You are on page 1of 34

‫تفريغ السلسلة الصوتية‬

‫الصادرة عن‪:‬‬
‫‪‬‬
‫احلمد هلل القوي املتني‪ ،‬والصالة والسالم على َمن بُعِث ابلسيف رمحة للعاملني‪ ،‬أما بعد‪ :‬فإن هذه‬
‫سلسلة صوتية مثينة فريدة‪ ،‬صادرة عن إذاعة البيان التابعة للدولة اإلسالمية ‪-‬أعزها هللا‪ ،-‬وهي تتكون‬
‫من مثان حلقات‪ ،‬قام إخواننا يف مؤسسة البتار اإلعالمية ‪-‬ثبتهم هللا‪ -‬بتفريغها نصيا ونشرها على‬
‫شكل سلسلة حلقات متفرقة‪ ،‬فارأتينا مجعها وتنسيقها يف كتاب لتخرج أبمجل حلة وأهبى صورة‬
‫وليسهل تداوهلا وقراءهتا وحفظها‪ ،‬كما قمنا بتنقيحها وحتقيقها‪.‬‬

‫نسأل هللا تبارك وتعاىل أن يربم هلذه األمة أمرا رشدا‪ ،‬يُعز فيه أهل الطاعة‪ ،‬ويذل فيه أهل املعصية‪،‬‬
‫ويؤمر فيه ابملعروف‪ ،‬وينهى فيه عن املنكر‪ ،‬ونسأله سبحانه أن يرفع الغمة عن هذه األمة وأن يهلك‬
‫الطواغيت وأنصارهم وأتباعهم من دعاة السوء ومشيخات الردة‪ ،‬وأن ينفعنا مبا علمنا وأن جيعل هذا‬
‫العمل حجة لنا ال علينا يوم نلقاه‪ ،‬إنه ويل ذلك والقادر عليه‪.‬‬

‫واحلمدهلل الذي تتم الصاحلات بنعمته‬


‫إخوانكم يف مؤسسة صرح اخلالفة اإلعالمية‬
‫‪-‬غفر هللا هلم وللمسلمني وثبتهم على احلق‪-‬‬

‫‪1441 ‬ه‬

‫‪1‬‬
‫قالوا وما فعلوا‬ ‫ِ‬
‫علموا وما عملوا‬
‫احلمد هلل مالك امللك يؤيت امللك من يشاء وينزع امللك‬ ‫وعن اآلخرة يعدلون‬ ‫للدنيا يعملون‬
‫ممن يشاء‪ ,‬ويعز من يشاء ويذل من يشاء‪ ,‬بيده اخلري‬ ‫وعما هناهم هللا عز وجل ال ينتهون‬ ‫إىل املكاسب يتسابقون‬
‫إنه على كل شيء قدير‪ ,‬والصالة والسالم على النيب‬ ‫وأكلوا بعلومهم الدنيا‬ ‫أفتوا مبا يرضي الطواغيت‬
‫تعجب من نظر إليها وتقتل من أيكلها‬ ‫مثلهم كشجرة الدفلى‬
‫املبني الذي تركنا على احملجة البيضاء ليلها كنهارها ال‬
‫وال هم بعبيد أتقياء‬ ‫ما هم أبحرار كرام‬
‫يزيغ عنها بعده إال هالك‪ ,‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده‬
‫وقلوهبم أننت من احلمأة والصديد‬ ‫أفهامهم مقفلة أبقفال احلديد‬
‫ال شريك له وأشهد أن حممدا عبده ورسوله صلى هللا‬ ‫ووالوا أولياء الشيطان‬ ‫ضلوا وأضلوا عادوا أولياء الرمحن‬
‫عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم إبحسان إىل يوم‬ ‫وهم يف احلقيقة قطاعه‬ ‫حيسبون أنفسهم أدالء على الطريق‬
‫الدين‪ ,‬أما بعد؛‬
‫ََ ََ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٓ‬ ‫َ َّ ُ َ َ َٰ ٌ َ َ ٓ َ َّ َ ٗ َ َ‬
‫اۡوقائ ِ ٗماَۡيذ ُرۡٱٓأۡلخِرۡةۡويرجواۡ‬ ‫جد‬ ‫لۡسا ِ‬ ‫نۡهوۡقن ِتۡءاناءۡٱَّل ِۡ‬ ‫فقد مدح هللا عز وجل أهل العلم به وبدينه فقال سبحانه ﱩ أم ۡ‬
‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ َ َ ُ َ َ َّ َ َ َ َ ُ َ َّ َ َ َ َّ‬ ‫ُ َ‬ ‫ۡح َة َ‬
‫ب ﱨ‪ ،1‬وأمر هللا سبحانه من ال‬ ‫اۡي َتذك ُرۡأ ْولواۡٱۡلل َبَٰ ِۡ‬ ‫ِينَۡلۡيعلمونۡإِنم‬ ‫ۡوۡٱَّل ۡ‬
‫ِينۡيعلمون ۡ‬ ‫ۡرب ِ ۡهِۦۡۡقلۡهلۡيَس َتوِيۡۡٱَّل ۡ‬ ‫َر َ‬
‫ُ ُ َ َ َ َ‬ ‫َ َُ َْ َ‬
‫ون ﱨ‪ ,2‬وقال‬ ‫نتمَۡلۡتعل ُم ۡ‬ ‫سۡل ٓوۡاۡأهلۡٱَّلِك ِۡرۡإِنۡك‬ ‫يَعلم أبن يسأل أهل الذكر ويطيعهم فيما أيمرونه وينهونه‪ ,‬فقال تعاىل ﱩ ف‬
‫َ ُ ُّ ُ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ََ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِيعواْۡٱ َّلر ُس َۡ َ ُ ْ‬ ‫ََٰٓ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ٓ ْ َ ُ ْ َّ‬
‫ّللۡ َوأَط ُ‬
‫ّللِۡ‬
‫وهۡإَِلۡٱ ۡ‬ ‫ِۡفَۡشءٖۡفرد‬ ‫ولۡوأو ِِلۡٱۡلم ِۡرۡمِنكمۖۡۡفإِنۡتنَٰزعتم ِ‬ ‫ِيعواۡٱ َۡ‬ ‫ِينۡءامنواۡأط‬ ‫تعاىل ﱩ يأيهۡاۡٱَّل ۡ‬
‫َ‬
‫َ َٰ َ َ ‪ً َ ُ َ َ ٞ‬‬ ‫َ َّ‬ ‫ُ ُ ُ‬
‫يل ﱨ‪ ،3‬فأمر بطاعة العلماء واألمراء بشرط أن‬ ‫ن ۡتأوِ ۡ‬
‫سۡ‬ ‫نتم ۡتؤم ُِنون ۡۡب ِۡٱ ۡ‬
‫ّللِۡ َۡوۡٱَّلَو ِۡم ۡۡٱٓأۡلخِرِۡ ۡذل ِك ۡخۡي ۡوأح ۡ‬ ‫َۡوۡٱ َّلر ُسو ِۡل ۡإِنۡك‬
‫تكون طاعتهم اتبعة لطاعة هللا وطاعة رسوله ﷺ‪ ،‬وإن وقع خالف بني الناس أو خالف بني الناس وبني العلماء أو بني الرعية وبني‬
‫األمراء أو بني العلماء واألمراء فريد التنازع إىل هللا وإىل رسوله ﷺ أي إىل كتاب هللا واىل سنة رسوله ﷺ فذلك خري للناس يف الدنيا‬
‫واآلخرة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّ َ َ‬
‫والعلماء الذين ينفعهم علمهم هم الذين يورثهم علمهم خشية هللا تعاىل كما قال سبحانه ﱩ إِن َمۡا َۡيَش ۡۡٱ َۡ‬
‫ّلل ۡمِنۡ‬
‫َ ُْ‬
‫ع َِبادِه ِۡٱل ُعل ََٰٓمؤۡا ﱨ‪ ،4‬واخلشية هي اخلوف املقرون بتعظيم هللا عز وجل‪ ,‬فاجتمع فيهم العلم ابهلل والعلم أبوامره مع اخلوف منه‬
‫وتعظيمه سبحانه‪ ,‬ولذلك كان الالئق هبم أن يكونوا ألزم الناس لطاعة هللا وأبعدهم عن معصيته‪ ,‬ومعرفتهم ابهلل تدعوهم إىل إخالص‬
‫العمل له فهو سبحانه الذي عنده حسن الثواب وهو الذي ال يوثق واثقه أحد وال يعذب عذابه أحد‪.‬‬
‫لقد ذكر هللا تعاىل علماء أهل الكتاب من قبلنا وذكر من استحقوا الذم منهم‪ ,‬ومدح الذين متسكوا بكتبهم قبل بعثة نبينا‬
‫َ‬
‫حممد ﷺ وعملوا على إصالح الناس بتعليمهم دينهم وأمرهم ابملعروف وهنيهم عن املنكر‪ ,‬قال تعاىل عن بين إسرائيل ﱩ َوق َّطع َنَٰ ُهمۡۡ‬
‫ون ﱨ القائمون حبقوق هللا وحقوق‬
‫َ‬ ‫ۡرضۡأُ َم ٗمۡا ۖۡ ﱨ‪ 5‬أي فرقناهم ومزقناهم يف األرض بعدما كانوا جمتمعني‪ ,‬ﱩ مِن ُه ُۡمۡٱ َّ َٰ‬
‫لصل ُِح ۡ‬
‫َ‬
‫ِِفۡٱۡل ِ ۡ‬
‫ُ َ َ َ‬
‫ِكۖۡ ﱨ أي دون الصالح إما مقتصدون يفعلون الواجبات دون املستحبات ويرتكون احملرمات دون‬ ‫عباده‪ ,‬ﱩ َومِن ُهمۡ ۡدون ۡذَٰل ۡ‬
‫لس َ‬
‫يۡاتِۡ ﱨ أي ابلعسر واليسر ﱩ‬ ‫املكروهات وإما ظاملون ألنفسهم‪ ,‬ﱩ َوبَلَو َنَٰ ُهم ﱨ على عادتنا وسنتنا ﱩ ۡب ۡٱ َ‬
‫ۡل َس َنَٰ ِۡ َ َّ‬
‫ت ۡ ۡوۡٱ ِ‬ ‫ِ‬
‫ون ﱨ عما هم عليه مقيمون من الضالل ويراجعون ما خلقوا له من اهلدى‪ ,‬فلم يزالوا بني صاحل وطاحل ومقتصد حىت‬
‫َ‬
‫ج ُع ۡ‬ ‫َ َ َّ ُ َ‬
‫لعلهمۡۡير ِ‬

‫‪ 1‬الزمر‪9:‬‬
‫‪ 2‬النحل‪43:‬‬
‫‪ 3‬النساء‪59:‬‬
‫‪ 4‬فاطر‪28:‬‬
‫‪ 5‬األعراف‪168:‬‬

‫‪2‬‬
‫َ َ ََ‬
‫فۡ ِم ۢن َۡبع ِدهِمۡ ﱨ زاد شرهم ورثوا بعدهم الكتاب وصار املرجع فيه إليهم وصاروا يتصرفون فيه أبهوائهم وتبذل هلم األموال‬
‫ﱩ فخل ۡ‬
‫َٰ‬ ‫َ ُ ُ َ َ َ َ َ َٰ َ َ َ‬
‫ن ﱨ أي يبيعون دينهم مقابل عرض من الدنيا‬ ‫ون ۡعرضۡهذاۡٱۡلد ۡ‬ ‫ليفتوا وحيكموا بغري احلق‪ ,‬وفشت فيهم الرشوة ﱩ يأخذ ۡ‬
‫َ‬ ‫ُ ُ َ‬
‫وقول على هللا بال علم‪,‬‬
‫خال من احلقيقة ٌ‬ ‫ون ۡ َس ُيغ َف ُر َۡلَۡا ﱨ وهذا ادعاء ٍ‬
‫مقرين أبهنم مذنبون وأهنم ظلمة ومع ذلك ﱩ َيقول ۡ‬
‫ََُ ُ َ َ َ َ‬
‫ۡس ُيغف ُر َۡلَۡا ﱨ‪ ,‬ولو كانوا طالب مغفرة لندموا على ما فعلوا وعزموا على أن ال يعودوا‪,‬‬ ‫يتجرؤون على املوبقات ﱩ ويقولون‬
‫ولكنهم إذا أاتهم عرض آخر ورشوة أخرى أيخذوهنا فاشرتوا آبايت هللا مثنا قليال واستبدلوا الذي هو أدىن ابلذي هو خري‪ ,‬قال هللا‬
‫َ َٰ َ َّ ُ ُ ْ َ َ َّ‬
‫ّللِۡإ ِ ََّلۡٱ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ َ َ َ‬
‫ق ﱨ‪ 6‬فما ابهلم‬‫ۡل َّۡ‬ ‫بۡأنَۡل َۡيقولواۡلَعۡۡٱ ۡ‬ ‫ۡعلي ِهمۡمِيثَٰ ُقۡٱلكِت ِۡ‬ ‫تعاىل يف اإلنكار عليهم وبيان جراءهتم ﱩ ألمۡۡيؤخذ‬
‫ۡماۡفِي ۡهِ ﱨ فليس عليهم فيه إشكال فقد عرفوا‬ ‫يقولون عليه غري احلق اتباعا ألهوائهم وميال مع مطامعهم‪ ,‬واحلال أهنم قد ﱩ َد َر ُسوا ْ َ‬

‫احلق واضحا وأتوا أمرهم متعمدين وكانوا يف أمرهم مستبصرين وهذا أعظم للذنب وأشد للوم وأشنع للعقوبة‪ ,‬وهذا من نقص عقوهلم‬
‫َ ُ َ ‪َ ُ َ َّ ٞ‬‬
‫ِين َۡي َّتق ۡ‬
‫ون ﱨ أي يتقون ما حرم هللا‬ ‫ۡيۡل َِّل‬ ‫وسفاهة رأيهم إبيثار احلياة الدنيا على اآلخرة‪ ,‬وهلذا قال تعاىل ﱩ َۡوۡٱ َّدل ُۡ‬
‫ارۡٱٓأۡلخِرۡةۡخ ۡ‬
‫عليهم‪ ,‬فاآلخرة خري للمتقني من املآكل اليت تصاب وتؤكل رشوة على احلكم بغري ما أنزل هللا وغري ذلك من أنواع احملرمات‪ ,‬ﱩ‬
‫َََ َ ُ َ‬
‫ون ﱨ أي أفال يكون لكم عقول توازن بني ما ينبغي إيثاره وما ينبغي اإليثار عليه وما هو أوىل ابلسعي إليه والتقدمي له‬
‫لۡتعقِل ۡ‬
‫أف ۡ‬
‫فأىن له العقل والرأي!‬ ‫على غريه‪ ,‬فخاصية العقل النظر للعواقب‪ ,‬وأما من نظر إىل عاجل طفيف منقطع يفوت نعيما عظيما ابقيا ى‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َّ‬
‫ب ﱨ أي يتمسكون به علما وعمال فيعلمون ما فيه من‬ ‫ِينۡ ُي َمسِكونۡۡب ِۡٱلكِتَٰ ِۡ‬
‫وإمنا العقالء حقيقة من وصفهم هللا بقوله ﱩ َۡوۡٱَّل َۡ‬
‫األحكام واألخبار اليت ِعلمها أشرف العلوم ويعملون مبا فيها من األوامر اليت هي قرة العيون وسرور القلوب وأفراح األرواح وصالح‬
‫الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫ومن أعظم ما جيب التمسك به من املأمورات إقامة الصالة ظاهرا وابطنا‪ ,‬وهلذا خصها هللا ابلذكر لفضلها وشرفها وكوهنا‬
‫َّ َ ُ ُ َ‬
‫ي‬‫ح َۡ‬ ‫يعۡأج َرۡٱل ُمصل ِ ِ‬ ‫ميزان اإلميان وإقامتها داعية إلقامة غريها من العبادات‪ ,‬وملا كان عملهم كله إصالحا قال تعاىل ﱩ إِنۡاَۡلۡن ِ‬
‫ض‬
‫َ َٰ َ َ ُ‬ ‫َ َ َ َّ ُ َ َ َّ َ ُ ُ ْ‬
‫بَۡلُبَيِن َّن ُۡه ۡۥۡ‬
‫ِينۡأوتواۡۡٱلكِت ۡ‬ ‫ّللۡمِيثَٰقۡۡٱَّل ۡ‬ ‫ﱨ‪ 7‬يف أقواهلم وأعماهلم ونياهتم مصلحني ألنفسهم ولغريهم‪ ,‬وقال تعاىل ﱩ ۡ‬
‫ِإَوذۡأخذۡٱ ۡ‬
‫ََٗ َ ٗ َ َ َ َ َُ َ‬ ‫َ ََ ْ‬ ‫ََ َ ُُ َُ َََ ُ ُ َ ٓ ُ‬ ‫ل َّ‬
‫ون ﱨ‪ 8‬فهذا هو الذي كلف‬ ‫َت ۡ‬ ‫َتوۡاۡب ِ ۡهِۦۡثمناۡقل ِيل ۖۡۡفبِئسۡماۡيش‬ ‫ۡو َرا َءۡظ ُهورِهِم ۡ‬
‫ۡوۡٱش‬ ‫اسۡوَلۡتكتمون ۡهۥۡفنبذوه‬ ‫ِلن ِ‬
‫َ‬
‫هللا به العلماء أن ال يكتموا احلق بل يظهرونه ويبينونه وال يلبسونه ابلباطل كما قال سبحانه خماطبا علماء بين إسرائيل ﱩ َو ۡ‬
‫َلۡ‬
‫َ َ ُ ُ ْ َ َّ َ َ ُ َ َ َ‬ ‫تَلب ِ ُسواْۡۡٱ َ‬
‫ون ﱨ‪ ,9‬وقد الم هللا علماء أهل الكتاب وذمهم ملا خالفوا أمره فكتموا‬ ‫نتمۡتعل ُم ۡ‬ ‫قۡوأ‬‫لۡوتكتمواۡٱۡل ۡ‬ ‫ۡل َّۡ‬
‫قۡۡب ِۡٱل َبَٰ ِط ِۡ‬
‫َ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫قۡ‬‫ۡل َّۡ‬‫ون ۡٱ َ‬ ‫شيئا من احلق الذي حيتاج الناس إىل معرفته ولبسوا بعض احلق ابلباطل فقال سبحانه ﱩ يََٰٓأه ۡ‬
‫ل ۡۡٱلكِتَٰ ِۡ‬
‫ب ۡل ِم ۡتلبِس‬
‫َ َ ُ ُ َ َ َّ َ َ ُ َ َ َ‬
‫ون ﱨ‪.10‬‬ ‫نتمۡتعل ُم ۡ‬ ‫قۡوأ‬
‫لۡوتكتمونۡۡٱۡل ۡ‬ ‫ۡب ِٱل َبَٰ ِط ِۡ‬

‫‪ 6‬األعراف‪169:‬‬
‫‪ 7‬األعراف‪170:‬‬
‫‪ 8‬آل عمران‪187:‬‬
‫‪ 9‬البقرة‪42:‬‬
‫‪ 10‬آل عمران‪71:‬‬

‫‪3‬‬
‫وقد بني لنا نبينا ﷺ أنه ما من خمالفة وقع فيها أهل الكتاب اليهود والنصارى إال وستقع يف هذه األمة احملمدية‪ ,‬وهلذا‬
‫قال اإلمام سفيان بن عيينة ‪( ‬من فسد من عبادان ففيه شبهٌ من النصارى‪ ,‬ومن فسد من علمائنا ففيه شبهٌ من اليهود)‪ ,11‬وكثريا‬
‫ما خيرب هللا سبحانه أن أهل السعادة هم الذين عرفوا احلق واتبعوه‪ ,‬وأن أهل الشقاوة هم الذين جهلوا احلق وضلوا عنه أو علموه‬
‫وخالفوه واتبعوا غريه‪ ,‬ولذلك يدعوا املسلم يف كل ركعة من صلواته أن يهديه هللا الصراط املستقيم صراط الذين أنعم هللا عليهم من‬
‫النبي ني والصديقني والشهداء والصاحلني‪ ,‬ويسأل املسلم ربه أن جينبه طرق املغضوب عليهم وهم الذين عرفوا احلق ومل يعملوا به‪,‬‬
‫والضالني الذين جهلوا احلق وضلوا عنه‪.‬‬
‫وأول تعامل لنبينا ﷺ مع الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب كان مع ورقة بن نوفل الذي تنصر وكان يكتب الكتاب‬
‫العرباين وكان يعرف التوراة واإلجنيل ومل يكن ممن دخل يف التبديل وال أخذ عمن بدلوا دينهم وحرفوا كتبهم‪ ,‬ففي صحيح البخاري‬
‫ٍ‬
‫ال‪َ ( :‬ما أَ َان‬ ‫ال‪( :‬اقْ َرأْ)‪ ،‬قَ َ‬ ‫ك فَ َق َ‬ ‫عن أم املؤمنني عائشة ‪-‬رضي هللا عنها‪ -‬أن النيب ﷺ [ َجاءَهُ احلَ ُّق َوُه َو ِيف َغا ِر ِحَراء‪ ،‬فَ َجاءَهُ امللَ ُ‬
‫َ‬
‫َخ َذِين فَغَطَِّين الثَّانِيَةَ َح َّىت بَلَ َغ‬ ‫ت‪َ ( :‬ما أَ َان بَِقا ِر ٍئ)‪ ،‬فَأ َ‬
‫ِ‬
‫َخ َذِين فَغَطَِّين َح َّىت بَلَ َغ م ِىين اجلَ ْه َد ُُثَّ أ َْر َسلَِين‪ ،‬فَ َق َال‪( :‬اقْ َرأْ)‪ ،‬قُلْ ُ‬ ‫ال‪ :‬فَأ َ‬ ‫بَِقا ِر ٍئ)‪ ،‬قَ َ‬
‫َ َّ‬
‫يۡ‬ ‫َّل ۡ‬ ‫ال ‪ :‬ﱩۡٱق َرأۡۡۡب ِٱس ِۡمۡ َربِكۡٱ ِ‬ ‫َخ َذِين فَغَطَِّين الثَّالِثَةَ ُُثَّ أ َْر َسلَِين ‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫ت‪َ ( :‬ما أَ َان بَِقا ِر ٍئ)‪ ،‬فَأ َ‬ ‫ال‪( :‬اقْ َرأْ) ‪ ،‬فَ ُقلْ ُ‬ ‫ِم ِىين اجلَ ْه َد ُُثَّ أ َْر َسلَِين‪ ،‬فَ َق َ‬
‫َ َ ُّ َ َ‬
‫ف فُ َؤ ُادهُ‪ ،‬فَ َد َخ َل َعلَى َخ ِدجيَ َة‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ﷺ‬ ‫اَّللِ‬ ‫ول‬ ‫س‬‫ر‬ ‫ا‬ ‫هب‬‫كۡٱۡلك َر ُۡم ﱨ‪ 12‬فَرجع ِ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ۡ‬ ‫أ‬
‫ۡ‬‫ر‬‫ۡعلَقۡ‪ۡ٢‬ٱق َ‬ ‫نۡمِن َ‬ ‫ۡ‬‫نس َ‬
‫َٰ‬ ‫َ‬
‫ۡل‬ ‫ٱ‬‫ۡ‬ ‫ق‬‫ق‪َ ۡ١‬خلَ َ‬ ‫ۡ‬‫َخلَ َ‬
‫َْ ُ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َََ َ َُ‬ ‫ِ‬
‫يت َعلَى‬ ‫ِ‬ ‫الروع‪ ،‬فَ َق َ ِ ِ‬ ‫اَّللُ َعْن َها‪ ،‬فَ َق َ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ت ُخ َويْلِ ٍد َر ِض َي َّ‬ ‫بِنْ ِ‬
‫َخ ََربَها اخلَََرب‪( :‬لَ َق ْد َخش ُ‬ ‫ال خلَدجيَةَ َوأ ْ‬ ‫ب َعنْهُ َّ ْ ُ‬ ‫ال ‪َ ) :‬زىملُوين َزىملُوين) فَ َزَّملُوهُ َح َّىت ذَ َه َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صل َّ ِ‬ ‫اَّلل أَبدا‪ ،‬إِن َ ِ‬ ‫نَ ْف ِسي) فَ َقالَت خ ِدجيةُ‪َ ( :‬ك َّال و َِّ‬
‫ني‬‫ف‪َ ،‬وتُع ُ‬ ‫وم‪َ ،‬وتَ ْق ِري الضَّْي َ‬ ‫ب املَْع ُد َ‬ ‫الرح َم‪َ ،‬وَْحتم ُل ال َك َّل‪َ ،‬وتَكْس ُ‬ ‫َّك لَتَ ُ‬ ‫يك َُّ َ‬ ‫اَّلل َما ُخيْ ِز َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت بِه َخدجيَةُ ح َّىت أَتَ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َعلَى نَوائِ ِ‬
‫صَر ِيف‬ ‫َسد بْ ِن َعْبد العَُّزى ابْ َن َع ِىم َخدجيَةَ َوَكا َن ْامَرأ تَنَ َّ‬ ‫ت به َوَرقَةَ بْ َن نَ ْوفَ ِل بْ ِن أ َ‬ ‫َ‬ ‫ب احلَ ِىق)‪ ،‬فَانْطَلَ َق ْ‬ ‫َ‬
‫ت لَ ُه‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫ق‬ ‫ا‬‫ري‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫ك‬ ‫ا‬ ‫خ‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ك‬
‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ب‬ ‫ْت‬
‫ك‬ ‫ي‬ ‫ن‬‫َ‬‫أ‬ ‫اَّلل‬ ‫اء‬ ‫ش‬ ‫ا‬‫م‬ ‫ِ‬
‫ة‬ ‫ي‬‫ِ‬‫ان‬
‫رب‬ ‫ِ‬
‫لع‬ ‫ِ‬
‫اب‬ ‫ِ‬
‫يل‬ ‫ِ‬
‫جن‬‫ْ‬ ‫ِ‬
‫إل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ْ َ َّ َ َ َ َُّ ْ َ ُ َ َ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ‬ ‫اجلَاهليَّ َ َ َ َ ُ ُ َ َ ْ َ َّ ََ ُ ُ َ‬
‫م‬ ‫ب‬ ‫ْت‬‫ك‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫اين‬ ‫رب‬ ‫الع‬ ‫اب‬ ‫ت‬ ‫الك‬ ‫ب‬ ‫ْت‬
‫ك‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ك‬‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬
‫ول َِّ‬ ‫ِ‬ ‫اْسع ِمن اب ِن أ ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل ﷺ َخ ََرب َما َرأَى‪ ،‬فَ َق َال لَهُ‬ ‫َخ ََربهُ َر ُس ُ‬‫ال لَهُ َوَرقَةُ‪َ ( :‬اي ابْ َن أَخي َماذَا تَ َرى؟) فَأ ْ‬ ‫يك)‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫َخ َ‬ ‫َخدجيَةُ‪َ ( :‬اي ابْ َن َع ِىم‪ْ َ ْ َْ ،‬‬
‫ِ‬ ‫وس الَّ ِذي نََّزَل َّ‬
‫وسى ‪َ ، --‬اي لَْي تَِين ف َيها َج َذعا‪ ،‬لَْي تَِين أَ ُكو ُن َحيًّا إِ ْذ ُخيْ ِر ُج َ‬
‫‪13‬‬
‫ول‬‫ال َر ُس ُ‬ ‫ك)‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫ك قَ ْوُم َ‬ ‫اَّللُ َعلَى ُم َ‬ ‫َّام ُ‬‫َوَرقَةُ‪َ ( :‬ه َذا الن ُ‬
‫ط مبِِثْ ِل ما ِجْئ ِِ ِ ِ‬ ‫ال‪( :‬نَعم‪َ ،‬مل أيْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َِّ‬
‫صرا ُم َؤزَّرا) ُُثَّ‬ ‫ص ْرَك نَ ْ‬‫ك أَنْ ُ‬ ‫ي‪َ ،‬وإِ ْن يُ ْد ِرْك ِين يَ ْوُم َ‬ ‫ت به إَّال عُود َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت َر ُجل قَ ُّ‬
‫ٌ‬ ‫اَّلل ﷺ ‪) :‬أ ََو خمُْ ِرج َّي ُه ْم)‪ ،‬قَ َ َ ْ ْ َ‬
‫الو ْح ُي]‪ 14‬انتهى‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يف‪َ ،‬وفَََرت َ‬ ‫ب َوَرقَةُ أَ ْن تُ ُو ىَ‬‫َملْ يَْن َش ْ‬
‫قال ابن حجر ‪ ‬يف "فتح الباري"( وكان ورقة بن نوفل قد خرج هو وزيد بن عمرو بن نفيل ملا كرها عبادة األواثن إىل‬
‫الشام وغريها يسألون عن الدين‪ ,‬فأما ورقة فأعجبه دين النصرانية فتنصر وكان لقي من بقي من الرهبان على دين عيسى ومل يبدل‪,‬‬
‫وهلذا أخرب بشأن النيب ﷺ والبشارة به إىل غري ذلك مما أفسده أهل التبديل‪ ,‬وملا ْسع ورقة من نبينا ﷺ خرب بدأ الوحي متىن ورقة‬
‫‪15‬‬
‫أن يكون جذعا‪ ,‬واجلذع هو الصغري من البهائم‪ ,‬كأنه متىن أن يكون عند ظهور الدعاء إىل اإلسالم شااب ليكون أمكن لنصره]‬
‫انتهى‪.‬‬
‫ُث واجه النيب ﷺ صنفا آخر من الذين أوتوا العلم وهو أمية بن أيب الصلت الذي كان ينكر شرك املشركني ويتربأ من‬
‫هل‬
‫قال‪ْ ( :‬‬ ‫سول هللاِ ﷺ يَ ْوما‪ ،‬فَ َ‬ ‫ت َر َ‬ ‫ِ‬
‫ضالهلم ولكنه مل يُسلم‪ ,‬جاء يف صحيح مسلم عن الشريد بن سويد الثقفي ‪ ‬قال‪َ [ :‬ردفْ ُ‬
‫(هيه)‪,‬‬ ‫قال‪ِ ( :‬هيه)‪ ,‬فأنْش ْدتُه ب ي تا‪ ،‬فقال‪ِ ( :‬هيه)‪ُُ ,‬ثَّ أَنْش ْدتُه ب ي تا‪ ،‬فقال‪ِ :‬‬ ‫لت‪ :‬نَ َع ْم‪َ ،‬‬ ‫معك ِمن ِشع ِر أُميَّةَ ب ِن أَِيب َّ ِ‬
‫َ ُ َْ‬ ‫َ ُ َْ‬ ‫الصلْت شيءٌ؟) قُ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬

‫‪ 11‬البداية والنهاية ‪11:133‬‬


‫‪ 12‬العلق‪3-1:‬‬
‫‪ 13‬والناموس هو صاحب السر وهو جربيل ‪‬‬
‫‪ 14‬صحيح البخاري‪ /‬كتاب بدء الوحي‪ /‬ابب‪ :‬كيف كان بدء الوحي إىل رسول هللا ﷺ رقم ‪3‬‬
‫‪ 15‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪ /‬شرح احلديث رقم ‪3‬‬

