You are on page 1of 4

‫في المسجد» لصاحبته هالة وردي‬ ‫قراءة‪ :‬كتاب « اغتيال‬

‫ٌ‬
‫بقلم نائلة السليني ‪ 822 19/11/2021‬عدد المشاهدات‬

‫مقدّمات ‪I -‬‬
‫دم مقاربة جديدة‬
‫ّل هذا الكتاب ضمن سلسلة من الكتب التي أرادت بها صاحبتها أن تقّ‬
‫يتنز‬
‫في قراءة الفترة التأسيسية التي تجمع بين فترة‬
‫ّاشدة؛ أي الفترة التي رسمت مالمح الدولة اإلسالمية استنادا إلى‬ ‫الوحي والخالفة الر‬
‫ّ الباحثين في‬‫ّم عليه هذه الفترة من أسرار يعترف جل‬ ‫الدين الجديد‪ .‬وغير خفيّ ما تتكت‬
‫مهات هي التي فرضت هذه البنية المخصوصة سواء في‬ ‫ّالة لمقاالت أّ‬‫ّها حم‬
‫التفكير اإلسالمي أن‬
‫ّق في ثناياها‬‫ّ محاولة في التعم‬ ‫العقيدة أو التشريعات‪ .‬وعلى هذا األساس تعتبر كل‬
‫ّ سرابا ما لم نواجه‬ ‫ن تجديد الفكر اإلسالمي سيظل‬‫مغامرة محمودة‪ ،‬بل يمكن القول إّ‬
‫التراث اإلسالمي بما يحمله من أخبار هي وليدة انتماءات مذهبية‪ ،‬وليس لها عالقة البتة‬
‫دس‬
‫‪.‬بالمقّ‬
‫ّل ما يعترض الباحث هو التساؤل عن الخلطة الغريبة بين ما يعتبر خالفة «‬‫ّ أو‬
‫ولعل‬
‫راشدة» وحقيقة نهاية الخلفاء األربعة الذين ماتوا قتال‪ .‬إذ كيف يجتمع الرشد مع العنف‬
‫دت من السنة ‪ 11‬للهجرة إلى‬‫والقتل؟ وكيف نفسّر موقف المسلمين في تلك الفترة التي امتّ‬
‫ّ بجرأة التقليب‬‫السنة ‪ 40‬للهجرة؟ وما لم تبح هذه الفترة بأسرارها‪ ..‬وما لم نتحل‬
‫ّ على قلق تتالعب بنا األهواء‪ ،‬وأسرى روايات ينقض بعضها بعضا‬
‫‪.‬والجواب فسنظل‬
‫نحن إذن أمام محيطات من المرويات صاغتها « مصانع» المذاهب‪ ،‬وجميعها خاضع لتقاليد‬
‫ّفت صحيحة أو موضوعة فهي تصنيفات ال تجد شرعيتها‬
‫ُن‬‫التعامل مع الرواية والحديث‪ ،‬وإن ص‬
‫ّ مذهب‪ .‬وهذا لعمري يقتضي من الباحث أن يكون خبيرا وماهرا في‬ ‫سوى من داخل منظومة كل‬
‫ّ خطإ‪ ،‬مهما كان بسيطا يؤول بك حتما إلى خطإ في التأويل‪..‬‬ ‫توظيف آليات مقاربتها‪ ،‬وكل‬
‫فتضيع المقالة‪ ،‬وينتشر مجهودك هباء منثورا‪ .‬وتلك هي مزالق التعامل مع التراث‪ ،‬تفرض‬
‫ّه إليها حتى يتفاداها‬‫ّبها‪ ،‬وإن وقع في شراك أحدها عليه أن ينب‬‫على الباحث أن يتنك‬
‫ّنه في قراءة أولى لهذا الكتاب الذي حاول أن ينطلق من حادثة‬ ‫غيره‪ .‬هذا ما سأبي‬
‫‪».‬المسجد في قتل عمر إلى النظر في سيرته وبيان أوجه « الملحمة العمرية‬
‫تمنح لباحث في التراث‬‫ّل من تحليل الكتاب التنبيه إلى اآلليات التي ُ‬‫آثرت في الجزء األو‬
