You are on page 1of 21

‫اململكة العربية السعودية‬

‫وزارة التعليم‬
‫جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‬
‫معهد العلوم اإلسالمية و العربية يف إندونيسيا‬

‫الوسطية و اإلعتدال يف الكتاب و السنة‬


‫حبث صفي للمستوى الثامن‬

‫إعداد‪:‬‬

‫نيلى كرميا أرشى‬


‫رقم الطالبة‪:‬‬

‫‪.٨٢١٧.٩٢٥٦٢٧‬‬
‫إبشراف‪:‬‬

‫د‪ .‬حممد بن عبد هللا العضييب‬

‫العام اجلامعي‪ ١٤٤٤ :‬ه‬


‫املقدمة‬
‫ابّلل من شرور أنفسنا و من‬
‫إن احلمد هّلل‪ ،‬حنمده ونستعينه ونستغفره و نتوب إليه‪ ،‬ونعوذ ه‬
‫اّلل وحده ال‬
‫اّلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له‪ .‬وأشهد أن ال إله ه‬
‫سيئات أعمالنا‪ .‬من يهده ه‬
‫شريك له‪ ،‬وأشهد أن حممدا عبده ورسوله ﷺ و على آله و صحبه و من سار على هنجه و متسك‬
‫بسنته إىل يوم الدين‪.‬‬

‫ٱّللَ َح َّق تُ َقاتِِهۦ َوَال متَُوتُ َّن إَِّال َوأَنتُم ُّمسلِ ُمو َن ﴾‪.١‬‬
‫ين ءَ َامنُوا ٱتَّ ُقوا َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫﴿ يَٰٓأَيُّ َها ٱلذ َ‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َّاس ٱتَّ ُقوا َربَّ ُك ُم ٱلَّ ِذي َخلَ َق ُكم ِهمن ن َّۡف ٍ‬
‫س َو ِح َدةٍ َو َخلَ َق ِمن َها َز ۡو َج َها َوبَ َّ‬
‫ث ِمن ُه َما‬ ‫﴿ يَٰٓأَيُّ َها ٱلن ُ‬
‫ِِ ۡ ۡ ًۚ‬ ‫ًۚ‬
‫ٱّللَ َكا َن َعلَ ۡي ُك ۡم َرقِيبًا ﴾‪.٢‬‬
‫ٱّللَ ٱلَّ ِذي تَ َسآٰءَلُو َن بهۦ َوٱۡلَر َح َ َّ‬
‫َّ‬
‫ن‬ ‫ِ‬
‫إ‬ ‫ام‬ ‫ِر َج ًاال َكثِ ًريا َونِ َسآٰءً َوٱتَّ ُقوا َّ‬
‫أما بعد؛‬

‫إن هللا تعاىل ميز هذه اۡلمة (أمة اإلسالم) ابلوسطية بني اۡلمم فقال هللا سبحانه‬
‫ول َعلَي ُكم َش ِه ً‬
‫يدا ﴾‪. ٣‬‬ ‫الر ُس ُ‬ ‫ك َج َعلنَا ُكم أ َُّمةً َو َسطًا لِتَ ُكونُوا ُش َه َداءَ َعلَى الن ِ‬
‫َّاس َويَ ُكو َن َّ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َوَك َذل َ‬
‫الوسطية الشرعية هي املنهج احلق الذي بعث هللا به اۡلنبياء عليهم السالم‪ ،‬وجعل هذه‬
‫اۡلمة أخص اۡلمم يف حتقيق هذه الوسطية‪ ،‬وأهل السنة واجلماعة هم أهل الوسطية يف هذه اۡلمة‪ ،‬أما‬
‫من خالفهم فإهنم احنرفوا عن الوسطية إما إىل اإلفراط وإما إىل التفريط ‪.‬و جاءَت النصوص الكثرية يف‬
‫كتاب هللا و سنة رسوله هللا ﷺ أتمران ابالستقامة على هذا املنهج الوسط‪ ،‬والذي ال احنراف فيه وال‬
‫شطط‪ ،‬وتنهاان عن الغلو فيه‪ ،‬أو اجلنوح عنه لسواه‪ .‬وهذا يظهر ٍ‬
‫جبالء أمهية هذا البحث‪ ،‬فالبحث‬
‫ُّ‬
‫يعد ُمسامهة يف إبراز وسطية الشريعة اإلسالمية واعتداهلا‪ ،‬واحلث على الوسطية واالعتدال‪ ،‬كما أنه‬
‫يهدف لعالج ظاهريت الغلو والتفريط؛ ومن مث حتقيق الوسطية اليت رغب الشرع فيها وحث عليها‪.‬‬

‫‪١‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪١.٢ :‬‬


‫‪٢‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪١ :‬‬
‫‪٣‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪١٤٣ :‬‬

‫‪٣‬‬
‫أمهية املوضوع‪:‬‬
‫إبراز أمهية املوضوع من النقاط التالية‪:‬‬

‫• ظهرت الفرق من اخلوارج‪ ،‬والشيعة‪ ،‬واملعتزلة واجلهمية‪ ،‬وغريهم ممن غال أو جفا‪ ،‬وفرط أو‬
‫أفرط‪ ،‬و احنراف عن الطريق السوي طريق الكتاب والسنة‪.‬‬
‫شرر ذلك هنا‬
‫الفهم السقيم لنصوصه وتعاليمه‪ ،‬وتطاير ُ‬ ‫• َ‬
‫فشت ظاهرةُ الغلو يف الدين‪ ،‬و ُ‬
‫وهناك‪.‬‬
‫ِ‬
‫• الوسطية من أبرز مالمح العقيدة اإلسالمية؛ إذ هي موافقةٌ للحق‪ ،‬ومؤيَّدةٌ ِه‬
‫ابحلق‪ ،‬وهي‬
‫ِ‬
‫مناسبةٌ للفطرة‪ ،‬ال إفراط فيها وال تفريط‪.‬‬

‫أسباب اختيار املوضوع‪:‬‬


‫تظهر أسباب يف اختياري هذا املوضوع من النقاط التالية‪:‬‬
‫• دراسة ظاهرة الغلو والتشدد‪ ،‬ومعرفة أسباهبا ودوافعها؛ مث املشاركة يف عالجها وقلع جذورها‪،‬‬
‫أو احل هِد منها والتخفيف من آاثرها ‪ -‬على أقل تقدير‪.‬‬
‫• ُمسامهة يف إبراز وسطية الشريعة اإلسالمية واعتداهلا‪ ،‬واحلث على الوسطية واالعتدال‪ ،‬كما‬
‫أنه يهدف لعالج ظاهريت الغلو والتفريط‪.‬‬
‫• ملعرفة حقيقة الوسطيَّة و اإلعتدال يف حدودها الشرعيَّة و حتقيقها‪.‬‬

‫‪٤‬‬
‫تقسيمات البحث‪:‬‬

‫املبحث األول‪ :‬مفهوم الوسطية‪ ،‬و أمهيتها‪.‬‬

‫املطلب اۡلول‪ :‬مفهوم الوسطية‪.‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬أمهية الوسطية‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬مسات املنهج الوسط‪ ،‬و ضوابط حتقيقه‪.‬‬

‫املطلب اۡلول‪ :‬مسات املنهج الوسط‪.‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬ضوابط حتقيق املنهج الوسط‪.‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬مظاهر حتقيق املنهج الوسط‪ ،‬و معوقات حتقيقه‪.‬‬

‫املطلب اۡلول‪ :‬مظاهر حتقيق املنهج الوسط‪.‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬معوقات حتقيق املنهج الوسط‪.‬‬

‫‪٥‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مفهوم الوسطية‪ ،‬و أمهيتها‬

‫املطلب األول‪ :‬مفهوم الوسطية‬ ‫•‬

‫أوال‪ :‬معىن الوسطية لغة‬

‫ط الشيء أَفضلَه وأَع َدلَه‪٤‬؛ وقال‬


‫ووس ُ‬
‫طرفَيه ‪َ ،‬‬ ‫ط الشيء ما بني َ‬ ‫وس ُ‬
‫مأخوذة من (وسط) ‪َ ،‬‬
‫ط ‪ :‬ما له طرفان ُمتسا ِوََي القدر"‪.‬‬
‫"الو َس ُ‬ ‫‪٥‬‬
‫الراغب اۡلصفهاين يف مفرداته ‪َ :‬‬
‫يقول ابن فارس‪ " :‬الواو والسني والطاء بناء صحيح يدل على العدل والنصف‪ ،‬وأعدل‬
‫الشيء‪ :‬أوسطه ووسطه‪."٦‬‬
‫اثنيا‪ :‬الوسطية يف الشرع‬

