You are on page 1of 294

‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪|2‬‬

‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬


‫دورة علمية ألقاها‪:‬‬

‫فضيلة الشيخ األستاذ الدكتور سليمان الرحيلي‬


‫أستاذ كرسي الفتوى ابجلامعة اإلسالمية‬
‫واملدرس ابملسجد النبوي‬
‫ابملدينة املنورة‬

‫وذلك يف مدينة الشارقة ‪ -‬جبامع السلف الصاحل‬


‫|‪3‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫كلمة الدائرة‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف األنبياء‬
‫واملرسلني‪ ،‬نبينا حممد وعلى آله وصحبه أمجعني‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فانطالقا من رسالة دائرة الشؤون اإلسالمية‪ ،‬وحتقيق غاايهتا يف نشر‬
‫األحكام الشرعية‪ ،‬وتشجيع البحث العلمي يف العلوم الشرعية‪،‬‬
‫تسعد بتقدمي هذا‬
‫واحلفاظ على اإلرث اإلسالمي األصيل‪ ،‬فإهنا َ‬
‫اإلصدار العلمي املوسوم بـ‪:‬‬
‫”فقه املعامالت املالية“‬
‫والذي يهدف إىل تقريب أحكام املعامالت املالية الشرعية من‬
‫خالل القواعد الفقهية والضوابط العلمية‪ ،‬اليت تضبط ِ‬
‫للعال واملفيت‬
‫حكمه على املسائل املالية خصوصا املستجدة منها‪.‬‬
‫وطالب العلم َ‬
‫وهذه املادة العلمية؛ كانت يف أصلها دورة علمية أقامتها الدائرة‬
‫لطالب العلم واجلمهور‪ ،‬ألقاها فضيلة الشيخ الدكتور سليمان‬
‫الرحيلي –أستاذ كرسي الفتوى ابجلامعة اإلسالمية‪ ،‬واملدرس ابملسجد‬
‫النبوي يف املدينة املنورة‪ -‬فنسأل هللا تعاىل أن ينفع هبذا اإلصدار‪ ،‬وأن‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪|4‬‬

‫جيزي والة أمران خريا على ما يقدمونه خلدمة اإلسالم‪ ،‬ونشر تعاليمه‬
‫السمحة‪ ،‬كما نسأله تعاىل أن حيفظ لدولة اإلمارات العربية املتحدة‬
‫أمنها‪ ،‬وأن يدمي عليها استقرارها‪ ،‬واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬
‫قسم الوعظ‬

‫***‬
‫|‪5‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫مقدمة فضيلة الشيخ سليمان الرحيلي‬


‫إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ ابهلل من شرور‬
‫أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده هللا فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل‬
‫فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن‬
‫حممدا عبده ورسوله‪.‬‬
‫وت ذن إ ذل َوأَنتمُ‬ ‫ََ َُ ُ‬ ‫ذَ َ ذ َُ‬ ‫َ َٰٓ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ذ ُ‬
‫ِ‬ ‫﴿يأيها ٱَّلِين ءامنوا ٱتقوا ٱّلل حق تقاتِهِۦ ول تم‬
‫ُّ ۡ ُ َ‬
‫ون﴾(‪.)1‬‬ ‫مسل ِم‬
‫كم مِن ذن ۡفس َوَٰحِدةَ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫َ َ ُّ َ ذ ُ ذ ُ َ ذ ُ ُ ذ‬
‫يأيها ٱنلاس ٱتقوا ربكم ٱَّلِي خلق‬ ‫﴿ َٰٓ‬
‫ذَ ذ‬ ‫ٓ ذُ‬ ‫ث م ِۡن ُه َما ر َجا ٗل َكث ِ ٗ‬
‫َ َ ََ َۡ َۡ َ َ ََ ذ‬
‫ّلل ٱَّلِي‬ ‫يا َون َِسا ٗء َوٱتقوا ٱ‬ ‫ِ‬ ‫وخلق مِنها زوجها وب‬
‫َ ۡ ۡ َ َ ذ ذ َ َ َ َ َ ۡ ُ ۡ َ ٗ (‪)2‬‬
‫َ‬ ‫ََ َُٓ َ‬
‫ون بِهِۦ وٱۡلرحام إِن ٱّلل َكن عليكم رقِيبا﴾ ‪.‬‬ ‫تساءل‬
‫ِيدا ‪ ٧٠‬يُ ۡصل ِحۡ‬ ‫ذَ َُ ُ َۡٗ َ ٗ‬ ‫َ َٰٓ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ذ ُ‬
‫﴿يأيها ٱَّلِين ءامنوا ٱتقوا ٱّلل وقولوا قول سد‬
‫ٱّلل َو َر ُس َ ُ‬
‫وَلۥ َف َقدۡ‬ ‫ك ۡم َو َمن يُ ِطعِ ذ َ‬‫َ ُ ۡ َ ۡ َ َٰ َ ُ ۡ َ َ ۡ ۡ َ ُ ۡ ُ ُ َ ُ‬
‫لكم أعملكم ويغفِر لكم ذنوب‬
‫يما ‪ ،)3(﴾٧١‬أما بعد‪:‬‬ ‫از فَ ۡو ًزا َع ِظ ً‬
‫فَ َ‬

‫(‪ )1‬آل عمران‪.102 :‬‬


‫(‪ )2‬النساء‪.1 :‬‬
‫(‪ )3‬األحزاب‪.70-69 :‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪|6‬‬

‫فإن أحسن احلديث كتاب هللا‪ ،‬وخري اهلدي هدي حممد ‪ ،‬وشر‬
‫األمور حمداثهتا‪ ،‬وكل حمدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضاللة‪ ،‬وكل ضاللة يف‬
‫النار‪.‬‬
‫وبعد فإن ديننا اإلسالمي‪ ،‬شامل كامل‪ ،‬دلنا على اخلري كله‪،‬‬
‫وحذران من الشر كله‪ ،‬ولو تَـ َعلم املسلمون دينهم وعملوا به؛ لعاشوا‬
‫حياة طيبة كرمية‪ ،‬وإن املسلمني اليوم حباجة عظيمة لتعليمهم‬
‫وتذكريهم‪ ،‬وال سيما يف ابب املال الذي تتعلق به النفوس كثريا‪،‬‬
‫وتكثر طرق احلرام فيه يف حياتنا املعاصرة‪ ،‬ويقل تَـ َعلم الناس ألحكامه‪،‬‬
‫ومن هنا رأت دائرة الشؤون اإلسالمية ابلشارقة‪ ،‬وعلى رأسها الشيخ‬
‫صقر بن حممد القامسي –رئيس دائرة الشؤون اإلسالمية ابلشارقة‪-‬‬
‫وفقه هللا؛ أن تقيم دورات علمية عن املعامالت املالية املعاصرة‪ ،‬وقد‬
‫رأينا أن نقسم هذه الدورات إىل ثالث دورات‪:‬‬

‫أوهلا‪ :‬يف األصول والقواعد اليت تقوم عليها املعامالت املالية عموما‬
‫واملعاصرة خصوصا‪.‬‬
‫|‪7‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫واثنيها‪ :‬يف بيان وتفصيل أصل املعامالت احملرمة من املعامالت‬


‫املالية املعاصرة وهو الراب‪.‬‬

‫واثلثها‪ :‬يف بسط أهم مسائل املعامالت املالية املعاصرة‪.‬‬

‫وقد فرغنا حبمد هللا من القسمني األول والثاين‪ ،‬وحنن على أعتاب‬
‫الدورة الثالثة‪ ،‬وحلرص رئيس دائرة الشؤون اإلسالمية ‪-‬وفقه هللا‪ -‬على‬
‫ما ينفع املسلمني؛ فقد وجه بتفريغ املادة الصوتية وطباعتها‪ ،‬وها هي‬
‫بني يدي القراء‪ ،‬فأسأل هللا أن يزيده خريا وبركة‪ ،‬وجيعلين وإايه والقراء‬
‫مفاتيح للخري مغاليق للشر‪ ،‬وصلى هللا على نبينا وسلم‪.‬‬

‫***‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪|8‬‬
‫|‪9‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫الدرس األول‪:‬‬
‫إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ ابهلل من شرور أنفسنا‬
‫ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهد هللا فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪،‬‬
‫وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن حممدا عبده ورسوله‪.‬‬
‫وت ذن إ ذل َوأ َ ُ‬
‫ََ َُ ُ‬ ‫ذَ َ ذ َُ‬ ‫َ َٰٓ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ذ ُ‬
‫نتم‬ ‫ِ‬ ‫م‬‫ت‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ۦ‬‫ِ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ت‬‫ا‬ ‫ق‬‫ت‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ٱّلل‬ ‫وا‬ ‫ق‬ ‫﴿يأيها ٱَّلِين ءامنوا ٱت‬
‫َ‬
‫ُّم ۡسل ُِمون﴾ [آل عمران‪.]102 :‬‬
‫كم مِن ذن ۡفس َوَٰح َِدة َو َخلَقَ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫َ َ ُّ َ ذ ُ ذ ُ َ ذ ُ ُ ذ‬
‫يأيها ٱنلاس ٱتقوا ربكم ٱَّلِي خلق‬ ‫﴿ َٰٓ‬
‫َ ٓ ُ َ‬ ‫ذَ ذ‬ ‫ٓ ذُ‬ ‫ث م ِۡن ُه َما ر َجا ٗل َكث ِ ٗ‬ ‫َۡ َۡ َ َ ََ ذ‬
‫ّلل ٱَّلِي ت َسا َءلون بِهِۦ‬ ‫يا َون َِسا ٗء َوٱتقوا ٱ‬ ‫ِ‬ ‫مِنها زوجها وب‬
‫ٗ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ ۡ َۡ َ َ ذ ذَ َ َ َ َۡ ُ‬
‫وٱۡلرحام إِن ٱّلل َكن عليكم رقِيبا﴾ [النساء‪.]1:‬‬
‫َ َ‬
‫َ ُ‬ ‫ٗ‬ ‫ذَ ُ ُ َ ٗ‬
‫ٱّلل َوقولوا ق ۡول َسدِيدا ‪ ٧٠‬يُ ۡصل ِۡح لك ۡم‬
‫ذُ‬ ‫يأ ُّي َها ذٱَّل َ‬
‫ِين َء َام ُنوا ٱتقوا‬ ‫﴿ َٰٓ‬
‫ذ َ َ َ ُ َُ َ َ ۡ َ َ َ‬ ‫َ ۡ َ َٰ َ ُ ۡ َ َ ۡ ۡ َ ُ ۡ ُ ُ َ ُ‬
‫از ف ۡو ًزا‬ ‫وبك ۡم َو َمن يُ ِطعِ ٱّلل ورسوَلۥ فقد ف‬ ‫أعملكم ويغ ِفر لكم ذن‬
‫َع ِظ ً‬
‫يما﴾ [األحزاب‪.]71:‬‬

‫أما بعد‪ ،‬فإن أحسن احلديث كتاب هللا‪ ،‬وخري اهلدي هدي حممد ﷺ‪،‬‬
‫وشر األمور حمداثهتا‪ ،‬وكل حمدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضاللة‪ ،‬وكل ضاللة يف‬
‫النار‪.‬‬
‫مث إنين أشكر هللا ‪ ‬أوال وآخرا‪ ،‬وظاهرا وابطنا‪ ،‬على نعمه اليت ال تعد‬
‫وال حتصى‪ ،‬وأعظمها أن هداان لإلسالم‪ ،‬وجعلنا من أهل التوحيد والسنة‪،‬‬
‫وأكرمنا أبن نلتقي على مائدة طلب العلم‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 10‬‬

‫مث أشكر حكومة الشارقة على عنايتها ببث اخلري‪ ،‬وبث العلم‪ ،‬وأخص‬
‫ابلشكر دائرة الشؤون اإلسالمية‪ ،‬وأسأل هللا ‪ ‬أن يهديين وإايهم سواء‬
‫السبيل‪ ،‬وجيعلين وإايهم والسامعني مفاتيح للخري‪ ،‬مغاليق للشر‪.‬‬
‫ال شك أيها اإلخوة‪ ،‬أن سعادة اإلنسان وطمأنينة قلبه وأمنه؛ إمنا هي‬
‫يف طاعة هللا ‪ ،‬طاعة هللا أساس كل خري‪ ،‬ورأسها‪ :‬حتقيق التوحيد‪ ،‬والعمل‬
‫بسنة سيد العبيد ﷺ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َۡ‬ ‫ُ ۡ ُ َ َ َ‬ ‫﴿ ذٱَّل َ‬
‫ِين َء َام ُنوا َول َ ۡم يَ ۡلب ُس ٓوا إ َ‬
‫يم َٰ َن ُهم بِظلم أو َٰٓلئِك ل ُه ُم ٱۡل ۡم ُن َوهم‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّ ۡ َ ُ َ‬
‫ون ‪ [ ﴾٨٢‬األنعام‪.]82 :‬‬ ‫مهتد‬
‫َ َ ُ ۡ َ ذ ُ َ َ َٰ ٗ َ َ ٗ‬ ‫َ َ َ ۡ ُ َ َٰ َ ُ َ ُ ۡ‬ ‫َ َ َ‬
‫﴿ َم ۡن ع ِمل صَٰل ِٗحا مِن ذكر أو أنث وهو مؤمِن فلنحيِينهۥ حيوة طيِبة‬
‫َََ ۡ َذُ ۡ َ ۡ َ ُ َ ۡ َ َ َ ُ َ ۡ َ ُ َ‬
‫ونلج ِزينهم أجرهم بِأحس ِن ما َكنوا يعملون ‪[ ﴾٩٧‬النحل‪.]97:‬‬
‫وأعظم الطاعات؛ الفرائض‪ ،‬ورأسها؛ التوحيد‪ ،‬مث التقرب ابلنوافل‪ ،‬كما‬
‫ب إِ ََّ‬
‫ىل‬ ‫قال هللا ‪ ‬يف احلديث الذي رواه النيب ﷺ عن ربه ‪َ  :‬وَما تَـ َقَّر َ‬
‫ب إِ َ ِ‬
‫ضت َعلَْي ِه‪َ ،‬وَما يَـَزال َعْب ِدى يَـتَـ َقَّرب إِ ََّ‬
‫ىل‬ ‫ىل ِمَّا افْـتَـَر ْ‬
‫َح َّ َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫َعْبدى ب َش ْىء أ َ‬
‫صَره الَّ ِذى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َحبَـْبـته كْنت مسَْ َعه الَّذى يَ ْس َمع بِه‪َ ،‬وبَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِابلنـ ََّواف ِل َح َّّت أحبَّه‪ ،‬فَِإ َذا أ ْ‬
‫صر بِِه‪َ ،‬ويَ َده الَِّّت يَـْبطش ِهبَا َوِر ْجلَه الَِّّت ميَْ ِشى ِهبَا‪َ ،‬وإِ ْن َسأَلَِن أل ْع ِطيَـنَّه‪،‬‬ ‫يـب ِ‬
‫ْ‬
‫افل ‪-‬إن ل يكن أعالها‪ -‬طلب‬ ‫استَـ َعاذَِن أل ِعي َذنَّه‪ ،)1(‬ومن أعال النو ِ‬ ‫َولَئ ِن ْ‬
‫ِ‬
‫العلم‪ ،‬فطلب العلم من األسباب اليت تؤدي إىل حمبة هللا سبحانه وتعاىل‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري‪.‬‬


‫|‪11‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫للعبد‪ ،‬وهذا هو الشأن العظيم‪ ،‬فكما يقول العلماء‪ :‬ليس الشأن أن ِحتب؛‬
‫لكن الشأن أن حتَب‪.‬‬
‫فمن األمور العظيمة اليت تؤدي إىل أن حيب هللا عبده؛ طلب العلم‪ ،‬وقد‬
‫ذهب مجع من أهل العلم إىل أن أعظم النوافل طلب العلم فيما ليس فرضا‪.‬‬
‫وطلب العلم فيما هو فرض؛ أعين‪ :‬طلب العلم الذي هو فريضة؛ هو من‬
‫الفرائض‪ ،‬لكن ما زاد على هذا فهو رأس النوافل عند مجع من أهل العلم‪،‬‬
‫ألن النيب ﷺ قال‪ :‬فضل العلم خري من فضل العبادة‪ ،)1(‬يعين‪ :‬أن الزايدة‬
‫يف العلم؛ خري من الزايدة يف العبادة‪.‬‬
‫وال شك أن من أحسن طرق العلم؛ أن حيرص العبد على ضبط‬
‫ضبَط الكليات؛ استقامت له اجلزئيات‪ ،‬وهذا هو ما‬ ‫ِ‬
‫الكليات‪ ،‬فإن َمن َ‬
‫يعرف عند أهل العلم ابلقواعد‪ ،‬ولذا حرصنا يف هذه الدورة ‪-‬يف هذه‬
‫السلسلة من هذه الدورة‪ -‬على أن تكون يف القواعد؛ لنضبط املعامالت‬
‫أبصوهلا الكلية‪.‬‬
‫وقد تقدم معنا يف العام املاضي أان تكلمنا عن قواعد البيوع‪ ،‬وبينا أن‬
‫األصل يف املعامالت والبيوع احلل‪ ،‬وأن هللا وسع على الناس يف أرزاقهم‪،‬‬
‫وذكران القواعد اليت تتعلق هبذا‪ ،‬وذكران أن هللا حرم على عباده من املعامالت‬
‫ما فيه شر هلم‪.‬‬
‫أبشَّر من الراب‪ ،‬وما أدخل عبد‬‫تعامل عبد َ‬
‫َ‬ ‫وشر املعامالت‪ :‬الراب‪ ،‬فما‬
‫أبشَّر ِما يدخل من الراب‪ ،‬كما سيأيت بيانه إن شاء هللا ‪.‬‬
‫جوفه َ‬

‫(‪ )1‬رواه الطرباين يف األوسط والبزار إبسناد حسن‪.‬‬


‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 12‬‬

‫ولذا سنجعل هذه الدورة هذا العام يف قواعد الراب‪ ،‬ألن الراب شر عظيم‪،‬‬
‫وقد كثر يف هذا الزمان وتنوعت صوره‪ ،‬لكن إ ْن ضبطنا كلي ِ‬
‫اته وعرفنا أصولَه؛‬ ‫َ‬
‫فإان إبذن هللا نتحرز من مجيع صوره‪.‬‬
‫وتلحظون ‪-‬اي إخوة هنا ‪ -‬أن القواعد يف دورتنا هذه خاصة بباب واحد‬
‫وهو ابب الراب‪ ،‬وتقدم معنا‪ :‬أن القواعد إذا كانت خاصة بباب الراب؛‬
‫فللعلماء فيها ثالثة آراء‪:‬‬
‫‪ -‬رأي يقول‪ :‬إهنا قواعد‪ ،‬فالقاعدة عنده‪ :‬كل أصل كلي فقهي تندرج‬
‫حتته مسائل‪ ،‬سواء كان يدخل اباب واحدا‪ ،‬أو يدخل أبوااب متعددة‪ ،‬فكلها‬
‫تسمى قواعد‪.‬‬
‫‪ -‬ورأي يذهب إىل‪ :‬أهنا قواعد خاصة‪ ،‬فالقواعد اليت تكون يف ابب‬
‫واحد تسمى‪ :‬قواعد‪ ،‬ولكنها خاصة‪ ،‬تسمى‪ :‬قواعد خاصة‪ ،‬فإذا وجدت يف‬
‫بعض الكتب أهنم يقولون‪ :‬هذه قواعد خاصة أو قاعدة خاصة؛ فالغالب أهنم‬
‫يعنون هبا أهنا تدخل اباب واحدا وال تدخل يف أبواب متعددة‪.‬‬
‫‪ -‬ورأي اثلث يقول‪ :‬ال؛ القاعدة أو األصل الكلي الذي خيتص بباب؛‬
‫ضابط وال يسمى قاعدة‪ ،‬ولذلك جتد بعضهم يقولون‪" :‬القواعد"‬
‫و"الضوابط"‪ ،‬يقصدون ابلقواعد‪ :‬األصول الكلية اليت تدخل أبوااب‪،‬‬
‫والضوابط‪ :‬األصول الكلية اليت تكون خاصة بباب‪.‬‬
‫|‪13‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫واألمر اصطالحي‪ ،‬إذ حقيقة القاعدة موجودة‪ ،‬وهو‪ :‬أهنا أصل كلي‬
‫ينطبق على مسائل متعددة‪ ،‬سواء دخلت اباب واحدا‪ ،‬أو دخلت أبوااب‬
‫متعددة‪.‬‬
‫وسنبدأ دروسنا يف هذه الدورة مبدخل خمتصر يتعلق ابلراب‪ ،‬ونبدؤه‬
‫ابلعنصر األول وهو‪:‬‬
‫[العنصر األول‪ ]:‬تعريف الراب‬
‫ما تعريف الراب يف اللغة وعند أهل العلم؟‬
‫أما الراب يف اللغة‪ :‬فهو يدور على الزايدة‪ ،‬ومنه قوهلم‪ :‬ربت األرض‪ ،‬أي‪:‬‬
‫َ َٓ َ َۡ‬
‫نزنلَا‬ ‫إذا نزل عليها املطر فزادت ابخلضرة ومنت‪ ،‬كما قال هللا ‪﴿ :‬فإِذا أ‬
‫َ ََۡ َۡ َٓ ۡ‬
‫ٱه َ ذ‬
‫َت ۡت َو َر َب ۡت﴾ [فصلت‪ ،]39:‬فبالزروع تزداد‪ ،‬ومنه قيل‬ ‫عليها ٱلماء‬
‫للرتبية "تربية"؛ ألهنا تنمي املرىب وتزيده‪ ،‬فأصل الراب يف اللغة يدور على‬
‫الزايدة‪.‬‬
‫أما يف االصطالح‪ ،‬فالراب‪" :‬مبادلة مالية‪ ،‬فيها زايدة خاصة‪ ،‬أو أتخري يف‬
‫أشياء خمصوصة"‪.‬‬
‫"مبادلة مالية"‪ :‬واملبادلة مفاعلة‪ ،‬إذن؛ تكون بني طرفني فأكثر‪ ،‬فالراب‬
‫يقع يف معاملة تكون بني طرفني فأكثر‪.‬‬
‫"مالية"‪ :‬تقدم معنا أن املال عند الفقهاء‪ :‬كل ما ميلك‪ ،‬املال عند‬
‫الفقهاء ليس كما يتبادر ألذهاننا اليوم! إذا قيل‪" :‬املال" مباشرة تنصرف إىل‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 14‬‬

‫النقود! ال؛ املال عند الفقهاء يقع على كل ما ميلك‪ :‬فالثياب مال‪ ،‬السيارة‬
‫مال‪.‬‬
‫"مبادلة مالية فيها زايدة خاصة"‪ :‬ليست كل زايدة راب وإمنا الراب زايدة‬
‫خاصة سيأيت بياهنا إن شاء هللا ‪.‬‬
‫"أو أتخري يف أشياء خمصوصة"‪ :‬ليس من شرط الراب أن يكون فيه زايدة‪،‬‬
‫ص عليها‪ ،‬أو‬‫قد ال تكون هناك زايدة‪ ،‬ولكن فيه أتخري يف أشياء خمصوصة ن َّ‬
‫وجدت فيها العلة‪ ،‬كما سيأيت إن شاء هللا ‪.‬‬
‫يعين مثال‪ :‬من ابع كيلو غرام ذهب بكيلو غرام ذهب؛ فيه زايدة؟ ما فيه‬
‫زايدة‪ ،‬ميكن أن يكون فيها راب؟ نعم‪ ،‬ميكن‪ ،‬كيف يكون فيها الراب؟ يتأخر‬
‫القبض‪ ،‬فيبيع كيلو غرام ذهب بكيلو غرام ذهب‪ ،‬وهذا يعطيه اآلن كيلو‬
‫واآلخر بعد يوم يعطيه الكيلو‪ ،‬هنا وجد الراب للتأخري‪ ،‬ولكنه أتخري يف أشياء‬
‫خمصوصة وهي اليت تسمى عند أهل العلم "ابألموال الربوية" وسنبينها إن شاء‬
‫هللا يف ضابط‪.‬‬
‫فليس كل أتخري ِمنوعا وراب‪ ،‬يعين‪ :‬ابعه سيارة بسيارة ‪-‬أان عندي سيارة‬
‫وقلت‪ :‬قبلت‪،‬‬
‫وأنت عندك سيارة‪ -‬فقلت‪ :‬بعين سيارتك هذه بسياريت هذه‪َ ،‬‬
‫ومت العقد‪ ،‬وقلت‪ :‬أان أسلمك سياريت بعد أسبوع‪ ،‬وسلمتين سيارتك اآلن‪،‬‬
‫هذا جائز‪ ،‬ألن السيارة ليست من األموال الربوية‪ ،‬وإمنا الراب يف التأخري يف‬
‫األموال الربوية اليت سيأيت بياهنا إن شاء هللا ‪.‬‬
‫|‪15‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫العنصر الثاين ‪ :‬هل الراب بيع؟‬


‫ما سبب السؤال؟ كلنا نقرأ يف كتب الفقه‪ ،‬فنجد أن الفقهاء يذكرون يف‬
‫كتاب البيع ابب الراب‪ ،‬فباب الراب يف كتاب البيع أو كتاب البيوع فهل الراب‬
‫من البيوع؟‬
‫واجلواب‪:‬‬
‫الديْن ‪-‬وسيأيت بيانه إن شاء هللا‪ -‬فهذا ليس‬
‫هناك راب ليس بيعا وهو راب َ‬
‫بيعا‪.‬‬
‫وهناك راب يسمى "راب البيع" حيث تباع األموال الربوية متفاضلة أو نسيئة‬
‫كما سيأيت إن شاء هللا‪،‬‬
‫فهل هو بيع؟ أول ما نلحظ ‪-‬اي إخوة‪[ -‬أن] هللا ‪َ ‬غايَر بينهما‬
‫َٰ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ ذ ذُ ۡ‬
‫ٱلربوا﴾ [البقرة‪ ]275:‬فهل راب البيوع بيع؟‬‫فقال‪﴿ :‬وأحل ٱّلل ٱۡليع وحرم ِ‬
‫ٱلر َب َٰوا﴾ للجنس؛ فيدخل فيها‬ ‫َ َذَ‬
‫إذا قلنا إن "ال" يف قول هللا ‪﴿ ‬وحرم ِ‬
‫أصالة كل راب‪ ،‬فإن الراب غري البيع‪ ،‬وليس بيعا‪ ،‬ألن هللا فرق بينهما‪.‬‬
‫وإذا قلنا إن "ال" يف الراب يف اآلية للعهد ‪-‬وهو راب اجلاهلية‪ -‬وراب‬
‫الديْن كما سيأيت إن شاء هللا ‪‬؛ فإن راب البيوع يكون من‬
‫اجلاهلية هو راب َ‬
‫البيوع احملرمة‪.‬‬
‫إذن ‪-‬اي إخوة‪ -‬عندان راب ال شك أنه ليس بيعا وهو‪ :‬راب الديون‪،‬‬
‫وعندان راب حيتمل أن نقول إنه بيع وحيتمل أن نقول أنه ليس بيعا‪ :‬وهو راب‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 16‬‬

‫البيوع‪ ،‬ألن صورة البيوع فيه‪ ،‬ولكن هللا قال‪َ ﴿ :‬وأ َ َح ذل ذ ُ‬


‫ٱّلل ۡٱۡلَ ۡي َع َو َح ذرمَ‬

‫ٱلر َب َٰوا﴾‪.‬‬
‫ِ‬
‫فإذا قلنا‪ :‬الراب يف اآلية يدخل يف كل راب حّت راب البيوع أصالة ألن "ال"‬
‫للجنس؛ فالبيع شيء والراب شيء آخر من حيث احلقيقة الشرعية‪.‬‬
‫وإذا قلنا‪ :‬إن "ال" يف الراب للعهد‪ ،‬وهو راب اجلاهلية؛ فإن راب البيوع يكون‬
‫من البيوع‪ ،‬ولكنه من البيوع احملرمة؛ ملزية وصفة فيه‪.‬‬
‫العنصر الثالث‪ :‬نظرة يف آايت الراب‪.‬‬
‫حترمي الراب –اي إخوة‪ -‬من آخر ما نزل يف القرآن‪ ،‬بل بعض أهل العلم‬
‫يقولون‪ :‬هو آخر ما نزل من حيث األحكام‪ ،‬بعض أهل العلم يقولون‪ :‬آخر‬
‫حكم نزل يف القرآن هو حترمي الراب‪ ،‬وبعض أهل العلم يقولون‪ :‬هو من آخر ما‬
‫نزل‪.‬‬
‫جاء عن سعيد بن املسيب ‪-‬رمحه هللا‪ -‬عن عمر بن اخلطاب ‪ ‬قال‪:‬‬
‫‪‬إن آخر ما نزلت آية الراب‪ ،‬وإن رسول هللا ﷺ قبض ول يفسرها لنا‪ ،‬فدعوا‬
‫الراب والريبة‪ .‬رواه أمحد‪ ،‬وابن ماجه‪ ،‬وصححه األلباين‪.‬‬
‫عمر‪ ‬قال‪ :‬وجاء يف بعض الرواايت أنه قال هذا على املنرب‪ :‬إن آخر‬
‫ما نزلت آية الراب‪ ‬أي‪ :‬من آايت األحكام‪ ،‬وإن رسول هللا ﷺ قبض ول‬
‫يفسرها لنا‪ ،‬املقصود بـ "ل يفسرها لنا"‪ :‬ل يفصل لنا الراب‪ ،‬وإمنا ذكر بعضه‬
‫كما سيأيت إن شاء هللا‪ ،‬فدعوا الراب والريبة‪.‬‬
‫|‪17‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫قال أهل العلم‪ :‬واحلكمة يف هذا؛ أن يعلم أن حترمي الراب ْحم َكم‪ ،‬ألنه آخر‬
‫ما نزل‪ ،‬وأن يرتك الراب كله قليله وكثريه‪ ،‬ألن حترميه جاء ول يفسر‪ ،‬مبعن‪ :‬ل‬
‫يفصل‪ ،‬فدل ذلك على أن الراب كله حرام‪.‬‬
‫وجاء عن ابن عباس ‪ ‬قال‪ :‬آخر آية نزلت على النيب ﷺ آية‬
‫الراب‪ .‬رواه البخاري يف الصحيح‪.‬‬
‫وقالت عائشة ‪ :‬ملا أنزل هللا ‪ ‬آايت الراب من آخر سورة البقرة؛‬
‫قام رسول هللا ﷺ فقرأها علينا‪ ،‬مث حرم التجارة يف اخلمر‪ .‬رواه البخاري يف‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫واملقصود هبذا ‪-‬اي إخوة‪ -‬أن النيب ﷺ اهتم آبايت الراب‪ ،‬فقام وقرأها‬
‫على الصحابة رضوان هللا عليهم‪ ،‬مث حرم التجارة يف اخلمر‪.‬‬
‫هنا سيأيت سؤال! ما العالقة بني حترمي الراب‪ ،‬وحترمي التجارة يف اخلمر؟‬
‫ملاذا لـما قرأ النيب ﷺ على الصحابة آايت الراب‪ ،‬حرم عليهم التجارة يف‬
‫اخلمر؟‬
‫واجلواب‪ :‬أن العالقة بينهما أن أخبث طريق ملا يتناوله اإلنسان أكال‬
‫وشراب هو الراب‪ ،‬كما دلت عليه اآلايت‪ .‬واخلمر أخبث ما يتناوله اإلنسان‪،‬‬
‫ألن اخلمر أم اخلبائث‪.‬‬
‫فاجتمعا يف اخلبث‪ ،‬يف أن الراب أخبث طريق ملا يتناوله اإلنسان‪ ،‬وأن‬
‫اخلمر أخبث ما يتناوله اإلنسان بذاته‪ ،‬يعين‪ :‬أخبث ما يتناول هو اخلمر‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 18‬‬

‫هناك قصة ظريفة يف هذا الباب تذكر‪ :‬أن رجال قال المرأته أنت طالق‪،‬‬
‫إن تناول عبد شرا من اخلمر‪ .‬رأى حال خممور وسوء حاله فقال هذا أشر ما‬
‫يتناول‪ ،‬فقال هلا أنت طالق إن تناول عبد أشر من اخلمر‪ .‬مث ذهب إىل‬
‫اإلمام مالك –رمحه هللا‪ -‬فقيه املدينة وسأله‪ ،‬فقال له اإلمام مالك‪ :‬ما قلت؟‬
‫قال‪ :‬كذا وكذا‪ ،‬قال‪ :‬أنظرين‪ ،‬مث جاءه الرجل بعد‪ ،‬فقال‪ :‬تصفحت كتاب‬
‫هللا فلم أر أشر متناوال من الراب‪ .‬فإن هللا آذن فيه حبرب منه ومن رسوله ﷺ‪،‬‬
‫قد طلقت امرأتك‪.‬‬
‫فرأى اإلمام مالك –رمحه هللا‪ -‬أن الراب أشر ما يتناوله العبد‪ ،‬فهو أشر‬
‫من اخلمر‪ ،‬لكن الراب طريق‪ ،‬ألن اإلنسان ما يتناول ذات الراب‪ .‬واخلمر بذاته‪.‬‬
‫ولذلك يف احلقيقة‪ :‬هذا أشر من جهته‪ ،‬وهذا أشر من جهته‪ .‬هذا أشر‬
‫طرق التناول وهو الراب‪ .‬وهذا أشر املتناوالت بذاهتا‪.‬‬
‫وآايت الراب جاءت منفرة عن الراب من كل وجه‪ ،‬ويكفي املؤمن أن يسمع‬
‫آايت الراب حّت يعلم حرمة الراب حرمة قطعية‪.‬‬
‫يعين‪- :‬اي إخوة‪ -‬بعض األحكام حتتاج إىل استنباط‪ ،‬وأحياان حتتاج إىل‬
‫فقيه‪ ،‬ال يدركها كل أحد‪ .‬أحياان حنن نقرأ آية ال نستنبط منها أحكاما‪ ،‬بينما‬
‫الفقهاء يستنبطون منها أحكاما كثرية‪.‬‬
‫لكن آايت الراب خلطورة الراب؛ كل من مسع اآلايت وهو يفهم العربية‬
‫يعرف حكم الراب‪ ،‬وشدة ضرره وخطره‪.‬‬
‫|‪19‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬
‫ذ َ َ ۡ ُ ُ َ َ َٰ َ َ ُ ُ َ ذ َ َ َ ُ ُ ذ‬
‫ٱلربوا ل يقومون إِل كما يقوم ٱَّلِي‬ ‫هللا ‪ ‬يقول‪﴿ :‬ٱَّلِين يأكلون ِ‬
‫َ ذ‬ ‫َ َٰ َ َ ذ ُ ۡ َ ُ ٓ ذ َ ۡ َ ۡ ُ ۡ ُ‬ ‫ٱلش ۡي َطَٰ ُن م َِن ٱل ۡ َ‬ ‫ََ َذُ ُ ذ‬
‫ٱلر َب َٰوا َوأ َحل‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ِث‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ٱۡل‬ ‫ا‬ ‫م‬‫ن‬‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ا‬‫و‬ ‫ال‬‫ق‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫أ‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ِك‬ ‫ل‬ ‫ذ‬ ‫س‬‫ِ‬ ‫م‬ ‫يتخبطه‬
‫ََ‬
‫ه فل ُهۥ َما َسلف‬
‫َ ََ ََ‬
‫ٱلر َب َٰوا َف َمن َجا ٓ َءهُۥ َم ۡوع َِظة ِمن ذربِهِۦ فٱنت َٰ‬ ‫م‬‫ٱّلل ۡٱۡلَ ۡي َع َو َح ذر َ‬
‫ذُ‬
‫ِ‬
‫َ َ ۡ ُ ُ ٓ َ ذ َ َ ۡ َ َ َ ُ َ َٰٓ َ َ ۡ َ َٰ ُ ذ ُ ۡ َ َ َٰ ُ َ‬
‫ِلون ‪٢٧٥‬‬ ‫وأمرهۥ إِل ٱّلل ِ ومن َعد فأولئِك أصحب ٱنلارِ هم فِيها خ ِ‬
‫ذ‬ ‫َ ذ ُ َ ُ ُّ ُ ذ َ ذ َ‬ ‫ذ َ َ‬ ‫َۡ َ ُ ذُ‬
‫ِب ك كفار أث ِيم ‪ ٢٧٦‬إِن‬ ‫ت وٱّلل ل ُي‬ ‫ٱلر َب َٰوا َو ُي ۡر ِب ٱلصدق َٰ ِ‬ ‫يمحق ٱّلل ِ‬
‫ذ َ َٰ َ َ َ َ ُ ذ َ َ َ َ ُ‬ ‫ٱلصَٰل َِحَٰت َوأَقَ ُ‬ ‫ذ‬ ‫ذ َ َ َُ َ َ ُ‬
‫ٱلزك َٰوة ل ُه ۡم أ ۡج ُره ۡم‬ ‫اموا ٱلصلوة وءاتوا‬ ‫ِ‬ ‫وا‬ ‫ٱَّلِين ءامنوا وع ِمل‬
‫َ َ‬
‫ذُ‬
‫ِين َء َام ُنوا ٱتقوا‬ ‫يأ ُّي َها ذٱَّل َ‬‫ون ‪َٰٓ ٢٧٧‬‬ ‫َ َۡ ۡ ََ ُ ۡ ََُۡ َ‬
‫ِند َرب ِ ِه ۡم َول خ ۡوف علي ِهم ول هم ُيزن‬
‫َ َ‬ ‫ع َ‬
‫َ ذ َۡ ُ ََُۡ‬ ‫نتم ُّم ۡؤ ِمن َ‬ ‫ق م َِن ٱلر َب َٰٓوا إن ُك ُ‬ ‫ٱّلل َو َذ ُروا َما بَ ِ َ‬ ‫ذَ‬
‫ِي ‪ ٢٧٨‬فإِن ل ۡم تف َعلوا فأذنوا‬ ‫ِ ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ َ َۡ‬ ‫ُُۡ ۡ ََ ُ ۡ ُ ُ َ‬ ‫ذ‬
‫وس أ ۡم َوَٰل ِك ۡم ل تظل ُِمون َول‬ ‫وَل ِۦ ِإَون تبتم فلكم ر ُء‬ ‫ِِبَ ۡرب م َِن ٱّلل ِ َو َر ُس ِ‬
‫َ َ ُ ُ ۡ َ َ َ َ َ َٰ َ ۡ َ َ َ َ ُ َ ذ ُ‬ ‫ُۡ َ َ‬
‫ۡسة َوأن ت َص ذدقوا خ ۡي لك ۡم‬ ‫تظل ُمون ‪ِ ٢٧٩‬إَون َكن ذو عۡسة فن ِظرة إِل مي‬
‫َ ذ ُ ذ ُ َ ذ َٰ ُ ُّ َ ۡ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ذُ‬ ‫ُ ُ َ َ َ‬
‫ّف ك نفس ذما‬ ‫نت ۡم ت ۡعل ُمون ‪َ ٢٨٠‬وٱتقوا يَ ۡو ٗما ت ۡر َج ُعون فِيهِ إِل ٱّلل ِ ثم تو‬ ‫إِن ك‬
‫َ َ َ ۡ َُ ۡ َ ُۡ َُ َ‬
‫ون ‪[ ﴾٢٨١‬البقرة ‪.]281-275‬‬ ‫كسبت وهم ل يظلم‬
‫َٰ‬ ‫َ‬ ‫ذ َ َۡ ُ ُ َ‬
‫ٱلربوا﴾ واملراد‪ :‬الذين يتعاملون ابلراب‪،‬‬‫هللا ‪ ‬يقول‪﴿ :‬ٱَّلِين يأكلون ِ‬
‫ۡ‬
‫ُ ُ َ‬
‫ِين يَأكلون‬ ‫وخص األكل ألنه معظم األمر‪ ،‬كما قال هللا ‪﴿ :‬إ ذن ذٱَّل َ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََۡ َ ۡ‬
‫م ﴾ [النساء‪ ،]10:‬خص األكل من بقية أنواع اإلتالفات؛ ألنه‬ ‫َٰ‬
‫أموَٰل ٱۡلت َٰ‬
‫أعظم األمر‪ ،‬وألن النفس تشتاق إىل مثل هذا األمر‪ ،‬فخص للتمثيل منه‪.‬‬
‫وقوله ‪﴿ :‬ٱَّل َ‬ ‫ذ‬
‫ِين﴾ يشمل كل أطراف الراب‪ :‬املعطي‪ ،‬واآلخذ‪،‬‬
‫واملتسبب بكتابة‪ ،‬أو شهادة‪ ،‬أو مسسرة‪ .‬كلهم يدخلون يف قول هللا ‪:‬‬
‫َٰ‬ ‫َ‬ ‫ذ َ َۡ ُ ُ َ‬
‫ٱلربوا﴾ يدخل فيه‪ ،‬املعطي ويدخل فيه اآلخذ‪ ،‬ويدخل‬‫﴿ٱَّلِين يأكلون ِ‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 20‬‬

‫فيه الشاهد‪ ،‬ويدخل فيه الكاتب‪ ،‬ويدخل فيه الوسيط الذي يتوسط بني‬
‫الطرفني‪ ،‬كلهم يدخلون يف آكل الراب‪.‬‬
‫ذ َ َ َُ ُ ذ‬ ‫َ َُ ُ َ‬
‫وم ٱَّلِي‬ ‫ومون﴾ يعين‪ :‬يوم القيامة من قبورهم ﴿إِل كما يق‬ ‫﴿ل يق‬
‫ذ‬
‫َي َت َخ ذب ُط ُه ٱلش ۡي َطَٰ ُن﴾ التخبط هو‪ :‬الضرب على غري استواء‪ ،‬ويف األمثال‪:‬‬
‫يقولون للرجل الذي ال حيسن التصرف‪َ :‬خيبِط َخْبط عشواء‪ .‬فمعن ختبطه‬
‫الشيطان‪ :‬إذا مسه خببل‪ ،‬أو جنون‪ ،‬ألنه يصبح يضرب من غري استواء‪.‬‬
‫ومس الشيطان يسمى مسا‪ ،‬ويسمى َخْبطَة‪.‬‬
‫يسمى مسا‪ :‬كأن الشيطان ‪-‬والعياذ ابهلل‪ -‬ميسه بيده فيصيبه ابخلبل‪،‬‬
‫ويسمى خبطة‪ :‬كأنه خيبطه برجله فيصيبه ابجلنون‪.‬‬
‫قال العلماء‪ :‬معن هذه اآلية‪ :‬أن آكل الراب يبعث يوم القيامة جمنوان‪،‬‬
‫وهذه فضيحة له‪ ،‬وعالمة له يوم القيامة‪ ،‬فيبعث جمنوان حقيقة‪ ،‬ويَعرف أهل‬
‫املوقف ِ‬
‫آكل الراب هبذه الصفة‪ .‬فهم يكونون على حالة اجلنون‪.‬‬
‫إايي‬
‫وقد جاء عن عوف بن مالك ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪َ  :‬‬
‫والذنوب اليت ال تـ ْغفر‪ :‬الغلول‪ ،‬فمن غل شيئا أيت به يوم القيامة‪ ،‬وأكل الراب‪،‬‬
‫ذ َ َۡ ُ ُ َ‬
‫فمن أكل الراب؛ بعث يوم القيامة جمنوان يتخبط‪ ،‬مث قرأ ﴿ٱَّلِين يأكلون‬
‫ۡ‬ ‫ذ‬ ‫َ َٰ َ َ ُ ُ َ ذ َ َ َ ُ ُ ذ‬
‫وم ٱَّلِي َي َت َخ ذب ُط ُه ٱلش ۡي َطَٰ ُن م َِن ٱل َم ِس﴾‪ ‬رواه‬ ‫ٱلربوا ل يقومون إِل كما يق‬
‫ِ‬
‫الطرباين‪ ،‬وحسنة األلباين‪.‬‬
‫|‪21‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫فالنيب ﷺ يقول‪ :‬إايي والذنوب اليت ال تغفر‪ ،‬أي‪ :‬من ابب التنفري‬
‫منها‪ ،‬وإال فكل ذنب دون الشرك حتت مشيئة هللا‪ ،‬ولكن خيشى أن ال‬
‫يغفرها هللا لفاعلها‪ ،‬الغلول من مصاحل املسلمني العامة‪ ،‬وأكل الراب‪.‬‬
‫ووجه الشاهد منه‪ :‬أن آكل الراب يوم القيامة يبعث جمنوان‪.‬‬
‫وقال بعض املفسرين‪ :‬بل املراد؛ أنه إذا خرج الناس من قبورهم خيرجون‬
‫َ‬
‫مسرعني منها‪ ،‬إال آكلي الراب يقومون ويسقطون‪ ،‬كالذي ﴿ َي َتخ ذب ُط ُه‬
‫ۡ‬ ‫ذ‬
‫ٱلش ۡي َطَٰ ُن م َِن ٱل َم ِس﴾‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬القول األول‪ :‬أنه يبعث جمنوان حقيقة‪ ،‬والقول الثاين‪ :‬أنه يكون‬
‫كحال اجملنون يف قيامه‪ ،‬فهو يتخبط‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ ُ‬
‫َ ذُ ۡ ٓ ذ َ َۡ ُ ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ٱلر َب َٰوا ﴾‪ ،‬والحظوا‬
‫وقول هللا ‪﴿ :‬ذَٰل ِك بِأنهم قالوا إِنما ٱۡليع ِمثل ِ‬
‫أن الذي نص عليه "القول"‪ ،‬والقول يتبعه العمل‪ .‬فهذا اجلزاء هلم بقوهلم‪:‬‬
‫ذ َ َۡۡ ُ ُۡ‬
‫ٱلر َب َٰوا﴾‪ ،‬فهم استحلوا الراب‪ ،‬وقالوا إمنا البيع مثل الراب‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫﴿إِنما ٱۡليع مِث‬
‫وهذا حالل وهذا حالل‪ .‬فقالوا‪ :‬هذا ربح وهذا ربح‪ .‬وهذا قالوه من ابب‬
‫االعرتاض على احلكم وليس من ابب قياس الراب على البيع‪ ،‬وإمنا من ابب‬
‫االعرتاض على حكم هللا‪.‬‬
‫فقالوا‪ :‬البيع الذي حلل مثل الراب‪ ،‬ولو كان من ابب القياس لقالوا‪" :‬إمنا‬
‫الراب مثل البيع" لكن هم يعرتضون على حكم هللا ‪ ‬فقالوا‪ :‬إمنا البيع مثل‬
‫الراب‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 22‬‬

‫ويشبه هذا ‪-‬وإن ل يكن عينه‪ -‬ما يقوله بعض الناس اآلن‪ :‬من أن‬
‫املعامالت املصرفية اإلسالمية الصحيحة اليت ليس فيها حتايل؛ مثل الراب!‬
‫وهذا لألسف حّت جنده عند بعض الطيبني‪ ،‬جتده يقول‪ :‬معامالت‬
‫البنوك اإلسالمية املصرفية على اإلطالق مثلها مثل معامالت البنوك الربوية!‬
‫واحلقيقة أن املعامالت املصرفية الصحيحة بيع‪ ،‬والراب ظلم‪ ،‬فال جيوز لنا‬
‫‪-‬اي إخوة‪ -‬أن نقول‪ :‬إن املعامالت املصرفية الصحيحة اليت بَـني أهل العلم‬
‫جوازها ومرت بنا صور كثرية منها يف الدورة املاضية؛ هي مثل املعامالت‬
‫الربوية يف "البنوك التقليدية"!‬
‫وأان أفضل أن يقال‪" :‬البنوك الربوية"؛ ألن هذا وصفها احلقيقي‪.‬‬
‫بل نقول‪ :‬البيع أحله هللا لطيبه‪ ،‬ومنه املعامالت املصرفية اإلسالمية‬
‫الصحيحة يف كثري منها‪ .‬والراب حرمه هللا خلبثه‪.‬‬
‫إذن هم اعرتضوا على حكم هللا ‪ ‬وفعلوا الراب‪ ،‬فكأهنم يقولون‪" :‬البيع‬
‫نظري الراب‪ ،‬فلِ َم حرم هللا الراب وأابح البيع؟"‪.‬‬
‫ٱلر َب َٰوا ﴾ هذا‬ ‫م‬ ‫فرد هللا ‪ ‬عليهم بقوله‪َ ﴿ :‬وأ َ َح ذل ذ ُ‬
‫ٱّلل ۡٱۡلَ ۡي َع َو َح ذر َ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫ذ َ َۡ ُ ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ٱلر َب َٰوا﴾‪ ،‬وبَـني أن هللا أحل البيع وحرم‬
‫تكذيب لقوهلم ﴿إِنما ٱۡليع مِثل ِ‬
‫الرب‪ ،‬ا وهو احلكيم العليم سبحانه العدل‪ ،‬ال يفعل شيئا إال حلكمة‪ ،‬وال‬
‫يفرق بني املتماثلني‪ ،‬وال جيمع بني املختلفني‪.‬‬
‫|‪23‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫فلما أحل هللا البيع وحرم الراب؛ دلنا ذلك داللة بينة على الفرق بني البيع‬
‫ٱلر َب َٰوا﴾‬ ‫َ َذَ‬
‫والراب‪ ،‬وأن الراب فيه شر وظلم اقتضى حترميه‪ ،‬وقوله سبحانه‪﴿ :‬وحرم ِ‬
‫دليل على حترمي كل راب‪ ،‬فكل ما كان من الراب كان حراما‪ ،‬وهذا يشمل‬
‫القليل والكثري‪ ،‬يشمل الفلس واملليار‪ ،‬يشمل غرام الذهب وآالف الكيلوات‪،‬‬
‫فكل ما كان من الراب فهو حرام‪.‬‬
‫ٓ‬ ‫َ‬
‫وقول هللا ‪﴿ :‬ف َمن َجا َءهُۥ َم ۡوع َِظة ِمن ذربِهِۦ﴾ هنا يسأل بعض‬
‫ٓ‬ ‫َ‬
‫الناس يقول‪ِ :‬لَ قال هللا ‪﴿ :‬ف َمن َجا َءهُۥ َم ۡوع َِظة﴾ ِلَ َلْ يقل فمن جاءته‬
‫موعظة؟‬
‫يقول العلماء‪ :‬ألن موعظة هنا مبعن وعظ‪ ،‬يعين‪ :‬فمن جاءه وعظ من‬
‫ربه‪ ،‬وأكرب واعظ وأعظم واعظ؛ هو كتاب هللا ‪ ،‬فمن قرأ هذه اآلايت؛‬
‫فقد جاءته املوعظة‪ ،‬وجاءه وعظ هللا سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫ََ‬ ‫ََ‬ ‫﴿فَ َ‬
‫ٱنت َ َٰ‬
‫ه﴾ أي‪ :‬عن أكل الراب ﴿فل ُهۥ َما َسلف﴾‪ ،‬قال بعض أهل‬
‫ََ‬ ‫ََ‬
‫العلم‪ :‬معن ﴿فل ُهۥ َما َسلف﴾‪ :‬أي ص ِف َح وغ ِفَر له ما تقدم من الذنب‪.‬‬
‫ُ َ َ‬‫ََ‬ ‫ََ‬
‫وقال بعض أهل العلم‪ :‬معن ﴿فلهۥ ما سلف﴾‪ :‬له ما َم َ‬
‫ضى وأَكلَه من‬
‫املال‪ ،‬أما املعاملة القائمة فال‪ ،‬مبعن‪ :‬أنه ليس عليه أن يرد ما مضى من‬
‫األموال الربوية‪ ،‬ولكن عليه أن يتخلص من الراب املوجود واملعاملة القائمة‪،‬‬
‫ََ‬ ‫ََ‬
‫وهذا الصواب؛ ألن هللا ‪ ‬قال‪﴿ :‬فل ُهۥ َما َسلف﴾ فله‪ :‬فجعله له‪ ،‬وهذا‬
‫يدل على أن املقصود هو أن الذي سلف وانتهى من املعامالت له‪ ،‬السيما‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 24‬‬

‫أنه قبل حترمي الراب ل يكن الراب ذنبا‪ ،‬فدل هذا على أن هذا هو املقصود‪ ،‬وهذا‬
‫يف حق الكفار‪.‬‬
‫وأما يف حق املسلمني فهذا إن شاء هللا سيأيت يف قاعدة‪ ،‬وهذا شيء‬
‫مهم جدا يسأل عنه الناس‪ ،‬يعين‪ :‬إنسان طوال عمره يتعامل ابلراب‪ ،‬وبن بيتا‪،‬‬
‫واشرتى سيارة‪ ،‬وتزوج‪ ،‬وزوج أوالده‪ ،‬ومتلك وكذا‪ ،‬مث يريد أن يتوب‪ ،‬فهل‬
‫جيب عليه أن يتخلص من كل املال الذي دخل ابلراب؟ ونقول‪ :‬بع هذا البيت‬
‫وهذه السيارة وكل ما دخل عليك من الراب؟ أو يقال له‪ :‬لك ما سلف‪،‬‬
‫واملعامالت القائمة خلصها من الراب‪ ،‬وال تفعل يف املستقبل؟ هذه مسألة‬
‫ستأتينا إن شاء هللا‪ ،‬وهي من األمهية مبكان‪ ،‬أما الذي يف اآلية فهو يف حق‬
‫من كانت معاملتهم قبل التحرمي؛ وهو راب اجلاهلية‪.‬‬
‫ذ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ٱّللِ﴾ قال بعض أهل العلم‪ :‬أي أنه إن فعل؛ فاهلل وليه‪،‬‬ ‫﴿ َوأ ۡم ُرهُ ٓۥ إِل‬
‫يصبح من أولياء هللا‪ ،‬قال بعض أهل العلم‪ :‬والسر يف هذا؛ أن املال شقيق‬
‫الروح‪ ،‬فالتخلص منه من أجل هللا قربة عظيمة‪ ،‬فيكون من أولياء هللا ‪.‬‬
‫ََۡ ُُٓ َ ذ‬
‫ٱّللِ﴾ أي‪ :‬بعد النهي‪ ،‬بعد أن‬ ‫وقال بعض أهل العلم‪﴿ :‬وأمرهۥ إِل‬
‫بلغه النهي‪ ،‬إما أن يعصمه هللا ويثبته على اخلري‪ ،‬وإما أن خيذله حّت يعود إىل‬
‫الراب‪.‬‬
‫قال‪َ ﴿ :‬و َم ۡن ََع َد﴾ قال بعض أهل العلم‪ :‬أي من عاد إىل استحالل‬
‫الراب‪ ،‬انتبهوا! من عاد إىل استحالل الراب بعدما جاءته املوعظة؛ عاد فاستحل‬
‫|‪25‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫َٰٓ َ ۡ َ َٰ ُ ذ ُ ۡ َ َ َٰ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َُ َ‬


‫ون﴾ ألنه‬‫الراب وقال إنه حالل‪﴿ ،‬فأولئِك أصحب ٱنلارِ هم فِيها خ ِِل‬
‫هبذا يصبح كافرا‪ ،‬الذي يستحل الراب وهو يعلم أنه راب؛ يصبح كافرا هبذا‪.‬‬
‫انتبهوا ‪-‬اي إخوة‪ -‬هلذه املسألة‪ ،‬هناك فرق بني إنسان أييت ويقول‪ :‬هذه‬
‫ليست من الراب‪ ،‬وبني إنسان يقول‪ :‬الراب حالل‪ ،‬أو هذه من الراب وهي‬
‫حالل‪.‬‬
‫األول‪ :‬إما متأول أو جاهل‪ ،‬والثاين‪ :‬مستحل‪.‬‬
‫يعين مثال‪ :‬اآلن جند أن بعض املعممني أيتون لص َور من الراب ويقولون‪:‬‬
‫هي حالل ألهنا ليست راب‪ ،‬يعين مثال‪- :‬سيأتينا إن شاء هللا‪ -‬جند بعض‬
‫الناس يقول‪ :‬الفوائد أو الزوائد يف البنوك ليست راب‪ ،‬ألن النقود ليست من‬
‫أموال الراب‪ ،‬فهي حالل! هذا ل حيلل الراب‪ ،‬هذا اعتقد أن هذه املسألة ليست‬
‫من الراب فقال إهنا حالل‪ ،‬فهذا نقول‪ :‬إما أنه متأول أو جاهل يـ َعلم‪.‬‬
‫لكن إذا جاء إنسان وقال‪ :‬هذا راب ولكنها حالل! فهذا مستحل للراب‪،‬‬
‫قال بعض أهل العلم‪َ ﴿ :‬و َم ۡن ََع َد﴾ أي‪ :‬إىل استحالل الراب‪ ،‬وقال بعض‬
‫أهل العلم‪َ ﴿ :‬و َم ۡن ََع َد﴾ أي‪ :‬إىل التعامل ابلراب‪ ،‬ليس إىل االستحالل؛ وإمنا‬
‫إىل التعامل ابلراب‪ ،‬أي بعد أن بلغه حترمي هللا ‪ ‬للراب عاد إليه‪ ،‬فيستوجب‬
‫َ ُ َ َٰٓ َ َ ۡ َ َٰ ُ ذ ُ ۡ َ َ َٰ ُ َ‬
‫عقوبة هللا ﴿فأولئِك أصحب ٱنلارِ هم فِيها خ ِِلون﴾‪ ،‬ألن الراب من‬
‫الكبائر‪ ،‬بل من أكرب الكبائر‪ ،‬وهو سبب لدخول النار‪.‬‬
‫إذن استحالل الراب‪ :‬كفر وسبب للخلود يف النار‪ ،‬وفعل الراب‪ :‬كبرية من‬
‫كبائر الذنوب‪ ،‬وسبب لدخول النار‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 26‬‬

‫ِ‬ ‫ح ُق ذ ُ‬
‫ٱّلل َ َٰ‬ ‫يقول هللا ‪َ ﴿ :‬ي ۡم َ‬
‫الشيء شيئا‬ ‫احملق‪ :‬هو نقصان‬ ‫ٱلربوا﴾ و َ‬‫ِ‬
‫بعد شيء‪ ،‬فاهلل ‪ ‬ميحق الراب‪ ،‬قال املفسرون‪ :‬ي ِنقصه وي ْذ ِهب بركته وإ ْن‬
‫كان كثريا‪ ،‬وقد قال النيب ﷺ‪ :‬الراب وإن كثر فإىل قِلة‪ ‬رواه أمحد وغرية‬
‫وإسناده صحيح‪.‬‬
‫ٱلر َب َٰوا﴾ قال‪ :‬ال يقبل منه‬ ‫َۡ َ ُ ذُ‬
‫وقال ابن عباس ‪ ‬يف معن ﴿يمحق ٱّلل ِ‬
‫صدقة وال جهادا وال حجا وال صلة‪ ،‬أي‪ :‬مبال الراب‪.‬‬
‫فاحملق ‪-‬اي إخوة‪ -‬أنواع‪:‬‬
‫ْ‬
‫النوع األول‪ :‬حمق حسي‪ :‬كأن يسلط هللا على ماله ما يفنيه‪ ،‬مثل أن‬
‫يسلط عليه مرضا‪ ،‬فيَص ِرف هذا املال يف التداوي‪ ،‬أو ميِْرض أهلَه‪ ،‬أو يسلِط‬
‫عليه من يسرقه‪ ،‬أو يسلط عليه من ينصب عليه‪ ،‬أو حنو ذلك‪ ،‬وهذه عقوبة‬
‫حسية‪.‬‬
‫خل‪ ،‬فيجعل فقره بني‬
‫والنوع الثاين‪ :‬حمق معنوي‪ :‬أبن يزرع هللا يف قلبه الب َ‬
‫عينيه‪ ،‬فيكون املال عنده كثريا؛ ولكنه يرى نفسه فقريا‪ ،‬ومهما امتألت‬
‫اخلزائن؛ اشتد فقره يف نفسه فال يسعد ابملال‪ ،‬بل كلما كثر هذا املال؛ زاد‬
‫مهه‪ ،‬وال ينتفع به‪ ،‬وال ينفع به‪ ،‬وال يراتح حّت ميوت‪ ،‬وهذا حمق معنوي‪ ،‬وقد‬
‫قال أهل العلم‪ :‬هذا أشد فقرا من الفقري‪ ،‬ألن الفقري ما عنده‪ ،‬لكن هذا‬
‫عنده وال ينتفع وال يسعد وال يستفيد‪.‬‬
‫مبحق الربكة‪ ،‬فال تكون فيه بركة‪ ،‬ويبقى َشره‪،‬‬‫والنوع الثالث‪ :‬حمق معنوي ِ‬
‫كل مال يكتسبه اإلنسان؛ فيه َشر‪ ،‬تذهبِه الزكاة والصدقة‪ ،‬إال الراب؛ فإنه‬
‫ألن َّ‬
‫|‪27‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫ال بركةَ فيه‪ ،‬وال يذهب َشره‪ ،‬فيبقى شره‪ ،‬وال تناله بركة‪ ،‬فيَـتَ َمحض َشرا على‬
‫صاحبه‪.‬‬
‫والنوع الرابع‪ :‬حمق معنوي‪ ،‬أبن ال ينفق منه صاحبه يف اخلري‪ ،‬هذا ينفق‬
‫على نفسه وعلى أسرته يف لذائذ الدنيا‪ ،‬ولكنه ال ينفق يف اخلري‪ ،‬ميكن ينفق‬
‫يف ملذة من ملذات الدنيا ومالهي الدنيا مليوان! أتتيه تقول نريد نبين مسجدا‬
‫ال خيرج درمها! فهذا ال ينتفع مباله من جهة إنفاقه يف اخلري‪ ،‬ولو أنفق؛ ل يقبل‬
‫منه‪ ،‬وهذا ال شك أنه ِمن َحم ِق املال‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬احملق املراد يف اآلية؛ تدخل فيه األنواع األربعة‪:‬‬
‫احملق احلسي للمال‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وج ِ‬
‫عل فقره بني عينيه‪.‬‬ ‫واحملق املعنوي للمال‪ :‬جبعل املرايب يرى نفسه فقريا‪َ ،‬‬ ‫‪-‬‬
‫واحملق املعنوي للمال‪ :‬إبذهاب بركته‪ ،‬فال بركة فيه وال خري‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫واحملق املعنوي مبنع صاحبه من أن ينفقه يف اخلري‪ ،‬وإن أنفق يف لذائذ‬ ‫‪-‬‬
‫الدنيا‪.‬‬
‫َ‬‫ذ َ‬
‫وقابل هللا ‪ ‬هذا بقوله‪َ ﴿ :‬و ُي ۡر ِب ٱلصدق َٰ ِ‬
‫ت﴾‪.‬‬
‫ق ِرئ "ويريب" من راب الشيء يربو‪ ،‬ورابه يـ ْربِ ِيه‪ ،‬أي‪َ :‬كثَّره وَمناه‪ ،‬فاهلل ‪‬‬
‫يـنَ ِمي َّ‬
‫الص َدقات‪.‬‬
‫واألربعة األنواع يف الـ َم ْح ِق؛ اعكسها يف الصدقات‪:‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 28‬‬

‫فالصدقة تزيد املال‪ :‬ما نقص مال من صدقة‪ ،‬بل تزيد‪ ،‬بل تزيد‪ ،‬بل‬ ‫‪-‬‬
‫تزيد‪.‬‬
‫والصدقة تسبب الربكة يف املال‪ :‬فقليله يكفي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫والصدقة سبب ألن يرى اإلنسان نفسه غنيا‪ :‬ألن هللا جيعل غناه يف‬ ‫‪-‬‬
‫قلبه‪.‬‬
‫والصدقة طريق من طرق اخلري‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وقد جاءت البشارة العظيمة من النيب ﷺ يف احلديث الصحيح‪ :‬ما‬
‫تصدق عبد من مال طيب ‪-‬وال يقبل هللا إال الطيب‪-‬؛ إال أخذه هللا بيمينه‬
‫وإن كانت مترة‪ ،‬فرتبو يف ميني الرمحن حّت تصبح كاجلبل‪ ،‬كما يريب أحدكم‬
‫فلوه‪.)1(‬‬
‫َ‬ ‫ُذ َ ذ‬ ‫َ ُ‬ ‫مث قال هللا ‪ ‬ختم هذه األية‪َ ﴿ :‬و ذ ُ‬
‫ٱّلل ل ُي ُِّب ك كفار أثِيم ﴾‪ ،‬أي‪:‬‬
‫القول والِفعل‪ ،‬طبعا‪ :‬العلماء يقولون‪ :‬اآلية ختتَم مبا‬
‫القلب أَثيم ِ‬
‫َ‬
‫ال حيب َكفور ِ‬
‫َ‬
‫كفور‬
‫يناسب ما ذكر فيها‪ ،‬فهنا فيه مناسبة؛ واملقصود‪ :‬بيان أن املرايب َ‬
‫القلب‪ ،‬أي‪ :‬أنه غري شكور‪ ،‬فال يرضى مبا قسم هللا له‪ ،‬وال يشكر على اخلري‬
‫أكل أموال الناس ابلباطل‬ ‫الفعل‪ ،‬فهو يَسعى يف ِ‬ ‫الذي هو فيه‪ ،‬أَثيم ِ‬
‫القول و ِ‬
‫أبنواع املكاسب‪.‬‬

‫(‪ )1‬متفق عليه‪.‬‬


‫|‪29‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫َ ۡ َ ٗ‬‫كلُوا ٱلر َبوآَٰ‬ ‫َ َٰٓ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ َ َ ۡ ُ‬


‫أضعَٰفا‬ ‫ِ‬ ‫ٱَّلين ءامنوا ل تأ‬ ‫وهللا ‪ ‬قال‪﴿ :‬يأيها ِ‬
‫ُ ۡ‬ ‫ار ذٱل ِ ٓ‬ ‫ون ‪َ ١٣٠‬و ذٱت ُقوا ٱنلذ َ‬ ‫ذَ ََذ ُ ۡ ُۡ ُ َ‬ ‫َ َٗ ذُ‬
‫أع ذِدت‬ ‫ت‬ ‫ُّمض َٰ َعفة َوٱتقوا ٱّلل لعلكم تفل ِح‬
‫ََ ُ ذَ َ ذ ُ َ ََذ ُ ۡ ُۡ َُ َ‬ ‫كَٰفِر َ‬ ‫ۡ َ‬
‫ون ‪[ ﴾ ١٣٢‬آل عمران]‪.‬‬ ‫ين ‪ ١٣١‬وأطِيعوا ٱّلل وٱلرسول لعلكم ترَح‬ ‫ِ‬ ‫ل ِل‬
‫َ َٰٓ َ ۡ َ َٰ ٗ ُّ َ َٰ َ َ ٗ‬ ‫َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ َ َ ۡ ُ ُ‬
‫ٱلربوا أضعفا مضعفة﴾‪ ،‬العلماء‬ ‫﴿ٓأيها ٱَّلِين ءامنوا ل تأكلوا ِ‬ ‫َٰ‬ ‫ٰ‬
‫يقولون‪ :‬إن هذه حكاية حال وليست صفة للراب‪ ،‬يعين‪ :‬ليست صفة الراب؛‬
‫أنه يكون أضعافا مضاعفة‪ ،‬بل الفلس الواحد يف الراب؛ راب وحرام‪ ،‬لكن كان‬
‫الكفار يف اجلاهلية يقرض أحدهم اآلخر‪ ،‬فإذا حل األجل؛ قال‪ :‬إما أن‬
‫تدفع أو نزيد‪ ،‬مث إذا حل األجل اآلخر قال‪ :‬إما تدفع‪ ،‬حّت يصبح أضعافا‬
‫مضاعفة‪ ،‬وهذا ‪-‬طبعا‪ -‬هو املوجود اليوم يف قروض البنوك الربوية! حّت‬
‫يصبح الرجل يشتغل بسداد الفوائد ال يفكر يف سداد األصل! سداد الفوائد!‬
‫وهذا ما حيصل يف البطاقات اإلئتمانية‪ ،‬مصيدة الراب يف هذا الزمان!‪،‬‬
‫فيعطونه البطاقة اإلئتمانية ويسحب ابلرصيد املكشوف‪ ،‬مث إذا جاء بعد‬
‫أربيعن يوما‪ ،‬أو مخسني يوما؛ قالوا تدفع كذا‪ ،‬مث بعد فرتة يدفع كذا زايدة‪،‬‬
‫وكذا‪ ،‬حّت يصبح الناس ‪-‬وأان رأيت هذا‪ -‬الواحد منهم أيخذ بطاقة ائتمانية‬
‫أخرى؛ من أجل أن يسدد فوائد تلك البطاقه! مث ترتاكم عليه!‪.‬‬
‫حّت اتصل يب أحدهم وقال‪ :‬اي شيخ‪ ،‬أان كانت املسألة يف البداية ألف‪،‬‬
‫مث أصبحت الفوائد املطلوبة مين عشرين ضعف الذي أخذت‪ ،‬طبعا‪ :‬هذا من‬
‫دخوله يف احلرام‪ِ ،‬‬
‫وسوء تصرفه أيضا دخل يف أشياء كثريه‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 30‬‬

‫َ ذ‬ ‫ذَ ََذ ُ ۡ ُۡ ُ َ‬ ‫ذُ‬


‫ون﴾‪ ،‬ول َعل من هللا؛‬ ‫وقال هللا ‪َ ﴿ :‬وٱتقوا ٱّلل لعلكم تفل ِح‬
‫حتقيق‪ ،‬ومن العباد؛ ترجي‪ ،‬أان أقول لك مثال‪ :‬افعل كذا لعلك تسعد‪ ،‬يعين‪:‬‬
‫َ ذ‬
‫رجاء أن تسعد‪ ،‬لكن ل َعل يف القرآن من هللا؛ حتقيق‪ ،‬فمن أراد الفالح‬
‫والسعادة يف الدنيا واآلخرة؛ فعليه بتقوى هللا ‪.‬‬
‫واملعن على اخلصوص هنا‪ :‬إن اجتنبتم الراب؛ كنتم من املفلحني فسعدمت‬
‫يف الدنيا‪ ،‬واراتحت قلوبكم‪ ،‬وابرك هللا لكم فيما آاتكم‪ ،‬وسرمت يف طريق‬
‫اجلنة‪.‬‬
‫وقال هللا ‪َ ﴿ :‬و ذٱت ُقوا ٱنلذ َار﴾ أي‪ :‬اتقوا أن ِحتلوا ما َحرم هللا‪ ،‬فيكون‬
‫ذلك سببا يف دخولكم النار‪ ،‬فإن من استحل ما حرم هللا ؛كفر إبمجاع أهل‬
‫العلم‪ ،‬من علم أن هللا حرم شيئا واستحله وقال إنه حالل واعتقد أنه حالل‬
‫فهو كافر إبمجاع أهل العلم‪ ،‬وكذلك معن اآلية‪ :‬اتقوا أن تتعاملوا ابلراب؛ فإن‬
‫التعامل ابلراب سبب يف دخول النار‪.‬‬
‫ذَ َ ذ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬
‫قال هللا ‪﴿ :‬وأطِيعوا ٱّلل وٱلرسول﴾ ملا هنى عن أكل الراب؛ أمر‬
‫بطاعة الرسول فيما أيمرهم به وينهاهم عنه من أكل الراب وغريه‪.‬‬
‫أيضا هللا ‪ ‬بني يف كتابه الكرمي أن أكل الراب من صفات األشرار‪ ،‬ومن‬
‫الصفات املذمومة‪ ،‬وأنه كان من صفات الذين هادوا‪ ،‬وال يزال هذا األمر‬
‫ۡ َۡ‬
‫فاشيا يف اليهود‪ ،‬فهم أسياد الراب يف العال‪ ،‬كما قال هللا ‪ِ ﴿ ‬إَون مِن أه ِل‬
‫َ ٗ‬ ‫ُ ُ ََ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َ‬ ‫ۡٱلك َِتَٰب إ ذل َۡلُ ۡؤم َ ذ‬
‫ِن بِهِۦ ق ۡبل َم ۡوتِهِۦ َو َي ۡو َم ٱلقِ َيَٰ َمةِ يَكون عل ۡي ِه ۡم ش ِهيدا ‪١٥٩‬‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ذ ۡ َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫َ ذ َ َ ُ‬ ‫َ ُ ۡ‬
‫ت ل ُه ۡم َوب ِ َص ِده ِۡم عن‬ ‫ِين هادوا َح ذر ۡم َنا عل ۡي ِه ۡم َطي ِ َبَٰت أحِل‬ ‫فبِظلم مِن ٱَّل‬
‫|‪31‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬
‫َ َ‬ ‫َ ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫يا ‪َ ١٦٠‬وأ ۡخ ِذه ُ‬ ‫ٱّلل ِ َكث ِ ٗ‬
‫ذ‬
‫ٱلر َب َٰوا َوق ۡد ن ُهوا ع ۡن ُه َوأكل ِ ِه ۡم أ ۡم َوَٰل ٱنلذ ِ‬
‫اس‬ ‫ِ‬ ‫ِم‬ ‫يل‬
‫سب ِ ِ‬
‫َ‬
‫َ َ‬ ‫ََ ۡ َ ۡ َ ۡ َ‬ ‫ۡ‬
‫ين م ِۡن ُه ۡم َعذابًا أ ِۡل ٗما ‪[ ﴾١٦١‬النساء]‪.‬‬ ‫ك َٰ ِفر َ‬
‫ِ‬ ‫ِل‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫د‬ ‫ت‬ ‫ع‬ ‫أ‬‫و‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫ط‬
‫ِ‬ ‫َٰ‬ ‫ٱل َ‬
‫ب‬ ‫بِ‬
‫وِما مر بنا يف اآلايت تنفريا عن الراب؛ أن هللا آذن آكليه املصرين على‬
‫أكله حبرب منه ومن رسوله ﷺ‪ ،‬ول جيمع هللا بينه وبني رسوله ﷺ يف اإليذان‬
‫ابحلرب؛ إال يف الراب‪.‬‬
‫هللا آذن ابحلرب يف أمرين‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬معاداة أوليائه‪ ،‬يف احلديث الذي رواه النيب ﷺ عن ربه‪:‬‬
‫‪‬من عادى يل وليا فقد آذنته ابحلرب‪.)1(‬‬
‫واملوطن الثاين‪ :‬يف اإلصرار على الراب وأكل الراب‪ ،‬ولكنه مجع بينه وبني‬
‫رسوله ﷺ يف أكل الراب فقط‪ ،‬فآذن حبرب منه ومن رسوله ﷺ‪ ،‬وهذا يدل‬
‫على التشنيع يف الراب‪ ،‬ملاذا؟‬
‫عندان قاعدة ‪-‬اي إخوة‪ -‬عند أهل العلم‪ ،‬أهل العلم يقولون‪ :‬الوازع عن‬
‫الشيء املكروه ‪-‬يعين ليس املكروه اصطالحا يعين شيء الذي ليس بطيب‪-‬‬
‫وازعان‪ :‬وازع طبعي‪ ،‬ووازع شرعي‪.‬‬
‫فإذا عظم الوازع الطبعي؛ خف الوازع الشرعي‪ ،‬وإذا خف الوازع الطبعي‬
‫أو وجد ما يقاومه؛ جاء التعظيم الشرعي‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري‪.‬‬


‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 32‬‬

‫يعين الشيء الذي يطلبه الطبع ال يشدد يف ذكره يف النصوص‪ ،‬وإمنا‬


‫يطلب أو ينهى عنه‪ ،‬مثال‪ :‬أن اإلنسان يدعوا لوالديه‪ ،‬هذا أمر الطبع يطلبه‬
‫فال يؤكد فيه‪ ،‬لكن أن ال حيب أابه الكافر؛ هذا أمر طبع اإلنسان ال يدعو‬
‫إليه‪ ،‬بل الطبع يدعو إىل احملبة‪ ،‬فهنا شدد فيه‪.‬‬
‫أكل الراب طريق سهل حلصول املال‪ ،‬ومضمون‪ ،‬فالنفس حلبها للمال قد‬
‫تقدم عليه‪ ،‬فجاء التشديد يف القرآن لينفر القلوب والنفوس عنه‪ ،‬تنفريا‬
‫للنفوس‪.‬‬
‫نبدأ ابلقواعد اليت اخرتهتا يف هذه الدروس نبدأ ابلقاعدة األوىل‪:‬‬
‫|‪33‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫القاعدة األوىل تقول‪ :‬الراب من جهة ما يقع فيه ثالثة أقسام‪:‬‬


‫أي أن الراب من جهة املعامالت اليت يقع فيها ثالثة أقسام‪ ،‬فهو يقع يف‬
‫ثالث معامالت‪ :‬ال َديْن‪ ،‬والبيوع‪ ،‬والشفاعة‪.‬‬
‫الديْن‪ ،‬وعندان راب البيوع‪ :‬ألنه يقع يف‬
‫الديْن‪ :‬إلنه يقع يف َ‬
‫فعندان راب َ‬
‫البيوع‪ ،‬وعندان راب الشفاعة‪ :‬ألنه يقع يف الشفاعة‪.‬‬
‫وسنتكلم عنها إن شاء هللا مجيعا‪:‬‬
‫ابن رشد احلفيد ‪-‬رمحه هللا‪ -‬يف "بداية اجملتهد"(‪ ،)1‬قسم الراب إىل نوعني‪:‬‬
‫الديْن‪ ،‬وراب البيع‪ ،‬فقال‪” :‬اتفق العلماء على أن الراب يوجد يف شيئني‪ :‬يف‬
‫راب َ‬
‫البيوع‪ ،‬وفيما تقرر يف الذمة من بيع أو سلف أو غري ذلك“ يعين يف البيوع‬
‫ويف الديون ”فأما الراب فيما تقرر يف الذمه فهو صنفان‪:‬‬
‫‪ -‬صنف متفق عليه‪ :‬وهو راب اجلاهلية الذي هني عنه‪ ،‬وذلك أهنم كانوا‬
‫يسلفون يف الزايدة وينظرون“ يعين‪ :‬يسلف إىل أجل‪ ،‬يقرض إىل أجل‪ ،‬مث‬
‫يقول‪ :‬أزيدك يف األجل وِزد يف املال‪.‬‬
‫‪” -‬والثاين ضع وتعجل“ وهذه سنتكلم عنها إن شاء هللا ‪.‬‬

‫(‪ )1‬استطرد الشيخ هنا فقال‪" :‬كتاب ”بداية اجملتهد وهناية املقتصد“ البن رشد احلفيد املالكي ‪-‬‬
‫وهو كتاب يف الفقة املقارن‪ -‬له مزيتان كبرياتن‪:‬‬
‫املزية األوىل‪ :‬تقسيم املسائل‪ ،‬فهو يتميز ابلتقسيم‪ ،‬بتقسيم املسائل عند عرضها‪.‬‬
‫وامليزة الثانية‪ :‬بيان سبب اخلالف‪ ،‬فهذا الكتاب ابلنسبة لطالب الفقة املتقدم الذي مر من‬
‫املرحلة األوىل؛ مفيد جدا‪ ،‬ألن التقسيم يعني الفقيه‪ ،‬ومعرفة سبب اخلالف؛ حتدد اخلالف"‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 34‬‬

‫قال‪” :‬وأما الراب يف البيع؛ فإن العلماء أمجعوا أنه صنفان‪ :‬نسيئة‬
‫وتفاضل“‪.‬‬
‫إذن ‪-‬اي إخوة‪ -‬انتبهوا‪ :‬الراب يكون يف الديون ويكون يف البيوع‪ ،‬هل هذا‬
‫ضلة؟ شيء فقط من ابب التنويع؟ أبدا‪ ،‬هذا التقسيم مهم جدا‪،‬‬ ‫التقسيم فَ ْ‬
‫والذين ل يعرفوه ل يضبطوا ابب الراب‪ ،‬اإلشكال أن الفقهاء يتكلمون عن الراب‬
‫يف ابب البيوع ويقولون‪ :‬راب الفضل وراب النسيئة ‪-‬وهذا سيأيت إن شاء هللا‪-‬‬
‫وال يهتمون كثريا ببيان هذا التقسيم مع أنه مؤثر جدا يف ضبط الراب‪.‬‬
‫الررراب يكررون يف الررديون ويكررون يف البيرروع‪ ،‬والفررر بررن القسررمن مررن‬
‫وجهن عظيمن‪:‬‬
‫‪ -‬الوجه األول‪ :‬أن راب الديون جيري يف كل مال‪ ،‬فهو ليس خاصا مبال‬
‫ربوي ومال غري ربوي‪ ،‬أما راب البيوع؛ فال جيري إال يف األموال الربوية‪ ،‬كما‬
‫سيأيت بيانه إن شاء هللا‪.‬‬
‫‪ -‬الوجه الثاين‪ :‬أن راب الديون؛ ال بد أن يكون نسيئة وال يكون حاضرا‪،‬‬
‫راب الديون ال يقع يف احلاضر؛ ال بد أن يكون نسيئة‪ ،‬أما راب البيوع؛ فيكون‬
‫فيه حاضر‪ ،‬ويكون فيه نسيئة‪.‬‬
‫وعدم التنبه للقسمني قاد بعض املعاصرين للخبط يف مسائل الراب‪ ،‬حّت‬
‫الذين يتكلمون يف االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬خبطوا يف مسائل الراب ألهنم ل يتنبهوا‬
‫الديْن وراب البيع‪.‬‬
‫للفرق بني راب َ‬
‫|‪35‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫فمثال قال بعضهم‪ :‬إن الزايدة اليت أتخذها املصارف‪ ،‬أو أيخذها الناس‬
‫من املصارف‪ ،‬اليت تسمى ابلفوائد ليست راب!‬
‫طيب‪ :‬تعالوا اي معاشر املعممني ملاذا ليست راب؟‬
‫قالوا‪ :‬ألن األوراق النقدية ليست من أموال الراب‪ ،‬وليست فيها علة الراب!‬
‫أقول‪ :‬ومع أن هذا التعليل ليس صوااب يف ذاته ‪-‬كما سيأيت‪ -‬بل النقود‬
‫أموال ربوية ‪-‬كما سيأيت إن شاء هللا‪-‬؛ فهو كذلك يف غري حمله‪ ،‬كيف يف‬
‫الديْن‪ ،‬وليست من‬ ‫غري حمله؟ ألن هذه املعامالت يف البنوك من ابب راب َ‬
‫الديْن إبمجاع‬
‫الديْن ال يتكلم فيه عن األموال الربوية! راب َ‬
‫ابب راب البيوع‪ ،‬وراب َ‬
‫أهل العلم يقع يف كل مال يصح قرضه‪ ،‬خبالف راب البيوع‪ .‬وأعطيكم مثاال اي‬
‫إخوة‪:‬‬
‫لو أن شخصا ابع آخر سيارة بسيارتني‪ ،‬قال‪ :‬أبيعك هذه السيارة‬
‫هباتني السيارتني حاضرة أو مؤجلة‪ ،‬جاز ذلك‪ ،‬ملاذا؟‬
‫ألن السيارات ليست من األموال الربوية فال يدخلها راب البيوع‪.‬‬
‫[قال مثال‪ ]:‬أبيعك هذه السيارة هباتني السيارتني على أن أسلمك‬
‫السيارة بعد شهر‪ ،‬اآلن عندان تفاضل‪ :‬سيارة بسيارتني‪ ،‬وعندان نسيئة‪ ،‬ولكنه‬
‫جائز‪ ،‬ألن السيارات ليست من األموال الربوية فال تدخل يف راب البيوع‪.‬‬
‫لكن لو أن إنساان أقرض آخر سيارة‪ ،‬أقرضه سيارة‪ ،‬ما ابعه‪ ،‬أقرضه‬
‫سيارة على أن يردها بعد سنة سيارتني‪ ،‬قال‪ :‬أان اآلن أذهب معك إىل‬
‫املعرض وأشرتي لك سيارة جديدة وأقرضك إايها‪ ،‬كما يقولون ابلعامية‪ :‬دبر‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 36‬‬