‫ّل سالح هو « الريبة» أو قل الشكّ في‬
‫ّ أو‬
‫حتى يقارب هذه الجبال الراسية من األخبار‪ .‬ولعل‬
‫ّر عمل الباحث‪ ..‬وهي قدرة ال تكتسب بين لحظة وأخرى‬ ‫ّ ما يقرأ‪ ..‬والريبة يجب أن تسي‬‫كل‬
‫ّما تكتسب بالدربة والممارسة‬‫‪.‬وإن‬
‫أردت أن أبدأ مالحظاتي بالتنبيه إلى شروط التعامل مع هذه النصوص‪ ،‬فالحديث عن عمر ال‬
‫نجده في كتب المناقب أو الطعون فحسب‪ ،‬بل في كتب التفسير والحديث‪ ،‬وفي كتب الفقه‬
‫‪:‬بمذاهبه السنية والشيعية والزيدية‪ ..‬وحصرت هذه المالحظات في مسألتين اثنتين‪ ،‬هما‬
‫االفتقار إلى اللغة أدى إلى سوء في التأويل وسرعة في االستنتاج •‬
‫‪ :‬وفي هذه المسالة أكتفي بتحليل خبري النائحة وصبيغ‬
‫‪:‬ــ خبر النائحة ‪ ،‬ورد في الكتاب ‪1‬‬
‫‪Un jour, il entend dans une maison la voix d’une pleureuse et, sans même‬‬
‫‪prendre la peine de frapper à la porte, il entre en trombe puis commence à‬‬
‫‪frapper la pauvre femme. Comme il est dans un état second, il ne s’aperçoit pas‬‬
‫« ‪qu’elle a perdu son voile. Quand on lui fait remarquer que la femme s’est‬‬
‫‪dénudée », il hurle à son fils qui l’accompagne : « Frappe-la ! Frappe-la,‬‬
‫‪malheureux ! Elle n’a aucune dignité (hurma) ! Elle ne mérite aucun égard » p :‬‬
‫‪230‬‬
‫‪:‬الخبر األصلي‬
‫لغ‬
‫َ‬ ‫بَ‬‫َّى َ‬
‫َت‬‫با ح‬ ‫َر‬
‫ًْ‬ ‫ْ ض‬‫ِم‬‫ْه‬‫لي‬‫ََ‬‫ل ع‬ ‫ماَ‬‫ََ‬‫َأ‬
‫ه ‪ ،‬ف‬ ‫ُُ‬‫ْر‬‫َي‬‫ه غ‬
‫َُ‬‫مع‬‫َ َ‬ ‫َل‬
‫دخ‬ ‫ْتٍ ‪ ،‬ف‬
‫ََ‬ ‫بي‬‫ِي َ‬
‫ء ف‬ ‫َاٍ‬ ‫بك‬‫َ ُ‬ ‫ْت‬
‫َو‬‫َ ص‬ ‫ِع‬
‫ه سَم‬‫ُْ‬‫َن‬
‫هَّللا ع‬
‫ِيَ ُ‬ ‫َض‬‫ن عمر ر‬ ‫ََّ‬
‫أ‬
‫َ‬
‫مة‬ ‫ُر‬
‫َْ‬ ‫َاَل ح‬ ‫ٌ‬
‫َة و‬‫ِح‬‫َائ‬
‫ها ن‬ ‫نَ‬‫إَّ‬
‫َِ‬‫ْ ف‬‫ِب‬‫ْر‬
‫ل ‪ « :‬اض‬ ‫َاَ‬
‫َق‬‫ُ ‪ ،‬ف‬ ‫ُل‬‫َّج‬
‫ل الر‬ ‫دَ‬‫َع‬
‫ََ‬ ‫ها ‪ ،‬ف‬ ‫َُ‬‫َار‬ ‫َ خِم‬ ‫َ‬
‫َّى سَقط‬‫َت‬‫ها ح‬ ‫بَ‬
‫ََ‬ ‫َر‬
‫َض‬‫َة ف‬‫َ‬ ‫ِح‬‫َّائ‬
‫الن‬
‫ِي‬
‫ْذ‬‫تؤ‬‫ها ُ‬‫نَ‬ ‫ْ ‪ ،‬إ‬
‫َِّ‬ ‫ُم‬‫ِك‬
‫ِم‬‫َاه‬‫در‬‫ِ َ‬
‫ْذ‬‫َخ‬‫َى أ‬‫َل‬‫ها ع‬ ‫موع‬
‫ََ‬ ‫دُ‬ ‫ُ ُ‬‫ِيق‬ ‫هر‬‫تَ‬
‫ها ُ‬‫نَ‬ ‫ْ ‪ ،‬إ‬
‫َِّ‬ ‫ُم‬
‫ِك‬‫ْو‬‫ِشَج‬
‫ِي ب‬ ‫ْك‬‫تب‬‫ها اَل َ‬ ‫نَ‬ ‫ها ‪ ،‬إ‬
‫َِّ‬ ‫َلَ‬
‫ِ ‪،‬‬‫ِه‬‫ُ ب‬‫َ هَّللا‬
‫مر‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫د‬
