You are on page 1of 7

‫بسم هللا الرمحن الرحمي‬

‫الباب الثاين‬
‫التعريف ابملوضوع‬
‫االمتهيد‬
‫ومن علهيم م""ا ال مين عىل غ""ريمه جفعلهم خالئ""ف األرض ورف""ع بعض""هم ف""وق بعض‬
‫إن هللا ك" ّ"رم ب""ين آدم عىل س""ائر خلق""ه ّ‬
‫درجات‪ ،‬قد لكف هللا علينا بعض التاكليف من احلالل واحلرام وغريهام وأابهنا يف كتابه ولسان نبيه نصا ودال ًةل ّ‬
‫وفرض هللا‬
‫عىل عباده الاجهتاد يف طلب ما مل ينص عليه الكتاب والسنة فامي تقتيض احلاجة من طلهبا فميتثلون أوامره وجيتنبون نواهيه‬
‫يف أايم تطور العامل التكنولوجية‪ ،‬تعرض عىل األمة اإلسالمية حوادث غري معروفة وتتغري هلم األع""راف والع""ادات‬
‫املعلومة‪ ،‬تواهجهم امحلالت األخالقية املوبقة من خارج وداخل وتصادفهم الهجامت الفكرية الغربية من لك انحية‪ ،‬لكها يدعو‬
‫إىل تسوية الصفوف وهتذيب النفوس وتركزي األفاكر بني العامل اإلساليم‪ ،‬قال النيب (ص)‪:‬‬
‫ما أنزل هللا داء إال قد أنزل هل شفاء‪ ،‬علمه من علمه‪ ،‬وهجهل من هجهل‬
‫العلامء مكثل األطباء ألن الرشيعة جاءت ملعاجلة األدواء واألمراض املتأصةل بني األم""ة اإلنس"انية وهتذيب النف""وس‬
‫البرشية فتدمغ العقائد الباطةل وتنفي األعامل الفاسدة‪ .‬يترصف الاجهتاد واإلفتاء فهيا ترصفا جازم""ا يف إص""الح وإ خ""راج عن‬
‫احلرج وهام كعمدة اثبتة ومنارة مضيئة يف جلب املصاحل لأل مة اإلسالمية العاملية‪.‬‬
‫إجاب ًة ملا سبق من أهداف البحث‪ ،‬ال بد لنا قبل أن نس تخيض يف البحث من أن نس تجيل أوال م"ا يُم" ّد الط"الب‬
‫والقارئ من املهامت واملصطلحات عند أرابب هذا الفن فنسهتدي هبا يف حبار املبحث ونستكشف هبا أرسار املقص""ود ف""إن‬
‫احلمك فرع عن تصوره‬
‫‪ ١.٢‬تعريف الرشط‬
‫الرشط لغة كام يف الوسيط ما يوض"ع ليل"زتم يف بي"ع وحنوه وابلتحرب"ك فه"و العالم"ة وب"ه ج"اء التزني"ل ‪ :‬فق"د ج"اء أرشاطها‬
‫(القرآن) أي عالمات الساعة واصطالح ًا ما يتوقف عليه الصحة وليس منه واملشهور يف تعريفه‪ :‬الرشط ه""و م""ا يل""زم من‬
‫عدمه الع"دم وال يل"زم من وج"وده الوج"ود وال الع"دم‪ ،‬اکلطه"ارة للص"الة وح"والن احلول لوج"وب الزاکة ف"إن حصة الص"الة‬
‫تتوقف عىل الطهارة وال تدخل يف حقيقة أراكهنا وکذا احلول إمنا هو ممكل لتحقق وج""وب الزاكة وق""د ح""ال احلول ومل جتب‬
‫الزاکة‬
‫تتف""ق ال""رکن والرشط حيث يتوق""ف علهيام حصة اليشء ويتحق""ق وج""وده الرشعي ويفرتق""ان من هجة أن ال""رکن ج""زء من‬
‫حقيقته وماهيته والرشط أمر خارج عنه اكلقراءة فإنه ركن يف الصالة أل ن القراءة جزء من الصالة والصالة مل تصح دوهنا‬
