You are on page 1of 166

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني‪.

‬‬

‫أما بعد ‪:‬‬ ‫التوفيق لخريي الدنيا واآلخرة ‪.‬‬


‫َ‬ ‫فأسأل اهلل جل وعال لنا ولكم‬

‫[ الترحيب بالطالب ]‬

‫فأرحب بالطالب الكرام يف أول حماضرة هلم يف مقرر املدخل لعلوم احلديث الشريف ‪،‬‬
‫سمي الشريعة والدراسات القرآنية ‪ ،‬أسأل اهلل ‪ -‬جل‬
‫الذي ُقِّرر يف الفصل األول من ِق َ‬
‫هتدين ‪.‬‬
‫وعال ‪ -‬أن جيعلكم موفَّقني مبارَكني ‪ ،‬وأن جيعلكم هداةً مُ َ‬

‫[ أهمية طلب العلم ]‬

‫ويف مقدمة هذه احملاضرة أشري إىل أمهية طلب العلم وفضله ؛ وذلك أنَّ اهلل ‪ -‬جل وعال ‪-‬‬
‫مكانة أهله ‪.‬‬
‫ورفع َ‬‫قد رغَّب يف طلب العلم ‪َ ،‬‬

‫[ أدلة الترغيب في طلب العلم وفضله]‬

‫ما سهَّل اهلل له به‬


‫تمس عِْل ً‬
‫ج ْيل ِ‬
‫يقول النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " : -‬مَن َخَر َ‬ ‫‪-1‬‬
‫اجلنة " ‪.‬‬
‫طريقا إىل ّ‬
‫ً‬

‫لما فهو يف‬ ‫‪ -2‬ويقول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " : -‬مَن سَلك ً‬
‫طريقا يبتغي فيه عِ ً‬
‫سبيل اهلل حىت يرجع " ‪ ،‬وجاء يف احلديث ‪ ،‬يف عدة أحاديث الرتغيبُ يف ِ‬
‫طلب‬
‫منزلتهم ‪.‬‬
‫مكانة العلماء وأعلى َ‬
‫رفَع َ‬‫ومكانة أهله ؛ وذلك أنَّ اهلل عز وجل َ‬
‫ِ‬ ‫العلم‬

‫‪ -3‬قال ‪ -‬جل وعال ‪ُ ( : -‬قْل َه ْل َيْس َتِو ي اَّلِذيَن َيْع َلُم وَن َو اَّلِذيَن اَل َيْع َلُم وَن ِإَمَّنا‬
‫َيَتَذ َّك ُر ُأْو ُلوا اَأْلْلَباِب )‪ ،‬الزمر‪. 9‬‬
‫ِع‬ ‫َّلِذ‬ ‫ِم‬ ‫َّل َّلِذ‬
‫‪ -4‬ويقول ‪ -‬سبحانه وتعاىل ‪َ ﴿ : -‬يْر َفِع ال ُه ا يَن آَم ُنوا نُك ْم َو ا يَن ُأوُتوا اْل ْلَم‬
‫َدَرَج اٍت َو الَّلُه َمِبا َتْع َم ُلوَن َخ ِبٌري ﴾ ‪،‬اجملادلة‪. 11‬‬

‫‪ -5‬واستشهد اهلل هبم يف مواطن عديدة ‪ ,‬استشهد هبم يف يوم القيامة على اخلالئق ‪،‬‬
‫واستشهد هبم على شهادة التوحيد ‪ ،‬شهادةِ أنْ الإله إال اهلل ‪ ,‬بل إنَّ اهلل ‪ -‬عز‬
‫بالرجوع إليهم‪ ،‬وسؤاهلم عَّما يُشكِل على اإلنسان من مسائله‬
‫وجل ‪ -‬أمر ُّ‬
‫وأحكامه الشرعية ‪:‬‬
‫ِ‬

‫[ أدلة األمر بالرجوع إلى العلماء ]‬

‫يقول اهلل ‪ -‬جل وعال ‪َ ﴿ : -‬فاْس َأُلوْا َأْه َل الِّذ ْك ِر ِإن ُك نُتْم َال َتْع َلُم وَن ﴾ ‪،‬‬ ‫‪-1‬‬
‫النحل‪. 43‬‬

‫ويقول ‪ -‬سبحانه وتعاىل ‪َ { : -‬و ِإَذا َج اءُه ْم َأْم ٌر ِّم َن اَألْم ِن َأِو اَخْلْو ِف َأَذاُعوْا ِبهِ‬ ‫‪-2‬‬
‫َو َلْو َر ُّدوُه ِإىَل الَّر ُس وِل َو ِإىَل ُأْو يِل اَألْم ِر ِم ْنُه ْم َلَعِلَم ُه اَّلِذيَن َيْس َتنِبُطوَنُه ِم ْنُه ْم َو َلْو َال‬
‫َفْض ُل الّلِه َعَلْيُك ْم َو َر َمْحُتُه َالَّتَبْع ُتُم الَّش ْيَطاَن ِإَّال َقِليًال } ‪ ،‬النساء‪. 83‬‬

‫[ معنى اآلية الكريمة ]‬

‫يعين اتبعتم الشيطانَ برتكِ الرجوع إىل أهل العلم ‪.‬‬

‫[ الحث على االستفادة من وسائل االتصال الحديثة ]‬

‫الوسائل اليت يتمكن ُ‬


‫الناس‬ ‫ُ‬ ‫دت‬
‫تعد ْ‬
‫ومن فضل اهلل عز وجل ‪ -‬يف زماننا احلاضر ‪ -‬أنْ َّ‬
‫الرجوع إىل العلماء ‪:‬‬
‫بواسطتها مِن ّ‬

‫‪ ‬فهذه اهلواتفُ اليت أصبحت بأيدي مجيع الناس ‪ ،‬يتمكّنُون مِن مُكالَمة عُ ِ‬
‫لماء‬
‫الشريعة من أي مكان يوجدون فيه ‪،‬‬
‫واإلذاعية ‪ ،‬اليت جتعل الناس يتمكّنُون‬
‫ُ‬ ‫القنوات التلفزيونية‬
‫ُ‬ ‫‪ ‬وهكذا ُوِج ْ‬
‫دت هذه‬
‫راجعة أهلِ العلم ومساعِ أقواهلم ‪ ،‬ومعرفةِ األحكام الشرعية املتعلقة بأفعاهلم‬
‫من مُ ِ‬
‫‪,‬‬

‫شبكة املعلومات " الانرتنت " ‪،‬‬


‫العالميَُّة ُ‬
‫ويف هذه السنوات ُوجدتْ هذه الشبكةُ َ‬ ‫‪‬‬
‫يوتات والدولِ‬
‫نفوذ يف كثري من البُ ِ‬
‫العالم أمجع ‪ ،‬وأصبح هلا ٌ‬
‫اليت انتشرت يف َ‬
‫الرُجوعِ ‪ -‬بواسطة هذه الشبكة ‪ -‬إىل أهل‬
‫واملناطق ‪ ،‬حبيث يتمكُّن املرءُ مَِن ُّ‬
‫ِ‬
‫الل مُراسََلتِهم‬
‫العلم ‪ ،‬من خالل مواقعهم اليت توجد يف الانرتنت ‪ ،‬أو مِْن ِخ ِ‬
‫استغاللها يف نشر‬
‫ُ‬ ‫الوسيلة اجلديدةَ يُمكِن‬
‫َ‬ ‫بالربيد الالكرتوين ‪ ،‬فلذلك فإنَّ هذه‬
‫ٍّ‬
‫شرعي‬ ‫علم‬
‫اس إىل ربِّهم بطلب ٍ‬
‫ب النَّ ُ‬
‫تقر َ‬
‫وجعلها وسيلةً َألْن يَ َّ‬
‫الشرعي ‪ِ ،‬‬
‫العلم َّ‬
‫أعظم الثواب ‪ ،‬وهذه الوسيلة متعددة اجلوانب‬
‫ويثابون عليه َ‬
‫يُْؤَجُرون عليه ‪ُ ،‬‬
‫وليست على جانب واحد ‪.‬‬

‫ومما ميكن استغالل هذه الوسيلة اجلديدة يف طلب العلم ‪.‬‬

‫[ من مظاهر االستفادة من االنرتنت يف طلب العلم ‪ :‬إنشاء جامعة المعرفة ]‬

‫تقربوا‬
‫إخوة لنا ‪َّ -‬‬
‫ومما ميكن أن تستغل به هذه الوسيلة اجلديدة يف طلب العلم ‪ -‬ما قام به ٌ‬
‫إىل اهلل عز وجل مبحبتهم ومبعرفة ما يبذلونه من جهود يف نشر دين اإلسالم وتعميم‬
‫أحكامه على الناس أمجعني ‪ -‬من خالل إنشاء هذه اجلامعة الطيبة املباركة " جامعة المعرفة‬
‫العالمية "‬

‫[ رسالة جامعة المعرفة العالمية ]‬

‫الناس منها يف دنياهم وآخرهتم ‪ ،‬وهي‬


‫ُ‬ ‫فهي جامعة تتوىل تدريس العلوم اليت يستفيد‬
‫عاملية ليست مقتصرة على بلد دون بلد ‪ ،‬بل ليست مقتصرة على لغة دون لغة أخرى ‪.‬‬
‫[ شكر الشيخ للقائمين على الجامعة ]‬

‫ومن هنا فإنين أتقدم بالشكر اجلزيل للقائمني على هذه اجلامعة الطيبة " جامعة المعرفة "‬
‫ي الدنيا واآلخرة ‪ ،‬وأن جيعلهم أئمةً وهداةً يهتدي ُ‬
‫الناس‬ ‫خلري ْ‬
‫داعيا اهلل عز وجل أن يوفقَهم َ‬
‫ً‬
‫هبديهم وسَْمتهم ‪.‬‬

‫أساسا من بالد احلرمني اململكة العربية السعودية اليت هيأ اهلل هلا قادةَ‬
‫ً‬ ‫فهذه اجلامعة نشأت‬
‫صدقٍ ‪ ،‬يف مقدمتهم خادم احلرمني الشريفني امللك عبد اهلل بن عبد العزيز آل سعود ‪.‬‬

‫[ الرئيس الشرفي للجامعة هو سمو ولي العهد ]‬

‫تشرفت بأن يكون مسو ويل عهده صاحب‬


‫ومن فضل اهلل عز وجل على هذه اجلامعة أن َّ‬
‫شرفيا أعلى هلذه اجلامعة ‪ ،‬ومسوه ال‬
‫السمو امللكي األمري سلطان بن عبد العزيز رئيساً ً‬
‫إعانة للمسلمني يف‬
‫زال يُعرف خبدمة دين اإلسالم ‪ ،‬وببذل أقصى اجلهود يف كل ما فيه ٌ‬
‫مشارق األرض ومغارهبا ‪.‬‬

‫[ رئيس أمناء الجامعة هو سماحة المفتي العام ]‬

‫عرفون‬
‫خنبة ممن يُ َ‬
‫يضم ً‬‫جملس أمناء ُّ‬
‫ومن فضل اهلل عز وجل على هذه اجلامعة أن جعل هلا َ‬
‫املؤصل ‪ ،‬ومل يقتصروا على بلد واحد بل‬
‫عرفون بالعلم َّ‬
‫خبدمة هذه الشريعة ‪ ،‬وممن يُ َ‬
‫رئيس إمام يقتدى به يف اخلري‬
‫تعددت بلداهنم واختلفت أقاليمهم ‪ ،‬وعلى جملس األمناء ٌ‬
‫هو مساحة الشيخ عبد العزيز بن عبد اهلل بن محمد آل الشيخ وهو من املعروفني‬
‫خبدمة دين اهلل عز وجل على كافة األصعدة ‪ ،‬وقد بذل من نفسه ‪ -‬وفقه اهلل ‪ -‬وجعل‬
‫جزءا كبرياً من وقته يف تعليم علوم الشريعة ‪ :‬سواء بواسطة قنوات اإلتصال العديدة ‪،‬‬
‫ً‬
‫أو من خالل قنوات اإلعالم املختلفة ‪ ،‬وقد عرفته ‪ -‬وفقه اهلل ‪ -‬عن قرب ‪ ،‬فعرفت عنه‬
‫جدير أن يكون ممن يقتدى به يف‬
‫والعلم اجلم ‪ ،‬فمثله ٌ‬
‫َ‬ ‫واخللق الرفيع ‪،‬‬
‫اجلم ‪ُ ،‬‬
‫األدب َّ‬
‫اخلري ‪.‬‬

‫ومن فضل اهلل عز وجل عليَّ أن طلب مين اإلخوةُ القائمون على هذه اجلامعة املباركة‬
‫أدرس مقرر المدخل لعلوم‬
‫إيل أن َّ‬
‫مقرراهتا ‪ ،‬فكان مما أوكل َّ‬
‫شيئا من ّ‬
‫أدرس ً‬
‫أن ِّ‬
‫الحديث ‪.‬‬

‫[ فوائد دراسة ُمقَّر ر المدخل لعلوم الحديث ]‬

‫أمثلة‬
‫مجة كثرية ‪ ،‬وأنا أضرب ً‬
‫فوائد َّ‬
‫وهذا املقرر مقرر طيب نافع ‪ ،‬يستفيد اإلنسان منه َ‬
‫دارس هذا املدخل ‪:‬‬
‫للفوائد اليت حيصل عليها ُ‬

‫[ الفائدة األولى ] ‪:‬‬

‫فأول هذه الفوائد ‪:‬‬

‫معرفةُ مصطلحات المحدِّثين ؛ فإننا ُّ‬


‫منر ‪ -‬يف أثناء قراءتنا ألي كتابٍ علميٍ ‪-‬‬
‫الفرق بينَها ‪ ،‬وال‬
‫املصطلحات ‪ ،‬وال منيُِّز َ‬
‫ِ‬ ‫مبصطلحات حديثيٍَّة كثريةٍ ‪ ،‬وال نفقَُه هذه‬
‫ٍ‬
‫إشكال كبري ‪ ،‬وال تتبني لنا‬
‫ٍ‬ ‫قع يف‬
‫املصطلحات ‪ ،‬ومِن ثََّم نَ ُ‬
‫ِ‬ ‫مراد أهلِ العلم هبذه‬
‫نعرف َ‬
‫ُ‬
‫وجهها الصحيح‪.‬‬
‫املسألةُ على ِ‬

‫[ أمثلة على المصطلحات الحديثية ]‬

‫أمثلة لذلك ‪:‬‬


‫مثاال أو ً‬
‫وأنا أضرب ً‬

‫جند أهلَ العلم يقولون ‪ :‬هذا صحيح ‪ ،‬وهذا حسن ‪ ،‬وهذا ضعيف ‪ ،‬وهذا مُنكَر‬ ‫‪‬‬
‫‪ .‬فما الفرق بني هذه املصطلحات ؟‬
‫صحيحا لذاته ‪ ،‬وصحيحاً لغريه ‪ ،‬وجنِد ‪ :‬مُتَواتًِرا ‪ ،‬ومشهوراً ‪ ،‬وعزيزاً ‪،‬‬
‫ً‬ ‫‪ ‬ثُم ِجند ‪:‬‬
‫وغريبا ‪ .‬فما الفرق بني هذه املصطلحات‪.‬‬
‫ً‬

‫الشاذ‬
‫املقلوب ) ‪ ،‬و( َّ‬
‫وكلمة ( ُ‬
‫َ‬ ‫وكلمة ( املَُّعلل ) ‪،‬‬
‫َ‬ ‫كلمة ( التدليس ) ‪،‬‬
‫مث جند ‪َ :‬‬ ‫‪‬‬
‫املنقطع )‪ ،‬و( املوقوف ) ‪,‬‬
‫)‪ ،‬و( املُنكَر )‪ ،‬و( املقطوع ) ‪ ،‬و( ِ‬

‫يتكلمون هبا يف ُكِتبهم ‪ً ،‬‬


‫سواء‬ ‫جند أهلَ العلم َّ‬
‫الكلمات الكثريةِ اليت ُ‬
‫ِ‬ ‫إىل غري ذلك من‬
‫صولية ‪ ،‬أو ُكتُباً ِفقهيَّة ‪ ،‬أو مِن ُكتبِ التفسري ‪ ،‬أو‬
‫تبا أُ َّ‬
‫كانت ُكتُباً حديثية ‪ ،‬أو ُك ً‬
‫غريها من العلوم ‪.‬‬
‫ِ‬

‫عد‬
‫( املَُّعلق ) مع بُ ِ‬ ‫يفرُقون بني كلمة ( املُعَنْعَْن ) و‬
‫جد بعضَ النَّاس ال ِّ‬
‫فمثالً ‪ :‬نَ ُ‬
‫الفَْرقِ بينهما ‪،‬‬

‫يعرفون معىن ( احلديثِ العايل ) و ( احلديثِ‬


‫فرقون ‪ ،‬أو ال ِ‬
‫وكذلك ِجندهم ال يُ ِّ‬
‫النازل ) ‪،‬‬

‫الشاهد ) ‪،‬‬
‫يفرقون بني ( املُتابعة ) و( َّ‬
‫وال ِّ‬

‫املصحح ) وحنو ذلك من‬


‫سلسل ) و( ّ‬
‫وال يعرفون معىن كلمة ( املُدرَج ) و( املُ ْ‬
‫يتكلم هبا أهلُ العلم ‪،‬‬
‫املصطلحات احلديثية اليت ّ‬

‫املراد هبا ‪ ،‬ونتمكَّن مِن‬


‫ف َ‬ ‫فعند دراستنا هلذا املدخل منيِّز هذه املصطلحات ‪ِ ،‬‬
‫ونعر ُ‬
‫أي علم ‪.‬‬
‫فن ‪ ،‬ويف ِّ‬
‫أي ِّ‬
‫هم كالم أهلِ العلم يف ِّ‬
‫َف ِ‬

‫[ الفائدة الثانية ] ‪:‬‬

‫علماء‬
‫اجلهود العظيمة اليت بذهلا ُ‬
‫َ‬ ‫النبوية ‪ ،‬وذلك أنَّ املرءَ عندما يُ ِ‬
‫طالع تلك‬ ‫بالسنة َّ‬
‫الثقةُ ُّ‬
‫جيد أنَّ‬
‫صحيحها وضعيفِها ‪ُ -‬‬
‫ِ‬ ‫احملافظة عليها ‪ :‬يف التمييز بني‬
‫ِ‬ ‫السنَّة ‪ ،‬ويف‬
‫دمة ُ‬
‫الشريعة يف ِخ ِ‬
‫ثقة هبذه السنة النبوية ‪،‬‬
‫الدقة ‪ ،‬ومِن ثََّم يكن عنده ٌ‬
‫بالغة ِّ‬
‫بالغة ‪َ ،‬‬
‫اجلهود جهوداً عظيمةً ً‬
‫َ‬ ‫هذه‬
‫وجد يف هذه السنة ماهو موضوعٌ أو ما هو مكذوب مث ال يتبني علماء‬
‫وأنَّه ال ميكن أن يُ َ‬
‫الشريعة علماء السنة ذلك وال مييزوه للناس ‪.‬‬

‫[ الفائدة الثالثة ] ‪:‬‬

‫السنة‬
‫مصادر ُّ‬
‫ِ‬ ‫اإلنسان على‬
‫ُ‬ ‫دراسة هذا املدخل ‪ :‬أن يتعرَّف‬
‫ِ‬ ‫فائدة أخرى ‪ ,‬من ِ‬
‫فوائد‬
‫النبوية ‪.‬‬
‫َّ‬

‫السنة ‪ ،‬و جندهم يقولون ‪ :‬رواه البخاري ‪،‬‬


‫مصادر ُّ‬
‫َ‬ ‫فإننا جند كثرياً من أهل العلم يذكرون‬
‫معرفة معناها ‪،‬‬
‫رواه الرتمذي ‪ ،‬رواه الدارقطين ‪ ،‬إىل غري ذلك من الكلمات اليت ال بَُّد من ِ‬
‫املصدر الذي نُسبَ إليه‬
‫ِ‬ ‫رجع فيه للتمييز بني هذه األلفاظ ‪ ،‬ومعرفةِ‬
‫ومعرفةِ الكتاب الذي يُ َ‬
‫من أجله هذا احلديث إىل البخاري أو إىل مسلم أو إىل غريمها ومن مث منيز مراتب هذه‬
‫الكتب ونعرف منهج كل كتاب منها ويكون عندنا رابطة وعالقة بيننا وبني هذه الكتب‬
‫اليت هلا مكانتها ومنزلتها وال زالت األمة من عهودها األوىل إىل عصرنا احلاضر توليها عناية‬
‫خاصة ومن خالل ذلك يكون عندنا دربة نتمكن بواسطتها من حسن التعامل مع هذه‬
‫الكتب ومعرفة كيفية الرجوع إليها ‪.‬‬

‫[ الفائدة الرابعة ] ‪:‬‬

‫الطرق التي يتمكَّن‬


‫ِ‬ ‫اإلنسان على‬
‫ُ‬ ‫فائدة أُخرى من فوائد دراسة هذا املدخل ‪ :‬أن يتدرَّب‬
‫ٌ‬
‫النبوية مِن المردود ‪.‬‬
‫المقبول من األحاديث َّ‬
‫ِ‬ ‫بها مِن معرفةِ‬

‫كم على األحاديث‬


‫ونميُِّزها ‪ ،‬ونتمكَّن ‪ -‬بواسطتها ‪ -‬مِن احلُ ِ‬
‫القواعد ‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫ف هذه‬ ‫فعندما ِ‬
‫نعر ُ‬
‫للتمييز بني املقبولِ من األحاديث النبوية من املردود‪.‬‬
‫ِ‬ ‫حينئذ قدرةٌ‬
‫‪ -‬يكون عندنا ٍ‬
‫هذا شيء من فوائد دراسة هذا املدخل ‪ ،‬وبإذن اهلل عز وجل أدخل اآلن إىل املوضوع‬
‫األول من موضوعات املدخل وهو مكانة السنة النبوية ‪.‬‬

‫[ االفتتاحية ]‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني‪.‬‬

‫أما بعد ‪:‬‬ ‫التوفيق يف خريي الدنيا واآلخرة ‪.‬‬


‫َ‬ ‫فأسأل اهلل جل وعال لنا ولكم‬

‫[ الترحيب بالطالب ]‬

‫فأرحب بالطالب الكرام يف أول حماضرة هلم يف مقرراملدخل لعلوم احلديث الشريف ‪ ،‬الذي‬
‫سمي الشريعة والدراسات القرآنية ‪ ،‬أسأل اهلل ‪ -‬جل وعال ‪-‬‬
‫ُقِّرر يف الفصل األول من ِق َ‬
‫هتدين ‪.‬‬
‫أن جيعلكم موفَّقني مبارَكني ‪ ،‬وأن جيعلكم هداةً مُ َ‬

‫[ أهمية طلب العلم ]‬

‫ويف مقدمة هذه احملاضرة أشري إىل أمهية طلب العلم وفضله ؛ وذلك أنَّ اهلل ‪ -‬جل وعال ‪-‬‬
‫مكانة أهله ‪.‬‬
‫ورفع َ‬‫قد رغَّب يف طلب العلم ‪َ ،‬‬

‫[ أدلة الترغيب في طلب العلم وفضله]‬

‫ما سهَّل اهلل له به‬


‫تمس عِْل ً‬
‫ج ْيل ِ‬
‫يقول النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " : -‬مَن َخَر َ‬ ‫‪-6‬‬
‫اجلنة " ‪.‬‬
‫طريقا إىل ّ‬
‫ً‬

‫لما فهو يف‬ ‫‪ -7‬ويقول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " : -‬مَن سَلك ً‬
‫طريقا يبتغي فيه عِ ً‬
‫سبيل اهلل حىت يرجع " ‪ ،‬وجاء يف احلديث ‪ ،‬يف عدة أحاديث الرتغيبُ يف ِ‬
‫طلب‬
‫منزلتهم ‪.‬‬
‫مكانة العلماء وأعلى َ‬
‫رفَع َ‬‫ومكانة أهله ؛ وذلك أنَّ اهلل عز وجل َ‬
‫ِ‬ ‫العلم‬
‫‪ -8‬قال ‪ -‬جل وعال ‪ُ ( : -‬قْل َه ْل َيْس َتِو ي اَّلِذيَن َيْع َلُم وَن َو اَّلِذيَن اَل َيْع َلُم وَن ِإَمَّنا‬
‫َيَتَذ َّك ُر ُأْو ُلوا اَأْلْلَباِب )‪ ،‬الزمر‪. 9‬‬

‫ِع‬ ‫َّلِذ‬ ‫ِم‬ ‫َّل َّلِذ‬


‫‪ -9‬ويقول ‪ -‬سبحانه وتعاىل ‪َ ﴿ : -‬يْر َفِع ال ُه ا يَن آَم ُنوا نُك ْم َو ا يَن ُأوُتوا اْل ْلَم‬
‫َدَرَج اٍت َو الَّلُه َمِبا َتْع َم ُلوَن َخ ِبٌري ﴾ ‪،‬اجملادلة‪. 11‬‬

‫‪ -10‬واستشهد اهلل هبم يف مواطن عديدة ‪ ,‬استشهد هبم يف يوم القيامة على اخلالئق ‪،‬‬
‫واستشهد هبم على شهادة التوحيد ‪ ،‬شهادةِ أنْ الإله إال اهلل ‪ ,‬بل إنَّ اهلل ‪ -‬عز‬
‫بالرجوع إليهم‪ ،‬وسؤاهلم عَّما يُشكِل على اإلنسان من مسائله‬
‫وجل ‪ -‬أمر ُّ‬
‫وأحكامه الشرعية ‪:‬‬
‫ِ‬

‫[ أدلة األمر بالرجوع إلى العلماء ]‬

‫يقول اهلل ‪ -‬جل وعال ‪َ ﴿ : -‬فاْس َأُلوْا َأْه َل الِّذ ْك ِر ِإن ُك نُتْم َال َتْع َلُم وَن ﴾ ‪،‬‬ ‫‪-3‬‬
‫النحل‪. 43‬‬

‫ويقول ‪ -‬سبحانه وتعاىل ‪َ { : -‬و ِإَذا َج اءُه ْم َأْم ٌر ِّم َن اَألْم ِن َأِو اَخْلْو ِف َأَذاُعوْا ِبهِ‬ ‫‪-4‬‬
‫َو َلْو َر ُّدوُه ِإىَل الَّر ُس وِل َو ِإىَل ُأْو يِل اَألْم ِر ِم ْنُه ْم َلَعِلَم ُه اَّلِذيَن َيْس َتنِبُطوَنُه ِم ْنُه ْم َو َلْو َال‬
‫َفْض ُل الّلِه َعَلْيُك ْم َو َر َمْحُتُه َالَّتَبْع ُتُم الَّش ْيَطاَن ِإَّال َقِليًال } ‪ ،‬النساء‪. 83‬‬

‫[ معنى اآلية الكريمة ]‬

‫يعين اتبعتم الشيطانَ برتكِ الرجوع إىل أهل العلم ‪.‬‬

‫[ الحث على االستفادة من وسائل االتصال الحديثة ]‬

‫الوسائل اليت يتمكن ُ‬


‫الناس‬ ‫ُ‬ ‫دت‬
‫تعد ْ‬
‫ومن فضل اهلل عز وجل ‪ -‬يف زماننا احلاضر ‪ -‬أنْ َّ‬
‫الرجوع إىل العلماء ‪:‬‬
‫بواسطتها مِن ّ‬
‫‪ ‬فهذه اهلواتفُ اليت أصبحت بأيدي مجيع الناس ‪ ،‬يتمكّنُون مِن مُكالَمة عُ ِ‬
‫لماء‬
‫الشريعة من أي مكان يوجدون فيه ‪،‬‬

‫واإلذاعية ‪ ،‬اليت جتعل الناس يتمكّنُون‬


‫ُ‬ ‫القنوات التلفزيونية‬
‫ُ‬ ‫‪ ‬وهكذا ُوِج ْ‬
‫دت هذه‬
‫راجعة أهلِ العلم ومساعِ أقواهلم ‪ ،‬ومعرفةِ األحكام الشرعية املتعلقة بأفعاهلم‬
‫من مُ ِ‬
‫‪,‬‬

‫شبكة املعلومات " الانرتنت " ‪،‬‬


‫العالميَُّة ُ‬
‫ويف هذه السنوات ُوجدتْ هذه الشبكةُ َ‬ ‫‪‬‬
‫يوتات والدولِ‬
‫نفوذ يف كثري من البُ ِ‬
‫العالم أمجع ‪ ،‬وأصبح هلا ٌ‬
‫اليت انتشرت يف َ‬
‫الرُجوعِ ‪ -‬بواسطة هذه الشبكة ‪ -‬إىل أهل‬
‫واملناطق ‪ ،‬حبيث يتمكُّن املرءُ مَِن ُّ‬
‫ِ‬
‫الل مُراسََلتِهم‬
‫العلم ‪ ،‬من خالل مواقعهم اليت توجد يف الانرتنت ‪ ،‬أو مِْن ِخ ِ‬
‫استغاللها يف نشر‬
‫ُ‬ ‫الوسيلة اجلديدةَ يُمكِن‬
‫َ‬ ‫بالربيد الالكرتوين ‪ ،‬فلذلك فإنَّ هذه‬
‫ٍّ‬
‫شرعي‬ ‫علم‬
‫اس إىل ربِّهم بطلب ٍ‬
‫ب النَّ ُ‬
‫تقر َ‬
‫وجعلها وسيلةً َألْن يَ َّ‬
‫الشرعي ‪ِ ،‬‬
‫العلم َّ‬
‫أعظم الثواب ‪ ،‬وهذه الوسيلة متعددة اجلوانب‬
‫ويثابون عليه َ‬
‫يُْؤَجُرون عليه ‪ُ ،‬‬
‫وليست على جانب واحد ‪.‬‬

‫ومما ميكن استغالل هذه الوسيلة اجلديدة يف طلب العلم ‪.‬‬

‫[ من مظاهر االستفادة من االنترنت في طلب العلم ‪ :‬إنشاء جامعة المعرفة ]‬

‫تقربوا‬
‫إخوة لنا ‪َّ -‬‬
‫ومما ميكن أن تستغل به هذه الوسيلة اجلديدة يف طلب العلم ‪ -‬ما قام به ٌ‬
‫إىل اهلل عز وجل مبحبتهم ومبعرفة ما يبذلونه من جهود يف نشر دين اإلسالم وتعميم‬
‫أحكامه على الناس أمجعني ‪ -‬من خالل إنشاء هذه اجلامعة الطيبة املباركة " جامعة المعرفة‬
‫العالمية "‬

‫[ رسالة جامعة المعرفة العالمية ]‬


‫الناس منها يف دنياهم وآخرهتم ‪ ،‬وهي‬
‫ُ‬ ‫فهي جامعة تتوىل تدريس العلوم اليت يستفيد‬
‫عاملية ليست مقتصرة على بلد دون بلد ‪ ،‬بل ليست مقتصرة على لغة دون لغة أخرى ‪.‬‬

‫[ شكر الشيخ للقائمين على الجامعة ]‬

‫ومن هنا فإنين أتقدم بالشكر اجلزيل للقائمني على هذه اجلامعة الطيبة " جامعة المعرفة "‬
‫ي الدنيا واآلخرة ‪ ،‬وأن جيعلهم أئمةً وهداةً يهتدي ُ‬
‫الناس‬ ‫خلري ْ‬
‫داعيا اهلل عز وجل أن يوفقَهم َ‬
‫ً‬
‫هبديهم وسَْمتهم ‪.‬‬

‫أساسا من بالد احلرمني اململكة العربية السعودية اليت هيأ اهلل هلا قادةَ‬
‫ً‬ ‫فهذه اجلامعة نشأت‬
‫صدقٍ ‪ ،‬يف مقدمتهم خادم احلرمني الشريفني امللك عبد اهلل بن عبد العزيز آل سعود ‪.‬‬

‫[ الرئيس الَّش رفي للجامعة هو سمو ولي العهد ]‬

‫تشرفت بأن يكون مسو ويل عهده صاحب‬


‫ومن فضل اهلل عز وجل على هذه اجلامعة أن َّ‬
‫السمو الملكي األمير سلطان بن عبد العزيز رئيساً ً‬
‫شرفيا أعلى هلذه اجلامعة ‪ ،‬ومسوه‬
‫إعانة للمسلمني‬
‫ال زال يُعرف خبدمة دين اإلسالم ‪ ،‬وببذل أقصى اجلهود يف كل ما فيه ٌ‬
‫يف مشارق األرض ومغارهبا ‪.‬‬

‫[ رئيس أمناء الجامعة هو سماحة المفتي العام ]‬

‫عرفون‬
‫خنبة ممن يُ َ‬
‫يضم ً‬‫جملس أمناء ُّ‬
‫ومن فضل اهلل عز وجل على هذه اجلامعة أن جعل هلا َ‬
‫املؤصل ‪ ،‬ومل يقتصروا على بلد واحد بل‬
‫عرفون بالعلم َّ‬
‫خبدمة هذه الشريعة ‪ ،‬وممن يُ َ‬
‫إمام يقتدى به يف اخلري‬
‫رئيس ٌ‬
‫تعددت بلداهنم واختلفت أقاليمهم ‪ ،‬وعلى جملس األمناء ٌ‬
‫هو مساحة الشيخ عبد العزيز بن عبد اهلل بن محمد آل الشيخ وهو من املعروفني‬
‫خبدمة دين اهلل عز وجل على كافة األصعدة ‪ ،‬وقد بذل من نفسه ‪ -‬وفقه اهلل ‪ -‬وجعل‬
‫جزءا كبرياً من وقته يف تعليم علوم الشريعة ‪ :‬سواء بواسطة قنوات اإلتصال العديدة ‪،‬‬
‫ً‬
‫أو من خالل قنوات اإلعالم املختلفة ‪ ،‬وقد عرفته ‪ -‬وفقه اهلل ‪ -‬عن قرب ‪ ،‬فعرفت عنه‬
‫جدير أن يكون ممن يقتدى به يف‬
‫والعلم اجلم ‪ ،‬فمثله ٌ‬
‫َ‬ ‫واخللق الرفيع ‪،‬‬
‫اجلم ‪ُ ،‬‬
‫األدب َّ‬
‫اخلري ‪.‬‬

‫ومن فضل اهلل عز وجل عليَّ أن طلب مين اإلخوةُ القائمون على هذه اجلامعة املباركة‬
‫أدرس مقرر المدخل لعلوم‬
‫إيل أن َّ‬
‫مقرراهتا ‪ ،‬فكان مما أوكل َّ‬
‫شيئا من ّ‬
‫أدرس ً‬
‫أن ِّ‬
‫الحديث ‪.‬‬

‫[ فوائد دراسة ُمقَّر ر المدخل لعلوم الحديث ]‬

‫أمثلة‬
‫مجة كثرية ‪ ،‬وأنا أضرب ً‬
‫فوائد َّ‬
‫وهذا املقرر مقرر طيب نافع ‪ ،‬يستفيد اإلنسان منه َ‬
‫دارس هذا املدخل ‪:‬‬
‫للفوائد اليت حيصل عليها ُ‬

‫[ الفائدة األولى ] ‪:‬‬

‫فأول هذه الفوائد ‪:‬‬

‫معرفةُ مصطلحات المحدِّثين ؛ فإننا ُّ‬


‫منر ‪ -‬يف أثناء قراءتنا ألي كتابٍ علميٍ ‪-‬‬
‫الفرق بينَها ‪ ،‬وال‬
‫املصطلحات ‪ ،‬وال منيُِّز َ‬
‫ِ‬ ‫مبصطلحات حديثيٍَّة كثريةٍ ‪ ،‬وال نفقَُه هذه‬
‫ٍ‬
‫إشكال كبري ‪ ،‬وال تتبني لنا‬
‫ٍ‬ ‫قع يف‬
‫املصطلحات ‪ ،‬ومِن ثََّم نَ ُ‬
‫ِ‬ ‫مراد أهلِ العلم هبذه‬
‫نعرف َ‬
‫ُ‬
‫وجهها الصحيح‪.‬‬
‫املسألةُ على ِ‬

‫[ أمثلة على المصطلحات الحديثية ]‬

‫أمثلة لذلك ‪:‬‬


‫مثاال أو ً‬
‫وأنا أضرب ً‬
‫جند أهلَ العلم يقولون ‪ :‬هذا صحيح ‪ ،‬وهذا حسن ‪ ،‬وهذا ضعيف ‪ ،‬وهذا مُنكَر‬ ‫‪‬‬
‫‪ .‬فما الفرق بني هذه املصطلحات ؟‬

‫صحيحا لذاته ‪ ،‬وصحيحاً لغريه ‪ ،‬وجنِد ‪ :‬مُتَواتًِرا ‪ ،‬ومشهوراً ‪ ،‬وعزيزاً ‪،‬‬


‫ً‬ ‫‪ ‬ثُم ِجند ‪:‬‬
‫وغريبا ‪ .‬فما الفرق بني هذه املصطلحات‪.‬‬
‫ً‬

‫الشاذ‬
‫املقلوب ) ‪ ،‬و( َّ‬
‫وكلمة ( ُ‬
‫َ‬ ‫وكلمة ( املَُّعلل ) ‪،‬‬
‫َ‬ ‫كلمة ( التدليس ) ‪،‬‬
‫مث جند ‪َ :‬‬ ‫‪‬‬
‫املنقطع )‪ ،‬و( املوقوف ) ‪,‬‬
‫)‪ ،‬و( املُنكَر )‪ ،‬و( املقطوع ) ‪ ،‬و( ِ‬

‫يتكلمون هبا يف ُكِتبهم ‪ً ،‬‬


‫سواء‬ ‫جند أهلَ العلم َّ‬
‫الكلمات الكثريةِ اليت ُ‬
‫ِ‬ ‫إىل غري ذلك من‬
‫صولية ‪ ،‬أو ُكتُباً ِفقهيَّة ‪ ،‬أو مِن ُكتبِ التفسري ‪ ،‬أو‬
‫تبا أُ َّ‬
‫كانت ُكتُباً حديثية ‪ ،‬أو ُك ً‬
‫غريها من العلوم ‪.‬‬
‫ِ‬

‫عد‬
‫( املَُّعلق ) مع بُ ِ‬ ‫يفرُقون بني كلمة ( املُعَنْعَْن ) و‬
‫جد بعضَ النَّاس ال ِّ‬
‫فمثالً ‪ :‬نَ ُ‬
‫الفَْرقِ بينهما ‪،‬‬

‫يعرفون معىن ( احلديثِ العايل ) و ( احلديثِ‬


‫فرقون ‪ ،‬أو ال ِ‬
‫وكذلك ِجندهم ال يُ ِّ‬
‫النازل ) ‪،‬‬

‫الشاهد ) ‪،‬‬
‫يفرقون بني ( املُتابعة ) و( َّ‬
‫وال ِّ‬

‫املصحح ) وحنو ذلك من‬


‫سلسل ) و( ّ‬
‫وال يعرفون معىن كلمة ( املُدرَج ) و( املُ ْ‬
‫يتكلم هبا أهلُ العلم ‪،‬‬
‫املصطلحات احلديثية اليت ّ‬

‫املراد هبا ‪ ،‬ونتمكَّن مِن‬


‫ف َ‬ ‫فعند دراستنا هلذا املدخل منيِّز هذه املصطلحات ‪ِ ،‬‬
‫ونعر ُ‬
‫أي علم ‪.‬‬
‫فن ‪ ،‬ويف ِّ‬
‫أي ِّ‬
‫هم كالم أهلِ العلم يف ِّ‬
‫َف ِ‬

‫[ الفائدة الثانية ] ‪:‬‬


‫علماء‬
‫اجلهود العظيمة اليت بذهلا ُ‬
‫َ‬ ‫النبوية ‪ ،‬وذلك أنَّ املرءَ عندما يُ ِ‬
‫طالع تلك‬ ‫بالسنة َّ‬
‫الثقةُ ُّ‬
‫جيد أنَّ‬
‫صحيحها وضعيفِها ‪ُ -‬‬
‫ِ‬ ‫احملافظة عليها ‪ :‬يف التمييز بني‬
‫ِ‬ ‫السنَّة ‪ ،‬ويف‬
‫دمة ُ‬
‫الشريعة يف ِخ ِ‬
‫ثقة هبذه السنة النبوية ‪،‬‬
‫الدقة ‪ ،‬ومِن ثََّم يكن عنده ٌ‬
‫بالغة ِّ‬
‫بالغة ‪َ ،‬‬
‫اجلهود جهوداً عظيمةً ً‬
‫َ‬ ‫هذه‬
‫وجد يف هذه السنة ماهو موضوعٌ أو ما هو مكذوب مث ال يتبني علماء‬
‫وأنَّه ال ميكن أن يُ َ‬
‫الشريعة علماء السنة ذلك وال مييزوه للناس ‪.‬‬

‫[ الفائدة الثالثة ] ‪:‬‬

‫السنة‬
‫مصادر ُّ‬
‫ِ‬ ‫اإلنسان على‬
‫ُ‬ ‫دراسة هذا املدخل ‪ :‬أن يتعرَّف‬
‫ِ‬ ‫فائدة أخرى ‪ ,‬من ِ‬
‫فوائد‬
‫النبوية ‪.‬‬
‫َّ‬

‫السنة ‪ ،‬و جندهم يقولون ‪ :‬رواه البخاري ‪،‬‬


‫مصادر ُّ‬
‫َ‬ ‫فإننا جند كثرياً من أهل العلم يذكرون‬
‫معرفة معناها ‪،‬‬
‫رواه الرتمذي ‪ ،‬رواه الدارقطين ‪ ،‬إىل غري ذلك من الكلمات اليت ال بَُّد من ِ‬
‫املصدر الذي نُسبَ إليه‬
‫ِ‬ ‫رجع فيه للتمييز بني هذه األلفاظ ‪ ،‬ومعرفةِ‬
‫ومعرفةِ الكتاب الذي يُ َ‬
‫من أجله هذا احلديث إىل البخاري أو إىل مسلم أو إىل غريمها ومن مث منيز مراتب هذه‬
‫الكتب ونعرف منهج كل كتاب منها ويكون عندنا رابطة وعالقة بيننا وبني هذه الكتب‬
‫اليت هلا مكانتها ومنزلتها وال زالت األمة من عهودها األوىل إىل عصرنا احلاضر توليها عناية‬
‫خاصة ومن خالل ذلك يكون عندنا دربة نتمكن بواسطتها من حسن التعامل مع هذه‬
‫الكتب ومعرفة كيفية الرجوع إليها ‪.‬‬

‫[ الفائدة الرابعة ] ‪:‬‬

‫الطرق التي يتمكَّن‬


‫ِ‬ ‫اإلنسان على‬
‫ُ‬ ‫فائدة أُخرى من فوائد دراسة هذا املدخل ‪ :‬أن يتدرَّب‬
‫ٌ‬
‫النبوية مِن المردود ‪.‬‬
‫المقبول من األحاديث َّ‬
‫ِ‬ ‫بها مِن معرفةِ‬
‫كم على األحاديث‬
‫ونميُِّزها ‪ ،‬ونتمكَّن ‪ -‬بواسطتها ‪ -‬مِن احلُ ِ‬
‫القواعد ‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫ف هذه‬ ‫فعندما ِ‬
‫نعر ُ‬
‫للتمييز بني املقبولِ من األحاديث النبوية من املردود‪.‬‬
‫ِ‬ ‫حينئذ قدرةٌ‬
‫‪ -‬يكون عندنا ٍ‬

‫هذا شيء من فوائد دراسة هذا املدخل ‪ ،‬وبإذن اهلل عز وجل أدخل اآلن إىل املوضوع‬
‫األول من موضوعات املدخل وهو مكانة السنة النبوية ‪.‬‬

‫( المحاضرة األولى ) ‪ :‬مكانة السنة النبوية ‪.‬‬

‫[ األدلة على مكانة السنة النبوية ] ‪:‬‬

‫ميكن معرفتها من خالل عدد من األمور‪:‬‬

‫[ الدليل األول على مكانة السنة النبوية ]‬

‫أن الس‪ُّl‬نة تفس‪ll‬يرٌ للق‪ll‬رآن ؛ وذل‪rr‬ك أنَّ الق‪rr‬رآن العظيم ل‪rr‬ه مكانت ‪ُr‬ه يف دين‬
‫أول ه‪ll‬ذه األم‪ll‬ور ‪َّ :‬‬
‫اإلسالم ‪ ،‬فهو املرجع الذي يُرجع إليه أصالةً ألحكام الشريعة ‪ ،‬والقرآن هو كلية الش‪r‬ريعة ‪،‬‬
‫أغلب أحك ‪rr‬ام ه ‪rr‬ذه الش ‪rr‬ريعة ‪ ،‬لكن ‪rr‬ه حيت ‪rr‬اج إىل تفس ‪rr‬ريٍ ينطل ‪rr‬ق ل ‪rr‬ه‬
‫وح ‪rr‬وى على جه ‪rr‬ة اإلمجال َ‬
‫ويوض ‪ّr‬ح معاني‪rr‬ه وي‪rr‬بني م‪rr‬ا أمجل في‪rr‬ه ‪ ،‬وه‪rr‬ذا ال‪rr‬دور ق‪rr‬د ق‪rr‬امت ب‪rr‬ه س‪rr‬نَُّة الن‪rr‬يب ‪ -‬ص‪rr‬لى اهلل علي‪rr‬ه‬
‫وسلم ‪. -‬‬

‫عدد من األمور ‪:‬‬


‫فمكانة السنة تربز من ٍ‬

‫من أولها ‪ :‬أن هذه السنةَ تفسير للقرآن ‪ ،‬وحبيث ال ميكن فهم بعضِ آي‪rr‬اتِ الق‪rr‬رآن إال من‬
‫ومعرفته‪rr‬ا كم‪rr‬ا ق‪rr‬ال تع‪rr‬اىل " َو َأنَز ْلَن ا ِإَلْي َك‬
‫ِ‬ ‫خالل فهم س ‪ُr‬نَّة الن‪rr‬يب ‪ -‬ص‪rr‬لى اهلل علي‪rr‬ه وس‪rr‬لم ‪-‬‬
‫الِّذ ْك َر ِلُتَبَنِّي ِللَّناِس َم ا ُنِّز َل ِإَلْيِه ْم َو َلَعَّلُه ْم َيَتَف َّك ُر وَن " فمن امله‪r‬ام ال‪r‬يت يق‪r‬وم هبا الن‪r‬يب ‪ -‬ص‪r‬لى‬
‫اهلل عليه وس‪r‬لم‪ -‬أن ي‪ُِّr‬بين للن‪r‬اس ه‪r‬ذا الكت‪r‬اب س‪r‬واء ك‪r‬ان بقول‪r‬ه أو بفعل‪r‬ه أو بتقري‪r‬ره ‪ ،‬يفص‪ِّr‬ل‬
‫زائد على تالوة الكتاب ‪.‬‬
‫أمر ٌ‬‫مجل يف الكتاب ‪ ،‬وهذا الشرح والبيان ٌ‬
‫هلم ما أُ ِ‬

‫[ الدليل الثاني على مكانة السنة النبوية ]‬

‫ومن األمور اليت تبيِّن مكانة سنة النيب ‪ -‬ص‪r‬لى اهلل علي‪rr‬ه وس‪rr‬لم ‪ ، -‬ومما ي‪rr‬بيِّن مكان‪rr‬ة السُّ‪r‬نة ‪:‬‬
‫أن الق ‪ll‬رآن العظيم ق ‪ll‬د أم ‪َl‬ر بطاع ‪ll‬ة الرس ‪ll‬ول ‪ -‬ص ‪ll‬لى اهلل علي ‪ll‬ه وس ‪ll‬لم ‪ -‬وأوجب علين ‪ll‬ا‬
‫َّ‬
‫معرفةَ حقِ ُسَّنته ‪ ،‬واآليات اليت فرضت على املؤمنني طاع‪r‬ةَ الن‪r‬يب ‪ -‬ص‪r‬لى اهلل علي‪r‬ه وس‪r‬لم ‪-‬‬
‫آياتٌ صرحية ال حتتمل التأويل ‪ ،‬وطاعتُه َّإنما تكون بالتزام سُنته والعم‪rr‬لِ مبا ورد من أحاديث‪rr‬ه‬
‫واألخذ هبذه السنة الواردة عنه ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بط‪rr‬رق‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫صحيحة ‪ ،‬سواء كانت يف مسائل ال‪rr‬دين األص‪rr‬ولية أو الفرعي‪rr‬ة ‪ ،‬واآلي‪rr‬ات القرآني‪rr‬ة ال‪rr‬واردة يف‬
‫ذلك آياتٌ كثرية عديدة ‪،‬‬

‫[ نماذج من اآليات اآلمرة بطاعة الرسول واألخذ بسنته ]‬

‫أورد مناذج منها ‪:‬‬

‫من ذلك قول اهلل عز وجل " من يطع الرسول فقد أطاع اهلل "‬ ‫‪-1‬‬

‫ويف آي‪rr‬ة أخ‪rr‬رى يق‪rr‬رر اهلل ع‪rr‬ز وج‪rr‬ل أن الن‪rr‬يب ص‪rr‬لى اهلل علي‪rr‬ه وس‪rr‬لم أس‪rr‬وة حس‪rr‬نة‬ ‫‪-2‬‬
‫للمؤم‪rr‬نني ‪ ,‬ق‪rr‬ال س‪rr‬بحانه " لق‪rr‬د ك‪rr‬ان لكم يف رس‪rr‬ول اهلل أس‪rr‬وة حس‪rr‬نة ملن ك‪rr‬ان‬
‫يرجوا اهلل واليوم اآلخر وذكر اهلل كثريا "‬

‫اإلميان ‪ ،‬واتباع أحكام النيب ‪ -‬صلى اهلل علي‪rr‬ه‬


‫َ‬ ‫‪ -3‬وقد أوجب اهلل عز وجل على هذه األمة‬
‫وس‪rr‬لم ‪ -‬ب‪rr‬ل نفى اإلميان عن املعرض‪rr‬ني عن س‪rr‬نة الن‪rr‬يب ‪ -‬ص‪rr‬لى اهلل علي‪rr‬ه وس‪rr‬لم ‪ -‬ال‪rr‬ذين ال‬
‫حيكموهنا ‪ ،‬وال يرضون بأحكام النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وس‪rr‬لم ‪ -‬كم‪rr‬ا ق‪rr‬ال س‪rr‬بحانه وتع‪rr‬اىل "‬
‫ِّ‬
‫حيكم ‪rr‬وك فيم ‪rr‬ا ش ‪rr‬جر بينهم مث ال جيدوا يف أنفس ‪rr‬هم حرج ‪rr‬ا مما‬
‫فال ورب ‪rr‬ك ال يؤمن ‪rr‬ون ح ‪rr‬ىت ِّ‬
‫قضيت ويسلموا تسليما "‬

‫‪ -4‬وق ‪rr‬د امنت اهلل ‪ -‬ج ‪rr‬ل وعال ‪ -‬على ه ‪rr‬ذه األم ‪rr‬ة ب ‪rr‬أن جع ‪rr‬ل س ‪rr‬نة الن ‪rr‬يب ‪ -‬ص ‪rr‬لى اهلل علي ‪rr‬ه‬
‫األخذ هبا ‪ ،‬فإن اهلل قد ذكر أن الرسول ‪ -‬ص‪rr‬لى اهلل علي‪rr‬ه‬
‫ُ‬ ‫وسلم ‪ -‬مما أويت ‪ ،‬ومما يلزم األمة‬
‫وسلم ‪ -‬ق‪rr‬د أويت الق‪rr‬رآن واحلكم‪r‬ة ال‪rr‬يت هي الس‪rr‬نة ؛ من أج‪r‬ل أن يعلم الن‪rr‬اس أحك‪rr‬امَ دينهم ‪،‬‬
‫ومن أج ‪rr‬ل أن يطه ‪rr‬رهم وي ‪rr‬زكيهم ‪ ,‬ق ‪rr‬ال س ‪rr‬بحانه " لق ‪rr‬د من اهلل على املؤم ‪rr‬نني إذ بعث فيهم‬
‫رس ‪rr‬وال من أنفس ‪rr‬هم يتل ‪rr‬وا عليهم آيات ‪rr‬ه وي ‪rr‬زكيهم ويعلمهم الكت ‪rr‬اب واحلكم ‪rr‬ة وإن ك ‪rr‬انوا من‬
‫قبل لفي ضالل مبني "‬

‫‪ -5‬والنص ‪rr‬وص القرآني ‪rr‬ة ال ‪rr‬واردة بإجياب طاع ‪rr‬ة الن ‪rr‬يب ‪ -‬ص ‪rr‬لى اهلل علي ‪rr‬ه وس ‪rr‬لم ‪ -‬نص ‪rr‬وص‬
‫املسلم بطاعة النيب ‪ -‬ص‪r‬لى اهلل علي‪rr‬ه وس‪rr‬لم ‪ -‬وبامتث‪rr‬ال أم‪rr‬ره‬
‫َ‬ ‫كثريةٌ عديدة متواترة كلها تلزم‬
‫‪,‬‬

‫قال اهلل جل وعال " قل أطيعوا اهلل والرسول فإن تولوا فإن اهلل ال حيب الكافرين "‬

‫ويق‪rr‬ول ج‪rr‬ل وعال " وأطيع‪rr‬وا اهلل وأطيع‪rr‬وا الرس‪rr‬ول وأويل األم‪rr‬ر منكم ف‪rr‬إن تن‪rr‬ازعتم يف ش‪rr‬يء‬
‫فردوه إىل اهلل والرسول إن كنتم تؤمنون باهلل واليوم اآلخر ذلك خري وأحسن تأويال"‬

‫وربط اهلل طاعة رسوله ‪ -‬صلى اهلل عليه وس‪r‬لم – بطاعت‪r‬ه " من يط‪r‬ع الرس‪r‬ول فق‪r‬د أط‪r‬اع اهلل‬
‫"‪.‬‬

‫‪ -11‬وأمرنا باألخذ جبميع ما أتى به النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬كم‪rr‬ا ق‪rr‬ال س‪rr‬بحانه‬
‫" وما آتاكم الرسول فخذوه وما هناكم عنه فانتهوا "‬
‫‪ -12‬وق‪rr‬د أث‪rr‬ىن اهلل على املؤم‪rr‬نني ال‪rr‬ذين يطيع‪rr‬ون الن‪rr‬يب ‪ -‬ص‪rr‬لى اهلل علي‪rr‬ه وس‪rr‬لم ‪ -‬بقول‪rr‬ه‬
‫س ‪rr r‬بحانه " إمنا ك ‪rr r‬ان ق ‪rr r‬ول املؤم ‪rr r‬نني إذا دع ‪rr r‬وا إىل اهلل ورس ‪rr r‬وله ليحكم بينهم أن‬
‫يقولوا مسعنا وأطعنا وأولئك هم املفلحون "‬

‫ويق ‪rr‬ول ج ‪rr‬ل وعال " وأطيع ‪rr‬وا اهلل وأطيع ‪rr‬وا الرس ‪rr‬ول واح ‪rr‬ذروا ف ‪rr‬إن ت ‪rr‬وليتم ف ‪rr‬اعلموا أمنا على‬
‫رسولنا البالغ املبني "‬

‫ويق ‪rr‬ول س ‪rr‬بحانه " إن ال ‪rr‬ذين يبايعون ‪rr‬ك إمنا يب ‪rr‬ايعون اهلل ي ‪rr‬د اهلل ف ‪rr‬وق أي ‪rr‬ديهم فمن نكث فإمنا‬
‫ينكث على نفسه ومن أوىف مبا عاهد عليه اهلل فسيؤتيه أجرا عظيما "‬

‫وقال جل وعال " وأقيموا الصالة وءاتوا الزكوة وأطيعوا الرسول لعلكم ترمحون "‬

‫فنأخ ‪rr‬ذ من ذل ‪rr‬ك أن اهلل ‪ -‬ع ‪rr‬ز وج ‪rr‬ل ‪ -‬ق ‪rr‬د عل ‪rr‬ق الفالح‪ ،‬وعل ‪rr‬ق الرمحة ‪ ،‬وعل ‪rr‬ق النج ‪rr‬اة ‪،‬‬
‫بطاعة النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ .-‬ويقول جل وعال على لسان إبراهيم ‪-‬‬
‫ِ‬ ‫وعلق اإلميان‬
‫علي ‪rr‬ه الس ‪rr‬الم ‪ " : -‬ربن ‪rr‬ا وابعث فيهم رس ‪rr‬وال منهم يتل ‪rr‬وا عليهم ءايات ‪rr‬ك ويعلمهم الكت ‪rr‬اب‬
‫واحلكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز احلكيم "‬

‫وق ‪rr‬ال س ‪rr‬بحانه " وأن ‪rr‬زل اهلل علي ‪rr‬ك الكت ‪rr‬اب ( يع ‪rr‬ين الق ‪rr‬رآن ) واحلكم ‪rr‬ة " ( يع ‪rr‬ين الس ‪rr‬نة ) "‬
‫وأنزل اهلل عليك الكتاب واحلكمة وعلمك ما مل تكن تعلم وكان فضل اهلل عليك عظيما "‬

‫مثنيا على ال‪r‬ذين يتبع‪r‬ون الن‪r‬يب ‪ -‬ص‪r‬لى اهلل علي‪r‬ه وس‪r‬لم‬


‫ويقول ‪ -‬جل وعال‪ -‬يف كتابه الكرمي ً‬
‫‪ " : -‬ال‪rr‬ذين يتبع‪rr‬ون الرس‪rr‬ول الن‪rr‬يب األمي ال‪rr‬ذي جيدون‪rr‬ه مكتوب‪rr‬ا عن‪rr‬دهم يف الت‪rr‬وراة واإلجني‪rr‬ل‬
‫يأمرهم ب‪rr‬املعروف وينه‪rr‬اهم عن املنك‪rr‬ر وحيل هلم الطيب‪rr‬ات وحيرم عليهم اخلب‪rr‬ائث ويض‪rr‬ع عنهم‬
‫إص‪rr‬رهم واألغالل ال‪rr‬يت ك‪rr‬انت عليهم فال‪rr‬ذين ءامن‪rr‬وا ب‪rr‬ه وع‪rr‬زروه ونص‪rr‬روه واتبع‪rr‬وا الن‪rr‬ور ال‪rr‬ذي‬
‫أنزل معه أولئك هم املفلحون * ق‪r‬ل ي‪r‬ا أيه‪r‬ا الن‪r‬اس إين رس‪r‬ول اهلل إليكم مجيع‪r‬ا ال‪r‬ذي ل‪r‬ه مل‪r‬ك‬
‫الس‪rr‬ماوات واألرض ال إل‪rr‬ه إال ه‪rr‬و حييي ومييت ف‪rr‬آمنوا باهلل ورس‪rr‬وله الن‪rr‬يب األمي ال‪rr‬ذي ي‪rr‬ؤمن‬
‫باهلل وكلماته واتبعوه لعلكم هتتدون "‬

‫وجعل اهلل الذين يطيعون اهلل والرس‪rr‬ول هم الن‪rr‬اجون جعلهم الن‪rr‬اجني وجعلهم م‪rr‬ع ال‪rr‬ذين أنعم‬
‫عليهم ‪.‬‬

‫ق‪rr r r‬ال س‪rr r r‬بحانه " ومن يط‪rr r r‬ع اهلل والرس‪rr r r‬ول فأولئ‪rr r r‬ك م‪rr r r‬ع ال‪rr r r‬ذين أنعم اهلل عليهم من النب‪rr r r‬يني‬
‫والصديقني والشهداء والصاحلني وحسن أولئك رفيقا "‬

‫واآلي ‪rr‬ات ال ‪rr‬واردة يف وج ‪rr‬وب طاع ‪rr‬ة الن ‪rr‬يب ص ‪rr‬لى اهلل علي ‪rr‬ه وس ‪rr‬لم والس ‪rr‬ري على طريقت ‪rr‬ه وس ‪rr‬نته‬
‫آيات كثرية متعددة متواترة الميكن حصرها يف هذه احملاضرة وإمنا املراد ذكر مناذج منها ‪.‬‬

‫[ الدليل الثالث على مكانة السنة النبوية ]‬

‫أن الس‪ُّll‬نة ترج ‪ll‬ع إلى‬


‫املبين ملكان ‪rr‬ة الس ‪rr‬نة ‪ -‬م ‪rr‬ا ورد يف النص ‪rr‬وص الش ‪rr‬رعية َّ‬
‫ال ‪ll‬دليل الث ‪ll‬الث ّ‬
‫الوحي ‪.‬‬

‫‪r‬اد‬ ‫السنة النبوية هي بوحي من اهلل تعاىل أو باجته ِ‬


‫‪r‬اد من‪r‬ه ( أي الرس‪r‬ول ) ‪ ،‬لكنَّ ه‪r‬ذا اإلجته َ‬
‫ق ‪rr‬د أق ‪rَّ r‬ره اهلل ع ‪rr‬ز وج ‪rr‬ل ‪ ،‬فيك ‪rr‬ون ‪ -‬حينئ ‪rr‬ذٍ ‪ -‬ه ‪rr‬ذا اإلجته ‪rr‬اد ق ‪rr‬د اكتس ‪rr‬ب ص ‪rr‬حة نس ‪rr‬بتِه إىل‬
‫إنكاره ‪.‬‬
‫الوحي من خالل عدمِ ِ‬

‫فالقرآن هو الوحي املتلو املتعبَّد بتالوت‪rr‬ه ‪ ،‬والسنة – أيض‪rr‬اً ‪ -‬وحيٌ ‪ ،‬لكنَّه‪rr‬ا ليس‪rr‬ت متل‪rr‬وةً ‪،‬‬
‫نوعا من أنواعِ طلب العلم ‪.‬‬
‫وال يُتعبَّد بتالوهتا لذاهتا ‪ ،‬وإمنا يُتعبَّد بقراءهتا ؛ لكون ذلك ً‬

‫‪r‬حة اإلقت‪r‬داء هبدي الن‪r‬يب ‪ -‬ص‪r‬لى اهلل علي‪r‬ه وس‪r‬لم –‬


‫ومما يرتتب عليه ( كون السنة وحي‪ًr‬ا ) ص ُ‬
‫‪.‬‬

‫[ األدلة على أن السنة النبوية وحي من اهلل ]‬


‫عديدة ‪ ،‬أضرب هلا أمثلة ‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫واألدلة الدالة على أنَّ السنة النبوية وحيٌ من اهلل ‪ -‬عز وجل –‬

‫من ذل‪rr‬ك ق‪rr‬ول اهلل ج‪rr‬ل وعال " وم‪rr‬ا ينط‪rr‬ق عن اهلوى ‪ ,‬إن ه‪rr‬و إال وحي ي‪rr‬وحى "‬ ‫‪-1‬‬
‫حيث وص ‪rr‬ف اهلل نبي ‪rr‬ه ص ‪rr‬لى اهلل علي ‪rr‬ه وس ‪rr‬لم ب ‪rr‬أن نطق ‪rr‬ه ليس عن اهلوى وأرج ‪rr‬ع‬
‫هذا النطق إىل كونه من الوحي‬

‫وي‪rr‬دل على ذل‪rr‬ك ق‪rr‬ول اهلل س‪rr‬بحانه وتع‪rr‬اىل " وأنزلن‪rr‬ا إلي‪rr‬ك ال‪rr‬ذكر لت‪rr‬بني للن‪rr‬اس م‪rr‬ا‬ ‫‪-2‬‬
‫منزلة من قبل اهلل ‪ -‬عز وجل –‬
‫السنة َّ‬
‫نزل إليهم " فجعل ُّ‬

‫واألدلة الدالة على أن سنة النيب صلى اهلل عليه وسلم وحي من اهلل كثرية عديدة ‪.‬‬

‫[ الدليل الرابع على مكانة السنة النبوية ]‬

‫أن اهلل توع‪ll‬د أولئ‪ll‬ك المخ‪ll‬الفين س ‪َُّl‬نة الن‪ll‬بي ‪-‬‬


‫ال‪ll‬دليل الراب‪ll‬ع ال ‪rr‬دال على مكان ‪rr‬ة الس ‪rr‬نة ‪َّ -‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بالعقوبة في دني‪ll‬اهم وآخ‪ll‬رتهم ‪ ،‬فتوع‪rr‬دهم بالعق‪rr‬اب األليم ‪ ،‬كم‪rr‬ا‬
‫يف قوله سبحانه " فليحذر الذين خيالفون عن أمره أن تص‪rr‬يبهم فتن‪rr‬ة أو يص‪rr‬يبهم ع‪rr‬ذاب أليم "‬
‫وتوعدهم اهلل ‪ -‬جل وعال ‪ -‬بأن يك‪r‬ون ت‪r‬ركُهم لس‪ُr‬نة الن‪r‬يب ‪ -‬ص‪r‬لى اهلل علي‪r‬ه وس‪r‬لم ‪ -‬س‪r‬بباً‬
‫ل‪rr‬زوال اإلميان عنهم ‪ ،‬كم‪rr‬ا ق‪rr‬ال س‪rr‬بحانه " وم‪rr‬ا ك‪rr‬ان ملؤمن وال مؤمن‪rr‬ة إذا قض‪rr‬ى اهلل ورس‪rr‬وله‬
‫أمرا أن يكون هلم اخلرية من أمرهم ومن يعص اهلل ورسوله فقد ضل ض‪rr‬الال مبين‪rr‬ا " ومن هن‪rr‬ا‬
‫فيح ‪rr‬ذر اإلنس ‪rr‬ان من ه ‪rr‬ذه العقوب ‪rr‬ات ال ‪rr‬يت رتبه ‪rr‬ا اهلل على ت ‪rr‬رك س ‪rr‬نة الن ‪rr‬يب ‪ -‬ص ‪rr‬لى اهلل علي ‪rr‬ه‬
‫وسلم ‪.-‬‬

