You are on page 1of 33

‫المقارنة بين اإلباحة والضرورة‬

‫(دراسة تحليلية)‬
‫عنوان المادة‪ :‬نظرية اإلباحة عند األصوليين‬
‫رقم المادة‪RKFQ 6160 :‬‬

‫إعداد الطالب‪ :‬محمد عفيف بن عبد الرزاق(‪)G1410621‬‬


‫سيد محمد زين الدين(‪) G1514225‬‬
‫إشراف‪ :‬األستاذ الدكتور محمد أمان هللا‬

‫قسم الفقه وأصول الفقه‬


‫كلية معارف الوحي والعلوم اإلنسانية‬
‫الجامعة اإلسالمية العالمية بماليزيا‬

‫الفصل الثاني للعام الدراسي ‪2016/2015‬م‬


‫الفهرس‬
‫الصفحة‬ ‫الرقم الموضوع‬
‫‪3‬‬ ‫المقدمة‬ ‫‪1‬‬
‫‪7‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬مفهوم اإلباحة وتقسيمها‬ ‫‪2‬‬

‫‪1‬‬
‫‪7‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬اإلباحة لغة واصطالحا‬
‫عند ‪11‬‬ ‫اإلباحة‬ ‫تقسيم‬ ‫الثاني‪:‬‬ ‫المطلب‬
‫األصوليين‬
‫‪16‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬أمثلة اإلباحة‬
‫‪21‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬مفهوم الضرورة‬ ‫‪3‬‬
‫‪21‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬الضرورة لغة واصطالحا‬
‫المطلب الثاني‪ :‬معنى قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات" ‪24‬‬
‫وما يتعلق بها‬
‫المطلب الثالث‪ :‬التطبيقات الفقهية المعاصرة للضرورات ‪26‬‬
‫الشرعية‬
‫‪31‬‬ ‫اإلباحة‬ ‫بين‬ ‫المقارنة‬ ‫الثالث‪:‬‬ ‫المبحث‬ ‫‪4‬‬
‫والضرورة‬
‫‪31‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬أوجه الشبه بين اإلباحة والضرورة‬
‫‪33‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬أوجه الفرق بين اإلباحة والضرورة‬
‫‪34‬‬ ‫الخاتمة‬ ‫‪5‬‬
‫‪36‬‬ ‫قائمة المصادر‬ ‫‪6‬‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫المقدمة‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على المبعوث رحمة للعالمين‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫أما بعد فإن هللا عز وجل قد كتب لهذه الشريعة البقاء والخلود‪ ،‬وأمر الناس باالنقياد‬
‫لها والدخول تحت أحكامها‪ ،‬ال فرق في ذلك بين القادر والعاجز‪ ،‬وال بين المضطر‬
‫والمختار ‪ .‬وال عجب فإن الشريعة من رب العالمين‪ ،‬وهي عدل كلها‪ ،‬ورحمة كلها‪،‬‬
‫ومصالح كلها‪ ،‬وحكمة كلها‪( ،‬أال يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)‪.1‬‬
‫ولذلك‪ ،‬شرع هللا تعالى أحكام الشريعة لجميع عباده في هذا العالم‪ .‬والحكم الشرعي‬
‫هو خطاب هللا تعالى المتعلق بأفعال المكلفين أو العباد طلبا أو تخييرا أو وضعا‪ .‬فخطاب‬
‫هللا هو آياته القرآنية الكريمة والسنة النبوية والمكلفون هم المسلمون البالغون العاقلون‪،‬‬
‫والطلب والتخيير والوضع هي أقسام للحكم الشرعي التي يبينها الفقيه من مصادر‬
‫التشريع الذي يقسمها إلى قسمين يعني حكم الشرعي التكليفي وحكم الشرعي الوضعي‪.‬‬
‫واإلباحة فرع من فروع األحكام التكليفية الخمسة‪ ،‬وهو ما خير المكلف بين فعله‬
‫وتركه كإباحة العمل بعد االنتهاء من صالة الجمعة‪ ،‬والمباح ال يستحق تاركه العقوبة‬
‫وال يثاب على فعله إال إذا كان فعله بنية التقرب إلى هللا تعالى وكسب رضاه‪ .‬فاإلباحة‬
‫لها عالقة بالضرورة‪ ،‬يعني يتغير حكم اإلباحة بسبب تغير األزمان واألمكان في حالة‬
‫الضرورة كإباحة أكل الميتة عند الخوف من اإلشراف على الهالك لحفظ النفس‪.‬‬
‫فهذا البحث سيتكلم عن العالقة بين اإلباحة والضرورة من حيث المقارنة بينهما هل‬
‫يوجد التشابه أو االختالف فيهما‪ ،‬وأيضا أمثلة متعلقة بهذا البحث‪.‬‬
‫مشكلة البحث‬
‫من المعروف‪ ،‬فإن من الخصائص التي خص هللا تعالى بها الشريعة اإلسالمية‪ ،‬أن‬
‫جعلها سمحاء حنيفية تقوم على السهولة والرفق‪ ،‬وتدعو إلى التيسير والتخفيف‪ ،‬ورفع‬
‫الحرج‪ ،‬والمشقة في تحقيق المصالح للمكلفين‪ .‬من أجل ذلك‪ ،‬حالة الضرورة تغير كثيرا‬
‫من األحكام الشرعية في حياة اإلنسان‪ .‬فأفعال المكلفين قد تكون مباحة‪ ،‬وقد تكون واجبة‬
‫في حالة الضرورة‪ ،‬وليس في كل حالة الضرورة حكمها الواجبة في األفعال بل فيه‬
‫التخيير بين الفعل والترك‪ ،‬ولكن يوجد أيضا حكمها الواجبة في األفعال بدون التخيير‬
‫في حاالت معينة‪ .‬ولذلك‪ ،‬يحرج الناس العادي في تحديد األحكام الشرعية بين اإلباحة‬
‫والضرورة في الفعل أو الترك من حيث اإليجاب أو اإلباحة‪ ،‬أو بين التحريم واإلباحة‪.‬‬

‫سورة الملك‪141 :‬‬


‫‪3‬‬
‫ولذلك‪ ،‬هذا البحث سيقوم بإيضاح العالقة والمقارنة بين اإلباحة والضرورة‪ ،‬وأيضا‬
‫سيتناول أحوال الضرورة التي تغير األحكام الشرعية‪.‬‬
‫أسئلة البحث‬
‫‪ 1‬ما تعريف اإلباحة‪ ،‬وتقسيمها وأنواعها عند األصوليين؟‬
‫‪ 2‬ما هي الضرورة؟ وما حكم العمل بالضرورة؟ وما معنى القاعدة‪" :‬الضرورة تبيح‬
‫المحظورات" ؟ وما التطبيقات الفقهية المعاصرة للضرورات الشرعية؟ ‪.‬‬
‫‪ 3‬ما أوجه التشابه بين اإلباحة والضرورة؟ وما أوجه الفرق بينهما؟ ‪.‬‬

‫أهداف البحث‬
‫‪ 1‬بيان تعريف اإلباحة عند األصوليين مع بيان أنواعها وتقسيمها‪.‬‬
‫‪ 2‬بيان مفهوم الضرورة وحكم العمل بها مع بيان قاعدة "الضرورات تبيح‬
‫المحظورات" وأيضا عن التطبيقات الفقهية المعاصرة في حالة الضرورة‪.‬‬
‫‪ 3‬بيان أوجه التشابه‪ ،‬وأوجه الفرق بين اإلباحة والضرورة‪.‬‬
‫منهج البحث‬
‫‪ 1‬المنهج االستقرائي‪ :‬يعتمد الباحث على المنهج االستقرائي في جمع المعلومات‬
‫واآلراء من الفقهاء في كتبهم للوصول إلى هدف البحث‪.‬‬
‫‪ 2‬المنهج التحليلي‪ :‬يقوم الباحث بتحليل آراء العلماء تحليال علميا ومناقشتها في هذا‬
‫البحث‪.‬‬
‫‪ 3‬المنهج المقارن‪ :‬يقوم الباحث في هذا البحث بمقارنة اإلباحة مع الضرورة بهذا‬
‫المنهج‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫هيكل البحث‬
‫‪ ‬المقدمة‪ ،‬تشتمل على‪:‬‬
‫مشكلة البحث‬
‫أسئلة البحث‬
‫أهداف البحث‬
‫منهج البحث‬
‫هيكل البحث‬

‫‪ ‬المبحث األول‪ :‬مفهوم اإلباحة وتقسيمها‬


‫المطلب األول‪ :‬اإلباحة لغة واصطالحا‬
‫المطلب الثاني‪ :‬تقسيم اإلباحة عند األصوليين‬
‫المطلب الثالث‪ :‬أمثلة اإلباحة‬

‫‪ ‬المبحث الثاني‪ :‬مفهوم الضرورة‬


‫المطلب األول‪ :‬الضرورة لغة واصطالحا‬
‫المطلب الثاني‪ :‬معنى قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات" وما يتعلق بها‬
‫المطلب الثالث‪ :‬التطبيقات الفقهية المعاصرة للضرورات الشرعية‬

‫‪ ‬المبحث الثالث‪ :‬المقارنة بين اإلباحة والضرورة‬


‫المطلب األول‪ :‬أوجه الشبه بين اإلباحة والضرورة‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أوجه الفرق بين اإلباحة والضرورة‬

