم وإرسال
الرسول العام بلسانهم ليس مما يقدمهم عند هللا في اآلخرة وال يوجب لهم النجاة
إذا لم يؤمنوا ويتقوا وليس ذلك أيضا بموجب تفضيلهم على غيرهم من جهة الدين
بل أكرم الناس عند هللا أتقاهم كما تقدم في اآلية الكريمة والحديث الشريف بل
هذا الفضل عند أهل التحقيق يوجب عليهم أن يشكروا هللا سبحانه أكثر من غيرهم
وأن يضاعفوا الجهود في نصر دينه الذي رفعهم هللا به وأن يوالوا عليه ويعادوا
عليه دون أن يلتفتوا إلى قومية أو غيرها من األفكار المسمومة والدعوات المشئومة
ولو كانت أنسابهم وحدها تنفعهم شيئا لم يكن أبو لهب وأضرابه من أصحاب النار
ولو كانت تنفعهم بدون اإليمان لم يقل لهم النبي صلى هللا عليه وسلم في الحديث
أغت عنكم من هللا ال هللا من أنفسكم وا معش قريش ى
اشت الصحيح( :يا ر
ي
شيئا) وبذلك يعلم القارئ السليم من الهوى أن الشبهة المذكورة شبهة واهية ال
أساس لها من الشرع المطهر وال من المنطق السليم البعيد من الهوى وهنا شبهة
أخرى وهي قول بعضهم :أنه قد روي عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال( :إذا
ذل العرب ذل اإلسالم) ورواه بعضهم بلفظ( :إذا عز العرب عز اإلسالم)
قالوا :وهذا يدل علي أن انتصار القومية العربية والدعوة إليها انتصار لإلسالم ودعوة
في النقليات ومغالطة في الحقائق وتأويل للحديث على غير تأويله سواء صح أم لم
يصح فإن الواقع يشهد بخالف ما ذكره القائل فقد ذل العرب يوم بدر ويوم األحزاب
) صفحة (
وصار في ذلهم عز اإلسالم وظهوره وانتصر العرب يوم أحد وصار في انتصارهم ذل
المسلمين والمضرة عليهم ولكن هللا سبحانه لطف بأوليائه وأحسن لهم العاقبة
وهل يمكن أن يقول :إن انتصار العرب الكافرين بالله المحاربين لدينه انتصار لإلسالم
من قال هذا فقد قال خالف الحق وهو إما جاهل أو متجاهل يريد أن يلبس الحق
بالباطل ويخدع ضعفاء البصائر سبحان هللا ما أعظم شأنه ثم أعود فأوضح للقارئ أن
الحديث المذكور ضعيف اإلسناد وال يصح عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال الحافظ
(إذا ذلت أبو الحسن الهيثمي في"مجمع الزوائد" لما ذكر هذا الحديث بلفظ:
رواه أبو يعلى وفي إسناده محمد بن الخطاب ضعفه األزدي العرب ذل اإلسالم)
وغيره ووثقه ابن حبان وقال الحافظ الذهبي في "الميزان" في ترجمة محمد
المذكور قال أبو حاتم :ال أعرفه وقال األزدي :منكر الحديث انتهى قلت :وفي إسناده
أيضا علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف عند جمهور من المحدثين ال يحتج بحديثه لو
سلم اإلسناد من غيره فكيف وفي اإلسناد من هو أضعف منه وهو محمد بن الخطاب
المذكور وأما توثيق ابن حبان له فال يعتمد عليه ألنه معروف بالتساهل وقد خالفه
غيره ولو صح الحديث لكان معناه :إذا ذل العرب الحاملون راية اإلسالم والدعوة إليه
ال العرب المتنكرون له الداعون إلى غيره وال يجوز أن يرد في سنة رسول هللا صلى
هللا عليه وسلم ما يخالف القرآن الكريم واألحاديث الصحيحة أبدا فإن كالم هللا ال
يتناقض وكالم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كذلك والسنة ال تخالف القرآن بل
تصدقه وتوافقه وتدل على معناه وتوضح ما أجمل فيه وقد علق هللا سبحانه في
القرآن النصر على اإليمان بالله والنصر لدينه فال يجوز أن يرد في السنة ما يناقض
ذلك فتنبه أيها المؤمن واحذر من الشبهات المضللة واألحاديث المكذوبة واآلراء
) صفحة (
الفاسدة واألفكار المسمومة فإن الخطر عظيم والمعصوم من عصمه هللا سبحانه
فاعتصم به وتوكل عليه وتفقه في دينه واستقم عليه تفز بالنجاة والعاقبة الحميدة
وهذه الشبه
وأمثالها تفسر لنا ما صح به الحديث عن النبي صلى هللا عليه وسلم من حديث حذيفة
الخت
ر أنه قال( :كان الناس يسألون الرسول صىل هللا عليه وسلم عن
كت فقلت :يا رسول هللا إنا كنا يفيدر أن مخافة وكنت أسأله عن ر
الش
ي
الخت من رش قال نعمالخت فهل بعد هذا ر جاهلية ر
وش فجاءنا هللا بهذا ر
خت قال نعم وفيه دخن قلت :ما دخنهالش من ر قلت :وهل بعد ذلك ر
بغت هدي تعرف منهم وتنكرسنت ويــهدون ربغت ىقال :قوم يستنون ر
ي
الخت من رش قال :نعم دعاة عىل أبواب جهنم من
قلت :فهل بعد ذلك ر
أجابهم إليها قذفوه فيها قلت :يا رسول هللا صفهم لنا قال :هم من
كت
تأمرت يا رسول هللا إن أدر ي
ي جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت :فما
ذلك قال :تلزم جماعة المسلم ري وإمامهم قلت :فإن لم يكن لهم جماعة
فاعتل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة ى
حت ى وال إمام قال:
رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري فهذا يدركك الموت وأنت عىل ذلك)
الحديث العظيم الجليل يرشدك أيها المسلم إلى أن هؤالء الدعاة اليوم الذين يدعون
الخالعة والحرية المطلقة وأنواع الفساد كلهم دعاة على أبواب جهنم سواء علموا
أم لم يعلموا من أجابهم إلى باطلهم قذفوه في جهنم وال شك أن هذا الحديث
الجليل من أعالم النبوة ودالئل صحة رسالة محمد صلى هللا عليه وسلم حيث أخبر
بالواقع قبل وقوعه فوقع كما أخبر فنسأل هللا لنا ولسائر المسلمين العافية من
) صفحة (
مضالت الفتن ونسأله سبحانه أن يصلح والة أمر المسلمين وزعماءهم حتى ينصروا
) صفحة (
الوجه الثالث :هو أنها سلم إلى مواالة كفار العرب ومالحدتهم
الوجه الثالث :من الوجوه الدالة على بطالن الدعوة إلى القومية العربية :هو أنها
سلم إلى مواالة كفار العرب ومالحدتهم من أبناء غير المسلمين واتخاذهم بطانة
من الفساد الكبير والمخالفة لنصوص القرآن والسنة الدالة على وجوب بغض الكافرين
من العرب وغيرهم ومعاداتهم وتحريم مواالتهم واتخاذهم بطانة والنصوص في
هذا المعنى كثيرة منها قوله تعالى( :يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا اليهود
والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن
فتى الذين يف قلوبــهم مرض يسارعون فيهم هللا ال يهدي القوم الظالمي ى
ر
يقولون ر
نخش أن تصيبنا دائرة) سبحان هللا ما أصدق قوله وأوضح بيانه هؤالء
القوميون يدعون إلى التكتل حول القومية العربية مسلمها وكافرها يقولون :نخشى
أن تصيبنا دائرة نخشى أن يعود االستعمار إلى بالدنا نخشى أن تسلب ثرواتنا بأيدي
أعدائنا فيوالون ألجل ذلك كل عربي من يهود ونصارى ومجوس ووثنيين ومالحدة
وغيرهم تحت لواء القومية العربية ويقولون :إن نظامها ال يفرق بين عربي وعربي
وإن تفرقت أديانهم فهل هذا إال مصادمة لكتاب هللا ومخالفة لشرع هللا وتعد