‫والرشط يوافق السبب من هجة أن اليشء مل يتحقق وج""وده الرشعي دوهنام إال أن الرشط ال يس تلزم من وج""وده وج""ود‬
‫اليشء فقد توجد الطهارة ومل توجد الصالة وقد حيرض الشاهدان ومل تنعقد العقد‬
‫‪ ٢.٢‬تعريف الاجهتاد‬
‫قال ابمننظور‪ :‬الاجهتاد يف اللغة مأخوذ من اجلهد مبعىن اجلد والطاقة واملشقة وأما الاجهتاد فهو‪:‬‬
‫بذل اجلهود واستفراغ الوسع فامي فيه لكفة يف فعل من األفعال أو يف حتقيق أمر من األمور‬
‫فال يس تعمل ”اجهتدت يف أم""ر“ إال فامي بلغت في""ه نفس""ه إىل ح""د العج""ز فيق""ال ”اجهتدت يف محل جحر ال""رىح“ وال يق""ال‬
‫”اجهتدت يف محل احلنطتني“‪ .‬وأما الاجهتاد عند األصوليني فهل تعارف خمتلفة عىل حسب معوم مفاهميه عندمه‪ ،‬قال ش يخ‬
‫اإلسالم األنصاري (‪:)٢٠١٨‬‬
‫الاجهتاد استفراغ اجلهد لتحصيل الظن ابحلمك‬
‫وقال الرميل (‪ :)٢٠٠٧‬هو بذل الفقيه الوسع بأن يبذل متام طاقته يف النظر يف األدةل يف بلوغ الغرض املقصود من‬
‫حتصيل ظن حبمك رشعي‬
‫وقال ادلكتور عبد الكرمي زيدان (‪ :)١٩٩٧‬هو بذل اجملهتد وسعه يف طلب العمل ابألحاكم الرشعية بطريق‬
‫الاستنباط‬
‫وقال ادلكتور فاضل عبد الواحد (‪ :)١٩٩٨‬هو بذل الفقيه لتحصيل ظن حبمك رشعي‬
‫وقد أشار الشاطيب بأنه‪ :‬استفراغ اجلهد وبذل غاية الوسع إما يف درك األحاكم الرشعية وإ ما يف تطبيقها (عبد هللا‬
‫دراز‪)٢٠١٢ ،‬‬
‫وقال الشافعي(‪ :)٣.١٢‬الاجهتاد هو القياس‬
‫فنعرف أن الاجهتاد يقتيض صفات دقيقة مطلوبة من نفس اجملهتد اليت نرى أن نستطيع أن جنمع تكل املعاين يف عدة النطق‪:‬‬
‫أن يكون اجملهتد إذا مل يكن فامي نزل مبسمل حمك منصوص عليه بعينه يف كتاب هللا وسنة رس""وهل طلب ادلالةل عىل‬ ‫❖‬
‫سبيل احلق ابجهتاده حىت وجدت نفسه العجز عن املزي"د في"ه وال جتوز يف طلب"ه راحئة اللكف"ة‪ ،‬ألن العمل ليس في"ه إال أم"ر‬
‫ثقيل‪ .‬قال تعاىل‪ :‬إان سنلقي عليك قوال ثقيال‬
‫وذلا روي عن ابن مسعود أنه ملا سئل أن يقىض يف املرأة اليت تويف عهنا زوهجا ومل يدخل هبا اجهتد فيه شهرا‬
‫اكمال‪ ،‬واكن اإلمام ماكل سئل عن مسأةل ‪ ،‬فقال‪" :‬ال أدري " فقال هل السائل‪ :‬إهنا مسأةل خفيفة سهةل فغضب‬
‫ماكل وقال‪" :‬ليس يف العمل أمر خفيف" وقرأ اآلية‪ " :‬إان سنلقي‪ "..‬وقال بعض السلف خوفًا منه‪” :‬استفيت من‬
‫ال عمل هل فظهر يف اإلسالم أمر عظمي“‪ ,‬قد أكّد عليه اآلمدي حيث قال يف تعريفه لالجهتاد ” الاجهتاد استفراغ‬
‫الوسع يف طلب الظن بيشء من األحاكم الرشعية عىل وجه حيس من نفسه العجز عن املزيد فيه“‬
