Professional Documents
Culture Documents
(دراسة تحليلية)
عنوان المادة :نظرية اإلباحة عند األصوليين
رقم المادةRKFQ 6160 :
1
7 المطلب األول :اإلباحة لغة واصطالحا
عند 11 اإلباحة تقسيم الثاني: المطلب
األصوليين
16 المطلب الثالث :أمثلة اإلباحة
21 المبحث الثاني :مفهوم الضرورة 3
21 المطلب األول :الضرورة لغة واصطالحا
المطلب الثاني :معنى قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات" 24
وما يتعلق بها
المطلب الثالث :التطبيقات الفقهية المعاصرة للضرورات 26
الشرعية
31 اإلباحة بين المقارنة الثالث: المبحث 4
والضرورة
31 المطلب األول :أوجه الشبه بين اإلباحة والضرورة
33 المطلب الثاني :أوجه الفرق بين اإلباحة والضرورة
34 الخاتمة 5
36 قائمة المصادر 6
2
أما بعد فإن هللا عز وجل قد كتب لهذه الشريعة البقاء والخلود ،وأمر الناس باالنقياد
لها والدخول تحت أحكامها ،ال فرق في ذلك بين القادر والعاجز ،وال بين المضطر
والمختار .وال عجب فإن الشريعة من رب العالمين ،وهي عدل كلها ،ورحمة كلها،
ومصالح كلها ،وحكمة كلها( ،أال يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير).1
ولذلك ،شرع هللا تعالى أحكام الشريعة لجميع عباده في هذا العالم .والحكم الشرعي
هو خطاب هللا تعالى المتعلق بأفعال المكلفين أو العباد طلبا أو تخييرا أو وضعا .فخطاب
هللا هو آياته القرآنية الكريمة والسنة النبوية والمكلفون هم المسلمون البالغون العاقلون،
والطلب والتخيير والوضع هي أقسام للحكم الشرعي التي يبينها الفقيه من مصادر
التشريع الذي يقسمها إلى قسمين يعني حكم الشرعي التكليفي وحكم الشرعي الوضعي.
واإلباحة فرع من فروع األحكام التكليفية الخمسة ،وهو ما خير المكلف بين فعله
وتركه كإباحة العمل بعد االنتهاء من صالة الجمعة ،والمباح ال يستحق تاركه العقوبة
وال يثاب على فعله إال إذا كان فعله بنية التقرب إلى هللا تعالى وكسب رضاه .فاإلباحة
لها عالقة بالضرورة ،يعني يتغير حكم اإلباحة بسبب تغير األزمان واألمكان في حالة
الضرورة كإباحة أكل الميتة عند الخوف من اإلشراف على الهالك لحفظ النفس.
فهذا البحث سيتكلم عن العالقة بين اإلباحة والضرورة من حيث المقارنة بينهما هل
يوجد التشابه أو االختالف فيهما ،وأيضا أمثلة متعلقة بهذا البحث.
مشكلة البحث
من المعروف ،فإن من الخصائص التي خص هللا تعالى بها الشريعة اإلسالمية ،أن
جعلها سمحاء حنيفية تقوم على السهولة والرفق ،وتدعو إلى التيسير والتخفيف ،ورفع
الحرج ،والمشقة في تحقيق المصالح للمكلفين .من أجل ذلك ،حالة الضرورة تغير كثيرا
من األحكام الشرعية في حياة اإلنسان .فأفعال المكلفين قد تكون مباحة ،وقد تكون واجبة
في حالة الضرورة ،وليس في كل حالة الضرورة حكمها الواجبة في األفعال بل فيه
التخيير بين الفعل والترك ،ولكن يوجد أيضا حكمها الواجبة في األفعال بدون التخيير
في حاالت معينة .ولذلك ،يحرج الناس العادي في تحديد األحكام الشرعية بين اإلباحة
والضرورة في الفعل أو الترك من حيث اإليجاب أو اإلباحة ،أو بين التحريم واإلباحة.
أهداف البحث
1بيان تعريف اإلباحة عند األصوليين مع بيان أنواعها وتقسيمها.
2بيان مفهوم الضرورة وحكم العمل بها مع بيان قاعدة "الضرورات تبيح
المحظورات" وأيضا عن التطبيقات الفقهية المعاصرة في حالة الضرورة.
3بيان أوجه التشابه ،وأوجه الفرق بين اإلباحة والضرورة.
منهج البحث
1المنهج االستقرائي :يعتمد الباحث على المنهج االستقرائي في جمع المعلومات
واآلراء من الفقهاء في كتبهم للوصول إلى هدف البحث.
2المنهج التحليلي :يقوم الباحث بتحليل آراء العلماء تحليال علميا ومناقشتها في هذا
البحث.
3المنهج المقارن :يقوم الباحث في هذا البحث بمقارنة اإلباحة مع الضرورة بهذا
المنهج.
4
هيكل البحث
المقدمة ،تشتمل على:
مشكلة البحث
أسئلة البحث
أهداف البحث
منهج البحث
هيكل البحث
5
المبحث األول :مفهوم اإلباحة وتقسيمها
المطلب األول :اإلباحة لغة واصطالحا
اإلباحة في اللغة:
ظهر.2
َ إباحة :وزان إفعال ،من باح الشيء -نحو قال -يبوح َب ْوحا وبؤوحا وبؤوحة:
قال الخليل « :البَ ْوح :ظهور الشيء».3
قال الفيروزآبادي « :أبحتك الشيء :أحللته لك» .4وشرحه الزبيدي بقوله« :أي
أجزت لك تناوله أو فعله أو تملّكه» .5وقال الخليل «:اإلباحة شبه النُّهبى».
واإلباحة هي اإلظهار واإلعالن ،ومنه يقال :باح بسره إذا أظهره ،وقد يرد أيضا
بمعنى اإلطالق واإلذن ،ومنه يقال :أبحته كذا أي أطلقته فيه وأذنت له.6
اإلباحة في االصطالح:
اإلباحة عند األصوليين:
ينظر األصوليون لإلباحة باعتبار أنها مأخوذة من أبحتك الشىء بمعنى أحللته لك
أطلقتك فيه .أو يعرفونها بأنها :التخيير بين فعل الشىء وتركه .وهذا مفاد تعريف اإلمام
الغزالي للجواز الذى هو مرادف لإلباحة عنده إذ يقول :7إن حقيقة الجواز مرادف
لإلباحة .ثم يقول :إن الجواز هو التخيير بين الفعل والترك بتسوية الشرع .وقد ارتضى
كل من البيضاوى واإلسنوى هذا التعريف وقاال :8ال اعتراض عليه .لكن اآلمدي
اعترض عليه بأنه تعريف غير مانع لدخول الواجب المخير والموسع فيه .وقالت : 9إن
2
جمال الدين محمد ،لسان العرب (السعودية :األوقاف السعودية ،األميرية2014 ،م) ،ج ،1ص.532
3
الخليل بن أحمد الفراهيدي ،ترتيب العين(القاهرة :دار الكتب العلمية2003 ،م) ،ص .98
4
الفيروز آبادى ،القاموس المحيط(،القاهرة :دار الحديث2008 ،م) ،ج ،1ص.216
5
محمد المرتضى الزبيدي ،تاج العروس(الكويت :مطبعة حكومة الكويت2004 ،م) ،ج ،2ص .136
6
علي بن محمد اآلمدي ،اإلحكام في أصول األحكام (الرياض :المكتب اإلسالمي2015 ،م) ،ج ،1الفصل الخامس.