‫‪4‬‬
‫ت‪ ,‬فقال النيب ﷺ (إِ ْن َك َاد لِيُ ْسلِ ُم )‪ ,16‬ويف رواية (فَلَ َقد َك َاد يُسلِم ِيف ِشع ِرهِ)‪ ,]17‬كان أمية بن أيب الصلت مثال‬‫حىت أَنْ َش ْدتُه ِمئَةَ ب ي ٍ‬
‫ُ َْ‬ ‫َّ‬
‫سيئا للعامل الذي عرف احلق واهلدى ولكنه مل يتبعه بل حاربه وكفر ابهلل ومات كافرا‪ ,‬أرداه حسده يف جهنم والعياذ ابهلل‪ ,‬قال ابن‬
‫َ َ َ َّ ٓ َ َ َ َٰ ُ َ َ‬ ‫َ ُ َ‬
‫ۡءايَٰت َِنۡا ﱨ‪ 18‬قال‪( :‬هو‬ ‫ِيۡءاتينه‬ ‫لۡ َعلي ِهمۡنبأۡۡٱَّل ۡ‬ ‫كثري ‪ ‬عن عبد هللا بن عمرو ‪-‬رضي هللا عنهما‪ -‬يف قوله تعاىل ﱩ ۡوۡٱت ۡ‬
‫صاحبكم أمية بن أيب الصلت)‪.19‬‬
‫وقد روي من غري وجه عنه وهو صحيح إليه وكأنه إمنا أراد أن أمية بن أيب الصلت يشبهه‪ ,‬فإنه كان قد اتصل إليه علم‬
‫كثري من علم الشرائع املتقدمة ولكنه مل ينتفع بعلمه فإنه أدرك زمان رسول هللا ﷺ وبلغته أعالمه وآايته ومعجزاته وظهرت لكل من‬
‫له بصرية ومع هذا اجتمع به ومل يتبعه وصار إىل مواالة املشركني ومناصرهتم وامتداحهم‪ ,‬ورثى أهل بدر من املشركني مبراثة بليغة قبحه‬
‫هللا تعاىل‪ ,‬وقد جاء يف بعض األحاديث أنه ممن آمن لسانه ومل يؤمن قلبه‪ ,‬فإن له أشعارا رابنية وحكما وفصاحة ولكنه مل يشرح هللا‬
‫صدره لإلسالم‪.‬‬
‫أقول ‪-‬وابهلل التوفيق‪ :-‬أن من يقرأ السرية النبوية على صاحبها ‪-‬الصالة والسالم‪-‬؛ ليَعجب من مواقف اليهود‪ ،‬وأحبارهم‪،‬‬
‫من نبينا حممد ﷺ‪ ،‬ودعوته إىل اإلسالم‪ ،‬فال شك أنه‪ ،‬مل يكن خافيا عليهم ظهوره مبكة‪ ،‬فال يتحركون حنوه‪ ،‬وال يبادرون إىل نصره‪،‬‬
‫وهم الذين جاؤوا إىل املدينة؛ فسكنوها انتظارا ملبعثه‪ ،‬حىت أختار هللا األنصار؛ لنصرة دينه وإيواء نبيه ﷺ‪ ،‬وأتباعه‪ ،‬لقد جتاهلوا‬
‫مبعث النيب ﷺ حىت إذا جاءهم يف املدينة‪ ،‬وأقام دولة اإلسالم فيها؛ حسدوه ﷺ‪ ،‬وابرزوه ابلعداوة‪ ،‬وبدت البغضاء من أفواههم‪،‬‬
‫وكادوه‪ ،‬وأدعوا كذاب‪ ،‬وزورا؛ أنه ليس ابلنيب الذي كانوا ينتظرونه‪ ،‬ليؤمنوا به‪.‬‬
‫روى حممد ابن إسحاق يف السرية‪ ،‬عن عاصم بن عمر‪ ،‬عن قتادة األنصاري ‪-‬رمحهم هللا‪ -‬عن أشياخ منهم قال‪" :‬قالوا‪ :‬فينا‪ ،‬وهللا‪،‬‬
‫َّ‬
‫ّللِۡ‬
‫ب ۡمِن ۡعِن ِد ۡۡٱ ۡ‬‫وفيهم ‪-‬يعين‪ :‬يف األنصار‪،‬ويف اليهود‪ ،-‬الذين كانوا جرياهنم؛ نزلت هذه القصة يعين ﱩ ۡ َول َ َّمۡا ۡ َجا ٓ َء ُهم ۡك َِتَٰ ‪ٞ‬‬
‫َ َ ُ َّ‬ ‫َ ُ َ َ ُ َ َ َ َّ َ َ َ ُ ْ َ َ َّ َ ٓ َ ُ َّ َ ُ ْ َ َ ْ‬ ‫ُ َ ‪ْ ُ ََ ُ َ َ َ ٞ‬‬
‫اۡع َرفواۡكف ُرواۡب ِ ۡهِۦۡ ۡفلع َنة ۡۡٱ ۡ‬
‫ّللِۡ‬ ‫ِينۡكفرواۡفلماۡجاءهمۡم‬ ‫ۡوَكنواۡمِنۡقبل ۡيستفت ِحونۡلَع ۡۡٱَّل ۡ‬ ‫مصدِق ۡل ِماۡمعهم‬
‫ََ َ‬
‫ين ﱨ‪ 20‬قالوا‪ :‬كنا قد علوانهم دهرا يف اجلاهلية‪ ،‬وحنن أهل شرك‪ ،‬وهم أهل كتاب؛ فكانوا يقولون‪ :‬أن نبيا من األنبياء‪،‬‬ ‫ك َٰف ِِر َۡ‬
‫لَعۡٱل ۡ‬
‫فلما بعث هللا رسوله ﷺ من قريش؛ واتبعناه‪ ،‬كفروا به‪ ،‬يقول هللا‬ ‫أظل زمانه؛ نقتلكم معه‪ ،‬قتل عاد‪ ،‬وإرم‪َّ ،‬‬ ‫يبعث اآلن؛ نتبعه‪ ،‬قد َّ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ ُ َّ َ َ‬ ‫َ َ َّ َ ٓ َ ُ َّ َ ُ ْ َ َ ْ‬
‫ين ﱨ‪.21‬‬ ‫ّللِۡلَعۡۡٱلكَٰفِرِ َۡ‬ ‫اۡع َرفواۡكف ُرواۡب ِ ۡهِۦۡۡفلعنةۡٱ ۡ‬ ‫تعاىل‪ :‬ﱩۡفلماۡجاءهمۡم‬
‫أخطب ‪-‬رضي هللا عنها‪ :-‬اختاذ اليهود قرار املعاداة للنيب ﷺ ولإلسالم‪,‬‬ ‫َ‬ ‫صورت أم املؤمنني‪ :‬صفية بنت ُحيَ ىي بن‬ ‫وقد َّ‬
‫ط َم َع َولَ ٍد َهلَُما‪ ،‬إِال‬ ‫ب َولَ ِد أَِيب إِلَْي ِه‪َ ،‬وإِ َىل َع ِىمي أَِيب َاي ِس ٍر‪َ ،‬ملْ أَلْ َق ُه َما قَ ُّ‬ ‫َح َّ‬
‫تأَ‬ ‫فقالت‪ ،‬كما روى ابن إسحاق‪ ،‬يف السرية عنها‪ُ " :‬كنْ ُ‬
‫ب‪َ ،‬و َع ِىمي أَبُو‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول َِّ‬ ‫ال‪ :‬فَلَ َّما قَ ِد َم َر ُس ُ‬ ‫َخ َذ ِاين ُدونَهُ‪ ،‬قَ َ‬
‫َخطَ َ‬ ‫اَّلل ﷺ الْ َمدينَةَ‪َ ،‬ونََزَل فنَاءَ بَِين َع ْم ِرو بْ ِن َع ْوف َغ َدا َعلَْيه أَِيب ُحيَ ُّي بْ ُن أ ْ‬ ‫أَ‬
‫ني‪ ،‬ميَْ ِشي ِ‬ ‫ني‪َ ،‬ساقِطَ ْ ِ‬ ‫ني‪َ ،‬كسالنَْ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َخطَب ُمغَلِىس ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫ت‪ :‬فَأَتَيَا َكال ْ ْ‬ ‫س‪ ،‬قَالَ ْ‬ ‫َّم ِ‬ ‫ت‪ :‬فَلَ ْم يَ ْرج َعا‪َ ،‬ح َّىت َكا َن َم َع غُُروب الش ْ‬ ‫ني‪ ،‬قَالَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َايس ِر بْ ُن أ ْ َ‬
‫ت َع ِىمي أ ََاب‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫اَّللِ ما الْتَ َفت إِ ََّ ِ ِ‬
‫ت‪ :‬فَ َسم ْع ُ‬ ‫يل َواح ٌد مْن ُه َما َم َع َما هب َما م َن ا ْهلَِىم‪ ،‬قَالَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َصنَ ُع‪ ،‬فَ َو َّ َ‬
‫تأ ْ‬ ‫ت إِلَْي ِه َما‪َ ،‬ك َما ُكْن ُ‬‫ت‪ :‬فَ َه َش ْش ُ‬ ‫ا ْهلَُويْنَا‪ ،‬قَالَ ْ‬
‫ال‪:‬‬ ‫ك ِمنْهُ؟ قَ َ‬ ‫ال‪ :‬نَ َع ْم‪ .‬قَ َال‪ :‬فَ َما ِيف نَ ْف ِس َ‬ ‫اَّللِ‪ .‬قَ َال‪ :‬أَتَ ْع ِرفُهُ َوتُثْبِتُهُ؟ قَ َ‬
‫ال‪ :‬نَ َع ْم َو َّ‬
‫ب‪ " :‬أ َُه َو ُه َو؟ قَ َ‬ ‫َخطَ َ‬‫ول ألَِيب ُحيَ ِىي بْ ِن أ ْ‬ ‫َاي ِس ٍر َوُه َو يَ ُق ُ‬
‫يت أَبَدا"‪22‬انتهى‪.‬‬ ‫ع َدواتُه و َِّ ِ‬
‫اَّلل َما بَق ُ‬ ‫َ َ َُ‬

‫‪ 16‬صحيح مسلم‪/‬كتاب الشعر رقم ‪4303‬‬


‫‪ 17‬يف حديث ابن مهدي‬
‫‪ 18‬األعراف‪175:‬‬
‫‪ 19‬جامع البيان يف تفسري القرآن يف تفسري اآلية برقم ‪15403‬‬
‫‪ 20‬البقرة‪89:‬‬
‫‪ 21‬جامع البيان يف تفسري القرآن يف تفسري اآلية برقم ‪1519‬‬
‫‪ 22‬سرية ابن هشام (‪ ،)517 :1‬وعيون األثر البن سيد الناس (‪ ،)277 :1‬والروض األنف للسهيلي (‪.)376 :2‬‬

‫‪5‬‬
‫وكان من فضل هللا‪ ،‬ورمحته أن هدى بعضا من أهل الكتاب إىل اإلسالم‪ ،‬فقد كانوا يعلمون ابلبشارة بنبينا حممد ﷺ‪،‬‬
‫ويعلمون أين سيخرج‪ ،‬ويعرفون صفته ﷺ؛ فلم يبقى إال أن أيتوه‪ ،‬فريوه‪ ،‬ويسمعوا منه‪ ،‬فيؤمنوا به‪ ،‬وينصروه‪ ،‬ويشهدوا‪ ،‬شهادة احلق‬
‫َ َ َ َ ‪َ ََٰٓ ٓ َ ۢ ٞ‬‬ ‫َّ َ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ‬
‫سءِيلۡ‬ ‫ۡمنۡب ِِنۡ ِإ‬ ‫ّللِۡ َوكفرتمۡب ِ ۡهِۦۡوش ِهدۡشاهِد ِ‬‫على صدق النيب ﷺ‪ ،‬كما قال تعاىل‪ :‬ﱩۡقلۡأ َر َءي ُتمۡۡإِنَۡكنۡمِنۡعِندِۡٱ ۡ‬
‫َّ َٰ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ َ َ ُ َّ َّ َ َ‬
‫ّللَۡل َۡيهدِيۡۡٱلقو َۡمۡٱلظل ِ ِم َۡ‬
‫ي ﱨ ‪.23‬‬ ‫ۡوۡٱستكَبت ۡمۡإِنۡٱ ۡ‬ ‫لَعۡمِثل ِ ۡهِۦۡفۡامن ۡ‬ ‫َ َ َٰ‬
‫َح ٍد ميَْ ِشي َعلَى‬ ‫اَّللِ ﷺ ي ُق ُ ِ‬
‫ول أل َ‬ ‫َ‬ ‫ول َّ‬‫ت َر ُس َ‬ ‫ِ‬
‫روى البخاري‪ ،‬ومسلم‪ ،‬والنسائي‪ ،‬عن سعد بن أيب وقاص ‪ ‬قال‪َ :‬ما َْس ْع ُ‬
‫فۡ َ‬
‫ام َنۡ‬ ‫ِيل َ َ َٰ‬
‫ۡلَعۡمِثل ِ ۡهِۦۡ َ َ‬ ‫َ َ َ َ ‪َ ََٰٓ ٓ َ ۢ ٞ‬‬
‫ۡمنۡب ِِنۡإِسء‬ ‫اَّللِ بْ ِن َس َالٍم ‪،--‬وفيه نزلت‪ :‬ﱩۡوش ِهدۡشاهِد ِ‬ ‫اجلَن َِّة إَِّال لِ َعْب ِد َّ‬
‫ض إِنَّهُ ِم ْن أ َْه ِل ْ‬ ‫و ِ‬
‫جه ْاأل َْر ِ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫‪24‬‬
‫َۡوۡٱس َتك ََبتمۡ ﱨ‪.‬‬
‫الناس إليه‪،‬‬ ‫وقد أخرج الرتمذي‪ ،‬وصححه‪ ،‬عن عبد هللا بن سالم ‪ ،‬أنه قال‪" :‬أ ََّو ُل ما قَ ِدم ُ ِ‬
‫رسول هللا ﷺ املدينةَ ْاجنَ َف َل ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف ُكن ِ‬
‫ال‪:‬‬ ‫عت من َك َالمه أَن قَ َ‬ ‫يس بَِوجه َك َّذاب‪ ،‬قَال‪َ :‬وَكا َن أََّو ُل َما َْس ُ‬ ‫جههُ لَ َ‬‫فت أَ َّن َو َ‬ ‫جههُ‪ ،‬واشتَبَهتُهُ؛ َعَر ُ‬ ‫ت َو َ‬ ‫ت ممَّن َجاءَهُ‪ ،‬فَلَ َّما َأتََّملَ ُ‬ ‫ُْ‬
‫بس َالٍم)‪ 25.‬لقد سلك عبدهللا بن سالم‪ ،‬الذي‬ ‫ِ‬ ‫وصلُّوا ِ‬ ‫السالم‪ ،‬وأَطْعِ ُموا‬
‫الناس نيَ ٌام‪ ،‬تَ ْد ُخلُوا اجلنةَ َ‬ ‫ابلليل و ُ‬ ‫الطعام‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الناس‪ ،‬أَفْ ُشوا‬
‫(أَيُّها ُ‬
‫كان من أحبار اليهود‪ ،‬وعلمائهم؛ سلك سبيل الصادقني‪ ،‬الذين يريدون معرفة احلق‪ ،‬ليتبعوه؛ فسعى ملعرفة انطباق صفات النيب‬
‫املوعود‪ ،‬على صفات نبينا حممد ﷺ‪ ،‬فلما تبني له‪ ،‬أنه هو الذي بَشَّرت به التوراة‪ ،‬واإلجنيل‪ ،‬وأنه هو الذي أخذ هللا ميثاق النبيني‬
‫أن يؤمنوا به‪ ،‬وينصروه‪ ،‬ملا تبني له ذلك؛ ابدر إىل اإلميان‪ ،‬وشهد أنه احلق‪ ،‬وأقام احلجة على علماء أهل الكتاب‪ ،‬وكشف كذهبم‪،‬‬
‫وهبتاهنم‪.‬‬
‫اَّللِ ﷺ امل ِدينَةَ فَأَ َاتهُ‪ ،‬فَ َق َال‪:‬‬ ‫ول َّ‬‫اَّللِ بن سالٍَم م ْق َدم رس ِ‬
‫كما جاء يف صحيح البخاري‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬أنه قَال ‪ :‬بَلَ َغ َعْب َد َّ ْ َ َ َ ُ َ ُ‬
‫َ‬
‫الساع ِة؟ وما أ ََّو ُل طَع ٍام أيْ ُكلُه أَهل اجلن َِّة؟ وِمن أ ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫الولَ ُد‬
‫َي َش ْيء يَْنزِعُ َ‬ ‫َ َ ُ ُْ َ َ ْ ى‬ ‫يب قَ َال‪َ :‬ما أ ََّو ُل أَ ْشَراط َّ َ َ َ‬ ‫ك َع ْن ثَالَث الَ يَ ْعلَ ُم ُه َّن إَِّال نَِ ٌّ‬ ‫إِِىين َسائِلُ َ‬
‫ود ِم َن‬ ‫اَّللِ ذَ َاك ع ُد ُّو الي ه ِ‬ ‫ِ ِِ ِ ِ ِ‬ ‫ول َِّ‬ ‫َخ َوالِِه؟ فَ َق َ‬ ‫إِ َىل أَبِ ِيه؟ وِمن أ ِ ٍ‬
‫َ َُ‬ ‫ال‪ :‬فَ َق َال َعْب ُد َّ‬ ‫يل قَ َ‬
‫اَّلل ﷺ َخ ََّربين هب َّن آنفا ج ْرب ُ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫َي َش ْيء يَنْزِعُ إِ َىل أ ْ‬ ‫َ ْ ى‬
‫ب‪ ،‬وأ ََّما أ ََّو ُل طَع ٍام أيْ ُكلُه أَهل اجلنَّةِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫املالَئِ َك ِة‪ ،‬فَ َق َ‬
‫َ َ ُ ُْ َ‬ ‫َّاس م َن املَ ْشرق إ َىل املَغْر َ‬ ‫اعة فَنَ ٌار َْحت ُش ُر الن َ‬‫الس َ‬
‫اَّلل ﷺ‪ :‬أ ََّما أ ََّو ُل أَ ْشَراط َّ‬ ‫ول َّ‬ ‫ال َر ُس ُ‬
‫َ‬
‫الر ُج َل إِذَا َغ ِش َي امل ْرأََة فَ َسبَ َق َها َم ُاؤهُ َكا َن الشَّبَهُ لَهُ‪َ ،‬وإِذَا َسبَ َق َم ُاؤَها َكا َن الشَّبَهُ َهلَا قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬‫َّ‬
‫َ ُ َ َ َّ‬‫إ‬ ‫ف‬ ‫‪:‬‬ ‫د‬ ‫ل‬
‫َ‬‫الو‬ ‫يف‬ ‫ه‬ ‫َّب‬
‫الش‬ ‫ا‬ ‫َم‬
‫َّ‬ ‫أ‬‫و‬‫َ‬ ‫‪،‬‬ ‫وت‬ ‫فَ َِ َ ُ َ ُ‬
‫ح‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ك‬ ‫ة‬ ‫د‬ ‫اي‬
‫ز‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول َِّ‬ ‫اَّللِ‪ُُ ،‬ثَّ قَ َ‬
‫ت‪ ،‬إِ ْن َعل ُموا إبِِ ْسالَمي قَ ْب َل أَ ْن تَ ْسأَ َهلُْم َهبَتُ ِوين عْن َد َك‪ ،‬فَ َجاءَت اليَ ُه ُ‬
‫ود‬ ‫اَّلل إِ َّن اليَ ُه َ‬
‫ود قَ ْوٌم ُهبُ ٌ‬ ‫ال‪َ :‬اي َر ُس َ‬ ‫ول َّ‬ ‫َّك َر ُس ُ‬ ‫أَ ْش َه ُد أَن َ‬
‫ِ‬ ‫َي رج ٍل فِي ُكم عب ُد َِّ‬ ‫ول َِّ‬ ‫ودخل عب ُد َِّ‬
‫ال‬ ‫َخ َِريَان‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫اَّلل بْ ُن َسالٍَم قَالُوا أ َْعلَ ُمنَا‪َ ،‬وابْ ُن أ َْعلَمنَا‪َ ،‬وأ ْ‬
‫َخ َريَُان‪َ ،‬وابْ ُن أ ْ‬ ‫ْ َْ‬ ‫اَّلل ﷺ أ ُّ َ ُ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫ت‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫اَّلل البَ ْي َ‬ ‫َ َ َ َ َْ‬
‫َن‬ ‫ال‪ :‬أَ ْش َه ُد أَ ْن الَ إِلَهَ إَِّال َّ‬
‫اَّللُ َوأَ ْش َه ُد أ َّ‬ ‫اَّللِ إِلَْي ِه ْم فَ َق َ‬
‫ك‪ ،‬فَ َخَر َج َعْب ُد َّ‬ ‫ِ‬
‫اَّللُ ِم ْن ذَل َ‬
‫َعاذَهُ َّ‬‫اَّلل قَالُوا‪ :‬أ َ‬
‫اَّللِ ﷺ أَفَرأَي تم إِ ْن أَسلَم عب ُد َِّ‬
‫ْ َ َْ‬ ‫َ ُْ ْ‬ ‫ول َّ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫اَّللِ‪ ،‬فَ َقالُوا‪َ :‬شُّرَان‪َ ،‬وابْ ُن َشىِرَان‪َ ،‬وَوقَعُوا فِ ِيه‪ 26،‬فقال عبدهللا بن سالم‪ :‬هذا الذي كنت أخافه اي رسول هللا"‪.27‬‬ ‫ول َّ‬ ‫ُحمَ َّمدا َر ُس ُ‬
‫لقد أخرب هللا تعاىل‪ ،‬أن أهل الكتاب يعرفون النيب ﷺ حق املعرفة‪ ،‬بل كما يعرفون أبنائهم‪ ،‬وأن كثري منهم ليكتمون احلق‪،‬‬
‫َ َ ُ َ‬ ‫َ َ َ َ ُ َّ َ َ َ َ َ َٰ َ ً َ ُ َ َّ َ َ َّ ُ َ‬
‫ّللۡبِغَٰفِلۡع َّماۡتع َمل ۡ‬
‫ون‬ ‫ّللِۡوماۡۡٱ ۡ‬ ‫وهم يعلمونه‪ ،‬وهم الذين قال هللا تعاىل فيهم‪ :‬ﱩ ومنۡأظل ۡمۡمِمنۡكتمۡشهدةۡعِند ۡهۥۡمِنۡٱ ۡ‬

‫ﱨ ‪ ،28‬وملا كانت عادة أكثر الناس‪ ،‬أن يتبعوا علمائهم‪ ،‬ورؤسائهم‪ ،‬دون تَ ُّ‬
‫بصر‪ ،‬وال تَ ُّبني‪ ،‬فكان جواهبم؛ تلبيس احلق‪ ،‬ابلباطل‪،‬‬
‫وكتمان احلق‪ ،‬الذي يعلمونه‪ ،‬وهو صفة نبينا حممد ﷺ‪ ،‬ومبعثه‪ ،‬ونبوته‪.‬‬

‫‪ 23‬األحقاف‪10:‬‬
‫اىل عنْ هم ‪ -‬ابب ِمن فَضائِ ِل عب ِد َِّ‬
‫اَّلل بْ ِن َس َالٍم َر ِض َي َّ‬
‫اَّللُ َعنْهُ ‪ -‬برقم ‪ 4662‬وللبخاري يف صحيحه يف‬ ‫الص َحابَِة َر ِض َي َّ‬
‫ضائِ ِل َّ‬ ‫‪24‬‬
‫اَّللُ تَ َع َ َ ُ ْ َ ُ ْ َ َ ْ‬ ‫يف السنن الكربى للنسائي يف كتاب املناقب برقم ‪ 7022‬وملسلم يف صحيحه يف كتاب فَ َ‬
‫كتاب مناقب األنصار ‪ -‬ابب مناقب عبدهللا بن سالم رضي هللا عنه برقم ‪3636‬‬
‫‪ 25‬يف سنن الرتمذي أبواب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول هللا ﷺ برقم ‪2485‬‬
‫‪ 26‬صحيح البخاري‪/‬كتاب أحاديث األنبياء‪/‬ابب خلق آدم صلوات هللا عليه وذريته برقم ‪3176‬‬
‫‪ 27‬الزايدة عند البخاري يف صحيحه كتاب مناقب األنصار برقم ‪3938‬‬
‫‪ 28‬البقرة‪140:‬‬

‫‪6‬‬
‫قال‪" :‬ال تكتموا ما‬ ‫‪29‬‬ ‫وا ْۡۡٱ َ‬
‫ۡلقۡ ﱨ‬
‫َ‬
‫روى ابن جرير‪ ،‬عن ابن عباس ‪-‬رضي هللا عنهما‪ -‬يف قوله تعاىل‪ :‬ﱩ َوتك ُت ُم ۡ‬
‫عندكم من املعرفة برسويل وما جاء به‪ ،‬وأنتم جتدونه عندكم فيما تعلمون من الكتب اليت أبيديكم"‪.30‬‬
‫وأما تلبيس أهل الكتاب للحق‪ ،‬ابلباطل‪ ،‬فكان بطرق كثرية منها‪ :‬أهنم كانوا خيلطون‪ ،‬التوراة‪ ،‬واإلجنيل‪ ،‬اليت أنزهلا هللا‬
‫أبشياء‪ ،‬اختلقوها‪ ،‬وكتبوها أبيديهم‪ ،‬افرتاء على هللا‪ ،‬وعلى‪ ،‬رسله‪ ،‬ومنها‪ :‬أهنم أقروا بنبوة نبينا حممد ﷺ‪ ،‬ولكنهم زعموا كاذبني؛‬
‫أنه مل يرسل إليهم‪ ،‬بل إىل غريهم‪ ،‬ومن تلبيساهتم‪ ،‬أن منهم من سلك طريق النفاق األكرب‪ ،‬فآمن ظاهرا مع إبطان الكفر‪ ،‬والعداوة؛‬
‫ليكيد لإلسالم وأهله‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ َ ُ ُ َ َ َّ َ ُ َ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ون ﱨ ‪:31‬‬ ‫نتم ۡتعل ُم ۡ‬ ‫ق ۡوأ‬
‫ل ۡوتكتمون ۡٱۡل ۡ‬ ‫ۡل َّۡ‬
‫ق ۡۡب ِٱل َبَٰ ِط ِۡ‬ ‫ون ۡۡٱ َ‬ ‫قال جماهد‪ ،‬عن قوله تعاىل‪ :‬ﱩ يََٰٓأهل ۡٱلكِتَٰ ِۡ‬
‫ب ۡل ِم ۡتلبِس‬
‫"تكتمون حممدا‪ ،‬وأنتم تعلمون‪ ،‬وأنتم جتدونه عندكم يف التوراة‪ ،‬واإلجنيل‪ ،‬فتأويل اآلية إذا‪ :‬وال َختْلِطُوا على الناس‪ ،‬أيها األحبار من‬
‫أهل الكتاب‪ ،‬يف أمر حممد ﷺ‪ ،‬وما جاء به من عند ربه‪ ،‬وتزعموا أنه مبعوث إىل بعض أجناس األمم‪ ،‬دون بعض‪ ،‬أو تُنافقوا يف‬
‫أمره‪ ،‬وقد علمتم أنه مبعوث إىل مجيعكم‪ ،‬ومجيع األمم غريكم؛ فتخلطوا بذلك الصدق‪ ،‬ابلكذب‪ ،‬وتكتموا به ما جتدونه يف كتابكم‪،‬‬
‫من نعته‪ ،‬وصفته‪ ،‬وأنه رسويل إىل الناس كافة‪ ،‬وأنتم تعلمون أنه رسويل‪ ،‬وأن ما جاء به إليكم فمن عندي‪ ،‬وتعرفون أن من عهدي‬
‫الذي أخذت عليكم‪ ،‬يف كتابكم اإلميان به‪ ،‬ومبا جاء به‪ ،‬والتصديق به"‪.32‬‬
‫ومن صور خلط أحبار اليهود للحق‪ ،‬ابلباطل‪ :‬أهنم اتفقوا على مكيدة لإلسالم؛ أبن يظهروا اإلسالم أول النهار‪ُ ،‬ث يف‬
‫آخره يكفرون ابإلسالم؛ ليضلوا اجلهال من الناس‪ ،‬وحياولوا رد من آمن ابإلسالم عن دينه؛ بتفهيمهم أهنم رجعوا عن اإلسالم؛ ألهنم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َّ ٓ َ ‪ٞ‬‬
‫تۡطائِفةۡمِنۡأه ِلۡٱلكِتَٰ ِۡ‬
‫بۡ‬ ‫اطلعوا على عيب فيه‪ ،‬وأنه ليس هو الدين الذي يرضاه هللا‪ ،‬ففضح هللا كيدهم‪ ،‬قال تعاىل ﱩ وقال‬
‫َ‬ ‫ُ ُ ٓ ْ َ َ ُ َ َ َّ ُ َ‬ ‫ام ُنوا ْ َ‬
‫ۡوج َهۡٱَلَّ َه ۡ َ‬ ‫ِينۡ َء َ‬ ‫َ ُ ْ َّ ٓ ُ َ َ َ َّ‬
‫ونﱨ ‪ .33‬هذه مكيدة أرادوها؛ ليَلبِ ُسوا‬ ‫ج ُع ۡ‬
‫ارِۡ ۡوۡٱكفروۡاۡءاخِرۡهۥۡلعلهمۡير ِ‬ ‫نزلۡلَعۡۡٱَّل َۡ‬‫ِيۡأ ِ‬
‫ءامِنواۡۡب ِۡٱَّل ۡ‬
‫على الضعفاء من الناس‪ ،‬أمر دينهم‪ ،‬وهو أهنم ا ْشتَ َوُروا بينهم؛ أن يظهروا اإلميان أول النهار‪ ،‬ويصلوا مع املسلمني صالة الصبح‪،‬‬
‫قيصة‪ ،‬وعيب يف دين‬ ‫ِ‬
‫فإذا جاء آخر النهار‪ ،‬ارتدوا إىل دينهم؛ ليقول اجلهلة من الناس‪" :‬إمنا ردهم إىل دينهم اطىَالعُهم على نَ َ‬
‫ون ﱨ‪.‬‬
‫َ‬
‫ج ُع ۡ‬ ‫َ َ َّ ُ َ‬
‫املسلمني"؛ وهلذا قالوا ﱩ لعلهمۡير ِ‬
‫وهنا حيق لكل مسلم أن يتساءل‪ :‬ملاذا مل يؤمن علماء أهل الكتاب بنبينا حممد ﷺ؟ ملاذا مل يكونوا أول مؤمن به بدل من‬
‫أن يكونوا أول كافر به؟ ملاذا حاربوه‪ ،‬وصدوا الناس عنه‪ ،‬بدال من أن يناصروه‪ ،‬وحياربوا أعدائه؟ أال خيافون عذاب هللا؟! أال يطمعون‬
‫يف رمحة هللا‪ ،‬ومغفرته‪ ،‬وجنته! وما الذي صرفهم عن أن يَ ْش ُروا أنفسهم ابتغاء مرضاة هللا؟‬
‫اجلواب الشايف عن كل تلك التساؤالت السابقة‪ :‬يف كتاب هللا ‪-‬عز وجل‪ ،-‬بينه هللا أحسن بيان‪ ،‬فضحهم هللا‪ ،‬وكشف‬
‫َ َٰ َ َ َ َ َ ُ‬ ‫َ َ َ َٰ َ ُ َ ُ‬
‫ِي ﱨ‪.34‬‬ ‫ۡسبِيلۡٱل ُمجرِم َۡ‬ ‫صلۡۡٱٓأۡليتِۡۡول ِتستبِي‬ ‫خبااي نفوسهم اخلبيثة‪ ،‬وأعماهلم الضالة‪ ،‬كما قال تعاىل‪ :‬ﱩ وكذل ِكۡنف ِ‬
‫فأكرب أسباب ضالهلم‪:‬‬
‫الكرب الذي توعد هللا صاحبه؛ أبن يصرفه عن أن ينتفع ويهتدي آبايت هللا‪ ،‬قال‬ ‫‪ -‬أوال‪ :‬ما انطوت عليه نفوسهم‪ ،‬من ِ‬
‫َ َ ْ ُ َّ َ َ َّ ُ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ َ َ َ َٰ َ َّ َ َ َ َ َّ ُ َ‬
‫واۡب ِ َهاِۡإَونۡ‬ ‫ۡرضۡب َغۡيۡۡٱ َ‬
‫قِۡإَونۡيرواُۡكۡءايةَٖۡلۡيؤمِن ۡ‬
‫ۡل ِۡ‬ ‫ِۡفۡٱۡل ِ ۡ ِ ِ‬‫ِينۡيتكَبون ِ‬ ‫تعاىل‪ :‬ﱩ سأ ِ‬
‫ۡصفۡعنۡءاي ِِتۡٱَّل ۡ‬

‫‪ 29‬البقرة‪42:‬‬
‫‪ 30‬جامع البيان يف تفسري القرآن يف تفسري اآلية برقم ‪832‬‬
‫‪ 31‬آل عمران‪71:‬‬
‫‪ 32‬جامع البيان يف تفسري القرآن يف تفسري اآلية برقم ‪838‬‬
‫‪ 33‬آل عمران‪72:‬‬
‫‪ 34‬األنعام‪55:‬‬