‫جاءت الوسطية يف الشرع مبعىن اۡلخذ مبا شرع هللا من غري إفراط وال تفريط و العدالة‬
‫ك َج َعلنَا ُكم أ َُّمةً َو َسطًا ﴾‪ .٧‬وهبذا املعىن فسرها ابن جرير‬ ‫ِ‬
‫واخلريية‪ ،‬كما يف قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وَك َذل َ‬
‫الطربي مبعىن عدوال‪.٨‬‬
‫أيضا الوسطية هي ما اتصفت به اۡل َُّمة اإلسالميَّة من تسنمها موقع الوسط يف العقائد‬
‫القمة السامقة‪ ،‬وحتيط هبا اۡلطراف من كل جانب‪،‬‬
‫والشرائع واملكان والزمان‪ ،‬وكون ذلك املوقع هو َّ‬
‫العزة واملنعة والظهور‪ ،‬وهو يف ذاته اۡلفضل واۡلحسن واۡلنصف واۡلعدل‪،‬‬
‫وهذا املوقع حيقق هلا َّ‬
‫خيار‬
‫وبعبارة موجزة قال احلرايل‪" :‬الوسط‪ :‬العدل الذي نسبة اجلوانب إليه كلها على السواء‪ ،‬فهو ُ‬
‫الشيء‪ ،‬ومىت زاغ عن الوسط حصل اجلور املوقع يف الضَّالل عن القصد‪".٩‬‬

‫‪ ٤‬لسان العرب‪ ،‬ابن منظور (ت ‪٧١١‬ه )‪ ،‬دار صادر (بريوت)‪ ،‬الطبعة اۡلوىل‪١٣..‬ه‪.)٤٢٦/٧( ،‬‬
‫‪ ٥‬مفردات ألفاظ القران‪ ،‬الراغب اۡلصفهاين (ت ‪٤٢٥‬ه )‪ ،‬دار القلم (دمشق)‪ ،‬الطبعة اۡلوىل ‪١٩٩٦‬م‪ ،‬ص‪.٨٦٩‬‬
‫‪ ٦‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬أمحد بن فارس بن زكرَيء القزويين الرازي (ت ‪٣٩٥‬ه )‪ ،‬دار الفكر‪١٣٩٩ ،‬ه ‪.)١٠٨ /٦( ،‬‬
‫‪ ٧‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.١٤٣ :‬‬
‫‪٨‬‬
‫جامع البيان عن أتويل آي القرآن‪ ،‬أبو جعفر‪ ،‬حممد بن جرير الطربي (ت ‪٣١٠‬ه )‪ ،‬دار الرتبية والرتاث (مكة)‪.)١٤٥/٣( ،‬‬
‫‪ ٩‬التوقيف على مهمات التعاريف‪ ،‬حممد عبد الرؤوف املناوي (ت ‪١٠٣١‬ه )‪ ،‬عامل الكتب (القاهرة)‪ ،‬الطبعة اۡلوىل ‪١٤١٠‬ه ‪،‬‬
‫ص ‪.٣٣٧‬‬

‫‪٦‬‬
‫مفهوم اإلعتدال‪:‬‬
‫لغ ـ ــة‪ :‬الع دل ‪ :‬ض د اجل ور‪ ،‬وم ا ق ام يف ال نفس أن ه مس تقيم‪ ،١.‬والع دل ه و التقس يط عل ى‬
‫سواء‪ ،١١‬االعتدال توسط حال بني حالني يف كم أو كيف‪.‬‬
‫ش ــرعا‪ :‬ه و الت زام امل نهج الع دل اۡلق وم‪ ،‬واحل ق ال ذي ه و وس ط ب ني الغل و والتنط ع‪ ،‬وب ني‬
‫التفريط والتقصري‪ ،‬فاالعتدال واالستقامة وسط بني طرفني مها ‪ :‬اإلفراط والتفريط‪.١٢‬‬
‫فالوسطية ‪ ،‬واالعتدال معنيان مرتادفان يف املفهوم اللغوي‪ ،‬والشرعي االصطالحي‪ ،‬فهما ‪:‬‬
‫العدل واالستقامة واخلريية واالعتدال والقصد والفضل واجلودة ‪.‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬أمهية الوسطية‬ ‫•‬

‫ملا كان دين اإلسالم هو خامت اۡلدَين السماوية وأفضلها وخريها‪ ،‬فإن الوسطية هي أبرز خصائصه‪ ،‬وأهم‬
‫ما مييزه عن سائر اۡلدَين اجلاحنة إىل اإلفراط أو التفريط؛ ولذا كان منهج اإلسالم وسطاً معتدالً يف اۡلمور‬
‫السبُ َل فَتَ َفَّر َق بِ ُكم َعن َسبِيلِه ﴾‪. ١٣‬‬
‫يما فَاتَّبِعُوهُ َوَال تَتَّبِعُوا ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫كلها‪ ،‬قال هللا تعاىل‪َ ﴿ :‬وأ َّ‬
‫َن َه َذا صَراطي ُمستَق ً‬
‫ال جتد فرقة من فرق أهل اۡلهواء والبدع إال وقد خالفت أهل السنة واجلماعة يف أصل الوسطية العظيم‪،‬‬
‫فإما أن تغلو يف جانب‪ ،‬أو تفرط يف جانب‪ ،‬وهذا اخللل يف التوازن مطرد عند مجيع أهل البدع يف أبواب‬
‫االعتقاد‪ ،‬قل أو كثر‪ ،‬فالوسطية فيها رد على من فارقها‪ .‬و أهل السنة واجلماعة يف اإلسالم كأهل اإلسالم يف‬
‫أهل امللل‪ ،‬فهم وسط يف ابب صفات هللا عز وجل بني أهل اجلحد والتعطيل‪ ،‬وبني أهل التشبيه والتمثيل‪ ،‬إثباات‬
‫لصفات الكمال‪ ،‬وتنزيها له عن أن يكون له فيها أنداد وأمثال‪ ،‬إثبات بال متثيل‪ ،‬وتنزيه بال تعطيل‪ ،‬كما قال‬
‫س َك ِمثلِ ِه َشيءٌ ﴾‪ۡ ،١٤‬لهنم متمسكون بكتاب هللا وسنة رسوله ﷺ ‪ ،‬وما اتفق عليه السابقون‬‫تعاىل ﴿ لَي َ‬
‫اۡلولون من املهاجرين واۡلنصار‪ ،‬والذين اتبعوهم إبحسان‪.١٥‬‬

‫‪ ١.‬لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪.)٤٣./١١( ،‬‬


‫‪ ١١‬مفردات ألفاظ القران‪ ،‬الراغب اۡلصفهاين‪ ،‬ص ‪٥٥١‬‬
‫‪ ١٢‬جمموعة من العلماء حبوث ندوة أثر القرآن الكرمي يف حتقيق الوسطية ودفع الغلو‪ ،‬وزارة الشئون اإلسالمية واۡلوقاف والدعوة‬
‫واإلرشاد (اململكة العربية السعودية)‪ ،‬الطبعة الثاين ‪١٤٢٥‬ه‪.)٤/١( ،‬‬
‫‪ ١٣‬سورة اۡلنعام‪ ،‬اآلية ‪١٥٣‬‬
‫‪ ١٤‬سورة الشورى‪ ،‬اآلية ‪١١‬‬
‫‪ ١٥‬جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية‪ ،‬جممع امللك فهد لطباعة املصحف الشريف (املدينة النبوية)‪.)٤٣٢/٨( ،‬‬

‫‪٧‬‬
‫و على كل حال فإن منهج الوسط يقوم على التوافق بني اۡلدلة الصحيحة أَيً كان‬
‫مصدرها و امتناع التعارض بينها يف نفس اۡلمر الوسطية هو العدل واخليار‪ ،‬وهو أحسن اۡلمور‬
‫كل أمور احلياة ومنهاجها‬
‫تعرف على هأهنا االعتدال يف ه‬
‫وأفضلها وأنفعها للناس وأمجلها‪ ،‬كما ه‬
‫وتصوراهتا ومواقفها‪ ،‬فالوسطية ليست جمرد موقف بني االحنالل والتشديد‪ ،‬بل تعترب موقفاً أخالقياً‬
‫وسلوكياً ومنهجاً فكرَيً‪ .‬وهذا يظهر ٍ‬
‫جبالء أمهية الوسطية‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬مسات املنهج الوسط‪ ،‬و ضوابط حتقيقه‬

