You are on page 1of 10

‫نقض دعاوى من است َد َّل بيُسر الشَّريعة على التيسي ِر في الفتاوى‬

‫تقدي ٌم‬

‫الحم ُد هلل وكفى‪ ،‬وصالةً وسال ًما على عباده الذين اصطفى‪ ،‬وبعدُ‪:‬‬

‫الميس 'رين إلى تكلُّف إيج''اد مرجعيَّة ش''رعيَّة‪ ،‬وتأص''يل منهجيَّة فقهيَّة ف َّج ٍة‪ ،‬تع َم''د إلى م''ا في نص''وص‬‫ِّ‬ ‫ج التيس''ير في اإلفت''اء‪ ،‬ع َم''د بعض‬ ‫'ار منهَ ِ‬ ‫ففي َأوْ ِ‬
‫ج انتش' ِ‬
‫واإلف'راط في التيس'ير في الفت'اوى‬‫ِ‬ ‫ب‪،‬‬
‫أيس' ِر الم'ذاه ِ‬
‫اختي'ار َ‬
‫ِ‬ ‫ع به'ا لت'برير منه ِجه'ا في‬ ‫َّ‬
‫أن ال ِّدينَ يُس ٌر ال مش'قةَ في'ه‪ ،‬وتت'ذ َّر ُ‬ ‫َّ‬
‫الوحيين‪ ،‬وكالم السابقين من أدلة على َّ‬ ‫ِ‬
‫بغير ِع ٍلم‪ ،‬بتقديم''ه م''ا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هللا‬ ‫على‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫القو‬ ‫أو‬ ‫ها‪،‬‬‫ض‬‫ِ‬ ‫بع‬ ‫أو‬ ‫التكاليف‬ ‫من‬ ‫االنحالل‬ ‫هاوية‬ ‫إلى‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫يصي‬ ‫أن‬ ‫فيها‬ ‫ع‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫و‬ ‫من‬ ‫على‬ ‫ُخشى‬ ‫ي‬ ‫المعاصرة‪ ،‬إلى ح ٍّد يبلغ حافَةَ اإلفرا ِط‪ ،‬و‬
‫ِ‬
‫يستح ِسنُه بين يدي هللاِ ورسولِه‪.‬‬

‫الف م''ذهَبِهم‪،‬‬
‫بعض'ها ي''دلُّ على ِخ ِ‬
‫ُ‬ ‫غير أنِّي لم أ ِج ْد فيها دلياًل على ما ذهبوا إليه‪ ،‬بل‬ ‫آيات ُمح َك ٌ‬
‫مات‪ ،‬وأخبا ٌر صحيحة ثابتة‪َ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫وقد تأ َّملت أدلَّة القوم النقليَّة‪ ،‬فإذا هي‬
‫صدَين وخاتمة‪.‬‬
‫ب بيانَ ما بدا لي في هذا الباب على عُجال ٍة‪ ،‬في هذه المقالة الوجيزة‪ ،‬من خالل َمق َ‬ ‫المناس ِ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ورأيت من‬

‫المقصد األ َّو ُل‪:‬‬

‫ب وال ُّسنَّ ِة‪:‬‬


‫نصوصُ التيسير من ال ِكتا ِ‬

‫التشريع اإلسالم ِّي‪ ،‬كقوله تعالى‪{ :‬ي ُِري' ُد هَّللا ُ بِ ُك ُم ْالي ُْس' َر َواَل ي ُِري' ُد بِ ُك ُم‬
‫ِ‬ ‫ص ٌد من مقا ِ‬
‫ص ِد‬ ‫صوص الدالَّ ِة على َّ‬
‫أن التيسي َر و َر ْفع المشقّة مق َ‬ ‫ِ‬ ‫بعموم النُّ‬
‫ِ‬ ‫استد َّل دعاةُ التيسير‬
‫ْال ُع ْس َر}‪[ ‬البقرة‪.]185 :‬‬

‫َّوم‪ ،‬وهو ما ثبتَ بقوله تعالى في اآلية السابقة له''ا‪َ { :‬و َعلَى الَّ ِذينَ‬
‫طر في َرمضانَ مع الكفَّار ِة لِمن ق َد َر على الص ِ‬
‫و َغفَلوا عن اآلي ِة التي قَبلَها‪ ،‬وفيها َرف ُع رُخصة الفِ ِ‬
‫يُ ِطيقُونَهُ فِ ْديَةٌ طَ َعا ُم ِم ْس ِكي ٍن}‪[ ‬البقرة‪.]184 :‬‬

‫ين}‪َ  ‬كانَ َم ْن َأ َرا َد َأ ْن يُ ْف ِطر ويَ ْفتَ' ِدي‪َ ،‬حتَّى نَ' َزلَ ْ‬
‫ت اآليَ'ةُ الَّتِي بَ ْع''دهَا‬ ‫اريُّ ع َْن َسلَ َمة بْن اَأل ْك َوع َأنَّهُ قَا َل‪( :‬لَ َّما نَ َزلَ ْ‬
‫ت‪َ { ‬و َعلَى الَّ ِذينَ يُ ِطيقُونَهُ فِ ْديَةٌ طَ َعا ُم ِم ْس ِك ٍ‬ ‫َر َوى ْالبُ َخ ِ‬
‫فَنَ َسخَ ْتهَا)‪.‬‬

‫بيل النَّ ِ‬
‫سخ باأل َشدِّ‪ ،‬وهو من التشديد وليس من التيسير في شي ٍء‪ ،‬فتأ َّملْ !‬ ‫ُ‬
‫قلت‪ :‬وهذا من قَ ِ‬

‫{وجا ِه'دُوا فِي هَّللا ِ َح' َّ‬


‫ق‬ ‫ج}‪[ ‬الحج‪ ،]78 :‬متغافلين عن صدر اآلية ذاتها‪ ،‬وه'و قول'ه تع''الى‪َ  :‬‬‫و ِمث ُل ذلك استداللُهم بقوله تعالى‪َ { :‬و َما َج َع َل َعلَ ْي ُك ْم فِي الدِّي ِن ِم ْن َح َر ٍ‬
‫ِجهَا ِد ِه ه َُو اجْ تَبَا ُك ْم}‪( ‬مع أنَّه ال مشقَّة تفوق مشقَّة الجهاد والتكليف به‪ ،‬فبقي أن يُح َمل َرفع الحرج على ما ُرفِ َع بنصِّ الشارع الحكيم سبحانه‪ ،‬ال بآراء ال ُميَسِّرين‪.‬‬

‫بي ص''لَّى هللاُ‬ ‫ومن هذا القبيل ما رواه الشيخان في صحيحيهما‪ ،‬وأبو داود في ُسنَنِه‪ ،‬وأحمد في مسنده‪ ،‬ع َْن أم المؤمنين' عَاِئ َشةَ رضى هللا عنها‪ ،‬قَالَ ْ‬
‫ت‪َ ( :‬ما ُخي َِّر النَّ ُّ‬
‫اختَا َر َأ ْي َس َرهُ َما‪َ ،‬ما لَ ْم يَْأثَ ْم‪ ،‬فَِإ َذا َكانَ اِإل ْث ُم َكانَ َأ ْب َع َدهُ َما ِم ْنهُ)‪.‬‬
‫عليه وسلَّم بَ ْينَ َأ ْم َري ِْن ِإاَّل ْ‬

‫وما رواه البخاري في كتاب العلم من صحيحه‪ ،‬ومسلم في الجهاد وال ِّسيَر ع َْن َأنَ ٍ‬
‫س رضي هللا عنه‪َ ،‬ع ِن النَّبِ ِّي صلَّى هللاُ عليه وس''لَّم‪ ،‬قَ' َ‬
‫'ال‪« :‬يَ ِّس 'رُوا واَل تُ َع ِّس 'رُوا‪،‬‬
‫وبَ ِّشرُوا واَل تُنَفِّرُوا»‪.‬‬

‫وفي رواي ٍة للبخاري في كتاب األدب‪« :‬يَ ِّسرُوا واَل تُ َع ِّسرُوا‪ ،‬و َس ِّكنُوا واَل تُنَفِّرُوا »‪.‬‬

‫'ال‪« :‬بَ ِّش'رُوا واَل‬ ‫ْض َأ ْم' ِ‬


‫'ر ِه قَ' َ‬ ‫ث َأ َح' دًا ِم ْن َأ ْ‬
‫ص' َحابِ ِه فِي بَع ِ‬ ‫وروى مسلم وأبو داود ع َْن َأبِى ُمو َسى رضي هللا عنه قَا َل‪َ :‬كانَ َر ُس'و ُل هَّللا ِ ص''لَّى هللاُ علي''ه وس''لَّم ِإ َذا بَ َع َ‬
‫تُنَفِّرُوا ويَ ِّسرُوا واَل تُ َع ِّسرُوا»‪.‬‬

‫ْر ونَ ْف ِي الضَّرر‪ ،‬ورفع ال َح َرج‪ ،‬ف ِه َمه الميسِّرون على غير وجه''ه‪،‬‬ ‫ُ‬
‫قلت‪ :‬جمي ُع ما تق َّدم من نصوص الوحيَين‪ ،‬وكثي ٌر غيرُه م َّما يق ِّر ُر قيا َم الشريعة الغرَّاء على اليُس ِ‬
‫وح َّملوه ما ال يحتَ ِملُ‪ ،‬متعنِّتين في توجيهه لنُصرة ُشبهَتهم القاضي ِة ب َجعل التيسير في الفتوى منهاجًا َر َشدًا‪ ،‬وفيما يلي نقضُ غ َْزلهم‪ ،‬وكشف شبههم إن شاء هللا‪:‬‬

‫الن'بي ‪-‬ص'لَّى‬
‫ُّ‬ ‫ق لُغويٌّ بين اليُسر والتيسير؛ فاليُسر صفةٌ الزمةٌ للشريعة اإلسالميَّة‪ ،‬ومقص ٌد من مقاصدها التشريعيَّة جاء به الكتاب والس'نَّة‪ ،‬وأنزل'ه‬ ‫أ َّواًل ‪ :‬ث َّمة فر ٌ‬
‫هللاُ عليه وسلَّم‪ -‬والسلفُ الصال ُح منزلتَه‪ ،‬أ ّما التيسي ُر فهو من فِعل البشر‪ ،‬ويعني َج ْع َل ما ليس بميس ٍَّر في األصل يسيرًا‪ ،‬وهذا َم ِ‬
‫وطنُ الخَ لل‪.‬‬ ‫َ‬

‫ثانيًا‪ :‬أن اختيار النب ِّي صلَّى هللاُ عليه وسلَّم لأليسر في ك ِّل أمرين ُخيِّ َر بينهما‪ ،‬كما في حدي ِ‬
‫ث عائشة رضي هللا عنها المتقدِّم؛ فيه أربع نِكات لطيف ٍة‪:‬‬

‫أن االختيا َر واق ٌع منه صلَّى هللاُ عليه وسلَّم فيما ُخيِّ َر في''ه‪ ،‬وليس في ك' ِّل م''ا ُأوح َي إلي''ه أو ُكلِّف ب''ه ه''و أو أ َّمت''ه‪ ،‬ومث''ال ذل''ك االختالفُ في ِ‬
‫ص'يَغ‬ ‫النكتة األولى‪َّ  :‬‬
‫باألمرين كليهما‪.‬‬
‫ِ‬ ‫األذان‪ ،‬وتكبيرات العيد‪ '،‬وما إليه؛ حيث ال يعيبُ من أ َخذ بهذا على من أخ َذ بذاك من العلماء؛ لثبوت ال ِّروايات‬
‫أن العدول عن الراجح إلى المرجوح‪ ،‬أو تعطي َل (ومن باب أولى َر ُّد) ما ثبت من األدلَّة الشرعيّةَ إث ٌم يُخش''ى على‬ ‫والثانية‪ :‬تقييد التخيير بما لم ي ُكن إث ًما‪ ،‬وال ش َّ‬
‫ك َّ‬
‫العتباره من التيسير المشروع في شي ٍء‪.‬‬
‫ِ‬ ‫صاحبه من الضالل‪ ،‬فال َوجه‬

‫أن التخيير المذكور في الحديث يُح َم ُل على أمور الدنيا ال الدِّين‪ ،‬وهذا ما فَ ِه َمه أه ُل ال ِعلم قَبلَنا‪ ،‬وقد ُأ ِمرنا بال َّر ِّد إليهم‪ ،‬ومنهم الحافظُ ابن َح َجر؛ حيث قال‬ ‫والثالثةُ‪َّ  :‬‬
‫َّ‬
‫أمور الدنيا؛ ألن أم'ور ال''دين ال إثم فيه'ا‪ ...‬ووق''وع التخي''ير بين م'ا في''ه إثم وم'ا ال إث َم في'ه من قِبَ''ل المخل''وقين‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫رحمه هللا في الفتح‪( :‬قوله‪" :‬بين أمرين"‪ :‬أي من‬
‫التخيير إنما يكونُ بين جاِئ َزين) [فتح الباري‪.]713 / 6 :‬‬ ‫َ‬ ‫واضحٌ‪ ،‬وأ َّما من قِبَ ِل هللا ففيه إشكالٌ؛ ألن‬
‫ِ‬

