You are on page 1of 9

‫للا‬ ‫اه‬‫ض‬ ‫ت‬‫ار‬ ‫ي‬ ِّ

‫الذ‬ ‫ين‬ ِّ
‫الد‬
ُ ُ َ َْ ُ
ُ‫اإلسالَ ُم ِّأم ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّة‬
ْ ‫أ َُه َو‬

*** ***

PART-10
!‫أثرا‬
ً ‫ت‬ ُِّ ُ‫هل يصح أن تكون الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّة‬
ْ ‫أخُت َع‬
Could it be true that «Müslümanlik» was invented for revenge?!

‫أتليف‬
‫فريد صالح اهلامشي‬
Copyright©2018 by
Feriduddin AYDIN
feriduddin@gmail.com

.‫م‬2018-‫إسطنبول‬

‫دار العِرَب للطباعة والنشر‬

al_ibar.publishing@yahoo.com
‫أثرا!‬
‫ت ً‬ ‫هل يصح أن تكون الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّةُ ُِّ‬
‫أخُت َع ْ‬

‫الداينة ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة‬


‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫األساس َّي يف افتعال‬ ‫عامل‬
‫االنتقام قد يكون هو ال َ‬
‫َ‬ ‫جيب أال يغيب عن البال أن‬
‫حدث قد‬ ‫كل ٍ‬ ‫‪ ،Müslümanlık‬ولو جدليًّا‪ .‬ألنه عندما يتم فحص اتريخ الشرق األوسط بتأم ٍل يف ِّ‬
‫جرى على مدار ‪ 1400‬عام املاضية ‪ -‬من وجهة نظر خبري بعلمي االجتماع والتاريح – ليس‬
‫ال هدفًا لالنتقام من قِّبَ ِّل بعض األشخاص واجلماعات ‪ -‬جبدية ‪ -‬من‬‫خافيًا أن اإلسالم كان واليز ُ‬
‫واقعا تؤكده الرباهني‪َّ ،‬‬
‫فإن احملاجةَ ال مساغَ هلا يف مواجهة احلقيقة‬ ‫البداية إىل اليوم‪ .‬وإذا كان هذا ً‬
‫الدامغة مبجرد الدفاع عن كرامة اجملتمع الُتكي‪.‬‬

‫الثأر معناه‪:‬‬ ‫ِّ‬


‫بعملية ِّ‬ ‫القيام‬ ‫وعندما نتباحث عن معىن الثأر لغةً هبذه العالقة‪ ،‬ميكننا تعريفه إبجياز‪َّ :‬‬
‫أن َ‬
‫ٍ‬
‫مجاعة تكون قد‬ ‫مدمر‪ .‬إذن نتساءل‪ :‬تُ َرى َم ْن أو أي‬‫تحو َل الغضب ضد اهلدف إىل رد فعل ِّ‬ ‫أ ْن ي َّ‬
‫ُ‬
‫انتباهنا إىل حدثني مهمني أوالً‪ ،‬مع العلم أن‬
‫وجهُ َ‬ ‫السؤال ي ِّ‬
‫َ‬ ‫إن هذا‬ ‫استهدفت اإلسالم وأبي ٍ‬
‫حجة؟ َّ‬
‫هذين احلدثني وقعا واإلسالم مل يزل يف ابكورة أايمه‪ .‬أوهلما هو النزاع الذي اندلع بني علي بن أيب‬
‫طالب رضي للا عنه ومعاية بن أيب سفيان؛ والثاين هو فتح بالد الفرس يف عهد اخلليفتني عمر بن‬
‫اخلطاب وعثمان بن عفان رضي للا عنهما‪.‬‬

‫اندلعت بني معاويةَ ِّ‬


‫بن أيب سفيان وعلي بن‬ ‫ْ‬ ‫واحلروب اليت‬ ‫لقد س َّجل املؤرخون الصر ِّ‬
‫اعات السياسيَّةَ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫أيب طالب حبذافريها‪ ،‬واليت دامت ملدة مخس سنوات ما بني أعوام ‪661-656‬م‪ .‬فقد ذكرها رجال‬
‫يها وتَ َكلَّ ُفوا عناءَ بَ ْس ِّط َها َعنَّا؛ لذلك‪ ،‬ال داعي إلعادة سرد هذه األحداث هنا‪.‬‬‫ِّ‬ ‫التاريخ ِّ‬
‫بكل تفاصيل َ‬
‫ِّ‬
‫واختالق‬ ‫لكن األسباب الكامنة ورائها اليت كانت هلا تبعات مدمرة كمحاوالت تشويه اإلسالم‬
‫والُت ِّك‪ ،‬فإن إمهال ذكرها سيؤدي إىل سراين‬
‫س ر‬ ‫دايانت زائفة بطريق استغالله‪ ،‬بعد فتح بالد ال ُف ْر ِّ‬
‫الشك ودبيب الريبة يف نفوس أهل البحث والدراسة يف هذا املوضوع‪ .‬وهلذا جيب أوال وقبل كل‬
‫أبي من وجهة نظر "السنة" و"الشيعة" إىل شخصية معاوية بن أيب سفيان ملا يف‬ ‫شيء عدم اإلعتداد ٍ‬
‫رأي كلي الفريقني من التناقضات ومواقف ال تتماشى مع احلقائق التارخيية‪ .‬ذلك‪ ،‬أن الفريق الذي‬
‫ِّ‬
‫واجلماعة" طاملا أطرى معاوية وحاول براءة ساحته أبنه صحايب وكاتب‬ ‫يتظاهر حتت مسة "أهل السنة‬
‫الوحي وما إىل ذلك مما يطول فيه الكالم‪ ،‬فإن هذه األقاويل ال مربر هلا إطالقًا ومل يعد هلا قيمة يف‬
‫ميزان املنطق السليم والثوابت العلمية‪ ،‬كما أن الرافضة أطالوا فيه ألسنتهم ليس ألنَّه كان رجالً‬
‫جاهلِّيًّا يضمر الضغينة والكراهية لالسالم يف حقيقة األمر‪ ،‬بل ألنه كان حاق ًدا على علي بن أيب‬
‫طالب وأهل البيت وحسب‪ .‬فيجب إذَ ْن صرف النظر عن هذين املوقفني واالهتمام حبقيقة معاوية‬
‫وهويته األصلية يف ِّ‬
‫ضوء دالئل قوية‪ .‬لذا‪ ،‬ينبغي أوال وقبل كل شيء التعرف على حقيقة معاوية بن‬
‫أيب سفيان يف ضوء الواثئق والتحقق من هويته األصلية بصرف اإلعتبار عن كل ما حاول السنة‬
‫إلعالء شأنه وإخفاء صورته احلقيقية بطريق أدب اإلطر ِّاء وأساليب تطبيع املشاعر لقرون‪ ،‬كما جيب‬
‫اهلدف ألغراض يضيق‬
‫َ‬ ‫صرف النظر يف الوقت ذاته عن نفس معاوية الذي جعله الشيعة بال هوادة‬
‫املقام عن شرحها ضمن األبعاد احملدودة هلذا الكتاب‪ .‬فإنه من الضرورة مبكان أن يتم هذا‬
‫أسا على عقب إىل‬
‫التشخيص من أجل حل ذلك اللغز العتيد الذي يتمثل يف حماولة قلب اإلسالم ر ً‬
‫‪1‬‬
‫الداينة املسلمانية ‪.Müslümanlık‬‬

