You are on page 1of 89

‫إصدارات أنصاراإلمام املهدي ‪)176( ‬‬

‫مراسي خمتارة‬
‫يف موانئ سومر وأكاد‬

‫السيد أمحد احلسن‬

‫ّ‬
‫جمعه وعلق عليه‬
‫عالء السالم‬
‫مراسي خمتارة يف مواينء سومر وأكاد‬ ‫عنوان الكتاب‪:‬‬
‫أمحد احلسن‬ ‫املؤلف‪:‬‬
‫شركة جنمة الصباح للطباعة والنشر والتوزيع‬ ‫الناشر‪:‬‬
‫الثانية (‪2013‬م – ‪1434‬هـ)‬ ‫الطبعة‪:‬‬
‫‪ 1000‬نسخة‬ ‫العدد‪:‬‬
‫‪ 67‬لسنة ‪2013‬‬ ‫رقم اإليداع‪:‬‬

‫وكالء شركة نجمة الصباح‬


‫لبنان‬
‫مكتبة نجمة الصباح‪ /‬جنوب لبنان‪ /‬صور‪ /‬برج الشمالي‪ /‬مفرق المؤسسة‬
‫‪Tel.: 0096170621437 / 009617346015‬‬
‫‪lebanon@najmatalsabah.com‬‬
‫أمريكا‬ ‫جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة‬

‫‪Straight Path Library 24142‬‬ ‫لشركة نجمة الصباح المحدودة‬


‫‪B. Warren Street. Dearborn Heights. Michigan. 48127 USA‬‬ ‫العراق‪ /‬بغداد‪ /‬هاتف ‪+9647815643684‬‬
‫‪Tel. (313)914-3397 / (313)919-1977,‬‬ ‫‪contact@najmatalsabah.com‬‬
‫‪E-mail: usa@najmatalsabah.com‬‬
‫السويد‬
‫‪Byggmästargatan 3. 80324 Gävle. Sweden‬‬
‫‪Tel.: +46737297728 , E-mail: sweden@najmatalsabah.com‬‬
‫لمعرفة المزيد حول دعوة السيد أحمد الحسن‬
‫أستراليا‬ ‫يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي‪:‬‬
‫‪Antwerp Street, Auburn, NSW 2144. Australia 15‬‬ ‫‪www.almahdyoon.org‬‬
‫‪Tel.:+61406009043 , E-mail: australia@najmatalsabah.com‬‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬
‫وصىل اهلل ىلع حممد وآهل الطاهرين األئمة واملهديني وسلم تسليما كثريا‬

‫الكاتب في سطور‬

‫السيد أمحد احلسن ‪ ..‬هو أمحد بن إمساعيل بن صاحل بن حسني بن سلمان بن حممد بن احلسن بن علي بن حممد‬
‫ابن علي بن موسى بن جعفر بن حممد بن علي بن احلسني بن علي بن أيب طالب عليهم الصالة والسالم‪.‬‬
‫هو وصي ورسول اإلمام املهدي حممد بن احلسن ‪ ‬إىل الناس كافة‪ ،‬اليماين املوعود عند الشيعة‪ ،‬واملهدي الذي‬
‫يف آخر الزمان على وفق الفهم السين للمهدي‪ ،‬واملعزي ألنبياء هللا ورسله الذي وعد به‬ ‫بشر بوالدته رسول هللا‬
‫نيب هللا عيسى ‪ ‬كما ورد يف اإلجنيل‪ ،‬واملنقذ الذي وعد إبرساله نيب هللا إيليا ‪ ‬عند اليهود‪.‬‬
‫انطلق بدعوته اإلهلية الكربى عام ‪1999‬م يف العراق عاصمة دولة العدل اإلهلي‪ ،‬ومنه انتشرت إىل العامل كله‪ ،‬جاء‬
‫املذكور‬ ‫الناس حمتجاً عليهم مبا احتج به أنبياء هللا ورسله على أقوامهم‪ ،‬النص (الذي متثله وصية جده رسول هللا‬
‫فيها ابمسه ومنزلته وعشرات النصوص الثا بتة عند املسلمني والنصارى واليهود)‪ ،‬والعلم الذي به حتدى كبار علماء‬
‫األداين والطوائف كلها‪ ،‬وراية البيعة هلل والدعوة إىل حاكمية هللا‪ ،‬إضافة إىل أتييد هللا سبحانه له ابمللكوت عرب مئات‬
‫الرؤى الصادقة ابألنبياء واألوصياء اليت تشهد له‪.‬‬
‫وكان قد خط بيمنه جمموعة من الكتب اليت حتوي جوانب كبرية من املعرفة اإلهلية اليت بدأ ببثها إىل الناس كان‬
‫منها‪ :‬كتاب التوحيد‪ ،‬واملتشاهبات‪ ،‬واضاءات من دعوات املرسلني‪ ،‬ورحلة موسى إىل جممع البحرين‪ ،‬والنبوة اخلامتة‪،‬‬
‫والعجل‪ ،‬واجلهاد ابب اجلنة‪ ،‬وحاكمية هللا ال حاكمية الناس‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫أما هدف دعوته فهو اهلدف من دعوة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وحممد صلوات هللا عليهم أمجعني‪ ،‬أن ينتشر‬
‫التوحيد على كل بقعة يف هذه األرض هدف األنبياء واألوصياء هو هدفه‪ ،‬وبيان التوراة واإلجنيل والقرآن وما اختلف‬
‫فيه ‪ ..‬أن متتلئ األرض قسطاً وعدالً كما ملئت ظلماً وجوراً‪ ,‬أن يشبع اجلياع وال يبقى الفقراء يف العراء‪ ,‬أن يفرح‬
‫األيتام بعد حزهنم الطويل وجتد األرامل ما يسد حاجتها املادية بعز وكرامة‪ ،‬أن ‪ ...‬وأن ‪ ،...‬أن يطبق أهم ما يف‬
‫الشريعة العدل والرمحة والصدق‪.‬‬
‫وقد التحق بركب هذه الدعوة املباركة الكثري من املؤمنني املنتشرين على مناطق كثرية من العامل ‪ ..‬للمزيد يرجى‬
‫‪www.almehdyoon.org‬‬ ‫مراجعة املوقع الرمسي ألنصار اإلمام املهدي ‪:‬‬
‫أو بزايرة الصفحة الشخصية للسيد أمحد احلسن على موقع الفيسبوك‪:‬‬
‫‪www.facebook.com/Ahmed.Alhasan.10313‬‬

‫واحلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وصلى هللا على حممد وآل حممد األئمة واملهديني وسلم تسليما‬

‫ذكر المام الصادق ‪ ‬احتجاج ابنه القائم ‪ ‬على الناس‪ ،‬وقوله لهم‪:‬‬
‫وم ْن كان يقرأ‬ ‫(‪ ..‬أجيبوا إلى مسألتي‪ ،‬فإني أنبئكم بما ُن ّبئتم به وما لم ُت َّنبئوا به‪َ ،‬‬
‫ِّ‬
‫الكتب والصحف فليسمع مني‪ ،‬ثم يبتدئ بالصحف التي أنزلها هللا عز وجل على آدم‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫وشيث عليهما السالم‪ ،‬وتقول أمة آدم وشيث هبة هللا‪ :‬هذه وهللا هي الصحف حقا‪،‬‬
‫ولقد أرانا ما لم نكن نعلمه فيها وما كان خفي علينا وما كان ُاسقط منها ُوب ّدل ُ‬
‫وح ِّّرف‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫ثم يقرأ صحف نوح وصحف إبراهيم عليهما السالم والتوراة واإلنجيل والزبور‪،‬‬
‫فيقول أهل التوراة واإلنجيل والزبور‪ :‬هذه وهللا صحف نوح وإبراهيم عليهما السالم‬
‫وح ِّّرف منها‪ ،‬هذه وهللا التوراة الجامعة والزبور التام‬ ‫حقا وما ُاسقط منها ُوب ّدل ُ‬
‫ً‬
‫ِّ‬
‫واإلنجيل الكامل وإنها أضعاف ما قرأنا منها‪ .‬ثم يتلو القرآن فيقول املسلمون‪ :‬هذا‬
‫ً‬
‫وهللا القرآن حقا الذي أنزله هللا تعالى على محمد ‪[ )..‬مختصر بصائر الدرجات‪:‬‬
‫ص‪.]183‬‬
‫وأكيد أن احتجاج القائم ‪ ‬بتلك الصحف ال يتصور فيما لو انفرد القائم بها‬
‫بحيث لم تكن معروفة عندهم‪ ،‬وهل أيسر من دفعهم لها حينذاك بزعم أنها مبتدعة‬
‫ا‬
‫مثل!!‬
‫‪‬‬

‫ا‬
‫لذا اقتضت حكمة هللا‪ ،‬أن يأتي الداعي اللهي مصدقا ملا بين أيدي املنتظرين‪ ،‬ونداؤه‬
‫كل بحسب كتابه ونصوصه‪ ،‬فإنها وإن افترض فيها تعرضها‬ ‫صد اقا ملَا َب ْي َن َي َدي)‪ٌّ ،‬‬ ‫ا‬
‫دائما ُّ(م َ‬
‫للتحريف والتزوير بفعل علماء السوء أو تدخل سلطات الجور‪ ،‬لكن بقاء ما يكفي‬
‫لقامة الحق والحجة عليهم أمر ال يشك فيه عاقل حكيم‪.‬‬
‫على هذا األساس‪ ،‬طرح السيد أحمد الحسن (اليماني املوعود‪ ،‬واملخلص املنتظر)‪،‬‬
‫ا‬
‫حجته وبرهان صدق دعوته العاملية على املسلمين محتجا عليهم بالقرآن والسنة‪ ،‬وعلى‬
‫اليهود بنصوص أسفار التوارة‪ ،‬وعلى املسيحيين بالنصوص املذكورة فيها بالضافة إلى‬
‫نصوص العهد الجديد‪.‬‬
‫ا‬
‫ولكن يبقى السؤال قائما‪ :‬أين هي صحف آدم وشيث ونوح وإبراهيم التي سيحتج‬
‫ا‬
‫بها‪ ،‬وهل أبقى الطوفان األول (طوفان نوح ‪ )‬لها أثرا؟!‬
‫ثم ال شك في أن معرفة ما في تلك الصحف له أهمية بالغة؛ إما لسهامه في إقامة‬
‫الحجة على من يعتقد بها‪ ،‬أو ‪ -‬وهو األهم ربما ‪ -‬إسهامه بتصحيح ما في ذهنية املنكر‬
‫ا‬
‫لدعوة القائم اعتمادا على ما عنده‪ ،‬فإنه ملا يرى أن تلك الصحف تقول بخلف معتقده‬
‫ا‬
‫وتتوافق تماما مع ما يطرحه القائم في دعوته يسعى لتعديل موقفه‪ ،‬إذ كيف له أن يفرح‬
‫بما يخالفه فيه أنبياء هللا (آدم ونوح وإبراهيم )!!‬
‫ولكن‪ :‬بأي صورة سننتظر وصول تلك الصحف‪ ،‬والحال أن عهد التدوين والكتابة لم‬
‫ا‬
‫يكن قد بدأ إال في منتصف األلف الرابع قبل امليلد تقريبا كما يقول علماء التاريخ‬
‫واآلثار؟!‬
‫إن كشف خيوط هذا املجهول بالنسبة إلينا بحاجة إلى عنصرين مهمين؛ األول‪:‬‬
‫العثور على نفس الصحف (مادة الحقيقة)‪ .‬والثاني‪ :‬توفر معلم حقيقي وحكيم عارف‬
‫بها‪.‬‬
‫وبكل تأكيد فإن العنصر الثاني ضرورة ملحة‪ ،‬تتضح فيما لو تصورنا أن خرائط‬
‫هندسية معقدة رسمها مهندسون ماهرون‪ ،‬قدر لها أن تقع بيد صبي أو جاهل‪ ،‬ثم أتيح‬
‫عمل ما على طبقها فماذا ستكون النتيجة؟! هي ذاتها نتيجة من تقع بيده‬
‫له فرصة أداء ٍ‬
‫مثل تلك الصحف اللهية وهو غير عارف بها‪.‬‬
‫وفيما يرتبط بالعنصر األول‪ ،‬نسأل‪ :‬أين بوسعنا العثور على مثل تلك النصوص؟‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫ال أعتقد أن باحثا آثاريا كان أو دينيا يخطر في باله غير بلد سومر وأكاد؛ ذلك أن‬
‫ا‬
‫نوحا وإبراهيم (أحفاد آدم وشيث) منهم‪ ،‬كما أن التاريخ النساني لم يحدثنا عن حضارة‬
‫سبقت السومريين لنبحث عن تلك الصحف في بلدهم‪.‬‬
‫وبمعرفة هذا‪ ،‬نعرف أن املعلم العارف والحكيم (وهو العنصر الثاني لكشف‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫الحقيقة) يفترض به أن يكون سومريا أيضا‪ ،‬فذلك هو الوجه الصحيح الذي بتوفره‬
‫يمكن أن نقطف الثمار‪ ،‬وبدونه ال يعدو حالنا حال من يزرع حديدة في صحراء وينتظر‬
‫ا‬
‫أن يأكل منها عنبا!!‬
‫أما ملاذا؟ فألنها نصوص ‪ -‬لو وجدت ‪ -‬تحكي لغة قوم في أزمان خلت‪ ،‬وهل أنت في‬
‫يومك هذا كأمسك القريب‪ ،‬فما بالك باألمس السحيق والبعيد!! هذا من جهة‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬إنها نصوص دينية‪ ،‬وهي عادة ما تكون مرمزة باعتبار أنها تكشف‬
‫ا‬
‫أسرار الغيب وملكوت الحقائق اللهية‪ ،‬فمثل‪ :‬كم سمعنا بـ (سبع بقرات سمان) ومن منا‬
‫لم يخطر في باله أنها سبع بقرات من املواش ي السمينة (بل ربما يخطر البقر االسترالي‬
‫بالخصوص ألنه يحقق تلك الصفة بامتياز)‪ ،‬ولكن من يعرف أنها سبع سنين ويقوم‬
‫بتأسيس اقتصاد بلد كامل كمصر غير يوسف الصديق ‪ ‬في زمنه!! وقصة الصحف‬
‫ا‬
‫املبحوث عنها هي كذلك تماما‪.‬‬
‫ومن جهة ثالثة‪ ،‬إن النصوص الدينية مهمة بنظر النسان املتدين بفطرته‪ ،‬وصراع‬
‫ا‬
‫الحق والباطل ال يكاد ينتهي يوما في دنيا االمتحان‪ ،‬لذا عادة ما يعمد أتباع الباطل إلى‬
‫‪‬‬

‫تحريفها والتلعب بها مرة‪ ،‬أو إسقاطها على غير أهلها الحقيقيين أخرى‪ ،‬وذلك يؤدي‬
‫بالتأكيد إلى غياب الحقيقة أو تشويشها‪َ ،‬وم ْن يستطيع أن يكتشف املزور ليقطعه من‬
‫املشهد ويرجع إلى الصورة وضوحها غير املعلم الرباني والحكيم!!‬
‫قيل عن نصوص جميع الصحف والكتب اللهية إنها أساطير‪ ،‬رغم قربها من تاريخ‬
‫إنسان القرن الحادي والعشرين‪ ،‬فماذا سيكون نصيب تلك الصحف من وصف يا‬
‫ترى؟!!‬
‫في الربع األول من القرن املنصرم زادت عمليات الحفر والتنقيب من قبل علماء اآلثار‬
‫في جنوب العراق‪ ،‬بلد ما بين النهرين (سومر وأكاد) وما جاورها‪ ،‬وزاد اكتشاف عدد‬
‫األلواح والرقم الطينية السومرية‪ ،‬وهو خبر سار ملن يتابع معنا رحلة البحث عن صحف‬
‫ا‬
‫آدم ونوح وإبراهيم‪ ،‬فلعل بعضا منها يكون قد عثر عليه بين تلك اآلثار؟! وقبل ذلك‬
‫ا‬
‫بعقود‪ ،‬وتحديدا في عام (‪ 1853‬م)‪ ،‬تم اكتشاف نص ملحمة جلجامش الشهيرة ألول‬
‫مرة‪ ،‬درة تاج حضارة وادي الرافدين كما يقال‪ ،‬وهي ملحمة سومرية مكتوبة بخط‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫مسماري على ‪ 12‬لوحا طينيا في مكتبة شخصية عائدة للملك البابلي آشور بانيبال في‬
‫العراق‪.‬‬
‫قيل عنها‪ :‬أسطورة‪ ،‬وألن أممية امللحمة ال يكاد ينكر منذ القدم وال يزال‪ ،‬راح بعضهم‬
‫ا‬
‫يصور ضرورة األساطير في حياة االنسان القديم والحديث معا‪ .‬وقيل عنها‪ :‬إنها أقدم‬
‫قصة كتبها النسان‪ ،‬وراح بعض العراقيين يفتخرون على غيرهم باعتبار أنهم أصحاب‬
‫أقدم قصة في تاريخ النسانية!! وقيل عنها‪ :‬إنها عمل تراثي أدبي يلهم مبدعي الفن واألدب‬
‫‪ ....‬الخ‪ ،‬وهكذا بقي هذا النص السومري في أحسن أحواله ينفع في التعرف على تاريح‬
‫حضارة وادي الرافدين وطريقة تفكير النسان القديم‪ .‬وإذا كان هذا هو حال التعامل‬
‫مع درة النصوص السومرية كما سمعنا‪ ،‬فما عساها تكون النظرة إلى ما تم اكتشافه من‬
‫ألواح سومر األخرى؟!!‬
‫ا‬
‫هذه هي قراءة أغلب علماء اآلثار والدين أيضا لأللواح والرقم الطينية املكتشفة في‬
‫ا‬
‫أرض األنبياء آدم ونوح وإبراهيم (العراق)‪ .‬وذلك ليس باعثا فقط على األس ى الناتج من‬
‫عدم العثور على تراث األنبياء (الصحف)‪ ،‬وال أنه تجني على شعب بأكمله بتصويره أسير‬
‫أساطير وخرافات ليس إال (مع االعتراف في نفس الوقت بأنه صاحب أقدم وأعرق‬
‫حضارة‪ ،‬وقام بتعليم غيره الكتابة والزراعة وصناعة العربة وسن القوانين والهندسة‬
‫والجبر ‪ ...‬الخ)‪ ،‬ليس هذا فقط‪ ،‬إنما صارت تلك النظرة غير املنصفة لنصوص‬
‫ا‬
‫السومريين باعثا على تصوير األديان اللحقة (اليهودية واملسحية واالسلم) مجرد خرافة‬
‫وأساطير هي األخرى!!‬
‫ا‬
‫هذا‪ ،‬ولكن انبرى معلم وحكيم سومري (من جنوب العراق)‪ ،‬قائل‪ ..( :‬أن القصص‬
‫السومرية ما هي إال إخبارات غيبية جاء بها آدم إلى األرض‪ ،‬وهي قصص الصالحين من‬
‫ا‬
‫أبنائه وما سيمر بهم‪ ،‬وخصوصا من يمثلون علمات مهمة في طريق الدين‪ ،‬مثل دموزي‬
‫"االبن الصالح"‪ ،‬أو جلجامش)‪ .‬نعم‪ ،‬وقوع التحريف والتزوير في بعضها ال يعني الحكم‬
‫ا‬
‫عليها جميعا باألساطير‪.‬‬
‫ثم أقول‪ :‬لو قدر ملتعلم بين يدي جلجامش السومري أن يحضر اليوم بيننا ليقدم‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫شرحا لبعض مفردات ملحمة قائده ومقاصدها‪ ،‬فل أعتقد أن منصفا في العالم ال‬
‫ا‬
‫ينصت إجلال ويحرص على أن ال يشغله عن استماعه شاغل‪ ،‬فكيف سيكون االنصات‬
‫فيما إذا كان املتحدث هو (جلجامش) العالم والحكيم نفسه!! إنها إذن (مراس ي مختارة في‬
‫موانئ سومر وأكاد)‪ ،‬يضعها السيد أحمد الحسن ‪ ‬بين يدي طلب الحق والحقيقة‪،‬‬
‫وقمت بوضع بعض التعليقات وامللحق لزيادة الفائدة‪ ،‬والحمد هلل رب العاملين‪.‬‬
‫ّ‬
‫املعلق‪ 24 :‬صفر‪ 1434‬هـ‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫اخترت سومر وأكاد؛ ألنه من املؤكد آثاريا وتاريخيا ودينيا أن نوحا ‪ ‬وإبراهيم ‪‬‬
‫(‪ )1‬منهم‪ ،‬فهم أصل الدين‪ ،‬ومنهم بدأ الدين في أول الزمان‪ ،‬ومنهم يبدأ في آخر الزمان‪.‬‬
‫فهم شعب ناحوا آالف السنين على دموزي أو (االبن الصالح)‪ ،‬وانتظروا جلجامش أو‬
‫(املحارب الذي في املقدمة)‪ ،‬وال زال من أتوا بعدهم في بلد ما بين النهريين ينوحون على‬
‫الحسين ‪ ،‬وينتظرون املهدي الذي انتظروه‪ ،‬جلجامش املوعود بظهوره في بلدهم‬
‫منذ آالف السنين‪ .‬نسأل هللا أن يصلح أحوالهم‪ ،‬ويهديهم إلى صراطه املستقيم‪ ،‬ويختم‬
‫لهم بخير‪.‬‬
‫أما من ينتظرون ظهور املهدي في مكان آخر غير سومر وأكاد‪ ،‬بلد آبائه نوح وإبراهيم‬
‫ا‬
‫(عليهما السلم) (‪ )2‬فسيطول انتظارهم وسيكون انتظارا بل نهاية‪.‬‬

‫‪ .1‬أما ارتباط نوح وحفيده إبراهيم (عليهما السالم) ببالد ما بين النهرين آثاريا ً وتاريخيا ً فواضح‪ ،‬وهو‬
‫ما انتهى إليه عالم اآلثار الشهير (سير ليونارد وولي) وغيره في تنقيبه عن مخلفات الطوفان في‬
‫(أور) إحدى مدن السومريين الرئيسية‪ ،‬يقول عالم اآلثار األلماني وورنر كلير‪( :‬وهكذا التقت واتحدت‬
‫أسطورة جلجامش مع قصة طوفان نوح في بئر محفور في سهل وادي الرافدين) اإلنجيل كتاريخ‪،‬‬
‫إثبات كتاب الكتب‪ ،‬نيويورك‪ :‬ويليام مورو‪ ،1964 ،‬الصفحات ‪. 29-25‬‬
‫وأما دينياً‪ ،‬فهذه بعض النصوص التي تؤكد ذلك‪:‬‬
‫عن المفضل بن عمر‪ ،‬قال‪( :‬كنت عند أبي عبد هللا ‪ ‬بالكوفة أيام قدم على أبي العباس فلما انتهينا‬
‫إلى الكناسة ‪ ..‬قال‪ :‬انزل فإن هذا الموضع كان مسجد الكوفة األول الذي خطه آدم ‪ ‬وأنا أكره أن‬
‫أدخله راكباً‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬فمن غيّره عن خطته؟ قال‪ :‬أما أ ّول ذلك الطوفان في زمن نوح ‪ .. ‬فقلت‪:‬‬
‫وكانت الكوفة ومسجدها في زمن نوح ‪‬؟ فقال لي‪ :‬نعم يا مفضل‪ ،‬وكان منزل نوح وقومه في قرية‬
‫على منزل من الفرات مما يلي غربي الكوفة ‪ ..‬يا مفضل ههنا نصبت أصنام قوم نوح ‪" ‬يغوث‬
‫إن هللا تبارك وتعالى أرسل عليهم المطر يفيض فيضا ً وفاض الفرات فيضا ً‬ ‫ويعوق ونسراً" ‪ ..‬ثم ّ‬
‫والعيون كلهن فيضا ً فغرقهم هللا عز ذكره وأنجى نوحا ً ومن معه في السفينة‪ )..‬الكافي‪ :‬ج‪ 8‬ص‪.281‬‬
‫(إن آزر أبا إبراهيم كان منجما ً لنمرود بن كنعان‪ ،‬فقال‬‫وعن ابن مسكان‪ ،‬قال‪ :‬قال أبو عبد هللا ‪ّ :‬‬
‫له‪ :‬إني أرى في حساب النجوم أن هذا الزمان يحدث رجالً فينسخ هذا الدين ويدعو إلى دين آخر‪ ،‬فقال‬
‫له نمرود‪ :‬في أي بالد يكون؟ قال‪ :‬في هذه البالد‪ ،‬وكان منزل نمرود بكوثى ربى ‪ )..‬بحار األنوار‪:‬‬
‫ج‪ 12‬ص‪.29‬‬
‫وهي قرية في العراق‪ ،‬انظر‪ :‬معجم البلدان ‪ -‬ياقوت الحموي‪ :‬ج‪ 4‬ص‪.487‬‬
‫‪ .2‬روى ابن األثير حديث علي ‪( : ‬قال له رجل‪ :‬أخبرني يا أمير المؤمنين عن أصلكم معاشر‬
‫قريش‪ ،‬فقال‪" :‬نحن من كوثى" أراد كوثى العراق وهي سرة السواد وبها ولد إبراهيم الخليل) النهاية‬
‫في غريب الحديث واألثر‪ :‬ج‪ 4‬ص‪.208‬‬
‫‪‬‬