‫أن يكون املستفرغ عاملا فقهيا مستجمعا آلالت اليت حيصل الاجهتاد هبا من العمل بكتاب هللا ومبا سن عليه رس""ول‬ ‫❖‬
‫هللا فإن هللا تعاىل لن جيعل ألحد من الناس بعد نبيه أن يقولوا يف يشء ملا تصف ألسنهتم ”هذا حالل وهذا ح""رام“ إال من‬
‫هجة العمل نص""ا أو اجهتادا‪ ،‬والاجهتاد ال يك""ون إال بطلب احلق‪ ،‬والطلب ال يك""ون إال ب""دالئل‪ ،‬وال يع""رف تكل ادلالئل إال‬
‫الفقيه‪ ،‬فال عربة ابجهتاد غري الفقيه وإ ن اكن حافظا لكثري من الفروع الفقهية‪ ،‬ألنه قد يذهب عنه عقل املعاين‬
‫ولو جاز تعطيل كون اجملهتد عاملا فقهيا مستوعبا آلةل الاجهتاد جلاز ألهل العق""ول من غ""ري أه""ل العمل أن يقول""وا فامي‬
‫ليس فيه نص وال خرب مبا حيرضمه من الاستحسان وقال الشافعي‪” :‬إمنا الاستحس""ان تذلذ“‪ ،‬ش"أهنم كش"أن اذلي‬
‫يطلب القبةل وهو أمعى ومن يريد الكعبة وهو ابلطريق جاهل‬
‫أن يكون اجملهتد فيه مما ليس فيه نص حمك قطعي من جليات األحاكم ثبوات ودال ًةل‪ ،‬ف""إن ورد في""ه بعين""ه حمك اثبت‬ ‫❖‬
‫أو دليل قطعي فال جمال لالجهتاد‪ .‬وعىل اجملهتد إذا اكن فيه بعين""ه نص اثبت أو دالةل قطعي""ة اتباع""ه‪ ،‬ألن الاجهتاد إمنا جيري‬
‫يف ظنيات ادلالئل وال مس"اغ لالجهتاد يف م"ورد رصحي النص مقط"وع ادلالةل ول""و اكن بظ""اهره معارض""ا ل"روح الع""دل ف"إن‬
‫معيار العدل يف األحاكم يرجع تفسريه إىل الشارع ومن يعدل إذا مل يعدل هللا ورسوهل‪.‬‬
‫أن القياس هل حظ وافر يف جمال الاجهتاد حيث اقتضت احلمكة اإللهية أن تكون هناك بينات وشهبات وأن تكون‬ ‫❖‬
‫البينات ليست بواحضة لكها وليست الشهبات" غالبة فال تبقى صور دلى اجملهتد إال وهل فهيا نظر سهل أو عصب يف التحقي""ق‬
‫”أتدخل هذه يف هذا أو هذا؟“ وذلا ملا سئل اإلمام الشافعي عن الاجهتاد ق""ال‪” :‬الاجهتاد القي""اس“‪ .‬ف""إن الرشيعة مل ينص‬
‫عىل لك جزئيات األحاكم عىل حدة‪ ،‬وإ منا تأيت كثريا بقواعد لكية ونصوص عامة املشمتةل عىل اكفة منايح حياة البرش‪.‬‬
‫أن يكون احلمك الطلوب حكام رشعيا مستنبطا من أدةل رشعية‪ ،‬فال يسمى اس تنباط األحاكم اللغوي""ة أو احلس ية‬ ‫❖‬
‫اجهتادا عند األصوليني‪ .‬لكن جيب عىل اجملهتد الوقوف عىل املبادئ اللغوية من لسان العرب ابلكامل ويتحمت علي""ه اإلحاط""ة‬
‫الوافية عىل مقاصد الرشيعة فإهنام مما يلجأ إليه اجملهتد يف استنباطه ألن دالةل األلفاظ عىل املعاين ق""د حتمتل عىل من" ٍ‬
‫"ان متنوع""ة‬
‫ابختالف الفهم والنظر‪ ،‬مفن يريد الاستنباط يلزمه أن يستكشف دقائق لسان العرب وأرسار الرشيعة‬