‫‪ 1‬هناك اختالف كبري يف الرأي بني السنة والشيعة فيما يتعلق بشخصية معاوية بن أيب سفيان‪ .‬يدعي أهل السنة أنه كان من الصحابة وأحد املقربني من النيب‬
‫وحيتجون يف ذلك أبنه كان واح ًدا من كتبة الوحي‪.‬‬
‫ُ‬ ‫حممد صلى للا عليه وسلم‪،‬‬

‫واحلروب اليت‬ ‫ثالث وعشرين سنة‪،‬‬ ‫ال ٍ‬ ‫أبيه وأمه وهم كارهون ٍ‬
‫حملمد طو َ‬ ‫وقوف معاوية جبانب ِّ‬
‫َ‬ ‫إن هذا اإلدعاءَ يف الواقع ال يعتمد على أي دليل مقنع‪ .‬ذلك أن‬
‫َ‬
‫ظافرا إذ‬
‫املقاومة ضد الدعوة اإلسالمية إىل صبيحة اليوم الذي دخل حمم ٌد مكةَ جبيشه العارم ً‬ ‫َ‬ ‫قادها أبوه للقضاء على حممد وأصحابه وإصر َار هذه األسرةِّ على‬
‫وأمه مل يفتحوا قلوهبم لالسالم إطالقًا‪ .‬أما الذين يدَّعون‬ ‫مل يبق ألسرة أيب سفيان خيار سوى اإلستسالم عن كراهية مُبْطَنَ ٍة‪ ،‬هلو أكرب دليل على َّ‬
‫أن معاويةَ وأابه َّ‬
‫أن معاويةَ وأبواه قد اطمأنوا ورسخ اإلسالم يف قلوهبم بعد فُتة قصرية‪ ،‬وأن الرسول عليه السالم اختذ معاوية كاتبًا للوحي‪ ،‬فإن ذلك حيتاج إىل نظر‪ ،‬ألن األمر‬
‫وم ْن على رأيهم من أعداء الشيعة‪ .‬إن كون معاوية أنه اختري كاتبًا للوحي وأنه قد‬
‫يرو ُجهُ املغرضون طوال قرون وتُبَّاعُهم املعاصرون من الوهابيني َ‬ ‫ليس كما ظل ِّ‬
‫خملصا للرسول وصادقًا يف إميانه‪ .‬بل على عكس ذلك أن‬ ‫يدل على أنه كان ً‬ ‫احتَهُ‪ ،‬كما ال ر‬
‫روى عن النيب عليه السالم‪ ،‬ال يُ ِّرب ُر ُح َّجةَ الذين حياولون ليُربؤا َس َ‬
‫تلخيصهُ يف ذكر نبذة من احلقائق وهي‪:‬‬
‫ُ‬ ‫الربهان على موقف معاوية من اإلسالم ميكن‬

‫ِّ‬
‫للحفاظ‬ ‫* كان معاوية طاملا يشعر ابلعداء ألقارب حممد صلى للا عليه وسلم ويتحني الفرصة للقضاء عليهم‪ ،‬ولكنه يبدو هاد ًًئ يف حياة الرسول عليه السالم‪،‬‬
‫ينقض عليهم إنقضاض النمر على فريسته‪.‬‬
‫على مركزه‪ ،‬ويُتبص أبهل بيته حلني حيالفه احلظ حىت َّ‬

‫متمردا يف وجه اخلليفة الراشد علي بن أيب ٍ‬


‫طالب‪ ،‬وأاثر عليه الدنيا وحاربه يف صفني‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فلما تبسم له القدر ابستشهاد عثمان بن عفان رضي للا عنه هنض لتوه‬
‫ذهب ضحيتها آآلف من الناس وعدد كبري من أجالَّء صحابة الرسول عليه السالم‪ .‬وكان قد ماطل قبل ذلك يف استجابة عثمان يوم دعاه لطرد اإلرهابيني من‬
‫املدينة رغم أن عثمان رضي للا عنه كان من أبناء عشريته‪ ،‬لكنه تبطَّأ وقعد عن جندته فحدث ما حدث من شغب وفنت ساعدته يف التغلب على اخلليفة علي‬
‫بن أيب ٍ‬
‫طالب وتشتيت مشله‪.‬‬

‫* لقد ألغى معاويةُ اخلالفة الراشدة فاستبدهلا ابلوراثة املطلقة واالستبداد‪ ،‬وهكذا أبطل كمالية النظام االسالمي حيث فتح اجملال لتجزئة عناصره املتماسكة مما‬
‫شجع أصحاب األ ِّ‬
‫هواء على متزيق الدين احلنيف ونشر الزندقة واإلحلاد‪ ،‬فلم يلبث حىت ظهر بعد فُتة قصرية مجاعات من الزاندقة وامللحدين وكثر أمثاهلم بعد‬
‫عهد األمويني ودامت نشاطاهتم إىل يومنا هذا‪.‬‬