لحدود هللا ومواالة ومعاداة وحب وبغض على غير دين هللا فما أعظم ذلك من باطل
وما أسوأه من منهج القرآن يدعو إلى مواالة المؤمنين ومعاداة الكافرين أينما كانوا
وكيفما كانوا وشرع القومية العربية يأبى ذلك ويخالفه( :قل أأنتم أعلم أم هللا)
ويقول هللا سبحانه( :يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء
تلقون إليهم بالمودة) إلى قوله تعالى( :ومن يفعله منكم فقد ضل سواء
السبيل)
) صفحة (
ونظام القومية يقول :كلهم أولياء مسلمهم وكافرهم
وهللا يقول ( :رشع لكم من الدين ما وض به نوحا والذي أوحينا إليك وما
ويقول وصينا به إبراهيم وموش وعيش أن أقيموا الدين وال تتفرقوا فيه)
سبحانه( :قد كانت لكم أسوة حسنة يف إبراهيم والذين معه إذ قالوا
لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون هللا كفرنا بكم وبدا بيننا
وبينكم العداوة والبغضاء أبدا ى
حت تؤمنوا باهلل وحده) وقال تعالى( :ال
تجد قوما يؤمنون باهلل واليوم اآلخر يوادون من حاد هللا ورسوله ولو
عشتتهم) وشرع القومية أو بعبارة
ر كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو
أخرى شرع دعاتها يقول :أقصوا الدين عن القومية وافصلوا الدين عن الدولة وتكتلوا
حول أنفسكم وقوميتكم حتى تدركوا مصالحكم وتستردوا أمجادكم وكأن اإلسالم
وقف في طريقهم وحال بينهم وبين أمجادهم هذا وهللا هو الجهل والتلبيس
وعكس القضية سبحانك هذا بهتان عظيم واآليات الدالة على وجوب مواالة المؤمنين
ومعاداة الكافرين والتحذير من توليهم كثيرة ال تخفى على أهل القرآن فال ينبغي
أن نطيل بذكرها وكيف يجوز في عقل عاقل أن يكون أبو جهل وأبو لهب وعقبة بن
أبي معيط والنضر بن الحارث وأضرابهم من صناديد الكفار في عهد النبي صلى هللا
عليه وسلم وبعده إلي يومنا هذا إخوانا وأولياء ألبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر
الصحابة ومن سلك سبيله من العرب إلى يومنا هذا هذا وهللا من أبطل الباطل
وأعظم الجهل وشرع القومية ونظامها يوجب هذا ويقتضيه وإن أنكره بعض دعاتها
جهال أو تجاهال وتلبيسا فال حول وال قوة إال بالله العلي العظيم وقد أوجب هللا
على المسلمين :أن يتكاتفوا ويتكتلوا تحت راية اإلسالم وأن يكونوا جسدا واحدا
) صفحة (
وبناء متماسكا ضد عدوهم ووعدهم على ذلك النصر والعز والعاقبة الحميدة كما
) صفحة (
(وعد هللا الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات وكما في قوله تعالي:
وإنما يتخلف هذا الوعد الصادق في وعده (وعد هللا ال يخلف هللا الميعاد)
في بعض األحيان بسبب تقصير المسلمين وعدم قيامهم بما أوجب هللا عليهم من
اإليمان بالله والنصر لدينه كما هو الواقع فالذنب ذنبنا ال ذنب اإلسالم والمصيبة
حصلت بما كسبت أيدينا من الخطايا كما قال تعالى( :وما أصابكم من مصيبة
كثت) فالواجب على العرب وغيرهم التوبة إلى
ويعفو عن ر فبما كسبت أيديكم
هللا سبحانه والتمسك بدينه والتواصي بحقه وتحكيم شريعته والجهاد في سبيله
واالستقامة على ذلك من الرؤساء وغيرهم فبذلك يحصل لهم النصر ويهزم العدو
ويحصل التمكين في األرض وإن قل عددنا وعدتنا وال ريب أن من أهم الواجبات
اإليمانية :أخذ الحذر من عدونا وأن نعد له ما نستطيع من القوة وذلك من تمام
اإليمان ومن األخذ باألسباب التي يتعين األخذ بها وال يجوز إهمالها كما في قوله
(وأعدوا لهم ما وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم) تعالى:
قوة) وليس للمسلمين أن يوالوا الكافرين أو يستعينوا بهم على استطعتم من
أعدائهم فإنهم من األعداء وال تؤمن غائلتهم وقد حرم هللا مواالتهم ونهى عن
اتخاذهم بطانة وحكم على من توالهم بأنه منهم وأخبر أن الجميع من الظالمين كما
) صفحة (
وثبت في :صحيح مسلم عن عائشة رضي هللا عنها قالت( :خرج رسول هللا صىل
هللا عليه وسلم قبل بدر فلما كان ب "حرة الوبرة " أدركه رجل قد كان
يذكر منه جرأة ونجدة ففرح أصحاب رسول هللا صىل هللا عليه وسلم
حي رأوه فلما أدركه قال لرسول هللا صىل هللا عليه وسلم :جئت ألتبعك
ر
وأصيب معك قال له رسول هللا صىل هللا عليه وسلم "تؤمن باهلل
بمشك" قالت :ثم مض أستعي ر
ر ورسوله" قال :ال قال" :فارجع فلن
النت ى
حت إذا كنا بالشجرة أدركه الرجل فقال له كما قال أول مرة فقال له ر ي
أستعي
ر صىل هللا عليه وسلم كما قال أول مرة فقال :ال قال" :فارجع فلن
بمشك" قالت :ثم رجع فأدركه يف ر
البتاء فقال له كما قال أول مرة: ر
"تؤمن باهلل ورسوله قال :نعم فقال له رسول هللا صىل هللا عليه وسلم:
"فانطلق") فهذا الحديث الجليل يرشدك إلى ترك االستعانة بالمشركين ويدل على
أنه ال ينبغي للمسلمين أن يدخلوا في جيشهم غيرهم ال من العرب وال من غير العرب
ألن الكافر عدو ال يؤمن وليعلم أعداء هللا أن المسلمين ليسوا في حاجة إليهم إذا
اعتصموا بالله وصدقوا في معاملته ألن النصر بيده ال بيد غيره وقد وعد به المؤمنين
وإن قل عددهم وعدتهم كما سبق في اآليات وكما جرى ألهل اإلسالم في صدر
(يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا بطانة من دونكم ال يألونكم خباال ودوا ما
أكت قد بينا
تخف صدورهم ر
ي عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما
لكم اآليات إن كنتم تعقلون)
فانظر أيها المؤمن إلى كتاب ربك وسنة نبيك عليه الصالة والسالم كيف يحاربان
مواالة الكفار واالستعانة بهم واتخاذهم بطانة وهللا سبحانه أعلم بمصالح عباده
) صفحة (
وأرحم بهم من أنفسهم فلو كان في اتخاذهم الكفار أولياء من العرب أو غيرهم
واالستعانة بهم مصلحة راجحة ألذن هللا فيه وأباحه لعباده ولكن لما علم هللا ما
في ذلك من المفسدة الكبرى والعواقب الوخيمة نهى عنه وذم من يفعله وأخبر
في آيات أخرى أن طاعة الكفار وخروجهم في جيش المسلمين يضرهم وال يزيدهم
(يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم عىل أعقابكم
خت الناضين)
فتنقلبوا خاشين بل هللا موالكم وهو ر
وقال تعالى:
(لو خرجوا فيكم ما زادوكم إال خباال وألوضعوا خاللكم يبغونكم الفتنة
بالظالمي)
ر وفيكم سماعون لهم وهللا عليم
فكفى بهذه اآليات تحذيرا من طاعة الكفار واالستعانة بهم وتنفيرا منهم وإيضاحا
لما يترتب على ذلك من العواقب الوخيمة عافى هللا المسلمين من ذلك وقال تعالى:
(والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إال تفعلوه تكن فتنة يف األرض
كبت)
وفساد ر
أوضح سبحانه أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض والكفار بعضهم أولياء بعض فإذا لم