‫‪ ‬الخاتمة‪ :‬وفيها النتائج والتوصيات التي توصل إليها الباحث‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫المبحث األول‪ :‬مفهوم اإلباحة وتقسيمها‬
‫المطلب األول‪ :‬اإلباحة لغة واصطالحا‬
‫اإلباحة في اللغة‪:‬‬
‫ظهر‪.2‬‬
‫َ‬ ‫إباحة‪ :‬وزان إفعال‪ ،‬من باح الشيء‪ -‬نحو قال‪ -‬يبوح َب ْوحا وبؤوحا وبؤوحة‪:‬‬
‫قال الخليل ‪« :‬البَ ْوح‪ :‬ظهور الشيء»‪.3‬‬
‫قال الفيروزآبادي ‪« :‬أبحتك الشيء‪ :‬أحللته لك»‪ .4‬وشرحه الزبيدي بقوله‪« :‬أي‬
‫أجزت لك تناوله أو فعله أو تملّكه»‪ .5‬وقال الخليل ‪«:‬اإلباحة شبه النُّهبى»‪.‬‬
‫واإلباحة هي اإلظهار واإلعالن‪ ،‬ومنه يقال‪ :‬باح بسره إذا أظهره‪ ،‬وقد يرد أيضا‬
‫بمعنى اإلطالق واإلذن‪ ،‬ومنه يقال‪ :‬أبحته كذا أي أطلقته فيه وأذنت له‪.6‬‬
‫اإلباحة في االصطالح‪:‬‬
‫اإلباحة عند األصوليين‪:‬‬
‫ينظر األصوليون لإلباحة باعتبار أنها مأخوذة من أبحتك الشىء بمعنى أحللته لك‬
‫أطلقتك فيه‪ .‬أو يعرفونها بأنها‪ :‬التخيير بين فعل الشىء وتركه‪ .‬وهذا مفاد تعريف اإلمام‬
‫الغزالي للجواز الذى هو مرادف لإلباحة عنده إذ يقول‪ :7‬إن حقيقة الجواز مرادف‬
‫لإلباحة‪ .‬ثم يقول‪ :‬إن الجواز هو التخيير بين الفعل والترك بتسوية الشرع‪ .‬وقد ارتضى‬
‫كل من البيضاوى واإلسنوى هذا التعريف وقاال‪ :8‬ال اعتراض عليه‪ .‬لكن اآلمدي‬
‫اعترض عليه بأنه تعريف غير مانع لدخول الواجب المخير والموسع فيه‪ .‬وقالت‪ : 9‬إن‬
‫‪2‬‬
‫جمال الدين محمد‪ ،‬لسان العرب (السعودية‪ :‬األوقاف السعودية‪ ،‬األميرية‪2014 ،‬م)‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‪.532‬‬
‫‪3‬‬
‫الخليل بن أحمد الفراهيدي‪ ،‬ترتيب العين(القاهرة‪ :‬دار الكتب العلمية‪2003 ،‬م)‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫‪4‬‬
‫الفيروز آبادى‪ ،‬القاموس المحيط‪(،‬القاهرة‪ :‬دار الحديث‪2008 ،‬م)‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‪.216‬‬
‫‪5‬‬
‫محمد المرتضى الزبيدي‪ ،‬تاج العروس(الكويت‪ :‬مطبعة حكومة الكويت‪2004 ،‬م)‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.136‬‬
‫‪6‬‬
‫علي بن محمد اآلمدي‪ ،‬اإلحكام في أصول األحكام (الرياض‪ :‬المكتب اإلسالمي‪2015 ،‬م)‪ ،‬ج ‪ ،1‬الفصل الخامس‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫أبو حامد الغزالي‪ ،‬المستصفى (بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،)،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.74‬‬
‫‪8‬‬
‫البيضاوي‪ ،‬منهاج الوصول إلى علم االصول (بيروت‪ :‬مؤسسة الرسالة)‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.36،31‬‬
‫‪9‬‬
‫اآلمدي‪ ،‬األحكام ألصول األحكام‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.178،175‬‬
‫‪6‬‬
‫األقرب لسالمة التعريف أن يزاد فيه قيد " من غير بدل " ليخرج ما عدا اإلباحة فيكون‬
‫التعريف‪ :‬اإلباحة هى التخيير بين فعل الشيء وتركه من غير بدل‪.‬‬
‫والشاطبي رأى ما رآه اآلمدي من فساد التعريف المذكور ورأى‪ " 10‬زيادة قيد من‬
‫غير مدح وال ذم ال على الفعل وال على الترك " ويكون تعريفها " التخيير بين فعال‬
‫الشىء وتركه من غير مدح وال ذم ال على الفعل وال على الترك "‪ .‬وهناك تعريف آخر‬
‫نقله اآلمدى أيضا يفيد إن اإلباحة أعالم الفاعل أو داللته أنه ال ضرر عليه فى فعل‬
‫الشىء أو تركه وال نفع له فى اآلخرة‪.‬‬
‫والبن السبكي تعريف لإلباحة قريب من هذا‪ .‬وكذا منال خسرو‪ ،‬وعبيد هللا بن مسعود‬
‫‪11‬‬
‫صدر الشريعة‪ ،‬والشوكانى‬
‫لكن اآلمدى نص على أنه تعريف غير جامع ألنه يخرج عن حد اإلباحة ما خير‬
‫الشارع فيه مع اشتمال الفعل أو الترك على ضرر‪ ،‬كما يخرن عنها ما دال الدليل على‬
‫االستواء فيه فى الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫تم انتهى اآلمدي بوضع تعريف لإلباحة بأنها داللة خطاب الشارع على التخيير بين‬
‫فعل الشئ وتركه من غير بدل‪.‬‬
‫اإلباحة عند الفقهاء‪:‬‬
‫يستعمل الفقهاء لفظ اإلباحة كثيرا وخاصة األحناف عند الكالم عن الحظر واإلباحة‪،‬‬
‫ونقل كل من الميدانى وأبى بكر اليمنى والحصكفى عن عبد هللا بن مودود الموصلى‬
‫أن اإلباحة ضد الحظر وان المباح ما أجيز للمكلفين فعله وتركه بال استحقاق ثواب وال‬
‫‪12‬‬
‫عقاب أو مأخذ فيه‪.‬‬
‫فتفسير العيني ومن سلك مسلكه لإلباحة لوحظ فيه المعني اللغوى الذى هو اإلطالق‬
‫سواء أكان من جانب هللا أم من جانب العباد‪ ،‬فهو أعم من التعريف األول للفقهاء الذى‬
‫قصروا اإلباحة فيه على تخيير هللا لعباده‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي‪ ،‬الموافقات (دار ابن عفان‪2008 ،‬م)‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.69،68‬‬
‫‪11‬‬
‫عبد الوهاب بن علي السبكي‪ ،‬جمع الجوامع (بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪2003 ،‬م)‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.105‬‬
‫‪12‬‬
‫أبو بكر بن علي الحداد‪ ،‬الجوهرة النيرة (باكستان‪ :‬مكتبة حقانية‪1304 ،‬ه)‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.382‬‬
‫‪7‬‬
‫وعلى التعريف الفقهي الثاني تكون اإلباحة لمعنى اإلذن وهو ما جرى عليه الشريف‬
‫الجرجاني في تعريفها حيث قال‪ " :13‬اإلباحة اإلذن بإتيان الفعل كيف شاء الفاعل "‪.‬‬
‫فاإلباحة ليست إجراء تعاقديا‪ ،‬فال يشترط فيها أن يكون المأذون له معينا معلوما لإلذن‬
‫وقت اإلذن ال بشخصه وال باسمه‪ ،‬فمن يضع الجوابى واألباريق على قارعة الطريق‬
‫مملوءة بالماء فانه يبيح بذلك لكل من يمر أن يشرب منها دون تعيين للمأذون له لم ال‬
‫باالسم ولمال بالوصف‪.‬‬
‫في المجهول‪ ،‬وذلك‬ ‫‪14‬‬
‫وكذلك فان اإلباحة جائزة‪ ،‬كما يقول ابن حزم الظاهري‬
‫كطعام يدعى إليه قوم يباح لهم أكله وال يدري كم يأكل كل منهم‪.‬‬
‫حقيقة اإلباحة في القانون‪:‬‬
‫من تتبع كتابان فقهاء القانون الجنائي واستعماالتهم للفظي اإلباحة والمباح يجد‬
‫اإلباحة عندهم تطلق بإطالقين‪:‬إباحة أصلية‪ ،‬وإباحة طارئة‪.15‬‬
‫أ‪ -‬اإلباحة األصلية‪ :‬المقصود باإلباحة عندهم أال ينص القانون على التحريم بفعل‬
‫شيء من األشياء وال إيقاع عقاب عليه‪ .‬وليس لها سبب أكثر من عدم النص القانوني‬
‫على هذا التحريم كما تفيده قاعدة "ال جريمة وال عقوبة إال بقانون" فإنهم يقولون بناء‬
‫على هذه القاعدة‪ :‬إن التجريم والعقاب من عمل المشرع ومصدرهما واحد هو القانون‬
‫المكتوب‪ ،‬وغن القاضي ال يملك التجريم فيما لم يرد نص بتجريمه‪ ،‬وال المعاقبة على‬
‫أمر فرضه النص الجنائي دون أن يقرر لمخالفته عقابا‪ ،‬كما يقولون إن القانون هو‬
‫الحكم فيما هو جائز وما هو ممنوع‪ ،‬فال يفاجأ شخص بعقوبة عن فعل لم يكن هناك‬
‫قانون سابق بنص على تجريمه‪ .‬فمبدأ التجريم وشروطه وتحديد العقوبة وبيان‬
‫مقدارها" كل ذلك يدخل في اختصاص المشرع وليس للقاضي فيه إال التطبيق‪ :‬ومؤدى‬
‫ذلك أن القياس غير جائز في مجال التجريم‪.‬‬
‫وقاعدة ال جريمة وال عقوبة إال بنص صرحت بمدلولها معظم التشريعات ولم تكتف‬
‫بعضها بالنص عليها في قانون العقوبات بل سجلها ألهميتها في الدستور كمبدأ أساسي‬