‫مدةً من الزمن إىل أن ألغاها عمر بن عبد العزيز رمحه‬ ‫علي بْ َن أيب ٍ‬
‫طالب َّأاي َم اجلمعة من فوق املنابر‪ ،‬ودامت هذه العادةُ البشعة َّ‬ ‫* أمر معاويةُ الوالةَ أن يلعنوا َّ‬
‫ضا من ٍ‬
‫فيض‪.‬‬ ‫ً‬ ‫غي‬ ‫ر‬
‫د‬ ‫ع‬‫ُ‬‫ي‬ ‫معاوية‬ ‫للا‪ .‬إن هذا القدر من إجراءات‬

‫وألهل بيته من ِّ‬


‫الغلو يف تعظيمهم‪ ،‬فإن ذلك ال يعدو عن اإلزدواجية والنفاق‪ .‬ألهنم إمنا يستغلون‬ ‫ِّ‬ ‫أما ابلنسبة الفتتان الشيعة بِّعلي بْ ِّن أيب ٍ‬
‫طالب وما يُظهرون له‬
‫ِّ‬
‫علي وأهل بيته ليخفوا بذلك ما يُبطنون من آمال العودة إىل العهد اجملوسي وإحياء تراث الدولة الساسانية اليت قضى عليها جيش الصحابة عقب‬ ‫التفاين يف ٍ‬
‫معركىت القادسية (‪636‬م‪ ).‬وهناوند (‪642‬م‪ ).‬وهذا جيعلهم مضطرين إىل إظهار ال بغض ملعاوية بن أيب سفيان وابنه يزيد‪ ،‬وليس ألهنما كاان يف عداد الزاندقة‬
‫يش (اهلامشيون واألمويون) يف صراع على سلطة مكة قبيل ظهور‬ ‫كانت أسراتن من أشهر بطون قر ٍ‬
‫سمى ابملصطلح املعاصر‬ ‫دولة صغريةٍ جيوز أن تُ َّ‬
‫اإلسالم بفُتة وجيزة‪ ،‬وكانت مكةُ يومئذ ِّشبهَ ٍ‬
‫ْ‬
‫ش"‪ .‬وكان هذا الصراع قد اندلع بني األسرتني يف عهد هاشم بن عبد مناف (وقد‬ ‫"مجهوريةُ رُتَّ ِّ‬
‫ار قُ َريْ ٍ‬
‫قصةُ هذا اخلالف يف ٍ‬
‫فصل سابق) وكان النزاع حادًّا‪ .‬وعندما بدأ حممد يعلن أنه رسول للا يف‬ ‫ت َّ‬ ‫مر ْ‬
‫َّ‬
‫عام ‪( ،610‬وهو أحد أفراد األسرة اهلامشية)‪ ،‬كان أبو سفيان صخر بن حرب (‪ )652-565‬وال ُد‬
‫معاويةَ هو الذي حيكم يومئذ جمتمع قريش‪ .‬لقي حمم ٌد عليه الصالة والسالم‪ ،‬وأصحابُهُ يف عهد هذا‬
‫أحياان‬ ‫ٍ‬
‫ألواان من العذاب والنكال على يد مشركي قريش‪ ،‬يكاد مجيعها إبغراء من بين أمية ً‬ ‫الرجل ً‬
‫ِّ‬
‫اإلعتداء عليه وعلى أصحابه يف عهد‬ ‫بشكل مباشر‪ ،‬وغالبا ما بطريق غري مباشر‪ .‬ودامت محالت‬
‫عاما‪ ،‬كل ذلك معروف لدى مجاهري العامة اليوم‪ ،‬وحىت‬ ‫مدةَ ثالثة عشر ً‬ ‫أيب سفيان (حاكم مكة) َّ‬
‫الرعاع الغري مدركني للحقائق التارخيية‪ .‬استمر موقف األمويني املعادي للنيب عليه السالم وأصحابِّ ِّه‬
‫أبسرها حىت بعد هجرته إىل املدينة عام ‪622‬م‪ .‬يدل على ذلك أن أاب سفيان امتأل‬ ‫واألسرةِّ اهلامشيَّ ِّة ِّ‬
‫وأقام هناك الدولة‬
‫يسرب َ‬‫َ‬ ‫إهل‬ ‫بث دعوتِِّّه َ‬
‫وانل أتيي َد ِّ‬ ‫النيب عند ما رأى أنه جنح يف ِّ‬
‫غيظًا على ِّ‬
‫اد أن يَئِّ َد هذه الدولةَ الفتيَّةَ يف مهده قبل أن تستقوي‪ .‬فنهض يف العام الثاين من‬
‫اإلسالميةَ‪ ،‬فأر َ‬
‫اهلجرة (‪624‬م‪ ،).‬فحشد لذلك وأعلن احلرب على الدولة اإلسالمية‪ ،‬ولكنه ابء هبزمية منكرة يف‬
‫فجهز اثنية ألخذ ِّ‬
‫الثأر يف العام الثالث‬ ‫موقعة بد ٍر ونكص هو وجيشه على أعقاهبم هاربني‪ .‬مث عاد َّ‬
‫ُح ٍد‪ .‬فكانت‬ ‫ٍ‬
‫من اهلجرة (‪625‬م‪ ).‬وسار على رأس ثالثة آالف من رجاله فهزم املسلمني يف موقعة أ ُ‬
‫انزلةً ابتلي به املسلمون ويف ذلك دروس وعرب‪ .‬مث عاد أبو سفيان فجهَّز اثلثةً يف العام اخلامس من‬
‫اهلجرة (‪627‬م‪ ).‬وحاصر املدينة وهو يقود اثين عشر أل ًفا من اجلنود‪ ،‬مجعهم من قبائل العرب‪،‬‬
‫ِّ‬
‫ابلفشل وعاد إىل مكة خائبًا‪ .‬مث بدأ ينتشر اليأس‬ ‫ولذا تُس َّمى هذه احلملةُ ِّ‬
‫حبرب األحزاب‪ ،‬لكنه ابءَ‬ ‫َ‬
‫يف قريش من مقاومة حممد وأصحابه ملا رأوا فيهم من اإلميان الصادق بدعواهم‪ ،‬والصرب‪ ،‬والعزمية‪،‬‬
‫واملواصلة على جهادهم‪ ،‬والفضائل اإلنسانية يف عالقاهتم وسلوكهم‪ ...‬فاخترب كثري منهم فلوهبم‬
‫ولكن أسرةَ أيب سفيان‬ ‫ٍ‬
‫ضالل يف عنادهم‪َّ ،‬‬ ‫فوجدوها تعُتف أبحقية ما يدعوهم إليه حممد وأهنم على‬