7
أبو حامد الغزالي ،المستصفى (بيروت :دار الكتب العلمية ،)،ج ،1ص .74
8
البيضاوي ،منهاج الوصول إلى علم االصول (بيروت :مؤسسة الرسالة) ،ج ،1ص .36،31
9
اآلمدي ،األحكام ألصول األحكام ،ج ،1ص .178،175
6
األقرب لسالمة التعريف أن يزاد فيه قيد " من غير بدل " ليخرج ما عدا اإلباحة فيكون
التعريف :اإلباحة هى التخيير بين فعل الشيء وتركه من غير بدل.
والشاطبي رأى ما رآه اآلمدي من فساد التعريف المذكور ورأى " 10زيادة قيد من
غير مدح وال ذم ال على الفعل وال على الترك " ويكون تعريفها " التخيير بين فعال
الشىء وتركه من غير مدح وال ذم ال على الفعل وال على الترك " .وهناك تعريف آخر
نقله اآلمدى أيضا يفيد إن اإلباحة أعالم الفاعل أو داللته أنه ال ضرر عليه فى فعل
الشىء أو تركه وال نفع له فى اآلخرة.
والبن السبكي تعريف لإلباحة قريب من هذا .وكذا منال خسرو ،وعبيد هللا بن مسعود
11
صدر الشريعة ،والشوكانى
لكن اآلمدى نص على أنه تعريف غير جامع ألنه يخرج عن حد اإلباحة ما خير
الشارع فيه مع اشتمال الفعل أو الترك على ضرر ،كما يخرن عنها ما دال الدليل على
االستواء فيه فى الدنيا واآلخرة.
تم انتهى اآلمدي بوضع تعريف لإلباحة بأنها داللة خطاب الشارع على التخيير بين
فعل الشئ وتركه من غير بدل.
اإلباحة عند الفقهاء:
يستعمل الفقهاء لفظ اإلباحة كثيرا وخاصة األحناف عند الكالم عن الحظر واإلباحة،
ونقل كل من الميدانى وأبى بكر اليمنى والحصكفى عن عبد هللا بن مودود الموصلى
أن اإلباحة ضد الحظر وان المباح ما أجيز للمكلفين فعله وتركه بال استحقاق ثواب وال
12
عقاب أو مأخذ فيه.
فتفسير العيني ومن سلك مسلكه لإلباحة لوحظ فيه المعني اللغوى الذى هو اإلطالق
سواء أكان من جانب هللا أم من جانب العباد ،فهو أعم من التعريف األول للفقهاء الذى
قصروا اإلباحة فيه على تخيير هللا لعباده.
10
إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي ،الموافقات (دار ابن عفان2008 ،م) ،ج ،1ص .69،68
11
عبد الوهاب بن علي السبكي ،جمع الجوامع (بيروت :دار الكتب العلمية2003 ،م) ،ج ،1ص .105
12
أبو بكر بن علي الحداد ،الجوهرة النيرة (باكستان :مكتبة حقانية1304 ،ه) ،ج ،2ص .382
7
وعلى التعريف الفقهي الثاني تكون اإلباحة لمعنى اإلذن وهو ما جرى عليه الشريف
الجرجاني في تعريفها حيث قال " :13اإلباحة اإلذن بإتيان الفعل كيف شاء الفاعل ".
فاإلباحة ليست إجراء تعاقديا ،فال يشترط فيها أن يكون المأذون له معينا معلوما لإلذن
وقت اإلذن ال بشخصه وال باسمه ،فمن يضع الجوابى واألباريق على قارعة الطريق
مملوءة بالماء فانه يبيح بذلك لكل من يمر أن يشرب منها دون تعيين للمأذون له لم ال
باالسم ولمال بالوصف.
في المجهول ،وذلك 14
وكذلك فان اإلباحة جائزة ،كما يقول ابن حزم الظاهري
كطعام يدعى إليه قوم يباح لهم أكله وال يدري كم يأكل كل منهم.
حقيقة اإلباحة في القانون:
من تتبع كتابان فقهاء القانون الجنائي واستعماالتهم للفظي اإلباحة والمباح يجد
اإلباحة عندهم تطلق بإطالقين:إباحة أصلية ،وإباحة طارئة.15
أ -اإلباحة األصلية :المقصود باإلباحة عندهم أال ينص القانون على التحريم بفعل
شيء من األشياء وال إيقاع عقاب عليه .وليس لها سبب أكثر من عدم النص القانوني
على هذا التحريم كما تفيده قاعدة "ال جريمة وال عقوبة إال بقانون" فإنهم يقولون بناء
على هذه القاعدة :إن التجريم والعقاب من عمل المشرع ومصدرهما واحد هو القانون
المكتوب ،وغن القاضي ال يملك التجريم فيما لم يرد نص بتجريمه ،وال المعاقبة على
أمر فرضه النص الجنائي دون أن يقرر لمخالفته عقابا ،كما يقولون إن القانون هو
الحكم فيما هو جائز وما هو ممنوع ،فال يفاجأ شخص بعقوبة عن فعل لم يكن هناك
قانون سابق بنص على تجريمه .فمبدأ التجريم وشروطه وتحديد العقوبة وبيان
مقدارها" كل ذلك يدخل في اختصاص المشرع وليس للقاضي فيه إال التطبيق :ومؤدى
ذلك أن القياس غير جائز في مجال التجريم.
وقاعدة ال جريمة وال عقوبة إال بنص صرحت بمدلولها معظم التشريعات ولم تكتف
بعضها بالنص عليها في قانون العقوبات بل سجلها ألهميتها في الدستور كمبدأ أساسي
16
الغزالي ،المستصفى ،ج ،1ص .75
9
األول :ما بقى على األصل فلم يرد فيه تعرض ال بصريح اللفظ وال بدليل من أدلة
السمع ،فينبغى أن يقال استمر فيه ما كان ولم يتعرض له السمع فليس فيه الحكم .وهذا
النوع عند كثير األصوليين يدخل في اإلباحة األصلية.
