Professional Documents
Culture Documents
و عـاش بـالـحـق...
وحـكـم بـالحـق...
نبينا شفيعناحبيـبـنا...
الفهرس
الصفحة الموضوع
1 اإلهداء
2 المقدمة
2
4 معنى االجتهاد
أمثلة من اجتهاد األنبياء قبل نبينا محمد صلى هللا عليه وسلم
13
الحكمة في اجتهاد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وإذنه للصحابة باالجتهاد
17
19 الخاتمة
المصادر والمراجع
معنى االجتهاد
لغة :يعد لفظ االجتهاد مصدرا لفعل اجتهد يجتهد اجتهادا ،واالجتهاد على وزن
افتعل يفتعل افتعاال .والمراد به بذل الوسع والطاقة والجهد في طلب األمر.
فاالجتهاد في اللغة "بذل الجهد والطاقة في طلب أمر ليبلغ مجهوده ويصل
إلى نهايته.
اصطالحا :فالمعنى االصطالح لالجتهاد ال يخرج عن المعنى اللغوي له ،فهي:
"استفراغ الجهد وبذل غاية السع ،إما في درك األحكام الشرعية وإما في
تطبيقها".
3
وعرفها الشوكان بأنه "بذل الوسع في نيل حكم شرعي عملي بطريق
االستنباط".
وعرفه اآلمدي بأنه "استفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من األحكام
1
الشرعية على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد فيه".
وبعض النظر عن مفهوم االجتهادفي اللغة واالصطالح اليخرج معناه
اللغوي ،فالتالي يمكننا ان نجمع بين المعنى اللغوي واالطالحي ثم نعرفها تعريفا
آخر يالئم ظروفنا وأحوالنا في الوقت الحاضر بأنه استفراغ الطاقة والجهد ألجل
معرفة حكم هللا في مسألة من المسائل أي بذل الفقيه وسعه من أجل تحصل العلم
بحكم شرعي ،وألجل تطبيق حكم هلل في مسألة من المسائل أي بذل الفقيه وسعه
من أجل تطبيق حكم هللا.
) فريدة صادق زوزو ،محمد خير حسب الرسول ،إروان بن محمد صبري (1426ه2005-م) ،دراسات في االجتهاد والتقنين ،ص 15 : 1
فريدة صادق زوزو ،محمد خير حسب الرسول ،إروان بن محمد صبري (1426ه2005-م) ،دراسات في االجتهاد والتقنين ،ص16 : ) 2
4
اجتهاد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
اجتهاد رسول هللا (ص) قد يكون عن الهام من هللا إليه فيكون المعنى من هللا
ويعبر الرسول عنه بقوله أو بفعله أو بتقريره .وقد يكون اجتهاده نتيجة بحثه
ونظره وتقديره دون الهام من هللا إليه ،فيكون معناه وعبارته من عنده الرسول
(ص) .واألول ال يمكن أن يكون فيه خطاء ،ألن المعنى من عند هللا وليس للرسول
(ص) فيه إال التعبير عنه ،أما الثانى فيجوز فيه الخطاء ،وإن حصل ووقع ال يقره
هللا عليه ،وإنما يصحح هللا له هذا الخطاء ،ويوجهه إلى الصواب ،حتى ال يقتدى به
الناس فيما أخطاء فيه .
وال يمكن التمييز بين النوعين إال عن طريق القرآن الذي ينزل على الرسول
(ص) ويرده إلى الصواب ،ويبين له وجه الحقيقة ،فما رد الرسول (ص) فيه
يعرف أنه صدر دون الهام من هللا ،وما لم يرد فيه بيان من هللا بخطئه يكون قد
صدر عن الهام من هللا.3
وبناء على ذلك ال يكون االجتهاد مصدرا من مصادر التشريع في عصر
الرسول (ص) ،ألنه يستند إلى الوحى ،فإن كان االجتهاد صوابا ً أقره هللا وذلك
بترك امكاره على الرسول ،وإن كان االجتهاد خطأ أوحى هللا إليه بوجه الصواب
الذي يرضاه هللا تعالى حكما ً لعباده ،ومن هنا يكون اجتهاد الرسول (ص) في
النهاية مستندا ً إلى الوحى .