‫الجرجاني‪ ،‬كتاب التعريفات (القاهرة‪ :‬دار الفضيلة‪1413 ،‬م)‪ ،‬ص ‪.2‬‬


‫‪13‬‬

‫‪ 14‬علي بن أحمد بن سعيد بن حزم‪ ،‬المحلى (‪1964‬م)‪ ،‬ج‪ 9‬ص ‪.163‬‬


‫‪15‬‬
‫محمد سالم مدكور‪ ،‬نظرية اإلباحة عند األصوليين والفقهاء بحث مقارن (القاهرة‪ :‬دار النهضة العربية‪1984 ،‬م)‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫‪8‬‬
‫ال يجوز مخالفته في قانون عادي‪ ،‬على أن هذه القاعدة تفضي إليها أصولها النظام‬
‫الطبيعي العام‪.‬‬
‫كما أن الغرض األول من مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات هو كفالة حرية األفراد‬
‫في أفعالهم وتصرفاتهم ألنه لو ترك أمر التجريم للقاضي ألضحى األفراد في حيرة من‬
‫أمرهم ال يدرون بصفة قاطعة ما هو مباح لهم‪.‬‬
‫وما هو محظور عليهم‪ ،‬ولذا فإن األمر يتطلب إنذار األفراد مقدما بما يتعرضون له‬
‫إذا ما صدرت عنهم أعمال أو تصرفات معينة‪ ،‬ففي هذه القاعدة إذن ضمان لكفالة‬
‫حقوق األفراد من تعسف السلطات وصيانة المصلحة العامة إذ يأمن األفراد معها‬
‫حريتهم في مباشرة مختلف أوجه النشاط ألنها على اإلباحة األصلية‪ .‬فما لم ينص عليه‬
‫في القانون الجنائي يعتبر مباحا‪ ،‬فما دام الفعل الذي ارتكب ال يعد جريمة من الناحية‬
‫القانونية فإنه ال تنشأ عنه سلطة للدولة في معاقبة فاعله‪.‬‬
‫ب‪ -‬اإلباحة الطارئة‪ :‬اإلذن بالفعل الذي كان ممنوعا إذا وجد سبب من أسباب اإلباحة‬
‫المنصوص عليها في القانون ومن أمثلة ذلك‪ ،‬الدفاع الشرعي‪ ،‬وتنفيذا أمر الرئيس إذا‬
‫كان المنفذ موظفا‪ ،‬فقد يرتكب الشخص فعال محظورا‪ ،‬ومع ذلك ال يعاقب ألسباب‬
‫مختلفة من أجلها ال يعد الفعل جريمة‪ ،‬ويدخل في هذا عدم اكتمال العناصر الالزمة‬
‫لقيام الجريمة‪ ،‬ومع اعتبار الفعل جريمة قد ال يطبق النصر ألنه ال يسرى في الوقت‬
‫أو على المكان الذي وقع فيه الفعل وتطبيق النص وتتوافر عناصر المسئولية الجنائية‬
‫ومع ذلك ال يعاقب لقيام سبب قانوني يحول دون العقاب‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬تقسيم اإلباحة عند األصوليين‬
‫تقسيم اإلباحة عند اإلمام الغزالي رحمه هللا‪:‬‬
‫أن اإلمام الغزالي يقسم المباح باعتبار من حيث ذاته‪ ،‬كما يقول الغزالي إن األفعال‬
‫ثالثة أقسام‪:16‬‬

‫‪16‬‬
‫الغزالي‪ ،‬المستصفى‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.75‬‬
‫‪9‬‬
‫األول‪ :‬ما بقى على األصل فلم يرد فيه تعرض ال بصريح اللفظ وال بدليل من أدلة‬
‫السمع‪ ،‬فينبغى أن يقال استمر فيه ما كان ولم يتعرض له السمع فليس فيه الحكم‪ .‬وهذا‬
‫النوع عند كثير األصوليين يدخل في اإلباحة األصلية‪.‬‬
‫الثانى‪ :‬ما صرح فيه الشارع بالتخير وقال إن شئتم فافعلوه وإن شئتم فاتركوه‪ ،‬فهذا‬
‫خطاب والحكم ال معني له إال الخطاب وال سبيل إلى إنكاره وقد ورد‪.‬‬
‫وهو ما لم يرد فيه خطاب بالتخيير لكن دل دليل السمع على نفي الحرج‬ ‫الثالث‪:‬‬
‫عن فعله وتركه‪ ،‬فقد عرف بدليل السمع ولواله لكان يعرف بدليل العقل نفي الحرج‬
‫عن فاعله وهذا فيه نظر إذا اجتمع فيه دليل العقل والسمع‪.‬‬
‫وعلى هذا فالمباح لذاته عند الغزالى قسمان‪:‬‬
‫األول‪ :‬ما ورد فيه حكم الشارع بالتخيير أي ما ثبت بالدليل السمعي‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ما لم يرد فيه خطاب صريح لكن دل عليه دليل السمعي غير صريح وأيده‬
‫العقل‪.‬‬

‫تقسيم اإلباحة عند اإلمام الشاطبي رحمه هللا‪:‬‬


‫وأما اإلمام الشاطبي رحمه هللا يقسم المباح ال باعتبار ذاته كما قسم الغزالي رحمه هللا‪،‬‬
‫ولكن قسم على وجهين‪ ،‬وهما‪:17‬‬
‫األول‪ :‬قسم المباح باعتبار ما يعرض له من حيث كونه ذريعة إلى مطلوب الفعل أو‬
‫الترك‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬قسم اإلباحة من الناحية زاوية أخرى بحسب الكلية والجزئية في الشيء‬
‫المباح‪.‬‬

‫‪.96‬‬ ‫مدكور‪ ،‬نظرية اإلباحة عند األصوليين والفقهاء بحث مقارن‪ ، ،‬ص‬ ‫‪17‬‬

‫‪10‬‬
‫أوالا‪ :‬ما يقسم اإلمام الشاطبي باعتبار ما هو ذريعة إلى ثالثة أقسام‪:‬‬
‫‪ )1‬قسم يكون ذريعة إلى منهي عنه فيكون على معنى هو مطلوب الترك‪.‬‬
‫‪ )2‬قسم يكون ذريعة إلى مأمور به كالمستعان به على أمر أخروى‪ ،‬هذا القسم هو‬
‫مطلوب الفعل‪ ،‬كمثل في الحديث (نعم المال الصالح للرجل الصالح)‪ ،‬وقال إنه‬
‫في الشريعة كثير‪.‬‬
‫‪ )3‬قسم ال يكون ذريعة إلى شيء فهو المباح المطلق‪.‬‬

‫ثانيا ا‪ :‬ما يقسم اإلمام الشاطبي من الناحية زاوية أخرى بحسب الكلية والجزئية في‬
‫الشيء المباح‪ ،18‬لما قاله "إن اإلباحة بحسب الكلية والجزئية يتجاذبها األحكام‬
‫البواقي‪ ،‬فالمباح يكون مباحا بالجزء مطلوبا بالكل على جهة الندب أو الوجوب‪،‬‬
‫ومباحا بالجزء منهيا عنه بالكل على جهة الكراهة أو التحريم"‪ .‬فهذه أربعة أقسام‪:‬‬

‫القسم األول‪ :‬المباح بالجزء المطلوب بالكل على جهة الندب‪.‬‬

‫كالتمتع بالطيبات من المآكل والمشارب والمالبس والمراكب‪ ،‬فلو تركها المكلف‬


‫في بعض األوقات مع القدرة عليها لكان جائزا‪ ،‬أما لو تركها جملة فإنه ذلك يكون‬
‫على خالف ما ندب الشرع إليه‪ ،‬فقد جاء في السنة « إذا أوسع هللا عليكم فأوسعوا‬
‫ي‪.‬‬ ‫على أنفسكم »‪ ،19‬وقال‪ « :‬إِن ّللاَ يُ ِحب أ َ ْن يُ َرى أَث َ ُر نِ ْع َمتِ ِه َعلَى َ‬
‫ع ْب ِد ِه» رواه الترمذ ّ‬
‫وقال تعالى‪ :‬وقَا َل‪«:‬هللا جميل يحب الجمال»‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫أحمد الريسوني‪ ،‬نظرية المقاصد عند اإلمام الشاطبي‪(،‬بيروت‪ :‬الدار العالمية للكتاب اإلسالمي‪1992 ،‬م)‪ ،‬ص ‪.165‬‬
‫‪19‬‬
‫أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬كتاب الصالة في القميص والسراويل والتبان حديث رقم‪.365 :‬‬

‫‪11‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬المباح بالجزء المطلوب بالكل على جهة الوجوب‪.‬‬

‫كأصول المآكل والمشارب والمناكح‪ ،‬والبيع‪ ،‬والشراء‪ ،‬ووجوه االكتساب الجائزة‪،‬‬


‫كل هذه األشياء مباحة بالجزء بحيث لو اختار المكلف أحدها على ما سواها لكان‬
‫جائزا‪ ،‬أو تركها في بعض األحوال أو األزمان لم يقدح‪ .‬أما لو فرضنا ترك الناس‬
‫كلهم لها‪ ،‬أو تركها مكلف أبدا‪ .‬لكان ذلك تركا لما هو ضروري‪ ،‬مأمورا به على جهة‬
‫الوجوب‪.‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬المباح بالجزء المنهي عنه بالكل على جهة الكراهة‪.‬‬

‫كالتنزه في البساتين‪ ،‬وسماع الغناء المباح‪ ،‬واللعب المباح‪ ،‬وغيرها‪ ،‬فمثل هذا‬
‫مباح بالجزء‪ ،‬بحيث لو فعله المكلف يوما ما‪ ،‬أوفي في حالة ما فال يكون عليه حرج‪،‬‬
‫فإن فعله دائما كان مكروها ونسب فاعله إلى قلة العقل‪.‬‬

‫القسم الرابع‪ :‬المباح بالجزء المنهي عنه بالكل على جهة التحريم‪.‬‬

‫كالحلف وشتم األوالد فهما مباحان بالجزء اي يجوزان أحيانا‪ ،‬ولكنهما محرمان‬
‫بالكل‪ ،‬أي ال يجوز ألحد يعتاد عليهما على الدوام‪.‬‬

‫تقسيم اإلباحة عند القرافي رحمه هللا‪:‬‬

‫‪12‬‬
‫قسم القرافي اإلباحةكما ذكر في الفروق من جهة اإلطالق أو النسبة إلى سبب معين‬
‫على قسمين‪:20‬‬

‫األول‪ :‬إن اإلباحة قد تثبت مطلقا فال يكون على المكلف حرج باإلقدام على الفعل‬
‫مطلقا‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬وقد تثبت باعتبار سبب معين‪ ،‬فال يكون على المكلف حرج في اإلقدام على‬
‫ذلك الفعل من جهة ذلك السبب‪ ،‬ويكون عليه حرج في اإلقدام يسبب آخر على معنى‬
‫أن التحريم يجتمع مع هذه اإلباحة‪ .‬وال يجتمع مع اإلباحة األولى‪.‬‬