‫الذين ألغوا النظام الراشدي ودولة الشورى‪ .‬إن التيار الشيعي ليس مذهبًا يف الواقع‪ ،‬وإمنا ميثل داينةً مستورةً بوشاح املواالةِّ لعلي بْ ِّن أيب ٍ‬
‫طالب ِّ‬
‫وأهل بيته‬
‫وضراب من الثأر للدولة الساسانية والداينة اجملوسية‪.‬‬ ‫وإظهار احلقد ملعاويةَ ٍ‬
‫ويزيد مك ًرا وخديعةً وتقيةً‪،‬‬
‫ً‬

‫لكن األترك يعظمون معاوية ويك رفون عن لعن يزيد على عكس الفرس‪ ،‬مع ذلك مل يسبق أن مسَّى أح ُدهم ابنَه معاويةَ أو يزيد إال القليل النادر من سالطني بين‬
‫عثمان مسوا أبنائهم (أاب يزيد) على سبيل الشماتة يف الشعية والتشفي منهم‪ ،‬ألنه بني الطرفني عداوةٌ قدميةٌ‪ .‬أما هذا املوقف اإلجيايب لألتراك من معاوية فإن فيه‬
‫سر ال يكاد أحد من علمائهم ومورخيهم يبوح به‪ .‬ذلك أهنم يتوارون مبحبة معاوية على وجه اخلصوص حىت ال يطلع أحد على اجلرائم اليت ارتكبها األمويون‬
‫أايم احتالهلم لداير تركستان فيؤدي ذلك إىل ظهور أعمال الزاندقة الذين اختلقوا الداينة املسلمانية ‪ Müslümanlık‬لضرب اإلسالم وتشويه معامله!‬
‫حتق َق وع ُد للا لرسوله املتمثِّ ِّل يف‬
‫عنادها إىل أن َّ‬ ‫أبت إالَّ أن تُ ْع ِّرض عن دعوةِّ للا ودامت إصرارها يف ِّ‬ ‫ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫آمنِّ ِّ ِّ‬ ‫اّلل رسولَه الرْؤاي ِّاب ْحل ِّق لَت ْد ُخلُ َّن الْمس ِّج َد ا ْحلرام إِّ ْن َشاء َّ ِّ‬
‫ني‬
‫ني ُحمَلق َ‬‫اّللُ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َْ‬ ‫ص َد َق َُّ َ ُ ُ َ َ َ‬ ‫قوله تعاىل‪" :‬لََق ْد َ‬
‫ك فَ ْت ًحا قَ ِّريبًا‪ 2".‬دخل حممد‬ ‫ص ِّرين َال َختَافُو َن‪ ،‬فَعلِّم ما َمل تَ ْعلَموا فَجعل ِّمن ُد ِّ‬
‫ون ذَلِّ َ‬ ‫ِّ‬
‫َ َ َ ْ ُ ََ َ ْ‬ ‫وس ُك ْم َوُم َق َ‬
‫ُرءُ َ‬
‫فاضطر أبو سفيان‬ ‫قوامهُ اثىن عشر أل ًفا صبيحة ‪ 11‬يناير ‪630‬م‪.‬‬ ‫عليه السالم مكةَ ٍ ٍ‬
‫َّ‬ ‫جبيش عارم ُ‬
‫اإلسالم حتت حد السيف خوفًا‪ .‬تربهن‬ ‫ظهروا‬‫حملمد‪ ،‬وأن يُ ِّ‬ ‫وزوجتُهُ ِّه ْن ُد وابنُهُ معاويةُ أن يستسلموا ٍ‬
‫َ‬
‫ضوا‬‫عاما (من اسالمهم!)‪ ،‬أهنم كيف أبطنوا كفرهم مبجامع جاهليتهم‪ ،‬وانق ر‬ ‫أفاعيلُ ُه ْم بعد أربعني ً‬
‫على قرابة الرسول وذحبوهم ودامهوا مدينتهم وأرهبوا سكاهنا‪ ،‬كل ذلك واقع وقد أثبتها التاريخ‬
‫دونَهُ املغرضون من طائ َف ِّيت السنة(؟) والشيعة‪،‬‬
‫الصادق الذي خيتلف عن التاريخ الكاذب الذي َّ‬
‫يقدسون شخصية معاوية للتعمية‪ .‬أما الوهابيون فإهنم ِّ‬
‫يقدسونه‬ ‫خاصة الوهابيون والسنيرون األترك ِّ‬
‫إلخفاء صلتهم ابخلوارج‪ ،‬ألهنم كانو يعادون معاوية وأرادوا قتله‪ ،‬ثبت ذلك يف مصاد التارخ أن‬
‫ض عليه ف ُقتِّل‪ .‬وال‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫احلجاج بن ِّ‬
‫اخلارجي شد على معاويةَ بسيفه لكنَّه مل يُفل ْح‪ ،‬ف ُقبِّ َ‬
‫َّ‬ ‫التميم َّي‬ ‫عبد للا‬ ‫َ َ‬
‫يتخفون وراءَ أدبيات‬ ‫شك أن الوهابيني هم من امتداد للخوارج‪ .‬أما السنيرون األتراك‪ ،‬فإهنم َّ‬
‫التقديس لشخصية معاويةَ لصد اإلنتباهِّ عن املذابح اليت ارتكبها جيش األمويِّني َّأاي َم احتالهلم‬
‫تركستان (وهي داير آابء األتراك)‪ ،‬ويف هذا التخفي أسرار رهيبة أمهها تتمثَّل يف حياكة الداينة‬
‫ضهم ملعاوية‬
‫املسلمانية ‪ Müslümanlık‬اليت اختلقوها للقضاء على اإلسالم‪ .‬ألهنم إن أظهروا بُغ َ‬
‫انتقاما من اإلسالم‪.‬‬
‫فستفتضح هذه الداينةُ أبهنم إمنا اختلقوها ً‬