3
) انظر في هذا كتاب الشهاوى في تاريخ التشريع االسالمى ص . ١٩ ،١٨
5
ومسألة اجتهاد الرسول في أحكام الحوادث والوقائع التي لم ينزل بها الوحى
فيها خالف بين علماء األصول :
فمنهم من منعه وقال :ال يجوز للرسول االجتهاد في األحكام الشرعية .
ومنهم من أثبته في بعض األحوال فقط قال :يجوز في الحروب دون غيرها
.
ومنهم من أثبته في جميع األحوال إذا خاف فوات الحادثة بال حكم ما دام
الوحى لم ينزل عليه بحكمها .
وهذا الرأى الثالث هو األرجح وهو األولى باالتباع والواقع بصدقه ،فقد ثبت
أن الرسول (ص) اجتهد في كثير من األمور ،أصاب في اجتهاده كثيرا ً وأخطأ
في اجتهاده قليال ،فأوحى هللا له بالصواب .
6
أوال :رأي العلماء في عدم جواز اجتهاد األنبياء إلمكان اسطالع الوحى.
كما منع اإلجتهاد عن األنبياء في رأي أبي على الجبائى وابنه هاشم دليل امتاز
بكثرة دورانه على ألسنة الناس .وهو في واقع األمر ليس بدليل .وهذا الدليل هو
التمسك بقوله تعالى (( :وما ينطق عن الهوى ))....4فقد اقتطع الجبائى هذه اآلية
عن سابقتها وال حقتها ،وقذف بها في آذان الناس .فصارت تلوكها ألسنتهم بدون
فكر وال رواية.
الثاني :ذهب الجمهور إلى أنه يجوز له االجتهاد ،وأنه يخطىء في
اجتهاده ويصيب ،ولكنه ال يقر الخطاء .
7
ثم قال :وقال تعالى لنوح (( :فال تسألن ما ليس لك به علم انى أعظك أن تكون
من الجاهلين )) 6ألن نوحا ظن أن ابنه من أهله ،وأن المراد أهل القرابة .فلما
علم أن هذا ليس مرادا ندم ،وليس هنا تعمد لمعصية .
وقال ( هللا ) في يونس (( :وذا النون اذ ذهب مغاضبا فظن ان لن نقدر عليه
فنأدى في الظلمات أن ال اله اال انت سبحانك انى كنت من الظالمين. )) 7
وقال تعالى لنبينا ( ص ) (( :فاصبر لحكم ربك وال تكن كصاحب الحوت اذ
نادى وهو مكظوم .لو ال أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم . )) 8ثم
قال (( :صاحب الفصل )) :انه غاضب قومه ولم يوافق ذلك مراد هللا فعوقب
بذلك ،وان كان ظانا أن هذا ليس عليه فيه شىء .وهذا هو ما أراد هللا من نبينا (
ص ) حين نهاه عن مغاضبة قومه ،وأمره بالصبر على أذاهم .وأما أخبار هللا بأنه
استحق الذم والمالمة لو ال النعمة التي تداركه بها للبث معاقبا في بطن الحوت ،
فهذا هو ما تقرر آنفا من أن األنبياء عليهم السالم يؤخذون في الدنيا على ما فعلوه
مما يظنونه خيرا اذ لم يوافق مراد هللا .وعلى هذا الوجه أقر يونس عليه السالم
على نفسه بأنه كان من الظالمين. )) 9
8
ويحكى عن ابن رشد أنه في كتاب (( التحصيل والبيان )) يذكر أن هذا الحديث
– يشير لحديث مسلم في تأبير النخل – روى بألفاظ مختلفة ،متقاربة معنى ،
كقوله ( ص ) (( :ما أنا بزارع وال صاحب نخل )) .ويعلق أبو الوليد 12بقوله :
انه ( ص ) بين أنه ال تأثير في الصالح والفساد لغير هللا تعالى ،اال أن هللا تعالى
قد يجرى العادة بأسباب تعلم بالتجربة فيه .وفي رواية أنه ( ص ) قال :انما أنا
بشر ،فما حدثتكم عن هللا فهو حق ،وما قلت فيه من قبل نفسى فانما أنا بشر
أخطى وأصيب .