‫[ الدليل الخامس على مكانة السنة النبوية ]‬

‫أن النصوصَ قد جاءت بإثبات الرسالة لنبينا ‪ -‬صلى اهلل عليه وس‪ll‬لم ‪-‬‬
‫الدليل الخامس ّ‬
‫‪l‬دقه‬
‫محم‪ll‬د بن عبداهلل ‪ ،‬ومن مقتض‪ll‬ى اإليم‪ll‬ان برس‪ll‬الته أن نطيع ‪َl‬ه فيم‪ll‬ا أم‪ll‬ر ب‪ll‬ه ‪ ،‬وأن نُص‪َ l‬‬
‫فيما أخبر به ‪ ،‬وذلك ال يكون إال من خالل اتباع هديه وسنته ‪ -‬ص‪ll‬لى اهلل علي‪ll‬ه وس‪ll‬لم‬
‫‪.-‬‬

‫ف‪rr‬إن اهلل ‪ -‬ج‪rr‬ل وعال ‪ -‬ق‪rr‬د أثبت النُّب‪rr‬وة هلذا الن‪rr‬يب الك‪rr‬رمي ‪ ،‬كم‪rr‬ا يف قول‪rr‬ه س‪rr‬بحانه " حمم‪rr‬د‬
‫واجب البالغ ‪ ،‬بالغِ رساالهتم إىل الن‪rr‬اس ‪ ،‬ق‪rr‬ال تع‪rr‬اىل "‬
‫ُ‬ ‫رسول اهلل " وبني أن الرسل عليهم‬
‫فهل على الرسل إال البالغ املبني " من هن‪r‬ا أم‪r‬ر اهلل ع‪r‬ز وج‪r‬ل باإلميان بنبين‪r‬ا ‪ -‬ص‪r‬لى اهلل علي‪r‬ه‬
‫وس‪r‬لم ‪ -‬وجعل‪r‬ه قرين‪r‬ا للكت‪r‬اب لإلميان باهلل ‪ -‬ع‪r‬ز وج‪r‬ل ‪ ، -‬وجع‪r‬ل ه‪r‬ذه الس‪r‬نة ال‪r‬يت تص‪r‬در‬
‫عن الن ‪rr‬يب ‪ -‬ص ‪rr‬لى اهلل علي ‪rr‬ه وس ‪rr‬لم ‪ -‬الزم ‪rr‬ةَ االتب ‪rr‬اع من مقتض ‪rr‬ى كون ‪rr‬ه رس ‪rr‬وال ‪ ،‬إذا أثبتن ‪rr‬ا‬
‫الرسالة له ِلزم لنا أن نأخذ بسُنَّتِه ‪،‬‬

‫وقد أمرنا اهلل باإلميان به ‪:‬‬

‫ق‪rr‬ال تع‪rr‬اىل " فئ‪rr‬امنوا باهلل ورس‪rr‬له وإن تؤمن‪rr‬وا وتتق‪rr‬وا فلكم أج‪rr‬ر عظيم " وق‪rr‬ال س‪rr‬بحانه " ي‪rr‬ا‬
‫أيها الذين ءامنوا ءامنوا باهلل ورس‪r‬وله والكت‪r‬اب ال‪r‬ذي ن‪r‬زل على رس‪r‬وله والكت‪r‬اب ال‪r‬ذي أن‪r‬زل‬
‫من قبل "‬

‫وق ‪rr‬ال س ‪rr‬بحانه " ف ‪rr‬آمنوا باهلل ورس ‪rr‬وله الن ‪rr‬يب األمي ال ‪rr‬ذي ي ‪rr‬ؤمن باهلل وكلمات ‪rr‬ه واتبع ‪rr‬وه لعلكم‬
‫هتتدون "‬

‫[ الدليل السادس على مكانة السنة النبوية ]‬

‫ال‪ll‬دليل الخ‪ll‬امس ال ‪rr‬دال على مكان ‪rr‬ة الس ‪rr‬نة أن كت‪ll‬اب اهلل محت‪ll‬اج لبي‪ll‬ان الس‪ll‬نة ‪ ،‬حبيث ق ‪rr‬د‬
‫يخفى علين‪rr‬ا ش‪rr‬يءٌ من مع‪rr‬اين الكت‪rr‬اب إذا مل يص‪rr‬ل إلين‪rr‬ا بي‪rr‬انُ الس‪rr‬نة ‪ ،‬وس‪rr‬وف أض‪rr‬رب ل‪rr‬ذلك‬
‫أمثلة ‪:‬‬

‫[ أمثلة على بيان الُّس َنة للقرآن ]‬

‫من أمثلة ذلك ‪:‬‬


‫‪ ‬أن األم‪rr‬ر بالص‪rr‬الة ج‪rr‬اء يف الق‪rr‬رآن مطلق‪rr‬ا " وأقيم‪rr‬وا الص‪rr‬الة " ‪ ،‬ومل ت‪rr‬بيِّن يف الق‪rr‬رآن‬
‫ماهي‪rُ r‬ة ه‪rr‬ذه الص‪rr‬الة إال بآي‪rr‬اتٍ عام‪rr‬ة يف مث‪rr‬ل قول‪rr‬ه " ف‪rr‬اقرؤا م‪rr‬ا تيس‪rr‬ر من الق‪rr‬رآن " ‪،‬‬
‫وقوله " يا أيه‪r‬ا ال‪r‬ذين ءامن‪r‬وا اركع‪r‬وا واس‪r‬جدوا ‪...‬اآلي‪r‬ة " ‪ ،‬لكن ج‪r‬اءت س‪ُr‬نة الن‪r‬يب‬
‫‪ -‬ص‪rr r‬لى اهلل علي‪rr r‬ه وس‪rr r‬لم ‪-‬فوض ‪ّr r‬حت ه‪rr r‬ذه الص‪rr r‬الةَ ‪َّ ،‬بينت أوق‪rr r‬اتَ الص‪rr r‬لوات ‪،‬‬
‫عدد الركعات من خالل تعليمه ‪ -‬ص‪rr‬لى اهلل علي‪rr‬ه‬
‫وضحت األركان ‪ ،‬ووضحت َ‬
‫و ّ‬
‫أمام الن‪r‬اس ؛ ليقت‪r‬دوا ب‪r‬ه ‪ ،‬كم‪r‬ا ق‪r‬ال ‪-‬‬
‫وسلم ‪ -‬بأقواله ‪ ،‬أو من خالل فعله للصالة َ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ " : -‬صلوا كما رأيتموين أصلي " ‪.‬‬

‫‪ ‬وهك ‪rr‬ذا أيض ‪rr‬ا يف احلج ف ‪rr‬إن اهلل أم ‪rr‬ر ب ‪rr‬احلج ‪ ،‬فق ‪rr‬ال س ‪rr‬بحانه " وهلل على الن ‪rr‬اس حج‬
‫ال‪rr‬بيت من اس‪rr‬تطاع إلي‪rr‬ه س‪rr‬بيال " ‪ ،‬مث ج‪rr‬اءت س ‪ُr‬نة الن‪rr‬يب ‪ -‬ص‪rr‬لى اهلل علي‪rr‬ه وس‪rr‬لم ‪-‬‬
‫وكيفيته وطريقتَه ‪ ،‬كما قال ‪ -‬ص‪r‬لى اهلل علي‪r‬ه وس‪r‬لم ‪: -‬‬
‫َ‬ ‫مناسك احلج‬
‫َ‬ ‫تبيّن للناس‬
‫" لتأخذوا عين مناسككم" ‪.‬‬

‫‪ ‬وهك ‪rr‬ذا أيض ‪rr‬ا يف الزك ‪rr‬اة ‪ ،‬ق ‪rr‬ال " وءات ‪rr‬وا حق ‪rr‬ه ي ‪rr‬وم حص ‪rr‬اده " ‪ ،‬مث ج ‪rr‬اءت الس‪ُّr r‬نة‬
‫املراد ب‪r‬احلق يف مث‪r‬ل قول‪r‬ه ‪ -‬ص‪r‬لى اهلل علي‪r‬ه وس‪r‬لم ‪ " : -‬فيم‪r‬ا س‪r‬قت الس‪r‬ماء‬
‫فبينت َ‬‫َّ‬
‫العش ‪rr‬ر ‪ ،‬وفيم ‪rr‬ا س ‪rr‬قي بالنض ‪rr‬ح نص ‪rr‬ف العش ‪rr‬ر " ‪ ،‬ويف احلديث اآلخ ‪rr‬ر " ليس فيم ‪rr‬ا‬
‫دون مخس‪rr‬ة أوس‪rr‬ق ص‪rr‬دقة " ‪ ،‬املقص‪rr‬ود أن س‪ُr‬نَّة الن‪rr‬يب ‪ -‬ص‪rr‬لى اهلل علي‪rr‬ه وس‪rr‬لم ‪ -‬ق‪rr‬د‬
‫‪r‬اج إىل بي‪rr‬انِ السُّ‪r‬نة ‪ ،‬وال‬
‫املراد به ‪ ،‬ومن هنا فالكت‪rr‬اب حمت‪ٌ r‬‬
‫فسرت كتاب اهلل ‪َّ ،‬بينت َ‬
‫َّ‬
‫ميكن العم‪rr‬ل بالكت‪rr‬اب يف م‪rr‬واطن عدي‪rr‬دة إال من خالل س‪rr‬نة الن‪rr‬يب ‪ -‬ص‪rr‬لى اهلل علي‪rr‬ه‬
‫وسلم ‪، -‬‬

‫‪r‬وج إىل الس‪rr‬نة من الس‪rr‬نة إىل الكت‪rr‬اب ) ‪,‬‬


‫ومن هن‪rr‬ا ق‪rr‬ال اإلم‪rr‬ام األوزاعي ‪ ( :‬الكت‪rr‬اب أح‪ُ r‬‬
‫ومراد اإلمام األوزاعي ملثل هذه الكلمة ‪ :‬أن الن‪َّr‬يب ‪ -‬ص‪rr‬لى اهلل علي‪rr‬ه وس‪rr‬لم ‪ -‬ه‪rr‬و أعلم‬
‫ُ‬
‫الن ‪rr‬اس مبع ‪rr‬اين الق ‪rr‬رآن ؛ ألن ‪rr‬ه ‪ -‬ص ‪rr‬لى اهلل علي ‪rr‬ه وس ‪rr‬لم ‪ -‬أع ‪rr‬رف من‪َّr r‬ا مبراد اهلل س ‪rr‬بحانه‬
‫وتعاىل ومبا يقصده ‪.‬‬

‫[ الدليل السابع على مكانة السنة النبوية ]‬

‫دلي‪ll‬ل س‪ll‬ابع على مكان ‪rr‬ة الس ‪rr‬نة ‪ ،‬والعم ‪rr‬لِ هبا ‪ :‬إجم‪ll‬اعُ األم ‪َّl‬ة اإلس‪ll‬المية على العم‪ll‬لِ بس‪ll‬نة‬
‫النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪. -‬‬

‫فق‪rr‬د اعت‪rr‬ىن املس‪rr‬لمون بس‪rr‬نة الن‪rr‬يب ‪ -‬ص‪rr‬لى اهلل علي‪rr‬ه وس‪rr‬لم ‪ -‬عناي‪rr‬ةً خاص‪rً r‬ة ‪ ،‬وليس لعن‪rr‬ايتهم‬
‫أدلة الشرع ‪ ،‬وهكذا نق‪rr‬ل اخلل‪r‬ف عن‬
‫وجعلها حجةً ودليالً من ِ‬
‫العمل هبذه السنة ‪ِ ،‬‬
‫فائدةٌ إال ُ‬
‫الس ‪rr‬لف ه ‪rr‬ذه الس ‪rr‬نةَ جيالً عن جي ‪rr‬ل ‪ ،‬ورجع ‪rr‬وا إليه ‪rr‬ا يف مجي ‪rr‬ع أم ‪rr‬ورهم ‪ ،‬وعمل ‪rr‬وا مبا فيه ‪rr‬ا ‪،‬‬
‫متسكوا هبا ‪ ،‬وحافظوا عليها ‪.‬‬
‫َّ‬

‫[ تمسك األمة بالسنة النبوية إجماٌع قطعي على حجيتها ]‬

‫‪r‬ثر من أن حتص ‪rr‬ى ‪ ،‬وهي أخب ‪rr‬ارٌ مت ‪rr‬واترةٌ دال ‪rٌ r‬ة على أنَّ هن ‪rr‬اك‬
‫وأخب ‪rr‬ار متس ‪ُّr‬ك األم ‪َّr‬ة بالس ‪rr‬نة أك ‪ُ r‬‬
‫إمجاعا قطعياً على حجية سنة النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪. -‬‬
‫ً‬

‫[ نماذج من تمسك األمة بالسنة النبوية ]‬

‫وأضرب لذلك أمثلة ‪:‬‬

‫‪ ‬حني توىل أبو بكر الص‪rr‬ديق اخلالف‪rَ r‬ة أتت‪rr‬ه فاطم‪r‬ة ‪ -‬رض‪r‬ي اهلل عنه‪rr‬ا بنتُ رس‪rr‬ول اهلل ‪-‬‬
‫سهم النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ، -‬فقال هلا ‪ِّ :‬إني‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬تسأله َ‬
‫مسعت رس ‪rr‬ول اهلل ‪ -‬ص ‪rr‬لى اهلل علي ‪rr‬ه وس ‪rr‬لم ‪ -‬يق ‪rr‬ول ‪ ( :‬إنَّ اهلل ‪ -‬ع ‪rr‬ز وج ‪rr‬ل ‪ -‬إذا‬
‫أرده على‬
‫عمة مث قبضه جعله للذي يقوم مِن بعده ) ‪ ،‬قال ‪ :‬فرأيت أن َّ‬
‫أطعم نبيًّا ُط ً‬
‫املسلمني ‪.‬‬

‫‪ ‬وج‪rr‬اءت َّ‬
‫اجلدة إىل أيب بك‪rr‬ر الص‪rr‬ديق تس‪rr‬أله مرياثَه‪rr‬ا ‪ ،‬فق‪rr‬ال هلا أب‪rr‬و بك‪rr‬ر ‪ :‬مال‪rr‬كِ يف‬
‫كت‪r‬اب اهلل ش‪r‬يء ‪ ،‬وم‪r‬ا علمت يف س‪r‬نة رس‪r‬ول اهلل ‪ -‬ص‪r‬لى اهلل علي‪r‬ه وس‪r‬لم – ش‪r‬يئاً ‪،‬‬
‫‪r‬أل الن‪rr‬اس ‪ ،‬فس‪rr‬أل الن‪rr‬اس ‪ ،‬فق‪rr‬ال املغ‪rr‬رية بن ش‪rr‬عبة ‪ :‬أعطاه‪rr‬ا الن‪rr‬يب ‪-‬‬
‫ف‪rr‬ارجعي ح‪r‬ىت أس‪َ r‬‬
‫ص‪r‬لى اهلل علي‪rr‬ه وس‪rr‬لم ‪ -‬الس‪rr‬دس ‪ ،‬وق‪rr‬ام حمم‪r‬د بن مس‪rr‬لمة األنص‪rr‬اري ‪ ،‬فق‪rr‬ال مث‪rr‬ل م‪rr‬ا‬
‫قال املغرية بن شعبة ‪ ،‬فأنفذه هلا أبو بكر الصديق ‪,‬‬

‫‪ ‬ومن أمثل ‪rr‬ة عم ‪rr‬لِ أم ‪rr‬ري املؤم ‪rr‬نني عم ‪rr‬ر بن اخلط ‪rr‬اب ‪ -‬رض ‪rr‬ي اهلل عن ‪rr‬ه ‪ -‬بس ‪rr‬نة الن ‪rr‬يب ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أنه وقف على الركن األسود أم‪rr‬ام احلَج‪rr‬ر األس‪rr‬ود ‪ ،‬مث ق‪rr‬ال ‪:‬‬
‫حجر ‪ ،‬ولو مل أر حبييب ‪ -‬صلى اهلل علي‪rr‬ه وس‪rr‬لم ‪ -‬قبَّل‪r‬ك واس‪rr‬تلمك‬
‫ّإني ألعلم أنك ٌ‬
‫مااستلمتُك وال قبلتُك " لقد كان لكم يف رسول اهلل أسوة حسنة " ‪،‬‬

‫‪ ‬وق‪rr‬ام عم‪rr‬ر بن اخلط‪rr‬اب ‪ -‬رض‪rr‬ي اهلل عن‪rr‬ه ‪ -‬خطيب‪rً r‬ا قب‪rr‬ل ش‪rr‬هادته بع‪rr‬دة أي‪rr‬ام و ق‪rr‬ال "‬
‫ليعلم ‪rr‬وا الن ‪rr‬اس دينَهم وس ‪rr‬نةَ‬
‫اللهم إين أُش ‪rr‬هدك على أم ‪rr‬راء األنص ‪rr‬ار ف ‪rr‬إين إمنا بعثتهم ؛ ّ‬
‫ن‪rr‬بيهم ‪ -‬ص‪rr‬لى اهلل علي‪rr‬ه وس‪rr‬لم ‪-‬ويقس‪rr‬موا يف في‪rr‬أهم ‪ ،‬ويع‪rr‬دلوا فيهم ‪ ،‬فمن أش‪rr‬كل‬
‫عليه شيء رفعه إيل ‪.‬‬

‫‪ ‬وكتب أم ‪rr r‬ري املؤم ‪rr r‬نني عم ‪rr r‬ر بن اخلط ‪rr r‬اب ‪ -‬رض ‪rr r‬ي اهلل عن ‪rr r‬ه ‪ -‬إىل القاض ‪rr r‬ي ش ‪rr r‬ريح‬
‫بالكوفة ‪ ،‬قال ‪ :‬اقضِ مبا يف كتاب اهلل ‪ ،‬فإن مل يكن يف كتاب اهلل فبسنة رس‪rr‬ول اهلل‬
‫‪ -‬ص‪rr r‬لى اهلل علي‪rr r‬ه وس‪rr r‬لم ‪ ).. -‬إىل آخ‪rr r‬ر األث‪rr r‬ر ال‪rr r‬وارد عن أم‪rr r‬ري املؤم‪rr r‬نني عم ‪rr‬ر بن‬
‫اخلطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه يف قضايا عديدة ‪.‬‬
‫‪ ‬قال سعيد بن املسيب ‪ :‬إنَّ عمر بن اخلطاب ك‪r‬ان يق‪r‬ول ‪ :‬الدي‪r‬ة للعاقل‪r‬ة ‪ ،‬وال ت‪r‬رث‬
‫املرأةُ من دي ‪rr‬ة زوجه ‪rr‬ا ش ‪rr‬يئاً ح ‪rr‬ىت أخ ‪rr‬ربه الض ‪rr‬حاكُ أنَّ رس ‪rr‬ول اهلل ‪ -‬ص ‪rr‬لى اهلل علي ‪rr‬ه‬
‫أشيم الضبايب من ديته ‪ ،‬فرجع إليه عمر ‪.‬‬
‫وسلم ‪ -‬كتب إليه أن يورّث امرأتَه َ‬

‫‪ ‬ومل يكن عمر يأخ‪r‬ذ اجلزي‪r‬ة من اجملوس ح‪r‬ىت أخ‪r‬ربه عب‪r‬د ال‪r‬رمحن بن ع‪r‬وف أن الن‪r‬يب ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أخذها من جموس هجر ‪.‬‬

‫‪ ‬وكان ( عمر ) يقول ‪ :‬إن َ‬


‫دية األصابع متفاوتة إىل أن أخرب خبالف ذلك ‪.‬‬

‫‪ ‬وهكذا أيضا بالنسبة ألمري املؤمنني عثمان بن عفان – رضي اهلل عنه ‪ ، -‬ق‪rr‬ال س‪rr‬عيد‬
‫بن املسيب ‪ :‬رأيتُ عثمان قاع‪r‬داً يف املقاع‪r‬د ‪ ،‬ف‪r‬دعا بطع‪r‬امٍ مما مس‪r‬تْه الن‪r‬ارُ فأكل‪r‬ه ‪ ،‬مث‬
‫ق‪rr‬ام إىل الص‪rr‬الة فص‪rّr‬لى ‪ ،‬مث ق‪rr‬ال عثم‪rr‬ان ‪ :‬قع‪rr‬دت مقع‪rr‬دَ رس‪rr‬ول اهلل ‪ -‬ص‪rr‬لى اهلل علي‪rr‬ه‬
‫وسلم ‪ -‬وأكلت طعامَ رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل علي‪r‬ه وس‪r‬لم ‪ -‬وص‪r‬ليت ص‪r‬الة رس‪r‬ول‬
‫اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪. -‬‬

‫‪ ‬وقال علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ : -‬كنت أرى باطِن الق‪r‬دمني أح َّ‪r‬ق باملس‪r‬ح من ظاهرمها‬
‫حىت رأيت رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ميسح ظاهرمها ‪.‬‬

‫‪ ‬وقال ‪ -‬رضي اهلل عنه ورفع درجته ‪ -‬اإلم‪rr‬ام الراش‪rr‬د اخلليف‪rr‬ة علي بن أيب ط‪rr‬الب ق‪rr‬ال‬
‫‪ -‬يف القي‪rr‬ام إىل اجلن‪rr‬ازة إذا م‪rr‬رتْ جبوار اإلنس‪rr‬ان ‪ :‬ق‪rr‬د رأين‪rr‬ا رس‪rr‬ول اهلل ‪ -‬ص‪rr‬لى اهلل‬
‫علي‪rr‬ه وس‪rr‬لم ‪ -‬ق‪rr‬ام فقمن‪rr‬ا ‪ ،‬وقع‪rr‬د فقع‪rْ r‬دنا ‪ ،‬وهك‪rr‬ذا بقي‪rr‬ة أص‪rr‬حاب الن‪rr‬يب ‪ -‬ص‪rr‬لى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ -‬كانوا يعملون بالسنة ‪.‬‬

‫‪ ‬ج ‪rr‬اءت ام ‪rr‬رأة إىل ابن مس ‪rr‬عود فق ‪rr‬الت ‪ :‬أُن ‪rr‬بئْت أن ‪َّr‬ك تنهى عن وص ‪rr‬ل الش ‪rr‬عر ‪ ،‬وه ‪rr‬ذا‬
‫‪r‬يء جتده يف كت‪rr‬اب اهلل أم مسعته عن رس‪rr‬ول اهلل ‪ -‬ص‪r‬لى اهلل علي‪rr‬ه وس‪rr‬لم ‪ -‬؟ فق‪rr‬ال‬
‫ش‪ٌ r‬‬
‫حتُ م‪rr r‬ا بني دف‪rr r‬يت‬
‫‪ :‬ب‪rr r‬ل أج‪rr r‬ده يف كت‪rr r‬اب اهلل ‪ ،‬وعن رس‪rr r‬ول اهلل ‪ ،‬فق‪rr r‬الت ‪ :‬تص‪rr r‬فَّ ْ‬
‫املص‪rr‬حف فم‪rr‬ا وج‪rr‬دت في‪rr‬ه ال‪rr‬ذي تق‪rr‬ول ‪ ،‬فق‪rr‬ال ‪ :‬أم‪rr‬ا ل‪rr‬و قرأتِي‪rr‬ه لوجدتِي‪rr‬ه ‪ ،‬ق‪rr‬ال اهلل‬
‫تعاىل " وما ءاتاكم الرسول فخذوه وم‪rr‬ا هناكم عن‪rr‬ه ف‪rr‬انتهوا " وإين ق‪rr‬د مسعت رس‪rr‬ول‬
‫اهلل ‪ -‬ص ‪rr‬لى اهلل علي ‪rr‬ه وس ‪rr‬لم ‪ -‬ينهى عن النّامص ‪rr‬ة والواش ‪r‬مة والواص ‪rr‬مة والواص ‪rr‬لة ‪,‬‬
‫وقال ابن مسعود ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ : -‬لو تركتم سنة نبيّكم لضللتم ‪.‬‬

‫‪ ‬وقيل البن عمر ‪ :‬ال جند َ‬


‫صالة السفر يف القرآن ‪ ،‬فقال ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ : -‬إن اهلل‬
‫‪ -‬عز وجل ‪ -‬بعث إلينا حممداً وال نعلم شيئا ‪ ،‬فإمنا نفعل كما رأين‪rr‬ا حمم‪rr‬دا ‪ -‬ص‪rr‬لى‬
‫اهلل عليه وسلم – يفعل ) ‪.‬‬

‫ضّلاال فهدانا اهلل به ‪ ،‬فبه نقتدي )‬


‫كنا ُ‬
‫يف بعض األلفاظ ‪َّ ( :‬‬

‫واآلث‪rr‬ار ال‪rr‬واردةُ عن ص‪rr‬حابة ن‪rr‬يب اهلل ‪ -‬رض‪rr‬وان اهلل عليهم ‪ -‬وص‪rr‬لى اهلل علي‪rr‬ه وس‪rr‬لم ‪-‬‬
‫العمل بالسنة كثريةٌ متتابعة ‪.‬‬
‫الدالة على ِ‬
‫ُ‬

‫[ الخاتمة ]‬

‫ه‪rr‬ذا آخ‪r‬ر حماض‪r‬رتنا هلذا الي‪rr‬وم ‪ ،‬ونع‪rr‬دكم ‪ -‬إن ش‪rr‬اء اهلل ‪ -‬أن نتكلم يف احملاض‪r‬رة القادم‪rr‬ة عن‬
‫مكان ‪rr‬ة الس ‪rr‬نة من الكت ‪rr‬اب ‪ ،‬وعن موق ‪rr‬ف ال ‪rr‬ذين ردوا س ‪rr‬نة الن ‪rr‬يب ‪ -‬ص ‪rr‬لى اهلل علي ‪rr‬ه وس ‪rr‬لم ‪-‬‬
‫وعن اس ‪rr‬تفادة بعض العل ‪rr‬وم والفوائ ‪rr‬د األخ ‪rr‬رى من س ‪rr‬نة الن ‪rr‬يب ‪ -‬ص ‪rr‬لى اهلل علي ‪rr‬ه وس ‪rr‬لم ‪، -‬‬
‫أسأل اهلل أن يوفقن‪r‬ا وإي‪r‬اكم خلريي ال‪r‬دنيا واآلخ‪r‬رة ه‪r‬ذا واهلل أعلم وص‪r‬لى اهلل على نبين‪r‬ا حمم‪r‬د‬
‫‪.‬‬

‫احلمد هلل رب العاملني ‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني ‪ ،‬أما بعد ‪.‬‬

‫فهذه احملاضرة الثانية من حماضرات مقرر املدخل لعلوم احلديث ‪ ،‬وكن‪rr‬ا تكلمن‪rr‬ا فيم‪rr‬ا مض‪rr‬ى‬
‫عن فوائد دراسة هذا املدخل ‪ ،‬وعن أدلة مكانة السنة النبوية وحجتها ‪.‬‬
‫[ عناصر المحاضرة ]‬

‫ويف هذا اليوم ‪ -‬بإذن اهلل عز وجل‪ -‬نتكلم عن عدد من األمور ‪:‬‬

‫أوهلا ‪ :‬مرتبة السنة بالنسبة للكتاب ‪.‬‬

‫وثانيها ‪ :‬أنواع السنة بالنسبة للكتاب ‪.‬‬

‫وثالثها ‪ :‬مواقف بعض الفرق من السنة النبوية ‪.‬‬

‫طائفة ال تعمل بالسنة ‪.‬‬


‫ورابعها ‪ :‬أخبار النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بوجود ٍ‬

‫وخامسها ‪ :‬استفادة بعض العلوم من السنة النبوية ‪.‬‬

‫وإن بقي وقت حتدثنا عن التعريف بالسنة واحلديث وحنومها من املصطلحات ‪.‬‬

‫[ مكانة السنة من الكتاب ]‬

‫أم‪ll‬ا بالنس‪ll‬بة للموض‪ll‬وع األول المتعل‪ll‬ق بمكان‪ll‬ة الس ‪rr‬نة من الكت ‪rr‬اب فال ش ‪rr‬ك أن الس ‪rr‬نة من‬
‫األدلة الشرعية ‪ ،‬وأن الكتاب والسنة إليهما املرجع ‪ ،‬ومها مصدرا األحكام الشرعية األصلية‬
‫‪ ،‬فمكان‪rr‬ة الكت‪rr‬اب والس‪rr‬نة مكان‪rr‬ة رفيع‪rr‬ة عظيم‪rr‬ة ‪ ،‬وتق‪rr‬دم معن‪rr‬ا ذك‪rُ r‬ر العدي‪rr‬د من األدل‪rr‬ة الدال‪rr‬ة‬
‫على حجية السنة ‪.‬‬

‫[ اختالف العلماء في منزلة السنة من القرآن ]‬

‫لكن يبقى عن‪rr‬دنا مس‪rr‬ألةٌ مهم‪rr‬ة ‪ :‬وهي منزل‪rr‬ة الس‪rr‬نة من الق‪rr‬رآن ‪ :‬ه‪rr‬ل مها مبنزل‪rr‬ة واح‪rr‬دة أو أن‬
‫السنة تأيت يف مرتبة ثانية بعد القرآن الكرمي ؟‬
‫هذه املسألة اختلف فيها أهل العلم ‪ ،‬واالختالف فيه‪rr‬ا ليس ناش‪rr‬ئاً من عص‪rr‬رنا احلاض‪r‬ر ‪ ،‬وإمنا‬
‫اخلالف فيها من عصوٍر متقدمة ‪.‬‬

‫وهذا الخالف يرجع حاصله إلى قولين ‪:‬‬

‫أن الس‪ll‬نة النبوي‪ll‬ة في مرتب‪ll‬ةٍ ثاني‪ll‬ة بالنس‪ll‬بة للق‪ll‬رآن ‪ ،‬بحيث تك‪ll‬ون الرتب‪ll‬ةُ‬
‫الق‪ll‬ول األول ‪َّ :‬‬
‫والرتبة الثانية للسنة النبوية ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫األولى للقرآن الكريم ‪،‬‬

‫واستدل من يرى أن السنة تكون في المرتبة الثانية بالنسبة للقرآن بعدد من األدلة ‪:‬‬

‫أول ه ‪rr‬ذه األدل ‪rr‬ة ‪ :‬أن الق ‪rr‬رآن كل ‪rr‬ه قطعي الثب ‪rr‬وت ‪ ،‬خبالف الس ‪rr‬نة فمنه ‪rr‬ا م ‪rr‬ا ه ‪rr‬و‬ ‫‪-1‬‬
‫قطعي الثبوت ومنها ما ليس كذلك ‪.‬‬

‫‪r‬واتر النق‪rr‬ل ‪ ،‬ق‪rr‬د أمجع أو ق‪rr‬د أطب‪rr‬ق الن‪rr‬اسُ‬


‫واس‪rr‬تدلوا ثاني‪rr‬ا ب‪rr‬أن ق‪rr‬الوا ‪ :‬الكت‪rr‬ابُ مت‪ُ r‬‬ ‫‪-2‬‬
‫على روايت‪rr‬ه جيالً بع‪rr‬د جي‪rr‬ل ‪ .‬خبالف السُّ‪r‬نة من جه‪rr‬ة آحاده‪rr‬ا فإن‪rr‬ه مل ينقله‪rr‬ا إال‬
‫قلة من الناس ‪ ،‬وال يطبق الناس من أهل اإلسالم على نقلها ‪.‬‬
‫ٌ‬

‫واستدلوا على ذلك ثالثا ‪ :‬بأن ق‪rr‬الوا ‪ :‬إنَّ السُّ‪r‬نةَ ق‪rr‬د ي‪rr‬رد عليه‪rr‬ا م‪rr‬ا ي‪rr‬رد من جه‪rr‬ة‬ ‫‪-3‬‬
‫دخول ما ليس منها فيها ‪ ،‬خبالف الكتاب ‪.‬‬

‫واستدلوا على ذلك أيضا من السنة ‪ :‬مبا ورد أن النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وس‪rr‬لم ‪-‬‬ ‫‪-4‬‬
‫لم‪َّl‬ا بعث مع‪ll‬اذَ بن جب‪ll‬ل إلى اليمن ق‪ll‬ال ل‪ll‬ه ‪ :‬بم تحكم ؟ ق‪ll‬ال ‪ :‬بكت‪ll‬اب اهلل ‪,‬‬
‫قال ‪ :‬فإن لم تج‪l‬د ؟ ق‪l‬ال ‪ :‬فبس‪ll‬نة رس‪ll‬ول اهلل ‪ ،‬ق‪l‬ال ‪ :‬ف‪l‬إن لم تج‪l‬د ؟ ق‪l‬ال ‪:‬‬
‫أجته ‪ll‬دُ رأيي ‪ ،‬ق ‪ll‬ال رس ‪ll‬ول اهلل ‪ -‬ص ‪ll‬لى اهلل علي ‪ll‬ه وس ‪ll‬لم ‪ -‬بع ‪ll‬د ذل ‪ll‬ك ‪( :‬‬
‫الحمد هلل الذي وفق رسولَ رسولِ اهلل لما يُرضي رسولَ اهلل ) ‪.‬‬

‫وهذا الحديث قد رواه اإلمام أبو داودَ في ُسننه ‪ ،‬وقد تكلم في إسناده ‪:‬‬
‫وجود بعض الرواة الذين ال يُعرف حاهلم ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪ ‬من جهة‬

‫اختالف بني بعض رواته ‪ :‬حيث قد ُروي‬


‫ٌ‬ ‫‪ ‬ومن جهة كون هذا احلديث قد وقع فيه‬
‫بصيغ متعددةٍ َّمما جعل بعضَ أهل العلم يقول عليه ‪ :‬بأنَّه مضطرب ‪،‬‬
‫هذا احلديثُ ٍ‬
‫وسنأيت ‪ -‬إن شاء اهلل ‪ -‬لبيان معىن االضطراب وحنو ذلك ‪ ،‬هذا احلديث رواه‬
‫احلارث بن عمرو عن معاذ بن جبل يف بعض األلفاظ عن أصحاب معاذ ‪ ،‬يف بعض‬
‫األلفاظ عن بعض الصحابة ‪ ،‬ومثل هذا ال يطعن فيه يف احلديث ؛ لكون أصحاب‬
‫رد‬
‫بقاذف من القواذف اليت تُ ُّ‬
‫ٍ‬ ‫أحد منهم ممن يُعرفون‬
‫معاذ معروفين موثوقين ‪ ،‬ليس ٌ‬
‫الرواية من أجله ‪ ،‬مث احلارث بن عمرو هذا هو ابن أخ املغرية بن شعبة ‪ ،‬وقد روى‬
‫قوى روايتَه‬
‫طائفة ‪ ،‬وهو من أهل الزمان األول ‪ -‬قرنِ األول ‪ ، -‬ولذلك َّ‬
‫عنه ٌ‬
‫وابن‬
‫بن تيمية ُ‬
‫شيخ اإلسالم ُ‬
‫طائفة منهم ُ‬
‫إسناده ٌ‬
‫وحسن َ‬
‫مجاعةٌ من أهل العلم ‪َّ ،‬‬
‫كثري والذهيب وغريهم ‪،‬‬

‫رواته ‪ ،‬ففي بعض رواياته أنه قال ‪:‬‬ ‫‪ ‬وطعَن فيه ً‬


‫ثالثا بأنَّ هذا احلديثَ قد اختلف فيه ُ‬
‫( فإذا ُعرض لك أمرٌ لم تجد فيه شيئًا في الكتاب وال السنة فاكتب إليَّ فيه )‬
‫حممد بن‬
‫ابن ماجه يف سننه ‪ ،‬لكن هذه الرواية إمنا وردتْ عن طريق ِ‬
‫كما رواه ُ‬
‫وضاع ال يعتمد عليه ‪ ،‬فال يصح أن نطعَن يف الرواية األوىل‬
‫سعيد املصلوب ‪ ،‬وهو َّ‬
‫من أجل هذه الرواية ‪.‬‬

‫‪ -4‬واستدلوا على ذلك ‪ :‬بما ورد عن صحابة النبي صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬أنهم كانوا‬
‫اقض بما في كتاب اهلل ‪،‬‬
‫أن ِ‬‫عمر إلى شريح‪ ،‬قال ‪ِ :‬‬
‫يقولون بمثل ذلك ‪ ،‬فقد كتب ُ‬
‫فسنة رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ، -‬فإن لم يكن‬
‫فإن لم يكن في كتاب اهلل ّ‬
‫فاقض بما قضى به‬
‫ِ‬ ‫في كتاب اهلل وال في سنَّة رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫مثل ذلك عن طائفةٍ من أصحاب النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪. -‬‬
‫الصالحون ‪ ،‬وورد ُ‬
‫بأن الكتابَ والسنةَ في مرتبةٍ واحدة ‪.‬‬
‫والقول الثاني ‪َّ :‬‬

‫دليل شرعي ‪ ،‬واستدلوا على تساوي الكتاب والسنة يف الرتبة‬


‫ألن كالً منهما ٌ‬
‫وقالوا ‪َّ :‬‬
‫بعدد من األدلة ‪:‬‬

‫طاعة الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬


‫عطف ِ‬‫ِ‬ ‫‪ -1‬منها ما ورد يف النصوص الشرعية من‬
‫حرف العطف الواو اليت تقتضي املساواة ‪ ،‬يف‬
‫ِ‬ ‫بطاعة اهلل ‪ -‬عزوجل ‪ -‬بواسطة احلرف ‪،‬‬
‫مثل قوله تعاىل ‪" :‬وأطيعوا اهلل وأطيعوا الرسول واحذروا " ‪.‬‬

‫طاعة الرسول من طاعة اهلل ‪ ،‬ومقتضى ذلك‬


‫‪ -2‬واستدلوا على ذلك ‪ :‬بأنَّ اهلل قد جعل َ‬
‫جزء منها‪ ،‬وأهنا تساويها يف الرتبة‪ ،‬يف مثل قول اهلل تعاىل‪ " :‬من يطع الرسول فقد‬
‫َّأنها ٌ‬
‫أطاع اهلل " ‪.‬‬

‫واجبة‬
‫‪ -3‬واستدلوا على ذلك مبا ورد عن النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ّ -‬أنه جعل طاعتَه ً‬
‫وغريهم ‪،‬‬
‫طاعة اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬كما ورد ذلك يف احلديث الذي رواه أهلُ السنن ُ‬
‫مثلَ ِ‬
‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أنه‬
‫َ‬ ‫ابن ِحبان عن املقدام معد بن كعب أنَّ‬
‫وأخرجه ُ‬
‫أريكته أن يقول ‪:‬‬
‫رجل شبعان على ِ‬
‫قال ‪ ( :‬إني أوتيت الكتاب وما يعدله ‪ ،‬يوشك ٌ‬
‫حرام‬
‫حالل أحللناه ‪ ،‬وما كان فيه من ٍ‬
‫ٍ‬ ‫بيني وبينكم هذا الكتاب ‪ ،‬فما كان فيه من‬
‫حرَّمناه ‪ ،‬أال وإنه ليس كذلك ) ‪ ،‬وفي بعض األلفاظ ‪ ( :‬أال وإني قد أوتيت القرآن‬
‫ومثله معه ) ‪ ,‬وجاء يف الصحيح ‪ :‬أن النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم – قال‪ ( :‬من أطاعني‬
‫فقد أطاع اهلل ‪ ،‬ومن عصاني فقد عصى اهلل ) ومن هنا جعلوا َ‬
‫رتبة الكتاب مماثًِلة لرتبة‬
‫السنة ‪ ،‬وجعلومها يف رتبة واحدة ‪.‬‬

‫[ بيان أن الخالف السابق لفظي ]‬

‫شيء من املسائل ؛‬
‫ولكن ال يترتب على هذا اخلالف ٌ‬
‫آية من القرآن ومل‬
‫خرب وكانت هناك ٌ‬
‫ألنه قد اتفق أهلُ العلم على َّأنه إذا كان هناك ٌ‬
‫‪ّ .1‬‬
‫معرفة التاريخ فيهما ‪ ،‬ومل نتمكن من الرتجيح‬
‫اجلمع بينهما ‪ ،‬ومل متكن أيضا ُ‬
‫ميكن ُ‬
‫القرآنية على‬
‫ِ‬ ‫حينئذ على تقدمي ِ‬
‫اآلية‬ ‫بينهما بوجوه الرتجيح املختلفة ‪ ،‬فقد اتفقوا ٍ‬
‫السنة الواردة ‪.‬‬
‫ُّ‬

‫نظر يف املسألة الفقهية فإنه‬


‫اجملتهد إذا َ‬
‫َ‬ ‫‪ .2‬كما أنَّ أهلَ العلم قد اتفقوا أيضا على أنَّ‬
‫حيكم مبا يف الكتاب وهو مل يبحث‬
‫ينظر إىل مجيع األدلة ‪ ،‬وال يصح للمجتهد أن َ‬
‫بعد عن أدلة املسألة الواردة يف سنة النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬؛ ألن السنة قد‬
‫ُ‬
‫مطلقه ‪ -‬على ما سيأيت يف املبحث اآليت ‪. -‬‬
‫عموم الكتاب وتقيِّد َ‬
‫تُخصّص َ‬

‫مسألة ‪ :‬هل يستقل احلديثُ بإثبات ٍ‬


‫حكم‬ ‫ً‬ ‫ورتب بعض أهل العلم على هذا الخالف‬
‫أصل يف الكتاب ؟‬
‫شرعي بدون أن يكون له ٌ‬
‫ٍ‬

‫وقد أطال العالمة الشاطيب الكالمَ على هذه املسألة يف كتابه " املوافقات " ‪،‬‬
‫ولكن نقول ‪ :‬إنَّ كل سنة النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قد ميكن إرجاعُها إىل عموماتِ‬
‫الكتاب الواردة بإثبات حجية سنة النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬مبثل قوله سبحانه ‪( :‬‬
‫وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) ‪.‬‬

‫وبذلك ننتقل إىل اجلزئية الثانية املتعلقة بأنواع السنة بالنسبة للكتاب ‪.‬‬

‫[ أنواع السنة بالنسبة للكتاب ]‬

‫فنقول ‪ :‬إن سنة النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بالنسبة ملا يف القرآن على أنواع ‪:‬‬

‫[ السنة المقِّر رة لما في الكتاب ]‬


‫تؤكد ما يف‬
‫حينئذ ّ‬ ‫النوع األول ‪ :‬أن تكون السنة النبوية ِّ‬
‫مقررةً ملا يف الكتاب ‪ ،‬فهي ٍ‬
‫بأمر جديد ‪.‬‬
‫الكتاب ‪ ،‬وتثبته بدون أن تأيت ٍ‬

‫ومثال ذلك ‪ :‬ما ورد يف قول يف قول اهلل عز وجل ‪ ( :‬شهر رمضان الذي أنزل فيه‬
‫القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) ‪،‬‬
‫وقد ورد أن النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ذكر أنَّ من الواجبات صيامَ شهر رمضان ملَّا‬
‫صيام شهر رمضان ) ‪ ,‬فهذا‬
‫جاءه األعرايب فسأله عن الواجب عليه من الصيام ‪ ،‬فقال ‪ُ ( :‬‬
‫بأمر جديد عليه ‪.‬‬
‫يقرر ما يف الكتاب ‪ ،‬وال يأيت ٍ‬
‫احلديث ِّ‬

‫ومن أمثلة ذلك ‪ :‬ما ورد يف النصوص من األمر بالصالة ‪ ،‬حيث ورد يف الكتاب يف مثل‬
‫أيضا يف السنة النبوية ‪.‬‬ ‫قوله تعاىل ‪ ( :‬وأقيموا الصالة ) وورد ُ‬
‫مثله ً‬

‫[ السنة المبِّينة لما في الكتاب ]‬

‫النوع الثاني ‪ :‬أن تكون السنة مبيِّنةً ملا يف الكتاب ‪ ،‬وهذا البيان على أنواع ‪:‬‬

‫النوع األول ‪ :‬أن يكون على جهة التفسري والتفصيل ‪ ،‬فإذا كان هناك شيء مبهم أو‬
‫جممل فإن السنة تأيت ببيانه وإيضاحه وبيان املراد منه ‪.‬‬

‫ومن أمثلة ذلك ‪ :‬قول اهلل جل وعال ‪ ( :‬وآتوا حقه يوم حصاده ) ‪ ،‬فهذه اآلية تُ ِّ‬
‫قرر أنه‬
‫يؤدوا زكاةَ الزروع والثمار ولكنها مل تبيّن ما هو احلق الواجب يف‬
‫جيب على املسلمني أن ُّ‬
‫الثمار والزروع بالنسبة للزكاة ‪ ،‬ففسر ذلك النيب صلى اهلل عليه وسلم بقوله ‪ " :‬فيما‬
‫سقت السماء العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر " ‪ ،‬وهكذا أيضا يف مثل قول اهلل‬
‫عز وجل ‪ " :‬وأقيموا الصالة " ؛ فإن اآلية تضمنت األمر بإقامة الصالة لكنها مل تبني‬
‫مقدار هذه الصالة وال عدد ركعاهتا وال ما هي األوقات اليت تؤدى فيها وال مبطالت‬
‫الصالة ‪ ،‬وليس فيها ذكر شروط الصالة أو أركاهنا وحنو ذلك ‪ ,‬ففسر النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ذلك بأن وضح كيفية الصالة ووضح أوقات الصلوات ووضح الشروط واألركان‬
‫واملبطالت يف أحاديث عديدة خمتلفة ‪,‬‬
‫وقد أخرج الخطيب البغدادي بسنده إلى عمران بن الحصين أنه ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫جالسا و معه أصحابه ‪ ،‬فقال رجل من القوم ‪ :‬ال تحدثون إال بالقرآن فقال له ‪:‬‬
‫ً‬ ‫كان‬
‫ادُن ‪ ،‬فدنا فقال ‪ :‬أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن فكنت تجد فيه صالة‬
‫ْ‬
‫ثالثا تقرأ في اثنتين ‪ ,‬أرأيت لو وكلت أنت‬
‫الظهر أربعاً وصالة العصر أربعاً والمغرب ً‬
‫وأصحابك إلى القرآن فكنت تجد الطواف بالبيت سبعاً والطواف بالصفا والمروة ‪،‬‬
‫ثم قال ‪ :‬أي قوم خذوا عنا فإنكم واهلل إال تفعلوا لتضلن " ‪.‬‬

‫[ السنة المقِّيدة أو المخصصة لما في الكتاب ]‬

‫النوع الثالث ‪ :‬أن تكون السنة مقيّدة للقرآن أو ِّ‬


‫خمصصة له ‪ ،‬وهو نوع من أنواع البيان‬
‫عند مجاهري أهل العلم ‪.‬‬

‫ومن أمثلة ذلك ‪ :‬ماورد يف قول اهلل عز وجل ‪ " :‬يوصيكم اهلل في أوالدكم للذكر مثل‬
‫حظ األنثيين " ؛ حيث بينت اآلية أ ‪،‬ن اآلباء إذا توفوا فإن أبناءهم وبناهتم يرثوهنم وأنه‬
‫يكون املرياث للذكر مثل حظ األنثيني لكن جاءت السنة فخصصت هذا العموم يف قوله ‪:‬‬
‫" أوالدكم " فبينت السنة أن الولد الكافر ال يرث ؛ كما يف الصحيح أن النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم قال ‪ " :‬اليرث الكافر المسلم " ‪ ،‬وجاء يف السنة ً‬
‫أيضا أن النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم قال ‪ " :‬ال يرث القاتل " ؛ كما رواه الرتمذي وغريه وجاءت األحاديث ً‬
‫أيضا ببيان‬
‫أن األنبياء ال يورثون ‪ ،‬وأن أبناءهم ال يرثوهنم ؛ كما يف قول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪" :‬‬
‫نحن معاشر األنبياء ال نورث ما تركناه صدقة " ‪.‬‬

‫ومن أمثلته ‪ - :‬أيضا ‪ -‬أن اهلل عز وجل قال ‪ " :‬والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما "‪،‬‬
‫فاآلية عامة تشمل كل سارق لكن جاءت السنة بتخصيص ذلك ‪ ،‬فجاءت السنة بأنه ال بد‬
‫من كون السرقة من حرز ‪ ،‬وأن سرقة األموال غري احملرزة غري احملفوظة ال قطع فيها‪،‬‬
‫أيضا ببيان أن املال الذي مل يبلغ النصاب فإنه ال قطع فيه وحنو ذلك من‬
‫وجاءت السنة ً‬
‫أيضا قد تكون اآلية مطلقة فيأيت حديث يقيّد‬
‫ختصيصات هذه األلفاظ العامة ‪ ،‬هكذا ً‬
‫أيضا هذا شيء مما وردت به السنة بالنسبة لتخصيص عموم الكتاب‬
‫إطالق اآلية ‪ ،‬وهكذا ً‬
‫وتقييد مطلقه ‪.‬‬

‫[ السنة الناسخة لما في الكتاب ]‬

‫النوع الرابع ‪ :‬السنة اليت ظاهرها أهنا ناسخة ملا يف الكتاب ‪.‬‬

‫ومن أمثلة ذلك ‪ :‬ما جاء يف القرآن من عقوبة الزاين يف قوله تعاىل ‪ " :‬والالتي يأتين‬
‫الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في‬
‫البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل اهلل لهن سبيال " ‪ ،‬فظاهر هذه اآلية أن الزانية إذا‬
‫قامت عليها البينة أهنا حتبس حىت جيعل اهلل هلا سبيال ‪ ،‬مث جاء يف احلديث أن النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم قال ‪ " :‬خذوا عني خذوا عني قد جعل اهلل لهن سبيال البكر بالبكر جلد مائة‬
‫وتغريب عام والثيب بالثيب الجلد والرجم " ؛ فإن ظاهر هذا احلديث أنه ناسخ لآلية‬
‫املتقدمة‪ .‬ومثله أيضاً‪ :‬قوله تعاىل ‪ " :‬كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك‬
‫خيرا الوصية للوالدين واألقربين " ؛ فإن ظاهر هذه اآلية صحة الوصية للوالدين ‪ ،‬مث جاء‬
‫يف احلديث أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ " :‬ال وصية لوارث " ‪،‬‬

‫وقد اختلف أهل العلم في مثل هذه النصوص كيف يتعامل معها ؟‬

‫فقال طائفة ‪ :‬بأن هذه األحاديث تكون مبثابة ِّ‬


‫املبين ال مبثابة الناسخ ‪.‬‬

‫وقال آخرون ‪ :‬هي ناسخة ‪.‬‬


‫[ مسألة نسخ الكتاب بالسنة ]‬

‫وهذا مرجعه إىل قاعدة أصولية وخالف بني علماء أصول الفقه ؛ فإنه قد اختلف علماء‬
‫األصول يف مسألة " هل يصح نسخ الكتاب بالسنة ؟‬

‫وقد اختلفوا في ذلك على أقوال متعددة‪.‬‬

‫القول األول ‪ :‬أن السنة مطلقة تنسخ الكتاب ‪ ،‬وهو قول طائفة من احملدثني وقد اختاره‬
‫ابن خويز منداد من املالكية ‪.‬‬

‫وطائفة تقول ‪ :‬إن الكتاب ينسخ بالسنة املتواترة دون السنة اآلحادية ‪ ,‬هذا قول مجاهري‬
‫األصوليني ‪.‬‬

‫وطائفة تقول ‪ :‬بأن الكتاب ال ميكن وال يصح أن ينسخ بالسنة ‪.‬‬

‫ولكل قول دليله ‪ ،‬ومرجع هذه املسألة كتب األصول ‪.‬‬

‫[ السنة المستقلة بأحكام جديدة ]‬

‫نوع آخر ‪ :‬السنة املستقلة بأحكام جديدة مل جتدها يف الكتاب ‪.‬‬

‫ومن أمثلة ذلك ‪ :‬ما ورد يف حترمي نكاح املرأة على عمتها أو خالتها ؛ كما يف احلديث‬
‫املتفق عليه من حديث أيب هريرة أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ " :‬ال تنكح المرأة‬
‫على عمتها وال على خالتها " ‪.‬‬

‫ومن أمثلة أيضاً ‪ :‬أنه ورد يف األحاديث ‪ :‬أن النبي صلى اهلل عليه وسلم نهى عن لحوم‬
‫الحمر األهلية ‪ ,‬ويف احلديث اآلخر ‪ " :‬نهى عن كل ذي ناب من السباع " وجاء يف‬
‫حديث آخر ‪ :‬أنه نهى أن يقتل مسلم بكافر ‪ ،‬وجاء يف أحاديث أخرى ‪ :‬أن النبي صلى‬
‫اهلل عليه وسلم قال ‪ " :‬البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " ‪ ،‬وجاء يف احلديث اآلخر ‪ :‬أن‬
‫النبي صلى اهلل عليه وسلم قضى بالشفعة "‪ ,‬وحنو ذلك من األحكام الزائدة على ما يف‬
‫الكتاب ‪ ،‬ومثل هذه إذا كانت سنة مستقلة فإهنا واجبة االتباع وجيب العمل هبا ‪.‬‬

‫وطائفة تقول ‪ :‬ال بد أن يكون هلا أصل لكن ميكن إرجاعها إىل العمومات الواردة يف‬
‫الكتاب بأن السنة حجة يف مثل قوله تعاىل ‪ " :‬من يطع الرسول فقد أطاع اهلل " ‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫" وما آتاكم الرسول فخذوه " ‪.‬‬

‫ويبقى هنا مسألة وهي ما إذا كان أصل العمل وأصل العبادة وارداً يف النصوص القرآنية مث‬
‫جاءت السنة بزيادة يف هذا العمل فهل حيتج هبذه السنة ؟‬

‫من أمثلة ذلك ‪ :‬قوله تعاىل ‪ " :‬وليطوفوا بالبيت العتيق " ؛ فإن اآلية دلت على األمر‬
‫بالطواف بالبيت بالنسبة للحجاج ‪ ,‬مث جاءت السنة ببيان أن هذا الطواف ال بد أن يكون‬
‫معه سرت للعورة ؛ ومن هنا قال طائفة ‪ :‬يشرتط يف الطواف سرت العورة ؛ لقول النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ " :‬ال يطوف بالبيت عريان " ‪ ،‬وذهب طائفة من الفقهاء إىل عدم وجوب‬
‫ذلك وصحة الطواف مع كشف العورة ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ألن اآلية القرآنية دلت على صحة‬
‫الطواف مطلقة فال يصح أن نزيد على مطلق الكتاب من خالل سنة آحادية ‪ ,‬وهذا‬
‫بسنة متواترة فهو‬
‫اخلالف إمنا هو يف السنة اآلحادية فقط ‪ ،‬وأما الزيادة على نص القرآن ٍ‬
‫حمل اتفاق بني أهل العلم ‪.‬‬

‫من خالل ما سبق يتضح لنا أن السنة بالنسبة للكتاب على أنواع ‪:‬‬

‫النوع األول ‪ :‬السنة الموافقة بما في الكتاب المؤكدة بما فيه ‪.‬‬

‫النوع الثاني ‪ :‬السنة المفسرة للكتاب ‪.‬‬

‫النوع الثالث ‪ :‬السنة المقيدة بما في الكتاب أو المخصصة له ‪.‬‬


‫النوع الرابع ‪ :‬السنة الناسخة بما في الكتاب مع خالف في هذا النوع ‪.‬‬

‫النوع الخامس ‪ :‬السنة التي تقرر حكما جديدا لم يرد في الكتاب‪.‬‬

‫وهذه هي أنواع السنة بالنسبة للكتاب ‪.‬‬

‫[ الطوائف التي ال تحتج بالسنة النبوية ]‬

‫ننتقل بعد ذلك إىل الكالم عن الطوائف اليت ال تقبل السنة ‪:‬‬

‫[ الطائفة األولى ‪ :‬الخوارج ]‬

‫وجد يف العصور األول أفراد تكلموا بكلمات مقتضاها أهنم ال يرون حجية السنة النبوية ‪،‬‬
‫فرد عليهم طائفة من علماء صحابة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ,‬تقدم معنا ذلك الذي‬
‫ناقش عمران بن حصني يف هذه احملاضرة ‪ ،‬وتقدم معنا يف حماضرة ماضية املرأة اليت ناقشت‬
‫ابن مسعود فأقام هلا الدليل واحلجة الدالة على أن السنة النبوية واجبة االتباع ‪ ،‬وهكذا‬
‫وجد يف تلك العصور بعض األفراد الذين إذا نوقشوا رجعوا وتبني هلم أن ما قالوه ليس‬
‫بصحيح من خالل ما عرضه عليهم علماء الصحابة والتابعني من بيان األدلة الواردة بإثبات‬
‫حجية السنة ‪ ,‬مث بعد ذلك ملا وجدت الطوائف والفرق املختلفة وجد نسبة لبعض هذه‬
‫ً‬
‫أساسيا‬ ‫الطوائف بأهنم يردون ما يف السنة النبوية وال يأخذون هبا وال جيعلوهنا مصدراً‬
‫للتشريع ‪.‬‬

‫ومن أمثلة ذلك ‪ :‬ما ذكر عن اخلوارج فإنه قد نقل عنهم أهنم ال يقبلون السنة ويقتصرون‬
‫على ما يف الكتاب ؛ ألهنم كانوا يرفعون راية ( ال حكم إال هلل ) كما ورد يف عدد من‬
‫اآليات ‪ ،‬ولكن اخلوارج مل يكونوا يردون مجيع األحاديث وإمنا كانوا يردون أحاديث‬
‫بعض الصحابة الذين ال يزكوهنم وال يرون أهنم من العدول ؛ ولذلك فهم مل يردوا السنة‬
‫بإطالق ‪ -‬على الصحيح مما نقل من مذاهب اخلوارج ‪.-‬‬
‫الطائفة الثانية ‪:‬طائفة المعتزلة ؛ حيث كان املعتزلة ّ‬
‫حيكمون عقوهلم إال أنه ال يقتضي‬
‫ذلك أهنم كانوا يردون السنة بإطالق ‪ ،‬وإمنا كانوا يردون السنة يف العقائد إذا كانت خمالفة‬
‫ألسباب معينة ‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫مبا يف عقوهلم ‪ ،‬أو كانوا يردون السنة‬

‫‪ .1‬منها عدم قبول رواية بعض الرواة ‪.‬‬

‫‪ .2‬ومنها عدم تعديل مجيع الصحابة عند بعضهم ‪.‬‬

‫وحينئذ فاملعتزلة مل يكونوا يردون السنة النبوية بإطالق ‪ ،‬فيدل على ذلك أهنم ال زالوا‬
‫ٍ‬
‫يستدلون باألحاديث النبوية ‪ ،‬وإذا طالع على اإلنسان كتبهم وجدهم يستدلون بالسنة يف‬
‫مواطن عديدة ‪ ،‬بل إن الكتب اليت ألفها معتزلة يف القواعد األصولية يثبتون حجية السنة‬
‫ويبينون أحكامها ‪.‬‬

‫الطائفة الثالثة ‪ :‬طائفة الشيعة ؛ وهم فرق كثرية ال يرضى بعضهم عن بعض ‪ ،‬ويتكلم‬
‫بعضهم يف بعضهم اآلخر ‪ ،‬لكن ما يهمنا هنا هل الشيعة ال يرون حجية السنة أو يروهنا ؟‬
‫فنقول ‪ :‬إن الشيعة يرون حجية السنة على جهة اإلمجاع ‪ ،‬لكننا خنتلف معهم يف مسائل‬
‫متعددة منها ‪ :‬مسألة عدالة الصحابة ؛ ومن ثَم فهم ال يقبلون رواية الصحابة الذين ال‬
‫أيضا االختالف بيننا وبينهم يف طرق إثبات السنة نفسها ‪،‬‬
‫يرون عدالتهم ‪ ،‬ومن ذلك ً‬
‫وكذلك إدخال الشيعة ألقوال األئمة يف مفهوم السنة ؛ حيث يرون أهنا من احلجج الشرعية‬
‫املماثلة ألقوال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ويرون أن السنة الواردة عن املتأخر من األئمة‬
‫ينسخ عمن ورد قبلهم ‪.‬‬

‫[ الطائفة الرابعة ‪ :‬طوائف معاصرة وأبرزها القرآنيون ]‬

‫ويف العصر احلاضر وجدت بعض الكتابات العامة اليت تنكر حجية السنة بإطالق ‪ ،‬وهي يف‬
‫الغالب كتابات من غري متخصصني يف علوم الشريعة ؛ ومن مث فليس هلا تلك القيمة واملنزلة‬
‫‪ ،‬وبعضها جاء من كتابات املستشرقني الذين كانت دراستهم ملباحث السنة دراسة مغرضة‬
‫مبنية على اعتقاداهتم السابقة ؛ ولذا فإن هذا اإلنكار ليس بتلك املثابة ‪ ،‬وال ينبغي أن‬
‫يلتفت إليه ‪.‬‬

‫أيضا وجدت طائفة بل فرقة مست أنفسها بأهنا أهل القرآن أو‬
‫ويف عصرنا احلاضر ً‬
‫القرآنيون ‪ ،‬وبدؤوا ينكرون حجية السنة النبوية ‪ ،‬ومثل هذا القول يف ما تقدم من بيان أدلة‬
‫السنة وحجيتها أعظم الرد عليهم ‪ ،‬وقد تقدمت وهي أدلة قطعية ثابتة ‪ ،‬ونشري إىل بعض‬
‫الشبهات اليت انطلقوا منها إىل القول بعدم حجية السنة النبوية ‪,‬‬

‫[ شبهات القرآنيين في ردهم السنة النبوية والرد عليها]‬

‫[ الشبهة األولى ]‬

‫فمن أدلتهم أن قالوا ‪ :‬إن الدين جيب أن يكون قطعياً والسنة ظنية ومن مث ال يصح أن حنتج‬
‫بالسنة‪.‬‬

‫أما الدليل على أن الدين ال بد أن يكون قطعيا فذلك يف مثل قوله تعاىل‪ " :‬ذلك الكتاب‬
‫ال ريب فيه " ‪ ،‬ولورود األدلة الدالة على النهي عن اتباع الظن تلك يف قوله تعاىل‪ " :‬وما‬
‫يتبع أكثرهم إال ظنا إن الظن ال يغني من الحق شيئا " ‪ ،‬وقوله ‪" :‬إن تتبعون إال الظن‬
‫وإن أنتم إال تخرصون " يف مقام الذم مبا كان كذلك ‪ ،‬وقال تعاىل ‪ " :‬وإن الظن ال‬
‫يغني من الحق شيئا " وقال ‪ " :‬وال تقف ما ليس لك به علم " ‪.‬‬

‫[ الرد على الشبهة األولى ]‬

‫وقد أجيب عن هذا االستدالل ‪:‬‬


‫بأن من السنة ما هو قطعي كاملتواتر ومن مث ال يصح لكم االستدالل هبذا الدليل عل إنكار‬
‫السنة بإطالق ‪،‬‬

‫مث إن النصوص الواردة بالنهي عن الظن إمنا املراد به الظن الذي يكون يف مقابلة اليقني‬
‫ومقابلة احلق املقطوع به ؛ بداللة قوله ‪ " :‬إن الظن ال يغني من الحق شيئا " ‪ ،‬وبداللة أن‬
‫الشريعة أجازت العمل بالظن يف مواطن عديدة يف مثل قوله جل وعال ‪ " :‬فال جناح‬
‫عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود اهلل " ‪ ،‬وقد جاءت بقتل القاتل بشهادة‬
‫الشهود مع ورود االحتمال عليها ‪.‬‬

‫[ الشبهة الثانية ]‬

‫حمتو على حكم كل شيء ومن مث ال حنتاج معه إىل السنة يف مثل‬
‫ثانيا بأن الكتاب ٍ‬
‫واستدلوا ً‬
‫قوله تعاىل ‪ " :‬ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء " ‪ ،‬قالوا ‪ :‬فدل ذلك على عدم‬
‫أيضا قوله تعاىل ‪ " :‬هو‬
‫حاجتنا إىل السنة ‪ ،‬ففيه داللة على أن الكتاب واضح مبيّن ‪ ،‬ومثله ً‬
‫الذي أنزل إليكم الكتاب مفصال " ‪.‬‬

‫[ الرد على الشبهة الثانية ]‬

‫جوابا عليه ‪ : -‬إن القرآن قد توىل الرد عليكم ؛ فإن القرآن قد ّبين حجية السنة‬
‫فنقول ‪ً -‬‬
‫يف مثل قوله تعاىل ‪ " :‬وما آتاكم الرسول فخذوه " ‪ ،‬مث قد بني القرآن أن السنة تبني‬
‫الكتاب ‪ " :‬وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم " ‪.‬‬