‫‪7‬‬
‫َ َ ْ َ َ َ َ َّ ُ ُ َ ٗ َ َٰ َ َ َّ ُ َ َّ ُ ْ َ َ َ َ ُ ْ‬ ‫َ َ ْ َ َ ُّ َ َ َّ ُ ُ َ ٗ‬
‫كۡبِأنهمۡكذبواۡأَ‍ِبيَٰت ِناۡوَكنواۡ‬
‫غۡيتخِذوهۡسبِيلۡذۡل ِ ۡ‬ ‫ۡسبِيلِۡإَونۡيرواۡسبِيلۡٱل ِۡ‬ ‫يرواۡسبِيلۡٱلرش ِۡدَۡلۡيتخِذوه‬
‫َ َ َ َ َُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِي ﱨ ‪ ،35‬ويف اآلية اليت قبلها‪ ،‬تكلم هللا عن األلواح؛ اليت آاتها موسى ‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱩ وكتبن ۡ‬
‫اۡل ۡۥۡ‬ ‫عن َهاۡغَٰفِل َۡ‬
‫ُ ُ ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫خذ َها ۡب ُق َّوة ٖ َ‬ ‫ٗ ُ َ‬ ‫َّ َ ٗ َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫ۡوأ ُمر ۡقو َمك ۡيَأخذوا ۡبِأح َسن َِهاۡ‬ ‫ِ‬ ‫ۡف‬ ‫ء‬
‫ٖ‬ ‫َۡش‬ ‫ِك‬
‫ِ‬ ‫ۡل‬ ‫يل‬‫ص‬‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ۡو‬ ‫ة‬‫ِظ‬
‫ع‬ ‫و‬‫ۡم‬ ‫ء‬
‫ٖ‬ ‫َۡش‬ ‫ُۡك‬
‫ِ‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫ۡ‬ ‫ِ‬
‫اح‬
‫ۡ‬ ‫َ‬
‫و‬ ‫ل‬ ‫ِِف ۡٱۡل‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ِي ﱨ ‪ .36‬أخرب تعاىل أن فيها من كل شيء‪ ،‬حيتاج إليه العباد‪ ،‬موعظة ترغب النفوس‪ ،‬يف‬ ‫سق َۡ‬‫َسأ ْورِيكم ۡد َار ۡٱلفَٰ ِ‬
‫أفعال اخلري‪ ،‬وترهبهم من أفعال الشر‪ ،‬وتفصيال لكل شيء من األحكام الشرعية‪ ،‬والعقائد‪ ،‬واألخالق‪ ،‬واآلداب‪ُ ،‬ث أخرب‬
‫أنه تعاىل سيحرم املتكربين‪ ،‬من أن يهتدوا هبا؛ بل جيعلهم يتخبطون يف الغواية‪ ،‬فريفضون اإلميان آبايت هللا‪ ،‬ويسلكون‬
‫سبيل الضاللة‪ ،‬وجيتنبون طريق الرشد‪ ،‬واهلداية؛ وذلك كله عقوبة هلم‪ ،‬على تكذيبهم آبايت هللا‪ ،‬وغفلتهم عنها‪ ،‬وجتاهلهم‪،‬‬
‫واحتقارهم هلا‪ .‬إن بين إسرائيل مل يكذبوا برسولنا حممد ﷺ فحسب؛ بل كان هذا شأهنم مع كل من ال هتوى أنفسهم‪،‬‬
‫من رسل هللا الذين ابتعثهم من بعد موسى ‪ ،‬بل بلغ فيهم اإلجرام‪ ،‬أن جيمعوا بني تكذيب بعض الرسل‪ ،‬وقتلهم‪،‬‬
‫ن ۡ َمريَ َم ۡٱۡلَي ِ َنَٰ ِۡ‬
‫تۡ‬ ‫ل ۡ َو َءاتَي َناۡع َ‬
‫ِيَس ۡٱب َۡ‬ ‫ب ۡ َو َق َّفي َناۡ ِم ۢن َ‬
‫ۡبع ِدۡه ِۦ ۡۡب ِٱ ُّلر ُس ِۡ‬
‫َ‬ ‫اۡم َ‬
‫وَس ۡٱلكِتَٰ َ ۡ‬ ‫قال تعاىل‪ :‬ﱩ َولَ َقد َ‬
‫ۡءاتَي َن ُ‬
‫َ ٗ‬ ‫ُ ُ َ َ ُ َّ َ َ ٓ َ ُ َ ُ ُ ۢ َ َ َ َ َٰٓ َ ُ ُ ُ ُ َ َ ُ َ َ ٗ َ َّ‬ ‫َ‬
‫اۡكذب ُتمۡۡ َوف ِريقاۡ‬ ‫سۡأفُكماۡجاءكمۡرسولۡبِماَۡلۡتهوىۡأنفسكمۡٱستكَبتمۡۡفف ِريق ۡ‬ ‫وحۡٱلقد ِ ۡ‬ ‫َوأيَّد َنَٰ ُهۡب ِ ُر ِ‬
‫َ ُ َ‬
‫ون ﱨ ‪.37‬‬ ‫تق ُتل ۡ‬
‫‪ -‬اثنيا‪ :‬حسدهم لرسول هللا ﷺ؛ ألن هللا تعاىل اجتباه‪ ،‬واصطفاه‪ ،‬لرسالته‪ ،‬ومل جيعل الرسول‪ ،‬من بين إسرائيل‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫َ ُ َ َ ُ َ َ َ َّ َ َ َ ْ‬ ‫َّ ُ َ ‪ْ ُ َ َ ُ َ َ َ ٞ‬‬ ‫ﱩ َول َ َّم َ‬
‫اۡجا ٓ َء ُهم ۡك َِتَٰ ‪ٞ‬‬
‫ِين ۡكف ُرواۡ‬‫ۡوَكنوا ۡمِنۡقبل ۡيستفت ِحون ۡلَع ۡۡٱَّل ۡ‬ ‫ّللِ ۡمصدِق ۡل ِماۡمعهم‬ ‫ب ۡمِن ۡعِن ِد ۡٱ ۡ‬
‫ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ََ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ َّ َ َ‬ ‫َ َ َّ َ ٓ َ ُ َّ َ ُ ْ َ َ ْ‬
‫َتوۡاۡب ِ ۡهِ ۡۦٓۡأنف َس ُهمۡأنۡيَكف ُرواۡ‬ ‫ين‪ۡ٨٩‬بِئ َس َماۡٱش‬ ‫ّللِۡلَعۡٱلكَٰف ِِر َۡ‬ ‫اۡع َرفواۡكف ُرواۡب ِ ۡهِۦۡۡفلعنةۡٱ ۡ‬ ‫فلماۡجاءه ۡمۡم‬
‫َ‬
‫َ َٰ َ َ‬ ‫ََُٓ َ َ‬ ‫ۡمن ۡي َ َشا ٓ ُء ۡمِن ۡع َ‬‫لَع َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ّلل ۡ َبغ ًيا ۡأن ۡيُ َن َل ۡٱ َّ ُ‬ ‫ب َما ٓ ۡأَ َ‬
‫نز َل ۡٱ َّ ُ‬
‫بۡ‬ ‫ض‬ ‫ۡغ‬ ‫ۡ‬
‫ۡلَع‬ ‫ب‬ ‫ض‬ ‫غ‬‫ِ‬ ‫ب‬‫ۡ‬ ‫و‬‫ء‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫ف‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ۦ‬ ‫ِ‬
‫ۖۡ‬ ‫ۡ‬
‫ه‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ِب‬ ‫َٰ‬ ‫ۡ‬ ‫ۦ‬‫ِ‬ ‫ۡ‬
‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫ض‬ ‫ۡف‬ ‫ِن‬‫م‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ّلل‬ ‫ِ‬ ‫ۡ‬ ‫ِ‬
‫ٖ‬
‫َ‬
‫ۡعذ ‪ٞ‬‬ ‫ين َ‬ ‫َ‬
‫ي ﱨ ‪ ،38‬أي‪ :‬وملا جاءهم كتاب‪ ،‬من عند هللا على يد أفضل ‪،‬اخللق‪ ،‬وخامت األنبياء‪ ،‬املشتمل‬ ‫ۡم ِه ‪ۡٞ‬‬‫اب ُّ‬ ‫َول ِلكَٰفِر َ‬
‫ِ‬
‫على تصديق ما معهم من التوراة‪ ،‬وقد علموا به‪ ،‬وتيقنوه‪ ،‬حىت إهنم كانوا إذا وقع بينهم‪ ،‬وبني املشركني يف اجلاهلية حروب؛‬
‫استنصروا هبذا النيب ‪،‬وتوعدوهم خبروجه‪ ،‬وأهنم يقاتلون املشركني معه‪ ،‬فلما جاءهم هذا الكتاب‪ ،‬والنيب الذي عرفوا؛ كفروا‬
‫به‪ ،‬بغيا‪ ،‬وحسدا أن ينزل هللا من فضله‪ ،‬على من يشاء من عباده؛ فلعنهم هللا‪ ،‬وغضب عليهم غضبا‪ ،‬بعد غضب؛ لكثرة‬
‫ۡع َذ ‪ٞ‬‬
‫ين َ‬ ‫َ َ‬
‫ي ﱨ أي‪ :‬مذل‪ ،‬مؤمل‪ ،‬موجع‪ ،‬وهو صلي اجلحيم‪ ،‬وفوت‬ ‫ۡم ِه ‪ۡٞ‬‬
‫اب ُّ‬ ‫كَٰفِر َ‬
‫ِ‬ ‫كفرهم‪ ،‬وتوايل شكهم‪ ،‬وشركهم ﱩ ول ِل‬
‫النعيم‪ ،‬املقيم‪ ،‬وكان احلسد‪ ،‬من أهم أسباب صد أحبار أهل الكتاب‪ ،‬عن اإلسالم‪ ،‬وحماربتهم له‪ ،‬وحماولتهم رد من أسلم‬
‫َ َٰ ُ ُ َّ ً َ ٗ‬ ‫َ َٰ َ ُّ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬
‫اۡح َسداۡمِنۡعِن ِدۡ‬ ‫بۡلوۡيَ ُردونك ِ‬
‫مۡم ۢن َۡبع ِدۡإِيمن ِكمۡكفار‬ ‫إىل الكفر‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱩ َودۡكث ِۡي‪ۡٞ‬مِنۡأه ِلۡٱلكِت ِۡ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ َ َّ َ َ‬
‫ۢ‬ ‫َ ُ‬
‫ق ۖۡ ﱨ ‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫مۡمنۡبعدِۡماۡتبيۡلهمۡٱۡل ۡ‬ ‫س ِه ِ‬
‫أنف ِ‬

‫‪ 35‬األعراف‪146:‬‬
‫‪ 36‬األعراف‪144:‬‬
‫‪ 37‬البقرة‪87:‬‬
‫‪ 38‬البقرة‪90-89:‬‬
‫‪ 39‬البقرة‪109:‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ -‬اثلثا‪ :‬من أسباب ضالل أحبار أهل الكتاب‪ :‬عدم اخلوف‪ ،‬والرهبة من هللا تعاىل‪ ،‬يدل على ذلك قوله تعاىل‪ :‬ﱩ َي َٰ َب ِ ٓ‬
‫ِنۡ‬
‫ُ‬ ‫َّ َٰ َ َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ُ ْ َ َّ َ َ ُ َ َ ُ َ َ ُ ْ َ ٓ ُ‬
‫ون ﱨ ‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫ۡفٱرهب ِۡ‬ ‫وفۡبِعهدِكمِۡإَوَّي ۡ‬ ‫ِتۡأنعمتۡعليكمۡوأوفواۡبِعهدِيۡأ ِ‬ ‫ِتۡۡٱل ِ ٓۡ‬
‫واۡن ِعم ِ َ‬ ‫سءِيلۡٱذك ُر ۡ‬ ‫إ ِ ََٰٓ‬
‫َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ َّ َ َ ْ َ َ َ ُ ُ‬
‫ّللِۡ َو َماۡن َزلۡ‬ ‫َّۡلِك ِرۡٱ ۡ‬ ‫ۡء َام ُن ٓواۡأنَۡتش َعۡقلوبُ ُهم ِ‬ ‫‪ -‬رابعا‪ :‬قسوة قلوهبم‪ ،‬كما أخرب هللا عنهم يف قوله‪ :‬ﱩ ألمۡيأ ِنۡل َِّلِين‬
‫َ ُ َ َ َ َ َ ُ ََ ُ ََ َ ُُ ُُ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ ُ ُ ْ َ َّ َ ُ ُ ْ‬
‫ۡوكث ِۡي‪ۡٞ‬مِن ُهمۡ‬ ‫بۡمِنۡقبلۡفطالۡعلي ِهمۡٱۡلم ۡدۡفقستۡقلوبهمۖۡ‬ ‫ِينۡأوتواۡۡٱلكِتَٰ َ ۡ‬ ‫ۡك ۡٱَّل ۡ‬ ‫قۡوَلۡيكونوا ۡ‬ ‫مِنۡٱۡل ِۡ‬
‫َ‬ ‫ََ َ ََ‬ ‫َ ُ َ‬
‫ۡعلي ِه ُم ۡٱۡل َم ُۡد ﱨ أي‪ :‬وال يكونوا كالذين أنزل هللا عليهم الكتاب‪ ،‬املوجب‬ ‫ون ﱨ ‪ ،41‬وقوله تعاىل‪ :‬ﱩ فطال‬ ‫فَٰسِق ۡ‬
‫خلشوع القلب‪ ،‬واالنقياد التام‪ُ ،‬ث مل يدوموا عليه‪ ،‬وال ثبتوا‪ ،‬بل طال عليهم الزمان‪ ،‬واستمرت هبم الغفلة؛ فاضمحل إمياهنم‪،‬‬
‫َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ون ﱨ ‪ ،‬فالقلوب حتتاج يف كل وقت إىل أن تُذكر‪ ،‬مبا أنزله هللا‪ ،‬وال‬ ‫وزال إيقاهنم؛ فقست قلوهبم ﱩ َوكث ِۡي‪ۡٞ‬مِن ُهمۡفَٰسِق ۡ‬
‫ينبغي الغفلة عن ذلك؛ فإن ذلك سببا‪ ،‬لقسوة القلب‪ ،‬ومجود العني‪.‬‬
‫ُُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ض ِهمۡمِيثَٰق ُهمۡل َع َّنَٰ ُهم َۡو َج َعل َناۡقلوبَ ُهمۡ‬ ‫‪ -‬خامسا‪ :‬نقضهم امليثاق‪ ،‬والعهد الذي أخذه هللا عليهم‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱩ فب ِ َماۡنق ِ‬
‫ُ ْ‬ ‫ََُ ْ َٗ‬ ‫ونۡٱل َُك َِۡمۡ َع َّ‬
‫َ َٰ َ ٗ ُ َ ُ َ‬
‫ۡحظاۡم َِّماۡذك ُِرواۡب ِ ۡهِۦۡ ﱨ‪.42‬‬ ‫نۡم َواضِ عِ ۡهِۦۡونسوا‬ ‫قسِيةَۖۡۡي ِرف‬
‫الكرب واحلسد وعدم الرهبة‬ ‫فقد تكلمنا عن الصفات واألفعال اليت غضب هللا على علماء أهل الكتاب ألجلها‪ ،‬وهي ابختصار ِ‬
‫واخلشية من هللا‪ ،‬وقسوة قلوهبم واشرتاؤهم آبايت هللا مثنا قليال‪ ،‬ونقضهم مواثيقهم مع هللا ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ ،-‬فكذبوا رسل هللا‪ ،‬وقتلوا‬
‫أبوا اإلميان آبخر الرسل وخامت األنبياء حممد ﷺ‪ ،‬وكتموا صفته ونعته‪ ،‬ولبسوا احلق ابلباطل‪ ،‬ومل يكتفوا بعدم اإلميان به‪،‬‬ ‫بعضهم‪ ،‬و ُ‬
‫بل وقفوا مع أعدائه ضده‪ ،‬وحاولوا صد من آمن به عن سبيل هللا‪ ،‬وشهدوا ألعدائه من كفار قريش أهنم أهدى سبيال من نبينا حممد‬
‫ُ ُ َ‬ ‫َ َّ َٰ ُ‬ ‫َ َٰ ُ ُ َ‬ ‫َ َ َ َ َ َّ َ ُ ُ ْ َ‬
‫وتۡ َويَقولونۡ‬ ‫لطغ ِۡ‬ ‫ۡلبتِۡۡ ۡوۡٱ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٱ‬ ‫ۡ‬
‫ب‬ ‫ۡ‬ ‫ون‬ ‫ِن‬
‫م‬ ‫ؤ‬ ‫ي‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ِت‬‫ك‬ ‫ل‬ ‫ٱ‬‫ۡ‬ ‫يباۡم َ‬
‫ِن‬ ‫ص ٗ‬‫ِ‬ ‫ِينۡأوتواۡن‬ ‫وصحابته األخيار‪ ،‬كما قال تعاىل‪ :‬ﱩ ألمۡۡترۡإَِلۡۡٱَّل ۡ‬
‫َّ ُ َ َ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ ْ َ َٰٓ َ َّ َ َ‬ ‫َّ َ َ َ ُ ْ َ َٰٓ ُ َ ٓ َ َ َٰ َ َّ َ َ َ ُ ْ َ ً‬
‫ۡل ۡۥۡ‬‫نَۡت َد ُۡ‬‫ّلل ۡفل ِ‬ ‫ّللۖۡۡ َو َمنۡيَل َع ِن ۡٱ ۡ‬ ‫ِين ۡل َع َن ُه ُم ۡٱ ُۡ‬ ‫يل‪ۡ ٥١‬أولئِك ۡۡٱَّل ۡ‬ ‫ۡسب ِ ۡ‬ ‫ِين ۡءامنوا‬ ‫ل َِّلِين ۡكفروا ۡهؤَلءِۡأهدى ۡمِن ۡٱَّل ۡ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫َ ُ ُ َ َّ َ َ َٰ َ ٓ َ َ‬ ‫َ‬ ‫اس ۡنَق ً‬ ‫ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ٗ‬ ‫ۡيۡا‪ۡ ٥٢‬أَم ۡل َ ُهم ۡنَص ‪ٞ‬‬ ‫َ‬
‫ّلل ۡمِنۡ‬ ‫ۡءاتى َٰ ُه ُم ۡۡٱ ُۡ‬ ‫اس ۡلَع ۡما‬ ‫ِۡيۡا‪ۡ ٥٣‬أم َۡيسدون ۡٱَل ۡ‬ ‫يب ۡم َِن ۡۡٱل ُملكِۡ ۡفإِذاَۡل ۡيُؤتون ۡٱَلَّ َ ۡ‬ ‫ِ‬ ‫ص ً‬ ‫ن ِ‬
‫نۡص َّدۡ‬ ‫مۡم َ‬ ‫ام َنۡب ۡهِۦۡ َومِن ُه َّ‬ ‫ۡء َ‬‫مۡمن َ‬ ‫ِيمۡا‪ۡ٥٤‬فَمن ُه َّ‬ ‫ۡعظ ٗ‬ ‫بۡ َۡوۡٱۡل ِك َم َۡةۡ َو َءا َتي َنَٰ ُهمۡ ُّمل ًًك َ‬ ‫َ‬
‫ِيمۡٱلكِتَٰ َ ۡ‬ ‫ۡء َالۡإب َرَٰه َ‬ ‫ََ َ َ َٓ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ۡءاتينا َ ِ‬ ‫فضل ِ ۡهِۖۡ ۡۦۡفقد‬
‫َ‬
‫ﱨ‪.43‬‬ ‫ۡسع ً‬
‫ِۡيۡا‬ ‫َ‬ ‫ِۡب َه َّن َم‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ۡ َوك َ َٰ‬
‫َف‬ ‫عن ُه‬
‫َ‬

‫وهذا من قبائح اليهود‪ ،‬وحسدهم للنيب ﷺ واملؤمنني أن أخالقهم الرذيلة‪ ،‬وطبعهم اخلبيث محلهم على ترك اإلميان ابهلل ورسوله‪،‬‬
‫والتعوض عنه ابإلميان ابجلبت والطاغوت‪ ،‬وهو اإلميان بكل عبادة لغري هللا‪ ،‬أو حكم بغري شرع هللا‪ ،‬فدخل يف ذلك السحر و ِ‬
‫الك َهانة‪،‬‬
‫وعبادة غري هللا‪ ،‬وطاعة الشيطان؛ كل هذا من اجلبت والطاغوت‪ ،‬وكذلك محلهم الكفر واحلسد على أن فضلوا طريقة الكافرين ابهلل‬
‫َ َ ُ ُ َ َّ َ َ َ ْ‬
‫ِينۡكف ُرواۡﱨ أي ألجلهم متلقا هلم ومداهنة وبغضا لإلميان‪ ،‬ﱩ‬ ‫عبدة األصنام على طريق املؤمنني‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱩ ويقولونۡل َِّل‬
‫َ َٰٓ ُ َ ٓ َ َ َٰ َ َّ َ َ َ ُ ْ َ ً‬
‫يل ﱨ أي طريقا‪ ،‬فما أْسجهم وأشد عنادهم وأقل عقوهلم‪ ،‬فكيف يفضلون دينا قام على‬ ‫ِينۡءامنواۡسب ِ ۡ‬
‫هؤَلءِۡأهدىۡمِنۡۡٱَّل ۡ‬
‫عبادة األصنام واألواثن‪ ،‬وعلى حترمي الطيبات وإابحة اخلبائث‪ ،‬وإحالل كثري من احملرمات‪ ،‬وإقامة الظلم بني اخللق‪ ،‬وتسوية اخلالق‬
‫ابملخلوقني‪ ،‬والكفر ابهلل ورسله وكتبه؟! كيف يفضل أحبار أهل الكتاب دين الكفار على دين اإلسالم القائم على عبادة الرمحن‪،‬‬

‫‪ 40‬البقرة‪40:‬‬
‫‪ 41‬احلديد‪16:‬‬
‫‪ 42‬املائدة‪13:‬‬
‫‪ 43‬النساء‪55-51:‬‬

‫‪9‬‬
‫واإلخالص هلل يف السر واإلعالن‪ ،‬والكفر مبا يعبد من دونه من األنداد واألواثن؟!‪ ،‬وقام دين اإلسالم على صلة األرحام‪ ،‬واإلحسان‬
‫إىل مجيع اخللق حىت البهائم‪ ،‬وإقامة العدل والقسط بني الناس‪ ،‬وحترمي كل خبيث وظلم‪ ،‬والصدق يف مجيع األقوال واألعمال‪ ،‬فهل‬
‫اإلجرام‪.‬‬ ‫أعظم‬ ‫إال‬ ‫الكتاب‬ ‫أهل‬ ‫يفعله‬ ‫الذي‬ ‫هذا‬
‫َ َٰٓ َ َّ‬ ‫ُ‬
‫إن صاحب هذا القول ملن أعظم الناس عنادا ومتردا وحماربة للحق‪ ،‬وهلذا طردهم هللا من رمحته‪ ،‬قال تعاىل عنهم‪ :‬ﱩۡأ ْولئِكۡٱَّل َۡ‬
‫ِينۡ‬
‫َّ ُ َ َ َ َ َ ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ۡيۡا ﱨ أي لن ينصرهم أحد إذا‬‫ص ً‬ ‫ۡل ۡۥۡن ِ‬
‫نَۡتد ۡ‬
‫ّللۡفل ِ‬ ‫ل َع َن ُه ُمۡۡٱ ُۡ‬
‫ّللۖۡۡﱨ أي طردهم عن رمحته‪ ،‬وأحل عليهم نقمته‪ ،‬ﱩ َو َمنۡيَل َع ِنۡٱ ۡ‬
‫يبۡم َِنۡٱل ُملكِۡۡﱨ أي فيفضلون من شاؤوا على من‬ ‫استغاثوا من شدة ما يلقون من العذاب الذي ال هناية له‪ ،‬ﱩ أَمۡل َ ُهمۡنَص ‪ٞ‬‬
‫ِ‬
‫شاؤوا مبجرد أهوائهم‪ ،‬فيجعلون أنفسهم شركاء هلل يف تدبري ملكه‪ ،‬فلو كانوا كذلك؛ لشحوا وخبلوا أشد البخل‪ ،‬وهلذا قال تعاىل‪ :‬ﱩ‬
‫اسۡنَق ً‬ ‫ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ٗ‬
‫ِۡيۡا ﱨ أي شيئا ولو كان قليال كالنقرة اليت تكون على نواة‬ ‫فإِذا ﱨ أي لو كان هلم نصيبا من ملك هللا‪ ،‬ﱩ َلۡيُؤتونۡٱَلَّ َ ۡ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ ُ ُ َ َّ َ َ َ َٰ َ ٓ َ َ‬
‫ّللۡمِنۡفضل ِ ۡهِۖۡ ۡۦۡﱨ‬ ‫ۡءاتى َٰ ُه ُمۡٱ ُۡ‬ ‫اسۡلَعۡما‬ ‫التمرة‪ ،‬وهذا وصف هلم بشدة البخل على تقدير وجود ُملك هلم‪ ،‬ﱩ أمَۡيسدونۡٱَل ۡ‬
‫أي هل احلامل هلم على تلبيس احلق ابلباطل‪ ،‬والشهادة للكفر أنه احلق واهلدى‪ ،‬واحلسد للرسول وللمؤمنني على ما أاتهم هللا من‬
‫َ‬
‫ِيم ۡٱلكِتَٰ َ ۡ‬ ‫ۡء َال ۡإب َرَٰه َ‬ ‫ََ َ َ َٓ‬
‫بۡ‬ ‫ۡءاتينا َ ِ‬ ‫ببدع وال غريب على فضل هللا أن يصيب به من يشاء من عباده ﱩ فقد‬ ‫فضله؟‪ ،‬وذلك ليس ٍ‬
‫َۡوۡٱۡل ِك َم َۡةۡ َو َءا َتي َنَٰ ُه ۡمۡ ُّمل ًًك َ‬
‫ۡعظ ٗ‬
‫ِيمۡا ﱨ وذلك ما أنعم هللا به على إبراهيم وذريته من النبوة والكتاب وامللك الذي أعطاه من أعطاه‬
‫فإنعامه مل يزل مستمرا على عبادة املؤمنني‪ ،‬فكيف ينكرون إنعامه ابلنبوة والنصر وامللك حملمد ﷺ‬
‫من أنبياءه كداوود وسليمان‪ُ ،‬‬
‫ۡء َام َنۡب ِ ۡهِۦۡﱨ‪ ،‬أي مبحمد ﷺ‪ ،‬فنال بذلك السعادة‬ ‫أفضل اخللق وأجلهم وأعظمهم معرفة ابهلل وأخشاهم له؟!‪ ،‬ﱩ فَمن ُه َّ‬
‫مۡمن َ‬ ‫ِ‬
‫َ ُ َّ َ َ‬
‫نۡص َّدۡعن ُهۡﱨ عنادا وبغيا وحسدا‪ ،‬فحصل هلم من شقاء الدنيا ومصائبها ما هو بعض‬ ‫الدنيوية والفالح األخروي‪ ،‬ﱩ ومِنهمۡم‬
‫ِۡب َه َّن َم َ‬
‫ۡسع ً‬ ‫َف َ‬ ‫ََ‬
‫ِۡيۡا ﱨ‪ ،‬تُ َسعَُّر على من كفر ابهلل وجحد نبوة أنبيائه من اليهود والنصارى وغريهم من أصناف‬ ‫آاثر معاصيهم‪ ،‬ﱩ َوك َٰ ِ‬
‫الكفرة‪.‬‬
‫وقد ذكرت من قبل أن كل ضالل وخمالفة لشرع هللا وقع فيها أهل الكتاب‪ ،‬فسيقع مثلها يف هذه األمة‪ ،‬كما أخرب نبينا ﷺ‪ ،‬فيما‬
‫جحر ٍى‬
‫ضب لدخلتُموه‪ .‬قالوا‪:‬‬ ‫حىت لو دخلوا َ‬ ‫نن من كا َن قبلَكم حذو ال ُق َّذةِ ابل ُق َّذةِ َّ‬
‫َّبعن َس َ‬
‫رواه أبو سعيد ‪ ‬أن رسول هللا قال‪" :‬لتت َّ‬
‫فمن"‪ ،44‬وهذا خربٌ صادق ويفيد أيضا النهي عن التشبه ابليهود والنصارى‪ ،‬ووجوب احلذر من الوقوع يف‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫هود والنَّصارى؟ َ‬
‫اليَ ُ‬
‫مثل ما وقعوا فيه من املخالفات‪ ،‬ومن أخطر تلك املخالفات احنراف العلماء عن جادة احلق‪ ،‬وطلبهم الدنيا بعلمهم‪ ،‬وتقرهبم‬
‫َّرعيَّة‪ ،‬ويصدرون الفتاوى يف وجوب‬‫للطواغيت احلاكمني بغري شرع هللا‪ ،‬واملبدلني لدين هللا‪ ،‬فيصبغون عليهم وعلى حكمهم الش ِ‬
‫طاعتهم وحترمي اخلروج عليهم‪ ،‬ولو وقع طواغيتهم يف كل نواقض اإلسالم أو أكثرها‪ ،‬بل وحاربوه بكل وسيلة‪ ،‬وأعانوا الكفار على‬
‫الكفر البواح والردة الصرحية عن دين هللا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫املسلمني‪ ،‬وقتلوا وسجنوا اجملاهدين والعلماء الصادقني وظهر منهم‬
‫إن العلماء إذا احنرفوا أضلوا خلقا كثريا‪ ،‬فيقتدي هبم اجلاهل وصاحب اهلوى‪ ،‬وتصري فتاوى عامل الضالل سيفا بيد الطاغوت احلاكم‬
‫يضرب به كل من دعا إىل دين هللا احلق‪ ،‬وطالب بتحكيم شريعته‪ ،‬واستنكر مواالة احلاكم ألعداء هللا‪ ،‬وهنا جيب أن نطرح سؤاال‬
‫هاما‪ ،‬هل العلم وحده دون العمل به ينجي العامل من عذاب هللا‪ ،‬ويرفعه درجات عند هللا؟‪ ،‬كال وهللا‪ ،‬فالعلم بال عمل؛ وابال على‬
‫صاحبه‪ ،‬فكيف إذا جعل علمه ُسلُّما للوصول إىل الدنيا وزخرفها‪ ،‬وصار مهه احلظوة لدى ذوي اجلاه والسلطان؟!‪.‬‬
‫قال عبد هللا بن مبارك ‪ ‬ألحد علماء زمانه حني توىل إحدى الوالايت وخشي عليه من أن يضيع دينه بسببها‪:‬‬

