You are on page 1of 17

‫اإلهداء‬

‫إلــى الذي أعطاني كل شيء‪..‬‬

‫ثم رحل لم يرد جزاء و ال شكورا‪...‬‬

‫وإلـى من جاء بالحق‪...‬‬

‫و عـاش بـالـحـق‪...‬‬

‫وحـكـم بـالحـق‪...‬‬

‫و ترك بعد موته الحق‪...‬‬

‫نبينا شفيعناحبيـبـنا‪...‬‬

‫محمـد صلـى هللا عليه و سلـم‪...‬‬

‫‪...‬إلى أجدادنافي جوار رب كريم‪...‬‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫المقدمة‬
‫‪1‬‬
‫إن الحمدهلل‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن‬
‫سيئات أعمالنا‪ .‬من يهد هللا فال مضل له ‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال‬
‫إله إال هللا‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫أوال أريد ان أشكر إلى أستاذي‪ ،‬الدكتور حسام الدين الصيفي‪ ،‬ألنه ترشدني‬
‫إلى طريق المستقيم وطريق النجاح بعلمها وجهدها وصبرها ونحوها‪ .‬في الحقيقة‪،‬‬
‫إن االجتهاد والمفتي مهم في حياة اإلنسان‪ ،‬فهو مهم للمسلمين كافة ليعيشون في‬
‫هذه الدنيا بالسعادة والنجاح‪ .‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬قد ذكر العلماء على أن االجتهاد في‬
‫كل عصر فرض من فروض الكفايات‪ ،‬وأنه ال يجوز شرعا إخالء العصر عنه‪،‬‬
‫وواجب على أهل كل زمان أن يقوم به طائفة في كل قطر‪.‬‬
‫فقد أخذت البحث تحت الموضوع‪":‬اجتهاد الرسول صلى هللا عليه وسلم "‪،‬‬
‫ألننا سوف نعرف حقيقة‪ ،‬وأهمية‪ ،‬ودورة اجتهاد الرسول (ص) في هذا العصر‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬قد قسم هذا البحث إلى مواضع المختلفة‪ ،‬مبدأ بالتعريف االجتهاد‪ ،‬وأيضا‬
‫سنعرف عن مكانة اجتهاد الرسول (ص) في اجتهاده‪ ،‬ورأي العلماء في مباحث‬
‫االجتهاد الرسول (ص)‪ ،‬وعن األمثلة في اجتهاد الرسول (ص)‪ ،‬وأيضا عن‬
‫األمثلة االجتهاد األنبياء قبل رسول هللا (ص) وأخيرا عن الحكمة في اجتهاد رسول‬
‫هللا (ص) ‪.‬‬
‫وأخيرا‪ ،‬أرجو أن يكون هذا العمل المتواضع خالصا لوجهه الكريم ‪ .‬وأن ينفع‬
‫به كل من يرجو إليه‪ ،‬وأن يرفقنا لخير األعمال ‪ ،‬إنه قريب مجيب‪ .‬وصلى اللهم‬
‫على سيدنا محمد وعلى آله وسلم‪ ،‬والحمدهلل رب العالمين‪.‬‬

‫الفهرس‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬

‫‪1‬‬ ‫اإلهداء‬

‫‪2‬‬ ‫المقدمة‬

‫‪2‬‬
‫‪4‬‬ ‫معنى االجتهاد‬

‫‪6‬‬ ‫اجتهاد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬

‫‪8‬‬ ‫رأي العلماء في االجتهاد األنبياء‬

‫أمثلة من اجتهاد األنبياء قبل نبينا محمد صلى هللا عليه وسلم‬

‫‪13‬‬

‫‪15‬‬ ‫أمثلة اجتهاد نبينا محمد صلى هللا عليه وسلم‬

‫الحكمة في اجتهاد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وإذنه للصحابة باالجتهاد‬

‫‪17‬‬

‫‪19‬‬ ‫الخاتمة‬

‫المصادر والمراجع‬

‫معنى االجتهاد‬
‫لغة‪ :‬يعد لفظ االجتهاد مصدرا لفعل اجتهد يجتهد اجتهادا‪ ،‬واالجتهاد على وزن‬
‫افتعل يفتعل افتعاال‪ .‬والمراد به بذل الوسع والطاقة والجهد في طلب األمر‪.‬‬
‫فاالجتهاد في اللغة "بذل الجهد والطاقة في طلب أمر ليبلغ مجهوده ويصل‬
‫إلى نهايته‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬فالمعنى االصطالح لالجتهاد ال يخرج عن المعنى اللغوي له‪ ،‬فهي‪:‬‬
‫"استفراغ الجهد وبذل غاية السع‪ ،‬إما في درك األحكام الشرعية وإما في‬
‫تطبيقها"‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫وعرفها الشوكان بأنه "بذل الوسع في نيل حكم شرعي عملي بطريق‬
‫االستنباط"‪.‬‬
‫وعرفه اآلمدي بأنه "استفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من األحكام‬
‫‪1‬‬
‫الشرعية على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد فيه"‪.‬‬
‫وبعض النظر عن مفهوم االجتهادفي اللغة واالصطالح اليخرج معناه‬
‫اللغوي‪ ،‬فالتالي يمكننا ان نجمع بين المعنى اللغوي واالطالحي ثم نعرفها تعريفا‬
‫آخر يالئم ظروفنا وأحوالنا في الوقت الحاضر بأنه استفراغ الطاقة والجهد ألجل‬
‫معرفة حكم هللا في مسألة من المسائل أي بذل الفقيه وسعه من أجل تحصل العلم‬
‫بحكم شرعي‪ ،‬وألجل تطبيق حكم هلل في مسألة من المسائل أي بذل الفقيه وسعه‬
‫من أجل تطبيق حكم هللا‪.‬‬