‫[ الشبهة الثالثة والرد عليها ]‬

‫وقد استدل بعضهم بقوله تعاىل ‪ " :‬ما فرطنا في الكتاب من شيء" ‪.‬‬
‫وهذا االستدالل ليس يف حمله ؛ ألن املراد بالكتاب هنا اللوح احملفوظ ‪ ،‬وليس املراد به‬
‫القرآن ‪.‬‬

‫[ الشبهة الرابعة والرد عليها ]‬

‫أيضا ‪ : -‬بأن قالوا ‪ :‬إن القرآن كامل ‪ ،‬ومقتضى كمال القرآن أن‬
‫واستدلوا على ذلك – ً‬
‫ال حنتاج معه إىل دليل آخر يف مثل قوله تعاىل ‪ " :‬اليوم أكملت لكم دينكم " ملا نزلت‬
‫آخر آية يف الكتاب ‪.‬‬

‫والجواب عن هذا‪ :‬بأن من كمال القرآن أن ّبين أن السنة موضحة له ‪ ،‬وأهنا حجة شرعية‬
‫كما تقدم يف عدد من النصوص الشرعية ‪.‬‬

‫[ الشبهة الخامسة والرد عليها ]‬

‫أيضا ‪ -‬بأن النيب صلى اهلل عليه وسلم قد هنى عن كتابة السنة يف مواطن‪.‬‬
‫وقد استدلوا ‪ً -‬‬
‫وأجيب عن هذا ‪ :‬بأن النهي يف هذه األحاديث ٍ‬
‫ألمر خاص وهو اخلشية من اختالط‬
‫الكتاب بالسنة ‪ ،‬ويدل على ذلك أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قد أمر بكتابة األحاديث يف‬
‫عدد مما ورد عنه صلى اهلل عليه وسلم حيث قال ‪ " :‬اكتبوا ألبي شاه " وحنو ذلك من‬
‫ٍ‬
‫النصوص ‪.‬‬

‫[ الشبهة السادسة ]‬

‫أيضا ‪ -‬بورود بعض األحاديث الصحيحة الواردة يف كتب السنة اليت ال ميكن‬
‫واستدلوا ‪ً -‬‬
‫أن يقبلها ذوق ‪ ،‬وال ميكن أن يقبلها عقل سليم على حسب دعواهم ‪،‬‬
‫وأوردوا أمثلة على ذلك ‪ :‬ما ورد أن النيب صلى اهلل عليه وسلم أمر من وقع الذباب يف‬
‫إناء ماء عنده أن يغمس الذباب كامال ‪ ،‬وقال ‪ " :‬فإن في أحد جناحية داءً وفي اآلخر‬
‫شفاًء " ‪.‬‬
‫[ الرد على هذه الشبهة ]‬

‫طبا ومقبولة عقالً عند غري هؤالء املنكرين ‪ ،‬مث‬


‫ولكن قد ثبت أن هذه األحاديث مقبولة ً‬
‫ناشئا يف عصرنا وقد روى أناس‬
‫فهما ً‬‫دت به هذه األحاديث مل يكن ً‬
‫إن هذا الفهم الذي ُر ْ‬
‫أكثر عقال من هؤالء من الصحابة ومن التابعني فلم يعرتضوا على هذه األحاديث وأخذوا‬
‫ما فيها بالقبول ‪ ،‬وكان سبب سعادة هلم يف دنياهم و يف آخرهتم ‪،‬ومن هنا فمثل هذه‬
‫الدعوة ال يلتفت إليها ‪.‬‬

‫[ الشبهة السابعة والرد عليها ]‬

‫واستدلوا على ذلك ‪ :‬مبا ورد يف احلديث أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪" :‬أنتم أعلم‬
‫بأمور دنياكم "‬

‫مث‬ ‫وهذا االستدالل تناقض منهم ؛ ألهنم ال يرون حبجية السنة وكيف يستدلون هبا ‪،‬‬
‫إن احلديث مل يرد إال يف األمور الدنيوية وأنتم ترغبون تعميم احلديث ليشمل مجيع األمور ‪،‬‬
‫فاحلديث ال يشمل العبادات ‪ ،‬وال يشمل أمور األطعمة وال غريها من األمور ‪ ،‬فال يصح‬
‫أن تنكروا السنة بسبب هذا احلديث ‪ ،‬مث إن احلديث ليس فيه إال األمور الدنيوية ولذلك‬
‫قال‪ ( :‬فما كان من أمر دينكم فإلي ) ‪ ،‬مث إن احلديث ورد على سبب وهو أنه وجدهم‬
‫يلقحون النخل ( يعين أهنم يضعون اللقاح يف النخل ) ‪ ،‬فقال صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬ال‬
‫أظن ذلك يغني شيئا " ‪ ،‬فأخرب عن ظنه ومل خيرب عن حكم شرعي ‪ ،‬فلما خرج التمر خرج‬
‫شيصا غري منتفع به ‪ ،‬فرجعوا إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم فقال ‪ " :‬أنتم أعلم بأمور‬
‫ً‬
‫دينكم إنما أخبرت عن ظن ظننته ‪ ،‬فإذا أخبرتكم عن اهلل عز وجل فاعملوا بذلك "‬
‫كما ورد يف صحيح مسلم ‪.‬‬
‫[ الخاتمة ]‬

‫هذا هو آخر حماضرتنا هلذا اليوم ‪ ،‬وكنت أظن أن الوقت سيتسع ألخذ مباحث أخرى من‬
‫مباحث السنة ولكن لعلنا إن شاء اهلل نرجئها إىل يوم آخر ‪.‬‬

‫صاحلا ‪ ،‬وجيعلنا وإياكم من أتباع‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫وعمال‬ ‫علما نافعاً‬
‫أسال اهلل جل وعال أن يرزقنا وإياكم ً‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم الذين يرمحون ويفلحون بسبب اتباعهم هلدي النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬هذا واهلل أعلم ‪ ،‬وصلى اهلل على نبينا حممد ‪.‬‬

‫احلمد هلل رب العاملني ‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني ‪،‬‬
‫أما بعد ‪.‬‬

‫فقد تكلمت يف حماضرة ماضية عن مكانة السنة من الكتاب ومرتبتها منه ‪ ،‬وعن أنواع‬
‫شيئا منها وعن الشبهات اليت يستند‬
‫السنة بالنسبة للكتاب ‪ ،‬و عن الفِرق اليت ترد السنة أو ً‬
‫يرد دليل السنة بإمجال وأجبت عن هذه الشبهات ‪ ،‬ونواصل احلديث يف موضوع‬
‫إليها من ُّ‬
‫السنة النبوية من خالل عدد من األمور والعناوين ‪.‬‬

‫[ إخبار النبي ‪ ‬عن طائفة تنكر السنة ]‬

‫أوهلا ‪ :‬اإلشارة إىل أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قد أخرب بوجود طائفة ال تعمل بالسنة‬
‫فقد قال صلى اهلل عليه وسلم ‪" :‬يوشك الرجل متكئاً على أريكته يُحدَّث بحديث من‬
‫حديثي ‪ ،‬فيقول ‪ :‬بيننا وبينكم كتاب اهلل عز وجل ‪ ،‬فما وجدناه فيه من حالل‬
‫استحللناه و ما وجدنا فيه من حرام حرمناه ‪ ،‬أال وإنما حرم رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم مثل ما حرم اهلل " ‪ ،‬وورد هذا املعىن بعدد من األلفاظ عن عدد من الصحابة‬
‫رضوان اهلل عنهم ‪.‬‬

‫[ بيان أوجه استفادة بعض العلوم من السنة النبوية ]‬

‫فمثالً ‪:‬‬ ‫ونتكلم بعد ذلك عن استفادة بعض العلوم من السنة النبوية ‪،‬‬
‫علوم اللغة واألدب استفادت من السنة النبوية من جهات متعددة ‪:‬‬

‫وذلك أن السنة النبوية يف مرتبة عالية بالنسبة للبالغة ‪ ،‬فيها من روعة اللفظ‬ ‫‪-1‬‬
‫ومسو املعىن و حكمة بالغة واختيار اجلملة املناسبة ومجال البيان ما بلغ غاية‬
‫عظيمة ‪ ،‬بلغ منزلة رفيعة‪.‬‬

‫أيضا أن تستفيد اللغة أو استفادت اللغة من سنة النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫وميكن ً‬ ‫‪-2‬‬
‫من جهة اختيار األلفاظ واجلمل القصرية اللفظ الكثرية املعىن ؛ ألن النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم قد أويت جوامع الكلم ‪.‬‬

‫وكذلك استفاد األدب العريب من السنة النبوية من جهة طريقة الرواية حلكايات‬ ‫‪-3‬‬
‫األدب؛ فإن النظر يف اإلسناد ووضع تراجم الرواة والسري وحنو ذلك كله‬
‫احملدثني وأسلوهبم ‪ ،‬وإن مل يكن أهل األدب بدرجة اإلتقان‬
‫مأخوذ من طريقة ّ‬
‫اليت كان عليها أهل احلديث‪.‬‬

‫كذلك بالنسبة للنحو حيث يرى كثري من النحاة أن احلديث النبوي من احلجج‬ ‫‪-4‬‬
‫اليت يعمل فيها ؛ ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم قد أرسل بلغة عربية مبينة وأعطي‬
‫واضحا ؛ و لذلك فهم يستدلون بأقواله صلى اهلل عليه وسلم فيما‬
‫ً‬ ‫عربيا‬
‫لساناً ً‬
‫يتعلق بالقواعد النحوية‪.‬‬
‫مث استفادت العلوم العربية من السنة من جهة أن كثرياً من علماء السنة اعتىن‬ ‫‪-5‬‬
‫وبيانا وتوضيحاً للمعىن ودراسة‬
‫باأللفاظ اليت وردت يف احلديث النبوي شرحاً ً‬
‫ألسلوب الرتكيب وللطريقة البيانية وحنو ذلك مما جعل اللغة تزهر بذلك ؛ لذلك‬
‫جند املؤلفات العديدة اليت ورد يف غريب احلديث مما خيدم ذلك ‪.‬‬

‫و هكذا أيضا فيما يتعلق بالدراسات التارخيية استفادت من طريقة احملدثني يف‬ ‫‪-6‬‬
‫املؤرخني يعتنون‬
‫اإلسناد و يف طرق الرواية و شروط الرواة و حنو ذلك مما جعل ّ‬
‫بنقد الروايات التارخيية و وضع القواعد لذلك أخذاً من اعتناء احملدثني‬
‫بناء على ذلك ‪.‬‬
‫باألحاديث النبوية ونقدهم الرواة والروايات ً‬

‫[ تعريف الحديث لغة ]‬

‫نتكلم بعد ذلك عن معنى الحديث ‪:‬‬


‫احلديث يف لغة العرب ‪:‬اجلديد نقيض القدمي ‪ ،‬ومادة حدث يف اللغة تدور حول هذا املعىن‬
‫حديثا ؛ ألنه حيدث منه‬
‫هو كون الشيء و حصوله بعد أن مل يكن حاصلًا ‪ ،‬و مسي الكالم ً‬
‫الشيء بعد الشيء بعد أن مل يكن ؛ فإن الكلمات ترتكب من حروف متعاقبة متوالية‪ ،‬و‬
‫كل واحد من هذه احلروف حيدث بعد احلرف اآلخر ‪ ،‬أو ألن مساع هذه احلروف حيدث‬
‫يف القلوب من املعاين و العلوم الشيء الكثري ‪ ،‬قال تعاىل ‪ " :‬فليأتوا بحديث مثله إن كانوا‬
‫صادقين " واحلديث جيمع على أحاديث ً‬
‫مجعا غري سامل ‪ ،‬وبعض احملدثني يقول‪ :‬واحد‬
‫األحاديث أحدوثة ‪ ،‬لكن هذا فيه نظر‪ ،‬املقصود أن احلديث يف اللغة هذا هو معناه‪ ،‬وقد‬
‫قال البعض ‪ :‬إن السنة أطلق عليها اسم احلديث مبقابلة القدمي الذي هو القرآن ‪ ،‬وهذا كالم‬
‫خاطئ ؛ ألنه ال يصح أن يوصف القرآن بأنه قدمي ‪ ،‬وصفة الكالم بالنسبة هلل قدمية النوع‬
‫لكنها حادثة اآلحاد على الصحيح كما تأخذونه إن شاء اهلل يف علم املعتقد ؛ ولذلك ال‬
‫يصح هذا املعىن الذي يقول ‪ :‬بأن احلديث مسيت به السنة يف مقابلة القدمي الذي هو الكتاب‬
‫؛ ألنه ال يصح أن يوصف الكتاب بأنه قدمي ‪ ،‬و قد مسى النيب صلى اهلل عليه وسلم كالمه‬
‫حديثا ‪ ،‬فقد جاءه أبو هريرة يسأله عن أسعد الناس بشفاعته يوم القيامة ‪ ،‬فقال النيب‬
‫ً‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬إني قد علمت أنه لن يسألني عن هذا الحديث أحدٌ قبلك يا أبا‬
‫هريرة لحرصك على طلب الحديث " ‪.‬‬

‫[ تعريف الحديث اصطالحًا ]‬

‫والمراد با لحديث في االصطالح ‪ :‬ما أضيف إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم بعد نبوته‬
‫من قول أو فعل أو صفة أو تقرير ‪.‬‬

‫وقصر احلديث والسنة على ما أثر عن النيب صلى اهلل عليه وسلم بعد نبوته هذا هو الذي‬
‫يراه مجاهري أهل العلم ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬بأن احلديث يشمل ما نقل عنه قبل النبوة لكن‬
‫األول اصطالح اجلماهري ‪.‬‬

‫والمراد بالقول ‪ :‬ما تكلم به النيب صلى اهلل عليه وسلم ولفظ به ‪.‬‬

‫ومن أمثلة ذلك‪ :‬قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬إنما األعمال بالنيات ‪ ،‬وإنما لكل امرئ‬
‫ما نوى " ‪.‬‬

‫والمراد بالفعل ‪ :‬ما أثر عنه صلى اهلل عليه وسلم من األفعال ‪.‬‬

‫ومن أمثلة ذلك ‪ :‬ما نقل عنه أنه كان ال يدع ً‬


‫أربعا قبل الظهر وركعتني قبل الغداة ‪.‬‬

‫وأما مثال التقرير ‪ :‬فما قرره صلى اهلل عليه وسلم على بعض أصحابه من مثل إقراره للعب‬
‫احلبشة باحلراب يف املسجد ‪ ،‬وإقراره صلى اهلل عليه وسلم أصحابه على أكل الضب على‬
‫مائدته وحنو ذلك من أمثلة اإلقرار ‪.‬‬
‫وأما ما نقل من أوصافه صلى اهلل عليه وسلم فمن مثل قول أنس بن مالك ‪ :‬كان صلى‬
‫اهلل عليه وسلم َربْعة من القوم ‪ ،‬ومن الرجال ليس بالطويل وال بالقصري ‪ ،‬و حنو ذلك من‬
‫األوصاف املنقولة عنه صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬

‫[ تعريف السنة لغة ]‬

‫أما السنة في اللغة ‪ :‬املراد هبا السرية سواء كانت سرية طيبة أو كانت غري مقبولة ‪،‬‬
‫فأول راضٍ سنة يسريها‬ ‫يقول الشاعر ‪ :‬فال جتزعن من سرية أنت سرهتا‬

‫يف احلديث ‪ :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ " :‬من سن في اإلسالم سنة حسنة فله‬
‫أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ‪ ,‬ومن سن في‬
‫سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من‬
‫اإلسالم سنة ً‬
‫أوزارهم شيء " ‪.‬‬

‫[ تعريف السنة اصطالحًا ]‬

‫وأما السنة في االصطالح عند علماء الشريعة ؛ فقد اختلف معىن لفظ السنة يف اصطالح‬
‫علماء الشريعة حبسب اختالف علومهم وفنوهنم وأغراضهم ‪.‬‬

‫فعند األصوليني هلا معىن مغاير ملا عند احملدثني ؛ لذلك نورد أصناف أهل العلم ونبني معىن‬
‫لفظ السنة عند كل منهم ‪.‬‬

‫[ تعريف السنة عند المحّد ثين ]‬

‫فأوال ‪ :‬السنة عند علماء الحديث ‪ :‬يراد هبا ما نقل عن النيب صلى اهلل عليه وسلم من‬
‫وخُلقية ‪.‬‬
‫أقوال وأفعال وتقريرات وصفاتٍ َخْلقية ُ‬

‫[ تعريف السنة عند األصوليين ]‬


‫وأما علماء األصول فإهنم قصروا لفظ السنة على ‪ :‬ما نقل عن النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫من أقوال أو أفعال أو تقريرات ‪ ،‬ومل يذكروا ما يتعلق بالصفات قالوا ‪ :‬ألن ما نقل عنه من‬
‫الصفات ال يؤخذ منه حكم شرعي ولذلك مل يدخلوه يف مفهوم السنة ‪.‬‬

‫[ تعريف السنة عند الفقهاء ]‬

‫وعلماء الفقه أطلقوا لفظ السنة على ‪ :‬املندوب الذي يثاب اإلنسان على فعله وال يأمث‬
‫برتكه ‪ ،‬وإن كان بعضهم جيعل املندوب على قسمني ‪ :‬مندوب منقول عن النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم فيسميه سنة ‪ ،‬ومندوبًا مأخوذ بطريق القياس وحنوه فيسميه مستحبًا ‪ ،‬لكن‬
‫مطلقا بغض النظر عن الدليل الدال‬
‫مجهور الفقهاء على إطالق لفظ السنة على املندوب ً‬
‫عليه ‪.‬‬

‫[ تعريف السنة عند علماء العقيدة ]‬

‫مث يطلق لفظ السنة عند علماء الشريعة يف مقابلة البدع ‪ ،‬و املراد بالبدعة ‪ :‬ما تعبد الناس‬
‫لرهبم به من األقوال أو األفعال مما مل يؤثر عن الرسول صلى اهلل عليه وسلم أو مما مل يقم‬
‫عليه دليل شرعي ‪ ،‬و البدع مذمومة يف الشرع ؛ لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪" :‬من أحدث‬
‫في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" ‪ ،‬و لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬كل بدعة ضاللة "‬

‫فتكون السنة على ذلك ‪ :‬هي ما كان على طريقة النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ولذلك‬
‫يقولون ‪ :‬فالن على سنة ‪ ،‬وفالن على بدعة ‪ ،‬ويقال ‪ :‬هذا طالق سين ‪ ،‬وهذا طالق‬
‫بدعي ‪.‬‬

‫ويف هذا العلم نريد بلفظ السنة االصطالح األول الذي صار عليه أهل احلديث ‪ ،‬وإذا نظرنا‬
‫أيضا يف‬
‫يف النصوص الشرعية اليت استخدمت لفظ السنة على معناها اللغوي و هكذا ً‬
‫اآليات القرآنية مثل قوله تعاىل ‪ " :‬سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا " ‪ ،‬ومثل قوله‬
‫تعاىل ‪ " :‬و إن يعودوا فقد مضت سنة األولين " ‪ ،‬وقد استخدم النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم لفظ السنة يف مواطن كما يف الرجل الذي قال له النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪" :‬‬
‫أصبت السنة " ملا صلى يف الوقت بالتميم ‪ ،‬و قال صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬فعليكم‬
‫بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ " فدل ذلك‬
‫على إطالق لفظ السنة على طريقة اخللفاء الراشدين وإن مل يكن ذلك على املعىن‬
‫االصطالحي وإمنا على الطريقة اللغوية ‪.‬‬

‫أيضا ‪ -‬ما ورد عنه صلى اهلل عليه وسلم أنه قال ‪ " :‬فمن رغب عن سنتي‬
‫ومن ذلك ‪ً -‬‬
‫فليس مني " يعين الطريقة اليت صرت عليها ‪ً ،‬‬
‫وبناء على ذلك فإننا نقرر أن مجهور احملدثني‬
‫معىن واحد وليست معانيهما خمتلفة ‪،‬‬
‫يرون أن السنة واحلديث يطلقان على ً‬

‫[ الفرق بين الحديث والسنة ]‬

‫فرق بني هذين املصطلحني ؛ فجعل الحديث ‪ :‬ما نقل عن‬


‫وإن كان بعض أهل العلم قد ّ‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬و جعل السنة ما كان عليه العمل يف الصدر األول ؛ و لذلك‬
‫قالوا ‪ :‬بأن بعض األحاديث ترد من أجل خمالفتها للسنة املعمول هبا ‪.‬‬

‫مثال ‪ :‬سئل عبد الرمحن بن مهدي عن سفيان و األوزاعي ومالك ‪ :‬فقال سفيان‬
‫ومن هذا ً‬
‫إمام يف احلديث وليس بإمام يف السنة ‪ ،‬و األوزاعي إمام يف السنة و ليس بإمام يف احلديث‬
‫‪ ،‬ومالك إمام فيهما ‪.‬‬

‫حديثا ؛ فإنه سبحانه قال ‪ " :‬فلعلك باخع‬


‫و أذكر هنا أن اهلل جل و عال قد مسى كتابه ً‬
‫نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا "‪ ،‬ويعىن باحلديث هنا القرآن‬
‫العظيم‪.‬‬

‫[ تعريف األثر اصطالحًا ]‬


‫و أما بالنسبة لألثر فلفظة األثر يراد هبا ‪ :‬ما نقل عن الصحابة و التابعني ‪ ،‬فاملنقول عن‬
‫الصحابة وعن التابعني يسمى آثارا ‪.‬‬

‫و يقسمونها إلى قسمين ‪:‬‬

‫القسم األول ‪ :‬املوقوف على الصحايب ‪.‬‬

‫والقسم الثاني ‪ :‬املقطوع و هو الذي روي عن التابعني ‪.‬‬

‫[ تعريف الخبر اصطالحًا ]‬

‫ننتقل بعد ذلك إىل مصطلح آخر ‪ :‬و هو مصطلح اخلرب ‪ ،‬فلفظة اخلرب أطلقت وأريد هبا‬
‫معىن أعم من األحاديث و من اآلثار ‪،‬‬

‫فاألخبار ‪ :‬تشمل املنقول عن النيب صلى اهلل عليه وسلم واملنقول عن الصحابة واملنقول عن‬
‫التابعني ؛ فلذلك فإن اخلرب أمشل من املصطلحات السابقة ‪:‬‬

‫الخبر ‪ :‬يشمل ما جاء عن النبي صلى اهلل عليه وسلم و ما جاء عن غيره ‪.‬‬

‫و من هنا نعلم أو نعرف أن عندنا مصطلح عام و هو اخلرب ينقسم إىل قسمني ‪:‬‬

‫القسم األول ‪ :‬احلديث والسنة املنقول عن النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬

‫والقسم الثاني ‪ :‬اآلثار و هي املنقولة عن غري النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬

‫واآلثار تنقسم إلى قسمين ‪:‬‬

‫موقوفة ‪ :‬وهي املنقولة عن الصحابة رضوان اهلل عليهم ‪.‬‬

‫ومقطوعة ‪ :‬وهي املنقولة عن التابعني رمحهم اهلل تعاىل ‪.‬‬


‫و الخبر في اللغة ‪ :‬يراد به العلم و النبأ ‪.‬‬

‫وعند اصطالح العلماء ‪ :‬أن اخلرب ما يصح أن يدخله الصدق أو الكذب ‪ ،‬أو يقال مبا‬
‫يقابل بالتصديق أو التكذيب ‪.‬‬

‫و األثر في اللغة ‪:‬البقية من الشيء ‪ ،‬و يطلق األثر على الخبر ً‬


‫أيضا يف اللغة ‪ ،‬وتقدم معنا‬
‫بيان املصطلح أو املعىن االصطالحي هلذه األلفاظ ‪.‬‬

‫[ تعريف الحديث القدسي ]‬

‫و يبقى عندنا مصطلح آخر وهو مصطلح احلديث القدسي ‪:‬‬

‫ما املراد باحلديث القدسي ؟ وما الفرق بينه وبني احلديث النبوي ؟‬
‫الحديث القدسي ‪ :‬هو احلديث الذي يضيفه النيب صلى اهلل عليه وسلم إىل اهلل عز وجل‬
‫على جهة القول ‪.‬‬

‫فعند ما يقول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬قال اهلل عز وجل ‪ " ...‬بدون أن يكون ً‬
‫قرآنا‬
‫قدسيا ‪.‬‬
‫ً‬ ‫فإنه يكون ً‬
‫حديثا‬

‫[ أمثلة الحديث القدسي ]‬

‫ومن أمثلة األحاديث القدسية ‪:‬‬

‫‪ ‬ما رواه أبو هريرة أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ " :‬قال اهلل تعالى‪ :‬ثالثة أنا‬
‫ٌ‬
‫ورجل‬ ‫خصمهم يوم القيامة ‪ ،‬ومن كنت خصمه خصمته ‪ ،‬رجل أعطى بي ثم غدر ‪،‬‬
‫يوفه أجره "‬
‫رجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم ّ‬
‫باع حراً فأكل ثمنه ‪ ،‬و ٌ‬
‫‪ ‬يف حديث أيب ذر أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ " :‬قال اهلل عزوجل ‪ :‬يا عبادي‬
‫إني حرمت الظلم على نفسي و جعلته بينكم محرما " ‪،‬‬
‫بينما احلديث النبوي هو الذي تكلم به النيب صلى اهلل عليه وسلم ؛ من أمثلة ذلك قوله‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬هو الطهور ماؤه الحل ميتته " ‪.‬‬

‫[ سبب تسميته قدسيًا ]‬

‫قدسيا نسبة إىل القدس وهو الطهارة والتنزيه ؛ ألنه منسوب إىل رب العاملني‬
‫ً‬ ‫و مسي ً‬
‫حديثا‬
‫سبحانه و تعاىل والنيب صلى اهلل عليه وسلم إمنا هو جمرد ناقل له وحاكٍ له عن اهلل عز وجل‪،‬‬
‫بينما األحاديث النبوية الشريفة مسيت نبوية و أضيفت إىل النبوة نسبة إىل النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ؛ ألنه هو املتكلم هبا وإن كانت مجيعها ( األحاديث القدسية واألحاديث النبوية‬
‫) صادرة بوحي من اهلل عز وجل ؛ ألن الرسول صلى اهلل عليه وسلم ال يقول إال احلق وما‬
‫ينطق عن اهلوى ‪ ،‬لكن األوىل منسوبة إىل اهلل جل وعال بلفظها والثانية منسوبة إىل الوحي‬
‫مبعناها‪.‬‬

‫يبقى عندنا مصطلحان مهمان أال مها مصطلح ( السند و المتن ) ‪:‬‬

‫[ تعريف السند لغة واصطالحًا ]‬

‫ما المراد بالسند ؟‬

‫السند في اللغة ‪ :‬ما يعتمد عليه يف السند إليه ‪.‬‬

‫و المراد بالسند في اصطالح المحدثين ‪ :‬سلسلة أمساء الرواة الذين نقلوا احلديث‬
‫بالتسلسل واحداً بعد اآلخر ‪.‬‬
‫وأصل السند يف اللغة ‪ :‬ما ارتفع عن األرض ‪.‬‬

‫أما السند في االصطالح ‪ :‬فهم الرواة الذين نقلوا املنت من مصدره األول ‪.‬‬

‫سندا ؛ ألنه يعتمد عليهم يف تصحيح‬


‫ومسي الرواة أو مسي الطريق الذي سار عليه الرواة ً‬
‫اخلرب و تضعيفه ‪.‬‬

‫المقصود أن السند في االصطالح ‪ :‬سلسلة أمساء الرواة الذين نقلوا املنت بالتسلسل‬
‫واحداً عن واحد ‪.‬‬

‫تصحيحا و تضعيفاً ‪.‬‬


‫ً‬ ‫و السند هو الذي حيكم عليه أو حيكم على اخلرب بواسطته‬

‫شيء واحد ‪.‬‬


‫و قد يستعمل لفظ السند وقد يستعمل لفظ اإلسناد وكالمها يراد به ٌ‬
‫واإلسناد مصدر ال يصح أن يثنّى و ال جيمع خبالف لفظة السند ؛ فإنه يقال ‪ :‬إسنادان‬
‫ولكن عند احملدثني استجازوا مجع وتثنية هذه الكلمات ( إسناد وسند ) فيقولون ‪:‬‬
‫إسنادان ‪ ،‬ويقولون ‪ :‬أسانيد ‪ ،‬لكن مجهور احملدثني على أن اإلسناد يثىن و ال جيمع والسند‬
‫جيمع وال يثىن ؛ فيقال ‪ :‬إسنادان ‪ ،‬ويقال‪ :‬أسانيد ‪ ،‬يثىن و جيمع عندهم فيقال ‪ :‬إسنادان‬
‫أو أسانيد ‪ ،‬وأما السند فيثىن و ال جيمع فتقول ‪ :‬حديث له سندان ومل يقولوا ومل جيمعوا‬
‫كلمة السند ‪.‬‬

‫[ أهمية اإلسناد ]‬

‫و اإلسناد له قيمة كربى يف اإلسالم عبّر عنها ابن املبارك بقوله ‪ :‬اإلسناد من الدين ولو ال‬
‫اإلسناد لقال من شاء ما شاء ‪ ،‬وأثر عن الثوري ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬أنه قال ‪ :‬اإلسناد سالح‬
‫املؤمن ‪ ،‬وورد مثل ذلك عن مجاعة من احملدثني رمحهم اهلل تعاىل ‪.‬‬

‫[ تعريف المتن لغة واصطالحًا ]‬


‫و يقابل اإلسناد املنت ‪ ،‬والمراد بالمتن يف اللغة ‪ :‬صلب الشيء ‪ ،‬فاملنت من كل شيء ‪ :‬ما‬
‫صلب ظهره ‪ ،‬ويقال منت األرض أي ما ارتفع وصلب منها ‪ ،‬وبعض أهل اللغة جيعل املنت‬
‫يراد به الظهر ‪.‬‬

‫و على كلٍ فإن المتن في االصطالح ‪ :‬نص اخلرب املروي ‪ ،‬وهو الغاية اليت ينتهي إليها‬
‫السند من الكالم ‪ ،‬فالمتن هو ألفاظ اخلرب اليت تتكون هبا معانيه ‪.‬‬

‫[ سبب تسميته متنًا ]‬

‫متنا ؛ ألنه هو املطلوب ‪ ،‬وألنه هو الظاهر الذي نطلبه من األخبار‪.‬‬


‫ولعله مسي املنت ً‬

‫فاملقصود أن اخلرب ينقسم إىل قسمني ‪ :‬القسم األول ‪ :‬هو السند ‪ ،‬والقسم الثاين ‪ :‬املنت ‪،‬‬
‫صفات لإلسناد‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫وبذلك نعلم أن احلديث واألثر واخلرب صفات للمنت وليست‬

‫[ أقسام اإلسناد ]‬

‫و يقسم أهل العلم اإلسناد إلى نوعين ‪ :‬إسناد عالي ‪ ،‬و إسناد نازل ‪.‬‬

‫يراد باإلسناد العالي ‪ :‬هو ما قرض رجال سنده من أصل منت اخلرب ؛ بسبب قلة عدد‬
‫حديثا برجال قلة فإنه يقال له هذا‬
‫الرواة إذا قيسوا بإسناد آخر ‪ ،‬فعند ما يروي حمدث ً‬
‫بإسناد أقل رواة يقال له ‪ :‬إسناد‬
‫ٍ‬ ‫إسناد عال ‪ ،‬فالقرب من الرسول صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ٍ‬
‫عال ‪.‬‬

‫مثال ذلك ‪ :‬اإلمام أمحد يروي احلديث يف مرات عن النيب صلى اهلل عليه وسلم بإسناد‬
‫ثالثي ؛ فريوي اإلمام أمحد احلديث عن تابع التابعي عن التابعي عن الصحايب عن النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬بينما يف مرات يروي اإلمام أمحد اخلرب من طريق ستة ينقل بعضهم‬
‫عن بعضهم اآلخر اخلرب أو مخسة فهذا ليس عايل اإلسناد ؛ لكونه قد كثرت رجاله‪،‬‬
‫فاملقصود أن العلو يف اإلسناد يراد به قلة رجال اإلسناد ‪.‬‬

‫و يقابل علو اإلسناد ‪ :‬اإلسناد النازل ‪.‬‬

‫اإلسناد النازل هو الذي يقابل العايل و هو الذي كثر رجاله وكثر رواته ‪.‬‬

‫واإلسناد العايل مطلب عند األئمة املتقدمني إذا كان بطريق صحيح ‪ ،‬قال اإلمام أمحد ‪" :‬‬
‫اإلسناد العايل سنة عمن سلف " ‪ ،‬وقيل ليحىي ‪ :‬ما تشتهي ؟ قال " بيت خال ‪ ،‬وإسناد‬
‫عال " و لذلك كان أهل العلم يف الزمان األول حيرصون على السفر والتنقل من بلد إىل بلد‬
‫قل رجاله كان اخلطأ عنه أبعد ؛ ألن كل‬
‫طلباً لعلو اإلسناد ؛ وذلك ألن علو اإلسناد ملا ّ‬
‫قل عدد الرواة فإنه حني ينتقل‬
‫رجل من رجال اخلرب حيتمل أن يقع اخللل من جهته ‪ ،‬فإذا ّ‬
‫مرغوبا فيه ؛ لكونه أقرب إىل‬
‫ً‬ ‫جهات اخللل ‪ ،‬قال اإلمام ابن حجر ‪ " :‬إمنا كان العلو‬
‫الصحة وقلة اخلطأ " ؛ ألنه ما من راوٍ من رجال اإلسناد إال واخلطأ جائز عليه ‪ ،‬فكلما‬
‫كثرت الوسائط وطال السند كثرت مظان التجويز ‪ ،‬وكلما قلت قلت ‪ ،‬وقد استشهد أو‬
‫استدل بعض احملدثني على طلب العلو يف اإلسناد مبا ورد عن بعض األعراب الذي مسع أن‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم يتكلم بكالم ‪ ،‬فقال ‪ :‬ياحممد أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن‬
‫اهلل أرسلك فقال صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬صدق "‬

‫و يف ما مضى أوردت العديد من املصطلحات الكثرية يف حماضرة اليوم ؛ لذلك فإنين‬


‫أستبيحكم عذرا يف كثرة إيراد هذه املصطلحات ‪ ،‬ومن باب تثبيت هذه املصطلحات‬
‫أحاول أن أعيد معاين املصطلحات السابقة ملخصة حىت تبقى يف الذهن ‪:‬‬

‫[ ملخص المحاضرة ]‬

‫أول هذه المصطلحات ‪:‬‬


‫مصطلح احلديث ؛ واملراد به ‪ :‬ما نقل عن النيب صلى اهلل عليه وسلم بعد نبوته من أقوال‬
‫أوأفعال أو تقريرات أو أوصاف َخْلقية أو ُخُلقية ‪.‬‬

‫والسنة عند احملدثني مرادفة للحديث ‪ ،‬و إن كان طائفة يرون للسنة معىن آخر ‪.‬‬

‫فعند األصوليني ‪ :‬السنة ما نقل عن النيب صلى اهلل عليه وسلم من أقواله وأفعاله وتقريراته ‪.‬‬

‫وعند الفقهاء ‪ :‬السنة مبعىن املندوب ‪.‬‬

‫وعند علماء الشريعة ‪ :‬السنة يف مقابلة البدعة ‪.‬‬

‫أما األثر فاملراد به ‪ :‬ما نقل عمن دون النيب صلى اهلل عليه وسلم من الصحابة والتابعني ‪.‬‬

‫وينقسم إلى قسمين ‪:‬‬

‫الموقوفات ‪ :‬وهي املنقولة عن الصحابة ‪.‬‬

‫والمقطوعات ‪ :‬وهي املنقولة عن التابعني فمن بعدهم ‪.‬‬

‫وأما الخبر فاملراد به معىن أعم مما سبق حبيث يشمل اآلثار ويشمل األحاديث ‪.‬‬

‫وأما السند فاملراد به ‪ :‬الرجال الذين نقلوا اخلرب ورووا اخلرب بعضهم عن بعضهم اآلخر ‪.‬‬

‫وأما المراد بالمتن فهو الكالم املنقول بواسطة اإلسناد ‪.‬‬

‫وأما اإلسناد العالي فهو الذي ّ‬


‫قل عدد رواته ‪.‬‬

‫وأما اإلسناد النازل فهو الذي كثر عدد رواته ‪.‬‬

‫هذا ملخص عام ملا سبق ‪.‬‬

‫وأنبه على أمرين األمر األول ‪:‬‬


‫الفرق بين المنقطع والمقطوع ‪:‬‬

‫فالمنقطع هو اإلسناد الذي سقط أحد رواته ‪.‬‬

‫وفي اصطالح المحدثين أن المنقطع ‪ :‬اإلسناد الذي سقط راوٍ من أثناء السند ‪.‬‬

‫بإسناد متصل ‪.‬‬


‫ٍ‬ ‫بينما المقطوع هو املروي عن التابعي ولو كان‬

‫األمر الثاني ‪ :‬مما أنبه عليه أن قلة الرواة وكثرهتم يف اإلسناد العايل واإلسناد النازل ويف‬
‫إسناد واحد ال باعتبار األسانيد املتعددة ؛ فإنه إذا تعددت األسانيد انتقلنا إىل التفريق بني‬
‫ٍ‬
‫املتواتر واآلحاد ‪ ،‬إذاً اإلسناد العايل واإلسناد النازل هذا باعتبار عدد الرواة يف إسناد واحد‪.‬‬

‫متواتر‬
‫ٍ‬ ‫أما إذا تعددت األسانيد فهذه مسألة أخرى يقال هلا أو تقسم باعتبار اإلسناد إىل‬
‫وآحاد ‪.‬‬

‫[ تقسيم األخبار إلى متواتر وآحاد ]‬

‫واألخبار بالنسبة لتعدد أسانيدها تنقسم إىل ‪ :‬أخبار متواترة ‪ ،‬وأخبار آحاد ‪.‬‬

‫[ تعريف المتواتر ]‬

‫فاألخبار المتواترة يراد هبا مارواه مجاعة عن مجاعة يستحيل تواطؤهم على الكذب‬
‫أمر حمسوس ‪.‬‬
‫وأسندوه إىل ٍ‬

‫[ شروط المتواتر ]‬

‫فاملتواتر له ثالث شروط ‪:‬‬

‫األول ‪ :‬كثرة العدد حبيث تكون كثرة العدد جتعل تواطؤ هذه اجلماعة على الكذب أمراً‬
‫مستحيال ‪.‬‬
‫والشرط الثاني ‪ :‬أن تكون هذه الكثرة يف مجيع طبقات اإلسناد ‪.‬‬

‫والشرط الثالث ‪ :‬أن يسندوا هذا اخلرب إىل أمر حمسوس كمشاهدة أو مساع أو حنو ذلك ‪،‬‬
‫أمر‬
‫لكن لو أسندوه إىل أمر غري حمسوس كما يظنونه أو ما يعتقدونه بدون أن يسندوه إىل ٍ‬
‫حمسوس ؛ فإنه ال يُعد متواترًا ‪.‬‬

‫[ مفاد المتواتر ]‬

‫واملتواتر مفيد لليقني ‪ ،‬مفيد للعلم اجلازم القاطع ‪.‬‬

‫ومن أمثلة المتواتر‪ :‬يف سنة النيب صلى اهلل عليه وسلم حديث ‪ " :‬من كذب علي متعمدا‬
‫فليتبوأ مقعده من النار " فإن هذا احلديث قد نقل بطرق متعددة خمتلفة متفاوتة ‪.‬‬

‫[ أقسام المتواتر ]‬

‫وقد يكون التواتر من طريق املعىن حبيث ينقسم التواتر إىل قسمني ‪:‬‬

‫متواتر لفظي ؛ كاتفاق الرواة على نقل لفظ واحد ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫وقد يكون تواتراً معنوياً باتفاق الرواة على نقل ً‬


‫معىن يشرتكون فيه ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫من أمثلة ذلك ‪ :‬أحاديث الشفاعة أحاديث كثرية متعددة ألفاظها خمتلفة لكنها تتفق على‬
‫معىن واحد وهو إثبات الشفاعة ‪ ،‬ومن مثله جود حامت وشجاعة أمري املؤمنني علي بن أيب‬
‫طالب رضي اهلل عنه ‪.‬‬

‫[ تعريف اآلحاد ]‬
‫ويقابل المتواتر اآلحاد ‪ ،‬واملراد باآلحاد ‪ :‬األخبار اليت مل توجد فيها شروط املتواتر ‪،‬‬
‫ومأخوذ من أحد كأنه قد نقل من طريق الشخص الواحد ‪.‬‬

‫[ أقسام اآلحاد ]‬

‫واآلحاد تتنوع إلى أقسام ‪:‬‬

‫القسم األول ‪ :‬المشهور ؛ واملشهور املراد به الذي رواه مجاعة عن عند مجاعة من احملدثني‬
‫حبيث يكون قد رواه رواة ُكثُر ال يقتصرون على واحد أو االثنني ‪.‬‬

‫النوع الثاني العزيز ؛ وهو الذي يروي اثنان أو ثالثة عن اثنني أو ثالثة ‪ ،‬عرفه ابن حجر‬
‫بقوله ‪ " :‬هو أن ال يرويه أقل من اثنني عن اثنني "‪ ،‬مسي عزيزاً ؛ لقلة وجوده ‪ ،‬وإما لكونه‬
‫تعزز أي قوي مبجيء هذا احلديث من طريق آخر ‪.‬‬

‫والنوع الثالث ‪ :‬الغريب وهو الذي تفرد بروايته شخص واحد ‪.‬‬

‫ومن أمثلة الغريب ‪ :‬حديث ‪ " :‬إنما األعمال بالنيات " حيث رواه أمري املؤمنني عمر بن‬
‫اخلطاب ورواه عن عمر علقمة بن وقاص ورواه عن علقمة حممد بن إبراهيم التيمي ورواه‬
‫عن حممد حيىي بن سعيد مث رواه مجاعات ‪.‬‬

‫من أمثلة العزيز ‪ :‬حديث ‪ " :‬ال يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده "‬
‫فإن هذا احلديث قد روي من طريق أنس وروي من طريق أيب هريرة ‪ ،‬ورواه عن أنس‬
‫قتادة وعبد العزيز بن صهيب ‪ ،‬ورواه عن قتادة شعبة وسعيد ‪ ،‬ورواه عن عبد العزيز‬
‫إمساعيل بن علية وعبد الوارث ‪ ،‬فكانت العزة يف هذا اخلرب يف طبقات متعددة من طبقات‬
‫اإلسناد ‪.‬‬
‫واملتواتر كما تقدم ال حنتاج إىل البحث يف إسناده ؛ ألنه مفيد للعلم اليقيين ‪ ،‬وأما اآلحاد‬
‫فإنه ينقسم إىل مقبول وإىل مردود حبسب الصفات مما سنأيت إن شاء اهلل عليه يف حماضرات‬
‫قادمة ‪.‬‬

‫يبقى عندنا التعريف أو التذكري مبا سنأخذه يف احملاضرة القادمة حيث سنتكلم إن شاء اهلل‬
‫عن أنواع علوم احلديث ونتكلم عن تاريخ املصطلح وعن تدوين السنة ‪.‬‬

‫[ الخاتمة ]‬

‫خالصة ولساناً صادقاً‪،‬‬


‫ً‬ ‫صاحلا ً‬
‫ونية‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وعمال‬ ‫علما نافعاً‬
‫نسأل اهلل جل وعال أن يرزقنا وإياكم ً‬
‫مجيال وأن يوفق والة‬
‫ردا ً‬ ‫كما نسأله جل وعال أن يصلح أحوال األمة ‪ ،‬وأن يردهم إىل دينه ً‬
‫أمور املسلمني يف كل مكان إىل العمل بكتابه وبسنة نبيه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وأن جيعلهم‬
‫هداة مهتدين أسباب خري وصالح وسعادة للناس أمجعني ‪ ،‬كما أسأله جل وعال أن يوفق‬
‫والة أمرنا يف بالد احلرمني الشريفني لكل خري ‪.‬‬

‫هذا واهلل أعلم وصلى اهلل على نبينا حممد ‪.‬‬

‫مةالشارح‬
‫الشارح‬ ‫مقّدّدمة‬
‫مق‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬


‫الديبـاجـة‬
‫احلمد هلل رب العاملني ‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني ‪ .‬أما بعد ‪:‬‬

‫فال شك أن األمة ترجع إىل مصدرين أساسيني ‪ ،‬أوّهلما كتاب اهلل جل وعال الذي أنزله اهلل‬
‫حذر منه ‪.‬‬
‫شر إال وقد ّ‬
‫خري إال وقد احتواه ‪ ،‬وما من ٍ‬
‫نورا وبرهانًا ‪ ،‬ما مِن ٍ‬
‫ً‬

‫أهمية العلم‬
‫بالسنة النبوية‬
‫وهذا الكتاب العظيم حيتاج إىل األصل الثاني وهو سنة النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬؛‬
‫وتوضحه وتشرحه ‪ ،‬فسنة النيب‪-‬‬
‫ألن سنة النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬تُّبين الكتاب ّ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬قد جاءت بتأكيد ما يف الكتاب ‪ ،‬وقد جاءت بتوضيح ما يف‬
‫الكتاب ‪ ،‬ففي الكتاب آياتٌ جمملة‪ ،‬مثل‪ :‬األمر بالصالة‪ ،‬بينتْه سنة ‪-‬النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ ، -‬ويف الكتاب آياتٌ مطلقة قيدهتا سنة النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ، -‬ويف الكتاب‬
‫آياتٌ عامة خصصتْها سنة النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪. -‬‬
‫مثال تخصيص‬
‫مثال ذلك ‪ :‬قوله تعاىل‪ " :‬والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما "(‪ ،)1‬مث جاءت السنة‬
‫الُس ّنة للكتاب‬
‫ببيان أنه ليس كل سارق يُقطع ‪ ،‬وإمنا يقطع سارقُ النصاب إذا سرق من احلرز بشروٍط‬
‫بد من االطالع على هذا‬
‫وحينئذ فال َّ‬
‫ٍ‬ ‫مذكورة يف سنة النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪، -‬‬
‫املصدر العظيم ‪ ،‬سنة النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪. -‬‬

‫أهمية علم‬ ‫ولكن اهلل ‪-‬جل وعال ‪ -‬قد ابتلى األمة ؛ بأن جعل يف نقلة بعض األحاديث مَن ال تُقبل‬
‫المصطلح‬ ‫نقله ‪ ،‬ومن ثَّم احتاجتْ األمّة إىل احلديث يف الرجال ‪ ،‬واحلديث يف األسانيد ؛‬
‫روايتُه وال ُ‬
‫صحيح األحاديث من ضعيفها ‪ ،‬ومن هنا اعتىن العلماء بالتدريس يف هذا الفن العظيم‬
‫َ‬ ‫لنتبيَّن‬
‫‪ -‬فن املصطلح ‪. -‬‬
‫تدوين علم‬
‫ومن أوائل مَن ّألف تآليف مستقلةً فيه ‪:‬‬
‫المصطلح‬

‫‪ .1‬الرامهرمزي( ) يف ( المحدِّث الفاصل ) ‪ :‬حيث كتب هذا الكتاب العظيم ‪ -‬وإن‬ ‫‪2‬‬

‫حيتو على مجيع مباحث املصطلح‪. -‬‬


‫كان مل ِ‬

‫‪ .2‬مث أتى بعده احلاكم ( )‪.‬‬


‫‪3‬‬

‫‪ ) 1‬سورة المائدة‪ ،‬آية ‪. 38 :‬‬

‫‪ ) 2‬هو القاضي أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خالد ‪ ،‬المتوفى سنة ‪ 360‬هـ ‪ ،‬واسم كتابه ‪ ( :‬المحِّدث الفاصل بين الراوي والواعي ) ‪.‬‬

‫‪ ) 3‬هو أبو عبد اهلل محمد بن عبد اهلل النيسابوري ‪ ،‬المتوفى سنة ‪ ، 405‬واسم كتابه ‪ ( :‬معرفة علوم الحديث ) ‪.‬‬
‫‪ .3‬مث أبو نعيم ( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫مؤلفات عديدة يف كل فن من فنون املصطلح ( )‪.‬‬


‫‪5‬‬
‫ٍ‬ ‫‪ .4‬مث اخلطيب البغدادي ؛ فألف‬

‫‪ .5‬مث أتى ابن الصالح يف مقدمته املشهورة ؛ فجمع هذه الفنون والعلوم ‪ ،‬وجعلها يف‬
‫كتابٍ واحد ( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫التعريف‬ ‫مث تتابع العلماء يف التأليف يف املصطلح ‪ ،‬وممن ألف فيه العالمةُ ابن حجر؛ شهابُ الدين‬
‫بالمؤلف اإلمام‬
‫إمام حمدث ‪ ،‬ألف يف كثري من فنون‬
‫أمحد بن علي ( املتوىف ‪852‬هـ) ‪ ،‬والعالمة ابن حجر ٌ‬
‫ابن حجر‬
‫احلديث ‪ ،‬فكتابه ‪ " :‬فتح الباري في شرح صحيح البخاري " من أعظم شروح‬
‫األحاديث وأكملها ‪ ،‬وال زالت األمة تستفيد من ذلك الشرح وتتناقل فوائده ‪ ،‬كذلك‬
‫ألّف يف علم الرجال ‪ ،‬سواء كتابه العظيم ‪ " :‬تهذيب التهذيب"‪ ،‬أو كتابه املعتمد عند‬
‫أكثر علماء األمة ‪ " :‬تقريب التهذيب" يف بيان أحوال الرجال‪ ،‬أو كان فيما يتعلق‬
‫مؤلف ‪ " :‬بلوغ المرام "‪ ،‬أو كان فيما يتعلق بزوائد األحاديث‬
‫بأحاديث األحكام كما يف َّ‬
‫؛ زوائد الكتب على الصحيحني ‪ ،‬أو على كتب الستة أو السبعة ؛ كما يف كتابه العظيم ‪:‬‬
‫" المطالب العالية في زوائد المسانيد الثمانية " ‪ ،‬أو كان فيما يتعلق بأطراف األحاديث‬
‫؛ كما يف كتابه العظيم ‪ " :‬إتحاف المهرة " ‪.‬‬

‫وحينئذ فهذا اإلمام له مكانته يف هذا العلم ( علم الحديث ) يف مجيع فنونه ‪ ،‬ما من ّ‬
‫فن‬ ‫ٍ‬
‫وحينئذ حرص العلماء وطلبة العلم على كُُتب هذا‬
‫ٍ‬ ‫فا فيه ‪،‬‬
‫ومؤل ً‬
‫كتابا َّ‬
‫فيه إال وقد ألّف ً‬
‫اإلمام ‪ ،‬تتناوهلا بالشرح ومبعرفة معانيها وما حتتويه من العلوم وما حتتويه من املسائل ‪.‬‬
‫التعريف بكتاب‬
‫نخبة الفكر‬

‫‪ ) 4‬هو أحمد بن عبد اهلل األصفهاني ‪ ،‬المتوفى سنة ‪ 430‬هـ ‪ ،‬واسم كتابه ‪ ( :‬المستخرج ) ‪.‬‬

‫‪ ) 5‬هو أبو بكر أحمد بن علي ‪ ،‬المشهور بالخطيب البغدادي ‪ ،‬المتوفى سنة ‪463‬هـ ‪ ،‬من أجمع كتبه في هذا الفن ‪ ( :‬الكفاية في علم الرواية ) ‪.‬‬

‫‪ ) 6‬هو الحافظ الفقيه األصولي أبو عمرو عثمان بن الصالح ‪ ،‬المتوفى سنة ‪643‬هـ ‪ ،‬واسم كتابه ‪ ( :‬علوم الحديث ) ‪.‬‬
‫ومن ذلك كتابه الذي بني أيدينا‪ " :‬نخبة الفَِكر " ‪ ،‬وهو كتاب خمتصر حيوي على‬
‫أكثر ما يتعلق بفنون املصطلح ‪.‬‬

‫تعريف علم‬ ‫لكن قد يقول قائل ‪ :‬ما املراد باملصطلح ؟ وما هو علم مصطلح احلديث ؟‬
‫مصطلح‬
‫الحديث‬ ‫فاجلواب عن هذا ‪ :‬أن املراد باملصطلح ‪ " :‬بيان معاني األلفاظ االصطالحية التي يتكلم‬
‫بها المحدِّثون " ‪.‬‬

‫اصطالحات يتكلمون هبا يف مؤلفاهتم وكتبهم ‪ ،‬فما هو مراد احملدثني هبذه‬


‫ٌ‬ ‫فإنَّ احملدثني هلم‬
‫املصطلحات ؟ نعرفه من خالل ُكتب املصطلح ‪ ،‬ولذلك فإن األظهر أن علم املصطلح‬
‫متعلٌق باحلدود والتعريفات ‪ ،‬وبيان املعاين واألقسام والتفصيالت ‪ ،‬وال يعتين كثرياً ببيان‬
‫ّ‬
‫أحكام األحاديث إال على جهة التبع ‪.‬‬

‫فإن قال قائل ‪ :‬هل هناك تعريفات أخرى هلذا العلم ؟‬

‫تعريفات ألصحابه متعددة ( ) ‪:‬‬


‫‪7‬‬
‫ٌ‬ ‫نقول لكل علم‬

‫‪ .1‬فمنهم من يقول ‪ " :‬القواعد التي يعرف بها أحوال الرواة والمرويات "( ) ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫‪ .2‬ومنهم من يقول‪ ":‬هي المسائل التي يؤخذ منها الحكم على األحاديث النبوية‬
‫" ( )‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫فوائد معرفة‬
‫علم المصطلح‬
‫‪ ) 7‬ينظر للتوسع في تعريفات علم مصطلح الحديث ‪ :‬النكت على كتاب ابن الصالح ‪ ، 1/89 :‬تدريب الراوي ‪ ، 1/41 :‬شرح الشرح ‪، 1/155 :‬‬
‫اليواقيت والدرر‪ ،231-230 :‬توضيح األفكار‪ ، 1/6 :‬قواعد التحديث ‪ ،1/75 :‬أصول الحديث لمحمد عجاج الخطيب‪ ،12-11:‬منهج النقد في‬
‫علوم الحديث‪. 32:‬‬

‫‪ )8‬هذا التعريف قريب من تعريف المصنف في النكت على كتاب ابن الصالح ‪ 1/89 :‬حيث قال فيه ‪ " :‬وأولى التعاريف لعلم الحديث ‪ :‬معرفة القواعد‬
‫التي يتوصل بها إلى معرفة حال الراوي والمروي " ‪.‬‬

‫‪ ) 9‬هذا التعريف يتضمنه تعريف ابن األكفاني حيث قال ‪ " :‬وعلم الحديث الخاص بالدراية‪ :‬علم يعرف منه حقيقة الرواية وشروطها وأنواعها وأحكامها ‪،‬‬
‫وحال الرواة وشروطهم ‪ ،‬وأصناف المرويات وما يتعلق بها " ينظر ‪ :‬قواعد التحديث ‪.1/75 :‬‬
‫لكن ما هي الفائدة من دراسة املصطلح ؟ فإنَّ علماء األمة من احملدثني قد ألّفوا يف‬
‫صحة وضعفاً‪ ،‬ومن ثَم ال يُحتاج إىل مَن يتعلم علم املصطلح؛‬
‫احلكم على األحاديث ً‬
‫صحة وضعفاً‪.‬‬
‫جهود يف احلكم على األحاديث ً‬
‫ٍ‬ ‫اكتفاء مبا بذله األئمة من‬
‫ً‬

‫فاجلواب عن هذا أن نقول ‪ :‬إن دراسة املصطلح ترتتب عليها مثرات عظيمة ‪: 10‬‬

‫‪ -1‬أولى هذه الثمرات ‪ :‬احلصول على األجر األخروي من رب العاملني ؛ فإن علم‬
‫تعلمه مما يتقرب‬
‫املصطلح علم شرعي‪ ،‬ترتتب عليه فوائد ومثرات شرعية ‪ ،‬ومن ثَم فإن ُّ‬
‫جمرُد جلوس اإلنسان يف حلقات املصطلح‬
‫به هلل جل وعال ‪ ,‬هذه من أعظم الفوائد ‪ّ ،‬‬
‫أعظم األجر والثواب‪.‬‬
‫يثاب ويؤجر على ذلك َ‬

‫‪ -2‬والفائدة الثانية ‪ :‬أن يتمكن اإلنسان من التدرج حىت يتمكن من احلكم على‬
‫وضعفا ‪ ,‬فإنّ كون اإلنسان يعرف احلكم على األحاديث على جهة‬
‫ً‬ ‫صحة‬
‫األحاديث ً‬
‫يعرفها على جهة االجتهاد والبحث ؛ فإن ثقة اإلنسان‬
‫التقليد – هذا‪ -‬أضعفُ من أن َ‬
‫باجتهاد نفسه وببحثه أعظم من ثقته باجتهاد غريه ‪.‬‬

‫‪ -3‬واألمر الثالث من فوائد علم المصطلح ‪ُّ :‬‬


‫تعرف معاين املصطلحات اليت‬
‫سواء يف الفقه أو احلديث أو يف‬
‫يستخدمها العلماء يف كتبهم‪ ،‬فإننا جند يف كتب األئمة ً‬
‫التفسري‪ -‬كلماتٍ حديثية يستعملوهنا حسب اصطالح احملدثني ‪ ،‬ومن ثََّم فإذا مل نعرف‬
‫نوقع أنفسنا يف فهم غالط ‪.‬‬
‫معىن هذه الكلمات عند هؤالء األئمة فقد ِ‬

‫مثال ذلك ‪ :‬يسمع اإلنسان قول اإلمام الرتمذي‪ ( :‬هذا حديث غريب ) ؛ فيظن أن‬
‫هذه الكلمة تعين تضعيف هذا احلديث ‪ ,‬وهذا ليس مراداً منه ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ، -‬وما ذاك‬
‫إال أن الناس مل يعرفوا املراد من املصطلح ‪.‬‬

‫‪ ) 10‬ينظر في فوائد علم المصطلح ‪ :‬تدريب الراوي ‪ ،1/41 :‬شرح الشرح ‪ ،1/155 :‬اليواقيت والدرر ‪ ، 1/231 :‬توضيح األفكار ‪ ، 1/6 :‬قواعد‬
‫التحديث ‪ ،1/76 :‬منهج النقد ‪. 34 :‬‬
‫منقطع ‪ ،‬ما الفرق بني هذه‬
‫‪ -4‬وهكذا إذا قيل‪ :‬هذا حديثٌ شاذ ‪ ،‬أو مُنكَر ‪ ،‬أو ِ‬
‫املصطلحات ؟‬

‫هذه فائدة أخرى‪ :‬أن نعرف الفرق بني املصطلحات اليت يستعملها العلماء‪ ،‬ما الفرق‬
‫عضل واملُرسَل ؟ ما الفرق بني املقطوع واملُنقطِع ؟ ما الفرق بني األثر واخلرب ؟‬
‫بني املُ َ‬
‫وحنو ذلك من املصطلحات اليت يستخدمها األئمة ‪.‬‬

‫‪ -5‬كذلك من فوائد تعلم هذا العلم ‪ :‬أن نعرف مقدار اجلهود اليت بذهلا األئمة يف‬
‫جهود األئمة ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫تعلم أو يف حفظ سنة النيب ‪ ، ‬فإن سنة النيب ‪ ‬قد تضافرت عليها‬
‫ّ‬
‫نقدر ألولئك‬
‫وبذلوا فيها جهوداً عظيمة يف معرفة معانيها ويف احلكم عليها ‪ ،‬ومن ثَم ّ‬
‫اجلهد العظيم الذي بذلوه يف هذه األحاديث ‪.‬‬
‫األئمة ذلك َ‬

‫املصدر العظيم ‪ -‬هو‬


‫َ‬ ‫‪ -6‬وفائدة أخرى ‪ :‬هي حصول الطمأنينة يف القلب بأنّ هذا‬
‫سنة النيب ‪ -‬حمفوظٌ من التحريف والتبديل ‪ ،‬وحينئٍذ نقول ‪ :‬بأنه ال ميكن أن يوجد‬
‫كذب يف األحاديث املروية عن النيب ‪ ‬مث ال تكتشف األمة ذلك الغلط أو‬
‫ٌ‬ ‫غلط أو‬
‫ٌ‬
‫قدر أهنم وجد‬
‫ذلك الكذب ؛ ألن األمة ال جتتمع على ضالل وال على باطل ‪ ،‬فلو ّ‬
‫حينئذ يكون اجتماعهم‬
‫كذب يف احلديث مث مل يطلعوا على ذلك الكذب ؛ فإنه ٍ‬
‫ٌ‬ ‫عندهم‬
‫أمر باطل ‪ ،‬وهذا مما قد نفته النصوص الشرعية عن هذه األمة ‪.‬‬
‫اجتماعًا على ٍ‬

‫‪ -7‬ومن فوائد تعلم المصطلح أيضاً ‪ُّ :‬‬


‫الرد على أعداء السنة ممن يتكلمون يف‬
‫أحاديث النيب ‪ٌ ‬‬
‫سواء كانوا من غري من ينتسبون إىل دين اإلسالم من املستشرقني ومن‬
‫ماثلهم ‪ ،‬أو كان ممن ينتسب إىل دين اإلسالم ممن َّقلد أعداء الدين بدون أن يتبيَّن له‬
‫َ‬
‫حقيقة احلال ‪.‬‬
‫ُ‬
‫املبذولة فيها ‪ ،‬وهم الذين ليس‬
‫َ‬ ‫وأغلب من يتكلم يف السنة هم الذين ال يعلمون اجلهود‬
‫علم جبهود األئمة يف سنة النيب ‪. ‬‬
‫لديهم ٌ‬

‫وحينئذ نعلم أن دراسة املصطلح هلا أمهيتها ومكانتها ومنزلتها ‪.‬‬


‫ٍ‬

‫احملدث ‪.‬‬
‫ونشرع اآلن يف بيان ألفاظ ِّ‬

‫‪‬‬
‫طبةالمصّن‬
‫المصّنفف‬ ‫ُخُخطبة‬

‫قال – رحمه اهلل ‪: -‬‬

‫‪ ‬بسم اهلل الرحمن الرحيم ‪ ،‬الحمد هلل الذي لم َيَز ْل عليمًا قديرًا ‪ ،‬وصلى اهلل على‬
‫سيدنا محمد الذي أرسله اهلل إلى الناس بشيرًا ونذيرًا‪ ،‬وعلى آل محمد وصحبه وسلم‬
‫تسليمًا كثيرًا‪.‬‬

‫أما بعد ‪:‬‬

‫فإَّن التصانيَف في اصطالح أهل الحديث قد كثرْت وُبسطْت واخُتصرْت ‪ ،‬فسألني‬


‫بعض اإلخوان أن ألِّخص له المهم من ذلك؛ فأجبته إلى سؤاله رجاء االندراج في‬
‫تلك المسالك ‪. ‬‬

‫الشرح‬
‫الشرح‬

‫شرح البسملة‬ ‫واملتعلق إما‬


‫متعلق‪َّ ،‬‬ ‫‪ ‬قوله ‪ { :‬بسم اهلل الرحمن الرحيم } ‪ُّ :‬‬
‫اجلار واجملرور ال بُد له من َّ‬
‫اخلري يف أن‬
‫امسا بأن نقول‪ُ :‬‬
‫يقدر ً‬
‫أتعلم‪ ،‬أو حنو ذلك‪ ،‬أو َّ‬
‫فيقدر‪ْ :‬أبَدأُ أو َّ‬
‫فعال َّ‬
‫أن يكون ً‬
‫والتعلم بـ (بسم اهلل ) وحنو ذلك ‪.‬‬
‫أقول‪ :‬بسم اهلل وحنو ذلك ‪ُّ ,‬‬
‫مجلة فعلية أرجح؛ ألن اجلملة الفعلية تدل على الدوام من جهة‪ ،‬وتدل على احلدث‬
‫وتقديره ً‬
‫املتعلق بالزمن من جهة أخرى‪.‬‬

‫صاحلة يف تعليق البسملة هبا؛ فإهنا تكون مذكورة‬


‫ٌ‬ ‫ذف الفعل؛ لتعميمه‪ ،‬فجميع األفعال‬
‫وح َ‬
‫ُ‬
‫وأتربك‪،‬‬
‫وأتعلم‪ّ ،‬‬
‫يف قلب اإلنسان وإن مل تكن مذكورة يف لفظه‪ ،‬فكأنه قال ‪ :‬أبتدئ‪ّ ،‬‬
‫وأستعني‪ ،‬وحنو ذلك من األفعال‪.‬‬