‫• املطلب األول‪ :‬مسات املنهج الوسط‬

‫خريا بني أمرين‬


‫شرين‪ ،‬أو ً‬ ‫‪-‬اخلريية ‪ :‬ان الوسطيَّة تعين اخلرييَّة‪ ،‬سواء أكانت خري اخلريين أو ً‬
‫خريا بني ه‬
‫أن املقياس لتحديد اخلرييَّة هو الشرع ‪ ،‬وليس هوى النَّاس أو ما تعارفوا عليه أو ألفوه‪َّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫متفاوتني‪ ،‬و َّ‬
‫أي أمر اتَّصف‬ ‫أحياان‪ ،‬و َّ‬
‫أن َّ‬ ‫مفهوم الوسطيَّة عند كثري من الناس تعين التهنازل أو التَّساهل بل واملداهنة ً‬
‫مجيعا فهو الذي يصح أن نُطلق عليه وصف‪ :‬الوسطيَّة‪ ،‬وما عدا ذلك فال‪.١٦‬‬
‫ابخلرييَّة والبينيَّة ً‬
‫ِ‬
‫‪-‬العدل ‪ :‬جاء وصف هذه اۡلمة ابلوسطيَّة يف قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وَك َذل َ‬
‫ك َج َعلنَا ُكم أ َُّمةً َو َسطًا ﴾‪،١٧‬‬
‫يتضمن معىن اخلرييَّة ‪،‬‬‫فسر الوسط هنا ابلعدل ‪ ،‬وإذا نظران إىل العدل وجدانه َّ‬ ‫وصح عنه ‪ ‬أنَّه َّ‬
‫والعدل كذلك يُقابله الظهلم‪ ،‬والظهلم له طرفان؛ فإذا مال احلاكم إىل أحد اخلصمني فقد ظلم ‪ ،‬والعدل‬
‫وسط بينهما دون حيف إىل أي منهما‪ ،١٨‬قال ابن القيم (رمحه هللا) والصواب‪ ( -:‬أن العدل وضع‬
‫اۡلشياء يف مواضعها اليت تليق هبا وإنزاهلا منزلتها ‪ ،‬كما أن الظلم وضع الشيء يف غري موضعه وقد‬
‫تسمى هللا سبحانه ابحلكم العدل)‪.١٩‬‬

‫‪ ١٦‬الوسطية يف ضوء القرآن الكرمي‪ ،‬انصر بن سليمان العمر‪ ،‬الكتاب منشور على موقع وزارة اۡلوقاف السعودية‪ ،‬ص ‪.٣٩‬‬
‫‪ ١٧‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.١٤٣ :‬‬
‫‪ ١٨‬الوسطية يف القرآن الكرمي‪ ،‬الصاليب‪ ،‬علي حممد‪ ،‬دار املعرفة (بريوت)‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪٢..٩‬م‪ ،‬ص‪. ٣٩‬‬
‫‪ ١٩‬شفاء العليل يف مسائل القضاء والقدر واحلكمة والتعليل‪ ،‬ابن القيم‪ ،‬دار الفكر(بريوت)‪١٩٧٨ ،‬م‪.)٢٧٦/١( ،‬‬

‫‪٨‬‬
‫‪-‬اليسر ورفع احلرج ‪ :‬ان رفع احلرج و ه‬
‫السماحة والسهولة راجع إىل الوسط واالعتدال ‪ ،‬فال إفراط وال‬
‫تفريط‪ ،‬فالتنطع والتهشديد حرج يف جانب عسر التكاليف‪ ،‬واإلفراط والتقصري حرج فيما يؤدي إليه‬
‫من تعطل املصاحل وعدم حتقيق مقاصد الشرع‪.٢.‬‬
‫‪-‬احلكمة ‪ :‬احلكمة وهي توخي القصد واالعتدال‪ ،‬وإدراك العلل والغاَيت‪ ،‬ووضع اۡلمور يف‬
‫نصاهبا يف تبصر وروية وإدراك و مجاع احلكمة يف قول ابن القيم ‪" :‬فعل ما ينبغي‪ ،‬على الوجه الذي‬
‫ينبغي‪ ،‬يف الوقت الذي ينبغي‪.٢١‬‬

‫‪-‬االستقامة ‪ :‬الوسطية استقامة ولو مل تكن على هنج االستقامة لكانت احنرافا واالحنراف إما إفراط‬
‫أو تفريط‪ .٢٢‬قال ابن القيم ‪ ":‬فاالستقامة كلمة جامعة آخذة مبجامع الدين‪ ،‬وهي القيام بني يدي‬
‫هللا على حقيقة الصدق والوفاء ابلعهد‪ ،‬واالستقامة تتعلق ابۡلقوال واۡلفعال واۡلحوال والنيات‬
‫فاالستقامة فيها ‪ :‬وقوعها هلل وابهلل وعلى أمر هللا‪."٢٣‬‬

‫يدل على وقوع شيء بني‬ ‫أن البينيَّة من لوازم وصفات الوسطيَّة ‪َّ ،‬‬
‫إن إطالق لفظ البينيَّة ه‬ ‫‪-‬البينية ‪َّ :‬‬
‫إن (الوسطيَّة) ال ب هد أن تتَّصف‬ ‫حسا أو معىن‪ ،‬وعندما نقول‪َّ :‬‬ ‫شيئني أو أشياء‪ ،‬وقد يكون ذلك ًّ‬
‫إن هذه الكلمة تعطي‬ ‫إن اۡلمر أعمق من ذلك‪ ،‬حيث َّ‬ ‫جمرد البينيَّة الظَّرفيَّة‪ ،‬بل َّ‬
‫ابلبينيَّة ‪ ،‬فإنَّنا ال نعين َّ‬
‫الغلو والتهطرف أو اإلفراط والتَّفريط‪.‬‬‫مدلوال عمليًّا على أن هذا اۡلمر فيه اعتدال وتوازن وبُعد عن ه‬
‫جمرد ظرف عابر‪ .‬ومن هذا التَّفسري جاءت عالقة البينيَّة‬ ‫وهبذا تكون البينيَّة صفة مدح‪ ،‬ال َّ‬
‫ابلوسطيَّة‪.٢٤‬‬

‫‪ ٢.‬الوسطية يف القرآن الكرمي‪ ،‬الصاليب‪ ،‬ص‪.١١٧‬‬


‫‪ ٢١‬مدارج السالكني يف منازل السائرين‪ ،‬أبو عبد هللا حممد بن أيب بكر بن أيوب ابن قيم اجلوزية (‪ ،)٧٥١ - ٦٥٩‬دار عطاءات‬
‫العلم (الرَيض)‪ ،‬الطبعة الثانية ‪١٤٤١‬ه ‪.)٤٧٩/٢( ،‬‬
‫‪ ٢٣‬مدارج السالكني يف منازل السائرين‪ ،‬ابن قيم‪.) ١.٥/٢( ،‬‬
‫‪ ٢٤‬الوسطية يف القرآن الكرمي‪ ،‬الصاليب‪ ،‬ص‪.١٦٥‬‬

‫‪٩‬‬
‫• املطلب الثاين‪ :‬ضوابط حتقيق املنهج الوسط‬
‫يوجد بعض الضوابط واإلجراءات اليت جيب تطبيق الوسطية يف سياقها حىت ال تنحرف عن‬
‫شريعة وتعاليم الدين اإلسالمي وأهم هذه الضوابط هي كما يلي‪:‬‬

‫‪-‬جيب التنسيق ومعادلة اۡلمور بني تعاليم الشريعة اإلسالمية وبني املتغريات والتطورات اليت تظهر يف‬
‫اجملتمع‪.‬‬
‫‪-‬فهم كافة تعاليم الدين اإلسالمي وقراءة اآلَيت واۡلحاديث املختلفة‪.‬‬
‫‪-‬التيسري يف التبليغ والفتوة فيجب تبسيط وتوضيح كافة اۡلمور أثناء تبليغ الفتوة‪.‬‬
‫‪-‬حماولة التمعن وفهم اۡلمور الداخلية قبل االهتمام ابلشكل اخلارجي لألمور‪.‬‬
‫‪-‬املرونة يف طريقة تطبيق الوسطية بني اۡلفراد‪.‬‬
‫‪-‬االهتمام جبميع أفراد اجملتمع سواء كانوا رجال أو سيدات فهم الكوادر البشرية القادرة على تنفيذ‬
‫الوسطية يف اجملتمع‪.‬‬