والخفاجى -شارح الشفاء – بعد أن ذكر حادثة نزول المسلمين بأدنى مياه بدر
التي سيأتى شرحها ،ومعارضة الحباب ابن المنذر وقوله :أهذا منزل أنزلكه هللا
ليس لنا أن نتقدمه ؟ أم هو الرأى والحرب والمكيدة ؟ .فقال ( ص ) ( :بل هو
الحرب والرأى...الخ ) فأشار الحباب بمنزل آخر ،فقال (ص) ( :أشرت بالرأى
الصائب ! ) وفعل ما قلة الحباب – علق بقوله :ان العرب أدرى بالحروب ،ألنهم
جربوها وقاسوا شدائدها .
ويسترد – القاضى عياض – في ذكر أحواله (ص) في أمور الدنيا ،فيروى
حادثة عزمه (ص) على مصالحة أعدائه يوم الخندق علىتمر المدينة .فلما استشار
(ص) األنصار وعارضوا رأيه رجع عنه .ثم يعلق على هذه الحادثة بقوله :
فمثل هذا وأشباهه من أمور الدنيا التى ال مدخل فيها لعلم ديانة وال اعتقادها وال
تعليمها ،كل هذه يجوز عليه (ص) فيها ما ذكرناه من اعتقاد شىء على وجه
فبظهر على خالفه .اذ ليس في هذا نقيصة ،انما هي أمور اعتيادية يعرفها من
جربها وشغل نفسه بها ،وهو (ص) مشحون القلب بمعرفة الربوبية .
– )۲وينتقل بعد ذلك الى الحديث بما يعتقده (ص) في أمور أحكام البشر الجارية
على يديه وقضاياهم ،ومعرفة الحق من المبطل ،والمصلح من المفسد ،ويحكم
بأن كل ذلك على السبيل في أمور الدنيا التي قد يظهر له منها ما األمر على خالفه
أحيانا .
ويؤيد حكمه هذا بذكر حديث الشيخين وأبي داود – واللفظ ألبي داود – قال
(ص) (( :انما أنا بشر ،وانكم تختصمون الى ،ولعل بعضكم أن يكون ألحن
12
) لقب ابن رشد .
9
بحجته من بعض فأقضى له على نحو ما أسمع .فمن قضيت له من حق أخيه بشىء
فال يأخذ منه شيئا ،فانما له قطعة من نار )) .
13
) طبع المطبعة االميرية سنة ١٣٢١هجرة ص .٤٦۷
) كلدة بفتحتين ،وكان رسول هللا (ص) يأمر بعض أصحابه بالرجوع إليه لخبرته في الطب ،أنظر ذلك في (( زاد المعاد في هدى خير العباد )) ألن
14
القيم جزء ٣ص .٩٤
10
أمثلة من اجتهاد األنبياء قبل نبينا محمد صلى هللا عليه وسلم
روى البخارى عن أنس ،قال :قال (ص) (( :يجمع هللا الناس يوم القيامة
فيقولون :لو استشفعنا على ربنا حتى يريحان من مكاننا فيأتون آدم فيقولون :أنت
الذي خلقك هللا بيده فاشفع لنا ! فيقول :لست هناكم ،ويذكر خطيئته ويقول :ائتوا
نوحا أول الرسل ،وفي رواية فيقول :قد أخرجت يخطيئتى من الجنة ،وفي رواية
:هل أخرجكم من الجنة اال خطيئة أبيكم آدم ؟ اذهبوا الى نوح ! وقي رواية :انه
نهانى عن الشجرة فعصيت ،نفسى نفسى ! ،اذهبوا الى غيرى ! ،فيأتون نوحا
فيقول :لست هناكم ،ويذكر خطيئته ،ائتوا ابراهيم الذى اتخذه خليال ! ( وفي رواية
ويذكر سؤال ربه ما ليس به علم -قال ابن حجر ،تعليقا على ذلك ،فخشى أن تكون
الشفاعة ألهل الموقف من ذلك ...) -الى أن قال في الحديث :فيأتون موسى ،فيقول
:لست هناكم ،ويذكر خطيئته ( وفي رواية يقول انى قتلت نفسا بغير نفس ،وأن
يغفر لى اليوم حسبى )...الخ )) .