‫والمثال على ذلك‪ ،‬إذا ترك الصالة‪ ،‬وزنى وهو محصن‪ ،‬وارتد عن اإلسالم‪ ،‬وقتل‬
‫النفس المحرمة‪ ،‬أبيح دمه بكل واحد من هذه األسباب‪ ،‬فإذا ارتفع واحد منها كأن عفا‬
‫األولياء عن القصاص ذهبت اإلباحة الناشئة عن القتل‪ ،‬وتثبت اإلباحة الناشئة عن‬
‫غير ذلك‪.‬‬

‫مدكور‪ ،‬نظرية اإلباحة عند األصوليين والفقهاء بحث مقارن‪ ، ،‬ص ‪.103‬‬ ‫‪20‬‬

‫‪13‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬أمثلة اإلباحة‬

‫أوالا‪ :‬أمثلة تدل على اإلباحة صراحة‪ ،‬ومنها‪:21‬‬

‫‪ )1‬لفظ ال حرج أو نفي الحرج‪ ،‬فإنه يدل على أن هذا الحكم مباح‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫ْس َعلَى ْاأل َ ْع َمى َح َرج َو َال َعلَى ْاألَع َْرجِ َح َرج َو َال َعلَى ْال َم ِر ِ‬
‫يض َح َرج َو َال‬ ‫(لي َ‬
‫َعلَى أَنفُ ِس ُك ْم أَن تَأ ْ ُكلُوا ِمن بُيُو ِت ُك ْم)‪ .22‬فقد دلت اآلية داللة صريحة على إباحة‬
‫األكل من بيت اإلنسان‪ ،‬وبيت أمه إلى آخر ما ذكر في اآلية‪ ،‬وإنما كانت للداللة‬
‫صريحة ألن ذلك هو المعنى العرفي الذي يتبادر إلى الذهن عند سماع نفي‬
‫ْس َعلَى ْاأل َ ْع َمى َح َرج َو َال َعلَى ْاألَع َْرجِ َح َرج َو َال‬
‫الحرج‪ .‬وأيضا‪ ،‬قال تعالى‪( :‬لَي َ‬
‫سولَهُ يُ ْد ِخ ْلهُ َجنات ت َ ْج ِري ِم ْن ت َ ْح ِت َها‬ ‫َعلَى ْال َم ِر ِ‬
‫يض َح َرج ۗ َو َم ْن يُ ِطعِ ّللاَ َو َر ُ‬
‫ار)‪ ،23‬فقد رفع الحرج في ترك الجهاد ألن ليس على األعمى إثم‪ ،‬وال على‬ ‫ْاأل َ ْن َه ُ‬
‫األعرج إثم‪ ،‬وال على المريض إثم‪ ،‬في أن يتخلفوا عن الجهاد مع المؤمنين؛‬

‫‪21‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.66‬‬
‫‪22‬‬
‫النور‪.61 :‬‬
‫‪23‬‬
‫الفتح‪.17 :‬‬
‫‪14‬‬
‫لعدم استطاعتهم‪ .‬ومن يطع هللا ورسوله يدخله جنات تجري ِمن تحت أشجارها‬
‫وقصورها األنهار‪ ،‬ومن يعص هللا ورسوله‪ ،‬فيتخلف عن الجهاد مع المؤمنين‪،‬‬
‫يعذبه عذابا مؤلما موجعا‪ .‬إذن ترك الجهاد لعدم استطاعهم حكمه المباح‪.‬‬
‫‪ )2‬نفي كل من اإلثم‪ ،‬والمؤاخذة‪ ،‬والحنث‪ ،‬كما قال تعالى‪َ ( :‬وا ْذ ُك ُروا ّللاَ فِي أَيام‬
‫م ْعدُودَات فَ َمن تَعَج َل فِي يَ ْو َمي ِْن فَ َال إِثْ َم َعلَ ْي ِه َو َمن تَأَخ َر فَ َال إِثْ َم َعلَ ْي ِه)‪ .24‬فهذه‬
‫اآلية صريحة في معنى اإلباحة باعتبار األصل رفعت اإلثم عن الفعل وضده‬
‫معا‪ ،‬وخيرته بين التعجيل والتأخير برفع العقاب عن كل منهما‪.‬‬
‫‪ )3‬صراحة عن نفي البأس‪ ،‬كما ما رواه أحمد في مسنده‪ ،‬قال رسول هللا ﷺ ‪( :‬ال‬
‫بأس بالحيوان واحدا باثنين يدا بيد)‪ ،‬فإنه يدل على إباحة بيع الحيوان بالتفاضل‬
‫إذا لم يكن هناك أجل‪ .‬كما في حديث النبي ﷺ يدل على "يدا بيد"‪.25‬‬
‫‪ )4‬صراحة عن رفع القلم‪ ،‬كما قال‪ 26‬رسول هللا ﷺ ‪(:‬رفع القلم عن ثالثة‪ :‬النائم حتى‬
‫يستيقظ‪ ،‬وعن المبتلى حتى يبرأ‪ ،‬وعن الصبي حتى يبكر)‪ .‬فإنه يدل على إباحة‬
‫ما يصدر من هؤالء من األفعال‪ ،‬ألنه ال إثم في الفعل كما ال إثم في الترك وذلك‬
‫هو معنى اإلباحة‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬أمثلة تدل على اإلباحة غير صريحة‪:‬‬

‫هذا القسم ينقسم إلى قسمين يعني ملفوظة وغير ملفوظة‪ ،‬وهما‪:‬‬

‫البقرة‪.203 :‬‬
‫‪24‬‬

‫‪25‬‬
‫السيوطي‪ ،‬الجامع الصغير بشرح العزيزى‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.409‬‬
‫‪26‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.291‬‬
‫‪15‬‬
‫أوالا‪ :‬ما يدل على اإلباحة لفظ‪:‬‬

‫‪ )1‬صيغة األمر‪ :‬قد نقل اآلمدى ‪ 27‬عن بعض األصوليين أن صيغة األمر وضعت‬
‫حقيقية إلفادة اإلباحة‪ ،‬وأنها تفيد غيرها بطريق المجاز ‪ ،‬وتحتاج فى إفادتها غير‬
‫اإلباحة إلى قرينة‪ .‬ومنهم من قال أنها حقيقة فى الطلب مجاز فيما سواه وداللة‬
‫صيغة األمر على اإلباحة تعتبر مجازية عند من يقول أن األمر موضوع للندب‬
‫وهو أبو هاشم الجبائى والمعتزلة ورواية عن الشافعى‪ .‬وكذلك تعتبر مجازيه‬
‫على رأي الماتريدى وأتباعه الذين يقولون أن صيغة األمر موضوعة فى األصل‬
‫للقدر المشترك بين الوجوب والندب وهو الطلب‪ ،‬فإنها تفيد اإلباحة بطريق‬
‫المجاز‪ ،‬وأحتاج فى إفادة ذلك إلى فريضة‪ .‬وكذلك بالنسبة للقائلين بأن صيغة‬
‫األمر مشتركة بين كل من الوجوب والندب أى موضوعة لكل على حدة‪ ،‬فإنها‬
‫تكون مجازا أيضا فى استعمالها لإلباحة‪ .‬كما مثال‪ ،‬استعماالت األمر فى اإلباحة‬
‫بالقرينة قال تعالى‪َ ( :‬و ِإذَا َحلَ ْلت ُ ْم فَا ْ‬
‫ص َ‬
‫طادُوا)‪ ،28‬فإن هذا األمر يدل على إباحة‬
‫االصطياد بعد الحل بقرينة أنه كان ممنوعا وقت اإلحرام بقوله تعالى‪َ (:‬غي َْر‬
‫ُم ِح ِلّي الص ْي ِد َوأَنت ُ ْم ُح ُرم)‪ .29‬وأيضا مثال اآلخر قوله ﷺ فيما رواه أحمد وأبو‬
‫داود عن عبد هللا المزنى‪( :‬صلوا قبل المغرب ركعتين لمن شاء)‪ ،‬فلفظ من شاء‬
‫قرينة على أن األمر (صلوا) قصد به اإلباحة‪ .‬وأيضا مثال اآلخر قوله ﷺ فيما‬
‫رواه الطبرانى عن شداد بن أوس‪(:‬صلوا فى نعالكم وال تتشبهوا باليهود)‪ .‬فاألمر‬

‫اآلمدي‪ ،‬األحكام ألصول األحكام‪ ،‬ص ‪.208‬‬ ‫‪27‬‬

‫المائدة‪.2 :‬‬
‫‪28‬‬

‫المائدة‪.1 :‬‬
‫‪29‬‬

‫‪16‬‬
‫هنا يدل على اإلباحة ويفيد أن الصالة بالنعل جائزة على سبيل اإلباحة ما دامت‬
‫طاهرة‪.‬‬
‫‪ )2‬ومن األلفاظ غير الصريحة أيضا‪ ،‬كما مثال في الحديث الذي رواه أبو داود وابن‬
‫ماجه عن عبدهللا بن عمر عن الرسول ﷺ‪( :‬إن أبغض الحالل إلى هللا الطالق)‪،‬‬
‫إن الطالق مباح‪ ،‬ولما كان أبغض المباحات غلى هللا فإنه ينبغي أن ال يلجأ إليه‬
‫الشخص إال عند الضرورة والحاجة‪.‬‬
‫ث ِإلَى‬ ‫‪ )3‬ومن األلفاظ غير الصريحة أيضا‪ ،‬قوله تعالى‪( :‬أ ُ ِحل لَ ُك ْم لَ ْيلَةَ ال ِ ّ‬
‫ص َي ِام الرفَ ُ‬
‫سآئِ ُك ْم)‪ ،‬وقوله‪َ (:‬و ُكلُواْ َوا ْش َربُواْ)‪ ،30‬فإنها تفيد إباحة الوطء في ليالي رمضان‬
‫نِ َ‬
‫خالفا لما كان عليه الحال من قبل‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬ما يدل على اإلباحة من غير لفظ‪:‬‬

