You are on page 1of 20

‫ نجيب علي السودي‬.

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د‬

‫التنوع الصوتي في النص القرآني‬


)‫(دراسة داللية‬
*
‫ نجيب علي عبد هللا السودي‬.‫د‬
‫م‬3/11/2013 :‫تاريخ قبول البحث‬ ‫م‬15/4/2012 :‫تاريخ وصول البحث‬
‫ملخص‬
ِ ‫َّة ِفي الق‬
‫رآن ال َك ِر ِيم وما‬ ِ ‫الص وتي‬ ِ َّ‫ق ب الظ‬
َّ ‫واه ِر‬ ُ َّ‫اؤالت تَتَعل‬
ٍ ‫لإلجاب ِة َعن ِع َّد ِة تَس‬ ‫البحث‬
ُ ‫َيس َعى ه ذا‬
َ
‫العالقَ ِة‬ ِ َ ِ‫والتحلي ِل واس ت‬
ِ ‫للدراس ِة‬ ِ َّ‫اع َه ِذه الظ‬
ِّ ‫واه ِر‬ ِ ‫ ِمن ِخالل إخض‬،‫ام ِع‬ ِ ‫الس‬ ِ ‫حدثُ هُ ِمن أث ٍر ِفي َن‬
ِ ُ‫ت‬
َ ‫كناه‬ َّ ‫فس‬
ٍ ِ ٍ ِِ ِ ِ ِ ِِ ِ ِ ِ َِ
ُ َ‫حسب َّأنها ت‬
‫حتاج‬ ُ ‫ َر َّكزنا فيه َعلى ُجزئيَّة َدقيقة َن‬،‫والمعنى المراد من اآلية‬ َ ‫الخفيَّة َبين الظاه َرة الصوتيَّة‬
ِ
‫يحاءات َه ذا‬ ِ ‫نو‬
‫ وِإ‬،‫ين‬ ِ ‫الساك‬
ِ َّ‫نة والت‬ ِ ِ ‫الن‬
‫ون‬ ِ
ُّ ‫أحكام‬ ‫الص وتِ ُّي في‬ ُّ ‫ و ِه َي‬،‫كر‬
َّ ُ‫التنوع‬ ٍ ‫يص ِف‬
ِ ‫مح‬ ِ َ‫ظر وت‬ ِ ‫إلى‬
ٍ ‫إنعام َن‬
‫راس ِة‬
َ ‫الد‬ِّ ‫اع ِهم ِفي‬
ِ ‫طول ب‬ ِ
َ ِ ِ‫العربيَّة الذين ُع ِرفُوا ب‬َ ‫لماء‬
ِ ‫أقوال ع‬
َُ
ِ ِ ‫ اتَّكأنا ِف‬،‫عنى‬
‫يه َعلى‬ َ ‫الم‬
َ ‫ستوى‬ َ ‫التنو ِع َعلى ُم‬
ُّ
‫الص وتِ ُّي‬ ِ َّ َ‫ك بِما ت‬ ِ ‫رحهم لآلي‬
ِ ‫ير في َش‬ ِ ‫وال أه ِل‬ ِ ‫ وأق‬،‫الص وتِيَّة‬
َ ‫رس‬ ُ ‫وص َل إلي ه ال َّد‬ َ ‫ ثَُّم َع َّززنا َذل‬،‫ات‬ ِ ‫التفس‬ َّ
َّ ‫ص ِمنهُ إلى‬
‫أن‬ ِ
َّ ُ‫ َلنخل‬،‫المجال‬ ‫َّة ِفي هذا‬
ِ ‫ف ما قَ َّدم ه علَماء العربي‬
َ ُ ُ َُ
ِ ُ‫يالت لَم ت‬
ْ ‫خال‬ ٍ ‫حل‬ ِ َ‫يات وت‬
ٍ ‫ظر‬
ِ ‫يث ِمن َن‬
ُ ‫الح ِد‬
َ
َ‫وع ة‬
َ ‫الر‬ َ ِ‫وأن ت‬
َّ ‫لك‬ َّ ،َ‫ربية‬ َّ ‫الع‬ ِ ِ
َ ‫وعةً عند ُك ِّل سام ٍع حتَّى َمن ال َيفهَ ُم‬
ِِ ِ ِ َ ‫القرآن‬
َ ‫ونظمه وتَتَ ُاب ِع أصواته َر‬ ِ ‫ِلموسيقا‬
‫كون تقس يماً ُمنوع اً ُيج ِّد ُد‬ ُّ ُ‫ام ال ِّذي قُ ِّس َمت ِفي ِه الحر َك ة‬
ُ ‫والس‬ ُ ‫ك النِّظ‬ ِ ‫الب ِد‬
َ ‫ َذل‬،‫يع‬ َ ‫الص وتِّي‬ َّ ‫ظام ِه‬ِ ِ‫تَنب ع ِمن ن‬
ُُ
‫ين‬ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ِ َّ‫ وأننا بِدراس ة ه ذه الظ واه ِر ُنط ِّو ُر من ع ِلم الت‬،‫لس ماعه‬ِ ِ ِ
َ ‫العالقَ ةَ َب‬
َ ‫وي‬ ِّ ‫ونق‬
ُ ،‫جوي د‬ َ ‫الس امع‬
َّ ‫ط‬َ ‫َنش ا‬
ِّ ‫رس اللُّ َغ ِو‬
.‫ي‬ ِ ‫الد‬ ِ
َّ ‫ستويات‬ ‫ُم‬
Abstract
This research seeks to answer several questions related to sound phenomena in the
Holy Quran and its relevant impact on the listener by subjecting these phenomena to
analysis, and fathoming the subtle relationship between the sound phenomena and the
meaning intended by the verse. The researcher, herein, focused upon a very fine aspect
that requires deep consideration and scrutiny of thought, mainly, the vocal diversity in
the provisions of the vowelless nun and the nunation, and the implications that such
diversity provides at the level of meaning, herein, relying on the opinions of Arabic
linguists who have been known for their long term expertise in vocal studies; and upon
the views of the scholars of exegesis in interpreting Qur’anic verses.
We have then strengthened that by the latest research on vocal studies relating to
such theories and analyses which did not violate the views of Arabic linguists in this
area so as to conclude there from that the Quran’s music, its composition, its sequence
of sounds has a charm to listener, even to those who do not understand Arabic. This
charm emanates from its exquisite sound system, a system wherein the short vowel and
the vowelless letters produce a diversity that invigorates the active level of anyone
listening to it. Through the study of these phenomena, we can improve the study of the

.‫ اليمن‬،‫ جامعة تعز‬،‫أستاذ مساعد‬ *

223 ‫م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬2015/‍‫ ه‬1436 ،)1( ‫ ع‬،)11( ‫ مج‬،‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‬


‫التنوع الصوتي في النص القرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪Science relating to Quranic recitation as well as the study of linguistics aspects.‬‬


‫‪Pronunciation, and strengthen the relationship between the strata of linguistic‬‬
‫‪lessons.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫تقشعر منها‬
‫ُ‬ ‫تخبت له القلوب‪ ،‬وله نغم ةٌ‬ ‫ُ‬ ‫سحر‬
‫يبهر األلباب‪ ،‬وله ٌ‬ ‫النفس‪ ،‬وله جما ٌل ُ‬ ‫تهز ّ‬‫للقرآن الكريم روعةٌ ُّ‬
‫ود ُه ْم‬ ‫َّه ْم ثُ َّم تَِل ُ‬
‫ين ُجلُ ُ‬ ‫ش ْو َن َرب ُ‬ ‫ود الَّ ِذ َ‬
‫ين َي ْخ َ‬ ‫ش ِع ُّر ِم ْن ُه ُجلُ ُ‬
‫ش ا ِب ًها َمثَ ِان َي تَ ْق َ‬
‫يث ِكتَ ًابا ُمتَ َ‬
‫َأحس َن ا ْلح ِد ِ‬
‫َ‬ ‫الجل ود ﴿اللَّ ُه َن َّز َل ْ َ‬
‫اء﴾ (الزمر‪ ،)23 :‬وقد ك ان ص ناديد العربية أول من أحس‬ ‫ش ُ‬ ‫وب ُه ْم ِإلَى ِذ ْك ِر اللَّ ِه َذِل َك ُه َدى اللَّ ِه َي ْه ِدي ِب ِه َم ْن َي َ‬
‫َو ُقلُ ُ‬
‫بروعة الق رآن‪ ،‬وس طوته على القل وب وت أثيره العجيب في النف وس‪ ،‬وقد س ردت لنا كتب الس ير واألخب ار كث يراً من‬
‫القصص واألح داث ال تي ح دثت له ؤالء الص ناديد ال ذين ك انوا على علم بالش عر رج زه وهزجه قريضه ومقبوضه‬
‫ومبس وطه وبزمزمة الك اهن وس جعه‪ ،‬وب الجنون خنقه وتخالجه ووسوس ته‪ ،‬وبالس حر ونفثه وعق ده‪ ،‬فلم يج دوه داخالً‬
‫تحت واحد منها‪ ،‬فقد وجدوه منفرداً ووجدوا له حالوة منقطعة النظير(‪.)1‬‬
‫فقد روي أن الوليد بن المغيرة جاء إلى رسول اهلل ‪ ‬فقرأ عليه القرآن‪ ،‬فكأنه رق له‪ ،‬فبلغ ذلك أبا جهل ابن‬
‫هش ام فأت اه‪ ،‬فق ال‪ :‬أي عم إن قومك يري دون أن يجمع وا لك م االً‪ .‬ق ال‪ :‬لم ؟ ق ال‪ :‬يعطونكه فإنك أتيت محم داً‬
‫تتعرض لما قبله‪ .‬قال‪ :‬قد علمت قريش أني أكثرهم ماالً‪ .‬قال‪ :‬فقل فيه قوالً يعلم قومك أنك منكر لما قال وأنك كاره‬
‫له‪ .‬ق ال‪ :‬فم اذا أق ول في ه؟! فو اهلل ما منكم رجل أعلم باألش عار م ني وال أعلم برج زه وال بقص يده م ني وال بأش عار‬
‫الجن‪ ،‬واهلل ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا وواهلل إن لقوله الذي يقوله لحالوة‪ ،‬وإ ن عليه لطالوة‪ ،‬وإ نه لمثمر أعاله‬
‫مغدق أسفله وإ نه ليعلو وال يعلى وإ نه ليحطم ما تحته‪ .‬قال‪ :‬واهلل ال يرضى عنك قومك حتى تقول فيه‪ .‬قال‪ :‬فدعني‬
‫حتى أفكر فيه‪ .‬فلما فكر قال‪ :‬إنه سحر يؤثر‪ ،‬أما ترون أنه يفرق بين المرء وأهله وولده ومواليه(‪.)2‬‬
‫ومع ما ك ان عليه كف ار ق ريش من الش رك والعن اد والتك ذيب فقد ك انوا ينج ذبون لس ماع الق رآن ويطيل ون‬
‫االستماع إليه استطابة لما فيه من لفظ ذي نغم يجذب األسماع‪ ،‬فتروي السير أن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن‬
‫هشام واألخنس بن شريق خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول اهلل ‪ ‬وهو يصلي من الليل في بيته‪ ،‬فأخذ كل رجل منهم‬
‫مجلس اً يس تمع فيه وكل ال يعلم بمك ان ص احبه ‪ -‬فب اتوا يس تمعون له ح تى إذا طلع الفجر تفرق وا فجمعهم الطريق‬
‫فتالوم وا‪ ،‬وق ال بعض هم لبعض ال تع ودوا فلو رآكم س فهاؤكم ألوقعتم في نفوس هم ش يئاً ثم انص رفوا‪ ،‬ح تى إذا ك انت‬
‫الليلة الثانية ع اد كل رجل منهم إلى مجلسه فب اتوا يس تمعون له ح تى إذا طلع الفجر تفرق وا فجمعهم الطري ق‪ ،‬فق ال‬
‫بعض هم لبعض مثل ما ق الوا أول م رة ثم انص رفوا‪ .‬ح تى إذا ك انت الليلة الثالث ة‪ ،‬أخذ كل رجل منهم مجلسه فب اتوا‬
‫يس تمعون له ح تى إذا طلع الفجر تفرق وا فجمعهم الطريق‪ .‬فق ال بعض هم لبعض‪ :‬ال ن برح ح تى نتعاهد أال نع ود‪،‬‬
‫فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا"(‪.)3‬‬
‫فهذه الروايات وغيرها الكثير تبين قوة تأثير القرآن في نفوس العرب‪ ،‬وفعله في قلوبهم‪ .‬كان أشدهم عناداً ال‬
‫ينجو من تأثيره‪ ،‬سمعه عمر بن الخطاب فانخلع قلبه من الكفر وفاء إلى اإليمان‪ ،‬وسمعه أبو ذر فآمن وصدع‪.‬‬
‫ش ِر ِك َ‬
‫ين﴾ (الحجر‪ )94 :‬فس جد‪ .‬فقيل‬ ‫ض َع ِن ا ْل ُم ْ‬ ‫ع ِب َما تُْؤ َم ُر َو ْ‬
‫َأع ِر ْ‬ ‫اص َد ْ‬
‫وروي أن أعرابي اً س مع قوله تع الى‪﴿ :‬فَ ْ‬
‫(‪)4‬‬
‫له‪ :‬لم سجدت ؟ فقال‪ :‬سجدت لفصاحة هذا الكالم ‪.‬‬
‫ولقد أدرك بعض علماء السلف ما يختص به القرآن من سطوة على النفوس وما له من روعة في القلوب‪ ،‬فعد‬
‫ذلك من أوجه إعجاز القرآن‪ ،‬فذهب اإلمام الخطابي إلى أن في القرآن وجها من اإلعجاز ذهب عنه الناس فال يكاد‬

‫‪224‬‬
‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د‪ .‬نجيب علي السودي‬