‫‪ 44‬جمموع الفتاوى ‪106/10‬‬

‫‪10‬‬
‫اد أ َْمو َال الْمساكِ ِ‬
‫ني‬ ‫اع َل الْعِلْ ِم لَهُ َاب ِزًّاي‬ ‫اي ج ِ‬
‫صطَ ُ َ َ َ‬ ‫يَ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ب ِابل ىِدي ِن‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ٍ‬ ‫ت لِلدُّنْيَا َولَ َّذ ِاهتَا‬ ‫ِ‬
‫حبيلَة تَ ْذه ُ‬ ‫ا ْحتَ لْ َ‬
‫ني‬ ‫ِ ِ‬ ‫ت َْجمنُوان ِهبَا‬ ‫ِ‬
‫ت َد َواء ل ْل َم َجان َ‬ ‫ُكْن َ‬ ‫بعدما‬
‫َ‬ ‫فَص ْر َ‬
‫الس َالَ ِط ِ‬
‫ني‬ ‫ِيف تَرِك أَبْو ِ‬
‫اب َّ‬ ‫ْ َ‬ ‫ك يف َس ْرِد َها‬ ‫أَيْ َن ِرَو َاايتُ َ‬
‫َزَّل ِمحَ ُار الْعلْ ِم ِيف الطىني‬
‫ِ ِ ‪45‬‬ ‫ِ‬ ‫ت فَ َذا َاب ِط ٌل‬ ‫ت أُ ْك ِرْه ُ‬ ‫إ ْن قُلْ َ‬
‫إنه ال ينجي املسلم إال أن يطلب العلم لوجه هللا تعاىل ال ليحصل به أي نفع دنيوي سواء كان مدحا أم جاها أم ماال أو رايسة‬
‫ضى يَ ْوَم‬ ‫َّاس يُ ْق َ‬‫دينية أو دنيوية‪ ،‬جاء يف حديث أيب هريرة ‪ ‬الذي أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬أن النيب ﷺ قال‪( :‬إِ َّن أ ََّوَل الن ِ‬
‫ال‪ :‬قَاتَ ْل ِ‬ ‫ت فِ َيها؟ قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫استُ ْش ِه َد‪ ،‬فَأُِيتَ بِِه فَ َعَّرفَهُ نِ َع َمهُ فَ َعَرفَ َها قَ َ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ت‪،‬‬ ‫ت‪ ،‬قَ َال ‪َ :‬ك َذبْ َ‬ ‫استُ ْش ِه ْد ُ‬ ‫يك َح َّىت ْ‬ ‫تف َ‬ ‫ُ‬ ‫ال‪ :‬فَ َما َعم ْل َ‬ ‫الْقيَ َامة َعلَْيه‪َ ،‬ر ُج ٌل ْ‬
‫ب َعلَى َو ْج ِه ِه َح َّىت أُلْ ِق َي ِيف النَّا ِر‪َ ،‬وَر ُج ٌل تَ َعلَّ َم الْعِلْ َم َو َعلَّ َمهُ َوقَ َرأَ الْ ُق ْرآ َن‪،‬‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫يل‪ُُ ،‬ثَّ أُمَر به فَ ُسح َ‬
‫ِ‬
‫ال َجريءٌ‪ ،‬فَ َق ْد ق َ‬
‫ت؛ ِألَ ْن يُ َق َ ِ‬ ‫َولَ ِكن َ‬
‫َّك قَاتَلْ َ‬
‫ال‪ :‬تَعلَّمت الْعِلْم وعلَّمته وقَرأ ِ‬ ‫ال‪ :‬فَما ع ِملْ ِ‬
‫ت‬ ‫َّك تَ َعلَّ ْم َ‬‫ت‪َ ،‬ولَ ِكن َ‬ ‫ال‪َ :‬ك َذبْ َ‬ ‫يك الْ ُق ْرآ َن‪ ،‬قَ َ‬‫ْت ف َ‬ ‫ت ف َيها؟ قَ َ َ ْ ُ َ َ َ ْ ُ ُ َ َ ُ‬
‫ِ‬
‫فَأُِيتَ بِه فَ َعَّرفَهُ ن َع َمهُ فَ َعَرفَ َها قَ َ َ َ َ‬
‫ِ‬
‫ب َعلَى َو ْج ِه ِه َح َّىت أُلْ ِق َي ِيف النَّا ِر‪َ ،‬وَر ُج ٌل َو َّس َع َّ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ُه َو قَا ِر ٌ‬ ‫ْت الْ ُق ْرآ َن؛ لِيُ َق َ‬ ‫الْعِلْم؛ لِي ق َ ِ‬
‫اَّللُ‬ ‫يل‪ُُ ،‬ثَّ أُمَر به فَ ُسح َ‬ ‫ئ‪ ،‬فَ َق ْد ق َ‬ ‫ال َعاملٌ َوقَ َرأ َ‬ ‫َ َُ‬
‫ب أَ ْن يُْن َف َق‬ ‫ِ‬
‫ت م ْن َسبِ ٍيل ُحت ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َصنَاف الْ َم ِال ُكلىه‪ ،‬فَأُِيتَ بِه فَ َعَّرفَهُ ن َع َمهُ فَ َعَرفَ َها قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪َ :‬ما تََرْك ُ‬ ‫ت ف َيها؟ قَ َ‬ ‫ال‪ :‬فَ َما َعملْ َ‬ ‫َعلَْيه‪َ ،‬وأ َْعطَاهُ م ْن أ ْ‬
‫ب َع لَى َو ْج ِه ِه ُُثَّ أُلْ ِق َي ِيف‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫يل‪ُُ ،‬ثَّ أُمَر به فَ ُسح َ‬
‫ِ‬
‫ت؛ ليُ َق َال ُه َو َج َو ٌاد‪ ،‬فَ َق ْد ق َ‬
‫ال‪َ :‬ك َذبت‪ ،‬ولَ ِكنَّك فَعلْ ِ‬
‫ك‪ ،‬قَ َ ْ َ َ َ َ َ‬ ‫ت ف َيها لَ َ‬
‫فِيها إَِّال أَنْ َف ْق ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ ‪46‬‬
‫والعافية‪.‬‬ ‫السالمة‬ ‫هللا‬ ‫النَّار) نسأل‬
‫قال ابن رسالن الشافعي‪:‬‬
‫ب من قَ ْب ِل عُبَّ ِاد‬ ‫ُم َع َّذ ٌ‬ ‫يعملَ ْن‬
‫وعاملٌ بعلمه مل َ‬
‫ِِ‬
‫‪47 48‬‬
‫خلص هلل يف طلبه للعلم ويف تعليمه‬ ‫الوثَ ْ‪،‬ن تنبيها لطالب العلم؛ ليُ َ‬ ‫ولذلك كثريا ما يبدأ أهل العلم كتبهم حبديث‪( :‬إمنا األعمال ابلنيات) َ‬
‫ك)‪ ،49‬فالقرآن حجة ملن قرأه بتدبر وعلم ما فيه وعمل مبا علم‪ ،‬وأما من‬‫ك أ َْو َعلَْي َ‬
‫للناس‪ ،‬وقد أخرب النيب ﷺ أن‪( :‬الْ ُق ْرآ ُن ُح َّجةٌ لَ َ‬
‫أعرض عن كتاب هللا‪ ،‬أو علم ما فيه ولكنه مل يعمل به؛ فالقرآن حجة عليه يوم القيامة‪ ،‬وقد أخرب هللا تعاىل أن الرسخني يف العلم‬
‫َّ‬ ‫ُ َ َ َ َّ َ‬ ‫َ‬
‫َ َ ََ َ َ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫يدعون هللا تعاىل قائلني‪ :‬ﱩ َر َّب َنۡاَۡلۡتُزغۡقلوبَ َن َ‬ ‫ُُ‬ ‫َ‬
‫نتۡٱل َوه ُ ۡ‬
‫اب ﱨ‪ ،50‬أي ال متل قلوبنا‬ ‫كۡأ َ‬ ‫اۡوهبَۡلَاۡمِنۡدلنكۡرۡحةۡإِن‬ ‫اۡبع َدۡإِذۡهديتن‬ ‫ِ‬
‫عن احلق جهال أو عنادا منا‪ ،‬بل اجعلنا مستقيمني على دينك هادين مهتدين فثبتنا على هدايتك وعافنا مما ابتليت به الزائغني‪ ،‬ﱩ‬
‫َّ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬ ‫ۡر َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫نتۡٱل َوه ُۡ‬
‫اب ﱨ‪،‬‬ ‫كۡأ َ‬ ‫ۡحةۡۡﱨ‪ ،‬أي رمحة عظيمة توفقنا هبا للثبات على اإلسالم غري مفرطني وال مبدلني‪ ،‬ﱩ إِن‬‫نك َ‬ ‫َوهبَۡۡلَاۡمِنۡدل‬
‫عم جودك مجيع املخلوقات‪ ،‬والعامل العامل بعلمه له مكانته عند هللا أوال‪ ،‬وعند‬ ‫أي واسع العطااي واهلبات كثري اإلحسان الذي َّ‬
‫املسلمني اثنيا‪ ،‬فاهلل تعاىل قد أثىن على الذين خيشونه وال خيشون أحد غريه‪ ،‬فقال تعاىل عن الذين يبلغون رساالت هللا من األنبياء‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ َ ُ َ ُ َ َ َٰ َ‬
‫ّللِ ۡ َويَخشون ُۡهۥ ۡ َوَلۡ‬ ‫سل َٰ ِ‬
‫ت ۡٱ ۡ‬ ‫والرسل ‪-‬عليهم الصالة والسالم‪ُ -‬ث من الدعاة إىل هللا يف هذه األمة‪ :‬ﱩ ۡٱَّل ۡ‬
‫ِين ۡيبل ِغون ۡرِ‬

‫ان الظَّ ِامل برقم ‪736‬‬ ‫اخلَ ِة ُّ‬


‫السلْطَ ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ذَِىم ال َْعامل َعلَى ُم َد َ‬
‫اجلامع يف بيان العلم وفضله البن عبد الرب‪َ /‬اب ُ‬
‫‪45‬‬

‫حماضرات األدابء وحماورات الشعراء والبلغاء ‪1:37‬‬


‫اجلواهر والدرر يف ترمجة شيخ اإلسالم ابن حجر صفحة ‪622-621‬‬
‫اإلمارةِ‪ /‬ابب من قَاتَل لِ ِلراي ِء و ُّ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب ِْ َ َ َ ُ َ ْ َ ى َ َ‬
‫‪46‬‬
‫َّار برقم ‪3638‬‬ ‫استَ َح َّق الن َ‬
‫الس ْم َعة ْ‬ ‫صحيح مسلم‪ /‬كتَ ُ‬
‫‪ 47‬ألفية الزبد يف الفقه الشافعي‪ /‬البيت ‪8‬‬
‫‪ 48‬صحيح البخاري‪ /‬بدء الوحي‪ /‬كيف كان بدء الوحي إىل رسول هللا ﷺ برقم ‪1‬‬
‫اب الطَّهارةِ‪ /‬ابب فَض ِل الْوض ِ‬
‫رواه اإلمام مسلم يف كِتَ ِ َ َ َ ُ ْ ُ ُ‬
‫‪49‬‬
‫وء برقم ‪360‬‬
‫‪ 50‬آل عمران‪8:‬‬

‫‪11‬‬
‫َّ‬ ‫َّ َ ُ َ ُ َ َ َٰ َ‬ ‫َ َ َ َ َ ً َّ َّ َ َ َ َ َٰ َّ‬
‫ّللِۡ َحس ٗ‬
‫ّللِۡﱨ‪ ،‬أي إىل‬ ‫سل َٰ ِ‬
‫تۡٱ ۡ‬ ‫ِ‬ ‫ۡر‬ ‫ون‬‫ِغ‬ ‫ل‬‫ب‬‫ي‬‫ۡ‬‫ِين‬
‫ۡ‬ ‫َّل‬‫ٱ‬‫ۡ‬ ‫ﱩ‬ ‫تعاىل‪:‬‬ ‫ميدح‬ ‫‪‬‬ ‫كثري‬ ‫ابن‬ ‫قال‬ ‫‪,‬‬‫‪51‬‬
‫ﱨ‬‫ۡ‬‫ا‬‫ۡ‬ ‫ِيب‬ ‫ۡ‬ ‫ّللۡوكَفۡۡب ِۡٱ‬
‫َيشونۡأحداۡإَِلۡۡٱ ۡ‬
‫َ َ‬
‫خلقه وأيدوهنا أبمانتها‪ ،‬ﱩ َويَخشون ُۡهۥ ﱨ‪ ،‬أي خيافونه وال خيافون أحد سواه فال متنعهم سطوة أحد عن إبالغ رساالت هللا‪ ،‬ﱩ‬
‫َ َ َ َٰ َّ‬
‫ّللِۡ َحس ٗ‬
‫ِيبۡاۡﱨ‪ ،‬أي وكفا ابهلل انصرا ومعينا‪ ،‬وسيد الناس يف هذا املقام‪ ،‬بل ويف كل مقام حممد رسول هللا ﷺ فإنه قام‬ ‫َفۡۡب ِٱ ۡ‬ ‫وك‬
‫أبداء الرسالة وإبالغها إىل أهل املشارق واملغارب إىل مجيع أنواع بين آدم‪ ،‬وأظهر هللا كلمته ودينه وشرعه على مجيع األداين والشرائع‪،‬‬
‫فإنه وقد كان النيب يبعث إىل قومه خاصة وأما هو ‪-‬صلوات هللا عليه‪ -‬فإنه بعث إىل مجيع اخللق عرهبم وعجمهم إنسهم وجنهم ﱩ‬
‫َ ُ ُ َّ َ ُ َ‬ ‫ُ َ‬
‫َۡج ً‬
‫ِيعۡا ﱨ‪ُ ،52‬ث ورث مقام البالغ عنه أمته من بعده‪ ،‬فكان أعلى من قام هبا بعده‬ ‫ّللِۡإَِّلكم‬ ‫قلۡۡيََٰٓأ ُّي َهاۡٱَلَّ ُ ۡ‬
‫اسۡإ ِ ِنۡرسولۡۡٱ ۡ‬
‫أصحابه ‪ ‬بلغوا عنه كما أمرهم به يف مجيع أقواله وأفعاله وأحواله يف ليله وهناره وحضره وسفره وسره وعالنيته ‪-‬فرضي هللا عنهم‬
‫وأرضاهم‪ُ -‬ث ورثة كل خلف عن سلفهم إىل زماننا هذا‪ ،‬فبنورهم يقتدي املهتدون‪ ،‬وعلى منهجهم يسلك املوفقون‪ ،‬فنسأل هللا‬
‫ِ ‪53‬‬
‫‪.‬‬ ‫بنحوه‬ ‫كالمه‬ ‫انتهى‬ ‫َخلَ َفهم)‬ ‫من‬ ‫جيعلنا‬ ‫أن‬ ‫املنان‬ ‫الكرمي‬
‫جيب على كل مسلم االتصاف به‪ ،‬فكل صفة وصف‬ ‫جيب أن تكو َن يف العلماء‪ ،‬فأوهلا ما ُ‬ ‫وإذا أردان أن نتحدث عن الصفات اليت ُ‬
‫هللا هبا املؤمنني فاتصاف أهل العلم هبا أوىل وأحرى؛ ألن قيام احلجة عليهم أكرب من قيامها على غريهم مبا عرفوا من احلق؛ وألهنم‬
‫من حيث العلم يتميزون على غريهم من املسلمني مبا يعلمونه من علوم شرعية تعلمها فرض كفاية مع استكماهلم للعلم الذي حتصيله‬
‫فرض عني‪ُ ،‬ث هم مرجع املسلمني فيما جيد وينزل من حوادث؛ ألن عندهم من العلم أبدلة الشرع وعلوم اآللة ما يؤهلهم لالجتهاد‬
‫واستنباط األحكام‪ ،‬والعلم علمان‪ :‬علم ابهلل‪ ،‬وعلم أبمره‪ ،‬فأهل العلم به أكثر الناس معرفة أبْساء هللا وصفاته وأفعاله‪ ،‬ويالحظون‬
‫معاين وآاثر أْساء هللا وصفاته يف آايته القرآنية وآايته الكونية‪ ،‬ولذلك ذكر هللا تعاىل شهادهتم على وحدانيته وضمها إىل شهادته‬
‫َ ٓ َ َّ ُ‬ ‫َٓ‬ ‫َ َ َّ ُ َ َّ ُ َ ٓ َ َٰ َ َّ ُ َ َ َ َٰٓ َ ُ ُ ُ ْ‬
‫ط َۡل ۡإِل َٰ َه ۡإَِل ۡه َوۡ‬
‫ۡوۡٱل َملئِك ۡة ۡ َوأ ْولوا ۡٱلعِل ِۡم ۡقائ ِ َمۢاۡۡب ِٱلقِس ِۡ‬ ‫وشهادة مالئكته‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱩ ش ِه ۡد ۡٱ ۡ‬
‫ّلل ۡأن ۡهۥ َۡل ۡإِله ۡإَِل ۡهو ۡ‬
‫َّ َ َ‬
‫ِيم ﱨ‪ ،54‬والعلم الصحيح ابهلل تعاىل وبدينه هو الذي يوصل أهله إىل خشية هللا ابلغيب قال تعاىل‪ :‬ﱩ إِن َمۡاَۡيَشۡ‬ ‫ۡلك ُۡ‬ ‫ٱل َع ِز ُۡ‬
‫يزۡٱ َ‬
‫َ ُْ‬ ‫َّ‬
‫ّللۡمِنۡع َِبادِه ِۡۡٱل ُعل ََٰٓمؤۡا ﱨ‪.55‬‬‫ٱ َۡ‬
‫َّ‬ ‫َّ َ َ‬
‫ّللۡمِنۡع َِبادِهِۡ‬
‫فإن العلم الصحيح ابهلل تعاىل بدينه هو الذي يوصل أهله إىل خشية هللا ابلغيب قال تعاىل‪ :‬ﱩۡإِن َمۡاَۡيَشۡۡٱ َۡ‬
‫َ ُْ‬
‫ٱل ُعل ََٰٓمؤۡا ﱨ‪ ,‬أي إمنا خيشاه ابلغيب العلماء الذين علموه بصفاته فعظموه ومن ازداد علما ابهلل ازداد منه خوفا‪ ,‬وأحق الناس خبشية‬
‫َّ‬ ‫َّ َ ُ ُ َ َّ َ َ ُ‬
‫ِينۡإِذاۡذك َِرۡۡٱ ُۡ‬
‫ّللۡ‬ ‫ونۡٱَّل ۡ‬ ‫هللا هم العلماء الذين آمنوا ابهلل وزادهتم آايت هللا القرآنية والكونية إمياان كما قال تعاىل ‪ :‬ﱩ إِنماۡٱلمؤمِن ۡ‬
‫لصلَ َٰوَۡةۡ َوم َِّم َ‬ ‫َّ َ ُ ُ َ‬ ‫َّ ُ َ‬ ‫اۡو َ َ َٰ‬ ‫َ َ َٰ ُ ُ َ َ‬ ‫َ ُ َ ََ‬ ‫َ َ ُُ‬
‫اۡر َزق َنَٰ ُهمۡ‬ ‫ونۡٱ َّ‬‫ِينۡيقِيم‬
‫ون‪ۡ٢‬ٱَّل ۡ‬ ‫لَع َۡرب ِ ِهم َۡي َت َوَّك ۡ‬ ‫يم َٰ ٗن َ‬
‫ادت ُهمۡإ َ‬
‫ِ‬ ‫ۡعلي ِهمۡءايت ۡهۥۡز‬ ‫جلتۡقلوبُ ُهمِۡإَوذاۡتل ِيت‬ ‫و ِ‬
‫ََ َ‪َ ٞ َ ٞ‬‬ ‫ت ۡع َ‬ ‫ۡد َر َ‬ ‫ٗ‬
‫ْ َ َ ُ ُ ُ ُ َ َ َّ ُ َ‬ ‫َٰٓ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬
‫يم ﱨ‪ ,56‬وقال تعاىل عن نظر العلماء‬ ‫ۡورِزقۡك ِر ‪ۡٞ‬‬ ‫ۡر ۡب ِ ِهمۡومغفِرة‬ ‫ِند َ‬ ‫ج َٰ ٌ‬ ‫ونۡحقاۡلهم‬ ‫ۡه ۡمۡٱلمؤمِن ۡ‬‫ون‪ۡ٣‬أولئِك ۡ‬ ‫يُنفِق ۡ‬
‫ُ ‪ٞ‬‬
‫ۡل َبا ِۡلۡ ُج َددۢۡبِيضۡ‬ ‫لس َمآءِۡۡ َما ٓ ٗءۡفَأَخ َرج َناۡب ۡهِۦۡ َث َم َر َٰ ُّ َ ً َ َ ُ َ َ َ‬ ‫نز َلۡم َِنۡٱ َّ‬ ‫ّللۡأَ َ‬
‫َ َ َ َ َّ َّ‬
‫إىل آايته الكونية‪ :‬ﱩۡألمۡت َرۡأنۡۡٱ َۡ‬
‫تُّۡمتل ِفاۡألوَٰنهاۡومِنۡٱ ِ‬ ‫ٖ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َ َّ َ ٓ َ َ َ َٰ ُ َ ٌ َ ُ َ َ َ َّ َ َ‬ ‫َ ُ ‪ٞ ُ ُ َ َ َ َ ُ َٰ َ َ ٌ َ ُّ ٞ‬‬
‫ّللۡمِنۡ‬ ‫فۡأل َوَٰن ُۡه ۡۥۡكذَٰل ِكۡإِن َماَۡيَشۡۡٱ َۡ‬ ‫بۡ ۡوۡٱۡلنع ِۡمُّۡمت ۡل ِ ۡ‬ ‫اسۡ ۡوۡٱدلوا ِۡ‬ ‫ود‪َ ۡ٢٧‬وم َِنۡٱَلَّ ِ ۡ‬ ‫وۡحرُّۡمتل ِفۡألونهاۡوغرابِيبۡس ۡ‬

‫‪ 51‬األحزاب‪39:‬‬
‫‪ 52‬األعراف‪158:‬‬
‫‪ 53‬تفسري القرآن العظيم‪ /‬يف تفسري اآلية ‪ 39‬من سورة األحزاب‬
‫‪ 54‬آل عمران‪18:‬‬
‫‪ 55‬فاطر‪28:‬‬
‫‪ 56‬األنفال‪4-2:‬‬

‫‪12‬‬
‫ُ َ ََٰٓ ُ ْ َّ َّ َ َ ٌ َ ُ‬
‫ور ﱨ ‪ ,57‬ومن علمه ابهلل أقل كان أقل خشية له جلهله وسوء نظره فيما وراء هذه احلياة ألن‬ ‫يزۡغف ٌۡ‬ ‫ع َِبادِه ِۡٱلعلمؤۡاۡإِنۡۡٱ ۡ‬
‫ّللۡع ِز‬
‫َخ َشا ُك ْم ََِّّللِ َوأَتْ َقا ُك ْم‬
‫مدار اخلشية على معرفة هللا والعلم أبمره مع عمل صاحل يصحبه خشوع هلل‪ ,‬قال عليه الصالة والسالم ‪" :‬إِِىين َأل ْ‬
‫‪59‬‬
‫وجل"‬
‫عز َّ‬ ‫لَهُ "‪ 58‬وقال الربيع بن أنس‪" :‬من مل خيش هللا فليس بعامل" ‪ ,‬وقال جماهد‪" :‬إمنا العامل من خشي هللا َّ‬
‫وتقدمي لفظ اجلاللة وأتخري العلماء يفيد أن الذين خيشون هللا من عباده هم العلماء دون غريهم وأن خشية هللا تزداد كلما ازداد العبد‬
‫َّ َّ َ َ ٌ َ ُ‬
‫ور ﱨ هذا تعليل خلشية العلماء رهبم ألن صفة العزة تدل على كمال قدرة هللا على عقوبة‬ ‫يزۡغف ٌۡ‬ ‫علما ابهلل وأبمره ﱩۡإِنۡٱ ۡ‬
‫ّللۡع ِز‬
‫العصاة وقهرهم واملغفرة تدل على إاثبة أهل الطاعة والعفو عنهم‪ ,‬واملعاقِب املثيب حقه أن ُخيشى ألنه على كل شيء قدير ‪ ,‬فخشية‬
‫هللا تدفع من استقرت يف قلبه إىل تقوى هللا بفعل ما أمر من الفروض والواجبات وترك ما حرم من الكبائر والسيئات وال تكتمل‬
‫التقوى إال ابخلوف من هللا ومن عقابه ورجاء رمحته وثوابه‪ ,‬روى اإلمام أمحد والبيهقي يف كتاب "الزهد الكبري" عن طلق بن حبيب‬
‫‪ ‬أنه قال ‪" :‬التقوى أن تعمل بطاعة هللا رجاء رمحته على نور من هللا وأن ترتك معصية هللا على نور من هللا ختاف عقاب هللا"‪,‬‬
‫"الس َري" معلقا على قول طلق ‪" :‬أبدع وأوجز ‪ ,‬فال تقوى إال بعمل وال عمل إال برتٍو من العلم والتباع وال ينفع‬ ‫ِ‬
‫قال الذهيب ‪ ‬يف ى‬
‫ذلك إال ابإلخالص هلل‪ ,‬ال ليقال فالن اترك للمعاصي بنور الفقه إذ املعاصي يفتقر اجتناهبا إىل معرفتها فيكون الرتك خوفا من هللا‬
‫ال ليمدح برتكها فمن داوم على هذه الوصية فقد فاز"‪ ,‬وأحق الناس أبن يتصف بصفات أهل اإلميان الذين حيبهم هللا وحيبونه‪ ,‬هم‬
‫َّ ُ َ ُ ُّ ُ َ ُ ُّ َ ُ ٓ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ََٰٓ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ْ َ َ َ‬
‫حبون ۡه ۡۥۡأذِلةۡ‬ ‫ّللۡبِقو ٖمَۡيِبهمۡوي ِ‬
‫ِينۡءامنواۡمنۡيرتدۡمِنكمۡعنۡدِين ِ ۡهِۦۡفسوفۡيأ ِِتۡٱ ۡ‬ ‫العلماء قال تعاىل‪ :‬ﱩ يأيهاۡۡٱَّل ۡ‬
‫َ َ ٓ‬ ‫َ َ ُ َ َ َ ٓ َ َ َ ُ َّ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َّ َ َ َ َٰ َ ُ َ َٰ ُ َ‬ ‫ََ‬
‫ِۡمنۡيَشا ُءۡ‬ ‫ّللِۡ َوَلَۡيافونۡلو َمةَۡلئ ِ ٖمۡذَٰل ِكۡفضلۡٱ ۡ‬
‫ّللِۡيُؤتِيه‬ ‫يلۡٱ ۡ‬‫ِ ِ‬ ‫ب‬ ‫ونِۡف َ‬
‫ۡس‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ج‬ ‫ي‬‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ين‬ ‫ِر‬
‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ك‬‫ل‬ ‫ٱ‬‫ۡ‬‫ۡلَع‬‫ة‬ ‫ِز‬
‫ع‬ ‫أ‬‫ۡ‬‫ِي‬
‫ۡ‬ ‫ن‬‫م‬‫ِ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬‫لَعۡٱل ُ‬
‫َّ‬
‫ّللۡ َوَٰس ٌِع َ‬
‫ۡعل ِيم ﱨ ‪ ,60‬إذا ال فصل بني العلم وبني اخلشية من هللا والعمل بكتابه وسنة رسوله عليه الصالة والسالم‪ ,‬فمن عمل‬ ‫َۡوۡٱ ُۡ‬
‫مبا يغضب هللا مل يشفع له علمه بل هو حجة عليه‪ ,‬فعلم العلماء ال أيذن هلم يف أن يفعلوا ما شاءوا من خمالفات ألمر رهبم سبحانه‬
‫ۡع َذ َ‬‫ۡرّب َ‬ ‫اف ۡإن َ‬
‫ۡع َصي ُ‬ ‫ٓ َ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫ابۡيَومۡ‬ ‫ِ‬
‫ت َ‬
‫ِ‬ ‫فليس ذلك حىت لألنبياء عليهم الصالة والسالم الذين قال هللا خلامتهم ﷺ ﱩ قل ۡإ ِ ِنۡأخ‬
‫َ َ َ ُ َ َ َ َ َّ‬
‫ِين ۡمِنۡ‬ ‫وِح ۡإَِّلك ِۡإَوَل ۡۡٱَّل َۡ‬ ‫َعظِيم ﱨ ‪ 61‬وقال تعاىل خمربا عن ما أوحاه إىل أنبيائه ورسله عليهم الصالة والسالم ﱩ ۡولقد ۡأ ِ‬
‫ََّٰ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َّ َ َ ُ َ َ َ ُ َ‬
‫ين ﱨ ‪ 62‬وقد‬ ‫ّلل ۡ ۡفٱع ُبدۡ ۡ َوكنۡم َِن ۡٱلشك ِِر َۡ‬
‫ين‪ۡ ٦٥‬ب ِل ۡٱ ۡ‬ ‫ۡوَلَكون َّن ۡم َِن ۡٱلخَٰ ِِ‬
‫ِس ۡ‬ ‫قبل ِك ۡلئِن ۡأۡشكت َّۡلحبطن ۡعملك‬
‫حذر هللا تعاىل من خطر العلماء البائعني لدينهم مقابل مثن قليل وال شك أن كل مثن أيخذه إنسان مقابل دينه فهو قليل زهيد وإن‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ََٰٓ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ٓ ْ َّ َ ٗ َ َ َ َ ُّ َ َ َ ُ ُ َ َ َ َ‬
‫لۡ‬ ‫َٰ‬
‫اسۡۡب ِٱلب ِط ِۡ‬ ‫انَّۡلأكلونۡأموَٰلۡٱَل ِ ۡ‬ ‫ارِۡ ۡوۡٱلرهب ِۡ‬
‫ِينۡءامنواۡإِنۡكث ِۡياۡمِنۡٱۡلحب ۡ‬‫رآه كثريا فاغرت به قال تعاىل ‪ :‬ﱩ يأيهاۡٱَّل ۡ‬
‫ّللِ ﱨ ‪ ,63‬وهذه اآلية وإن حتدثت عن أهل الكتاب إال أهنا حتذر من مشاهبتهم يف إفسادهم لدين الناس‬
‫َّ‬
‫يلۡٱ ۡ‬ ‫َ َ ُ ُّ َ َ َ‬
‫ويصدونۡعنۡسب ِ ِ‬
‫ودنياهم قال ابن كثري ‪ ‬عن هذه اآلية ‪" :‬واملقصود التحذير من علماء السوء وعباد الضالل كما قال سفيان بن عيينة ‪( :‬من‬
‫فسد من علماءان كان فيه شبه من اليهود ‪ ,‬ومن فسد من عبادان كان فيه شبه من النصارى) ويف احلديث الصحيح ‪" :‬لرتكنب سنن‬
‫من كان قبلكم حذو القذة ابلقذة قالوا ‪:‬اليهود والنصارى ؟ قال ‪ :‬فمن ؟" ويف رواية "فارس والروم ؟ قال ‪ :‬ومن الناس إال هؤالء‬

‫‪ 57‬فاطر‪28-27:‬‬
‫‪ 58‬صحيح البخاري‪ /‬كتاب النكاح‪ /‬ابب الرتغيب يف النكاح برقم ‪4793‬‬
‫‪ 59‬تفسري القرطيب‪ /‬تفسري سورة فاطر آية ‪28‬‬
‫‪ 60‬املائدة‪54:‬‬
‫‪ 61‬األنعام‪15:‬‬
‫‪ 62‬الزمر‪66-65:‬‬
‫‪ 63‬التوبة‪34:‬‬

‫‪13‬‬
‫َ ُ ُ َ َ َ‬
‫اس ۡۡب ِٱل َبَٰ ِط ِۡ‬
‫ل ﱨ وذلك أهنم‬ ‫!" واحلاصل التحذير من التشبه هبم يف أحواهلم وأقواهلم وهلذا قال تعاىل ﱩ َّۡلَأكلون ۡأم َوَٰل ۡٱَلَّ ِ ۡ‬
‫أيكلون الدنيا ابلدين ومناصبهم ورايستهم يف الناس أيكلون أمواهلم بذلك كما كان ألحبار اليهود على أهل اجلاهلية شرف وهلم‬
‫عندهم خرج وهدااي وضرائب جتيء إليهم‪ ,‬فلما بعث هللا رسوله صلوات هللا وسالمه عليه استمروا على ضالهلم وكفرهم وعنادهم‬
‫طمعا منهم أن تبقى هلم تلك الرايسات فأطفأها هللا بنور النبوة وسلبهم إايها وعوضهم ابلذلة واملسكنة وابءوا بغضب من هللا‪ ,‬وقوله‬
‫ّللِ ﱨ أي وهم مع أكلهم احلرام يصدون الناس عن اتباع احلق ويلبسون احلق ابلباطل ويُظهرون‬
‫َّ‬ ‫َ َ ُ ُّ َ َ َ‬
‫يلۡٱ ۡ‬ ‫تعاىل‪ :‬ﱩۡويصدونۡعنۡسب ِ ِ‬
‫َّ‬
‫ملن اتبعهم من اجلهلة أهنم يدعون إىل اخلري وليسوا كما يزعمون بل هم دعاة إىل النار ويوم القيامة ال ينصرون ‪ ,‬وقوله ‪ :‬ﱩۡ َۡوۡٱَّل َۡ‬
‫ِينۡ‬
‫َّ َ َ ُ َ َ َ‬ ‫ُ َ َّ َ َ َ َّ َ َ َ ُ ُ َ‬
‫م ﱨ‪ ,‬هؤالء هم القسم الثالث من رؤوس‬ ‫ّللِۡفب ِّشهمۡبِعذاب ۡأ َِّل ٖۡ‬ ‫يل ۡۡٱ ۡ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ون َهاِۡف َ‬
‫ۡس‬ ‫ِ‬ ‫ب ۡ ۡوۡٱلفِض ۡة ۡوَل ۡينفِق‬ ‫يَك ِنون ۡٱَّله ۡ‬
‫الناس فان الناس عالة على العلماء وعلى العباد وعلى أرابب األموال‪ ,‬فإذا فسدت أحوال هؤالء فسدت أحوال الناس كما قال‬
‫بعضهم‪ :‬وهل أفسد الدين إال امللوك وأحبار سوء ورهباهنا"‪ 64‬انتهى كالمه ‪.‬‬
‫وها هنا تساؤل مهم‪ :‬هل يُعذر الناس يف اتباع علماء السوء الضالني املضلني وهم يروهنم خيالفون نصوص القرآن والسنة ويرون‬
‫صحبتهم للطواغيت وأهنم ال ينكرون عليهم مواالهتم للكفار وتبديلهم لشرع هللا وحتكيمهم لقوانني البشر؟ بل قد صار هؤالء‬
‫تربىُر لطواغيت احلكم كفرهم وإجرامهم ويعتذر مشايخ العمالة عن كل انقض لإلسالم يقع فيه طاغوهتم‬ ‫املنتسبون إىل العلم طواغيت ِ‬
‫فصاروا شركاء يف الكفر والطغيان يسبغون على الطاغوت أوصاف التقوى واإلميان كذاب وزورا ويسبغ هو عليهم األموال واأللقاب‬
‫الطنانة‪ ,‬وصار دجل مشايخ العمالة موضع إعجاب رؤوس الكفر حكام أمريكا وأورواب فيمدحوهنم ويصفوهنم ابإلعتدال والوسطية‪.‬‬
‫لقد أخربان هللا تعاىل أن رؤوس الكفر والضاللة وأتباعهم على كفرهم وشركهم كلهم يف النار يتربأ بعضهم من بعض كما قال تعاىل‪:‬‬
‫َ َ َّ َ َّ َ ُّ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّللۡ َشد ُ‬ ‫َ َ َ َ َّ َ َ َ ُ ٓ ْ َ َ َ َ َ َ َ َّ ُ َّ َ َّ َ ٗ َ َ َّ َّ‬
‫واۡم َِنۡ‬ ‫ِينۡۡٱتبِع ۡ‬
‫اب‪ۡ١٦٥‬إِذۡتَبأۡٱَّل ۡ‬ ‫ِيدۡٱل َعذ ِۡ‬ ‫اۡوأنۡٱ َۡ‬ ‫ابۡأنۡۡٱلقوۡةۡ ِّللَِۡجِيع‬ ‫ِينۡظلمواۡإِذۡيرونۡٱلعذ ۡ‬ ‫ﱩۡولوۡيرىۡٱَّل ۡ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َ َ َ َّ َ َّ َ ُ ْ َ َّ َ َ َ َّ ٗ َ َ َ َ َّ ُ َ َ َ َ َّ ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ َ َّ َ ُ ْ َ َ َ ُ ْ َ َ َ َ َ َ‬
‫اۡتَبءواۡ‬ ‫واۡلو ۡأن َۡلاۡكرةۡفنتَبأ ۡمِنهم ۡكم ۡ‬ ‫ِينۡٱتبع ۡ‬
‫الۡٱَّل ۡ‬‫اب‪ۡ ۡ ١٦٦‬وق ۡ‬ ‫ُ‬
‫اب ۡوتقطعت ۡب ِ ِهم ۡٱۡلسب ۡ‬ ‫واۡورأواۡۡٱلعذ ۡ‬ ‫ِينۡٱتبع ۡ‬
‫ٱَّل ۡ‬
‫خَٰرج َ‬ ‫ََ ُ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫ۡك َذَٰل َِكۡيُريه ُمۡۡٱ َّ ُۡ َ َ ُ َ َ َ‬ ‫َّ َ‬
‫ارِۡﱨ ‪ 65‬وبني تعاىل أن الذين يتبعون األحبار‬ ‫يۡم َِنۡٱَلَّ ۡ‬ ‫ّللۡأعمَٰلهمۡحسرَٰتۡعلي ِهمۖۡۡوماۡهمۡب ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫مِنا‬
‫َّ َ ُ ْ‬
‫والرهبان يف حتليل ما حرم هللا وحترمي ما أحل هللا أهنم اختذوهم أراباب من دون هللا وهو الشرك األكرب والعياذ ابهلل قال تعاىل ﱩۡٱَتذ ٓوۡاۡ‬
‫َّ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ٓ ُ ُ ٓ ْ َّ َ ُ ُ ٓ ْ َ َٰ ٗ َ ٗ َّ ٓ َ َّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ۡو ُره َبَٰ َن ُهم ۡأَربَ ٗ‬ ‫أَح َب َ‬
‫ار ُهم َ‬
‫اۡوَٰحِداَۖۡۡل ۡإِل َٰ َه ۡإَِل ۡه َوۡ‬ ‫َّۡلعبدوا ۡإِله‬
‫ن ۡمريم ۡوما ۡأمِروا ۡإَِل ِ‬ ‫ِيح ۡۡٱب ۡ‬‫ّللِ ۡ ۡوۡٱلمس ۡ‬ ‫ون ۡۡٱ ۡ‬
‫ِ‬ ‫ِنۡد‬ ‫اۡم‬ ‫اب‬
‫ُ َ َٰ َ ُ َ َّ ُ ُ َ‬
‫ون ﱨ ‪ 66‬وال خيتلف حكم من يتبعون مشايخ الضالل يف حتليل ما حرم هللا أو حترمي ما أحل هللا عن حكم‬ ‫ّشك ۡ‬‫سبحن ۡهۥۡعماۡي ِ‬
‫أهل الكتاب الذين اختذوا أحبارهم ورهباهنم أراباب من دون هللا؛ ألن الناس مأمورون يف األصل ابتباع كالم هللا وكالم رسوله ﷺ‬
‫ََُ ُ َ َٓ َ‬
‫ِي ﱨ ‪.‬‬
‫‪67‬‬
‫وعن ذلك سيسألون كما قال تعاىل‪ :‬ﱩۡ َويَو َم ُۡي َنادِي ِۡهمۡفيقولۡماذاۡأجبتمۡٱلمرسل ۡ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫وأما العلماء فال جتب طاعتهم إال إذا أمروا بطاعة هللا وطاعة رسوله ﷺ ولذلك قال كثري من أهل العلم‪" :‬أقوال العلماء يستدل هلا‬
‫وال يستدل هبا" أي أهنا ليست حجة مستقلة بنفسها فال تكون حجة إال إذا استندت إىل دليل من األصلني الكتاب والسنة أو‬
‫قياس صحيح عليهما أو إمجاع يقيين ألمة اإلسالم يف عصر من العصور على حكم شرعي‪ ,‬وأما العامل الذي ابع دينه واشرتى به‬
‫مثنا قليال كعلماء الطواغيت وشيوخ القنوات الذين ملعتهم وأشهرهتم قنوات الطواغيت فيجب احلذر منهم وقد رأينا تركهم للجهاد يف‬
‫َّ‬