‫والذي يظهر لنا أن مفهوم االجتهاد يشمل على أمرين أساسين‪:‬‬


‫أوال‪ :‬استفراغ الطاقة أو بذل الوسع من أجل الوصول إلى حكم اله في مسألة من‬
‫المسائل‪ .‬وهذا االجتهاد يعرف باالجتهاد في الفهم أي ألنه غاية من فهم مراد‬
‫هللا أو حكم في مسألة من المسائل‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬استفراغ الطاقة أو بذل الوسع من أجل ضمان حسن تطبيق حكم هللا في مسألة‬
‫‪2‬‬
‫من المسائل‪ .‬وهذا االجتهاد يعرف في التنزيل أو االجتهاد في التطبيق‪.‬‬

‫) فريدة صادق زوزو‪ ،‬محمد خير حسب الرسول‪ ،‬إروان بن محمد صبري (‪1426‬ه‪2005-‬م)‪ ،‬دراسات في االجتهاد والتقنين ‪ ،‬ص ‪15 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫فريدة صادق زوزو‪ ،‬محمد خير حسب الرسول‪ ،‬إروان بن محمد صبري (‪1426‬ه‪2005-‬م)‪ ،‬دراسات في االجتهاد والتقنين‪ ،‬ص‪16 :‬‬ ‫)‬ ‫‪2‬‬

‫‪4‬‬
‫اجتهاد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬

‫اجتهاد رسول هللا (ص) قد يكون عن الهام من هللا إليه فيكون المعنى من هللا‬
‫ويعبر الرسول عنه بقوله أو بفعله أو بتقريره‪ .‬وقد يكون اجتهاده نتيجة بحثه‬
‫ونظره وتقديره دون الهام من هللا إليه‪ ،‬فيكون معناه وعبارته من عنده الرسول‬
‫(ص)‪ .‬واألول ال يمكن أن يكون فيه خطاء‪ ،‬ألن المعنى من عند هللا وليس للرسول‬
‫(ص) فيه إال التعبير عنه‪ ،‬أما الثانى فيجوز فيه الخطاء‪ ،‬وإن حصل ووقع ال يقره‬
‫هللا عليه‪ ،‬وإنما يصحح هللا له هذا الخطاء‪ ،‬ويوجهه إلى الصواب‪ ،‬حتى ال يقتدى به‬
‫الناس فيما أخطاء فيه ‪.‬‬
‫وال يمكن التمييز بين النوعين إال عن طريق القرآن الذي ينزل على الرسول‬
‫(ص) ويرده إلى الصواب‪ ،‬ويبين له وجه الحقيقة‪ ،‬فما رد الرسول (ص) فيه‬
‫يعرف أنه صدر دون الهام من هللا‪ ،‬وما لم يرد فيه بيان من هللا بخطئه يكون قد‬
‫صدر عن الهام من هللا‪.3‬‬
‫وبناء على ذلك ال يكون االجتهاد مصدرا من مصادر التشريع في عصر‬
‫الرسول (ص)‪ ،‬ألنه يستند إلى الوحى‪ ،‬فإن كان االجتهاد صوابا ً أقره هللا وذلك‬
‫بترك امكاره على الرسول‪ ،‬وإن كان االجتهاد خطأ أوحى هللا إليه بوجه الصواب‬
‫الذي يرضاه هللا تعالى حكما ً لعباده‪ ،‬ومن هنا يكون اجتهاد الرسول (ص) في‬
‫النهاية مستندا ً إلى الوحى ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫) انظر في هذا كتاب الشهاوى في تاريخ التشريع االسالمى ص ‪. ١٩ ،١٨‬‬

‫‪5‬‬
‫ومسألة اجتهاد الرسول في أحكام الحوادث والوقائع التي لم ينزل بها الوحى‬
‫فيها خالف بين علماء األصول ‪:‬‬
‫‪ ‬فمنهم من منعه وقال ‪ :‬ال يجوز للرسول االجتهاد في األحكام الشرعية ‪.‬‬
‫‪ ‬ومنهم من أثبته في بعض األحوال فقط قال ‪ :‬يجوز في الحروب دون غيرها‬
‫‪.‬‬
‫‪ ‬ومنهم من أثبته في جميع األحوال إذا خاف فوات الحادثة بال حكم ما دام‬
‫الوحى لم ينزل عليه بحكمها ‪.‬‬
‫‪ ‬وهذا الرأى الثالث هو األرجح وهو األولى باالتباع والواقع بصدقه‪ ،‬فقد ثبت‬
‫أن الرسول (ص) اجتهد في كثير من األمور‪ ،‬أصاب في اجتهاده كثيرا ً وأخطأ‬
‫في اجتهاده قليال‪ ،‬فأوحى هللا له بالصواب ‪.‬‬