يفعل المسلمون ذلك واختلط الكفار بالمسلمين وصار بعضهم أولياء بعض حصلت
الفتنة والفساد الكبير وذلك بما يحصل في القلوب من الشكوك والركون إلى أهل
الباطل والميل إليهم واشتباه الحق على المسلمين نتيجة امتزاجهم بأعدائهم
ومواالة بعضهم لبعض كما هو الواقع اليوم من أكثر المدعين لإلسالم حيث ولوا
) صفحة (
الكافرين واتخذوهم بطانة فالتبست عليهم األمور بسبب ذلك حتى صاروا ال يميزون
بين الحق والباطل وال بين الهدى والضالل وال بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان
وقد احتج بعض دعاة القومية على جواز مواالة النصارى واالستعانة بهم بقوله
تعالى:
(لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين رأشكوا ولتجدن
أقربــهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى)
وزعموا أنها ترشد إلى جواز مواالة النصارى لكونهم أقرب مودة للذين آمنوا من
غيرهم وهذا خطأ ظاهر وتأويل للقرآن بالرأي المجرد المصادم لآليات المحكمات
المتقدم ذكرها وغيرها ولما ثبت في السنة المطهرة من التحذير من مواالة الكفار
من أهل الكتاب وغيرهم وترك االستعانة بهم وقد ورد عنه صلى هللا عليه وسلم
والواجب :أن تفسر أنه قال( :من قال يف القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)
اآليات بعضها ببعض وال يجوز أن يفسر شيء منها بما يخالف بقيتها وليس في
هذه اآلية بحمد هللا ما يخالف اآليات الدالة على تحريم مواالة الكفار من النصارى
وغيرهم وإنما أتي هذا الداعية من سوء فهمه وتقصيره في تدبر اآليات والنظر في
معناها واالستعانة على ذلك بكالم أهل التفسير المعروفين بالعلم واألمانة واإلمامة
ومعنى هذه اآلية على ما قال أهل التفسير وعلى ما يظهر من صريح لفظها أن
النصارى أقرب مودة للمؤمنين من اليهود والمشركين وليس معناها أنهم يوادون
المؤمنين وال أن المؤمنين يوادونهم ولو فرض أن النصارى أحبوا المؤمنين وأظهروا
مودتهم لهم لم يجز ألهل اإليمان أن يوادوهم ويوالوهم ألن هللا سبحانه وتعالى
) صفحة (
(يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا اليهود والنصارى أولياء)
وقوله تعالى:
(ال تجد قوما يؤمنون باهلل واليوم اآلخر يوادون من حاد هللا ورسوله)
وال ريب أن النصارى من المحادين لله ولرسوله النابذين لشريعته المكذبين له
ولرسوله عليه أفضل الصالة والسالم فكيف يجوز لمن يؤمن بالله واليوم اآلخر أن
يوادوهم أو يتخذهم بطانة نعوذ بالله من الخذالن وطاعة الهوى والشيطان وزعم
آخر من دعاة القومية أن هللا سبحانه قد سهل في مواالة الكفار الذين لم يقاتلونا
غير تأويلها وهللا سبحانه حرم مواالة الكفار ونهى عن اتخاذهم بطانة في اآليات
المحكمات ولم يفصل بين أجناسهم وال بين من قاتلنا ومن لم يقاتلنا فكيف يجوز
لمسلم أن يقول على هللا ما لم يقل وأن يأتي بتفصيل من رأيه لم يدل عليه كتاب
وال سنة سبحان هللا ما أحلمه وإنما معنى اآلية المذكورة عند أهل العلم :الرخصة
في اإلحسان إلى الكفار والصدقة عليهم إذا كانوا مسالمين لنا بموجب عهد أو أمان
أو ذمة وقد صح في السنة ما يدل على ذلك كما ثبت في الصحيح( :أن أم أسماء
النت صىل هللا عليه وسلم
أت بكر قدمت عليها يف المدينة يف عهد ر ي بنت ر ي
النت صىل هللا عليه وسلم أسماء أن تصل ر
وه مشكة تريد الدنيا فأمر ر ي ي
النت صىل هللا عليه وسلم ى
الت وقعت ربي ر ي
أمها وذلك يف مدة الهدنة ي
النت صىل هللا عليه وسلم أنه أعىط عمر جبةوبي أهل مكة) وصح (عن ر ي ر
) صفحة (
فهذا وأشباهه من اإلحسان الذي من حرير فأهداها إىل أخ له بمكة ر
مشك)
قد يكون سببا في الدخول في اإلسالم والرغبة فيه وإيثاره على ما سواه وفي ذلك
صلة للرحم وجود على المحتاجين وذلك ينفع المسلمين وال يضرهم وليس من مواالة
وللقوميين هنا شبهة وهي أنهم يقولون :إن التكتل حول القومية العربية بدون
تفرقة بين المسلم والكافر يجعل العرب وحدة قوية وبناء شامخا يهابهم عدوهم
ويحترم حقوقهم وإذا انفصل المسلمون عن غيرهم من العرب ضعفوا وطمع فيهم
العدو وشبهة أخرى وهي أنهم يقولون :إن العرب إذا اعتصموا باإلسالم وتجمعوا
حول رايته حقد عليهم أعداء اإلسالم ولم يعطوهم حقوقهم وتربصوا بهم الدوائر
خوفا من أن يثيروها حروبا إسالمية ليستعيدوا بها مجدهم السالف وهذا يضرنا
ويؤخر حقوقنا ومصالحنا المتعلقة بأعدائنا ويثير غضبهم علينا والجواب :أن يقال :إن
وانفصالهم من أعدائهم والتصريح لهم بالعداوة والبغضاء هو سبب نصر هللا لهم
وحمايتهم من كيد أعدائهم وهو وسيلة إنزال هللا الرعب في قلوب األعداء من
الكافرين حتى يهابوهم ويعطوهم حقوقهم كاملة غير منقوصة كما حصل
ألسالفهم المؤمنين فقد كان بين أظهرهم من اليهود والنصارى الجمع الغفير فلم
يوالوهم ولم يستعينوا بهم بل والوا هللا وحده واستعانوا به وحده فحماهم
وأيدهم ونصرهم على عدوهم والقرآن والسنة شاهدان بذلك والتاريخ اإلسالمي
ناطق بذلك قد علمه المسلم والكافر وقد خرج النبي صلى هللا عليه وسلم يوم بدر
إلى المشركين وفي المدينة اليهود فلم يستعن بهم والمسلمون في ذلك الوقت
ليسوا بالكثرة وحاجتهم إلى األنصار واألعوان شديدة ومع ذلك فلم يستعن نبي هللا
) صفحة (
والمسلمون باليهود ال يوم بدر وال يوم أحد مع شدة الحاجة إلى المعين في ذلك
الوقت وال سيما يوم أحد وفي ذلك أوضح داللة على أنه ال ينبغي للمسلمين أن
الشبهة وأسباب الشحناء والعداوة بينهم ومن لم تسعه طريقة الرسول صلى هللا
عليه وسلم وطريقة المؤمنين السابقين فال وسع هللا عليه وأما حقد غير المسلمين
على المسلمين إذا تجمعوا حول اإلسالم ،فذلك مما يرضي هللا عن المؤمنين ويوجب
لهم نصره حيث أغضبوا أعداءه من أجل رضاه ونصر دينه والحماية لشرعه ولن يزول
حقد الكفار على المسلمين إال إذا تركوا دينهم واتبعوا ملة أعدائهم وصاروا في
حزبهم وذلك هو الضالل البعيد والكفر الصريح وسبب العذاب والشقاء في الدنيا
) صفحة (
(ثم جعلناك عىل رشيعة من األمر فاتبعها وال تتبع أهواء الذين ال
الظالمي بعضهم أولياء
ر يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من هللا شيئا وإن
المتقي)
ر وىل
بعض وهللا ي
فأبان هللا سبحانه وتعالى في هذه اآليات البينات أن الكفار لن يرضوا عنا حتى نتبع
ملتهم وندع شريعتنا وإنهم ال يزالون يقاتلونا حتى يردونا عن ديننا إن استطاعوا
وأخبر أنه متى أطعناهم واتبعنا أهواءهم كنا من المخلدين في النار إذا متنا على
ذلك نسأل هللا العافية من ذلك ونعوذ بالله من موجبات غضبه وأسباب انتقامه.