‫ق‬‫نفس'ه‪ ،‬كقيا ِم'ه اللي' َل حتَّى تتش'قَّ َ‬


‫ق على ِ‬ ‫أن هذا الخبر ما لم يُقيَّد بما سبق سيكون معا َرضًا باختي'ار الن'ب ِّي ص'لَّى هللاُ علي''ه وس''لَّم األش' َّ‬
‫والنكتة الرابعة واألخيرة‪َّ  :‬‬
‫أن هللا تعالى قد َغفَر له ما تق َّدم من ذنبه وما تأ َّخر‪ .‬قال الحاف''ظ في الفتح‪( :‬لكن إذا ح َم ْلن''اه على م''ا يفض''ي إلى اإلثم أمكن ذل''ك ب''أن يخَ ي َِّره بين أن يفت ََح‬
‫قدَماه‪ ،‬مع َّ‬
‫ُ‬
‫الس'عة أس'هَ َل من''ه‪ ،‬واإلث ُم على ه''ذا أم' ٌر‬ ‫اَّل‬ ‫اَّل‬ ‫اًل‬ ‫اَّل‬
‫االشتغال به أ يتفَ َّر َغ للعباد ِة مث ‪ ،‬وبين أ يُؤتِيَه من الدنيا إ الكفاف‪ ،‬وإن كانت َّ‬ ‫ِ‬ ‫عليه من كنوز األرض ما يخشى مع‬
‫نسبي‪ ،‬ال يراد منه معنى الخطيئة؛ لثبوت العصمة له) [فتح الباري‪.]713 / 6 :‬‬ ‫ٌّ‬

‫تكليف ب َح َسبِه‪ ،‬وهي متفاوتة‪ ،‬فإذا جاز لن''ا تخيُّ ُر أيس''ر الم''ذاهب دف ًع''ا لك''لِّ مش'قّ ٍة‪ ،‬ت''رتَّ َ‬
‫ب على ذل''ك‬ ‫ٍ‬ ‫ثالثًا‪ :‬ال تكليفَ بدون مشقَّة‪ ،‬وإن كانت المشقَّة الحاصلة بكلِّ‬
‫كثير من التكاليف الشرعيَّة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫إسقاطُ‬

‫قال الشاطبي رحمه هللا‪( :‬المقصد الشرعي ِمن وضْ ع الش'ريعة ه'و إخ''را ُج الم َكلَّف عن داعي' ِة ه'واه ح'تى يك''ونَ عب'دًا هلل اختي'ارًا كم'ا ه''و عب' ُد هللاِ اض'طرارًا)‬
‫[الموافقات‪.]128 / 2 :‬‬

‫واضمح َّل بالكليَّ ِة) [إعالم الموقعين ‪.]130 / 2‬‬


‫َ‬ ‫الواجبُ‬
‫ِ‬ ‫ق عليه‪ :‬الترخيصُ ‪ ،‬ضاع‬
‫وقال اإلمام شمس الدين بن القي ِِّم رحمه هللا‪( :‬لو جاز لكل مشغو ٍل وك ِّل مشقو ٍ‬

‫ُض'رُّ ب'ه‪ ،‬ج'از معه'ا الفِط' ُر‬ ‫وألم ي ِ‬


‫ض ٍ‬ ‫'ر ٍ‬‫يناس'بُها‪ ،‬ف'إن ك'انت مش'قَّةَ َم َ‬
‫ق به'ا من التخفي'ف م'ا ِ‬ ‫(إن المشقة قد ُعلِّ َ‬
‫وقال أيضًا في َمعرض كالمه عن ُر َخص السفَر‪َّ :‬‬
‫'در‬
‫ِ‬ ‫'‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫على‬ ‫'ل‬‫'‬‫ب‬ ‫'ه‪،‬‬
‫'‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ع‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫من‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫'‬ ‫راح‬ ‫وال‬ ‫'التعب‪،‬‬ ‫'‬‫ب‬ ‫ٌ‬ ‫ة‬ ‫'‬ ‫منوط‬ ‫واآلخ'رة‬ ‫'دنيا‬
‫'‬ ‫ال‬ ‫فمصالح‬ ‫ب‬
‫ٍ‬ ‫تع‬ ‫َ‬ ‫ة‬‫َّ‬ ‫ق‬‫مش‬ ‫كانت‬ ‫وإن‬ ‫'‬
‫‪،‬‬ ‫د‬
‫صر ال َع َد ِ‬ ‫والصالةُ قاعدًا أو على َجن ٍ‬
‫ب‪ ،‬وذلك نظي ُر قَ ِ‬
‫ب تكون الراحةُ‪ ،‬فتناسبت الشريعة في أحكا ِمها ومصال ِحها ب َحم ِد هللاِ و َمنِّه) [إعالم الموقعين ‪.]131 / 2‬‬
‫ُ‬ ‫التَّ َع ِ‬

‫والجه''د في الطاع' ِة‬


‫َ‬ ‫َّواب‪ ،‬و َغفَل ع َّما أريد منه‪ ،‬وما ُأنِي'طَ ب''ه‪ ،‬ول''و ك''ان في البُع' ِد عن ال ِج' ِّد‬ ‫صب‪ ،‬فقد خالف الص َ‬ ‫قلت‪ :‬فمن آثَ َر الرَّاحةَ وال َّدعةَ في مقام ال ِج ِّد والنَّ َ‬
‫ُ‬
‫صبْ }‪[ ‬االنشراح‪.]7 :‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫تَ‬‫غ‬‫ْ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ف‬
‫ِإ َ‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫{‬ ‫‪ ‬‬ ‫إليه‪:‬‬ ‫ِّهم‬ ‫ب‬‫ح‬‫َ‬ ‫وأ‬ ‫ه‬ ‫ق‬‫ل‬
‫ِ ِ‬‫ْ‬ ‫خَ‬ ‫لخير‬ ‫تعالى‬ ‫قال‬ ‫ما‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫‪،‬‬ ‫األعذار‬
‫ِ‬ ‫ذوي‬ ‫لغير‬ ‫ٌ‬ ‫ة‬ ‫مندوح‬ ‫رعي‬
‫ٍّ‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫ص‬
‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫خ‬ ‫مر‬ ‫بدون‬

‫فس والغ'ير‪ :‬ال ي'دلُّ على التخي'ير (أو التخيُّر) في‬ ‫َطع‪ ،‬والت َع ُّمق‪  ،‬وم'ا إلى ذل'ك‪ ،‬على النَّ ِ‬ ‫راب ًعا‪ :‬ما ورد في التحذير والتنفير من التشديد والتعس'ير والمش'اقَّة والتن ُّ‬
‫'ل‬‫'ور أه' ِ‬ ‫اًل‬
‫باالتف'اق‪ ،‬فض' عن حم' ِل جمه' ِ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫وألن النس َخ باأل َش ِّد م َّما جاءت ب''ه الش'ريعة‬
‫َّ‬ ‫ض َع كثير ٍة‪،‬‬‫التكليف باألش ِّد في موا ِ‬
‫ِ‬ ‫صوص على‬
‫ِ‬ ‫األحكام الشرعيَّ ِة؛ لدَالل ِة النُّ‬
‫ِ‬
‫الصِّيام‪ ،‬فهو م َّما نُ ِه َي عنه‪ ،‬وإن كان مقدورًا عليه بدون مشقَّة‪ ،‬بخالف‬
‫ِ‬ ‫في‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫صا‬ ‫كالو‬
‫ِ‬ ‫‪،‬‬ ‫للمشروع‬ ‫ٌ‬ ‫ة‬ ‫مجاوز‬ ‫فيه‬ ‫كان‬ ‫ما‬ ‫على‬ ‫ونحوه‬ ‫ع‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫َط‬ ‫ن‬‫الت‬ ‫عن‬ ‫هي‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫لنصوص‬ ‫الع ِلم‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫الع ِلم في أن األصل في التكلي''ف أنه ق''ائ ٌم‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ب عليه حتى وإن ثبتت مشقته‪ ،‬ما دام مقدورًا عليه‪ ،‬وقد تقدم ِذك ُر بعض أقوا ِل أه ِل ِ‬ ‫وج َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َّوم المشروع فال يسقط ع َّمن َ‬ ‫الص ِ‬
‫على المشقَّة المقدور عليها‪.‬‬

‫ب والمس''ت َحبِّ في العب''ادات‪ ،‬وت'ارةً باتخ''ا ِذ م''ا ليس‬ ‫ب وال ُمست َحبٍّ ‪ ،‬بمنزل''ة ال''وا ِج ِ‬ ‫قال شيخ اإلسالم ابن تيميَّة رحمه هللا‪( :‬التشدي ُد تارةً يكون باتخا ِذ ما ليس بواج ٍ‬
‫بأن الذين َش َّددوا على أنفُ ِسهم من النصارى‪َ ،‬ش َّدد هللا عليهم لذلك‪ ،‬حتى آل األم ُر إلى م''ا هم‬ ‫ب ُمحرَّم وال مكروه‪ ،‬بمنزل ِة الم َحرَّم والمكروه في الطَّيِّبات‪ ،‬و ُعلِّل ذلك َّ‬
‫ْ‬
‫عليه من الرَّهبانيَّة المبتَدَعة‪ '،‬وفي هذا تنبيهٌ' على كراه ِة النب ِّي صلَّى هللاُ عليه وسلم لِ ِمثل ما عليه النصارى من الرَّهبانيَّة المبتَدَع''ة‪ '،‬وإن ك''ان كث''ي ٌر من ُعبَّا ِدن''ا ق''د‬
‫َّ‬
‫وقعوا في بعض ذلك‪ ،‬متأ ِّولين معذورين‪ ،‬أو غي َر متأولين وال معذورين) [اقتضاء الصراط‪.]1/103 :‬‬

‫أن تش'دي َ'د العب' ِ'د على نَ ْف ِس'ه ه'و َّ‬


‫الس'بَبُ‬ ‫ِّين‪ ،‬وذل'ك بال ِّزي'اد ِة على المش'روع‪ ،‬وأخ'بر َّ‬ ‫النبي صلَّى هللاُ عليه وسلَّم عن التشدي ِد في ال'د ِ‬ ‫ُّ‬ ‫وقال ابن القيِّم رحمه هللا‪( :‬نهى‬
‫الوسْواس؛ فإنهم ش'' َّددوا على‬ ‫َر‪ ،‬كفِع ِل أهل َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫رع كما يُ َش ِّد ُد على نف ِسه بالن ِ‬
‫ذر الثقيل‪ ،‬فيَل َز ُمه الوفا ُء به‪ ،‬وبالقد ِ‬ ‫َّ‬
‫ع؛ فالتشدي ُد بالش ِ‬ ‫َّ‬
‫لتشديد هللا عليه؛ إ َّما بالقَدَر‪ ،‬وإ َّما بالشرْ ِ‬
‫أنفُ ِسهم‪ ،‬ف ُش ِّد َد عليهم القَ َد ُر‪ ،‬حتى استحكم ذلك‪ ،‬وصار صفةً الزمةً لهم) [إغاثة اللهفان‪.]1/132 :‬‬

‫إن أحكا َم الشريع ِة تتد َّر ُج من األش ِّد إلى األي َس ِر‪ ،‬وال من األي َس ِر إلى األ َشدِّ‪ ،‬باطِّرا ٍد؛ ألنَّها اشتملت على األمري ِن معًا‪ ،‬وهذه المسألةُ مبسوطة في مبا ِح ِ‬
‫ث‬ ‫وال يُقالُ‪َّ :‬‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ب والسن ِة‪ ،‬ومن استقرأها وقفَ على حقيق ٍة مفادها أن التدرُّ ج من األي َس ِر إلى األشد هو الغ''الِبُ في النس''خ‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫ب األصول‪ ،‬واألمثلة عليها كثيرة من الكتا ِ‬ ‫سخ في ُكت ِ‬
‫ُ‬ ‫النَّ ِ‬
‫صلوه في هذا ال َّزما ِن‪.‬‬
‫التيسير‪ ،‬ومَؤ ِّ‬
‫ِ‬ ‫نقيض ما ذهَب إليه دعاةُ‬‫ِ‬ ‫وهو ما يصل ُح دلياًل على‬

‫ق من يطيقُه‪.‬‬
‫التخيير في َح ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِّيام على كلِّ مكلَّف بعد أن كان على‬ ‫مواض َع؛ منها ما تق َّدم ِذكرُه من إيجا ِ‬
‫ب الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫الترخيص في‬
‫ِ‬ ‫لقد جاء ال َّشر ُ‬
‫ع بالتشدي ِد بعد'‬

‫ج من األي َس ِر إلى األ َشدِّ؛ حيث كان مباحًا على األص ِل‪ ،‬ث َّم ن'زلت اآلي'ة لتفي' َد كراهت'ه باإلش'ار ِة على ُربُ' ِّو إث ِم'ه على‬‫الخَمر من التدرُّ ِ‬
‫ِ‬ ‫تحريم‬
‫ِ‬ ‫ونحو ذلك ما جاء في‬
‫نفعه‪ ،‬ث َّم حُرِّ م أثناء الصالة خاصَّة‪ ،‬ث َّم نزل تحري ُمه في الكتاب‪ ،‬وح ُّد شاربه في ال ُّسنَّة‪.‬‬
‫ِ‬

‫الج ْل''د للبِك' ِ‬


‫'ر (والتغ''ريب‬ ‫لهن س''بياًل ‪ ،‬ث َّم َ‬ ‫ُ‬
‫الموت أو يج َع َل هللاُ َّ‬ ‫هن‬ ‫وكذلك الحا ُل في تشديد ح ِّد ال ِّزنا من اإليذاء باللِّسان واليد‪ ،‬إلى َح ِ‬
‫بس ال َّزواني في البيوت حتى يأتيَ َّ‬
‫حصن‪.‬‬
‫في بعض المذاهب)‪ ،‬والرَّجم لل ُم َ‬