‫َ ْ َ‬‫َ‬‫ق‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ب‬
‫َِّْ‬‫الص‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫َ َِ‬ ‫ى‬ ‫ه‬‫ْ‬‫ن‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ن‬
‫َّ‬
‫ِ َ‬ ‫إ‬ ‫‪،‬‬ ‫م‬ ‫ِ‬‫ه‬
‫ُ ِ ْ‬‫ر‬ ‫و‬‫د‬ ‫ِي‬
‫ف‬ ‫م‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫ء‬
‫َْ َ ْ‬‫ا‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫َ‬‫أ‬ ‫ِي‬‫ذ‬‫ْ‬‫ؤ‬ ‫ت‬
‫ُ‬‫و‬ ‫م‬‫ِ‬‫ه‬
‫ُ ِ ْ َ‬‫ر‬ ‫و‬‫ب‬ ‫ُ‬
‫ق‬ ‫ِي‬‫ف‬ ‫م‬
‫ْ‬‫ُ‬‫ك‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫ا‬‫َْ َ‬
‫و‬ ‫م‬ ‫أ‬
‫ه‬
‫ُْ‬‫َن‬‫هَّللا ع‬
‫هى ُ‬ ‫نَ‬‫د َ‬ ‫َْ‬
‫َق‬‫ِ ‪ ،‬و‬ ‫َع‬‫َز‬‫ِالج‬ ‫ُ ب ْ‬ ‫مر‬ ‫ْ‬
‫َأُ‬ ‫َت‬
‫‪».‬و‬
‫ما الذي‬
‫دث عن نائحة والنواحة مهنة تستأجر للبكاء وتعداد خصال الميت‪ .‬أّ‬ ‫فالخبر يتحّ‬
‫ّها حرمة بل نائحة‪.‬‬ ‫ّفا بالجلد‪ ،‬ولم يقل إن‬‫ّما رجل قد يكون مكل‬
‫ضرب فليس ابنا لعمر وإن‬
‫ّها « ملك‬‫ن الحرمة اصطالح يقصد به المرأة المحصن التي تكتسب هالة من القداسة ألن‬‫ألّ‬
‫ٌ لسبب جلد هذه المرأة‪ ،‬وهو يندرج في سياق محاربة عمر‬ ‫َ تعليل‬
‫لزوج»‪ .‬ويختم الخبر‬
‫ّها من ممارسات الجاهلية التي تتضارب مع الرؤية لليوم اآلخر في‬ ‫ألعراف كان يعتقد أن‬
‫ّة أخرى نقف عند يقظة عمر الملتزمة بوجوب إرساء دين جديد على نقيض ديانة‬ ‫اإلسالم‪ .‬ومر‬
‫ّ باحث‬
‫‪.‬قديمة كان عليها العرب‪ .‬ويبقى التعليل واالستنتاج من خصائص كل‬
‫ّه صبيغ وليس ‪2 -‬‬
‫الخبر عن صبيغ بن عسل‪ :‬وقد ورد في صفحة ‪ ،227‬مع التنبيه إلى أن‬
‫‪Dhabî‘a‬‬
‫ن عمرا يعاني من حاالت هستيرية‬ ‫دة فعل عمر مع صبيغ ليقنع القارئ بأّ‬ ‫قام التحليل على رّ‬
‫هي أقرب منها إلى الخلل في التوازن الذهني‪ ،‬لينتهي الكتاب إلى اعتباره مصابا بمرض‬
‫الزهايمر‪ .‬بينما الخبر نابع من هاجس بدأت أعراضه منذ وفاة الرسول‪ .‬فالمسألة وثيقة‬
‫دثين والمفسّرين‬
‫دس ‪ .‬وكم استند القدامى من المحّ‬ ‫ّه المقّ‬‫الصلة بعالقة المسلم آنذاك بنص‬
‫ِ‬
‫ِتنة‬‫ء الف‬‫َ‬‫ابتغا‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫من‬ ‫ه‬
‫ََ‬‫ب‬ ‫َشا‬
‫ت‬ ‫ما‬ ‫فيتبعون‬ ‫غ‬
‫ٌ‬ ‫زي‬ ‫م‬‫ه‬
‫ِ‬‫ِ‬‫ب‬ ‫قلو‬ ‫في‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫الذي‬ ‫والفقهاء إلى اآلية‪ »:‬فأما‬