الثانى :ما صرح فيه الشارع بالتخير وقال إن شئتم فافعلوه وإن شئتم فاتركوه ،فهذا
خطاب والحكم ال معني له إال الخطاب وال سبيل إلى إنكاره وقد ورد.
وهو ما لم يرد فيه خطاب بالتخيير لكن دل دليل السمع على نفي الحرج الثالث:
عن فعله وتركه ،فقد عرف بدليل السمع ولواله لكان يعرف بدليل العقل نفي الحرج
عن فاعله وهذا فيه نظر إذا اجتمع فيه دليل العقل والسمع.
وعلى هذا فالمباح لذاته عند الغزالى قسمان:
األول :ما ورد فيه حكم الشارع بالتخيير أي ما ثبت بالدليل السمعي.
الثاني :ما لم يرد فيه خطاب صريح لكن دل عليه دليل السمعي غير صريح وأيده
العقل.
.96 مدكور ،نظرية اإلباحة عند األصوليين والفقهاء بحث مقارن ، ،ص 17
10
أوالا :ما يقسم اإلمام الشاطبي باعتبار ما هو ذريعة إلى ثالثة أقسام:
)1قسم يكون ذريعة إلى منهي عنه فيكون على معنى هو مطلوب الترك.
)2قسم يكون ذريعة إلى مأمور به كالمستعان به على أمر أخروى ،هذا القسم هو
مطلوب الفعل ،كمثل في الحديث (نعم المال الصالح للرجل الصالح) ،وقال إنه
في الشريعة كثير.
)3قسم ال يكون ذريعة إلى شيء فهو المباح المطلق.
ثانيا ا :ما يقسم اإلمام الشاطبي من الناحية زاوية أخرى بحسب الكلية والجزئية في
الشيء المباح ،18لما قاله "إن اإلباحة بحسب الكلية والجزئية يتجاذبها األحكام
البواقي ،فالمباح يكون مباحا بالجزء مطلوبا بالكل على جهة الندب أو الوجوب،
ومباحا بالجزء منهيا عنه بالكل على جهة الكراهة أو التحريم" .فهذه أربعة أقسام:
18
أحمد الريسوني ،نظرية المقاصد عند اإلمام الشاطبي(،بيروت :الدار العالمية للكتاب اإلسالمي1992 ،م) ،ص .165
19
أخرجه البخاري في صحيحه ،كتاب الصالة ،كتاب الصالة في القميص والسراويل والتبان حديث رقم.365 :
11
القسم الثاني :المباح بالجزء المطلوب بالكل على جهة الوجوب.
القسم الثالث :المباح بالجزء المنهي عنه بالكل على جهة الكراهة.
كالتنزه في البساتين ،وسماع الغناء المباح ،واللعب المباح ،وغيرها ،فمثل هذا
مباح بالجزء ،بحيث لو فعله المكلف يوما ما ،أوفي في حالة ما فال يكون عليه حرج،
فإن فعله دائما كان مكروها ونسب فاعله إلى قلة العقل.
القسم الرابع :المباح بالجزء المنهي عنه بالكل على جهة التحريم.
كالحلف وشتم األوالد فهما مباحان بالجزء اي يجوزان أحيانا ،ولكنهما محرمان
بالكل ،أي ال يجوز ألحد يعتاد عليهما على الدوام.
12
قسم القرافي اإلباحةكما ذكر في الفروق من جهة اإلطالق أو النسبة إلى سبب معين
على قسمين:20
األول :إن اإلباحة قد تثبت مطلقا فال يكون على المكلف حرج باإلقدام على الفعل
مطلقا.
الثاني :وقد تثبت باعتبار سبب معين ،فال يكون على المكلف حرج في اإلقدام على
ذلك الفعل من جهة ذلك السبب ،ويكون عليه حرج في اإلقدام يسبب آخر على معنى
أن التحريم يجتمع مع هذه اإلباحة .وال يجتمع مع اإلباحة األولى.
والمثال على ذلك ،إذا ترك الصالة ،وزنى وهو محصن ،وارتد عن اإلسالم ،وقتل
النفس المحرمة ،أبيح دمه بكل واحد من هذه األسباب ،فإذا ارتفع واحد منها كأن عفا
األولياء عن القصاص ذهبت اإلباحة الناشئة عن القتل ،وتثبت اإلباحة الناشئة عن
غير ذلك.
مدكور ،نظرية اإلباحة عند األصوليين والفقهاء بحث مقارن ، ،ص .103 20
13
المطلب الثالث :أمثلة اإلباحة
)1لفظ ال حرج أو نفي الحرج ،فإنه يدل على أن هذا الحكم مباح ،كما قال تعالى:
ْس َعلَى ْاأل َ ْع َمى َح َرج َو َال َعلَى ْاألَع َْرجِ َح َرج َو َال َعلَى ْال َم ِر ِ
يض َح َرج َو َال (لي َ
َعلَى أَنفُ ِس ُك ْم أَن تَأ ْ ُكلُوا ِمن بُيُو ِت ُك ْم) .22فقد دلت اآلية داللة صريحة على إباحة
األكل من بيت اإلنسان ،وبيت أمه إلى آخر ما ذكر في اآلية ،وإنما كانت للداللة
صريحة ألن ذلك هو المعنى العرفي الذي يتبادر إلى الذهن عند سماع نفي
ْس َعلَى ْاأل َ ْع َمى َح َرج َو َال َعلَى ْاألَع َْرجِ َح َرج َو َال
الحرج .وأيضا ،قال تعالى( :لَي َ
سولَهُ يُ ْد ِخ ْلهُ َجنات ت َ ْج ِري ِم ْن ت َ ْح ِت َها َعلَى ْال َم ِر ِ
يض َح َرج ۗ َو َم ْن يُ ِطعِ ّللاَ َو َر ُ
ار) ،23فقد رفع الحرج في ترك الجهاد ألن ليس على األعمى إثم ،وال على ْاأل َ ْن َه ُ
األعرج إثم ،وال على المريض إثم ،في أن يتخلفوا عن الجهاد مع المؤمنين؛
21
المصدر نفسه ،ص .66
22
النور.61 :
23
الفتح.17 :
14
لعدم استطاعتهم .ومن يطع هللا ورسوله يدخله جنات تجري ِمن تحت أشجارها
وقصورها األنهار ،ومن يعص هللا ورسوله ،فيتخلف عن الجهاد مع المؤمنين،
يعذبه عذابا مؤلما موجعا .إذن ترك الجهاد لعدم استطاعهم حكمه المباح.