‫ولفظ اجلاللة { اهلل } عََلُم ِ‬


‫ذات اإلهلية ‪.‬‬

‫ودال على صفة‬ ‫{الرحمن } من أمساء اهلل جل وعال‪ ،‬فهو ٌ‬


‫دال على الذات من جهة‪ٌ ،‬‬
‫الرمحة من جهة‪ ،‬وهو من األمساء اليت يقتصر إطالقها على رب العاملني؛ ولذلك ورد يف‬
‫احلديث‪ِ { :‬إَّن َأَح َّب َأْس َم اِئُك ْم إلى الَّلِه عبدُ الَّلِه َو َعْبُد الرحمن }( )؛ ألن عبد اهلل وعبد‬
‫‪11‬‬

‫ألمساء خمتصة باهلل عز وجل ‪ ,‬وأما ما ورد من حديث‪ { :‬أفضل األسماء‬ ‫ٍ‬ ‫الرمحن قد عبّدت‬
‫ما عبد وحمد } فقد تكلم أهل العلم يف إسناده‪ ،‬وبينوا أنه ضعيف اإلسناد ( ) ‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫معنى الَحْم ـد‬


‫‪ ‬قوله ‪ { :‬الحمد هلل الذي لم َيَز ْل عليمًا قديرًا }‪:‬‬

‫األلف والالم يف ( الحمد ) للعهد‪ ،‬وليست للجنس على الصحيح ‪،‬‬


‫فاحلمد‬ ‫والمراد به‪ :‬احلمد الكامل الذي ال يعرتيه نقصٌ وال ِ‬
‫يرُد معه مذمةٌ ثابتة هلل ‪.‬‬
‫مبتدأ‪ ،‬واخلرب حمذوفٌ‪ ،‬تقديره " ثابت‪ ،‬أو منسوب‪ ،‬أو حنو ذلك" ‪.‬‬
‫سبب جمع‬
‫وقد ابتدأ املؤلف رسالته بالبسملة واحلمدلة‪ ،‬ومجع بينهما‪ ،‬والغالب يف أحوال النيب ‪ ‬أنه‬
‫المصنف بين‬
‫البسملة‬ ‫عند الكتابة ‪ -‬كتابة الرسائل‪ -‬يكتب ‪ ":‬بسم اهلل الرحمن الرحيم " بدون محد‪ ،‬وعند‬
‫والحمد‬

‫) رواه مسلم في كتاب اآلداب‪َ ،‬باب الَّنْه ِي عن الَّتَك ِّني ِبَأِبي اْلَق اِس ِم َو َبَياِن ما ُيْس َتَح ُّب من اَأْلْس َم اء‪ 3/1682 ِ:‬برقم ( ‪ ، ) 2132‬عن ابن ُعمر ‪.‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪ ) 12‬ال أصل له‪ ،‬قال السخاوي‪ :‬وأما ما يذكر على األلسنة ‪ " :‬خير األسماء ما حمد أو عبد " فباطل ‪ ( .‬كشف الخفاء ‪. ) 1/95‬‬
‫اخلُطب والكلمات أن يتكلم باحلمد بدون بسملة ‪ ,‬وملا كان هذا الكتاب يُشبه الرسائل؛‬
‫مطوال‪ ،‬ولكونه يُقرأ ‪ -‬مجع املؤلف بينهما‪ ،‬وبذلك‬
‫ويشبه اخلَُطب؛ لكونه َّ‬
‫لكونه مكتوباً‪ُ ،‬‬
‫حيصل االقتداء بكتاب اهلل عز وجل‪ ،‬فإنَّ أول سورة الفاحتة‪ " :‬بسم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫‪ ‬الحمد هلل رب العالمين "( ) ‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫هناية له‬ ‫قوله ‪ ( :‬الذي لم يَزَْل ) يعين ‪ :‬ال زال باقياً‪ ،‬فهو ال َ‬
‫بداية له من جهة الزمان‪ ،‬وال َ‬
‫بعده شيء‪ ،‬وهو سبحانه وتعاىل‬
‫قبله شيء‪ ،‬وهو اآلخِر فليس َ‬
‫أيضاً‪ ،‬فهو األول فليس َ‬
‫كل ما وصف اهلل‬
‫صفات الكمال منحصرةً يف سَبْع‪ ،‬بل ُّ‬
‫ُ‬ ‫متصف بصفات الكمال‪ ،‬وليست‬
‫ٌ‬
‫نفسه أو وصفه به رسولُه ‪ ‬فإننا نُِثبت بأنه متصف هبا على احلقيقة ‪.‬‬
‫به َ‬

‫معنى علم اهلل‬ ‫وقوله ‪ِ ( :‬علماً ) يعين‪ :‬أنَّ من صفات اهلل ‪-‬جل وعال‪ -‬العلم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫موجودات‬ ‫إحاطته جبميع املعلومات سواء‪َّ :‬‬
‫كن‬ ‫ُ‬ ‫والمراد بالعلم بالنسبة هلل ‪-‬جل وعال‪: -‬‬
‫كن معدوماتٍ‪ ،‬فهو سبحانه يعلم ما كان وما سيكون وما مل يكن لو كان كيف يكون‬
‫أو َّ‬
‫‪.‬‬

‫ودليل ذلك ما ورد يف النصوص اليت تصف اهلل بالعلم ‪ ,‬قال تعاىل‪ " :‬عالم الغيب‬
‫والشهادة "( )‪ ،‬وقال جل وعال‪ " :‬ولو ُردُّوا لَعادُوا لَِما نُهُوا عنه "( )‪ ،‬فهو سبحانه ّبين‬
‫‪15‬‬ ‫‪14‬‬

‫ردوا إىل الدنيا يعلم أهنم لو ُرُّدوا إىل‬


‫أنه يعلم أنَّ الكفار إذا جاءوا يوم القيامة‪ ،‬وطلبوا أن يُ ُّ‬
‫الدنيا فإهنم سيعودون على ما كانوا عليه من الكفر واملعاصي‪ ،‬فدل هذا على أنه سبحانه‬
‫يعلم ما مل يكن لو كان كيف سيكون ‪.‬‬

‫أنواع علم اهلل‬ ‫وصفة العلم بالنسبة هلل ‪ -‬جل وعال ‪ -‬على نوعين ‪:‬‬

‫‪ ) 13‬سورة الفاتحة‪ ،‬آية‪. 2،1 :‬‬

‫‪ ) 14‬سورة الرعد‪ ،‬آية‪. 9 :‬‬

‫‪ ) 15‬سورة األنعام‪ ،‬آية‪. 28 :‬‬


‫النوع األول‪ :‬علم بالكائنات قبل وقوعها‪ ،‬والنوع الثاين‪ :‬العلم هبا بعد وقوعها ‪ .‬وأهل‬
‫السنة يثبتون هذين النوعني من أنواع العلم‪ ،‬ويستدلون على ذلك مبا ورد من النصوص؛‬
‫لم سابقٌ‪ ،‬وقال جل‬ ‫كما يف قوله جل وعال‪ " :‬علم أن سيكون منكم مرضى "( )‪ ،‬فهذا عِ ٌ‬
‫‪16‬‬

‫ِم‬ ‫َّلِذ‬ ‫ِس‬


‫وعال‪َ " :‬أْم َح ْبُتْم َأن َتْد ُخ ُلوْا اْلَج َّنَة َو َلَّم ا َيْع َلِم الّلُه ا يَن َج اَه ُد وْا نُك ْم َو َيْع َلَم‬
‫فسر العلم يف هذه اآلية بالثواب؛ فإنه‬ ‫لم الحق‪ ،‬ولذلك نعلم أن من َّ‬ ‫الَّصاِبِر يَن "( )‪ ،‬فهذا عِ ٌ‬
‫‪17‬‬

‫تأويال مردوداً عليه ؛ لعدم ورود الدليل‬


‫خمالف لظاهر اآلية‪ ،‬وبالتايل يكون هذا التفسري منه ً‬
‫ٌ‬
‫واألشاعرة يثبتون العلم‬ ‫على ذلك التفسري والتأويل ‪.‬‬
‫مذهب األشاعرة‬
‫في صفة العلم‬
‫وغالةُ المعتزلة ينفون‬ ‫القدمي ‪ -‬العلم السابق‪ -‬وينفون العلم الالحق ‪.‬‬
‫مذهب المعتزلة‬ ‫والسبب في ضالل‬ ‫العلم السابق ويثبتون العلم الالحق‪.‬‬
‫في صفة العلم‬
‫هذه الطوائف‪ :‬أهنم نظروا إىل بعض النصوص دون بعضها اآلخر ‪.‬‬

‫معنى صفة القدرة‬ ‫ثم قال ‪ ( :‬قديراً ) يعين ‪ :‬أنه سبحانه ٌ‬


‫قادر على كل شيء‪ ،‬فهو سبحانه ال يعجزه‬
‫وأنواعها‬
‫شيء‪ ،‬قال تعاىل ‪ " :‬إن اهلل على كل شيء قدير "( ) ‪.‬‬
‫‪18‬‬

‫والقدرة على نوعني ‪ -1 :‬قدرةٌ قبل الفعل ‪ -2 .‬وقدرة أثناء الفعل ‪.‬‬
‫وأهل السنة يثبتون القدرة هلل بنوعيها ‪.‬‬

‫‪ ‬قوله ‪ { :‬وصلى اهلل على سيدنا محمد الذي أرسله اهلل إلى الناس بشيرًا ونذيرًا‪،‬‬
‫وعلى آل محمد وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا } ‪.‬‬
‫معنى الصالة على‬
‫طائفة تفسريها بالدعاء‪،‬‬
‫كثري من العلماء بالدعاء‪ ،‬وقد استشكل ٌ‬
‫يفسرها ٌ‬
‫لفظ (الصالة) ّ‬
‫النبي عليه السالم‬
‫وصوّبوا أن يكون املراد هبا‪ :‬الثَّناء ‪.‬‬

‫‪ ) 16‬سورة المزمل‪ ،‬آية ‪. 20 :‬‬

‫‪ ) 17‬سورة آل عمران‪ ،‬آية ‪. 142 :‬‬

‫‪ ) 18‬سورة البقرة‪ ،‬آية ‪. 20 :‬‬


‫وقوله هنا ‪ ( :‬على سيدنا ) ‪ :‬املراد بالسيد ‪ :‬املتويل لسواد الناس ‪ ,‬يقال ‪ :‬سادة قومه‬
‫متوليا ألمورهم‪.‬‬
‫فالن؛ إذا كان ً‬

‫وقد ثبت وصف النيب ‪ ‬هبذا الوصف‪ ،‬وقد جاء يف احلديث أن النيب ‪ ‬قال ‪ " :‬أنا سيد‬
‫ولد آدم وال فخر "(‪. )19‬‬
‫متى يشرع لفظ السيادة‬
‫النوع‬ ‫وقالوا‪ :‬لفظ السيادة يف الصالة على النيب ‪ ‬على نوعني ‪:‬‬
‫في الصالة على النبي‬
‫ومتى ال يشرع ؟‬ ‫األول ‪ :‬األذكار الواردة بصيغها عن النيب ‪ ، ‬فهذه تورد فيها بالصيغ الواردة‪ ،‬وال يزاد‬
‫عليها لفظ السيادة ‪.‬ومن أمثلة ذلك ‪ :‬األذان‪ ،‬فال جيوز إلنسان أن يقول ‪ :‬أشهد أن سيدنا‬
‫رسول اهلل ؛ وذلك ألن النيب ‪ ‬ملَّا َّ‬
‫علم أصحابه األذان مل يذكر هلم هذا اللفظ‪ ،‬ومىت‬ ‫ُ‬ ‫حممداً‬
‫موجود اللفظ يف عهد النبوة مث مل يأمر به ‪ ‬ومل يقر عليه دل ذلك على عدم‬
‫َ‬ ‫كانت دائمًا‬
‫مشروعيته وأنه بدعة‪ ،‬ومثله أيضاً ‪ :‬الصالة على النيب ‪ ‬يف التشهد‪ ،‬فهذه يقتصر على‬
‫النوع الثاني ‪ :‬ألفاظ الصالة‬ ‫الوارد فيها ‪.‬‬
‫يغ باألدلة الشرعية ‪ ,‬مثل‪ :‬أن نذكر النيب ‪ ‬يف جملسنا‬
‫صٌ‬ ‫على النيب ‪ ‬غري الواردة فيها ِ‬
‫فحينئذ هذا مل يكن مقيَّداً يف الشرع بلفظه‪ ،‬ومن ثََّم فأيُّ صيغة حتصل هبا‬
‫ٍ‬ ‫فنصلي عليه‪،‬‬
‫الصالة على النيب ‪ ‬فإهنا تكون مشروعة‪ ،‬ولذلك جيوز لنا أن نُدخل فيها لفظَ ( سيدنا ) ‪.‬‬

‫فإن قال قائل ‪ :‬بأن النيب ‪ ‬قد أنكر على من قال ‪{ :‬إنك سيدُنا وابنُ سيدنا وخيرنا‬
‫اعتراض وجوابه‬ ‫(‪)20‬‬ ‫وابن خيرنا ‪ ,‬فقال ‪ " :‬قولوا بقولكم وال يستهوينكم الشيطان }‬
‫فنقول‪ :‬إن اإلنكار يف هذا اللفظ ليس الستخدام لفظ السيادة‪ ،‬وإمنا هو بسبب قوله "‬
‫وابن سيدنا "؛ ولذلك قال ‪ " :‬قولوا بقولكم " ‪.‬‬
‫‪ ) 119‬رواه ابن ماجة في كتاب الزهد‪ ،‬باب ذكر الشفاعه‪ 1440 /2 :‬برقم ( ‪ ، ) 4308‬والترمذي في كتاب ِكَتاب اْلَم َناِقِب عن رسول الَّلِه ‪َ ،‬باب في‬
‫َفْض ِل النبي‪ 308 /5 :‬برقم ( ‪ ، ) 3615‬وقال ‪ :‬حديث حسن صحيح ‪ ،‬كالهما عن أبي سعيد ‪ ،‬وصححه األلباني في صحيح ابن ماجه‪ ، 2/430 .‬وله‬
‫شاهد عن أبي هريرة عند مسلم برقم ( ‪. ) 2278‬‬

‫‪ )220‬رواه النسائي في السنن الكبرى‪ ،‬في كتاب عمل اليوم والليلة‪ ،‬باب ذكر اختالف األخبار في قول القائل سيدنا وسيدي‪ 6/71 :‬برقم ( ‪،)10078‬‬
‫وأحمد ‪ 3/241‬برقم ( ‪ ،)13553‬وابن حبان ‪ 13/133‬برقم (‪ ،)6240‬كلهم عن أنس بن مالك‪ ،‬وصححه األلباني في غاية المرام ص‪. 99 /‬‬
‫‪ ‬قوله‪ :‬الذي أرسله‪ :‬يعين جعله اهلل رسوالً من عنده إىل الناس ِّ‬
‫مبلغا لشريعته ‪,‬‬
‫معنى الرسول‬ ‫والمراد بالرسول ‪ :‬هو من أوحي إليه بشرعٍ ٍ‬
‫جديد وأمر بتبليغه ‪ -‬على املشهور من أقوال‬
‫والنيب‬ ‫العلماء يف التفريق بني الرسول والنيب ‪. -‬‬
‫عموم الرسالة‬ ‫‪ ‬خيتص بكون رسالته عامة وليست خاصة بطائفة دون أخرى‪ ،‬كما جاء يف حديث جابر‬
‫المحمدية‬
‫أن النيب ‪ ‬قال " وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة "( )‪ ،‬ودليل‬
‫‪21‬‬

‫هذا قوله جل وعال ‪ " :‬قل يا أيها الناس إني رسول اهلل إليكم جميعا "( )‪ ،‬وقوله تعاىل ‪:‬‬
‫‪22‬‬

‫" وما أرسلناك إال كافة للناس بشيرا ونذيرا "( )‪ ،‬والنصوص الدالة على عموم الشريعة‬
‫‪23‬‬

‫تفرق بني شخص وآخر‪ ،‬بل جاء األمر فيها للناس‬


‫كثرية‪ ،‬ويدل على هذا أن نصوصها مل ِّ‬
‫وقوله هنا‪ " :‬الناس " ‪:‬‬ ‫عموماً ‪.‬‬
‫أيضا اجلن؛ فإن النيب ‪ ‬قد بعث إليهم‪،‬‬
‫ليس املراد به جمرد بين آدم فقط ‪ ،‬وإمنا تشمل ً‬
‫ولذلك هيأ اهلل يف عهد النبوة مَن يؤمن به ‪ ‬من اجلن؛ كما قال جل وعال ‪ " :‬قل أوحي‬
‫إلي أنه استمع نفر من الجن ‪....‬اآليات "( )‪ ،‬واجلن مكلفون مبا يناسب أحواهلم‪،‬‬
‫‪24‬‬

‫عامة‬
‫وكافرهم يف النار؛ ألن النصوص الواردة يف ذكر اجلنة والنار ّ‬
‫ُ‬ ‫ومؤمنُهم من أهل اجلنة‪،‬‬
‫جار لفي جحيم "( )‪ ،‬ويدل على ذلك ما‬
‫‪25‬‬
‫وإن الفُ َّ‬
‫إن األبرار لفي نعيم ‪َّ ‬‬
‫‪ ,‬قال تعاىل‪َّ " :‬‬
‫ورد يف سورة الرمحن مبخاطبة الثقلني مبا فيها‪ ،‬ومن ذلك ما ورد فيها من ذكر النار واجلنة‬
‫‪.‬‬

‫‪ )121‬رواه البخاري في كتاب التيمم‪ 1/128 :‬برقم (‪ ،)328‬ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصالة‪ 1/370 :‬برقم (‪. )521‬‬

‫‪ ) 22‬سورة األعراف‪ ،‬آية ‪. 158 :‬‬

‫‪ ) 23‬سورة سبأ‪ ،‬آية ‪. 28 :‬‬

‫‪ ) 24‬سورة الجن‪ ،‬آية ‪. 1 :‬‬

‫‪ ) 25‬سورة االنفطار‪ ،‬اآليتان ‪. 14 -13 :‬‬


‫وقوله هنا‪ " :‬كافة "‪ :‬يعين جلميعهم‪ ,‬فهذه الرسالة ليست لقومٍ دون قوم‪ ،‬وليست لبلد‬
‫وقوله‬ ‫دون بلد‪،‬وليست لزمن دون زمن؛ بل هي عامة جلميع األزمان ومجيع البلدان‪.‬‬
‫"و‬ ‫بشيرا " ‪ :‬يعين أنه يبشر من اتَّبعه بسعادة الدنيا واآلخرة ‪.‬‬
‫‪ً ":‬‬
‫نذيرا " ‪ :‬يعين ينذر املخالفني له‪ ،‬والعاصني ألوامره‪ ،‬واملكذبني له‪ ،‬ينذرهم من عقوبة‬
‫وقوله‪":‬‬ ‫اآلخرة من سخط اهلل وغضبه ‪.‬‬
‫وعلى آل محمد "‪ :‬يعين أن الصالة اليت سبق ذكرها‪ ،‬أثين ذكرها على آل حممد‪.‬‬
‫أقوال أهل العلم‬
‫أقوال متعددة ‪ ،‬تعود إلى قولين ‪:‬‬
‫وللعلماء في المراد باآلل ٌ‬
‫في المراد بآل‬
‫محمد‬ ‫القول األول‪ :‬إن املراد أقاربه ‪ ‬؛ فإن اآلل يف اللغة ‪ :‬تطلق على القرابة؛ ومن ذلك قوله‬
‫تعاىل‪ " :‬قال رجل مؤمن من آل فرعون "( )‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪ " :‬أخرجوا آل لوط من‬
‫‪26‬‬

‫قريتكم "( )‪.‬‬


‫‪27‬‬

‫والقول الثاني ‪ :‬أن يراد باآلل األتباع على الديانة؛ ومنه قوله تعاىل‪ { :‬أدخلوا آل فرعون‬
‫كثري من أهل العلم‪ { :‬أن‬ ‫أشد العذاب }( )‪ ،‬وقد روى متام يف فوائده ب ٍ‬
‫إسناد جوزه ٌ‬ ‫‪28‬‬

‫النبي ‪ " ‬لما سئل عن آله‪ ،‬قال ‪ :‬هم كل تقي } ( )؛ ولذلك رجح مجاعات من أهل‬
‫‪29‬‬

‫‪ ) 26‬سورة غافر‪ ،‬آية ‪. 28 :‬‬

‫‪ ) 27‬سورة النمل‪ ،‬آية ‪. 56 :‬‬

‫‪ ) 28‬سورة غافر‪ ،‬آية ‪. 46 :‬‬

‫رواه تمام في فوائده ‪ 2/217‬برقم (‪ ،)1567‬والطبراني في المعجم األوسط ‪ 3/833‬برقم (‪ )3332‬وقال ‪ :‬لم يرو هذا‬ ‫‪)129‬‬

‫الحديث عن يحيى إال نوح‪ ،‬تفرد به نعيم ‪ ،‬وابن عدي في الكامل ‪،7/41‬‬
‫والبيهقي في السنن الكبرى ‪ 2/152‬برقم (‪ )2693‬وقال‪ :‬وهذا ال يحل‬
‫االحتجاج بمثله‪ ،‬نافع السلمي أبو هرمز بصرى كذبه يحيى بن معين وضعفه‬
‫أحمد بن حنبل وغيرهما من الحفاظ‪ ،‬كلهم عن أنس بن مالك‪ ،‬قال ابن القيم‬
‫العلم أن املراد باآلل يف الصالة اإلبراهيمية‪ :‬هم أتباع النيب ‪ ‬سواء كان من قرابته أو مل‬
‫يكن ‪.‬‬

‫حب َجْمع مبعىن أصحاب‪ ،‬مفرده صاحب‪ ،‬واجلمع إذا‬


‫صْ‬‫وقوله هنا‪ " :‬وصحبه "‪َ :‬‬
‫والمراد‬ ‫أضيف إىل معرفة أفاد العموم‪ ،‬هذا اللفظ يشمل مجيع أصحابه‪.‬‬
‫تعريف الصحابي‬
‫والصحابة هم‬ ‫مؤمنا به ومات على ذلك ‪.‬‬ ‫بالصحابي‪ُّ :‬‬
‫كل من لقي النيب ‪َ ‬‬
‫فضائل الصحابة‬ ‫أفضل األمة‪ ،‬وقرهنم أفضل القرون‪ ،‬قد تواترت النصوص ببيان فضلهم‪ ,‬قال تعاىل‪{ :‬‬
‫ُّمَح َّم ٌد َّر ُس وُل الَّلِه َو اَّلِذ يَن َمَعُه َأِش َّد اء َعَلى اْلُك َّف اِر ُرَح َم اء َبْيَنُه ْم َتَر اُه ْم ُرَّك عًا ُس َّج دًا‬
‫َيْبَتُغوَن َفْضًال ِّمَن الَّلِه َو ِر ْض َو انًا ِس يَم اُه ْم ِفي ُو ُج وِه ِه م ِّمْن َأَثِر الُّس ُج وِد َذِلَك َمَثُلُه ْم ِفي‬
‫الَّت اِة ُل ِفي اِإْل نِج يِل َك ٍع َأْخ َش ْطَأُه َفآَز ُه َفا ْغَلَظ َفا ى َعَلى وِقِه‬
‫ُس‬ ‫ْس َتَو‬ ‫َر ْس َت‬ ‫َزْر َرَج‬ ‫ْو َر َو َمَث ُه ْم‬
‫ُيْع ِج ُب الُّز َّر اَع ِلَيِغيَظ ِبِه ُم اْلُك َّف اَر َو َعَد الَّلُه اَّلِذ يَن آَمُنوا َو َعِم ُلوا الَّصاِلَح اِت ِم ْنُه م َّمْغِف َر ًة‬
‫َّلِذ‬ ‫ِج‬ ‫ِم‬ ‫ِب‬ ‫ِظ‬
‫َو َأْج رًا َع يمًا } ( )‪ ،‬وقال تعاىل‪َ{ :‬و الَّس ا ُقوَن اَألَّو ُلوَن َن اْلُم َه ا ِر يَن َو اَألنَص اِر َو ا يَن‬
‫‪30‬‬

‫ٍت‬ ‫ِب ٍن ِض‬


‫اَّتَبُعوُه م ِإ ْح َس ا َّر َي الّلُه َعْنُه ْم َو َر ُضوْا َعْنُه َو َأَعَّد َلُه ْم َج َّنا َتْج ِر ي َتْح َتَه ا اَألْنَه اُر‬
‫َخ اِلِد يَن ِفيَه ا َأَبدًا َذِلَك اْلَف ْو ُز اْلَعِظ يُم } ( )‪ ،‬وفي الحديث ‪ { :‬خير الناس قرني ثم الذين‬
‫‪31‬‬

‫وعطف الصحب على اآلل من‬ ‫يلونهم } ( ) ‪.‬‬


‫‪32‬‬

‫في جالء األفهام‪ :‬ونوح هذا ونافع ال يحتج بهما أحد من أهل العلم وقد رميا‬
‫بالكذب‪ ،‬وقال األلباني عن الحديث‪ :‬ضعيف جدًا ‪ .‬انظر‪ :‬السلسلة الضعيفة‬
‫‪ 3/468‬برقم ( ‪. )1304‬‬

‫) سورة الفتح‪ ،‬آية ‪. 29 :‬‬ ‫‪30‬‬

‫) سورة التوبة‪ ،‬آية ‪. 100 :‬‬ ‫‪31‬‬

‫‪ ) 32‬رواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة‪َ ،‬باب َفَض اِئِل َأْصَح اِب النبي صلى اهلل عليه وسلم ورضي اهلل عنهم ‪ 3/1335 :‬برقم ( ‪ ،)3451‬ومسلم في‬
‫كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم‪ 4/1963 :‬برقم ( ‪ ،)2533‬كالهما عن عبد اهلل بن مسعود ‪.‬‬
‫باب عطف اخلاص على العام؛ فإن الصحابة هم بعض أتباع النيب ‪ ، ‬وعطف اخلاص على‬
‫وارد يف لغة العرب‪ ،‬منه قوله تعاىل ‪ِ{ :‬فيِه َم ا َفاِكَه ٌة َو َنْخ ٌل َو ُرَّماٌن } ( )‪ ،‬رمّان من‬
‫‪33‬‬
‫العام ٌ‬
‫أنواع الفاكهة‪ ،‬وقال جل وعال‪َ{ :‬من َك اَن َعُد ّو ًا ِّلّلِه َو َمآلِئَك ِتِه َو ُرُس ِلِه َو ِج ْبِر يَل َو ِم يَك اَل‬
‫َفِإ َّن الّلَه َعُد ٌّو ِّلْلَك اِفِر يَن } ( )‪ ،‬جربيل وميكال من أفراد املالئكة ‪ ,‬قال جل وعال‪ِ{ :‬إَّن‬
‫‪34‬‬

‫اَّلِذ يَن آَمُنوْا َو َعِم ُلوْا الَّصاِلَح اِت َو َأَقاُموْا الَّصَالَة َو آَتُو ْا الَّز َك اَة َلُه ْم َأْج ُر ُه ْم ِع نَد َر ِّبِه ْم َو َال‬
‫َخ ْو ٌف َعَلْيِه ْم َو َال ُه ْم َيْحَز ُنوَن } ( )‪ " ،‬وعملوا الصالحات " هذا من عطف اخلاص على‬
‫‪35‬‬

‫العام؛ ألن العمل جزء من اإلميان؛ ألن اإلميان قوٌل وعمٌل واعتقاد‪ ،‬وهكذا " وأقاموا‬
‫الصالة " ؛ ألن إقامة الصالة جزء من العمل الصاحل ‪.‬‬

‫وقوله‪ " :‬وسلّم " ‪ :‬التسليم هو التحية‪ ،‬وقد أمر اهلل جل وعال بالصالة والسالم على نبيه‬
‫‪ ، ‬فقال سبحانه‪ِ{ :‬إَّن الَّلَه اَل ِئَك َتُه ُّلوَن َعَلى الَّنِبِّي ا َأُّي ا اَّلِذ ي آ ُنوا ُّلوا َعَل ِه‬
‫ْي‬ ‫َي َه َن َم َص‬ ‫ُيَص‬ ‫َو َم‬
‫وقد‬ ‫َو َس ِّلُم وا َتْس ِليمًا } ( ) ‪.‬‬
‫‪36‬‬

‫اختالف العلماء في حكم‬


‫الصالة على النبي ‪‬‬
‫اختلف أهل العلم في وجوب الصالة على النبي ‪: ‬‬

‫‪ .1‬فقال طائفة ‪ :‬بأهنا جتب مرةً واحدةً يف العمر؛ ألمر اهلل جل وعال بذلك يف آية‬
‫األحزاب ‪ ,‬واألمر املطلق يصدق باملرة الواحدة ( )‪.‬‬
‫‪37‬‬

‫‪ ) 33‬سورة الرحمن‪ ،‬آية ‪. 68 :‬‬

‫‪ ) 34‬سورة البقرة‪ ،‬آية ‪. 98 :‬‬

‫‪ ) 35‬سورة البقرة‪ ،‬آية ‪. 277 :‬‬

‫‪ ) 36‬سورة األحزاب‪ ،‬آية ‪. 56 :‬‬

‫‪ )37‬وهذا القول محكي عن أبي حنيفة ومالك والثوري واألوزاعي ‪ ،‬ونسبه عياض وابن عبد البر إلى جمهور األمة ‪ .‬ينظر ‪ :‬جالء األفهام ص ‪.382‬‬
‫كل ما ُذِكر( )؛ لقول النيب ‪ { : ‬البخيل‬
‫‪ .2‬وقال آخرون ‪ :‬بأنه جتب الصالة عليه ‪َّ ‬‬
‫‪38‬‬

‫أنف ٍ‬
‫امرئ‬ ‫رغم ُ‬
‫كرت عنده ثم لم يُصلِّ عليَّ } ( )‪ ،‬وملا ورد يف احلديث‪ِ { :‬‬
‫من ذُ ُ‬
‫‪39‬‬

‫كرت عنده فلم يُصلِّ عليك }( ) ‪.‬‬


‫‪40‬‬
‫ذُ َ‬

‫طائفة إىل وجوب الصالة على النيب ‪ ‬يف كل صالة ( )‪.‬‬


‫‪41‬‬
‫‪ .3‬وذهب ٌ‬

‫وحمل ذكر الاختالف وسوق األدلة والرتجيح بينها هو الكتب الفقهية ( )‪.‬‬
‫‪42‬‬

‫‪ ‬قوله – رمحه اهلل ‪ { :-‬أما بعد ‪ .‬فإن التصانيف في اصطالح أهل الحديث قد كثرت‬
‫وُبسطت واخُتصرْت } ‪.‬‬
‫‪ ) 38‬وهو قول أبي جعفر الطحاوي وأبي عبد اهلل الحليمي ‪ .‬ينظر ‪ :‬جالء األفهام ص ‪.382‬‬

‫‪ ) 39‬رواه الترمذي في كتاب الدعوات عن رسول اهلل ‪َ ،‬باب َقْو ِل رسول الَّلِه َر ِغ َم َأْنُف َرُج ٍل ‪ 5/551 :‬برقم (‪ )3546‬وقال ‪ :‬حديث حسن صحيح‬
‫غريب‪ ،‬والنسائي في السنن الكبرى في كتاب فضائل القرآن‪ ،‬باب ذكر االختالف‪ 5/34 :‬برقم (‪ ،)8100‬والحاكم في مستدركه ‪ 1/734‬برقم (‬
‫‪ )2015‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح اإلسناد ولم يخرجاه وله شاهد عن أبي هريرة‪ ،‬وابن حبان في صحيحه ‪ 3/189‬برقم (‪ ، )909‬كلهم عن حسين بن‬
‫علي بن أبي طالب‪ ،‬قال عنه الشيخ شعيب األرناؤوط ‪ٍ :‬إسناده صحيح ‪.‬‬

‫) رواه الترمذي في كتاب الدعوات عن رسول اهلل‪َ ،‬باب َقْو ِل رسول الَّلِه َرِغَم َأْنُف َرُجٍل ‪ 5/550 :‬برقم (‪ ،)3545‬وقال‪ :‬وفي اْلَباب‬ ‫‪40‬‬

‫عن َج اِبٍر َو َأَنٍس ‪ ،‬وهذا َح ِد يٌث َح َس ٌن َغِر يٌب من هذا اْلَو ْج ِه‪َ ،‬و ِر ْبِعُّي بن إبراهيم‬
‫‪ ،‬وأحمد ‪ 2/254‬برقم (‪ ،)7444‬والحاكم في‬ ‫هو َأُخ و إسماعيل بن إبراهيم‪ ،‬وهو ِثَقٌة‪ ،‬وهو بن ُعَلَّيَة‬
‫مستدركه ‪ 1/734‬برقم (‪ ،)2016‬وابن خزيمة في صحيحه ‪ 3/192‬برقم (‪ ،)1888‬وابن حبان في صحيحه ‪ 189 /3‬برقم ( ‪ ،)908‬كلهم عن أبي‬
‫هريرة‪ ،‬قال الهيثمي ‪ :‬في الصحيح منه ما يتعلق ببر الوالدين فقط ‪ ،‬بنحوه رواه البزار‪ ،‬وفيه كثير بن زيد األسلمي وقد وثقه جماعة وفيه ضعف وبقية‬
‫رجاله ثقات ‪ .‬انظر‪ :‬مجمع الزوائد ‪. 10/167‬‬

‫‪ ) 41‬وهو قول الشافعي وأحمد في آخر الروايتين عنه ‪ .‬ينظر ‪ :‬جالء األفهام ص ‪.382‬‬

‫) وذهب اإلمام ابن جرير الطبري إلى أن األمر بالصالة أمر استحباب ال أمر‬ ‫‪42‬‬

‫إيجاب ‪ ،‬وادعى فيه اإلجماع ‪ .‬ولالطالع على المسألة وأدلتها ومناقشاتها‬


‫ُينَظر ‪ :‬جالء األفهام في فضل الصالة على محمد خير األنام البن القيم ص‬
‫‪ 382‬وما بعدها ‪.‬‬
‫وقوله ‪( :‬أما بعد)‪ :‬هذا للتفصيل والتقسيم‪ ،‬يعين بعد ما ذكرته سابقًا من املقدمة يف الثناء‬
‫على اهلل والثناء على رسوله ‪ ‬أنتقل إىل ما هو مقصوٌد يل بعد ذلك ‪ ,‬والغالب أن يأيت‬
‫بعدها حرف الفاء؛ ألن ( أَّما ) اليت تكون يف مثل هذا املوطن يكون يف جواهبا الفاء { أَّما‬
‫الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى}( ) ‪،‬‬
‫‪43‬‬

‫قوله ‪ " :‬التصانيف " ‪ :‬املراد هبا املؤَّلفات‪ ,‬ومسيت تصانيف؛ ألن الفنون والعلوم قد‬
‫ُقِّس مت وُصِّنفت‪ ،‬وُج عل كُّل علٍم صنفًا لوحده‪ ،‬واألصل فيها أن يقال‪ :‬التصنيفات؛ ألن‬
‫األصل أن جتمع الكلمة مجعًا ساملًا‪ ،‬وال يعدل إىل التكسري إال إذا مل ميكن السامل‪ ،‬ولكن‬
‫جرى واشتهر عند العلماء استعمال هذه الكلمة ‪.‬‬

‫وقوله هنا ‪ " :‬في اصطالح " ‪ :‬املراد به علم املصطلح‪ ،‬وكما تقدم أن هذا العلم ّمُسي‬
‫علم املصطلح؛ ألنه ُيعىن ببيان معاين املصطلحات احلديثية اليت يذكرها علماء الشرع ‪.‬‬
‫المقصود بمصطلح هذا العلم‪ :‬هو بيان معاين املصطلحات ‪ ،‬والكلمات االصطالحية اليت‬
‫تكلم هبا علماء احلديث ( )‪.‬‬
‫‪44‬‬

‫وأما الحكم على األحاديث واحلكم على األنواع فاألصل أن يبحث يف علٍم آخر هو علم‬
‫أصول الفقه‪.‬‬

‫وقوله هنا " قد كُثَر ت " ‪ :‬يعين أن مؤلفات املصطلح أصبحت كثرية‪ ،‬وتعددت على‬
‫الناس‪ ،‬وإذا كثر على اإلنسان األشياء فإنه حيتار بينها‪ ،‬وال يستطيع أن خيتار اجلّيد إال بعد‬
‫ترديد نظر وتكراره؛ ولذلك جاء يف احلديث‪ { :‬أّن سفيان بن عبد اهلل جاء إلى النبي ‪‬‬

‫) سورة السجدة‪ ،‬آية ‪. 19 :‬‬ ‫‪43‬‬

‫‪ ) 44‬تقدم ذكر تعريف علم المصطلح في ص ‪. 3‬‬


‫فقال يا رسول اهلل ‪ :‬إَّن شرائَع اإلسالم قد كُثرْت علَّي فأخبْر ني بأمٍر أتشَّبث به‪ ،‬فقال‬
‫)‪.‬‬ ‫‪46 45‬‬
‫( )(‬ ‫‪ :‬ال يزال لسانك رطبًا من ذكر اهلل "‬

‫وقوله‪ُ " :‬بِس َطْت " ‪ :‬يعين أصبحت ممدودًة طويلًة مستوفيَة األحكام؛ ومنه مسي البساط‬
‫الذي يفرش وجيلس عليه بساطًا؛ ألنه قد ُمَّد‪ ،‬واملراد بالبسيط املمدود املتِس ع‪ .‬واستعمال‬
‫الناس لفظَة البسيط يف السهل إمنا هو من باب اجملاز؛ ألن األصل البسيط أن يكون املراد به‬
‫املْم تّد ‪.‬‬

‫قوله‪ " :‬واخُتِص َر ت " ‪ :‬يعين أنه وجدت مؤلفاٌت أخرى سامهْت يف علم املصطلح‬
‫باختصار هذا العلم ‪.‬‬
‫تعريف االختصار‬
‫وقد‬ ‫واملراد باالختصار‪ :‬استعماُل األلفاظ القليلة الدالِة على املعاين الكثرية ‪.‬‬
‫ورد يف بعض اآلثار‪ { :‬واختصر له الكالم اختصارا }( )‪ ،‬وال شك أّن االختصار مقصوٌد‬
‫‪47‬‬

‫من مقاصد املتكلمني‪ ،‬من مقاصد البلغاء‪ ،‬فالبليغ هو الذي يوصل املعاين الكثرية بألفاٍظ‬

‫قليلة‪ ،‬وهبذا املعىن ُفِّس ر جوامُع احلديث يف قوله ‪ {: ‬أوتيت جوامع الكلم }( )‪ :‬يعين‬
‫‪48‬‬

‫التعبري عن املعاين الكثرية بألفاٍظ قليلة ‪.‬‬

‫‪ ) 45‬رواه الترمذي في كتاب الدعوات عن رسول اهلل ‪ ،‬باب ما جاء في فضل الذكر‪ 5/458 :‬برقم (‪ )3375‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن غريب من هذا‬
‫الوجه‪ ،‬وابن ماجة في كتاب األدب‪ ،‬باب فضل الذكر‪ 2/1246 :‬برقم (‪ ،)3793‬وأحمد ‪ 4/188‬برقم (‪ ،)17716‬وابن أبي شيبة ‪ 6/58‬برقم (‪294‬‬

‫‪ ،)53‬والحاكم ‪ 1/672‬برقم (‪ )1822‬وقال ‪ :‬صحيح اإلسناد ولم يخرجاه‪ ،‬كلهم عن عبد اهلل بن بسر‪ ،‬وصححه األلباني ‪ .‬انظر‪ :‬صحيح ابن ماجة‬
‫‪. 2/317‬‬

‫‪ ) 46‬قوله‪ ( :‬أتشّبث به ) أي أتعلق وأستمسك به ‪ .‬قوله‪ ( :‬رطبًا ) أي طرّيًا مشتغًال قريب العهد‪ .‬ينظر‪ :‬مرقاة المفاتيح للقاري ‪. 5/162‬‬

‫‪ ) 47‬رواه البيهقي في شعب اإليمان ‪ 2/160‬برقم (‪ ،)1436‬والعقيلي في الضعفاء ‪ 2/21‬برقم (‪ ،)437‬والضياء في المختارة ‪ 1/215‬برقم (‬
‫‪،)115‬وابن حجر في المطالب العالية ‪ 15/634‬برقم (‪ ،)3848‬كلهم عن عمر بن الخطاب ‪ ،‬قال في الفتح ‪ 13/525‬بعد ذكره طرق الحديث‪ :‬وهي‬
‫وان لم يكن فيها ما يحتج به لكن مجموعها يقتضي أن لها أصال‪ ،‬وأورده الهيثمي وقال‪ :‬رواه أبو يعلى وفيه عبدالرحمن بن إسحاق الواسطي ضعفه أحمد‬
‫وجماعة ‪.‬‬

‫‪ ) 48‬رواه البخاري في كتاب التعبير‪ ،‬باب رؤيا الليل‪ 2568 /6 :‬برقم ( ‪ ،)6597‬وأحمد في المسند ‪ 2/442‬برقم (‪ ،)9703‬كالهما عن أبي هريرة ‪.‬‬
‫‪ ‬قوله – رمحه اهلل ‪ { :-‬فسألني بعُض اإلخوان أن ألِّخص له المهم من ذلك؛ فأجبته‬
‫إلى سؤاله رجاء االندراج في تلك المسالك } ‪.‬‬

‫قوله‪ " :‬فسأَلني " ‪ :‬األصل يف السؤال أن ُيراد به الطلب‪ ،‬واألصل أن يطلق على طلب‬
‫األدىن من األعلى‪ ،‬وسؤال أهل العلم عَّم ا ُيشِكل على الناس من الُقُر بات؛ ألنه حيصل به‬
‫امتثاُل قوله جل وعال ‪َ {:‬فاْس َأُلوْا َأْه َل الِّذ ْك ِر ِإن ُك نُتْم َال َتْع َلُم وَن }( )‪ ،‬وقد جاء يف‬
‫‪49‬‬

‫بعض األحاديث‪ { :‬ال يزال الناس يسألونكم }( )‪.‬‬


‫‪50‬‬

‫تعريف التلخيص‬
‫وقوله‪ " :‬أن ألخص " ‪ :‬المراد بالتلخيص ‪ :‬مجع مجيع الكالم يف موطن واحد بألفاٍظ‬
‫قليلة‪.‬‬
‫الفرق بين‬
‫فاالختصار يراد به‪ :‬انتقاء بعض الكالم حبيث يكون جامعًا للمعاين‪.‬‬
‫االختصار والتلخيص‬
‫والمراد بالتلخيص‪ :‬مجع معاين كالمهم يف مجلة واحدة مع حذف ما ال يرى مناسبًة‬
‫إلبقائه ‪.‬‬

‫وقوله هنا ‪ " :‬المهم من ذلك "‪ :‬املراد بالمهم ‪ :‬يعين ما تشتد احلاجة إليه ويكثر التعبري به‬
‫عند العلماء‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪ ) 49‬سورة النحل ‪ ،‬آية ‪. 43 :‬‬

‫‪ ) 50‬رواه مسلم في كتاب اإليمان‪َ ،‬باب َبَياِن اْلَو ْس َو َس ِة في اِإْل يَم اِن وما َيُقوُلُه من َو َجَدَه ا‪ 1/120 :‬برقم (‪ )135‬عن أبي هريرة‪.‬‬
‫الخبروأقسامه‬
‫وأقسامه‬ ‫الخبر‬

‫قال – رحمه اهلل ‪: -‬‬

‫‪ ‬فأقول ‪ :‬الخبر إما أن يكون له طرقٌ بال عدٍد معّين‪ ،‬أو مع حصٍر بما فوق االثنين‪،‬‬
‫أو بهما‪ ،‬أو بواحٍد ‪ ،‬فاألول‪ :‬المتواتر المفيد للعلم اليقيني بشروطه ‪ ،‬والثاني‪:‬‬
‫المشهور‪ ،‬وهو المستفيض على رأي ‪ ،‬والثالث‪ :‬العزيز‪ ،‬وليس شرطًا للصحيح خالفًا‬
‫لمن زعمه ‪ ،‬والرابع‪ :‬الغريب ‪ ،‬وكلها ‪ -‬سوى األول – اآلحاد‪ ،‬وفيها المقبول‬
‫والمردود؛ لتوقف االستالل بها على البحث عن أحوال رواتها دون األول‪ ،‬وقد يقع‬
‫فيها ما يفيد العلم النظري بالقرائن على المختار ‪ .‬ثم الغرابة إما أن تكون في أصل‬
‫السند أوال‪ ،‬فاألول‪ :‬الفرد المطلق ‪ ،‬والثاني‪ :‬الفرد النسبي‪ ،‬ويقُّل إطالق الفردية عليه‬
‫‪. ‬‬

‫الشرح‬
‫الشرح‬

‫تعريف الخبر لغة‬ ‫‪‬قوله ‪ " :‬الَخ َبر " ‪ :‬األصل يف لفظة اخلرب أن تطلق مبعىن العلم‪ :‬سواًء كان ذلك باأللفاظ‬
‫أو باألحوال والدالالت‪ ،‬هذا األصل يف إطالق لفظة اخلرب يف لغة العرب( )‪.‬‬
‫‪51‬‬

‫وّمُسي خبرًا؛ ألنه يثري الفائدة‪ ،‬ولذلك يطلق على األرض الرتابية اليت فيها غبار َخ َبار( )؛ ألن‬
‫‪52‬‬

‫هذه إذا حّر كت خرج الغبار منها‪ ،‬وهكذا األخبار إذا حّر كت أثارت الفائدة‪ ،‬وعلقت‬
‫فائدة يف العقول بسببها ‪.‬‬
‫تعريفات الخبر اصطالحا‬
‫وأما الخبر في االصطالح؛ فإنه خيتلف باختالف املصطِلِح ني ‪:‬‬

‫الخبر عند المحّد ثين‬ ‫‪ -1‬والمراد به عند المحِّدثين ‪ :‬ما ُنقل عن النيب ‪ ‬وعن أتباعه من أحكاٍم شرعية ‪.‬‬
‫يدخل يف ذلك ما ُنقل عن الصحابة وعن التابعني ‪.‬‬

‫‪ -2‬وإن كان طائفٌة من احملّد ثني يرون َقْص َر األخبار على ما ورد عن النيب ‪ ، ‬ويسُّم ون‬
‫اآلثار‪ :‬هي‬ ‫ما ورد عن الصحابة وعن التابعني اآلثار ‪.‬‬
‫املنقولة عن الصحابة وعن التابعني‪ .‬واألخبار‪ :‬هي املنقولة عن النيب ‪ ، ‬هكذا قال طائفة ‪.‬‬

‫‪ ) 51‬يقول ابن فارس ‪ " :‬الخاء والباء والراء أصالن‪ :‬فاألول‪ :‬العلم‪ ،‬والثاني ‪:‬يدل على لين ورخاوة وغزر‪ ،‬فاألول الخبر‪ :‬العلم‬
‫بالشيء‪ ،‬تقول‪ :‬لي بفالن خبرة وخبر‪ ،‬واهلل تعالى الخبير أي العالم بكل شيء‪ ،‬وقال اهلل تعالى‪ { :‬وال ينبئك مثل خبير }‪ ،‬واألصل‬
‫الخبراء وهي األرض اللينة "‪ .‬معجم مقاييس اللغة البن فارس ‪. 2/239‬‬ ‫الثاني‪:‬‬

‫‪ ) 52‬والَخ َباُر كَس َح اب ‪َ :‬ماَالَن ِم َن اَألْر ِض واْس َتْر َخ ى وكاَنت ِفيَه ا ِج َح َر ةٌ‪ .‬ينظر ‪ :‬معجم مقاييس اللغة ‪ ،2/239‬لسان العرب ‪ ، 4/228‬وتاج‬
‫العروس ‪. 11/127‬‬
‫وإن كان الجمهور يقولون ‪ :‬الحديث هو املنقول عن النيب ‪ ، ‬واألثر هو املنقول عن‬
‫الصحابة وعن التابعني ‪ ,‬ولفظة اخلرب تشمل األمرين معًا‪ :‬احلديَث واألثر ‪.‬‬

‫والخبر‪:‬‬ ‫ويطلق لفظ اخلرب يف مقابلة اإلنشاء‪ ،‬فيقال‪ :‬ينقسم الكالم إىل خٍرب وإنشاء‪،‬‬
‫هو ما حيتمل التصديق والتكذيب‪ .‬تقول ‪ :‬جاء حممد ‪ ,‬هذا حيتمل التصديق والتكذيب؛‬
‫خبالف اإلنشاء؛ فإنه‬ ‫فيكون خربًا‪،‬‬
‫ال يقبل ذلك‪ ،‬ومن أمثلته‪ :‬األوامر‪ ( ،‬اسُك ْت ) أمٌر ؛ فهذا إنشاٌء‪ ،‬ال ميكن أن تقول فيه ‪:‬‬
‫صدقَت أو كذبت‪ ،‬ألنه ال حيتمل التصديق أو التكذيب‪.‬‬

‫‪ -3‬وطائفٌة تقول‪ :‬إَّن اخلَرب يراد به ‪ :‬ماُينقل من أحوال الناس غري النيب ‪ ‬؛ ولذلك‬
‫يقولون ‪ :‬هناك فرٌق بني احملِّدثني واإلخباريني‪ ،‬فأهل األخبار هم أهل التواريخ؛ بينما‬
‫وعلى‬ ‫احملِّدثون هم أهل حديث النيب ‪. ‬‬
‫كٍل فهذه اصطالحات‪ ،‬ولكل أهل فٍن أن يصطلحوا ما شاءوا ما مل خيالف الشريعة‪.‬‬

‫‪‬قوله ‪ " :‬الخبر إما أن يكون ‪ : " ....‬يعين أَّن اخلرب ينقسم إىل أقسام‪.‬‬
‫تقسيمات الخبر‬
‫والخبر ينقسم باعتباراٍت متعددة ‪:‬‬
‫باعتبارات متعددة‬

‫‪ -1‬تقسيمه حبسب عدد رواته ؛ فينقسم إىل‪ :‬متواتر‪ ،‬وآحاد‪.‬‬

‫‪ -2‬وينقسم اخلرب حبسب مطابقته للواقع إىل‪ :‬خبٍر صادق‪ ،‬وخبٍر كاذب ‪.‬‬

‫‪ -3‬وينقسم اخلرب حبسب قبوله إىل‪ :‬خبٍر صحيح مقبول‪ ،‬وخبٍر ضعيف مردود ‪.‬‬

‫‪ -4‬وينقسم اخلرب حبسب صاحبه‪ :‬خبٌر صَد ق فيه صاحبه‪ ،‬أو يقال ‪ -‬بعبارة أخرى‪: -‬‬
‫خبٌر ُيظن صدُقه من ِقَبل المتكلم به‪ ،‬وخبٌر يظن المتكلم به كذبه‪.‬‬
‫ولعلنا نأيت بشيء من ذلك ‪ ،‬ما يلي ‪:‬‬

‫تقسيم الخبر‬ ‫التقسيم األول للخبر بحسب عدد رواته‪ ،‬ينقسم إلى قسمين ‪:‬‬
‫باعتبار عدد رواته‬

‫‪‬قال المؤلف‪ " :‬إَّما أن يكون له ُطُر ٌق بال عدٍد معَّين " ‪ :‬وهذا هو املتواتر ‪.‬‬

‫تعريف المتواتر‬ ‫فالمراد بالمتواتر‪ :‬ما نقله مجاعاٌت عن مجاعات وأسندوه إىل أمر حمسوس ‪.‬‬

‫تعريف اآلحاد‬ ‫القسم الثاني‪ :‬خبر اآلحاد ‪ :‬وهو ما مل يبلغ رتبَة التواتر‪ ،‬أو ما كان رواُته حمصورين بعدد‪.‬‬
‫واآلحاد ينقسم إىل ثالثة أقسام‪ ،‬عرَّب عنها‪:‬‬
‫أقسام أخبار اآلحاد‬
‫‪" -1‬بما فوق االثنين "‪ :‬يعين ما كان رواته ثالثًة وأربعة فما فوق‪ ،‬هذا يسمى المشهور‪.‬‬

‫‪ " -2‬أو بهما "‪ :‬يعين بأن رواة أهل اخلرب مها راويان فقط‪ ،‬وهذا يسمى العزيز ‪.‬‬
‫‪ " -3‬أو بواحٍد " ‪ :‬يعين أن يكون اخلرب منقوًال من واحٍد عن واحٍد عن واحٍد‪ ،‬وهذا‬
‫يسمى الغريب ‪.‬‬

‫‪‬قوله ‪ " :‬األول " ‪ :‬يعين من األقسام السابقة‪ ،‬وهو الذي له ُطُر ٌق بال عدٍد معنَّي هو‬
‫املتواتر ‪.‬‬

‫تعريف المتواتر‬ ‫فالمتواتر( )‪ :‬هو ما نقله مجاعاٌت عن مجاعاٍت ‪ ،‬يستحيل تواطُؤ هم على الكذب‪ ،‬وأسندوه‬ ‫‪53‬‬

‫إىل أمٍر حمسوس ( )‪.‬‬ ‫‪54‬‬

‫عدد رواة المتواتر‬


‫كم عدد رواة الخبر المتواتر ؟‬
‫والخالف فيه‬

‫‪ ) 53‬المتواتر مشتق من التواتر وهو التتابع ‪ ،‬ومنه قوله تعالى ‪ { :‬ثم أرسلنا رسلنا تترا } ‪ .‬ينظر‪ :‬لسان العرب ‪ ،5/275‬القاموس المحيط‬
‫‪ ،2/157‬تاج العروس ‪ ،14/338‬مادة (وتر)‪.‬‬

‫‪ ) 54‬ينظر في المتواتر وما يتعلق به ‪ :‬البرهان للجويني ‪ ،368 /1‬قواطع األدلة البن السمعاني ‪ ،1/325‬المحصول للرازي ‪،4/323‬‬
‫اإلحكام لآلمدي ‪ ،2/24‬البحر المحيط للزركشي ‪ ،3/296‬مقدمة ابن الصالح ‪ ،267‬تدريب الراوي ‪ ،2/176‬وشرح الشرح ‪.1/161‬‬
‫ليس له حٌّد معنَّي ‪ ،‬وإمنا هم رواٌة مجاعٌة يستحيل تواطؤهم على الكذب‪ ،‬وال ميكن أن حُي صر‬
‫بعدٍد معني ‪ -‬كما قال مجاهري األصوليني – ( )‪.‬‬
‫‪55‬‬

‫‪ .1‬وإن كان طائفة يقولون‪ :‬بأنه حيصر بعدد‪.‬‬

‫‪ .2‬بعُضهم قال‪ :‬بسبع مائة ‪.‬‬

‫‪ .3‬بعضهم قال‪ :‬بثالث مائة وبضعة عشر كعدد أهل بدر ‪.‬‬

‫‪ .4‬وبعضهم قال‪ :‬خبمسني‪ ،‬أو بأربعني كعدد أهل اجلمعة ‪.‬‬

‫‪ .5‬وبعضهم قال‪ :‬خبمسة عشر‪ ،‬وبثالثة عشر‪.‬‬

‫‪ .6‬وبأربعة كعدد أهل شهادة الزنا ‪.‬‬

‫وكل هذه األقوال ال دليل على شيء منها‪ ،‬وإمنا املعََّو ل عليه أن يكون رواُة اخلرب كثرًة‬
‫حبيث يستحيل تواطؤهم على الكذب ‪.‬‬
‫حكم المتواتر‬
‫‪‬قوله ‪ " :‬المفيد للعلم " ‪ :‬يعين أن اخلرب املتواتر يفيد العلم اليقيين‪ ،‬واملراد بالعلم ‪ :‬اَجلْز م‬
‫والتواتر كما‬ ‫والقطع مبضمون اخلرب‪.‬‬
‫حيصل يف أحاديث النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬حيصل أيضًا يف غريها من األخبار‪،‬‬
‫فلذلك تواَتر عندنا ُج وُد حامت وكرُمه‪ ،‬وهكذا أيضًا تواَتر عندنا وجوُد بلداٍن أخرى فيها‬
‫قائمة‪ ،‬وهناك بلٌد امسه الصني وان مل يكن قد ذهْبَنا إليه‪ ،‬وإمنا ُنقل إلينا بالتواتر؛ لذلك‬
‫فنحن جنزم بوجود هذا البلد للتواتر‪.‬‬

‫وهذا العلم عند مجاهري األصوليني أنه علٌم ضروري‪ ،‬حبيث أَّن اإلنسان يعلم به ولو مل‬
‫حيصل منه استدالل سابٌق فيه‪ ،‬فبمجرد ورود اخلرب املتواتر يستفيد اإلنسان القطَع الضروري‬
‫‪.‬‬
‫شروط المتواتر‬ ‫‪ )355‬واختاره شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ .‬محموع الفتاوى ‪ ، 18/70‬ونسبه للجمهور البدر الزركشي في البحر المحيط ‪.3/297 :‬‬
‫‪ ‬وقوله هنا ‪ ":‬بشروطه " ‪ :‬يعين أن املتواِتر ال حيصل به العلم إال إذا توافرت الشروط‪،‬‬
‫واخلرب ال يكون متواترًا إال ذا وجدت هذه الشروط‪ ،‬ما هي شروط كون اخلرب متواترًا ؟‬
‫هناك ثالثُة شروٍط متفق عليها ‪:‬‬

‫الشرط األول‪ :‬أن يكون رواُة اخلرب مجاعًة كثرية يستحيُل تواطؤهم على الكذب ‪ -‬كما‬
‫تقدم‪ ، -‬وال ينحصر ذالك يف عددهم بل مىت حصل اليقُني والعلُم خبرب اجلماعة؛ فإَّن‬
‫خَربهم يكون متواترًا‪ ،‬وليس لذلك حٌّد معنَّي ‪ ،‬كما أننا نقول‪ :‬اخلبز املشبع هو الذي حيصل‬
‫به الشبع ‪-‬وإن مل يكن لذالك مقداٌر معنَّي ‪ ،-‬وكذالك يف املاء ا روي ‪.‬‬
‫ُمل‬
‫والشرط الثاني ‪ :‬أن تكون تلك الكثرُة يف مجيع طبقات اإلسناد؛ حبيث يكون اخلُرب مرويًا‬
‫من طريق مجاعٍة عن مجاعٍة عن مجاعٍة يستحيل تواطُؤ كِّل مجاعٍة منهم على الكذب‪،‬‬
‫ولذالك فإَّن ما ينقله الّنصارى من أخباٍر عن ألوهية املسيح ‪ -‬ال يقول قائٌل بأنه ينقلها‬
‫مجاعٌة؛ ألن هذه اجلماعَة إمنا حصلت الكثرة فيها يف الطبقات األخرية من اإلسناد‪ ،‬وأما‬
‫الطبقات األوىل فإنه مل حيصل فيها كثرٌة ُتثبت هذا املَّدعى عندهم ‪.‬‬

‫والشرط الثالث ‪ :‬أن ُيسِند ذلك اخلَرب إىل أمٍر حمسوس‪ ،‬إما مبشاهدٍة أو بسماٍع أو بنحو‬
‫ذلك‪ ،‬فأما إذا أسندوه إىل ظنوهنم واعتقاداهتم فإنه ال يكون خربًا متواترًا مفيدًا للعلم ‪.‬‬
‫شروط غير صحيحة‬
‫في المتواتر‬ ‫وقد اشترط جماعٌة شروًطا أخرى ‪:‬‬

‫‪ -1‬فاشرتط بعُضهم‪ :‬أن ال حيوي رواَة التواتر بلٌد ‪.‬‬

‫‪ -2‬واشرتط آخرون‪ :‬اإلسالَم ‪.‬‬

‫‪ -3‬واشرتط آخرون‪ :‬العدالَة ‪.‬‬

‫‪ -4‬واشرتط آخرون‪ :‬أن ال حيصَر هم عدٌد ‪ -‬كما هو ظاهر عبارة املؤلف ‪.-‬‬
‫وكل هذه الشروط ال تقوم عليها حجة‪ ،‬وليس هلا دليل‪ ،‬وبالتايل فإنه ال يعَّو ل عليها‪ ،‬ومن‬
‫َّمَث فرأُي اجلماهري عدُم اشرتاط هذه الشروط يف اخلرب املتواتر‪.‬‬
‫أقسام المتواتر وأمثلتها‬
‫وينقسم المتواتر إلى قسمين ‪:‬‬

‫المتواتر‬ ‫‪ .1‬المتواتر اللفظي‪ :‬وهو ما توافقت روايته على لفٍظ واحد يرويه به كل الرواة‪.‬‬
‫اللفظي‬
‫ومن أمثلة المتواتر اللفظي‪:‬‬

‫‪ -1‬ما ورد يف احلديث‪ :‬أن النيب ‪ ‬قال‪ (( :‬من كِذ ب علَّي متعِّم دًا فليتبَّو ْأ َمقعَد ه من‬
‫الَّنار ))( ) فهذا المتواتُر لفظي‪.‬‬ ‫‪56‬‬

‫‪ -2‬ومثله أيضًا‪ (( :‬من بنى هلل مسجدًا بنى اهلل له قصرًا في الجنة‪ ،‬أو بيتًا في‬
‫الجنة ))( ) ‪ ،‬فهذا أيضًا قد ذكر طائفٌة بأنه متواتٌر لفظي ‪.‬‬ ‫‪57‬‬

‫‪ .2‬المتواتر المعنوي ‪ :‬وهناك متواتراٌت من جهة املعىن تسمى متواترًا معنويًا‪ :‬وهي‬
‫المتواتر المعنوي‬
‫األحاديث اليت اتفقت يف معىن واحٍد وإن كانت ألفاُظها خمتلفة ‪.‬‬

‫ومن أمثلته ‪:‬‬

‫‪ -1‬أحاديث رفع اليدين يف الدعاء‪ ،‬وقد وردت أحاديث عديدة ُتثِبت‪ ( :‬أن النبي ‪ ‬كان‬
‫يرفع يديه في الدعاء)( ) ‪ ،‬لكن ألفاظ هذه األحاديث خمتلفة؛ فهذا متواتٌر معنوي‪.‬‬ ‫‪58‬‬

‫‪ ) 56‬رواه البخاري في كتاب الجنائز‪َ ،‬باب ما ُيْك َر ُه من الِّنَياَح ِة على اْلَم ِّيِت ‪ 1/434 :‬برقم (‪ ،)1229‬ومسلم في باب تغليظ الكذب على رسول اهلل‬
‫‪ 1/10‬برقم (‪ ، )4‬عن المغيرة ‪.‬‬

‫‪ ) 57‬رواه البخاري في كتاب الصالة‪ ،‬باب من بنى مسجدًا‪ 1/172 :‬برقم (‪ ،)439‬ومسلم في كتاب الصالة‪ ،‬باب فضل بناء المساجد والحث عليها‪:‬‬
‫‪ 1/378‬برقم (‪ )533‬عن عثمان بن عفان ‪.‬‬

‫‪ ) 58‬رواه مسلم في كتاب صالة االستسقاء‪ ،‬باب رفع اليدين بالدعاء في االستسقاء‪ 2/612 :‬برقم (‪ ،)895‬عن أنس بن مالك ‪.‬‬
‫‪-2‬ومثله ‪-‬أيضًا ‪ -‬األحاديُث الواردة في إثبات الحوض ( )‪ ،‬أو الشفاعة( )‪.‬‬
‫‪60‬‬ ‫‪59‬‬

‫هذه كلها أحاديُث متواترٌة من جهة املعىن ‪ -‬و إن مل تتواتر ألفاُظها‪. -‬‬

‫‪ -3‬كذلك حديث المسح على الخفين( ) ‪.‬‬


‫‪61‬‬

‫‪ ‬قوله ‪ " :‬والثاني ‪ : " ..‬يعين النوع الثاين من أنواع األخبار‪ ،‬وهي األخبار اليت يرويها‬
‫مجاعٌة لكنهم حمصورون‪ ،‬وهم فوق االثنني‪ -‬هو المشهور( )‪.‬‬
‫‪62‬‬

‫تعريفات‬
‫‪ -1‬المراد بالمشهور‪ :‬خرب أكثر من االثنني ‪ -‬ثالثة فما فوق‪ -‬وال بد أن تكون تلك‬
‫المشهور‬
‫الكثرُة يف مجيع طبقات اإلسناد‪ ،‬وهذا هو االصطالح املشهور يف كلمة املشهور‪.‬‬
‫المشهور عند‬
‫األصوليين‬ ‫‪ -2‬وبعض العلماء ُيسمون املشهور مشهورًا إذا رواه أربعٌة فأكثر‪ ،‬أَّم ا ما رواه ثالثٌة فإَّنه‬
‫ُيسميه عزيزًا ( )‪.‬‬
‫‪63‬‬

‫المشهور غير االصطالحي‬

‫‪ ) 59‬رواها البخاري في كتاب الرقاق‪ ،‬باب في الحوض‪ 5/2404 :‬برقم (‪ ،)6205‬ومسلم في كتاب الفضائل‪َ ،‬باب ِإْثَباِت َحْو ِض َنِبِّيَنا َو ِص َف اِتِه ‪:‬‬
‫‪ 4/1796‬برقم (‪ ،)2296‬عن عبد اهلل بن مسعود ‪.‬‬

