Professional Documents
Culture Documents
كلمة الدائرة
احلمد هلل رب العاملني ،والصالة والسالم على أشرف األنبياء
واملرسلني ،نبينا حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ،وبعد:
فانطالقا من رسالة دائرة الشؤون اإلسالمية ،وحتقيق غاايهتا يف نشر
األحكام الشرعية ،وتشجيع البحث العلمي يف العلوم الشرعية،
تسعد بتقدمي هذا
واحلفاظ على اإلرث اإلسالمي األصيل ،فإهنا َ
اإلصدار العلمي املوسوم بـ:
”فقه املعامالت املالية“
والذي يهدف إىل تقريب أحكام املعامالت املالية الشرعية من
خالل القواعد الفقهية والضوابط العلمية ،اليت تضبط ِ
للعال واملفيت
حكمه على املسائل املالية خصوصا املستجدة منها.
وطالب العلم َ
وهذه املادة العلمية؛ كانت يف أصلها دورة علمية أقامتها الدائرة
لطالب العلم واجلمهور ،ألقاها فضيلة الشيخ الدكتور سليمان
الرحيلي –أستاذ كرسي الفتوى ابجلامعة اإلسالمية ،واملدرس ابملسجد
النبوي يف املدينة املنورة -فنسأل هللا تعاىل أن ينفع هبذا اإلصدار ،وأن
فقه املعامالت املالية ()2 |4
جيزي والة أمران خريا على ما يقدمونه خلدمة اإلسالم ،ونشر تعاليمه
السمحة ،كما نسأله تعاىل أن حيفظ لدولة اإلمارات العربية املتحدة
أمنها ،وأن يدمي عليها استقرارها ،واحلمد هلل رب العاملني.
قسم الوعظ
***
|5 فقه املعامالت املالية ()2
فإن أحسن احلديث كتاب هللا ،وخري اهلدي هدي حممد ،وشر
األمور حمداثهتا ،وكل حمدثة بدعة ،وكل بدعة ضاللة ،وكل ضاللة يف
النار.
وبعد فإن ديننا اإلسالمي ،شامل كامل ،دلنا على اخلري كله،
وحذران من الشر كله ،ولو تَـ َعلم املسلمون دينهم وعملوا به؛ لعاشوا
حياة طيبة كرمية ،وإن املسلمني اليوم حباجة عظيمة لتعليمهم
وتذكريهم ،وال سيما يف ابب املال الذي تتعلق به النفوس كثريا،
وتكثر طرق احلرام فيه يف حياتنا املعاصرة ،ويقل تَـ َعلم الناس ألحكامه،
ومن هنا رأت دائرة الشؤون اإلسالمية ابلشارقة ،وعلى رأسها الشيخ
صقر بن حممد القامسي –رئيس دائرة الشؤون اإلسالمية ابلشارقة-
وفقه هللا؛ أن تقيم دورات علمية عن املعامالت املالية املعاصرة ،وقد
رأينا أن نقسم هذه الدورات إىل ثالث دورات:
أوهلا :يف األصول والقواعد اليت تقوم عليها املعامالت املالية عموما
واملعاصرة خصوصا.
|7 فقه املعامالت املالية ()2
وقد فرغنا حبمد هللا من القسمني األول والثاين ،وحنن على أعتاب
الدورة الثالثة ،وحلرص رئيس دائرة الشؤون اإلسالمية -وفقه هللا -على
ما ينفع املسلمني؛ فقد وجه بتفريغ املادة الصوتية وطباعتها ،وها هي
بني يدي القراء ،فأسأل هللا أن يزيده خريا وبركة ،وجيعلين وإايه والقراء
مفاتيح للخري مغاليق للشر ،وصلى هللا على نبينا وسلم.
***
فقه املعامالت املالية ()2 |8
|9 فقه املعامالت املالية ()2
الدرس األول:
إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ ابهلل من شرور أنفسنا
ومن سيئات أعمالنا ،من يهد هللا فال مضل له ،ومن يضلل فال هادي له،
وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له ،وأشهد أن حممدا عبده ورسوله.
وت ذن إ ذل َوأ َ ُ
ََ َُ ُ ذَ َ ذ َُ َ َٰٓ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ذ ُ
نتم ِ مت ل و ۦِ هِ تا قت ق ح ٱّلل وا ق ﴿يأيها ٱَّلِين ءامنوا ٱت
َ
ُّم ۡسل ُِمون﴾ [آل عمران.]102 :
كم مِن ذن ۡفس َوَٰح َِدة َو َخلَقَ َ ََ ُ َ َ ُّ َ ذ ُ ذ ُ َ ذ ُ ُ ذ
يأيها ٱنلاس ٱتقوا ربكم ٱَّلِي خلق ﴿ َٰٓ
َ ٓ ُ َ ذَ ذ ٓ ذُ ث م ِۡن ُه َما ر َجا ٗل َكث ِ ٗ َۡ َۡ َ َ ََ ذ
ّلل ٱَّلِي ت َسا َءلون بِهِۦ يا َون َِسا ٗء َوٱتقوا ٱ ِ مِنها زوجها وب
ٗ َ ۡ َ ۡ َۡ َ َ ذ ذَ َ َ َ َۡ ُ
وٱۡلرحام إِن ٱّلل َكن عليكم رقِيبا﴾ [النساء.]1:
َ َ
َ ُ ٗ ذَ ُ ُ َ ٗ
ٱّلل َوقولوا ق ۡول َسدِيدا ٧٠يُ ۡصل ِۡح لك ۡم
ذُ يأ ُّي َها ذٱَّل َ
ِين َء َام ُنوا ٱتقوا ﴿ َٰٓ
ذ َ َ َ ُ َُ َ َ ۡ َ َ َ َ ۡ َ َٰ َ ُ ۡ َ َ ۡ ۡ َ ُ ۡ ُ ُ َ ُ
از ف ۡو ًزا وبك ۡم َو َمن يُ ِطعِ ٱّلل ورسوَلۥ فقد ف أعملكم ويغ ِفر لكم ذن
َع ِظ ً
يما﴾ [األحزاب.]71:
أما بعد ،فإن أحسن احلديث كتاب هللا ،وخري اهلدي هدي حممد ﷺ،
وشر األمور حمداثهتا ،وكل حمدثة بدعة ،وكل بدعة ضاللة ،وكل ضاللة يف
النار.
مث إنين أشكر هللا أوال وآخرا ،وظاهرا وابطنا ،على نعمه اليت ال تعد
وال حتصى ،وأعظمها أن هداان لإلسالم ،وجعلنا من أهل التوحيد والسنة،
وأكرمنا أبن نلتقي على مائدة طلب العلم.
فقه املعامالت املالية ()2 | 10
مث أشكر حكومة الشارقة على عنايتها ببث اخلري ،وبث العلم ،وأخص
ابلشكر دائرة الشؤون اإلسالمية ،وأسأل هللا أن يهديين وإايهم سواء
السبيل ،وجيعلين وإايهم والسامعني مفاتيح للخري ،مغاليق للشر.
ال شك أيها اإلخوة ،أن سعادة اإلنسان وطمأنينة قلبه وأمنه؛ إمنا هي
يف طاعة هللا ،طاعة هللا أساس كل خري ،ورأسها :حتقيق التوحيد ،والعمل
بسنة سيد العبيد ﷺ.
ُ َۡ ُ ۡ ُ َ َ َ ﴿ ذٱَّل َ
ِين َء َام ُنوا َول َ ۡم يَ ۡلب ُس ٓوا إ َ
يم َٰ َن ُهم بِظلم أو َٰٓلئِك ل ُه ُم ٱۡل ۡم ُن َوهمِ ِ
ُّ ۡ َ ُ َ
ون [ ﴾٨٢األنعام.]82 : مهتد
َ َ ُ ۡ َ ذ ُ َ َ َٰ ٗ َ َ ٗ َ َ َ ۡ ُ َ َٰ َ ُ َ ُ ۡ َ َ َ
﴿ َم ۡن ع ِمل صَٰل ِٗحا مِن ذكر أو أنث وهو مؤمِن فلنحيِينهۥ حيوة طيِبة
َََ ۡ َذُ ۡ َ ۡ َ ُ َ ۡ َ َ َ ُ َ ۡ َ ُ َ
ونلج ِزينهم أجرهم بِأحس ِن ما َكنوا يعملون [ ﴾٩٧النحل.]97:
وأعظم الطاعات؛ الفرائض ،ورأسها؛ التوحيد ،مث التقرب ابلنوافل ،كما
ب إِ ََّ
ىل قال هللا يف احلديث الذي رواه النيب ﷺ عن ربه َ :وَما تَـ َقَّر َ
ب إِ َ ِ
ضت َعلَْي ِهَ ،وَما يَـَزال َعْب ِدى يَـتَـ َقَّرب إِ ََّ
ىل ىل ِمَّا افْـتَـَر ْ
َح َّ َّ ِ ِ
َعْبدى ب َش ْىء أ َ
صَره الَّ ِذى ِ ِ
َحبَـْبـته كْنت مسَْ َعه الَّذى يَ ْس َمع بِهَ ،وبَ َ
ِ ِ
ِابلنـ ََّواف ِل َح َّّت أحبَّه ،فَِإ َذا أ ْ
صر بِِهَ ،ويَ َده الَِّّت يَـْبطش ِهبَا َوِر ْجلَه الَِّّت ميَْ ِشى ِهبَاَ ،وإِ ْن َسأَلَِن أل ْع ِطيَـنَّه، يـب ِ
ْ
افل -إن ل يكن أعالها -طلب استَـ َعاذَِن أل ِعي َذنَّه ،)1(ومن أعال النو ِ َولَئ ِن ْ
ِ
العلم ،فطلب العلم من األسباب اليت تؤدي إىل حمبة هللا سبحانه وتعاىل
للعبد ،وهذا هو الشأن العظيم ،فكما يقول العلماء :ليس الشأن أن ِحتب؛
لكن الشأن أن حتَب.
فمن األمور العظيمة اليت تؤدي إىل أن حيب هللا عبده؛ طلب العلم ،وقد
ذهب مجع من أهل العلم إىل أن أعظم النوافل طلب العلم فيما ليس فرضا.
وطلب العلم فيما هو فرض؛ أعين :طلب العلم الذي هو فريضة؛ هو من
الفرائض ،لكن ما زاد على هذا فهو رأس النوافل عند مجع من أهل العلم،
ألن النيب ﷺ قال :فضل العلم خري من فضل العبادة ،)1(يعين :أن الزايدة
يف العلم؛ خري من الزايدة يف العبادة.
وال شك أن من أحسن طرق العلم؛ أن حيرص العبد على ضبط
ضبَط الكليات؛ استقامت له اجلزئيات ،وهذا هو ما ِ
الكليات ،فإن َمن َ
يعرف عند أهل العلم ابلقواعد ،ولذا حرصنا يف هذه الدورة -يف هذه
السلسلة من هذه الدورة -على أن تكون يف القواعد؛ لنضبط املعامالت
أبصوهلا الكلية.
وقد تقدم معنا يف العام املاضي أان تكلمنا عن قواعد البيوع ،وبينا أن
األصل يف املعامالت والبيوع احلل ،وأن هللا وسع على الناس يف أرزاقهم،
وذكران القواعد اليت تتعلق هبذا ،وذكران أن هللا حرم على عباده من املعامالت
ما فيه شر هلم.
أبشَّر من الراب ،وما أدخل عبدتعامل عبد َ
َ وشر املعامالت :الراب ،فما
أبشَّر ِما يدخل من الراب ،كما سيأيت بيانه إن شاء هللا .
جوفه َ
ولذا سنجعل هذه الدورة هذا العام يف قواعد الراب ،ألن الراب شر عظيم،
وقد كثر يف هذا الزمان وتنوعت صوره ،لكن إ ْن ضبطنا كلي ِ
اته وعرفنا أصولَه؛ َ
فإان إبذن هللا نتحرز من مجيع صوره.
وتلحظون -اي إخوة هنا -أن القواعد يف دورتنا هذه خاصة بباب واحد
وهو ابب الراب ،وتقدم معنا :أن القواعد إذا كانت خاصة بباب الراب؛
فللعلماء فيها ثالثة آراء:
-رأي يقول :إهنا قواعد ،فالقاعدة عنده :كل أصل كلي فقهي تندرج
حتته مسائل ،سواء كان يدخل اباب واحدا ،أو يدخل أبوااب متعددة ،فكلها
تسمى قواعد.
-ورأي يذهب إىل :أهنا قواعد خاصة ،فالقواعد اليت تكون يف ابب
واحد تسمى :قواعد ،ولكنها خاصة ،تسمى :قواعد خاصة ،فإذا وجدت يف
بعض الكتب أهنم يقولون :هذه قواعد خاصة أو قاعدة خاصة؛ فالغالب أهنم
يعنون هبا أهنا تدخل اباب واحدا وال تدخل يف أبواب متعددة.
-ورأي اثلث يقول :ال؛ القاعدة أو األصل الكلي الذي خيتص بباب؛
ضابط وال يسمى قاعدة ،ولذلك جتد بعضهم يقولون" :القواعد"
و"الضوابط" ،يقصدون ابلقواعد :األصول الكلية اليت تدخل أبوااب،
والضوابط :األصول الكلية اليت تكون خاصة بباب.
|13 فقه املعامالت املالية ()2
واألمر اصطالحي ،إذ حقيقة القاعدة موجودة ،وهو :أهنا أصل كلي
ينطبق على مسائل متعددة ،سواء دخلت اباب واحدا ،أو دخلت أبوااب
متعددة.
وسنبدأ دروسنا يف هذه الدورة مبدخل خمتصر يتعلق ابلراب ،ونبدؤه
ابلعنصر األول وهو:
[العنصر األول ]:تعريف الراب
ما تعريف الراب يف اللغة وعند أهل العلم؟
أما الراب يف اللغة :فهو يدور على الزايدة ،ومنه قوهلم :ربت األرض ،أي:
َ َٓ َ َۡ
نزنلَا إذا نزل عليها املطر فزادت ابخلضرة ومنت ،كما قال هللا ﴿ :فإِذا أ
َ ََۡ َۡ َٓ ۡ
ٱه َ ذ
َت ۡت َو َر َب ۡت﴾ [فصلت ،]39:فبالزروع تزداد ،ومنه قيل عليها ٱلماء
للرتبية "تربية"؛ ألهنا تنمي املرىب وتزيده ،فأصل الراب يف اللغة يدور على
الزايدة.
أما يف االصطالح ،فالراب" :مبادلة مالية ،فيها زايدة خاصة ،أو أتخري يف
أشياء خمصوصة".
"مبادلة مالية" :واملبادلة مفاعلة ،إذن؛ تكون بني طرفني فأكثر ،فالراب
يقع يف معاملة تكون بني طرفني فأكثر.
"مالية" :تقدم معنا أن املال عند الفقهاء :كل ما ميلك ،املال عند
الفقهاء ليس كما يتبادر ألذهاننا اليوم! إذا قيل" :املال" مباشرة تنصرف إىل
فقه املعامالت املالية ()2 | 14
النقود! ال؛ املال عند الفقهاء يقع على كل ما ميلك :فالثياب مال ،السيارة
مال.
"مبادلة مالية فيها زايدة خاصة" :ليست كل زايدة راب وإمنا الراب زايدة
خاصة سيأيت بياهنا إن شاء هللا .
"أو أتخري يف أشياء خمصوصة" :ليس من شرط الراب أن يكون فيه زايدة،
ص عليها ،أوقد ال تكون هناك زايدة ،ولكن فيه أتخري يف أشياء خمصوصة ن َّ
وجدت فيها العلة ،كما سيأيت إن شاء هللا .
يعين مثال :من ابع كيلو غرام ذهب بكيلو غرام ذهب؛ فيه زايدة؟ ما فيه
زايدة ،ميكن أن يكون فيها راب؟ نعم ،ميكن ،كيف يكون فيها الراب؟ يتأخر
القبض ،فيبيع كيلو غرام ذهب بكيلو غرام ذهب ،وهذا يعطيه اآلن كيلو
واآلخر بعد يوم يعطيه الكيلو ،هنا وجد الراب للتأخري ،ولكنه أتخري يف أشياء
خمصوصة وهي اليت تسمى عند أهل العلم "ابألموال الربوية" وسنبينها إن شاء
هللا يف ضابط.
فليس كل أتخري ِمنوعا وراب ،يعين :ابعه سيارة بسيارة -أان عندي سيارة
وقلت :قبلت،
وأنت عندك سيارة -فقلت :بعين سيارتك هذه بسياريت هذهَ ،
ومت العقد ،وقلت :أان أسلمك سياريت بعد أسبوع ،وسلمتين سيارتك اآلن،
هذا جائز ،ألن السيارة ليست من األموال الربوية ،وإمنا الراب يف التأخري يف
األموال الربوية اليت سيأيت بياهنا إن شاء هللا .
|15 فقه املعامالت املالية ()2
ٱلر َب َٰوا﴾.
ِ
فإذا قلنا :الراب يف اآلية يدخل يف كل راب حّت راب البيوع أصالة ألن "ال"
للجنس؛ فالبيع شيء والراب شيء آخر من حيث احلقيقة الشرعية.
وإذا قلنا :إن "ال" يف الراب للعهد ،وهو راب اجلاهلية؛ فإن راب البيوع يكون
من البيوع ،ولكنه من البيوع احملرمة؛ ملزية وصفة فيه.
العنصر الثالث :نظرة يف آايت الراب.
حترمي الراب –اي إخوة -من آخر ما نزل يف القرآن ،بل بعض أهل العلم
يقولون :هو آخر ما نزل من حيث األحكام ،بعض أهل العلم يقولون :آخر
حكم نزل يف القرآن هو حترمي الراب ،وبعض أهل العلم يقولون :هو من آخر ما
نزل.
جاء عن سعيد بن املسيب -رمحه هللا -عن عمر بن اخلطاب قال:
إن آخر ما نزلت آية الراب ،وإن رسول هللا ﷺ قبض ول يفسرها لنا ،فدعوا
الراب والريبة .رواه أمحد ،وابن ماجه ،وصححه األلباين.
عمر قال :وجاء يف بعض الرواايت أنه قال هذا على املنرب :إن آخر
ما نزلت آية الراب أي :من آايت األحكام ،وإن رسول هللا ﷺ قبض ول
يفسرها لنا ،املقصود بـ "ل يفسرها لنا" :ل يفصل لنا الراب ،وإمنا ذكر بعضه
كما سيأيت إن شاء هللا ،فدعوا الراب والريبة.
|17 فقه املعامالت املالية ()2
قال أهل العلم :واحلكمة يف هذا؛ أن يعلم أن حترمي الراب ْحم َكم ،ألنه آخر
ما نزل ،وأن يرتك الراب كله قليله وكثريه ،ألن حترميه جاء ول يفسر ،مبعن :ل
يفصل ،فدل ذلك على أن الراب كله حرام.
وجاء عن ابن عباس قال :آخر آية نزلت على النيب ﷺ آية
الراب .رواه البخاري يف الصحيح.
وقالت عائشة :ملا أنزل هللا آايت الراب من آخر سورة البقرة؛
قام رسول هللا ﷺ فقرأها علينا ،مث حرم التجارة يف اخلمر .رواه البخاري يف
الصحيح.
واملقصود هبذا -اي إخوة -أن النيب ﷺ اهتم آبايت الراب ،فقام وقرأها
على الصحابة رضوان هللا عليهم ،مث حرم التجارة يف اخلمر.
هنا سيأيت سؤال! ما العالقة بني حترمي الراب ،وحترمي التجارة يف اخلمر؟
ملاذا لـما قرأ النيب ﷺ على الصحابة آايت الراب ،حرم عليهم التجارة يف
اخلمر؟
واجلواب :أن العالقة بينهما أن أخبث طريق ملا يتناوله اإلنسان أكال
وشراب هو الراب ،كما دلت عليه اآلايت .واخلمر أخبث ما يتناوله اإلنسان،
ألن اخلمر أم اخلبائث.
فاجتمعا يف اخلبث ،يف أن الراب أخبث طريق ملا يتناوله اإلنسان ،وأن
اخلمر أخبث ما يتناوله اإلنسان بذاته ،يعين :أخبث ما يتناول هو اخلمر.
فقه املعامالت املالية ()2 | 18
هناك قصة ظريفة يف هذا الباب تذكر :أن رجال قال المرأته أنت طالق،
إن تناول عبد شرا من اخلمر .رأى حال خممور وسوء حاله فقال هذا أشر ما
يتناول ،فقال هلا أنت طالق إن تناول عبد أشر من اخلمر .مث ذهب إىل
اإلمام مالك –رمحه هللا -فقيه املدينة وسأله ،فقال له اإلمام مالك :ما قلت؟
قال :كذا وكذا ،قال :أنظرين ،مث جاءه الرجل بعد ،فقال :تصفحت كتاب
هللا فلم أر أشر متناوال من الراب .فإن هللا آذن فيه حبرب منه ومن رسوله ﷺ،
قد طلقت امرأتك.
فرأى اإلمام مالك –رمحه هللا -أن الراب أشر ما يتناوله العبد ،فهو أشر
من اخلمر ،لكن الراب طريق ،ألن اإلنسان ما يتناول ذات الراب .واخلمر بذاته.
ولذلك يف احلقيقة :هذا أشر من جهته ،وهذا أشر من جهته .هذا أشر
طرق التناول وهو الراب .وهذا أشر املتناوالت بذاهتا.
وآايت الراب جاءت منفرة عن الراب من كل وجه ،ويكفي املؤمن أن يسمع
آايت الراب حّت يعلم حرمة الراب حرمة قطعية.
يعين- :اي إخوة -بعض األحكام حتتاج إىل استنباط ،وأحياان حتتاج إىل
فقيه ،ال يدركها كل أحد .أحياان حنن نقرأ آية ال نستنبط منها أحكاما ،بينما
الفقهاء يستنبطون منها أحكاما كثرية.
لكن آايت الراب خلطورة الراب؛ كل من مسع اآلايت وهو يفهم العربية
يعرف حكم الراب ،وشدة ضرره وخطره.
|19 فقه املعامالت املالية ()2
ذ َ َ ۡ ُ ُ َ َ َٰ َ َ ُ ُ َ ذ َ َ َ ُ ُ ذ
ٱلربوا ل يقومون إِل كما يقوم ٱَّلِي هللا يقول﴿ :ٱَّلِين يأكلون ِ
َ ذ َ َٰ َ َ ذ ُ ۡ َ ُ ٓ ذ َ ۡ َ ۡ ُ ۡ ُ ٱلش ۡي َطَٰ ُن م َِن ٱل ۡ َ ََ َذُ ُ ذ
ٱلر َب َٰوا َوأ َحلِ ل ِث م ع ي ٱۡل ا منِ إ او الق م ه ن أِ ب ِك ل ذ سِ م يتخبطه
ََ
ه فل ُهۥ َما َسلف
َ ََ ََ
ٱلر َب َٰوا َف َمن َجا ٓ َءهُۥ َم ۡوع َِظة ِمن ذربِهِۦ فٱنت َٰ مٱّلل ۡٱۡلَ ۡي َع َو َح ذر َ
ذُ
ِ
َ َ ۡ ُ ُ ٓ َ ذ َ َ ۡ َ َ َ ُ َ َٰٓ َ َ ۡ َ َٰ ُ ذ ُ ۡ َ َ َٰ ُ َ
ِلون ٢٧٥ وأمرهۥ إِل ٱّلل ِ ومن َعد فأولئِك أصحب ٱنلارِ هم فِيها خ ِ
ذ َ ذ ُ َ ُ ُّ ُ ذ َ ذ َ ذ َ َ َۡ َ ُ ذُ
ِب ك كفار أث ِيم ٢٧٦إِن ت وٱّلل ل ُي ٱلر َب َٰوا َو ُي ۡر ِب ٱلصدق َٰ ِ يمحق ٱّلل ِ
ذ َ َٰ َ َ َ َ ُ ذ َ َ َ َ ُ ٱلصَٰل َِحَٰت َوأَقَ ُ ذ ذ َ َ َُ َ َ ُ
ٱلزك َٰوة ل ُه ۡم أ ۡج ُره ۡم اموا ٱلصلوة وءاتوا ِ وا ٱَّلِين ءامنوا وع ِمل
َ َ
ذُ
ِين َء َام ُنوا ٱتقوا يأ ُّي َها ذٱَّل َون َٰٓ ٢٧٧ َ َۡ ۡ ََ ُ ۡ ََُۡ َ
ِند َرب ِ ِه ۡم َول خ ۡوف علي ِهم ول هم ُيزن
َ َ ع َ
َ ذ َۡ ُ ََُۡ نتم ُّم ۡؤ ِمن َ ق م َِن ٱلر َب َٰٓوا إن ُك ُ ٱّلل َو َذ ُروا َما بَ ِ َ ذَ
ِي ٢٧٨فإِن ل ۡم تف َعلوا فأذنوا ِ ِ
َ َ ُ َ َۡ ُُۡ ۡ ََ ُ ۡ ُ ُ َ ذ
وس أ ۡم َوَٰل ِك ۡم ل تظل ُِمون َول وَل ِۦ ِإَون تبتم فلكم ر ُء ِِبَ ۡرب م َِن ٱّلل ِ َو َر ُس ِ
َ َ ُ ُ ۡ َ َ َ َ َ َٰ َ ۡ َ َ َ َ ُ َ ذ ُ ُۡ َ َ
ۡسة َوأن ت َص ذدقوا خ ۡي لك ۡم تظل ُمون ِ ٢٧٩إَون َكن ذو عۡسة فن ِظرة إِل مي
َ ذ ُ ذ ُ َ ذ َٰ ُ ُّ َ ۡ َ ُ ذُ ُ ُ َ َ َ
ّف ك نفس ذما نت ۡم ت ۡعل ُمون َ ٢٨٠وٱتقوا يَ ۡو ٗما ت ۡر َج ُعون فِيهِ إِل ٱّلل ِ ثم تو إِن ك
َ َ َ ۡ َُ ۡ َ ُۡ َُ َ
ون [ ﴾٢٨١البقرة .]281-275 كسبت وهم ل يظلم
َٰ َ ذ َ َۡ ُ ُ َ
ٱلربوا﴾ واملراد :الذين يتعاملون ابلراب،هللا يقول﴿ :ٱَّلِين يأكلون ِ
ۡ
ُ ُ َ
ِين يَأكلون وخص األكل ألنه معظم األمر ،كما قال هللا ﴿ :إ ذن ذٱَّل َ
ِ
َ َ َ ََۡ َ ۡ
م ﴾ [النساء ،]10:خص األكل من بقية أنواع اإلتالفات؛ ألنه َٰ
أموَٰل ٱۡلت َٰ
أعظم األمر ،وألن النفس تشتاق إىل مثل هذا األمر ،فخص للتمثيل منه.
وقوله ﴿ :ٱَّل َ ذ
ِين﴾ يشمل كل أطراف الراب :املعطي ،واآلخذ،
واملتسبب بكتابة ،أو شهادة ،أو مسسرة .كلهم يدخلون يف قول هللا :
َٰ َ ذ َ َۡ ُ ُ َ
ٱلربوا﴾ يدخل فيه ،املعطي ويدخل فيه اآلخذ ،ويدخل﴿ٱَّلِين يأكلون ِ
فقه املعامالت املالية ()2 | 20
فيه الشاهد ،ويدخل فيه الكاتب ،ويدخل فيه الوسيط الذي يتوسط بني
الطرفني ،كلهم يدخلون يف آكل الراب.
ذ َ َ َُ ُ ذ َ َُ ُ َ
وم ٱَّلِي ومون﴾ يعين :يوم القيامة من قبورهم ﴿إِل كما يق ﴿ل يق
ذ
َي َت َخ ذب ُط ُه ٱلش ۡي َطَٰ ُن﴾ التخبط هو :الضرب على غري استواء ،ويف األمثال:
يقولون للرجل الذي ال حيسن التصرفَ :خيبِط َخْبط عشواء .فمعن ختبطه
الشيطان :إذا مسه خببل ،أو جنون ،ألنه يصبح يضرب من غري استواء.
ومس الشيطان يسمى مسا ،ويسمى َخْبطَة.
يسمى مسا :كأن الشيطان -والعياذ ابهلل -ميسه بيده فيصيبه ابخلبل،
ويسمى خبطة :كأنه خيبطه برجله فيصيبه ابجلنون.
قال العلماء :معن هذه اآلية :أن آكل الراب يبعث يوم القيامة جمنوان،
وهذه فضيحة له ،وعالمة له يوم القيامة ،فيبعث جمنوان حقيقة ،ويَعرف أهل
املوقف ِ
آكل الراب هبذه الصفة .فهم يكونون على حالة اجلنون.
إايي
وقد جاء عن عوف بن مالك قال :قال رسول هللا ﷺَ :
والذنوب اليت ال تـ ْغفر :الغلول ،فمن غل شيئا أيت به يوم القيامة ،وأكل الراب،
ذ َ َۡ ُ ُ َ
فمن أكل الراب؛ بعث يوم القيامة جمنوان يتخبط ،مث قرأ ﴿ٱَّلِين يأكلون
ۡ ذ َ َٰ َ َ ُ ُ َ ذ َ َ َ ُ ُ ذ
وم ٱَّلِي َي َت َخ ذب ُط ُه ٱلش ۡي َطَٰ ُن م َِن ٱل َم ِس﴾ رواه ٱلربوا ل يقومون إِل كما يق
ِ
الطرباين ،وحسنة األلباين.
|21 فقه املعامالت املالية ()2
فالنيب ﷺ يقول :إايي والذنوب اليت ال تغفر ،أي :من ابب التنفري
منها ،وإال فكل ذنب دون الشرك حتت مشيئة هللا ،ولكن خيشى أن ال
يغفرها هللا لفاعلها ،الغلول من مصاحل املسلمني العامة ،وأكل الراب.
ووجه الشاهد منه :أن آكل الراب يوم القيامة يبعث جمنوان.
وقال بعض املفسرين :بل املراد؛ أنه إذا خرج الناس من قبورهم خيرجون
َ
مسرعني منها ،إال آكلي الراب يقومون ويسقطون ،كالذي ﴿ َي َتخ ذب ُط ُه
ۡ ذ
ٱلش ۡي َطَٰ ُن م َِن ٱل َم ِس﴾.
إذن ،القول األول :أنه يبعث جمنوان حقيقة ،والقول الثاين :أنه يكون
كحال اجملنون يف قيامه ،فهو يتخبط.
ُ ۡ َ ُ
َ ذُ ۡ ٓ ذ َ َۡ ُ ۡ َ َ
ٱلر َب َٰوا ﴾ ،والحظوا
وقول هللا ﴿ :ذَٰل ِك بِأنهم قالوا إِنما ٱۡليع ِمثل ِ
أن الذي نص عليه "القول" ،والقول يتبعه العمل .فهذا اجلزاء هلم بقوهلم:
ذ َ َۡۡ ُ ُۡ
ٱلر َب َٰوا﴾ ،فهم استحلوا الراب ،وقالوا إمنا البيع مثل الراب،
ِ ل ﴿إِنما ٱۡليع مِث
وهذا حالل وهذا حالل .فقالوا :هذا ربح وهذا ربح .وهذا قالوه من ابب
االعرتاض على احلكم وليس من ابب قياس الراب على البيع ،وإمنا من ابب
االعرتاض على حكم هللا.
فقالوا :البيع الذي حلل مثل الراب ،ولو كان من ابب القياس لقالوا" :إمنا
الراب مثل البيع" لكن هم يعرتضون على حكم هللا فقالوا :إمنا البيع مثل
الراب.
فقه املعامالت املالية ()2 | 22
ويشبه هذا -وإن ل يكن عينه -ما يقوله بعض الناس اآلن :من أن
املعامالت املصرفية اإلسالمية الصحيحة اليت ليس فيها حتايل؛ مثل الراب!
وهذا لألسف حّت جنده عند بعض الطيبني ،جتده يقول :معامالت
البنوك اإلسالمية املصرفية على اإلطالق مثلها مثل معامالت البنوك الربوية!
واحلقيقة أن املعامالت املصرفية الصحيحة بيع ،والراب ظلم ،فال جيوز لنا
-اي إخوة -أن نقول :إن املعامالت املصرفية الصحيحة اليت بَـني أهل العلم
جوازها ومرت بنا صور كثرية منها يف الدورة املاضية؛ هي مثل املعامالت
الربوية يف "البنوك التقليدية"!
وأان أفضل أن يقال" :البنوك الربوية"؛ ألن هذا وصفها احلقيقي.
بل نقول :البيع أحله هللا لطيبه ،ومنه املعامالت املصرفية اإلسالمية
الصحيحة يف كثري منها .والراب حرمه هللا خلبثه.
إذن هم اعرتضوا على حكم هللا وفعلوا الراب ،فكأهنم يقولون" :البيع
نظري الراب ،فلِ َم حرم هللا الراب وأابح البيع؟".
ٱلر َب َٰوا ﴾ هذا م فرد هللا عليهم بقولهَ ﴿ :وأ َ َح ذل ذ ُ
ٱّلل ۡٱۡلَ ۡي َع َو َح ذر َ
ِ
ُ
ذ َ َۡ ُ ۡ ۡ
ٱلر َب َٰوا﴾ ،وبَـني أن هللا أحل البيع وحرم
تكذيب لقوهلم ﴿إِنما ٱۡليع مِثل ِ
الرب ،ا وهو احلكيم العليم سبحانه العدل ،ال يفعل شيئا إال حلكمة ،وال
يفرق بني املتماثلني ،وال جيمع بني املختلفني.
|23 فقه املعامالت املالية ()2
فلما أحل هللا البيع وحرم الراب؛ دلنا ذلك داللة بينة على الفرق بني البيع
ٱلر َب َٰوا﴾ َ َذَ
والراب ،وأن الراب فيه شر وظلم اقتضى حترميه ،وقوله سبحانه﴿ :وحرم ِ
دليل على حترمي كل راب ،فكل ما كان من الراب كان حراما ،وهذا يشمل
القليل والكثري ،يشمل الفلس واملليار ،يشمل غرام الذهب وآالف الكيلوات،
فكل ما كان من الراب فهو حرام.
ٓ َ
وقول هللا ﴿ :ف َمن َجا َءهُۥ َم ۡوع َِظة ِمن ذربِهِۦ﴾ هنا يسأل بعض
ٓ َ
الناس يقولِ :لَ قال هللا ﴿ :ف َمن َجا َءهُۥ َم ۡوع َِظة﴾ ِلَ َلْ يقل فمن جاءته
موعظة؟
يقول العلماء :ألن موعظة هنا مبعن وعظ ،يعين :فمن جاءه وعظ من
ربه ،وأكرب واعظ وأعظم واعظ؛ هو كتاب هللا ،فمن قرأ هذه اآلايت؛
فقد جاءته املوعظة ،وجاءه وعظ هللا سبحانه وتعاىل.
ََ ََ ﴿فَ َ
ٱنت َ َٰ
ه﴾ أي :عن أكل الراب ﴿فل ُهۥ َما َسلف﴾ ،قال بعض أهل
ََ ََ
العلم :معن ﴿فل ُهۥ َما َسلف﴾ :أي ص ِف َح وغ ِفَر له ما تقدم من الذنب.
ُ َ َََ ََ
وقال بعض أهل العلم :معن ﴿فلهۥ ما سلف﴾ :له ما َم َ
ضى وأَكلَه من
املال ،أما املعاملة القائمة فال ،مبعن :أنه ليس عليه أن يرد ما مضى من
األموال الربوية ،ولكن عليه أن يتخلص من الراب املوجود واملعاملة القائمة،
ََ ََ
وهذا الصواب؛ ألن هللا قال﴿ :فل ُهۥ َما َسلف﴾ فله :فجعله له ،وهذا
يدل على أن املقصود هو أن الذي سلف وانتهى من املعامالت له ،السيما
فقه املعامالت املالية ()2 | 24
أنه قبل حترمي الراب ل يكن الراب ذنبا ،فدل هذا على أن هذا هو املقصود ،وهذا
يف حق الكفار.
وأما يف حق املسلمني فهذا إن شاء هللا سيأيت يف قاعدة ،وهذا شيء
مهم جدا يسأل عنه الناس ،يعين :إنسان طوال عمره يتعامل ابلراب ،وبن بيتا،
واشرتى سيارة ،وتزوج ،وزوج أوالده ،ومتلك وكذا ،مث يريد أن يتوب ،فهل
جيب عليه أن يتخلص من كل املال الذي دخل ابلراب؟ ونقول :بع هذا البيت
وهذه السيارة وكل ما دخل عليك من الراب؟ أو يقال له :لك ما سلف،
واملعامالت القائمة خلصها من الراب ،وال تفعل يف املستقبل؟ هذه مسألة
ستأتينا إن شاء هللا ،وهي من األمهية مبكان ،أما الذي يف اآلية فهو يف حق
من كانت معاملتهم قبل التحرمي؛ وهو راب اجلاهلية.
ذ َ َ
ٱّللِ﴾ قال بعض أهل العلم :أي أنه إن فعل؛ فاهلل وليه، ﴿ َوأ ۡم ُرهُ ٓۥ إِل
يصبح من أولياء هللا ،قال بعض أهل العلم :والسر يف هذا؛ أن املال شقيق
الروح ،فالتخلص منه من أجل هللا قربة عظيمة ،فيكون من أولياء هللا .
ََۡ ُُٓ َ ذ
ٱّللِ﴾ أي :بعد النهي ،بعد أن وقال بعض أهل العلم﴿ :وأمرهۥ إِل
بلغه النهي ،إما أن يعصمه هللا ويثبته على اخلري ،وإما أن خيذله حّت يعود إىل
الراب.
قالَ ﴿ :و َم ۡن ََع َد﴾ قال بعض أهل العلم :أي من عاد إىل استحالل
الراب ،انتبهوا! من عاد إىل استحالل الراب بعدما جاءته املوعظة؛ عاد فاستحل
|25 فقه املعامالت املالية ()2
ِ ح ُق ذ ُ
ٱّلل َ َٰ يقول هللا َ ﴿ :ي ۡم َ
الشيء شيئا احملق :هو نقصان ٱلربوا﴾ و َِ
بعد شيء ،فاهلل ميحق الراب ،قال املفسرون :ي ِنقصه وي ْذ ِهب بركته وإ ْن
كان كثريا ،وقد قال النيب ﷺ :الراب وإن كثر فإىل قِلة رواه أمحد وغرية
وإسناده صحيح.
ٱلر َب َٰوا﴾ قال :ال يقبل منه َۡ َ ُ ذُ
وقال ابن عباس يف معن ﴿يمحق ٱّلل ِ
صدقة وال جهادا وال حجا وال صلة ،أي :مبال الراب.
فاحملق -اي إخوة -أنواع:
ْ
النوع األول :حمق حسي :كأن يسلط هللا على ماله ما يفنيه ،مثل أن
يسلط عليه مرضا ،فيَص ِرف هذا املال يف التداوي ،أو ميِْرض أهلَه ،أو يسلِط
عليه من يسرقه ،أو يسلط عليه من ينصب عليه ،أو حنو ذلك ،وهذه عقوبة
حسية.
خل ،فيجعل فقره بني
والنوع الثاين :حمق معنوي :أبن يزرع هللا يف قلبه الب َ
عينيه ،فيكون املال عنده كثريا؛ ولكنه يرى نفسه فقريا ،ومهما امتألت
اخلزائن؛ اشتد فقره يف نفسه فال يسعد ابملال ،بل كلما كثر هذا املال؛ زاد
مهه ،وال ينتفع به ،وال ينفع به ،وال يراتح حّت ميوت ،وهذا حمق معنوي ،وقد
قال أهل العلم :هذا أشد فقرا من الفقري ،ألن الفقري ما عنده ،لكن هذا
عنده وال ينتفع وال يسعد وال يستفيد.
مبحق الربكة ،فال تكون فيه بركة ،ويبقى َشره،والنوع الثالث :حمق معنوي ِ
كل مال يكتسبه اإلنسان؛ فيه َشر ،تذهبِه الزكاة والصدقة ،إال الراب؛ فإنه
ألن َّ
|27 فقه املعامالت املالية ()2
ال بركةَ فيه ،وال يذهب َشره ،فيبقى شره ،وال تناله بركة ،فيَـتَ َمحض َشرا على
صاحبه.
والنوع الرابع :حمق معنوي ،أبن ال ينفق منه صاحبه يف اخلري ،هذا ينفق
على نفسه وعلى أسرته يف لذائذ الدنيا ،ولكنه ال ينفق يف اخلري ،ميكن ينفق
يف ملذة من ملذات الدنيا ومالهي الدنيا مليوان! أتتيه تقول نريد نبين مسجدا
ال خيرج درمها! فهذا ال ينتفع مباله من جهة إنفاقه يف اخلري ،ولو أنفق؛ ل يقبل
منه ،وهذا ال شك أنه ِمن َحم ِق املال.
إذن ،احملق املراد يف اآلية؛ تدخل فيه األنواع األربعة:
احملق احلسي للمال. -
وج ِ
عل فقره بني عينيه. واحملق املعنوي للمال :جبعل املرايب يرى نفسه فقرياَ ، -
واحملق املعنوي للمال :إبذهاب بركته ،فال بركة فيه وال خري. -
واحملق املعنوي مبنع صاحبه من أن ينفقه يف اخلري ،وإن أنفق يف لذائذ -
الدنيا.
َذ َ
وقابل هللا هذا بقولهَ ﴿ :و ُي ۡر ِب ٱلصدق َٰ ِ
ت﴾.
ق ِرئ "ويريب" من راب الشيء يربو ،ورابه يـ ْربِ ِيه ،أيَ :كثَّره وَمناه ،فاهلل
يـنَ ِمي َّ
الص َدقات.
واألربعة األنواع يف الـ َم ْح ِق؛ اعكسها يف الصدقات:
فقه املعامالت املالية ()2 | 28
فالصدقة تزيد املال :ما نقص مال من صدقة ،بل تزيد ،بل تزيد ،بل -
تزيد.
والصدقة تسبب الربكة يف املال :فقليله يكفي. -
والصدقة سبب ألن يرى اإلنسان نفسه غنيا :ألن هللا جيعل غناه يف -
قلبه.
والصدقة طريق من طرق اخلري. -
وقد جاءت البشارة العظيمة من النيب ﷺ يف احلديث الصحيح :ما
تصدق عبد من مال طيب -وال يقبل هللا إال الطيب-؛ إال أخذه هللا بيمينه
وإن كانت مترة ،فرتبو يف ميني الرمحن حّت تصبح كاجلبل ،كما يريب أحدكم
فلوه.)1(
َ ُذ َ ذ َ ُ مث قال هللا ختم هذه األيةَ ﴿ :و ذ ُ
ٱّلل ل ُي ُِّب ك كفار أثِيم ﴾ ،أي:
القول والِفعل ،طبعا :العلماء يقولون :اآلية ختتَم مبا
القلب أَثيم ِ
َ
ال حيب َكفور ِ
َ
كفور
يناسب ما ذكر فيها ،فهنا فيه مناسبة؛ واملقصود :بيان أن املرايب َ
القلب ،أي :أنه غري شكور ،فال يرضى مبا قسم هللا له ،وال يشكر على اخلري
أكل أموال الناس ابلباطل الفعل ،فهو يَسعى يف ِ الذي هو فيه ،أَثيم ِ
القول و ِ
أبنواع املكاسب.
( )1استطرد الشيخ هنا فقال" :كتاب ”بداية اجملتهد وهناية املقتصد“ البن رشد احلفيد املالكي -
وهو كتاب يف الفقة املقارن -له مزيتان كبرياتن:
املزية األوىل :تقسيم املسائل ،فهو يتميز ابلتقسيم ،بتقسيم املسائل عند عرضها.
وامليزة الثانية :بيان سبب اخلالف ،فهذا الكتاب ابلنسبة لطالب الفقة املتقدم الذي مر من
املرحلة األوىل؛ مفيد جدا ،ألن التقسيم يعني الفقيه ،ومعرفة سبب اخلالف؛ حتدد اخلالف".
فقه املعامالت املالية ()2 | 34
قال” :وأما الراب يف البيع؛ فإن العلماء أمجعوا أنه صنفان :نسيئة
وتفاضل“.
إذن -اي إخوة -انتبهوا :الراب يكون يف الديون ويكون يف البيوع ،هل هذا
ضلة؟ شيء فقط من ابب التنويع؟ أبدا ،هذا التقسيم مهم جدا، التقسيم فَ ْ
والذين ل يعرفوه ل يضبطوا ابب الراب ،اإلشكال أن الفقهاء يتكلمون عن الراب
يف ابب البيوع ويقولون :راب الفضل وراب النسيئة -وهذا سيأيت إن شاء هللا-
وال يهتمون كثريا ببيان هذا التقسيم مع أنه مؤثر جدا يف ضبط الراب.
الررراب يكررون يف الررديون ويكررون يف البيرروع ،والفررر بررن القسررمن مررن
وجهن عظيمن:
-الوجه األول :أن راب الديون جيري يف كل مال ،فهو ليس خاصا مبال
ربوي ومال غري ربوي ،أما راب البيوع؛ فال جيري إال يف األموال الربوية ،كما
سيأيت بيانه إن شاء هللا.
-الوجه الثاين :أن راب الديون؛ ال بد أن يكون نسيئة وال يكون حاضرا،
راب الديون ال يقع يف احلاضر؛ ال بد أن يكون نسيئة ،أما راب البيوع؛ فيكون
فيه حاضر ،ويكون فيه نسيئة.
وعدم التنبه للقسمني قاد بعض املعاصرين للخبط يف مسائل الراب ،حّت
الذين يتكلمون يف االقتصاد اإلسالمي ،خبطوا يف مسائل الراب ألهنم ل يتنبهوا
الديْن وراب البيع.
للفرق بني راب َ
|35 فقه املعامالت املالية ()2
فمثال قال بعضهم :إن الزايدة اليت أتخذها املصارف ،أو أيخذها الناس
من املصارف ،اليت تسمى ابلفوائد ليست راب!
طيب :تعالوا اي معاشر املعممني ملاذا ليست راب؟
قالوا :ألن األوراق النقدية ليست من أموال الراب ،وليست فيها علة الراب!
أقول :ومع أن هذا التعليل ليس صوااب يف ذاته -كما سيأيت -بل النقود
أموال ربوية -كما سيأيت إن شاء هللا-؛ فهو كذلك يف غري حمله ،كيف يف
الديْن ،وليست من غري حمله؟ ألن هذه املعامالت يف البنوك من ابب راب َ
الديْن إبمجاع
الديْن ال يتكلم فيه عن األموال الربوية! راب َ
ابب راب البيوع ،وراب َ
أهل العلم يقع يف كل مال يصح قرضه ،خبالف راب البيوع .وأعطيكم مثاال اي
إخوة:
لو أن شخصا ابع آخر سيارة بسيارتني ،قال :أبيعك هذه السيارة
هباتني السيارتني حاضرة أو مؤجلة ،جاز ذلك ،ملاذا؟
ألن السيارات ليست من األموال الربوية فال يدخلها راب البيوع.
[قال مثال ]:أبيعك هذه السيارة هباتني السيارتني على أن أسلمك
السيارة بعد شهر ،اآلن عندان تفاضل :سيارة بسيارتني ،وعندان نسيئة ،ولكنه
جائز ،ألن السيارات ليست من األموال الربوية فال تدخل يف راب البيوع.
لكن لو أن إنساان أقرض آخر سيارة ،أقرضه سيارة ،ما ابعه ،أقرضه
سيارة على أن يردها بعد سنة سيارتني ،قال :أان اآلن أذهب معك إىل
املعرض وأشرتي لك سيارة جديدة وأقرضك إايها ،كما يقولون ابلعامية :دبر
فقه املعامالت املالية ()2 | 36
حالك فيها ،على أن تردها يل بعد سنتني أو بعد سنة سيارتني ،هذا ال جيوز،
الديْن.
هذا راب َ
الديْن ال خيتص أبموال دون غريها ،هذا مهم جدا ،ولو ضبطناه؛ وراب َ
حسمنا مسألة أكثر الراب الذي يف البنوك ،وحسبنا الطنطنة اليت يثريها بعض
الناس حول راب البنوك.
مما يدل على أن راب ال َديْن يدخل مجيع األموال وليس خاصا ابألموال
الربوية أمور:
-األمر األول :أن راب اجلاهلية ل يكن مقتصرا على مال دون مال ،بل
كان يف احليواانت ويف غريها ،يدل على ذلك :ما رواه ابن جرير الطربي عن
زيد بن أسلم -رمحه هللا -أنه قال" :إمنا كان الراب يف اجلاهلية يف التضعيف
ويف السن ،يكون للرجل فضل دين فيأتيه إذا حل األجل يقول له :تقضيين أو
تزيدين؟ إن كان عنده شيء يقضيه قضى؛ وإال حوله إىل السن اليت فوق
ذلك ،إن كانت ابنة خماض؛ جيعلها ابنة لبون" أقرضه ابنة خماض فجاء وقت
األجل قال :سدد ،قال :ما عندي ،قال :إذن نعطيك ستة أشهر وجنعلها ابنة
لبون أكرب" ،مث حقة ،مث جذعة ،مث رابعية ،مث هكذا إىل فوق ،ويف العني أيتيه
فإن ل يكن عنده؛ أضعفه يف العام القابل ،فإن ل يكن عنده ،أضعفه أيضا،
فتكون مئة فيجعلها إىل مئتني ،فإن ل يكن عنده جعلها إىل أربعمئة ،وهكذا
يضعفها له يف كل سنة" ،إذن -اي إخوة -راب اجلاهلية الذي قطع القرآن
بتحرميه يف الديون؛ ل يكن خاصا مبال دون مال ،ففيه داللة على جراين الراب
يف اإلبل يف اجلاهلية وهو ليس من األموال الربوية يف البيوع.
|37 فقه املعامالت املالية ()2
-األمر الثاين :أن العلماء أمجعوا :أن "كل قرض جر منفعة فهو راب"،
كل منفعة- ،وسيأيت إن شاء هللا دراسة هذه القاعدة وبيان حقيقتها وهل
هذا حبديث أو ليس حبديث سيأيت إن شاء هللا -لكن وجه الشاهد اآلن :أن
العلماء أمجعوا على أن كل قرض ،أي :كل َديْن جر منفعة فهو راب.
فلو أن إنساان قال آلخر :أقرضك ألف رايل ،بشرط أن أكتب أين
أقرضتك ،أكتب يف اجلريدة ،أكتب كذا أين أقرضتك ،هذا راب ،ألنه يشرتط
عليه هذا الشرط من أجل أن ينتفع ابمسه ،مع أن هذا ليس من األموال
الربوية! وسيأيت إن شاء هللا تفصيل املنافع عند ذكر هذه القاعدة.
-األمر الثالث :وهذا مهم جدا؛ إمجاع العلماء على أن راب َ
الديْن
جيري يف مجيع األموال ،حّت الظاهرية الذين يقصرون الراب على األصناف
الستة فقط راب البيوع؛ ينقلون اإلمجاع على أن راب الدين يف كل مال.
يقول ابن حزم -رمحه هللا" :-الراب ال يكون إال يف بيع أو قرض ،وهو يف
القرض يف كل شيء ،فال حيل إقراض شيء لريد إليك أقل أو أكثر ،وال من ِ
قرضت يف نوعه ومقداره" مث قال" :وهذا إمجاع
مثل ما أ َنوع آخر أصال ،لكن َ
مقطوع به".
أيضا قال ابن حزم -رمحه هللا" :-وأما القرض؛ فجائز يف األصناف
الستة اليت ذكرانها ويف غريها ،ويف ِ
كل ما ميتلك ،وال يدخل الراب فيه إال يف
أجود ِما
أقل ِما أقرض ،أو َ وجه واحد فقط؛ وهو اشرتاط أكثر ِما أقرض ،أو َّ
أقرض ،أو أدن ِما أقرض ،وهذا جممع عليه".
فقه املعامالت املالية ()2 | 38
وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية -رمحه هللا -يف القرض" :ليس له أن
يشرتط عليه الزايدة عليه -يعين على املقرتض -يف مجيع األموال ابتفاق
العلماء ،واملقرض يستحق مثل قرضه يف صفته".
وقال النووي -رمحه هللا" :-وحيرم كل قرض جر نفعا ،فإن َشَر َط زايدة
غري ربوي على الصحيح". يف القدر َحرَم إن كان املال ربواي ،وكذا إن كان َ
ملاذا قال على الصحيح؟ هل يف املسألة خالف؟ ال ،لكن يشري إىل
مسألة أخرى يف بقية كالمه ،قال" :وحكى اإلمام أنه يصح الشرط اجلار
للمنفعة يف غري الربوي ،وهو شاذ وغلط" ،يعين :حكى اإلمام أنه يصح
الشرط الذي جير املنفعة يف غري الربوي ،وهذا يف املنافع ال يف األموال ،قال:
وهو شاذ وغلط.
إذا تبني هذا-اي إخوة -فإان نقول كما قدمنا ،ينقسم الراب من جهة
املعاملة اليت يقع فيها إىل ثالثة أقسام:
القسم األول :راب الديون
وراب الديون ثالثة أقسام:
الديْن الثابت يف الذمة ،وضع وتعجل.
راب القرض ،والزايدة يف َ
ثالثة أنواع:
)1راب القرض :راب القرض ،يعين أن يقرضه بزايدة من األصل ،يقول:
أقرضك ألفا على أن تردها ألفا ومخسمئة ،هذا راب القرض .