‫·‪١‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬مظاهر حتقيق املنهج الوسط‪ ،‬و معوقات حتقيقه‪.‬‬
‫• املطلب األول‪ :‬مظاهر حتقيق املنهج الوسط‪.‬‬
‫ِ‬
‫ابحلق‪ ،‬وهي‬ ‫‪-‬يف االعتقاد‪ :‬الوسطية من أبرز مالمح العقيدة اإلسالمية؛ إذ هي موافقةٌ للحق‪ ،‬ومؤيَّدةٌ ِه‬
‫مناسبةٌ للفطرة‪ ،‬ال إفراط فيها وال تفريط‪ ،‬فالعقيدة اإلسالمية متوسطة بني إفراط النصارى وتفريط اليهود‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وتطرف اليهود يف عصيان أنبيائهم‪ ،‬وتنطعِهم يف السؤال واجلدال؛ وتتجلَّى‬ ‫ِه‬ ‫غلو النصارى يف املسيح‬ ‫وبني هِ‬
‫وسطية اۡلمة احملمدية يف نو ٍاح شىت من مسائل االعتقاد‪ ،‬من عناصرها‪ ،‬ومها‪:‬‬
‫اۡلول‪ :‬الوسطية يف اإلميان ‪:‬فالنيب ‪ ‬و أتباعه املؤمنون يؤمنون جبميع الرسل والكتب املنزلة؛ كما‬ ‫· َّ‬
‫ول ِمبَا أُن ِزَل إِلَي ِه ِمن ربِِه والمؤِمنُو َن ُكلٌّ آمن ِاب َِّ‬
‫ّلل َوَم َالئِ َكتِ ِه‬ ‫الر ُس ُ‬
‫أخرب هللا تعاىل عنهم يف كتابه العزيز ‪َ ﴿:‬آم َن َّ‬
‫ََ‬ ‫َه َ ُ‬
‫ِ‬ ‫وُكتبِ ِه ورسلِ ِه الَ نُ َف ِر ُق بني أ ٍ‬
‫صريُ ﴾‪ .٢٥‬وكما َّبني‬ ‫ك الم ِ‬ ‫ِ‬
‫ك َربَّنَا َوإلَي َ َ‬‫َحد ِمن ُر ُسل ِه َوقَالُوا َِمسعنَا َوأَطَعنَا غُفَرانَ َ‬ ‫ه ََ َ‬ ‫َ ُ َُ ُ‬
‫اآلخ ِر‪َ ،‬وتُؤِم َن‬ ‫ّلل ومالَئِ َكتِ ِه‪ ،‬وُكتُبِ ِه‪ ،‬ورسلِ ِه‪ ،‬والي وِم ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َُ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫النيب ‪ ‬يف ح هد اإلميان الواجب على اۡلمة‪( :‬أَن تُؤم َن ِاب َّ َ َ‬ ‫ُّ‬
‫ِابل َق َد ِر َخ ِريِه َو َشهِرِه)‪.٢٦‬‬
‫·الثَّاين‪ :‬الوسطية يف النبوة ‪:‬املؤمنون املنتسبون هلذه اۡلمة احملمدية يؤمنون برسل هللا مجيعِهم‪،‬‬
‫وحيبُّوهنم ويُوالوهنم‪ ،‬ومل يعبدوهم من دون هللا‪ ،‬ومل يتَّخذوهم أرابابً من دون هللا تعاىل‪،‬‬ ‫عزروهنم ويُوقِهروهنم‪ُ ،‬‬ ‫ويُ هِ‬
‫اس رضي هللا عنهما؛ أنه‬ ‫فهم بذلك وسط يف جانب النبوة بني إفراط اليهود وتفريط النصارى‪ ،‬عن اب ٍن َعبَّ ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َِمس َع عُ َمَر رضي هللا عنه ُ‬
‫النيب صلى هللا عليه وسلم يقول‪( :‬الَ تُط ُر ِوين كما‬ ‫ت َّ‬ ‫يقول ‪ -‬على المن َِرب‪َ :‬مسع ُ‬
‫اّلل َوَر ُسولُه‪ .)٢٧‬قال ابن اجلوزي رمحه هللا‪" :‬اإلطراء‪:‬‬ ‫أَطرت النَّصارى ابن مرمي؛ فَِإََّّنَا أ ََان عب ُده‪ ،‬فَ ُقولُوا‪ :‬عب ُد َِّ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ َ َ ََ‬ ‫َ‬
‫لد هللا‪ ،‬تعاىل‬ ‫ِ‬ ‫اإلفراط يف املدح‪ .‬واملراد به ها هنا‪ :‬املدح الباطل‪ .‬والذين أطروا عيسى عليه السالم َّادعوا أنه و ُ‬
‫أن أحداً‬ ‫اّلل َوَر ُسولُهُ"‪ .‬فإن قال قائل‪ :‬وما َعلِمنا َّ‬ ‫هللا عن ذلك‪ ،‬و َّاَّتذوه إهلاً‪ ،‬ولذلك قال‪" :‬فَ ُقولُوا‪ :‬عب ُد َِّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫َّادعى يف رسوِل هللا صلى هللا عليه وسلم ما ُّاد ِعي يف عيسى عليه السالم! فاجلواب‪ :‬أهنم ابلغوا يف‬
‫تعظيمه‪"٢٨..‬‬

‫‪ ٢٥‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪٢٨٥ :‬‬


‫‪ ٢٦‬أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب اإلميان‪ ،‬ابب اإلسالم ما هو وبيان خصاله‪ ،‬رقم (‪.)٣./١( ،)٩‬‬
‫‪ ٢٧‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب اۡلنبياء‪ ،‬ابب {واذكر يف الكتاب مرمي إذ انتبذت من أهلها} ‪/‬مرمي‪ ،/١٦ :‬رقم‬
‫(‪.)٢٧١/٣( ،)٣٢٦١‬‬
‫‪ ٢٨‬كشف املشكل من حديث الصحيحني‪ ،‬مال الدين أبو الفرج عبد الرمحن بن علي بن حممد اجلوزي (ت ‪٥٩٧‬ه )‪ ،‬دار الوطن‬
‫(الرَيض)‪.)٦٥/١( ،‬‬

‫‪١١‬‬
‫‪١‬‬
‫‪-‬يف العبادات‪:‬‬

‫·أ َّوالً‪ :‬الوسطية واالعتدال يف أداء العبادات‪ ،‬قال ابن تيمية رمحه هللا‪( :‬واۡلحاديث املوافقة هلذا كثرية‪ ،‬يف‬
‫أن ُسنَّته؛ اليت هي االقتصاد يف العبادة‪ ،‬ويف ترك الشهوات‪ ،‬خريٌ من رهبانية النصارى؛ اليت هي ترك عامة‬ ‫بيان َّ‬
‫الشهوات من النكاح وغريه‪ ،‬والغل ِو يف العبادات صوماً وصالةً‪ ،‬وقد خالف هذا؛ ابلتأويل‪ ،‬و ِ‬
‫لعدم العلم طائفةٌ من‬
‫الفقهاء والعُبَّاد)‪.٢٩‬‬

‫اس رضي هللا عنهما قال‪:‬‬ ‫·اثنياً‪ :‬الوسطية يف تطبيق العبادات‪ ،‬والتحذير من الغلو يف ال هِدين‪ ،‬عن اب ِن َعبَّ ٍ‬
‫صى‬ ‫اّللِ ‪َ ‬غ َداةَ الع َقب ِة وهو على َانقَتِ ِه‪( :‬ال ُقط ِيل حصى)‪ .‬فَلَ َقطت له سبع ح ٍ‬
‫صيَات‪ُ ،‬ه َّن َح َ‬ ‫ُ ََ َ َ‬ ‫َ ً‬ ‫ََ‬ ‫رسول َّ‬
‫قال ُ‬
‫الناس! إِ ََّي ُكم َوالغُلَُّو يف ال هِدي ِن؛‬ ‫ِ‬ ‫ض ُه َّن يف َك هِف ِه َويَ ُق ُ‬ ‫ِ‬
‫ال َه ُؤالء فَارُموا)‪ُ ،‬مثَّ قال‪َ( :‬ي أَيُّ َها ُ‬
‫ول‪( :‬أَمثَ َ‬ ‫اخلَذف‪ ،‬فَ َج َع َل يَن ُف ُ‬
‫ك َمن َكاَن قَب لَ ُكم الغُلُُّو ِيف ال هِدي ِن)·‪.٣‬‬ ‫فِإنَّهُ أَهلَ َ‬