‫‪ ) 60‬رواها البخاري في كتاب التيمم‪ 128 /1:‬برقم (‪ ،)328‬ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصالة‪ 1/370:‬برقم (‪ ،)521‬عن جابر بن عبد اهلل‬
‫‪.‬‬

‫‪ ) 61‬رواها البخاري في كتاب الوضوء ‪ ،‬باب المسح على الخفين‪ 1/85 :‬برقم (‪ ،)200‬ومسلم في كتاب الطهارة‪ ،‬باب المسح على الخفين‪1/228 :‬‬
‫برقم (‪ ،)274‬عن المغيرة بن شعبة‪.‬‬

‫‪ ) 62‬المشهور لغًة ‪ :‬اسم مفعول من الشهرة‪ ،‬قال ابن فارس ‪ " :‬الشين والهاء والراء أصلٌ صحيح يدل على وضوح في األمر وإضاءة ‪ ..‬والشهرة وضوح‬
‫األمر‪ ،‬وشهر سيفه إذا انتضاه‪ ،‬وقد شهر فالن في الناس بكذا فهو مشهور "‪ .‬معجم مقاييس اللغة ‪ 3/222‬مادة ( شهر )‪.‬‬
‫وبعُض أهل العلم ُيطلق لفظَة ( المشهور ) يريد هبا‪ :‬ما اشتهر بني الناس وتداوَله الناس ‪-‬‬
‫وإن كان حديثًا مكذوبًا أو ال إسناد له وال يصح‪. -‬‬
‫المشهور عند الحنفية‬
‫‪ -3‬وبعضهم يطلق لفظة ( المشهور ) ويريد هبا‪ :‬األخباَر اليت هي آحاٌد يف أوائل اإلسناد‬
‫من جهة الصحابة؛ لكنها تواترْت بعد ذلك‪ .‬وهذا االصطالح يسري عليه علماء الحنفية‪.‬‬
‫واحلنفية يقولون‪ :‬املشهور رتبٌة وسٌط بني اآلحاد واملتواتر‪ ،‬فاملتواتر يفيد العلم الضروري‪،‬‬
‫واآلحاد عندهم يفيد الظن‪ ،‬واملشهور يفيد علم الطمأنينة‪ ،‬ولكل منها أحكاٌم أصولية‬
‫عندهم ( )‪.‬‬
‫‪64‬‬

‫المستفيض لغًة‬
‫‪ ‬قوله ‪ " :‬وهو المستفيض " ‪ :‬يعين أَّن املشهوَر هو املستفيض على أحد اآلراء يف تفسري‬
‫املستفيض ‪.‬‬

‫واملراد باملستفيض‪ :‬املنتشُر الذائع ؛ من قوهلم فاض املاُء مبعىن ‪ :‬خرج وظهر وساح وانتشر‬
‫( )‪.‬‬ ‫‪65‬‬

‫إطالقات‬
‫المستفيض‬
‫) اختاره ابن الحاجب تبعًا لآلمدي واإلمامين والغزالي‪ ،‬وهو قول ابن الصالح أخذًا من كالم ابن منده ‪ .‬ينظر‪ :‬اليواقيت‬ ‫‪63‬‬

‫والدرر ‪ ،1/271‬وتدريب الرواي ‪.2/181‬‬

‫) ينظر لتحرير مذهب الحنفية في المشهور‪ :‬أصول البزدوي ‪،1/152‬‬ ‫‪64‬‬

‫وكشف اِأل سرار ‪ ،2/534‬والتقرير والتحبير ‪،2/313‬وتيسير التحرير‬


‫‪. 3/37‬‬
‫‪ ) 65‬ينظر ‪ :‬لسان العرب ‪ 7/212‬مادة ( فيض ) ‪.‬‬
‫والمستفيض للعلماء اصطالحاٌت فيه‪:‬‬

‫‪ -1‬فإطالقه على املشهور هو أحد االصطالحات( ) ‪.‬‬


‫‪66‬‬

‫‪ -2‬وهناك اصطالح آخر يف املستفيض ‪ :‬وهو ما رواه األئمة الذين تتلقى األمة روايَتهم‬
‫( )‪.‬‬ ‫‪67‬‬

‫تعريف العزيز‬ ‫‪ ‬قوله ‪ ":‬والثالث " ‪ :‬هو القسم الثالث من أقسام األخبار‪ :‬العزيز‪ :‬وهو الذي رواه اثنان‬
‫يف مجيع طبقات اإلسناد ‪.‬‬
‫تعريف الغريب‬
‫والرابع الغريب ‪ :‬وهو ما رواه واحٌد يف مجيع طبقات اإلسناد ‪.‬‬

‫‪ ‬قوله ‪ ":‬وكلها " ‪ :‬يعين الثالثة األقسام األخرية سوى األول تسّم ى آحادًا ‪.‬‬

‫مثال المشهور‬ ‫وأما األحاديث المشهورة فهي اليت ُر ويت بُطرٍق متعددة‪.‬‬
‫ومن أمثلتها‪ :‬حديث ‪ { :‬الخيُل معقوٌد بنواصيها الخير إلى يوم القيامة } ( )‪ ،‬وقد‬
‫‪68‬‬

‫رواه طائفٌة من الصحابة‪ ،‬ورواه عن الصحابة طائفٌة آخرون‪ ،‬وهذا من أمثلة املشهور‬
‫حبسب اصطالح احملِّدثني ‪.‬‬

‫مثال الحديث‬ ‫وأما من أمثلة العزيز‪ -‬فالمراد بالعزيز‪ :‬ما رواه اثنان‪. -‬‬
‫العزيز‬
‫من أمثلته‪ :‬حديث‪ { :‬ال ُيؤِم ن أحُد كم حتى أكوَن أحَّب إليه من ولده ووالِد ه والناِس‬

‫هل يشترط في‬


‫الصيحح أن يكون‬
‫‪ ) 66‬ذكر المصنف في النزهة ( ص ‪ :) 63‬أنه رأي لجماعة من أئمة الفقهاء‪.‬‬
‫عزيزًا ؟‬

‫‪ ) 67‬ذكره في البحر المحيط بصيغة التضعيف‪،‬ولم ينسبه إلى أحد‪.3/312 .‬‬

‫‪ ) 68‬رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير‪ ،‬باب الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة‪ 3/1074 :‬برقم (‪ ،)2695‬ومسلم في كتاب اإلمارة‪،‬‬
‫باب الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة‪ 3/1493 :‬برقم (‪ ،)1873‬عن عروة بن الجعد البارقي ‪.‬‬
‫أجمعين } ‪ ،‬فهذا احلديث ورد من طريق أنس ( )‪ ،‬ومن طريق أيب هريرة ( ) ‪ ،‬قد رواه‬
‫‪70‬‬ ‫‪69‬‬

‫عن كل منهما اثنان‪.‬‬

‫‪ ‬قوله ‪ ":‬وليس شرطًا للصحيح " ‪ :‬يعين أَّن كوَن احلديِث عزيزًا ليس شرطًا يف صحة‬
‫احلديث‪ ،‬ولو ُقِّدر أَّن حديثًا قد رواه واحٌد فإنه ُيعُّد صحيحًا مىت كان ذلك الراوي ثقًة‪.‬‬

‫‪ ‬قوله ‪ ":‬خالفًا لَم ن زعمه " ‪ :‬وذلك أن اُجلَّبائي ( ) ‪ -‬وهو من رؤوس املعتزلة‪ -‬يرى‬
‫‪71‬‬

‫أن احلديَث ال ُيقبل إال إذا رواه اثنان يف كل طبقٍة من طبقات اإلسناد؛ قياسًا على الشهادة‪،‬‬
‫فإَّن الشهادة ال ُتقبل إال من اثنني‪.‬‬

‫‪ ‬قول المؤلف هنا ‪ " :‬وفيها المقبول والمردود " ‪ :‬يعين أن أخبار اآلحاد منها ما هو‬
‫مقبول جيب العمل به‪ ،‬ومنها ما هو مردود‪ ،‬خبالف املتواتر؛ فإن املتواتر مقبوٌل كله‪ ،‬ال‬
‫جيوز رُّد شيٍء منه‪.‬‬
‫سبب تقسيم األخبار‬
‫وملاذا فَّر قنا بني اآلحاد واملتواتر ؟ فَّر قنا بينهما؛ ألن املتواتر ال حيتاج إىل البحث عن أحوال‬
‫إلى متـواتر وآحـاد‬
‫الرواة‪ ،‬خالف اآلحاد؛ فإننا ال نستدل خبٍرب من أخبار اآلحاد حىت نبحث عن أحوال رواة‬
‫خرب اآلحاد‪ :‬هل هم ثقات ؟ وهل هم أهل ضبط ؟ وهل هناك شذوٌذ أو علٌة يف روايتهم ؟‬
‫‪.‬‬
‫مفاد خبر اآلحاد‬
‫‪ ‬قوله ‪ " :‬دون األول " ‪ :‬يعين دون املتواتر؛ فإننا ال حنتاج إىل البحث يف رواة احلديث‬
‫يعين ‪ :‬أن من‬ ‫املتواتر ‪.‬‬

‫‪ ) 69‬رواه البخاري في كتاب اإليمان‪ ،‬باب حب الرسول من اإليمان‪ 1/14 :‬برقم (‪ ،)15‬ومسلم في كتاب اإليمان‪ ،‬باب وجوب محبة الرسول َأْك َثَر من‬
‫اَأْلْه ِل َو اْلَو َلِد َو اْلَو اِلِد َو الَّناِس َأْج َم ِعيَن َو ِإْطاَل ِق َعَد ِم اِإْل يَم اِن على من لم ُيِح ُّبُه هذه المحبة‪ 1/67 :‬برقم (‪. )44‬‬

‫‪ ) 70‬رواه البخاري في كتاب اإليمان‪ ،‬باب حب الرسول من اإليمان‪ 1/14 :‬برقم (‪. )14‬‬

‫) وهو أبو علي محمد بن عبد الوهاب بن سالم الُجّبائي البصري ‪ ،‬شيخ المعتزلة كان رأسا في الفلسفة والكالم‪ ،‬وله مقاالت مشهورة وتصانيف‬ ‫‪71‬‬

‫وتفسير حافل مطول‪ ،‬أخذ عنه أبو هاشم‪ ،‬وأبو الحسن األشعري ‪ ،‬كانت وفاته (عفا اهلل عنه) في سنة ثالث وثالثمائة ‪ .‬ينظر‪ :‬لسان الميزان ‪،5/271‬‬
‫وفيات األعيان ‪ ،4/267‬طبقات المفسرين ‪.1/102‬‬

‫الفرق بين العلم‬


‫الضروري والنظري‬
‫اآلحاد أخباٌر تفيد العلم النظري‪ ،‬املتواتُر يفيد العلم الضروري الذي ال حنتاج فيه إىل‬
‫أما أخبار اآلحاد‬ ‫استدالل ‪.‬‬
‫فإنها أقسام ‪ -1:‬قسم مردود؛ هذا ال يفيد شيئًا‪ -2 .‬وقسٌم مقبول؛ واملقبول منه ما هو‬
‫ظين ‪ ،‬ومنه ما هو قطعي‪ ،‬لكن إفادته للعلم ليس للعلم الضروري وإمنا العلم النظري ‪.‬‬
‫والفرق بين العلم الضروري والنظري ‪ :‬أن العلم الضروري ‪ :‬هو ما متيل النفس إليه‬
‫وتصّد ق به وجتزم به بدون استدالل وال نظر؛ بخالف العلم النظري؛ فإنه ال يستفاد إال‬
‫باستدالٍل وبنَظر ‪ ،‬ولذلك العلم الضروري يكون عند الصبيان والنساء ومن ليس لديه‬
‫أهلية للعلم‪ ،‬خبالف العلم النظري؛ فإنه ال يكون إال بعد استدالٍل من أهل االستدالل ‪.‬‬

‫‪ ‬قوله‪ " :‬على المختار " ‪ :‬يعين أَّن املؤلف خيتار أحد األقوال الواردة يف مفاد اخلرب خرب‬
‫اآلحاد ‪.‬‬

‫تحرير محل النزاع في‬ ‫ولتحرير محل النزاع في المسألة نقول ‪ :‬بأنه مل يقل أحٌد ألبته بأَّن كل خرب آحاد يفيد‬
‫العلم ؛ ألن أخبار الكّذ ابني ال تفيد العلم يقينًا‪ ،‬وهكذا أخبار اجملهولني‪ ،‬و إمَّن ا وقع خالٌف‬
‫إفادة خـبر اآلحـاد العـلم‬

‫بينهم يف األخبار المحتَّف ة بالقرائن ‪ :‬هل ميكن أن تفيد العلم أو ال تفيده ؟ وجماهير‬
‫األصوليين والمحِّدثين ‪ :‬على أهنا قد تفيد العلم‪ ،‬مث اختلفوا يف نوع القرائن املفيدة للعلم ‪.‬‬

‫‪ ‬قول المؤلف هنا‪ " :‬ثم الغرابة ‪ : " ..‬ا قَّس منا خرب اآلحاد إىل ثالثة أقسام ‪:‬‬
‫أقسام الغريب‬ ‫َّمل‬
‫مشهور‪ ،‬وعزيز‪ ،‬وغريب – قال ‪ " :‬الغرابة على نوعين " ‪:‬‬
‫الغريب المطلق‬
‫‪ -1‬غرابة في أصل السند ‪ :‬يعين يرويه واحٌد عن واحٍد عن واحٍد ‪.‬‬
‫مثال الغريب‬
‫من أمثلة ذلك ‪ :‬حديث عمر ابن اخلطاب ‪ ‬أن النيب ‪ ‬قال ‪ { :‬إَّنما األعمال بالّنيات }‬
‫المطلق‬
‫)‪ ،‬فهذا احلديث مل يروه إال أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب ‪ ، ‬وُعمُر مل يروه عنه إال‬ ‫‪72‬‬
‫(‬

‫‪ ) 72‬رواه البخاري في باب بدء الوحي ‪ 1/3 :‬برقم (‪ ،)1‬ومسلم في كتاب اإلمارة‪َ ،‬باب َقْو ِلِه " إنما اَأْلْع َم اُل ِبالِّنَّيِة " َو َأَّنُه َيْدُخ ُل فيه اْلَغْز ُو َو َغْيُر ُه من‬
‫اَأْلْع َم اِل ‪ 3/1515 :‬برقم (‪ ،)1907‬عن عمر بن الخطاب ‪.‬‬

‫الغريب الِّنسبي‬
‫علقمة بن وقاص‪ ،‬وعلقمة مل يروه عنه إال حممد بن إبراهيم التيمي‪ ،‬وحممد مل يروه عنه إال‬
‫حيىي ابن سعيد‪ ،‬ورواه مجاعات عن حيىي‪ ،‬فهذا حديث غريب وإن كان صحيحًا؛ وذلك‬
‫ألنه مل يروه إال الواحد عن الواحد‪ ،‬فهذه غرابٌة مطلقة‪ ،‬ملاذا ؟ ألهنا غرابٌة يف مجيع البلدان‪،‬‬
‫وغرابٌة يف مجيع األلفاظ؛ ألنه مل يرد إال عن طريٍق واحد ‪.‬‬

‫‪ -2‬والنوع الثاني من أنواع الغريب‪ :‬غريب نسبي؛ حبيث يكون بالنسبة إىل بلٍد واحد‪.‬‬
‫وهذا على أنواع‪ :‬فهناك غريٌب ؛ ألنه مل يروه إال أهل بلده‪ ،‬فهناك حديث مل يرد إال عند‬
‫أهل مصر؛ فيقال‪ :‬هذه سنة وردْت من أهل مصر ‪.‬‬

‫مثال الغريب الّنسبي‬ ‫ومن أمثلته ‪ :‬حديث‪ { :‬يا عبادي كلكم جائٌع إال من أطعمته } ( )؛ فهذا إمنا انفرد‬
‫‪73‬‬

‫بروايته أهل الشام دون غريهم من البلدان ‪.‬‬

‫‪ ‬قال المؤلف ‪ " :‬ويقُّل إطالق الفرد عليه " ‪ :‬يعين أنه يقُّل إطالق لفظ " الفرد " على‬
‫الغريب الِّنسبي ‪ ،‬ولفظ " الفرد " إمنا يطلق على الغريب المطلق‪.‬‬
‫وهذا التقسيم السابق وهو حبسب عدد الرواة ‪ ،‬وأما التقسيم اآلخر فهو حبسب صحة‬
‫اإلسناد وضعفه ‪.‬‬

‫[ الخاتمة ]‬

‫خالصة ولساناً صادقاً‪،‬‬


‫ً‬ ‫صاحلا ً‬
‫ونية‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وعمال‬ ‫علما نافعاً‬
‫نسأل اهلل جل وعال أن يرزقنا وإياكم ً‬
‫مجيال وأن يوفق والة‬
‫ردا ً‬ ‫كما نسأله جل وعال أن يصلح أحوال األمة ‪ ،‬وأن يردهم إىل دينه ً‬
‫أمور املسلمني يف كل مكان إىل العمل بكتابه وبسنة نبيه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وأن جيعلهم‬

‫‪ ) 73‬رواه مسلم في كتاب البر والصلة واآلداب‪ ،‬باب تحريم الظلم‪ 4/1994 :‬برقم (‪ ،)2577‬عن أبي ذر ‪.‬‬
‫هداة مهتدين أسباب خري وصالح وسعادة للناس أمجعني ‪ ،‬كما أسأله جل وعال أن يوفق‬
‫والة أمرنا يف بالد احلرمني الشريفني لكل خري ‪.‬‬

‫هذا واهلل أعلم وصلى اهلل على نبينا حممد ‪.‬‬

‫‪‬‬

‫المقبولوأقسامه‬
‫وأقسامه‬ ‫الخبرالمقبول‬
‫الخبر‬

‫قال – رحمه اهلل ‪: -‬‬

‫ِد‬ ‫ِط‬ ‫ٍل‬ ‫ِد‬


‫‪ ‬وَخ بُر اآلحا بنقِل عد تاِّم الَّضب ‪ُ ،‬مَّتصَل الَّس ن ‪ ،‬غيَر ُمعَّلٍل وال شاٍّذ؛ هو الَّصحيُح‬
‫وتتفاوُت ُرَتُبه‬ ‫لذاته ‪.‬‬
‫بتفاُو ِت هذه األوصاف‪ ،‬ومن َثَّم ُقِّدم صحيُح البخارِّي ‪ُ ،‬ثَّم ُمسلٌم‪ُ ،‬ثَّم ُش روُطُه ما ‪.‬‬
‫فإْن َخ َّف الَّضبُط ؛ فالَح َس ُن لذاته‪ ،‬وِبكثرِة ُطُر ِقِه ُيَص َّح ُح ‪.‬‬
‫فإن ُج ِم َعا فللترُّدد في الَّناِقِل حيُث الَّتَفُّر ُد‪ ،‬وإال فِباعتباِر ِإسناَدْيِن ‪.‬‬
‫ِل ِب‬ ‫ِف ِل‬
‫وزيادُة َر اِو ْيِه َم ا َمْق ُبوَلٌة‪َ ،‬ما َلـْم َتقْع ُمنا يًة مْن ُه َو َأوَثُق ‪َ .‬فِإ ْن ُخ و ف َأرجَح فالَّر اجُح‬
‫الَم ْح فوُظ ‪ ،‬وُمقاِبُله الَّش اُّذ‪ ،‬ومع الَّضعِف الَّر اجُح الَم ْع ُر وُف ‪ ،‬وُمقابُله الُم ْنَك ُر ‪.‬‬
‫والَف ْر ُد الِّنْس ِبُّي ‪ :‬إْن َو اَفَق ُه غيُر ُه َفُه و الُم تاِبع ‪َ .‬و إْن ُو ِج َد َم ْتٌن ُيْش ِبُهُه َفُه َو الَّش اِه ُد ‪.‬‬
‫وَتَتُّبُع الُّطُر ِق لذلك هو االْع ِتَباُر ‪.‬‬
‫ِل‬ ‫ِل ِم‬
‫ُثَّم المقبوُل ‪ :‬إْن س َم َن الُم عاَر ضة فهو الُم حَك م‪ ،‬وإن ُعورَض بمث ه؛ فإْن أْم كَن‬
‫الجمُع فهو مختِلف الحديث ‪ ،‬أو ثبت المتأِّخر فهو الَّناِس خ واآلخر المنسوخ ‪ ،‬وإال‬
‫فالترجيح ‪ ،‬ثم التوُّقف ‪.  .‬‬

‫الشرح‬
‫الشرح‬

‫تقدَّم معنا أن الخبر ينقسم إلى ‪:‬‬


‫أمر حمسوس‪.‬‬ ‫‪ -1‬متواتر ‪ :‬وهو ُ‬
‫خرب مجاعةٍ يستحيل تواطؤهم على الكذب وأسندوه إىل ٍ‬
‫الضروري ‪ -‬على الصحيح ‪. -‬‬
‫َّ‬ ‫اليقيين‬
‫َّ‬ ‫العلم‬
‫فيد َ‬ ‫املتواتر يُ ُ‬
‫َ‬ ‫اخلرب‬
‫وأنَّ َ‬
‫‪ -2‬والنوع الثاين من أنواع األخبار‪ -‬أخبار اآلحاد‪ :‬وهي اليت مل يتوفر يف روايتها ٌ‬
‫عدد‬
‫يستحيل تواطؤهم على الكذب‪ .‬فاآلحاد ما مل يكن متواتراً من األخبار‪.‬‬

‫واآلحاد ينقسم إلى ‪:‬‬

‫طبقات اإلسناد‪.‬‬
‫ِ‬ ‫مجيع‬
‫أربعة يف ِ‬
‫ثالثة أو ٍ‬ ‫مشهور وهو الذي رواهُ ُ‬
‫أكثر من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫‪-1‬‬
‫اإلسناد فأكثر ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طبقات‬ ‫طبقة من‬ ‫وعزيز وهو ما رواه ِ‬
‫اثنان لكلِ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫‪-2‬‬
‫وتقدم‬
‫ّ‬ ‫واحد فقط ‪.‬‬ ‫وغريب وهو الذي انْ َ‬
‫فرَد بروايته راوٍ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫‪-3‬‬
‫شيئا ؟ وذكرنا َّأنهم‬
‫مفيد للعلم أو الظَّّن أو ال يُفيد ً‬
‫معنا البحثُ يف خرب اآلحاد ‪ :‬هل هو ٌ‬
‫كل َخِرب آحاد يفيد العلم‪ ،‬وإمنا وقع اخلالف يف بعض األخبار‪ :‬هل‬
‫اتفقوا على ّأنه ليس ُّ‬
‫بقرائن‬
‫َ‬ ‫تفيد العلم أو ال تفيده ؟ مجهورهم على أن خرب الواحد قد يفيد العلم مىت احتفَّ‬
‫معيّنة‪ ،‬فهذا التقسيم للخرب من جهة عدد الرواة ‪.‬‬
‫التقسيم الثاني للخبر من جهة القبول والرد‪ ،‬وهذا التقسيم إمنا يكون ألخبار اآلحاد‬
‫فقط‪ ،‬فأخبار اآلحاد تنقسم إلى قسمين ‪:‬‬
‫أقسام الخبر المقبول‬
‫باعتبار درجة القبول‬ ‫أخبار مقبولة‪ :‬وهي األحاديث الصحيحة واحلسنة ‪.‬‬
‫القسم األول‪ٌ :‬‬

‫تعريف الحديث الصحيح‬ ‫مثله باتّصالِ‬


‫عمن هو ُ‬
‫بط َّ‬
‫الض ِ‬
‫تام َّ‬
‫أن المرادَ به‪ :‬نقلُ العدلِ ِّ‬
‫حيح ذََكرَ َّ‬
‫الص ُ‬
‫والحديث َّ‬
‫ُ‬
‫السَندِ مِنْ غيرِ ِعَّلةٍ وال ُشذُوذٍ ‪.‬‬
‫َّ‬

‫تعريف العدالة‬ ‫الصفة الراسخةُ اليت تكون يف النفس اليت ُتبعدها عن فعل الكبائر‪ ،‬أو‬
‫ُ‬ ‫والمراد بالعدالة ‪:‬‬
‫خُّل باملروءة ‪.‬‬
‫أيضا عن األفعال و األخالق اليت تُ ِ‬
‫تبعدها ً‬
‫عن املداومة على الصغائر‪ ،‬و ُ‬
‫معنى تمام الضبط‬
‫والمراد بتمام الضبط ‪ :‬هو أن يَُنقَل الراوي ما مسعَه كما مسعَه‪.‬‬
‫أنواع الضبط‬ ‫صْدر‪.‬‬
‫ضبط كتاب وضبطِ َ‬
‫الضبط على نوعني ‪ِ :‬‬
‫َ‬ ‫وأنَّ‬
‫معنى اتصال السند‬
‫واحد‬
‫أفراد رواته حبيث ال خيفى ٌ‬
‫مجيع ِ‬‫اإلسناد قد عُلم ُ‬
‫ُ‬ ‫والمراد باتصال اإلسناد ‪ :‬أن يكون‬
‫منهم ‪.‬‬
‫معنى العلة عند‬
‫والمراد بالعلة‪ :‬هو األمر القادح الذي ال ْينِتبُه له إال أهلُ احلديث خاصة‪ ،‬فهو أمر قادح‬
‫المحدثين‬
‫خفي ‪.‬‬
‫معنى الشذوذ عند المحدثين‬
‫والمراد بالشذوذ ‪ :‬خمالفة الثقة لمن هو أو ثق منه ‪.‬‬

‫فهذا هو الصحيح في ذاته ‪.‬‬


‫تعريف الحسن لذاته‬
‫عدد‬ ‫سنُ لذاته ‪ :‬وهو ٌ‬
‫مماثل للصحيح ؛ لكن رواه ٌ‬ ‫الح َ‬
‫النوع الثاني من أنواع المقبول‪َ -‬‬
‫بالصدُوق‪ ،‬هذا‬
‫كامل الضبط‪ ،‬وخفيف الضبط هو الذي يعبَّر عنه ‪ -‬عند احملدثني – َّ‬
‫ليس َ‬
‫حسن لذاته ‪.‬‬
‫تعريف الصحيح لغيره‬
‫الصحيح لغيره ‪ :‬وهو ما إذا تعاضد خربان ٌ‬
‫كل منهما‬ ‫ُ‬ ‫والقسم الثالث من المقبول ‪-‬‬
‫صحيحا لغريه ‪.‬‬
‫ً‬ ‫حسنٌ لذاته ؛ فإنه يرتقي اخلرب ألن يكون‬
‫تعريف الحسن لغيره‬
‫خَرج فيدل على‬ ‫والنوع الرابع الحسن لغيره ‪ :‬هو أن يتعارض خربان ضعيفان ِ‬
‫خمتلفا املَ ْ‬
‫مدلول واحد ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫تعريف الفرد المطلق‬
‫مث بعد ذلك ذكر املراد بالفرد المطلق ‪ :‬وهو الذي انفرد برواية الشخص الواحد وراوٍ‬
‫واحد فقط ‪.‬‬
‫تعريف الفرد الِّنسبي‬
‫والفرد النسبي‪ :‬هو الذي انفرد بروايته يف جهة أو أهل صنعة ‪.‬‬
‫حكم زيادة الثقة‬ ‫ثَُّم حتَّدث عن زيادة الثقة؛ هل هي مقبولة ؟ و ذكر أن زيادة الثقة على نوعني ‪:‬‬
‫‪ -1‬زيادة خمالفة؛ فهذه ال تقبل ‪ -2 .‬وزيادة غري خمالفة؛ فاجلمهور على قبوهلا ‪.‬‬
‫تعريف المخالفة‬
‫وذكرنا أن المخالفة‪ :‬هي خمالفة الراوي لرواية غريه من الرواة‪ ،‬هذا املراد بكلمة املخالفة‪.‬‬
‫أنواع مخالفة الراوي‬
‫والمخالفة على نوعين‪:‬‬
‫تعريف الشاذ‬ ‫النوع‬ ‫املخالفة من ِقبَِل راوٍ ثقة‪ ،‬وهذه يقال هلا‪ :‬الشاذ ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫النوع األول ‪ :‬أن تكون‬
‫تعريف النكارة‬ ‫الثاني ‪ :‬خمالفة مِن راوٍ غري موثوقٍ به‪ ،‬وهذه يقال هلا‪ :‬نكارة ‪.‬‬

‫ثم ذكر المراد بالشاهد والمتابعة ‪:‬‬


‫تعريف الشاهد‬
‫فالشاهد‪ :‬هو أن يكون هناك حديثٌ آخر عن صحايب آخر يشهد للحديث الذي يدور‬
‫البحث فيه‪.‬‬
‫مثال الشاهد‬
‫ومن أمثلة ذلك ‪ :‬ما ورد يف حديث‪ { :‬من كذب علي متعمدا فليتبوأ معقده من النار }‬
‫وكل حديثٍ يشهد للحديث اآلخر فيقال‬ ‫) ؛ فإنه قد ورد من طريق ٍ‬
‫عدد من الصحابة‪ُّ ،‬‬ ‫‪74‬‬
‫(‬

‫له‪ :‬شاهد ؛ الختالف الصحايب‪.‬‬

‫تعريف المتابعة‬ ‫النوع الثاني ‪ :‬المتابعة ‪ :‬وهي ُ‬


‫رواية راوٍ آخر للحديث عن نفس الصحايب ‪.‬‬
‫أنواع المتابعة‬ ‫والمتابعة على نوعين‪:‬‬
‫‪ -1‬متابعة تامة‪ :‬هي بأن يتوافق الراويان يف ٍ‬
‫شيخ واحد ‪.‬‬
‫‪ -2‬ومتابعة ناقصة بأن خيتلف ُ‬
‫شيخ كل راوٍ منهما ‪.‬‬

‫تعريف االعتبار‬ ‫بقية ُطُرقِ احلديثِ يقال له ‪ :‬االعتبار ‪ ،‬ما املراد بكلمة‬
‫وتتبُّع الطرقِ والبحثِ عن ِ‬
‫" االعتبار " ؟ تَُّتبُع ُطُرقِ احلديث ‪.‬‬

‫أقسام الخبر المقبول‬


‫باعتبار كونه معموًال‬
‫المقبول من األحاديث يمكن تقسيمه بتقسيمٍ آخر من جهة المعارضة ‪:‬‬
‫به أو غير معمول به‬
‫المحكَم ‪ ،‬ما املراد‬
‫عارضه فإنّه يقال له ‪ُ :‬‬
‫فإن كان احلديث املقبول ال يوجد له حديثٌ يُ ِ‬
‫تعريف الُم حَك م‬
‫عارض ‪ ،‬أي‪:‬ال يوجد له حديثٌ آخر يعارضه ‪.‬‬
‫مقبول ال يوجد له مُ ِ‬
‫ٌ‬ ‫بالمحكَم ؟ حديثٌ‬
‫ُ‬

‫عارض ‪ ،‬ويقال له‪ :‬احلديث َ‬


‫املعارض‪ -‬بفتح الراء‪. -‬‬ ‫النوع الثاني ‪ :‬احلديث الذي له مُ ِ‬
‫‪-1‬‬ ‫فهذا يقال له ‪:‬‬
‫البُدَّ من الجمع بين الحديثين ‪ ،‬فإن متكَّنا من اجلمع بني احلديثني ؛ بأن حنمل َ‬
‫أحد‬
‫خمتلف احلديث ‪ ،‬ولذلك‬
‫احلديثني على حمل ‪ ،‬واحلديثَ اآلخر على حمل آخر ‪ ،‬قيل له ‪ِ :‬‬
‫خمتلف احلديث ( )‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫ألَّف بعض أهل العلم يف تأويل ِ‬

‫‪ ) 74‬تقدم تخريجه ‪ :‬ص ‪. 28‬‬

‫‪ ) 75‬من أوائل ما ألف في تأويل مختلف الحديث ‪ :‬كتاب ( اختالف الحديث ) لإلمام الشافعي – رحمه اهلل ‪ ، -‬وكتاب ( تأويل مختلف‬
‫الحديث ) البن قتيبة ‪ ،‬وكتاب ( مشكل اآلثار ) لإلمام الطحاوي ‪ ،‬وهو أوسع كتب هذا الفن وأحفلها بالفوائد ‪.‬‬
‫املتقدم‬
‫ناسخا للحديث ّ‬
‫ً‬ ‫‪ -2‬فإن مل ميكن اجلمع بني احلدثني ِ‬
‫عمْلنا باحلديث املتأخر وجعلناه‬
‫‪ -3‬فإن مل‬ ‫‪.‬‬
‫‪ -4‬فإن مل‬ ‫نظرنا يف هذه األحاديث فعملنا باألرجح منها ‪.‬‬
‫نعرف التأريخ ْ‬
‫ميكن الرتجيح بينها فتساوتْ يف نظر اجملتهد؛ فإنه يتوقف يف حق الفتيا والتدريس ‪ ،‬لكن من‬
‫متعلق بالقسم‬
‫كل هذا ِّ‬
‫ُّ‬ ‫جهة العمل؛ فيجب عليه‪ :‬إما أن خيتار ‪ ،‬أو أن يقلد غريه ‪.‬‬
‫األول من أقسام أخبار اآلحاد‪ ،‬وهو قسم املقبول ‪.‬‬

‫‪‬‬

‫المردودوأقسامه‬
‫وأقسامه‬ ‫الخبرالمردود‬
‫الخبر‬

‫قال – رحمه اهلل ‪: -‬‬

‫‪‬ثم المردوُد ‪ :‬إّما أن يكون لسقٍط أو َطعن ‪ .‬فالسقُط إّما أن يكوَن ‪ِ :‬م ْن مبادِئ‬
‫الَّس نِد من مصِّنف ‪ ،‬أو من آخِر ه بعد التابعي ‪ ،‬أو غير ذلك ‪ .‬فاألول‪ :‬المعَّلق ‪،‬‬
‫والثاني ‪ :‬الُم رَس ل ‪ ،‬والثالث ‪ :‬إن كان باثنيِن فصاعدًا مع التوالي‪ ،‬فهو الُم عَض ل وإال‬
‫فالمنقِط ع ‪ .‬ثم قد يكون ‪ :‬واضحًا أو خفَّيًا ‪ .‬فاألول ‪ُ :‬يدَر ُك بعدِم التالقي ‪ ،‬ومن َثَّم‬
‫احتيج إلى التأريخ‪ .‬والثاني ‪ :‬الُم دَّلس ‪ ،‬وَيِر ُد بصيغٍة تحتمل الُّلقي ؛ كـ( َعْن ‪ ،‬وقال‬
‫) ‪ ،‬وكذا المرَس ل الخفُّي من ُمعاِص ٍر لم يْلَق ‪.‬‬
‫ثم الَّطعن إَّما أن يكون ‪ :‬لكذب الراوي‪ ،‬أوتهمِته بذلك‪ ،‬أو ُفحِش غلطه‪ ،‬أو فسقه‪ ،‬أو‬
‫وهمه‪ ،‬و مخالفِته‪ ،‬أو جهالته‪ ،‬أو بدعته‪ ،‬أو سوء حفظه‪ .‬فاألول‪ :‬الموضوع‪ .‬والثاني‪:‬‬
‫المتروك‪ .‬والثالث‪ :‬الُم نَك ر على رأي‪ .‬وكذا الرابع والخامس ‪.‬‬
‫فالمعلَّل ‪.‬‬
‫الطرق‪ُ :‬‬
‫اطِلع عليه بالقرائن وجمع ُّ‬
‫ثم الوهم إن ُّ‬
‫ثَّم الُم خاَلفُة إن كانْت بتغيير السياق‪ :‬فُم ْد رُج المتن ‪ ،‬أو بتقديم أو تأخير‪ :‬فالَم ْق لوب ‪،‬‬
‫أو بزيادة راٍو ‪ :‬فالمزيد في متصل األسانيد ‪ ،‬أو بإبداله ‪ -‬وال مرِّج ح ‪ : -‬فالمضطِر ب‬
‫‪ ،‬وقد يقع اإلبدال عمدًا امتحانًا ‪ ،‬أو بتغيير حروف مع بقاء السياق ‪ :‬فالمصَّح ف‬
‫بالنقص والمرادِف إال لعاِلٍم بما ُيحيل المعاني‬
‫تعمدُ تغييرِ المتن َّ‬
‫والمحَّر ف ‪ .‬وال يجوز ّ‬
‫‪ ،‬فإن خفي المعنى احتيج إلى شرح الغريب وبيان المشِكل‪.‬‬
‫ثَّم الجهالة ‪ ،‬وسبُبها أّن الراوي قد تكثر نعوُته‪ ،‬فُيذَك ر بغير ما اشُتِه ر به لغرٍض ‪،‬‬
‫وصّنفوا فيه " الموِض ح " ‪ ،‬وقد يكون ُمِق ًّال فال َيكُثر األخُذ عنه‪ ،‬وفيه " الُو حدان "‪ ،‬أو‬
‫ال يسّم ى اختصارًا‪ ،‬وفيه " الُم بَه مات " ‪ ،‬وال يقبل الُم بَه م ولو ُأبهم بلفظ التعديل ‪-‬‬
‫على األصح ‪ ، -‬فإن ُسّم ي وانفرد واحٌد عنه‪ :‬فمجهوُل العين‪ ،‬أو اثنان فصاعدًا ولم‬
‫يوَّثق‪ :‬فمجهوُل الحال‪ ،‬وهو المستور ‪.‬‬
‫ثم البدعة إَّما‪ :‬بمكِّف ر‪ ،‬أو بمفّس ق‪ ،‬فاألول‪ :‬ال ُيقبل صاحبها الجمهور‪ ،‬والثاني‪ُ :‬يقبل‬
‫من لم يكن داعية في األصح‪ ،‬إّال إن روى ما يقّو ي بدعته‪ ،‬فُيرُّد على المختار‪ ،‬وبه‬
‫صَّر ح الُج وْز َج انُّي ‪ ،‬شيخ الّنسائي‪.‬‬
‫ُثَّم سوُء الحفظ إن كان الزمًا‪ :‬فالشاذ – على رأي ‪ ،-‬أو طارئًا‪ :‬فالمختِلط ‪ ،‬ومتى‬
‫توبع سيُئ الحفظ بُم عتَبر‪ ،‬وكذا المستور‪ ،‬والمرَس ل‪ ،‬والمدّلس‪ ،‬صار حديثهم حسنًا ال‬
‫لذاته‪ ،‬بل بالمجموع ‪. ‬‬
‫الشرح‬
‫الشرح‬

‫تعريف الخبر‬ ‫مقبوال ‪ ،‬وال حيتج به‪.‬‬


‫ً‬ ‫القسم الثاني ‪ :‬المردود ‪ ،‬واملراد به ‪ :‬احلديث الذي ال يكون‬
‫المردود‬
‫أسباب رد الخبر‬ ‫وردُّ الخبر‪ -1 :‬إما أن يكون بسبب سقوط بعض الرواة يف إسناد احلديث ‪.‬‬
‫وإما أن يكون لورود الطعن يف احلديث ‪ :‬إما يف أحد رواته ‪ ،‬أو يف متنه‪.‬‬
‫‪َّ -2‬‬
‫أقسام الخبر المردود‬
‫بسبب سقط في اإلسناد‬
‫‪ ‬قول المؤلف ‪ " :‬فالسقط ‪ : " ..‬يعين عدم ذكر بعض أجزاء اإلسناد ‪.‬‬
‫" َّإما أن يكون من مبادئ السند " ‪ :‬يعين من جهة ِّ‬
‫مؤلف الكتاب الذي ألَّف يف‬
‫المعلق ‪.‬‬
‫األحاديث املسندة ‪ ،‬وهذا يقال له‪َّ :‬‬
‫تعريف المعًّلق‬ ‫المعلق ؟ هو احلديث الذي ُحذف بعضُ رواته من مبادئ اإلسناد من‬
‫ما املراد باحلديث َّ‬
‫جهة املؤلف ‪.‬‬
‫مثال المعًّلق‬
‫نافع عن ابن عمر كذا‪ " ..‬فهذا َّ‬
‫معلق ‪ ،‬ملاذا‬ ‫مثال ذلك ‪ :‬إذا قال اإلمام البخاري ‪ " :‬قال ٌ‬
‫ثالثة رواةٍ أو‬
‫؟ ألنه قد سقط بعضُ الرواةِ من مبادئ اإلسناد ‪ ،‬وهنا السقط ميكن أن يكون ُ‬
‫راويان ‪.‬‬

‫فاملعلق يشمل ما سقط يف راوٍ واحد ‪ ،‬وما سقط يف أكثر من راوي ؛ بشرط أن يكون‬
‫َّ‬
‫ذلك اإلسقاط من مبادئ السند من جهة املؤلف ‪ ،‬وهذا يسمى المعلق ‪.‬‬

‫الحديث المرسل‬ ‫‪ ‬قوله ‪ " :‬أو من آخره بعد التابعي " ‪ :‬املراد ِ‬
‫بآخر اإلسناد ‪ :‬العايل على اإلسناد من جهة‬
‫القائل الذي نقل قوله سواء‪ :‬النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬أو الصحابة ‪ -‬رضوان اهلل‬
‫عليهم‪. -‬‬
‫مثال المرسل‬
‫مثال ذلك ‪ :‬أن يروي الشافعي ً‬
‫حديثا ‪ ،‬عن مالك ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬أن النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫المرسل لغة‬ ‫وسلم‪ : -‬قال كذا ؛ فهذا يقال له‪ :‬مُرسَل ( )؛ ملاذا ؟ ألنه قد سقط راوٍ من أعلى اإلسناد‬ ‫‪76‬‬

‫احملدثني‬
‫ومجهور ِّ‬ ‫‪.‬‬
‫المرسل عند‬ ‫ويقسمونه إلى‬ ‫على أنَّ املرسل يراد به ‪ :‬ما سقط فيه الصحايب (‪.)77‬‬
‫المحدثين‬
‫قسمين ‪:‬‬
‫أقسام المرسل عند‬
‫المحدثين‬
‫مرسل الصحابي‬ ‫حديثا مل يشاهده ‪ ،‬نقالً عن‬
‫صحايب ً‬
‫ٌ‬ ‫القسم األول ‪ :‬مراسيل الصحابة ‪ :‬بأن يروي‬
‫مثال‬ ‫الصحايب املنقولَ عنه ‪.‬‬
‫َ‬ ‫صحايب آخر ‪ ،‬لكنه يُسقط‬
‫مثال مرسل الصحابي‬ ‫ذلك ‪:‬‬

‫‪ -1‬روى ابن عباس ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬أحاديث كثرية عن النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬
‫شهدها ابن عباس ‪ -‬رضي اهلل‬
‫حال وجوده يف مكة قبل اهلجرة ‪ ،‬فهذه األحاديث مل يَ ْ‬
‫صحايب آخر ‪ ،‬فهذه من‬
‫ٍ‬ ‫بد أن يكون قد نقل ذلك اخلرب عن‬
‫حينئذ ال َّ‬
‫قطعا ‪ ،‬فهذا ٍ‬
‫عنهما‪ً -‬‬
‫مراسيل الصحابة ‪.‬‬

‫‪ -2‬ومثله ‪ " :‬حديث جابر ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬في خبر فترة الوحي في أول مبادئ‬
‫البعثة النبوية "( ) ؛ فهذا مُرسَل صحايب ‪.‬‬ ‫‪78‬‬

‫حكم مرسل الصحابي‬


‫جةٌ يُعمل بها ‪ ،‬فهي من أدلة الشريعة ‪:‬‬
‫ومراسيل الصحابة ُح َّ‬

‫صحابيا آخر فهو حجةٌ باإلمجاع ‪.‬‬


‫ً‬ ‫‪ ‬فإن كان الصحايب ال يسقط إال‬

‫‪ ) 76‬المرسل لغًة ‪ :‬على وزن ُمْف َعل ‪ ،‬اسم مفعول من اإلرسال ‪ ،‬أصله من قولهم ‪ :‬أرسلت كذا إذا أطلقته ولم تمنعه ؛ كما في قوله تعالى ‪:‬‬
‫{َأَلْم َتَر َأَّنا َأْرَس ْلَنا الَّش َياِط يَن َعَلى اْلَك اِفِر يَن َتُؤ ُّز ُه ْم َأّزًا } ( سورة مريم ‪ .) 83 :‬فكأن المرِس ل أطلق اإلسناد ولم يقيده براٍو معروف‪ .‬ينظر ‪:‬‬
‫لسان العرب ‪ ، 1645 – 3/1643‬القاموس المحيط ‪. 3/395‬‬

‫‪ ) 77‬ينظر ‪ :‬معرفة علوم الحديث للحاكم ص ‪ ،25‬مقدمة ابن الصالح ص ‪ ،132-130‬نزهة النظر ص ‪. 41‬‬

‫‪ ) 78‬رواه البخاري في كتاب بدء الخلق‪َ ،‬باب إذا قال أحدكم آِم يَن َو اْلَم اَل ِئَكُة في الَّس َم اِء َفَو اَفَق ْت ِإْح َد اُه َم ا اُأْلْخ َر ى ُغِف َر له ما َتَق َّد َم من ذنبه‪3/1182 :‬‬
‫برقم (‪ ،)3066‬ومسلم في كتاب اإليمان‪ ،‬باب بدء الوحي إلى رسول اهلل ‪ 1/143 :‬برقم (‪. )161‬‬
‫أيضا ‪ -‬على‬ ‫‪ ‬وإن احتمل أن يكون قد أسقط ً‬
‫تابعيا ؛ فإن مجاهري أهل العلم – ً‬
‫طائفة قالوا ‪ :‬بأن مرسل صغار الصحابة الذين مل ينقلوا‬
‫قبول ذلك املرسل ‪ ،‬إال أن ً‬
‫كثري‬
‫توقف فيها ٌ‬
‫شيئا ‪ ،‬وإمنا شاهدوه جمرد رؤيا‪َّ -‬‬
‫عن النيب‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ً -‬‬
‫احملدثني ‪.‬‬
‫من ِّ‬

‫مرسل التابعي‬ ‫النوع الثاني ‪ :‬مراسيل التابعي ؛ بأن يقول التابعي ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ -‬كذا ‪.‬‬
‫مثال مرسل التابعي‬
‫مثل ‪ :‬أن يقول نافع ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ، -‬ونافع تابعي ‪.‬‬

‫احملدثني على أن املرسل ‪ :‬هو قول التابعي‪ :‬قال رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬
‫ومجهور ِّ‬
‫؛ سواء كان التابعي من الكبار كعلقمة ‪ ،‬وعبيد اهلل بن عدي ‪ ،‬الذين رووا عن أكثر‬
‫قلة من الصحابة ؛ مثل ‪ :‬الزهري ‪،‬‬
‫اخللفاء ‪ ،‬أو كان من صغار التابعني الذين مل يلقوا إال ً‬
‫ال ‪ ،‬وإن كان بعض ِّ‬
‫احملدثني خيصه مبا ورد عن كبار التابعني دون‬ ‫فاجلميع يسمى مُرسَ ً‬
‫قول التابعي قال رسول اهلل ‪ -‬صلى‬
‫صغارهم ؛ لكن املشهور عند احملدثني ‪ :‬هو أن املرسل ُ‬
‫اهلل عليه وسلم – كذا ‪.‬‬
‫المرسل عند الفقهاء‬
‫المرَْسل ‪ :‬هو أن يقول من مل ْيلَق النيب ‪-‬‬
‫وإن كان هناك طائفة من الفقهاء يقولون ‪ :‬بأنَّ ُ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ " : -‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم "‪.‬‬

‫فعلى ذلك إذا قال تابع التابعي ‪ " :‬قال رسول اهلل " ‪ ،‬قالوا هذا من املراسيل ‪ ،‬وهكذا من‬
‫الطبقة الرابعة و اخلامسة و السادسة‪ ،‬هذا اختالف عند بعض الفقهاء ‪.‬‬
‫المرسل عند‬ ‫وعند األصوليين المرسل‪ :‬ما سقط منه راوٍ فأكثر من أي طبقات اإلسناد( )‪.‬‬
‫‪79‬‬

‫األصوليين‬
‫املنقطع ‪.‬‬
‫املعلق ‪ ،‬ويشمل املعضَل اآليت ‪ ،‬ويشمل ِ‬
‫فعلى ذلك يشمل ‪َّ :‬‬
‫ثمرة الخالف في تعريف‬
‫المرسل‬ ‫كتابا من كتب أهل العلم من أهل هذه‬
‫واملسألة مسألة اصطالحية ‪ ،‬مبعىن ‪ :‬أنك إذا قرأت ً‬
‫املؤلف إال إذا عرفت اصطالحه ‪،‬‬
‫الفنون ؛ فتنبَّْه الصطالح كل قول ؛ ألنك ال تفهم كالم ّ‬
‫وعلى ذلك ؛‬ ‫املؤلف هنا يشرح اصطالح احملدثني ‪.80‬‬
‫و ّ‬
‫فالمرسل عندنا هنا‪ :‬هو قول التابعي ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪. -‬‬

‫‪ ‬قول المؤلف ‪ " :‬والثالث ‪ : " ..‬واملراد بالثالث‪ " :‬قوُل املؤِّلف " أو غير ذلك "‬
‫املتقدم ‪ ،‬يعين ‪ :‬أن يكون سقوطُ الراوي من اإلسناد ليس من أول اإلسناد وال من آخره‪،‬‬
‫ّ‬
‫قط من ثنايا اإلسناد ‪.‬‬
‫بل يكون الراوي الساقطُ قد سَ َ‬
‫فالساقط في وسط اإلسناد ينقسم إلى قسمين ‪:‬‬
‫تعريف المنقِط ع‬
‫فحينئذ يقال له ‪ :‬المنقطِع ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫راويا واحداً ؛‬
‫األول ‪ :‬أن يكون هذا الساقط ً‬
‫تعريف المعضل‬ ‫إذًا‬ ‫والثاين ‪ :‬أن يكون الساقط راويني على التوايل ؛ فيكون مُعضَال ‪.‬‬
‫قوله‪ " :‬الثالث " ‪ :‬هو ما سقط راوٍ يف وسط اإلسناد ‪ ،‬إن كان هذا الساقطُ إسقاطَ الرواية‬
‫فمثال‬ ‫المعضَل ‪.‬‬
‫حينئذ يكون هو ُ‬
‫رجلني فصاعداً مع التوايل ؛ فإنه ٍ‬

‫مثال المعضل‬ ‫المعَض ل ‪ :‬لو قال الشافعي ‪ :‬عن ابن عمر‪ ،‬أنَّ النَّيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬قال ‪ :‬كذا ‪،‬‬
‫فهنا سقط راويان ؛ ألن الغالب يف اإلسناد أن يروي الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن‬
‫عمر ‪ ،‬فسقط عندنا راويان مها ( مالك ونافع ) فسمي مُعضَال ‪ ،‬فسقط راويان ومها على‬
‫التوايل ‪،‬‬

‫‪ ) 79‬ينظر ‪ :‬اإلحكام لآلمدي ‪ ،2/123‬مختصر ابن الحاجب ‪ ،2/74‬شرح الكوكب ‪ ،2/574‬تيسير التحرير ‪.3/102‬‬

‫‪ ) 80‬ينظر في أثر الخالف في الحديث المرسل ‪ :‬كتاب القواعد والمسائل الحديثية المختلف فيها بين المحدثين وبعض اًألصوليين وأثر‬
‫ذلك في قبول األحاديث أو ردها ألميرة الصاعدي ‪ :‬ص ‪ 153‬و ‪. 170 – 163‬‬
‫عضل ‪ ،‬وإمنا يقال له‪ :‬منقطِع‬
‫لكن لو كان سقوطُهما ليس على التوايل ؛ فإنه ال يقال له ‪ :‬مُ َ‬
‫مثال ذلك‬ ‫في مكانين ‪.‬‬
‫مثال المنقطع في‬ ‫‪ :‬أن يروي أمحد عن مالك عن ابن عمر ‪ ،‬فهنا سقط الشافعي ‪ ،‬وسقط نافع‪ ،‬لكنهما لم‬
‫مكانين‬
‫يسقطا على التوايل فقيل له ‪ :‬منقطِع في مكانين ‪.‬‬

‫‪ ‬قوله ‪ " :‬وإال ‪ : " ..‬يعين وإن كان إسقاطُ الرواة ليس على التوايل فإنه ٍ‬
‫حينئذ يقال له‪:‬‬
‫املنقطع ‪.‬‬
‫ِ‬

‫باملنقطع ؟ سقوطُ راوٍ يف أثناء اإلسناد ال من أوله و ال من آخره‪.‬‬


‫ِ‬ ‫إذاً ما املراد‬
‫مثال المنقطع‬
‫فحينئذ سقط راوٍ واحد‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫مثال ذلك ‪ :‬أن يروي أمحد عن الشافعي عن نافع عن ابن عمر‪،‬‬
‫وهو مالك ‪-‬رمحة اهلل على اجلميع ‪. -‬‬
‫أنواع االنقطاع‬
‫وانقطاع خفي ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫انقطاع واضح ‪-2.‬‬
‫ٌ‬ ‫االنقطاع في اإلسناد على نوعين ‪-1 :‬‬

‫واضحا ‪،‬‬
‫ً‬ ‫‪ ‬قوله ‪ " :‬ثم قد يكون واضحاً ‪ : "..‬يعين أن اإلسقاط يف اإلسناد قد يكون‬
‫خفيا ‪.‬‬
‫وقد يكون ً‬
‫الفرق بين المنقطع‬
‫التفريق بني كلمة ( المنقطِع ) و( المقطوع ) ‪:‬‬
‫َ‬ ‫تالحظون قبل هذا ‪:‬‬
‫والمقطوع‬
‫فالمنقطِع هو الذي سقط راوٍ مِن أثناء إسناده ‪ ،‬والمقطوع هو قول التابعي و لو كان‬
‫إسناده متصال ؛ فإن األخبار على ثالثة أنواع ‪ :‬أخبار منقولة عن النيب ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫ُ‬
‫وسلم‪ ،-‬يقال هلا‪ :‬أحاديث ‪ ،‬وأخبار منقولة عن الصحابة‪ ،‬يقال هلا‪ :‬آثار‪ ،‬وأخبار‪ ،‬أو‬
‫موقوفات ‪ ،‬وأخبار منقولة عن التابعني‪ ،‬هذه يقال هلا‪ :‬مقطوعات ؛ فيقال‪ :‬اخلرب عن‬
‫التابعي مقطوع ‪.‬‬
‫بم يدرك االنقطاع‬
‫الواضح ؟‬
‫واضحا بعدم تالقي الراويني ‪ ،‬مثل‬
‫ً‬ ‫واضحا ‪ ،‬و يُعلم كونُ االنقطاع‬
‫ً‬ ‫مث قد يكون االنقطاع‬
‫‪ :‬رواية مالك عن ابن عمر ‪ ،‬فهنا االنقطاع واضح ‪ ،‬من أين عرفنا ؟ عرفنا من التاريخ ؛‬
‫حينئذ ال ميكن أن يكون قد‬
‫فإنَّ بني وفاة ابن عمر وبني والدة مالك قرابةُ عشرين سنة ‪ٍ ،‬‬
‫لقِيه أو روى عنه ‪ ،‬فهذا انقطاعٌ واضح ‪.‬‬

‫فاألول‪ :‬هو االنقطاع الواضح يُدرك بعدم التالقي ‪ ،‬ومن ثََّم احتيج إىل تاريخ والدة الرواة‬
‫ووفياهتم ؛ لنعلم هل ميكن اللقاء بني الرواة أو ال ميكن ؟ ‪.‬‬

‫تعريف المرسل‬ ‫النوع الثاني‪ :‬المرسل الخفي وهو بأن يكون الراويان يف ٍ‬
‫زمن واحد ‪ ،‬فكان أحد‬
‫الخفي‬
‫حديثا عن اآلخر مع أنه مل يروِه عنه ‪ ،‬فإذاً عندنا ‪ :‬المرسل هو أن ِّ‬
‫حيدث‬ ‫الراويني يروي ً‬
‫يرو عنه ‪ ،‬هذا هو املراد بالمرسل الخفي‪.‬‬
‫الراوي عن من مل ِ‬

‫تعريف الخبر‬ ‫معاصر له أحاديثَ مل يروها عنه ‪ ،‬فيكون بنيهما‬


‫ٍ‬ ‫والمدلس هو أن يروي راوٍ عن راوٍ َ‬
‫آخر‬
‫المدّلس‬
‫واسطة مل يذكرها‪.‬‬
‫ٌ‬
‫مثال المدلس‬
‫ومن أمثلة ذلك ‪ :‬أنَّ عبدالرزاق كان يف اليمن ‪ ،‬وكان هناك راوٍ آخر يف خراسان مل‬
‫يذهب إىل اليمن لكنه معاصر له ‪ ،‬فإذا قال ‪ :‬عن عبد الرزاق ‪ ،‬قيل‪ :‬هنا فيه انقطاع ‪ ،‬هل‬
‫يسمى هذا تدليساً أو يسمى انقطاعًا وال يسمى تدليساً ؟ عندهم قوالن فيه ‪ .‬والتدليس‬
‫املدلس‬
‫نوعٌ من أنواع خمالفة الواقع ؛ ألنه يوهم بأنَّه قد رواه عن شيخ ‪ ،‬وبالتايل احلديث ّ‬
‫مردود غري مقبول ‪.‬‬
‫ٌ‬

‫كيفية معرفة التدليس‬


‫ط بعضَ‬
‫كيف نعرف أن احلديث مدلس ؟ هذا بالنظر يف أحوال الرواة ‪ ،‬فمن علم أنه يُسقِ ُ‬
‫فحينئذ ال نقبل حديثه إال إذا صرح فيه بالسماع ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫من يروي عنهم‬

‫‪ ‬قال ‪ " :‬والمدلس‪ : " ..‬واملراد به احلديث الذي يرويه راوٍ َّ‬
‫عمن ميكن لقياه له ‪ ،‬لكنه مل‬
‫حقيقة ‪ ،‬فيكون هناك راوٍ بنيهما قد أسقط ‪ ،‬فمثل هذا ال يقبل إال إذا صرح‬
‫ً‬ ‫يروه ِعنه‬
‫الراوي فيه بالسماع ‪.‬‬
‫مثال التدليس‬
‫يدلس ويسقط بعض‬
‫حافظ ثقة ؛ لكنه ّ‬
‫ٌ‬ ‫شيم‬
‫نمثل لذلك بمثالٍ من رواة الصحيحني ‪ :‬هُ َ‬
‫ّ‬
‫حمتملة فإنه‬
‫بألفاظ ِ‬
‫ٍ‬ ‫صرح بالسماع ‪ ،‬فإذا روى‬
‫فحينئذ ال تقبل رواية هُشيْم إال إذا َّ‬
‫ٍ‬ ‫الرواة ‪،‬‬
‫ال تقبل روايته ‪ ،‬مثل ‪ :‬ما لو قال‪ ( :‬عَْن ) و ( أْن ) و ( قال ) و ( فعل ) فال تقبل روايته‬
‫حدثنا ) و ( أخربنا) وحنو ذلك ؛ فإنه حينئذ تقبل روايته‬
‫صرح بالسماع فقال ‪َّ ( :‬‬
‫‪ ،‬أما إذا َّ‬
‫‪.‬‬
‫أنواع التدليس‬
‫أنواع متعددة ‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫والتدليس على‬

‫تدليس اإلسناد‬ ‫‪ -1‬أولها‪ :‬تدليس اإلسناد ؛ بإسقاط الراوي لشيخه ‪.‬‬


‫تدليس التسوية‬ ‫شيخه أو من هو أعلى منه ‪ .‬مثل ‪:‬‬ ‫‪ -2‬وهناك تدليس التسوية ؛ بأن يسقط الراوي َ‬
‫شيخ ِ‬
‫مثال تدليس التسوية‬ ‫حمتجا به ؛ لكن‬
‫راويا ً‬
‫رواية الوليد بن مسلم عن األوزاعي ؛ فإن وليد بن مسلم وإن كان ً‬
‫شيخ شيخه‪ ،‬ففي‬
‫ال بد أن يصرح بالسماع يف مجيع طبقات اإلسناد؛ و ذلك ألنه يسقط َ‬
‫مرات يروي عن األوزاعي عن رواة ضعفاء‪ ،‬فيسقط شيخ شيخه األوزاعي‪ ،‬فيظن أنه من‬
‫وحينئذ ال تقبل روايته إال إذا صرح بالسماع يف مجيع طبقات اإلسناد ‪ ،‬ومثله‬
‫ٍ‬ ‫رواية الثقة‪،‬‬
‫‪-3‬‬ ‫بقية بن الوليد وغريه ‪.‬‬
‫تدليس الشيوخ‬ ‫باسم‬ ‫ونوع آخر من أنواع التدليس هو تدليس الشيوخ ‪ :‬بأن يبدل َ‬
‫اسم شيخه املشهور ٍ‬
‫غري مشهور ‪ ،‬فبدل أن يقول – مثالً ‪ " :-‬عن نافع " ‪ ،‬يقول ‪ " :‬عن موىل ابن عمر عن‬
‫ابن عمر " ‪ ،‬أو يقول ‪ " :‬عن أيب عبد اهلل املدين عن ابن عمر " ‪.‬‬

‫حقيقة احلال ‪ ،‬أو للتلبيس على الناس بني راويني‬


‫ِ‬ ‫و هذا التدليس ‪ -1 :‬إن كان إلخفاء‬
‫‪-2‬‬ ‫حينئذ مينع منه ‪ ،‬فتؤثر يف تلك الرواية ‪.‬‬
‫خمتلفني ؛ فإنه ٍ‬
‫ِ‬
‫وإن كان لسببٍ آخر ‪ ،‬مثل ‪ :‬إبعاد السآمة عن السامع له ؛ فإنه إذا كرر اسم راوٍ ٍ‬
‫مرات‬
‫حكم تدليس الشيوخ‬

‫عديدة قد يوجد نوع من السآمة يف أُُذن السامع ‪ ،‬فيغري الراوي يف األمساء من أجل إبعاد‬
‫جائز ال حرج على اإلنسان فيه ‪.‬‬
‫املستمع ؛ فمثل هذا ٌ‬
‫ِ‬ ‫امللل عن‬
‫ِ‬

‫المرسل الخفي‬ ‫عاصرٍ لم يلْقَ من حدَّث عنه " ‪ :‬هذا هو املرسل‬


‫المرسَل الخفيُّ من مُ ِ‬
‫‪ ‬قال ‪ " :‬وكذا ُ‬
‫اخلفي‪ ،‬فهما يف زمن واحد وإن كان لقاؤمها ممكن لكنه مل يلقه حقيقة ‪.‬‬
‫حكم المرسل‬
‫والخالف فيه‬ ‫تبقى هنا مسألة ‪ :‬وهي هل المرسل مقبول أو مردود ؟‬

‫مذهب‬ ‫‪ -1‬املؤلف قال هنا ‪ :‬بأن املراسيل مردودة ؛ وذلك ألنه قد سقط بعضُ رواة هذه األخبار‪،‬‬
‫المحدثين في‬
‫المرسل‬
‫مقبول الرواية‪ ،‬وقد يكون‬
‫َ‬ ‫وال يُعلم حالُ من سقط من رواة هذه األخبار ‪ ،‬فقد يكون‬
‫ضعيفا ‪ ،‬فبالتايل هو مشكوك يف حاله ‪ ،‬وهذا هو قول جماهير المحدثين ( )‪.‬‬
‫‪81‬‬
‫ً‬
‫مذهب األصوليين‬
‫‪ -2‬وعند األصوليين ‪ :‬أن الرواة الذين يُرسِلون على نوعني ؛ ‪ -‬لأن احلديث املنقطع على‬
‫في المرسل‬
‫النوع‬ ‫قا ‪: -‬‬
‫معل ً‬
‫منقطعا أو َّ‬
‫ً‬ ‫نوعني سواء كان معضالً أو‬
‫األول ‪ :‬إذا كان راوي هذه األخبار ال يُسقط إال الثقات فقط ؛ فإنه ٍ‬
‫حينئذ تقبل روايته‪،‬‬
‫مبعلقات البخاري اليت جزم هبا ؛ فإهنا نوع من أنواع املراسيل ‪-‬‬
‫وقد ميثّل هلذا القسم َّ‬
‫و‬ ‫حبسب اصطالح األصوليني‪ -‬سقط بعض الرواة ‪.‬‬
‫عدل ثقة‪ ،‬وال يسقط إال من كان ثقة ‪ ،‬والتسمية باسم‬
‫يستدلون على هذا ؛ بأن الراوي ٌ‬
‫الثقة وعدم ذكر امسه – يقولون ‪ -‬مها سواء ؛ ألن املراد الثقة خبرب الراوي وقد حصل ذلك‬
‫إذا تقرر‬ ‫به ( )‪.‬‬
‫‪82‬‬