‫رأي العلماء في االجتهاد األنبياء‬

‫‪6‬‬
‫أوال ‪ :‬رأي العلماء في عدم جواز اجتهاد األنبياء إلمكان اسطالع الوحى‪.‬‬

‫كما منع اإلجتهاد عن األنبياء في رأي أبي على الجبائى وابنه هاشم دليل امتاز‬
‫بكثرة دورانه على ألسنة الناس‪ .‬وهو في واقع األمر ليس بدليل‪ .‬وهذا الدليل هو‬
‫التمسك بقوله تعالى ‪ (( :‬وما ينطق عن الهوى‪ ))....4‬فقد اقتطع الجبائى هذه اآلية‬
‫عن سابقتها وال حقتها‪ ،‬وقذف بها في آذان الناس‪ .‬فصارت تلوكها ألسنتهم بدون‬
‫فكر وال رواية‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬ذهب الجمهور إلى أنه يجوز له االجتهاد‪ ،‬وأنه يخطىء في‬
‫اجتهاده ويصيب‪ ،‬ولكنه ال يقر الخطاء ‪.‬‬

‫‪ )1‬رأى ابن حزم ‪:‬‬


‫وابن حزم في كتابه ‪ (( :‬الفصل في الملل واألهواء والنحل )) ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫(( قد يقع من األنبياء قصد الشىء يريدون به وجه هللا تعالى فيوافق خالف‬
‫مراد هللا تعالى ‪ ،‬وأنه تعالى ال يقرهم على شىء من هذا أصال ‪ .‬بل ينبههم إلى ذلك‬
‫اثر وقوعه منهم ‪ ،‬ويظهره لعباده وربما عاتبهم على ذلك بالكالم ‪ ،‬كما فعل مع‬
‫نبينا ( ص ) في أمر (( زينب )) ‪ ،‬وقصة ابن أم مكتوم ‪ ،‬وربما عاتبهم ببعض‬
‫المكروه في الدنيا ‪ ،‬كالذى أصاب آدم ويونس عليهما السالم ‪.‬‬
‫واألنبياء عليهم السالم بخالفنا في هذا ‪ .‬فاننا غير مؤخذين بما قصدنا به وجه‬
‫هللا فلم يصادف مراده تعالى ‪ ،‬بل نحن مأجرون على هذا أجرا واحدا ‪..‬‬
‫ثم ذكر عن آدم قوله تعالى ‪ (( :‬وعصى آدم ربه فغوى‪ )) 5‬وقوله تعالى ‪(( :‬‬
‫فتاب عليه وهدى )) وشرح ذلك بأن التوبة ال تكون إال من ذنب ‪ .‬ثم قال ‪ :‬وهذا‬
‫وقع منه عن قصد إلى خالف ما أمر به متأوال في ذلك وال يدرى أنه عاص ‪ ،‬بل‬
‫كان ظانا أن األمر للندب مثال أو النهى للكراهة ‪ .‬وهذا شىء يقع فيه العلماء‬
‫والفقهاء كثيرا ‪ .‬وهوو الذي يقع من األنبياء ‪ ،‬ويؤخذون به إذا وقع منهم ‪.‬‬

‫‪ )4‬سورة النجم آية ‪٣ :‬‬


‫) سورة طه آية ‪١٢١5 :‬‬

‫‪7‬‬
‫ثم قال ‪ :‬وقال تعالى لنوح ‪ (( :‬فال تسألن ما ليس لك به علم انى أعظك أن تكون‬
‫من الجاهلين‪ )) 6‬ألن نوحا ظن أن ابنه من أهله ‪ ،‬وأن المراد أهل القرابة ‪ .‬فلما‬
‫علم أن هذا ليس مرادا ندم ‪ ،‬وليس هنا تعمد لمعصية ‪.‬‬
‫وقال ( هللا ) في يونس ‪ (( :‬وذا النون اذ ذهب مغاضبا فظن ان لن نقدر عليه‬
‫فنأدى في الظلمات أن ال اله اال انت سبحانك انى كنت من الظالمين‪. )) 7‬‬
‫وقال تعالى لنبينا ( ص ) ‪ (( :‬فاصبر لحكم ربك وال تكن كصاحب الحوت اذ‬
‫نادى وهو مكظوم ‪ .‬لو ال أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم‪ . )) 8‬ثم‬
‫قال ‪ (( :‬صاحب الفصل )) ‪ :‬انه غاضب قومه ولم يوافق ذلك مراد هللا فعوقب‬
‫بذلك ‪ ،‬وان كان ظانا أن هذا ليس عليه فيه شىء ‪ .‬وهذا هو ما أراد هللا من نبينا (‬
‫ص ) حين نهاه عن مغاضبة قومه ‪ ،‬وأمره بالصبر على أذاهم ‪.‬وأما أخبار هللا بأنه‬
‫استحق الذم والمالمة لو ال النعمة التي تداركه بها للبث معاقبا في بطن الحوت ‪،‬‬
‫فهذا هو ما تقرر آنفا من أن األنبياء عليهم السالم يؤخذون في الدنيا على ما فعلوه‬
‫مما يظنونه خيرا اذ لم يوافق مراد هللا ‪ .‬وعلى هذا الوجه أقر يونس عليه السالم‬
‫على نفسه بأنه كان من الظالمين‪. )) 9‬‬

‫‪ )2‬رأى القاضى عياض في (( الشفاء ))‪: 10‬‬


‫‪ (( - )١‬وأما أحواله في أمور الدنيا فقد يعتقد ( ص ) الشىء منها على وحه‬
‫ويظهر خالفه ‪ ( .‬أى يظهر أنه على خالفه في الواقع ونفس األمر‪ . ) 11‬وفي آخره‬
‫قال ( ص ) ‪ :‬انما أنا بشر ‪ .‬اذا أمرتكم بشىء من دينكم فخذوا به ‪ ،‬واذا أمرتكم‬
‫بشىء من رأيى فانما أنا بشر ‪.‬قال شارح (( الشفاء )) ‪ ،‬أى قدأرى الرأى في أمور‬
‫الدنيا واألمر بخالفه ‪ ،‬فال يجب اتباعه ‪ .‬ثم ذكر رواية مسلم التي فيها ‪ (( :‬انما‬
‫ظننت ظنا فال تؤخذونى بالظن )) ‪.‬‬