‫بعض أو جل الباحثين في تاريخ الشرق األدنى أو األوسط القديم يعتبرون أن الدين‬


‫نتاج إنساني صرف‪ ،‬وبدأ بتأليه عشتار الله األنثى بمختلف مسمياتها‪ ،‬والتي وجدوا‬
‫تماثيلها بمختلف األحجام منتشرة في حضارات الشرق األدنى القديمة التي تمتد إلى أكثر‬
‫ا‬
‫من تسعة آالف سنة قبل امليلد‪ ،‬وقد وضعوا تعليل لهذه البداية الدينية أن املجتمع‬
‫ا‬
‫النساني في بداياته كان مجتمعا تسيطر عليه األنثى بصورة األم التي يجتمع حولها األبناء‬
‫ست األنثى (األم الكبرى‬‫الذين ال يعرفون غير انتسابهم لها‪ ،‬وهكذا بحسب هؤالء قد ْ‬
‫عشتار) وص ْ‬
‫نعت لها تماثيل‪.‬‬
‫وبعد زمن تحول املجتمع النساني إلى ذكوري عندما اكتشفت الزراعة وأخذوا في‬
‫االستقرار وبناء البيت والعائلة‪ ،‬وهذا أدى إلى إدخال اآللهة الذكور في املعابد‪ ،‬وهكذا‬
‫تكون الدين الذي تطور فيما بعد إلى اليهودية واملسيحية والسلم وغيرها‪.‬‬
‫ولكن ينس ى هؤالء الذين يبنون نظريتهم على تماثيل أنثوية قديمة أنه يمكن أن تنسف‬
‫ا‬
‫نظريتهم بسهولة‪ ،‬بفرض أن هذه التماثيل إنما صنعت لإلثارة الجنسية وال تمثل شيئا‬
‫ا‬
‫مقدسا‪ ،‬فوجود أنثى مقدسة صنع لها تمثال في عصر معين ال يجعل الباحث املحقق‬
‫يحكم بأن كل تمثال صنع ألنثى قبلها يمثلها‪ ،‬وهذا الرأي‪( :‬إن النسان القديم صنع‬
‫أدوات إثارة جنسية) موجود ويطرحه بعض علماء اآلثار‪.‬‬
‫ا‬
‫أيضا‪ :‬هناك نصوص أثرية تصف الله عشتار أو أنانا املعروفة في بلد سومر وأكاد‬
‫بصفات الدنيا التي يعيش فيها النسان‪ ،‬فهي في النصوص ليست األم وال حتى أنثى‬
‫حقيقية‪.‬‬
‫بل هي الدنيا التي رفض امللك دموزي عندما اعتلى العرش أن يسجد لها كما سجد لها‬
‫ملوك آخرين‪ ،‬فأسلمت دموزي (االبن الصالح) إلى الشياطين ليقتلوه‪:‬‬
‫[من ألواح سومر ‪ -‬كريمر]‪.‬‬
‫وهي الدنيا التي رفض جلجامش أن يخضع لها ملا جلس على العرش ولبس تاجه‪:‬‬

‫» (‪)1‬‬

‫إن إطالق األوصاف المذكورة في نص الملحمة على الدنيا كالغدر والمكر والخداع وما شابه‪ ،‬لهو‬‫‪ّ .1‬‬
‫أمر واضح في النصوص الدينية‪ ،‬وهذا مثال منها‪:‬‬
‫‪‬‬

‫[ملحمة جلجامش ‪ -‬طه باقر]‪.‬‬


‫ا‬
‫وعموما‪ ،‬فإن نظرية أن أصل الدين هو تأليه األنثى األم مجرد فرضية ال تستند إلى دليل‬
‫علمي رصين‪ ،‬ولهذا فلم أجد أن هناك حاجة للرد التفصيلي على هكذا فروض‪.‬‬
‫ولكن وجدت من الضروري بيان األدلة والشارات إلى األصل اللهي للدين السومري‪،‬‬
‫فهذا املوضوع يتعلق بإثبات أن الدين السومري دين إلهي سابق محرف‪ ،‬فهنا نريد بيان‬
‫أن السومريين الذين كانوا يعرفون الوضوء باملاء والصلة والصيام والدعاء والتضرع‬
‫شعب متدين‪ ،‬وأن دينهم إلهي(‪ ،)1‬فامللحم السومرية وقصص السومريين فيها إخبارات‬
‫غيبية حصلت بعد أن كان يتداولها السومريون بآالف السنين‪.‬‬
‫ا‬
‫نعم‪ ،‬ربما يكون دينهم محرفا في بعض الفترات‪ ،‬ولكنه دين إلهي‪ ،‬كما كان أهل مكة‬
‫ا‬
‫أصحاب ديانة حنيفية إبراهيمية محرفة ويعبدون أو يقدسون أصناما‪ ،‬وكما يوجد‬

‫(و َما هَ ِذ ِه ْال َحيَاةُ ال ُّد ْنيَا إِ اَّل لَ ْه ٌو َولَ ِعبٌ َوإِ ان ال ادا َر ْاآل ِخ َرةَ لَ ِه َي ْال َحيَ َو ُ‬
‫ان لَوْ َكانُوا يَ ْعلَ ُمونَ )‬ ‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫[العنكبوت‪.]64 :‬‬
‫ووصفها أمير المؤمنين علي ‪ ‬فقال‪( :‬يا دنيا إليك عني‪ ،‬أبي تعرضت أم إل ّي تشوقت‪َّ ،‬ل حان‬
‫حينك‪ ،‬هيهات غرّي غيري‪َّ .‬ل حاجة لي فيك‪ .‬قد طلقتك ثالثا ً َّل رجعة فيها‪ .‬فعيشك قصير‪ ،‬وخطرك‬
‫يسير‪ ،‬وأملك حقير) نهج البالغة‪ :‬خطبة ‪.77‬‬
‫وقال اَّلمام الصادق ‪( :‬كان عيسى بن مريم ‪ ‬يقول ألصحابه‪ :‬يا بني آدم اهربوا من الدنيا إلى‬
‫هللا‪ ،‬وأخرجوا قلوبكم عنها‪ ،‬فإنكم َّل تصلحون لها وَّل تصلح لكم‪ ،‬وَّل تبقون لها وَّل تبقى لكم‪ ،‬هي‬
‫الخداعة الفجاعة‪ ،‬ال مغرور من اغتر بها‪ ،‬المفتون من اطمأن إليها‪ ،‬الهالك من أحبها وأرادها‪ ،‬فتوبوا‬
‫إلى هللا بارئكم واتقوا ربكم ‪ )..‬بحار األنوار‪ :‬ج‪ 70‬ص‪.120‬‬
‫أن داراً هذه حالها يفرُّ منها أولياء هللا‪ ،‬ويرفضون الزواج منها (بمعنى ارتباطهم‬ ‫وبطيبيعة الحال‪ّ ،‬‬
‫ُ‬
‫أن الحياة األبدية والخلود يكون في دار أخرى كانت قلوبهم متعلقة بتلك الدار‪،‬‬ ‫بها)‪ ،‬ولما كانوا يعلمون ّ‬
‫وهو ما كان يفعله جلجامش‪.‬‬
‫أن انتشار تلك العبادات بينهم كان سببها أنبياء هللا الذين ينحدرون منهم‪ ،‬وهذه بعض‬ ‫‪ .1‬وبكل تأكيد ّ‬
‫النصوص التي توضح بعض تعاليم نوح وإبراهيم (عليهما السالم) مما كان يفعله السومريون‪ :‬عن‬
‫(إن نوحا ً ‪ ‬ركب السفينة أول يوم من رجب فأمر من كان‬ ‫كثير النواء‪ ،‬عن أبي عبد هللا ‪ ‬قال‪ّ :‬‬
‫معه أن يصوموا ذلك اليوم) الخصال للصدوق‪ :‬ص‪.503‬‬
‫عن إسماعيل الجعفي‪ ،‬عن أبي جعفر ‪ ‬قال‪( :‬كانت شريعة نوح ‪ ‬أن يعبد هللا بالتوحيد‬
‫واإلخالص وخلع األنداد وهي الفطرة التي فطر الناس عليها‪ ،‬وأخذ ميثاقه على نوح ‪ ‬والنبيين أن‬
‫يعبدوا هللا وَّل يشركوا به شيئاً‪ ،‬وأمره بالصالة واألمر والنهي والحرام والحالل‪ ،‬ولم يفرض عليه‬
‫أحكام حدود وَّل فرض مواريث‪ ،‬فهذه شريعته ‪ )..‬الكافي‪ :‬ج‪ 8‬ص‪.282‬‬
‫يقول‪ :‬ما اتخذ هللا إبراهيم خليالً إَّل إلطعامه‬ ‫عن جابر األنصاري‪ ،‬قال‪( :‬سمعت رسول هللا‬
‫الطعام‪ ،‬وصالته بالليل والناس نيام) علل الشرائع للصدوق‪ :‬ج‪ 1‬ص‪.35‬‬
‫اليوم السلفيون أو الوهابيون وهم عبدة صنم وورثة عبدة األصنام القدماء في مكة‪ ،‬فهم‬
‫ا ا‬
‫يقولون إنهم مسلمون ولكنهم يعبدون صنما كبيرا يعتقدون أنه موجود في السماء وغير‬
‫موجود في األرض‪ ،‬وله يدين اثنتين وفيها أصابع‪ ،‬ورجلين اثنتين‪ ،‬وعينين اثنتين على نحو‬
‫الحقيقة (‪.)1‬‬
‫دت وال تزال موجودة‪.‬‬‫فمسألة تحريف الدين اللهي وج ْ‬
‫ونحن إذا عدنا إلى بداية الدين اللهي نجد أن آدم جاء إلى األرض بالدين اللهي األول‪،‬‬
‫وفيه قصص أبنائه الصالحين من بعده‪ ،‬واملفروض أن الناس‪ ،‬كما هي عادتهم‪،‬‬
‫يحفظون هذه القصص ويروونها ويتوارثونها‪.‬‬
‫وقصص وملحم السومريين في بعض األحيان ما هي إال نقل لبعض هذه القصص‬
‫املقدسة املوروثة‪ ،‬فقد روى السومريون قصة الطوفان بالتفصيل وقبل التوراة بزمن‬
‫طويل‪:‬‬
‫[الطوفان ‪ -‬أول نوح‪:‬‬
‫صرنا متأكدين اآلن من أن قصة الطوفان التي وردت في التوراة‪ ،‬لم تكن في األصل‬
‫من وضع مدوني أسفار التوراة‪ ،‬وذلك منذ أن اكتشف (جورج سمث) الذي كان‬
‫يشتغل في املتحف البريطاني‪ ،‬اللوح الحادي عشر من ملحمة جلجامش‪ ،‬وحل رموزه‪.‬‬
‫‪ .1‬هذه بعض أقوال كبار الوهابيين المجسمة‪:‬‬
‫قال ابن باز‪ . .( :‬والصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة أن هللا سبحانه في السماء فوق العرش فوق‬
‫جميع خلقه ‪ )..‬مجموع فتاوى ومقاَّلت متنوعة ‪ /‬ج‪ .6‬وقال ابن عثيمين‪( :‬السائل يسأل‪ :‬أين هللا؟‬
‫‪ ..........‬الشيخ‪ :‬الحقيقة حول هذا الموضوع أنه يجب على المؤمن أن يعتقد أن هللا تعالى في السماء)‬
‫فتاوى نور على الدرب‪.‬‬
‫وأفتت لجنتهم الدائمة‪( :‬الواجب إثبات ما أثبته هللا لنفسه من اليدين والقدمين واألصابع وغيرها من‬
‫الصفات الواردة في الكتاب والسنة على الوجه الالئق باهلل سبحانه‪ ،‬من غير تحريف وَّل تكييف وَّل‬
‫تمثيل وَّل تعطيل وهي حقيقة َّل مجاز‪.‬‬
‫اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء‬
‫بكر أبو زيد‪ ..‬عبد العزيز آل الشيخ‪ ..‬صالح الفوزان‪ ..‬عبد هللا بن غديان‪ ..‬عبد العزيز بن عبد هللا بن‬
‫باز) فتاوى اللجنة الدائمة‪.376 / 2 :‬‬
‫قال ابن باز‪( :‬هللا سبحانه موصوف بأن له عينين‪ ،‬وأنه ليس بأعور خالفا ً للدجال فإنه أعور العين‬
‫اليمنى) مجموع فتاوى ومقاَّلت متنوعة ‪ /‬المجلد الثامن والعشرون‪.‬‬
‫وقال ابن عثيمين‪( :‬مذهب أهل السنة والجماعة‪ :‬أن هلل عينين اثنتين‪ ،‬ينظر بهما حقيقة على الوجه‬
‫الالئق به‪ ،‬وهما من الصفات الذاتية) مجموع فتاوى ابن عثيمين‪.58 / 4 :‬‬
‫‪‬‬

‫ولكن قصة الطوفان البابلية بدورها سومرية األصل‪ .‬فقد نشر (آرنوبوبل) في عام‬
‫‪ 1914‬قطعة هي الثلث األسفل من لوح سومري ذي ستة حقول وجده من بين‬
‫مجموعة ألواح (نفر) املحفوظة في متحف الجامعة‪ .‬وكانت محتوياتها تتعلق على‬
‫األغلب بقصة الطوفان وظلت هذه القطعة حتى اآلن وحيدة فريدة لم يعثر على ما‬
‫يطابقها أو يضاهيها ‪ ......‬وبالرغم مما في النص من كسر ونقص‪ ،‬فإن ما ورد فيه من‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫العبارات ذات شأن كبير‪ ........‬فهي تتضمن مواطن مهمة تلقى ضوءا كاشفا على خلق‬
‫اإلنسان‪ ،‬وأصل (امللكية)‪ ،‬ووجود ما ال يقل عن خمس مدن في عصر ما قبل‬
‫الطوفان] [من ألواح سومر ‪ -‬صموئيل كريمر‪ :‬ص‪.]252 - 251‬‬
‫ا‬
‫نعم‪ ،‬هي ربما قصص محرفة بعض األحيان ‪ -‬خصوصا في منظور الديانات األخرى ‪-‬‬
‫نتيجة مرور الزمن عليها ودخول املزاج النساني املشوش بالوساوس لها‪ ،‬ولكن هل‬
‫ا‬
‫الـمحرف يخلو من الحقيقة تماما؟!!!‬
‫هل تساءلنا أين ذهب تراث آدم ونوح؟!!‬
‫وأين كان هذا التراث في زمن السومريين أو األكاديين؟!!‬
‫أين ذهب تراث الدين اللهي الذي كان قبل الطوفان؟!!‬
‫ال يعقل أن يهتم نوح ‪ ‬ومن معه بنقل املاعز والبقر وال يهتمون بنقل الدين اللهي‬
‫منذ آدم ‪ ‬في صدورهم‪ ،‬والبد أن النسانية بعد نوح ‪ - ‬ممثلة بالسومريين أو‬
‫األكاديين وورثتهم البابليين واآلشوريين ‪ -‬كما نقلت تاريخ امللوك واملزارعين والحرفيين‬
‫ا‬
‫نقلت أيضا تراث آدم ونوح واملثل العليا املقدسة ولو محرفة وفي قصص تتناقلها‬
‫ا‬
‫األجيال‪ ،‬لتكون النتيجة أن الدين السومري أو االكادي هو دين آدم ونوح محرفا ربما‬
‫بعض األحيان بتأليه كل ش يء يؤله له كالدنيا والصالحين‪.‬‬
‫وكمثال على التحريف‪ :‬محاولة تحريف مللحمة جلجامش اكتشفت في اآلثار‪.‬‬
‫ا‬
‫وهذا طبعا يدل على أمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬إن ملحمة جلجامش نص ديني‪ ،‬فل يوجد أحد يهتم بتحريف نص أدبي‪.‬‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫والثاني‪ :‬إن نص ملحمة جلجامش الذي وصلنا ليس خاليا من التحريف حتما‪.‬‬
‫يقول طه باقر‪:‬‬

‫[ملحمة جلجامش ‪ -‬طه باقر]‪.‬‬

‫[أساطير بابل ‪ -‬شارل]‪.‬‬


‫فإذا كانت هناك محاوالت تحريف مقصودة لنصوص مكتوبة فما بالك بالنصوص‬
‫املنقولة شفاهة قبل عصر الكتابة (‪ ،)1‬أكيد أن تعرضها للتحريف أكبر‪ ،‬وإنها ملا دونت في‬
‫عصور الكتابة والتدوين األولى دونت بصورتها املحرفة‪ ،‬وبالتالي فقصة الطوفان وقصة‬
‫دموزي وقصة جلجامش وغيرها من القصص ذات األصول السومرية ‪ -‬االكادية يمكننا‬
‫أن نجزم أنها لم تدون بالصورة التي تداولها القاص قبل عهد التدوين‪.‬‬

‫‪ .1‬يعتقد أغلب مؤرخي الحضارات اإلنسانية ّ‬


‫أن الكتابة والتدوين ابتدأ بحدود ‪ 3500‬سنة (ق‪.‬م)‬
‫تقريباً‪ .‬وعليه‪ ،‬فمثل قصة الطوفان أو دموزي أو جلجامش كانت تتناقل بين السومريين واألكاديين‬
‫شفاهة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫الحقيقة إن أي مطلع على التوراة والنجيل والقرآن وعلى ما حوته الرقم الطينية‬
‫ا‬
‫السومرية سيحكم قطعا بأحد حكمين ال محالة وال مناص له عن أحدهما‪:‬‬
‫الحكم األول‪ :‬إن الدين أصله من تأليف النسان السومري‪ ،‬وما التوراة والنجيل‬
‫والقرآن إال عملية اجترار للدين السومري (خلق النسان األول آدم‪ ،‬قصة هابيل وقابيل‪،‬‬
‫قصة الطوفان‪ ،‬الخطيئة‪ ،‬الحياة بعد املوت‪ ،‬الجنة‪ ،‬النار ‪ ...‬الخ)‪.‬‬
‫الحكم الثاني‪ :‬إن الدين السومري هو نفسه دين آدم ودين نوح (عليهما السلم) ولكنه‬
‫نقل ثم دون بصورة محرفة وتعبد به السومريون أو االكاديون (البابليون واآلشوريون)‬
‫بصورته املحرفة‪ ،‬وهذا ما أريد بيانه من خلل بيان أن القصص السومرية ما هي إال‬
‫إخبارات غيبية جاء بها آدم إلى األرض‪ ،‬وهي قصص الصالحين من أبنائه وما سيمر‬
‫ا‬
‫بهم‪ ،‬وخصوصا من يمثلون علمات مهمة في طريق الدين‪ ،‬مثل دموزي (االبن الصالح)‪،‬‬
‫أو جلجامش‪.‬‬
‫ا‬
‫الشبه الكبير جدا بين ما هو مدون في التوراة وبين األلواح السومرية انتبه له (د‪.‬‬
‫ا‬
‫صموئيل كريمر) ووصل به األمر أن يضع فصوال في كتبه يبين فيها الشبه بين األلواح‬
‫الطينية السومرية والتوراة‪ ،‬وكمثال‪:‬‬
‫[الفصل السابع عشر (الفردوس) أول أوجه مشابهة مع التوراة] [من ألواح سومر‪:‬‬
‫ص‪.]239‬‬
‫[الزواج املقدس ونشيد اإلنشاد لسليمان] [اينانا ودموزي طقوس الجنس املقدس عند‬
‫السومريين ‪ -‬د‪ .‬صموئيل كريمر]‪.‬‬
‫والسومريون كانوا يعرفون ويعملون بأمور دقيقة في الدين اللهي‪ ،‬مثل االعتقاد‬
‫بالرؤى وأنها كلم هللا‪ ،‬والتوسم واالعتقاد بأن هللا ممكن أن يكلم النسان في كل ش يء‬
‫يمر به‪.‬‬
‫‪‬‬

‫[أساطير بابل‪:‬‬
‫ص‪.]28‬‬
‫وقصص السومريين تتكلم بوضوح ‪ -‬كما في بقية األديان اللهية ‪ -‬عن الحياة بعد‬
‫املوت‪ ،‬وأن املحسنين والصالحين يذهبون إلى الجنة والطالحين إلى الجحيم (‪:)1‬‬

‫[أساطير‬ ‫‪‬‬
‫بابل‪ :‬ص‪.]38‬‬
‫***‬

‫أن هذه العقيدة وما سبقها وغيرها‪ ،‬كان السومريون قد تعلموها من أنبياء هللا الكرام‬ ‫‪ .1‬بكل تأكيد ّ‬
‫عليهم السالم‪ ،‬وإن كان قد ظهر منهم مفكرون ومعلمون بعد الطوفان فهم بالنتيجة خلطوا ما ورثوه‬
‫من األنبياء بآرائهم‪:‬‬
‫يقول د‪ .‬صموئيل كريمر في كتابه "السومريون"‪( :‬ولدينا من األسباب المعقولة‪ ،‬ما يحملنا على‬
‫اَّلستنتاج أنه ظهر في غضون األلف الثالث ق‪ .‬م طائفة من المفكرين والمعلمين السومريين‪ ،‬حاولوا‬
‫أن يصلوا الى إجابات مرضية عن المسائل التي أثارتها تأمالتهم في الكون وأصل األشياء فك ّونوا‬
‫آراء وعقائد في أصل الكون واإللهيات‪ ،‬اتسمت بقدر عظيم من اإلقناع العقلي‪ ،‬وأصبحت آراؤهم‬
‫ومعتقداتهم فيما بعد عقائد ومبادئ أساسية لكثير من شعوب الشرق األدنى القديم)‪.‬‬
‫هناك أدلة ترشد إلى أن قصص السومريين أو االكاديين ما هي إال قصص وإخبارات‬
‫غيبية لقصص حقيقية آتية بعد السومريين في مسيرة الدين اللهي‪ُّ ،‬‬
‫وأي قارئ لأللواح‬
‫الطينية السومرية سيرى أنها تخبر عن أنبياء ورسل جاءوا في زمن متأخر عنها‪ ،‬مثل الذي‬
‫ورد في قصة النبي أيوب ‪ ‬قبل أن يأتي أيوب ‪ ‬وتدون قصة أيوب ‪ ‬في التوراة‬
‫وفي القرآن‪.‬‬

‫[من ألواح سومر ‪ -‬كريمر]‪.‬‬


‫وهذه مقتطفات من قصة أيوب كما دونت في األلواح السومرية وقبل أن يولد أيوب‬
‫ا‬
‫بزمن بعيد جدا‪:‬‬
‫‪‬‬