‫يعرفه إال الش اذ من آح ادهم‪ ،‬وذلك ص نيعه في القل وب وت أثيره في النف وس فإنك ال تسمع كالم اً غير الق رآن منظوم اً‬
‫وال منث وراً إذا ق رع الس مع خلص له إلى اإلقالب من الل ذة والحالوة في ح ال‪ ،‬ومن الروعة والمهابة في أخ رى ما‬
‫يخلص منه إليه(‪ ،)5‬ويقول اإلمام السيوطي‪" :‬ومن وجوه إعجاز القرآن روعته التي تلحق قلوب سامعيه عند سماعه‬
‫ش ِع ُّر‬
‫والهيبة التي تعتريهم عند تالوته‪ ،‬أما المؤمن فال تزال روعته به وهيبته إياه مع تالوته تصديقاً لقوله تعالى‪﴿ :‬تَ ْق َ‬
‫وب ُه ْم ِإلَى ِذ ْك ِر اللَّ ِه﴾ (الزمر‪ ،)23 :‬وي دل على أن ه ذا ش يء‬
‫ود ُه ْم َو ُقلُ ُ‬ ‫َّه ْم ثُ َّم تَِل ُ‬
‫ين ُجلُ ُ‬ ‫ش ْو َن َرب ُ‬ ‫ود الَّ ِذ َ‬
‫ين َي ْخ َ‬ ‫ِم ْن ُه ُجلُ ُ‬
‫خص به الق رآن أنه يع تري ح تى من ال يفهم معانيه وال يعلم تفاس يره‪ ،‬كما روي عن نص راني أنه مر بق ارئ فوقف‬
‫يبكي‪ ،‬فقيل له‪ :‬مم بكيت ؟ قال‪ :‬الشجى والنظم(‪.")6‬‬
‫وتتعدد منابع الروعة في القرآن الكريم وتتنوع ويصبح تحديدها ليس باألمر السهل‪ ،‬يقول سيد قطب‪" :‬إن في‬
‫هذا القرآن سراً خاص اً يشعر به كل من يواجه نصوصه ابتداء‪ ،‬قبل أن يبحث في مواضع اإلعجاز فيه ا‪ ،‬إنه يشعر‬
‫بس لطان خ اص في عب ارات هذا الق رآن‪ ،‬يش عر أن هن اك ش يئاً ما وراء المع اني التي ي دركها العقل من التعب ير‪ ،‬وأن‬
‫هن اك عنصرا ما ينسكب في الحس بمج رد االستماع لهذا الق رآن يدركه بعض الن اس واضحا‪ ،‬ويدركه بعض الن اس‬
‫غامض اً ولكنه في كل حال موجود‪ .‬هذا العنصر الذي ينسكب في الحس يصعب تحديد مصدره‪ .‬أهو العبارة ذاتها؟‬
‫أهو المع نى الك امن فيه ا؟ أهو الص ور والظالل ال تي تش عها؟ أهو اإليق اع الق رآني الخ اص المتم يز من س ائر الق ول‬
‫المصوغ من اللغة؟ أهي هذه العناصر كلها مجتمعة؟ أم إنها لشيء آخر وراءها غير محدود"(‪.)7‬‬
‫نجد نوعاً من إجابة عن تساؤالت سيد قطب في قول للرافعي وهو يتكلم عن منطق القوم حيث يقول‪" :‬وقد كان‬
‫منطق الق وم يج ري على أصل من تحقيق الح روف وتفخيمه ا‪ ،‬ولكن أص وات الح رف إنما ت نزل منزلة الن برات‬
‫الموس يقية المرس لة في جملتها كيف اتفقت‪ ،‬فال بد لها مع ذلك من ن وع في ال تركيب وجهة في الت أليف ح تى يم ازج‬
‫بعض ها بعض ا‪ ،‬ويت ألف منها ش يء مع ش يء‪ ،‬فتت داخل خواص ها وتجتمع ص فاتها‪ ،‬ويك ون منها اللحن الموس يقي‪ ،‬وال‬
‫يك ون إال من ال ترتيب الص وتي ال ذي يث ير بعضه بعض اً على نسب معلومة ترجع إلى درج ات الص وت ومخارجه‬
‫وأبع اده"(‪ .)8‬ثم يش ير إلى عالقة الص وت باالنفع ال النفسي ق ائالً‪" :‬وليس يخفى أن م ادة الص وت هي مظهر االنفع ال‬
‫النفسي‪ ،‬وأن هذا االنفعال بطبيعته إنما هو سبب في تنويع الصوت"(‪.)9‬‬
‫مما سبق نخلص إلى أن لموسيقى القرآن ونظمه وتتابع أصواته روعة عند كل سامع حتى من ال يفهم العربية‪،‬‬
‫وأن تلك الروعة تنبع من نظ ام الق رآن الص وتي الب ديع ذلك النظ ام ال ذي قس مت فيه الحركة والس كون تقس يماً منوع اً‬
‫يجدد نشاط السامع لسماعه‪ ،‬وهنا فقط يمكننا طرح السؤال الذي يقوم عليه هذا البحث على أنه ينبغي االلتف ات إلى أن‬
‫ما يذكره الباحث من اإليحاءات ليس على سبيل القطع ويمكن لباحثين آخرين أن يصلوا إلى ما لم يصل إليه الباحث‪.‬‬
‫إشكالية البحث وتساؤالته‪:‬‬
‫كيف يمكن إب راز الظ واهر الص وتية ال تي تح دث ه ذا األثر النفسي لس امع الق رآن؟ وهل يمكن أن تخضع ه ذه‬
‫الظواهر للدراسة والتحليل؟ وما العالقة الخفية بين الظاهرة الصوتية والمعنى المراد من اآلية؟‬
‫يس عى ه ذا البحث لإلجابة عن ه ذه األس ئلة من خالل محاولة دراسة ظ اهرة واح دة من الظ واهر الص وتية‬
‫المتعددة‪ ،‬مركزاً على جزئية دقيقة يعدها الباحث من دقائق األمور التي يحتاج المرء فيها إلى إطالة نظر وتمحيص‬
‫فكر‪ ،‬هذه الظاهرة هي ظاهرة داللة التنوع الصوتي للحرف المتمثل في أحكام النون الساكنة والتنوين‪ ،‬وإ يحاءات هذا‬
‫التنوع على مستوى المعنى‪ ،‬مستخدماً في ذلك المنهج الوصفي التحليلي‪.‬‬
‫يحت وي ه ذا البحث على مبح ثين أساس يين‪ :‬المبحث األول‪ :‬يع نى بمفه وم التن وع‪ ،‬وفيه مطلب ان‪ :‬األول‪ :‬ح ول‬
‫التعريف بالمفهوم‪ .‬الثاني‪ :‬خصائص المفهوم‪.‬‬

‫‪225‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫التنوع الصوتي في النص القرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المبحث الث اني‪ :‬يع نى بأش كال التن وع الص وتي‪ ،‬وفيه أربعة مط الب‪ :‬األول‪ :‬الش كل اإلظه اري‪ .‬الث اني‪ :‬الش كل‬
‫اإلدغ امي‪ .‬الث الث‪ :‬الش كل اإلخف ائي‪ .‬الرابع‪ :‬الش كل اإلقالبي‪ .‬في كل مطلب من ه ذه المط الب ف رعين اث نين‪ :‬األول‪:‬‬
‫خاص بالتعريف‪ ،‬الثاني‪ :‬خاص بالتطبيق‪ .‬وختم البحث بخاتمة ذكرنا فيها أهم النتائج‪.‬‬
‫وس نبدأ ببي ان ما يج در الب دء ب ه‪ ،‬وهو بي ان المص طلح وتحدي ده ألن مس ألة تحديد المفه وم أو المص طلح مس ألة‬
‫أساس ية قبل الب دء في البحث بتفص يالته المتع ددة‪ ،‬ألننا نعد الب دء ببي ان المفه وم والمص طلح وس يلة عب ور ال يمكن‬
‫ال دخول إلى البحث دون الم رور به ا‪ ،‬ثم نس تعرض أش كال التن وع الص وتي في النص الق رآني بأقس امه األربعة‬
‫"اإلظهار‪ ،‬واإلدغام‪ ،‬واإلخفاء‪ ،‬واإلقالب" مع إيحاءاتها‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم التنوع الصوتي‬


‫بداية نش ير إلى أنه يمكن أن توصف أص وات لغة ما من خالل خواص ها المادية ال تي يمكن قياس ها ومالحظتها‬
‫علميا‪ ،‬وكذا من خالل توزع هذه األصوات في نصوص لغوية أو من خالل وظيفتها في هذه النصوص‪ ،‬إال أن هذه‬
‫األصوات المركبة للنصوص ال تبقى محتفظة بخصائصها وصفاتها التي تميزها على أنها وحدة مستقلة؛ بل تكتسب‬
‫خصائص جديدة ؛ فاألصوات فيما بينها عالقات خاصة‪ ،‬هذه العالقات تحكمها قواعد وأصول معينة‪ .‬فنجد الصوت‬
‫ي دغم في أص وات بعينها في مواضع معين ة‪ ،‬وينقلب ص وتاً آخر إذا وقع في س ياق ص وتي معين‪ ،‬ونج ده يخفى إذا‬
‫جاورته أصوات معينة‪ ،‬ويظهر واضحاً جلياً في سياقات صوتية أخرى‪.‬‬
‫فمثالً نجد أن ص وت الن ون في كلمة "ينهى" يختلف في كيفية نطقه وص فاته عن ص وت الن ون في كلمة "ينسى"‪.‬‬
‫المعروف في أحكام التجويد أن النون األولى الواردة في كلمة "ينهى" مظهرة ألن حكمها اإلظهار‪ ،‬والنون الثانية في‬
‫كلمة "ينسى" مخفاة ألن حكمها اإلخفاء‪ ،‬مع أننا إذا حاولنا أن نبحث عن الجامع بين صوتي النون في الكلمتين سنجد‬
‫أنهما ينتمي ان إلى الص وت ال ذي يرمز إليه كتابي اً "ن" وهو أحد الح روف ال تي تتك ون منها األلفبائية العربية وال ذي‬
‫جعلنا نض عهما تحت رمز كت ابي واحد هو "ن" مع اختالف نطقهما ب اختالف س ياقاتهما هو أنهما متم اثالن تمام اً في‬
‫نطقهما وصفاتهما عند عزلهما عن سياقاتهما الصوتية ونطقهما منفردين‪ ...‬هذا الكالم يقودنا إلى الجزم بأن التغيرات‬
‫التي اعترت الصوت في نطقه وصفته إنما هي تغيرات طارئة تعرض للصوت عند وضعه في سياق معين‪ ،‬وتنزاح‬
‫هذه التغيرات عنه في حال انفراده‪ ،‬فصوت النون مثالً في "ينسى" يخفى عندما ننطقه في مثل هذا السياق‪ ،‬ولكن ما‬
‫أن نغير الصوت الذي يليه بصوت أخر غير صوت "س" ونحوه مما يعرف بحروف اإلخفاء حتى تزول عنه صفة‬
‫اإلخفاء‪ ،‬وهو ما يجعلنا نحكم بأن هذا اإلخفاء صفة عارضة للصوت تزول بزوال السبب‪.‬‬
‫إن الصوت "ن" عندما ننظر إليه منفرداً غير موضوع في سياق معين يسمى عند الغربيين صيتة ‪،phoneme‬‬
‫فإذا وضع في أحد سياقاته الصوتية كما في "ينهى" أو "ينسى" سمي تنوعاً صوتياً ‪.)10( Allophone‬‬
‫إذاً فما نعنيه بالتنوع الصوتي هو التغيرات التي تعتور الصوت عند وضعه في سياق معين‪.‬‬
‫ومن تعريفات التنوع الصوتي "‪:"Allophone‬‬
‫(‪)11‬‬
‫ما يعرفه آدرين‪ :‬بأنه التنوع الموقعي أو المتغير الحر ‪ free variant‬للصيتة ‪.‬‬
‫وعرفه بعضهم‪ :‬بأنه أصوات الكالم الفعلية التي تكون الصيتات(‪.)12‬‬
‫ويرى آخرون‪ :‬بأن التنوع الصوتي هو األصوات األعضاء المختلفة التي تجمعت معاً لبناء الصيتة(‪.)13‬‬
‫أما دانيال جونز فيستخدم مصطلح التنوع الصوتي باإلحالة على العضو المعين للصيتة(‪.)14‬‬
‫وتتمتع التنوعات الصوتية بجملة من الخصائص يمكن إجمالها فيما يأتي(‪:)15‬‬

‫‪226‬‬
‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د‪ .‬نجيب علي السودي‬

‫‪ -1‬إمكانية قياسها‪ ،‬أي أنها أصوات يمكن سماعها كما يمكن نطقها‪ ،‬وبالتالي قياسها آلياً فهي ممكنة التحقق‬
‫مادياً‪.‬‬
‫‪ -2‬االختالف الموقعي‪ ،‬أي أنها تختلف باختالف موقعها الذي تحل فيه وإ ن كانت هذه االختالفات محدودة‬
‫عادة‪.‬‬
‫‪ -3‬التقارب الصوتي من حيث المخرج والصفة‪ ،‬بحيث يشبه كل تنوع سائر التنوعات الصوتية األخرى التي‬
‫تشترك معه تحت نفس الصيتة‪.‬‬
‫‪ -4‬التوزيع التكاملي‪ ،‬أي أن كل تنوع من التنوعات الصوتية للصوت الواحد يأخذ موقعاً صوتياً معيناً ال‬
‫يش اركه فيه اآلخر‪ .‬بحيث يك ون كل تن وع مكمالً بحلوله موقع اً معين اً للتن وع اآلخر ال ذي ينتمي إلى‬
‫الص وت نفس ه‪ ،‬فيتحقق ب ذلك التوزيع التك املي للتنوع ات الص وتية ذاتها فوق وع التن وع "ينهى" في ه ذا‬
‫السياق هو واحد من السياقات التي يتوزع فيها صوت النون توزيع اً تكاملي اً وفق اً للسياقات الصوتية التي‬
‫تناسب كل تنوع‪ ،‬وال يمكن ألي تنوع من التنوعات أن يحل في موقع تنوع آخر ال يتناسب معه صوتياً‪،‬‬
‫فصوت النون مثالً في "ينهى" ال يمكن نطقه كما ينطق صوت النون في "ينسى"‪.‬‬
‫وب ذلك يمكننا الق ول‪ :‬إن التن وع الص وتي يخضع من حيث كيفية نطقه وص فاته الص وتية إلى الموقع الس ياقي‪،‬‬
‫وليس الختيار المتكلم‪ ،‬بخالف الصوت الذي يمكن للمتكلم أن يستبدل به صوتاً أخر لغرض تأدية معنى مختلف مثل‬
‫"قام وقاس" فهما تنوعان صوتيان لكنهما ليسا لصوت واحد وإ نما لصوتين مختلفين‪.‬‬
‫وقد ح اول بعض اللغ ويين أن يجمع ج ّل الخص ائص الس ابقة في تعريف التنوع ات الص وتية للص وت فح ددها‬
‫بأنها‪" :‬مجموعات األصوات التي‪:‬‬
‫‪ -1‬ال تغير معنى الكلمة‪.‬‬
‫‪ -2‬كل منها مشابهٌ جداً لآلخر‪.‬‬
‫‪ - 3‬وتظهر في سياقات صوتية مختلفة من سياق آلخر"(‪.)16‬‬
‫أن األص وات ال تتحقق تحقق اً فعلي اً إال بتنوعاتها الص وتية‪ ،‬ويك ون للص وت اللغ وي وجه ان‬
‫كما يمكننا الق ول ب ّ‬
‫باعتبارين‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬باعتبار وجوده الكامن‪ ،‬ويمثل هذا الوجه "الصوت"‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬باعتبار تحققه الكالمي الظاهر‪ ،‬ويمثل هذا الوجه "التنوع الصوتي"‪.‬‬
‫ونحن في دراستنا هذه سنركز على الوجه الثاني‪ ،‬وهو التنوع الصوتي في النص القرآني‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أشكال التنوع الصوتي في النص القرآني وإيحاءاتها‬