‫حالك فيها‪ ،‬على أن تردها يل بعد سنتني أو بعد سنة سيارتني‪ ،‬هذا ال جيوز‪،‬‬
‫الديْن‪.‬‬
‫هذا راب َ‬
‫الديْن ال خيتص أبموال دون غريها ‪ ،‬هذا مهم جدا‪ ،‬ولو ضبطناه؛‬ ‫وراب َ‬
‫حسمنا مسألة أكثر الراب الذي يف البنوك‪ ،‬وحسبنا الطنطنة اليت يثريها بعض‬
‫الناس حول راب البنوك‪.‬‬
‫مما يدل على أن راب ال َديْن يدخل مجيع األموال وليس خاصا ابألموال‬
‫الربوية أمور‪:‬‬
‫‪ -‬األمر األول‪ :‬أن راب اجلاهلية ل يكن مقتصرا على مال دون مال‪ ،‬بل‬
‫كان يف احليواانت ويف غريها‪ ،‬يدل على ذلك‪ :‬ما رواه ابن جرير الطربي عن‬
‫زيد بن أسلم ‪-‬رمحه هللا‪ -‬أنه قال‪" :‬إمنا كان الراب يف اجلاهلية يف التضعيف‬
‫ويف السن‪ ،‬يكون للرجل فضل دين فيأتيه إذا حل األجل يقول له‪ :‬تقضيين أو‬
‫تزيدين؟ إن كان عنده شيء يقضيه قضى؛ وإال حوله إىل السن اليت فوق‬
‫ذلك‪ ،‬إن كانت ابنة خماض؛ جيعلها ابنة لبون" أقرضه ابنة خماض فجاء وقت‬
‫األجل قال‪ :‬سدد‪ ،‬قال‪ :‬ما عندي‪ ،‬قال‪ :‬إذن نعطيك ستة أشهر وجنعلها ابنة‬
‫لبون أكرب‪" ،‬مث حقة‪ ،‬مث جذعة‪ ،‬مث رابعية‪ ،‬مث هكذا إىل فوق‪ ،‬ويف العني أيتيه‬
‫فإن ل يكن عنده؛ أضعفه يف العام القابل‪ ،‬فإن ل يكن عنده‪ ،‬أضعفه أيضا‪،‬‬
‫فتكون مئة فيجعلها إىل مئتني‪ ،‬فإن ل يكن عنده جعلها إىل أربعمئة‪ ،‬وهكذا‬
‫يضعفها له يف كل سنة"‪ ،‬إذن ‪-‬اي إخوة‪ -‬راب اجلاهلية الذي قطع القرآن‬
‫بتحرميه يف الديون؛ ل يكن خاصا مبال دون مال‪ ،‬ففيه داللة على جراين الراب‬
‫يف اإلبل يف اجلاهلية وهو ليس من األموال الربوية يف البيوع‪.‬‬
‫|‪37‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫‪ -‬األمر الثاين‪ :‬أن العلماء أمجعوا‪ :‬أن "كل قرض جر منفعة فهو راب"‪،‬‬
‫كل منفعة‪- ،‬وسيأيت إن شاء هللا دراسة هذه القاعدة وبيان حقيقتها وهل‬
‫هذا حبديث أو ليس حبديث سيأيت إن شاء هللا‪ -‬لكن وجه الشاهد اآلن‪ :‬أن‬
‫العلماء أمجعوا على أن كل قرض‪ ،‬أي‪ :‬كل َديْن جر منفعة فهو راب‪.‬‬
‫فلو أن إنساان قال آلخر‪ :‬أقرضك ألف رايل‪ ،‬بشرط أن أكتب أين‬
‫أقرضتك‪ ،‬أكتب يف اجلريدة‪ ،‬أكتب كذا أين أقرضتك‪ ،‬هذا راب‪ ،‬ألنه يشرتط‬
‫عليه هذا الشرط من أجل أن ينتفع ابمسه‪ ،‬مع أن هذا ليس من األموال‬
‫الربوية! وسيأيت إن شاء هللا تفصيل املنافع عند ذكر هذه القاعدة‪.‬‬
‫‪ -‬األمر الثالث‪ :‬وهذا مهم جدا؛ إمجاع العلماء على أن راب َ‬
‫الديْن‬
‫جيري يف مجيع األموال‪ ،‬حّت الظاهرية الذين يقصرون الراب على األصناف‬
‫الستة فقط راب البيوع؛ ينقلون اإلمجاع على أن راب الدين يف كل مال‪.‬‬
‫يقول ابن حزم ‪-‬رمحه هللا‪" :-‬الراب ال يكون إال يف بيع أو قرض‪ ،‬وهو يف‬
‫القرض يف كل شيء‪ ،‬فال حيل إقراض شيء لريد إليك أقل أو أكثر‪ ،‬وال من‬ ‫ِ‬
‫قرضت يف نوعه ومقداره" مث قال‪" :‬وهذا إمجاع‬
‫مثل ما أ َ‬‫نوع آخر أصال‪ ،‬لكن َ‬
‫مقطوع به"‪.‬‬
‫أيضا قال ابن حزم ‪-‬رمحه هللا‪" :-‬وأما القرض؛ فجائز يف األصناف‬
‫الستة اليت ذكرانها ويف غريها‪ ،‬ويف ِ‬
‫كل ما ميتلك‪ ،‬وال يدخل الراب فيه إال يف‬
‫أجود ِما‬
‫أقل ِما أقرض‪ ،‬أو َ‬ ‫وجه واحد فقط؛ وهو اشرتاط أكثر ِما أقرض‪ ،‬أو َّ‬
‫أقرض‪ ،‬أو أدن ِما أقرض‪ ،‬وهذا جممع عليه"‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 38‬‬

‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رمحه هللا‪ -‬يف القرض‪" :‬ليس له أن‬
‫يشرتط عليه الزايدة عليه ‪-‬يعين على املقرتض‪ -‬يف مجيع األموال ابتفاق‬
‫العلماء‪ ،‬واملقرض يستحق مثل قرضه يف صفته"‪.‬‬
‫وقال النووي ‪-‬رمحه هللا‪" :-‬وحيرم كل قرض جر نفعا‪ ،‬فإن َشَر َط زايدة‬
‫غري ربوي على الصحيح"‪.‬‬ ‫يف القدر َحرَم إن كان املال ربواي‪ ،‬وكذا إن كان َ‬
‫ملاذا قال على الصحيح؟ هل يف املسألة خالف؟ ال‪ ،‬لكن يشري إىل‬
‫مسألة أخرى يف بقية كالمه‪ ،‬قال‪" :‬وحكى اإلمام أنه يصح الشرط اجلار‬
‫للمنفعة يف غري الربوي‪ ،‬وهو شاذ وغلط"‪ ،‬يعين‪ :‬حكى اإلمام أنه يصح‬
‫الشرط الذي جير املنفعة يف غري الربوي‪ ،‬وهذا يف املنافع ال يف األموال‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وهو شاذ وغلط‪.‬‬
‫إذا تبني هذا‪-‬اي إخوة‪ -‬فإان نقول كما قدمنا‪ ،‬ينقسم الراب من جهة‬
‫املعاملة اليت يقع فيها إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬راب الديون‬
‫وراب الديون ثالثة أقسام‪:‬‬
‫الديْن الثابت يف الذمة‪ ،‬وضع وتعجل‪.‬‬
‫راب القرض‪ ،‬والزايدة يف َ‬
‫ثالثة أنواع‪:‬‬
‫‪ )1‬راب القرض‪ :‬راب القرض‪ ،‬يعين أن يقرضه بزايدة من األصل‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫أقرضك ألفا على أن تردها ألفا ومخسمئة‪ ،‬هذا راب القرض ‪.‬‬
‫الديْن الثابت يف الذمة‪ :‬يقرضه ألفا أبلف على أن يردها‬
‫‪ )2‬الزايدة يف َ‬
‫بعد سنة‪ ،‬فإذا حل األجل قال له‪ :‬إما أن تفي وإما أن تزيد‪.‬‬
‫|‪39‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫‪ )3‬ضع وتعجل‪ :‬وهذه سنتكلم عنها إن شاء هللا‪ ،‬فهي خالفية وسنبني‬
‫الراجح فيها إن شاء هللا‪.‬‬
‫والقسم الثاين راب البيوع‪ :‬وهو نوعان‪ :‬راب الفضل‪ ،‬وراب النسيئة‪ ،‬وهذي‬
‫سنفردها بقاعدة مستقلة‪.‬‬
‫والثالث راب الشفاعة‪ :‬وهذه أيضا سنشرحها إن شاء هللا يف ثنااي هذه‬
‫القاعدة‪.‬‬
‫نبدأ براب ال َديْن أان سأشري إليه ونقف وبعد املغرب نعود إليه ‪...‬‬
‫الديْن الثابت يف الذمة‪ ،‬و"ضع وتعجل"‪،‬‬
‫عندان‪ :‬راب القرض‪ ،‬والزايدة يف َ‬
‫وكلها عند أهل العلم من راب اجلاهلية‪.‬‬
‫و"ضع وتعجل"‪ :‬فيها خالف سأشرحها إن شاء هللا بعد املغرب‪ ،‬وأبني‬
‫الراجح فيها‪ ،‬والصحيح من أقوال أهل العلم فيها‪.‬‬
‫فلعلنا نقف عند هذا املقدار لرتاتحوا ‪ ..‬وبعد صالة املغرب ‪-‬حبول هللا‬
‫وقوته‪ -‬نكمل هذه القاعدة حّت نفرغ منها‪ ،‬وهللا تعاىل أعلى وأعلم وصلى‬
‫هللا على نبينا وسلم‪.‬‬

‫***‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 40‬‬

‫الدرس الثاين‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته‪ ،‬احلمدهلل رب العاملني والصالة والسالم‬
‫األمتان األكمالن على املبعوث رمحة للعاملني‪ ،‬وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫أما بعد‪،‬‬
‫فنواصل احلديث عن القاعدة األوىل من القواعد الضابطة لباب الراب‪،‬‬
‫وهي قاعدة من األمهية مبكان‪ ،‬وتعظم أمهيتها إذا عرفنا قلة تناوهلا وتداوهلا مع‬
‫عظيم أمهيتها وكبري أثرها‪ ،‬وهي أن الراب ينقسم من جهة ما يقع فيه إىل ثالثة‬
‫أقسام‪:‬‬

‫‪ )1‬راب الديون‪.‬‬
‫‪ )2‬وراب البيوع‪.‬‬
‫‪ )3‬وراب الشفاعة‪.‬‬

‫وبدأان التفصيل يف راب الديون أو راب القروض‪ ،‬وقلنا‪ :‬إن راب الديون يتنوع‬
‫إىل ثالثة أنواع‪:‬‬

‫أ‪ /‬راب القرض‪.‬‬

‫الديْن الثابت يف الذمة‪.‬‬


‫ب‪ /‬وراب الزايدة يف َ‬
‫جـ‪ /‬وضع وتعجل‪ ،‬وكلها من راب اجلاهلية‪.‬‬
‫|‪41‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫[الكالم على راب القرض وراب الزايدة يف ال َديْن الثابت يف الذمة]‬


‫يقول السمعاين‪” :‬راب اجلاهلية‪ :‬أهنم كانوا يداينون الناس بشرط أن يزيدوا‬
‫الديْن عند األداء“ هذا النوع األول الذي هو راب القرض ”أهنم كانوا‬ ‫يف َ‬
‫الديْن عند األداء‪ ،‬وكان يقرض الرجل غريه‬
‫يداينون الناس بشرط أن يزيدوا يف َ‬
‫الديْن حّت أزيدك يف‬
‫ويضرب له أجال‪ ،‬وعند حلول األجل يقول له‪ :‬زدين يف َ‬
‫األجل“‪ .‬أ َو ِسع عليك يف األجل مبقابل‪ ،‬فهذا كان راب اجلاهلية‪ ،‬وهذان‬
‫نوعان‪.‬‬
‫والفررر بررن راب القرررض "راب الر َديْن"‪ ،‬وراب الررزايدة يف الر َديْن الثابررت يف‬
‫الذمة‪ ،‬من وجهن‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬من جهة السبب‪.‬‬
‫فراب القرض‪ :‬سببه القرض نفسه‪ ،‬أقرضك مئة على أن تردها مئة‬
‫ومخسني‪ ،‬فسبب هذه الزايدة القرض‪.‬‬
‫الديْن الثابت يف الذمة‪ :‬فقد يكون سببها القرض أو‬
‫وأما الزايدة يف َ‬
‫البيع‪.‬‬
‫الديْن الثابت‬
‫الديْن‪ ،‬أما الراب ابلزايدة يف َ‬
‫يعين‪ :‬راب القرض اليكون إال يف َ‬
‫الديْن الثابت يف الذمة قرضا وقد يكون بيعا‪.‬‬
‫يف الذمة‪ ،‬قد يكون سبب هذا َ‬
‫يكون قرضا‪[ :‬إذا] أقرضه مئة مبئة على أن يردها مئة بعد سنة‪ ،‬عندما‬
‫جاءت السنة ل يستطع الوفاء‪ ،‬قال‪ :‬نزيدك نصف سنة ونزيد مخسينا‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 42‬‬

‫وراب الزايدة الذي يكون سببه البيع اآلجل‪[ ،‬مثاله]‪ :‬ابعه سيارة خبمسني‬
‫ألفا على أن يسدد بعد سنة‪ ،‬فإن ل يسدد بعد سنة يرتفع الثمن إىل سبعني‬
‫الديْن‪ ،‬ألن مثن‬
‫ألفا عند حلول األجل‪ ،‬فهذا سببه البيع‪ ،‬وهو زايدة يف َ‬
‫السيارة أصبح دينا يف الذمة‪ .‬فإذا جاء وقت السداد ما استطاع أن يسدد‪،‬‬
‫قال‪ :‬سنة بعشرين ألف وهكذا‪.‬‬
‫والوجه الثاين‪ :‬من جهة وقت حصول الزايدة‪.‬‬
‫الديْن؛ عند القرض‪ ،‬عند االقرتاض‪.‬‬
‫فوقت حصول الزايدة يف راب َ‬
‫فالزايدة ال بد منها سواء سدد يف األجل أو ل يسدد يف األجل‪ ،‬ألهنا‬
‫مشرتطة عند القرض‪[ .‬مثاله]‪ :‬أقرضك مئة مبئة وعشرة‪ ،‬فالزايدة اشرتطت‬
‫عند االقرتاض‪ ،‬فلو فرضنا أنه سدد يف األجل‪ ،‬سيدفع مئة وعشرة‪ ،‬ولو سدد‬
‫قبل األجل سيدفع مئة وعشرة‪ ،‬إال أن أتيت مسألة "ضع وتعجل"‪.‬‬
‫الديْن الثابت يف الذمة؛ فإهنا تكون عند حلول األجل‪ ،‬فلو‬
‫أما الزايدة يف َ‬
‫سدد يف وقت األجل‪ ،‬ال تكون هناك زايدة‪.‬‬
‫فلو أنه قال له‪ :‬أقرضك مئة على أن ترد مئة بعد سنة‪ ،‬طيب‪ :‬لو رد بعد‬
‫سنة‪ ،‬سريد كم؟ سريد مئة‪ .‬لكن إذا ل يستطع؟ ستأيت هنا الزايدة‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫أزيدك يف األجل‪ ،‬مقابل كذا من املال‪.‬‬
‫واليوم يف البيوع‪ ،‬تقع صور تشرتط فيها الزايدة عند العقد‪ ،‬فيقول له‬
‫مثال‪ :‬أبيعك هذه السيارة مبئة ألف مقسطة على سنة‪ ،‬فإن زدت عن السنة‪:‬‬
‫|‪43‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫فكل شهر خبمسة آالف زايدة‪ ،‬إن أتخرت شهرا؛ مخسة آالف‪ ،‬إن أتخرت‬
‫شهرين؛ عشرة آالف‪ ،‬إن أتخرت ثالثة؛ مخسة عشر ألفا‪.‬‬
‫وهذا فيه علتان شرعيتان عظيمتان‪:‬‬
‫أما األوىل‪ :‬فهو أنه من الراب‪ ،‬ألنه زايدة مقابل األجل‪.‬‬
‫وأما الثانية‪ :‬فهو أن مثن السلعة ال يكون مستقرا عند العقد‪ ،‬ومن شروط‬
‫صحة البيع؛ استقرار الثمن عند العقد‪ ،‬ألنه ال يدري ميكن يسدد يف سنة‬
‫فيدفع مئة ألف‪ ،‬وميكن يزيد شهرا فتصبح قيمة السيارة مئة ومخسة‪ِ ،‬مكن‬
‫يزيد ثالثة أشهر‪ ،‬فتصبح قيمة السيارة مئة ألف ومخسة عشرة ألفا وهكذا‪.‬‬
‫راب القرض‪ :‬تشرتط فيه الزايدة عند االقرتاض‪:‬‬
‫سواء كانت هذه الزايدة حسية‪ :‬كنقود‪ ،‬أو بيت‪ ،‬أو سيارة‪ .‬يقول‬
‫مثال‪ :‬أقرضك مليوان‪ ،‬على أن ترده بعد سنة مليوان وسيارة نوعها كذا‪ ،‬أو غري‬
‫ذلك من احلسيات‪.‬‬
‫أو كانت معاملة‪ :‬يقول‪ :‬أقرضك مليون‪ ،‬وتردها مليوان بشرط أن تزوجين‬
‫أختك‪ ،‬هذا راب قرض‪ ،‬ألنه يرد املليون مبليون وهذه املنفعة‪ ،‬أو أقرضك مليوان‬
‫على أن ترد مليوان وتؤجرين املستودع املوجود يف املكان الفالين‪ ،‬ابألجرة!‬
‫لكن سبب هذا التأجري القرض‪ ،‬هذا راب قرض‪ ،‬ألنه يرد املليون‪ ،‬وهذا‬
‫التأجري‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 44‬‬

‫أو كانت يعين يف البنوك اآلن يفعلون هذا‪ ،‬يقولون نقرضك بشرط أن‬
‫تفتح عندان احلساب‪ .‬يعين‪ :‬أيتيهم إنسان يقول‪ :‬وهللا أان عندي دين يف‬
‫البنك الفالين‪ ،‬فيقولون‪ :‬نعطيك متويال‪ ،‬نعطيك قرضا‪ ،‬وال أنخذ زايدة‪ ،‬لكن‬
‫بشرط أن تنقل احلساب عندان‪ .‬فهنا قرض اشرتطت فيه منفعة نقل احلساب‪.‬‬
‫أو فتح احلساب اجلاري عندهم‪ .‬وهذا فيه مصلحة للبنك‪ ،‬فهو من القروض‬
‫الربوية‪.‬‬
‫أو كانت معنوية‪ :‬كاالنتفاع جباهه‪ ،‬أو ابمسه‪ .‬يقول‪ :‬أقرضك مليوان‬
‫مبليون على أن تشفع يل عند الشيخ الفالين‪ ،‬أو يف اجلهة الفالنية إلهناء‬
‫املعاملة الفالنية‪ ،‬الحظوا أنه مشروط! هذا من راب القرض‪ ،‬وهذا هو املعروف‬
‫ابلقرض الذي جير نفعا‪ ،‬وسيأيت إن شاء هللا تفصيل فيه يف قاعدة مستقلة‪.‬‬
‫الديْن‬
‫الديْن‪ ،‬وكل زايدة يف َ‬
‫طيب‪ :‬ملاذا كان هذا راب؟ ألن فيه زايدة يف َ‬
‫فهي راب‪.‬‬
‫الديْن‬
‫الديْن‪ ،‬إذ َ‬‫واحلكمة من هذا ‪-‬اي إخوة‪ -‬أن هذا ينايف مشروعية َ‬
‫شرع للرفق‪ ،‬ولذلك كان أجره عظيما‪ ،‬حّت قال بعض أهل العلم‪" :‬إن أجر‬
‫الديْن‪ ،‬أعظم من أجر الصدقة"‪ ،‬وهذا َم ْل َمح دقيق حّت غاب عن بعض‬ ‫َ‬
‫الديْن‬
‫قول بعض أهل العلم هذا‪ ،‬قالوا‪ :‬كيف يكون َ‬ ‫طالب العلم‪ ،‬وعاب َ‬
‫الديْن وإن كان يرد‪ ،‬إال أنه ال‬
‫وهو يرد؛ أعظم أجرا من الصدقة؟! قالوا‪ :‬ألن َ‬
‫أييت يف الغالب إال وقت حاجة ماسة‪.‬‬
‫|‪45‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫الديْن؛‬
‫اإلنسان مّت يستدين؟ يستدين إذا كان حباجة ماسة‪ ،‬فإذا أعطاه َ‬
‫الديْن أعظم أجرا‬
‫يكون فرج عنه‪ ،‬فمن هذا الباب قال بعض أهل العلم‪" :‬إن َ‬
‫من الصدقة"‪ ،‬وإن كان هذا يف نظري مرجوحا‪ ،‬والصدقة أعظم أجرا؛ لكن‬
‫الديْن ال شك أنه من األجور‪ ،‬والقرابت‪ ،‬والقصد منه الرفق‪.‬‬
‫َ‬
‫الديْن من‬
‫واحلكمة من مشروعيته االرتفاق‪ ،‬والزايدة تنايف الرفق‪ ،‬وتنقل َ‬
‫االرتفاق إىل املعاوضة‪ ،‬وهذا ينايف مشروعيته‪.‬‬
‫الديْن الثابت يف الذمة‪ ،‬تكون عند حلول األجل‪ ،‬وال فرق يف‬
‫والزايدة يف َ‬
‫احلكم‪ ،‬سواء كان طلب الزايدة بسبب التأخري من املق ِرض‪ ،‬أو كان طلب‬
‫الزايدة من املق ِرتض‪ ،‬كيف هذا؟‬
‫يعين‪ :‬إنسان عليه دين على أن يسدده بعد سنة‪ ،‬عندما جاء األجل‪،‬‬
‫جاء املقرتض بنفسه إىل املقرض وقال‪ :‬وهللا عندي ظروف ال أستطيع أن‬
‫الديْن‪ .‬أو أن الذي طلب هو‬ ‫أسدد اآلن‪ ،‬فزدين يف األجل‪ ،‬وأان أزيدك يف َ‬
‫املقرض‪ ،‬فعندما حان األجل جاءه قال‪ :‬أان ما أستطيع‪ ،‬قال‪ :‬أزيدك يف‬
‫الديْن‪ ،‬كالمها سواء‪ ،‬ال فرق بني هذا وهذا‪ ،‬وكالمها راب حمرم‬
‫األجل‪ ،‬وتزيد يف َ‬
‫من راب اجلاهلية‪.‬‬
‫قال سعيد بن جبري‪" :‬كان الرجل يكون له على الرجل املال‪ ،‬فإذا حل‬
‫األجل فيقول‪ :‬أَخر عين وأزيدك على مالك‪ ،‬فتلك األضعاف املضاعفة"‪،‬‬
‫هذا بطلب من املقرتض‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 46‬‬

‫وهذا النوع قال فيه االمام أمحد‪ -‬رمحه هللا ‪" :-‬إنه الراب الذي ال شك‬
‫فيه"‪ ،‬يعين‪ :‬الراب املقطوع به‪ ،‬اجملمع عليه هذا النوع‪ ،‬ألنه الغالب يف راب‬
‫اجلاهلية‪.‬‬
‫ووصفه ابن القيم ‪-‬رمحه هللا‪ -‬أبنه الراب اجللي‪ ،‬قال‪" :‬فأما اجللي فراب‬
‫النسيئة وهو الذي كانوا يفعلونه يف اجلاهلية‪ ،‬مثل أن يؤخر دينه ويزيده يف‬
‫املال‪ ،‬وكلما أخره زاده يف املال‪ ،‬حّت تصري املئة عنده آالفا مؤلفة"‪ ،‬كل ما‬
‫حل األجل؛ زاد حّت تصبح أضعاف مضاعفة‪.‬‬
‫وهذان النوعان من راب اجلاهلية‪ ،‬وكالمها حمرمان إبمجاع أهل العلم‪ ،‬يقول‬
‫اجلصاص احلنفي‪ -‬رمحه هللا‪" :-‬إنه معلوم أن راب اجلاهلية كان قرضا مؤجال‬
‫بزايدة مشروطة‪ ،‬فكانت الزايدة بدال من األجل فأبطله هللا تعاىل"‪.‬‬
‫وقال جماهد‪ -‬رمحه هللا‪ -‬يف الراب الذي هني عنه‪" :‬كانوا يف اجلاهلية‬
‫الديْن‪ ،‬فيقول‪ :‬لك كذا وكذا وتؤخر عين؟ فيؤخر‬‫يكون للرجل على الرجل َ‬
‫عنه"‪.‬‬
‫وعن قتادة ‪-‬رمحه هللا‪" :-‬أن راب اجلاهلية‪ :‬يبيع الرجل البيع إىل أجل‬
‫مسمى‪ ،‬فإذا حل األجل ول يكن عند صاحبه قضاء‪ ،‬زاده وأخر عنه"‪ .‬هذا‬
‫الديْن يف الذمة بسبب البيع‪.‬‬
‫الذي قلنا الزايدة يف َ‬
‫وقال زيد بن أسلم‪" :‬كان الراب يف اجلاهلية‪ :‬يكون للرجل على الرجل‬
‫احلق‪ ،‬فإذا حل األجل؛ قال‪ :‬أتقضي أم تريب؟ فإن قضاه أخذه منه‪ ،‬وإال زاده‬
‫يف حقه وأخر عنه األجل"‪.‬‬
‫|‪47‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫وقال الشافعي‪ -‬رمحه هللا‪" :-‬وكان من راب اجلاهلية أن يكون للرجل على‬
‫الديْن‪ :‬تقضي أو تريب؟ فإن‬
‫الديْن فيقول له صاحب َ‬ ‫الديْن‪ ،‬فيحل َ‬ ‫الرجل َ‬
‫أخره زاد عليه وأخره"‪.‬‬
‫وقد نقل القرطيب ‪-‬رمحه هللا‪ -‬أنه الخالف بني املسلمني يف حترمي هذا‬
‫الراب‪ ،‬بل نص أهل العلم على أنه هو الذي نزل القرآن يف حترميه أصالة‪ ،‬فهو‬
‫الراب اجللي القطعي الذي أمجع العلماء على حترميه‪.‬‬
‫وهناك نصوص يف مجيع مذاهب الفقهاء تدل على هذين النوعني‪.‬‬
‫الديْن عند اإلقرتاض‪،‬‬
‫إذن ‪-‬اي إخوة‪ -‬راب القرض أبنواعه‪ ،‬الذي هو راب َ‬
‫الديْن الثابت يف الذمة؛ هو راب اجلاهلية الذي غلظ القرآن‬
‫وراب الزايدة يف َ‬
‫الديْن الثابت يف الذمة أغلب عند اجلاهليني من‬
‫حترميه‪ ،‬وإن كانت الزايدة يف َ‬
‫راب القرض‪ ،‬وهذا ال شك أنه حمرم‪ ،‬يدل على حترميه القرآن والسنة وآاثر‬
‫الصحابة واإلمجاع‪.‬‬
‫أما القرآن‪ :‬فكل آايت الراب اليت تَـلَ ْوانها نَص يف حترمي هذين النوعني‪.‬‬
‫وأما السنة‪ :‬فهناك أدلة كثرية دلت على ذلك‪ ،‬ومن ذلك قول النيب ﷺ‪:‬‬
‫‪‬وراب اجلاهلية موضوع‪.)1(‬‬
‫وهذا يدل على العموم‪ ،‬فكل ما ثبت أنه من راب اجلاهلية فهو موضوع‪،‬‬
‫يعين‪ :‬حمرم‪ ،‬فأبطل النيب ﷺ مجيع أنواع راب اجلاهلية‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم‪.‬‬


‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 48‬‬

‫أما من آاثر الصحابة‪ :‬فقد روى مالك ‪-‬رمحه هللا‪ -‬بالغا أن رجال أتى‬
‫عبد هللا بن عمر‪ ‬فقال‪ :‬اي أاب عبد الرمحن‪ ،‬إين أسلفت رجال سلفا‬
‫أفضل ِما أسلفته‪ ،‬فقال عبدهللا بن عمر‪ :‬ذلك الراب‪.‬‬
‫واشرتطت عليه َ‬
‫وقال ابن عمر‪ :‬من أسلف سلفا فال يشرتط إال قضاءه‪.‬‬
‫وقال ابن مسعود ‪ :‬من أسلف سلفا فال يشرتط أفضل منه‪ ،‬وإن‬
‫كانت قبضة من علف فهو راب‪.‬‬
‫وأما االمجاع‪ :‬فقد نقل مجع كثري من أهل العلم اإلمجاع على حترمي راب‬
‫الديون أبنواعها‪ ،‬منهم‪ :‬الباجي املالكي‪ ،‬والقرطيب املالكي‪ ،‬وابن املنذر‪،‬‬
‫واهليثمي‪ ،‬وابن حجر العسقالين الشافعية‪ ،‬وابن قدامة احلنبلي‪ ،‬وشيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬وابن حزم‪ ،‬والشوكاين‪ .‬فهو إمجاع مقطوع به‪ ،‬الخالف‬
‫فيه بني املتقدمني‪.‬‬
‫وعليه ‪-‬اي إخوة‪ -‬فإان نقول‪ :‬إن راب القروض املوجودة يف البنوك اليوم‬
‫حمرم إبمجاع العلماء‪ ،‬إمجاعا قطعيا‪ ،‬وإن كان بعض املعاصرين حاول إخراجه‬
‫من الراب احملرم؛ إال أهنم حمجوجون ابإلمجاع الذي اليشك فيه‪.‬‬
‫وإذا كان القول جديدا يف مسألة قد فرغ منها؛ فإنه اليلتفت إليه‪ ،‬هذا‬
‫انتبهوا له ‪-‬اي إخوة‪ -‬ال حنتاج أن نناقش كل قول‪ ،‬بل إذا وجدان القول حمداث‬
‫يف مسألة قد فرغ منها؛ فال نلتفت إليه ولو استدل مبئات األدلة‪ .‬فإنه ال‬
‫ميكن أن جتتمع أمة حممد ﷺ يف زمن من األزمنة على ضاللة‪.‬‬
‫|‪49‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫فإذا كانت املسألة قد حبثها العلماء‪ ،‬مث جاء من أحدث قوال جديدا يف‬
‫هذه املسألة اليت قد فرغ منها‪ ،‬فال نلتفت إليه مهما كان فضله‪ ،‬ومهما‬
‫استدل به من أدلة‪ .‬ألنه يكفي أنه قول حادث يف مسألة قد فرغ منها‪.‬‬
‫وأما القسم الثالث من راب الديون‪ :‬فهو ضع وتعجل‪.‬‬
‫وهذه مسألة مهمة جدا‪ ،‬يكثر وقوعها اليوم‪ ،‬وهي مسألة خالفية‪ ،‬وهذا‬
‫الديْن الثابت يف الذمة من أجل‬‫النوع عكس الثاين‪ ،‬الثاين قلنا‪ :‬الزايدة يف َ‬
‫الديْن الثابت يف الذمة من أجل‬‫زايدة األجل‪ ،‬هذا النوع‪ :‬هو النقص من َ‬
‫تنقيص األجل‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬شخص اقرتض من شخص مئة ألف على أن يردها بعد سنة‪،‬‬
‫الديْن اليوم‪ ،‬على أن تنزل يل‬
‫جاءه بعد ستة أشهر وقال‪ :‬أان أريد أن أسدد َ‬
‫الديْن‪ ،‬يصبح أعطيك تسعني ألفا وأسقط‬ ‫الديْن شيئا‪ ،‬ختصم شيئا من َ‬ ‫من َ‬
‫الستة أشهر‪.‬‬
‫أو كان ذلك من املقرض‪ :‬شخص أقرض شخصا مئة ألف‪ ،‬على أن‬
‫يردها بعد سنة‪ ،‬بعد ستة أشهر جاء إىل املقرتض‪ ،‬قال‪ :‬وهللا أان عندي‬
‫ظروف وأحتاج إىل مايل الذي عندك‪ ،‬فسددين اآلن مثانني ألفا وساحمتك يف‬
‫العشرين ألف مقابل األجل‪.‬‬
‫هذه مسألة‪" :‬ضع وتعجل"‪ ،‬قد يكون الطلب من املقرض‪ ،‬وقد يكون‬
‫من املقرتض‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 50‬‬

‫الديْن‬
‫وقد اتفق العلماء على أنه إن صاحل غرميه على إسقاط شيء من َ‬
‫بعد حلول األجل‪ ،‬أن هذا جائز‪.‬‬
‫الحظوا ‪-‬اي إخوة‪ -‬أقرضه مئة ألف على أن يسددها بعد سنة‪ ،‬عندما‬
‫حل األجل‪ ،‬قال له‪ :‬هات مثانني ألفا وساحمتك يف الباقي‪ ،‬ابتفاق العلماء‬
‫هذا جائز ألنه تصرف يف ماله تصرفا حمضا بال مقابل‪ ،‬هو عفى‪ ،‬كما جيوز‬
‫الديْن كله‪ ،‬لو أنه عند األجل جاءه فقال أان أقرضتك وأان‬ ‫أن يسقط َ‬
‫ساحمتك اآلن‪ ،‬هذا ال إشكال فيه‪.‬‬
‫لكن اإلشكال يف املسألة‪ :‬هل جيوز أن حيط عنه شيئا قبل حلول األجل‬
‫على أن يقضيه يف مكانه؟ هذه مسألة "ضع وتعجل"‪.‬‬
‫وقد اختلف فيها العلماء من السلف واخللف‪:‬‬
‫فمن العلماء من حرمها وقال‪ :‬إهنا حرام وهي من الراب ومن راب اجلاهلية‬
‫وهم اجلمهور‪ ،‬صح حترميها عن عبدهللا بن عمر ‪ ،‬وعن زيد بن اثبت‬
‫‪ ،‬وعن مجع من التابعني‪َ .‬ومجَْع مجهور فقهاء املذاهب األربعة؛ على أهنا‬
‫حمرمة‪ ،‬وأهنا من الراب‪.‬‬
‫وذهب بعض أهل العلم إىل جوازها‪ ،‬وهذا قول للشافعي‪ ،‬طبعا صح‬
‫القول جبوازها عن ابن عباس ‪ ،‬وسعيد بن املسيب يف أحد قوليه‪،‬‬
‫والشافعي يف قول‪ ،‬واإلمام أمحد يف رواية‪ ،‬واختار اجلواز شيخ اإلسالم ابن‬
‫تيمية‪ ،‬وشيخ اإلسالم ابن القيم‪- ،‬رحم هللا اجلميع‪ -‬قالوا ابجلواز‪.‬‬
‫واحتج القائلون ابلتحرمي أبحاديث ضعيفة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫|‪51‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫لت الراب أو أَ َّك َ‬


‫حديث املقداد أن النيب ﷺ قال له‪ :‬أَ ْك َ‬
‫(‪)1‬‬
‫لت الراب‪‬‬
‫وهذا احلديث ضعيف‪.‬‬
‫أيضا قالوا‪ :‬ألهنا تشبه الراب وهي من راب اجلاهلية‪.‬‬
‫كيف تشبه الراب؟ هذه مسألة دقيقة ‪-‬هذه طبعا هي عكس الراب‪ ،‬ألن‬
‫الراب زايدة يف املال من أجل األجل‪ ،‬وهذا نقص من املال من أجل األجل=‬
‫قالوا‪ :‬هي راب من وجهني‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أنه مال يف مقابل األجل فأشبه زايدة املال يف مقابل‬
‫األجل‪ .‬قالوا يف الراب زايدة يف مقابل األجل‪ ،‬وهنا إسقاط يف مقابل األجل‪.‬‬
‫فكالمها مال يف مقابل األجل‪.‬‬
‫والوجه الثاين‪ :‬قالوا‪ :‬ألن املقرض يشرتي من املقرتض املئة بثمانني‪،‬‬
‫يقولون‪ :‬اآلن انعكست‪ ،‬أصبح املقرض كاملشرتي من املقرتض‪ ،‬فاملقرتض يف‬
‫ذمته مئة ألف‪ ،‬فاملقرض يشرتيها منه بثمانني ألفا‪ ،‬فهو من هذا التصوير قالوا‬
‫إنه راب‪ ،‬وعلى هذا مشى مجهور أهل العلم‪.‬‬
‫طبعا‪ :‬الذين قالوا ابجلواز؛ احتجوا أيضا يف ذلك أبحاديث‪ ،‬منها‪ :‬أن‬
‫النيب ﷺ ملا أمر إبخراج بين النضري من اليهود جاءه أانس منهم فقالوا‪ :‬إنك‬
‫أمرت إبخراجنا‪ ،‬ولنا على الناس ديون ل حتل‪ ،‬فقال رسول هللا‪ ،‬ﷺ‪ :‬ضعوا‬
‫وتعجلوا‪ .‬يعين‪ :‬أنقصوا يف الديون وتعجلوا الوفاء‪ ،‬وهذا نص يف اجلواز لو‬

‫(‪ )1‬ضعفه البيهقي يف السنن الكربى‪.‬‬


‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 52‬‬

‫صح‪ ،‬ألنه أبمر رسول هللا ﷺ‪ ،‬وهذا احلديث رواه البيهقي وصححه بعض‬
‫أهل العلم‪ .‬لكن الصواب أنه ضعيف‪.‬‬
‫أيضا احتج القائلون ابجلواز‪ :‬أبن هذه معاملة؛ واألصل يف املعامالت‬
‫احلل‪ ،‬إال إذا دل دليل على التحرمي‪ ،‬ول يدل دليل على التحرمي‪ ،‬فاألحاديث‬
‫ضعيفة‪ ،‬وآاثر الصحابة متعارضة‪ ،‬صح عن ابن عمر‪ ‬القول ابلتحرمي‪،‬‬
‫وصح عن ابن عباس‪ ‬القول ابجلواز‪ ،‬وإذا تعارضت أقوال الصحابة‬
‫تساقطت‪ ،‬ال يكون يف أحد القولني حجة‪ ،‬فبقينا على األصل‪ ،‬وهو أن‬
‫األصل يف املعامالت احلل‪.‬‬
‫أيضا من وجه آخر قالوا‪ :‬إن يف هذا مصلحة للطرفني وال ظلم فيها‪،‬‬
‫يقولون الراب فيه ظلم‪ ،‬وهذه املعاملة فيها مصلحة للطرفني وال ظلم فيها‪ ،‬فيها‬
‫مصلحة للمقرض أنه تقدم إليه ماله‪ ،‬وفيها مصلحة للمقرتض أنه سقط عنه‬
‫الديْن‪ ،‬أوسقط عنه بعض املال‪ ،‬وال ظلم فيها‪ ،‬فهذا يدل على اجلواز‪.‬‬
‫بعض َ‬
‫وقد نصر ابن القيم ‪ -‬رمحه هللا‪ -‬القول ابجلواز يف مواطن عدة‪ ،‬وقال يف‬
‫معن كالمه ‪-‬وسأنقل لكم كالمه‪ -‬إن هذه املعاملة عكس الراب صورة‬
‫وحكمة‪:‬‬
‫عكس الراب صورة‪ :‬ألن الراب زايدة مقابل األجل‪ ،‬وهذا نقص من أجل‬
‫نقص األجل‪.‬‬
‫وحكمة‪ :‬أن الزايدة فيها ظلم‪ ،‬وهذه فيها مصلحة وال ظلم فيها‪.‬‬
‫|‪53‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫يقول ابن القيم ‪-‬رمحه هللا‪ -‬بعد أن نصر هذا القول قال‪” :‬ألن هذا‬
‫عكس الراب‪ ،‬فإن الراب يتضمن الزايدة يف أحد العوضني يف مقابلة األجل‪،‬‬
‫وهذا يتضمن براءة ذمته من بعض العوض يف مقابلة سقوط األجل‪ ،‬فسقط‬
‫بعض العوض يف مقابلة سقوط بعض األجل‪ ،‬فانتفع به كل واحد منهما‪ ،‬ول‬
‫يكن هنا راب ال حقيقة‪ ،‬وال لغة‪ ،‬وال عرفا“‪ ،‬ال حقيقة يعين‪ :‬صورة الراب يف‬
‫الزايدة‪ ،‬وال لغة ألن الراب هو الزايدة‪ ،‬وال عرفا ألن هذا اليعد راب يف عرف‬
‫الناس‪ ،‬قال‪” :‬فإن الراب الزايدة‪ ،‬وهي منتفية هنا‪ ،‬والذين حرموا ذلك إمنا‬
‫قاسوه على الراب‪ ،‬وال خيفى الفرق الواضح بني قوله‪ :‬إما أن تريب وإما أن‬
‫تقضي‪ ،‬وبني قوله‪ :‬عجل يل وأهب لك مئة‪ ،‬فأين أحدمها من اآلخر!“‪ ،‬مث‬
‫قال‪” :‬فال نص يف حترمي ذلك‪ ،‬وال إمجاع‪ ،‬وال قياس“‪.‬‬
‫ومادام كذلك؛ إذن نبقى على األصل‪ ،‬وهو أن األصل يف املعامالت‬
‫احلل‪ ،‬وهذا هو الذي تفيت به اجملامع يف هذا الزمان‪ ،‬وعليه العمل‪ ،‬أنه جيوز‪.‬‬
‫جاء يف قرار جملس جممع الفقه اإلسالمي يف ضمن كالمه عن التقسيط‬
‫الديْن املؤجل ألجل تعجيله سواء أكانت بطلب الدائن‪ ،‬أو‬
‫قال‪ :‬احلقيقة من َ‬
‫املدين ‪-‬ضعوا بني قوسني‪" -‬ضع وتعجل" جائزة شرعا‪ ،‬وال تدخل يف الراب‬
‫احملرم إذا ل تكن بناء على اتفاق مسبق‪.‬‬
‫وجاء يف فتاوى اللجنة الدائمة بتوقيع الشيخ بكر أبو زيد‪ ،‬والشيخ عبد‬
‫العزيز آل الشيخ‪ ،‬والشيخ عبد العزيز بن عبد هللا بن ابز‪ ،‬قوهلم‪” :‬ما ذكر يف‬
‫السؤال هو ما يعرف عند الفقهاء مبسألة "ضع وتعجل"‪ ،‬ويف جوازها خالف‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 54‬‬

‫بني أهل العلم‪ ،‬والصحيح من قوليهم؛ جواز الوضع والتعجيل‪ ،‬وهو رواية عن‬
‫اإلمام أمحد‪ ،‬واختيار الشيخني ابن تيمية وابن القيم‪ ،‬ومنسوب إىل ابن عباس‬
‫‪. “‬‬
‫ومْنع اجلمهور؛ إذا كان اإلسقاط من ابب الطلب‬ ‫هذا اخلالف َ‬
‫واملشارطة‪ .‬لكن إذا كان اإلسقاط تربعا من غري طلب؟ [مثال‪ ]:‬جاء‬
‫املقرتض إىل املقرض بعد ستة أشهر وقد اقرتض منه مئة ألف‪ ،‬على أن‬
‫يسددها بعد سنة‪ ،‬جاءه بعد ستة أشهر قال‪ :‬احلمد هلل‪ ،‬تيسر عندي املبلغ‪،‬‬
‫الديْن‪ ،‬وأريد أن أدفع لك املئة ألف اآلن‪ ،‬قال له‬
‫وأان أريد أن أختلص من َ‬
‫املقرض‪ :‬جزاك هللا خريا وأان أسقطت عنك عشرين ألفا‪.‬‬
‫اآلن ما يف طلب‪ ،‬املقرتض يريد أن يسدد مئة ألف‪ ،‬ولكن املقرض تربع‬
‫ابإلسقاط‪ .‬قال ما دام سددت اآلن وبقي شيء من األجل فأان أسقط عنك‬
‫عشرين ألفا‪.‬‬
‫فهنا مجهور العلماء على اجلواز‪ ،‬قالوا ألنه تصرف يف ماله تصرفا حمضا‬
‫من غري طلب وال مشارطة‪ ،‬وله أن يتصرف يف ماله‪.‬‬
‫ومنع ذلك مجع من املالكية‪ ،‬يعين‪ :‬حّت يف ابب التربع‪ ،‬ملاذا؟ قالوا‪ :‬سدا‬
‫للذرائع‪.‬‬
‫وأنتم تعرفون ‪-‬حفظكم هللا‪ -‬أن أكثر املذاهب إعماال لسد الذرائع هم‬
‫املالكية‪ ،‬حّت غلب ذلك عليهم‪ ،‬بعض العلماء يعد هذا من مفردات املالكية‬
‫‪-‬القول بسد الذرائع‪ -‬مع أن القول بسد الذرائع متفق عليه‪ ،‬حّت لو أنكره‬
‫|‪55‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫الشافعية يف كتب األصول؛ فإهنم من حيث العمل يعملون به‪ ،‬ولكن‬


‫املذاهب تتفاوت يف التوسع‪ ،‬فأكثر املذاهب إعماال لسد الذرائع املالكية‪،‬‬
‫يعملون سد الذرائع كثريا‪ ،‬مث يليهم احلنابلة‪ ،‬مث يليهم احلنفية‪ ،‬مث يليهم‬
‫الشافعية‪.‬‬
‫فجمع من املالكية قالوا‪ :‬حّت يف ابب التربع متنع سدا للذرائع حّت ال‬
‫تـتخذ وسيلة للوصول إىل قاعدة "ضع وتعجل"‪ ،‬فبدل من أن تكون مطالبة‬
‫تصبح تربعات‪ ،‬فقالوا حنن نسد الباب‪ ،‬ونقول إن هذا حرام‪.‬‬
‫والذي يظهر ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬جواز ذلك يف مسألة "ضع وتعجل"‪،‬‬
‫والشك أنه األيسر على الناس‪ ،‬وفيه رفع للحرج عنهم‪ ،‬وال دليل على حترميه‪،‬‬
‫وأما يف ابب التربع فال شك يف جوازه‪.‬‬
‫وأما القسم الثالث من أقسام الراب من جهة املعاملة أومن جهة مايقع‬
‫فيه‪ ،‬فهو الراب يف الشفاعة‪.‬‬
‫[القسم الثالث‪ :‬راب الشفاعة]‬
‫فما املقصود ابلراب يف الشفاعة؟‬
‫املقصود ابلراب يف الشفاعة‪ :‬أخذ شيء مقابل الشفاعة ابجلاه‪ ،‬وهو ما‬
‫يعرف عند العامة "ابلواسطة"‪ ،‬وتـ َعرف عند أهل العلم أبهنا‪ :‬التوسط من‬
‫آلخر جللب منفعة أو دفع مضرة‪.‬‬
‫الصاحل أو من الوجيه َ‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 56‬‬

‫فأخذ شيء يف مقابل هذه الشفاعة راب‪ ،‬سواء كان هذا األخذ على‬
‫سبيل املشارطة‪ ،‬أو ل يكن‪ ،‬كيف؟ قال له‪ :‬توسط يل يف الديوان‪ ،‬توسط يل‬
‫يف اجلهة الفالنية‪ ،‬عندي معاملة حتتاج واسطة‪ ،‬حتتاج شفاعة‪ ،‬قال‪ :‬أشفع‬
‫لك وإن شاء هللا أتيت وهات عشرة آالف‪ ،‬أعطين مخسة آالف‪ ،‬أخرج لك‬
‫صك امللكية وتعطيين مئة ألف‪ ،‬هذه مشارطة‪.‬‬
‫أو ل يكن‪ :‬قال له‪ :‬اشفع يل أن أحلق يف اجلامعة مثال‪ ،‬وشفع له‪ ،‬وبعد‬
‫ما شفع له؛ أهدى له هدية قال هذه مخسة آالف‪ ،‬هذه عشرة آالف هدية‪،‬‬
‫ألنك ساعدتين‪ .‬فهذا األخذ راب‪ ،‬ملاذا؟‬
‫شفع ألخيه‬ ‫ِ‬
‫لـما جاء عن أيب أمامة ‪ ‬عن النيب ﷺ أنه قال‪ :‬من َ‬
‫شفاعة؛ فأهدى له هدية عليها فقبلها؛ فقد أتى اباب عظيما من أبواب الراب‪‬‬
‫رواه أبو داود والطرباين يف الدعاء ويف الكبري‪ ،‬وسكت عنه أبو داود ‪-‬وتعلمون‬
‫أن ما سكت عنه أبو داود؛ فهو صاحل عنده‪ ،‬أبو داود إذا روى احلديث ول‬
‫ضعفه‪ ،‬أو يذكر ما يدل على تضعيفه؛ فهو صاحل عنده لإلحتجاج= وقال ابن‬ ‫يَ‬
‫حجر‪ :‬يف إسناده مقال‪ ،‬وحسنه األلباين‪ ،‬وقال ابن ابز‪ :‬حسن لغريه‪.‬‬
‫وعند دراسة إسناد هذا احلديث يظهر ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬صالحيته‪ ،‬فهو‬
‫حسن ورجاله ثقات‪ ،‬إال رجال اختلف يف توثيقه وج ِ‬
‫رحه وهو القاسم‪.‬‬ ‫َ‬
‫والصواب‪-‬وهللا أعلم‪ -‬أن احلديث صاحل‪.‬‬
‫وحرموا أخذ اهلدية على‬
‫وقد أخذ بعض أهل العلم بعموم هذا احلديث َ‬
‫الشفاعة سواء كان هذا من ابب املشارطة أو ل يكن‪.‬‬
‫|‪57‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫قال يف "مطالب أويل النهى"‪” :‬وجيب على من َش َف َع شفاعة آلخر‪،‬‬


‫فأهدى له هدية؛ أن يردها عليه ‪-‬جيب عليه أن يردها عليه‪ -‬ملا يف حديث‬
‫أيب داود‪ “ ..‬وذكر احلديث‪.‬‬
‫قال ابن رجب يف القاعدة اخلمسني بعد املئة‪” :‬ومنها اهلدية ملن يَشفع‬
‫له عند السلطان وحنوه‪ ،‬فال جيوز‪ ،‬ذكره القاضي وأومأ إليه أمحد“ قال‪:‬‬
‫”ألهنا كاألجرة والشفاعة من املصاحل العامة‪ ،‬فال جيوز أخذ األجرة عليها‪،‬‬
‫إذن هذا القول األول على العموم‪.‬‬
‫ومحل بعض أهل العلم هذا احلديث على الشفاعة الواجبة أو الشفاعة‬
‫احملرمة‪ ،‬فأَ ْخذ مقابل هلا حرام‪ ،‬ومن الراب‪.‬‬
‫الشفاعة الواجبة‪ :‬كمن شفع لريد ظلما عن مظلوم‪ ،‬هذه شفاعة واجبة‪،‬‬
‫وعلم أن مسلما ظلم‪ ،‬ويستطيع أن يشفع لريد عنه الظلم‬
‫الذي عنده جاه َ‬
‫فإنه جيب عليه أن يشفع‪.‬‬
‫ِ‬
‫توظيف من ال يستحق‪ ،‬هذه شفاعة‬ ‫والشفاعة احملرمة‪ :‬كالشفاعة يف‬
‫حمرمة‪.‬‬
‫فال جيوز أخذ شيء مقابلها‪ ،‬ألن الشفاعة الواجبة؛ فريضة دينية فال‬
‫جيوز أن أيخذ مقابلها‪ .‬واحملرمة ال جتوز أصال‪ ،‬فال جيوز أن أيخذ شيئا‬
‫مقابلها‪.‬‬
‫أما الشفاعة املباحة أو املستحبة فقالوا ال أبس أن أيخذ هدية‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 58‬‬

‫يقول الصنعاين ‪-‬رمحه هللا‪ -‬عن حديث أيب أمامة‪” :‬فيه دليل على حترمي‬
‫اهلدية يف مقابلة الشفاعة‪ ،‬وظاهره سواء كان قاصدا لذلك عند الشفاعة أو‬
‫غري قاصد هلا“‪ ،‬قال‪” :‬وتسميته ِراب من ابب االستعارة‪ ،‬للشبه بينهما‪،‬‬
‫وذلك ألن الراب هو الزايدة يف املال من الغري ال يف مقابلة عوض وهذا مثله“‪،‬‬
‫قال ‪-‬رمحه هللا‪” :-‬ولعل املراد؛ إذا كانت الشفاعة يف واجب‪ :‬كالشفاعة عند‬
‫السلطان يف إنقاذ املظلوم من يد الظال‪ ،‬أو كانت يف حمظور‪ :‬كالشفاعة عنده‬
‫يف تولية ظال على الرعية؛ فإهنا يف األوىل‪ :‬واجبة‪ ،‬فأخذ اهلدية يف مقابلها‬
‫حمرم‪ ،‬والثانية‪ :‬حمظورة‪ ،‬فقبضها يف مقابلها حمظور“‪ ،‬قال‪” :‬وأما إذا كانت‬
‫الشفاعة يف أمر مباح‪ ،‬فلعله جائز أخذ اهلدية‪ ،‬ألهنا مكافأة على إحسان غري‬
‫واجب“ هذا ما رجحه‪ ،‬مث قال‪” :‬وحيتمل أهنا حترم‪ ،‬ألن الشفاعة شيء‬
‫يسري ال تؤخذ عليه مكافأة“‪.‬‬
‫إذن هذا القول فرق بني الشفاعة الواجبة واحملرمة‪ ،‬والشفاعة يف األمور‬
‫املباحة‪.‬‬
‫ومحل بعض أهل العلم هذا احلديث على الشفاعة يف املصاحل العامة‪،‬‬ ‫َ‬
‫فقالوا‪ :‬إن هذا احلديث إذا َش َف َع الشافع يف أمر تعود مصلحته على عموم‬
‫املسلمني‪ ،‬ولو كان لواحد‪ ،‬كأن شفع مثال يف تولية شخص عادل ‪-‬طبعا‬
‫شفع لواحد‪ ،‬لكن مصلحة التولية ستكون للناس مجيعا‪ -‬فهنا قالوا‪ :‬إن‬
‫الشفاعة يف املصاحل العامة من الفرائض‪ ،‬فال جيوز أخذ شيء يف مقابلها‪.‬‬
‫|‪59‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫يقول شيخ اإلسالم بن تيمية ‪-‬رمحه هللا‪” :-‬وأما اهلدية يف الشفاعة مثل‬
‫أن يشفع لرجل عند ويل أمر‪ ،‬لريفع عنه مظلمة‪ ،‬أو يوصل إليه حقه‪ ،‬أو يوليه‬
‫والية يستحقها‪ ،‬أو يستخدمه يف اجلند املقاتلة وهو مستحق لذلك‪ ،‬أو يعطيه‬
‫من املال املوقوف على الفقراء‪ ،‬أو الفقهاء‪ ،‬أو القراء‪ ،‬أو النساك‪ ،‬أو غريهم‬
‫وهو من أهل االستحقاق‪ ،‬وحنو هذه الشفاعة اليت فيها إعانة على فعل‬
‫واجب أو ترك حمرم؛ فهذه أيضا ال جيوز فيها قبول اهلدية‪ ،‬وجيوز للم ْهدي أن‬
‫يبذل يف ذلك ما يتوصل به إىل أخذ حقه‪ ،‬أو دفع الظلم عنه“‪ ،‬قال‪” :‬هذا‬
‫هو املنقول عن السلف‪ ،‬واألئمة األكابر“‪ ،‬أنه ال جيوز ‪ ،‬سيأيت التعليل أبنه‬
‫من املصاحل العامة‪ ،‬قال‪” :‬ورخص بعض املتأخرين من الفقهاء يف ذلك‪،‬‬
‫وجعل هذا من ابب اجلعالة‪ ،‬وهذا خمالف للسنة وأقوال الصحابة واألئمة فهو‬
‫غلط“‪.‬‬
‫طبعا هذا هو القول الرابع يف املسألة‪ ،‬وهو أن أخذ اهلدية على الشفاعة‬
‫جائز‪ ،‬حّت لو اشرتط هذا‪ ،‬ألنه من ابب اجلعالة‪ ،‬وهذا القول ضعيف‪.‬‬
‫قال‪” :‬ألن مثل هذا العمل؛ هو من املصاحل العامة اليت يكون القيام هبا‬
‫فرضا إما على األعيان‪ ،‬وإما على الكفاية“‪.‬‬
‫إذن الشفاعة يف املصاحل العامة ال جيوز أخذ هدية عليها ال على سبيل‬
‫املشارطة وال قبل ذلك‪ .‬وذكر كالما طويال يدل على أن هذه املصاحل ال تعود‬
‫إىل شخص بعينه‪.‬‬
‫إذن األقوال يف املسألة أربعة‪ ،‬بل مخسة‪:‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 60‬‬

‫القول األول‪ :‬حيرم أخذ شيء مقابل الشفاعة مطلقا‪ ،‬يف أي شفاعة‪،‬‬
‫وعلى أي صفة‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬حيرم أخذ شيء مقابل الشفاعة الواجبة أو احملرمة‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬حيرم أخذ شيء مقابل الشفاعة يف املصاحل العامة اليت‬
‫ينتفع هبا عموم املسلمني‪.‬‬
‫القول الرابع‪ :‬يكره أخذ شيء مقابل الشفاعة‪ ،‬يعين جعلوها من ابب‬
‫الكراهية‪.‬‬
‫القول اخلامس‪ :‬جيوز أخذ شيء مقابل الشفاعة‪ ،‬ألن هذا من ابب‬
‫اجلعالة‪.‬‬
‫والذي يظهر ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬أنه ال جيوز أخذ شيء مقابل الشفاعة‬
‫مطلقا‪ ،‬ألن الشفاعة هبة من هللا‪ ،‬يناهلا اإلنسان بفضل هللا‪ ،‬فال جيوز أخذ‬
‫مقابل هلا يف نفع عباد هللا‪ ،‬واحلديث نص يف هذا‪.‬‬
‫طبعا هذا‪-‬اي إخوة‪– -‬وهذا ننتبه له جيدا‪ -‬إذا كانت جمرد شفاعة‪ ،‬أما‬
‫إذا اقتضت هذه الشفاعة نفقة؛ فيجوز أن أيخذ ما أنفق‪ ،‬إذا اقتضت هذه‬
‫الشفاعة سفرا‪ ،‬أو سكن‪ ،‬فيجوز أن أيخذ ما أنفق‪ ،‬هذا مافيه نزاع‪ ،‬أنفق‬
‫مقابل السكن‪ ،‬يعين سافر إىل بلد ودفع تذاكر‪ ،‬وسكن يف فندق ودفع‪ ،‬من‬
‫أجل هذه الشفاعة فقط‪ ،‬هو ذهب لينفع أخاه جيوز أن أيخذ ما أنفق ألن‬
‫هذه نفقته وليس هذا مقابل الشفاعة‪.‬‬
‫|‪61‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫وكذلك إذا اقرتن ابلشفاعة عمل؛ فإنه جيوز أخذ أجرة مقابل ذلك‬
‫العمل‪ ،‬بشرط أال تزيد عن العادة‪ ،‬يعين‪ :‬إذا كان مع الشفاعة‪ :‬راجع الدوائر‪،‬‬
‫وأخذ األوراق‪ ،‬وذهب من هنا وهناك مبا يسمى عند العامة "التعقيب"‪،‬‬
‫يـ َعقب على املعاملة‪ ،‬فهو هنا شافع وم َعقب‪ ،‬فاقرتن ابلشفاعة التعقيب فإنه‬
‫جيوز أن أيخذ مقابل ذلك العمل األجرة املعتادة‪ ،‬يعين‪ :‬إذا كان يف العادة‬
‫يعطى مئة أيخذ مئة‪ ،‬لكن ال أيخذ مئتني ألنه شفع‪ ،‬فال جيوز أن أيخذ شيئا‬
‫مقابل الشفاعة‪.‬‬
‫طبعا‪ :‬هذا الكالم نسأل عنه كثريا‪ ،‬أيتينا بعض الناس يقول‪ :‬اي شيخ‪ ،‬أان‬
‫أريد أن أتوظف يف الوظيفة الفالنية‪ ،‬وقال يل رجل أان آتيك هبذه الوظيفة‬
‫مقابل مخسة آالف‪ ،‬مقابل عشرة آالف‪ ،‬مقابل عشرين ألفا‪ ،‬مقابل مئة‬
‫ألف‪ ،‬فهل هذا جائز؟‬
‫فاجلواب‪ :‬أن هذه املسألة هلا أحوال‪:‬‬
‫احلالة األوىل‪ :‬أن يكون هذا الرجل من العاملني يف نفس اجملال‪ ،‬يف نفس‬
‫املكان‪ ،‬فإعطائه رشوة ال جتوز‪ ،‬رشوة حمرمة من كبائر الذنوب‪.‬‬
‫احلالة الثانية‪ :‬وإن كان هذا الرجل أييت هبا ابلشفاعة واجلاه؛ فالصحيح‬
‫من أقوال أهل العلم أنه ال جيوز أن يعطى‪ ،‬ألنه ال جيوز أن أيخذ شيئا مقابل‬
‫الشفاعة‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 62‬‬

‫احلالة الثالث‪ :‬وإن كان هذا سيأيت هبا ابلتعقيب واملتابعة والذهاب‬
‫للدوائر‪ ،‬ليس موظفا يف اجلهة واليستخدم جاهه‪ ،‬ولكنه سيتابع املعاملة حّت‬
‫ينهيها‪ ،‬فيجوز أن أيخذ األجرة املعتادة‪ ،‬ألن هذه من ابب العمل‪.‬‬
‫بقي معنا هنا ملاذا كانت راب؟ ملاذا كان أخذ شيء مقابل الشفاعة راب‬
‫كما يف احلديث؟‬
‫أقول‪ :‬بعض أهل العلم ذهبوا إىل أن هذا من ابب التشبيه‪ ،‬وليس من‬
‫ابب احلقيقة‪ ،‬فهذا تشبيه ألخذ شيء مقابل الشفاعة ابلراب من جهة أنه أخذ‬
‫بال مقابل يف اجلهتني‪ .‬املرايب أيخذ بال مقابل‪ ،‬والشافع هنا أيخذ بال مقابل‪،‬‬
‫ألن الشفاعة ال جيوز أن أيخذ هلا مقابل‪ ،‬فأخذه بال مقابل فهذا يعين تشبيه‪.‬‬
‫وقال بعض أهل العلم‪ :‬إنه راب ألنه زايدة يف ماله من غري مقابل شرعي‪،‬‬
‫وهذه حقيقة الراب‪ ،‬يزيد يف ماله من غري مقابل شرعي‪ ،‬فقالوا إنه راب‪.‬‬
‫وهذا ظاهر احلديث‪ ،‬ظاهر احلديث أنه ابب من أبواب الراب‪ ،‬وليس‬
‫تشبيها له ابلراب‪ ،‬ولذلك مسيناه راب الشفاعة‪.‬‬
‫بقيت مسألة يثريها طالب العلم عندما يطرح هذا احلديث‪ ،‬وقد حبثها‬
‫العلماء‪ ،‬وهي مسألة‪ :‬أن بعض أهل العلم قالوا‪ :‬إن احلديث ضعيف من‬
‫جهة متنه‪ ،‬ملاذا؟ قالوا‪ :‬ألنه خمالف للحديث الصحيح‪ :‬من صنع إليكم‬
‫معروفا فكافئوه‪ ،)1(‬قالوا‪ :‬والشافع صنع معروفا فإعطائه اهلدية من ابب‬
‫املكافئة‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه أمحد وأبو داود والنسائي‪.‬‬


‫|‪63‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫وقد أجاب عن هذا العلماء‪ ،‬فقال األلباين ‪-‬رمحه هللا‪” :-‬وقد يتبادر‬
‫لبعض األذهان أن احلديث خمالف لقوله ﷺ‪ :‬من صنع إليكم معروفا‬
‫فكافئوه فإن ل تستطيعوا أن تكافئوه فادعوا له حّت تعلموا أن قد كافئتموه‪‬‬
‫رواه أبو داود وغريه“‪ .‬قال‪” :‬فأقول ال خمالفة‪ ،‬وذلك أبن حيمل هذا على ما‬
‫ليس فيه شفاعة“ ‪‬من صنع إليكم معروفا فكافئوه‪ ‬هذا إذا صنع إليكم‬
‫معروفا بغري طريق الشفاعة فكافئوه‪” ،‬أو على ما ليس بواجب“‪.‬‬
‫هذا على القول الثاين‪ :‬أبن املمنوع هو يف الشفاعة الواجبة‪ ،‬فيكون هذا‬
‫يف ما ليس بواجب فيجوز أن يكافئه‪ .‬لكن املرجح هو األول‪ :‬وهو أنه يكافأ‬
‫على املعروف الذي حصل بغري الشفاعة‪ ،‬أما املعروف احلاصل ابلشفاعة فال‬
‫جيوز أن يقبل عليه هدية‪.‬‬
‫كذلك سئل الشيخ ابن عثيمني ‪-‬رمحه هللا‪ -‬عني هذا السؤال‪ ،‬فقيل‪:‬‬
‫فضيلة الشيخ‪ ،‬هذان حديثان صحيحان يوهم ظاهرمها التعارض‪ ،‬األول‪ :‬قوله‬
‫ﷺ ‪‬من صنع إليكم معروفا فكافئوه فإن ل جتدوا ما تكافئوه فادعوا له حّت‬
‫تروا أنكم قد كافأمتوه‪ ،‬احلديث رواه اإلمام أمحد وأبو داود والنسائي إبسناد‬
‫صحيح‪ .‬واحلديث الثاين‪ :‬من شفع ألخيه شفاعة فأهدى له هدية عليها‬
‫فقبلها فقد أتى اباب عظيما من أبواب الراب‪ ‬رواه أبو داود وهو حديث‬
‫حسن‪ ،‬وهذا اإلنسان الذي شفع ألخيه ال شك أنه صنع له معروفا‪ ،‬فإذا‬
‫أراد أن يكافئه ابهلدية فكيف يعترب من الراب؟ أفيدوان جزاكم هللا خريا‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 64‬‬

‫فأجاب الشيخ قائال‪” :‬أوال‪ :‬ال يوجد تعارض يف القرآن بني آايته‪ ،‬وال‬
‫يوجد تعارض بني السنة الصحيحة‪ ،‬هذه قاعدة معروفة عند أهل العلم‪ ،‬وإذا‬
‫قرأت آيتني ظننت أهنما متعارضتان؛ فأعد النظر مرة بعد أخرى‪ ،‬فإن ل تصل‬
‫إىل نتيجة فاسأل أهل العلم‪ ،‬وكذلك يقال يف احلديثني الصحيحني كذلك‪،‬‬
‫أنه ال ميكن التعارض بينهما‪ ،‬فإن أشكل عليك شيء فأعد النظر مرة بعد‬
‫ي احلديثني أقوى‪ ،‬ألن األحاديث‬ ‫أخرى‪ ،‬فإن ل يظهر لك اجلمع؛ فانظر أ َّ‬
‫الواردة عن الرسول ﷺ ليست كالقرآن‪ ،‬فهي منقولة خبرب اآلحاد وخبرب‬
‫التواتر‪ ،‬وخرب اآلحاد من املعلوم أن بعض املخربين أقوى من البعض فانظر‬
‫أيهما أقوى“‪.‬‬
‫مث قال الشيخ‪” :‬فهذا احلديث؛ وهو هدية من َش َف َع له أن يهدي إىل‬
‫الشافع؛ يراد بذلك الشفاعة اليت يريد هبا اإلنسان وجه هللا ‪ ،‬فإنه ال‬
‫يقبل‪ ،‬ألن ما أريد به اآلخرة ال يكون سببا لنيل الدنيا‪ ،‬وألن الشافع الذي‬
‫عطي هدية فإن نفسه قد تغلبه يف املستقبل‬
‫يشفع يريد بذلك وجه هللا‪ ،‬فإذا أ َ‬
‫فينظر يف شفاعته إىل ما يف أيدي الناس‪ ،‬فلهذا حذر من قبول اهلدية ‪ ،‬وأما‬
‫‪‬من صنع إليكم معروفا فكافئوه‪‬؛ فاملراد به ما ِسوى الشفاعة اليت منحت‪،‬‬
‫فيكون هذا عاما ويكون هذا خمصصا“‪.‬‬
‫وهذا املراد‪ ،‬أن حديث ‪‬من صنع إليكم معروفا فكافئوه‪ ‬عام‪ ،‬وحديث‬
‫الشفاعة خاص‪ ،‬فيخصص احلديث العام ابحلديث اخلاص‪.‬‬
‫|‪65‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫فنقول‪ :‬إنه إن كان املعروف بسبب الشفاعة ال جيوز أخذ مقابل له‪ ،‬وإن‬
‫كان بغري الشفاعة فإنه جيوز أخذ مقابل له‪.‬‬
‫وهبذا نكون فرغنا من هذه القاعدة األوىل اليت حيسن ضبطها ومعرفتها‪،‬‬
‫وأردان منها بيان هذه األقسام‪ ،‬وتوضيح حقائقها‪ ،‬وبيان الفروق بينها‪ ،‬حّت‬
‫ال ختتلط األقسام على طالب العلم عند نظره يف املسائل‪.‬‬

‫***‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 66‬‬

‫اإلجابة على األسئلة‪:‬‬


‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وأشهد أال إله إال هللا وحده الشريك له وأشهد‬
‫أن حممدا عبده ورسوله‪.‬‬
‫أما بعد‬
‫فنشكر لشيخنا ما تفضل به من البيان واإليضاح ملساء هذا اليوم‬
‫ونستأذنه يف طرح ما تيسر من املسائل املتعلقة ابملعامالت املالية عموما‬
‫وابلدرس خصوصا‪.‬‬
‫السؤال األول‪ :‬حفظكم هللا‪ ،‬ما حكم التعامل مع البنك الربوي الذي‬
‫فتح انفذة إسالمية‪ ،‬وطريقة تعامل يف حال إذا أردت بناء منزل يعطيك املال‬
‫بشرط‪ ،‬رهن املنزل‪ ،‬حّت سداد املبلغ مع فائدة سنوية على املبلغ قد تصل إىل‬
‫(‪ )6%‬ستة يف املئة؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫طبعا السؤال هذا مركب‪:‬‬
‫أ) هل جيوز أن أتعامل مع بنك يتعامل ابلراب؟‬
‫هنا حكم وورع‪ :‬أما الورع فهو أن اإلنسان يبتعد عن هذه البنوك بقدر‬
‫ما يستطيع‪ ،‬ويتعامل مع غريها‪ ،‬ما دام أنه جيد طريقة‪ ،‬وأما احلكم‪ :‬فإذا كان‬
‫التعامل مع هذه البنوك؛ فإنه جيوز‪ ،‬ألن النيب ﷺ تعامل مع اليهود‪ ،‬وهم أهل‬
‫|‪67‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫الراب‪ ،‬والنيب ﷺ أعلم حباهلم‪ ،‬فإذا كانت املعاملة مع هذا البنك الربوي معاملة‬
‫صحيحة‪ ،‬فإن هذا جائز‪ ،‬وإن كان الورع البعد عن هذه األماكن‪.‬‬
‫ب) فاألخ يقول‪ :‬هذا البنك فتح انفذة إسالمية‪ ،‬معامالت إسالمية‬
‫وهل جيوز أن أدخل يف متويل عقار‪ ،‬وهم يرهنون العقار مع فائدة سنوية؟‬
‫طبعا الفائدة هذه‪ ،‬ليست الزايدة على القرض‪ ،‬وإال هذه ليست‬
‫إسالمية‪ ،‬وإمنا هذا ما يسمى ابلتمويل‪ ،‬حبيث مثال‪ :‬يريد شراء البيت‪ ،‬فالبنك‬
‫يشرتي البيت‪ ،‬مث يقسط عليه هذا البيت بزايدة عما اشرتاه‪ ،‬هذه الزايدة يف‬
‫الثمن‪ ،‬طبعا أان ال أحكم على العقود إال بعد أن أطلع عليها‪ ،‬وذلك يف‬
‫احلقيقة أنه ثبت عندان تالعب هذه البنوك‪ .‬وهم يتعاملون ابلراب الصريح‪،‬‬
‫فليس هناك إشكال يف تالعبهم ابملعامالت‪ ،‬فكثريا ما يكون العقد يف‬
‫احلقيقة ربواي‪ ،‬واحياان ال ميلكون السلعة أصال‪ ،‬ولذلك أحياان قد يقولون‬
‫للشخص‪ :‬هذا شيك‪ ،‬إن أحببت أوصله للمعرض مثال‪ ،‬وإن أحببت ضعه‬
‫يف جيبك واصرفه وال حاجة أن تشرتي السيارة والشيء! مع أن الصورة أهنا‬
‫معاملة يف شراء سيارة وحنو ذلك‪.‬‬
‫والعلماء يقولون‪ ،‬املخادعة يف الراب‪ ،‬أشر من صريح الراب‪.‬‬
‫فال بد من أن نقف على العقد‪ ،‬فإذا كانت املعاملة صحيحية‪ ،‬فاشتَـَروا‬
‫وملَكوه ِملكا اتما‪ ،‬ول يـ ْل ِزموا املشرتي بشيء قبل أن ميَْلِكوا البيت‪ ،‬ال‬
‫البيت‪َ ،‬‬
‫بورقة‪ ،‬ال بتعهد‪ ،‬ال بعربون‪ ،‬وال بشيء‪ ،‬فأصبح عند شرائهم البيت حرا‪ ،‬إن‬
‫شاء اشرتاه منهم وإن شاء ترك‪ ،‬وابعوه له ابلتقسيط‪ ،‬بزايدة يف الثمن يتفق‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 68‬‬

‫عليها عند العقد‪ ،‬فيصبح مثال قيمته مبليون ونصف‪ ،‬تقسط على مخس‬
‫وعشرين سنة؛ فهذه املعاملة صحيحة‪.‬‬
‫لكن ال بد من النظر يف حال كل معاملة ابلنسبة للبنوك الربوية‪ ،‬وأان‬
‫أقول ‪-‬اي إخوة‪ -‬البنوك الربوية ال جيوز االعتماد على قوهلم‪ ،‬ألهنم ساقطوا‬
‫العدالة بتعاملهم ابلراب‪ ،‬فال جيوز االعتماد على خربهم‪ ،‬فال بد من التيقن‪،‬‬
‫واملعرفة من أهنم ملكوا هذه السلعة وحنو ذلك‪.‬‬
‫يعين‪ :‬اآلن ‪-‬اي إخوة‪ -‬البنوك الربوية يبيعون سلعا خيالية ليست‬
‫موجودة‪ ،‬يقولون‪ :‬متويل إسالمي‪ ،‬ويبيعون سلعا خيالية ليست موجودة!‬
‫يقولون‪ :‬حديد يف البحرين‪ ،‬أيتوا مثال يقولون‪ :‬وهللا حنن عندان حديد يف‬
‫البحرين‪ ،‬نبيعك احلديد يف البحرين‪ ،‬وتـ َوكلنا حنن وحنن نبيعه لك‪.‬‬
‫وأان مرة قلت‪ :‬هذا احلديد الذي يذكرونه‪ ،‬يعين لو كان يف البحرين‪،‬‬
‫لغرقت البحرين! لكن أشياء صورية‪ ،‬أو يقولون‪ :‬عندان بالتينيوم أو كذا يف‬
‫نيكاراغوا أو يف‪ ...‬وبعض الناس أيضا ‪-‬وهذه مسألة مهمة‪ -‬ال يعرف‬
‫السلعة اليت يدعي أنه اشرتاها متويال‪ ،‬أان أيتيين بعض الناس يسأل يقول‬
‫ايشيخ‪ ،‬أقول ماذا اشرتيت؟ وهللا ما أدري يقولون رز يقولون مكيفات‪،‬‬
‫مايعرف!! وهذا خيرج املسألة من البيوع ابلكلية‪ ،‬ألنه ال بد من العلم‬
‫ابلسلعة‪ ،‬ولكن لألسف كثري من الناس جعلوا هذا جمرد ستارا للراب‪.‬‬
‫جيب أن تشرتي سلعة معروفة لديك‪ ،‬وأن تعلم أن البنك ملكها‪ ،‬وأان‬
‫أفيت أبنه ال جيوز توكيل البنوك الربوية يف بيعها‪ ،‬بل تتوىل أنت بيعها‪ ،‬أو توكل‬
‫|‪69‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫ثقة من طرفك‪ ،‬أجنيب عن البنك‪ ،‬ألن هذه البنوك ال جيوز االعتماد على‬
‫قوهلا وعلى فعلها‪ .‬نعم‪.‬‬
‫السؤال الثاين‪ :‬ابرك هللا فيكم‪ ،‬يف بعض اجلامعات‪ ،‬لديهم قانون الزايدة‬
‫(الغرامات)‪ ،‬يقول مثال من أتخر يف التسجيل بعد املدة املقررة‪ ،‬يغرم‬
‫‪500‬درهم‪ ،‬ما حكم هذا الشيء؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫الزايدة إذا كانت يف العقوابت‪ ،‬وليست يف املعامالت‪ ،‬فالصحيح أهنا‬
‫ليست من الراب ‪-‬وإن كان ذكر بعض مشاخينا أهنا من الراب‪ -‬مثل أن يقال‪:‬‬
‫عقوبة السرعة ‪ ،500‬فإذا ل يسدد خالل شهر تكون العقوبة ألفا‪ ،‬هنا يف‬
‫احلقيقة هذه عقوبة‪ ،‬الذي خالف وسدد يف شهر‪ ،‬هي ‪ ،500‬والذي خالف‬
‫وسدد يف شهرين‪ ،‬العقوبة ألفا‪ ،‬فهذه على القول جبواز العقوابت املالية‬
‫ليست من الراب على الصحيح من أقوال أهل العلم ‪-‬وإن كان من مشاخينا‬
‫من قال إهنا راب ألن فيها زايدة‪ -‬بل هااتن عقوبتان خمتلفتان‪ ،‬من خالف‬
‫وسدد يف خالل شهر عقوبته مخسمئة‪ ،‬ومن خالف وسدد يف شهرين فأكثر‬
‫عقوبته ألف‪ ،‬فإذا سدد يف شهر‪ ،‬انلته العقوبة األوىل وإذا سدد يف شهرين‪،‬‬
‫انلته العقوبة الثانية ومها عقوبتان‪ ،‬وليست إضعافا‪.‬‬
‫أما الزايدة يف املعامالت‪:‬‬
‫فإن كانت حمددة حبيث يقع العقد عليها ابتداء فهذه أيضا ال تضر‪،‬‬
‫أوضح لكم الصورة‪ :‬اجلامعة قالت من سجل يف الشهر األول بثالثة آالف‪،‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 70‬‬

‫من سجل يف الشهر الثالث من التسجيل خبمسة آالف‪ ،‬من سجل يف‬
‫الشهر السادس بعشرة آالف‪ ،‬اآلن ل يسجل ويزاد عليه‪ ،‬ال‪ ،‬اجلامعة وضعت‬
‫رسوما حمددة‪ ،‬فأان عندما آيت وأتعاقد أعرف املطلوب‪ ،‬أين إذا تعاقدت يف‬
‫هذا الشهر فاملطلوب مين مخسة آالف انتهينا‪ ،‬ما يف عشرة وال غريه‪ ،‬إذا‬
‫تعاقدت يف الشهر الثاين سيطلب مين عشرة آالف ل يطلب مخسة آآلف‪،‬‬
‫فأان أتعاقد على هذا‪ ،‬فهذا جيوز‪.‬‬
‫أما إذا وقع التعاقد على مبلغ‪ ،‬مث يزاد يف الرسوم إذا أتخر عن السداد يف‬
‫وقتها؛ فهذا هو الراب‪ .‬يعين تعاقد مع اجلامعة‪ ،‬وعلى أنه يف كل شهر‪ ،‬أو يف‬
‫كل ستة أشهر يدفع مخسة آالف‪ ،‬قالوا‪ :‬فإذا أتخرت يف هذا الشهر‬
‫سنزيدها إىل ستة آالف‪ ،‬فهذا هو الراب‪ ،‬الذي ال جيوز‪.‬‬
‫السؤال الثالث‪ :‬ابرك هللا فيكم‪ ،‬بطاقات االئتمان اخلاصة ابلبنوك‬
‫اإلسالمية‪ ،‬واليت من خالهلا متنح املكافآت يف برامج متعددة مثل أميال‬
‫شركات الطريان‪ ،‬وبطاقات اخلصومات يف األشياء االستهالكية كاالتصاالت‬
‫والبنزين؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫بطاقات االئتمان‪ ،‬طبعا أان يل فيها رأي على كل حال‪ ،‬وأرى أهنا حّت‬
‫عند البنوك اإلسالمية أرى أهنا ال جتوز‪ ،‬إال عند الضرورة واالحتياج‪.‬‬
‫أعين‪ :‬فيما يتعلق عند البنوك اإلسالمية‪ ،‬لـَِم؟ ألن احلقيقة أن البنوك‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وكالء ونواب عن الشركات العاملية‪ ،‬بطاقات االئتمان؛ بطاقات‬
‫|‪71‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫اتبعة لشركات دولية‪ ،‬والبنوك اإلسالمية وكالء‪ ،‬فهم جزاهم هللا خريا ال يلزمون‬
‫العميل بزايدة‪ ،‬ولكن يف حقيقة األمر أنه لو ترتبت زايدة فسيدفعوهنا‬
‫للشركات األصل‪ ،‬هم ما أيخذون من العميل‪ ،‬ولكن يدفعون للشركات‪،‬‬
‫ولذلك يف العقد ال بد وأن حتدد املدة اليت يسدد فيها املبلغ‪ ،‬حّت لو ما كان‬
‫أيخذون زايدة‪ ،‬يسدد الطرف الثاين املبلغ يف خالل أربعني يوما‪ ،‬ألن هذا من‬
‫حيث النظام والقانون‪ ،‬جييز هلم أن أيخذوا زايدة إذا ل يسدد خالل املدة‪،‬‬
‫وهو أمر ملزم به من قبل الشركات األم‪.‬‬
‫فاحلقيقة أن هذه العقود أصلها ربوي‪ ،‬وإن كانت البنوك اإلسالمية ال‬
‫تلزم العميل بدفع شيء؛ فأان أقول إذا ل حيتج اإلنسان إليها فال ينبغي أن‬
‫أيخذها وال جيوز له أن أيخذها‪.‬‬
‫أما إذا احتاج إليها‪ ،‬كأن كان هناك أشياء ال يستطيع أن يشرتيها إال‬
‫هبا؛ أيخذها من البنوك اإلسالمية‪ ،‬بشرط أن يلتزم ابلسداد قبل املدة‪ ،‬حّت ال‬
‫يرتتب شيء على البنك‪ ،‬فيكون سببا يف الراب‪ .‬ألنه حقيقة هو إذا ل يدفع‬
‫الراب‪ ،‬سيتسبب فيه إذا أتخر‪ ،‬وأان أعرف أن بعض البنوك اإلسالمية تدفع‬
‫املاليني سنواي لسداد املستحقات على هذه البطاقات‪ ،‬فهذا شيء‪.‬‬
‫بقي ما ورد يف السؤال‪ ،‬وهو أن هذه البنوك‪ ،‬تعطي مزااي حلاملي هذه‬
‫البطاقات‪ ،‬تسمى ابملكافآت‪ ،‬نقاط وأميال وحنو ذلك‪ ،‬فهل جيوز أخذ هذه‬
‫املزااي واملكافآت؟‬
‫إذا كانت هذه املكافآت حتصل لكل من اشرتك‪ ،‬وحصل النقاط املعينة‪،‬‬
‫مبعن‪ :‬ليس فيها قمار ميكن حتصل وميكن ما حتصل؛ فالصحيح من أقوال‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 72‬‬