‫·اثلثاً‪ :‬الوسطية يف أماكن العبادات ‪:‬كانت اۡلمم املتق هِدمة ال يصلون إالَّ يف كنائسهم وبِيَعِهم‪ ،‬كما أخرب‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ت‪ ،‬وَكا َن َمن‬‫ي‬‫َّ‬
‫ل‬ ‫ص‬‫و‬ ‫ت‬ ‫ح‬ ‫س‬ ‫مت‬ ‫ة‬ ‫ال‬ ‫الص‬ ‫ِ‬
‫ين‬ ‫ت‬ ‫ك‬
‫ر‬ ‫النيب ‪ ‬بذلك يف قوله‪ِ ِ َ :‬‬
‫َ َّ ُ َ َ ُ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬‫ض َم َساج َد َوطَ ُهوراً َ َ َ‬
‫َد‬
‫أ‬ ‫ا‬‫م‬‫ن‬ ‫َي‬
‫أ‬ ‫‪،‬‬ ‫يل اۡلَر ُ‬ ‫(و ُجعلَت َ‬
‫صلُّو َن ِيف َكنَائِ ِس ِهم َوبِيَعِ ِهم)‪.٣١‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قَبلي يُ َع ِظه ُمو َن ذَل َ‬
‫ك‪َّ ،‬إَّنا َكانُوا يُ َ‬

‫‪-‬يف املعامالت‪:‬‬
‫·أوال‪ :‬الوسطية يف التعامل مع احلائض ‪:‬جاءت الشريعة اإلسالمية ابلوسطية يف التعامل مع احلائض بني‬
‫يط النصارى؛ الذين يُبيحون َوطأَها يف‬ ‫حيرمون السكن مع احلائض والتعامل معها‪ ،‬وبني تفر ِ‬ ‫إفراط اليهود؛ الذين هِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وه َّن يف‬
‫وها‪ ،‬ومل ُجيَامعُ ُ‬ ‫اضت ال َمرأَةُ في ِهم مل يُ َؤاكلُ َ‬ ‫ود َكانُوا إذا َح َ‬ ‫س رضي هللا عنه؛ أ َّ‬
‫َن اليَ ُه َ‬ ‫تلك احلال‪ ،‬عن أَنَ ٍ‬
‫ك عن‬‫اىل ‪َ ﴿:‬ويَسأَلُونَ َ‬ ‫النيب صلى هللا عليه وسلم فَأَن َزَل هللا تَ َع َ‬ ‫ِ‬
‫النيب صلى هللا عليه وسلم َّ‬ ‫اب ِه‬ ‫البُيُوت‪ ،‬فَ َسأ ََل أَص َح ُ‬
‫ٍِ ِ‬ ‫رسول َِّ‬ ‫يض قُل هو أَذًى فَاعتَ ِزلُوا النهِ َساءَ يف ال َم ِح ِ‬ ‫ال َم ِح ِ‬
‫اّلل ‪( :‬اصنَعُوا ُك َّل َشيء إالَّ النه َك َ‬
‫اح)‪،‬‬ ‫يض‪ .٣٢﴾ ..‬فقال ُ‬
‫ع ِمن أَم ِرَان َشيئاً إِالَّ َخالََفنَا فِ ِيه‪.٣٣‬‬
‫الر ُج ُل أَن يَ َد َ‬
‫يد هذا َّ‬ ‫ود‪ ،‬فَ َقالُوا‪ :‬ما يُِر ُ‬‫فَبَ لَ َغ ذلك اليَ ُه َ‬

‫‪ ٢٩‬اقتضاء الصراط املستقيم ملخالفة أصحاب اجلحيم‪ ،‬ابن تيمية‪ ،‬دار عامل الكتب (بريوت)‪ ،‬الطبعة السابعة‪١٤١٩ ،‬ه‪ ،‬ص ‪١.٥‬‬
‫‪ ٣.‬أخرجه أبو شيبة‪ ،‬كتاب احلج‪ ،‬يف قدر حصى اجلمار ما هو‪ ،‬رقم (‪.)١٩٤/٨( ،)٤٤٤٣‬‬
‫‪ ٣١‬صحيح الرتغيب والرتهيب‪ ،‬حممد انصر الدين اۡللباين‪ ،‬مكتبة املعارف للنشر والتوزيع (الرَيض)‪ ،‬الطبعة اۡلوىل ‪ ١٤٢١‬ه‪ ،‬رقم‬
‫(‪.)٣٦٣٥‬‬
‫‪ ٣٢‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪٢٢٢‬‬
‫‪ ٣٣‬أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب احليض‪ ،‬ابب جواز غسل احلائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها‪ ،‬رقم (‪)١٦٩/١( ،)٣.٢‬‬

‫‪١٢‬‬
‫·اثتيا‪ :‬الوسطية يف الزواج‪ :‬أحكام الزواج وشروطه وأركانه وواجباته وآدابه فيها من االعتدال‬
‫والوسطية الشيء الكثري؛ لذا جعله النيب ‪ ‬من ُسنَّته املباركة‪ ،‬وأنكر على الرجل الذي ال يُريد الزواج‬
‫ُصلِهي َوأَرقُ ُد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وم َوأُفط ُر‪َ ،‬وأ َ‬
‫َص ُ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫حبجة العبادة‪ ،‬قائالً له‪( :‬وهللا إِِهين ۡلَخ َشا ُكم َّّلل َوأَت َقا ُكم لَهُ‪ ،‬لَك ِهين أ ُ‬ ‫َّ‬
‫أن العزوف عن الزواج هو من‬ ‫س ِم ِهين)‪ .٣٤‬ويكفي أن نعلم َّ‬ ‫ِ‬
‫ب َعن ُسنَّيت فَلَي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوأَتَ َزَّو ُج النه َساءَ‪ ،‬فَ َمن َرغ َ‬
‫وحيهِرمون الطالق‬ ‫فضلون التَّبتُّل على الزواج‪ُ ،‬‬ ‫فعل بعض رهبان النصارى وبعض طوائفهم الغالة الذين يُ ِه‬
‫بعد الزواج‪ ،‬فيضيِهقوا على الناس بذلك‪ ،‬ويُوقعوهم يف احلرج‪.٣٥‬‬

‫·اثلثا‪ :‬الوسطية يف الطالق‪ :‬جاءت الشريعة اإلسالمية ابلوسطية يف تشريع الطالق والذي‬
‫الطالق من غري‬
‫َ‬ ‫يُعترب أكثر واقعية واستيعاابً ملشاكل املرأة والرجل على ح هٍد سواء‪ ،‬و(لو َّ‬
‫جوز الشرعُ‬
‫فإن الندم يلحق املطلِهق بعد‬ ‫حص ٍر لعظم اإلضرار ابلنساء‪ ،‬ولو قصر على مرة واحدة‪َّ ،‬‬
‫لتضرر الرجال‪َّ ،‬‬
‫الرجعة أثناء العدة‪ ،‬أو بعدها‪ ،‬من ٍُ‬
‫طلقة واحدة‪،‬‬ ‫انقضاء العدة يف كثري من اۡلحوال) ؛ كما ُش ِرعت َّ‬
‫‪٣٦‬‬

‫أو طلقتني‪ ،‬ملا يف ذلك من احلِفاظ على مصلحة اۡلسرة‪ ،‬ورف ِع احلرج هبذه الوسطية الواقعية املر ِ‬
‫اعية‬
‫ُ‬
‫ملصاحل اۡلانم‪.‬‬
‫‪-‬يف العالقات اإلجتماعيات‪ :‬عالقة الفرد ابآلخرين جيب أن تكون معتدلة فالبعد عن الناس‬
‫واالنطواء يؤدي إىل سوء التوافق االجتماعي والنفسي والرسول يقول‪ ( :‬املؤمن أيلف وال خري فيمن ال‬
‫أيلف وال يؤلف)‪ ،‬ويقول ۡلصحابه يوما إن أقربكم مين جملساً يوم القيامة أحاسنكم أخالقاً املوطؤون‬
‫أكنافاً الذين أيلفون ويؤلفون)‪.٣٧‬‬
‫‪-‬الوسطية يف األسرة‪ ،‬واملقصود بذلك االعتدال واالتزان وعدم اجلنوح إىل اإلفراط أو التفريط يف‬
‫العالقة بني أفراد اۡلسرة الواحدة‪ ،‬بني الزوج والزوجة وبني الوالدين واۡلوالد‪ ،‬االعتدال يف اإلنفاق‬
‫(العالقة املادية)‪ ،‬واالعتدال يف التقومي (العالقة الرتبوية)‪ ،‬واالعتدال يف املشاعر (العالقة اإلنسانية)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وما َّحم ُس ًورا)‪.٣٨‬‬ ‫(والَ َجت َعل يَ َد َك َمغلُولَةً إِ َىل عُنُق َ‬
‫ك َوالَ تَب ُسط َها ُك َّل البَسط فَتَ قعُ َد َملُ ً‬ ‫قال تعاىل‪َ :‬‬