‫المتأمل للنص الق رآني ‪ -‬س ماعاً أو ق راءة ‪ -‬يجد كث يراً من التنوع ات الص وتية ال تي تض بط النص بحيث ال‬
‫فإن ذلك‬
‫يجوز للقارئ الذي يقوم بقراءة القرآن اإلخالل بهذه التنوعات‪ ،‬وفي حالة عدم التزام القارئ بهذه التنوعات ّ‬
‫يعد لحناً ظاهراً يؤاخذ عليه‪ .‬هذه التنوعات الصوتية وضعت لها قواعد تيسر للقارئ معرفتها وااللتزام بها‪ ،‬وقد بذل‬
‫علماء العربية جهوداً مشكورة في ذلك‪ ،‬تمثلت هذه الجهود في استخراج هذه القواعد وإ برازها وجمعها في علم يهتم‬
‫بالصوت القرآني‪ ،‬وإ عطائه حقه ومستحقه من األحكام ؛ هذا العلم سمي بعلم التجويد‪.‬‬
‫ونحن إذا أردنا أن ننطلق في بحثنا ه ذا لمعرفة أش كال التن وع الص وتي في النص الق رآني ؛ فإنه يحسن بنا‬
‫االس تعانة بقواعد علم التجويد ال تي تمثل الدراسة الص وتية للنص الق رآني‪ .‬وهنا نش ير إلى أن علم اء التجويد ال ذين‬

‫‪227‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫التنوع الصوتي في النص القرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وضعوا هذه القواعد قد وصفوها وصفاً دقيق اً يعيننا كثيراً في السير قدماً في توضيح ما نروم إيضاحه مستندين في‬
‫أصلوه‪ ،‬مضيفين ما نرى أنه فَتْح جديد فُتِح لنا به‪.‬‬
‫ذلك على ما ّ‬
‫"ومن وجد مقاالً قال به وإ ن لم يسبق إليه غيره‪ ،‬فكيف به إذا تبع العلماء فيه‪ ،‬وتالهم على تمثيل معانيه"(‪.)17‬‬
‫بيان ألشكال التنوع الصوتي وإ يحاءات هذا التنوع‬ ‫لكن قد يقول قائ ٌل ما عالقة هذا الكالم بما أنت بصدده من ٍ‬
‫في النص القرآني؟‬
‫أقول‪ :‬إن غرضنا مما سبق هو أن نتوصل إلى أن هناك قواعد وضعها لنا العلماء للسير عليها‪ ،‬واالستهداء بها‬
‫في قراءة النص القرآني وفهمه‪ ،‬فما علينا إال أن نتنبه لها وننعم النظر فيها‪ ،‬لننطلق منها ونكمل المسير‪.‬‬
‫من ه ذه األحك ام والقواعد ال تي أص لها لنا علم اء التجويد والمرتبطة بموض وع بحثنا هنا أحك ام الن ون الس اكنة‬
‫والتن وين‪ ،‬وتعد مباحثها من المب احث المهمة ج داً ال تي ال تخلو منها كتب التجويد ؛ وذلك لك ثرة وقوعها في الق رآن‬
‫الكريم‪ ،‬ولما تحمله من إيحاءات كما سيتبين لنا‪.‬‬
‫للنون الساكنة والتنوين أحكام أربعة ذكرها ابن الجزري بقوله‪:‬‬
‫وحكم تنوين ونون يلفى إظهاراً إدغام وقلب إخفا)‪.(18‬‬
‫وه ذه األحك ام األربعة إنما هي باعتب ار ما ي أتي بعد الن ون الس اكنة والتن وين من ح روف‪ ،‬أي ب النظر إلى‬
‫السياقات الصوتية لها‪ ،‬فهي عبارة عن تغيرات طارئة تحدث للنون الساكنة والتنوين عند وضعهما في سياق معين‪،‬‬
‫وتنـزاح عنها في حال انفرادها‪ ،‬وهذا هو ما قصدناه بالتنوع الصوتي‪.‬‬
‫إذاً فلدينا أربعة أشكال للتنوع الصوتي في النص القرآني من خالل تحليلنا ألحكام النون الساكنة والتنوين هذه‬
‫األشكال هي‪:‬‬
‫‪ -1‬الشكل اإلظهاري‪.‬‬
‫‪ -2‬الشكل اإلدغامي‪.‬‬
‫‪ -3‬الشكل اإلخفائي‪.‬‬
‫‪ -4‬الشكل اإلقالبي‪.‬‬
‫وس نبدأ بع رض كل تن وع وكل ش كل من ه ذه األش كال على ح ده مح اولين إب راز ما تحمله ه ذه التنوع ات من‬
‫أن هذا األمر ستجد فيه‬
‫إيحاءات تنعكس بدورها على المعنى‪ ،‬وإ ْن كان األمر من الوعورة والمشقة بمكان‪ .‬ونحسب ّ‬
‫‪ -‬أيها القارئ ‪ -‬من الجدة واللطافة ما يستحق التأمل‪ ،‬وهي ظاهرة ال نزعم تتبعها في كل القرآن وإ نما هي إشارات‬
‫وتلويحات تستحق الوقوف أمامها الستكناه مكنوناتها‪ ،‬واهلل يوفق للبلوغ إليها والتوفر عليها‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الشكل اإلظهاري‪:‬‬
‫اإلظه ار في اللغة هو‪ :‬البي ان والوض وح‪ ،‬فالش يء الظ اهر هو الش يء ال بين الواض ح‪ ،‬أما في االص طالح فهو‪:‬‬
‫إخراج الحرف من مخرجه من غير غنة ظاهرة وال وقف وال سكت وال تشديد في الحرف المظهر‪ ،‬وهذا التعريف‬
‫الغنة ص فة أص لية في الن ون‪ ،‬وحينها ال‬
‫ألن ّ‬
‫يعني أن نخ رج الن ون الس اكنة أو التن وين من مخرجها دون غنة زائ دة‪ّ ،‬‬
‫يجوز الوقف على النون الساكنة أو التنوين بقطع الكالم والتنفس‪ ،‬وال السكت دون تنفس‪ ،‬وال تشديد النون الس اكنة أو‬
‫التنوين أو الحرف الذي يليهما‪ .‬ويكون اإلظهار إذا اتصلت النون الساكنة أو التنوين بأحد األصوات الستة اآلتية‪:‬‬
‫"صوت الهمزة‪ ،‬والهاء‪ ،‬والعين‪ ،‬والحاء‪ ،‬والغين‪ ،‬والخاء"(‪.)19‬‬
‫وعلة اإلظهار عند هذه األصوات هي ُبعد مخرج النون الساكنة عن مخرج هذه األصوات‪ ،‬فلم يحسن اإلدغام‬
‫وألن علة اإلظهار‬
‫لعدم وجود مسوغ له‪ ،‬وال اإلخفاء ألنه قريب من اإلدغام‪ ،‬وال اإلقالب ألنه وسيلة إلى اإلخفاء‪ّ .‬‬
‫‪228‬‬
‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د‪ .‬نجيب علي السودي‬

‫ألنهما األبعد عن‬


‫ثالث م راتب بحسب البع د‪ ،‬ف األولى‪ُ :‬عليا عند الهم زة واله اء ّ‬
‫ُ‬ ‫هي البعد فعلى ذلك يك ون لإلظه ار‬
‫مخ رج الن ون الس اكنة والتن وين‪ ،‬والثانية‪ :‬وس طى عند العين والح اء ألنهما متوس طتان في البع د‪ ،‬والثالثة‪ :‬دنيا عند‬
‫الغين والخاء ألنهما أقرب من غيرهما من حروف الحلق إلى مخرج النون(‪.)20‬‬
‫* إيحاءات اإلظهار‪:‬‬
‫ما ال ذي يمكن أن يحمله اإلظه ار من إيح اءات تلقي بظاللها على المع نى؟ هل يمكن أن تك ون هن اك عالقة من‬
‫نوع ما بين اإلظهار الذي هو البيان والوضوح بالموقع الذي يرد فيه؟ بمعنى آخر هل يمكن أن يضفي هذا الشكل‬
‫من التنوع ات الص وتية وض وحاً وبيان اً على المع نى؟ لبي ان عالقة ه ذا الش كل ب المعنى‪ ،‬س نحتاج لس رد بعض اآلي ات‬
‫ألن تتبع كل اآليات التي ورد فيها إظهار من الصعوبة بمكان‪ ،‬ولكن نكتفي‬ ‫التي ورد فيها حكم اإلظهار وليس الكل؛ ّ‬
‫بش واهد دال ة‪ ،‬ثم ننظر في مع نى اآلية معتم دين في ذلك على كتب التفاس ير في حالة ت وفر داللة تش ير إلى ذل ك‪ ،‬أو‬
‫الفهم العام لمعنى اآلية بما ال يمثل لياً لعنق اآلية‪ ،‬أو تعسفاً في التأويل‪ ،‬أو تقوالً على القرآن بما ليس فيه؛ فإننا نعوذ‬
‫باهلل أن نقول في القرآن ما ليس فيه‪ ،‬بل نجتهد في إبراز سر من أسراره الدائمة والمستمرة إلى أن يرث اهلل األرض‬
‫وما عليها‪ ،‬فإن أسرار هذا القرآن ومعجزاته ما تزال تتكشف لنا يوماً بعد يوم‪.‬‬
‫ق‬
‫ق َخلَ َ‬ ‫اسِم َر ِّب َك الَّ ِذي َخلَ َ‬
‫‪ - 1‬كانت أول آيات ن زلت من الق رآن الك ريم على الن بي ‪‬هي قوله تع الى‪﴿ :‬اق َْرْأ ِب ْ‬
‫ق﴾ (العلق‪ .)2-1 :‬اإلظهار في صوت النون عند صوت العين "من علق"‪ .‬والسؤال هنا‪ :‬لماذا اختار‬ ‫ان ِم ْن َعلَ ٍ‬ ‫س َ‬ ‫اِإْل ْن َ‬
‫أن هناك مراحل قبلها‪ ،‬كمرحلة النطفة أو مرحلة التراب كما ذكرها بعد‬ ‫اهلل هذه المرحلة بالذات (مرحلة العلقية) مع ّ‬
‫اب ثُ َّم ِم ْن‬‫اس ِإ ْن ُك ْنتُ ْم ِفي َر ْي ٍب ِم َن ا ْل َب ْع ِث فَِإ َّنا َخلَ ْق َن ا ُك ْم ِم ْن تُ َر ٍ‬
‫الن ُ‬‫ُّها َّ‬ ‫ور أخ رى‪ ،‬مثل قوله تع الى‪َ ﴿ :‬يا َأي َ‬ ‫ذلك في س ٍ‬
‫ض َغ ٍة ُم َخلَّقَ ٍة َو َغ ْي ِر ُم َخلَّقَ ٍة ِل ُن َب ِّي َن لَ ُك ْم﴾ (الحج‪)5 :‬‬
‫ُن ْطفَ ٍة ثُ َّم ِم ْن َعلَقَ ٍة ثُ َّم ِم ْن ُم ْ‬
‫ولإلجابة عن هذا تعددت آراء المفسرين في ذلك‪ ،‬فمنهم من قال‪ :‬لبيان كمال قدرته تعالى‪ ...‬مع ما في ذلك من‬
‫رعاية الفواصل ولعلّه على ما قيل السر في تخصيص هذا الطور من بين سائر أطوار الفطرة اإلنسانية(‪.)21‬‬
‫وي رى الب احث أنه إذا ك انت الحكمة هي بي ان الق درة ف إن خلق اإلنس ان من ت راب ومن نطفة أدل على قدرته‬
‫تع الى‪ .‬ورأي آخر ت راه طائفة أخ رى من المفس رين "أن نطفة ال ذكر ونطفة الم رأة بعد االختالط ومضي م دة كافية‬
‫التكون‪ ،‬فجعلت العلقة مبدأ الخلق ولم تجعل النطفة مبدأ الخلق‬
‫تصيران علقة‪ ،‬فإذا صارت علقة فقد أخذت في أطوار ّ‬
‫(‪)22‬‬
‫ألن النطفة اشتهرت في ماء الرجل فلو لم تخالطه نطفة المرأة لم تصر العلقة فال يتخلق الجنين" ‪.‬‬
‫وهذا كالم جميل؛ لكننا نجد سر اختيار طور (العلق) دون غيره مع ما فيه من إظهار صوتي يتوافق مع ظه ور‬
‫المع نى بيانه عند أبي حي ان حيث يق ول‪" :‬وإ نما ذكر من علق‪ :‬ألنهم مق رون ب ه‪ ،‬ولم ي ذكر أص لهم آدم‪ ،‬ألنه ليس‬
‫متقرراً عند الكفار فيسبق الفرع‪ ،‬وترك أصل الخلقة تقرباً ألفهامهم"(‪.)23‬‬
‫وق ال الش نقيطي‪" :‬وذلك ألنهم يش اهدون ذلك أحيان اً فيما تلقي به ال رحم‪ ،‬ويعلم ون أنه مب دأ خلقة اإلنس ان‪ ،‬وق ال‬
‫ش يخ اإلس الم ابن تيمية‪ :‬إن المق ام هنا مق ام داللة على وج ود اهلل‪ ،‬فب دأ بما يعرفونه ويس لمون به هلل‪ ،‬ولم يب دأ من‬
‫وألن النطفة ليست بالزم لها خلق اإلنسان‪ ،‬فقد تقذف في غير‬
‫النطفة أو التراب؛ ألن خلق آدم من تراب لم يشاهدوه‪ّ ،‬‬
‫رحم كالملتحم وقد تكون فيه وال تكون مخلقة"(‪.)24‬‬
‫إذاً فهم يعرفون ذلك ويشاهدونه ويقرون به‪ ،‬ألنه ظاهر ّبين‪ ،‬فهل يمكننا أن نربط بين هذا الوض وح والبيان في‬
‫المع نى باإلظه ار في الص وت ال وارد في "من علق"؟ أت رك ذلك لنباهتك أيها الق ارئ الك ريم‪ ،‬فهو ّبين ال يحت اج إلى‬
‫إنعام نظر‪.‬‬
‫اع ُب ُدوا اللَّ َه َما لَ ُك ْم ِم ْن ِإلَ ٍه َغ ْي ُرهُ﴾ (األعراف‪.)59 :‬‬
‫‪ -2‬يقول اهلل تعالى‪ْ ﴿ :‬‬