‫‪ 64‬تفسري القرآن العظيم‪ /‬يف تفسري اآلية ‪ 34‬من سورة التوبة‬


‫‪ 65‬البقرة‪167-165:‬‬
‫‪ 66‬التوبة‪31:‬‬
‫‪ 67‬القصص‪65:‬‬

‫‪14‬‬
‫سبيل هللا‪ ,‬بل حارب مشايخ الضالل اجلهاد واجملاهدين ووقفوا مع احلاكم املوايل للكفار ضد اجملاهدين ووصفوا اجملاهدين ابخلوارج‪,‬‬
‫وحينما قامت دولة اخلالفة حارهبا مشايخ الطواغيت وأصدروا الفتاوى للحكام ابلدخول يف احللف الصلييب وحماربة دولة اإلسالم‪.‬‬
‫ولننتقل اآلن إىل الكالم عن كيد أئمة الكفر لإلسالم عن طريق استعمال كثري ممن ينتسبون إىل العلم الشرعي وكذلك استعماهلم‬
‫للفَرق اليت تسمي نفسها مجاعات إسالمية فأقول وابهلل التوفيق والسداد‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ملا سقطت الدولة العثمانية قررت الدول الصليبية أن تتقاسم بالد املسلمني وحتتلها احتالال مباشرا فثارت عليهم الشعوب لظهور‬
‫االحتالل ووضوح راية الكفر اليت يرفعها ‪,‬ولكن املؤسف أن معظم تلك الثورات مل ترفع راية اإلسالم واضحة صرحية يف مواجهة‬
‫االحتالل الصلييب‪ ,‬بل كانت راايت وشعارات ختتلط فيها احلمية لإلسالم ابحلمية للوطنيات والقوميات‪ ,‬ولذلك قبلت هذه الشعوب‬
‫بشكل عام أن حيكمها عمالء للصليبيني ال ِيقلُّون عنهم كفرا إال أهنم حيملون أْساء إسالمية أو عربية ويدَّعون اإلسالم مع فعل ما‬
‫يناقضه‪ ,‬ال حيكمون بشرع هللا مع نصهم يف دساتريهم على أن اإلسالم هو املصدر األول أو الرئيس للتشريع‪ ,‬أو أن دين الدولة‬
‫ذرا للرماد يف عيون الشعوب‬ ‫اإلسالم‪ ,‬بل نصت بعض الدساتري على أن أي قانون خيالف اإلسالم فهو ملغى وال يعمل به‪ ,‬وذلك ًّ‬
‫ألن الدساتري نفسها فيها مواد خمالفة لإلسالم مع نصها على أن القانون املخالف لإلسالم ال يصح العمل به‪.‬‬
‫وقد كان للكفار تدخل أساسي يف تنصيب احلاكم واعتباره شرعيا فقد جعلوا احلكومات اليت ورثتهم اتبعة هلم ظاهرا وابطنا‪ ,‬أما‬
‫تغري اْسها بعد ذلك إىل هيئة األمم املتحدة وكذلك جعلوا الدول أعضاء‬ ‫ظاهرا فعن طريق جعلها أعضاء فيما ْسوه عصبة األمم اليت َّ‬
‫فيما يسمى جملس األمن‪ ,‬ويتحكم يف هيئة األمم املتحدة وجملس األمن أكرب دول الكفر يف العامل أمريكا وروسيا والصني وبريطانيا‬
‫وفرنسا‪.‬‬
‫وأما من حيث الباطن فاحلكومات اليت خلفت االحتالل الصلييب ليست عميلة لدول الكفر فحسب بل الوصف الصحيح حلكامها‬
‫تؤخذ آراء‬
‫أهنم موظفون‪ ,‬ال استقالل هلم عن دول الكفر يف شيء‪ ,‬تصدر إليهم األوامر من أسيادهم فيطبقوهنا حبذافريها دون أن َ‬
‫هؤالء العبيد يف شيء إال فيما َخيدم أسيادهم وحرب اإلسالم‪ ,‬ومنع عودة اإلسالم إىل احلكم وحماربة أي عودة صحيحة للشعوب‬
‫إىل دين هللا ‪.‬‬
‫وأمر أئمة الكفر عبيدهم أبن يلعبوا أمام شعوهبم لعبة الدميقراطية وهي كذبة كبرية على الشعوب إلفهامها أن احلاكم العميل ألمريكا‬
‫أو روسيا إمنا جاء إىل احلكم برغبة وموافقة شعبه ولذلك صنعوا صناديق االنتخاابت وقالوا للناس رشحوا من تريدون ليصري حاكما‬
‫أو مساعدا للحاكم وإلكمال الضحك على الشعوب يتم تزوير االنتخاابت ونتائجها بل وإجبار الناس أحياان على اختيار حاكم‬
‫حمدد سلفا حبيث يقف عسكر النظام جبوار الصندوق مهددين من يكتب كلمة "ال" ابلعقاب األليم ورمبا رشحوا حاكما واحدا‬
‫وعملوا ما يسمى استفتاء للشعب للموافقة عليه كما فعلوه كثريا يف عهد اجملرم حافظ األسد أو حسين الالمبارك أو بوتفليقة يف‬
‫اجلزائر وأمثاهلم‪.‬‬
‫ونتيجة مهزلة الدميقراطية أن تقول دول الكفر إن هذا احلاكم وصل إىل احلكم ابختيار شعبه وهو الذي يقبلون به حاكما وال يقبلون‬
‫بغريه‪ ,‬وال يقبلون أن خيرج أحد عليه وأهنم سوف يواجهون كل من خيرج عليه ابلقوة واحلرب وبكل وسيلة ممكنة‪ ,‬وهنا أتيت احللقة‬
‫اخلطرة املهمة يف هذه اللعبة اإلجرامية وهي أن هؤالء احلكام حيتاجون إىل من يُسبِغ على حكمهم الشرعية الدينية ليتم استعباد‬
‫الشعوب ابسم اإلسالم املزيف فيأيت دور مشايخ الضاللة والفرق اليت تصف نفسها أبهنا مجاعات إسالمية لتُسبغ على هذا احلاكم‬
‫الشرعية الدينية‪ ,‬وتفيت حبرمة اخلروج عليه وتبيح هلذا الطاغوت دماء وأموال من خيرجون عليه‪ ,‬ولو كانوا من أتقى الناس ولو كان‬
‫هدفهم إقامة حكم هللا يف أرضه‪ ,‬وإنقاذ العباد من العبودية ألمم الكفر ليعبدوا هللا وحده حتت حكم شريعته‪.‬‬
‫وإذا تساءلت أخي املس تمع عن أسباب وقوف مشايخ السوء مع الطاغوت وكذلك وقوف الفرق اليت تصف نفسها أهنا مجاعات‬
‫إسالمية‪ ,‬مع احلاكم الكافر املوايل للكفار من دون املؤمنني فارجع إىل ما ذكرته أوال من أسباب ضالل أحبار أهل الكتاب واحنرافاهتم‬

‫‪15‬‬
‫َ َٰ َ َ َ َ َ ُ‬ ‫َ َ َ َٰ َ ُ َ ُ‬
‫ۡسبِيلۡٱل ُمج ِرم َۡ‬
‫ِي‬ ‫تۡول ِتستبِي‬ ‫وتضليلهم للناس وكل ذلك ذكره لنا ربنا مفصال مبيَّنا كما قال تعاىل ‪ :‬ﱩۡوكذل ِكۡنف ِ‬
‫صلۡۡٱٓأۡلي ِۡ‬
‫ﱨ ‪ 68‬قال ابن كثري يف تفسريه‪" :‬يقول تعاىل‪ :‬وكما بيَّنىا ما تقدم بيانه من احلجج والدالئل على طريق اهلداية والرشاد وذم اجملادلة‬
‫َ َ َ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َٰ َ ُ َ ُ‬
‫ِي ﱨ أي ولتظهر‬ ‫ۡسبِيل ۡٱل ُمج ِرم َۡ‬ ‫صل ۡٱٓأۡليَٰتِۡ ﱨ أي اليت حيتاج املخاطبون إىل بياهنا ﱩ ۡول ِتستبِي‬
‫والعناد ﱩ ۡوكذل ِك ۡنف ِ‬
‫طريق اجملرمني املخالفني للرسل‪ ,‬وقُِرئ (وليستبني سبيل اجملرمني) أي وليستبني اي حممد ‪-‬أو اي خماطب‪ -‬سبيل اجملرمني"‪ ,‬انتهى كالمه‬
‫‪.‬‬
‫فنفس العلل واألمراض القلبية والدوافع اإلجرامية اليت دفعت أحبار أهل الكتاب ورهباهنم إىل رفض دين هللا وحماربة أولياء هللا‬
‫اجملاهدين امل َح ىِكمني لشرع هللا أقول‪ :‬تتكرر نفس العلل واألمراض القلبية واالحنرافات العقدية والعملية يف مشايخ السوء وفرق الضالل‬
‫ُ‬
‫اليت تصف نفسها أبهنا مجاعات إسالمية نسأل هللا أن ال ميكر بنا وأن حييينا ويتوفاان على ما يرضيه عنا‪.‬‬
‫فقد حتدثت عن أن نفس العلل واألسباب اليت ضل هبا أحبار ورهبان أهل الكتاب وأضلوا أجدها عند مشايخ السوء يف العصر‬
‫الكرب الذي مينعهم من قبول احلق واحتقار الدعاة إىل دين‬ ‫احلاضر فمشايخ السوء وفرق الضاللة املنتشرة املنتسبة لإلسالم ترى فيهم ِ‬
‫هللا احلق‪ ,‬والتقليل من شأن اجلهاد واجملاهدين‪ ,‬فمشايخ الضاللة قد أعجبتهم أنفسهم وغرهم تعيني الطاغوت هلم يف مناصب ابتدعها‬
‫كمنصب املفيت العام ومنصب هيئة كبار العلماء‪ ,‬ووصفهم الطاغوت أبصحاب السماحة والفضيلة وأعطاهم األموال الطائلة‬
‫والعقارات الواسعة حىت صار أكثرهم أسرى لعطاايه وهباته وصار مهه رضاه ولو كان فيه الكفر والضالل‪ ,‬وترى مشايخ الضاللة‬
‫والفرق املنتسبة إىل اإلسالم كذاب وزورا كاإلخوان والسرورية واجلامية قد أعماهم احلسد للمجاهدين على إقامة دولة اإلسالم وإحياء‬
‫اخلالفة واحلكم بسنة النيب ﷺ وخلفائه الراشدين يدل على ذلك حتقريهم للمجاهدين‪ ,‬وزعمهم أهنم مل يصنعوا شيئا حقيقيا لإلسالم‪.‬‬
‫بل أولئك اجملرمون يظهر منهم التشفي والفرح إذا أصابت اجملاهدين مصيبة كما وقع ذلك من أسالفهم أهل النفاق قال تعاىل‪ :‬ﱩۡ‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ َ َ َ َّ ْ َّ ُ َ‬ ‫َ ُ َ ‪َ َ َٓ َ َ َ ْ ُ ُ ٞ‬‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ‪ُ َ ٞ‬‬ ‫ُ‬
‫ۡوهمۡف ِر ُح ۡ‬
‫ون ﱨ ‪ 69‬فيقولون‪:‬‬ ‫يبة َۡيقولواۡقدۡأخذناۡأم َرناۡمِنۡقبلۡويتولوا ۡ‬‫ص‬ ‫صبكۡح َسنةۡت ُسؤهمِۖۡۡإَونۡت ِ‬
‫صبكۡم ِ‬ ‫إِنۡت ِ‬
‫"أمل نقل لكم إنكم ال تقدرون على أمريكا وعدهتا وعتادها؟!" ومن األمراض اليت بلي هبا مشايخ السوء وفرق الضالل قسوة قلوهبم‬
‫فرتاهم حني يرون الطاغوت يسجن أهل العلم واجلهاد يصبون لومهم على اجملاهدين وأهنم مل يستشريوا األمة فيما يفعلونه‪ ,‬وأهنم‬
‫تسببوا ألنفسهم يف هذا البالء‪ ,‬بل يوغل بعضهم يف الكفر واإلجرام أكثر من ذلك فيقول‪" :‬إن اجملاهدين يستحقون ما يصيبهم‬
‫على أيدي الطواغيت‪ ,‬وأهنم أحدثوا فتنة يف البالد‪ ,‬وأهنم مل أيتوا اإلصالح من اببه‪ ,‬بل يشارك بعضهم الطاغوت يف احلكم على‬
‫اجملاهدين ابلتعذيب والسجن والقتل"‪.‬‬
‫ومن اآلفات اليت أصابت مشايخ السوء والضالل قلة أو عدم خوفهم ورهبتهم من هللا يدل على ذلك فتاواهم املضلة اليت حترم اجلهاد‬
‫وتعترب أهله جمرمني وفتاواهم بشرعية احلاكم ولو ظهر منه الكفر البواح بل صرح بعض مشايخ آل سلول بوجوب السمع والطاعة ل‬
‫"برمير" مندوب أمريكا الصلييب يف العراق ونفس ذلك الشيخ السلويل ينافح ويدافع عن آل سلول وحكمهم مع أنه كان أايم دخول‬
‫جيش صدام حسني الكويت يقول‪" :‬إن آل سعود كفار وإن دولتهم حتكم ابلعلمانية ال ابإلسالم"‪ ,‬فسبحان مقلب القلوب‬
‫واألبصار اللهم إان نعوذ بعزتك ال إله إال أنت أن تضلنا أنت احلي الذي ال ميوت واجلن واإلنس ميوتون‪.‬‬
‫وأما اشرتاؤهم آبايت هللا مثنا قليال ‪-‬أعين علماء الضالل والفرق اليت تصف نفسها أبهنا إسالمية‪ -‬فالدليل عليها اهلبات الضخمة‬
‫يتسام َع هبا الناس واملناصب اليت يتولوهنا حىت إن بعض الوزارات تعطى ملن يسمون أنفسهم‬ ‫اليت أيخذوهنا من الطواغيت حىت َ‬
‫ابإلخوان املسلمني مقابل اتفاقيات مع الطواغيت كما حصل يف العراق بعد احتالل أمريكا والرافضة هلا حيث استلم احلزب‬

‫‪ 68‬األنعام‪55:‬‬
‫‪ 69‬التوبة‪50:‬‬

‫‪16‬‬
‫الالإسالمي املرتد منصب انئب رئيس الوزراء‪ ,‬ودخل احلزب يف االنتخاابت ليعطوا االحتالل الشرعية الكاذبة وشهدوا كذاب وزورا‬
‫أبن الطاغوت احلاكم العميل ألمريكا وإيران قد اختاره الشعب‪ ,‬وكذلك استلم اإلخوان اجملرمون رائسة الوزراء يف دويلة األردن‬
‫وأعطاهم الطاغوت بعض الوزارات لريضوا عنه ويكونوا شركاء له يف كفره وطغيانه‪ ,‬وأعطي اجملال يف جزيرة العرب للسرورية لتفتح‬
‫قنوات يدَّعون أهنا إسالمية مع أهنا ال تذيع من األخبار والربامج إال ما أيذن به الطاغوت‪ ,‬كقناة اجملد اليت ترتحم على عسكر‬
‫طاغوت آل سلول وتصفهم أبهنم شهداء وبنفس الوقت تتهم اجملاهدين أبهنم خوارج‪ ,‬ومن رضا الطاغوت عنها وبل وآتمره معها أن‬
‫تتاح هذه القناة للسجناء من أهل التوحيد واجلهاد يف سبيل هللا حملاولة إضالهلم وحرفهم عن دينهم‪.‬‬
‫ذكرت صورا منها فقد صاروا شركاء للطواغيت يف‬ ‫ُ‬ ‫وأما مواالة مشايخ الضاللة والفرق املنتسبة لإلسالم زورا للكفار واملرتدين فقد‬
‫احلكم يف دول كثرية يربرون هلم كفرهم وظلمهم وإجرامهم‪ ,‬ففي الدولة السلولية مثال جتد أن من أكرب أعوان احلاكم املرتد املفيت‬
‫املرتد‪ ,‬ووزير ما يسمى ابلشؤون اإلسالمية وهيئة كبار العمالء وكثري من مشايخ اجلامعات يف األقسام اليت يصفوهنا أبهنا شرعية هم‬
‫أعوان للطاغوت يقدمون له الوالء وحياربون من حياربه‪ ,‬مقدمني له ما يريد من فتاوى إجرامية حىت صارت الكليات واألقسام واملعاهد‬
‫اليت يدَّعون أهنا شرعية من أهم أواتد حكم آل سعود املرتدين‪ ,‬فالعقيدة اليت تدرس فيها هي عقيدة اإلرجاء على أخبث ما يكون‬
‫اإلرجاء‪ ,‬فهم يدرسون للطالب عقيدة السلف وأهل السنة وأن العمل من اإلميان ولكنهم يعلموهنم أن الطواغيت املدعني لإلسالم‬
‫مهما ارتكبوا من نواقض لإلسالم فهم حكام شرعيون مل خيرجوا من اإلسالم‪ ,‬وخيتلقون هلم أعذارا من جنس تلبيس اليهود والنصارى‬
‫ويدافعون عنهم الدفاع املستميت ويعلنون احلرب على كل من خيرج على الطاغوت وال يرى شرعيته‪ ,‬ويكتبون التقارير لوزارة الداخلية‬
‫السلولية على كل من حيمل عقيدة الوالء للمؤمنني والرباء من الطواغيت هذا حال أغلبهم ولكل قاعدة شواذ‪.‬‬
‫وإذ ا أظهر أي شيخ عقيدة خمالفة ملشايخ السوء فمصريه السجون اليت يشرف عليها األمريكان يسام فيها سوء العذاب وحياولون‬
‫فيها ثنيه عن دينه ابلرتغيب والرتهيب‪ ,‬وأيتيه مشايخ الكفر والضالل حتت اسم جلان املناصحة ملناقشته وحماولة تلبيس دينه عليه ُث‬
‫يرفعون عنه التقارير إىل أقسام املباحث السلولية لتعامله وفق توجهه وثباته على دينه أو تراجعه عن عقيدته‪ ,‬وتلك اللجان تتكون‬
‫من مشايخ السوء الرْسيني ومن شيوخ القنوات ومن مشايخ من الفرق الثالث احملاربة لإلسالم والتوحيد‪ :‬اإلخوان والسرورية واجلامية‪.‬‬
‫وجيب هنا أن نتذكر أن من خمالفة كفار بين إسرائيل لشرع هللا واليت استحقوا بسببها لعنة هللا أهنم كانوا ال يتناهون عن منكر فعلوه‬
‫َ َ َ َ َٰ َ َ َ ْ‬ ‫اوۡۥ َۡدۡ َوع َ‬ ‫ُ َ َّ َ َ َ ُ ْ ۢ َ ٓ ََٰٓ َ َ َ َٰ َ َ‬
‫اۡع َصواۡ‬ ‫ِكۡبِم‬
‫نۡمريمۡذل ۡ‬ ‫ِيَسۡٱب ِۡ‬ ‫انۡد ُۡ‬
‫ِينۡكفرواۡ ِمنۡب ِِنۡإِسءِيلۡلَعۡل ِس ِ‬ ‫ويوالون الكفار‪ ,‬قال تعاىل ﱩۡلعِنۡٱَّل ۡ‬
‫َّ َ َّ‬ ‫َ ُ ْ َ َ َ َ َ َ َ ُّ َ َ َ ُ ُ َ َ َ َ ُ ْ َ َ ُ َ َ َ َٰ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ْ‬
‫اۡمن ُهمۡۡ َي َت َولونۡۡٱَّل َۡ‬
‫ِينۡ‬ ‫ۡكث ٗ‬
‫ِۡي ِۡ‬ ‫ون‪ۡ٧٩‬ترى‬ ‫ون‪َۡ٧٨‬كنواَۡلۡيتناهونۡعنۡمنك ٖرۡفعلوهۡۡلِئسۡماَۡكنواۡيفعل ۡ‬ ‫َّوَكنوا َۡيع َت ُد ۡ‬
‫َ َّ‬ ‫َ َ ُ ْ‬
‫ون‪َ ۡ٨٠‬ولوَۡكنواۡيُؤم ُِنونۡۡب ِۡٱ ۡ‬
‫ّللِۡ‬
‫ُ َ َٰ ُ َ‬
‫ِل ۡ‬ ‫ابۡهمۡخ ِ‬
‫َ‬ ‫ّللۡ َعلَيۡهم َ‬
‫ۡو ِِفۡٱل َعذ ِۡ‬ ‫ۡ‬ ‫نف ُس ُهمۡأَ َ‬
‫نۡسخ َِطۡۡٱ َّ ُ‬ ‫َ َ ُ ْ َ َ َ َ َّ َ َ ُ َ ُ‬
‫كفرواۡۡلِئسۡماۡقدمتۡلهمۡأ‬
‫ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ۡكث ٗ‬ ‫َ ٓ َ َ َ َٰ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ َ َ ٓ ُ َ َ َ َّ َ ُ ُ‬
‫ن ﱨ ‪ 70‬قال العويف عن ابن عباس رضي هللا عنهما‪:‬‬ ‫ِۡياۡمِن ُهمۡفَٰسِقو ۡ‬ ‫ِۡماۡٱَتذوهمۡۡأو َِّلاءۡولكِن‬ ‫نزلۡإَِّله‬‫بۡوماۡأ ِ‬ ‫ۡوۡٱَل ِ ِۡ‬
‫"لعنوا يف التوراة ويف اإلجنيل ويف الزبور ويف الفرقان"‪ 71‬وحني نتأمل حال مشايخ السوء يف كل دولة ال حتكم بشرع هللا فسنجدهم‬
‫كحال اليهود والنصارى ال ينهون عن منكرات احلاكم ويوالونه رغم كفره ابهلل تعاىل‪ ,‬وقد رأينا يف هذا الزمان العجب العجاب فقد‬
‫رأينا ثناء األمريكان على مشايخ آل سلول ووصفهم هلم ابالعتدال! كيف ال وقد ْسعنا إمام احلرم املرتد عبد الرمحن السديس وهو‬
‫يستعطف الكفار ويصف رئيس أمريكا بوش أبنه صانع القرار يف العامل ويناشده أن ال يعاقب املسلمني كلهم بفعلة اجملاهدين الذين‬
‫برجي التجارة وتسويتهما ابألرض ألن املرتد السديس يتربأ من ذلك الفعل وهو‬ ‫حطموا أمريكا وأحرقوا قوهتا االقتصادية إبسقاط َ‬
‫يبكي ويعتربه ال ميثل توجه اإلسالم املعتدل الذي يدين به كما يدعي‪.‬‬

‫‪ 70‬املائدة‪81-78:‬‬
‫‪ 71‬نقله ابن كثري يف تفسريه‬

‫‪17‬‬
‫لقد وصف هللا عز وجل املنافقني أبهنم أيمرون ابملنكر وينهون عن املعروف ألهنم نسوا هللا فنسيهم‪ ,‬فنسيهم بسبب فسقهم وخروجهم‬
‫َ ُُ َ ُ َ‬
‫نك ۡرۡ َويَن َهو َن َ‬ ‫ض ُه ِ َ‬ ‫ُ َ َٰ ُ َ َ ُ َ َٰ َ َٰ ُ َ ُ‬
‫ۡع ِنۡٱل َمع ُر ِۡ‬
‫وفۡ‬ ‫مۡم ۢنۡبع ٖضۡيأمرونۡۡب ِٱلم ِ‬ ‫تۡبع‬ ‫ابلكلية عن طاعة هللا فقال تعاىل ﱩۡٱلمنفِق ۡ‬
‫ونۡ ۡوۡٱلمنفِق ۡ‬
‫َ َ ُ َ َ َ ُ َ ُ ْ َّ َ َ َ َ ُ َّ ُ َ َٰ َ ُ َ ُ َ‬
‫ون ﱨ‪ 72‬ومل أذكر هذه اآلية الكرمية ألقول إن إمام احلرم‬ ‫ِيۡه ُمۡٱلفَٰسِق ۡ‬
‫ّللۡفنسِيهمۡإِنۡٱلمنفِق ۡ‬
‫ويقبِضونۡأيدِيهمۡنسواۡۡٱ ۡ‬
‫املذكور منافق‪ ,‬بل هو مرتد وتشبيهه ابليهود والنصارى هو الصحيح‪ ,‬بل هو كسحرة فرعون قبل إمياهنم يستعمل حاكم آل سلول‬
‫هؤالء السحرة لتعبيد الناس وإخضاعهم حلكمه الكافر وقد شابه هذا اجملرم الكفار واملنافقني من أوجه كثرية وأما مواالة هؤالء املشايخ‬
‫للكفار فلها صور كثرية وعليها أدلة عديدة‪:‬‬
‫فمن ذلك حزهنم ومواساهتم للرافضة ملا ضربت الدولة اإلسالمية معابدهم وإعالهنم املعاداة للدولة اإلسالمية بسبب ضرهبا للرافضة‬
‫وإغضاهبا لطواغيتهم آل سلول‪ ,‬وأذكر حني قام اجملاهدون بغزوة "ماهناتن" يف أمريكا وأحرقوا ودمروا برجي التجارة وسببوا لليهود‬
‫والنصارى الرعب يومها انطلق مشايخ السوء كإمام احلرم املكي عبد الرمحن السديس وشيخ آل سلول صاحل اللحيدان يتربؤون من‬
‫هذا الفعل اجلهادي ووصموه ابإلرهاب واإلجرام وعللوا ذلك أبن هذا عدوان على املدنيني اآلمنني الذين ال ذنب هلم‪ ,‬وأن يف هذا‬
‫اهلجوم نقضا للعهد مع سيدهتم أمريكا‪ ,‬فأما وصفهم للمجاهدين ابإلرهابيني فهذه الصفة ليست ذما هلم يف شرعنا املطهر بل قد‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ّللِۡ َو َع ُد َّوكمۡ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫لۡتره ُِبونۡب ِ ۡهِۦۡ َع ُد َّوۡٱ ۡ‬
‫اطۡۡٱۡلي ِۡ‬
‫ُ‬ ‫أمر هللا املسلمني بذلك يف قوله ﱩۡ َوأَع ُِّدواْۡل َ ُه َّ‬
‫مۡماۡۡٱس َت َطع ُتمۡمِنۡق َّوة ٖ َۡومِنۡرِبَ ِ‬
‫َّ ُ َ َّ َ ُ َ َ ُ َ ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫ِنَۡشءِٖۡف َ‬ ‫َ َ َ ُ َ ُ ُ َّ ُ َ َ ُ ُ َ َ ُ ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ََ َ‬
‫نتمَۡلۡتظل ُم ۡ‬
‫ون‬ ‫كمۡۡوأ‬ ‫ّللِۡيوفۡإَِّل ۡ‬ ‫يلۡۡٱ ۡ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ۡس‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ۡ‬ ‫ّللۡيعلمهمۡوماۡتنفِقوا‬ ‫ينۡمِنۡدون ِ ِهمَۡلۡتعلمونهمۡٱ ۡ‬ ‫اخر َ‬
‫وء ِ‬
‫ﱨ ‪.73‬‬
‫ولذلك يفرح كل مؤمن حني يرى الرهبة والرعب يدخل قلوب املشركني ابهلل وأما من يصفوهنم ابملدنيني اآلمنني فهم كفار غري‬
‫معصومي الدم واملال لقوله ﷺ (أمرت أن أقاتل الناس حىت يشهدوا أن ال إله إال هللا ‪ ،‬وأن حممدا رسول هللا ‪ ،‬ويقيموا الصالة ‪،‬‬
‫ويؤتوا الزكاة ‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك ‪ ،‬عصموا مين دماءهم وأمواهلم‪ ،‬إال حبق اإلسالم ‪ ،‬وحساهبم على هللا تعاىل)‪ ,74‬بل هؤالء الذين‬
‫يصفهم مشايخ التضليل ابملدنيني الذين ال ذنب هلم‪ ,‬هم مع كفرهم مشاركون يف قتل املسلمني وقتاهلم ابختيارهم حلكومتهم ورئيسهم‬
‫ابالنتخاابت‪ ,‬ومشاركون بدفع الضرائب حلكومتهم بل وحىت معارك أمريكا ضد اجملاهدين هي مبوافقة شعبها عرب االستفتاءات‪.‬‬
‫وأما زعم مشايخ الطواغيت أن يف هذا العمل اجلهادي نقضا للعهد مع أمريكا فهذا من سلسلة أكاذيبهم وتضليلهم ؛ألن اجملاهدين‬
‫ليس بينهم وبني أمريكا وسائر أعداء هللا عهود والذين عاهدوا أمريكا هم عبيدها آل سلول وأمثاهلم وقد عاهدوها على كل ما فيه‬
‫حرب لإلسالم واملسلمني وأن مينعوا قيام دولة لإلسالم ما استطاعوا إىل ذلك سبيال‪ ,‬وأن ينفقوا أموال النفط على إفساد املسلمني‬
‫وحمارب تهم وحماربة اجملاهدين يف سبيل هللا أينما كانوا‪ ,‬فهذه صورة من تلبيس مشايخ الضالل للحق ابلباطل وكتمان احلق الذي‬
‫يعلمونه‪.‬‬
‫ولعل كل مسلم يفهم دين هللا يالحظ أن الفرق اليت ذكرهتا وهم ما يسمى اإلخوان والسرورية واجلامية قد صاروا مجيعا يف خدمة‬
‫الطواغيت سواء أمريكا وبريطانيا وفرنسا أئمة الكفر أو عبيدهم من طواغيت العرب‪ ,‬وصاروا جيوشا خلفية حتمي حكم الطواغيت‬
‫وتثبت العبودية والتبعية ألمريكا أو بريطانيا أو هيئة األمم املتحدة‪ ,‬وقد أعطت بريطانيا شهادة لإلخوان املرتدين يف أوائل عام‬
‫‪1436‬ه أبهنم منذ ‪ 40‬سنة ينبذون العنف واإلرهاب‪ ,‬ويقصدون بذلك نبذ مجاعة اإلخوان للجهاد وإلغائه من قاموسها بل وحرهبا‬
‫للمجاهدين أينما كانوا‪ ,‬ومعاونتها للطواغيت يف حماربة اجملاهدين وحماربة حتكيم الشريعة وسعي اإلخوان اجملرمني للحكم ابلدميقراطية‬

‫‪ 72‬التوبة‪67:‬‬
‫‪ 73‬األنفال‪60:‬‬
‫‪ 74‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ /‬كتاب اإلميان‪ /‬ابب‪ :‬فإن اتبوا وأقاموا الصالة برقم ‪ 25‬ومسلم يف صحيحه‪/‬كتاب اإلميان‪/‬ابب‪ :‬األمر بقتال الناس حىت يقولوا الشهادتني برقم ‪22‬‬