‫األعذار بعد ال ِهجر ِة‪.‬‬


‫ِ‬ ‫اإلذن فيه‪ ،‬ثم إيجابِه على غير ذوي‬
‫ِ‬ ‫األمر‪ ،‬ث َّم‬
‫ِ‬ ‫ونحوه ما كان من النَّ ِ‬
‫هي عن الجها ِد في أ َّو ِل‬
‫ك'ر أدلَّتِه'ا وم'ا يتف'رَّع عنه'ا من‬
‫التشريع من األي َس ِر إلى األش'دِّ‪ :‬كث'يرةٌ‪ ،‬ول'و أردن'ا تتبُّ َعه'ا‪ ،‬و ِذ َ‬
‫ِ‬ ‫ج في‬ ‫واألمثلةُ ‪-‬غَي ُر ما ذكَرْ نا‪ -‬على َّ‬
‫أن ال َّشر َع الحنيف جاء بالتدَرُّ ِ‬
‫التمام ([‪.)]1‬‬
‫ِ‬ ‫مسائل وأحكام‪ ،‬لطال بنا المقا ُم قبل أن نصير إلى‬

‫وموار َد الرَّدى‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ضاَّل ت الهوى‬
‫وهذا يدلُّ على نقيض ما تذرَّع به الميسِّرون‪ ،‬يسَّر هللا لنا ولهم ُسبُ َل الهدى‪ ،‬ووقانا ُم ِ‬

‫الص'ريحُ‪ ،‬وه''و إغال ُ‬


‫ق ب''اب‬ ‫ق َّ‬‫التيسير على َوج ِه التخيير‪ ،‬ظَهَ''ر لن''ا ال َح' ُّ‬
‫ِ‬ ‫صوص الوحيَي ِن على الجنوح إلى‬
‫ِ‬ ‫فإذا ُأضيفَ إليه ما قرَّرْ ناه آنِفًا من بُطال ِن استداللهم بنُ‬
‫التسليم والقبول‪ ،‬وهللا أعلَم وأح َكم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫االجتهاد في مور ِد النَّصِّ الص ِ‬
‫َّحيح‪ ،‬ووجوب ال َّر ِّد إلى هللا تعالى ورسولِه على َوج ِه‬

‫ص ُد الثاني‪:‬‬
‫المق َ‬

‫ب‬
‫اختيار أي َس ِر المذا ِه ِ‬
‫ِ‬ ‫أقوا ُل ال َّسلَ ِ‬
‫ف في‬

‫ف واألئمة المتَّبَعين' بإحسا ٍن‪ ،‬من استحبا ِ‬


‫ب األخ ِذ بالرُّ َخ ِ‬
‫ص‪.‬‬ ‫ي عن ال َّسلَ ِ‬
‫العصر الحديث بما ر ُِو َ‬
‫ِ‬ ‫تذ ّر َع دُعاةُ التيسير في‬

‫ومن ذلك قو ُل قتادة رحمه هللا‪( :‬ابتغوا الرُّ خصةَ التي َكتَب هللاُ لكم) [انظره في‪ :‬تحفة المولود‪ ،‬ص‪.]8 :‬‬

‫وقَو ُل سفيان الثوري رحمه هللا‪( :‬إنَّما العل ُم عندنا الرُّ خصةُ ِمن ثِقَ ٍة‪ ،‬فأما التشدي ُ'د فيُح ِسنُه ُكلُّ أح ٍد) [آداب الفتوى للنووي‪ ،‬ص‪.]37 :‬‬

‫الحرام لحاجتِه إليه‪ ،‬فإنَّه يثابُ على ذلك) [مجموع الفتاوى‪.]48 / 7 :‬‬
‫ِ‬ ‫وقو ُل شيخ اإلسالم ابن تيميَّة‪( ':‬إذا فعل المؤ ِمنُ ما ُأبي َح له قاصدًا العدو َل عن‬

‫وقول ابن القيِّم‪( :‬الرُّ َخصُ في العبادات َ‬


‫أفض ُل من الشدائ ِد) [شرح العمدة‪.]541 / 2 :‬‬

‫أخ َذ العام ِّي في ك ِّل مسألة بقول مجته ٍد َأ َخف عليه‪ ،‬ال أدري ما يمنعُه من النَّقل أو العقل‪.‬‬ ‫(إن المقلِّد له أن يقلِّد من يشاء‪َّ ،‬‬
‫وإن ْ‬ ‫وقو ُل الكمال بن الهمام في التحرير‪َّ :‬‬

‫رع َذ َّمه عليه‪ ،‬وكان صلَّى هللاُ عليه وسلَّم يحبُّ ما خفَّف عن أ َّمتِه)‪.‬‬
‫علمت من ال َّش ِ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫األخف عليه من قو ِل مجتَ ِه ٍد َمس ٍ‬
‫ُوغ له االجتهادُ‪ ،‬ما‬ ‫وكونُ اإلنسان يتتبَّع' ما هو‬

‫الش' َّدة‪ ،‬وال يمي' ُل إلى طَ' َرف‬


‫َب ِّ‬
‫'الجمهور‪ ،‬فال ي''ذهَبُ بهم َم''ذه َ‬
‫ِ‬ ‫اس على المعهود ال َو َسط فيما يليق ب'‬ ‫وقول الشاطبي‪( :‬المفتي البالِ ُغ ِذروةَ ال َّد َرج ِة هو الذي يح ِم ُل النَّ َ‬
‫الش'ارع من الم َكلَّف ال َحم' ُل على التوس''ط من غ''ير إف''را ٍط‬‫مقص َد َّ‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫َّ‬
‫ر‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫قد‬ ‫ه‬‫َّ‬ ‫ن‬‫فإ‬ ‫؛‬‫ُ‬ ‫ة‬ ‫ريع‬ ‫َّ‬
‫ش‬ ‫ال‬ ‫به‬ ‫جاءت‬ ‫صراط المستقيم الذي‬ ‫االنحالل‪ ،‬والدلي ُل على صحة هذا أنَّه ال ِّ‬
‫وال تفري ٍط‪ ،‬فإذا خرج عن ذلك في المستَ ْفتِين خرج عن قَصْ ِد الشارع؛ ولذلك كان ما خرج عن المذهَ ِ‬
‫ب ال َو َس ِط مذمو ًما عند العلم''اء الرَّاس''خين) [الموافق''ات‪/ 4 :‬‬
‫‪.]285‬‬

‫إلى غير ذلك م َّما وقفوا عليه فاحتجُّ وا به‪ ،‬أو غاب عنهم فأغفَلوه‪.‬‬

‫ص‬ ‫ُّ‬
‫ال'ترخ ِ‬ ‫ولو تأ َّم ْلنا ما أوردناه (وال أعلَم لهم استدالاًل بغيره من أقوا ِل األئ َّمة) لَ َما رأينا فيه دلياًل على التيسير الذي يُدن' ِدنُ َحول'ه المعاص'رون؛ فقت'ادةُ ي'دعو إلى‬
‫ِّ‬
‫حيث شرع هللاُ الرُّ خصةَ‪ ،‬فيقول‪( :‬ابتغوا الرُّ خصةَ التي َكتَب هللا لكم) (ابتغوا الرُّ خصةَ التي َكتَب هللا لكم) (ابتغوا الرُّ خصة التي َكتَب هللا لكم)‪ ،‬وال يقول‪ :‬رخصوا‬
‫العباد أو مسايَ َرتِهم‪.‬‬
‫باستحسانِكم‪ ،‬أو لمجرَّد التخفيف عن ِ‬

‫وابن تيميَّة' يَذ ُك ُر االستغناء بالحالل عن الحرام‪ ،‬وليس اإلفتا ُء بعدَم حُرم ِة الح َرام أصاًل ‪ ،‬أو اختيار قو ِل من يع ِد ُل عن التحريم إلى التحليل أو مجرَّد الكراهة‪ ،‬وإن‬
‫ض ُعفَت ُح َّجتُه‪ ،‬و َوهت ُشبهتُه‪.‬‬ ‫َ‬

‫الحرام‪ ،‬ونفي الكراه ِة عن المكرو ِه‪ ،‬وشتَّان م''ا بين‬


‫ِ‬ ‫ت‪ ،‬وهذا ال خالف فيه‪ ،‬خالفًا لدُعا ِة التيسير الذين وقعوا في تحلي ِل‬
‫أ َّما ابنُ القيِّم فكال ُمه في الرُّ َخص في العبادا ِ‬
‫ين‪'.‬‬
‫المذهَبَ ِ‬

‫ج م''تيقَّ ٍن‬
‫'ر ٍ‬ ‫ب‪ ،‬أو تحليل المحرَّم‪ ،‬ول ِكنَّه موجَّه إلى ما ينبغي أن َ‬
‫يفتي به العال ُم من َوق''ع في ح' َ‬ ‫الواج ِ‬
‫ِ‬ ‫بإسقاط‬
‫ِ‬ ‫وما يُروى عن سفيان َرحمه هللا ال يؤ َخ ُذ منه الترخيصُ‬
‫ب عليه‪ ،‬ال ليُسقِطَه عنه‪ ،‬وذلك كثيرًا ما يَقَع في باب الكفَّارات‪ ،‬وأدا ِء النُّ ِ‬
‫ذور ونحوها‪.‬‬ ‫القيام بما َو َج َ‬
‫ِ‬ ‫ليعينَه على‬

‫ابن ُعيَينة‪ ،‬قال به غيرُه‪ ،‬ولكنَّهم تحوَّطوا في ضبط صُ َوره بالتمثيل له‪.‬‬
‫ي عن ِ‬
‫وما ر ُِو َ‬

‫ٌ‬
‫حسن جميلٌ‪ ،‬وعليه يُح َم' ُل م''ا ج''اء عن بعض‬ ‫يمين ونحوها‪ ،‬فذلك‬
‫ٍ‬ ‫لتخليص من ورطة‬‫ٍ‬ ‫ب في طَلَب حيل ٍة ال ُشبهةَ فيها‪،‬‬ ‫قال النووي‪( :‬وأما من ص َّح قصدُه‪ ،‬فاحتَ َس َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ول سُفيان‪( :‬إنَّما العل ُم عندنا الرُّ خصة من ثِق ٍة‪ ،‬فأ َّما التشدي ُد فيُح ِسنه كلُّ أح ٍد) [آداب الفتوى للنووي‪ ،‬ص‪.]37 :‬‬
‫ُ‬ ‫ال َّسلَ ِ‬
‫ف من نحو هذا‪ ،‬كقَ ِ‬

‫ي عنهم في التيس'ير‬
‫رُو َ‬ ‫ُّ‬
‫ال'ترخص المج'رَّد عن ال'دليل‪ ،‬أض'عافُ م'ا ِ‬ ‫ث على التمسُّك بالعزائم‪ ،‬والتح'ذير من‬ ‫الح ِّ‬
‫ف الصَّالح في َ‬ ‫ي عن ال َّسلَ ِ‬ ‫ونُنَبِّهُ هنا إلى َّ‬
‫أن ما ر ُِو َ‬
‫عض‪.‬‬
‫ب بعضُها ببَ ٍ‬ ‫والترخيص‪ ،‬والعدل أن يُج َم َع بين أقوالهم‪ ،‬ال أن يُسقَطَ بعضُها‪ ،‬أو يُض َر َ‬
‫ضحت الصورةُ أكثَ َر إذا ق َّربْناها بالتمثي ِل لِما كان عليه َسلَفُنا الصال ُح رض''وان هللا عليهم أجمعين‪ ،‬ف''إذا َر َجعن''ا إلى س'يَ ِر ِهم وقفن''ا على مع' ِ‬
‫'الم َم ْنهَ ِجهم في‬ ‫و ُربَّما اتَّ َ‬
‫المعالم‪:‬‬
‫ِ‬ ‫والغير‪ ،‬ومن أبرز تلك‬ ‫ِ‬ ‫والتيسير على النَّ ِ‬
‫فس‬ ‫ِ‬ ‫التشدي ِ'د‬

‫العالم على نَ ْف ِسه أكثَ َر م َّما ي َش ِّد ُد على ِ‬


‫غيره‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أ َّواًل ‪ :‬تشدي ُ'د‬

‫الناس في الصالة‪،‬‬
‫َ‬ ‫باإليجاز إذا أ َّم‬
‫ِ‬ ‫ولهذا ال َمعلَم ما يشهَ ُد له من ال ُّسنَّة؛ حيث أر َشد إليه رسو ُل هللا صلَّى هللاُ عليه وسلَّم إليه معا َذ بنَ جبل رضي هللا عنه‪ ،‬حين َ‬
‫أمره‬
‫الترخيص له في اإلطال ِة إذا صلى فَ ًّذا‪ ،‬كما في الصحيحين وغيرهما‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ويقتضي هذا‬

‫صر‪ ،‬من التيسير فيم''ا كثُ''ر‬ ‫الكرام و َمن بَع َدهُم التشدي ُ'د على النَّ ِ‬
‫اس فيما تساهلوا فيه‪ ،‬وهذا خالفُ ما عليه ميسِّرة ال َع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُرف عن ال َّسلَ ِ‬
‫ف الصَّالح من الصَّحاب ِة‬ ‫ثانيًا‪ :‬ع ِ‬
‫وقو ُ‬
‫ع الناس فيه!‬

‫طالق المجلس ثالثًا‪ ،‬وأمضاه على النَّ ِ‬


‫اس؛ ألنَّهم استعجلوا بع''د أن ك''انت لهم‬ ‫ِ‬ ‫بإيقاع‬
‫ِ‬ ‫ومن ذلك قَو ُل ُع َم َر الفاروق رضي هللا عنه‪( :‬فلو أمضيناه عليهم) حينما حك َم‬
‫فيه َأناةٌ‪.‬‬

‫علي بن أبي طالب رضي هللا عنه للصُّ نَّاع بعد أن فَ َسدَت ال ِّذ َم ُم وت َغيَّرت النُّفوسُ ‪.‬‬
‫وكذلك تضمينُ أمير المؤمنين ُّ‬

‫للتيس'ير‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الميس'رون المعاص'رون مقتض'يًا‬
‫ِّ‬ ‫أن ُع َم َر وعليًّا رضي هللا عنهما ق'د بالغ'ا في التش'ديد في ه'اتين المس'ألتين‪ ،‬استحس'انًا‪ ،‬رغم وج'و ِد م'ا ي'راه‬
‫أال ترى َّ‬
‫ً‬
‫ومستلز ًما للتخفيف مراعاة ظروف المجتَ َمع‪ ،‬ورفعًا لل َح َرج عن الناس‪.‬‬
‫ِ‬