‫مفام قدمنا نتلخص عىل أن اجملهتد هو الفقيه املستنبط لأل حاكم الرشعية من مصادر الرشيعة حيامث غابت النص""وص‬
‫الرصحية‪ ،‬والاجهتاد معلية يف حتصيل املطلوب عىل الغاية من درك أحاكم الرشيعة عن األدةل النقلية والعقلية‪.‬‬
‫‪ ٣.٢‬تعريف الفتوى‬
‫الفتوى امس مصدر مبعىن اإلفتاء ويه لغ" ًة‪ :‬اجلواب عام يش""لك من املس"ائل القانوني"ة أو الرشعية يق""ال‪ :‬أفتيت""ه يف مس"أةل إذا‬
‫أجبهتا هل‪ ،‬وقيل‪ :‬يه اإلجابة عام يشك فيه حسب عبارة الراغب‪ ،‬يقال‪ :‬أفتاه يف املنام إذا عرّب عنه‪ ،‬ومنه قوهل تع""اىل‪ :‬ی َ ٰۤـ "َأهُّی َا‬
‫ٱ‬
‫ون {القرآن}‪ .‬والفتيا‪ :‬يه تبيني عام يشلك من األحاكم‬‫لۡ َمُأَل َأفۡ ُتویِن یِف ُر ۡءی َ ٰـ َی ن ُكنمُت ۡ ِل ُّلر ۡءاَی تَ ۡعرُب ُ َ‬
‫ِإ‬
‫أما اإلفتاء عند األصوليني‪ :‬تبيني األحاكم الرشعية عن دليل ملن سأل‪ ،‬وهذا يشمل ِلام اكن السؤال عن الوق""ائع أو‬
‫غريها‪ .‬والاستفتاء طلب اإلخب""ار ابحلمك الرشعي لترصف من الترصفات‪ ،‬ومن""ه قوهل تع""اىل‪ :‬ي َۡس َت ۡف ُتون ََك قُ""لِ ٱهَّلل ُ یُ ۡف ِتیمُك ۡ یِف‬
‫ٱ ۡللَك َ ٰـةَل ِۚ {القرآن}‪ ،‬وقيل‪ :‬هو طلب اجلواب عام يشلك‪ ،‬ومنه قوهل تعاىل‪َ :‬واَل ت َ ۡس َت ۡف ِت ِف ِهیم ِّمهۡن ُ ۡم َأح""د ًا {الق""رآن} وق""د يك""ون‬
‫مبجرد السؤال كقوهل تعاىل‪ { :‬فَٱ ۡس َت ۡفهِت ِ ۡم َأمُه ۡ َأ َشدُّ َخلۡقًا َأم َّم ۡن َخلَ ۡقنَ ۤا {القرآن}‬
‫يعرفون""ه ابلتع""ارف اخملتلف""ة حبس""ب ماكنت""ه‪ ،‬ق""ال الش""اطيب‪ :‬املف""يت خمرب عن هللا تع""اىل‬ ‫أم""ا الف""يت فاألص""وليني ّ‬
‫اكلنيب(ص)‪ ،‬وموقع للرشيعة عىل أفعال امللكفني حبسب نظره اكلنيب(ص)‪ ،‬وانفذ أم""ره مبنش""ور اخلالف""ة اكلنيب(ص) وذلكل‬
‫ّمسوا بأويل األمر‪ ،‬وقرنت طاعته بطاعة هللا ورسوهل‪.‬‬
‫وذكل ألن احلمك الرشعي إمنا يرد عىل وجه النصوص املنقوةل من الكتاب والسنة أو عىل س""بيل حتري ادلالةل مهنام‬
‫فإن اكن احلمك اذلي حيمك به املفيت يثبت بعينه فاملفيت فيه اكن مبلّغا عن الشارع‪ ،‬وإ ن اكن احلمك مستنبطا مبا حيرضه من هجة‬
‫نظره واستقرائه يف األدةل وحتقيق املناط فاملفيت من هذا الوجه اكلنيب (ص) يف إنشاء احلمك‪.‬‬
‫وذلا قال بعضهم‪ :‬إن املف""يت موق""ع عن هللا تع""اىل‪ .‬وق""ال اإلم""ام ابن القمي‪ :‬إذا اكن منص""ب التوقي""ع عن املل""وك ابحملل‬
‫اذلي ال ينكر فضهل‪ ،‬وال جيهل قدره وهو من أعىل مراتب السنيات‪ ،‬فكيف مبنصب التوقيع عن رب األرض والس""اموات؟‬