الديْن الثابت يف الذمة :يقرضه ألفا أبلف على أن يردها
)2الزايدة يف َ
بعد سنة ،فإذا حل األجل قال له :إما أن تفي وإما أن تزيد.
|39 فقه املعامالت املالية ()2
)3ضع وتعجل :وهذه سنتكلم عنها إن شاء هللا ،فهي خالفية وسنبني
الراجح فيها إن شاء هللا.
والقسم الثاين راب البيوع :وهو نوعان :راب الفضل ،وراب النسيئة ،وهذي
سنفردها بقاعدة مستقلة.
والثالث راب الشفاعة :وهذه أيضا سنشرحها إن شاء هللا يف ثنااي هذه
القاعدة.
نبدأ براب ال َديْن أان سأشري إليه ونقف وبعد املغرب نعود إليه ...
الديْن الثابت يف الذمة ،و"ضع وتعجل"،
عندان :راب القرض ،والزايدة يف َ
وكلها عند أهل العلم من راب اجلاهلية.
و"ضع وتعجل" :فيها خالف سأشرحها إن شاء هللا بعد املغرب ،وأبني
الراجح فيها ،والصحيح من أقوال أهل العلم فيها.
فلعلنا نقف عند هذا املقدار لرتاتحوا ..وبعد صالة املغرب -حبول هللا
وقوته -نكمل هذه القاعدة حّت نفرغ منها ،وهللا تعاىل أعلى وأعلم وصلى
هللا على نبينا وسلم.
***
فقه املعامالت املالية ()2 | 40
الدرس الثاين
السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته ،احلمدهلل رب العاملني والصالة والسالم
األمتان األكمالن على املبعوث رمحة للعاملني ،وعلى آله وصحبه أمجعني.
أما بعد،
فنواصل احلديث عن القاعدة األوىل من القواعد الضابطة لباب الراب،
وهي قاعدة من األمهية مبكان ،وتعظم أمهيتها إذا عرفنا قلة تناوهلا وتداوهلا مع
عظيم أمهيتها وكبري أثرها ،وهي أن الراب ينقسم من جهة ما يقع فيه إىل ثالثة
أقسام:
)1راب الديون.
)2وراب البيوع.
)3وراب الشفاعة.
وبدأان التفصيل يف راب الديون أو راب القروض ،وقلنا :إن راب الديون يتنوع
إىل ثالثة أنواع:
وراب الزايدة الذي يكون سببه البيع اآلجل[ ،مثاله] :ابعه سيارة خبمسني
ألفا على أن يسدد بعد سنة ،فإن ل يسدد بعد سنة يرتفع الثمن إىل سبعني
الديْن ،ألن مثن
ألفا عند حلول األجل ،فهذا سببه البيع ،وهو زايدة يف َ
السيارة أصبح دينا يف الذمة .فإذا جاء وقت السداد ما استطاع أن يسدد،
قال :سنة بعشرين ألف وهكذا.
والوجه الثاين :من جهة وقت حصول الزايدة.
الديْن؛ عند القرض ،عند االقرتاض.
فوقت حصول الزايدة يف راب َ
فالزايدة ال بد منها سواء سدد يف األجل أو ل يسدد يف األجل ،ألهنا
مشرتطة عند القرض[ .مثاله] :أقرضك مئة مبئة وعشرة ،فالزايدة اشرتطت
عند االقرتاض ،فلو فرضنا أنه سدد يف األجل ،سيدفع مئة وعشرة ،ولو سدد
قبل األجل سيدفع مئة وعشرة ،إال أن أتيت مسألة "ضع وتعجل".
الديْن الثابت يف الذمة؛ فإهنا تكون عند حلول األجل ،فلو
أما الزايدة يف َ
سدد يف وقت األجل ،ال تكون هناك زايدة.
فلو أنه قال له :أقرضك مئة على أن ترد مئة بعد سنة ،طيب :لو رد بعد
سنة ،سريد كم؟ سريد مئة .لكن إذا ل يستطع؟ ستأيت هنا الزايدة ،فيقول:
أزيدك يف األجل ،مقابل كذا من املال.
واليوم يف البيوع ،تقع صور تشرتط فيها الزايدة عند العقد ،فيقول له
مثال :أبيعك هذه السيارة مبئة ألف مقسطة على سنة ،فإن زدت عن السنة:
|43 فقه املعامالت املالية ()2
فكل شهر خبمسة آالف زايدة ،إن أتخرت شهرا؛ مخسة آالف ،إن أتخرت
شهرين؛ عشرة آالف ،إن أتخرت ثالثة؛ مخسة عشر ألفا.
وهذا فيه علتان شرعيتان عظيمتان:
أما األوىل :فهو أنه من الراب ،ألنه زايدة مقابل األجل.
وأما الثانية :فهو أن مثن السلعة ال يكون مستقرا عند العقد ،ومن شروط
صحة البيع؛ استقرار الثمن عند العقد ،ألنه ال يدري ميكن يسدد يف سنة
فيدفع مئة ألف ،وميكن يزيد شهرا فتصبح قيمة السيارة مئة ومخسةِ ،مكن
يزيد ثالثة أشهر ،فتصبح قيمة السيارة مئة ألف ومخسة عشرة ألفا وهكذا.
راب القرض :تشرتط فيه الزايدة عند االقرتاض:
سواء كانت هذه الزايدة حسية :كنقود ،أو بيت ،أو سيارة .يقول
مثال :أقرضك مليوان ،على أن ترده بعد سنة مليوان وسيارة نوعها كذا ،أو غري
ذلك من احلسيات.
أو كانت معاملة :يقول :أقرضك مليون ،وتردها مليوان بشرط أن تزوجين
أختك ،هذا راب قرض ،ألنه يرد املليون مبليون وهذه املنفعة ،أو أقرضك مليوان
على أن ترد مليوان وتؤجرين املستودع املوجود يف املكان الفالين ،ابألجرة!
لكن سبب هذا التأجري القرض ،هذا راب قرض ،ألنه يرد املليون ،وهذا
التأجري.
فقه املعامالت املالية ()2 | 44
أو كانت يعين يف البنوك اآلن يفعلون هذا ،يقولون نقرضك بشرط أن
تفتح عندان احلساب .يعين :أيتيهم إنسان يقول :وهللا أان عندي دين يف
البنك الفالين ،فيقولون :نعطيك متويال ،نعطيك قرضا ،وال أنخذ زايدة ،لكن
بشرط أن تنقل احلساب عندان .فهنا قرض اشرتطت فيه منفعة نقل احلساب.
أو فتح احلساب اجلاري عندهم .وهذا فيه مصلحة للبنك ،فهو من القروض
الربوية.
أو كانت معنوية :كاالنتفاع جباهه ،أو ابمسه .يقول :أقرضك مليوان
مبليون على أن تشفع يل عند الشيخ الفالين ،أو يف اجلهة الفالنية إلهناء
املعاملة الفالنية ،الحظوا أنه مشروط! هذا من راب القرض ،وهذا هو املعروف
ابلقرض الذي جير نفعا ،وسيأيت إن شاء هللا تفصيل فيه يف قاعدة مستقلة.
الديْن
الديْن ،وكل زايدة يف َ
طيب :ملاذا كان هذا راب؟ ألن فيه زايدة يف َ
فهي راب.
الديْن
الديْن ،إذ َواحلكمة من هذا -اي إخوة -أن هذا ينايف مشروعية َ
شرع للرفق ،ولذلك كان أجره عظيما ،حّت قال بعض أهل العلم" :إن أجر
الديْن ،أعظم من أجر الصدقة" ،وهذا َم ْل َمح دقيق حّت غاب عن بعض َ
الديْن
قول بعض أهل العلم هذا ،قالوا :كيف يكون َ طالب العلم ،وعاب َ
الديْن وإن كان يرد ،إال أنه ال
وهو يرد؛ أعظم أجرا من الصدقة؟! قالوا :ألن َ
أييت يف الغالب إال وقت حاجة ماسة.
|45 فقه املعامالت املالية ()2
الديْن؛
اإلنسان مّت يستدين؟ يستدين إذا كان حباجة ماسة ،فإذا أعطاه َ
الديْن أعظم أجرا
يكون فرج عنه ،فمن هذا الباب قال بعض أهل العلم" :إن َ
من الصدقة" ،وإن كان هذا يف نظري مرجوحا ،والصدقة أعظم أجرا؛ لكن
الديْن ال شك أنه من األجور ،والقرابت ،والقصد منه الرفق.
َ
الديْن من
واحلكمة من مشروعيته االرتفاق ،والزايدة تنايف الرفق ،وتنقل َ
االرتفاق إىل املعاوضة ،وهذا ينايف مشروعيته.
الديْن الثابت يف الذمة ،تكون عند حلول األجل ،وال فرق يف
والزايدة يف َ
احلكم ،سواء كان طلب الزايدة بسبب التأخري من املق ِرض ،أو كان طلب
الزايدة من املق ِرتض ،كيف هذا؟
يعين :إنسان عليه دين على أن يسدده بعد سنة ،عندما جاء األجل،
جاء املقرتض بنفسه إىل املقرض وقال :وهللا عندي ظروف ال أستطيع أن
الديْن .أو أن الذي طلب هو أسدد اآلن ،فزدين يف األجل ،وأان أزيدك يف َ
املقرض ،فعندما حان األجل جاءه قال :أان ما أستطيع ،قال :أزيدك يف
الديْن ،كالمها سواء ،ال فرق بني هذا وهذا ،وكالمها راب حمرم
األجل ،وتزيد يف َ
من راب اجلاهلية.
قال سعيد بن جبري" :كان الرجل يكون له على الرجل املال ،فإذا حل
األجل فيقول :أَخر عين وأزيدك على مالك ،فتلك األضعاف املضاعفة"،
هذا بطلب من املقرتض.
فقه املعامالت املالية ()2 | 46
وهذا النوع قال فيه االمام أمحد -رمحه هللا " :-إنه الراب الذي ال شك
فيه" ،يعين :الراب املقطوع به ،اجملمع عليه هذا النوع ،ألنه الغالب يف راب
اجلاهلية.
ووصفه ابن القيم -رمحه هللا -أبنه الراب اجللي ،قال" :فأما اجللي فراب
النسيئة وهو الذي كانوا يفعلونه يف اجلاهلية ،مثل أن يؤخر دينه ويزيده يف
املال ،وكلما أخره زاده يف املال ،حّت تصري املئة عنده آالفا مؤلفة" ،كل ما
حل األجل؛ زاد حّت تصبح أضعاف مضاعفة.
وهذان النوعان من راب اجلاهلية ،وكالمها حمرمان إبمجاع أهل العلم ،يقول
اجلصاص احلنفي -رمحه هللا" :-إنه معلوم أن راب اجلاهلية كان قرضا مؤجال
بزايدة مشروطة ،فكانت الزايدة بدال من األجل فأبطله هللا تعاىل".
وقال جماهد -رمحه هللا -يف الراب الذي هني عنه" :كانوا يف اجلاهلية
الديْن ،فيقول :لك كذا وكذا وتؤخر عين؟ فيؤخريكون للرجل على الرجل َ
عنه".
وعن قتادة -رمحه هللا" :-أن راب اجلاهلية :يبيع الرجل البيع إىل أجل
مسمى ،فإذا حل األجل ول يكن عند صاحبه قضاء ،زاده وأخر عنه" .هذا
الديْن يف الذمة بسبب البيع.
الذي قلنا الزايدة يف َ
وقال زيد بن أسلم" :كان الراب يف اجلاهلية :يكون للرجل على الرجل
احلق ،فإذا حل األجل؛ قال :أتقضي أم تريب؟ فإن قضاه أخذه منه ،وإال زاده
يف حقه وأخر عنه األجل".
|47 فقه املعامالت املالية ()2
وقال الشافعي -رمحه هللا" :-وكان من راب اجلاهلية أن يكون للرجل على
الديْن :تقضي أو تريب؟ فإن
الديْن فيقول له صاحب َ الديْن ،فيحل َ الرجل َ
أخره زاد عليه وأخره".
وقد نقل القرطيب -رمحه هللا -أنه الخالف بني املسلمني يف حترمي هذا
الراب ،بل نص أهل العلم على أنه هو الذي نزل القرآن يف حترميه أصالة ،فهو
الراب اجللي القطعي الذي أمجع العلماء على حترميه.
وهناك نصوص يف مجيع مذاهب الفقهاء تدل على هذين النوعني.
الديْن عند اإلقرتاض،
إذن -اي إخوة -راب القرض أبنواعه ،الذي هو راب َ
الديْن الثابت يف الذمة؛ هو راب اجلاهلية الذي غلظ القرآن
وراب الزايدة يف َ
الديْن الثابت يف الذمة أغلب عند اجلاهليني من
حترميه ،وإن كانت الزايدة يف َ
راب القرض ،وهذا ال شك أنه حمرم ،يدل على حترميه القرآن والسنة وآاثر
الصحابة واإلمجاع.
أما القرآن :فكل آايت الراب اليت تَـلَ ْوانها نَص يف حترمي هذين النوعني.
وأما السنة :فهناك أدلة كثرية دلت على ذلك ،ومن ذلك قول النيب ﷺ:
وراب اجلاهلية موضوع.)1(
وهذا يدل على العموم ،فكل ما ثبت أنه من راب اجلاهلية فهو موضوع،
يعين :حمرم ،فأبطل النيب ﷺ مجيع أنواع راب اجلاهلية.
أما من آاثر الصحابة :فقد روى مالك -رمحه هللا -بالغا أن رجال أتى
عبد هللا بن عمر فقال :اي أاب عبد الرمحن ،إين أسلفت رجال سلفا
أفضل ِما أسلفته ،فقال عبدهللا بن عمر :ذلك الراب.
واشرتطت عليه َ
وقال ابن عمر :من أسلف سلفا فال يشرتط إال قضاءه.
وقال ابن مسعود :من أسلف سلفا فال يشرتط أفضل منه ،وإن
كانت قبضة من علف فهو راب.
وأما االمجاع :فقد نقل مجع كثري من أهل العلم اإلمجاع على حترمي راب
الديون أبنواعها ،منهم :الباجي املالكي ،والقرطيب املالكي ،وابن املنذر،
واهليثمي ،وابن حجر العسقالين الشافعية ،وابن قدامة احلنبلي ،وشيخ
اإلسالم ابن تيمية ،وابن حزم ،والشوكاين .فهو إمجاع مقطوع به ،الخالف
فيه بني املتقدمني.
وعليه -اي إخوة -فإان نقول :إن راب القروض املوجودة يف البنوك اليوم
حمرم إبمجاع العلماء ،إمجاعا قطعيا ،وإن كان بعض املعاصرين حاول إخراجه
من الراب احملرم؛ إال أهنم حمجوجون ابإلمجاع الذي اليشك فيه.
وإذا كان القول جديدا يف مسألة قد فرغ منها؛ فإنه اليلتفت إليه ،هذا
انتبهوا له -اي إخوة -ال حنتاج أن نناقش كل قول ،بل إذا وجدان القول حمداث
يف مسألة قد فرغ منها؛ فال نلتفت إليه ولو استدل مبئات األدلة .فإنه ال
ميكن أن جتتمع أمة حممد ﷺ يف زمن من األزمنة على ضاللة.
|49 فقه املعامالت املالية ()2
فإذا كانت املسألة قد حبثها العلماء ،مث جاء من أحدث قوال جديدا يف
هذه املسألة اليت قد فرغ منها ،فال نلتفت إليه مهما كان فضله ،ومهما
استدل به من أدلة .ألنه يكفي أنه قول حادث يف مسألة قد فرغ منها.
وأما القسم الثالث من راب الديون :فهو ضع وتعجل.
وهذه مسألة مهمة جدا ،يكثر وقوعها اليوم ،وهي مسألة خالفية ،وهذا
الديْن الثابت يف الذمة من أجلالنوع عكس الثاين ،الثاين قلنا :الزايدة يف َ
الديْن الثابت يف الذمة من أجلزايدة األجل ،هذا النوع :هو النقص من َ
تنقيص األجل.
مثاله :شخص اقرتض من شخص مئة ألف على أن يردها بعد سنة،
الديْن اليوم ،على أن تنزل يل
جاءه بعد ستة أشهر وقال :أان أريد أن أسدد َ
الديْن ،يصبح أعطيك تسعني ألفا وأسقط الديْن شيئا ،ختصم شيئا من َ من َ
الستة أشهر.
أو كان ذلك من املقرض :شخص أقرض شخصا مئة ألف ،على أن
يردها بعد سنة ،بعد ستة أشهر جاء إىل املقرتض ،قال :وهللا أان عندي
ظروف وأحتاج إىل مايل الذي عندك ،فسددين اآلن مثانني ألفا وساحمتك يف
العشرين ألف مقابل األجل.
هذه مسألة" :ضع وتعجل" ،قد يكون الطلب من املقرض ،وقد يكون
من املقرتض.
فقه املعامالت املالية ()2 | 50
الديْن
وقد اتفق العلماء على أنه إن صاحل غرميه على إسقاط شيء من َ
بعد حلول األجل ،أن هذا جائز.
الحظوا -اي إخوة -أقرضه مئة ألف على أن يسددها بعد سنة ،عندما
حل األجل ،قال له :هات مثانني ألفا وساحمتك يف الباقي ،ابتفاق العلماء
هذا جائز ألنه تصرف يف ماله تصرفا حمضا بال مقابل ،هو عفى ،كما جيوز
الديْن كله ،لو أنه عند األجل جاءه فقال أان أقرضتك وأان أن يسقط َ
ساحمتك اآلن ،هذا ال إشكال فيه.
لكن اإلشكال يف املسألة :هل جيوز أن حيط عنه شيئا قبل حلول األجل
على أن يقضيه يف مكانه؟ هذه مسألة "ضع وتعجل".
وقد اختلف فيها العلماء من السلف واخللف:
فمن العلماء من حرمها وقال :إهنا حرام وهي من الراب ومن راب اجلاهلية
وهم اجلمهور ،صح حترميها عن عبدهللا بن عمر ،وعن زيد بن اثبت
،وعن مجع من التابعنيَ .ومجَْع مجهور فقهاء املذاهب األربعة؛ على أهنا
حمرمة ،وأهنا من الراب.
وذهب بعض أهل العلم إىل جوازها ،وهذا قول للشافعي ،طبعا صح
القول جبوازها عن ابن عباس ،وسعيد بن املسيب يف أحد قوليه،
والشافعي يف قول ،واإلمام أمحد يف رواية ،واختار اجلواز شيخ اإلسالم ابن
تيمية ،وشيخ اإلسالم ابن القيم- ،رحم هللا اجلميع -قالوا ابجلواز.
واحتج القائلون ابلتحرمي أبحاديث ضعيفة ،منها:
|51 فقه املعامالت املالية ()2
صح ،ألنه أبمر رسول هللا ﷺ ،وهذا احلديث رواه البيهقي وصححه بعض
أهل العلم .لكن الصواب أنه ضعيف.
أيضا احتج القائلون ابجلواز :أبن هذه معاملة؛ واألصل يف املعامالت
احلل ،إال إذا دل دليل على التحرمي ،ول يدل دليل على التحرمي ،فاألحاديث
ضعيفة ،وآاثر الصحابة متعارضة ،صح عن ابن عمر القول ابلتحرمي،
وصح عن ابن عباس القول ابجلواز ،وإذا تعارضت أقوال الصحابة
تساقطت ،ال يكون يف أحد القولني حجة ،فبقينا على األصل ،وهو أن
األصل يف املعامالت احلل.
أيضا من وجه آخر قالوا :إن يف هذا مصلحة للطرفني وال ظلم فيها،
يقولون الراب فيه ظلم ،وهذه املعاملة فيها مصلحة للطرفني وال ظلم فيها ،فيها
مصلحة للمقرض أنه تقدم إليه ماله ،وفيها مصلحة للمقرتض أنه سقط عنه
الديْن ،أوسقط عنه بعض املال ،وال ظلم فيها ،فهذا يدل على اجلواز.
بعض َ
وقد نصر ابن القيم -رمحه هللا -القول ابجلواز يف مواطن عدة ،وقال يف
معن كالمه -وسأنقل لكم كالمه -إن هذه املعاملة عكس الراب صورة
وحكمة:
عكس الراب صورة :ألن الراب زايدة مقابل األجل ،وهذا نقص من أجل
نقص األجل.
وحكمة :أن الزايدة فيها ظلم ،وهذه فيها مصلحة وال ظلم فيها.
|53 فقه املعامالت املالية ()2
يقول ابن القيم -رمحه هللا -بعد أن نصر هذا القول قال” :ألن هذا
عكس الراب ،فإن الراب يتضمن الزايدة يف أحد العوضني يف مقابلة األجل،
وهذا يتضمن براءة ذمته من بعض العوض يف مقابلة سقوط األجل ،فسقط
بعض العوض يف مقابلة سقوط بعض األجل ،فانتفع به كل واحد منهما ،ول
يكن هنا راب ال حقيقة ،وال لغة ،وال عرفا“ ،ال حقيقة يعين :صورة الراب يف
الزايدة ،وال لغة ألن الراب هو الزايدة ،وال عرفا ألن هذا اليعد راب يف عرف
الناس ،قال” :فإن الراب الزايدة ،وهي منتفية هنا ،والذين حرموا ذلك إمنا
قاسوه على الراب ،وال خيفى الفرق الواضح بني قوله :إما أن تريب وإما أن
تقضي ،وبني قوله :عجل يل وأهب لك مئة ،فأين أحدمها من اآلخر!“ ،مث
قال” :فال نص يف حترمي ذلك ،وال إمجاع ،وال قياس“.
ومادام كذلك؛ إذن نبقى على األصل ،وهو أن األصل يف املعامالت
احلل ،وهذا هو الذي تفيت به اجملامع يف هذا الزمان ،وعليه العمل ،أنه جيوز.
جاء يف قرار جملس جممع الفقه اإلسالمي يف ضمن كالمه عن التقسيط
الديْن املؤجل ألجل تعجيله سواء أكانت بطلب الدائن ،أو
قال :احلقيقة من َ
املدين -ضعوا بني قوسني" -ضع وتعجل" جائزة شرعا ،وال تدخل يف الراب
احملرم إذا ل تكن بناء على اتفاق مسبق.
وجاء يف فتاوى اللجنة الدائمة بتوقيع الشيخ بكر أبو زيد ،والشيخ عبد
العزيز آل الشيخ ،والشيخ عبد العزيز بن عبد هللا بن ابز ،قوهلم” :ما ذكر يف
السؤال هو ما يعرف عند الفقهاء مبسألة "ضع وتعجل" ،ويف جوازها خالف
فقه املعامالت املالية ()2 | 54
بني أهل العلم ،والصحيح من قوليهم؛ جواز الوضع والتعجيل ،وهو رواية عن
اإلمام أمحد ،واختيار الشيخني ابن تيمية وابن القيم ،ومنسوب إىل ابن عباس
. “
ومْنع اجلمهور؛ إذا كان اإلسقاط من ابب الطلب هذا اخلالف َ
واملشارطة .لكن إذا كان اإلسقاط تربعا من غري طلب؟ [مثال ]:جاء
املقرتض إىل املقرض بعد ستة أشهر وقد اقرتض منه مئة ألف ،على أن
يسددها بعد سنة ،جاءه بعد ستة أشهر قال :احلمد هلل ،تيسر عندي املبلغ،
الديْن ،وأريد أن أدفع لك املئة ألف اآلن ،قال له
وأان أريد أن أختلص من َ
املقرض :جزاك هللا خريا وأان أسقطت عنك عشرين ألفا.
اآلن ما يف طلب ،املقرتض يريد أن يسدد مئة ألف ،ولكن املقرض تربع
ابإلسقاط .قال ما دام سددت اآلن وبقي شيء من األجل فأان أسقط عنك
عشرين ألفا.
فهنا مجهور العلماء على اجلواز ،قالوا ألنه تصرف يف ماله تصرفا حمضا
من غري طلب وال مشارطة ،وله أن يتصرف يف ماله.
ومنع ذلك مجع من املالكية ،يعين :حّت يف ابب التربع ،ملاذا؟ قالوا :سدا
للذرائع.
وأنتم تعرفون -حفظكم هللا -أن أكثر املذاهب إعماال لسد الذرائع هم
املالكية ،حّت غلب ذلك عليهم ،بعض العلماء يعد هذا من مفردات املالكية
-القول بسد الذرائع -مع أن القول بسد الذرائع متفق عليه ،حّت لو أنكره
|55 فقه املعامالت املالية ()2
فأخذ شيء يف مقابل هذه الشفاعة راب ،سواء كان هذا األخذ على
سبيل املشارطة ،أو ل يكن ،كيف؟ قال له :توسط يل يف الديوان ،توسط يل
يف اجلهة الفالنية ،عندي معاملة حتتاج واسطة ،حتتاج شفاعة ،قال :أشفع
لك وإن شاء هللا أتيت وهات عشرة آالف ،أعطين مخسة آالف ،أخرج لك
صك امللكية وتعطيين مئة ألف ،هذه مشارطة.
أو ل يكن :قال له :اشفع يل أن أحلق يف اجلامعة مثال ،وشفع له ،وبعد
ما شفع له؛ أهدى له هدية قال هذه مخسة آالف ،هذه عشرة آالف هدية،
ألنك ساعدتين .فهذا األخذ راب ،ملاذا؟
شفع ألخيه ِ
لـما جاء عن أيب أمامة عن النيب ﷺ أنه قال :من َ
شفاعة؛ فأهدى له هدية عليها فقبلها؛ فقد أتى اباب عظيما من أبواب الراب
رواه أبو داود والطرباين يف الدعاء ويف الكبري ،وسكت عنه أبو داود -وتعلمون
أن ما سكت عنه أبو داود؛ فهو صاحل عنده ،أبو داود إذا روى احلديث ول
ضعفه ،أو يذكر ما يدل على تضعيفه؛ فهو صاحل عنده لإلحتجاج= وقال ابن يَ
حجر :يف إسناده مقال ،وحسنه األلباين ،وقال ابن ابز :حسن لغريه.
وعند دراسة إسناد هذا احلديث يظهر -وهللا أعلم -صالحيته ،فهو
حسن ورجاله ثقات ،إال رجال اختلف يف توثيقه وج ِ
رحه وهو القاسم. َ
والصواب-وهللا أعلم -أن احلديث صاحل.
وحرموا أخذ اهلدية على
وقد أخذ بعض أهل العلم بعموم هذا احلديث َ
الشفاعة سواء كان هذا من ابب املشارطة أو ل يكن.
|57 فقه املعامالت املالية ()2
يقول الصنعاين -رمحه هللا -عن حديث أيب أمامة” :فيه دليل على حترمي
اهلدية يف مقابلة الشفاعة ،وظاهره سواء كان قاصدا لذلك عند الشفاعة أو
غري قاصد هلا“ ،قال” :وتسميته ِراب من ابب االستعارة ،للشبه بينهما،
وذلك ألن الراب هو الزايدة يف املال من الغري ال يف مقابلة عوض وهذا مثله“،
قال -رمحه هللا” :-ولعل املراد؛ إذا كانت الشفاعة يف واجب :كالشفاعة عند
السلطان يف إنقاذ املظلوم من يد الظال ،أو كانت يف حمظور :كالشفاعة عنده
يف تولية ظال على الرعية؛ فإهنا يف األوىل :واجبة ،فأخذ اهلدية يف مقابلها
حمرم ،والثانية :حمظورة ،فقبضها يف مقابلها حمظور“ ،قال” :وأما إذا كانت
الشفاعة يف أمر مباح ،فلعله جائز أخذ اهلدية ،ألهنا مكافأة على إحسان غري
واجب“ هذا ما رجحه ،مث قال” :وحيتمل أهنا حترم ،ألن الشفاعة شيء
يسري ال تؤخذ عليه مكافأة“.
إذن هذا القول فرق بني الشفاعة الواجبة واحملرمة ،والشفاعة يف األمور
املباحة.
ومحل بعض أهل العلم هذا احلديث على الشفاعة يف املصاحل العامة، َ
فقالوا :إن هذا احلديث إذا َش َف َع الشافع يف أمر تعود مصلحته على عموم
املسلمني ،ولو كان لواحد ،كأن شفع مثال يف تولية شخص عادل -طبعا
شفع لواحد ،لكن مصلحة التولية ستكون للناس مجيعا -فهنا قالوا :إن
الشفاعة يف املصاحل العامة من الفرائض ،فال جيوز أخذ شيء يف مقابلها.
|59 فقه املعامالت املالية ()2
يقول شيخ اإلسالم بن تيمية -رمحه هللا” :-وأما اهلدية يف الشفاعة مثل
أن يشفع لرجل عند ويل أمر ،لريفع عنه مظلمة ،أو يوصل إليه حقه ،أو يوليه
والية يستحقها ،أو يستخدمه يف اجلند املقاتلة وهو مستحق لذلك ،أو يعطيه
من املال املوقوف على الفقراء ،أو الفقهاء ،أو القراء ،أو النساك ،أو غريهم
وهو من أهل االستحقاق ،وحنو هذه الشفاعة اليت فيها إعانة على فعل
واجب أو ترك حمرم؛ فهذه أيضا ال جيوز فيها قبول اهلدية ،وجيوز للم ْهدي أن
يبذل يف ذلك ما يتوصل به إىل أخذ حقه ،أو دفع الظلم عنه“ ،قال” :هذا
هو املنقول عن السلف ،واألئمة األكابر“ ،أنه ال جيوز ،سيأيت التعليل أبنه
من املصاحل العامة ،قال” :ورخص بعض املتأخرين من الفقهاء يف ذلك،
وجعل هذا من ابب اجلعالة ،وهذا خمالف للسنة وأقوال الصحابة واألئمة فهو
غلط“.
طبعا هذا هو القول الرابع يف املسألة ،وهو أن أخذ اهلدية على الشفاعة
جائز ،حّت لو اشرتط هذا ،ألنه من ابب اجلعالة ،وهذا القول ضعيف.
قال” :ألن مثل هذا العمل؛ هو من املصاحل العامة اليت يكون القيام هبا
فرضا إما على األعيان ،وإما على الكفاية“.
إذن الشفاعة يف املصاحل العامة ال جيوز أخذ هدية عليها ال على سبيل
املشارطة وال قبل ذلك .وذكر كالما طويال يدل على أن هذه املصاحل ال تعود
إىل شخص بعينه.
إذن األقوال يف املسألة أربعة ،بل مخسة:
فقه املعامالت املالية ()2 | 60
القول األول :حيرم أخذ شيء مقابل الشفاعة مطلقا ،يف أي شفاعة،
وعلى أي صفة.
القول الثاين :حيرم أخذ شيء مقابل الشفاعة الواجبة أو احملرمة.
القول الثالث :حيرم أخذ شيء مقابل الشفاعة يف املصاحل العامة اليت
ينتفع هبا عموم املسلمني.
القول الرابع :يكره أخذ شيء مقابل الشفاعة ،يعين جعلوها من ابب
الكراهية.
القول اخلامس :جيوز أخذ شيء مقابل الشفاعة ،ألن هذا من ابب
اجلعالة.
والذي يظهر -وهللا أعلم -أنه ال جيوز أخذ شيء مقابل الشفاعة
مطلقا ،ألن الشفاعة هبة من هللا ،يناهلا اإلنسان بفضل هللا ،فال جيوز أخذ
مقابل هلا يف نفع عباد هللا ،واحلديث نص يف هذا.
طبعا هذا-اي إخوة– -وهذا ننتبه له جيدا -إذا كانت جمرد شفاعة ،أما
إذا اقتضت هذه الشفاعة نفقة؛ فيجوز أن أيخذ ما أنفق ،إذا اقتضت هذه
الشفاعة سفرا ،أو سكن ،فيجوز أن أيخذ ما أنفق ،هذا مافيه نزاع ،أنفق
مقابل السكن ،يعين سافر إىل بلد ودفع تذاكر ،وسكن يف فندق ودفع ،من
أجل هذه الشفاعة فقط ،هو ذهب لينفع أخاه جيوز أن أيخذ ما أنفق ألن
هذه نفقته وليس هذا مقابل الشفاعة.
|61 فقه املعامالت املالية ()2
وكذلك إذا اقرتن ابلشفاعة عمل؛ فإنه جيوز أخذ أجرة مقابل ذلك
العمل ،بشرط أال تزيد عن العادة ،يعين :إذا كان مع الشفاعة :راجع الدوائر،
وأخذ األوراق ،وذهب من هنا وهناك مبا يسمى عند العامة "التعقيب"،
يـ َعقب على املعاملة ،فهو هنا شافع وم َعقب ،فاقرتن ابلشفاعة التعقيب فإنه
جيوز أن أيخذ مقابل ذلك العمل األجرة املعتادة ،يعين :إذا كان يف العادة
يعطى مئة أيخذ مئة ،لكن ال أيخذ مئتني ألنه شفع ،فال جيوز أن أيخذ شيئا
مقابل الشفاعة.
طبعا :هذا الكالم نسأل عنه كثريا ،أيتينا بعض الناس يقول :اي شيخ ،أان
أريد أن أتوظف يف الوظيفة الفالنية ،وقال يل رجل أان آتيك هبذه الوظيفة
مقابل مخسة آالف ،مقابل عشرة آالف ،مقابل عشرين ألفا ،مقابل مئة
ألف ،فهل هذا جائز؟
فاجلواب :أن هذه املسألة هلا أحوال:
احلالة األوىل :أن يكون هذا الرجل من العاملني يف نفس اجملال ،يف نفس
املكان ،فإعطائه رشوة ال جتوز ،رشوة حمرمة من كبائر الذنوب.
احلالة الثانية :وإن كان هذا الرجل أييت هبا ابلشفاعة واجلاه؛ فالصحيح
من أقوال أهل العلم أنه ال جيوز أن يعطى ،ألنه ال جيوز أن أيخذ شيئا مقابل
الشفاعة.
فقه املعامالت املالية ()2 | 62
احلالة الثالث :وإن كان هذا سيأيت هبا ابلتعقيب واملتابعة والذهاب
للدوائر ،ليس موظفا يف اجلهة واليستخدم جاهه ،ولكنه سيتابع املعاملة حّت
ينهيها ،فيجوز أن أيخذ األجرة املعتادة ،ألن هذه من ابب العمل.
بقي معنا هنا ملاذا كانت راب؟ ملاذا كان أخذ شيء مقابل الشفاعة راب
كما يف احلديث؟
أقول :بعض أهل العلم ذهبوا إىل أن هذا من ابب التشبيه ،وليس من
ابب احلقيقة ،فهذا تشبيه ألخذ شيء مقابل الشفاعة ابلراب من جهة أنه أخذ
بال مقابل يف اجلهتني .املرايب أيخذ بال مقابل ،والشافع هنا أيخذ بال مقابل،
ألن الشفاعة ال جيوز أن أيخذ هلا مقابل ،فأخذه بال مقابل فهذا يعين تشبيه.
وقال بعض أهل العلم :إنه راب ألنه زايدة يف ماله من غري مقابل شرعي،
وهذه حقيقة الراب ،يزيد يف ماله من غري مقابل شرعي ،فقالوا إنه راب.
وهذا ظاهر احلديث ،ظاهر احلديث أنه ابب من أبواب الراب ،وليس
تشبيها له ابلراب ،ولذلك مسيناه راب الشفاعة.
بقيت مسألة يثريها طالب العلم عندما يطرح هذا احلديث ،وقد حبثها
العلماء ،وهي مسألة :أن بعض أهل العلم قالوا :إن احلديث ضعيف من
جهة متنه ،ملاذا؟ قالوا :ألنه خمالف للحديث الصحيح :من صنع إليكم
معروفا فكافئوه ،)1(قالوا :والشافع صنع معروفا فإعطائه اهلدية من ابب
املكافئة.
وقد أجاب عن هذا العلماء ،فقال األلباين -رمحه هللا” :-وقد يتبادر
لبعض األذهان أن احلديث خمالف لقوله ﷺ :من صنع إليكم معروفا
فكافئوه فإن ل تستطيعوا أن تكافئوه فادعوا له حّت تعلموا أن قد كافئتموه
رواه أبو داود وغريه“ .قال” :فأقول ال خمالفة ،وذلك أبن حيمل هذا على ما
ليس فيه شفاعة“ من صنع إليكم معروفا فكافئوه هذا إذا صنع إليكم
معروفا بغري طريق الشفاعة فكافئوه” ،أو على ما ليس بواجب“.
هذا على القول الثاين :أبن املمنوع هو يف الشفاعة الواجبة ،فيكون هذا
يف ما ليس بواجب فيجوز أن يكافئه .لكن املرجح هو األول :وهو أنه يكافأ
على املعروف الذي حصل بغري الشفاعة ،أما املعروف احلاصل ابلشفاعة فال
جيوز أن يقبل عليه هدية.
كذلك سئل الشيخ ابن عثيمني -رمحه هللا -عني هذا السؤال ،فقيل:
فضيلة الشيخ ،هذان حديثان صحيحان يوهم ظاهرمها التعارض ،األول :قوله
ﷺ من صنع إليكم معروفا فكافئوه فإن ل جتدوا ما تكافئوه فادعوا له حّت
تروا أنكم قد كافأمتوه ،احلديث رواه اإلمام أمحد وأبو داود والنسائي إبسناد
صحيح .واحلديث الثاين :من شفع ألخيه شفاعة فأهدى له هدية عليها
فقبلها فقد أتى اباب عظيما من أبواب الراب رواه أبو داود وهو حديث
حسن ،وهذا اإلنسان الذي شفع ألخيه ال شك أنه صنع له معروفا ،فإذا
أراد أن يكافئه ابهلدية فكيف يعترب من الراب؟ أفيدوان جزاكم هللا خريا.
فقه املعامالت املالية ()2 | 64
فأجاب الشيخ قائال” :أوال :ال يوجد تعارض يف القرآن بني آايته ،وال
يوجد تعارض بني السنة الصحيحة ،هذه قاعدة معروفة عند أهل العلم ،وإذا
قرأت آيتني ظننت أهنما متعارضتان؛ فأعد النظر مرة بعد أخرى ،فإن ل تصل
إىل نتيجة فاسأل أهل العلم ،وكذلك يقال يف احلديثني الصحيحني كذلك،
أنه ال ميكن التعارض بينهما ،فإن أشكل عليك شيء فأعد النظر مرة بعد
ي احلديثني أقوى ،ألن األحاديث أخرى ،فإن ل يظهر لك اجلمع؛ فانظر أ َّ
الواردة عن الرسول ﷺ ليست كالقرآن ،فهي منقولة خبرب اآلحاد وخبرب
التواتر ،وخرب اآلحاد من املعلوم أن بعض املخربين أقوى من البعض فانظر
أيهما أقوى“.
مث قال الشيخ” :فهذا احلديث؛ وهو هدية من َش َف َع له أن يهدي إىل
الشافع؛ يراد بذلك الشفاعة اليت يريد هبا اإلنسان وجه هللا ،فإنه ال
يقبل ،ألن ما أريد به اآلخرة ال يكون سببا لنيل الدنيا ،وألن الشافع الذي
عطي هدية فإن نفسه قد تغلبه يف املستقبل
يشفع يريد بذلك وجه هللا ،فإذا أ َ
فينظر يف شفاعته إىل ما يف أيدي الناس ،فلهذا حذر من قبول اهلدية ،وأما
من صنع إليكم معروفا فكافئوه؛ فاملراد به ما ِسوى الشفاعة اليت منحت،
فيكون هذا عاما ويكون هذا خمصصا“.
وهذا املراد ،أن حديث من صنع إليكم معروفا فكافئوه عام ،وحديث
الشفاعة خاص ،فيخصص احلديث العام ابحلديث اخلاص.
|65 فقه املعامالت املالية ()2
فنقول :إنه إن كان املعروف بسبب الشفاعة ال جيوز أخذ مقابل له ،وإن
كان بغري الشفاعة فإنه جيوز أخذ مقابل له.
وهبذا نكون فرغنا من هذه القاعدة األوىل اليت حيسن ضبطها ومعرفتها،
وأردان منها بيان هذه األقسام ،وتوضيح حقائقها ،وبيان الفروق بينها ،حّت
ال ختتلط األقسام على طالب العلم عند نظره يف املسائل.
***
فقه املعامالت املالية ()2 | 66
الراب ،والنيب ﷺ أعلم حباهلم ،فإذا كانت املعاملة مع هذا البنك الربوي معاملة
صحيحة ،فإن هذا جائز ،وإن كان الورع البعد عن هذه األماكن.
ب) فاألخ يقول :هذا البنك فتح انفذة إسالمية ،معامالت إسالمية
وهل جيوز أن أدخل يف متويل عقار ،وهم يرهنون العقار مع فائدة سنوية؟
طبعا الفائدة هذه ،ليست الزايدة على القرض ،وإال هذه ليست
إسالمية ،وإمنا هذا ما يسمى ابلتمويل ،حبيث مثال :يريد شراء البيت ،فالبنك
يشرتي البيت ،مث يقسط عليه هذا البيت بزايدة عما اشرتاه ،هذه الزايدة يف
الثمن ،طبعا أان ال أحكم على العقود إال بعد أن أطلع عليها ،وذلك يف
احلقيقة أنه ثبت عندان تالعب هذه البنوك .وهم يتعاملون ابلراب الصريح،
فليس هناك إشكال يف تالعبهم ابملعامالت ،فكثريا ما يكون العقد يف
احلقيقة ربواي ،واحياان ال ميلكون السلعة أصال ،ولذلك أحياان قد يقولون
للشخص :هذا شيك ،إن أحببت أوصله للمعرض مثال ،وإن أحببت ضعه
يف جيبك واصرفه وال حاجة أن تشرتي السيارة والشيء! مع أن الصورة أهنا
معاملة يف شراء سيارة وحنو ذلك.
والعلماء يقولون ،املخادعة يف الراب ،أشر من صريح الراب.
فال بد من أن نقف على العقد ،فإذا كانت املعاملة صحيحية ،فاشتَـَروا
وملَكوه ِملكا اتما ،ول يـ ْل ِزموا املشرتي بشيء قبل أن ميَْلِكوا البيت ،ال
البيتَ ،
بورقة ،ال بتعهد ،ال بعربون ،وال بشيء ،فأصبح عند شرائهم البيت حرا ،إن
شاء اشرتاه منهم وإن شاء ترك ،وابعوه له ابلتقسيط ،بزايدة يف الثمن يتفق
فقه املعامالت املالية ()2 | 68
عليها عند العقد ،فيصبح مثال قيمته مبليون ونصف ،تقسط على مخس
وعشرين سنة؛ فهذه املعاملة صحيحة.
لكن ال بد من النظر يف حال كل معاملة ابلنسبة للبنوك الربوية ،وأان
أقول -اي إخوة -البنوك الربوية ال جيوز االعتماد على قوهلم ،ألهنم ساقطوا
العدالة بتعاملهم ابلراب ،فال جيوز االعتماد على خربهم ،فال بد من التيقن،
واملعرفة من أهنم ملكوا هذه السلعة وحنو ذلك.
يعين :اآلن -اي إخوة -البنوك الربوية يبيعون سلعا خيالية ليست
موجودة ،يقولون :متويل إسالمي ،ويبيعون سلعا خيالية ليست موجودة!
يقولون :حديد يف البحرين ،أيتوا مثال يقولون :وهللا حنن عندان حديد يف
البحرين ،نبيعك احلديد يف البحرين ،وتـ َوكلنا حنن وحنن نبيعه لك.
وأان مرة قلت :هذا احلديد الذي يذكرونه ،يعين لو كان يف البحرين،
لغرقت البحرين! لكن أشياء صورية ،أو يقولون :عندان بالتينيوم أو كذا يف
نيكاراغوا أو يف ...وبعض الناس أيضا -وهذه مسألة مهمة -ال يعرف
السلعة اليت يدعي أنه اشرتاها متويال ،أان أيتيين بعض الناس يسأل يقول
ايشيخ ،أقول ماذا اشرتيت؟ وهللا ما أدري يقولون رز يقولون مكيفات،
مايعرف!! وهذا خيرج املسألة من البيوع ابلكلية ،ألنه ال بد من العلم
ابلسلعة ،ولكن لألسف كثري من الناس جعلوا هذا جمرد ستارا للراب.
جيب أن تشرتي سلعة معروفة لديك ،وأن تعلم أن البنك ملكها ،وأان
أفيت أبنه ال جيوز توكيل البنوك الربوية يف بيعها ،بل تتوىل أنت بيعها ،أو توكل
|69 فقه املعامالت املالية ()2
ثقة من طرفك ،أجنيب عن البنك ،ألن هذه البنوك ال جيوز االعتماد على
قوهلا وعلى فعلها .نعم.
السؤال الثاين :ابرك هللا فيكم ،يف بعض اجلامعات ،لديهم قانون الزايدة
(الغرامات) ،يقول مثال من أتخر يف التسجيل بعد املدة املقررة ،يغرم
500درهم ،ما حكم هذا الشيء؟
اجلواب:
الزايدة إذا كانت يف العقوابت ،وليست يف املعامالت ،فالصحيح أهنا
ليست من الراب -وإن كان ذكر بعض مشاخينا أهنا من الراب -مثل أن يقال:
عقوبة السرعة ،500فإذا ل يسدد خالل شهر تكون العقوبة ألفا ،هنا يف
احلقيقة هذه عقوبة ،الذي خالف وسدد يف شهر ،هي ،500والذي خالف
وسدد يف شهرين ،العقوبة ألفا ،فهذه على القول جبواز العقوابت املالية
ليست من الراب على الصحيح من أقوال أهل العلم -وإن كان من مشاخينا
من قال إهنا راب ألن فيها زايدة -بل هااتن عقوبتان خمتلفتان ،من خالف
وسدد يف خالل شهر عقوبته مخسمئة ،ومن خالف وسدد يف شهرين فأكثر
عقوبته ألف ،فإذا سدد يف شهر ،انلته العقوبة األوىل وإذا سدد يف شهرين،
انلته العقوبة الثانية ومها عقوبتان ،وليست إضعافا.
أما الزايدة يف املعامالت:
فإن كانت حمددة حبيث يقع العقد عليها ابتداء فهذه أيضا ال تضر،
أوضح لكم الصورة :اجلامعة قالت من سجل يف الشهر األول بثالثة آالف،
فقه املعامالت املالية ()2 | 70
من سجل يف الشهر الثالث من التسجيل خبمسة آالف ،من سجل يف
الشهر السادس بعشرة آالف ،اآلن ل يسجل ويزاد عليه ،ال ،اجلامعة وضعت
رسوما حمددة ،فأان عندما آيت وأتعاقد أعرف املطلوب ،أين إذا تعاقدت يف
هذا الشهر فاملطلوب مين مخسة آالف انتهينا ،ما يف عشرة وال غريه ،إذا
تعاقدت يف الشهر الثاين سيطلب مين عشرة آالف ل يطلب مخسة آآلف،
فأان أتعاقد على هذا ،فهذا جيوز.
أما إذا وقع التعاقد على مبلغ ،مث يزاد يف الرسوم إذا أتخر عن السداد يف
وقتها؛ فهذا هو الراب .يعين تعاقد مع اجلامعة ،وعلى أنه يف كل شهر ،أو يف
كل ستة أشهر يدفع مخسة آالف ،قالوا :فإذا أتخرت يف هذا الشهر
سنزيدها إىل ستة آالف ،فهذا هو الراب ،الذي ال جيوز.
السؤال الثالث :ابرك هللا فيكم ،بطاقات االئتمان اخلاصة ابلبنوك
اإلسالمية ،واليت من خالهلا متنح املكافآت يف برامج متعددة مثل أميال
شركات الطريان ،وبطاقات اخلصومات يف األشياء االستهالكية كاالتصاالت
والبنزين؟
اجلواب:
بطاقات االئتمان ،طبعا أان يل فيها رأي على كل حال ،وأرى أهنا حّت
عند البنوك اإلسالمية أرى أهنا ال جتوز ،إال عند الضرورة واالحتياج.
أعين :فيما يتعلق عند البنوك اإلسالمية ،لـَِم؟ ألن احلقيقة أن البنوك
اإلسالمية ،وكالء ونواب عن الشركات العاملية ،بطاقات االئتمان؛ بطاقات
|71 فقه املعامالت املالية ()2
اتبعة لشركات دولية ،والبنوك اإلسالمية وكالء ،فهم جزاهم هللا خريا ال يلزمون
العميل بزايدة ،ولكن يف حقيقة األمر أنه لو ترتبت زايدة فسيدفعوهنا
للشركات األصل ،هم ما أيخذون من العميل ،ولكن يدفعون للشركات،
ولذلك يف العقد ال بد وأن حتدد املدة اليت يسدد فيها املبلغ ،حّت لو ما كان
أيخذون زايدة ،يسدد الطرف الثاين املبلغ يف خالل أربعني يوما ،ألن هذا من
حيث النظام والقانون ،جييز هلم أن أيخذوا زايدة إذا ل يسدد خالل املدة،
وهو أمر ملزم به من قبل الشركات األم.
فاحلقيقة أن هذه العقود أصلها ربوي ،وإن كانت البنوك اإلسالمية ال
تلزم العميل بدفع شيء؛ فأان أقول إذا ل حيتج اإلنسان إليها فال ينبغي أن
أيخذها وال جيوز له أن أيخذها.
أما إذا احتاج إليها ،كأن كان هناك أشياء ال يستطيع أن يشرتيها إال
هبا؛ أيخذها من البنوك اإلسالمية ،بشرط أن يلتزم ابلسداد قبل املدة ،حّت ال
يرتتب شيء على البنك ،فيكون سببا يف الراب .ألنه حقيقة هو إذا ل يدفع
الراب ،سيتسبب فيه إذا أتخر ،وأان أعرف أن بعض البنوك اإلسالمية تدفع
املاليني سنواي لسداد املستحقات على هذه البطاقات ،فهذا شيء.
بقي ما ورد يف السؤال ،وهو أن هذه البنوك ،تعطي مزااي حلاملي هذه
البطاقات ،تسمى ابملكافآت ،نقاط وأميال وحنو ذلك ،فهل جيوز أخذ هذه
املزااي واملكافآت؟
إذا كانت هذه املكافآت حتصل لكل من اشرتك ،وحصل النقاط املعينة،
مبعن :ليس فيها قمار ميكن حتصل وميكن ما حتصل؛ فالصحيح من أقوال
فقه املعامالت املالية ()2 | 72
أهل العلم ،أنه جيوز أخذها ،يعين كل من وصل إىل كذا حيصل على كذا
نقطة ،كل ،وليس فيها قمار ،فالصحيح من أقوال أهل العلم ،أنه جيوز
أخذها.
أما إذا كانت سحوابت ،يقولون :سحب على سيارة ،سحب على
فيال ،سحب على كذا ،فهذا ال جيوز ألنه من القمار ،وهو مرتتب على املال
وهذا ال جيوز.
السؤال الرابع :هذان سؤاالن متقارابن ،أحدمها يقول :إذا اقرتضت من
شخص مئة ألف ،وعند حلول األجل أعطيته مئة وعشرة آالف بدون
اشرتاط ،هدية من عندي ،هل هذا جائز؟ ومثله أو قريب منه يقول :ما
حكم ،من أقرض رجال آخر دابة ،ول يشرتط ،فإذا رد الرجل اآلخر بدابة
أفضل من اليت اقرتضها ،هل يعترب هذا من الراب؟
اجلواب:
بعض أهل العلم مينعون هذا ،ويقولون إن هذا من ذرائع الراب ،فإذا
اقرتض مئة ألف يقولون :يرد مئة ألف ،ويقولون جيب عليه أن يرد مثله مقدارا
وصفة.
لكن الصحيح من أقوال أهل العلم :أنه إذا ل يكن ذلك على سبيل
املشارطة؛ فهذا من حسن الوفاء ،وجيوز .فيجوز لإلنسان مثال أن يرد مئة
ألف مثال وهدية أو يرد أحسن من احليوان الذي اقرتضه أو حنو ذلك ،وقد
ثبت يف ذلك أحاديث صحيحية.
|73 فقه املعامالت املالية ()2
لكن تبقى مسألة مشكلة عند أهل العلم ،وهي إذا عرف إنسان أبنه يرد
أحسن ِما أخذ ،فهل جيوز أن يقرض بدون اشرتاط عليه؟ أو ال بد أن
يشرتط عليه ويقال له :أقرضك بشرط أال ترد شيئا؟! هذه مسألة من عرف
برد أحسن ِما اقرتض ،وهذه إن شاء هللا ستأتينا رمبا غدا أو بعد غد يف
قاعدة "كل قرض جر منفعة فهو راب" وسنتحدث عن هذه النقطة ،مسألة
من عرف برد أحسن ِما أقرتض.
السؤال اخلامس :يقول إذا أقرضه وطلب منه الدعاء ،هل يعد هذا من
الراب؟
اجلواب:
هذا إن شاء هللا سيأيت يف قاعدة "كل قرض جر منفعة" وهو أن هناك
منافع مستثناه ،ابتفاق أهل العلم ،منها شكر املقرض والثناء عليه ،هذه
منفعة له ،لكن هذه مالزمة للقرض ،ومنها دعاء املقرتض للمقرض ،هذه
منفعة ولكنها مالزمة للقرض! لو منعت ملنع كل قرض ،فهذه مستثناه إبمجاع
أهل العلم ،ولذلك سيأتينا إن شاء هللا أن ابن حزم –رمحه هللا -يقول” :أنه
ليس هناك قرض يف الدنيا إال وهو جير منفعة“ ،فالشكر والثناء والدعاء هذه
تسمى املنافع الالزمة ،أو املنافع اليت تقتضيها طبيعة اإلنسان ،وهذه مستثناه،
وسأتكلم عنها إن شاء هللا يف قاعدة "كل قرض جر منفعة فهو راب".