‫‪ ٣٤‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬ابب الرتغيب يف النكاح‪ ،‬رقم (‪)١٩٤٩/٥( ،)٤٧٧٦‬‬
‫‪ ٣٥‬الوسطية يف السنة النبوية‪ ،‬د عقيلة حسني‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬الطبعة اۡلوىل ‪ ٢.١١‬م‪ ،‬ص ‪٢.٨‬‬
‫‪ ٣٦‬قواعد اۡلحكام يف مصاحل اۡلانم‪ ،‬أبو حممد عز الدين عبد العزيز (ت ‪٦٦٠‬ه )‪ ،‬مكتبة الكليات اۡلزهرية (القاهرة)‪)٢١./١( ،‬‬
‫‪ ٣٧‬صحيح اجلامع الصغري وزَيدته‪ ،‬انصر الدين اۡللباين (ت ‪١٤٢٠‬ه )‪ ،‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬رقم (‪)٢٦٦/١( ،)١٢٢٦‬‬
‫‪ ٣٨‬سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية‪٢٩ :‬‬

‫‪١٣‬‬
‫حاضاً على‬‫‪-‬يف النظام السياسي ‪:‬جاء اإلسالم وسطاً بني النظم‪ ،‬مبيناً حقوق الراعي والرعية‪َّ ،‬‬
‫العدل والقسط‪ ،‬معلياً قيم احلق واۡلمن والسالم‪ ،‬والسمع والطاعة ابملعروف‪ ،‬مرتمساً املنهج الشورى‬
‫املتكامل‪ ،‬سابقاً شعارات الدميقراطيات املعاصرة إىل حتقيق منافع البالد والعباد يف بعد عن‬
‫االضطراب والفوضى‪ ،‬حماذراً الديكتاتورية يف احلكم‪ ،‬واالستبداد يف الرأي‪ ،‬قال هللا تعاىل‪َ } :‬و َشا ِورُهم‬
‫اّللِ{ ‪ .٣٩‬ومما جيلي وسطية اإلسالم‪ :‬مجعه بني اۡلصالة واملعاصرة‪،‬‬ ‫ِيف اۡلَم ِر فَِإ َذا َعَزم َ‬
‫ت فَتَ َوَّكل َعلَى َّ‬
‫ومتيزه ابلثبات واملرونة‪ ،‬وحسن التعامل مع املتغريات‪ ،‬ووضع الضوابط لالجتهاد يف النوازل واستيعاب‬
‫املستجدات‪ ،‬فهو بثوابته وأصوله يستعصي على التميع والذوابن‪ ،‬ومبرونته يستطيع التكيف ويواجه‬
‫التطور بال مجود وال حتجر بل يبين احلياة على القواعد الشرعية‪ ،‬والنواميس املرعية اليت تستجيب‬
‫اّللِ ُحكماً لَِقوٍم يُوقِنُو َن{·‪.٤‬‬
‫حلاجات اۡلمة يف خمتلف الظروف واۡلحوال‪َ }:‬وَمن أَح َس ُن ِم َن َّ‬

‫‪-‬يف النظام االقتصادي ‪:‬وازن اإلسالم بني حرية الفرد واجملتمع‪ ،‬فيحرتم امللكية الفردية‪ ،‬ويقرها‬
‫ويهذهبا حبيث ال تضر مبصلحة اجملتمع‪ ،‬فجاء اإلسالم وسطاً بني رأمسالية ترعى الفرد على حساب‬
‫اجلماعة‪ ،‬واشرتاكية تلغي حقوق اۡلفراد ومتلكهم حبجة مصلحة اجلماعة‪ .‬ويف جمال اإلنفاق تتحقق‬
‫ك قَ َواماً‪{٤١‬‬ ‫الوسطية يف قول احلق تبارك وتعاىل‪ }:‬والَّ ِذين إِذَا أَن َف ُقوا َمل يس ِرفُوا وَمل ي قرتوا وَكا َن ب ِ‬
‫ني ذَل َ‬
‫َ َ ُُ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬

‫‪ ٣٩‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪١٥٩ :‬‬


‫·‪ ٤‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية‪٥. :‬‬
‫‪ ٤١‬سورة الفرقان‪ ،‬اآلية‪٦٧ :‬‬

‫‪١٤‬‬
‫• املطلب الثاين‪ :‬معوقات حتقيق املنهج الوسط‪.‬‬

‫ال خيفى على كل متتبع لألحداث التارخيية واملعاصرة‪ ،‬واملطلع على النصوص الشرعية‪ ،‬وأقوال‬
‫العلماء‪ ،‬أنه ما من جمتمع تغيب عنه الوسطية واالعتدال واهلدي النبوي إال كان ذلك بسبب انتشار‬
‫البدع والضالالت واۡلهواء‪ ،‬حيث يصبح املتسنن غريباً يف جمتمعه‪ ،‬بعد أن ألف ذلك اجملتمع تلكم‬
‫اۡلهواء واالحنرافات‪ ،‬فأضحى ال يعرف معروفاً وال ينكر منكراً إال ما أشرب من هواه‪ ،‬وهذه احلقيقة‬
‫سجلها أقواالً كثري من أسالفنا رمحهم هللا‪ ،‬قال حسان بن عطية احملاريب‪" :‬ما ابتدع قوم بدعة يف‬
‫دينهم‪ ،‬إال نزع هللا من سنتهم مثلها‪ ،‬مث ال يعيدها عليهم إىل يوم القيامة"‪ .٤٢‬و من أبرز املعوقات‬
‫واملوانع اليت تقف وراء غياب الوسطية أو إضعافها يف اجملتمع اإلسالمي املعاصر‪:‬‬

‫‪-‬األول‪ :‬الهل‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪" :‬واجلهل والظلم مها أصل كل شر‪ ،‬كما قال سبحانه ‪:‬‬
‫وما َج ُه ًوال ﴾‪ ،٤٣‬وقد استقصى الدكتور عبد الرمحن اللوحيق مظاهر‬‫اإلن َسا ُن إِنَّهُ َكا َن ظَلُ ً‬
‫﴿ و َمحَلَ َها ِ‬
‫َ‬
‫اجلهل يف اۡلمة وهي متعددة‪ ،‬أبرزها‪ :‬اجلهل ابلكتاب والسنة‪ ،‬واجلهل مبنهج السلف‪ ،‬واجلهل مبقاصد‬
‫الشريعة‪ .٤٤‬وقال الشاطيب مبيناً سبب االحنراف والضالل والتفرق‪ " :‬وهو اجلهل مبقاصد الشريعة‬
‫والتخرص على معانيها ابلظن من غري تثبت أو اۡلخذ فيها ابلنظر اۡلول وال يكون ذلك من راسخ‬
‫يف العلم‪ .‬أال ترى أن اخلوارج كيف خرجوا من الدين كما خيرج السهم من الصيد املرمى؟ ۡلن رسول‬
‫هللا ‪ ‬وصفهم أبهنم يقرؤون القرآن ال جياوز تراقيهم‪ ،‬يعين ‪ -‬وهللا أعلم ‪ -‬أهنم ال يتفقهون به حىت‬
‫يصل إىل قلوهبم؛ ۡلن الفهم راجع إىل القلب‪ ،‬فإن مل يصل إىل القلب مل حيصل فيه فهم على حال‪،‬‬
‫وإَّنا يقف عند حمل اۡلصوات واحلروف فقط وهو الذي يشرتك فيه من يفهم ومن ال يفهم‪ ،‬وما تقدم‬
‫أيضاً من قوله عليه السالم‪( :‬إن هللا ال يقبض العلم انتزاعاً‪.٤٥")..‬‬

‫‪٤٢‬‬
‫مشكلة الغو يف الدين يف العصر احلاضر‪ ،‬عبدالرمحن بن معال اللوحيق‪ ،‬طبعة خاصة ابملؤلف‪ ،‬ط‪١٤١٩ ،١‬ه ‪)٧../٢( ،‬‬
‫‪ ٤٣‬سورة اۡلحزاب‪ ،‬اآلية‪٧٢ :‬‬
‫‪ ٤٤‬مشكلة الغو يف الدين يف العصر احلاضر‪ ،‬عبدالرمحن بن معال اللوحيق‪ ،‬طبعة خاصة ابملؤلف‪)٦٩/١( ،‬‬
‫‪ ٤٥‬جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية‪)٣.٧/١٧( ،‬‬