‫أن إباحة غير لفظ أي من األمور العقلية‪ .‬فإنه يشمل السنة الفعلية في بعض أنواعها‪،‬‬
‫وأيضا السنة التقريرية‪.‬‬

‫‪ )1‬أما السنة الفعلية‪ ،‬فقد نص اآلمدى‪ 31‬على أن ما كان من األفعال الجبلية أى‬
‫الطبيعية كالقيام والقعود واألكل والشرب ونحوه‪ ،‬فال نزاع فى كونه على اإلباحة‬
‫بالنسبة إلى النبى وإلى أمته‪ .‬ويقول الشوكانى‪ :32‬إن ما ال يتعلق بالعبادات ووضح‬
‫فيه أمر الجبلية كالقيام والقعود ونحوها فليس فيه تأس وال به اقتداء ولكنه يدل‬
‫على اإلباحة عند الجمهور ثم أورد خالفا لغيرهم فى ذلك فقد نقل البالقالنى عن‬

‫‪30‬‬
‫البقرة‪.187 :‬‬
‫‪ 31‬اآلمدي‪ ،‬األحكام ألصول األحكام‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.270‬‬
‫‪ 32‬محمد بن علي الشوكاني‪ ،‬إرشاد الفحول (الرياض‪ :‬دار الفضيلة‪2000 ،‬م)‪ ،‬ص ‪.33‬‬
‫‪17‬‬
‫قوم أنه مندوب ولمحات كذا حياء الغزالى فى كتابه المنخول‪ ،‬وقال‪ :‬ألن عبد هللا‬
‫بن عمر يتتبع مثل هذا ويقتدى به كسا هو معروف عنه‪.‬‬
‫‪ )2‬وأما السنة التقريرية‪ ،‬فإن ما سكت النبى عنه ولم يكن قد سبق منه النهى عنه‬
‫وال عرف تحريمه فإن سكوته عنه يدل على إباحته‪ .‬ومثل الشوكانى‪ 33‬لذلك بأكل‬
‫العنب بين يدى الرسول ونقل عن أبن‪ ،‬القشيرى أن هذا مما ال خالف فيه يقول‬
‫اآلمدى‪ :34‬إن ما أقره النبى ولم يكن قد سبق منه النهى وال عرف تحريمه فسكوته‬
‫عن فاعله وتقريره له يدل على جوازه‪ ،‬ورفع الحرج عنه ألنه لو لم يكن فعله‬
‫جائزا لكان تقريره له عليه مع القدرة على إنكاره حراما على النبى عليه الصالة‬
‫والسالم‪ ،‬فحيث لم يوجد منه ذلك دل على الجواز غالبا‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مفهوم الضرورة‬


‫المطلب األول‪ :‬الضرورة لغة واصطالحا‬
‫الضرورة في اللغة‪:‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.29‬‬


‫‪33‬‬

‫اآلمدي‪ ،‬األحكام ألصول األحكام ‪،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.270‬‬


‫‪34‬‬

‫‪18‬‬
‫جمع ضرورة والضرورة اسم لمصدر االضطرار‪ ،‬ومعناها‪ :‬االحتياج إلى الشيء يقال‪:‬‬
‫اضطره إلى كذا أي‪ :‬أحوجه إليه‪ ،‬وألجأه فاضطر‪ ،‬ويقال‪ :‬الضرورة‪ ،‬والضارورة‪،‬‬
‫والضاروراء‪ ،‬والجمع ضرورات‪.‬‬
‫والخالصة أن‪ :‬الضرورة في اللغة تأتي على معان من أهمها ما يلي‪:‬‬
‫‪35‬‬
‫األول‪ :‬الضرورة بمعنى الحاجة يقال‪ ،‬رجل ذو ضرورة‪ ،‬أي حاجة‪.‬‬
‫قال ابن منظور‪ :‬ورجل ذو ضارورة وضرورة أي‪ :‬ذو حاجة وقد اضطر إلى الشيء‬
‫أي ألجئ إليه‪.36‬‬
‫الثاني‪ :‬الضرورة بمعنى‪ :‬الضيق‪ ،‬يقال‪ :‬اضطر فالن إلى كذا‪ ،‬يعني‪ :‬ضاق به األمر‬
‫حتى اضطر إلى كذا‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬الضرورة بمعنى المشقة‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬الضرورة بمعنى الضرر‪ ،‬أو المبالغة في الضرر‪.‬‬

‫الضرورة في االصطالح‪:‬‬
‫يتقارب معنى الضرورة والضروري عند األصوليين والفقهاء‪ ،‬ومن معانيها‪:‬‬
‫تعريف الضرورة عند الفقهاء‪:‬‬

‫الفيروز آبادى‪ ،‬القاموس المحيط ‪ ،‬باب الراء‪ ،‬فصل الضاد‪ ،‬مادة (ضر)‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.550‬‬ ‫‪35‬‬

‫جمال الدين محمد‪ ،‬لسان العرب ‪ ،‬حرف الراء‪ ،‬مادة (ضرر)‪ ،‬ج‪ ،4 .‬ص‪.482 .‬‬ ‫‪36‬‬

‫‪19‬‬
‫التعريف األول‪ :‬تعريف الجصاص الحنفي قال‪ :‬الضرورة هي خوف الضرر على نفسه‬
‫أو بعض أعضائه بترك األكل‪ ،37‬وقد انطوى معنيان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن يحصل في وضع ال يجد غير الميتة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن يكون غيرها موجودا‪ ،‬ولكنه أكره على أكلها بوعيد يخاف منه تلف نفسه‪،‬‬
‫أو تلف بعض أعضائه‪ ،‬وكال المعنيين مراد باآلية احتمالهما‪.‬‬
‫التعريف الثاني‪ :‬تعريف الحموي في حاشيته على األشباه والنظائر البن نجيم حيث‬
‫قال‪ :‬بلوغ المكلف حدا إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب‪ ،38‬يعني‪ :‬أنها حالة إذا‬
‫وصل إليها المكلف‪ ،‬ولم يتناول المحظور‪ ،‬أو الحرام هلك يقينا‪ ،‬أو قارب الهالك‪.‬‬
‫التعريف الثالث‪ :‬تعريف الشيخ الدردير من المالكية قال‪ :‬الخوف على النفس من‬
‫‪40‬‬
‫الهالك‪ ،‬علما أو ظنا‪ ،39‬وقال أيضا‪ :‬هي حفظ النفوس من الهالك‪ ،‬أو شدة الضرر‪.‬‬
‫التعريف الرابع‪ :‬تعريف السيوطي من الشافعية قال‪ :‬بلوغ الكلف حدا إن لم يفعل‬
‫الممنوع هلك أو قارب‪ ،41‬يعني قارب الهالك ثم قال‪ :‬وهذا يبيح تناول الحرام‪.‬‬
‫التعريف الخامس‪ :‬عند الحنابلة‪ :‬الضرورة أن يخاف التلف فقط ال ما دونه‪ ،‬هذا هو‬
‫الصحيح من المذهب‪ ،‬وقيل‪ :‬إنها تشمل خوف التلف أو الضرر‪ .‬وقيل‪ :‬أن يخاف تلفا‪،‬‬
‫‪42‬‬
‫أو ضررا أو مرضا‪ ،‬أو انقطاعا عن الرفقة يخشى معه الهالك‪.‬‬
‫نلخص من هذه التعريفات إلى ما يلي‪:‬‬
‫أوالا‪ :‬أن تعريفات الفقهاء للضرورة متقاربة إلى حد كبير‪.‬‬
‫ثانيا ا‪ :‬أن معاني الضرورة تدور كلها حول دفع الضرر عن النفس‪ ،‬وما دونها‪ ،‬ورأى‬
‫الباحث أن الضرورة أعم من ذلك حيث أنها تشمل دفع الضرر عن األنفس‪ ،‬واألعراض‬

‫‪ 37‬أحمد بن علي الرازي الجصاص‪ ،‬أحكام القرآن للجصاص الحنفي (بيروت‪ :‬دار إحياء الكتب العربية‪1992 ،‬م)‪ ،‬ج ‪،1‬‬
‫ص‪. 159‬‬
‫‪ 38‬حاشية الحموي ج‪ ، 1.‬ص‪119 .‬‬
‫‪ 39‬أبو العباس أحمد بن محمد الخلوتي ‪ ،‬حاشية الصاوي على الشرح الصغير (دار المعارف‪2010 ،‬م)‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪.138 .‬‬
‫‪ 40‬محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي‪ ،‬حاشية الدسوقي على شرح الكبير (دار إحياء الكتب العربية)‪ ،‬ج‪ ،2.‬ص‪.136 .‬‬
‫‪ 41‬جالل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي‪،‬األشباه والنظائر للسيوطي (لبنان‪ :‬دار الكتب العلمية‪1983 ،‬م)‪ ،‬ص ‪.172‬‬
‫‪ 42‬علي بن سليمان المرداوي‪ ،‬اإلنصاف للمرداوي (‪1995‬م) ج ‪ ،10‬ص ‪.369‬‬
‫‪20‬‬
‫واألديان واألموال واألوطان علما أو ظنا‪ .‬فال يشترط أن يصبر حتى يشرف على‬
‫الموت‪.43‬‬
‫ولهذا فاألحسن أن يقال في تعريفها‪ :‬أنها الحالة التي وصل إليها المكلف‪ ،‬أبيح له فعل‬
‫الحرام لتشمل ضرورة دفع االعتداء بكل صوره وأشكاله‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬معنى قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات" وما يتعلق بها‬
‫المعنى اإلجمالي لقاعدة‪ :‬الضرورات تبيح المحظورات‪.‬‬
‫وردت هذه القاعدة بصيغة مقيدة بلفظ‪ :‬الضرورات تبيح المحظورات بشرط عدم‬
‫نقصان الضرورة عن المحظور‪ .‬ومعناها أن الممنوع شرعا ال يباح عند الضرورة إال‬
‫بشرط عدم نقصان الضرورة عن المحظور‪ .‬يعني‪ :‬أال تفل الضرورة عن المحظور‬
‫وغال ال تفيد في إباحته‪ ،‬ومن ثم ال يجوز للمكلف اإلقدام على فعل المحظور ما دامت‬
‫الضرورة أقل من المحظور‪.‬‬
‫فهذا القيد مهم للقاعدة‪ ،‬وال تستعمل بدونه‪ ،‬ويجب مراعاته عند العمل بها‪ ،‬ولذلك‬
‫نص عليه الفقهاء ونبهوا عليه ألهميته‪ ،‬وهو يدل على أهمية المفاضلة بين المفاسد‬
‫واألضرار عند اجتماعهما‪ .‬كما وردت القاعدة بصيغة مطلقة بلفظ‪ :‬الضرورات تبيح‬
‫المحظورات‪.‬‬