‫(‪[ )1‬من ألواح سومر ‪ -‬د‪.‬كريمر]‪.‬‬

‫‪ .1‬استمعنا للنص السومري وهو يصور ألم أيوب ‪ ،‬ثم كيف استجاب هللا له ورفع عنه المرض‬
‫واأللم‪ ،‬واآلن نرى بعض النصوص الدينية التي تبين لنا بعض حال أيوب ‪:‬‬
‫نت أَرْ َح ُم الر ِ‬
‫ااح ِمينَ ) [األنبياء‪ ،]83 :‬وقال‪:‬‬ ‫ُّوب إِ ْذ نَادَى َرباهُ أَنِّي َم اس ِن َي الضُّ رُّ َوأَ َ‬ ‫قال تعالى‪َ ( :‬وأَي َ‬
‫ب) [ص‪.]41 :‬‬ ‫ب َو َع َذا ٍ‬
‫ان بِنُصْ ٍ‬‫ط ُ‬ ‫ُّوب إِ ْذ نَادَى َرباهُ أَنِّي َم اسنِ َي ال اش ْي َ‬
‫( َو ْاذ ُكرْ َع ْب َدنَا أَي َ‬
‫عن داود بن سرحان‪ ،‬عن أبي عبد هللا ‪ ‬قال‪( :‬قال هللا جل جالله‪ :‬إن عبدي أيوب ما أنعم عليه‬
‫بنعمة إَّل ازداد شكراً‪ ،‬فقال الشيطان لو نصبت عليه البالء فابتليته كيف صبره؟ فسلّطه على إبله‬
‫ورقيقه فلم يترك له شيئا ً ‪ ..‬فقال أيوب‪ :‬الحمد هلل الذي أعطى والحمد هلل الذي أخذ‪ ،‬وكذلك ببقره وغنمه‬
‫ومزارعه وأرضه وأهله وولده حتى مرض مرضا ً شديداً فأتاه أصحاب له فقالوا‪ :‬يا أيوب ما كان أحد‬
‫من الناس في أنفسنا وَّل خير عالنية خيراً عندنا منك‪ ،‬فلعل هذا الشئ كنت أسررته فيما بينك وبين‬
‫ربك لم تطلع عليه أحداً فابتالك هللا من أجله؟ فجزع جزعا ً شديداً ودعا ربه فشفاه هللا تعالى ورد عليه‬
‫ما كان له من قليل أو كثير في الدنيا ‪ )..‬بحار األنوار‪ :‬ج‪ 12‬ص‪.351‬‬
‫‪‬‬
‫بكى وناح السومريون أو االكاديون على دموزي (دمو‪ :‬االبن‪ ،‬زي‪ :‬الصالح) آالف‬
‫السنين‪ .‬واستمر نواح بلد ما بين النهرين على دموزي حتى زمن النبي حزقيال‪ ،‬نقل في‬
‫التوراة أن سكان بلد ما بين النهرين كانوا ينوحون على تموز (دموزي)‪:‬‬

‫[حزقيال‪.]16 - 13 - 8 :‬‬
‫والعمل املوصوف بأنه رجس هو قتل تموز (دموزي) الذي جعل أولئك النساء يبكين‬
‫والرجال يسجدون عند مذبحه‪.‬‬
‫تبدأ قصة مقتل امللك دموزي بأنه يدفع ثمن رفضه السجود لعشتار ‪ -‬أنانا (الدنيا)‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪1‬‬

‫[من ألواح سومر‪ :‬ص‪.]279 - 277‬‬

‫أن (عشتار = أنانا) هي الدنيا‪َّ ،‬ل نتفاجئ اآلن من وصفها بالطاهرة‪ ،‬والذي هو بكل‬ ‫‪ .1‬بعد أن عرفنا ّ‬
‫تأكيد وصف يطلقه أهلها وعبّادها عليها‪ ،‬كالعلماء غير العاملين الذين يح ِّرفون الحق والحقيقة‪ ،‬ولذا‬
‫فإن حقيقتهم أنهم أموات وَّل نصيب لهم من حياة القلوب التي يدعوا لها خلفاء هللا وَّل حظا لهم من‬ ‫ّ‬
‫طعام السماء وموائدها‪.‬‬
‫وهكذا فإن عشتار ‪ -‬أنانا زوجة دموزي امللك سلمته للشياطين ليقتلونه في مفارقة‬
‫يصعب فهمها على من ال يعرفون معنى حاكمية هللا أو التنصيب اللهي‪ ،‬أو كما يعبر عنها‬
‫السومرييون ‪ -‬األكاديون "امللوكية التي نزلت من السماء"‪.‬‬
‫ا‬
‫ولكنها حقيقة تكررت كثيرا في الدين اللهي‪ ،‬وهي أن عشتار ‪ -‬الدنيا منقادة في كثير‬
‫من األحيان للملوك الذين لم ينصبهم هللا؛ ألنهم ساجدون وخاضعون لها‪ ،‬فهم يعبدون‬
‫شهواتهم الدنيوية‪.‬‬
‫وعشتار ‪ -‬الدنيا متمردة على املنصبين من هللا للحكم فيها؛ ألنهم في الحقيقة‬
‫متمردون عليها‪ .‬فنصيب علي ‪ ‬كان خمس سنوات مرة‪ ،‬هاجت فيها كل شياطين‬
‫األرض ملحاربته ‪ ‬في الجمل وصفين والنهروان‪ ،‬وما قروا حتى قتلوه في الكوفة‪.‬‬
‫ونصيب الحسين ‪ ‬امللك املنصب للحكم في الدنيا مذبحة لم يسلم منها حتى‬
‫الرضيع‪.‬‬
‫َ‬
‫وهذه بعض النصوص التي وصلت في الرقم الطينية السومرية عن مأساة دموزي‬
‫وأخته‪ ،‬وسنرى كم هي قريبة من وصف ما جرى على الحسين ‪ ،)1( ‬رغم أنها نصوص‬
‫آثارية تناقلها السومريون ‪ -‬االكاديون قبل والدة الحسين ‪ ‬بآالف السنين‪:‬‬

‫‪2‬‬

‫‪ .1‬وألجل تأكيد القرب بين ما موجود في النصوص السومرية المبيِّنة لمأساة دموزي وأُخته وبين ما‬
‫جرى فعالً على الحسين وأُخته زينب (عليهما السالم)‪ ،‬ستكون هناك مقارنة مختصرة بين بعض‬
‫فقرات النص السومري وما ذكرته الروايات‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ .2‬إطالق وصف الراعي على (دموزي) باعتباره ملكا إلهيا (أي خليفة من خلفاء هللا في أرضه)‪،‬‬
‫ولذا يقول عيسى ‪ 14( :‬أنا الراعي الصالح أعرف خرافي وخرافي تعرفني) الكتاب المقدس ‪-‬‬
‫مجمع الكنائس الشرقية‪ :‬ص‪.322‬‬
‫عن أبي بصير عن أبي عبد هللا ‪ ‬قال‪( :‬قال أمير المؤمنين ‪ :‬أنا الراعي؛ راعي األنام‪ ،‬أفترى‬
‫الراعي َّل يعرف غنمه‪ ،‬قال‪ :‬فقام إليه جويرية قال‪ :‬يا أمير المؤمنين فمن غنمك؟ قال‪ :‬صفر الوجوه‬
‫ذبل الشفاه من ذكر هللا) فضائل الشيعة للصدوق‪ :‬ص‪.25‬‬
‫‪‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪ .1‬روى الصدوق قول اَّلمام الحسن ‪ ‬ألخيه الحسين ‪( :‬إن الذي يؤتى إل ّي سم يدس إل ّي فاقتل‬
‫به‪ ،‬ولكن َّل يوم كيومك يا أبا عبد هللا‪ ،‬يزدلف إليك ثالثون ألف رجل‪ ،‬يدعون أنهم من أمة جدنا محمد‬
‫‪ ،‬وين تحلون دين اَّلسالم‪ ،‬فيجتمعون على قتلك‪ ،‬وسفك دمك‪ ،‬وانتهاك حرمتك‪ ،‬وسبي ذراريك‬
‫ونسائك‪ ،‬وانتهاب ثقلك‪ ،‬فعندها تحل ببني أمية اللعنة‪ ،‬وتمطر السماء رماداً ودماً‪ ،‬ويبكي عليك كل‬
‫شيء حتى الوحوش في الفلوات‪ ،‬والحيتان في البحار) األمالي‪ :‬ص‪.178‬‬
‫‪ .2‬عن أبي بصير قال‪( :‬كنت عند أبي عبد هللا ‪ ‬وأحدثه فدخل عليه ابنه فقال له‪ :‬مرحبا ً وض ّمه‬
‫وقبّله وقال‪ :‬حقّر هللا من حقركم‪ ،‬وانتقم ممن وتركم‪ ،‬وخذل هللا من خذلكم‪ ،‬ولعن هللا من قتلكم‪ ،‬وكان‬
‫هللا لكم وليا ً وحافظا ً وناصراً‪ ،‬فقد طال بكاء النساء وبكاء األنبياء والصديقين‪ ،‬والشهداء‪ ،‬ومالئكة‬
‫ال سماء‪ .‬ثم بكى وقال‪ :‬يا أبا بصير إذا نظرت إلى ولد الحسين أتاني ما َّل أملكه بما أتى إلى أبيهم‬
‫وإليهم‪ ،‬يا أبا بصير إن فاطمة لتبكيه وتشهق ‪ )..‬بحار األنوار‪ :‬ج‪ 45‬ص‪.208‬‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪ .1‬قال اَّلمام علي بن الحسين ‪ ‬لعمته زينب عليها السالم بعد خطبتها ألهل الكوفة‪( :‬يا عمة‬
‫اسكتي ففي الباقي من الماضي اعتبار‪ ،‬وأنت بحمد هللا عالمة غير معلمة‪ ،‬فهمة غير مفهمة ‪)..‬‬
‫اَّلحتجاج للطبرسي‪ :‬ج‪ 2‬ص‪.31‬‬
‫‪ .2‬عن اَّلمام الصادق ‪ ‬أنه قال‪( :‬إن زين العابدين ‪ ‬بكى على أبيه أربعين سنة صائما ً نهاره‬
‫قائما ً ليله‪ ،‬فإذا حضر اَّلفطار جاءه غالمه بطعامه وشرابه‪ ،‬فيضعه بين يديه فيقول‪ُ :‬كل يا موَّلي‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬قتل ابن رسول هللا جائعاً‪ ،‬قتل ابن رسول هللا عطشاناً‪ ،‬فال يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبل‬
‫طعامه من دموعه ثم يمزج شرابه بدموعه‪ ،‬فلم يزل كذلك حتى لحق باهلل عز وجل) بحار األنوار‪:‬‬
‫‪ 45‬ص‪.149‬‬
‫‪‬‬

‫‪1‬‬

‫‪ .1‬يقول أبو مخنف بعد مقتل أنصار الحسين ‪( :‬وقف الحسين على أصحابه‪ ،‬وأخذ يدعوهم‬
‫بأسمائهم واحداً واحداً‪ ،‬يا مسلم بن عقيل‪ ،‬ويا هاني بن عروة‪ ،‬ويا حبيب بن مظاهر‪ ،‬ويا زهير بن‬
‫القين‪ ،‬يا فالن ويا فالن‪ ،‬يا ابطال الصفا ويا ليوث الهيجاء‪ ،‬ما لي أناديكم فال تجيبون وأدعوكم فال‬
‫تسمعون‪ ،‬أنتم نيام أرجوكم تنتبهون أم حالت مودتكم عن أمامكم فال تسمعون‪ ،‬هذه نساء الرسول‬
‫لفقدكم قد عالهن النحول ولكن صرعكم وهللا ريب المنون وغدر بكم الدهر الخؤون) مقتل الحسين‪:‬‬
‫ص‪.133‬‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪ .1‬تقدم قول اَّلمام الحسن ‪َّ( : ‬ل يوم كيومك يا أبا عبد هللا‪ ،‬يزدلف إليك ثالثون ألف رجل‪.. ،‬‬
‫فيجتمعون على قتلك‪ ،‬وسفك دمك‪ ،‬وانتهاك حرمتك‪ ،‬وسبي ذراريك ونسائك‪ ،‬وانتهاب ثقلك‪ ،‬فعندها‬
‫تحل ببني أمية اللعنة‪ ،‬وتمطر السماء رماداً ودما ً ‪.)..‬‬
‫‪ .2‬قال الشيخ المفيد عن الحسين ‪( :‬دعا ابنه عبد هللا (الرضيع) قالوا‪ :‬فجعل يقبله وهو يقول‪ :‬ويل‬
‫لهؤَّلء القوم إذا كان جدك محمد المصطفى خصمهم‪ ،‬والصبي في حجره‪ ،‬إذ رماه حرملة بن كاهل‬
‫األسدي بسهم فذبحه في حجر الحسين‪ ،‬فتلقى الحسين دمه حتى امتألت كفه‪ ،‬ثم رمى به إلى السماء)‬
‫بحار األنوار‪ :‬ج‪ 45‬ص‪.46‬‬
‫‪‬‬

‫‪1‬‬

‫‪ .1‬هذا مقطع يصور فيه اَّلمام المهدي ‪ ‬حال ع ّمته زينب عليها السالم وأخواتها بعد مصرع‬
‫الحسين ‪ ..( :‬فلما رأين النساء جوادك مخزيا ً وأبصرن سرجك ملوياً‪ ،‬برزن من الخدور للشعور‬
‫ناشرات‪ ،‬وللخدود َّلطمات‪ ،‬وللوجوه سافرات‪ ،‬وبالعويل داعيات‪ ،‬وبعد العز مذلالت‪ ،‬وإلى مصرعك‬
‫مبادرات) بحار األنوار‪ :‬ج‪ 98‬ص‪.241‬‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫‪ .1‬يص ّور لنا اَّلمام المهدي ‪ ‬حال أطفال الحسين ‪ ‬وعياله فيقول‪ ..( :‬وسُبي أهلك كالعبيد‪،‬‬
‫وصفدوا في الحديد‪ ،‬فوق أقتاب المطيات‪ ،‬تلفح وجوههم حرور الهاجرات‪ ،‬يساقون في الفلوات‪،‬‬
‫أيديهم مغلولة إلى األعناق‪ ،‬يطاف بهم في األسواق) بحار األنوار‪ :‬ج‪ 98‬ص‪.241‬‬
‫‪ .2‬هذا كان نداء زينب عليها السالم بعد مقتل أخيها الحسين ‪( :‬يا محمداه بناتك سبايا‪ ،‬وذريتك‬
‫مق تلة‪ ،‬تسفي عليهم ريح الصبا‪ ،‬وهذا حسين مجزوز الرأس من القفا‪ ،‬مسلوب العمامة والرداء‪ ،‬بأبي‬
‫من عسكره في يوم اَّلثنين نهبا‪ ،‬بأبي من فسطاطه مقطع العرى‪ ،‬بأبي من َّل هو غائب فيرتجى‪ ،‬وَّل‬
‫جريح فيداوى‪ ،‬بأبي من نفسي له الفداء‪ ،‬بأبي المهموم حتى قضى‪ ،‬بأبي العطشان حتى مضى‪ ،‬بأبي‬
‫من شيبته تقطر بالدماء ‪ )..‬بحار األنوار‪ :‬ج‪ 45‬ص‪.59‬‬
‫‪ .3‬هذا مقطع يصور فيه اَّلمام المهدي ‪ ‬حال جده الحسين ‪ ‬يوم عاشوراء‪ ..( :‬وقد عجبت من‬
‫صبرك مالئكة السماوات‪ ،‬وأحدقوا بك من كل الجهات‪ ،‬وأثخنوك بالجراح وحالوا بينك وبين ماء‬
‫الفرات‪ ،‬ولم يبق لك ناصر‪ ،‬وأنت محتسب صابر‪ ،‬تذب عن نسوانك وأوَّلدك‪ .‬فهويت إلى األرض‬
‫طريحاً‪ ،‬ظمآن جريحاً‪ ،‬تطؤك الخيول بحوافرها‪ ،‬وتعلوك الطغاة ببواترها‪ ،‬قد رشح للموت جبينك‪،‬‬
‫واختلفت باَّلنبساط واَّلنقباض شمالك ويمينك‪ ،‬تدير طرفا ً منكسراً إلى رحلك‪ ،‬وقد شغلت بنفسك عن‬
‫ولدك وأهلك‪ ،‬وأسرع فرسك شارداً‪ ،‬وإلى خيامك قاصداً‪ ،‬محمحما ً باكياً‪ .‬فلما رأين النساء جوادك‬
‫مخزياً‪ ،‬وأبصرن سرجك ملوياً‪ ،‬برزن من الخدور للشعور ناشرات‪ ،‬وللخدود َّلطمات‪ ،‬وللوجوه‬
‫‪‬‬

‫[إنانا ملكة السماء واألرض ‪ -‬صموئيل نوح‬


‫كريمر ودايان ولكشتاين]‪.‬‬
‫[كما نقرأ في التقاويم البابلية أن الحزن والبكاء على اإلله (دموزي) كان يبدأ في‬
‫اليوم الثاني من شهر (‪ )Du uzi‬أي تموز وإنه كانت تقام مواكب للعزاء تحمل فيها‬
‫املشاعل وذلك في اليوم التاسع والسادس عشر والسابع عشر‪ .‬وكان يقام في األيام‬
‫الثالثة األخيرة من هذا الشهر احتفال اسمه باالكدية (‪ )Talkimtu‬يجري خالله‬
‫عرض ودفن طقس ي لدمية تمثل اإلله تموز ولكن على الرغم من األثر الذي تركته‬
‫عقيدة موت اإلله دموزي في املجتمع القديم في وادي الرافدين وخارجه فإن الحزن‬
‫ً‬
‫عليه لم يصبح في يوم ما من طقوس املعبد بل ظل يقام سنويا في نطاق املمارسات‬
‫الشعبية ‪ ......‬لقد وصلنا عدد من املناحات التي ألفها الشعراء السومريون‬
‫والبابليون للبكاء على اإلله الشاب دموزي والتي كانت تقرأ في مواكب العزاء في املدن‬
‫املختلفة] [عشتار ومأساة تموز‪ /‬د‪ .‬فاضل عبد الواحد علي]‪.‬‬

‫»‬
‫[عشتار ومأساة تموز ‪ -‬د‪ .‬فاضل عبد الواحد علي]‪.‬‬

‫وفي قصيدة أخرى يرثي بها الشاعر السومري دموزي (االبن الصالح)‪ ،‬فيقول‪:‬‬

‫سافرات‪ ،‬وبالعويل داعيات‪ ،‬وبعد العز مذلالت‪ ،‬وإلى مصرعك مبادرات‪ ،‬وشمر جالس على‬
‫صدرك‪ ،‬مولغ سيفه في نحرك‪ ،‬قابض شيبتك بيده‪ ،‬ذابح لك بمهنده‪ ،‬وقد سكنت حواسك‪ ،‬وخمدت‬
‫أنفاسك‪ ،‬وورد على القناة رأسك‪ ،‬وسبي أهلك كالعبيد‪ ،‬وصفدوا في الحديد فوق أقتاب المطيات‪ ،‬تلفح‬
‫وجوههم حرور الهاجرات‪ ،‬يساقون في الفلوات‪ ،‬أيديهم مغلولة إلى األعناق‪ ،‬يطاف بهم في األسواق‬
‫‪ )..‬بحار األنوار‪ :‬ج‪ 98‬ص‪.241‬‬
‫»‬
‫[عشتار ومأساة تموز ‪ -‬د‪ .‬فاضل عبد الواحد علي]‪.‬‬

‫ا‬ ‫ا‬
‫حقيقة إن ظلما كبيرا يطال السومريين الذين علموا النسانية الكتابة ووضعوا‬
‫القوانين وأسس العلوم‪ ،‬وهم أول من صنع العجلة ووضع نظم الحساب والجبر‬
‫والهندسة عندما يصورهم د‪ .‬كريمر ويتبعه بعض املختصين بالحضارة السومرية‪ :‬إنهم‬
‫ينوحون على ش يء أسطوري أو قصة أسطورية هم من ألفها‪ ،‬وهي مجرد تعبير عن‬
‫الخصب والجدب اللذين يتعاقبان على السنة‪.‬‬
‫وكأنهم شعب تعاطى كل أفراده مادة مخدرة أفقدتهم عقولهم بحيث إنهم وورثتهم‬
‫البابليون ينوحون ويقيمون مجالس العزاء آالف السنين على رمز في قصة هم ألفوها من‬
‫ألفها إلى يائها‪.‬‬
‫ا‬
‫آالف السنين وسكان بلد ما بين النهرين جيل بعد جيل وكل سنة يصورون جثة‬
‫دموزي‪ ،‬وكل سنة يبكون على دموزي‪ ،‬وكل سنة يقرؤون قصائد رثاء دموزي‪.‬‬
‫كل هذا مجرد أوهام؟!‬
‫ومجرد قصة هم ألفوها!!‬
‫وألجل ماذا؟!‬
‫ألجل التعبير عن خصب يأتي في الربيع وجدب يتبعه في فصل آخر من السنة!!!‪.‬‬
‫‪‬‬

‫املفروض أن يكون هناك جواب معقول لنواح أول حضارة عرفتها النسانية وطيلة‬
‫آالف السنين على دموزي (االبن الصالح) أو تموز‪.‬‬
‫تخبرنا بوضوح تام أن‬ ‫وفيما يخص التراث الديني فإن الروايات عن األئمة‬
‫السومريين قد ناحوا وبكوا على الحسين ‪ ‬من خلل نقل بكاء وحزن األنبياء‬
‫السومريين؛ نوح ‪ ‬وإبراهيم ‪ ‬على الحسين ‪:‬‬
‫عن الفضل بن شاذان‪ ،‬قال‪ :‬سمعت الرضا ‪ ‬يقول‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫الخصال للشيخ الصدوق‪:‬‬


‫ص‪ ،59 /58‬عيون أخبار الرضا‪ :‬ج‪ 2‬ص‪187‬‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُّ ْ ُ ُ َ َّ َ َ َ ُ َ ْ َ‬
‫اَّلل ‪ ‬في سقم إبراهيم ‪:‬‬
‫عن ع ِّلي بن محم ٍد رفعه‪ ،‬عن أ ِّبي عب ِّد ِّ‬

‫‪‬‬
‫[الكافي‪ :‬ج‪ 1‬ص‪.]465‬‬ ‫‪‬‬
‫وروى العالمة املجلس ي في البحار‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫[بحار األنوار‪ :‬ج‪ 44‬ص‪.)1( ]243‬‬


‫ما تقدم يجعل القارئ املتدبر يلتفت بقوة إلى أن ملحم سومر وأكاد هي إخبارات‬
‫دينية وبعضها غيبي مستقبلي بالنسبة للزمن الذي دونت فيه‪.‬‬
‫ا ا‬
‫ويجعلنا ال نشك أن الدين يشكل جزءا كبيرا من محتوى امللحم والقصص السومرية‬
‫‪ -‬االكادية (البابلية واآلشورية)‪.‬‬
‫ا‬
‫وما دمنا قد وصلنا إلى هنا فأرى من املناسب جدا أن نمر على ملحمة أوروك الخالدة‬
‫ا‬
‫أو ملحمة جلجامش‪ ،‬وسنحاول معا قراءتها بصورة أخرى ربما ليست معهودة‪ ،‬سنحاول‬
‫قراءتها على أنها قصة قصها آدم ألبنائه‪ ،‬وقصها نوح ألبنائه‪ ،‬وقصها إبراهيم ألبنائه‪،‬‬
‫ا‬
‫وانتشرت بين السومريين وبين شعوب العالم القديم وخصوصا في الشرق األدنى‪،‬‬
‫وأصبحت القصة املفضلة لسكان بلد ما بين النهرين (‪ )mesopotamia‬وتناقلتها األجيال‬
‫ا‬
‫حتى وصلتنا عبر آالف السنين‪ ،‬ولكنها ربما شوهت وحرفت ‪ -‬كما تبين لنا سابقا ‪ -‬عندما‬
‫تداولها الناس‪.‬‬
‫ا‬
‫قصة جلجامش الذي سيأتي يوما ليحقق العدالة وينقذ النوع النساني من‬
‫حيوانيته‪ ،‬وفي اآلثار املصرية القديمة‬
‫[أساطير بابل ‪ -‬شارل فيروللو]‪.‬‬
‫ا‬
‫جلجامش الذي تنتظره بلد ما بين النهرين (سومر) أو جنوب العراق ليظهر فيها يوما‬
‫ما منذ آالف السنين (‪.)2‬‬
‫***‬