‫ف من كان يُفتي بالفتوى‪ ،‬أو يَقضي بالقضاء‪ ،‬ث َّم ير ِج ُع عنه إذا بلغه ما هو أقوى منه دلياًل وأق َو ُم سبياًل ؛ إذ َّ‬
‫إن العبرة عنهم بما جاء من عن''د هللا‪،‬‬ ‫ثالثًا‪َّ  :‬‬
‫أن من ال َّسلَ ِ‬
‫بالتيسير أو التشدي ِد‪'.‬‬
‫ِ‬ ‫رسول هللا‪ ،‬وليس‬
‫ِ‬ ‫وثبت عن‬

‫بعض فتي''اك؛ فإنَّك ال ت''دري م''ا‬ ‫َ‬ ‫أخرج مسلِ ٌم في كتاب ال َح ِّج من صحي ِحه عن أبي موسى األشعري رضي هللا عنه‪( :‬أنَّه كان يُفتي بالمتع ِة‪ ،‬فقال له ر ُجلٌ‪َ :‬‬
‫رُو ْيدَك‬
‫أمير المؤمنين قا ِد ٌم عليكم فأتِ ُّموا‪ ،‬قال‪ :‬فقَ' ِد َم ُع َم' رُ‪ ،‬ف''ذكَرْ ُ‬
‫ت ذل''ك ل''ه‪،‬‬ ‫فإن َ‬‫ك بعدك‪ ،‬فقال‪ :‬يا أيُّها النَّاسُ ‪ ،‬من ُكنَّا قد أفتيناه فُ ْتيا فليتَِّئ ْد‪َّ '،‬‬ ‫أحدث أمي ُر المؤمنين في النُّ ُس ِ‬
‫َّ‬
‫سول هللاِ صلى هللاُ‬
‫فإن َر َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫هَّلِل‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َأ‬
‫فإن هللا تعالى قال‪َ { :‬و تِ ُّم ُوا ال َح َّج َوال ُع ْم َرةَ ِ}‪[ ‬البقرة‪ ،]196 :‬وأن تأ ُخ َذ ب ُسنَّ ِة َرسو ِل هللاِ صلى هللاُ عليه وسلم‪َّ ،‬‬ ‫ب هللاِ‪َّ ،‬‬ ‫فقال‪ :‬أن تأ ُخ َذ بكتا ِ‬
‫ي)‪.‬‬ ‫ْ‬
‫د‬
‫َ َ‬ ‫ه‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫حتى‬ ‫عليه وسلَّم لم يَ ِح َّل‬

‫الدليل‪ ،‬وير ِج ُع إليه إن بلَغَه ولو بع''د حين‪،‬‬


‫ِ‬ ‫واألمثلةُ غير هذا في رجو ِعهم إلى الح ِّ‬
‫ق كثيرةٌ‪ ،‬فهل في دعاة اليوم من يلز ُم غَرْ َز السَّابقين‪ ،‬وينحو نح َوهُم‪ ،‬فيَقِفُ عند‬
‫ْ‬
‫ضينا‪ ،‬وهذه على ما نَقضي)؟‬ ‫وال يجد غضاضةً في أن يقو َل‪( :‬تلك على ما ق َ‬
‫َ‬

‫ودليل‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫علم وبصير ٍة‬ ‫ُ‬
‫حيث دا َر‪ ،‬فمنهم المي ِّس ُر ومنهم الم َشدِّد‪ ،‬ول ِك ْن عن ٍ‬ ‫رابعًا‪ :‬كان الصَّحابةُ ال ِكرا ُم ِرضوان هللا عليهم يدورون مع الدلي ِل‬

‫وكلُّهُم ِم ْن رسو ِل هللاِ ُم ْقتَبِـسٌ ******* غَرْ فًا ِمنَ البَ ِ‬


‫حر أو َر ْشفًا ِمنَ ال ِّديَ ِم‬

‫'بي‬ ‫ولكن الحا ِم َل ل ُك ٍّل منهما على َم ْذهَبِ''ه ال يخ''ر ُج عن االس'‬


‫'تدالل بم''ا ثبت ِعن'دَه عن ن' ِّ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫وإن كان فيهم من يلت َِز ُم في َع َملِه األح َو ِط في مقابِ ِل من يجنَ ُح إلى األي َس ِر‪،‬‬
‫الهُدى صلَّى هللاُ عليه وسلَّم‪.‬‬

‫'ر رض'ي هللا عنهم''ا‪ ،‬فق''د ك'ان‬ ‫الص'احبان اإلمام'ان‪ :‬عب'د هللا بن عبَّاس‪ ،‬وعب' ُد هللاِ بنُ ُع َم' َ‬ ‫'ر بم'ا ك''ان علي'ه َّ‬ ‫الختالف آرا ِء الصَّحابة في هذا األم' ِ‬ ‫ِ‬ ‫ويح ُسنُ التمثي ُل‬
‫الص'حابةُ‪ ،‬فك''ان‬
‫ت بأش''يا َء ال يوافِقُ'ه عليه''ا َّ‬ ‫ِ‬ ‫'ديدا‬
‫'‬ ‫التش‬ ‫من‬ ‫ُ‬
‫ذ‬ ‫'‬‫خ‬‫ُ‬ ‫يأ‬ ‫ك'ان‬ ‫ر‬ ‫'‬
‫َ َ‬‫م‬‫ع‬‫ُ‬ ‫بنُ‬ ‫ِ‬ ‫هللا‬ ‫ُ‬
‫د‬ ‫وعب‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬
‫ٍ‬ ‫مسأل‬ ‫غير‬
‫ِ‬ ‫في‬ ‫وذلك‬ ‫‪،‬‬ ‫الترخيص‬
‫ِ‬ ‫إلى‬ ‫ر‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫خ‬ ‫واآل‬ ‫‪ ‬‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫التشدي‬ ‫‪ ‬‬ ‫إلى‬ ‫(أحدُهما يمي ُل‬
‫ُ‬ ‫ُأ‬
‫يغ ِس ُل دا ِخ َل عينيه' في الوضو ِء حتى َع ِم َي من ذلك‪ ،‬وكان إذا َم َسح رأ َسه أفرد ذنَيه بماء جديد‪ ،‬وكان يمن ُع من دُخو ِل ال َح َّمام‪ ،‬وك''ان إذا دخل''ه اغت ََس'ل من''ه‪ ،‬وابنُ‬
‫ص ُر على ضرب ٍة واحد ٍة‪ ،‬وال على ال َكفَّين‪ ،‬وكان ابنُ‬ ‫ين‪ ،‬وال يقتَ ِ‬ ‫بضربتين ضرب ٍة للوجه‪ ،‬وضرب ٍة لليدين إلى المرفقَ ِ‬ ‫ِ'‬ ‫س كان يدخل ال َح َّمام‪ ،‬وكان ابنُ ُع َم َر يتي َّم ُم‬ ‫َعبَّا ٍ‬
‫ض من قبل' ِة امرأتِ''ه‪ ،‬ويُف''تي ب''ذلك‪ '،‬وك''ان إذا قَبَّل أوالدَه تمض' َم َ‬
‫ض ث َّم ص''لى‪ ،‬وك''ان ابنُ‬ ‫ُ‬ ‫ُأ‬ ‫ٌ‬
‫س يخالِفه‪ ،‬ويقولُ‪ :‬التي ُّم ُم ضربة للوجه والكفين‪ ،‬وكان ابنُ ُع َم َر يت َو َّ‬ ‫ُ‬ ‫َعبَّا ٍ‬
‫يصلِّي الصالة التي ذكره''ا‪ ،‬ثم يعي''د الص''الة ال''تي‬ ‫أن عليه صالةً وهو في أخرى أن يُتِ َّمها‪ ،‬ثم َ‬ ‫ت ريحانًا‪ ،‬وكان يأ ُم ُر من َذ َكر َّ‬ ‫س يقول‪ :‬ما ُأبالي قبَّلتُها أو َش َم ْم ُ‬ ‫َعبَّا ٍ‬
‫ق ‪ ‬التشدي ِ'د ‪ ‬واالحتيا ِط) [زاد المعاد‪ 47 / 2 :‬و‪.]48‬‬ ‫ك طري َ‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫أن عب َد هللاِ بنَ ُع َم َر كان يَسل ُ‬ ‫كان فيها‪ ...‬والمقصو ُد َّ‬

‫ص ' ْمه أح ' ٌد َ‬


‫بوص''م ِة‬ ‫ف‪ ،‬ولم يَ ِ‬ ‫ولزوم األح َوط‪ ،‬لم يغ ِم ْز قَناتَه أح ٌد من ال َّسلَ ِ‬
‫ف أو الخَ لَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫قلت‪ :‬ومع كلِّ ما كان يذهَبُ إليه عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما من التشدي ِد‬ ‫ُ‬
‫ذهب‬
‫َ‬ ‫ُسن اتِّباعه‪ ،‬وعُذر َمن‬ ‫َب إليه مخالفوه هو عدَم موافقتِه في تشديداتِه‪ '،‬مع اعتبارها أمارةً على َو َرعه وح ْ‬ ‫التعسير‪ ،‬على َوج ِه التخطئة والتنفير‪ ،‬بل غايةُ ما َذه َ‬
‫األتباع ما داموا يدورون مع ال َّدلي ِل َمدا َره‪.‬‬
‫ِ‬ ‫مذهبَه من‬

‫تسويغ القَ ِ‬
‫ول وال َع َم ِل به‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تبريره أو‬
‫ِ‬ ‫ولم ي ُك ْن يَ َسعُهم حتى تمنِّي خالفِه فضاًل عن‬

‫األحكام ال َّشرعيَّة لمجرد‬


‫ِ‬ ‫خالف‬
‫ِ‬ ‫رع في كلٍّ منها‪ :‬السابعُ‪ :‬تمني‬ ‫عرضُ حُك َم ال َّش ِ‬
‫قال أبو عبد هللا الزركشي [في المنثور‪ ]21 '،20 '/ 1 :‬وهو يُع ِّد ُد أنوا َع الت َمنِّي ويَ ِ‬
‫ق عرب ٌّي) قال الشافعي رحمه هللا‪ :‬لوال أنَّا ن''أثَ ُم ب'الت َمنِّي لت َمنَّين''ا أن يك'ون ه'ذا هك'ذا‪ ،‬وكأنَّه‬ ‫الت َشهِّي‪ ...‬قال اإلمام الشافعي في (األم) وقد روى عن عمر‪( :‬ال يُستَ َر ُّ‬
‫أن الت َمنِّي ُكلَّه حرا ٌم)‪.‬‬
‫األحكام ولم ي ُِر ْد َّ‬
‫ِ‬ ‫أراد تغي َُّر‬
‫بحلِّه‪ ،‬ول''و ك''ان بلَ ِّي أعن''اق النص''وص‪َ ،‬‬
‫وح ْش'د‬ ‫قلت‪ :‬فلله دَرُّ هم! ما أبرَّهم وما أنبَلَهم! حيث ال يس ِّوغون مجرَّد كون الحرام حالاًل ‪ ،‬فضاًل عن تس''ويغه‪ ،‬واإلفت''اء ِ‬
‫س من َزاَّل ت المتقدِّمين‪ '،‬وهَفَوات المتأ ِّخرين‪ ،‬و َسقَطات ال ُمتابِعين‪.‬‬ ‫الشواهد وال َّشوا ِّذ من ُك ِّل َرط ٍ‬
‫ب ويابِ ٍ‬

‫اج ِر ْال َم' ِدين‪ ،‬تَكثُ' ُر‬ ‫إنَّها وهللاِ الخشيةُ من ال َعب ِد للمعبود‪ ،‬فمن أوتِيَها فقد أوتِ َي خيرًا كثيرًا‪ ،‬وهل ال ِعل ُم إاَّل الخشيةُ‪ ،‬وما َمثَ ُل من َكثُر ِعل ُم''ه وقلَّت خَ ْش'يَتُه إاَّل ك َمثَ' ِ‬
‫'ل التَّ ِ‬
‫بين يديه العُروضُ ‪ ،‬ليس له منها شي ٌء!‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫صفا ِة العالِ ِم ال َّربَّاني‪ ،‬تسوقه إلى الحقِّ‪ ،‬وتأطُرُه عليه أطرًا‪.‬‬ ‫ث عن ال َخ ْشي ِة‪ ،‬وهي جما ُ‬
‫ع َ‬ ‫ُ‬
‫البحث عند ختامه إلى الحدي ِ‬ ‫آل بنا‬
‫وبَعدُ‪ ،‬فقد َ‬