وروى البخاري عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال :قال رسول هللا (ص) (( :
قال سليمان بن داوود عليهما السالم :ألطوفن الليلة على مائة امرأة كلهن يأتي
بفارس يجاهد في سبيل هللا ،فقال له صاحبه :إن شاء هللا ! ،فلم يقل :إن شاء هللا !
فلم تحمل منهن اال امرأة واحدة جاءت بشق رجل .والذى نفسى بيده لو قال :إن
شاء هللا لجاهدوا في سبيل هللا فرسانا أجمعون )) .
11
والحافظ ابن حجر يعلق على الحديث بقوله :قال بعض السلف :نبه (ص) بهذا
الحديث على آفة التمنى واالعراض عن التفويض .ذلك نسى سليمان االستثناء
ليمضى فيه القدر...ثم قال :وكان سليمان عليه السالم نسى بعد تذكيره لشىء
عرض له فشغله .
ورواية البخارى سواء عن طريق أنس أو أبى هريرة رضى هللا عنهما تنبىء
عن أن األنبياء صلوات هللا عليهم قبل نبينا محمد (ص) ،كل منهم اما أحس في
نفسه بتقصير نتيجة خطاء في الرأى أو نسيان منه ،أو أن ما أخبر به لم يتحقق.
وذلك يدل بالتالى على أن األنبياء بشر فحسب ،أن تجاوز بهم األمر دائرة الوحى
االلهى جاز عليهم ما يجوز على االنسان العادى ،وجاز عليهم الخطاء في
االجتهاد ،كما يجوز عليهم النسيان .ويتولد عندهم االحساس بالذنب والشعور
بالمالمة كما يتولد عند االنسان العادى ،وتتوق نفوسهم الى التخلص من آثاره
بالتضرع وطلب المغفرة من المولى جل شأنه وتزداد شوقا الى ذلك أكثر من
االنسان العادى لما يتمتع به الواحد منهم من منزلة القربى من هللا سبحانه وتعالى
كرسول اصطفاه ألداء رسالته.
ولو أن كل ما أتى به من قول أو فعل كان عن هللا وهللا لوجب أن يتحقق
مضمون قوله ويتنزه عن الخطاء فعله حين القول والفعل أو بعد القول والفعل .واال
كان في رسالة هللا مال يصح أن يكون هلل الذى هو الحق منذ األزل الى األبد .
12
أمثلة اجتهاد نبينا محمد صلى هللا عليه وسلم
)1ذهبت حولة بنت مالك بن ثعلبة امرأة أوس بن الصامت الى رسول هللا (ص)
تشكو زوجها حينما قال لها :أنت على كظهر امى ( أي محرمة على مثل أمى )
وقالت :ان أوسا ً تزوجنى وأنا شابة مرغوب في ،فلما خلت سنى ،ونثر بطنى،
جعانى عليه كأمه ،فقال الرسول (ص) :حرمت عليه ،فقالت :يا رسول هللا ما
ذكر طالقاً ،وإنما هو أبو ولدى وأحب الناس الى ،فقال :حرمت عليه ...وجادلته
مرارا وهو يقول لها :حرمت عليه ،ولما يئست قالت :أشكو الى هللا فاقتى ً
ووجدى ،فسمع هللا لها قولها وأنزل فيها قوله تعالى :
(( قد سمع هللا قول التي تجادلك في زوجها وتشتكى الى هللا وهللا يسمع تحاوركما،
أن هللا سميع بصير .الذين يظاهرون منكم من نسائهم ماهن أمهاتهم ،إن أمهاتهم إال
الالئى ولدنهم ،وانهم ليقولون منكرا من القول وزورا ،وان هللا لعفو غفور .والذين
يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ،ذلكم
توعظون به ،وهللا بما تعملون خبير ،فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل
أن يتماسا ،فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا.15 ))....