فقه املعامالت املالية ()2 | 74
السؤال السادس :يقول السائل ابرك هللا فيكم ،أان أعمل يف حمل لبيع
الطالء ،والشركة ترسل إلينا بعض اهلدااي لتوزيعها على العمال ،ويف بعض
األحيان نقوم بشرائها على حساب احملل وتوزيعها ،فما حكم هذا العمل؟
اجلواب:
احلمد هلل ،أفهم من هذا أن هذه مكافأة حتفيزية للعمال ،فإذا كان كما
فهمت ،أن العمال حيفزون هبدااي ،وهذه اهلدااي ليست داخلة يف األجرة ،وال
مشرتطة يف العقد ،فباب املكافآت واسع ،وجيوز هذا وال حرج فيه.
السؤال السابع :يقول ابرك هللا فيكم ،ماذا تنصحوان يف استخدام
بطاقات االئتمان لكن مع التأكيد ،من دفع املبلغ املستحق كامال قبل حلول
األجل ،حبيث ال تكون هناك أي زايدة أو فائدة ،والغرض من هذا؛ هو
االستفادة من اخلدمات واخلصومات الضرورية املقدمة مع البطاقة؟
اجلواب:
حنن نقول :إن اإلشكال أن العقد نفسه عقد ربوي ،إما أنه يصرح فيه
ابلراب أو يتضمن ذلك:
يصرح فيه ابلراب :أبن يقال :يتم السداد خالل أربعني يوما ،وإذا ل يسدد
العميل فإنه يزاد كذا.
وإما أن يقال :إنه يتم السداد خالل أربعني يوما ويسكت عن الزايدة،
فاألصل أنه ال جيوز أن ندخل يف هذا الباب ،لكن إذا احتيج إىل هذا ،ألمور
ال يستطيع اإلنسان أن يصل إليها ،أو على كماهلا إال هبذه الطريقة ،بطريقة
|75 فقه املعامالت املالية ()2
أما قضية التمويل وأن البنك يعين يشرتط يف التمويل أن يكون له
حساب عنده ،من أجل أن خيصم منه مبلغ التمويل فهذه غري مسألة
القروض.
السؤال التاسع :هل جيوز إعطاء مبلغ من العمولة ملوظف الشركة يف
عة عقار عن طريقه ،وهو موظف صاحب عقار وال توجد مضرة ختليص بـي ِ
َْ
لصاحب الشركة؟
اجلواب:
إذا كانت هذه الشركة خاصة وليست منشأة حكومية وتعمل يف قطاع
ما ،فهل جيوز يل أن أعطي املوظف الذي يعمل يف الشركة ،شيئا مقابل
اخلدمات اليت تقدمها هذه الشركة؟
نقول هنا :إذا كانت الشركة متنع من هذا؛ فال جيوز ،ألن املسلمني على
شروطهم ،ومعن هذا :أن الشركة اشرتطت على العامل لديها أال أيخذ شيئا،
فال جيوز أن نعينه على احملرم ،وهو خمالفة الشرط ،فاملسلمون على شروطهم.
أما إذا كانت الشركة ال متنع من هذا ،بل تسمح ملوظفيها أخذ أشياء
من العمالء ،فإان ننظر :هل هذا اإلعطاء ترتتب عليه مضرة للشركة ،أو مضرة
لعميل آخر ،كأن يقدمه عليه ،مثال :يكون اآلن املفرتض أن العمل يكون
للعميل فالالين فيقدم هذا عليه ،فإن هذا ال جيوز.
|77 فقه املعامالت املالية ()2
ألنه ال ضرر وال إضرار .أما إذا كانت الشركة ال متنع من هذا وال يرتتب
على ذلك ضرر ابلشركة ،وال ضرر بعميل آخر ،فال أبس فيما ما يظهر يل -
وهللا أعلم -ما دام أن هذه الشركة خاصة.
السؤال العاشر :يقول حفظكم هللا ما الفرق بني راب الشفاعة والرشوة؟
اجلواب:
الرشوة :مال يعطى للعامل مقابل منفعة يستحقها اإلنسان من هذه
اجلهة أو لدفع مضرة عنه تطلبها هذه اجلهة .فهذا عامل ،يعمل يف هذه
اجلهة فيعطى إما جللب منفعة أو لدفع شيء مطلوب منه هلذه الشركة أو هلذه
اجلهة ،فموظف يف جهة حكومية ،فيأيت إنسان فيعطيه مقابل أن يـ َوظَّف يف
هذه اجلهة ،هذه رشوة.
أما راب الشفاعة :فهو أن يتوسط اإلنسان جباهه وشفاعته ومكانته جللب
منفعة أو دفع مضرة آلخر مث أيخذ على هذا شيئا ،سواء كان مشرتطا عند
األصل يف األول ،أو ل يكن مشرتطا.
السؤال احلادي عشر :هنا عدة أسئلة فيما يتعلق ابجلمعيات املتداولة
بني املوظفني أو الناس ،هل هي من ابب القرض الذي جر نفعا أو من ابب
القرض احلسن؟
اجلواب:
فقه املعامالت املالية ()2 | 78
هذه إن شاء هللا ،على كل حال ستأيت يف قاعدة "كل قرض جر نفعا
فهو راب" ويف اجلملة أان أقول :إهنا جائزة وليست من ابب القرض الذي جر
نفعا كما سنبينه إن شاء هللا عند طرح املسألة.
اجلواب:
هذا نفس السؤال الذي أجبنا عنه سابقا :إذا كانت هذه املكافآة
أيخذها كل من حقق املطلوب ،فهذه مكافآت ال أبس هبا ،واألصل يف
املكافأت التوسعة ،بشرط أال تكون قمارا.
أما إذا كانت تدخل يف ابب القمار -ميكن أن حيصل عليها وميكن أال
حيصل عليها -فهذا ال جيوز
اجلواب:
|79 فقه املعامالت املالية ()2
السؤال الرابع عشر :يقول إذا قال البنك :إذا فتحت احلساب عندي،
أعطيك بطاقة تستطيع هبا أن تستعمل املطاعم يف مطارات العال جماان ،فما
حكم فتح احلساب هبذه النية؟
اجلواب:
فتح احلساب يف البنك هو يف احلقيقة إيداع ،وهو إذا ل يكن يرتتب عليه
فوائد وزوائد فهو ال أبس به ،لكن القضية اآلن أنه إذا فتح حسااب ،يعطى
مكافأة ،فيعطى بطاقة فيها ختفيضات أو حنو ذلك ،هذه يف احلقيقة منفعة
مقابل هذا املال ،لكن هذا ليس بقرض ،وإمنا هو وديعة.
وأان يف احلقيقة؛ هذه املسألة أشكلت علي لبعض األمور ،فلم أستطع أن
أقول فيها ابحلل وال ابحلرمة ،أعين ما يعطى لعمالء البنوك من غري اهلدااي
املعتادة اليت هي :التقومي ،وبعض األشياء العينية ،وإمنا النقاط ،يعين األصل يف
مثل هذه األمور احلقيقة التحرمي ،لكن ألن هذا ليس بقرض ،أشكل علي
احلقيقة ول أصل فيه إىل شيء أجزم به حبرمة أو حل.
السؤال اخلامس عشر :يقول ابرك هللا فيكم ،يوجد يف بعض البنوك
اإلسالمية بطاقة ائتمانية مدفوعة مقدما وليس فيها أي مبلغ مايل ،وإمنا يقوم
يت ابلدرهم ال أيخذون املشرتك بتعبئتها مبا يشاء من املال ،ولكن إذا اشرت َ
يت أبي عملة أخرى فإهنم خيصمون فرق العملة ،هل هذا شيئا ،وإذا اشرت َ
جائز؟
|81 فقه املعامالت املالية ()2
اجلواب:
هذه اليت تسمى ابلبطاقة املغطاة ،ألن البطاقات االئتمانية نوعان:
بطاقات مكشوفة ،ليست مغطاة أبي رصيد .وبطاقات مغطاة إما برصيد
اإلنسان نفسه ،وإما بتعبئتها كما ذكر األخ ،فتشحن مبئة درهم ،أبلف درهم،
بعشرة آالف ،ويشرتي اإلنسان يف إطار ما شحن به هذه البطاقة.
فالبطاقات املغطاة؛ إذا ل يكن يف املعاملة زايدات ربوية عند التعاقد
فجائزة ،ألنه ال يرتتب عليها زايدات عند العمل ،فإذا كانت تؤخذ مببلغ
مقطوع يدفعه اإلنسان ويشحنها فهي جائزة.
تبقى الصورة اليت ذكرها األخ :وهو أنه إذا كان اإلنسان يتعامل يف
اإلمارات مثال إذا سحب ابلدرهم أو اشرتى ابلدرهم ،ال يؤخذ شيء ،لكن لو
فرضنا أن رصيده ابلدراهم ،وتعامل عن طريق االنرتنت مثال واشرتى ابلدوالر،
فإهنم أيخذون منه قيمة العملة أو فرق العملة ،وهذا الفرق أحياان يكون أزيد
من السوق ،مبقدار معني فهذا يف احلقيقة إذا كان يتم فيه التقابض فورا مبعن
أهنم يسحبونه من الرصيد مباشرة مبجرد أن يتم الشراء ،يسحب مقابل هذا
املبلغ من رصيده املوجود يف البطاقة مباشرة فهذا صرف وحصل فيه التقابض،
فهو جائز.
أما إذا كان حيصل أتخري ليوم أو يومني فهذا ال جيوز ،ألن شرط صحة
الصرف التقابض يف اجمللس .وأما الزايدة اليت أيخذها البنك عن سعر السوق،
فهذه على كل حال إذا كانت معلومة ومتفقا عليها من األصل ،فهذا ال أبس
به ،ألن هذه على ما يتفقون عليه .يعين :لو اتفقوا على مبلغ معني يصرف
فقه املعامالت املالية ()2 | 82
به الدوالر أو الدينار أو حنو ذلك ،وكان معلوما فال أبس بشرط التقابض،
أبن يكون يدا بيد.
السؤال السادس عشر :هل جيوز شراء الذهب من بطاقة املاسرتكارد،
وهي اليت تسحب من الرصيد مباشرة جمرد أن توضع يف املاكينة؟
اجلواب:
شراء الذهب ابلبطاقات فيه تفصيل:
فإن كانت البطاقة ِما يسحب منه الرصيد فورا حبيث خيرج من رصيد
املشرتي إىل رصيد البائع وهو يف احملل ،فهذا جائز ،ألن التقابض قد حصل
يف جملس البيع.
أما إذا كانت البطاقة ِما تتأخر أو حتتمل التأخري ،فتأخذ ساعة،
ساعتني ،ثالث ساعات حّت يدخل يف حساب البائع ،فهذا ال جيوز ابلنسبة
للذهب ،ألنه يشرتط التقابض حّت لو سحب الرصيد من حساب املشرتي،
لكنه ل يدخل يف حساب البائع ،فهنا ل حيصل التقابض.
أما إذا كانت البطاقة كما قال السائل أو كما يف بعض البطاقات مبجرد
أن تتم العملية يسحب من رصيد املشرتي ويدخل يف رصيد البائع؛ فهذا
جائز وهو من التقابض.
السؤال السابع عشر :يقول ابرك هللا يف ،كم من يرى ضعف حديث:
من شفع ألخيه شفاعة فأهدى له هدية ...احلديث ،من يرى ضعف
احلديث فهل جيوز له أن يفيت الناس جبواز ذلك بناء على ضعف احلديث؟
|83 فقه املعامالت املالية ()2
اجلواب:
من ل يصح عنده احلديث ،فله أن يفيت ابجلواز ،ألنه ال يوجد دليل على
املنع سوى هذا احلديث ،فإذا ل يصح عنده احلديث ،ول ير أن الشفاعة من
القرابت اليت ال يؤخذ عليها مقابل -هذه علة اثنية-؛ فله أن يفيت ابجلواز،
ويرى أن هذا من ابب املكافأة على املعروف ،الذي ل يعارضه احلديث
اآلخر ،ألن احلديث اآلخر عنده ضعيف.
السؤال الثامن عشر :يقول أحسن هللا إليكم ،بعض الناس يتعامل مع
البنوك اإلسالمية واملصارف اإلسالمية ،ويقول :أتعامل معهم وإن كان هناك
خمالفة؛ فاملعاملة يف ذمتهم ،ألين أتعامل معهم على أساس أن معاملتهم
إسالمية ،وليس عندي علم أميز هذه املعاملة هل هي جائزة أم ال .يقول:
توجيهكم فيه؟
اجلواب:
نعم التعامل مع البنوك اإلسالمية اليت هلا هيئات شرعية ،جائز يف
اجلملة ،لكن إذا كان يف املعاملة خمالفة ظاهرة ،أو شك اإلنسان؛ فيجب
عليه أن يسأل أهل العلم ،السيما أن األمور اختلطت ،لكن عاميا ذهب
وتعامل مع البنك اإلسالمي الذي عنده هيئة شرعية ،ول يظهر له يف املعاملة
خمالفة؛ فهذا جائز وهو على األصل.
فقه املعامالت املالية ()2 | 84
لكن قضية :أضعها يف رقبة اللجنة الشرعية وأخرج سال! هذا ما يصلح،
إذا ظهر لك أن يف املعاملة خمالفة فال تقل :أان ال يهمين اللجنة أفتت! ال بد
إما أن تسأل أو تتوقف ،ترتك هذه العملية.
فنحن نقول :الذي يتعامل مع البنوك اإلسالمية ،إما أنه الي ظهر له
يف املعاملة شيء ،ول خيربه أحد عن شيء يف هذه املعاملة ،واألصل أن هذه
البنوك اإلسالمية هلا هيئات استشارية ،فهذا جائز ،وإن كنا نوصي ابلسؤال.
أما إذا ظهر أن يف املعاملة خمالفة ،أو مسع املتعامل أن يف املعاملة خمالفة،
فال جيوز له أن يقدم حبجة أن عندهم هيئة شرعية ،بل ال بد من السؤال حّت
تربأ الذمة.
***
|85 فقه املعامالت املالية ()2
الدرس الثالث
احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم األمتان األكمالن على املبعوث
رمحة للعاملني وعلى آله وصحبه أمجعني أما بعد
...فينبغي علينا أن حنرص على تعلم العلم الصحيح ،وعلى نشر السنة
إذا أردان اخلري ألمتنا وجمتمعاتنا ،ومن هذا الباب هذه الدورة اليت أسأل هللا
أن يرزقين وإايكم فيها اإلخالص ،وأن جيعلها مباركة ،حيث نتناول فيها
قواعد ذات شأن عظيم تتعلق ابلراب وهو أشر املعامالت اليت يتعامل هبا الناس
كما قدمنا البارحة.
بدأان ابلقاعدة األوىل وهي قاعدة مهمة جدا يف ضبط الراب ،حيث بَـينا
أن الراب من حيث ما يقع فيه ثالثة أقسام:
القسم األول :راب الديون :وهو راب يقع يف الديون والقروض ،وهو يقع
يف كل األموال اليت يقع فيها القرض ،فليس خاصا مبال دون مال إبمجاع أهل
العلم ،وهو ثالثة أنواع:
النوع األول :راب القرض أبن يقرضه شيئا بزايدة سواء كانت تلك الزايدة
من جنس القرض أو من غري جنسه ،وهذا من راب اجلاهلية الذي أمجع أهل
العلم على حترميه.
والنوع الثاين :راب الزايدة يف ال َديْن الثابت يف الذمة ،حبيث ال يكون
الدين ولكن عند حلول األجل يقال للمدين :و ِ
ف أو ِزْد ،أو َ الراب يف أصل َ ْ
فقه املعامالت املالية ()2 | 86
وأما [القسم الثاين ]:راب البيوع :فهو الراب الذي يقع يف البيوع ،ومن
صفاته أنه خاص ببعض األموال وليس يف كل األموال ،وهو نوعان :راب
الفضل وراب النسيئة وسنتكلم عنهما اآلن إن شاء هللا .
وأما القسم الثالث فهو راب الشفاعة ،وهو :أن أيخذ اإلنسان مقابال
لشفاعة أو ملا يسمى بـ "التوسط" ،وهذا أيضا كما قلنا -أيها اإلخوة -حمل
خالف:
ومدار املسألة على حديث أيب أمامة :من شفع ألخيه شفاعة
فأهدى إليه هدية عليها فقبلها فقد فتح اباب عظيما من أبواب الراب فهذا
ص َّح َحه؛ قال ابلتحرمي أو
احلديث الذي رواه أبو داوود والطرباينَ ،م ْن َ
ضعَّ َفه؛ قال أبن هذا جائز ألنه ال دليل على املنع.
وم ْن َ
ابلكراهةَ ،
فقه املعامالت املالية ()2 | 88
من هنا نفهم -اي إخوة -أن الراب من حيث البيوع ال يقع يف كل مال أو
يف كل جنس ،وإمنا يف أجناس معينة ستأيت إن شاء هللا ،يف بيع كل
جنس جيري فيه الراب بنفس جنسه ،هذا راب الفضل ،مثل :أن يبيع اإلنسان
بصاعي أرز رديء ،يعين :إنسان يبيع األرز وعنده أرز جيد،
صاع أرز جيد َ
وجاء إنسان معه أرز رديء فقال له :أبيعك صاعا من هذا األرز اجليد
بصاعني من هذا األرز الرديء الذي معك ،فهذا راب فضل ألنه يبيع األرز
ابألرز متفاضال.
راب النسيئة :هو أتخري قبض ما جيري فيه الراب ،كأن يشرتي مئة غرام من
الذهب مبئة غرام من الذهب ،ويقبض املشرتي الذهب اآلن ،ويقبض البائع
املال غدا ،هنا ابع ذهبا بنقود ،أو ابع ذهبا بذهب ،وأخر قبض أحدمها ولو
غراما منه ،فإن هذا هو راب النسيئة.
وقد جيتمعان :فتكون يف املعاملة راب فضل وراب نسيئة ،مثل :أن يشرتي
مئة غرام ذهب مبئة وعشرين غراما من الذهب ،ويؤخر القبض.
أعطيكم صورة تقع يف السوق :يذهب الرجل إىل سوق الذهب ومعه
ذهب قدمي المرأته ،يزن مئة غرام ،فيقول له الصائغ هذا الذهب قدمي مئة
غرام ،نبيعه لك بثمانني غرام من الذهب اجلديد -هذا تفاضل -ولكن
الذهب اجلديد ليس عندان اليوم نعطيك إايه غدا ،هات هذا الذهب الذي
معك وغدا نسلمك الذهب اجلديد.
فهنا يوجد عندان راب فضل وراب نسيئة يف معاملة واحدة.
فقه املعامالت املالية ()2 | 90
وقد دل على هذا أحاديث رسول هللا ﷺِ ،م ْن أصرحها ما رواه مسلم
عن عبادة بن الصامت قال :قال رسول هللا ﷺ :الذهب ابلذهب،
والفضة ابلفضة ،والبـر ابلبـ ِر ،والشعري ابلشعري ،والتمر ابلتمر ،وامللح ابمللح،
مثال مبثل ،سواء بسواء ،يدا بيد ،فإذا اختلفت هذه األصناف فبيعوا كيف
شئتم إذا كان يدا بيد.
ويف راوية عنه أيضا عند مسلم قال :قال رسول هللا ﷺ :الذهب
ابلذهب ،والفضة ابلفضة ،والبـر ابلبـ ِر ،والشعري ابلشعري ،والتمر ابلتمر ،وامللح
ابمللح ،مثال مبثل ،يدا بيد ،فمن زاد أو استزاد فقد أراب ،اآلخذ واملعطي فيه
سواء.
فهنا بني النيب ﷺ نوعي الراب:
راب الفضل يف قوله :مثال مبثل ،سواء بسواء ،يدا بيد ،فعندما
قال :مثال مبثل ،سواء بسواء؛ علمنا أنه إن زاد كان راب ،وأصرح منه قوله
ﷺ يف الرواية األخرى :فمن زاد أو استزاد؛ فقد أراب ،فهذا نص صريح يف
يع الشيء جبنسه:ِ
راب الفضل ،وهو دليل على أن راب الفضل إمنا يقع إذا ب َ
الذهب ابلذهب ،الفضة ابلفضة.
أيضا فيه بيان راب النسيئة يف قوله ﷺ :فإذا اختلفت هذه
األصناف؛ فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد ،فعلمنا أنه إذا اختلفت هذا
األصناف وهي من األجناس الربوية؛ جيوز التفاضل ،لقوله :فبيعوا كيف
|91 فقه املعامالت املالية ()2
شئتم ،ولكن ال جيوز التأخري؛ ألن النيب ﷺ اشرتط يف قوله :إذا كان يدا
بيد فعلمنا إنه إذا ل يكن يدا بيد فإنه ال جيوز.
بقي شيء اثلث دل عليه احلديث ابلسكوت ،وهو :إذا كانت
السلعة أو كان املبيع ليس من أجناس الراب فإنه جيوز بيعه متفاضال ونسيئة.
إذن حتصل عندان من احلديث بيان نوعي الراب :الفضل ،والنسيئة ،وأهنا
إمنا تقع يف أجناس الراب ،وبسكوت احلديث دلنا على نوع الثالث :وهو
األموال غري الربوية ،فيجوز بيعها متفاضلة ونسيئة.
فالصحيح -مثال -من أقوال أهل العلم؛ أن احلديد ليس من أموال الراب،
فيجوز بيع طن حديد بطن ونص من حديد حاضرا أو نسيئة ،ألنه ليس من
أموال الراب ،وكذلك الثياب :الثياب ليست من األموال الربوية فيجوز لإلنسان
أن يبيع ثواب بثوبني حاضرة أو مؤجلة.
القاعدة الثالثة :الراب حرام قليله وكثريه.
الراب حرام ،ومن كبائر الذنوب ،وال فرق فيه بني اليسري والكثري ،دل على
حترميه آايت قاطعات وأحاديث بينات ،وإمجاع قطعي من أوضح اإلمجاعات.
أما اآلايت :فقد قرأان آايت الراب البارحة ،منها نصا قول هللا :
ۡ
ذُ َۡ َ َ َ ذ َ َ َ َ ذ
ٱلر َب َٰوا﴾ [البقرة ،]275 :و”ال ـ“ هنا دخلت على
﴿وأحل ٱّلل ٱۡليع وحرم ِ
”الراب“ فاقتضت العموم ،فكل راب فهو حرام بنص القرآن.
فقه املعامالت املالية ()2 | 92
َ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ َ
كذلك جاء بصيغة النهي يف قول هللا َٰٓ ﴿ :
يأيها ٱَّلِين ءامنوا ل
ِ َ َٰٓ َ ۡ َ َٰ ٗ ُّ َ َٰ َ َ ٗ َۡ ُ ُ
ٱلربوا أضعفا مضعفة ﴾ [آل عمران ،]130 :فهذا هني وصدر تأكلوا ِ
َ
يأ ُّي َها ذٱَّل َ
ِين َء َام ُنوا“ ،والقاعدة -أيها اإلخوة -أن اآلية النهي بقول هللآَٰ َ ” :
ُ َ َ َ َ َ ُّ َ ذ
فإن فيها أمرا عظيما تؤمريأيها ٱَّلِين ءامنوا“؛ َّ إذا صدرت هبذه الصفة ” َٰٓ
به أو تنهى عنه ،وهذا اخلطاب لرتقيق القلوب ،فإن كل إنسان من املسلمني
ي َأ ُّيهاَ
ِين َء َام ُنوا“ وال حيب أن خيرج ،فإذا قيل لهَٰٓ َ ” : يرى أنه يدخل يف ” ذٱَّل َ
َ َٰٓ َ ۡ َ َٰ ٗ ُّ َ َٰ َ َ ٗ َ َۡ ُ ُ ذٱَّل َ
ِين َء َام ُ
ٱلربوا أضعفا مضعفة “. ِ وا ل ك أت ل ” النهي وجاء . لب
َ ـق
ْ َ
أ “ وا ن
ٗ َ ٗ
وقلنا -اي اإلخوة -ابألمس ”أ ۡض َعَٰفا ُّم َض َٰ َع َفة “ هذه بياان للحال
وليست قيدا للراب احملرم ،فالراب لو كان درمها واحدا فهو حرام ،ولكن حال
الراب الذي كان يقع؛ أنه يصبح أضعافا مضاعفة.
وأشار بعض أهل العلم إىل لطيفة هنا وهي :أن من يدخل هذا الباب
يـ ْغ ِرق فيه ،هذا الباب -والعياذ ابهلل -ال يزال بينه وبني املؤمن ستار يعظمه
املؤمن وخياف منه! لكن إذا البَ َسه أوشك أن يَـ ْغَر َق فيه.
ولذلك جتد مثال أن أصحاب البنوك الربوية أن كثريا منهم من املسلمني،
-حنن نتكلم عن أصحاب البنوك الربوية املسلمني -طبعا ال ي َك َّفر ابلتعامل
ابلراب ولو فتحا بنكا؛ ألن العمل ال يدل على االستحالل ،وهذا يدل عليه
الواقع ،فإنك َترى كثريا من الناس يفعل الشيء وهو يرى أنه حرام ولكن تغلبه
شهوته ،يسمعون اآلايت ويسمعون املواعظ ويسمعون كالم اخلطباء ولكنهم
ال ينزجرون ،ألن هذا الباب -والعياذ ابهلل -إذا دخله اإلنسان ران على
|93 فقه املعامالت املالية ()2
القلب ،وأصبح أضعافا مضاعفة ،وغلب على مال اإلنسان ،ولذلك يقول
العلماء :دفع الراب أسهل من رفعه ،دفع الراب :بِ َعدم الدخول فيه أصال ،والبعد
عنه ،واحلذر منه أسهل من رفعه ،بعض الناس أييت يقول :وهللا أان اآلن
حمتاج ،وهذه املعاملة ،ويدخل يف املعاملة ،مث إذا دخل -والعياذ ابهلل -
احندر ،فكلما أبعد اإلنسان عن هذا الباب كلما َسلِ َم منه.
وأيضا جاء حترمي الراب يف القرآن ببيان سوء عاقبة أهله يوم القيامة يف قول
ََ َ
خ ذب ُطهُ ذ َ َ ۡ ُ ُ َ َ َٰ َ َ ُ ُ َ ذ َ َ َ ُ ُ ذ
ٱلربوا ل يقومون إِل كما يقوم ٱَّلِي يت
هللا ﴿ :ٱَّلِين يأكلون ِ
ۡ ذ
ٱلش ۡي َطَٰ ُن م َِن ٱل َم ِس﴾ [البقرة ،]275 :وقلنا ابألمس -والعياذ ابهلل :-أن
آكل الراب يبعث يوم القيامة جمنوان على قول من أقوال املفسرين ،ودل عليه
حديث صحيح ،وقال بعض املفسرين :إنه يقوم ويسقط وال يكون مسرعا
كغريه من الناس.
أيضا دل على حرمة الراب ولو كان قليال ولو بقي منه شيء قول هللا :
َِين َء َام ُنوا ذٱت ُقوا ذ َ
ٱّلل َوذ ُروا َما بَ ذ َ
ٱلر َب َٰٓوا﴾ [البقرة،]278 :
ِ
قم َ
ِن َ ِ
﴿أ ُّي َها ٱَّل َ
وهذا يقتضي العموم ولو كان درمها واحدا ولو كان شيئا يسريا ،مث قول هللا
ذ ُ ََۡ َ ۡ ُ ذ َ
﴿:فإِن ل ۡم تف َعلوا فأذنوا ِِبَ ۡرب م َِن ٱّللِ َو َر ُس ِ
وَلِۦ﴾ [البقرة،]279 ،:
هذا تغليظ يف هذا الذنب ،ألنه كما قدمنا :ما مجع هللا بينه وبني رسوله ﷺ
يف اإلذن ابحلرب إال يف ذنب الراب ،فآكل الراب حمارب هلل ،حمارب لرسول هللا
ﷺ بفعله ،ولذلك نص أهل العلم على أن الراب أَ َشر املعامالت احملرمة.
فقه املعامالت املالية ()2 | 94
وأما السنة :فقد ورد حترمي الراب أبساليب متعددة ،منها ما جاء يف
صها على أصحابه وجاء فيها قال :فَانْطَلَ ْقنَا َح َّّت أَتَـْيـنَا رؤاي النيب ﷺ اليت قَ َّ
ِ ِ ِ ِِ ِ
َّه ِر َرجل بـَ ْ َ
ني َّه ِرَ ،و َعلَى َشط النـ َ
َعلَى نَـ َهر م ْن َدم فيه َرجل قَائم َعلَى َو َسط النـ َ
ِ يَ َديْ ِه ِح َج َارة ،فَأَقْـبَ َل َّ
َّه ِر هذا هنر من دم ،حيكيه النيب ﷺ، الرجل الَّذي ِيف النـ َ
ويف وسطه رجل قائم ،وعلى شط النهر رجل وبني يديه حجارة ،فإذا أقبل
الرجل ِحبَ َجر ِيف فِ ِيه ،فَـَرَّده الرجل الذي يف النهر فَإِذَا أ ََر َاد أَ ْن َخيْر َج َرَمى َّ
َحْيث َكا َن ،فَ َج َع َل كلَّ َما َجاءَ لِيَ ْخر َج؛ َرَمى ِيف فِ ِيه ِحبَ َجر ،فَـيَـ ْرِجع َك َما َكا َن،
هذا حاله يف العذاب -والعياذ ابهلل -يسبح يف هنر من دم ،كلما أراد أن
خيرج منه رمى الرجل الذي على الشط حجرا يف فيه فثقل كما كان يتناول
ِ
قال امللكانَ :والَّذي َرأَيْـتَه ِيف النـ َ
َّه ِر الراب ،فريجع كما كان ،ويف آخر الرؤاي َ
الرَاب رواه البخاري يف الصحيح. آكِلوا ِ
أيضا :بني النيب ﷺ أن الراب من السبع املوبقات ،املهلكات ،الذنوب
الكبار ،فقال ﷺ :اجتنبوا السبع املوبقات ،قالوا وما هن اي رسول هللا،
قال :الشرك ابهلل ،والسحر ،وقتل النفس اليت حرم هللا إال ابحلق ،وأكل الراب،
وأكل مال اليتيم ،والتويل يوم الزحف ،وقذف احملصنات املؤمنات الغافالت
متفق عليه.
وبني النيب ﷺ أن الراب سبب لطرد اإلنسان من رمحة هللا ،والقاعدة عند
أهل العلم أن كل ذنب تـو ِع َد عليه ابللعن فهو من الكبائر ،جاء عن جابر
|95 فقه املعامالت املالية ()2
قال :لعن رسول هللا ﷺ آكل الراب ،وموكِله ،وكاتبه ،وشاهديه ،وقال
هم سواء رواه مسلم يف الصحيح ،وقال :هم سواء أي يف اللعن.
توعد
فأعوذ ابهلل -اي إخوة ،-الراب شأنه خطري ،الذي أيخذ الراب م َّ
ابللعن ،والذي يعطي الراب متوعَّد ابللعن ،والذي يشهد على معاملة الراب
متوعد ابللعن ،فكلها
متوعد ابللعن ،والذي يكتب الراب ولو جبهاز احلاسب َّ
َّ
كبائر ،يعين :الذي يعمل يف بنك ربوي ويقيد املعامالت الربوية ،أو يوثقها؛
فهو مرتكب لكبرية من كبائر الذنوب ،مستحق للعنة ،بنص حديث رسول
هللا ﷺ ،وهذا يدل -أيها اإلخوة -بداللة التنبيه على أن التسبب يف الراب
كبرية من كبائر الذنوب ،حّت السمسرة :كون اإلنسان يكون مسسارا بني
البنك الربوي واملقرتض؛ هي من كبائر الذنوب ،بل ذكر أهل العلم أنه حّت
محل من يريد أن يتعامل ابلراب إىل املكان الذي يتعامل فيه ابلراب مع العلم؛
حمرم وقد يكون من الكبائر ،ألنه تسبب يف هذا األمر ،فاألمر جد خطري.
والراب أيضا سبب حللول العقوابت العاجلة ،وهذا دليل على كونه شرا
عظيما ،فعن ابن عباس قال :قال رسول هللا ﷺ :إذا ظهر الزان والراب
يف قرية ،فقد أحلوا أبنفسهم عذاب هللا رواه الطرباين واحلاكم وصححه
احلاكم واأللباين ،أي :أهنم عرضوا أنفسهم ألن ينزل عليهم عذاب هللا سبحانه
وتعاىل.
فقه املعامالت املالية ()2 | 96
وقد أمجع املسلمون سلفا وخلفا على حرمة الراب بنوعيه ،راب الفضل وراب
النسيئة ،قال ابن قدامة -رمحه هللا” :-والراب على ضربني :راب الفضل ،وراب
النسيئة ،وأمجع أهل العلم على حترميهما“.
قلت :أما راب النسيئة :فلم يقع فيه خالف بني األمة أصال ،بل األمة
جممعة على حرمته ،ول يقل أحد من أهل العلم إنه حالل ،وقد روى مسلم
يف صحيحه عن أسامة بن زيد أن النيب ﷺ قال :إمنا الراب يف
النسيئة ،وهذا احلصر للتغليظ وسيأيت الكالم عليه إن شاء هللا .
وأما راب الفضل :الذي هو الزايدة ،فقد خالف فيه بعض الصحابة ،كابن
عباس وابن عمر ،واحتجا هبذا احلديث الذي ذكرانه :حديث أسامة أن
النيب ﷺ قال :إمنا الراب يف النسيئة ،فحصر الراب يف النسيئة ،فقالوا :إمنا يقع
الراب يف النسيئة.
وقد حكى مجع من أهل العلم أهنما رجعا عن هذا القول ،قال ابن
حجر” :وخالف فيه ابن عمر مث رجع“ -يعين جزم برجوع ابن عمر -
”وابن عباس واختلف يف رجوعهم“ ،هذا الذي حكاه ابن حجر يعين :جزم
أن ابن عمر رضي هللا عنهما رجع عن القول ابجلواز إىل القول ابلتحرمي يف راب
الفضل ،وقال :إنه اختلف يف رجوع ابن عباس رضي هللا عنهما.
قلت :روى مسلم يف الصحيح عن أيب نضرة قالَ :سأَلْت ابْ َن ع َمَر،
الصر ِ
ف ،فَـلَ ْم يَـَرَاي بِِه َأبْسا- يعين صرف الدراهم ابلداننري، َوابْ َن َعبَّاس َع ِن َّ ْ
|97 فقه املعامالت املالية ()2
أو صرف يعين الداننري ابلداننري ،أو الدراهم ابلدراهم متفاضلة ،هذا املقصود
ابلصرف يف مجيع صوره.
الصر ِ اعد ِعْن َد أَِيب َسعِيد ْ
قال :فَِإِين لََق ِ
ف ،فَـ َق َال: اخل ْد ِر ِي ،فَ َسأَلْته َع ِن َّ ْ
َما َز َاد فَـه َو ِراب- هذا أبو سعيد اخلدري الصحايب اجلليل.
ك لَِق ْوهلِِ َما ،يعين :لقول ابن عمر وابن عباس. ِ
قال :فَأَنْ َك ْرت ذَل َ
احب ََنْلِ ِه
ول هللاِ ﷺ ،جاءه ص ِ
ََ َ
ك إَِّال ما َِمس ْعت ِمن رس ِ
َْ
ِ
فَـ َق َالَ :ال أ َحدث َ َ
صاع ِم ْن متَْر طَيِبَ ،وَكا َن متَْر النِ ِ
َّيب ﷺ َه َذا اللَّ ْو َن يعين :ليس هو التمر بِ َ
اجليد.
اع ْ ِ
ني فَا ْشتَـَريْت صَ ك َه َذا؟ قَ َال :انْطَلَ ْقت بِ َ فَـ َق َال لَه النَِّيب ﷺ :أ َ
َّن لَ َ
وق َك َذاَ ،و ِس ْعَر َه َذا َك َذا ،فَـ َق َال َرسولالصاع ،فَِإ َّن ِسعر ه َذا ِيف الس ِ
َْ َ بِه َه َذا َّ َ
ِ
ك ،فَبِ ْعت َذلِ َ ت- يعين وقعت يف الراب -إِ َذا أ ََر ْد َ هللاِ ﷺَ :ويْرلَ َ
ك ،أ َْربَر ْي َ
ي َتَْر ِش ْئ َ
ت. َتََْر َك بِ ِسل َْعة ،ثَُ ا ْش َِت بِ ِسل َْعتِ َ
ك أَ َ
طيب انظروا فقه الصحابة ،وأن الصحابة يـ ْع ِملون القياس :قَ َال أَبو
َحق أَ ْن يَكو َن ِراب ،أَِم الْ ِفضَّة ِابلْ ِفض َِّة؟ ،يعين :هذا وقع َسعيد :فَالت َّْمر ِابلت َّْم ِر أ َ
يف التمر ،فأيهما أوىل؛ هل التمر أوىل من الفضة أو الفضة أوىل.
قَ َال :فَأَتَـْيت ابْ َن ع َمَر بَـ ْعد فَـنَـ َه ِاين ،يعين أتيت ابن عمر بعد
فسألته عن الصرف فنهاين ،وهؤالء هم األتقياء األزكياء -اي إخوة ،-ال
مينعهم قول قالوه اليوم فتبني هلم احلق يف خالفه؛ من أن يعودوا إىل احلق،
وهذه طريقة األزكياء األتقياء على َمر الزمان ،قد يقول أحدهم قوال مث يتبني
فقه املعامالت املالية ()2 | 98
له أن احلق خبالفه؛ ال يبقى يعين :يتأول لنفسه وميكن ..وميكن ..بل يرجع
إىل احلق فإن احلق قدمي ،وهذه من مزااي أهل العلم األبرار.
الص ْهبَ ِاء ،أَنَّه َسأ ََل ابْ َن قال :وَل ِ
آت ابْ َن َعبَّاس ،قَ َال :فَ َح َّدثَِين أَبو َّ َْ
َعبَّاس َعْنه ِمبَ َّكةَ فَ َك ِرَهه .والكراهية يف لسان السلف يقصد هبا التحرمي،
وخيطئ بعض الفقهاء حيث حيمل كلمة مكروه أو أكره يف لسان السلف،
على الكراهية اليت اصطلح عليها املتأخرون.
فهذا نص يف أن ابن عباس أنه رجع عن القول ابجلواز.
ف -يَـ ْع ِين ابْ َن َعبَّاس- لصر ِ ِ ِ
وجاء عن أيب اجلوزاء قالَ :مس ْعته َأيْمر اب َّ ْ
ك فَـلَ ِقيته ِمبَ َّكةَ ،فَـق ْلت :إِنَّه بَـلَغَِين ِ
ك َعْنه ،مثَّ بَـلَغَِين أَنَّه َر َج َع َع ْن َذل َ
ِ
َوحيَدَّث َذل َ
ِ
ك َرأْاي ت– يعين عن قولك يف راب الفضل -قَ َال نَـ َع ْم إَِّمنَا َكا َن ذَل َ أَن َ
َّك َر َج ْع َ
الصر ِ ِم ِين ،وه َذا أَبو سعِيد حي ِدث عن رسول َِّ
ف ،يعين اّلل ﷺ أَنَّه نَـ َهى َع ْن َّ ْ َ َ َْ َ ََ
عن التفاضل يف الصرف ،رواه ابن ماجه وصححه األلباين.
فانظروا تعظيم الصحابة للسنة ،هذا ابن عباس رأى رأاي يف جواز
راب الفضل ،فلما بلغه احلديث عن أيب سعيد اخلدري ،رجع عن قوله ألنه
كان رأاي رآه وفهما فهمه ،وقد أمجع العلماء بعدهم على حرمة راب الفضل،
والسنة صرحية يف حرمة راب الفضل.
إذن انتبهوا هلذا -أيها اإلخوة ،-ألن بعض الناس يطنطن على قضية
خالف ابن عمر وابن عباس ،راب النسيئة :ل يقع فيه خالف أصال،
راب الفضل :اجتهد فيه ابن عمر وابن عباس ،ألنه بلغهما حديث :إمنا
|99 فقه املعامالت املالية ()2
الراب يف النسيئة ،ول يبلغهما احلديث اآلخر ،فلما بلغهما احلديث اآلخر؛
رجعا عن قوليهما.
مث تتابع العلماء على اإلمجاع على حرمة الراب بنوعيه ،ولذا قال النووي
-رمحه هللا -عن حديث أسامة ” :وقد أمجع املسلمون على ترك العمل
بظاهره“ ،ألن ظاهره أنه حصر الراب يف النسيئة.
ولذلك أيضا قال الرتمذي” :ويف الباب عن أيب بكر ،وعمر ،وعثمان،
وأيب هريرة ،وهشام بن عامر ،والرباء ،وزيد بن أرقم ،وفَضالة بن عبيد ،وأيب
بَ ْكرَة ،وابن عمر ،وأيب الدرداء ،وبالل“ ،قال” :وحديث أيب سعيد عن النيب
ﷺ يف الراب حديث حسن صحيح“ وهذا وجه الشاهد” :والعمل على هذا
عند أهل العلم من أصحاب النيب ﷺ وغريهم ،إال ما روي عن ابن عباس أنه
باع الذهب ابلذهب متفاضال ،والفضة ابلفضة كان ال يرى أبسا أن ي َ
متفاضال ،إذا كان يدا بيد ،وقال إمنا الراب يف النسيئة ،وكذلك روي عن بعض
أصحابه شيء من هذا ،وقد روي عن ابن عباس أنه رجع عن قوله حني
حدثه أبو سعيد اخلدري ،والقول األول أصح“ ،يعين الذي عليه مجاهري
الصحابة” ،عند أهل العلم من أصحاب النيب ﷺ وغريهم“ ،إىل أن قال:
”وروي عن ابن املبارك أنه قال :ليس يف الصرف اختالف“ ،واملقصود :ليس
يف الصرف اختالف مستقر ،ألن هذا اخلالف ل يستقر ،بل من خالف فيه
رجع عن قوله.
فقه املعامالت املالية ()2 | 100
طيب حديث أسامة وهو حديث صحيح اتم الصحة :إمنا الراب يف
النسيئة كيف جياب عنه؟
أجاب عنه العلماء :أبن األحاديث األخرى ،اليت تدل على حترمي
التفاضل بني هذه األجناس مقدمة عليه.
طيب ملاذا تـ َقدم عليه؟ قالوا:
أوال :ألنه رواها من هم أكرب منه سنا وأكثر عددا ،فهم مقدمون
عليه.
واألمر الثاين :ألهنا تدل على حترمي التفاضل ابلنص ،وحديث أسامة
يدل على جواز التفاضل ابملفهوم ،الذي يسميه العلماء مفهوم احلصر ،لَـ َّما
حِ
صَر الراب يف النسيئة؛ فهمنا أنه جيوز ،والنص مقدم على املفهوم ابالتفاق.
أيضا أجاب بعض أهل العلم عن حديث أسامة :أبنه حيتمل أن
يكون يف واقعة معينة ،وليس مطلقا ،فيحتمل أن يكون رسول هللا ﷺ سئل
عن الراب يف صنفني خمتلفني ،ذهب بفضة مثال ،أو متر حبنطة ،فقال :إمنا
الراب يف النسيئة ،يعين إمنا الراب يف هذا يف النسيئة ،فسمعه أسامة فأَدى ما
مسع وهو ما مسعه من النيب ﷺ ،ووجه هذا االحتمال :األحاديث األخرى،
اليت تدل على حترمي التفاضل يف اجلنس الواحد.
وأجاب بعض أهل العلم :أبن حديث أسامة خرج خمرج التغليظ،
واحلديث إذا خرج خمرج التغليظ ال مفهوم له ،إذا جاءت اآلية بقيد على
سبيل التغليظ ،أو جاء احلديث على سبيل التغليظ ،فإنه ال مفهوم له ،وهذا
|101 فقه املعامالت املالية ()2
داخل
صر-اي إخوة -عند األصوليني يف قوهلم :إذا ظهرت للمفاهيم فائدة غري قَ ْ
ُ َ ََ ُ ُ ذ
ك ُم ٱل َٰ ِت ِف ُح ُجورِكم ﴾ احلكم فإنه ال يـ ْقصر احلكم؛ مثال﴿ :ور َٰٓ
بئِب َ
ت يف اآلية ابلاليت يف [سورة النساء :آية ،]23الربيبة هي بنت الزوجة ،قـيِ َد ْ
حجوركم ،طيب ِلَ؟ قالوا :ألن نكاحها أغلظ من نكاح الربيبة البعيدة ،ألهنا
تربت يف ِح ْج ِره ،وهلذا ال مفهوم له ،فال جيوز للرجل أن يتزوج ابنة زوجته
اليت دخل هبا ولو كانت تعيش بعيدة عنه.
يعين :لو أن رجل تزوج امرأة ودخل هبا ،وهلا بنت من زوجها السابق
وهذه البنت تعيش مع أبيها ،وما رآها قط هذا الزوج ،وماتت أمها ،فإنه ال
جيوز له أن ينكحها ،ألن هذا القيد خرج خمرج التغليظ ،فال مفهوم له.
وكذلك حديث أسامة إمنا الراب يف النسيئة ،خرج خمرج التغليظ يف هذا الراب،
فال مفهوم له ،وسبب هذا التغليظ :أن الراب الشائع يف ذاك الزمان كان راب
النسيئة ،أكثر من راب الفضل ،ألنه كما تقدم معنا هو راب اجلاهلية -اي إخوة-
،فغلظ النيب ﷺ فيه.
وأجاب بعض أهل العلم :أبن حديث أسامة املقصود به أصل الراب،
يعين :الراب الذي كان يتعامل به الناس ،هو الذي كان يف النسيئة ،وهو الذي
قلنا عنه أمس :راب الديون ،الراب اجللي ،ألن أهل اجلاهلية ما كانوا يقفون عند
البيوع ،ولكن يتعاملون ابلديون ،فالنيب ﷺ أراد أن يبني أصل الراب ،وهو أن
فقه املعامالت املالية ()2 | 102
أصل الراب كان يف النسيئة ،مث بني للصحابة رضوان هللا عليهم راب الفضل ،كما
يف األحاديث األخرى.
هذا جممل ما أجاب هبا أهل العلم عن حديث أسامة ،ويتضح من هذا
أن العلماء قد أمجعوا على حترمي راب الفضل وراب النسيئة.
طيب ،هنا أشري إشارة :لعلكم إذا قرأمت يف بعض كتب الفقه ،جتدون أن
بعض الفقهاء قالوا" :أمجع العلماء على حترمي الراب من حيث اجلملة"ِ ،لَ قيدوا
بقوهلم :من حيث اجلملة؟ ما فائدة هذا القيد عندهم؟
هم هنا -اي إخوة -يريدون اإلشارة إىل أن هناك مسائل يف الراب اختلف
فيها أهل العلم هل هي من الراب أو ليست من الراب؟ مثل :هل جيري راب
الفضل يف املطعومات اليت ل ترد يف احلديث يف األصناف األربعة -ألن
األصناف ستة ،أمثان وهي :الذهب والفضة ،وأربعة املطعومات -هل جيري
الراب يف غريها؟ يعين :هل جيري الراب يف األر؟ ،هذا اختلف فيه أهل العلم،
لكن يف اجلملة أمجعوا على حترمي راب الفضل وراب النسيئة.
سة. القاعدة الرابعة :األموال الربوية منصوصة ِ
ومق ْي َ
َ
أي أن األموال اليت جيري فيها راب البيوع" ،منصوصة" نَص عليها النيب
وعيَّـنَها" ،ومقيسة" عليها ،ملشاركتها يف العلة.
ﷺ َ
طبعا -اي إخوة -تقدم معنا أن راب الديون يدخل كل األموال ،أما راب
البيوع ،فإنه جيري يف أموال خمصوصة ابتفاق العلماء ،وهذه األموال:
|103 فقه املعامالت املالية ()2
وقال ابن عبد الرب -رمحه هللا” :-فاستقر األمر عند العلماء على أن
ابلوِرِق ،كما هو يف النسيئة“ الراب يف االزدايد يف الذهب ابلذهب ،ويف ِ ِ
الورق َ
َ
يعين :راب ،حرام ”سواء يف بيع أحدمها ابآلخر ،ويف بيع بعض كل واحد
منهما ببعض ،وهذا أمر جمتَمع عليه ال خالف فيه بني العلماء مع تواتر
اآلاثر عن النيب ﷺ بذلك“ ،وفيها هذه املكيالت األربعة وهي يدخلها الراب
ابإلمجاع ،قال ابن عبد الرب” :على هذا مذهب الصحابة ،والتابعني ،ومجاعة
فقهاء املسلمني“ ،أن هذه األصناف األربعة يدخلها الراب.
مث اختلف العلماء بعد ذلك ،هل جراين الراب خاص هبذه األصناف ،أم
جيري الراب يف أشياء أخرى:
فذهب الظاهرية وبعض الفقهاء كبعض احلنابلة :إىل أن جراين الراب
خاص هبذه األصناف الستة ،فال جيري الراب إال يف هذه األصناف الستة:
الذهب ،والفضة ،والتمر ،والرب ،والشعري ،وامللح ،وما عداها فال جيري فيه
الراب ،ملاذا؟
قالوا :ألن النيب ﷺ نص فيها ،فال نعدو ما نص عليه النيب ﷺ.
وذهب اجلمهور :إىل أن الراب جيري يف هذه األصناف وما شاركها
يف العلة ،يعين :الرب يشبهه األرز ،اجلمهور يقولون الراب جيري يف األرز كما
جيري يف الرب ،وهذا هو الصحيح ،وعليه مجاهري أهل العلم ،ألن الشريعة
عدل يف أحكامها ،فال تفرق بني املتماثالت ،وال جتمع بني املختلفات.
|105 فقه املعامالت املالية ()2
الشريعة :جتمع بني املتماثالت وال تفرق بينها ،وتفرق بني املختلفات،
ألهنا عدل كلها يف مجيع األحكام ،فإذا وجدان الشريعة حرمت شيئا ،مث
وجدان غريه مثله فإنه أيخذ حكمه ،ألن شرع هللا م َعلَّل ،فاهلل أمران ابألوامر،
وهناان عن املنهيات ،ليس جملرد اإلرادة كما تقول األشاعرة ،وإمنا أمران ابألوامر
ألنه حيبها ،وألن فيها مصاحلنا ،فأنت -اي عبد هللا -إذا وجدت ربك قد
علمت أن هللا حيبه كيفَ أمرك أبمر يف أي شيء فأوال اعلم أن هللا حيبه ،وإذا
ما حتبه؟ أنت -أيها الرجل -أمرك هللا إبعفاء اللحية على لسان رسول هللا
ﷺ فقال :إعفوا اللحى ،أرخوا اللحى ،وفروا اللحى ،أكرموا
اللحى ،)1(فعلمنا من هذا األمر أن هللا حيب إعفاء اللحية ،وإذا علمنا أن
حب غ ِري هللا على حب هللا حيب إعفاء اللحية كيف ال حنبها؟ وكيف نقدم َّ
هللا! بعض الناس يعين يقول إذا قلت له :ما شاء هللا فيك خري ِلَ ال تعفي
حليتك؟ قال :وهللا أان ودي ولكن الزوجة ال حتب اللحية ،وأان أحبها ،أو
يقول وهللا أمي ما حتب اللحية ،وأان أحب أمي ،هللا حيب إعفاء اللحية،
فكيف تقدم حب خملوق على حب هللا سبحانه وتعاىل ،فهذه حكمة
عظيمة ،انفرد هبا أهل السنة واجلماعة ،وأيضا :نعلم أن هللا أمران هبا ألن فيها
مصلحتنا ،وهللا الذي ال إله إال هو؛ يف إعفاء اللحية مصلحتنا يف العاجل
واآلجل ،علمنا عني املصلحة أو ل نعلمها ،لكنَّا جنزم بقلوب مطمئنة أن كل
ما َأمَران هللا به؛ ففيه مصلحتنا ،وأن هللا إمنا هناان عن املنهيات؛ ألنه يبغضها
ويكرهها ،وألن يف فِعلها شرا لنا ،ويف تركها خريا لنا ،فشرع هللا م َعلل ،فإذا
وجدا العلة يف شيء غري املنصوص ،فإن احلكم ينتقل إىل ذلك الشيء.
ولذلك -اي إخوة -جاءَ القياس يف القرآن ،وجاء القياس يف السنة،
وجاء القياس يف آاثر الصحابة رضوان هللا عليهم ،فالصحيح هو القياس ،من
غري إفراط وال تفريط.
ِ
كامليتة للمضطر ،ال يعدل ولذلك يقول بعض الفقهاء :القياس للفقيه
القياس يـ َوسع معن النص ابلعلة.
َ عن النصوص إىل القياس ،ولكن
وقر ررد اتف ر ر اجلمهر ررور القر ررائلون ابلقير رراس والتعلير ررل علر ررى أن للر ررذهب
والفضة علة ،ولألصناف األربعة الباقية علة.
يعين :هذا حمل اتفاق عند املعللني ،اتفقوا على أن الذهب والفضة هلما
علة ،وعلى أن بقية األصناف األربعة هلا علة واحدة.
قال ابن قدامة -رمحه هللا” :-واتفق املعللون على أن علة الذهب
والفضة واحدة ،وعلة األعيان األربعة واحدة“.