‫الع ِلم‪ ،‬فقال‪ :‬رج ٌل صال ٌح‬ ‫ق ِ‬ ‫الورَّاق‪ ،‬فقيل‪ :‬إنَّه َ‬


‫ضيِّ ُ‬ ‫صاحبُ اآلداب الشرعيَّة‪( :‬ونَقَل ال َمرْ َوزيُّ عن أحمد أنهَّ قيل له‪ :‬لمن نسأ ُل بَ ْعدَك؟ فقال‪ :‬لعبد الوهَّاب‪ ،‬يعني َ‬ ‫ِ‬ ‫قال‬
‫َّ‬
‫يت أ يَ َس' َعنا التبَ ُّس' ُم‪ ...‬وروى ابن بطةَ عن عم'ر أن'ه كتب إلى أبي‬ ‫اَّل‬ ‫ص'رْ نا يُقت'دى بن'ا خَ ِش' ُ‬ ‫َّ‬
‫الحقِّ‪ ....‬وقال األوزاعي‪ :‬كنا نم َز ُح ونض َحكُ‪ ،‬فلما ِ‬ ‫ق إلصاب ِة َ‬ ‫ِمثلُه ي َُوف ُ‬
‫َّ‬
‫موسى‪ :‬إن الفِقهَ ليس ب َسع ِة الهَ ْذ ِر وكثر ِة ال ِّرواي ِة‪ ،‬إنَّما الفِقهُ خَشيةُ هللا‪ ...‬وقال األوزاعي‪ :‬بلغ''ني أن''ه يق''ال‪ :‬وي' ٌل للمتفَقِّهين لغ' ِ‬
‫'ير العب''ادة‪ ،‬والمس''ت ِحلِّين الم َحرَّم''ات‬
‫َّ‬
‫الل‪ :‬تقوى هللا‪ ،‬وإصاب ِة ال ُّسنة‪ ،‬والخشية)‪.‬‬ ‫ث ِخ ٍ‬ ‫ع وال ِح ْل ُم‪ ،‬وقال أيضًا‪ :‬ال يجْ ُمل ال ِعل ُم وال يح ُسنُ إال بثال ِ‬
‫بال ُّشبُهات‪ ...‬وقال الشافعي رضي هللا عنه‪ :‬زينةُ ال ِع ِلم ال َو َر ُ‬

‫لإلسالم؛ دعاةً وفُقَها َء و ُمفتين أن يَقِفوا على الحقِّ‪ ،‬ويقولوا به‪ ،‬وير ُّدوا ِعل َم ما اختُلِفَ فيه إلى عالِ ِمه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫فما أحرى العاملين‬

‫ج‪.‬‬ ‫لتكونَ السَّبي ُل َم َح َّجةً بيضا َء؛ كتابًا وسنةً‪ ،‬مع سالم ٍة في الص ِ‬
‫َّدر والمنهَ ِ‬
‫ُ‬
‫أصبت فذلك فض ُل هللا يؤتي'ه من‬ ‫ق وتقريبِه لل َخ ْل ِ‬
‫ق ُوس ِْعي‪ ،‬فإن‬ ‫أردت بيانَه في رسالتي هذه‪ ،‬باذاًل في طَلَ ِ‬
‫ب ال َح ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ففي ذلك السَّالمةُ والنَّجاةُ من الندامة‪ ،‬وهذا غايةُ ما‬
‫ُقيل عَثرتي‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫أخطأت ف ِمن نفسي ومن ال َّش ِ‬
‫يطان‪ ،‬وهللاَ تعالى أسأ ُل أن يغفِ َر زَلتي‪ ،‬وي َ‬ ‫ُ‬ ‫يشاء‪ ،‬وإن‬

‫إن هللاَ بص'''''ي ٌر بالعب'''''ا ِد‪ ،‬والحم'''''د هلل ربِّ الع'''''الَمين‪ ،‬وص'''''لَّى هللا وس'''''لَّم على نبيِّن'''''ا مح َّم ٍد‪ ،‬وآل'''''ه َ‬
‫وص'''''حْ بِه أجمعين‪.‬‬ ‫وأف'''''وضُ أم'''''ري إلى هللا‪َّ ،‬‬
‫ِّ‬
‫‪ ‬‬

‫‪-----------------‬‬

‫{اليَ''وْ َم َأ ْك َم ْل ُ‬
‫ت لَ ُك ْم ِدينَ ُك ْم‬ ‫‪ )1( ‬كان التدَرُّ ج في التشريع في زمن الوحي‪ ،‬وانقطع بانقطاعه؛ حيث أك َمل هللا دينه‪ ،‬وأت َّم على عب''ا ِده نِ ْع َمتَ''ه‪ ،‬فق''ال‪ْ :‬‬
‫ُكم‬
‫ج في تبلي''غ ح ِ‬ ‫ي الشار َع الحكيم سبحانه في الت''درُّ ِ‬ ‫يت لَ ُك ُم اِإْل ْساَل َم ِدينًا} [المائدة‪ ]3 :‬فليس ألح ٍد بعد ذلك أن يجار َ‬
‫ض ُ‬ ‫َوَأ ْت َم ْم ُ‬
‫ت َعلَ ْي ُك ْم نِ ْع َمتِي َو َر ِ‬
‫إن األحكام قد استقرَّت على ما قضى هللاُ و َرسولُه‪ ،‬وباهللِ ال ِعصمةُ‪.‬‬ ‫باإلسالم أو التوبة؛ إذ َّ‬
‫ِ‬ ‫ُكم رسولِه لحديثِي العهد‬ ‫هللا تعالى‪ ،‬وح ِ‬

‫النبي صلَّى هللاُ‬


‫ُّ‬ ‫س ‪ ،‬فصلَّى ‪ ،‬فلما فر َغ قال ‪ :‬الله َّم ارحمني ومحمدًا ‪ ،‬واَل ترح ْم معنا أحدًا ‪ ،‬فالتفَتَ إلي ِه‬ ‫والنبي صلَّى هللاُ عليه وسلَّ َم جالِ ٌ‬ ‫ُّ‬ ‫المسج َد ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫دخ َل أعرابِ ٌّي‬
‫س ْجاًل ِمنْ ما ٍء ‪ْ ،‬‬
‫أو‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫الناس ‪ ،‬فقال النبي صلى هللاُ عليه وسل َم ‪ :‬أهْريقوا عل ْي ِه َ‬
‫ُ‬ ‫عليه وسلَّ َم فقال ‪ :‬لق ْد ت ََح َّج ْرتَ واس ًعا ‪ ،‬فلم يلبث أنْ با َل فِي المسج ِد ‪ ،‬فأسر َع إليه‬
‫ْ‬
‫د ْل ًوا ِمنْ ما ٍء ‪ ،‬ثُ َّم قال ‪ِ :‬إنَّما بُ ِع ْثتُم ُميَسِّرينَ ولَ ْم تُ ْب َعثوا ُم َع ِّ‬
‫سريْنَ‬

‫الراوي ‪ :‬أبو هريرة‪ | ‬المحدث ‪ :‬الترمذي‪ | ‬المصدر ‪ :‬سنن الترمذي‪ | ‬الصفحة أو الرقم ‪ | 147 :‬خالصة حكم المحدث ‪ :‬حسن صحيح‬

‫اإلسالم‪ ،‬وق ْد ظهَر جليًّا في حيا ِة النَّب ِّي صلَّى هللاُ علَيه وسلَّم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ج ِمن َمحاس ِن َشريع ِة‬ ‫الحر ِ‬
‫َ‬ ‫التَّيسي ُر و َر ْف ُع‬
‫نُ‬ ‫ُ‬
‫واألعرابي هو الذي يَسك الصَّحرا َء‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ضي هللاُ عنه أنه "دخل أعراب ٌّي المس ِجدَ"‪ ،‬أي‪ :‬مس ِج َد رسو ِل هللاِ صلى هللاُ عليه وسلم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ث يُخبِ ُر أبو هُريرة َر ِ‬ ‫وفي هذا الحدي ِ‬
‫ارح ْمني ومح َّمدًا‪،‬‬ ‫صالتِه‪" ،‬قال‪ :‬اللَّه َّم َ‬ ‫األعرابي‪" ،‬فلَ َّما ف َرغ"‪ ،‬أي‪ :‬انتَهى ِمن َ‬ ‫ُّ‬ ‫بي صلَّى هللاُ علَيه وسلَّ َم جالِسٌ "‪ ،‬أي‪ :‬بالمسج ِد‪" ،‬فصلَّى"‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫ب‪" ،‬والنَّ ُّ‬ ‫العر ِ‬
‫ِمن َ‬
‫بي صلَّى هللاُ علَيه وسلَّم"‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫إليه‬ ‫تَ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ْ‬
‫"فال‬ ‫مين‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫المس‬ ‫باقي‬ ‫عن‬ ‫ُها‬‫ع‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫م‬‫َّ‬ ‫وسل‬ ‫يه‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ُ‬ ‫هللا‬ ‫ى‬ ‫َّ‬ ‫صل‬ ‫ي‬
‫ِّ‬ ‫ب‬‫َّ‬ ‫ن‬‫ولل‬ ‫ه‬ ‫َفس‬
‫ِ‬ ‫ن‬‫ل‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫َّحم‬
‫ر‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫ِئ‬ ‫دعا‬ ‫في‬ ‫بُ‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ط‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫أي‪:‬‬ ‫ًا"‪،‬‬ ‫د‬ ‫أح‬ ‫نا‬ ‫ع‬‫وال تَرْ َ ْ َ‬
‫م‬ ‫م‬ ‫ح‬
‫ُ‬
‫واسعًا"‪ ،‬أي‪ :‬منَعتَ وضيَّقتَ أمرًا ج َعل هللاُ فيه السَّعةَ‪ ،‬أاَل وهو رحمة هللاِ ع َّز وج َّل‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫وذلك لِتَعجُّ بِه ِمن دُعا ِء األعراب ِّي‪ ،‬فقال صلى هللاُ علَيه وسلم‪" :‬لقد تَحجَّرتَ ِ‬
‫المسج ِد‪ ،‬فأس َرع إليه‬ ‫ِ‬ ‫في‬ ‫بال‬ ‫ْ‬
‫"أن‬ ‫‪،‬‬ ‫اًل‬ ‫ي‬‫قل‬ ‫ل‬
‫ُ‬ ‫َّج‬
‫ر‬ ‫ال‬ ‫ث‬
‫َ ِ‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫م‬‫ي‬ ‫فلم‬ ‫أي‪:‬‬ ‫"‪،‬‬ ‫ث‬ ‫ْ‬ ‫ب‬‫ل‬
‫َ َ‬ ‫ي‬ ‫"فلم‬ ‫عنه‪:‬‬ ‫ضي هللاُ‬ ‫الَّتي تش َم ُل ك َّل عبا ِده المو ِّحدين‪ ،‬وال َحجْ رُ‪ :‬المنعُ‪ ،‬قال أبو هُريرةَ َر ِ‬
‫ْ‬ ‫اًل‬
‫صبُّوا على بولِه‪َ " ،‬سجْ من ما ٍء‪ -‬أو دَل ًوا ِمن ما ٍء‪ ،"-‬والسَّجْ ُل‬ ‫َأ‬
‫بي صلَّى هللاُ علَيه وسلم‪ْ " :‬هريقوا عليه"‪ ،‬أي‪ُ :‬‬ ‫َّ‬ ‫النَّاسُ "‪ ،‬أي‪ :‬لِيَمنَعوه ويَزجُروه ع َّما ف َعل‪ ،‬فقال النَّ ُّ‬
‫بي صلَّى هللاُ علَيه‬ ‫بي صلَّى هللاُ علَيه وسلَّم‪" :‬إنَّما بُ ِعثتُم ُميسِّرين ولم تُب َعثوا ُمعسِّرين"‪ ،‬أي‪ :‬يَحثُّهم وي ِ‬
‫ُرشدُهم النَّ ُّ‬ ‫لو‪ ،‬وهو ِوعا ٌء َكبي ٌر للما ِء‪ ،‬ث َّم قال لهم النَّ ُّ‬ ‫بمعنى ال َّد ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك فيه حُرمات هللاِ عز وج َّل على وج ِه القص ِد ال الخطِأ‪ ،‬وأنهم ال‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ع ال التساه ُل الذي تنتهَ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ار ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫َظيم في دَعوتِهم وهو التيسي ُر بما رخص فيه الش ِ‬‫َّ‬ ‫صل ع ٍ‬ ‫وسلَّم إلى َأ ٍ‬
‫اس فيما َر َّخص هللاُ فيه وفيما له حُلو ٌل شرعيَّةٌ‪.‬‬ ‫يَ ْدعون إلى التَّشدي ِد على النَّ ِ‬
‫صو ُم في الس َف ِر‪ ‬‬
‫النبي صلَّى هللاُ عليه وسلَّم ‪ :‬ال َّ‬
‫ِّ‬ ‫عن‬
‫ِ‬

‫الراوي ‪ | - :‬المحدث ‪ :‬ابن العربي‪ | ‬المصدر ‪ :‬أحكام القرآن البن العربي‪ | ‬الصفحة أو الرقم ‪ | 1/112 :‬خالصة حكم المحدث ‪ :‬ثابت‬

‫دون تكلُّفٍ أو َتش ُّد ٍد‬


‫بقد ِر استطاعتِهم َ‬ ‫ت ْ‬‫األمور‪ ،‬كما أ َم َرهم بع َم ِل الطاَّعا ِ‬
‫ِ‬ ‫أتباعه بال َّتوسُّطِ في ك ِّل‬
‫َ‬ ‫أ َم َر اإلسال ُم‬
‫ِطر أحيا ًنا‪،‬‬ ‫ف‬ ‫ال‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫ُخص‬
‫ر‬ ‫ب‬ ‫ذ‬‫هللا بنُ مسعو ٍد رضِ َي هللاُ عنه‪" :‬أنَّ ال َّنبيَّ صلَّى هللاُ عليه وسلَّم كان يصو ُم في السَّفر ويُفطِ رُ"‪ ،‬أي‪ :‬يصو ُم أحيا ًنا‪ ،‬ويأ ُخ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫د‬ ‫عب‬ ‫ر‬
‫ُ‬ ‫ُخب‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ث‬
‫ِ‬ ‫الحدي‬ ‫وفي هذا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّفر‪ ،‬يقو ُل ابنُ مسعو ٍد رضِ َي هللاُ عنه‪" :‬ال َي ِزي ُد عليهما ‪-‬‬ ‫ركعتين في الس ِ‬ ‫ِّ‬
‫ركعتين ال َيدَ عُهما"‪ F،‬أي‪ :‬يُقصِ ُر الصَّال َة الرُّ باع َّي َة ويُصليها‬ ‫ِّ‬
‫َّفر‪" ،‬ويُصلي‬ ‫َّوم في الس ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وليس فيه تأثي ٌم للص ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫اس‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ُداو ُم على صالتِها قصْ رً ا‪ ،‬أخذا بالرُّ خصةِ‪ ،‬وبيانا للت ِ‬
‫يسير على الن ِ‬ ‫‪.‬يعني‪ :‬الفريض َة‪ ،"-‬أي‪ :‬ال ُي ِت ُّم الصَّال َة الرُّ باع َّية في الس ِ‬
‫َّفر‪ ،‬ب ْل ي ِ‬ ‫َ‬
‫ت والحيا ِة‬‫مور العِبادا ِ‬ ‫وفي الحديثِ‪ :‬بيانُ اليُسر والوسط َّي ِة في ُأ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ش َّب ُ‬
‫ث به‪ ،‬فقال‪ :‬ال يزال ُ لِسا ُنك َرط ًبا مِن ذ ِ‬
‫ِكر هللاِ تعالى‬ ‫فأخب ْرني بشيءٍ أت َ‬
‫ِ‬ ‫علي‪،‬‬
‫َّ‬ ‫اإلسالم قد َك ُث َرت‬
‫ِ‬ ‫راِئع‬
‫ش َ‬ ‫أنَّ ر ُجاًل قال‪ :‬يا َرسول َ هللاِ‪ ،‬إنَّ َ‬