‫‪ .1‬وللمزيد انظر‪ :‬ملحق رقم (‪.)1‬‬


‫ُ‬
‫‪ .2‬واضح في نصوص األديان‪ ،‬واآلن أضيف لها نصوص األلواح السومرية‪ّ ،‬‬
‫أن أمر المنقذ‬
‫والمخلص العالمي الموعود أمره يرتبط بالشرق وبالعراق تحديداً‪ ،‬انظر‪ :‬ملحق رقم (‪.)2‬‬
‫‪1‬‬

‫إن هذه األُم المق ّدسة في النصوص السومرية ذكرت في نصوص األديان الالحقة‪ ،‬وهي ترتبط‬ ‫‪ّ .1‬‬
‫بالمنقذ المنتظر أيضاً‪:‬‬
‫جلجامش المنتظر (ابن ننسونا‪ ،‬األُم الباكية على دموزي)‪ ،‬المحارب العتيد والراعي الموعود‪ ،‬لدى‬
‫السومريين‪.‬‬
‫المخلص المنتظر (ابن المرأة المتسربلة بالشمس والقمر)‪ ،‬العتيد والراعي الموعود لجميع األُمم بعصا‬
‫من حديد لدى المسيحيين‪:‬‬
‫«‪ 1‬وظهر ت آية عظيمة في السماء امرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها وعلى رأسها إكليل‬
‫من اثني عشر كوكباً‪ 2 .‬وهي حبلى تصرخ متمخضة ومتوجعة لتلد ‪ 5 ...‬فولدت ابنا ً ذكراً عتيداً أن‬
‫يرعى جميع األمم بعصا من حديد ‪ 11 ...‬وهم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم‬
‫حتى الموت ‪ 12‬من أجل هذا افرحي أيتها السماوات والساكنون فيها ويل لساكني األرض والبحر ألن‬
‫إبليس نزل إليكم وبه غضب عظيم عالما ً أن له زمانا ً قليالً ‪ 13‬ولما رأى التنين أنه طرح إلى اَّلرض‬
‫اضطهد المرأة التي ولدت اَّلبن الذكر ‪ 17 ...‬فغضب التنين على المرأة وذهب ليصنع حربا ً مع باقي‬
‫نسلها الذين يحفظون وصايا هللا ‪ »...‬رؤيا يوحنا‪ -‬األصحاح ‪.12‬‬
‫وإذا كان لدى جلجامش ذبيح ينوح عليه السومريون (أي دموزي)‪ ،‬فسنرى لدى المخلص بنظر‬
‫المسيحيين خروف مذبوح يطلب بدمه‪ ،‬بل يعرف المؤمنون بالتوراة حتى مكانه (ألَ ان لِل اسيِّ ِد َربِّ‬
‫أن عشتار (الدنيا)‬ ‫ت) سفر أرميا اصحاح‪ .46 :‬كما ّ‬ ‫ض ال ِّش َما ِل ِع ْن َد نَه ِْر ْالفُ َرا ِ‬
‫ْال ُجنُو ِد َذ ِبي َحةً فِي أَرْ ِ‬
‫وأهلها الذين آذوا منتظر السومريين لرفضه السجود لها‪ ،‬يقابله التنين (الشر الذي يرمز للدنيا وأهلها)‬
‫الذي يؤذي منتظر المسيحيين لذات السبب‪.‬‬
‫وإذ توضح في (المرسى الرابع) َم ْن يكون (دموزي) الذي ناح عليه السومريون قبل آَّلف السنين‪،‬‬
‫أن المنتظر الموعود هو‬ ‫أن فاطمة عليها السالم بكت ابنها الذبيح العطشان‪ ،‬نعرف ّ‬ ‫وعرفنا أيضا ً ّ‬
‫(المهدي) من ولدها‪ .‬لذا كانت إحدى معالم التعريف به لدى المسلمين‪ :‬أنه (ابن فاطمة)؛ وسببه بات‬
‫فإن ذلك ُمبيان من قبل األنبياء ألقوامهم منذ القرون األولى‪ ،‬ولذا ورد‪( :‬هي الصديقة‬ ‫واضحا ً اآلن‪ّ ،‬‬
‫الكبرى‪ ،‬وعلى معرفتها دارت القرون األُولى) مجمع النورين‪ :‬ص‪ .34‬وعن ابنها المهدي قال رسول‬
‫‪( :‬المهدي من عترتي من ولد فاطمة) غيبة الطوسي‪ :‬ص‪ ،188‬سنن ابن ماجة‪ :‬ج‪2‬‬ ‫هللا‬
‫‪‬‬

‫[عشتار ومأساة تموز ‪ -‬د‪ .‬فاضل عبد الواحد علي]‪.‬‬

‫ص‪ . 1368‬وسببه ليس فقط بيان نسبه الشريف للمسلمين‪ ،‬بل لتأكيد أنه تعريف إلهي‪ ،‬به عرفته‬
‫البشرية منذ أيامها األُولى‪ّ ،‬‬
‫وأن المنتظر الموعود واحد ووصفه واحد‪.‬‬
‫أما كيف تكون فاطمة عليها السالم هي نفسها المرأة المتسربلة‪ ،‬فيمكن مراجعة [كتاب الحواري‬
‫الثالث عشر ‪ -‬السيد أحمد الحسن‪ :‬ص‪ ،18‬تعليق عالء السالم]‪.‬‬
‫خطاب أنكيدو لجلجامش‪:‬‬

‫[ملحمة جلجامش ‪ -‬طه باقر]‪.‬‬


‫ملحمة جلجامش يمكن أن نقرأ فيها تاريخ النسانية اآلتي(‪ )1‬وليس املاض ي كما يتصور‬
‫بعض شراحها‪ ،‬ويمكن أن نقرأ فيها قصة املنقذ للنوع النساني من حيوانيته التي كانت ‪-‬‬
‫ا‬
‫ولألسف ‪ -‬حاضرة على الدوام وبقوة خصوصا في املواجهات الكبرى‪:‬‬
‫َ ََ ْ َ َ ْ ُ َ ْ َ ً ْ َ َ َْ‬
‫س َمث ُل الق ْو ِّم ‪[ ﴾...‬الجمعة‪.]5 :‬‬‫﴿كمث ِّل ال ِّحم ِّاريح ِّمل أسفارا ِّبئ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ ْ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ ُ َ ْ َ َّ َ َ َ ُ ْ َ‬ ‫َ َ ْ َْ‬
‫﴿ك َمث ِّل الكل ِّب ِّإن تح ِّمل علي ِّه يلهث أو تتركه يلهث ذ ِّلك مثل القو ِّم ‪[ ﴾...‬األعراف‪:‬‬
‫‪.]176‬‬
‫َ ً‬ ‫َّ ُ َ ُ َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ ْ ََ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ير َوع َبد الطاغوت أ ْول ِّئك ش ٌّر َّمكانا ‪[ ﴾...‬املائدة‪.]60 :‬‬
‫﴿ َوجع َل من ُه ُم ال ِّق َردة َوالخناز َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫املنقذ الذي ذاع صيته منذ آالف السنين وانتقل خبره عبر القارات‪ ،‬فوصل من بلد ما‬
‫ا‬
‫بين النهرين إلى شمال أفريقيا‪ ،‬فنجد صورا رمزية له في اآلثار املصرية‪:‬‬

‫[أساطير بابل ‪ -‬شارل فيروللو]‪.‬‬


‫جلجامش في امللحمة (ثلثاه إله) ونجد قصته ‪ -‬وهو صاحب الطوفان الثاني ‪ -‬مرتبطة‬
‫بقصة جده السومري زيو سو درا (نوح) والبابلي اوتو ‪ -‬نبشتم (نوح) صاحب الطوفان‬
‫األول‪ ،‬بل ربما أهم أسفار جلجامش في امللحمة هو سفره ليلتقي بجده نوح ‪ -‬اوتو نبشتم‬
‫الخالد مع اآللهة ويسأله عن السر الذي يمكنه أن يتخلص من ثلثه النساني ليخلد مع‬

‫‪ .1‬كما رأينا ذلك في النص السومري الذي بيان حال أيوب النبي ‪ ‬قبل مجيئه بوقت طويل‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫المرسى الثالث المتقدم‪.‬‬
‫‪‬‬

‫كتب اسمه في سجل الحياة األبدية بجدارة‬ ‫اآللهة كجده نوح ‪ ،‬أو بعبا ة أخرى‪ :‬لي َ‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ويكون من الخالدين روحيا‪ ،‬فاملسألة متعلقة بروحه‪ ،‬فثلثاه إله وأراد أن يجعل ثلثه‬
‫الباقي كذلك‪ ،‬وال علقة لألمر بالخلود الجسماني كما توهم شراح امللحمة‪.‬‬
‫ا‬
‫نجد جلجامش ‪ -‬في بعض النصوص‪ -‬واضحا أنه منقذ ورمز للعدالة ينتظره الجميع‬
‫ويتداولون قصته‪:‬‬

‫[ملحمة جلجامش ‪ -‬طه باقر]‪.‬‬

‫من غير املعقول ‪ -‬كما فهم بعض املختصين بالحضارة السومرية ‪ -‬أن يكون املقصود‬
‫بهذه املقاطع اعتداء جلجامش على أعراض الناس أو ظلمهم‪ ،‬وإال لكانت امللحمة‬
‫تماما‪ ،‬فجلجامش وصف في بدايتها بأرقى ما يمكن أن ي َ‬ ‫ا‬
‫وصف به‪ ،‬حاكم عادل‪،‬‬ ‫متناقضة‬
‫بل في نفس هذه األسطر وصف بأنه حكيم‪ ،‬فكيف يعتدي ملك حكيم على أعراض‬
‫رعيته ويظلمهم؟!‬
‫ثم إن الجزء اآلتي من امللحمة سيصف جلجامش بوصف مثالي‪ ،‬مثل‪ :‬اليثار‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫والشجاعة والخلص‪ ،‬ولهذا فهكذا نصوص إما أن تكون تحريفا مقصودا حشر في‬
‫النص‪ ،‬أو إنها رمزية وبالتالي تحتاج إلى تأويل وبيان‪.‬‬
‫وإذا قرأنا النص بتدبر سنجد أن املراد هو منقذ النوع النساني من حيوانيته‪ ،‬منقذ‬
‫النوع النساني الذي رافقت قصته كل األمم‪ ،‬ألن الذين يسبقون زمن بعثه إذا لم تكن‬
‫أممهم مهيأة الستقباله فعلى األقل هناك أفراد في تلك األمم يمكن أن تنقذهم قصته‬
‫التي يتداولونها‪ ،‬إنه الشخص الذي سيربطهم باهلل وسيفتح باب السماء ليسمع كل من‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫يريد أن يسمع وحيا عظيما ي َعرفه بالحقيقة فيشغف بها‪ ،‬الحقيقة التي أظهرتنا من‬
‫العدم‪ ،‬الحقيقة التي خلقنا لنعرفها‪ ،‬ولهذا فهو سيشغل الجميع باهلل وليس بشخصه‬
‫هو؛ ألنه لو شغلهم بنفسه أو تركهم ينشغلون به دون أن ينبههم فلن يكون هناك فرق‬
‫بينه وبين أي طاغية ظالم يريد الشهرة والسمعة‪.‬‬
‫ا‬
‫اآلن‪ ،‬يمكننا أن نفهم جيدا ملاذا «الزم أبطال أوروك حجراتهم متذمرين شاكين»‪،‬‬
‫ا‬
‫وملاذا «لم يترك جلجامش ابنا ألبيه ‪ ...‬ولم يترك جلجامش عذراء لحبيبها وال ابنة املقاتل‬
‫ا‬
‫وال خطيبة البطل»‪ ،‬ألنهم جميعا شغفوا باهلل وتعلقوا به سبحانه‪ ،‬جاء جلجامش‬
‫باب وحي عظيم وعلمهم‬ ‫ملخلص وفتح لهؤالء امل َخلصين‪ ،‬الذين سيكونون في زمن معين‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫ا‬
‫ٍ‬
‫كيف يتعلقون باهلل وكيف يحبون هللا وكيف يسمعون هللا في كل ش يء‪.‬‬
‫ولو رجعت للسومريين لوجدتهم يتشوقون لهذه األمور‪:‬‬
‫(هو جلجامش الذي معناه‪ :‬املحارب الذي في املقدمة‪ ،‬والرجل الذي سيكون نواة‬
‫لشجرة جديدة)‪.‬‬
‫جلجامش الشخصية املقدسة عند السومريين أو االكاديين (البابليين ‪ -‬اآلشوريين)‬
‫وكثير من شعوب العالم القديم يوصف بدقة في ملحمة جلجامش (ثلثان منه إله وثلثه‬
‫الباقي بشر)‪ ،‬أي أن النور في وجوده غالب على الجانب املظلم أو األنا‪ ،‬ولكنه يبحث في‬
‫النهاية عن سر الخلص النهائي من هذه الظلمة‪ ،‬وحتى معنى اسم جلجامش دال على‬
‫مهمته‪ ،‬فهو املحارب الذي في املقدمة‪.‬‬
‫وفي امللحمة‪:‬‬
‫هو‪ :‬املحارب الذي قتل الشيطان خمبابا‪)1( ،‬‬

‫وهو‪ :‬املحارب الذي أهان عشتار (الدنيا)‪،‬‬

‫‪ .1‬وألجل تأكيد الربط بين موعود السومريين (جلجامش) وبين موعود المسلمين (المهدي المنتظر)‬
‫ورد‪:‬‬
‫وهب بن جميع عن أبي عبد هللا ‪ ‬قال‪( :‬سألته عن إبليس وقوله‪" :‬رب فأنظرني إلى يوم يبعثون *‬
‫قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم" أي يوم هو؟ قال‪ :‬يا وهب أتحسب أنه يوم يبعث هللا‬
‫الناس؟ َّل‪ ،‬ولكن هللا عز وجل أنظره إلى يوم يبعث هللا قائمنا فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه فذلك اليوم‬
‫هو الوقت المعلوم) بحار األنوار‪ :‬ج‪ 60‬ص‪.221‬‬
‫‪‬‬

‫وهو‪ :‬املحارب الذي سحق نفسه‪،‬‬


‫ا‬
‫وهو أيضا الشخص الذي سيكون نواة لشجرة إنسانية جديدة تنتصر على حيوانيتها‪،‬‬

‫[ملحمة‬
‫جلجامش ‪ -‬طه باقر]‪.‬‬
‫لعل أعظم تشويه تتعرض له هذه امللحم هو إسقاط الشخصيات امللحمية على‬
‫مصاديق خاطئة نتيجة االشتباه‪ ،‬كإسقاطها على ملوك وردت أسماؤهم في سجل امللوك‪،‬‬
‫ا‬
‫مثل عندما يتم إسقاط شخصية جلجامش امللحمية على امللك جلجامش رغم اختلف‬
‫ا‬
‫أسماء اآلباء والنسب فهذا تماما كمن يقول اليوم وهو يقرأ قصة املهدي امللحمية التي‬
‫ا‬
‫ذكرها النبي محمد في روايات كثيرة إن هناك ملكا في دولة بني العباس قبل أكثر من‬
‫ألف عام اسمه املهدي‪ ،‬وهو يعتقد أن املقصود بقصة املهدي السلمي امللحمية هو‬
‫ذلك امللك العباس ي (‪.)1‬‬
‫ا‬
‫وهذا لألسف حصل كثيرا مع جلجامش‪ ،‬مع أن بعض الباحثين املتخصصين في اآلثار‬
‫السومرية صرحوا بأنه ال يصح اعتبار جلجامش امللحمة هو نفسه جلجامش التاريخ بناء‬
‫على تشابه األسماء فقط‪:‬‬
‫يقول شارل فيروللو‪:‬‬

‫[أساطير بابل وكنعان]‪.‬‬

‫‪ . 1‬ونظير هذا المثل اإلسالمي‪ ،‬مثل يتعلق بالمسيحيين‪ ،‬إذ تم إسقاط اسم (يهوذا) المذكور في إنجيل‬
‫يهوذا الذي تم اكتشافه أخيراً في مصر على يهوذا اَّلسخريوطي الخائن‪ ،‬في حين كان يكفيهم الوصف‬
‫الذي ذكر له في اعتباره شخصية أُخرى‪ .‬ولمعرفة َم ْن يكون يمكن قراءة كتاب (الحواري الثالث‬
‫عشر) للسيد أحمد الحسن‪ ،‬أحد إصدارات أنصار اَّلمام المهدي ‪.‬‬
‫ا‬
‫ملحمة جلجامش التي كان ملوك سومر وأكاد وأيضا بابل وحتى آشور يضعونها في‬
‫مكتباتهم ويهتمون بها‪ ،‬وكانت عندهم وعند الناس كأنها تعويذة أو كتاب مقدس أعتقد‬
‫أنها جديرة بالتأمل والبحث في‪:‬‬
‫هل أنها كانت تمثل قصة الشخص اآلتي الذي ينتظره السومريون أو االكديون‬
‫والبابليون واآلشوريون كمنقذ ومخلص؟‬
‫يقول طه باقر‪:‬‬

‫[طه باقر ‪ -‬ملحمة جلجامش]‪.‬‬


‫ا‬
‫وقال أيضا‪:‬‬
‫‪.‬‬
‫ويقول شارل فيروللو‪:‬‬

‫[أساطير‬
‫بابل ‪ -‬شارل فيروللو]‪.‬‬
‫ا‬
‫إذن‪ ،‬جلجامش ليس مجرد شخص عادل أو صالح‪ ،‬وليس مجرد ملك أو سيكون ملكا‬
‫يوم ما‪ ،‬بل جلجامش شخصية أممية وهو مثال يقتدي به أبطال األمم كما نقلت لنا‬ ‫في ٍ‬
‫ا‬
‫اآلثار‪ ،‬وكون جلجامش شخصية أممية فهذا هو األمر الوحيد الذي يمكن أن يفسر‬
‫وجود نسخ من ملحمة جلجامش في دول مختلفة وحتى بغير لغاتها‪:‬‬
‫‪‬‬

‫[ملحمة جلجامش ‪ -‬طه باقر]‪.‬‬


‫هكذا تصف القصة امللحمية جلجامش في مطلعها وتلخص كل ش يء عن جلجامش في‬
‫أسطر قليلة هي بمثابة تعريف لشخصية جلجامش ومهمته‪:‬‬

‫ا ا‬
‫واضح أن النص يصف شخصا عاملا (رأى كل ش يء ‪ .....‬الذي خبر جميع األشياء ‪.......‬‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫الحكيم العارف ‪ ......‬أبصر األسرار وعرف الخفايا املكتومة)‪ ،‬وم َعلما مهما جاء بعلوم‬
‫مهمة وسينقشها بحيث إنها ستبقى بين الناس (فنقش في نصب الحجر كل ما عاناه وما‬
‫خبره)‪.‬‬
‫ولو رجعنا للنص الديني الوارد في املهدي نجد المام الصادق ‪ ‬يقول‪:‬‬

‫(‪[ )1‬بحار األنوار‪ :‬ج‪ 52‬ص‪.]336‬‬

‫وهو يذكر المهدي ‪ ..( :‬وله كنوز َّل ذهب وَّل‬ ‫‪ .1‬وعن الحسين ‪ ‬عن أبيه عن رسول هللا‬
‫فضه إَّل خيول مطهمة ورجال مسومة‪ ،‬يجمع هللا تعالى له من أقاصي البالد على عدة أهل بدر‬
‫ملحمة جلجامش مليئة بالرموز‪.‬‬
‫فيها رؤى مرمزة مع بيان معنى بعض رموزها‪.‬‬
‫ا‬
‫فيها كلم وأحداث مرمزة‪ ،‬فمثل‪ :‬في خضم معركة دائرة بين جلجامش وأنكيدو نجد‬
‫ا‬
‫كل ش يء يهدأ ومباشرة يقف أنكيدو قائل لجلجامش بكل احترام‪:‬‬

‫[ملحمة جلجامش ‪ -‬طه باقر]‪.‬‬

‫والسؤال هنا‪ :‬إذا كان أنكيدو يعرف هذا منذ البداية فلماذا قاتله؟!!!‬
‫إذن‪ ،‬فمن غير املعقول أن يكون املقصود بتلك املعركة هو صراع بدني بين جلجامش‬
‫وأنكيدو‪ .‬نعم‪ ،‬يمكن أن نقول إنه صراع عقائدي أدى بأنكيدو أن يعترف في النهاية بأن‬
‫ا‬
‫ملكا(‪). 1‬‬ ‫جلجامش هو ابن ننسون وابن أنليل الذي أوص ى أن يكون جلجامش‬

‫ثالثمائة وثالثة عشر رجالً‪ ،‬معه صحيفة مختومة فيها عدد أصحابه بأسمائهم وأنسابهم وبلدانهم‬
‫وطبائعهم وحالهم وكناهم كدادون مجدون في طاعته‪ .‬فقال له أبي‪ :‬وما دَّلئله وعالماته يا رسول هللا؟‬
‫قال‪ :‬له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم ‪ )..‬عيون أخبار الرضا ‪ :‬ج‪ 1‬ص‪.64‬‬
‫‪ .1‬عرفنا فيما سبق الربط الوثيق بين األُم المقدسة الباكية (ننسون) لدى السومريين‪ ،‬و(المرأة‬
‫المتسربلة بالشمس والقمر) لدى المسيحيين‪ ،‬و(فاطمة عليها السالم) لدى المسلمين‪ ،‬وبين المخلِّص‬
‫والمنتظر الموعود راعي األمم كلها (جلجامش‪ ،‬المخلِّص والمنقذ‪ ،‬المهدي) من ولدها‪ .‬وعرفنا أيضا ً‬
‫الربط بين المذبوح العشان (دموزي) الذي ناح عليه السومريون‪ ،‬وبين الذبيح على نهر الفرات لدى‬
‫المسيحيين‪ ،‬وبين الحسين ‪ ‬لدى المسلمين‪ ،‬وبين المنتظر والمخلِّص الموعود (راعي األمم كلها)‪.‬‬
‫فهل صار بوسعنا اآلن أن نعرف َم ْن يكون (أنليل) الذي نصّب ابنه جلجامش ملكا ً وأوصى به؟!‬
‫للمزيد انظر ملحق رقم (‪.)3‬‬
‫‪‬‬

‫ْ‬
‫ونطق أنكيدوا ‪ -‬بعد الصراع ‪ -‬بهذه الكلمات يبين بوضوح أن أنكيدوا يقدس ننسون‬
‫وأنليل‪ ،‬ولكنه لم يكن يقر أن جلجامش من سللتهم (‪ ،)1‬واآلن هو يقر‪:‬‬
‫(إنك الرجل األوحد‪ ،‬أنت الذي حملتك أمك‪ ،‬ولدتك أمك ننسون ‪ .....‬ورفع أنليل‬
‫ا‬
‫رأسك عاليا على الناس وقدر أليك امللوكية على البشر)‪.‬‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫ولهذا أيضا البد أن نحسب لرمزية النصوص حسابا وال نعتبرها نصوصا صريحة‬
‫ا‬
‫املقصود بها هو املعنى اللفظي تماما‪ ،‬وهذه في الحقيقة تكاد تكون طبيعة للنصوص‬
‫ا‬
‫الدينية عموما؛ ألنها نصوص آتية من عوالم أخرى وتحوي حكمة‪ ،‬والهدف منها بعض‬
‫األحيان إيصال رسالة إلى أهلها‪ ،‬وربما في كثير من األحيان يراد حمايتها من املنتحلين بهذه‬
‫ا‬
‫الرموز التي ال يعرفها سوى أصحابها (‪ ،)2‬فالرؤى مثل هي نص ديني وال شك‪ ،‬ومن منا‬
‫يشك بأن الرؤى مرمزة في كثير من األحيان؟!‬