)2نفي كل من اإلثم ،والمؤاخذة ،والحنث ،كما قال تعالىَ ( :وا ْذ ُك ُروا ّللاَ فِي أَيام
م ْعدُودَات فَ َمن تَعَج َل فِي يَ ْو َمي ِْن فَ َال إِثْ َم َعلَ ْي ِه َو َمن تَأَخ َر فَ َال إِثْ َم َعلَ ْي ِه) .24فهذه
اآلية صريحة في معنى اإلباحة باعتبار األصل رفعت اإلثم عن الفعل وضده
معا ،وخيرته بين التعجيل والتأخير برفع العقاب عن كل منهما.
)3صراحة عن نفي البأس ،كما ما رواه أحمد في مسنده ،قال رسول هللا ﷺ ( :ال
بأس بالحيوان واحدا باثنين يدا بيد) ،فإنه يدل على إباحة بيع الحيوان بالتفاضل
إذا لم يكن هناك أجل .كما في حديث النبي ﷺ يدل على "يدا بيد".25
)4صراحة عن رفع القلم ،كما قال 26رسول هللا ﷺ (:رفع القلم عن ثالثة :النائم حتى
يستيقظ ،وعن المبتلى حتى يبرأ ،وعن الصبي حتى يبكر) .فإنه يدل على إباحة
ما يصدر من هؤالء من األفعال ،ألنه ال إثم في الفعل كما ال إثم في الترك وذلك
هو معنى اإلباحة.
هذا القسم ينقسم إلى قسمين يعني ملفوظة وغير ملفوظة ،وهما:
البقرة.203 :
24
25
السيوطي ،الجامع الصغير بشرح العزيزى ،ج ،3ص .409
26
المصدر نفسه ،ج ،2ص .291
15
أوالا :ما يدل على اإلباحة لفظ:
)1صيغة األمر :قد نقل اآلمدى 27عن بعض األصوليين أن صيغة األمر وضعت
حقيقية إلفادة اإلباحة ،وأنها تفيد غيرها بطريق المجاز ،وتحتاج فى إفادتها غير
اإلباحة إلى قرينة .ومنهم من قال أنها حقيقة فى الطلب مجاز فيما سواه وداللة
صيغة األمر على اإلباحة تعتبر مجازية عند من يقول أن األمر موضوع للندب
وهو أبو هاشم الجبائى والمعتزلة ورواية عن الشافعى .وكذلك تعتبر مجازيه
على رأي الماتريدى وأتباعه الذين يقولون أن صيغة األمر موضوعة فى األصل
للقدر المشترك بين الوجوب والندب وهو الطلب ،فإنها تفيد اإلباحة بطريق
المجاز ،وأحتاج فى إفادة ذلك إلى فريضة .وكذلك بالنسبة للقائلين بأن صيغة
األمر مشتركة بين كل من الوجوب والندب أى موضوعة لكل على حدة ،فإنها
تكون مجازا أيضا فى استعمالها لإلباحة .كما مثال ،استعماالت األمر فى اإلباحة
بالقرينة قال تعالىَ ( :و ِإذَا َحلَ ْلت ُ ْم فَا ْ
ص َ
طادُوا) ،28فإن هذا األمر يدل على إباحة
االصطياد بعد الحل بقرينة أنه كان ممنوعا وقت اإلحرام بقوله تعالىَ (:غي َْر
ُم ِح ِلّي الص ْي ِد َوأَنت ُ ْم ُح ُرم) .29وأيضا مثال اآلخر قوله ﷺ فيما رواه أحمد وأبو
داود عن عبد هللا المزنى( :صلوا قبل المغرب ركعتين لمن شاء) ،فلفظ من شاء
قرينة على أن األمر (صلوا) قصد به اإلباحة .وأيضا مثال اآلخر قوله ﷺ فيما
رواه الطبرانى عن شداد بن أوس(:صلوا فى نعالكم وال تتشبهوا باليهود) .فاألمر
المائدة.2 :
28
المائدة.1 :
29
16
هنا يدل على اإلباحة ويفيد أن الصالة بالنعل جائزة على سبيل اإلباحة ما دامت
طاهرة.
)2ومن األلفاظ غير الصريحة أيضا ،كما مثال في الحديث الذي رواه أبو داود وابن
ماجه عن عبدهللا بن عمر عن الرسول ﷺ( :إن أبغض الحالل إلى هللا الطالق)،
إن الطالق مباح ،ولما كان أبغض المباحات غلى هللا فإنه ينبغي أن ال يلجأ إليه
الشخص إال عند الضرورة والحاجة.
ث ِإلَى )3ومن األلفاظ غير الصريحة أيضا ،قوله تعالى( :أ ُ ِحل لَ ُك ْم لَ ْيلَةَ ال ِ ّ
ص َي ِام الرفَ ُ
سآئِ ُك ْم) ،وقولهَ (:و ُكلُواْ َوا ْش َربُواْ) ،30فإنها تفيد إباحة الوطء في ليالي رمضان
نِ َ
خالفا لما كان عليه الحال من قبل.
أن إباحة غير لفظ أي من األمور العقلية .فإنه يشمل السنة الفعلية في بعض أنواعها،
وأيضا السنة التقريرية.
)1أما السنة الفعلية ،فقد نص اآلمدى 31على أن ما كان من األفعال الجبلية أى
الطبيعية كالقيام والقعود واألكل والشرب ونحوه ،فال نزاع فى كونه على اإلباحة
بالنسبة إلى النبى وإلى أمته .ويقول الشوكانى :32إن ما ال يتعلق بالعبادات ووضح
فيه أمر الجبلية كالقيام والقعود ونحوها فليس فيه تأس وال به اقتداء ولكنه يدل
على اإلباحة عند الجمهور ثم أورد خالفا لغيرهم فى ذلك فقد نقل البالقالنى عن
30
البقرة.187 :
31اآلمدي ،األحكام ألصول األحكام ،ج ،1ص .270
32محمد بن علي الشوكاني ،إرشاد الفحول (الرياض :دار الفضيلة2000 ،م) ،ص .33
17
قوم أنه مندوب ولمحات كذا حياء الغزالى فى كتابه المنخول ،وقال :ألن عبد هللا
بن عمر يتتبع مثل هذا ويقتدى به كسا هو معروف عنه.