‫أهل العلم‪ ،‬أنه جيوز أخذها‪ ،‬يعين كل من وصل إىل كذا حيصل على كذا‬
‫نقطة‪ ،‬كل‪ ،‬وليس فيها قمار‪ ،‬فالصحيح من أقوال أهل العلم‪ ،‬أنه جيوز‬
‫أخذها‪.‬‬
‫أما إذا كانت سحوابت‪ ،‬يقولون‪ :‬سحب على سيارة‪ ،‬سحب على‬
‫فيال‪ ،‬سحب على كذا‪ ،‬فهذا ال جيوز ألنه من القمار‪ ،‬وهو مرتتب على املال‬
‫وهذا ال جيوز‪.‬‬
‫السؤال الرابع‪ :‬هذان سؤاالن متقارابن‪ ،‬أحدمها يقول‪ :‬إذا اقرتضت من‬
‫شخص مئة ألف‪ ،‬وعند حلول األجل أعطيته مئة وعشرة آالف بدون‬
‫اشرتاط‪ ،‬هدية من عندي‪ ،‬هل هذا جائز؟ ومثله أو قريب منه يقول‪ :‬ما‬
‫حكم‪ ،‬من أقرض رجال آخر دابة‪ ،‬ول يشرتط‪ ،‬فإذا رد الرجل اآلخر بدابة‬
‫أفضل من اليت اقرتضها‪ ،‬هل يعترب هذا من الراب؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫بعض أهل العلم مينعون هذا‪ ،‬ويقولون إن هذا من ذرائع الراب‪ ،‬فإذا‬
‫اقرتض مئة ألف يقولون‪ :‬يرد مئة ألف‪ ،‬ويقولون جيب عليه أن يرد مثله مقدارا‬
‫وصفة‪.‬‬
‫لكن الصحيح من أقوال أهل العلم‪ :‬أنه إذا ل يكن ذلك على سبيل‬
‫املشارطة؛ فهذا من حسن الوفاء‪ ،‬وجيوز‪ .‬فيجوز لإلنسان مثال أن يرد مئة‬
‫ألف مثال وهدية أو يرد أحسن من احليوان الذي اقرتضه أو حنو ذلك‪ ،‬وقد‬
‫ثبت يف ذلك أحاديث صحيحية‪.‬‬
‫|‪73‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫لكن تبقى مسألة مشكلة عند أهل العلم‪ ،‬وهي إذا عرف إنسان أبنه يرد‬
‫أحسن ِما أخذ‪ ،‬فهل جيوز أن يقرض بدون اشرتاط عليه؟ أو ال بد أن‬
‫يشرتط عليه ويقال له‪ :‬أقرضك بشرط أال ترد شيئا؟! هذه مسألة من عرف‬
‫برد أحسن ِما اقرتض‪ ،‬وهذه إن شاء هللا ستأتينا رمبا غدا أو بعد غد يف‬
‫قاعدة "كل قرض جر منفعة فهو راب" وسنتحدث عن هذه النقطة‪ ،‬مسألة‬
‫من عرف برد أحسن ِما أقرتض‪.‬‬
‫السؤال اخلامس‪ :‬يقول إذا أقرضه وطلب منه الدعاء‪ ،‬هل يعد هذا من‬
‫الراب؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫هذا إن شاء هللا سيأيت يف قاعدة "كل قرض جر منفعة" وهو أن هناك‬
‫منافع مستثناه‪ ،‬ابتفاق أهل العلم‪ ،‬منها شكر املقرض والثناء عليه‪ ،‬هذه‬
‫منفعة له‪ ،‬لكن هذه مالزمة للقرض‪ ،‬ومنها دعاء املقرتض للمقرض‪ ،‬هذه‬
‫منفعة ولكنها مالزمة للقرض! لو منعت ملنع كل قرض‪ ،‬فهذه مستثناه إبمجاع‬
‫أهل العلم‪ ،‬ولذلك سيأتينا إن شاء هللا أن ابن حزم –رمحه هللا‪ -‬يقول‪” :‬أنه‬
‫ليس هناك قرض يف الدنيا إال وهو جير منفعة“‪ ،‬فالشكر والثناء والدعاء هذه‬
‫تسمى املنافع الالزمة‪ ،‬أو املنافع اليت تقتضيها طبيعة اإلنسان‪ ،‬وهذه مستثناه‪،‬‬
‫وسأتكلم عنها إن شاء هللا يف قاعدة "كل قرض جر منفعة فهو راب"‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 74‬‬

‫السؤال السادس‪ :‬يقول السائل ابرك هللا فيكم‪ ،‬أان أعمل يف حمل لبيع‬
‫الطالء‪ ،‬والشركة ترسل إلينا بعض اهلدااي لتوزيعها على العمال‪ ،‬ويف بعض‬
‫األحيان نقوم بشرائها على حساب احملل وتوزيعها‪ ،‬فما حكم هذا العمل؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫احلمد هلل‪ ،‬أفهم من هذا أن هذه مكافأة حتفيزية للعمال‪ ،‬فإذا كان كما‬
‫فهمت‪ ،‬أن العمال حيفزون هبدااي‪ ،‬وهذه اهلدااي ليست داخلة يف األجرة‪ ،‬وال‬
‫مشرتطة يف العقد‪ ،‬فباب املكافآت واسع‪ ،‬وجيوز هذا وال حرج فيه‪.‬‬
‫السؤال السابع‪ :‬يقول ابرك هللا فيكم‪ ،‬ماذا تنصحوان يف استخدام‬
‫بطاقات االئتمان لكن مع التأكيد‪ ،‬من دفع املبلغ املستحق كامال قبل حلول‬
‫األجل‪ ،‬حبيث ال تكون هناك أي زايدة أو فائدة‪ ،‬والغرض من هذا؛ هو‬
‫االستفادة من اخلدمات واخلصومات الضرورية املقدمة مع البطاقة؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫حنن نقول‪ :‬إن اإلشكال أن العقد نفسه عقد ربوي‪ ،‬إما أنه يصرح فيه‬
‫ابلراب أو يتضمن ذلك‪:‬‬
‫يصرح فيه ابلراب‪ :‬أبن يقال‪ :‬يتم السداد خالل أربعني يوما‪ ،‬وإذا ل يسدد‬
‫العميل فإنه يزاد كذا‪.‬‬
‫وإما أن يقال‪ :‬إنه يتم السداد خالل أربعني يوما ويسكت عن الزايدة‪،‬‬
‫فاألصل أنه ال جيوز أن ندخل يف هذا الباب‪ ،‬لكن إذا احتيج إىل هذا‪ ،‬ألمور‬
‫ال يستطيع اإلنسان أن يصل إليها‪ ،‬أو على كماهلا إال هبذه الطريقة‪ ،‬بطريقة‬
‫|‪75‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫البطاقات‪ ،‬فال أبس من دخوهلا مع البنوك اإلسالمية‪ ،‬بشرط أن يلتزم اإلنسان‬


‫ابلسداد قبل أن يرتتب على البطاقة شيء‪ ،‬ألنه إذا ترتب كما قلنا سيتسبب‬
‫يف أن البنك سيدفع هذا للشركة األصل‪.‬‬
‫السؤال الثامن‪ :‬يقول أحسن هللا إليكم‪ ،‬لو أن البنك وافق على القرض‬
‫مقابل فتح احلساب لديه‪ ،‬فلماذا ال نقول‪ :‬إن هذا من ابب ضمان البنك‬
‫حلقه‪ ،‬بدال من قولنا أبنه راب؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫حنن ال نقول يف هذا ابتداء‪ ،‬ولكن طبعا حنن نقول إنه ال يوجد من‬
‫البنوك قروض‪ ،‬وإمنا هي‪ :‬إما قرض ربوي حمرم‪ ،‬أو متويل بطريق املراحبة وحنو‬
‫ذلك‪ ،‬لكن الذي قلناه‪ :‬لو كان على اإلنسان دين والتزام عند بنك‪ ،‬فيقول‬
‫له بنك آخر‪ :‬حنن نقرضك هذا املبلغ لتسدد ما عليك عند البنك اآلخر‪،‬‬
‫بشرط أن تفتح حسااب عندان‪ .‬فهم اآلن يقرضونه هذا املبلغ الذي يسدد به‬
‫ماعليه للبنك اآلخر‪ ،‬من أجل أن يفتح احلساب عندهم‪ ،‬ألن يف فتح‬
‫احلساب مصلحة للبنك‪ ،‬يف فتح احلساب يف البنك مصلحة له‪ ،‬من جهة أنه‬
‫يودع فيه املال والبنك يستفيد بتحريك هذا املال‪ ،‬فهذا نقول إنه راب‪ ،‬ألنه‬
‫مثال أقرضه مئة ألف‪ ،‬على أن يردها مئة ألف ومنفعة احلساب للبنك‪ ،‬فهذا‬
‫الذي قلنا إنه راب وال جيوز‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 76‬‬

‫أما قضية التمويل وأن البنك يعين يشرتط يف التمويل أن يكون له‬
‫حساب عنده‪ ،‬من أجل أن خيصم منه مبلغ التمويل فهذه غري مسألة‬
‫القروض‪.‬‬

‫السؤال التاسع‪ :‬هل جيوز إعطاء مبلغ من العمولة ملوظف الشركة يف‬
‫عة عقار عن طريقه‪ ،‬وهو موظف صاحب عقار وال توجد مضرة‬ ‫ختليص بـي ِ‬
‫َْ‬
‫لصاحب الشركة؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫إذا كانت هذه الشركة خاصة وليست منشأة حكومية وتعمل يف قطاع‬
‫ما‪ ،‬فهل جيوز يل أن أعطي املوظف الذي يعمل يف الشركة‪ ،‬شيئا مقابل‬
‫اخلدمات اليت تقدمها هذه الشركة؟‬
‫نقول هنا‪ :‬إذا كانت الشركة متنع من هذا؛ فال جيوز‪ ،‬ألن املسلمني على‬
‫شروطهم‪ ،‬ومعن هذا‪ :‬أن الشركة اشرتطت على العامل لديها أال أيخذ شيئا‪،‬‬
‫فال جيوز أن نعينه على احملرم‪ ،‬وهو خمالفة الشرط‪ ،‬فاملسلمون على شروطهم‪.‬‬
‫أما إذا كانت الشركة ال متنع من هذا‪ ،‬بل تسمح ملوظفيها أخذ أشياء‬
‫من العمالء‪ ،‬فإان ننظر‪ :‬هل هذا اإلعطاء ترتتب عليه مضرة للشركة‪ ،‬أو مضرة‬
‫لعميل آخر‪ ،‬كأن يقدمه عليه‪ ،‬مثال‪ :‬يكون اآلن املفرتض أن العمل يكون‬
‫للعميل فالالين فيقدم هذا عليه‪ ،‬فإن هذا ال جيوز‪.‬‬
‫|‪77‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫ألنه ال ضرر وال إضرار‪ .‬أما إذا كانت الشركة ال متنع من هذا وال يرتتب‬
‫على ذلك ضرر ابلشركة‪ ،‬وال ضرر بعميل آخر‪ ،‬فال أبس فيما ما يظهر يل ‪-‬‬
‫وهللا أعلم‪ -‬ما دام أن هذه الشركة خاصة‪.‬‬

‫السؤال العاشر‪ :‬يقول حفظكم هللا ما الفرق بني راب الشفاعة والرشوة؟‬

‫اجلواب‪:‬‬
‫الرشوة‪ :‬مال يعطى للعامل مقابل منفعة يستحقها اإلنسان من هذه‬
‫اجلهة أو لدفع مضرة عنه تطلبها هذه اجلهة‪ .‬فهذا عامل‪ ،‬يعمل يف هذه‬
‫اجلهة فيعطى إما جللب منفعة أو لدفع شيء مطلوب منه هلذه الشركة أو هلذه‬
‫اجلهة‪ ،‬فموظف يف جهة حكومية‪ ،‬فيأيت إنسان فيعطيه مقابل أن يـ َوظَّف يف‬
‫هذه اجلهة‪ ،‬هذه رشوة‪.‬‬
‫أما راب الشفاعة‪ :‬فهو أن يتوسط اإلنسان جباهه وشفاعته ومكانته جللب‬
‫منفعة أو دفع مضرة آلخر مث أيخذ على هذا شيئا‪ ،‬سواء كان مشرتطا عند‬
‫األصل يف األول‪ ،‬أو ل يكن مشرتطا‪.‬‬

‫السؤال احلادي عشر‪ :‬هنا عدة أسئلة فيما يتعلق ابجلمعيات املتداولة‬
‫بني املوظفني أو الناس‪ ،‬هل هي من ابب القرض الذي جر نفعا أو من ابب‬
‫القرض احلسن؟‬

‫اجلواب‪:‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 78‬‬

‫هذه إن شاء هللا‪ ،‬على كل حال ستأيت يف قاعدة "كل قرض جر نفعا‬
‫فهو راب" ويف اجلملة أان أقول‪ :‬إهنا جائزة وليست من ابب القرض الذي جر‬
‫نفعا كما سنبينه إن شاء هللا عند طرح املسألة‪.‬‬

‫السؤال الثاين عشر‪ :‬يقول حفظكم هللا‪ ،‬أود أن أسأل عن حكم‬


‫استخدام البطاقات اليت تصدرها بعض احملالت واجلمعيات‪ ،‬حبيث يتم‬
‫احتساب نقاط بناء على مشرتايتك ومن مث يتم استبدال هذه النقاط لديهم‬
‫بعمل خصومات على قيمة الفاتورة؟‬

‫اجلواب‪:‬‬
‫هذا نفس السؤال الذي أجبنا عنه سابقا‪ :‬إذا كانت هذه املكافآة‬
‫أيخذها كل من حقق املطلوب‪ ،‬فهذه مكافآت ال أبس هبا‪ ،‬واألصل يف‬
‫املكافأت التوسعة‪ ،‬بشرط أال تكون قمارا‪.‬‬
‫أما إذا كانت تدخل يف ابب القمار ‪-‬ميكن أن حيصل عليها وميكن أال‬
‫حيصل عليها‪ -‬فهذا ال جيوز‬

‫سؤال الثالث عشر‪ :‬تكرر هذا السؤال حفظكم هللا عن ما يسمى‬


‫ايلتسويق الشبكي؟‬

‫اجلواب‪:‬‬
‫|‪79‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫التسويق الشبكي خداع عاملي يف اجلملة‪ ،‬وكل الشركات اليت درستها‬


‫فيها موانع شرعية من صحة معامالهتا ولذلك حنن نقول كإطار عام‪ :‬إن‬
‫التسويق الشبكي ال جيوز؛ ألن يف األنظمة اليت يعمل هبا يف التسويق الشبكي‬
‫طبعا التسويق الشبكي غري الشراء الشبكي‪ ،‬الشراء الشبكي‪ :‬الشراء عن‬
‫طريق اإلنرتنت‪ ،‬هذا شيء آخر‪ ،‬لكن التسويق الشبكي‪ :‬اصطالح خاص‬
‫بنظام معني يتم فيه ترويج سلعة معينة‪ ،‬أو بيع سلعة معينة‪ ،‬ويكون فيه‬
‫مكافآت‪ ،‬ويكون هناك جانبان يف هذه املكافآت‪ ،‬وضوابط معينة‪.‬‬
‫طبعا كل الشركات اليت درستها‪ ،‬يف التسويق الشبكي؛ فيها موانع‬
‫ت علي نظامها وقلت هلم‪:‬‬ ‫ضْ‬‫وعَر َ‬
‫شرعية‪ ،‬وقد جاءتين شركة مرة يف مكتيب َ‬
‫فيها من املوانع كذا وكذا وكذا‪ ،‬فقالوا‪ :‬فإن تركنا هذه املوانع؟ قلت‪ :‬إذا تركتم‬
‫هذه املوانع فإنه جيوز‪ ،‬لكن من الصعوبة مبكان أهنم يتخلصوا منها‪ ،‬ولذلك ل‬
‫يبلغين أهنم غريوا شيئا يف نظامهم‪.‬‬
‫ولذلك حنن نقول األصل أان نقول‪ :‬إنه ال جيوز‪ ،‬فإذا كان هناك شركة‬
‫معينة يراد السؤال عنها؛ فهذه ننظر فيها‪ :‬إن كانت ِمن درسناها سابقا فنفيت‬
‫فيها مبا علمناه عنها‪ ،‬أما إذا كان هناك شيء جديد‪ ،‬وختلص فيه من املوانع؛‬
‫فهذا ينظر فيه حبسبه‪.‬‬
‫وعلى كل حال‪ ،‬األصل الذي وجدانه أن هذه الشركات فيها خداع‬
‫عاملي‪ ،‬وفيها شيء من غسيل األموال‪ ،‬هذا غري املخالفات الشرعية يف نفس‬
‫املعاملة اليت يتعاملون هبا‪ ،‬فنحذر من هذا‪ ،‬إال إذا وجدت شركة معينة تدرس‬
‫على حدة‪ ،‬فهذا شيء آخر‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 80‬‬

‫السؤال الرابع عشر‪ :‬يقول إذا قال البنك‪ :‬إذا فتحت احلساب عندي‪،‬‬
‫أعطيك بطاقة تستطيع هبا أن تستعمل املطاعم يف مطارات العال جماان‪ ،‬فما‬
‫حكم فتح احلساب هبذه النية؟‬

‫اجلواب‪:‬‬
‫فتح احلساب يف البنك هو يف احلقيقة إيداع‪ ،‬وهو إذا ل يكن يرتتب عليه‬
‫فوائد وزوائد فهو ال أبس به‪ ،‬لكن القضية اآلن أنه إذا فتح حسااب‪ ،‬يعطى‬
‫مكافأة‪ ،‬فيعطى بطاقة فيها ختفيضات أو حنو ذلك‪ ،‬هذه يف احلقيقة منفعة‬
‫مقابل هذا املال‪ ،‬لكن هذا ليس بقرض‪ ،‬وإمنا هو وديعة‪.‬‬
‫وأان يف احلقيقة؛ هذه املسألة أشكلت علي لبعض األمور‪ ،‬فلم أستطع أن‬
‫أقول فيها ابحلل وال ابحلرمة‪ ،‬أعين ما يعطى لعمالء البنوك من غري اهلدااي‬
‫املعتادة اليت هي‪ :‬التقومي‪ ،‬وبعض األشياء العينية‪ ،‬وإمنا النقاط‪ ،‬يعين األصل يف‬
‫مثل هذه األمور احلقيقة التحرمي‪ ،‬لكن ألن هذا ليس بقرض‪ ،‬أشكل علي‬
‫احلقيقة ول أصل فيه إىل شيء أجزم به حبرمة أو حل‪.‬‬

‫السؤال اخلامس عشر‪ :‬يقول ابرك هللا فيكم‪ ،‬يوجد يف بعض البنوك‬
‫اإلسالمية بطاقة ائتمانية مدفوعة مقدما وليس فيها أي مبلغ مايل‪ ،‬وإمنا يقوم‬
‫يت ابلدرهم ال أيخذون‬ ‫املشرتك بتعبئتها مبا يشاء من املال‪ ،‬ولكن إذا اشرت َ‬
‫يت أبي عملة أخرى فإهنم خيصمون فرق العملة‪ ،‬هل هذا‬ ‫شيئا‪ ،‬وإذا اشرت َ‬
‫جائز؟‬
‫|‪81‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫اجلواب‪:‬‬
‫هذه اليت تسمى ابلبطاقة املغطاة‪ ،‬ألن البطاقات االئتمانية نوعان‪:‬‬
‫بطاقات مكشوفة‪ ،‬ليست مغطاة أبي رصيد‪ .‬وبطاقات مغطاة إما برصيد‬
‫اإلنسان نفسه‪ ،‬وإما بتعبئتها كما ذكر األخ‪ ،‬فتشحن مبئة درهم‪ ،‬أبلف درهم‪،‬‬
‫بعشرة آالف‪ ،‬ويشرتي اإلنسان يف إطار ما شحن به هذه البطاقة‪.‬‬
‫فالبطاقات املغطاة؛ إذا ل يكن يف املعاملة زايدات ربوية عند التعاقد‬
‫فجائزة‪ ،‬ألنه ال يرتتب عليها زايدات عند العمل‪ ،‬فإذا كانت تؤخذ مببلغ‬
‫مقطوع يدفعه اإلنسان ويشحنها فهي جائزة‪.‬‬
‫تبقى الصورة اليت ذكرها األخ‪ :‬وهو أنه إذا كان اإلنسان يتعامل يف‬
‫اإلمارات مثال إذا سحب ابلدرهم أو اشرتى ابلدرهم‪ ،‬ال يؤخذ شيء‪ ،‬لكن لو‬
‫فرضنا أن رصيده ابلدراهم‪ ،‬وتعامل عن طريق االنرتنت مثال واشرتى ابلدوالر‪،‬‬
‫فإهنم أيخذون منه قيمة العملة أو فرق العملة‪ ،‬وهذا الفرق أحياان يكون أزيد‬
‫من السوق‪ ،‬مبقدار معني فهذا يف احلقيقة إذا كان يتم فيه التقابض فورا مبعن‬
‫أهنم يسحبونه من الرصيد مباشرة مبجرد أن يتم الشراء‪ ،‬يسحب مقابل هذا‬
‫املبلغ من رصيده املوجود يف البطاقة مباشرة فهذا صرف وحصل فيه التقابض‪،‬‬
‫فهو جائز‪.‬‬
‫أما إذا كان حيصل أتخري ليوم أو يومني فهذا ال جيوز‪ ،‬ألن شرط صحة‬
‫الصرف التقابض يف اجمللس‪ .‬وأما الزايدة اليت أيخذها البنك عن سعر السوق‪،‬‬
‫فهذه على كل حال إذا كانت معلومة ومتفقا عليها من األصل‪ ،‬فهذا ال أبس‬
‫به‪ ،‬ألن هذه على ما يتفقون عليه‪ .‬يعين‪ :‬لو اتفقوا على مبلغ معني يصرف‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 82‬‬

‫به الدوالر أو الدينار أو حنو ذلك‪ ،‬وكان معلوما فال أبس بشرط التقابض‪،‬‬
‫أبن يكون يدا بيد‪.‬‬
‫السؤال السادس عشر‪ :‬هل جيوز شراء الذهب من بطاقة املاسرتكارد‪،‬‬
‫وهي اليت تسحب من الرصيد مباشرة جمرد أن توضع يف املاكينة؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫شراء الذهب ابلبطاقات فيه تفصيل‪:‬‬
‫فإن كانت البطاقة ِما يسحب منه الرصيد فورا حبيث خيرج من رصيد‬
‫املشرتي إىل رصيد البائع وهو يف احملل‪ ،‬فهذا جائز‪ ،‬ألن التقابض قد حصل‬
‫يف جملس البيع‪.‬‬
‫أما إذا كانت البطاقة ِما تتأخر أو حتتمل التأخري‪ ،‬فتأخذ ساعة‪،‬‬
‫ساعتني‪ ،‬ثالث ساعات حّت يدخل يف حساب البائع‪ ،‬فهذا ال جيوز ابلنسبة‬
‫للذهب‪ ،‬ألنه يشرتط التقابض حّت لو سحب الرصيد من حساب املشرتي‪،‬‬
‫لكنه ل يدخل يف حساب البائع‪ ،‬فهنا ل حيصل التقابض‪.‬‬
‫أما إذا كانت البطاقة كما قال السائل أو كما يف بعض البطاقات مبجرد‬
‫أن تتم العملية يسحب من رصيد املشرتي ويدخل يف رصيد البائع؛ فهذا‬
‫جائز وهو من التقابض‪.‬‬
‫السؤال السابع عشر‪ :‬يقول ابرك هللا يف‪ ،‬كم من يرى ضعف حديث‪:‬‬
‫‪‬من شفع ألخيه شفاعة فأهدى له هدية‪  ...‬احلديث‪ ،‬من يرى ضعف‬
‫احلديث فهل جيوز له أن يفيت الناس جبواز ذلك بناء على ضعف احلديث؟‬
‫|‪83‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫اجلواب‪:‬‬
‫من ل يصح عنده احلديث‪ ،‬فله أن يفيت ابجلواز‪ ،‬ألنه ال يوجد دليل على‬
‫املنع سوى هذا احلديث‪ ،‬فإذا ل يصح عنده احلديث‪ ،‬ول ير أن الشفاعة من‬
‫القرابت اليت ال يؤخذ عليها مقابل ‪-‬هذه علة اثنية‪-‬؛ فله أن يفيت ابجلواز‪،‬‬
‫ويرى أن هذا من ابب املكافأة على املعروف‪ ،‬الذي ل يعارضه احلديث‬
‫اآلخر‪ ،‬ألن احلديث اآلخر عنده ضعيف‪.‬‬

‫السؤال الثامن عشر‪ :‬يقول أحسن هللا إليكم‪ ،‬بعض الناس يتعامل مع‬
‫البنوك اإلسالمية واملصارف اإلسالمية‪ ،‬ويقول‪ :‬أتعامل معهم وإن كان هناك‬
‫خمالفة؛ فاملعاملة يف ذمتهم‪ ،‬ألين أتعامل معهم على أساس أن معاملتهم‬
‫إسالمية‪ ،‬وليس عندي علم أميز هذه املعاملة هل هي جائزة أم ال‪ .‬يقول‪:‬‬
‫توجيهكم فيه؟‬

‫اجلواب‪:‬‬
‫نعم التعامل مع البنوك اإلسالمية اليت هلا هيئات شرعية‪ ،‬جائز يف‬
‫اجلملة‪ ،‬لكن إذا كان يف املعاملة خمالفة ظاهرة‪ ،‬أو شك اإلنسان؛ فيجب‬
‫عليه أن يسأل أهل العلم‪ ،‬السيما أن األمور اختلطت‪ ،‬لكن عاميا ذهب‬
‫وتعامل مع البنك اإلسالمي الذي عنده هيئة شرعية‪ ،‬ول يظهر له يف املعاملة‬
‫خمالفة؛ فهذا جائز وهو على األصل‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 84‬‬

‫لكن قضية‪ :‬أضعها يف رقبة اللجنة الشرعية وأخرج سال! هذا ما يصلح‪،‬‬
‫إذا ظهر لك أن يف املعاملة خمالفة فال تقل‪ :‬أان ال يهمين اللجنة أفتت! ال بد‬
‫إما أن تسأل أو تتوقف‪ ،‬ترتك هذه العملية‪.‬‬
‫فنحن نقول‪ :‬الذي يتعامل مع البنوك اإلسالمية‪ ،‬إما أنه الي ظهر له‬
‫يف املعاملة شيء‪ ،‬ول خيربه أحد عن شيء يف هذه املعاملة‪ ،‬واألصل أن هذه‬
‫البنوك اإلسالمية هلا هيئات استشارية‪ ،‬فهذا جائز‪ ،‬وإن كنا نوصي ابلسؤال‪.‬‬
‫أما إذا ظهر أن يف املعاملة خمالفة‪ ،‬أو مسع املتعامل أن يف املعاملة خمالفة‪،‬‬
‫فال جيوز له أن يقدم حبجة أن عندهم هيئة شرعية‪ ،‬بل ال بد من السؤال حّت‬
‫تربأ الذمة‪.‬‬

‫***‬
‫|‪85‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫الدرس الثالث‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم األمتان األكمالن على املبعوث‬
‫رمحة للعاملني وعلى آله وصحبه أمجعني أما بعد‬
‫‪ ...‬فينبغي علينا أن حنرص على تعلم العلم الصحيح‪ ،‬وعلى نشر السنة‬
‫إذا أردان اخلري ألمتنا وجمتمعاتنا‪ ،‬ومن هذا الباب هذه الدورة اليت أسأل هللا‬
‫‪ ‬أن يرزقين وإايكم فيها اإلخالص‪ ،‬وأن جيعلها مباركة‪ ،‬حيث نتناول فيها‬
‫قواعد ذات شأن عظيم تتعلق ابلراب وهو أشر املعامالت اليت يتعامل هبا الناس‬
‫كما قدمنا البارحة‪.‬‬
‫بدأان ابلقاعدة األوىل وهي قاعدة مهمة جدا يف ضبط الراب‪ ،‬حيث بَـينا‬
‫أن الراب من حيث ما يقع فيه ثالثة أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬راب الديون‪ :‬وهو راب يقع يف الديون والقروض‪ ،‬وهو يقع‬
‫يف كل األموال اليت يقع فيها القرض‪ ،‬فليس خاصا مبال دون مال إبمجاع أهل‬
‫العلم‪ ،‬وهو ثالثة أنواع‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬راب القرض أبن يقرضه شيئا بزايدة سواء كانت تلك الزايدة‬
‫من جنس القرض أو من غري جنسه‪ ،‬وهذا من راب اجلاهلية الذي أمجع أهل‬
‫العلم على حترميه‪.‬‬
‫والنوع الثاين‪ :‬راب الزايدة يف ال َديْن الثابت يف الذمة‪ ،‬حبيث ال يكون‬
‫الدين ولكن عند حلول األجل يقال للمدين‪ :‬و ِ‬
‫ف أو ِزْد‪ ،‬أو‬ ‫َ‬ ‫الراب يف أصل َ ْ‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 86‬‬

‫الديْن‪ ،‬وهذا أيضا من راب‬


‫يَـقول املدين‪ :‬زدين يف األجل وأان أزيدك يف َ‬
‫اجلاهلية الذي أمجع أهل العلم على حترميه‪.‬‬
‫ض ْع وتَر َعجل“‪ ،‬وهذا ما اختلف‬
‫والنوع الثالث‪ :‬هو ما يعرف بر ” َ‬
‫العلماء يف كونه راب أو ليس راب‪:‬‬
‫فمن أهل العلم من قال‪ :‬إنه راب وهو حرام‪ ،‬وهم مجهور أهل العلم‪.‬‬
‫ومن أهل العلم من قال‪ :‬إنه حالل وليس من الراب يف شيء‪.‬‬
‫ورجحنا القول القائل ابجلواز‪ ،‬قلنا‪:‬‬
‫‪ -‬ألنه ل يقم دليل من الكتاب أو السنة على حترمي هذه املعاملة‪.‬‬
‫آاثر الصحابة متعارضة‪ ،‬فصح عن ابن عمر ‪ ‬أنه من الراب‬ ‫‪ -‬وألن َ‬
‫وأنه حرام‪ ،‬وصح عن ابن عباس ‪ ‬أنه ليس راب وأنه جائز‪ .‬واآلاثر إذا‬
‫تعارضت ال تكون حجة‪ ،‬بل كما يقول الفقهاء تتساقط‪.‬‬
‫‪ -‬وألن األصل يف املعامالت احلِل‪ ،‬فما دام أنه ال يوجد دليل على‬
‫التحرمي فاألصل احلل‪.‬‬
‫‪ -‬وألن هذه املعاملة حتقق مقصود الشارع من التوسعة على الناس يف‬
‫معاملتهم‪ ،‬وقد تقدم معنا العام املاضي أن الشارع يقصد التوسعة على الناس‬
‫يف معامالهتم‪ ،‬وألن هذه املعاملة فيها مصلحة للطرفني وال ضرر فيها وال مانع‬
‫شرعا منها‪ ،‬فالقول ابجلواز هو الصحيح إن شاء هللا ‪.‬‬
‫|‪87‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫وأما [القسم الثاين‪ ]:‬راب البيوع‪ :‬فهو الراب الذي يقع يف البيوع‪ ،‬ومن‬
‫صفاته أنه خاص ببعض األموال وليس يف كل األموال‪ ،‬وهو نوعان‪ :‬راب‬
‫الفضل وراب النسيئة وسنتكلم عنهما اآلن إن شاء هللا ‪.‬‬
‫وأما القسم الثالث فهو راب الشفاعة‪ ،‬وهو‪ :‬أن أيخذ اإلنسان مقابال‬
‫لشفاعة أو ملا يسمى بـ "التوسط"‪ ،‬وهذا أيضا كما قلنا ‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬حمل‬
‫خالف‪:‬‬

‫‪ -‬فمن أهل العلم من قال إنه حرام ويف كل شفاعة‪.‬‬


‫‪ -‬ومن أهل العلم من قال إنه حرام يف الشفاعة الواجبة والشفاعة‬
‫احملرمة‪.‬‬
‫‪ -‬ومن أهل العلم من قال إنه حرام يف الشفاعة اليت تعود مصلحتها إىل‬
‫عموم الناس‪.‬‬
‫‪ -‬ومن أهل العلم من قال إنه مكروه وليس حبرام‪.‬‬
‫‪ -‬ومن أهل العلم من قال إن هذا ليس راب‪ ،‬وليس حمرما بل هو جائز‪.‬‬

‫ومدار املسألة على حديث أيب أمامة ‪ :‬من شفع ألخيه شفاعة‬
‫فأهدى إليه هدية عليها فقبلها فقد فتح اباب عظيما من أبواب الراب‪ ‬فهذا‬
‫ص َّح َحه؛ قال ابلتحرمي أو‬
‫احلديث الذي رواه أبو داوود والطرباين‪َ ،‬م ْن َ‬
‫ضعَّ َفه؛ قال أبن هذا جائز ألنه ال دليل على املنع‪.‬‬
‫وم ْن َ‬
‫ابلكراهة‪َ ،‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 88‬‬

‫ورجحنا أن احلديث صاحل لالحتجاج به من جهة السند ومن جهة‬


‫املنت‪ ،‬وأنه عام‪ ،‬والذي أَختاره يف املسألة ‪-‬مع أن املسألة خالفية‪-‬؛ َّأان‬
‫نسمي هذا راب‪:‬‬
‫لتسمية النيب ﷺ له راب‪.‬‬
‫وأن هذا ال جيوز يف كل شفاعة‪ ،‬فالشفاعة إمنا تكون قربة إىل هللا‪ ،‬ألن‬
‫اجلاه هبة من هللا فال جيوز أخذ شيء يف مقابل منفعته‪.‬‬
‫َ‬
‫هذا خالصة ما دارت عليه القاعدة األوىل يف متييز الراب من جهة ما يقع‬
‫فيه من املعامالت‪.‬‬
‫واليوم إن شاء هللا ‪ ‬أنخذ القاعدة الثانية من قواعد الراب‪ ،‬هذه‬
‫القاعدة نقول فيها‪:‬‬
‫[القاعدة الثانية]‪ :‬الراب من حيث حقيقته قسمان‪ :‬فضل ونسيئة‪.‬‬
‫اتفق العلماء على أن الراب من جهة صفته أو من جهة حقيقته نوعان‪:‬‬
‫راب الفضل وراب النسيئة‪ ،‬فالراب‪:‬‬
‫إما أن يكون بفضل؛ والفضل هو الزايدة‪.‬‬
‫وإما أن يكون بنسيئة؛ وهي التأخري‪.‬‬
‫وقد جيتمعان كما سنبني إن شاء هللا ‪.‬‬
‫فراب الفضل‪ :‬هو تفاضل يف بيع كل جنس جيري فيه الراب‪ ،‬أو تفاضل يف‬
‫بيع كل جنس جيري فيه الراب جبنسه‪.‬‬
‫|‪89‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫من هنا نفهم ‪-‬اي إخوة‪ -‬أن الراب من حيث البيوع ال يقع يف كل مال أو‬
‫يف كل جنس‪ ،‬وإمنا يف أجناس معينة ستأيت إن شاء هللا ‪ ،‬يف بيع كل‬
‫جنس جيري فيه الراب بنفس جنسه‪ ،‬هذا راب الفضل‪ ،‬مثل‪ :‬أن يبيع اإلنسان‬
‫بصاعي أرز رديء‪ ،‬يعين‪ :‬إنسان يبيع األرز وعنده أرز جيد‪،‬‬
‫صاع أرز جيد َ‬
‫وجاء إنسان معه أرز رديء فقال له‪ :‬أبيعك صاعا من هذا األرز اجليد‬
‫بصاعني من هذا األرز الرديء الذي معك‪ ،‬فهذا راب فضل ألنه يبيع األرز‬
‫ابألرز متفاضال‪.‬‬
‫راب النسيئة‪ :‬هو أتخري قبض ما جيري فيه الراب‪ ،‬كأن يشرتي مئة غرام من‬
‫الذهب مبئة غرام من الذهب‪ ،‬ويقبض املشرتي الذهب اآلن‪ ،‬ويقبض البائع‬
‫املال غدا‪ ،‬هنا ابع ذهبا بنقود‪ ،‬أو ابع ذهبا بذهب‪ ،‬وأخر قبض أحدمها ولو‬
‫غراما منه‪ ،‬فإن هذا هو راب النسيئة‪.‬‬
‫وقد جيتمعان‪ :‬فتكون يف املعاملة راب فضل وراب نسيئة‪ ،‬مثل‪ :‬أن يشرتي‬
‫مئة غرام ذهب مبئة وعشرين غراما من الذهب‪ ،‬ويؤخر القبض‪.‬‬
‫أعطيكم صورة تقع يف السوق‪ :‬يذهب الرجل إىل سوق الذهب ومعه‬
‫ذهب قدمي المرأته‪ ،‬يزن مئة غرام‪ ،‬فيقول له الصائغ هذا الذهب قدمي مئة‬
‫غرام‪ ،‬نبيعه لك بثمانني غرام من الذهب اجلديد ‪-‬هذا تفاضل‪ -‬ولكن‬
‫الذهب اجلديد ليس عندان اليوم نعطيك إايه غدا‪ ،‬هات هذا الذهب الذي‬
‫معك وغدا نسلمك الذهب اجلديد‪.‬‬
‫فهنا يوجد عندان راب فضل وراب نسيئة يف معاملة واحدة‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 90‬‬

‫وقد دل على هذا أحاديث رسول هللا ﷺ‪ِ ،‬م ْن أصرحها ما رواه مسلم‬
‫عن عبادة بن الصامت ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪ :‬الذهب ابلذهب‪،‬‬
‫والفضة ابلفضة‪ ،‬والبـر ابلبـ ِر‪ ،‬والشعري ابلشعري‪ ،‬والتمر ابلتمر‪ ،‬وامللح ابمللح‪،‬‬
‫مثال مبثل‪ ،‬سواء بسواء‪ ،‬يدا بيد‪ ،‬فإذا اختلفت هذه األصناف فبيعوا كيف‬
‫شئتم إذا كان يدا بيد‪.‬‬
‫ويف راوية عنه ‪ ‬أيضا عند مسلم قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪ :‬الذهب‬
‫ابلذهب‪ ،‬والفضة ابلفضة‪ ،‬والبـر ابلبـ ِر‪ ،‬والشعري ابلشعري‪ ،‬والتمر ابلتمر‪ ،‬وامللح‬
‫ابمللح‪ ،‬مثال مبثل‪ ،‬يدا بيد‪ ،‬فمن زاد أو استزاد فقد أراب‪ ،‬اآلخذ واملعطي فيه‬
‫سواء‪.‬‬
‫فهنا بني النيب ﷺ نوعي الراب‪:‬‬
‫‪‬راب الفضل يف قوله‪ :‬مثال مبثل‪ ،‬سواء بسواء‪ ،‬يدا بيد‪ ،‬فعندما‬
‫قال‪ :‬مثال مبثل‪ ،‬سواء بسواء‪‬؛ علمنا أنه إن زاد كان راب‪ ،‬وأصرح منه قوله‬
‫ﷺ يف الرواية األخرى‪ :‬فمن زاد أو استزاد؛ فقد أراب‪ ،‬فهذا نص صريح يف‬
‫يع الشيء جبنسه‪:‬‬‫ِ‬
‫راب الفضل‪ ،‬وهو دليل على أن راب الفضل إمنا يقع إذا ب َ‬
‫الذهب ابلذهب‪ ،‬الفضة ابلفضة‪.‬‬
‫‪ ‬أيضا فيه بيان راب النسيئة يف قوله ﷺ‪ :‬فإذا اختلفت هذه‬
‫األصناف؛ فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد‪ ،‬فعلمنا أنه إذا اختلفت هذا‬
‫األصناف وهي من األجناس الربوية؛ جيوز التفاضل‪ ،‬لقوله‪ :‬فبيعوا كيف‬
‫|‪91‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫شئتم‪ ،‬ولكن ال جيوز التأخري؛ ألن النيب ﷺ اشرتط يف قوله‪ :‬إذا كان يدا‬
‫بيد‪ ‬فعلمنا إنه إذا ل يكن يدا بيد فإنه ال جيوز‪.‬‬
‫‪ ‬بقي شيء اثلث دل عليه احلديث ابلسكوت‪ ،‬وهو‪ :‬إذا كانت‬
‫السلعة أو كان املبيع ليس من أجناس الراب فإنه جيوز بيعه متفاضال ونسيئة‪.‬‬
‫إذن حتصل عندان من احلديث بيان نوعي الراب‪ :‬الفضل‪ ،‬والنسيئة‪ ،‬وأهنا‬
‫إمنا تقع يف أجناس الراب‪ ،‬وبسكوت احلديث دلنا على نوع الثالث‪ :‬وهو‬
‫األموال غري الربوية‪ ،‬فيجوز بيعها متفاضلة ونسيئة‪.‬‬
‫فالصحيح ‪-‬مثال‪ -‬من أقوال أهل العلم؛ أن احلديد ليس من أموال الراب‪،‬‬
‫فيجوز بيع طن حديد بطن ونص من حديد حاضرا أو نسيئة‪ ،‬ألنه ليس من‬
‫أموال الراب‪ ،‬وكذلك الثياب‪ :‬الثياب ليست من األموال الربوية فيجوز لإلنسان‬
‫أن يبيع ثواب بثوبني حاضرة أو مؤجلة‪.‬‬
‫القاعدة الثالثة‪ :‬الراب حرام قليله وكثريه‪.‬‬
‫الراب حرام‪ ،‬ومن كبائر الذنوب‪ ،‬وال فرق فيه بني اليسري والكثري‪ ،‬دل على‬
‫حترميه آايت قاطعات وأحاديث بينات‪ ،‬وإمجاع قطعي من أوضح اإلمجاعات‪.‬‬
‫‪ ‬أما اآلايت‪ :‬فقد قرأان آايت الراب البارحة‪ ،‬منها نصا قول هللا ‪:‬‬
‫ۡ‬
‫ذُ َۡ َ َ َ ذ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ذ‬
‫ٱلر َب َٰوا﴾ [البقرة‪ ،]275 :‬و”ال ـ“ هنا دخلت على‬
‫﴿وأحل ٱّلل ٱۡليع وحرم ِ‬
‫”الراب“ فاقتضت العموم‪ ،‬فكل راب فهو حرام بنص القرآن‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 92‬‬
‫َ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ َ‬
‫كذلك جاء بصيغة النهي يف قول هللا ‪َٰٓ ﴿ :‬‬
‫يأيها ٱَّلِين ءامنوا ل‬
‫ِ‬ ‫َ َٰٓ َ ۡ َ َٰ ٗ ُّ َ َٰ َ َ ٗ‬ ‫َۡ ُ ُ‬
‫ٱلربوا أضعفا مضعفة ﴾ [آل عمران‪ ،]130 :‬فهذا هني وصدر‬ ‫تأكلوا ِ‬
‫َ‬
‫يأ ُّي َها ذٱَّل َ‬
‫ِين َء َام ُنوا“‪ ،‬والقاعدة ‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬أن اآلية‬ ‫النهي بقول هللا‪َٰٓ َ ” :‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُّ َ ذ‬
‫فإن فيها أمرا عظيما تؤمر‬‫يأيها ٱَّلِين ءامنوا“؛ َّ‬ ‫إذا صدرت هبذه الصفة ” َٰٓ‬
‫به أو تنهى عنه‪ ،‬وهذا اخلطاب لرتقيق القلوب‪ ،‬فإن كل إنسان من املسلمني‬
‫ي َأ ُّيهاَ‬
‫ِين َء َام ُنوا“ وال حيب أن خيرج‪ ،‬فإذا قيل له‪َٰٓ َ ” :‬‬ ‫يرى أنه يدخل يف ” ذٱَّل َ‬
‫َ َٰٓ َ ۡ َ َٰ ٗ ُّ َ َٰ َ َ ٗ‬ ‫َ َۡ ُ ُ‬ ‫ذٱَّل َ‬
‫ِين َء َام ُ‬
‫ٱلربوا أضعفا مضعفة “‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وا‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫أ‬‫ت‬ ‫ل‬ ‫”‬ ‫النهي‬ ‫وجاء‬ ‫‪.‬‬ ‫ل‬‫ب‬
‫َ‬ ‫ـ‬‫ق‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫“‬ ‫وا‬ ‫ن‬
‫ٗ‬ ‫َ ٗ‬
‫وقلنا ‪-‬اي اإلخوة‪ -‬ابألمس ”أ ۡض َعَٰفا ُّم َض َٰ َع َفة “ هذه بياان للحال‬
‫وليست قيدا للراب احملرم‪ ،‬فالراب لو كان درمها واحدا فهو حرام‪ ،‬ولكن حال‬
‫الراب الذي كان يقع؛ أنه يصبح أضعافا مضاعفة‪.‬‬
‫وأشار بعض أهل العلم إىل لطيفة هنا وهي‪ :‬أن من يدخل هذا الباب‬
‫يـ ْغ ِرق فيه‪ ،‬هذا الباب ‪-‬والعياذ ابهلل‪ -‬ال يزال بينه وبني املؤمن ستار يعظمه‬
‫املؤمن وخياف منه! لكن إذا البَ َسه أوشك أن يَـ ْغَر َق فيه‪.‬‬
‫ولذلك جتد مثال أن أصحاب البنوك الربوية أن كثريا منهم من املسلمني‪،‬‬
‫‪-‬حنن نتكلم عن أصحاب البنوك الربوية املسلمني‪ -‬طبعا ال ي َك َّفر ابلتعامل‬
‫ابلراب ولو فتحا بنكا؛ ألن العمل ال يدل على االستحالل‪ ،‬وهذا يدل عليه‬
‫الواقع‪ ،‬فإنك َترى كثريا من الناس يفعل الشيء وهو يرى أنه حرام ولكن تغلبه‬
‫شهوته‪ ،‬يسمعون اآلايت ويسمعون املواعظ ويسمعون كالم اخلطباء ولكنهم‬
‫ال ينزجرون‪ ،‬ألن هذا الباب ‪ -‬والعياذ ابهلل ‪ -‬إذا دخله اإلنسان ران على‬
‫|‪93‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫القلب‪ ،‬وأصبح أضعافا مضاعفة‪ ،‬وغلب على مال اإلنسان‪ ،‬ولذلك يقول‬
‫العلماء‪ :‬دفع الراب أسهل من رفعه‪ ،‬دفع الراب‪ :‬بِ َعدم الدخول فيه أصال‪ ،‬والبعد‬
‫عنه‪ ،‬واحلذر منه أسهل من رفعه‪ ،‬بعض الناس أييت يقول‪ :‬وهللا أان اآلن‬
‫حمتاج‪ ،‬وهذه املعاملة‪ ،‬ويدخل يف املعاملة‪ ،‬مث إذا دخل ‪ -‬والعياذ ابهلل ‪-‬‬
‫احندر‪ ،‬فكلما أبعد اإلنسان عن هذا الباب كلما َسلِ َم منه‪.‬‬
‫وأيضا جاء حترمي الراب يف القرآن ببيان سوء عاقبة أهله يوم القيامة يف قول‬
‫ََ َ‬
‫خ ذب ُطهُ‬ ‫ذ َ َ ۡ ُ ُ َ َ َٰ َ َ ُ ُ َ ذ َ َ َ ُ ُ ذ‬
‫ٱلربوا ل يقومون إِل كما يقوم ٱَّلِي يت‬
‫هللا ‪﴿ :‬ٱَّلِين يأكلون ِ‬
‫ۡ‬ ‫ذ‬
‫ٱلش ۡي َطَٰ ُن م َِن ٱل َم ِس﴾ [البقرة‪ ،]275 :‬وقلنا ابألمس ‪ -‬والعياذ ابهلل ‪ :-‬أن‬
‫آكل الراب يبعث يوم القيامة جمنوان على قول من أقوال املفسرين‪ ،‬ودل عليه‬
‫حديث صحيح‪ ،‬وقال بعض املفسرين‪ :‬إنه يقوم ويسقط وال يكون مسرعا‬
‫كغريه من الناس‪.‬‬
‫أيضا دل على حرمة الراب ولو كان قليال ولو بقي منه شيء قول هللا ‪:‬‬
‫َ‬‫ِين َء َام ُنوا ذٱت ُقوا ذ َ‬
‫ٱّلل َوذ ُروا َما بَ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬
‫ٱلر َب َٰٓوا﴾ [البقرة‪،]278 :‬‬
‫ِ‬
‫قم َ‬
‫ِن‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫﴿أ ُّي َها ٱَّل َ‬

‫وهذا يقتضي العموم ولو كان درمها واحدا ولو كان شيئا يسريا‪ ،‬مث قول هللا‬
‫ذ‬ ‫ُ‬ ‫ََۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ ُ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬
‫‪﴿:‬فإِن ل ۡم تف َعلوا فأذنوا ِِبَ ۡرب م َِن ٱّللِ َو َر ُس ِ‬
‫وَلِۦ﴾ [البقرة‪،]279 ،:‬‬
‫هذا تغليظ يف هذا الذنب‪ ،‬ألنه كما قدمنا‪ :‬ما مجع هللا بينه وبني رسوله ﷺ‬
‫يف اإلذن ابحلرب إال يف ذنب الراب‪ ،‬فآكل الراب حمارب هلل‪ ،‬حمارب لرسول هللا‬
‫ﷺ بفعله‪ ،‬ولذلك نص أهل العلم على أن الراب أَ َشر املعامالت احملرمة‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 94‬‬

‫‪ ‬وأما السنة‪ :‬فقد ورد حترمي الراب أبساليب متعددة‪ ،‬منها ما جاء يف‬
‫صها على أصحابه وجاء فيها قال‪ :‬فَانْطَلَ ْقنَا َح َّّت أَتَـْيـنَا‬ ‫رؤاي النيب ﷺ اليت قَ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َّه ِر َرجل بـَ ْ َ‬
‫ني‬ ‫َّه ِر‪َ ،‬و َعلَى َشط النـ َ‬
‫َعلَى نَـ َهر م ْن َدم فيه َرجل قَائم َعلَى َو َسط النـ َ‬
‫ِ‬ ‫يَ َديْ ِه ِح َج َارة‪ ،‬فَأَقْـبَ َل َّ‬
‫َّه ِر‪ ‬هذا هنر من دم‪ ،‬حيكيه النيب ﷺ‪،‬‬ ‫الرجل الَّذي ِيف النـ َ‬
‫ويف وسطه رجل قائم‪ ،‬وعلى شط النهر رجل وبني يديه حجارة‪ ،‬فإذا أقبل‬
‫الرجل ِحبَ َجر ِيف فِ ِيه‪ ،‬فَـَرَّده‬ ‫الرجل الذي يف النهر ‪ ‬فَإِذَا أ ََر َاد أَ ْن َخيْر َج َرَمى َّ‬
‫َحْيث َكا َن‪ ،‬فَ َج َع َل كلَّ َما َجاءَ لِيَ ْخر َج؛ َرَمى ِيف فِ ِيه ِحبَ َجر‪ ،‬فَـيَـ ْرِجع َك َما َكا َن‪،‬‬
‫هذا حاله يف العذاب ‪ -‬والعياذ ابهلل ‪ -‬يسبح يف هنر من دم‪ ،‬كلما أراد أن‬
‫خيرج منه رمى الرجل الذي على الشط حجرا يف فيه فثقل كما كان يتناول‬
‫ِ‬
‫قال امللكان‪َ  :‬والَّذي َرأَيْـتَه ِيف النـ َ‬
‫َّه ِر‬ ‫الراب‪ ،‬فريجع كما كان‪ ،‬ويف آخر الرؤاي َ‬
‫الرَاب‪ ‬رواه البخاري يف الصحيح‪.‬‬ ‫آكِلوا ِ‬
‫أيضا‪ :‬بني النيب ﷺ أن الراب من السبع املوبقات‪ ،‬املهلكات‪ ،‬الذنوب‬
‫الكبار‪ ،‬فقال ﷺ‪ :‬اجتنبوا السبع املوبقات‪ ،‬قالوا وما هن اي رسول هللا‪،‬‬
‫قال‪ :‬الشرك ابهلل‪ ،‬والسحر‪ ،‬وقتل النفس اليت حرم هللا إال ابحلق‪ ،‬وأكل الراب‪،‬‬
‫وأكل مال اليتيم‪ ،‬والتويل يوم الزحف‪ ،‬وقذف احملصنات املؤمنات الغافالت‪‬‬
‫متفق عليه‪.‬‬
‫وبني النيب ﷺ أن الراب سبب لطرد اإلنسان من رمحة هللا‪ ،‬والقاعدة عند‬
‫أهل العلم أن كل ذنب تـو ِع َد عليه ابللعن فهو من الكبائر‪ ،‬جاء عن جابر‬
‫|‪95‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫‪ ‬قال‪ :‬لعن رسول هللا ﷺ آكل الراب‪ ،‬وموكِله‪ ،‬وكاتبه‪ ،‬وشاهديه‪ ،‬وقال‬
‫هم سواء‪ ‬رواه مسلم يف الصحيح‪ ،‬وقال‪ :‬هم سواء‪ ‬أي يف اللعن‪.‬‬
‫توعد‬
‫فأعوذ ابهلل ‪-‬اي إخوة‪ ،-‬الراب شأنه خطري‪ ،‬الذي أيخذ الراب م َّ‬
‫ابللعن‪ ،‬والذي يعطي الراب متوعَّد ابللعن‪ ،‬والذي يشهد على معاملة الراب‬
‫متوعد ابللعن‪ ،‬فكلها‬
‫متوعد ابللعن‪ ،‬والذي يكتب الراب ولو جبهاز احلاسب َّ‬
‫َّ‬
‫كبائر‪ ،‬يعين‪ :‬الذي يعمل يف بنك ربوي ويقيد املعامالت الربوية‪ ،‬أو يوثقها؛‬
‫فهو مرتكب لكبرية من كبائر الذنوب‪ ،‬مستحق للعنة‪ ،‬بنص حديث رسول‬
‫هللا ﷺ‪ ،‬وهذا يدل ‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬بداللة التنبيه على أن التسبب يف الراب‬
‫كبرية من كبائر الذنوب‪ ،‬حّت السمسرة‪ :‬كون اإلنسان يكون مسسارا بني‬
‫البنك الربوي واملقرتض؛ هي من كبائر الذنوب‪ ،‬بل ذكر أهل العلم أنه حّت‬
‫محل من يريد أن يتعامل ابلراب إىل املكان الذي يتعامل فيه ابلراب مع العلم؛‬
‫حمرم وقد يكون من الكبائر‪ ،‬ألنه تسبب يف هذا األمر‪ ،‬فاألمر جد خطري‪.‬‬
‫والراب أيضا سبب حللول العقوابت العاجلة‪ ،‬وهذا دليل على كونه شرا‬
‫عظيما‪ ،‬فعن ابن عباس ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪ :‬إذا ظهر الزان والراب‬
‫يف قرية‪ ،‬فقد أحلوا أبنفسهم عذاب هللا ‪ ‬رواه الطرباين واحلاكم وصححه‬
‫احلاكم واأللباين‪ ،‬أي‪ :‬أهنم عرضوا أنفسهم ألن ينزل عليهم عذاب هللا سبحانه‬
‫وتعاىل‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 96‬‬

‫وقد أمجع املسلمون سلفا وخلفا على حرمة الراب بنوعيه‪ ،‬راب الفضل وراب‬
‫النسيئة‪ ،‬قال ابن قدامة ‪-‬رمحه هللا‪” :-‬والراب على ضربني‪ :‬راب الفضل‪ ،‬وراب‬
‫النسيئة‪ ،‬وأمجع أهل العلم على حترميهما“‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أما راب النسيئة‪ :‬فلم يقع فيه خالف بني األمة أصال‪ ،‬بل األمة‬
‫جممعة على حرمته‪ ،‬ول يقل أحد من أهل العلم إنه حالل‪ ،‬وقد روى مسلم‬
‫يف صحيحه عن أسامة بن زيد ‪ ‬أن النيب ﷺ قال‪ :‬إمنا الراب يف‬
‫النسيئة‪ ،‬وهذا احلصر للتغليظ وسيأيت الكالم عليه إن شاء هللا ‪.‬‬
‫وأما راب الفضل‪ :‬الذي هو الزايدة‪ ،‬فقد خالف فيه بعض الصحابة‪ ،‬كابن‬
‫عباس وابن عمر ‪ ،‬واحتجا هبذا احلديث الذي ذكرانه‪ :‬حديث أسامة أن‬
‫النيب ﷺ قال‪ :‬إمنا الراب يف النسيئة‪ ،‬فحصر الراب يف النسيئة‪ ،‬فقالوا‪ :‬إمنا يقع‬
‫الراب يف النسيئة‪.‬‬
‫وقد حكى مجع من أهل العلم أهنما رجعا عن هذا القول‪ ،‬قال ابن‬
‫حجر‪” :‬وخالف فيه ابن عمر مث رجع“ ‪-‬يعين جزم برجوع ابن عمر ‪-‬‬
‫”وابن عباس واختلف يف رجوعهم“‪ ،‬هذا الذي حكاه ابن حجر يعين‪ :‬جزم‬
‫أن ابن عمر رضي هللا عنهما رجع عن القول ابجلواز إىل القول ابلتحرمي يف راب‬
‫الفضل‪ ،‬وقال‪ :‬إنه اختلف يف رجوع ابن عباس رضي هللا عنهما‪.‬‬
‫قلت‪ :‬روى مسلم يف الصحيح عن أيب نضرة قال‪َ  :‬سأَلْت ابْ َن ع َمَر‪،‬‬
‫الصر ِ‬
‫ف‪ ،‬فَـلَ ْم يَـَرَاي بِِه َأبْسا‪- ‬يعين صرف الدراهم ابلداننري‪،‬‬ ‫َوابْ َن َعبَّاس َع ِن َّ ْ‬
‫|‪97‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫أو صرف يعين الداننري ابلداننري‪ ،‬أو الدراهم ابلدراهم متفاضلة‪ ،‬هذا املقصود‬
‫ابلصرف يف مجيع صوره‪.‬‬
‫الصر ِ‬ ‫اعد ِعْن َد أَِيب َسعِيد ْ‬
‫قال‪ :‬فَِإِين لََق ِ‬
‫ف‪ ،‬فَـ َق َال‪:‬‬ ‫اخل ْد ِر ِي‪ ،‬فَ َسأَلْته َع ِن َّ ْ‬
‫َما َز َاد فَـه َو ِراب‪- ‬هذا أبو سعيد اخلدري الصحايب اجلليل‪.‬‬
‫ك لَِق ْوهلِِ َما‪ ،‬يعين‪ :‬لقول ابن عمر وابن عباس‪.‬‬ ‫ِ‬
‫قال‪ :‬فَأَنْ َك ْرت ذَل َ‬
‫احب ََنْلِ ِه‬
‫ول هللاِ ﷺ‪ ،‬جاءه ص ِ‬
‫ََ َ‬
‫ك إَِّال ما َِمس ْعت ِمن رس ِ‬
‫َْ‬
‫ِ‬
‫‪‬فَـ َق َال‪َ :‬ال أ َحدث َ َ‬
‫صاع ِم ْن متَْر طَيِب‪َ ،‬وَكا َن متَْر النِ ِ‬
‫َّيب ﷺ َه َذا اللَّ ْو َن‪ ‬يعين‪ :‬ليس هو التمر‬ ‫بِ َ‬
‫اجليد‪.‬‬
‫اع ْ ِ‬
‫ني فَا ْشتَـَريْت‬ ‫صَ‬ ‫ك َه َذا؟‪ ‬قَ َال‪ :‬انْطَلَ ْقت بِ َ‬ ‫‪‬فَـ َق َال لَه النَِّيب ﷺ‪ :‬أ َ‬
‫َّن لَ َ‬
‫وق َك َذا‪َ ،‬و ِس ْعَر َه َذا َك َذا‪ ،‬فَـ َق َال َرسول‬‫الصاع‪ ،‬فَِإ َّن ِسعر ه َذا ِيف الس ِ‬
‫َْ َ‬ ‫بِه َه َذا َّ َ‬
‫ِ‬
‫ك‪ ،‬فَبِ ْع‬‫ت َذلِ َ‬ ‫ت‪- ‬يعين وقعت يف الراب‪ -‬إِ َذا أ ََر ْد َ‬ ‫هللاِ ﷺ‪َ  :‬ويْرلَ َ‬
‫ك‪ ،‬أ َْربَر ْي َ‬
‫ي َتَْر ِش ْئ َ‬
‫ت‪. ‬‬ ‫َتََْر َك بِ ِسل َْعة‪ ،‬ثَُ ا ْش َِت بِ ِسل َْعتِ َ‬
‫ك أَ َ‬
‫طيب انظروا فقه الصحابة‪ ،‬وأن الصحابة يـ ْع ِملون القياس‪ :‬قَ َال أَبو‬
‫َحق أَ ْن يَكو َن ِراب‪ ،‬أَِم الْ ِفضَّة ِابلْ ِفض َِّة؟‪ ،‬يعين‪ :‬هذا وقع‬ ‫َسعيد‪ :‬فَالت َّْمر ِابلت َّْم ِر أ َ‬
‫يف التمر‪ ،‬فأيهما أوىل؛ هل التمر أوىل من الفضة أو الفضة أوىل‪.‬‬
‫‪‬قَ َال‪ :‬فَأَتَـْيت ابْ َن ع َمَر بَـ ْعد فَـنَـ َه ِاين‪ ،‬يعين أتيت ابن عمر ‪ ‬بعد‬
‫فسألته عن الصرف فنهاين‪ ،‬وهؤالء هم األتقياء األزكياء ‪-‬اي إخوة‪ ،-‬ال‬
‫مينعهم قول قالوه اليوم فتبني هلم احلق يف خالفه؛ من أن يعودوا إىل احلق‪،‬‬
‫وهذه طريقة األزكياء األتقياء على َمر الزمان‪ ،‬قد يقول أحدهم قوال مث يتبني‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 98‬‬

‫له أن احلق خبالفه؛ ال يبقى يعين‪ :‬يتأول لنفسه وميكن‪ ..‬وميكن‪ ..‬بل يرجع‬
‫إىل احلق فإن احلق قدمي‪ ،‬وهذه من مزااي أهل العلم األبرار‪.‬‬
‫الص ْهبَ ِاء‪ ،‬أَنَّه َسأ ََل ابْ َن‬ ‫قال‪ :‬وَل ِ‬
‫آت ابْ َن َعبَّاس‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَ َح َّدثَِين أَبو َّ‬ ‫َْ‬
‫َعبَّاس َعْنه ِمبَ َّكةَ فَ َك ِرَهه‪ .‬والكراهية يف لسان السلف يقصد هبا التحرمي‪،‬‬
‫وخيطئ بعض الفقهاء حيث حيمل كلمة مكروه أو أكره يف لسان السلف‪،‬‬
‫على الكراهية اليت اصطلح عليها املتأخرون‪.‬‬
‫فهذا نص يف أن ابن عباس ‪ ‬أنه رجع عن القول ابجلواز‪.‬‬
‫ف ‪-‬يَـ ْع ِين ابْ َن َعبَّاس‪-‬‬ ‫لصر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجاء عن أيب اجلوزاء قال‪َ  :‬مس ْعته َأيْمر اب َّ ْ‬
‫ك فَـلَ ِقيته ِمبَ َّكةَ‪ ،‬فَـق ْلت‪ :‬إِنَّه بَـلَغَِين‬ ‫ِ‬
‫ك َعْنه‪ ،‬مثَّ بَـلَغَِين أَنَّه َر َج َع َع ْن َذل َ‬
‫ِ‬
‫َوحيَدَّث َذل َ‬
‫ِ‬
‫ك َرأْاي‬ ‫ت‪– ‬يعين عن قولك يف راب الفضل‪ -‬قَ َال نَـ َع ْم إَِّمنَا َكا َن ذَل َ‬ ‫أَن َ‬
‫َّك َر َج ْع َ‬
‫الصر ِ‬ ‫ِم ِين‪ ،‬وه َذا أَبو سعِيد حي ِدث عن رسول َِّ‬
‫ف‪ ،‬يعين‬ ‫اّلل ﷺ أَنَّه نَـ َهى َع ْن َّ ْ‬ ‫َ َ َْ َ‬ ‫ََ‬
‫عن التفاضل يف الصرف‪ ،‬رواه ابن ماجه وصححه األلباين‪.‬‬
‫فانظروا تعظيم الصحابة للسنة‪ ،‬هذا ابن عباس ‪ ‬رأى رأاي يف جواز‬
‫راب الفضل‪ ،‬فلما بلغه احلديث عن أيب سعيد اخلدري ‪ ،‬رجع عن قوله ألنه‬
‫كان رأاي رآه وفهما فهمه‪ ،‬وقد أمجع العلماء بعدهم على حرمة راب الفضل‪،‬‬
‫والسنة صرحية يف حرمة راب الفضل‪.‬‬
‫إذن انتبهوا هلذا ‪-‬أيها اإلخوة‪ ،-‬ألن بعض الناس يطنطن على قضية‬
‫خالف ابن عمر وابن عباس ‪ ،‬راب النسيئة‪ :‬ل يقع فيه خالف أصال‪،‬‬
‫راب الفضل‪ :‬اجتهد فيه ابن عمر وابن عباس ‪ ،‬ألنه بلغهما حديث‪ :‬إمنا‬
‫|‪99‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫الراب يف النسيئة‪ ،‬ول يبلغهما احلديث اآلخر‪ ،‬فلما بلغهما احلديث اآلخر؛‬
‫رجعا عن قوليهما‪.‬‬
‫مث تتابع العلماء على اإلمجاع على حرمة الراب بنوعيه‪ ،‬ولذا قال النووي‬
‫‪-‬رمحه هللا‪ -‬عن حديث أسامة ‪” :‬وقد أمجع املسلمون على ترك العمل‬
‫بظاهره“‪ ،‬ألن ظاهره أنه حصر الراب يف النسيئة‪.‬‬
‫ولذلك أيضا قال الرتمذي‪” :‬ويف الباب عن أيب بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان‪،‬‬
‫وأيب هريرة‪ ،‬وهشام بن عامر‪ ،‬والرباء‪ ،‬وزيد بن أرقم‪ ،‬وفَضالة بن عبيد‪ ،‬وأيب‬
‫بَ ْكرَة‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬وأيب الدرداء‪ ،‬وبالل“‪ ،‬قال‪” :‬وحديث أيب سعيد عن النيب‬
‫ﷺ يف الراب حديث حسن صحيح“ وهذا وجه الشاهد‪” :‬والعمل على هذا‬
‫عند أهل العلم من أصحاب النيب ﷺ وغريهم‪ ،‬إال ما روي عن ابن عباس أنه‬
‫باع الذهب ابلذهب متفاضال‪ ،‬والفضة ابلفضة‬ ‫كان ال يرى أبسا أن ي َ‬
‫متفاضال‪ ،‬إذا كان يدا بيد‪ ،‬وقال إمنا الراب يف النسيئة‪ ،‬وكذلك روي عن بعض‬
‫أصحابه شيء من هذا‪ ،‬وقد روي عن ابن عباس أنه رجع عن قوله حني‬
‫حدثه أبو سعيد اخلدري‪ ،‬والقول األول أصح“‪ ،‬يعين الذي عليه مجاهري‬
‫الصحابة‪” ،‬عند أهل العلم من أصحاب النيب ﷺ وغريهم“‪ ،‬إىل أن قال‪:‬‬
‫”وروي عن ابن املبارك أنه قال‪ :‬ليس يف الصرف اختالف“‪ ،‬واملقصود‪ :‬ليس‬
‫يف الصرف اختالف مستقر‪ ،‬ألن هذا اخلالف ل يستقر‪ ،‬بل من خالف فيه‬
‫رجع عن قوله‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 100‬‬

‫طيب حديث أسامة ‪ ‬وهو حديث صحيح اتم الصحة‪ :‬إمنا الراب يف‬
‫النسيئة‪ ‬كيف جياب عنه؟‬
‫أجاب عنه العلماء‪ :‬أبن األحاديث األخرى‪ ،‬اليت تدل على حترمي‬
‫التفاضل بني هذه األجناس مقدمة عليه‪.‬‬
‫طيب ملاذا تـ َقدم عليه؟ قالوا‪:‬‬
‫‪ ‬أوال‪ :‬ألنه رواها من هم أكرب منه سنا وأكثر عددا‪ ،‬فهم مقدمون‬
‫عليه‪.‬‬
‫‪ ‬واألمر الثاين‪ :‬ألهنا تدل على حترمي التفاضل ابلنص‪ ،‬وحديث أسامة‬
‫يدل على جواز التفاضل ابملفهوم‪ ،‬الذي يسميه العلماء مفهوم احلصر‪ ،‬لَـ َّما‬
‫حِ‬
‫صَر الراب يف النسيئة؛ فهمنا أنه جيوز‪ ،‬والنص مقدم على املفهوم ابالتفاق‪.‬‬
‫‪ ‬أيضا أجاب بعض أهل العلم عن حديث أسامة‪ :‬أبنه حيتمل أن‬
‫يكون يف واقعة معينة‪ ،‬وليس مطلقا‪ ،‬فيحتمل أن يكون رسول هللا ﷺ سئل‬
‫عن الراب يف صنفني خمتلفني‪ ،‬ذهب بفضة مثال‪ ،‬أو متر حبنطة‪ ،‬فقال‪ :‬إمنا‬
‫الراب يف النسيئة‪ ،‬يعين إمنا الراب يف هذا يف النسيئة‪ ،‬فسمعه أسامة فأَدى ما‬
‫مسع وهو ما مسعه من النيب ﷺ‪ ،‬ووجه هذا االحتمال‪ :‬األحاديث األخرى‪،‬‬
‫اليت تدل على حترمي التفاضل يف اجلنس الواحد‪.‬‬
‫‪ ‬وأجاب بعض أهل العلم‪ :‬أبن حديث أسامة خرج خمرج التغليظ‪،‬‬
‫واحلديث إذا خرج خمرج التغليظ ال مفهوم له‪ ،‬إذا جاءت اآلية بقيد على‬
‫سبيل التغليظ‪ ،‬أو جاء احلديث على سبيل التغليظ‪ ،‬فإنه ال مفهوم له‪ ،‬وهذا‬
‫|‪101‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫داخل‬
‫صر‬‫‪-‬اي إخوة‪ -‬عند األصوليني يف قوهلم‪ :‬إذا ظهرت للمفاهيم فائدة غري قَ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ ََ ُ ُ ذ‬
‫ك ُم ٱل َٰ ِت ِف ُح ُجورِكم ﴾‬ ‫احلكم فإنه ال يـ ْقصر احلكم؛ مثال‪﴿ :‬ور َٰٓ‬
‫بئِب‬ ‫َ‬
‫ت يف اآلية ابلاليت يف‬ ‫[سورة النساء‪ :‬آية ‪ ،]23‬الربيبة هي بنت الزوجة‪ ،‬قـيِ َد ْ‬
‫حجوركم‪ ،‬طيب ِلَ؟ قالوا‪ :‬ألن نكاحها أغلظ من نكاح الربيبة البعيدة‪ ،‬ألهنا‬
‫تربت يف ِح ْج ِره‪ ،‬وهلذا ال مفهوم له‪ ،‬فال جيوز للرجل أن يتزوج ابنة زوجته‬
‫اليت دخل هبا ولو كانت تعيش بعيدة عنه‪.‬‬
‫يعين‪ :‬لو أن رجل تزوج امرأة ودخل هبا‪ ،‬وهلا بنت من زوجها السابق‬
‫وهذه البنت تعيش مع أبيها‪ ،‬وما رآها قط هذا الزوج‪ ،‬وماتت أمها‪ ،‬فإنه ال‬
‫جيوز له أن ينكحها‪ ،‬ألن هذا القيد خرج خمرج التغليظ‪ ،‬فال مفهوم له‪.‬‬
‫وكذلك حديث أسامة ‪‬إمنا الراب يف النسيئة‪ ،‬خرج خمرج التغليظ يف هذا الراب‪،‬‬
‫فال مفهوم له‪ ،‬وسبب هذا التغليظ‪ :‬أن الراب الشائع يف ذاك الزمان كان راب‬
‫النسيئة‪ ،‬أكثر من راب الفضل‪ ،‬ألنه كما تقدم معنا هو راب اجلاهلية ‪-‬اي إخوة‪-‬‬
‫‪ ،‬فغلظ النيب ﷺ فيه‪.‬‬
‫‪ ‬وأجاب بعض أهل العلم‪ :‬أبن حديث أسامة املقصود به أصل الراب‪،‬‬
‫يعين‪ :‬الراب الذي كان يتعامل به الناس‪ ،‬هو الذي كان يف النسيئة‪ ،‬وهو الذي‬
‫قلنا عنه أمس‪ :‬راب الديون‪ ،‬الراب اجللي‪ ،‬ألن أهل اجلاهلية ما كانوا يقفون عند‬
‫البيوع‪ ،‬ولكن يتعاملون ابلديون‪ ،‬فالنيب ﷺ أراد أن يبني أصل الراب‪ ،‬وهو أن‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 102‬‬

‫أصل الراب كان يف النسيئة‪ ،‬مث بني للصحابة رضوان هللا عليهم راب الفضل‪ ،‬كما‬
‫يف األحاديث األخرى‪.‬‬
‫هذا جممل ما أجاب هبا أهل العلم عن حديث أسامة‪ ،‬ويتضح من هذا‬
‫أن العلماء قد أمجعوا على حترمي راب الفضل وراب النسيئة‪.‬‬
‫طيب‪ ،‬هنا أشري إشارة‪ :‬لعلكم إذا قرأمت يف بعض كتب الفقه‪ ،‬جتدون أن‬
‫بعض الفقهاء قالوا‪" :‬أمجع العلماء على حترمي الراب من حيث اجلملة"‪ِ ،‬لَ قيدوا‬
‫بقوهلم‪ :‬من حيث اجلملة؟ ما فائدة هذا القيد عندهم؟‬
‫هم هنا ‪-‬اي إخوة‪ -‬يريدون اإلشارة إىل أن هناك مسائل يف الراب اختلف‬
‫فيها أهل العلم هل هي من الراب أو ليست من الراب؟ مثل‪ :‬هل جيري راب‬
‫الفضل يف املطعومات اليت ل ترد يف احلديث يف األصناف األربعة ‪-‬ألن‬
‫األصناف ستة‪ ،‬أمثان وهي‪ :‬الذهب والفضة‪ ،‬وأربعة املطعومات‪ -‬هل جيري‬
‫الراب يف غريها؟ يعين‪ :‬هل جيري الراب يف األر؟‪ ،‬هذا اختلف فيه أهل العلم‪،‬‬
‫لكن يف اجلملة أمجعوا على حترمي راب الفضل وراب النسيئة‪.‬‬
‫سة‪.‬‬ ‫القاعدة الرابعة‪ :‬األموال الربوية منصوصة ِ‬
‫ومق ْي َ‬
‫َ‬
‫أي أن األموال اليت جيري فيها راب البيوع‪" ،‬منصوصة" نَص عليها النيب‬
‫وعيَّـنَها‪" ،‬ومقيسة" عليها‪ ،‬ملشاركتها يف العلة‪.‬‬
‫ﷺ َ‬
‫طبعا ‪-‬اي إخوة‪ -‬تقدم معنا أن راب الديون يدخل كل األموال‪ ،‬أما راب‬
‫البيوع‪ ،‬فإنه جيري يف أموال خمصوصة ابتفاق العلماء‪ ،‬وهذه األموال‪:‬‬
‫|‪103‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫‪ -‬منها ما هو منصوص‪ ،‬واملنصوص‪ :‬قد أمجع العلماء عليه‪.‬‬


‫‪ -‬ومنها ما هو مقيس‪ :‬واملقيس وقع فيه النزاع‪.‬‬
‫أما املنصوص‪ :‬فقد ورد يف حديث عبادة ‪ ‬الذي رواه مسلم يف قوله‪:‬‬
‫قال رسول هللا ﷺ‪ :‬الذهب ابلذهب ‪ -‬هذا جنس مال‪ -‬والفضة ابلفضة‪،‬‬
‫والبـر ابلبـ ِر‪ ،‬والشعري ابلشعري‪ ،‬والتمر ابلتمر‪ ،‬وامللح ابمللح‪ ،‬هذه األصناف‬
‫الستة املنصوصة‪ ،‬اليت نص عليها النيب ﷺ فقال‪ِ  :‬مثْال مبِِثْل سواء بسواء‪ ،‬يدا‬
‫بيد‪ ،‬فإذا اختلفت هذه األصناف‪ ،‬فبيعوا كيف شئتم‪ ،‬إذا كان يدا بيد‪ ،‬ففي‬
‫هذا احلديث ‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬بيان األصناف الربوية ابلنص‪ ،‬وهذه األصناف‬
‫فيها موزوانت وفيها مكيالت‪ ،‬ألن الذهب موزون‪ ،‬والفضة موزونة‪ ،‬وبقية‬
‫األصناف األربعة مكيلة‪ ،‬إذن هذه األصناف منها ما هو موزون‪ ،‬ومنها ما‬
‫هو مكيل‪ ،‬وقد أمجع العلماء على جراين الراب يف هذه األصناف‪ ،‬فأمجع‬
‫العلماء على أن الذهب والفضة جيري فيهما الراب‪.‬‬
‫قال ابن بَطَّال يف شرحه على صحيح البخاري‪” :‬أمجع أئمة األمصار أنه‬
‫ال جيوز بيع الذهب ابلذهب‪ ،‬والفضة ابلفضة‪ ،‬تِْبـرمها‪ ،‬وعينهما‪،‬‬
‫ومصنوعهما‪ ،‬إال مثال مبثل‪ ،‬يدا بيد‪ ،‬وال حيل التفاضل يف شيء منهما“‪،‬‬
‫قال‪” :‬وعلى هذا مضى السلف واخللف“‪.‬‬
‫طبعا ‪-‬اي إخوة‪ -‬التِْبـر والعني‪ :‬حمل إمجاع أنه ال جيوز فيها التفاضل‪،‬‬
‫املصنوع‪ :‬سنتكلم عنه بعد قليل إن شاء هللا‪ ،‬يعين احللي وحنو ذلك‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 104‬‬

‫وقال ابن عبد الرب ‪-‬رمحه هللا‪” :-‬فاستقر األمر عند العلماء على أن‬
‫ابلوِرِق‪ ،‬كما هو يف النسيئة“‬ ‫الراب يف االزدايد يف الذهب ابلذهب‪ ،‬ويف ِ ِ‬
‫الورق َ‬
‫َ‬
‫يعين‪ :‬راب‪ ،‬حرام ”سواء يف بيع أحدمها ابآلخر‪ ،‬ويف بيع بعض كل واحد‬
‫منهما ببعض‪ ،‬وهذا أمر جمتَمع عليه ال خالف فيه بني العلماء مع تواتر‬
‫اآلاثر عن النيب ﷺ بذلك“‪ ،‬وفيها هذه املكيالت األربعة وهي يدخلها الراب‬
‫ابإلمجاع‪ ،‬قال ابن عبد الرب‪” :‬على هذا مذهب الصحابة‪ ،‬والتابعني‪ ،‬ومجاعة‬
‫فقهاء املسلمني“‪ ،‬أن هذه األصناف األربعة يدخلها الراب‪.‬‬
‫مث اختلف العلماء بعد ذلك‪ ،‬هل جراين الراب خاص هبذه األصناف‪ ،‬أم‬
‫جيري الراب يف أشياء أخرى‪:‬‬
‫‪ ‬فذهب الظاهرية وبعض الفقهاء كبعض احلنابلة‪ :‬إىل أن جراين الراب‬
‫خاص هبذه األصناف الستة‪ ،‬فال جيري الراب إال يف هذه األصناف الستة‪:‬‬
‫الذهب‪ ،‬والفضة‪ ،‬والتمر‪ ،‬والرب‪ ،‬والشعري‪ ،‬وامللح‪ ،‬وما عداها فال جيري فيه‬
‫الراب‪ ،‬ملاذا؟‬
‫قالوا‪ :‬ألن النيب ﷺ نص فيها‪ ،‬فال نعدو ما نص عليه النيب ﷺ‪.‬‬
‫‪ ‬وذهب اجلمهور‪ :‬إىل أن الراب جيري يف هذه األصناف وما شاركها‬
‫يف العلة‪ ،‬يعين‪ :‬الرب يشبهه األرز‪ ،‬اجلمهور يقولون الراب جيري يف األرز كما‬
‫جيري يف الرب‪ ،‬وهذا هو الصحيح‪ ،‬وعليه مجاهري أهل العلم‪ ،‬ألن الشريعة‬
‫عدل يف أحكامها‪ ،‬فال تفرق بني املتماثالت‪ ،‬وال جتمع بني املختلفات‪.‬‬
‫|‪105‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫الشريعة‪ :‬جتمع بني املتماثالت وال تفرق بينها‪ ،‬وتفرق بني املختلفات‪،‬‬
‫ألهنا عدل كلها يف مجيع األحكام‪ ،‬فإذا وجدان الشريعة حرمت شيئا‪ ،‬مث‬
‫وجدان غريه مثله فإنه أيخذ حكمه‪ ،‬ألن شرع هللا م َعلَّل‪ ،‬فاهلل أمران ابألوامر‪،‬‬
‫وهناان عن املنهيات‪ ،‬ليس جملرد اإلرادة كما تقول األشاعرة‪ ،‬وإمنا أمران ابألوامر‬
‫ألنه حيبها‪ ،‬وألن فيها مصاحلنا‪ ،‬فأنت ‪-‬اي عبد هللا‪ -‬إذا وجدت ربك قد‬
‫علمت أن هللا حيبه كيف‬‫َ‬ ‫أمرك أبمر يف أي شيء فأوال اعلم أن هللا حيبه‪ ،‬وإذا‬
‫ما حتبه؟ أنت ‪-‬أيها الرجل‪ -‬أمرك هللا إبعفاء اللحية على لسان رسول هللا‬
‫ﷺ فقال‪ :‬إعفوا اللحى‪ ،‬أرخوا اللحى‪ ،‬وفروا اللحى‪ ،‬أكرموا‬
‫اللحى‪ ،)1(‬فعلمنا من هذا األمر أن هللا حيب إعفاء اللحية‪ ،‬وإذا علمنا أن‬
‫حب غ ِري هللا على حب‬ ‫هللا حيب إعفاء اللحية كيف ال حنبها؟ وكيف نقدم َّ‬
‫هللا! بعض الناس يعين يقول إذا قلت له‪ :‬ما شاء هللا فيك خري ِلَ ال تعفي‬
‫حليتك؟ قال‪ :‬وهللا أان ودي ولكن الزوجة ال حتب اللحية‪ ،‬وأان أحبها‪ ،‬أو‬
‫يقول وهللا أمي ما حتب اللحية‪ ،‬وأان أحب أمي‪ ،‬هللا ‪ ‬حيب إعفاء اللحية‪،‬‬
‫فكيف تقدم حب خملوق على حب هللا سبحانه وتعاىل‪ ،‬فهذه حكمة‬
‫عظيمة‪ ،‬انفرد هبا أهل السنة واجلماعة‪ ،‬وأيضا‪ :‬نعلم أن هللا أمران هبا ألن فيها‬
‫مصلحتنا‪ ،‬وهللا الذي ال إله إال هو؛ يف إعفاء اللحية مصلحتنا يف العاجل‬
‫واآلجل‪ ،‬علمنا عني املصلحة أو ل نعلمها‪ ،‬لكنَّا جنزم بقلوب مطمئنة أن كل‬
‫ما َأمَران هللا به؛ ففيه مصلحتنا‪ ،‬وأن هللا إمنا هناان عن املنهيات؛ ألنه يبغضها‬