‫‪ .1‬تماما ً كما يحصل في دعوة القائم ‪ ،‬فبالرغم من اعتقاد الكثير بآبائه الطاهرين‪ ،‬واعتقادهم ّ‬
‫بأن‬
‫أبويه علي وفاطمة عليهما السالم وجده رسول هللا ‪ ،‬ولكنه مع هذا َّل يؤمنون به ويكذبونه بل‬
‫ويقاتلونه‪ ،‬وسبب ذلك بكل تأكيد ‪ -‬وَّل أقل بالنسبة إلى كثير منهم ‪ -‬هو عدم إقرارهم بأنه من نسلهم‬
‫وساللتهم‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ .2‬وكان هذا أحد المعالم الكبرى التي تُع ِّرف الناس بالمنتظر الموعود لدى األمم جميعاً‪ ،‬وهو واحد‬
‫بكل تأكيد‪ ،‬ولذا ورد عن المهدي المنتظر أنه يحاجج أهل ك ِّل كتاب بكتابهم ونصوصهم‪ ،‬وبالرغم من‬
‫وقوع التحريف فيها إَّل أنه بقي فيها من الحق ما يكفي أن يقيم به الحجة عليهم‪.‬‬
‫وأما سبب ترميز النصوص‪ ،‬فهذا قول السيد أحمد الحسن ‪ ‬في بيان سببه والحكمة منه‪:‬‬
‫(‪ ...‬فالروايات موجودة ومتوفرة للجميع‪ ،‬تماما ً كتوفر الحروف واألرقام للجميع‪ ،‬ولكن َمن يعرف‬
‫كلمة الس ِّر ليم ّر بها مثالً إلى خزنة في بنك غير صاحبها؟ فلو طلب منه البنك إدخال كلمة السر ليفتح‬
‫أن كلمة السر متك ّونة من‬ ‫الخزنة ويأخذ ما فيها سيتضح إن كان هو صاحب الخزنة أو كاذب‪ .‬ومع ّ‬
‫حروف وأرقام وهي متوفرة للجميع وفي متناول الجميع‪ ،‬ولكن ليس بوسع أحد غير صاحب الخزنة‬
‫ترتيب هذه الحروف واألرقام بحيث يكون الترتيب مالئما ً لفتح الخزنة‪ .‬كذا الحال بالنسبة للنصوص‪،‬‬
‫فمن يرتبها بالصورة الصحيحة التي تفتح السر هو صاحبها َّل غير‪َّ ،‬ل يمكن أن يفتحها غير صاحبها‪.‬‬
‫فمن يشكك َّل ينفعه التشكيك‪ ،‬عليه أن ينظر هل فتحت الخزنة؟ هل أُظهر السر؟ إذا كانت فتحت انتهى‬
‫األمر‪ ،‬والذي فتحها صاحبها‪َ ،‬من يعرف كلمة السر غير صاحبها؟! ‪ .....‬عن مالك الجهني‪ ،‬قال‪:‬‬
‫(قلت‪ :‬ألبي جعفر ‪ ‬إنا نصف صاحب األمر بالصفة التي ليس بها أحد من الناس‪ ،‬فقال‪َّ :‬ل وهللا‪َّ ،‬ل‬
‫يكون ذلك أبداً حتى يكون هو الذي يحتج عليكم بذلك ويدعوكم إليه) غيبة النعماني‪ :‬ص‪)..... 220‬‬
‫كتاب (المحكمات على أحقية الوصي أحمد الحسن)‪ ،‬أحد إصدارات أنصار اَّلمام المهدي ‪.‬‬
‫وقبل أن يقتل جلجامش الشيطان يرى رؤى كثيرة تبشره بنجاح مهمته األولى‪:‬‬

‫[ملحمة جلجامش]‪.‬‬
‫َ‬
‫كل ما يأله له عند السومريين فهو إله‪ ،‬فالدنيا إله‪ ،‬واألنا إله‪ ،‬والجماعة إله‪،‬‬
‫والصالحين املقدسين آلهة‪ ،‬لهذا فيمكننا أن نبدل كلمة (إله) باألنبياء أو الصالحين أو‬
‫الدنيا أو األنا ونتدبر النص ونرى الحكمة التي يزخر بها النص‪:‬‬

‫[ملحمة جلجامش]‪.‬‬

‫ُ ً‬ ‫َ َ ََْ ُ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫وفي القرآن‪َ ﴿ :‬وق ِّد ْمنا ِّإلى َما ع ِّملوا ِّمن ع َم ٍل فجعلناه ه َباء َّمنثورا﴾ [الفرقان‪.]23 :‬‬
‫وجلجامش الذي ثلثاه إله في النهاية أراد التخلص من ثلثه املظلم‪ ،‬فذهب إلى َم ْن‬
‫تخلص من الظلمة وخلد مع اآللهة وهو جده أوتو نبشتم ‪ -‬نوح‪ ،‬فرحلة جلجامش إلى نوح‬
‫لم تكن رحلة لطلب خلود جسماني كما توهم بعض قرائها‪ ،‬بل هي رحلة لطلب خلود‬
‫روحي‪.‬‬
‫بعد كل ما تقدم‪ ،‬هل من النصاف أن يعترض علينا شخص إن قلنا‪ :‬إن ملحمة‬
‫جلجامش دينية بجدارة‪ ،‬وجلجامش شخصية دينية‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫انتصر جلجامش في رحلته األولى وقتل الشيطان خمبابا‪ ،‬وعاد إلى أوروك ولبس تاجه‬
‫لتبدأ معركته الثانية مع الدنيا (اآللهة عشتار أو أنانا)‪:‬‬
‫[ملحمة جلجامش]‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َْ َ َ َ َ ْ‬ ‫َ َّ َ‬ ‫َّ ْ‬ ‫ْ َّ‬
‫اب َوقالت َه ْيت ل َك‬ ‫وفي القرآن‪َ ﴿ :‬و َر َاو َدت ُه ال ِّتي ُه َو ِّفي َب ْي ِّت َها َعن نف ِّس ِّه َوغلق ِّت األبو‬
‫َ َ َ َ َ ّ َّ ُ َ ّ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َّ ُ َ ُ ْ ُ َّ ُ َ‬
‫ن‬
‫اَّلل ِّإنه رِّبي أحسن مثواي ِّإنه ال يف ِّلح الظ ِّاملو ﴾ [يوسف‪.]23 :‬‬ ‫قال معاذ ِّ‬
‫‪‬‬

‫ُُْ َ‬ ‫َّ َ ً‬ ‫َ َ َ ً َ َ َ َ ُّ ْ َ َ‬ ‫َ َ ََْ ُ َ‬


‫يال ِّّم َّما َتأكلون‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫﴿قال تزرعو سبع ِّس ِّنين دأبا فما حصدتم فذروه ِّفي سنب ِّل ِّه ِّإال ق ِّل‬ ‫ن‬
‫يال ّم َّما ُت ْحص ُنو َن ‪ُ ‬ثمَّ‬ ‫َ ْ َ َ َ ْ ٌ َ ٌ َ ْ ُ ْ َ َ َ َّ ْ ُ ْ َ ُ َّ َّ َ ً‬ ‫ُ َّ َ ْ‬
‫ِّ‬ ‫‪ ‬ثم يأ ِّتي ِّمن بع ِّد ذ ِّلك سبع ِّشداد يأكلن ما قدمتم لهن ِّإال ق ِّل ِّ‬
‫َ‬
‫اس َو ِّف ِّيه َي ْع ِّص ُرون﴾ [يوسف‪.)1( ]49 - 47 :‬‬
‫ُ َ ُ َّ‬
‫الن ُ‬ ‫ام ِّف ِّيه يغاث‬‫َي ْأتي من َب ْعد َذل َك َع ٌ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬

‫‪ .1‬والسؤال هنا‪ :‬أيُّ ربط يمكننا أن نفهم بين جلجامش الموعود وبين نبي هللا يوسف ‪( ‬حفيد‬
‫إبراهيم ‪)‬؟‬
‫يعرف بكل وضوح تمام الربط‪ ،‬فدنيا يوسف ‪ ‬التي‬ ‫إن من طالع روايات آل محمد‬ ‫الجواب‪ّ :‬‬
‫تجسّدت بزليخا الفاتنة وملكها وخدمها‪ ،‬والتي قرّرت سجنه وعقوبته بسبب رفضه السجود لها‬
‫وطاعتها في طلبها‪ ،‬هي ذاتها الدنيا (زليخا جلجامش) التي تطلب اآلن عقوبته لرفضه السجود لها‪،‬‬
‫ومعرفة ذلك يسهم في التعرف على سبب قلة أنصار المهدي ‪ ‬وكثرة أعدائه من أهل الدنيا الفاتنة‪.‬‬
‫أن اَّلعتبار بما جرى على يوسف ‪ ‬ومعرفة قصته جيداً‪ ،‬له أثر كبير في‬ ‫ولهاذا صار أكيداً ّ‬
‫اَّللتحاق بركب يوسف آل محمد‪ ،‬المنقذ العالمي والمنتظر الموعود‪.‬‬
‫عن سدير الصيرفي‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبا عبد هللا الصادق ‪ ‬يقول‪( :‬إن في صاحب هذا األمر لشبه من‬
‫يوسف‪ ،‬فقلت‪ :‬فكأنك تخبرنا بغيبة أو حيرة؟ فقال‪ :‬ما ينكر هذا الخلق الملعون أشباه الخنازير من ذلك؟‬
‫إن إخوة يوسف كانوا عقالء ألبّاء أسباطا ً أوَّلد أنبياء دخلوا عليه فكلموه وخاطبوه وتاجروه وراودوه‬
‫وكانوا إخوته وهو أخوهم‪ ،‬لم يعرفوه حتى عرافهم نفسه‪ ،‬وقال لهم‪ :‬أنا يوسف‪ ،‬فعرفوه حينئ ٍذ فما ينكر‬
‫هذه األمة المتحيرة أن يكون هللا عز وجل يريد في وقت [من األوقات] أن يستر حجته عنهم‪ ،‬لقد كان‬
‫يوسف إليه ُملك مصر‪ ،‬وكان بينه وبين أبيه مسيرة ثمانية عشر يوماً‪ ،‬فلو أراد أن يعلمه مكانه لقدر‬
‫على ذلك [وهللا لقد سار يعقوب وولده عند البشارة تسعة أيام من بدوهم إلى مصر]‪ ،‬فما تنكر هذه‬
‫األمة أن يكون هللا يفعل بحجته ما فعل بيوسف أن يكون صاحبكم المظلوم المجحود حقه صاحب هذا‬
‫األمر يتردد بينهم ويمشي في أسواقهم ويطأ فرشهم‪ ،‬وَّل يعرفونه حتى يأذن هللا له أن يُع ِّرفهم نفسه‪،‬‬
‫كما أ ِذن ليوسف حتى قال له إخوته‪ :‬إنك ألنت يوسف قال‪ :‬أنا يوسف) بحار األنوار‪ :‬ج‪ 52‬ص‪.154‬‬
‫للمزيد أنظر‪ :‬ملحق رقم (‪.)4‬‬
‫بينت أن رحلة جلجامش تتكلم عن الخلود الروحي والحياة األخروية الخالدة‪ ،‬وليس‬
‫جسد فان‪ ،‬يعلم السفهاء بفنائه‪ ،‬فكيف بجلجامش الذي ي َ‬
‫وصف في امللحمة‬ ‫عن خلود‬
‫ٍ ٍ‬
‫بأنه حكيم وعارف بحقائق األمور‪.‬‬
‫وبما أن الخلود واملوت املذكور في القصة يراد منه خلود وموت الروح‪ ،‬فيكون موت‬
‫أنكيدو كذلك (‪ ،)1‬فلم يتمكن أنكيدو من إتمام رحلة الخلود دون أن يسقط أو يتعثر في‬
‫الطريق ويرتكب املحرمات ويخالف وصايا جلجامش له‪ ،‬فتكون النتيجة أنه سقط في‬
‫براثن العالم األسفل ويحاول جلجامش إنقاذه من براثن العالم األسفل وإقامته من‬
‫عثرته‪:‬‬

‫أن أنصاره ورد في‬ ‫‪ .1‬أي موت روحي أيضاً‪ ،‬ومثل هؤَّلء َّل يتوفقون لنصرة المنتظر الموعود‪ ،‬ذلك ّ‬
‫وصفهم‪:‬‬
‫إن صاحب هذا األمر محفوظة له‬ ‫عن سليمان بن هارون البجلي‪ ،‬قال (سمعت أبا عبد هللا ‪ :‬يقول‪ّ :‬‬
‫أصحابه لو ذهب الناس جميعا ً أتى هللا له بأصحابه‪ ،‬وهم الذين قال هللا عز وجل‪" :‬فإن يكفر بها هؤَّلء‬
‫فقد وكلنا بها قوما ً ليسوا بها بكافرين"‪ ،‬وهم الذين قال هللا فيهم‪" :‬فسوف يأتي هللا بقوم يحبهم ويحبونه‬
‫أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين") الغيبة للنعماني‪ :‬ص‪.330‬‬
‫أن قلوبهم وأرواحهم حية وطيبة‪ ،‬فتستمع من هللا‪ ،‬وتقبل شهادته‬ ‫أن هللا يحبهم وهم يحبونه‪ّ :‬‬ ‫ومعنى ّ‬
‫وتصدق بآياته‪ ،‬بخالف المأسورين إلى العالم األسفل وبراثنه‪ ،‬فهم في الحقيقة موتى القلوب‪ ،‬وهم‬
‫الذين مثّلهم أنكديو في الملحمة السومرية‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪1‬‬

‫السومريون‪ /‬صموئيل نوح كريمر‪ :‬ص‪288‬‬

‫‪ .1‬وهي عالمة أهل الدنيا والعالم السفلي‪ ،‬ومن كان قلبه منشد إليها َّل يدخل ساحة القدس والطهارة‬
‫والحياة األبدية‪.‬‬
‫س طُ ًوى) [طه‪.]12 :‬‬ ‫ك بِ ْال َوا ِد ْال ُمقَ اد ِ‬ ‫قال تعالى‪( :‬إِنِّي أَنَا َر ُّب َ‬
‫ك فَ ْ‬
‫اخلَ ْع نَ ْعلَ ْيكَ إِنا َ‬
‫ي إنسان يقيها‪ ،‬ولكنه أيضا ً يُبطّئ من سرعة‬ ‫قال السيد أحمد الحسن ‪ ‬في بيانها‪( :‬النعل في رجل أ ِّ‬
‫ّ‬
‫سيره‪ .‬ولم ي ُِرد سبحانه وتعالى فقط النعلين الماديين اللتين تُبطئان من سرعة سيره ‪ ‬للوصول إلى‬
‫الشجرة التي ُكلِّم منها‪ ،‬بل أيضا ً كان سبحانه يريد من موسى ‪ ‬أن ينزع من نفسه كل ما يعيقها في‬
‫سيرها إلى هللا سبحانه‪ ،‬فكان سبحانه يريد من موسى ‪ ‬أن ينزع حبّه لما سوى هللا‪ ،‬وأن ينزع خوفه‬
‫ي إنسان باهلل‬ ‫مما سوى هللا‪ .‬فال يقي نفسه بالخوف والحذر‪ ،‬بل باهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬ويكون حبّه أل ِّ‬
‫ومن خالل حبّه هلل سبحانه وتعالى ‪........‬‬
‫ً‬
‫اف َد َركا وَّل‬‫فاهلل سبحانه وتعالى يقول لموسى ‪ :‬أنت وصلت إلى ساحة القدس اإللهية‪َّ﴿ ،‬ل تَ َخ ُ‬
‫ألن الذي يدافع عنك هو هللا‪ ،‬فأنت اآلن في ساحة قدسه‪ ،‬الوادي المقدس طوى‪ ،‬ولم يكن في‬ ‫تَ ْخ َشى﴾؛ ّ‬
‫ولكن في هذا‬ ‫ْ‬ ‫قلب موسى ‪ ‬بعد أن وصل إلى ساحة القدس اإللهي أي خوف من الطواغيت‪،‬‬
‫الخطاب اإللهي تعليم من هللا سبحانه وتعالى لكل إنسان يريد الوصول إلى الساحة المق ّدسة (الوادي‬
‫أن عليه أوَّلً ‪ -‬وليكون أهالً أن يلج هذه الساحة المق ّدسة ‪ -‬أن ينزع من قلبه الخوف‬ ‫المق ّدس طوى)‪ّ ،‬‬
‫أن الذي يدافع عنه هو هللا سبحانه وتعالى القادر على كل شيء‪ ،‬في‬ ‫من الطواغيت كفرعون‪ ،‬ويوقن ّ‬
‫مقابل من َّل يقدرون على شيء‪ .‬فالمطلوب من موسى ‪ ‬اآلن‪ ،‬وهو يلج ساحة القدس‪ ،‬أن ينزع من‬
‫قلبه الخوف مما سوى هللا ولو كان مثقال ذرة‪ ،‬ثم أن يمأل قلبه خوفا ً من هللا سبحانه وتعالى ‪)...‬‬
‫الجواب المنير‪ :‬ج‪ 2‬سؤال رقم ‪.60‬‬
‫وما أراد هللا تعليمه لموسى ‪ ،‬هو ذاته ما أراد جلجامش تعليمه ألنكيدو ليدخل معه ساحة القدس‬
‫اإللهي‪ ،‬ولكنه لم يلتزم بكالم سيده‪ ،‬فبدل أن يخلع نعليه قام بلبسهما‪ ،‬وهو شأن أهل الدنيا دائماً‪.‬‬
‫[من ألواح سومر ‪ -‬صموئيل نوح كريمر]‪.‬‬
‫***‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫وتبدأ رحلة جلجامش إلى جده نوح (أوتو ‪ -‬نبشتم) والتي يطلب فيها الخلود‪ ،‬خلود‬
‫الروح وليس خلود الجسم‪ ،‬فجلجامش منذ البداية يعرف أن ال خلود للجسم‪ ،‬فقد مر‬
‫قوله‪:‬‬
‫« واآللهة (الصالحين) وحدهم هم الذين يعيشون إلى األبد مع شمش أما أبناء‬
‫البشرفأيامهم معدودات وكل ما عملوا هواء عبث »‪.‬‬
‫ا‬
‫وجده نوح ميت منذ زمن بعيد‪ ،‬وهو يعلم هذا جيدا‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬هي رحلة إلى العالم اآلخر‪.‬‬
‫وفي هذه الرحلة يسحق جلجامش نفسه‪ ،‬فيحقق الخلود الذي سافر في طلبه‪ .‬يحقق‬
‫مراده في نفس الرحلة وحتى قبل أن يصل إلى جده نوح (اوتو ‪ -‬نبشتم)‪:‬‬
‫« سأطلق شعري وسألبس جلد االسد وأهيم على وجهي في البراري » [ملحمة‬
‫جلجامش]‪.‬‬
‫ويدخل جلجامش عالم الحقيقة ويرى األمور على ما هي في رحلته إلى جده أوتو ‪-‬‬
‫نبشتم (نوح ‪:)‬‬
‫‪1‬‬

‫أن رحلة جلجامش هي رحلة خلود روحية‪ ،‬نعرف ّ‬


‫أن الجبل َّل يراد به الجبل المادي‬ ‫‪ .1‬لما عرفنا ّ‬
‫الذي يوتد هللا به األرض‪ ،‬إنما يراد به وتد األرواح‪ ،‬وما يكون سببا ً في خلودها وكتابتها في س ّجل‬
‫الحياة األبدية‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫‪ .1‬هذا وصف أُطلق على جلجامس أنه (نسل اآللهة) أي ابنهم‪ ،‬وإذا عرفنا ‪ -‬بما بيّنه السيد أحمد‬
‫أن السومريين أطلقوا لفظ (إله) على الصالحين‪ ،‬إذن فجلجامش ابن‬ ‫الحسن ‪ - ‬فيما تقدم ّ‬
‫أن من يقرأ هذا السفر الشريف يصبح من اليسير بمكان عليه معرفة من يكونون‪.‬‬ ‫للصالحين‪ ،‬وأعتقد ّ‬
‫‪ .2‬مرة أُخرى أُذ ّكر‪ ،‬ليس المراد بالبحار معناها المألوف في هذا العالم الجسماني بعد كون الرحلة‬
‫روحية‪ ،‬بل المراد‪ :‬عبور بحار تسهم في تحقيق خلود الروح وتزكيتها‪.‬‬
‫ي من البشر أن يسلك بينها‪ ،‬ويجري في مسالكها‪،‬‬ ‫إن الجبال (أوتاد األرواح) هذه‪ ،‬ليس بوسع أ ٍّ‬ ‫‪ّ .3‬‬
‫وستكون أنت يا (جلجامش) ممن ُكتب له ذلك بعد أن سحقت نفسك بشكل استأهلت هذا المقام اإللهي‬
‫الكبير‪ .‬ثم إنك لو نظرت إليها لوجدت ساعاتها اثني عشرة ساعة مضاعفة (أي‪ ،)12 + 12 :‬منها اثنا‬
‫عشرة ساعة تكون في ا لظالم الحالك‪ ،‬وأنت ستكون ساعة منها بعد أن اصطفاك هللا وأذن لك (وها هو‬
‫فإن المرسلين َّل يخافون‪ ،‬فربك يقول‪( :‬إِنِّي ََّل‬
‫الجبل مفتوح أمامك)‪( ،‬مر يا جلجامش وَّل تخف) ّ‬
‫ي ْال ُمرْ َسلُونَ ) [النمل‪.]10 :‬‬
‫اف لَ َد ا‬
‫يَ َخ ُ‬
‫‪‬‬

‫[ملحمة جلجامش ‪ -‬طه باقر‪ :‬ص‪.]76 - 75‬‬

‫(إن هللا خلق السنة اثني عشر شهراً‪ ،‬وجعل الليل اثنتي‬
‫عن المفضل بن عمر‪ ،‬عن الصادق ‪ ،‬قال‪ّ :‬‬
‫عشرة ساعة‪ ،‬وجعل النهار اثنتي عشرة ساعة‪ ،‬ومنا اثني عشر محدثاً‪ ،‬وكان أمير المؤمنين ‪‬‬
‫ساعة من تلك الساعات)‪.‬‬
‫وعنه ‪( :‬الليل اثنتا عشرة ساعة‪ ،‬والنهار اثنتا عشرة ساعة‪ ،‬والشهور اثنا عشر شهراً‪ ،‬واألئمة‬
‫عليهم السالم اثنا عشر إماماً‪ ،‬والنقباء اثنا عشر نقيباً‪ ،‬وإن عليا ً ساعة من اثنتي عشرة ساعة) الغيبة‬
‫للنعماني‪ :‬ص‪.87 ،86‬‬
‫فكل إمام من آل محمد يُمثِّل ساعة (وليس شهراً ليقال إنهم ‪ 12‬فقط)‪ ،‬فعلي ‪ ‬ساعة من ‪ 12‬ساعة‬
‫(من ساعات الليل)‪ ،‬ومجموع ساعات يوم هللا هي (‪ ،)12 + 12‬وهو ما أشارت له وصية رسول هللا‬
‫المقدسة في ليلة وفاته لدى المسلمين‪ ،‬وأشارت له أيضا ً رؤيا يوحنا الالهوتي لدى المسيحيين (‪12‬‬
‫‪ )12 +‬شيخاً‪ ،‬انظر‪ :‬ملحق رقم (‪.)3‬‬
‫ّ‬
‫فألن دولة العدل اإللهي‬ ‫أما اَّلثني عشرة ساعة األُولى (ساعات الليل) التي سبقت جلجامش الموعود؟‬
‫المحقِّقة لرحلة األراوح إل ى الحياة األبدية والخلود‪ ،‬يسبقها دولة الظلم والظالمين (الليل الحالك)‪ ،‬والتي‬
‫يرافقها ‪ 12‬عشر إماما ً مظلوماً‪:‬‬
‫عن جابر عن أبي عبد هللا ‪ ‬قال قوله تعالى ‪"( :‬والفجر" هو القائم و"الليالي العشر" األئمة عليهم‬
‫السالم من الحسن إلى الحسن‪ ،‬و"الشفع" أمير المؤمنين وفاطمة عليهما السالم‪ ،‬و"الوتر" هو هللا‬
‫وحده َّل شريك له "والليل إذا يسر" هي دولة حبتر (أي الظلم)‪ ،‬فهي تسري إلى قيام القائم ‪ )‬بحار‬
‫األنوار‪ :‬ج ‪ 24‬ص ‪.78‬‬
‫وأما اَّلثني عشرة ساعة الثانية (ساعات النهار)‪ ،‬فهم المهديون اَّلثني عشر‪ ،‬ولو طالعنا الوصية‬
‫أن رسول هللا‪ ،‬وبعد أن ذكر اَّلئمة اَّلثني‪ ،‬ذكر أول المهديين اَّلثني عشر وأسماه‬ ‫المقدسة لعرفنا ّ‬
‫(أحمد) ووصفه بأول المؤمنين وأول المقربين‪.‬‬
‫تستمر رحلة جلجامش‪ُّ ،‬‬
‫ويمر بصاحبة الحانة وكأنها رمز لسكر الناس بحب الدنيا‬
‫واألنا‪ ،‬فتدعوه صاحبة الحانة إلى الدنيا واالهتمام بنفسه وترك هذا السفر املتعب في‬
‫طلب الخلود‪:‬‬