‫وقال أيضا‪ :‬املفيت هو املبلغ عن هللا تعاىل والواسطة بني هللا وخلقه يف بيان احلالل واحلرام ملن اس تفتاه‪ .‬ق""ال ابن املنك""در‪:‬‬
‫العامل بني هللا ورسوهل‪ ،‬فلينظر كيف أن يدخل بيهنم؟‬
‫تلخيصا مما أسلفنا‪ ،‬اكن املفيت هو من يتصدى لتبيني احلمك الرشعي واإلجابة عام يشلك منه بني الناس‪ ،‬وهو مبزنةل‬ ‫ً‬
‫تبيني األحاكم وإ رشاد الناس يف أمور متعلقة حبياهتم ادلينية يقوم مقام النيب يف األمة وهو اخلالفة عىل التحقيق‬
‫وخالص""ة الق""ول‪ ،‬اجملهتد ه""و الفقي""ه املس تنبط لأل حاكم الرشعية من مص""ادرها‪ ،‬والاجهتاد معلي""ة يف حتص""يل‬
‫املطل ""وب من درك األحاكم الرشيعة‪ ،‬واجلواب احلاص ""ل من الاجهتاد يس ""مى ابلفتوى واملف ""يت ه ""و من ""اط للحمك‪ ،‬راف ""ع‬
‫للمشلك‪ ،‬مالذ اخلالئق يف تفاصيل احلرام واحلالل‪.‬‬
‫‪ ٤.٢‬نشأة الاجهتاد والفتوى‬
‫اكن النيب (ص) هو اجملهتد األعظم واملفيت األول لهذه األمة‪ ،‬من مشاكة نوره يستضيئون‪ ،‬وهبديه هيتدون‪ ،‬اتفق العلامء عىل‬
‫أنه(ص) جيوز هل الاجهتاد يف األقض""ية‪ ،‬واملص""احل ادلنيوي""ة‪ ،‬والت""دابري احلربي""ة‪ .‬اكن الن""اس يس تفتونه ويش""دون إلي""ه رحلهم‬
‫ملعرفة حمك هللا فامي بني يدهيم ‪ ،‬فيفتهيم (ص) مبا أنزل هللا إلي""ه من ال""ويح‪ ،‬أو حيمك بيهنم ابجهتاده مبا مع""ه مما أراه هللا‪ ،‬ق""ال‬
‫الن""يب (ص)‪” :‬أال!‪ ،‬إين ق""د أوتيت الق""رآن ومثهل معه“‪ ،‬فص""ار (ص) حمكً""ا بني أه""ل اإلس""الم وفص "اًل يف م""وارد ال""زناع‬
‫واخلصام‪ ،‬يتحامك إليه املسلمون ويرىض حبمكه املؤمنون‪ ،‬ومن اجهتاده (ص) ‪ :‬إ ذنه مجلاعة من النافقني يف التخلف عن غ""زوة‬
‫تبوك‪ ،‬وقبوهل (ص) الفدية عن أسارى بدر كام يراه أبو بكر ومل يأخذ برأي معر اذلي أشار بقتلهم‬
‫وملا اتسعت رقعت اإلسالم إىل أحناء جزائر العرب وجعل الناس يدخلون يف دين هللا أفواجا فالن""اس يف حاج""ة إىل رج""ل‬
‫يبني هلم عن دين هللا حالهل وحرامه وحيمک بيهنم فامي فيه خيتلفون‪ ،‬فإهنم ال يق""درمه أن يرجع""ون إىل الن""يب (ص) لکام وقعت‬
‫دلهيم حوادث مشلكة لبعدمه من املدين""ة وض""يقة وقهتم وحنوه""ا فق""ام هبذا األم""ر أب"و بک""ر ومعر وجامع""ة من الص""حابة‪ ،‬اكنوا‬
‫يفتون يف عهد النيب املصطفى(ص)‪ ،‬جيمعهم السيوطي يف بيت‪:‬‬
‫وقد اكن يف عرص النيب جامعة‪ ،‬يقومون ابإلفتاء قومة قانت‬
‫أربعة أهل اخلالفة معهم‪ ،‬معاذ‪ ،‬أ ّيب‪ ،‬ابن عوف‪ ،‬ابن اثبت‬
‫وقد بعث (ص) معاذ بن جبل إىل المين قاض ًيا وقال هل‪” :‬كيف تقيض إذا ع""رض كل قض""اء؟“ ق""ال‪” :‬أقىض بكت""اب هللا‪“،‬‬