مث اختلف العلماء يف تعيني تلك العلة:
جنس ،وعليه -اي إخوة -يدخل عندهم الراب يف كل موزون من جنس ،وهذا
القول غري صحيح ،يعين مرجوح ،ملاذا؟
ألن الوزن جنس بعيد ،ال يـ َعلق به احلكم ،ولو قلنا به؛ لضاق احلالل
وكثر احلرام ،وهذا خيالف مقصود الشارع يف املعامالت ،فإن مقصود الشارع
توسيع احلالل يف املعامالت ،فلو قلنا كل موزون يدخله الراب ،أصبح احلرام
كثريا جدا ،السيما إذا قابله أيضا القول اآلخر يف املطعومات أن العلة يف
كوهنا مكيلة ،فكل مكيل يدخله الراب ،هذا يصبح به احلرام كثريا جدا،
واحلالل قليل ،وهذا خيالف مقصود الشارع ،ولذلك يظهر-وهللا أعلم -أن
هذا القول مرجوح.
ومن العلماء من قال :إن علة الراب يف الذهب والفضة الثَّ َمنِية ،أهنما
أمثان ،أهنما قيم لألشياء ،مث اختلفوا :هل الثَّ َمنِية خاصة ابلذهب والفضة أم
ال؟
فمن الفقهاء من قال :هي خاصة ابلذهب والفضة ،يعين :الثَّ َمنِية ال
توجد إال يف معدن الذهب والفضة ،وابلتايل ال يـتَـ َعدى الراب إىل غريمها.
وقال بعضهم :العربة بقصد الثَّ َمنِية عند الناس ،فما قصده الناس مثنا
وراج -وأصبح هو الرائج -فإنه يدخله الراب.
وهذا الثاين هو الصحيح الراجح ،فيلحق مثال ابلذهب والفضة؛ األوراق
النقدية اليوم ،ألن الناس قصدوها مثنا وجعلوها مثنا.
فقه املعامالت املالية ()2 | 108
فإن قال قائل :ما دمتم قلتم إن العلة يف الذهب والفضة؛ الثَّ َمنِية ،أي
أهنا قِيَم ،فهل يدخل الراب يف احللي؟ احللي املصنعة هل يدخل فيها؟
ألنه قد يرد يف ذهن اإلنسان يقول :احللي ليست مثنا ،ليست قيمة ،وإمنا
الثمن الدراهم والداننري وحنو ذلك.
نقول :نعم يدخلها الراب ،ابتفاق أهل العلم ،ملاذا؟
ألن الثمنية كما يقولون مالزمة للذهب والفضة ،حيثما وجد الذهب
والفضة؛ فالقيمة فيه ،ولذلك ماذا يفعل بعض الناس ،بعض الناس عنده
مال ،أو امرأة عندها مال ماذا تصنع؟ تشرتي حليا ،تقول :أحفظ مايل ،مّت
ما أرادت ابعته بنفس قيمته أو بزايدة ،فالقيمة موجودة حّت يف احللي،
ولذلك يدخلها الراب.
ضالة قال :ا ْشتَـَريْت يَـ ْوَم َخْيـبَـَر قِ َال َدة ِابثْـ َ ْينويدل لذلك حديث ف َ
َع َشَر ِدينَارا الدينار :من الذهب فِ َيها ذَ َهب َو َخَرز ذهب وفصوص قال:
صلت الذهب عن اخلرز فَـ َو َج ْدت فِ َيها أَ ْكثَـَر ِم ِن اثْـ َ ْين ص ْلتـ َها يعين :فَ َ
فَـ َف َّ
َع َشَر ِدينَارا يعين :وجدت أن الذهب بدون اخلرز أكثر من وزن اثين عشر
ص َل» يعين: ك لِلنِ ِ
َّيب ﷺ ،فَـ َق َالَ« :ال تـبَاع َح َّّت تف َ
ِ
دينارا ،قال :فَ َذ َك ْرت َذل َ
صل الذهب عن اخلرز ،رواه مسلم يف الصحيح ،فهذا يدل -أيها اإلخوة- يـ ْف َ
على أن احللي يدخله الراب.
طبعا يف هذا احلديث داللة :على خطأ قول بعض العلماء :إن احللي
املصنَّعة جتوز أن تدخله الزايدة من أجل الصنعة ،بعض الفضالء من أهل
َ
|109 فقه املعامالت املالية ()2
العلم قالوا :جيوز أن تبيع ذهبا غري مصنع حبلي مصنع وأن تزيد يف الذهب
الغري مصنع ،يعين :أتيت مثال ِ
مبئة غرام سبيكة غري مصنعة ،وتشرتي هبا حليا
تسعني غراما ،قالوا هذه الزايدة مقابل الصنعة ،فهذا احلديث نص يف رد هذا
القول ،ألن هذا احللي كان مصنعا ،والداننري مسبوكة ،فلم جيز النيب ﷺ ذلك
من أجل التفاضل ،فال دخل للصنعة يف جواز التفاضل.
فإن قال قائل كما قال بعض أهل العلم :إن الصائغ ال يرضى أن يبيع
ذهبا مصنعا بنفس وزن الذهب غري املصنع ،ما فائدته؟ يقولونَ :خيْ َسر
صْنـ َعته! هذا قرره ابن القيم -رمحه هللا -يف كالمه ،يقول :الصائغ اآلن تعب
َ
وصنع يف احللي ،فإنه ال يرضى أن يبيعك مئة غرام من احللي مبئة غرام من
الذهب الغري مصنع!
قلنا :قد بني النيب ﷺ احلل هلذا اإلشكال ،وهو :أن يبيع الذهب الغري
مصنع وأيخذ مثنه ،مث يشرتي ابلثمن ذهبا مصنعا ،ألن نفس هذه اجلملة -اي
إخوة -تقال يف التمر الرديء والتمر اجليد ،هل يرضى صاحب حمل أن أتتيه
بتمر رديء صاع ،ويبيعك صاعا من متر جيد هبذا الصاع؟ هذا ما يفعله
عاقل ،ولكن النيب ﷺ حل األمر ،فيبيع الرديء ابلدراهم ،مث يشرتي ابلدراهم
مترا جيدا.
إذن الصحيح من أقوال العلم أن علة الذهب والفضة الثَّ َمنيِة ،وأن هذه
الثمنية متعدية ،فكل ما اختذه الناس مثنا وأصبح رائجا مستعمال؛ فإنه يدخله
الراب.
فقه املعامالت املالية ()2 | 110
والقول الثالث :أن علة الراب فيها كوهنا مطعومات جنس ،أهنا مطعومات
من جنس واحد
والقول الرابع :أن علة الراب فيها كوهنا مكيلة أو موزونة ومطعومة ،يعين:
صفتان ،مطعومة مكيلة أو مطعومة موزونة ،كما هو ظاهر من جمموع رواايت
احلديث وهذا هو الصحيح.
مجعنا مجيع الرواايت اليت وردت يف أحاديث الراب ،فوجدانها ت ْشعِر أن
العلة يف جراين الراب يف هذه األصناف أهنا مطعومات ،وأهنا تكال أو توزن،
ألن النيب ﷺ أشار إىل كوهنا مكيلة أو موزونة.
طيب يقول يل قائل :سلمنا لك يف التمر أنه يؤكل ،ويف الرب أنه يؤكل
مطعوم ،ويف الشعري أنه يؤكل مطعوم ،لكن امللح؟
قال العلماء :امللح يصلح به الطعام ،فأصبح مطعوما ،بعض الطعام ال
ميكن أن يؤكل إال ابمللح؟ قالوا :ويف هذا إشارة إىل املطعوم وما يصلح
املطعوم ،فيدخل فيه البهارات مثال ،الكمون اليت تستخدم يف إصالح الطعام
وأيضا يدخل فيه السكر مثل امللح.
وهذا هو أرجح األقوال يف علة األصناف األربعة ،فكل مطعوم يكال أو
يوزن فإنه يدخله الراب ،وعلى هذا فإن الراب ال يدخل إال األمثان الرائجة ،من
حيث األمثان ،ورأس األمثان الرائجة الذهب والفضة ،واليوم هي النقود ،حبكم
النظام الدويل ،ال يوجد اآلن مثن رائج إال النقود ،وسنتكلم عنها إن شاء هللا
وكذلك يدخل الراب املطعومة املكيلة أو املوزونة.
فقه املعامالت املالية ()2 | 112
ويف هذه املرحلة هي تشبه املرحلة األوىل من جهت أهنا انئبة عن الذهب
والفضة وأهنا صكوك ،لكن ل يكن هلا غطاء كلي من الذهب والفضة ،بل
الغطاء إمجايل ،يعين يف املرحلة األوىل -اي إخوة -غطاء الورقة جزئي ،يعين ما
تصدر الورقة إال وهلا غطاء بعينه ،أما يف هذه املرحلة فالبنك املركزي يصدر
الورقة وهلا غطاء مجْلِي ،ابجلملة ،ليس غطاء هلذه الورقة بعينها ،وإمنا غطاء يف
اجلملة ،وأصبحت النقود الورقية يطمئن إليها عند الناس ،فأصبحت يعين
يعتمد عليها ،وأصبح الغطاء مجليا هلا.
ث املرحلة الثالثة:
اليت نعيشها وهذه املرحلة كما يقول املؤرخون للنقود الورقية :تبدأ تقريبا
يف عام 1931م ،يعين بعد انتهاء احلرب العاملية الثانية ،ويف هذه املرحلة
أصبح للنقود قوة يف ذاهتا ،وصارت هذه األوراق إلزامية ،يعين يلزم الناس
ابلتعامل هبا يف الدول ،وكانت تسمى يف أول ما صدرت ابألوراق اإللزامية،
يعين :أنت اي صاحب احملل ملزم أبن تقبلها ،وأنت ملزم أبن تتعامل هبا،
فأصبح قانون البلدان يلزم الناس ابلتعامل هبا ،وجيرم من يردها ،وأصبحت
النقود ال تستبدل بشيء من الذهب والفضة ،ال تستبدل أبصلها ،الدرهم هو
الدرهم ،إال الدوالرات كانت تستبدل مبقابلها من الذهب ،إىل تقريبا سنة
أصبح الدوالر مثل غريه من النقود ،وهذه املرحلة مرت 1970أو َ ،1971
مبرحلتني:
فقه املعامالت املالية ()2 | 114
األوىل منهما :كانت قيمة النقود فيها قائمة على ما يسمى ابلغطاء،
فكل نقد له غطاء ذهيب أو غطاء فضي ،كيف ترتفع العملة وتنخفض؟ كلما
قوي الغطاء ارتفعت قيمة العملة يف السوق ،وكلما نقص الغطاء نقصت قيمة
العملة يف السوق.
واملرحلة الثانية :أصبحت قيمة النقود فيها قائمة على القوة االقتصادية
للبلد ،وألغيت مسألة الغطاء -غطاء الذهب وغطاء الفضة هذه ألغيت-
وأصبحت العملة ترتفع إذا قوي اقتصاد البلد ،وتنخفض إذا ضعف اقتصاد
البلد ،ولذلك أصبحت العمالت تنهار إذا اهنار اقتصاد البلد ،ألنه ال ينظر
إىل غطاء ،وإمنا قوهتا يف قوة اقتصاد البلد ،ولذلك بعض العمالت كانت
مببالغ عالية ،فلما اهنار االقتصاد أصبحت يف أسفل العمالت.
وهذا هو الواقع اليوم ،األوراق النقدية أصبحت مثنا بذاهتا ،تعتمد يف
قوهتا على قوة اقتصاد البلد.
وقد اختلف املعاصرون يف تكييف األوراق النقدية:
فذهبت قلة من العلماء املعاصرين إىل :أهنا ليست من األموال
الربوية ،ملاذا؟ ،قالوا :ألهنا ليست ذهبا وال فضة ،قال الشيخ ابن عثيمني -
رمحه هللا” :-هذا القول ال أظن أن قَ َد َم عال تستقر عليه –أهنا ليست من
األموال الربوية -ملا يلزم عليه من هذا الالزم الباطل؛ أن ال راب بني الناس
اليوم“ -لو قلنا النقود ليست ربوية ،ما يبقى فيه راب بني الناس اليوم ”ألن
غالب تعاملهم ابألوراق النقدية -وانظر الالزم الثاين -وأن ال زكاة على من
|115 فقه املعامالت املالية ()2
ميلك املاليني من هذه األوراق“ ألهنا إذا قلنا ليست ربوية ألهنا ليست ذهبا
وال فضة؛ إذن هي ليست زكوية ،وابلتايل التجار اليوم الذين عندهم مليارات
وعندهم ماليني ،نقول ما عليكم زكاة ،والفقري الذي عنده مئة غرام ذهب
نقول زكي ،والشك أن هذا الالزم ابطل فامللزوم مثله.
وذهب بعض أهل العلم إىل :أهنا من األموال الربوية ،لكن العملة
الواحدة منها أجناس حبسب أصلها ،أو حبسب نوعها ،فالدرهم الورقي
جنس ،والدرهم املعدين جنس ،والرايل السعودي الورقي جنس ،والرايل
املعدين جنس ،وعليه عند هؤالء :ال جيوز بيع الرايل الورقي ابلرايل املعدين
نسيئة ،ولكن جيوز تفاضال ،يعين مثال هنا :أنه جيوز إذا كان عندك عشر
دراهم ورقية -هذه حصلت وكانت تستعمل عندما كان هاتف العملة -قد
أييت اإلنسان إىل هاتف العملة ،واهلاتف ال يقبل إال العملة املعدنية ،فيكون
معه داننري ورقية ،ففي عمال جيلسون جبوار هذه اهلواتف ،يبيعك تسعة دراهم
معدنية بعشرة دراهم ورقية ،على هذا القول هذا جيوز ،ألن الورقي جنس
واملعدين جنس.
قال الشيخ ابن عثيمني -رمحه هللا” :-والعلماء رمحهم هللا ملا ظهرت
هذه األوراق النقدية ،اليت هي بدل عن الذهب والفضة ،اختلفوا فيها اختالفا
عظيما ،حّت بلغ اخلالف إىل أكثر من ستة أقوال ،كل يقول برأي“ ،قال
الشيخ” :وأقرب األقوال فيها :أنه جيوز فيها راب الفضل ،وال جيوز راب النسيئة،
مبعن أنه جيوز فيها راب الفضل دون راب النسيئة ،إذا اختلفت األجناس -انتبه
فقه املعامالت املالية ()2 | 116
لكالم الشيخ -وعلى ذلك فيجوز أن أعطيك عشرة رايالت ابلورق وآخذ
منك تسعة رايالت ابحلديد –هذا اختيار الشيخ ابن عثيمني -وما أشبه
ذلك ،ألن الصفة خمتلفة ،وقد جاء يف احلديث :إذا اختلفت هذه األصناف
فبيعوا كيف شئتم.“
إذن على هذا القول يرون أن العملة الواحدة أجناس ابعتبار ما تصنع منه.
وذهب بعض أهل العلم -وهذا قول األكثر من العلماء املعاصرين-
:أن النقود الورقية أو النقود املستعملة اليوم من األموال الربوية ،وأن العملة
الواحدة جنس واحد ،ألن قيمتها ليست يف صفتها ،فهي جنس واحد،
فالدرهم الورقي والدرهم احلديدي جنس واحد ،ألن قيمتها النقدية ليست يف
كون هذه ورقة وهذه حديدا ،هذه كما يقولون صفة ملغاة ،قيمتها يف املعترب
يف الدولة ،واملعترب يف الدولة أن هذا درهم ،سواء كان من حديد أو كانت من
ورق.
فالصحيح من أقوال أهل العلم ،أن العملة الواحدة جنس واحد ،حيرم
فيها التفاضل والنسيئة ،وإذا اختلفت العمالت جاز التفاضل وحرمت
النسيئة.
***
|117 فقه املعامالت املالية ()2
الدرس الرابع
احلمدهلل رب العاملني والصالة والسالم األمتان األكمالن على املبعوث
رمحة للعاملني وعلى آله وصحبه أمجعني ،أما بعد:
فنواصل التقرير لقواعد الراب حيث وقفنا قبل الصالة عند القاعدة
السادسة اليت أشران إليها وذكران أهنا ترتدد على ألسنة الناس كثريا ،وحتتاج إىل
ضبط ومعرفة ملقصودها وحدودها ،هذه القاعدة تقول:
[القاعدة السادسة] :كل قرض جر نفعا فهو راب.
وهذه القاعدة كثرية الدوران يف كتب الفقهاء ،فمنهم من يوردها على أهنا
حديث من كالم رسول هللا ﷺ ،ومنهم من يوردها على أهنا أثر من آاثر
الصحابة ،ومنهم من يوردها على أهنا قاعدة متقررة صحيحة متفق عليها.
فهذه القاعدة رويت من قول النيب ﷺ ،فقد روي أن عليا قال :قال
رسول هللا ﷺ :كل قرض جر منفعة فهو راب وهذا احلديث رواه احلارث
يف مسنده وأعله النـقاد وقالوا :إنه ضعيف من أجل أحد رواته وهو سوار بن
مصعب.
قالوا :إن هذا احلديث ضعيف ،وهو كذلك ،فإنه ضعيف من جهة سوار
بن مصعب ومن جهة االنقطاع ففي سنده انقطاع ،فهذا احلديث ال يصح،
فلم يصح عن النيب ﷺ شيء يف هذه القاعدة.
فقه املعامالت املالية ()2 | 118
ووردت كذلك هذه القاعدة من قول بعض الصحابة رضوان هللا عليه،
ضالة بن عبيد أنه قال :كل قرض جر منفعة فقد روى البيهقي عن ف َ
فهو وجه من وجوه الراب وهذا األثر ضعيف أيضا ،وفيه علل متعددة وقد
ضعف هذا األثر النـقاد ومنهم :احلافظ ابن حجر -رمحه هللا.-
كذلك أخرج ابن أيب شيبة يف املصنف عن عطاء قال :كانوا يكرهون
كل قرض جر منفعة ،والتابعي إذا قال :كانوا :فإنه حيمل على الصحابة
-رضوان هللا عليهم ،-قال :كانوا يكرهون كل قرض جر منفعة ،وذكرت
-اي إخوة -سابقا أن األصل يف كلمة الكراهية عند السلف؛ التحرمي ،ولكن
هذا األثر أيضا معلول وضعيف وله علل كثرية جدا تزيد على ثالث علل،
فاألثر ضعيف وقد ضعفه النقاد.
طبعا أثر عطاء ذكرانه على أنه من آاثر الصحابة ألنه قال" :كانوا" إذن
حيمل على أنه يذكره عن الصحابة -رضوان هللا عليهم.-
أيضا وردت هذه القاعدة على لسان التابعني ،فذكر ابن أيب شيبة يف
مصنفه عن إبراهيم النخعي أنه قال":كل قرض جر منفعة فهو راب".
وروى أيضا ابن أيب شيبة يف مصنفه عن احلسن البصري أنه كان يكره
كل قرض جر منفعة .وقال ابن حزم -رمحه هللا -يف احمللى” :صح النهي عن
هذا عن ابن سريين وقتادة من التابعني“ ،وكذلك صحح ابن حزم النهي عن
هذا عن إبراهيم النخعي.
|119 فقه املعامالت املالية ()2
وهذه القاعدة ترد يف كتب الفقهاء على أهنا قاعدة م َسلمة ،وقد نص
عليها الفقهاء يف كتب املذاهب األربعة:
فَـنَص عليها بعض األحناف كابن جنيم وابن عابدين.
ونص عليها بعض املالكية كابن عبد الرب وحممد بن يونس ،وأيضا نص
عليها القرايف وهو من أهم املالكية الذين يهتمون ابلقواعد.
وأوردها أيضا الشافعية واعتنوا هبا مثل :النووي يف "روضة الطالبني" فإنه
ذكرها وأصلها.
وكذلك وردت يف كثري من كتب احلنابلة.
والناظر يف كالم أهل العلم جيد أن العلماء جممعون على هذه القاعدة
وعلى أن كل قرض جر نفعا فهو راب.
فمعن هذه القاعدة :أنه ال جيوز القرض الذي جير منفعة؛ ألنه راب.
للمقرررض ،وقررد تكررون
واملنفعررة -اي إخرروة -يف القرررض هنررا قررد تكررون ُ
للمقر ر ِتض ،وق ررد تك ررون هلم ررا مع ررا ،وسنفص ررل يف ه ررذا -إن ش رراء هللا -يف
ُ
النقاط التالية:
النقطرة األوىل :اشرتاط املنفعرة عنررد القررض ،واملنفعرة املشرتةة هنررا ال
ختلو من ثالثة أحوال:
احلالة األوىل :أن يكون املنتفع املقرض ،أي صاحب املال ،كما لو
أقرضه بشرط أن حيمل متاعه إىل بلده .إنسان مثال وجد آخر من أهل بلده
فقه املعامالت املالية ()2 | 120
مقطوعا مثال يف املدينة سرقت نقوده أو كذا قال :أان أقرضك عشرة آالف
بعشرة آالف بشرط أن حتمل يل هذه احلقيبة إىل بلدي .هذه املنفعة
للمقرض.
احلالة الثانية :أن يكون املنتفع املقرتض فقط ،مثل :أن يقرضه
ويشرتط عليه املقرتض أن يودعها يف البنك الفالين ،يعين يقول :أان أقرضك
عشرة آالف ،يقول :طيب أقرضين بشرط أن ال أتتيين ابلنقود ،تذهب إىل
البنك وتودعها يف البنك .هذه منفعة للمقرتض أنه يودعها له يف البنك.
احلالة الثالثة :أن تكون املنفعة مشرتكة لالثنني .مثال :كما لو أقرضه
قرضا بشرط أن يستأجر بيته ،قال :أقرضك عشرة آالف بشرط أن تستأجر
بييت .اآلن منفعة االستئجار للمقرض ألنه سيأخذ األجرة ،وللمقرتض ألنه
سينتفع ابلبيت ،هو لن يستأجره ويرتكه ،سيستأجره وينتفع به ،إذن هنا هذا
الشرط فيه منفعة للمقرض ومنفعة للمقرتض.
وقد أمجع أهل العلم على أن املنفعة املشروطة يف القرض للمقرض؛ حرام
وراب ،وال جيوز هذا القرض ،نقل هذا اإلمجاع مجع من أهل العلم منهم :ابن
عبد الرب ،ومنهم بن املنذر ،ومنهم ابن قدامة وغريهم من أهل العلم ،ينقلون
اإلمجاع على أن املقرض إذا اشرتط على املقرتض منفعة له؛ أن هذا فاسد
وأنه راب وأنه ال جيوز.
كما قلنا لو أقرضه بشرط أن حيمل متاعه إىل بلده؛ فإن هذا القرض ال
جيوز وهو راب.
|121 فقه املعامالت املالية ()2
واختلف العلماء إذا كانت املنفعة للمقرتض ،الحظوا إنه نتكلم عن أي
شيء اي إخوة؟ عن املنفعة املشرتطة عند القرض .اختلف العلماء إذا كانت
املنفعة للمقرتض فقط:
فذهب مجاهري أهل العلم :إىل جواز اشرتاط منفعة زائدة يف عقد
القرض إذا كانت متمحضة للمقرتض ،ملاذا؟
يقولون :إن هذا ليس راب؛ ألن املشرتط ليس املعطي وإمنا املشرتط هو
اآلخذ ،والراب إمنا يقع للمعطي ،يقولون :هنا ليس راب ،وقد جاء هذا صرحيا
يف كتب الفقهاء ،فمثال :ذكر خليل يف خمتصره لَـما ذكر حرمة القرض الذي
جير نفعا قال” :إال أن يقوم دليل على أن القصد نفع املقرتض فقط“ ،فإن
قام دليل على أن القصد نفع املقرتض فقط فهذا ليس حبرام ،فاجلمهور على
اجلواز.
وذهب بعض الفقهاء -وهم بعض املالكية ،وبعض الشافعية -إىل
املنع ،وأن هذا ال جيوز وأنه يدخل يف عموم القاعدة" :كل قرض جر منفعة
فهو راب".
واختار شيخ اإلسالم ابن تيمية -رمحه هللا -وابن القيم :اجلواز .واستدل
شيخ اإلسالم ابن تيمية -رمحه هللا -للجواز بقوله” :ألن كال من املقرض
واملقرتض منتفع هبذا“.
واملقصود هنا -اي إخوة :-أن املقرض منتفع ابإلحسان ،واملقرتض منتفع
هبذا الشرط ،وليس يف هذا راب.
فقه املعامالت املالية ()2 | 122
ويدخل يف هذا كذلك إذا كانت املنفعة مشرتكة ،يقول شيخ اإلسالم
ابن تيمية” :ألن كال من املقرض واملقرتض منتفع هبذا االقرتاض ،والشارع ال
ينهى عما ينفعهم ويصلحهم وإمنا ينهى عما يضرهم“.
ويقول ابن القيم -رمحه هللا” :-واملنفعة اليت جتر إىل الراب يف القرض هي
اليت ختص املقرض ،كس ْكن دار املقرتض ور ِ
كوب دوابه“ يعين :يقول أقرضك
عشرة آالف بشرط أن أسكن يف بيتك أسبوعا ،املنفعة هنا ليست إِجارة؛
بشرط أن أسكن ،املنفعة هنا للمقرض ،أو مثال يقول :أقرضك عشرة آالف
بشرط تعطين سيارتك ملدة أسبوع ،فاملنفعة هنا للمقرض.
يقول ابن القيم-رمحه هللا :-هذه هي املنفعة اليت جتر إىل الراب ،قال:
”فإنه ال مصلحة له يف ذلك خبالف هذه املسائل ،فإن املنفعة مشرتكة بينهما
ومها متعاوانن ،فهي من جنس املعاونة واملشاركة“ إذن املنفعة املشرتطة عند
العقد:
-إن كانت للمقرض فقط :فهي حرام.
-وإن كانت للمقرتض فقط :فمحل خالف ،واجلماهري على اجلواز.
-وإن كانت هلما معا :فمحل خالف ومجهور أهل العلم على اجلواز.
ألن العرف كالشرط ،هذه قاعدة" :املعروف عرفا كاملشروط شرطا" ،فإذا
جرت العادة هبذه املنفعة فكأهنا قد اشرتطت ،والفقهاء يقولون :املعروف بني
التجار كاملشروط بينهم .وهذا العرف إن كان عاما عند مجيع املسلمني؛ فهو
ينزل منزلة الشرط ابتفاق العلماء.
يعين :لو وجدان عرفا عاما يف مجيع الدول اإلسالمية؛ فهو ينزل منزلة
الشرط ابالتفاق .فلو وجدان أن العرف جرى مبنفعة معينة يف القرض -لو
فرضنا افرتاضا وإن كان هذا ال يقع بني املسلمني لكن افرتاضا -فإن هذا
العرف ينزل منزلة الشرط ،فيكون هذا راب.
وإن كان خاصا؛ كأن يكون يف دولة –يعين مثال -موجود يف اإلمارات
فقط ،أو يف دول كأن يكون موجود يف دول اخلليج فقط ،أو بني فئة معينة
كأن يكون موجودا بني التجار فقط ،هذا يسمى بـ"العرف اخلاص"؛ ألنه
ليس يف داير املسلمني مجيعا وال جلميع الفئات فهذا حمل خالف ،هل ينزل
منزلة الشرط؟
لكن اجلمهور -وهم احلنفية يف قول صحيح ،وعليه عمل املتأخرين من
األحناف ،واملالكية ،والشافعية يف قول صحيح ،واحلنابلة -على أنه ينزل
منزلة الشرط فيما بينهم.
فإذا جرت العادة يف اإلمارات مثال أبمر يـْنـ َفع به املقرض ،فإن هذه
العادة تنزل منزلة الشرط ويكون هذا حراما ويكون راب.
فقه املعامالت املالية ()2 | 124
وإن كان هذا العرف لفرد -انتبهوا ال ختلطوا بني العرف اخلاص والعرف
الذي يكون لفرد أو أفراد قليلني -يعين هذا العرف ليس يف اإلمارات كلها؛
لكن هناك رجل عرف أبنه إذا اقرتض شيئا يرد معه منفعة ،فأان عندما أقرضه
أعرف أنه سيأتيين ابلقرض ومعه شيء ،عندما جاءين قال:
اي سليمان أقرضين ألفا ،أقرضته ألفا ،أان أعرف من عادته أنه سيأتيين ابأللف
ومعها خروف مثال ،فهل ينزل هذا منزلة الشرط؟
فأان أقول :حيرم إقراضه إال أن يشرتط عليه أن ال أييت بشيء ،أو ال ينزل
منزلة الشرط ،حمل خالف بني أهل العلم :لكن اجلمهور على أنه ال ينزل
منزلة الشرط فال َْحيرم إقراضه ،ملاذا؟
يقولون :ألن هذه العادة شاذة فال عربة هبا ،العربة للعرف املضطرد
الغالب وليس للشاذ ،فعادة إنسان بعينه ال يلتفت إليها.
لكن الورع إذا عرف الشخص أبنه يرد زايدة أن يقال له :أقرضك بشرط
أال ترد يل شيئا؛ خروجا من الشبهة ومن خالف أهل العلم.
يقول النووي-رمحه هللا” :-ولو أقرضه بال شرط فرد أجود أو أكثر أو
ببلد آخر جاز ،وال فرق بني الربوي وغريه ،وال بني الرجل املشهور برد الزايدة
أو غريه على الصحيح“.
وقال ابن قدامة -رمحه هللا -يف "الكايف"” :وال يكره قرض املعروف
حب ْسن القضاء“ يعين الذي من عادته أنه يرد أحسن ِما أخذ ”وذكر القاضي
وجها بكراهيته ألنه يطمع يف حسن عادته ،واألول أصح“ كالم ابن القدامة
قال” :ألن النيب ﷺ كان معروفا“ انتبهوا للفقه ،يقول” :ألن النيب ﷺ كان
|125 فقه املعامالت املالية ()2
الذي اقرتضه وقَـلَم غايل من األقالم الغالية هدية ،طبعا :هذه املنفعة جاءت
بسبب القرض ،أهداك اهلدية ألنك أقرضته لكنها ل تكن مشرتطة ال لفظا
وال عرفا ،فهنا مجاهري العلماء على جواز ذلك ،وقالوا إن هذا من حسن
القضاء الذي ثبت عن النيب ﷺ يف أحاديث كثرية.
وذهب كثري من املالكية إىل منع ذلك إذا كانت الزايدة يف العدد ال يف
الوصف ،يعين كثري من املالكية يقولون إذا كانت املنفعة يف العدد فال جيوز،
أما إذا كانت يف الوصف فيجوز .يعين :استلف ألف درهم فرد ألف درهم
ومعها مئة درهم ،هنا كثري من املالكية يقولون ال جيوز ألن هذه منفعة يف
استلف يعين شاة بِكرا هزيلة ورد شاة بكرا مسينة -هذه منفعة
َ العدد .لكن لو
يف الوصف ،العدد واحد ولكن املنفعة يف الوصف -هنا يقولون إنه جيوز.
قال ابن أيب زيد القريواين يف الرسالة” :ومن رد يف القرض أكثر عددا يف
جملس القضاء“ -الحظوا -ملاذا قال يف جملس القضاء؟ يعين ليس مشرتطا
وإمنا حصل الرد يف اجمللس فقط والزايدة حصلت يف اجمللس قال” :فقد
اختلف يف ذلك إذا ل يكن فيه شرط وال َوأْي“ الوأي :هو االتفاق بغري
شرط وإمنا ابإلشارة وحنو ذلك أو العرف ”وال َوأْي وال عادة ،فأجازه
أشهب وكرهه ابن القاسم ول جيزه“.
وقال احلطاب يف "مواهب اجلليل"” :أما الزايدة يف العدد فال جتوز ولو
قل على املشهور ،وأما الزايدة يف الوصف إ ْن ل تكن مشروطة فقد أجازها
املالكية على املشهو“".
|127 فقه املعامالت املالية ()2
والراجح يف هذا بال شك هو قول اجلماهري فإن السنة تدل عليه ،وأن
هذا من األمور املمدوحة شرعا ،فخري الناس أحسنهم قضاء.
النقطة الرابعة :اشتاط الوفاء يف غري البلد الذي مت فيه القرض.
يعين يقول :أقرضك اآلن عشرة آالف بشرط أن تعطين املال يف بلدان.
أين املنفعة هنا؟ املنفعة هنا أنه سيحفظ ماله ،فيقرضه ويقول :تعطيين املال
يف بلدان؛ ألنه مثال ميكن خياف أن يسرق يف السفر أو حنو ذلك فيقول له
أقرضك بشرط الوفاء يف بلد كذا.
وهنا نص بعض الفقهاء على جواز هذا ،وقالوا :إن هذا مستثن من
القرض الذي جر نفعا ،يعين نص عليه بعض املالكية ،واختاره شيخ اإلسالم
ابن تيمية ،وابن القيم ،ونسبه ابن القيم إىل بعض الصحابة والتابعني ،أن هذا
جائز وليس من القرض الذي جر نفعا فهو راب ،فيجوز له أن يشرتط قبضه
يف بلد آخر.
النقطررة اخلامسررة :املنفعررة الرريت هلررا مقابررل غررري القرررض ومل يكررن القرررض
سببا فيها؛ ال تكون ممنوعة ولو ا ُشتةت يف القرض.
يعين مثال :إنسان يريد أن يستأجر بيتا ،واقرتض من شخص ماال وقال
له عند القرض :أج ْرين بيتك .فأجره ابألجره املعتادة .هنا ال يقال :إن هذا
القرض جر نفعا؛ ألن األجرة مقابل استئجار البيت ،والرجل استأجر البيت
ألنه حيتاج إليه ،ال ألن هذا أقرضه.
فقه املعامالت املالية ()2 | 128
إذن عندان اآلن قرض وأجرة :قرض منفصل عن األجرة ،فهو ل يستأجر
ألنه أقرضه؛ وإمنا استأجر ألنه حيتاج البيت ،ول يزد عليه يف األجرة من أجل
القرض ،يعين مثال ال يكون أجرة البيت يف هذا احلي بعشرة آالف فيجعل
األجرة خبمسة عشرة ألفا؛ ألن هنا يتضح أن هذا مقابل القرض ،فإذا أجره
وهو حمتاج للبيت ابألجرة املعتادة ،فهذا يقابل األجرة وال يقابل القرض،
فهذا جائز.
النقطررة السادس ررة :املنفع ررة املال م ررة للقرررض أص ررالة أو ابعتب ررار ةبيع ررة
الناس ليست ممنوعة.
املنفعة املالزمة للقرض أصالة -ألنه ال بد من وجودها مع القرض -أو
ابعتبار طبيعة الناس ليست ِمنوعة -ألهنا لو منعت النسد ابب القرض أصال
وهلذا صور منها:
أن املقرض إذا أقرض املقرتض فإنه حيفظ ماله ،وهذه منفعة حتصل
للمقرض بدل من أن يكون املال عنده يف البيت ميكن يسرق ،ميكن يضيع،
ميكن تغلبه املرأة وتشرتي أشياء غري الزمة ،إذا أقرضه حفظ هذا املال ،هذه
منفعة حصلت للمقرض ،لكنها منفعة مالزمة للقرض ،يف كل قرض ،فلو قيل
مبنعها؛ لقلنا إن القرض ال جيوز أصال ،فلما شرع القرض مع وجودها؛ علمنا
أهنا جائزة وليست من القرض الذي جير نفعا فيكون راب.
ومنها ثناء املقرتض على املقرض ،هذا مالزم للقرض أصالة وطبعا،
أن املقرتض إذا اقرتض من املقرض؛ فإنه يثين عليه عند الناس ،ويشكره
|129 فقه املعامالت املالية ()2
وحيمده ويذكره ابخلري وهذه منفعة للمقرض .السمعة الطيبة والذكر احلسن
منفعة للمقرض ،لكنها مالزمة للقرض ولطبع الناس.
كذلك مثال الدعاء :دعاء املقرتض للمقرض منفعة للمقرض ،وهو
مالزم للقرض ومن طبيعة الناس ،يعين اإلنسان لو أنه جاء إىل آخر وقال:
أقرضين ،فأقرضه وفرج كربه ،سيدعو له أبن يفرج هللا كربه وأن يوسع رزقه
وهذه منفعة للمقرض ،لكنها منفعة مالزمة للقرض.
فهذه املنافع جائزة ول يقل أحد من أهل العلم مبنعها ،ولذلك ذكر اإلمام
ابن حزم -رمحه هللا -أنه” :ليس يف العال َسلَف إال وهو جير منفعة“ قال:
ِ
املسلف بتضمني ماله ،فيكون مضموان تلف أو ل يتلف مع ”وذلك كانتفاع
شكر املقرتض إايه“ يعين اإلنسان لو أودع ماله عند شخص وديعة ،فتلف
املود ْع إال إذا فرط .فلو أنك مثال أودعت مالك عند
هذا املال ال يضمنه َ
أخيك فقلت :هذه أمانة احفظها يل ،فحفظها يف بيته حيث حيفظ ماله،
فجاء لص وسرق املال ،ذهب عليك املال وال يضمنك.
لكن لو أقرضت املال آلخر ،أقرضته دينا فجاء وأخذه ووضعه يف بيته يف
الديْن ،فيحفظ املال
خزنته فجاء لص وسرق املال ،جيب عليه أن يسدد َ
ويضمن املال وال يذهب املال وهذه منفعة للمقرض يف كل قرض ،قال:
”مع شكر املقرتض إايه“.
إذن املنفعة املالزمة للقرض أو اليت تقتضيها طبيعة الناس ،هذه ال متنع
ابتفاق أهل العلم.
فقه املعامالت املالية ()2 | 130
إذن قاعدة "كل قرض جر منفعة فهو راب" ليست على إطالقها ،بل
هناك منافع اتفق العلماء على منعها ،ومنافع اختلف فيها أهل العلم ،ومنافع
اتفق فيها أهل العلم على جوازها.
طيب يتفرع عن هذا:
مسألة "مجعيات املوظفن" أو "اجلمعيات التعاونية بن الناس":
حبيث جيتمع عدد من األفراد يدفع كل فرد مبلغا من املال يتساوى مع
اآلخر ،وأيخذ كل واحد منهم اجملموع مرتبا على االتفاق فيما بينهم ،يعين
هذا يف شهر حمرم ،هذا يف شهر صفر ،هذا يف شهر ربيع وهكذا .هل هذا
من ابب القرض الذي جر منفعة أو ال؟
اختلف العلماء يف هذا:
فقال بعض أهل العلم إن هذه اجلمعيات حمرمة؛ ألهنا من ابب القرض
الذي جير منفعة ،وكل قرض جر منفعة فهو راب ،وأفّت هبذا الشيخ صاحل
الفوزان -حفظه هللا.-
وذهب مجع من العلماء إىل أن هذه اجلمعيات جائزة ومشروعة وال حرج
فيها ،وذلك لوجوه:
الوجه األول :أهنا من ابب التعاون على الرب والتقوى ،ومن ابب سد
حاجة كل واحد منهم ،ومن ابب تفريج الكرابت فيما بينهم .يقولون هؤالء
الذين يشرتكون يف اجلمعيات يف الغالب أهل احلاجات ،يعين هذا عنده إجيار
يف شهر حمرم وال يستطيع مجعه ،وهذا عنده إجيار يف صفر ،وهذا عنده
|131 فقه املعامالت املالية ()2
واملنفعة املشرتكة الصحيح من أقوال العلم أهنا جائزة كما تقدم معنا،
وهذا هو الراجح والصحيح من أقوال أهل العلم :أن اجلمعيات التعاونية اليت
تقع بني املوظفني أو بني اجلريان أو حنو ذلك ،أهنا جائزة ومشروعة وفيها خري
وليست من ابب القرض الذي جير منفعة.
بقي أيضا يف هذا الباب:
مسألة "األموال اليت تودع يف البنوك" ويستفيد منها البنك.
يعين أنت اآلن عندما تودع مالك يف البنك ،لن تبقى يف اخلزائن
احلديدية مغلقة ،البنك سيحركها ويديرها يف جتاراته ،فهو ينتفع هبذا املال،
فهل هذا من ابب القرض الذي جير نفعا؟
واجلواب أنه ليس كذلك ألن هذا إيداع وليس إقراضا .يعين أنت ال
تقرض البنك ولكنك تودع املال يف البنك حلفظه ،فهذا ليس من ابب
القرض ،فال يَِرد أنه من ابب القروض -ولو سلمنا وإن كان هذا ال يسلم-
أنه من ابب القرض الذي جير نفعا ،فهذا نفع للمقرتض.
ألن اآلن الصورة :إنك م ْق ِرض للبنك ألنك أنت الذي وضعت املال،
ونفع املقرتض جائز على الصحيح من أقوال أهل العلم ،فال إشكال يف هذه
املسألة ،ألن بعض الناس قالوا :أبنه ال جيوز اإليداع يف البنوك ولو كانت كما
يقولون إسالمية؛ ألن البنك ينتفع هبذا املال ،وهذا قرض فهو قرض جر نفعا.
|133 فقه املعامالت املالية ()2
فإان نقول إن اإليداع جائز ألن هذه ليست :أوال من ابب القروض بل
هي ودائع .ولو سلمنا من ابب اجلدل أهنا قروض؛ فإن النفع حاصل
للمقرتض وليس حاصال للمقرض ،والنفع للمقرتض جائز عند مجاهري أهل
العلم وهو الصواب.
بعد هذا عندان قاعدة هي قاعدة فيما يتعلق ابلتفاضل .يقول فيها أهل
العلم:
رديء ،فقال :ال وهللا اي رسول هللا إان لنأخذ الصاع من هذا ابلصاعني
َّر ِاه ِم ،مثَّ والصاعني ابلثالثة .فقال رسول هللا ﷺ :فَ َال تَـ ْف َعل ،بِ ِع ْ ِ
اجلَ ْم َع ابلد َ ْ
َّر ِاه ِم َجنِيباَ
وقال يف امليز ِان مثل ذلك ،متفق عليه. ِ
ابْـتَ ْع ابلد َ
النيب ﷺ قال :بع اجلمع اجلمع :قيل :هو رديء التمر ،وقيل :اجلمع
هو التمر الذي ال اسم له لرداءته ،يعين :التمر اجليد معروف ابمسه ،لكن
اجلمع :متر ال اسم له لرداءته عند الناس ،وقيل :اجلمع هو اخلليط من التمر،
خليط من أنواع التمر.
بع اجلمع ابلدراهم وهذا-اي إخوة -فيه دليل على ما سيأيت إن شاء
هللا أن ما مشله اسم واحد فهو جنس ولو اختلفت أنواعه .التمر كله جنس،
اجلمع فلو ل يكن التمر جنسا لكان ِ
والبـر كله جنس ،فإنه هنا قال :بع َ
َّر ِاه ِم ،مثَّ اجلمع جنسا واجليد جنسا آخر ،قال :فَ َال تَـ ْف َعل ،بِ ِع ْ ِ
اجلَ ْم َع ابلد َ ْ
َّر ِاه ِم َجنِيباَ
وقال يف امليز ِان مثل ذلك ،متفق عليه. ِ
ابْـتَ ْع ابلد َ
طبعا :هنا فائدة لطالب العلم ،استنبطها أهل العلم من هذا احلديث
وهو :أن طالب العلم إذا سئل عن شيء حمرم ويعرف املخر َج منه بطريق
حالل؛ ينبغي أن يـنَـبه السائل عليه ،يعين :هنا الرجل فعل شيئا حمرما ،فالنيب
ﷺ كان يكفيه أن يقول :ال تفعل ،ال تفعل هذا راب! لكن ماذا قال :قال ال
تفعل ،مث دله على الطريق الصحيح بع اجلمع ابلدراهم.
فطالب العلم إذا سئل عن معاملة أو عن شيء هو حمرم وله صورة
حالل؛ يقول للسائل :هذا حرام ،ولو فعلت كذا وكذا لكان جائزا ،وهذا
فقه املعامالت املالية ()2 | 136
يسميه العلماء ابلكرم يف العلم ،اجلواب فوق السؤال يسميه العلماء ابلكرم يف
العلم.
وكان النيب ﷺ أكرم الناس يف العلم؛ إذا سئل عن شيء أضاف إليه
شيئا انفعا .سئل عن ِ
ماء البحر أنتطهر به؟ أنتوضأ به؟ قال :هو الطهور
ماؤه هذا هو اجلواب احلِل ميتته.
وشيخ اإلسالم ابن تيمية -رمحه هللاِ -من العلماء املعروفني ابلكرم يف
العلم ،فيسأل عن مسألة فيضيف إليها ما ينفع ،بل شيخ اإلسالم ابن تيمية
-رمحه هللا -هذا العال السلفي انصر السنة كان كرميا ابلعلم حّت ِحسا ،ذكر
عنه أنه ما طلب منه أحدا كتااب إال أعطاه إايه ولو كان حمتاجا له ،مع ندرة
الكتب يف ذاك الزمان ،كان إذا أحد رأى كتااب عنده قال :أعطين هذا
الكتاب؛ أعطاه إايه وقال" :قد سألين العلم فكيف أمنعه؟" ،وهذا من كرمه
رمحه هللا ،ولذلك أبقى هللا ذكره العطر الطيب.
اي إخوة :طالب العلم حيتاج أن:
عمل بعلمه ،لألسف -اي إخوة- يتعلم علما صحيحا ،وحيتاج أن يَ َ
ابلعمل ابلعِلم ،يعين إذا جيت إىل اجلمعة رمبا
اآلن طالب العلم بدؤوا يفرطون َ
آخر من يدخل املسجد من أهل احلي طالب العلم .إذا جئت إىل صالة
اجلماعة؛ جتد أهنم يتأخرون يف الصالة إىل اإلقامة أو بعد .فيحتاج طالب
العلم -اي إخوة -أن يعمل بعلمه ،أن يزكيه العلم ،أن يكون أكثر تدينا.
|137 فقه املعامالت املالية ()2
واألمر الثالث :أن حيرص على نفع الناس ،أن يكون انفعا للناس،
فيزيده العلم تواضعا لعباد هللا ،وحرصا على نفع عباد هللا ،شيخ اإلسالم ابن
تيمية -رمحه هللا -كان يطرق عليه الطارق بيته يف الليل من أجل شفاعة
فيخرج معه.
واألمر الرابع :حسن اخلل :طالب العلم حيتاج إىل حسن اخللق مع
أهله ،مع إخوانه ،مع زمالئه ،مع الناس ،والعلماء يقولون حسن اخللق؛ ميزان
الرجال ،وابن القيم -رمحه هللا -يقول" :من زاد عليك يف اخللق؛ زاد عليك يف
الدين" ،طالب العلم حباجة إىل أن يكون َحسن األخالق ،وأن يظهر منه
هذا.
شيخ اإلسالم ابن تيمية -رمحه هللا -كان هناك رجل ينسب إىل العلم،
وكان يؤذيه ويسعى يف إيذائه ،فمات هذا الرجل الذي يؤذيه ،فجاء أحد
طالبه كأنه مبشر له هبالك خصمه الذي يؤذيه ،فزجره شيخ اإلسالم وقال:
إان هلل وإان إليه راجعون ،وقام من فوره وذهب إىل أهله وعزاهم وقال" :أان
لكم مكانه".
انظروا إىل هذا اخللق العظيم! حنتاجه حنن طالب العلم اي إخوة ،فطالب
العلم حيتاج إىل هذه األمور.
حنتاج أن نتناصح -اي إخوة -عندان نقص يف هذه األمور ،وحنتاج أن
ينصح بعضنا بعضا حّت يظهر خريان على الناس ،وتفتح لنا القلوب ،وهللا -
اي إخوة -كثري من القلوب تغلق أمامنا بسبب ِمنا ،ومن أعظم العوائق
فقه املعامالت املالية ()2 | 138
القصد ،حنتاج إىل أن نصفي القلوب ،حنتاج إىل اإلخالص ،مث نعمل هبذه
األمور األربعة فإن يف هذا خريا عظيما لنا وللناس.
الشاهد :أن طالب العلم ينبغي أن يكون كرميا ابلعلم ،وهذا من حسن
اخللق ،وإذا سأله سائل وعلم أن شيئا ينفع السائل؛ ينبغي أن يزيده.
ِ
اجلنس الواحد لكن هذا احلديث نورده للداللة على أنه ال جيوز بيع
متفاضال ولو اختلف يف اجلودة.
وجاء بالل بتمر إىل النيب ﷺ وهذا التمر املعروف الذي يقال له
الربين ،وهو متر جيد من متر املدينة وما حوهلا ،فقال له رسول هللا ﷺ :من
أين هذا اي بالل؟ فقال بالل " :متَْر َكا َن ِعْن َد َان َرِديء ،فَبِ ْعت ِمْنه
َّيب ﷺ" .قال يعين :عندان متر رديء فذهبت إىل صاع لِ َمطْ َع ِم النِ ِ
ني بِ َ
اع ْ ِ
صَ َ
السوق أريد أن أطعم النيب ﷺ من التمر اجليد ،فبعت صاعني من التمر
الرديء بصاع من هذا التمر الطيب ،فقال رسول هللا ﷺ :أ ََّوْه َع ْني ِ
الرَاب
ِ
ِ الرَابَ ،ال تَـ ْف َع ْلَ ،ولَك ْن إِ َذا أ ََرْد َ
ت أَ ْن تَ ْش َرت َ
ي يعين أتوه النيب ﷺ وقالَ :ع ْني ِ
آخَر ،مثَّ ا ْش َِرت بِِه رواه مسلم يف الصحيح ،فهذا يدل على أن الت َّْمَر فَبِ ْعه بِبَـْيع َ
اجلنس الواحد ال جيوز بيعه جبنسه متفاضال ولو اختلفا يف اجلودة.
طبعا هنا فائدة ستأتينا -إن شاء هللا -أشري إليها فقط إشارة ولن أذكر
احلكم فيها وهي مسألة:
|139 فقه املعامالت املالية ()2
ما وقع من معامالت ربوية من اإلنسان قبل العلم .يعين ال يعلم أنه راب،
معاملة ال يعلم أهنا راب ،فوقع فيها مث علم .هل تبطل هذه املعاملة اليت مضت
قبل العلم؟ طبعا تلحظون يف األحاديث النيب ﷺ ل أيمرهم بشيء فيما يتعلق
مبا كان قبل العلم ،وهذا جزء من قاعدتنا اليت سنتكلم عنها -إن شاء هللا-
يف أن الراب موضوع ،ما أَ ْجراه اإلنسان قبل العلم ابحلكم ،سنتكلم عنه
ونبسطه ونبني الراجح فيه إن شاء هللا .
***
فقه املعامالت املالية ()2 | 140
ابلتحويل ،واملبلغ ابلدوالرات؛ الذي يظهر يل -وهللا أعلم -أهنا ال جتوز؛ ألن
هذه الورقة ليس هلا أي قيمة مالية ،وإمنا سند إثبات ،فليس فيها قبض.
فإن قال :قائل ماذا نفعل ،إذا كنا حنتاج أن حنول من بلدان ،وال يوجد
يف بنوكنا إال هذه الطريقة؟
طبعا هناك طريقة لو رضيت البنوك هبا ،وهي:
أنك إذا جئت إىل البنك لتحول تعطيه الدراهم ،فيصرفها لك مثال
ابلدوالرات ،ويسلمك الدوالرات ،مث أنت تعطيه الدوالرات ليحوهلا ،فحصل
الصرف وحصل القبض ،مث حتول أنت الدوالرات ،وهذا أشران فيه لبعض
البنوك ،وبدأت بعض البنوك تعمل به -وإن كان يف نطاق ضيق -يعين :إذا
كان الدوالر سيبيعونه عليه مثال ابلنسبة للرايالت أبربعة دراهم ،يعطيهم
الدراهم ،ويعطونه الدوالرات ،فيقبضها ،وحيصل القبض يف الصرف مث حيول
هذه الدوالرات عن طريق هذا البنك أو عن طريق غريهم.
فإن ل ميكن :فهناك ما يسمى ابلتحويل الفردي ،ليس عن طريق البنوك،
وإمنا مثال يتخذ اإلثنان وكيلني يف البلد الثاين ،يعين حنن اآلن يف اإلمارات،
ونريد أن حنول عن طريق رجل ،أان يكون يل وكيل يف السعودية واحملول يكون
له وكيل يف السعودية ونتفق على وقت ،فنأيت حنن اآلن يف اإلمارات ،فأان
أعطيه الدراهم اإلماراتية ،هو يتصل على وكيله يف السعودية ،يقول :سلمه
اآلن كذا رايل سعودي ،فيسلمه .فيحصل التقابض ،ألان ال ننصرف من
اجمللس ويف ذمة أحدان شيء لآلخر .فهذا طريق مشروع ،وليس فيه إشكال،
وهذا الذي ظهر يل يف مسألة احلواالت عند دراستها.
|143 فقه املعامالت املالية ()2
السؤال الثاين :أحسن هللا إليكم ،هذا سائل يقول كان من املتقرر
عندي أن العلة يف األصناف األربعة ،هي االقتيات واالدخار ،مث رجحتم أن
العلة فيها ،كوهنا مطعومات :مكيلة أو موزونة ،فعلى هذا هل تدخل الفواكه
املوزونة ،وكذلك األطعمة املوزونة ،من اللحم والسمك ،وغريها يف علة
التحرمي؟
اجلواب:
هذا سيأيت -إن شاء هللا -طبعا كما قلنا :املسألة خالفية بني الفقهاء يف
العلة ،والذي ذكرتَه هو املختار عند املالكية يف علة الراب ،لكن سيأتينا -إن
شاء هللا -أن النظر إىل املكيالت واملوزوانت إىل زمن النيب ﷺ فيما عرف أنه
مكيل أو موزون ،فمعرفة اجلنس كيف تكون ،وكونه مكيال أو غري مكيل هذا
يرجع فيه -إن شاء هللا -إىل أمور سنبينها يف درس الغد إن شاء هللا .