)2وأما السنة التقريرية ،فإن ما سكت النبى عنه ولم يكن قد سبق منه النهى عنه
وال عرف تحريمه فإن سكوته عنه يدل على إباحته .ومثل الشوكانى 33لذلك بأكل
العنب بين يدى الرسول ونقل عن أبن ،القشيرى أن هذا مما ال خالف فيه يقول
اآلمدى :34إن ما أقره النبى ولم يكن قد سبق منه النهى وال عرف تحريمه فسكوته
عن فاعله وتقريره له يدل على جوازه ،ورفع الحرج عنه ألنه لو لم يكن فعله
جائزا لكان تقريره له عليه مع القدرة على إنكاره حراما على النبى عليه الصالة
والسالم ،فحيث لم يوجد منه ذلك دل على الجواز غالبا.
18
جمع ضرورة والضرورة اسم لمصدر االضطرار ،ومعناها :االحتياج إلى الشيء يقال:
اضطره إلى كذا أي :أحوجه إليه ،وألجأه فاضطر ،ويقال :الضرورة ،والضارورة،
والضاروراء ،والجمع ضرورات.
والخالصة أن :الضرورة في اللغة تأتي على معان من أهمها ما يلي:
35
األول :الضرورة بمعنى الحاجة يقال ،رجل ذو ضرورة ،أي حاجة.
قال ابن منظور :ورجل ذو ضارورة وضرورة أي :ذو حاجة وقد اضطر إلى الشيء
أي ألجئ إليه.36
الثاني :الضرورة بمعنى :الضيق ،يقال :اضطر فالن إلى كذا ،يعني :ضاق به األمر
حتى اضطر إلى كذا.
الثالث :الضرورة بمعنى المشقة.
الرابع :الضرورة بمعنى الضرر ،أو المبالغة في الضرر.
الضرورة في االصطالح:
يتقارب معنى الضرورة والضروري عند األصوليين والفقهاء ،ومن معانيها:
تعريف الضرورة عند الفقهاء:
الفيروز آبادى ،القاموس المحيط ،باب الراء ،فصل الضاد ،مادة (ضر) ،ج ،1ص .550 35
جمال الدين محمد ،لسان العرب ،حرف الراء ،مادة (ضرر) ،ج ،4 .ص.482 . 36
19
التعريف األول :تعريف الجصاص الحنفي قال :الضرورة هي خوف الضرر على نفسه
أو بعض أعضائه بترك األكل ،37وقد انطوى معنيان:
أحدهما :أن يحصل في وضع ال يجد غير الميتة.
والثاني :أن يكون غيرها موجودا ،ولكنه أكره على أكلها بوعيد يخاف منه تلف نفسه،
أو تلف بعض أعضائه ،وكال المعنيين مراد باآلية احتمالهما.
التعريف الثاني :تعريف الحموي في حاشيته على األشباه والنظائر البن نجيم حيث
قال :بلوغ المكلف حدا إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب ،38يعني :أنها حالة إذا
وصل إليها المكلف ،ولم يتناول المحظور ،أو الحرام هلك يقينا ،أو قارب الهالك.
التعريف الثالث :تعريف الشيخ الدردير من المالكية قال :الخوف على النفس من
40
الهالك ،علما أو ظنا ،39وقال أيضا :هي حفظ النفوس من الهالك ،أو شدة الضرر.
التعريف الرابع :تعريف السيوطي من الشافعية قال :بلوغ الكلف حدا إن لم يفعل
الممنوع هلك أو قارب ،41يعني قارب الهالك ثم قال :وهذا يبيح تناول الحرام.
التعريف الخامس :عند الحنابلة :الضرورة أن يخاف التلف فقط ال ما دونه ،هذا هو
الصحيح من المذهب ،وقيل :إنها تشمل خوف التلف أو الضرر .وقيل :أن يخاف تلفا،
42
أو ضررا أو مرضا ،أو انقطاعا عن الرفقة يخشى معه الهالك.
نلخص من هذه التعريفات إلى ما يلي:
أوالا :أن تعريفات الفقهاء للضرورة متقاربة إلى حد كبير.
ثانيا ا :أن معاني الضرورة تدور كلها حول دفع الضرر عن النفس ،وما دونها ،ورأى
الباحث أن الضرورة أعم من ذلك حيث أنها تشمل دفع الضرر عن األنفس ،واألعراض
37أحمد بن علي الرازي الجصاص ،أحكام القرآن للجصاص الحنفي (بيروت :دار إحياء الكتب العربية1992 ،م) ،ج ،1
ص. 159
38حاشية الحموي ج ، 1.ص119 .
39أبو العباس أحمد بن محمد الخلوتي ،حاشية الصاوي على الشرح الصغير (دار المعارف2010 ،م) ،ج ،3 .ص.138 .
40محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي ،حاشية الدسوقي على شرح الكبير (دار إحياء الكتب العربية) ،ج ،2.ص.136 .
41جالل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي،األشباه والنظائر للسيوطي (لبنان :دار الكتب العلمية1983 ،م) ،ص .172
42علي بن سليمان المرداوي ،اإلنصاف للمرداوي (1995م) ج ،10ص .369
20
واألديان واألموال واألوطان علما أو ظنا .فال يشترط أن يصبر حتى يشرف على
الموت.43
ولهذا فاألحسن أن يقال في تعريفها :أنها الحالة التي وصل إليها المكلف ،أبيح له فعل
الحرام لتشمل ضرورة دفع االعتداء بكل صوره وأشكاله.
المطلب الثاني :معنى قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات" وما يتعلق بها
المعنى اإلجمالي لقاعدة :الضرورات تبيح المحظورات.
وردت هذه القاعدة بصيغة مقيدة بلفظ :الضرورات تبيح المحظورات بشرط عدم
نقصان الضرورة عن المحظور .ومعناها أن الممنوع شرعا ال يباح عند الضرورة إال
بشرط عدم نقصان الضرورة عن المحظور .يعني :أال تفل الضرورة عن المحظور
وغال ال تفيد في إباحته ،ومن ثم ال يجوز للمكلف اإلقدام على فعل المحظور ما دامت
الضرورة أقل من المحظور.
فهذا القيد مهم للقاعدة ،وال تستعمل بدونه ،ويجب مراعاته عند العمل بها ،ولذلك
نص عليه الفقهاء ونبهوا عليه ألهميته ،وهو يدل على أهمية المفاضلة بين المفاسد
واألضرار عند اجتماعهما .كما وردت القاعدة بصيغة مطلقة بلفظ :الضرورات تبيح
المحظورات.