‫) سورة هود آية ‪٤٦6 :‬‬


‫) سورة األنبياء آية ‪٨۷7 :‬‬
‫) سورة نون آية ‪٤٩8 ، ٤٨ :‬‬
‫‪9‬‬
‫) ملخص من كتاب ‪ (( :‬الفصل في الملل واألهواء والنحل )) ج ‪ ، ٤‬ص ‪. ٢‬‬
‫‪10‬‬
‫) ج ‪ ٤‬ص ‪ ٢٦٥‬طبع المطبعة األزهرية المصرية سنة ‪ ١٣٢٨‬هجرة ‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫) تعليق شهاب الدين الخفاجى ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫ويحكى عن ابن رشد أنه في كتاب (( التحصيل والبيان )) يذكر أن هذا الحديث‬
‫– يشير لحديث مسلم في تأبير النخل – روى بألفاظ مختلفة ‪ ،‬متقاربة معنى ‪،‬‬
‫كقوله ( ص )‪ (( :‬ما أنا بزارع وال صاحب نخل )) ‪ .‬ويعلق أبو الوليد‪ 12‬بقوله ‪:‬‬
‫انه ( ص ) بين أنه ال تأثير في الصالح والفساد لغير هللا تعالى ‪ ،‬اال أن هللا تعالى‬
‫قد يجرى العادة بأسباب تعلم بالتجربة فيه ‪ .‬وفي رواية أنه ( ص ) قال ‪ :‬انما أنا‬
‫بشر ‪ ،‬فما حدثتكم عن هللا فهو حق ‪ ،‬وما قلت فيه من قبل نفسى فانما أنا بشر‬
‫أخطى وأصيب ‪.‬‬
‫والخفاجى ‪ -‬شارح الشفاء – بعد أن ذكر حادثة نزول المسلمين بأدنى مياه بدر‬
‫التي سيأتى شرحها ‪ ،‬ومعارضة الحباب ابن المنذر وقوله ‪ :‬أهذا منزل أنزلكه هللا‬
‫ليس لنا أن نتقدمه ؟ أم هو الرأى والحرب والمكيدة ؟ ‪ .‬فقال ( ص ) ‪ ( :‬بل هو‬
‫الحرب والرأى‪...‬الخ ) فأشار الحباب بمنزل آخر ‪ ،‬فقال (ص) ‪ ( :‬أشرت بالرأى‬
‫الصائب ! ) وفعل ما قلة الحباب – علق بقوله ‪ :‬ان العرب أدرى بالحروب ‪ ،‬ألنهم‬
‫جربوها وقاسوا شدائدها ‪.‬‬
‫ويسترد – القاضى عياض – في ذكر أحواله (ص) في أمور الدنيا ‪ ،‬فيروى‬
‫حادثة عزمه (ص) على مصالحة أعدائه يوم الخندق علىتمر المدينة ‪ .‬فلما استشار‬
‫(ص) األنصار وعارضوا رأيه رجع عنه‪ .‬ثم يعلق على هذه الحادثة بقوله ‪:‬‬
‫فمثل هذا وأشباهه من أمور الدنيا التى ال مدخل فيها لعلم ديانة وال اعتقادها وال‬
‫تعليمها ‪ ،‬كل هذه يجوز عليه (ص) فيها ما ذكرناه من اعتقاد شىء على وجه‬
‫فبظهر على خالفه ‪ .‬اذ ليس في هذا نقيصة ‪ ،‬انما هي أمور اعتيادية يعرفها من‬
‫جربها وشغل نفسه بها ‪ ،‬وهو (ص) مشحون القلب بمعرفة الربوبية ‪.‬‬
‫‪ – )۲‬وينتقل بعد ذلك الى الحديث بما يعتقده (ص) في أمور أحكام البشر الجارية‬
‫على يديه وقضاياهم ‪ ،‬ومعرفة الحق من المبطل ‪ ،‬والمصلح من المفسد ‪ ،‬ويحكم‬
‫بأن كل ذلك على السبيل في أمور الدنيا التي قد يظهر له منها ما األمر على خالفه‬
‫أحيانا ‪.‬‬
‫ويؤيد حكمه هذا بذكر حديث الشيخين وأبي داود – واللفظ ألبي داود – قال‬
‫(ص) ‪ (( :‬انما أنا بشر ‪ ،‬وانكم تختصمون الى ‪ ،‬ولعل بعضكم أن يكون ألحن‬

‫‪12‬‬
‫) لقب ابن رشد ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫بحجته من بعض فأقضى له على نحو ما أسمع ‪.‬فمن قضيت له من حق أخيه بشىء‬
‫فال يأخذ منه شيئا ‪ ،‬فانما له قطعة من نار )) ‪.‬‬