السؤال الثالث :أحسن هللا إليكم ،وهذا سائل يقول ،ما حكم الراتب
املقدم سلفا من بعض البنوك اإلسالمية ،حيث يسرتد البنك املبلغ دون زايدة،
إال أن هناك رسوما هلذه املعاملة.
اجلواب:
مبعن أن يعجل البنك الراتب للموظف قبل وقته ،وأيخ َذ البنك شيئا
يسمونه رسـوما .هذا ال جيوز وهو من الراب ،ألهنا منفعة مالية حمضة يف مقابل
منفعة مالية حمضة مع زايدة ،فحقيقة األمر أن البنك أقرض املوظف الراتب
بزايدة ،مسوها رسوما ،وهذا ال جيوز وإن عمل به يف بعض املصارف
اإلسالمية.
فقه املعامالت املالية ()2 | 144
السؤال الرابع :أحسن هللا إليكم ،وهذا سائل يقول ،ذكرمت ابألمس أن
هناك من الفقهاء من يعد الزايدة يف العقوابت املالية أهنا ليست من الراب،
لكن لو كانت هذه الزايدات منسوبة بنسبة مئوية مبعن كل أتخري يف يوم أو
ساعة يف السداد فغرامتها كذا؟
اجلواب:
طبعا -اي إخوة -هذا الكالم الذي قلناه ليس يف املعامالت املالية ،أان
نصيت البارحة أن املعامالت املالية ال جيوز أن يدخلها التضعيف والزايدة،
ولكن يف العقوابت اليت تفرض جراء خمالفات ،كمخلفات املرور مثال فإن
هذا ليس من الراب ،ألن للمخالفة عقوبتني موصوفتني حمددتني ،فمن فعل
هذا أوقعت عليه هذه العقوبة ،ومن فعل هذا أوقعت عليه هذه العقوبة ،سواء
كانت حمددة ابملبلغ أو حمددة بنسبة مئوية ،فيقال مثال :إهنا تكون فيها زايدة
بنسبة عشرة يف املئة ،أو حنو ذلك ،فهذه الزايدة معلومة ،وليست جمهولة.
وأان أقول :إن تكييفي هلا -وهذا طبعا تكييف لبعض أهل العلم -أهنا
عقوابت متعددة ،حمددة معلومة ،وما دام كذلك فهي ليست من ابب الراب،
وكما قلت :وإن كان من مشاخينا الفقهاء األجالء من يرون أن هذا يدخل
يف ابب الراب ،لكين عند دراسة املسألة والنظر إىل قواعد أهل العلم؛ تبني يل
أن هذه عقوابت متعددة ،ليست نتيجة معاملة وليست من ابب الراب.
|145 فقه املعامالت املالية ()2
اجلواب:
هذا ال جيوز ،يعين مبعن أن أتيت بدراهم قدمية عندك ،أو تغري الورق فيها
ت يف ذلك الوقت ،حبيث شيئا وتعطيه إىل املصرف ،ويعطيك أوراقا س َّك ْ
تقدمها هدااي يف العيد أو حنو ذلك ،ولكنهم يعين أيخذون مقابل ،هذا هو
اجليد والرديء ،وهي جنس واحد ،فهذا من الراب الصريح الذي ال جيوز
السؤال السادس :أحسن هللا إليكم ،وهذا سائل يقول ،هل جيوز شراء
األصناف الستة وما أخذت حكمها كالسكر أواألرز اب َلديْن؟
اجلواب:
طبعا هل جيوز شراؤها اب َلديْن؟ هذه مسألة ستأتينا -إن شاء هللا -يف
ضمن القواعد ستمر بنا هذه املسألة ونقررها من الناحية يعين الفقهية ،مّت
جيوز؟ ومّت ال جيوز؟ هذه -إن شاء هللا -ستأتينا ولذا أان ال أستعجل يف
اجلواب.
فقه املعامالت املالية ()2 | 146
السؤال السابع :أحسن هللا إليكم ،وهذا سائل يقول ،اجتمع جمموعة
من األشخاص ،عددهم عشرة ،كل شخص منهم دفع مخسني ألف درهم،
فتم عندهم مخسمئة ألف درهم فدفعوها لشخص آخر ليستثمر هلم فيها،
فكيف يزكي كل شخص منهم ماله؟
اجلواب:
يعين هؤالء جمموعة اشرتكوا يف رأس مال ،مث دفعوه إىل آخر مضاربة،
ليتاجر هلم يف هذا املال .الزكاة هنا هلا طريقان:
الطريق األول :أن يزكي من يتاجر ابملال ،يزكيه إذا حال عليه احلول،
فتكون زكاته وقعت عن اجلميع ،فيقولون له :أنت تتوىل أمر هذا املال وخترج
زكاته وما يتعلق به ،فهنا يزكي واحلمد هلل.
والطريقة الثانية :أن يتوىل كل واحد منهم زكاة هذا املال مع بقية ماله،
فهذا دفع مئة ألف وعنده مئة ألف يقول أان أزكي ِمئَـ َيت ألف ،وهذا كذا وهذا
كذا .وهذا أيضا سائغ.
فهم إما أن يفوضوا القائم على املال بتزكيته ،وهذا سائغ وجائز ،وإما أن
يتوىل كل واحد منهم تزكية ماله على خصوصه.
لكن ابلنسبة لألول ،ال بد أن نـنَـبه إىل أنه ال بد له أن يضيف ما عنده
من مال إىل ذلك املال ،يعين :لو فرضنا -جدال -أن الذي عندك اآلن
حاضر ال يبلغ نصااب ،لكنك مشارك يف شركة ،وهذا املال يزيد كثريا عن
النصاب ،فما أتيت تقول الذي عندي ال أزكيه ألنه اليبلغ نصااب ،ال! أنت
|147 فقه املعامالت املالية ()2
عندك هذا مع ذلك املال ،فتزكي الذي عندك ألنه جزء من النصاب ،وذاك
يزكيه من فوضتموه يف تزكيته.
السؤال الثامن :أحسن هللا إليكم ،وهذا سائل يسأل عن بيع رصيد
اهلاتف إذ يشرتيه من الشركة بثالثة وعشرين درهم ،ويبيعها خبمس وعشرين
درمها حاضرة أو مؤجلة
اجلواب:
ِ
منفعة هذا جائز على الصحيح من أقوال أهل العلم؛ ألن هذا بيع
االتصال ،هو ال يبيع دراهم وإمنا يبيع منفعة االتصال املقدرة بعشرين درمها،
بثالثني مثال ،فهذا بيع للمنفعة ،أنت لو اشرتيت البطاقة ال تستطيع أن
تذهب وأتخذ دراهم ،وإمنا إذا أخذت البطاقة فقط أتخذ منفعة االتصال،
وعليه فال حرج يف بيع هذه البطاقات بزايدة أو نقص ،يعين جيوز أنك تذهب
إىل الشركة ،وتشرتي ألف بطاقة ،البطاقة بعشرين ،فتشرتي البطاقة مثال
بتسعة عشر درمها من أجل أن تبيعها بعشرين ،وجيوز أن تبيع املكتوب عليه
عشرين ،بواحد وعشرين؛ ألن هذا ليس بيعا للدراهم وإمنا هو بيع للمنفعة
املقدرة ابلدراهم ،فهذا جيوز فيه التفاضل وال حرج.
السؤال التاسع :أحسن هللا إليكم ،وهذا سائل يقول :ما الفرق يف
قوهلم :العلة الثمنية ومطلق الثمنية؟
فقه املعامالت املالية ()2 | 148
اجلواب:
دائما إذا وجدت "مطلق" قبل الكلمة فضع "كل" .عندما يقال :مطلق
العقد ،ضع بدل "مطلق" "كل" يعين :كل عقد .عندما يقال :مطلق الشرط،
ضع "كل" ،يعين :كل شرط.
لكن إذا جاءت مطلق بعد الكلمة فقيل :العقد املطلق ،الشرط املطلق،
يعين الذي ل يقيد بشيء.
هنا عندما يقولون :مطلق الثمنية ،يعين :كل الثمنية ،فحيثما وجدت
الثمنية يف شيء؛ وِج َدت علة الراب ،وعندما يقال :الثمنية ،فهو ذات الثمنية،
وهذا الذي اختلف فيه أهل العلم :هل هذه العلة قاصرة واقفة كما يقول
الشافعية ،أو متعدية كما يقول بعض املالكية ،وهي رواية عند اإلمام مالك،
وهو الصواب من أقوال اهل العلم.
السؤال العاشر :أحسن هللا إليكم ،وهذا سائل يسأل يف الدخول يف
معاملة بنكية ،تتضمن شرطا ربواي عند التأخري ،مع أنه يستطيع أن يسدد يف
الوقت املطلوب منه ،من غري أن يؤخر؟
اجلواب:
|149 فقه املعامالت املالية ()2
مبعن آخر إذا كان العقد ربواي ول يقع الراب ،هل جيوز يل أن أدخل فيه؟
اجلواب :ال جيوز .ال جيوز أن تدخل يف عقد ربوي ولو كنت تعلم أن الراب لن
يقع .ملاذا؟
ألن التعاقد ابلراب مع االختيار ،رضا به .فأنت عندما توقع العقد مع
االختيار ،فأنت راض هبذا الراب ،وهذا حرام ال جيوز ،حّت لو كنت تعلم أن
الراب لن يقع؛ فال جيوز الدخول يف العقود الربوية مع االختيار .ال جيوز ،حّت
لو كنت تعلم أن الراب لن يقع ألنك ستحرص على عدم التأخري ،ألن توقيع
العقد كما قلنا وأنت تعلم أن فيه راب مع االختيار؛ هو رضا هبذا الراب ،فهذا
حرام ال جيوز.
السؤال احلادي عشر :أحسن هللا إليكم ،وهذا سائل يسأل عن اجلوائز
البنكية على الودائع املالية ،سواء كانت من بنوك ربوية أو إسالمية.
اجلواب:
اجلوائز اليت تقدمها البنوك لعمالئها؛ إذا كانت من اجلوائز املعتادة اليسرية
كما قلنا مثل التقاومي وحنو ذلك ،هذا ال إشكال فيه ،أما إذا كانت جوائز
ذات قِيَم ،فهذه إذا كان حيصل عليها كل أحد؛ فهذه تسمى مكافآت
تشجيعية حتفيزية للعمالء وليس فيها قمار ،فهذه جائزة -إن شاء هللا -على
الصحيح ،أما إذا كانت حيصل فيها سحوابت ،وحيصل زيد وال حيصل
عمرو؛ فهذه من القمار الذي ال جيوز.
السؤال الثاين عشر :أحسن هللا إليكم ،وهذا سائل يسأل عن بيع
وشراء العمالت النقدية؟
فقه املعامالت املالية ()2 | 150
اجلواب:
هذا سيأتينا -إن شاء هللا -العمالت جيوز بيعها وشراؤها متفاضلة بشرط
أن تستلم يدا بيد وال جيوز فيها التأخري ،ولو ساعة –واملقصود :التأخري عن
جملس العقد -فيجوز أن يبيع دراهم برايالت ورايالت بدوالرات ويتاجر يف
هذا بشرط أن يتم التقابض يف جملس العقد ،فإذا حصل أتخري فإن هذا
يكون من ابب راب النسيئة ،وهو ال جيوز ،ولذلك جيب احلذر من شراء
العمالت عن طريق اإلنرتنت فإن الغالب أنه ال حيصل فيها التقابض ،فإذا
كان ال حيصل فيها التقابض فهذا راب وال جتوز ،أما إذا كان حيصل فيها
التقابض ،ويكون عند اإلنسان حساب ،إذا اشرتى العملة دخلت مباشرة يف
حسابه ،وهو يدفع ،وأمن التفرق قبل القبض؛ فهذا جائز.
السؤال الثالث عشر :أحسن هللا إليكم ،وهذا سائل يسأل عن سحب
املبلغ من اجلهاز املصريف إذا كان من بنك آخر غري البنك الذي يتعامل معه،
حيث أن املبلغ اآلخر يسحب مبلغ يسري كدرهم أو درمهني أو حنو ذلك.
اجلواب:
هذه املعاملة يف احلقيقة فيها شبهة ،وذلك أن اإلنسان إذا استخدم
البطاقة العادية يف السحب من جهاز يتبع ملصرف آخر غري املصرف الذي
|151 فقه املعامالت املالية ()2
يتعامل معه؛ أهنم أيخذون عليه مقابل ،لكن الذي يظهر -وهللا أعلم وإن
كانت الختلو من شبهة-؛ اجلواز ،ألن هذا:
أوال :مقابل استخدام اجلهاز ،ألن كل جهاز صراف يتبع بنكا ،هذا
اجلهاز له قيمة وله مؤنة .فإذا استخدام اإلنسان هذا اجلهاز التابع لذلك
البنك ،وليس للبنك الذي يتعامل معه ،فإنه تؤخذ أجرة هذه االستفادة من
هذا اجلهاز لذلك البنك ،وهذا -وهللا أعلم -جائز من جهة أن هذه غري
مسألة السحب ،بل هي أجرة اجلهاز الذي ال يتبع البنك الذي يتعامل معه.
ومن وجه آخر :أن اإلنسان يف هذه احلال -ما أدري ،أان أتكلم عن
الذي عندان يف السعودية -ليس هو الذي يدفع هذه الزايدة أو هذا املبلغ،
إمنا الذي يدفع هذا املبلغ؛ البنك الذي يتعامل معه .يعين عندان يف السعودية،
املبلغ ال خيصم من حساب العميل ،لكن البنك الذي تتعامل معه ،يتحمل
هذه الزايدة.
يعين مثال :رايلني- ،عندان ثالثة رايل -يتحملها البنك الذي تتعامل معه
أجرة للبنك اآلخر ،والعكس صحيح ،ففي هذه احلال ال يكون املستفيد هو
الذي دفع ،وإمنا البنك الذي يتعامل معه ،وهذه جهة منفكة ،ولذلك الذي
يظهر يل -وهللا أعلم -اجلواز ،ولكين أوصي :بعدم عملها لوجود شبهة فيها
عندي .فاإلنسان حيرص قدر ما يستطيع على أن يسحب من الصراف الذي
يتبع البنك الذي يتعامل معه.
فقه املعامالت املالية ()2 | 152
طبعا العلماء خمتلفون يف حكمها :فمن أهل العلم َمن مينعها ،ومن أهل
العلم من جييزها ،وأان درستها -يف احلقيقة -وظهر يل أن الراجح عندي هو
اجلواز لكن يف املسألة شبهة ،واجتناب الشبه خري .فاألحسن أن اإلنسان
حيرص على أال يسحب إال من الصراف الذي يتبع للبنك الذي يتعامل معه.
فإن وقع منه أنه سحب من صراف آخر فالذي يظهر يل -وهللا أعلم -أنه
اليكون قد وقع يف الراب على ضوء دراسيت للمسألة.
السؤال الرابع عشر :أحسن هللا إليكم ،وهذا سائل يقول :هل جيوز
مساعدة أخ قد تعامل مع البنك الربوي ،لوفاء دينه الذي ترتب عليه من
تعامله ابلراب؟
اجلواب:
هل جيوز يل أن أساعد من اقرتض قرضا ربواي وهو يعلم ،من أجل سداد
هذا القرض؟ الذي يظهر يل -وهللا أعلم -أنه إن كان قد اتب ويريد أن
يتخلص من هذا القرض ابلسداد للبنك ،فنعم ،يعان ،ألن يف إعانته إعانة
الرب والتقوى .فإذا كان هذا الشخص كان متساهال أو جاهال أو حنولعلى ِ
ذلك مث اتب ،ويقول :أان ال أريد أن يكون يل عالقة هبذا البنك ،هذا حيرق
قليب ،أان أريد أن أختلص من هذا األمر؟ فنعم ،جيوز أن يعان على سداد دينه
هذا.
أما إذا ل يتب من هذه املعاملة الربوية احملرمة ،فالذي يظهر يل -وهللا
أعلم -أنه ال جيوز أن يعان؛ ألن يف إعانته تشجيعا له على هذه املعاملة.
|153 فقه املعامالت املالية ()2
هو بنفسه تعامل هبذه املعاملة وهو ل يتب منها ،فإذا ساعدانه ،جعلنا
األمر أسهل يف نفسه ،فيذهب ويقرتض مرة أخرى ،حّت أييت زيد من الناس،
ويسدد عنه ،فهكذا يكون إعانة له على البقاء على الباطل.
فأان أقول :عندما نظرت يف هذه املسألة ،أنه إن كان اتئبا فإنه يعان
وإعانتة مشروعة ،أما إن كان مصرا على هذا الفعل ،غري اتئب منه؛ فإنه ال
جيوز أن يعان على التخلص من هذا القرض الذي رمبا يثقله عن أن يقرتض
مرة أخرى ابلراب ،فإن خفف عنه ،ذهب واقرتض ابلراب.
***
فقه املعامالت املالية ()2 | 154
الدرس اخلامس
احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم ،األمتان األكمالن على املبعوث
رمحة للعاملني ،وعلى آله وصحبه أمجعني ،أما بعد:
فأسأل هللا أن يفقهنا يف دينه ،ويرقق قلوبنا لطاعته ،ويستعملنا يف
نصرة سنة نبيه ﷺ ،وجيعلنا رمحة وخريا على البالد والعباد ،وجيعلنا مفاتيح
للخري مغاليق للشر ،واسأل هللا أن جيعل جمالسنا هذه من اجملالس اليت
تسران عند لقاء ربنا سبحانه وتعاىل ،وأن جيعلنا هبا من السعداء يف الدنيا
والفائزين يوم القيامة.
أيها اإلخوة :نواصل دروسنا وجمالسنا يف هذه الدورة املباركة اليت أسأل
هللا أن جيزي القائمني عليها خري اجلزاء وأن يثيب القائمني على دائرة
الشؤون اإلسالمية على عنايتهم هبا وحرصهم ورغبتهم يف تطويرها وأن جيعل
هذا ِما يسرهم عند لقاء هللا وهذ الدورة هي الدورة الثانية يف قواعد
املعامالت حيث خصصناها لقواعد الراب وقبل أن نبدأ يف قواعد اليوم أحببت
أن أنبه على أمر فاتين ذكره مع أمهيته يف درس األمس وذلك أان تكلمنا عن
قاعدة :كل قرض جر منفعة فهو راب.
وتكلمنا يف نقاط ،وتكلمنا يف النقطة األوىل وهي املنفعة املشرتطة عند
القرض وقلنا إهنا تنقسم إىل ثالثة أقسام:
.1منفعة متمحضة للمقرض وقلنا هذه حرام إبمجاع أهل العلم
|155 فقه املعامالت املالية ()2
يعين أن املقرتض يقصد هذه املنفعة ويريد هذه املنفعة وليست مفروضة
عليه؛ ألن الفرض كالعدم بل هو أقرب إىل املضرة من املنفعة؛ كون املقرتض
ما يريد هذه املنفعة ولكن يفرض عليه بسبب الشرط هذا يضره وال
ينفعه .وأعطيكم مثاال:
قال املقرتض للمقرض :أقرضك عشرة آالف على أن تستأجر بييت مثال
خبمسة آالف واملقرتض عنده بيت وليس حباجة إىل االستئجار وال يريد
االستئجار فهذه املنفعة كأهنا حمضة للمقرض وكأهنا مضرة للمقرتض فال
تدخل يف املنفعة اجلائزة وإمنا إذا قال له أقرضك عشرة آالف على أن
تستأجر بييت خبمسة آالف وهو يريد أن يستأجر بيتا .هذا الضابط األول.
فقه املعامالت املالية ()2 | 156
غري القرض.
الضابط الثاين :أن يكون للمنفعة مقابل َ
مثل ما قلنا :يقرضه عشرة آالف على أن يستأجر البيت خبمسة آالف.
القرض شيء وهذه املنفعة بيت وأجره غري القرض ،خبالف ما لو كانت
املنفعة من القرض ذاته فإن هذا ال جيوز .مثال ذلك بعض الذين جوزوا
الفوائد مع البنوك -وهم قلة ،وقد بينا بطالن هذا سابقا – قالوا" :إن يف
هذا منفعة مشرتكه للمقرض واملقرتض؛ ألن صاحب املال حيفظ ماله ويضمن
ماله وأيخذ فائدة ،والبنك ينتفع هبذا املال ويتجر به ،إذن هو جائز" وهذا ال
جيوز عند أحد من أهل العلم املتقدمني ومجهرة العلماء املعاصرين؛ ألنه ههنا
هذه املنفعة متعقلة بعني القرض وليس هلا مقابل آخر.
والضابط الثالث :أن ال تكون هنالك ايدة على العادة.
فإذا كان هناك زايدة على العادة فإن هذا ال جيوز .يعين ،قال له:
أقرضك عشرة آالف على أن تستأجر بييت -وهو يريد أن يستأجر ويبحث
عن بيت -لكن قال :على أن تستأجر بييت بعشرة آالف .والعادة أن البيت
يؤجر يف هذه املنطقة خبمسة آالف ،هنا ال جيوز؛ ألن الزايدة على العادة إمنا
كانت من أجل القرض ،فيصبح ال جيوز.
إذن عندان يف املنفعة املشرتكة اليت حتصل للمقرض وحتصل للمقرتض
ثالثة ضوابط عند اجمليزين -واملانعون ال حيتاجون إىل ضوابط ،-الضابط
األول :أن تكون املنفعة مقصودة للمقرتض ال مفروضة عليه ،والضابط الثاين:
أن يكون للمنفعة مقابل غري القرض ،والضابط الثالث :أن ال يكون يف ذلك
زايدة على ما جرت به العادة.
|157 فقه املعامالت املالية ()2
البارحة توقف الكالم بنا يف ثنااي قاعدة تتعلق ببيع األمثان واملطعومات
املكيلة أو املوزونة جبنسها ،حيث قلنا فيها ال جيوز بيع األمثان أو مطعوم
مكيل أو موزون جبنسها إال مثال مبثل ،وبينا معن هذه القاعدة وقلنا إن
األجناس الربوية يف بيع اجلنس ال بد فيها من التماثل والتساوي ولو اختلفت
يف اجلودة ،وبينا أصلها من السنة ووقفنا عند هذا ،وهذا األمر جممع عليه بني
أهل العلم ،يقول ابن قدامة رمحه هللا” :ال خالف بني أهل العلم يف وجوب
املماثلة يف بيع األموال الربوية اليت حيرم التفاضل فيها ،وأن املساواة املرعية هي
املساواة يف الكيل كيال ويف املوزون وزان ،ومّت حتققت هذه املساواة ل يضر
اختالفهما فيما سواها“ – ،وانتبهوا هلذا – ليس املقصود أن يستواي يف كل
شيء وإمنا املقصود أن يستواي يف الكيل إن كانت من املكيالت ،أو يستواي
يف الوزن إن كان من املوزوانت ،ألنك ِمكن أن أتيت فتبيع مترا بتمر ،وهذا
التمر – مثال -جيد وهذا أقل جودة ،ولكنك تبيع صاعا بصاع ،هنا وجد
املساواة وإن اختلفا يف اجلودة فإن املقصود هو املساواة يف الكيل يف املكيالت
والوزن يف املوزوانت كما دلت عليه األحاديث.
وقول العلماء" :جبنسه" ،اجلنس هنا ما يشمله اسم خاص وإن كانت له
أنواع ،فالتمور جنس ألنه يشملها اسم خاص وهو اسم التمر وإن كانت
أنواعا ،هناك العجوة وهناك الربين وهناك وهناك أنواع كثرية ،لكن يشملها
اسم واحد فهي جنس.
الرب جنس وإن كان الرب أنواعا ختتلف يف اجلودة ولكنها جنس واحد.
فقه املعامالت املالية ()2 | 158
الذهب جنس ألنه يشمله اسم الذهب وإن كان الذهب أنواعا ،هناك
الذهب عيار أربع وعشرين ،ذهب عيار واحد وعشرين ،وذهب عيار مثانية
عشر ،لكن يشملها اسم واحد وهو الذهب ،وكذلك الفضة.
وفروع األجناس أجناس خمتلفة وإن مجعها جنس واحد –انتبهوا هلذا
مهم -فروع األجناس أجناس خمتلفة وإن مجعها اسم واحد ،يعين عندان ما
يسمى ابلدقيق ،الدقيق هذا اسم واحد يشمل كل مطحون من احلبوب ،هل
هي جنس واحد؟ نقول :ال ،نعيدها إىل أصلها ،فالرب نعيده إىل الرب والشعري
نعيده إىل الشعري واألرز نعيده إىل األرز ،فال نقول إن الدقيق كله جنس
واحد؛ ألن الدقيق فرع واألصل هو أصل اجلنس ،احلب الذي طحن ،فما
مشله اسم خاص لكن كانت األنواع من أصول خمتلفة فإنه ليس جبنس ،بل
يعاد إىل أصله ،وكذلك األدهان فإهنا تعاد إىل أصلها وبناء على هذه القاعدة
اليت قررهتا األحاديث فإنه جيوز بيع الذهب ابلفضة متفاضال.
وال جيوز بيع الذهب ابلذهب متفاضال ،ألن الذهب جنس والفضة
جنس آخر فال جيوز بيع الذهب ابلذهب متفاضال.
وال جيوز بيع الفضة ابلفضة متفاضال لكن جيوز بيع الذهب ابلفضة
متفاضال ،ألهنا ليست جنسا واحدا.
وجيوز بيع الدرهم ابلدوالر متفاضال ألهنا ليست جنسا واحدا.
وكذلك بناء على قيود هذه القاعدة إذا كان املبيع موزوان أو مكيال ول
يكن مطعوما ،مثل :اإلمسنت واحلديد فهذه ليست مطعومات وإن كانت
|159 فقه املعامالت املالية ()2
توزن ،فهذا جيوز بيعه جبنسه متفاضال على الراجح من أقوال العلماء على ما
تقدم يف بيان العلة.
وإن كان املبيع مطعوما لكنه ليس مكيال وال موزوان ،ولكن يباع ابلعدد،
كالفاكهة واخلضروات ،فإنه جيوز بيعها جبنسها متفاضلة ،ألن الفواكه
معدودات وليست موزوانت .فإن قال لنا القائل :اليوم يزنون الفواكه ،تباع
الفواكه ابلوزن نقول سيأيت إن شاء هللا بيان ما هو األصل يف هذا يف ثنااي
الكالم اليوم إن شاء هللا .
القاعرردة الثامنررة :ال جيررو بيررع مكيررل مررن املطعومررات بشرري مررن جنسرره
بيع مو ون من األمثان واملطعومات كيال.
و ان وال ُ
انتبهوا هلذا ،يعين جبنسه وتلحظون اي أخوه أان يف املكيل قلنا املطعومات
فقط ،ويف املوزون قلنا األمثان واملطعومات ،ألن األمثان توزن فقط واملطعومات
منها ما يكال ومنها ما يوزن.
ومعن هذه القاعدة :أنه ال جيوز بيع ما أصله أنه مكيل من املطعومات
مبثله وزان وال بيع ما أصله أنه موزون مبثله كيال .يقول يل قائال يعين ال جيوز
أن تبيع كيلو غرام من التمر بكيلو غرام من التمر؛ ألن هذا وزن والتمر أصله
أنه مكيل ،فيقول قائل :ملاذا؟ هنا تساوي!
نقول :ال هنا لن يوجد التساوي ألن التماثل يف الكيل مشرتط ابلكيل
ويف الوزن أو يف املوزوانت ابلوزن ولو ابع كيلو من املكيل بكيلو من مثله لن
فقه املعامالت املالية ()2 | 160
حيصل التماثل ،ملاذا؟ ألن أحدمها قد يكون خفيفا واألخر يكون ثقيال وأنت
ترى هذا ،فلو أنك أتيت بصاع متر من نوع وصاع متر من نوع آخر ووضعت
هذا يف امليزان رمبا وزن اثنان كيلو وربع ،ولو وضعت اآلخر يف امليزان رمبا وزن
ثالث كيلو أو أربعة كيلو ،إذن ستختلف لو بعناها ابلوزن من جهة الكيل.
بعبارة أخرى :اي إخوة لو بعتك كيلو من نوع من التمر بكيلو بنوع من
التمر وجئنا هبذا الكيلو فوضعناه يف الصاع رمبا يبلغ نصف الصاع وجئنا هبذا
الكيلو ووضعناه يف الصاع رمبا يبلغ ربع الصاع فيؤدي إىل التفاضل يف
املكيالت أو يؤدي إىل اجلهل ابلتماثل ،وسيأتينا يف القاعدة إن شاء هللا أن
اجلهل ابلتماثل يف الربوايت كالعلم ابلتفاضل وسنبينه إن شاء هللا وكذلك
ابلنسبة للموزون.
القاعدة اليت تليها وسأربطها ببعضها ونتكلم إن شاء هللا عن مسألة
اجلنس ألهنا مرتبطة هبا يف العلة وهي:
[القاعدة التاسعة] :ال جيو بيع مبيع أصله مكيل مبثله جزافرا أو بيعره
جزافا مبثله مكيال أو مو وان.
يعين ربوي لنفس العلة اليت ذكرانها ،ما معن هذا ما معن اجلزاف؟
اجلزاف معناه أن يباع بدون كيل وال وزن :ابلكومة أو ابلكرتون.
ال جيوز بيع التمر ابلكومة أو ابلكرتون بتمر مكيل ،ملاذا؟ ألنه إما أن
يؤدي إىل التفاضل وإما أن جنهل التماثل وكالمها ِمنوعان يف الراب ،وقد جاء
يف حديث عن جابر بن عبدهللا قال :هنى رسول هللا ﷺ عن بيع
|161 فقه املعامالت املالية ()2
الصربة من التمر ال يعلم مكيلتها ابلكيل املسمى من التمر رواه مسلم يف
الصحيح.
ملاذا؟ للعلة اليت ذكرانها ،ألنه لو بيعت الصربة بصاع إما أن نعلم أن
هناك تفاضال يقينا ،وإما أن جنهل التماثل وكالمها ال جيوز يف الراب.
هنا بعد هذه القواعد أيتينا سؤال كيف نعرف ما أصله مكيل وما أصله
موزون؟
اختلف العلماء يف ذلك فعد احلنابلة والشافعية :املرجع يف ذلك إىل
العرف يف احلجاز يف عهد النيب ﷺ -أي :يف مكة واملدينة ،-فما كان
مكيال يف عرف احلجاز يف زمن النيب ﷺ فهو مكيل ولو أصبح الناس يزنونه،
وما كان موزوان يف عرف احلجاز يف زمن النيب ﷺ فهو موزون ولو أصبح
الناس يكيلونه ،فإن اختلف العرف يف احلجاز فالوزن وزن أهل مكة والكيل
كيل أهل املدينة ألن النيب ﷺ قال :الوزن وزن أهل مكة واملكيال مكيال
أهل املدينة رواه أبو داود والنسائي وصححه األلباين.
طبعا قال العلماء :العلة يف كون الوزن ألهل مكة واملكيال ألهل املدينة:
أن أهل مكة أهل وزن وميزان ألهنم أهل جتارة ،وأهل املدينة أهل مكاييل
ألهنم أهل زراعة ،فقالوا :العرف الذي يف احلجاز يف زمن النيب ﷺ هو
املعترب ،فما علمنا ابلعرف أنه مكيل فهو مكيل مهما تغريت األزمنة ،إذن
التمر مكيل ولو أصبح يوزن اليوم ،الرب مكيل ولو أصبح يوزن اليوم ،وهكذا.
وما ل نعلم حاله ،ل أيتنا دليل هل هو مكيل يف زمن النيب ﷺ أو
موزون؟
فقه املعامالت املالية ()2 | 162
اختلفوا هنا فمنهم من قال نقربه إىل أشباهه يف زمن النيب ﷺ ،يعين مثال
األرز ،األرز ل أيت نص يف كونه مكيال أو موزوان ،نقربه إىل أشباهه من الرب
والشعري فنقول هو مكيل .وقال بعضهم :بل يرجع يف ذلك إىل عرف الناس
يف الزمن الذي هم فيه مادام أنه ل نعرف العرف يف زمن النيب ﷺ ،فاملرجع
عرف الناس ما حنتاج أن نقرب ،فاألرز اليوم يوزن إذن هو موزون ،على
عرف الناس .وعند احلنفية يعترب كل بلد بعادته ،يقولون هذه أشياء عرفيه
تتغري بتغري األعراف فننظر إىل البلد هل هذا مكيل عندهم أو ليس مكيل،
هل هذا موزون أو ليس موزوان ،طيب قلنا هلم -طبعا احلنفية ومعهم بعض
فقهاء الشافعية ومعهم فقهاء احلنابلة وبعض فقهاء املالكية -كيف تصنعون
ابحلديث الوزن وزن أهل مكة واملكيال مكيال أهل املدينة؟ قالوا :هذا
احلديث يف التقديرات الشرعية وليس يف معامالت الناس ،يف التقديرات
الشرعية ،كيف يف التقديرات الشرعية؟ يعين :جاء نصاب الزكاة مقدرا شرعا
كيف نعرفه؟
ابلنظر إىل زمن النيب ﷺ جاء أنه خيرج يف زكاة الفطر صاع ،أي صاع؟
قالوا :الصاع يف زمن النيب ﷺ ،فهذا يف التقديرات الشرعية ،أما يف املعامالت
فكل حبسب عرفه ،واألقرب عندي -وهللا أعلم -أن كل ما دل النص على
أنه مكيل فهو مكيل ولو تغري ذلك يف العرف وكل ما دل النص على أنه
موزون فهو موزون وإن تغري ذلك يف العرف؛ ألن األصل محل كالم النيب ﷺ
على ما كان يف زمنه ويستمر به احلكم ،فالتمر مكيل والرب مكيل والشعري
مكيل وامللح مكيل والفضة موزونة والذهب موزون ،أما ما ل يرد به النص
|163 فقه املعامالت املالية ()2
فاملرجع فيه إىل العرف ،وكذلك أيضا يف كون الشيء معدودا ،فإن اآلاثر
دلت مثال على أن اخلضروات والفواكه كانت معدودة ول تكن تكال وال
توزن إال ما دل عليه دليل خاص ،ففي هذه احلال نقول الفواكه معدودة فال
يدخلها الراب واخلضروات معدودة فال يدخلها الراب على الصحيح من أقوال
أهل العلم ،أما ما ل يرد فيه نص فاملرجع فيه إىل العرف والعادة؛ ألن الضابط
يقول" :كل ما ورد به الشرع مطلقا وال ضابط له فيه وال يف اللغة يرجع فيه
إىل العرف" فإذا أردان أن نعرف كون الشيء مكيال أو موزوان أو معدودا ،فإان
ننظر إىل النصوص فإن وجدان اعتباره يف النصوص مكيال فهو مكيل حّت يف
زماننا ،وإن وجدان اعتباره يف النصوص موزوان فهو موزون حّت يف زماننا ،وإن
وجدان يف النصوص أنه معدود فهو معدود حّت يف زماننا ،وإن ل جند ذلك
يف النصوص فاملرجع يف ذلك إىل العرف احلاضر.
أنبه هنا إىل فائدة تتعلق هبذا األمر وهي أن وفاء احلقوق يكون حبسب
ما جرت به العادة ،يعين اي إخوة لو أن إنساان اقرتض من آخر صاع بر ،إذا
وف بصاع النيب ﷺ ،نقول ِ
وف ابلصاع الذي تكتالون يويف ما نقول له ِجاء ِ
به حّت حتصل املماثلة ،هذا أعطاك هبذا الصاع فتعطيه هبذا الصاع ،يعين ما
يكلف الناس يف الوفاء ابحلقوق بنفس املكاييل بل ينظر يف الكيل إىل املوجود
يف زمن الناس.
فقه املعامالت املالية ()2 | 164
كذلك ابلنسبة للنقود :جيوز أن تبيع الدوالر أبربعة دراهم ألن هذا
جنس وهذا جنس ،ولكنها تشرتك يف علة واحدة يف الراب ،وذلك لقول
النيب ﷺ :وبيعوا الذهب ابلفضة ،والفضةَ ابلذهب كيف شئتم يعين من
جهة التفاضل وبيعوا الذهب ابلفضة والفضة ابلذهب كيف شئتم يعين
متفاضال ،وإال سيأيت القيد أنه ال بد أن تكون يدا بيد ،وهذا يف الصحيحني.
وقوله ﷺ :وال تبيعوا منها غائبا ِ
بناجز يعين ال بد من التقابض ،وهذا
يف الصحيحني.
وقوله ﷺ :فإذا اختلفت هذه األصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا
بيد رواه مسلم.
وبناء على هذا -اي إخوة -نقول :بيع األموال الربوية فيما بينها على
ثالثة أقسام:
القسم األول :مبادلة األموال الربوية من جنس واحد ،كذهب بذهب
ومتر بتمر :وهنا يشرتط التساوي والتقابض يف جملس العقد ،فال جتوز الزايدة
وال التأخري.
والقسم الثاين :مبادلة األموال الربوية من جنسني خمتلفني مع اشرتاكهما
يف علة الراب :وهنا يشرتط التقابض فقط وجيوز التفاضل.
القسم الثالث :مبادلة األموال الربوية مع اختالف جنسها واختالف
علتها ،مثل ذهب ومتر ،الذهب جنس والتمر جنس فهما جنسان ،وعلة
فقه املعامالت املالية ()2 | 166
الذهب الثمنية وعلة التمر كونه مطعوما مكيال ،فهما ال يشرتكان يف اجلنس
وال يشرتكان يف العلة :فهنا جيوز التأخري منفصال ابالتفاق:
جيوز أن تبيع كيلو متر بذهب نسيئة ،يعين أتخذ التمر اآلن وتدفع
الذهب بعد أسبوع.
وجيوز بيعها متفاضلة وهذا حمل اتفاق.
وجيوز على الصحيح عند مجهور أهل العلم أن تباع متفاضلة ونسيئة يف
وقت واحد ،فتبيع مثال صاع متر بغرام ذهب على أن أتخذ التمر اليوم وتدفع
الذهب بعد أسبوع ،فهذا جائز وال حرج فيه وهو مفهوم األحاديث اليت
ذكرانها يف هذه القواعد.
القاعدة احلادية عشر :ال جيو بيع َرةْرب مرن ال ر َمطْعومات بيرابس مرن
جنسه.
الرطْب ابليابس منه إذا كان من جنس واحد.
يعين ال جيوز بيع الطعام َّ
يعين :أنت عندك متر ،فال جيوز أن تبيعه برطَب ،ال جيوز أن تبيع صاع
الرطب إذا َجف ينقص ،فهنا ال يكون هناك متر بصاع رطب ،ملاذا؟ ألن َّ
متاثل يف البيع ،ال جيوز أن تبيع صاعا من العنب بصاع من الزبيب ،ألن
العنب إذا جف ينقص فال يكون هنالك متاثل ،وهذا قول مجهور الفقهاء،
ومعهما الصاحبان من احلنفية -حممد بن احلسن وأبو يوسف من احلنفية-
الرطب ابليابس من جنسه.ويروى عن أيب حنيفة اجلواز ،أنه جيوز أن يباع َّ
|167 فقه املعامالت املالية ()2
والراجح قول اجلمهور ألن السنة قاضية هبذا ومبينة هلذا ،فقد جاء عن
سعد بن أيب وقاص أنه قال :إين مسعت رسول هللا ﷺ سئل عن اشرتاء
س؟ قالوا :نعم ،قال :فنهى عنالرطب ابلتمر فقال أينقص الرطَب إذا يَـب َ
ذلك ،رواه ابن ماجه وأبو داود والرتمذي والنسائي وصححه الرتمذي
واأللباين.
هنا -اي إخوة -سعد يقول إين مسعت رسول هللا ﷺ سئل عن
اشرتاء الرطب ابلتمر -وهذه مسألتنا ابلنص -فقال :أينقص الرطب إذا
يبس طبعا النيب ﷺ يعرف أن الرطب ينقص إذا يبس وجف؛ لكن يريد أن
يعلمهم العلة يف املنع ،ما هي العلهة يف املنع ؟
أنه ينقص فال يكون هناك متاثل قالوا :نعم ،قال :فنهى عن ذلك
وهذا نص يف املسألة.
ابلرطْب متماثال وهذا قول مجهور
الرطْب َّ
ويفهم من هذا أنه جيوز بيع َّ
العلماء ،خالفا للشافعية الذين يقولون :ال جيوز ألنه إذا نقص قد يتفاوت.
لكن النصوص مشعرة ابجلواز
ويدخل يف هذه القاعدة:
مسألة بيع املزابنة
تسمعون هبا يف املعامالت بيع املزابنة وهي داخلة يف هذه القاعدة ،فقد
هنى رسول هللا ﷺ عن بيع املزابنة ،وهو شراء التمر ابلتمر يف رؤوس النخل،
فعن ابن عمر أن النيب ﷺ هنى عن املزابنة قال :واملزابنة أن يبيع
فقه املعامالت املالية ()2 | 168
الثمر بكيل إن ز َاد فَلِي وإ ْن نَـ َقص فَـ َعلي يعين :أييت والثمر يف رأس النخل
فيقول :أشرتي منك هذا الرطب بعشرة آصع من هذا التمر ،إن زادت الثمر
فهو ِيل ،وإن نقص فهو َعلَي ،هذه املزابنة اليت فسرها ابن عمر
واحلديث يف الصحيحني.
وعن أيب سعيد اخلدري أن رسول هللا :هنى عن املزابنة واحملاقلة
قال :واملزابنة :اشرتاء الثمر ابلتمر يف رؤوس النخل متفق عليه.
وأصل املزابنة يف لغة العرب -اي إخوة -املدافعة ،يقولون :مسيت املزابنة
مزابنة ،ألن املتبايعيني إذا وقفا يف هذا البيع على الغَ ْب أراد املغبون أن يفسخ
البيع ،وأراد الغابن أن ميضيه ،يعين :اخلاسر يريد أن يفسخ والرابح يريد أن
ميضي ،فكأهنما يتدافعان.
ويف هذا إشارة -اي إخوة -إىل أنه ال بد من رابح وخاسر يف هذه
املعاملة ،ولذلك مسيت مزابنة ،ال بد أن يوجد مغبون فيها ،فإذا وجد الغب
فإما أن يكون صاحب الزرع وإما أن يكون املشرتي ،فإن كان املغبون
صاحب الزرع؛ أراد أن يفسخ ،وإذا كان املغبون املشرتي؛ أراد أن يفسخ فهما
يتدافعان.
الرطب على رؤوس النخل
واملزابنة يف األصل كما قلنا :هي بيع الثمر َّ
ابلتمر كيال ،وبيع العنب يف الكرم ابلزبيب كيال.
قال ابن عبد الرب -رمحه هللا” :-ول خيتلفوا أن بيع ال َك ْرم ابلزبيب
-الكرم هو العنب -والرطَب ابلتمر املعلق يف رؤوس النخل ،والزرع ابحلنطة
|169 فقه املعامالت املالية ()2
مزابنة“ ،يعين :متفقون على أن هذه مزابنة ويدخل فيها -إحلاقا للمشاركة يف
الرطب ابليابس.
املعن -ما ذكرانه يف القاعدة :بيع املطعوم املكيل أو املوزون َّ
قال ابن بطال” :أمجع العلماء أنه ال جيوز بيع الزرع قبل أن يقطع
ابلطعام ،وال بيع العِنب يف كرمه ابلزبيب ،وال بيع الثمر يف رؤوس النخل
ابلتمر ،ألن النيب ﷺ هنى عنه ومساه مزابنة ،وذلك خطر وغرر ،ألنه بيع
ب ذلك بيابسه إذا كان جمهول مبعلوم من جنسه“ قال” :وأما بيع رطْ ِ
َ
مقطوعا وأمكن فيه املماثلة“ ما معن أمكن فيه املماثلة يعين يكال ،فالرطب
يكال ابلصاع والتمر يكال ابلصاع ”فجمهور العلماء ال جييزون بيع شيء
من ذلك جبنسه ،ال متماثال وال متفاضال ألنه من املزابنة املنهي عنها“ ،وكما
قلنا :إما أن نعلم املفاضلة وهذا يف الرطب واليابس يقينا وإما أن جنهل
التماثل قال” :وهبذا قال أبو يوسف وحممد ،وخالفهم أبو حنيفة فأجاز بيع
الرطْبة ابليابسة ،والرطب ابلتمر مثال مبثل ،وال جييز ذلك متفاضال“،احلنطة َّ
مث اختلفوا يف صور أخرى من املزابنة ليست داخلة معنا يف مسألة الراب ،فهذه
قاعدة.
القاعدة الثانية عشر :ال جيو بيع خالص ِ
الربَر َوي مبشوب من جنسه.
أي :ال جيوز بيع اخلالص من جنس ربوي واحد مبشوب وخملوط من
نفس اجلنس.
فال جيوز مثال بيع الذهب الصايف بذهب خملوط بنحا،س سواء كان هذا
املخالِط ِمازجا أو غري ِمازجِ ،مازج :مثل أن يصب الذهب ويصب معه
فقه املعامالت املالية ()2 | 170
حناس ،فهذا ِمازج للذهب ،غري ِمازج :مثل الفصوص اليت تضاف إىل
الذهب ال متازجه لكنها تتعلق به.
فهنا ال جيوز مثال أن يباع متر صاف بتمر خملوط بِبـر ،ال جيوز أن تبيع
صاعا من متر صاف بصاع متر خملوط برب أو دخن أو مسن أو غري ذلك،
ملاذا؟ ألن هذا يؤدي إىل التفاضل ،ألن احلقيقة أنه سيكون صاعا أبقل.
وال جيوز بيع ذهب صاف بذهب خملوط ،وعليه ال جيوز بيع ذهب عيار
أربعة وعشرين بذهب عيار مثانية عشر ،ألن الذهب عيار أربعة وعشرين أكثر
نقاوة من الذهب عيار مثانية عشر.
طيب يف مثل هذه احلالة لو كان عند اإلنسان ذهب عيار أربعة وعشرين
ويريد أن يشرتي ذهبا من الصائغ عيار مثانية عشر ماذا يصنع؟
يبيع الذهب الذهب بعيار أربعة وعشرين ابلدراهم مث يقبض الدراهم ،مث
إذا شاء اشرتى هبا الذهب عيار مثانية عشر.
وال جيوز بيع ذهب صايف بذهب خملوط ابلفصوص ،يعين ال جيوز
تذهب للصائغ ومعك قالدة كلها ذهب فتشرتي مبثل وزهنا قالدة فيها
فصوص ،ألن هذا يؤدي إىل التفاضل ،وهذا عند مجهور الفقهاء.
واإلمام مالك -رمحه هللا -يوافق اجلمهور ولكنه استثن إذا كان املخلوط
من الذهب أو الفضة تبعا غري مقصود ،يعين إذا كان املخلوط اتبعا ال
يـ ْقصد ،وهذا ال بد أن يكون يسريا ،مثال ذلك :السيف احمللى بشيء من
|171 فقه املعامالت املالية ()2
الذهب أو احمللى بشيء من الفضة ،يقول االمام مالك :جيوز بيعه ابلداننري
وإن كان فيه ذهب ،ألن هذا الذهب اتبع غري مقصود.
والبشت الـم َموه بشيء من الفضة -مقدار أربعة أصابع أو أقل -املموه
بشيء من الفضة ،يقول جيوز بيعه ابلدراهم الفضية ،وإن كان فيه فضة ألن
الفضة هنا ليست مقصودة ،املقصود هو البشت ،ويغتفر يف التوابع ما ال
يغتفر يف غريها ،ويثبت تبعا ما ال يثبت استقالال.
وأجاز أبوحنيفة -رمحه هللا -بيع الذهب اخلالص ابلذهب املخلوط إذا
كان الذهب اخلالص أكثر من الذهب املخلوط ،أجاز أبو حنيفة –رمحه
هللا -بيع الذهب اخلالص ابلذهب املخلوط يف حالة واحدة؛ إذا كان الذهب
اخلالص أكثر من الذهب املخلوط.
إذن عند أيب حنيفة –رمحه هللا -إذا كان الذهب اخلالص أقل من
الذهب املخلوط ال جيوز ،إذا كان الذهب اخلالص يساوي الذهب املخلوط
ال جيوز ،ولكن جيوز إذا كان الذهب اخلالص أكثر من الذهب املخلوط ،ملاذا
اي أاب حنيفة؟
قال -رمحه هللا -أو علِ َل له :أبنه إذا كان الذهب اخلالص الذي هو
الثمن أكثر من املخلوط؛ فإن ما مياثله من الذهب املخلوط يقابله ،وما زاد؛
فهو قيمة ملا خلط به.
يعين :عندان ذهب يساوي عشرة غرامات ،واشرتاها اإلنسان مبخلوط
الذهب الذي فيه يساوي مثانية غرامات ،هنا يقول أبو حنيفة -رمحه هللا:-
فقه املعامالت املالية ()2 | 172
هذا جيوز- ،طبعا حنن ألول وهله سنقول كيف عشرة غرامات ومثانية
غرامات! -أبو حنيفة -رمحه هللا -يقول نقسمها أجزاء :فثمانية غرامات
بثمانية غرامات هذا الذهب ابلذهب ،طيب بقي غرامان؛ قيمة الفصوص.
فنقسم الصفقة :فالذهب الذي يقابل الذهب هذا قيمة الذهب ،والزائد؛ هذا
قيمة ما خلط به إن كان فصوصا.
والسنة قاضية مبا ذهب إليه اجلمهور ،وأتويالت احلنفية لألحاديث ال
تصلح صارفة هلا ،ملا جاء يف حديث فضالة بن عبيد األنصاري قال :أيت
رسول هللا ﷺ وهو خبيرب بقالدة فيها خرز وذهب وهي من املغامن تباع ،فأمر
رسول هللا ﷺ ابلذهب الذي يف القالدة فنزع وحده ،مث قال هلم رسول هللا
ﷺ :الذهب ابلذهب وزان بوزن رواه مسلم يف الصحيح.
فهنا النيب ﷺ ل جيز بيع القالدة ابلذهب وإمنا أمر بنزع اخلرز والفصوص
وبيع الذهب ابلذهب متماثال.
أيضا جاء يف حديث فضالة بن عبيد أنه قال :اشرتيت يوم خيرب قالدة
ابثين عشر دينارا ،فيها ذهب وخرز ففصلتها ،فوجدت فيها أكثر من اثين
فصل
عشر دينارا ،فذكرت ذلك للنيب ﷺ فقال :ال تباع حّت تـ َفصل يعين ي َ
صل ،فدل ذلك على أنه ال
هذا عن هذا ،وهذا حكم عام ،ال تباع حّت تـ ْف َ
جيوز بيع اخلالص من اجلنس الربوي مبثله خملوطا ،وهذا هو الراجح يف املسألة
الذي دلت عليه السنة.
|173 فقه املعامالت املالية ()2
القاعدة الثالثة عشر :ال جيو بيع نرَي ِء الربوي مبطبوخ من جنسه.
عند الشافعية واحلنابلة :ال جيوز بيع الينء من الربوي مبطبوخ من
جنسه ،كلحم بلحم ألنه مطعوم يوزن ،ال جيوز أن يباع حلم ينء بلحم
مطبوخ ،ال جيوز أن تبيع كيلو حلم ينء بكيلو حلم مطبوخ ،ملاذا ؟ ألن الطبخ
يغري يف حجمه ووزنه ،فإما أن نعلم ابلتفاضل وإما أن جنهل التماثل.
ويرى احلنفية أنه جيوز بيع الينء ابملطبوخ من ِجنس ربوي واحد بشرط
التماثل ،وحيرم التفاضل ،فيقولون :جيوز أن تبيع كيلو من اللحم الينء بكيلو
من اللحم املطبوخ ،وجيوز أن تبيع صاعا من الدقيق بصاع دقيق مطبوخ طبخ
على هيئة عصيدة أو غري ذلك ،يقولون :جيوز بشرط التماثل يف الكيل يعين
صاع بصاع.
ويرى بعض املالكية أن املأكول إذا غريته الصنعة أصبح كأنه جنس
آخر ،فيجوز بيع الدقيق ابخلبز منه متفاضال ،قالوا :ألن الدقيق إذا خبز
أصبح كأنه شيء آخر غري الدقيق ،فأصبح كأنه جنس آخر فيجوز بيع
الدقيق ابملخبوز منه متفاضال ،وجيوز بيع اللحم املطبوخ ابلينء متفاضال.
طيب يقول القائل :ما الفرق بني قول احلنفية وقول بعض املالكية؟
أما املالكية فال يشرتطون التماثل ولكن يشرتطون التقابض ألهنم يرون أن
هذا أصبح جنسا آخر ابلصنعة.
والراجح -وهللا أعلم -هو قول اجلمهور ،ملا دلت عليه األدلة من أن كل
شيء يؤدي إىل التفاضل أو إىل اجلهل ابلتماثل؛ مينع يف الربوايت إذا كان
بيعها جبنسها ،كل ما يؤدي إىل التفاضل أو اجلهل ابلتماثل مينع يف الربوايت
إذا بيعت جبنسها.
القاعدة اليت تليها وهي فهمت ِما قد تقدم وكررانها كثريا وهي قاعدة
متفق عليها بني أهل العلم:
القاعدة الرابعة عشر :اجلهل ابلتماثل ِ
كالع ْل ِم ابلتفاضل. َ
فإذا ل نعلم التماثل ل جيز بيع الربوي جبنسه ،ألن النيب ﷺ قال :إال
مثال مبثل فكل ما ينايف التماثل فهو ِمنوع ،وِما ينايف التماثل؛ اجلهل به،
فإنه يصبح كالعلم ابلتفاضل.