‫الراوي ‪ :‬عبدهللا بن بسر‪ | ‬المحدث‪ : F‬ابن حجر العسقالني‪ | ‬المصدر ‪ :‬الفتوحات الربانية‪ | ‬الصفحة أو الرقم ‪ | 1/257 :‬خالصة حكم المحدث ‪ :‬حسن وألصل الحديث شاهد‬

‫ت ع َليَّ وت َش َّع َبت عِ ندي‪،‬‬ ‫اإلسالم قد َك ُث َرت علَيَّ "‪ ،‬أي‪َ :‬ك ُث َرت أنوا ُع العبادا ِ‬ ‫ِ‬ ‫هللا بنُ بُسْ ٍر َرضِ ي هللاُ َعنه‪ :‬أنَّ ر ُجاًل قال‪" :‬يا رسو َل هللاِ‪ ،‬إنَّ َش َ‬
‫راِئع‬ ‫ُخب ُر عب ُد ِ‬ ‫ثي ِ‬ ‫في هذا الحدي ِ‬
‫َّ‬
‫ك وأتعل ُق به‪،‬‬ ‫َ‬
‫غيرها أستطي ُع فِعله‪ ،‬فأ َتم َّس ُ‬ ‫اًل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫"فأخبرْ ني بشي ٍء أت َشبَّث به"‪ ،‬أي‪ :‬قل لي ع َم مِن عباد ٍة أو ِ‬ ‫ِ‬ ‫وربَّما يكونُ مُرادُه أنَّ النوافِ َل َكث َرت عليه فلم يس َتطِ ِع الع َم َل بها كلها‪،‬‬
‫فحسبُ ‪ ،‬وإ َّنما أرا َد أ َّنه بع َد أدا ِء ما اف ُت ِرض‬ ‫ه‬ ‫ير‬ ‫غ‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫ل‬
‫ُ‬ ‫غ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ش‬‫ي‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ً‬
‫َّة‬
‫ي‬ ‫ِّ‬ ‫كل‬ ‫ذلك‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫ر‬‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ه‬‫ن‬‫َّ‬ ‫أ‬ ‫"‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ت‬‫ر‬ ‫ُ‬
‫ث‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫"‬ ‫ِه‪:‬‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ب‬ ‫د‬ ‫ْ‬ ‫ُر‬‫ي‬ ‫ولم‬ ‫داو ُم عليه‪ ،‬وأع َتصِ ُم به‪،‬‬ ‫ُأ‬ ‫وهو عم ٌل يسي ٌر مُستجلِبٌ لِ َثوا ٍ‬
‫ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يَّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫كثير‪ ،‬ف ِ‬‫ٍ‬ ‫ب‬
‫ُفترضْ عليه‬
‫سائر ما لم ي َ‬ ‫ِ‬ ‫َّث بما َيس َتغني به عن‬ ‫‪.‬عليه ي َتشب ُ‬
‫هللا سبحانه وتعالى؛ مِن َتسبيحِه و َتحميدِه‬ ‫ْ‬
‫داو ْم على ِذك ِر ِ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫فأخبره ال َّنبيُّ صلى هللاُ عليه وسلم بما َين َفعُه في ذلك‪ ،‬فقال‪" :‬ال َيزا ُل لِسانك َرطبًا"‪ ،‬أي‪ :‬طر ّيا "مِن ذِك ِر هللاِ"‪ ،‬أي‪ِ :‬‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُأ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُعْ‬
‫َّائل‪ ،‬أو بما ي لِ ُم به َّمته مِن‬ ‫ث كان يُجيبُ بما يُراعي به حا َل الس ِ‬ ‫غير هذِه‪ ،‬ألنه في ك ِّل َحدي ٍ‬ ‫حو ذلك‪ ،‬وقد ذكر النبيُّ صلى هللاُ عليه وسلم في أحاديث كثير ٍة وصايا أخرى َ‬ ‫ْ‬ ‫و َن ِ‬
‫الخير المُتع ِّدد ِة‬
‫ِ‬ ‫ب‬‫‪.‬أبوا ِ‬
‫ب والع َم ِل‬ ‫ِلم والحِفظِ ‪ ،‬واالستيعا ِ‬ ‫اس في الع ِ‬ ‫ت ال َّن ِ‬ ‫‪.‬وفي الحديثِ‪ :‬اختِالفُ قُدرا ِ‬
‫ب قدراتِهم‬ ‫ُ‬ ‫اس‪ ،‬وإخبارُهم بما يُناسِ ُ‪F‬‬ ‫َّ‬
‫غير ال َفريض ِة على الن ِ‬ ‫ت في ِ‬ ‫وفيه‪َ :‬تيسي ُر العِبادا ِ‬

‫ْسير والنَّهي عنه في ال ُّسنَّة النَّبويَّة‬


‫َذ ُّم التَّع ِ‬
‫عن عبد هللا بن أبي قتادة‪ ،‬أنَّ أبا قتادة‪ ،‬طلب غري ًم ا له‪ ،‬فتوارى عنه ثم وجده‪ ،‬فقال‪ :‬إني معسر‪ ،‬فقال‪ :‬آهلل؟ قال‪ :‬آهلل؟ قال‪ :‬فإني سمعت‪ F‬رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫((من سرَّ ه أن ينجيه هللا من كرب يوم القيامة‪ ،‬فلين ِّفس عن معسر‪ ،‬أو يضع عنه ))‬

‫ان ُذو عُسْ َر ٍة َف َنظِ َرةٌ ِإلَى َمي َْس َر ٍة‬


‫( أي‪ :‬ليؤخر مطالبة الدين عن المدين المعسر‪ .‬وقيل‪ :‬معناه يفرج عنه‪ ،‬أو يضع عنه‪ ،‬أي‪ :‬يحط عنه‪ ،‬وهذا مقتبس من مشكاة‪ F‬قوله تعالى‪َ :‬وِإن َك َ‬
‫َوَأن َت َ‬
‫ص َّدقُو ْا َخ ْي ٌر لَّ ُك ْم)‬
‫ُّ‬
‫يحط ويترك عنه ‪-‬أي عن المعْ سِ ر‪ -‬كلَّه أو‬ ‫فليؤخر مطالبته عن مُعْ سِ ر‪ ،‬أي‪ :‬إلى مدَّة يجد مااًل فيها‪ ،‬أو يضع ‪-‬بالجزم‪ -‬أي‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫قال القاري‪( :‬فلين ِّفس ‪-‬بتشديد الفاء المكسورة‪ -‬أي‪:‬‬
‫َأل‬ ‫اَّل‬
‫بعضه‪ .‬فائدة الفرض أفضل مِن ال َّنفل بسبعين درجة إ في مسائل‪ .‬ا ْولَى إبراء المعْ سِ ر مندوب وهو أفضل من إنظاره)‬

‫‪ -‬عن أنس رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلَّى هللا تعالى عليه وآله وسلَّم‪(( :‬ال تش ِّددوا على أنفسكم فيش ِّدد هللا عليكم‪ ،‬فإنَّ قومًا ش َّددوا على أنفسهم فشدَّد هللا عليهم‪ ،‬فتلك‬
‫بقاياهم في الصَّوامع وال ِّديار؛ رهبانيَّة ابتدعوها ما كتبناها عليهم))‬

‫قال ابن تيمية‪( :‬ففيه نهي النبي صلى هللا عليه وسلم عن التشدد في الدين بالزيادة على المشروع‪.‬‬

‫والتشديد‪ :‬تارة يكون باتخاذ ما ليس بواجب‪ ،‬وال مستحب‪ :‬بمنزلة الواجب والمستحب في العبادات‪ ،‬وتارة باتخاذ ما ليس بمحرم‪ ،‬وال مكروه بمنزلة المحرم والمكروه‪ ،‬في‬
‫الطيبات؛ وعلل ذلك بأنَّ الذين شددوا على أنفسهم من النصارى‪ ،‬ش َّد د هللا عليهم لذلك‪ ،‬حتى آل األمر إلى ما هم عليه من الرهبانية المبتدعة)‬

‫بالزيادة على المشروع‪ ،‬وأخبر أنَّ تشديد العبد على نفسه هو ال َّسبب لتشديد هللا عليه‪ ،‬إمَّا‬ ‫وقال ابن القيِّم‪( :‬نهى ال َّنبيُّ صلَّى هللا عليه وآله وسلَّم عن ال َّتشديد في ال ِّدين‪ ،‬وذلك ِّ‬
‫بال َقدَر‪ ،‬وإمَّا بال َّشرع‪ ،‬فال َّتشديد بال َّشرع‪ :‬كما يش ِّدد على نفسه بال َّنذر َّ‬
‫الثقيل‪ ،‬فيلزمه الوفاء به‪ ،‬وبال َقدَ ر‪ :‬كفعل أهل الوسواس؛ فإ َّنهم ش َّددوا على أنفسهم‪ ،‬فشدَّد عليهم ال َقدَ ر‪ ،‬حتى‬
‫استحكم ذلك‪ ،‬وصار صفة الزمة لهم)‬

‫‪ -‬وعن أنس بن مالك رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪(( :‬جاء ثالثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬يسألون عن عبادة النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فلما أخبروا كأنهم‬
‫تقالُّ وها‪ ،‬فقالوا‪ :‬وأين نحن من النبي صلى هللا عليه وسلم؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر‪ .‬قال أحدهم‪ :‬أما أنا فإني أصلي الليل أب ًدا‪ .‬وقال آخر‪ :‬أنا أصوم الدهر وال‬
‫أفطر‪ .‬وقال آخر‪ :‬أنا أعتزل النساء فال أتزوج ً‬
‫أبد ا‪ .‬فجاء رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إليهم‪ ،‬فقال‪ :‬أنتم الذين قلتم كذا وكذا‪ ،‬أما وهللا إني ألخشاكم‪ F‬هلل وأتقاكم له‪ ،‬لكني أصوم‬
‫وأفطر‪ ،‬وأصلي وأرقد‪ ،‬وأتزوج النساء‪ ،‬فمن رغب عن سنتي فليس مني ))‬
‫قال ابن تيمية معل ًق ا على هذا الحديث‪( :‬واألحاديث الموافقة لهذا كثيرة في بيان أنَّ سنته التي هي االقتصاد‪ :‬في العبادة‪ ،‬وفي ترك الشهوات؛ خير من رهبانية النصارى‪ ،‬التي‬
‫هي‪ :‬ترك عامة الشهوات من النكاح وغيره‪ ،‬والغلو في العبادات صومًا وصالة)‬

‫وقال ابن حجر‪( :‬قوله‪ :‬إني ألخشاكم‪ F‬هلل وأتقاكم له‪ ،‬فيه إشارة إلى رد ما بنوا عليه أمرهم من أن المغفور له ال يحتاج إلى مزيد في العبادة بخالف غيره فأعلمهم أ َّنه مع كونه‬
‫يبالغ في التشديد في العبادة أخشى هلل وأتقى من الذين يشددون وإنما كان كذلك ألنَّ المشدد ال يأمن من الملل بخالف المقتصد فإنه أمكن الستمراره وخير العمل ما داوم عليه‬
‫صاحبه)‬

‫‪ -‬عن عبادة بن الصامت رضي هللا عنه‪ ،‬عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪َ (( :‬من أنظر معسِ رً ا‪ ،‬أو وضع عنه‪ ،‬أظلَّه هللا في ظلِّه ))‬