‫‪ 43‬وهبة الزحيلي‪ ،‬الفقه اإلسالمي (سورية‪ :‬دار الفكر)‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.275‬‬
‫‪21‬‬
‫وهذه الصيغة مطلقة‪ ،‬ومعناها‪ :‬أنه إذا وجدت ضرورة ملجئة يرفع الحكم العام ما‬
‫دامت الضرورة قائمة‪ ،‬يعني أن المكلف إذا وصل إلى حالة الضرورة‪ ،‬فإنه يباح له‬
‫المحظور مطلقا بال قيد‪ ،‬وال شرط‪ ،‬وهذا ليس مرادا على اطالقه‪ ،‬ألن القاعدة مقيدة‬
‫بقيود وضوابط يجب مراعاتها‪ ،‬حتى يباح المحظور بالضرورة‪ ،‬ولهذا فإن ذكر القاعدة‬
‫بهذا اللفظ إنما هو على سبيل اإليجاز‪ ،‬باعتبار أن الشرط مفهوم من سياقها‪ ،‬فالضرورة‬
‫ال تبيح المحظور إال إذا كانت ضرورة حقيقية‪ ،‬ولم تنقص عن المحظور فليس المراد‬
‫مطلق الضرورة ‪ ،‬وإنما الضرورة الشؤعية‪ ،‬وال تكون الضرورة شرعية إال بتوفر‬
‫ضوابطها وشروطها‪.‬‬
‫ولهذا فإن الصياغة المختارة لقاعدة‪ :‬الضرورات تبيح المحظورات باعتبار القيود‬
‫الواردة عليها وأن ليس كل ضرورة تبيح المحظور‪ ،‬وأن اإلباحة في ألفاظ القاعدة‪،‬‬
‫ليس المراد بها المعنى األصولي‪ ،‬فمن األحسن أن تكون صيغة القاعدة كما يلي‪:‬‬
‫الضرورات ترفع اإلثم عن المكلف في فعل المحظورات التي تقل عنه في المفسدة‪.‬‬
‫وهذا يعني أن الضرورات ترفع اإلثم والمؤاخذة األخروية عن المحظورات التي‬
‫تكون دونها في المفسدة‪ ،‬ومفهوم ذلك ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬أن الضرورات ال تبيح كل المحظورات‪ ،‬وإنما هناك محظورات ال تباح مطلقا‪.‬‬
‫‪ .2‬العمل بالضرورة قد يكون واجبا‪ ،‬وقد يكون مباحا‪.‬‬
‫‪ .3‬ليس معنى اإلباحة بالضرورة أن المكلف مخير بين الفعل والترك كما هو‬
‫الحال في اإلباحة المرادفة للحل‪ ،‬وإنما اإلباحة تعني‪ :‬رفع اإلثم عن المكلف‬
‫فقط‪ ،‬فهو معنى مقدر بقدرها أيضا‪.‬‬

‫وفائدة تلك الصياغة التنبيه على األمور اآلتية‪:‬‬


‫‪ .1‬أن الضرورة حالة استئناسية‪ ،‬وليست حكما أصليا‪ ،‬فهي غير دائمة‬
‫‪ .2‬أن المباح للضرورة ليس من الطيبات‬
‫‪ .3‬أن اإلفتاء بالضرورة ال يكون عند عدم وجود حلول أخرى‪ ،‬فال يجوز اإلفتاء‬
‫بالضرورة إال بعد انسداد جميع األبواب‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬التطبيقات الفقهية المعاصرة للضرورات الشرعية‬
‫للضرورات الشرعية تطبيقات عملية كثيرة‪ ،‬تختلف من زمن آلخر بحسب اختالف‬
‫أحوال الناس‪ ،‬وتعدد حوائجهم‪ ،‬والمشكالت التي يواجهونها‪ ،‬لكن تبقى الضرورة‬
‫جامعة لهذه المسائل بضوابطها الشرعية‪ ،‬ومفرقة بين نا يأخذ حكم الضرورة‪ ،‬ويؤثر‬
‫في إباحة المحظور‪ ،‬وما ال يرقى إلى هذه الرتبة من التطبيقات التي تكون فيها‬
‫الضرورات غير شرعية‪ ،‬لعدم استيفاء ضوابطها وشروطها‪ ،‬ومن ثم فإن التطبيقات‪،‬‬
‫والفروع التي تدخل تحت قاعدة‪ :‬الضرورات تبيح المحظورات‪ ،‬كثيرة ومتعددة‪ .‬و‬
‫سوف يذكر بعضا منها على سبيل المثال‪ ،‬لبيان شمولية القاعدة في عامة أبواب الفقه‪.‬‬
‫وهذا مما يبرز أهميتها من بين القواعد الفقهية واألصولية‪ ،‬كما أنه يجت التنبيه على‬
‫مراعاة ضوابط الضرورة في الواقع العملي‪ ،‬ولذا ينقسم الكالم في هذا المبحث إلى‬
‫مطلبين الرئيسين‪:‬‬
‫األول‪ :‬تطبيقات معاصرة توافرت فيها الضوابط الشرعية للضرورة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬تطبيقات معاصرة التي لم تستوف الضوابط الشرعية للضرورة‬
‫أوالا‪ :‬تطبيقات معاصرة توافرت فيها الضوابط الشرعية للضرورة‪.‬‬
‫وفي هذا المبحث‪ ،‬سيبين بعض التطبيقات المعاصرة‪ ،‬والتي أفتى العلماء المعاصرون‬
‫في المجامع الفقهية بدخولها في حكم الضرورة‪ ،‬وتوافر ضوابط الضرورة الشرعية‬
‫فيها‪ ،‬وهذه التطبيقات كثيرة ومتنوعة‪ ،‬وسوف يذكر بعضها على سبيل المثال فقط‪،‬‬
‫وذلك فيما يلي‪:‬‬

‫‪23‬‬
‫‪ )1‬بتر العضو المريض واستئصاله للضرورة‪:‬‬
‫من التطبيقات المعاصرة لقاعدة الضرورات تبيح المحظورات هذه المسألة وإن‬
‫كانت من المسائل القديمة لكنها تتكرر كثيرا‪ ،‬وتختلف فيها أدوات القطع وطرقه في‬
‫حاالت كثيرة يضطر فيها الطبيب إلى بتر عضو من أعضاء مرسضة‪ ،‬من أجل‬
‫استئصال المرض‪ ،‬حيث ال يكون أمامه فرصة للعالج إال من خالل الحسم والبتر‪،‬‬
‫ولهذا قرر العلماء أنه‪ :‬يجوز للطبيب ذلك استنادا على قاعدة الضرورة الشرعية‪ ،‬بشرط‬
‫أن تتحقق الضرورة بالفعل‪ ،‬وتتوافر فيها ضوابطها من ثم فالطبيب المسلم الثقة هو‬
‫المسؤول عن ذلك‪ ،‬فالضرورات تبيح المحظورات‪.‬‬
‫وأن عليه أن يراعى أخف الضررين‪ ،‬لحماية ما يمكن حمايته من المصالح ودرء‬
‫‪44‬‬
‫المفاسد‪ ،‬والضرر عن المريض‪.‬‬
‫ومن ذلك أيضا‪ :‬جواز نقل عين قرر األطباء استقطاعها لعلة أصابت صاحبها‪ ،‬ومع‬
‫‪45‬‬
‫ذلك يمكن االستفادة منها لشخص آخر‪ ،‬لتحقق المصلحة وانتقاء الضرر‪.‬‬
‫‪ )2‬نقل األعضاء من إنسان حي إلى آخر للضرورة‪:‬‬
‫من تطبيقات المعاصرة لهذه القاعدة أيضا‪ ،‬فتاوى المجامع الفقهية ودوائر اإلفتاء‬
‫والهيئات العلمية‪ ،‬التي تبيح نقل األعضاء من إنسان حي إلى إنسان آخر‪ ،‬فقرر العلماء‬
‫في المجمع الفقهي لرابطة العالم اإلسالمي في الدورة الثامنة‪ ،‬المنعقدة بمكة المكرمة‬
‫في ‪8/5/1405‬ه ما يلي‪:‬‬