) صفحة (
الوجه الرابع :الدعوة إليها يفضي بالمجتمع إلى رفض حكم القرآن
الوجه الرابع:رمن الوجوه الدالة على بطالن الدعوة إلى القومية العربية أن يقال :إن
الدعوة إليها والتكتل حول رايتها يفضي بالمجتمع وال بد إلى رفض حكم القرآن ألن
القوميين غير المسلمين لن يرضوا تحكيم القرآن فيوجب ذلك لزعماء القومية أن
يتخذوا أحكاما وضعية تخالف حكم القرآن حتى يستوي مجتمع القومية في تلك
األحكام وقد صرح الكثير منهم بذلك كما سلف وهذا هو الفساد العظيم والكفر
وقال تعالى:
وكل دولة ال تحكم بشرع هللا وال تنصاع لحكم هللا وال ترضاه فهي دولة جاهلية
كافرة ظالمة فاسقة بنص هذه اآليات المحكمات يجب على أهل اإلسالم بغضها
ومعاداتها في هللا وتحرم عليهم مودتها ومواالتها حتى تؤمن بالله وحده وتحكم
) صفحة (
كما قال عز وجل:
(قد كانت لكم أسوة حسنة يف إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا
برآء منكم ومما تعبدون من دون هللا كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم
حت تؤمنوا باهلل وحده) العداوة والبغضاء أبدا ى
فالواجب على زعماء القومية ودعاتها أن يحاسبوا أنفسهم ويتهموا رأيهم وأن
للدعوة إلى اإلسالم ونشر محاسنه والتمسك بتعاليمه والدعوة إلى تحكيمه بدال من
الدعوة إلى قومية أو وطنية وليعلموا يقينا أنهم إن لم يرجعوا إلى دينهم
ويستقيموا عليه ويحكموه فيما شجر بينهم فسوف ينتقم هللا منهم ويفرق
جمعهم ويسلبهم نعمته ويستبدل قوما غيرهم يتمسكون بدينه ويحاربون ما خالفه
بتعظيم كتابه وسنة نبيه صلى هللا عليه وسلم والعمل بهما ودعوة الناس إلى ذلك
) صفحة (
وتحذيرهم مما يخالفه ففي ذلك عز الدنيا واآلخرة وصالح أمر المجتمع وراحة الضمير
وطمأنينة القلب والسعادة العاجلة واآلجلة واألمن من عذاب هللا في الدنيا واآلخرة
وكل ما خالف ذلك من الدعوات فهو دعوة إلى جهنم وسبيل إلى قلق الضمائر
واضطراب المجتمع وتسليط األعداء وحرمان السعادة واألمن في الدنيا واآلخرة كما
(كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنش -وكذلك نجزي من
أشف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب اآلخرة أشد ى
وأبف)
فأبان سبحانه في هذه اآليات أن من اتبع هداه لم يضل ولم يشق بل له الهدى
والسعادة في الدنيا واآلخرة ومن أعرض عن ذكره فله المعيشة الضنك في الدنيا
اإلسالم من ظلمة القلوب وحيرتها وما ينزل بها من الغموم والهموم والشكوك
والقلق وأنواع المشاق في طلب الدنيا وجمعها والخوف من نقصها وسلبها وغير
(فال تعجبك أموالهم وال أوالدهم إنما يريد هللا ليعذبهم بها يف الحياة
الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون)
وقال تعالى:
) صفحة (
و اآليات في هذا المعنى كثيرة نسأل هللا أن يصلح قلوبنا وأن يعرفنا بذنوبنا ويمن
علينا بالتوبة منها وأن يهدينا وسائر إخواننا سواء السبيل إنه على كل شيء قدير.
) صفحة (
ولنختم الكالم في هذا المقام بنبذة من كالم الكاتب المصري الشهير :محمد الغزالي
تتعلق بالقومية قد أجاد فيها وأفاد حيث قال في كتابه" :مع هللا" {صفحة }٢٥٤ما
نصه:
ال مكان لإللحاد بيننا :ما هؤالء الناس إنهم ليسوا عربا وال عجما وال روس وال أمريكان
إنهم مسخ غريب األطوار صفيق الصياح بليت به هذه البالد إثر ما وضعه االستعمار
بها وترك بذوره في مشاعرها وأفكارها فهم كما جاء في الحديث "من جلدتنا
ويتكلمون بألسنتنا" بيد أنهم عدو لتاريخنا وحضارتنا وعبء على كفاحنا ونهضتنا،
وعون للحاقدين على ديننا والضانين بحق الحياة له ولمن اعتنقه إن هؤالء الناس
الذين برزوا فجأة ومألت ضجتهم األودية كما تمأل الضفادع بنقيقها أكناف الليل يجب
أن يمزق النقاب عن سريرتهم وأن تعرفهم هذه األمة على حقيقتهم حتى ال يروج
لهم خداع وال ينطلي لهم زور إن هؤالء الذين يلبسون مسوح العروبة ويندسون
خالل صفوف المجاهدين ويزعمون أنهم مبشرون بالقومية العربية ورافعون أللويتها
وفي الوقت نفسه ينسحبون من تقاليد العروبة ويهاجمون أجل ما عرفت به ويبعثرون
العوائق في طريق اإليمان ورسالته إن هؤالء الناس ينبغي أن يماط اللثام عن
وجوههم الكالحة وأن تلقى األضواء على وظيفتهم التي يسرها االستعمار لهم
ووقف بعيدا يرقب نتائجها المرة وما نتائجها إال الدمار المنشود لرسالة القرآن
وصاحبها العظيم محمد بن عبد هللا صلى هللا عليه وسلم لقد قرأنا ما يكتبون
وسمعنا ما يقولون ولم يعوزنا الذكاء الستبانة غاياتهم فهم ملحدون مجاهرون
بالكفر يقولون في صراحة :إن اإلسالم ليس إال نهضة عربية فاز بها هذا الجنس
) صفحة (
رجل عبقري هو الزعيم الكبير :محمد صلى هللا عليه وسلم أي أن هذا الدين الجليل
نبت من األرض ولم ينزل من السماء وأنه انطالقة شعب طامح فاتح وليس هداية
مثالية فدائية جاءت من عند هللا لتنقذ العرب من جاهلية طامسة كانوا بها في
مؤخرة البشر إلى حنيفية سمحة رفعت خسيستهم ثم انتشر شعاعها بعد في أنحاء
األرض كما تنتشر األضواء في عرض األفق لدى الشروق والفضل في ذلك كله لله
وحده الذي اصطفى محمدا وامتن عليه بالهدى والحق بعد أن قال له:
َ ََ ْ َ ْ َ َ ُْ َ َْ
(ما كنت تد ِري ما ال ِكتاب وَل ِاإليمان)
وقال:
َ َ ْ َ َ َّ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ ْ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ ْ َ ُ ْ َ ْ َ
(وأنزل اَّلل عليك ال ِكتاب وال ِحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم)
كما يقول في العرب الذين أرسل فيهم:
ْ َُْ ْ َ ً ْ َْ َ َ ْ َ َّ َّ َ َ ْ ْ َ ْ َ َ َ
يهم رسوَل ِمن أنف ِس ِهم يتلو (لقد من اَّلل عىل المؤ ِم ِن ري ِإذ بع ِ ِ
ف ث
ْ َْ َ ْ َ َ َ ْ ْ َ َ َ ْ َ َ َ ْ ْ َ َ َ ِّ ْ َ َ ِّ
يهم ويعلمهم ال ِكتاب وال ِحكمة و ِإن كانوا ِمن قبل ل ِ يف علي ِهم آي ِات ِه ويزك ِ
َ َ
ي)ضل ٍل م ِب ر ٍ
فأي زحف عربي هنالك وأي عبقرية أنشأت من عندها هذا الغيث الممرع ألهل األرض
إن الزعم بأن اإلسالم "ثورة عربية " أكذوبة كبرى وأضلولة شائنة وإن هذا القول
ليس تكذيبا لإلسالم فقط بل دعوة خطيرة إلى تكذيب الديانات كلها وإلى إشاعة
اإلسالم بعنف ويحاربون أمته بجبروت ويهادنون األديان األخرى من سماوية وأرضية