‫طريقة احملدثني واصطالح احملدثني‪ ،‬ولذلك نسري على طريقتهم ‪ ،‬وهناك‬


‫ُ‬ ‫هذا ؛ فإن هنا تقرر‬
‫أقوال أخرى يف املسألة ‪.‬‬

‫‪ ) 81‬ينظر ‪ :‬الكفاية ص ‪ ،550‬مقدمة ابن الصالح ص ‪ ،136‬مقدمة صحيح مسلم بشرح النووي ‪ ،1/132‬جامع التحصيل في أحكام‬
‫المراسيل ص ‪ ،36-35‬نزهة النظر ص ‪.41‬‬

‫‪ ) 82‬ينظر لتحرير مذهب اًألصوليين ‪ :‬المستصفى ‪ ،1/169‬المحصول ‪ ،2/509‬اإلحكام لآلمدي ‪ ،2/123‬تيسيرالتحرير ‪.3/102‬‬
‫خرب آخر‪ ،‬أو من‬
‫املرسل إذا جاء ما حيدثه من مرسٍِل آخر‪ ،‬أو من ٍ‬
‫‪ -3‬فبعضهم يقول ‪َ :‬‬
‫قول صحايب ُقبِل‪ ,‬هذا قول اإلمام الشافعي ( )‪.‬‬
‫‪83‬‬

‫وبذلك نكون قد علمنا أسباب رد احلديث املتعلقة بوجود السقط يف اإلسناد ‪ ،‬مث بعد ذلك‬
‫يكون احلديث والكالم يف رد احلديث بسبب الطعن فيه ‪ ،‬والطعن فيه‪ :‬إما أن يكون ً‬
‫طعنا‬
‫طعنا يف اخلرب ‪.‬‬
‫وإما أن يكون ً‬
‫يف الرواة ‪َّ ،‬‬

‫[ الخاتمة ]‬

‫خالصة ولساناً صادقاً‪،‬‬


‫ً‬ ‫صاحلا ً‬
‫ونية‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وعمال‬ ‫علما نافعاً‬
‫نسأل اهلل جل وعال أن يرزقنا وإياكم ً‬
‫مجيال وأن يوفق والة‬
‫ردا ً‬ ‫كما نسأله جل وعال أن يصلح أحوال األمة ‪ ،‬وأن يردهم إىل دينه ً‬
‫أمور املسلمني يف كل مكان إىل العمل بكتابه وبسنة نبيه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وأن جيعلهم‬
‫هداة مهتدين أسباب خري وصالح وسعادة للناس أمجعني ‪ ،‬كما أسأله جل وعال أن يوفق‬
‫والة أمرنا يف بالد احلرمني الشريفني لكل خري ‪.‬‬

‫هذا واهلل أعلم وصلى اهلل على نبينا حممد ‪.‬‬

‫احلمد هلل رب العاملني ‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني ‪.‬‬

‫أما بعد ‪.‬‬

‫قال – رحمه اهلل ‪ " : -‬ثم الَّطعن إَّما أن يكون ‪ :‬لكذب الراوي‪ ،‬أوتهمِته‬ ‫‪‬‬

‫بذلك‪ ،‬أو ُفحِش غلطه‪ ،‬أو فسقه‪ ،‬أو وهمه‪ ،‬و مخالفِته‪ ،‬أو جهالته‪ ،‬أو بدعته‪،‬‬

‫‪ ) 83‬ينظر ‪ :‬الرسالة ص ‪. 463 – 462‬‬


‫أو سوء حفظه‪ .‬فاألول ‪ :‬الموضوع ‪ .‬والثاني ‪ :‬المتروك‪ .‬والثالث ‪ :‬الُم نَك ر‬
‫على رأي ‪ .‬وكذا الرابع والخامس ‪" .‬‬

‫ردها إىل عشرة‬


‫‪ :‬يبقى عندنا أنواع الطعن يف احلديث النبوي‪ ،‬وقد حاول املؤلف َّ‬ ‫‪‬‬

‫أصناف ‪:‬‬
‫الخبر الموضوع‬
‫الصنف األول‪ :‬أن يكون الراوي َّممن عُرف بالكذب ‪ ،‬يقال عنه ‪ :‬بأنه كذَّاب‪ ،‬فهذا‬
‫النوع يقال له‪ :‬الموضوع‪.‬‬
‫مثال الموضوع‬
‫رواية محمد بن سعيد المصلوب ‪ -‬الذي ُ‬
‫صلب على زندقته ‪ -‬فإنه‬ ‫ومن أمثلته‪ُ :‬‬
‫كذاب‪ ،‬ورواياتُه من قبيل الموضوع ‪.‬‬
‫َّ‬
‫عالمات معرفة الوضع‬
‫ويُعرف الراوي بكونه كذَّاباً بأمورٍ كثيرة ‪ ،‬منها‪:‬‬
‫صريحه بأنه قد ِ‬
‫كذب يف األخبار‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪‬ت‬
‫ومن أمثلة ذلك‪ :‬محمد بن سعيد المصلوب املتقدم ذكره‪ ،‬قيل له‪ :‬المصلوب؛ ألنه‬
‫الف حديث ‪.‬‬
‫أربعة آ ِ‬
‫كذبت َ‬‫ُ‬ ‫صلب على زندقته‪ ،‬ملَّا أرادوا أن يصلبوه قال‪ :‬قد‬
‫ُ‬
‫يصرح بأنه يستجيز الكذب على رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل‬
‫‪ ‬وهكذا ما لو كان الراوي ِّ‬
‫عليه وسلم ‪ -‬؛ كما تفعل الفرقة الخطابية ؛ فإهنم يروون أخباراً يف فضائل األعمال ‪،‬‬
‫نكذب له ‪ ،‬فمثل هذه‬
‫يقولون‪ :‬حنن ال نكذب على النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وإمنا ِ‬
‫قيمة هلا وال وزن ‪.‬‬
‫موضوعة ‪ ،‬ال َ‬
‫ٌ‬ ‫األحاديث أحاديثُ‬

‫أهم المصنفات في‬ ‫جماعة في األحاديث الموضوعة ‪:‬‬


‫ٌ‬ ‫صنف‬
‫وقد َّ‬
‫الموضوع‬
‫ابن اجلوزي يف كتابه "الموضوعات" ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وزَجاين يف كتابه "األباطيل" ‪.‬‬
‫واجل ْ‬
‫َ‬ ‫‪‬‬

‫والشوكاين يف "الفوائد المجموعة لألحاديث الموضوعة" ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫الخبر المتروك‬
‫تهمته بذلك " ‪ :‬املراد بذلك أن يكون‬
‫عبر عنه المؤلف بقوله‪ " :‬أو ِ‬
‫الصنف الثاني‪ :‬ما َّ‬
‫رد‬
‫أيضا يُ ُّ‬
‫صراحة ‪ -‬؛ فمثل هذا ً‬
‫ً‬ ‫الراوي للخرب يُتهم بأنه يكذب ‪ -‬وإن مل يوصف بالكذب‬
‫خربه ‪ ،‬ويقال له ‪ :‬المتروك أو الضعيف جداً ‪.‬‬
‫ُ‬

‫والغالب يف علماء احلديث أن وصف املرتوك ال يصفون به املروي ‪ ،‬وإمنا يصفون الراوي‬
‫بأنه متروك ‪ ،‬ويقال عن املروي‪ :‬مُنكَر وحنو ذلك ‪ ،‬وهذا النوع من األخبار ً‬
‫أيضا ال قيمة‬
‫ومن‬ ‫له وال وزن؛ فال يعمل به وال يقوى به ‪.‬‬
‫مثال المتروك‬ ‫أمثلته‪ :‬رواية داود ابن محبر ‪ -‬مثالً ‪ -‬فإنه مُنكَر احلديث ‪ٍ ،‬‬
‫حينئذ فروايته وأحاديثُه‬
‫ضعيفة جداً فال يتقوى هبا‪.‬‬
‫ٌ‬
‫الخبر المردود بسبب‬
‫الصنف الثالث ‪ :‬ما َكثَُر فيه الغلط ‪.‬‬
‫فحش الغلط‬
‫‪ ‬قوله ‪ُ ( :‬فْح شِ غلطه ) مبعىن كثرته ‪ ،‬فالفاحش ‪ :‬الكثري الغلط أو الكبري ‪ ،‬لذلك عند‬
‫فحش "‬
‫خروج الدم من غير السبيلين إذا ُ‬
‫ُ‬ ‫الفقهاء يقولون ‪ " :‬من نواقض الوضوء‬
‫غلط الراوي ؛ فإن روايتَه تُرد ‪ ،‬وال تُقبل ‪.‬‬
‫كثر ‪ ،‬فإذا كثر ُ‬
‫مبعىن ‪ُ :‬‬
‫عالمة معرفة كثرة‬
‫ويعرف كونُ الراوي قد كثر غلطه بمقارنة روايته برواية غيره ‪.‬‬
‫‪ُ ‬‬
‫غلط الراوي‬

‫أمثلة فاحش الغلط‬ ‫الجعْفِي ؛ فإنه قد روى أحاديث كثرية ‪ ،‬ولكن ملّا قد‬
‫ومن أمثلة ذلك ‪ :‬جابر بن يزيد ُ‬
‫ت روايتُه ‪.‬‬
‫وقع الغلط منه يف مواطن عديدة ُرَّد ْ‬
‫وعالم وقاضٍ‪،‬‬ ‫ومثاله ‪ -‬أيضًا ‪ : -‬هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ؛ فهذا ٌ‬
‫فقيه ِ‬
‫ولكن الشتغاله بالقضاء مل يثبت األحاديث اليت يرويها ؛ ولذلك وقع الغلط يف كثري من‬
‫األئمة كثرةَ خطئه مبقارنته برواية غريه ‪.‬‬
‫رواياته ‪ ,‬عرف ُ‬
‫الخبر المردود بسبب‬
‫غفلة الراوي‬
‫الصنف الرابع ‪ :‬أن يكون الطعن في الحديث بسبب غفلة الراوي ؛ لكونه ممن حيصلُ‬
‫سَن‬
‫وح ْ‬
‫عبادة اإلنسان ُ‬
‫وسهو وخطأ ‪ -‬ولو كان فقيهاً‪ ،‬ولو كان عابداً‪ -‬؛ فإن َ‬
‫ٌ‬ ‫عليه ٌ‬
‫تغفيل‬
‫ضابطا لألحاديث النبوية ‪ .‬وبعض أهل‬
‫ً‬ ‫أدائه للواجبات واملندوبات ال يلزم منه أن يكون‬
‫غلطه‬ ‫المنكَر‪ :‬هو ما رواه راوٍ قد ُ‬
‫فحش ُ‬ ‫العلم يسمي النوعني األخريين ‪ :‬مُنكَر ؛ ويقول ‪ُ :‬‬
‫المنكر عند الجمهور‬ ‫وجماهير أهل العلم‬ ‫‪ ،‬أو رواه راوٍ عُرف بغفلته ‪.‬‬
‫المنكَر ‪ :‬هو ُ‬
‫رواية الراوي الضعيف اليت خيالف هبا روايات الثقات ‪ ،‬فعندما يروي‬ ‫على أن ُ‬
‫بقية الثقات ؛ فإهنا تكون من قبيل المنكر ‪.‬‬
‫ضعيفة خيالف هبا َ‬
‫ً‬ ‫راوٍ ً‬
‫رواية‬
‫مثال المنكر عند‬
‫الجمهور‬
‫مثال ذلك ‪ :‬روى ابن أيب ليلى يف حديث أيب أيوب ‪ " :‬روى عن عبد اهلل بن يزيد ‪ ،‬عن‬
‫أبي أيوب ‪ ،‬أن النبي ‪ ‬صلى المغرب والعشاء بمزدلفة بإقامة "( ) ؛ هذه الرواية قد‬
‫‪84‬‬

‫بقية الرواة الذين رووا هذا احلديث ؛ فإهنم مل يتطرقوا فيه ال ٍ‬


‫ألذان‬ ‫ابن أيب ليلى َ‬
‫خالف فيها ُ‬
‫حينئذ هذا يكون من قبيل المنكَر؛ ألن الراوي الضعيف قد خالف رواية‬
‫وال إلقامة ‪ٍ ،‬‬
‫الثقات ‪ ،‬فإن الثقات رووا هذا احلديث ومل يذكروا فيه األذان وال اإلقامة ‪.‬‬
‫الخبر المردود بسبب‬
‫الصنف الخامس ‪ :‬أن يكون الحديث مطعوناً فيه ؛ بسبب فسقِ راويه ‪ -‬بأن يكون‬
‫فسق الراوي‬
‫فحينئذ يكون الراوي‬
‫ٍ‬ ‫شيء من املعاصي اليت تُِبعد عن وصف العدالة ‪،‬‬
‫الراوي َّممن أقدم على ٍ‬
‫غري مقبولة ‪.‬‬
‫مطعونا فيها َ‬
‫ً‬ ‫ضعيفا يف الرواية ‪ ،‬وتكون أحاديثُه‬
‫ً‬
‫الخبر المردود بسبب‬
‫الثقة قد‬ ‫وهمه " ‪ ،‬و املراد به ‪ :‬الغلط غري َّ‬
‫املتعمد ؛ فإن الراوي َ‬ ‫الصنف السادس ‪ " :‬أو ِ‬
‫وهم الراوي‬
‫رواية موهومةً ‪،‬‬
‫يُخطئ يف احلرف أو يف احلرفني ؛ فتكون حينئذ هذه الرواية اليت أخطأ فيها ً‬
‫مقبولة ‪. -‬‬
‫ً‬ ‫بقية رواياتِه‬
‫غري مقبولة‪ -‬وإن كانت ُ‬
‫مطعونا فيها ‪َ ،‬‬
‫ً‬

‫‪ ) 84‬رواه ابن أبي شيبة في مصنفه‪ :‬كتاب الحج‪ ،‬باب من قال ال يجزيه األذان بجمع وحده أو يؤذن أو يقيم‪ 3/264:‬برقم (‪ )14051‬عن ابن مسهر عن‬
‫ابن أبي ليلى عن عدي بن ثابت عن عبد اهلل بن يزيد عن أبي أيوب‪ ،‬والطبراني في المعجم الكبير‪ 4/123 :‬برقم (‪ ،)3871‬عن عبيد بن غنام عن أبي بكر‬
‫بن أبي شيبة به‪ ،‬قال الزيلعي‪ " :‬وحديث أبي أيوب األنصاري هذا رواه البخاري ومسلم ليس فيه ذكر اإلقامة‪ ،‬أخرجاه عن عبد اهلل بن يزيد الخطمي عن‬
‫أبي أيوب‪ " :‬أنه صلى مع النبي عليه السالم في حجة الوداع المغرب والعشاء بالمزدلفة" زاد البخاري‪" :‬جميعا" خرجه في المغازي" ‪ .‬انظر‪ :‬نصب الراية‬
‫ألحاديث الهداية‪. 3/69 :‬‬
‫مثال المردود بسبب‬
‫من أمثلته ‪ :‬ما رواه معمر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن ابن املسيب ‪ ،‬عن أيب هريرة ‪ -‬رضي اهلل‬
‫وهم الراوي‬
‫الدهن إذا وقعْت فيه فأرة ‪ " :‬إن‬
‫عنه‪ " :-‬أن النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ، -‬قال ‪ :‬عن ُّ‬
‫مائعا فال تقربوه "( ) ؛ فإنَّ كلمة ‪ ( :‬وإن‬
‫كان جامداً فألقوها وما حولها‪ ،‬وإن كان ً‬
‫‪85‬‬

‫مائعا فال تقربوه ) هذه رواها معمر يف العراق ‪ ،‬ومعمر عندما كان يف العراق مل‬
‫كان ً‬
‫يُحضِْر ُكتُبَه معه ‪ ،‬فوقعتْ له بعضُ األوهام يف رواياته اليت رواها يف العراق؛ ولذلك ملا‬
‫غريه هذا احلديث َّبينوا أنَّ ما يتعلق باملائع من كالم الزهري ‪ ،‬وليس مرفوعاً إىل النيب‬
‫روى ُ‬
‫كامال ‪ ،‬بينما اللفظة‬
‫ً‬ ‫وهم معمر يف رفع احلديث‬
‫فحينئذ قد ِ‬
‫ٍ‬ ‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬؛‬
‫األخرية مدرجةٌ يف احلديث وليستْ منه ‪ ،‬فهذا الوهم ال يطعن يف الراوي يف حال سالمته‬
‫من القرائن اليت َّدلتْ على أنه قد وهم يف روايته ‪ ،‬وال يطعن يف بقية مروياته ‪ ،‬وإمنا يطعن‬
‫يف الرواية اليت وقع فيها الوهم فقط ‪.‬‬

‫فالمعلَّل " ‪.‬‬


‫الطرق‪ُ :‬‬
‫اطِلع عليه بالقرائن وجمع ُّ‬
‫‪ ‬قوله ‪ -‬رحمه اهلل ‪ " :-‬ثم الوهم إن ُّ‬

‫قرائن لمعرفة الوهم‬


‫القرائن هي‪:‬‬

‫‪ -1‬أن ينسب إىل النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ٌ -‬‬


‫أقوال نتأكد أنه مل يقلها ‪.‬‬

‫‪ ) 85‬رواه أبو داود في كتاب األطعمة‪ ،‬باب في الفأرة تقع في السمن‪ 3/364 :‬برقم (‪ ،)3842‬والترمذي تعليقًا بعد حديث (‪ )1798‬في كتاب‬
‫األطعمة‪ ،‬باب ما جاء في الفأرة تموت في السمن‪ 4/256 :‬وقال‪ ":‬وهو َح ِد يٌث َغْيُر َمْح ُفوٍظ "‪ ،‬ثم نقل عن البخاري تخطئته لمعمر في روايته لهذا‬
‫الحديث‪ ،‬وأحمد في مسنده‪ ،2/265 :‬قال ابن حجر‪َ :‬و َأْص ُلُه في َص ِح يِح اْلُبَخ اِر ِّي َو َلْفُظُه‪ُ ":‬خ ُذ وَه ا وما َحْو َلَه ا َو ُك ُلوا َسْم َنُك ْم " ثم ذكر أن ممن خطأ‬
‫ِص‬
‫رواية معمر الرازَّيان والدراقطني‪ ،‬وأن الذهلي قال‪ :‬طريق معمر محفوظة وطريق مالك أشهر‪ ،‬ثم قال – أي ابن حجر ‪ " : -‬وقد َأْنَك َر َجَم اَعٌة فيه الَّتْف يَل‬
‫اْع ِتَم اًد ا على َعَد ِم ُوُر وِدِه في َطِر يِق َماِلٍك َو َمْن َتِبَعُه َلِكْن َذَك َر الَّداَر ُقْطِنُّي في اْلِعَلِل َأَّن يحيى اْلَق َّطاِن َرَو اُه عن َماِلٍك َو َكَذ ِلَك الَّنَس اِئُّي َرَو اُه من َطِر يِق عبد‬
‫الرحمن عن اِلٍك َقَّيًد ا ِباْل اِمِد َأَّنُه َأ َأْن َقَّو وما َل ا ى ِبِه َكَذ ا َذَك ُه اْل ِق من َطِر يِق َّج اِج بن ِم اٍل عن بن ُع َنَة َقَّيًد ا ِباْل اِمِد‬
‫َج‬ ‫َيْي ُم‬ ‫ْنَه‬ ‫َح‬ ‫َر َبْيَه ّي‬ ‫َج َو َمَر ُت َر َحْو َه َفُيْر َم َو‬ ‫َم ُم‬
‫َو َكَذ ِلَك َأْخ َر َج ُه ِإْسَح اُق بن َر اْه َو ْيِه في ُمْس َنِدِه عن بن ُعَيْيَنَة َو َو ِه َم من َغَّلَطُه فيه َو َنَس َبُه إَلى الَّتَغُّيِر في آِخ ِر ُعْم ِر ِه َفَقْد َتاَبَعُه أبو َد اُو د الَّطَياِلِس ُّي ِفيَم ا َرَو اُه في‬
‫ُمْس َنِدِه عن بن ُعَيْيَنَة َو َالَّلُه َأْعَلُم " انظر" التلخيص الحبير‪ ،3/4 :‬وقال عنه األلباني‪ :‬شاذ بهذا التفصيل بين المائع والجامد‪ ،‬وقد بين شذوذه عن رواية‬
‫البخاري عن ميمونة رضي اهلل عنها ‪ :‬أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم سئل عن الفأرة تقع في السمن ؟ فقال ‪ :‬انزعوها وما حولها فاطرحوه ‪ .‬وهذا‬
‫إسناده صحيح‪ .‬انظر‪ :‬السلسلة الضعيفة‪. 4/40:‬‬
‫مثل ‪ :‬ما ورد يف حديث‪ " :‬للعبد المملوك أجران‪ "..‬فإىل أن قال ‪ " :‬فلوال أمي‬
‫ورغبتي في الجهاد لتمنيت أن أكون مملوكا"( )‪ ,‬فإنَّ هذا ال ميكن أن يقوله النيب ‪-‬‬
‫‪86‬‬

‫صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬؛ ألن َّأمه قد ماتتْ وهو صغري ‪ ،‬دل ذلك على أن هذا القول ليس‬
‫من قول النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ، -‬فعند ما نتأمل يف احلديث جند يف بقية الروايات‬
‫هريرة‪)87(.‬‬ ‫مسنٌد أليب هريرة من قول أيب‬
‫أنه َ‬

‫‪ -2‬قوله ‪ " :‬وجمع الطرق " ‪ :‬يعين أننا قد نتعرف على وقوع األوهام يف األحاديث من‬
‫نتعرف‬
‫خالل مجع الطرق ‪ ،‬فعندما يأيت حديث ‪ ،‬فنجمع مجيع طرق احلديث ونقارن بينها َّ‬
‫على وجود الوهم يف احلديث‪.‬‬

‫ومن أمثلة ذلك ‪ :‬ما رواه سفيان يف قبض األصابع والتحريك هبا يف أثناء اجللوس ؛ فإنه‬
‫قال‪ " :‬جلس فحلَّق بأصابعه ثم سجد ثم جلس للتشهد "؛ فهذه الرواية يفهم منها أن‬
‫شرع بني السجدتني ‪ ،‬ولكن بقية الروايات يف احلديث كانت على‬
‫التحليق باألصابع يُ َ‬
‫فحلق بأصابعه ‪ ،‬أو أن يقولوا‪" :‬‬
‫يصرح الراوي فيها بأنه جلس للتشهد َّ‬
‫نََمطني‪ :‬إما أن ِّ‬
‫مطلقا ) فحلَّق بين أصابعه " ‪ ،‬واجللوس املطلق يف األحاديث يراد به ‪ :‬اجللوس‬
‫جلس ( ً‬
‫رواية سفيان هلذا احلديث من األوهام ‪ ،‬فهذا ال يطعن يف بقية‬
‫فحينئذ تكون ُ‬
‫ٍ‬ ‫للتشهد ‪،‬‬

‫‪ )186‬رواه البخاري في كتاب العتق‪ ،‬باب العبد إذا أحسن عبادة ربه ونصح سيده‪ 2/899 :‬برقم (‪ ،)2410‬ومسلم في كتاب األيمان‪ ،‬باب اِب اْل ِد‬
‫َعْب‬ ‫َثَو‬
‫َو َأْج ِر ِه إذا َنَصَح ِلَس ِّيِدِه َو َأْح َسَن ِع َباَد َة الَّلِه‪ 3/1284:‬برقم (‪ ،)1665‬عن أبي هريرة‪. .‬‬

‫‪ )287‬قال ابن حجر ‪ :‬قوله " والذي نفسي بيده لوال الجهاد في سبيل اهلل والحج وبر أمي ألحببت أن أموت وأنا مملوك" ظاهر هذا السياق رفع هذه‬
‫الجمل إلى آخرها وعلى ذلك جرى الخطابي فقال‪ :‬هلل أن يمتحن أنبياءه وأصفياءه بالرق كما امتحن يوسف اهـ‪ ،‬وجزم الداودي وابن بطال وغير واحد بأن‬
‫ذلك مدرج من قول أبي هريرة‪ ،‬ويدل عليه من حيث المعنى قوله "وبر أمي"؛ فإنه لم يكن للنبي حينئذ أم يبرها‪ ،‬ووجهه الكرماني فقال‪ :‬أراد بذلك تعليم‬
‫أمته‪ ،‬أو أورده على سبيل فرض حياتها‪ ،‬أو المراد أمه التي أرضعته اهـ‪ ،‬وفاته التنصيص على إدراج ذلك‪ ،‬فقد فصله اإلسماعيلي من طريق أخرى عن ابن‬
‫المبارك ولفظه " والذي نفس أبي هريرة بيده الخ‪ ،‬وكذلك أخرجه الحسين بن الحسن المروزي في كتاب البر والصلة عن ابن المبارك‪ ،‬وكذلك أخرجه‬
‫مسلم من طريق عبد اهلل بن وهب وأبي صفوان األموي‪ ،‬والمصنف في األدب المفرد من طريق سليمان بن بالل‪ ،‬واإلسماعيلي من طريق سعيد بن يحيى‬
‫اللخمي‪ ،‬وأبو عوانة من طريق عثمان بن عمر كلهم عن يونس‪ ،‬زاد مسلم في آخر طريق بن وهب قال‪- :‬يعني الزهري‪ -‬وبلغنا أن أبا هريرة لم يكن يحج‬
‫حتى ماتت أمه لصحبتها‪ .‬وألبي عوانة وأحمد من طريق سعيد عن أبيه عن أبي هريرة أنه كان يسمعه يقول‪ :‬لوال أمران ألحببت أن أكون عبدا وذلك أني‬
‫سمعت رسول اهلل يقول‪ :‬ما خلق اهلل عبدا يؤدي حق اهلل عليه وحق سيده إال وفاه اهلل أجره مرتين " فعرف بذلك أن الكالم المذكور من استنباط أبي‬
‫هريرة ثم استدل له بالمرفوع " ‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري ‪. 5/176 :‬‬
‫روايات سفيان ‪ ،‬من أين عرفنا وقوع الوهم هنا ؟ من خالل مقارنة رواية سفيان برواية‬
‫المعلل" و إن كان‬
‫ومساه املؤلف ‪َّ " :‬‬
‫غريه ‪ ،‬فهذا احلديث فيه علة ‪ ،‬هذا حديث معلول ‪َّ ،‬‬
‫املعلل عندهم ما له سبب وعلة وحكمة ؛‬
‫أهل األصول ال يلفظون هبذه التسمية ؛ ألن َّ‬
‫ولذلك يطلق على ألفاظهم ‪ :‬املعلول ‪ ،‬و بعضهم يقول‪ :‬املُعَلّ‪ ،‬ولعل هذا من جهة اللغة (‬
‫املُعَّل ) أظهر وأصوب‪.‬‬
‫الخبر المردود بسبب‬
‫مخالفة الراوي للثقات‬
‫‪ ‬قوله ‪ -‬رحمه اهلل ‪ " :-‬ثَّم الُم خاَلفُة إن كانت بتغيير السياق‪ :‬فُم ْد رُج المتن ‪ ،‬أو‬
‫بتقديم أو تأخير ‪ :‬فالَم ْق لوب ‪ ،‬أو بزيادة راٍو ‪ :‬فالمزيد في ُمَّتصل األسانيد‪ ،‬أو بإبداله‬
‫وال مرِّج ح‪ :‬فالمضطِر ب ‪ ،‬وقد يقع اإلبدال عمدًا امتحانًا ‪ ،‬أو بتغيير حروف مع بقاء‬
‫السياق‪ :‬فالمصَّح ف والمحَّر ف "‪.‬‬

‫السبب السابع من أسباب الطعن في الحديث ‪ :‬المخالفة ؛ بأن خيالف الراوي َ‬


‫رواية‬
‫احلديث‪.‬‬

‫أنواع مخالفة‬
‫الراوي للثقات‬ ‫والمخالفة تقع على أنواع ‪:‬‬

‫مدرج اإلسناد‬ ‫إسناد آخر‪.‬‬


‫إسنادا يف ٍ‬
‫ً‬ ‫النوع األول ‪ :‬اإلدراج في اإلسناد ؛ حبيث يُدخل‬
‫مثال مدرج اإلسناد‬ ‫ومن أمثلته ‪ :‬أن يروي اإلنسان حديثني بإسنادين خمتلفني يف واقعة واحدة ‪ ،‬فيقوم بإدخال‬
‫متداخال ‪ ،‬مع أن املتنني‬
‫ً‬ ‫متنا واحداً‬
‫إسنادا واحدا ‪ ،‬وجعل املنت ً‬
‫ً‬ ‫اإلسنادين ‪ ،‬وجعلهما‬
‫فمدرج‬ ‫بينهما يف األصل فروق ‪.‬‬
‫حكم مدرج اإلسناد‬ ‫اإلسناد إن ّبينه الراوي ‪ ،‬وأوضح أنه مدرج ‪ ،‬وكان ُ‬
‫مجيع رواته من الثقات املقبولني ؛ فإنه‬
‫يقبل ويعمل به ‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك ‪ :‬حديث اإلفك ( ) ؛ فإنّ الزهري رواه عن مجاعة من الرواة ‪ ،‬وقال ‪" :‬‬ ‫‪88‬‬

‫تداخل حديث بعضهم في بعض " ‪ ،‬فهنا أدرج اإلسناد ‪ ،‬ولكن ملا كان موضّحاً له وكان‬
‫وأما إن كان‬
‫َّ‬ ‫حينئذ ال يقدح يف اخلرب ‪.‬‬
‫مجيع رواة اإلسنادين من املقبولني الثقات ؛ فإنه ٍ‬
‫يف أحد اإلسنادين َم ن هو مطعونٌ فيه ؛ فإنه حينئذ ال يقبل املدرج يف اإلسناد‪ ،‬مدرج‬
‫اإلسناد نوٌع من أنواع املدرجات ‪ ،‬ومن أنواع ما حتصل به املخالفة بتغيري السياق ‪.‬‬

‫ج المتن ؛ بأنُيدخل ً‬
‫لفظا يف أثناء احلديث إما يف أوله ‪ ،‬أو وسطه ‪،‬‬ ‫النوع الثاني ‪ :‬مُدَْر ُ‬
‫مدرج المتن‬
‫أو آخره ‪.‬‬
‫مثال لمدرج المتن في‬
‫يتحنث‬
‫مثال ذلك ‪ :‬ورد يف أوائل البخاري ‪ :‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬كان َّ‬
‫وسطه‬
‫التحنث التعبد‬
‫التعبد "( ) ‪ ،‬وقوله ‪ّ " :‬‬
‫والتحنث ّ‬
‫ّ‬ ‫في غار حراء الليالي ذوات العدد ‪،‬‬
‫‪89‬‬

‫" ‪ ،‬هذا إدراج من الزهري ‪ ،‬أراد شرح احلديث ‪ ،‬فدخل يف أثناء احلديث ‪ ،‬هذا يف وسط‬
‫املنت ‪.‬‬

‫مثال لمدرج المتن في‬ ‫وقد يكون يف أول منت احلديث ‪ ،‬من أمثلته ‪ :‬أن أبا هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬روى أن‬
‫أوله‬
‫النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم – قال‪ " :‬ويل لألعقاب من النار"( )‪ ،‬مث بعد ذلك أدرج يف‬
‫‪90‬‬

‫أسبغُوا الوضوء ‪ ،‬ويل لألعقاب من النار"( ) ‪.‬‬


‫‪91‬‬
‫أوله ‪ ،‬فقال‪ِ " :‬‬

‫‪ ) 88‬رواه البخاري في كتاب المغازي‪ ،‬باب حديث اإلفك‪ 4/1517 :‬برقم (‪ ،)3910‬ومسلم في كتاب التوبة‪ ،‬باب في حديث اإلفك وقبول توبة‬
‫القاذف‪ 4/2129:‬برقم (‪ ،)2770‬عن عائشة رضي اهلل عنها ‪.‬‬

‫‪ ) 89‬رواه البخاري في باب بدء الوحي ‪ 1/4 :‬برقم (‪ ،)3‬عن عائشة رضي اهلل عنها ‪.‬‬

‫‪ ) 90‬رواه البخاري في كتاب الوضوء‪ ،‬باب غسل األعقاب‪ 1/73 :‬برقم (‪ ،)163‬ومسلم في كتاب الطهارة‪ ،‬باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما‪:‬‬
‫‪ 1/214‬برقم (‪ ،)242‬عن أبي هريرة رضي اهلل عنه ‪.‬‬

‫‪ ) 91‬رواه الخطيب بإسناده في الفصل للوصل المدرج في النقل‪ 159-1/158 :‬برقم (‪ ،)8‬عن أبي هريرة رضي اهلل عنه‪ ،‬وقال عقب إخراجه من روايتي‬
‫أبي قطن وشبابة ‪ ( :‬وهم أبو قطن عمرو بن الهيثم القطعي وشبابة بن سوار الفزاري في روايتهما هذا الحديث عن شعبة على ما سقناه ؛ وذلك أن قوله‪:‬‬
‫"أسبغوا الوضوء " كالم أبي هريرة وقوله‪" :‬ويل لألعقاب من النار " كالم النبي ‪ ، ‬وقد رواه داود الطيالسي ووهب بن جرير بن حازم وآدم بن أبي إياس‬
‫وعاصم بن علي وعلي بن الجعد ومحمد بن جعفر غندر وهيثم بن بشير ويزيد زريع والنضر بن شميل ووكيع بن الجراح وعيسى بن يونس ومعاذ بن معاذ‬
‫كلهم عن شعبة‪ ،‬وجعلوا الكالم األول من قول أبي هريرة‪ ،‬والكالم الثاني مرفوعا ) ‪ .‬ينظر‪ :‬الفصل‪. 160-1/159:‬‬
‫‪ ،‬مثال لمدرج المتن في آخر‬ ‫أيضا يف حديث ‪ " :‬إن أمتي ُيدعون يوم القيامة ُغّر ًا ُمحَّج لين من آثار الوضوء‬
‫ومثله ً‬
‫ه‬
‫فمن استطاع منكم أن ُيطيل فليفعل "( ) ‪ ،‬و من هنا كان أبو هريرة يسبغ يف العضُدين‬ ‫‪92‬‬

‫ويف الساقني ؛ وذلك ألنه قد تكلم هبذا اللفظ من قوله ‪ ،‬فأصل احلديث أن النيب ‪ ‬قال ‪" :‬‬
‫إّن أمتي ُيدعون يوم القيامة ُغّر ًا ُمحَّج لين من آثار الوضوء " ‪ ،‬مث زاد بعد ذلك ‪ " :‬فمن‬
‫استطاع منكم أن يطيل فليفعل"( ) ‪ ،‬فهذه زيادة ‪ ،‬فهي مذهب أيب هريرة ‪ ،‬فهي مدرجة‬ ‫‪93‬‬

‫يف آخر منت احلديث ‪.‬‬

‫المقلوب‬ ‫لفظا ويؤخر آخر ‪ ،‬و‬ ‫النوع الثالث من أنواع المخالفة ‪ :‬التقديم و التأخير ؛ حبيث ِّ‬
‫يقدم ً‬
‫جيعل أحدمها مكان اآلخر ؛ فهذا يسمى المقلوب ‪.‬‬
‫أنواع القلب‬

‫مقلوب السند ومثاله‬


‫وقد يكون القلب في اإلسناد ‪.‬‬

‫مثال ذلك ‪ :‬بعض الناس يروي عن كعب بن مُرَّة ‪ ،‬فقال بعض الرواة ‪ " :‬مُرَُّة ابن كعب"‬
‫وأخر ؛ فيقال له ‪ :‬مقلوب اإلسناد ‪.‬‬
‫قدم َّ‬
‫؛ فهنا قلب يف إسناد احلديث ‪َّ ،‬‬

‫مقلوب المتن ومثاله‬


‫وقد يكون القلب في المتن ‪:‬‬

‫مثال ذلك ‪ :‬حديث أيب هريرة يف السبعة الذين يظلهم اهلل يف ظله يوم ال ِظَّل إال ُّ‬
‫ظله قال‬
‫فق حتى ال تَعَْلم شمالُه ما تُنفِق يمينه "( ) ‪ ،‬بعض الرواة روى احلديث ‪،‬‬
‫‪94‬‬
‫ورجل أَنْ َ‬
‫ٌ‬ ‫‪":‬‬
‫‪ ) 92‬رواه البخاري في كتاب الوضوء‪َ ،‬باب َفْض ِل اْلُو ُضوِء َو اْلُغُّر اْلُمَح َّج ُلوَن من آَثاِر اْلُو ُضوِء ‪ 1/63 :‬برقم (‪ ،)136‬ومسلم في كتاب الطهارة‪َ ،‬باب‬

‫اْس ِتْحَباِب ِإَطاَلِة اْلُغَّر ِة َو الَّتْح ِج يِل في اْلُو ُضوِء ‪ 1/216:‬برقم (‪ ،)246‬عن أبي هريرة رضي اهلل عنه‪.‬‬

‫‪ ) 93‬قال ابن حجر ‪ " :‬ثم إن ظاهره أنه بقية الحديث؛ لكن رواه أحمد من طريق فليح عن نعيم‪ ،‬وفي آخره قال نعيم‪ ":‬ال أدري قوله‪ ":‬من استطاع الخ من‬
‫قول النبي أو من قول أبي هريرة" ‪ ،‬ولم أر هذه الجملة في رواية أحد ممن روى هذا الحديث من الصحابة ‪-‬وهم عشرة ‪ ،-‬وال ممن رواه عن أبي هريرة‬
‫غير رواية نعيم هذه‪ .‬واهلل أعلم‪ " .‬انظر‪ :‬فتح الباري‪. 1/236:‬‬
‫قلت ‪ :‬وهو في مسند أحمد ‪ 2/263‬برقم (‪ )8726‬من رواية ليث عن كعب عن أبي هريرة‪ -‬وفيه هذه الزيادة ‪.‬‬

‫‪ ) 94‬رواه البخاري في كتاب الزكاة‪ ،‬باب الصدقة باليمين‪ 2/517 :‬برقم (‪ ،)1357‬عن أبي هريرة رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫فقال‪ " :‬ال تعلم يمينه ما تنفق شماله "( ) ‪ ،‬فهنا قلب اللفظني ( يمين وشمال )( ) ‪،‬‬
‫‪96‬‬ ‫‪95‬‬

‫فهذا يقال له ‪ :‬مقلوب المتن ‪.‬‬

‫المزيد في متصل‬ ‫النوع الرابع من أنواع المخالفة ‪ :‬زيادة الراوي ‪.‬‬


‫األسانيد‬
‫مثال ذلك ‪ :‬أن جند ً‬
‫حديثا رواه الشافعي ‪ ،‬عن مالك ‪ ،‬عن القاسم ابن حممد ‪ ،‬عن عروة‬
‫مرويا بواسطة القاسم ابن حممد ‪ ،‬عن عائشة‬
‫حديثا آخر ً‬
‫ابن الزبري‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬وجند ً‬
‫مباشرة بدون ذكر عروة ابن الزبري ‪.‬‬
‫ً‬

‫أحد اإلسنادين فيه راوٍ بني‬


‫سواء إال أنَّ َ‬
‫واحد له إسنادان ‪ ،‬رجال الإسنادين ٌ‬
‫فهنا حديث ٌ‬
‫صل ‪.‬‬
‫راويني مل يذكر يف اإلسناد اآلخر ؛ فهذا يسمى ‪ :‬المزيد المتَّ ِ‬
‫اإلسناد الثاين عندنا فيه القاسم يروي عن عائشة ‪ ،‬فهو ظاهر االتصال ‪ ،‬فوجدنا ً‬
‫حديثا‬
‫آخر ‪ (:‬القاسم عن عروة عن عائشة ) ؛ فيقال له ‪ :‬هذا مَزِيد ‪ ،‬زاد راويًا‪ -‬وهو عروة ‪-‬‬
‫يف متصل األسانيد ؛ ألنه قبل أن يوضع فيه عروة كان متصالً ؛ ألن القاسم يروي عن‬
‫عائشة ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪. -‬‬
‫‪ ) 95‬رواه مسلم في كتاب الزكاة‪ ،‬باب فضل إخفاء الصدقة‪ 2/715 :‬برقم (‪ ،)1031‬عن أبي هريرة رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫الُم ْض َطِرب‬
‫‪ ) 96‬قال ابن حجر ‪ " :‬قوله (شماله ما تنفق يمينه) هكذا وقع في معظم الروايات في هذا الحديث في البخاري وغيره‪ ،‬ووقع في صحيح مسلم مقلوبا‬
‫(حتى ال تعلم يمينه ما تنفق شماله) ‪ ...‬قال عياض‪ :‬هكذا في جميع النسخ التي وصلت إلينا من صحيح مسلم‪ ،‬وهو مقلوب‪ ،‬والصواب األول‪ ،‬وهو وجه‬
‫الكالم؛ ألن السنة المعهودة في الصدقة إعطاؤها باليمين‪ ،‬وقد ترجم عليه البخاري في الزكاة باب الصدقة باليمين‪ ،‬قال‪ :‬ويشبه أن يكون الوهم فيه ممن‬
‫دون مسلم؛ بدليل قوله في رواية مالك لما أوردها عقب رواية عبيد اهلل بن عمر فقال‪ :‬بمثل حديث عبيد اهلل‪ ،‬فلو كانت بينهما مخالفة لبينها كما نبه على‬
‫الزيادة في قوله‪ ( :‬ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه) انتهى ‪ .‬وليس الوهم فيه ممن دون مسلم وال منه؛ بل هو من شيخه أو من شيخ‬
‫شيخه يحيى القطان؛ فإن مسلما أخرجه عن زهير بن حرب وبن نمير كالهما عن يحيى‪ ،‬وأشعر سياقه بان اللفظ لزهير‪ ،‬وكذا أخرجه أبو يعلى في مسنده‬
‫عن زهير‪ ،‬وأخرجه الجوزقى في مستخرجه عن أبي حامد بن الشرقي عن عبد الرحمن بن بشر بن الحكم عن يحيى القطان كذلك‪ ،‬وعقبه بأن قال‪ :‬سمعت‬
‫أبا حامد بن الشرقي يقول‪ :‬يحيى القطان عندنا واهم في هذا‪ ،‬إنما هو (حتى ال تعلم شماله ما تنفق يمينه)‪ ،‬قلت‪ :‬والجزم بكون يحيى هو الواهم فيه نظر؛‬
‫ألن اإلمام أحمد قد رواه عنه على الصواب‪ ،‬وكذلك أخرجه البخاري هنا عن محمد بن بشار‪ ،‬وفي الزكاة عن مسدد‪ ،‬وكذا أخرجه اإلسماعيلي من طريق‬
‫يعقوب الدورقي وحفص بن عمر وكلهم عن يحيى‪ ،‬وكأن أبا حامد لما رأى عبد الرحمن قد تابع زهيرا ترجح عنده أن الوهم من يحيى‪ ،‬وهو محتمل بأن‬
‫يكون منه لما حدث به هذين خاصة مع احتمال أن يكون الوهم منهما تواردا عليه‪ ،‬وقد تكلف بعض المتأخرين توجيه هذه الرواية المقلوبة وليس بجيد؛‬
‫المخرج متحد‪ ،‬ولم يختلف فيه على عبيد اهلل بن عمر شيخ يحيى فيه وال على شيخه خبيب وال على مالك رفيق عبيد اهلل بن عمر فيه‪ ،‬وأما استدالل‬
‫ألن َ‬
‫عياض على أن الوهم فيه ممن دون مسلم بقوله في رواية مالك مثل عبيد اهلل فقد عكسه غيره فواخذ مسلما بقوله مثل عبيد اهلل؛ لكونهما ليستا‬
‫متساويتين‪ ،‬والذي يظهر أن مسلما ال يقصر لفظ المثل على المساوى في جميع اللفظ والترتيب؛ بل هو في المعظم إذا تساويا في المعنى‪ ،‬والمعنى‬
‫المقصود من هذا الموضع إنما هو اخفاء الصدقة‪ .‬واهلل أعلم‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري‪. 2/146 :‬‬
‫النوع الخامس من أنواع المخالفة ‪ :‬المضطِر ب ‪.‬‬

‫‪ ‬قوله ‪ -‬رحمه اهلل ‪ " :-‬أو بإبداله وال مرِّج ح ‪ :‬فالمضطِر ب " ‪ :‬يعين من أنواع‬
‫بإسناد معيَّن ‪ ،‬فأقوم أنا وأروي ذلك احلديث عن شيوخ‬
‫ٍ‬ ‫املخالفة‪ :‬أن يروي مجاعةٌ ً‬
‫حديثا‬
‫أولئك األشخاص بنفس اإلسناد ‪ ،‬لكن أحد الرواة أبدله براوٍ آخر ‪.‬‬
‫مثال الُم ْض َطِرب‬
‫مثال ذلك ‪ :‬أن يروي راوٍ عن مالك ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ ،‬فيأيت آخر ويروي‬
‫فحينئذ روي احلديث مرةً‬
‫ٍ‬ ‫احلديث عن مالك ‪ ،‬عن سامل ابن عبد اهلل ابن عمر ‪ ،‬عن أبيه ‪،‬‬
‫إذاً‬ ‫عن سامل ‪ ،‬ومرةً رواه عن نافع ؛ فيقال له ‪ :‬المضطرِب ‪.‬‬
‫واحد ‪ ،‬لكن يف كل رواية تبديلٌ يف أحد الرواة‬
‫بإسناد ٍ‬
‫ٍ‬ ‫المضطرِب ‪ :‬احلديث الذي يُروى‬
‫يف أثناء اإلسناد ؛ فهذا يسمى ‪ :‬المضطرِب ‪.‬‬

‫‪ ‬قوله ‪ " :‬أو بإبداله والمرِّج ح " ‪ :‬يعين عندنا مرةً قال‪ :‬سامل ‪ ،‬ومرةً قال ‪ :‬ابن عمر ‪.‬‬
‫املقدم ‪ ،‬وهو املعمول به ‪،‬‬ ‫" وال مرجِّح " ‪ :‬يعين إذا ترجح ُ‬
‫أحد الطريقني فإنه يكون هو َّ‬
‫حينئذ نتوقف ‪.‬‬
‫فإننا ٍ‬
‫لكن إذا مل ميكن الرتجيح ّ‬

‫‪ ‬قوله ‪ " :‬وقد يقع اإلبدال عمدًا امتحانًا " ‪ :‬يعين أن إبدال الرواة يقع على نوعني ‪ :‬مرةً‬
‫يتعمد ويقصد تغيري اإلسناد من أجل االختبار ‪ ،‬اختبار حامل العلم ‪ :‬هل حيفظ األحاديث‬
‫بأسانيدها أو ال حيفظ ؟ ‪ ،‬ويذكِّرين هذا مبا وقع لإلمام البخاري عندما ورد إىل بغداد ؛ فإن‬
‫ويصد وجوه الناس عنكم فامتحنوه ؛ لرتوا‬
‫ُّ‬ ‫يقدم عليكم ‪،‬‬
‫أهل بغداد قالوا ‪ :‬إنَّ هذا الرجل ُ‬
‫واحد‬
‫فلما حضر للجامع ‪ -‬والناس حوله جمتمعون‪ -‬سأله ٌ‬
‫علم أو ال ؟ قالوا ‪َّ :‬‬
‫‪ :‬هل لديه ٌ‬
‫تعهدوا على اختبار اإلمام البخاري ‪ ،‬فقال ‪ :‬فأورد عليه ً‬
‫حديثا‬ ‫من أولئك النفر الذين َّ‬
‫ومنت عن سفيان ابن سعيد ‪ ،‬عن خالد ‪ ،‬عن حممد ‪ ،‬عن سعد ‪ ،‬أن النيب ‪ ‬قال‪:‬‬
‫بإسناد ٍ‬
‫ٍ‬
‫مبنت‬
‫كذا ‪ ،‬و يأيت باحلديث بلفظه ‪ ،‬مث سأله سائلٌ آخر عشرةَ أحاديث ؛ حبيث يأيت له ٍ‬
‫فكلما سُئل اإلمام البخاري عن أحد هذه األحاديث ‪ ،‬قال‪ :‬ال‬
‫وإسناد ملَّفق ‪ّ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫معروف‬
‫أعرفه ‪ ،‬فلما أقبل األول بعشرة أحاديث ‪ ،‬جاء الثاين وأورد عليه عشرةَ أحاديث أخرى‬
‫منت آخر‪ ،‬فسأله عن عشرة أحاديث ‪ ،‬يقول له يف‬
‫إسناد ٍ‬
‫مقلوبة األسانيد ‪ ،‬متنًا مركبًا عليه ُ‬
‫َ‬
‫كل واحد منها‪ :‬ال أعرف ‪ ،‬حىت أكملوا املائة ‪ ،‬فالناس الذين ال يعرفون حقيقة األمر ‪،‬‬
‫احملدث يف احلديث ؛ حيث ال يعرف هذه األحاديث‬
‫دليل على ضعف هذا ِّ‬
‫قالوا‪ :‬بأنَّ هذا ٌ‬
‫مائة حديث ؛ قال اإلمام البخاري بعد أن اْلتَف َت إىل‬
‫اشتهرت متونُها ‪ ،‬فلما أكملوا َ‬
‫ْ‬ ‫اليت‬
‫الرجل األول ‪َّ :‬أما احلديث الذي حَّد ْثتنيه عن فالن عن فالن عن فالن أن النيب ‪ ‬قال ‪:‬‬
‫كذا ؛ فإين أرويه عن فالن ‪ ،‬وأورد إسناده هو بنفس ذلك املنت ‪ ،‬وهكذا يف بقية املائة ‪،‬‬
‫فعجبوا من حفظه لألسانيد اخلاطئة من جلسةٍ واحدة ‪ ،‬مع أنه كان جيزم خبطئها ‪ ،‬ومل‬
‫يستغربوا من كونه أورد األحاديث على وجهها ؛ ألنه كان حيفظها قبل ذلك ‪ ،‬فهذا إبدالٌ‬
‫تعمد ‪ ،‬وإمنا خبطأ وسهو ‪.‬‬
‫تعمداً ‪ ،‬وقد يكون بدون ّ‬
‫يف الرواة على جهة االختبار ّ‬

‫الُم صَّح ف‬ ‫النوع السادس من أنواع المخالفة ‪ :‬تغيري بعض األلفاظ مع بقاء سياق احلديث ‪ .‬فعند‬
‫والمحَّرف‬
‫حديثا من األحاديث بسياقه الذي روي له ‪ ،‬لكنه خيطئ يف بعض‬
‫ما يأتينا راوٍ ‪ ،‬فريوي ً‬
‫فا أو‬
‫صح ً‬
‫فحينئذ يكون من أنواع املخالفة ‪ ،‬فيكون َّإما مُ َّ‬
‫ٍ‬ ‫األلفاظ الواردة يف احلديث ؛‬
‫حرفًا ‪.‬‬
‫مُ َّ‬
‫تعريف الُم حّرف‬
‫بالمحرف ‪ :‬الذي اختلفت َ‬
‫طريقُة النُّطق فيه بتغيري حركاته ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫والمراد‬

‫تعريف‬ ‫حبرف آخر شبيه له يف الكتابة والرسم ‪.‬‬


‫ٍ‬ ‫ٌ‬
‫حرف‬ ‫صحف ‪ :‬هو الذي يُبدل فيه‬
‫والم َّ‬
‫ُ‬
‫الُم صَّح ف‬
‫مثال المحّرف‬ ‫س فِطن " ‪,‬‬
‫مثال المحَّر ف ‪ :‬ورد يف احلديث املروي ‪ :‬أن النيب ‪ ‬قال‪ " :‬المؤمن كِْي ٌ‬
‫كيس‬
‫هذا اللفظ قد أخطأ فيه الراوي ؛ ألن احلديث يف األصل ورد بلفظ ‪ " :‬المؤمن ِّ‬
‫فطن "( )‪ ،‬فأبدل كِّيس إىل ِكيْس‪ ،‬هذا تصحيف أو حتريف ؟ هذا تحريف ؛ ألنه يف‬
‫ِ‬ ‫‪97‬‬

‫احلركات‪.‬‬

‫عدهلا لتكون ( َقِطن ) فهذا تصحيف أو حتريف ؟ تصحيف ؛ ألنه يف النقط ‪.‬‬
‫و( َفِطن ) ِّ‬
‫مثال الُم صَّح ف‬

‫بالنقص والمرادِف إال‬


‫تعمدُ تغييرِ المتن َّ‬
‫‪ ‬قال الحافظ ‪ -‬رحمه اهلل ‪ " :-‬وال يجوز ّ‬
‫لعاِلٍم بما ُيحيل المعاني " ‪.‬‬

‫بألفاظ أخرى ‪ :‬إما باإلنقاص منها ‪ ،‬أو بعدم‬


‫ٍ‬ ‫أي ‪ :‬ال جيوز تغيري املنت بإبدال ألفاظِ املنت‬
‫مبرادف لذلك اللفظ ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫اإلنقاص واإلتيان‬
‫فعندنا مسألتان هنا ‪:‬‬
‫حكم اختصارالحديث‬
‫حديثا فال‬ ‫المسألة األولى ‪ :‬هل جيوز أن نُنْ َ‬
‫قص من ألفاظ احلديث النبوي ‪ ,‬أو إذا أوردنا ً‬
‫نقول ‪:‬‬ ‫كامال ؟‬
‫ً‬ ‫بُد أن نورده‬
‫هذه المسألة فيها تفصيل ؛ إذ لها حاالت ‪:‬‬

‫فحينئذ ال جيوز اإلنقاص ‪ ،‬مثل ‪:‬‬


‫ٍ‬ ‫الحالة األولى ‪ :‬أن يكون اإلنقاص مؤثِّراً على املعىن ؛‬
‫مثال‬ ‫حذف اخلرب ‪ ،‬أو حذف االستثناء ‪.‬‬
‫الثْنيا‬
‫( ُّ‬ ‫هذا ‪ :‬جاء يف حديث جابر أن النيب ‪ " : ‬نهى عن الثنيا إال أن تُعلَم "( ) ‪،‬‬
‫‪98‬‬

‫‪ ) 97‬رواه القضاعي في مسنده‪ ، 1/107 :‬والديلمي في مسند الفردوس ‪ 4/175 :‬برقم (‪ ،)6544‬عن أنس رضي اهلل عنه‪ ،‬وضعف إسناده الحافظ ابن‬
‫حجر‪ .‬فتح الباري‪ ، 10/530:‬وقال المناوي‪ :‬قال العامري‪ :‬حسن غريب‪ ،‬وليس فيما زعمه بمصيب؛ بل فيه أبو داود النخعي كذاب‪ ،‬قال في الميزان‪:‬‬
‫عن يحيى‪ :‬كان أكذب الناس‪ ،‬ثم سرد له عدة أخبار‪ ،‬هذا منها‪ ،‬قال ابن عدي‪ :‬أجمعوا على أنه كان وضاعا‪ .‬انظر‪ :‬فيض القدير شرح الجامع الصغير‪:‬‬

‫‪ ، 6/257‬وقال عنه األلباني ‪ :‬موضوع‪ .‬انظر‪ :‬السلسلة الضعيفة‪. 2/182 :‬‬

‫‪ ) 98‬رواه مسلم في كتاب البيوع‪ ،‬باب النهي عن المحاقلة َو اْلُمَز اَبَنِة َو َعْن اْلُم َخ اَبَر ِة َو َبْيِع الَّثَمَر ِة قبل ُبُد ِّو َص اَل ِح َه ا َو َعْن َبْيِع اْلُمَعاَو َمِة وهو َبْيُع الِّس ِنيَن ‪:‬‬
‫‪ 3/1174‬برقم (‪ ،)1536‬عن جابر رضي اهلل عنه بدون ( إال أن تعلم )‪ ،‬وهذه الزيادة رواها أبوداود في كتاب البيوع‪ ،‬باب في المخابره‪ 3/262 :‬برقم‬
‫(‪ ،)3405‬والترمذي في كتاب البيوع‪ ،‬باب ما جاء في النهي عن الثنيا‪ 3/585 :‬برقم (‪ ،)1290‬والنسائي في كتاب البيوع‪ ،‬باب النهي عن بيع الثنيا‬
‫حتى تعلم‪ 4/44 :‬برقم (‪ ،)6229‬وصحح إسنادها الحافظ ابن حجر‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري‪ ، 5/315 :‬واأللباني في صحيح أبي داود‪.2/653 :‬‬
‫) يعين االستثناء يف البيع ‪ ،‬فلو جاءنا راوٍ وقال ‪ :‬أنا أريد أن أختصر هذا احلديث ‪ ،‬فروى (‬
‫فحينئذ هذا ال جيوز باالتفاق باإلمجاع ؛‬
‫ٍ‬ ‫الثنيا ) فقط ‪ ،‬وحذف ( إال أن تُعلَم ) ‪،‬‬
‫نهى عن ُّ‬
‫ألنه يُِّغير املعىن ‪.‬‬

‫كالما تاماً مستقالً بنفسه ‪.‬‬


‫ً‬ ‫الحالة الثانية ‪ :‬أن يكون الباقي‬
‫من أمثلة هذا‪ :‬حديث ‪َّ " :‬إنما األعمال بالنيات ‪ ،‬وإنما لكل امرئ ما نوى "( ) ‪ ،‬فهنا‬
‫‪99‬‬

‫فحينئذ‬
‫ٍ‬ ‫لو جاءنا راوٍ فروى اللفظ األول ‪ " :‬إنما األعمال بالنيات " ‪ ،‬وحذف األخري ‪،‬‬
‫عارفا بعدم عالقة‬
‫عاملا باملعاين اللغوية ‪ً ،‬‬
‫جائز ؛ بشرط أن يكون احلاذف ً‬
‫هذا احلذف ٌ‬
‫اجلملتني بعضهما ببعض ‪َّ ,‬أما إن كان جاهالً ؛ فإنه ال حيق له اإلنقاص ؛ ألنه قد حيذف‬
‫بعض األلفاظ ويتعلق هبا املعىن ‪.‬‬

‫اإلمام‬
‫ُ‬ ‫تقسيمها ووضعها يف مواطن خمتلفة ‪:‬‬
‫تقطيع األحاديث و ُ‬
‫ُ‬ ‫ومن أشهر مَن عُِرف عنه‬
‫أجزاء يف كل باب مبا يناسب‬
‫ويورد منها ً‬ ‫البخاري في الصحيح ؛ فإنه يُ ِّ‬
‫قطع األحاديث ‪ُ ،‬‬
‫صنف " ؛ فإنه‬
‫الم َّ‬
‫أيضا ‪ :‬اإلمام أبو بكر بن أبي شيبة صاحب " ُ‬
‫تلك األبواب ‪ ،‬ومثله ً‬
‫قطع األحاديث حبسب األبواب اليت تورد فيها ‪.‬‬
‫يُ ِّ‬

‫‪ ‬قوله ‪ -‬رحمه اهلل ‪ " : -‬والمرادِف " ‪ :‬يعين هل جيوز أن أُ ّ‬


‫عدل ألفاظ احلديث النبوي‬
‫حكم رواية الحديث‬ ‫مرادفاهتا أو ال جيوز ذلك ؟‬
‫إىل ِ‬
‫بالمعنى‬
‫فنقول ‪ :‬هذه المسألة لها أحوال ‪:‬‬

‫حينئذ ال يصح أن‬


‫داللة أخرى ٍ‬ ‫الحالة األولى ‪ :‬أنه مىت كان ِ‬
‫املرادف أقوى يف املعىن ‪ ،‬أو له ٌ‬
‫مبرادفه ‪ ،‬ونرتك اللفظ األصلي ؛ وذلك ألن الرواية باملعىن ال جتوز إال عند‬
‫نروي احلديث ِ‬
‫املساواة بني املعنيني ‪ ,‬فإذا اختلف املعنيان مل تصح الرواية ‪.‬‬

‫) رواه البخاري في باب َك ْيَف كان َبْد ُء اْلَو ْح ِي إلى رسول الَّلِه ‪ 1/3 :‬برقم (‪ ،)1‬ومسلم في كتاب اإلمارة‪َ ،‬باب َقْو ِلِه‪ ":‬إنما اَأْلْع َم اُل ِبالِّنَّيِة " َو َأَّنُه‬
‫‪99‬‬

‫َيْدُخ ُل فيه اْلَغْز ُو َو َغْيُر ُه من اَأْلْع َم اِل ‪ 3/1515 :‬برقم (‪ ،)1907‬عن عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫فحينئذ ال جيوز أن نروي‬
‫ٍ‬ ‫الحالة الثانية ‪ :‬ما كان من األحاديث النبوية متعبَّداً بألفاظه ؛‬
‫باملعىن ‪.‬‬

‫ومثال ذلك ‪ :‬أذكار الصلوات واألذان واإلقامة ؛ هل جيوز لنا أن نرويها بالمعىن ؟ مثل‪:‬‬
‫َبَد َل أن أقول ‪ ( :‬اهلل أكبر ) أقول ‪ ( :‬اهلل األعظم ) ‪ ,‬ال جيوز إبداهلا باملعىن ‪ ،‬ملاذا ؟‬
‫ألن اللفظ متعبَّد بذلك ‪.‬‬

‫الحالة الثالثة ‪ :‬الرواية لألحاديث باملعىن من غري العامل بدالالت اللغة ؛ هذا ال جيوز له أن‬
‫يروي باملعىن ؛ ألنه قد يروي احلديث على غري وجه ‪ ،‬وعلى غري املراد به ‪.‬‬

‫عاملا‬ ‫الحالة الرابعة ‪ :‬ما كان من األحاديث النبوية ُ‬


‫غري متعبٍَّد مبعناه ‪ ،‬وكان الراوي له ً‬
‫فنقول‬ ‫باللغة ؛ فهذا هل جيوز له أن يروي احلديث باملعىن أو ال جيوز له ذلك ؟‬
‫‪ :‬اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال ‪:‬‬

‫مذهب المجيزين‬ ‫عارفا‬ ‫القول األول ‪ :‬قول اجلماهري باجلواز ؛ جواز ِ‬


‫رواية احلديث باملعىن لمن كان ً‬
‫بدالالت اللغة‪.‬‬
‫أدلة الجمهور على‬
‫ومن قال بهذا القول استدل بعددٍ من األدلة ‪:‬‬
‫جواز الرواية بالمعنى‬
‫الدليل األول‪ :‬أنه يشرع تعليم األعجم معاين الكتاب والسنة بلغاهتم ‪ ،‬وهذه ترمجة ‪ ،‬وهي‬
‫نوع من أنواع الرواية باملعىن ‪.‬‬

‫الدليل الثاني ‪ :‬أن الصحابة ‪ -‬رضوان اهلل عليهم ‪ -‬قد رووا أحاديث باملعىن ‪ ،‬فكان‬
‫الواحد منهم يروي احلديث ويقول ‪ ( :‬أو كما قال ) ‪ ( ،‬أو مثل ذلك ) ‪ ( ،‬أو نحو‬
‫ذلك ) ‪ ,‬روي عن مجاعة من الصحابة ‪ :‬جابر ‪ ,‬وأنس ‪ ,‬وابن مسعود ‪ ،‬وغريه ‪.‬‬
‫حوادث وقعتْ يف عهد النبوة باملعنى ‪ ،‬فعند ما يقول‬
‫َ‬ ‫الدليل الثالث ‪ :‬أن الصحابة قد نقلوا‬
‫‪ " :‬رخَّص رسول اهلل "‪ ،‬أو " قضى رسول اهلل ‪ ، " ‬ليس هذا هو لفظ رسول اهلل ‪-‬‬
‫فحينئذ هو قد رواه مبعناه ‪ ،‬وهذا إمجاعٌ من الصحابة ‪ ،‬وفيه‬
‫ٍ‬ ‫يقينا ؛‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ً -‬‬
‫أيضا إمجاعٌ من األمة بقبول هذه الروايات مما يدل على وجود اإلمجاع من األمة على جواز‬
‫ً‬
‫رواية احلديث باملعىن ‪.‬‬

‫مذهب المانعين‬ ‫والقول الثاني ‪ :‬وقد قال فيه بعض التابعني وبعض الظاهرية ‪ :‬بأنه ال جيوز للمرء ِّ‬
‫احملدث‬
‫أن يروي احلديث باملعىن ‪.‬‬

‫أدلة المانعين‬ ‫واستدلوا على ذلك ‪:‬‬

‫مقالة فأدَّاها كما‬


‫عني ً‬ ‫‪ -1‬بقول النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬نضَّر اهلل امرًًأ سمع ِّ‬
‫سمعها "( ) ‪ ،‬مما يدل على أن املمدوح واملُثْىن عليه هو من نقل احلديث بألفاظه ‪.‬‬ ‫‪100‬‬

‫وأجيب عن هذا االستدالل من وجهين‪:‬‬


‫الجواب عن أدلة‬
‫المانعين‬ ‫الوجه األول‪ :‬أنه قال‪ (:‬كما سمعه )‪ ،‬والكاف حرف تشبيه‪ ،‬واملشبّه واملشبَّه به ال بد‬
‫بينهما نوع فرق ولو كان قليال ‪.‬‬

‫ثان‪ :‬فقالوا‪ :‬هذا احلديث إمنا هو لألفضلية ويف األحسن‪ ،‬وليس فيه دليل‬
‫وأجابوا بجواب ٍ‬
‫على اإلجياب ‪.‬‬