‫‪229‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫التنوع الصوتي في النص القرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ج اء اإلظه ار في ص وت الن ون الس اكنة عند التقائها ب الهمزة "من إله" وك ذا في التن وين عند التقائه ب الغين "إله‬
‫غيره"‪.‬‬
‫مع نى اآلية‪" :‬م الكم من إله غ يره" أي‪ :‬ليس لكم رب س واه‪ ،‬والجملة بي ان للعب ادة ال تي أم رهم بها أي أف ردوه‬
‫(‪)25‬‬
‫أن مع نى اآلية واضح كل الوض وح‪ّ ،‬بين كل البي ان‪،‬‬‫بالعب ادة دون غ يره‪ ،‬إذ ليس غ يره لكم بإله ‪ .‬أال ت رى معي ّ‬
‫أن تُ َعد وتحصى‪ ،‬فكل ما في الكون يدل بجالء على ّأنه ليس لنا من إله غيره سبحانه‪.‬‬ ‫شواهده أكثر من ْ‬
‫واحد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫شيء له آيةٌ تد ّل على ّأنه‬ ‫وفي ك ّل‬
‫فهل يمكننا الق ول‪ :‬إن اإلظه ار الص وتي في اآلية ألقى بظالله على المع نى ف زاده بيان اً ووض وحاً؟! ال أشك في‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ف﴾ (قريش‪.)3 :‬‬‫‪ -3‬يمتن اهلل سبحانه وتعالى على قريش بأنه ﴿وآم َنهم ِم ْن َخو ٍ‬
‫ْ‬ ‫َ ُْ‬
‫والتن وع الص وتي هو ظه ور ص وت الن ون عند التقائه بالخ اء في "من خ وف" ق ال ابن كث ير في تفس ير اآلية‪:‬‬
‫(‪)27‬‬ ‫(‪)26‬‬
‫وق ال الط بري‪" :‬مع نى‬ ‫وق ال القرط بي‪" :‬أي من خ وف الحبشة مع الفيل"‬ ‫"حبس نا عن مكة الفيل وأهلكنا أهله"‬
‫ذلك أنه آمنهم مما يخ اف منه من لم يكن من أهل الح رم من الغ ارات والح روب والقت ال‪ ،‬األم ور ال تي ك ان الع رب‬
‫يخاف بعضها من بعض" (‪.)28‬‬
‫فقد ورد أنهم ك انوا يقول ون نحن من حرم اهلل فال يعرض لهم أحد في الجاهلية ي أمنون بذلك‪ ،‬وكان غيرهم من‬
‫ِّن أمام أعينهم‪ ،‬سواء أكان ذلك األمن بإهالك‬ ‫قبائل العرب إذا خرج ُأغير عليه‪ .‬إذاً فأمنهم من الخوف ظاهر لهم‪ ،‬بي ٌ‬
‫اس ِم ْن‬ ‫ف َّ‬
‫الن ُ‬
‫الحبشة والفيل أم ب أمنهم بج وار الح رم مص داقاً لقوله تع الى‪َ﴿ :‬أولَم ي روا ََّأنا جع ْل َنا حرما ِ‬
‫آم ًنا َو ُيتَ َخطَّ ُ‬ ‫َ َ ََ ً‬ ‫َ ْ ََْ‬
‫أن اإلظهار في هذا الموضع ارتبط ارتباطاً وثيقاً بمعنى اآلية‪.‬‬ ‫َح ْوِل ِه ْم﴾ (العنكبوت‪ )67 :‬وأعتقد ّ‬
‫ط ْيراً ََأبا ِبي َل﴾ (الفيل‪.)3 :‬‬
‫س َل َعلَ ْي ِه ْم َ‬
‫‪ -4‬وما يرتبط باآلية السابقة قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َْأر َ‬
‫التنوع الصوتي هنا هو إظهار صوت التنوين عند التقائه بالهمزة في قوله "طيراً أبابيل"‪.‬‬
‫وقصة إرس ال الط ير األبابيل معروفة مش هورة فقد رأوها ب أعينهم‪ ،‬ق ال ابن كث ير‪" :‬وق ريش وع رب الحج از‬
‫ينظرون ماذا أنزل اهلل بأصحاب الفيل من النقمة" (‪ .)29‬إذاً فإرسال الطير كان واضحاً ولم يشك فيه أحد‪ ،‬ولذلك نجد‬
‫هذا الترابط بين وضوح الحدث وظهوره أمام أعينهم وظهور التنوين في نص اآلية‪.‬‬
‫َّق ِبا ْلحس َنى فَس ُني ِّ ِ‬
‫س َرى﴾ (الليل‪)7 - 5 :‬‬
‫س ُرهُ ل ْل ُي ْ‬ ‫ََ‬ ‫صد َ ُ ْ‬ ‫طى َواتَّقَى َو َ‬
‫َأع َ‬
‫َأما َم ْن ْ‬
‫‪ -5‬يقول اهلل تعالى‪﴿ :‬فَ َّ‬
‫اإلظهار في قوله "من أعطى" صوت النون الساكنة عند الهمزة‪ ،‬والهمزة من حروف اإلظهار‪.‬‬
‫أن المقصود بها هو أبو بكر الصديق رضي اهلل عنه حين اشترى ستة‬ ‫يقول المفسرون في معنى هذه اآليات‪ّ :‬‬
‫)‪(30‬‬
‫نفر من المؤمنين كانوا في أيدي أهل مكة يعذبونهم في النار ‪ .‬وقيل معناها‪" :‬أعطى حق اهلل واتقى محارم اهلل التي‬
‫نهى عنها"(‪ ،)31‬وقيل‪" :‬المراد إنفاق المال في جميع وجوه الخير‪ ،‬ويتناول إعطاء حقوق المال وإ عطاء حقوق النفس‬
‫في طاعة اهلل‪ ،‬واتقى‪ ،‬فهو إشارة إلى االحتراز عن كل ما ال ينبغي"(‪.)32‬‬
‫إذاً فس عي الن اس في ه ذه الحي اة مختل ف‪ ،‬فمنهم من يظهر التزامه بما أمر اهلل به من إنف اق وتق وى وتص ديق‪،‬‬
‫وذلك ك أبي بكر الص ديق رضي اهلل عن ه‪ ،‬ومنهم غ ير ذلك ك أبي جهل‪ .‬فه ذا الص نف األول من الن اس‪ ،‬ص نف ظهر‬
‫وعِلم تص ديقه؛ فهو إذاً س ائر على ص راط اهلل الواضح ال بين‪ ،‬ف المعنى إذاً ظ اهر ّبي ٌن في ه ذه‬
‫إعط اؤه وب انت تق واه ُ‬
‫أن ه ذا الوض وح في المع نى تناسب مع اإلظه ار في الص وت‪ .‬ول ذلك نجد المس ألة تنس حب معنا في‬ ‫اآلي ات‪ ،‬وأعتقد ّ‬
‫َأما َم ْن‬
‫كث ير من النص وص‪ ،‬فه ذا الص نف ال ذي أظهر استس المه هلل‪ ،‬هو ذلك الص نف ال ذي أظهر خوفه من ربه ﴿ َو َّ‬
‫ين ِه﴾ (الحاقة‪:‬‬ ‫َأما م ْن ُأو ِتي ِكتَاب ُه ِبي ِم ِ‬
‫َ َ َ‬
‫ِ‬
‫ام َر ِّبه﴾ (النازع ات‪ ،)40 :‬ه ؤالء س يظهر اهلل ف وزهم ي وم الحس اب ﴿ َف َّ َ‬
‫اف َمقَ َ‬
‫َخ َ‬
‫‪230‬‬
‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د‪ .‬نجيب علي السودي‬

‫‪ )19‬ه ؤالء يري دون أن يظه روا لكل َم ْن هو موج ود في أرض المحشر ف وزهم وفالحهم؛ فهم ين ادون ب أعلى ص وت‬
‫ون﴾ (ال تين‪ )6 :‬فهم ﴿ ِفي َج َّن ٍة َع ِال َي ٍة قُطُوفُ َها‬ ‫﴿ َه اُؤ ُم ا ْق َرؤوا ِكتَا ِب َي ْه﴾ (الحاقة‪ )19 :‬ه ؤالء ﴿ َفلَ ُه ْم ْ‬
‫َأج ٌر َغ ْي ُر َم ْم ُن ٍ‬
‫َّه﴾ (البينة‪ .)8 :‬كل هذه المواضع يتناسب فيها حكم اإلظهار الوارد‬ ‫َد ِان َي ٌة﴾ (الحاقة‪َ ﴿ ،)23 -22 :‬ذِل َك ِل َم ْن َخ ِش َي َرب ُ‬
‫في اآلية مع المعنى الظاهر البين فيها‪ ،‬واهلل أعلى وأعلم‪.‬‬
‫فانح نحوه‪ ،‬ولع ّل في ذلك مقنع‬
‫وهكذا تأمل في كل المواضع المشابهة في القرآن الكريم‪ ،‬فقد دللتك على المنهج ُ‬
‫فهي إشارات وتلويحات وللمستزيد البحث والتنقيب‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الشكل اإلدغامي‪:‬‬
‫اإلدغام في اللغة‪ :‬إدخال شيء في شيء‪ ،‬وفي االصطالح‪ :‬إدخال حرف في حرف بحيث يصيران حرف اً واحداً‬
‫مشدداً كالثاني‪ .‬وقيل هو‪ :‬أن تصل حرفاً ساكناً بحرف متحرك من غير أن تفصل بينهما بحركة أو وقف‪ ،‬فيصيران‬
‫لشدة اتصالهما كحرف واحد يرتفع اللسان عنهما رفعة واحدة شديدة‪ .‬وينقسم اإلدغام صوتياً إلى قسمين‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬ويسمى اإلدغام الكامل‪ ،‬وهو أن تذهب ذات الحرف المدغم وصفته‪ ،‬وحروفه "النون والميم والراء‬
‫والالم"‪.‬‬
‫القسم الث اني‪ :‬ويس مى اإلدغ ام الن اقص وهو أن ت ذهب ذات الح رف الم دغم وتبقى ص فته‪ ،‬وحرف اه ال واو والي اء‬
‫وعلة اإلدغام هو التماثل في النون والتقارب مع باقي الحروف‪ ،‬وعلة اإلدغام مع بقاء الغنة أنها صفة قوية (‪.)33‬‬
‫إيحاءات اإلدغام‪:‬‬
‫ق﴾ (الطارق‪)6 :‬‬ ‫اء َد ِاف ٍ‬
‫ق ِم ْن م ٍ‬
‫َ‬ ‫يذكر اهلل سبحانه وتعالى قضية خلق اإلنسان وأنه‪ُ ﴿ :‬خِل َ‬
‫ان ِم ْن ُن ْطفَ ٍة﴾ (النحل‪.)4 :‬‬ ‫س َ‬‫ق اإْل ْن َ‬
‫وأشباه هذه اآلية كثير كقوله تعالى في سورة النحل‪َ ﴿ :‬خلَ َ‬
‫ين﴾ (المرسالت‪.)20 :‬‬ ‫وفي سورة المرسالت‪َ﴿ :‬ألَم َن ْخلُ ْق ُكم ِم ْن م ٍ‬
‫اء َم ِه ٍ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ان ََّأنا َخلَ ْق َناهُ ِم ْن ُن ْطفَ ٍة﴾ (يس‪.)27 :‬‬‫وفي سورة يس‪ََ ﴿ :‬أولَ ْم َي َر إْل ْ َ ُ‬
‫س‬ ‫ن‬ ‫ا‬
‫اإلدغ ام في ص وت الن ون الس اكنة مع الميم في "من م اء" أو مع ص وت الن ون في "من نطفة"‪ ،‬كنا في الش كل‬
‫اإلظهاري قد تحدثنا عن سر مجيء طور العلق في آيات السورة التي سميت باسم الطور نفسه وهي سورة العلق‪،‬‬
‫أن ن بين س َّر مجيء ط ور الم اء الدافق‪ ،‬وط ور النطفة ال ذي يحمل ص ورة اإلدغ ام‪ ،‬وهل لهذا اإلدغ ام‬
‫وهنا س نحاول ْ‬
‫داللة تنعكس على المعنى‪ .‬للمفسرين في هذه اآلية وغيرها من اآليات المشابهة لها تشابه في التأويل فالنطفة عندهم‬
‫هي الماء‪ ،‬والماء هو النطفة‪ ،‬والجميع هو المني‪.‬‬
‫(‪)34‬‬
‫وإ ذا بحثنا عن ماهية النطفة وج دنا أنها القليل من الم اء‪ ،‬س مي بها م اء التناسل ‪ ،‬فالنطفة إذاً داخلة في الم اء‬
‫ألنها جزء منه والجزء يدخل في الكل‪ ،‬كما أن هذا الماء الدافق ال يكون منه اإلنسان إال إذا أدخل في الرحم‪ ،‬وليس‬
‫من كل الم اء يك ون اإلنس ان وإ نما من حي وان من وي واحد (نطفة) من بين آالف بل ماليين الحيوان ات المنوية ال تي‬
‫تت دفق‪ ،‬فقد كش فت العل وم الحديثة أنه عند الجم اع يف رز الرجل أك ثر من‪ 500‬ملي ون حي وان من وي ص غير الحجم‪،‬‬
‫للحيوان رأس مفلطح وذيل طويل وتتم حركته بواسطة قوة اندفاع ولولبة ذيله‪ ،‬ومتى وصلت إلى مهبل األنثى قابلت‬
‫بويضة المرأة‪ ،‬فيندمج بها حيوان واحد فقط وتموت البقية(‪.)35‬‬
‫إذاً فهذا الحيوان الذكي يدخل في البويضة ثم يمتزجان‪ ،‬قال البقاعي‪" :‬ولم يقل ماءين إشارة إلى أنهما يجتمعان‬
‫في الرحم‪ ،‬ويمتزجان أشد امتزاج بحيث يصيران ماء واحداً"(‪ ،)36‬وبمثله قال الزمخشري في كشافه‪ ،‬والشوكاني في‬
‫الفتح‪.‬‬

‫‪231‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫التنوع الصوتي في النص القرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فه ذه المع اني وغيرها أجد لها نوع اً من ارتب اط باإلدغ ام الص وتي الح ادث في ص وت الن ون عند الميم أو عند‬
‫الن ون‪ ،‬وعن دي مزيد تأمل في مع نى اإلدغ ام الكام ل‪ ،‬وق ول البق اعي الس ابق " يمتزج ان أشد ام تزاج " وهو أن‬
‫االم تزاج الكامل يك ون ب دخول الحي وان المن وي لل ذكر في بويضة األن ثى ح تى يص يران خلية واح دة‪ ،‬وهك ذا ناسب‬
‫االمتزاج الكامل اإلدغام الكامل الموجود في اآلية فتأمله تجده كما ذكرت لك ‪.‬‬
‫س َي َّذ َّك ُر َمن َي ْخ َ‬
‫ش ى﴾‬ ‫ِ ِّ‬
‫‪ -2‬أمر اهلل س بحانه وتع الى نبيه الك ريم بت ذكير قوم ه‪ ،‬فق ال‪﴿ :‬فَ َذ ِّك ْر ِإ ْن َنفَ َعت ال ذ ْك َرى َ‬
‫(األعلى‪.)10 -9 :‬‬

‫ابن تيمية‪ :‬أحمد بن عب دالحليم‪ ،‬الج واب الص حيح لمن ب دل دين المس يح‪ ،‬ت علي حسن وآخ رون‪ ،‬ط‪ ،‬دار‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪1‬‬