‫***‬
‫كان الرسول عليه الصالة والسالم على علم ابملوقف السليب هلذه األسرةِّ من دعوته‪ ،‬وعداوهتا اليت‬
‫دائما‪ ،‬وكان يساحمهم ويتخطَّى ما يرى يف سلوك أهل هذه األسرة من‬ ‫ِّ‬
‫تُبطنُها‪ ،‬ولكنه عاملهم ابلرفق ً‬
‫غضي عن املكاره اليت يتلبَّسون هبا‪ ...‬كل ذلك رجاءَ أن يعتادوا‬ ‫ِّ‬
‫واالستخفاف به‪ ،‬وي ِّ‬ ‫اإلنتهازية‬
‫ُ‬
‫الرسول عليه السالم مل مينحهم وظيفةً‬ ‫َ‬ ‫اسالمهم مع الزمان‪ ،‬ولكن‬ ‫ُ‬ ‫التساوي مع إفر ِّاد اجملتمع وحيسن‬
‫َ‬
‫قواي‬ ‫ِّ‬
‫من شئوون الدولة! وهبذه املناسبة ينبغي أن يُ َق َّد َر َّ‬
‫رئيسا ً‬ ‫أن حمم ًدا صلى للا عليه وسلم كان ً‬
‫أخالقية كنيب‪ .‬رمبا من‬‫ٍ‬ ‫مزو ًدا بقدرات روحية ومزااي‬
‫ك مبقاليد الدولة يف الوقت الذي كان َّ‬ ‫وفري ًدا ُمي ِّس ُ‬
‫عاهتا‪ ،‬كان‬‫أجل استقرار النظام اجلديد ومن أجل سالمة جمتمعه وألسباب سياسية يدرك خطورةَ تبِّ ِّ‬
‫ُ‬
‫لني اجلانب ُتاه األسرة األموية‪ .‬وعلى رغم كل ما كان يتوقعه من إفر ِّاد هذه األسرةِّ من فساد النيَّة‬

‫الفتح‪27 :‬‬ ‫‪2‬‬


‫ميسس كر َامتَ ُه ْم‪ ،‬بل كان‬ ‫يستهن هبم‪ ،‬ومل‬ ‫بث الطويَِّّة مل ي ِّ‬
‫سقطْهم من اإلعتبار‪ ،‬ومل يُ َه ِّم ْش ُه ْم‪ ،‬ومل‬ ‫و ُخ ِّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫يعاملهم مبا يليق مبكانته الرفيعة وجاللة قدره من اللطافة واإلحسان ورحابة الصدر‪ .‬ورمبا كان اختاذُهُ‬
‫رص ِّه وراءَ التدر ِّج والُتقي‪ِّ ،‬‬
‫وردع طموحاته يف الظهور‬ ‫الوحي من قبيل إشباع َهنَ ِّم ِّه ِّ‬
‫وح ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫معاوية لكتابة‬
‫حذرا يف مواجهة ميول هذه األسرة‪ ،‬راغبًا عن استخدا‬ ‫والرًئسة‪ ،‬إالَّ أن الرسول عليه السالم كان ً‬
‫ٍ‬
‫أحد من أفرادها يف الشئوون السياسية‪.‬‬

‫ظل معاوية يتنكر لألسرة اهلامشية وراءَ سرية الرجل املخلص إىل أن تويف رسول للا صلى للا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فلما نصبه عمر بن اخلطاب واليًا على املنطقة الشامية عام ‪640‬م‪ .‬بدأ يتخيل أايم تعذيب‬
‫أقرهُ اخلليفة الثالث عثمان بن عفان‬
‫فرحا‪ .‬وملا َّ‬
‫ط ً‬‫قريش للمسلمني إذ كان أبواه يف مقدمتهم فاستشا َ‬
‫يف منصبه وهو قريبه‪ُ ،‬تددت الذكرايت يف خميلته وانتعشت آمالُهُ لتحقيق ما كان يبيِّته‪ ،‬وحالفه‬
‫ب علي بن أيب طالب تسنت‬ ‫ِّ‬ ‫احل ر‬
‫ظ عندما استشهد عثمان بن عفان على يد اإلرهابيني‪ .‬وما إن انتُخ َ‬
‫فتمر َد وحدث ما حدث من الشغب والفنت‪.‬‬‫له الفرصة الذهبية َّ‬