‫ّر هذا المشغل إلى علم من علوم القرآن «‬ ‫ْويله» آل عمران ‪ .7/ 3‬وسيتطو‬ ‫ء تأ‬
‫وابتغاَ‬
‫‪».‬متشابه القرآن‬
‫وما فعله عمر بصبيغ يندرج في هذا السياق‪ .‬يقول أبو بكر األنباري ‪ »:‬وقد كان األئمة‬
‫من السلف يعاقبون من يسأل عن تفسير الحروف المشكالت في القرآن ( حذار فالذاريات في‬
‫نظر المفسّرين من متشابه القرآن ال يجوز البحث في معانيها)؛ ألن السائل إن كان يبغي‬
‫بسؤاله تخليد البدعة وإثارة الفتنة فهو حقيق بالنكير وأعظم التعزير ‪ ،‬وإن لم يكن‬
‫ذلك مقصده فقد استحق العتب بما اجترم من الذنب ‪ ،‬إذ أوجد للمنافقين الملحدين في‬
‫ذلك الوقت سبيال إلى أن يقصدوا ضعفة المسلمين بالتشكيك والتضليل في تحريف القرآن عن‬
‫مناهج التنزيل وحقائق التأويل ‪ .‬فمن ذلك ما حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي أنبأنا‬
‫سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن يزيد بن حازم عن سليمان بن يسار أن صبيغ بن عسل‬
‫ء‪ ،‬فبلغ ذلك عمر ‪ -‬رضي هللا عنه ‪-‬‬
‫قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن وعن أشياَ‬
‫فبعث إليه عمر فأحضره وقد أعد له عراجين من عراجين النخل ‪ .‬فلما حضر قال له عمر ‪:‬‬
‫من أنت ؟ قال ‪ :‬أنا عبد هللا صبيغ ‪ .‬فقال عمر ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ : -‬وأنا عبد هللا عمر ‪ ،‬ثم‬
‫قام إليه فضرب رأسه بعرجون فشجه ‪ ،‬ثم تابع ضربه حتى سال دمه على وجهه ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫حسبك يا أمير المؤمنين فقد وهللا ذهب ما كنت أجد في رأسي ‪ .‬وقد اختلفت الروايات في‬
‫أدبه ‪ .‬ثم إن هللا تعالى ألهمه التوبة وقذفها في قلبه فتاب وحسنت توبته ‪ .‬القرطبي‪،‬‬
‫‪.‬الجامع ‪،‬ج‪،4‬ص‪15‬‬
‫ن األمويين كانوا يشنقون كل‬
‫ّ‬ ‫مالحظة‪ :‬لئن اكتفى عمر بتأديب صبيغ بعراجين من النخل فإّ‬
‫ّ من رام بحثا‬‫ّقون الرؤوس على باب دمشق‪ .‬حتى يعتبر كل‬
‫من سأل عن متشابه القرآن‪ ،‬ويعل‬
‫دة وقد‬
‫ّ‬ ‫الر‬ ‫بأحداث‬ ‫صلة‬ ‫ولها‬ ‫التعقيد‬ ‫غاية‬ ‫في‬ ‫المسألة‬ ‫في متشابه القرآن‪( .‬نفسه)‪ .‬إذن‬
‫ّزت خالفة أبي بكر بمحاربة أهل‬
‫ّت قبائل كثيرة عن الرسول آخر أيامه‪ .‬ولذلك تمي‬ ‫انفض‬
‫دة ‪ ..‬ال غير‬
‫‪.‬الرّ‬
‫‪:‬المسألة الثانية‬
‫‪:‬المنهج في التعامل مع المرويات ومسالك النقل •‬