‫العاصمة‪ ،‬الرياض‪1414 ،‬هـ‪ ،‬ص ‪" ،377‬بتصرف"‪.‬‬


‫ابن كثير‪ :‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر‪ ،‬السيرة النبوية‪ ،‬ت صدقي العطار‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،1997 ،‬ج‬ ‫(‪)2‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،1‬ص‪ .498‬نقل الحافظ ابن حجر في إتحاف المهرة عمن وصف اسناد هذا الحديث بأنه على شرط البخاري‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‬
‫‪ ،582‬وسكت على هذا الكالم ولم يتعقبه‪ .‬وهذا حديث مرسل كما أخرجه الطبري عن عكرمة‪ ،‬ج‪ ،29‬ص‪.156‬‬
‫‪3‬‬
‫ابن هشام‪ :‬أبو محمد عبد الملك‪ :‬السيرة النبوية‪ ،‬ت طه سعد‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الجيل بيروت‪1991 ،‬م‪ .‬ج‪ 1‬ص‪.315‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫وه ذا ح ديث مرسل كما ق ال محمد بن عل وي الس قاف في تخ ريج ح ديث وآث ار كت اب في ظالل الق رآن ص‪ .142‬طبع دار‬
‫الهجرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1995 ،2‬م‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫الفيروزآب ادي‪ :‬مجد ال دين محمد بن يعق وب‪ :‬بص ائر ذوي التمي يز في لط ائف الكت اب العزيز‪ ،‬ت محمد على‬ ‫(‪)4‬‬
‫النجار‪ ،‬المكتبة العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.70‬‬
‫الخط ابي‪ :‬أبو س ليمان حمد بن محمد بن إب راهيم‪ :‬إعج از الق رآن‪ ،‬ت محمد خلف اهلل‪ ،‬ط ‪ ،3‬دار المع ارف‪،‬‬ ‫(‪)5‬‬ ‫‪5‬‬

‫القاهرة‪1976 ،‬م‪ ،‬ص‪.215‬‬


‫‪6‬‬
‫الس يوطي‪ :‬جالل ال دين ‪ ،‬مع ترك األق ران في إعج از الق رآن‪ ،‬ت احمد ش مس ال دين‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪،‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫بيروت ‪ 1988‬م‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ .242‬نقال عن شفاء القاضي عياض ‪.1/274‬‬
‫‪7‬‬
‫سيد قطب‪ :‬في ظالل القرآن‪ ،‬ط‪ ،15‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪ 1988 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.605‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫ال رافعي‪ :‬مص طفى ص ادق‪ :‬إعج از الق رآن والبالغة النبوية‪ ،‬ط ‪ ،9‬دار الكت اب الع ربي‪ ،‬ب يروت‪1973 ،‬م ‪ ،‬ص‬ ‫(‪)8‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪.213‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص‪.215‬‬ ‫(‪)9‬‬ ‫‪9‬‬

‫يونس‪ :‬محمد محمد‪ ،‬وصف اللغة العربية داللياً‪ ،‬منشورات جامعة الفاتح‪ ،‬ليبيا‪1993 ،‬م‪ ،‬ص ‪،213‬‬ ‫(‪)10‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪" 214‬بتصرف"‪.‬‬
‫(‪.Adrin Akmajian And Others , Linguistics, p 517 )11‬‬ ‫‪11‬‬

‫(‪.Ben Crane And Others , An Introduction to Linguistics, p 249 )12‬‬ ‫‪12‬‬

‫(‪.Yuen Ren Chao , Language And Symobolic Systems , p 41 )13‬‬ ‫‪13‬‬

‫(‪.Jones , An Outline of English Phonetics, p 50 )14‬‬ ‫‪14‬‬

‫وصف اللغة العربية داللياً – ص ‪.220‬‬ ‫(‪)15‬‬ ‫‪15‬‬

‫(‪.Ladefoged, A. Course In Phonetics , p 280 )16‬‬ ‫‪16‬‬

‫(‪ )17‬ابن جني‪ :‬أبو الفتح عثمان‪ ،‬الخصائص‪ ،‬ت محمد النجار‪ ،‬ط‪ ،1‬المكتبة العلمية‪ ،‬القاهرة‪1952 ،‬م‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص‬ ‫‪17‬‬

‫‪.123‬‬
‫‪232‬‬
‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د‪ .‬نجيب علي السودي‬

‫اإلدغ ام في ص وت الن ون الس اكنة مع الن ون في "إن نفعت"‪ ،‬وفي ص وت الن ون الس اكنة عند الي اء في "من‬
‫يخشى"‪ .‬فهل له ذا اإلدغ ام إيحاءاته على المع نى ؟!اختلف المفس رون في مع نى قوله تع الى "إن نفعت ال ذكرى"‪ ،‬فق ال‬
‫الفراء والزهراوي معناه‪" :‬وإ ن لم تنفع‪ .‬فاقتصر على القسم الواحد لداللته على الثاني"‪ .‬وقال بعض الحذاق‪ :‬إنما قوله‬
‫"إن نفعت ال ذكرى" اع تراض بين الكالمين على جهة الت وبيخ لق ريش‪ ،‬أي إن نفعت ال ذكرى في ه ؤالء العت اة‬
‫الطغاة(‪.)37‬‬
‫وقد جعل بعض المفسرين الشرط في قوله "إن نفعت الذكرى" تقييداً لمضمون الجملة‪ ،‬يقول ابن عجيبة‪" :‬أي ُد ْم‬
‫أن رسول اهلل ‪ ‬طالما كان يذكرهم ويستفرغ جهده في وعظهم حرصاً على إيم انهم‪،‬‬ ‫على تذكيرك‪ ،‬وتقييد التذكير لما ّ‬

‫‪18‬‬
‫(‪ )18‬ابن الجزري‪ :‬أبو الخير محمد‪ ،‬النشر في القراءات العشر‪ ،‬ت علي الضباع‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت ‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬ط‬
‫(‪ )19‬ال داني‪ :‬أبو عم رو عثم ان بن س عيد ‪ ،‬التجديد في اإلتق ان والتس ديد في ص نعة التجويد‪ ،‬ت أحمد الفي ومي‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪19‬‬

‫مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪ ،1993 ،‬ص ‪.235‬‬


‫(‪ )20‬العط ار‪ :‬أبو العالء الحسن بن أحمد الهم ذاني‪ ،‬التمهيد في معرفة التجويد‪ ،‬ت غ انم ق دوري‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار عم ار‪،‬‬ ‫‪20‬‬

‫عمان‪2000 ،‬م‪ ،‬ص‪.117‬‬


‫(‪ )21‬األلوسي‪ :‬ش هاب ال دين‪ ،‬روح المع اني في تفس ير الق رآن العظيم والس بع المث اني‪ ،‬دار إحي اء ال تراث‪ ،‬ب يروت‪،‬‬ ‫‪21‬‬

‫د‪.‬ت‪.‬ط‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.23‬‬


‫‪22‬‬
‫(‪ )22‬ابن عاشور‪ :‬محمد الطاهر‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬الدار التونسية للنشر‪ ،‬تونس‪1984 ،‬م‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص ‪.326‬‬
‫(‪ )23‬أبو حيان‪ :‬محمد بن يوسف‪ ،‬البحر المحيط ‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪1983 ،‬م‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص‪.500‬‬ ‫‪23‬‬

‫(‪ )24‬الشنقيطي‪ ،‬محمد األمين‪ ،‬أضواء البيان في إيضاح القران بالقران‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬سنة ‪1995‬م‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص‬ ‫‪24‬‬

‫‪.345‬‬
‫(‪ )25‬النحاس‪ :‬أبو جعفر أحمد بن محمد‪ ،‬إعراب القرآن‪ ،‬ت زهير زاهد‪ ،‬ط ‪ ،3‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪ 1988 ،‬م‪ ،‬ج‪،2‬‬ ‫‪25‬‬

‫ص ‪.142‬‬
‫‪26‬‬
‫(‪ )26‬ابن كثير‪ :‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر‪ ،‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬ط‪ .‬ج ‪،8‬‬
‫ص ‪.492‬‬
‫(‪ )27‬القرط بي‪ :‬أبو عبد اهلل محمد بن احمد‪ ،‬الج امع ألحك ام الق رآن‪ ،‬ت ه اني الح اج وآخ رون‪ ،‬المكتبة التوفيقية‪،‬‬ ‫‪27‬‬

‫القاهرة‪ ،‬د‪.‬ت‪ .‬ط‪ ،‬ج‪ ،10‬ص ‪.16‬‬


‫‪28‬‬
‫(‪ )28‬الطبري‪ :‬أبو جعفر محمد بن جرير‪ :‬جامع البيان في تفسير القرآن‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪ .‬ت‪ .‬ط‪ .‬ج ‪ ،24‬ص‬
‫‪.624‬‬
‫(‪ )29‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬ج ‪ ، 8‬ص ‪.483‬‬ ‫‪29‬‬

‫(‪ )30‬الشوكاني‪ :‬محمد بن علي‪ ،‬فتح القدير‪ ،‬ت سعيد اللحام‪ ،‬المكتبة التجارية‪ ،‬مكة المكرمة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬ط‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.642‬‬ ‫‪30‬‬

‫(‪ )31‬الطبري‪ ،‬جامع البيان‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،24‬ص ‪.468‬‬ ‫‪31‬‬

‫(‪ )32‬الرازي‪ :‬فخر الدين‪ ،‬التفسير الكبير و مفاتيح الغيب ‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت ‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬ط ‪ ،‬ج ‪ ،17‬ص ‪.58‬‬ ‫‪32‬‬

‫(‪ )33‬ابن الج زري‪ :‬ش مس ال دين أبو الخ ير محمد‪ ،‬التمهيد في علم التجويد‪ ،‬ت علي حس ين الب واب‪ ،‬ط ‪ ،1‬مكتبة‬ ‫‪33‬‬

‫المعارف‪ ،‬الرياض‪1985 ،‬م‪ ،‬ص‪.153‬‬


‫(‪ )34‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص ‪.206‬‬ ‫‪34‬‬

‫(‪ )35‬االشارات العلمية في اآليات الكونية في القرآن الكريم‪ ،‬محمد محمود إسماعيل‪ ،‬ص ‪13.‬‬ ‫‪35‬‬

‫(‪ )36‬نظم الدرر‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.390‬‬ ‫‪36‬‬

‫‪233‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫التنوع الصوتي في النص القرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أن يخص الذكر بمظان النفع في الجملة‪ ،‬بأن يكون من يذكره‬ ‫فما كان يزيد ذلك بعضهم إال نفوراً‪ ،‬فأمر عليه السالم ْ‬
‫ممن ي رجى منه التذكر‪ ،‬وال يتعب نفسه في تذكير من ال ينفعه وال يزيد النفع في الجمل ة‪ ،‬ب أن يك ون من يذكره ممن‬
‫يرجى منه التذكير‪ ،‬وال يتعب نفسه في تذكير من ال ينفعه وال يزيده إال عتواً ونفوراً‪ ،‬فهو كقوله " فذكر بالقرآن من‬
‫يخاف وعيد "وقوله" فأعرض عن من تولى"(‪.)38‬‬
‫إن" دون غيرها من أدوات الشرط األخ رى‪ .‬وذلك‬
‫لكننا نلمح أن في اآلية سراً له عالقة بمجيء الشرط بحرف " ْ‬
‫بأن الذكرى‬
‫أن يكون غير مقطوع بوقوعه‪ ،‬إذاً فالشرط مستعمل في التشكيك وفيه تعريض ّ‬ ‫إن" ْ‬‫ألن أصل الشرط بـ " ْ‬
‫لن تنفعهم جميعهم‪ ،‬واستخدام أداة الشك إفهاماً لإلطالق الكلي كما يقول البقاعي (‪.)39‬‬
‫إذاً فال وجه لتقييد الت ذكير بما إذا ك انت ال ذكرى نافعة إذ ال س بيل إلى تع ُّرف مظ ان النف ع‪ ،‬وإ نما الم راد ت ذكير‬
‫الن اس كافة إن ك انت ال ذكرى تنفعهم جميعهم‪ ،‬أي وهي ال تنفع إال البعض ففي الق وم من ال تنفعه ال ذكرى‪ ،‬وذلك‬
‫إن"‪ ،‬وجيء بقوله "س يذكر من يخشى" بع دها‪ .‬إذاً فال داخلون في االنتف اع من ال ذكرى‬
‫يفهم من اس تخدام ح رف الشك " ْ‬
‫ليس الجميع‪ ،‬وإ نما البعض فأدخلوا في حكم المنتفعين‪.‬‬
‫أما قوله‪ :‬من يخشى﴾ أي ال ذين يخش ون‪ ،‬ق ال ابن عاش ور‪" :‬وقد ن زل فعل (يخشى) منزلة الالزم فلم يق در له‬
‫وقال البقاعي‪" :‬من يخشى أي في جبلته نوع خشية"(‪.)41‬‬ ‫(‪)40‬‬
‫مفعول أي يتذكر من تكون الخشية فكرته وجبلته"‬
‫إذاً "من يخشى" من تك ون الخش ية قد دخلت إلى قلب ه‪ ،‬وأص بحت ج زءاً منه ومن فكرته وجبلت ه‪ ،‬والخش ية‪:‬‬
‫الخ وف وهي ال تك ون إال في اإلقالب‪ ،‬وتنعكس آثارها على الج وارح‪ .‬فقد ت داخال وان دمجا كت داخل الت اء مع ال ذال‬
‫وإ دغامها ح تى ص ارا حرف اً واح داً في "س يذكر" وهو ما يزيد المع نى ق وة‪ ،‬ولعلك اآلن ت درك قيمة ه ذه اإلدغام ات‬
‫المتكررة وإ يحاءاتها‪ ،‬وكذلك هو الحال في قوله تعالى‪ :‬فذكر بالقرآن من يخاف وعيد﴾ (ق‪.)45 :‬‬
‫ض ٍ‬
‫الل ُم ِب ٍ‬
‫ين﴾ (األعراف‪.)60 :‬‬ ‫‪ -3‬قول قوم نوح لنوح عليه السالم‪َ  :‬قا َل ا ْل َمُأل ِم ْن َق ْو ِم ِه ِإ َّنا لَ َن َرا َك ِفي َ‬
‫اإلدغام في موضع واحد‪ :‬التنوين بعده ميم في "ضالل مبين"‪.‬‬
‫ومعنى اآلية‪ :‬أنهم أدخلوا نوح اً عليه السالم في الضالل‪ ،‬وأن هذا الضالل متمكن منه‪ ،‬وزاد حرف "في" الذي‬
‫يفيد الظرفية والمعنى إحاطة‪ .‬يقول ابن عاشور‪( :‬وظرفية "في ضالل" مجازية تعبيراً عن تمكن وصف الضالل منه‬
‫ح تى كأنه محيط به من جوانبه إحاطة الظ رف ب المظروف)(‪ .)42‬فإدخ ال ن وح في الض الل كإدخ ال الظ رف في‬
‫المظروف‪ ،‬وهل اإلدغام إال إدخال الشيء في الشيء‪.‬‬
‫‪ -4‬ق ول ن وح عليه الس الم في ال رد على قومه‪ :‬يا ق وم ليس بي ض اللة ولك ني رس ول من رب الع المين‪‬‬
‫(األعراف‪.)61 :‬‬
‫اإلدغام في‪:‬‬
‫تنوين بعده واو في "ضاللة ولكني"‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬

‫(‪ )37‬ابن عطيه‪ :‬أبو محمد عبد الحق بن غ الب‪ ،‬المح رر الوج يز في تفس ير الكت اب العزيز‪ ،‬ت المجلس العلمي بف اس‪،‬‬ ‫‪37‬‬

‫‪1975‬م‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.25‬‬


‫(‪ )38‬تفسير ابن عجيبة‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.53‬‬ ‫‪38‬‬

‫(‪ )39‬نظم الدرر‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.401‬‬ ‫‪39‬‬

‫(‪ )40‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص ‪.221‬‬ ‫‪40‬‬

‫(‪ )41‬نظم الدرر‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.402‬‬ ‫‪41‬‬

‫التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.193‬‬ ‫(?)‬ ‫‪42‬‬

‫‪234‬‬
‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د‪ .‬نجيب علي السودي‬

‫ب‪ .‬تنوين بعده ميم في "رسول من"‪.‬‬


‫ج‪ .‬نون ساكنة بعدها راء في "من رب"‪.‬‬
‫معنى اآلية‪ :‬نفي الضاللة عن نفسه وإ ثبات أن ّه رسول من رب العالمين‪ ،‬فهل هناك عالقة لإلدغام؟‬
‫ألن كونه رس والً من اهلل‬
‫يق ول النس في‪( :‬االس تدراك لتأكيد نفي الض اللة فق ال "ولك ني رس ول من رب الع المين" ّ‬
‫مبلغاً لرساالته في معنى كونه على الصراط المستقيم‪ ،‬فكان الغاية القصوى من الهدى)(‪.)43‬‬
‫أال ت رى ت داخل مع نى الجمل تين مع بعض هما إلف ادة أنه رس ول من اهلل؛ فكونه ليس به ض اللة فهو إذاً رس ول؛‬
‫وكونه رسوالً إذا ليس به ضالل‪ .‬فهذا تداخل في المعنى أحسبه يتناسب مع اإلدغام األول‪.‬‬
‫أما اإلدغامان اآلخران في "رسول من رب العالمين"‪ .‬فيقول ابن عاشور‪( :‬واختيار طريق اإلضافة في تعريف‬
‫المرسل‪ ،‬لما تؤذن به من تفخيم المضاف ومن وجوب طاعته على جميع الناس؛ تعريض اً بقومه إذ عصوه)(‪ .)44‬فهذا‬
‫ألن من أطاع الرسول فقد أطاع اهلل‪ ،‬ومن يعص الرس ول فقد عصى اهلل‪.‬‬ ‫اإلدغام أدخل طاعة الرسول في طاعة اهلل؛ ّ‬
‫س و ٌل ِم ْن َر ِّب ا ْل َع الَ ِم َ‬
‫ين‪‬‬ ‫ِ‬
‫اه ٌة َولَك ِّني َر ُ‬ ‫ومثلها ق ول ه ود عليه الس الم في ال رد على قومه‪َ  :‬ق ا َل َيا قَ ْوِم لَ ْي َ‬
‫س ِبي َ‬
‫س فَ َ‬
‫(األع راف‪ .)67 :‬ه ذه اإلدغام ات المتتالية ت دخل أج زاء اآلية بعض ها في بعض؛ لتح دث نوع اً من ت داخل المع نى‪،‬‬
‫وألني رسول فأنا مرسل من رب العالمين‪ ،‬أو أنا مرسل من رب الع المين‬
‫ألني رسول‪ّ ،‬‬
‫وكأن المعنى ليس بي سفاهة ّ‬
‫ّ‬
‫وألني على هدى فليس بي ضاللة‪.‬‬
‫فأنا رسوله هو؛ وألني رسوله فأنا على هدى‪ّ ،‬‬
‫ه ذا وإ ن استقص اء الق ول في ه ذا الض رب والبحث عن أس راره ص عب وع ٌر مع ك ثرة األمثلة والش واهد‪ ،‬وقد‬
‫آثرنا الداللة على الطريق لمن أراد أن يقتفي ؛ ولذلك اقتصرنا على القدر المذكور‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬الشكل اإلخفائي‪:‬‬
‫اإلخفاء في اللغة العربية هو‪ :‬الستر‪ .‬وفي االصطالح هو‪ :‬النطق بالنون الساكنة أو التنوين بحال بين اإلظهار‬
‫واإلدغ ام عارية عن التش ديد مع بق اء الغنة بمق دار حرك تين‪ .‬وح روف اإلخف اء هي الح روف الباقية بعد ح روف‬
‫اإلظهار الستة‪ ،‬وحروف اإلدغام الستة‪ ،‬وحرف اإلقالب الواحد‪ .‬وهي خمسة عشر حرف اً مجموعة في أوائل كلمات‬
‫هذا البيت‪:‬‬
‫دم طيباً زد في تقى ضع ظالماً‬ ‫‪  ‬‬
‫صف ذا ثنا كم جاد شخص قد سما‬
‫‪ ‬‬

‫أن مخرج النون الساكنة والتنوين لم يبعد عن مخرج حروف اإلخفاء مثل حروف اإلظهار‬ ‫وعلة اإلخفاء هي ّ‬
‫ولم يقرب منها مثل حروف اإلدغ ام‪ ،‬فلما انعدم البعد المسوغ لإلظهار وانعدم القرب المس وغ لإلدغام أعطى حكم اً‬
‫وسطاً بين اإلدغام واإلظهار وهو اإلخفاء(‪.)45‬‬
‫إيحاءات اإلخفاء‪:‬‬
‫ف﴾ وذلك عند ح ديثنا عن‬‫‪ -1‬س بق أن ذكرنا امتن ان اهلل س بحانه وتع الى على ق ريش بأنه ‪‬وأم َنهم ِم ْن َخ و ٍ‬
‫ْ‬ ‫َ ُْ‬
‫وع﴾ (قريش‪.)3 :‬‬ ‫الشكل اإلظهاري‪ ،‬وقبل ذلك امتن عليهم في نفس اآلية بأنه ‪‬الَّ ِذي َأ ْط َع َم ُه ْم ِم ْن ُج ٍ‬
‫والتنوع الصوتي هنا غيره هناك فصوت النون الساكنة يخفى عند الجيم في "من جوع" فهل لهذا التنوع إيحاء‬
‫وظالل يلقيها على المعنى؟ لمعرفة اإليحاء نحتاج لمعرفة اإلجابة عن كيف أطعمهم من جوع؟ ثم معرفة معنى من ؟‬

‫مدارك التنزيل وحقائق التأويل‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.546‬‬ ‫(?)‬ ‫‪43‬‬

‫التحرير والتنوير‪ ،‬ص‪ ،5‬ص‪.193‬‬ ‫(?)‬ ‫‪44‬‬

‫(‪ )45‬مراد‪ :‬عثمان سليمان‪ ،‬الوافي في شرح السلسبيل الشافي في علم التجويد‪ ،‬ت محمد خالد منصور‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار‬ ‫‪45‬‬

‫عمار‪ ،‬عمان‪2002 ،‬م‪ ،‬ص ‪.10‬‬

‫‪235‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫التنوع الصوتي في النص القرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ولم اذا ج اءت "ج وع" نك رة ال معرفة ح تى ال يك ون هن اك إخف اء؟ لإلجابة عن الس ؤال األول‪ :‬قيل أطعمهم من ج وع‬
‫ش ديد ك انوا في ه‪ ،‬وقيل أريد به القحط ال ذي أكل وا فيه الجيف والعظ ام‪ ،‬وقيل‪ :‬أطعمهم ب دعوة إب راهيم عليه الس الم‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬أطعمهم ب أن جعل الخالفة ال تك ون إال فيهم‪ .‬وقيل‪ :‬ب أن س اق إليهم الطع ام إلى مك ة‪ ،‬وقيل‪ :‬ب الرحلتين وقيل‬
‫أن كيفية إطعامه س بحانه وتع الى لهم أمر مس تور غ ير مع روف فهو خفي‪.‬‬
‫كث ير من اآلراء المتداخلة مما ي دل على ّ‬
‫فليرجع إليه (‪.)46‬‬
‫وللرازي كالم جميل يزيد األمر وضوحاً في تفسيره لهذه اآلية وقد أطال وأجاد ُ‬
‫ثم إذا نظرنا من جميع الج وانب نجد في المس ألة نوع اً من خف اء‪ ،‬فق ريش ك انوا في بلد ال زرع به وال ض رع‬
‫فهم عرضة للفقر الذي ينشأ عنه الجوع فكفاهم ذلك وحده‪ .‬وكذلك الجوع الذي كانت فيه قريش أيام هاشم كان خفي اً‬
‫عن ذلك الجيل من قريش أيام رسول اهلل ‪ ‬فهم لم يعيشوه‪ ،‬فهو شيء مستور عنهم‪ ،‬ولذلك جعلها الرازي تذكيراً لهم‬
‫بحالتهم األولى المؤلمة التي جهلوها‪.‬‬
‫(‪)47‬‬
‫أما بالنسبة للسؤال الثاني وهو معرفة معنى "من" فابن حيان يرى أنها للتعليل‪ :‬أي ألجل الجوع ‪ ،‬وجعلها ابن‬
‫عاشور بدلية‪ :‬أي أطعمهم بدالً من الجوع‪ ،‬ومعنى البدلية عنده هو أن حالة بالدهم تقتضي أن يكون أهلها في جوع‪،‬‬
‫فإطعامهم بدل من الجوع الذي تقتضيه البالد(‪.)48‬‬
‫أما لم اذا تنك ير ج وع؟ فلقد أج اب ال رازي بقوله‪" :‬الم راد من التنك ير التعظيم"(‪ .)49‬وخالفه في ذلك ابن عاش ور‬
‫فجعلها للنوعية فقال‪" :‬وتنكير جوع وخوف للنوعية ال للتعظيم إذ لم يحل بهم جوع وخوف من قبل"(‪ .)50‬إذاً فالقضية‬
‫فيها خفاء واألمر مستور ولعل إيحاء اإلخفاء يلوح فندرك منه طبيعة العالقة بين هذا الشكل من التنوعات الصوتية‬
‫والمعنى الوارد في اآلية‪.‬‬
‫‪ -2‬كنا قد تحدثنا في الشكل اإلظهاري عن صنف من الناس ظهرت خفة موازينه‪ ،‬والصنف الثاني الذي ذكره‬
‫اض َي ٍة﴾ (القارعة‪:‬‬
‫يش ٍة ر ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َأما َم ْن ثَ ُقلَ ْت َم َو ِازي ُن ُه فَ ُه َو في ع َ َ‬
‫اهلل س بحانه وتع الى هو من ثقلت موازين ه‪ ،‬ق ال تع الى‪ :‬فَ َّ‬
‫‪.)7 -6‬‬
‫التنوع هنا في اإلخفاء في صوت النون الساكنة عند الثاء‪ ،‬والثاء من حروف اإلخفاء فلماذا أظهر مع الصنف‬
‫األول وأخفى مع الص نف الث اني؟ أمص ادفة أم عبث اً؟ حاش اه؛ إذاً فال ب ّد من سر ل ذلك‪ ،‬اإلظه ار تح دثنا عنه وبقى‬
‫فإن‬
‫إن المؤمن يجهد نفسه في طاعة اهلل وإ ظهار خوفه وخشيته منه ويجتهد في عمل الصالحات‪ ،‬ومع ذلك ّ‬ ‫اإلخفاء‪ّ .‬‬
‫كل هذه األعمال تختفي أمام نعمة واحدة من نعم اهلل التي أنعمها على عبده‪.‬‬
‫أن م يزان العبد ي وم القيامة ال يثقل باألعم ال وإ نما يثقل بش يء آخر ال ي دري العبد هل‬
‫ه ذا أمر واألمر اآلخر ّ‬
‫سيدركه ذلك الشيء أو ال‪ ،‬هذا الشيء هو رحمة اهلل "قالوا حتى أنت يا رسول اهلل؟ قال‪ :‬وال أنا إال أن يتغمدني اهلل‬
‫(‪)51‬‬
‫منا فيكون سبباً في‬‫برحمته" ‪ .‬فما الذي يثقل ميزان العبد يوم القيامة من األعمال؟ ال ندري ما العمل الذي تقبله اهلل ّ‬
‫ألنها خفية عن ا‪ ،‬ولذلك فاإلخف اء هنا له إيح اء‬
‫تثقيله موازينن ا‪ ،‬وال ندري كيف يثقل هذا الم يزان؟! فهي أم ور نجهلها ّ‬
‫وظالل تجعل اإلنسان يعيش بين خوف ورجاء‪.‬‬

‫(‪ )46‬مفاتيح الغيب‪ ،‬ج ‪ ،17‬ص ‪.224‬‬ ‫‪46‬‬

‫(‪ )47‬البحر المحيط ‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪. 516‬‬ ‫‪47‬‬

‫(‪ )48‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص‪.395‬‬ ‫‪48‬‬

‫(‪ )49‬مفاتيح الغيب‪ ،‬ج ‪ ،17‬ص‪.225‬‬ ‫‪49‬‬

‫(‪ )50‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص ‪.396‬‬ ‫‪50‬‬

‫(‪ )51‬مسند اإلمام أحمد‪ ،‬ج ‪ ،19‬ص ‪.498‬‬ ‫‪51‬‬

‫‪236‬‬
‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د‪ .‬نجيب علي السودي‬