كأن اإلسالم هو العدو الذي كلفوا باستئصاله وحده ال بل هو العقبة الفذة التي
وضعت المعاول في أيديهم إلحالتها ترابا أجل وهل لالستعمار عدو في هذه البالد
إال اإلسالم إنه مصدر المقاومة العنيدة وروح الكفاح الباسل الذي أعيا المهاجمين
) صفحة (
وأحبط مؤامراتهم ومن ثم فعلى االستعمار أن ينسج خيوطه حوله ليقتله ويحول
بينه وبين الحياة الكريمة ولقد ابتدع القوميات الضيقة واستجباها بشتى األساليب
لينال من كيان هذا الدين فلما سقطت أمام اإلسالم في المعركة دس أتباعه تحت
لواء القومية العربية وزودهم بضروب من االدعاء ليزحموا العرب المخلصين في هذا
الميدان ولينالوا من اإلسالم بطريقة أخرى وتفسير القومية العربية هذا التفسير
الكفور الكنود هو حرب أخرى ضد اإلسالم وإنه لجدير أن يتسمى هؤالء بأتباع القومية
العبرية ال العربية أليسوا يعملون لمصلحة االستعمار وإسرائيل ولقد مرت أربعة عشر
قرنا على اشتباك العروبة باإلسالم أو بتعبيرنا نحن أهل اإليمان :على تشريف هللا
للعرب بحمل هذه األمانة وإبالغها للناس ونظرة إلى الماضي البعيد تعرفنا بسهولة
أن العرب مرت عليهم أدهار قبل اإلسالم لم يكونوا فيها شيئا مذكورا ثم جاء هذا
الدين فدخلوا التاريخ به وطار صيتهم تحت رايته وصدق هللا إذ يقول:
خاصا ويجعلهم عنصرا أرقى من سائر األجناس ونشأ عن هذا الخطأ رد الفعل الذي ال
بد منه فقامت الشعوب األخرى تدافع عن قيمة دمائها وكرامة عنصرها وهذه
األغالط المتبادلة علتها حنين البشر إلى الجاهلية واستثقالهم مؤنة السعي لتحصيل
الكمال اإلنساني فإذا عز على شخص تافه أن يكون تقيا ينسبه عمله إلى المجد
والعال ذهب ينتحل نسبا آخر إلى أسرة أو وطن أو جنس ليرتفع به دون جهد وتلك
كلها عصبيات باطلة ونزعات نازلة وال محل لها في دين وال وزن لها عند رب العالمين
ولكن المهم أن العرب األولين لما أرادوا المفاخرة والتميز كان اإلسالم متكأهم
ومعقد فخارهم فبأي شيء يمألون أفواههم إذا لم يذكروا اإلسالم إن وطابهم
) صفحة (
خال وتاريخهم صفر حتى جاء األفاكون في هذا الزمان بالبدعة التي لم يسمع بها
إنسان فإذا العروبة في نظرهم يجب أن تتجرد من اإليمان وزعموا قبحهم هللا أنها
باالنسالخ عن الدين تسمو وتسير بل إن أحد الكتاب من هذه العصابة وجد الوجه
الذي يطالع به الناس ليقول :إن اإلسالم جنى على العروبة وإن اللغة العربية قد
انتشرت أبعد مما انتشر اإلسالم وإن اإلسالم ألنه عالمي ضار بالقومية العربية وظاهر
أن هذا الكالم بقطع النظر عن بطالنه إنما يروج لحساب االستعمار الغربي منه
والشرقي على السواء وأن قائله يخدم أهداف الغزاة الذين عسكرت جيوشهم في
بعض أقطار العروبة وأنزلت بها الهون ووقفت على حدود البعض اآلخر تتربص به
الدوائر وكاتب آخر من هذه العصابة يطلب منا بإلحاح أن ننسى التاريخ ألنه ال يضم
إال رفات الموتى وأن نتطلع إلى المستقبل فحسب ونسي هذا الغر أن اليهود في
كبد الشرق األوسط أقاموا دولتهم بإمداد من التاريخ الموحى وأنهم جعلوا اسم
إسرائيل علما عليها إنه حالل للناس جميعا أن يستصحبوا تاريخهم في كفاحهم أما
نحن المسلمين فحرام علينا أن نذكر فصال من هذا التاريخ وأن نستوحي منه عونا في
جهاد وأمال في امتداد إنها قومية عبرية ال عربية تلك التي يبشر بها الملحدون
وكارهو اإلسالم ولقد عرف األولون واآلخرون أننا نحن المسلمين أحنى الناس على
العروبة وأوصلهم لمجدها وأخلصهم لقضاياها وأن هؤالء القوميين ال خير فيهم بل
) صفحة (
انتهى ما أردنا نقله للقراء من كالم :محمد الغزالي هاهنا وقال أيضا في كتابه
الهدم الروحي :يجتهد االستعمار في صرف المسلمين عن دينهم بكل ما يتاح له
من وسائل ،وفي جعل حركات التحرر الناشطة في بالدهم مبتوتة العالقة بالدين
حتى تولد ميتة أو تحيا عقيمة ال ثمر لها وال زهر وما من نهضة في األولين واآلخرين
إال ولها دعامة معنوية تقوم عليها وسناد روحي تتحرك به ولما كان عمل الدين في
هذه الحالة مأل القلوب بالضمائر الحية وبنى األخالق على الفضيلة وصبغ الحياة
بتقاليد جامعة ومعلومة وواضحة ورص الصفوف على إحساس مشترك ودفعها إلى
مصير واحد فإن االستعمار استهدف إقصاء الدين عن آفاق البالد كلها وتكوين أجيال
الجادة والشئون الهامة وقد يحوم البعض حوله ولكنه يوجل من التصريح به كأن
اإلسالم مجرم ارتكب ذنبا ثم فر من القضاء الذي حكم بعقوبته فهو ال يستطيع
الظهور في المجتمعات وربما تلوح له فرصة الظهور متنكرا تحت اسم مستعار
فيتحرك قليال هنا وهناك حتى إذا أحس انكشاف أمره استخفى من األنظار يا عجبا
لماذا يلقى اإلسالم هذا الهوان كله والجواب :عند االستعمار الذي يجر خلفه ضغائن
القرون األولى ويضع نصب عينه أال تقوم لإلسالم قائمة في بالده فهو حريص على
خنقه في ميدان التربية والمعامالت والتشريع وسائر ألوان الحياة إنه يطمئن إلى
مجتمع واحد المجتمع الذي مات ضميره والذي تفسخت أخالقه في هذا المجتمع
الذي غاصت منه معاني الفضل واستغلظت فيه غرائز الشره وزحفت فيه ثعابين األثرة
يستطيع االستعمار أن يطمئن إلى يومه وغده فإذا جاء اإلسالم لمسح هذه األقذار
طلب منه على عجل أن يعود إلى وكره ليخفى عن األعين إنه اسم ال ينبغي أن يذكر
) صفحة (
وحقيقة ال يجوز أن تعيش هكذا حكم االستعمار حتى قيض هللا لنا فكرة العروبة
عنوانا نستطيع تحته أن ندفع غوائل الموت وقد هششنا للفكرة ورجونا من ورائها
الخير وللعروبة المجردة مثل تعكر على االستعمار مآربه إن التعليم في ظل االحتالل
األجنبي أوجد أناسا تحركهم الشهوات وحدها أناسا فرغت عواطف اليقين من
أفئدتهم فهي هواء فإذا جاءت إليهم العروبة فهل يعرفون أن العفة من خالئقها
وأن تقديس العرض من شمائلها ،وأن المحافظة على الحريم من صفاتها الباطنة
يعني :أن العرب يجعلون في حكم نسائهم فالمثل القائل( :كل ذات صدار خالة)
الخالة كل من تلبس ثياب المرأة فما ينظرون إليها إال نظرة االحترام والعفة وذلك
بمتتبعي العورات وبغاة الدنية شوارع عربية وهل عرب أولئك الذين ترى الواحد منهم
يتأبط ذراع فتاة متبرجة لعوب تسير في وضع يقول لكل ناظر (هيت لك) والعرب
األقدمون كانوا أصحاب كرم غريب وإيثار المع ونهوض بالحق على عض الزمن وشدة
) صفحة (