‫واستدل ثانياً من يرى؛ بأنه ال جيوز ُ‬


‫رواية األحاديث باملعىن‪ :‬مبا ورد يف حديث الربآء‬ ‫‪َ -2‬‬
‫علمه الدعاء الذي يُقال قبل النوم‪:‬‬
‫أو يف حديث غريه‪ ،‬أن النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َّ : -‬‬

‫‪ ) 100‬رواه أبو داود في كتاب العلم‪ ،‬باب فضل نشر العلم‪3/322 :‬برقم (‪ ،)3660‬والترمذي في كتاب العلم عن رسول اهلل‪ ،‬باب ما جاء في الحث‬
‫على تبليغ السماع‪ 5/33 :‬برقم (‪ ،)2656‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن‪ ،‬والنسائي في كتاب العلم‪ ،‬باب الحث على إبالغ العلم‪ 3/431 :‬برقم (‪،)5847‬‬

‫وابن ماجه في باب فضل من بلغ علمَا‪ 1/84 :‬برقم (‪ ،)230‬كلهم عن زيد بن ثابت‪ ،‬وصححه األلباني في صحيح ابن ماجه‪. 1/44 :‬والحاكم‬
‫في كتاب العلم‪ 1/162 :‬برقم (‪ ،)294‬عن جبير بن مطعم ‪ ،‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ‪.‬‬
‫وفوضت أمري إليك " إىل أن قال يف آخره " آمنت‬
‫وجهت وجهي إليك‪َّ ،‬‬
‫اللهم إني َّ‬
‫بكتابك الذي أنزلت و بنبيك الذي أرسلت "(‪ ،)101‬فالصحايب ‪ -‬رضوان اهلل عليه ‪ -‬مِن‬
‫يكرره أمام النَّيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،-‬ففي أثناء‬
‫حرصه على حفظ هذا احلديث‪ ،‬بدأ ِّ‬
‫ِ‬
‫التكرار قال‪ " :‬وبرسولك الذي أرسلت " ‪ ،‬فقال له النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪" : -‬‬
‫نبيك الذي أرسلت "‪ ،‬قالوا‪ :‬فدلّ ذلك على أنه ال بَُّد يف رواية احلديث من أن‬
‫ال قل وب ّ‬
‫تكون الرواية باللفظ‪ ،‬وال يصح أن تكون باملعىن‪ ،‬يعين لو كانت الرواية جائزةً باملعىن؛ ملا‬
‫كان هناك فرق بني قولك (بنبيك) وقولك (برسولك) ‪.‬‬

‫وأجيب عن هذا االستدالل بجوابين‪:‬‬

‫خارجا عن حمل النزاع؛‬


‫ً‬ ‫فحينئذ يكون‬
‫ٍ‬ ‫الجواب األول‪ :‬أن أذكار النوم مما يتعبَّد بلفظه؛‬
‫ألن ما يتعبَّد بلفظه ال جيوز أن يروى باملعىن‪ ،‬مثل‪ :‬ألفاظ القرآن‪ ،‬مثل‪ :‬األذان‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫أذكار الصالة‪ ،‬قالوا‪ :‬فهذا من هذا القسم‪ ،‬وبالتايل ال جيوز أن يروى باملعىن ‪.‬‬

‫والجواب الثاني‪ :‬بأن الرواية هنا ليست باملعىن ِ‬


‫املرادف‪ ،‬وإمنا يوجد فرق بني اللفظني؛ فإنه‬
‫لو قال‪ ( :‬وبرسولك الذي أرسلت ) ال احتمل أن يكون املراد به أحد املالئكة‪َّ ،‬‬
‫فلما قال‬
‫وبنبيك الذي أرسلت) رفع هذا اإليهام‪ ،‬قالوا‪ :‬وفيه مجع بني َ‬
‫لفظي الرسالة والنبوة؛‬ ‫( ِّ‬
‫فحينئذ يكون أقَْومَ ما لو أفرد الكالم عن الرسالة فقط ‪.‬‬
‫ٍ‬

‫[ الخاتمة ]‬

‫خالصة ولساناً صادقاً‪،‬‬


‫ً‬ ‫صاحلا ً‬
‫ونية‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وعمال‬ ‫علما نافعاً‬
‫نسأل اهلل جل وعال أن يرزقنا وإياكم ً‬
‫مجيال وأن يوفق والة‬
‫ردا ً‬ ‫كما نسأله جل وعال أن يصلح أحوال األمة ‪ ،‬وأن يردهم إىل دينه ً‬

‫‪ ) 101‬رواه البخاري في كتاب الدعوات‪ ،‬باب ما يقول إذا نام‪ 5/2326 :‬برقم (‪ ،)5954‬ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار‪ ،‬باب ما‬
‫يقول عند النوم وأخذ المضجع‪ 4/2081:‬برقم (‪ ،)2710‬عن البراء بن عازب رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫أمور املسلمني يف كل مكان إىل العمل بكتابه وبسنة نبيه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وأن جيعلهم‬
‫هداة مهتدين أسباب خري وصالح وسعادة للناس أمجعني ‪ ،‬كما أسأله جل وعال أن يوفق‬
‫والة أمرنا يف بالد احلرمني الشريفني لكل خري ‪.‬‬

‫هذا واهلل أعلم وصلى اهلل على نبينا حممد ‪.‬‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل رب العاملني ‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني ‪ .‬أما بعد ‪.‬‬

‫‪ ‬قوله ‪ -‬رحمه اهلل ‪ " : -‬فإْن َخ ِف ي المعنى اْح ِتيج إلى شرح الغريب وبيان الُم شِكل‬
‫"‪.‬‬

‫املؤلف بشيء قريب من هذا‪ ،‬وهو ما يتعلق خبفاء املعاين ‪.‬‬


‫انتقل بعد ذلك ِّ‬

‫نقول‪ " :‬فإن خفي المعنى "‪ ،‬ما املراد بكلمة ( خفي المعنى ) ؟ أي‪ :‬مل يفهم املراد من‬
‫اللفظ ‪.‬‬

‫وعدم فهم المراد من اللفظ‪ :‬إما أن يكون لغرابته‪ ،‬وإما أن يكون إلمجاله ولالشرتاك فيه‪.‬‬

‫غريبا على بعض‬ ‫يتحنث ) ‪ ،‬ما املراد ُّ‬


‫بالتحنث ؟ قد يكون ً‬ ‫مثال اللفظ الغريب ‪ ( :‬كان َّ‬
‫أن إحدى النساء قالت عن زوجها‪ " :‬زوجي‬
‫أم زرع‪َّ :‬‬
‫الناس‪ ،‬قال ‪ :‬جاء في حديث ِّ‬
‫علق "(‪ ،)102‬ما املراد بـ( العشنَّق ) ؟ (‪ )103‬هذا‬
‫طلق‪ ،‬و إن أسكت أُ َّ‬
‫شنَّق إن أنطق أُ َّ‬
‫العَ َ‬
‫غريب حيتاج إىل تفسري وتوضيح ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫لفظٌ‬
‫‪ ) 102‬رواه البخاري في كتاب النكاح‪ ،‬باب حسن المعاشرة مع األهل‪ 5/1988:‬برقم (‪ ،)4893‬ومسلم في كتاب فضائل الصحابة رضي اهلل عنهم‪ ،‬باب‬
‫ذكر حديث أم زرع‪ 4/1896:‬برقم (‪ ،)2448‬عن عائشة رضي اهلل عنها ‪.‬‬

‫منظرا بال مخبر؛ ألن الطول في الغالب دليل السفه‪ ،‬وقيل‪ :‬هو السيئ الخلق‪ .‬ينظر ‪ :‬النهاية في‬
‫ً‬ ‫‪ ) 103‬الَعَش َّنق‪ :‬هو الطويل الممتد القامة‪ ،‬أرادت أن له‬
‫غريب الحديث واألثر البن األثير‪. 3/241 :‬‬
‫داال على معانٍ خمتلفة‪ ،‬ويكون املراد أحد هذه‬
‫وقد يكون اللفظ مشرتكاً؛ بأن يكون ً‬
‫املعاين؛ فمن ثَّم احتيج إىل توضيح ما هو املراد باللفظ من هذه املعاين‪.‬‬

‫مثال ذلك‪ :‬ما املراد باألقراء ؟ هل هي األطهار أو احلِيَض ؟ هذا مشرتك فنحتاج إىل دليل‬
‫يوضح املعىن‪ ،‬فإن خفِي املعىن‪ :‬إما لغرابته‪ ،‬أو إلمجاله احتيج إىل شرح الغريب‪ ،‬ما املراد‬
‫بالغريب ؟ اللفظ الذي ال يُعرف معناه ‪.‬‬

‫مؤلفات يف شرح غريب احلديث النبوي ‪ ،‬ومن‬


‫ٍ‬ ‫وقد صنَّف مجاعة من األئمة و العلماء‬
‫أعظمها كتاب " النهاية في غريب الحديث " البن الأثري‪ ،‬حيث قد مجع كتب مَن َّ‬
‫تقدمه‬
‫‪.‬‬

‫( وبيان المشِكل ) ما املراد ُ‬


‫باملشكِل ؟‬

‫[ تعريف المشِكل ]‬

‫صحيح مراد‪ ،‬واملعىن اآلخر ليس مراداً لذلك‬


‫ٌ‬ ‫شكل‪ :‬هو اللفظ الذي له معنيان‪ ،‬أحدمها‬
‫الم ِ‬
‫ُ‬
‫ويوضح املراد به‪ ،‬وهذا يقال له‪ :‬مشكِل‪ ،‬ويقال له‪ :‬المتشابِه ‪.‬‬
‫العالم ِّ‬
‫السياق‪ ،‬فيأيت ِ‬

‫واإلشكال قد يكون ناجتاً عن عدم القدرة على اجلمع بني احلديثني‪ ،‬لكنَّ املتشابه هو الذي‬
‫باطل غري مراد ‪.‬‬
‫له معنيان أحدمها صحيح املراد‪ ،‬واآلخر ٌ‬

‫مثاله‪ :‬قول اهلل تعاىل‪ ( :‬إنا نحن نزلنا الذكر )(‪ ،)104‬فقوله‪ّ ( :‬إنا نحن ) هذه هلا معنيان‬
‫خمتلفان‪:‬‬

‫األول‪ :‬الجمع؛ فإنه إذا جاءنا جمموعة‪ ،‬وأرادوا أن يعبّروا عن أنفسهم قالوا‪ ( :‬نحن ) (‬
‫مقصود قطعاً؛ ألن اهلل عز وجل واحد ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫وإنا )‪ ،‬و لكن هذا غري‬

‫‪ ) 104‬سورة الحجر‪ ،‬آية‪. 9 :‬‬


‫[ الثاني] فإذاً ما هو املعىن الثاين ؟ إطالق لفظة ( نحن ) على تعظيم ِّ‬
‫املتكلم لنفسه ‪ -‬ولو‬
‫أبطلنا املعىن األول؛ لقوله تعاىل‪:‬‬
‫كان واحداً‪ ، -‬فمثل هذا املعىن الصحيح وهو املراد‪ ،‬ملاذا ْ‬
‫( قل هو اهلل أحد )(‪ ( ،)105‬إلهكم إله واحد )‪ )106(،‬فدل ذلك على أنه ال ميكن املراد به‬
‫اجلمع‪.‬‬

‫[ تعريف المتشابه ]‬

‫وارد من الأدلة الشرعية له معنيان أحدمها حقٌ‬


‫إذاً ما هو املتشابه؟ أن يكون هناك لفظٌ ٌ‬
‫بطالنه من خالل النظر يف بقية األدلة الواردة يف مثل‬
‫باطل غري مراد‪ ،‬ونعرف َ‬
‫مراد‪ ،‬والثاين ٌ‬
‫تلك املسألة ‪.‬‬

‫وفحش غلطته‪،‬‬
‫هتمته‪ُ ،‬‬
‫كذب الراوي‪ ،‬و ُ‬
‫ُ‬ ‫متعلق باملخالفة؛ ألن أسباب الطعن‪:‬‬
‫كله ٌ‬ ‫هذا ُّ‬
‫وغفلتُه‪ ،‬وفسقُه‪ ،‬ووُمهه‪ ،‬وخمالفتُه ‪.‬‬

‫‪ ‬قوله ‪ -‬رحمه اهلل ‪ " : -‬ثَّم الجهالة‪ ،‬وسبُبها أّن الراوي قد تكثر نعوُته‪ ،‬فُيذَك ر بغير‬
‫ما اشُتِه ر به لغرٍض ‪ ،‬وصّنفوا فيه " الموِض ح " ‪ ،‬وقد يكون ُمِق ًّال فال َيكُثر األخُذ عنه‪،‬‬
‫وفيه " الُو حدان "‪ ،‬أو ال يسّم ى اختصارًا‪ ،‬وفيه " الُم بَه مات " ‪ ،‬وال يقبل الُم بَه م ولو‬
‫ُأبهم بلفظ التعديل ‪ -‬على األصح ‪ ، -‬فإن ُسّم ي وانفرد واحٌد عنه‪ :‬فمجهوُل العين‪،‬‬
‫أو اثنان فصاعدًا ولم يوَّثق‪ :‬فمجهوُل الحال‪ ،‬وهو المستور " ‪.‬‬

‫[ الوجه الثامن من أوجه الطعن‪ :‬الجهالة ]‬

‫الثامن من أسباب الطعن يف األحاديث النبوية‪ :‬الجهالة في الراوي‪،‬‬

‫[ أسباب الجهالة بالرواة ]‬

‫‪ ) 105‬سورة اإلخالص‪ ،‬آية‪. 1 :‬‬

‫‪ ) 106‬سورة النحل‪ ،‬آية‪. 22 :‬‬


‫إذاً الجهالة بأحد الرواة لها أسباب ‪:‬‬

‫بلفظ لم يشتهر به‪ ،‬فبََدل أن يقول ‪ -‬مثالً ‪-‬‬


‫السبب األول‪ :‬التعبير عن الراوي ٍ‬
‫اسم خفي‪ ،-‬بََدل أن يقول‪( :‬‬
‫الزهري) وهو معروف‪ ،‬يقول‪ :‬حممد ابن مسلم‪- ،‬وهو ٌ‬
‫( ُّ‬
‫ربيعة ابن أبي عبد الرحمن)‪ -‬وهو المشهور بربيعة الرأي‪ ،-‬قال‪ :‬ابن فرُّوخ‪ ،‬اسم والده‬
‫لكنه غري مشهور‪.‬‬

‫استعمال لفظٍ غري مشهور يف التعبري به عن الراوي‬


‫ُ‬ ‫إذاً السبب األول من أسباب الجهالة‪:‬‬
‫‪.‬‬

‫يسمون بذلك االسم ‪.‬‬


‫السبب الثاني‪ :‬تعدُّد من ّ‬

‫مثال ذلك‪ :‬أن يروي راوٍ عن عبد امللك‪ ،‬وعبد امللك قد يراد به عبد امللك ابن أيب‬
‫سليمان‪ ،‬وقد يراد به غريه‪ ،‬عند ما يقول عبد امللك‪ ،‬وال يبيِّن مَن هو؟ يكون مرتدداً بني‬
‫رد الرواية ‪.‬‬
‫راوٍ ثقة و راوٍ ضعيف؛ فيكون جمهوالً‪ ،‬ومن ثََّم تُ ُّ‬

‫السبب الثالث‪ :‬عدم العلم بالراوي؛ لقلة روايته ‪.‬‬

‫هذه أسباب وصف الراوي بأنه مجهول ‪.‬‬

‫قال – رحمه اهلل ‪ " : -‬ثم الجهالة ‪ : " ..‬هذا هو السبب الثامن من أسباب الطعن يف‬
‫احلديث النبوي ‪.‬‬

‫[ من أسباب الجهالة ]‬

‫وسببها أمور‪:‬‬

‫نعوته‪ ،‬فيُ َ‬
‫ذكر بغري ما اشتُهر به لغرضٍ من األغراض‪ ،‬مث‬ ‫األمر األول‪ :‬أن الراوي قد تكثر ُ‬
‫أجل التنويع يف األلفاظ‪ ،‬أو حنو ذلك‪،‬‬
‫يسمع احلديث‪ ،‬أو مِن ِ‬
‫تعمية حقيقة الراوي على مَن ُ‬
‫ُ‬
‫تقدم معنا يف تدليس الشيوخ ‪ ، -‬فمثل هذا راوٍ ُجهلت حاله؛ ألنه ال يعلم مَن هو‬
‫‪ -‬كما َّ‬
‫؟‪.‬‬

‫كلما قال‬ ‫وقد اعتنى العلماء بتصنيف مصنَّ ٍ‬


‫فات يف مثل هؤالء‪ ،‬فيقولون –مثالً‪ّ : -‬‬
‫وكلما قال الشافعي‪ ،‬عن مسلم؛ فإن املقصود‬
‫البخاري‪ ،‬عن أيب حممد؛ فإنه يقصد به فالنًا‪َّ ،‬‬
‫به مسلم ابن خالد الزّنجي‪ ،‬وهكذا تتبعوا أحوال الرواة‪ ،‬كلما قال فالن‪ :‬الكلمةَ الفالنية؛‬
‫فإن املقصود هبا الراوي فالن ‪.‬‬

‫ال في الرواية‪ ،‬فيقّل تالميذه‪ ،‬فال‬


‫الثاني من أسباب الجهالة‪ :‬أن الراوي قد يكون مُقِ ً‬
‫يأخذ عنه من التالميذ إال ّقلة‪ ،‬وقد يكون الراوي مقالً يف الرواية‪ ،‬فال يكثر‬
‫يوجد مَن ُ‬
‫التالميذ اآلخذون عنه‪ ،‬وإمنا يروي عنه الواحد فقط ‪.‬‬

‫ومن أمثلة ذلك‪ :‬النّعمان ابن محيد‪ ،‬راوٍ ال يروي عنه إال أبو إسحاق‪ ،‬وال تعرف حاله؛‬
‫جمهوال ‪.‬‬
‫ً‬ ‫فحينئذ يكون‬

‫قال ؛ فال يكثر الآخذ عنه‪ ،‬و فيه "الوحدان" "‪:‬‬


‫قال – رحمه اهلل ‪ " : -‬و قد يكون مُ ً‬
‫الوحدان " ‪ ،‬يذكرون فيها الرواة اجملاهيل الذين ال‬
‫مؤلفات باسم " ُ‬
‫ٍ‬ ‫يعين‪ :‬أنّ العلماء كتبوا‬
‫واحد فقط‪ ،‬وممن ألّف يف هذا اإلمام مسلم ‪ -‬صاحب الصحيح ‪. -‬‬
‫يروي عنهم إال راوٍ ٍ‬

‫رجل عن‬ ‫يسمى الراوي‪ ،‬فيقول‪َّ :‬‬


‫حدثين ٌ‬ ‫السبب الثالث من أسباب الجهالة‪ :‬أن ال ّ‬
‫ذكر‬
‫يسمى الراوي بامسه‪ ،‬بل يُ َ‬
‫مطعونا فيه‪ ،‬أو ال ّ‬
‫ً‬ ‫فحينئذ هذا جمهول‪ ،‬وبالتايل يكون‬
‫ٍ‬ ‫فالن؛‬
‫بوصفه ونعته‪ ،‬الذي يشرتك فيه عديدون؛ اختصاراً‪ ،‬فيكون من اجملهولني ‪.‬‬

‫قوله – رحمه اهلل ‪ ( :-‬وفيه " المبهمات " )‪ ،‬يعين يف هذا الصنّف ألّف العلماء ُكَتبهم‬
‫املسماة بـ ( الُم بهمات ) ‪.‬‬
‫َّ‬
‫قال المؤلف – رحمه اهلل ‪ " :-‬وال يُقبل المبهم ‪ : " ..‬يعين أن الرواية اليت فيها مُ َ‬
‫بهٌم‬
‫رجل عن فالن)‪ ،‬هذه الرواية غري مقبولة‪،‬‬
‫غري مقبولة‪ ،‬بل هي مردودة‪ ،‬فإذا قال‪( :‬حدَّثني ٌ‬
‫ُ‬
‫بلفظ يعطيك القناعة‪ ،‬أو الثقة يف شيخه الذي مل يذكر امسه‪ ،‬كما لو‬
‫قدر َّأنه أهبمه ٍ‬
‫لكن لو ّ‬
‫قال‪ ( :‬حدَّثني الثقة عن فالن ) فهل يقبل أو ال يقبل ؟‬

‫بهم بلفظ التعديل‪ : " ..‬مثل ما قال‪ ( :‬حدَّثني الثقة ) ؛‬


‫قوله – رحمه اهلل ‪ " :-‬ولو أُ ِ‬
‫شيخه‪ ،‬وال‬
‫مقبوال على األصح من أقوال أهل العلم؛ ألنه قد يوثِّق الراوي َ‬
‫ً‬ ‫فإنه ال يكون‬
‫نسمي‬
‫وحينئذ فال بد أن ّ‬
‫ٍ‬ ‫يكون األمر كذلك؛ حيث قد خيفى عليه شيء من أسباب اجلرح‪،‬‬
‫امسه حىت نطمئن أنه ثقة حقيقة ‪.‬‬

‫ومجهور أهل العلم يرون أن هذا القسم من قبيل املراسيل‪ ،‬فإنه مل يذكر الراوي فيه؛ ألن‬
‫املرسل الذي وقع اخلالف فيه‪ ،‬اجلمهور يقبلونه‪ ،‬يقولون‪ :‬موطن اخلالف هي املراسيل اليت‬
‫ال يسقط الراوي إال الرواة الثقات‪ ،‬فإذا كان كذلك فلو مسى شيخه باسم الثقة‪ ،‬فقال‪( :‬‬
‫حدثني الثقة )؛ فإنه يكون من قبيل املراسيل ‪.‬‬

‫[ أنواع المجهول ]‬

‫[ مجهول العين ]‬

‫قال المؤلف‪ " :‬فإن ُسّمي وانفرد واحدٌ عنه‪ :‬فمجهول العين " ‪ :‬عندنا أناس جماهيل‪،‬‬
‫المجهول هو الذي ال يعرف وصفه‪ ،‬وال حقيقته‪ ،‬وال يدرى من هو‪ ،‬كما لو قال‪:‬‬
‫(حدثني رجل ) من هو هذا الرجل؟ جمهول العني ‪.‬‬
‫مساه‪ ،-‬كما قلنا يف‬ ‫وبعضهم جيعل المجهول العين‪ :‬ما لو انفرد ٌ‬
‫واحد عنه ‪-‬ولو كان قد ّ‬
‫" النعمان بن عمير " قبل قليل‪ ،‬فهذا يقول‪ :‬أنا أمسيه كذلك مجهول عين‪ ،‬وإن كان‬
‫اجلمهور يرون أن هذا من جمهول احلال‪ ،‬وليس من جمهول العني؛ ألنه قد سُمي بامسه ‪.‬‬

‫قال المؤلف‪ " :‬فإن ُسّمي وانفرد واحدٌ عنه‪ :‬فمجهول العين "‪،‬هكذا قرر املؤلف‪ ،‬وإن‬
‫يعرف عني الراوي فيه‪ ،‬ومل يذكر امسه ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫كان اجلماهري يرون أن مجهول العين‪ :‬مَن مل‬

‫وأما من َروى عنه راوٍ واحد‪ ،‬ومل تعرف حاله؛ فإهنم يقولون عنه‪ :‬بأنه مجهول الحال ‪.‬‬

‫[ مجهول الحال – وهو المستور ‪] -‬‬

‫قال المؤلف‪ " :‬أو اثنان فصاعدًا ولم يوَّثق فمجهول الحال‪ ،‬وهو المستور " ‪.‬‬

‫قوله‪ " :‬أو اثنان "‪ :‬يعين‪ :‬فإن سُمي‪ ،‬وروى عنه اثنان فصاعداً‪ ،‬لكنه مل يوثَّق فإنه يكون‬
‫مجهول الحال‪ ،‬وهذا فيما إذا كان الرواةُ عنه ممن يروي عن كل أحد‪ ،‬لكن بعض األئمة‬
‫ال يروون إال عن الثقة‪ ،‬فإذا رووا عن راوٍ فإنَّ روايتهم عنه تكون من باب التوكيد هلم ‪.‬‬

‫ومن أمثلة هؤالء‪ :‬اإلمام مالك ابن أنس‪ ،‬وحيىي ابن سعيد‪ ،‬وابن أيب شية صاحب‬
‫توكيد له‪ ،‬قال‪" :‬وهو المستور" يعين أن جمهول‬
‫ٌ‬ ‫املصنف"‪ ،‬هؤالء إذا رووا عن راوٍ فهو‬
‫" ّ‬
‫احلال هو املستور ‪.‬‬

‫‪ ‬قوله ‪ -‬رحمه اهلل ‪ " : -‬ثم البدعة إَّما‪ :‬بمكِّف ر‪ ،‬أو بمفّس ق‪ ،‬فاألول‪ :‬ال ُيقبل صاحبها‬
‫الجمهور‪ ،‬والثاني‪ُ :‬يقبل من لم يكن داعية في األصح‪ ،‬إّال إن روى ما يقّو ي بدعته‪،‬‬
‫فُيرُّد على المختار‪ ،‬وبه صَّر ح الُج وْز َج انُّي ‪ ،‬شيخ الّنسائي " ‪.‬‬

‫[ الوجه التاسع من أسباب الطعن‪ :‬البدعة ]‬


‫نوعا آخر من أنواع الطعن يف احلديث‪ ،‬وهو أن يكون الراوي ّممن عُرف‬
‫املؤلف ً‬
‫مث ذكر ّ‬
‫ببدعته ‪.‬‬

‫[ تعريف البدعة ]‬

‫والمراد بالبدعة‪ّ :‬‬


‫التقرب هلل عز وجل مبا مل يرد به الشرع ‪ ,‬هذا هو البدعة‪ ،‬فهي طريقة‬
‫خمرتَعة يف الدين‪ ،‬مل ترد عن النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ، -‬ال بذاهتا‪ ،‬وال بعموم‬
‫النصوص الواردة يف ذلك األمر ‪.‬‬

‫[ أنواع البدعة ]‬

‫والبدعة على نوعين ‪:‬‬

‫النوع األول‪ :‬بدعة مكفّرة ‪ ،‬قال اجلمهور‪ :‬ال تُقبل ُ‬


‫رواية صاحبها؛ وذلك بأن الشريعة‬
‫برد خرب الفاسق‪ ،‬وال شك أنّ الكفر أعظم الفسق‪.‬‬
‫قد َأمرت ّ‬

‫والصواب أن اجلمهور يفرقون بني البدع ِّ‬


‫املكفرة‪،‬‬

‫[ أنواع البدع المكِّف رة ]‬

‫إن البدع المكفِّرة على نوعين ‪:‬‬


‫ويقولون‪َّ :‬‬

‫ع تُناقض أصل دين اإلسالم؛ بأن يكون فيها صرفٌ للعبادة لغري اهلل عز وجل‪ ،‬أو‬
‫‪ -1‬بِدَ ٌ‬
‫فيها تكذيبٌ للرسالة‪ ،‬فمثل هؤالء يُحكم على أصحاهبا بالكفر‪ ،‬وال تقبل روايتهم مطلقاً‪،‬‬
‫بشيء من العبادات‪ ،‬و هكذا األنبياء‬
‫ٍ‬ ‫يتقرب للمالئكة‬
‫للجن بالذبح‪ ،‬أو َّ‬
‫يتقرب ِّ‬
‫كمن َّ‬
‫َ‬
‫بشيء من العبادات‪ ،‬فمثل هؤالء حيكم عليهم يف الدنيا واآلخر‬
‫ٍ‬ ‫قرب إليهم‬
‫واألولياء إذا ّ‬
‫جهل فلهم حكم‬
‫علم فهم من أهل النار‪ ،‬وإن كانوا على ٍ‬
‫بأحكام الكفر‪ ،‬فإن كانوا على ٍ‬
‫أهل الفرتة يف أحكام اآلخرة‪ ،‬وهلم أحكام الكفار يف الدنيا‪.‬‬
‫‪ -2‬والنوع الثاني من المكفِّرات‪ :‬ما ال يُناقض أصل دين اإلسالم‪ ،‬لكنه يناقض ً‬
‫قاطعا‬
‫جهل أو لعذرٍ؛ فإنه ال خيرج من دين اإلسالم‬
‫فحينئذ من اعتقد مثل ذلك على ٍ‬
‫ٍ‬ ‫من القواطع‪،‬‬
‫حىت تقوم عليه احلجة‪ ،‬ويصل إليه الدليل القاطع فيجحد ذلك الدليل القاطع‪.‬‬

‫مثال ذلك‪ :‬من اهتم عائشة – رضي اهلل عنها ‪ ،-‬أو قال‪ :‬القرآن ناقص‪ ،‬أو حنو ذلك من‬
‫هذه البدع املكفرة‪ ،‬البدعة مكفِّرة؛ لكنها ال تناقض أصل دين اإلسالم‪ ،‬فمن كان جاهالً‬
‫فيها؛ فإنه ال حيكم عليه باخلروج من دين اإلسالم‪ ،‬إذا تقَّرر هذا‪ ،‬فإن أصحاب القسم‬
‫يردون روايتَهم ‪.‬‬
‫رد روايتهم باإلمجاع‪ ،‬وأصحاب القسم الثاين مجاهري أهل العلم ُّ‬
‫األول تُ ُّ‬

‫المفسقة اليت ال يصل هبا اإلنسان إىل درجة الكفر‪،‬‬


‫ِّ‬ ‫النوع الثاني من أنواع البدع‪ :‬البدَع‬
‫املغلظة‪.‬‬
‫وبعضهم يقول‪ :‬البدع اخلفيفة غري ّ‬

‫فأصحاب هذه البدع على نوعين ‪:‬‬

‫النوع األول‪ :‬مبتِد ٌع غير داعية إلى بدعته‪ ,‬فهذا ال تُ ُّ‬


‫رد روايته‪ ،‬مع كونه قد أخطأ يف‬
‫ذلك األمر‪.‬‬

‫ومن أمثلته‪ :‬من يرى رأي اخلوارج باخلروج على األئمة‪ ،‬أو يرى معتقد أهل اإلرجاء‪،‬‬
‫داعيا إليها‪ ،‬وهو من أهل هذه‬
‫مغلظة‪ ،‬أعظم من الكبائر‪ ،‬لكن من مل يكن ً‬
‫هذه بدعة ّ‬
‫البدع؛ فإهنا تقبل روايته‪.‬‬

‫من أمثلة ذلك‪ :‬ما قالوا عن قتادة‪ :‬بأنه يرى رأي أهل القدر‪ ،‬وما قالوا عن احلسن ابن‬
‫صاحل‪ :‬أنه يرى رأي اخلروج على األئمة‪ ،‬ومع ذلك ُقبلت روايتهم؛ ألهنم ليسوا من الدعاة‬
‫ملذهبهم ‪.‬‬

‫النوع الثاني‪ :‬المبتدعة الذين يدعون إلى مذاهبهم المبتدعة‪:‬‬


‫‪ ‬فإن كانت روايتُهم مبا يؤيّد بدعتهم؛ فإنه ال تقبل الرواية قوالً واحداً‪.‬‬

‫‪ ‬وأما إن روى ما ال يقوي بدعته؛ فإنه ٍ‬


‫حينئذ تقبل روايته عند مجاهري أهل العلم‪.‬‬

‫فيقدمون عليًّا ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬على أيب بكر‬ ‫مثال ذلك‪ِ :‬‬
‫مبتدع يرى رأي أهل التشيع‪ّ ،‬‬
‫وعمر‪ ،‬ويدعو لذلك‪ ،‬فإن كان ال يدعو ُقبلت روايتُه مطلقاً‪ ،‬وإن كان يدعو لبدعته؛‬
‫تأييد لبدعته ُقبلتْ روايته على الصحيح‪ ،‬وإن‬
‫نظرنا يف احلديث الذي رواه‪ ،‬فإن مل يكن فيه ٌ‬
‫ْ‬
‫تقبل روايتُه ‪.‬‬
‫كان فيها تأييد لبدعته مل ْ‬

‫قال المؤلف‪ " :‬يقبل من لم يكن داعية في األصح ‪ "..‬يعين تقبل رواية الراوي املبتدع‬
‫رواية لتتقوى هبا‬
‫داعية إىل بدعته يف األصح من أقوال أهل العلم‪ ،‬إال إذا روى ً‬
‫إذا مل يكن ً‬
‫رد روايته على املختار ‪.‬‬
‫حينئذ تُ ُّ‬
‫بدعتُه؛ فإنه ٍ‬

‫قال المؤلف – رحمه اهلل ‪ُ (( : -‬ثَّم سوُء الحفظ إن كان الزمًا‪ :‬فالشاذ – على رأي‬
‫‪ ،-‬أو طارئًا‪ :‬فالمختِلط ‪ ،‬ومتى توبع سيُئ الحفظ بُم عتَبر‪ ،‬وكذا المستور‪ ،‬والمرَس ل‪،‬‬
‫والمدّلس‪ ،‬صار حديثهم حسنًا ال لذاته‪ ،‬بل بالمجموع )) ‪.‬‬

‫[ الوجه العاشر من أوجه الطعن‪ :‬سوء الحفظ ]‬

‫السبب األخير من أسباب الطعن في الرواية‪ :‬سوء الحفظ؛ بأن يكون الراوي َ‬
‫سيء‬
‫احلفظ‪ ،‬مبعىن أنه ال يضبط ما حفظه‪ ،‬وال يؤدي ما مسعه على الكيفية اليت مسع احلديث‬
‫عليها ‪.‬‬

‫[ أنواع سوء الحفظ ]‬

‫فسوء الحفظ على نوعين ‪:‬‬

‫النوع األول‪ :‬سوء حفظ الزم ودائم ‪.‬‬


‫وحينئذ هذا دائم بالنسبة له‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ومثاله‪ :‬رواية ابن أيب ليلي ‪-‬كما تقدم‪ -‬فهذا سيء احلفظ‪،‬‬
‫وبالتايل فإن مجيع رواياته تعترب من قبيل املطعون فيها‪ ،‬الضعيفة‪ ،‬وبعض أهل العلم يسميها‬
‫سيء احلفظ ‪.‬‬ ‫شاذة؛ ألن َ‬
‫راويها ُ‬

‫[ تعريف الشاذ ]‬

‫وإن كان اجلمهور يقولون‪ :‬الشاذ هو خمالفة الثقة ملن هو أو ثق منه‪ ،‬وال يسمون رواية‬
‫سيء احلفظ شاذة ‪.‬‬

‫[ حكم رواية المختَلط ]‬

‫النوع الثاني من أنواع سوء الحفظ ‪ :‬سوء الحفظ الطارئ‪ ،‬الذي وجد بعد أن مل يكن‪،‬‬
‫ما معىن طارئ ؟ وجد بعد أن مل يكن‪.‬‬

‫كتبُه؛ فإن روايته َقبل احرتاق‬ ‫ومن أمثلته‪ :‬من كان عنده ُ‬
‫كتبٌ يروي منها‪ ،‬فاحرتقتْ ُ‬
‫سيء احلفظ فهو مختلِط‪ ،‬كما قالوا‬
‫الكتب مقبولة‪ ،‬وبعد رواية الكتب ال تقبل؛ ألنه أصبح ُ‬
‫ضابطا يف أول عمره‪ ،‬ويف آخر عمره ورد عليه‬
‫ً‬ ‫أيضا من كان‬
‫عن ابن هليعة‪ ،‬و كذلك ً‬
‫حينئذ ال تقبل روايته بعد ذلك ‪.‬‬
‫االختالط؛ فإنه ٍ‬

‫ومن أمثلته‪ :‬سيدنا أيب عروبة؛ فإنه اختلط يف آخر عمره‪ ،‬فمن روى عنه بعد سنة ‪132‬‬
‫هـ‪ ،‬قبلت روايته‪ ،‬و من روى عنه بعد ذلك مل تقبل روايته‪ ،‬وقد حددوهم‪ ،‬قالوا‪ :‬فالن‪،‬‬
‫وفالن‪ ،‬وفالن‪ ،‬رووا عنه قبل هذه السنة‪ :‬عبد األعلى‪ ،‬وعطاء‪ ،‬والثقفي‪ ،‬وفالن‪ ،‬وفالن‪،‬‬
‫رووا عنه قبل االختالط‪ ،‬وفالن‪ ،‬وفالن‪ ،‬رووا عنه بعد االختالط‪ ،‬فهم قد ضبطوا‬
‫األحاديث ‪.‬‬
‫قال المؤلف‪ " :‬و متى توبع سيء الحفظ ‪ : " ..‬يعين أن احلديث روي بلفظ آخر؛ فإنه‬
‫حسنا لغريه؛ لتقوي احلديث بطريقني خمتلفني‪ ،‬فهو حسن مبجموع‬
‫حينئذ يصبح احلديث ً‬
‫ٍ‬
‫رواية اجملهول ال يتقوى هبا احلديث ‪.‬‬
‫الطرق‪ ،‬ال بذاته‪ ،‬لكن ينبغي أن تَعلم أنَّ َ‬

‫[ الخاتمة ]‬

‫خالصة ولساناً صادقاً‪،‬‬


‫ً‬ ‫صاحلا ً‬
‫ونية‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وعمال‬ ‫علما نافعاً‬
‫نسأل اهلل جل وعال أن يرزقنا وإياكم ً‬
‫مجيال وأن يوفق والة‬
‫ردا ً‬ ‫كما نسأله جل وعال أن يصلح أحوال األمة ‪ ،‬وأن يردهم إىل دينه ً‬
‫أمور املسلمني يف كل مكان إىل العمل بكتابه وبسنة نبيه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وأن جيعلهم‬
‫هداة مهتدين أسباب خري وصالح وسعادة للناس أمجعني ‪ ،‬كما أسأله جل وعال أن يوفق‬
‫والة أمرنا يف بالد احلرمني الشريفني لكل خري ‪.‬‬

‫هذا واهلل أعلم وصلى اهلل على نبينا حممد ‪.‬‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل رب العاملني ‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني ‪ .‬أما بعد ‪.‬‬

‫المقبولوالمردود‬
‫والمردود‬ ‫بينالمقبول‬
‫المشتركبين‬
‫الخبرالمشترك‬
‫الخبر‬

‫قال – رحمه اهلل ‪: -‬‬

‫‪‬ثّم اإلسناد إَّما أن ينتهي إلى النبي – صلى اهلل عليه وسلم – تصريحًا أو ُح كمًا؛ من‬
‫قوله‪ ،‬أو فعله‪ ،‬أو تقريره‪ ،‬أو إلى الصحابي كذلك‪ ،‬وهو َمن لِق َي النبي – صلى اهلل‬
‫عليه وسلم – مؤمنًا به ومات على اإلسالم‪ ،‬ولو تخّللت رّدٌة في األصح‪ ،‬أو إلى‬
‫التابعي‪ ،‬وهو َمن لِق ي الصحابَّي كذلك ‪.‬‬
‫فاألول‪ :‬المرفوع‪ ،‬والثاني‪ :‬الموقوف‪ ،‬والثالث‪ :‬المقطوع‪،‬ومن دون التابعي فيه مثله‪،‬‬
‫ويقال لألخيرين‪ :‬األثر ‪ .‬‬

‫الشرح‬
‫الشرح‬

‫متعلق‬
‫سنَّة النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ، -‬هذا التقسيم ِّ‬
‫آخٍر ل ُ‬
‫تقسيم َ‬
‫ٍ‬ ‫يتكلم املؤلف عن‬
‫السنة فيها ما ينسب إىل النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪، -‬‬
‫بكتب السّنة؛ فإَّن ُكتُبَ ُّ‬
‫وفيها ما ينسب إىل الصحابة‪ ،‬وفيها ما ينسب إىل التابعني فمن بعدهم‪ ،‬فحينئٍذ حُس ن‬
‫ألن كل واحد منها له حكم‪ ،‬فاألحاديث‬
‫كل منها؛ وذلك َّ‬
‫يفرقوا بني ٍّ‬
‫من أهل العلم أن ّ‬
‫حجيَتُها‬
‫النبوية حجةٌ ودليلٌ‪ ،‬وهبا يرفع النزاعات‪ ،‬وأقوال الصحابة حجةٌ؛ لكن بشروطٍ‪ِّ ،‬‬
‫ذكر من‬
‫أقل من حجية السنّة مبراحل‪ ،‬وأما أقوال التابعني فليست حجةً شرعية‪ ،‬وإمنا تُ َ‬
‫ُّ‬
‫تساعدنا يف فهم النصوص الشرعية‪،‬‬
‫َ‬ ‫أجل معرفة مواطن اإلمجاع واخلالف؛ من أجل أن‬
‫فاتهم حبسب قائل هذه األقوال ‪.‬‬
‫مؤل ِ‬
‫فحينئٍذ حيتاج هذا العلم إىل تقسيم ما يف ّ‬

‫[ تقسيم اإلسناد بحسب اإلضافة والّنسبة ]‬

‫فقال(املؤِّلف)‪ّ :‬‬
‫إن اإلسناد ينقسم إىل ثالثة أقسام‪:‬‬

‫القسم األول‪ :‬مرفوعٌ إىل النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،-‬هذا ّ‬
‫نسميه مرفوع‪ ،‬ما هو‬
‫املرفوع ؟ املنسوب للنيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪. -‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬املنسوب إىل الصحابة ‪ ،‬هذا يسّم ٰى الموقوف‪.‬‬

‫يسمى المقطوع ‪.‬‬


‫القسم الثالث‪ :‬املنسوب إىل التابعني فمن بعدهم‪ ،‬فهذا ّ‬

‫[ الفرق بين المقطوع والمنقِط ع ]‬


‫املنقطع‪ :‬ما سقط من إسناده راٍو من وسط اإلسناد‪،‬‬
‫يفرق بني املقطوع واملنقطِع‪ :‬فإّن ِ‬
‫و ّ‬
‫وأما املقطوع فقد يكون متصًال ‪،‬لكنه ليس منسوبا للنيب‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ،-‬وال‬
‫ألحد من صحابته‪ ،‬وإمنا يُنسَب ألحد التابعني فمن بعدهم ‪.‬‬
‫ٍ‬

‫تقرر هذا‪ ،‬فقال‪ :‬إن اإلسناد ينقسم إىل ثالثة أقسام‪:‬‬


‫إذا ّ‬

‫القسم األول‪ :‬إما أن ينتهي إىل النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ،-‬هذا مرفوع‪،‬‬

‫[ أنواع المرفوع ]‬

‫والمرفوع على نوعين‪:‬‬

‫صريح كما ورد يف حديث ابن عمر‪ ،‬أن النيب‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬
‫ٌ‬ ‫مرفوع‬
‫ٌ‬ ‫‪-1‬‬
‫قال‪ (( :‬بُني اإلسالم على خمس‪ )107())....‬هذا تصريح برفع احلديث للنيب‪ -‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪. -‬‬

‫خرب الصحايب بأخبار ال تقال عن‬


‫‪ -2‬وإما أن يكون مرفوعًا ُحكماً؛ ذلك بأن يُ َ‬
‫الرفع‪ ،‬ومل يعرف عن ذلك الصحايب أنه ينقل عن أهل الكتاب ‪.‬‬

‫مثال ذلك‪ :‬لو أخربنا عثمان ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬عن أمورٍ متعلقة باآلخرة‪ ،‬أو اجلنة والنار‪،‬‬
‫ومل يرفعه إىل النيب‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ،-‬فهذا يقال له حكم الرفع‪ ،‬ليس مرفوعًا‬
‫ألن عثمان ال ينقل عن أهل الكتاب‪ ،‬ومثل هذا ال‬
‫صراحًة‪ ،‬وإمنا هو مرفوع حكمًا؛ َّ‬
‫مَدخل للرأي فيه‪.‬‬

‫بأسانيد صحيحة‪ ،‬عن ابن مسعود ‪-‬رضي اهلل‬


‫َ‬ ‫مثاٌل آخر‪ :‬روى مجاعةٌ من أهل العلم‬
‫عنه‪ -‬أنه قال‪ (( :‬من أتى كاهنًا أو عرَّافًا أو ساحرًا فقد كفر بما أنزل على محمد ‪-‬‬

‫‪ ) 107‬رواه البخاري في ِكَتاب اِإْل ي اِن ‪ ،‬اب اإليمان وقول النبي‪ِ ":‬ن اِإْل اَل على َخ ٍس "‪ 1/12:‬برقم (‪ ،)8‬ومسلم في كتاب اإليمان‪ ،‬اب اِن َأ َك اِن‬
‫َب َبَي ْر‬ ‫ْم‬ ‫ُب َي ْس ُم‬ ‫َم َب‬
‫اِإْل ْس اَل ِم َو َدَعاِئِمِه اْلِعَظاِم ‪ 1/45‬برقم (‪ ،)16‬عن ابن عمر رضي اهلل عنهما ‪.‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،)108()) -‬فمثل هذا من كالم ابن مسعود ‪-‬رضي اهلل عنه‪ ،-‬ابن‬
‫يعرف عنه أنه ينقل عن أهل الكتاب‪ ،‬ومثل هذا ال ميكن أن يقال بالرأي‪،‬‬
‫ْ‬ ‫مسعود مل‬
‫فحينئٍذ يكون له حكم الرفع‪ ،‬وتالحظون هنا أن هذا يف زيادة ( أو ساحرًا )‪ ،‬وإال فإّن‬
‫حديث‪ (( :‬من أتى كاهنًا أو عرَّافًا فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد‬
‫‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ،)109()) -‬هذا قد ثبت مرفوعًا يف حديث ابن عمر وغريه‪,‬‬
‫لكن الكالم عن زيادة (أو ساحرًا)‪ ،‬هذه إمنا وردتْ من حديث ابن مسعود موقوفًا‬
‫عليه‪ ،‬وليستْ مرفوعة‪ ،‬لكن نقول هلا حكم الرفع من جهة إن ابن مسعود ‪-‬رضي اهلل‬
‫عنه‪ -‬ال ينقل عن أهل الكتاب‪ ،‬ومثل هذا القول ال ميكن أن يقال بالرأي ‪.‬‬

‫[ تقسيم السنة ]‬

‫السنة املرفوعة إىل النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬على ثالثة أنواع ‪:‬‬

‫‪ -1‬سنة قوليه‪ ،‬مثل‪ :‬حديث‪ (( :‬إنما األعمال بالنيات ))(‪ (( ، )110‬بني اإلسالم على‬
‫خمس ))(‪. )111‬‬

‫‪ -2‬سنة فعلية‪ ،‬مثل‪ :‬ما نقل من أفعال النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يف الصالة واحلج‬
‫وغري ذلك من األعمال املنقولة عنه ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪. -‬‬

‫‪ ) 108‬رواه البيهقي في السنن الكبرى‪ ،‬جماع أبواب الحكم في الساحر‪ ،‬باب تكفير الساحر وقتله إن كان ما يسحر به كالم كفر صريح‪ 8/135 :‬برقم (‪ ،)16274‬وأبو‬
‫يعلى في مسنده‪ ،9/280 :‬وسئل عنه الدراقطني‪ :‬فصّو ب وقفه‪ ،‬ووّه م من رفعه‪ .‬العلل ‪ ،5/281:‬وقال ابن حجر‪ " :‬أخرجه أبو يعلى من حديث بن مسعود بسند جيد‬
‫لكن لم يصرح برفعه‪ ،‬ومثله ال يقال بالرأي" ‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري‪ ،10/217:‬وقال األلباني ‪ :‬فإن صح السند بذلك إلى الثوري فهو صحيح ‪ .‬ولم يجزم بالصحة‪ .‬غاية‬
‫المرام‪. 176:‬‬

‫‪ ) 109‬رواه أبو داود في كتاب الطب‪ ،‬باب في الكاهن‪ 4/15 :‬برقم (‪ ،)3904‬والترمذي في كتاب أبواب الطهارة‪ ،‬باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض‪ 1/242 :‬برقم‬
‫(‪ ،)135‬وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها‪ ،‬باب النهي عن إتيان الحائض‪ 1/209:‬برقم (‪ ،)639‬وأحمد في مسنده‪ 2/476 :‬برقم (‪ )10170‬وحسنه األرناؤوط‪،‬‬
‫والحاكم في مستدركه‪ ،‬كتاب اإليمان‪ 1/49:‬برقم (‪ ،)15‬وقال ‪ :‬هذا حديث صحيح على شرطهما‪ ،‬كلهم عن أبي هريرة رضي اهلل عنه‪ ،‬وصححه األلباني في صحيح‬
‫الترمذي‪. 1/44 :‬‬

‫‪ ) 110‬تقدم تخريجه‪ ،‬ص‪. 33 :‬‬

‫‪ ) 111‬تقدم تخريجه‪ ،‬ص‪. 85 :‬‬


‫‪ -3‬السنة التقريرية‪ ،‬مثل‪ :‬أن يرى أحد صحابته يفعل فعًال فيقرّه‪ ،‬وال ينكر عليه ‪.‬‬

‫ما هي إذًا‪ :‬السنة التقريرية؟ هي ما علمه النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬من أقوال‬
‫أصحابه وأفعالهم ‪ .‬خيرج ما علمه من أفعال املشركني؛ فإَّن عدم الإنكار عليهم ال يدل‬
‫على إقرار ذالك الفعل‪.‬‬

‫[ تقسيم السنة التقريرية ]‬

‫ما حكم األفعال التي أقرها النبي‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أو األقوال ؟‬

‫نقول‪ :‬هي على قسمني ‪:‬‬

‫القسم األول‪ :‬ما كانت أفعالًا عاديه‪ ،‬أو أقوالًا عاديه؛ فالإقرار فيه اإلباحة‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫اللباس‪ ،‬وأكل الضَّب ‪.‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬فهو ما أقره النيب‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬من العبادات؛ فهذا له حكم‬
‫االستحباب ‪.‬‬

‫سنة الفجر بعد صالة الفجر ملن مل يتمكن من فعلها قبل الفجر‪ ،‬هل‬
‫مثل‪ :‬أداء أو فعل ّ‬
‫خالف من جهة إسناده‪ ،‬بعضهم يصححه‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ورد فيه أحاديث يف السنن؟ هو موطن‬
‫بعضهم حيسنه‪ ،‬وبعضهم يضعفه‪ ،‬واجلمهور على تضعيفه يف اإلسناد‪.‬‬

‫هنا هذه الطريقة تنسب إىل طريقة األصوليني اللذين ال يوردون الصفات اخلَْلقية‪ ،‬أما‬
‫احملدثني‪ ،‬فيدخلون أيضًا الصفات‬
‫الصفات اخلُُلقيه فهي تدخل يف األفعال‪ ،‬خبالف طريقة ِّ‬
‫اخلَْلقية‪ ،‬مثل‪ :‬كونه ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ربعًا‪ ،‬ليس بالطويل وال بالقصري‪ (( ،‬ما‬
‫مسست ديباجًا وال حريرًا ألينَ من يد رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪)112()) -‬‬
‫‪.‬‬

‫ملاذا مل يدخل األصوليون الصفات اَخلْلقية ؟ ألنه ال يرتتب عليها حكم‪ ،‬وال يؤخذ منها‬
‫حكم شرعي‪ ،‬وهم يبحثون أصالًة يف األدلة اليت تؤخذ منها األحكام‪ ،‬وأما أهل احلديث‬
‫فهم يعتنون بكل ما نُقِل عن النيب‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪. -‬‬

‫هنا أمر آخر‪ :‬وهو ما فعل يف عهد النيب‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ، -‬فهذا موطن خالف‬
‫بني أهل العلم‪ ،‬منهم من يقول‪ :‬ليس حبجة‪ ،‬ومنهم من يقول‪ :‬هذا منسوب إىل السنة‪،‬‬
‫جزء من أجزاء السنة‪ ،‬أنَّ ما ُفعل يف عهد النبوة ومل ينكره النيب‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬
‫هذا يدل على أنه مباح؛ إذ لو كان مُنكَرًا لبني النيب‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬عدم‬
‫جوازه‪ ،‬قالوا‪ :‬ويدل على هذا أنّ الصحابة ‪ -‬رضوان اهلل عليهم ‪ -‬كانوا يستدلون مبا‬
‫كان مماثًال على هذا النحو‪ ،‬مثل حديث‪ (( :‬كنا نعزل والقرآن ينزل))(‪، )113‬‬
‫وحديث‪ (( :‬كنا نفاضل في عهد النبي‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬فنقول‪ :‬أبو بكر‪ ،‬ثم‬
‫عمر‪ ،‬ثم عثمان))‪ ،‬هذا إذا مل حنتَّج بزيادة من زيادات بعض الروايات‪ (( :‬فكان‬
‫النبي‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يسمع منَّا ذلك فال ينكر ))(‪ ،)114‬من هذه الزيادة‬
‫جتعله من قبيل اإلقرار‪ ،‬وبعض أهل العلم يقول‪ :‬هو قسم مستقل‪ ،‬وهو دليل شرعي‪ ،‬ال‬
‫جنعله قسمًا من أقسام السنة‪ ،‬فيقول عنه‪ :‬إقرار رب العاَلمني للحوادث الواقعة يف عهد‬
‫جَة أوال ؟ فهذا كله متعلق بالقسم األول‪ ،‬وهو املرفوع ‪.‬‬
‫النبوة هل يعترب ُح َّ‬

‫‪ ) 112‬رواه البخاري في كتاب المناقب‪ ،‬باب صفة النبي – صلى اهلل عليه وسلم ‪ 3/1306 : -‬برقم (‪ ،)3368‬ومسلم في كتاب الفضائل‪ ،‬باب طيب‬
‫رائحة النبي – صلى اهلل عليه وسلم ‪َ -‬و ِليِن َمِّس ِه َو الَّتَبُّر ِك ِبَمْس ِح ِه‪ 4/1814:‬برقم (‪ ،)2330‬عن أنس رضي اهلل عنه ‪.‬‬

‫‪ ) 113‬رواه البخاري في كتاب النكاح‪ ،‬باب العزل ‪ 5/1998 :‬برقم (‪ ،)4911‬ومسلم في كتاب النكاح‪ ،‬باب حكم العزل‪ 2/1065 :‬برقم (‪،)1440‬‬
‫عن جابر رضي اهلل عنهما ‪.‬‬

‫‪ ) 114‬رواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب مناقب عثمان بن عفان‪ 3/1352 :‬برقم (‪ ،)3494‬عن ابن عمر رضي اهلل عنهما ‪.‬‬
‫القسم الثاني الموقوف‪ :‬وهو املنسوب إىل الصحايب سواًء كان من قوله أو فعله ‪.‬‬

‫وقوله‪ " :‬كذلك " ‪ :‬قد يفهم منه‪ :‬أن إقرار الصحابة يكون حجة‪ ،‬ومجهور أهل العلم‬
‫ال يرون االحتجاج بإقرار الصحابة ما مل يصل إىل درجة اإلمجاع السكويت ‪.‬‬

‫قال المؤلف‪ - :‬وهو يريد تعريف الصحايب‪ " ، -‬من لقي النبي " ‪ :‬ومل يقل من‬
‫رأى؛ وذالك ألنه قد يكون الصحايب أعمى‪ ،‬وهذه الطريقة ‪ -‬وهي طريقة وصف من‬
‫لقي النيب‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ولو جملرد حلظة بالصحبة ‪ -‬هي طريقة مجهور أهل‬
‫احملدثني‪ ،‬ويسري عليها أهل األصول يف باب الرواية ‪.‬‬
‫العلم ‪،‬وهي اليت يسري عليها أغلب ِّ‬

‫والقول الثاني‪ :‬بأن الصحايب ال يكون صحابيًا إال إذا الزم النيب‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬
‫مدةً‪ ،‬وقد أشار البخاري إىل هذا القول‪ ،‬وأهل األصول يعتمدونه يف باب ُحجية أقوال‬
‫الصحابة؛ فإَّن الصحايب ال يكون ممن ُيحتج بقوله إال إذا كان هبذه املثابة؛ ألن حجية‬
‫أقوال الصحابة إمنا تكون بسبب مشاهدهتم للتنزيل ومعرفتهم بالتأويل‪ ،‬وهذا ال يكون‬
‫إال بالصحبة ملدة ‪.‬‬

‫قال ‪ " :‬مؤمنًا به " ‪ :‬فأما من لقي النيب‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬حال الكفر‪ ،‬مث أسلم‬
‫يف عهد النبوة فلم يلقى النيب‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فإنه ال يعد صحابيًا‪ ،‬ويلغزون‬
‫هبذه املسألة‪ ،‬فيقولون‪ :‬تابعٌي روى عن النيب‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬حديثًا ليس مرسلًا‬
‫؟ فيقال‪ :‬هذا رجٌل لقي النيب‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬حال كفره‪ ،‬مث أسلم بعد ذلك‪،‬‬
‫فلم يلقى النيب‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بعد إسالمه فهو تابعي‪ ،‬لكنه ما روى يف حال‬
‫الكفر‪ ،‬حال لقاء النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يُعد متصًال‪ ،‬وقد ورد يف سنن أيب‬
‫داود حديثٌ من هذا القسم‪ ،‬وميثلون له أيضًا مبا ورد يف حديث ِه َر قل؛ فإن أهل العلم‬
‫يستدلون بقول أيب سفيان ِهلَر قل حال كفر أيب سفيان‪ ":‬كان يأمرنا بالصالة‪،‬‬
‫والصدق‪ ،‬والصلة‪ ،‬والعفاف "(‪ ،)115‬واحتج البخاري هبذه اللفظة‪.‬‬

‫قال المؤلف‪ ":‬ومات على اإلسالم "‪ :‬أما من ارتد ومات على الردة فهذا ليس له‬
‫شرف الصحبة ‪.‬‬

‫قال‪ " :‬ولو "‪ :‬إشارًة إىل اخلالف‪ " ،‬ولو تخللت ردٌة " ‪ :‬حبيث لقي النيب‪ -‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ -‬مؤمنًا‪ ،‬مث ارتد‪ ،‬مث عاد بعد ذلك؛ فإَّن هذا ال ميتع عنه وصف الصحبة عند‬
‫مجهور أهل العلم ‪.‬‬

‫قوله‪ " :‬أو إلى التابعي " ‪ :‬هذا هو القسم الثالث من أقسام السنة‪ ،‬أو من أقسام املسند‪،‬‬
‫فاألول مرفوعٌ للنيب‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ، -‬والثاين موقوفٌ على الصحايب‪ ،‬والثالث‬
‫مقطوع على التابعي‪ ،‬ما نقول منقطع‪ ،‬وإمنا هو مقطوع ‪.‬‬
‫ٌ‬

‫قال‪ " :‬أو إلى التابعي " ‪ :‬من هو التابعي ؟ " هو من لقي الصحابي كذلك" ‪ ،‬لو قال‪:‬‬
‫مَن لقي صحابيًا كان أوىل‪ ،‬ألنه بأي صحايب ‪.‬‬

‫وقوله‪ " :‬كذلك " ‪ :‬يعين مع مراعاة الشروط والضوابط السابقة‪ ،‬حبيث أن يكون قد‬
‫لقي الصحايب حال إسالمه‪ ،‬وميوت على اإلسالم‪.‬‬

‫فاألول ‪ -‬وهو املسند للنيب‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يقال له املرفوع ‪.‬‬

‫والثاين ‪ -‬وهو املسند لصحايب‪ -‬يقال له املوقوف ‪.‬‬

‫والثالث ‪ -‬وهو املسند إىل التابعي‪ -‬يقال له املقطوع ‪.‬‬

‫‪ ) 115‬رواه البخاري في باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ 8-1/7:‬برقم (‪ ،)7‬عن أبي سفيان رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫قال المؤلف‪ " :‬ومن دون التابعي فيه مثله " ‪ :‬يعين من كان يف ٍ‬
‫درجة دون درجة‬
‫التابعني‪ ،‬مثل‪ ( :‬مالك بن أنس ) مل يلق أحدًا من الصحابة‪ ،‬فهذا تابع تابعي‪ ،‬أقواله‬
‫تسمى املقطوع ‪.‬‬

‫مثل التابعي مَن دون التابعي ‪ -‬من تابعي التابعين فمن بعدهم ‪ -‬يف احلكم على املسند ‪،‬‬
‫فيقال له‪ :‬مقطوع‪.‬‬

‫قوله‪ " :‬ويقال لألخيرين األثر" ‪ :‬ما مها األخريان ؟ املقطوع واملوقوف يقال هلما الأثر‪.‬‬

‫[ تعريف األثر ]‬

‫ما هي اآلثار؟ تقابل السنن‪ ،‬فالآثار منسوبة للصحابة والتابعني‪ ،‬والأثر‪ :‬مأخوذ من بقية‬
‫الشيء؛ وذلك لأن الصحابة والتابعني إمنا يتكلمون يف األحكام مبا عندهم من آثر من‬
‫آثار النبوة ‪.‬‬

‫‪‬‬

‫لطائفاإلسناد‬
‫اإلسناد‬ ‫لطائف‬

‫قال – رحمه اهلل ‪: -‬‬

‫‪‬والُم سَند مرفوع صحابّي بسنٍد ظاهره االتصال‪ ،‬فإن قّل عدده؛ فإّما أن ينتهي إلى‬

‫النبي – صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،-‬أو إلى إماٍم ذي صفة علَّية كشعبة‪ .‬فاألول‪ :‬العلّو‬
‫المطلق‪ ،‬والثاني‪ :‬العلّو الِّنْس ِبي‪ ،‬وفيه الموافقة‪ :‬وهي الوصول إلى شيخ أحد المصّنفين‬
‫من غير طريقه‪ ،‬والبدل وهو الوصول إلى شيخ شيخه كذلك ‪ ،‬والمساواة‪ :‬وهي‬
‫استواء عدد اإلسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد أحد المصّنفين‪ ،‬والمصافحة‪:‬‬
‫وهي االستواء مع تلميذ ذلك المصِّنف ‪.‬‬

‫ويقابل العلَّو بأقسامه‪ :‬الُّنزول‪ .‬فإن َتشاَر ك الَّر اوي وَمْن َرَو ى عنه في الِّسِّن أو في‬
‫ِق‬
‫الُّل ِّي فهو ‪ :‬اَألْقران ‪ .‬وإْن َرَو ى كٌل منهما عن اآلَخ ر ‪ :‬فالُم دَّبج‪ .‬وإْن َرَو ى عَّم ْن‬
‫ُدوَنه ‪ :‬فاَألكاِبر عن األصاغر ‪ ،‬ومنه اآلباء عن األبناء ‪ ،‬وفي عكسه كثرٌة ‪ ،‬ومنه َمْن‬
‫َرَو ى عن أبيه عن جِّده ‪ .‬وإْن اْش تَر ك اثناِن َعْن شيٍخ وتقَّد م موُت أحِد هما ؛ فهو ‪:‬‬
‫الَّس ابُق والاَّل حق ‪ .‬وإْن َرَو ى عن اْثنيِن ُمَّتِف َق ي االسم ولم يتمّيزا ‪ ،‬فباْخ ِتَص اِص ه‬
‫بأحِد هما َيتبّيُن الُم ْه َم ُل ‪.‬‬

‫وإْن َجَح َد الشيُخ َمْر ِو َّيه َج ْز مًا ُرَّد ‪ ،‬أو احتماًال ُقِبل في اَألَص ِّح ‪َ ،‬و فيِه ‪َ :‬مْن َح َّد َث‬
‫َو َنِس َي ‪ .‬وإن اتفق الُّر واُة في ِص َيغ األداِء أو غيِر ها من الحاالت ‪ ،‬فهو ‪ :‬الُم َس ْلَسُل ‪.‬‬
‫‪‬‬

‫الشرح‬
‫الشرح‬
‫ظاهره االتصال " ‪ :‬يريد املؤلف بعد‬
‫مرفوع صحابيٍّ بسندٍ ُ‬
‫ُ‬ ‫سند‬
‫والم َ‬
‫قال المؤلف‪ُ " :‬‬
‫أن قسم أحوال اإلسناد حبسب القائل‪ ،‬يريد أن يقسمه حبسب عدد طبقات اإلسناد‪،‬‬
‫ونازل اإلسناد ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫عال اإلسناد‬
‫فاملُسنَد ينقسم إىل ِ‬

‫فقال‪ " :‬والمسند مرفوع صحابي‪ : " ..‬يعين هناك صحايب رفع احلديث للنيب‪ -‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪ -‬لئال يكون مرسًال ‪ ،‬ما هو املُرسَل ؟ ما رفعه التابعي إىل النيب‪ -‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪ -‬بدون ذكر الصحايب‪.‬‬