فاآليات الكريمة بينت أن ظهار ليس طالقاً ،وعلى المظاهر أن يكفر عن قوله
قبل المساس بزوجته التى ظاهر منها باالعتناق ،فإذا لم يستطيع فصيام سهرين
متتابعين ،فإذا لم يستطع فاطعام ستين مسكينا. 16
)2في غزوة بدر الثانية التي وقعت يوم الجمعة في السابع عشر من رمضان
من السنة الثانية للهجرة نزل عليه السالم على أدنى ماء من مياه بدر الى المدينة
وأشار عليه الحباب بن المنذر بغير ذلك قال :يا رسول هللا...أرأيت هذا المنزل،
أمنزل أنزلك هللا ليس لنا أن نتقدمه وال نتأخر عنه ،أم هو الرأى والحرب
والمكيدة؟ فقال عليه السالم (( :بل هو الرأى والحرب والمكيدة )) ،فقال :يا
15
) سورة المجادلة آية . ٤ -١ :
16
) انظر بلوغ المرام ص . ٢٣۰
13
رسول هللا...ان هذا ليس بمنزل فانهض بنا حتى نأتى أدنى ماء من القوم فننزله،
ونغور ما وراءه من القلب ، 17ثم نبنى عليه حوضا ً فنمأله ونشرب وال يشربون،
فاستحسن رسول هللا (ص) هذا الرأى وفعله. 18
)3ومن أمثلة اجتهاد رسول هللا (ص) التى استعمل فيها القياس ،أن امرأة
جاءته وقالت له :يا رسول هللا...ان أمى ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها ؟
فقال (( :أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدى ذلك عنها )) ؟ قالت :
نعم .قال (( :فدين هللا أحق أن يقضى )) .وفي رواية أنها لم تحج قط أفأحج عنها
؟ قال (( :حجى عنها )) .19
)4اإلذن للمعتذرين -من المناقين -أن يختلفوا عن غزوة تبوك ،ثم أنزل سبحانه
معاتبا إياه على ذلك ،فقال تعالى (( :عفا هللا عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين
صدقوا وتعلم الكاذبين. )) 20
)5ما حدث بعد انتصار المسلمين في معركة بدر ،وأسروا من كفار مكة
أسيرا ،ولم يكن هناك حكم خاص في القرآن حكم معملة األسرى ،فاجتهد ً سبعين
الرسول (ص) بقبول الفداء من أسرى بدر بعد استشارة أصحابه رضي هللا عنهم
في ذلك ،وفي هذه الواقعة فإن هللا لم يقره عليه ،وأنزل عليه ما يدل على أن الرأي
الحق كان على خالف اجتهاده ،أي قتلهم ،ال أسرهم وفدائهم .قال تعالى (( :ما
كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في األرض تريدون عرض الدنيا وهللا
يريد اآلخرة وهللا عزيز حكيم ،لو ال كتاب من هللا سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب
عظيم ))21
الحكمة في اجتهاد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وإذنه
للصحابة باالجتهاد
17
) القلب :جمع القلب ،وهي البئر .
18
) انظر جوامع السيرة البن حزم ص . ١١٢ -١١١
19
) انظر نيل األوطار ج ٤ص ٢٣٥وما بعدها .