أرأيت صورة اإلنسان النبيل يؤثر غيره بالطعام ويستعيض برشحات من الماء البارد
يصفر بها وجهه وهو يأبى تضييع من نزلوا به ،وحسبه أنه فرق جسمه في جسوم
كثيرة احتفظ بهذه الصورة ثم سل نفسك :أمدن عربية هذه التي تراها مزدحمة
بأصحاب الفضول من المال النامي ومع ذلك فقلما تؤوي يتيما أو تغذو محروما وما
لنا نبحث عن الشمائل العربية المفقودة في بيئات مسخها االستعمار وترك عليها
طابع الحيوانية والتقطع إنك ترى الواحد من أولئك يقول إنه عربي ولغة العرب ال
أج
(يا ي تستقيم على فمه ومن أعاجيب الليالي أن أسمع المذيع مثال يقول:
وكان يستطيع أن يقول ما نعمل في المواطن أحنا بنعمل إيه يف هذه األيام)
هذه األيام ولكنه حريص على تخليد لغة الرعاع والتنكر للغة الفصحى وهي اللغة
التي ترسل بها اإلذاعات من جميع محطات العالم لمستمعيها على اختالف ألسنتهم
إذ أنه يخاطب المذيع قومه في أي عاصمة بلغة غير الفصحى فهل من مظاهر الوفاء
لعروبتنا أن نذيع نحن بلغة الرعاع الواقع :أن اإلسالم وحده هو الذي يخلد العروبة
لغة وأدبا وخلقا وأن التنكر لهذا الدين معناه القضاء الحقيقي على العروبة في
لغتها وأدبها وخلقها ولذلك يجب على الدعاة أن يستميتوا في إبراز هذا االسم بقدر
ما يستميت االستعمار في إخفائه وأن يذهبوا عنه الوحشة التي صنعها أعداؤه حوله
حتى يصبح مألوفا في اآلذان محببا إلى القلوب وإظهار هذا االسم ال يكفي فما
قيمة شكل ال جوهر له يجب على الدعاة أن يجمعوا الجماهير على تعاليمه "وأن
ينعشوا أنفسهم بروحه" الضمير الديني الخاشي لله الرحيم بخلقه المحتفي
بالواجبات النفور من الرذائل الشجاع في نصرة الحق المستعد للقاء هللا المتأسي
بصاحب الرسالة هذا الضمير يجب أن ندعمه بل أن نوجده في كل طائفة وأن يربط به
إنجاز كل عمل ونجاح كل مشروع ومنع كل تفريط وصيانة كل حق فاإلسالم قبل كل
) صفحة (
شيء قلب كبير قلب موصول بالله يبادر لمرضاته ويتقيه حيث كان وهذا القلب ال
يتكون من تلقاء نفسه ويستحيل أن يتكون بداهة وسط تيارات الشكوك والتجهيل
التي تسلط عليه عمدا ليتوقف ويزيغ إنه يتكون بأغذية روحية منظمة تقدم له في
برامج التعليم وفي عظات المساجد وفي صبغ البيئة بمعان معينة تساعد على احترام
الفضيلة وإشاعتها ونحن أحوج ما نكون إلنشاء هذه الضمائر في الذراري المحدثة
التي عريت عنها والطبقات الكثيفة التي مردت على العبث واالستخفاف بجميع القيم
وإنني أستغرب كيف نشتري آلة ما بأغلى األسعار ثم نوقف أمامها عامال ال يتقي
هللا فهي تخرب بين يديه على عجل أو يقل إنتاجها لو قدر لها البقاء سليمة .إننا لو
بذلنا شيئا زهيدا لغرس التدين الحق في قلب هذا العامل لربحنا الكثير أفال يبذل
المسئولون هذا الشيء بالزهيد ،ولو على اعتبار نفقات صيانة لآللة التي اشتريت إن
من حق هللا علينا ومن حق بالدنا علينا أن نربي الصغار والكبار باسم اإليمان البتداء
عمل ما فسوف يتم على خير الوجوه إن للضمير الديني عالقة راشدة بالسماء ونواة
مباركة في األرض
) صفحة (
وما أصدق قول األستاذ أحمد الزين في وصفه:
الخبت
ر (هو صوت السماء يف عالم ال ...أرض وروح من اللطيف
وشعاع تذوب تحت سناه ...خدع العيش من رياء وزور
التفكت
ر هو ش يحار يف كنهه اللب ...وتعيا به قوى
خت ...باطن الشخص ظاهر ر
التأثت مبلغ العلم أنه روح ر
ج عليه منه رقيب ...حل من قلبه مكان الشعور كل ي
حل حيث األهواء تتو إىل اإلث ...م وتهفو إىل مهاوي ر
الشور
المصت
ر جامحات أعيت عىل الناس كبحا ...رغم إنذارها بسوء
الضمت فيها نذيرا ...فأصاخت إىل صياح النذير
ر ثم صاح
هو روح من المالئك يسمو ...بسليل ر
التى لعالم نور
قد تولت باألنبياء عصور ...وهو باق عىل تواىل العصور
بالتذكت
ر حافظا يف الزمان ما خلفوه ...قائما يف الصدور
الخت كتبا ...قدست من صحائف وسطور حامال من رشائع ر
ليس يعفو عن الهنات وإن أنـ ...ت ملح يف اللوم والتعذير)
ونحن ننشد هذا الشعر هنا تكريما لألدب العالي وإال فال مجال لقول بعد أن نتدبر
قول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم( :أال إن يف الجسد مضغة إذا صلحت
انتهى وه القلب)
صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله أال ي
المقصود من كالم الغزالي في كتابه( :مع هللا) ولعظيم فائدته نقلته هاهنا وأسأل
هللا عز وجل أن يصلح قلوب المسلمين ويعمرها بتقواه وأن يمن علينا وعلى جميع
شبابنا وسائر إخواننا بالفقه في الدين واالستقامة على صراط هللا المستقيم فإن
) صفحة (
كما قال هللا سبحانه:
(إن الذين قالوا ربنا هللا ثم استقاموا فال خوف عليهم وال هم يحزنون
أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون)
وقال تعالى:
(إن الذين قالوا ربنا هللا ثم استقاموا تتتل عليهم المالئكة أال تخافوا
الت كنتم توعدون نحن أولياؤكم يف الحياة وأبشوا بالجنة ىوال تحزنوا ر
ي
تشته أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزالي وف اآلخرة ولكم فيها ما
الدنيا ي
من غفور رحيم)
ختا يفقهه يف وصح عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال( :من يرد هللا به ر
الدين) وهللا أعلم وصلى هللا وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه ومن
) صفحة (
و سنعرض كالم بن باز رحمه هللا في هذه النقطة قال ما نصه :في المحرم من العام
الماضي أعني :عام ١٣٨٠سألني مندوب صحيفة "البالد" عن مسائل بعضها يتعلق
األسئلة
السؤال األول:ما رأي فضيلتكم في الدعوة التي تقوم بها بعض األوساط الخارجية
السؤال الثاني :ما رأي فضيلتكم في االتجاه الذي يبدو واضحا في هذه األيام
للمقارنة بين القومية واإلسالم والذي يظهر في بعض الجرائد والمجالت بالمملكة؟
الفرعية في الدين كطريقة حالقة الرأس أو شكل المالبس في حين أن هناك أمورا
هامة تتصل بالعقيدة تحتاج من هؤالء المخلصين من الدعاة إلى عناية خاصة ألنها
السؤال الرابع :تود جريدة البالد أن تحمل من فضيلتكم نصيحة إلى قرائها من مختلف
) صفحة (
األجوبة
الجواب عن السؤال األول :أن يقال :ال ريب أن الدعوة إلى أن تكون القومية العربية
هي الرابطة األولى بين العرب دعوة باطلة ال أساس يؤيدها ال من العقل وال النقل
بل هي دعوة جاهلية إلحادية يهدف دعاتها إلى محاربة اإلسالم والتملص من