‫‪18‬‬
‫الكفرية‪ ,‬بل إن أي إصالح مزعوم يقومون به ال يكون إال حتت مظلة الدعوة إىل دميقراطية الشرك األكرب واحلفاظ على اهليمنة‬
‫األمريكية على رقاب املسلمني واحلفاظ على الوالء ألمم الكفر املتحدة‪.‬‬
‫ومما جيدر الوقوف عنده هذا االرتباط الوثيق بني مجاعة اإلخوان املرتدين وبني الشيعة الروافض الكفار فمنذ أتسيس اخلميين ‪-‬مأل‬
‫هللا قربه انرا‪ -‬للحكم الرافضي يف إيران بدع ٍم فرنسي ذهب اإلخوان املرتدون إليه مهنئني مستبشرين‪ ,‬وادعوا كذاب وهبتاان أن هذا هو‬
‫أمل املسلمني يف قيام دولة إسالمية متثلهم وقد كشف هللا كذب فرقة اإلخوان ومل ترج هذه الكذبة الكبرية على من أانر هللا بصريته‬
‫بل إن اإلخوان املرتدين منذ أتسيس فرقتهم على يد حسن البنا وهم يدعون إىل التقارب مع الرافضة املشركني ويدافعون عنهم‬
‫تدين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ويلبسون على املسلمني أبن الرافضة فرقة تنتمي إىل اإلسالم وأهنم إخوا ٌن للمسلمني واحلقيقة أن الرافضة إخوا ٌن لفرقة اإلخوان املر َ‬
‫فقط دون سائر املسلمني‪.‬‬
‫واجلدير ابلذكر أن بريطانيا روجت للماسوين مجال الدين األفغاين اإليراين الرافضي على أنه من دعاة اإلصالح ُث قام ابلرتويج له‬
‫مشايخ الضالل رغم ثبوت انتسابه إىل احملافل املاسونية هو وتلميذه حممد عبده فانظر إىل هذا التوافق بني بريطانيا ومشايخ الكفر‬
‫والضالل‪ ,‬بل هو التنسيق وتبادل األدوار بني بريطانيا ومن معها من أئمة الكفر وبني كثري من أولئك املشايخ الذين يصفون أنفسهم‬
‫ابلعقالنيني‪ ,‬ويريدون اإلصالح بزعمهم الكاذب على الطريقة الغربية الكافرة بتطبيق الدميقراطية والدعوة إىل ثورات ال حتمل راية‬
‫احلكم ابإلسالم‪ ,‬وال تنتهج اجلهاد يف سبيل هللا‪ ,‬مع استبعادهم لعقيدة الوالء للمؤمنني والرباء من الكافرين‪.‬‬
‫فإن اهلداية إىل صراط هللا املستقيم؛ هي حمض فضل هللا ورمحته بعبادة الذين أراد فالحهم يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬وقد جعل هللا هلداية‬
‫وتذلل وافتقار‪ ،‬فقد وعد هللا من طلبها أبن‬ ‫بصدق ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عباده أسبااب أمران ابختاذها وإتباعها‪ ،‬ومن أسباب اهلداية أن نطلبها من هللا‬
‫ضال إال من هديته فاستهدوين‬ ‫يكرمه هبا‪ ,‬ففي احلديث القدسي الذي يرويه نبينا ‪ ‬عن ربه ‪ ‬يقول هللا تعاىل‪« :‬اي عبادي كلكم ٌ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِينۡ‬ ‫طۡٱل ُمس َتق َۡ‬
‫ِيم‪ۡ٦‬صِ َر َٰ َطۡۡٱَّل َۡ‬ ‫لص َر َٰ َ ۡ‬
‫أهدكم»‪ ,75‬ويف سورة الفاحتة اليت يقرأها املسلم يف كل ركعة من صلواته نقول‪ :‬ﱩۡٱهدِنۡاۡٱ ِ‬
‫َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ََ‬
‫ِي ﱨ‪ ،76‬فيسأل املسلمون رب العاملني أن يهديهم صراطه املستقيم‪ ،‬أبن‬ ‫ۡوَلۡٱلضٓال َۡ‬ ‫وبۡ َعلي ِهم‬
‫ۡيۡٱل َمغض ِۡ‬
‫ِ‬ ‫ۡغ‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫أنعمتۡعل ِ‬
‫ي‬
‫يثبتهم على دين اإلسالم‪ ،‬وأن يهديهم لإلميان الصحيح والعمل الصاحل‪ ،‬وأن جينبهم طرق الضاللة اليت تتلخص يف طريق اليهود‬
‫وأشباههم الذين غضب هللا عليهم؛ ألهنم مل يعملوا مبا عرفوا من احلق‪ ،‬والطريق الثاين من طرق الضاللة الذي يطلب املسلم من هللا‬
‫جهل فضلوا عن دين هللا‪ ،‬يدعو املسلم أن جينبه‬ ‫أيضا أن جينبه إايه‪ ،‬هو طريق النصارى ومن شاهبهم الضالني الذين عبدوا هللا على ٍ‬
‫هللا طريق العدو األكرب للمسلمني‪ ،‬وهم اليهود والنصارى‪ ،‬الذين يكيدون لإلسالم وأهله املكائد العظام‪ ،‬وميكرون املكر الكبار ابلليل‬
‫والنهار؛ ليصدوا غري املسلمني عن اتباع دين اإلسالم‪ ،‬وليحاربوا املسلمني على كل األصعدة وبكل وسيلة‪ ،‬ومنها وسائل اإلعالم‬
‫ص ِد ُرَها احلكومات العميلة للكفار‪ ،‬واليت شغلها الشاغل تشويه اإلسالم‪ ،‬وشغل املسلمني‬ ‫أبنواعها‪ ،‬من قنوات وإنرتنت وجرائد تُ ْ‬
‫ابمللهيات‪ ،‬ودعوهتم للكفر والفسوق والعصيان‪.‬‬
‫وحارب الكفار دين هللا‪ ،‬أبن منعوا حتكيم شريعة هللا يف البالد‪ ،‬وسلطوا عبيدهم الطواغيت الصغار على رقاب املسلمني؛‬
‫ليمنعوهم حقهم يف التحرر من شياطني اإلنس واجلن‪ ،‬وطواغيت احلكم والتشريع‪ ،‬واستخدموا يف سبيل ذلك وسائل الرتغيب‬
‫والرتهيب‪.‬‬

‫ومن أهم وسائل احلكومات اليت تسمي نفسها إسالمية يف تلبيس احلق ابلباطل استخدام مشايخ يزينون الكفر واإلجرام‪،‬‬
‫كمشايخ احلكام الرْسيني املوظفني عندهم‪ ،‬وكمشايخ اجلامية واملدخلية عبيد الطواغيت الذين ميدحون ويزكون احلكام املرتدين‪،‬‬

‫‪ 75‬رواه مسلم يف صحيحه‪/‬كتاب الرب والصلة واآلداب‪/‬ابب‪ :‬حترمي الظلم برقم ‪2577‬‬
‫‪ 76‬الفاحتة ‪7-6‬‬

‫‪19‬‬
‫ويسعون لتعبيد املسلمني للطواغيت‪ ،‬مدعني كذاب وزورا وافرتاء على هللا أن من اإلسالم والسلفية بذل الطاعة للطاغوت‪ ،‬مهما فعل‬
‫من نواقض لإلسالم‪ ،‬كاحلكم بغري ما أنزل هللا وكإحالل القوانني البشرية حمل أحكام هللا وشرعه وكمواالة الكفار وإعانتهم على‬
‫حماربة املسلمني‪ ,‬وبرروا للطاغوت كل كفر‪ ،‬واختلقوا أعذارا للطاغوت ما أنزل هللا هبا من سلطان‪ ،‬حىت ال يكفروه مستخدمني‬
‫النصوص الشرعية يف غري حملها‪ ،‬فيستدلون أبدلة البيعة والسمع والطاعة على وجوب طاعة احلاكم أبمر أمريكا وبريطانيا وفرنسا‪،‬‬
‫وحيرمون اخلروج عليه مستدلني ابألدلة اليت تذم اخلوارج وحتض على قتاهلم وقتلهم‪ ،‬واستخدم أئمة الكفر أيضا اجلماعات اليت تدعي‬
‫أهنا إسالمية يف توجيه اجملتمعات واألفراد إىل نبذ اجلهاد واجملاهدين‪ ،‬وسلوك الطرق الكفرية لتغيري األنظمة احلاكمة أو إصالحها‬
‫بزعمهم‪ ،‬فوجهتهم أمريكا إىل أن اإلصالح املزعوم جيب أن ال خيرج عن اإلطار الذي حتدده هي وهيئة أممها املتحدة‪ ،‬وصارت هذه‬
‫اجلماعات الإلسالمية كاحلمري تدور يف املسار احملدد من أئمة الكفر‪ ،‬بل هم أضل من احلمر سبيال‪.‬‬

‫قالت هلم أمريكا إن إصالح الطواغيت يكون عن طريق الدميقراطية وصناديقها‪ ،‬واللهث خلف ما ْسوه الشرعية الدولية‪ ،‬فرددت‬
‫اجلماعات ا ليت تدعي اإلسالم شعارات الدميقراطية كالببغاوات‪ ،‬وقالت هلم أمريكا أهنا مستعدة لتسليمهم حكم البالد اليت فيها‬
‫مسلمون‪ ،‬بشرط عدم حتكيم الشريعة‪ ،‬وبشرط حماربة ما ْسوه اإلرهاب‪ ،‬وقصدهم حماربة اجلهاد واجملاهدين‪ ،‬فسارعوا المتثال أوامرها‪،‬‬
‫كما فعلت حكومة عمر البشري يف السودان‪ ،‬ومحاس يف فلسطني‪ ،‬بل وجهت أمريكا وأورواب مجاعة اإلخوان املرتدين لالرمتاء يف‬
‫أحضان الرافضة وطلب العون منهم‪ ،‬واحلقيقة أن حكم ماليل إيران وآايت الشيطان صناعةٌ أمريكيةٌ وبريطانيةٌ وفرنسية‪ ،‬فقد كان‬
‫آية الشيطان اخلميين يوجه الرافضة من فرنسا إىل الثورة على شاة إيران املرتد ‪ -‬لعنه هللا ‪ -‬وجاء اخلميين إىل إيران على منت طائرةٍ‬
‫اعتداء عليها من قبل الفلسطينيني‪ ،‬مع عمل بعض‬‫ٍ‬ ‫فرنسية‪ ،‬ومنذ عام ‪1415‬ه‪ ،‬والرافضة يف لبنان حيمون حدود اليهود ومينعون أي‬
‫مزعومة لالحتالل اليهودي‪ ،‬وتولت مجاعة محاس املرتدة حكم غزة يف عام ‪ 1425‬تقريبا عن طريق‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كمقاومة‬ ‫التمثيليات اليت تظهرهم‬
‫شرك الدميقراطية‪ ،‬وحكمت قوانني السلطة الفلسطينية نفسها‪ ،‬ومل حتكم ابإلسالم‪ ،‬بل قتلت من طالبوها بتحكيم الشريعة اإلسالمية‬
‫يف األراضي اليت حتكمها متقربة بدمائهم إىل أمريكا‪ ،‬وأخرجت بياان وصفتهم فيه ابإلرهابيني املتشددين‪ ،‬ومنذ تولت حكومة محاس‬
‫احلكم ارمتت يف أحضان إيران‪ ،‬وصارت أتخذ منها الرواتب واملعوانت‪ ،‬وفتحت هلا يف املقابل اجملال إلخراج املسلمني من اإلسالم‬
‫بتشييعهم‪ ,‬وفتحت حكومة السودان اإلخوانية اجملال لرافضة إيران ليفتحوا مركزا ثقافيًّا ينشر التشيع والرفض‪ ،‬وابع حاكم السودان‬
‫عمر البشري جنوب السودان للنصارى عرب لعبة الدميقراطية‪ :‬لئال تصفه أمريكا ابإلرهاب ولرتضى عنه فهو عبدها الذي يطلب‬
‫رضاها بعدم حتكيم الشريعة ومبحاربة اجلهاد واجملاهدين‪.‬‬

‫وقد عرضت مجاعة اإلخوان املرتدين على أمريكا أن تتوىل هي احلكم يف عدة دول بدال من احلكام الذين كرهتهم الشعوب‬
‫بسبب عسفهم وظلمهم‪ ،‬وتعهد اإلخوان بطاعة أمريكا وهيئة األمم املتحدة وبتحكيم الدميقراطية وحماربة اجلهاد واجملاهدين واحلفاظ‬
‫على احلدود الدولية اليت رْسها سايكس وبيكو فوعدهتم أمريكا أبن توليهم احلكم بشرط أن يطيعوها يف كل ما تطلبه منهم‪ ،‬وقادهتم‬
‫ُ‬ ‫نۡإِذۡقَ َالۡل ِِۡل َ َٰ‬
‫نس ِنۡۡٱكف ۡرۡ‬
‫َّ‬ ‫َ َ‬
‫من كفر إىل كفر‪ ،‬وصار حاهلم يذكر حبال استدراج الشيطان لإلنسان إىل الكفر ﱩۡك َمث ِلۡٱلشي َطَٰ ِۡ‬
‫َ َ‬ ‫َ ٓ ‪َّ ُ َ َ ٓ َ ٞ‬‬ ‫َ َ َّ َ َ َ َ‬
‫ي ﱨ‪.77‬‬ ‫ّللۡ َر َّبۡۡٱلعَٰل ِم َۡ‬
‫نۡأخافۡٱ َۡ‬ ‫فلماۡكف َرۡقالۡإ ِ ِنۡب ِريءۡمِنكۡإ ِ ِ‬
‫استخدمت أمريكا اإلخوان املرتدين يف تثبيت عروش عبيدها الطواغيت‪ ،‬كما هو حاصل يف األردن حيث حتالف إخوان‬
‫الشياطني مع املرتدين حسني بن طالل وابنه‪ ,‬ويف تونس أعادة اجلماعات املرتدة احلكم إىل حزب بناء‪ ،‬وهو نفس حزب الطاغوت‬
‫زين العابدين بن علي اهلارب فما الذي تغري‪ ،‬الذي حصل أن مجاعة اإلخوان املرتدين اليت يقودها الطاغوت الغنوشي حالفت‬

‫‪ 77‬احلشر‪16:‬‬

‫‪20‬‬
‫أمريكا الصليبية حملاربة اجملاهدين مع إدخاهلا لشعب تونس يف كفر الدميقراطية‪ُ ،‬ث أعادت حزب الرئيس اهلارب إىل احلكم واعرتفت‬
‫به‪ ،‬ورفضت احلكم ابإلسالم صراحة قوال وعمال‪ ،‬وشاركهم يف ذلك الكفر حزب جبهة اإلصالح السروري املدعي للسلفية‪ ،‬نسأل‬
‫هللا أن خيزيهم وميكن دولة اخلالفة من رقاهبم‪.‬‬
‫وأما يف مصر فقد كان نظام الطاغوت مبارك يستعني ابإلخوان اجملرمني يف انتخاابت واستفتاءات الرائسية‪ ،‬فيعطونه أصواهتم‬
‫اتفهة إبعطائهم مكاسب مزعومة‪ُ ،‬ث استعملهم العسكر املتحكمون يف احلكم يف منع حتول الثورة على‬ ‫وعود ٍ‬‫ليمنعوا سقوطه مقابل ٍ‬
‫حسين الالمبارك إىل تغي ٍري شامل يقتلع النظام من جذوره‪ ،‬فأرسل إخوان الشياطني شباهبم ليكونوا سورا حيول بني الثائرين الغاضبني‬
‫وبني إحراق مبىن وزارة الداخلية‪ُ ،‬ث دعوا الناس إىل شرك الدميقراطية‪ ،‬وزينوا هلم الكفر بدعواهم أن الطاغوت مرسي سيحكم ابلشريعة‬
‫إذا فاز ابالنتخاابت‪ ،‬وسبحان هللا! كيف سيأيت كفر الدميقراطية ابحلكم اإلسالمي؟ وهل أييت الضالل ابهلدى؟! وأين يف شرعنا‬
‫املطهر أنه جيوز التوصل إىل ما حيبه هللا ويرضاه ابرتكاب أسباب غضب هللا من اإلقرار والرضى بدستوٍر جيعل البشر آهلة‪ ،‬ويعطيهم‬
‫َّ َّ‬
‫ۡلك ُۡمۡإَِل ِ ۡ‬
‫ّۡللِ‬ ‫حق أن يشرعوا للناس ما مل أيذن به هللا‪ ،‬وجييز هلم احلكم بغري ما أنزل هللا‪ ،‬سبحان هللا! هذا هبتان عظيم‪ :‬ﱩۡإ ِ ِنۡٱ ُ‬

‫ﱨ‪.78‬‬
‫وليتوصل اإلخوان اجملرمون إىل احلكم‪ ،‬فقد ركضوا إىل سفارات أمريكا والدول األوروبية ودول اخلليج‪ ،‬يؤكدون هلم ويتعهدون‬
‫ابحلفاظ على سلطة اجمللس العسكري على مصر‪ ،‬وأن يبقوا مصر دولة علمانية‪ ،‬وأهنم لن خيرجوا عن الدميقراطية‪ ،‬وعاهدوهم على‬
‫حماربة اجملاهدين يف سيناء ابلتعاون مع جملس األمن واحلكومات الطاغوتية‪ ،‬وأضافوا إىل تلك اخلياانت هلل ولرسوله وللمؤمنني‪ ،‬أهنم‬
‫رضوا حبكم انقص حبيث ال يكون هلم سلطا ٌن على وزارات الداخلية واخلارجية واجليش واجمللس العسكري املعني من قبل األمريكان‪،‬‬
‫مما سهل على جمرمي نظام الطاغوت حسين قلب احلكم ليتسلمه الطاغوت السيسي‪ ،‬وهو أشد كفرا وإجراما من الالمبارك‪ ،‬فواجه‬
‫اإلخوان الكفر ابلكفر‪ ،‬وسعوا السرتضاء اليهود والنصارى وعبيدهم من طواغيت اخلليج‪ ،‬فشهد الطاغوت مرسي لليهود والنصارى‬
‫حق للشعب‪ ،‬إىل غري ذلك‬ ‫أبهنم ليسوا كفارا‪ ،‬ومد يده إىل رافضة إيران وأعلن احلرب على جماهدي سيناء‪ ،‬وأكد أن سلطة التشريع ٌ‬
‫َ َ‬ ‫َّ َّ َ َ‬
‫سد َۡ‬
‫ِين ﱨ‪ ,79‬فال ميكن‬ ‫ّللَۡلۡيُصل ُِحۡع َملۡٱل ُمف ِ‬
‫من الكفرايت‪ ،‬نعوذ ابهلل من الكفر والفسوق والعصيان‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱩۡإِنۡٱ ۡ‬
‫إصالح أبدا‪ ،‬ومن ادعى أن غايته صحيحه‪ُ ،‬ث مل يسلك الطرق الشرعية اليت ترضي هللا‪ ،‬فهو مفس ٌد يف‬ ‫ٍ‬ ‫أن يوصل اإلفساد إىل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ۡرضۡقَال ٓواۡإ َّن َماَۡن ُن ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ۡمصل ُِح ۡ‬
‫ون‪ۡ١١‬‬ ‫ِ‬ ‫األرض‪ ،‬وال تنفعه دعواه أنه يريد اإلصالح‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱩِۡإَوذاۡقِيلۡل ُهمَۡلۡتفس ُِدوا ِِۡفۡٱۡل ِ ۡ‬
‫َ ُ ُ َ ‪80‬‬
‫َّ‬
‫َٰ‬ ‫َ َ ٓ َّ ُ ُ ُ ُ ُ َ َ َ‬
‫ون ﱨ ‪.‬‬‫ونۡولكِنَۡلۡيشعر ۡ‬ ‫أَلۡإِنهمۡهمۡٱلمفسِد ۡ‬

‫فاملسلمون حيكمون على ظواهر الناس وأعماهلم‪ ،‬فإذا رأوا منكرا أنكروه استجابة ألمر هللا وأمر رسوله ‪ ‬القائل‪َ « :‬م ْن َرأَى‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان»‪ ،81‬وقال أمري املؤمنني عمر بن‬ ‫اإلميَ ِ‬
‫ف ِْ‬ ‫َض َع ُ‬‫كأْ‬ ‫ِمْن ُك ْم ُمْن َكرا فَلْيُغَِىْريهُ بِيَدهِ‪ ،‬فَِإ ْن َملْ يَ ْستَ ِط ْع فَبِل َسانِِه‪ ،‬فَِإ ْن َملْ يَ ْستَ ِط ْع فَبِ َقلْبِ ِه‪َ ،‬و َذل َ‬
‫الو ْح َي قَ ِد انْ َقطَ َع‪َ ،‬وإَِّمنَا ََنْ ُخ ُذ ُك ُم اآل َن ِمبَا ظَ َهَر لَنَا ِم ْن‬ ‫ِ‬
‫اَّلل ‪َ ،‬وإ َّن َ‬
‫ول َِّ‬ ‫اخلطاب ‪« :‬إِ َّن أُ َانسا َكانُوا ي ْؤخ ُذو َن ِابلوح ِي ِيف َع ْه ِد رس ِ‬
‫َُ‬ ‫َْ‬ ‫ُ َ‬
‫ِِ‬ ‫أ َْعمالِ ُكم‪ ،‬فَمن أَظْهر لَنَا خريا‪ ،‬أ َِمنَّاه‪ ،‬وقَ َّرب نَاه‪ ،‬ولَيس إِلَي نَا ِمن س ِريرتِِه َشيء َّ ِ‬
‫اَّللُ ُحيَاسبُهُ ِيف َس ِر َيرته‪َ ،‬وَم ْن أَظْ َهَر لَنَا ُسوءا َملْ ََنَْمنْهُ‪َ ،‬وَملْ‬ ‫ُ َ ْ ُ َْ َ ْ ْ َ َ ٌْ‬ ‫َ ْ َ ْ ََ َ ْ‬
‫ال‪ :‬إِ َّن َس ِر َيرتَهُ َح َسنَةٌ» ‪.‬‬
‫‪82‬‬
‫ص ىِدقْهُ‪َ ،‬وإِ ْن قَ َ‬‫نُ َ‬

‫‪ 78‬يوسف‪40:‬‬
‫‪ 79‬يونس‪81:‬‬
‫‪ 80‬البقرة‪12 - 11:‬‬
‫‪ 81‬أخرجه مسلم يف صحيحه‪ /‬كتاب اإلميان‪/‬ابب‪ :‬النهي عن املنكر من اإلميان برقم ‪49‬‬
‫‪ 82‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪/‬كتاب الشهادات‪/‬ابب‪ :‬الشهداء العدول برقم ‪2641‬‬

‫‪21‬‬
‫فما قاله عمر ‪ ‬هو سبيل املؤمنني‪ ،‬وال تصلح حياة الناس مبخالفته‪ ،‬وبه يتبني سبيل فرق الضالل اإلخوان اجملرمني والسرورية‬
‫واجلامية الذين حيكمون على اجملاهدين القائمني بتحكيم شرع هللا أبهنم مفسدون يف األرض‪ ،‬وحيكمون للطواغيت احلاكمني بغري‬
‫شرع هللا أبهنم أهدى من اجملاهدين سبيال‪ ،‬فشاهبت فرق السرورية واإلخوان املرتدين الرافضة والباطنية يف السفسطات املخالفة‬
‫للعقل والدين‪ ،‬ويف التأويالت الباطنية للمصاحل الشرعية حىت قلبوا احلق ابطال والباطل حقا‪ ،‬فحكموا للطاغوت أردوغان أبنه من‬
‫املصلحني رغم حكمه ابلعلماينة ومواالته ألنواع الكفار من صليبيني ويهود ورافضة‪ ،‬ورغم حماربته للدولة اإلسالمية احلاكمة بشرع‬
‫هللا‪.‬‬

‫حكام شرعيون ال جيوز اخلروج‬ ‫ٌ‬ ‫وحكمت فرق اإلخوان والسرورية واجلامية واملدخلية للطواغيت التابعني لألمم املتحدة أبهنم‬
‫عليهم‪ ،‬وأفىت هؤالء املرتدون ابلتعاون مع أمريكا وعمالئها يف حماربة الدولة اإلسالمية بكل وسيلة حىت أفىت بعض طواغيت هذه‬
‫الفرق أبن الذين قتلتهم الدولة اإلسالمية من يهود ونصارى يف بلجيكا أهنم شهداء‪ ،‬وهي إحدى مشاهباهتم لليهود حيث شهدوا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ َّ َ ُ ُ ْ َ‬
‫بۡيُؤم ُِنونۡ‬ ‫ص ٗ‬
‫يباۡم َِنۡٱلكِتَٰ ِۡ‬ ‫أبن الذين كفروا أهدى سبيال من جماهد الدولة اإلسالمية‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱩۡألمۡترۡإَِلۡٱَّل ۡ‬
‫ِينۡأوتواۡن ِ‬
‫َ َ ُ ُ َ َّ َ َ َ ُ ْ َ َٰٓ ُ َ ٓ َ َ َٰ َ َّ َ َ َ ُ ْ َ ً‬ ‫َ َّ َٰ ُ‬
‫يل ﱨ‪.83‬‬ ‫ۡسب ِ ۡ‬ ‫ِينۡءامنوا‬
‫وتۡويقولونۡل َِّلِينۡكفرواۡهؤَلءِۡأهدىۡمِنۡٱَّل ۡ‬ ‫لطغ ِۡ‬ ‫ۡلبتِۡۡ ۡوۡٱ‬
‫ۡب ِٱ ِ‬

‫وأفىت قادة اإلخوان املرتدين أتباعهم بوجوب إعانة الدول األوروبية على كشف من حيمل الفكر اجلهادي يف أورواب‪ ،‬وساعدوا‬
‫خمابرات أورواب يف التحقيق مع اجملاهدين وترمجوا هلم ما يف أجهزهتم اجلوالة‪ ،‬وسران نرى هذه الفرق الثالث‪ :‬اإلخوان والسرورية‬
‫يوم ضالال وإجراما‪ ،‬وأئمة الكفر يطلبون منهم املزيد من الكفر والتضليل‪ ،‬وال يقنعون منهم ابلقليل من الكفرايت‬ ‫واملدخلية‪ ،‬تزداد كل ٍ‬
‫لقد بعث هللا عز وجل نبيه حممد ‪ ‬داعيًّا إىل عبادة هللا وحده‪ ،‬وإىل الكفر ابلطاغوت وبني أنه ال يصح إسالم ٍ‬
‫أحد حىت جيمع‬
‫بني األمرين اإلميان ابهلل رًّاب وإهلا مع اعتقاد بطالن عبادة غريه‪ ،‬وأن أي دي ٍن غري دين اإلسالم فهو ابطل‪.‬‬
‫َ َ َ َ ُ‬
‫وصفة الكفر ابلطاغوت قد أمران هللا عز وجل ابلتأسي فيها خبليله إبراهيم ‪ ‬فقال هللا عز وجل تعاىل‪ :‬ﱩۡقدَۡكنتۡلكمۡ‬
‫ُ‬ ‫َّ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ َّ َ ُ ُ َ‬ ‫َّ ُ َ َ ُ ْ‬ ‫ُ َ ٌ َ َ َ ‪َ ْ ُ َ ٓ ُ َ َ َ َّ َ َ َٰ َ ٓ ٞ‬‬
‫ّللِۡكفرناۡبِكمۡ‬ ‫ونۡٱ ۡ‬ ‫ِينۡمع ۡه ۡۥۡإِذۡۡقالواۡل ِقو ِم ِهمۡإِناۡبر َٰٓءؤاۡمِنكمۡومِماۡتعبدونۡمِنۡد ِ‬ ‫ۡوۡٱَّل ۡ‬
‫ِۡفۡإِبرهِيم ۡ‬
‫أسوةۡحسنة ِ‬
‫َ َ َّ َ َ َ ٓ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ّللِ ۡ َوح َد ۡهُ ٓۡۥ ۡإَل ۡقَو َل ۡإب َرَٰه َ‬‫ْ َّ‬ ‫َ‬
‫َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ ُ َ َ َٰ َ ُ َ َ َ ٓ ُ َ ً َ َّ َٰ ُ‬
‫ۡو َماۡ‬ ‫ِۡۡلستغفِرن ۡلك‬
‫ۡۡلبِيه ۡ‬ ‫ِيم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِت ۡتؤم ُِنوا ۡۡب ِۡٱ ۡ‬ ‫وبداۡبينناۡوبينكم ۡٱلعدوۡة ۡ ۡوۡٱۡلغضا ۡء ۡأبداۡح‬
‫َ‬
‫َّ َّ َ َ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َ َ َّ‬
‫ۡي ﱨ‪ ,84‬واملصلحة الكربى اليت جيب على كل‬ ‫ص ُۡ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ل‬‫ٱ‬ ‫ۡ‬ ‫ك‬ ‫اِۡإَوَّل‬ ‫ن‬ ‫ب‬‫ن‬ ‫ۡأ‬ ‫ك‬ ‫اِۡإَوَّل‬ ‫ن‬‫َّك‬‫و‬‫ۡت‬ ‫ك‬ ‫ي‬‫ل‬‫اۡع‬ ‫ن‬‫ب‬ ‫ۡر‬‫ء‬
‫ٖ‬ ‫ِنَۡش‬ ‫م‬ ‫ۡ‬‫أمل ِكۡلكۡمِنۡٱ ِ‬
‫ّلل‬
‫ۡ‬
‫مسل ٍم السعي إليها أن تكون كلمة هللا هي العليا‪ ،‬وأن يعبد هللا وال يشرك به شيء‪ ،‬وأن يكون احلكم هلل واملفسدة الكربى أن يشرك‬
‫ابهلل وأن تعلو كلمة الكفر‪ ،‬ولذلك شرع هللا تعاىل قتال الكفار حىت ال تكون فتنة‪ ،‬ويكون الدين كله هلل‪.‬‬
‫إسالم حيكم فيها بشرع هللا‪ ،‬وجتب اهلجرة إليها‪ ،‬وجيب على كل مسل ٍم مناصرهتا‪ ،‬وإما دار كف ٍر تعلو فيها‬ ‫وصارت الداير إما دار ٍ‬
‫أحكام الكفر‪ ،‬ويظهر فيها الكفر البواح‪ ،‬جيب على أي مسل ٍم يسكنها أن يهاجر منها إىل دولة اإلسالم‪ ،‬وأن يقاتل دول الكفر‬
‫َ َ ٓ َّ ٗ َ َ ُ َ َٰ ُ َ ُ َ ٓ َّ ٗ َ َ ْ َ َّ َّ‬ ‫َ َ ُ ْ ُ‬
‫ّللۡ َم َعۡٱل ُم َّتقِي ﱨ ‪ ،85‬وقوله عز‬ ‫ۡوۡٱعل ُم ٓوۡاۡأنۡۡٱ َۡ‬
‫ِيَۡكفةۡكماۡيقت ِلونكمَۡكفة ۡ‬ ‫امتثاال ألمر هللا تعاىل‪ :‬ﱩۡوقَٰت ِلواۡٱلم ِ‬
‫ّشك ۡ‬
‫َ ٗ َ َ ْ َ َّ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ََٰٓ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ْ َ َٰ ُ ْ َّ َ َ ُ َ ُ َ ُ‬
‫ك َّف ۡ َ‬
‫ّللۡ َم َعۡٱل ُم َّتق َۡ‬
‫ِي‬ ‫ج ُدواۡفِيكمۡغِلظة ۡ‬
‫ۡوۡٱعل ُم ٓوۡاۡأنۡٱ َۡ‬ ‫ارِۡوَّلَ ِ‬ ‫ِينۡيلونكمۡمِنۡۡٱل‬ ‫وجل‪ :‬ﱩۡيأيهاۡۡٱَّل ۡ‬
‫ِينۡءامنواۡقت ِلواۡٱَّل ۡ‬