20
) سورة التوبة آية . ٤٣ :
21
) سورة األنفال ىية . ٦٨ -٦۷ :
14
الحكمة في اجتهاد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وإذنه للصحابة باالجتهاد أن
هذه التشريعات لما كانت خاتمة الشرائع ،وأنها عامة للناس جميعا مهما اختلفت
أجناسهم وطبائعهم ،وتنوعت عاداتهم وأعرافهم وأنها خالدة باقية ما بقيت ما الدنيا
وعمرت بأهلها إلى أن يرث هللا األرض ومن عليها ،وأن قواعد الدين ونصوصه
جاءت كلية لم تعرض للتفاصيل ،ومنا كان لها أن تفعل ،فالحوادث متجددة
ومتكاثرة ال تقفر عند حد ،فكل زمن يحدث ألهله من الوقائع م لم يكن يعرفه أهل
الزمان السابق ،لما كان األمر كذلك أراد صلى هللا عليه وسلم أن يعلمهم طريقة
االستنباط ،ويمرنهم على كيفية أخذ األحكام من أدلتها الكلية ،ليستطيع أهل الفقه
والمعرفة من بعده بقوة مداركهم أن ينزلوا ما يجد من الحوادث على عمومات
الكتاب والسنة ،وذلك مصداق قوله تعالى (( :ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل
شىء. )) 22
فليس معنى القرآن تبيانا لكل شىء أنه أحاط بجزئيات الوقائع والحوادث،
ونص على تفاصيل أحكامها ،فإن الواقع يشهد بأنه في األعم األغلب لم يعرض
لهذه التفاصيل ،ولم يعن بالجزئيات ،وإنما أتت األحكام في صورة قوانين عامة
ومبادى كلية يمكن تحكيمها في كل ما يعرض للناس في حياتهم اليومية ،فهي
قوانين محكمة ،ثابتة ال تختلف وال يسوغ اإلخالل بشىء منها ،وعامة كلية يمكن
أن تتمشى مع اختالف الظروف واألحوال فالقرآن الذي هو للصدر األول للتشريع
تبيانا كل شىء ،من حيث إنه أحاط بجميع األصول والقواعد التي ال بد منها في كل
قانون وأى نظام ،وذلك كوجوب العدل والمساواة والشورى ،ورفع الحرج ،ودفع
الضرر ،ورعاية الحقوق ألصحابها ،وأداء األمانات إلى أهلها ،والرجوع األمور
إلى أهل الذكر واالختصاص ،وما إلى ذلك من المبادئ العامة التى يجب أن
يتناولها كل قانون يرادبه صالح األمم وإسعادها.
وبذلك يكون النبي (ص) باجتهاده وإذنه للصحابة باالجتهاد قد ضرب ألمته
من بعده المثل ،ورسم لهم الطريق ليأخذوا أخذه من بعده ،حتى يكون الفقه
اإلسالمي بتفاصيله قويا على مسايرة الزمن ومتابعة نهوض األمم .ولذلك كانت
األحكام في كثير من األحيان تأتى مقرونة بعللها متصلة ببيان السر فيها ،سواء في
آليات القرآنية أو في السنة النبوية ،ففي القرآن (( :لعلكم تتقون ، )) 23ذلكم أزكى
22
) سورة النحل آية . ٨٩ :
23
) سورة البقرة آية . ١۷٩ :
15
لكم (( ، ))24خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها (( ، )) 25كيال يكون
دولة بين األغنياء منكم. )) 26
ومن السنة :قوله في طهارة سؤر الهرة (( :إنها من الطوافين عليكم
والطوافات )) ،وفي خل النبيد (( تمرة طيبة وماء طهور )) ،وفي حرمة النكاح
البنت على عمتها أو خالتها (( إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم )) .
ومن ذلك تبين أن ليس للفكر اإلسالمى في العصر النبوي مصدر سوى الكتاب
والسنة ،وأن كل منا ثبت من طريق االجتهاد كان استنباطا من الكتب مرة ،وراجعا ً
إلى الوحى مرة أخرى .
الخاتمة
الحمد هلل الذي أعطانا القدرة إلتمام هذا البحث ،هو الذي أعطى نعمة
الصحة والعافية ،ويسر العمل ،ويطول العقل ،وله الشكر ،ورضينا بدينه.
24
) سورة البقرة آية . ٢٣٢ :
25
) سورة التوبة آية . ١۰٣ :
26
) سورة الحشر آية . ۷ :
16
وأخيراً ،نسأل هللا تعالى أن يجزي أعمالنا بخير الجزاء ،ثم
يسرنا في طلب العلم والحكمة.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون ،وسالم على المرسلين والحمد هلل رب
العالمين...
المصادر والمراجع
17