أحكامه وتعاليمه وقد يدعو إليها من ال يقصد هذا المعنى وإنما دعا إليها تقليدا
لغيره وإحسانا للظن به ولو عرف حقيقة المقصود منها لحاربها وابتعد عنها وكل
من له أدنى معرفة بتاريخ العرب قبل اإلسالم وبعده يعلم إنه لم يكن للعرب كبير
قيمة تذكر وال راية ترهب إال باإلسالم وبه فتحوا البالد وسادوا العباد .وبه كانوا أمة
مرهوبة الجانب محترمة الحقوق مرفوعة الرأس حتى غيروا فغير عليهم كما قال هللا
سبحانه:
من الشمس ال يرتاب فيه من له أدنى إلمام بحال العرب واإلسالم وما أحسن قول
) صفحة (
إلى هذا الغرض النبيل وإنما السبيل الوحيد هو الرجوع إلى دينهم الحق الذي به
شرفوا وعرفوا وبرزوا في الميدان وسادوا األمم والتمسك بتعاليمه السمحة وأحكامه
االجتماع وتدرك المصالح وينتصف من األعداء ويكون النصر عليهم مضمونا والعاقبة
لقد عليه في هذا المعنى( :لن يصلح آخر هذه األمة إال ما أصلح أولها)
صدق هذا اإلمام في هذه الكلمة القصيرة العظيمة .اللهم أصلحنا ووالة أمرنا جميعا
) صفحة (
وأما السؤال الثاني فالجواب عنه :أن يقال إن من أعظم الظلم وأسفه السفه أن
يقارن بين اإلسالم وبين القومية العربية وهل للقومية المجردة من اإلسالم من
من أعظم الهضم لإلسالم والتنكر لمبادئه السمحة وتعاليمه الرشيدة وكيف يليق
في عقل عاقل أن يقارن بين قومية لو كان أبو جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة
وأضرابهم من أعداء اإلسالم أحياء لكانوا هم صناديدها وأعظم دعاتها وبين دين
كريم صالح لكل زمان ومكان دعاته وأنصاره هم :محمد رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم وأبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب
وغيرهم من الصحابة صناديد اإلسالم وحماته األبطال ومن سلك سبيلهم من األخيار
ال يستسيغ المقارنة بين قومية هذا شأنها وهؤالء رجالها وبين دين هذا شأنه
وهؤالء أنصاره ودعاته إال مصاب في عقله أو مقلد أعمى أو عدو لدود لإلسالم ومن
جاء به وما مثل هؤالء في هذه المقارنة إال مثل من قارن بين البعر والدر ،أو بين
الرسل والشياطين .ومن تأمل هذا المقام من ذوي البصائر ،وسبر الحقائق والنتائج،
ظهر له أن المقارنة بين القومية واإلسالم أخطر على اإلسالم من المقارنة بين ما
ذكر آنفا .ثم كيف تصح المقارنة بين قومية غاية من مات عليها النار ،وبين دين غاية
من مات عليه الفوز بجوار الرب الكريم ،في دار الكرامة والمقام األمين؟ اللهم اهدنا
) صفحة (
الجواب الثالث :ال ريب أن المرشدين هم أطباء المجتمع ومن شأن الطبيب أن يهتم
بمعرفة األدواء ثم يعمل على عالجها بادئا باألهم فاألهم وهذه طريقة أنصح األطباء
وأعلمهم بالله وأقومهم بحقه وحق عباده :سيد ولد آدم عليه من ربه أفضل الصالة
والتسليم فإنه صلى هللا عليه وسلم لما بعثه هللا بدأ بالنهي عن أعظم أدواء
المجتمع وهو الشرك بالله سبحانه فلم يزل صلى هللا عليه وسلم من حين بعثه هللا
يحذر األمة من الشرك ويدعوهم إلى التوحيد إلى أن مضى عليه عشر سنين ثم أمر
بالصالة ثم ببقية الشرائع وهكذا الدعاة بعده :عليهم أن يسلكوا سبيله وأن يقتفوا
أثره بادئين باألهم فاألهم ولكن إذا كان المجتمع مسلما ساغ للداعي أن يدعو إلى
األهم وغيره بل يجب عليه ذلك حسب طاقته ،ألن المطلوب إصالح المجتمع المسلم
وبذل الوسع في تطهير عقيدته من شوائب الشرك ووسائله ،وتطهير أخالقه مما
يضر المجتمع ويضعف إيمانه .وال مانع من بداءته بعض األوقات بغير األهم ،إذا لم
يتيسر الكالم في األهم ،وال مانع أيضا من اشتغاله باألهم وإعراضه عن غير األهم
إذا رأى المصلحة في ذلك وخاف إن هو اشتغل بهما جميعا أن يخفق فيهما جميعا.
وهكذا شأن المصلحين واألطباء المبرزين ،يهتمون بطرق اإلصالح ويسلكون أنجعها
وأقربها إلى النتيجة المرضية ،وإذا لم يستطيعوا تحصيل المصلحتين أو المصالح ،أو
تعطيل المفسدتين أو المفاسد اهتموا باألهم من ذلك واشتغلوا به دون غيره .ومن
تأمل قواعد الشرع وسيرة الرسول عليه الصالة والسالم وسيرة خلفائه الراشدين
واألئمة الصالحين علم ما ذكرته ،وعرف كيف يقوم بإرشاد الناس ،وكيف ينتشلهم
من أدوائهم إلى شاطئ السالمة .ومن صلحت نيته وبذل وسعه في معرفة الحق،
وطلب من مواله الهداية إلى خير الطرق وأنجعها في الدعوة ،واستشار أهل العلم
والتجارب فيما أشكل عليه ،فاز بالنجاح وهدي إلى الصواب ،كم قال سبحانه:
) صفحة (
المحسني)
ر (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن هللا لمع
الجواب الرابع :نصيحتي لجميع القراء هي أن يأخذوا بوصية هللا سبحانه التي أوصى
(وهلل ما يف السماوات وما يف األرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من
قبلكم وإياكم أن اتقوا هللا)
والتقوى كما يعلم القارئ الكريم كلمة جامعة حقيقتها أن يتقي العبد غضب الرب
وعذابه بفعل ما أمر هللا به ورسوله وترك ما نهى هللا عنه ورسوله عن علم وإيمان
وإخالص ومحبة ورغبة ورهبة وبذلك يفوز بالسعادة وحسن العاقبة في الدنيا واآلخرة
ومما أنصح به القراء وهو من جملة التقوى التثبت في األمور والتريث في الحكم
عليها إال بعد دراستها من جميع نواحيها وبعد التحقق من معناها ومعرفته معرفة
تامة بعرض ذلك المعنى على الميزان الشرعي وهو كتاب هللا وما صح من السنة
فما وافق ذلك الميزان قبل وما خالفه ترك ويجب أن يكون القارئ في دراسته لألشياء
وعرضه لها على الميزان المذكور بعيدا كل البعد عن اإلفراط والتفريط متجردا عن
ثوبي التعصب والهوى ومتى سلم من هذه األمور ودرس األمور حق دراستها
بإخالص وقصد حسن وفق للحقيقة وفاز بالصواب ،وحمد العاقبة وكم جرت العجلة
على أصحابها وغيرهم من ويالت ومشاكل تذهب األيام والليالي وآثارها وتبعتها
باقية وكم حصل بسبب التعصب والهوى من فساد ودمار وعواقب ال تحمد نسأل هللا
السالمة من ذلك ومما أنصح به القراء أيضا وهو من أهم التقوى دعوة العباد إلى
هللا سبحانه والتواصي بالحق والصبر عليه والتعاون على البر والتقوى واألمر
بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة والتغيير حسب الطاقة كما
) صفحة (
وأسأل هللا للجميع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف اإليمان)
الثبات على الحق.