‫(‪ )1‬هذه الرواايت يف البخاري ومسلم وغريمها أبلفاظ خمتلفة‪.‬‬


‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 106‬‬

‫ويكرهها‪ ،‬وألن يف فِعلها شرا لنا‪ ،‬ويف تركها خريا لنا‪ ،‬فشرع هللا م َعلل‪ ،‬فإذا‬
‫وجدا العلة يف شيء غري املنصوص‪ ،‬فإن احلكم ينتقل إىل ذلك الشيء‪.‬‬
‫ولذلك ‪-‬اي إخوة‪ -‬جاءَ القياس يف القرآن‪ ،‬وجاء القياس يف السنة‪،‬‬
‫وجاء القياس يف آاثر الصحابة رضوان هللا عليهم‪ ،‬فالصحيح هو القياس‪ ،‬من‬
‫غري إفراط وال تفريط‪.‬‬
‫ِ‬
‫كامليتة للمضطر‪ ،‬ال يعدل‬ ‫ولذلك يقول بعض الفقهاء‪ :‬القياس للفقيه‬
‫القياس يـ َوسع معن النص ابلعلة‪.‬‬
‫َ‬ ‫عن النصوص إىل القياس‪ ،‬ولكن‬

‫وقر ررد اتف ر ر اجلمهر ررور القر ررائلون ابلقير رراس والتعلير ررل علر ررى أن للر ررذهب‬
‫والفضة علة‪ ،‬ولألصناف األربعة الباقية علة‪.‬‬
‫يعين‪ :‬هذا حمل اتفاق عند املعللني‪ ،‬اتفقوا على أن الذهب والفضة هلما‬
‫علة‪ ،‬وعلى أن بقية األصناف األربعة هلا علة واحدة‪.‬‬
‫قال ابن قدامة ‪-‬رمحه هللا‪” :-‬واتفق املعللون على أن علة الذهب‬
‫والفضة واحدة‪ ،‬وعلة األعيان األربعة واحدة“‪.‬‬
‫مث اختلف العلماء يف تعيني تلك العلة‪:‬‬

‫[أوال‪ :‬علة الذهب والفضة]‬


‫فمن العلماء من قال‪ :‬علة الذهب والفضة الوزن من جنس‪ ،‬يعربون‬
‫يقولون‪ :‬كوهنما موزوين جنس‪ ،‬فعِلة الراب يف الذهب والفضة أهنما موزانن من‬
‫|‪107‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫جنس‪ ،‬وعليه ‪-‬اي إخوة‪ -‬يدخل عندهم الراب يف كل موزون من جنس‪ ،‬وهذا‬
‫القول غري صحيح‪ ،‬يعين مرجوح‪ ،‬ملاذا؟‬
‫ألن الوزن جنس بعيد‪ ،‬ال يـ َعلق به احلكم‪ ،‬ولو قلنا به؛ لضاق احلالل‬
‫وكثر احلرام‪ ،‬وهذا خيالف مقصود الشارع يف املعامالت‪ ،‬فإن مقصود الشارع‬
‫توسيع احلالل يف املعامالت‪ ،‬فلو قلنا كل موزون يدخله الراب‪ ،‬أصبح احلرام‬
‫كثريا جدا‪ ،‬السيما إذا قابله أيضا القول اآلخر يف املطعومات أن العلة يف‬
‫كوهنا مكيلة‪ ،‬فكل مكيل يدخله الراب‪ ،‬هذا يصبح به احلرام كثريا جدا‪،‬‬
‫واحلالل قليل‪ ،‬وهذا خيالف مقصود الشارع‪ ،‬ولذلك يظهر‪-‬وهللا أعلم‪ -‬أن‬
‫هذا القول مرجوح‪.‬‬
‫ومن العلماء من قال‪ :‬إن علة الراب يف الذهب والفضة الثَّ َمنِية‪ ،‬أهنما‬
‫أمثان‪ ،‬أهنما قيم لألشياء‪ ،‬مث اختلفوا‪ :‬هل الثَّ َمنِية خاصة ابلذهب والفضة أم‬
‫ال؟‬
‫فمن الفقهاء من قال‪ :‬هي خاصة ابلذهب والفضة‪ ،‬يعين‪ :‬الثَّ َمنِية ال‬
‫توجد إال يف معدن الذهب والفضة‪ ،‬وابلتايل ال يـتَـ َعدى الراب إىل غريمها‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬العربة بقصد الثَّ َمنِية عند الناس‪ ،‬فما قصده الناس مثنا‬
‫وراج ‪-‬وأصبح هو الرائج‪ -‬فإنه يدخله الراب‪.‬‬
‫وهذا الثاين هو الصحيح الراجح‪ ،‬فيلحق مثال ابلذهب والفضة؛ األوراق‬
‫النقدية اليوم‪ ،‬ألن الناس قصدوها مثنا وجعلوها مثنا‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 108‬‬

‫فإن قال قائل‪ :‬ما دمتم قلتم إن العلة يف الذهب والفضة؛ الثَّ َمنِية‪ ،‬أي‬
‫أهنا قِيَم‪ ،‬فهل يدخل الراب يف احللي؟ احللي املصنعة هل يدخل فيها؟‬
‫ألنه قد يرد يف ذهن اإلنسان يقول‪ :‬احللي ليست مثنا‪ ،‬ليست قيمة‪ ،‬وإمنا‬
‫الثمن الدراهم والداننري وحنو ذلك‪.‬‬
‫نقول‪ :‬نعم يدخلها الراب‪ ،‬ابتفاق أهل العلم‪ ،‬ملاذا؟‬
‫ألن الثمنية كما يقولون مالزمة للذهب والفضة‪ ،‬حيثما وجد الذهب‬
‫والفضة؛ فالقيمة فيه‪ ،‬ولذلك ماذا يفعل بعض الناس‪ ،‬بعض الناس عنده‬
‫مال‪ ،‬أو امرأة عندها مال ماذا تصنع؟ تشرتي حليا‪ ،‬تقول‪ :‬أحفظ مايل‪ ،‬مّت‬
‫ما أرادت ابعته بنفس قيمته أو بزايدة‪ ،‬فالقيمة موجودة حّت يف احللي‪،‬‬
‫ولذلك يدخلها الراب‪.‬‬
‫ضالة ‪ ‬قال‪ :‬ا ْشتَـَريْت يَـ ْوَم َخْيـبَـَر قِ َال َدة ِابثْـ َ ْين‬‫ويدل لذلك حديث ف َ‬
‫َع َشَر ِدينَارا‪ ‬الدينار‪ :‬من الذهب ‪‬فِ َيها ذَ َهب َو َخَرز‪ ‬ذهب وفصوص قال‪:‬‬
‫صلت الذهب عن اخلرز ‪‬فَـ َو َج ْدت فِ َيها أَ ْكثَـَر ِم ِن اثْـ َ ْين‬ ‫ص ْلتـ َها‪ ‬يعين‪ :‬فَ َ‬
‫‪‬فَـ َف َّ‬
‫َع َشَر ِدينَارا‪ ‬يعين‪ :‬وجدت أن الذهب بدون اخلرز أكثر من وزن اثين عشر‬
‫ص َل»‪ ‬يعين‪:‬‬ ‫ك لِلنِ ِ‬
‫َّيب ﷺ‪ ،‬فَـ َق َال‪َ« :‬ال تـبَاع َح َّّت تف َ‬
‫ِ‬
‫دينارا‪ ،‬قال‪ :‬فَ َذ َك ْرت َذل َ‬
‫صل الذهب عن اخلرز‪ ،‬رواه مسلم يف الصحيح‪ ،‬فهذا يدل ‪-‬أيها اإلخوة‪-‬‬ ‫يـ ْف َ‬
‫على أن احللي يدخله الراب‪.‬‬
‫طبعا يف هذا احلديث داللة‪ :‬على خطأ قول بعض العلماء‪ :‬إن احللي‬
‫املصنَّعة جتوز أن تدخله الزايدة من أجل الصنعة‪ ،‬بعض الفضالء من أهل‬
‫َ‬
‫|‪109‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫العلم قالوا‪ :‬جيوز أن تبيع ذهبا غري مصنع حبلي مصنع وأن تزيد يف الذهب‬
‫الغري مصنع‪ ،‬يعين‪ :‬أتيت مثال ِ‬
‫مبئة غرام سبيكة غري مصنعة‪ ،‬وتشرتي هبا حليا‬
‫تسعني غراما‪ ،‬قالوا هذه الزايدة مقابل الصنعة‪ ،‬فهذا احلديث نص يف رد هذا‬
‫القول‪ ،‬ألن هذا احللي كان مصنعا‪ ،‬والداننري مسبوكة‪ ،‬فلم جيز النيب ﷺ ذلك‬
‫من أجل التفاضل‪ ،‬فال دخل للصنعة يف جواز التفاضل‪.‬‬
‫فإن قال قائل كما قال بعض أهل العلم‪ :‬إن الصائغ ال يرضى أن يبيع‬
‫ذهبا مصنعا بنفس وزن الذهب غري املصنع‪ ،‬ما فائدته؟ يقولون‪َ :‬خيْ َسر‬
‫صْنـ َعته! هذا قرره ابن القيم ‪-‬رمحه هللا‪ -‬يف كالمه‪ ،‬يقول‪ :‬الصائغ اآلن تعب‬
‫َ‬
‫وصنع يف احللي‪ ،‬فإنه ال يرضى أن يبيعك مئة غرام من احللي مبئة غرام من‬
‫الذهب الغري مصنع!‬
‫قلنا‪ :‬قد بني النيب ﷺ احلل هلذا اإلشكال‪ ،‬وهو‪ :‬أن يبيع الذهب الغري‬
‫مصنع وأيخذ مثنه‪ ،‬مث يشرتي ابلثمن ذهبا مصنعا‪ ،‬ألن نفس هذه اجلملة ‪-‬اي‬
‫إخوة‪ -‬تقال يف التمر الرديء والتمر اجليد‪ ،‬هل يرضى صاحب حمل أن أتتيه‬
‫بتمر رديء صاع‪ ،‬ويبيعك صاعا من متر جيد هبذا الصاع؟ هذا ما يفعله‬
‫عاقل‪ ،‬ولكن النيب ﷺ حل األمر‪ ،‬فيبيع الرديء ابلدراهم‪ ،‬مث يشرتي ابلدراهم‬
‫مترا جيدا‪.‬‬
‫إذن الصحيح من أقوال العلم أن علة الذهب والفضة الثَّ َمنيِة‪ ،‬وأن هذه‬
‫الثمنية متعدية‪ ،‬فكل ما اختذه الناس مثنا وأصبح رائجا مستعمال؛ فإنه يدخله‬
‫الراب‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 110‬‬

‫طيب يقول يل قائل منكم‪ :‬ما فائدة قولك وراج؟‬


‫نقول‪ :‬ألن الناس قد يتخذون الشيء مثنا لكن من غري رواج‪ ،‬وإمنا يف‬
‫بعض الصور وبعض احلاالت‪ ،‬يعين‪ِ :‬مكن أن تشرتي ثواب بثوب‪ ،‬وهذا‬
‫الثوب أصبح مثنا لكنه ليس رائجا‪ ،‬الناس ما عندها أكياس ثياب‪ ،‬تذهب‬
‫تشرتي رز ابلثياب‪ ،‬لكن النقود اليوم أصبحت مثنا ورائجة‪ ،‬هي املستعملة‪،‬‬
‫فيدخلها الراب‪.‬‬
‫[اثنيا‪ :‬علة األصناف األربعة الباقية]‬
‫وأما األصناف األربعة الباقية‪ ،‬فقد اختلف العلماء يف علة الراب فيها‪،‬‬
‫على أقوال كثرية يف احلقيقة‪ ،‬لكن أقواها أربعة أقوال‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أن علة الراب فيها كوهنن مكيالت جنس‪ ،‬يعين العلة الكيل‪،‬‬
‫وعلى هذا كل ما يكال يدخله الراب‪ ،‬وهذا القول مرجوح‪ ،‬كما تقدم يف‬
‫مسألة الذهب والفضة‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أن العلة فيها االقتيات واالدخار‪ ،‬فكل ما يقتات ويطعم‬
‫ويدخر يدخله الراب‪ ،‬طيب على هذا التفاح هل يدخله الراب؟‪ ،‬ننظر يف‬
‫صفتني‪ ،‬هل يقتات به؟ هل يطعم؟ نعم يطعم‪ ،‬هل يدخر؟ ال يدخر يتلف‪،‬‬
‫املدخر هو الذي يبقى مثل التمر‪ ،‬مثل الرب‪ ،‬مثل األرز‪ ،‬مثل امللح‪ ،‬أما التفاح‬
‫أتكله يف حينه وإال يتلف‪ ،‬ال يدخر‪ ،‬وعليه فالتفاح والربتقال واملشمش ال‬
‫يدخله الراب على هذا القول‪.‬‬
‫|‪111‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫والقول الثالث‪ :‬أن علة الراب فيها كوهنا مطعومات جنس‪ ،‬أهنا مطعومات‬
‫من جنس واحد‬
‫والقول الرابع‪ :‬أن علة الراب فيها كوهنا مكيلة أو موزونة ومطعومة‪ ،‬يعين‪:‬‬
‫صفتان‪ ،‬مطعومة مكيلة أو مطعومة موزونة‪ ،‬كما هو ظاهر من جمموع رواايت‬
‫احلديث وهذا هو الصحيح‪.‬‬
‫مجعنا مجيع الرواايت اليت وردت يف أحاديث الراب‪ ،‬فوجدانها ت ْشعِر أن‬
‫العلة يف جراين الراب يف هذه األصناف أهنا مطعومات‪ ،‬وأهنا تكال أو توزن‪،‬‬
‫ألن النيب ﷺ أشار إىل كوهنا مكيلة أو موزونة‪.‬‬
‫طيب يقول يل قائل‪ :‬سلمنا لك يف التمر أنه يؤكل‪ ،‬ويف الرب أنه يؤكل‬
‫مطعوم‪ ،‬ويف الشعري أنه يؤكل مطعوم‪ ،‬لكن امللح؟‬
‫قال العلماء‪ :‬امللح يصلح به الطعام‪ ،‬فأصبح مطعوما‪ ،‬بعض الطعام ال‬
‫ميكن أن يؤكل إال ابمللح؟ قالوا‪ :‬ويف هذا إشارة إىل املطعوم وما يصلح‬
‫املطعوم‪ ،‬فيدخل فيه البهارات مثال‪ ،‬الكمون اليت تستخدم يف إصالح الطعام‬
‫وأيضا يدخل فيه السكر مثل امللح‪.‬‬
‫وهذا هو أرجح األقوال يف علة األصناف األربعة‪ ،‬فكل مطعوم يكال أو‬
‫يوزن فإنه يدخله الراب‪ ،‬وعلى هذا فإن الراب ال يدخل إال األمثان الرائجة‪ ،‬من‬
‫حيث األمثان‪ ،‬ورأس األمثان الرائجة الذهب والفضة‪ ،‬واليوم هي النقود‪ ،‬حبكم‬
‫النظام الدويل‪ ،‬ال يوجد اآلن مثن رائج إال النقود‪ ،‬وسنتكلم عنها إن شاء هللا‬
‫‪ ‬وكذلك يدخل الراب املطعومة املكيلة أو املوزونة‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 112‬‬

‫القاعدة اخلامسة متعلقة هبا وهي‪ :‬النقود الورقية من األموال الربوية‪.‬‬


‫طبعا هذه املسألة ‪-‬اي إخوة‪ -‬ل تكن عند املتقدمني‪ ،‬ألن األمثان كانت‬
‫عند املتقدمني الداننري من الذهب‪ ،‬والدراهم من الفضة‪ ،‬ولكن يف الزمان‬
‫املتأخر ظهرت األوراق النقدية‪ ،‬وأصبح النقد والثمن متمحضا فيها‪.‬‬
‫وهررذه النقررود الورقيررة مرررت يف وجودهررا بررثال مراحررل‪ ،‬حررى نفهررم‬
‫املسألة ال بد أن نعرف كيف تطورت هذه األورا ‪.‬‬
‫املرحلة األوىل‪:‬‬
‫كانت النقود عبارة عن صكوك وسندات‪ ،‬يتحملها مصدرها‪ ،‬يعين ل‬
‫يكن هلا قيمة وإمنا جمرد صك لدين يف الذمة‪ ،‬بدأ هبا الصاغة‪ ،‬مث بعد ذلك‬
‫البنوك املركزية‪ ،‬كيف هذا؟‬
‫البنوك املركزية عندما أصدرت األوراق كانت ال تصدر ورقة إال وهلا ما‬
‫يقابلها من الذهب أو الفضة‪ ،‬ال بد أن تكون موجودة‪ ،‬فكانت عبارة عن‬
‫سندات وصكوك‪ ،‬هذه املرحلة األوىل اليت ظهرت فيها فكرة النقود‪ ،‬ولذلك‬
‫‪-‬أيها اإلخوة‪ -‬كانت تسمى يف القدمي ابألوراق النائبة‪ ،‬يعين اليت تنوب عن‬
‫الذهب والفضة‪ ،‬وإال فاألصل الذهب والفضة‪ ،‬وكان حامل هذه الورقة يسرتد‬
‫ما يقابلها من الذهب أو الفضة من البنك املركزي‪ ،‬يذهب للبنك املركزي‬
‫ويقدم هذه الورقة وأيخذ ما يقابلها من الذهب أو من الفضة‪.‬‬
‫ث جاءت املرحلة الثانية‪:‬‬
‫|‪113‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫ويف هذه املرحلة هي تشبه املرحلة األوىل من جهت أهنا انئبة عن الذهب‬
‫والفضة وأهنا صكوك‪ ،‬لكن ل يكن هلا غطاء كلي من الذهب والفضة‪ ،‬بل‬
‫الغطاء إمجايل‪ ،‬يعين يف املرحلة األوىل ‪-‬اي إخوة‪ -‬غطاء الورقة جزئي‪ ،‬يعين ما‬
‫تصدر الورقة إال وهلا غطاء بعينه‪ ،‬أما يف هذه املرحلة فالبنك املركزي يصدر‬
‫الورقة وهلا غطاء مجْلِي‪ ،‬ابجلملة‪ ،‬ليس غطاء هلذه الورقة بعينها‪ ،‬وإمنا غطاء يف‬
‫اجلملة‪ ،‬وأصبحت النقود الورقية يطمئن إليها عند الناس‪ ،‬فأصبحت يعين‬
‫يعتمد عليها‪ ،‬وأصبح الغطاء مجليا هلا‪.‬‬
‫ث املرحلة الثالثة‪:‬‬
‫اليت نعيشها وهذه املرحلة كما يقول املؤرخون للنقود الورقية‪ :‬تبدأ تقريبا‬
‫يف عام ‪1931‬م‪ ،‬يعين بعد انتهاء احلرب العاملية الثانية‪ ،‬ويف هذه املرحلة‬
‫أصبح للنقود قوة يف ذاهتا‪ ،‬وصارت هذه األوراق إلزامية‪ ،‬يعين يلزم الناس‬
‫ابلتعامل هبا يف الدول‪ ،‬وكانت تسمى يف أول ما صدرت ابألوراق اإللزامية‪،‬‬
‫يعين‪ :‬أنت اي صاحب احملل ملزم أبن تقبلها‪ ،‬وأنت ملزم أبن تتعامل هبا‪،‬‬
‫فأصبح قانون البلدان يلزم الناس ابلتعامل هبا‪ ،‬وجيرم من يردها‪ ،‬وأصبحت‬
‫النقود ال تستبدل بشيء من الذهب والفضة‪ ،‬ال تستبدل أبصلها‪ ،‬الدرهم هو‬
‫الدرهم‪ ،‬إال الدوالرات كانت تستبدل مبقابلها من الذهب‪ ،‬إىل تقريبا سنة‬
‫أصبح الدوالر مثل غريه من النقود‪ ،‬وهذه املرحلة مرت‬‫‪ 1970‬أو ‪َ ،1971‬‬
‫مبرحلتني‪:‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 114‬‬

‫األوىل منهما‪ :‬كانت قيمة النقود فيها قائمة على ما يسمى ابلغطاء‪،‬‬
‫فكل نقد له غطاء ذهيب أو غطاء فضي‪ ،‬كيف ترتفع العملة وتنخفض؟ كلما‬
‫قوي الغطاء ارتفعت قيمة العملة يف السوق‪ ،‬وكلما نقص الغطاء نقصت قيمة‬
‫العملة يف السوق‪.‬‬
‫واملرحلة الثانية‪ :‬أصبحت قيمة النقود فيها قائمة على القوة االقتصادية‬
‫للبلد‪ ،‬وألغيت مسألة الغطاء ‪-‬غطاء الذهب وغطاء الفضة هذه ألغيت‪-‬‬
‫وأصبحت العملة ترتفع إذا قوي اقتصاد البلد‪ ،‬وتنخفض إذا ضعف اقتصاد‬
‫البلد‪ ،‬ولذلك أصبحت العمالت تنهار إذا اهنار اقتصاد البلد‪ ،‬ألنه ال ينظر‬
‫إىل غطاء‪ ،‬وإمنا قوهتا يف قوة اقتصاد البلد‪ ،‬ولذلك بعض العمالت كانت‬
‫مببالغ عالية‪ ،‬فلما اهنار االقتصاد أصبحت يف أسفل العمالت‪.‬‬
‫وهذا هو الواقع اليوم‪ ،‬األوراق النقدية أصبحت مثنا بذاهتا‪ ،‬تعتمد يف‬
‫قوهتا على قوة اقتصاد البلد‪.‬‬
‫وقد اختلف املعاصرون يف تكييف األوراق النقدية‪:‬‬
‫‪ ‬فذهبت قلة من العلماء املعاصرين إىل‪ :‬أهنا ليست من األموال‬
‫الربوية‪ ،‬ملاذا؟‪ ،‬قالوا‪ :‬ألهنا ليست ذهبا وال فضة‪ ،‬قال الشيخ ابن عثيمني ‪-‬‬
‫رمحه هللا‪” :-‬هذا القول ال أظن أن قَ َد َم عال تستقر عليه –أهنا ليست من‬
‫األموال الربوية‪ -‬ملا يلزم عليه من هذا الالزم الباطل؛ أن ال راب بني الناس‬
‫اليوم“ ‪-‬لو قلنا النقود ليست ربوية‪ ،‬ما يبقى فيه راب بني الناس اليوم ”ألن‬
‫غالب تعاملهم ابألوراق النقدية ‪-‬وانظر الالزم الثاين‪ -‬وأن ال زكاة على من‬
‫|‪115‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫ميلك املاليني من هذه األوراق“ ألهنا إذا قلنا ليست ربوية ألهنا ليست ذهبا‬
‫وال فضة؛ إذن هي ليست زكوية‪ ،‬وابلتايل التجار اليوم الذين عندهم مليارات‬
‫وعندهم ماليني‪ ،‬نقول ما عليكم زكاة‪ ،‬والفقري الذي عنده مئة غرام ذهب‬
‫نقول زكي‪ ،‬والشك أن هذا الالزم ابطل فامللزوم مثله‪.‬‬
‫‪ ‬وذهب بعض أهل العلم إىل‪ :‬أهنا من األموال الربوية‪ ،‬لكن العملة‬
‫الواحدة منها أجناس حبسب أصلها‪ ،‬أو حبسب نوعها‪ ،‬فالدرهم الورقي‬
‫جنس‪ ،‬والدرهم املعدين جنس‪ ،‬والرايل السعودي الورقي جنس‪ ،‬والرايل‬
‫املعدين جنس‪ ،‬وعليه عند هؤالء‪ :‬ال جيوز بيع الرايل الورقي ابلرايل املعدين‬
‫نسيئة‪ ،‬ولكن جيوز تفاضال‪ ،‬يعين مثال هنا‪ :‬أنه جيوز إذا كان عندك عشر‬
‫دراهم ورقية ‪-‬هذه حصلت وكانت تستعمل عندما كان هاتف العملة‪ -‬قد‬
‫أييت اإلنسان إىل هاتف العملة‪ ،‬واهلاتف ال يقبل إال العملة املعدنية‪ ،‬فيكون‬
‫معه داننري ورقية‪ ،‬ففي عمال جيلسون جبوار هذه اهلواتف‪ ،‬يبيعك تسعة دراهم‬
‫معدنية بعشرة دراهم ورقية‪ ،‬على هذا القول هذا جيوز‪ ،‬ألن الورقي جنس‬
‫واملعدين جنس‪.‬‬
‫قال الشيخ ابن عثيمني ‪-‬رمحه هللا‪” :-‬والعلماء رمحهم هللا ملا ظهرت‬
‫هذه األوراق النقدية‪ ،‬اليت هي بدل عن الذهب والفضة‪ ،‬اختلفوا فيها اختالفا‬
‫عظيما‪ ،‬حّت بلغ اخلالف إىل أكثر من ستة أقوال‪ ،‬كل يقول برأي“‪ ،‬قال‬
‫الشيخ‪” :‬وأقرب األقوال فيها‪ :‬أنه جيوز فيها راب الفضل‪ ،‬وال جيوز راب النسيئة‪،‬‬
‫مبعن أنه جيوز فيها راب الفضل دون راب النسيئة‪ ،‬إذا اختلفت األجناس ‪-‬انتبه‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 116‬‬

‫لكالم الشيخ‪ -‬وعلى ذلك فيجوز أن أعطيك عشرة رايالت ابلورق وآخذ‬
‫منك تسعة رايالت ابحلديد –هذا اختيار الشيخ ابن عثيمني‪ -‬وما أشبه‬
‫ذلك‪ ،‬ألن الصفة خمتلفة‪ ،‬وقد جاء يف احلديث‪ :‬إذا اختلفت هذه األصناف‬
‫فبيعوا كيف شئتم‪.“‬‬
‫إذن على هذا القول يرون أن العملة الواحدة أجناس ابعتبار ما تصنع منه‪.‬‬
‫‪ ‬وذهب بعض أهل العلم ‪-‬وهذا قول األكثر من العلماء املعاصرين‪-‬‬
‫‪ :‬أن النقود الورقية أو النقود املستعملة اليوم من األموال الربوية‪ ،‬وأن العملة‬
‫الواحدة جنس واحد‪ ،‬ألن قيمتها ليست يف صفتها‪ ،‬فهي جنس واحد‪،‬‬
‫فالدرهم الورقي والدرهم احلديدي جنس واحد‪ ،‬ألن قيمتها النقدية ليست يف‬
‫كون هذه ورقة وهذه حديدا‪ ،‬هذه كما يقولون صفة ملغاة‪ ،‬قيمتها يف املعترب‬
‫يف الدولة‪ ،‬واملعترب يف الدولة أن هذا درهم‪ ،‬سواء كان من حديد أو كانت من‬
‫ورق‪.‬‬
‫فالصحيح من أقوال أهل العلم‪ ،‬أن العملة الواحدة جنس واحد‪ ،‬حيرم‬
‫فيها التفاضل والنسيئة‪ ،‬وإذا اختلفت العمالت جاز التفاضل وحرمت‬
‫النسيئة‪.‬‬

‫***‬
‫|‪117‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫الدرس الرابع‬
‫احلمدهلل رب العاملني والصالة والسالم األمتان األكمالن على املبعوث‬
‫رمحة للعاملني وعلى آله وصحبه أمجعني‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فنواصل التقرير لقواعد الراب حيث وقفنا قبل الصالة عند القاعدة‬
‫السادسة اليت أشران إليها وذكران أهنا ترتدد على ألسنة الناس كثريا‪ ،‬وحتتاج إىل‬
‫ضبط ومعرفة ملقصودها وحدودها‪ ،‬هذه القاعدة تقول‪:‬‬
‫[القاعدة السادسة]‪ :‬كل قرض جر نفعا فهو راب‪.‬‬
‫وهذه القاعدة كثرية الدوران يف كتب الفقهاء‪ ،‬فمنهم من يوردها على أهنا‬
‫حديث من كالم رسول هللا ﷺ‪ ،‬ومنهم من يوردها على أهنا أثر من آاثر‬
‫الصحابة‪ ،‬ومنهم من يوردها على أهنا قاعدة متقررة صحيحة متفق عليها‪.‬‬
‫فهذه القاعدة رويت من قول النيب ﷺ‪ ،‬فقد روي أن عليا ‪ ‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول هللا ﷺ‪ :‬كل قرض جر منفعة فهو راب‪ ‬وهذا احلديث رواه احلارث‬
‫يف مسنده وأعله النـقاد وقالوا‪ :‬إنه ضعيف من أجل أحد رواته وهو سوار بن‬
‫مصعب‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬إن هذا احلديث ضعيف‪ ،‬وهو كذلك‪ ،‬فإنه ضعيف من جهة سوار‬
‫بن مصعب ومن جهة االنقطاع ففي سنده انقطاع‪ ،‬فهذا احلديث ال يصح‪،‬‬
‫فلم يصح عن النيب ﷺ شيء يف هذه القاعدة‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 118‬‬

‫ووردت كذلك هذه القاعدة من قول بعض الصحابة رضوان هللا عليه‪،‬‬
‫ضالة بن عبيد ‪ ‬أنه قال‪ :‬كل قرض جر منفعة‬ ‫فقد روى البيهقي عن ف َ‬
‫فهو وجه من وجوه الراب‪ ‬وهذا األثر ضعيف أيضا‪ ،‬وفيه علل متعددة وقد‬
‫ضعف هذا األثر النـقاد ومنهم‪ :‬احلافظ ابن حجر ‪-‬رمحه هللا‪.-‬‬
‫كذلك أخرج ابن أيب شيبة يف املصنف عن عطاء قال‪ :‬كانوا يكرهون‬
‫كل قرض جر منفعة‪ ،‬والتابعي إذا قال‪ :‬كانوا‪ :‬فإنه حيمل على الصحابة‬
‫‪-‬رضوان هللا عليهم‪ ،-‬قال‪ :‬كانوا يكرهون كل قرض جر منفعة‪ ،‬وذكرت‬
‫‪-‬اي إخوة‪ -‬سابقا أن األصل يف كلمة الكراهية عند السلف؛ التحرمي‪ ،‬ولكن‬
‫هذا األثر أيضا معلول وضعيف وله علل كثرية جدا تزيد على ثالث علل‪،‬‬
‫فاألثر ضعيف وقد ضعفه النقاد‪.‬‬
‫طبعا أثر عطاء ذكرانه على أنه من آاثر الصحابة ألنه قال‪" :‬كانوا" إذن‬
‫حيمل على أنه يذكره عن الصحابة ‪-‬رضوان هللا عليهم‪.-‬‬
‫أيضا وردت هذه القاعدة على لسان التابعني‪ ،‬فذكر ابن أيب شيبة يف‬
‫مصنفه عن إبراهيم النخعي أنه قال‪":‬كل قرض جر منفعة فهو راب"‪.‬‬
‫وروى أيضا ابن أيب شيبة يف مصنفه عن احلسن البصري أنه كان يكره‬
‫كل قرض جر منفعة‪ .‬وقال ابن حزم ‪-‬رمحه هللا‪ -‬يف احمللى‪” :‬صح النهي عن‬
‫هذا عن ابن سريين وقتادة من التابعني“‪ ،‬وكذلك صحح ابن حزم النهي عن‬
‫هذا عن إبراهيم النخعي‪.‬‬
‫|‪119‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫وهذه القاعدة ترد يف كتب الفقهاء على أهنا قاعدة م َسلمة‪ ،‬وقد نص‬
‫عليها الفقهاء يف كتب املذاهب األربعة‪:‬‬
‫فَـنَص عليها بعض األحناف كابن جنيم وابن عابدين‪.‬‬
‫ونص عليها بعض املالكية كابن عبد الرب وحممد بن يونس‪ ،‬وأيضا نص‬
‫عليها القرايف وهو من أهم املالكية الذين يهتمون ابلقواعد‪.‬‬
‫وأوردها أيضا الشافعية واعتنوا هبا مثل‪ :‬النووي يف "روضة الطالبني" فإنه‬
‫ذكرها وأصلها‪.‬‬
‫وكذلك وردت يف كثري من كتب احلنابلة‪.‬‬
‫والناظر يف كالم أهل العلم جيد أن العلماء جممعون على هذه القاعدة‬
‫وعلى أن كل قرض جر نفعا فهو راب‪.‬‬
‫فمعن هذه القاعدة‪ :‬أنه ال جيوز القرض الذي جير منفعة؛ ألنه راب‪.‬‬
‫للمقرررض‪ ،‬وقررد تكررون‬
‫واملنفعررة ‪-‬اي إخرروة‪ -‬يف القرررض هنررا قررد تكررون ُ‬
‫للمقر ر ِتض‪ ،‬وق ررد تك ررون هلم ررا مع ررا‪ ،‬وسنفص ررل يف ه ررذا ‪-‬إن ش رراء هللا‪ -‬يف‬
‫ُ‬
‫النقاط التالية‪:‬‬
‫النقطرة األوىل‪ :‬اشرتاط املنفعرة عنررد القررض‪ ،‬واملنفعرة املشرتةة هنررا ال‬
‫ختلو من ثالثة أحوال‪:‬‬
‫‪ ‬احلالة األوىل‪ :‬أن يكون املنتفع املقرض‪ ،‬أي صاحب املال‪ ،‬كما لو‬
‫أقرضه بشرط أن حيمل متاعه إىل بلده‪ .‬إنسان مثال وجد آخر من أهل بلده‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 120‬‬

‫مقطوعا مثال يف املدينة سرقت نقوده أو كذا قال‪ :‬أان أقرضك عشرة آالف‬
‫بعشرة آالف بشرط أن حتمل يل هذه احلقيبة إىل بلدي‪ .‬هذه املنفعة‬
‫للمقرض‪.‬‬
‫‪ ‬احلالة الثانية‪ :‬أن يكون املنتفع املقرتض فقط‪ ،‬مثل‪ :‬أن يقرضه‬
‫ويشرتط عليه املقرتض أن يودعها يف البنك الفالين‪ ،‬يعين يقول‪ :‬أان أقرضك‬
‫عشرة آالف‪ ،‬يقول‪ :‬طيب أقرضين بشرط أن ال أتتيين ابلنقود‪ ،‬تذهب إىل‬
‫البنك وتودعها يف البنك‪ .‬هذه منفعة للمقرتض أنه يودعها له يف البنك‪.‬‬
‫‪ ‬احلالة الثالثة‪ :‬أن تكون املنفعة مشرتكة لالثنني‪ .‬مثال‪ :‬كما لو أقرضه‬
‫قرضا بشرط أن يستأجر بيته‪ ،‬قال‪ :‬أقرضك عشرة آالف بشرط أن تستأجر‬
‫بييت‪ .‬اآلن منفعة االستئجار للمقرض ألنه سيأخذ األجرة‪ ،‬وللمقرتض ألنه‬
‫سينتفع ابلبيت‪ ،‬هو لن يستأجره ويرتكه‪ ،‬سيستأجره وينتفع به‪ ،‬إذن هنا هذا‬
‫الشرط فيه منفعة للمقرض ومنفعة للمقرتض‪.‬‬
‫وقد أمجع أهل العلم على أن املنفعة املشروطة يف القرض للمقرض؛ حرام‬
‫وراب‪ ،‬وال جيوز هذا القرض‪ ،‬نقل هذا اإلمجاع مجع من أهل العلم منهم‪ :‬ابن‬
‫عبد الرب‪ ،‬ومنهم بن املنذر‪ ،‬ومنهم ابن قدامة وغريهم من أهل العلم‪ ،‬ينقلون‬
‫اإلمجاع على أن املقرض إذا اشرتط على املقرتض منفعة له؛ أن هذا فاسد‬
‫وأنه راب وأنه ال جيوز‪.‬‬
‫كما قلنا لو أقرضه بشرط أن حيمل متاعه إىل بلده؛ فإن هذا القرض ال‬
‫جيوز وهو راب‪.‬‬
‫|‪121‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫واختلف العلماء إذا كانت املنفعة للمقرتض‪ ،‬الحظوا إنه نتكلم عن أي‬
‫شيء اي إخوة؟ عن املنفعة املشرتطة عند القرض‪ .‬اختلف العلماء إذا كانت‬
‫املنفعة للمقرتض فقط‪:‬‬
‫‪ ‬فذهب مجاهري أهل العلم‪ :‬إىل جواز اشرتاط منفعة زائدة يف عقد‬
‫القرض إذا كانت متمحضة للمقرتض‪ ،‬ملاذا؟‬
‫يقولون‪ :‬إن هذا ليس راب؛ ألن املشرتط ليس املعطي وإمنا املشرتط هو‬
‫اآلخذ‪ ،‬والراب إمنا يقع للمعطي‪ ،‬يقولون‪ :‬هنا ليس راب‪ ،‬وقد جاء هذا صرحيا‬
‫يف كتب الفقهاء‪ ،‬فمثال‪ :‬ذكر خليل يف خمتصره لَـما ذكر حرمة القرض الذي‬
‫جير نفعا قال‪” :‬إال أن يقوم دليل على أن القصد نفع املقرتض فقط“‪ ،‬فإن‬
‫قام دليل على أن القصد نفع املقرتض فقط فهذا ليس حبرام‪ ،‬فاجلمهور على‬
‫اجلواز‪.‬‬
‫‪ ‬وذهب بعض الفقهاء ‪-‬وهم بعض املالكية‪ ،‬وبعض الشافعية‪ -‬إىل‬
‫املنع‪ ،‬وأن هذا ال جيوز وأنه يدخل يف عموم القاعدة‪" :‬كل قرض جر منفعة‬
‫فهو راب"‪.‬‬
‫واختار شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رمحه هللا‪ -‬وابن القيم‪ :‬اجلواز‪ .‬واستدل‬
‫شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رمحه هللا‪ -‬للجواز بقوله‪” :‬ألن كال من املقرض‬
‫واملقرتض منتفع هبذا“‪.‬‬
‫واملقصود هنا ‪-‬اي إخوة‪ :-‬أن املقرض منتفع ابإلحسان‪ ،‬واملقرتض منتفع‬
‫هبذا الشرط‪ ،‬وليس يف هذا راب‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 122‬‬

‫ويدخل يف هذا كذلك إذا كانت املنفعة مشرتكة‪ ،‬يقول شيخ اإلسالم‬
‫ابن تيمية‪” :‬ألن كال من املقرض واملقرتض منتفع هبذا االقرتاض‪ ،‬والشارع ال‬
‫ينهى عما ينفعهم ويصلحهم وإمنا ينهى عما يضرهم“‪.‬‬
‫ويقول ابن القيم ‪-‬رمحه هللا‪” :-‬واملنفعة اليت جتر إىل الراب يف القرض هي‬
‫اليت ختص املقرض‪ ،‬كس ْكن دار املقرتض ور ِ‬
‫كوب دوابه“ يعين‪ :‬يقول أقرضك‬
‫عشرة آالف بشرط أن أسكن يف بيتك أسبوعا‪ ،‬املنفعة هنا ليست إِجارة؛‬
‫بشرط أن أسكن‪ ،‬املنفعة هنا للمقرض‪ ،‬أو مثال يقول‪ :‬أقرضك عشرة آالف‬
‫بشرط تعطين سيارتك ملدة أسبوع‪ ،‬فاملنفعة هنا للمقرض‪.‬‬
‫يقول ابن القيم‪-‬رمحه هللا‪ :-‬هذه هي املنفعة اليت جتر إىل الراب‪ ،‬قال‪:‬‬
‫”فإنه ال مصلحة له يف ذلك خبالف هذه املسائل‪ ،‬فإن املنفعة مشرتكة بينهما‬
‫ومها متعاوانن‪ ،‬فهي من جنس املعاونة واملشاركة“ إذن املنفعة املشرتطة عند‬
‫العقد‪:‬‬
‫‪ -‬إن كانت للمقرض فقط‪ :‬فهي حرام‪.‬‬
‫‪ -‬وإن كانت للمقرتض فقط‪ :‬فمحل خالف‪ ،‬واجلماهري على اجلواز‪.‬‬
‫‪ -‬وإن كانت هلما معا‪ :‬فمحل خالف ومجهور أهل العلم على اجلواز‪.‬‬

‫النقطة الثانية‪ :‬وجود عادة على نفع املقرض‪.‬‬


‫أن توجد عادة على نفع املقرض فهنا تكون هذه املنفعة حمرمة‪ ،‬ملاذا؟‬
‫|‪123‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫ألن العرف كالشرط‪ ،‬هذه قاعدة‪" :‬املعروف عرفا كاملشروط شرطا"‪ ،‬فإذا‬
‫جرت العادة هبذه املنفعة فكأهنا قد اشرتطت‪ ،‬والفقهاء يقولون‪ :‬املعروف بني‬
‫التجار كاملشروط بينهم‪ .‬وهذا العرف إن كان عاما عند مجيع املسلمني؛ فهو‬
‫ينزل منزلة الشرط ابتفاق العلماء‪.‬‬
‫يعين‪ :‬لو وجدان عرفا عاما يف مجيع الدول اإلسالمية؛ فهو ينزل منزلة‬
‫الشرط ابالتفاق‪ .‬فلو وجدان أن العرف جرى مبنفعة معينة يف القرض ‪-‬لو‬
‫فرضنا افرتاضا وإن كان هذا ال يقع بني املسلمني لكن افرتاضا‪ -‬فإن هذا‬
‫العرف ينزل منزلة الشرط‪ ،‬فيكون هذا راب‪.‬‬
‫وإن كان خاصا؛ كأن يكون يف دولة –يعين مثال‪ -‬موجود يف اإلمارات‬
‫فقط‪ ،‬أو يف دول كأن يكون موجود يف دول اخلليج فقط‪ ،‬أو بني فئة معينة‬
‫كأن يكون موجودا بني التجار فقط‪ ،‬هذا يسمى بـ"العرف اخلاص"؛ ألنه‬
‫ليس يف داير املسلمني مجيعا وال جلميع الفئات فهذا حمل خالف‪ ،‬هل ينزل‬
‫منزلة الشرط؟‬
‫لكن اجلمهور ‪-‬وهم احلنفية يف قول صحيح‪ ،‬وعليه عمل املتأخرين من‬
‫األحناف‪ ،‬واملالكية‪ ،‬والشافعية يف قول صحيح‪ ،‬واحلنابلة‪ -‬على أنه ينزل‬
‫منزلة الشرط فيما بينهم‪.‬‬
‫فإذا جرت العادة يف اإلمارات مثال أبمر يـْنـ َفع به املقرض‪ ،‬فإن هذه‬
‫العادة تنزل منزلة الشرط ويكون هذا حراما ويكون راب‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 124‬‬

‫وإن كان هذا العرف لفرد ‪-‬انتبهوا ال ختلطوا بني العرف اخلاص والعرف‬
‫الذي يكون لفرد أو أفراد قليلني‪ -‬يعين هذا العرف ليس يف اإلمارات كلها؛‬
‫لكن هناك رجل عرف أبنه إذا اقرتض شيئا يرد معه منفعة‪ ،‬فأان عندما أقرضه‬
‫أعرف أنه سيأتيين ابلقرض ومعه شيء‪ ،‬عندما جاءين قال‪:‬‬
‫اي سليمان أقرضين ألفا‪ ،‬أقرضته ألفا‪ ،‬أان أعرف من عادته أنه سيأتيين ابأللف‬
‫ومعها خروف مثال‪ ،‬فهل ينزل هذا منزلة الشرط؟‬
‫فأان أقول‪ :‬حيرم إقراضه إال أن يشرتط عليه أن ال أييت بشيء‪ ،‬أو ال ينزل‬
‫منزلة الشرط‪ ،‬حمل خالف بني أهل العلم‪ :‬لكن اجلمهور على أنه ال ينزل‬
‫منزلة الشرط فال َْحيرم إقراضه‪ ،‬ملاذا؟‬
‫يقولون‪ :‬ألن هذه العادة شاذة فال عربة هبا‪ ،‬العربة للعرف املضطرد‬
‫الغالب وليس للشاذ‪ ،‬فعادة إنسان بعينه ال يلتفت إليها‪.‬‬
‫لكن الورع إذا عرف الشخص أبنه يرد زايدة أن يقال له‪ :‬أقرضك بشرط‬
‫أال ترد يل شيئا؛ خروجا من الشبهة ومن خالف أهل العلم‪.‬‬
‫يقول النووي‪-‬رمحه هللا‪” :-‬ولو أقرضه بال شرط فرد أجود أو أكثر أو‬
‫ببلد آخر جاز‪ ،‬وال فرق بني الربوي وغريه‪ ،‬وال بني الرجل املشهور برد الزايدة‬
‫أو غريه على الصحيح“‪.‬‬
‫وقال ابن قدامة ‪-‬رمحه هللا‪ -‬يف "الكايف"‪” :‬وال يكره قرض املعروف‬
‫حب ْسن القضاء“ يعين الذي من عادته أنه يرد أحسن ِما أخذ ”وذكر القاضي‬
‫وجها بكراهيته ألنه يطمع يف حسن عادته‪ ،‬واألول أصح“ كالم ابن القدامة‬
‫قال‪” :‬ألن النيب ﷺ كان معروفا“ انتبهوا للفقه‪ ،‬يقول‪” :‬ألن النيب ﷺ كان‬
‫|‪125‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫معروفا حبسن القضاء“ فالذي يقرضه يعرف أن النيب ﷺ إن أمكنه سريد‬


‫أحسن‪ ،‬فيقول‪” :‬النيب ﷺ كان معروفا حبسن القضاء‪ ،‬فلم يكن إقراضه‬
‫مكروها“ كأنه يقول‪ :‬هل يستقيم أن نقول‪ :‬إن إقراض النيب ﷺ مكروه أو‬
‫حرام؟ ألنه كان معروفا حبسن القضاء؟ ال شك أبنه ال يقال به‪ ،‬فما دام‬
‫ذلك كذلك فإنه ال يكره وال حيرم‪ .‬قال‪” :‬وألن خري الناس أحسنهم قضاء‪،‬‬
‫ففي كراهية قرضه تضييق على األخيار“‪ ،‬يقول خري الناس أحسنهم قضاء‪،‬‬
‫طيب‪ :‬هذا الرجل الذي عرفناه ابخلري وأنه أحسن الناس قضاء؛ إذا قلنا ال‬
‫ضيق على األخيار‪ ،‬وهذا عكس‬ ‫جيوز إقراضه ألن عادته أنه يرد أحسن؛ سن َ‬
‫املقصود‪ ،‬وهذا تعليل قوي‪.‬‬
‫إذن ‪-‬اي إخوة‪ -‬ما جرت به العادة‪:‬‬
‫إن كانت العادة عامة فهي تنزل منزلة الشرط إبمجاع أهل العلم‪.‬‬
‫فإذا كانت هذه العادة للمقرض فهي حرام ابالتفاق‪.‬‬
‫وإذا كان العرف خاصا يف بلد دون بلد فالذي عليه اجلمهور أنه ينزل‬
‫منزلة الشرط‪.‬‬
‫وإن كان لفرد أو أفراد قليلني؛ فالذي عليه اجلمهور وهو الصواب أنه ال‬
‫ينزل منزلة الشرط‪.‬‬
‫النقطة الثالثة‪ :‬املنفعة اليت جيرها القرض ومل تكرن مشرتةة ال لفظرا وال‬
‫عرفا‪.‬‬
‫أقرضت إنساان ول‬
‫َ‬ ‫يعين‪ :‬ل يشرتطها ول جتر العادة هبا‪ ،‬مبعن‪ :‬أنت‬
‫تشرتط عليه شيء‪ ،‬ول َجت ِر عادة بشيء مث جاءك عند الوفاء؛ فأعطاك املال‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 126‬‬

‫الذي اقرتضه وقَـلَم غايل من األقالم الغالية هدية‪ ،‬طبعا‪ :‬هذه املنفعة جاءت‬
‫بسبب القرض‪ ،‬أهداك اهلدية ألنك أقرضته لكنها ل تكن مشرتطة ال لفظا‬
‫وال عرفا‪ ،‬فهنا مجاهري العلماء على جواز ذلك‪ ،‬وقالوا إن هذا من حسن‬
‫القضاء الذي ثبت عن النيب ﷺ يف أحاديث كثرية‪.‬‬
‫وذهب كثري من املالكية إىل منع ذلك إذا كانت الزايدة يف العدد ال يف‬
‫الوصف‪ ،‬يعين كثري من املالكية يقولون إذا كانت املنفعة يف العدد فال جيوز‪،‬‬
‫أما إذا كانت يف الوصف فيجوز‪ .‬يعين‪ :‬استلف ألف درهم فرد ألف درهم‬
‫ومعها مئة درهم‪ ،‬هنا كثري من املالكية يقولون ال جيوز ألن هذه منفعة يف‬
‫استلف يعين شاة بِكرا هزيلة ورد شاة بكرا مسينة ‪-‬هذه منفعة‬
‫َ‬ ‫العدد‪ .‬لكن لو‬
‫يف الوصف‪ ،‬العدد واحد ولكن املنفعة يف الوصف‪ -‬هنا يقولون إنه جيوز‪.‬‬
‫قال ابن أيب زيد القريواين يف الرسالة‪” :‬ومن رد يف القرض أكثر عددا يف‬
‫جملس القضاء“ ‪-‬الحظوا‪ -‬ملاذا قال يف جملس القضاء؟ يعين ليس مشرتطا‬
‫وإمنا حصل الرد يف اجمللس فقط والزايدة حصلت يف اجمللس قال‪” :‬فقد‬
‫اختلف يف ذلك إذا ل يكن فيه شرط وال َوأْي“ الوأي‪ :‬هو االتفاق بغري‬
‫شرط وإمنا ابإلشارة وحنو ذلك أو العرف ”وال َوأْي وال عادة‪ ،‬فأجازه‬
‫أشهب وكرهه ابن القاسم ول جيزه“‪.‬‬
‫وقال احلطاب يف "مواهب اجلليل"‪” :‬أما الزايدة يف العدد فال جتوز ولو‬
‫قل على املشهور‪ ،‬وأما الزايدة يف الوصف إ ْن ل تكن مشروطة فقد أجازها‬
‫املالكية على املشهو“"‪.‬‬
‫|‪127‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫والراجح يف هذا بال شك هو قول اجلماهري فإن السنة تدل عليه‪ ،‬وأن‬
‫هذا من األمور املمدوحة شرعا‪ ،‬فخري الناس أحسنهم قضاء‪.‬‬
‫النقطة الرابعة‪ :‬اشتاط الوفاء يف غري البلد الذي مت فيه القرض‪.‬‬
‫يعين يقول‪ :‬أقرضك اآلن عشرة آالف بشرط أن تعطين املال يف بلدان‪.‬‬
‫أين املنفعة هنا؟ املنفعة هنا أنه سيحفظ ماله‪ ،‬فيقرضه ويقول‪ :‬تعطيين املال‬
‫يف بلدان؛ ألنه مثال ميكن خياف أن يسرق يف السفر أو حنو ذلك فيقول له‬
‫أقرضك بشرط الوفاء يف بلد كذا‪.‬‬
‫وهنا نص بعض الفقهاء على جواز هذا‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن هذا مستثن من‬
‫القرض الذي جر نفعا‪ ،‬يعين نص عليه بعض املالكية‪ ،‬واختاره شيخ اإلسالم‬
‫ابن تيمية‪ ،‬وابن القيم‪ ،‬ونسبه ابن القيم إىل بعض الصحابة والتابعني‪ ،‬أن هذا‬
‫جائز وليس من القرض الذي جر نفعا فهو راب‪ ،‬فيجوز له أن يشرتط قبضه‬
‫يف بلد آخر‪.‬‬
‫النقطررة اخلامسررة‪ :‬املنفعررة الرريت هلررا مقابررل غررري القرررض ومل يكررن القرررض‬
‫سببا فيها؛ ال تكون ممنوعة ولو ا ُشتةت يف القرض‪.‬‬
‫يعين مثال‪ :‬إنسان يريد أن يستأجر بيتا‪ ،‬واقرتض من شخص ماال وقال‬
‫له عند القرض‪ :‬أج ْرين بيتك‪ .‬فأجره ابألجره املعتادة‪ .‬هنا ال يقال‪ :‬إن هذا‬
‫القرض جر نفعا؛ ألن األجرة مقابل استئجار البيت‪ ،‬والرجل استأجر البيت‬
‫ألنه حيتاج إليه‪ ،‬ال ألن هذا أقرضه‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 128‬‬

‫إذن عندان اآلن قرض وأجرة‪ :‬قرض منفصل عن األجرة‪ ،‬فهو ل يستأجر‬
‫ألنه أقرضه؛ وإمنا استأجر ألنه حيتاج البيت‪ ،‬ول يزد عليه يف األجرة من أجل‬
‫القرض‪ ،‬يعين مثال ال يكون أجرة البيت يف هذا احلي بعشرة آالف فيجعل‬
‫األجرة خبمسة عشرة ألفا؛ ألن هنا يتضح أن هذا مقابل القرض‪ ،‬فإذا أجره‬
‫وهو حمتاج للبيت ابألجرة املعتادة‪ ،‬فهذا يقابل األجرة وال يقابل القرض‪،‬‬
‫فهذا جائز‪.‬‬
‫النقطررة السادس ررة‪ :‬املنفع ررة املال م ررة للقرررض أص ررالة أو ابعتب ررار ةبيع ررة‬
‫الناس ليست ممنوعة‪.‬‬
‫املنفعة املالزمة للقرض أصالة ‪-‬ألنه ال بد من وجودها مع القرض‪ -‬أو‬
‫ابعتبار طبيعة الناس ليست ِمنوعة ‪-‬ألهنا لو منعت النسد ابب القرض أصال‬
‫وهلذا صور منها‪:‬‬

‫‪ ‬أن املقرض إذا أقرض املقرتض فإنه حيفظ ماله‪ ،‬وهذه منفعة حتصل‬
‫للمقرض بدل من أن يكون املال عنده يف البيت ميكن يسرق‪ ،‬ميكن يضيع‪،‬‬
‫ميكن تغلبه املرأة وتشرتي أشياء غري الزمة‪ ،‬إذا أقرضه حفظ هذا املال‪ ،‬هذه‬
‫منفعة حصلت للمقرض‪ ،‬لكنها منفعة مالزمة للقرض‪ ،‬يف كل قرض‪ ،‬فلو قيل‬
‫مبنعها؛ لقلنا إن القرض ال جيوز أصال‪ ،‬فلما شرع القرض مع وجودها؛ علمنا‬
‫أهنا جائزة وليست من القرض الذي جير نفعا فيكون راب‪.‬‬
‫‪ ‬ومنها ثناء املقرتض على املقرض‪ ،‬هذا مالزم للقرض أصالة وطبعا‪،‬‬
‫أن املقرتض إذا اقرتض من املقرض؛ فإنه يثين عليه عند الناس‪ ،‬ويشكره‬
‫|‪129‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫وحيمده ويذكره ابخلري وهذه منفعة للمقرض‪ .‬السمعة الطيبة والذكر احلسن‬
‫منفعة للمقرض‪ ،‬لكنها مالزمة للقرض ولطبع الناس‪.‬‬
‫‪ ‬كذلك مثال الدعاء‪ :‬دعاء املقرتض للمقرض منفعة للمقرض‪ ،‬وهو‬
‫مالزم للقرض ومن طبيعة الناس‪ ،‬يعين اإلنسان لو أنه جاء إىل آخر وقال‪:‬‬
‫أقرضين‪ ،‬فأقرضه وفرج كربه‪ ،‬سيدعو له أبن يفرج هللا كربه وأن يوسع رزقه‬
‫وهذه منفعة للمقرض‪ ،‬لكنها منفعة مالزمة للقرض‪.‬‬
‫فهذه املنافع جائزة ول يقل أحد من أهل العلم مبنعها‪ ،‬ولذلك ذكر اإلمام‬
‫ابن حزم ‪-‬رمحه هللا‪ -‬أنه‪” :‬ليس يف العال َسلَف إال وهو جير منفعة“ قال‪:‬‬
‫ِ‬
‫املسلف بتضمني ماله‪ ،‬فيكون مضموان تلف أو ل يتلف مع‬ ‫”وذلك كانتفاع‬
‫شكر املقرتض إايه“ يعين اإلنسان لو أودع ماله عند شخص وديعة‪ ،‬فتلف‬
‫املود ْع إال إذا فرط‪ .‬فلو أنك مثال أودعت مالك عند‬
‫هذا املال ال يضمنه َ‬
‫أخيك فقلت‪ :‬هذه أمانة احفظها يل‪ ،‬فحفظها يف بيته حيث حيفظ ماله‪،‬‬
‫فجاء لص وسرق املال‪ ،‬ذهب عليك املال وال يضمنك‪.‬‬
‫لكن لو أقرضت املال آلخر‪ ،‬أقرضته دينا فجاء وأخذه ووضعه يف بيته يف‬
‫الديْن‪ ،‬فيحفظ املال‬
‫خزنته فجاء لص وسرق املال‪ ،‬جيب عليه أن يسدد َ‬
‫ويضمن املال وال يذهب املال وهذه منفعة للمقرض يف كل قرض‪ ،‬قال‪:‬‬
‫”مع شكر املقرتض إايه“‪.‬‬
‫إذن املنفعة املالزمة للقرض أو اليت تقتضيها طبيعة الناس‪ ،‬هذه ال متنع‬
‫ابتفاق أهل العلم‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 130‬‬

‫إذن قاعدة "كل قرض جر منفعة فهو راب" ليست على إطالقها‪ ،‬بل‬
‫هناك منافع اتفق العلماء على منعها‪ ،‬ومنافع اختلف فيها أهل العلم‪ ،‬ومنافع‬
‫اتفق فيها أهل العلم على جوازها‪.‬‬
‫طيب يتفرع عن هذا‪:‬‬
‫مسألة "مجعيات املوظفن" أو "اجلمعيات التعاونية بن الناس"‪:‬‬
‫حبيث جيتمع عدد من األفراد يدفع كل فرد مبلغا من املال يتساوى مع‬
‫اآلخر‪ ،‬وأيخذ كل واحد منهم اجملموع مرتبا على االتفاق فيما بينهم‪ ،‬يعين‬
‫هذا يف شهر حمرم‪ ،‬هذا يف شهر صفر‪ ،‬هذا يف شهر ربيع وهكذا‪ .‬هل هذا‬
‫من ابب القرض الذي جر منفعة أو ال؟‬
‫اختلف العلماء يف هذا‪:‬‬
‫فقال بعض أهل العلم إن هذه اجلمعيات حمرمة؛ ألهنا من ابب القرض‬
‫الذي جير منفعة‪ ،‬وكل قرض جر منفعة فهو راب‪ ،‬وأفّت هبذا الشيخ صاحل‬
‫الفوزان ‪-‬حفظه هللا‪.-‬‬
‫وذهب مجع من العلماء إىل أن هذه اجلمعيات جائزة ومشروعة وال حرج‬
‫فيها‪ ،‬وذلك لوجوه‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أهنا من ابب التعاون على الرب والتقوى‪ ،‬ومن ابب سد‬
‫حاجة كل واحد منهم‪ ،‬ومن ابب تفريج الكرابت فيما بينهم‪ .‬يقولون هؤالء‬
‫الذين يشرتكون يف اجلمعيات يف الغالب أهل احلاجات‪ ،‬يعين هذا عنده إجيار‬
‫يف شهر حمرم وال يستطيع مجعه‪ ،‬وهذا عنده إجيار يف صفر‪ ،‬وهذا عنده‬
‫|‪131‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫إجيار‪ ،‬فهم ابجتماعهم يفرج كل واحد عن اآلخر يف وقته‪ ،‬وتفريج الكرابت‬


‫َََ َُ ََ ۡ‬
‫ب‬
‫حممود شرعا‪ ،‬وهم يتعاونون على اخلري وهللا ‪ ‬يقول‪﴿ :‬وتعاونوا لَع ٱل ِِ‬
‫َ ذۡ‬
‫ٱتلق َو َٰى﴾ [سورة املائدة‪.]2:‬‬‫و‬

‫الوجه الثاين‪ :‬أن هذه اجلمعيات من ابب الودائع وليست من ابب‬


‫القروض‪ ،‬يعين أن كل واحد منهم يودع املال عند صاحبه حيفظه إىل وقته‪،‬‬
‫يقولون‪ :‬ويدل على ذلك أن املتعاملني هبا ال يروهنا ديوان‪ ،‬ولكنهم يروهنا‬
‫أمواال مودعة عند اآلخرين إذا حان وقتها اسرتجعوها‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬لو سلمنا أهنا من ابب القرض الذي جير نفعا؛ فإهنا ال‬
‫تكون حمرمة‪ ،‬ألن القرض الذي جير نفعا يكون راب ملا فيه من الزايدة‪ ،‬وها هنا‬
‫ليست هناك زايدة‪.‬‬
‫كيف ليست هناك زايدة؟‬
‫كل واحد أيخذ ما دفع مبنفعة وهي االجتماع‪ ،‬كلنا حنن العشرة الذين‬
‫نشرتك؛ كلنا سنأخذ املبلغ مبنفعة االجتماع‪ ،‬وكل سيدفع حّت يويف‪ ،‬فهذا‬
‫أخذه مبنفعة وهذا أخذه مبنفعة وهذا أخذه مبنفعة‪ ،‬غاية ما حدث أهنم فرقوا‬
‫املنفعة بينهم ابلقرعة‪ ،‬وإال فاملنفعة واحدة‪ ،‬فليس هنا راب‪ ،‬ليس هنا زايدة‪.‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬قالوا لو سلمنا أهنا من ابب القرض الذي جير منفعة فهذه‬
‫منفعة مشرتكة‪ ،‬واملنفعة املشرتكة على الراجح جائزة‪ .‬يقولون‪ :‬هذه املنفعة ال‬
‫حتصل لواحد دون واحد بل هي حتصل للجميع‪ ،‬فهي منفعة مشرتكة بني‬
‫املقرض واملقرتض‪ ،‬لو سلمنا أهنا من ابب القرض‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 132‬‬

‫واملنفعة املشرتكة الصحيح من أقوال العلم أهنا جائزة كما تقدم معنا‪،‬‬
‫وهذا هو الراجح والصحيح من أقوال أهل العلم‪ :‬أن اجلمعيات التعاونية اليت‬
‫تقع بني املوظفني أو بني اجلريان أو حنو ذلك‪ ،‬أهنا جائزة ومشروعة وفيها خري‬
‫وليست من ابب القرض الذي جير منفعة‪.‬‬
‫بقي أيضا يف هذا الباب‪:‬‬
‫مسألة "األموال اليت تودع يف البنوك" ويستفيد منها البنك‪.‬‬
‫يعين أنت اآلن عندما تودع مالك يف البنك‪ ،‬لن تبقى يف اخلزائن‬
‫احلديدية مغلقة‪ ،‬البنك سيحركها ويديرها يف جتاراته‪ ،‬فهو ينتفع هبذا املال‪،‬‬
‫فهل هذا من ابب القرض الذي جير نفعا؟‬
‫واجلواب أنه ليس كذلك ألن هذا إيداع وليس إقراضا‪ .‬يعين أنت ال‬
‫تقرض البنك ولكنك تودع املال يف البنك حلفظه‪ ،‬فهذا ليس من ابب‬
‫القرض‪ ،‬فال يَِرد أنه من ابب القروض ‪-‬ولو سلمنا وإن كان هذا ال يسلم‪-‬‬
‫أنه من ابب القرض الذي جير نفعا‪ ،‬فهذا نفع للمقرتض‪.‬‬

‫ألن اآلن الصورة‪ :‬إنك م ْق ِرض للبنك ألنك أنت الذي وضعت املال‪،‬‬
‫ونفع املقرتض جائز على الصحيح من أقوال أهل العلم‪ ،‬فال إشكال يف هذه‬
‫املسألة‪ ،‬ألن بعض الناس قالوا‪ :‬أبنه ال جيوز اإليداع يف البنوك ولو كانت كما‬
‫يقولون إسالمية؛ ألن البنك ينتفع هبذا املال‪ ،‬وهذا قرض فهو قرض جر نفعا‪.‬‬
‫|‪133‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫فإان نقول إن اإليداع جائز ألن هذه ليست‪ :‬أوال من ابب القروض بل‬
‫هي ودائع‪ .‬ولو سلمنا من ابب اجلدل أهنا قروض؛ فإن النفع حاصل‬
‫للمقرتض وليس حاصال للمقرض‪ ،‬والنفع للمقرتض جائز عند مجاهري أهل‬
‫العلم وهو الصواب‪.‬‬

‫بعد هذا عندان قاعدة هي قاعدة فيما يتعلق ابلتفاضل‪ .‬يقول فيها أهل‬
‫العلم‪:‬‬

‫[القاعرردة السررابعة]‪ :‬ال جيررو بيررع األمثرران أو املطعومررات املكيلررة أو‬


‫املو ونة جبنسها إال مثال مبثل‪.‬‬
‫فال جيوز بيع ذهب بذهب‪ ،‬وال بيع فضة بفضة‪ ،‬وال بيع رايل سعودي‬
‫برايل سعودي‪ ،‬وال بيع درهم إمارايت بدرهم إمارايت‪ ،‬وال بيع متر بتمر‪ ،‬وال‬
‫بيع بـر بِبـر‪ ،‬وال بيع شعري بشعري‪ ،‬وال بيع ملح مبلح‪ ،‬وال بيع أرز أبرز‪ ،‬وال‬
‫بيع سكر بسكر‪ ،‬إال بشرط التماثل والتساوي‪.‬‬
‫فإن كانت مكيلة فال بد فيها من التساوي يف الكيل‪ ،‬وإن كانت موزونة‬
‫فال بد فيها من التساوي ابلوزن‪ ،‬مكيلة مثل‪ :‬التمر‪ ،‬موزونة مثل‪ :‬الذهب‬
‫والفضة‪ ،‬وإن كانت معدودة فال بد فيها من التساوي يف العدد‪ ،‬مثل‪ :‬النقود‪،‬‬
‫سواء اتفقت يف اجلودة أو اختلفت يف اجلودة ما دام أهنا من جنس واحد‪.‬‬
‫ِ‬
‫ابلذهب‪ ،‬إالسواء بسواء‪،‬‬ ‫الذهب‬ ‫وأصل ذلك قول النيب ﷺ‪ :‬التبيعوا‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ابلفضة‪ ،‬إال سواء بسواء‪ ‬متفق عليه‪.‬‬ ‫والفضةَ‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 134‬‬

‫ابلوِرِق مثال مبثل‪ ‬متفق‬


‫الورق َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ابلذهب مثال مبثل‪ ،‬و ِ‬ ‫وقوله ﷺ‪ :‬الذهب‬
‫عليه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الذهب ِاب َّلذه ِ ِ ِِ‬
‫ب إِالَّ مثْال مبثْل‪َ ،‬والَ تشفوا بَـ ْع َ‬
‫ض َها‬ ‫وقوله ﷺ‪  :‬الَ تَبِيعوا َّ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ض َها َعلَى‬ ‫َعلَى بَـ ْعض‪َ ،‬والَ تَبِيعوا الْ َوِر َق ِابلْ َوِرِق إِالَّ مثْال مبثْل‪َ ،‬والَ تشفوا بَـ ْع َ‬
‫بَـ ْعض‪ ‬متفق عليه‪.‬‬
‫وهذا من ابب التأكيد‪ ،‬مثال مبثل‪ :‬هذا التساوي‪ ،‬وال ت ِشفوا‪ :‬أي ال‬
‫تفاضلوا بينها‪ ،‬أي ال تزيدوا طرفا على طرف‪.‬‬
‫ب‪َ ،‬وَال الْ َوِر َق ِابلْ َوِرِق‪،‬‬
‫الذ َهب ِاب َّلذ َه ِ‬
‫َ‬
‫أيضا‪ :‬أن النيب ﷺ قال‪َ :‬ال تَبِيعوا َّ‬
‫إَِّال َوْزان بَِوْزن‪ِ ،‬مثْال مبِِثْل‪َ ،‬س َواء بِ َس َواء‪ ‬رواه مسلم‪.‬‬
‫وما جاء عن عبادة بن الصامت قال‪ :‬مسعت رسول هللا ﷺ ‪‬يَـْنـ َهى َع ْن‬
‫ب‪َ ،‬والْ ِفض َِّة ِابلْ ِفض َِّة‪َ ،‬والْبـ ِر ِابلْبـ ِر‪َ ،‬والشَّعِ ِري ِابلشَّعِ ِري‪َ ،‬والت َّْم ِر‬
‫ب ِاب َّلذ َه ِ‬
‫الذ َه ِ‬
‫بَـْي ِع َّ‬
‫ِابلت َّْم ِر‪َ ،‬والْ ِم ْل ِح ِابلْ ِم ْل ِح‪ ،‬إَِّال َس َواء بِ َس َواء‪َ ،‬عْيـنا بِ َع ْني‪ ،‬فَ َم ْن َز َاد‪ ،‬أَ ِو ْازَد َاد‪ ‬ويف‬
‫رواية‪ :‬أو استزاد‪ -‬فَـ َق ْد أ َْرَىب‪ ‬رواه مسلم‪.‬‬
‫هذا يدل على اشرتاط املماثلة يف جنس واحد‪.‬‬
‫وِما يدل على اشرتاط املماثلة حّت لو اختلفت يف اجلودة حديث أيب‬
‫هريرة ‪ ‬أن النيب ﷺ استعمل رجال على خيرب ‪-‬وتعرفون أن خيرب معروفة‬
‫ابلنخيل والتمر‪ -‬قال فجاءه بتمر َجنيب –أي‪ :‬بتمر جيد طيب‪ -‬فقال‬
‫رسول هللا ﷺ‪ :‬أَكل متر خيرب هكذا؟‪ ‬ألن كل الذي جاء به كان جنيبا‬
‫كان جيدا فالنيب ﷺ ملا رأى هذا قال‪ :‬أَكل متر خيرب هكذا؟‪ ‬ما جاء بتمر‬
‫|‪135‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫رديء‪ ،‬فقال‪ :‬ال وهللا اي رسول هللا إان لنأخذ الصاع من هذا ابلصاعني‬
‫َّر ِاه ِم‪ ،‬مثَّ‬ ‫والصاعني ابلثالثة‪ .‬فقال رسول هللا ﷺ‪ :‬فَ َال تَـ ْف َعل‪ ،‬بِ ِع ْ ِ‬
‫اجلَ ْم َع ابلد َ‬ ‫ْ‬
‫َّر ِاه ِم َجنِيبا‪َ ‬‬
‫وقال يف امليز ِان مثل ذلك‪ ،‬متفق عليه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ابْـتَ ْع ابلد َ‬
‫النيب ﷺ قال‪ :‬بع اجلمع‪ ‬اجلمع‪ :‬قيل‪ :‬هو رديء التمر‪ ،‬وقيل‪ :‬اجلمع‬
‫هو التمر الذي ال اسم له لرداءته‪ ،‬يعين‪ :‬التمر اجليد معروف ابمسه‪ ،‬لكن‬
‫اجلمع‪ :‬متر ال اسم له لرداءته عند الناس‪ ،‬وقيل‪ :‬اجلمع هو اخلليط من التمر‪،‬‬
‫خليط من أنواع التمر‪.‬‬
‫‪‬بع اجلمع ابلدراهم‪ ‬وهذا‪-‬اي إخوة‪ -‬فيه دليل على ما سيأيت إن شاء‬
‫هللا أن ما مشله اسم واحد فهو جنس ولو اختلفت أنواعه‪ .‬التمر كله جنس‪،‬‬
‫اجلمع‪ ‬فلو ل يكن التمر جنسا لكان‬ ‫ِ‬
‫والبـر كله جنس‪ ،‬فإنه هنا قال‪ :‬بع َ‬
‫َّر ِاه ِم‪ ،‬مثَّ‬ ‫اجلمع جنسا واجليد جنسا آخر‪ ،‬قال‪ :‬فَ َال تَـ ْف َعل‪ ،‬بِ ِع ْ ِ‬
‫اجلَ ْم َع ابلد َ‬ ‫ْ‬
‫َّر ِاه ِم َجنِيبا‪َ ‬‬
‫وقال يف امليز ِان مثل ذلك‪ ،‬متفق عليه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ابْـتَ ْع ابلد َ‬
‫طبعا‪ :‬هنا فائدة لطالب العلم‪ ،‬استنبطها أهل العلم من هذا احلديث‬
‫وهو‪ :‬أن طالب العلم إذا سئل عن شيء حمرم ويعرف املخر َج منه بطريق‬
‫حالل؛ ينبغي أن يـنَـبه السائل عليه‪ ،‬يعين‪ :‬هنا الرجل فعل شيئا حمرما‪ ،‬فالنيب‬
‫ﷺ كان يكفيه أن يقول‪ :‬ال تفعل‪ ،‬ال تفعل هذا راب! لكن ماذا قال‪ :‬قال ال‬
‫تفعل‪ ،‬مث دله على الطريق الصحيح ‪‬بع اجلمع ابلدراهم‪.‬‬
‫فطالب العلم إذا سئل عن معاملة أو عن شيء هو حمرم وله صورة‬
‫حالل؛ يقول للسائل‪ :‬هذا حرام‪ ،‬ولو فعلت كذا وكذا لكان جائزا‪ ،‬وهذا‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 136‬‬

‫يسميه العلماء ابلكرم يف العلم‪ ،‬اجلواب فوق السؤال يسميه العلماء ابلكرم يف‬
‫العلم‪.‬‬
‫وكان النيب ﷺ أكرم الناس يف العلم؛ إذا سئل عن شيء أضاف إليه‬
‫شيئا انفعا‪ .‬سئل عن ِ‬
‫ماء البحر أنتطهر به؟ أنتوضأ به؟ قال‪ :‬هو الطهور‬
‫ماؤه‪ ‬هذا هو اجلواب ‪‬احلِل ميتته‪.‬‬
‫وشيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رمحه هللا‪ِ -‬من العلماء املعروفني ابلكرم يف‬
‫العلم‪ ،‬فيسأل عن مسألة فيضيف إليها ما ينفع‪ ،‬بل شيخ اإلسالم ابن تيمية‬
‫‪-‬رمحه هللا‪ -‬هذا العال السلفي انصر السنة كان كرميا ابلعلم حّت ِحسا‪ ،‬ذكر‬
‫عنه أنه ما طلب منه أحدا كتااب إال أعطاه إايه ولو كان حمتاجا له‪ ،‬مع ندرة‬
‫الكتب يف ذاك الزمان‪ ،‬كان إذا أحد رأى كتااب عنده قال‪ :‬أعطين هذا‬
‫الكتاب؛ أعطاه إايه وقال‪" :‬قد سألين العلم فكيف أمنعه؟"‪ ،‬وهذا من كرمه‬
‫رمحه هللا‪ ،‬ولذلك أبقى هللا ذكره العطر الطيب‪.‬‬
‫اي إخوة‪ :‬طالب العلم حيتاج أن‪:‬‬
‫عمل بعلمه‪ ،‬لألسف ‪-‬اي إخوة‪-‬‬ ‫يتعلم علما صحيحا‪ ،‬وحيتاج أن يَ َ‬
‫ابلعمل ابلعِلم‪ ،‬يعين إذا جيت إىل اجلمعة رمبا‬
‫اآلن طالب العلم بدؤوا يفرطون َ‬
‫آخر من يدخل املسجد من أهل احلي طالب العلم‪ .‬إذا جئت إىل صالة‬
‫اجلماعة؛ جتد أهنم يتأخرون يف الصالة إىل اإلقامة أو بعد‪ .‬فيحتاج طالب‬
‫العلم ‪-‬اي إخوة‪ -‬أن يعمل بعلمه‪ ،‬أن يزكيه العلم‪ ،‬أن يكون أكثر تدينا‪.‬‬
‫|‪137‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫واألمر الثالث‪ :‬أن حيرص على نفع الناس‪ ،‬أن يكون انفعا للناس‪،‬‬
‫فيزيده العلم تواضعا لعباد هللا‪ ،‬وحرصا على نفع عباد هللا‪ ،‬شيخ اإلسالم ابن‬
‫تيمية ‪-‬رمحه هللا‪ -‬كان يطرق عليه الطارق بيته يف الليل من أجل شفاعة‬
‫فيخرج معه‪.‬‬
‫واألمر الرابع‪ :‬حسن اخلل ‪ :‬طالب العلم حيتاج إىل حسن اخللق مع‬
‫أهله‪ ،‬مع إخوانه‪ ،‬مع زمالئه‪ ،‬مع الناس‪ ،‬والعلماء يقولون حسن اخللق؛ ميزان‬
‫الرجال‪ ،‬وابن القيم ‪-‬رمحه هللا‪ -‬يقول‪" :‬من زاد عليك يف اخللق؛ زاد عليك يف‬
‫الدين"‪ ،‬طالب العلم حباجة إىل أن يكون َحسن األخالق‪ ،‬وأن يظهر منه‬
‫هذا‪.‬‬
‫شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رمحه هللا‪ -‬كان هناك رجل ينسب إىل العلم‪،‬‬
‫وكان يؤذيه ويسعى يف إيذائه‪ ،‬فمات هذا الرجل الذي يؤذيه‪ ،‬فجاء أحد‬
‫طالبه كأنه مبشر له هبالك خصمه الذي يؤذيه‪ ،‬فزجره شيخ اإلسالم وقال‪:‬‬
‫إان هلل وإان إليه راجعون‪ ،‬وقام من فوره وذهب إىل أهله وعزاهم وقال‪" :‬أان‬
‫لكم مكانه"‪.‬‬
‫انظروا إىل هذا اخللق العظيم! حنتاجه حنن طالب العلم اي إخوة‪ ،‬فطالب‬
‫العلم حيتاج إىل هذه األمور‪.‬‬
‫حنتاج أن نتناصح ‪-‬اي إخوة‪ -‬عندان نقص يف هذه األمور‪ ،‬وحنتاج أن‬
‫ينصح بعضنا بعضا حّت يظهر خريان على الناس‪ ،‬وتفتح لنا القلوب‪ ،‬وهللا ‪-‬‬
‫اي إخوة‪ -‬كثري من القلوب تغلق أمامنا بسبب ِمنا‪ ،‬ومن أعظم العوائق‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 138‬‬

‫القصد‪ ،‬حنتاج إىل أن نصفي القلوب‪ ،‬حنتاج إىل اإلخالص‪ ،‬مث نعمل هبذه‬
‫األمور األربعة فإن يف هذا خريا عظيما لنا وللناس‪.‬‬
‫الشاهد‪ :‬أن طالب العلم ينبغي أن يكون كرميا ابلعلم‪ ،‬وهذا من حسن‬
‫اخللق‪ ،‬وإذا سأله سائل وعلم أن شيئا ينفع السائل؛ ينبغي أن يزيده‪.‬‬
‫ِ‬
‫اجلنس الواحد‬ ‫لكن هذا احلديث نورده للداللة على أنه ال جيوز بيع‬
‫متفاضال ولو اختلف يف اجلودة‪.‬‬

‫وجاء بالل ‪ ‬بتمر إىل النيب ﷺ وهذا التمر املعروف الذي يقال له‬
‫الربين‪ ،‬وهو متر جيد من متر املدينة وما حوهلا‪ ،‬فقال له رسول هللا ﷺ‪ :‬من‬
‫أين هذا اي بالل؟‪ ‬فقال بالل ‪" :‬متَْر َكا َن ِعْن َد َان َرِديء‪ ،‬فَبِ ْعت ِمْنه‬
‫َّيب ﷺ"‪ .‬قال يعين‪ :‬عندان متر رديء فذهبت إىل‬ ‫صاع لِ َمطْ َع ِم النِ ِ‬
‫ني بِ َ‬
‫اع ْ ِ‬
‫صَ‬ ‫َ‬
‫السوق أريد أن أطعم النيب ﷺ من التمر اجليد‪ ،‬فبعت صاعني من التمر‬
‫الرديء بصاع من هذا التمر الطيب‪ ،‬فقال رسول هللا ﷺ‪ :‬أ ََّوْه َع ْني ِ‬
‫الرَاب‪‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫الرَاب‪َ ،‬ال تَـ ْف َع ْل‪َ ،‬ولَك ْن إِ َذا أ ََرْد َ‬
‫ت أَ ْن تَ ْش َرت َ‬
‫ي‬ ‫يعين أتوه النيب ﷺ وقال‪َ  :‬ع ْني ِ‬
‫آخَر‪ ،‬مثَّ ا ْش َِرت بِِه‪ ‬رواه مسلم يف الصحيح‪ ،‬فهذا يدل على أن‬ ‫الت َّْمَر فَبِ ْعه بِبَـْيع َ‬
‫اجلنس الواحد ال جيوز بيعه جبنسه متفاضال ولو اختلفا يف اجلودة‪.‬‬

‫طبعا هنا فائدة ستأتينا ‪-‬إن شاء هللا‪ -‬أشري إليها فقط إشارة ولن أذكر‬
‫احلكم فيها وهي مسألة‪:‬‬
‫|‪139‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫ما وقع من معامالت ربوية من اإلنسان قبل العلم‪ .‬يعين ال يعلم أنه راب‪،‬‬
‫معاملة ال يعلم أهنا راب‪ ،‬فوقع فيها مث علم‪ .‬هل تبطل هذه املعاملة اليت مضت‬
‫قبل العلم؟ طبعا تلحظون يف األحاديث النيب ﷺ ل أيمرهم بشيء فيما يتعلق‬
‫مبا كان قبل العلم‪ ،‬وهذا جزء من قاعدتنا اليت سنتكلم عنها ‪-‬إن شاء هللا‪-‬‬
‫يف أن الراب موضوع‪ ،‬ما أَ ْجراه اإلنسان قبل العلم ابحلكم‪ ،‬سنتكلم عنه‬
‫ونبسطه ونبني الراجح فيه إن شاء هللا ‪.‬‬

‫***‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 140‬‬

‫اإلجابة على األسئلة‪:‬‬


‫السؤال األول‪ :‬كثري من السائلني يعربون فيها عن حمبتهم للشيخ‪ ،‬وهذا‬
‫سائل يسأل يقول‪ :‬أان يف دولة عربية‪ ،‬وأحول مايل من دولة إىل دولة أخرى‬
‫احملول إليها‪ ،‬فما حكم‬
‫بعملة أخرى‪ ،‬وخيتلف وقت استالم املبلغ يف الدولة َّ‬
‫هذه املعاملة؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أسأل هللا ‪ ‬أن حيب إخواين مجيعا‪ ،‬واحلقيقة أن االجتماع مع‬
‫طالب العلم نعمة من نعم هللا ‪ ‬على اإلنسان‪ ،‬وأان –وهللا‪ -‬من أعظم نعم‬
‫هللا ‪ ‬علي أن أشارك إخواين مثل هذه اجملالس‪ ،‬وإلخواين منِة علي‬
‫حبضوري‪ ،‬فأسأل هللا ‪ ‬أن يكتب يل وهلم األجر‪ ،‬وجيعل هذا االجتماع‬
‫قربة لنا عند لقائه ‪ ‬وأن جيعل هذا االجتماع ِما يفرحنا ويسران إذا لقينا هللا‬
‫‪.‬‬
‫هذه املسألة اليت سأل عنها األخ الفاضل مسألة التحويل‪ ،‬هذه املسألة‬
‫مركبة من أمرين‪ :‬حوالة‪ ،‬وصرف‪.‬‬
‫واحلوالة جيوز أن يؤخذ عليها مقابل‪ ،‬فال إشكال يف املقابل الذي يؤخذ‪.‬‬
‫املعلوم أن الصرف جيب أن يكون يدا‬
‫َ‬ ‫لكن اإلشكال يف الصرف‪ ،‬ألن‬
‫بيد‪ ،‬وال جيوز أن يتصارف الطرفان وينصرفا ويف ذمة أحدمها لآلخر شيء‪.‬‬
‫طيب هنا األخ يصرف عملة بلده بعملة أخرى‪ ،‬فهل هذا جائز؟‬
‫|‪141‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫نقول‪ :‬احلواالت أنواع‪:‬‬