‫‪١٥‬‬
‫‪-‬الثاين‪ :‬اإلبتداع‪ ،‬من اۡلصول املقررة يف كتاب هللا تعاىل أن هللا أرسل الرسل وأنزل الكتب‬
‫لتقرير التوحيد ونبذ الشرك وتصحيح مفاهيم العقيدة‪ ،‬قال تعاىل ‪َ ﴿:‬ولََقد بَ َعث نَا ِيف ُك ِهل أ َُّم ٍة َر ُس ًوال‬
‫ِ‬ ‫أ َِن اعبُ ُدوا َّ‬
‫وت ﴾‪ ،٤٦‬وكل دعوة ال ترتكز يف غاَيهتا وأهدافها ومناهجها على‬ ‫اّللَ َواجتَنبُوا الطَّاغُ َ‬
‫هذين اۡلصلني فهي خمالفة لنهج املرسلني وانقصة‪ ،‬وال تؤيت مثارها املرجوة‪ ،‬على ذلك فإن من‬
‫أصول اإلسالم الكربى أن كل بدعة ضاللة‪ ،‬وهذا اۡلصل هو مقتضى قوله عليه الصالة والسالم‬
‫كما روته عائشة رضي هللا عنها‪" :‬من أحدث يف أمران هذا ما ليس منه فهو رد"‪.٤٧‬‬
‫‪-‬الثالث‪ :‬الغلو‪ ،‬للتدين احلق مقياسان‪ :‬مقياس االستجابة ملطالب املنهج ومقتضياته‪ ،‬قال‬
‫تعاىل ‪َ ﴿:‬ي أَيُّها الَّ ِذين آمنُوا استَ ِجيبوا َِّّللِ ولِ َّلرس ِ‬
‫ول إِ َذا َد َعا ُكم لِ َما ُحييِي ُكم ﴾‪ ،٤٨‬ومقياس الطاقة‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫اّللُ نَف ًسا إَِّال ُوس َع َها ﴾‪ ،٤٩‬واملقياسان مرتابطان متكامالن‪،‬‬ ‫ف َّ‬ ‫ِ‬
‫والوسع‪ ،‬قال تعاىل ‪َ ﴿:‬ال يُ َكله ُ‬
‫فاالستجابة للمنهج مشروطة ابلقدرة يف اجملال العملي‪ ،‬أما الغلو فهو من‪-‬زع خمتلف‪ ،‬منزع شاذ‬
‫لذينك املقياسني كليهما‪ ،‬مستدبر هلما مجيعاً‪ ،‬إذ اليربح الغايل أن يند ‪ -‬يف فهم الدين ‪ -‬عن‬
‫القواعد العلمية املنهجية اهلادية لطريقة التفكري‪ ،‬وال يفتأ ‪ -‬عند اۡلخذ العملي للدين ‪ -‬حيمل‬
‫نفسه ما ال يطيق‪ ،‬فيسلك ‪ -‬من مث ‪ -‬سبيالً غري سبيل املؤمنني‪ ،‬وإن حسنت نيته فإن حسن‬
‫النية ال يغين عن سداد املنهج‪ ،‬وال يصح أن يكون بديالً له‪.‬‬

‫‪-‬رابعا‪ :‬ادعاء التيسري‪ ،‬من املقاصد املرعية يف الشريعة وقواعدها الكلية‪ ،‬مقصد وقاعدة التيسري‬
‫ورفع احلرج‪ ،‬وقد دلت عليها نصوص كثرية يف الكتاب والسنة متثل أصوالً لليسر يف اإلسالم‪ ،‬أما‬
‫يد بِ ُك ُم العُسَر ﴾‪.٥.‬‬
‫اّللُ بِ ُك ُم اليُسَر َوَال يُِر ُ‬ ‫الكتاب ففي قوله تعاىل ‪ ﴿:‬يُِر ُ‬
‫يد َّ‬

‫‪ ٤٦‬سورة النحل‪ ،‬اآلية‪٣٦ :‬‬


‫‪ ٤٧‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الصلح‪ ،‬ابب إذا اصطلحوا على صلح فالصلح مردود‪ ،‬رقم (‪)٩٥٩/٢( ، )٢٥٥.‬‬
‫‪ ٤٨‬سورة اۡلنفال‪ ،‬اآلية‪٢٤ :‬‬
‫‪ ٤٩‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪٢٨٦ :‬‬
‫‪ ٥.‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪١٨٥ :‬‬

‫‪١٦‬‬
‫إال أن هناك من رام التيسري ورفع احلرج من غري اببه‪ ،‬يزعم العناية مبقاصد الشريعة وروح الدين‪،‬‬
‫ويدعي أن الدين جوهر ال شكل‪ ،‬وحقيقة ال صورة‪ ،‬لو واجهتهم مبحكمات النصوص لفوا‬
‫وداروا‪ ،‬وردوا صحيح احلديث‪ ،‬وهم يف حقيقة أمرهم معطلة النصوص اجلزئية للقرآن والسنة‪ ،‬ال‬
‫يعرفون صحيحاً من ضعيف‪ ،‬أتولوا القرآن فأسرفوا‪ ،‬وحرفوا الكلم عن مواضعه ‪ ،‬ومتسكوا‬
‫ابملتشاهبات‪ ،‬وأعرضوا عن احملكمات‪ ،‬وهؤالء هم أدعياء التجديد‪ ،‬وهم يف الواقع دعاة التغريب‬
‫والتبديد‪. ٥١‬ولو أتملنا مناط قوهلم وحجته ملا خرج عن أمرين ‪ :‬اۡلول‪ :‬النظر إىل املقاصد دون‬
‫النصوص‪ ،‬الثاين‪ :‬التوسع يف فهم خاصية التيسري‪ .٥٢‬ومها أصالن يستند عليهما هؤالء يف‬
‫التأصيل والتقعيد‪ ،‬وقد أمثرا مظاهر متعددة عكسته أقواهلم‪ ،‬وتنظرياهتم‪ ،‬واجتهاداهتم فيما يزعمون‪.‬‬

‫‪ ٥١‬دراسة يف فقه مقاصد الشريعة بني املقاصد الكلية والنصوص اجلزئية‪ ،‬يوسف القرضاوي‪ ،‬دار الشروق (القاهرة)‪ ،‬ط‪،١‬‬
‫‪١٤٢٧‬ه‪ ،‬ص‪٤.‬‬
‫‪ ٥٢‬منهج التيسري املعاصر‪ ،‬عبدهللا بن إبراهيم الطويل‪ ،‬دار اهلدى النبوي (مصر)‪ ،‬ط‪١٤٢٦ ،١‬ه‬

‫‪١٧‬‬
‫اخلامتة‬
‫و أخلض يف ختامه إىل أهم النتائج اآلتية‪:‬‬
‫التعريف املختار للوسطية هي‪ :‬هي ما اتصفت به اۡل َُّمة اإلسالميَّة من تسنمها موقع الوسط‬
‫القمة السامقة‪ ،‬وحتيط هبا اۡلطراف من‬ ‫يف العقائد والشرائع واملكان والزمان‪ ،‬وكون ذلك املوقع هو َّ‬
‫العزة واملنعة والظهور‪ ،‬وهو يف ذاته اۡلفضل واۡلحسن واۡلنصف‬ ‫كل جانب‪ ،‬وهذا املوقع حيقق هلا َّ‬
‫واۡلعدل و مىت زاغ عن الوسط حصل اجلور املوقع يف الضَّالل عن القصد‪ .‬و الوسطية هلا أمهية‬
‫تعرف على أ ههنا االعتدال‬
‫كثرية‪ ،‬و ابإلجياز هي أحسن اۡلمور وأفضلها وأنفعها للناس وأمجلها‪ ،‬كما ه‬
‫كل أمور احلياة ومنهاجها وتصوراهتا ومواقفها‪ .‬و من مسات الوسطية‪ :‬اخلريية‪ ،‬العدل‪ ،‬اليسر و رفع‬ ‫يف ه‬
‫احلرج‪ ،‬احلكمة‪ ،‬البينية‪ ،‬اإلستقامة‪ .‬و ينبغي لنا إبهتمام الضوابط يف حتقيق املنهج الوسط كما ذكر‪.‬‬
‫ظهرت جماالت الوسطية امللتزمة إبعتداهلا يف العقيدات‪ ،‬العبادات‪ ،‬املعامالت‪ ،‬االجتماعية‪ ،‬اۡلسرة‪،‬‬
‫االقتصادية‪ ،‬السياسية و أيضا للوسطية معوقات يف حتقيقه نبتعد منها‪.‬‬

‫التوصيات‪:‬‬

‫–ضرورة تفعيل مقاصد الشريعة يف مجيع أحكام الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وإحكام النظر إىل مبدأ الوسطية‬
‫يف ضوء مقاصد الشريعة‪.‬‬
‫‪-‬تدعيم املقررات الدراسية مبوضوعات عن الوسطية يف كليات الشريعة‪ ،‬والدراسات اإلسالمية‪،‬‬
‫واملعاهد العلمية‪.‬‬
‫‪-‬إقامة املؤمترات‪ ،‬والندوات‪ ،‬وامللتقيات‪ ،‬لبيان أمهية الوسطية وأثرها يف حتقيق اۡلمن اجملتمعي‪.‬‬
‫‪-‬نشر ثقافة الوسطية بني أفراد اجملتمع من خالل وسائل اإلعالم املختلفة‪.‬‬