‫‪ 83‬النساء‪51:‬‬
‫‪ 84‬املمتحنة‪4:‬‬
‫‪ 85‬التوبة‪36:‬‬

‫‪22‬‬
‫ﱨ ‪ ,86‬واحلمد هلل الذي من على املسلمني بقيام دولة اخلالفة حتكمهم بشريعة هللا‪ ،‬وجتاهد أعداء هللا نسأل هللا أن يؤيدها بنصره‪،‬‬
‫شيء قدير‪ ،‬وهو حسبنا ونعم الوكيل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وأن يزيدها متكنا يف األرض إنه على كل‬
‫ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫فإن هللا سبحانه قد جعل كتابه العظيم هدى للمتقني وحجة على املكذبني وكاشفا لشبهات املبطلني كما قال تعاىل ﱩۡ َوَلۡيَأتونكۡ‬
‫َ ََ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ‬
‫ِۡيۡا ﱨ‪ 87‬أي وال أيتونك مبثل يعارضون به احلق ويدفعون به رسالتك إال جئناك ابحلق‬ ‫ۡتفس ً‬ ‫قۡوأحسن‬ ‫جئ َنَٰكۡۡب ِٱۡل ِۡ‬‫بِمثلۡإَِلۡ ِ‬
‫وأحسن تفسرياَ أي أنزلنا عليك قرآان جامعا للحق يف معانيه والوضوح والبيان التام يف ألفاظه فمعانيه كلها حق وصدق ال يشوهبا‬
‫ابطل وال شبهة بوجه من الوجوه وألفاظه وحدوده لألشياء أوضح ألفاظا وأحسن تفسريا ُمبني للمعاين بياان كامال وقد ينتقل أهل‬
‫الباطل والضالل من طرح الشبهات إىل حتدي الرسل بطلب آايت يدَّعون َّأهنم إذا َرأ ْْوها آمنوا هبم ومبا أُرسلوا به كما أخرب تعاىل‬
‫ّللۡ‬
‫َ َ َ َ ُ ْ َ َ َّ‬
‫َبۡمِنۡذَٰل ِكۡفقال ٓواۡأرِناۡٱ َۡ‬ ‫وَسۡأَك َ َ‬ ‫ۡس َألُوا ْ ُ‬
‫ۡم َ َٰٓ‬ ‫ۡعلَيهمۡك َِتَٰ ٗباۡم َِنۡٱ َّ‬
‫لس َمآءِۡۡ َف َقد َ‬ ‫بۡأَنۡتُ َن َل َ‬
‫ۡ‬ ‫َٰ‬ ‫َ‬
‫ِت‬‫ك‬ ‫ل‬ ‫ٱ‬‫ۡ‬
‫َ َُ َ َ ُ‬
‫ل‬ ‫عنهم ﱩۡيسۡلكۡأه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اۡم َ َٰ‬‫ۡو َء ۡاتَي َن ُ‬ ‫َ ۢ َ َ َ ٓ َ ُ ُ َ َ َٰ ُ َ َ َ َ َ َ‬
‫نۡذَٰل َِك َ‬ ‫ُ َّ َّ َ ُ ْ‬ ‫َ َ ٗ َ َ َ َ ُ ُ َّ َٰ َ ُ ُ‬
‫وَسۡ‬ ‫تۡفعفوناۡع‬ ‫اۡجاءته ۡمۡٱۡليِن ۡ‬ ‫لۡ ِمنۡبعدِۡم ۡ‬ ‫واۡٱلعِج ۡ‬ ‫لصعِق ۡةۡبِظل ِم ِهمۡثمۡٱَتذ ۡ‬ ‫جهرةۡفأخذتهمۡٱ‬
‫اۡمب ٗ‬
‫ُ َ ٗ ُّ‬
‫ينۡا ﱨ‪ 88‬هذا السؤال الصادر من أهل الكتاب للرسول حممد ﷺ على وجه العناد واالقرتاح وجعلهم هذا السؤال يتوقف‬ ‫سلطَٰن ِ‬
‫عليه تصديقهم أو تكذيبهم وهو َّأهنم سألوه أن ينزل عليهم القرآن مجلة واحدة كما نزلت التوراة واإلجنيل وهذا غاية الظلم منهم‬
‫واجلهل فإن الرسول بشر وعب ٌد هلل ليس يف يده من األمر شيء بل األمر كله هلل وهو الذي يرسل وينزل ما يشاء على عباده كما‬
‫ُ ُ َ َ َ َ ُ ُ َّ َ َ ٗ َّ ٗ‬
‫اۡر ُس ۡ‬
‫وَل‬ ‫قال تعاىل عن الرسول ملا ذكر اآلايت اليت فيها اقرتاح املشركني على حممد ﷺ ﱩۡقلۡسبحانۡر ِّبۡهلۡكنتۡإَِلۡبّش‬
‫ﱨ‪ 89‬وادعى املكذبون للرسل أيضا َّ‬
‫أن الكتاب الذي ينزله هللا ال بد َّ‬
‫أن ينزل مجلة واحدة ال مفرقا وهذا االدعاء حمض افرتاء على‬
‫هللا فأين يوجد يف نبوة أحد من األنبياء َّ‬
‫أن الرسول الذي أيتيكم بكتاب نزل مفرقا فال تؤمنوا به وال تصدقوه؟‬
‫َ َ‬
‫بل نزول هذا القرآن مفرقا حبسب األحوال مما يدل على عظمته واعتناء هللا مبن أنزل عليه كما قال تعاىل‪ :‬ﱩ ۡ َوقالۡ‬
‫ََ َ ُ َ َ َ‬ ‫َ ٗ‬ ‫َّ‬ ‫َُ َ‬ ‫ُ َ ُ ُ َٗ َ َ ٗ َ‬
‫ۡك َذَٰل َِكَۡلِ ُثَب َ‬ ‫َّ َ َ َ ُ ْ َ َ ُ َ َ َ‬
‫كۡب ِ َمثلۡ‬ ‫تۡب ِ ۡهِۦۡفؤاد َك َۖۡۡو َرتل َنَٰ ُهۡترت ۡ‬
‫ِيل‪ۡ٣٢‬وَلۡيأتون ۡ‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫ِد‬
‫ح‬ ‫َٰ‬ ‫ۡو‬ ‫ة‬‫ل‬‫َج‬ ‫ۡ‬‫ان‬
‫ۡ‬ ‫ء‬ ‫ر‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫ٱ‬‫ۡ‬‫ِ‬ ‫ه‬‫ي‬ ‫ِينۡكفرواۡلوَلۡن ِزلۡعل‬ ‫ٱَّل ۡ‬
‫َ َ َ َ َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ۡتفس ً‬
‫ِۡيۡا ﱨ‪.90‬‬ ‫قۡوأحسن‬ ‫جئ َنَٰكۡۡب ِۡٱۡل ِۡ‬
‫إَِلۡ ِ‬
‫فلما ذكر اعرتاضهم الفاسد أخرب أنَّه ليس بغريب من أمرهم بل سبق هلم من املقدمات القبيحة ماهو أعظم مما سلكوه‬
‫مع الرسول الذي يزعمون َّأهنم آمنوا به وهو موسى ‪ ‬من سؤاله رؤية هللا عياان واختاذهم العجل إله يعبدونه من بعد ما َرأ َْوا من‬
‫وهددوا َّأهنم‬‫اآلايت أببصارهم مامل يََرهُ غريهم وامتنع أهل الكتاب من قبول أحكام كتاهبم وهو التوراة حىت ُرفع الطور فوق رؤوسهم ُ‬
‫إ ْن مل يؤمنوا اُسقط عليهم فقبلوا ذلك على وجه اإلغماض واإلميان الشبيه ابإلميان الضروري وامتنعوا من دخول أبواب القرية اليت‬
‫أُمروا بدخوهلا ُسجدا ُمستغفرين فخالفوا القول والفعل واعتدى من اعتدى منهم يف السبت فعاقبهم هللا تلك العقوبة الشنيعة وأخذ‬
‫هللا عز وجل عليهم امليثاق الغليظ فنبذوه وراء ظهورهم وكفروا آبايت هللا وقتلوا ُرسله بغري حق وادعى اليهود َّأهنم قتلوا املسيح عيسى‬
‫لف ال تفقه مايقولوه نبينا ﷺ‬ ‫غريُه وصلبوه وادعى اليهود أن قلوهبم غُ ْ‬‫وصلبوه واحلال أهنم ماقتلوه وماصلبوه بل ُشبه هلم َغ ْريُْه فقتلوا ْ‬
‫هلم وال تفهمه وصدوا الناس عن سبيل هللا ودعوهم إىل ما هم عليه من الضالل والغَ ىي وأخذوا السحت والراب مع هني هللا هلم عنه‬

‫‪ 86‬التوبة‪123:‬‬
‫‪ 87‬الفرقان‪33:‬‬
‫‪ 88‬النساء‪154-153:‬‬
‫‪ 89‬اإلسراء‪93:‬‬
‫‪ 90‬الفرقان‪33-32:‬‬

‫‪23‬‬
‫والتشديد فيه فالذين فعلوا هذه األفاعيل ليس غريبا عليهم أن يسألوا الرسول حممد ﷺ أن ينزل عليهم كتااب من السماء ُث أخرب‬
‫تعاىل عن عقوابت دنيوية أصاب هبا أولئك الذين تركوا احلق بعد ماعرفوه واتبعوا أهواءهم وهي أحكام شرعية شدد هللا عليهم فيها‬
‫فإن أطاعوا وأانبوا كان ذلك خريا هلم وإ ْن مل ينصاعوا ألوامر هللا بل استمروا يف االستكبار عاقبهم هللا تعاىل العقاب األليم قال تعاىل‬
‫ُ َ َٰ ْ‬ ‫ََ‬ ‫ٗ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ َّ َ‬ ‫َ َّ َ َ ُ ْ َ َّ َ َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ّللِۡكث ِۡيا‪ۡ١٦٠‬وأخ ِذهِمۡٱلرِبوۡاۡ‬ ‫ِينۡهادواۡحرمناۡعلي ِهمۡطيِبَٰتۡأحِلتۡلهمۡوبِص ِدهِمۡۡعنۡسب ِ ِ‬
‫يلۡۡٱ ۡ‬ ‫ﱩۡفبِظل ٖمۡمِنۡٱَّل ۡ‬
‫ََّٰ ُ َ‬ ‫َّ َٰ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ َ َ َ‬ ‫ۡوأَكلِهمۡأَم َو َٰ َلۡٱَلَّ‬ ‫ََ ُُ ْ َ‬
‫ونۡ ِِفۡۡٱلعِل ِۡمۡ‬
‫لرسِخ ۡ‬ ‫ينۡ ِۡمن ُهمۡۡ َعذابًاۡأ َِّل ٗمۡا‪ۡ١٦١‬لك ِِنۡٱ‬‫كَٰفِر َ‬
‫ِ‬ ‫ِل‬ ‫ل‬‫اۡ‬ ‫ن‬ ‫د‬‫ت‬‫ع‬ ‫أ‬‫و‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ل‬‫ِ‬ ‫ط‬
‫ِ‬ ‫َٰ‬ ‫ب‬‫اسۡۡبٱل َ‬
‫ِ‬ ‫ۡ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ۡعن ُه َ‬ ‫وقدۡنهوا‬
‫َ َّ َ َٰ َ َ ُ ُ َ َّ َ َٰ َ َ ُ ُ َ َّ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫ُ َ ُ ُ َ ُ ُ َ َٓ َ َ َ ََٓ َ‬ ‫ُ‬
‫ّللِۡ‬
‫ونۡۡب ِٱ ۡ‬
‫ونۡٱلزكوۡةۡ ۡوۡٱلمؤمِن ۡ‬ ‫يۡٱلصلوۡةۡ ۡوۡٱلمؤت ۡ‬ ‫نزلۡمِنۡقبل ِك َۡ‬
‫ۡوۡٱل ُمقِي ِم ۡ‬ ‫نزلۡإَِّلكۡوماۡأ ِ‬ ‫ونۡيؤم ِۡنونۡبِماۡأ ِ‬ ‫ۡوۡٱلمؤمِن ۡ‬ ‫مِنهم ۡ‬
‫اۡعظ ً‬ ‫َ‬
‫ۡس ُنؤتِيهمۡأج ًر َ‬ ‫ك َ‬‫ْ َ َٰٓ َ‬ ‫ُ‬
‫َ َ‬
‫ِيمۡا ﱨ ‪.91‬‬ ‫ِ‬ ‫ۡوۡٱَّلو ِۡمۡۡٱٓأۡلخِرِۡۡأولئ ِ‬
‫ََّٰ ُ َ‬ ‫َّ َٰ‬
‫ونۡ ِِفۡٱلعِل ِۡمۡﱨ أي الذين‬ ‫لرسِخ ۡ‬ ‫وبعد أ ْن ذكر هللا تعاىل معايب أهل الكتاب ذكر املمدوحني منهم فقال‪ :‬ﱩ لك ِِنۡٱ‬
‫ثبت العلم يف قلوهبم ورسخ اإليقان يف أفئدهتم فأمثر هلم االميان التام العام مبا اُنزل إليك وما اُنزل من قبلك وأمثر هلم االعمال الصاحلة‬
‫من إقامة الصالة وإيتاء الزكاة اللذين مها أفضل األعمال وقد اشتملت على اإلخالص للمعبود واإلحسان إىل العبيد وآمنوا ابليوم‬
‫ورجوا الوعد أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما ألهنم مجعوا بني العلم واالميان والعمل الصاحل واإلميان ابلكتب والرسل‬ ‫اآلخر فخافوا الوعيد ُ‬
‫السابقة والالحقة ومن صفات الذين آمنوا برسل هللا من علماء أهل الكتاب اخلشوع هلل الذي عصمهم هللا به من أن يشرتوا آبايته‬
‫َ َٰ َ َ ُ ُ َّ َ َ ٓ ُ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫نزلۡإَِّلكمۡ‬ ‫ِ‬ ‫ۡأ‬ ‫ا‬ ‫م‬‫و‬‫ۡ‬‫ِ‬ ‫ۡ‬
‫ّلل‬‫ٱ‬‫ۡ‬‫ِ‬ ‫ۡ‬
‫ب‬ ‫ۡ‬ ‫ِن‬‫م‬ ‫ؤ‬ ‫نۡي‬ ‫م‬ ‫ل‬‫ۡ‬‫ب‬‫ۡ‬‫ِ‬ ‫ِت‬
‫ك‬ ‫ل‬‫ٱ‬‫ۡ‬‫ۡ‬ ‫ل‬‫مثنا قليال ولذلك وعدهم هللا وعدا حسنا ابجلزاء الكرمي قال تعاىل ﱩِۡإَونۡمِنۡأ ِ‬
‫ه‬
‫يعۡ‬ ‫ۡربهم ۡإ َّن ۡۡٱ َّ َ‬
‫ّلل ۡ َس ُ‬
‫ۡ‬ ‫ِند َ‬ ‫ك ۡل َ ُهم ۡأَج ُر ُهم ۡع َ‬
‫َّ َ َ ٗ َ ً ُ ْ َ َٰٓ َ‬
‫ئ‬ ‫ل‬ ‫و‬‫ۡأ‬ ‫ِيل‬ ‫ل‬‫اۡق‬ ‫ن‬‫م‬ ‫ث‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ّلل‬‫ٱ‬‫ۡ‬‫ۡ‬ ‫ت‬ ‫َٰ‬ ‫َ َّ َ َ َ ُ َ َ‬
‫ي‬‫ۡأَ‍ِب‬ ‫ون‬ ‫َت‬‫ش‬ ‫ۡي‬ ‫َِۡل‬ ‫ّۡلل‬
‫ِ‬ ‫ِي‬ ‫ع‬ ‫َٰ‬ ‫َ‬
‫ۡخ‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ََٓ ُ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫شِ‬ ‫نزل ۡإ ِ ِ‬
‫َّل‬ ‫وما ۡأ ِ‬
‫اب ﱨ ‪.92‬‬ ‫ٱۡل َِس ِۡ‬
‫فهؤالء العلماء مجعوا بني اإلميان بنبيهم وبنبينا عليهم السالم وصدقوا ابلتوراة اليت أنزهلا هللا وصدقوا ابلقرآن العظيم فدخلوا‬
‫يف اإل سالم الذي جاء به نبينا حممد ﷺ وكان دافعهم لقبول احلق هو خشوعهم هلل املنايف للكرب وقسوة القلب اللذين مينعان‬
‫صاحبهما من اتباع خامت األنبياء ﷺ وننتقل اآلن بعون هللا إىل الكالم عن شيوخ السوء وخدمتهم للطاغوت فكما هو معلوم أن‬
‫الدول الصليبية تقاْست الداير اليت يسكنها املسلمون وهو الذي ْسوه االستعمار وقد كذبوا لعنهم هللا فقد كان استخرااب ودمارا‬
‫أن ِم ْن مكر اليهود والنصارى َّأهنم مل حيتلوا جزيرة العرب احتالال مباشرا حلساسية ذلك يف نفوس املسلمني‬ ‫للمسلمني ولتدينهم ىإال َّ‬
‫ومكانة احلرمني اإلسالمية فاختارت بريطانيا عبد العزيز آل سعود ليكون أداهتا يف حتقيق أهدافها الصليبية ولتحاول جعل جزيرة‬
‫العرب منوذجا مزيفا للحكم ابإلسالم يضل به املسلمون عن حقيقة دينهم وينخدعون به فيتبعون سرابه معلقني أماهلم به وكان ال‬
‫بد من أت كيد لصحة منهج خادمهم عبدالعزيز وإصباغ لشرعية كاذبة عليه إبحاطته مبشايخ يزكونه ويدافعون عنه ويربرون له كل‬
‫منكر ويدفعون عنه كل هتمة ويتأولون له كل انقض لإلسالم يقع فيه واستغل عبدالعزيز اتريخ جده حممد بن سعود يف نصرة دعوة‬
‫اإلمام حممد بن عبدالوهاب ليدعي كاذاب أنَّه على خطى جده يف نصرة توحيد هللا وتقرب عبدالعزيز إىل املشايخ والعلماء وأظهر هلم‬
‫إلتزامه بتحكيم الشريعة وأنه يريد فتح البالد إلخضاع أهلها ألحكام اإلسالم فأحسنوا به الظن وأطاعوه يف طاعة هللا حسب ما‬
‫يظهر هلم ولكن األمر كما قال الشاعر‪:‬‬
‫َوإِن خا َهلا َختفى َعلى ِ‬
‫الناس تُعلَِم‬ ‫ند اِم ِر ٍئ ِمن َخلي َق ٍة‬ ‫َوَمهما تَ ُكن ِع َ‬

‫‪ 91‬النساء‪162-160:‬‬
‫‪ 92‬آل عمران‪199:‬‬

‫‪24‬‬
‫فقد بدأ عبدالعزيز ينكشف على حقيقته وتصل إىل أْساع املشايخ أنباء اجتماعاته ابلربيطانيني ُث ابألمريكان فكاشفه‬
‫أن اجتماعه هبم من ابب اهلدن اجلائزة ولكن الشمس ال تُغطى‬ ‫بعض املشايخ وسأله عن ذلك فأبدى هلم أنَّه ال يوايل الكفار و َّ‬
‫بغرابل فصار بعض العلماء ينكرون عليه هذه االجتماعات املريبة ابلصليبيني وظهر هلم أدلة على مواالة عبد العزيز بن سعود للكفار‬
‫وتبعية ألحكامهم والتزام ابحلدود اليت رْسوها للدول وهي حدود سايكس بيكو فعبدالعزيز أعلن اجلهاد ملا أراد إخضاع مناطق اجلزيرة‬
‫العربية حلكمه فلما وصل إىل احلدود اليت رْسها الكفار توقف عندها ومن حكمة هللا البالغة أن هللا تعاىل جعل الباطل زهوقا ﱩۡ‬
‫َ ُ َ ٓ َ َ ُّ َ َ َ َ َ َٰ ُ َّ َ َٰ َ َ َ ُ ٗ‬
‫لَۡكنۡ َزهوقۡا ﱨ‪ 93‬أي من طبيعته االضمحالل والتالشي‪ ،‬انكشفت حقيقة عبدالعزيز‬ ‫لۡإِنۡٱلب ِط ۡ‬
‫قۡوزهقۡٱلب ِط ۡ‬
‫وقلۡجاءۡۡٱۡل ۡ‬
‫عميل الصليبيني فشعر خبطر هؤالء املشايخ على حكمه ومشروعه الذي هو يف حقيقته مشروع بريطانيا ُث أمريكا الحتالل جزيرة‬
‫العرب والسيطرة على بالد احلرمني لتصري له زعامة دينية على املسلمني وكذلك السيطرة على منابع النفط وغريه من الثروات اليت‬
‫تزخر هبا بالد احلرمني ليستخدمها اإلجنليز وبعدهم األمريكان يف حماربة اإلسالم واحليلولة بني املسلمني وبني عودهتم إىل حتكيم شريعة‬
‫رهبم ملا علم عبد العزيز وأسياده الربيطانيون خبطورة أولئك املشايخ والعلماء الذين أدركوا حجم اخلديعة يف عبد العزيز وادعاءاته أنَّه‬
‫ى‬
‫حيكم ابإلسالم وجياهد أعداء اإلسالم حينها بدأ الكيد الربيطاين السلويل ابلقضاء على هؤالء العلماء واملشايخ وكانت البداية بتشويه‬
‫صورهتم وْسعتهم يف نفوس املسلمني عن طريق مشايخ السوء ليتقبل الناس بعد ذلك القضاء على من وصفوهم ابخلروج على‬
‫عبدالعزيز وشق صف اجلماعة واإلفساد يف األرض بزعمهم‪.‬‬
‫فأرسل مشايخ ابن سعود السلويل الرسائل تلو الرسائل إىل إخوان من أطاع هللا الذين يقودهم الشيخان سلطان بن جباد‬
‫وفيصل الدويش لإلنكار عليهم وإظهار َّأهنم خوارج على اإلمام املزعوم عبد العزيز و َّأهنم إ ْن مل ينتهوا عن اإلنكار عليه علنا ووصفه‬
‫مبواالة اليهود والنصارى وأنىه منحرف عن حتكيم شرع هللا فإهنم يستحقون أ ْن يردعهم عبد العزيز السلويل مبا يَراهُ مناسبا وقد أرسل‬
‫جمموعة من مشايخ آل سلول إىل الشيخني فيصل الدويش وسلطان بن جباد ومن لديهما من إخوان من أطاع هللا حيذروهنم فيها من‬
‫أن اخلروج عليه سبيل اخلوارج واملبتدعة وحذروهم‬ ‫اخلروج على عبد العزيز آل سلول وأنَّه خريُ من يصلح لإلمامة يف ذلك الزمان و َّ‬
‫من اهتام مشايخ آل سلول ابملداهنة له والسكوت عن منكراته وبرؤوه من مواالة اليهود والنصارى وأرسل مشايخ آل سلول رسائل‬
‫إىل رأس الكفر والردة عبد العزيز آل سلول يطلبون منه أ ْن يضرب من خيرجون عليه ويقصدون بذلك مشايخ إخوان من أطاع هللا‬
‫أن عبد العزيز آل سلول ال يوافق على هذا اجلهاد طاعة لربيطانيا‬ ‫إلهنم انطلقوا جلهاد أهل الشرك دون إذن من عبد العزيز واحلقيقة َّ‬
‫اليت رْست له حدود ال يتجاوزها وتلك املناطق اليت يريد إخوان من أطاع هللا فتحها ختضع لسلطان بريطانيا وملا ثبت إلخوان من‬
‫أطاع هللا أن عبدالعزيز مرتد عن اإلسالم عميل للكفار خلعوه ورفضوا طاعته يف ترك اجلهاد يف سبيل هللا‪.‬‬
‫وقال سلطان بن جباد ملشايخ عبدالعزيز السلويل ملا اهتموه أبنه طالب إماره وأنه خلع يده من طاعة من زعموه احلاكم الشرعي قال‬
‫هلم‪" :‬عبد العزيز علىمكم أنىنا طالىب إمارة‪ ،‬ال وهللا اخلالف بيننا وبني ابن سعود ما هو على اإلمارة‪...‬املسألة مسألة دين‪...‬وعبد‬
‫العزيز يعرف زين أنىنا ما نبغي اإلمارة وال حنرص عليها‪.‬ولكنىنا مع عبد العزيز مثل الغار والنار‪...‬إذا جلسنا أخذتنا النىار‪...‬وإذا قمنا‬
‫الرايض"‪،‬‬ ‫أبشركم إان إذا هلكنا أبنكم ستتزامحون مع النىصارى أبسواق ى‬ ‫رطمنا الغار‪...‬وعبد العزيز يبغي يوم اخلالص منىا‪...‬ولكن ى‬
‫ولكن مشايخ السوء والضالل أصروا على كذهبم وهو اهتامهم إلخوان من أطاع هللا ابالفتئات على ويل أمرهم عبد العزيز عميل‬
‫اإلجنليز بل اهتموهم أبهنم جياهدون أُانسا مل يثبت عليهم الشرك وأهنم أخذوا منهم غنائم بغري حق ومن يتأمل كالم املشايخ التابعني‬
‫آلل سلول حني يتحدثون عن عبد العزيز عميل اإلجنليز ويثنون عليه يصفونه بصفات الصحابة واخللفاء الراشدين ويرتبون على ذلك‬
‫أحكام السمع والطاعة له وحرمة اخلروج عليه ويفتون بقتل من خيالف أمره ولو كان يف اجلهاد الذي منع عبد العزيز منه طاعة‬

‫‪ 93‬اإلسراء‪81:‬‬

‫‪25‬‬
‫ألسياده اإلجنليز وبعد أن أعطاه مشايخ السوء شرعية كاذبة يف قتال إخوان من أطاع هللا قام عبدالعزيز آل سلول بقتاهلم مستعينا‬
‫الزلفي وحىت يتضح أكثر حجم التلبيس الذي قام به مشايخ‬ ‫أبوليائه اإلجنليز حىت قضى عليهم تقريبا يف موقعة السبلة قرب مدينة ُ‬
‫أن مفيت آل سلول حممد بن ابراهيم آل الشيخ قد أنكر عليهم اخرتاع هيئات‬ ‫ابن سلول وأهنم عرفوا احلق فكتموه وأضلوا الناس عنه َّ‬
‫وجلان ال حتكم بشريعة هللا حيث وضع آل سلول يف كل مفصل من مفاصل دولتهم حماكم غري شرعية ْسوها جلان وهيئات تزويرا‬
‫للحق وتلبيسا على اخللق ووضعوا هلا قوانني بشرية مأخوذة من القوانني الفرنسية وقوانني األمم املتحدة وتشريعاهتا كاحملاكم التجارية‬
‫واحملاكم العسكرية وحماكم العمل والعمال وهيأة فض املنازعات التابعة لوزارة التجارة ونظام العمل والعمال واجملالس اإلدارية واهليئات‬
‫املختلفة األخرى كاهليأة الزراعية واهليأة امللكية ومكتب مكافحة املخدرات وهي جلان يبلغ عددها العشرات تتحايل هبا احلكومة‬
‫السلول ية على شرع هللا وتلزم الناس إىل التحاكم إىل تلك احملاكم الكفرية ومتنع ما وصفته من احملاكم الشرعية من النظر يف تلك‬
‫القضااي حبجة ذلك أهنا ليست من اختصاصها ويضاف إىل ذلك الكفر مواالة آل سلول لليهود والنصارى وحتاكمهم إىل حمكمة‬
‫العدل الدولية التابعة لألمم املتحدة وتوقيعهم على معاهدات ومواثيق األمم املتحدة الكفرية انبذين لشرع هللا وراء ظهورهم‪.‬‬
‫نقول كل تلك النواقض وقع فيها آل سلول وأكثر‪ ,‬وأوضح هلم شيخهم حممد بن إبراهيم كثريا من تلك الكفرايت‬
‫واستنكرها عليهم وهنا سؤال استنكاري يفرض نفسه هل تربأ حممد بن ابراهيم آل الشيخ من آل سلول وكفرهم ؟ هل كفر هبم ملا‬
‫ظهر له َّأهنم طواغيت وهل ترك منصب مفيت ما يسمى اململكة العربية السعودية أو ختلى عن منصب رئيس القضاة؟‪...‬لألسف كل‬
‫ذلك مل حيدث بل استمر يف اعتبارها حكومة إسالمية شرعية حىت مات‪ ،‬بل وكان ينكر على من خيرج على آل سلول ويفيت أب ىهنم‬
‫خوارج يُقتلون تقراب إىل هللا بزعمه كما فعل مع إخوان من أطاع هللا الذين كفروا ابلطاغوت وكفروا آبل سعود املرتدين وتربؤوا منهم‬
‫أبن ضالل اإلرجاء قد حتكم فيه ويف فتواه‬ ‫ومن والئهم للصليبيني وال أجد تفسريا هلذه التناقضات اليت وقع فيها مفيت آل سلول ىإال َّ‬
‫وأ َّن ُحب الزعامة الدينية هو الذي حال بينه وبني أ ْن يعتزل آل سعود املرتدين وينبذ إليهم مناصبهم الكاذبة اخلادعة وأن احللول‬
‫الرتقيعية اليت حاوهلا وسعى اليها مل تفلح ومل تنجح ملخالفتها لشرع هللا أوال فإنكار املنكر جيب أن يكون ابلضوابط الشرعية ال إبقرار‬
‫حاكم مرتد على حكمة ولو حذره مئات املرات من الكفرايت اليت وقع فيها فالرباءة من الطواغيت والكفر هبم هو سبيل األنبياء‬
‫ك ۡأَن ۡٱتَّبعۡ ۡمِلَّ َة ۡإب َرَٰه َ‬
‫ِيمۡ‬
‫ُ َّ َ َ َ ٓ َ َ‬
‫واملرسلني وهي ملة إبراهيم ‪ ‬اليت أُمر نبينا حممد ﷺ ابتباعها كما قال تعاىل ﱩ ۡثم ۡأوحينا ۡإَِّل‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ِي ﱨ ‪ 94‬فكفر نبينا حممد ﷺ بكل طاغوت ال كما فعل مشايخ السوء الذين كفروا ببعض‬ ‫ّشك َۡ‬ ‫َ ٗ ََ َ َ َ ُ‬
‫حن ِيفا ۖۡۡوماَۡكن ۡمِن ۡٱلم ِ‬
‫الطواغيت وآمنوا ببعض حبجج غري شرعية فضلوا وأضلو‪ ,‬ربنا التزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة إنك أنت الوهاب‪.‬‬
‫فإن احلاجة ماسة ألن نتبني أولياء الرمحن من أولياء الشيطان‪ ،‬ألن هللا أمران أبن نوايل أولياءه وحنبهم ونناصرهم‪ ،‬وأن نبغض‬
‫َّ َّ‬ ‫ونِۡف َ‬ ‫َّ َ َ َ ُ ْ ُ َ َٰ ُ َ‬
‫ّللِۖۡۡ َۡوۡٱَّل َۡ‬
‫ِينۡ‬ ‫يلۡۡٱ ۡ‬
‫ِ ِ‬ ‫ب‬ ‫ۡس‬ ‫ِ‬ ‫ِينۡءامنواۡيقت ِل‬ ‫أعداءه ونتربأ منهم ونعاديهم‪ ،‬وأن نسعى يف قتاهلم وحماربتهم كما قال تعاىل‪ :‬ﱩۡۡٱَّل ۡ‬
‫َ َ َٰ ُ ٓ ْ َ َ ٓ َ َّ َ َٰ َّ َ َ َّ َ َٰ َ َ َ ً‬ ‫َّ َٰ ُ‬ ‫ونِۡف َ‬ ‫َ َ ُ ْ ُ َ َٰ ُ َ‬
‫نَۡكنۡضعِيفۡا ﱨ ‪ 95‬وقد بني هللا ورسوله‬ ‫نۡإِنۡكيدۡٱلشيط ِۡ‬ ‫وتۡفقت ِلواۡأو َِّلاءۡٱلشيط ِۡ‬ ‫لطغ ِۡ‬ ‫يلۡٱ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ۡس‬ ‫ِ‬ ‫كفرواۡيقت ِل‬
‫بيان‪ ،‬فمن اتصف ابلصفات اليت حيبها هللا؛ فهو املؤمن الذي حنبه ونواليه كما‬ ‫صفات أولياء الرمحن وصفات أولياء الشيطان أحسن ٍ‬
‫لَع َ‬
‫ۡرب ِ ِهمۡ‬ ‫اۡو َ َ َٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِۡإَوذاۡتُل َِيتۡ َعلَيهم َ‬
‫ۡء َاي َٰ ُت ُۡه ۡۥۡ َز َادت ُهمۡإ َ‬
‫يم َٰ ٗن َ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َّ َ ُ ُ َ َّ َ َ ُ َ َّ ُ َ َ ُ ُ‬
‫جلتۡقلوبُ ُهم‬ ‫ّللۡو ِ‬ ‫ِينۡإِذاۡذكِرۡٱ ۡ‬ ‫ونۡۡٱَّل ۡ‬ ‫قال تعاىل‪ :‬ﱩۡإِنماۡٱلمؤمِن ۡ‬
‫ْ َ َٰٓ َ ُ ُ ُ ُ َ َ ٗ َّ ُ َ‬
‫ۡد َر َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫لصلَ َٰوَۡة ۡ َوم َِّم َ‬ ‫َّ َ ُ ُ َ‬ ‫َّ ُ َ‬
‫ۡرب ِ ِهمۡ‬ ‫ِند َ‬ ‫ت ۡع َ‬ ‫ج َٰ ٌ‬ ‫ون ۡحقا ۡلهم‬ ‫ۡه ۡم ۡٱلمؤمِن ۡ‬‫ون‪ۡ ٣‬أولئِك ۡ‬ ‫اۡر َزق َنَٰ ُهم ۡيُنفِق ۡ‬ ‫ون ۡٱ َّ‬ ‫ِين ۡيقِيم‬
‫ون‪ۡۡ ٢‬ٱَّل ۡ‬ ‫َي َت َوَّك ۡ‬
‫ََ َ‪َ ٞ َ ٞ‬‬
‫يم ﱨ ‪ ،96‬ومن اتصف بصفات أعداء هللا؛ فهو عدو هلل ولرسوله وللمؤمنني‪ ،‬ال نقبل منه أن يعمل الكفر‬ ‫ۡورِزق ۡك ِر ‪ۡٞ‬‬ ‫ومغفِرة‬