‫‪ )3‬رأى ابن خلدون ‪:‬‬


‫وأما ابن خلدون فيعترض – في مقدمته‪ – 13‬عند الحديث عن طب البداية لما‬
‫كان يراه الرسول (ص) في أمر العلل وعالجها و‪ ،‬ويذكر أن رأيه في ذلك ال‬
‫يتصل بالوحى ‪ ،‬بل يعد من األحوال التي هي عادة وجبلة له ‪ .‬وعبارته ‪(( :‬‬
‫وللبادية من أهل العمران طب يبنونه في غالب األمر على تجربة قاصرة على‬
‫بعض األشخاص ‪ ،‬متوارثا عن مشايخ الحى وعجائزه ‪.‬وربما يصح منه بعضه ‪،‬‬
‫اال أنه ليس على قانون طبعى وال على موافقة المزاج ‪ .‬وكان عند العرب من هذا‬
‫الطب كثير ‪ ،‬وكان فيهم أطباء معروفون ‪ :‬كالحارث ابن كلدة‪ 14‬وغيره ‪.‬‬
‫والطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل وليس من الوحي في شيء‪ ،‬وإنما‬
‫هو أمر كان عاديا للعرب ووقع في ذكر أحوال النبي (ص) من نوع ذكر أحواله‬
‫التي هي عادة وجبلة‪ ،‬ال من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل‪.‬فأنه‬
‫(ص) إنما بعث ليعلمنا الشرائع‪ ،‬ولم يبعث لتعريف الطب وال غيره من العادات‪.‬‬
‫وقد وقع له في شأن تأبير النخل ما وقع‪ ،‬فقال ‪ :‬أنتم أعلم بأمور دنياكم ‪.‬‬
‫فال ينبغى أن يحمل شىء من الطب الذى وقع في األحاديث الصحيحة المنقولة‬
‫على أنه مشروع‪ ،‬فليس هناك ما يدل عليه‪ .‬اللهم اال إذا استعمل على جهة التبرك‬
‫وصدق العقد االيمانى فيكون له أثر عظيم في النفع‪ .‬وليس ذلك في االطب‬
‫المزاجى‪ ،‬وإنما هو من آثار الكلمة االيمانية‪ ،‬كما وقع في مداواة المبطون‬
‫بالعسل‪.‬وهللا الهادى الى الصواب‪ ،‬ال رب سواه‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫) طبع المطبعة االميرية سنة ‪ ١٣٢١‬هجرة ص ‪.٤٦۷‬‬
‫) كلدة بفتحتين‪ ،‬وكان رسول هللا (ص) يأمر بعض أصحابه بالرجوع إليه لخبرته في الطب‪ ،‬أنظر ذلك في (( زاد المعاد في هدى خير العباد )) ألن‬
‫‪14‬‬
‫القيم جزء ‪ ٣‬ص ‪.٩٤‬‬

‫‪10‬‬
‫أمثلة من اجتهاد األنبياء قبل نبينا محمد صلى هللا عليه وسلم‬

‫روى البخارى عن أنس‪ ،‬قال ‪ :‬قال (ص) ‪ (( :‬يجمع هللا الناس يوم القيامة‬
‫فيقولون ‪ :‬لو استشفعنا على ربنا حتى يريحان من مكاننا فيأتون آدم فيقولون ‪ :‬أنت‬
‫الذي خلقك هللا بيده فاشفع لنا ! فيقول ‪ :‬لست هناكم‪ ،‬ويذكر خطيئته ويقول ‪ :‬ائتوا‬
‫نوحا أول الرسل‪ ،‬وفي رواية فيقول ‪ :‬قد أخرجت يخطيئتى من الجنة‪ ،‬وفي رواية‬
‫‪ :‬هل أخرجكم من الجنة اال خطيئة أبيكم آدم ؟ اذهبوا الى نوح ! وقي رواية ‪ :‬انه‬
‫نهانى عن الشجرة فعصيت‪ ،‬نفسى نفسى ! ‪ ،‬اذهبوا الى غيرى ! ‪ ،‬فيأتون نوحا‬
‫فيقول ‪ :‬لست هناكم‪ ،‬ويذكر خطيئته‪ ،‬ائتوا ابراهيم الذى اتخذه خليال ! ( وفي رواية‬
‫ويذكر سؤال ربه ما ليس به علم‪ -‬قال ابن حجر‪ ،‬تعليقا على ذلك‪ ،‬فخشى أن تكون‬
‫الشفاعة ألهل الموقف من ذلك‪ ...) -‬الى أن قال في الحديث ‪ :‬فيأتون موسى‪ ،‬فيقول‬
‫‪ :‬لست هناكم‪ ،‬ويذكر خطيئته ( وفي رواية يقول انى قتلت نفسا بغير نفس‪ ،‬وأن‬
‫يغفر لى اليوم حسبى )‪...‬الخ )) ‪.‬‬
‫وروى البخاري عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال ‪ :‬قال رسول هللا (ص) ‪(( :‬‬
‫قال سليمان بن داوود عليهما السالم ‪ :‬ألطوفن الليلة على مائة امرأة كلهن يأتي‬
‫بفارس يجاهد في سبيل هللا‪ ،‬فقال له صاحبه ‪ :‬إن شاء هللا ! ‪ ،‬فلم يقل ‪ :‬إن شاء هللا !‬
‫فلم تحمل منهن اال امرأة واحدة جاءت بشق رجل‪ .‬والذى نفسى بيده لو قال ‪ :‬إن‬
‫شاء هللا لجاهدوا في سبيل هللا فرسانا أجمعون )) ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫والحافظ ابن حجر يعلق على الحديث بقوله ‪ :‬قال بعض السلف ‪ :‬نبه (ص) بهذا‬
‫الحديث على آفة التمنى واالعراض عن التفويض‪ .‬ذلك نسى سليمان االستثناء‬
‫ليمضى فيه القدر‪...‬ثم قال ‪ :‬وكان سليمان عليه السالم نسى بعد تذكيره لشىء‬
‫عرض له فشغله ‪.‬‬
‫ورواية البخارى سواء عن طريق أنس أو أبى هريرة رضى هللا عنهما تنبىء‬
‫عن أن األنبياء صلوات هللا عليهم قبل نبينا محمد (ص) ‪ ،‬كل منهم اما أحس في‬
‫نفسه بتقصير نتيجة خطاء في الرأى أو نسيان منه‪ ،‬أو أن ما أخبر به لم يتحقق‪.‬‬
‫وذلك يدل بالتالى على أن األنبياء بشر فحسب‪ ،‬أن تجاوز بهم األمر دائرة الوحى‬
‫االلهى جاز عليهم ما يجوز على االنسان العادى‪ ،‬وجاز عليهم الخطاء في‬
‫االجتهاد‪ ،‬كما يجوز عليهم النسيان‪ .‬ويتولد عندهم االحساس بالذنب والشعور‬
‫بالمالمة كما يتولد عند االنسان العادى‪ ،‬وتتوق نفوسهم الى التخلص من آثاره‬
‫بالتضرع وطلب المغفرة من المولى جل شأنه وتزداد شوقا الى ذلك أكثر من‬
‫االنسان العادى لما يتمتع به الواحد منهم من منزلة القربى من هللا سبحانه وتعالى‬
‫كرسول اصطفاه ألداء رسالته‪.‬‬
‫ولو أن كل ما أتى به من قول أو فعل كان عن هللا وهللا لوجب أن يتحقق‬
‫مضمون قوله ويتنزه عن الخطاء فعله حين القول والفعل أو بعد القول والفعل‪ .‬واال‬
‫كان في رسالة هللا مال يصح أن يكون هلل الذى هو الحق منذ األزل الى األبد ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫أمثلة اجتهاد نبينا محمد صلى هللا عليه وسلم‬