‫‪١٨‬‬
‫املراجع‬
‫‪ .١‬اقتضاء الصراط املستقيم ملخالفة أصحاب اجلحيم‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أمحد بن عبد احلليم بن‬
‫عبد السالم بن عبد هللا بن أيب القاسم بن حممد ابن تيمية احلراين احلنبلي الدمشقي (ت ‪٧٢٨‬ه )‬
‫دار عامل الكتب (بريوت)‪ ،‬الطبعة السابعة‪١٤١٩ ،‬ه‪.‬‬
‫‪ .٢‬التوقيف على مهمات التعاريف‪ ،‬حممد عبد الرؤوف املناوي (ت ‪١٠٣١‬ه )‪ ،‬عامل الكتب‬
‫(القاهرة)‪ ،‬الطبعة اۡلوىل ‪١٤١٠‬ه‬
‫‪ .٣‬املصنف‪ ،‬أبو بكر عبد هللا بن حممد بن أيب شيبة العبسي الكويف (ت ‪ ٢٣٥‬ه )‪ ،‬دار كنوز‬
‫إشبيليا للنشر والتوزيع (الرَيض)‪ ،‬الطبعة اۡلوىل‪ ١٤٣٦ ،‬ه‪.‬‬
‫‪ .٤‬الوسطية يف السنة النبوية‪ ،‬د عقيلة حسني‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬الطبعة اۡلوىل ‪ ٢.١١‬م‪.‬‬
‫الصالَّيب‪ ،‬دار املعرفة(بريوت)‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪٢..٩‬م‪.‬‬‫‪ .٥‬الوسطية يف القرآن الكرمي‪َ ،‬علي َحمَّمد حممد َّ‬
‫‪ .٦‬الوسطية يف ضوء القرآن الكرمي‪ ،‬انصر بن سليمان العمر‪ ،‬الكتاب منشور على موقع وزارة‬
‫اۡلوقاف السعودية‪.‬‬
‫‪ .٧‬جامع البيان عن أتويل آي القرآن‪ ،‬أبو جعفر‪ ،‬حممد بن جرير الطربي (ت ‪٣١٠‬ه )‪ ،‬دار الرتبية‬
‫والرتاث (مكة)‪.‬‬
‫‪ .٨‬دراسة يف فقه مقاصد الشريعة بني املقاصد الكلية والنصوص اجلزئية‪ ،‬يوسف القرضاوي‪ ،‬دار‬
‫الشروق (القاهرة)‪ ،‬ط‪١٤٢٧ ،١‬ه‪.‬‬
‫‪ .٩‬شفاء العليل يف مسائل القضاء والقدر واحلكمة والتعليل‪ ،‬حممد بن أيب بكر بن أيوب بن سعد‬
‫مشس الدين ابن قيم اجلوزية (ت ‪٧٥١‬ه )‪ ،‬دار الفكر(بريوت)‪١٩٧٨ ،‬م‪.‬‬
‫‪ ١.‬صحيح البخاري‪ ،‬أبو عبد هللا حممد بن إمساعيل البخاري اجلعفي‪ ،‬دار ابن كثري‪ ،‬دار اليمامة‬
‫(دمشق)‪ ،‬الطبعة اخلامسة‪ ١٤١٤ ،‬ه‪.‬‬
‫‪ .١١‬صحيح الرتغيب والرتهيب‪ ،‬حممد انصر الدين اۡللباين‪ ،‬مكتبة املعارف للنشر والتوزيع‬
‫(الرَيض)‪ ،‬الطبعة اۡلوىل ‪ ١٤٢١‬ه‪.‬‬
‫‪ .١٢‬صحيح اجلامع الصغري وزَيدته‪ ،‬انصر الدين اۡللباين (ت ‪١٤٢٠‬ه )‪ ،‬املكتب اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ .١٣‬صحيح مسلم‪ ،‬أبو احلسني مسلم بن احلجاج القشريي النيسابوري (‪ ٢٦١ - ٢٠٦‬ه )‪ ،‬طبعة‬
‫عيسى البايب احلليب وشركاه (القاهرة) ‪ ١٣٧٤،‬ه‪.‬‬

‫‪١٩‬‬
‫‪ .١٤‬قواعد اۡلحكام يف مصاحل اۡلانم‪ ،‬أبو حممد عز الدين عبد العزيز (ت ‪٦٦٠‬ه )‪ ،‬مكتبة الكليات‬
‫اۡلزهرية (القاهرة)‪.‬‬
‫‪ .١٥‬كشف املشكل من حديث الصحيحني‪ ،‬مال الدين أبو الفرج عبد الرمحن بن علي بن حممد‬
‫اجلوزي (ت ‪٥٩٧‬ه )‪ ،‬دار الوطن (الرَيض)‪.‬‬
‫‪ .١٦‬لسان العرب‪ ،‬ابن منظور (ت ‪٧١١‬ه )‪ ،‬دار صادر (بريوت)‪ ،‬الطبعة اۡلوىل‪١٣..‬ه‪.‬‬
‫‪ .١٧‬جمموع الفتاوى‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أمحد بن عبد احلليم بن تيمية احلراين (ت ‪٧٢٨‬ه )‪،‬‬
‫جممع امللك فهد لطباعة املصحف الشريف (املدينة النبوية)‪١٤١٦ ،‬ه ‪.‬‬
‫‪ .١٨‬جمموعة من العلماء حبوث ندوة أثر القرآن الكرمي يف حتقيق الوسطية ودفع الغلو‪ ،‬وزارة الشئون‬
‫اإلسالمية واۡلوقاف والدعوة واإلرشاد (اململكة العربية السعودية)‪ ،‬الطبعة الثاين ‪١٤٢٥‬ه‪.‬‬
‫‪ .١٩‬مدارج السالكني يف منازل السائرين‪ ،‬أبو عبد هللا حممد بن أيب بكر بن أيوب ابن قيم اجلوزية‬
‫(‪ ،)٧٥١ - ٦٥٩‬دار عطاءات العلم (الرَيض)‪ ،‬الطبعة الثانية ‪١٤٤١‬ه ‪.‬‬
‫‪ .٢.‬مشكلة الغو يف الدين يف العصر احلاضر‪ ،‬عبدالرمحن بن معال اللوحيق‪ ،‬طبعة خاصة ابملؤلف‪،‬‬
‫ط‪١٤١٩ ،١‬ه ‪.‬‬
‫‪ .٢١‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬أمحد بن فارس بن زكرَيء القزويين الرازي (ت ‪٣٩٥‬ه )‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫‪١٣٩٩‬ه ‪.‬‬
‫‪ .٢٢‬مفردات ألفاظ القران‪ ،‬الراغب اۡلصفهاين (ت ‪٤٢٥‬ه )‪ ،‬دار القلم (دمشق)‪ ،‬الطبعة اۡلوىل‬
‫‪١٩٩٦‬م‪.‬‬
‫‪ .٢٣‬منهج التيسري املعاصر‪ ،‬عبدهللا بن إبراهيم الطويل‪ ،‬دار اهلدى النبوي (مصر)‪ ،‬ط‪١٤٢٦ ،١‬ه‪.‬‬

‫·‪٢‬‬
‫فهرس املوضوع‬

‫صفحة‬ ‫موضوع‬
‫‪٣‬‬ ‫املقدمة‬
‫‪٤‬‬ ‫أمهية املوضوع‬
‫‪٤‬‬ ‫أسباب اختيار املوضوع‬
‫‪٥‬‬ ‫تقسيمات البحث‬
‫‪٦‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬مفهوم الوسطية‪ ،‬و أمهيتها‬
‫‪٦‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬مفهوم الوسطية‬
‫‪٧‬‬ ‫املطلب الثاين‪ :‬أمهية الوسطية‬
‫‪٨‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬مسات املنهج الوسط‪ ،‬و ضوابط حتقيقه‬
‫‪٨‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬مسات املنهج الوسط‬
‫·‪١‬‬ ‫املطلب الثاين‪ :‬ضوابط حتقيق املنهج الوسط‬
‫‪١١‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬مظاهر حتقيق املنهج الوسط‪ ،‬و معوقات حتقيقه‬
‫‪١١‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬مظاهر حتقيق املنهج الوسط‬
‫‪١٥‬‬ ‫املطلب الثاين‪ :‬معوقات حتقيق املنهج الوسط‬
‫‪١٨‬‬ ‫اخلامتة‬
‫‪١٩‬‬ ‫املراجع‬
‫‪٢١‬‬ ‫فهرس املوضوع‬

‫‪٢١‬‬

You might also like