43وهبة الزحيلي ،الفقه اإلسالمي (سورية :دار الفكر) ،ج ،5ص .275
21
وهذه الصيغة مطلقة ،ومعناها :أنه إذا وجدت ضرورة ملجئة يرفع الحكم العام ما
دامت الضرورة قائمة ،يعني أن المكلف إذا وصل إلى حالة الضرورة ،فإنه يباح له
المحظور مطلقا بال قيد ،وال شرط ،وهذا ليس مرادا على اطالقه ،ألن القاعدة مقيدة
بقيود وضوابط يجب مراعاتها ،حتى يباح المحظور بالضرورة ،ولهذا فإن ذكر القاعدة
بهذا اللفظ إنما هو على سبيل اإليجاز ،باعتبار أن الشرط مفهوم من سياقها ،فالضرورة
ال تبيح المحظور إال إذا كانت ضرورة حقيقية ،ولم تنقص عن المحظور فليس المراد
مطلق الضرورة ،وإنما الضرورة الشؤعية ،وال تكون الضرورة شرعية إال بتوفر
ضوابطها وشروطها.
ولهذا فإن الصياغة المختارة لقاعدة :الضرورات تبيح المحظورات باعتبار القيود
الواردة عليها وأن ليس كل ضرورة تبيح المحظور ،وأن اإلباحة في ألفاظ القاعدة،
ليس المراد بها المعنى األصولي ،فمن األحسن أن تكون صيغة القاعدة كما يلي:
الضرورات ترفع اإلثم عن المكلف في فعل المحظورات التي تقل عنه في المفسدة.
وهذا يعني أن الضرورات ترفع اإلثم والمؤاخذة األخروية عن المحظورات التي
تكون دونها في المفسدة ،ومفهوم ذلك ما يلي:
.1أن الضرورات ال تبيح كل المحظورات ،وإنما هناك محظورات ال تباح مطلقا.
.2العمل بالضرورة قد يكون واجبا ،وقد يكون مباحا.
.3ليس معنى اإلباحة بالضرورة أن المكلف مخير بين الفعل والترك كما هو
الحال في اإلباحة المرادفة للحل ،وإنما اإلباحة تعني :رفع اإلثم عن المكلف
فقط ،فهو معنى مقدر بقدرها أيضا.
22
المطلب الثالث :التطبيقات الفقهية المعاصرة للضرورات الشرعية
للضرورات الشرعية تطبيقات عملية كثيرة ،تختلف من زمن آلخر بحسب اختالف
أحوال الناس ،وتعدد حوائجهم ،والمشكالت التي يواجهونها ،لكن تبقى الضرورة
جامعة لهذه المسائل بضوابطها الشرعية ،ومفرقة بين نا يأخذ حكم الضرورة ،ويؤثر
في إباحة المحظور ،وما ال يرقى إلى هذه الرتبة من التطبيقات التي تكون فيها
الضرورات غير شرعية ،لعدم استيفاء ضوابطها وشروطها ،ومن ثم فإن التطبيقات،
والفروع التي تدخل تحت قاعدة :الضرورات تبيح المحظورات ،كثيرة ومتعددة .و
سوف يذكر بعضا منها على سبيل المثال ،لبيان شمولية القاعدة في عامة أبواب الفقه.
وهذا مما يبرز أهميتها من بين القواعد الفقهية واألصولية ،كما أنه يجت التنبيه على
مراعاة ضوابط الضرورة في الواقع العملي ،ولذا ينقسم الكالم في هذا المبحث إلى
مطلبين الرئيسين:
األول :تطبيقات معاصرة توافرت فيها الضوابط الشرعية للضرورة.
الثاني :تطبيقات معاصرة التي لم تستوف الضوابط الشرعية للضرورة
أوالا :تطبيقات معاصرة توافرت فيها الضوابط الشرعية للضرورة.
وفي هذا المبحث ،سيبين بعض التطبيقات المعاصرة ،والتي أفتى العلماء المعاصرون
في المجامع الفقهية بدخولها في حكم الضرورة ،وتوافر ضوابط الضرورة الشرعية
فيها ،وهذه التطبيقات كثيرة ومتنوعة ،وسوف يذكر بعضها على سبيل المثال فقط،
وذلك فيما يلي:
23
)1بتر العضو المريض واستئصاله للضرورة:
من التطبيقات المعاصرة لقاعدة الضرورات تبيح المحظورات هذه المسألة وإن
كانت من المسائل القديمة لكنها تتكرر كثيرا ،وتختلف فيها أدوات القطع وطرقه في
حاالت كثيرة يضطر فيها الطبيب إلى بتر عضو من أعضاء مرسضة ،من أجل
استئصال المرض ،حيث ال يكون أمامه فرصة للعالج إال من خالل الحسم والبتر،
ولهذا قرر العلماء أنه :يجوز للطبيب ذلك استنادا على قاعدة الضرورة الشرعية ،بشرط
أن تتحقق الضرورة بالفعل ،وتتوافر فيها ضوابطها من ثم فالطبيب المسلم الثقة هو
المسؤول عن ذلك ،فالضرورات تبيح المحظورات.
وأن عليه أن يراعى أخف الضررين ،لحماية ما يمكن حمايته من المصالح ودرء
44
المفاسد ،والضرر عن المريض.
ومن ذلك أيضا :جواز نقل عين قرر األطباء استقطاعها لعلة أصابت صاحبها ،ومع
45
ذلك يمكن االستفادة منها لشخص آخر ،لتحقق المصلحة وانتقاء الضرر.
)2نقل األعضاء من إنسان حي إلى آخر للضرورة:
من تطبيقات المعاصرة لهذه القاعدة أيضا ،فتاوى المجامع الفقهية ودوائر اإلفتاء
والهيئات العلمية ،التي تبيح نقل األعضاء من إنسان حي إلى إنسان آخر ،فقرر العلماء
في المجمع الفقهي لرابطة العالم اإلسالمي في الدورة الثامنة ،المنعقدة بمكة المكرمة
في 8/5/1405ه ما يلي:
44د .زهير أحمد السباعي ،الطبيب أدبه وفقهه (دار القلم1993 ،م) ص .117
45المصدر نفسه ص .216
24
أوال :أن أخذ عضو من جسم إنسان حي وزرعه في جسم آخر مضطر إلنقاذ حياته،
أو الستعادة وظيفة من وظائف أعضائه األساسية هو عمل جائز على قاعدة:
الضرورات تبيح المحظورات غذا توافرت فيه الشروط اآلتية:
.1أال يترتب على أخذ العضو من المتبرع ضررا يخل بحياته ،ألن القاعدة:
الضرر ال يزال إن أمكن من غير ضرر أو بضرر أقل منه ،وال يجوز إزالته
بضرر مساوي ،ومن باب أولى بضرر أكبر منه .فلو كان إلزالة الضرر
بضرر مثله ،أو أشد فإنه ال يجوز ،ألنه ليس من باب إزالة الضرر ،وإنما
من باب التهلكة المنهي عنها.