‫‪ )1‬ذهبت حولة بنت مالك بن ثعلبة امرأة أوس بن الصامت الى رسول هللا (ص)‬
‫تشكو زوجها حينما قال لها ‪ :‬أنت على كظهر امى ( أي محرمة على مثل أمى )‬
‫وقالت ‪ :‬ان أوسا ً تزوجنى وأنا شابة مرغوب في‪ ،‬فلما خلت سنى‪ ،‬ونثر بطنى‪،‬‬
‫جعانى عليه كأمه‪ ،‬فقال الرسول (ص) ‪ :‬حرمت عليه‪ ،‬فقالت ‪ :‬يا رسول هللا ما‬
‫ذكر طالقاً‪ ،‬وإنما هو أبو ولدى وأحب الناس الى‪ ،‬فقال ‪ :‬حرمت عليه ‪...‬وجادلته‬
‫مرارا وهو يقول لها ‪ :‬حرمت عليه‪ ،‬ولما يئست قالت ‪ :‬أشكو الى هللا فاقتى‬ ‫ً‬
‫ووجدى‪ ،‬فسمع هللا لها قولها وأنزل فيها قوله تعالى ‪:‬‬
‫(( قد سمع هللا قول التي تجادلك في زوجها وتشتكى الى هللا وهللا يسمع تحاوركما‪،‬‬
‫أن هللا سميع بصير‪ .‬الذين يظاهرون منكم من نسائهم ماهن أمهاتهم‪ ،‬إن أمهاتهم إال‬
‫الالئى ولدنهم‪ ،‬وانهم ليقولون منكرا من القول وزورا‪ ،‬وان هللا لعفو غفور‪ .‬والذين‬
‫يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا‪ ،‬ذلكم‬
‫توعظون به‪ ،‬وهللا بما تعملون خبير‪ ،‬فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل‬
‫أن يتماسا‪ ،‬فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا‪.15 ))....‬‬
‫فاآليات الكريمة بينت أن ظهار ليس طالقاً‪ ،‬وعلى المظاهر أن يكفر عن قوله‬
‫قبل المساس بزوجته التى ظاهر منها باالعتناق‪ ،‬فإذا لم يستطيع فصيام سهرين‬
‫متتابعين‪ ،‬فإذا لم يستطع فاطعام ستين مسكينا‪. 16‬‬

‫‪ )2‬في غزوة بدر الثانية التي وقعت يوم الجمعة في السابع عشر من رمضان‬
‫من السنة الثانية للهجرة نزل عليه السالم على أدنى ماء من مياه بدر الى المدينة‬
‫وأشار عليه الحباب بن المنذر بغير ذلك قال ‪ :‬يا رسول هللا‪...‬أرأيت هذا المنزل‪،‬‬
‫أمنزل أنزلك هللا ليس لنا أن نتقدمه وال نتأخر عنه‪ ،‬أم هو الرأى والحرب‬
‫والمكيدة؟ فقال عليه السالم ‪ (( :‬بل هو الرأى والحرب والمكيدة )) ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا‬
‫‪15‬‬
‫) سورة المجادلة آية ‪. ٤ -١ :‬‬
‫‪16‬‬
‫) انظر بلوغ المرام ص ‪. ٢٣۰‬‬

‫‪13‬‬
‫رسول هللا‪...‬ان هذا ليس بمنزل فانهض بنا حتى نأتى أدنى ماء من القوم فننزله‪،‬‬
‫ونغور ما وراءه من القلب‪ ، 17‬ثم نبنى عليه حوضا ً فنمأله ونشرب وال يشربون‪،‬‬
‫فاستحسن رسول هللا (ص) هذا الرأى وفعله‪. 18‬‬