‫قال ”فإن مل جتد يف كتاب هللا؟“ قال ”فبسنة رسول هللا ص""ىل هللا علي""ه وس""مل‪ “،‬ق""ال ”ف""إن مل جتد يف س نة رس""ول هللا‬
‫صىل هللا عليه وس""مل وال يف كت""اب هللا؟“ ق""ال ”أجهتد رأيي وال آل""و‪ “،‬فرضب رس""ول هللا ص"ىّل هللا علي""ه وس"مّل ص""دره‬
‫وقال‪” :‬امحلد هلل اذلي وفّق رسول رسولِ هللا ملا ُيريض رسول هللا‪“.‬‬
‫وبعد وفاة الرسول (ص) تعاقب الصحابة عىل هذا األمر فيوفونه مبا عرفوا من احلق اذلي ورثوا من النيب (ص) وقد نقلت‬
‫إلينا فتاوامه وأقضيهتم مبسوطة يف کتب الفقه وحفظت لنا تكل املوارث عن مائة وثالثني ونيف مهنم وق""د اکن س بعة مهنم‬
‫اکنوا مک"رثين يف الفت"وى‪ ،‬ومه معر‪ ،‬وعيل‪ ،‬وابن مس""عود‪ ،‬وزي"د بن اثبت‪ ،‬وعائش"ة أم املؤم""نني‪ ،‬وابن معر‪ ،‬وابن عب"اس‪.‬‬
‫وأما املتوسطون فيه مه‪ :‬أبو بکر‪ ،‬وأم سلمة‪ ،‬وأنس بن ماكل‪ ،‬وأبو س""عيد‪ ،‬وأب""و هري""رة‪ ،‬وعامثن بن عف""ان‪ ،‬وعب""د هللا بن‬
‫معرو وغريمه ريض هللا عهنم أمجعني وأما املفتون من زمرة التابعني مه سعيد بن املسيب ابملدين""ة‪ ،‬وإ ب""راهمي النخعي ابلعراق‬
‫وابن الزهري ابلكوفة وغريمه ببالد شىت‬
‫وق""د أرشعت لن""ا فت""اوى ه""ذه األاكبر واجهتادمه أبوااب عظمية يف ازده""ار الترشيع الاس""اليم‪ ،‬بينت لن""ا املهنج الس""ديد‪،‬‬
‫والطريق الصواب لكيفية تطبيق النصوص ال""واردة عىل احلوادث املتج""ددة فيس تجيب حلاج""ات الن""اس ومقتض""يات تط""ور‬
‫احلياة البرشية‬
‫اكن الاجهتاد يف أول نش"أته موك""وال يف نفس اجملهتد وفطنت""ه اذلكي""ة‪ ،‬مودع""ا يف أرسار اللغ""ة ويف طي""ات آي الق""رآن الك""رمي‬
‫وألفاظ السنة املطهرة‪ ،‬مل هتذب طرقه ومل جتمع ضوابطه‪ ،‬مفهنم من اقتفى خلطى الرعيل األول ومتسك بص""حيح اآلاثر ش""ربا‬
‫بش""رب‪ ،‬ذراع""ا ب""ذراعٍ وه""ذه املدرسة مسيت مبدرس""ة أه""ل احلديث واألث""ر وانتس""ب إلهيا ابن معر وابن مس""عود وم""ذهب‬
‫املالكية‪ ،‬ومهنم من أوسع دائرة الاحتجاج والتفهم والتأوي""ل وأمعل في"ه ال""رأي وأش"غل الفكر مبا ركب هللا علي"ه من العق"ول‬
‫وتسمى هذه املدرسة مبدرسة أهل الرأي ونسب إلهيا عيل بن أيب طالب وابن عباس ومذهب احلنفية‪ ،‬واسمتر ذل"ك ح""ىت‬
‫ظهر اإلمام أبو عبدهللا محمد بن إدريس الشافعي فإنه أول من وضع أصوال جتمع بني األثر والرأي ورت ّب قواع""د الاس تنباط‬
‫وكتب فيه ”رسالته“ املشهورة‬
‫قال الشيخ" ابن بي""ه‪” :‬اكنت رس""اةل الش""افعي يف أص""ول الفق""ه يف أواخ""ر الق""رن الث""اين نت""اج ج""دل ادلائر بني مدرس""ة األث""ر‬