‫للخوض فيها‪ .‬لكن هذه الكراهية‬ ‫ِّ‬ ‫داعي‬


‫إن الرافضة عداوهتم ملعاويةَ من األمور الشائعة اليت ال َ‬
‫امللفقة اليت ستنكشف أسر ُارها عرب السطور اآلتية ال تعين شيئًا يدل على إخالصهم لإلسالم‪ .‬ومن‬
‫ضا قد حكموا على معاوية بن أيب سفيان أبنه‬ ‫أن علماءَ املسلمني جلانب السنة أي ً‬ ‫اجلدير ابالشارة َّ‬
‫علي حيتالَّ ِّن‬
‫بن ٍ‬‫احلسن ِّ‬
‫ِّ‬ ‫طالب وجنلِّ ِّه‬
‫ابغيًا خالل الفُتة اليت كان كلٌّ من علي بن أيب ٍ‬‫كان متمر ًدا ِّ‬
‫أن هؤالء العلماء هم أنفسهم عادوا يدَّعون َّ‬
‫أن‬ ‫منصب اخلالفة الراشديَِّّة‪ .‬لكنه من الغريب جدًّا َّ‬
‫أي إمنا‬ ‫مرب َر هلم يف ذلك َّ‬
‫ألن هذا الر َ‬ ‫ت بعد أن تصاحل مع احلسن بن علي‪ ،‬وال ِّ‬
‫صح ْ‬
‫خالفةَ معاوية َّ‬
‫انتشر حبكم الدعاايت السياسية املتواصلة يف العهد األموي وفيما بعده‪ ،‬مث أتصل يف األذهان‬
‫ضرب من‬
‫ٌ‬ ‫أحياان أخرى‪ ،‬وذلك‬ ‫ً‬ ‫أحياان وبطريق غسل األدمغة‬
‫ً‬ ‫والضمائر بطريق الُتويع واجملازفة‬
‫أي‬
‫ي ضد الضعيف يف معركة احلياة إىل يومنا هذا‪ .‬إن هذا الر َ‬ ‫تطبيع املشاعر قدميًا يستخدمه القو ر‬
‫يدل على ذلك‬‫ات الظروف‪ .‬ر‬ ‫سقيم وال مساغ له يف ميزان الكتاب والسنة‪ ،‬لشيوعه حبكم مؤثِّر ِّ‬
‫ٌ‬
‫اخلالفة الراشديَِّّة كانت أربعني‬
‫ِّ‬ ‫التلفيق الذي وقع فيه علماءُ طائفة السنة الذين أمجعوا على أن َّ‬
‫مدةَ‬
‫اخللفاء الراشدين إمنا اغتصبوا هذا املنصب‬ ‫ِّ‬ ‫عاما‪ 3‬ومعىن ذلك أن الذين تولوأ إمارةَ املؤمنني بعد‬ ‫ً‬

‫كانت خالفة أيب بكر الصديق رضي للا عنه سنتان وثالثة أشهر وثالثة عشر يوما من سنة إحدى عشرة من اهلجرة من يوم وفاة النيب صلى للا عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫يوما واح ًدا من سنة ثالث عشرةَ من اهلجرة من يوم وفاة أيب بكر الصديق رضي للا‬
‫وكانت خالفة عمر بن اخلطاب رضي للا عنه عشر سنني وستة أشهر إال ً‬
‫يوما واح ًدا من سنة أربع وعشرين من اهلجرة من يوم وفاة عمر بن اخلطاب رضي للا‬
‫عنه‪ .‬وكانت خالفة عثمان بن عفان رضي للا عنه اثنتا عشرة سنة إال ً‬
‫ضا‬
‫عنه‪ .‬وكانت خالفة علي بن أيب طالب كرم للا وجهه أربع سنني وتسعة أشهر من سنة مخس وثالثني من يوم وفاة عثمان بن عفان رضي للا عنه‪ .‬ويدخل أي ً‬
‫القبول يعين أن‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫السياسة فلم تصح خالفتهم‪ ،‬ودونه خرط القتاد! ألن هذا‬ ‫ِّ‬
‫خمتلفة من احلِّيَ ِّل‬ ‫بِّطُُر ٍق‬
‫النظام الذي بدأ بعد وثوب معاويةَ على السلطة عنوةً مل يعد من املمكن اعتباره إسالميًا‪ .‬وإذا كان‬
‫احلكم السائ َد فإن اجملتمع والدولة اليت يسيطر عليها مثل‬
‫َ‬ ‫النظام الذي ال ميكن اعتباره إسالميًا هو‬
‫ِّ‬
‫اإلسالم أو‬ ‫ِّ‬
‫إنقالب‬ ‫ضا اعتبارمها إسالميًا ألبتة‪ .‬وقد حان أن نقول أن قصةَ‬ ‫هذا نظام ال ميكن أي ً‬
‫ٍ‬
‫جاهلية (ومنها الداينة املسلمانية‬ ‫ٍ‬
‫دايانت‬ ‫يف قِّيَ ِّم ِّه ليتحول إىل‬ ‫ِّ‬
‫اإلسالم وحتر َ‬ ‫ابإلحرى تشويهَ‬
‫أساسا يف وقت مربك ٍر يف عهد معاوية‪ ،‬يف أايم حكمه اليت سادت الفوضى‬ ‫‪ )Müslümanlık‬بدأت ً‬
‫على اجلو السياسي وأفضى إىل املعتقدات والعالقات البشرية وعم الفساد يف كل جماالت احلياة‪.‬‬
‫وملا اتسعت رقعة الدولة األموية وانتشرت جيوشها على ساحة ما وراء النهر وهي الداير األصلية‬
‫ٍ‬
‫دايانت خمتلفة أشهرها‬ ‫أوصال اإلسالم وبنوا على أنقاضه‬
‫َ‬ ‫اإلعجام‬ ‫آلابء األتراك‪ ،‬سرعان ما فتك‬
‫ُ‬
‫املسلمانية ‪،Müslümanlık‬‬