‫‪ 94‬النحل‪123:‬‬
‫‪ 95‬النساء‪76:‬‬
‫‪ 96‬األنفال‪4-2:‬‬

‫‪26‬‬
‫والفسوق والعصيان‪ُ ،‬ث يدعي كمال االميان‪ ،‬وأنه من أولياء الرمحن‪ ،‬كما قال أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب ‪« ‬إِ َّن أُ َانسا َكانُوا‬
‫الو ْح َي قَ ِد انْ َقطَ َع‪َ ،‬وإَِّمنَا ََنْ ُخ ُذ ُك ُم اآل َن ِمبَا ظَ َهَر لَنَا ِم ْن أ َْع َمالِ ُك ْم‪ ،‬فَ َم ْن أَظْ َهَر لَنَا‬ ‫ِ‬
‫اَّلل ‪َ ،‬وإ َّن َ‬
‫ول َِّ‬ ‫ي ْؤخ ُذو َن ِابلوح ِي ِيف َع ْه ِد رس ِ‬
‫َُ‬ ‫َْ‬ ‫ُ َ‬
‫ِ‬
‫ص ىدقْهُ‪َ ،‬وإِ ْن قَ َ‬ ‫ِِ‬ ‫خريا‪ ،‬أ َِمنَّاه‪ ،‬وقَ َّرب نَاه‪ ،‬ولَيس إِلَي نَا ِمن س ِريرتِِه َشيء َّ ِ‬
‫ال‪:‬‬ ‫اَّللُ ُحيَاسبُهُ ِيف َس ِر َيرته‪َ ،‬وَم ْن أَظْ َهَر لَنَا ُسوءا َملْ ََنَْمْنهُ‪َ ،‬وَملْ نُ َ‬ ‫ُ َ ْ ُ َْ َ ْ ْ َ َ ٌْ‬ ‫َْ‬
‫إِ َّن َس ِر َيرتَهُ َح َسنَةٌ»‪ ،‬وقد أخربان هللا تعاىل أن املنافقني يعرفون بلحن قوهلم‪ ،‬وبني هللا ورسوله ‪ ‬صفات أهل النفاق‪ ،‬فمن عمل‬
‫أعماهلم واتصف بصفاهتم فهو املنافق وإن أظهر اإلميان‪ ،‬وعمل أبعمال اإلسالم الظاهرة‪ ،‬بل هم أعدى أعداء املسلمني كما قال‬
‫ۡصي َ‬ ‫َ َ َّ ُ ُ ُ ‪َّ ُ َ ُ َ َ ٞ َ َّ َ ُّ ٞ‬‬
‫ُۡك َ‬ ‫َ‬ ‫َُ ُ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ََ َ ُ ُ‬
‫حةۡ‬ ‫ِۡإَونۡيقولوا ۡتس َمع ۡل ِقول ِ ِهمۖۡۡكأنهم ۡخشب ۡمسندة َۖۡۡيسبون‬ ‫ج ُبك ۡأج َسام ُهمۖۡ‬ ‫تعاىل‪ :‬ﱩ ِۡإَوذاۡرأيتهم ِ‬
‫ع‬ ‫ۡت‬
‫ُ ُ َ ُ ُّ َ َ ُ َ َٰ َ َ ُ ُ َّ ُ َ َّ َٰ َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ون ﱨ‪ ،97‬وبني هللا تعاىل وبني رسوله ‪ ‬صفات أهل الكفر واإلشراك؛‬ ‫نۡيُؤفك ۡ‬ ‫َعلي ِهمۡهمۡۡٱلعد ۡوۡ ۡف ۡٱحذرهمۡۡقتلهمۡٱ ۡ‬
‫ّللۖۡۡأ‬
‫ُ َ ُ‬
‫لئال نشاهبهم وال نواليهم ولنحذرهم ونعاديهم ونقاتلهم‪ ،‬وال نغرت منهم مبعسول كالم أو تلطف ظاهر كما قال تعاىل‪ :‬ﱩۡيُرضونكمۡ‬
‫ٓ َّ ُ َ ٓ‬ ‫ِيل ۡفَ َص ُّدوا ْ َ‬ ‫َّ َ َ ٗ َ ٗ‬ ‫ََ ْ َ‬ ‫َ َ َ َٰ ُ ُ ُ ُ َ َ َ ُ ُ َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ۡسا َء ۡ َمۡاۡ‬ ‫نۡسبِيل ِ ۡهِ ۡۦ ۡإِنهم‬ ‫ۡع َ‬ ‫ّللِ ۡثمناۡقل‬ ‫ت ۡٱ ۡ‬ ‫َتوۡا ۡأَ‍ِبي َٰ ِ‬ ‫ون‪ۡ ٨‬ٱش‬ ‫َثهم ۡفَٰسِق ۡ‬ ‫بِأف َوَٰهِ ِهم ۡوتأَب ۡقلوبهم ۡوأك‬
‫َ‬ ‫ٗ َ َ َّ ٗ َ ُ َ َٰٓ َ ُ‬ ‫َ ُ ْ َ َُ َ َ َ ُُ َ‬
‫ون ۡﱨ‪ 98‬وقد مجع هللا ‪ ‬الكفار واملنافقني يف‬ ‫ۡوأ ْولئِكۡه ُم ۡٱل ُمع َت ُد ۡ‬ ‫ۡمؤمِن ۡإَِل ۡوَل ۡذِمة‬ ‫ون ِۡف ُ‬
‫ون‪َۡ ٩‬لۡيرقب ِ‬ ‫َكنواۡيعمل ۡ‬
‫َ‬
‫ص ُۡ‬
‫ۡي‬ ‫ۡوبِئ َسۡٱل َم ِ‬ ‫ۡج َه َّن ُمۖۡ َ‬ ‫ِيۡ َۡوۡٱغلُظۡۡ َعلَيهم َ‬
‫ۡو َمأ َوى َٰ ُهم َ‬ ‫ۡ‬‫ارۡ َۡوۡٱل ُم َنَٰفِق َ‬ ‫ۡ‬
‫ُ‬
‫ك َّف َ‬ ‫ل‬ ‫ٱ‬‫ِۡ‬
‫د‬ ‫ه‬ ‫َٰ‬ ‫بۡ َ‬
‫ج‬ ‫ۡ‬‫ُّ‬ ‫وجوب جهادهم فقال تعاىل‪ :‬ﱩۡيََٰٓأ ُّي َهاۡٱَلَّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﱨ‪ 99‬فجهاد الكفار ابحلجة والبيان والسيف والسنان‪ ،‬وجهاد املنافقني ابحلجة والبيان فحسب‪ ،‬ما داموا غري مظهرين لنواقض‬
‫اإلسالم‪ ،‬ومل تثبت عليهم ببينة شرعية‪ ،‬وإال فلو ثبت عليهم ابلبينة الشرعية أهنم ارتكبوا ما ينقض إسالمهم‪ ،‬فهناك يعاملون معاملة‬
‫املرتدين‪ ،‬ويتخذ ويل أمر املسلمني حبقهم العقوبة الرادعة اليت يراها مناسبة‪ ،‬من استتابتهم أو إقامة حد الردة عليهم دون استتابة‪،‬‬
‫وقد كان من كذب املنافقني أهنم يعدون ما يفعلونه إصالحا‪ ،‬وال تنفعهم نصيحة الناصحني‪ ،‬بل يتلقوهنا ابلكرب والغرور واملخادعة‬
‫َ‬ ‫ُ َ َ َ ٓ َّ ُ‬ ‫ۡرضۡقَال ُ ٓواْۡإ َّن َماۡ ََن ُن ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َُ َ ُ ُ ْ‬
‫ون‪ۡ١١‬أَلۡإِن ُهمۡه ُمۡٱل ُمفس ُِد ۡ‬
‫ونۡ‬ ‫ۡمصل ِح ۡ‬ ‫ِ‬ ‫كما أخرب تعاىل عنهم‪ :‬ﱩِۡإَوذاۡقِيلۡلهمَۡلۡتفسِدوا ِ‬
‫ِۡفۡٱۡل ِ ۡ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ون ﱨ‪ ،100‬فيفسدون يف األرض مبواالة الكفار وحثهم على قتال املسلمني واستئصاهلم‪ ،‬وإعانتهم مبا يستطيعون‬ ‫َولَٰكِنَۡلۡيَش ُع ُر ۡ‬
‫على حرب املسلمني‪ ،‬ومبحاربتهم لتحكيم شريعة هللا‪ ،‬وبثهم الشبه حول اإلسالم وشرائعه‪ ،‬وتوهني صفوف املسلمني‪ ،‬وتضخيم قوة‬
‫الكفار ابلدعاايت الكاذبة املضللة‪ ،‬وتقليلهم من شأن انتصارات املسلمني وأثرها على الكفار‪ ،‬وها حنن اليوم نرى الفرق اليت تسمي‬
‫نفسها مجاعات إسالمية‪ ،‬واملشايخ الرْسيني للحكومات الكافرة املرتدة عن دين هللا‪ ،‬قد جتاوزوا أوصاف املنافقني إىل الكفر البواح‬
‫والردة الصراح؛ ألن قائدة الصليب واحلكومات التابعة هلا‪ ،‬مل تعد تقنع منهم مبمارسة دور املنافقني‪ ،‬بل يريدوهنا حراب أشد على‬
‫اإلسالم‪ ،‬وعلى دولة اخلالفة اليت تتمسك هبدي رسول هللا ‪ ‬وخلفائه الراشدين‪ ،‬وتعلنه منهجا هلا تبذل دونه الغايل والنفيس‪ ،‬طلبا‬
‫إلرضاء هللا‪ ،‬وها هو الدين املزيف يتهاوى بفضل هللا ‪ُ ‬ث بدعوة وجهاد الدولة اإلسالمية وقادهتا وجنودها‪ ،‬وها هي أقنعة املرتدين‬
‫هاداي ونصريا‪.‬‬
‫تتساقط أمام أنوار دولة اخلالفة احلاملة لكتاب هللا اهلادي بيد‪ ،‬وللسيف الناصر ابليد األخرى‪ ،‬وكفى بربك ًّ‬
‫لقد عمل شياطني اإلنس واجلن طويال لئال تقوم لإلنسان دولة تعود ابلناس إىل هنج النبوة الصايف‪ ،‬وقد عملت دول اليهود‬
‫كفار بدراسة اتريخ اإلسالم السياسي والعلمي‪ ،‬ونشأة‬ ‫والصليبيني على الكيد لإلسالم لعدة قرون خلت‪ ،‬فأنشؤوا مراكز يقوم فيها ٌ‬
‫فرق الضالل اليت حرفت املسلمني عن دينهم الصايف‪ ،‬وْسوا أنفسهم ابملستشرقني‪ ،‬فسعوا لبث ونشر ضالالت الفرق الضالة املضلة‬
‫بكل درجات الضالل من الزندقة واإلحلاد إىل ضالل املعتزلة الذين حيكمون العقل يف الشرع‪ ،‬فال يقبلون منه إال ما تقبله عقوهلم‬

‫‪ 97‬املنافقون‪4:‬‬
‫‪ 98‬التوبة‪10-8:‬‬
‫‪ 99‬التوبة‪73:‬‬
‫‪ 100‬البقرة‪11:‬‬

‫‪27‬‬
‫الصدئة الضالة‪ ،‬وإىل املرجئة الذين ميعوا الدين وأخرجوا العمل عن مسمى اإلميان‪ ،‬وقالوا ال تضر مع اإلميان معصية‪ ،‬وقد درس‬
‫اليهود والنصارى جغرافيا العامل اإلسالمي‪ ،‬وخططوا لتقسيمه وتقطيع أوصاله‪ ،‬ودعموا كل من يطعن يف اإلسالم من العلمانيني‬
‫املرتدين‪ ،‬وممن يدعون اإلسالم من مشايخ الكفر والضالل‪ ،‬الذين درسوا يف معاهد وجامعات اليهود والنصارى يف فرنسا وبريطانيا‬
‫ني‪ :‬مجال الدين األفغاين‪ ،‬وتلميذه‬ ‫وغريمها‪ ،‬كأمثال‪ :‬طه حسني‪ ،‬وعلي عبد الرازق‪ ،‬وقاسم أمني‪ ،‬وغريهم‪ ،‬وقدمت بريطانيا املاسونيَ ْ ِ‬
‫حممد عبده على أهنما من املصلحني‪ ،‬لقد أحي هللا بفضله ومنه الدولة اإلسالمية من جديد؛ لتقضي على كل ذلك املكر اليهودي‬
‫الصلييب‪ ،‬ولتهيل الرتاب على الدين املزيف الذي صنعته دول الكفر وقدمته للمسلمني على أنه اإلسالم الصحيح‪ ،‬واي هلل العجب‬
‫كيف يصدق بعض من ينتسبون إىل اإلسالم أن أعداء هللا من اليهود والنصارى سريضون عن اإلسالم واملسلمني؟! وقد حاربوا‬
‫َ‬
‫لۡ َو َءاتي َناۡ‬ ‫بۡ َو َق َّفي َناۡ ِم ۢن َ‬
‫ۡبع ِد ۡه ِۦۡۡب ِٱ ُّلر ُس ِۡ‬
‫َ‬
‫وَسۡٱلكِتَٰ َ ۡ‬ ‫ۡءاتَي َن ُ‬
‫اۡم َ‬ ‫رسل هللا وأنبياءه على مدى قرون كما قال تعاىل عنهم‪ :‬ﱩۡ َولَ َقد َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ َّ َ َ ٓ َ ُ َ ُ ُ ۢ َ َ َ َ َٰٓ َ ُ‬ ‫َ َ َ َ َ َ َٰ َ َ َّ َ َٰ ُ ُ ِ ُ‬
‫ى ۡأنف ُسك ُم ۡٱس َتك ََبت ۡمۡ‬ ‫س ۡأفُكماۡجاءكم ۡرسول ۡبِماَۡل ۡتهو‬ ‫وح ۡٱلق ُد ِ ۡ‬ ‫ن ۡمريم ۡٱۡليِنتِۡ ۡوأيدنه ۡبِر‬ ‫ع َ‬
‫ِيَس ۡٱب ۡ‬
‫ون ﱨ‪ ،101‬إن الكفار ال يرضون إال عن دي ٍن مز ٍ‬ ‫َ َ ٗ َ َّ ُ َ َ ٗ َ ُ ُ َ‬
‫أانس يدعون اإلسالم‪ ،‬وحقيقتهم الردة عن‬ ‫ٌ‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫يف‬ ‫ۡ‬ ‫اۡكذبت ۡمۡوف ِريقاۡتقتل‬
‫فف ِريق ۡ‬
‫َّ ُ َ ُ َ َٰ َ‬ ‫ُ َّ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ َ َٰ َ َ َ ُ ُ َ َ َّ َ َٰ َ َٰ َ َّ َٰ َ َّ‬
‫ىۡ َولئ ِ ِنۡ‬‫ّللِۡهوۡٱلهد ۡ‬ ‫ِتۡتتب ِ َعۡمِل َت ُهمۡقلۡإِنۡه َدىۡٱ ۡ‬ ‫ى ۡح‬ ‫ودۡوَلۡٱَلصر ۡ‬ ‫اإلسالم‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱩۡولنۡترَضۡعنكۡٱَّله ۡ‬
‫َ ََ َ‬ ‫َ َ َ َ َّ‬ ‫يۡ َجا ٓ َء َكۡم َ‬ ‫َّ َ َ َ َ ٓ َ ُ َ َ َّ‬
‫صۡيۡ ﱨ ‪ ،102‬ولذلك رضي اليهود والنصارى‬ ‫ۡوَلۡن ِ‬ ‫ِل‬
‫ِٖ‬ ‫ِنۡو‬ ‫م‬ ‫ۡ‬‫ِ‬ ‫ّلل‬
‫ۡ‬ ‫ٱ‬‫ۡ‬‫ِن‬ ‫م‬ ‫ۡ‬‫ك‬ ‫اۡل‬ ‫م‬ ‫ۡ‬‫م‬‫ۡ‬
‫ِ‬ ‫ِل‬ ‫ع‬‫ل‬ ‫ٱ‬‫ۡ‬‫ِن‬ ‫ۡ‬ ‫َّل‬
‫ِ‬ ‫تۡأهواءهمۡبعدۡٱ‬ ‫ٱتبع ۡ‬
‫عن آل سعود املرتدين‪ ،‬ورضوا عن أمثاهلم من احلكام التابعني هلم املوالني للكفر وأهله؛ احملاربني لإلسالم الذي رضي هللا لعباده‬
‫املؤمنني‪ ،‬وهؤالء احلكام املدعون كذاب لإلسالم‪ ،‬قاموا بعمل أشياء كثريها للتغطية على حرهبم لإلسالم الذي يرضاه هللا‪ ،‬فطبعوا‬
‫ين من قبل أفراد املسلمني‪ ،‬ال من قبل احلكومات العميلة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املصاحف كما فعل آل سلول‪ ،‬وادعوا راعية املساجد‪ ،‬مع أن أكثرها بُ َ‬
‫وْسحوا حبلقات حتفيظ القرآن الكرمي‪ ،‬وادعوا دعمها بشرط أال يدرس فيها املعتقد الصحيح‪ ،‬والتفسري وعلوم السنة واحلث على‬
‫اجلهاد‪ ،‬فاملسموح به عند آل سلول ونظام النصرييني وسائر أحكام الردة ‪،‬حفظ القرآن وتعليم التجويد فقط‪ ،‬وأما اجلامعات فتدرس‬
‫اإلرجاء‪ ،‬ووجوب طاعة احلاكم ولو ارتد‪ ،‬ويتأولون له كل ردة‪ ،‬وخيتلقون له األعذار اليت ما أنزل هللا هبا من سلطان‪ ،‬وحيرمون اخلروج‬
‫عليه‪ ،‬ويضعون شروطا تعجيزية لقيام اجلهاد يف سبيل هللا‪ ،‬ويتخرج فيها الطالب بعقائد منحرفة عن الصراط املستقيم‪ ،‬حىت ال يكونوا‬
‫مصلحني على هدي رسول هللا ‪ ‬بل ضمن حلقة ال تعكر على احلاكم املرتد حكمه‪ ،‬بل يسبغون عليه الشرعية الكاذبة‪ ،‬ال فرق‬
‫يف ذلك بني من يدعي السلفية منهم‪ ،‬وبني من يتربأ منها‪ ،‬وتعاقدت احلكومات املرتدة مع الفرق الضالة املضلة‪ ،‬اليت ادعت أهنا‬
‫مجاعات إسالمية؛ ملنع إحياء عقيدة الوالء والرباء‪ ،‬ومنع قيام اجلهاد يف سبيل هللا‪ ،‬فصار أولئك اجملرمون يلبسون على الناس دينهم‪،‬‬
‫وأن اإلصالح ممكن ابلوسائل اليت يسمح هبا حكام الردة عبيد اليهود والنصارى‪ ،‬ففي جزيرة العرب مثال حتالف آل سلول مع‬
‫السروريني املدعني للسلفية منذ عام ‪ 1405‬تقريبا‪ ،‬واتفقوا معهم على أال خترج الدعوة والتعليم عن اإلطار الذي يسمح به آل‬
‫سلول‪ ،‬ومنذ ذلك احلني وهم يلقنون أتباعهم أن احلاكم مسلم جتب طاعته وعدم اخلروج عليه‪ ،‬ومينعون شباهبم املبايعني هلم من‬
‫متنوعة‪ ،‬فمنعوا شباهبم من اجلهاد يف أفغانستان‪ُ ،‬ث يف البوسنة‪ ،‬واهتموا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وتلبيسات‬ ‫حبجج كثرية‬
‫اجلهاد يف أي منطقة من العامل‪ٍ ،‬‬
‫اجملاهدين ابإلفتيات على األمة اإلسالمية؛ ألن اجملاهدين ال يشاوروهنم وال يصدرون عن رأيهم‪ ،‬وبنفس الوقت أيد مشايخ السرورية‬
‫جبهة اإلنقاذ يف اجلزائر يف دخول االنتخاابت‪ُ ،‬ث الفوز فيها‪ ،‬مع أنه دخول يف الشرك األكرب ابلرضى ابلدميقراطية واختاذها سبيال‬
‫للحكم‪ ،‬ودعا مشايخ السرورية وحرضوا على اجلهاد املزعوم مع حاكم اليمن علي عبدهللا صاحل‪ ،‬املنتمي إىل حزب البعث ‪،‬واعتربوه‬
‫جهاد شرعيًّا إسالميًّا؛ ألنه يقاتل فيه حاكم حضرموت امللحد الشيوعي‪ ،‬واحلقيقة أهنا كانت خدمة ألمريكا؛ إلخراج احلزب املوايل‬

‫‪ 101‬البقرة‪87:‬‬
‫‪ 102‬البقرة‪120:‬‬

‫‪28‬‬
‫لروسيا من احلكم‪ ،‬مقابل إشراك االخوان املرتدين يف احلكم‪ ،‬ومل يبالوا بكونه حاكما مرتدا عن اإلسالم‪ ،‬حيكم بغري ما أنزل هللا‪ ،‬وقد‬
‫بدل شريعة هللا كف را بواحا‪ ،‬وقد استخدم املرتد البعثي علي صاحل اإلخوان والسرورية حىت انتهى من حربه مع حاكم حضرموت‬
‫املرتد‪ُ ،‬ث خلع اإلخوان كما خيلع نعليه‪ُ ،‬ث أعلن السروريون وابقي اجلماعات املوالية للطاغوت كاجلامية واإلخوان اجملرمني حرهبم على‬
‫اجلهاد وأهله‪ ،‬الذين عكروا صفو أمريكا وأمنها بضربيت الربجني الشهرية‪ ،‬ولبسوا على الناس أبن اجملاهدين تسببوا بعملهم هذا بتعطيل‬
‫الدعوة اإلسالمية‪ ،‬والتضييق على املسلمني من قبل الدول الصليبية اليت يعيشون فيها‪ ،‬وخوفوا الناس من أمريكا وقوهتا‪ ،‬وقللوا من‬
‫شأن اجملاهدين‪ ،‬وادعوا أهنم ال يستطيعون حماربة رأس الكفر أمريكا‪ُ ،‬ث أعلن زعيم السرورية املرتد يف جملته اليت ْساها السنة ‪ْ -‬ساها‬
‫السنة كذاب وزورا ‪ -‬أنه سيتعاون مع دول الكفر العاملي يف حماربة اإلرهاب يف العراق‪ ،‬أي حماربة الدولة اإلسالمية‪ ،‬اليت أعلنت حتكيم‬
‫اإلسالم والكفر ابلطواغيت‪ ،‬وقد تعاون السرورية واإلخوان واجلامية املدخلية مع مرتدي آل سلول ومشاخيهم الرْسيني يف تسليم‬
‫العراق ألمريكا وإيران‪ ،‬وتعاونوا على حماولة وأد مشروع الدولة اإلسالمية‪ ،‬الذي يهدد كل مشاريعهم‪ ،‬ويفضح مؤامراهتم واستمتاع‬
‫بعضهم ببعض‪ ،‬وملا قامت الثورة على طاغوت الشام‪ ،‬انصب تفكري اإلخوان املفلسني والسرورية على كيفية استثمارها واالستفادة‬
‫من تضحيات الشعب املسكني الذي مل يتلقى منهم أي توجيه أو حتريض على اجلهاد يف سبيل هللا وال وجهوه حنو أن تكون الراية‬
‫والغاية إسالمية‪ ،‬أبن حيكم شرع هللا بدال من حكم الطاغوت‪ ،‬وملا قام اجلهاد يف الشام مل يشاركوا فيه أبي مشاركة سوى السعي‬
‫إلفساد اجلهاد واجملاهدين‪ ،‬وعملوا على حماولة سرقة مثرة اجلهاد ليصب يف مصلحة العلمانيني املرتدين‪ ،‬وأبدوا إعجاهبم وأتييدهم ُث‬
‫دعمهم ملا يسمى اجليش احلر‪ُ ،‬ث تسللوا بتعاون مع خمابرات آل سلول إىل الفصائل املختلفة‪ ،‬واخرتقوها ابلدعم املادي‪ ،‬وطلبوا منهم‬
‫صراحة أال يرفعوا راية اإلسالم‪ ،‬وأال يطالبوا بتحكيم شرع هللا‪ ،‬حبجة أن دول الكفر لن ترضى بذلك‪ ،‬فلما أرسلت الدولة اإلسالمية‬
‫جبهة النصرة؛ للجهاد يف الشام‪ ،‬وقفوا منها موقف املراتب‪ ،‬وتساءلوا عن حقيقتها ومصدر دعمها‪ُ ،‬ث دعوا الفصائل إىل ضرهبا إن‬
‫خرجت عن ط ريق اجليش احلر وأهدافه‪ ،‬فلما أعلنت الدولة اإلسالمية متددها إىل الشام‪ ،‬وإلغاء مسمى جبهة النصرة‪ ،‬تالعب‬
‫السرورية واإلخوان املرتدون جببهة اجلوالين‪ ،‬وحرضوها على قتال الدولة اإلسالمية‪ ،‬ودعموها ابملال واملكر الكبار‪ ،‬حىت صارت غطاء‬
‫للفصائل املرتدة‪ ،‬ومرتعا ألجهزة املخابرات‪ ،‬وآتمر السرورية وإخوان الشياطني مع معظم الفصائل لقتال الدولة اإلسالمية جمتمعني‪،‬‬
‫َ َ َ ُ ْ َ َ َّ‬
‫ۡو َمك َرۡٱ ُۡ‬
‫ّللۖۡۡ‬ ‫يف ساعة حددوها إلهناء وجود الدولة اإلسالمية يف الشام‪ ،‬وإجبارها على االنسحاب إىل العراق‪ ،‬ولكن ﱩۡومكروا‬
‫ّللۡ َخ ُ‬
‫ۡيۡۡٱل َمَٰك ِِر َۡ‬
‫ين ﱨ‪ ،103‬كان للدولة مقرات وأماكن متفرقة تركتها واحنازت منها؛ بسبب حرب املرتدين فيسر هللا أن تصري‬
‫َّ‬
‫َۡوۡٱ ُۡ‬
‫مدن ومساحات شاسعة حتت حكم دولة اإلسالم‪ ،‬خيضع الناس فيها لشرع هللا‪ ،‬ويطيعون ألمري املؤمنني وخليفة املسلمني الشيخ‬
‫أىب بكر البغدادي القرشي احلسيين‪ ،‬وجياهدون معه أعداء هللا املتحزبني حلرب دولة اخلالفة‪ ،‬واجملاهدون واثقون من نصرهللا القائل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ َ َ َ‬ ‫َّ ُ َ ُ ُ َ ُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َََ َ َ َ‬
‫ون ﱨ ‪.104‬‬‫ندناۡل ُه ُمۡٱلغَٰل ُِب ۡ‬‫ون‪ِۡ١٧٢‬إَونۡج‬
‫ور ۡ‬ ‫ۡس َبقتَۡك َِم ُت َناۡلِع َِبادِناۡٱل ُمر َسل َۡ‬
‫ِي‪ۡ١٧١‬إِنهمۡلهمۡٱلمنص‬ ‫سبحانه‪ :‬ﱩۡولقد‬
‫وأما اإلخوان املرتدون‪ ،‬فبدال من اجلهاد يف سبيل هللا‪ ،‬أنشؤوا اجمللس الوطين العميل والتابع لدول الكفر‪ ،‬واستقطبوا‬
‫لعضويته عمالء أمريكا وفرنسا وروسيا وبريطانيا وغالبهم من أخبث الناس كفرا وخلقا‪ ،‬ودخل اإلخوان اجملرمون والسرورية السلولية‬
‫يف عضوية اجمللس الوثين‪ُ ،‬ث يف عضوية ما ْسوه االئتالف الوطين الذي مت برعاية أمريكية قطرية‪ ،‬وأنشؤوا هلذا االئتالف الكافر جملسا‬
‫إسالميا بزعمهم الكاذب؛ ليربروا نواقض اإلسالم اليت يرتكبوهنا‪ ،‬وليصبغ على كفرايهتم شرعية كاذبة خاطئة‪ ،‬تصدر الفتاوى اليت‬
‫يطلبها األمريكان وأذانهبم املرتدون‪ ،‬وصرف إخوان الشياطني والسرورية أموال التربعات اليت مجعوها على املؤمترات اليت عقدوها مع‬
‫السفري األمريكي فورد وغريه من سفراء الكفر‪ ،‬وآتمروا على اجلهاد واجملاهدين‪ ،‬وكان أكرب مههم الذي أقض مضاجعهم كيف يتم‬

‫‪ 103‬آل عمران‪54:‬‬
‫‪ 104‬الصافات‪173-171:‬‬

‫‪29‬‬
‫القضاء على دولة اإلسالم‪ ،‬أو منع متددها وأرسلوا بعض اخلبثاء الذين يلبسون ثياب طالب العلم زورا وكذاب؛ ليؤلبوا الفصائل التائهة‬
‫على الدولة اإلسالمية‪ ،‬وليلبسوا احلق ابلباطل على من يهم اباللتحاق ابلدولة اإلسالمية ولكن األمر كما قال تعاىل‪ :‬ﱩ ۡإِنۡ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َّ َ َ َ َ َّ‬ ‫َ ُ ُ ُ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ ُ ُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ُ ُ ُ َّ ُ َ َ َ‬
‫َّكۡٱل ُمؤم ُِن ۡ‬
‫ون‬ ‫ّللِۡفليتو ِ‬ ‫مۡم ۢنۡ َبع ِد ۡه ِۦۡۡولَعۡۡٱ ۡ‬
‫نُصك ِ‬ ‫ّللۡفلَۡغل َِبۡلكمِۖۡۡإَونَۡيذلكمۡف َمنۡذاۡۡٱَّلِيۡي‬
‫ينُصكمۡۡٱ ۡ‬
‫ﱨ ‪ ،105‬لو استعرضنا اتريخ اإلخوان املرتدين يف قرن مضى سنجد أهنم أماتوا الوالء والرباء‪ ،‬ومل يرفعوا بتصحيح العقيدة رأسا‪ ،‬الغاية‬
‫عندهم تربر الوسيلة‪ ،‬يتخذون شرك الدميقراطية األكرب وسيلة إىل احلكم‪ ،‬فإذا حكموا؛ حكموا ابلقوانني الكفرية ال بشرع هللا‪ ،‬كذبوا‬
‫على األمة اإلسالمية‪ ،‬واتجروا بدمائها‪ ،‬ومل يبذلوا أرواحهم يف ساحات اجلهاد‪ ،‬فزهقت أنفسهم يف ساحات الثورات السلمية‪،‬‬
‫وانتهكت أعراضهم‪ ،‬فصرخوا "سلمية سلمية"‪ ،‬هان عليهم دينهم فهانت ورخصت أنفسهم وأعراضهم‪ ،‬فبذلوها ولكن ليس يف سبيل‬
‫هللا‪ ،‬بل يف سبيل ما ْسوه الشرعية‪ ،‬أي الشرعية اليت ترضاها هلم أمريكا‪ ،‬حكموا ابلقوانني البشرية الكفرية يف تركيا ومصر والسودان‬
‫ويف غزة فلسطني‪ ،‬وكانوا جنود الشيطان‪ ،‬وأولياءه احملاربني جلنود هللا‪ ،‬ولذا ال نعجب حني توصي مؤسسات الكفر‪ ،‬ومنها مؤسسة‬
‫راند األمريكية اليت مقرها دويلة قطر ابستخدام اإلخوان املرتدين وأفراخهم السرورية ضد من رفعوا راية القرآن والسنة وجاهدوا يف هللا‬
‫حق جهاده‪ ،‬منذ عام ‪ 1425‬أوصت مؤسسة راند مبواصلة استخدام اجلماعات اليت تصفها ابالعتدال‪ ،‬وهي اليت تنبذ اجلهاد‬
‫وترضى ابلدميقراطية يف حماربة أهل التوحيد واجلهاد وحتكيم اإلسالم الذين أعلنوا اخلالفة فيما بعد وحكموا الشريعة اإلسالمية اليت‬
‫ّللۡ َمنۡيَ ُ ُ‬ ‫َ َ َ ُ َ َّ َّ‬
‫نُصُۡه ٓۡۥۡ‬ ‫نُصنۡٱ ُۡ‬ ‫رضيها هللا لنا وحكموا الشريعة اإلسالمية اليت رضيها لنا ربنا دينا رغم أنف الكافرين واملرتدين ‪ :‬ﱩۡ ۡوَّل‬
‫وف ۡ َو َن َهوا ْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ َ ُ ْ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َّ ََّٰ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ّلل ۡلَ َقو ٌّي َ‬ ‫َّ َّ َ‬
‫ۡع ِنۡ‬ ‫لصل َٰوَۡة ۡ َو َءات ُوا ۡٱ َّلزك َٰوَۡة ۡ َوأ َم ُروا ۡۡب ِٱل َمع ُر ِ ۡ‬ ‫ۡرض ۡأقاموا ۡٱ‬
‫ِۡف ۡۡٱۡل ِ ۡ‬
‫ِين ۡإِنۡمكنهم ِ‬ ‫يز‪ۡۡ ٤٠‬ٱَّل َۡ‬
‫ۡع ِز ٌۡ‬ ‫إِن ۡٱ ۡ ِ‬
‫َّ َ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ٱل ُمنك ِۡرۡ َو ِّللِۡعَٰق َِبةۡٱۡل ُم ۡ‬
‫ورِ ﱨ ‪.106‬‬

‫والصالة والسالم على خامت األنبياء واملرسلني وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إبحسان إىل يوم الدين‪ ،‬واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬

‫‪ 105‬آل عمران‪160:‬‬
‫‪ 106‬احلج‪41-40:‬‬

‫‪30‬‬
31

You might also like