‫‪ -3‬من األمور المترتبة بالقضية السابقة الحديث عن الفالح والخيبة فاهلل عز وجل يقول‪ :‬قَ ْد َأ ْفلَ َح َمن َز َّك َ‬
‫اها‪،‬‬
‫اها﴾ (الشمس‪.)10 -9 :‬‬ ‫س َ‬
‫اب َمن َد َّ‬
‫َوقَ ْد َخ َ‬
‫تنوع إخفائي في صوت النون الساكنة عند الزاي "من ز ّكاها" وعند الدال في " من دساها"‪ .‬فما الذي يوحي به‬
‫هذا اإلخفاء؟ وهل سيكون هناك تعارض بين النص والنصوص األخرى الواردة فيها اإلظهار وهي قريبة المعنى؟‬
‫أوالً‪ :‬نحت اج لمعرفة مع نى التزكية المقص ود في ه ذه اآلي ة‪ ،‬وفي اآلية األخ رى المش ابهة لها وهي قوله تع الى‬
‫﴿قد أفلح من تزكى﴾‪.‬‬
‫وهنا نشير إلى أن المفسرين اختلفوا في معنى التزكية‪ ،‬فقيل تزكى من الشرك‪ ،‬وقيل‪ :‬كان عمله زاكي اً‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫عمل ورع اً‪ ،‬وقيل‪ :‬ق ال ال إله إال اهلل‪ ،‬وقيل‪ :‬قد أفلح من ّأدى زك اة ماله‪ .‬وقيل‪ :‬من رضخ من مال ه‪ ،‬وقيل بل ع نى‬
‫بذلك زكاة الفطر‪ ،‬وقال بعضهم ال أدري ما وجه هذا التأويل‪ ،‬وقال الرازي‪" :‬أنه تعالى لما لم يذكر في اآلية ما يجب‬
‫مر ذكره قبل اآلية"(‪ .)52‬هذا تأويله رحمه اهلل فاألمر خفي مستور‪.‬‬
‫عما ّ‬
‫أن المراد هو التزكي ّ‬
‫التزكي عنه علّمنا ّ‬
‫أن يكون‬
‫ووجه آخر يظهر لي فيه خفاء‪ ،‬وهو عود الضمير على " َم ْن"‪ ،‬قال ابن عطية‪" :‬والفاعل بزكى يحتمل ْ‬
‫أن يك ون الفاعل اإلنس ان"(‪ .)53‬فمن يزكيها ومن يدس يها مس ألة فيها خف اء‪ ،‬ول ذلك اختلف النح اة‬
‫اهلل تع الى‪ ...‬ويحتمل ْ‬
‫في التقدير(‪.)54‬‬
‫دس ى‪ :‬دس‪ ،‬إذا أدخل‬ ‫ثم إن دس اها م أخوذ من التدس ية وهي النقص واإلخف اء‪ ،‬ق ال ابن عاش ور‪" :‬وأصل فعل ّ‬
‫ش يئاً تحت ش يء فأخف اه"(‪ .)55‬وفي تفس ير حقي له ذه اآلية كالم جميل ودليل آخر على ما ذهبنا إليه من العالقة بين‬
‫التن وع اإلخف ائي والمع نى فيق ول‪" :‬بخالف أهل الفسق ف إنهم يخف ون أنفس هم ويدس ونها في المواضع الخفية ال يل وح‬
‫أن أجواد العرب كانوا ينزلون في أرفع المواضع‪،‬‬ ‫عليهم سيما سعادة يشتهرون به بين عباد اهلل المقربين‪ ،‬وأصل هذا ّ‬
‫ويوق دون الن ار للط ارقين لتك ون أش هر‪ ،‬واللئ ام ي نزلون األط راف والهض اب لتخفى أم اكنهم عن الط البين ف اخفوا‬
‫أنفسهم"(‪.)56‬‬
‫أن هن اك‬
‫إذاً فقد تض افرت األدلة واألق وال على خف اء حسي ومعن وي في مع نى اآلي ة‪ ،‬وه ذا مما يزي دنا ثقة إلى ّ‬
‫عالقة م ابين التن وع الص وتي والمع نى تمثل في ه ذه العالق ات بين اإلخف اء الص وتي والخف اء في المع نى وفي داللة‬
‫الكلمة واهلل أعلى و أعلم‪.‬‬
‫اء ُك ْم ِذ ْك ٌر ِم ْن َر ِّب ُك ْم َعلَى َر ُج ٍل ِم ْن ُك ْم ِل ُي ْن ِذ َر ُك ْم‪( ‬األع راف‪:‬‬ ‫‪ -4‬ق ول ن وح عليه الس الم لقومه‪ََ  :‬أو َع ِج ْبتُ ْم ْ‬
‫َأن َج َ‬
‫‪.)63‬‬
‫اإلخفاء في ثالثة مواضع‪:‬‬
‫أن جاءكم"‪.‬‬
‫أ‪ .‬نون ساكنة بعدها جيم في " ْ‬
‫ب‪ .‬نون ساكنة بعدها كاف في "منكم"‪.‬‬
‫ج‪ .‬نون ساكنة بعدها ذال في "لينذركم"‪.‬‬

‫(‪ )52‬مفاتيح الغيب‪ ،‬ج‪ ،17‬ص ‪.48‬‬ ‫‪52‬‬

‫(‪ )53‬المحرر الوجيز‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪.37‬‬ ‫‪53‬‬

‫(‪ )54‬الزمخشري‪ :‬جار اهلل محمود بن عمر‪ ،‬الكشاف‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬ط‪ ،‬ح ‪ ،7‬ص ‪.295‬‬ ‫‪54‬‬

‫(‪ )55‬التحرير والتنوير‪ ،‬ح‪ ،16‬ص‪.283‬‬ ‫‪55‬‬

‫(‪ )56‬تفسير حقي‪ ،‬ح ‪ ،17‬ص ‪.280‬‬ ‫‪56‬‬

‫‪237‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫التنوع الصوتي في النص القرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫معنى اآلية‪ :‬يذكر نوح عليه السالم األمور التي يتعجب منها قومه وينكرونها؛ وهي مجيء ذكر من اهلل‪ ،‬ثم أن‬
‫يأتي هذا الذكر على رجل منهم‪ ،‬ثم إنذار هذا الرجل لهم‪.‬‬
‫يقول الفخر الرازي‪( :‬أنهم استبعدوا أن يكون هلل رسول إلى خلقه؛ ألجل أنهم اعتقدوا أن المقصود من اإلرسال‬
‫هو التكليف‪ .‬والتكليف ال منفعة فيه للمعب ود لكونه متعالي اً عن النفع والض رر‪ ،‬وال منفعة فيه للعابد‪ .‬ثم وإ ْن ج وزوا‬
‫التكليف إاّل ّأنهم ق الوا‪ :‬ما ُعِلم حس نه بالعقل فعلن اه وما ُعِلم قبحه تركن اه‪ ،‬ولما ك ان رس ول العقل كافي اً فال حاجة إلى‬
‫ألن مه ابتهم أشد وطه ارتهم أكم ل‪ ،‬فه ذه‬‫إن إرس ال المالئكة أولى؛ ّ‬‫بعثه رس والً آخر‪ .‬ثم إذا ك ان ال ب ّد من الرس ول ف ّ‬
‫(‪)57‬‬
‫أن اإلخفاء جاء في المعاني التي خفت على القوم‪،‬‬ ‫الوجوه التي ألجلها أنكر الكفار رسالة رجل معين ) ‪ .‬أال ترى ّ‬
‫أن يأتي هذا الذكر على رجل منهم خافية عليهم أيض اً‪ ،‬ثم ِعلّة إنذاره‬ ‫ثم ِعلّة ْ‬
‫فعلّة مجيء الذكر من اهلل خافية عليهم‪ّ ،‬‬
‫ِ‬
‫فتأمل ذلك تجده كما ذكرت‪.‬‬ ‫لهم خافية عنهم كذلك‪ّ .‬‬
‫ومثلها قول هود عليه السالم لقومه(‪.)58‬‬
‫وط ِم ْن ُكم ِبب ِع ٍ‬
‫يد‪( ‬هود‪.)89 :‬‬ ‫‪ -5‬قول شعيب عليه السالم محذراً قومه‪ :‬وما قَوم لُ ٍ‬
‫ْ َ‬ ‫ََ ُْ‬
‫اإلخفاء في موضعين‪ :‬أ‪ .‬نون ساكنة بعدها كاف في "منكم"‪.‬‬
‫ب‪ .‬ميم ساكنة بعدها باء في "منكم ببعيد"‪.‬‬
‫إن شعيباً عليه السالم أراد تذكير قومه بما حدث لقوم لوط الذين كانوا قريبين‬
‫يقول المفسرون في معنى اآلية‪ّ :‬‬
‫(‪)59‬‬
‫لكنه لم يحدد وجه القرب‪ .‬هل هو قرب مكاني أو زماني أو عملي ‪.‬‬ ‫منهم‪ّ ،‬‬
‫أن وجه التق ارب خفي‪ ،‬فال ن دري هل الق رب المقص ود هو ق رب مك انهم منهم‪ ،‬أو ق رب زم انهم‪ ،‬أو ق رب‬‫أي ّ‬
‫أعمالهم من بعضهم من حيث كفرهم باهلل والتعدي على حقوق الناس وأعراضهم‪.‬‬
‫أن ش عيباً عليه الس الم ذكر ق وم ن وح وق وم ه ود‬ ‫نى آخر من خالل النظر في اآلية حيث نجد ّ‬ ‫ثم لعل هنالك مع ً‬
‫ص ِال ٍح‪‬‬
‫وح َْأو َق ْو َم ُهو ٍد َْأو قَ ْو َم َ‬
‫اب َق ْو َم ُن ٍ‬
‫َأص َ‬
‫ِ‬
‫يب ُك ْم م ْث ُل َما َ‬
‫اقي ْ ِ‬
‫َأن ُيص َ‬
‫وقوم صالح في قوله‪﴿ :‬ويا َقوِم ال ي ْج ِرم َّن ُكم ِشقَ ِ‬
‫َ َ ْ‬ ‫ََ ْ‬
‫وط ِم ْن ُكم ِبب ِع ٍ‬
‫يد‪.‬‬ ‫(هود‪ .)89 :‬وهنا مواطن إظهار في جميعها‪ ،‬فلما وصل إلى قوم لوط جاء اإلخفاء ﴿وما قَوم لُ ٍ‬
‫ْ َ‬ ‫ََ ُْ‬
‫وعلة ذلك – فيما أعتقد – هو ظهور آثار ما حل بقوم نوح وقوم هود وقوم صالح‪ ،‬بينما اختفت آثار قوم لوط؛‬
‫أن اهلل جعل عليهم األرض عاليها سافلها‪ ،‬أي أخفاهم وأخفى آثارهم من على وجه األرض‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ألننا نعلم ّ‬
‫المطلب الرابع‪ :‬الشكل اإلقالبي‪:‬‬
‫اإلقالب في اللغة هو التحوي ل‪ ،‬أي تحويل الش يء عن وجهه‪ .‬وفي االص طالح‪ :‬إب دال الن ون الس اكنة أو التن وين‬
‫لما لم يحسن اإلظه ار بس بب العس رة والكلفة في النطق‬‫الغنة عند ح رف الب اء‪ .‬وعلة اإلقالب ّأنه ّ‬‫ميم اً مخف اة مع ّ‬
‫ب النون الس اكنة مظه رة ثم اإلثب ات بالب اء‪ ،‬ولما لم يوجد س بب لإلدغ ام لبعد المخ رجين‪ ،‬حسن اإلخف اء‪ ،‬وليتم التوصل‬
‫(‪)60‬‬
‫ألن مخ رجي الن ون والب اء ليسا‬
‫أن ه ذا التعليل علي ٌل ّ‬
‫إليه تم قلب الن ون الس اكنة والتن وين مع الغنة ‪ .‬والظ اهر ّ‬
‫بعيدين‪.‬‬
‫إيحاءات اإلقالب‪:‬‬

‫مفاتيح الغيب‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪.158‬‬ ‫(?)‬ ‫‪57‬‬

‫سورة األعراف‪ :‬آية ‪.69‬‬ ‫(?)‬ ‫‪58‬‬

‫(‪ )59‬انظر‪ :‬فتح القدير‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،751‬الكشاف‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،231‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.124‬‬ ‫‪59‬‬

‫(‪ )60‬القاضي‪ :‬عبد الحق عبد الدائم‪ ،‬العقد الفريد في علم التجويد‪ ،‬ط ‪ ،1‬مكتبة الجيل الجديد‪ ،‬صنعاء‪1994 ،‬م‪ ،‬ص‬ ‫‪60‬‬

‫‪.24‬‬
‫‪238‬‬
‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د‪ .‬نجيب علي السودي‬

‫‪ -1‬في الشكل اإلظهاري ذكرنا ذلك الصنف من الناس الذي أظهر تقواه هلل وتصديقه بالحسنى والصنف الثاني‬
‫َأما‬
‫من الناس هم على العكس من ذلك فقد انقلبت عندهم األمور وتحولت عن وجهتها الصحيحة‪ ،‬فقال اهلل عنهم‪َ ﴿ :‬و َّ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫س َنى‪( ‬الليل‪.)9 -8 :‬‬‫استَ ْغ َنى َو َكذ َب ِبا ْل ُح ْ‬
‫َم ْن َبخ َل َو ْ‬
‫اآلية فيها تن وع ص وتي هو قلب الن ون الس اكنة ميم اً عند الب اء في "من بخل" والب اء هو ح رف اإلقالب الوحيد‪.‬‬
‫فهل لهذا التنوع إيحاؤه؟‬
‫وأما َم ْن بخل بالنفقة في س بيل اهلل ومنع ما وهب اهلل له من فض له من‬
‫يق ول المفس رون في تفس ير ه ذه اآلية‪ّ " :‬‬
‫صرفه في الوجوه التي أمر اهلل بصرفه فيها‪ ،‬واستغنى عن ربه فلم يرغب إليه بالعمل له بطاعته بالزيادة فيما خوله‬
‫ألنه زهد فيما عند اهلل"(‪.)62‬‬ ‫(‪)61‬‬
‫من ذلك" ‪ ،‬وقال أبو حيان‪ " :‬قابل أعطى ببخل‪ ،‬واتقى باستغنى ّ‬
‫إذاً فه ذا الص نف من البشر ح ول األم ور عن مجراها فب دالً من الطاعة تح ول إلى المعص ية وب دل اإلعط اء‬
‫البخل‪ ،‬وتحول االتقاء عنده إلى استغناء‪ .‬إذاً فهو اإلقالب والتحويل أفال يتناسب هذا مع اإلقالب الموجود في اآلية؟‬
‫أن هناك نوعاً من التناسب‪.‬‬ ‫أعتقد ّ‬
‫أن ماله أخلده فيقول‪:‬‬
‫وعدده يحسب ّ‬
‫يتحدث اهلل سبحانه وتعالى عن مصير ذلك الذي بخل واستغنى وجمع المال ّ‬
‫ط َم ِة‪( ‬الهمزة‪.)4 :‬‬
‫﴿ َكال لَ ُي ْن َب َذ َّن ِفي ا ْل ُح َ‬
‫لينبذن " فما الذي يومىء به هذا اإلقالب؟ لقد كان المرء يحسب‬
‫ّ‬ ‫وفيها قلب النون الساكنة ميم اً عند الباء في "‬
‫لكن األمر في حقيقته ليس كما زعم وال كما‬
‫أن ماله الذي جمعه وأحص اه‪ ،‬وبخل بإنفاقه س وف يخل ده في ه ذه الدنيا‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫حسب‪.‬‬
‫إن ما كان يعتقده سوف ينقلب ويتحول‪ ،‬وتصبح العزة والكبر مذلة ومهانة‪ ،‬ولذلك جاء اإلقالب في "لينبذن" وقد‬ ‫ّ‬
‫ك ان باإلمك ان مجيء ألف اظ أخ رى تفي ب الغرض كيلقى أو يق ذف أو يط رح أو ُي رمى أو غيرها من األلف اظ ال تي لها‬
‫در الرازي حين‬ ‫لن تحمل نفس اإليحاء الذي تحمله لفظة "ُينبذ" بما فيها من إقالب‪ ،‬وهلل ّ‬ ‫لكنها ْ‬
‫عالقات استبدالية بينبذ ّ‬
‫ألن الكافر كان يعتقد أنه من أهل الكرامة"(‪.)63‬‬ ‫قال‪" :‬فإنما ذكره بلفظ النبذ الدال على اإلهانة؛ ّ‬
‫اص َي ِة‪( ‬العلق‪:‬‬
‫الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِئ‬
‫ومن اآلي ات ال تي تحمل نفس اإليح اء لنفس الس بب قوله تع الى‪َ ﴿ :‬كاَّل لَ ْن لَ ْم َي ْنتَ ه لَ َن ْ‬
‫س فَ َع ْن ِب َّ‬
‫‪.)15‬‬
‫بالناصية"‪.‬‬
‫لنسفعن ّ‬
‫ْ‬ ‫اإلقالب في النون الساكنة عند الباء في "‬
‫واآلية كما ذكر المفس رون ن زلت في أبي جهل تردعه عن تج بره وغطرس ته على الن بي ‪ ،‬فقد ك ان يه دد بأنه‬
‫إن هو رآه يس جد هلل أم ام الكعبة‪ .‬وأبو جهل هو من هو في قومه زعامة‬ ‫ق الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم ْ‬ ‫س يطأ عن َ‬
‫فعن" وج وه‬
‫وجاه اً ومكانة‪ .‬فج اءت اآلية توع ده ب دل الع زة مهانة وإ ذالال‪ .‬ول ذلك ج اء بلفظ الس فع‪ ،‬وفي قوله "لنس ْ‬
‫ولنسحبنه بها إلى النار‪ ،‬والسفع‪ :‬القبض على‬
‫ّ‬ ‫لنأخذن بناصيته‬
‫ْ‬ ‫متعددة‪ ،‬قال الرازي في قوله "لنسفعن" وجوه‪ :‬أحدها‪:‬‬
‫ودن وجهه‪ ...‬وبالجملة فتس ويد الوجه‬
‫الش يء وجذبه بش ده‪ ،‬وثانيها‪ :‬الس فع‪ :‬الض رب أي لنلطمن وجه ه‪ ،‬وثالثها‪ :‬لنس ّ‬
‫لنذلنه"(‪ .)64‬وكل الوجوه التي ذكرها الرازي فيها إذالل ومهانة‬
‫لنسمنه‪ ،‬وخامسها‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫عالمة اإلذالل واإلهانة‪ ،‬ورابعها‪:‬‬