‫ُوصل معه إلى شيء‪ ،‬وقد يكون على القِلَّة التي ي َُوصل معها‪ F،‬ما إذا أخذ ممَّن عليه الدَّين َفد ََحه و َك َش َفه‪ ،‬وأضرَّ به‪،‬‬ ‫الطحاوي‪( :‬اِإلعسار قد يكون على العدم الذي ال ي َ‬ ‫قال َّ‬
‫والعُسْ َرة تجمعهما‪ F‬جميعً ا‪ ،‬غير أ َّنهما يختلفان فيها‪ ،‬فيكون أحدهما بها مُعْ دَ مًا‪ ،‬وال يكون اآلخر منهما بها مُعْ َدمًا‪ ،‬وك ُّل مُعْ د ٍَم مُعْ سِ ر‪ ،‬وليس ك ُّل مُعْ سِ ٍر مُعْ َدمًا‪ ،‬فقد يحتمل أن يكون‬
‫َّ‬
‫واستحق ما‬ ‫المعْ سِ ر المقصود بما في هذه اآلثار إليه هو المعْ سِ ر الذي يجد ما إن ُأخِذ منه َفدَحه‪ F،‬و َك َشفه‪ ،‬وأضرَّ به‪ ،‬ف َمن َأ ْن َظر َمن هذه حاله بما له عليه‪ ،‬فقد آثره على نفسه‪،‬‬
‫الوعْ د الذي ذكره رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في هذه اآلثار)‬ ‫للمُؤثِرين على أنفسهم‪ ،‬وكان مِن أهل َ‬
‫ً‬
‫كربة مِن كرب يوم القيامة‪ ،‬و َمن يسَّر‬ ‫ً‬
‫كربة مِن كرب الدُّنيا‪ ،‬ن َّفس هللا عنه‬ ‫‪ -‬عن أبي هريرة رضي هللا عنه عن ال َّنبي ‪-‬صلَّى هللا عليه وآله وسلِّم‪ -‬قال‪َ (( :‬من ن َّفس عن مؤمن‬
‫ُعسر‪ ،‬ي َّسر هللا عليه في ال ُّدنيا واآلخرة‪ .‬و َمن ستر مسلمًا‪ ،‬ستره هللا في ال ُّد نيا واآلخرة‪ ،‬وهللا في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه‪ ،‬و َمن سلك طري ًقا يلتمس فيه‬
‫على م ٍ‬
‫اَّل‬
‫علمًا‪ ،‬سهَّل هللا له به طري ًقا إلى الج َّنة‪ ،‬وما اجتمع قو ٌم في بيت ِم ن بيوت هللا‪ ،‬يتلون كتاب هللا ويتدارسونه بينهم إ نزلت عليهم السَّكينة‪ ،‬وغشيتهم الرَّ حمة‪ ،‬وح َّفتهم المالئكة‪،‬‬
‫بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ))‬ ‫وذكرهم هللا فيمن عنده‪ ،‬و َمن َّ‬

‫قال ابن رجب‪( :‬هذا ‪-‬أيضً ا‪ -‬يد ُّل على أنَّ اإلعسار قد يحصل في اآلخرة‪ ،‬وقد وصف هللا يوم القيامة بأ َّنه يوم عسير‪ ،‬وأ َّنه على الكافرين غير يسير‪ ،‬فد َّل على أ َّنه يسير على‬
‫ان َي ْومًا َعلَى ْال َكاف ِِر َ‬
‫ين عَسِ يرً ا [الفرقان‪]26 :‬‬ ‫غيرهم‪ ،‬وقال‪َ :‬و َك َ‬

‫وال َّتيسير على المعْ سِ ر في الدُّنيا مِن جهة المال يكون بأحد أمرين‪:‬‬

‫ان ُذو عُسْ َر ٍة َف َنظِ َرةٌ ِإلَى َم ْي َس َر ٍة [البقرة‪ ، ]280 :‬وتارة بالوضع عنه إن كان غريمًا‪ ،‬وإاَّل فبإعطائه ما يزول به‬
‫إمَّا بإنظاره إلى المي َْسرة‪ ،‬وذلك واجب‪ ،‬كما قال تعالى‪َ :‬وِإن َك َ‬
‫إعساره‪ ،‬وكالهما له فضل عظيم)‬

‫‪ -‬عن أبي هريرة رضي هللا عنه عن ال َّن بي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬قال‪(( :‬كان تاجر يُدَ اين ال َّناس‪ ،‬فإذا رأى مُعْ سِ رً ا‪ ،‬قال لصبيانه‪ :‬تجاوزوا عنه‪ ،‬لع َّل هللا أن يتجاوز ع َّنا‪،‬‬
‫فتجاوز هللا عنه ))‬

‫وأتجوز في السِّكة‪ .‬وفي هذه األحاديث فضل إنظار المعْ سِ ر‬ ‫َّ‬ ‫جوز معناهما الم َسا َمحة‪ F‬في االقتضاء واالستيفاء‪ ،‬وقبول ما فيه نقص يسير‪ ،‬كما قال‪:‬‬ ‫قال ال َّنووي‪( :‬وال َّتجاوز وال َّت ُّ‬
‫المسا َمحة‪ F‬في االقتضاء وفي االستيفاء‪ ،‬سواء استوفى مِن مُوسِ ر أو مُعْ سِ ر‪ ،‬وفضل الوضع مِن الدَّين‪ ،‬وأنهَّ‬
‫َ‬ ‫قليل‪ ،‬وفضل‬
‫كثير أو ٍ‬ ‫والوضع عنه‪ ،‬إمَّا ك َّل الدَّين‪ ،‬وإمَّا بعضه مِن ٍ‬
‫ال يحتقر شيء مِن أفعال الخير‪ ،‬فلعلَّه سبب السَّعادة والرَّ حمة‪ .‬وفيه جواز توكيل العبيد‪ ،‬واإلذن لهم في ال َّتصرُّ ف)‬

‫‪ -‬عن أنس بن مالك قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬يسِّروا وال تعسِّروا‪ ،‬وب ِّشروا وال تن ِّفروا ))‬

‫قال ال َّنووي‪( :‬جمع في هذه األلفاظ بين ال َّشيء وض ِّده؛ أل َّن ه قد يفعلهما في وقتين‪ ،‬فلو اقتصر على ((يسِّروا)) لصدق ذلك على َمن يسَّر مرَّ ًة أو مرَّ ات‪ ،‬و َعسَّر في معظم‬
‫الحاالت‪ ،‬فإذا قال‪(( :‬وال تعسِّروا)) انتفى ال َّتعْ سِ ير في جميع األحوال ِم ن جميع وجوهه‪ ،‬وهذا هو المطلوب‪ ،‬وكذا يقال في‪(( :‬يسِّرا وال تن ِّفرا‪ ،‬وتطاوعا وال تختلفا )) أل َّنهما‬
‫قد يتطاوعان في وقت‪ ،‬ويختلفان في وقت‪ ،‬وقد يتطاوعان في شيء‪ ،‬ويختلفان في شيء‪.‬‬

‫وفي هذا الحديث األمر بال َّتبشير بفضل هللا‪ ،‬وعظيم ثوابه‪ ،‬وجزيل عطائه‪ ،‬وسعة رحمته‪ ،‬وال َّنهي عن ال َّت ْنفِير بذكر ال َّتخويف‪ ،‬وأنواع الوعيد محضة مِن غير ضمِّها إلى‬
‫ُدرجون في أنواع‬ ‫ال َّتبشير‪ .‬وفيه تأليف َمن َقرُب إسالمه‪ ،‬وترك ال َّتشديد عليهم‪ ،‬وكذلك َمن قارب البلوغ مِن الصِّبيان و َمن بلغ‪ ،‬و َمن تاب مِن المعاصي‪ ،‬كلُّهم ُي َت َّ‬
‫لطف بهم‪ ،‬وي َ‬
‫الطاعة ‪-‬أو المريد للدُّخول فيها‪َ -‬س ُهلَت عليه‪ ،‬وكانت عاقبته ‪-‬غالبًا‪ -‬ال َّتزايد‬‫الطاعة قلياًل قلياًل ‪ ،‬وقد كانت أمور اإلسالم في ال َّتكليف على ال َّتدريج‪ ،‬فمتى يسَّر على الدَّاخل في َّ‬
‫َّ‬
‫ِّ‬ ‫اَل‬
‫دَخل أوشك أن ال يدوم‪ ،‬أو ال َيسْ َتحْ لِ َيها‪ .‬وفيه أمر الوُ ة بالرِّ فق‪ ،‬واتفاق المتشاركين في والية ونحوها‪ ،‬وهذا مِن‬‫منها‪ ،‬ومتى َعسُرت عليه أوشك أن ال يدخل فيها‪ ،‬وإن َ‬
‫الذكرى تنفع‬ ‫المهمَّات؛ فإنَّ غالب المصالح ال يت ُّم إاَّل باال ِّتفاق‪ ،‬ومتى حصل االختالف فات‪ .‬وفيه وصيَّة اإلمام الوُ اَل ة‪ ،‬وإن كانوا أهل فضل وصالح‪ ،‬كمعاذ‪ F‬وأبي موسى؛ فإنَّ ِّ‬
‫المؤمنين)‬

‫‪ -‬وعن أبي هريرة قال‪(( :‬قام أعرابيٌّ فبال في المسجد‪ ،‬فتناوله ال َّناس‪ ،‬فقال لهم ال َّنبي صلى هللا عليه وسلم‪ :‬دعوه‪ ،‬وأريقوا على بوله سجاًل مِن ماء‪ ،‬أو َذ ُنوبًا مِن ماء‪ ،‬فإ َّنما‬
‫ُبعِث ُتم ميسِّرين‪ ،‬ولم ُت ْب َعثوا معسِّرين ))‬

‫قال العيني‪( :‬فيه مراعاة ال َّتيسير على الجاهل‪ ،‬وال َّتألف للقلوب)‬

‫وأولى الناس بالتيسير الداعية إلى هللا؛ اقتداء برسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وكذلك المفتي عليه أن يراعي التيسير ورفع الحرج عن الناس‪.‬‬