‫‪ )3‬ومن أمثلة اجتهاد رسول هللا (ص) التى استعمل فيها القياس‪ ،‬أن امرأة‬
‫جاءته وقالت له‪ :‬يا رسول هللا‪...‬ان أمى ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها ؟‬
‫فقال ‪ (( :‬أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدى ذلك عنها )) ؟ قالت ‪:‬‬
‫نعم‪ .‬قال ‪ (( :‬فدين هللا أحق أن يقضى )) ‪ .‬وفي رواية أنها لم تحج قط أفأحج عنها‬
‫؟ قال ‪ (( :‬حجى عنها )) ‪.19‬‬

‫‪ )4‬اإلذن للمعتذرين‪ -‬من المناقين‪ -‬أن يختلفوا عن غزوة تبوك‪ ،‬ثم أنزل سبحانه‬
‫معاتبا إياه على ذلك‪ ،‬فقال تعالى ‪ (( :‬عفا هللا عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين‬
‫صدقوا وتعلم الكاذبين‪. )) 20‬‬

‫‪ )5‬ما حدث بعد انتصار المسلمين في معركة بدر‪ ،‬وأسروا من كفار مكة‬
‫أسيرا‪ ،‬ولم يكن هناك حكم خاص في القرآن حكم معملة األسرى‪ ،‬فاجتهد‬ ‫ً‬ ‫سبعين‬
‫الرسول (ص) بقبول الفداء من أسرى بدر بعد استشارة أصحابه رضي هللا عنهم‬
‫في ذلك‪ ،‬وفي هذه الواقعة فإن هللا لم يقره عليه‪ ،‬وأنزل عليه ما يدل على أن الرأي‬
‫الحق كان على خالف اجتهاده‪ ،‬أي قتلهم‪ ،‬ال أسرهم وفدائهم‪ .‬قال تعالى ‪ (( :‬ما‬
‫كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في األرض تريدون عرض الدنيا وهللا‬
‫يريد اآلخرة وهللا عزيز حكيم‪ ،‬لو ال كتاب من هللا سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب‬
‫عظيم ‪))21‬‬
‫الحكمة في اجتهاد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وإذنه‬
‫للصحابة باالجتهاد‬

‫‪17‬‬
‫) القلب ‪ :‬جمع القلب ‪ ،‬وهي البئر ‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫) انظر جوامع السيرة البن حزم ص ‪. ١١٢ -١١١‬‬
‫‪19‬‬
‫) انظر نيل األوطار ج ‪ ٤‬ص ‪ ٢٣٥‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫) سورة التوبة آية ‪. ٤٣ :‬‬
‫‪21‬‬
‫) سورة األنفال ىية ‪. ٦٨ -٦۷ :‬‬

‫‪14‬‬
‫الحكمة في اجتهاد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وإذنه للصحابة باالجتهاد أن‬
‫هذه التشريعات لما كانت خاتمة الشرائع‪ ،‬وأنها عامة للناس جميعا مهما اختلفت‬
‫أجناسهم وطبائعهم‪ ،‬وتنوعت عاداتهم وأعرافهم وأنها خالدة باقية ما بقيت ما الدنيا‬
‫وعمرت بأهلها إلى أن يرث هللا األرض ومن عليها‪ ،‬وأن قواعد الدين ونصوصه‬
‫جاءت كلية لم تعرض للتفاصيل‪ ،‬ومنا كان لها أن تفعل‪ ،‬فالحوادث متجددة‬
‫ومتكاثرة ال تقفر عند حد‪ ،‬فكل زمن يحدث ألهله من الوقائع م لم يكن يعرفه أهل‬
‫الزمان السابق‪ ،‬لما كان األمر كذلك أراد صلى هللا عليه وسلم أن يعلمهم طريقة‬
‫االستنباط‪ ،‬ويمرنهم على كيفية أخذ األحكام من أدلتها الكلية‪ ،‬ليستطيع أهل الفقه‬
‫والمعرفة من بعده بقوة مداركهم أن ينزلوا ما يجد من الحوادث على عمومات‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬وذلك مصداق قوله تعالى ‪ (( :‬ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل‬
‫شىء‪. )) 22‬‬
‫فليس معنى القرآن تبيانا لكل شىء أنه أحاط بجزئيات الوقائع والحوادث‪،‬‬
‫ونص على تفاصيل أحكامها‪ ،‬فإن الواقع يشهد بأنه في األعم األغلب لم يعرض‬
‫لهذه التفاصيل‪ ،‬ولم يعن بالجزئيات‪ ،‬وإنما أتت األحكام في صورة قوانين عامة‬
‫ومبادى كلية يمكن تحكيمها في كل ما يعرض للناس في حياتهم اليومية‪ ،‬فهي‬
‫قوانين محكمة‪ ،‬ثابتة ال تختلف وال يسوغ اإلخالل بشىء منها‪ ،‬وعامة كلية يمكن‬
‫أن تتمشى مع اختالف الظروف واألحوال فالقرآن الذي هو للصدر األول للتشريع‬
‫تبيانا كل شىء‪ ،‬من حيث إنه أحاط بجميع األصول والقواعد التي ال بد منها في كل‬
‫قانون وأى نظام‪ ،‬وذلك كوجوب العدل والمساواة والشورى‪ ،‬ورفع الحرج‪ ،‬ودفع‬
‫الضرر‪ ،‬ورعاية الحقوق ألصحابها‪ ،‬وأداء األمانات إلى أهلها‪ ،‬والرجوع األمور‬
‫إلى أهل الذكر واالختصاص‪ ،‬وما إلى ذلك من المبادئ العامة التى يجب أن‬
‫يتناولها كل قانون يرادبه صالح األمم وإسعادها‪.‬‬
‫وبذلك يكون النبي (ص) باجتهاده وإذنه للصحابة باالجتهاد قد ضرب ألمته‬
‫من بعده المثل‪ ،‬ورسم لهم الطريق ليأخذوا أخذه من بعده‪ ،‬حتى يكون الفقه‬
‫اإلسالمي بتفاصيله قويا على مسايرة الزمن ومتابعة نهوض األمم‪ .‬ولذلك كانت‬
‫األحكام في كثير من األحيان تأتى مقرونة بعللها متصلة ببيان السر فيها‪ ،‬سواء في‬
‫آليات القرآنية أو في السنة النبوية‪ ،‬ففي القرآن ‪ (( :‬لعلكم تتقون‪ ، )) 23‬ذلكم أزكى‬
‫‪22‬‬
‫) سورة النحل آية ‪. ٨٩ :‬‬
‫‪23‬‬
‫) سورة البقرة آية ‪. ١۷٩ :‬‬