‫***‬

‫ت بني هذه األسرة وبني‬ ‫عنيفة من قِّبَل بين أميةَ عرب احلروب اليت جر ْ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫هلجمات‬ ‫اإلسالم‬
‫ُ‬ ‫تعرض‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫اهلامشيِّني منذ بداية العهد املك ِّي على مدى مائة وأربعني ً‬
‫عاما‪ .‬أساءت الساللةُ األمويةُ إىل هذا‬
‫عاما ما بني ‪750-661‬م‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫العداء ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫النظام العالَ ِّم ِّي ِّ‬
‫القابل للتتأويل طيلةَ مثانية وتسعني ً‬ ‫أشكال‬ ‫بكل‬
‫حروهبا على اإلسالم تبدو من ظاهرها‬ ‫ُ‬ ‫وذلك عن طريق محالهتا على األسرة اهلامشية‪ ،‬فكانت‬
‫ِّ‬
‫البغض‬ ‫صدور ُه ْم من‬
‫ُ‬ ‫كحمالت على اهلامشيِّني تعميةً لكي ال تُرمى ابلكفر‪ .‬ألهنم لو أظهروا ما تُكِّ رن‬
‫مصدر إ ْهلَ ٍام لألعجام‬ ‫َ‬ ‫الناس ابلكفر الصريح الذي ال مساغَ لتأويله‪ .‬فكان هذا‬ ‫ُ‬ ‫لالسالم الهتمهم‬
‫األموي وأخفوا‬‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫للنظام‬ ‫ض ُه ْم‬
‫حيث أظهروا بُغْ َ‬ ‫الذين اختلقوا الداينةَ الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّةَ ‪ُ ،Müslümanlik‬‬
‫فشو ُهوا ما َش َّو ُهوا من قِّيَ ِّم‬‫ألهنا عربيَّةٌ َّ‬ ‫اآلايت القرآنيَّ ِّة َّ‬
‫ِّ‬ ‫والعجز عن ِّ‬
‫فهم‬ ‫ِّ‬ ‫نفاقَهم من ور ِّاء العُ ْج َم ِّة‬
‫الدين احلنيف وأضافوا إليها ما أمكنهم من بقااي دايانهتم فبل اإلسالم‪ ،‬مث مسَّْو َها ‪.Müslümanlik‬‬
‫قرون إىل اليوم يزعمون أهنم إمنا‬ ‫هذا هو الدين األكثر انتشارا بني األتراك‪ ،‬لكنهم ما زالوا منذ ٍ‬
‫ً‬
‫ألن القرآن الكرمي‬ ‫ولكن هذا مستحيل ألسباب‪ :‬أوالً‪َّ :‬‬ ‫اإلسالم بكلمة ‪َّ ،Müslümanlık‬‬ ‫َ‬ ‫يقصدون‬
‫اسم قد أطلقهُ للاُ على الدين الذي‬ ‫ِّ‬ ‫متاما‪ ،‬اثنيًا‪َّ :‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫اإلسالم) ٌ‬ ‫أن كلمةَ (‬ ‫خيلو من هذه الكلمة الدخيلة ً‬
‫واملرسلني وآخرهم حممح ٌد صلوات للا وسالمه عليهم أمجعني‪ ،‬لِّيُ بَ لِّغُوهُ إىل‬ ‫ِّ‬ ‫َ ِّ‬
‫ِّ‬ ‫األنبياء‬ ‫بعث بِّه َ‬
‫مجيع‬
‫ألحد أ ْن يُطلِّ َق على‬ ‫األمة مل ي رِّخص ٍ‬ ‫علماء ِّ‬‫ِّ‬ ‫أن أح ًدا من الصحابة أو التابعني أو‬ ‫الناس كافةً‪ .‬اثلثًا‪َّ :‬‬
‫َُ ْ‬
‫رهاان من براهني‬
‫عاما كما ورد ذلك يف حديث الرسول عليه الصالة والسالم ب ً‬ ‫يف عدادهم احلسن بن علي بن أيب طالب رضي للا عنه وهذه املدة كلها ثالثون ً‬
‫اّللُ عَل َْي ِّه َو َسلَّ َم ْ‬
‫اخلِّ َالفَةُ ِّيف أ َُّم ِّيت ثََالثُو َن َسنَةً ُمثَّ ُملْ ًكا‪( .‬مسند أمحد (‪)256 /36‬‬ ‫صلَّى َّ‬ ‫ول َِّّ‬ ‫معجزاته؛ عن َس ِّفينَةُ قَ َ‬
‫اّلل َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬
‫ال قَ َ‬
‫اسم ‪ ،Müslümanlik‬استخفافًا‬ ‫ِّ‬
‫يتجاهل َ‬
‫ُ‬ ‫ولعل العا َملُ اإلسالم ري‬
‫احلنيف امسًا غري االسالم‪َّ .‬‬ ‫الدين‬
‫الصمت‬
‫َ‬ ‫خامسا أن‬
‫ً‬ ‫هبذه الداينة ومن يعتن ُقها‪ ،‬ورمبا يع ردوهنم َزَان ِّدقَةً خارجني عن امللة وللا أعلم‪.‬‬
‫ِّ‬
‫النقاش‪ ،‬وال يعبؤون‬ ‫الذي يلتزمه األكادمييرون األتراك‪ ،‬وميتنعون عن طرح هذه القضية على منصة‬
‫أن هذه الداينةَ خمت لَ َقةٌ من َّأو ِّل ٍ‬
‫يوم أقدم على إنشائِّها من أحس‬ ‫برأي علماء ِّ‬
‫األمة‪ ،‬إمنا يؤكد على َّ‬
‫َ‬
‫يف نفسه اجلرأة على ارتكاب هذه البدعة‪.‬‬

‫فعل على السياسة القمعية للدولة األموية‪ ،‬كما‬ ‫إن هذا التطور يف التاريخ اإلسالمي ال شك هو رد ٍ‬
‫نفس ِّه ُم ْل َه ٌم من عودةِّ األمويِّني إىل العهد اجلاهلي‪ ،‬وارتدادهم عن اإلسالم‪َّ ،‬‬
‫ألن‬ ‫هو يف الوقت ِّ‬
‫ٍ‬
‫فجوات عميقةً‬ ‫أحدثت‬
‫ْ‬ ‫السياسةَ األمويَّةَ العنصريةَ كان هلا أثر سليبٌّ على احلياة االجتماعية حيث‬
‫اإلسالم يف العصر‬ ‫حتو َل‬
‫اإلسالم ري يومئذ‪ .‬فما لبث حىت َّ‬‫ِّ‬ ‫اجملتمع‬ ‫بني خمتلف األعراق اليت تَ َك َّو َن منها‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عناصر فارسيَّ ٍة يكرهون‬
‫َ‬ ‫العباسي بفعل الصوفية والشعوبيني والشيعة املستعربني الذين كان ُجلر ُه ْم من‬
‫ومه َدت هلم‬ ‫ِّ‬
‫لألعجام َّ‬ ‫اجملال‬
‫العوامل هي اليت فتحت َ‬ ‫تعاليمهُ‪ .‬هذه‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫ويشوهون‬ ‫واإلسالم‬
‫َ‬ ‫العرب‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ِّ‬
‫اإلسالم من الساحة‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫ودحر‬ ‫سلُ َمانِّيَّ ِّة ‪Müslümanlik‬‬ ‫ِّ‬
‫يق ليقوموا حبياكة الداينة الْ ُم ْ‬
‫الطر َ‬