‫(‪ )61‬جامع البيان‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪.614‬‬ ‫‪61‬‬

‫(‪ )62‬البحر المحيط‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪.491‬‬ ‫‪62‬‬

‫(‪ )63‬مفاتيح الغيب‪ ،‬ج ‪ ،17‬ص‪.206‬‬ ‫‪63‬‬

‫‪239‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫التنوع الصوتي في النص القرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ألن اللعين ك ان ش ديد االهتم ام‬


‫أن تخص يص الناص ية بال ذكر ّ‬
‫لتلك الناص ية "ناص ية أبي جهل"‪ ،‬ق ال األلوسي‪" :‬وك ّ‬
‫بترجيلها وتطييبها"(‪.)65‬‬
‫ألنهم‬
‫إذاً فاألمر فيه قلب لهذه الحالة من اهتمام وعناية وتكبر إلى إذالل ومهانة‪ ،‬قال ابن عاشور‪" :‬وفيه إذالل ّ‬
‫لجره" (‪.)66‬وقال األلوسي‪" :‬والسفع بها غاية اإلذالل عند العرب‬ ‫ٍ‬
‫كانوا ال يقبضون على شعر رأس أحد إال لضربه أو ّ‬
‫(‪)67‬‬
‫أن‬
‫وألن ع ادتهم ذلك في البه ائم" ‪ ،‬بقى أمر هو ّأنه ك ان باإلمك ان ْ‬
‫إذ ال يك ون إال مع مزيد التمكن واالس تيالء‪ّ ،‬‬
‫لنسفعن الناصية"‪ ،‬وحينها لن يكون هناك إقالب ويذهب ما نراه من عالقة‪ .‬لكن هل سيبقى المعنى على ما هو‬
‫ْ‬ ‫يقول "‬
‫أن المع نى س يتغير‪ ،‬وذلك ّبين لكل من له حظ‬
‫عليه إذ ما ج اء النص ب دون الب اء ال تي هي س بب اإلقالب‪ .‬ال شك في ّ‬
‫في العربية‪ ،‬ولذلك جاء بالباء في "الناصية"‪ ،‬قال ابن عاشور‪" :‬وأكد ذلك السفع بالباء المزيدة الداخلة على المفعول‬
‫لتأكيد اللصوق"(‪ .)68‬ونحن نقول أنها أفادت أكثر من اللصوق‪ ،‬فتأمل ذلك‪.‬‬
‫اص َي ِت َها ِإ َّن َر ِّبي َعلَى‬
‫آخ ٌذ ِب َن ِ‬
‫َّة ِإال ُه و ِ‬
‫َ‬
‫‪ -2‬ولمناس بة ذكر الناص ية ي ذكر اهلل س بحانه وتع الى ّأنه‪﴿ :‬ما ِم ْن َداب ٍ‬
‫َ‬
‫ستَ ِق ٍيم‪( ‬هود‪.)56 :‬‬ ‫ِ ٍ‬
‫صَراط ُم ْ‬
‫اإلقالب في صوت التنوين عند الباء في "آخ ٌذ بناصيتها"‪.‬‬
‫يقول سيد قطب في تفسيره لهذه اآلية‪" :‬وهي صورة محسوسة للقهر والقدرة‪ ،‬تصور القدرة آخذة بناصية ك ّل‬
‫دابة على ه ذه األرض‪ ،‬بما فيها ال دواب من الن اس‪ .‬والناص ية أعلى الجبه ة‪ ،‬فهو القهر والغلبة والهيمن ة‪ ،‬في ص ورة‬
‫حسيّة تناسب الموقف وتناسب غلظة الق وم وش ّدتهم‪ ،‬وتناسب ص البة أجس امهم وب نيتهم‪ ،‬وتناسب غلظ حس هم‬
‫(‪)69‬‬
‫والشدة والصالبة سوف يقلب حالها فتقهر وتغلب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أن هذه الغلظة‬
‫ومشاعرهم" تناسبها من حيث ّ‬
‫لقد ك ان ه ؤالء الق وم يتص ورون أنهم م الكو أم رهم‪ ،‬وأنهم بلغ وا الغاية في الش دة والق وة‪ ،‬فق الوا‪" :‬من أش ّد منا‬
‫(‪)70‬‬
‫لكن اهلل عز وجل يح ولهم إلى حقيقة ما هم‬ ‫ق وة" ‪ .‬هك ذا يح اولون إظه ار ق وتهم وس يطرتهم وتج برهم وغطرس تهم؛ ّ‬
‫أن اهلل مالك أم رهم‪ ،‬وق اهرهم‪ ،‬يق ول اإلم ام البق اعي‪" :‬إال هو آخ ذ‪،‬‬
‫علي ه‪ ،‬تحويل لألمر من ال وهم إلى الحقيق ة‪ ،‬وهي ّ‬
‫ألن الكل جارون مع مراده‬ ‫أي أخذ قهر وغلبة "بناصيتها" أي قادر عليها‪ ،‬وقد صار األخذ بالناصية عرفاً في القدرة‪ّ ،‬‬
‫ال مع م رادهم بل ال ينفك أحد عن كراهة لبعض ما هو في ه‪ ،‬ف د ّل ذلك قطع اً على ّأنه بغ ير م راده وإ ّنما هو بم راده‬
‫قاهر قهره على ذلك وهو الملك األعلى سبحانه‪ .‬ومن أخذ بناصيته فقد انقاد آلخذه ال يستطيع ميالً"(‪.)71‬‬
‫ألن ذلك من عادة العرب إذا وصفوا‬
‫إذاً فاألخذ بالناصية تحويل للكبر والتجبر الذي هم فيه إلى ذل وخضوع‪ّ ،‬‬
‫أن العرب إذا وصفوا إنساناً بالذل والخضوع قالوا‪ :‬ما ناصية فالن إال‬
‫إنساناً بالذ ّل والخضوع‪ .‬قال الرازي‪" :‬واعلم ّ‬
‫والمن‬
‫ّ‬ ‫أخذت بناصيته فقد قهرتَ هُ‪ ،‬وكانوا إذا أسروا األسير فأرادوا إطالقه‬
‫َ‬ ‫ألن ك ّل من‬
‫بيدي فالن‪ ،‬أي أنه مطيع له‪ّ ،‬‬
‫(‪)72‬‬
‫جزوا ناصيته ليكون ذلك عالمة لقهره" ‪.‬‬

‫(‪ )64‬مفاتيح الغيب‪ ،‬ج ‪ ،17‬ص ‪.119‬‬ ‫‪64‬‬

‫‪65‬‬
‫(‪ )65‬روح المعاني‪ ،‬ج ‪ ،23‬ص ‪.50‬‬
‫(‪ )66‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص ‪.335‬‬ ‫‪66‬‬

‫(‪ )67‬روح المعاني‪ ،‬ج ‪ ،23‬ص ‪.50‬‬ ‫‪67‬‬

‫(‪ )68‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،16‬ص ‪.336‬‬ ‫‪68‬‬

‫(‪ )69‬في ظالل القرآن‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪.236‬‬ ‫‪69‬‬

‫(‪ )70‬سورة فصلت‪ :‬آية ‪.15‬‬ ‫‪70‬‬

‫(‪ )71‬نظم الدرر‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.167‬‬ ‫‪71‬‬

‫‪240‬‬
‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د‪ .‬نجيب علي السودي‬

‫بأنهم وصفوه بالجنون فقالوا‪ِ﴿ :‬إ ْن ُه و ِإاَّل‬


‫‪ -3‬يذكر اهلل سبحانه وتعالى موقف قوم نوح من نبيهم عليه السالم ّ‬
‫َ‬
‫َر ُج ٌل بِ ِه ِجَّنةٌ‪( ‬المؤمنون‪.)25 :‬‬
‫اإلقالب في صوت التنوين عند صوت الباء في "رج ٌل به"‪.‬‬
‫قال الرازي‪ِ " :‬‬
‫الجَّنة‪ :‬الجنون أو ّ‬
‫الجن فإن ُجهّال العوام يقولون في الجنون‪ :‬زال عقله بعمل الجن‪ ،‬وهذه الشبهة‬
‫من باب الترويج على العوام‪ ،‬فإنه عليه السالم كان يفعل أفعاال على خالف عاداتهم‪ ،‬فأولئك الرؤساء كانوا يقولون‬
‫للعوام ّإنه مجنون"(‪.)73‬‬
‫ألنهم يرون منه ويسمعون ما يظنون ّأنه خارج نطاق العقل‪ ،‬فهو‬
‫إذاً فالقوم يتهمون نوحاً عليه السالم بالجنون‪ّ ،‬‬
‫ظنهم يحول األمور عما هي عليه وال يدري ما يقول‪.‬‬ ‫في ّ‬
‫فهل يا ت رى ك ان ن وح عليه الس الم مجنون اً كما زعم وا‪ .‬حاش اه ولكنه قلب للحق ائق وتحويل لألمر عن وجه ه‪،‬‬
‫جنن وه وقد علم وا ّأنه أرجح الن اس عقالً وأوزنهم‬
‫فهم يعلم ون ّأنه ليس بمجن ون‪ .‬ق ال الزمخش ري‪" :‬أال ت راهم كيف ّ‬
‫قوالً"(‪.)74‬‬
‫فهم يعلم ون ّأنه راجح العقل ص ادق الق ول ولكنهم حول وا األمر إلى الجن ون ح تى ال يع ترفوا برس الته‪ ،‬ق ال ابن‬
‫عاش ور‪" :‬وقص روه على ص فة المجن ون وهو قصر إض افي أي ليس برس ول من اهلل"(‪ .)75‬فمس ألة اإلقالب والتحويل‬
‫مما يزيد ما ذهبنا إليه تأكيداً‪.‬‬
‫واضحة تتناسب مع اإلقالب الصوتي في اآلية‪ ،‬وهذا ّ‬

‫الخاتمة‪:‬‬
‫أن التنوع الصوتي في أحكام النون الساكنة والتنوين يلقي بظالله‬
‫مما يطول تدل على ّ‬
‫كثير ّ‬
‫إن الشواهد وغيرها ٌ‬‫ّ‬
‫وأن له إيحاءاته ال تي يمكن تلمس ها من خالل ه ذه العالقة بين ش كل التن وع الص وتي والمع نى الع ام‬
‫على المع نى‪ّ ،‬‬
‫ولكن الب اب واحد والمس ائل كث يرة‪ ،‬ولو التزمنا االستكثار لط ال البحث‪ .‬وحس بنا‬
‫ّ‬ ‫مما يسترسل في ه‪،‬‬
‫للنص‪ ،‬والموضع ّ‬
‫إشارات وإ رشادات لظاهرة صوتية يتميز بها القرآن الكريم على غيره من النصوص‪ ،‬نزعم ّأنه باب جديد من أب واب‬
‫اإلعجاز الصوتي القرآني‪ ،‬لذلك نقدم التوصيات اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬دعوة الباحثين في إعجاز القرآن لالستفادة من أقوال المفسرين في ربط أحكام التجويد بالمعنى المراد من‬
‫اآليات‪.‬‬
‫‪ -2‬االستفادة من العالقات القائمة بين أحكام التجويد وداللة اآليات في صياغة قواعد مطردة تخدم إعجاز‬
‫الق رآن الك ريم من جهة وتط ور من علم التجويد لي واكب ال درس الص وتي وال داللي الح ديث من جهة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫‪ -3‬االستفادة من نتائج األبحاث في صياغة نظرية صوتية داللية عربية خالصة‪.‬‬
‫يفتح باب اً جدي داً للتأمل في آي ات الق رآن الك ريم وظ واهره‪،‬‬
‫أن َ‬ ‫أن ينفع به ذا البحث قارئي ه‪ ،‬فقد أردنا ْ‬
‫ونس أل اهلل ْ‬
‫واس تكناه مكنونات ه‪ ،‬وإ ب راز وج وه إعج ازه‪ ،‬ف إن نجحنا في ذلك فلله الحمد في األولى واآلخ رة‪ ،‬وإ ْن ك انت األخ رى‬
‫فحسبنا المحاولة شرفاً‪ ،‬واهلل حسبنا ونعم الوكيل‪.‬‬

‫مفاتيح الغيب‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.426‬‬ ‫(‪)72‬‬ ‫‪72‬‬

‫(‪ )73‬مفاتيح الغيب‪ ،‬ج‪ ،11‬ص ‪.177‬‬ ‫‪73‬‬

‫(‪ )74‬الكشاف‪ ،‬ح ‪ ،4‬ص‪.334‬‬ ‫‪74‬‬

‫(‪ )75‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.352‬‬ ‫‪75‬‬

‫‪241‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫التنوع الصوتي في النص القرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الهوامش‪:‬‬

‫‪242‬‬
‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

You might also like