‫النوع األول‪ :‬احلواالت الفورية أو ماتسمى ابحلواالت السريعة‪ ،‬اليت‬
‫تعتمد اآلن احلاسب اآليل‪ ،‬ومبجرد إدخال املال يف فرع الشركة أو وكيل‬
‫الشركة يف أي مكان من الدنيا؛ تدخل يف احلاسب فيتمكن الطرف اآلخر أن‬
‫يستلمها فورا‪ .‬مبعن لو أين يف اإلمارات وأردت أن أحول للسعودية‪ ،‬فإين‬
‫مبجرد ما أدخل هذه الشركة‪ ،‬وأعطيها العملة وحتول من الدرهم إىل الرايل‬
‫السعودي؛ يدخل هذا يف حساابهتا يف السعودية‪ ،‬فلو كان أخي واقفا أمام‬
‫الصراف الستلم اآلن‪ .‬فهذه جائزة ألن القبض حاصل فيها ابلفعل أو ابلقوة‪.‬‬
‫يعين‪ :‬إما ابلفعل أو ابلقدرة على القبض فهذه جائزة‪.‬‬
‫النوع الثاين‪ :‬وهناك احلوالة العادية‪ :‬وهذه أيضا هلا صور‪:‬‬
‫احمل ِول شيكا‪ ،‬بقيمة ما دفع ابلعملة اليت‬
‫‪ ‬والصورة األوىل‪ :‬أن يعطى َ‬
‫حول إليها‪ ،‬ويكون هذا الشيك مصدقا وموقعا من اجلهة املسؤولة يف البنك‪،‬‬
‫مث يرسل هذا الشيك إىل أهله‪ ،‬وأهله أيخذون هذا املال هبذا الشيك‪ ،‬هذه‬
‫ض الشيك‪ ،‬وقبض الشيك قبض‪ .‬يعين عندما أعطاهم‬ ‫أيضا جائزة؛ ألنه قَـبَ َ‬
‫مثال الدراهم وحولوها إىل دوالرات‪ ،‬أقْـبَضوه الشيك‪ ،‬فقبض الشيك‪ ،‬فحصل‬
‫القبض يف جملس العقد‪.‬‬
‫واحلوالة العادية اليت ال حيصل فيها قبض الشيك‪ ،‬وال تدخل مباشرة‪ ،‬أو‬
‫[ال] تكون سريعة بل تتأخر ليوم أو يومني أو ثالثة‪ ،‬ويعطى اإلنسان ورقة‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 142‬‬

‫ابلتحويل‪ ،‬واملبلغ ابلدوالرات؛ الذي يظهر يل ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬أهنا ال جتوز؛ ألن‬
‫هذه الورقة ليس هلا أي قيمة مالية‪ ،‬وإمنا سند إثبات‪ ،‬فليس فيها قبض‪.‬‬
‫فإن قال‪ :‬قائل ماذا نفعل‪ ،‬إذا كنا حنتاج أن حنول من بلدان‪ ،‬وال يوجد‬
‫يف بنوكنا إال هذه الطريقة؟‬
‫طبعا هناك طريقة لو رضيت البنوك هبا‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أنك إذا جئت إىل البنك لتحول تعطيه الدراهم‪ ،‬فيصرفها لك مثال‬
‫ابلدوالرات‪ ،‬ويسلمك الدوالرات‪ ،‬مث أنت تعطيه الدوالرات ليحوهلا‪ ،‬فحصل‬
‫الصرف وحصل القبض‪ ،‬مث حتول أنت الدوالرات‪ ،‬وهذا أشران فيه لبعض‬
‫البنوك‪ ،‬وبدأت بعض البنوك تعمل به ‪-‬وإن كان يف نطاق ضيق‪ -‬يعين‪ :‬إذا‬
‫كان الدوالر سيبيعونه عليه مثال ابلنسبة للرايالت أبربعة دراهم‪ ،‬يعطيهم‬
‫الدراهم‪ ،‬ويعطونه الدوالرات‪ ،‬فيقبضها‪ ،‬وحيصل القبض يف الصرف مث حيول‬
‫هذه الدوالرات عن طريق هذا البنك أو عن طريق غريهم‪.‬‬
‫فإن ل ميكن‪ :‬فهناك ما يسمى ابلتحويل الفردي‪ ،‬ليس عن طريق البنوك‪،‬‬
‫وإمنا مثال يتخذ اإلثنان وكيلني يف البلد الثاين‪ ،‬يعين حنن اآلن يف اإلمارات‪،‬‬
‫ونريد أن حنول عن طريق رجل‪ ،‬أان يكون يل وكيل يف السعودية واحملول يكون‬
‫له وكيل يف السعودية ونتفق على وقت‪ ،‬فنأيت حنن اآلن يف اإلمارات‪ ،‬فأان‬
‫أعطيه الدراهم اإلماراتية‪ ،‬هو يتصل على وكيله يف السعودية‪ ،‬يقول‪ :‬سلمه‬
‫اآلن كذا رايل سعودي‪ ،‬فيسلمه‪ .‬فيحصل التقابض‪ ،‬ألان ال ننصرف من‬
‫اجمللس ويف ذمة أحدان شيء لآلخر‪ .‬فهذا طريق مشروع‪ ،‬وليس فيه إشكال‪،‬‬
‫وهذا الذي ظهر يل يف مسألة احلواالت عند دراستها‪.‬‬
‫|‪143‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫السؤال الثاين‪ :‬أحسن هللا إليكم‪ ،‬هذا سائل يقول كان من املتقرر‬
‫عندي أن العلة يف األصناف األربعة‪ ،‬هي االقتيات واالدخار‪ ،‬مث رجحتم أن‬
‫العلة فيها‪ ،‬كوهنا مطعومات‪ :‬مكيلة أو موزونة‪ ،‬فعلى هذا هل تدخل الفواكه‬
‫املوزونة‪ ،‬وكذلك األطعمة املوزونة‪ ،‬من اللحم والسمك‪ ،‬وغريها يف علة‬
‫التحرمي؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫هذا سيأيت ‪-‬إن شاء هللا‪ -‬طبعا كما قلنا‪ :‬املسألة خالفية بني الفقهاء يف‬
‫العلة‪ ،‬والذي ذكرتَه هو املختار عند املالكية يف علة الراب‪ ،‬لكن سيأتينا ‪-‬إن‬
‫شاء هللا‪ -‬أن النظر إىل املكيالت واملوزوانت إىل زمن النيب ﷺ فيما عرف أنه‬
‫مكيل أو موزون‪ ،‬فمعرفة اجلنس كيف تكون‪ ،‬وكونه مكيال أو غري مكيل هذا‬
‫يرجع فيه ‪-‬إن شاء هللا‪ -‬إىل أمور سنبينها يف درس الغد إن شاء هللا ‪.‬‬
‫السؤال الثالث‪ :‬أحسن هللا إليكم‪ ،‬وهذا سائل يقول‪ ،‬ما حكم الراتب‬
‫املقدم سلفا من بعض البنوك اإلسالمية‪ ،‬حيث يسرتد البنك املبلغ دون زايدة‪،‬‬
‫إال أن هناك رسوما هلذه املعاملة‪.‬‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫مبعن أن يعجل البنك الراتب للموظف قبل وقته‪ ،‬وأيخ َذ البنك شيئا‬
‫يسمونه رسـوما‪ .‬هذا ال جيوز وهو من الراب‪ ،‬ألهنا منفعة مالية حمضة يف مقابل‬
‫منفعة مالية حمضة مع زايدة‪ ،‬فحقيقة األمر أن البنك أقرض املوظف الراتب‬
‫بزايدة‪ ،‬مسوها رسوما‪ ،‬وهذا ال جيوز وإن عمل به يف بعض املصارف‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 144‬‬

‫السؤال الرابع‪ :‬أحسن هللا إليكم‪ ،‬وهذا سائل يقول‪ ،‬ذكرمت ابألمس أن‬
‫هناك من الفقهاء من يعد الزايدة يف العقوابت املالية أهنا ليست من الراب‪،‬‬
‫لكن لو كانت هذه الزايدات منسوبة بنسبة مئوية مبعن كل أتخري يف يوم أو‬
‫ساعة يف السداد فغرامتها كذا؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫طبعا ‪-‬اي إخوة‪ -‬هذا الكالم الذي قلناه ليس يف املعامالت املالية‪ ،‬أان‬
‫نصيت البارحة أن املعامالت املالية ال جيوز أن يدخلها التضعيف والزايدة‪،‬‬
‫ولكن يف العقوابت اليت تفرض جراء خمالفات‪ ،‬كمخلفات املرور مثال فإن‬
‫هذا ليس من الراب‪ ،‬ألن للمخالفة عقوبتني موصوفتني حمددتني‪ ،‬فمن فعل‬
‫هذا أوقعت عليه هذه العقوبة‪ ،‬ومن فعل هذا أوقعت عليه هذه العقوبة‪ ،‬سواء‬
‫كانت حمددة ابملبلغ أو حمددة بنسبة مئوية‪ ،‬فيقال مثال‪ :‬إهنا تكون فيها زايدة‬
‫بنسبة عشرة يف املئة‪ ،‬أو حنو ذلك‪ ،‬فهذه الزايدة معلومة‪ ،‬وليست جمهولة‪.‬‬
‫وأان أقول‪ :‬إن تكييفي هلا ‪-‬وهذا طبعا تكييف لبعض أهل العلم‪ -‬أهنا‬
‫عقوابت متعددة‪ ،‬حمددة معلومة‪ ،‬وما دام كذلك فهي ليست من ابب الراب‪،‬‬
‫وكما قلت‪ :‬وإن كان من مشاخينا الفقهاء األجالء من يرون أن هذا يدخل‬
‫يف ابب الراب‪ ،‬لكين عند دراسة املسألة والنظر إىل قواعد أهل العلم؛ تبني يل‬
‫أن هذه عقوابت متعددة‪ ،‬ليست نتيجة معاملة وليست من ابب الراب‪.‬‬
‫|‪145‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫السؤال اخلامس‪ :‬أحسن هللا إليكم‪ ،‬وهذا سائل يسأل عن معاملة‬


‫تكون يف أوقات العيد‪ ،‬وهو أهنم يصرفون مثال ألف درهم إمارايت النوع اجليد‬
‫الذي يكون قد صدر حديثا مبثال تسعمئة وستني درمها؟‬

‫اجلواب‪:‬‬

‫هذا ال جيوز‪ ،‬يعين مبعن أن أتيت بدراهم قدمية عندك‪ ،‬أو تغري الورق فيها‬
‫ت يف ذلك الوقت‪ ،‬حبيث‬ ‫شيئا وتعطيه إىل املصرف‪ ،‬ويعطيك أوراقا س َّك ْ‬
‫تقدمها هدااي يف العيد أو حنو ذلك‪ ،‬ولكنهم يعين أيخذون مقابل‪ ،‬هذا هو‬
‫اجليد والرديء‪ ،‬وهي جنس واحد‪ ،‬فهذا من الراب الصريح الذي ال جيوز‬

‫السؤال السادس‪ :‬أحسن هللا إليكم‪ ،‬وهذا سائل يقول‪ ،‬هل جيوز شراء‬
‫األصناف الستة وما أخذت حكمها كالسكر أواألرز اب َلديْن؟‬

‫اجلواب‪:‬‬

‫طبعا هل جيوز شراؤها اب َلديْن؟ هذه مسألة ستأتينا ‪-‬إن شاء هللا‪ -‬يف‬
‫ضمن القواعد ستمر بنا هذه املسألة ونقررها من الناحية يعين الفقهية‪ ،‬مّت‬
‫جيوز؟ ومّت ال جيوز؟ هذه ‪-‬إن شاء هللا‪ -‬ستأتينا ولذا أان ال أستعجل يف‬
‫اجلواب‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 146‬‬

‫السؤال السابع‪ :‬أحسن هللا إليكم‪ ،‬وهذا سائل يقول‪ ،‬اجتمع جمموعة‬
‫من األشخاص‪ ،‬عددهم عشرة‪ ،‬كل شخص منهم دفع مخسني ألف درهم‪،‬‬
‫فتم عندهم مخسمئة ألف درهم فدفعوها لشخص آخر ليستثمر هلم فيها‪،‬‬
‫فكيف يزكي كل شخص منهم ماله؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫يعين هؤالء جمموعة اشرتكوا يف رأس مال‪ ،‬مث دفعوه إىل آخر مضاربة‪،‬‬
‫ليتاجر هلم يف هذا املال‪ .‬الزكاة هنا هلا طريقان‪:‬‬
‫الطريق األول‪ :‬أن يزكي من يتاجر ابملال‪ ،‬يزكيه إذا حال عليه احلول‪،‬‬
‫فتكون زكاته وقعت عن اجلميع‪ ،‬فيقولون له‪ :‬أنت تتوىل أمر هذا املال وخترج‬
‫زكاته وما يتعلق به‪ ،‬فهنا يزكي واحلمد هلل‪.‬‬
‫والطريقة الثانية‪ :‬أن يتوىل كل واحد منهم زكاة هذا املال مع بقية ماله‪،‬‬
‫فهذا دفع مئة ألف وعنده مئة ألف يقول أان أزكي ِمئَـ َيت ألف‪ ،‬وهذا كذا وهذا‬
‫كذا‪ .‬وهذا أيضا سائغ‪.‬‬
‫فهم إما أن يفوضوا القائم على املال بتزكيته‪ ،‬وهذا سائغ وجائز‪ ،‬وإما أن‬
‫يتوىل كل واحد منهم تزكية ماله على خصوصه‪.‬‬
‫لكن ابلنسبة لألول‪ ،‬ال بد أن نـنَـبه إىل أنه ال بد له أن يضيف ما عنده‬
‫من مال إىل ذلك املال‪ ،‬يعين‪ :‬لو فرضنا ‪-‬جدال‪ -‬أن الذي عندك اآلن‬
‫حاضر ال يبلغ نصااب‪ ،‬لكنك مشارك يف شركة‪ ،‬وهذا املال يزيد كثريا عن‬
‫النصاب‪ ،‬فما أتيت تقول الذي عندي ال أزكيه ألنه اليبلغ نصااب‪ ،‬ال! أنت‬
‫|‪147‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫عندك هذا مع ذلك املال‪ ،‬فتزكي الذي عندك ألنه جزء من النصاب‪ ،‬وذاك‬
‫يزكيه من فوضتموه يف تزكيته‪.‬‬
‫السؤال الثامن‪ :‬أحسن هللا إليكم‪ ،‬وهذا سائل يسأل عن بيع رصيد‬
‫اهلاتف إذ يشرتيه من الشركة بثالثة وعشرين درهم‪ ،‬ويبيعها خبمس وعشرين‬
‫درمها حاضرة أو مؤجلة‬

‫اجلواب‪:‬‬
‫ِ‬
‫منفعة‬ ‫هذا جائز على الصحيح من أقوال أهل العلم؛ ألن هذا بيع‬
‫االتصال‪ ،‬هو ال يبيع دراهم وإمنا يبيع منفعة االتصال املقدرة بعشرين درمها‪،‬‬
‫بثالثني مثال‪ ،‬فهذا بيع للمنفعة‪ ،‬أنت لو اشرتيت البطاقة ال تستطيع أن‬
‫تذهب وأتخذ دراهم‪ ،‬وإمنا إذا أخذت البطاقة فقط أتخذ منفعة االتصال‪،‬‬
‫وعليه فال حرج يف بيع هذه البطاقات بزايدة أو نقص‪ ،‬يعين جيوز أنك تذهب‬
‫إىل الشركة‪ ،‬وتشرتي ألف بطاقة‪ ،‬البطاقة بعشرين‪ ،‬فتشرتي البطاقة مثال‬
‫بتسعة عشر درمها من أجل أن تبيعها بعشرين‪ ،‬وجيوز أن تبيع املكتوب عليه‬
‫عشرين‪ ،‬بواحد وعشرين؛ ألن هذا ليس بيعا للدراهم وإمنا هو بيع للمنفعة‬
‫املقدرة ابلدراهم‪ ،‬فهذا جيوز فيه التفاضل وال حرج‪.‬‬

‫السؤال التاسع‪ :‬أحسن هللا إليكم‪ ،‬وهذا سائل يقول‪ :‬ما الفرق يف‬
‫قوهلم‪ :‬العلة الثمنية ومطلق الثمنية؟‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 148‬‬

‫اجلواب‪:‬‬

‫دائما إذا وجدت "مطلق" قبل الكلمة فضع "كل"‪ .‬عندما يقال‪ :‬مطلق‬
‫العقد‪ ،‬ضع بدل "مطلق" "كل" يعين‪ :‬كل عقد‪ .‬عندما يقال‪ :‬مطلق الشرط‪،‬‬
‫ضع "كل"‪ ،‬يعين‪ :‬كل شرط‪.‬‬

‫لكن إذا جاءت مطلق بعد الكلمة فقيل‪ :‬العقد املطلق‪ ،‬الشرط املطلق‪،‬‬
‫يعين الذي ل يقيد بشيء‪.‬‬

‫هنا عندما يقولون‪ :‬مطلق الثمنية‪ ،‬يعين‪ :‬كل الثمنية‪ ،‬فحيثما وجدت‬
‫الثمنية يف شيء؛ وِج َدت علة الراب‪ ،‬وعندما يقال‪ :‬الثمنية‪ ،‬فهو ذات الثمنية‪،‬‬
‫وهذا الذي اختلف فيه أهل العلم‪ :‬هل هذه العلة قاصرة واقفة كما يقول‬
‫الشافعية‪ ،‬أو متعدية كما يقول بعض املالكية‪ ،‬وهي رواية عند اإلمام مالك‪،‬‬
‫وهو الصواب من أقوال اهل العلم‪.‬‬

‫السؤال العاشر‪ :‬أحسن هللا إليكم‪ ،‬وهذا سائل يسأل يف الدخول يف‬
‫معاملة بنكية‪ ،‬تتضمن شرطا ربواي عند التأخري‪ ،‬مع أنه يستطيع أن يسدد يف‬
‫الوقت املطلوب منه‪ ،‬من غري أن يؤخر؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫|‪149‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫مبعن آخر إذا كان العقد ربواي ول يقع الراب‪ ،‬هل جيوز يل أن أدخل فيه؟‬
‫اجلواب‪ :‬ال جيوز‪ .‬ال جيوز أن تدخل يف عقد ربوي ولو كنت تعلم أن الراب لن‬
‫يقع‪ .‬ملاذا؟‬
‫ألن التعاقد ابلراب مع االختيار‪ ،‬رضا به‪ .‬فأنت عندما توقع العقد مع‬
‫االختيار‪ ،‬فأنت راض هبذا الراب‪ ،‬وهذا حرام ال جيوز‪ ،‬حّت لو كنت تعلم أن‬
‫الراب لن يقع؛ فال جيوز الدخول يف العقود الربوية مع االختيار‪ .‬ال جيوز‪ ،‬حّت‬
‫لو كنت تعلم أن الراب لن يقع ألنك ستحرص على عدم التأخري‪ ،‬ألن توقيع‬
‫العقد كما قلنا وأنت تعلم أن فيه راب مع االختيار؛ هو رضا هبذا الراب‪ ،‬فهذا‬
‫حرام ال جيوز‪.‬‬
‫السؤال احلادي عشر‪ :‬أحسن هللا إليكم‪ ،‬وهذا سائل يسأل عن اجلوائز‬
‫البنكية على الودائع املالية‪ ،‬سواء كانت من بنوك ربوية أو إسالمية‪.‬‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫اجلوائز اليت تقدمها البنوك لعمالئها؛ إذا كانت من اجلوائز املعتادة اليسرية‬
‫كما قلنا مثل التقاومي وحنو ذلك‪ ،‬هذا ال إشكال فيه‪ ،‬أما إذا كانت جوائز‬
‫ذات قِيَم‪ ،‬فهذه إذا كان حيصل عليها كل أحد؛ فهذه تسمى مكافآت‬
‫تشجيعية حتفيزية للعمالء وليس فيها قمار‪ ،‬فهذه جائزة ‪-‬إن شاء هللا‪ -‬على‬
‫الصحيح‪ ،‬أما إذا كانت حيصل فيها سحوابت‪ ،‬وحيصل زيد وال حيصل‬
‫عمرو؛ فهذه من القمار الذي ال جيوز‪.‬‬
‫السؤال الثاين عشر‪ :‬أحسن هللا إليكم‪ ،‬وهذا سائل يسأل عن بيع‬
‫وشراء العمالت النقدية؟‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 150‬‬

‫اجلواب‪:‬‬

‫هذا سيأتينا ‪-‬إن شاء هللا‪ -‬العمالت جيوز بيعها وشراؤها متفاضلة بشرط‬
‫أن تستلم يدا بيد وال جيوز فيها التأخري‪ ،‬ولو ساعة –واملقصود‪ :‬التأخري عن‬
‫جملس العقد‪ -‬فيجوز أن يبيع دراهم برايالت ورايالت بدوالرات ويتاجر يف‬
‫هذا بشرط أن يتم التقابض يف جملس العقد‪ ،‬فإذا حصل أتخري فإن هذا‬
‫يكون من ابب راب النسيئة‪ ،‬وهو ال جيوز ‪ ،‬ولذلك جيب احلذر من شراء‬
‫العمالت عن طريق اإلنرتنت فإن الغالب أنه ال حيصل فيها التقابض‪ ،‬فإذا‬
‫كان ال حيصل فيها التقابض فهذا راب وال جتوز‪ ،‬أما إذا كان حيصل فيها‬
‫التقابض‪ ،‬ويكون عند اإلنسان حساب‪ ،‬إذا اشرتى العملة دخلت مباشرة يف‬
‫حسابه‪ ،‬وهو يدفع‪ ،‬وأمن التفرق قبل القبض؛ فهذا جائز‪.‬‬

‫السؤال الثالث عشر‪ :‬أحسن هللا إليكم‪ ،‬وهذا سائل يسأل عن سحب‬
‫املبلغ من اجلهاز املصريف إذا كان من بنك آخر غري البنك الذي يتعامل معه‪،‬‬
‫حيث أن املبلغ اآلخر يسحب مبلغ يسري كدرهم أو درمهني أو حنو ذلك‪.‬‬

‫اجلواب‪:‬‬
‫هذه املعاملة يف احلقيقة فيها شبهة‪ ،‬وذلك أن اإلنسان إذا استخدم‬
‫البطاقة العادية يف السحب من جهاز يتبع ملصرف آخر غري املصرف الذي‬
‫|‪151‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫يتعامل معه؛ أهنم أيخذون عليه مقابل‪ ،‬لكن الذي يظهر ‪-‬وهللا أعلم وإن‬
‫كانت الختلو من شبهة‪-‬؛ اجلواز‪ ،‬ألن هذا‪:‬‬
‫أوال‪ :‬مقابل استخدام اجلهاز‪ ،‬ألن كل جهاز صراف يتبع بنكا‪ ،‬هذا‬
‫اجلهاز له قيمة وله مؤنة‪ .‬فإذا استخدام اإلنسان هذا اجلهاز التابع لذلك‬
‫البنك‪ ،‬وليس للبنك الذي يتعامل معه‪ ،‬فإنه تؤخذ أجرة هذه االستفادة من‬
‫هذا اجلهاز لذلك البنك‪ ،‬وهذا ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬جائز من جهة أن هذه غري‬
‫مسألة السحب‪ ،‬بل هي أجرة اجلهاز الذي ال يتبع البنك الذي يتعامل معه‪.‬‬
‫ومن وجه آخر‪ :‬أن اإلنسان يف هذه احلال ‪-‬ما أدري‪ ،‬أان أتكلم عن‬
‫الذي عندان يف السعودية‪ -‬ليس هو الذي يدفع هذه الزايدة أو هذا املبلغ‪،‬‬
‫إمنا الذي يدفع هذا املبلغ؛ البنك الذي يتعامل معه‪ .‬يعين عندان يف السعودية‪،‬‬
‫املبلغ ال خيصم من حساب العميل‪ ،‬لكن البنك الذي تتعامل معه‪ ،‬يتحمل‬
‫هذه الزايدة‪.‬‬
‫يعين مثال‪ :‬رايلني‪- ،‬عندان ثالثة رايل‪ -‬يتحملها البنك الذي تتعامل معه‬
‫أجرة للبنك اآلخر‪ ،‬والعكس صحيح‪ ،‬ففي هذه احلال ال يكون املستفيد هو‬
‫الذي دفع‪ ،‬وإمنا البنك الذي يتعامل معه‪ ،‬وهذه جهة منفكة‪ ،‬ولذلك الذي‬
‫يظهر يل ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬اجلواز‪ ،‬ولكين أوصي‪ :‬بعدم عملها لوجود شبهة فيها‬
‫عندي‪ .‬فاإلنسان حيرص قدر ما يستطيع على أن يسحب من الصراف الذي‬
‫يتبع البنك الذي يتعامل معه‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 152‬‬

‫طبعا العلماء خمتلفون يف حكمها‪ :‬فمن أهل العلم َمن مينعها‪ ،‬ومن أهل‬
‫العلم من جييزها‪ ،‬وأان درستها ‪-‬يف احلقيقة‪ -‬وظهر يل أن الراجح عندي هو‬
‫اجلواز لكن يف املسألة شبهة‪ ،‬واجتناب الشبه خري‪ .‬فاألحسن أن اإلنسان‬
‫حيرص على أال يسحب إال من الصراف الذي يتبع للبنك الذي يتعامل معه‪.‬‬
‫فإن وقع منه أنه سحب من صراف آخر فالذي يظهر يل ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬أنه‬
‫اليكون قد وقع يف الراب على ضوء دراسيت للمسألة‪.‬‬
‫السؤال الرابع عشر‪ :‬أحسن هللا إليكم‪ ،‬وهذا سائل يقول‪ :‬هل جيوز‬
‫مساعدة أخ قد تعامل مع البنك الربوي‪ ،‬لوفاء دينه الذي ترتب عليه من‬
‫تعامله ابلراب؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫هل جيوز يل أن أساعد من اقرتض قرضا ربواي وهو يعلم‪ ،‬من أجل سداد‬
‫هذا القرض؟ الذي يظهر يل ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬أنه إن كان قد اتب ويريد أن‬
‫يتخلص من هذا القرض ابلسداد للبنك‪ ،‬فنعم‪ ،‬يعان‪ ،‬ألن يف إعانته إعانة‬
‫الرب والتقوى‪ .‬فإذا كان هذا الشخص كان متساهال أو جاهال أو حنول‬‫على ِ‬
‫ذلك مث اتب‪ ،‬ويقول‪ :‬أان ال أريد أن يكون يل عالقة هبذا البنك‪ ،‬هذا حيرق‬
‫قليب‪ ،‬أان أريد أن أختلص من هذا األمر؟ فنعم‪ ،‬جيوز أن يعان على سداد دينه‬
‫هذا‪.‬‬
‫أما إذا ل يتب من هذه املعاملة الربوية احملرمة‪ ،‬فالذي يظهر يل ‪-‬وهللا‬
‫أعلم‪ -‬أنه ال جيوز أن يعان؛ ألن يف إعانته تشجيعا له على هذه املعاملة‪.‬‬
‫|‪153‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫هو بنفسه تعامل هبذه املعاملة وهو ل يتب منها‪ ،‬فإذا ساعدانه‪ ،‬جعلنا‬
‫األمر أسهل يف نفسه‪ ،‬فيذهب ويقرتض مرة أخرى‪ ،‬حّت أييت زيد من الناس‪،‬‬
‫ويسدد عنه‪ ،‬فهكذا يكون إعانة له على البقاء على الباطل‪.‬‬
‫فأان أقول‪ :‬عندما نظرت يف هذه املسألة‪ ،‬أنه إن كان اتئبا فإنه يعان‬
‫وإعانتة مشروعة‪ ،‬أما إن كان مصرا على هذا الفعل‪ ،‬غري اتئب منه؛ فإنه ال‬
‫جيوز أن يعان على التخلص من هذا القرض الذي رمبا يثقله عن أن يقرتض‬
‫مرة أخرى ابلراب‪ ،‬فإن خفف عنه‪ ،‬ذهب واقرتض ابلراب‪.‬‬

‫***‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 154‬‬

‫الدرس اخلامس‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم‪ ،‬األمتان األكمالن على املبعوث‬
‫رمحة للعاملني‪ ،‬وعلى آله وصحبه أمجعني‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فأسأل هللا ‪ ‬أن يفقهنا يف دينه‪ ،‬ويرقق قلوبنا لطاعته‪ ،‬ويستعملنا يف‬
‫نصرة سنة نبيه ﷺ‪ ،‬وجيعلنا رمحة وخريا على البالد والعباد‪ ،‬وجيعلنا مفاتيح‬
‫للخري مغاليق للشر‪ ،‬واسأل هللا ‪ ‬أن جيعل جمالسنا هذه من اجملالس اليت‬
‫تسران عند لقاء ربنا سبحانه وتعاىل‪ ،‬وأن جيعلنا هبا من السعداء يف الدنيا‬
‫والفائزين يوم القيامة‪.‬‬
‫أيها اإلخوة‪ :‬نواصل دروسنا وجمالسنا يف هذه الدورة املباركة اليت أسأل‬
‫هللا ‪ ‬أن جيزي القائمني عليها خري اجلزاء وأن يثيب القائمني على دائرة‬
‫الشؤون اإلسالمية على عنايتهم هبا وحرصهم ورغبتهم يف تطويرها وأن جيعل‬
‫هذا ِما يسرهم عند لقاء هللا ‪ ‬وهذ الدورة هي الدورة الثانية يف قواعد‬
‫املعامالت حيث خصصناها لقواعد الراب وقبل أن نبدأ يف قواعد اليوم أحببت‬
‫أن أنبه على أمر فاتين ذكره مع أمهيته يف درس األمس وذلك أان تكلمنا عن‬
‫قاعدة‪ :‬كل قرض جر منفعة فهو راب‪.‬‬
‫وتكلمنا يف نقاط‪ ،‬وتكلمنا يف النقطة األوىل وهي املنفعة املشرتطة عند‬
‫القرض وقلنا إهنا تنقسم إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫‪ .1‬منفعة متمحضة للمقرض وقلنا هذه حرام إبمجاع أهل العلم‬
‫|‪155‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫‪ .2‬منفعة متمحضة للمقرتض ليست للمقرض وقلنا هذه جائزة عند‬


‫اجلمهور‬
‫‪ .3‬منفعة مشرتكة للمقرض واملقرتض معا وقلنا هذه فيها خالف ورجح‬
‫مجع من احملققني جوازها‪.‬‬
‫فااتين أن أذكر‪:‬‬

‫املنفعة املشتكة عند اجملو ين هلا‪ ،‬هلا ضابطان مهمان‪:‬‬

‫الضابط األول‪ :‬أن تكون منفعة املقتض مقصودة ال مفروضة‪.‬‬

‫ما معن هذا الكالم؟‬

‫يعين أن املقرتض يقصد هذه املنفعة ويريد هذه املنفعة وليست مفروضة‬
‫عليه؛ ألن الفرض كالعدم بل هو أقرب إىل املضرة من املنفعة؛ كون املقرتض‬
‫ما يريد هذه املنفعة ولكن يفرض عليه بسبب الشرط هذا يضره وال‬
‫ينفعه‪ .‬وأعطيكم مثاال‪:‬‬

‫قال املقرتض للمقرض‪ :‬أقرضك عشرة آالف على أن تستأجر بييت مثال‬
‫خبمسة آالف واملقرتض عنده بيت وليس حباجة إىل االستئجار وال يريد‬
‫االستئجار فهذه املنفعة كأهنا حمضة للمقرض وكأهنا مضرة للمقرتض فال‬
‫تدخل يف املنفعة اجلائزة وإمنا إذا قال له أقرضك عشرة آالف على أن‬
‫تستأجر بييت خبمسة آالف وهو يريد أن يستأجر بيتا‪ .‬هذا الضابط األول‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 156‬‬

‫غري القرض‪.‬‬
‫الضابط الثاين‪ :‬أن يكون للمنفعة مقابل َ‬
‫مثل ما قلنا‪ :‬يقرضه عشرة آالف على أن يستأجر البيت خبمسة آالف‪.‬‬
‫القرض شيء وهذه املنفعة بيت وأجره غري القرض‪ ،‬خبالف ما لو كانت‬
‫املنفعة من القرض ذاته فإن هذا ال جيوز‪ .‬مثال ذلك بعض الذين جوزوا‬
‫الفوائد مع البنوك ‪ -‬وهم قلة‪ ،‬وقد بينا بطالن هذا سابقا – قالوا‪" :‬إن يف‬
‫هذا منفعة مشرتكه للمقرض واملقرتض؛ ألن صاحب املال حيفظ ماله ويضمن‬
‫ماله وأيخذ فائدة‪ ،‬والبنك ينتفع هبذا املال ويتجر به‪ ،‬إذن هو جائز" وهذا ال‬
‫جيوز عند أحد من أهل العلم املتقدمني ومجهرة العلماء املعاصرين؛ ألنه ههنا‬
‫هذه املنفعة متعقلة بعني القرض وليس هلا مقابل آخر‪.‬‬
‫والضابط الثالث‪ :‬أن ال تكون هنالك ايدة على العادة‪.‬‬
‫فإذا كان هناك زايدة على العادة فإن هذا ال جيوز‪ .‬يعين‪ ،‬قال له‪:‬‬
‫أقرضك عشرة آالف على أن تستأجر بييت ‪ -‬وهو يريد أن يستأجر ويبحث‬
‫عن بيت ‪ -‬لكن قال‪ :‬على أن تستأجر بييت بعشرة آالف‪ .‬والعادة أن البيت‬
‫يؤجر يف هذه املنطقة خبمسة آالف‪ ،‬هنا ال جيوز؛ ألن الزايدة على العادة إمنا‬
‫كانت من أجل القرض‪ ،‬فيصبح ال جيوز‪.‬‬
‫إذن عندان يف املنفعة املشرتكة اليت حتصل للمقرض وحتصل للمقرتض‬
‫ثالثة ضوابط عند اجمليزين ‪ -‬واملانعون ال حيتاجون إىل ضوابط ‪ ،-‬الضابط‬
‫األول‪ :‬أن تكون املنفعة مقصودة للمقرتض ال مفروضة عليه‪ ،‬والضابط الثاين‪:‬‬
‫أن يكون للمنفعة مقابل غري القرض‪ ،‬والضابط الثالث‪ :‬أن ال يكون يف ذلك‬
‫زايدة على ما جرت به العادة‪.‬‬
‫|‪157‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫البارحة توقف الكالم بنا يف ثنااي قاعدة تتعلق ببيع األمثان واملطعومات‬
‫املكيلة أو املوزونة جبنسها‪ ،‬حيث قلنا فيها ال جيوز بيع األمثان أو مطعوم‬
‫مكيل أو موزون جبنسها إال مثال مبثل‪ ،‬وبينا معن هذه القاعدة وقلنا إن‬
‫األجناس الربوية يف بيع اجلنس ال بد فيها من التماثل والتساوي ولو اختلفت‬
‫يف اجلودة‪ ،‬وبينا أصلها من السنة ووقفنا عند هذا‪ ،‬وهذا األمر جممع عليه بني‬
‫أهل العلم‪ ،‬يقول ابن قدامة رمحه هللا‪” :‬ال خالف بني أهل العلم يف وجوب‬
‫املماثلة يف بيع األموال الربوية اليت حيرم التفاضل فيها‪ ،‬وأن املساواة املرعية هي‬
‫املساواة يف الكيل كيال ويف املوزون وزان‪ ،‬ومّت حتققت هذه املساواة ل يضر‬
‫اختالفهما فيما سواها“‪ – ،‬وانتبهوا هلذا – ليس املقصود أن يستواي يف كل‬
‫شيء وإمنا املقصود أن يستواي يف الكيل إن كانت من املكيالت‪ ،‬أو يستواي‬
‫يف الوزن إن كان من املوزوانت‪ ،‬ألنك ِمكن أن أتيت فتبيع مترا بتمر‪ ،‬وهذا‬
‫التمر – مثال ‪ -‬جيد وهذا أقل جودة‪ ،‬ولكنك تبيع صاعا بصاع‪ ،‬هنا وجد‬
‫املساواة وإن اختلفا يف اجلودة فإن املقصود هو املساواة يف الكيل يف املكيالت‬
‫والوزن يف املوزوانت كما دلت عليه األحاديث‪.‬‬
‫وقول العلماء‪" :‬جبنسه"‪ ،‬اجلنس هنا ما يشمله اسم خاص وإن كانت له‬
‫أنواع‪ ،‬فالتمور جنس ألنه يشملها اسم خاص وهو اسم التمر وإن كانت‬
‫أنواعا‪ ،‬هناك العجوة وهناك الربين وهناك وهناك أنواع كثرية‪ ،‬لكن يشملها‬
‫اسم واحد فهي جنس‪.‬‬
‫الرب جنس وإن كان الرب أنواعا ختتلف يف اجلودة ولكنها جنس واحد‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 158‬‬

‫الذهب جنس ألنه يشمله اسم الذهب وإن كان الذهب أنواعا‪ ،‬هناك‬
‫الذهب عيار أربع وعشرين‪ ،‬ذهب عيار واحد وعشرين‪ ،‬وذهب عيار مثانية‬
‫عشر‪ ،‬لكن يشملها اسم واحد وهو الذهب‪ ،‬وكذلك الفضة‪.‬‬
‫وفروع األجناس أجناس خمتلفة وإن مجعها جنس واحد –انتبهوا هلذا‬
‫مهم‪ -‬فروع األجناس أجناس خمتلفة وإن مجعها اسم واحد‪ ،‬يعين عندان ما‬
‫يسمى ابلدقيق‪ ،‬الدقيق هذا اسم واحد يشمل كل مطحون من احلبوب‪ ،‬هل‬
‫هي جنس واحد؟ نقول‪ :‬ال‪ ،‬نعيدها إىل أصلها‪ ،‬فالرب نعيده إىل الرب والشعري‬
‫نعيده إىل الشعري واألرز نعيده إىل األرز‪ ،‬فال نقول إن الدقيق كله جنس‬
‫واحد؛ ألن الدقيق فرع واألصل هو أصل اجلنس‪ ،‬احلب الذي طحن‪ ،‬فما‬
‫مشله اسم خاص لكن كانت األنواع من أصول خمتلفة فإنه ليس جبنس‪ ،‬بل‬
‫يعاد إىل أصله‪ ،‬وكذلك األدهان فإهنا تعاد إىل أصلها وبناء على هذه القاعدة‬
‫اليت قررهتا األحاديث فإنه جيوز بيع الذهب ابلفضة متفاضال‪.‬‬
‫وال جيوز بيع الذهب ابلذهب متفاضال‪ ،‬ألن الذهب جنس والفضة‬
‫جنس آخر فال جيوز بيع الذهب ابلذهب متفاضال‪.‬‬
‫وال جيوز بيع الفضة ابلفضة متفاضال لكن جيوز بيع الذهب ابلفضة‬
‫متفاضال‪ ،‬ألهنا ليست جنسا واحدا‪.‬‬
‫وجيوز بيع الدرهم ابلدوالر متفاضال ألهنا ليست جنسا واحدا‪.‬‬
‫وكذلك بناء على قيود هذه القاعدة إذا كان املبيع موزوان أو مكيال ول‬
‫يكن مطعوما‪ ،‬مثل‪ :‬اإلمسنت واحلديد فهذه ليست مطعومات وإن كانت‬
‫|‪159‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫توزن‪ ،‬فهذا جيوز بيعه جبنسه متفاضال على الراجح من أقوال العلماء على ما‬
‫تقدم يف بيان العلة‪.‬‬
‫وإن كان املبيع مطعوما لكنه ليس مكيال وال موزوان‪ ،‬ولكن يباع ابلعدد‪،‬‬
‫كالفاكهة واخلضروات‪ ،‬فإنه جيوز بيعها جبنسها متفاضلة‪ ،‬ألن الفواكه‬
‫معدودات وليست موزوانت‪ .‬فإن قال لنا القائل‪ :‬اليوم يزنون الفواكه‪ ،‬تباع‬
‫الفواكه ابلوزن نقول سيأيت إن شاء هللا بيان ما هو األصل يف هذا يف ثنااي‬
‫الكالم اليوم إن شاء هللا ‪.‬‬
‫القاعرردة الثامنررة‪ :‬ال جيررو بيررع مكيررل مررن املطعومررات بشرري مررن جنسرره‬
‫بيع مو ون من األمثان واملطعومات كيال‪.‬‬
‫و ان وال ُ‬
‫انتبهوا هلذا‪ ،‬يعين جبنسه وتلحظون اي أخوه أان يف املكيل قلنا املطعومات‬
‫فقط‪ ،‬ويف املوزون قلنا األمثان واملطعومات‪ ،‬ألن األمثان توزن فقط واملطعومات‬
‫منها ما يكال ومنها ما يوزن‪.‬‬
‫ومعن هذه القاعدة‪ :‬أنه ال جيوز بيع ما أصله أنه مكيل من املطعومات‬
‫مبثله وزان وال بيع ما أصله أنه موزون مبثله كيال‪ .‬يقول يل قائال يعين ال جيوز‬
‫أن تبيع كيلو غرام من التمر بكيلو غرام من التمر؛ ألن هذا وزن والتمر أصله‬
‫أنه مكيل‪ ،‬فيقول قائل‪ :‬ملاذا؟ هنا تساوي!‬
‫نقول‪ :‬ال هنا لن يوجد التساوي ألن التماثل يف الكيل مشرتط ابلكيل‬
‫ويف الوزن أو يف املوزوانت ابلوزن ولو ابع كيلو من املكيل بكيلو من مثله لن‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 160‬‬

‫حيصل التماثل‪ ،‬ملاذا؟ ألن أحدمها قد يكون خفيفا واألخر يكون ثقيال وأنت‬
‫ترى هذا‪ ،‬فلو أنك أتيت بصاع متر من نوع وصاع متر من نوع آخر ووضعت‬
‫هذا يف امليزان رمبا وزن اثنان كيلو وربع‪ ،‬ولو وضعت اآلخر يف امليزان رمبا وزن‬
‫ثالث كيلو أو أربعة كيلو‪ ،‬إذن ستختلف لو بعناها ابلوزن من جهة الكيل‪.‬‬
‫بعبارة أخرى‪ :‬اي إخوة لو بعتك كيلو من نوع من التمر بكيلو بنوع من‬
‫التمر وجئنا هبذا الكيلو فوضعناه يف الصاع رمبا يبلغ نصف الصاع وجئنا هبذا‬
‫الكيلو ووضعناه يف الصاع رمبا يبلغ ربع الصاع فيؤدي إىل التفاضل يف‬
‫املكيالت أو يؤدي إىل اجلهل ابلتماثل‪ ،‬وسيأتينا يف القاعدة إن شاء هللا أن‬
‫اجلهل ابلتماثل يف الربوايت كالعلم ابلتفاضل وسنبينه إن شاء هللا ‪ ‬وكذلك‬
‫ابلنسبة للموزون‪.‬‬
‫القاعدة اليت تليها وسأربطها ببعضها ونتكلم إن شاء هللا عن مسألة‬
‫اجلنس ألهنا مرتبطة هبا يف العلة وهي‪:‬‬
‫[القاعدة التاسعة]‪ :‬ال جيو بيع مبيع أصله مكيل مبثله جزافرا أو بيعره‬
‫جزافا مبثله مكيال أو مو وان‪.‬‬
‫يعين ربوي لنفس العلة اليت ذكرانها‪ ،‬ما معن هذا ما معن اجلزاف؟‬
‫اجلزاف معناه أن يباع بدون كيل وال وزن‪ :‬ابلكومة أو ابلكرتون‪.‬‬
‫ال جيوز بيع التمر ابلكومة أو ابلكرتون بتمر مكيل‪ ،‬ملاذا؟ ألنه إما أن‬
‫يؤدي إىل التفاضل وإما أن جنهل التماثل وكالمها ِمنوعان يف الراب‪ ،‬وقد جاء‬
‫يف حديث عن جابر بن عبدهللا ‪ ‬قال‪ :‬هنى رسول هللا ﷺ عن بيع‬
‫|‪161‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫الصربة من التمر ال يعلم مكيلتها ابلكيل املسمى من التمر‪ ‬رواه مسلم يف‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫ملاذا؟ للعلة اليت ذكرانها‪ ،‬ألنه لو بيعت الصربة بصاع إما أن نعلم أن‬
‫هناك تفاضال يقينا‪ ،‬وإما أن جنهل التماثل وكالمها ال جيوز يف الراب‪.‬‬
‫هنا بعد هذه القواعد أيتينا سؤال كيف نعرف ما أصله مكيل وما أصله‬
‫موزون؟‬
‫اختلف العلماء يف ذلك فعد احلنابلة والشافعية‪ :‬املرجع يف ذلك إىل‬
‫العرف يف احلجاز يف عهد النيب ﷺ ‪-‬أي‪ :‬يف مكة واملدينة‪ ،-‬فما كان‬
‫مكيال يف عرف احلجاز يف زمن النيب ﷺ فهو مكيل ولو أصبح الناس يزنونه‪،‬‬
‫وما كان موزوان يف عرف احلجاز يف زمن النيب ﷺ فهو موزون ولو أصبح‬
‫الناس يكيلونه‪ ،‬فإن اختلف العرف يف احلجاز فالوزن وزن أهل مكة والكيل‬
‫كيل أهل املدينة ألن النيب ﷺ قال‪ :‬الوزن وزن أهل مكة واملكيال مكيال‬
‫أهل املدينة‪ ‬رواه أبو داود والنسائي وصححه األلباين‪.‬‬
‫طبعا قال العلماء‪ :‬العلة يف كون الوزن ألهل مكة واملكيال ألهل املدينة‪:‬‬
‫أن أهل مكة أهل وزن وميزان ألهنم أهل جتارة‪ ،‬وأهل املدينة أهل مكاييل‬
‫ألهنم أهل زراعة‪ ،‬فقالوا‪ :‬العرف الذي يف احلجاز يف زمن النيب ﷺ هو‬
‫املعترب‪ ،‬فما علمنا ابلعرف أنه مكيل فهو مكيل مهما تغريت األزمنة‪ ،‬إذن‬
‫التمر مكيل ولو أصبح يوزن اليوم‪ ،‬الرب مكيل ولو أصبح يوزن اليوم‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫وما ل نعلم حاله‪ ،‬ل أيتنا دليل هل هو مكيل يف زمن النيب ﷺ أو‬
‫موزون؟‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 162‬‬

‫اختلفوا هنا فمنهم من قال نقربه إىل أشباهه يف زمن النيب ﷺ‪ ،‬يعين مثال‬
‫األرز‪ ،‬األرز ل أيت نص يف كونه مكيال أو موزوان‪ ،‬نقربه إىل أشباهه من الرب‬
‫والشعري فنقول هو مكيل‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬بل يرجع يف ذلك إىل عرف الناس‬
‫يف الزمن الذي هم فيه مادام أنه ل نعرف العرف يف زمن النيب ﷺ‪ ،‬فاملرجع‬
‫عرف الناس ما حنتاج أن نقرب‪ ،‬فاألرز اليوم يوزن إذن هو موزون‪ ،‬على‬
‫عرف الناس‪ .‬وعند احلنفية يعترب كل بلد بعادته‪ ،‬يقولون هذه أشياء عرفيه‬
‫تتغري بتغري األعراف فننظر إىل البلد هل هذا مكيل عندهم أو ليس مكيل‪،‬‬
‫هل هذا موزون أو ليس موزوان‪ ،‬طيب قلنا هلم ‪-‬طبعا احلنفية ومعهم بعض‬
‫فقهاء الشافعية ومعهم فقهاء احلنابلة وبعض فقهاء املالكية‪ -‬كيف تصنعون‬
‫ابحلديث الوزن وزن أهل مكة واملكيال مكيال أهل املدينة؟ قالوا‪ :‬هذا‬
‫احلديث يف التقديرات الشرعية وليس يف معامالت الناس‪ ،‬يف التقديرات‬
‫الشرعية‪ ،‬كيف يف التقديرات الشرعية؟ يعين‪ :‬جاء نصاب الزكاة مقدرا شرعا‬
‫كيف نعرفه؟‬
‫ابلنظر إىل زمن النيب ﷺ جاء أنه خيرج يف زكاة الفطر صاع‪ ،‬أي صاع؟‬
‫قالوا‪ :‬الصاع يف زمن النيب ﷺ‪ ،‬فهذا يف التقديرات الشرعية‪ ،‬أما يف املعامالت‬
‫فكل حبسب عرفه‪ ،‬واألقرب عندي ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬أن كل ما دل النص على‬
‫أنه مكيل فهو مكيل ولو تغري ذلك يف العرف وكل ما دل النص على أنه‬
‫موزون فهو موزون وإن تغري ذلك يف العرف؛ ألن األصل محل كالم النيب ﷺ‬
‫على ما كان يف زمنه ويستمر به احلكم‪ ،‬فالتمر مكيل والرب مكيل والشعري‬
‫مكيل وامللح مكيل والفضة موزونة والذهب موزون‪ ،‬أما ما ل يرد به النص‬
‫|‪163‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫فاملرجع فيه إىل العرف‪ ،‬وكذلك أيضا يف كون الشيء معدودا‪ ،‬فإن اآلاثر‬
‫دلت مثال على أن اخلضروات والفواكه كانت معدودة ول تكن تكال وال‬
‫توزن إال ما دل عليه دليل خاص‪ ،‬ففي هذه احلال نقول الفواكه معدودة فال‬
‫يدخلها الراب واخلضروات معدودة فال يدخلها الراب على الصحيح من أقوال‬
‫أهل العلم‪ ،‬أما ما ل يرد فيه نص فاملرجع فيه إىل العرف والعادة؛ ألن الضابط‬
‫يقول‪" :‬كل ما ورد به الشرع مطلقا وال ضابط له فيه وال يف اللغة يرجع فيه‬
‫إىل العرف" فإذا أردان أن نعرف كون الشيء مكيال أو موزوان أو معدودا‪ ،‬فإان‬
‫ننظر إىل النصوص فإن وجدان اعتباره يف النصوص مكيال فهو مكيل حّت يف‬
‫زماننا‪ ،‬وإن وجدان اعتباره يف النصوص موزوان فهو موزون حّت يف زماننا‪ ،‬وإن‬
‫وجدان يف النصوص أنه معدود فهو معدود حّت يف زماننا‪ ،‬وإن ل جند ذلك‬
‫يف النصوص فاملرجع يف ذلك إىل العرف احلاضر‪.‬‬
‫أنبه هنا إىل فائدة تتعلق هبذا األمر وهي أن وفاء احلقوق يكون حبسب‬
‫ما جرت به العادة‪ ،‬يعين اي إخوة لو أن إنساان اقرتض من آخر صاع بر‪ ،‬إذا‬
‫وف بصاع النيب ﷺ‪ ،‬نقول ِ‬
‫وف ابلصاع الذي تكتالون‬ ‫يويف ما نقول له ِ‬‫جاء ِ‬
‫به حّت حتصل املماثلة‪ ،‬هذا أعطاك هبذا الصاع فتعطيه هبذا الصاع‪ ،‬يعين ما‬
‫يكلف الناس يف الوفاء ابحلقوق بنفس املكاييل بل ينظر يف الكيل إىل املوجود‬
‫يف زمن الناس‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 164‬‬

‫القاعدة العاشرة‪ :‬إن اختلف اجلنسان جا البيع متفاضال يدا بيد‪.‬‬


‫فبيع الربوايت ‪-‬اي إخوة‪ -‬إن كانت من جنس واحد؛ يشرتط فيها‬
‫التساوي والتقابض يف اجمللس كما تقدم معنا‪ ،‬يعين‪ :‬بيع الذهب ابلذهب‬
‫يشرتط فيه التساوي والتقابض يف جملس العقد‪.‬‬
‫وإن كانت من أجناس وكانت جتتمع يف علة الراب‪ ،‬ما الذي جيتمع يف‬
‫علة الراب؟ عندان الذهب والفضة جتتمع يف علة واحدة وتتبعها النقود‪ ،‬والتمر‬
‫والرب والشعري وامللح‪ ،‬جتتمع يف علة واحدة ويتبعها املطعومات املكيلة واملوزونه‬
‫على ما رجحناه‪ ،‬فإذا اختلفت أجناسها وكانت جتتمع يف علة واحدة؛ فإنه‬
‫جيوز التفاضل بينها وال جيوز التأخري‪ ،‬فيجوز أن تبيع الذهب ابلفضة‬
‫متفاضال‪ ،‬لكن ال جيوز أن تنصرف من اجمللس ويف ذمة أحدكما لآلخر‬
‫شيء‪ ،‬بل ال بد أن يكون يدا بيد‪ ،‬ملاذا؟‬
‫ألن الذهب جنس والفضة جنس‪ ،‬ولكنهما جيتمعان يف علة الراب وهي‬
‫الثمنية كما تقدم معنا‪ ،‬األوراق النقدية تلحق كذلك ابلذهب والفضة‪ ،‬والتمر‬
‫والشعري والرب وامللح أجناس تشرتك يف علة واحدة ‪-‬وهي كما تقدم معنا‪-‬‬
‫كوهنا مطعومات مكيالت أو موزوانت‪.‬‬
‫فيجوز هنا أن تبيعها متفاضلة إذا كان ذلك يدا بيد‪ ،‬فتبيع صاعا من‬
‫التمر بصاعني من الرب‪ ،‬وتبيع صاعا من الرب بصاعني من الشعري‪ ،‬وتبيع صاعا‬
‫من األرز بصاعني من الرب‪ ،‬بشرط أن يكون ذلك يدا بيد‪ ،‬فال يشرتط‬
‫التساوي وجيوز التفاضل ولكن يشرتط التقابض يف جملس العقد‪.‬‬
‫|‪165‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫كذلك ابلنسبة للنقود‪ :‬جيوز أن تبيع الدوالر أبربعة دراهم ألن هذا‬
‫جنس وهذا جنس‪ ،‬ولكنها تشرتك يف علة واحدة يف الراب‪ ،‬وذلك لقول‬
‫النيب ﷺ‪ :‬وبيعوا الذهب ابلفضة‪ ،‬والفضةَ ابلذهب كيف شئتم‪ ‬يعين من‬
‫جهة التفاضل ‪‬وبيعوا الذهب ابلفضة والفضة ابلذهب كيف شئتم‪ ‬يعين‬
‫متفاضال‪ ،‬وإال سيأيت القيد أنه ال بد أن تكون يدا بيد‪ ،‬وهذا يف الصحيحني‪.‬‬
‫وقوله ﷺ‪ :‬وال تبيعوا منها غائبا ِ‬
‫بناجز‪ ‬يعين ال بد من التقابض‪ ،‬وهذا‬
‫يف الصحيحني‪.‬‬
‫وقوله ﷺ‪ :‬فإذا اختلفت هذه األصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا‬
‫بيد‪ ‬رواه مسلم‪.‬‬
‫وبناء على هذا ‪-‬اي إخوة‪ -‬نقول‪ :‬بيع األموال الربوية فيما بينها على‬
‫ثالثة أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬مبادلة األموال الربوية من جنس واحد‪ ،‬كذهب بذهب‬
‫ومتر بتمر‪ :‬وهنا يشرتط التساوي والتقابض يف جملس العقد‪ ،‬فال جتوز الزايدة‬
‫وال التأخري‪.‬‬
‫والقسم الثاين‪ :‬مبادلة األموال الربوية من جنسني خمتلفني مع اشرتاكهما‬
‫يف علة الراب‪ :‬وهنا يشرتط التقابض فقط وجيوز التفاضل‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬مبادلة األموال الربوية مع اختالف جنسها واختالف‬
‫علتها‪ ،‬مثل ذهب ومتر‪ ،‬الذهب جنس والتمر جنس فهما جنسان‪ ،‬وعلة‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 166‬‬

‫الذهب الثمنية وعلة التمر كونه مطعوما مكيال‪ ،‬فهما ال يشرتكان يف اجلنس‬
‫وال يشرتكان يف العلة‪ :‬فهنا جيوز التأخري منفصال ابالتفاق‪:‬‬
‫جيوز أن تبيع كيلو متر بذهب نسيئة‪ ،‬يعين أتخذ التمر اآلن وتدفع‬
‫الذهب بعد أسبوع‪.‬‬
‫وجيوز بيعها متفاضلة وهذا حمل اتفاق‪.‬‬
‫وجيوز على الصحيح عند مجهور أهل العلم أن تباع متفاضلة ونسيئة يف‬
‫وقت واحد‪ ،‬فتبيع مثال صاع متر بغرام ذهب على أن أتخذ التمر اليوم وتدفع‬
‫الذهب بعد أسبوع‪ ،‬فهذا جائز وال حرج فيه وهو مفهوم األحاديث اليت‬
‫ذكرانها يف هذه القواعد‪.‬‬

‫القاعدة احلادية عشر‪ :‬ال جيو بيع َرةْرب مرن ال ر َمطْعومات بيرابس مرن‬
‫جنسه‪.‬‬
‫الرطْب ابليابس منه إذا كان من جنس واحد‪.‬‬
‫يعين ال جيوز بيع الطعام َّ‬
‫يعين‪ :‬أنت عندك متر‪ ،‬فال جيوز أن تبيعه برطَب‪ ،‬ال جيوز أن تبيع صاع‬
‫الرطب إذا َجف ينقص‪ ،‬فهنا ال يكون هناك‬ ‫متر بصاع رطب‪ ،‬ملاذا؟ ألن َّ‬
‫متاثل يف البيع‪ ،‬ال جيوز أن تبيع صاعا من العنب بصاع من الزبيب‪ ،‬ألن‬
‫العنب إذا جف ينقص فال يكون هنالك متاثل‪ ،‬وهذا قول مجهور الفقهاء‪،‬‬
‫ومعهما الصاحبان من احلنفية ‪-‬حممد بن احلسن وأبو يوسف من احلنفية‪-‬‬
‫الرطب ابليابس من جنسه‪.‬‬‫ويروى عن أيب حنيفة اجلواز‪ ،‬أنه جيوز أن يباع َّ‬
‫|‪167‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫والراجح قول اجلمهور ألن السنة قاضية هبذا ومبينة هلذا‪ ،‬فقد جاء عن‬
‫سعد بن أيب وقاص ‪ ‬أنه قال‪ :‬إين مسعت رسول هللا ﷺ سئل عن اشرتاء‬
‫س؟‪ ‬قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فنهى عن‬‫الرطب ابلتمر ‪‬فقال أينقص الرطَب إذا يَـب َ‬
‫ذلك‪ ،‬رواه ابن ماجه وأبو داود والرتمذي والنسائي وصححه الرتمذي‬
‫واأللباين‪.‬‬
‫هنا ‪-‬اي إخوة‪ -‬سعد ‪ ‬يقول إين مسعت رسول هللا ﷺ سئل عن‬
‫اشرتاء الرطب ابلتمر ‪-‬وهذه مسألتنا ابلنص‪ -‬فقال‪ :‬أينقص الرطب إذا‬
‫يبس‪ ‬طبعا النيب ﷺ يعرف أن الرطب ينقص إذا يبس وجف؛ لكن يريد أن‬
‫يعلمهم العلة يف املنع‪ ،‬ما هي العلهة يف املنع ؟‬
‫أنه ينقص فال يكون هناك متاثل قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فنهى عن ذلك‪‬‬
‫وهذا نص يف املسألة‪.‬‬
‫ابلرطْب متماثال وهذا قول مجهور‬
‫الرطْب َّ‬
‫ويفهم من هذا أنه جيوز بيع َّ‬
‫العلماء‪ ،‬خالفا للشافعية الذين يقولون‪ :‬ال جيوز ألنه إذا نقص قد يتفاوت‪.‬‬
‫لكن النصوص مشعرة ابجلواز‬
‫ويدخل يف هذه القاعدة‪:‬‬
‫مسألة بيع املزابنة‬
‫تسمعون هبا يف املعامالت بيع املزابنة وهي داخلة يف هذه القاعدة‪ ،‬فقد‬
‫هنى رسول هللا ﷺ عن بيع املزابنة‪ ،‬وهو شراء التمر ابلتمر يف رؤوس النخل‪،‬‬
‫فعن ابن عمر ‪ ‬أن النيب ﷺ ‪‬هنى عن املزابنة‪ ‬قال‪ :‬واملزابنة أن يبيع‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 168‬‬

‫الثمر بكيل إن ز َاد فَلِي وإ ْن نَـ َقص فَـ َعلي‪ ‬يعين‪ :‬أييت والثمر يف رأس النخل‬
‫فيقول‪ :‬أشرتي منك هذا الرطب بعشرة آصع من هذا التمر‪ ،‬إن زادت الثمر‬
‫فهو ِيل‪ ،‬وإن نقص فهو َعلَي‪ ،‬هذه املزابنة اليت فسرها ابن عمر ‪‬‬
‫واحلديث يف الصحيحني‪.‬‬
‫وعن أيب سعيد اخلدري ‪ ‬أن رسول هللا‪ :‬هنى عن املزابنة واحملاقلة‪‬‬
‫قال‪ :‬واملزابنة‪ :‬اشرتاء الثمر ابلتمر يف رؤوس النخل‪ ‬متفق عليه‪.‬‬
‫وأصل املزابنة يف لغة العرب ‪-‬اي إخوة‪ -‬املدافعة‪ ،‬يقولون‪ :‬مسيت املزابنة‬
‫مزابنة‪ ،‬ألن املتبايعيني إذا وقفا يف هذا البيع على الغَ ْب أراد املغبون أن يفسخ‬
‫البيع‪ ،‬وأراد الغابن أن ميضيه‪ ،‬يعين‪ :‬اخلاسر يريد أن يفسخ والرابح يريد أن‬
‫ميضي‪ ،‬فكأهنما يتدافعان‪.‬‬
‫ويف هذا إشارة ‪-‬اي إخوة‪ -‬إىل أنه ال بد من رابح وخاسر يف هذه‬
‫املعاملة‪ ،‬ولذلك مسيت مزابنة‪ ،‬ال بد أن يوجد مغبون فيها‪ ،‬فإذا وجد الغب‬
‫فإما أن يكون صاحب الزرع وإما أن يكون املشرتي‪ ،‬فإن كان املغبون‬
‫صاحب الزرع؛ أراد أن يفسخ‪ ،‬وإذا كان املغبون املشرتي؛ أراد أن يفسخ فهما‬
‫يتدافعان‪.‬‬
‫الرطب على رؤوس النخل‬
‫واملزابنة يف األصل كما قلنا‪ :‬هي بيع الثمر َّ‬
‫ابلتمر كيال‪ ،‬وبيع العنب يف الكرم ابلزبيب كيال‪.‬‬
‫قال ابن عبد الرب ‪-‬رمحه هللا‪” :-‬ول خيتلفوا أن بيع ال َك ْرم ابلزبيب‬
‫‪-‬الكرم هو العنب‪ -‬والرطَب ابلتمر املعلق يف رؤوس النخل‪ ،‬والزرع ابحلنطة‬
‫|‪169‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫مزابنة“‪ ،‬يعين‪ :‬متفقون على أن هذه مزابنة ويدخل فيها ‪-‬إحلاقا للمشاركة يف‬
‫الرطب ابليابس‪.‬‬
‫املعن‪ -‬ما ذكرانه يف القاعدة‪ :‬بيع املطعوم املكيل أو املوزون َّ‬
‫قال ابن بطال‪” :‬أمجع العلماء أنه ال جيوز بيع الزرع قبل أن يقطع‬
‫ابلطعام‪ ،‬وال بيع العِنب يف كرمه ابلزبيب‪ ،‬وال بيع الثمر يف رؤوس النخل‬
‫ابلتمر‪ ،‬ألن النيب ﷺ هنى عنه ومساه مزابنة‪ ،‬وذلك خطر وغرر‪ ،‬ألنه بيع‬
‫ب ذلك بيابسه إذا كان‬ ‫جمهول مبعلوم من جنسه“ قال‪” :‬وأما بيع رطْ ِ‬
‫َ‬
‫مقطوعا وأمكن فيه املماثلة“ ما معن أمكن فيه املماثلة يعين يكال‪ ،‬فالرطب‬
‫يكال ابلصاع والتمر يكال ابلصاع ”فجمهور العلماء ال جييزون بيع شيء‬
‫من ذلك جبنسه‪ ،‬ال متماثال وال متفاضال ألنه من املزابنة املنهي عنها“‪ ،‬وكما‬
‫قلنا‪ :‬إما أن نعلم املفاضلة وهذا يف الرطب واليابس يقينا وإما أن جنهل‬
‫التماثل قال‪” :‬وهبذا قال أبو يوسف وحممد‪ ،‬وخالفهم أبو حنيفة فأجاز بيع‬
‫الرطْبة ابليابسة‪ ،‬والرطب ابلتمر مثال مبثل‪ ،‬وال جييز ذلك متفاضال“‪،‬‬‫احلنطة َّ‬
‫مث اختلفوا يف صور أخرى من املزابنة ليست داخلة معنا يف مسألة الراب‪ ،‬فهذه‬
‫قاعدة‪.‬‬
‫القاعدة الثانية عشر‪ :‬ال جيو بيع خالص ِ‬
‫الربَر َوي مبشوب من جنسه‪.‬‬
‫أي‪ :‬ال جيوز بيع اخلالص من جنس ربوي واحد مبشوب وخملوط من‬
‫نفس اجلنس‪.‬‬
‫فال جيوز مثال بيع الذهب الصايف بذهب خملوط بنحا‪،‬س سواء كان هذا‬
‫املخالِط ِمازجا أو غري ِمازج‪ِ ،‬مازج‪ :‬مثل أن يصب الذهب ويصب معه‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 170‬‬

‫حناس‪ ،‬فهذا ِمازج للذهب‪ ،‬غري ِمازج‪ :‬مثل الفصوص اليت تضاف إىل‬
‫الذهب ال متازجه لكنها تتعلق به‪.‬‬
‫فهنا ال جيوز مثال أن يباع متر صاف بتمر خملوط بِبـر‪ ،‬ال جيوز أن تبيع‬
‫صاعا من متر صاف بصاع متر خملوط برب أو دخن أو مسن أو غري ذلك‪،‬‬
‫ملاذا؟ ألن هذا يؤدي إىل التفاضل‪ ،‬ألن احلقيقة أنه سيكون صاعا أبقل‪.‬‬
‫وال جيوز بيع ذهب صاف بذهب خملوط‪ ،‬وعليه ال جيوز بيع ذهب عيار‬
‫أربعة وعشرين بذهب عيار مثانية عشر‪ ،‬ألن الذهب عيار أربعة وعشرين أكثر‬
‫نقاوة من الذهب عيار مثانية عشر‪.‬‬
‫طيب يف مثل هذه احلالة لو كان عند اإلنسان ذهب عيار أربعة وعشرين‬
‫ويريد أن يشرتي ذهبا من الصائغ عيار مثانية عشر ماذا يصنع؟‬
‫يبيع الذهب الذهب بعيار أربعة وعشرين ابلدراهم مث يقبض الدراهم‪ ،‬مث‬
‫إذا شاء اشرتى هبا الذهب عيار مثانية عشر‪.‬‬
‫وال جيوز بيع ذهب صايف بذهب خملوط ابلفصوص‪ ،‬يعين ال جيوز‬
‫تذهب للصائغ ومعك قالدة كلها ذهب فتشرتي مبثل وزهنا قالدة فيها‬
‫فصوص‪ ،‬ألن هذا يؤدي إىل التفاضل‪ ،‬وهذا عند مجهور الفقهاء‪.‬‬
‫واإلمام مالك ‪-‬رمحه هللا‪ -‬يوافق اجلمهور ولكنه استثن إذا كان املخلوط‬
‫من الذهب أو الفضة تبعا غري مقصود‪ ،‬يعين إذا كان املخلوط اتبعا ال‬
‫يـ ْقصد‪ ،‬وهذا ال بد أن يكون يسريا‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬السيف احمللى بشيء من‬
‫|‪171‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫الذهب أو احمللى بشيء من الفضة‪ ،‬يقول االمام مالك‪ :‬جيوز بيعه ابلداننري‬
‫وإن كان فيه ذهب‪ ،‬ألن هذا الذهب اتبع غري مقصود‪.‬‬
‫والبشت الـم َموه بشيء من الفضة ‪-‬مقدار أربعة أصابع أو أقل‪ -‬املموه‬
‫بشيء من الفضة‪ ،‬يقول جيوز بيعه ابلدراهم الفضية‪ ،‬وإن كان فيه فضة ألن‬
‫الفضة هنا ليست مقصودة‪ ،‬املقصود هو البشت‪ ،‬ويغتفر يف التوابع ما ال‬
‫يغتفر يف غريها‪ ،‬ويثبت تبعا ما ال يثبت استقالال‪.‬‬
‫وأجاز أبوحنيفة ‪-‬رمحه هللا‪ -‬بيع الذهب اخلالص ابلذهب املخلوط إذا‬
‫كان الذهب اخلالص أكثر من الذهب املخلوط‪ ،‬أجاز أبو حنيفة –رمحه‬
‫هللا‪ -‬بيع الذهب اخلالص ابلذهب املخلوط يف حالة واحدة؛ إذا كان الذهب‬
‫اخلالص أكثر من الذهب املخلوط‪.‬‬
‫إذن عند أيب حنيفة –رمحه هللا‪ -‬إذا كان الذهب اخلالص أقل من‬
‫الذهب املخلوط ال جيوز‪ ،‬إذا كان الذهب اخلالص يساوي الذهب املخلوط‬
‫ال جيوز‪ ،‬ولكن جيوز إذا كان الذهب اخلالص أكثر من الذهب املخلوط‪ ،‬ملاذا‬
‫اي أاب حنيفة؟‬
‫قال ‪-‬رمحه هللا‪ -‬أو علِ َل له‪ :‬أبنه إذا كان الذهب اخلالص الذي هو‬
‫الثمن أكثر من املخلوط؛ فإن ما مياثله من الذهب املخلوط يقابله‪ ،‬وما زاد؛‬
‫فهو قيمة ملا خلط به‪.‬‬
‫يعين‪ :‬عندان ذهب يساوي عشرة غرامات‪ ،‬واشرتاها اإلنسان مبخلوط‬
‫الذهب الذي فيه يساوي مثانية غرامات‪ ،‬هنا يقول أبو حنيفة ‪-‬رمحه هللا‪:-‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 172‬‬

‫هذا جيوز‪- ،‬طبعا حنن ألول وهله سنقول كيف عشرة غرامات ومثانية‬
‫غرامات!‪ -‬أبو حنيفة ‪-‬رمحه هللا‪ -‬يقول نقسمها أجزاء‪ :‬فثمانية غرامات‬
‫بثمانية غرامات هذا الذهب ابلذهب‪ ،‬طيب بقي غرامان؛ قيمة الفصوص‪.‬‬
‫فنقسم الصفقة‪ :‬فالذهب الذي يقابل الذهب هذا قيمة الذهب‪ ،‬والزائد؛ هذا‬
‫قيمة ما خلط به إن كان فصوصا‪.‬‬
‫والسنة قاضية مبا ذهب إليه اجلمهور‪ ،‬وأتويالت احلنفية لألحاديث ال‬
‫تصلح صارفة هلا‪ ،‬ملا جاء يف حديث فضالة بن عبيد األنصاري ‪ ‬قال‪ :‬أيت‬
‫رسول هللا ﷺ وهو خبيرب بقالدة فيها خرز وذهب وهي من املغامن تباع‪ ،‬فأمر‬
‫رسول هللا ﷺ ابلذهب الذي يف القالدة فنزع وحده‪ ،‬مث قال هلم رسول هللا‬
‫ﷺ‪ :‬الذهب ابلذهب وزان بوزن‪ ‬رواه مسلم يف الصحيح‪.‬‬
‫فهنا النيب ﷺ ل جيز بيع القالدة ابلذهب وإمنا أمر بنزع اخلرز والفصوص‬
‫وبيع الذهب ابلذهب متماثال‪.‬‬
‫أيضا جاء يف حديث فضالة بن عبيد أنه قال‪ :‬اشرتيت يوم خيرب قالدة‬
‫ابثين عشر دينارا‪ ،‬فيها ذهب وخرز ففصلتها‪ ،‬فوجدت فيها أكثر من اثين‬
‫فصل‬
‫عشر دينارا‪ ،‬فذكرت ذلك للنيب ﷺ فقال‪ :‬ال تباع حّت تـ َفصل‪ ‬يعين ي َ‬
‫صل‪ ،‬فدل ذلك على أنه ال‬
‫هذا عن هذا‪ ،‬وهذا حكم عام‪ ،‬ال تباع حّت تـ ْف َ‬
‫جيوز بيع اخلالص من اجلنس الربوي مبثله خملوطا‪ ،‬وهذا هو الراجح يف املسألة‬
‫الذي دلت عليه السنة‪.‬‬
‫|‪173‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫القاعدة الثالثة عشر‪ :‬ال جيو بيع نرَي ِء الربوي مبطبوخ من جنسه‪.‬‬

‫عند الشافعية واحلنابلة‪ :‬ال جيوز بيع الينء من الربوي مبطبوخ من‬
‫جنسه‪ ،‬كلحم بلحم ألنه مطعوم يوزن‪ ،‬ال جيوز أن يباع حلم ينء بلحم‬
‫مطبوخ‪ ،‬ال جيوز أن تبيع كيلو حلم ينء بكيلو حلم مطبوخ‪ ،‬ملاذا ؟ ألن الطبخ‬
‫يغري يف حجمه ووزنه‪ ،‬فإما أن نعلم ابلتفاضل وإما أن جنهل التماثل‪.‬‬

‫ويرى احلنفية أنه جيوز بيع الينء ابملطبوخ من ِجنس ربوي واحد بشرط‬
‫التماثل‪ ،‬وحيرم التفاضل‪ ،‬فيقولون‪ :‬جيوز أن تبيع كيلو من اللحم الينء بكيلو‬
‫من اللحم املطبوخ‪ ،‬وجيوز أن تبيع صاعا من الدقيق بصاع دقيق مطبوخ طبخ‬
‫على هيئة عصيدة أو غري ذلك‪ ،‬يقولون‪ :‬جيوز بشرط التماثل يف الكيل يعين‬
‫صاع بصاع‪.‬‬

‫ويرى بعض املالكية أن املأكول إذا غريته الصنعة أصبح كأنه جنس‬
‫آخر‪ ،‬فيجوز بيع الدقيق ابخلبز منه متفاضال‪ ،‬قالوا‪ :‬ألن الدقيق إذا خبز‬
‫أصبح كأنه شيء آخر غري الدقيق‪ ،‬فأصبح كأنه جنس آخر فيجوز بيع‬
‫الدقيق ابملخبوز منه متفاضال‪ ،‬وجيوز بيع اللحم املطبوخ ابلينء متفاضال‪.‬‬

‫طيب يقول القائل‪ :‬ما الفرق بني قول احلنفية وقول بعض املالكية؟‬

‫احلنفية يشرتطون التماثل‪ ،‬ال بد أن أتيت صاع بصاع‪ ،‬كيلو بكيلو‪.‬‬


‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 174‬‬

‫أما املالكية فال يشرتطون التماثل ولكن يشرتطون التقابض ألهنم يرون أن‬
‫هذا أصبح جنسا آخر ابلصنعة‪.‬‬

‫والراجح ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬هو قول اجلمهور‪ ،‬ملا دلت عليه األدلة من أن كل‬
‫شيء يؤدي إىل التفاضل أو إىل اجلهل ابلتماثل؛ مينع يف الربوايت إذا كان‬
‫بيعها جبنسها‪ ،‬كل ما يؤدي إىل التفاضل أو اجلهل ابلتماثل مينع يف الربوايت‬
‫إذا بيعت جبنسها‪.‬‬

‫القاعدة اليت تليها وهي فهمت ِما قد تقدم وكررانها كثريا وهي قاعدة‬
‫متفق عليها بني أهل العلم‪:‬‬
‫القاعدة الرابعة عشر‪ :‬اجلهل ابلتماثل ِ‬
‫كالع ْل ِم ابلتفاضل‪.‬‬ ‫َ‬
‫فإذا ل نعلم التماثل ل جيز بيع الربوي جبنسه‪ ،‬ألن النيب ﷺ قال‪ :‬إال‬
‫مثال مبثل‪ ‬فكل ما ينايف التماثل فهو ِمنوع‪ ،‬وِما ينايف التماثل؛ اجلهل به‪،‬‬
‫فإنه يصبح كالعلم ابلتفاضل‪.‬‬
‫ويدل لذلك ماجاء عن جابر ‪ ‬كما تقدم معنا‪ ،‬قال‪ :‬هنى رسول هللا‬
‫الصربة من التمر ال يعلم َكْيلها ابل َك ِيل املسمى من التمر‪.‬‬
‫ﷺ عن بيع َ‬
‫وهذا ألن هذا يؤدي إما إىل العلم ابلتفاضل أو اجلهل ابلتماثل‪.‬‬
‫يقول الشوكاين ‪-‬رمحه هللا‪” :-‬واحلديث فيه دليل على أنه ال جيوز أن‬
‫يباع جنس جبنسه؛ وأحدمها جمهول املقدار‪ ،‬ألن العلم ابلتساوي مع االتفاق‬
‫|‪175‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫يف اجلنس شرط ال جيوز البيع بدونه‪ ،‬وال شك أن اجلهل بِ ِكال البدلني أو‬
‫أبحدمها فقط؛ مظنة للزايدة والنقصان‪ ،‬وما كان مظنة للحرام وجب جتنبه‪،‬‬
‫وجتنب هذه املظنة إمنا يكون بكيل املكيل‪ ،‬ووزن املوزون من كل واحد من‬
‫البدلني“‪.‬‬
‫فأهل العلم أخذوا من هذا احلديث ومن أمثاله ‪-‬كالنهي عن بيع‬
‫املزابنة‪-‬؛ أن اجلهل ابلتماثل كالعلم ابلتفاضل‪ .‬إذن يف بيع الربوي جبنسه‪:‬‬
‫إما أن نعلم ابلتماثل فهذا جائز‪.‬‬
‫وإما أن نعلم ابلتفاضل فهذا حرام‪.‬‬
‫وإما أن جنهل فهذا أيضا حرام‪.‬‬
‫ومن صور اجلهل ما قدمناه‪ :‬إذا بعنا َرطْبا بيابس؛ فإان جنهل التماثل أو‬
‫نعلم التفاضل‪ ،‬أو بعنا صربة من متر بتمر مكيل‪ ،‬فإان نعلم التفاضل أو جنهل‬
‫التماثل‪ ،‬أو بعنا مترا مكيال برطب على رؤوس النخل فإان نعلم التفاضل أو‬
‫جنهل التماثل‪ ،‬وكل هذه الصور ال جتوز‪.‬‬
‫لعلنا أيها اإلخوة نقف هنا ونكمل الحقا إن شاء هللا وصلى هللا على‬
‫نبينا حممد‪.‬‬

‫***‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 176‬‬

‫الدرس السرادس‬
‫احلمدهلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم األمتان األكمالن على املبعوث‬
‫رمحة للعاملني‪ ،‬وعلى آله وصحبه أمجعني‪ ،‬أما بعد‪،‬‬
‫فنواصل تقرير القواعد الفقهية املتعلقة ابلراب ونبدأ بــ‪:‬‬
‫قاعدة يف العرااي‬
‫والعرااي متعلقة ابلراب من جهة أنه يباع فيها الرطب ابلتمر‪ ،‬يباع الرطب‬
‫على رؤوس النخل ابلتمر خرصا‪ ،‬فمن هنا كانت من جهة الرخصة مستثناة‬
‫رخص النيب ﷺ يف بيع العرااي‪ ،‬والعرااي أصلها بيع الرطب‬ ‫من أصول الراب‪َّ ،‬‬
‫على رؤوس النخل خبرصه مترا يكال حملتاج ألكل الرطب وال جيد إال التمر‪.‬‬
‫مبعن‪ :‬العرااي أصلها أن يوجد إنسان يشتهي الرطب ويريد الرطب حمتاج‬
‫أن أيكل الرطب وال جيد مايشرتي به الرطب إال التمر‪ ،‬فيشرتي الرطب على‬
‫رؤوس النخل هبذا التمر‪ ،‬خيرص الرطب الذي يف رؤوس النخل؛ كم يساوي‬
‫من اآلصع ويشرتيه خبرصه مترا‪ ،‬هذا األصل يف العرااي‪.‬‬
‫وقد جاء عن زيد بن اثبت ‪ ‬أن النيب ﷺ‪َ  :‬ر َّخص يف العرااي خبرصها‬
‫الع ِريَّة‪،‬‬
‫ص يف َ‬
‫كيال‪ ‬متفق عليه‪ ،‬وجاء عنه ‪ ‬أن رسول هللا ﷺ ‪َ ‬ر َّخ َ‬
‫أيخذها أهل البيت خبرصها مترا أيكلوهنا رطبا‪ ‬متفق عليه‪.‬‬
‫الع ِريَّة مستثناة من أصول الراب فإن بعض أهل العلم منعوها‪:‬‬
‫وملا كانت َ‬
‫|‪177‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫احلنفية‪ ،‬فقهاء احلنفية‪ ،‬مينعون بيع العرااي ويقولون إن هذا حرام‪ ،‬ويقولون‬
‫إنه من الراب‪ ،‬ويفسرون العرااي اليت أذن فيها النيب ﷺ بغري البيع‪ ،‬فيقولون‪:‬‬
‫مثر َنله من بستانه لرجل‪ ،‬مث يشق على الـم ْع ِري‬
‫العرااي معناها أن يهب الرجل َ‬
‫دخول الـم ْعَرى له يف بستانه كل يوم‪ ،‬لكون أهله يف البستان وال يرضى من‬
‫نفسه خ ْلف الوعد والرجوع يف اهلبه‪ ،‬فيعطيه مكان ذلك مترا حمدودا ابخلرص‬
‫ليدفع الضرر عن نفسه‪ ،‬وال يكون خملفا للوعد‪.‬‬
‫يعين يقولون‪ :‬العرااي ليست بيعا‪ ،‬العرااي اليت رخص فيها النيب ﷺ أن‬
‫يكون عند اإلنسان بستان فيه َنيل؛ فيهب رطب َنلة معينة لرجل‪ ،‬طبعا‪:‬‬
‫الرطب حيتاج أن يدخل الـم ْعرى له البستان ليقطف ما طاب من الرطب‪ ،‬وال‬
‫يطيب مرة واحدة‪ ،‬فيتضرر من دخوله ألن أهله يكونون يف البستان فيتضرر‬
‫من دخوله وخروجه‪ ،‬وال يريد أن خيلف وعده وهبته‪ ،‬فماذا يفعل؟ يعاوضه‬
‫عن هذا الرطب بتمر خيرص‪ ،‬يقال‪ :‬الرطب هذا تقريبا حبسب اخلربة مخسة‬
‫آصع‪ ،‬خذ هذه مخسة آصع من التمر وال تدخل‪ ،‬فيقولوا‪ :‬ليس بيعا وإمنا هو‬
‫ختلص الواهب من الضرر‪ ،‬فحملوها على اهلبه ول حيملوها على البيع‪.‬‬
‫وأكثر أهل العلم على جواز بيع العرااي لألحاديث الصحيحة الثابته اليت‬
‫ذكران طرفا منها‪.‬‬
‫إال أن أهل العلم اختلفوا يف العرااي اليت جيوز بيعها‪ ،‬يعين‪ :‬اجلمهور‪ ،‬أكثر‬
‫العلماء على جواز بيع العرااي وأنه مستثن من الراب‪ ،‬لكن اختلفوا يف العرااي‬
‫اليت جيوز بيعها‪:‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 178‬‬