ويدل لذلك ماجاء عن جابر كما تقدم معنا ،قال :هنى رسول هللا
الصربة من التمر ال يعلم َكْيلها ابل َك ِيل املسمى من التمر.
ﷺ عن بيع َ
وهذا ألن هذا يؤدي إما إىل العلم ابلتفاضل أو اجلهل ابلتماثل.
يقول الشوكاين -رمحه هللا” :-واحلديث فيه دليل على أنه ال جيوز أن
يباع جنس جبنسه؛ وأحدمها جمهول املقدار ،ألن العلم ابلتساوي مع االتفاق
|175 فقه املعامالت املالية ()2
يف اجلنس شرط ال جيوز البيع بدونه ،وال شك أن اجلهل بِ ِكال البدلني أو
أبحدمها فقط؛ مظنة للزايدة والنقصان ،وما كان مظنة للحرام وجب جتنبه،
وجتنب هذه املظنة إمنا يكون بكيل املكيل ،ووزن املوزون من كل واحد من
البدلني“.
فأهل العلم أخذوا من هذا احلديث ومن أمثاله -كالنهي عن بيع
املزابنة-؛ أن اجلهل ابلتماثل كالعلم ابلتفاضل .إذن يف بيع الربوي جبنسه:
إما أن نعلم ابلتماثل فهذا جائز.
وإما أن نعلم ابلتفاضل فهذا حرام.
وإما أن جنهل فهذا أيضا حرام.
ومن صور اجلهل ما قدمناه :إذا بعنا َرطْبا بيابس؛ فإان جنهل التماثل أو
نعلم التفاضل ،أو بعنا صربة من متر بتمر مكيل ،فإان نعلم التفاضل أو جنهل
التماثل ،أو بعنا مترا مكيال برطب على رؤوس النخل فإان نعلم التفاضل أو
جنهل التماثل ،وكل هذه الصور ال جتوز.
لعلنا أيها اإلخوة نقف هنا ونكمل الحقا إن شاء هللا وصلى هللا على
نبينا حممد.
***
فقه املعامالت املالية ()2 | 176
الدرس السرادس
احلمدهلل رب العاملني ،والصالة والسالم األمتان األكمالن على املبعوث
رمحة للعاملني ،وعلى آله وصحبه أمجعني ،أما بعد،
فنواصل تقرير القواعد الفقهية املتعلقة ابلراب ونبدأ بــ:
قاعدة يف العرااي
والعرااي متعلقة ابلراب من جهة أنه يباع فيها الرطب ابلتمر ،يباع الرطب
على رؤوس النخل ابلتمر خرصا ،فمن هنا كانت من جهة الرخصة مستثناة
رخص النيب ﷺ يف بيع العرااي ،والعرااي أصلها بيع الرطب من أصول الرابَّ ،
على رؤوس النخل خبرصه مترا يكال حملتاج ألكل الرطب وال جيد إال التمر.
مبعن :العرااي أصلها أن يوجد إنسان يشتهي الرطب ويريد الرطب حمتاج
أن أيكل الرطب وال جيد مايشرتي به الرطب إال التمر ،فيشرتي الرطب على
رؤوس النخل هبذا التمر ،خيرص الرطب الذي يف رؤوس النخل؛ كم يساوي
من اآلصع ويشرتيه خبرصه مترا ،هذا األصل يف العرااي.
وقد جاء عن زيد بن اثبت أن النيب ﷺَ :ر َّخص يف العرااي خبرصها
الع ِريَّة،
ص يف َ
كيال متفق عليه ،وجاء عنه أن رسول هللا ﷺ َ ر َّخ َ
أيخذها أهل البيت خبرصها مترا أيكلوهنا رطبا متفق عليه.
الع ِريَّة مستثناة من أصول الراب فإن بعض أهل العلم منعوها:
وملا كانت َ
|177 فقه املعامالت املالية ()2
احلنفية ،فقهاء احلنفية ،مينعون بيع العرااي ويقولون إن هذا حرام ،ويقولون
إنه من الراب ،ويفسرون العرااي اليت أذن فيها النيب ﷺ بغري البيع ،فيقولون:
مثر َنله من بستانه لرجل ،مث يشق على الـم ْع ِري
العرااي معناها أن يهب الرجل َ
دخول الـم ْعَرى له يف بستانه كل يوم ،لكون أهله يف البستان وال يرضى من
نفسه خ ْلف الوعد والرجوع يف اهلبه ،فيعطيه مكان ذلك مترا حمدودا ابخلرص
ليدفع الضرر عن نفسه ،وال يكون خملفا للوعد.
يعين يقولون :العرااي ليست بيعا ،العرااي اليت رخص فيها النيب ﷺ أن
يكون عند اإلنسان بستان فيه َنيل؛ فيهب رطب َنلة معينة لرجل ،طبعا:
الرطب حيتاج أن يدخل الـم ْعرى له البستان ليقطف ما طاب من الرطب ،وال
يطيب مرة واحدة ،فيتضرر من دخوله ألن أهله يكونون يف البستان فيتضرر
من دخوله وخروجه ،وال يريد أن خيلف وعده وهبته ،فماذا يفعل؟ يعاوضه
عن هذا الرطب بتمر خيرص ،يقال :الرطب هذا تقريبا حبسب اخلربة مخسة
آصع ،خذ هذه مخسة آصع من التمر وال تدخل ،فيقولوا :ليس بيعا وإمنا هو
ختلص الواهب من الضرر ،فحملوها على اهلبه ول حيملوها على البيع.
وأكثر أهل العلم على جواز بيع العرااي لألحاديث الصحيحة الثابته اليت
ذكران طرفا منها.
إال أن أهل العلم اختلفوا يف العرااي اليت جيوز بيعها ،يعين :اجلمهور ،أكثر
العلماء على جواز بيع العرااي وأنه مستثن من الراب ،لكن اختلفوا يف العرااي
اليت جيوز بيعها:
فقه املعامالت املالية ()2 | 178
فعند املالكية :العرااي أن يهب الرجل رجال مثرة َنلة أو َنالت ،أو مثرة
شجرة أو شجرات من التني والزيتون ،أو حديقة من العنب ،فيقبضها
املوهوب له ،مث يريد الواهب شراء تلك الثمرة منه ألن له أصلها ،فجائز له
شراؤها ذلك العام خبرصها مترا إىل اجلَ َذاذ.
يعين :يقولون العرااي معاملة خاصة ،بيع خاص ،ماهو هذا البيع؟
يقولون يهب رطب َنلة آلخر ،مث بعد أن يهب له الرطب يريد أن
يشرتي منه الرطب ،فيخرص الرطب ويشرتيه بِ َكْيله مترا ،فهي خاصة؛ بيع بني
واهب وموهوب له ،فعندما بدأ ظهور الثمر يف النخل قال :وهبتك مثر هذه
الشجرة ،رطب هذه النخلة ،أو تني هذه الشجرة ،مث أراد أن يشرتي هذا
الرطب ،فقال له :أان أريد أن أشرتي هذا الرطب الذي وهبته لك منك بتمر.
قالوا :جيوز ،بشرط أن يكون يف ذلك العام وأن يكون خبرصها مترا ،فيخرصها
مترا ويشرتيها إىل اجلذاذ ويقطعها.
فعندهم شراء الثمر على رؤوس النخل خبرصه مترا ال جيوز إال للم ْع ِري
الواهب خاصة ،قالوا :لدفع الضرر عن نفسه ،كما قال احلنفية ما دام أن له
رطبا يف البستان فإنه سيدخل وخيرج ويتضرر صاحب البستان فال أبس أن
يشرتي الرطب منه بتمر ويدفع هذا الضرر.
وعند الشافعية :بيع الرطب خرصا على رؤوس النخل مبكيله مترا على
األرض يف مخسة أوسق أو أقل مع تعجيل القبض ،هذا هو العريَّة اجلائزة،
|179 فقه املعامالت املالية ()2
العريَّة اجلائزة عندهم؛ بيع الرطب خرصا على رؤوس النخل ،فهو خاص
ابلرطب مبكيله مترا على األرض يف مخسة أوسق أو أقل مع تعجيل القبض.
وعند احلنابلة :العريَّة هي بيع الرطب على رؤوس النخل خبرصه بتمر
يكال حملتاج ألكل الرطب ،وال جيد إال التمر.
فهم يقيدوهنا أبن يكون املشرتي حمتاجا ألكل الرطب ،وال جيد طريقا
ألكل الرطب إال بشرائه ابلتمر ،والرطب على رؤوس النخل.
ويشرتط يف بيع العرااي أن يكون التمر الذي يباع به الرطب يف العرااي
معلوما َكْيال -يعين :التمر الذي هو على األرض الذي يف يده ال بد أن
يكون معلوما كيال -وال جيوز جزافا ،ال جيوز تقديرا ،ال جيوز ابلكرتون؛ أييت
ابلكرتون ويقول كرتون متر ابلرطب ،ال ،ال بد أن يكون معلوما كيال،
والتقدير إمنا يكون يف الرطب ألنه ال ميكن أن يكال ،الرطب على رؤوس
النخل خيرص (يقدر) أما التمر الذي على األرض فال بد أن يكون معلوما
كيال.
ويشرتط يف بيع العرااي أن ال تزيد على مخسة أوسق ،فال جتوز العرااي فيما
يزيد على مخسة أوسق بال خالف ،وجتوز فيما دون مخسة أوسق عند مجيع
اجمليزين هلا.
يعين :عندان ما يزيد على مخسة أوسق؛ ال جتوز فيها العرااي ابالتفاق،
عندان ما هو دون مخسة أوسق ،جيوز عند مجيع اجمليزين لبيع العرااي ،أما يف
مخسة أوسق فمحل خالف بني اجمليزين ،حلديث أيب هريرة أن رسول هللا
فقه املعامالت املالية ()2 | 180
ﷺ :رخص يف بيع العرااي خبرصها ،فيما دون مخسة أوسق ،أو يف مخسة
أوسق متفق عليه ،فجاءت الرخصة يقينا فيما دون مخسة أوسق ،فاتفق
اجمليزون على جوازها فيما دون مخسة أوسق ،وجاء الشك يف اخلمسة أوسق:
فقال بعضهم :األصل املنع فال جيوز مع الشك ،ألن هذه كما تعرفون
إمنا هي مستثناة من الراب فقالوا :األصل املنع فال جيوز مع الشك.
وقال بعضهم :إنه جيوز هلذا النص ألنه قال أو يف مخسة أوسق
واخلمسة أوسق ثالمثئة صاع.
ِما تقدم نلحظ أن العرااي:
-يشرتط فيها عند املالكية أن تكون الثمار املبيعة على رؤوس النخل
موهوبة ويشرتيها الـم ْع ِري –الواهبِ -من وهبت له.
-وال يشرتط ذلك عند الشافعية واحلنابلة :فيمكن لصاحب البستان أن
يبيع هذا من مثر شجره ولو ل يكن موهواب ،وهذا الصحيح لإلطالق يف
الرخصة.
يعين :أين تظهر مثرة اخلالف؟
جاء رجل إىل صاحب بستان عنده َنل وقال :أريد أن أشرتي منك
رطب هذه النخلة خبرصه مترا ،أان ما عندي إال التمر ،وأان وأوالدي نشتهي
الرطب ،وأان أريد أن أشرتي منك رطب هذه النخلة خبرصها مترا فنخرص
الرطب وأعطيك َكْيـلَه من هذا التمر ،املالكية يقولون :ال جيوز ،ألنه هنا ل
يهب له الثمر ،والشافعية واحلنابلة يقولون :جيوز ،ولو ل يكن موهواب له؛
|181 فقه املعامالت املالية ()2
عند املالكية والشافعية يف قول ،يقاس عليه كل مثر يكون رطبا مث
ييبس ،مثل التني والعنب ،التني :فيه تني رطب وتني جمفف ،والعنب :فيه
العنب وفيه الزبيب ،قالوا :يقاس هذا عليه جبامع كونِه َرطْبا يَـْيبس.
وعند الشافعية يف قول ،يقاس عليه العنب فقط ،ألن العنب والتمر
يشرتكان يف األحكام.
وعند احلنابلة على املنصور ال يقاس عليه غريه ،فالعرااي خاصة ابلتمر
للنص ،وهذا هو الصواب وهللا أعلم ،لقول زيد ابن اثبت أن رسول هللا
ﷺ رخص بعد ذلك يف بيع العرية ابلرطب أو ابلتمر ول يرخص يف غريه
متفق عليه .مع إن العنب كان موجودا يف زمنه ﷺ ،وكان موجودا يف املدينة،
لكن زيدا يقول :ول يرخص يف غريه.
إذن هذا يدل على أن العرااي خاصة ابلتمر ،وخاصة أيضا ابحملتاج ،هذا
الراجح من أقوال أهل العلم وهي مستثناه من أصول الراب ابلنص.
القاعر رردة السر ررابعة عشر ررر :وخنر ررتم هبر ررا القواعر ررد ،قاعر رردة تقر ررول :الر ررراب
موضوع.
الراب عقد حمرم ومنكر عظيم جيب وضعه وإسقاطه ،فال جيوز الدخول فيه
أصال ،وعقد الراب عقد ابطل ،وراب َّ
الديْن إذا كان قائما واملعاملة موجودة؛
فإنه جيب إسقاط الظلم الذي فيه ،وحتقيق العدل ،كيف هذا؟ إبسقاط
الزايدة ،وأخذ رأس املال وهذا حمل إمجاع.
|183 فقه املعامالت املالية ()2
الديْن إذا كان قائما –يعين :املعاملة موجودة ،ل يفرغ منها ويسدد
راب َ
الديْن-؛ فإنه جيب إسقاط الزايدة واالقتصار على رأس املال ،وراب البيوع عقد
َ
ابطل جيب فسخه إن كان قائما .يعين :لو ابع عشر غرامات ذهب بتسع
غرامات ذهب ،هذا العقد ابطل فيجب فسخه إذا كان قائما ،الذهب
موجود ،جيب أن يتفاسخا ويرد هذا هلذا ما دفع؛ ويرد هذا هلذا ما دفع،
َ َ
ٱّلل َو َذ ُروا َما بَ ِقَ يأ ُّي َها ذٱَّل َ
ِين َء َام ُنوا ذٱت ُقوا ذ َ ويدل لذلك قول هللا َٰٓ ﴿ :
ٱلر َب َٰٓوا﴾ فإذا كان املؤمن مأمورا أبن يرتك ما بقي من الراب؛ فهو من ابب َ
مِن ِ
أوىل مأمور برتك الراب كله .فلو أن إنساان أقرض شخصا ألفا أبلف ومخسمئة،
فيجب عليه أن يرتك الراب وهي هذه الزايدة وأيخذ رأس ماله.
ُ ۡ ُ ۡ َ َ ُ ۡ ُ ُ ُ َ ۡ َ َٰ ُ ۡ َ َ ۡ ُ َ
كذلك قول هللا ِ﴿ :إَون تبتم فلكم رءوس أمول ِكم ل تظل ِمون
ََ ُۡ َُ َ
ون﴾ وهذا نص يف إسقاط الزايدة. ول تظلم
وقول النيب ﷺ :وراب اجلاهلية موضوع وأول راب أضع ِرَابان ،راب العباس
بن عبد املطلب؛ فإنه موضوع كله رواه مسلم يف صحيحه.
هنا أشار بعض أهل العلم إىل فائدة أذكرها وهو أهنم قالوا :إن من هنى
عن شيء ينبغي أن يبدأ بنفسه وأهل بيته والنيب ﷺ هنا ملا قال :إن راب
اجلاهلية موضوع قال :وأول راب أضع رابان ،راب العباس عمه وكان اتجرا
يداين الناس ابلراب ،فقال أهل العلم :من هنا أنخذ فائدة وهي أن الذي ينهى
الناس؛ ينبغي أن يبدأ بنفسه وأهله ،فإن هذا واجب عليه شرعا ،وأطيب
قوم خطيبا وتنهى الناس عن اإلسراف وأنت
لقلوب الناس ،ال يصلح أن تَ َ
فقه املعامالت املالية ()2 | 184
وإن ل يتمكن؛ فتكفيه التوبة أبن يندم على ما وقع ،ويقلع عن
الفعل الذي ميكنه أن يقلع عنه ،ويعزم على أال يرجع ملثله ،وال جيب عليه إذ
ذاك أن يبيع البيت مثال ،ألنه ال حيقق فائدة ،ألن الزايدة ستبقى عليه والبنك
ال يرضى إبسقاط الزايدة ،هذا ابلنسبه للمعاملة القائمة.
أما ما مضى وانقضى ،ففيه تفصيل ،يعين :املعاملة انتهت ومضى األمر
ففيه تفصيل:
فإن كان الراب قد وقع يف ِ
حال كفره مث أسلم :فله ما مضى وال
يطالب إبخراج ذلك املال ،وال يطالب ابلتخلص من ذلك املال ،ألن
اإلسالم يهدم ما كان قبله ،ول يكن النيب ﷺ يطالب الكفار عند إسالمهم
ٓ َ
ابلتخلص من أمواهلم اليت أخذوها ابلراب ،وهللا يقول ﴿ :ف َمن َجا َءهُۥ
ََ َ ََ ََ
َم ۡوع َِظة ِمن ذربِهِۦ فٱنت َٰ
ه فل ُهۥ َما َسلف﴾ أي ما تقدم ومضى.
طبعا -اي إخوة -الراب إذا وقع حال كفره سواء كان كافرا كفرا أصليا ،مث
أسلم وعنده أموال كان أخذها من الراب وسيارات ،فإنه ال يقال له جيب
عليك أن تتخلص من هذه األموال ،وكذلك إذا حكمنا بكفره كأن نشأ يف
اإلسالم وهو ال يصلي ،مع العلم ،فالراجح الذي نرجحه أنه كافر ،وابلتايل
إذا كان قد تعامل ابلراب حال تركه للصالة مث اتب وصلى ورجع لإلسالم
وترك الراب فإنه ال يؤمر ابلتخلص من ذلك املال.
فقه املعامالت املالية ()2 | 186
وإن كان الراب وقع حال إسالمه :يعين مسلم وتعامل ابلراب،
عام َل ابلراب وانتهى،
-الحظوا اي إخوة -حنن ال نتكلم عن الراب القائم ،تَ َ
انتهت املعاملة مث اتب:
-فإن كان املال الذي أخذه من الراب قد هلك ،اشرتى به شيئا وأكله،
أو وضعه يف عملية أو حنو ذلك ،هلك وانتهى ما بقي يف يده شيء من مال
الراب؛ فتكفيه التوبة.
-وإن كان املال الذي اكتسبه من الراب قائما موجودا ،خمزان عنده ،أو
اشرتى به ماال موجودا ،كأن اشرتى بيتا أو سيارة ،يعين ال زال هذا املال
موجودا فله عند أهل العلم ثالثة أحوال:
احلالة األوىل :أن يكون جاهال ابحلكم عند تعامله ابلراب ،مث َعلِم بعد
فتاب.
هنا ذهب كثري من أهل العلم :إىل وجوب أن يتخلص من ذلك املال،
قالوا ألنه كسب خبيث حمرم ال حيل له ،فيجب أن يتخلص من هذا املال.
وذهب مجع من أهل العلم :إىل أنه ال جيب عليه ذلك ،وهذا اختاره شيخ
اإلسالم ابن تيمية -رمحه هللا ،-أن من َع َق َد عقودا حمرمه جاهال حترميها مث
علم حترميها فتاب؛ أنه ال يطالب ابلتخلص من األموال اليت حصلها من تلك
العقود.
|187 فقه املعامالت املالية ()2
فمثال :لو أن إنساان كان يتعامل ابلراب وحصل مليوان أو مليونني وكان
جاهال ابحلكم ،مث علم فتاب؛ فإنه ال جيب عليه -على هذا القول -أن
يتخلص من هذه األموال وإمنا تكفيه التوبة الصادقه:
َ ََ ََ
ألن هللا قالَ ﴿ :ف َمن َجا ٓ َءهُۥ َم ۡوع َِظة ِمن ذربِهِۦ فٱنت َٰ
ه فل ُهۥ َما
ََ
َسلف﴾ أي له ما مضى ،وإن كان يف الكافر أصالة إال أن هذا اجلاهل ليس
أخبث من الكافر.
وألن النيب ﷺ يف قصة بالل اليت مرت معنا يف بيع التمر لـما ذهب
وأخذ مترا رديئا عنده وابع صاعني بصاع جيد ملطعم رسول هللا ﷺ ،ويف
قصة فضالة بن عبيد يف قصة القالدة اليت وقعت منه -وليست القصة اليت
حكاها يف املعامن وإمنا اليت وقعت منه -قالوا ل يَ ْرد أن النيب ﷺ أبطل ما
فعاله قبل علمهما ،فلم يرد أنه أمر أاب هريره برد هذا التمر ،وال فضالة
برد هذه القالدة ،ولكن دهلما على احلكم.
قالوا :وألن األصل أن األحكام الشرعية إمنا تَلزم بعد العلم ،ولذلك -اي
إخوة -يف حديث املسيء صالته ملا جاء ودخل املسجد والنيب ﷺ جالس
فصلى صالة خفيفة ينقرها نقرا؛ فجاء إىل لنيب ﷺ فقال :السالم عليكم
فقال النيب ﷺ وعليكم السالم ،ارجع فصلي فإنك ل تصل فذهب وصلى
كصالته األوىل ،فجاء فقال :السالم عليكم ،قال النيب ﷺ :وعليكم
السالم ارجع فصلي فإنك ل تصل فرجع فصلى مثل صالته األوىل ،فجاء
فقه املعامالت املالية ()2 | 188
إىل النيب ﷺ فقال :السالم عليكم فقال ﷺ :وعليكم السالم ارجع فصلي،
فإنك ل تصل فقال يف الثالثة أو الرابعة ،والذي بعثك ابحلق ال أحسن غري
هذا فعلمين ،فقال النيب ﷺ :إذا قمت للصالة ..احلديث ،الشاهد أن
أهل العلم يقولون :إن النيب ﷺ ل أيمره إبعادة الصلوات اليت صالها قبل،
مع أنه قال :ال أحسن غري هذا ،يعين :هذا الذي أعرفه ،ولكنه َعلمه لصالة
الوقت ،للصالة اليت صالها ،وفيما أييت من الزمان ،قالوا :فاألحكام ال تلزم
إال ابلعلم ،وهذا كان جاهال.
واحلال الثانية :أن يكون متأوال ،ومعن أن يكون متأوال :أن يظن اجلواز
وأن هذا ليس من الراب.
كأن يكون مسع فتوى لبعض أهل العلم جبواز هذه املعاملة فتعامل هبا مث
تبني له أهنا حمرمة ،فهنا اختلف أهل العلم:
فمنهم من قال :جيب عليه أن يتخلص من هذا املال الربوي.
ومنهم من قال -وهؤالء أكثر من احلالة األوىل -قالوا :ال جيب عليه أن
َ ذ
ات ُقوا ذ َ
اّلل َما يتخلص ألنه اتقى هللا ما استطاع وهللا يقول﴿ :ف
اس َت َطع ُتم﴾ [التغابن ،]16:فأخذ بقول من يرى أنه من أهل العلم ول يعلم
خالفه إال أنه ال جيوز له أن يفعل هذا يف املستقبل.
احلالة الثالثة :أن يكون عاملا متعمدا يعلم حرمة الراب ،وهذا يعلمه كل
مسلم ويعلم أن هذه املعاملة رابَ ،وفَعل ذلك مع علمه عمدا ،مث اتب.
|189 فقه املعامالت املالية ()2
توبته ،اندما على الذي وقع ،م ْقلعا عن الذب ابلكلية ،عازما على أال يرجع
إىل مثله ،وحيث على اإلكثار من الصدقة ،هذا الذي يظهر يل-وهللا أعلم-
أنه أرجح يف هذه املسألة.
وبعد -أيها اإلخوة ،-فهذه القواعد اليت تتعلق ابلراب أصالة وهناك بعض
القواعد هلا عالقة ابلراب لكنها تتعلق مبعامالت أخرى ،كالسلم مثال ،وهذا إن
شاء هللا إذا كتب هللا لنا عمرا َورغب اإلخوة أن نقيم هذه الدورة يف
مرحلتها الثالثة –إن شاء هللا وأراد -ستكون جمال الدورة القادمة ،وهي:
قواع يف بقية املعامالت ،ألان أخذان قواعد يف البيوع ،وقواعد يف الراب،
السلم واملزارعة
وسنأخذ –إن شاء هللا -قواعد يف بقية املعامالت :من َّ
وغريها ،مث –إذا شاء هللا -أن تكون هناك دورة أخرى تكون عن معامالت
مالية معاصرة ،وشبهات املعاصرين ،ألن الذي ذكرانه كله أتصيل ،وذكران
أمثلة ،هناك معامالت مالية معاصرة :إما أهنا حمرمة كما تدخل حتت هذه
القواعد ،ولكن لبعض املعاصرين شبه يف إابحتها ،وإما أهنا جائزة ولكن
لبعض املعاصرين شبه يف حترميها ،فمن املستحسن بعد هذا؛ أن أنخذ رؤوس
املعامالت املالية املعاصرة ،وأصوهلا ،ونتكلم عن الشبهات املتعلقة هبا إن
كانت موجودة ونفندها ،وهذا –إن شاء هللا -يكون يف دورة مستقلة حيث
نتكلم عن أصول املعامالت املعاصرة من جهة أمسائها وتصنيفاهتا ،وعن
حكمها وعن الشبهات املتعلقة هبا إن شاء هللا ،فأسأل هللا أن
يفقهين وإايكم يف دينه ،وأن يفتح علي وعليكم.
|191 فقه املعامالت املالية ()2
وال شك أنكم تدركون وأدركتم وهلل احلمد واملنة؛ أن ضبط املعامالت من
أهم ما حيتاج إليه طالب العلم قبل العوام ،ألن طالب العلم هو الذي يفيت
العوام ،وكثري من العوام عندهم خوف من هللا وال يريدون احلرام ،ولكن آفتهم
يف طالب العلم الذي ال يعرف فيفتيهم بغري علم فيوقعهم يف الزلل ،وال يضبط
الفقة مبثل القواعد ،فإذا عرفنا القاعدة وأصلها ومعناها فإان نضبط الفقة
ونستطيع أن نعيد نوازل الناس إىل هذه القواعد ،فأرجوا من اإلخوة أن
يراجعوا هذه القواعد وأن يضبطوها ليكون ذلك خريا هلم إن شاء هللا
وللناس وأسأل هللا أن ينفعين وإايكم مبا نقول ونسمع.
***
فقه املعامالت املالية ()2 | 192
السؤال األول :ابرك هللا فيكم ،إشكال! أال يدل قوله ﷺ ال تباع
حّت تفصل على اعتبار الصنعة وأن يف هذا جواز بيع الذهب املصنع بغري
املصنع مقابل الصنعة؟
اجلواب:
بل هذا على العكس ابرك هللا فيك ،ألن النيب ﷺ ل يلتفت هنا إىل
مسألة الصنعة ،فهنا فضالة اشرتى هذه القالدة املصنعة ابثين عشر درمها
ذهبا ،فنهى النيب ﷺ عن بيعها حّت تفصل ،فدل ذلك على أنه ال بد من
التماثل وأن الصنعة ال جتيز التفاضل ،فإنه لو كانت الصنعة جتيز التفاضل
لكان التفاضل هنا سائغا ألن هذه القالدة مصنعة واشرتيت ابلداننري لكن
النيب ﷺ ل يعترب ذلك.
السؤال الثاين :ابرك هللا فيكم ،ذكرمت أن راب الديون جيري يف مجيع
األموال ،فما اجلواب عن حديث عبد هللا بن عمرو أن النيب ﷺ عندما أراد
أن جيهز جيشا أمر عبد هللا أن أيخذ إبال من الناس إىل أن أتيت إبل الصدقة
مث يرد ِضعف ما أخذ؟
|193 فقه املعامالت املالية ()2
اجلواب:
طبعا هذا كان من حسن القضاء ،هذا على وجه ،أنه كان من ابب
حسن القضاء ،ول يكن على سبيل املشارطة .والوجه اآلخر الذي خ ِر َج به
أنه ل يكن َديْنا وإمنا كان بيعا ،وجيوز بيع احليوان ابحليوان متفاضال.
السؤال الثالث :يقول غفر هللا لكم ،إذا كانت النقود مثنا بنفسها وكل
عملة جنس حبد ذاته ،فهل جيوز التفاضل بني النقود والذهب ،وهل جيوز
تباعد الزمن بني القبض والتسليم ؟
اجلواب:
أما ابلنسبة للتفاضل بني الذهب والنقود فنعم ،اإلنسان يشرتي عشرة
غرام ذهب أبربعة آالف درهم مثال ،ألن هذا جنس وهذا جنس ،ولكنهما
يشرتكان يف علة الراب فال جيوز التأخري ،ال جيوز أن تشرتي ذهبا بدراهم مث
تذهب وأنت ل تدفع الدراهم ،ال بد من القبض يف جملس العقد.
اجلواب:
طبعا حنن قلنا :إن مبادلة األموال إما مبادلة أموال ربوية ،وإما مبادلة
أموال غري ربوية؛ ومبادلة األموال الربوية على ثالثة اقسام:
-األول :مبادلة مال ربوي جبنسه كذهب بذهب ،وهذا يشرتط فيه
التساوي والتقابض.
-والثاين :مبادلة مال ربوي جبنس آخر ولكنهما يشرتكان يف علة الراب،
ويف هذه احلال جيوز التفاضل وحيرم النَّ َساء حيرم التأخري ،فيشرتط التقابض
كذهب بفضة ،ومتر حبنطة ،فيجوز التفاضل وحيرم التأخري.
-واحلالة الثالثة :مبادلة مال ربوي من جنس مبال ربوي من جنس آخر
وخيتلفان يف علة الراب ،فهما خيتلفان يف اجلنس ،وخيتلفان يف العلة ،فهنا جيوز
التفاضل وجيوز التأخري ،أما املعامالت أو مبادالت األموال غري الربوية:
كثوب بثوب؛ فيجوز التفاضل قوال واحدا ،وجيوز التأخري قوال واحدا.
يعين :جيوز أن تبيع ثواب بثوبني ،وجيوز أن تبيع ثواب بثوب وتستلم الثوب
اآلن وتسلم الثوب اآلخر بعد شهر ،ولكن اختلف العلماء يف جواز اجتماع
الفضل والتأخري فيها ،يعين :هل جيوز أن أبيع ثواب بثوبني أو فرسا بفرسني أو
بعريا ببعريين ،ويتأخر القبض فيجتمع الفضل والتأخري؟
اجلمهور على اجلواز ،وذهب بعض أهل العلم وهو مقرر عند مجع من
املالكية؛ أنه ال جيوز مجع التفاضل والنَّ َساء فيها :فإما أن تكون متفاضلة وإما
أن تكون نسيئة ،ألنه ورد يف األحاديث أن النيب ﷺ سئل عن بيع الفرسني
|195 فقه املعامالت املالية ()2
ابلفرس واألفراس ابلفرس فقال :نعم ،إذا كان يدا بيد وإسناده صحيح،
قالوا فدل ذلك على عدم جواز اجتماع الفضل والنَّ َساء يف بيع األموال غري
الربوية.
والذين يقولون ابجلواز يقولون :إن هذا هو األصل ،وال علة مانعة،
وهناك أحاديث أخرى تدل على اجلواز ،وأيضا أن هذا القيد ليس قيدا
للحكم ،وإن األدلة الكثرية تدل على جواز البيع مطلقا ،وهذا الذي يظهر -
وهللا أعلم -قول اجلمهور :أنه جيوز بيعها متفاضلة ونسيئة وجيوز فيها اجتماع
التفاضل والنسيئة.
اجلواب:
ليس النظر إىل قضية تكافئها ،وإمنا النظر إىل كوهنا موجودة ،مقصودة،
متحققة للطرفني ليست انبعة من القرض.
اجلواب:
ال طبعا ،أقوى أقوال أهل العلم يف علة األصناف األربعة قوالن:
اإلقتيات واالدخار ،وهذا هو قول املالكية :أن العلة االقتيات واالدخار
فكل ما يقتات ويدخر فهو مال الراب.
والقول الثاين :أن علة هذه األصناف األربعة أهنا مطعومات تكال أو
توزن ،وهذا قول الشافعي يف القدمي ورواية عن اإلمام أمحد.
وهذا غري هذا ،ألن كونه مطعوما مكيال فإنه قد يقتات وال يكون مكيال
وال موزوان ،وقد يكون مقتاات مدخرا وهو كما قلنا ال يوزن وال يكال ،فهذه
علة وهذه علة ،والتعليالن متقارابن من حيث القوة يف دراسة املسألة وإن
كنت ظهر يل-وهللا أعلم -من مجع األحاديث أبلفاظها أن األقرب هو أن
العلة كوهنا مطعومة مكيلة أو موزونة.
السؤال السابع :يقول ابرك هللا فيكم ،ما حكم استبدال ذهب من
عيار معني بذهب من عيار آخر مع سداد فرق السعر نقدا؟
اجلواب:
هذا ال جيوز ،وإمنا الطريق الصحيح أن يشرتي هذا ابلدراهم ويبيع هذا
ابلدراهم ،طبعا :هذا مثل "مسألة مد عجوة" وهي مسأله خالفية ولكن
الراجح املنع.
|197 فقه املعامالت املالية ()2
السؤال الثامن :ابرك هللا فيكم ،ما حكم القرض الذي حيصل عليه
عميل املصرف اإلسالمي عن طريق تداول األسهم ،والعميل فقط يوقع أوراقا
يف املصرف وعليه سيودع املبلغ الذي يريده نقدا يف حسابه ؟
اجلواب:
أوال -اي إخوة -هذا ليس قرضا ،وال جيوز اعتقاد أنه قرض ،وهذه
مشكلة عند الناس ،جيرون هذه املعاملة ويقولون إهنا قروض! وهو قرض مع
املصرف اإلسالمي! لو كان قرضا؛ لكان حراما ألن فيه الزايدة.
ولكن هذا التمويل يكون ببيع املراحبة ،فهو بيع ،وترتب على اعتقاد
بعض الناس أنه قرض؛ أهنم ال يلتفتون فيه إىل شيء فيما يتعلق ابلبيع.
مثال سؤال األخ عن األسهم ،يذهب إىل البنك ويقول اشرتوا يل أسهم،
طيب ستشرتي أسهم من أي شركة؟ يقول" :وهللا ال أدري اشرتوا يل أسهم،
املهم عندي الفلوس" .هذا غلط! غلط عظيم! ينبغي أن تعرف املبيع الذي
سيشرتى ،وتشرتيه من البنك بعد أن ميلكه البنك.
بعض الناس يذهب إىل املصرف اإلسالمي واألسهم يف السوق ،ويتعاقد
مع املصرف على ألف سهم ،على مئة ألف سهم ،والبنك لـما يشرتي
األسهم بل هي يف السوق ،رمبا وضع األمر يف السوق لكن البنك ل يشرتي
األسهم ،وهذا ال جيوز ،ألن البنك ابعه ما ال ميلك.
أيضا :بعض الناس يذهب وقد تكون األسهم هذه حمرمة ،وتشرتى وتباع
له ويقول :أصال أان لن أقتنيها أان أريد املال .هذا حرام عليك!
فقه املعامالت املالية ()2 | 198
ألنك اآلن مثال أتتيين والسلعة يف السوق فتقول :أان أريد أن أشرتي
منك السيارة ولكن الثمن ليس حاضرا عندي ولكن بعد شهر إن شاء هللا
أشرتيها منك .فأان أحجزها لك رمبا بعد خروجك من عندي جاءين عميل
بثمن أعلى ولكين ل أبع من أجلك ،فإذا جئت بعد أمد وقلت إنك ال تريد
فإن الذي يقابل العربون الذي أخذته منك هو فوات فرص البيع علي يف
هذه املدة ،وهي منفعة معتربة شرعا ،فالذي ظهر يل -وهللا أعلم -عند دراسة
املسألة وقد أعدت النظر فيها مرارا وتكرارا أن هذا جائز.
السؤال العاشر :يقول ابرك هللا فيكم يف بلدان ال ميكن أن أحصل على
وظيفة أو معاملة إال مقابلة إعطاء املال سواء املوظف أو الشافع فهل جيوز
ذلك؟
اجلواب:
ما حصر هللا الرزق يف الوظائف حّت نقول إان مضطرون أن ندفع ال ِرشى
إىل من يوظفنا ،وهذه رشوة وال شك والنيب ﷺ لعن الراشي واملرتشي
والرائش لعنة هللا -اي إخوة -لَ يتساهل فيها الناس ،ولعنة هللا :الطرد من
رمحة هللا.
وهللا -اي عبد هللا -لو خريت أن تبقى فقريا وبني أن تقع يف ِ
لعنة هللا َ
وتدخل يف لعنة هللا؛ فإن اخلري لك أضعافا مضاعفة أن تبقى فقريا -وكما
يقولون -لن متوت إن شاء هللا إذا ل تتوظف ،بل أبواب الرزق كثرية ،وعمل
|201 فقه املعامالت املالية ()2
الرجل بيده خري له من الوظائف ،عمله يف الزراعة ،عمله يف احلرفة ،فال جيوز
حبال أن اإلنسان يدفع الرشوة.
اي إخوة :أهل العلم قالوا جيوز لإلنسان أن يدفع الرشوة يف حال واحدة؛
إذا منعه ظال من حقه ول يتمكن مطلقا من أخذ حقه بطريق مباح ،هنا
وحترم على اآلخذ.يقولون جتوز للمعطي َ
فإذا كان مثال إنسان اشرتى كتبا وشحنها إىل بلده ،وهي ليست ِمنوعة
وجاء رجل يف اجلمرك وتسلط عليه وحبس هذه الكتب وقال ما تدخل ،وهو
طالب علم وحمتاج هلذه الكتب حاول من هنا من هنا ابلطرق ما استطاع أن
يدخلها إال أن يعطى هذا الظال شيئا من املال لتدخل ،فهنا هذا حق من
حقوقه ومنعه هذا الظال وهو حمتاج هلذا ول يستطع أن ينال حقه إال هبذا
الطريق -على أين أقول :مع قول أهل العلم هذا ،ال ينبغي لإلنسان أن
يتساهل يف هذا األمر يف كل شيء ،وإمنا يكون يف احلق العظيم الذي يرتتب
عليه شيء عظيم ،أما األشياء اليسرية أو اليت دون العظيمة؛ فينبغي حّت لو
ذهبت فإهنا ال تذهب عند هللا سبحانه وتعاىل ،ال يدخل اإلنسان يف هذا
الباب العظيم واملعاملة اخلطرية= لكن إذا منعه ظال من حقه وتعني هذا
طريقا ،وهذا احلق متعني له ،ألن بعض الناس أييت يقول الوظائف من حقنا،
هذا حق مشاع ليس حقا لزيد وال لعمرو ،ال يدخل يف هذا ،لكن شيء لك،
حق لك ،ومنعك منه ظال ول تستطع أن تناله إال أبن تدفع له شيئا ،ل جتد
فقه املعامالت املالية ()2 | 202
طريقا آخر وكان هذا الشيء عظيما؛ فإن الفقهاء هنا يقولون جيوز هذا
ضرورة وجيوز للمعطي وحيرم على اآلخذ.
السؤال احلادي عشر :مبا أن احلديث كثر يف هذه الدورة عن القروض،
الديْن بنية الزكاة ويعترب أن
هذا أخ يسأل ابرك هللا فيكم ،هل جيوز إسقاط َ
هذا املديون من الغارمني أرجو منكم التفصيل يف اإلجابة؟
اجلواب:
املدين إذا كان من أهل الزكاة فهل جيوز يل أن أسقط حقي الذي عنده
وأحتسب ذلك من الزكاة؟ اجلواب" ال جيوز ،ألن الزكاة إعطاء وليست
إسقاطا ،الزكاة إعطاء تعطيه ،فهي أخذ كما قال النيب ﷺ :تؤخذ من
أغنيائهم وترد إىل فقرائهم ،وهذا ليس فيه أخذ وال إعطاء وإمنا هو إسقاط.
وألنه يف احلقيقة هنا حيمي ماله مباله ،يعين :يريد أن يقول إين آخذ حقي
وأعترب ذلك من حق الفقراء من الزكاة! فيحمي ماله مباله ،فهذا ال جيوز،
ولكن جيوز لك أن تعطيه من زكاتك وال تشرتط عليه أن يسدد لك ،فإن
سدد لك فحسن ،وإن استفاد منها يف شيء آخر فحسن ،فيجوز أن تعطيه
من زكاتك ما دام أنه من أهل الزكاة ،لكن ال جيوز أن تعطيه بشرط أن يسدد
لك ،وال جيوز أن تسقط هذا من ذمته وتعترب ذلك من الزكاة.
|203 فقه املعامالت املالية ()2
السؤال الثاين :ابرك هللا فيكم هل يعد العمل اآليت من الرشوة :طفل
أجريت له عملية جراحية يف القلب وحيتاج إىل عملية أخرى ،ولكن عند
تقدمه إلجرائها ابملستشفى طلب منه الطبيب دفع تربع للمستشفى لشراء
أجهزة حّت يتمكن من الدخول إلجراء العملية ،وهذا الطبيب هو الذي
أجرى له العملية األوىل واألفضل أن جيري له العملية الثانية وعلى الرغم من
أن املستشفى تدعمه جهة حكومية وأتخذ ايصاال هبذا التربع منها ،فهل هذا
املبلغ يعد من الرشوة ؟
اجلواب:
ال ،هذا على ما فهمت اآلن ال يعد من الرشوة ،مبعن أهنم يطلبون منه
مقابل ،وهذا املقابل ليس للطبيب وال أمر خمفي وإمنا يسجل به إيصال ،فهو
يف احلقيقة مقابل للعملية ،يعين العملية األوىل مثال كانت جمانية ،إذا أجرى
العملية الثانية فهو يدفع مثال ما يقابل ألفا ،وهذه األلف تدخل إىل حساب
املستشفى من أجل شراء أجهزة أو حنو ذلك إذا كان هذا األمر وحنن نتكلم
عن مستشفى يبدو أنه حكومي ألنه لو ل يكن حكومي لكان مبقابل أصال
فإذا كان هذا منظما من الدولة وليس تصرفا فرداي من الطبيب فهذا ال يعد
من الرشوة ،وإمنا هو مقابل للعملية ،فرض بشروط معينه فال يكون من
الرشوة.
فقه املعامالت املالية ()2 | 204
السؤال الثالث عشر :يقول ابرك هللا فيكم نريدكم أن تنصحوان بكتب
تعتين بدراسة قواعد املعامالت املالية ؟
اجلواب:
وهللا هو أكثر ما ينبغي االهتمام به هو كتب أهل العلم ،كتب الفقهاء
وكتب القواعد املعروفة ،اآلن طالب العلم حيبون األشياء اجلاهزة ،وهذا يف
احلقيقة قَـلل بركة العلم ،األفضل أن نقرأ يف كتب الفقه املعروفة الكبرية ،وأن
نقرأ يف كالم العلماء القواعد ،مث بعد ذلك ال أبس من أن نستعني ببعض
الكتب املعاصرة اليت تكلمت عن قواعد املعامالت واالقتصاد اإلسالمي مع
احلذر ،فإن يف كثري من كتب املعاصرين مزالق ينبغي التنبه هلا ،وال أريد أن
أمسي كتااب بعينه.
السؤال الرابع عشر :يقول ابرك هللا فيكم وهذا سؤال تكرر هل جيوز
الديْن؟
الديْن بعملة أخرى يف حال سداد َ
قضاء َ
اجلواب:
الديْن يسدد مبثله ال بقيمته هذا األصل ،استدنت ألف درهم تسدد ألف
َ
درهم ،استدنت ألف دوالر تسدد ألف دوالر هذا األصل ،فإن احتيج إىل
سداده بقيمته فإنه جيوز أن يباع أو يصارف بسعر يومه بشرط التقابض،
ونقصد بسعر يومه عند القبض ،يعين مثال ْأوجه االحتياج :اقرتضت يف
اإلمارات من أخيك ألف درهم وسافرت إىل أمريكا مثال وال توجد دراهم،
فأردت أن تفي ابلدوالرات فيجوز على الصحيح من أقوال أهل العلم ،حبيث
|205 فقه املعامالت املالية ()2
وقت الوفاء تعرفان قيمة الدراهم ابلدوالرات فتتصارفان وال تنصرفان ويف ذمة
الديْن يسدد مبثله بغض النظر عن
أحدكما شيء ،نص أهل العلم على أن َ
الكساد والرواج.
مبعن أن العملة قد تزيد وقد تنقص ،قد يستدين اإلنسان مثال مئة ألف
بعملة على أن يردها بعد سنتني أو ثالثة سنني مث تسقط هذه العملة وتنقص
الديْن يسدد ويوىف مبثله وال ينظر إىل الكساد
قيمتها كثريا ،قال أهل العلمَ :
وال إىل الرواج ،ال زايدة وال نقصان ،فإن احتيج إىل سداده بعملة أخرى فإنه
ال أبس أبن يسدد بقيمتها يف يوم الوفاء على أن ال ينصرفا ويف ذمة أحدمها
شيء.
السؤال اخلامس عشر :يقول ابرك هللا فيكم ذكرمت :أن الودائع البنكية
جائزة ،والبنك يتعهد بعدم خسارة املال املودع ،وهذا خيالف قاعدة املضاربة
الغرم ابلغرم؟
اجلواب:
أين الودائع من املضاربة؟! الودائع هي حساب ،أنت ال تضارب مع
أخذت شيئا فهذا راب! جمرد أن تودع مالك يف َ البنك وال أتخذ شيئا ،ولو
البنك ليحفظ وأتخذ منه وقت احلاجة ،وال أتخذ عليه درمها وال فلسا ،فاملال
مضمون وال ربح له ألنه وديعة ،هذا معن الوديعة.
أتْـرك البنوك! تعطيين املال وديعة عندي من أجل أن حتفظه ،وأتخذه مّت
ما احتجت ،ما أتخذ عليه شيئا.
فقه املعامالت املالية ()2 | 206
أما املضاربة :فاملضاربة عقد جتارة ،فتدفع املال ملن يعمل لك فيه على أن
لك من الربح كذا وله من الربح كذا ،وإذا خسر املال ِ
فالوضيعة عليك ،هذه
املضاربه.
وتفعل مع بعض البنوك اإلسالمية ،فيدفع اإلنسان ماال ليس وديعة وإمنا
يف صناديق استثماريه تستثمر ،فله من الربح كذا يف املئة وللبنك كذا يف املئة،
وإذا خسر فإن اخلسارة تكون عليه ،فهذه حقيقة املضاربة.
فال َنلط بني مسألة الوديعة حبيث يودع اإلنسان ماله حلفظه وال أيخذ
عليه شيئا؛ وبني أن يدفع املال إىل البنك للمضاربة فدفعه للبنك للمضاربة.
فنقول :نعم كما قال األخ ال جيوز أن يضمن املال ،وال جيوز أن يضمن
الربح ،بل يكون حمتمال للربح واخلسارة على صاحب املال ،والعامل خيسر
جهده فتكون الوضيعة يف املال على صاحب املال وعلى العامل يف جهده
الذي بذله.
السؤال السادس عشر :يقول وفقكم هللا ،ما حكم تقليد املالبس يف
االسم والشكل أو تقليدها يف الشكل مع تغيري االسم ،وإذا كانت الشركة قد
قلدت مالبس الشركة األخرى ابالسم والشكل؛ فهل جيوز يل أن أشرتيها
وأبيعها ،وهذا السؤال تكرر ابرك هللا فيكم؟
اجلواب:
البضائع املقلدة أبن تـ َقلد بضاعة شركة مشهورة ويكتب عليها اسم
الشركة أو ما يشبه اسم الشركة ،فهذا إذا كان فيه ِغش للناس فهذا ال جيوز
|207 فقه املعامالت املالية ()2
من غش فليس منا ،يعين بعض الناس أييت لشركة مشهورة فيذهب إىل
الصني ويقول :أريد أن تصنعوا يل مثل هذا ،فيصنع مثله يف الشكل ،ولكن
اخلامة غري اخلامة ،واملادة غري املادة ،ويكتب عليه اسم الشركة املشهورة،
وأييت ويبيعه للناس يف األسواق ،والناس يظنونه من تلك الشركة! فهذا غش
ال جيوز .أو يكتب قريبا من اسم الشركة ،يعين مثال هناك شركة تنتهي مثال
ب ” “Xفيأيت ويكتب نفس االسم وجيعل آخر االسم” “Tعلى شكل
” “Xأييت املسكني وينظر كذا يقول :هذه الشركة ويشرتي وهي مقلدة،
هذا غش ال جيوز.
ومن لطائف ما أذكره أنه قبل فرته من الزمن كان الصوف اإلجنليزي من
أحسن ما حيرص عليه ،ففي دولة من الدول أنشؤوا منطقة أمسوها ”اجنالند“
وصاروا يكتبون على الصوف ”صنع يف اجنالند“ وهو يف تلك املنطقة اليت
امسها ”اجنالند“ وصاروا يغشون الناس هبذا ،هذا حرام ال جيوز ،أذنت به
الدولة أو ل أتذن ،أذنت به الشركة أو ل أتذن ،إذا ترتب عليه غش الناس.
احلالة الثانية :إذا ل يرتتب على ذلك غش الناس ،بل الناس يعلمون أهنا
مقلدة ،فليس هنا غش ،وكانت الدولة متنع هذه املعاملة فإهنا ال جتوز ،ألن
هذا ِما جيب أن يطاع فيه ويل األمر ،وهو ليس معصية هلل ،فيجب على
التجار التزام نظام التجارة يف البلد ما ل خيالف شرع هللا ،وهذه من أهم
األمور اليت يطاع فيها ويل األمر بقيد يف غري معصية هللا سبحانه وتعاىل.
فقه املعامالت املالية ()2 | 208
أما إذا كانت هذه السلع املقلدة ليس فيها غش ،وال مينع نظام البلد
هذه املعاملة ،ولكن كانت الشركة األصل متنعها وال تسمح إال بتوكيل خاص
وإذن خاص؛ فهذا مبين على مسألة احلقوق املعنوية ،وحقوق امللكية ،والذي
توصل إليه مجهور الفقهاء من املعاصرين وقررته اجملامع أن احلقوق؛ حقوق
امللكية املعاصرة اليت تعورف عليها واحلقوق املعنوية؛ حقوق اثبتة ألصحاهبا،
فال جيوز االعتداء عليها.
وعليه إذا كانت الشركة األصل اليت حتمل هذه املاركة ال تسمح؛ فال
جيوز تقليد بضاعتها من كل وجه إال إبذن منها.
صنع الشيء قريبا من تلك املاركة املشهورة وليس مثله ،يعين ما بقي أن ي َ
يقلد نفس البضاعة لكن يستفيد منها قريبا منها فهذا -وهللا أعلم -إذا ل
يكن فيه غش وال مينعه نظام البلد أنه ال أبس به.
السؤال السابع عشر :يقول عملت حادث سيارة وأان متضرر ،فقال يل
التأمني :إما أن نصلح املركبة ،وإما أن نعطيك شيكا بعد شهر وتصلح املركبة
على املبلغ الذي نصرفه لك ،وهذا املبلغ ميكن أن يزيد وميكن أن ينقص؟
اجلواب:
يقول األخ وقع حادث على مركبيت ،على سياريت وأان أستحق إصالح
السيارة واملتسبب يف احلادث ِ
مؤمن فقالت يل الشركة اليت يتبعها هذا املتسبب
يف احلادث :إما أن نصلح السيارة وإما أن نعطيك قيمة يقدرها اخلرباء
صلَح به السيارة؛ يف
إلصالح هذه السيارة ،وهذه القيمة قد تكون أكثر ِما ت ْ
|209 فقه املعامالت املالية ()2
احلقيقة إذا كان األمر كما ذَكرت على هذه الصورة اليت ذَكرهتا فإنه جيوز أن
أيخذ هذا أو أيخذ هذا ألنه يستحق إصالح سيارته ،فإذا قدر اخلرباء أهنا
تصلح أبلف وذهب واستطاع أن يصلحها خبمسمئة فيجوز له أن أيخذ
األلف ،ألن هذا مقابل الضرر الذي يقدره اخلرباء بناء على نوع التلف وعلى
نوع القطع وحنو ذلك ،وهو قد يذهب إىل قطع أقل أو حنو هذا ،فأان صورت
املسألة مبا أفهم ألين قد تكون هناك أشياء ال أعرفها يف واقع احلال فأان
صورت املسألة مبا أفهم فإن كانت املسألة كما قلت فاجلواب كما قلت.
السؤال الثامن عشر :ابرك هللا فيكم ،تكرر السؤال عن حكم إجابة
دعوة من يتعامل ابلراب ،أو يعمل يف بنك ربوي أو قبول هديته؟
اجلواب:
التعامل مع من يتعامل ابلراب أنواع:
النوع األول :أن يستويف اإلنسان حقه منه ،كاالبن يستويف نفقته من
والده إذا كان يتعامل ابلراب ،والزوجة تستويف نفقتها من زوجها إذا كان يتعامل
ابلراب ،وهذا جيوز هلم ألهنم أصحاب حق ،وإن كان لو وجدوا غريه لكان خريا
هلم.