‫[ملحمة جلجامش ‪-‬‬


‫طه باقر‪ :‬ص‪.]82 - 79‬‬
‫هذه الكلمات األخيرة كأن موس ى ‪ ‬في القرآن قد اقتبس معناها من جلجامش‪،‬‬
‫ُ ً‬ ‫َ َّ َ ُ َ ْ ْ ْ َ َ‬ ‫ََ َُ َ‬
‫فقال‪ِّ ..﴿ :‬لفتاه ال أ ْب َر ُح حتى أ ْبلغ َمج َم َع ال َبح َرْي ِّن أ ْو أ ْم ِّض َي ُحقبا﴾ [الكهف‪.]60 :‬‬
‫وتستمر رحلة جلجامش حتى يصل إلى جده أوتو ‪ -‬نبشتم (نوح ‪ ،)‬ويروي له ُّ‬
‫جده‬
‫قصة الطوفان‪ ،‬ويعرف جلجامش من جده سر الحياة‪:‬‬
‫‪‬‬

‫[ملحمة جلجامش ‪ -‬طه باقر‪ :‬ص‪.]87‬‬


‫امللحم والقصص السومرية والقصائد تثبت أن قصة الدين اللهي موجودة ومكتملة‬
‫عند السومريين بكل جزئياتها وشخصياتها ورموزها قبل الديانة اليهودية واملسيحية‬
‫َ‬
‫والسلمية‪ ،‬فنجد في الرقم الطينية السومرية الله الحقيقي الواحد املهيمن على كل‬
‫ش يء‪ ،‬ونجد عندهم العقائد‪ ،‬والقيم األخلقية‪ ،‬والنواميس املقدسة‪ ،‬والعبادة وطرقها‪،‬‬
‫وسبل االنتصار على الشيطان وعلى الدنيا وعلى األنا وحب الذات‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬فهو الدين كله من ألفه إلى يائه عند السومريين‪ .‬فمن أين أتوا به؟‬
‫من أين جاءوا بهذه املنظومة املعقدة التي ظهرت مكتملة فجأة في تاريخ بلد ما بين‬
‫النهرين؟‬
‫ا‬ ‫الحقيقة التي يراها ُّ‬
‫عاقل ظاهرة كالشمس أن هناك قفزة ثقافية وحضارية‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬
‫أظهرتها لنا الثقافة والحضارة السومرية‪ ،‬فمن يريد أن ينكر ‪ -‬بعد كل ما تقدم ‪ -‬فهذا‬
‫ا‬
‫وعموما فقد وض ْ‬
‫عت أطروحات ونظريات لتفسير هذه القفزة الثقافية‪ ،‬ولو كان‬ ‫شأنه‪،‬‬
‫األمر ليس كذلك ملا وصل األمر إلى أن توضع نظرية قدوم كائنات من الفضاء (‪!!)1‬‬

‫‪ . 1‬كما قال بذلك الباحث وعالم اآلثار السويسري (آريش فون دانيكن)‪ ،‬الذي أثارت نظريته‬
‫(المخلوقات القادمة من الفضاء‪ ،‬أو الغرباء القدماء) جدَّلً علميا ً واسعا ً في بداية السبعينات من القرن‬
‫المنصرم‪.‬‬
‫والعجب كل العجب ممن يقبل أن سبب تطور النسانية هو قدوم كائنات فضائية‬
‫ا‬
‫بمركباتهم وقدراتهم الكونية التي ال نرى لها أثرا على األرض لكي يعلل هذه القفزة‬
‫َ‬
‫الثقافية‪ ،‬وال يقبل أن نفس آدم نفخ ْت في جسم فتطور وانتقل إلى مستوى أرقى في الخلق‬
‫والتنظيم والقدرة على التفكير والدراك‪.‬‬
‫***‬
‫‪‬‬

‫يقول د‪ .‬كريمر في الحكومة‪:‬‬


‫[من‬
‫ألواح سومر ‪ -‬د‪ .‬صموئيل كريمر]‪.‬‬
‫العلقة بين السومريين وحاكمية هللا أمر لم يكن لكريمر وال لكثيرين من علماء اآلثار‬
‫غيره أن يدركوه‪ ،‬ألنهم إما ال يعتقدون بحاكمية هللا‪ ،‬أو ملحدون يعتقدون أن الدين‬
‫ابتدعه السومريون‪ ،‬والتوراة والقرآن مجرد عملية استنساخ للقصص السومرية‬
‫الخيالية ‪ -‬بنظرهم ‪ -‬كقصة الطوفان‪ ،‬ولهذا فهم عندما وجدوا أن امللك السومري‬
‫يعرض أمر الحرب على مجلسين للشورى حكموا وجزموا أن ما يمارسه السومريون‬
‫ديمقراطية تشبه الديمقراطية الغربية اليوم‪ ،‬في حين أن ما كان يمارسه السومريون‬
‫ا‬
‫ليس الديمقراطية الغربية أبدا‪ ،‬وال علقة ملمارستهم بالديمقراطية الغربية‪ ،‬حيث إن‬
‫هناك نصوص سومرية كثيرة تؤكد أن الحاكم يأخذ شرعيته من التنصيب اللهي‪.‬‬
‫إن نظام الحكم السومري هو نظام ورثوه عن نوح ‪ ‬وعن األنبياء كما ورثوا الدين‬
‫اللهي‪ ،‬فقد كان لديهم نظام حكم إلهي محرف كما كانوا أصحاب دين إلهي محرف‪،‬‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫فنظام الحكم السومري لم يكن نظاما دكتاتوريا وال نظاما ديمقراطيا باملعنى‬
‫الديمقراطي الغربي املعروف اليوم‪.‬‬
‫في نظام الحكم السومري كان هناك ملك تعينه اآللهة‪ .‬كما أن في نظام الحكم اللهي‬
‫ملك أو حاكم يعينه هللا‪ ،‬ومهمة هذا الحاكم هي تحقيق إرادة هللا وتطبيق قانون هللا‬
‫‪‬‬

‫وإنصاف املظلومين‪ ،‬فهناك هدف من تعيين الحاكم اللهي هو ليس الحكم بحد ذاته‪،‬‬
‫ولهذا فنظام الحكم اللهي يمكن أن يتحقق حتى بإشراف الحاكم املعين من هللا على‬
‫التطبيق ومراقبة التطبيق والتدخل للتصحيح عند وجود توجه للخطأ‪ ،‬وليس من‬
‫الضروري أن يقوم بالحكم بنفسه ليتحقق الهدف من تعيينه‪.‬‬
‫ا‬
‫وهذا ما نجده أو قريبا منه في املثال السومري الذي أورده الدكتور صاموئيل كريمر‪،‬‬
‫حيث كان هناك نزاع بين كيش وأوروك على السلطة ودعوى التنصيب اللهي‪ ،‬وقام‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫حاكم أوروك بطلب رأي الشعب باختيار الحرب أو السلم‪ ،‬ولكنه لم يكن رأيا ملزما له‬
‫كما هو واضح في ما تقدم‪:‬‬

‫[من ألواح سومر ‪ -‬د‪ .‬كريمر‪ :‬ص‪.]84 - 83‬‬


‫وصحيح أن بعض ملوك سومر هم مجرد ملوك مدعين للتنصيب اللهي‪ ،‬ولكن ما‬
‫ا‬
‫يهمنا هو أن السومريين عموما كانوا يؤمنون بالتنصيب اللهي‪ ،‬ويؤكد هذا األمر ما‬
‫ا‬
‫وصلنا مكررا في األلواح الطينية من أن امللوك هم من سللة اآللهة وأن اآللهة تعينهم‪،‬‬
‫وهناك قصة نقلها القرآن تمثل منازعة حدثت في سومر أو بلد ما بين النهرين بين أحد‬
‫َ َ ْ َ َ َ َّ‬
‫امللوك املدعين امللك مع إبراهيم الخليل ‪ ‬امللك املنصب من هللا‪﴿ :‬ألم تر ِّإلى ال ِّذي‬
‫ّ َ ْ َ ُ ّ ُ ْ ُ ْ َ ْ َ َ ْ َ ُ َ ّ َ َّ ُ ْ َ ُ ُ َ َ َ َ‬ ‫آج إ ْب َراه َ‬‫َح َّ‬
‫يم ِّفي ِّرِّب ِّه أن آتاه اَّلل امللك ِّإذ قال ِّإبر ِّاهيم رِّبي ال ِّذي يح ِّيي وي ِّميت قال أنا‬ ‫ِّ‬
‫َ َْ ْ ق َ ْ َ َ َْ ْ َ ُ َ‬ ‫َّْ‬ ‫ُ ْ ِّ َ ُ ُ َ َ ْ َ ُ َ َّ ّ َ َ ْ‬
‫س ِّمن املش ِّر ِّ فأ ِّت ِّبها ِّمن املغ ِّر ِّب فب ِّهت‬ ‫أح ِّيي وأ ِّميت قال ِّإبر ِّاهيم ف ِّإن اَّلل يأ ِّتي ِّبالشم ِّ‬
‫ْ َ ْ َ َّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َّالذي َك َف َر َو ّ ُ‬
‫اَّلل َال َ‬
‫املين﴾ [البقرة‪.]258 :‬‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫الظ‬ ‫م‬‫و‬ ‫ق‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫د‬
‫ِّ‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ِّ‬
‫ا‬
‫وعموما‪ ،‬يمكن مراجعة النصوص السومرية واألكادية والبابلية لنجد أن هذا األمر‬
‫واضح في كثير من النصوص‪ ،‬وأنهم كانوا يعتقدون أن الـملك تنصيب إلهي‪ ،‬أي كما في‬
‫عقيدة الدين اللهي الصحيحة التي في التوراة والنجيل والقرآن (‪ ،)1‬وهذا يبين بوضوح‬
‫أن السومريين قد ورثوا الدين اللهي القديم وكانوا ملتزمين بتعاليمه وأهمها النواميس‬
‫ا‬
‫املقدسة ومنفذها‪ ،‬ولكن ملا تقادم عليهم الزمن حصل الش يء الذي يحصل دائما وهو‬
‫التحريف للدين اللهي‪ ،‬واغتصاب امللك اللهي‪ ،‬واضطهاد امللك املنصب من هللا كما في‬
‫ا‬
‫حادثة إبراهيم ‪ ‬الذي اضطر أخيرا إلى مغادرة أرض آبائه (‪ )2‬حتى شاء هللا أن يعود‬
‫أبناؤه فيما بعد بعودة ابنه علي ابن أبي طالب ‪ ‬إلى أرض سومر وأكاد أو شومر أو‬
‫شنعار أو بلد ما بين النهرين (العراق)‪.‬‬
‫وهذا أحد النصوص نقله د‪ .‬كريمر عن األلواح السومرية‪ ،‬ويبين اعتقاد السومريين‬
‫بالدين اللهي وبالتنصيب اللهي للملك أو الحاكم‪:‬‬

‫‪ .1‬للمزيد انظر ملحق رقم (‪.)3‬‬


‫‪ .2‬عن إبراهيم بن أبي زياد الكرخي قال‪( :‬سمعت أبا عبد هللا ‪ ‬يقول‪ :‬إن إبراهيم ‪ ‬كان مولده‬
‫بكوثى ربى‪ ،‬وكان أبوه من أهلها‪ ،‬وكانت أم إبراهيم وأم لوط سارة وورقة أختين وهما ابنتان لالحج‪،‬‬
‫وكان َّلحج نبيا منذرا ولم يكن رسوَّلً‪ ،‬وكان إبراهيم ‪ ‬في شبيبته على الفطرة التي فطر هللا عز‬
‫وجل الخلق عليها حتى هداه هللا تبارك وتعالى إلى دينه واجتباه‪ ،‬وإنه تزوج سارة ابنة َّلحج وهي ابنة‬
‫خالته‪ ،‬وكانت سارة صاحبة ماشية كثيرة وأرض واسعة وحال حسنة‪ ،‬وكانت قد ملّكت إبراهيم جميع‬
‫ما كانت تملكه‪ ،‬فقام فيه وأصلحه وكثرت الماشية والزرع حتى لم يكن بأرض كوثى ربى رجل أحسن‬
‫حاَّلً منه‪ ،‬وإن إبراهيم ‪ ‬لما كسّر أصنام نمرود وأمر به نمرود فأوثق عمل له حيراً وجمع له فيه‬
‫الحطب وألهب فيه النار ثم قذف إبراهيم ‪ ‬في النار لتحرقه‪ ،‬ثم اعتزلوها حتى خمدت النار ثم‬
‫أشرفوا على الحير فإذا هم بإبراهيم سليما ً مطلقا ً من وثاقه‪ ،‬فأخبر نمرود خبره فأمرهم أن ينفوا‬
‫إبراهيم من بالده‪ ... ،‬وقال‪ :‬إنه إن بقي في بالدكم أفسد دينكم وأضر بآلهتكم‪ ،‬فأخرجوا إبراهيم ولوطا ً‬
‫معه من بالدهم إلى الشام ‪ )..‬الكافي‪ :‬ج‪ 8‬ص‪.370‬‬
‫‪‬‬

‫[من ألواح سومر ‪ -‬صموئيل كريمر]‪.‬‬


‫***‬
‫امللحق‬
‫‪‬‬
‫تقدم في خاتمة املرس ى الرابع عرض بعض الروايات التي تتعلق بأنبياء هللا آدم ونوح‬
‫وإبراهيم (عليهم السلم)‪ ،‬وهذه جملة أخرى منها وهي تبين نواح وبكاء خلفاء هللا على‬
‫الحسين ‪ ،‬وبكاؤهم عليه كان بعد إخبار هللا عز وجل لهم بما سيجري عليه في أرض‬
‫كربلء (من بلد سومر وأكاد)‪:‬‬

‫‪‬‬
‫قال املجلس ي‪( :‬روى صاحب الدر الثمين في تفسير قوله تعالى‪" :‬فتلقى آدم من ربه‬
‫فلقنه جبرئيل قل‪ :‬يا حميد‬ ‫كلمات" أنه رأى ساق العرش وأسماء النبي واألئمة‬
‫بحق محمد‪ ،‬يا عالي بحق علي‪ ،‬يا فاطر بحق فاطمة‪ ،‬يا محسن بحق الحسن‬
‫والحسين ومنك اإلحسان‪ .‬فلما ذكر الحسين سالت دموعه وانخشع قلبه‪ ،‬وقال‪ :‬يا‬
‫أخي جبرئيل في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي؟ قال جبرئيل‪ :‬ولدك هذا‬
‫ً‬
‫يصاب بمصيبة تصغر عندها املصائب‪ ،‬فقال‪ :‬يا أخي وما هي؟ قال‪ :‬يقتل عطشانا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫غريبا وحيدا فريدا ليس له ناصر وال معين‪ ،‬ولو تراه يا آدم وهو يقول‪ :‬واعطشاه واقلة‬
‫ناصراه‪ ،‬حتى يحول العطش بينه وبين السماء كالدخان‪ ،‬فلم يجبه أحد إال‬
‫بالسيوف‪ ،‬وشرب الحتوف‪ ،‬فيذبح ذبح الشاة من قفاه‪ ،‬وينهب رحله أعداؤه وتشهر‬
‫رؤوسهم هو وأنصاره في البلدان‪ ،‬ومعهم النسوان‪ ،‬كذلك سبق في علم الواحد املنان‪،‬‬
‫فبكى آدم وجبرئيل بكاء الثكلى) [بحار األنوار‪ :‬ج‪ 44‬ص‪.]245‬‬

‫‪‬‬
‫روى املجلس ي‪( :‬أن إسماعيل كانت أغنامه ترعى بشط الفرات‪ ،‬فأخبره الراعي أنها‬
‫ً‬
‫ال تشرب املاء من هذه املشرعة منذ كذا يوما فسأل ربه عن سبب ذلك فنزل جبرئيل‬
‫وقال‪ :‬يا إسماعيل سل غنمك فإنها تجيبك عن سبب ذلك؟ فقال لها‪ :‬لم ال تشربين‬
‫من هذا املاء؟ فقالت بلسان فصيح‪ :‬قد بلغنا أن ولدك الحسين ‪ ‬سبط محمد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يقتل هنا عطشانا‪ ،‬فنحن ال نشرب من هذه املشرعة حزنا عليه‪ ،‬فسألها عن قاتله‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬يقتله لعين أهل السماوات واألرضين والخالئق أجمعين‪ ،‬فقال إسماعيل‪:‬‬
‫اللهم العن قاتل الحسين ‪ )‬بحار األنوار‪ :‬ج‪ 44‬ص‪243‬‬

‫‪‬‬
‫ً‬
‫روى املجلس ي‪( :‬أن موس ى كان ذات يوم سائرا ومعه يوشع بن نون‪ ،‬فلما جاء إلى‬
‫أرض كربال انخرق نعله‪ ،‬وانقطع شراكه‪ ،‬ودخل الحسك في رجليه‪ ،‬وسال دمه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫إلهي أي ش يء حدث مني؟ فأوحى إليه أن هنا يقتل الحسين ‪ ‬وهنا يسفك دمه‪،‬‬
‫فسال دمك موافقة لدمه‪ .‬فقال‪ :‬رب ومن يكون الحسين؟ فقيل له‪ :‬هو سبط محمد‬
‫املصطفى‪ ،‬وابن علي املرتض ى‪ ،‬فقال‪ :‬ومن يكون قاتله؟ فقيل‪ :‬هو لعين السمك في‬
‫البحار‪ ،‬والوحوش في القفار‪ ،‬والطير في الهواء‪ ،‬فرفع موس ى يديه ولعن يزيد ودعا‬
‫عليه وأمن يوشع بن نون على دعائه ومض ى لشأنه) [بحار األنوار‪ :‬ج‪ 44‬ص‪.]244‬‬

‫‪‬‬
‫روى املجلس ي‪( :‬أن سليمان كان يجلس على بساطه ويسير في الهواء‪ ،‬فمر ذات يوم‬
‫وهو سائر في أرض كربال فأدارت الريح بساطه ثالث دورات حتى خاف السقوط‬
‫فسكنت الريح‪ ،‬ونزل البساط في أرض كربال‪ .‬فقال سليمان للريح‪ :‬لم سكنتي؟ فقالت‪:‬‬
‫إن هنا يقتل الحسين ‪ ‬فقال ومن يكون الحسين؟ فقالت‪ :‬هو سبط محمد‬
‫املختار‪ ،‬وابن علي الكرار‪ ،‬فقال‪ :‬ومن قاتله؟ قالت‪ :‬لعين أهل السماوات واألرض‬
‫يزيد‪ ،‬فرفع سليمان يديه ولعنه ودعا عليه وأمن على دعائه اإلنس والجن‪ ،‬فهبت‬
‫الريح وسارالبساط) [بحار األنوار‪ :‬ج‪ 44‬ص‪.]244‬‬

‫‪‬‬
‫املجلس ي‪( :‬عن بريد العجلي قال‪ :‬قلت ألبي عبد هللا ‪ :‬يا ابن رسول هللا أخبرني‬
‫عن إسماعيل الذي ذكره هللا في كتابه حيث يقول‪" :‬واذكر في الكتاب إسماعيل إنه‬
‫‪‬‬

‫ّ‬ ‫ً ً‬
‫كان صادق الوعد وكان رسوال نبيا" أكان إسماعيل بن إبراهيم عليهما السالم فإن‬
‫الناس يزعمون أنه إسماعيل بن إبراهيم‪ .‬فقال ‪ :‬إن إسماعيل مات قبل إبراهيم‬
‫ً‬
‫وإن إبراهيم كان حجة هلل قائدا صاحب شريعة فإلى من أرسل إسماعيل إذن؟ قلت‪:‬‬
‫فمن كان جعلت فداك؟ قال‪ :‬ذاك إسماعيل بن حزقيل النبي بعثه هللا إلى قومه‬
‫فكذبوه وقتلوه وسلخوا وجهه فغضب هللا عليهم‪ ،‬فوجه إليه سطاطائيل ملك‬
‫العذاب فقال له‪ :‬يا إسماعيل أنا سطاطائيل ملك العذاب وجنهي رب العزة إليك‬
‫ألعذب قومك بأنواع العذاب إن شئت‪ ،‬فقال له إسماعيل‪ :‬ال حاجة لي في ذلك يا‬
‫سطاطائيل‪ .‬فأوحى هللا إليه فما حاجتك يا إسماعيل؟ فقال إسماعيل‪ :‬يا رب إنك‬
‫أخذت امليثاق لنفسك بالربوبية‪ ،‬وملحمد بالنبوة‪ ،‬وألوصيائه بالوالية‪ ،‬وأخبرت خلقك‬
‫بما تفعل أمته بالحسين بن علي عليهما السالم من بعد نبيها‪ ،‬وإنك وعدت الحسين أن‬
‫تكره إلى الدنيا حتى ينتقم بنفسه ممن فعل ذلك به‪ ،‬فحاجتي إليك يا رب أن تكرني‬
‫إلى الدنيا حتى أنتقم ممن فعل ذلك بي ما فعل‪ ،‬كما تكرالحسين فوعد هللا إسماعيل‬
‫بن حزقيل ذلك‪ ،‬فهو يكرمع الحسين بن علي عليهما السالم) [بحار األنوار‪ :‬ج‪ 44‬ص‪.]237‬‬

‫‪‬‬
‫الطبرس ي‪( :‬سعد بن عبد هللا قال‪ :‬سألت القائم ‪ ‬عن تأويل كهيعص قال ‪:‬‬
‫هذه الحروف من أنباء الغيب اطلع هللا عليها عبده زكريا ثم قصها على محمد عليه‬
‫وآله السالم‪ ،‬وذلك أن زكريا سأل هللا ربه أن يعلمه أسماء الخمسة فأهبط عليه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جبرئيل ‪ ‬فعلمه إياها‪ ،‬فكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن‬
‫سرى عنه همه‪ ،‬وانجلى كربه‪ ،‬وإذا ذكر اسم الحسين خنقته العبرة‪ ،‬ووقعت عليه‬
‫البهرة‪ ،‬فقال ‪ ‬ذات يوم‪ :‬إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعة منهم تسليت بأسمائهم من‬
‫همومي‪ ،‬وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي؟ فأنبأه هللا تبارك وتعالى عن‬
‫قصته فقال‪ :‬كهيعص‪ ،‬فالكاف اسم كربال‪ ،‬والهاء هالك العترة الطاهرة‪ ،‬والياء يزيد‬
‫وهو ظالم الحسين‪ ،‬والعين عطشه‪ ،‬والصاد صبره‪ .‬فلما سمع ذلك زكريا لم يفارق‬
‫مسجده ثالثة أيام‪ ،‬ومنع فيهن الناس من الدخول عليه‪ ،‬وأقبل على البكاء والنحيب‬
‫وكان يرثيه‪ :‬إلهي أتفجع خير جميع خلقك بولده؟ إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه؟‬
‫ً‬
‫إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه املصيبة؟ إلهي أتحل كربة هذه املصيبة‬
‫ً‬
‫بساحتهما‪ .‬ثم كان يقول‪ :‬إلهي ارزقني ولدا تقربه عيني على الكبر‪ ،‬فإذا رزقتنيه فافتني‬
‫ً‬
‫بحبه‪ ،‬ثم أفجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده‪ ،‬فرزقه هللا يحيى وفجعه به‪،‬‬
‫وكان حمل يحيى ستة أشهر‪ ،‬وحمل الحسين ‪ ‬كذلك) [االحتجاج‪ :‬ج‪ 2‬ص‪.]273‬‬