‫‪15‬‬
‫لكم ‪ (( ، ))24‬خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها‪ (( ، )) 25‬كيال يكون‬
‫دولة بين األغنياء منكم‪. )) 26‬‬
‫ومن السنة ‪ :‬قوله في طهارة سؤر الهرة ‪ (( :‬إنها من الطوافين عليكم‬
‫والطوافات )) ‪ ،‬وفي خل النبيد (( تمرة طيبة وماء طهور )) ‪ ،‬وفي حرمة النكاح‬
‫البنت على عمتها أو خالتها (( إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم )) ‪.‬‬
‫ومن ذلك تبين أن ليس للفكر اإلسالمى في العصر النبوي مصدر سوى الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬وأن كل منا ثبت من طريق االجتهاد كان استنباطا من الكتب مرة‪ ،‬وراجعا ً‬
‫إلى الوحى مرة أخرى ‪.‬‬

‫الخاتمة‬

‫الحمد هلل الذي أعطانا القدرة إلتمام هذا البحث‪ ،‬هو الذي أعطى نعمة‬
‫الصحة والعافية‪ ،‬ويسر العمل‪ ،‬ويطول العقل‪ ،‬وله الشكر‪ ،‬ورضينا بدينه‪.‬‬

‫وقد تم البحث ت ًّما جيدًا‪ .‬ونرجوا سوف نستفيد منه األفكار‬


‫المستعملة فى حياتنا حول االجتهاد النبي صلى هللا عليه وسلم‪ .‬ثم‪ ،‬هذا‬
‫البحوث الذي كتبت في هذا الموضوع سوف يعطي لنا العلم والمعرفة الجيدة‬
‫لنطبّقها في حياتنا كالمسلم‪ .‬وأعلم‪ ،‬أن الموضوع االجتهاد ليس فيه النهاية‪،‬‬
‫ألن كما نعرف‪ ،‬سيحدث المسألة والقضايا المستجدة في كل زمان ومكان‬
‫الذي ال بد فيه أن يجتهد للحصول إلى األحكام‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫) سورة البقرة آية ‪. ٢٣٢ :‬‬
‫‪25‬‬
‫) سورة التوبة آية ‪. ١۰٣ :‬‬
‫‪26‬‬
‫) سورة الحشر آية ‪. ۷ :‬‬

‫‪16‬‬
‫وأخيراً‪ ،‬نسأل هللا تعالى أن يجزي أعمالنا بخير الجزاء‪ ،‬ثم‬
‫يسرنا في طلب العلم والحكمة‪.‬‬
‫سبحان ربك رب العزة عما يصفون‪ ،‬وسالم على المرسلين والحمد هلل رب‬
‫العالمين‪...‬‬

‫المصادر والمراجع‬

‫‪ )1‬الشيخ محمد على السايس‪ ،‬نشأة الفقه االجتهادى وأطواره‪1426 ( ،‬ه‪1990-‬م‬


‫)‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬األزهر مطبعة المصحف الشريف‪.‬‬
‫‪ )2‬الشيخ عبد الجليل عيسى‪ ،‬اجتهاد الرسول صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ )3‬د‪ .‬عبد الرحمن الصابونى‪ ،‬المدخل الفقهى وتاريخ التشريع‬
‫اإلسالمى‪1405(،‬ه‪1982 -‬م) ‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬األزهر‪ ،‬دار التوفيق النموذجية ‪.‬‬
‫‪ )4‬د‪ .‬مهدي فضل هللا‪ ،‬االجتهاد والمنطق الفقهي في اإلسالم‪1987( ،‬م)‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الطليعة للطباعة والنشر ‪.‬‬
‫‪ )5‬د‪.‬محمد فؤاد محمد سواري‪ ،‬المدخل إلى الفقه اإلسالمي‪2005( ،‬م) ‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬ماليزيا‪. IMAF Sdn.Bhd. ،‬‬
‫‪ )6‬مناع القطان‪ ،‬التشريع والفقه في اإلسالمي تاريخا ومنهجا‪1454( ،‬ه‪1984 -‬م‬
‫) ‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬مكتبة وهبة‪.‬‬

‫‪17‬‬

You might also like