‫يقول ابن العربي (إذا جاء السَّائل عن مسألة‪ ،‬فوجدتم له َم ْخلَصً ا فيها‪ ،‬فال تسألوه عن شيء‪ ،‬وإن لم تجدوا له َم ْخلصً ا فحينئذ اسألوه عن تصرُّ ف أحواله وأقواله ونيَّته‪ ،‬عسى‬
‫أن يكون له َم ْخلصًا)‬
‫افعل وال حرج‬
‫كلما أهلت أشهر الحج حنت األفئدة إلى بيت هللا‪ ،‬واشتاقت إليه األنفس‪ ،‬وتجددت الرغبة في أداء مناسك الحج‪ ،‬وأقبلت الوفود من كل مكان يجمعها زمان واحد‬
‫‪.‬ومكان واحد‬
‫وكتاب هذا الشهر متعلق بالحج وهو كتاب (افعل وال حرج) للشيخ سلمان بن فهد العودة‪ -‬حفظه هللا‪ -‬أراد به مؤلف''ه رف''ع الح''رج عن المس''لمين في موس''م الحج‪،‬‬
‫والحفاظ على أنفسهم‪ ،‬نظراً لما يتعرضون له من التزاحم الش''ديد‪ '،‬وال''ذي ينتج عن''ه المش''قة الش''ديدة والض''رر الجس''يم‪ ،‬ف'انتهج منهج التيس''ير في مناس''ك الحج‪،‬‬
‫واختيار األسهل من أقوال العلماء في مسائل الحج‪ ،‬والتوسعة على الحجيج‪ ،‬وهذا المنهج لم يرتضه كثير من أهل العلم لما يترتب علي''ه من آث''ار س''يئة وع''واقب‬
‫وخيمة كضياع معالم الحج وعدم تعظيم شعائر هللا خاصة مع ضعف التدين' في هذا الزمان‪.‬‬
‫والكتاب قد قدم له الشيخ عبد هللا بن منيع والشيخ عبد هللا بن جبرين والشيخ عب''د هللا بن بي''ه وال''ذي بس''ط الق''ول في مقدمت''ه‪ -‬ال''تي بلغت قراب''ة ‪ 30‬ص''فحة‪ -‬عن‬
‫مقصد التيسير في الشريعة وفي الحج على وجه الخصوص وتوظيف اختالف العلماء لرفع الحرج والمشقة‪.‬‬
‫عرض محتويات الكتاب‪:‬‬
‫بعد المقدمة‪ -‬التي أشار فيها المؤلف إلى أن رسالته هذه ورقة مختصرة في مسائل الحج وتيسيراته‪ ،‬وأنها منتزعة من شرح كتاب الحج من (عمدة الفق'ه)‪ -‬تن'اول‬
‫المؤلف موضوع تيسيرات الحج من خالل سبعة عناوين‪:‬‬
‫‪( -1‬ليشهدوا منافع لهم) أبرز فيه ِح َكم الحج ومقاصده الشرعية‪ ،‬ومنه''ا‪ :‬إقام''ة ذك''ر هللا‪ ،‬والتربي''ة الرباني''ة على أداء ال''واجب بإتق'ان وإخالص‪ ،‬ورعاي''ة حق''وق‬
‫اآلخرين ومنازلهم‪ ،‬والتخفف من الدنيا وحظوظها إلى غير ذلك‪ ،‬وتعجب المؤلف من غفلة كثير من المسلمين عن قيم الحج ومرامي'ه وآث''اره في النفس والس'لوك‬
‫والحياة ‪.‬‬
‫‪( -2‬تكرار الحج) ناقش المؤلف فيه مسألة تكرار الحج لمن سبق ل''ه الحج وم''دى م'ا يحدث''ه من آث''ار ص''عبة على المس''لمين ال''ذين ي''ؤدون حج الفريض''ة‪ -‬وليس‬
‫النافلة‪ -‬من شيوخ ونساء وضعفاء ومرضى‪ ،‬خاصة وأن المشاعر محدودة والزمان موقوت ال يتق'دم وال يت'أخر‪ ،‬وأن'ه ق'د ي'رتكب بعض المس'لمين مخالف'ات في‬
‫سبيل تكرار الحج ‪ ،‬وقد دعا المؤلف من أراد تكرار الحج أن يتصدق بقيمة حجة النافلة على إخوانه المسلمين‪ ،‬ويتصدق أيضا بمكانه بين المناسك لغيره؛ ليس''هم‬
‫في تخفيف االزدحام وتيسير الحج‪.‬‬
‫‪( -3‬افعل وال حرج) وقرر فيه أن هللا عز وجل جعل في الحج سعة ال توجد في غيره من العبادات مستحسنا ً أن يكون شعار المفتي فيم''ا ال نص في''ه أو في جنس‬
‫ما أفتى به النبي صلى هللا عليه وسلم (افعل وال حرج)‪ ،‬ثم ذكر صوراً من هذا التيسير في الحج‪ ،‬بل ذكر أن محظورات الحج فيها توسعة أيض'اً‪ ،‬وض'رب أمثل'ة‬
‫على ذلك‪.‬‬
‫‪( -4‬التيسير في أركان الحج) وانتهى فيه إلى أن المتفق عليه من أركان الحج ركنان هما الوقوف بعرفة والطواف‪ ،‬فأما الوق''وف بعرف''ة فق'ال‪ :‬إن'ه يحص'ل أداؤه‬
‫بلحظة‪ ،‬وأنه لو دفع قبل الغروب أجزأه عند األئمة خالفا لمالك مرجحا ً أن األقرب أنه ال شيء عليه‪ ،‬وأن خطأ الناس في الوقوف بعرفة في غير يومه يجزئ إذا‬
‫أطبق الناس عليه‪.‬‬
‫وذكر عن الركن الثاني‪ -‬وهو طواف اإلفاضة‪ -‬أنه ال يكون إال بعد الوقوف بعرفة والم'بيت بمزدلف'ة ‪ ،‬وأن وقت'ه يب'دأ بع'د نص'ف اللي'ل باعتب'ار المع'ذورين من‬
‫الضعفة والنساء ومن معهم أو في حكمهم ‪ ،‬وذكر أن للعلماء قولين في بداية الطواف‪ :‬أحدهما بعد الفجر‪ ،‬والثاني بعد منتصف الليل‪ ،‬وأن األم''ر في ذل''ك واس''ع‪.‬‬
‫وذكر أنه يجوز تأخير الطواف مع طواف الوداع ويجزئ عنهما طواف واحد‪ ،‬وأنه يجوز تأخير الطواف إلى نهاية ذي الحجة ولو فعله بعده أجزأ‪.‬‬
‫ثم بيَّن أن القول بجواز الطواف على غير طهارة يخفف على الناس في الزحام‪ ،‬وأن الحاج إذا لم يتطهر وط'اف أو أح'دث أثن''اء الط'واف فال ش'يء علي'ه‪ ،‬وأم'ا‬
‫الحائض فإنها تطوف للضرورة إذا تأخر طهرها وخافت ذهاب رفقتها ولحقها الحرج‪.‬‬
‫‪( -5‬التيسير في الرمي) وذكر فيه أنواعا ً من التيسير ‪:‬‬
‫‪    ‬أ‪ -‬التيسير في موضع الرمي وذكر كالما ً للسرخسي حاصله‪ :‬أن الحصاة إذا لم تقع عند الجمرة‪ ،‬ووقعت قريبا ً منها أجزأه‪ ،‬خصوصا ً عن''د ك''ثرة الزح''ام‪ ،‬وإن‬
‫وقعت بعيداً منها لم يجزئه‪.‬‬
‫‪   ‬ب‪ -‬التيسير في وقت الرمي‪ ،‬وفيه قرر أن للحاج أن يرمي ليالً‪ ،‬وأن يرمي قبل الزوال في سائر األيام‪ ،‬وأن له أن يؤخر رمي الجمرات ع''دا ي''وم العي''د للي''وم‬
‫األخير للرعاة ومن في معناهم ممن كان مشغوالً أو منزله بعيداً' عن الجمرات‪ ،‬ويشق عليه التردد عليها‪ ،‬وألحق بذلك الت'أخير لتجنب الزح'ام والمش'قة ‪ ،‬فه'ؤالء‬
‫يجوز لهم التأخير لرمي الجمرات إلى آخر يوم من أيام التشريق‪ ،‬وال يجوز تأخيره إلى ما بعد يوم الثالث عشر ‪.‬‬
‫‪   ‬ج‪ -‬التيسير في اإلنابة في الرمي‪ :‬فأجاز للضعفة والنساء أن يوكلوا غيرهم في الرمي‪.‬‬
‫‪( -6‬التيسير في التحلل والمبيت) ذكر أن من التيسير القول بوقوع التحلل األول برمي جمرة العقبة‪ ،‬فإذا رماها يوم العيد حل ل''ه ك''ل ش''يء إال النس''اء‪ ،‬ب''ل يح''ل‬
‫بمجرد دخول وقت الرمي ولو لم يرم‪.‬‬
‫‪ ‬وذكر أن األدلة على سقوط المبيت عمن لم يجد مكانا ً يليق به وليس عليه شيء‪ ،‬وأن له أن يبيت حيث شاء في مكة أو مزدلفة أو العزيزية أو غيرها‪ ،‬وال يلزم''ه‬
‫المبيت حيث انتهت الخيام بمنى‪.‬‬
‫‪( -7‬التيسير في الدماء) ووضح فيه أن من التيسير عدم إرهاق الحجيج بكثرة الدماء‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫المؤاخذات على الكتاب‪:‬‬
‫‪    ‬وبعد استعراض مضمون الكتاب نذكر مجمل ما أخذ عليه مع إيراد رد مختصر على بعضها‪:‬‬
‫فأما المؤاخذات العامة فمنها‪:‬‬
‫‪ - 1‬العنوان‪ :‬فتسمية الكتاب باسم (افعل وال حرج) يدل على توسع المؤلف في االستدالل بهذا الحديث‪ ،‬بينما سبب ورود الحديث أن بعض الص''حابة ج''اء ببعض‬
‫أعمال يوم النحر على خالف ترتيب النبي صلى هللا عليه وسلم فقدم وأخر‪  ،‬فلما سألوا النبي صلى هللا عليه وسلم عن ذلك أجابهم بقوله‪( :‬افعل وال حرج) ‪ ،‬وقال‬
‫الحافظ‪ :‬وفي هذا الحديث من الفوائد وجوب اتباع أفعال النبي صلى هللا عليه وسلم لك'ون ال'ذين خالفوه'ا لم'ا علم'وا س'ألوه عن حكم ذل'ك‪ .‬اهـ‪ .‬فينبغي أن يك'ون‬
‫األصل في الحج هو قوله صلى هللا عليه وسلم‪( :‬لتأخذوا عني مناسككم) وأما ما جاء على خالف األصل استثناء ورخصة ورفعا للحرج فيقدر بقدره‪  .‬‬
‫‪ -2‬المبالغة في األخذ بالرخص والتسهيل في مسائل الحج‪ ،‬حتى صار االستثناء أصالً‪ ،‬وتعدى األخذ بالتيسير على الحاج عند الحرج إلى‪ ‬التيسير عليه حتى ول''و‬
‫لم يقع الحرج‪.‬‬
‫‪ -3‬تعامل المؤلف مع أحكام المناسك في بعض المواضع كما لو أن األصل فيها اإلباحة‪ ،‬فطالما أن النبي صلى هللا عليه وسلم لم ينه عن ش''يء من المناس''ك فإن''ه‬
‫يجوز فعله‪ ،‬وهذا خالف األصل المتقرر أن األصل في العبادات الحظر والتوقيف‪.‬‬
‫‪ - 4‬عدم االستدالل بأفعال النبي صلى هللا عليه وسلم وال بحديث ((خذوا عني مناسككم)) إال مرة واحدة في وجوب أصل الرمي‪.‬‬
‫‪ ‬أما المؤاخذات على مسائل الكتاب‪:‬‬
‫فنذكر بعضها‪ ،‬وإن كانت بعض المسائل التي ذكرها المؤلف لها حظ من النظر‪ ،‬ووقع فيها خالف معتبر‪ ،‬لكن تتبع المؤلف لك''ل ق''ول في''ه رخص''ة أو تيس''ير في‬
‫موضع واحد لم يقل به أحد من األئمة‪ ،‬ويفضي إلى تضييع معالم الحج والتفريط فيه‪ ،‬فمن هذه المسائل ‪:‬‬
‫‪ -1‬قصره ألركان الحج على ركنين فقط‪ ،‬وهما الوقوف بعرفة والطواف باعتبارهما الق''در المتف''ق علي''ه بين العلم''اء‪ ،‬وفي ه''ذا تس'اهل ش''ديد‪ ،‬ف''أين الس''عي بين‬
‫الصفا والمروة والذي على ركنيته جمهور أهل العلم‪ ،‬وأين اإلحرام‪.‬‬
‫‪ -2‬قوله بإجزاء الدفع من عرفة قبل الغروب وال شيء عليه‪ ،‬بينما ذهب جماهير أهل العلم إلى أن الوقوف إلى ما بعد الغروب واجب‪ ،‬ويلزم''ه دم إذا ترك''ه‪ ،‬ب''ل‬
‫قال بعضهم إنه ركن‪ .‬وأما احتجاجه بحديث عروة بن المضرس فه''و ال ي''دل على ج''واز االنص''راف من عرف''ة قب''ل الغ''روب‪ ،‬وإنم''ا ي''دل على الحج المج''زئ‪.‬‬
‫باإلضافة إلى أنه قد ورد ما يعارضه ‪ ،‬ثم إن مشكلة الزحام الرئيسة وال''تي يُتعل'ل به'ا في تج'ويز ال'دفع قب''ل الغ''روب األق''رب أن حله'ا يتمث'ل في تنظيم طريق''ة‬
‫انصراف الناس وتهيئة الطرق فهي مسألة تتعلق بالتنظيم أكثر منها بالفتوى‪.‬‬
‫‪ -3‬نقله عن النووي أن من نسي اإلفاضة وطاف للوداع من غير نية اإلفاضة أو بجهل بوجوب الطواف أجزأه طواف'ه عنهم''ا‪ ،‬بينم'ا أك'ثر أه'ل العلم على أن''ه ال‬
‫يجزئ طواف اإلفاضة بنية غيره‪ ،‬كما نقله النووي نفسه في شرح مسلم‪.‬‬
‫‪ -4‬قوله بعدم اشتراط الطهارة للطواف على الرغم من أنه رأي الجمهور وتعضده األدلة وال معارض له‪ ،‬وأما قوله عن حديث عائشة‪ :‬وه''ذا الح''ديث ليس ًّ‬
‫نص'ا‬
‫في اشتراط الطهارة‪ .‬فهذا غريب منه فقد قال الحافظ ابن حجر‪ :‬والحديث ظاهر في نهي الحائض عن الطواف حتى ينقطع دمها وتغتس''ل ألن النهي في العب''ادات‬
‫يقتضي الفساد‪ ،‬وذلك يقتضي بطالن الطواف لو فعلته‪ ،‬وفي معنى الحائض الجنب والمحدث وهو قول الجمهور‪.‬‬
‫‪ -5‬إقراره لقول السرخسي بأن من رمى فوقع ما رماه قريبا ً من الجمرة صح رميه‪ ،‬وكالم السرخسي محم''ول على أن ذل''ك في ح''دود مس''احة األح''واض‪ ،‬ومن‬
‫المعلوم أن األحواض كانت إلى وقت قريب صغيرة ثم تم توسيعها بحيث تسقط الحجارة في موضع الرمي‪ ،‬وتستقر في مكان في السفل‪ ،‬وم''ع ه''ذا التوس''يع ف''إن‬
‫القول بإجزاء الرمي ولو وقع الحصى خارج األحواض خطأ‪.‬‬
‫‪ -6‬تجويزه للرمي قبل الزوال أيام التشريق خالفا ً لما ذهب إليه الجمهور وما ثبت عن النبي صلى هللا عليه وسلم وأصحابه‪ ،‬لذا قال الترم''ذي بع''د إي''راده ح''ديث‬
‫جابر‪ :‬كان النبي صلى هللا عليه و سلم يرمي يوم النحر ضحى‪ ،‬وأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس‪ .‬قال‪ :‬والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم أن''ه ال ي''رمي‬
‫بعد يوم النحر إال بعد الزوال‪.‬‬
‫وأما عزوه هذا القول إلى ابن عباس فال يصح سنده إليه‪ ،‬وأما عطاء فقد صح عنه قول ثان يوافق فيه الجمهور وهو أولى؛ ألن'ه أق'رب لل'دليل‪ .‬وأم'ا األدل'ة ال'تي‬
‫استدل بها فمنها ما هو ضعيف ال يصح‪ ،‬والصحيح منها غير صريح‪.‬‬
‫والذي دفع المؤلف إلى تبني هذا القول األضرار الحاصلة بسبب الزحام‪ ،‬أما اليوم وبعد األعمال اإلنشائية األخيرة من توسيع الم''رمى‪ ،‬وتع''دد الطواب''ق لل''رمي‪،‬‬
‫والتنظيم في الذهاب واإلياب زالت هذه األضرار أو قلَّت‪ ،‬وبالتالي زال موجب األخذ بهذا القول‪.‬‬
‫‪ -7‬جوز المؤلف الرمي عن النساء‪ ،‬واستدل بأحاديث ليس فيها شاهد لما ذهب إليه‪ ،‬ففيها ال''رمي عن الص''بيان فق''ط دون ذك''ر لغ''يرهم‪ ،‬وأم''ا ح''ديث التلبي''ة عن‬
‫النساء فمنكر‪ ،‬فتجويز الرمي عن النساء مطلقا ً قول غريب‪ ،‬السيما بعد التيسيرات األخيرة في الرمي‪.‬‬
‫‪ -8‬وباإلضافة لما سبق فهذه جملة مما أجازه المؤلف ورخص فيه‪ ،‬فقد قال بجواز مبيت الحاج حيث يشاء إذا لم يجد مكانا يليق به‪ ،‬وع''دم إره''اق الحجيج بك''ثرة‬
‫الدماء عند ترك واجب من الواجبات‪ ،‬وجوز لبس ما يعرف بالتنورة (وهو أن تخاط لإلزار تكة ويرسل دون أن يفص''ل من''ه كم عن آخ''ر) من ب''اب التوس''عة في‬
‫لبس اإلزار ولو كان مخيطا‪ .‬وجوز‪ ‬لبس الخفين‪ ‬من غير قطع‪ .‬وجوز التحلل األول بالرمي وحده‪.‬‬

You might also like