‫‪‬‬
‫روى املجلس ي‪( :‬أن عيس ى كان سائحا في البراري‪ ،‬ومعه الحواريون‪ ،‬فمروا بكربال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فرأوا أسدا كاسرا قد أخذ الطريق فتقدم عيس ى إلى األسد‪ ،‬فقال له‪ :‬لم جلست في‬
‫هذا الطريق؟ وقال‪ :‬ال تدعنا نمر فيه؟ فقال األسد بلسان فصيح‪ :‬إني لم أدع لكم‬
‫الطريق حتى تلعنوا يزيد قاتل الحسين ‪ ،‬فقال عيس ى ‪ :‬ومن يكون الحسين؟‬
‫قال‪ :‬هو سبط محمد النبي األمي وابن علي الولي قال‪ :‬ومن قاتله؟ قال‪ :‬قاتله لعين‬
‫ً‬
‫الوحوش والذباب والسباع أجمع خصوصا أيام عاشورا‪ ،‬فرفع عيس ى يديه ولعن‬
‫وأمن الحواريون على دعائه فتنحى األسد عن طريقهم ومضوا‬ ‫يزيد ودعا عليه ّ‬
‫لشأنهم) [بحار األنوار‪ :‬ج‪ 44‬ص‪.]244‬‬

‫املجلس ي‪( :‬عن أبي بصير ‪ ،‬عن أبي عبد هللا ‪ ‬قال‪ :‬سمعته يقول‪ :‬بينا الحسين‬
‫عند رسول هللا إذ أتاه جبرئيل فقال‪ :‬يا محمد أتحبه؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬أما إن أمتك‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ستقتله فحزن رسول هللا لذلك حزنا شديدا‪ ،‬فقال جبرئيل‪ :‬أيسرك أن أريك التربة‬
‫التي يقتل فيها؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فخسف جبرئيل ما بين مجلس رسول هللا إلى كربال‬
‫حتى التقت القطعتان هكذا ‪ -‬وجمع بين السبابتين ‪ -‬فتناول بجناحيه من التربة‬
‫فناولها رسول هللا ثم دحيت األرض أسرع من طرف العين‪ ،‬فقال رسول هللا‪ :‬طوبى‬
‫لك من تربة‪ ،‬وطوبى ملن يقتل فيك) [بحار األنوار‪ :‬ج‪ 44‬ص‪.]228‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫الصدوق‪( :‬عن مجاهد عن ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬كنت مع أمير املؤمنين ‪ ‬في خرجته‬
‫إلى صفين فلما نزل بنينوى وهو بشط الفرات قال بأعال صوته‪ :‬يا ابن عباس أتعرف‬
‫هذا املوضع؟ قلت له‪ :‬ما أعرفه يا أمير املؤمنين فقال ‪ :‬لو عرفته كمعرفتي لم‬
‫ً‬
‫تكن تجوزه حتى تبكي كبكائي‪ .‬قال‪ :‬فبكى طويال حتى اخضلت لحيته‪ ،‬وسالت الدموع‬
‫ً‬
‫على صدره‪ ،‬وبكينا معا وهو يقول‪ :‬أوه أوه مالي وآلل أبي سفيان؟ مالي وآلل حرب حزب‬
‫ً‬
‫الشيطان وأولياء الكفر؟ صبرا يا أبا عبد هللا فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم‪.‬‬
‫ثم دعا بماء فتوضأ وضوء الصالة فصلى ما شاء هللا أن يصلي ثم ذكر نحو كالمه‬
‫األول إال أنه نعس عند انقضاء صالته وكالمه ساعة‪ ،‬ثم انتبه فقال‪ :‬يا ابن عباس‬
‫ً‬
‫فقلت‪ :‬ها أنا ذا‪ ،‬فقال‪ :‬أال أحدثك بما رأيت في منامي آنفا عند رقدتي؟ فقلت‪ :‬نامت‬
‫ً‬
‫عيناك ورأيت خيرا يا أمير املؤمنين‪ .‬قال‪ :‬رأيت كأني برجال قد نزلوا من السماء معهم‬
‫أعالم بيض قد تقلدوا سيوفهم وهي بيض تلمع‪ ،‬وقد خطوا حول هذه األرض خطة ثم‬
‫رأيت كأن هذه النخيل قد ضربت بأغصانها األرض تضطرب بدم عبيط وكأني‬
‫بالحسين سخلي وفرخي ومضغتي ومخي قد غرق فيه يستغيث فيه فال يغاث‪ ،‬وكأن‬
‫الرجال البيض قد نزلوا من املساء ينادونه ويقولون‪ :‬صبرا آل الرسول‪ ،‬فإنكم‬
‫تقتلون على أيدي شرار الناس‪ ،‬وهذه الجنة يا أبا عبد هللا إليك مشتاقة‪ ،‬ثم يعزونني‬
‫ويقولون‪ :‬يا أبا الحسن أبشر‪ ،‬فقد أقر هللا به عينك يوم يقوم الناس لرب العاملين‪ .‬ثم‬
‫انتبهت هكذا‪ ،‬والذي نفس علي بيده‪ ،‬لقد حدثني الصادق املصدق أبو القاسم‬
‫أني سأراها في خروجي إلى أهل البغي علينا‪ ،‬وهذه أرض كرب وبالء‪ ،‬يدفن فيها الحسين‬
‫ً‬
‫‪ ‬وسبعة عشر رجال من ولدي وولد فاطمة وإنها لفي السماوات معروفة‪ ،‬تذكر‬
‫أرض كرب وبالء‪ ،‬كما تذكربقعة الحرمين‪ ،‬وبقعة بيت املقدس‪.‬‬
‫ثم قال لي‪ :‬يا ابن عباس اطلب في حولها بعر الظباء فوهللا ما كذبت وال كذبت وهي‬
‫مصفرة لونها لون الزعفران‪ ،‬قال ابن عباس فطلبتها فوجدتها مجتمعة فناديته يا‬
‫أمير املؤمنين قد أصبتها على الصفة التي وصفتها لي‪ ،‬فقال علي ‪ :‬صدق هللا‬
‫ورسوله‪.‬‬
‫ثم قام ‪ ‬يهرول إليها فحملها وشمها‪ ،‬وقال‪ :‬هي هي بعينها‪ ،‬أتعلم يا ابن عباس ما‬
‫هذه األبعار؟ هذه قد شمها عيس ى بن مريم‪ ،‬وذلك أنه مر بها ومعه الحواريون فرأى‬
‫ههنا الظباء مجتمعة وهي تبكي فجلس عيس ى‪ ،‬وجلس الحواريون معه‪ ،‬فبكى وبكى‬
‫الحواريون‪ ،‬وهم ال يدرون لم جلس ولم بكى‪ .‬فقالوا‪ :‬يا روح هللا وكلمته ما يبكيك؟‬
‫قال‪ :‬أتعلمون أي أرض هذه؟ قالوا‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول أحمد‬
‫وفرخ الحرة الطاهرة البتول‪ ،‬شبيهة أمي‪ ،‬ويلحد فيها طينة أطيب من املسك ألنها‬
‫طينة الفرخ املستشهد‪ ،‬وهكذا يكون طينة األنبياء وأوالد األنبياء‪ ،‬فهذه الظباء‬
‫ً‬
‫تكلمني وتقول‪ :‬إنها ترعى في هذه األرض شوقا إلى تربة الفرخ املبارك وزعمت أنها آمنة‬
‫في هذه األرض‪.‬‬
‫ثم ضرب بيده إلى هذه الصيران فشمها وقال‪ :‬هذه بعر الظباء على هذه الطيب‬
‫ً‬
‫ملكان حشيشها اللهم فأبقها أبدا حتى يشمها أبوه فيكون له عزاء وسلوة قال‪ ،‬فبقت‬
‫إلى يوم الناس هذا وقد اصفرت لطول زمنها وهذه أرض كرب وبالء‪ .‬ثم قال بأعال‬
‫صوته‪ :‬يا رب عيس ى بن مريم! ال تبارك في قتلته‪ ،‬واملعين عليه والخاذل له‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ثم بكى بكاء طويال وبكينا معه حتى سقط لوجهه وغش ي عليه طويال‪ ،‬ثم أفاق‬
‫فأخذ البعر فصره في ردائه وأمرني أن أصرها كذلك ثم قال‪ :‬يا ابن عباس إذا رأيتها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تنفجردما عبيطا‪ ،‬ويسيل منها دم عبيط‪ ،‬فاعلم أن أبا عبد هللا قد قتل بها‪ ،‬ودفن‪.‬‬
‫قال ابن عباس‪ :‬فوهللا لقد كنت أحفظها أشد من حفظي لبعض ما افترض هللا عز‬
‫وجل علي وأنا ال أحلها من طرف كمي فبينما أنا نائم في البيت إذا انتبهت فإذا هي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تسيل دما عبيطا‪ ،‬وكان كمي قد امتأل دما عبيطا‪ ،‬فجلست وأنا باك وقلت قد قتل‬
‫وهللا الحسين‪ ،‬وهللا ما كذبني علي قط في حديث حدثني وال أخبرني بش ئ قط أنه يكون‬
‫إال كان كذلك ألن رسول هللا كان يخبره بأشياء ال يخبربها غيره‪ .‬ففزعت وخرجت وذلك‬
‫عند الفجر فرأيت وهللا املدينة كأنها ضباب ال يستبين منها أثر عين ثم طلعت الشمس‬
‫‪‬‬

‫ورأيت كأنها منكسفة‪ ،‬ورأيت كأن حيطان املدينة عليها دم عبيط‪ ،‬فجلست وأنا باك‬
‫ً‬
‫فقلت‪ :‬قد قتل وهللا الحسين‪ ،‬وسمعت صوتا من ناحية البيت وهو يقول‪:‬‬
‫اصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبروا آل الرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول قتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل الفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرخ النحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول‬
‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزل الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروح األمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــين ببكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء وعويـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل‬

‫ثم بكى بأعال صوته وبكيت فأثبت عندي تلك الساعة وكان شهر املحرم يوم‬
‫عاشورا لعشر مضين منه‪ ،‬فوجدته قتل يوم ورد علينا خبره وتاريخه كذلك‪ ،‬فحدثت‬
‫هذا الحديث أولئك الذين كانوا معه‪ ،‬فقالوا‪ :‬وهللا لقد سمعنا ما سمعت ونحن في‬
‫املعركة وال ندري ما هو‪ ،‬فكنا نرى أنه الخضر ‪[ )‬األمالي‪ :‬ص‪.]694‬‬
‫ا‬
‫بلد سومر وأكاد‪( ،‬جنوب العراق‪ ،‬أو املشرق)‪ ،‬هذا ما ذكرته نصوص األديان مكانا‬
‫ينطلق منه املنتظر املوعود بدعوته العاملية‪ .‬فنصوص األلواح السومرية تم بيان بعضها‬
‫في هذا السفر‪ ،‬وتبين أنها دينية بشكل واضح‪.‬‬
‫ْ‬
‫وضحت أن املنقذ واملخلص ينطلق من املشرق‪ ،‬وأكيد‬ ‫وأما نصوص اللحقين‪ ،‬فقد أ‬
‫أنه العراق نسبة إلى مكان خلفاء هللا كمحمد وعيس ى صلوات هللا عليهم أجمعين‪.‬‬
‫(يخرج ناس من املشرق فيوطئون للمهدي يعني سلطانه) [ابن ماجة‪:‬‬ ‫قال النبي‬
‫ج‪ 2‬ص‪.]1368‬‬
‫وعن علي ‪ ‬قال‪( :‬واعلموا أنكم إن اتبعتم طالع املشرق سلك بكم مناهج‬
‫فتداويتم من العمى والصم والبكم وكفيتم مؤونة الطلب) [الكافي‪ :‬ج‪8‬‬ ‫الرسول‬
‫ص‪.]66‬‬
‫َ َ‬ ‫ََ ْ َ ُ َ َْ َ‬ ‫َ َّ ُ َ َ َ َّ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ُ َ ْ َ َ‬
‫وفي النجيل‪ 27( :‬ألنه كما أن البرق يخرج ِّمن املش ِّار ِّق ويظهر ِّإلى املغا ِّر ِّب‪ ،‬هكذا‬
‫اإلن َس ِّان) [متى ‪ -‬األصحاح ‪ .]24‬فعبر عن بداية ظهوره أنه يكون من‬
‫ْ‬
‫ن‬ ‫اب‬‫يء ْ‬ ‫ضا َمج ُ‬ ‫َي ُكو ُن َأ ْي ً‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ا‬
‫املشرق إلى املغرب‪ ،‬واملشرق نسبة إلى مكان عيس ى ‪ ‬في ذلك الزمان هو العراق‪،‬‬
‫والبرق الذي خرج من املشرق وظهر في املغرب هو إبراهيم‪ ،‬حيث خرج من جنوب العراق‬
‫وظهر في األرض املقدسة‪.‬‬
‫َْ ْ‬ ‫َ‬
‫ص َش ْعبي ِّم ْن أ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ال َر ُّب ْال ُج ُنود‪ :‬هأ َن َذا أ َخ ّل ُ‬ ‫َ َ َ‬
‫ض املش ِّر ِّق َو ِّم ْن‬ ‫ر‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫وأما في التوراة‪ 7( :‬هكذا‬
‫ْ َ َ ْ ُ ُ َ َ َ ُ ُ َ َ ِّ َ َ ُ ُ َ ِّ َ ْ ً َ ََ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َْ َ ْ‬
‫س‪ 8 .‬و ِّآتي ِّب ِّهم فيسكنون ِّفي وس ِّط أورش ِّليم‪ ،‬ويكونون ِّلي شعبا‪ ،‬وأنا‬ ‫ض مغ ِّر ِّب الشم ِّ‬ ‫َأر ِّ‬
‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ُ ُ َُ ْ ً ْ َ ّ َ ْ‬
‫أكون لهم ِّإلها ِّبالح ِّق وال ِّب ِّر) [سفر زكريا ‪ -‬األصحاح ‪ ،]8‬وهو يعني أن املخلص يبتدئ أوال‬
‫من أرض املشرق‪.‬‬
‫َْ‬ ‫َ َ ْ َ ْ ُ َّ ّ َ ّ ْ ُ ُ‬ ‫ا‬
‫ود َي ْو ُم نق َم ٍة‬ ‫ِّ‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫لس‬
‫ِّ ِّ ِّ َ ِّ‬‫ل‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫ا‬ ‫هذ‬ ‫ف‬ ‫‪10‬‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫أيضا‬ ‫وعن املخلص‪ ،‬ورد في التوراة‬
‫َ َ ْ ُ ُ َّ ْ ُ َ َ ْ َ ُ َ َ ْ َ ي ْ َ ْ َّ َّ ّ َ ّ ْ ُ ُ‬ ‫ْ ُْ‬ ‫ْ َ‬
‫ود‬‫ِّلالن ِّتق ِّام ِّمن مب ِّغ ِّض ِّيه‪ ،‬فيأكل السيف ويشبع ويرت ِّو ِّمن د ِّم ِّهم‪ .‬ألن ِّللس ِّي ِّد ر ِّب الجن ِّ‬
‫َ‬ ‫ْ َ َْ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ً َ‬
‫ات) [سفر ارميا ‪ -‬األصحاح ‪.]46‬‬ ‫الشم ِّال ِّعند نه ِّرالفر ِّ‬ ‫ض ِّ‬ ‫ذ ِّبيحة ِّفي أر ِّ‬
‫‪‬‬

‫ونهر الفرات في العراق‪ ،‬وأما أن للمخلص ذبيحة عنده‪ ،‬فقد توضح أنه الحسين ‪‬‬
‫املقتول في كربلء‪( ،‬دموزي) الذي ناح عليه السومريون قبل آالف السنين في بلد سومر‬
‫وأكاد‪ ،‬وانتظروا ابنه (جلجامش) املوعود‪.‬‬
‫ّ‬
‫ثم إن المام علي ‪ ‬ذكر أول املقربين إلى المام املهدي‪ ،‬فقال‪ ..( :‬أال وأن أولهم من‬
‫البصرة وآخرهم من األبدال) [بشارة السلم‪ :‬ص ‪ .]148‬وليس صدفة أن نسمع المام‬
‫الصادق ‪ ‬يذكر اسم هذا األول فيقول‪( :‬ومن البصرة ‪ ..‬أحمد) [بشارة السلم‪:‬‬
‫ا‬
‫ص‪ .]181‬بل ليس غريبا إذا ما عرفنا أن (أحمد) أبدل اسمه إلى (محارب) في روايات‬
‫أخرى‪ ،‬فهو املحارب الذي في املقدمة‪ ،‬وبهذا الوصف عرفه الشعب السومري في العراق‬
‫قبل آالف السنين‪.‬‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫ال يفوتني أيضا أن أشير إلى أن بلد الرافدين أو ما بين النهرين‪ ،‬وتحديدا جنوبه‪،‬‬
‫ا‬
‫يحتضن ملتقى البحرين أو النهرين (دجلة والفرات)‪ ،‬في مدينة القرنة أو (الزاوية) سابقا‪،‬‬
‫وسبب تسميتها كما هو معروف يرجع إلى اقتران النهرين‪ ،‬كما أن اسم الزاوية ناش ئ من‬
‫أن ذلك االقتران يشكل زاوية عند منطقة االلتقاء‪.‬‬
‫ولتلك الزاوية قصة‪ ،‬فإنها تذكرنا بواحدة من صفات املخلص العالمي املوعود فهو‬
‫ضهُ‬ ‫َ َ َ َ ْ ُ ْ َ ُّ ْ ُ ُ ْ َ َ ُ َّ َ َ َ‬
‫حجر الزاوية‪ ،‬قال عيس ى ‪ ‬عنه‪ .. 42( :‬أما قرأتم قط ِّفي الكت ِّب‪ :‬الحجرال ِّذي رف‬
‫َّ ّ َ َ َ َ ُ َ َ ٌ َ ْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َّ ُ َ ُ َ َ ْ َ َ َ ْ‬
‫البناؤون هو قد صار رأس الز ِّاوي ِّة؟ ِّمن ِّقب ِّل الر ِّب كان هذا وهو ع ِّجيب ِّفي أعي ِّننا!)‬
‫[إنجيل متى ‪ -‬األصحاح ‪.]21‬‬
‫الزاو َية‪ 23 .‬منْ‬ ‫س َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َ ُ ْ َ َّ ُ َ َ ْ َ َ َ ْ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫وقال داود ‪ ‬عنه‪ 22( :‬الحجر ال ِّذي رفضه البناؤون قد صار رأ‬
‫الر ُّب‪َ ،‬ن ْب َتهجُ‬‫ص َن ُع ُه َّ‬ ‫هذا ُه َو ْال َي ْو ُم َّالذي َ‬
‫َ‬ ‫َ َّ ّ َ َ َ َ ُ َ َ ٌ َ ْ ُ َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّقب ِّل الر ِّب كان هذا‪ ،‬وهو ع ِّجيب ِّفي أعي ِّننا‪24 .‬‬
‫الر ِّ ّب) [املزمور‬ ‫اسم َّ‬ ‫ص! آه َيا َر ُّب َأ ْنق ْذ! ‪ُ 26‬م َبا َر ٌك اآلتي ب ْ‬
‫َو َن ْف َر ُح فيه‪ 25 .‬آه َيا َر ُّب َخ ّل ْ‬
‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫‪.]118‬‬
‫ّ‬
‫ولكن‬ ‫وبعد بيان خطأ كونه عيس ى أو داود‪ ،‬قال السيد أحمد الحسن ‪.....[ :‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املخلص الذي يأتي باسم الرب في آخر‬ ‫الحقيقة إن داود ‪ ‬وعيس ى ‪ ‬أرادوا ِّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫الزمان‪ ،‬وقد بشر به عيس ى ‪ ‬في مواضع أخرى في اإلنجيل وسماه املعزي والعبد‬
‫سماه حجر الزاوية‪ ،‬فيكون السؤال‪َ :‬من هو الذي ُع ِّرف أو يمكن أن‬
‫الحكيم وهنا ّ‬
‫ّ‬
‫ُيعرف بأنه حجر الزاوية؟ هل أن داود أو عيس ى (عليهما السالم) ُعرفوا بأنهم حجر‬
‫الزاوية في بيت الرب‪ ،‬أو ذكروا في موضع آخرعلى أنهم حجرالزاوية في بيت الرب‪ ،‬وهل‬
‫هناك حجر موضوع في زاوية بيت الرب أو الهيكل عند اليهود والنصارى يدل على داود‬
‫أو عيس ى (عليهما السالم)؟‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫الحقيقة أن هذا غير موجود‪ ،‬ولكنه موجود في األمة األخرى من ولد إبراهيم ‪‬‬
‫وفي بيت الرب الذي بناه إبراهيم ‪ ‬وإسماعيل ‪ ‬ابنه‪ ،‬وموجود في الزاوية‬
‫ُ‬
‫وبالذات الزاوية التي اسمها الركن العراقي‪ ،‬وكل هذه األمور تشير إلى أمر واحد هو‬
‫ّ‬
‫املخلص الذي يأتي في آخر الزمان أو الذي أشار إليه داود في املزامير إنه حجر الزاوية‬ ‫ِّ‬
‫واآلتي باسم الرب ‪.............‬‬
‫ّ‬
‫املخلص الذي ينقض هيكل الباطل وحكم الطاغوت والشيطان‬ ‫إذن‪ ،‬فالحجر أو ِّ‬
‫على هذه األرض ويكون في ملكه نشر الحق والعدل في األرض يأتي في آخر الزمان ويأتي‬
‫في العراق كما هو واضح في رؤيا دانيال‪ ،‬وهو الحجر الذي ينسف الصنم أو حكم‬
‫الطاغوت واألنا بينما ال عيس ى ‪ ‬وال داود ‪ ‬أرسلوا في العراق‪ ،‬وفي آخر الزمان‬
‫أي منهما هو حجر الزاوية املذكور‪ ،‬بل تبين بوضوح من كل ما‬ ‫فال يمكن أن يكون ٌّ‬
‫ّ‬
‫تقدم أن حجر الزاوية في اليهودية والنصرانية هو نفسه الحجر األسود املوضوع في‬
‫زاوية بيت هللا الحرام في مكة ‪[ ].....‬الجواب املنير‪ :‬ج‪ 4‬سؤال رقم ‪ ،]327‬ومن أراد الجواب‬
‫بتمامه الستيضاح كل الحقيقة فعليه بمراجعته في املصدر املذكور‪.‬‬
‫ثم أعود اآلن إلى (زاوية) ملتقى النهرين في القرنة‪ ،‬ألذكر الجميع بعلمة إلهية تحدت‬
‫قساوة السنين والدهور‪ ،‬وظلت شامخة رغم مرارة الظلم والجور الذي مأل األرض‬
‫ُّ‬ ‫ا‬
‫سيمر به الصالحون من أبنائه‬ ‫فسادا‪ ،‬إنها (شجرة آدم)‪ .‬آدم ‪ ‬الذي كشف ما‬
‫ا‬
‫(خصوصا من يمثلون علمات مهمة في طريق الدين مثل دموزي أو جلجامش)‪ ،‬تحدث‬
‫هذه املرة إلى جميع أبنائه بما فيهم من يعيش اليوم‪ ،‬وخاطبهم ال بقول يمكن أن تطاله يد‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫التحريف والتزوير‪ ،‬بل بزراعة شجرة في تلك املنطقة املباركة‪ ،‬وكأنه أوتدها راية ومعلما‬
‫في سماء املنتظرين‪ ،‬ال تسقط أو تمحى وصاحبها املوعود لم يتسلمها بعد‪ ،‬عس ى أن يكون‬
‫‪‬‬