‫ومدرسة الرأي‪ ،‬وخطوة عظمية حنو تأصيل التعامل مع النصوص وإ قامة مزيان لالستدالل“‬
‫وقال اإلمام أمحد بن حنبل‪” :‬ما زلنا نلعن أهل الرأي ويلعنوننا حىت جاء الشافعي مفزج بيننا“‬
‫مث‪ ،‬أصبح الاجهتاد بعد القرن الراب""ع معق""دا مقفال‪ ،‬وال""زتم لك إنس""ان م""ذهبا معينا ووض""عوا أنفس""هم يف دائ""رة م""ذهب من‬
‫املذاهب‪ ،‬وظه""رت فك""رة خل""و العرص عن اجملهتدين وأف""ىت ب""ه بعض العلامء اكلغزايل وغ""ريه واملنب""ع عىل ذكل احلرص عىل‬
‫الرشيعة من عبث اجلهال وسد اذلريعة أمام من ليس أهال لالجهتاد والنظر‬
‫ابق إىل ي""وم القيام""ة‪ ،‬برشط أن تمكل يف الش""خص أدوات الاجهتاد‬
‫ق""ال ادلكتور عب""د الك""رمي‪" :‬وعىل ه""ذا فاالجهتاد ٍ‬
‫ورشوطه فال يرىق إىل هذه املرتبة وهذا املنصب الرشيف إال أههل ومه أهل الاجهتاد حقا‪".‬‬
‫اختصارا ً‬
‫وبسطا‪ ،‬يف ه"ذا اجملال وجيعلون"ه يف طي"ات الكتب املتنوع""ة‬ ‫ً‬ ‫وقد تناوهل علامء املسلمني يف شىت املذاهب ابلتأليف‪،‬‬
‫ويفردون هل اباب فهيا فيضعه أهل احلديث يف كتب العمل كام صنعه أحصاب الصحاح والسنن وقد يتناولونه يف أب""واب أخ""رى‬
‫وجرى الفقهاء عىل تأليفه حتت أب""واب األحاكم والقض""اء وأف""رد األص""وليون ابب"ا يف الاجهتاد والتقلي""د و ّ‬
‫مضت إلي""ه مب""احث‬
‫اإلفتاء‬
‫وملا ظهرت احلاجة إىل تأليف الكتب املستقةل يف آداب اإلفتاء لىّب عىل ذكل أرابب الفن مفن أوائهل ما كتبه الشيخ أبو قامس‬
‫عبد الواحد بن احلسني الصميري الشافعي املسمى بــ"أدب املفيت واملستفيت" وتعاقبه اخلطيب أبو بكر احلافظ البغ""دادي يف‬
‫هذا اجملال بتأليف كتب أخرى بعضها مطبوعة واألخرى مفقودة‬
‫ومن أمه املص""نفات يف ه""ذا الش "أن كت""اب "أدب املف""يت واملس تفيت" لإل م""ام ابن الص""الح الش""هر زوري و"ص""فة املف""يت‬
‫واملستفيت" لإل مام أمحد بن محدان احلراين احلنبيل ورساةل الس يوطي املع"روف بــ"أدب الفتي""ا" وغريه"ا وق"د خلص اإلم""ام‬
‫النووي ما كتبه اخلطيب والصميري وابن الصالح يف كتابه "أدب الفتوى واملفيت واملستفيت" وزاد فيه نفائس من متفرق""ات‬
‫الكم أحصاب وهلل دره‬
‫‪ ٥.٢‬جمال البحث‬
‫الاجهتاد ال يتقي""د بزم""ان دون زم""ان‪ ،‬وال يقترص عىل جي""ل دون جي""ل ب""ل ق""د يرسه هللا عىل املت "أخرين تيس""ريا مل يکن‬
‫للمتقدمني ألن وسائل الاجهتاد متوفرة ملن بعدمه أکرث مهنم ألن التفاسري واألح""اديث النبوي""ة ق""د دونت وتلکمت األمئة عىل‬