‫‪ 44‬د‪ .‬زهير أحمد السباعي‪ ،‬الطبيب أدبه وفقهه (دار القلم‪1993 ،‬م) ص ‪.117‬‬
‫‪ 45‬المصدر نفسه ص ‪.216‬‬
‫‪24‬‬
‫أوال‪ :‬أن أخذ عضو من جسم إنسان حي وزرعه في جسم آخر مضطر إلنقاذ حياته‪،‬‬
‫أو الستعادة وظيفة من وظائف أعضائه األساسية هو عمل جائز على قاعدة‪:‬‬
‫الضرورات تبيح المحظورات غذا توافرت فيه الشروط اآلتية‪:‬‬
‫‪ .1‬أال يترتب على أخذ العضو من المتبرع ضررا يخل بحياته‪ ،‬ألن القاعدة‪:‬‬
‫الضرر ال يزال إن أمكن من غير ضرر أو بضرر أقل منه‪ ،‬وال يجوز إزالته‬
‫بضرر مساوي‪ ،‬ومن باب أولى بضرر أكبر منه‪ .‬فلو كان إلزالة الضرر‬
‫بضرر مثله‪ ،‬أو أشد فإنه ال يجوز‪ ،‬ألنه ليس من باب إزالة الضرر‪ ،‬وإنما‬
‫من باب التهلكة المنهي عنها‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يكون النقل تبرعا بدون عوض‬
‫‪ .3‬أن يتعين النقل الوسيلة الوحيدة إلنقاذ المريض‪ ،‬ومعالجته حتى تتحقق حالة‬
‫الضرورة‪.‬‬
‫‪ .4‬أن يكون نجاح كل من عميلتي‪ :‬النزع والزرع محقق في العادة وغالبا‪ ،‬وقد‬
‫أجازت دار اإلفتاء المصرية ذلك‪ ،‬فصدرت فتوى الشسخ جاد الحق على جاد‬
‫‪46‬‬
‫الحق‪ ،‬رقم ‪ ،1323‬بتاريخ ‪.5.12.1979‬‬
‫‪ .5‬ال يجوز نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة اساسية في حياته‬
‫لعدم الضرورة‬
‫مثل‪ :‬نقل القلب أو الكبد أو العينين أو الكليتين‪ ،‬ونحو ذلك للحفاظ على‬
‫الضروريات التي يجب الحفاظ عليها‪ ،‬ألن ذلك ضرر محض‪ ،‬ويعتبر قتل نفس‬
‫وإلقاء بالنفس إلى التهلكة‪ ،‬وال يجوز لإلنسان أن يلحق الضرر بنفسه عمال بقول‬
‫النبي ﷺ ‪ (( :‬ال ضرر وال ضرار)) وأنه في حالة النقل للغير سوف يكون إزالة‬
‫للضرر عن الغير بضرر النفس وهو ضرر شديد‪ ،‬كما هو مقرر أن‪ :‬الضرر ال‬
‫يزال بالضرر األشد منه أو المساوي‪ ،‬ففي هذه الحالة زاد المحظور عن الضرورة‪،‬‬
‫فلم تبح الضرورة المحظور‪ ،‬لعدم توافر شرطها وهو عدم نقصان الضرورة عن‬
‫‪47‬‬
‫المحظور‪ ،‬فلم يجز النقل‪.‬‬
‫‪ )3‬سفر المرأة بغير محرم للضرورة‪:‬‬

‫موقع وزارة االوقاف المصرية‪ ،‬فتاوى األزهر‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.356‬‬ ‫‪46‬‬

‫د‪ .‬زهير أحمد السباعي‪ ،‬الطبيب أدبه وفقهه ‪ ،‬ص ‪.217‬‬ ‫‪47‬‬

‫‪25‬‬
‫من التطبيقات القديمة والمعاصرة لقاعدة الضرورات تبيح المحظورات‪ :‬سفر‬
‫الملرأة بدون محرم في حاالت معينة من أهمها ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬من مات محرمها في الطريق أثناء السفر‪.‬‬
‫‪ .2‬من أجبرت على السفر من بلد بالقوة وليس عندهم محرم‬
‫‪ .3‬من اضطرت للهجرة من بالد الكفر إلى بالد اإلسالم وليس معها محرم‪.‬‬
‫ففي مثل هذه الحاالت تتحقق الضرورة في حق المرأة التي لم تجد محرما‪،‬‬
‫وعليها أن تكمل سفرها‪ ،‬أو تسافر إلنقاذ نفسها‪ ،‬أو الفرار بدينها‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فهي‬
‫في حاالت الضرورة قطعا‪ ،‬ويجوز لها في تلك الحالة السفر بغير محرم‪ ،‬ألن‬
‫الضرورات تيبح المحظورات متى استوفت ضوابطها‪ ،‬وهي هنا كذلك‪.‬‬
‫ثانياا‪ :‬تطبيقات معاصرة لم تستوف ضوابط الشرعية للضرورة‪.‬‬
‫الفقهاء قد وضعوا ضوابط للضرورة‪ ،‬حتى تبيح المحظورات‪ ،‬فإذا لم تتوافر تلك‬
‫الضوابط كلها أو بعضها لم يكن للضرورة أثر في إباحة المحظورات‪ ،‬ألنه في تلك‬
‫الحالة ال تكزن الضرورة متحققة‪ ،‬وقد يقع بين الناس في تحليل الحرام بحجة الضرورة‪،‬‬
‫فيتوهمون وجود ضرورة تسوغ لهم الحرام‪ ،‬وهي ليست كذلك‪ ،‬ويتفرع ذلك فروع‬
‫كثيرة‪ ،‬من ذلك‪:‬‬
‫‪ )1‬ال يجوز تبرير التكاسل عن الفرائض في أوقاتها بالضرورة‪:‬‬
‫من التطبيقات المعاصرة للضرورات الشرعية‪ ،‬والتي لم تستوف فيها الضرورة‬
‫ضوابطها‪ :‬ما يقوم به بعض الناس من محاولة التخلص من أداء الفرائض في أوقاتها‪،‬‬
‫وذلك بسبب وجودهم في حفل عام أو اجتماع خاص‪ ،‬بحجة الضرورة‪ ،‬واتخاذ الحفل‬
‫ذريعة لترك الفرائض تحت ستار مبدأ التخفيف والتيسير على الناس‪ ،‬دون التقيد بقيود‬
‫الضرورة الشرعية وضوابطها‪ ،‬أو للجهل بأحكامها‪ ،‬والحاالت التي يصح أن تندرج‬
‫تحتها دون غيرها‪.‬‬
‫‪ )2‬ال يجوز العمل في الفنادق والمالهي ودور الرقص استنادا للضرورة‪:‬‬
‫من التطبيقات المعاصرة أيضا‪ :‬العمل في الفنادق والمسارح والمالهي ودور السينما‬
‫والرقص‪ ،‬التي ترتكب فيها األعمال المحرمة من شرب الخمور والمخدرات والزنا‬
‫والرقص والغناء والزمر‪ ،‬والذي يتنافى مع حدود الشرع‪ ،‬وحجتهم في ذلك‪ :‬عدم وجود‬

‫‪26‬‬
‫عمل آخر بدال عنه‪ ،‬وأنه إذا لم يعمل ذلك العمل‪ ،‬فسوف يؤدي إلى ارتكابه الجريمة‬
‫السرقة‪ ،‬أو الرشوة‪ ،‬ونحوها مما هو محرم أيضا‪.‬‬
‫وهذه الحالة وأمثالها‪ ،‬ليست من قبيل الضرورة الحقيقية المتيقنة‪ ،‬التي تبيح له فعل‬
‫المحظور‪ ،‬فالعمل في أماكن اللهو التي ترتكب فيها المنكرات‪ ،‬ويكون دخلها من الفسق‬
‫والفجور محرم شرعا‪ ،‬وواجب على المسلم أن يبحث لنفسه عن عمل حالل‪ ،‬يكتسب‬
‫منه بالعيش به هو‪ ،‬ومن يعول‪ ،‬وأنه إذا جد في الطلب والبحث سوف يجد مايغنيه‪،‬‬
‫فطلب الحالل له منزلة عظيمة عند هللا‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬المقارنة بين اإلباحة والضرورة‬


‫وقد كان بين اإلباحة والضرورة بعض أوجه التشابه وأوجه االختالف‪ .‬وسيبين هذه‬
‫األوجه المختلفة في بعض النقط المهمة‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬أوجه الشبه بين اإلباحة والضرورة‬
‫‪27‬‬
‫‪ .1‬اإلباحة والضرورة تجتمعان معا في حالة االضطرار‪،‬‬
‫‪ -‬والمثال على ذلك تناول المحرم من الطعام‪ ،‬وهذا كما جاء في قوله تعالى‪:‬‬
‫طر َغي َْر‬ ‫ير َو َما أ ُ ِهل بِ ِه ِلغَي ِْر ّللاِ فَ َم ِن ا ْ‬
‫ض ُ‬ ‫}إِن َما َحر َم َعلَ ْي ُك ُم ْال َم ْيتَةَ َوالد َم َولَ ْح َم ْال ِخ ْن ِز ِ‬
‫َباغ َو َال َعاد فَ َال ِإثْ َم َعلَ ْي ِه ِإن ّللاَ َغفُور َر ِحيم‪. {48‬‬
‫‪ .2‬معظم المباحات تثبت من الشارع‪ ،‬فكذلك كثير من الضرورات تثبت من‬
‫الشارع‪.‬‬
‫‪ .3‬اإلباحة يعمل بها المكلف‪ ،‬فكذلك الضرورة يعمل بها المكلف‪.‬‬
‫‪ .4‬ال يعاقب على الفعل باإلباحة فكذلك ال يعاقب على الفعل بالضرورة وذلك مثل‬
‫كلمة الكفر وقت اإلكراه‪.‬‬
‫‪ -‬والمثال على ذلك في تقرير عمار بن ياسر للكفر حين أكرهه أبا جهل‪ ،‬قال هللا‬
‫تعالى‪:‬‬
‫ان َولَ ِك ْن َم ْن ش ََر َح‬
‫اإلي َم ِ‬ ‫} َم ْن َكفَ َر ِباّللِ ِم ْن بَ ْع ِد ِإي َمانِ ِه ِإال َم ْن أ ُ ْك ِرهَ َوقَ ْلبُهُ ُم ْ‬
‫ط َمئِن ِب ْ ِ‬
‫عذَاب َع ِظيم‪.{49‬‬ ‫ضب ِمنَ ّللاِ َولَ ُه ْم َ‬ ‫ص ْدرا فَعَلَ ْي ِه ْم َغ َ‬ ‫بِ ْال ُك ْف ِر َ‬
‫‪ .5‬بعض القواعد الفقهية تتعلق باإلباحة األصلية‪ ،‬فكذلك عدد من القواعد الفقهية‬
‫تتعلق بالضرورة‬
‫‪ -‬والمثال على القواعد الفقهية المتعلقة بالضرورة هي‪:‬‬
‫" الضرورات تبيح المحظورات"‬
‫‪ .6‬كالهما شرعا للمؤمنين المتقين‪.‬‬
‫‪ .7‬يوجد الخيار في اإلباحة بين الفعل والترك‪ ،‬فكذلك أحيانا يوجد الخيار في‬
‫الضرورة بين الفعل والترك‪ ،‬وذلك مثل كلمة الكفر وقت اإلكراه يجوز العمل‬
‫بها أي القول بها وكذلك يجوز تركها‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫البقرة‪.173 :‬‬
‫‪49‬‬
‫النحل‪.106 :‬‬