‫فعند املالكية‪ :‬العرااي أن يهب الرجل رجال مثرة َنلة أو َنالت‪ ،‬أو مثرة‬
‫شجرة أو شجرات من التني والزيتون‪ ،‬أو حديقة من العنب‪ ،‬فيقبضها‬
‫املوهوب له‪ ،‬مث يريد الواهب شراء تلك الثمرة منه ألن له أصلها‪ ،‬فجائز له‬
‫شراؤها ذلك العام خبرصها مترا إىل اجلَ َذاذ‪.‬‬
‫يعين‪ :‬يقولون العرااي معاملة خاصة‪ ،‬بيع خاص‪ ،‬ماهو هذا البيع؟‬
‫يقولون يهب رطب َنلة آلخر‪ ،‬مث بعد أن يهب له الرطب يريد أن‬
‫يشرتي منه الرطب‪ ،‬فيخرص الرطب ويشرتيه بِ َكْيله مترا‪ ،‬فهي خاصة؛ بيع بني‬
‫واهب وموهوب له‪ ،‬فعندما بدأ ظهور الثمر يف النخل قال‪ :‬وهبتك مثر هذه‬
‫الشجرة‪ ،‬رطب هذه النخلة‪ ،‬أو تني هذه الشجرة‪ ،‬مث أراد أن يشرتي هذا‬
‫الرطب‪ ،‬فقال له‪ :‬أان أريد أن أشرتي هذا الرطب الذي وهبته لك منك بتمر‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬جيوز‪ ،‬بشرط أن يكون يف ذلك العام وأن يكون خبرصها مترا‪ ،‬فيخرصها‬
‫مترا ويشرتيها إىل اجلذاذ ويقطعها‪.‬‬
‫فعندهم شراء الثمر على رؤوس النخل خبرصه مترا ال جيوز إال للم ْع ِري‬
‫الواهب خاصة‪ ،‬قالوا‪ :‬لدفع الضرر عن نفسه‪ ،‬كما قال احلنفية ما دام أن له‬
‫رطبا يف البستان فإنه سيدخل وخيرج ويتضرر صاحب البستان فال أبس أن‬
‫يشرتي الرطب منه بتمر ويدفع هذا الضرر‪.‬‬
‫وعند الشافعية‪ :‬بيع الرطب خرصا على رؤوس النخل مبكيله مترا على‬
‫األرض يف مخسة أوسق أو أقل مع تعجيل القبض‪ ،‬هذا هو العريَّة اجلائزة‪،‬‬
‫|‪179‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫العريَّة اجلائزة عندهم؛ بيع الرطب خرصا على رؤوس النخل‪ ،‬فهو خاص‬
‫ابلرطب مبكيله مترا على األرض يف مخسة أوسق أو أقل مع تعجيل القبض‪.‬‬
‫وعند احلنابلة‪ :‬العريَّة هي بيع الرطب على رؤوس النخل خبرصه بتمر‬
‫يكال حملتاج ألكل الرطب‪ ،‬وال جيد إال التمر‪.‬‬
‫فهم يقيدوهنا أبن يكون املشرتي حمتاجا ألكل الرطب‪ ،‬وال جيد طريقا‬
‫ألكل الرطب إال بشرائه ابلتمر‪ ،‬والرطب على رؤوس النخل‪.‬‬
‫ويشرتط يف بيع العرااي أن يكون التمر الذي يباع به الرطب يف العرااي‬
‫معلوما َكْيال ‪-‬يعين‪ :‬التمر الذي هو على األرض الذي يف يده ال بد أن‬
‫يكون معلوما كيال‪ -‬وال جيوز جزافا‪ ،‬ال جيوز تقديرا‪ ،‬ال جيوز ابلكرتون؛ أييت‬
‫ابلكرتون ويقول كرتون متر ابلرطب‪ ،‬ال‪ ،‬ال بد أن يكون معلوما كيال‪،‬‬
‫والتقدير إمنا يكون يف الرطب ألنه ال ميكن أن يكال‪ ،‬الرطب على رؤوس‬
‫النخل خيرص (يقدر) أما التمر الذي على األرض فال بد أن يكون معلوما‬
‫كيال‪.‬‬
‫ويشرتط يف بيع العرااي أن ال تزيد على مخسة أوسق‪ ،‬فال جتوز العرااي فيما‬
‫يزيد على مخسة أوسق بال خالف‪ ،‬وجتوز فيما دون مخسة أوسق عند مجيع‬
‫اجمليزين هلا‪.‬‬
‫يعين‪ :‬عندان ما يزيد على مخسة أوسق؛ ال جتوز فيها العرااي ابالتفاق‪،‬‬
‫عندان ما هو دون مخسة أوسق‪ ،‬جيوز عند مجيع اجمليزين لبيع العرااي‪ ،‬أما يف‬
‫مخسة أوسق فمحل خالف بني اجمليزين‪ ،‬حلديث أيب هريرة ‪ ‬أن رسول هللا‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 180‬‬

‫ﷺ‪ :‬رخص يف بيع العرااي خبرصها‪ ،‬فيما دون مخسة أوسق‪ ،‬أو يف مخسة‬
‫أوسق‪ ‬متفق عليه‪ ،‬فجاءت الرخصة يقينا فيما دون مخسة أوسق‪ ،‬فاتفق‬
‫اجمليزون على جوازها فيما دون مخسة أوسق‪ ،‬وجاء الشك يف اخلمسة أوسق‪:‬‬
‫فقال بعضهم‪ :‬األصل املنع فال جيوز مع الشك‪ ،‬ألن هذه كما تعرفون‬
‫إمنا هي مستثناة من الراب فقالوا‪ :‬األصل املنع فال جيوز مع الشك‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬إنه جيوز هلذا النص ألنه قال ‪‬أو يف مخسة أوسق‪‬‬
‫واخلمسة أوسق ثالمثئة صاع‪.‬‬
‫ِما تقدم نلحظ أن العرااي‪:‬‬
‫‪ -‬يشرتط فيها عند املالكية أن تكون الثمار املبيعة على رؤوس النخل‬
‫موهوبة ويشرتيها الـم ْع ِري –الواهب‪ِ -‬من وهبت له‪.‬‬
‫‪ -‬وال يشرتط ذلك عند الشافعية واحلنابلة‪ :‬فيمكن لصاحب البستان أن‬
‫يبيع هذا من مثر شجره ولو ل يكن موهواب‪ ،‬وهذا الصحيح لإلطالق يف‬
‫الرخصة‪.‬‬
‫يعين‪ :‬أين تظهر مثرة اخلالف؟‬
‫جاء رجل إىل صاحب بستان عنده َنل وقال‪ :‬أريد أن أشرتي منك‬
‫رطب هذه النخلة خبرصه مترا‪ ،‬أان ما عندي إال التمر‪ ،‬وأان وأوالدي نشتهي‬
‫الرطب‪ ،‬وأان أريد أن أشرتي منك رطب هذه النخلة خبرصها مترا فنخرص‬
‫الرطب وأعطيك َكْيـلَه من هذا التمر‪ ،‬املالكية يقولون‪ :‬ال جيوز‪ ،‬ألنه هنا ل‬
‫يهب له الثمر‪ ،‬والشافعية واحلنابلة يقولون‪ :‬جيوز‪ ،‬ولو ل يكن موهواب له؛‬
‫|‪181‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫فالرخصة عند الشافعية واحلنابلة من هذه اجلهة أوسع من الرخصة عند‬


‫املالكية‪ ،‬ألن املالكية يقيدوهنا يف شراء‪ ،‬يعين الواهب الثمر من املوهوب له‪.‬‬
‫أيضا نلحظ أن املالكية‪ :‬ال جييزون لغري الواهب شراءها فال جيوز شراء‬
‫هذا الرطب إال من الواهب‪ ،‬أما الشافعية فيجيزون شراءها لكل أحد حّت‬
‫الغين‪ ،‬الشافعية يقولون‪ :‬لو أن إنساان غنيا أراد أن يشرتي رطب َنلة خبرصها‬
‫مترا فيما دون مخسة أوسق جيوز هذا‪ ،‬خبالف احلنابلة فإن احلنابلة ال جييزون‬
‫شراءها إال للمحتاج ألكل الرطب‪ ،‬وال يستطيع شراء الرطب إال ابلتمر‪.‬‬
‫إذن من هذه اجلهة الرخصة عند الشافعية أوسع من احلنابلة‪ ،‬ألن‬
‫الشافعية جييزون شراء وبيع العرااي حّت للغين‪.‬‬
‫أما احلنابلة فال جييزون شراء العرااي إال للمحتاج الذي حيتاج أن أيكل‬
‫الرطب وال جيد إال التمر وهذا القول هو الصحيح‪ ،‬أعين قول احلنابلة‪ ،‬لقول‬
‫العرية أيخذها أهل البيت خبرصها مترا أيكلوهنا رطبا‪،‬‬
‫زيد ‪ :‬رخص يف َ‬
‫فدل ذلك أن احلاجة هي األكل وأهنم حيتاجون إىل أكلها رطبا‪.‬‬
‫بقي أن الرخصة جاءت ابلنص يف التمر‪ ،‬فهل يقاس غري التمر عليره؟‬
‫هل العرااي تدخل غري التمر؟‬
‫أما التمر فبالنص‪ ،‬ولذلك اتفق اجمليزون لبيع العرية على جوازه يف التمر‪،‬‬
‫لكن هل يقاس عليه غريه؟ مثل العنب‪ ،‬يباع يف ال َك ْرم خبرصه زبيبا؟‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 182‬‬

‫عند املالكية والشافعية يف قول‪ ،‬يقاس عليه كل مثر يكون رطبا مث‬
‫ييبس‪ ،‬مثل التني والعنب‪ ،‬التني‪ :‬فيه تني رطب وتني جمفف‪ ،‬والعنب‪ :‬فيه‬
‫العنب وفيه الزبيب‪ ،‬قالوا‪ :‬يقاس هذا عليه جبامع كونِه َرطْبا يَـْيبس‪.‬‬
‫وعند الشافعية يف قول‪ ،‬يقاس عليه العنب فقط‪ ،‬ألن العنب والتمر‬
‫يشرتكان يف األحكام‪.‬‬
‫وعند احلنابلة على املنصور ال يقاس عليه غريه‪ ،‬فالعرااي خاصة ابلتمر‬
‫للنص‪ ،‬وهذا هو الصواب وهللا أعلم‪ ،‬لقول زيد ابن اثبت ‪ ‬أن رسول هللا‬
‫ﷺ ‪‬رخص بعد ذلك يف بيع العرية ابلرطب أو ابلتمر ول يرخص يف غريه‪‬‬
‫متفق عليه‪ .‬مع إن العنب كان موجودا يف زمنه ﷺ‪ ،‬وكان موجودا يف املدينة‪،‬‬
‫لكن زيدا ‪ ‬يقول‪ :‬ول يرخص يف غريه‪.‬‬
‫إذن هذا يدل على أن العرااي خاصة ابلتمر‪ ،‬وخاصة أيضا ابحملتاج‪ ،‬هذا‬
‫الراجح من أقوال أهل العلم وهي مستثناه من أصول الراب ابلنص‪.‬‬
‫القاعر رردة السر ررابعة عشر ررر‪ :‬وخنر ررتم هبر ررا القواعر ررد‪ ،‬قاعر رردة تقر ررول‪ :‬الر ررراب‬
‫موضوع‪.‬‬
‫الراب عقد حمرم ومنكر عظيم جيب وضعه وإسقاطه‪ ،‬فال جيوز الدخول فيه‬
‫أصال‪ ،‬وعقد الراب عقد ابطل‪ ،‬وراب َّ‬
‫الديْن إذا كان قائما واملعاملة موجودة؛‬
‫فإنه جيب إسقاط الظلم الذي فيه‪ ،‬وحتقيق العدل‪ ،‬كيف هذا؟ إبسقاط‬
‫الزايدة‪ ،‬وأخذ رأس املال وهذا حمل إمجاع‪.‬‬
‫|‪183‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫الديْن إذا كان قائما –يعين‪ :‬املعاملة موجودة‪ ،‬ل يفرغ منها ويسدد‬
‫راب َ‬
‫الديْن‪-‬؛ فإنه جيب إسقاط الزايدة واالقتصار على رأس املال‪ ،‬وراب البيوع عقد‬
‫َ‬
‫ابطل جيب فسخه إن كان قائما‪ .‬يعين‪ :‬لو ابع عشر غرامات ذهب بتسع‬
‫غرامات ذهب‪ ،‬هذا العقد ابطل فيجب فسخه إذا كان قائما‪ ،‬الذهب‬
‫موجود‪ ،‬جيب أن يتفاسخا ويرد هذا هلذا ما دفع؛ ويرد هذا هلذا ما دفع‪،‬‬
‫َ َ‬
‫ٱّلل َو َذ ُروا َما بَ ِقَ‬ ‫يأ ُّي َها ذٱَّل َ‬
‫ِين َء َام ُنوا ذٱت ُقوا ذ َ‬ ‫ويدل لذلك قول هللا ‪َٰٓ ﴿ :‬‬
‫ٱلر َب َٰٓوا﴾ فإذا كان املؤمن مأمورا أبن يرتك ما بقي من الراب؛ فهو من ابب‬ ‫َ‬
‫مِن ِ‬
‫أوىل مأمور برتك الراب كله‪ .‬فلو أن إنساان أقرض شخصا ألفا أبلف ومخسمئة‪،‬‬
‫فيجب عليه أن يرتك الراب وهي هذه الزايدة وأيخذ رأس ماله‪.‬‬
‫ُ ۡ ُ ۡ َ َ ُ ۡ ُ ُ ُ َ ۡ َ َٰ ُ ۡ َ َ ۡ ُ َ‬
‫كذلك قول هللا ‪ِ﴿ :‬إَون تبتم فلكم رءوس أمول ِكم ل تظل ِمون‬
‫ََ ُۡ َُ َ‬
‫ون﴾ وهذا نص يف إسقاط الزايدة‪.‬‬ ‫ول تظلم‬

‫وقول النيب ﷺ‪ :‬وراب اجلاهلية موضوع وأول راب أضع ِرَابان‪ ،‬راب العباس‬
‫بن عبد املطلب؛ فإنه موضوع كله‪ ‬رواه مسلم يف صحيحه‪.‬‬
‫هنا أشار بعض أهل العلم إىل فائدة أذكرها وهو أهنم قالوا‪ :‬إن من هنى‬
‫عن شيء ينبغي أن يبدأ بنفسه وأهل بيته والنيب ﷺ هنا ملا قال‪ :‬إن راب‬
‫اجلاهلية موضوع‪ ‬قال‪ :‬وأول راب أضع رابان‪ ،‬راب العباس‪ ‬عمه وكان اتجرا‬
‫يداين الناس ابلراب‪ ،‬فقال أهل العلم‪ :‬من هنا أنخذ فائدة وهي أن الذي ينهى‬
‫الناس؛ ينبغي أن يبدأ بنفسه وأهله‪ ،‬فإن هذا واجب عليه شرعا‪ ،‬وأطيب‬
‫قوم خطيبا وتنهى الناس عن اإلسراف وأنت‬
‫لقلوب الناس‪ ،‬ال يصلح أن تَ َ‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 184‬‬

‫مسرف!! ال يصلح أن تقوم خطيبا وتنهى الناس عن الكذب وتذكر‬


‫النصوص مث تكذب على من خيالفك ويعاديك مهما كان!!‬
‫وقال أهل العلم‪ :‬هذا من عدل احلاكم أن يطبق األحكام على من هو‬
‫قريب منه قبل أن يطبقه على من هو بعيد‪ ،‬وقال ﷺ ‪‬أال وإن كل راب من‬
‫راب اجلاهلية موضوع‪ ،‬لكم رؤوس أموالكم ال تَظلمون وال تظلمون‪ ‬رواه ابن‬
‫ماجه وأبو داوود وصححه األلباين‪.‬‬
‫طبعا ‪-‬اي إخوة‪ -‬هذا إذا كان الراب قائما‪ ،‬وهذا واضح جدا يف مسألة‬
‫املعطي‪ ،‬سواء كان املعطي فردا أو بنكا وأراد أن يتوب‪ ،‬فإنه جيب أن أيخذ‬
‫رأس ماله ويسقط الزايدة‪ ،‬طيب اآلخذ؟!‬
‫إنسان اقرتض من بنك ابلراب ليشرتي بيتا أو ليفعل كذا‪ ،‬فاقرتض قرضا‬
‫ابلراب مث اتب أو أراد أن يتوب؛ واملعاملة قائمة‪ ،‬الزالت املعاملة قائمة ويسدد‬
‫هلذا البنك‪:‬‬
‫فكيف يضع الراب؟!‬
‫قال أهل العلم‪:‬‬
‫‪ ‬إ ْن استطاع أن يتخلص من الراب ولو بدفع املال كله مقدما َوجب‬
‫عليه‪ ،‬يعين‪ :‬إذا ذهب للبنك وقال هلم‪ :‬أان أريد أن أختلص من هذا الراب وأريد‬
‫أن أدفع لكم كل مالكم وتسقطون الزايدة عين‪ .‬فَـَرضوا؛ وجب عليه‪.‬‬
‫|‪185‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫‪ ‬وإن ل يتمكن؛ فتكفيه التوبة أبن يندم على ما وقع‪ ،‬ويقلع عن‬
‫الفعل الذي ميكنه أن يقلع عنه‪ ،‬ويعزم على أال يرجع ملثله‪ ،‬وال جيب عليه إذ‬
‫ذاك أن يبيع البيت مثال‪ ،‬ألنه ال حيقق فائدة‪ ،‬ألن الزايدة ستبقى عليه والبنك‬
‫ال يرضى إبسقاط الزايدة‪ ،‬هذا ابلنسبه للمعاملة القائمة‪.‬‬
‫أما ما مضى وانقضى‪ ،‬ففيه تفصيل‪ ،‬يعين‪ :‬املعاملة انتهت ومضى األمر‬
‫ففيه تفصيل‪:‬‬
‫‪ ‬فإن كان الراب قد وقع يف ِ‬
‫حال كفره مث أسلم‪ :‬فله ما مضى وال‬
‫يطالب إبخراج ذلك املال‪ ،‬وال يطالب ابلتخلص من ذلك املال‪ ،‬ألن‬
‫اإلسالم يهدم ما كان قبله‪ ،‬ول يكن النيب ﷺ يطالب الكفار عند إسالمهم‬
‫ٓ‬ ‫َ‬
‫ابلتخلص من أمواهلم اليت أخذوها ابلراب‪ ،‬وهللا ‪ ‬يقول‪ ﴿ :‬ف َمن َجا َءهُۥ‬
‫ََ‬ ‫َ ََ ََ‬
‫َم ۡوع َِظة ِمن ذربِهِۦ فٱنت َٰ‬
‫ه فل ُهۥ َما َسلف﴾ أي ما تقدم ومضى‪.‬‬
‫طبعا ‪-‬اي إخوة‪ -‬الراب إذا وقع حال كفره سواء كان كافرا كفرا أصليا‪ ،‬مث‬
‫أسلم وعنده أموال كان أخذها من الراب وسيارات‪ ،‬فإنه ال يقال له جيب‬
‫عليك أن تتخلص من هذه األموال‪ ،‬وكذلك إذا حكمنا بكفره كأن نشأ يف‬
‫اإلسالم وهو ال يصلي‪ ،‬مع العلم‪ ،‬فالراجح الذي نرجحه أنه كافر‪ ،‬وابلتايل‬
‫إذا كان قد تعامل ابلراب حال تركه للصالة مث اتب وصلى ورجع لإلسالم‬
‫وترك الراب فإنه ال يؤمر ابلتخلص من ذلك املال‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 186‬‬

‫‪ ‬وإن كان الراب وقع حال إسالمه‪ :‬يعين مسلم وتعامل ابلراب‪،‬‬
‫عام َل ابلراب وانتهى‪،‬‬
‫‪-‬الحظوا اي إخوة‪ -‬حنن ال نتكلم عن الراب القائم‪ ،‬تَ َ‬
‫انتهت املعاملة مث اتب‪:‬‬
‫‪ -‬فإن كان املال الذي أخذه من الراب قد هلك‪ ،‬اشرتى به شيئا وأكله‪،‬‬
‫أو وضعه يف عملية أو حنو ذلك‪ ،‬هلك وانتهى ما بقي يف يده شيء من مال‬
‫الراب؛ فتكفيه التوبة‪.‬‬
‫‪ -‬وإن كان املال الذي اكتسبه من الراب قائما موجودا‪ ،‬خمزان عنده‪ ،‬أو‬
‫اشرتى به ماال موجودا‪ ،‬كأن اشرتى بيتا أو سيارة‪ ،‬يعين ال زال هذا املال‬
‫موجودا فله عند أهل العلم ثالثة أحوال‪:‬‬
‫احلالة األوىل‪ :‬أن يكون جاهال ابحلكم عند تعامله ابلراب‪ ،‬مث َعلِم بعد‬
‫فتاب‪.‬‬
‫هنا ذهب كثري من أهل العلم‪ :‬إىل وجوب أن يتخلص من ذلك املال‪،‬‬
‫قالوا ألنه كسب خبيث حمرم ال حيل له‪ ،‬فيجب أن يتخلص من هذا املال‪.‬‬
‫وذهب مجع من أهل العلم‪ :‬إىل أنه ال جيب عليه ذلك‪ ،‬وهذا اختاره شيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رمحه هللا‪ ،-‬أن من َع َق َد عقودا حمرمه جاهال حترميها مث‬
‫علم حترميها فتاب؛ أنه ال يطالب ابلتخلص من األموال اليت حصلها من تلك‬
‫العقود‪.‬‬
‫|‪187‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫فمثال‪ :‬لو أن إنساان كان يتعامل ابلراب وحصل مليوان أو مليونني وكان‬
‫جاهال ابحلكم‪ ،‬مث علم فتاب؛ فإنه ال جيب عليه ‪-‬على هذا القول‪ -‬أن‬
‫يتخلص من هذه األموال وإمنا تكفيه التوبة الصادقه‪:‬‬
‫َ ََ ََ‬
‫ألن هللا ‪ ‬قال‪َ ﴿ :‬ف َمن َجا ٓ َءهُۥ َم ۡوع َِظة ِمن ذربِهِۦ فٱنت َٰ‬
‫ه فل ُهۥ َما‬
‫ََ‬
‫َسلف﴾ أي له ما مضى‪ ،‬وإن كان يف الكافر أصالة إال أن هذا اجلاهل ليس‬
‫أخبث من الكافر‪.‬‬
‫وألن النيب ﷺ يف قصة بالل اليت مرت معنا يف بيع التمر لـما ذهب‬
‫وأخذ مترا رديئا عنده وابع صاعني بصاع جيد ملطعم رسول هللا ﷺ‪ ،‬ويف‬
‫قصة فضالة بن عبيد يف قصة القالدة اليت وقعت منه ‪-‬وليست القصة اليت‬
‫حكاها يف املعامن وإمنا اليت وقعت منه‪ -‬قالوا ل يَ ْرد أن النيب ﷺ أبطل ما‬
‫فعاله قبل علمهما‪ ،‬فلم يرد أنه أمر أاب هريره ‪ ‬برد هذا التمر‪ ،‬وال فضالة‬
‫‪ ‬برد هذه القالدة‪ ،‬ولكن دهلما على احلكم‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وألن األصل أن األحكام الشرعية إمنا تَلزم بعد العلم‪ ،‬ولذلك ‪-‬اي‬
‫إخوة‪ -‬يف حديث املسيء صالته ملا جاء ودخل املسجد والنيب ﷺ جالس‬
‫فصلى صالة خفيفة ينقرها نقرا؛ فجاء إىل لنيب ﷺ فقال‪ :‬السالم عليكم‬
‫فقال النيب ﷺ ‪‬وعليكم السالم‪ ،‬ارجع فصلي فإنك ل تصل‪ ‬فذهب وصلى‬
‫كصالته األوىل‪ ،‬فجاء فقال‪ :‬السالم عليكم‪ ،‬قال النيب ﷺ‪ :‬وعليكم‬
‫السالم ارجع فصلي فإنك ل تصل‪ ‬فرجع فصلى مثل صالته األوىل‪ ،‬فجاء‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 188‬‬

‫إىل النيب ﷺ فقال‪ :‬السالم عليكم فقال ﷺ‪ :‬وعليكم السالم ارجع فصلي‪،‬‬
‫فإنك ل تصل‪ ‬فقال يف الثالثة أو الرابعة‪ ،‬والذي بعثك ابحلق ال أحسن غري‬
‫هذا فعلمين‪ ،‬فقال النيب ﷺ‪ :‬إذا قمت للصالة‪ ..‬احلديث‪ ،‬الشاهد أن‬
‫أهل العلم يقولون‪ :‬إن النيب ﷺ ل أيمره إبعادة الصلوات اليت صالها قبل‪،‬‬
‫مع أنه قال‪ :‬ال أحسن غري هذا‪ ،‬يعين‪ :‬هذا الذي أعرفه‪ ،‬ولكنه َعلمه لصالة‬
‫الوقت‪ ،‬للصالة اليت صالها‪ ،‬وفيما أييت من الزمان‪ ،‬قالوا‪ :‬فاألحكام ال تلزم‬
‫إال ابلعلم‪ ،‬وهذا كان جاهال‪.‬‬

‫واحلال الثانية‪ :‬أن يكون متأوال‪ ،‬ومعن أن يكون متأوال‪ :‬أن يظن اجلواز‬
‫وأن هذا ليس من الراب‪.‬‬
‫كأن يكون مسع فتوى لبعض أهل العلم جبواز هذه املعاملة فتعامل هبا مث‬
‫تبني له أهنا حمرمة‪ ،‬فهنا اختلف أهل العلم‪:‬‬
‫فمنهم من قال‪ :‬جيب عليه أن يتخلص من هذا املال الربوي‪.‬‬
‫ومنهم من قال ‪-‬وهؤالء أكثر من احلالة األوىل‪ -‬قالوا‪ :‬ال جيب عليه أن‬
‫َ ذ‬
‫ات ُقوا ذ َ‬
‫اّلل َما‬ ‫يتخلص ألنه اتقى هللا ما استطاع وهللا ‪ ‬يقول‪﴿ :‬ف‬
‫اس َت َطع ُتم﴾ [التغابن‪ ،]16:‬فأخذ بقول من يرى أنه من أهل العلم ول يعلم‬
‫خالفه إال أنه ال جيوز له أن يفعل هذا يف املستقبل‪.‬‬
‫احلالة الثالثة‪ :‬أن يكون عاملا متعمدا يعلم حرمة الراب‪ ،‬وهذا يعلمه كل‬
‫مسلم ويعلم أن هذه املعاملة راب‪َ ،‬وفَعل ذلك مع علمه عمدا‪ ،‬مث اتب‪.‬‬
‫|‪189‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫والحظوا ‪-‬اي إخوة‪ -‬وأكرر! أننا ال نتكلم عن املعاملة القائمة‪ ،‬ولكن‬


‫نتكلم عن معامالت فائته وبقي ماهلا‪ ،‬بقي منها املال‪:‬‬
‫فهنا ذهب أكثر العلماء إىل أنه جيب عليه أن يتخلص من هذه األموال‬
‫ألهنا أموال حمرمة دخلها عن َع ْمد و ِع ْلم فيجب عليه أن يتخلص منها‪ ،‬فمن‬
‫توبته أن يتخلص من هذه األموال‪.‬‬
‫وذهب بعض أهل العلم واختار هذا شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا إىل‬
‫أنه ال جيب عليه أن يتخلص من تلك األموال‪ ،‬وذلك لوجوه‪:‬‬
‫َ‬ ‫ٓ‬ ‫َ‬
‫‪ o‬الوجه األول‪ :‬أن هللا تعاىل قال ﴿ ف َمن َجا َءهُۥ َم ۡوعِظة ِمن ذربِهِۦ‬
‫ََ‬ ‫َ ََ ََ‬
‫ه فل ُهۥ َما َسلف﴾ وهذا قد جاءته املوعظه فانتهى فله ماسلف‪.‬‬ ‫فٱنت َٰ‬
‫‪ o‬والوجه الثاين‪ :‬ألن التوبة هتدم ماكان قبلها كما أن اإلسالم يهدم ما‬
‫قبله‪.‬‬
‫‪ o‬الوجه الثالث‪ :‬أن يف أمره يف التخلص من تلك األموال تنفريا له من‬
‫التوبة‪ ،‬فقالوا‪ :‬إذا كان الكافر ال يؤمر ابلتخلص من تلك األموال عند‬
‫إسالمه حّت ال ينفر من اإلسالم وحّت يسلم؛ فكذلك املسلم العاصي‪ ،‬فإان‬
‫إذا أمرانه ابلتخلص من أمواله اليت حصلها عن طريق تلك املعامالت سينفر‬
‫من التوبة ويبقى على ظلمه وفسقه وحاله‪.‬‬
‫فمقصود الشارع يقتضي أنه ال يؤمر ابلتخلص من تلك األموال وهذا‬
‫عندي‪-‬وهللا أعلم‪ -‬أرجح من قول أكثر العلماء ‪-‬إنه جيب عليه أن يتخلص‬
‫من تلك األموال‪-‬؛ هلذه األوجه اليت ذكِرت‪ ،‬فيكفيه أن يكون صادقا يف‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 190‬‬

‫توبته‪ ،‬اندما على الذي وقع‪ ،‬م ْقلعا عن الذب ابلكلية‪ ،‬عازما على أال يرجع‬
‫إىل مثله‪ ،‬وحيث على اإلكثار من الصدقة‪ ،‬هذا الذي يظهر يل‪-‬وهللا أعلم‪-‬‬
‫أنه أرجح يف هذه املسألة‪.‬‬
‫وبعد ‪-‬أيها اإلخوة‪ ،-‬فهذه القواعد اليت تتعلق ابلراب أصالة وهناك بعض‬
‫القواعد هلا عالقة ابلراب لكنها تتعلق مبعامالت أخرى‪ ،‬كالسلم مثال‪ ،‬وهذا إن‬
‫شاء هللا ‪ ‬إذا كتب هللا لنا عمرا َورغب اإلخوة أن نقيم هذه الدورة يف‬
‫مرحلتها الثالثة –إن شاء هللا ‪ ‬وأراد‪ -‬ستكون جمال الدورة القادمة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫قواع يف بقية املعامالت‪ ،‬ألان أخذان قواعد يف البيوع‪ ،‬وقواعد يف الراب‪،‬‬
‫السلم واملزارعة‬
‫وسنأخذ –إن شاء هللا‪ -‬قواعد يف بقية املعامالت‪ :‬من َّ‬
‫وغريها‪ ،‬مث –إذا شاء هللا‪ -‬أن تكون هناك دورة أخرى تكون عن معامالت‬
‫مالية معاصرة‪ ،‬وشبهات املعاصرين‪ ،‬ألن الذي ذكرانه كله أتصيل‪ ،‬وذكران‬
‫أمثلة‪ ،‬هناك معامالت مالية معاصرة‪ :‬إما أهنا حمرمة كما تدخل حتت هذه‬
‫القواعد‪ ،‬ولكن لبعض املعاصرين شبه يف إابحتها‪ ،‬وإما أهنا جائزة ولكن‬
‫لبعض املعاصرين شبه يف حترميها‪ ،‬فمن املستحسن بعد هذا؛ أن أنخذ رؤوس‬
‫املعامالت املالية املعاصرة‪ ،‬وأصوهلا‪ ،‬ونتكلم عن الشبهات املتعلقة هبا إن‬
‫كانت موجودة ونفندها‪ ،‬وهذا –إن شاء هللا‪ -‬يكون يف دورة مستقلة حيث‬
‫نتكلم عن أصول املعامالت املعاصرة من جهة أمسائها وتصنيفاهتا‪ ،‬وعن‬
‫حكمها وعن الشبهات املتعلقة هبا إن شاء هللا ‪ ،‬فأسأل هللا ‪ ‬أن‬
‫يفقهين وإايكم يف دينه‪ ،‬وأن يفتح علي وعليكم‪.‬‬
‫|‪191‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫وال شك أنكم تدركون وأدركتم وهلل احلمد واملنة؛ أن ضبط املعامالت من‬
‫أهم ما حيتاج إليه طالب العلم قبل العوام‪ ،‬ألن طالب العلم هو الذي يفيت‬
‫العوام‪ ،‬وكثري من العوام عندهم خوف من هللا وال يريدون احلرام‪ ،‬ولكن آفتهم‬
‫يف طالب العلم الذي ال يعرف فيفتيهم بغري علم فيوقعهم يف الزلل‪ ،‬وال يضبط‬
‫الفقة مبثل القواعد‪ ،‬فإذا عرفنا القاعدة وأصلها ومعناها فإان نضبط الفقة‬
‫ونستطيع أن نعيد نوازل الناس إىل هذه القواعد‪ ،‬فأرجوا من اإلخوة أن‬
‫يراجعوا هذه القواعد وأن يضبطوها ليكون ذلك خريا هلم إن شاء هللا ‪‬‬
‫وللناس وأسأل هللا ‪ ‬أن ينفعين وإايكم مبا نقول ونسمع‪.‬‬

‫***‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 192‬‬

‫اإلجابة على األسئلة‬

‫السؤال األول‪ :‬ابرك هللا فيكم‪ ،‬إشكال! أال يدل قوله ﷺ ‪‬ال تباع‬
‫حّت تفصل‪ ‬على اعتبار الصنعة وأن يف هذا جواز بيع الذهب املصنع بغري‬
‫املصنع مقابل الصنعة؟‬

‫اجلواب‪:‬‬

‫بل هذا على العكس ابرك هللا فيك‪ ،‬ألن النيب ﷺ ل يلتفت هنا إىل‬
‫مسألة الصنعة‪ ،‬فهنا فضالة ‪ ‬اشرتى هذه القالدة املصنعة ابثين عشر درمها‬
‫ذهبا‪ ،‬فنهى النيب ﷺ عن بيعها حّت تفصل‪ ،‬فدل ذلك على أنه ال بد من‬
‫التماثل وأن الصنعة ال جتيز التفاضل‪ ،‬فإنه لو كانت الصنعة جتيز التفاضل‬
‫لكان التفاضل هنا سائغا ألن هذه القالدة مصنعة واشرتيت ابلداننري لكن‬
‫النيب ﷺ ل يعترب ذلك‪.‬‬

‫السؤال الثاين‪ :‬ابرك هللا فيكم‪ ،‬ذكرمت أن راب الديون جيري يف مجيع‬
‫األموال‪ ،‬فما اجلواب عن حديث عبد هللا بن عمرو أن النيب ﷺ عندما أراد‬
‫أن جيهز جيشا أمر عبد هللا أن أيخذ إبال من الناس إىل أن أتيت إبل الصدقة‬
‫مث يرد ِضعف ما أخذ؟‬
‫|‪193‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫اجلواب‪:‬‬
‫طبعا هذا كان من حسن القضاء‪ ،‬هذا على وجه‪ ،‬أنه كان من ابب‬
‫حسن القضاء‪ ،‬ول يكن على سبيل املشارطة‪ .‬والوجه اآلخر الذي خ ِر َج به‬
‫أنه ل يكن َديْنا وإمنا كان بيعا‪ ،‬وجيوز بيع احليوان ابحليوان متفاضال‪.‬‬
‫السؤال الثالث‪ :‬يقول غفر هللا لكم‪ ،‬إذا كانت النقود مثنا بنفسها وكل‬
‫عملة جنس حبد ذاته‪ ،‬فهل جيوز التفاضل بني النقود والذهب‪ ،‬وهل جيوز‬
‫تباعد الزمن بني القبض والتسليم ؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫أما ابلنسبة للتفاضل بني الذهب والنقود فنعم‪ ،‬اإلنسان يشرتي عشرة‬
‫غرام ذهب أبربعة آالف درهم مثال‪ ،‬ألن هذا جنس وهذا جنس‪ ،‬ولكنهما‬
‫يشرتكان يف علة الراب فال جيوز التأخري‪ ،‬ال جيوز أن تشرتي ذهبا بدراهم مث‬
‫تذهب وأنت ل تدفع الدراهم‪ ،‬ال بد من القبض يف جملس العقد‪.‬‬

‫وكذلك بنفس العمالت‪ ،‬الدوالر ابلدراهم جيوز التفاضل ولكن جيب‬


‫التقابض يف جملس العقد‪.‬‬

‫السؤال الرابع‪ :‬يقول سددكم هللا مبادلة األموال الربوية مع اختالف‬


‫جنسها وعلتها‪ ،‬يقول ل افهم موضوع اخلالف وموضع االختالف فلو تكرمتم‬
‫إبعادهتا إبجياز؟‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 194‬‬

‫اجلواب‪:‬‬
‫طبعا حنن قلنا‪ :‬إن مبادلة األموال إما مبادلة أموال ربوية‪ ،‬وإما مبادلة‬
‫أموال غري ربوية؛ ومبادلة األموال الربوية على ثالثة اقسام‪:‬‬
‫‪ -‬األول‪ :‬مبادلة مال ربوي جبنسه كذهب بذهب‪ ،‬وهذا يشرتط فيه‬
‫التساوي والتقابض‪.‬‬
‫‪ -‬والثاين‪ :‬مبادلة مال ربوي جبنس آخر ولكنهما يشرتكان يف علة الراب‪،‬‬
‫ويف هذه احلال جيوز التفاضل وحيرم النَّ َساء حيرم التأخري‪ ،‬فيشرتط التقابض‬
‫كذهب بفضة‪ ،‬ومتر حبنطة‪ ،‬فيجوز التفاضل وحيرم التأخري‪.‬‬
‫‪ -‬واحلالة الثالثة‪ :‬مبادلة مال ربوي من جنس مبال ربوي من جنس آخر‬
‫وخيتلفان يف علة الراب‪ ،‬فهما خيتلفان يف اجلنس‪ ،‬وخيتلفان يف العلة‪ ،‬فهنا جيوز‬
‫التفاضل وجيوز التأخري‪ ،‬أما املعامالت أو مبادالت األموال غري الربوية‪:‬‬
‫كثوب بثوب؛ فيجوز التفاضل قوال واحدا‪ ،‬وجيوز التأخري قوال واحدا‪.‬‬
‫يعين‪ :‬جيوز أن تبيع ثواب بثوبني‪ ،‬وجيوز أن تبيع ثواب بثوب وتستلم الثوب‬
‫اآلن وتسلم الثوب اآلخر بعد شهر‪ ،‬ولكن اختلف العلماء يف جواز اجتماع‬
‫الفضل والتأخري فيها‪ ،‬يعين‪ :‬هل جيوز أن أبيع ثواب بثوبني أو فرسا بفرسني أو‬
‫بعريا ببعريين‪ ،‬ويتأخر القبض فيجتمع الفضل والتأخري؟‬
‫اجلمهور على اجلواز‪ ،‬وذهب بعض أهل العلم وهو مقرر عند مجع من‬
‫املالكية؛ أنه ال جيوز مجع التفاضل والنَّ َساء فيها‪ :‬فإما أن تكون متفاضلة وإما‬
‫أن تكون نسيئة‪ ،‬ألنه ورد يف األحاديث أن النيب ﷺ سئل عن بيع الفرسني‬
‫|‪195‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫ابلفرس واألفراس ابلفرس فقال‪ :‬نعم‪ ،‬إذا كان يدا بيد‪ ‬وإسناده صحيح‪،‬‬
‫قالوا فدل ذلك على عدم جواز اجتماع الفضل والنَّ َساء يف بيع األموال غري‬
‫الربوية‪.‬‬
‫والذين يقولون ابجلواز يقولون‪ :‬إن هذا هو األصل‪ ،‬وال علة مانعة‪،‬‬
‫وهناك أحاديث أخرى تدل على اجلواز‪ ،‬وأيضا أن هذا القيد ليس قيدا‬
‫للحكم‪ ،‬وإن األدلة الكثرية تدل على جواز البيع مطلقا‪ ،‬وهذا الذي يظهر ‪-‬‬
‫وهللا أعلم‪ -‬قول اجلمهور‪ :‬أنه جيوز بيعها متفاضلة ونسيئة وجيوز فيها اجتماع‬
‫التفاضل والنسيئة‪.‬‬

‫السؤال اخلامس‪ :‬أحسن هللا إليكم‪ ،‬ذكرمت أن الصحيح من أقوال أهل‬


‫العلم حول املنفعة املشرتكة أبهنا جائزة‪ ،‬فلو كانت هذه املنفعة متباينة أي غري‬
‫متكافئة فما احلكم؟‬

‫اجلواب‪:‬‬

‫ليس النظر إىل قضية تكافئها‪ ،‬وإمنا النظر إىل كوهنا موجودة‪ ،‬مقصودة‪،‬‬
‫متحققة للطرفني ليست انبعة من القرض‪.‬‬

‫السؤال السادس‪ :‬ابرك هللا فيكم هل املقصود ابملطعومات هي‬


‫املدخرات؟ وهل املقصود يف علة األصناف األربعة جمرد الطعم أم االدخار‬
‫أيضا؟‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 196‬‬

‫اجلواب‪:‬‬
‫ال طبعا‪ ،‬أقوى أقوال أهل العلم يف علة األصناف األربعة قوالن‪:‬‬
‫اإلقتيات واالدخار‪ ،‬وهذا هو قول املالكية‪ :‬أن العلة االقتيات واالدخار‬
‫فكل ما يقتات ويدخر فهو مال الراب‪.‬‬
‫والقول الثاين‪ :‬أن علة هذه األصناف األربعة أهنا مطعومات تكال أو‬
‫توزن‪ ،‬وهذا قول الشافعي يف القدمي ورواية عن اإلمام أمحد‪.‬‬
‫وهذا غري هذا‪ ،‬ألن كونه مطعوما مكيال فإنه قد يقتات وال يكون مكيال‬
‫وال موزوان‪ ،‬وقد يكون مقتاات مدخرا وهو كما قلنا ال يوزن وال يكال‪ ،‬فهذه‬
‫علة وهذه علة‪ ،‬والتعليالن متقارابن من حيث القوة يف دراسة املسألة وإن‬
‫كنت ظهر يل‪-‬وهللا أعلم‪ -‬من مجع األحاديث أبلفاظها أن األقرب هو أن‬
‫العلة كوهنا مطعومة مكيلة أو موزونة‪.‬‬
‫السؤال السابع‪ :‬يقول ابرك هللا فيكم‪ ،‬ما حكم استبدال ذهب من‬
‫عيار معني بذهب من عيار آخر مع سداد فرق السعر نقدا؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫هذا ال جيوز‪ ،‬وإمنا الطريق الصحيح أن يشرتي هذا ابلدراهم ويبيع هذا‬
‫ابلدراهم‪ ،‬طبعا‪ :‬هذا مثل "مسألة مد عجوة" وهي مسأله خالفية ولكن‬
‫الراجح املنع‪.‬‬
‫|‪197‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫السؤال الثامن‪ :‬ابرك هللا فيكم‪ ،‬ما حكم القرض الذي حيصل عليه‬
‫عميل املصرف اإلسالمي عن طريق تداول األسهم‪ ،‬والعميل فقط يوقع أوراقا‬
‫يف املصرف وعليه سيودع املبلغ الذي يريده نقدا يف حسابه ؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫أوال ‪-‬اي إخوة‪ -‬هذا ليس قرضا‪ ،‬وال جيوز اعتقاد أنه قرض‪ ،‬وهذه‬
‫مشكلة عند الناس‪ ،‬جيرون هذه املعاملة ويقولون إهنا قروض! وهو قرض مع‬
‫املصرف اإلسالمي! لو كان قرضا؛ لكان حراما ألن فيه الزايدة‪.‬‬
‫ولكن هذا التمويل يكون ببيع املراحبة‪ ،‬فهو بيع‪ ،‬وترتب على اعتقاد‬
‫بعض الناس أنه قرض؛ أهنم ال يلتفتون فيه إىل شيء فيما يتعلق ابلبيع‪.‬‬
‫مثال سؤال األخ عن األسهم‪ ،‬يذهب إىل البنك ويقول اشرتوا يل أسهم‪،‬‬
‫طيب ستشرتي أسهم من أي شركة؟ يقول‪" :‬وهللا ال أدري اشرتوا يل أسهم‪،‬‬
‫املهم عندي الفلوس"‪ .‬هذا غلط! غلط عظيم! ينبغي أن تعرف املبيع الذي‬
‫سيشرتى‪ ،‬وتشرتيه من البنك بعد أن ميلكه البنك‪.‬‬
‫بعض الناس يذهب إىل املصرف اإلسالمي واألسهم يف السوق‪ ،‬ويتعاقد‬
‫مع املصرف على ألف سهم‪ ،‬على مئة ألف سهم‪ ،‬والبنك لـما يشرتي‬
‫األسهم بل هي يف السوق‪ ،‬رمبا وضع األمر يف السوق لكن البنك ل يشرتي‬
‫األسهم‪ ،‬وهذا ال جيوز‪ ،‬ألن البنك ابعه ما ال ميلك‪.‬‬
‫أيضا‪ :‬بعض الناس يذهب وقد تكون األسهم هذه حمرمة‪ ،‬وتشرتى وتباع‬
‫له ويقول‪ :‬أصال أان لن أقتنيها أان أريد املال‪ .‬هذا حرام عليك!‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 198‬‬

‫إذن ما هي الصورة الصحيحة؟‬


‫الصورة الصحيحة أن العميل يذهب إىل البنك اإلسالمي ليشرتي أسهما‬
‫معلومة من هذا البنك بعد أن ميلكها البنك‪ ،‬فال يوقع أوراق التزام قبل أن‬
‫ميلكها البنك‪ ،‬وال يدفع عربوان وال يوقع عقودا وإمنا خيرب البنك أنه يريد أن‬
‫يشرتي منه أسهما من شركة كذا‪ ،‬فالبنك يشرتي األسهم بشرط أن تكون‬
‫حالال وبعد أن يشرتيها البنك يتعاقد مع العميل‪ ،‬يصبح العميل حرا إن شاء‬
‫اشرتاها وإن شاء تركها‪ ،‬فيبدأ التعاقد من هنا‪ ،‬فيتعاقد معهم ويشرتي منهم‬
‫األسهم اليت ملكوها‪ ،‬وال أبس ابلزايدة من أجل األَ َجل على الصحيح من‬
‫أقوال أهل العلم‪ ،‬بشرط أن تكون متفقا عليها عند العقد أن قيمة األسهم‬
‫كذا‪ ،‬ما تزداد مع الزمن بل هي معلومة‪ ،‬معلومة الثمن متاما عند العقد‪ ،‬مث‬
‫بعد أن ميلكها فاألحوط أن حيوهلا إىل حمفظته ويبيعها بنفسه‪ ،‬هذا أبعد عن‬
‫الشبهات‪ ،‬ألن البنك بعد أن يبيع له األسهم خيريه بني أن حيوهلا إىل حمفظته‪،‬‬
‫تكون له حمفظة يف السوق وحتول إىل احملفظة‪ ،‬مث هو يتوىل بيعها بعد يوم‪،‬‬
‫بعد يومني‪ ،‬ولو بطريق األمر عن طريق هذا البنك‪ .‬وإما أن يتوىل البنك بيعها‬
‫مباشرة‪.‬‬
‫فاألحوط حّت مع البنوك اإلسالمية وأبعد عن الشبهات أن حيوهلا إىل‬
‫حمفظته مث يتوىل هو بيعها‪ ،‬ولكن جيوز أن يوكل البنوك اإلسالمية ال البنوك‬
‫الربوية يف بيع ما اشرتاه‪ ،‬عمال ابلثقة يف البنوك اإلسالمية أهنا ل تسقط‬
‫عدالتها‪ ،‬ولكن الواقع املوجود جيعلين أقول إن يف األمر شبهات‪.‬‬
‫|‪199‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫فاألحوط واألبعد عن الشبهات أن اإلنسان بعد أن يشرتي هذه األسهم‬


‫احلالل من البنك بعد أن ملكها البنك أن حيوهلا إىل حمفظته ويقوم هو‬
‫ببيعها‪.‬‬
‫السؤال التاسع‪ :‬عدد من األسئلة وردت تسأل عن حكم بيع العربون‬
‫وما حكم املبلغ الذي أيخذه البائع يف حال ختلف املشرتي عن السلعة؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫بيع العربون أو بيع العرابن‪ ،‬حمل خالف بني الفقهاء ألنه ورد عن النيب‬
‫ﷺ أنه هنى عنه‪ ،‬واختلف أهل العلم يف تصحيح هذا احلديث ويف تضعيفه‬
‫واألقرب ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬ضعفه‪ ،‬وأن بيع العربون بيع صحيح بشروط وضوابط‬
‫وهذا الذي أفتت به اجملامع‪.‬‬
‫فيجوز لإلنسان أن يشرتي سلعة ويدفع جزءا من الثمن على أنه إن‬
‫اشرتاه يف أجل كذا فهو من الثمن‪ ،‬وإن ل يشرته فهنا حاالن‪:‬‬
‫احلالة األوىل‪ :‬أن يرد عليه‪ ،‬ويف هذا احلال جائز عند أهل العلم مجيعا‬
‫فيما أعلم‪.‬‬
‫واحلالة الثانية‪ :‬أن أيخذه صاحب السلعة‪ ،‬وهذا حمل اخلالف‪ ،‬والصحيح‬
‫جوازه ألن األصل يف املعامالت احلِل‪ ،‬وألنه جيوز تعجيل الثمن كله فيجوز‬
‫تعجيل جزء منه‪ ،‬وألنه يقابله منفعة‪ ،‬ملاذا؟‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 200‬‬

‫ألنك اآلن مثال أتتيين والسلعة يف السوق فتقول‪ :‬أان أريد أن أشرتي‬
‫منك السيارة ولكن الثمن ليس حاضرا عندي ولكن بعد شهر إن شاء هللا‬
‫أشرتيها منك‪ .‬فأان أحجزها لك رمبا بعد خروجك من عندي جاءين عميل‬
‫بثمن أعلى ولكين ل أبع من أجلك‪ ،‬فإذا جئت بعد أمد وقلت إنك ال تريد‬
‫فإن الذي يقابل العربون الذي أخذته منك هو فوات فرص البيع علي يف‬
‫هذه املدة‪ ،‬وهي منفعة معتربة شرعا‪ ،‬فالذي ظهر يل ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬عند دراسة‬
‫املسألة وقد أعدت النظر فيها مرارا وتكرارا أن هذا جائز‪.‬‬
‫السؤال العاشر‪ :‬يقول ابرك هللا فيكم يف بلدان ال ميكن أن أحصل على‬
‫وظيفة أو معاملة إال مقابلة إعطاء املال سواء املوظف أو الشافع فهل جيوز‬
‫ذلك؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫ما حصر هللا الرزق يف الوظائف حّت نقول إان مضطرون أن ندفع ال ِرشى‬
‫إىل من يوظفنا‪ ،‬وهذه رشوة وال شك والنيب ﷺ ‪‬لعن الراشي واملرتشي‬
‫والرائش‪ ‬لعنة هللا ‪-‬اي إخوة‪ -‬لَ يتساهل فيها الناس‪ ،‬ولعنة هللا‪ :‬الطرد من‬
‫رمحة هللا‪.‬‬
‫وهللا ‪-‬اي عبد هللا‪ -‬لو خريت أن تبقى فقريا وبني أن تقع يف ِ‬
‫لعنة هللا‬ ‫َ‬
‫وتدخل يف لعنة هللا؛ فإن اخلري لك أضعافا مضاعفة أن تبقى فقريا ‪-‬وكما‬
‫يقولون‪ -‬لن متوت إن شاء هللا إذا ل تتوظف‪ ،‬بل أبواب الرزق كثرية‪ ،‬وعمل‬
‫|‪201‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫الرجل بيده خري له من الوظائف‪ ،‬عمله يف الزراعة‪ ،‬عمله يف احلرفة‪ ،‬فال جيوز‬
‫حبال أن اإلنسان يدفع الرشوة‪.‬‬
‫اي إخوة‪ :‬أهل العلم قالوا جيوز لإلنسان أن يدفع الرشوة يف حال واحدة؛‬
‫إذا منعه ظال من حقه ول يتمكن مطلقا من أخذ حقه بطريق مباح‪ ،‬هنا‬
‫وحترم على اآلخذ‪.‬‬‫يقولون جتوز للمعطي َ‬
‫فإذا كان مثال إنسان اشرتى كتبا وشحنها إىل بلده‪ ،‬وهي ليست ِمنوعة‬
‫وجاء رجل يف اجلمرك وتسلط عليه وحبس هذه الكتب وقال ما تدخل‪ ،‬وهو‬
‫طالب علم وحمتاج هلذه الكتب حاول من هنا من هنا ابلطرق ما استطاع أن‬
‫يدخلها إال أن يعطى هذا الظال شيئا من املال لتدخل‪ ،‬فهنا هذا حق من‬
‫حقوقه ومنعه هذا الظال وهو حمتاج هلذا ول يستطع أن ينال حقه إال هبذا‬
‫الطريق ‪ -‬على أين أقول‪ :‬مع قول أهل العلم هذا‪ ،‬ال ينبغي لإلنسان أن‬
‫يتساهل يف هذا األمر يف كل شيء‪ ،‬وإمنا يكون يف احلق العظيم الذي يرتتب‬
‫عليه شيء عظيم‪ ،‬أما األشياء اليسرية أو اليت دون العظيمة؛ فينبغي حّت لو‬
‫ذهبت فإهنا ال تذهب عند هللا سبحانه وتعاىل‪ ،‬ال يدخل اإلنسان يف هذا‬
‫الباب العظيم واملعاملة اخلطرية= لكن إذا منعه ظال من حقه وتعني هذا‬
‫طريقا‪ ،‬وهذا احلق متعني له‪ ،‬ألن بعض الناس أييت يقول الوظائف من حقنا‪،‬‬
‫هذا حق مشاع ليس حقا لزيد وال لعمرو‪ ،‬ال يدخل يف هذا‪ ،‬لكن شيء لك‪،‬‬
‫حق لك‪ ،‬ومنعك منه ظال ول تستطع أن تناله إال أبن تدفع له شيئا‪ ،‬ل جتد‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 202‬‬

‫طريقا آخر وكان هذا الشيء عظيما؛ فإن الفقهاء هنا يقولون جيوز هذا‬
‫ضرورة وجيوز للمعطي وحيرم على اآلخذ‪.‬‬
‫السؤال احلادي عشر‪ :‬مبا أن احلديث كثر يف هذه الدورة عن القروض‪،‬‬
‫الديْن بنية الزكاة ويعترب أن‬
‫هذا أخ يسأل ابرك هللا فيكم‪ ،‬هل جيوز إسقاط َ‬
‫هذا املديون من الغارمني أرجو منكم التفصيل يف اإلجابة؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫املدين إذا كان من أهل الزكاة فهل جيوز يل أن أسقط حقي الذي عنده‬
‫وأحتسب ذلك من الزكاة؟ اجلواب" ال جيوز‪ ،‬ألن الزكاة إعطاء وليست‬
‫إسقاطا‪ ،‬الزكاة إعطاء تعطيه‪ ،‬فهي أخذ كما قال النيب ﷺ‪ :‬تؤخذ من‬
‫أغنيائهم وترد إىل فقرائهم‪ ،‬وهذا ليس فيه أخذ وال إعطاء وإمنا هو إسقاط‪.‬‬

‫وألنه يف احلقيقة هنا حيمي ماله مباله‪ ،‬يعين‪ :‬يريد أن يقول إين آخذ حقي‬
‫وأعترب ذلك من حق الفقراء من الزكاة! فيحمي ماله مباله‪ ،‬فهذا ال جيوز‪،‬‬
‫ولكن جيوز لك أن تعطيه من زكاتك وال تشرتط عليه أن يسدد لك‪ ،‬فإن‬
‫سدد لك فحسن‪ ،‬وإن استفاد منها يف شيء آخر فحسن‪ ،‬فيجوز أن تعطيه‬
‫من زكاتك ما دام أنه من أهل الزكاة‪ ،‬لكن ال جيوز أن تعطيه بشرط أن يسدد‬
‫لك‪ ،‬وال جيوز أن تسقط هذا من ذمته وتعترب ذلك من الزكاة‪.‬‬
‫|‪203‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫السؤال الثاين‪ :‬ابرك هللا فيكم هل يعد العمل اآليت من الرشوة‪ :‬طفل‬
‫أجريت له عملية جراحية يف القلب وحيتاج إىل عملية أخرى‪ ،‬ولكن عند‬
‫تقدمه إلجرائها ابملستشفى طلب منه الطبيب دفع تربع للمستشفى لشراء‬
‫أجهزة حّت يتمكن من الدخول إلجراء العملية‪ ،‬وهذا الطبيب هو الذي‬
‫أجرى له العملية األوىل واألفضل أن جيري له العملية الثانية وعلى الرغم من‬
‫أن املستشفى تدعمه جهة حكومية وأتخذ ايصاال هبذا التربع منها‪ ،‬فهل هذا‬
‫املبلغ يعد من الرشوة ؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫ال‪ ،‬هذا على ما فهمت اآلن ال يعد من الرشوة‪ ،‬مبعن أهنم يطلبون منه‬
‫مقابل‪ ،‬وهذا املقابل ليس للطبيب وال أمر خمفي وإمنا يسجل به إيصال‪ ،‬فهو‬
‫يف احلقيقة مقابل للعملية‪ ،‬يعين العملية األوىل مثال كانت جمانية‪ ،‬إذا أجرى‬
‫العملية الثانية فهو يدفع مثال ما يقابل ألفا‪ ،‬وهذه األلف تدخل إىل حساب‬
‫املستشفى من أجل شراء أجهزة أو حنو ذلك إذا كان هذا األمر وحنن نتكلم‬
‫عن مستشفى يبدو أنه حكومي ألنه لو ل يكن حكومي لكان مبقابل أصال‬
‫فإذا كان هذا منظما من الدولة وليس تصرفا فرداي من الطبيب فهذا ال يعد‬
‫من الرشوة‪ ،‬وإمنا هو مقابل للعملية‪ ،‬فرض بشروط معينه فال يكون من‬
‫الرشوة‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 204‬‬

‫السؤال الثالث عشر‪ :‬يقول ابرك هللا فيكم نريدكم أن تنصحوان بكتب‬
‫تعتين بدراسة قواعد املعامالت املالية ؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫وهللا هو أكثر ما ينبغي االهتمام به هو كتب أهل العلم‪ ،‬كتب الفقهاء‬
‫وكتب القواعد املعروفة‪ ،‬اآلن طالب العلم حيبون األشياء اجلاهزة‪ ،‬وهذا يف‬
‫احلقيقة قَـلل بركة العلم‪ ،‬األفضل أن نقرأ يف كتب الفقه املعروفة الكبرية‪ ،‬وأن‬
‫نقرأ يف كالم العلماء القواعد‪ ،‬مث بعد ذلك ال أبس من أن نستعني ببعض‬
‫الكتب املعاصرة اليت تكلمت عن قواعد املعامالت واالقتصاد اإلسالمي مع‬
‫احلذر‪ ،‬فإن يف كثري من كتب املعاصرين مزالق ينبغي التنبه هلا‪ ،‬وال أريد أن‬
‫أمسي كتااب بعينه‪.‬‬
‫السؤال الرابع عشر‪ :‬يقول ابرك هللا فيكم وهذا سؤال تكرر هل جيوز‬
‫الديْن؟‬
‫الديْن بعملة أخرى يف حال سداد َ‬
‫قضاء َ‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫الديْن يسدد مبثله ال بقيمته هذا األصل‪ ،‬استدنت ألف درهم تسدد ألف‬
‫َ‬
‫درهم‪ ،‬استدنت ألف دوالر تسدد ألف دوالر هذا األصل‪ ،‬فإن احتيج إىل‬
‫سداده بقيمته فإنه جيوز أن يباع أو يصارف بسعر يومه بشرط التقابض‪،‬‬
‫ونقصد بسعر يومه عند القبض‪ ،‬يعين مثال ْأوجه االحتياج‪ :‬اقرتضت يف‬
‫اإلمارات من أخيك ألف درهم وسافرت إىل أمريكا مثال وال توجد دراهم‪،‬‬
‫فأردت أن تفي ابلدوالرات فيجوز على الصحيح من أقوال أهل العلم‪ ،‬حبيث‬
‫|‪205‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫وقت الوفاء تعرفان قيمة الدراهم ابلدوالرات فتتصارفان وال تنصرفان ويف ذمة‬
‫الديْن يسدد مبثله بغض النظر عن‬
‫أحدكما شيء‪ ،‬نص أهل العلم على أن َ‬
‫الكساد والرواج‪.‬‬
‫مبعن أن العملة قد تزيد وقد تنقص‪ ،‬قد يستدين اإلنسان مثال مئة ألف‬
‫بعملة على أن يردها بعد سنتني أو ثالثة سنني مث تسقط هذه العملة وتنقص‬
‫الديْن يسدد ويوىف مبثله وال ينظر إىل الكساد‬
‫قيمتها كثريا‪ ،‬قال أهل العلم‪َ :‬‬
‫وال إىل الرواج‪ ،‬ال زايدة وال نقصان‪ ،‬فإن احتيج إىل سداده بعملة أخرى فإنه‬
‫ال أبس أبن يسدد بقيمتها يف يوم الوفاء على أن ال ينصرفا ويف ذمة أحدمها‬
‫شيء‪.‬‬
‫السؤال اخلامس عشر‪ :‬يقول ابرك هللا فيكم ذكرمت‪ :‬أن الودائع البنكية‬
‫جائزة‪ ،‬والبنك يتعهد بعدم خسارة املال املودع‪ ،‬وهذا خيالف قاعدة املضاربة‬
‫الغرم ابلغرم؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫أين الودائع من املضاربة؟! الودائع هي حساب‪ ،‬أنت ال تضارب مع‬
‫أخذت شيئا فهذا راب! جمرد أن تودع مالك يف‬ ‫َ‬ ‫البنك وال أتخذ شيئا‪ ،‬ولو‬
‫البنك ليحفظ وأتخذ منه وقت احلاجة‪ ،‬وال أتخذ عليه درمها وال فلسا‪ ،‬فاملال‬
‫مضمون وال ربح له ألنه وديعة‪ ،‬هذا معن الوديعة‪.‬‬
‫أتْـرك البنوك! تعطيين املال وديعة عندي من أجل أن حتفظه‪ ،‬وأتخذه مّت‬
‫ما احتجت‪ ،‬ما أتخذ عليه شيئا‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 206‬‬

‫أما املضاربة‪ :‬فاملضاربة عقد جتارة‪ ،‬فتدفع املال ملن يعمل لك فيه على أن‬
‫لك من الربح كذا وله من الربح كذا‪ ،‬وإذا خسر املال ِ‬
‫فالوضيعة عليك‪ ،‬هذه‬
‫املضاربه‪.‬‬
‫وتفعل مع بعض البنوك اإلسالمية‪ ،‬فيدفع اإلنسان ماال ليس وديعة وإمنا‬
‫يف صناديق استثماريه تستثمر‪ ،‬فله من الربح كذا يف املئة وللبنك كذا يف املئة‪،‬‬
‫وإذا خسر فإن اخلسارة تكون عليه‪ ،‬فهذه حقيقة املضاربة‪.‬‬
‫فال َنلط بني مسألة الوديعة حبيث يودع اإلنسان ماله حلفظه وال أيخذ‬
‫عليه شيئا؛ وبني أن يدفع املال إىل البنك للمضاربة فدفعه للبنك للمضاربة‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬نعم كما قال األخ ال جيوز أن يضمن املال‪ ،‬وال جيوز أن يضمن‬
‫الربح‪ ،‬بل يكون حمتمال للربح واخلسارة على صاحب املال‪ ،‬والعامل خيسر‬
‫جهده فتكون الوضيعة يف املال على صاحب املال وعلى العامل يف جهده‬
‫الذي بذله‪.‬‬
‫السؤال السادس عشر‪ :‬يقول وفقكم هللا‪ ،‬ما حكم تقليد املالبس يف‬
‫االسم والشكل أو تقليدها يف الشكل مع تغيري االسم‪ ،‬وإذا كانت الشركة قد‬
‫قلدت مالبس الشركة األخرى ابالسم والشكل؛ فهل جيوز يل أن أشرتيها‬
‫وأبيعها‪ ،‬وهذا السؤال تكرر ابرك هللا فيكم؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫البضائع املقلدة أبن تـ َقلد بضاعة شركة مشهورة ويكتب عليها اسم‬
‫الشركة أو ما يشبه اسم الشركة‪ ،‬فهذا إذا كان فيه ِغش للناس فهذا ال جيوز‬
‫|‪207‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫‪‬من غش فليس منا‪ ،‬يعين بعض الناس أييت لشركة مشهورة فيذهب إىل‬
‫الصني ويقول‪ :‬أريد أن تصنعوا يل مثل هذا‪ ،‬فيصنع مثله يف الشكل‪ ،‬ولكن‬
‫اخلامة غري اخلامة‪ ،‬واملادة غري املادة‪ ،‬ويكتب عليه اسم الشركة املشهورة‪،‬‬
‫وأييت ويبيعه للناس يف األسواق‪ ،‬والناس يظنونه من تلك الشركة! فهذا غش‬
‫ال جيوز‪ .‬أو يكتب قريبا من اسم الشركة‪ ،‬يعين مثال هناك شركة تنتهي مثال‬
‫ب ”‪ “X‬فيأيت ويكتب نفس االسم وجيعل آخر االسم”‪ “T‬على شكل‬
‫”‪ “X‬أييت املسكني وينظر كذا يقول‪ :‬هذه الشركة ويشرتي وهي مقلدة‪،‬‬
‫هذا غش ال جيوز‪.‬‬
‫ومن لطائف ما أذكره أنه قبل فرته من الزمن كان الصوف اإلجنليزي من‬
‫أحسن ما حيرص عليه‪ ،‬ففي دولة من الدول أنشؤوا منطقة أمسوها ”اجنالند“‬
‫وصاروا يكتبون على الصوف ”صنع يف اجنالند“ وهو يف تلك املنطقة اليت‬
‫امسها ”اجنالند“ وصاروا يغشون الناس هبذا‪ ،‬هذا حرام ال جيوز‪ ،‬أذنت به‬
‫الدولة أو ل أتذن‪ ،‬أذنت به الشركة أو ل أتذن‪ ،‬إذا ترتب عليه غش الناس‪.‬‬
‫احلالة الثانية‪ :‬إذا ل يرتتب على ذلك غش الناس‪ ،‬بل الناس يعلمون أهنا‬
‫مقلدة‪ ،‬فليس هنا غش‪ ،‬وكانت الدولة متنع هذه املعاملة فإهنا ال جتوز‪ ،‬ألن‬
‫هذا ِما جيب أن يطاع فيه ويل األمر‪ ،‬وهو ليس معصية هلل‪ ،‬فيجب على‬
‫التجار التزام نظام التجارة يف البلد ما ل خيالف شرع هللا ‪،‬وهذه من أهم‬
‫األمور اليت يطاع فيها ويل األمر بقيد يف غري معصية هللا سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 208‬‬

‫أما إذا كانت هذه السلع املقلدة ليس فيها غش‪ ،‬وال مينع نظام البلد‬
‫هذه املعاملة‪ ،‬ولكن كانت الشركة األصل متنعها وال تسمح إال بتوكيل خاص‬
‫وإذن خاص؛ فهذا مبين على مسألة احلقوق املعنوية‪ ،‬وحقوق امللكية‪ ،‬والذي‬
‫توصل إليه مجهور الفقهاء من املعاصرين وقررته اجملامع أن احلقوق؛ حقوق‬
‫امللكية املعاصرة اليت تعورف عليها واحلقوق املعنوية؛ حقوق اثبتة ألصحاهبا‪،‬‬
‫فال جيوز االعتداء عليها‪.‬‬
‫وعليه إذا كانت الشركة األصل اليت حتمل هذه املاركة ال تسمح؛ فال‬
‫جيوز تقليد بضاعتها من كل وجه إال إبذن منها‪.‬‬
‫صنع الشيء قريبا من تلك املاركة املشهورة وليس مثله‪ ،‬يعين ما‬ ‫بقي أن ي َ‬
‫يقلد نفس البضاعة لكن يستفيد منها قريبا منها فهذا ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬إذا ل‬
‫يكن فيه غش وال مينعه نظام البلد أنه ال أبس به‪.‬‬
‫السؤال السابع عشر‪ :‬يقول عملت حادث سيارة وأان متضرر‪ ،‬فقال يل‬
‫التأمني‪ :‬إما أن نصلح املركبة‪ ،‬وإما أن نعطيك شيكا بعد شهر وتصلح املركبة‬
‫على املبلغ الذي نصرفه لك‪ ،‬وهذا املبلغ ميكن أن يزيد وميكن أن ينقص؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫يقول األخ وقع حادث على مركبيت‪ ،‬على سياريت وأان أستحق إصالح‬
‫السيارة واملتسبب يف احلادث ِ‬
‫مؤمن فقالت يل الشركة اليت يتبعها هذا املتسبب‬
‫يف احلادث‪ :‬إما أن نصلح السيارة وإما أن نعطيك قيمة يقدرها اخلرباء‬
‫صلَح به السيارة؛ يف‬
‫إلصالح هذه السيارة‪ ،‬وهذه القيمة قد تكون أكثر ِما ت ْ‬
‫|‪209‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫احلقيقة إذا كان األمر كما ذَكرت على هذه الصورة اليت ذَكرهتا فإنه جيوز أن‬
‫أيخذ هذا أو أيخذ هذا ألنه يستحق إصالح سيارته‪ ،‬فإذا قدر اخلرباء أهنا‬
‫تصلح أبلف وذهب واستطاع أن يصلحها خبمسمئة فيجوز له أن أيخذ‬
‫األلف‪ ،‬ألن هذا مقابل الضرر الذي يقدره اخلرباء بناء على نوع التلف وعلى‬
‫نوع القطع وحنو ذلك‪ ،‬وهو قد يذهب إىل قطع أقل أو حنو هذا‪ ،‬فأان صورت‬
‫املسألة مبا أفهم ألين قد تكون هناك أشياء ال أعرفها يف واقع احلال فأان‬
‫صورت املسألة مبا أفهم فإن كانت املسألة كما قلت فاجلواب كما قلت‪.‬‬
‫السؤال الثامن عشر‪ :‬ابرك هللا فيكم‪ ،‬تكرر السؤال عن حكم إجابة‬
‫دعوة من يتعامل ابلراب‪ ،‬أو يعمل يف بنك ربوي أو قبول هديته؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫التعامل مع من يتعامل ابلراب أنواع‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬أن يستويف اإلنسان حقه منه‪ ،‬كاالبن يستويف نفقته من‬
‫والده إذا كان يتعامل ابلراب‪ ،‬والزوجة تستويف نفقتها من زوجها إذا كان يتعامل‬
‫ابلراب‪ ،‬وهذا جيوز هلم ألهنم أصحاب حق‪ ،‬وإن كان لو وجدوا غريه لكان خريا‬
‫هلم‪.‬‬
‫واحلالة الثانية‪ :‬أن يتعامل اإلنسان معه يف غري الراب مبعامالت كبيع‬
‫وشراء‪ ،‬وهذا جيوز ما دام أنه يف غري الراب‪ ،‬ألن النيب ﷺ عامل اليهود وهم‬
‫أساطني الراب‪.‬‬
‫واحلالة الثالثة‪ :‬التربعات‪ :‬فهنا ال خيلو من حالني‪:‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 210‬‬

‫‪ ‬احلالة األوىل‪ :‬أن يكون ماله متمحضا للراب‪ ،‬ما عنده دخل إال من‬
‫الراب‪ ،‬فهنا الذي تدل عليه آاثر السلف أنه ال جيوز أن تقبل هديته وال‬
‫تربعاته‪.‬‬
‫‪ ‬احلالة الثانيه‪ :‬أن يكون ماله خمتلطا‪ ،‬عنده مداخيل أخرى‪ ،‬حّت لو‬
‫غلب عليه الراب لكن عنده مداخيل أخرى‪ ،‬وال يعلم األنسان أن هذا من عني‬
‫الراب‪ ،‬فيجوز قبول هديته ألن النيب ﷺ قبل هدااي اليهود وأمواهلم خمتلطة‪،‬‬
‫ويغلب عليها الراب‪ ،‬فما دام أن املال خمتلط وال يعلم اإلنسان أنه من عني الراب‬
‫فيجوز أن يقبل هديته وتربعه وإحسانه‪ ،‬هذا ما يظهر وهللا أعلم‪.‬‬
‫السؤال التاسع عشر‪ :‬يقول ابرك هللا فيكم يف بعض األحيان نذهب‬
‫للمحالت ونشرتي بضاعة ورمبا ال يوجد عند البائع فكة فيأخذ النقود اليت‬
‫عندي ويرجعها بعد عدة أايم هل من شيء يف هذه املعاملة؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫أعطيت صاحب البضاعة مئة درهم وليس‬‫إذا اشرتيت بسبعني درمها و َ‬
‫عنده ثالثون درمها بقيةَ املئة‪ ،‬فقال يل‪ :‬أتخذها غدا أو تعال يف الليل وخذها‬
‫هل يف هذا شيء؟‬
‫من أهل العلم من قال‪ :‬إن هذا ال جيوز وقالو إن هذا من الصرف فهو‬
‫يصرف املئة مبئة فال جيوز أن أيخذ سبعينا ويبقى شيء يف الذمة‪.‬‬
‫|‪211‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫ومن أهل العلم من قالوا‪ :‬إن هذا جائز ألنه ليس صرفا ال حقيقة وال‬
‫عرفا‪ ،‬فليس الدافع قاصدا أن يصرف املئة‪ ،‬وليس اآلخذ قاصدا أن يصرف‬
‫املئة‪ ،‬وإمنا هي من ابب استيفاء احلقوق‪ ،‬فليست صرفا‪ .‬وهذا الصحيح‪.‬‬
‫فإهنا لو كانت صرفا لقلنا أنه جيب أن يعطيه املئة وأيخذ منه مئة فكة‬
‫مث يعطيه السبعني وهذا ال يقول به أحد فيما نعلم‪ ،‬فهذه يف احلقيقه من ابب‬
‫االستيفاء وليست صرفا وال حرج فيها يف ما ظهر يل وهللا أعلم‪.‬‬
‫السؤال العشرون‪ :‬يقول ابرك هللا فيكم رجل اتفق مع مقاول أبن يبين‬
‫له بيتا إىل خطوة معينة‪ ،‬ليس ابلكامل‪ ،‬مبواصفات مت اإلتفاق عليها بني‬
‫الطرفني‪ ،‬واتفقا على مبلغ وقدره سبعة آالف ومخسمئة‪ ،‬وبعد انتهاء املقاول‬
‫وجد عنده أخطاء فادحة تؤثر على املنزل فحصل بينهما خالف‪ ،‬فَ َحكموا‬
‫بينهما مهندسني ومقاولني مشهود هلما ابخلربة والنزاهة فحكما أن املقاول ال‬
‫يستحق إال مخسة آالف ومخسمئة فقط‪ ،‬فصاحب البيت يسأل يقول هل له‬
‫حق يف هذا املبلغ الباقي وهو األلفان أم يعطي املقاول املبلغ كامال؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫األصل أان ال ندخل أنفسنا يف مسائل النزاعات‪ ،‬واألصل أن املفيت يف‬
‫مسائل النزاع ال يفيت طرفا دون طرف‪ ،‬لكن نقول كقاعدة عامة‪ :‬لو اتفق‬
‫طرفان على مقاولة مبواصفات معينه مببلغ معني مث تبني أن املقاول أخل‬
‫ابملواصفات‪ ،‬وقال أهل اخلربة‪ :‬إن إخالله يساوي مبلغ كذا؛ فإنه ال يستحق‬
‫إال ما قدره أهل اخلربة‪ ،‬لكن النزاع جيب الرجوع فيه إىل اجلهات املختصة‪،‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 212‬‬

‫فإن اصطلحا فهذا حسن فيما بينهما‪ ،‬إن اصطلحا على ما قاله أهل اخلربة‬
‫فهذا حسن وأطيب لقلبيهما وإن ل يصطلحا فإنه يرجع يف هذا إىل جهات‬
‫االختصاص‪.‬‬
‫السؤال احلادي والعشرون‪ :‬يقول عندي موظف كان يكذب ويغش‪،‬‬
‫هل جيوز أن أحذر الناس منه بعد أن أهنيت خدمته؟ وهل أدخل يف ابب‬
‫الغيبة؟ وهذا سؤال تكرر‪ ،‬ابرك هللا فيكم‪.‬‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫انتبه لقصدك‪ ،‬إن كان قصدك االنتقام منه‪ ،‬والتشفي فيه‪ ،‬فال جيوز‪ ،‬وإن‬
‫كان قصدك نصح الناس‪ ،‬ألن هذا الرجل نصاب‪ ،‬غشاش‪ ،‬خمادع خيدع‬
‫الناس ويسلب أمواهلم‪ ،‬وقامت احلاجة هلذا؛ فهذا جيوز وهذا من النصح‪،‬‬
‫وهذا ِما يستثن من مسائل الغيبة‪.‬‬

‫***‬
‫|‪213‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫ملحق‬

‫األسئلة العامة والصايا العلمية‬


‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 214‬‬
‫|‪215‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫أوال‪ :‬األسئلة العامة‬


‫السؤال األول‪ :‬توجد مظاهرات سلمية بضوابط‪ ،‬فهل فعال يوجد هذا‬
‫النوع من املظاهرات؟ وما ضوابطها؟ حيث إننا نرى الواقع على اخلالف‬
‫ذلك؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫ما حقيقة املظاهرات؟‬
‫املظاهرات‪ :‬هي اجتماع عدد من الناس يف امليادين العامة للمطالبة أبمر‬
‫يرونه حقا هلم؛ وقد أفّت أهل العلم املعتربون بتحرميها؛ وقد وقفت على آراء‬
‫بعني عاملا من العلماء املعتربين يف الفتوى؛ ينصون على حترمي‬
‫ما يزيد على أر َ‬
‫املظاهرات مطلقا وذكروا لذلك ِعلال‪:‬‬
‫فمن أهل العلم من قال‪ :‬إن املظاهرات فيها مشاهبة للكفار؛ ألن هذا‬
‫األمر ليس من عادات املسلمني‪ ،‬ول يعرف يف الصاحلني‪ ،‬وإمنا أخذه بعض‬
‫املسلمني من الكفار؛ فيدخل يف التشبه ابلكفار؛ احملرم‪.‬‬
‫ومن أهل العلم من قال‪ :‬إهنا حرام ألهنا بدعة؛ ألهنا فعل يطلب به حق‪،‬‬
‫وهذا أمر حمدث فهو بدعة‪.‬‬
‫وقال بعض أهل العلم‪ :‬إهنا حرام ملا فيها من املفاسد‪.‬‬
‫والذي يظهر يل ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬أن املظاهرات حرام ملا فيها من املفاسد‪،‬‬
‫ومفاسد املظاهرات مفاسد الزمة‪ ،‬واألمر إذا كانت مفاسده الزمة؛ يكون‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 216‬‬

‫حكمه اثبتا ال يتغري‪ ،‬فاملظاهرات كلها حرام؛ ألن املفاسد الواقعة فيها الزمة‬
‫حاال ومآال‪:‬‬
‫فمنها‪ :‬ما يقع من اجتماع الغوغاء الذين ال ميكن ضبطهم‪ ،‬وال ميكن أن‬
‫توجد مظاهرة ِسلمية كما يقال‪ ،‬بل البد أن يقع شيء من التخريب؛ والبد‬
‫أن يقع شيء من االعتداء‪ ،‬ملاذا؟ ألن املظاهرة جيتمع فيها الناس‪ ،‬ورمبا تنطلق‬
‫بعدد معني مث يدخل فيها أانس‪ ،‬وحيصل هيجان للنفوس يصعب ضبطه‪.‬‬
‫وما يقع فيها من منكرات يف داخلها؛ فما رأينا مظاهرة؛ إال ويقع فيها من‬
‫املنكرات ما هللا به عليم! بل لألسف رأينا املظاهرات جيتمع فيها الفساق‬
‫يغنون ويرقصون! وأييت بعض من ينتسبون إىل العلم ويقولون‪ :‬هذا الشباب‬
‫املبارك!! وهذا ال شك أنه من املنكر العظيم‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن فيها جترئة النفوس على ويل األمر؛ فهي ذريعة إىل اخلروج‪ ،‬وما‬
‫صعب عليه أن ينفطم‬ ‫هاجت نفس فسكنت! ومن ذاق طعم هذا الباب َ‬
‫عنه‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أهنا مآل للفوضى والبد‪.‬‬
‫طيب‪ :‬اآلن أنت خرجت يف املظاهرات تطالب حبق من احلقوق‪ ،‬جيد؛‬
‫أخذت هذا احلق أو أصبحت احلاكم‪ ،‬جاء أانس يتظاهرون ضدك يطالبون‬
‫حبق‪ ،‬ال تستطيع أن متنعهم‪ ،‬أنت وصلت هلذا هبذا فكيف متنعنا من هذا؛‬
‫فيأيت آخر‪ ،‬ويصبح الناس كلما أراد أحد منهم شيئا قام مبظاهرة‪ ،‬حّت أن‬
‫|‪217‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫السفهاء يقع أمر يف بلد من البلدان يف اإلمارات أو يف السعودية وهم يقومون‬


‫مبظهرات يف بلد آخر‪.‬‬
‫مث إين أقول ‪-‬اي إخوة‪ :-‬إن األمن والسكون ال يعدهلما شيء‪ ،‬من رزقه‬
‫هللا األمن والسكون فليحمد هللا؛ وهللا! مث وهللا! إن الفقر مع األمن والسكون‬
‫وأداء الدين؛ أكرم لإلنسان من غناه مع فقد األمن‪.‬‬
‫اي إخوان‪ ،‬أان أتعجب! أان أتكلم اآلن يف اإلمارات‪ ،‬اإلمارات فيها وهلل‬
‫احلمد واملنة خري ونعمة‪ ،‬والنقص حاصل يف كل مكان‪ ،‬فكيف يصدق الناس‬
‫كالما يدعوهم إىل تغري هذه النعمة؟!‬
‫واإلنسان ‪-‬اي إخوة انتبهوا‪ -‬قد يكون يف نعمة فيملها؛ فيطلب غريها فال‬
‫حي ِ‬
‫صل غريها ويفقد تلك النعمة‪ ،‬وهذا الغالب‪.‬‬ ‫َ‬
‫فاإلنسان عليه أن يشكر النعمة ويطلب خريها ويطلب الزايدة منها‪.‬‬
‫ومن هنا؛ فاملشروع هو شكر هللا على اخلري احلاصل‪ ،‬وبذل األسباب‬
‫الشرعية إلزالة النقص؛ ومن هنا كان النصح لوالة األمر فريضة شرعية‪ ،‬يقوم‬
‫هبا العلماء الرابنيون ابتغاء وجه هللا‪ ،‬ال يريدون بطولة أمام الناس! ولكنهم‬
‫يريدون اخلري للناس‪.‬‬
‫ولذلك يقول بعض مشاخينا‪ :‬حنن إذا جئنا احلاكم كنا للناس؛ فنناصحه‬
‫ونبني له فيما بيننا وبينه‪ ،‬وإذا جئنا للناس كنا للحاكم؛ فنأمرهم بلزوم السمع‬
‫والطاعة؛ ألن هؤالء ال ينظرون إىل رضا الناس ال يريدون رضا احلاكم‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 218‬‬