‫دته وزهده‪ ..‬طيب ولكن إلى أيّ مدى يمكن الوثوق‬ ‫مالحظة‪ :‬المناقب أطنبت في الحديث عن شّ‬
‫ن‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ننسى‬ ‫ال‬ ‫ثم‬ ‫الخبر‪..‬‬ ‫وثوقية‬ ‫هي‬ ‫األساسية‬ ‫النقل‬ ‫في الخبر‪ ،‬ومشكلة التعامل مع مسالك‬
‫ّة بداية من القرن ‪ 2‬هـ‪ .‬فالكتاب‬ ‫ّ الفرق والمذاهب وخاص‬‫صناعة الخبر ازدهرت ونمت نمو‬
‫ّها نتاج‬ ‫ّما هي وحي أنزل‪ ،‬نطق به ثقات الثقات‪ ،‬وغاب عنه أن‬ ‫يتعامل مع هذه األخبار كأن‬
‫ّفات‬
‫ن مصن‬ ‫ّفات المناقب فألّ‬
‫جدل ومواجهات كالمية بين مختلف هذه الفرق‪ .‬فإن ازدهرت مصن‬
‫ّ فريق أن يكون له مصنع إلنتاج الخبر‬ ‫‪.‬الطعون سبقتها ونمت وانتشرت‪ ..‬ووجب على كل‬
‫فالمشكلة األساسية في هذا الكتاب الذي أراد لنفسه أن يكون نابعا من التاريخ وإليه‬
‫ّز انتقائي لصنف من المرويات ال يجمع بينها سلك تاريخي‬
‫يعود تقوم باألساس على تحي‬
‫ناظم‪ ..‬وفي هذه المسألة بالذات أقول‪ :‬لو أراد هذا الكتاب لنفسه أن يولد من رحم‬
‫ن القارئ المختصّ ينسحب ليترك للخيال‬
‫ّة‪ ..‬حتى وإن كانت من صنف القصص التاريخي فإّ‬ ‫القص‬
‫ّمها بإكسير‬‫ّفها ويطع‬
‫حقال خصبا من الخيال في التأليف بين ما يروق له من أخبار ليصن‬
‫ٍ‪ ..‬وال حرج عندئذ أن يجد تشبيها لعمر حتى بباطمان أو أحد أبطال أفالم الرعب‪..‬‬
‫معاصر‬
‫ّس به‬
‫ّه سيكون كتابا لتصحيح التاريخ وما تكل‬‫لكن عندما يقطع الكتاب على نفسه عهدا بأن‬
‫ّي هذه‬
‫ن للمختصّ آالت دقيقة يقارب بها هذه المرويات ‪ ..‬ولك أن تسم‬
‫ّمات ‪ ..‬فإّ‬
‫من مسل‬
‫المقاربة بالبحث في أركيولوجيا التاريخ‪ ..‬ولك أن تعتبرها من مجال اإلسالميات‬
‫دي حتما‬
‫ّ هفوة ستؤّ‬ ‫ّ اختصاص دقيق‪ ..‬وكل‬
‫ّنا نشتغل في لب‬
‫ّ والمختصر أن‬
‫التطبيقية‪ ..‬المهم‬
‫إلى تشويه للتاريخ‪ .‬وهذا ال يرتضيه أحد من أهل االختصاص‪ .‬فهو أشبه بعالم نفس يمسك‬
‫‪..‬مشرطا ليفتح رأس مريض بحثا عن ورم يروم تقليعه‬
‫ّة منها تلك التي استند إليها الكتاب عن زهد عمر‬‫دث بعض األخبار وخاص‬
‫إذن عندما تتحّ‬
‫وشظف عيشه يجب أن نعيد تنزيلها في سياقها التاريخي ‪ ،‬هذا من جهة ومن جهة ثانية أن‬
‫ّفه في بيت مال المسلمين وقد مات وفي عنقه ‪ 86.000‬أجبر‬ ‫ّ عن تصر‬
‫نستحضر تلك التي تتحدث‬
‫أبناؤه على سدادها واعتبرها عثمان دينا‪ ..‬وال يفوتنا في هذا السياق التذكير بالمهر‬
‫ّجها ثماني‬