‫‪28‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أوجه الفرق بين اإلباحة والضرورة‬
‫‪ .1‬اإلباحة من األحكام التكليفية‪ ،‬بينما الضرورة فليست كذلك‪.‬‬
‫‪ .2‬ال يعاقب على ترك الفعل باإلباحة في األحوال العادية‪ ،‬بينما يعاقب على ترك‬
‫الفعل بالضرورة أحيانا‪.‬‬
‫‪ -‬وذلك مثل تناول الحرام من الطعام أو الشراب وقت الضرورة يعتبر إثما لو أدى‬
‫هذا الترك إلى قتل النفس ‪ ،‬كما قال هللا تعالى‪:‬‬
‫} َو َال ت َ ْقتُلُوا أ َ ْنفُ َ‬
‫س ُك ْم ِإن ّللاَ َكانَ ِب ُك ْم َر ِحيما‪.{50‬‬
‫‪ .3‬ال يثاب على ترك الفعل باإلباحة في األحوال العادية‪ ،‬بينما يثاب أحيانا على‬
‫ترك الفعل بالضرورة‪.‬‬
‫‪ -‬والمثال ذلك ترك كلمة الكفر وقت ضرورة اإلكراه يؤدي إلى الحصول على‬
‫الثواب‬
‫‪ .4‬اإلباحة تعتبر خاصة تنحصر في ذاتها بينما الضرورة عامة تشتمل عددا من‬
‫األحكام الشرعية مثل الواجب والمكروه والحرام‪.‬‬
‫‪50‬‬
‫‪.69‬‬ ‫النساء‪:‬‬
‫‪29‬‬
‫‪ .5‬ال اعتبار للضرورة إال إذا توافرت شروطها‪ ،‬بينما اإلباحة فهي ال تشترط‬
‫بشروط في األحوال العادية‪.‬‬
‫‪ .6‬للضرورة قواعد فقهية أصلية وفرعية كثيرة‪ ،‬بينما لإلباحة قواعد فقهية قليلة‪.‬‬
‫‪ .7‬تبقى اإلباحة إباحة على الدوام‪ ،‬بينما الضرورة فتزول ألجل زوال سببها‪.‬‬
‫‪ .8‬للعقل اإلنساني وقناعته الذاتية دور في اعتبار الضرورة ضرورة‪ ،‬بينما ال يوجد‬
‫دور مهم للعقل في اعتبار اإلباحة إباحة‪.‬‬
‫‪ .9‬ال توجد أي مسؤولية في العمل أو ترك العمل في اإلباحة‪ ،‬بينما في الضرورة‬
‫أحيانا توجد مسؤولية مدنية‪ ،‬وذلك مثال إذا أخذ مال الغير وأتلف بسبب الضرورة‬
‫ال ال يسال اآلخذ مسؤولية جنائية‪ ،‬ولكنه يسال مسؤولية مدنية أي يجب عليه‬
‫الضمان‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫الحمد هلل الذي اعطى بطاقة وإرشاد للبحث حتى يستطيع أن يكمل هذا البحث‪ ،‬وفي‬
‫خاتمة هذا البحث المبارك نسجل أهم النتائج التي توصلت إليها ومنها‪:‬‬
‫‪ )1‬أن اإلباحة المختار عند األصوليين هو خطاب الشارع على التخيير بين فعل‬
‫الشئ وتركه من غير بدل‪.‬‬
‫‪ )2‬أن اإلباحة في القانون ينقسم إلى قسمين هي اإلباحة األصلية واإلباحة الطارئة‪.‬‬
‫‪ )3‬أن المباح لذاته عند الغزالي قسمان‪ ،‬هو ما ورد فيه حكم الشارع بالتخيير أي ما‬
‫ثبت بالدليل السمعي‪ ،‬وثم ما لم يرد فيه خطاب صريح لكن دل عليه دليل السمعي‬
‫غير صريح وأيده العقل‪.‬‬
‫‪ )4‬قسم اإلمام الشاطبي اإلباحة إلى قسمين يعني المباح باعتبار ما يعرض له من‬
‫حيث كونه ذريعة إلى مطلوب الفعل أو الترك‪ ،‬وأيضا اإلباحة من الناحية زاوية‬
‫أخرى بحسب الكلية والجزئية في الشيء المباح‪.‬‬
‫‪ )5‬أن أمثلة وتطبيقات اإلباحة المتنوعة والمتعددة كما في القاعدة األصل في األشياء‬
‫اإلباحة حتى يأتي الدليل أو النص في تحريمها‪.‬‬
‫‪ )6‬أن الضرورة هي الحالة التي وصل إليها المكلف‪ ،‬أبيح له فعل الحرام لتشمل‬
‫ضرورة دفع االعتداء بكل صوره وأشكاله‪.‬‬
‫‪ )7‬أن الضرورة ترفع اإلثم عن المكلف في فعل المحظورات التي تقل عنه في‬
‫المفسدة ولكن بالشروط المعين الذي يحدد الشارع‪.‬‬
‫‪ )8‬أن الضرورة واإلباحة كالهما شرعا للمؤمنين المتقين‪.‬‬
‫‪30‬‬
‫‪ )9‬اإلباحة من األحكام التكليفية‪ ،‬بينما الضرورة فليست من األحكام التكليفية‪.‬‬
‫‪ )10‬ال يثاب على ترك الفعل باإلباحة في األحوال العادية‪ ،‬بينما يثاب أحيانا على‬
‫ترك الفعل بالضرورة‪.‬‬
‫‪ )11‬تبقى اإلباحة إباحة على الدوام‪ ،‬بينما الضرورة فتزول ألجل زوال سببها‪.‬‬

‫وفي نهاية نسأل هللا أن يوفق الجميع لخدمة دينه القوم‪ ،‬وأن ينفع بهذا البحث وأن‬
‫يغفر لنا ما فيه من خلل أو تقصير إنه حسبنا ونعم الوكيل وصلى هللا على سيدنا‬
‫محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫قائمة المصادر‬
‫آبادى‪ ،‬الفيروز‪ ،‬القاموس المحيط‪ .‬القاهرة‪ :‬دار الحديث‪2008 ،‬م‪.‬‬
‫ابن حزم‪ ،‬علي بن أحمد بن سعيد‪ ،‬المحلى‪1964 ،‬م‪.‬‬
‫اآلمدي‪ ،‬علي بن محمد‪ ،‬اإلحكام في أصول األحكام‪ .‬الرياض‪ :‬المكتب اإلسالمي‪،‬‬
‫‪2015‬م‪.‬‬
‫البيضاوي‪ ،‬منهاج الوصول إلى علم االصول‪ .‬بيروت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫الجرجاني‪ ،‬كتاب التعريفات‪ .‬القاهرة‪ :‬دار الفضيلة‪1413 ،‬م‪.‬‬
‫الجصاص‪ ،‬أحمد بن علي الرازي‪ ،‬أحكام القرآن للجصاص الحنفي‪ .‬بيروت‪ :‬دار إحياء‬
‫الكتب العربية‪1992 ،‬م‪.‬‬
‫الحداد‪ ،‬أبو بكر بن علي‪ ،‬الجوهرة النيرة‪ .‬باكستان‪ :‬مكتبة حقانية‪1304 ،‬ه‪.‬‬
‫الدسوقي‪ ،‬محمد بن أحمد بن عرفة‪ ،‬حاشية الدسوقي على شرح الكبير‪ .‬دار إحياء‬
‫الكتب العربية‪.‬‬
‫الريسوني‪ ،‬أحمد‪ ،‬نظرية المقاصد عند اإلمام الشاطبي‪ .‬بيروت‪ :‬الدار العالمية للكتاب‬
‫اإلسالمي‪1992 ،‬م‪.‬‬
‫الزبيدي‪ ،‬محمد المرتضى‪ ،‬تاج العروس‪ .‬الكويت‪ :‬مطبعة حكومة الكويت‪2004 ،‬م‪.‬‬
‫الزحيلي‪ ،‬وهبة‪ ،‬الفقه اإلسالمي‪ .‬سورية‪ :‬دار الفكر‪.‬‬
‫السبكي‪ ،‬عبد الوهاب بن علي‪ ،‬جمع الجوامع‪ .‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫السيوطي‪ ،‬الجامع الصغير بشرح العزيزى‪.‬‬
‫السيوطي‪ ،‬جالل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر ‪،‬األشباه والنظائر للسيوطي‪ .‬لبنان‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية‪1983 ،‬م‪.‬‬
‫السباعي‪ ،‬د‪ .‬زهير أحمد‪ ،‬الطبيب أدبه وفقهه‪ .‬دار القلم‪1993 ،‬م‪.‬‬
‫الشاطبي‪ ،‬إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي‪ ،‬الموافقات‪ .‬دار ابن عفان‪2008 ،‬م‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫الغزالي‪ ،‬أبو حامد‪ ،‬المستصفى‪ .‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫الفراهيدي‪ ،‬الخليل بن أحمد‪ ،‬ترتيب العين‪ .‬القاهرة‪ :‬دار الكتب العلمية‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫المرداوي‪ ،‬علي بن سليمان‪ ،‬اإلنصاف للمرداوي‪1995،‬م‪.‬‬
‫محمد‪ ،‬جمال الدين‪ ،‬لسان العرب‪ .‬السعودية‪ :‬األوقاف السعودية‪ ،‬األميرية‪2014 ،‬م‪.‬‬
‫مدكور‪ ،‬محمد سالم ‪ ،‬نظرية اإلباحة عند األصوليين والفقهاء بحث مقارن‪ .‬القاهرة‪:‬‬
‫دار النهضة العربية‪1984 ،‬م‪.‬‬
‫محمد بن علي الشوكاني‪ ،‬إرشاد الفحول‪ .‬الرياض‪ :‬دار الفضيلة‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫محمد الخلوتي‪ ،‬أبو العباس أحمد‪ ،‬حاشية الصاوي على الشرح الصغير‪ .‬دار المعارف‪،‬‬
‫‪2010‬م‪.‬‬
‫موقع وزارة االوقاف المصرية‪ ،‬فتاوى األزهر‪.‬‬

‫‪33‬‬

You might also like