) صفحة (
الدولة الحديثة هل هي ذات غايات واهداف تصلح ان تكون موازية للدولة االسالمية
ام هي اصال مناقضة للدولة االسالمية الدولة الحديثة بنيت على منظومة مقاصد
تنحي الدين وتجعله قضية هامشية بل وتنحي االعراض لمصلحة المال الدولة الحديثة
مبنية على تهميش قضية العقائدية واصال مبنية على انها التطبيق الفعلي للفكر
المادي الذي ال يؤمن بخالق وال بآخرة الذي يفعله الحداثيون منذ خمسين عاما انهم
يحاولون التلفيق بين مفردات الدولة الحديثة وبين الشريعة االسالمية والدولة
الحديثة اصال هي دولة قائمة على سفسطة وهي دولة ال تحقق اهدافها أصال
النها دائما تفكر بفردوس ارضي يبنى على االرض وعدالة مطلقة وال يكون ذلك وال
يتم بل في انظمة الدولة الحديثة الدول التي تعيش على البلطجة هي االقوى
ولكي نفهم االمر اكثر نظام الدولة الحديثة مبني على ماذا على اعتبار الدين قضية
هامشية وانه في شيء اسمها مواطنة عندنا فقهاء حداثيين منهم من انكر احكام
اهل الذمة منهم من انكر حكم عدم قتل المسلم بالكافر منهم من أجاز بناء الكنائس
بشكل مطلق منهم من قال نغير اسم الجزية ونسميها ضريبة منهم منهم منهم
انت جالس تلفق بين شيئين متناقضين نحن كلنا متأثرون بنموذج الدولة الحديثة ألننا
نشأنا فيها انا ال اقول ان اسلمة الدولة الحديثة متناقضة مستحيلة بل انا اقول ان
الدولة الحديثة في نفسها هي دولة تقفز على االسئلة الوجودية فهي ال تريد ان
تجيب من اين جئنا وما هو هدفنا في الحياة وال اين نذهب ثم يفرضون علينا غايات
انه انت غايتك انك تأكل وتشرب وتتكاثر وتخدم حسنا انا وصلت باعتقادي الى اني
لي غاية لي اخره ال هذا شيء تحتفظ به لنفسك وال يزاحم موضوع الدولة الحديثة
الطريق اللي ينطلق منها عموما مفكري الحداثيين انه الدولة الحديثة حكميا الدولة
) صفحة (
الحديثة جاءت على انقاد دولة اخرى فبناء على كيف نرتاح ندعوا للعلمانية او ندعوا
لعلمنة الدولة او نحرف الدين االسالمي او او من اجل ماذا من اجل هذه الدولة طيب
هذه الدولة ما اقصى ما يمكن ان تصل له فيها حلم الفردوس االرضي االمريكي
الذي لم يتحقق حتى في امريكا حسنا هل هذا يساوي ان اترك ديني اليوم هذا
الهوس بالدولة الحديثة بالدولة التي في خيالهم جعلتهم يتقحمون باليا دائما
البحث العقائدي محتقر الناس تموت الناس تقتل وانتم تتكلمون في العقيدة على
اساس اننا لو تركنا الكالم في العقيدة ينتهي كل شيء فكثير منهم تحول الى
الحقوقية الفكر الحقوقي فكر متناقض لماذا ألنه يفترض ان لإلنسان حقوقا مطلقة
واالنسان هو مقيد فهو فكر طوباوي ال يمكن تحقيقه في الواقع ولهذا اصحابه
يطاردون تلك الغزالة الى ما ال نهاية حكم الزمان ببينها ما زلت تركض خلفها من
ودعتك بعينها ستبقى دائما دائما ابدا تركض وراء هذا الخيال ودائما تتذمر ودائما
ودائما االنبياء لما جاءوا لم يأتوا ويقولوا نحن عندنا نظام عالمي وبناء على هذا
النظام العالمي يجب نساير عليه ال االنبياء جاءوا الى نظام عالمي مناقض وقالوا
نصلحه قدر المستطاع ولهذا الحلول الحداثية فاشلة وتافهة وسخيفة ألنها من
زمان حلول االنبطاحية واول شيء يفكر فيه شيء من دين هللا عز وجل كيف بدء
مشروعنا انظر لك حاجة من دين هللا عز وجل حطمه عليها .حطم العقيدة حطم كذا
يعني ننطلق ومع ذلك ليسوا موافقين علي ان يتعلمون ليسوا موافقين أن يتعلموا
يعرفون هذا حط كرامة الصحابة على جنب حط من أجل ماذا من أجل أن نبني مشروعنا
وفي النهاية أين مشروعك مشروعك ما هو انت في نهايتك ستصبح يا عبد بيد نظام
) صفحة (
ۡ َ ۡ َ َ َ َ َ ۡ َ ۡ َ ٓ َ ََٰ ََ ََۡۡ ََۡ َ َ ْ َ ّّٗ ِّ َّ ِّ ْ
(فنسوا حظا مما ذكروا ِب ِهۦ فأغرينا بينهم ٱلعداوة وٱلبغضاء ِإىل يو ِم
َّ َ َ ْ َ ۡ َ َ ِّ ۡ َ َٰ َ ه َ َ ۡ َ َ
ٱل ِقي م ِة وسوف ينبئهم ٱَّلل ِبما كانوا يصنعون)
نسيوا حظا تركوه لماذا تركوا هذا الكتاب نود أن نعلم فرب العالمين جازاهم بعكس
مقصدهم انظروا اليوم انظروا اليهم في كل مكان كيف انهم ليس فيهم عشرة
يقدرون يتفقوا مع بعض كل الذي عندهم مشاكل بينهم امور قراءة للتراث قراءة
للتراث عجيبة رجل منهم يقرأ الكتاب يترك كل شيء ويمسك الذي يوافق القيم
الحداثية نعم كثير من الناس اصبح عندهم تشوه في فهم دين هللا عز وجل.
) صفحة (
المقدمة
التمهيد
مقدمة
أصل الخالف
الرد من القرآن
األول
الثاني
الثالث
الرابع
) صفحة (
الخامس
األول
الثاني
الثالث
الرابع
تعليق
مقدمة
الرد من وجوه
األول
الثاني
الثالث
الرابع
الخامس
السادس
المقدمة
) صفحة (
أدلة ثبوت عدالة الصحابة
شبهات
مقدمة
خالصة ما سبق
مسائل
المسألة االولي
دالئل المسائل
) صفحة (
الرد علي المسألة الثانية
جواب إجمالي
فصل في المعاصرين
ما مرجعيته
القاعدة األولى
القاعدة الثانية
القاعدة الثالثة
القاعدة الرابعة
شرع هللا
) صفحة (
القسم الثاني :يعني اآليات التي وردت بكفره وظلمه وفسقه
مقدمة
الوجه الثالث :هو أنها سلم إلى مواالة كفار العرب ومالحدتهم
الوجه الرابع :الدعوة إليها يفضي بالمجتمع إلى رفض حكم القرآن
األسئلة
األجوبة
الفهرس
) صفحة (