‫وبعض الناس ينعكس األمر عندهم يريدون الرضا! فإذا ذهبوا إىل احلاكم‬
‫[قالوا‪ ]:‬جزاك هللا خري وما شاء هللا‪ ،‬وإذا جاؤوا إىل املنابر يريدون رضا الناس‬
‫ويزلزلون املنابر بغري وجه شرعي!! ما هكذا شرع‪ ،‬أنعم هللا عليكم بوالة أمر؛‬
‫أسأل هللا عز وجل أن يرزقهم اخلري ويزيدهم منه‪.‬‬
‫فينبغي ‪-‬اي إخوة‪ -‬أن نشكر هللا على النعمة‪ ،‬نعمة األمن والسكون‬
‫وعم غريكم‪ ،‬وبركة وهلل احلمد واملنة‪ ،‬والعاقل ‪-‬اي إخوة‪-‬‬
‫عمكم َّ‬
‫واخلريات؛ خري َّ‬
‫ال يهدم مصرا ليبين قصرا؛ بل يفرح ابحلاصل‪ ،‬ويسعى للزايدة ابألساليب‬
‫شرعية؛ فامحدوا هللا عز وجل على هذه النعمة اليت تعيشوهنا‪ ،‬وعلى هذا‬
‫األمن وعلى هذا السكون‪ ،‬وعلى هذا التقارب بني القلوب‪ ،‬وانتبهوا لألفكار‬
‫املخالفة لألدلة اليت تستورد‪ ،‬وقد يكون قصد بعض أصحاهبا احلسد؛ وهللا ‪-‬‬
‫اي إخوة‪ -‬وهللا! انظرت بعض التكفريين الذين يكفرون والة أمران يف اخلليج‪،‬‬
‫فوجدت أن سبب تكفريهم هو احلسد يلبسونه لباس الدين‪.‬‬
‫فعلينا ‪-‬اي إخوة‪ -‬أن ننتبه‪ ،‬ونتعاون مجيعا على احملافظة على أمن البلد‪،‬‬
‫وعلى وحدة البلد‪ ،‬وعلى اخلري الذي حنن فيه‪ ،‬وأال نسمح ألحد أبن يفسد‬
‫علينا أمران؛ فوهللا إ ْن فسد األمر ‪-‬ونسأل هللا عز وجل أن ال يقع لبلداننا‪-‬‬
‫فإنه ال يكاد يصلح‪ ،‬وما عرف أحد سعى يف نزع نعمة كان فيها؛ فعاد إليها‬
‫أو إىل مثلها‪.‬‬
‫فأسأل هللا عز وجل أبمسائه احلسن وصفاته العلى أن يرزقين وإايكم الفقه‬
‫يف دينه والتمسك ابلسنة‪ ،‬ديننا ليس مبنيا على العواطف‪ ،‬وليس مبنيا على‬
‫|‪219‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫الرغبات‪ ،‬وليس مبنينا على آراء فالن وفالن؛ ديننا مبين على قال هللا قال‬
‫رسوله ﷺ؛ نقول مسعنا وأطعنا‪ ،‬وإن مسعنا وأطعنا انفتحت علينا الربكات‬
‫واخلريات من حيث حنتسب ومن حيث ال حنتسب‪ ،‬أسأل هللا ‪ ‬يل ولكم‬
‫الفقه يف الدين‪.‬‬
‫السؤال الثاين‪ :‬إذا كانت البالد آمنة والقلوب متآلفة والعالقة بني احلاكم‬
‫واحملكوم مستقر؛ فما حكم اخلوض يف الفنت اليت هي خارج البالد وجلبها إىل‬
‫البالد مع حتليل أحداثها ِما يسبب اإلرابك رمبا يف املنطقة؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫اي إخوة‪ ،-‬القاعدة الشرعية‪" :‬الفنت جتتنب وال جتتلب"؛ اإلنسان يستعيذ‬
‫ابهلل من الفنت‪ ،‬من شرها‪ ،‬ويسأل هللا عز وجل أن يَسلم منها وأن يسلم‬
‫البالد منها‪َ ،‬من عويف فليحمد هللا‪ ،‬ومن ابتلي فليلزم شرع هللا‪ ،‬من ابتلي‬
‫ابلفنت فليلزم شرع هللا يف املوقف من الفنت‪ ،‬ومن عويف فليحمد هللا وال يسعى‬
‫ألن يبتلى هبا‪ ،‬وكم من كلمة قيلت؛ فأوقعت الفتنة يف القلب‪ ،‬ولذلك ‪-‬اي‬
‫أخواين‪ -‬النيب ﷺ يقول‪ :‬تكون فتنة املضطجع فيها خري من القاعد‪،‬‬
‫والقاعد خري من القائم‪ ،‬والقائم خري من املاشي‪ ،‬واملاشي خري من الساعي‪،‬‬
‫ومن يستشرف هلا تستشرفه‪ ،‬ومن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به‪.)1(‬‬
‫تكون فتنة املضطجع فيها خري من القاعد ملاذا؟‬

‫(‪ )1‬أصله يف البخاري ومسلم ورواه الشيخ مبعناه‪.‬‬


‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 220‬‬

‫قال العلماء‪ :‬ألن املضطجع أكثر بعدا عن الفتنة؛ مضطجع ال يرى إال‬
‫قليال وال يسمع إال قليال؛ فهو أحسن من القاعد ألنه يرى أكثر ويسمع‬
‫أكثر‪ ،‬والقاعد أحسن من القائم؛ ألن القاعد يسمع أقل ويرى أقل وحيتاج‬
‫يف احلركة إىل قيام‪ ،‬والقائم خري من املاشي؛ ألن املاشي يقرتب من الفتنة‬
‫فيوشك أن يقع‪ ،‬ويرى أكثر ويسمع أكثر‪ ،‬واملاشي خري من الساعي؛ ألن‬
‫الساعي يسرع‪ ،‬ومن يستشرف هلا تستشرفه؛ إايك أن تقول‪ :‬أان‪ ،‬أان‪ ،‬ابتعد‬
‫عن الفنت ما أمكنك؛ فإن اإلنسان قد يظن بنفسه شيئا مث يقرتب من الفنت؛‬
‫فيقع يف الشبهات‪ ،‬ومن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به‪ :‬إذا وقعت الفتنة؛‬
‫ت ملجأ أو معاذا ِحسا أو معن‪ ،‬احلس‪ :‬مكان تبتعد فيه‪ ،‬املعن‪:‬‬ ‫إذا وجد َ‬
‫عال تستضيء بعلمه‪ ،‬فليعذ به‪‬؛ وهذا هو املنهج الشرعي‪ ،‬أما يعافينا هللا‬
‫من الفتنة؛ فنسعى أبن أنيت هبا وحنللها ونقول نريد أن نبطلها! لسنا حباجة‬
‫إىل هذا‪ ،‬بل نبتعد عن الفتنة ما أمكن‪ ،‬ومن ابتلي لزم يف الفتنة شرع هللا كما‬
‫شرعه هللا‪.‬‬
‫السؤال الثالث‪ :‬إحدى األخوات تقول‪ :‬إهنا حتب الدعوة إىل هللا كثريا‪،‬‬
‫وترغب يف نفع الناس وإصالحهم وقد جتاوزت األربعني من عمرها فما هي‬
‫الوسيلة الشرعية لتحقيق هذا املطلب؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫|‪221‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫ال شك أن الدعوَة إىل هللا شرف لصاحبها‪ ،‬وِما يرجو اإلنسان بره‪ ،‬فإن‬
‫كل من تدعوه إىل اخلري؛ يكتب هللا لك أجره‪ ،‬وكل من يدعوه هو إىل اخلري؛‬
‫يكتب هللا لك أجره إىل يوم القيامة‪ ،‬ال ينقص ذلك من أجورهم شيء‪.‬‬
‫فالدعوة إىل هللا شأهنا عظيم‪ ،‬وكلما تقدم اإلنسان يف السن ؛كان حباجة‬
‫إىل االجتهاد يف األعمال الصاحلة أكثر‪ ،‬فإنه يقرتب من املوت أكثر‪ ،‬وإن‬
‫كان املوت يدرك اجلميع‪.‬‬
‫وقد جاء عن ميمون بن مهران أنه نظر إىل جلسائه يوما؛ فرأى فيهم شيبا‬
‫وشبااب؛ فقال‪ :‬اي معشر الشيوخ؛ ما ينتظر ابلزرع إذا ابيض؟ قالوا‪ :‬احلصاد‪،‬‬
‫فنظر إىل الشباب؛ وقال‪" :‬اي معشر الشباب إن الزرع قد تدركه آفة قبل أن‬
‫يستحصد"‪ ،‬لكن اإلنسان إذا تقدم به السن أصبح أقرب إىل قربه حبكم األمر‬
‫املعلوم املعتاد؛ فينبغي أن جيتهد‪ ،‬ولذلك ورد أن السلف إذا بلغ أحدهم‬
‫األربعني طوى فراشه‪ -‬أي اجتهد يف الطاعة‪.-‬‬
‫فنصيحيت إلخواين وأخوايت أن ينفع كل واحد منا نفسه ابلدعوة إىل هللا‬
‫على بصرية‪ ،‬أن يدعو إىل اخلري‪ ،‬أن يدعو إىل ما يف كتاب هللا وما يف سنة‬
‫رسول هللا ﷺ على فهم السلف الصاحل رضوان هللا عليهم ال حييد عن ذلك‬
‫قيد أمنلة‪ ،‬يتمسك هبذا ويبني اخلري للناس ابألسلوب احلسن‪ ،‬واملوعظة‬
‫احلسنة‪ ،‬والبيان الطيب‪ ،‬وأنصح كل من يريد الدعوة أبن يكثر من القراءة يف‬
‫كتب العلماء الرابنيني املعاصرين‪:‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 222‬‬

‫كالشيخ ابن ابز ‪-‬رمحه هللا‪ ،-‬والشيخ ابن عثيمني ‪-‬رمحه هللا‪ ،-‬والشيخ‬
‫األلباين ‪-‬رمحه هللا‪ ،-‬وأسد السنة الشيخ مقبل الوادعي ‪-‬رمحه هللا‪ ،-‬والشيخ‬
‫صاحل الفوزان ‪-‬حفظه هللا‪ ،-‬والشيخ صاحل آل الشيخ ‪-‬حفظه هللا‪ ،-‬ومجوع‬
‫العلماء املعتربين؛ فإن يف كالمهم من اخلري واألساليب احلسنة الشيء الكثري‬
‫الذي ينفع هللا به الداعية‪ ،‬مع احلرص على سالمة القلب نية ونظرة إىل الناس‬
‫ما كان لذلك موقع‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫السؤال الرابع‪ :‬عندان طلبة علم ال نعلم عنهم إال خريا‪ ،‬نفع هللا هبم‪،‬‬
‫يعلمون كتبا يف االعتقاد والسنة فجاءان بعض اإلخوة ونشر يف الطلبة أن‬
‫العلم أوال‪ :‬ال أيخذ إال من األكابر‪ ،‬واثنيا‪ :‬البد من تزكية من العلماء هلذا‬
‫القائم هبذه الدروس‪ ،‬فأدى هذا إىل ترك بعض الدروس اليت ال يوجد غريها يف‬
‫املنطقة عندان! فما موقفنا من ذلك؟ نرجو التوجيه ابرك هللا فيكم؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫ال شك أن العلم إمنا يؤخذ عن األكابر‪ ،‬وأنه ال بد من التزكية‪ ،‬لكن من‬
‫هم األكابر؟ األكابر من َكربهم علمهم‪ ،‬وعرفوا ابلعلم ولو صغر سنهم ولو‬
‫كانوا شبااب؛ فهناك أكابر من الصحابة صغار يف السن‪ ،‬أخذ عنهم العلم‪،‬‬
‫وأانر علمهم الدنيا‪ ،‬فهذه قضية من األمهية مبكان وهي‪ :‬أن الصغري ي َكربه‬
‫علمه فيعرف ابلعلم املتني النافع‪ ،‬وهذا كثري يف السلف بدءا من الصحابة ‪-‬‬
‫رضوان هللا عليهم‪ -‬إىل ما بعد األئمة‪.‬‬
‫|‪223‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫والبد من التزكية‪ ،‬فإن العلم دين‪ ،‬فينبغي أن ننظر عمن أنخذ ديننا‪ ،‬لكن‬
‫كيف تكون التزكيه؟‬
‫التزكية تكون بثالثة أمور‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬نص العلماء املعتربين على تزكيته‪ ،‬أن ينص العلماء أو‬
‫بعضهم‪ ،‬وال حنصر التزكية يف عال وال عاملني وال ثالثة‪ ،‬بل أن ينص عال من‬
‫العلماء املعتربين أو مجع منهم على أن فالان مزكى ويصلح ألن يؤخذ عنه‬
‫العلم‪.‬‬
‫األمر الثاين‪ :‬أن يشتهر ابلتعليم من غري أن ينكر عليه من أهل العلم‪،‬‬
‫يعرف أبنه يدرس ويَشتهر هذا عنه وال ينكر أهل العلم املعتربون تدريسه‪،‬‬
‫فهذه تزكية سكوتية‪ ،‬إذ ال يليق مبقام العلماء أن يكون هذا ِمن ينهى عن‬
‫الدرس عليه وال ينهون‪.‬‬
‫األمر الثالث‪ :‬وهذا من األمهية مبكان‪ ،‬أن يزكيه علمه‪ ،‬فال يعلم إال السنة‪،‬‬
‫أعين‪ :‬ما يكون فيه احلق‪ ،‬وال َأيخذ إال عن علماء السنة‪ ،‬ويقرر كتب علماء‬
‫السنة‪ ،‬ول يؤخذ عليه رد لكالم العلماء املعتربين‪ ،‬وال خمالفات للسنة؛ فهذا‬
‫يزكيه علمه‪ .‬وليس كل طالب علم انفع يعرفه العلماء‪ ،‬ولكن ينظر يف علمه‬
‫الذي يبثه‪ ،‬هل يعلم السنة؟ هل حيرتم أراء علماء السنه؟ هل ينقل كالم‬
‫علماء السنة؟ فإن كان ذلك كذلك؛ فقد زكاه علمه ويؤخذ عنه العلم‪.‬‬
‫والقول‪ :‬أبنه ال يؤخذ العلم إال عن من زكاه العلماء نصا؛ يسد ابب اخلري‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 224‬‬

‫كثري من البلدان فيها طالب علم يعلمون السنة وشروح أهل السنة‪،‬‬
‫ويعلمون حبسب ما تَعلموا‪ ،‬ولكنهم ال حيملون تزكية من عال معني‪ ،‬لكن ل‬
‫يعرف عليهم ما جيرحهم يف علمهم‪ ،‬فإذا قلنا إنه ال يؤخذ العلم عنهم؛ لن يبق‬
‫علم يف كثري من البلدان‪ ،‬وسيسد ابب اخلري‪ ،‬ويقوم أهل البدع وي ِ‬
‫درسون‪،‬‬
‫وأهل السنة يكفون‪ ،‬ويصبح أهل السنة يتعلمون من أهل البدع‪ ،‬أو يتعلمون‬
‫من اإلنرتنت أو غريه‪ ،‬وهذا ال يصح وال يستقيم‪.‬‬
‫إذن حنن نقول البد من التزكية‪ ،‬وال يصح أن نتساهل فنأخذ العلم عن كل‬
‫أحد‪ ،‬لكن كيف تكون التزكية؟ إما بنص من عال أو عدد من العلماء‬
‫املعتربين املعروفني ابلسنة‪ ،‬وإما ابستفاضة وشهرة من غري نكري من العلماء‪،‬‬
‫وإما بعلم صحيح سليم خال ِما جيرح يعرف به طالب العلم الذي يـ َعلِم‪.‬‬
‫مث ال شك أن الواجب على كل أحد‪ :‬أن ينتهي إىل ما علم‪ ،‬وأال يزيد‬
‫على ما علم‪ ،‬حيث انتهى علمه؛ يعلم الناس‪ ،‬كثري من بلدان املسلمني حباجة‬
‫ملن يعلمهم األصول‪ ،‬فمن عرف هذه األصول عن أهل السنة وضبطها؛ فإنه‬
‫يعلم الناس‪ ،‬لكن ما يصبح شيخ اإلسالم ابن تيمية!‬
‫يعين بعض طالب العلم قد أيخذ كتااب أو كتابني مث بعد ذلك يذهب‬
‫ويدرس فينتفخ‪ ،‬ويرد على العلماء األكابر‪ ،‬ويفيت يف كل شيء‪ ،‬ويتكلم يف‬
‫كل شيء‪ ،‬الشك أن هذا ضالل‪ ،‬ولكن احملسن هو الذي ينتهي إىل ما‬
‫علم‪ ،‬وينشر اخلري والسنة‪ ،‬وال جيوز لنا أن نقف عائقا يف وجه نشر اخلري‬
‫والسنة‪ ،‬وهذا هو الذي أدركنا عليه صنيع العلماء كالشيخ ابن ابز ‪-‬رمحه‬
‫|‪225‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫هللا‪ ،-‬والشيخ ابن عثيمني ‪-‬رمحه هللا‪ -‬يف تعاملهم مع طالب العلم‪ ،‬أما من‬
‫عرف جبرح أو كان يف علمه خلط أو كان جمهوال من كل وجه؛ فمثل هذا ال‬
‫ينبغي أخذ العلم عنه ‪-‬وهللا أعلم‪.-‬‬
‫السؤال اخلامس‪ :‬ابرك هللا فيكم‪ ،‬هذه شبهة تتعلق ابجللوس إىل أهل‬
‫األهواء واملنحرفني يف مسالكهم‪ ،‬يقول‪ :‬بعض الناس جيالس أهل البدع‬
‫ويستمع هلم‪ ،‬فإذا ح ِذر من االستماع قال‪ :‬هللا أعطاين عقال أميز به الصواب‬
‫من اخلطأ‪ ،‬ورمبا ردد كلمة بعض العلماء‪ :‬كل يؤخذ من قوله ويرد؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫لو أعطاك هللا عقال ملا جالستهم؛ فإن هذا من أعظم الشر‪ ،‬وهللا ‪-‬اي‬
‫إخوة‪ -‬إين أعرف أانسا أبعياهنم؛ كانوا من أحسن الناس يف السنة‪ ،‬تساهلوا‬
‫يف اجللوس إىل بعض من عرفوا ابلبدعة فانقلبوا رأسا على عقب‪ ،‬والنيب ﷺ‬
‫يقول‪ :‬من مسع ابلدجال فلينأ عنه‪ ،‬فوهللا إن الرجل ليأتيه وهو حيسب أنه‬
‫مؤمن فيتبعه ِما يبعث به الشبهات‪ .)1(‬فالبد من احلذر والبعد وعدم‬
‫التساهل يف جمالسة أهل البدع واالستماع هلم‪ ،‬فإن سالمة الدين ال يعدهلا‬
‫شيء‪ ،‬واهلوى يعمي ويصم ويعدي ويسبب البالء‪ ،‬فال ينبغي لإلنسان أن‬
‫يتساهل يف دينه؛ بل ينبغي احلذر الشديد والتمسك ابلس ِنة وأهلها‪ ،‬ن َكثر‬
‫أهل السنة ون َكثر سوادهم ونسعى يف إظهار ما هم فيه من خري‪ ،‬ولسنا‬
‫حباجة إىل جمالسة أهل األهواء والبدع‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه أمحد وأبو دواد واحلاكم يف مستدركه‪.‬‬


‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 226‬‬

‫السؤال السادس‪ :‬تصلنا عدة فتاوى من علماء رابنيني ثقات عدول‪،‬‬


‫الفتوى األوىل فيها حكم شرعي مع دليله من عال رابين‪ ،‬والفتوى الثانية من‬
‫عال ثقة رابين ختالف فتوى العال األول‪ ،‬كيف يتصرف طالب العلم يف هذه‬
‫احلالة؟ وخاصة أن أسئلة العوام تكثر يف هذه احلال؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫هو على كل حال القاعدة العامة أنه يؤخذ ابلراجح؛ لكن أان اآلن ال‬
‫أستطيع أن أقول ما هو الراجح؛ ألنه هناك فرق بني األحكام الفقهية‬
‫واألحكام املتعلقة ابلرجال‪ ،‬فاملسألة ليست واحدة؛ لكن نقول‪ :‬إذا اختلف‬
‫أهل السنة أو العلماء املعتربون يف مسألة؛ وجب الرتجيح‪ ،‬وال جيوز أخذ قول‬
‫عال ألنه "فالن"‪ ،‬بل جيب الرتجيح وال جيوز التعصب للعلماء‪.‬‬
‫يعين بعض األفاضل ‪-‬مثال‪ -‬يف املسائل الفقهية حياربون التعصب‪ ،‬ولكن‬
‫يتعصبون ألحد العلماء املعاصرين ويرون أنه ال خيطئ؛ فإذا قلت هلم‪ :‬أنتم‬
‫كأنكم تدعون له العصمة؟ قالوا‪ :‬ال؛ لكنه رجل موفق‪.‬‬
‫وبعض الناس مثال حيبك إال إذا خالفت الشيخ انصر الدين األلباين يف‬
‫مسألة فقهية! وهللا الشيخ انصر الدين األلباين ‪-‬رمحه هللا‪ -‬من جبال العلم‬
‫حديثا وفقها‪ ،‬وله على هذه األمة فضل عظيم ‪-‬رمحه هللا رمحة واسعة‪ -‬لكنه‬
‫وهللا خيطئ ويصيب‪ ،‬فبعضهم يقول‪" :‬ال‪ ،‬الشيخ ال يتكلم إال ابلسنة"!‬
‫الشيخ يتكلم بفهمه‪ ،‬فقد خيطئ ويصيب‪ ،‬وأيضا يف احلكم على احلديث أبنه‬
‫صحيح أو ضعيف يف كثري من األحوال مسألة اجتهادية‪ ،‬قد يصيب الشيخ‬
‫فيه وقد خيطئ‪.‬‬
‫|‪227‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫وكذلك إنسان ‪-‬سعودي مثال‪ -‬يتعصب للشيخ بن ابز ألنه سعودي‬


‫مثال‪ ،‬فهذا غري صحيح‪ ،‬لو اختلف الشيخ األلباين ‪-‬رمحه هللا ‪ ،-‬والشيخ ابن‬
‫ابز ‪ -‬رمحـه هللا ‪-‬؛ ال جيوز لنا أن نتعصب ألحدمها‪ ،‬بل أنخذ ابلراجح‪،‬‬
‫ويعلم هللا من قلوبنا أننا حنقق الراجح لكونه راجحا‪.‬‬
‫وأما مسألة الرجال؛ فإهنا مسألة أخرى وهلا قواعد؛ لكن أان أقول‪ :‬إذا‬
‫اختلف العلماء املعتربون يف حكم أو يف رجل؛ أصبحت املسألة اجتهادية‪،‬‬
‫وجيب على الناظر أن يرجح وأيخذ ابلراجح وال حيتج ابخلالف‪ ،‬ال يف ِ‬
‫حق‬
‫الرجال وال يف حق األحكام الفقهية؛ بل أيخذ ابلراجح الذي دل عليه‬
‫الدليل‪.‬‬
‫وأان أقول اي عبد هللا! ستدخل القرب وحدك‪ ،‬وستقف بني يدي هللا‬
‫وحدك‪ ،‬وسيكلمك هللا ليس بينك وبينه ترمجان‪ ،‬فإايك أن تتبع زمالءك من‬
‫أجل البيئة‪ ،‬ولكن خذ مبا يظهر رجحانه شرعا‪ ،‬وال لوم عليك فيما خيتلف‬
‫فيه العلماء املعتربون‪.‬‬
‫السؤال السابع‪ :‬ما حكم إفرازات ‪-‬رطوبة‪ -‬فرج املرأة من حيث نقضها‬
‫للوضوء؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫رطوبة فرج املرأة هلا حاالن‪:‬‬
‫‪ -‬احلالة األوىل‪ :‬أن يكون خمرجها خمرج الولد وهذه طاهرة‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 228‬‬

‫‪ -‬احلالة الثانية‪ :‬أن يكون خمرجها خمرج البول ‪-‬أعز هللا السامعني‪ -‬وهذه‬
‫جنسة‪.‬‬
‫واألصل يف هذه الرطوبة أن خمرجها خمرج الولد‪ ،‬فال تكون جنسة‪ ،‬وال‬
‫تـنَجس الثوب إن أصابته‪ ،‬إال إذا علم أن خمرجها خمرج البول؛ فإهنا تكون‬
‫جنسة‪.‬‬
‫اجلمهور على أهنا تنقض الوضوء‪ ،‬سواء كانت طاهرة أم جنسة‪ ،‬ألهنا‬
‫خارجة من السبيلني‪ ،‬لكن إذا كثرت على املرأة حبيث أهنا تكون شبة‬
‫مستمرة‪ ،‬فإهنا إذا توضأت إذا دخل الوقت؛ ال يضرها ما نزل بعد هذا حّت‬
‫خيرج وقت الصالة‪.‬‬
‫السؤال الثامن‪ :‬ما هي ضوابط اعتبار الكدرة والصفرة قبل احليض من‬
‫احليض وترتك املرأة الصالة والصيام من أجل خروج هذه الكدرة أو الصفرة؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫األصل يف الكدرة والصفرة أهنا إن اتصلت ابلطهر فهي من الطهر‪ ،‬وإذا‬
‫اتصلت ابحليض فهي من احليض‪.‬‬
‫فإذا جاءت الكدرة والصفرة بعد احليض متصلة ابحليض فهي من احليض‪،‬‬
‫امرأة‪ :‬أيتيها الدم مث ال ترى الدم ولكنها ترى صفرة وكدرة فهذا من احليض‪.‬‬
‫|‪229‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫وإذا انفصلت عن احليض‪ :‬امرأة أيتيها الدم‪ ،‬انقطع الدم‪ ،‬جفت متاما‪ ،‬مر‬
‫يوم وليلة وهي جافة أو أكثر‪ ،‬مث بعد يومني أو ثالثة رأت كدرة‪ ،‬رأت صفرة‪،‬‬
‫هذا ليس من احليض؛ بل هذا ال يعد حيضا وهي طاهرة‪.‬‬
‫اإلشكال واملسألة اليت الزلت أعيد النظر فيها مرارا وتكرارا‪ :‬الكدرة‬
‫والصفرة إذا اتصلت ابلطهر من وجه‪ ،‬وابحليض من وجه آخر‪ ،‬وهي‪ :‬إذا‬
‫سبقت احليضة واستمرت حّت نزل احليض‪ :‬فمن جهة هي متصلة ابلطهر‪،‬‬
‫ومن جهة أخرى اتصلت ابحليض‪ ،‬والذي ظهر يل من املسألة ‪-‬وهللا أعلم‪-‬‬
‫أنه ينظر إىل عادة املرأة‪:‬‬
‫فإن كان هذا األمر عادة للمرأة دائما يف كل شهر تنزل عليها الصفرة‬
‫والكدرة مث ينزل الدم متصال ابلكدرة والصفرة فهي من حيضها‪.‬‬
‫أما إذا ل يكن ذلك عادة هلا؛ فاألصل أنه ليس حبيض‪ ،‬وإن كنت الزلت‬
‫أراجع هذه املسألة كثريا ألن هذه املسألة من املسائل اليت اختلف فيه كالم‬
‫أهل العلم ‪-‬وهللا أعلم‪.-‬‬
‫السؤال التاسع‪ :‬هناك طلب عندان من أحد احلضور قد ابتلي ابلسحر‬
‫حقيقة بسحر عظيم؛ ِما أدى إىل فقد عقله فيطلب منكم ‪-‬ابرك هللا فيكم‪-‬‬
‫أن تدعو له أن يرد هللا عليه عقله‪ ،‬وأن يعافيه‪ ،‬وقد وصلت بعض الرسائل‪:‬‬
‫أن هناك من بعض األخوات اليت حيضرن الدرس منها من هبا مس‪ ،‬ومنها من‬
‫هبا سحر أيضا‪ ،‬فيلتمسن ‪-‬منكم حفظكم هللا‪ -‬الدعاء للجميع‪.‬‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 230‬‬

‫احلمد هلل‪ ،‬أوال ابلنسبة ملا أشار إليه فضيلة الشيخ الفاضل يوسف‬
‫احلمادي ‪ -‬وهو َمن أعرفه منذ أن كان طالبا يف اجلامعة وهلل احلمد واملنة‪،‬‬
‫أعرفه ابخلري والسنة‪ ،‬نسأل هللا ‪ ‬أن يثبتين وإايه عليها فال خري لنا إال‬
‫فيها= من قضية املقاطعة أثناء الدرس‪ ،‬حقيقة أان ال أحبذها ألين ال أستطيع‬
‫أن أفتحها للجميع؛ فإذا مسحت لواحد مث ل أمسح آلخر أخشى أن يقع يف‬
‫قلب أخي شيء‪ ،‬وحنن حنافظ على قلوب إخواننا ما استطعنا إىل ذلك‬
‫سبيال‪ ،‬وهللا إين أحياان أخشى من االبتسامة‪ ،‬أن ابتسم يف وجه أحد –‬
‫إخواين‪ -‬ومن غري قصد ال أبتسم يف آخر؛ فيقع يف قلبه شيء‪ ،‬والذي ينبغي‬
‫علينا أن نكرم طالب العلم‪.‬‬
‫النيب ﷺ ملا جاءه صفوان بن عسال قال‪ :‬جئت أطلب العلم قال‪ :‬مرحبا‬
‫بطالب العلم‪ ،‬فمن هذا الباب ومنذ القدم ال أحب املقاطعة أثناء الدرس؛‬
‫ألين لو فتحت الباب لن نستمر‪ ،‬ولو مسحت لواحد دون واحد سيؤثر هذا‬
‫يف القلب‪.‬‬
‫ابلنسبة ملا ذكره اإلخوة من السحر‪ :‬أسال هللا أبمسائه احلسن وصفاته‬
‫العلى أن يرفع عنهم هذا البالء‪ ،‬ويثبت هلم األجر‪ ،‬ويذهب عنهم الضر‪،‬‬
‫وأوصي أولياءهم بكثرة القراءة والصرب؛ فإن القراءة املستمرة؛ جربنا مرارا أهنا‬
‫انفعة جدا حبول هللا وقوته‪ ،‬وكم من شخص كان مبتلى ابلسحر ‪-‬حّت كان‬
‫ال يستطيع أن يتصرف يف حياته‪ -‬قرئ عليه‪ ،‬وقرئ عليه؛ فلم يظهر هذا إال‬
‫|‪231‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫بعد فرتة مث شفي حبمد هللا؛ فأسال هللا ‪ ‬أن يعافيهم ويرفع عنهم البالء‬
‫وعن كل مسلم‪ ،‬وأن يثبت هلم األجر ويذهب الضر‪.‬‬
‫السؤال العاشر‪ :‬يقول السائل حنن مهاجرون‪ ،‬أتينا من بالد كافرة ونعمل‬
‫يف شركة ت َسلم لنا بطاقة تسمح لنا ابلذهاب إىل املستشفيات جماان‪ ،‬هل جيوز‬
‫لنا أن نستعمل هذه البطاقة؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫نعم جيوز‪ ،‬هذا التأمني الذي حيصل للعمال حبيث يستطيع أن يذهب هذا‬
‫العامل املنتسب للشركة إىل املستشفى ويعاجل فيه‪ ،‬جيوز له‪ ،‬ألنه ليس م َؤِمنا‪،‬‬
‫والـم َؤِمن هي الشركة‪ ،‬هو مستوف حلقه‪ ،‬وعندان قاعدة‪" :‬املستويف حلقه أيخذ‬
‫حقه" ولو كان ذاك قد فعل حراما فهو الذي يكون مسؤوال عنه‪ ،‬الشركة‬
‫جيب عليها أن تعاجل العمال‪ ،‬والعامل حقه أن يعاجل؛ فإذا ذهبت الشركة‬
‫وأمنت فهذا ال يضر العامل‪ ،‬كذلك لو كانت الشركة تربعت ابلتأمني للعمال‬
‫والعمال ال يدفعون شيئا؛ فإهنم ل يفعلوا حمرما‪ ،‬فيجوز هلم االستفادة من هذا‪،‬‬
‫هذا الذي ظهر يل بعد دراسة املسألة‪.‬‬
‫السؤال احلادي عشر‪ :‬يقول‪ :‬بعض اإلخوة الذين يَدعون العلم‪ ،‬وضعوا‬
‫القاعدة اآلتية‪" :‬احلكام املسلمون الذين حيكمون ابلقوانني الوضعية ال جيوز‬
‫تكفريهم ومع ذلك ال جتب طاعتهم يف املعروف حّت أييت العال الكبري ويفيت‬
‫بوجوب طاعة هذا احلاكم املسلم" فما رأيكم يف هذه القاعدة؟ يقول‪ :‬قالوا‬
‫طاعة مثل هذا احلاكم من النوازل‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 232‬‬

‫اجلواب‪:‬‬
‫احلمد هلل‪ ،‬هذا املذكور يف السؤال من األمور احملدثة املخالفة للنصوص‪،‬‬
‫وهؤالء يريدون أن يتحايلوا على النصوص الواردة مبثل هذا‪ ،‬ويل األمر املسلم‬
‫جتب طاعته ابملعروف حّت لو كان فاسقا؛ فمن ثبتت له الوالية مع اإلسالم؛‬
‫ثبتت له احملبة مع الطاعة يف غري معصية هللا سبحانه وتعاىل‪ ،‬والنيب ﷺ‬
‫يقول‪ :‬يكون فيكم أمراء ال يهتدون هبداي وال يستنون بسنيت‪ ‬من الواصف؟‬
‫النيب ﷺ ‪‬يكون فيكم أمراء ال يهتدون هبداي وال يستنون بسنيت‪ ،‬يقوم فيهم‬
‫رجال‪ ،‬قلوهبم قلوب الشياطني يف جثمان إنس‪ ،‬سبحان هللا!‬
‫هؤالء األمراء وصفهم‪ :‬ال يهتدون هبدي النيب ﷺ وال يستنون بسنته‪،‬‬
‫وحاشيتهم قلوهبم قلوب الشياطني يف جثمان إنس؛ فانظروا إىل هذا الوصف‬
‫العظيم! فيقال للنيب ﷺ‪ :‬فما أتمرين إذا أدركت هذا؟ فيقول‪ :‬تسمع وتطيع‬
‫لألمري وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك‪ ‬واحلديث يف صحيح مسلم‪ ،‬حديث‬
‫ضعفه إال من أعمى بصره اهلوى؛ وورد بطرق كثرية يف‬
‫صحيح كالشمس ال ي َ‬
‫كتب السنن‪.‬‬
‫فالنيب ﷺ مع هذا الوصف؛ يقول‪ :‬تسمع وتطيع لألمري‪ ‬حّت لو كنت‬
‫متأكدا وهذا معن ‪‬وإن ضرب ظهرك‪ ‬أي ضربك على ظهرك ال حيتمل أنه‬
‫ما فيه ‪‬وأخذ مالك تسمع وتطيع لألمري‪.‬‬
‫وهذا الكالم معن ذلك‪ :‬أن احلكم للعال وليس احلاكم! وهذا خالف ما‬
‫تدل عليه النصوص الشرعية‪ ،‬وجيب أن حنذر أميا حذر من الذين يريدون أن‬
‫|‪233‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫يتحايلوا على النصوص مبسائل َيولدوهنا يـ ْوِمهون أهنا نوازل! وهي يف احلقيقة‬
‫من املسائل اليت ختالف النصوص الشرعية‪ ،‬فويل األمر املسلم جتب طاعته يف‬
‫غري معصية هللا‪.‬‬
‫فإذا أمر ويل األمر املسلم أبمر ليس فيه معصية؛ فإنه يسمع له ويطاع؛ أما‬
‫إذا أمر مبعصية؛ فال مسع وال طاعة يف املعصية‪ ،‬مع بقاء السمع والطاعة يف‬
‫غريها‪.‬‬
‫فمّت يكون الشيء معصية؟ ال يكون الشيء معصية شرعا إال إذا أمران‬
‫برتك الواجب أو فعل حمرم؛ فإذا أمر ويل األمر املسلم بفعل حمرم فال نسمع‬
‫ونطيع له يف هذا‪ ،‬وإذا أمر برتك واجب فال نسمع وال نطيع له يف هذا مع‬
‫بقاء السمع والطاعة يف غريه‪.‬‬
‫بل أقول‪ :‬إن أهل السنة واجلماعة يقولون‪ :‬إن ويل األمر ولو كان كافرا‬
‫جتب طاعته فيما يقيم مصاحلَ الناس‪ ،‬ما ل تكن هنالك قدرة على تغيريه‪.‬‬
‫إذا كان الوايل كافرا ول يكن عند املسلمني قدرة على تغيريه‪ ،‬أو كان‬
‫عندهم قدرة على تغيريه مبفاسد عظيمة تربو على مفاسد بقائه؛ ل جيز هلم أن‬
‫خيرجوا عليه؛ ووجب السمع والطاعة فيما حيقق مصاحل الناس‪ ،‬لتحقيق‬
‫املصاحل‪ ،‬حّت ييسر هللا زواله بقوة تكون عند املسلمني أو بغري ذلك‪.‬‬
‫وهذه هي األصول اليت تدل عليها األدلة وعليها أهل السنة واجلماعة‪ ،‬وال‬
‫خري إال فيها‪ ،‬ال خري وهللا! للبالد والعباد للراعي والرعية إال فيما جاء يف‬
‫السنة‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 234‬‬

‫واألحداث اليت تقع اليوم يف بلدان املسلمني ال تزيدان هبذا إال بصرية‪،‬‬
‫والذي ينظر إىل هذه األحداث؛ نظرة سليمة مربأة من األهواء؛ يعلم أن خري‬
‫البالد والعباد يف العمل مبا جاءت به النصوص من الصرب على َجور والة‬
‫األمر إن وجد؛ مع النصح الشرعي الصحيح‪ ،‬والسمع والطاعة يف غري معصية‬
‫هللا سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫نقول هذا ال نتقرب به ألحد من الناس‪ ،‬وهللا ‪-‬اي إخوة‪ -‬إن املعروف عن‬
‫علماء أهل السنة واجلماعة يف كل زمان ومكان؛ أهنم متعففون عن طلب‬
‫أموال الناس من حكام وغريهم‪ ،‬وال يبتغون إال وجه هللا‪ ،‬وينظرون إىل ما‬
‫دلت عليه األدلة‪ ،‬وال يطلبون رضا الناس‪ ،‬حيبون رضا الناس لكن ال يطلبونه‬
‫ابلعنرتايت‪ ،‬وإظهار أهنم خيالفون احلكام ونشر معايب احلكام على املنابر‬
‫وإظهار البطولة‪ ،‬بل يتمسكون مبا دل عليه الدليل‪ ،‬فال يرغبون مبا يف يد‬
‫احلاكم وال يرغبون يف قلوب الناس على حساب األصول الشرعية‪ ،‬خبالف‬
‫من يَضره اهلوى ويلعب به‪ ،‬قد أيكل من أموال احلاكم وأموال الناس ويتوسل‬
‫إىل هذا بشّت الوسائل ويتعنرت أمام الناس مبخالفة األصول الشرعية‪.‬‬
‫جيب علينا ‪-‬وهو الذي يقوم به أهل السنة‪ -‬أن نقرر هذا ابتغاء وجه هللا‬
‫سبحانه وتعاىل‪ ،‬ال نتقرب هبذا ألحد من الناس‪ ،‬فإنه دين‪ ،‬ولكنا نعلم أن‬
‫هذا مقتضى الشرع‪ ،‬وأن هذا هو الذي فيه الصالح احلقيقي‪ ،‬واإلصالح‬
‫احلقيقي مع النصح كما ذكران ‪-‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫|‪235‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫السؤال الثاين عشر‪ :‬ابرك هللا فيكم‪ ،‬نود منكم التكرم بتوجيه نصيحة‬
‫لطلبة العلم خصوصا وللمسلمني عموما‪ ،‬حول ما جيري يف مصر اآلن‪ ،‬وهل‬
‫احلكومة اجلديدة اآلن تعد حكومة شرعية؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫أسال هللا عز وجل أبمسائه احلسن وصفاته العال أن حيقن دماء املسلمني‪،‬‬
‫وأن يدفع البالء‪ ،‬وال شك أن كل ذي علم سليم وفهم مستقيم يفرح بكل‬
‫عمل حيقن دماء املسلمني‪ ،‬ويزيل هذا الشر العظيم‪ ،‬وال شك أين أقول‪ :‬إن‬
‫الواجب على أهل مصر أن يسعوا يف حقن الدماء‪ ،‬وأن يكفوا عن األعمال‬
‫اليت تؤدي إىل القتل وإزهاق األرواح من مجيع األطراف‪ ،‬فإن الدم شأنه عظيم‬
‫ِ‬ ‫و‪َ‬ال يـزال الْمؤِمن معنِقا ِ‬
‫اب َدما‬ ‫ب َدما َحَراما‪ ،‬فَِإذَا أ َ‬
‫َص َ‬ ‫صاحلا‪َ ،‬ما َلْ يص ْ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬
‫َحَراما بَـلَّ َح‪.)1(‬‬
‫واملتقرر عند أهل السنة واجلماعة‪ :‬أن احلاكم املتغلب ابلسيف إذا تغلب‬
‫على احلكم واستقام له األمر عند العامة؛ فإنه يصبح حاكما شرعيا‪ ،‬ولذلك‬
‫نقول‪ :‬إن أهل السنة واجلماعة قد يقولون‪ :‬إن هذا الشيء حرام؛ لكن يرتبون‬
‫عليه الثمرة‪ ،‬أهل السنة واجلماعة ال جييزون التغلب؛ ال جييزون ألحد أن أييت‬
‫وأيخذ احلكم ابلقوة وهذا حرام‪ ،‬لكن إذا حصل وحصلت الوالية؛ ثبتت‬
‫الوالية هلذا املتغلب؛ ونسأل هللا أن يرزق حكماء األمة من حكامنا والعلماء‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود‪.‬‬


‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 236‬‬

‫املعتربين املستضيئني ابلسنة نسأل هللا أن يوفقهم إىل بذل األسباب اليت حتقن‬
‫الدماء‪ ،‬وتزيل الشر‪ ،‬والوصية لطالب العلم‪:‬‬
‫‪ -‬أوال‪ :‬أال يقحم اإلنسان نفسه فيما ليس له‪ ،‬فما ليس لك ال تقحم‬
‫نفسك فيه‪ ،‬واسأل هللا ملن كلفه هبذا األمر التوفيق واهلداية‪.‬‬
‫‪ -‬اثنيا‪ :‬إايك والظلم‪ ،‬ال تظلم أحدا؛ فإن الظلم عاقبته وخيمة‪.‬‬
‫‪ -‬واثلثا‪ :‬اعرف اخلري الذي أنت فيه؛ وامحد هللا عليه‪ ،‬وتعاون مع والة‬
‫أمرك يف بلدك وعلمائك على اخلري‪ ،‬وحافظ على اخلري املوجود يف بلدك‪ ،‬وإن‬
‫كنت من أهل النصح؛ فابذل النصح ابلطرق الشرعية الصحيحة السليمة‬
‫السوية اليت حتقق اخلري ومتنع الشر‪.‬‬
‫مث أنصح –اإلخوة‪ -‬بعدم نشر الكالم الذي يظهر يف الوسائل املعاصرة ِما‬
‫ال خري فيه‪ ،‬كاآلن جند مبا يسمى بـ"تويرت" أييت فيه مقاطع صوتية ألانس‬
‫يتكلمون بكالم ابطل يف هذه األحداث‪ ،‬بعض الناس حبسن نية ينشر هذا‬
‫الكالم‪ ،‬قصده أن يظهر قبحه؛ لكن يف احلقيقة أنه ينشره! وتصل الشبهات‬
‫إىل كثري من الناس‪ ،‬مثل هذا أان ال أراه‪ ،‬وأرى أنه ال أبس أن يطلِع عليه من‬
‫يعرف أنه يعرف ويفهم حقيقة هذه األمور‪ ،‬أما أن ينشر هذا على العامة‪،‬‬
‫وينشر هذا الكالم؛ فهذا نشر هلذا الكالم السيء! فتجد أن بعض الناس‬
‫يتكلم يف والة األمر؛ يف اإلمارات ملوقفهم أو يف والة األمر يف السعودية‬
‫ملوقفهم‪ ،‬بكالم سيء وابطل فبعض الناس ينشر هذا على مستوى عام!‬
‫|‪237‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫نقول‪ :‬هذا ال جيوز ألنه يرتتب عليه نشر هذا الباطل وهذا الفساد‪ ،‬أما‬
‫إرساله ملن يعلم ويفهم حّت يعرف حقيقة األمر فيظهر يل ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬أنه ال‬
‫أبس هبذا‪.‬‬
‫وأنت يف احلقيقة تعجب يف هذه األحداث من انس يدعون الوسطية‬
‫واالعتدال ووو وجتد اآلن كالمهم ينضح ابلتكفري الصريح أو التلميح واحتقار‬
‫املسلمني! فتجد ِمن يدعي العلم؛ من حيتقر ‪ -‬وألتكلم بصراحة ‪ -‬من حيتقر‬
‫حكام اإلمارات! أو حيتقر أهل اإلمارات! أو حيتقر شرطة اإلمارات! أو حيتقر‬
‫حكام السعودية! ويف كالمه الكثري من هذا؛ وهذا ال شك أنه من الباطل‬
‫والشر العظيم الذي يكشف عن معادن الناس ويبني حقائقهم‪ ،‬فكم من‬
‫مدعي لالعتدال والوسطية وضبط اللسان؛ هذه األحداث ظهر فيها أنه من‬
‫أكثر الناس جراءة على أعراض املسلمني‪ ،‬ملاذا؟ ألهنم خالفوه يف هواه وليس‬
‫من منظور شرعي صحيح‪.‬‬
‫على كل حال؛ نسأل هللا عز وجل أن يزيل هذا البالء‪ ،‬وأن يرزق أهل‬
‫مصر األمن والطمأنينة‪ ،‬وأن يعيد العقالء على التعاون لدرء مفاسد هذه‬
‫الفتنة‪ ،‬ويوفق حكامنا لإلسهام يف توطيد اخلري وإبعاد الشر‪.‬‬
‫السؤال الثالث عشر‪ :‬يفعل بعض النساء يف األعراس طريقة بنزع األحلان‬
‫واملوسيقى من األغاين وذلك كحيلة جلعل األخوات حيضرن أعراسهن؛ فما‬
‫احلكم الشرعي يف ذلك؟ وما توجيهكم؟ وهذا املنتشر ما يسمى ابلـ "دي‬
‫جي"‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 238‬‬

‫اجلواب‪:‬‬
‫ما ورد به النص هو اإلذن للنساء يف ضرب الدف مع الغناء املعتاد؛‬
‫ولذلك أان الذي يظهر يل ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬أنه ال جيوز اإلتيان أبشرطة املغنني‬
‫املعروفة ولو نزعت منها املوسيقى؛ فإنه غناء ودعوة هلؤالء الفساق وترويج‬
‫ملثل هذا األمر؛ فالذي يظهر يل ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬أنه ال جيوز‪ ،‬واجلائز ما أذن فيه‬
‫النيب ﷺ وهو اإلذن للنساء أن يضربن على الدف ويغنني الغناء املعتاد‪.‬‬
‫السؤال الرابع عشر‪ :‬حيتج بعض طلبة العلم‪ :‬أنه إذا نشر بعض اإلخوة‬
‫موادا أو مسائل متعلقة ابملنهج الشرعي يف طريقة التعامل مع الفنت فينتقدون‬
‫من ينشرها ويبني للناس احلق هبا حبجة أن هذا املضمون يف هذه املواد ليس‬
‫من األمور املنهجية اليت حيتاج إليها فما توجيهكم؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫ما فهمت السؤال كأنه مضطرب قليال‪ ،‬املوقف من الفنت ال شك أنه من‬
‫األمور املنهجية اليت حيتاجها الناس‪ ،‬واليوم الفنت تضرب يف بالد املسلمني؛‬
‫فنشر املوقف الشرعي الصحيح هذا مطلوب‪ ،‬وهو من املنهج السلفي‬
‫الصحيح الرصني الذي تتحقق به املصاحل وتندفع به املفاسد؛ فعلى كل حال‬
‫هذا الكالم فيه اضطراب َّبني وينبغي على اإلنسان أن يثبت ويكون قصده‬
‫احلق ويكون قصده نفع املسلمني وفق األصول الشرعية الثابتة بكتاب هللا‬
‫وسنة النيب ﷺ‪.‬‬
‫|‪239‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫السؤال اخلامس عشر‪ :‬سائلة تقول‪ :‬إذا كانت املرأة حائضا وأحرمت؛‬
‫فهل إذا طهرت جيوز أن تغتسل ابلشامبو قبل العمرة؟ وهل جيب أن تذهب‬
‫إىل مسجد التنعيم أم تكتفي ابالغتسال مث الذهاب إىل احلرم؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫إذا مرت احلائض ابمليقات تريد العمرة وهي حائض‪ ،‬فإن الواجب عليها‬
‫أن حترم من امليقات‪ ،‬وأن تغتسل كسائر النساء‪ ،‬وهذا ليس بواجب ولكنه‬
‫سنة‪ ،‬مشروع تغتسل كسائر النساء؛ و ْحت ِرم من امليقات‪ ،‬هذا واجب عليها أن‬
‫حترم من امليقات إذا كانت تريد العمرة‪ ،‬مث إذا وصلت إىل مكة ال تذهب إىل‬
‫املسجد احلرام تبقى يف الفندق؛ فإذا طهرت فإهنا تغتسل من حيضها وتذهب‬
‫وتكمل عمرهتا ال حتتاج إىل أن خترج إىل التنعيم أو خترج إىل احلِل‪ ،‬ألهنا حمرمة‬
‫أصال‪.‬‬
‫هل هلا أن تغتسل ابلشامبو؟ نقول إذا كان هذا الشامبو فيه رائحة تعد‬
‫طيبا فال جيوز أن تغتسل به ألهنا حمرمة‪ ،‬أما إن كانت رائحته ليست طيبا وال‬
‫يعدها الناس طيبا؛ فهذا ال أبس أن تغتسل به‪ ،‬وهذا احلكم الذي نقول به يف‬
‫الصابون والتايد‪ ،‬إذا كان الصابون رائحته هي رائحة الصابون؛ فهذا ليس‬
‫بطيب‪ ،‬أما إذا أضيف له الطيب وله رائحة تظهر أنه طيب فال جيوز للمحرم‬
‫أن يستعمله‪.‬‬
‫السؤال السادس عشر‪ :‬تقول‪ :‬امرأة أاتها العذر الشرعي وآخر يوم هلا‬
‫الثالاثء القادم؛ وهي تنوي الذهاب للعمرة يوم اإلثنني الذي هو غدا؛ فهل‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 240‬‬

‫جيوز أن تستعمل ما مينع نزول العذر الشرعي؟ وإن استخدمته وتوقف العذر‬
‫الشرعي؛ فهل جيوز هلا أن تعتمر أم تنتظر انتهاء مدة العذر املعتاد عندها؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫نقول‪ :‬إن األصل أنه ينبغي أن ترتك املرأة األمر كما خلقه هللا؛ فإن‬
‫استخدام هذه األشياء يضر ابملرأة حاال ومآال؛ فينبغي على املرأة أن ترتك‬
‫األمر كما خلقه هللا ما دام يف األمر َسعه‪.‬‬
‫وجيوز هلا أن تستخدم املوانع بشرط أن يكون حتت إشراف طبيبة خمتصة‬
‫تقدر أن ذلك ال يضرها الضرر املتعدي البالغ‪ ،‬فهذه األخت أمرها يسري وهلل‬
‫احلمد واملنة فهي ستذهب اإلثنني وتطهر الثالاثء؛ فتحرم من امليقات وتبقى‬
‫إىل أن تطهر مث تغتسل وتؤدي عمرهتا؛ لكن لو أخذت ما يقطع الدم فانقطع‬
‫عنها الدم انقطاعا معتربا؛ فإنه جيوز هلا أن تؤدي عمرهتا على هذا احلال‪ ،‬وال‬
‫جيب أن تنتظر إىل أن تنتهي مدة احليض املعتادة عندها‪.‬‬
‫السؤال السابع عشر‪ :‬يقول أحسن هللا إليكم‪ ،‬بعض من يدعي العلم‬
‫يقول‪ :‬احلاكم قد يكون مسلما‪ ،‬ولكنه حاكم غري شرعي‪ ،‬فاحلاكم املسلم‬
‫الذي ال حيكم مبا أنزل هللا وله معاص كثرية حنن ال نكفره لكن ال نعتربه‬
‫حاكما شرعيا‪ ،‬وال نرى طاعته من طاعة هللا‪ ،‬وال من العبادة اليت يتقرب هبا‬
‫إىل هللا‪ ،‬ونطيع هذا احلاكم من ابب املصلحة فقط‪ ،‬كما يطاع احلاكم الكافر‪،‬‬
‫يقولون إن هذا القول من قول أهل السنة‪ ،‬فهل ننكر عليهم ونبدع قوهلم هذا‬
‫أم نسكت؟!‬
‫|‪241‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫اجلواب‪:‬‬
‫الشيطان ال أييت اإلنسان من طريق واحد فقط‪ ،‬الشيطان قال بني يدي‬
‫َ َ َ َ ٓ َ ۡ َ ۡ َ َ َ ۡ ُ َ ذ َ ُ ۡ َ َٰ َ َ‬
‫ك ٱل ۡ ُم ۡس َتقِيمَ‬ ‫صر ط‬ ‫ربنا سبحانه وتعاىل‪﴿ :‬قال فبِما أغويت ِن ۡلقعدن لهم ِ‬
‫‪ُ ١٦‬ث ذم ٓأَلت ِيَ ذن ُهم مِن َب ۡي َأيۡدِيه ۡم َوم ِۡن َخ ۡل ِفه ۡم َو َع ۡن َأيۡ َمَٰنِه ۡم َو َعن َش َمآئلِهمۡ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫ََ َ ُ َ ۡ ََ ُ ۡ َ‬
‫َتد أكَثهم شك ِِرين ‪[ ﴾١٧‬سورة األعراف]‪.‬‬ ‫ول ِ‬
‫فالشيطان أييت اإلنسان من طرق متعددة‪ ،‬ومن هذه الطرق‪ :‬أن‬
‫الشيطان يسول لبعض الناس‪ :‬أن احلاكم املسلم الذي استقر له األمر ومت به؛‬
‫قد ال يكون حاكما شرعيا جتب طاعته‪ ،‬ألنه حاكم وإمنا يطاع من أجل‬
‫املصلحة‪ ،‬ألن بعض الناس ال يقبل أن يكفر احلاكم‪ ،‬لكن إذا قيل له‪ :‬إن‬
‫هذا احلاكم مسلم ونعوذ ابهلل من تكفريه ونعوذ ابهلل من أعراض املسلمني‪،‬‬
‫ولكنه ليس حباكم شرعي؛ ألن عنده معاصي‪ ،‬ألنه ال حيكم ابلشريعة!‬
‫فنقول‪ :‬هذا القول قول من جنس األقوال املتبدعة اليت ختالف يف أصل‬
‫املسألة‪ ،‬فإن أهل السنة واجلماعة‪ ،‬متفقون على أن من ثبت له اإلسالم‪،‬‬
‫وجبَت طاعته ألنه ويل أمر املسلمني يف غري معصية هللا‬ ‫وثبتت له الوالية‪َ ،‬‬
‫سبحانه وتعاىل‪ ،‬وال يقولون‪ :‬إن من ثبتت له الوالية وثبت له اإلسالم يقال‬
‫إنه من الصحابه أو يقال إنه من أولياء هللا‪ ،‬أو يقال‪ ...‬كل إنسان بعمله‪،‬‬
‫ولكنه من حيث الوالية يقولون‪ :‬إنه حاكم مسلم جتب طاعته يف غري معصية‬
‫هللا سبحانه وتعاىل‪ ،‬ويذب عن عرضه‪ ،‬وال تنشر أخطائه وال عيوبه‪ ،‬ولو كان‬
‫يف لبسه‪ ،‬ولو كان يف طريقة كالمه‪ ،‬ألن إجالل السلطان من إجالل هللا‪،‬‬
‫وإذهاب هيبة السلطان من طريقة أهل البدع‪ ،‬حّت أن أهل السنة واجلماعة‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 242‬‬

‫يقولون‪ :‬إن طريقة وصول احلاكم إىل احلكم قد ال تكون شرعية‪ ،‬فإذا وصل‬
‫إىل احلكم واستقر له األمر واستقر به األمر‪ ،‬أصبحت واليته شرعية‪.‬‬
‫فلو جاء إنسان وتغلب ابلسيف‪ ،‬ال جيوز له أن يتغلب ابلسيف‪ ،‬ولكن‬
‫لو تغلب وتوىل ومت له األمر؛ أصبحت واليته شرعية وأصبح حكمه شرعيا‪،‬‬
‫وجتب طاعته يف غري معصية هللا سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫وهذا الذي اتفقت عليه كلمة أهل السنة واجلماعة‪ ،‬سواء قلنا إنه ل يكن‬
‫هناك خالف أصال أو قلنا كان هناك خالف بني الصدر األول بتأويل‪ ،‬مث‬
‫اندثر هذا اخلالف واستقر اإلمجاع‪ ،‬إمجاع أهل السنة واجلماعة على هذا‬
‫األمر‪ ،‬فمن توىل أمر املسلمني من املسلمني ومتت له الوالية‪ ،‬فهو حاكم‬
‫مسلم جتب طاعته يف غري معصية هللا سبحانه وتعاىل إبمجاع أهل السنة‬
‫واجلماعة‪.‬‬
‫أما هذه التفصيالت اليت يطرحها بعض الناس وينسبوهنا ألهل السنة‬
‫واجلماعة فليس عليها دليل وال أاثرة من قول] من أقوال أهل السنة واجلماعة‬
‫ِمن عرفوا بتأصيل هذه املسألة من املتقدمني واملتأخرين‪.‬‬
‫السؤال الثامن عشر‪ :‬أحسن هللا إليكم‪ ،‬وهذا سائل يسأل عن مجع نية‬
‫صيام الست من شوال مع صيام األايم البيض؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫اجلمع بني النيات أبن يعمل اإلنسان عمال واحدا بنيتني‪ ،‬فيه تفصيل‪:‬‬
‫|‪243‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫احلالة األوىل‪ :‬فإن مجع بني أصغر وأكرب‪ ،‬وحيصل املقصود بواحد منهما‬
‫‪-‬وسأمثل‪ -‬فهذا جائز‪ .‬مثل‪ :‬إنسان استيقظ يوم اجلمعة وعليه جنابة‪ ،‬فعليه‬
‫غسل جنابة وغسل اجلمعة‪ ،‬وغسل اجلنابة أكرب‪ ،‬حّت لو قلنا أن غسل‬
‫اجلمعة واجب؛ فغسل اجلنابة أكرب‪ ،‬واملقصود من غسل اجلمعة النظافة‪ ،‬فإذا‬
‫اغتسل اإلنسان للجنابة بنية اجلنابة واجلمعة‪ ،‬حصل املقصود من غسل‬
‫اجلمعة‪ ،‬هذا جائز‪ ،‬أو لو أن إنساان دخل املسجد بعد أذان املغرب‪ ،‬فنوى‬
‫السنة‪ ،‬اليت حث عليها النيب ﷺ‪ ،‬بقوله‪ :‬صلوا قبل املغرب‪ ،‬صلوا قبل‬
‫املغرب‪ ،‬صلوا قبل املغرب‪ ،‬مث قال يف الثالثة ملن شاء‪ ‬وحتية املسجد‪ ،‬فإن هذا‬
‫صحيح؛ ألن املقصود من حتية املسجد أال جيلس حّت يصلي ركعتني‪ ،‬وهو‬
‫قد فعل‪.‬‬
‫واحلالة الثانية‪ :‬أن ي َشرك بني أصغر وأكرب وال حيتمل األكرب التشريك‪،‬‬
‫يعين‪ :‬األكرب جيب أن يكون متمحضا كأن يصوم الست من شوال‪ ،‬مع نية‬
‫القضاء‪ ،‬ينوي صيام الست والقضاء يف يوم واحد‪ ،‬فهنا مجع بني أكرب وأصغر‬
‫واألكرب ال حيتمل التشريك؛ ألن القضاء مثل األداء‪ ،‬كما أنه ال جيوز أن‬
‫ت َشرك يف صيام رمضان؛ ال جيوز أن ت َشرك يف القضاء‪ ،‬والصحيح من أقوال‬
‫أهل العلم هنا أن النية تتمحض لألكرب‪ ،‬ويبطل التشريك‪ ،‬فتكون للقضاء‬
‫فقط‪ .‬هذا الصحيح من أقوال أهل العلم‪ ،‬وإن كان من أهل العلم من يبطل‬
‫العمل كله هبذا التشريك‪ ،‬لكن الصحيح أن النية تتمحض لألكرب ويبطل‬
‫التشريك‪ ،‬يعين ما صام الست‪ ،‬وإمنا يكون قضاء‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 244‬‬

‫احلالة الثالثة‪ :‬أن ي َشرك بني متساويني‪ ،‬أو متقاربني ولكل واحد منهما‬
‫مقصود مستقل‪ ،‬فهنا الصحيح من أقوال أهل العلم أنه ال يشرع وال جيوز‪.‬‬
‫مثل أن جيمع بني نية سنة الفجر وانفلة أخرى‪ ،‬أو سنة الظهر وانفلة أخرى‬
‫بنية واحدة‪ ،‬فأان أقول هذا له مقصود وهذا له مقصود‪ ،‬فال جيمع بينهما‪،‬‬
‫احلالة الرابعة‪ :‬أن جيمع بني متساويني أو متماثلني‪ ،‬ويكون املقصود من‬
‫الثاين حاصال‪ .‬مثل سؤال األخ‪ ،‬ألن مثال أنت تصوم الثالث عشر؛ املقصود‬
‫من صيام األايم البيض أن تصوم اليوم الثالث عشر‪ ،‬فإن صمت الثالث عشر‬
‫مع نية الست فقد حصل أنك صمت اليوم الثالث عشر وصمت الست‪.‬‬
‫لكن السؤال هنا‪ :‬هل حيصل لك أنك صمت ثالثة أايم من كل شهر‬
‫مع الست؟ يعين يف اجلواز؛ جائز‪ ،‬وفعال أنت صمت الثالث عشر والرابع‬
‫عشر واخلامس عشر اليت جاء احلث على صيامها‪ ،‬لكن السؤال هل يقال‬
‫إنك هنا صمت الست من شوال وثالثة أايم من شوال؟‬
‫الذي يظهر يل‪-‬وهللا أعلم‪ -‬أنه ال يقال هذا‪ ،‬ألن الست من شوال هلا‬
‫مقصود والثالث هلا مقصود‪ ،‬فإذا كان من عادتك أنك‪ ،‬تصوم ثالثة أايم من‬
‫كل شهر وصمت الستة‪ ،‬ووافقت الثالث عشر والرابع عشر واخلامس عشر‪،‬‬
‫فصم ثالثة أايم من الشهر‪ ،‬لتكون صمت ثالثة أايم فيكون هذا كصيام‬
‫الدهر من كل شهر‪ ،‬وتكون صمت الستة أايم فيكون هذا أيضا كصيام‬
‫الدهر‪ ،‬ألن رمضان بعشرة أشهر وستة أايم بستني يوما‪ ،‬فهذان شهران‪ ،‬فهذا‬
‫الدهر‪ ،‬فهذا مقصود‪ ،‬وهذا مقصود وهللا أعلم‪.‬‬
‫|‪245‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫السؤال التاسع عشر‪ :‬تقول إحدى األخوات نريد نصيحة للنساء‬


‫عامة‪ ،‬وطالبات العلم خاصة‪ ،‬يف أمور اخلوف من هللا والتقوى والورع والتثبت‬
‫والبعد عن أمراض القلوب واشتغاهلن يف الطعن ببعضهن واندفاع يف األحكام‬
‫دون أتن وتثبت؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫كلنا حباجة إىل هذه الوصية‪ ،‬فما أحوجنا إىل سالمة القلوب‪ ،‬السالمة‬
‫الشرعية ال هتورا مذموما‪ ،‬وال متاوات مذموما‪ ،‬الورع البارد ‪-‬حيث يوضع‬
‫الشيء يف غري موضعه‪ -‬ليس مطلواب وال حممودا‪ ،‬والتهور الزائد ‪-‬حيث يضع‬
‫اإلنسان الشيء أيضا يف غري موضعه‪ -‬ليس حممودا وال مذموما‪.‬‬
‫ينبغي على اإلنسان أن حيرص على سالمة قلبه‪ ،‬أن تكون عنده غرية‬
‫شرعية صحيحة منضبطة‪ ،‬فيتكلم حيث يطلب منه شرعا أن يتكلم‪،‬‬
‫ويسكت حيث حيمد شرعا أن يسكت‪ ،‬ويتقي هللا يف لسانه فإن الكلمةَ‬
‫سهلة لكن عواقِبَها عظيمة‪.‬‬
‫تتكلم يف أحد ألن الناس يتكلمون فيه‪ ،‬إال إذا علمت أنه جيوز‬
‫إايك أن َ‬
‫َ‬
‫شرعا أن تتكلم فيه‪ ،‬واحتيج إىل أن تتكلم فيه‪ ،‬وهللا ما ينفعك يف قربك أن‬
‫الذين حولك تكلموا يف فالن بسوء‪ ،‬وإمنا الذي ينفعك أن هللا يعلم ِمن قلبك‬
‫أنك علمت أن الشرع يقتضي منك أن تتكلم فتكلمت‪.‬‬
‫الكالم من أجل البيئة احمليطة خطر على اإلنسان‪ ،‬لكن إذا علمت شرعا‬
‫أنه يطلب منك أن تتكلم أو أذن لك يف الكالم؛ فتكلم وال ترتدد‪ ،‬وهذا من‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 246‬‬

‫اجلهاد يف سبيل هللا‪ ،‬ولكن ال تستلذ األعراض‪ ،‬قف يف حدود الشرع‪ ،‬قد‬
‫يتكلم يف إنسان تبغضه يف هللا لبدعته اليت ينبغي أن يبغض فيها يبغض من‬
‫أجلها‪ ،‬يتكلم يف عرضه فتذب عن عرضه‪ ،‬ل أيذن هللا لنا أن نتكلم يف نِ ِ‬
‫ساء‬
‫املخالفني‪ ،‬وإمنا نتكلم فيما خالف الشرع ونصرب وحنتسب ونذب وجناهد‪.‬‬
‫وألسنة النساء أسرع فَتكا من ألسنة الرجال‪ ،‬فينبغي على املرأه أن جتتهد‬
‫يف الصالح واإلصالح‪ ،‬فاملرأة إذا صلحت صلحت األمة‪ ،‬وإذا فسدت كان‬
‫سببا لفسادكثري‪ ،‬ولذلك النيب ﷺ قال‪:‬ما تركت بعدي فتنة أضر على‬
‫الرجال من النساء‪ ،‬فاملرأة قد تكون فتنة جبسدها‪ ،‬وقد تكون فتنة بلساهنا‪،‬‬
‫وقد تكون فتنة بتدين غري صحيح‪.‬‬
‫املرأة إذا انتمت جلماعة حزبية ‪-‬وهذه بدعة عظيمة ‪-‬قد تكون سببا‬
‫النتماء أكثر أهل البيت‪ ،‬فصالح املرأة فيه خري عظيم‪.‬‬
‫وعلى املرأة أن جتتهد يف اجتناب كل ما حرم هللا‪ ،‬وجتتهد يف اجتناب‬
‫ثالثة أمور عظيمة وهي‪ :‬كفران العشري‪ ،‬وكثرة الشكاية‪ ،‬وكثرة اللعن‪ ،‬فإن هذه‬
‫من مهالك النساء‪ ،‬فقد وعظ النيب ﷺ الرجال يف العيد مث وقف على النساء‬
‫وقال‪ :‬تصدقن فإين رأيتكن أكثر أهل النار‪ ،‬أو قال فإن أكثركن حطب‬
‫جهنم‪ ‬قلن‪ :‬فبم اي رسول هللا؟ قال‪ :‬ألنكن تكثرن الشكاية وتكفرن العشري‪‬‬
‫ويف رواية‪ :‬ألنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشري‪ ،‬ويف هذا احلديث داللة‬
‫على حث املرأة على كثرة الصدقة‪.‬‬
‫|‪247‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫وينبغي عليها أيضا أن هتتم مبا خصه رسول ﷺ يف قوله‪ :‬إذا صلت‬
‫املرأة مخسها‪ ،‬وصامت شهرها‪ ،‬وحصنت فرجها أو حفظت فرجها‪ ،‬وأطاعت‬
‫زوجها‪ ،‬قيل هلا ادخلي من أي أبواب اجلنة شئت‪ ،‬فينبغي عليها مع حرصها‬
‫على اخلري؛ أن حترص على هذه األمور األربعة مع الصدقة‪.‬‬
‫احلرص على الصلوات املفروضة‪ ،‬وهذه من عالمات توفيق العبد ‪-‬رجال‬
‫كان أو امرأة‪ -‬واحلرص على الصيام املفروض‪ ،‬واحلرص على العفة ومقدماهتا‬
‫من حجاب وحنوه‪ ،‬واحلرص على طاعة الزوج مع الصدقة‪ ،‬مث ما أمجل أن‬
‫تكون املرأة يف ضوء هذا طالبة علم‪ ،‬انشرة خريه متمسكة مبا ذكرانه غري‬
‫مفرطة فيه‪ ،‬عارفة للسنة متقية هلل ‪ ،‬خائفة من رهبا‪ ،‬حافظة للساهنا مراقبة‬
‫له‪ ،‬ختشى أن يوردها اللسان املهالك‪ ،‬فنسأل هللا ‪ ‬أن يكرم نسائنا ونساء‬
‫املسلمني بتقواه‪ ،‬وأن جيعلهن سببا لصالح أهلهن ومن حوهلن‪ ،‬وأن جيعل‬
‫فيهن خريا وبركة‪ ،‬وأن يكفيهن شر أنفسهن وألسنتهن وشياطني اإلنس‬
‫واجلن‪ ،‬وأن يبعدان وإايهن عن التحزابت البدعية‪ ،‬واجلماعات اليت تتحزب إىل‬
‫أحزاب‪ ،‬وأن جيعلنا من أهل منهج السلف الصاحل رضوان هللا عليهم‪ ،‬الذي‬
‫هو رمحة كله‪ ،‬وخري كله‪ ،‬ورفق كله‪ ،‬وعدل كله‪ ،‬وإصالح كله‪ ،‬رمحة لإلنسان‬
‫نفسه‪ ،‬ورمحة ملن حوله‪ ،‬أمان للحاكم واحملكوم‪ ،‬فأسأل هللا ‪ ‬أن يكرمنا به‬
‫ويثبتنا عليه‪ ،‬وإن أخطأان شيئا فيه أن جيعلنا من الرجاعني األوابني‪ ،‬وأن‬
‫صربوننا ويساعدوننا يف الثبات على هذا‬ ‫يكرمنا إبخوان لنا يناصحوننا وي َ‬
‫املنهج الكرمي‪ ،‬وهللا تعاىل أعلى وأعلم‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 248‬‬

‫السؤال العشرون‪ :‬يقول ابرك هللا فيكم‪ ،‬بعض الدعاة الذين َّ‬
‫نصبوا‬
‫أنفسهم للدعوة‪ ،‬إذا وقع من أحدهم خطأ يف مسألة‪ ،‬فأنكرت عليه‪ ،‬رد‬
‫عليك معريا مبقولة أو قاعدة "من كثر علمه قَ َّل إنكاره" حّت نسكت فال نرد‬
‫عليه‪ ،‬فهل من كلمة توجيهية تبينون لنا فيها الصواب يف هذا؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫أوال‪ :‬من اإلشكاالت املعاصرة أن بعضا ِمن يسمون ابلدعاة اليوم‪ ،‬هم‬
‫الذين ينصبون أنفسهم‪ ،‬ويقدمون أنفسهم‪ ،‬بينما كان املعمول به عند أهل‬
‫العلم‪ :‬أن أهل العلم هم الذين يقدمون الداعية واملفيت‪ ،‬فال ينتصب للفتوى‬
‫وتوجيه الناس‪ ،‬إال من شهد له أهل العلم أبنه أهل‪ ،‬وبعضهم كان يتشدد‪،‬‬
‫كان األئمة يف زمن اإلمام مالك يف املدينة‪ ،‬يقولون‪ :‬ال ينبغي للرجل أن‬
‫ينتصب للفتوى حّت يشهد له أربعون من أهل العلم‪ .‬يقول مالك‪" :‬فما‬
‫جلست حّت شهد يل سبعون"‪ ،‬ولكن اليوم اإلعالم أصبح يقدم من يسمون‬
‫ابلدعاة وقد ال يكون شهد هلم أهل العلم‪ ،‬ولألسف أصبح الناس يتلقون من‬
‫اإلعالم بدون متييز‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬هذه اجلملة "من كثر علمه قَ َّل إنكاره" أان ال أعرفها يف كالم شيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رمحه هللا‪ ،-‬مع كثرة قراءيت لكتب شيخ اإلسالم ابن‬
‫تيمية ‪-‬رمحه هللا‪ ،-‬ال أعرفها‪ ،‬وحال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رمحه هللا‪-‬‬
‫خيالفها‪ ،‬فشيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا‪ ،‬كان سيف حق ينكر حّت على‬
‫العلماء املقلِ َدة‪ ،‬الذين كانوا يردون السنة من أجل تقليد املذاهب‪ ،‬وأوذي يف‬
‫|‪249‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫هذا وسجن يف القلعة عدة مرات‪ ،‬حّت مات مسجوان يف القلعة‪ ،‬ولو وجدت‬
‫يف كالم بعض أهل العلم فإن خمرجها ليس كما فهم هذا الرجل‪" ،‬من كثر‬
‫علمه قَ َّل إنكاره" معناها‪ :‬أن من كثر علمه فإنه ينشر اخلري حوله‪ ،‬فيعلم‬
‫الناس اخلري‪ ،‬فيقل املـْن َكر‪ ،‬فال يكثر اإلنكار؛ ألن املـْن َكر قَ َّل بنشر العلم‪،‬‬
‫وليس املراد كما فهم هذا‪ ،‬أن العالـِم ال ينكر املنكرات‪ ،‬كيف يكون عالـِما وال‬
‫ينكر املنكرات؟! ولو قيل‪" :‬من كثر علمه‪ ،‬حسن إنكاره" لكان هذا‬
‫نكر املنكرات بال من َكر وينكر‬ ‫الصواب‪" .‬من كثر علمه‪ ،‬حسن إنكاره" في ِ‬
‫نكر عليه‪ ،‬ينبغي أن‬ ‫املنكرات مبعروف‪ ،‬وهذا حال أهل العلم‪ .‬مث املسلم إذا أ ِ‬
‫ينظر يف حاله‪ :‬فإن كان املن َكر عليه واقعا موجودا وهو خمالف للشرع جيب أن‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يشكر‪ ،‬وينبغي أن يشكر الذي أنكر عليه‪ ،‬ويرى للمنكر عليه منَّة‪ ،‬وفضل‬
‫ونعمة‪ ،‬خاصة إذا برز‪ ،‬فإن اإلنسان غري البارز‪ ،‬يتحمل نفسه‪ ،‬لكن البارز‬
‫يتحمل الناس‪ ،‬فهو ضامن‪ ،‬فإذا قال كالما فيه خمالفة شرعية‪ ،‬فجاءه رجل‬
‫فأهدى إليه وأنكر عليه‪ ،‬ينبغي أن يفرح وحيمد هللا أن يسر هللا له‪ ،‬من أنكر‬
‫وبني له‪ ،‬وأن يعود إىل احلق‪ .‬وأال يكون متكربا وأال يكون معرضا عن احلق‪.‬‬
‫وعلى كل حال‪ ،‬أان أحذر أميا حتذير‪ِ ،‬ما يطرحه بعض الناس ِما خيالف‬
‫املعهود عن العلماء‪ ،‬وينسبونه إىل العلماء‪ ،‬بعض الناس ينكر على الوالة‪،‬‬
‫ويقول‪" :‬وكان شيخنا الشيخ ابن ابز ينكر"‪ ،‬ومعروف أن الشيخ ابن ابز‬
‫رمحه هللا‪ ،‬كان ال ينكر اإلنكار العلين على والة األمر‪ ،‬وكان يناصحهم‪ ،‬فيما‬
‫بينه وبينهم‪ ،‬ويراسل البعيدين منهم‪ ،‬بعض الناس يقول‪" :‬وكان شيخنا الشيخ‬
‫ابن عثيمني ينصحنا بكذا وكذا" واملعهود من الشيخ ابن عثيمني خالف‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 250‬‬

‫هذا‪ ،‬وهذا اآلن كثري يف اإلعالم‪ ،‬بل اي إخوة! أصبح بعض الناس ينسبون‬
‫أنفسهم إىل الشيوخ املشهورين‪ ،‬هناك من يردد‪" :‬وكان شيخنا فالن وكان‬
‫شيخنا فالن" وقد مات الشيخ‪ ،‬وهذا دون العاشرة ول يعرف ابجللوس عليه‪،‬‬
‫فينبغي‪-‬اي إخوة‪ -‬أن حنذر من هذه الفقاعات اإلعالمية واليت تطرح‪ ،‬وأال‬
‫نتبع كل من يتكلم‪ ،‬وإمنا نبحث عن اخلري واهلدى والسنة واحلق‪ ،‬ونتبع‪ ،‬وحنن‬
‫ال نقول‪ :‬إن كل الدعاة الذين يظهرون يف اإلعالم‪ ،‬ليسوا أهال للدعوة؛ ولكنَّا‬
‫نقول ينبغي توخي احلذر واالنتباه ووزن ما يقال‪ ،‬وعدم اتباع كل ما يطرح‪،‬‬
‫فإنه أحياان يدس السم يف العسل‪ ،‬وأحياان كثرية يـتَلبَّس أبمساء العلماء؛‬
‫والعلماء برآء ِما ينسب إىل امسائهم‪ .‬وهللا أعلم‪...‬‬
‫مث من منهج العلماء أنه إذا وجد منكر عام يف البلد ينكرونه ابلنسبة‬
‫للعامة‪ ،‬ويبينون أنه حرام‪ ،‬وال يسكتون ويقولون أنه مادام أنه وجد يف البلد‬
‫حنن نربر‪ ،‬بل ينكرون‪ ،‬ولكن ال ينسبونه إىل والة األمر وينفرون قلوب العامة‬
‫عن والة األمر هبذه املنكرات‪ ،‬بل يناصحون ويل األمر‪ ،‬فيما هو له‪،‬‬
‫ويناصحون العامة فيما هو هلم‪ ،‬يعين مثال وجود البنوك الربوية‪ ،‬العلماء‬
‫يقولون للناس‪ ،‬هذه البنوك الربوية حمرمة‪ ،‬وهذه التعامالت الربوية حمرمة‪ ،‬وال‬
‫جيوز لك أن تتعامل مع هذه البنوك‪ ،‬ولكن ال يقومون على املنابر ويقولون‪:‬‬
‫انظروا قد انشؤوا البنوك‪ ،‬وأعطوها الرخص‪ ،‬وجيهزون اجلنود حيموهنا‪ ،‬بل إذا‬
‫لقوا ويل األمر نصحوه‪ ،‬ولذلك أان ذكرت مرارا عبارة قاهلا أحد مشاخينا‪،‬‬
‫وهي حقيقة حال مجيع مشاخينا‪ ،‬يقولون‪" :‬حنن إذا كنا مع والة األمر كنا‬
‫للعامة‪ ،‬وإذا كنا مع العامة كنا لوالة األمر"‪ .‬ما يبحثون عن بطوالت‪،‬‬
‫|‪251‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫وعنرتايت‪ ،‬وأن حيمدهم الناس‪ ،‬يريدون اخلري‪ ،‬فإذا جاؤوا وجلسوا مع ويل‬
‫األمر‪ ،‬بدؤوا يناصحونه‪ ،‬ويذكرون مظال العامة‪ ،‬ويذكرون ويذكرون‪ ،‬وإذا‬
‫جلسوا مع العامة‪ ،‬أخذوا يثنون على ويل األمر‪ ،‬مبا فيه من خري‪ ،‬مبا ميأل‬
‫القلوب حمبة‪ ،‬ويذبون عن عرضه‪ ،‬وينهون عن الكالم فيه‪ ،‬خبالف غريهم‪،‬‬
‫فغريهم إذا اعتلى املنابر أمام الناس‪ ،‬رفع صوته‪ ،‬وهدر مبا ال جيوز من الطعن‬
‫يف والة األمر‪ ،‬وإذا خلى بوالة األمر قال‪" :‬سم ط َّول هللا عمرك‪ ،‬ما شاء هللا‬
‫تبارك هللا"‪.‬‬
‫وهذه من صفات أهل العلم وأهل اخلري‪ ،‬أهنم يرغبون يف اخلري‪ ،‬ال يرغبون‬
‫بشيء ألنفسهم‪ ،‬ال بطوالت أمام العامة‪ ،‬وال أشياء من اخلاصة‪ ،‬وإمنا يريدون‬
‫اخلري‪ ،‬وهذا منهج مشاخينا الذين رأيناهم‪ ،‬وتعلمنا منهم وهو املنهج الرشيد‪،‬‬
‫واحلقيقة أنك إذا رأيت العال حيرص على مجع قلوب الراعي والرعية وعلى‬
‫تنمية احملبة بني الراعي والرعية‪ ،‬مع النصح للطرفني ابلطريق الشرعي‪ ،‬فاعرف‬
‫أنه العال الذي يتمسك بكالمه‪ ،‬ألنه ال يريد إال احلق واخلري‪ ،‬وهذا منهج‬
‫أهل العلم وهللا أعلم‪.‬‬
‫السؤال احلادي والعشرون‪ :‬طيب ابرك هللا فيكم َنتم هبذا السؤال‪،‬‬
‫ونرجو فيه التوجيه‪ .‬يقول‪ :‬كثرت الفنت يف بالدان‪ ،‬ومسى بالدهم‪ ،‬بعضهم‬
‫يوصينا ابالعتزال‪ ،‬وبعضهم يوصينا بصد عدوان اخلوارج والبغاة‪ ،‬فاإلخوة‬
‫هناك يف حرية‪ ،‬فما توجيهكم ابرك هللا فيكم؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 252‬‬