‫" مرفوع صحابي بسند ظاهره االتصال " ‪ :‬مل يقل ٍ‬


‫بسند متصل؛ إلدخال مراسيل‬
‫الصحابة‪،‬‬
‫[ أنواع المسند ]‬

‫هذا املسند على نوعني‪:‬‬

‫النوع األول‪ :‬إن قلتْ أعداد طبقات اإلسناد‪ ،‬هذا يقال له مُسند عالٍ‪ ،‬ما هو عالي‬
‫اإلسناد ؟ ما َّقلْت طبقات إسناده‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬عندنا يف مسند اإلمام أمحد أحاديث‬
‫ُخماسيه‪ ،‬رواه عن مخس طبقات‪ ،‬وهناك أحاديث رباعيه‪ ،‬رواه عن أربع طبقات‪،‬‬
‫وهناك أحاديث ثالثيه‪ ،‬مثال ذلك‪ " :‬أمحد‪ ،‬عن الشافعي‪ ،‬عن مالك‪ ،‬عن نافع‪ ،‬عن ابن‬
‫عمر " هذا مخاسي‪ ،‬بينما يف مواطن يرويه بإسناد ثالثي السفاريين يف كتابه "شرح‬
‫ثالثيات مسند اإلمام أمحد "‪ ،‬فصاحب اخلمس طبقات يقال له‪ :‬إسناد نازل‪ ،‬وصاحب‬
‫عال ‪.‬‬
‫الطبقات الثالث يقال له‪ :‬إسناد ٍ‬

‫[ أنواع المسند العالي ]‬

‫املسند العايل على نوعني ‪:‬‬

‫العلو‬
‫‪ -1‬إما أن يكون مما ينتهي إىل النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فهذا يقال له‪ّ :‬‬
‫المطلق‪ ،‬إذًا ما هو ّ‬
‫العلو املطلق ؟ قلة طبقات اإلسناد املنسوب إىل النيب ‪ -‬صلى اهلل‬
‫علي وسلم‪ -‬بال انقطاع ‪.‬‬

‫منسوبا إىل إماٍم ‪ ،‬صاحب صفة متميزة ‪.‬‬


‫ً‬ ‫علو نسيب فيما إذا كان ذالك‬
‫‪ -2‬وهناك ّ‬

‫فقال‪ " :‬فإن قلَّ عدده ‪ : " ..‬فإنه ينقسم إىل قسمني‪ :‬املرفوع إىل النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫منسوبا إىل إمام ذي صفة علية‪ ،‬يعين متميز يف‬
‫ً‬ ‫العلو املطلق‪ ،‬أو يكون‬
‫وسلم‪ ، -‬هذا ّ‬
‫إحدى الصفات‪ ،‬مثل اإلمام شعبة ابن احلجاج؛ فانه إمام من أئمة احلديث‪ ،‬فحينئٍذ إذا‬
‫كان الحديث متصًال إليه‪ ،‬وكانت طبقات إسناده قليلة فهذا يقال له‪ :‬علو نسيب‪.‬‬
‫العلية إما أن يكون صحابيًا يستدل بأقواله‪ ،‬وإما أن يكون تابعيًا فمن بعدهم‬
‫والصفة ّ‬
‫اشتهر بإحدى الصفات اليت جتعل الناس يرجعون إىل أقواله‪ ،‬مثل اشتهار حييى بن معني‬
‫يف الكالم عن الرجال ‪.‬‬

‫[ أقسام العلّو الّنسبي ]‬

‫وافقة‪ : " ..‬يعين أن من درجات احلديث العايل يف‬


‫الم َ‬
‫‪ -1‬قال المؤلف‪ " :‬وفيه ُ‬
‫اإلسناد‪ :‬الموافقة‪ ،‬ما املراد باملوافقة ؟ يكون هناك حديثٌ رواه اإلمام أمحد عن‬
‫الشافعي‪ ،‬أو بأي طريق آخر‪ ،‬فيأتينا اإلمام الذهيب فريوي ذلك احلديث يف إسناٍد حبيث‬
‫يكون هذا اإلسناد يتوافق فيه مع اإلمام أمحد يف شيخه‪.‬‬

‫مثالٌ آخر‪ :‬اإلمام أبو بكر بن أيب شيبه‪ ،‬صاحب " َّ‬
‫املصنف واملُسنَد " يروي عنه اإلمام‬
‫مسلم وابن ماجه بكثرة‪ ،‬يكون هناك حديث أخرجه ابن أيب شيبه يف املصنف‪ ،‬فيأيت‬
‫شيخ له عن شيخه ابن أيب شيبه‪ ،‬هذا يقال له‬
‫اإلمام مسلم وخيرج احلديث من طريق ٍ‬
‫املوافقة‪ :‬وهي الوصول إىل شيخ أحد املصنفني من غري طريقة‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬يروي ابن‬
‫أيب شيبه‪ ،‬عن وكيع‪ ،‬عن سفيان‪ ،‬فروى مسلم الحديث عن قتيبه ابن سعيد‪ ،‬عن وكيع‪،‬‬
‫الموافقَة ‪.‬‬
‫َ‬ ‫فهذا يقال له‬

‫البدَل "‪:‬‬
‫قال‪ " :‬وفيه َ‬

‫يعين‪ :‬من أقسام املسند عايل اإلسناد البدل‪ :‬وهو املوافقة مع أحد ّ‬
‫املصنفِني يف شيخ‬
‫شيخه ‪.‬‬

‫مثال ذلك‪ :‬ابن أيب شيبه يروي عن وكيع‪ ،‬عن سفيان‪ ،‬فيأيت اإلمام مسلم فريوي عن‬
‫أمحد‪ ،‬عن إمساعيل ابن عُليَّه‪ ،‬عن سفيان الثوري‪ ،‬فيكون اإلمام مسلم هنا قد روى عن‬
‫شيخ شيِخ ابن أيب شيبه ‪.‬‬
‫ساواة " ‪:‬‬
‫الم َ‬
‫قال‪ " :‬وفيه ُ‬

‫املصنفِني يف عدد‬
‫موافقا ألحد ّ‬
‫ً‬ ‫يعين‪ :‬من أنواع املسند عايل اإلسناد المساواة‪ :‬بأن يكون‬
‫طبقات اإلسناد‪ .‬مثال ذلك ‪ :‬يكون اإلمام ابن أيب شيبه روى احلديث عن النيب – صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ -‬من طريق ست طبقات‪ ،‬فيأيت البيهقي – وهو متأخر عن ابن أيب‬
‫شيبه ‪ -‬فريوي احلديث عن طريق ست طبقات فيكون مساويًا( أي البن أيب شيبة ) ‪.‬‬

‫قال‪ " :‬وهي استواء عدد اإلسناد ‪: " ..‬‬

‫املراد باإلسناد يعين‪ :‬طبقات اإلسناد من الراوي إىل آخره‪ ،‬يعين أن يكون متوافقًا بعدد‬
‫طبقات اإلسناد مع إسناد أحد املصنفني ‪.‬‬

‫صَافحة " ‪:‬‬


‫لم َ‬
‫قال‪ " :‬وفيه ا ُ‬

‫يعين‪ :‬من أنواعه أيضًا المصافحة‪ :‬وهي االستواء مع تلميذ ذالك الشيخ ‪.‬‬

‫مثال ذلك‪ :‬ابن أيب الشيبة يروي عنه اإلمام أمحد‪ ،‬مع أنه يروي عنه مسلم‪ ،‬فعندما يأيت‬
‫احلاكم فريوي احلديث فيكون متوافقًا مع اإلمام أمحد يف عدد طبقات اإلسناد‪ ،‬فهذا‬
‫يقال له‪ :‬مصافحة؛ ألنه وافق تلميذ ابن أيب شيبه يف عدد طبقات اإلسناد‪ ،‬هذا كله يقال‬
‫لو إسناد ‪.‬‬
‫له‪ُ :‬ع ُّ‬

‫ملوافقة‪ ،‬والبدل‪ ،‬واملساواة‪ ،‬واملصافحة‪ ،‬كل هذه الصور ل ِّ‬


‫علو‬ ‫لو اإلسناد‪ :‬ا َ‬
‫فمن صور عُ ِّ‬
‫اإلسناد ‪.‬‬

‫النزول‪ ،‬املراد بالنزول‪ :‬كثرة عدد طبقات اإلسناد ‪.‬‬


‫لو بأقسامه السابقة‪ُّ :‬‬
‫ويقابل العُ َّ‬

‫‪ ‬قوله ‪ -‬رحمه اهلل ‪ " : -‬فإن تشارك الَّر اوي وَمن روى عنه في الِّس ن أو في الُّلقي ؛‬
‫فهو األقران‪ ،‬وإن روى كٌل منهما عن اآلَخ ر فالمدَّبج" ‪.‬‬
‫متعلقةٍ بالرواية ‪،‬‬
‫باصطالحات ِّ‬
‫ٍ‬ ‫مث بدأ املؤلف‬

‫واللقِّي فهو األقران " ‪:‬‬


‫السنِّ ُّ‬
‫قال‪ " :‬فإن تشارك الراوي ومن روى عنه في ِّ‬

‫مقارٍن له يف السن ‪.‬‬


‫شيخ ِ‬‫المراد برواية األقران‪ :‬أن يروي الراوي عن ٍ‬

‫متقارنان‪ ،‬كالمها‬
‫مثال ذالك‪ :‬أن يروي سعيد بن املسيب‪ ،‬عن احلسن‪ ،‬سعيد واحلسن ِ‬
‫سعيد عن احلسن‪ ،‬أو يروي احلسن عن‬
‫تويف يف سنة مئة وعشرة للهجرة‪ ،‬فعندما يروي ٌ‬
‫سعيد بن املسيب‪ ،‬هذا يكون من رواية األقران بعضهم عن بعض‪ ،‬وقد أَّلف بعض أهل‬
‫مؤلفات يف رواية األقران ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫العلم‬

‫قال‪ " :‬وان روى كلٌ منهما عن اآلخر فالمدَّبج " ‪:‬‬

‫كل منهما ) يعين من القرينني‪ ،‬لو وجد عندنا قرينان‪ ،‬روى كل منهما عن اآلخر؛‬
‫( ٌ‬
‫فيقال له‪ :‬مدَّبج‪،‬‬

‫السِّن والُّلقي‪ ،‬وإن‬


‫متعاصَرين متشارَِكني يف ِّ‬
‫ِ‬ ‫ويشترط في المدَّبج ‪ :‬أن يكون الراويان‬
‫كان بعض أهل العلم يرون أنَّ املدَّبج هو رواية راويني عن بعضهما ‪ -‬ولو مل يشرتكا يف‬
‫السن واللقي‪. -‬‬

‫عدد من األحاديث يروي معمر عن الزهري‪ ،‬ومرةً روى الزهري‬ ‫مثال ذلك‪ :‬عندنا يف ٍ‬
‫عن معمر –مثًال‪ ،-‬فحينئٍذ الزهري أكرب من معمر بكثري‪ ،‬ليس مشاركًا له يف السنِّ‬
‫رواية للزهري عن معمر؛ فهل هذا من املدَّبج ؟ على كالم‬
‫وجدت ٌ‬‫ْ‬ ‫واللقي‪ ،‬ولكن لو‬
‫ُّ‬
‫املصنف ليس من املدبج؛ لعدم املوافقة يف السن‪ ،‬لكن عند طائفة من أهل احلديث‬
‫ِّ‬
‫رواية كل من الراويني عن بعضهما ‪.‬‬
‫ُيعّدونه من املدبج؛ ألن املدبج عندهم ُ‬
‫نوع آخر‪ :‬هو روايةُ األكابر عن األصاغر‪ ،‬بأن يروي ُ‬
‫كبري السنِّ عن صغري السن‪،‬‬
‫هذا كثري‪ ،‬ولكنَّ األكثر هو رواية األصاغر عن األكابر ‪.‬‬

‫ومن أنواع رواية األكابر عن األصاغر‪ :‬روايُة اآلباء عن أبنائهم؛ فيقول‪َّ :‬‬
‫حدثين ابين‬
‫بكذا ‪.‬‬

‫قال المؤلف‪ " :‬وفي عكسه "‪ :‬يعين رواية األبناء عن آبائهم " كثرة "‪،‬‬

‫مثال ذلك‪ :‬سامل عن ابن عمر‪ ،‬وعبداهلل ابن أمحد بن حنبل عن أبيه‪ ،‬وابن عمر عن عمر‬
‫‪.‬‬

‫قال‪ " :‬ومنه "‪ :‬يعين من رواية األصاغر عن األكابر‪ " :‬من روى عن أبيه عن جدِّه " ‪.‬‬

‫جده ‪.‬‬
‫مثل‪ :‬عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ‪ ،‬بَْه ُز بن حكيم عن أبيه عن ِّ‬

‫السابق‬
‫قال المؤلف‪ " :‬وإن اشترك اثنان عن شيخ‪ ،‬وتقدَّم موتُ أحدهما؛ فهو ّ‬
‫والالحق " ‪.‬‬

‫مثال ذلك‪ :‬عبداهلل يروي عن ابن أيب شيبه‪ ،‬واإلمام أمحد يروي عن ابن أيب شيبه‪ ،‬وبني‬
‫والحق‪ ،‬السابق يعين بالوفاة ‪،‬‬
‫سابق ِ‬
‫زمن طويل‪ ،‬هذا يقال له‪ٌ :‬‬
‫وفاتيهما ٌ‬

‫والمراد باصطالح السابق والالحِق‪ :‬الراويان اللذان يرويان عن راٍو واحد‪َّ ،‬‬
‫وتقدم‬
‫بزمن طويل ‪.‬‬
‫موت أحدمها على اآلخر ٍ‬

‫‪ ‬قوله ‪ -‬رحمه اهلل ‪ " : -‬وإن روى عن اثنين مِتفَق ي االسم ولم يتمَّيزا‪ ،‬فباختصاصه‬
‫بأحدهما يتبّين الُم همل " ‪:‬‬

‫وإن روى الراوي عن راويني اثنني‪ ،‬وهذان الراويان َّمتفِقا االسم ‪:‬‬
‫فإن كان هناك متييٌز عُمِل بالتمييز ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬

‫ظرنا‪ :‬هل خيتص بأحدمها‪ ،‬وأكثر األخذ عن أحدمها؛ فإنه‬


‫وإن مل يوجد متييٌز نَ ْ‬ ‫‪.2‬‬
‫حينئٍذ يُنسب إىل أنه ذلك الراوي‪ ،‬فينظر إىل احلال حبيث مل يتميز يف ٍ‬
‫رواية أخرى ‪.‬‬
‫كل من الراويني ثقًة‪ ،‬فإننا حينئٍذ‬
‫نظرنا‪ :‬فإن كان ٌ‬
‫وإن مل خيتص الراوي بأحدمها ْ‬ ‫‪.3‬‬
‫نصححه؛ ألنه ال يعدو هذين الراويني املوثوقني ‪.‬‬

‫‪ .4‬وإن كان يحتمل أن أحدمها ضعيف؛ كأن حيتمل الرتدد بني راويني أحدمها‬
‫ضعيف؛ فإنه حينئٍذ يتوقف فيه‪ ،‬واملتوقف فيه معناه أنه ال ُيعمل به ‪.‬‬

‫من أمثلة ذلك‪ :‬محاد ابن سلمه ومحاد ابن زيد‪ ،‬مها ِ‬
‫متقارنان‪ ،‬وقد يقع اللبس فيهما‪،‬‬
‫فحينئٍذ إن كان الراوي خمتصًا بأحدمها؛ فإننا حينئٍذ نقول وننسب أن تلك الرواية لذلك‬
‫الراوي الذي اختص عنه‪ ،‬وإن مل يتميز احلال باختصاص؛ فإننا نصحح احلديث؛ لأن كلًا‬
‫من محاد ومحاد ثقة‪ ،‬أحدمها من رجال الصحيحني‪ ،‬ومحاد بن سلمه من رجال مسلم ‪.‬‬

‫مثال آخر‪ :‬سفيان الثوري وسفيان ابن عيينة‪ ،‬عندما يروي وكيع ابن الزراع الرواسي‬
‫عن سفيان‪ ،‬ويسقط ومل يبني حاله‪ ،‬فحينئٍذ نقول هو سفيان الثوري؛ ألن أكثر رواية‬
‫ضعيفا فحينئٍذ ننظر‬
‫ً‬ ‫وكيع عن سفيان الثوري وقد اختص به‪ ،‬لكن لو كان أحد الراويني‬
‫إىل بقية الروايات‪ ،‬فإن متيَّز احلال من خالل تلك الروايات فبها وِنْع مْت ‪ ،‬وحنكم هبا أنه‬
‫متميز‪ ،‬وان مل يتميز احلال توقفنا ‪.‬‬

‫مثال ذلك‪ :‬ما ورد يف حديث الصَّبغ بالسواد‪ " :‬وأنهم أقوام كحواصل الطير‪ ..‬إلى‬
‫آخره"(‪ ,)116‬هذا احلديث ورد من طريق عبدالكرمي‪ ،‬ومل يتميز من هو عبد الكرمي ؟‬
‫هل هو عبد الكرمي اجلزري‪ ،‬أو عبد الكرمي ابن أيب خمالط‪ ،‬وأحد هذا الراويني ثقة‪،‬‬

‫‪ ) 116‬رواه أبو داود في كتاب الترجل‪ ،‬باب ما جاء في خضاب السواد‪ 4/87:‬برقم (‪ ،)4212‬والنسائي في كتاب الزينة‪ ،‬باب النهي عن الخضاب‬
‫بالسواد‪ 5/415:‬برقم (‪ ،)9346‬وأحمد في مسندعن ابن عباس رضي اهلل عنهما‪ ،‬وصححه األلباني في صحيح أبي داود‪.2/792:‬‬
‫روايات‬
‫ِ‬ ‫ترد رواية؛ فإننا نتوقف‪ ،‬لكن إذا تتبعْنا‬ ‫واآلخر ضعيف؛ فحينئٍذ لو َّ‬
‫قدرنا أنه مل ْ‬
‫احلديث قد جند ما يفيدنا أن املقصود أحد الراويني دون اآلخر ومن ثَم نعمل بقوله‪.‬‬

‫‪ ‬قوله ‪ -‬رحمه اهلل ‪ " : -‬وإن جحد الشيُخ مروَّيه جْز مًا ُرَّد‪ ،‬أو احتماًال ُقِبل – في‬
‫األصح ‪ ، -‬وفيه‪َ :‬مْن حَّد ث ونسي " ‪:‬‬

‫شيخ حديثًا من األحاديث‪ ،‬فقال الشيخ بعد ذلك‪ :‬هذا احلديث‬ ‫يعين‪ :‬إذا روى راٍو عن ٍ‬
‫أرِوه‪ ،‬فحينئٍذ يُ ُّ‬
‫رد ذلك احلديث؛ لأن أحد الراويني ‪ -‬إما‬ ‫أرِوه‪ ،‬وأنا أجزم بأنين مل ْ‬
‫مل ْ‬
‫واهم وخمطٌئ يف هذه الرواية‪ ،‬ولكن ال يكون ذلك قدٌح ال‬
‫الشيخ وإما التلميذ ‪ٌ -‬‬
‫يهم يف احلديث الواحد‪ ،‬فعندنا‬
‫بالشيخ وال بالتلميذ؛ لأن الراوي الذي تكثر رواياته قد ِ‬
‫فوهم يف حديثٍ واحد ال ميكن أن‬ ‫راٍو روى َ‬
‫ثالثة آالف حديث وأربعة آالف حديث ِ‬
‫بقية الروايات سنذكرها ً‬
‫أيضا‬ ‫بقية رواياته؛ من أجل هذا احلديث الواحد؛ لأن َ‬
‫نطرح َ‬
‫َ‬
‫واحد يف ثالث‬
‫واحد يف األلف أو ٍ‬
‫ونقارنُها برواية غريه‪ ،‬وكونه مل خيطئ إال بنسبة ٍ‬
‫آالف‪ ،‬هذا ال يؤثر على روايته سواًء كان ذلك الشيخ أو كان التلميذ الذي يروي عنه‬
‫‪.‬‬

‫رواية التلميذ احتماًال‪ ،‬فقال‪ :‬أنا ال أذكر هذا احلديث‪ ،‬هل هو ليس‬
‫الشيخ َ‬
‫ُ‬ ‫أما اذا جحد‬
‫من مرويه تلك الرواية ؟ قال‪ :‬اهلل اعلم‪ ،‬إين ال أذكره‪ ،‬فحينئٍذ يُقبل‪ ،‬كما هو مذهب‬
‫يردونه‪،‬‬
‫الأئمة الثالثة‪ :‬الشافعي‪ ،‬ومالك‪ ،‬وأمحد‪ ،‬خالفًا ملذهب أكثر احلنفية‪ ،‬احلنفية ُّ‬
‫والصواب‪ :‬هو قبوله؛ ألن كلًا من الراويني عَْدٌل ٌ‬
‫ثقة‪ ،‬فال جمال لتكذيبهما‪ ،‬الراوي‬
‫وارد على بين آدم‪ ،‬ويدل‬
‫عدل ثقة‪ ،‬فال نكذبه بمجرد النسيان؛ ألن النسيان ٌ‬
‫التلميذ ٌ‬
‫على هذا‪ :‬أن الصحابة والتابعني الزالوا يروون أحاديث قد نُسيتْ عنهم‪ ،‬ويقبلون‬
‫ذلك‪ ،‬وميثّلون له مبا ورد يف حديث أيب صاحل‪ ،‬حيث روى عن ربيعه ابن فروخ‪ ،‬أيب‬
‫عبدالرمحن‪ ،‬ربيعة الرأي حديثًا‪ ،‬فنسي الشيخ هذا احلديث‪ ،‬فكان بعد ذلك يقول‪:‬‬
‫حدثته بكذا‪ ،‬وقد قبلتْ األمَّة مثلَ هذا احلديث‪ ،‬ومل تشنِّْع عليه ‪.‬‬
‫ربيعة عنِّي ِّأني ُّ‬
‫حدثين ُ‬

‫مؤلفات بعنوان " من حدَّث‬


‫ٍ‬ ‫قال المؤلف‪ " :‬وفيه "‪ :‬يعين يف هذا الصنف ألّف العلماء‬
‫سَي " ‪.‬‬
‫ونَ ِ‬

‫قال المؤلف‪ " :‬وإن اتفق الرواةُ في صيغ األداء أو غيرها من الحاالت فهو‬
‫المسلسل " ‪.‬‬

‫يعين ‪ :‬املراد بصيغ األداء‪ :‬اللفظة اليت تكون بني الراويني‪ ،‬تقول‪ ( :‬حدَّثنا عن عكرمة‬
‫عن ابن عباس ) لفظة‪َ ( :‬عنْ ) هذه صيغة أداء‪ ،‬إذا متاثلتْ ُ‬
‫صيغ األداء يف مجيع طبقات‬
‫سل ‪.‬‬
‫سل َ‬
‫الم ْ‬
‫مسوه‪ُ :‬‬
‫اإلسناد َّ‬

‫[ تعريف الُم َس ْلَس ل ]‬

‫فالمسلسل‪ :‬هو ُ‬
‫توافق مجيع طبقات اإلسناد يف صيغة األداء ‪.‬‬

‫[ أنواع المسلسل ]‬

‫متعددة ‪:‬‬
‫جهات ِّ‬
‫ٍ‬ ‫التوافق فيها من‬
‫ُ‬ ‫وهذه الصيغة‬

‫حدثَنا ) ‪.‬‬
‫إمَّا من جهة القول‪ :‬يعين يشرتك مجيعًا يف قول‪ ( :‬مسعْتُ )‪ ،‬أو ( َّ‬ ‫‪.1‬‬

‫وإَّم ا يف الفعل‪ :‬كما ورد يف احلديث يف وصف طريقة النيب‪ -‬صلى اهلل عليه‬ ‫‪.2‬‬
‫طريقة‬
‫َ‬ ‫وسلم‪ -‬عند قراءة القرآن؛ من أجل حفظ ما يلقى إليه من الوحي‪ ،‬فكان يصف‬
‫حفظه وقراءته‪ ،‬فهذا مسلسل بالفعل ‪.‬‬

‫فابتسم عندما‬
‫حين" ‪ ،‬أو بابتسامٍ‪َ " :‬‬
‫أو قد يكون مسلسلًا بالمصافحة ‪ " :‬فصافَ َ‬ ‫‪.3‬‬
‫قال كذا " مث ابتسم‪ ،‬أوبالتعليق على احلديث بأي لفظٍ‪ ،‬أو شرحٍ؛ كأن يقول الراوي‬
‫عمر زمانَنا‪،‬‬
‫ابن َ‬
‫األول‪ ،‬قال ابن عمر‪ :‬فكيف لو رأى زمانَنا‪ ،‬فقال نافع‪ ،‬فكيف لو رأى ُ‬
‫فقال مالك‪ :‬كيف لو رأى نافٌع زمانَنا‪ ،‬فقال الشافعي‪ :‬كيف لو رأى مالكٌ زماننا‪ ،‬هذا‬
‫ضبطوا احلديث النبوي‪ ،‬ومل يهملوه‪ ،‬أو‬
‫يكون مسلسلًا؛ وبذلك نعرف أنَّ أئمةَ احلديث ُ‬
‫يقصروا فيه‪ ،‬بل بذلوا من أنفسهم الشيء الكثري؛ من أجل ضبط سنة النيب‪ -‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪. -‬‬

‫[ الخاتمة ]‬

‫خالصة ولساناً صادقاً‪،‬‬


‫ً‬ ‫صاحلا ً‬
‫ونية‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وعمال‬ ‫علما نافعاً‬
‫نسأل اهلل جل وعال أن يرزقنا وإياكم ً‬
‫مجيال وأن يوفق والة‬
‫ردا ً‬ ‫كما نسأله جل وعال أن يصلح أحوال األمة ‪ ،‬وأن يردهم إىل دينه ً‬
‫أمور املسلمني يف كل مكان إىل العمل بكتابه وبسنة نبيه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وأن جيعلهم‬
‫هداة مهتدين أسباب خري وصالح وسعادة للناس أمجعني ‪ ،‬كما أسأله جل وعال أن يوفق‬
‫والة أمرنا يف بالد احلرمني الشريفني لكل خري ‪.‬‬

‫هذا واهلل أعلم وصلى اهلل على نبينا حممد ‪.‬‬

‫ُطُطُرُرُقُقالتحُّم‬
‫التحُّمللووِصِصَي َيُغُغاألداء‬
‫األداء‬

‫قال – رحمه اهلل ‪: -‬‬

‫‪‬وِص يُغ األداء‪َ :‬س مْع ُت وحَّد ثِني‪ُ ،‬ثَّم أْخ بَر ِني وقرْأُت عليه‪ ،‬ثَّم ُقِر َئ عليه وأنا أْس مُع‪،‬‬
‫ُثَّم أْنبَأِني‪ُ ،‬ثَّم ناَو َلني‪ُ ،‬ثَّم شاَفَه ِني‪ُ ،‬ثَّم َك َتب إلَّي ‪ُ ،‬ثَّم َعْن ‪ ،‬ونحُو ها ‪.‬‬
‫فاألَّو الن ِلمْن سِم ع وحَد ه من لفظ الشيخ ‪ ،‬فإن جَمَع َفَمَع غيره ‪،‬‬
‫وأَّو ُلها ‪ :‬أصرُح ها وأرفُعها في اإلمالء ‪ .‬والَّثالث والَّر ابع ‪ :‬لَم ْن قرَأ بنفسه ‪ .‬فإن جَمَع‬
‫‪ :‬فهو كالخامس ‪.‬‬

‫واإلْنباُء بمعنى اِإل خباِر إال في ُعرِف المتَأّخ رين ؛ فهو لإلجازة كـ " َعْن " ‪.‬‬

‫وعْنعَنُة الُم عاِص ر َم ْح ُم وَلٌة على السَم اِع إال ِم ن المدِّلس ‪ ،‬وقيل ‪ُ :‬يشتَر ُط ُثبوُت لقاِئهما‬
‫ولو مَّرًة ‪ ،‬وهو المختار ‪ .‬وأطلقوا الُم شاَفهَة في اإلجازِة المتلَّف ِظ بها ‪ ،‬والُم كاَتبَة في‬
‫اإلجازة المكتوِب بها ‪ .‬واشترُطوا في صّح ة الُم ناَو لِة اقتراَنها باإلذِن بالِّر واية ‪ ،‬وهي‬
‫أرفع أنواع اإلجازِة ‪ .‬وكذا اشترطوا اإلذَن في الِو جاَد ِة ‪ ،‬والوصَّيِة بالكتاِب ‪،‬‬
‫ِم‬
‫واإلعالِم ‪ ،‬وإاّل فال ِع برَة بذِلك ‪ ،‬كاإلجازِة العاّمة ‪ ،‬وللمجهوِل والمعدو على األصِّح‬
‫في جميع ذلك ‪.‬‬

‫الشرح‬
‫الشرح‬

‫ومسيتْ صيغاً؛ ألن‬


‫مجع صيغةٍ‪ ،‬واملراد هبا‪ :‬األلفاظ املتكلم هبا؛ للداللة على شيء‪ّ ،‬‬
‫والصِيَُغ ُ‬
‫المتكلم يصوغ املعاين أو حنو ذلك ‪.‬‬

‫النوع الثالث‪ :‬اإلجازة؛ بأن يقول الشيخ‪ :‬أجيز لك‪ ،‬أو آذن لك أن تروي عنِّي هذه‬
‫األحاديث ‪.‬‬

‫[ مراتب اإلجازة ]‬

‫واإلجازة على مراتب متعددة ‪:‬‬

‫المناوَلة؛ بأن ّ‬
‫يسلمه احلديث‪ ،‬ويقول‪ :‬اِْرو هذا احلديثَ عنِّي ‪ ,‬فهذا‬ ‫المرتبة األولى‪ُ :‬‬
‫سمى املناولة ‪.‬‬
‫يُ َّ‬
‫المشاَفهة؛ بأن ال يكون هناك مناولة‪ ،‬وال إعطاء الكتاب‪ ،‬ولكن َّ‬
‫يتلفظ‬ ‫المرتبة الثانية‪ُ :‬‬
‫الكتاب الفالين‪ .‬المرتبة الثالثة‪:‬‬
‫َ‬ ‫تروي عنِّي احلديثَ الفالين‪ ،‬أو‬
‫معه‪ ،‬و يقول‪ :‬أجيز لك أن َ‬
‫أذنت لك أن تروي عنِّي‬
‫بلد إىل بلدٍ‪ ،‬و يقول له‪ُ :‬‬ ‫المكاتبة؛ بأن يكتب إليه ً‬
‫كتابا من ٍ‬
‫احلديث الفالين‪ ،‬والكتاب الفالين‪ ،‬هذا التقسيم من تقاسيم اإلجازة ‪.‬‬

‫[ أقسام اإلجازة باعتبار المجيز والمجاز له ]‬

‫تقسيم آخر لإلجازة باعتبار الُم جيز واملُجاز له؛ فإن اإلجازة تنقسم إىل أربعة أقسام‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وهناك‬
‫وبعضهم يوصلها إىل ستة أقسام ‪:‬‬

‫األول‪ :‬إجازة خاص لخاص؛ بأن جييز أحاديث معيَّنة لشخصٍ بعينه؛ كأن يقول‪ :‬يا حممد‬
‫بن فالنٍ أجيز لك أن تروي عنِّي احلديث الفالين؛ فهذه إجازة خاصة؛ ألن هذا احلديثَ‬
‫ُ‬
‫خاصٌ خلاص‪ ،‬لشخصٍ واحدٍ‪ ،‬أو اثنني‪ ،‬أو ثالثة‪ ،‬أو أربعة‪ ,‬وهذا أعلى مراتب اإلجازة ‪.‬‬

‫عام لعام؛ بأن يقول‪ :‬أجيز ألهل الطائف –‬


‫إجازة ٍ‬
‫ُ‬ ‫والثاني‪ - :‬وهو أقل مراتب اإلجازة ‪-‬‬
‫مجيع مروياته‬
‫مجيع مرويايت‪ ،‬فهنا اجملاز له عام‪ ،‬واحلديث اجملاز فيه عام َ‬
‫مثالً‪ -‬أن يرووا عنِّي َ‬
‫‪.‬‬

‫لعام؛ كأن أقول‪ :‬أجيز ألهل الطائف أن‬


‫إجازة خاصٍ ٍ‬
‫ُ‬ ‫[ الثالث ]‪ - :‬وبينهما مرتبتان ‪-‬‬
‫يرووا عنِّي احلديثَ الفالين ‪.‬‬

‫بن علي اِْرو عنِّي مجيع مرويايت ‪.‬‬ ‫عام لخاص؛ كأن أقول‪ :‬يا ُ‬
‫حممد ُ‬ ‫وإجازة ٍ‬
‫ُ‬ ‫[ الرابع ] ‪:‬‬

‫اإلجازة للمجهول؛ بأن يقول‪- :‬‬


‫ُ‬ ‫أقل منهما‪ -‬وهي‬
‫[ الخامس ]‪ - :‬وهناك مرتبتان ُ‬
‫يروي عنِّي حديثي‪ ،‬من الذي يأخذ ؟ ال يعرف ‪,‬هذه‬
‫طلب العلم أن َ‬
‫أجيز ملَْن أراد َ‬
‫مثالً‪ُ -‬‬
‫إجازةٌ جملهول ‪.‬‬
‫لمعدوم؛ كأن أقول‪ :‬أخي ٌ‬
‫حممد سيتزوج بعد‬ ‫ٍ‬ ‫[ السادس ]‪ - :‬كذلك أقل منها ‪ٌ -‬‬
‫إجازة‬
‫ثالثة أشهر‪ ،‬أخي عبد الرمحن سيتزوج بعد شهر‪ ،‬فذريّتُه الذين سيولدون بعد زواجه أجيز‬
‫هلم أن يرووا عنِّي مرويايت‪ ،‬أو يرووا عنِّي احلديثَ الفالين‪ ،‬كم عدد أوالده ؟ مل يأتوا بعد‪،‬‬
‫فحينئذ يكون من باب اإلجازة‬
‫ٍ‬ ‫فهم إىل اآلن معدومون‪ ،‬أوالد عبد الرمحن إىل اآلن مل يأتوا‪،‬‬
‫ملعدوم ‪.‬‬

‫[ مراتب تحّم ل الحديث ]‬

‫إذاً تقدم معنا ثالثُ مراتب‪:‬‬

‫المرتبة األولى‪ :‬قراءة الشيخ ‪.‬‬

‫والثانية‪ :‬قراءة على الشيخ ‪.‬‬

‫والثالث‪ :‬اإلجازة ‪.‬‬

‫المرتبة الرابعة‪ :‬الوجادة؛ حبيث أجد ً‬


‫حديثا من أحاديث شيخي خبطه الذي أعرفه‪ ،‬وأتأكد‬
‫سمى وجادة‪ ،‬يعين وجدت هذا احلديث‪ ،‬وهو أقل مراتب التحمل‪ ،‬هذا‬
‫فحينئذ هذا يُ َّ‬
‫ٍ‬ ‫منه‪،‬‬
‫كله يف مراتب التحمل ‪.‬‬

‫[ صيغ أداء الحديث ]‬

‫وبعد ذلك تأتينا صيغ لألداء؛ ألهنا مبنية على مراتب التحمل‪ ،‬ما هي صيغ األداء؟ األلفاظ‬
‫اليت يتكلم هبا الراوي عند روايته للحديث‪ ,‬هذا قال‪ " :‬حدَّثني "‪ ،‬أو " أخبرَنا "‪ ،‬أو حنو‬
‫ذلك ‪.‬‬

‫[ ُرَتُب األداء ]‬

‫هذا على أنواع ‪:‬‬


‫الرتبة األولى‪ :‬أن يقول‪ " :‬سمعتُ شيخي يقول كذا "‪ ،‬فهذا بأعلى املراتب‪ ،‬ال يتطرق‬
‫وحينئذ من الذي يكون املتكلم ؟ من أي أنواع التحمل يكون ؟ من‬
‫ٍ‬ ‫احتمال االنقطاع‪،‬‬
‫ُ‬ ‫إليه‬
‫قراءة الشيخ؛ أن يقرأ هو والشيخ يتابع‪ ،‬مث إذا سكت الشيخ يقول الكالمَ‪ ،‬و إمنا هذا يف‬
‫سمعَْنا " ‪.‬‬
‫ت "‪ ،‬و إن كان معه مجاعة قال‪ِ " :‬‬
‫سمع ُ‬
‫وحده قال‪ْ " :‬‬
‫القراءة للشيخ‪ ،‬فإن كان َ‬

‫صيغة للنوع الأول‪ ،‬و هي قراءة‬


‫تصريح أو ٌ‬
‫ٌ‬ ‫الرتبة الثانية‪ :‬رتبة " حدَّثَِني "‪ ،‬وهذه الرتبة هي‬
‫وحده‪ " : -‬حدَّثني " ‪ ،‬وإن كان معه مجاعة قيل‪ " :‬حدَّثَنا‬
‫الشيخ‪ ،‬ويقول فيها ‪ -‬إن كان َ‬
‫"‪.‬‬

‫الرتبة الثالثة‪ :‬لفظة " أخبرَنِي " ‪ ،‬وهذا فيما إذا كان التلميذ هو الذي يقرأ على الشيخ يف‬
‫املرتبة الثانية من مراتب التحمل‪ ،‬فإن كان وحده قال‪ " :‬أخبرََني "‪ ،‬و إن كان معه غريه‬
‫قرأَ‪ ،‬و إذا قال‪ " :‬أخبرَنا "‬
‫قال‪ " :‬أخبرَنا "‪ ،‬فإذا قال " أخبرني " فمعناه‪ :‬أنه هو الذي َ‬
‫غريه ‪.‬‬
‫معناه‪ :‬أنه معه مجاعة‪ ،‬وأنَّ القارئَ ُ‬

‫الرتبة الرابعة‪ :‬أن يقول " قرأتُ عليه "‪ ،‬وهذه ً‬


‫أيضا من المرتبة الثانية من مراتب التحمل‪،‬‬
‫وهي مرتبة القراءة على الشيخ ‪.‬‬

‫الرتبة الخامسة‪ُ " :‬قرئَ على الشيخ و أنا أسمع "‪ ،‬فهي ً‬
‫أيضا من أنواع القراءة على‬
‫الشيخ ‪.‬‬

‫الرتبة السادسة‪ :‬أن يقول‪ْ " :‬أنبأَنِي "‪ ،‬واإلنباء لفظة " ْأنبأَنِي "‪ ،‬هذا موطن خالف بني‬
‫أهل العلم‪ ،‬واملتأخرون جيعلوهنا من اإلجازة‪ ،‬وليست من القراءة على الشيخ‪ ،‬وال من قراءة‬
‫الشيخ‪،‬‬

‫[ صيغ األداء مختصرة ]‬

‫فحينئذ تالحظون أنَّ أهل العلم خيتصرون هذه األلفاظ‪،‬‬


‫ٍ‬
‫‪ ‬فإذا قالوا‪ " :‬ثََنا " املراد " َّ‬
‫حدثَنا " ‪.‬‬

‫‪ ‬وإذا قال‪ " :‬نَا " فاملراد " أخْبرَنا " ‪.‬‬

‫‪ ‬وإذا قال‪ ":‬أنا" فاملراد " ْأنبأَنا " ‪.‬‬

‫‪ ‬مث بعد ذلك لفظة " ناولَني " ‪ ،‬هذه يف املناولة يف رتبة اإلجازة ‪.‬‬

‫شافهَني ‪ -‬هذا يف أنواع اإلجازة ‪. -‬‬


‫‪ ‬مث َ‬

‫تب إليَّ " ‪ ،‬هذا يف املكاتبة ‪.‬‬


‫‪َّ ‬مث " َك َ‬

‫مدلس مل تُقبل ‪ ،‬و إن‬ ‫‪ ‬مث بعد ذلك صيغة " َعنْ " اليت قلنا ً‬
‫سابقا أهنا إن كانتْ من ِّ‬
‫مدلس ُقبلتْ ‪.‬‬
‫كانت من غري ِّ‬

‫أن فالنًا قال "‪ ،‬و" قال فالن‬


‫حوها " أي حنو صيغة "َعنْ "‪ ،‬كقوله‪ّ " :‬‬
‫قال المؤلف‪ " :‬ونَ ْ‬
‫ذكر فالن "‪ ،‬وحنوها من الصيغ ‪.‬‬
‫"‪ ،‬و " َفعَل فالن "‪ ،‬و" َ‬

‫واإلنباء بمعنى اإلخبار‪ْ " :" ..‬أنبأَنا " يف األصل أهنا مبعىن " أخْبرَنا " ‪،‬‬
‫قال المؤلف‪ْ " :‬‬
‫تقدم معناه أنَّ " أخبرَنا " هي يف القراءة على الشيخ‪ ،‬ولكن يف عرف املتأخرين ُ‬
‫صرفتْ‪ ،‬و‬ ‫َّ‬
‫حينئذ كلفظة " َعنْ‬
‫مل جتعل يف رتبة القراءة على الشيخ‪ ،‬وإمنا من ُرتَب اإلجازة‪ ،‬فتكون ٍ‬
‫"‪.‬‬

‫‪ ‬قوله ‪ -‬رحمه اهلل ‪ " : -‬وعْنعَنُة الُم عاِص ر محمولٌة على السماع إال من المدِّلس‪،‬‬
‫وقيل‪ُ :‬يشتَر ط ثبوت لقائهما ولو مَّرًة‪ ،‬وهو المختار " ‪.‬‬

‫العنَْعنُة هل هي مقبولة ؟ نقول‪ :‬ما هي العنعنة ؟ أن يروي الراوي احلديثَ عن شيخه بلفظ‬
‫أن فالناً "‪ ،‬و" فعل فالن " و " قال فالن "‪ ،‬هذه‬
‫" عن فالن "‪ ،‬وبالصيغ املماثلة‪ ،‬مثل‪َّ " :‬‬
‫صيغة العنعنة‪ ،‬هل هي مقبولة أو ليست مقبولة ؟‬
‫الصيغ ُ‬
‫مدلس فإهنا ال تقبل بال إشكال ‪.‬‬
‫‪ .1‬إن كانتْ من ِّ‬

‫رواية عن شيخ مل ْيلقَه؛ بأن يكون‬


‫مدلس‪ ،‬لكنَّها ٌ‬
‫‪ .2‬وإن كانت هذه الصيغة من غري ِّ‬
‫سمونه " مُرسَل " ؛ لوجود االنقطاع‬
‫معاصر له‪ ،‬مات قبله بأربعني سنة‪ ،‬هذا يُ ُّ‬
‫ٍ‬ ‫غري‬
‫َ‬
‫‪.‬‬

‫مدلس؛ روى‬ ‫‪ .3‬الحالة الثالثة‪ :‬أن يكون معاصِراً له‪ ،‬وقد ثبتتْ لقياه له‪ ،‬وهو راوٍ ُ‬
‫غري ِّ‬
‫مقبولة باتفاق‬
‫ٌ‬ ‫املعاصر الذي ثبتتْ لقياه بلفظ " َعنْ " و ما شاهبها‪ ،‬فهذه‬
‫ِ‬ ‫عن شيخه‬
‫أهل العلم ‪.‬‬

‫‪ .4‬الحالة الرابعة‪ :‬ما يتعلق بالعنَْعنة؛ أن يكون الشيخ معاصِراً لتلميذه الراوي عنه؛‬
‫فحينئذ هل يُقبل احلديث أو ال يقبل ؟‬
‫ٍ‬ ‫لكنَّه مل يثبتْ لقاؤه له؛‬

‫مشاركٍ له‪،‬‬ ‫نمثل لذلك بمثال‪ :‬عبد الرزاق ‪ -‬يف اليمن ‪ -‬روى عن معمر ‪ٍ -‬‬
‫تلميذ له ‪ِ -‬‬
‫قدْرنا أنه روى عنه راوٍ‬
‫ومعاصرٍ‪ ،‬وبالتايل ال إشكال فيما رواه عنه بالعنعنة‪ ،‬لكن لو َّ‬
‫ِ‬ ‫وخمالِ ٍ‬
‫ط‬
‫عرف بالذهاب إىل اليمن‪ ،‬ووقته كله يف مصر‪ -‬مثالً‪ -‬و مل يثبتْ لقاء الليث مع عبد‬
‫مل يُ ْ‬
‫فحينئذ هو معاصٌِر له‪ ،‬روى عنه بصيغة العنعنة؛‬
‫ٍ‬ ‫الرزاق‪ ،‬أو شعيب ابن الليث ابن سعد‪،‬‬
‫صرح فيه بالتحديث أو باللقيا أو ال يشرتط ذلك ؟‬
‫وجود طريق آخر َّ‬
‫ُ‬ ‫فهل يشرتط‬

‫مرة ‪ ، "..‬وهذه هي طريقة اإلمام‬


‫قال المؤلف‪ " :‬و قيل يشترط ثبوتُ لقائهما و لو َّ‬
‫البخاري يف صحيحه‪ :‬أن فالنًا يروي حديثًا بصيغة العنعنة عن رجل آخر إال إذا ثبت اللقيا‬
‫بينهما ‪.‬‬

‫غري‬
‫ومجهور أهل العلم يكتفون باملعاصرة‪ ،‬وال يشرتطون حتقق ُّاللقيا؛ ما دام أن الراوي ُ‬
‫اللقيا ‪.‬‬
‫ثبوت ُّ‬
‫القول اآلخر القائل باشرتاط ِ‬
‫مدلس‪ ،‬واختار املؤلف َ‬
‫ِّ‬
‫املشافهةَ نوعٌ من أنواع اإلجازة‪ ،‬وهي أن يقول‪:‬‬ ‫المشافَهة "‪َّ ،‬‬
‫تقدم معنا أنَّ َ‬ ‫املؤلف‪ُ " :‬‬
‫قال ِّ‬
‫عني الحديث الفالني " بدون أن َ‬
‫يناوله‪ ،‬وبدون أن يكتب إليه‪،‬‬ ‫" أجيزُ لك أن تروي ِّ‬
‫ويكون حاضراً معه ‪.‬‬

‫قوله‪ " :‬وأطلقوا المشافهة "‪ :‬يعين لفظ " َشَافهني " يف اإلجازة املتلفَّظ هبا بدون أن‬
‫المكاتبة " فهي نوع من أنواع اإلجازة‪ ،‬وهو‬
‫َ‬ ‫يكون هناك كتابة وال مناولة‪ ،‬وبعدها رتبة "‬
‫يف اإلجازة املكتوبة ‪.‬‬

‫المناولة اقترانَها باإلذن بالرواية "‪ :‬لو َّ‬


‫سلم له‬ ‫قال المؤلف‪ " :‬واشترطوا في صحة ُ‬
‫آذن لك‬
‫كتاباً‪ ،‬قال‪ " :‬خذ هذا الكتاب‪ ،‬هذا مروياتي في باب كذا "‪،‬و مل يقل له‪ُ " :‬‬
‫بالرواية‪ ،‬أو أجيز لك بالرواية " ؛ فإنه ٍ‬
‫حينئذ ال حيق له أن يرويه عنه‪ ،‬فمن شروط‬
‫وجادة ‪.‬‬
‫ً‬ ‫الصريح بالرواية؛ فإنْ مل يأذنْ حتوَّل من كونه إجازةً إىل كونه‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اإلذن‬ ‫املناولة‪:‬‬

‫قال املؤلف‪ " :‬وهي "‪ :‬يعين املناولة " أرفع أنواع الإجازة " ؛ ألن فيها ً‬
‫إذنا و مشافهةً‬
‫ومكاتبة وزيادةَ مناولة‪ ،‬فهي أرفع أنواع اإلجازة ‪.‬‬
‫ً‬

‫اإلذن ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الطريقة الرابعة من طرق التحمل‪ :‬الوجادة‪ ،‬ويشرتط يف الوجادة‪:‬‬

‫قال املؤلف‪ " :‬وكذا اشترطوا اإلذن في الوجادة‪ ،‬والوصية بالكتاب‪ ،‬واإلعالم " ‪ :‬يعين‬
‫الوصية يف الكتابة‪ ،‬و هذا ‪ -‬صحة‬
‫َ‬ ‫اإلذن بالوجادة‪ ،‬كما اشرتطوا‬
‫اشرتط أهلُ املصطلح َ‬
‫الرواية يف الوجادة ‪ -‬موضع خالف‪.‬‬

‫[ حكم اإلجازة ]‬

‫قبل هذا‪،‬هل اإلجازة طريق صحيٌح للرواية أو ليس طريقًا صحيحًا جبميع أنواعها؟‬

‫صحيح ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫‪ ‬مذهب اجلمهور‪ :‬أن الُم ناولةَ منها ٌ‬
‫طريق‬
‫ِة ِك‬ ‫ِم‬ ‫ِد ِث‬
‫ويستدلون على ذلك‪َ :‬حِب ي النيب ‪َ ‬ح ْيُث َك َتَب َأِل ِري الَّس ِر َّي َتاًبا وقال‪ :‬اَل َتْق َر ْأُه‬
‫حىت َتْبُلَغ َم َك اَن َك َذ ا َو َك َذ ا فلما َبَلَغ ذلك اْلَم َك اَن َقَر َأُه على الناس َو َأْخ َبَر ُه ْم ِبَأْم ِر النيب‪‬‬
‫"(‪ ، )117‬فهذا نوع من أنواع إجازة الرواية‪ ،‬فهو املناولة‪ ،‬وليس فيه قراءةٌ من الشيخ وال‬
‫من التلميذ‪ ،‬ومع ذلك أوجب النيب ‪ ‬عليهم َ‬
‫العمل هبا‪ ،‬فدل على أن اإلجازة ٌ‬
‫طريق‬
‫صحيح للرواية ‪.‬‬
‫ٌ‬

‫طريقة صحيحةً للرواية؛‬


‫ً‬ ‫‪ ‬وأما الوجادة؛ فجمهور أهل العلم على أهنا ليستْ‬
‫الحتمال وقوع الغلط فيها‪ ،‬ولتشابه اخلطوط‪ ،‬وألنه قد يكون السبب الذي جعله‬
‫ضبطا تاماً‪ ،‬فلما خشي من‬
‫يضبطها ً‬
‫مل جيز لرواية هذه األحاديث ‪ -‬هو أنه مل ْ‬
‫وقوع الضبط فيها مل يأذنْ ألحد بروايتها ‪.‬‬

‫علمك أن هذا الكتاب من مروياتي" فهل‬


‫قال املؤلف‪ " :‬وفي اإلعالم " ‪ :‬لو قال له ‪":‬أُ ُ‬
‫جيوز للمقول له أن يروي ذلك احلديث‪ ،‬فيقول‪ :‬عن فالن ؟‪ ,‬نقول‪ :‬هذا فيه تفصيلٌ‪ :‬إن‬
‫مناولة أو‬
‫ً‬ ‫فحينئذ يكون إما‬
‫ٍ‬ ‫كان املتكلم األول قال‪ " :‬هذا مروياتي‪ ،‬وأجيز لك روايتَه " ‪,‬‬
‫وأما إن كان مل يأذنْ فإهنم ال جييزون الرواية‪ ,‬فلو قال‪ " :‬إن‬
‫مشافهة‪ ،‬وبالتايل جيوز روايتُه‪َّ ،‬‬
‫الحديث الفالني من مروياتي" ومل يقرأه عليه‪ ،‬ومل يقرأ التلميذ‪ ،‬ومل جيزه يف روايته‪ ،‬وإمنا‬
‫فحينئذ ال حيق للمقول له أن يروي ذلك احلديث ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫جمرد إعالم‪،‬‬
‫أخربه عنه َ‬

‫[ حكم اإلجازة العامة ]‬

‫جييز‬ ‫قال المؤلف‪ " :‬كاإلجازة العامة "‪َّ :‬‬


‫تقدم معنا أنَّ املراد باإلجازة العامة‪ :‬هو أن َ‬
‫عني‬
‫للعموم بدون تفصيل للمجاز له؛ كأن يقول‪ " :‬أجيز ألهل الطائف أن يرووا ِّ‬
‫الحديث الفالني " فهذه الصيغة ال يعتربها ّ‬
‫املؤلف من صيغ اإلجازة املقبولة‪،‬‬

‫‪ ) 117‬رواه البخاري معلقًا في كتاب العلم‪َ ،‬باب ما ُيْذ َك ُر في اْلُم َناَو َلِة َو ِكَتاِب َأْه ِل اْلِعْلِم ِباْلِعْلِم إلى اْلُبْلَد اِن ‪ ،1/35 :‬ووصله الحافظ ابن حجر من طريقين‪:‬‬
‫إحداهما مرسلة‪ ،‬واألخرى موصولة‪ ،‬ثم ذكر له شاهدًا‪ ،‬وقال‪ :‬فبمجموع هذه الطرق يكون صحيحاً‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري‪ ،1/155 :‬وتغليق التعليق‪/2:‬‬
‫‪. 76-74‬‬
‫[ حكم اإلجازة للمجهول ]‬

‫أيضا اإلجازةُ للمجهول؛ فلو قال ‪ " :‬أجيز ألبناء محمد الذين من صلبه رواية‬
‫وهكذا ً‬
‫هذه األحاديث "‪ ،‬وهو ال يعلمهم‪ ،‬من هم أبناؤه ؟ فإهنم ٍ‬
‫حينئذ ال يصح روايتهم ‪.‬‬

‫[ حكم اإلجازة للمعدوم ]‬

‫عني‬
‫أجزت ألبناء عبد الرحمن أن يرووا ِّ‬
‫ُ‬ ‫وهكذا للمعدوم ‪ -‬كما قلنا ‪ -‬فيما قد قال ‪" :‬‬
‫الحديث "‪ ،‬وعبد الرمحن إمنا سيتزوج بعد عشرين يوماً‪ ،‬فإنه ٍ‬
‫حينئذ ال تصح هذه اإلجازة‬
‫‪.‬‬

‫قال المؤلف‪ " :‬على األصح في جميع ذلك "‪ً :‬‬


‫إشارة لوجود اخلالف يف هذه املسائل؛‬
‫وبعضهم يصحح‬ ‫فإن بعض أهل العلم يصححون الوجادة ‪ ،‬ويصححون الوصية‪،‬‬
‫اإلجازةَ العامة‪ ،‬وللمجهول‪ ،‬وللمعدوم‪ ،‬لكنَّ الصواب على عدم صحة ذلك ‪ ,‬وهذا كله‬
‫فيما يتعلق برواية غري صحايب عن شيخه ‪.‬‬

‫[ صيغ األداء للصحابة ]‬

‫متعلقة برواية الصحابة من صيغ األداء السابقة‪ ،‬هذه هي متعلقة مبا‬


‫ٌ‬ ‫وهناك مراتب للرواية‬
‫يكون من التابعي فما بعده ‪.‬‬

‫عدد من القرائن ‪.‬‬ ‫أما األحاديثُ املروية من النيب ‪ ‬فإنَّ الصحابة هلم ٌ‬
‫عدد من الصيغ‪ ،‬أو ٌ‬

‫الصيغة األولى‪ :‬أن يقول‪ " :‬سمعتُ " ‪ ،‬وهذه هي أعلى املراتب‪ ،‬ومثلها ما كان مقارنًا‬
‫مماثلًا هلا‪ ،‬كما لو قال‪ " :‬رأيت رسول اهلل يفعل كذا " و" أخبرني رسول اهلل ‪ ‬بكذا‬
‫"‪ ،‬و" قال لي رسول اهلل ‪ ‬كذا " ‪ ،‬من األلفاظ املشعرة مبباشرة الصحايب برواية احلديث‪،‬‬
‫هذه هي أعلى املراتب ‪.‬‬

‫حمتمٍل لالنقطاع‪ ،‬كما لو قال أبو هريرة‪ " :‬أن‬ ‫الصيغة الثانية‪ :‬ما نطقه الصحايب ٍ‬
‫بلفظ ِ‬
‫رسول اهلل ‪ ‬قال كذا"‪ ،‬فهذا حيتمل أن يكون أبو هريرة مل يرو عن النيب ‪ ‬مباشرةً‪ ،‬وإمنا‬
‫قليل ‪ -‬ال شك‪َّ ،-‬مث لو فرض أن الصحابي‬
‫االحتمال ٌ‬
‫َ‬ ‫هو من مراسيل الصحابة‪ ,‬لكنَّ هذا‬
‫إذا أسقط شيخه؛ فإن الظَّن أن الصحابة ال يروون إال عن صحابة‪ ،‬ومراسيل الصحابة‬
‫مقبولة ‪ -‬كما تقدم ‪. -‬‬
‫ٌ‬

‫الصيغة الثالثة‪ :‬أن يعبِّر عن احلديث مبعناه‪ ،‬أن يروي احلديث مبعناه يف اللغة‪ ،‬كما لو قال‬
‫صحايب‪ " :‬أمر رسول اهلل ‪ ‬بكذا‪ ،‬ونهى رسول اهلل ‪ ‬عن كذا ‪ ،‬وأخبر بكذا‪ ،‬وقضى‬
‫بكذا " ؛ فإن هذا حيتمل االنقطاع ‪ -‬كما تقدم يف الفصل الثاين‪ ،-‬وحيتمل ً‬
‫أيضا أن يكون‬
‫فهمه خاطئاً؛ لذلك رد بعض الفقهاء هذا النوع من أنواع ألفاظ الصحابة‪ ،‬وقال آخرون‪:‬‬
‫فهما هلا؛ فال ميكن أن يقول الصحايب‪ " :‬أمر‬
‫الصحابة هم أهل اللغة‪ ،‬وهم أكثر الناس ً‬
‫رسول اهلل ‪ ‬بكذا " إال إذا كان ذلك املدلول منبثقًا من لغة العرب؛ ألهنم عرفوا‬
‫وصحيح ومعمولٌ به ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫مقبول‬ ‫الصحابة‪ ،‬ولذلك الصواب يف هذا النوع أنه‬

‫الصيغة الرابعة‪ :‬أن يقول الصحايب‪ " :‬أُمِرْنا بكذا‪ ،‬ونُهينا َعنْ كذا‪ ،‬ورخَّص لنا بكذا‪،‬‬
‫السَنة كذا" ؛ َّ‬
‫ألن هذا حيتمل احتماالت‪:‬‬ ‫ومن ُّ‬

‫االحتمال األول‪ :‬عدم االتصال‪ ،‬أولى االحتماالت‪ :‬االنقطاع وعدم االتصال؛ ألنه قد‬
‫يكون مل يروه عن النيب ‪ ‬مباشرةً‪.‬‬

‫غري صحيح‪ ،‬فسر على غري املراد به‪ ،‬فأمر ما ليس‬ ‫االحتمال الثاني‪ :‬أن يكون ُ‬
‫فهم الراوي َ‬
‫بأمر‪ ,‬هذا االحتمال ضعيف؛ ألن الصحابة هم أهل اللغة وأفهم الناس بلغة العرب ‪.‬‬
‫منسوبا إىل النيب ‪ ،‬وإمنا قول الصحايب‪" :‬‬
‫ً‬ ‫واالحتمال الثالث‪ :‬أن يكون ذلك اللفظ ليس‬
‫غري النيب ‪ ،‬مثلَ أيب بكر وعمر وغريهم من الصحابة‪،‬‬
‫مرنا بكذا" احتمل أن يكون اآلمر َ‬
‫أُ ْ‬
‫سنة النيب ‪ ،‬وإمنا طريقة الصحابة‬
‫مراده ليست َ‬
‫وهكذا إذا قال‪ " :‬من السنة " احتمل أن َ‬
‫عدل ال يورد هذه اللفظة على جهة‬
‫يف هذا الفعل‪ ،‬وهذا ما ال يكون؛ ألن الصحايب ٌ‬
‫االحتجاج هبا إال إذا ثبت لديه لفظُ النيب ‪. ‬‬

‫الصيغة الخامسة‪ :‬أن يقول الصحايب‪ " :‬كانوا في عهد النبوة يفعلون كذا " ‪ ،‬وهذه‬
‫أيضا أن يكون النيب ‪ ‬مل يطلع على ذلك‬
‫أيضا حتتمل الاحتماالت األربعة السابقة‪ ،‬وحتتمل ً‬
‫ً‬
‫الفعل‪ ،‬مثل حديث‪ " :‬كنا نعزل على عهد رسول اهلل "(‪ ، )118‬وحديث‪ " :‬كنا نفاضل‬
‫بين الصحابة على عهد رسول اهلل "(‪ ،)119‬وحنو ذلك من الصيغ‪ ،‬والصواب أن هذه َ‬
‫الرتبة‬
‫فعال خمالفًا لشرعه ‪.‬‬
‫حمتج هبا؛ ألن اهلل ‪ -‬جل وعال ‪ -‬ال يقّر يف عهد النبوة ً‬
‫ٌ‬

‫‪‬‬

‫معرفةالرواة‬
‫الرواة‬ ‫معرفة‬

‫قال – رحمه اهلل ‪: -‬‬

‫‪ُ ‬ثَّم الُّر واة‪ :‬إن اتفقْت أسماؤهم وأسماُء آباِئهم فصاعدًا واختلفْت أشخاصهم ؛ فهو‬
‫المَّتِف ق والُم فَتِر ق ‪ ،‬وإن اتفقْت األسماُء خّطًا واختلفْت ُنْطقًا ؛ فهو المؤتِلْف‬
‫والمختِلْف ‪ ،‬وإن اتفقْت األسماُء واختلفْت اآلباُء ‪ ،‬أو بالعكس ؛ فهو المتشاِبه ‪،‬‬
‫‪ ) 118‬تقدم تخريجه‪ ،‬ص‪. 88 :‬‬

‫‪ ) 119‬تقدم تخريجه‪ ،‬ص‪. 88 :‬‬


‫وكذا إْن وقع ذلك االتفاُق في اسٍم واسِم أٍب واالختالُف في الِّنسبة ‪ ،‬ويرّك ب منه‬
‫ومَّم ا قبله أنواع ؛ منها‪ :‬أن يحصل االتفاق أو االشتباه إال في حرٍف أو حرفين‪ ،‬أو‬
‫بالتقديم والتأخير‪ ،‬ونحو ذلك ‪. ‬‬

‫الشرح‬
‫الشرح‬

‫بصيغ األداءِ انتقل إىل الكالم عن أنواعٍ من أنواعِ علومِ احلديث ‪:‬‬
‫يتعلق ِ‬
‫املؤلف ما َّ‬
‫بعد ذكر ِّ‬

‫[ تعريف المَّتِف ق والمفتِر ق ]‬

‫واسم أبيه مع اسم راوٍ آخر‬


‫امسه ُ‬ ‫النوع األول ‪ :‬المتَّفِقُ والمُفتِر ُق ‪ ،‬واملراد به‪ :‬مَن َ‬
‫اتفق ُ‬
‫واسم أبيه ‪.‬‬
‫ِ‬

‫ثقة‬ ‫مثال ذلك ‪ :‬ما ذكر عن حممد بن جرير؛ فإن هناك راويني هبذا االسم‪ ،‬أحدمها ٌ‬
‫إمام ٌ‬
‫أمساء عديدة حيصل االتفاق بني‬
‫أيضا هناك ٌ‬
‫متكلٌم فيه‪ ،‬وهكذا ً‬
‫صاحب التفسري‪ ،‬واآلخر َّ‬
‫ف‪.‬‬
‫الراويني‪ ،‬هذا يسمى مُتَّفٌِق ومُختَِل ٌ‬

‫[ تعريف المؤتِلُف والمختِلف ]‬

‫اتفقت أمساؤه واختلفت طريقة نطقه ‪.‬‬


‫ْ‬ ‫ف‪ ،‬واملراد به‪ :‬ما‬
‫والمختلِ ُ‬
‫ف ُ‬ ‫المْؤتلِ ُ‬
‫النوع الثاني ‪ُ :‬‬

‫اتفقت بطريقة الكتابة‪ ،‬لكنها ختتلف يف‬


‫ْ‬ ‫هيل ‪َ ,‬عبيدة وُعبيدة‪،‬‬ ‫مثال ذلك ‪َ :‬س ٌ‬
‫هيل وُس ٌ‬
‫النطق؛ ولذلك حتذرون من أحاديث بعض الناس الذين ليس هلم عناية باحلديث‪ ،‬فإهنم قد‬
‫يذكرون األعالم على غري املراد الصحيح النطق هبا‪ ،‬وبعض الناس قد يتكلم يف السرية أو‬
‫غريها‪ ،‬ويستعمل األلفاظ الواردةَ بطريقةٍ مغايرة وطريقة غري صحيحة النطق بهذه األلفاظ ‪.‬‬
‫[ تعريف الُم تشاِبه ]‬

‫النوع الثالث ‪ :‬المُتشابِه ‪ :‬وهو الذي تتفق فيه األمساء وختتلف يف اآلباء ‪.‬‬

‫مثال ذلك ‪ :‬جتد راويني أحدهم – مثالً ‪ -‬عراب بن سيار ‪ ،‬والثاين‪ :‬عراب بن جسار ‪،‬‬
‫فهنا اتفق االسم ( عراب وعراب ) ‪ ،‬ووجد تشابه يف أمساء اآلباء ؛ لكنها ليست متطابقة‬
‫كتابة وال يف النص ‪ (،‬سيار وجسار ) ‪.‬‬
‫‪ ،‬ال ً‬

‫‪ ‬قوله ‪ -‬رحمه اهلل ‪ " : -‬وكذا إن وقع ذلك " ‪ :‬يعين يف التشابه واالتفاق‪ ،‬وكذا إن‬
‫وقع ذلك االتفاق يف االسم واسم األب ‪.‬‬

‫هذا ‪ ،‬واهلل أعلم ‪ ،‬وصلى اهلل على نبينا محمد ‪.‬‬

You might also like