‫ا‬
‫ذلك منبها ملنتظري ابنه جلجامش املوعود (الرجل الذي سيكون نواة لشجرة جديدة)‬
‫ويترقبوا خروجه من تلك النقطة من األرض‪.‬‬
‫ا‬
‫فكان وعد ربي حقا‪ ،‬والحمد هلل رب العاملين‪.‬‬
‫دين هللا هو حاكمية هللا‪ ،‬بمعنى أن هللا سبحانه هو من يختار الحاكم ويعين الخليفة‬
‫الذي يجب على الناس طاعته واألخذ منه‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ :‬أنه سبحانه بيده أمر التشريع وكذلك تعيين املنفذ له‪ ،‬ولهذا كان‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫األنبياء جميعا معينون من هللا وليس للناس في ذلك دخل أبدا‪ ،‬وهذا مثال من العهد‬
‫القديم يشير إلى ذلك‪ ،‬فعن موس ى ‪ ‬ورد‪ 14« :‬متى أتيت إلى األرض التي يعطيك الرب‬
‫ا‬
‫إلهك وامتلكتها وسكنت فيها فان قلت اجعل علي ملكا كجميع األمم الذين حولي ‪ 15‬فانك‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫تجعل عليك ملكا الذي يختاره الرب إلهك من وسط اخوتك تجعل عليك ملكا ال يحل لك‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫أن تجعل عليك رجل أجنبيا ليس هو أخاك » [سفر التثنية ‪ -‬األصحاح ‪.]17‬‬
‫َ ُ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ ّ َ ً ّ ْ َ‬
‫وبمثله صرح القرآن الكريم‪﴿ :‬واجعل ِّلي و ِّزيرا ِّمن أه ِّلي هار ن أ ِّخي﴾ [طه‪.]30 - 29 :‬‬
‫و‬
‫َ َ َ ْ ْ ُْ‬ ‫ْ ُْ ُ ْ ْ ُْ‬ ‫ُ َّ‬
‫وفي آيات أخرى‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ق ِّل الل ُه َّم َم ِّال َك املل ِّك تؤ ِّتي املل َك َم ْن تش ُاء َوتن ِّز ُع املل َك‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ْ َ َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ِّم َّم ْن تش ُاء َوت ِّع ُّز َم ْن تش ُاء َوت ِّذ ُّل َم ْن تش ُاء ِّب َي ِّد َك الخ ْي ُر ِّإن َك َعلى ك ِّ ّل ش ْي ٍء ق ِّد ٌير﴾ [ آل‬
‫ّ َ ٌ ْ َْ َ َ‬
‫ض خ ِّليفة﴾ [البقرة‪.]30 :‬‬ ‫اعل ِّفي األر ِّ‬
‫﴿إ ِّني ج ِّ‬‫عمران‪ ،]26 :‬وقال‪ِّ :‬‬
‫كان هذا منذ اليوم األول على هذه األرض‪ ،‬ولذا رأينا أن األلواح والرقم الطينية تؤكد‬
‫هذه الحقيقة التي كان يعتقد بها أصحاب أول حضارة عرفتها االنسانية (السومريون)‪.‬‬
‫عرف خلفاء هللا كلهم‪ ،‬قال السيد أحمد الحسن ‪:‬‬ ‫وعن القانون الذي به ي َ‬
‫(‪ ..‬مقتض ى الحكمة اإللهية هو وضع قانون ملعرفة خليفة هللا في أرضه في كل زمان‪،‬‬
‫والبد أن يكون هذا القانون وضع منذ اليوم األول الذي جعل فيه هللا سبحانه خليفة‬
‫ً‬
‫له في أرضه‪ ،‬فال يمكن أن يكون هذا القانون طارئا في إحدى رساالت السماء املتأخرة‬
‫عن اليوم األول؛ لوجود مكلفين منذ اليوم األول‪ ،‬وال أقل أن القدراملتيقن للجميع هو‬
‫وجود إبليس كمكلف منذ اليوم األول‪ ،‬واملكلف يحتاج هذا القانون ملعرفة صاحب‬
‫الحق اإللهي‪ ،‬وإال فإنه سيعتذر عن إتباع صاحب الحق اإللهي بأنه لم يكن يستطيع‬
‫‪‬‬

‫التمييز‪ ،‬وال يوجد لديه قانون الهي ملعرفة هذا الخليفة املنصب من قبل هللا سبحانه‬
‫وتعالى‪ .‬والقدراملتيقن للجميع حول تاريخ اليوم األول الذي جعل فيه هللا خليفة له في‬
‫أرضه هو‪:‬‬
‫‪ /1‬إن هللا نص على آدم وإنه خليفته في أرضه بمحضراملالئكة وإبليس‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪ /2‬بعد أن خلق هللا آدم ‪ ‬علمه األسماء كلها‪.‬‬
‫‪ /3‬ثم أمر هللا من كان يعبده في ذلك الوقت املالئكة وإبليس بالسجود آلدم ‪ )..‬ثم‬
‫ذكر اآليات من سورة البقرة (آية ‪ 30‬فما بعد) وهي توضح ذلك‪ .‬انظر‪[ :‬اضاءات في دعوات‬
‫املرسلين‪ /‬الجزء الثالث ‪ -‬السيد أحمد الحسن]‪.‬‬
‫وكمثال للنصوص املعرفة بخلفاء هللا لدى أتباع األديان نجد وصايا األنبياء ملن‬
‫يخلفهم أو يأتي بعدهم‪ ،‬وهذه الوصايا يمكننا قراءتها في الكتب السماوية بكل وضوح‪،‬‬
‫هذا مثال منها‪:‬‬
‫« وقال الرب ملوس ى هوذا أيامك قد قربت لكي تموت‪ .‬أدع يشوع وقفا في خيمة‬
‫االجتماع لكي أوصيه‪ .‬فانطلق موس ى ويشوع ووقفا في خيمة االجتماع ‪ 15‬فتراءى‬
‫الرب في الخيمة في عمود سحاب ووقف عمود السحاب على باب الخيمة » [التثنية ‪-‬‬
‫األصحاح الواحد والثلثين]‪.‬‬
‫َ َ َّ َ ْ َ ُ َ َ َ ْ ُ ُ َ َ َّ َّ ّ َ ْ َ َ َ ُ ُ ّ َ َ َ‬
‫الدين فال‬ ‫قال تعالى‪﴿ :‬ووص ى ِّبها ِّإبر ِّاهيم ب ِّن ِّيه ويعقوب يا ب ِّني ِّإن اَّلل اصطفى لكم ِّ‬
‫ا‬ ‫َ ُ ُ َّ َ َّ َ َ ُ ُّ ْ ُ َ‬
‫تموتن إال وأنتم مس ِّلمون﴾ [البقرة‪ ،]132 :‬وهو ما فعله عيس ى ‪ ‬أيضا ملا وص ى بمحمد‬
‫ْ َ َ ّ َ ُ ُل َّ َ ْ ُ ُّ َ ً ّ َ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ص ِّّدقا ِّملا َب ْين‬‫اَّلل ِّإليكم م‬
‫ِّ‬ ‫و‬‫س‬ ‫ي‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫يل‬ ‫ئ‬‫ا‬
‫ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ر‬‫ر‬ ‫س‬ ‫إ‬ ‫ي‬‫ن‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫م‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫ْ‬
‫ر‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫ْ‬
‫اب‬ ‫ى‬ ‫َ‬
‫يس‬ ‫ع‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫ال‬ ‫ق‬ ‫‪﴿ :،‬و ِّإذ‬
‫ْ ُ ُ َ ْ َ ُ َ َ َّ َ ُ ْ َ ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ َ َّ ْ َ َ ُ َ ّ ً َ ُ َ ْ‬
‫ات‬‫يدي ِّمن التور ِّاة ومب ِّشرا ِّبرسو ٍل يأ ِّتي ِّمن بع ِّدي اسمه أحمد فلما جاءهم ِّبالب ِّين ِّ‬
‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ َ َ‬
‫قالوا هذا ِّسح ٌر ُّم ِّبين﴾ [الصف‪.]6 :‬‬
‫ا‬
‫وفيما يتعلق بالنص على جلجامش (بطل ملحم سومر وأكاد)‪ ،‬فإننا سمعنا نصا في‬
‫امللحمة أنه من بين الصالحين األربعة والعشرين‪:‬‬
‫[ملحمة جلجامش ‪ -‬طه باقر‪ :‬ص‪.]76‬‬
‫وقد تقدم بيان أن هؤالء الساعات (األربعة والعشرين) هم سادة خلفاء هللا في أرضه‪،‬‬
‫ا‬
‫وأذن هللا سبحانه للمنتظر املوعود (جلجامش) أن يكون واحدا منهم‪.‬‬
‫وعن هؤالء األربعة والعشرين خليفة‪ ،‬نقرأ في النجيل‪:‬‬

‫[رؤيا يوحنا ‪ -‬األصحاح ‪.]4‬‬


‫وهم من حددهم رسول هللا محمد في وصيته املقدسة عند وفاته‪:‬‬
‫قال رسول هللا لعلي ‪( :‬يا أبا الحسن‪ ،‬أحضر صحيفة ودواة‪ .‬فأمال رسول هللا‬
‫وصيته حتى انتهى إلى هذا املوضع‪ ،‬فقال‪ :‬يا علي‪ ،‬إنه سيكون بعدي اثنا عشر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إماما ومن بعدهم إثنا عشر مهديا ‪ ...‬إلى أن يقول‪ :‬فإذا حضرته (أي اإلمام الحادي‬
‫"وهو اإلمام‬ ‫عشر) الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد املستحفظ من آل محمد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ن‬
‫املهدي"‪ .‬فذلك اثنا عشر إماما‪ ،‬ثم يكو من بعده اثنا عشر مهديا‪ ،‬فإذا حضرته‬
‫الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول املقربين "أول املهديين" له ثالثة أسامي‪ :‬اسم كاسمي‬
‫واسم أبي وهو عبد هللا وأحمد‪ ،‬واالسم الثالث‪ :‬املهدي‪ ،‬وهو أول املؤمنين) [غيبة‬
‫الطوس ي‪ :‬ص‪.]150‬‬
‫‪‬‬

‫ا‬ ‫ا‬
‫وبهذا يظهر أن ذكر األربعة والعشرين (ساعة‪ ،‬شيخا‪ ،‬إماما) موجود في النصوص‬
‫ا‬
‫الدينية جميعا‪ ،‬وكان جلجامش املوعود منهم‪ ،‬املحارب الذي في املقدمة‪ ،‬املخلص واملنقذ‬
‫والسيد الحكيم‪ ،‬املهدي املنتظر‪.‬‬
‫فهو إذن شخصية واحدة أممية‪ ،‬تكفل األنبياء الكرام تعريف أقوامهم به وبغيره من‬
‫الخلفاء اللهيين ممن هم علمات مهمة في طريق الدين اللهي‪ ،‬وكان ذلك منذ األيام‬
‫األولى للبشرية على هذه األرض‪ ،‬والحمد هلل رب العاملين‪.‬‬
‫***‬
‫‪‬‬
‫نص ما ذكره السيد أحمد الحسن ‪ ‬في خاتمة كتاب االضاءات‪:‬‬ ‫هذا ُّ‬
‫َ‬ ‫َ ْ ُ َ ُ ُّ َ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ َ‬
‫ص﴾ يوسف‪ .3 :‬وتختتم‬ ‫ص عليك أحسن القص ِّ‬ ‫[سورة يوسف تفتتح بـ‪﴿ :‬نحن نق‬
‫َ َ ْ َ َ َ َ ْ ْ َ ٌ ُ ْ َ ْ َ َ َ َ َ ً ُ ْ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َّ‬
‫يق ال ِّذي‬ ‫اب ما كان ح ِّديثا يفترى ول ِّكن تص ِّد‬ ‫بـ‪﴿ :‬لقد كان ِّفي قص ِّص ِّهم ِّعبرة ِّألو ِّلي األلب ِّ‬
‫ْ ُ َ‬ ‫ً َ‬
‫دى َو َر ْح َمة ِّلق ْو ٍم ُيؤ ِّمنون﴾ يوسف‪.111 :‬‬ ‫يل ُك ّل َش ْي ٍء َو ُه ً‬ ‫َب ْي َن َي َد ْي ِّه َو َت ْفص َ‬
‫ِّ‬
‫ِّ‬
‫ّ‬ ‫ّ ُ‬
‫وبينت فيما مض ى من االضاءات أن قصة يوسف ‪ ‬مدارها الرؤيا‪ ،‬فيوسف‬
‫النبي يرى رؤيا‪ ،‬والسجين يرى رؤيا‪ ،‬وفرعون يرى رؤيا‪ ،‬وكلها رؤى من هللا بغض النظر‬
‫عبر عن هذه الرؤى التي قصها في سورة‬ ‫أن من رآها نبي أو كافر‪ ،‬وهللا سبحانه وتعالى َّ‬
‫يوسف ‪ - ‬والتي كانت مدار قصة يوسف ‪ ‬وتمكينه من ملك مصر ‪ -‬بأنها‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ َ َْ‬
‫ص﴾‪.‬‬ ‫﴿أحسن القص ِّ‬
‫واآلن‪ ،‬لنبحث في آخر آية من سورة يوسف لنعرف ماذا أراد هللا من هذه القصة‬
‫وهذه الرؤى التي قصها على النبي محمد ‪ ،‬وبالتالي على من يؤمن بهذا النبي الكريم‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ َ ْ ٌَْ ُ ْ َْ‬
‫اب﴾‪ .‬إذن‪ ،‬في هذه القصة‬ ‫وما جاء به ﴿لقد كان ِّفي قص ِّص ِّهم ِّعبرة ِّألو ِّلي األلب ِّ‬
‫منفعة‪ ،‬بل ومنفعة كبرى معتبرة‪ ،‬فاملفروض أن اإلنسان يعتبر بغيره إذا وقع في حفرة‬
‫ّ‬
‫فيجتنب طريقه وسلوكه لئال يقع في نفس الحفرة‪ ،‬هذا هو املفروض‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫ُ‬
‫اب﴾‪،‬‬ ‫أما الواقع فإن املعتبرين الذين تنفعهم قصة يوسف ‪ ‬هم ﴿أو ِّلي األلب ِّ‬
‫ولب اإلنسان قلبه وباطنه‪ ،‬فأصحاب القلوب النيرة بنور هللا‪ ،‬والطاهرة بقدس هللا‪،‬‬
‫هم املنتفعون من قص هذه الرؤى‪ ،‬وهذه املسيرة النبوية الكريمة‪ .‬أما أصحاب‬
‫البواطن السوداء املظلمة فهم ليسوا من أولي األلباب؛ ألن قلوبهم خاوية‪ ،‬فالظلمة‬
‫عدم‪ ،‬وال ش يء في بواطنهم ليقال عنه لب‪.‬‬
‫فاملفروض أن تكون قصة يوسف ‪ ‬عبرة لكل إنسان‪ ،‬ولكن الواقع أنها لن‬
‫تكون عبرة إال ملن يؤمنون بملكوت السماوات‪ ،‬وبالتالي يصدقون كالم هللا اآلتي في‬
‫املستقبل‪ ،‬وال يقولون عنه إنه من الشيطان‪ .‬يصدقون كالم هللا الذي سيأتي مع‬
‫‪‬‬

‫ً‬ ‫َ َ‬
‫‪َ ﴿ :‬ما كان َح ِّديثا‬ ‫يوسف آل محمد ‪ ،‬الذي سيأتي في املستقبل بين يدي محمد‬
‫َ َ‬ ‫ُ ْ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َّ‬
‫يق ال ِّذي َب ْين َيد ْي ِّه﴾‪.‬‬ ‫يفترى ول ِّكن تص ِّد‬
‫فليست قصة يوسف ‪ ‬وال الرؤى التي رآها يوسف ‪ ‬والسجين وفرعون‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫حديثا يفترى من الشيطان‪ ،‬بل هي من هللا‪ ،‬فلتكن لكم بها عبرة ومنفعة لئال تعثروا‬
‫وتقعوا في الحفرة عندما يأتي يوسف آل محمد ‪ ،‬فلم تكن هذه القصة التي‬
‫َ َ‬ ‫َ ْ َ َّ‬
‫يق ال ِّذي َب ْين َيد ْي ِّه﴾‪ ،‬أي تصديق الذي سيأتي‬ ‫سماها هللا بأحسن القصص إال ﴿تص ِّد‬
‫بين يدي محمد ‪ ،‬أي في املستقبل بعد محمد ‪ ،‬وهو يوسف آل محمد‪.‬‬
‫ولم يكن في هذه الرؤى والقصة تفصيل بعض األمور التي تخص يوسف آل‬
‫ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َْ‬
‫يل ك ِّ ّل ش ْي ٍء﴾‪ ،‬وبالتالي فإن هذه القصة ستكون ﴿ ِّألو ِّلي‬ ‫محمد‪ ،‬بل إن فيها ﴿تف ِّص‬
‫َ ْ ُْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َْ‬
‫اب﴾ ﴿ ِّولقو ٍم يؤ ِّمنو ﴾‪ ،‬ال ملن سواهم في زمن ظهور يوسف آل محمد القائم‬ ‫ن‬ ‫األلب ِّ‬
‫ً‬ ‫املهدي ﴿ ُه ً‬
‫دى َو َر ْح َمة﴾‪.‬‬
‫فهؤالء سيرون بنور هللا أن زليخا (امرأة العزيز) هي الدنيا وامللك الدنيوي ستقبل‬
‫على آل محمد وعلى يوسف آل محمد‪ ،‬ولكنه ال يرضاها إال بالطريق والسبيل الذي‬
‫يريده هللا‪ ،‬وهو التنصيب اإللهي وحاكمية هللا‪ .‬وسيكون رفض يوسف آل محمد للزنا‬
‫ً‬
‫والطريق غير املشروع عند هللا (حاكمية الناس) سببا لعنائه في بادئ األمر‪ ،‬كما كان‬
‫ً‬
‫رفض يوسف ‪ ‬للزنا سببا لسجنه‪.‬‬
‫قال أمير املؤمنين علي ‪( :‬لتعطفن علينا الدنيا بعد شماسها عطف الظروس‬
‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ ُ ُ َ ْ َ ُ َّ َ َ َّ َ ْ ُ ْ ُ‬
‫ض‬‫ولدها‪ ،‬ثم تال هذه اآلية‪﴿ :‬ون ِّريد أن نمن على ال ِّذين استض ِّعفوا ِّفي األر ِّ‬ ‫على‬
‫َ‬ ‫ً َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َون ْج َعل ُه ْم أ ِّئ َّمة َون ْج َعل ُه ُم ال َوا ِّرِّثين﴾ القصص‪ )5 :‬بحاراألنوار‪ :‬ج‪ 51‬ص‪.64‬‬
‫وهكذا سيجد أولوا األلباب في قصة يوسف ‪ ‬تفصيل كل ش يء عن يوسف آل‬
‫َ ْ ُْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫ُ‬
‫اب﴾ و﴿ ِّلقو ٍم يؤ ِّمنون﴾ أن يستضيئوا من قصة‬ ‫محمد‪ ،‬وبهذا أترك ﴿ ِّألو ِّلي األلب ِّ‬
‫يوسف وما فيها بقراءتها وتدبرها‪ ،‬ومن هللا التوفيق‪.‬‬
‫َ َ ْ َ َ َ َ ْ ْ َ ٌ ُ ْ َ ْ َ َ َ َ َ ً ُ ْ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َّ‬
‫يق ال ِّذي‬ ‫اب ما كان ح ِّديثا يفترى ول ِّكن تص ِّد‬ ‫﴿لقد كان ِّفي قص ِّص ِّهم ِّعبرة ِّألو ِّلي األلب ِّ‬
‫ْ ُ َ‬ ‫ً َ‬
‫دى َو َر ْح َمة ِّلق ْو ٍم ُيؤ ِّمنون﴾] [إضاءات من دعوت املرسلين‪:‬‬ ‫يل ُك ّل َش ْي ٍء َو ُه ً‬ ‫َب ْي َن َي َد ْي ِّه َو َت ْفص َ‬
‫ِّ‬
‫ِّ‬
‫ج‪ 3‬ق‪.]2‬‬
‫عن جابر الجعفي‪ ،‬عن المام الباقر ‪ ‬وهو يذكر قول ابنه القائم املوعود ‪:‬‬
‫(يا أيها الناس‪ ،‬إنا نستنصر هللا فمن أجابنا من الناس فإنا أهل بيت نبيكم محمد‬
‫‪ ،‬ونحن أولى الناس باهلل وبمحمد ‪ ،‬فمن حاجني في آدم فأنا أولى الناس بآدم‪،‬‬
‫ومن حاجني في نوح فأنا أولى الناس بنوح‪ ،‬ومن حاجني في إبراهيم فأنا أولى الناس‬
‫بإبراهيم‪ ،‬ومن حاجني في محمد فأنا أولى الناس بمحمد ‪ ،‬ومن حاجني في‬
‫النبيين فأنا أولى الناس بالنبيين‪ ،‬أليس هللا يقول في محكم كتابه‪" :‬إن هللا اصطفى‬
‫ً‬
‫آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العاملين ذرية بعضها من بعض وهللا سميع‬
‫عليم"؟ فأنا بقية من آدم‪ ،‬وذخيرة من نوح‪ ،‬ومصطفى من إبراهيم‪ ،‬وصفوة من محمد‬
‫صلى هللا عليهم أجمعين‪.‬‬
‫أال فمن حاجني في كتاب هللا فأنا أولى الناس بكتاب هللا‪ ،‬أال ومن حاجني في سنة‬
‫رسول هللا فأنا أولى الناس بسنة رسول هللا‪ ،‬فأنشد هللا من سمع كالمي اليوم ملا أبلغ‬
‫الشاهد منكم الغائب‪ ،‬وأسألكم بحق هللا وبحق رسوله وبحقي‪ ،‬فإن لي عليكم حق‬
‫القربى من رسول هللا إال أعنتمونا ومنعتمونا ممن يظلمنا فقد أخفنا وظلمنا وطردنا‬
‫من ديارنا وأبنائنا وبغي علينا ودفعنا عن حقنا وافترى أهل الباطل علينا‪ ،‬فاهلل هللا‬
‫فينا ال تخذلونا وانصرونا ينصركم هللا تعالى) [الغيبة للنعماني‪ :‬ص‪.]289‬‬
‫والحمد هلل رب العاملين‪ ،‬وصلى هللا على محمد وآل محمد اآلئمة واملهديين وسلم‬
‫ا‬
‫تسليما‪.‬‬

‫الفهرس‬

‫تقديم ‪7 .................................................................................................................................................‬‬
‫مراس ي مختارة في موانئ سومر وأكاد‪13 ................................................................................................‬‬
‫املرس ى األول‪ :‬ملحم سومر وأكاد والدين اللهي‪14 ...............................................................................‬‬
‫املرس ى الثاني‪ :‬دين سومر وأكاد واألديان الثلثة‪ ،‬السلم‪ ،‬املسيحية‪ ،‬اليهودية‪20 ..............................‬‬
‫املرس ى الثالث‪ :‬هل هي قصة نبي هللا أيوب يرويها السومريون قبل أن تحدث؟!‪23 ..............................‬‬
‫املرس ى الرابع‪ :‬بلد سومر وأكاد بكت دموزي واآلن تبكي الحسين ‪‬؟!‪25 ........................................‬‬
‫رثاء السومريين لتموز أو دموزي‪34 ...................................................................................................‬‬
‫املرس ى الخامس‪ :‬جلجامش ابن ننسونا األم الباكية على دموزي!‪39 ....................................................‬‬
‫دموزي‪39 ...........................................................................................................................................‬‬
‫جلجامش‪41 .......................................................................................................................................‬‬
‫املرس ى السادس‪ :‬جلجامش شخصية دينية‪47 .....................................................................................‬‬
‫رحلة جلجامش األولى لقتل الشيطان خمبابا وإزالة الجور والظلم والشر من األرض‪49 .....................‬‬
‫املرس ى السابع‪ :‬جلجامش ويوسف ‪50 ...........................................................................................‬‬
‫املرس ى الثامن‪ :‬هناك من يسقط أو يتعثر في رحلة الخلود‪53 ...............................................................‬‬
‫املرس ى التاسع‪ :‬رحلة جلجامش إلى جده نوح ‪56 ...........................................................................‬‬
‫املرس ى العاشر‪ :‬السومريون وحاكمية هللا‪62 ........................................................................................‬‬
‫ملحق (‪ :)1‬نواح وبكاء خلفاء هللا على الحسين ‪68 ........................................................................‬‬
‫ملحق (‪ :)2‬املنتظر املوعود من الشرق (العراق)‪75 ..............................................................................‬‬
‫ملحق (‪ :)3‬حاكمية هللا والتنصيب اللهي‪79 ........................................................................................‬‬
‫ملحق (‪ :)4‬قصة يوسف ‪ ‬عبرة في زمن الظهور املقدس‪83 ............................................................‬‬
‫خاتمة ‪85 ...............................................................................................................................................‬‬

 

You might also like