‫التفسري والتجرحي والتص""حيح وال""رتجيح مما يزي""د عىل ق""در م""ا حيت""اج اجملهتد واملف""يت وق""د اکن علامء الس""لف الص""احل يرحتل‬
‫للحديث الواحد من قطر إىل قطر‬
‫وملا اكن من أمه نوازل الفقه يف هذا الزمان ما يتعلق ابالجهتاد والفت"وى ملس"يس احلاج"ة إلي"ه‪ ،‬أق"دمت عىل ت"أليف ميكن أن‬
‫يس""دّ ثغ""ر ًة يف املكتب""ة الفقهي""ة‪ ،‬حيث أن وظيف""ة الاجهتاد واإلفت""اء تقتيض ص""فات دقيق""ة حتل ص""احبه عىل ه""ذا املنص""ب‬
‫الرشيف وتدفع معن جترأ هل وادعى لنفسه التجديد فنسخ السنة برأيه‪ ،‬وأول القرآن مبا يوافق هواه حس امب يظن من رؤي""ة‬
‫مصلحة الناس‬
‫اعمتدت يف إعداد هذه الرساةل ”الاجهتاد والفت"وى‪ :‬رشوط اجملهتد واملف""يت“ عىل ترك"زي النظ"ر ح"ول البحث عن‬
‫اجملهتد واملفيت من حيث ما يلزم حصوهل عىل من أراد أن يتصدى لالجهتاد واإلفتاء بني الناس‬
‫وال ينكر أحد أن أمهية املوضوع وتشبعه تربر دراسة تلو دراسة إليضاح كيفية التعامل مع القضااي املتجددة بواسطة تأصيل‬
‫عمل الفت"اوى عن"د علامء األم"ة يف خمتل"ف عص"ورها‪ ،‬وذلكل‪ ،‬س"نتوقف إن ش"اء هللا تع"اىل عىل مجةل وافي"ة يف تعبي"د ط"رق‬
‫الاجهتاد وبيان أحاكم التقليد حسامب تدعو إليه احلاج""ة وم""ا قص""دت هبا الاس""تيعاب ح""ذرا من الانتش""ار والاش تغال بغ""ري‬
‫املقصود وهلل التوفيق‪.‬‬
‫‪ ٦.٢‬اخلالصة‬
‫وخالص""ة الق""ول‪ ،‬نع""رف أن مجي""ع الوظ""ائف تقتيض رشوطا مناس بة له""ا‪ ،‬ختتل""ف الرشوط ابختالف أمهي""ة تكل املواق""ع‬
‫وعظميهتا‪ ،‬احلاج""ة إىل الاجهتاد واإلفت""اء يف أحاكم الرشيعة تع""د من رضورايت ه""ذه األم""ة لكيال تض""يع مهنا املص""لحة وال‬
‫تصيهبا املفسدة لكنه ال بد أن يصدر عن الراخسني وليس عن لك أحد وال يتوىل هذا املنصب إال أولوا العمل وأهل الاجهتاد‬
‫ألن الاختيار الفقهي يتغري مسلكه من عرص إىل عرص بتغري األحوال واحلاجات‬
‫الك"واكب ‪ ،‬وإ َّن العلام َء ورث" ُة األنبي"ا ِء ‪ ،‬وإ َّن‬
‫ِ‬ ‫قال النيب (ص)‪َّ ”:‬إن فض َل العا ِمل عىل العاب ِد كفضلِ القم ِر لي َةل الب" ِ‬
‫"در عىل س""ائ ِر‬
‫خذه أخذ حبظٍّ وافر“‬ ‫دينارا وال در ًمها ‪َّ ،‬ورثُوا ال ِع َمل مفن أ َ‬ ‫األنبيا َء مل يُ ّ ِ‬
‫ورثُوا ً‬
‫وقال (ص)‪ :‬أال! إن رش الرش رشار العلامء‪ ،‬وإ ن خري اخلري خيار العلامء‬
‫ون وي ُس َمع ِمنْمُك ْ ‪ ،‬وي ُس َمع ِم َّم ْن ي َس َمع منمك"‬
‫َوقَا َل(ص) ‪" :‬ت َ ْس َم ُع َ‬
‫وقال(ص)‪” :‬نرّض هللا امرأ مسع مقاليت فوعاها وأدّاها كام مسع“‬

You might also like