‫ّ كلثوم ابنة علي وفاطمة ‪ ،‬وكان لها من العمر حين تزو‬ ‫الذي دفعه ألم‬
‫ّه فرض على زيد بن‬
‫درا ب ‪ . 40.000‬وال ننسى أيضا أن‬
‫سنوات؟؟؟ إذ أرسل إليها مهرا مقّ‬
‫ّنت كتب التفسير في تصوير كيفية إجباره‬‫د‪ ،‬وقد تفن‬
‫ثابت أن يدلي بمقالته في ميراث الجّ‬
‫د من‬
‫درة على رأسه‪ .‬ومنذ ذلك التاريخ صار ميراث الجّ‬ ‫وإلزامه بصعود المحراب والّ‬
‫ّة عمر‬‫‪.‬الفرائض التي تعتبر قطعية الداللة‪ ،‬بفضل‪ ...‬در‬
‫ّه المال والدنيا‪ ...‬؟؟؟؟‬
‫والسؤال من أين أتى الزهد عمرا والتاريخ يشهد له بحب‬
‫األخبار التي استند إليها الكتاب تعود في أكثرها إلى سنوات الطاعون التي عاشها‬
‫ّن إلى حدود ‪131‬هـ‪ :‬إذ عاش‬
‫ّ يتلو‬
‫المسلمون طيلة خالفة عمر‪ .‬انتشر عام ‪ 18‬هـ وظل‬
‫ّالت لهذا الطاعون مثل طاعون الجارف وطاعون الفتيات‬
‫‪....‬المسلمون تحو‬
‫ن‬
‫ٌ‪ ،‬وتقول كتب الرجال إّ‬ ‫ٌ‪ ،‬وقحط‬‫ة‪ ،‬وجدب‬ ‫وعام الرمادة‪ ،‬وهو عام طاعون عمواس‪ :‬مجاعٌ‬
‫ة شديدٌ‬
‫َّى جعل الرجل يذبح الشَّاة فيعافها من‬ ‫ِنس‪ ،‬وحت‬
‫ِلى اإل‬
‫َّى جعلت الوحوش تأوي إ‬ ‫اشتد حت‬
‫َّ‬ ‫الجوع‬
‫ً‬
‫ِّيح كانت تسفي ترابا‬ ‫ألن الر‬
‫َّ‬ ‫مادة؛‬ ‫الر‬
‫َّ‬ ‫عام‬ ‫العام‬ ‫هذا‬ ‫ي‬‫وسم‬
‫ِّ‬ ‫ً‪،‬‬
‫ا‬ ‫جوع‬ ‫المواشي‬ ‫وماتت‬ ‫قبحها‪،‬‬
‫ِلى المدينة‪ ،‬يقيمون فيها‪ ،‬أو‬ ‫ُّقمة‪ .‬وهرع الناس من أعماق البادية إ‬ ‫ّت الل‬‫َّماد‪ ،‬فعز‬‫كالر‬
‫ً منها‪ ...‬ومن ضمن التدابير التي اتخذها عمر آنذاك هي التقشّف وتقديم أطعمة لكل‬
‫ّ‬ ‫قريبا‬
‫عابر سبيل‪ .‬وهي عبارة عن خبز وزيت‪ ..‬وفرض على نفسه أن يكون قدوة المسلمين في‬
‫ّة حرصه على الظهور في‬ ‫ّل جميع األخبار التي ترسم في دق‬ ‫هد‪ .‬وفي هذا السياق تتنز‬ ‫التزّ‬
‫ثوب المتقشّف والرافض لنعيم العيش‪ ..‬مثل استنكاره لحمل ابنه بطيخة أمام الناس‪..‬‬
‫ن عمرا أقام المعسكرات‪ ،‬وأمر بإحصاء القادمين إلى المدينة‬ ‫ويروي الطبري في تاريخه أّ‬
‫ِّجال المرضى‪ ،‬والعياالت فكانوا‬ ‫ٍ‪ ،‬وأحصوا الر‬‫ّل قدومهم‪ »:‬فوجدوهم سبعة آالف رجل‬ ‫في أو‬
‫ّفت‬
‫ً»‪ ..‬وفي هذا العام توق‬ ‫ِّين ألفا‬‫ِّجال‪ ،‬والعيال ست‬‫ٍ بلغ الر‬ ‫َّ بعد أيام‬
‫ً‪ ،‬ثم‬‫أربعين ألفا‬
‫ّن الظروف التي كان‬ ‫ُ هذا المثال حتى أبي‬ ‫إقامة الحدود وتطبيق األحكام الفقهية‪ ....‬ذكرت‬
‫دل من أحكامنا ونضع األخبار في‬ ‫القدامى يواجهونها في الجوائح واألوبئة‪ ،‬عسى أن نعّ‬