‫على كل حال‪ ،‬هذا الكالم يف بلدان من بعض بلدان املسلمني‪ ،‬فنت‬


‫ترتبت على فنت‪ ،‬وشر قاد شرا وهذه األحداث تبني لنا بوضوح وجالء صحة‬
‫منهج أهل السنة واجلماعة يف هذه األمور‪ ،‬وأنه لو وجد ويل أمر مسلم ظال‬
‫يف بلد؛ ال جيوز اخلروج عليه ابتداء‪ ،‬وأن يصرب عليه‪ ،‬مع السعي يف اإلصالح‬
‫ابلطريق الشرعي‪ ،‬أما إذا كان ويل األمر كافرا‪ ،‬سواء نسب إىل اإلسالم أو ل‬
‫ينسب‪ ،‬كما يف بعض البلدان املعاصرة اآلن‪ ،‬فإنه لو استشاران الناس‪ ،‬لقلنا‬
‫إن أهل العلم يقولون‪ :‬ال جيوز اخلروج على ويل األمر الكافر إال إذا وجدت‬
‫أمور‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬أن يكون عند املسلمني قدرة على تغيريه‪.‬‬
‫األمر الثاين‪ :‬أال يرتتب على تغيريه شر أعظم من بقائه‪.‬‬
‫األمر الثالث‪ :‬أن يوجد من يصلح ليكون مكانه‪ ،‬فال جيوز التهور‪.‬‬
‫يقال مثال‪" :‬هذا احلاكم حكم أهل العلم بكفره مثال‪ ،‬فنخرج عليه‪ ،‬ما‬
‫دام أنه حكم بكفره"‪ ،‬ال‪ ،‬ال بد أن تكون هناك قدرة وإال فإنه ال جيوز‪ ،‬وال‬
‫ؤمن الفتنة األعظم‪ ،‬وإال فإنه ال جيوز‪ ،‬وأن يوجد من يصلح ليحكم‬ ‫بد أن ت َ‬
‫البلد وحي َكم البلد‪ ،‬لكن أن يسقط احلاكم ويرتك البلد فوضى‪ ،‬ال يكون فيها‬
‫حق وال خري‪ ،‬فهذا ما يصلح وال جيوز‪.‬‬
‫إذن منهج أهل السنة واجلماعة‪ ،‬إذا كان ويل األمر يف البلد مسلما وفيه‬
‫ظلم وفيه كذا‪ ،‬ال جيوز اخلروج عليه‪ ،‬وجيب الصرب عليه‪ ،‬ولكن جيب نصحه‬
‫|‪253‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫والسعي يف إصالحه ابلطرق الصحيحة‪ ،‬وإذا كان كافرا فال جيوز اخلروج عليه‪،‬‬
‫إال هبذه األمور الثالثة‪.‬‬
‫وجدت فنت يف بعض بلدان املسلمني‪ ،‬ومتزق البلد‪ ،‬وأصبح األمن الذي‬
‫كان موجودا مع الظلم‪ ،‬ذهب وبقي الظلم‪ ،‬وأصبحت الناس تتناحر‪ ،‬فَِرق‬
‫كل يريد األمر لنفسه‪ ،‬وصارت فنت‪ ،‬وحنن نقول‪ :‬إن األصل يف هذا أن‬
‫اإلنسان جيتنب كل هذا إذا كان يستطيع‪ ،‬ويدفع عن نفسه‪ ،‬ودينه‪ ،‬وأهله‬
‫وماله‪ ،‬فإذا جاءه من يريد دينه‪ ،‬أو يريد نفسه أو يريد ماله‪ ،‬أو يريد أهله‪،‬‬
‫فإنه يدفع عن نفسه‪.‬‬
‫وحنن نعرف أن اخلوارج يكفرون كل من ل يوافقهم يف الرأي‪ ،‬ويستحلون‬
‫دمه وماله ونساءه؛ ألن من عقيدة اخلوارج من أوهلم إىل آخرهم أن من‬
‫خالفهم كافر والكافر جيوز قتاله‪ ،‬ومن جيوز قتاله‪ ،‬يغنم ماله وتسىب نساؤه‪،‬‬
‫ولذلك اخلوارج األولون‪ ،‬ملا انظرهم ابن عباس رضي هللا عنه وقال‪ :‬ماذا‬
‫تنقمون على ابن عم رسول هللا ﷺ؟! ذكروا ثالثة أمور‪ ،‬منها أهنم قالوا‪ :‬إنه‬
‫ب ول يغنم‪ ،‬فإما أهنم كفار فيحل قتاهلم وسبيهم‪ ،‬وإما أهنم ليسوا‬ ‫قاتل ول يس ِ‬
‫ْ‬
‫كفارا فال حيل قتاهلم وال سبيهم‪ .‬فقال هلم ابن عباس رضي هللا عنهما‪:‬‬
‫‪‬أترضون أن تسبوا أمكم عائشة رضي هللا عنها‪ ،‬فإن قلتم ليست أمنا فقد‬
‫كفرمت‪ ،‬وإن قلتم نسبيها فقد كفرمت‪ ،‬فأنتم بني ضاللتني‪.‬‬
‫فعقيدة اخلوارج‪ ،‬أهنم ال يرقبون فيمن خيالفهم ًإال وال ذمة‪ ،‬فإايكم‪-‬اي‬
‫إخوة‪ -‬أن تعتقدوا أن اخلوارج يريدون احلكام‪ ،‬اخلوارج يريدون كل من‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 254‬‬

‫أهل األواثن ويقتلون أهل اإلميان‪ ،‬حبجة‬


‫خالفهم‪ ،‬ومن صفاهتم أهنم يَ َدعون َ‬
‫أهنم أوىل ابلقتل‪ ،‬ألهنم منافقون وأهل ردة‪ ،‬ولذلك اآلن جتد أن اخلوارج‬
‫يريدون ضرب السعودية‪ ،‬ويريدون ضرب اإلمارات‪ ،‬حبجة أهنم مرتدون‬
‫منافقون‪ ،‬وال حيركون ساكنا جتاه الكفار‪ ،‬ال من قريب وال من بعيد‪ ،‬غزة‬
‫تضرب وهم يضربون احلدود السعودية‪ ،‬فهذه من صفاهتم‪ ،‬وهم أهل شر وال‬
‫ؤمنون‪.‬‬
‫يَ‬
‫ولذلك هم يف البلد اإلنسان يعلم أهنم يريدونه‪ ،‬فيدفع عن نفسه‪ ،‬ولكن‬
‫ال أعلم ‪ -‬وأان فهمت‪ ،‬ولعلي إن شاء هللا أصبت الدولة اليت ذكرها األخ‪ ،‬ال‬
‫أعلم = راية مستقرة‪ ،‬يدفع معها اإلنسان‪ ،‬بل الناس متناحرون‪ ،‬ولذلك أان‬
‫أقول ‪ -‬هذا رأيي ‪ :-‬أنه ينبغي أن اإلنسان جيتنب هذه ِ‬
‫الفَرق‪ ،‬يف هذه احلال‬
‫ويدفع عن نفسه‪ ،‬وعرضه وماله‪ ،‬وإذا رأى أن هؤالء جاؤوا يعتدون على‬
‫مسلم فإنه يدفع عن هذا املسلم‪ ،‬هذا الذي حتصل يل يف املسألة‪ ،‬مع أين‬
‫أوصي اإلخوة يف ذلك البلد ويف بلدان املسلمني‪ ،‬بكثرة الدعاء أن يذهب هللا‬
‫هذا الداء‪ ،‬وأن جيمع قلوب املسلمني على اهلدى والسنة واخلري‪ ،‬وأن يكف‬
‫بعض املسلمني عن بعض‪ ،‬ينبغي أن جنتهد يف الدعاء ‪-‬اي إخوة‪ -‬إخواننا‬
‫وأهلنا وإن ل يكونوا يف بلدان‪ ،‬ينبغي أن هنتم أبمرهم‪ ،‬ينبغي أن حنزن حلاهلم‪،‬‬
‫ينبغي أن نبذل ما نستطيع إلصالحهم‪ ،‬ومن اإلصالح أن ندعوا‪ ،‬وأن نكثر‬
‫من الدعاء‪ .‬ندعو هلم يف الليل وندعو هلم يف سجودان‪ ،‬فاألمر عظيم‪ ،‬والكربة‬
‫عظيمة‪ ،‬وإخواننا من أهلنا‪ ،‬وأوصيهم كذلك ابلدعاء‪ ،‬واحلرص على نشر‬
‫السنة واخلري يف البلد‪ ،‬فإن السنة تطفئ البدعة إن شاء هللا‪ ،‬حيرصون على‬
‫|‪255‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫التعليم ونشر اخلري والسنة والبعد عن الفنت‪ ،‬والدفع عن أنفسهم وعن‬


‫املسلمني‪ ،‬ولعل هللا يكتب هلم خريا ويدفع عنهم السوء‪ ،‬وهللا تعاىل أعلى‬
‫وأعلم وصلى هللا على نبينا وسلم‪.‬‬

‫***‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 256‬‬
‫|‪257‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫اثنيا‪ :‬الوصااي العلمية‬


‫الوصية األوىل‪ :‬احلرص على تعلم العلم الصحيح‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم األمتان األكمالن على املبعوث‬
‫رمحة للعاملني وعلى آله وصحبه أمجعني أما بعد‬
‫فإن هللا ‪ ‬بعث حممدا ﷺ رمحة للعاملني‪ ،‬بعثه بشريعة كلها عدل‪،‬‬
‫وكلها خري‪ ،‬وكلها رمحة‪ ،‬وكلها إحسان‪ ،‬فيها الصالح واإلصالح‪ ،‬وفَ ِهم‬
‫الصحابة ‪-‬رضوان هللا عليهم‪ -‬ذلك من رسول هللا ﷺ‪ ،‬فصلحت أحواهلم‪،‬‬
‫وملؤوا ما وصلوه من األرض عدال‪ ،‬وعلما‪ ،‬ورمحة‪ ،‬وحكمة‪ ،‬واجتمعت كلمة‬
‫املسلمني على اخلري واهلدى‪ ،‬إىل أن نبغ يف اإلسالم انبغة‪ ،‬ونشأت انشئة‬
‫ظنوا أهنم أفهم لدين هللا من صحابة رسول هللا ﷺ‪ ،‬وأ ْغ َري على دين هللا من‬
‫صحابة رسول هللا ﷺ‪ ،‬فخالفوا الصحابة‪ ،‬وتركوا فهم الصحابة‪ ،‬وحدثت‬
‫البِ َدع يف اإلسالم‪ ،‬فنشأت بدع يف العقيدة‪ ،‬وبدع يف التعامل مع والة أمور‬
‫املسلمني‪ ،‬وبدع يف التكفري‪ ،‬وبدع يف العمل‪ ،‬وبدع يف التفقه‪ ،‬فتفرق‬
‫املسلمون‪ ،‬وحصل الشر بسبب هذه البدعة‪.‬‬
‫وال شك أن كل مسلم ينظر اليوم إىل حال املسلمني يرى االختالف‬
‫الكبري املوجود‪ ،‬وال شك أن كل غيور يريد أن خيرج املسلمون من هذا النزاع‪،‬‬
‫ومن هذا اخلالف‪ ،‬ومن هذه الفرقة‪ ،‬وقد َّبني النيب ﷺ املخرج من هذه‬
‫الفرقة‪ ،‬واملخرج من هذا اخلالف‪ ،‬وهو خمرج واحد ال اثين له‪ ،‬وذلك يف قوله‬
‫ﷺ‪ :‬فإن من يعش منكم بعدي؛ فسريى اختالفا كثريا‪ ،‬فعليكم بسنيت وسنة‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 258‬‬

‫اخللفاء الراشدين املهديني‪ ،‬متسكوا هبا‪ ،‬وعضوا عليها ابلنواجذ‪ ،‬وإايكم‬


‫وحمداثت األمور‪ ،‬فإن كل حمدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضاللة‪ ،)1(‬املخرج من‬
‫هذه الفنت‪ ،‬واملخرج من هذه اخلالفات؛ هو ابلرجوع إىل سنة النيب ﷺ‪،‬‬
‫والتمسك بفهم الصحابة ‪-‬رضوان هللا عليهم‪ -‬هلذه السنة‪.‬‬
‫فإذا فعل ذلك استقامت احلال لألمة‪ ،‬وال شك أن هذا ال حيصل إال‬
‫ابلعلم الصحيح‪ ،‬ابحلرص على معرفة سنة النيب ﷺ يف مجيع النواحي‪ ،‬ويف‬
‫مجيع املسائل‪ ،‬فنشر العلم الصحيح املبين على الكتاب والسنة هو الذي تنتفع‬
‫به األمة إن شاء هللا ‪ ،‬وأان على يقني أن كل فرقة خمالفة يف هذا الزمان‬
‫عندها جهل ابلسنة‪ ،‬أو جتاهل وتغافل عنها‪ ،‬فينبغي علينا أن حنرص على‬
‫تعلم العلم الصحيح‪ ،‬وعلى نشر السنة إذا أردان اخلري ألمتنا وجمتمعاتنا‪.‬‬

‫***‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد وأبو داود والرتمذي وابن ماجه‪.‬‬


‫|‪259‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫الوصية الثانية‪ :‬ات هللا حيثما كنت‪..‬‬


‫أحب أن أذكر نفسي وإخواين بوصية عظيمة هي وصية رسول هللا ﷺ‬
‫حيث قال‪ :‬اتق هللا حيثما كنت‪ ،‬وأتبع السيئة احلسنة متحها‪ ،‬وخالِ ِق الناس‬
‫خبلق حسن‪.)1(‬‬
‫هذه الوصية العظيمة‪ ،‬الناس حباجة إليها كحاجتهم للماء واهلواء‬
‫والطعام‪ ،‬وال يستغين عنها أحد‪ ،‬فإن النيب ﷺ أوصى هبا معاذا ‪ ،‬ولو كان‬
‫أحد يستغين عن هذه الوصية الستغن عنها معاذ ‪ ‬فإنه يسبق العلماء‬
‫بَِرتْـ َوة‪ ،‬حيشر بني يدي العلماء بَِرتْـ َوة‪ ،‬وكان النيب ﷺ حيبه ويقسم أنه حيبه‪ ،‬فلو‬
‫كان أحد لشرف منزلته أو لعلمه يستغين عن هذه الوصية؛ الستغن عنها‬
‫معاذ ‪ ،‬كما أن ذلك يدل على أن العلماء وطالب العلم حمتاجون هلذه‬
‫الوصية حاجة عظيمة‪.‬‬
‫اتق هللا حيثما كنت‪ :‬تقوى هللا مفتاح الفالح ومفتاح اخلري ومفتاح‬‫‪ِ ‬‬
‫الفوز‪ِ ،‬‬
‫اتق هللا يف قلبك فال تعتقد إال اعتقادا صحيحا‪ ،‬وهو االعتقاد الذي‬
‫اتق هللا بقلبك فال تن ِو إال خريا‪ِ ،‬‬
‫اتق هللا يف قلبك‬ ‫أمجع عليه سلف األمة‪ِ ،‬‬
‫اتق هللا يف لسانك فال تقل إال خريا‪،‬‬ ‫فأحب للمسلمني ما حتب لنفسك‪ِ ،‬‬
‫‪‬من كان يؤمن ابهلل واليوم اآلخر فليقل خريا أو ليصمت‪ِ ‬‬
‫فاتق هللا‪ ،‬وإذا‬
‫أردت أن تتكلم ابلكلمة فضع بني عينيك أنك اليوم متكلم قادر على‬
‫الكالم‪ ،‬متمكن منه‪ ،‬لكنك غدا بني يدي هللا مسؤول عما تقول‪ ،‬فإن كنت‬

‫(‪ )1‬رواه أمحد والرتمذي‪.‬‬


‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 260‬‬

‫جتد أن لك خمرجا من كالمك بني يدي هللا ‪ ‬فتكلم‪ ،‬وإن كنت جتد أن‬
‫يف كالمك عثرة لن تنجو هبا بني يدي هللا ‪ ‬فأمسك‪ ،‬فإن الرجلني قد‬
‫يتكلمان بكلمة واحدة يرتقي هبا أحدمها يف اجلنة‪ ،‬ويهوي هبا أحدمها يف‬
‫النار‪ ،‬فاألول كان على سالمة وشرع عندما تكلم هبا‪ ،‬واآلخر كان عنده‬
‫خلل فيها‪ :‬إما يف قلبه ونيته‪ ،‬وإما يف حقيقة ما يقول‪.‬‬
‫وطالب العلم حباجة ألن يتقوا هللا ‪ ‬يف ألسنتهم‪ ،‬فإن كلمة طالب‬
‫العلم ليست ككلمة العامي‪ ،‬سواء يف ما يذكرونه من أحكام أو ما ينقلونه‬
‫من أخبار‪ ،‬فإن طالب العلم قد ينقل اخلرب متعجال فيه غري متأن‪ ،‬فيسبب من‬
‫الفساد ما هللا به عليم‪ ،‬وقد يبعد كثريا من اخلري ويسبب كثريا من الشر‪،‬‬
‫ولذلك ‪-‬اي إخوة‪ -‬حنن معاشر طالب العلم؛ حباجة عظيمة ألن نتأن فيما‬
‫نقوله من كالم وما ننقله من أخبار‪ ،‬وأن ال ننقل إال ما كان َّ‬
‫متيقنا عندان‬
‫وعلمنا أنه جيوز لنا أن نقوله‪ ،‬وقد قلت ِمرارا‪ :‬إن اإلنسان إذا أراد أن يتكلم‬
‫فال بد أن يلحظ ثالثة أمور‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬أن يكون كالمه حقا يف ذاته‪.‬‬
‫واألمر الثاين‪ :‬أن يكون كالمه حقا يف قصده‪.‬‬
‫واألمر الثالث‪ :‬أن يكون كالمه حقا يف أثره‪ ،‬وإال فإنه يصمت‪.‬‬
‫أن يكون حقا يف ذاته‪ :‬أن يعلم أن الكالم الذي يقوله صحيح‪ ،‬إن كان‬
‫من العلم؛ يعلم أنه صحيح‪ ،‬وإن كان من األخبار؛ يعلم أنه واقع‪.‬‬
‫|‪261‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫وأن يكون حقا يف قصده‪ :‬أبن يعلم هللا من قلبه أنه يريد بذلك وجه هللا‪،‬‬
‫سواء كان فيما يطرح من علم أو ما ينقل من خرب‪ ،‬فإن رأى من قلبه أنه ل‬
‫يبت ِغ بذلك وجه هللا‪ ،‬فليقف‪ ،‬فقد ينقل إنسان خربا؛ يقصد بذلك النصح‬
‫لألمة‪ ،‬فيكون على خري‪ ،‬وقد ينقل آخر نفس اخلرب يقصد بذلك التفكه يف‬
‫عرض أخيه أو الوقيعة بني اثنني أو غري ذلك فيكون بذلك آمثا‪ ،‬فالبد من‬
‫مراعاة ما يف القلب‪.‬‬
‫وأن يكون حقا يف أثره‪ :‬أبن ينتج الكالم املصلحة الشرعية املرجوة‪ ،‬فإن‬
‫كان الكالم ينتج مفسدة فإنه ال جيوز نقله‪ ،‬إذا كان الكالم ينتج مفسدة وال‬
‫ينتج املصلحة الشرعية املرجوة؛ فإنه ال جيوز التكلم به‪ ،‬وال جيوز اإلخبار به‬
‫إن كان خربا‪ .‬وهذا من األمور العظيمة اليت ينبغي أن يراعيها املسلم عموما؛‬
‫ويراعيها طالب العلم خصوصا‪.‬‬
‫وكم يعاين الناس من التعجل‪ ،‬يقول بعض احلكماء‪ :‬كان الرجال يفكرون‬
‫مث يتكلمون‪ ،‬واليوم أصبح الرجال يتكلمون مث يفكرون‪ ،‬ولذلك كثرت الندامة‬
‫ت‪ ،‬وقد جاء يف احلديث‪ :‬األانة من الرمحن والعجلة من‬ ‫اليوم ألن األانة قلَّ ْ‬
‫الشيطان‪- ‬وهو حسن إن شاء هللا‪ -‬ولذلك ِما يلحظ اليوم‪ ..‬أن الطالق يقع‬
‫كثريا‪ ،‬بينما قبل عشرين سنة أو ثالثني سنة ما كنا نسمع هبذه الصورة الكبرية‬
‫من الطالق‪ ،‬أو قل املنطقة الكبرية رمبا ال تسمع فيها طالقا واحدا لسنني‬
‫متعددة‪ ،‬ألن الناس بفطرهتم وحكمتهم كانوا يفكرون مث يتكلمون‪ ،‬أما اليوم‬
‫فحّت طلبة العلم أصبحت تغلب عليهم العجلة‪ ،‬فكالمهم يسبق تفكريهم‪ ،‬ال‬
‫يقدمون امليزان قبل نطق اللسان‪ ،‬بل يتكلمون‪ ،‬واإلنسان إذا تكلم قد يصيبه‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 262‬‬

‫الكرب من أن يرجع عما قال‪ ،‬وقد يرتتب على ذلك ضرر عظيم‪،‬‬ ‫بعد ذلك ِ‬
‫ولذلك ‪-‬اي إخوة‪ -‬تقوى هللا يف اللسان من أعظم ما ينبغي أن هنتم به حنن‬
‫معاشر طالب العلم‪ ،‬يتق هللا يف عمله‪ ،‬اتق هللا حيثما كنت‪ ،‬يتق هللا يف سره‪،‬‬
‫يتق هللا يف جهره‪.‬‬
‫‪‬وأتبع السيئة احلسنة متحها‪ ،‬الذنب كاحلتم الالزم لإلنسان‪ ،‬كما قال‬
‫النيب ﷺ‪ :‬كل بين آدم خطَّاء‪ ،‬حّت طالب العلم يقع منه اخلطأ فيحتاج‬
‫إىل أن ينتبه إىل نفسه وأن حيرص على اإلكثار من احلسنات‪ ،‬فإن احلسنة إذا‬
‫فعلها اإلنسان‪ :‬إن صادفت صغرية َّ‬
‫كفرهتا‪ ،‬وإن صادفت كبرية خففتها‪.‬‬
‫‪‬وخالق الناس خبلق حسن‪ :‬اخللق احلسن من الدين‪ ،‬وهو من أعظم‬
‫شعائر الدين‪ ،‬وحنن حباجة إىل التخلق ابخللق احلسن مع العامة وفيما بيننا‪،‬‬
‫ليعلم الناس أن االستقامة خري هلم‪ ،‬وأنه ال خري للبالد وال خري للعباد إال يف‬
‫استقامة على دين هللا ‪ ،‬ويظهر ذلك يف حسن اخللق‪.‬‬
‫ومن اخلطأ أن يكون الواحد منا قبل استقامته أحسن خلقا منه بعد‬
‫استقامته‪ ،‬كل الناس الذين حولك ‪-‬مع كونك مستقيما طالب علم‪ -‬خريا هلم‬
‫من غريك‪ ،‬من اخلطأ اي طالب العلم أن تكون يف البيت مع أخيك الذي ال‬
‫تظهر عليه االستقامة وال طلب العلم فيكون خريا ألهله منك‪ ،‬يكون خريا‬
‫جلريانه منك‪ ،‬يظهر فيه من حسن اخللق ما ال يظهر عليك‪ ،‬ينبغي أن نظهر‬
‫حسن اخللق ألن يف ذلك مع فضيلة حسن اخللق فضيلة إظهار حماسن هذه‬
‫االستقامة وحماسن طالب العلم‪.‬‬
‫|‪263‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫ومن حسن اخللق‪ :‬احلرص على اجتماع الكلمة‪ ،‬اجتماع كلمة أهل احلق‬
‫على احلق ابحلق‪ ،‬فإن أهل احلق يف كل زمان هم قلة‪ ،‬فينبغي عليهم أن‬
‫حيرصوا على االجتماع على احلق‪ ،‬وهذه أول نقطة حيرص كل واحد من‬
‫طالب العلم على احلق واهلدى والسنة‪ ،‬ولو أخطأ يرجع إىل احلق واهلدى‬
‫والسنة‪ ،‬وحيرصون على مجع الكلمة‪ ،‬كلمة أهل احلق على احلق ابحلق والسنة‪،‬‬
‫وهذه من األمور املهمة جدا بني طالب العلم‪.‬‬
‫وكل هذا اي إخوة إمنا يكون ابألصول الشرعية‪ ،‬ومبا كان عليه سلف‬
‫األمة ‪-‬رضوان هللا عليهم‪ -‬من غري شطط‪ ،‬ومن غري خروج عن مذهب‬
‫السلف الصاحل ‪-‬رضوان هللا عليهم‪.-‬‬
‫فما أحوجنا ‪-‬اي إخوة‪ -‬أبن نتدبر هذا يف أنفسنا‪ ،‬كل واحد منا ينظر‬
‫إىل هذه الوصية العظيمة ما منزلته منها‪ ،‬ما الذي حيققه منها‪ ،‬ويعمل على‬
‫الثبات على اخلري‪ ،‬ويسأل هللا الزايدة وأن يثبته على اخلري‪ ،‬ويعمل على‬
‫الرجوع عن اخلطأ إن وجده‪ ،‬فإن الرجوع إىل احلق حق وخري‪ ،‬أسأل هللا ‪‬‬
‫أن يفقهنا يف دينه وأن جيعلنا مفاتيح للخري مغاليق للشر وأن جيمع القلوب‬
‫على اهلدى والسنة‪.‬‬

‫***‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 264‬‬

‫الوصية الثالثة‪ :‬العناية ابلسنن الراتبة‬


‫أحلظ أن بعض اإلخوة يرتكون السنة الراتبة بعد املغرب ويتقدمون من‬
‫أجل الدرس؛ فأحببت أن أنبِه إىل األمر الشرعي املتعلق هبذا؛ وهو‪:‬‬
‫أنه إن كان األخ مسافرا‪ ،‬فاملعلوم أن املسافر ليست له سنَّة راتبة إال سنَّة‬
‫الفجر وأن يقوم الليل؛ فإن كان مسافرا فال إشكال‪.‬‬
‫وإن كان غري مسافر فال شك أن تقدمه ليس حبرام وليس مبنكر‪ ،‬ولكن‬
‫يبقى أن القاعدة عند أهل العلم‪ :‬أن اخلريات إن أمكن مجعها فجمعها هو‬
‫املطلوب؛ فإذا أمكن اإلنسان أن يصلي راتبة املغرب وأن يدرك الدرس؛ فهذا‬
‫أفضل يف حقه جيمع بني اخلريات‪.‬‬
‫أما إذا تعارض طلب العلم مع النافلة مبعن ال ميكن اجلمع بينهما‬
‫صل السنة الراتبة؛ فاحملققون من أهل العلم‬‫‪-‬مثال‪ -‬لو بدأان الدرس وهو لـ َّما ي ِ‬
‫وعلى ذلك الشافعي واإلمام أمحد ومجع من أهل العلم‪ :‬أن طلب العلم مقدم‬
‫على النافلة‪ ،‬لقول النيب‪ :‬ﷺ ‪‬فضل العلم خري من فضل العبادة‪‬؛ واملقصود‬
‫ابلفضل هنا الزايدة؛ الزايدة يف العلم خري من الزايدة يف العبادة؛ فإذا تعارض‬
‫حضور الدرس مثال مع سنة املغرب أو سنة العِشاء ول ميكن اجلمع بينهما‬
‫أبني الوجه‬‫فتقدمي الدرس أوىل؛ ألن تقدمي العلم أوىل من النافلة؛ فأحببت أن ِ‬
‫الشرعي يف هذا الباب حّت نكون على بصرية إن شاء هللا ‪ ‬أسال هللا ‪‬‬
‫أن جيمع يل ولكم اخلريات‪.‬‬
‫أبان إذا دخلنا املسجد‬ ‫ولعل من املناسب أيضا أن أذكر ‪-‬إخواين‪َّ -‬‬
‫للدرس مثال بعد العصر حنتسب َّأان ننتظر صالة املغرب‪ ،‬فإن من جلس يف‬
‫|‪265‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫املسجد ينتظر الصالة فهو يف صالة‪ ،‬واملالئكة تدعو له وتستغفر له‪ ،‬اللهم‬
‫اغفر له‪ ،‬اللهم ارمحه ما ل حيدث‪ ،‬فإذا دخلنا بعد العصر واحتسبنا َّأان ننتظر‬
‫فإان نضيف إىل أجر طلب العلم أجرا آخر؛ وهو أجر انتظار‬ ‫صالة املغرب؛ َّ‬
‫الصالة ونرجو أن ننال دعاء املالئكة‪ ،‬كذلك إذا صلينا املغرب‪َّ ،‬‬
‫فإان نصلي‬
‫املغرب وننتظر صالة العشاء وحنتسب يف هذا؛ ألن هذا من الرابط‪ ،‬انتظار‬
‫الصالة بعد الصالة؛ بل إنه ِما يباهي به هللا املالئكة‪.‬‬
‫فإذا صلى العبد صالة مث جلس يف املسجد ينتظر الصالة األخرى؛ فإن‬
‫هللا يباهي املالئكة بعباده الذين يفعلون هذا‪ ،‬كما جاء يف حديث عبد هللا بن‬
‫فعقب من َّ‬
‫عقب‬ ‫عمر بن العاص ‪ ‬أنه قال‪ :‬صلينا املغرب مع النيب ﷺ َّ‬
‫ورجع من رجع‪ ،‬فأاتان النيب ﷺ وقد حبسه النَّـ َفس؛ فقال‪ :‬ما أجلسكم؟‪‬‬
‫قالوا‪ :‬ننتظر الصالة‪ .‬فقال‪ :‬هذا ربكم قد فتح اباب من أبواب السماء يباهي‬
‫بكم املالئكة؛ يقول‪ :‬أنظروا إىل عبادي هؤالء قد قضوا فريضة وهم ينتظرون‬
‫أخرى‪.‬‬
‫كما أنه يرجى ملن فعل هذا أن يكتب له كتاب يف عليني؛ ألن النيب ﷺ‬
‫قال‪ :‬صالة يف إثر صالة ال لغو بينهما كتاب يف عليني‪‬؛ فإذا صلى العبد‬
‫صالة مث أتبعها بصالة ول يقع بينهما لغو كتب له كتاب يف عليني‪ ،‬وحنن‬
‫نرجو هللا ‪ ‬أن يكتب لنا هذا وأن يزيدان من فضله أضعاف أضعاف‪.‬‬

‫***‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 266‬‬

‫الوصية الرابعة‪ :‬اجلليس الصاحل‬


‫أحببت أن أذكر نفسي وإخواين بشيء له أمهية كربى أال وهو أمهية‬
‫اختيار اجلليس‪ ،‬فإن اإلنسان حباجة عظيمة ألن خيتار جليسه؛ ألن الصاحب‬
‫ساحب‪ ،‬واملصاحب مقارب‪ ،‬واجلليس البد أن يؤثر يف جليسه‪ ،‬فمن جالس‬
‫أهل اخلري أثَّروا فيه خريا‪ ،‬ومن جالس أهل الشر أثَّروا فيه شرا‪ ،‬من جالس‬
‫أهل السنة ازداد حبا يف السنة وأهلها‪ ،‬ومن جالس أهل البدع البد أن يبتعد‬
‫عن أهل السنة شيئا فشيئا؛ والنيب ﷺ قال‪ :‬مثل اجلليس الصاحل واجلليس‬
‫ك وإما أن‬ ‫ِ‬
‫السوء كحامل املسك وانفخ الكري؛ فحامل املسك إما أن حيذيَ َ‬
‫تبتاع منه وإما أن جتد منه رحيا طيبة‪ ،‬وانفخ الكري إما أن حيرق ثيابك وإما أن‬
‫جتد منه رحيا خبيثة‪‬؛ واملقصود هنا ‪-‬اي إخوة‪ -‬يريد نبينا ﷺ أن يقول لنا إن‬
‫درك‪.‬‬ ‫ِِ‬
‫اجلليس البد أن يؤثر يف جمالسه أتثريا ي َ‬
‫فاجلليس الصاحل كحامل املسك طيب‪ ،‬حامل املسك إما أن تبتاع منه‬
‫مسكا فإذا ابتعت املسك تطيبت به فشمه الناس منك‪ ،‬وإما أن حيذيك –‬
‫يهديك‪ -‬طيبا فتتطيب به فيشمه الناس منك‪ ،‬وإما أن جتد رحيا طيبة من‬
‫اجللوس يف حمله فيشمه الناس منك؛ فكلها آاثر ليست مسترتة بل هي آاثر‬
‫تدرك‪ ،‬وانفخ الكري احلداد إما أن حيرق ثيابك وإذا أحرق الثوب؛ فإن الناس‬
‫يرون هذا احلرق وإما أن جتد منه رحيا خبيثة فيشم الناس هذه الريح‪ ،‬فاجملالس‬
‫البد أن يؤثر يف جمالسه أتثريا يظهر عليه يف أقواله وأفعاله‪ ،‬وال يقولن الواحد‬
‫منا أان كذا وكذا؛ فإن من اقرتب من الشر أوشك أن يتلوث به‪.‬‬
‫|‪267‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫واجلليس السوء إما أن يكون يف ابب الشهوات‪ ،‬وإما أن يكون يف ابب‬


‫الشبهات‪ ،‬ويف ابب الشهوات يعرف اجلليس السوء ألنه داعية معصية حيث‬
‫على املعصية؛ فالذي جيلس معه يعرف أنه جليس سوء سواء وافقه أو ل‬
‫يوافقه‪ .‬أما جليس السوء يف ابب الشبهات فهنا اخلطر الداهم‪:‬‬
‫ألنه يظهر يف مظهر املتدين لكن ليس على السنة‪ ،‬فيدعو صاحبه إىل ما‬
‫قد يظهر أنه دين‪ ،‬لكنه يف حقيقته ليس من الدين‪ ،‬وعالمات اجلليس السوء‬
‫يف هذا الباب يف هذا الزمان‪:‬‬
‫فاألمر األول‪ :‬أنك جتده حريصا على أن يبعدك عن كبارك‪ ،‬يبعدك عن‬
‫والديك‪ ،‬يبعدك عن إخوانك الكبار‪ ،‬يبعدك عن َمن يعرفون ابحلكمة ِمن‬
‫حولك؛ فيزهدك يف أهلك‪ ،‬وحيرص على أن تكون بعيدا عنهم‪ ،‬ألنه يدرك أن‬
‫الكبار ولو ل يتعلموا فهم أهل حكمة‪ ،‬فحكمتهم حتول بينك وبني أن‬
‫تنجرف يف ابب الشبهات‪ ،‬فالبد أن يزيل هذا العائق‪ ،‬فتجده يزهد والديك‬
‫والكبار يف عينيك‪.‬‬
‫األمر الثاين‪ :‬أنه يزهدك يف العلماء إما مباشرة أبن يصفهم ابألوصاف‬
‫غري الطيبة‪ ،‬فيأيت للعلماء املعتربين ويقول‪ :‬هؤالء علماء سلطان‪ ،‬هؤالء‬
‫يدافعون عن احلكام‪ ،‬هؤالء كذا أو هؤالء كذا‪ ،‬حّت تبتعد عنهم أو بطريقة‬
‫غري مباشرة إذا كنت ال تقبل؛ فيقول‪ :‬أنت صغري وهؤالء العلماء كالمهم‬
‫كبري‪ ،‬أنت ما تفهم كالمهم‪ ،‬اذهب واجلس مع فالن وفالن حّت تتعلم مث‬
‫جتلس مع هؤالء العلماء الكبار؛ فإذا ذهبت إىل فالن وفالن تتعلم منهم لن‬
‫بصرك فمهما اشتدت العواطف‬ ‫تقبل على العلماء؛ ألنه يدرك أن العال ي ِ‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 268‬‬

‫العواصف؛ فعند العال علم وحكمة فال تنجرف يف ابب الشبهات فالبد من‬
‫إزالة هذا العائق‪.‬‬
‫األمر الثالث‪ :‬أنه يزهدك يف والة أمرك‪ ،‬وحياول أن ميأل قلبك حقدا‬
‫عليهم أو غضبا عليهم من أجل أن تبتعد عنهم‪ ،‬ألنه يعلم أن ارتباط اإلنسان‬
‫بوالة أمره االرتباط الشرعي املبين على األسس الشرعية سبب من أسباب‬
‫حفظه حبول هللا وقوته من االجنراف يف ابب الشبهات‪.‬‬
‫األمر الرابع‪ :‬أنه يزهدك يف كتب العلماء ويرغبك يف كتب غريهم؛‬
‫فيقول‪ :‬يعين هذه كتب طيبة لكن ثقيلة‪ ،‬لكن كتاب فالن كتاب طيب وكذا‬
‫تقرأه يف ساعة وكذا وكذا وكذا ِمن ليسوا من أهل العلم‪.‬‬
‫فهذه العالمات يعرف هبا اإلنسان جليس السوء يف هذا الزمان يف ابب‬
‫الشبهات؛ فإذا وجد هذا؛ فإنه ال جيالسه‪ ،‬ينصحه وال جيالسه فإن هذا الباب‬
‫من أعظم األبواب‪.‬‬
‫والشاهد – اي إخوة أان نقول ‪ -‬إن اإلنسان ينبغي أن خيتار من اجللساء‬
‫من يقربه إىل اجلنة‪ ،‬ولن يقرتب إنسان من اجلنة إال ابلسنة اليت هي أقوال‬
‫وأفعال النيب ﷺ؛ فيختار من هو أحسن منه ومن عرف ابلسنة وجيالسه‬
‫وحيرص على جمالسته؛ حّت يزداد خريا‪ ،‬حّت طالب العلم ينبغي أن خيتار من‬
‫جلسائه من يكون ذا مهة أعلى من مهته حّت يرفع من مهته ويزيد من مهته يف‬
‫طلب العلم؛ ففي هذا خري كثري ومصلحة عظيمة‪.‬‬

‫***‬
‫|‪269‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫الوصية اخلامسة‪ :‬خطورة التكفري‬


‫أحببت أن أستجيب إىل طلب بعض اإلخوة؛ حيث أرسلوا يل رسالة‬
‫طلبوا فيها أن أتكلم عن موضوع التكفري ولو ابختصار؛ حيث ذكروا أن هذا‬
‫األمر قد تَ َشبَّه يف هذا الزمان وال سيما بعد هذه الثورات غري السليمة وغري‬
‫احلكيمة؛ فأصبح يرى يف الوسائل املنتشرة التكفري تصرحيا أو تلميحا؛ فأقول‬
‫ابختصار‪ :‬إن التكفري هو احلكم ابلكفر‪ ،‬وهو نوعان‪:‬‬
‫األول‪ :‬حكم على الفعل أبنه كفر‪ ،‬وهذا يسمى عند العلماء "ابلتكفري‬
‫املطلق"‪.‬‬
‫املعني أبنه كافر‪ ،‬وهذا يسمى "بتكفري‬
‫الثاين‪ :‬حكم على الفاعل أو على َّ‬
‫املعني"‪.‬‬
‫َّ‬
‫وقد يقول العلماء إن فالن كافر ويقصدون املعن األول وهو أنه متلبس‬
‫بفعل هو كفر؛ فهو يستحق الكفر؛ ال أهنم حيكمون على عينه ابلكفر‪.‬‬
‫والتكفري مبعن احلكم على إنسان أبنه كافر؛ نوعان‪:‬‬
‫‪ -1‬تكفري صحيح‪ ،‬وهو التكفري من أهله على أهله‪ ،‬تكفري من له احلق‬
‫ابلتكفري ملن اجتمعت فيه الشروط وانتفت فيه املوانع‪ ،‬فهذا حق ال ين َفى‪.‬‬
‫‪ -2‬وتكفري هو اعتداء‪ ،‬حبيث َحيكم من ليس أهال للحكم أو على من‬
‫ليس أهال ألن حيكم عليه ابلكفر‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 270‬‬

‫وحنن نتكلم هنا عن ما أصبح يفهم من لفظ التكفري وهو احلكم على‬
‫مسلم ابلكفر‪ ،‬مبعن أن خيرج من دين اإلسالم إىل دين الكفر؛ فأذكر هنا‬
‫قواعد انفعة يف هذا الباب إن شاء هللا منها‪:‬‬
‫‪ -‬أن األصل يف املسلم اإلسالم‪ ،‬فمن ثبت له اإلسالم فاألصل فيه‬
‫اإلسالم‪ ،‬من أتى ابلشهادتني؛ فاألصل فيه اإلسالم‪ ،‬ولذلك يقول العلماء‪:‬‬
‫"من ثبت إسالمه بيقني ال يرتفع إال بيقني"‪ ،‬فمن حكمنا له ابإلسالم‬
‫فاألصل فيه اإلسالم‪ .‬والقاعدة الشرعية‪" :‬أنه يتمسك ابألصل حّت يثبت‬
‫خالفه"‪ ،‬فالواجب الشرعي أن كل من ثبت له اإلسالم جيب شرعا أن‬
‫يتمسك ابحلكم إبسالمه حّت يثبت أنه كافر؛ وهذا األصل مفيد جدا‬
‫ِ‬
‫وسنبني فائدته يف الكالم‪.‬‬
‫إذا بلغك أن رجال من املسلمني كافر أو يفعل كفر؛ فإن الواجب عليك‬
‫أمور‪:‬‬
‫‪ -‬األمر األول‪ :‬أن تتثبت من أنه قال أو فعل؛ فليس كل ما نقل‬
‫صحيحا وال سيما يف هذا الباب فإن النقل يف هذا الباب يغلب عليه‬
‫الكذب؛ ألن الغالب أن املعتدين يف التكفري حيكمون ابلكفر مث يسببون‪،‬‬
‫فيحكمون على احلكام مثال أبهنم كفار مث يبحثون عن أسباب إن وجدوها‬
‫وإال اخرتعوها‪ ،‬والغالب هو االخرتاع؛ فالواجب التثبت من أنه قال أو فعل‪،‬‬
‫فهنا ال خيلو األمر عند التثبت من ثالثة أمور‪:‬‬
‫‪ ‬األمر األول‪ :‬أن يثبت أنه ل يقل أو يفعل‪.‬‬
‫|‪271‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫‪ ‬األمر الثاين‪ :‬أن يثبت أنه قال أو فعل‪.‬‬


‫‪ ‬األمر الثالث‪ :‬أن نرتدد ال يثبت عندان وال ينتفي األمر حمتمل‪ ،‬فإن‬
‫ثبت أنه ل يقل أو ل يفعل فقد اندفع األمر من أصله‪ ،‬وإن ثبت أنه قال أو‬
‫فعل؛ فهذا له قاعدة أخرى‪ ،‬وإن شككنا؟ دائما عند الشك نتمسك‬
‫ابألصل‪ ،‬ما هو األصل فيه؟ اإلسالم؛ إذن األصل أنه ل يقل كفرا أو ل يفعل‬
‫كفرا‪ .‬فإذا ل يثبت عندان القول أو الفعل؛ فإان ننفيه عن املسلم ولو كان‬
‫حمتمال‪.‬‬
‫طيب ثبت أنه قال أو فعل‪ ،‬هل ِ‬
‫نكفره مباشرة؟ ال؛ جيب أن نتثبت من‬
‫أن القول أو الفعل كفر عند العلماء‪ ،‬ليس كل ما قيل يف الساحة اليوم أنه‬
‫كفر هو كفر‪.‬‬
‫حنن وجدان اليوم هؤالء املعتدين يف التكفري يكفرون ابجلنسية‪ ،‬ويكفرون‬
‫ابهلوية الوطنية‪ ،‬ويكفرون أبحكام املرور‪ ،‬وكل هذا ليس من الكفر يف شيء؛‬
‫فالبد من التثبت هل هذا القول كفر؟ هل هذا الفعل كفر عند أهل العلم؟‬
‫فهنا‪:‬‬
‫‪ -‬إما إن يَثبت أنه كفر‪.‬‬
‫‪ -‬وإما أن يثبت أنه ليس كفرا‪.‬‬
‫‪ -‬وإما أن يكون فيه تفصيل‪.‬‬
‫قيل‪ :‬إن احلاكم الفالين كافر‪ ،‬ملاذا؟ قالوا‪ :‬ألنه حيكم أبحكام املرور‪،‬‬
‫ننظر هل أحكام املرور كفر؟ اجلواب‪ :‬أهنا ليست بكفر بل ليست حمرمة‪ ،‬بل‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 272‬‬

‫هي مطلوبة من ويل األمر؛ ألن املطلوب من ويل األمر أن جيتهد يف األصلح‬
‫للرعية‪ ،‬فهذه األحكام ال ختالف شرع هللا فهي مطلوبة من ويل األمر تنظم‬
‫حياهتم‪ ،‬إذن ثبت أنه ليس بكفر انتهينا‪.‬‬
‫أن يثبت أنه كفر وهذا له قاعدة أخرى‪.‬‬
‫أن يكون فيه تفصيل‪ ،‬قيل‪ :‬فالن كافر ألنه لبس الصليب‪ ،‬هنا لبس‬
‫الصليب ليس كفرا على إطالقه وإمنا يكون كفرا إذا لبس على سبيل التعظيم‬
‫والتقدير‪ ،‬أما إذا لبس لغري هذا فليس بكفر‪ ،‬وإن كان منهيا عنه‪ .‬يعين‬
‫أظنكم صغار يف السن لكن كان قبل زمن فيه ساعة سويسرية هي أشهر‬
‫الساعات املوجودة يف داخلها صليب‪ ،‬العوام يسموهنا ساعة أم صليب‪ ،‬وكان‬
‫الرجل يوصي يقول‪ :‬هات يل الساعة أم صليب ألهنا أجود أنواع الساعات‪،‬‬
‫ويلبسوهنا ما يقصدون لبس الصليب وال يقصدون تعظيم الصليب يريدون‬
‫هذه الساعة األصلية‪ ،‬هذا ليس بكفر‪.‬‬
‫إنسان يلبس قميص لنادي من األندية‪ ،‬وهذا النادي يف شعاره صليب‬
‫هو ما لبس الصليب تعظيما للصليب هو لبس هذا القميص؛ حنن ننهاه؛‬
‫لكنه ليس كفرا‪.‬‬
‫مث ليس كل ما قال الناس إنه صليب كان صليبا‪ ،‬فكثري من النقوش اآلن‬
‫مثل هذه النقوش اليت يف املسجد لو أردت أن تدقق حّت تتخيل ستجد‬
‫صلباان؛ ولذلك الشيخ ابن عثيمني ‪-‬رمحه هللا‪ -‬مرة قيل له مثل هذا فقال‪:‬‬
‫|‪273‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫نت لو عملت هكذا يف الشمس لصنعت صليبا‬ ‫ليس كل ما تقاطع صليبا أ َ‬


‫ألن ظلك سيكون صليبا‪ ،‬وليس بصليب لكنه على هيئة الصليب‪.‬‬
‫طيب ثبت أن هذا القول أو الفعل كفر‪ ،‬ثبت أنه قال أو فعل وثبت أنه‬
‫كفر‪ ،‬هل نكفره؟ اجلواب‪ :‬ال؛ هناك قاعدة أخرى فالبد من اجتماع الشروط‬
‫وانتفاء املوانع‪ ،‬فقد يكون هناك مانع مينع‪.‬‬
‫ولذلك –اي إخوة‪ -‬معاذ ‪ ‬ملا أرسله الرسول ﷺ إىل بعض النواحي؛‬
‫فرأى الرسول ﷺ سجد له ألنه رأى القوم يسجدون لعظمائهم‪ ،‬فقال النيب‬
‫ﷺ أوىل‪ ،‬فقال له النيب ﷺ‪ :‬اي معاذ ما هذا؟‪ ‬وهذا يدل على‬
‫االستفصال‪ ،‬فقال اي رسول هللا رأيت كذا وكذا‪ ،‬قال‪ :‬ما ينبغي ألحد أن‬
‫يسجد ألحد‪ ،‬ولو كنت آمرا أحدا أن يسجد ألحد؛ ألمرت املرأة أن تسجد‬
‫لزوجها‪.‬‬
‫النيب ﷺ دخل مرة على محزة بعد أن جاءه علي ‪ ‬يشكو يف أول ما‬
‫جاؤوا إىل املدينة ل يكن اخلمر حمرما‪ ،‬فشرب محزة مع بعض أصحابه اخلمر‬
‫السويق والراحلة عند‬
‫السويق فقالت اجلارية‪ :‬اي محزة أأنكل َّ‬ ‫وكانوا أيكلون َّ‬
‫الباب؟ فقام فنحرها وهي راحلة علي ‪‬؛ فذهب علي ‪ ‬واشتكى إىل‬
‫النيب ﷺ‪ ،‬فجاء النيب ﷺ ومعه بعض أصحابه ودخلوا عليهم؛ فكلم النيب‬
‫ﷺ محزة يف األمر؛ فقال‪ :‬وهل أنتم إال أَ ْعبد أليب‪ ،‬يعين كأن يقول للنيب ﷺ‪:‬‬
‫من أنت حّت تكلمين أنت عبد أصال عند أيب! وهذا يف حد ذاته كفر إذا‬
‫قيل للنيب ﷺ‪ ،‬لكن قال أنس ‪ :‬فعلم أنه َمثل فرتكه وخرج‪.‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 274‬‬

‫وهذا ابب كبري جدا لكن لالختصار فقط أريد أن أوصل القواعد؛ فإن‬
‫اجتمعت الشروط وانتفت املوانع يف الظاهر‪ ،‬طبعا هنا ال خيلو احلال من‬
‫ثالث أحوال‪:‬‬
‫‪ ‬احلالة األوىل‪ :‬أن ال جتتمع الشروط أو يوجد مانع‪ ،‬وهنا يندفع‬
‫التكفري‪.‬‬
‫‪ ‬احلالة الثانية‪ :‬أن جتتمع الشروط وتنتفي املوانع يف الظاهر‪ ،‬وهذا له‬
‫وجه سنتكلم عنه‪.‬‬
‫‪ ‬احلالة الثالثة‪ :‬أن ال يتضح لنا األمر؛ فإذا ل يتضح األمر أعدانه إىل‬
‫النفي ألن األصل اإلسالم‪.‬‬
‫فإن اجتمعت الشروط وانتفت املوانع يف الظواهر هل نبادر ابلتكفري؟ ال؛‬
‫القاعدة أنه يعاد احلكم إىل أهله؛ ل يكلفك هللا ابلتكفري‪ ،‬واملوفق يفرح إذا‬
‫سلم من العهدة؛ ما يدخل نفسه يف املضايق اليت ل ي َكلف هبا! وهللا ‪‬‬
‫ُ‬ ‫َ َ ٓ َ ُ ۡ َ ۡ َ ۡ َ ۡ َ َۡ ۡ َ َ‬
‫يقول يف شأن املنافقني‪ِ﴿ :‬إَوذا جاءهم أمر مِن ٱۡلم ِن أوِ ٱۡلو ِف أذاعوا بِهِۦ‬
‫َۡ‬
‫ٱۡل ۡمر م ِۡن ُه ۡم لَ َعل َِم ُه ذٱَّل َ‬ ‫َ ُ‬
‫ِين ي َ ۡس َتۢنب ُطونَهۥُ‬ ‫ِل‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫َٰٓ‬
‫ِإَول‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫َول َ ۡو َر ُّدوهُ إ َل ذ‬
‫ٱلر ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م ِۡن ُه ۡم﴾ [النساء‪]83:‬؛ وما يوجد أعلى من احلكم على مسلم ابلتكفري!‬
‫فشأن املنافق ومن تشبه هبم أن يبادر إىل مثل هذه األمور ويتوالها بنفسه‬
‫وليس من أهلها‪ ،‬وشأن أهل اإلميان أن يقولوا‪ :‬سبحانك ما كان لنا أن‬
‫حنكم هبذا‪ ‬يردونه إىل أهله‪ ،‬إىل السنة وعلماء السنة؛ وهذا فائدة قول هللا‬
‫َ‬ ‫وه إ َل ذ‬
‫َ َ ۡ َ ُّ ُ‬
‫ٱلر ُسو ِل﴾ أي يف حياته وإىل سنَّته بعد ِماته ﴿ َٰٓ‬
‫ِإَول‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬ولو رد ِ‬
‫|‪275‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬
‫َۡ‬ ‫ُ‬
‫أو ِِل ٱۡل ۡم ِر م ِۡن ُه ۡم﴾ يعين إىل العلماء ابلسنة؛ ما يذهب إىل أهل البدع ‪-‬منهم‬
‫من ال ي َك ِفر مطلقا حّت من ثبت عليه التكفري‪ ،‬ومنهم من ي َك ِفر كل من‬
‫يبغض‪ -‬يذهب إىل أهل السنة؛ أهل العدل واإلنصاف‪ ،‬مث ال يتكلم فيه كل‬
‫واحد من علماء السنة ﴿ لَ َعل َِم ُه ذٱَّل َ‬
‫ِين ي َ ۡس َتۢنب ِ ُطونَ ُهۥ م ِۡن ُه ۡم﴾ أهل البصرية‬
‫واالستنباط هم الذين حيكمون‪.‬‬
‫طيب هنا إما أن نعرف حكم أهل العلم‪ ،‬وإما أن ال نعرف حكم أهل‬
‫العلم‪ ،‬وإما أن نعرف أهنم نفوا احلكم؛ يعين إما أن نعرف حكمهم ابلتكفري‪،‬‬
‫وإما أن نعرف حكمهم بعدم التكفري‪ ،‬وإما أن ال نعلم‪.‬‬
‫فإن علمنا حكمهم ابلتكفري؛ فهذا له شأن‪ ،‬وإن علمنا حكمهم بنفي‬
‫التكفري انتفى التكفري؛ فإذا ل نعلم فاألصل اإلسالم؛ فإن علمنا حكمهم‬
‫املعني‪ ،‬ألن العلماء حكموا بكفره ‪-‬أهل السنة‪ -‬لكن‬
‫ابلتكفري؛ اعتقدان كفر َّ‬
‫ال يلزمنا أن نتكلم إال إذا وجدت املصلحة الشرعية‪ ،‬فاالعتقاد مبين على‬
‫احلكم والقول مبين على املصلحة‪.‬‬
‫أال ترون أن النيب ﷺ علم ابملنافقني أبعياهنم وهم أضر على املسلمني‬
‫من الكفار الصرحاء ومع ذلك ل خيرب أحدا أبمسائهم إال حذيفة ‪ ،‬مع أننا‬
‫جنزم أن النيب ﷺ كان يعتقد أهنم منافقون‪ ،‬وأهنم يف الدرك األسفل من النار‪،‬‬
‫لكن املصلحة الشرعية اقتضت أن ال خيرب أبمسائهم وأخرب حذيفة ‪‬؛‬
‫وحذيفة ‪ ‬ل خيرب أحدا‪ ،‬حّت األثر الذي ورد فيه أن عمر ‪ ‬كان يقول‬
‫حلذيفة‪ :‬هل أان منهم؟‪ ‬فلم خيربه فلما أحلَّ عليه؛ قال‪ :‬ال‪ ،‬لست منهم ولن‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 276‬‬

‫أخرب أحدا بعدك‪ ،‬األثر ضعيف‪ ،‬مث ليس فيه أنه أخربه أبمساء أحد لكنه‬
‫نفى عن عمر‪ .‬‬
‫إذن مثل هذا الكالم ينظر فيه إىل املصلحة الشرعية بعد كل هذا؛ ولو‬
‫أن الناس عملوا هبذه األصول السلفية َّ‬
‫احلقة اليت دلت عليها السنة؛ لسلموا‬
‫من هذه األخطار اليت تضرب يف أقطار األرض؛ وحنن دائما نقول السلفية‬
‫أمان لإلنسان نفسه‪ ،‬أمان للمجتمع‪ ،‬أمان للرعية‪ ،‬أمان للراعي؛ ال تتحقق‬
‫مصلحة اجلميع حتقيقا صحيحا إال يف السلفية؛ وهللا‪ ،‬ما من منهج خيرج عن‬
‫منهج السلف الصاحل ‪-‬رضوان هللا عليهم‪ -‬إال مع كونه ضالال؛ تنخرم فيه‬
‫املصلحة ولو من وجه من الوجوه‪.‬‬
‫فهذا هو الباب الذي يضبط لنا مسألة التكفري؛ ال ينفى التكفري مطلقا‬
‫وال يثبت مطلقا؛ وإمنا يثبت ابألصول الشرعية وفق ما دلت عليه األدلة‪.‬‬
‫مث أنبِه إىل تنبيه ‪-‬وإن كنَّا أطلنا لكن ال أبس‪ -‬اي إخوة املسلم املؤمن‬
‫املوفق يفرح إبسالم الناس وال بكفر الناس؟ إبسالم الناس! يفرح إذا علم أن‬
‫أحدا دخل يف اإلسالم‪ ،‬يفرح إذا ثبت أن فالان من املسلمني ل يكفر‪ ،‬لكن‬
‫الذي ميتلئ قلبه ابهلوى ينعكس عليه األمر؛ فإذا جئت إىل حاكم وقلت هذا‬
‫احلاكم مسلم ألن مقتضى األصول الشرعية أن حيكم إبسالمه‪ ،‬يسود وجهه‬
‫ويغضب وينفر ويلقي عليك من التهم ما ال يلقى على الكفار األصليني‪،‬‬
‫وهذا ضد الفطرة‪ ،‬وضد األصل يف املسلمني لكن اهلوى يعمي ويصم‪.‬‬
‫|‪277‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫سؤال‪ :‬يقول ‪-‬ابرك هللا فيكم‪ -‬ما تفضلتم به‪ ..‬من الضوابط املتعلقة‬
‫ابلتكفري‪ .‬هل هذه الضوابط تنسحب على ما يتعلق ابلتبديع أيضا؟‬
‫‪ -‬اجلواب‪:‬‬
‫التبديع نوعان‪:‬‬
‫‪ -‬بدع مكفرة‪ :‬وهذه حكمها حكم التكفري؛ ألن القول هبا تكفري‪.‬‬
‫‪ -‬وبدع غري مكفرة‪ :‬وهذه فيها تفاصيل طويلة ال يكفيها هذا الوقت وأان‬
‫أرى أن احلاجة ماسة إىل حماضرة تتعلق هبا؛ ألن الناس فيها ما بني متساهل‬
‫جدا وما بني متشدد جدا‪ ،‬واحلق وسط بني الطرفني على تفصيالت ينبغي‬
‫طرحها‪...‬‬

‫***‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 278‬‬

‫الوصية السادسة‪ :‬الوصية ابلتقوى‬


‫‪ ..‬أختم بتذكري نفسي وإخواين بتقوى هللا ‪ ‬وأن نستشعر نعمة هللا‬
‫علينا‪ ،‬هللا ‪ ‬أنعم علينا بنعم كثرية‪ ،‬ومنها أن هللا ‪ ‬أنعم علينا بنعمة‬
‫فقدها كثري من الناس السيما يف هذا الزمان الذي كثرت فيه األهواء‪ ،‬أال‬
‫وهي نعمة حب السنة والتمسك ابلسنة وهذه من أعظم نعم هللا ‪ ‬على‬
‫العبد‪ ،‬السيما إذا نظر إىل اآلخرين فوجد أهنم قد حرموا من هذه النعمة وأهنم‬
‫يضربون ابألهواء ويلعبون ابلعواطف‪ ،‬وال يقيمون لسنة النيب ﷺ وزان‪ ،‬وإذا‬
‫ضعفوها‪ ،‬أو ردوها‪ ،‬من أجل موافقة حزب‬ ‫خالفت السنة أهواءهم َّأولوها‪ ،‬أو َّ‬
‫أو مجاعة أو غري ذلك‪ ،‬ال يقفون عند سنة النيب ﷺ‪ ،‬وال يقيمون هلا وزان إال‬
‫مبقدار ما توافق أهواءهم؛ فنحمد هللا ‪ ‬على هذه النعمة ونشكر هللا على‬
‫هذه النعمة العظيمة‪.‬‬
‫ومن شكر هللا ‪ ‬على هذه النعمة أن ندعو إليها‪ ،‬وأن حنرص على‬
‫بياهنا للناس‪ ،‬وأن نذب عن أهل السنة‪ ،‬من املقامات الشريفة واألعمال‬
‫الصاحلة املنيفة؛ أن يذب اإلنسان عن أعراض أهل السنة الذين عرفوا ابلسنة‬
‫من العلماء وطالب العلم؛ فإذا انل أهل األهواء منهم ووصفوهم كعادة أهل‬
‫األهواء ابألوصاف اليت يقصدون أن ينفروا الناس عنهم هبا؛ فإن اإلنسان‬
‫يتقرب إىل هللا ابلذب عن هؤالء‪ ،‬وبيان ما هم فيه من اخلري ونشر فضائلهم‪،‬‬
‫وليس هذا من التعصب يف شيء‪ ،‬وليس هذا من ذكر الرجال ابملدح؛ بل هو‬
‫من ابب الذب عن أعراض أهل السنة واجلماعة ونشر فضائلهم‪.‬‬
‫|‪279‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫ومن شك ِر هللا على هذه النعمة أن حنرص على االجتماع عليها وعدم‬
‫التفرق وأن حنرص أميَّا حرص على أن جتتمع كلمتنا على السنة ابلسنة‪ ،‬وأن‬
‫نبتعد عن كل ما يفرق الصف ونعاجل األمور معاجلة صحيحة‪.‬‬
‫وقد زران العالمة اإلمام الشيخ صاحل الفوزان ‪-‬حفظه هللا‪ -‬قبل فرتة‬
‫ليست طويلة‪ ،‬قريبة‪ ،‬واستشرانه أو طلبنا منه نصحه فيما قد يقع بني أهل‬
‫السنة من تنازع أو أمر فيه اختالف؛ فقال الشيخ ‪-‬حفظه هللا‪ :-‬ما يقع بني‬
‫أهل السنة واجلماعة؛ ما ميكن أن يدفن فعليهم أن يدفنوه‪ ،‬وما ال ميكن أن‬
‫يدفن فعليهم أن يعاجلوه ابلطريق الشرعي املناسب الذي ال يفرح أهل البدع‬
‫فيهم‪ ،‬فما قد يقع بيننا حنن طالب العلم من أمور‪:‬‬
‫فإذا كانت شخصية فإان ندفنها ونتواصل ونتحاب‪ ،‬ومن ذلك أن‬
‫اإلنسان ال يسمح ألحد أن ينقل له عن إخوانه شيئا من الكالم فيه حرصا‬
‫على ائتالف القلوب‪ ،‬وإذا تكلم فيك أخوك يف حقك الشخصي؛ تسقط‬
‫هذا وال تلتفت إليه وتتواصل معه وتتآلف معه‪ ،‬ألن مصلحة االجتماع أعظم‬
‫من مصلحة االنتصار للنفس‪ ،‬وصفة متسك الرجل ابلسنة غالية عالية‪،‬‬
‫تستحق أن اإلنسان يتنازل عن حقوقه الشخصية من أجلها‪.‬‬
‫وإن كان األمر ِما فيه خالف علمي‪ ،‬فإنه جيب أن يعاجل ولكن ابلطريق‬
‫الشرعي الصحيح الذي ال يولد املفاسد املخوفة‪ ،‬وجتتمع به الكلمة ويعاجل به‬
‫َ‬
‫األمر‪ ،‬فإذا ل يكن ذلك كذلك؛ فيكون لألمر موقفه الشرعي حبسب ما‬
‫يقتضيه الشرع‪ ،‬ولذلك حنن نعرف مشاخينا أن الواحد منهم يعرف على‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 280‬‬

‫طالب علم عرف ابلسنة أمورا فيناصحه وأيمره ويبني له ولكنه يصرب عليه فرتة‬
‫يناصحه فيها لعله أن يرجع‪ ،‬فإذا رجع محد هللا على هذا‪ ،‬وإذا ل يرجع فهذا‬
‫له شأن آخر؛ فمن ند عن الصف فهذا أمر آخر‪.‬‬
‫فالشاهد ‪-‬اي إخوة‪ -‬احلرص على التآلف على السنة ابلسنة من األصول‬
‫الشرعية العظيمة‪ ،‬ومن ذلك اي إخوة أن الواحد ال حيرص على أن يكون‬
‫َّنقاال للكالم بغري تثبت وبغري مصلحة‪ ،‬فبعض الناس الطيِبني أيتيهم الشيطان‬
‫ويصور هلم بعض األمور على أهنا من اخلري واالنتصار للسنة؛ فقد يذهب يف‬
‫درس فيسمع شيئا فقد يكون فهمه على وجه فينقله وحيدث به مفسدة؛ بل‬
‫الذي ينبغي ِ‬
‫التأين والتثبت؛ أعين من الناقل‪ ،‬يف أن هذا الكالم قيل‪ ،‬ويف‬
‫فهمه هلذا الكالم‪ ،‬وأن يعرض ذلك على عال انصح يبني له قبل أن ينقله‪،‬‬
‫فإن كان الشرع يقتضي نقله بعد ثبوته؛ نقله‪ ،‬وإن كان الشرع يقتضي َدفْنه؛‬
‫َدفَـنَه‪ ،‬هكذا ينبغي أن نكون حرصا على السنة وعلى االئتالف على السنة‪.‬‬
‫ومن شكر هللا على نعمة حمبة السنة‪ ،‬أن حنرص على طلب العلم على‬
‫أهل السنة‪ ،‬وأن حنرص على حضور اجملالس‪ ،‬وأن نكثِر سواد أهل السنة‪ ،‬وأن‬
‫نفرح فرحا شديدا بكثرة دعاهتا‪ ،‬وإذا وجدان درسا لعال أو شيخ أو طالب‬
‫علم من أهل السنة؛ حرصنا على تكثري سواد هذا الدرس من أجل االنتفاع‬
‫واالستفادة‪ ،‬ومن أجل إظهار مكانة أهل السنة ونفع أهل السنة‪ ،‬فهذا من‬
‫األمور العظيمة‪.‬‬
‫|‪281‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫فأعود وأقول اي إخوة وهللا! وهللا! ما نراها اآلن من ابتعاد كثري من الناس‬
‫عن السنة كما نراه يف الساحة ونراه يف وسائل اإلعالم احلديثة إن هذا جيعلنا‬
‫نزداد متسكا ابلسنة‪ ،‬واستشعارا بنعمة هللا العظمى علينا أن هداان هلذا وما كنا‬
‫وحَرَم من ذلك أانسا كثريين‪ ،‬فهذه نعمة من هللا‪،‬‬ ‫لنهتدي لوال أن هداان هللا‪َ ،‬‬
‫فنحرص على احلفاظ عليها بقدر ما نستطيع‪.‬‬
‫أسأل هللا ‪ ‬أبمسائه احلسن وصفاته العلى أن جيعلنا مفاتيح للخري‬
‫مغاليق للشر وأن يكتب لنا األجر وأن يكفينا واملسلمني شر الفنت وأهلها‬
‫شر الفنت ما ظهر‬‫وأن يعيذ هذا البلد– بلد اإلمارات‪ -‬وبالد املسلمني من ِ‬
‫منها وما بطن وأن يزيد اخلري يف بالد املسلمني ويكفيهم الشر‪ ،‬وهللا تعاىل‬
‫أعلى وأعلم وصلى هللا على نبينا وسلم‪.‬‬

‫***‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 282‬‬

‫الوصية السابعة‪ :‬ةلب السعادة‬


‫إن كل نفس سوية تطلب السعادة وتطلب الفرح وتطلب السرور‪ ،‬وإنكم‬
‫جتدون أيها األحبة أن اإلنسان متر به حلظات جيد سعادة يف قلبه‪ ،‬ومنها‬
‫حلظة العيد حيث يفرح املؤمن بيوم العيد لكونه قد أطاع هللا ‪ ‬يف شهره‬
‫املبارك‪ ،‬فما ابلك بفرح املؤمن عندما تنادى روحه عند االحتضار أيتها النفس‬
‫الطيبة كانت يف اجلسد الطيب أخرجي محيدة وأبشري بروح ورحيان ورب غري‬
‫غضبان‪.‬‬
‫ما ابلنا أيها اإلخوة بفرح املؤمن عندما ينادى يف قربه أن صدق عبدي‬
‫فأفرشوه من اجلنة‪ ،‬وألبسوه من اجلنة‪ ،‬وافتحوا له اباب إىل اجلنة‪ ،‬ما ابلنا أيها‬
‫اإلخوة بفرح املؤمن عندما أيتيه يف قربه رجل حسن الوجه‪ ،‬طيب الريح فيقول‬
‫له‪" :‬أبشر ابلذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد‪ ،‬فيقول‪ :‬ومن أنت ؟‬
‫فوجهك الوجه جييء ابخلري‪ ،‬فيقول‪ :‬أان عملك الصاحل "‪ ،‬ما ابلنا أيها األحبة‬
‫بفرح املؤمن إذا لقي هللا ‪ ،‬فكان من الذين أدخلهم هللا اجلنة بغري حساب‬
‫وال عذاب أو كان من الذين قال هلم رهبم ‪ ‬بعد أن عرض عليهم ذنوهبم‪:‬‬
‫"سرتهتا عليك يف الدنيا وأان اغفرها لك اليوم"‪ ،‬ما ابلنا أيها اإلخوة بفرح‬
‫املؤمن عندما يؤتى كتابه بيمينه فينقلب إىل أهله مسرورا هاؤم اقرؤوا كتابيه‬
‫هاؤم اقرؤوا كتابيه‪ ،‬ما ابلنا أيها اإلخوة بفرح املؤمن إذا اجتاز الصراط يوم‬
‫القيامة ألنه كان يف الدنيا على الصراط املستقيم‪ ،‬ما ابلنا بفرح املؤمن إذا‬
‫دخل اجلنة وكان من الداخلني هلا وأبواهبا مكتظة من زحام الداخلني‪ ،‬ما ابلنا‬
‫|‪283‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫أيها اإلخوة بفرح املؤمن إذا ضيِف يف اجلنة عند دخوهلا بزايدة كبد احلوت‪ ،‬مث‬
‫بلحم ثور اجلنة الذي يذبح ضيافة ألهل اجلنة‪ ،‬مث شرب على هذا اللحم من‬
‫عني من اجلنة تسمى سلسبيال‪ ،‬ما ابلنا أيها اإلخوة بفرح املؤمن إذا أويت‬
‫ابملوت على هيئة كبش ونودي اي أهل اجلنة فينظرون فيقال‪ :‬هل تعرفون‬
‫هذا؟ فيقولون‪ :‬نعم املوت‪ ،‬فيذبح ويقال اي أهل اجلنة خلود فال موت‪ ،‬ما‬
‫ابلنا أيها اإلخوة بفرح املؤمن إذا رأى نعيم اجلنة وتقلب فيه وأقل الناس نعيما‬
‫ك َملَك من‬ ‫يف اجلنة رجل يقول هللا ‪ ‬له‪ :‬أترضى أن يكون لك مثل م ْل ِ‬
‫ملوك الدنيا ؟ فيقول‪ :‬رضيت ريب‪ ،‬فيقول هللا له‪ :‬لك ذلك ومثله‪ ،‬ومثله‪،‬‬
‫ومثله‪ ،‬ومثله‪ ،‬ومثله فيقول يف اخلامسة رضيت ريب‪ ،‬فيقول هللا ‪ ‬له‪ :‬لك‬
‫ذلك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت نفسك‪ ،‬ولذة عينك‪ ،‬فله أقل الناس‬
‫نعيما يف اجلنة َمن نعيمه مثل نعيم مخسني ملكا من ملوك الدنيا املرفَّهني‬
‫وفوق هذا له ما لذة عينه واشتهت نفسه‪ ،‬ما ابلكم أيها اإلخوة بفرح املؤمن‬
‫إذا كشف احلجاب ورأى هللا ‪ ‬فتنعم النعيم الذي ال مزيد عليه‪.‬‬
‫هذه األفراح أيها اإلخوة إمنا تكون لعباد هللا املتقني‪ ،‬ليست ابلدعاوى‪،‬‬
‫وإمنا بصالح القلوب وصالح األعمال وحسن األخالق أبن نصلح قلوبنا‬
‫وَنلص لربنا وجنعل قلوبنا سليمة‪ ،‬وأن نتمسك ابلتوحيد والسنة والعمل‬
‫الصاحل‪ ،‬وأن نصرب على طاعة هللا ونصرب عن معصية هللا وما أحوجنا إىل هذا‬
‫الصرب يف هذا الزمان الذي تزخرفت فيه الشهوات وتزخرفت فيه املعاصي‪ ،‬ما‬
‫نصرب أنفسنا وألن نتواصى ابلصرب عن معصية هللا ‪ ‬وابلصرب‬ ‫أحوجنا ألن ِ‬
‫على أقدار هللا ‪ ،‬وحنن طالب العلم أحوج الناس ألن ينصح بعضنا بعضا‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 284‬‬

‫ألان قدوة وإذا ظهر الصالح‬‫يصرب بعضنا بعضا وأن يرشد بعضنا بعضا َّ‬ ‫وأن ِ‬
‫علينا فإنه يرجى أن يظهر الصالح يف البلد ويكون الناس على خري‪ ،‬فوصييت‬
‫‪-‬اي إخوة‪ -‬أن ال نغرت ابلدنيا‪ ،‬وأن ال نغرت ابمللذات بل نتذكر ونتفكر يف‬
‫تلك األفراح اليت يلقاها املؤمن عند احتضاره إىل أن يستقر يف اجلنة ويرى هللا‬
‫‪ ،‬فعلينا أحبيت أن ال ننبهر أبمور الدنيا وأن نعلم أن يف الدنيا جنة ال‬
‫يدخل جنة اآلخرة من ل يدخلها‪ ،‬وهذه اجلنة اليت يف الدنيا هي جنة الطاعة‬
‫هي جنة طاعة هللا وطاعة رسول هللا ﷺ وطاعة من أمران هللا بطاعته‪ ،‬هي‬
‫جنة القربة إىل هللا‪ ،‬فوصييت لنفسي وإخواين أن جنتهد ما استطعنا يف طاعة‬
‫هللا ‪ ،‬ومن أمجل الكالم ما قاله بعضهم من‪" :‬أن من جعل أايم حياته‬
‫كأايم رمضان جعل هللا له آخرته كاألعياد"‪ ،‬من اجتهد يف طاعة هللا كما‬
‫جيتهد الناس يف طاعة هللا يف رمضان فإن هللا جيعل آخرته له عيدا كعيد الناس‬
‫بعد رمضان‪ ،‬فالوصية أيها اإلخوة أن نتقي هللا ‪ ‬وأن نعلم أن الدنيا كلها‬
‫قليل‪ ،‬وأن الباقي منها قليل‪ ،‬وأن الذي لنا منها قليل‪ ،‬وهللا أعلم كم بقي من‬
‫القليل‪ ،‬وأن األفراح واللذات احلقيقية هي القادمة إذا أطعنا هللا ‪ ‬فحققنا‬
‫التوحيد وأحببنا السنة ونصرانها ومتثلناها واجتهدان يف طاعة هللا ‪ ‬ما‬
‫استطعنا‪.‬‬

‫***‬
‫|‪285‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫احملتوايت‪:‬‬
‫كلمة الدائرة ‪3 ................................................................‬‬
‫مقدمة فضيلة الشيخ سليمان الرحيلي ‪5 .........................................‬‬
‫الدرس األول‪9 ............................................................. :‬‬
‫العنصر األول‪ :‬تعريف الراب ‪13 ..................................................‬‬
‫العنصر الثاين ‪ :‬هل الراب بيع؟‪15 ................................................‬‬
‫العنصر الثالث‪ :‬نظرة يف آايت الراب‪16 .......................................... .‬‬
‫القاعدة األوىل‪ :‬الراب من جهة ما يقع فيه ثالثة أقسام‪33 .........................:‬‬
‫الراب يكون يف الديون ويكون يف البيوع‪ ،‬والفرق بني القسمني ‪34 ....................‬‬
‫الديْن يدخل مجيع األموال أمور‪36 ...........................:‬‬
‫ِما يدل على أن راب َ‬
‫القسم األول‪ :‬راب الديون ‪38 ....................................................‬‬
‫راب الديون ثالثة أقسام‪38 ..................................................... :‬‬
‫الدرس الثاين ‪40 ..............................................................‬‬
‫الديْن الثابت يف الذمة ‪41 ....................‬‬
‫الكالم على راب القرض وراب الزايدة يف َ‬
‫الديْن الثابت يف الذمة‪ ،‬من وجهني‪41 ........ :‬‬
‫الفرق بني راب القرض‪ ،‬وراب الزايدة يف َ‬
‫الوجه األول‪ :‬من جهة السبب‪41 ...............................................‬‬
‫الوجه الثاين‪ :‬من جهة وقت حصول الزايدة‪42 .................................. .‬‬
‫أما القسم الثالث من راب الديون‪ :‬ضع وتعجل‪49 ................................ .‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬راب الشفاعة ‪55 ..................................................‬‬
‫اإلجابة على األسئلة‪66 ...................................................... :‬‬
‫الدرس الثالث‪85 ............................................................:‬‬
‫القاعدة الثانية‪ :‬الراب من حيث حقيقته قسمان‪ :‬فضل ونسيئة‪88 ...................‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 286‬‬

‫القاعدة الثالثة‪ :‬الراب حرام قليله وكثريه‪91 ....................................... .‬‬


‫وم ِقْي َسة‪102 ............................‬‬
‫القاعدة الرابعة‪ :‬األموال الربوية منصوصة َ‬
‫اتفق اجلمهور على أن للذهب والفضة علة‪ ،‬ولألصناف األربعة الباقية علة‪106 ..... .‬‬
‫أوال‪ :‬علة الذهب والفضة ‪106 .................................................‬‬
‫اثنيا‪ :‬علة األصناف األربعة الباقية‪110 ..........................................‬‬
‫القاعدة اخلامسة‪ :‬النقود الورقية من األموال الربوية‪112 ...........................‬‬
‫النقود الورقية مرت يف وجودها بثالث مراحل‪112 .............................. ..‬‬
‫املرحلة األوىل‪112 ........................................................... :‬‬
‫املرحلة الثانية‪112 ........................................................... :‬‬
‫املرحلة الثالثة‪113 ........................................................... :‬‬
‫الدرس الرابع‪117 ............................................................‬‬
‫القاعدة السادسة‪ :‬كل قرض جر نفعا فهو راب‪117 ............................. .‬‬
‫املنفعة يف القرض قد تكون للمقرض‪ ،‬وقد تكون للمق ِرتض‪ ،‬وقد تكون هلما معا‪،‬‬
‫وتفصيل ذلك يف النقاط التالية‪119 .............................................‬‬
‫النقطة األوىل‪ :‬اشرتاط املنفعة عند القرض ‪119 ...................................‬‬
‫النقطة الثانية‪ :‬وجود عادة على نفع املقرض‪122 ................................ .‬‬
‫النقطة الثالثة‪ :‬املنفعة اليت جيرها القرض ول تكن مشرتطة ال لفظا وال عرفا‪125 ..... .‬‬
‫النقطة الرابعة‪ :‬اشرتاط الوفاء يف غري البلد الذي مت فيه القرض‪127 ................ .‬‬
‫النقطة اخلامسة‪ :‬املنفعة اليت هلا مقابل غري القرض ول يكن القرض سببا فيها ‪127 ....‬‬
‫النقطة السادسة‪ :‬املنفعة املالزمة للقرض أصالة أو ابعتبار طبيعة الناس‪128 ........ .‬‬
‫مسألة "مجعيات املوظفني" أو "اجلمعيات التعاونية بني الناس"‪130 ................ :‬‬
‫مسألة "األموال اليت تودع يف البنوك" ويستفيد منها البنك‪132 .................... .‬‬
‫|‪287‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬

‫القاعدة السابعة‪ :‬ال جيوز بيع األمثان أو املطعومات املكيلة أو املوزونة جبنسها إال مثال‬
‫مبثل‪133 ................................................................... .‬‬
‫اإلجابة على األسئلة‪140 .................................................... :‬‬
‫الدرس اخلامس‪154 ..........................................................‬‬
‫املنفعة املشرتكة عند اجملوزين هلا‪ ،‬هلا ضابطان مهمان‪155 .........................:‬‬
‫القاعدة الثامنة‪ :‬ال جيوز بيع مكيل من املطعومات بشي من جنسه وزان وال بيع موزون‬
‫من األمثان واملطعومات كيال‪159 .............................................. .‬‬
‫القاعدة التاسعة‪ :‬ال جيوز بيع مبيع أصله مكيل مبثله جزافا أو بيعه جزافا مبثله مكيال‬
‫أو موزوان‪160 ................................................................‬‬
‫القاعدة العاشرة‪ :‬إن اختلف اجلنسان جاز البيع متفاضال يدا بيد‪164 ............ .‬‬
‫القاعدة احلادية عشر‪ :‬ال جيوز بيع َرطْب من ال َـمطْعومات بيابس من جنسه‪166 ....‬‬
‫مسألة بيع املزابنة ‪167 .........................................................‬‬
‫القاعدة الثانية عشر‪ :‬ال جيوز بيع خالص ِ‬
‫الربـَ َوي مبشوب من جنسه‪169 ...........‬‬
‫القاعدة الثالثة عشر‪ :‬ال جيوز بيع نـَي ِء الربوي مبطبوخ من جنسه‪173 ..............‬‬
‫القاعدة الرابعة عشر‪ :‬اجلَهل ابلتماثل كالعِْل ِم ابلتفاضل‪174 ..................... .‬‬
‫الدرس السرادس‪176 .........................................................‬‬
‫قاعدة يف العرااي ‪176 ..........................................................‬‬
‫هل العرااي تدخل غري التمر؟‪181 ...............................................‬‬
‫القاعدة السابعة عشر‪ :‬وَنتم هبا القواعد‪ ،‬قاعدة تقول‪ :‬الراب موضوع‪182 ......... .‬‬
‫كيف يضع الراب؟! ‪184 .......................................................‬‬
‫اإلجابة على األسئلة ‪192 .....................................................‬‬
‫ملح ‪ :‬األسئلة العامة والصااي العلمية ‪213 ......................................‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 288‬‬

‫أوال‪ :‬األسئلة العامة‪215 .......................................................‬‬


‫اثنيا‪ :‬الوصااي العلمية ‪257 .....................................................‬‬
‫الوصية األوىل‪ :‬احلرص على تعلم العلم الصحيح ‪257 .............................‬‬
‫الوصية الثانية‪ :‬اتق هللا حيثما كنت‪259 ....................................... ..‬‬
‫الوصية الثالثة‪ :‬العناية ابلسنن الراتبة ‪264 ........................................‬‬
‫الوصية الرابعة‪ :‬اجلليس الصاحل ‪266 .............................................‬‬
‫الوصية اخلامسة‪ :‬خطورة التكفري ‪269 ...........................................‬‬
‫الوصية السادسة‪ :‬الوصية ابلتقوى ‪278 ..........................................‬‬
‫الوصية السابعة‪ :‬طلب السعادة ‪282 ............................................‬‬
‫احملتوايت‪285 ...............................................................:‬‬

‫***‬
‫|‪289‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬
‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪......................................................................................................................... ..........................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 290‬‬
‫‪.................................................................................................................................... ...............‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪............................................................................................................................................ .......‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪............................................................................................................................... ....................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬
‫|‪291‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬
‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪.................................................................................................................................................. .‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪.................................................................................................................................... ...............‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 292‬‬
‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪......................................................................................................................... ..........................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬
‫|‪293‬‬ ‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬
‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪............................................................................................................................................ .......‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................................................................‬‬
‫فقه املعامالت املالية (‪)2‬‬ ‫‪| 294‬‬

You might also like