‫ٍ‬
‫جاهلية‬ ‫ٍ‬
‫دايانت‬ ‫اجملال لظهور‬
‫َ‬ ‫األساس ري الذي فتح‬ ‫ِّ‬ ‫العامل‬ ‫أصال هي‬ ‫إن أيديولوجية التشير ِّع ً‬ ‫َّ‬
‫ُ‬
‫والدرزية‪ ،‬وغريها‪ ،‬وليست الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّةُ ‪ Müslümanlik‬إالَّ واحدةً من‬ ‫ِّ‬ ‫ص ِّْرييَِّّة‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫كاإلمساعيلية‪ ،‬والنر َ‬
‫أخبارها يف كثري من مصادر التاريخ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫هذه الدايانت‪ .‬ومن أهم نتائج هذه التطورات اليت وردت‬
‫أسفرت عن‬ ‫ٍ‬
‫شنيعة‬ ‫يفات‬ ‫لتشويهات ٍ‬
‫رهيبة وحتر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ضت‬
‫أن العقيدةَ اإلسالميةَ تعر ْ‬ ‫مقاالت؛ َّ‬ ‫ب حوهلا‬ ‫ِّ‬
‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫وُكت َ‬
‫أتويالت شاذَّةٍ‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫دايانت ُك ْف ِّريَّةٌ‪ ،‬كلرها عن طر ِّيق‬
‫ٌ‬ ‫مذاهب بدعيَّ ٍة‪ ،‬بل تفاقمت فانبثقت منها‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫ظهور‬
‫ِّ‬
‫اإلسالم‬ ‫الدولة األمويَِّّة املضادَّةِّ ِّ‬
‫لروح‬ ‫ِّ‬ ‫ت سياسةُ‬ ‫مه َد ْ‬‫خمالفة لنصوص الكتاب والسنة‪ .‬وهكذا َّ‬ ‫ٍ‬
‫ومناقشات عقالنية‪ ،‬وشطحات صوفية أضرت مبفهوم اإلميان‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫السبيل لتفسريات كالمية‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫وتعاليمه‬
‫َ‬
‫أن ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّةُ يصح‬ ‫ت مشلهم‪ 4.‬إذن ال شك َّ‬ ‫ض ِّة املسلمني و َشتَّتَ ْ‬‫وأربكت الضمائر‪ ،‬وكسرت بَ ْي َ‬

‫يقول األستاذ الدكتور أمحد ايشار أوجاك مو ِّ‬


‫ض ًحا هذه احلقيقةَ التارخييَّةَ يف ثنااي عباراته التالية‪ .‬وهذه كلماته اليت عربناها ابلقدر املستطاع‪:‬‬ ‫‪4‬‬
‫َُ‬

‫ِّ‬
‫الصوفية‪ ،‬عرب التطورات‬ ‫ظهور الطرُر ِّق‬ ‫ِّ‬
‫املختلفة‪ ،‬وأخرياً ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الصوفية‬ ‫ِّ‬
‫مدارس‬ ‫ِّ‬
‫وتشكيل‬ ‫ِّ‬
‫التصوف‪،‬‬ ‫مناهج‬ ‫فكر ِِّّ‬
‫صويف‪ ،‬و ِّ‬ ‫دور يف ِّ‬
‫ظهور ال ِّ‬ ‫" َّ‬
‫الظروف اليت كانت هلا ٌ‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫ث يف هذه القضااي إىل مستوى متطور للغاية‪ .‬تربهن كل هذه الدراسات‬ ‫اليت شهدها التارخيي اإلسالمي‪ ،‬لقد أصبحت معروفة يف عصران‪ .‬وقد بلغ حجم البحو ُ‬
‫أن التيارات الصوفيةَ بدأت يف التَّ َك رو ِّن نتيجةَ انتشار الفوضى على احلياةِّ االجتماعية والسياسية واالقتصادية والثقافية اليت بدأت تظهر يف القرن اإلسالمي‬
‫َّ‬
‫األول‪.‬‬
‫َّ‬

‫س‬ ‫ِّ‬
‫األزمات السياسيةَ واالجتماعيةَ اليت تعرضت هلا اجملتمع اإلسالمي يف الفُتة األخرية من عهد اخللفاء رشيدين (‪)661-632‬؛ مث االستبداد الذي ُم ِّ‬ ‫َّ‬
‫ور َ‬ ‫إن‬
‫احتقارا‪ ،‬وكوهنم يشعورون ابلضيق واحلرج حتت سيادة النظام الوراثي الذي كان يعتمد على العصبية‬ ‫ِّ‬
‫ضد املسلمني غري العرب الذين أُطل ُق عليهم صفةُ املوايل‬
‫ً‬
‫عقال أن تكون قد ِّحي َك ْ‬
‫ت على سبيل اإلنتقام حىت لو مل يكن هناك أي دليل آخر على إثبات هذه‬
‫احلقيقة‪ .‬ألن احلقيقةَ المعةٌ وظاهرةٌ يف ذاهتا أصالً فال حتتاج إىل أي دليل‪.‬‬

‫القبلية املوروثة من العهد اجلاهلي خالل الفُتة األموية (‪ )750-661‬واالنزعاج الناجم عن هذا العوامل‪ ،‬يبدو أهنا تسببت لظهور الصوفية كرد فعل على ِّ‬
‫كل‬
‫هذه السلبيات‪.‬‬

You might also like