.2أن يكون النقل تبرعا بدون عوض
.3أن يتعين النقل الوسيلة الوحيدة إلنقاذ المريض ،ومعالجته حتى تتحقق حالة
الضرورة.
.4أن يكون نجاح كل من عميلتي :النزع والزرع محقق في العادة وغالبا ،وقد
أجازت دار اإلفتاء المصرية ذلك ،فصدرت فتوى الشسخ جاد الحق على جاد
46
الحق ،رقم ،1323بتاريخ .5.12.1979
.5ال يجوز نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة اساسية في حياته
لعدم الضرورة
مثل :نقل القلب أو الكبد أو العينين أو الكليتين ،ونحو ذلك للحفاظ على
الضروريات التي يجب الحفاظ عليها ،ألن ذلك ضرر محض ،ويعتبر قتل نفس
وإلقاء بالنفس إلى التهلكة ،وال يجوز لإلنسان أن يلحق الضرر بنفسه عمال بقول
النبي ﷺ (( :ال ضرر وال ضرار)) وأنه في حالة النقل للغير سوف يكون إزالة
للضرر عن الغير بضرر النفس وهو ضرر شديد ،كما هو مقرر أن :الضرر ال
يزال بالضرر األشد منه أو المساوي ،ففي هذه الحالة زاد المحظور عن الضرورة،
فلم تبح الضرورة المحظور ،لعدم توافر شرطها وهو عدم نقصان الضرورة عن
47
المحظور ،فلم يجز النقل.
)3سفر المرأة بغير محرم للضرورة:
موقع وزارة االوقاف المصرية ،فتاوى األزهر ،ج ،7ص .356 46
د .زهير أحمد السباعي ،الطبيب أدبه وفقهه ،ص .217 47
25
من التطبيقات القديمة والمعاصرة لقاعدة الضرورات تبيح المحظورات :سفر
الملرأة بدون محرم في حاالت معينة من أهمها ما يلي:
.1من مات محرمها في الطريق أثناء السفر.
.2من أجبرت على السفر من بلد بالقوة وليس عندهم محرم
.3من اضطرت للهجرة من بالد الكفر إلى بالد اإلسالم وليس معها محرم.
ففي مثل هذه الحاالت تتحقق الضرورة في حق المرأة التي لم تجد محرما،
وعليها أن تكمل سفرها ،أو تسافر إلنقاذ نفسها ،أو الفرار بدينها ،ونحو ذلك ،فهي
في حاالت الضرورة قطعا ،ويجوز لها في تلك الحالة السفر بغير محرم ،ألن
الضرورات تيبح المحظورات متى استوفت ضوابطها ،وهي هنا كذلك.
ثانياا :تطبيقات معاصرة لم تستوف ضوابط الشرعية للضرورة.
الفقهاء قد وضعوا ضوابط للضرورة ،حتى تبيح المحظورات ،فإذا لم تتوافر تلك
الضوابط كلها أو بعضها لم يكن للضرورة أثر في إباحة المحظورات ،ألنه في تلك
الحالة ال تكزن الضرورة متحققة ،وقد يقع بين الناس في تحليل الحرام بحجة الضرورة،
فيتوهمون وجود ضرورة تسوغ لهم الحرام ،وهي ليست كذلك ،ويتفرع ذلك فروع
كثيرة ،من ذلك:
)1ال يجوز تبرير التكاسل عن الفرائض في أوقاتها بالضرورة:
من التطبيقات المعاصرة للضرورات الشرعية ،والتي لم تستوف فيها الضرورة
ضوابطها :ما يقوم به بعض الناس من محاولة التخلص من أداء الفرائض في أوقاتها،
وذلك بسبب وجودهم في حفل عام أو اجتماع خاص ،بحجة الضرورة ،واتخاذ الحفل
ذريعة لترك الفرائض تحت ستار مبدأ التخفيف والتيسير على الناس ،دون التقيد بقيود
الضرورة الشرعية وضوابطها ،أو للجهل بأحكامها ،والحاالت التي يصح أن تندرج
تحتها دون غيرها.
)2ال يجوز العمل في الفنادق والمالهي ودور الرقص استنادا للضرورة:
من التطبيقات المعاصرة أيضا :العمل في الفنادق والمسارح والمالهي ودور السينما
والرقص ،التي ترتكب فيها األعمال المحرمة من شرب الخمور والمخدرات والزنا
والرقص والغناء والزمر ،والذي يتنافى مع حدود الشرع ،وحجتهم في ذلك :عدم وجود
26
عمل آخر بدال عنه ،وأنه إذا لم يعمل ذلك العمل ،فسوف يؤدي إلى ارتكابه الجريمة
السرقة ،أو الرشوة ،ونحوها مما هو محرم أيضا.
وهذه الحالة وأمثالها ،ليست من قبيل الضرورة الحقيقية المتيقنة ،التي تبيح له فعل
المحظور ،فالعمل في أماكن اللهو التي ترتكب فيها المنكرات ،ويكون دخلها من الفسق
والفجور محرم شرعا ،وواجب على المسلم أن يبحث لنفسه عن عمل حالل ،يكتسب
منه بالعيش به هو ،ومن يعول ،وأنه إذا جد في الطلب والبحث سوف يجد مايغنيه،
فطلب الحالل له منزلة عظيمة عند هللا.
48
البقرة.173 :
49
النحل.106 :
28
المطلب الثاني :أوجه الفرق بين اإلباحة والضرورة
.1اإلباحة من األحكام التكليفية ،بينما الضرورة فليست كذلك.
.2ال يعاقب على ترك الفعل باإلباحة في األحوال العادية ،بينما يعاقب على ترك
الفعل بالضرورة أحيانا.
-وذلك مثل تناول الحرام من الطعام أو الشراب وقت الضرورة يعتبر إثما لو أدى
هذا الترك إلى قتل النفس ،كما قال هللا تعالى:
} َو َال ت َ ْقتُلُوا أ َ ْنفُ َ
س ُك ْم ِإن ّللاَ َكانَ ِب ُك ْم َر ِحيما.{50
.3ال يثاب على ترك الفعل باإلباحة في األحوال العادية ،بينما يثاب أحيانا على
ترك الفعل بالضرورة.