واحلالة الثانية :أن يتعامل اإلنسان معه يف غري الراب مبعامالت كبيع
وشراء ،وهذا جيوز ما دام أنه يف غري الراب ،ألن النيب ﷺ عامل اليهود وهم
أساطني الراب.
واحلالة الثالثة :التربعات :فهنا ال خيلو من حالني:
فقه املعامالت املالية ()2 | 210
احلالة األوىل :أن يكون ماله متمحضا للراب ،ما عنده دخل إال من
الراب ،فهنا الذي تدل عليه آاثر السلف أنه ال جيوز أن تقبل هديته وال
تربعاته.
احلالة الثانيه :أن يكون ماله خمتلطا ،عنده مداخيل أخرى ،حّت لو
غلب عليه الراب لكن عنده مداخيل أخرى ،وال يعلم األنسان أن هذا من عني
الراب ،فيجوز قبول هديته ألن النيب ﷺ قبل هدااي اليهود وأمواهلم خمتلطة،
ويغلب عليها الراب ،فما دام أن املال خمتلط وال يعلم اإلنسان أنه من عني الراب
فيجوز أن يقبل هديته وتربعه وإحسانه ،هذا ما يظهر وهللا أعلم.
السؤال التاسع عشر :يقول ابرك هللا فيكم يف بعض األحيان نذهب
للمحالت ونشرتي بضاعة ورمبا ال يوجد عند البائع فكة فيأخذ النقود اليت
عندي ويرجعها بعد عدة أايم هل من شيء يف هذه املعاملة؟
اجلواب:
أعطيت صاحب البضاعة مئة درهم وليسإذا اشرتيت بسبعني درمها و َ
عنده ثالثون درمها بقيةَ املئة ،فقال يل :أتخذها غدا أو تعال يف الليل وخذها
هل يف هذا شيء؟
من أهل العلم من قال :إن هذا ال جيوز وقالو إن هذا من الصرف فهو
يصرف املئة مبئة فال جيوز أن أيخذ سبعينا ويبقى شيء يف الذمة.
|211 فقه املعامالت املالية ()2
ومن أهل العلم من قالوا :إن هذا جائز ألنه ليس صرفا ال حقيقة وال
عرفا ،فليس الدافع قاصدا أن يصرف املئة ،وليس اآلخذ قاصدا أن يصرف
املئة ،وإمنا هي من ابب استيفاء احلقوق ،فليست صرفا .وهذا الصحيح.
فإهنا لو كانت صرفا لقلنا أنه جيب أن يعطيه املئة وأيخذ منه مئة فكة
مث يعطيه السبعني وهذا ال يقول به أحد فيما نعلم ،فهذه يف احلقيقه من ابب
االستيفاء وليست صرفا وال حرج فيها يف ما ظهر يل وهللا أعلم.
السؤال العشرون :يقول ابرك هللا فيكم رجل اتفق مع مقاول أبن يبين
له بيتا إىل خطوة معينة ،ليس ابلكامل ،مبواصفات مت اإلتفاق عليها بني
الطرفني ،واتفقا على مبلغ وقدره سبعة آالف ومخسمئة ،وبعد انتهاء املقاول
وجد عنده أخطاء فادحة تؤثر على املنزل فحصل بينهما خالف ،فَ َحكموا
بينهما مهندسني ومقاولني مشهود هلما ابخلربة والنزاهة فحكما أن املقاول ال
يستحق إال مخسة آالف ومخسمئة فقط ،فصاحب البيت يسأل يقول هل له
حق يف هذا املبلغ الباقي وهو األلفان أم يعطي املقاول املبلغ كامال؟
اجلواب:
األصل أان ال ندخل أنفسنا يف مسائل النزاعات ،واألصل أن املفيت يف
مسائل النزاع ال يفيت طرفا دون طرف ،لكن نقول كقاعدة عامة :لو اتفق
طرفان على مقاولة مبواصفات معينه مببلغ معني مث تبني أن املقاول أخل
ابملواصفات ،وقال أهل اخلربة :إن إخالله يساوي مبلغ كذا؛ فإنه ال يستحق
إال ما قدره أهل اخلربة ،لكن النزاع جيب الرجوع فيه إىل اجلهات املختصة،
فقه املعامالت املالية ()2 | 212
فإن اصطلحا فهذا حسن فيما بينهما ،إن اصطلحا على ما قاله أهل اخلربة
فهذا حسن وأطيب لقلبيهما وإن ل يصطلحا فإنه يرجع يف هذا إىل جهات
االختصاص.
السؤال احلادي والعشرون :يقول عندي موظف كان يكذب ويغش،
هل جيوز أن أحذر الناس منه بعد أن أهنيت خدمته؟ وهل أدخل يف ابب
الغيبة؟ وهذا سؤال تكرر ،ابرك هللا فيكم.
اجلواب:
انتبه لقصدك ،إن كان قصدك االنتقام منه ،والتشفي فيه ،فال جيوز ،وإن
كان قصدك نصح الناس ،ألن هذا الرجل نصاب ،غشاش ،خمادع خيدع
الناس ويسلب أمواهلم ،وقامت احلاجة هلذا؛ فهذا جيوز وهذا من النصح،
وهذا ِما يستثن من مسائل الغيبة.
***
|213 فقه املعامالت املالية ()2
ملحق
حكمه اثبتا ال يتغري ،فاملظاهرات كلها حرام؛ ألن املفاسد الواقعة فيها الزمة
حاال ومآال:
فمنها :ما يقع من اجتماع الغوغاء الذين ال ميكن ضبطهم ،وال ميكن أن
توجد مظاهرة ِسلمية كما يقال ،بل البد أن يقع شيء من التخريب؛ والبد
أن يقع شيء من االعتداء ،ملاذا؟ ألن املظاهرة جيتمع فيها الناس ،ورمبا تنطلق
بعدد معني مث يدخل فيها أانس ،وحيصل هيجان للنفوس يصعب ضبطه.
وما يقع فيها من منكرات يف داخلها؛ فما رأينا مظاهرة؛ إال ويقع فيها من
املنكرات ما هللا به عليم! بل لألسف رأينا املظاهرات جيتمع فيها الفساق
يغنون ويرقصون! وأييت بعض من ينتسبون إىل العلم ويقولون :هذا الشباب
املبارك!! وهذا ال شك أنه من املنكر العظيم.
ومنها :أن فيها جترئة النفوس على ويل األمر؛ فهي ذريعة إىل اخلروج ،وما
صعب عليه أن ينفطم هاجت نفس فسكنت! ومن ذاق طعم هذا الباب َ
عنه.
ومنها :أهنا مآل للفوضى والبد.
طيب :اآلن أنت خرجت يف املظاهرات تطالب حبق من احلقوق ،جيد؛
أخذت هذا احلق أو أصبحت احلاكم ،جاء أانس يتظاهرون ضدك يطالبون
حبق ،ال تستطيع أن متنعهم ،أنت وصلت هلذا هبذا فكيف متنعنا من هذا؛
فيأيت آخر ،ويصبح الناس كلما أراد أحد منهم شيئا قام مبظاهرة ،حّت أن
|217 فقه املعامالت املالية ()2
وبعض الناس ينعكس األمر عندهم يريدون الرضا! فإذا ذهبوا إىل احلاكم
[قالوا ]:جزاك هللا خري وما شاء هللا ،وإذا جاؤوا إىل املنابر يريدون رضا الناس
ويزلزلون املنابر بغري وجه شرعي!! ما هكذا شرع ،أنعم هللا عليكم بوالة أمر؛
أسأل هللا عز وجل أن يرزقهم اخلري ويزيدهم منه.
فينبغي -اي إخوة -أن نشكر هللا على النعمة ،نعمة األمن والسكون
وعم غريكم ،وبركة وهلل احلمد واملنة ،والعاقل -اي إخوة-
عمكم َّ
واخلريات؛ خري َّ
ال يهدم مصرا ليبين قصرا؛ بل يفرح ابحلاصل ،ويسعى للزايدة ابألساليب
شرعية؛ فامحدوا هللا عز وجل على هذه النعمة اليت تعيشوهنا ،وعلى هذا
األمن وعلى هذا السكون ،وعلى هذا التقارب بني القلوب ،وانتبهوا لألفكار
املخالفة لألدلة اليت تستورد ،وقد يكون قصد بعض أصحاهبا احلسد؛ وهللا -
اي إخوة -وهللا! انظرت بعض التكفريين الذين يكفرون والة أمران يف اخلليج،
فوجدت أن سبب تكفريهم هو احلسد يلبسونه لباس الدين.
فعلينا -اي إخوة -أن ننتبه ،ونتعاون مجيعا على احملافظة على أمن البلد،
وعلى وحدة البلد ،وعلى اخلري الذي حنن فيه ،وأال نسمح ألحد أبن يفسد
علينا أمران؛ فوهللا إ ْن فسد األمر -ونسأل هللا عز وجل أن ال يقع لبلداننا-
فإنه ال يكاد يصلح ،وما عرف أحد سعى يف نزع نعمة كان فيها؛ فعاد إليها
أو إىل مثلها.
فأسأل هللا عز وجل أبمسائه احلسن وصفاته العلى أن يرزقين وإايكم الفقه
يف دينه والتمسك ابلسنة ،ديننا ليس مبنيا على العواطف ،وليس مبنيا على
|219 فقه املعامالت املالية ()2
الرغبات ،وليس مبنينا على آراء فالن وفالن؛ ديننا مبين على قال هللا قال
رسوله ﷺ؛ نقول مسعنا وأطعنا ،وإن مسعنا وأطعنا انفتحت علينا الربكات
واخلريات من حيث حنتسب ومن حيث ال حنتسب ،أسأل هللا يل ولكم
الفقه يف الدين.
السؤال الثاين :إذا كانت البالد آمنة والقلوب متآلفة والعالقة بني احلاكم
واحملكوم مستقر؛ فما حكم اخلوض يف الفنت اليت هي خارج البالد وجلبها إىل
البالد مع حتليل أحداثها ِما يسبب اإلرابك رمبا يف املنطقة؟
اجلواب:
اي إخوة ،-القاعدة الشرعية" :الفنت جتتنب وال جتتلب"؛ اإلنسان يستعيذ
ابهلل من الفنت ،من شرها ،ويسأل هللا عز وجل أن يَسلم منها وأن يسلم
البالد منهاَ ،من عويف فليحمد هللا ،ومن ابتلي فليلزم شرع هللا ،من ابتلي
ابلفنت فليلزم شرع هللا يف املوقف من الفنت ،ومن عويف فليحمد هللا وال يسعى
ألن يبتلى هبا ،وكم من كلمة قيلت؛ فأوقعت الفتنة يف القلب ،ولذلك -اي
أخواين -النيب ﷺ يقول :تكون فتنة املضطجع فيها خري من القاعد،
والقاعد خري من القائم ،والقائم خري من املاشي ،واملاشي خري من الساعي،
ومن يستشرف هلا تستشرفه ،ومن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به.)1(
تكون فتنة املضطجع فيها خري من القاعد ملاذا؟
قال العلماء :ألن املضطجع أكثر بعدا عن الفتنة؛ مضطجع ال يرى إال
قليال وال يسمع إال قليال؛ فهو أحسن من القاعد ألنه يرى أكثر ويسمع
أكثر ،والقاعد أحسن من القائم؛ ألن القاعد يسمع أقل ويرى أقل وحيتاج
يف احلركة إىل قيام ،والقائم خري من املاشي؛ ألن املاشي يقرتب من الفتنة
فيوشك أن يقع ،ويرى أكثر ويسمع أكثر ،واملاشي خري من الساعي؛ ألن
الساعي يسرع ،ومن يستشرف هلا تستشرفه؛ إايك أن تقول :أان ،أان ،ابتعد
عن الفنت ما أمكنك؛ فإن اإلنسان قد يظن بنفسه شيئا مث يقرتب من الفنت؛
فيقع يف الشبهات ،ومن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به :إذا وقعت الفتنة؛
ت ملجأ أو معاذا ِحسا أو معن ،احلس :مكان تبتعد فيه ،املعن: إذا وجد َ
عال تستضيء بعلمه ،فليعذ به؛ وهذا هو املنهج الشرعي ،أما يعافينا هللا
من الفتنة؛ فنسعى أبن أنيت هبا وحنللها ونقول نريد أن نبطلها! لسنا حباجة
إىل هذا ،بل نبتعد عن الفتنة ما أمكن ،ومن ابتلي لزم يف الفتنة شرع هللا كما
شرعه هللا.
السؤال الثالث :إحدى األخوات تقول :إهنا حتب الدعوة إىل هللا كثريا،
وترغب يف نفع الناس وإصالحهم وقد جتاوزت األربعني من عمرها فما هي
الوسيلة الشرعية لتحقيق هذا املطلب؟
اجلواب:
|221 فقه املعامالت املالية ()2
ال شك أن الدعوَة إىل هللا شرف لصاحبها ،وِما يرجو اإلنسان بره ،فإن
كل من تدعوه إىل اخلري؛ يكتب هللا لك أجره ،وكل من يدعوه هو إىل اخلري؛
يكتب هللا لك أجره إىل يوم القيامة ،ال ينقص ذلك من أجورهم شيء.
فالدعوة إىل هللا شأهنا عظيم ،وكلما تقدم اإلنسان يف السن ؛كان حباجة
إىل االجتهاد يف األعمال الصاحلة أكثر ،فإنه يقرتب من املوت أكثر ،وإن
كان املوت يدرك اجلميع.
وقد جاء عن ميمون بن مهران أنه نظر إىل جلسائه يوما؛ فرأى فيهم شيبا
وشبااب؛ فقال :اي معشر الشيوخ؛ ما ينتظر ابلزرع إذا ابيض؟ قالوا :احلصاد،
فنظر إىل الشباب؛ وقال" :اي معشر الشباب إن الزرع قد تدركه آفة قبل أن
يستحصد" ،لكن اإلنسان إذا تقدم به السن أصبح أقرب إىل قربه حبكم األمر
املعلوم املعتاد؛ فينبغي أن جيتهد ،ولذلك ورد أن السلف إذا بلغ أحدهم
األربعني طوى فراشه -أي اجتهد يف الطاعة.-
فنصيحيت إلخواين وأخوايت أن ينفع كل واحد منا نفسه ابلدعوة إىل هللا
على بصرية ،أن يدعو إىل اخلري ،أن يدعو إىل ما يف كتاب هللا وما يف سنة
رسول هللا ﷺ على فهم السلف الصاحل رضوان هللا عليهم ال حييد عن ذلك
قيد أمنلة ،يتمسك هبذا ويبني اخلري للناس ابألسلوب احلسن ،واملوعظة
احلسنة ،والبيان الطيب ،وأنصح كل من يريد الدعوة أبن يكثر من القراءة يف
كتب العلماء الرابنيني املعاصرين:
فقه املعامالت املالية ()2 | 222
كالشيخ ابن ابز -رمحه هللا ،-والشيخ ابن عثيمني -رمحه هللا ،-والشيخ
األلباين -رمحه هللا ،-وأسد السنة الشيخ مقبل الوادعي -رمحه هللا ،-والشيخ
صاحل الفوزان -حفظه هللا ،-والشيخ صاحل آل الشيخ -حفظه هللا ،-ومجوع
العلماء املعتربين؛ فإن يف كالمهم من اخلري واألساليب احلسنة الشيء الكثري
الذي ينفع هللا به الداعية ،مع احلرص على سالمة القلب نية ونظرة إىل الناس
ما كان لذلك موقع ،وهللا أعلم.
السؤال الرابع :عندان طلبة علم ال نعلم عنهم إال خريا ،نفع هللا هبم،
يعلمون كتبا يف االعتقاد والسنة فجاءان بعض اإلخوة ونشر يف الطلبة أن
العلم أوال :ال أيخذ إال من األكابر ،واثنيا :البد من تزكية من العلماء هلذا
القائم هبذه الدروس ،فأدى هذا إىل ترك بعض الدروس اليت ال يوجد غريها يف
املنطقة عندان! فما موقفنا من ذلك؟ نرجو التوجيه ابرك هللا فيكم؟
اجلواب:
ال شك أن العلم إمنا يؤخذ عن األكابر ،وأنه ال بد من التزكية ،لكن من
هم األكابر؟ األكابر من َكربهم علمهم ،وعرفوا ابلعلم ولو صغر سنهم ولو
كانوا شبااب؛ فهناك أكابر من الصحابة صغار يف السن ،أخذ عنهم العلم،
وأانر علمهم الدنيا ،فهذه قضية من األمهية مبكان وهي :أن الصغري ي َكربه
علمه فيعرف ابلعلم املتني النافع ،وهذا كثري يف السلف بدءا من الصحابة -
رضوان هللا عليهم -إىل ما بعد األئمة.
|223 فقه املعامالت املالية ()2
والبد من التزكية ،فإن العلم دين ،فينبغي أن ننظر عمن أنخذ ديننا ،لكن
كيف تكون التزكيه؟
التزكية تكون بثالثة أمور:
األمر األول :نص العلماء املعتربين على تزكيته ،أن ينص العلماء أو
بعضهم ،وال حنصر التزكية يف عال وال عاملني وال ثالثة ،بل أن ينص عال من
العلماء املعتربين أو مجع منهم على أن فالان مزكى ويصلح ألن يؤخذ عنه
العلم.
األمر الثاين :أن يشتهر ابلتعليم من غري أن ينكر عليه من أهل العلم،
يعرف أبنه يدرس ويَشتهر هذا عنه وال ينكر أهل العلم املعتربون تدريسه،
فهذه تزكية سكوتية ،إذ ال يليق مبقام العلماء أن يكون هذا ِمن ينهى عن
الدرس عليه وال ينهون.
األمر الثالث :وهذا من األمهية مبكان ،أن يزكيه علمه ،فال يعلم إال السنة،
أعين :ما يكون فيه احلق ،وال َأيخذ إال عن علماء السنة ،ويقرر كتب علماء
السنة ،ول يؤخذ عليه رد لكالم العلماء املعتربين ،وال خمالفات للسنة؛ فهذا
يزكيه علمه .وليس كل طالب علم انفع يعرفه العلماء ،ولكن ينظر يف علمه
الذي يبثه ،هل يعلم السنة؟ هل حيرتم أراء علماء السنه؟ هل ينقل كالم
علماء السنة؟ فإن كان ذلك كذلك؛ فقد زكاه علمه ويؤخذ عنه العلم.
والقول :أبنه ال يؤخذ العلم إال عن من زكاه العلماء نصا؛ يسد ابب اخلري.
فقه املعامالت املالية ()2 | 224
كثري من البلدان فيها طالب علم يعلمون السنة وشروح أهل السنة،
ويعلمون حبسب ما تَعلموا ،ولكنهم ال حيملون تزكية من عال معني ،لكن ل
يعرف عليهم ما جيرحهم يف علمهم ،فإذا قلنا إنه ال يؤخذ العلم عنهم؛ لن يبق
علم يف كثري من البلدان ،وسيسد ابب اخلري ،ويقوم أهل البدع وي ِ
درسون،
وأهل السنة يكفون ،ويصبح أهل السنة يتعلمون من أهل البدع ،أو يتعلمون
من اإلنرتنت أو غريه ،وهذا ال يصح وال يستقيم.
إذن حنن نقول البد من التزكية ،وال يصح أن نتساهل فنأخذ العلم عن كل
أحد ،لكن كيف تكون التزكية؟ إما بنص من عال أو عدد من العلماء
املعتربين املعروفني ابلسنة ،وإما ابستفاضة وشهرة من غري نكري من العلماء،
وإما بعلم صحيح سليم خال ِما جيرح يعرف به طالب العلم الذي يـ َعلِم.
مث ال شك أن الواجب على كل أحد :أن ينتهي إىل ما علم ،وأال يزيد
على ما علم ،حيث انتهى علمه؛ يعلم الناس ،كثري من بلدان املسلمني حباجة
ملن يعلمهم األصول ،فمن عرف هذه األصول عن أهل السنة وضبطها؛ فإنه
يعلم الناس ،لكن ما يصبح شيخ اإلسالم ابن تيمية!
يعين بعض طالب العلم قد أيخذ كتااب أو كتابني مث بعد ذلك يذهب
ويدرس فينتفخ ،ويرد على العلماء األكابر ،ويفيت يف كل شيء ،ويتكلم يف
كل شيء ،الشك أن هذا ضالل ،ولكن احملسن هو الذي ينتهي إىل ما
علم ،وينشر اخلري والسنة ،وال جيوز لنا أن نقف عائقا يف وجه نشر اخلري
والسنة ،وهذا هو الذي أدركنا عليه صنيع العلماء كالشيخ ابن ابز -رمحه
|225 فقه املعامالت املالية ()2
هللا ،-والشيخ ابن عثيمني -رمحه هللا -يف تعاملهم مع طالب العلم ،أما من
عرف جبرح أو كان يف علمه خلط أو كان جمهوال من كل وجه؛ فمثل هذا ال
ينبغي أخذ العلم عنه -وهللا أعلم.-
السؤال اخلامس :ابرك هللا فيكم ،هذه شبهة تتعلق ابجللوس إىل أهل
األهواء واملنحرفني يف مسالكهم ،يقول :بعض الناس جيالس أهل البدع
ويستمع هلم ،فإذا ح ِذر من االستماع قال :هللا أعطاين عقال أميز به الصواب
من اخلطأ ،ورمبا ردد كلمة بعض العلماء :كل يؤخذ من قوله ويرد؟
اجلواب:
لو أعطاك هللا عقال ملا جالستهم؛ فإن هذا من أعظم الشر ،وهللا -اي
إخوة -إين أعرف أانسا أبعياهنم؛ كانوا من أحسن الناس يف السنة ،تساهلوا
يف اجللوس إىل بعض من عرفوا ابلبدعة فانقلبوا رأسا على عقب ،والنيب ﷺ
يقول :من مسع ابلدجال فلينأ عنه ،فوهللا إن الرجل ليأتيه وهو حيسب أنه
مؤمن فيتبعه ِما يبعث به الشبهات .)1(فالبد من احلذر والبعد وعدم
التساهل يف جمالسة أهل البدع واالستماع هلم ،فإن سالمة الدين ال يعدهلا
شيء ،واهلوى يعمي ويصم ويعدي ويسبب البالء ،فال ينبغي لإلنسان أن
يتساهل يف دينه؛ بل ينبغي احلذر الشديد والتمسك ابلس ِنة وأهلها ،ن َكثر
أهل السنة ون َكثر سوادهم ونسعى يف إظهار ما هم فيه من خري ،ولسنا
حباجة إىل جمالسة أهل األهواء والبدع.
-احلالة الثانية :أن يكون خمرجها خمرج البول -أعز هللا السامعني -وهذه
جنسة.
واألصل يف هذه الرطوبة أن خمرجها خمرج الولد ،فال تكون جنسة ،وال
تـنَجس الثوب إن أصابته ،إال إذا علم أن خمرجها خمرج البول؛ فإهنا تكون
جنسة.
اجلمهور على أهنا تنقض الوضوء ،سواء كانت طاهرة أم جنسة ،ألهنا
خارجة من السبيلني ،لكن إذا كثرت على املرأة حبيث أهنا تكون شبة
مستمرة ،فإهنا إذا توضأت إذا دخل الوقت؛ ال يضرها ما نزل بعد هذا حّت
خيرج وقت الصالة.
السؤال الثامن :ما هي ضوابط اعتبار الكدرة والصفرة قبل احليض من
احليض وترتك املرأة الصالة والصيام من أجل خروج هذه الكدرة أو الصفرة؟
اجلواب:
األصل يف الكدرة والصفرة أهنا إن اتصلت ابلطهر فهي من الطهر ،وإذا
اتصلت ابحليض فهي من احليض.
فإذا جاءت الكدرة والصفرة بعد احليض متصلة ابحليض فهي من احليض،
امرأة :أيتيها الدم مث ال ترى الدم ولكنها ترى صفرة وكدرة فهذا من احليض.
|229 فقه املعامالت املالية ()2
وإذا انفصلت عن احليض :امرأة أيتيها الدم ،انقطع الدم ،جفت متاما ،مر
يوم وليلة وهي جافة أو أكثر ،مث بعد يومني أو ثالثة رأت كدرة ،رأت صفرة،
هذا ليس من احليض؛ بل هذا ال يعد حيضا وهي طاهرة.
اإلشكال واملسألة اليت الزلت أعيد النظر فيها مرارا وتكرارا :الكدرة
والصفرة إذا اتصلت ابلطهر من وجه ،وابحليض من وجه آخر ،وهي :إذا
سبقت احليضة واستمرت حّت نزل احليض :فمن جهة هي متصلة ابلطهر،
ومن جهة أخرى اتصلت ابحليض ،والذي ظهر يل من املسألة -وهللا أعلم-
أنه ينظر إىل عادة املرأة:
فإن كان هذا األمر عادة للمرأة دائما يف كل شهر تنزل عليها الصفرة
والكدرة مث ينزل الدم متصال ابلكدرة والصفرة فهي من حيضها.
أما إذا ل يكن ذلك عادة هلا؛ فاألصل أنه ليس حبيض ،وإن كنت الزلت
أراجع هذه املسألة كثريا ألن هذه املسألة من املسائل اليت اختلف فيه كالم
أهل العلم -وهللا أعلم.-
السؤال التاسع :هناك طلب عندان من أحد احلضور قد ابتلي ابلسحر
حقيقة بسحر عظيم؛ ِما أدى إىل فقد عقله فيطلب منكم -ابرك هللا فيكم-
أن تدعو له أن يرد هللا عليه عقله ،وأن يعافيه ،وقد وصلت بعض الرسائل:
أن هناك من بعض األخوات اليت حيضرن الدرس منها من هبا مس ،ومنها من
هبا سحر أيضا ،فيلتمسن -منكم حفظكم هللا -الدعاء للجميع.
اجلواب:
فقه املعامالت املالية ()2 | 230
احلمد هلل ،أوال ابلنسبة ملا أشار إليه فضيلة الشيخ الفاضل يوسف
احلمادي -وهو َمن أعرفه منذ أن كان طالبا يف اجلامعة وهلل احلمد واملنة،
أعرفه ابخلري والسنة ،نسأل هللا أن يثبتين وإايه عليها فال خري لنا إال
فيها= من قضية املقاطعة أثناء الدرس ،حقيقة أان ال أحبذها ألين ال أستطيع
أن أفتحها للجميع؛ فإذا مسحت لواحد مث ل أمسح آلخر أخشى أن يقع يف
قلب أخي شيء ،وحنن حنافظ على قلوب إخواننا ما استطعنا إىل ذلك
سبيال ،وهللا إين أحياان أخشى من االبتسامة ،أن ابتسم يف وجه أحد –
إخواين -ومن غري قصد ال أبتسم يف آخر؛ فيقع يف قلبه شيء ،والذي ينبغي
علينا أن نكرم طالب العلم.
النيب ﷺ ملا جاءه صفوان بن عسال قال :جئت أطلب العلم قال :مرحبا
بطالب العلم ،فمن هذا الباب ومنذ القدم ال أحب املقاطعة أثناء الدرس؛
ألين لو فتحت الباب لن نستمر ،ولو مسحت لواحد دون واحد سيؤثر هذا
يف القلب.
ابلنسبة ملا ذكره اإلخوة من السحر :أسال هللا أبمسائه احلسن وصفاته
العلى أن يرفع عنهم هذا البالء ،ويثبت هلم األجر ،ويذهب عنهم الضر،
وأوصي أولياءهم بكثرة القراءة والصرب؛ فإن القراءة املستمرة؛ جربنا مرارا أهنا
انفعة جدا حبول هللا وقوته ،وكم من شخص كان مبتلى ابلسحر -حّت كان
ال يستطيع أن يتصرف يف حياته -قرئ عليه ،وقرئ عليه؛ فلم يظهر هذا إال
|231 فقه املعامالت املالية ()2
بعد فرتة مث شفي حبمد هللا؛ فأسال هللا أن يعافيهم ويرفع عنهم البالء
وعن كل مسلم ،وأن يثبت هلم األجر ويذهب الضر.
السؤال العاشر :يقول السائل حنن مهاجرون ،أتينا من بالد كافرة ونعمل
يف شركة ت َسلم لنا بطاقة تسمح لنا ابلذهاب إىل املستشفيات جماان ،هل جيوز
لنا أن نستعمل هذه البطاقة؟
اجلواب:
نعم جيوز ،هذا التأمني الذي حيصل للعمال حبيث يستطيع أن يذهب هذا
العامل املنتسب للشركة إىل املستشفى ويعاجل فيه ،جيوز له ،ألنه ليس م َؤِمنا،
والـم َؤِمن هي الشركة ،هو مستوف حلقه ،وعندان قاعدة" :املستويف حلقه أيخذ
حقه" ولو كان ذاك قد فعل حراما فهو الذي يكون مسؤوال عنه ،الشركة
جيب عليها أن تعاجل العمال ،والعامل حقه أن يعاجل؛ فإذا ذهبت الشركة
وأمنت فهذا ال يضر العامل ،كذلك لو كانت الشركة تربعت ابلتأمني للعمال
والعمال ال يدفعون شيئا؛ فإهنم ل يفعلوا حمرما ،فيجوز هلم االستفادة من هذا،
هذا الذي ظهر يل بعد دراسة املسألة.
السؤال احلادي عشر :يقول :بعض اإلخوة الذين يَدعون العلم ،وضعوا
القاعدة اآلتية" :احلكام املسلمون الذين حيكمون ابلقوانني الوضعية ال جيوز
تكفريهم ومع ذلك ال جتب طاعتهم يف املعروف حّت أييت العال الكبري ويفيت
بوجوب طاعة هذا احلاكم املسلم" فما رأيكم يف هذه القاعدة؟ يقول :قالوا
طاعة مثل هذا احلاكم من النوازل.
فقه املعامالت املالية ()2 | 232
اجلواب:
احلمد هلل ،هذا املذكور يف السؤال من األمور احملدثة املخالفة للنصوص،
وهؤالء يريدون أن يتحايلوا على النصوص الواردة مبثل هذا ،ويل األمر املسلم
جتب طاعته ابملعروف حّت لو كان فاسقا؛ فمن ثبتت له الوالية مع اإلسالم؛
ثبتت له احملبة مع الطاعة يف غري معصية هللا سبحانه وتعاىل ،والنيب ﷺ
يقول :يكون فيكم أمراء ال يهتدون هبداي وال يستنون بسنيت من الواصف؟
النيب ﷺ يكون فيكم أمراء ال يهتدون هبداي وال يستنون بسنيت ،يقوم فيهم
رجال ،قلوهبم قلوب الشياطني يف جثمان إنس ،سبحان هللا!
هؤالء األمراء وصفهم :ال يهتدون هبدي النيب ﷺ وال يستنون بسنته،
وحاشيتهم قلوهبم قلوب الشياطني يف جثمان إنس؛ فانظروا إىل هذا الوصف
العظيم! فيقال للنيب ﷺ :فما أتمرين إذا أدركت هذا؟ فيقول :تسمع وتطيع
لألمري وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك واحلديث يف صحيح مسلم ،حديث
ضعفه إال من أعمى بصره اهلوى؛ وورد بطرق كثرية يف
صحيح كالشمس ال ي َ
كتب السنن.
فالنيب ﷺ مع هذا الوصف؛ يقول :تسمع وتطيع لألمري حّت لو كنت
متأكدا وهذا معن وإن ضرب ظهرك أي ضربك على ظهرك ال حيتمل أنه
ما فيه وأخذ مالك تسمع وتطيع لألمري.
وهذا الكالم معن ذلك :أن احلكم للعال وليس احلاكم! وهذا خالف ما
تدل عليه النصوص الشرعية ،وجيب أن حنذر أميا حذر من الذين يريدون أن
|233 فقه املعامالت املالية ()2
يتحايلوا على النصوص مبسائل َيولدوهنا يـ ْوِمهون أهنا نوازل! وهي يف احلقيقة
من املسائل اليت ختالف النصوص الشرعية ،فويل األمر املسلم جتب طاعته يف
غري معصية هللا.
فإذا أمر ويل األمر املسلم أبمر ليس فيه معصية؛ فإنه يسمع له ويطاع؛ أما
إذا أمر مبعصية؛ فال مسع وال طاعة يف املعصية ،مع بقاء السمع والطاعة يف
غريها.
فمّت يكون الشيء معصية؟ ال يكون الشيء معصية شرعا إال إذا أمران
برتك الواجب أو فعل حمرم؛ فإذا أمر ويل األمر املسلم بفعل حمرم فال نسمع
ونطيع له يف هذا ،وإذا أمر برتك واجب فال نسمع وال نطيع له يف هذا مع
بقاء السمع والطاعة يف غريه.
بل أقول :إن أهل السنة واجلماعة يقولون :إن ويل األمر ولو كان كافرا
جتب طاعته فيما يقيم مصاحلَ الناس ،ما ل تكن هنالك قدرة على تغيريه.
إذا كان الوايل كافرا ول يكن عند املسلمني قدرة على تغيريه ،أو كان
عندهم قدرة على تغيريه مبفاسد عظيمة تربو على مفاسد بقائه؛ ل جيز هلم أن
خيرجوا عليه؛ ووجب السمع والطاعة فيما حيقق مصاحل الناس ،لتحقيق
املصاحل ،حّت ييسر هللا زواله بقوة تكون عند املسلمني أو بغري ذلك.
وهذه هي األصول اليت تدل عليها األدلة وعليها أهل السنة واجلماعة ،وال
خري إال فيها ،ال خري وهللا! للبالد والعباد للراعي والرعية إال فيما جاء يف
السنة.
فقه املعامالت املالية ()2 | 234
واألحداث اليت تقع اليوم يف بلدان املسلمني ال تزيدان هبذا إال بصرية،
والذي ينظر إىل هذه األحداث؛ نظرة سليمة مربأة من األهواء؛ يعلم أن خري
البالد والعباد يف العمل مبا جاءت به النصوص من الصرب على َجور والة
األمر إن وجد؛ مع النصح الشرعي الصحيح ،والسمع والطاعة يف غري معصية
هللا سبحانه وتعاىل.
نقول هذا ال نتقرب به ألحد من الناس ،وهللا -اي إخوة -إن املعروف عن
علماء أهل السنة واجلماعة يف كل زمان ومكان؛ أهنم متعففون عن طلب
أموال الناس من حكام وغريهم ،وال يبتغون إال وجه هللا ،وينظرون إىل ما
دلت عليه األدلة ،وال يطلبون رضا الناس ،حيبون رضا الناس لكن ال يطلبونه
ابلعنرتايت ،وإظهار أهنم خيالفون احلكام ونشر معايب احلكام على املنابر
وإظهار البطولة ،بل يتمسكون مبا دل عليه الدليل ،فال يرغبون مبا يف يد
احلاكم وال يرغبون يف قلوب الناس على حساب األصول الشرعية ،خبالف
من يَضره اهلوى ويلعب به ،قد أيكل من أموال احلاكم وأموال الناس ويتوسل
إىل هذا بشّت الوسائل ويتعنرت أمام الناس مبخالفة األصول الشرعية.
جيب علينا -وهو الذي يقوم به أهل السنة -أن نقرر هذا ابتغاء وجه هللا
سبحانه وتعاىل ،ال نتقرب هبذا ألحد من الناس ،فإنه دين ،ولكنا نعلم أن
هذا مقتضى الشرع ،وأن هذا هو الذي فيه الصالح احلقيقي ،واإلصالح
احلقيقي مع النصح كما ذكران -وهللا أعلم.
|235 فقه املعامالت املالية ()2
السؤال الثاين عشر :ابرك هللا فيكم ،نود منكم التكرم بتوجيه نصيحة
لطلبة العلم خصوصا وللمسلمني عموما ،حول ما جيري يف مصر اآلن ،وهل
احلكومة اجلديدة اآلن تعد حكومة شرعية؟
اجلواب:
أسال هللا عز وجل أبمسائه احلسن وصفاته العال أن حيقن دماء املسلمني،
وأن يدفع البالء ،وال شك أن كل ذي علم سليم وفهم مستقيم يفرح بكل
عمل حيقن دماء املسلمني ،ويزيل هذا الشر العظيم ،وال شك أين أقول :إن
الواجب على أهل مصر أن يسعوا يف حقن الدماء ،وأن يكفوا عن األعمال
اليت تؤدي إىل القتل وإزهاق األرواح من مجيع األطراف ،فإن الدم شأنه عظيم
ِ وَال يـزال الْمؤِمن معنِقا ِ
اب َدما ب َدما َحَراما ،فَِإذَا أ َ
َص َ صاحلاَ ،ما َلْ يص ْ
ْ َ ْ ََ
َحَراما بَـلَّ َح.)1(
واملتقرر عند أهل السنة واجلماعة :أن احلاكم املتغلب ابلسيف إذا تغلب
على احلكم واستقام له األمر عند العامة؛ فإنه يصبح حاكما شرعيا ،ولذلك
نقول :إن أهل السنة واجلماعة قد يقولون :إن هذا الشيء حرام؛ لكن يرتبون
عليه الثمرة ،أهل السنة واجلماعة ال جييزون التغلب؛ ال جييزون ألحد أن أييت
وأيخذ احلكم ابلقوة وهذا حرام ،لكن إذا حصل وحصلت الوالية؛ ثبتت
الوالية هلذا املتغلب؛ ونسأل هللا أن يرزق حكماء األمة من حكامنا والعلماء
املعتربين املستضيئني ابلسنة نسأل هللا أن يوفقهم إىل بذل األسباب اليت حتقن
الدماء ،وتزيل الشر ،والوصية لطالب العلم:
-أوال :أال يقحم اإلنسان نفسه فيما ليس له ،فما ليس لك ال تقحم
نفسك فيه ،واسأل هللا ملن كلفه هبذا األمر التوفيق واهلداية.
-اثنيا :إايك والظلم ،ال تظلم أحدا؛ فإن الظلم عاقبته وخيمة.
-واثلثا :اعرف اخلري الذي أنت فيه؛ وامحد هللا عليه ،وتعاون مع والة
أمرك يف بلدك وعلمائك على اخلري ،وحافظ على اخلري املوجود يف بلدك ،وإن
كنت من أهل النصح؛ فابذل النصح ابلطرق الشرعية الصحيحة السليمة
السوية اليت حتقق اخلري ومتنع الشر.
مث أنصح –اإلخوة -بعدم نشر الكالم الذي يظهر يف الوسائل املعاصرة ِما
ال خري فيه ،كاآلن جند مبا يسمى بـ"تويرت" أييت فيه مقاطع صوتية ألانس
يتكلمون بكالم ابطل يف هذه األحداث ،بعض الناس حبسن نية ينشر هذا
الكالم ،قصده أن يظهر قبحه؛ لكن يف احلقيقة أنه ينشره! وتصل الشبهات
إىل كثري من الناس ،مثل هذا أان ال أراه ،وأرى أنه ال أبس أن يطلِع عليه من
يعرف أنه يعرف ويفهم حقيقة هذه األمور ،أما أن ينشر هذا على العامة،
وينشر هذا الكالم؛ فهذا نشر هلذا الكالم السيء! فتجد أن بعض الناس
يتكلم يف والة األمر؛ يف اإلمارات ملوقفهم أو يف والة األمر يف السعودية
ملوقفهم ،بكالم سيء وابطل فبعض الناس ينشر هذا على مستوى عام!
|237 فقه املعامالت املالية ()2
نقول :هذا ال جيوز ألنه يرتتب عليه نشر هذا الباطل وهذا الفساد ،أما
إرساله ملن يعلم ويفهم حّت يعرف حقيقة األمر فيظهر يل -وهللا أعلم -أنه ال
أبس هبذا.
وأنت يف احلقيقة تعجب يف هذه األحداث من انس يدعون الوسطية
واالعتدال ووو وجتد اآلن كالمهم ينضح ابلتكفري الصريح أو التلميح واحتقار
املسلمني! فتجد ِمن يدعي العلم؛ من حيتقر -وألتكلم بصراحة -من حيتقر
حكام اإلمارات! أو حيتقر أهل اإلمارات! أو حيتقر شرطة اإلمارات! أو حيتقر
حكام السعودية! ويف كالمه الكثري من هذا؛ وهذا ال شك أنه من الباطل
والشر العظيم الذي يكشف عن معادن الناس ويبني حقائقهم ،فكم من
مدعي لالعتدال والوسطية وضبط اللسان؛ هذه األحداث ظهر فيها أنه من
أكثر الناس جراءة على أعراض املسلمني ،ملاذا؟ ألهنم خالفوه يف هواه وليس
من منظور شرعي صحيح.
على كل حال؛ نسأل هللا عز وجل أن يزيل هذا البالء ،وأن يرزق أهل
مصر األمن والطمأنينة ،وأن يعيد العقالء على التعاون لدرء مفاسد هذه
الفتنة ،ويوفق حكامنا لإلسهام يف توطيد اخلري وإبعاد الشر.
السؤال الثالث عشر :يفعل بعض النساء يف األعراس طريقة بنزع األحلان
واملوسيقى من األغاين وذلك كحيلة جلعل األخوات حيضرن أعراسهن؛ فما
احلكم الشرعي يف ذلك؟ وما توجيهكم؟ وهذا املنتشر ما يسمى ابلـ "دي
جي"
فقه املعامالت املالية ()2 | 238
اجلواب:
ما ورد به النص هو اإلذن للنساء يف ضرب الدف مع الغناء املعتاد؛
ولذلك أان الذي يظهر يل -وهللا أعلم -أنه ال جيوز اإلتيان أبشرطة املغنني
املعروفة ولو نزعت منها املوسيقى؛ فإنه غناء ودعوة هلؤالء الفساق وترويج
ملثل هذا األمر؛ فالذي يظهر يل -وهللا أعلم -أنه ال جيوز ،واجلائز ما أذن فيه
النيب ﷺ وهو اإلذن للنساء أن يضربن على الدف ويغنني الغناء املعتاد.
السؤال الرابع عشر :حيتج بعض طلبة العلم :أنه إذا نشر بعض اإلخوة
موادا أو مسائل متعلقة ابملنهج الشرعي يف طريقة التعامل مع الفنت فينتقدون
من ينشرها ويبني للناس احلق هبا حبجة أن هذا املضمون يف هذه املواد ليس
من األمور املنهجية اليت حيتاج إليها فما توجيهكم؟
اجلواب:
ما فهمت السؤال كأنه مضطرب قليال ،املوقف من الفنت ال شك أنه من
األمور املنهجية اليت حيتاجها الناس ،واليوم الفنت تضرب يف بالد املسلمني؛
فنشر املوقف الشرعي الصحيح هذا مطلوب ،وهو من املنهج السلفي
الصحيح الرصني الذي تتحقق به املصاحل وتندفع به املفاسد؛ فعلى كل حال
هذا الكالم فيه اضطراب َّبني وينبغي على اإلنسان أن يثبت ويكون قصده
احلق ويكون قصده نفع املسلمني وفق األصول الشرعية الثابتة بكتاب هللا
وسنة النيب ﷺ.
|239 فقه املعامالت املالية ()2
السؤال اخلامس عشر :سائلة تقول :إذا كانت املرأة حائضا وأحرمت؛
فهل إذا طهرت جيوز أن تغتسل ابلشامبو قبل العمرة؟ وهل جيب أن تذهب
إىل مسجد التنعيم أم تكتفي ابالغتسال مث الذهاب إىل احلرم؟
اجلواب:
إذا مرت احلائض ابمليقات تريد العمرة وهي حائض ،فإن الواجب عليها
أن حترم من امليقات ،وأن تغتسل كسائر النساء ،وهذا ليس بواجب ولكنه
سنة ،مشروع تغتسل كسائر النساء؛ و ْحت ِرم من امليقات ،هذا واجب عليها أن
حترم من امليقات إذا كانت تريد العمرة ،مث إذا وصلت إىل مكة ال تذهب إىل
املسجد احلرام تبقى يف الفندق؛ فإذا طهرت فإهنا تغتسل من حيضها وتذهب
وتكمل عمرهتا ال حتتاج إىل أن خترج إىل التنعيم أو خترج إىل احلِل ،ألهنا حمرمة
أصال.
هل هلا أن تغتسل ابلشامبو؟ نقول إذا كان هذا الشامبو فيه رائحة تعد
طيبا فال جيوز أن تغتسل به ألهنا حمرمة ،أما إن كانت رائحته ليست طيبا وال
يعدها الناس طيبا؛ فهذا ال أبس أن تغتسل به ،وهذا احلكم الذي نقول به يف
الصابون والتايد ،إذا كان الصابون رائحته هي رائحة الصابون؛ فهذا ليس
بطيب ،أما إذا أضيف له الطيب وله رائحة تظهر أنه طيب فال جيوز للمحرم
أن يستعمله.
السؤال السادس عشر :تقول :امرأة أاتها العذر الشرعي وآخر يوم هلا
الثالاثء القادم؛ وهي تنوي الذهاب للعمرة يوم اإلثنني الذي هو غدا؛ فهل
فقه املعامالت املالية ()2 | 240
جيوز أن تستعمل ما مينع نزول العذر الشرعي؟ وإن استخدمته وتوقف العذر
الشرعي؛ فهل جيوز هلا أن تعتمر أم تنتظر انتهاء مدة العذر املعتاد عندها؟
اجلواب:
نقول :إن األصل أنه ينبغي أن ترتك املرأة األمر كما خلقه هللا؛ فإن
استخدام هذه األشياء يضر ابملرأة حاال ومآال؛ فينبغي على املرأة أن ترتك
األمر كما خلقه هللا ما دام يف األمر َسعه.
وجيوز هلا أن تستخدم املوانع بشرط أن يكون حتت إشراف طبيبة خمتصة
تقدر أن ذلك ال يضرها الضرر املتعدي البالغ ،فهذه األخت أمرها يسري وهلل
احلمد واملنة فهي ستذهب اإلثنني وتطهر الثالاثء؛ فتحرم من امليقات وتبقى
إىل أن تطهر مث تغتسل وتؤدي عمرهتا؛ لكن لو أخذت ما يقطع الدم فانقطع
عنها الدم انقطاعا معتربا؛ فإنه جيوز هلا أن تؤدي عمرهتا على هذا احلال ،وال
جيب أن تنتظر إىل أن تنتهي مدة احليض املعتادة عندها.
السؤال السابع عشر :يقول أحسن هللا إليكم ،بعض من يدعي العلم
يقول :احلاكم قد يكون مسلما ،ولكنه حاكم غري شرعي ،فاحلاكم املسلم
الذي ال حيكم مبا أنزل هللا وله معاص كثرية حنن ال نكفره لكن ال نعتربه
حاكما شرعيا ،وال نرى طاعته من طاعة هللا ،وال من العبادة اليت يتقرب هبا
إىل هللا ،ونطيع هذا احلاكم من ابب املصلحة فقط ،كما يطاع احلاكم الكافر،
يقولون إن هذا القول من قول أهل السنة ،فهل ننكر عليهم ونبدع قوهلم هذا
أم نسكت؟!
|241 فقه املعامالت املالية ()2
اجلواب:
الشيطان ال أييت اإلنسان من طريق واحد فقط ،الشيطان قال بني يدي
َ َ َ َ ٓ َ ۡ َ ۡ َ َ َ ۡ ُ َ ذ َ ُ ۡ َ َٰ َ َ
ك ٱل ۡ ُم ۡس َتقِيمَ صر ط ربنا سبحانه وتعاىل﴿ :قال فبِما أغويت ِن ۡلقعدن لهم ِ
ُ ١٦ث ذم ٓأَلت ِيَ ذن ُهم مِن َب ۡي َأيۡدِيه ۡم َوم ِۡن َخ ۡل ِفه ۡم َو َع ۡن َأيۡ َمَٰنِه ۡم َو َعن َش َمآئلِهمۡ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َ َٰ ََ َ ُ َ ۡ ََ ُ ۡ َ
َتد أكَثهم شك ِِرين [ ﴾١٧سورة األعراف]. ول ِ
فالشيطان أييت اإلنسان من طرق متعددة ،ومن هذه الطرق :أن
الشيطان يسول لبعض الناس :أن احلاكم املسلم الذي استقر له األمر ومت به؛
قد ال يكون حاكما شرعيا جتب طاعته ،ألنه حاكم وإمنا يطاع من أجل
املصلحة ،ألن بعض الناس ال يقبل أن يكفر احلاكم ،لكن إذا قيل له :إن
هذا احلاكم مسلم ونعوذ ابهلل من تكفريه ونعوذ ابهلل من أعراض املسلمني،
ولكنه ليس حباكم شرعي؛ ألن عنده معاصي ،ألنه ال حيكم ابلشريعة!
فنقول :هذا القول قول من جنس األقوال املتبدعة اليت ختالف يف أصل
املسألة ،فإن أهل السنة واجلماعة ،متفقون على أن من ثبت له اإلسالم،
وجبَت طاعته ألنه ويل أمر املسلمني يف غري معصية هللا وثبتت له الواليةَ ،
سبحانه وتعاىل ،وال يقولون :إن من ثبتت له الوالية وثبت له اإلسالم يقال
إنه من الصحابه أو يقال إنه من أولياء هللا ،أو يقال ...كل إنسان بعمله،
ولكنه من حيث الوالية يقولون :إنه حاكم مسلم جتب طاعته يف غري معصية
هللا سبحانه وتعاىل ،ويذب عن عرضه ،وال تنشر أخطائه وال عيوبه ،ولو كان
يف لبسه ،ولو كان يف طريقة كالمه ،ألن إجالل السلطان من إجالل هللا،
وإذهاب هيبة السلطان من طريقة أهل البدع ،حّت أن أهل السنة واجلماعة
فقه املعامالت املالية ()2 | 242
يقولون :إن طريقة وصول احلاكم إىل احلكم قد ال تكون شرعية ،فإذا وصل
إىل احلكم واستقر له األمر واستقر به األمر ،أصبحت واليته شرعية.
فلو جاء إنسان وتغلب ابلسيف ،ال جيوز له أن يتغلب ابلسيف ،ولكن
لو تغلب وتوىل ومت له األمر؛ أصبحت واليته شرعية وأصبح حكمه شرعيا،
وجتب طاعته يف غري معصية هللا سبحانه وتعاىل.
وهذا الذي اتفقت عليه كلمة أهل السنة واجلماعة ،سواء قلنا إنه ل يكن
هناك خالف أصال أو قلنا كان هناك خالف بني الصدر األول بتأويل ،مث
اندثر هذا اخلالف واستقر اإلمجاع ،إمجاع أهل السنة واجلماعة على هذا
األمر ،فمن توىل أمر املسلمني من املسلمني ومتت له الوالية ،فهو حاكم
مسلم جتب طاعته يف غري معصية هللا سبحانه وتعاىل إبمجاع أهل السنة
واجلماعة.
أما هذه التفصيالت اليت يطرحها بعض الناس وينسبوهنا ألهل السنة
واجلماعة فليس عليها دليل وال أاثرة من قول] من أقوال أهل السنة واجلماعة
ِمن عرفوا بتأصيل هذه املسألة من املتقدمني واملتأخرين.
السؤال الثامن عشر :أحسن هللا إليكم ،وهذا سائل يسأل عن مجع نية
صيام الست من شوال مع صيام األايم البيض؟
اجلواب:
اجلمع بني النيات أبن يعمل اإلنسان عمال واحدا بنيتني ،فيه تفصيل:
|243 فقه املعامالت املالية ()2
احلالة األوىل :فإن مجع بني أصغر وأكرب ،وحيصل املقصود بواحد منهما
-وسأمثل -فهذا جائز .مثل :إنسان استيقظ يوم اجلمعة وعليه جنابة ،فعليه
غسل جنابة وغسل اجلمعة ،وغسل اجلنابة أكرب ،حّت لو قلنا أن غسل
اجلمعة واجب؛ فغسل اجلنابة أكرب ،واملقصود من غسل اجلمعة النظافة ،فإذا
اغتسل اإلنسان للجنابة بنية اجلنابة واجلمعة ،حصل املقصود من غسل
اجلمعة ،هذا جائز ،أو لو أن إنساان دخل املسجد بعد أذان املغرب ،فنوى
السنة ،اليت حث عليها النيب ﷺ ،بقوله :صلوا قبل املغرب ،صلوا قبل
املغرب ،صلوا قبل املغرب ،مث قال يف الثالثة ملن شاء وحتية املسجد ،فإن هذا
صحيح؛ ألن املقصود من حتية املسجد أال جيلس حّت يصلي ركعتني ،وهو
قد فعل.
واحلالة الثانية :أن ي َشرك بني أصغر وأكرب وال حيتمل األكرب التشريك،
يعين :األكرب جيب أن يكون متمحضا كأن يصوم الست من شوال ،مع نية
القضاء ،ينوي صيام الست والقضاء يف يوم واحد ،فهنا مجع بني أكرب وأصغر
واألكرب ال حيتمل التشريك؛ ألن القضاء مثل األداء ،كما أنه ال جيوز أن
ت َشرك يف صيام رمضان؛ ال جيوز أن ت َشرك يف القضاء ،والصحيح من أقوال
أهل العلم هنا أن النية تتمحض لألكرب ،ويبطل التشريك ،فتكون للقضاء
فقط .هذا الصحيح من أقوال أهل العلم ،وإن كان من أهل العلم من يبطل
العمل كله هبذا التشريك ،لكن الصحيح أن النية تتمحض لألكرب ويبطل
التشريك ،يعين ما صام الست ،وإمنا يكون قضاء.
فقه املعامالت املالية ()2 | 244
احلالة الثالثة :أن ي َشرك بني متساويني ،أو متقاربني ولكل واحد منهما
مقصود مستقل ،فهنا الصحيح من أقوال أهل العلم أنه ال يشرع وال جيوز.