‫ن عمر بن‬
‫مسارها التاريخي «الحقيقي»‪ ..‬والدراسات كثيرة في هذا المجال‪ ..‬ذاك أّ‬
‫دت الباحثين‪ ..‬وال يوجد مشغل تاريخي أو فقهي أو‬ ‫ّ الشخصيات التي شّ‬ ‫الخطاب من أهم‬
‫ّ بحث يتجاوز هذه الشخصية يعتبر عمال غير‬ ‫تفسيري ال يقف عند األحكام التي أصدرها‪ ..‬وكل‬
‫ديّ‬
‫‪..‬جّ‬
‫ّ في اعتباره‬
‫نقف في الكتاب على جرد لسمات في طبيعة عمر االنفعالية‪ ،‬وهي جميعها تصب‬
‫ّ العوامل التي يسّرت‬
‫ّ هذا المرض كان عامال من أهم‬
‫مة المسلمين‪ ،‬ولعل‬‫شخصية مريضة حكمت أّ‬
‫التواطؤ على قتله!!!! طبعا ال يقدر الباحث المختصّ أن يتجاهل مثل هذه النتائج‪ ،‬وهي‬
‫ّا تركيزا وتحليال‬
‫‪.‬لوحدها تقتضي من‬
‫ّها‬
‫ن بعضا من المالحظات تدفعنا ال إلى القول بأن‬
‫لكن يمكن أن نشير في هذا المقال أّ‬
‫ّة ممارسة النصوص القديمة وافتقار‬ ‫ّها قائمة على قل‬
‫ّما إلى الميل بأن‬‫ساذجة وسطحية وإن‬
‫ّة في الفترة‬
‫إلى معرفة باألعراف التي كانت تبني ثقافة المجتمعات اإلسالمية خاص‬
‫‪:‬التأسيسية‪ .‬وأعطي مثاال‬
‫ن عمر كان ينسى اسم حفيدته‪ ..‬وال يمكن فهم مثل‬ ‫ّب‪ ،‬إلى أّ‬‫وردت اإلشارة‪ ،‬سريعا وفي تعج‬
‫مهات أوالد‪ ،‬باتفاق‬
‫ّج ‪ 10‬نساء وله ‪ 3‬أّ‬ ‫ن عمر تزو‬
‫هذه اإلشارات إالّ إذا استحضرنا أّ‬
‫ّلوا عدد‬
‫الروايات‪ ،‬دون احتساب المختلف فيه‪ ،‬وكان له من األوالد والبنات ‪ ..14‬فتخي‬
‫ُها خاضعة لبنية أفقية أي منتشرة‪،‬‬ ‫َعتب‬
‫ِر‬ ‫األحفاد واستحضروا بنية األسرة اإلسالمية التي أ‬
‫ّبة وغير مجتمعة في‬‫ّة إذا كانت هذه األسرة مرك‬ ‫يغيب فيها التالزم والحضور العائلي‪ ،‬خاص‬
‫مكان واحد( يمكن الرجوع في هذه المسألة إلى كتابي تاريخية التفسير القرآني‬
‫‪.‬والعالقات االجتماعية‪ ،‬فصل» بنية المجتمع اإلسالمي»)‬
‫ّق بشخصية عمر المتأزمة والمريضة خارجا عن السياق‬
‫لذا أعتبر القسم التحليلي المتعل‬
‫ّم والقلق ليس سوى ذلك الخليفة الذي اعتقد في بداية‬
‫العلمي والتاريخي‪ ..‬فعمر المتأز‬
‫ّه هزم المرتدين والمنافقين فإذا به يواجه جوائح أهدتها إليه الطبيعة‪ ،‬وكم‬ ‫خالفته أن‬
‫ّا‬
‫ن دينه الجديد ال يزال غض‬
‫ّة أّ‬
‫‪.‬كان يخشى أن تكون نذير غضب من هللا‪ ..‬خاص‬
‫ّ‪ ،‬والعداوة‪ ..‬فهل‬
‫ن الخالفة الراشدة وما تالها من الخالفات قامت على الدم‬
‫ّا أّ‬
‫وال يغيب عن‬
‫!!نعتبر جميع الخلفاء مصابين بالزهايمر؟‬

You might also like