-والمثال ذلك ترك كلمة الكفر وقت ضرورة اإلكراه يؤدي إلى الحصول على
الثواب
.4اإلباحة تعتبر خاصة تنحصر في ذاتها بينما الضرورة عامة تشتمل عددا من
األحكام الشرعية مثل الواجب والمكروه والحرام.
50
.69 النساء:
29
.5ال اعتبار للضرورة إال إذا توافرت شروطها ،بينما اإلباحة فهي ال تشترط
بشروط في األحوال العادية.
.6للضرورة قواعد فقهية أصلية وفرعية كثيرة ،بينما لإلباحة قواعد فقهية قليلة.
.7تبقى اإلباحة إباحة على الدوام ،بينما الضرورة فتزول ألجل زوال سببها.
.8للعقل اإلنساني وقناعته الذاتية دور في اعتبار الضرورة ضرورة ،بينما ال يوجد
دور مهم للعقل في اعتبار اإلباحة إباحة.
.9ال توجد أي مسؤولية في العمل أو ترك العمل في اإلباحة ،بينما في الضرورة
أحيانا توجد مسؤولية مدنية ،وذلك مثال إذا أخذ مال الغير وأتلف بسبب الضرورة
ال ال يسال اآلخذ مسؤولية جنائية ،ولكنه يسال مسؤولية مدنية أي يجب عليه
الضمان.
الخاتمة
الحمد هلل الذي اعطى بطاقة وإرشاد للبحث حتى يستطيع أن يكمل هذا البحث ،وفي
خاتمة هذا البحث المبارك نسجل أهم النتائج التي توصلت إليها ومنها:
)1أن اإلباحة المختار عند األصوليين هو خطاب الشارع على التخيير بين فعل
الشئ وتركه من غير بدل.
)2أن اإلباحة في القانون ينقسم إلى قسمين هي اإلباحة األصلية واإلباحة الطارئة.
)3أن المباح لذاته عند الغزالي قسمان ،هو ما ورد فيه حكم الشارع بالتخيير أي ما
ثبت بالدليل السمعي ،وثم ما لم يرد فيه خطاب صريح لكن دل عليه دليل السمعي
غير صريح وأيده العقل.
)4قسم اإلمام الشاطبي اإلباحة إلى قسمين يعني المباح باعتبار ما يعرض له من
حيث كونه ذريعة إلى مطلوب الفعل أو الترك ،وأيضا اإلباحة من الناحية زاوية
أخرى بحسب الكلية والجزئية في الشيء المباح.
)5أن أمثلة وتطبيقات اإلباحة المتنوعة والمتعددة كما في القاعدة األصل في األشياء
اإلباحة حتى يأتي الدليل أو النص في تحريمها.
)6أن الضرورة هي الحالة التي وصل إليها المكلف ،أبيح له فعل الحرام لتشمل
ضرورة دفع االعتداء بكل صوره وأشكاله.
)7أن الضرورة ترفع اإلثم عن المكلف في فعل المحظورات التي تقل عنه في
المفسدة ولكن بالشروط المعين الذي يحدد الشارع.
)8أن الضرورة واإلباحة كالهما شرعا للمؤمنين المتقين.
30
)9اإلباحة من األحكام التكليفية ،بينما الضرورة فليست من األحكام التكليفية.
)10ال يثاب على ترك الفعل باإلباحة في األحوال العادية ،بينما يثاب أحيانا على
ترك الفعل بالضرورة.
)11تبقى اإلباحة إباحة على الدوام ،بينما الضرورة فتزول ألجل زوال سببها.
وفي نهاية نسأل هللا أن يوفق الجميع لخدمة دينه القوم ،وأن ينفع بهذا البحث وأن
يغفر لنا ما فيه من خلل أو تقصير إنه حسبنا ونعم الوكيل وصلى هللا على سيدنا
محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين والحمد هلل رب العالمين.
31
قائمة المصادر
آبادى ،الفيروز ،القاموس المحيط .القاهرة :دار الحديث2008 ،م.
ابن حزم ،علي بن أحمد بن سعيد ،المحلى1964 ،م.
اآلمدي ،علي بن محمد ،اإلحكام في أصول األحكام .الرياض :المكتب اإلسالمي،
2015م.
البيضاوي ،منهاج الوصول إلى علم االصول .بيروت :مؤسسة الرسالة.
الجرجاني ،كتاب التعريفات .القاهرة :دار الفضيلة1413 ،م.
الجصاص ،أحمد بن علي الرازي ،أحكام القرآن للجصاص الحنفي .بيروت :دار إحياء
الكتب العربية1992 ،م.
الحداد ،أبو بكر بن علي ،الجوهرة النيرة .باكستان :مكتبة حقانية1304 ،ه.
الدسوقي ،محمد بن أحمد بن عرفة ،حاشية الدسوقي على شرح الكبير .دار إحياء
الكتب العربية.
الريسوني ،أحمد ،نظرية المقاصد عند اإلمام الشاطبي .بيروت :الدار العالمية للكتاب
اإلسالمي1992 ،م.
الزبيدي ،محمد المرتضى ،تاج العروس .الكويت :مطبعة حكومة الكويت2004 ،م.
الزحيلي ،وهبة ،الفقه اإلسالمي .سورية :دار الفكر.
السبكي ،عبد الوهاب بن علي ،جمع الجوامع .بيروت :دار الكتب العلمية2003 ،م.
السيوطي ،الجامع الصغير بشرح العزيزى.
السيوطي ،جالل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر ،األشباه والنظائر للسيوطي .لبنان:
دار الكتب العلمية1983 ،م.
السباعي ،د .زهير أحمد ،الطبيب أدبه وفقهه .دار القلم1993 ،م.
الشاطبي ،إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي ،الموافقات .دار ابن عفان2008 ،م.
32
الغزالي ،أبو حامد ،المستصفى .بيروت :دار الكتب العلمية.
الفراهيدي ،الخليل بن أحمد ،ترتيب العين .القاهرة :دار الكتب العلمية2003 ،م.
المرداوي ،علي بن سليمان ،اإلنصاف للمرداوي1995،م.
محمد ،جمال الدين ،لسان العرب .السعودية :األوقاف السعودية ،األميرية2014 ،م.
مدكور ،محمد سالم ،نظرية اإلباحة عند األصوليين والفقهاء بحث مقارن .القاهرة:
دار النهضة العربية1984 ،م.
محمد بن علي الشوكاني ،إرشاد الفحول .الرياض :دار الفضيلة2000 ،م.
محمد الخلوتي ،أبو العباس أحمد ،حاشية الصاوي على الشرح الصغير .دار المعارف،
2010م.
موقع وزارة االوقاف المصرية ،فتاوى األزهر.
33