مثل أن جيمع بني نية سنة الفجر وانفلة أخرى ،أو سنة الظهر وانفلة أخرى
بنية واحدة ،فأان أقول هذا له مقصود وهذا له مقصود ،فال جيمع بينهما،
احلالة الرابعة :أن جيمع بني متساويني أو متماثلني ،ويكون املقصود من
الثاين حاصال .مثل سؤال األخ ،ألن مثال أنت تصوم الثالث عشر؛ املقصود
من صيام األايم البيض أن تصوم اليوم الثالث عشر ،فإن صمت الثالث عشر
مع نية الست فقد حصل أنك صمت اليوم الثالث عشر وصمت الست.
لكن السؤال هنا :هل حيصل لك أنك صمت ثالثة أايم من كل شهر
مع الست؟ يعين يف اجلواز؛ جائز ،وفعال أنت صمت الثالث عشر والرابع
عشر واخلامس عشر اليت جاء احلث على صيامها ،لكن السؤال هل يقال
إنك هنا صمت الست من شوال وثالثة أايم من شوال؟
الذي يظهر يل-وهللا أعلم -أنه ال يقال هذا ،ألن الست من شوال هلا
مقصود والثالث هلا مقصود ،فإذا كان من عادتك أنك ،تصوم ثالثة أايم من
كل شهر وصمت الستة ،ووافقت الثالث عشر والرابع عشر واخلامس عشر،
فصم ثالثة أايم من الشهر ،لتكون صمت ثالثة أايم فيكون هذا كصيام
الدهر من كل شهر ،وتكون صمت الستة أايم فيكون هذا أيضا كصيام
الدهر ،ألن رمضان بعشرة أشهر وستة أايم بستني يوما ،فهذان شهران ،فهذا
الدهر ،فهذا مقصود ،وهذا مقصود وهللا أعلم.
|245 فقه املعامالت املالية ()2
اجلهاد يف سبيل هللا ،ولكن ال تستلذ األعراض ،قف يف حدود الشرع ،قد
يتكلم يف إنسان تبغضه يف هللا لبدعته اليت ينبغي أن يبغض فيها يبغض من
أجلها ،يتكلم يف عرضه فتذب عن عرضه ،ل أيذن هللا لنا أن نتكلم يف نِ ِ
ساء
املخالفني ،وإمنا نتكلم فيما خالف الشرع ونصرب وحنتسب ونذب وجناهد.
وألسنة النساء أسرع فَتكا من ألسنة الرجال ،فينبغي على املرأه أن جتتهد
يف الصالح واإلصالح ،فاملرأة إذا صلحت صلحت األمة ،وإذا فسدت كان
سببا لفسادكثري ،ولذلك النيب ﷺ قال:ما تركت بعدي فتنة أضر على
الرجال من النساء ،فاملرأة قد تكون فتنة جبسدها ،وقد تكون فتنة بلساهنا،
وقد تكون فتنة بتدين غري صحيح.
املرأة إذا انتمت جلماعة حزبية -وهذه بدعة عظيمة -قد تكون سببا
النتماء أكثر أهل البيت ،فصالح املرأة فيه خري عظيم.
وعلى املرأة أن جتتهد يف اجتناب كل ما حرم هللا ،وجتتهد يف اجتناب
ثالثة أمور عظيمة وهي :كفران العشري ،وكثرة الشكاية ،وكثرة اللعن ،فإن هذه
من مهالك النساء ،فقد وعظ النيب ﷺ الرجال يف العيد مث وقف على النساء
وقال :تصدقن فإين رأيتكن أكثر أهل النار ،أو قال فإن أكثركن حطب
جهنم قلن :فبم اي رسول هللا؟ قال :ألنكن تكثرن الشكاية وتكفرن العشري
ويف رواية :ألنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشري ،ويف هذا احلديث داللة
على حث املرأة على كثرة الصدقة.
|247 فقه املعامالت املالية ()2
وينبغي عليها أيضا أن هتتم مبا خصه رسول ﷺ يف قوله :إذا صلت
املرأة مخسها ،وصامت شهرها ،وحصنت فرجها أو حفظت فرجها ،وأطاعت
زوجها ،قيل هلا ادخلي من أي أبواب اجلنة شئت ،فينبغي عليها مع حرصها
على اخلري؛ أن حترص على هذه األمور األربعة مع الصدقة.
احلرص على الصلوات املفروضة ،وهذه من عالمات توفيق العبد -رجال
كان أو امرأة -واحلرص على الصيام املفروض ،واحلرص على العفة ومقدماهتا
من حجاب وحنوه ،واحلرص على طاعة الزوج مع الصدقة ،مث ما أمجل أن
تكون املرأة يف ضوء هذا طالبة علم ،انشرة خريه متمسكة مبا ذكرانه غري
مفرطة فيه ،عارفة للسنة متقية هلل ،خائفة من رهبا ،حافظة للساهنا مراقبة
له ،ختشى أن يوردها اللسان املهالك ،فنسأل هللا أن يكرم نسائنا ونساء
املسلمني بتقواه ،وأن جيعلهن سببا لصالح أهلهن ومن حوهلن ،وأن جيعل
فيهن خريا وبركة ،وأن يكفيهن شر أنفسهن وألسنتهن وشياطني اإلنس
واجلن ،وأن يبعدان وإايهن عن التحزابت البدعية ،واجلماعات اليت تتحزب إىل
أحزاب ،وأن جيعلنا من أهل منهج السلف الصاحل رضوان هللا عليهم ،الذي
هو رمحة كله ،وخري كله ،ورفق كله ،وعدل كله ،وإصالح كله ،رمحة لإلنسان
نفسه ،ورمحة ملن حوله ،أمان للحاكم واحملكوم ،فأسأل هللا أن يكرمنا به
ويثبتنا عليه ،وإن أخطأان شيئا فيه أن جيعلنا من الرجاعني األوابني ،وأن
صربوننا ويساعدوننا يف الثبات على هذا يكرمنا إبخوان لنا يناصحوننا وي َ
املنهج الكرمي ،وهللا تعاىل أعلى وأعلم.
فقه املعامالت املالية ()2 | 248
السؤال العشرون :يقول ابرك هللا فيكم ،بعض الدعاة الذين َّ
نصبوا
أنفسهم للدعوة ،إذا وقع من أحدهم خطأ يف مسألة ،فأنكرت عليه ،رد
عليك معريا مبقولة أو قاعدة "من كثر علمه قَ َّل إنكاره" حّت نسكت فال نرد
عليه ،فهل من كلمة توجيهية تبينون لنا فيها الصواب يف هذا؟
اجلواب:
أوال :من اإلشكاالت املعاصرة أن بعضا ِمن يسمون ابلدعاة اليوم ،هم
الذين ينصبون أنفسهم ،ويقدمون أنفسهم ،بينما كان املعمول به عند أهل
العلم :أن أهل العلم هم الذين يقدمون الداعية واملفيت ،فال ينتصب للفتوى
وتوجيه الناس ،إال من شهد له أهل العلم أبنه أهل ،وبعضهم كان يتشدد،
كان األئمة يف زمن اإلمام مالك يف املدينة ،يقولون :ال ينبغي للرجل أن
ينتصب للفتوى حّت يشهد له أربعون من أهل العلم .يقول مالك" :فما
جلست حّت شهد يل سبعون" ،ولكن اليوم اإلعالم أصبح يقدم من يسمون
ابلدعاة وقد ال يكون شهد هلم أهل العلم ،ولألسف أصبح الناس يتلقون من
اإلعالم بدون متييز.
اثنيا :هذه اجلملة "من كثر علمه قَ َّل إنكاره" أان ال أعرفها يف كالم شيخ
اإلسالم ابن تيمية -رمحه هللا ،-مع كثرة قراءيت لكتب شيخ اإلسالم ابن
تيمية -رمحه هللا ،-ال أعرفها ،وحال شيخ اإلسالم ابن تيمية -رمحه هللا-
خيالفها ،فشيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا ،كان سيف حق ينكر حّت على
العلماء املقلِ َدة ،الذين كانوا يردون السنة من أجل تقليد املذاهب ،وأوذي يف
|249 فقه املعامالت املالية ()2
هذا وسجن يف القلعة عدة مرات ،حّت مات مسجوان يف القلعة ،ولو وجدت
يف كالم بعض أهل العلم فإن خمرجها ليس كما فهم هذا الرجل" ،من كثر
علمه قَ َّل إنكاره" معناها :أن من كثر علمه فإنه ينشر اخلري حوله ،فيعلم
الناس اخلري ،فيقل املـْن َكر ،فال يكثر اإلنكار؛ ألن املـْن َكر قَ َّل بنشر العلم،
وليس املراد كما فهم هذا ،أن العالـِم ال ينكر املنكرات ،كيف يكون عالـِما وال
ينكر املنكرات؟! ولو قيل" :من كثر علمه ،حسن إنكاره" لكان هذا
نكر املنكرات بال من َكر وينكر الصواب" .من كثر علمه ،حسن إنكاره" في ِ
نكر عليه ،ينبغي أن املنكرات مبعروف ،وهذا حال أهل العلم .مث املسلم إذا أ ِ
ينظر يف حاله :فإن كان املن َكر عليه واقعا موجودا وهو خمالف للشرع جيب أن َ
ِ ِ
يشكر ،وينبغي أن يشكر الذي أنكر عليه ،ويرى للمنكر عليه منَّة ،وفضل
ونعمة ،خاصة إذا برز ،فإن اإلنسان غري البارز ،يتحمل نفسه ،لكن البارز
يتحمل الناس ،فهو ضامن ،فإذا قال كالما فيه خمالفة شرعية ،فجاءه رجل
فأهدى إليه وأنكر عليه ،ينبغي أن يفرح وحيمد هللا أن يسر هللا له ،من أنكر
وبني له ،وأن يعود إىل احلق .وأال يكون متكربا وأال يكون معرضا عن احلق.
وعلى كل حال ،أان أحذر أميا حتذيرِ ،ما يطرحه بعض الناس ِما خيالف
املعهود عن العلماء ،وينسبونه إىل العلماء ،بعض الناس ينكر على الوالة،
ويقول" :وكان شيخنا الشيخ ابن ابز ينكر" ،ومعروف أن الشيخ ابن ابز
رمحه هللا ،كان ال ينكر اإلنكار العلين على والة األمر ،وكان يناصحهم ،فيما
بينه وبينهم ،ويراسل البعيدين منهم ،بعض الناس يقول" :وكان شيخنا الشيخ
ابن عثيمني ينصحنا بكذا وكذا" واملعهود من الشيخ ابن عثيمني خالف
فقه املعامالت املالية ()2 | 250
هذا ،وهذا اآلن كثري يف اإلعالم ،بل اي إخوة! أصبح بعض الناس ينسبون
أنفسهم إىل الشيوخ املشهورين ،هناك من يردد" :وكان شيخنا فالن وكان
شيخنا فالن" وقد مات الشيخ ،وهذا دون العاشرة ول يعرف ابجللوس عليه،
فينبغي-اي إخوة -أن حنذر من هذه الفقاعات اإلعالمية واليت تطرح ،وأال
نتبع كل من يتكلم ،وإمنا نبحث عن اخلري واهلدى والسنة واحلق ،ونتبع ،وحنن
ال نقول :إن كل الدعاة الذين يظهرون يف اإلعالم ،ليسوا أهال للدعوة؛ ولكنَّا
نقول ينبغي توخي احلذر واالنتباه ووزن ما يقال ،وعدم اتباع كل ما يطرح،
فإنه أحياان يدس السم يف العسل ،وأحياان كثرية يـتَلبَّس أبمساء العلماء؛
والعلماء برآء ِما ينسب إىل امسائهم .وهللا أعلم...
مث من منهج العلماء أنه إذا وجد منكر عام يف البلد ينكرونه ابلنسبة
للعامة ،ويبينون أنه حرام ،وال يسكتون ويقولون أنه مادام أنه وجد يف البلد
حنن نربر ،بل ينكرون ،ولكن ال ينسبونه إىل والة األمر وينفرون قلوب العامة
عن والة األمر هبذه املنكرات ،بل يناصحون ويل األمر ،فيما هو له،
ويناصحون العامة فيما هو هلم ،يعين مثال وجود البنوك الربوية ،العلماء
يقولون للناس ،هذه البنوك الربوية حمرمة ،وهذه التعامالت الربوية حمرمة ،وال
جيوز لك أن تتعامل مع هذه البنوك ،ولكن ال يقومون على املنابر ويقولون:
انظروا قد انشؤوا البنوك ،وأعطوها الرخص ،وجيهزون اجلنود حيموهنا ،بل إذا
لقوا ويل األمر نصحوه ،ولذلك أان ذكرت مرارا عبارة قاهلا أحد مشاخينا،
وهي حقيقة حال مجيع مشاخينا ،يقولون" :حنن إذا كنا مع والة األمر كنا
للعامة ،وإذا كنا مع العامة كنا لوالة األمر" .ما يبحثون عن بطوالت،
|251 فقه املعامالت املالية ()2
وعنرتايت ،وأن حيمدهم الناس ،يريدون اخلري ،فإذا جاؤوا وجلسوا مع ويل
األمر ،بدؤوا يناصحونه ،ويذكرون مظال العامة ،ويذكرون ويذكرون ،وإذا
جلسوا مع العامة ،أخذوا يثنون على ويل األمر ،مبا فيه من خري ،مبا ميأل
القلوب حمبة ،ويذبون عن عرضه ،وينهون عن الكالم فيه ،خبالف غريهم،
فغريهم إذا اعتلى املنابر أمام الناس ،رفع صوته ،وهدر مبا ال جيوز من الطعن
يف والة األمر ،وإذا خلى بوالة األمر قال" :سم ط َّول هللا عمرك ،ما شاء هللا
تبارك هللا".
وهذه من صفات أهل العلم وأهل اخلري ،أهنم يرغبون يف اخلري ،ال يرغبون
بشيء ألنفسهم ،ال بطوالت أمام العامة ،وال أشياء من اخلاصة ،وإمنا يريدون
اخلري ،وهذا منهج مشاخينا الذين رأيناهم ،وتعلمنا منهم وهو املنهج الرشيد،
واحلقيقة أنك إذا رأيت العال حيرص على مجع قلوب الراعي والرعية وعلى
تنمية احملبة بني الراعي والرعية ،مع النصح للطرفني ابلطريق الشرعي ،فاعرف
أنه العال الذي يتمسك بكالمه ،ألنه ال يريد إال احلق واخلري ،وهذا منهج
أهل العلم وهللا أعلم.
السؤال احلادي والعشرون :طيب ابرك هللا فيكم َنتم هبذا السؤال،
ونرجو فيه التوجيه .يقول :كثرت الفنت يف بالدان ،ومسى بالدهم ،بعضهم
يوصينا ابالعتزال ،وبعضهم يوصينا بصد عدوان اخلوارج والبغاة ،فاإلخوة
هناك يف حرية ،فما توجيهكم ابرك هللا فيكم؟
اجلواب:
فقه املعامالت املالية ()2 | 252
والسعي يف إصالحه ابلطرق الصحيحة ،وإذا كان كافرا فال جيوز اخلروج عليه،
إال هبذه األمور الثالثة.
وجدت فنت يف بعض بلدان املسلمني ،ومتزق البلد ،وأصبح األمن الذي
كان موجودا مع الظلم ،ذهب وبقي الظلم ،وأصبحت الناس تتناحر ،فَِرق
كل يريد األمر لنفسه ،وصارت فنت ،وحنن نقول :إن األصل يف هذا أن
اإلنسان جيتنب كل هذا إذا كان يستطيع ،ويدفع عن نفسه ،ودينه ،وأهله
وماله ،فإذا جاءه من يريد دينه ،أو يريد نفسه أو يريد ماله ،أو يريد أهله،
فإنه يدفع عن نفسه.
وحنن نعرف أن اخلوارج يكفرون كل من ل يوافقهم يف الرأي ،ويستحلون
دمه وماله ونساءه؛ ألن من عقيدة اخلوارج من أوهلم إىل آخرهم أن من
خالفهم كافر والكافر جيوز قتاله ،ومن جيوز قتاله ،يغنم ماله وتسىب نساؤه،
ولذلك اخلوارج األولون ،ملا انظرهم ابن عباس رضي هللا عنه وقال :ماذا
تنقمون على ابن عم رسول هللا ﷺ؟! ذكروا ثالثة أمور ،منها أهنم قالوا :إنه
ب ول يغنم ،فإما أهنم كفار فيحل قتاهلم وسبيهم ،وإما أهنم ليسوا قاتل ول يس ِ
ْ
كفارا فال حيل قتاهلم وال سبيهم .فقال هلم ابن عباس رضي هللا عنهما:
أترضون أن تسبوا أمكم عائشة رضي هللا عنها ،فإن قلتم ليست أمنا فقد
كفرمت ،وإن قلتم نسبيها فقد كفرمت ،فأنتم بني ضاللتني.
فعقيدة اخلوارج ،أهنم ال يرقبون فيمن خيالفهم ًإال وال ذمة ،فإايكم-اي
إخوة -أن تعتقدوا أن اخلوارج يريدون احلكام ،اخلوارج يريدون كل من
فقه املعامالت املالية ()2 | 254
***
فقه املعامالت املالية ()2 | 256
|257 فقه املعامالت املالية ()2
***
جتد أن لك خمرجا من كالمك بني يدي هللا فتكلم ،وإن كنت جتد أن
يف كالمك عثرة لن تنجو هبا بني يدي هللا فأمسك ،فإن الرجلني قد
يتكلمان بكلمة واحدة يرتقي هبا أحدمها يف اجلنة ،ويهوي هبا أحدمها يف
النار ،فاألول كان على سالمة وشرع عندما تكلم هبا ،واآلخر كان عنده
خلل فيها :إما يف قلبه ونيته ،وإما يف حقيقة ما يقول.
وطالب العلم حباجة ألن يتقوا هللا يف ألسنتهم ،فإن كلمة طالب
العلم ليست ككلمة العامي ،سواء يف ما يذكرونه من أحكام أو ما ينقلونه
من أخبار ،فإن طالب العلم قد ينقل اخلرب متعجال فيه غري متأن ،فيسبب من
الفساد ما هللا به عليم ،وقد يبعد كثريا من اخلري ويسبب كثريا من الشر،
ولذلك -اي إخوة -حنن معاشر طالب العلم؛ حباجة عظيمة ألن نتأن فيما
نقوله من كالم وما ننقله من أخبار ،وأن ال ننقل إال ما كان َّ
متيقنا عندان
وعلمنا أنه جيوز لنا أن نقوله ،وقد قلت ِمرارا :إن اإلنسان إذا أراد أن يتكلم
فال بد أن يلحظ ثالثة أمور:
األمر األول :أن يكون كالمه حقا يف ذاته.
واألمر الثاين :أن يكون كالمه حقا يف قصده.
واألمر الثالث :أن يكون كالمه حقا يف أثره ،وإال فإنه يصمت.
أن يكون حقا يف ذاته :أن يعلم أن الكالم الذي يقوله صحيح ،إن كان
من العلم؛ يعلم أنه صحيح ،وإن كان من األخبار؛ يعلم أنه واقع.
|261 فقه املعامالت املالية ()2
وأن يكون حقا يف قصده :أبن يعلم هللا من قلبه أنه يريد بذلك وجه هللا،
سواء كان فيما يطرح من علم أو ما ينقل من خرب ،فإن رأى من قلبه أنه ل
يبت ِغ بذلك وجه هللا ،فليقف ،فقد ينقل إنسان خربا؛ يقصد بذلك النصح
لألمة ،فيكون على خري ،وقد ينقل آخر نفس اخلرب يقصد بذلك التفكه يف
عرض أخيه أو الوقيعة بني اثنني أو غري ذلك فيكون بذلك آمثا ،فالبد من
مراعاة ما يف القلب.
وأن يكون حقا يف أثره :أبن ينتج الكالم املصلحة الشرعية املرجوة ،فإن
كان الكالم ينتج مفسدة فإنه ال جيوز نقله ،إذا كان الكالم ينتج مفسدة وال
ينتج املصلحة الشرعية املرجوة؛ فإنه ال جيوز التكلم به ،وال جيوز اإلخبار به
إن كان خربا .وهذا من األمور العظيمة اليت ينبغي أن يراعيها املسلم عموما؛
ويراعيها طالب العلم خصوصا.
وكم يعاين الناس من التعجل ،يقول بعض احلكماء :كان الرجال يفكرون
مث يتكلمون ،واليوم أصبح الرجال يتكلمون مث يفكرون ،ولذلك كثرت الندامة
ت ،وقد جاء يف احلديث :األانة من الرمحن والعجلة من اليوم ألن األانة قلَّ ْ
الشيطان- وهو حسن إن شاء هللا -ولذلك ِما يلحظ اليوم ..أن الطالق يقع
كثريا ،بينما قبل عشرين سنة أو ثالثني سنة ما كنا نسمع هبذه الصورة الكبرية
من الطالق ،أو قل املنطقة الكبرية رمبا ال تسمع فيها طالقا واحدا لسنني
متعددة ،ألن الناس بفطرهتم وحكمتهم كانوا يفكرون مث يتكلمون ،أما اليوم
فحّت طلبة العلم أصبحت تغلب عليهم العجلة ،فكالمهم يسبق تفكريهم ،ال
يقدمون امليزان قبل نطق اللسان ،بل يتكلمون ،واإلنسان إذا تكلم قد يصيبه
فقه املعامالت املالية ()2 | 262
الكرب من أن يرجع عما قال ،وقد يرتتب على ذلك ضرر عظيم، بعد ذلك ِ
ولذلك -اي إخوة -تقوى هللا يف اللسان من أعظم ما ينبغي أن هنتم به حنن
معاشر طالب العلم ،يتق هللا يف عمله ،اتق هللا حيثما كنت ،يتق هللا يف سره،
يتق هللا يف جهره.
وأتبع السيئة احلسنة متحها ،الذنب كاحلتم الالزم لإلنسان ،كما قال
النيب ﷺ :كل بين آدم خطَّاء ،حّت طالب العلم يقع منه اخلطأ فيحتاج
إىل أن ينتبه إىل نفسه وأن حيرص على اإلكثار من احلسنات ،فإن احلسنة إذا
فعلها اإلنسان :إن صادفت صغرية َّ
كفرهتا ،وإن صادفت كبرية خففتها.
وخالق الناس خبلق حسن :اخللق احلسن من الدين ،وهو من أعظم
شعائر الدين ،وحنن حباجة إىل التخلق ابخللق احلسن مع العامة وفيما بيننا،
ليعلم الناس أن االستقامة خري هلم ،وأنه ال خري للبالد وال خري للعباد إال يف
استقامة على دين هللا ،ويظهر ذلك يف حسن اخللق.
ومن اخلطأ أن يكون الواحد منا قبل استقامته أحسن خلقا منه بعد
استقامته ،كل الناس الذين حولك -مع كونك مستقيما طالب علم -خريا هلم
من غريك ،من اخلطأ اي طالب العلم أن تكون يف البيت مع أخيك الذي ال
تظهر عليه االستقامة وال طلب العلم فيكون خريا ألهله منك ،يكون خريا
جلريانه منك ،يظهر فيه من حسن اخللق ما ال يظهر عليك ،ينبغي أن نظهر
حسن اخللق ألن يف ذلك مع فضيلة حسن اخللق فضيلة إظهار حماسن هذه
االستقامة وحماسن طالب العلم.
|263 فقه املعامالت املالية ()2
ومن حسن اخللق :احلرص على اجتماع الكلمة ،اجتماع كلمة أهل احلق
على احلق ابحلق ،فإن أهل احلق يف كل زمان هم قلة ،فينبغي عليهم أن
حيرصوا على االجتماع على احلق ،وهذه أول نقطة حيرص كل واحد من
طالب العلم على احلق واهلدى والسنة ،ولو أخطأ يرجع إىل احلق واهلدى
والسنة ،وحيرصون على مجع الكلمة ،كلمة أهل احلق على احلق ابحلق والسنة،
وهذه من األمور املهمة جدا بني طالب العلم.
وكل هذا اي إخوة إمنا يكون ابألصول الشرعية ،ومبا كان عليه سلف
األمة -رضوان هللا عليهم -من غري شطط ،ومن غري خروج عن مذهب
السلف الصاحل -رضوان هللا عليهم.-
فما أحوجنا -اي إخوة -أبن نتدبر هذا يف أنفسنا ،كل واحد منا ينظر
إىل هذه الوصية العظيمة ما منزلته منها ،ما الذي حيققه منها ،ويعمل على
الثبات على اخلري ،ويسأل هللا الزايدة وأن يثبته على اخلري ،ويعمل على
الرجوع عن اخلطأ إن وجده ،فإن الرجوع إىل احلق حق وخري ،أسأل هللا
أن يفقهنا يف دينه وأن جيعلنا مفاتيح للخري مغاليق للشر وأن جيمع القلوب
على اهلدى والسنة.
***
فقه املعامالت املالية ()2 | 264
املسجد ينتظر الصالة فهو يف صالة ،واملالئكة تدعو له وتستغفر له ،اللهم
اغفر له ،اللهم ارمحه ما ل حيدث ،فإذا دخلنا بعد العصر واحتسبنا َّأان ننتظر
فإان نضيف إىل أجر طلب العلم أجرا آخر؛ وهو أجر انتظار صالة املغرب؛ َّ
الصالة ونرجو أن ننال دعاء املالئكة ،كذلك إذا صلينا املغربَّ ،
فإان نصلي
املغرب وننتظر صالة العشاء وحنتسب يف هذا؛ ألن هذا من الرابط ،انتظار
الصالة بعد الصالة؛ بل إنه ِما يباهي به هللا املالئكة.
فإذا صلى العبد صالة مث جلس يف املسجد ينتظر الصالة األخرى؛ فإن
هللا يباهي املالئكة بعباده الذين يفعلون هذا ،كما جاء يف حديث عبد هللا بن
فعقب من َّ
عقب عمر بن العاص أنه قال :صلينا املغرب مع النيب ﷺ َّ
ورجع من رجع ،فأاتان النيب ﷺ وقد حبسه النَّـ َفس؛ فقال :ما أجلسكم؟
قالوا :ننتظر الصالة .فقال :هذا ربكم قد فتح اباب من أبواب السماء يباهي
بكم املالئكة؛ يقول :أنظروا إىل عبادي هؤالء قد قضوا فريضة وهم ينتظرون
أخرى.
كما أنه يرجى ملن فعل هذا أن يكتب له كتاب يف عليني؛ ألن النيب ﷺ
قال :صالة يف إثر صالة ال لغو بينهما كتاب يف عليني؛ فإذا صلى العبد
صالة مث أتبعها بصالة ول يقع بينهما لغو كتب له كتاب يف عليني ،وحنن
نرجو هللا أن يكتب لنا هذا وأن يزيدان من فضله أضعاف أضعاف.
***
فقه املعامالت املالية ()2 | 266
العواصف؛ فعند العال علم وحكمة فال تنجرف يف ابب الشبهات فالبد من
إزالة هذا العائق.
األمر الثالث :أنه يزهدك يف والة أمرك ،وحياول أن ميأل قلبك حقدا
عليهم أو غضبا عليهم من أجل أن تبتعد عنهم ،ألنه يعلم أن ارتباط اإلنسان
بوالة أمره االرتباط الشرعي املبين على األسس الشرعية سبب من أسباب
حفظه حبول هللا وقوته من االجنراف يف ابب الشبهات.
األمر الرابع :أنه يزهدك يف كتب العلماء ويرغبك يف كتب غريهم؛
فيقول :يعين هذه كتب طيبة لكن ثقيلة ،لكن كتاب فالن كتاب طيب وكذا
تقرأه يف ساعة وكذا وكذا وكذا ِمن ليسوا من أهل العلم.
فهذه العالمات يعرف هبا اإلنسان جليس السوء يف هذا الزمان يف ابب
الشبهات؛ فإذا وجد هذا؛ فإنه ال جيالسه ،ينصحه وال جيالسه فإن هذا الباب
من أعظم األبواب.
والشاهد – اي إخوة أان نقول -إن اإلنسان ينبغي أن خيتار من اجللساء
من يقربه إىل اجلنة ،ولن يقرتب إنسان من اجلنة إال ابلسنة اليت هي أقوال
وأفعال النيب ﷺ؛ فيختار من هو أحسن منه ومن عرف ابلسنة وجيالسه
وحيرص على جمالسته؛ حّت يزداد خريا ،حّت طالب العلم ينبغي أن خيتار من
جلسائه من يكون ذا مهة أعلى من مهته حّت يرفع من مهته ويزيد من مهته يف
طلب العلم؛ ففي هذا خري كثري ومصلحة عظيمة.
***
|269 فقه املعامالت املالية ()2
وحنن نتكلم هنا عن ما أصبح يفهم من لفظ التكفري وهو احلكم على
مسلم ابلكفر ،مبعن أن خيرج من دين اإلسالم إىل دين الكفر؛ فأذكر هنا
قواعد انفعة يف هذا الباب إن شاء هللا منها:
-أن األصل يف املسلم اإلسالم ،فمن ثبت له اإلسالم فاألصل فيه
اإلسالم ،من أتى ابلشهادتني؛ فاألصل فيه اإلسالم ،ولذلك يقول العلماء:
"من ثبت إسالمه بيقني ال يرتفع إال بيقني" ،فمن حكمنا له ابإلسالم
فاألصل فيه اإلسالم .والقاعدة الشرعية" :أنه يتمسك ابألصل حّت يثبت
خالفه" ،فالواجب الشرعي أن كل من ثبت له اإلسالم جيب شرعا أن
يتمسك ابحلكم إبسالمه حّت يثبت أنه كافر؛ وهذا األصل مفيد جدا
ِ
وسنبني فائدته يف الكالم.
إذا بلغك أن رجال من املسلمني كافر أو يفعل كفر؛ فإن الواجب عليك
أمور:
-األمر األول :أن تتثبت من أنه قال أو فعل؛ فليس كل ما نقل
صحيحا وال سيما يف هذا الباب فإن النقل يف هذا الباب يغلب عليه
الكذب؛ ألن الغالب أن املعتدين يف التكفري حيكمون ابلكفر مث يسببون،
فيحكمون على احلكام مثال أبهنم كفار مث يبحثون عن أسباب إن وجدوها
وإال اخرتعوها ،والغالب هو االخرتاع؛ فالواجب التثبت من أنه قال أو فعل،
فهنا ال خيلو األمر عند التثبت من ثالثة أمور:
األمر األول :أن يثبت أنه ل يقل أو يفعل.
|271 فقه املعامالت املالية ()2
هي مطلوبة من ويل األمر؛ ألن املطلوب من ويل األمر أن جيتهد يف األصلح
للرعية ،فهذه األحكام ال ختالف شرع هللا فهي مطلوبة من ويل األمر تنظم
حياهتم ،إذن ثبت أنه ليس بكفر انتهينا.
أن يثبت أنه كفر وهذا له قاعدة أخرى.
أن يكون فيه تفصيل ،قيل :فالن كافر ألنه لبس الصليب ،هنا لبس
الصليب ليس كفرا على إطالقه وإمنا يكون كفرا إذا لبس على سبيل التعظيم
والتقدير ،أما إذا لبس لغري هذا فليس بكفر ،وإن كان منهيا عنه .يعين
أظنكم صغار يف السن لكن كان قبل زمن فيه ساعة سويسرية هي أشهر
الساعات املوجودة يف داخلها صليب ،العوام يسموهنا ساعة أم صليب ،وكان
الرجل يوصي يقول :هات يل الساعة أم صليب ألهنا أجود أنواع الساعات،
ويلبسوهنا ما يقصدون لبس الصليب وال يقصدون تعظيم الصليب يريدون
هذه الساعة األصلية ،هذا ليس بكفر.
إنسان يلبس قميص لنادي من األندية ،وهذا النادي يف شعاره صليب
هو ما لبس الصليب تعظيما للصليب هو لبس هذا القميص؛ حنن ننهاه؛
لكنه ليس كفرا.
مث ليس كل ما قال الناس إنه صليب كان صليبا ،فكثري من النقوش اآلن
مثل هذه النقوش اليت يف املسجد لو أردت أن تدقق حّت تتخيل ستجد
صلباان؛ ولذلك الشيخ ابن عثيمني -رمحه هللا -مرة قيل له مثل هذا فقال:
|273 فقه املعامالت املالية ()2
وهذا ابب كبري جدا لكن لالختصار فقط أريد أن أوصل القواعد؛ فإن
اجتمعت الشروط وانتفت املوانع يف الظاهر ،طبعا هنا ال خيلو احلال من
ثالث أحوال:
احلالة األوىل :أن ال جتتمع الشروط أو يوجد مانع ،وهنا يندفع
التكفري.
احلالة الثانية :أن جتتمع الشروط وتنتفي املوانع يف الظاهر ،وهذا له
وجه سنتكلم عنه.
احلالة الثالثة :أن ال يتضح لنا األمر؛ فإذا ل يتضح األمر أعدانه إىل
النفي ألن األصل اإلسالم.
فإن اجتمعت الشروط وانتفت املوانع يف الظواهر هل نبادر ابلتكفري؟ ال؛
القاعدة أنه يعاد احلكم إىل أهله؛ ل يكلفك هللا ابلتكفري ،واملوفق يفرح إذا
سلم من العهدة؛ ما يدخل نفسه يف املضايق اليت ل ي َكلف هبا! وهللا
ُ َ َ ٓ َ ُ ۡ َ ۡ َ ۡ َ ۡ َ َۡ ۡ َ َ
يقول يف شأن املنافقنيِ﴿ :إَوذا جاءهم أمر مِن ٱۡلم ِن أوِ ٱۡلو ِف أذاعوا بِهِۦ
َۡ
ٱۡل ۡمر م ِۡن ُه ۡم لَ َعل َِم ُه ذٱَّل َ َ ُ
ِين ي َ ۡس َتۢنب ُطونَهۥُ ِل و أ َٰٓ
ِإَول ل و س َول َ ۡو َر ُّدوهُ إ َل ذ
ٱلر ُ
ِ ِ ِ ِ ِ
م ِۡن ُه ۡم﴾ [النساء]83:؛ وما يوجد أعلى من احلكم على مسلم ابلتكفري!
فشأن املنافق ومن تشبه هبم أن يبادر إىل مثل هذه األمور ويتوالها بنفسه
وليس من أهلها ،وشأن أهل اإلميان أن يقولوا :سبحانك ما كان لنا أن
حنكم هبذا يردونه إىل أهله ،إىل السنة وعلماء السنة؛ وهذا فائدة قول هللا
َ وه إ َل ذ
َ َ ۡ َ ُّ ُ
ٱلر ُسو ِل﴾ أي يف حياته وإىل سنَّته بعد ِماته ﴿ َٰٓ
ِإَول تعاىل﴿ :ولو رد ِ
|275 فقه املعامالت املالية ()2
َۡ ُ
أو ِِل ٱۡل ۡم ِر م ِۡن ُه ۡم﴾ يعين إىل العلماء ابلسنة؛ ما يذهب إىل أهل البدع -منهم
من ال ي َك ِفر مطلقا حّت من ثبت عليه التكفري ،ومنهم من ي َك ِفر كل من
يبغض -يذهب إىل أهل السنة؛ أهل العدل واإلنصاف ،مث ال يتكلم فيه كل
واحد من علماء السنة ﴿ لَ َعل َِم ُه ذٱَّل َ
ِين ي َ ۡس َتۢنب ِ ُطونَ ُهۥ م ِۡن ُه ۡم﴾ أهل البصرية
واالستنباط هم الذين حيكمون.
طيب هنا إما أن نعرف حكم أهل العلم ،وإما أن ال نعرف حكم أهل
العلم ،وإما أن نعرف أهنم نفوا احلكم؛ يعين إما أن نعرف حكمهم ابلتكفري،
وإما أن نعرف حكمهم بعدم التكفري ،وإما أن ال نعلم.
فإن علمنا حكمهم ابلتكفري؛ فهذا له شأن ،وإن علمنا حكمهم بنفي
التكفري انتفى التكفري؛ فإذا ل نعلم فاألصل اإلسالم؛ فإن علمنا حكمهم
املعني ،ألن العلماء حكموا بكفره -أهل السنة -لكن
ابلتكفري؛ اعتقدان كفر َّ
ال يلزمنا أن نتكلم إال إذا وجدت املصلحة الشرعية ،فاالعتقاد مبين على
احلكم والقول مبين على املصلحة.
أال ترون أن النيب ﷺ علم ابملنافقني أبعياهنم وهم أضر على املسلمني
من الكفار الصرحاء ومع ذلك ل خيرب أحدا أبمسائهم إال حذيفة ،مع أننا
جنزم أن النيب ﷺ كان يعتقد أهنم منافقون ،وأهنم يف الدرك األسفل من النار،
لكن املصلحة الشرعية اقتضت أن ال خيرب أبمسائهم وأخرب حذيفة ؛
وحذيفة ل خيرب أحدا ،حّت األثر الذي ورد فيه أن عمر كان يقول
حلذيفة :هل أان منهم؟ فلم خيربه فلما أحلَّ عليه؛ قال :ال ،لست منهم ولن
فقه املعامالت املالية ()2 | 276
أخرب أحدا بعدك ،األثر ضعيف ،مث ليس فيه أنه أخربه أبمساء أحد لكنه
نفى عن عمر .
إذن مثل هذا الكالم ينظر فيه إىل املصلحة الشرعية بعد كل هذا؛ ولو
أن الناس عملوا هبذه األصول السلفية َّ
احلقة اليت دلت عليها السنة؛ لسلموا
من هذه األخطار اليت تضرب يف أقطار األرض؛ وحنن دائما نقول السلفية
أمان لإلنسان نفسه ،أمان للمجتمع ،أمان للرعية ،أمان للراعي؛ ال تتحقق
مصلحة اجلميع حتقيقا صحيحا إال يف السلفية؛ وهللا ،ما من منهج خيرج عن
منهج السلف الصاحل -رضوان هللا عليهم -إال مع كونه ضالال؛ تنخرم فيه
املصلحة ولو من وجه من الوجوه.
فهذا هو الباب الذي يضبط لنا مسألة التكفري؛ ال ينفى التكفري مطلقا
وال يثبت مطلقا؛ وإمنا يثبت ابألصول الشرعية وفق ما دلت عليه األدلة.
مث أنبِه إىل تنبيه -وإن كنَّا أطلنا لكن ال أبس -اي إخوة املسلم املؤمن
املوفق يفرح إبسالم الناس وال بكفر الناس؟ إبسالم الناس! يفرح إذا علم أن
أحدا دخل يف اإلسالم ،يفرح إذا ثبت أن فالان من املسلمني ل يكفر ،لكن
الذي ميتلئ قلبه ابهلوى ينعكس عليه األمر؛ فإذا جئت إىل حاكم وقلت هذا
احلاكم مسلم ألن مقتضى األصول الشرعية أن حيكم إبسالمه ،يسود وجهه
ويغضب وينفر ويلقي عليك من التهم ما ال يلقى على الكفار األصليني،
وهذا ضد الفطرة ،وضد األصل يف املسلمني لكن اهلوى يعمي ويصم.
|277 فقه املعامالت املالية ()2
سؤال :يقول -ابرك هللا فيكم -ما تفضلتم به ..من الضوابط املتعلقة
ابلتكفري .هل هذه الضوابط تنسحب على ما يتعلق ابلتبديع أيضا؟
-اجلواب:
التبديع نوعان:
-بدع مكفرة :وهذه حكمها حكم التكفري؛ ألن القول هبا تكفري.
-وبدع غري مكفرة :وهذه فيها تفاصيل طويلة ال يكفيها هذا الوقت وأان
أرى أن احلاجة ماسة إىل حماضرة تتعلق هبا؛ ألن الناس فيها ما بني متساهل
جدا وما بني متشدد جدا ،واحلق وسط بني الطرفني على تفصيالت ينبغي
طرحها...
***
فقه املعامالت املالية ()2 | 278
ومن شك ِر هللا على هذه النعمة أن حنرص على االجتماع عليها وعدم
التفرق وأن حنرص أميَّا حرص على أن جتتمع كلمتنا على السنة ابلسنة ،وأن
نبتعد عن كل ما يفرق الصف ونعاجل األمور معاجلة صحيحة.
وقد زران العالمة اإلمام الشيخ صاحل الفوزان -حفظه هللا -قبل فرتة
ليست طويلة ،قريبة ،واستشرانه أو طلبنا منه نصحه فيما قد يقع بني أهل
السنة من تنازع أو أمر فيه اختالف؛ فقال الشيخ -حفظه هللا :-ما يقع بني
أهل السنة واجلماعة؛ ما ميكن أن يدفن فعليهم أن يدفنوه ،وما ال ميكن أن
يدفن فعليهم أن يعاجلوه ابلطريق الشرعي املناسب الذي ال يفرح أهل البدع
فيهم ،فما قد يقع بيننا حنن طالب العلم من أمور:
فإذا كانت شخصية فإان ندفنها ونتواصل ونتحاب ،ومن ذلك أن
اإلنسان ال يسمح ألحد أن ينقل له عن إخوانه شيئا من الكالم فيه حرصا
على ائتالف القلوب ،وإذا تكلم فيك أخوك يف حقك الشخصي؛ تسقط
هذا وال تلتفت إليه وتتواصل معه وتتآلف معه ،ألن مصلحة االجتماع أعظم
من مصلحة االنتصار للنفس ،وصفة متسك الرجل ابلسنة غالية عالية،
تستحق أن اإلنسان يتنازل عن حقوقه الشخصية من أجلها.
وإن كان األمر ِما فيه خالف علمي ،فإنه جيب أن يعاجل ولكن ابلطريق
الشرعي الصحيح الذي ال يولد املفاسد املخوفة ،وجتتمع به الكلمة ويعاجل به
َ
األمر ،فإذا ل يكن ذلك كذلك؛ فيكون لألمر موقفه الشرعي حبسب ما
يقتضيه الشرع ،ولذلك حنن نعرف مشاخينا أن الواحد منهم يعرف على
فقه املعامالت املالية ()2 | 280
طالب علم عرف ابلسنة أمورا فيناصحه وأيمره ويبني له ولكنه يصرب عليه فرتة
يناصحه فيها لعله أن يرجع ،فإذا رجع محد هللا على هذا ،وإذا ل يرجع فهذا
له شأن آخر؛ فمن ند عن الصف فهذا أمر آخر.
فالشاهد -اي إخوة -احلرص على التآلف على السنة ابلسنة من األصول
الشرعية العظيمة ،ومن ذلك اي إخوة أن الواحد ال حيرص على أن يكون
َّنقاال للكالم بغري تثبت وبغري مصلحة ،فبعض الناس الطيِبني أيتيهم الشيطان
ويصور هلم بعض األمور على أهنا من اخلري واالنتصار للسنة؛ فقد يذهب يف
درس فيسمع شيئا فقد يكون فهمه على وجه فينقله وحيدث به مفسدة؛ بل
الذي ينبغي ِ
التأين والتثبت؛ أعين من الناقل ،يف أن هذا الكالم قيل ،ويف
فهمه هلذا الكالم ،وأن يعرض ذلك على عال انصح يبني له قبل أن ينقله،
فإن كان الشرع يقتضي نقله بعد ثبوته؛ نقله ،وإن كان الشرع يقتضي َدفْنه؛
َدفَـنَه ،هكذا ينبغي أن نكون حرصا على السنة وعلى االئتالف على السنة.
ومن شكر هللا على نعمة حمبة السنة ،أن حنرص على طلب العلم على
أهل السنة ،وأن حنرص على حضور اجملالس ،وأن نكثِر سواد أهل السنة ،وأن
نفرح فرحا شديدا بكثرة دعاهتا ،وإذا وجدان درسا لعال أو شيخ أو طالب
علم من أهل السنة؛ حرصنا على تكثري سواد هذا الدرس من أجل االنتفاع
واالستفادة ،ومن أجل إظهار مكانة أهل السنة ونفع أهل السنة ،فهذا من
األمور العظيمة.
|281 فقه املعامالت املالية ()2
فأعود وأقول اي إخوة وهللا! وهللا! ما نراها اآلن من ابتعاد كثري من الناس
عن السنة كما نراه يف الساحة ونراه يف وسائل اإلعالم احلديثة إن هذا جيعلنا
نزداد متسكا ابلسنة ،واستشعارا بنعمة هللا العظمى علينا أن هداان هلذا وما كنا
وحَرَم من ذلك أانسا كثريين ،فهذه نعمة من هللا، لنهتدي لوال أن هداان هللاَ ،
فنحرص على احلفاظ عليها بقدر ما نستطيع.
أسأل هللا أبمسائه احلسن وصفاته العلى أن جيعلنا مفاتيح للخري
مغاليق للشر وأن يكتب لنا األجر وأن يكفينا واملسلمني شر الفنت وأهلها
شر الفنت ما ظهروأن يعيذ هذا البلد– بلد اإلمارات -وبالد املسلمني من ِ
منها وما بطن وأن يزيد اخلري يف بالد املسلمني ويكفيهم الشر ،وهللا تعاىل
أعلى وأعلم وصلى هللا على نبينا وسلم.
***
فقه املعامالت املالية ()2 | 282
أيها اإلخوة بفرح املؤمن إذا ضيِف يف اجلنة عند دخوهلا بزايدة كبد احلوت ،مث
بلحم ثور اجلنة الذي يذبح ضيافة ألهل اجلنة ،مث شرب على هذا اللحم من
عني من اجلنة تسمى سلسبيال ،ما ابلنا أيها اإلخوة بفرح املؤمن إذا أويت
ابملوت على هيئة كبش ونودي اي أهل اجلنة فينظرون فيقال :هل تعرفون
هذا؟ فيقولون :نعم املوت ،فيذبح ويقال اي أهل اجلنة خلود فال موت ،ما
ابلنا أيها اإلخوة بفرح املؤمن إذا رأى نعيم اجلنة وتقلب فيه وأقل الناس نعيما
ك َملَك من يف اجلنة رجل يقول هللا له :أترضى أن يكون لك مثل م ْل ِ
ملوك الدنيا ؟ فيقول :رضيت ريب ،فيقول هللا له :لك ذلك ومثله ،ومثله،
ومثله ،ومثله ،ومثله فيقول يف اخلامسة رضيت ريب ،فيقول هللا له :لك
ذلك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت نفسك ،ولذة عينك ،فله أقل الناس
نعيما يف اجلنة َمن نعيمه مثل نعيم مخسني ملكا من ملوك الدنيا املرفَّهني
وفوق هذا له ما لذة عينه واشتهت نفسه ،ما ابلكم أيها اإلخوة بفرح املؤمن
إذا كشف احلجاب ورأى هللا فتنعم النعيم الذي ال مزيد عليه.
هذه األفراح أيها اإلخوة إمنا تكون لعباد هللا املتقني ،ليست ابلدعاوى،
وإمنا بصالح القلوب وصالح األعمال وحسن األخالق أبن نصلح قلوبنا
وَنلص لربنا وجنعل قلوبنا سليمة ،وأن نتمسك ابلتوحيد والسنة والعمل
الصاحل ،وأن نصرب على طاعة هللا ونصرب عن معصية هللا وما أحوجنا إىل هذا
الصرب يف هذا الزمان الذي تزخرفت فيه الشهوات وتزخرفت فيه املعاصي ،ما
نصرب أنفسنا وألن نتواصى ابلصرب عن معصية هللا وابلصرب أحوجنا ألن ِ
على أقدار هللا ،وحنن طالب العلم أحوج الناس ألن ينصح بعضنا بعضا
فقه املعامالت املالية ()2 | 284
ألان قدوة وإذا ظهر الصالحيصرب بعضنا بعضا وأن يرشد بعضنا بعضا َّ وأن ِ
علينا فإنه يرجى أن يظهر الصالح يف البلد ويكون الناس على خري ،فوصييت
-اي إخوة -أن ال نغرت ابلدنيا ،وأن ال نغرت ابمللذات بل نتذكر ونتفكر يف
تلك األفراح اليت يلقاها املؤمن عند احتضاره إىل أن يستقر يف اجلنة ويرى هللا
،فعلينا أحبيت أن ال ننبهر أبمور الدنيا وأن نعلم أن يف الدنيا جنة ال
يدخل جنة اآلخرة من ل يدخلها ،وهذه اجلنة اليت يف الدنيا هي جنة الطاعة
هي جنة طاعة هللا وطاعة رسول هللا ﷺ وطاعة من أمران هللا بطاعته ،هي
جنة القربة إىل هللا ،فوصييت لنفسي وإخواين أن جنتهد ما استطعنا يف طاعة
هللا ،ومن أمجل الكالم ما قاله بعضهم من" :أن من جعل أايم حياته
كأايم رمضان جعل هللا له آخرته كاألعياد" ،من اجتهد يف طاعة هللا كما
جيتهد الناس يف طاعة هللا يف رمضان فإن هللا جيعل آخرته له عيدا كعيد الناس
بعد رمضان ،فالوصية أيها اإلخوة أن نتقي هللا وأن نعلم أن الدنيا كلها
قليل ،وأن الباقي منها قليل ،وأن الذي لنا منها قليل ،وهللا أعلم كم بقي من
القليل ،وأن األفراح واللذات احلقيقية هي القادمة إذا أطعنا هللا فحققنا
التوحيد وأحببنا السنة ونصرانها ومتثلناها واجتهدان يف طاعة هللا ما
استطعنا.
***
|285 فقه املعامالت املالية ()2
احملتوايت:
كلمة الدائرة 3 ................................................................
مقدمة فضيلة الشيخ سليمان الرحيلي 5 .........................................
الدرس األول9 ............................................................. :
العنصر األول :تعريف الراب 13 ..................................................
العنصر الثاين :هل الراب بيع؟15 ................................................
العنصر الثالث :نظرة يف آايت الراب16 .......................................... .
القاعدة األوىل :الراب من جهة ما يقع فيه ثالثة أقسام33 .........................:
الراب يكون يف الديون ويكون يف البيوع ،والفرق بني القسمني 34 ....................
الديْن يدخل مجيع األموال أمور36 ...........................:
ِما يدل على أن راب َ
القسم األول :راب الديون 38 ....................................................
راب الديون ثالثة أقسام38 ..................................................... :
الدرس الثاين 40 ..............................................................
الديْن الثابت يف الذمة 41 ....................
الكالم على راب القرض وراب الزايدة يف َ
الديْن الثابت يف الذمة ،من وجهني41 ........ :
الفرق بني راب القرض ،وراب الزايدة يف َ
الوجه األول :من جهة السبب41 ...............................................
الوجه الثاين :من جهة وقت حصول الزايدة42 .................................. .
أما القسم الثالث من راب الديون :ضع وتعجل49 ................................ .
القسم الثالث :راب الشفاعة 55 ..................................................
اإلجابة على األسئلة66 ...................................................... :
الدرس الثالث85 ............................................................:
القاعدة الثانية :الراب من حيث حقيقته قسمان :فضل ونسيئة88 ...................
فقه املعامالت املالية ()2 | 286
القاعدة السابعة :ال جيوز بيع األمثان أو املطعومات املكيلة أو املوزونة جبنسها إال مثال
مبثل133 ................................................................... .
اإلجابة على األسئلة140 .................................................... :
الدرس اخلامس154 ..........................................................
املنفعة املشرتكة عند اجملوزين هلا ،هلا ضابطان مهمان155 .........................:
القاعدة الثامنة :ال جيوز بيع مكيل من املطعومات بشي من جنسه وزان وال بيع موزون
من األمثان واملطعومات كيال159 .............................................. .
القاعدة التاسعة :ال جيوز بيع مبيع أصله مكيل مبثله جزافا أو بيعه جزافا مبثله مكيال
أو موزوان160 ................................................................
القاعدة العاشرة :إن اختلف اجلنسان جاز البيع متفاضال يدا بيد164 ............ .
القاعدة احلادية عشر :ال جيوز بيع َرطْب من ال َـمطْعومات بيابس من جنسه166 ....
مسألة بيع املزابنة 167 .........................................................
القاعدة الثانية عشر :ال جيوز بيع خالص ِ
الربـَ َوي مبشوب من جنسه169 ...........
القاعدة الثالثة عشر :ال جيوز بيع نـَي ِء الربوي مبطبوخ من جنسه173 ..............
القاعدة الرابعة عشر :اجلَهل ابلتماثل كالعِْل ِم ابلتفاضل174 ..................... .
الدرس السرادس176 .........................................................
قاعدة يف العرااي 176 ..........................................................
هل العرااي تدخل غري التمر؟181 ...............................................
القاعدة السابعة عشر :وَنتم هبا القواعد ،قاعدة تقول :الراب موضوع182 ......... .
كيف يضع الراب؟! 184 .......................................................
اإلجابة على األسئلة 192 .....................................................
ملح :األسئلة العامة والصااي العلمية 213 ......................................
فقه املعامالت املالية ()2 | 288
***
|289 فقه املعامالت املالية ()2
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
......................................................................................................................... ..........................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
فقه املعامالت املالية ()2 | 290
.................................................................................................................................... ...............
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
............................................................................................................................................ .......
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
............................................................................................................................... ....................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
|291 فقه املعامالت املالية ()2
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
.................................................................................................................................................. .
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
.................................................................................................................................... ...............
فقه املعامالت املالية ()2 | 292
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
......................................................................................................................... ..........................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
|293 فقه املعامالت املالية ()2
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
............................................................................................................................................ .......
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
...................................................................................................................................................
فقه املعامالت املالية ()2 | 294